تحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد

عبد الهادي البكري

المجلد الأول

المجلد الأول مقدمة ... بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كثيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} 2، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا70 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً 71} 3. أما بعد: فإن التوحيد من أجْلِِِِِِهِِ بُعٍِِِثَتْ الرسل، ومن أجل إقامته شُرعَ الجهاد، وهو من أهم ما يتكلم فيه الدعاة، ومن أفضل ما يؤلف فيه المؤلفون، ولقد كان الشيخ محمد ابن عبد الوهاب من عظماء الدعاة إليه فقد جاءت دعوته في الوقت المناسب وفي الحال المناسب وفي البلد المناسب. وجاءت تلك الدعوة الإصلاحية التي قادها، مزيلة لكثير من البدع والشركيات والخرافات التي أقامها كثير من الناس وجعلوها من الإسلام، وهي لا تمت إلى الإسلام بصلة.

_ (1) سورة آل عمران، الآية: 102. (2) سورة النساء، الآية: 1. (3) سورة الأحزاب، الآية 70-71.

جاءت تلك الدعوة لتعيد الناس إلى تعاليم الإسلام الصحيحة كما كان في عهد السلف الصالح. لقد كان لدعوة التوحيد القبول في أنحاء الجزيرة العربية، وذلك لما كان عليه أهلها من الأحوال المتردية: فقد كانت الجزيرة العربية تضم العديد من المراكز الفكرية المختلفة كالحجاز ونجد والقطيف والأحساء وتهامة وعسير واليمن وعمان، ولكل جهة من تلك الجهات سمات وخصائص متميزة عن غيرها. فقد كانت تعمها الفرقة السياسية والاتجاهات المذهبية والفرقة الدينية والخلافات القبلية، مما كان يستدعي أهل الفكر والعلماء آنذاك للمشاورات واللقاءات لإصلاح تلك الظروف. ولهذا فإنه لما ظهرت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان لها القبول في أنحاء الجزيرة، ولا أدل على ذلك مما قاله1 الإمام الصنعاني في تلك الفترة من الزمن لما بلغته دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب: سلام على نجد ومن حل في نجد ... وإن كان تسليمي على البعد لا يُجْدي قفي واسألي عن عالم حل سُوْحَها ... به يهتدي من ضل عن منهج الرشدِ محمدُ الهادي لسنة أحمد ... فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي لقد أنكرت كلُّ الطوائف قوله ... بلا صدر في الحق منهم ولا ورد إلى أن قال: وقد جاءت الأخبار عنه بأنه ... يعيدُ لنا الشرعَ الشريف بما يُبْدي وينشرُ جهرًا ما طَوَى كلُّ جاهلٍ ... ومبتدع منه موافقُ ما عندي ويعمر أركان الشريعة هادمًا ... مشاهد ضلّ الناسُ فيها عن الرشدِ

_ (1) انظر: ((ديوان الأمير الصنعاني)) : ص 166-167.

إلى قوله في الدفاع عنه: يصبُّ عليه سوطَ ذم وغيبة ... ويجفوه من كان يهواه من عمْدِ ويُعزى إليه كلُّ ما لا يقولُه ... لتنقيصِهِ عند التهاميِّ والنجْدِ فيرميه أهلُ الرفض بالنصبِ فريةً ... ويرميه أهلُ النصب بالرفضِ والجحدِ وليس له ذنبٌ سوى أنه غدا ... يُتَابِعُ قولَ الله في الحل والعقد ويتبع أقوال النَّبي محمدٍ ... وهل غيره بالله في الشرع من يهدي ومما يدل على ذلك القبول - أيضًا - قولُ1 محمد بن أحمد الحفظي: عصائبُ في نجدٍ تمهد للمهدي ... وتحيى موات الدين في القرب والبعد وبارقهم ما زال بالخير لامعًا ... فَبُورِكَ من بَرْقٍ وبورك من نجدٍ إلى قوله في الشوق للقاء أولئك الدعاة: وهيَّجْتَ قلبي للمسير وللقا ... وأدخلت وسط القلب ودًّا على ودِ ولو أن لي يا بارق الخير قدرة ... وليس معي عذر لجئتكم وحدي ولكن أهلا ثم سهلا بمن دَعَا ... إلى الحقِّ والتوحيد للواحد الفرْدِ وإني لمن يدعو إلى الحق تابعٌ ... مجيب وتواب من السهو والعمْدِ ولقد كانت عسيرُ في مقدمة البلدان التي قبلت تلك الدعوة، وذلك بتوفيق الله تعالى ثم للواقع الذي كانوا يعيشونه; فقد سلموا إلى حد كبير مما أصاب أمثالهم من الاتجاهات الدينية الضالة والفرق المذهبية الخاطئة، حيث كان يسود قبائلها المذهب الشافعي، وهو مذهب سني معهود مما جعل قبول هذه الدعوة الإصلاحية أمرًا يسيرًا2.

_ (1) ((نفحات من عسير)) جمع محمد زين العابدين الحفظي: ص 46. (2) انظر: مقدمة كتاب ((عسير في ظلال الدولة السعودية الأولى)) للدكتور/ عبد الله أبو داهش: ص 5.

عملي في الكتاب: وقد قسمت دراستي لهذا الكتاب إلى قسمين: القسم الأول: الدراسة: وقد جعلته في بابين: الباب الأول: التعريف بالمؤلف وعصره، وقسمته إلى ثلاثة فصول: الفصل الأول: عصر المؤلف: وفيه: 1- الحالة السياسية في عصره. 2- الحالة الدينية في عصره. 3- دور الحفاظية في إقامة دولة التوحيد. الفصل الثاني: حياة المؤلف: وفيه: 1- اسمه ونسبه وأسرته. 2- موطنه، ومولده، ووفاته. الفصل الثالث: عقيدة المؤلف. الباب الثاني: التعريف بالكتاب ونسخه. وقسمته إلى ثلاثة فصول: الفصل الأول: التعريف بالكتاب وبينت فيه: 1- اسم الكتاب. 2- نسبته لصاحبه. 3- موضوع الكتاب. 4- منهج المؤلف في شرحه. 5- مقارنته بالتيسير والفتح. الفصل الثاني: التعريف بنسخ الكتاب وبينت فيه: 1- عدد النسخ وكيفية الحصول عليها ورموز. 2- وصف نسخ الكتاب.

الفصل الثالث: الإضافة العلمية في الكتاب، وبينت فيه بعض المسائل والفوائد التي تعرض لها هذا الشرح زيادة عما جاء في الشرحين الآخرين، وإن كان فيهما من المسائل ما لم يتعرض لها هذا الشرح. والقسم الثاني: النص المحقق: وقد قمت فيه بخدمة النص من تخريج أحاديثه وآثاره ونصوصه، ونبهت على ما يحتاج إلى تنبيه وذلك ببذل قصارى جهدي.

منهجي في التحقيق: وقد سرت في تحقيقي للكتاب على المنهج الآتي: 1- قمت بنسخ الكتاب على النسخة الأصل. 2- حققت النص بأن أجريت مقارنة بين النسخة الأصل مع بقية النسخ الأخرى وأثبت الفروق في الحاشية. وقد حاولت أثناء هذه المقارنة أن أختار الصواب فإن كان من غير الأصل قوست عليه وأشرت في الحاشية. 3- زدت في مقارنة النسخ مقارنة متن كتاب التوحيد بالنسخة المطبوعة ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ورمزت لها بقولي "المؤلفات"، وما كان من زيادة في نسخة "المؤلفات" عما في النسخ المخطوطة جعلته بين قوسين ضمن المتن في أعلى الصحائف. 4- جعلت متن كتاب التوحيد في أعلى الصحائف متكاملا إضافة إلى وجوده مقطعا أثناء الشرح. 5- كل ما حصل بين النسخ من الاختلاف في أمثال "قال تعالى" أو "قال الله تعالى" أو "صلى الله عليه وسلم" أو "صلى الله عليه وآله وسلم" أو "رضي الله عنه" فإني أثبت ما فيه كمال العبارة ولا أشير إلى الفروق بين النسخ. 6- صححت الأخطاء الواقعة في الآيات ولم أشر. 7- صححت الأخطاء الإملائية والنحوية بدون إشارة لذلك إلا لما له وجه. 8- إن كان الخطأ في حديث أو أثر ولا مجال لاحتمال صحة العبارة صححته من أصل الحديث أو الأثر وأشرت.

فقبل هذه الدعوةَ من بين من قبلها رجالٌ من تلك البلاد تعلقتْ قلوبهم بها، ثم هاجروا من أجلها إلى الدرعية فدرسوا على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلامذته، ثم عادوا إلى بلادهم وقد جندوا أنفسهم لتلك الدعوة وتعليمها والجهاد من أجلها وتأليف الكتب فيها، ولقد كان "المؤلف" عبد الهادي بن محمد بن عبد الهادي أحد أولئك العلماء الذين بذلوا جهودهم في ذلك. ولقد كان لكتاب التوحيد الذي ألفه الشيخُ محمد ابن عبد الوهابِ أعظمُ الأثر على من قبل دعوته، فقد أودع فيه أساس دعوته فأصبح منهجًا ودليلاً يسترشد به الدعاةُ إلى التوحيد. ومن أجل هذا فقد اعتنى بشرحه وفهمه العلماءُ الذين قبلوا وأقبلوا على هذه الدعوة، فشرحوه وبينوه للناس بما يسهل عليهم فهمه. ولقد كان هذا الشرح الذي بين أيدينا من هذه الشروح التي أسهمت في نشر دعوة التوحيد في عسير وتهامة في الوقت الذي كانت فيه الكتب نادرة قليلة. وتأتي أهميته من حيث إنه قد اعتمد إلى حد كبير على كتب الشافعية التي كانت متداولة بين علماء تلك البلدان، فكان كالشاهد عليهم أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لا تتسم بالتعصب لمذهب، وإنما تسير مع الحق وتدعو إلى الحق وتقبل الحق، فكانت له من الأهمية والمكانة العلمية الشيء الكثير في تلك الناحية، ومما يدل على دراسته وأهميته تنقله وتصحيح بعض نسخه، فقد انتسخ في ضمد بينما مؤلفه في عسير من رجال ألمع، وأهديت نسخة منه إلى بعض الأعيان في الرياض مما يدل على نفاسة الكتاب وأهميته. فلما لهذا الكتاب من تلك الأهمية، ولما فيه من عرض لشرح كتاب التوحيد بأسلوب جديد بجوار الشرحين المعروفين "تيسير العزيز الحميد"

و"فتح المجيد"، فإني قد رأيت أن فيه إضافة علمية جديدة فعرضته على بعض مشايخي، وقرأت عليهم منه مواضع فأقروه، وبالتالي اخترت تحقيقه موضوعا لرسالتي هذه. ولقد كان من أهم ما واجهته في بحثي هذا وكان سببا - بعد قدر الله - في عدم ظهور هذه الرسالة قبل هذا الوقت ما تعذّر عليّ من عدم وجود معلومات كافية عن المؤلف، لكنني بحمد الله وفضله استطعت بعد ذلك أن أقف على ما يحقق الغرض، فإنني بعد أن قمت باستعراض الكتب التي يظن أن له أو لأبيه فيها ترجمة ك "البدر الطالع" للشوكاني، و "نيل الوطر" لمحمد زبارة، والمعاجم الحديثة، ولم أجد له فيها ذكر، انتقلت إلى المخطوطات ك "المخلاف السليماني" لحسن بن أحمد عاكش الضمدي و "حدائق الزهر" له أيضا فقرأتها لعلي أجد عن المؤلف شيئًا فلم أجد. - حينها أرسلت رسالة لعالم مشهور في اليمن له باع طويل في التاريخ والآثار وهو الشيخ القاضي إسماعيل بن علي الأكوع لعليِّ أحظى عنده بترجمة كاملة للمؤلف وأسرته فلم أجد. - ثم إنه نقل إلي أنه ربما أجد معلومات عن المؤلف عند بعض أهل العلم في ضمد، فسافرت إليها واتصلت بأحد العلماء الأفاضل وهو الشيخ علي بن محمد أبو زيد الحازمي والذي حصلت على النسخة الأصلية من مكتبته كما سيأتي ذكره1 فوعدني - جزاه الله خيرا - باستعراض ما يستطيع الوصول إليه من مخطوطات يرى بأنها مظنةٌ لترجمتِه إلا أنه أرسل إلي بعد فترة أنه لم يجد شيئًا.

_ (1) انظر: (ص 73) .

- ثم قمت بعد ذلك بزيارة لمنطقة أبها التي بها أكثر عائلة الحفظيين ومن ثم قمت بزيارة قرى رُجال ألمع والشعبين، وقمت بزيارة من ذكر لي أن لديهم آثارا ومؤلفات وصورت من بعضهم بعض المخطوطات التي رأيت أن لها علاقة بموضوعي. وتجولت في بعض المكتبات فحصلت على بعض الكتب عن تاريخ المنطقة. وصورت من مكتبة النادي الأدبي بأبها بعض المواضع من بعض الكتب القديمة التي لها علاقة بترجمة المؤلف. - ثم قمت بعد ذلك بجمع البحوث التي قام بإصدارها الدكتور/ عبد الله أبو داهش عن بلاد عسير، والتي كان من بينها دراسةُ بعض كتبها المخطوطة ومن بينها كتاب لأبي المؤلف "محمد بن عبد الهادي" وهو كتاب "الظل الممدود"، ووجدت أن أبا داهش لم يقف على معرفة مولده ووفاته مع أنه يعيش في أبها وله اتصال بمن لديهم الكثير من المخطوطات المتعلقة بذلك. فتوصلت من مجموع دراستي لتلك المخطوطات والبحوث على المعلومات التي قيدتها في دراستي عن المؤلف، وأسأل الله أن لا يحرمني الأجر والثواب فيما بذلته من جهد المقل.

9- كل كلمةٍ أو جملةٍ ضُرب عليها أو كررت بعد كتابتها فإني أهملها من غير إشارة لذلك. 10- عرفت ببعض الكلمات الغريبة والأماكن والمواضع مما رأيت الحاجة تمس إليه. 11- أحلت شرحَ المؤلف وتفسيره للآيات وبيانه إلى المصادر والمراجع ما استطعت إلى ذلك سبيلا. 12- عزوت الآيات القرآنية إلى أماكنها من المصحف الشريف بذكر السورة ورقم الآية. 13- خرجت الأحاديث الواردة في هذا الشرح إلا ما لم أجده وقد سلكت في ذلك الخطوات الآتية: (أ) إن كان الحديث في "صحيح البخاري" و "صحيح مسلم" خرجته منهما ولم أزد، وإن كان في أحدهما زدت عليه مصدرا إن وجدت. (ب) إن كان الحديثُ في غيرهما وله مراجعُذ كثيرة تزيد على خمسة ذكرت اثنين أو ثلاثة منها وأحلت على الملحق لاستيفاء التخريج، وقد حذفت هذا الملحق من هذه الطبعة وسوف أطبعه مستقلا إن شاء الله. (ج) أنقل بعد التخريج أقوال أهل العلم في تصحيح الحديث إن وقفت على شيء منها. (د) إذا لم يذكر الراوي في الحديث ذكرته في الحاشية بعد تخريجه. (هـ) إن كان الحديث مما توسعت في تخريجه أحيل إلى الملحق بذكر رقم الحديث في الملحق هكذا [3ح] مثلا وذلك في أول الحاشية.

14- خرجت الآثار سواء كانت عن الصحابة أو التابعين أو من بعدهم من علماء السلف من كتب السنة أو كتب العقائد والزهد وغيرها ولم أهمل إلا ما لم أجده. فإن كان الأثر في أكثر من خمسة مصادر اكتفيت بذكر اثنين أو ثلاثة منها وأحلت على الملحق لما بقي هكذا [3ث] مثلا. 15- ترجمت للأعلام من الرواة، وأصحاب الأقوال إلا ما تعذّر عليَّ ترجمة مختصرة ضمنتها ذكر ما له علاقة بالاعتقاد إن وجدت مشيرًا في نهاية كل ترجمة إلى أهم المراجع التي استقيت منها الترجمة، وقد استثنيت من ذلك من له شهرة كالخلفاء الراشدين، والأئمة الأربعة وأصحاب الكتب الستة. 16- سميت التفاسير في أثناء التحقيق بأسماء أصحابها وجمعت بين التسميتين في فهرس المراجع. 17- خصصت في آخر الرسالة فهارس شاملة للآيات والأحاديث والآثار والأعلام والشعر والغريب والأماكن والقبائل والأمم والفرق والأديان والحيوانات والكتب، وفهرس للموضوعات مرتبا على الحروف الهجائية، وفهرس المراجع والمصادر، ثم فهرس الموضوعات. 18- سوف يطبع الملحق مستقلا - إن شاء الله - مع بعض التعديل ليكون صالحا للرجوع لأي حديث في شروح كتاب التوحيد الثلاثة: "التيسير"، و "الفتح"، و "التجريد". هذا ما قدمته من جهد ولا أدعي الكمال، فما كان فيه من صواب فالحمد والمنة لله على فضله، وما كان فيه من خطأ ونقص فإني أقول رحم الله امرئً وقف عليه فأهداه إليَّ. وأحمد الله تعالى أن وفقني على إتمام تحقيق هذا الكتاب، وأشكر

شيخي الفاضل معالي الدكتور/ صالح بن عبد الله العبود مدير الجامعة الإسلامية الذي أشرف على هذه الرسالة حيث خصص لي الكثير من وقته في الجامعة وفي منزله مما جعل الرسالة تبرز بهذه الصورة المتكاملة فيما يظهر لي، ولقد كان رحب الصدر في كل لقاء ألتقي به، فجزاه الله عني خير الجزاء. وأشكر الشيخين الفاضلين الدكتور/ محمد بن ربيع المدخلي، والدكتور/ أحمد بن مرعي العمري على تفضلهما بقبول مناقشة هذه الرسالة. وأتقدم بشكري لكل مشايخي وزملائي من طلاب العلم الذين أعانوني على إتمام هذا التحقيق بكتاب أو مخطوط أو فائدة أو تقديم أي مساعدة،1 وأخص منهم بالذكر أولئك الذين حصلت على نسخ الكتاب عن طريقهم والذين قد ذكرتهم عند كلامي عن وصف النسخ. وأسأل الله أن يديم خير هذه الجامعة للأمة الإسلامية وأن يزيد ويبارك فيه، وأن يعين المسئولين فيها على تقديم الأفضل للأمة الإسلامية، وأن يثيب الدولة السعودية على ما قدمته وتقدمه لهذه الجامعة من رعاية وخدمة. والحمد لله رب العالمين. إعداد حسن بن علي بن حسين العواجي المدينة النبوية - الجامعة الإسلامية- كلية الدعوة وأصول الدين- قسم العقيدة

_ (1) ولا أنسى ما قام به معي الشيخ الدكتور/ حسن الحفظي الأستاذ في جامعة الإمام محمد ابن سعود بالرياض من خدمة حيث زودني برسائل إلى بعض الأعيان في أبها, وما قام به معي الأخ الفاضل الدكتور/ محمد بن علي بن مصلح الشهري من جامعة الإمام فرع أبها حيث قام بخدمتي واستضافتي ونقلي بسيارتة الخاصة إلى من احتجت إليه في داخل أبها وخارجها وذلك حين قيامي بزيارة أبها لهذا الغرض.

*

* مقدمة تحقيق الكتاب ... مقدمة الكتاب بسم الله الرحمن الر حيم1. الحمد/ لله الذي شرح صدور أوليائه بنور اليقين، ومنح بأنوار علومه من اختاره من عباده المؤمنين، وفتح أقفال قلوب علمائه بفتحه2 المبين، وأرشدهم إلى تبيين أحكام الإسلام والدين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمي3 الأمين، خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين. أما بعد: فإن التوحيد عظيم شأنه، عال قدره ومكانه، المحققون حول حماه [يحمون] 4 والمقصرون5 فيه في لجج بحار الشرك غارقون قال الله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} 6 وأهم العلوم وأعظمها

_ (1) في ((ر)) ((ع)) بعد البسملة قوله: (وبه نستعين على أمور الدنيا والدين, وفي ((ش)) : (وبه الإعانة) . (2) في ((ع)) : (بمفتاحه) , وهو تحريف من الناسخ. (3) المقصود بوصف النبي صلى الله عليه وسلم بـ ((الأمي)) إما نسبة إلى الأمة الأمية التي لا تكتب ولا تحسب وهم العرب, أو نسبة إلى الأم, والمعنى: أنه باق على حالته التي وُلد عليها لا يكتب ولا يقرأ المكتوب, وقيل: نسبة إلى أم القرى وهي مكة. انظر: ((فتح القدير)) للشوكاني: (2/ 252) . وإذا وصف صلى الله عليه وسلم بـ ((الأمية)) عد ذلك مدحا له وتبرئة مما اتهمه به كفار قريش من أخذه للقرآن من عند غير الله حيث ((يقولون إنما يعلمه بشر)) , ((وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا)) , ((وقالوا إن هذا إلا سحر يؤثر)) . (4) في ((الأصل)) , و ((ش)) : (يحومون) . (5) في ((ع)) , و ((ش)) : (والمقصرون في لجج بحار. . . إلخ) . (6) سورة يوسف، الآية: 106.

وأفضلها وأقدمها توحيد1 الله وإفراده2 بالعبادة، ومن أنفع الكتب المصنفة فيه "كتاب التوحيد" لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان النجدي3 - تغمده الله برحمته الواسعة وأفاض عليه سحائب مغفرته الجامعة-، وقد شرعت في شرحه مستعينا بالله الكريم الوهاب، وأسأله النفع به وجزيل الثواب4 وإصابة الحق بعين الصواب، وسميته: "تحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد"، وأبدأ فيه بذكر بعض ترجمة الشيخ هو الإمام المجدد لدين الإسلام، علم الأئمة الأعلام، المتفرد في زمانه بنشر علم التوحيد، المؤيد بتأييد الله المبدئ المعيد، الذي شاع علمه5 واشتهر، وملأ الأرض صيته وانتشر، كان بروزه إلى الوجود في

_ (1) وهو المعروف بتوحيد الألوهية, وكونه أهم العلوم; لأن موضوعه توحيد الله وعبادته وحده, وأما كونه أعظمها وأفضلها وأقدمها; فلأنه يختص بما من أجله خلق الخلق, قال الله تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. (2) قوله: (وإفراده) سقطت من ((الأصل)) . (3) الذين يترجمون للشيخ محمد بن عبد الوهاب إنما ينسبونه إلى أصله الذي ينتمي إليه, فيقولون: هو محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي, ومن نسبه إلى نجد فإنما أراد نسبته إلى البلاد التي نشأ بها وظهرت منها دعوته وغالبًا ما يكون هذا الاستعمال ممن بعدت دياره عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب. ومن أمثلة ذلك قول الصنعاني في القصيدة التي نظمها عندما بلغته دعوة الشيخ حيث قال فيه: سلام على نجد ومن حل في نجد وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي وقول عمر رضا كحالة في ((معجم المؤلفين)) (10/ 269) -بعد ذكر نسبه-: (. . . ابن مشرف التميمي النجدي) . وقول الزركلي في ((الأعلام)) (6/ 257) : (. . . بن سليمان التميمي النجدي) . (4) قوله: (الوهاب, وأسأله النفع به وجزيل الثواب) سقطت من ((ع)) . (5) في ((ر)) , و ((ع)) , و ((ش)) : (شاع فضله) .

العيينة1 محلة آبائه والجدود، سنة خمس عشرة بعد المائة والألف، نشأ بها في طاعة الله تعالى، ورحل في طلب العلم/ الشريف، وجد واجتهد، ونال ما طلب وقصد ودعا إلى الله تعالى، وانتقل إلى الدرعية2 واستقر به القرار في محروس تلك الديار، وهو يدعو الناس إلى عبادة الله بالإخلاص و [أن] 3 لا يشرك بالله شيئًا، ولم تزل دعوته تهرول في آفاق4 الأرض وتجري، وتبكر في جميع الأقطار وتسري5 وكانت وفاته يوم الاثنين في شهر شوال سنة ست بعد المائتين والألف6 فكان عمره قريبا من ثنتين وتسعين سنة، رحمه الله تعالى. والآن ابتدي في المقصود بعون الله الملك المعبود7.

_ (1) العيينة: بضم العين فياءين مفتوحة ثم ساكنة فنون مفتوحة فهاء. بلدة تقع في ملتقى شعاب وادي حنيفة الرئيسية كان لها دور كبير وكانت تحكم ما حولها, ولها صولة ونفوذ, كان بها مولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب. انظر: ((معجم اليمامة)) : (2/ 198-205) . (2) الدرعية: بكسر الدال وإسكان الراء وكسر العين فياء مشددة مكسورة فهاء, نسبة إلى الدروع وهم بطن من بني حنيفة. بلدة تقع شمال غرب الرياض بمسافة عشرين كيلا ويشقها وادي حنيفة, وفيها توفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب. انظر: ((معجم اليمامة)) : (1/ 416-427) . (3) زيادة: (أن) من ((ر)) , وفي ((الأصل)) , و ((ع)) , و ((ش)) : (ولا يشرك) . (4) في ((ر)) , و ((ع)) : (أقطار) بدل: (آفاق) . (5) في ((ع)) : (تسير) . (6) وهكذا ذكره ابن غنام في ((الروضة)) : (2/ 154) , وعبد الرحمن بن قاسم في ((الدرر السنية)) : (12/ 20) , وقد خالف ابن بشر في الشهر فقال في ((عنوان المجد)) (1/ 95) : كانت وفاته في آخر ذي القعدة, وكذا قاله إبراهيم بن عبيد في ((تذكرة أولي النهي)) : (1/ 47) . (7) عبارة: (بعون الله الملك المعبود) +سقطة من ((ر)) .

بسم الله الرحمن الر حيم الحمد لله

_ قال الشيخ رحمه الله تعالى: {بسم الله الرحمن الرحيم} أي أبتدي مستعينًا به تعالى، والله علم للذات1 الواجب الوجود2 والرحمن الرحيم صفتان بنيتا 3 للمبالغة، والرحمن أبلغ من الرحيم؛ لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى. {الحمد لله} ، أي: كل ثناء بجميل سواء كان في مقابلة نعمة أم لا، ثابت ومستحق له، ومختص به تبارك وتعالى، والشكر ما كان في مقابلة نعمه سواء كان قولاً أم فعلاً4 فالحمد لا يكون إلا باللسان، والشكر يكون باللسان5 وبغيره، والألف واللام في الحمد للعموم، أي: يستحق6.

جميع المحامد كلها1 وأردف الشيخ التسمية بالحمد اقتداء بكتاب الله العزيز، وعملا بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم " كل أمر ذي بال "2 - أي: حال يهتم به- لا يبدأ فيه ببسم3 الله الرحمن الرحيم،- وفي رواية: بالحمد- فهو أجذم"، أي: مقطوع البركة. رواه أبو داود، وغيره4 وحسنه ابن الصلاح5.

_ (1) انظر: ((تفسير الطبري)) : (1/ 59-62) , و ((تفسير البغوي)) : (1/ 39) , و ((تفسير ابن الجوزي)) : (1/ 10-11) . (2) ابن ماجه: النكاح (1894) . (3) في ((ر)) , و ((ع)) : (بسم) . (4) [1, 2ح] ((سنن أبي داود)) : (5/ 172, ح 4840) , كتاب الأدب, باب الهدي في الكلام بلفظ: كل كلام لا يبدأ. . . . , ((سنن ابن ماجه)) : (1/ 610, ح 1894) , كتاب النكاح, باب خطبة النكاح, ((سنن الدارقطني)) : (1/ 229, ح1, 2) , كتاب الصلاة (4) . انظر بقية التخريج في الملحق. وقد جاءت الرو، الآية بالشك ((كل كلام أو أمر)) , وفي آخر الحديث: ((أقطع أو أبتر)) , والحديث جاء من رو، الآية أبي هريرة -رضي الله عنه-. والحديث كما ذكر الشارح قد حسنه ابن الصلاح. انظر ذلك في: ((طبقات الشافعية)) : (1/ 9) , وكذا حسنه النووي في ((الأذكار)) : (ص 149, ح 339) , وصححه ابن حبان: ((الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان)) : (1/ 102) , وأشار ابن حجر إلى ضعفه كما نقله عنه في ((الفتوحات الربانية)) : (3/ 290) . (5) هو: أبو عمرو عثمان بن المفتي صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الشهرزوري الملقب تقي الدين, الإمام, الحافظ. قال الذهبي: كان سلفيًا, حسن الاعتقاد, كافًّا عن تأويل المتكلمين, مؤمنا بما ثبت من النصوص غير خائض ولا معمق, توفي سنة 643هـ. انظر ترجمته في: ((تذكرة الحفاظ)) : (4/ 1430-1433, ت 1141) , ((سير أعلام النبلاء)) : (23/ 140-144, ت 150) , ((وفيات الأعيان)) : (3/ 243-245, ت 411) , ((الأعلام)) للزركلي: (4/ 207) .

رب العالمين

_ {رب العالمين} الرب بمعنى الملك، كما يقال: رب الدار، رب الشيء، أي: مالكه، ويكون بمعنى1 التربية والإصلاح2 يقال: رب فلان الضيعة يربها إذا أصلحها، فالله سبحانه وتعالى مالك العالمين ومربيهم ومصلحهم ولا يقال: الرب للمخلوق معرفًا، بل يقال: رب الشيء مضافًا، والعالمين جمع عالم3 لا واحد له من لفظه4 وهو اسم لكل، موجود سوى الله تعالى5 فيدخل فيه جميع الخلق، قال ابن عباس6 - رضي الله عنهما-: " هم الجن والإنس المكلفون بالخطاب7 "، وقيل:

(العالم اسم لذوي العلم من الملائكة والجن والإنس) ، ولا يقال للبهائم: عالم; لأنها لا تعقل1 واختلف2 في مبلغ عددهم، والله تعالى أعلم بالصحيح منها. فنقل عن المتقدمين أعداد مختلفة، فقال مقاتل3 " (ثمانون ألف عالم نصفها في البر ونصفها في البحر "4 وقال الضحاك5 " (ثلاثمائة وستون عالمًا حفاة عراة لا يعرفون خالقهم،

_ (1) ((تفسير البغوي)) : (1/ 40) , و ((تفسير القرطبي)) : (1/ 138) , وقال: لأن هذا الجمع إنما هو جمع من يعقل, وكذا في ((تفسير ابن كثير)) : (1/ 25) ونقل عن قتادة ومجاهد والحسن أن العالمين جميع المخلوقين قال الله تعالى: {قال فرعون وما رب العالمين قال رب السموات والأرض وما بينهما} . انظر: ((تفسير البغوي)) : (1/ 40) , وجاء في ((المعجم الوسيط)) (2/ 630) : (كل صنف من أصناف الخلق كعالم الحيوان وعالم النبات) فأدخل في إطلاق اسم العالم: الحيوان والنبات. (2) في ((ر)) : (واختلفوا) . (3) هو: مقاتل بن سليمان بن كثير الأزدي الخراساني -أبو الحسن البلخي- روى عن مجاهد وعطاء والضحاك بن مزاحم, كان من العلماء الأجلاء, قد رمي بالتجسيم, قال عنه الذهبي: كان من أوعية العلم بحرا في التفسير, مات سنة 150هـ. انظر ترجمته في: ((طبقات المفسرين)) : (2/ 330-331) , ((تهذيب التهذيب)) : (10/ 279-285) , ((وفيات الأعيان)) : (5/ 255-257) . (4) ((تفسير البغوي)) : (1/ 40) . (5) هو: الضحاك بن مزاحم الهلالي -أبو القاسم-, ويقال: أبو محمد, تاب عي جليل, كان إماما في التفسير, كان الضحاك إذا أمسى بكى, فيقال له فيقول: لا أدري ما صعد اليوم من عملي, وكان دأبه إذا سكت أن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله, مات سنة 102هـ, وقيل: 105هـ, وقيل: 106هـ. انظر ترجمته في: ((البد، الآية والنه، الآية)) : (9/ 249) , ((سير أعلام النبلاء)) : (4/ 598- 600) , ((تهذيب التهذيب)) : (4/ 453-454) .

وستون ألفًا مكسيون يعرفونه "1 وقال ابن المسيب2 " لله ألف عالم ستمائة في البحر، وأربع مائة في البر "3 وقال وهب4 " (ثمانية عشر ألف عالم) 5 الدنيا عالم منها6 وما العمران في الخراب إلا كفسطاط في صحراء"7 -الفسطاط الخيمة-، وقال كعب الأحبار8 " (لا يحصى

_ (1) ((تفسير الألوسي)) : (1/ 13) . (2) هو: سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب -أبو محمد- المخزومي, كان من أجل التابعين, سمع من بعض الصحابة, كان واسع العلم وافر الحرمة متين الديانة قوَّالا بالحق فقيه النفس, وُلد لسنتين مضتا من خلافة عمر, واختلف في وفاته إلى أقوال أقواها أنه في سنة94 هـ, أو سنة 105هـ. انظر ترجمته في: ((تذكرة الحفاظ ((: (1/ 54-56) , ((تهذيب التهذيب)) : (4/ 84-88) , ((سير أعلام النبلاء)) : (4/ 217- 246) , ((طبقات ابن سعد)) : (5/ 119-143) . (3) ((تفسير ابن كثير)) : (1/ 25, 26) , وحكى ذلك -أيضا- عن سبيع الحميري. (4) هو: وهب بن منبه اليماني -أبو عبد الله- صاحب الأخبار والقصص وأخبار الأوائل وأحوال الأنبياء وسير الملوك, ذكر عنه ابن قتيبة في كتاب ((المعارف)) أنه كان يقول: قرأت من كتب الله تعالى اثنين وسبعين كتابا, وُلد سنة 34هـ, وتوفي سنة 110هـ. انظر ترجمته في: ((وفيات الأعيان)) : (6/ 35- 36) ((طبقات ابن سعد)) : (5/ 543) , و ((تذكرة الحفاظ)) : (1/ 100-101) . (5) كلمة: (عالم) سقطت من ((ر)) . (6) ((تفسير ابن كثير)) : (1/ 26) . (7) ((تفسير البغوي)) : (1/ 40) , و ((غرائب التفسير)) للكرماني: (1/ 99) . (8) هو: كعب بن ماتع الحميري, اليماني -أبو إسحاق- تابعي, كان في الجاهلية من كبار علماء اليهود في اليمن, وأسلم في زمن أبي بكر, قدم المدينة أيام عمر, كان خبيرا بكتب اليهود, وله ذوق في معرفة صحيحها من باطلها, توفي سنة 32هـ. انظر ترجمته في: ((سير أعلام النبلاء)) : (3/ 489-494) , ((وفيات الأعيان)) : (7/ 445-446) , ((الأعلام)) : (5/ 228) , ((تذكرة الحفاظ)) : (1/ 52) .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده

_ عدد العالمين غير1 الله سبحانه وتعالى، " قال عز وجل {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} 2?3. {وأشهد} أي: أعلم وأبين4 {أن لا إله إلا الله} أي: لا معبود بحق في الوجود إلا الله5 أثبت العبادة كلها لله {وحده} هو مصدر في موضع

لا شريك له، وأشهد أن محمدًا

_ نصب على الحال، أي: منفردًا {لا شريك له} أي: لا مشارك له في ذاته ولا وصف من صفاته12. {وأشهد} أي: أعلم وأبين {أن محمدًا} 3 هو4 علم منقول من اسم مفعول المضعف موضوع لمن كثرت خصاله المحمودة الحميدة سمي به نبينا صلى الله عليه وسلم بإلهام من الله لجده عبد المطلب; ليكون على وفق تسميته تعالى له قبل الخلق5 بألفي عام6 على ما ورد

عبده..............................................................................

_ عن أبي نعيم1 ولم يسم أحد قبله به، لكن لما قرب زمانه صلى الله عليه وسلم ونشر أهل الكتاب نعته، سمى قوم أولادهم به رجاء النبوة لهم، {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} 23. وروى أهل أهل السير أنه قيل لجده عبد المطلب- وقد سماه في سابع ولادته لموت أبيه قبلها، أي: قبل ولادته-: لم سميت ابنك محمَّدًا وليس من أسماء آبائك ولا قومك؟ قال: رجوت أن يحمد في السماء والأرض4 وقد حقق الله رجاءه كما سبق في علمه تعالى. تنبيه: لم يلد عبد الله وآمنة غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم {عبده} قدمه لأنه أكمل أوصافه، وكذا خصه بالذكر في أشرف كماله5

فذكره في إنزال القرآن على عبده فقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} 12وفي مقام الدعوة إليه فقال تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} 3 وفي مقام الإسراء فقال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} 4 وفي مقام الوحي إليه فقال تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} 5 وقدمه أيضا امتثالا لما في الحديث الصحيح: " ولكن قولوا عبد الله ورسوله 6 " وهو أحب الأسماء إلى الله سبحانه وتعالى وأرفعها إليه7.

_ (1) سورة الفرقان، الآية: 1. (2) سقطت هذه ال، الآية من ((الأصل)) , وأضفتها من بقية النسخ. (3) سورة الجن، الآية: 19. (4) سورة الإسراء، الآية: 1. (5) سورة النجم، الآية: 10. (6) [3 ح] الحديث رُوي عن ابن عباس عن عمر -رضي الله عنهم-, والحديث بتمامه: لا تطروني كما تطري النصارى عيسى ابن مريم, ولكن قولوا: عبد الله ورسوله. وهو بهذا اللفظ في ((سنن الدارمي)) : (2/ 228-229, ح 2787) , كتاب الرقاق, باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تطروني. وهو في ((صحيح البخاري)) بنحوه, انظره مع ((الفتح)) : (12/ 144-145) , كتاب الحدود, باب رجم الحبلى من الزنا, الحديث من رو، الآية ابن عمر. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق. (7) يشير بهذا إلى حديث: ((خير الأسماء عبد الله وعبد الرحمن)) , وفي رو، الآية: ((أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن والحارث)) . انظر: ((مجمع الزوائد)) : (8/ 50) , قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. وانظر: ((الأحاديث الصحيحة)) للألباني: (2/ 605-607, ح 904) , فقد ذكر الألباني طرقا أخرى للحديث بعضها ضعيف وأخرى قوية, وقد حكم بمجموعها على الحديث بالصحة.

ورسوله.....................................................................

_ {ورسوله} الأمين خاتم1 النبيين والمرسلين أرسله إلى كافة الخلق أجمعين2 بالهدى ودين الحق رحمة للعالمين، وبشيرًا للمؤمنين [ونذيرًا للمخالفين] 3 صلى الله عليه وسلم 4 وجزاه عنا أفضل ما جزى نبيًّا عن أمته ورسولاً عن قومه -والرسول- هو إنسان أوحي إليه بشرع وأمر

صلى الله عليه وسلم تسليما.....................................................

_ بتبليغه، وهو أخص من النبي فإنه إنسان أوحي إليه بشرع ولم1 يؤمر بتبليغه2. {صلى الله عليه} الصلاة من الله: رحمة، ومن الملائكة: استغفار، ومن المؤمنين: دعاء وتضرع3 {وسلم تسليمًا4} إجلالاً وتعظيمًا، قرن

الشيخ -رحمه الله تعالى- بين الصلاة والسلام لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} 1 وفائدة الصلاة والسلام تعود إلى المصلي، ففي الحديث: " من صلَّى عَلَيَّ واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات، ورفع له عشر درجات 2 " وقال صلى الله عليه وسلم " من صلَّى عَلَيَّ حين يصبح عشرًا، وحين/ يمسي عشرًا أدركته شفاعتي يوم القيامة "3.

_ (1) سورة الأحزاب، الآية: 56. (2) [4 ح] ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (4/ 371, ح 70/ 408) , كتاب الصلاة, باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم, ((سنن الترمذي)) : (2/ 355, ح 485) , كتاب الصلاة, باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم, الحديث روي عن أنس وأبي هريرة - رضي الله عنهما-. انظر بقية تخريجه في الملحق. (3) ((معجم الطبراني الكبير)) – ((مجمع الزوائد)) -: (1/ 491) , (10/ 120) , ((الترغيب والترهيب)) : (1/ 233, ح 28) , والحديث مروي عن أبي الدرداء رضي الله عنه. قال الهيثمي (1/ 491) : (رواه الطبراني بإسنادين, أحدهما: جيد ورجاله وثقوا. وقال المنذري في ((الترغيب)) كما قال الهيثمي. وصححه الألباني كما في ((صحيح الجامع)) : (2/ 1088, ح 6359) , وحسنه في ((صحيح الترغيب والترهيب ((: (1/ 345-356, ح 656) .

الباب الأول: التعريف بالمؤلف وعصره

الباب الأول: التعريف بالمؤلف وعصره الفصل الأول: عصر المؤلف ... الفصل الأول: عصر المؤلف الحالة السياسية في عصره: إذا اعتبرنا أن حياة المؤلف قد كانت بين سنتي بضع وسبعين ومائة وألف (1172 هـ) وبضع وستين ومائتين وألف (1262 هـ1) فإن الفترة الواقعة بين هذين التاريخين كانت مليئة بالأحداث السياسية فقد كان الصراع محتدما في المنطقة على الإمارة، وقبائل عسير كغيرها من القبائل في تلك الفترة من الزمن كان يحكمها أمراء ورؤساء القبائل المحليون2. فقد كانت عسير تابعة للإدارة المركزية بمكة المكرمة أيام الخلافة الإسلامية. ولما ضعفت الدولة الإسلامية وكان الحكم للأتراك وكثر الخارجون عليهم، كانت تلك القبائل تخضع في الأعم لصاحب النفوذ القوي من حكام الأقاليم المجاورة3. ولما ظهرت دعوة التوحيد في الجزيرة العربية على يد المصلح الكبير الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقامت بنصرتها الدولة السعودية الأولى فرفعها الله بها وامتدت إلى جهات كثيرة، كانت عسير من تلك الجهات التي دخلت في تلك الدولة.

_ (1) توصلت إلى ذلك من خلال دراستي لحياة المؤلف في الفصل الآتي بعد هذا: ص 43 - 54. (2) انظر: ((في ربوع عسير)) لمحمد رفيع: ص 177. (3) انظر: ((تاريخ عسير في الماضي والحاضر)) لهاشم بن سعيد النعمي: (1/ 131) .

وقد كانت البلاد التي تَنْضَمُّ لتلك الدولة - وبالتالي لدعوة التوحيد - تقوم بدورها بدعوة البلاد المجاورة إلى التوحيد - وبالتالي إدخالها في طاعة الدولة السعودية. ولهذا كانت عسير قاعدة لتوسع الدولة السعودية في جنوب الجزيرة حيث امتدت من خلالها إلى الدرب والشقيق وبيش وصبيا وأبو عريش وما حول تلك البلاد. بداية دخول عسير في الدولة السعودية الأولى: ففي عام 1205 هـ وصلت أخبار الدعوة السلفية وما يحققه المنتسبون إليها من النصر إلى عسير، فبقي الناس في تشوق لها ومالت نفوسهم وأرواحهم لذلك الخير فهاجر إلى الدرعية اثنان منهم عام 1213 هـ وهما محمد بن عامر المتحمي وأخوه عبد الوهاب، وأخذا مبادئ تلك الدعوة وعادا لتطبيقها على قومهما فتمكنا بإعانة الدولة السعودية لهما من السلطة والسيادة على قبائل عسير1 فقد أرسل الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود معهما سرية لغزو عسير فلم ينتصف عام 1215 هـ حتى دخل سائر أهل عسير السراة في طاعة الدولة السعودية آنذاك2.

_ (1) انظر: ((الظل الممدود)) لمحمد بن هادي (والد المؤلف) : ص 23 , و ((نفح العود في الظل الممدود)) لمحمد بن أحمد الحفظي (مخطوط) : ق 2 , و ((في ربوع عسير)) لمحمد عمر رفيع: ص 177. (2) انظر: ((في ربوع عسير)) لمحمد عمر رفيع: ص 177،و ((تاريخ المخلاف السليماني)) لمحمد أحمد العقيلي: (439) .

إمارة آل المتحمي: ومن هنا بدأت في عسير إمارة آل المتحمي التابعة للدولة السعودية آنذاك، وكان الأمير الأول محمد بن عامر المتحمي الذي عرف بلقب (أبو نقطة) وقد حكم سنتين، ثم خلفه أخوه عبد الوهاب الذي سار على نهجه في نصر الدعوة وتوسيع رقعة الدولة السعودية1 فقد قام عبد الوهاب بفتح مدينة (أبو عريش) وما حولها بعد قتال كبير مع الشريف حمود وأتباعه وكان ذلك سنة 1217 هـ2. وقد كان المؤلف وأبوه وإخوانه وأسرته ممن يترقبون ويعايشون تلك الحروب قائمين بما يمكنهم القيام به لمناصرة الحق من مشاركة فعلية في تلك الحروب أو القيام بأعمال الدعوة والتدريس. فقد كان أبو المؤلف (محمد بن عبد الهادي) بصحبة ذلك الجيش فكان مع الأمير في خيمته3. وكان المؤلف عبد الهادي بن محمد بن عبد الهادي قاضيا في تلك السنة4 فلعله كان قائما بالقضاء محل أبيه فقد عرف أن أباه كان قاضيًا أيضًا5. وبهذا الفتح طالب الأشراف بالأمان ودخلوا ضمن الدولة السعودية، فأصبحت أبو عريش وصبيا وما حولهما تابعة للدولة السعودية، والتزم

_ (1) انظر: ((الظل الممدود)) لمحمد بن هادي: (ص 24) . (2) انظر: ((نفح العود)) للبهكلي: ص 172- 174. (3) انظر: ((الظل الممدود)) لمحمد بن هادي: ص 24. (4) انظر: ((تاريخ عسير في الماضي والحاضر)) لهاشم بن سعيد النعمي: ص 133. (5) انظر: كتاب ((في بلاد عسير)) لفؤاد حمزة: ص 154 , ومقدمة ((الظل الممدود)) : ص 10.

الأشراف بقيادة حمود نصر الدعوة، فقاتلوا كثيرًا من البلاد اليمنية وأدخلوها في دولة التوحيد1. ويستمر الجهاد من أهل تلك البلاد مع الدولة السعودية فيصدر الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود أمره إلى عبد الوهاب في شهر ذي الحجة من سنة 1217هـ2 أن يتوجه بجيش إلى مكة لملاقاة جيش يقوده سعود ويصل الجيشان إلى مكة ويتم لهما النصر على الشريف غالب، ويعود كل جيش إلى دياره بعد أن يخلف حامية هناك وذلك في أوائل سنة 1218 هـ3. وفي شهر رجب من تلك السنة يصل الخطاب من الإمام عبد العزيز إلى عبد الوهاب بالمسير مرة أخرى إلى مكة، وكذلك وصلت خطابات أخرى لأمراء تهامة لنفس الغرض ليجتمعوا بعبد الوهاب ويسيروا سويًّا ليلتقوا جميعًا في الطائف ويسيروا منها إلى مكة4 وقد كان بصحبتهم أبو المؤلف (محمد بن عبد الهادي) داعيا وموجها، وكذلك أخوه إسماعيل بن محمد5. ولما وصلوا كانت الأمور قد تغيرت فقد مات الإمام عبد العزيز وخلفه ابنه سعود فلم يصل الجيش من هناك، وكذلك فإن شريف مكة قد وصله مدد كبير من اليمن فاكتفى عبد الوهاب بإرسال خطاب للشريف

_ (1) ((نفح العود)) للبهكلي: ص 173. (2) انظر: ((الظل الممدود)) لمحمد بن هادي: ص 29 , و ((نفح العود)) للبهكلي: ص 174 , 176. (3) انظر: ((الظل الممدود)) لمحمد بن هادي: ص 30. (4) انظر: نفس المصدر السابق: ص 32 , و ((نفح العود)) للبهكلي: ص 211. (5) انظر: ((الظل الممدود)) لمحمد بن هادي: ص 36- 37.

غالب ينذره فيه ويحذره ويدعوه للتسليم بعد أن حصلت بينهما بعض المناوشات1 ثم توجه عبد الوهاب ومن معه إلى الدرعية والتقوا بالإمام سعود وإخوانه وأولاده والمشايخ والعلماء. وتواعد عبد الوهاب مع سعود أن يكون اللقاء بينهم في هلال رمضان من سنة 1219 هـ ليقوموا بإيصال الدعوة إلى الأماكن المقدسة في مكة المكرمة ثم رجع عبد الوهاب بمن معه إلى الأوطان2. وبدأ بعد عودته الاستعداد للرحلة والموعد الجديد وكان من ذلك الإعداد أن استلحق قبائل بللحمر وباللسمر وأهل العرضية وأهل الساحل والشريف حمود أمير (أبو عريش) والشريف منصور أمير (صبيا) ، وعرار أمير (الدرب) 3. وكان قد وصل إلى الأميرين منصور صاحب صبيا، وعرار صاحب الدرب كتابان من سعود يأمرهما بالمسير مع عبد الوهاب فجهزا جيشين وأمرا عليهما فلحقا عبد الوهاب في الطريق، وكأن جيش عرار قد تأخر فلم يلحق بعبد الوهاب إلا في أطراف الليث فوبخهم عبد الوهاب على التراخي وعاقبهم بأخذ الخيل والحلقة إذا عادوا بعد القتال4 ولعل هذا الفعل كان سببا فيما حدث من خلاف وقتال بين عبد الوهاب من جهة وعرار ورجال ألمع من جهة ثانية فيما بعد.

_ (1) نفس المصدر السابق: ص 37- 39. (2) نفس المصدر السابق: ص 42. (3) نفس المصدر السابق: ص 42. (4) ((نفح العود)) للبهكلي: ص 211.

وقد ذكر ابن عبد الهادي أنه لما وصل عبد الوهاب بمن معه إلى السعدية في ست بقين من رمضان، وكتب إلى الشريف غالب أمير مكة ينذره ويحذره ويقيم عليه وعلى قومه الحجة، كان الرد أن قدم غالب عليه بجنود وعساكر من الترك والمغاربة والمصارية وأشراف مكة وهذيل والمجاورين لمكة ممن هم في قبضة غالب، فتقاتل الجيشان وغنم عبد الوهاب ومن معه منهم غنائم كثيرة ثم رجع غالب إلى مكة وقفل عبد الوهاب إلى وطنه بعد هذا النصر1. وعندما عاد عبد الوهاب حصل الخلاف بينه وبين الأمراء عرار أمير (الدرب) وحمود أمير (أبو عريش) ومنصور أمير (صبيا) ومعهم بعض رجال ألمع. وكان أول هذا الخلاف والقتال بين بعض رجال ألمع وعبد الوهاب بسبب ميلهم لعرار، وأخيرًا ألزمهم عبد الوهاب أن يذعنوا لطاعته، وخطب الفقهاء في الأسواق بحفظ عهد عبد الوهاب والصراحة ببغي عرار وأنه ممن يسعى في الأرض بالفساد2. ولابد أن المؤلف قد شهد تلك الحادثة، ولعله من الفقهاء الذين قد عالجوا الأمور والأحداث، فقد كان قاضيًا في البلد وعمله يحتم عليه ذلك. ولما بلغت هذه الأحداث سعودًا أرسل لجنة من ثلاثة رجال لتنظر في الخلاف الدائر بين أمراء الجنوب وتقوم بحله، فأمرتهم بأن يتوجهوا جميعًا إلى الدرعية فسار عبد الوهاب ومنصور وعرار واعتذر حمود،

_ (1) ((الظل الممدود)) لمحمد بن هادي: ص 44- 45 , و ((عنوان المجد في تاريخ نجد)) : (1/ 134-135) . (2) انظر: ((نفح العود)) للبهكلي: ص 213.

وأرسل بدلاً عنه ابنه بصحبة وزيره الحسن بن خالد الحازمي1. فذهب ذلك الوفد ثم عاد، وقد تبين من خلال المحاكمة بينهم عند سعود أن الحجة قد ظهرت لعبد الوهاب، وانجلت تلك المحاكمة على إطفاء نار المخاصمة، وأوضح سعود للأشراف أن الحجة عليهم قد قامت بالمخالفة ولكنه يعفو ويصفح2. وانطلقت وفود جديدة للدعوة والجهاد بقيادة عبد الوهاب إلى نجران في سنة 1221 هـ، وقد أقام بها نحو شهر وبنى فيها قلعة عظيمة3. وفي سنة 1222 هـ أمر سعود عبد الوهاب بن عامر بالتقدم على الشريف حمود والاستيلاء على ممالكه بعد أن تواترت إليه أخبار مخالفاته، وأمر أمير قحطان وأمير شهران بالمسير معه وعين بعض رجالاته ليكونوا معه4. وبعد ترتيبات وتحريات ومراسلات تم العقد على تقدم عبد الوهاب ابن عامر على حمود، وفي شهر ربيع الثاني من سنة 1224 هـ وصلت الأخبار إلى الشريف حمود بأن عبد الوهاب قادم; فجهز جيشا استنفر فيه كل من أطاعه. وقدم جيش عبد الوهاب في جمادى الآخرة من تلك السنة، ونشبت المعركة فولى أصحاب الشريف الأدبار، ولكن عبد الوهاب قتل في تلك المعركة، وعاد حمود إلى (أبو عريش) وصارت الحرب بينه وبين جيوش عسير سجالاً5.

_ (1) المصدر السابق: ص 216. (2) المصدر السابق: ص 225. (3) ((نفح العود)) للبهكلي: ص 241. (4) نفس المصدر: ص 278. (5) انظر: نفس المصدر السابق: ص 282- 293.

وعين طامي بن شعيب أميرًا بدلاً من عبد الوهاب، وجاءت الأوامر من سعود إلى أمير مكة من قبله بأن يتجه إلى اليمن ومعه خمسة آلاف، وأن يمر على طامي ابن شعيب وقومه وعددهم ثلاثة آلاف وينضم إليهم رجال شهران وغيرهم نحو الألف، واتجهوا جميعا إلى اليمن ثم عادوا على الشريف حمود في (أبو عريش) وحصلت بينهم مقتلة هزم فيها حمود وعاد إلى (أبو عريش) . وفي سنة 1226 هـ أجمع أمراء الترك على المسير إلى الحجاز بعددهم وعتادهم بقيادة محمد علي باشا، فوصل بعضهم سنة 1227 هـ إلى ينبع، ومنها ساروا إلى القرى والبوادي حتى وصلوا إلى المدينة النبوية، وقد كان بها جيش كبير لسعود يبلغون سبعة آلاف، كان من بينهم عدد كبير من رجال عسير وأهل بيته وأهل الجنوب ونجد، وقد حصرهم الترك وأعملوا فيهم القتل حتى انتشرت بينهم الأمراض والأوبئة والهلاك1. ومن هنا بدأت الدولة السعودية في حروبها مع جيوش محمد علي باشا، وبدأ الضعف فيها، وبدأ جزرها عن عسير واليمن، ففي سنة 1229 هـ توجهت الجيوش التركية إلى عسير واليمن فتجهز لهم طامي بن شعيب ولاقاهم في القنفدة واقتتل معهم وانتصر عليهم2. وفي شهر شوال من تلك السنة سار طامي بن شعيب برعاياه من عسير وألمع وغيرهم نحو عشرة آلاف مقاتل إلى أودية زهران حيث قد تجمع

_ (1) انظر: ((عنوان المجد)) : (1/ 157- 161) . (2) المصدر السابق: (1/ 179) .

نحو عشرين ألفا من الترك والمغاربة فتقاتل الجيشان وانتصر طامي عليهم وغنم منهم الكثير1. وفي سنة 1230 هـ انضم طامي بن شعيب ومن معه من عسير وألمع إلى جيوش فيصل بن سعود لقتال الترك في تربة قرب الطائف وقد تغلب عليهم الترك وتفرق جندهم. ثم إن الجيوش التركية واصلت سيرها إلى الجنوب فوصلوا بيشة ثم إلى تبالة2 حتى وصلوا إلى بلاد طامي بن شعيب ورعاياه من عسير وألمع ورفيده، وقد قاومهم طامي بما استطاع ولكنه عجز وهرب أخيرًا إلى شعوف الجبال، وما زال في توجه إلى الجنوب حتى وصل إلى صبيا حيث استدعاه الحسن بن خالد الذي كان وزيرًا لحمود الشريف، ثم سلمه للأتراك الذين كانوا في بحث عنه فبعثوا به إلى محمد علي الذي سيره إلى مصر حيث قتل وصلب فيها3. وبهذا دخلت عسير في الحكم التركي، وانكمشت عنها الدولة السعودية فأصبح النفوذ والقوة للأتراك، وبهذا ضعف دور العلماء سيما البكريون4 الذين كانوا يتولون القضاء والتوجيه في البلاد وإعانة أمرائهم في نشر دعوة التوحيد.

_ (1) نفس المصدر: (1/ 180) . (2) تَبَالة بلد يقع إلى جنوب الطائف, وتبعد عن بيشة بما لا يزيد عن 30 كم, وهناك تباله أخرى في بلاد زهران, وذكر أيضًا أن صنم دوس بها, قال ابن بشر في ((عنوان المجد)) : (1/ 182) , بأنها البلد التي هدم فيها المسلمون زمن عبد العزيز بن محمد (ذا الخلصة) وهو الصنم الذي كان قد بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله البجلي فهدمه فلما طال الزمان أعادوه. (3) انظر: ((عنوان المجد)) : (1/ 183) . (4) وهي الأسرة التي ينتمي إليها المؤلف كما سيأتي بيانه ص 43.

ولقد كان (المؤلف) وأبوه وإخوانه من أعيانهم الذين كان لهم دورهم في التوجيه والدعوة. وفي سنة 1230 هـ تولى إمارة عسير محمد بن أحمد المتحمي (الرفيدي) وهو من قرابة طامي، وبعد أيام من توليه قضى على قوات محمد علي وتولى الحكم واجتمع على طاعته أهل السراة رغبة ورهبة1. وفي سنة 1231 هـ جمع الجيوش لقتال الشريف حمود لما اجتمع في نفسه عليه من إسلام قريبه طامي للأتراك، ولما سبق من خروج صبيا ومخلافها من أيديهم إليه، وكذلك فعل الشريف حمود. وفي الثامن عشر من شهر رجب من تلك السنة اقتتل الجيشان في درب بني شعبة، وكانت الغلبة للشريف حمود، ورجع كل إلى بلده. وفي السنة التي تليها سنة 1232 هـ هَمَّ كلٌّ بغزو الآخر، وفي تلك السنة جاء الأتراك إلى عسير واستولوا عليها مرة أخرى، واستعادوا الحكم فيها فاختفى محمد ابن أحمد في جبل، ولما ذهبت القوات خرج ونادى بالجهاد ولكنه لم يوفق، فاتفق مع علي بن مجثل أن يطلبا من الشريف حمود أن يتقدم للاستيلاء على عسير فوافق ذلك رغبة عنده ففعل وملكها بعدما لاقى في ذلك ما لاقى2. وفي سنة 1233 هـ والناس يدخلون في طاعة الشريف حمود في جبال السراة ورجال ألمع جاءت الجيوش التركية لتعيد ما كان تابعا لها من قبل

_ (1) انظر: ((تتمة نفح العود)) لعاكش: ص 330 مع ((النفح)) , و ((تاريخ المخلاف السليماني)) لمحمد بن أحمد العقيلي: (1/ 530) . (2) انظر: ((تتمة نفح العود مع النفح)) : ص 334- 335 , و ((تاريخ المخلاف السليماني)) : (1/ 474-475 , 530-531) .

ولتدفع من أراد تملكها، فعبأ الشريف جنوده ولاقاهم وانتصر عليهم1. وتم للقوات التركية القبض على محمد بن أحمد وأسروه ثم قتلوه2. وبعد سنة 1233 هـ توالت الحملات التركية بالتعاون مع أمير مكة محمد بن عون على بلاد عسير ودفعهم سعيد بن مسلط الذي نصب نفسه أميرًا على عسير إثر انتصارات أحرزها ضدهم واستمرت تلك الحملات حتى توفي سعيد بن مسلط سنة 1242 هـ3. ثم تولى الإمارة بعده ابن عمه علي بن مجثل الذي كان متشبعًا بالدعوة الإصلاحية السلفية فأخذ بالعمل في إمارته على غرار آل سعود من التقدير لرجال العلم وقد خص علماء الحفاظية بالمكان الأول في إمارته. ومن هنا فإن المؤلف، وهو من الحفاظية كما سيأتي بيانه4 إن كان قد أدركته إمارة ابن المجثل فإنه سينال اهتمامًا وسيجد حرية في نشر العلم والدعوة. وقد استمرت إمارة علي بن مجثل من سنة 1243 هـ إلى سنة 1249 هـ امتدت إمارته خلال تلك السنوات إلى الجنوب حتى ضمت إليها صبيا وأجزاء من اليمن. وقد ساعد علي بن مجثل في قيام إمارته وقوتها انشغال محمد علي باشا بحروبه في نجد وسوريا، واختلاف أمراء مكة على السلطة5.

_ (1) المصدر السابق ((تتمة النفح)) : ص 338- 339 , و ((تاريخ المخلاف)) : (1/ 476) . (2) ((تاريخ المخلاف السليماني)) للعقيلي: (1/ 532) . (3) المصدر السابق: (1/ 532- 535) . (4) انظر: ص 44. (5) انظر: ((تاريخ المخلاف السليماني)) للعقيلي: (1/ 537- 541) .

ولما قاربت وفاة علي بن مجثل عهد إلى الأمير عائض بن مرعي المغيدي فحكم عسير من سنة 1250 هـ إلى سنة 1273 هـ. وقد تقدمت في أثناء إمارته جحافل تركية للاستيلاء على عسير إلا أنها صدت من قبل قبائل عسير التي اتحدت والتفت حول أميرها، إضافة إلى ما حصل من اختلاف بين قواد الأتراك وأمراء مكة. وقد كان ذلك الخلاف سببًا من الأسباب التي هيأها الله لتقوية حكم عائض فتفرغ لشئون إمارته والإصلاحات المحلية، وخصوصًا التشجيع على التفقه في الدين والذي كان للحفاظية الذين ربما كان (المؤلف) من بينهم - دور كبير فيه1.

_ (1) انظر: نفس المصدر السابق: (1/ 541-544) .

الحالة الدينية والعلمية في عصره: لقد كان للحركة العلمية والدينية في عصر المؤلف ارتباط وثيق به وبأسرته فقد قام البكريون أو الحفاظية1 بنشاط كبير في نصرة الدعوة السلفية، سواء كان ذلك بتآليفهم أو خطبهم أو مشاركتهم في حملات الدعوة التي كان يقوم بها الأمراء الذين نصروا الدعوة السلفية هناك في أول ظهورها2، وأصبحت بذلك مدينة رجال ألمع مركزًا فكريًّا مهمًّا يَضُمُّ عددًا من المفسرين والمحدثين والمؤلفين والدعاة والشعراء والكتاب3. وقد كان من البكريين أو الحفاظية - الدعاة والوعاظ والقضاة - فأصبحوا مع أمرائهم محال الشيخ مع أمراء آل سعود4. وقد كان من أشهر العلماء القائمين بتلك النهضة العلمية والدينية أحمد بن عبد القادر الحفظي، ومحمد بن أحمد الحفظي وإبراهيم بن أحمد الزمزمي ومحمد بن عبد الهادي (أبو المؤلف) وعبد الهادي بن محمد (المؤلف) وإسماعيل بن محمد (أخو المؤلف) وإسماعيل بن إبراهيم الزمزمي وعبد القادر بن أحمد الحفظي5. فقد خالطت قلوب هؤلاء العلماء بشاشة التوحيد فناصروا دعاتها بأشعار الحماسة والأقوال في الرسائل وغيرها، ومن أجل هذا فقد كان لهم ولمن استفاد منهم أثر كبير في تعليم الناس وتوجيههم.

_ (1) سيأتي بيان معنى التسميتين: ص 44. (2) انظر مزيدا من ذلك في الناحية السياسية: ص 21- 32. (3) انظر: ((نفحات من عسير)) : ص 18. (4) انظر: ((في ربوع عسير)) : ص 216. (5) انظر: ((نفح العود)) للبهكلي: ص 167.

ومن أهم الدعائم التي كانت سببًا في زوال الجهل وانقياد الناس للخير وتعظيم العلم والعلماء ما كان يتمتع به أولئك العلماء مع أمرائهم من الاتفاق على كلمة واحدة في نصر الدين ورفع راية التوحيد، فقد كانوا يصحبون الأمراء في غزواتهم وجهادهم المستمر من أجل الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر1. ولقد كان لمسجد بلدة رجال ألمع التي تربى هؤلاء العلماء والمشايخ فيها أثر كبير في ثقافتهم، فقد كان منبرًا من منابر العلم يشع نوره في جميع أرجاء منطقة عسير. ثم زاد ذلك النور عندما قام الشيخ محمد بن أحمد الحفظي وصنوه إبراهيم بتأسيس مدرستين لطلبة العلم، فأصبحت تلك البلاد منارًا للعلم يقصد، ومنهلاً من مناهل المعرفة يورد، تضرب إليها أكباد الإبل، وتستقبل طلاب العلم من مختلف الجهات، فيعودون إلى أوطانهم يحملون العلم والنور2. وقد كان من مظاهر الحركة الدينية والعلمية في تلك الفترة من الزمن المؤلفات التي ألفت لتوعية الناس ونقلهم من الظلمة والجهل والشركيات إلى التوحيد والاستنارة بدعوته.

_ (1) انظر: ((عسير في ظلال الدولة السعودية الأولى)) للدكتور/ أبو داهش: ص 40. (2) انظر: ((نفحات من عسير)) جمع محمد زين العابدين الحفظي: ص 19.

ومن أمثلة تلك المؤلفات: 1- كتاب "الظل الممدود في الوقائع الحاصلة في عهد ملوك آل سعود الأولين" وهو لوالد المؤلف محمد بن هادي، وقد أوضح خلال ذكره لتلك الوقائع ما كان يتمتع به أصحاب تلك الدعوة من قوة في التمسك بالتوحيد، وما كانت عليه أكثر البلاد في تلك المناطق من ترك للتوحيد وتعلق بغير الله تعالى، وما كان يقوم به هو وأمثاله من العلماء في الغزوات من إقامة الحجة للمدعوين قبل حربهم. 2- كتاب "نفخ العود في الظل الممدود" لمحمد بن أحمد الحفظي وقد احتوى تقريبًا على بعض ما احتوى عليه سابقه، وفيه مفاهيم الدعوة إلى التوحيد ما في الكتاب الأول وهو لا يزال مخطوطًا1. 3- ومنها كتاب "اللجام المكين والزمام المتين" لمحمد بن أحمد الحفظي أيضًا، وهو مطبوع وقد ذكر فيه أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان من المجددين وذكر فيه أنهم - يعني: الحفاظية - لدعوته من المحبين ولفتاويه من المطيعين2. ومما يحتوي عليه هذا الكتاب التناصح مع الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود، والطلب منه ومن المشايخ أن يبينوا للدعاة الحاملين لراية الأمير الأخطاء التي يقعون فيها والتي كانت سببًا في وصف دعوة الشيخ بغير ما كانت تتصف به3

_ (1) وقد بلغني بأن الدكتور/ محمد بن عبد الله آل زلفة, في قسم التاريخ بجامعة الملك سعود يحققه. (2) انظر ذلك الكتاب: ص 38 , 39 , 40. (3) المصدر السابق: ص 48- 58.

4- كتاب "تحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد" وهو الكتاب الذي بين أيدينا لمؤلفه عبد الهادي بن محمد بن عبد الهادي، وسيأتي التعريف به في الباب الثاني من هذه الدراسة1. 5- وهناك مؤلفات ورسائل وشروحات وقصائد كلها أسهمت في تكوين حركة علمية ودينية عمت بلاد عسير واستفاد منها خلق كثير. كما أن من المظاهر الدالة على شهود المنطقة حالة دينية وعلمية في تلك الفترة من الزمن ما يحصل من مراسلات بين أهل العلم والأمراء في تلك البلاد وبين العلماء والأمراء في الدرعية من أمثلة ذلك: 1- رسالة وجهت من الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى محمد بن أحمد الحفظي جوابًا عن أسئلة تتعلق بالبناء على القبور، وعن الحدود، وعمن صدر منه كفر من غير قصد منه2. 2- رسالة من الشيخ عبد الله أيضا إلى الأمير عبد الوهاب أبو نقطة أجابه فيها على أسئلة عمن قال: يعلم الله كذا وهو كاذب، وعن قول القائل: من صلى على النبي عشرًا صلى الله بها عليه مائة، ومن صلى مائة صلى الله عليه بها ألفًا، وعن التلفظ بالنية3.

_ (1) انظر: ص 43-45. (2) انظر: ((مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)) : (1/ 245- 248) . (3) المصدر السابق: (1/ 310- 311) .

دور الحفاظية في إقامة دولة التوحيد في بلادهم: لقد كان لعلماء الحفاظية دورٌ كبيرٌ في قيام ذلك النظام السياسي والديني في أرجاء عسير في تلك الفترة من الزمن بسبب توليهم لأهم المناصب في ذلك الوقت من قضاء وإرشاد وفتوى، ولم يكونوا ليحصلوا على هذه الدرجة لولا إيمانهم بمبادئ الدعوة إلى التوحيد وتعمقها في نفوسهم فنصروها وأيدوها بكل ما أوتوا من قوة في العبارة وجهاد بالنفس والمال، ومن الأمثلة الحية الدالة على شغف قلوبهم بدعوة التوحيد والقائمين عليها تلك الخطبة التي ألقاها الشيخ محمد بن هادي (أبو المؤلف) لما بلغته وفاة الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود1. وفي هذه الخطبة تظهر المحبة البالغة التي كان يكنها العلماء الحفاظية لدعوة التوحيد وعلمائها وأمرائها ومن تلك الخطبة قوله: (ألا وإن إمام زماننا ومحيي موات ديننا الذي جمع شمل الأمة على كلمة التوحيد وشيد حصن لا إله إلا الله على أرسخ أساس، وأرفع تشييد، وجدد دين الله بعد اندراسه وبين حق الله على العبيد، من نفى بأسياف عزمه الشرك والطواغيت والجحود، الداعي إلى الله المجدد لدين الله عبد العزيز بن محمد بن سعود قد قتل شهيدًا ولقي ربه حميدًا) . ومن الأمثلة الدالة على منافحتهم عن دعوة التوحيد وبيانها للناس تلك القصيدة2 التي أرسلها الشيخ محمد بن أحمد الحفظي إلى حاكم المخلاف السليماني الشريف علي بن حيدر وقاضيه عبد الرحمن البهكلي

_ (1) انظر: كتاب ((الظل الممدود)) : ص 33. (2) انظر: ((نفحات من عسير)) : ص 58 , و ((المخلاف السليماني)) للبهكلي (مخطوط) : ق2.

وعلماء تلك المنطقة، التي يدعو فيها إلى قبول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ويدفع عنها ما علق في أذهانهم عنها حيث يقول في مطلعها: هام الشجا وهاج شوق الممتلى ... وبدت صبابات الغرام الأول ثم يقول في أبيات منها: واستشهد الأيام وانظر شأنها ... وارمق عواقب حالها المتحول والحق أولى أن يجاب وإنما ... لم أدر ما حيلولة المتحيل إن كان ظنًًّا أن ذاك مخالف ... فهو البريء من الخلاف المبطل بل قام يدعو الناس بالتوحيد ... والتجريد والتفريد للرب العلي ويذب عن شرع النبي محمد ... ويذم من يدع النبي أو الولي أو كان ظنًّا أن فيه غلاظة ... وفضاضة وشكاية لم تحمل فأقول حاشا إن فيه ليونة ... وبشاشة للمقبل المستقبل لا يطلب الأموال من خزانها ... أو يقتل الأبطال إن لم تبطل بل قصده التوحيد في أفعالنا ... ثم اتباعًا للنبي المرسل ومن الأدلة على ارتباط تلك الأسرة بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وعلمائها وأمرائها تلك الرسائل المتبادلة بين الطرفين التي يظهر منها عبارات التقدير والاحترام والتواصي بالخير وعرض كل طرف على الآخر ما فيه مصلحة الدعوة وتقدمها وتلافي ما يؤدي إلى إضعاف تقدمها.

ومن تلك الرسائل: 1- رسالة وجهت من حسين وعبد الله ابني الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى محمد ابن أحمد الحفظي. ومما قالا فيها: ( ... وقد وصل إلينا كتابك وفهمنا ما حواه من حسن خطابك، وتذكر أنك على هذا الدين الذي نحن عليه من إخلاص الدين لله تعالى، وترك عبادة ما سواه وأنك لا ترضى بالإشراك والتخلف عن التوحيد ولو قدر فواق، فالحمد لله الذي مَنَّ علينا وعليك، وهذا هو أفرض الفرائض على جميع الخلق ... ) . ومما أوصياه به قولهما له: "والذي نوصيك به ونحضك عليه التفقه في التوحيد ومطالعة مؤلفات شيخنا - رحمه الله تعالى - فإنها تبين لك حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وحقيقة الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله". ومما حذراه منه قولهما: (فإياك أن تغتر بما أحدثه المتأخرون وابتدعوه كابن حجر الهيتمي وأشباهه، واعتمد في هذا الأصل على كتاب الله الذي أنزله تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين، وعلى ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا تغتر بما حدث بعدهم من البدع المضلة في أصول الدين وفروعه) 1. 2- ومنها رسالة من عبد العزيز بن محمد إلى الشيخ محمد بن أحمد الحفظي وفيها يشرح له معاملتهم للناس حيث قال: (فإذا جاءنا من

_ (1) ((مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)) : (5/ 4/ 542-545) .

يقول أنا أريد أن أبايعكم على دين الله ورسوله وافقناه وبايعناه وبينا له الدين الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ونأمره بذلك ونحضه على القيام به في بلده ودعوة الناس إليه وجهاد من خالفه، فإذا خالف ذلك وغدر فالله حسيبه ... ) . وقال فيها أيضًا: (وأما الجيوش والأجناد الذين نجهزهم من الوادي وأتباعهم فنأمرهم بقتال كل من بلغته الدعوة وأبى عن الدخول في الإسلام والانقياد لتوحيد الله وأوامره وفرائضه ... ) 1. 3- ومنها رسالة من الأمير عبد الله بن سعود إلى والد (المؤلف) محمد بن عبد الهادي وأولاده الذين كان من أشهرهم المؤلف قال فيها: من عبد الله بن سعود إلى الأخ محمد بن عبد الهادي وأولاده سلمهم الله تعالى: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد: وصل الخط وصلكم الله إلى رضوانه وما ذكرتم من نصر الله للإسلام وأهله فإنه المحمود على ذلك ووعد الله يتم ... ثم طلب الأمير من الشيخ أن يلازم عبد الوهاب الأمير هناك ويناصره إذ قال: (ويذكر لنا أن ديرتكم متشطره2 عن عبد الوهاب والذي مثل عبد الوهاب يشره3 عليكم بالملازمة والمعاضدة في أمور دينه ودنياه ... ثم قال: فنحن نلزم عليكم ونعزم أنكم تنتقلون

_ (1) انظر هذه الرسالة في كتاب ((عسير خلال القرنين)) : ص 41 , وقد أحالها مؤلفه إلى دار الوثائق القومية بالقلعة في القاهرة. (2) متشطره , يعني: بعيده. (3) يشره , يعني: يؤاخذكم.

يم1 عبد الوهاب ... وواجبكم نقوم به إن شاء الله ... والمأمول فيكم الامتثال ساعة يجيكم الكتاب ... وأنتم بحفظ الله وأمانه والسلام) 2. وهناك رسائل كثيرة في "مجموعة الرسائل" وفي كتاب "أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب" وكتاب "عسير خلال قرنين" كلها تدل على الصلة القوية بين أسرة (المؤلف) البكريين أو (الحفظيين) مع علماء الدعوة إلى التوحيد في الدرعية. ولم يقتصر دورهم في نصر الدعوة على الإسهام بالخطبة والكتاب والدروس بل تعدى ذلك إلى المشاركة بالنفس: فإن أبا المؤلف محمد بن عبد الهادي كان قد صحب أحد الجيوش بنفسه وهو شيخ كبير كما يدل عليه قوله في تاريخه "الظل الممدود" (ثم حصل للفقير إلى الله تعالى العزم على السفر للمعاونة في الجهاد ... وإن كان الحال يقصر والعذر واسع والعجز ظاهر) 3. وكذلك محمد بن أحمد الحفظي كان يشارك في حضور الغزوات استجابة لدعوة الحق والهدى ويرسل إلى العلماء الكتب والقصائد ليقنعوا من وراءهم بقبول الدعوة كما حصل مع حكام المخلاف السليماني4.

_ (1) ((يم)) , بمعنى: نحو, أو إلى. وأصلها من يمم بمعنى اتجه, يقال: يمم وجهه نحوه: اتجه إليه. (2) انظر هذه الرسالة خلف هذه الورقة, وفي كتاب ((الظل الممدود)) : ص 17. (3) ((الظل الممدود)) : ص 35. (4) انظر: ((نفح العود)) (مخطوط) : ق 4, و ((المخلاف السليماني)) لعاكش (مخطوط) : ق 14 , و ((نفحات من عسير)) : ص 44 , 58.

الضيف يمر بك فتكرمه وتحسن1 إليه. وعن أبي2 شريح3 خويلد بن عمرو العدوي- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "م ن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته قالوا: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: يومه وليلته، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه "4 أخرجاه5.

_ (1) ((تفسير الطبري)) : (4/ 5/ 83) , و ((تفسير البغوي)) : (1/ 425) , و ((تفسير ابن الجوزي)) : (1/ 179) , وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله في ابن السبيل ثلاثة أقوال: 1- الضيف: قاله سعيد بن جبير والضحاك ومقاتل والفراء وابن قتيبة والزجاج. 2- المسافر: الذي يمر بك, قاله الربيع بن أنس ومجاهد وقتادة. 3- الذي يريد سفرًا ولا يجد نفقه, ذكره الماوردي وغيره عن الشافعي. وقال ابن الجوزي: روي عن الإمام أحمد أنه قال: هو المنقطع به يريد بلدًا آخر, وهذا اختيار ابن جرير وأبي سليمان الدمشقي والقاضي أبي يعلى. قال: ويحققه أن السبيل الطريق, وابنه صاحبه الضارب فيه. (2) في ((ر)) : (ابن أبي شريح) , وهو خطأ من الناسخ. (3) في ((الأصل)) : (أبي شريح ابن خويلد) , وهو خطأ, وهو: خويلد بن عمرو بن صخر ابن عبد العزى أبو شريح الخزاعي صحابي جليل, كان من عقلاء الرجال, روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس, ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما أو يعضد بها شجرة. . .)) الحديث, توفي -رضي الله عنه- سنة 68 هـ. انظر ترجمته في: ((الإصابة ((: (11/ 192) , ((أسد الغابة)) : (1/ 629) , ((الطبقات)) لابن سعد: (5/ 460) . (4) البخاري: الأدب (6019) , ومسلم: اللقطة (48) , والترمذي: البر والصلة (1967) , وأبو داود: الأطعمة (3748) , وأحمد (6/385) , ومالك: الجامع (1728) . (5) [17 ح] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (10/ 445, ح 6019) , كتاب الأدب, باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره. و ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (2 1/ 273، ح 48) ، كتاب اللقطة، باب الضيافة ونحوها. انظر تفصيل التخريج في الملحق.

الجائزة: العطية، أي: يقري الضيف ثلاثة أيام ثم يعطيه ما يجوز به من منهل إلى منهل1 وقيل: هو أن يكرم الضيف ثلاثة أيام2 فإذا سافر أعطاه ما يكفيه يوما وليلة حتى يصل إلى موضع آخر3. العاشر: قوله تعالى: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} يعني: المماليك، فأحسنوا إليهم والإحسان إليهم أن لا يكلفهم ما لا يطيقون، ولا يؤذيهم بالكلام الخشن، وأن يعطيهم من الطعام والكسوة ما يحتاجون إليه بقدر الكفاية. وعن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: " كان آخر كلام النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم "4 أخرجاه5.

_ (1) المنهل: المشرب ثم كثر ذلك حتى سميت منازل السفار على المياه مناهل، فيطلق المنهل على المشرب والشرب، والموضع الذي فيه المشرب والمنزل يكون بالمفازة. انظر: ((لسان العرب)) : (11/ 681) ، مادة: ((نهل)) ، و (القاموس المحيط) : (ص 1377) ، مادة: ((نهل)) . (2) قوله: (ثم يعطيه ما يجوز به من منهل إلى منهل، وقيل: هو أن يكرم الضيف ثلاثة أيام) سقط ((ش)) . (3) انظر: (فتح الباري) : (10/ 533) ، و ((النهاية في غريب الحديث)) : (1/ 314) . (4) في ((ر)) : (اتقوا الله وما ملكت أيمانكم) . (5) [18] لم أجد بعد البحث أن البخاري أو مسلمًا قد أخرجا هذا الحديث في صحيحيهما، ولعل الشيخ نظر إلى قول الحاكم بعد هذا الحديث المروي عن أنس وهو قوله: (قد اتفقا على إخراج هذا الحديث) ، فحكم به، إلا أن هذا القول قد تعقبه الذهبي بقوله للحاكم: (فلماذا أوردته؟) . انظر: ((المستدرك)) : (3/ 57) . وإنما رواه البخاري في ((الأدب المفرد)) : (ص 68- 69، ح 58 1) ، والحديث في ((سنن أبي داود)) : (5/ 359، ح 5156) ، كتاب الأدب، باب في حق المملوك، وفي ((سنن ابن ماجه)) : (2/901، ح2698) ، كتاب الوصايا، باب هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحديث صححه ابن حبان: ((الإحسان)) : (8/205، ح6571) ، وصححه الحاكم في ((المستدرك)) : (3/57) . وصححه الألباني. انظر: ((صحيح سنن أبي داود)) : (3/969، ح4295) ، و ((صحيح سنن ابن ماجه)) : (2/109-110، ح284) ، ((إرواء الغليل ((: (7/237، ح2178) . انظر تفصيل التخريج في الملحق.

عن المعرور بن سويد1 رضي الله عنه قال: " رأيت أبا ذر- رضي الله عنه- وعليه حلة، وعلى غلامه مثلها، فسألته عن ذلك فذكر أنه ساب رجلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيره بأمه فأتى الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنك امرؤ فيك جاهلية [قال] 2 ساعتي هذه من كبر السن قال: نعم هم إخوانكم وخولكم3 جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم " أخرجاه4.

_ (1) هو: معرور بن سويد- أبو أمية- الأسدي الكوفي، تابعي عاش 120 سنة، أدرك بعض الصحابة، وقد روى عن عمر وأبي ذر وابن مسعود، توفي سنة بضع وثمانين هجرية. انظر ترجمته في: ((السير)) للذهبي: (4/ 174) ، ((الطبقات)) لابن سعد: (6/ 118) ، ((تذكرة الحفاظ)) : (1/ 67) ، ((تهذيب التهذيب)) : (15/ 230) . (2) في ((الأصل)) : (قلت) ، وفي بقية النسخ: (قال) . (3) الخول: جمع خولي، وهو الراعي الحسن القيام على المال والغنم، كعربي وعرب. انظر: ((لسان العرب)) : (11/ 225) . (4) [19ح] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (1/ 84، ح 30) ، كتاب الإيمان، باب المعاصي من أمر الجاهلية. ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (143/11- 144، ح 39، 40/ 1661) ، كتاب الإيمان، باب إطعام المملوك مما يأكل وإلباسه مما يلبس. جاءت الرو، الآية في ((صحيح مسلم)) قال: قلت: على حال ساعتي من الكبر، قال: نعم. وفي رو، الآية أبي معاوية: نعم على حال سعتك من الكبر. انظر تفصيل التخريج في الملحق.

وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} 1 المختال2 المتكبر العظيم في نفسه الذي لا يقوم بحقوق الناس، والفخور هو الذي يفخر على الناس، ويتطاول عليهم، ختم الله هذه الآية الكريمة3 بهذين الوصفين المذمومين; لأن المختال والفخور يأنف من أقاربه الفقراء ومن جيرانه الضعفاء، فلا يحسن إليهم، ولا يلوي بنظره عليهم، ولأن المختال هو المتكبر، ومن كان متكبرًا فلا يقوم بحقوق الناس. عن ابن عمر - رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء "4. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا ينظر الله

_ (1) سورة النساء، الآية: 36. (2) كلمة: (المختال) سقطت من ((ر)) . (3) قوله: (ختم الله هذه ال، الآية الكريمة) بيض له في ((ر)) . (4) [20 ح] هو بهذا اللفظ في ((سنن الترمذي)) : (4/ 223 , ح 1730) , كتاب اللباس, باب ما جاء في كراهية جر الثوب. وأخرجه البخاري في ((صحيحه)) , انظر: ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (10/ 258, ح 5791) , كتاب اللباس, باب من جر ثوبه خيلاء. وأخرجه مسلم في ((صحيحه)) - أيضا-, انظر: ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (14/ 304, ح 42/ 2085) , كتاب اللباس والزينة, باب تحريم جر الثوب. انظر التفصيل في الملحق.

يوم القيامة إلى من جر إزاره خيلاء "12. وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجل شعره، يختال في مشيته، إذ خسف الله به الأرض، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة "3. وعنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الفخر والخيلاء في الفدادين من أهل/ الوبر، والسكينة في أهل الغنم "4 الفدادون: الحراثون وأصحاب الإبل والبقر، المتكبرون على الناس بها5.

_ (1) في ((ر)) , و ((ش)) : (من جر إزاره بطرا) , وفي ((ع)) سقطت رو، الآية أبي هريرة هذه. (2) [21 ح] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (10/ 257, ح 5788) , كتاب اللباس, باب من جر ثوبه من الخيلاء. ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (14/ 304, ح 48/ 2087) , كتاب اللباس, باب تحريم جر الثوب خيلاء. (3) [22 ح] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (10/ 258, ح 5789) , كتاب اللباس, باب من جر ثوبه خيلاء. ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (14/ 308, ح 49/ 2088) , كتاب اللباس, باب تحريم التبختر في المشي. انظر تفصيل التخريج في الملحق. (4) [23 ح] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (6/ 350 , ح 3301) , كتاب بدء الخلق, باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال. ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (2/ 391, ح 85/ 52) , كتاب الإيمان, باب تفاضل أهل الإيمان. انظر تفصيل التخريج في الملحق. (5) انظر التوسع في بيان معنى الفدادين في: ((لسان العرب)) : (3/ 330) , مادة: ((فدد)) .

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: (كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار.......................................................

_ {عن معاذ بن جبل1} الأنصاري رضي الله عنه قال: " كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار "2 وفي رواية: "ردف"، الردف والرديف: الراكب خلف الراكب، قال النبي صلى الله عليه وسلم " صاحب الدابة أحق بصدرها "3 وقد أفرد ابن منده4 أسماء من أردفه النبي صلى الله عليه وسلم خلفه فبلغوا ثلاثين

نفسًا1 قيل: إن حمار النبي صلى الله عليه وسلم أهداه2 المقوقس صاحب مصر الذي أهدى مارية القبطية3 أم إبراهيم، وقيل: أهداه فروة4 بن عمرو الجذامي5 وقيل: أصابه يوم خيبر، وسماه يعفور، وكان يركبه في حاجته، ويبعثه في حاجته، ويبعثه إلى باب الرجل فيأتي الباب فيضربه برأسه فإذا خرج إليه صاحب الدار، أومأ إليه برأسه فيأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى بئر كانت لأبي الهيثم بن التيهان6 فتردى فيها

_ (1) ذكره ابن حجر في ((الفتح)) : (10/ 398) . (2) زاد هنا في ((الأصل)) كلمة: (صاحب) , والصواب حذفها كما في بقية النسخ. (3) هي: مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسريته, وهي أم ولده إبراهيم, أهداها له المقوقس, ووصلت إلى المدينة سنة 8هـ, وتوفيت سنة 16هـ. انظر ترجمتها في: ((أسد الغابة)) : (6/ 261) , ((الإصابة)) : (13/ 125) , ((أعلام النساء)) : (5/ 10) . (4) كتب في كل النسخ: (عروة) , وما أثبته هو الصواب كما في ((السيرة النبوية)) لابن هشام: (4/ 234) . (5) هو: فروة بن عمرو بن النافرة الجذامي ثم النفاثي, كان عاملا للروم على من يليهم من العرب وهو الذي بعث وفدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره عن إسلامه وأهدى له بغلة بيضاء فلما بلغ الروم ذلك من إسلامه طلبوه وحبسوه ثم صلبوه وقتلوه, وقال عندما قدموه للقتل: بلغ سراة المسلمين بأنني ... سلم لربي أعظمي ومقامي انظر عنه في: ((السيرة)) لابن هشام: (4/ 234) , ((عيون الأثر)) : (2/ 422) , ((مختصر سيرة الرسول)) : (ص 429) . (6) هو: مالك بن بليّ بن عمرو بن الحاف بن قضاعة, وقيل: مالك بن التيهان بن مالك بن عمر, صحابي جليل, كان يكره الأصنام في الجاهلية ويقول بالتوحيد, وكان أول من أسلم من الأنصار الذين لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة, اختلف في وفاته بين كونها في خلافة عمر سنة 21هـ, أو 20هـ, وبين كونها في صفين مع علي -رضي الله عنه- سنة 37هـ. انظر ترجمته في: ((طبقات ابن سعد)) : (3/ 447) , ((أسد الغابة)) : (4/ 238- 239) , ((صفة الصفوة)) : (1/ 462-463) .

فقال: "يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ " فقلت: الله ورسوله أعلم، قال: "فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا "

_ جزعا على النبي صلى الله عليه وسلم فصارت قبره1. فيه تواضعه صلى الله عليه وسلم لركوبه الحمار مع الإرداف عليه، وجواز الإرداف على الدابة إذا أطاقت. وفضيلة معاذ بن جبل رضي الله عنه. {فقال: " يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد "2} أي: ما يستحقه وما أوجبه وجعله محتمًا عليهم {" وما حق العباد على الله "3} إنما قال حقهم على سبيل المقابلة لحقه عليهم، لا أنهم4 يستحقون عليه شيئًا، ويجوز5 أن يكون من قول الرجل لصاحبه حقك علي واجب، أي: متأكد قيامي به " فقلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق الله على العباد أن

فقلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس، قال: " لا تبشرهم فيتكلوا "1 أخرجاه في " الصحيحين".

_ يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا "2 الحق الذي على العباد حق تعبد وإلزام، والحق الذي على الله سبحانه وتعالى حق تفضل وإنعام (فقلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: "لا تبشرهم فيتكلوا "3 على سعة رحمة الله تعالى ويتركوا العمل. قال الحسن البصري4 " يرد كثير من الناس يوم القيامة مفاليس من الأعمال لاتكالهم على سعة رحمة الله تعالى "5. {أخرجاه في "الصحيحين6 "} . فيه جواز كتمان العلم للمصلحة، فإذا مست الحاجة أظهره فأخبر بها معاذ بن جبل رضي الله عنه عند موته تأثما [أي] 7 خشية الوقوع في إثم

من كتم علمًا يعلمه لما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من كتم علمًا يعلمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار 1 " والمراد بذلك العلم الذي يجب تعليمه من علوم الشرع، فلا يحمل ذلك على تعليم الحرف والصنائع2 إلا ما كان تعليمه فرض كفاية كتعليم الرمي وغيره من أسباب القتال، وفيه استحباب البشارة للمسلم بما يسره.

_ (1) [26 ح] ((سنن أبي داود)) : (4/ 67-68 , ح 3658) , كتاب العلم, باب كراهية منع العلم, ((سنن ابن ماجه)) : (1/ 96, 98, ح261, 266) , المقدمة, باب من سئل عن علم فكتمه. والحديث روي عن أبي هريرة, وأنس بن مالك, وأبي سعيد الخدري, وعبد الله بن عمرو بن العاص. والحديث صححه ابن حبان: ((الإحسان)) : (1/ 154, ح 95, 96) . وصححه الحاكم في ((المستدرك)) : (1/ 102) من حديث المصريين, ووافقه الذهبي. وقد نقل المنذري في ((الترغيب)) , وتابعه الألباني في ((صحيح الترغيب ((عن الحاكم قوله: (صحيح لا غبار عليه) , ولم أجد هذه العبارة في ((المستدرك)) . وصححه الألباني, انظر: ((صحيح الترغيب والترهيب)) : (1/ 124, ح 115) , و ((صحيح الجامع)) : (2/ 111, ح 6517) , مع إسقاط لفظة: ((عن أهله)) التي حكم عليها بالضعف في ((ضعيف الجامع)) : (ص 838, ح 5813) . والحديث جاء في بعض ألفاظه من سئل عن علم فكتمه, وفي بعضها: ((من كتم. . .)) . انظر تفصيل التخريج في الملحق. (2) وقد جاء ما يفيد كونه علم الدين من قوله صلى الله عليه وسلم في ((سنن ابن ماجه)) (1/ 97) : ((من كتم علما مما ينفع الله به في أمر الناس أمر الدين. . .)) . لكن هذه الرو، الآية ضعفها الألباني في ((ضعيف الجامع)) : (ص 839, ح 5814) .

الفصل الثاني: حياة المؤلف

الفصل الثاني: حياة المؤلف ... حياة المؤلف اسمه ونسبه: هو عبد الهادي [هادي] بن محمد بن عبد الهادي [هادي] 1 بن بكري بن محمد بن مهدي بن موسى بن جعثم بن عجيل بن عيسى بن حسن ابن محمد بن أسعد بن عبد الله بن أحمد بن موسى بن علي بن يوسف بن إبراهيم بن أبي العباس أحمد بن موسى بن علي بن عمر بن عجيل بن محمد بن حامد بن زرنوق بن وليد بن زكريا بن محمد بن حامد بن معزب ابن عبيد بن محمد الفارسي بن زايد بن ذؤال بن شنوءة بن ثوبان بن عيسى ابن غالب بن عبد الله بن عك بن عدنان2. وعبد الهادي هو أحد أبناء أربعة أنجبهم محمد بن عبد الهادي وهم عقيلي وهادي وإسماعيل وإبراهيم وكلهم من أم إلا عقيلي3 فنلاحظ نسبته إلى البكري، وإلى العجيلي، وقد يطلق عليه وعلى أفراد أسرته الحفظي كما سيأتي بيانه.

_ (1) في بعض المصادر: (هادي) , وفي بعضها: (عبد الهادي) , والتسمية بهادي أو عبد الهادي كلاهما سائغ لأن الهادي من الأسماء المشتركة ومثله يقال: محسن وعبد المحسن. (2) انظر: ((قمع المتجري)) (مخطوط) : ق 5 , وما بعدها, وانظر: مقدمة كتاب ((الظل الممدود)) : ص. (3) انظر: ((نسب الفقهاء العجليين)) (مخطوط) : ق 2.

أسرته: البكريون أو (الحفاظية) كما اشتهر عنهم أخيرًا ينتمون إلى بيت العجيلي وهو بيت عرف بالفتوى والقضاء والتعليم والصلاح وكان مستقرهم بناحية من نواحي زبيد باليمن. وقد ظهر من هذا البيت العالم المشهور أحمد بن موسى الذي اشتهر فقهه وعلمه وسكن محلة عرفت بعد ذلك (بيت الفقيه) نسبة إليه1. وقد هاجر أحد أفراد هذا البيت من محلتهم تلك باليمن وهو موسى ابن جعثم متوجهًا إلى قرية رجال ورزقه الله فيها الأبناء والحفظة فكان من بين هؤلاء بكري ابن مهدي بن موسى فاشتهر وأصبحت القرية تنسب إليه2. ثم إنه تفرع من بكري هذا خمسة بطون لأن أبناءه كانوا خمسة: عبد القادر وهادي ومحمد وطواشي وأحمد ولكل منهم عقب، فجد المؤلف هو هادي3، وأما آل الحفظي (أو الحفاظية) فعرفوا بذلك لأنه ولد لعبد القادر أحد الأبناء الخمسة لبكري ولد اسمه أحمد اشتهر بالذكاء والحفظ فسمي أحمد الحفظي فغلب هذا الاسم وشمل حتى أبناء عمومته من أبناء عبد الهادي وغيره4. فالحفاظية من البكريين، والبكريون من العجيليين، فهي سلسلة نسب، والمؤلف متصل بهذه السلسلة فهو حفيد هادي بن بكري.

_ (1) ((التصوف في تهامة)) لمحمد بن أحمد العقيلي: ص 174, 179, ((معجم المؤلفين)) : (2/ 189) . (2) انظر: ((في ربوع عسير)) : ص 91. (3) انظر: ((نسب الفقهاء العجليين)) (مخطوط) : ق 2. (4) انظر: ((نسب الفقهاء العجليين)) (مخطوط) : ق 2.

موطنه: وأما موطنه فبلاد عسير في قرية رجال التي كانت موطنًا لآبائه وأجداده كما تقدم ذكره قريبًا، والتي أصبحت بعد هجرة واستيطان أجداده بها محطًّا لركاب وفود طلبة العلم من كل الجهات1. مولده ووفاته: وأما عن مولده ووفاته فإن المصادر المخطوطة والمطبوعة التي وقفت عليها لم تذكر عنه شيئًا. ولا يمنع أن يكون ذلك موجودًا فيما لم يطبع أو لم أتمكن من الوصول إليه مما زال مخطوطًا فقد قال صاحب كتاب "نسب الفقهاء العجيليين" حسن بن عبد الرحمن الحفظي وهو منهم قال في الورقة الأولى عنهم: (ومناقبهم بحمد الله معلومة مقررة، وتراجمهم لدينا مجموعة محررة) 2. وقد اجتهدت وسعي في معرفة ذلك: فاستعرضت الكتب التي يظن أن له فيها ترجمة وراسلت علماء في اليمن، وسافرت إلى ضمد وأبها - المجاورة لرجال ألمع مسقط رأس المؤلف وموطن أسرته - واتصلت بالعلماء فيهما فحصلت على معلومات شفوية ومخطوطات عن أسرة المؤلف وكتب قديمة.

_ (1) انظر: ((قمع المتجري على أولاد البكري)) (مخطوط) : ق 5. (2) انظر: ((نسب الفقهاء العجيليين)) (مخطوط) : ق 2.

فخرجت من ذلك بالنتيجة الآتية: 1- لما عدد صاحب الرسالة المعروفة بـ "نسب الفقهاء العجيليين" أبناء الشيخ بكري بن محمد الذي ينسب إليه البكريون ذكر أن منهم هادي وعبد القادر1. 2- ثم عدد أبناء هادي فذكر أن منهم محمدًا، وذكر أن لعبد القادر ابنًا اسمه أحمد عرف بالحفظي2. فمحمد بن هادي هو أبو المؤلف، وأحمد الحفظي (ابن عم أبيه) وقد عرف مولد ووفاة أحمد الحفظي (1145 - 1233 هـ) . ثم إن محمد بن هادي ولد له أبناء منهم المؤلف هادي بن محمد ولم يعرف مولده ولا وفاته بالدقة وأحمد الحفظي ولد له أبناء من بينهم محمد بن أحمد (1176 - 1237 هـ) وقد عرف مولده ووفاته وإبراهيم بن أحمد الذي عرف بالزمزمي وقد عرف مولده ووفاته (1199 - 1257 هـ) . فمحمد بن أحمد وإبراهيم بن أحمد من أقران المؤلف فمولده على ذلك بالتقدير لعله في العقد الثامن من القرن الثاني عشر (؟ 117 هـ) ووفاته في العقد السابع من القرن الثالث عشر (؟ 126 هـ) . 3- وقد ذكر محمد بن هادي والد (المؤلف) عند ذكره بعض الغزوات التي كانت تقوم بها الدولة السعودية الأولى لنشر الدعوة هناك سنة 1218 هـ بأن ابنه إسماعيل كان مطوعهم أي مرشدهم ومرجعهم في الأحكام3.

_ (1) ((نسب الفقهاء العجيليين)) (مخطوط) : ق 2. (2) نفس المرجع. (3) انظر: ((الظل الممدود)) : ص 36.

وهذا يعني أنه في سنٍّ تمكنه من ذلك، ولابد أن أخاه عبد الهادي (المؤلف) كان أكبر منه لتقدمه عنه في الذكر عند من ذكروا أنسابهم وشجروا لهم فإذا قدر لإسماعيل (40) أربعون سنة، وأخوه أكبر منه بسنتين أو ثلاث تبين أن مولدهما كان حسب تقديري في العقد الثامن من القرن الثاني عشر وذلك بعد طرح هذا العمر من سنة الغزاة (1218 - 40 = 1178 هـ) . 4- وجاء في أقدم نسخة عندي للكتاب أن كاتبها قد انتهى من نسخه لها سنة 1264 هـ، ولم يترحم على المؤلف بل مدحه بأنه عالم زمانه1 مما يعطي احتمالا أنه كان في تلك السنة حيًّا أو كان قد مات ولم يبلغ نبأ وفاته تلك الديار. فيقوى احتمال تقديري لمولده ووفاته بما ذكرت أنه ولد في العقد الثامن من القرن الثاني عشر (؟ 117 هـ) وتوفي في العقد السابع من القرن الثالث عشر (؟ 126 هـ) . 5- وجاء في كتاب "تاريخ عسير" لهاشم النعمي بعد أن ذكر وفاة أمير عسير (أبو نقطة) سنة 1217 هـ قوله وكان من ضمن قضاته الشرعيين كل من عبد الهادي بكري ومحمد بن أحمد الحفظي ومحمد بن موسى وغيرهم من رجال العلم2. فعلم من ذلك أن عبد الهادي كان حينها كما قدرت له حين ذكر بجوار أخيه إسماعيل فوق الأربعين.

_ (1) انظر: صفحة العنوان: ص 77. (2) انظر: ((تاريخ عسير في الماضي والحاضر)) لهاشم النعمي: (1/ 133) .

الفصل الثالث: عقيدته

الفصل الثالث: عقيدته لقد كان المؤلف رحمه الله كما ظهر لي ذلك من خلال معايشتي لشرحه لهذا الكتاب يعتقد معتقد السلف الصالح ويدافع عنه، إلا أن فائدة إظهار ذلك تأتي من حيث إن بعض العلماء في بلاد المؤلف وما حولها1 لم تبلغهم دعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب واضحة في تلك الفترة من الزمن مما حدا بكثير منهم إلى ردها. ولهذا فقد كان المؤلف وأبوه وكثير من العلماء في أسرته من أوائل من فهم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، واعتقدوا مبادئها التي تتفق مع منهج الكتاب والسنة، فتركوا ما كانوا عليه من التقليد والميل للتصوف الذي كان شائعًا بين علماء تلك البلاد فكانوا ممن جاهدوا لإبراز تلك الدعوة وإيضاحها للناس بمؤلفاتهم وأشعارهم، وسيرهم مع السرايا التي كانت ترسل إليهم من الدرعية2. وقد استخرجت من خلال كتابه هذا ما يثبت انتظامه منهج السلف في الاعتقاد. الإيمان بالله: فهو يعتقد في الإيمان منهج السلف من أهل السنة والجماعة أنه تصديق بالقلب ونطق باللسان وعمل بالجوارح والأركان، وأنه يزيد وينقص كما قال

_ (1) راجع ما تقدم ذكره في الحالةالسياسية في عصره: ص 21. (2) راجع ما تقدم ذكره: ص 37-42.

تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} 1. الأسماء والصفات: ويعتقد في أسماء الله تعالى أنها توقيفية فلا يجوز فيها غير ما ورد في الشرع، بل يدعى الله بأسمائه التي وردت في الكتاب والسنة على وجه التعظيم. ويراعي الداعي حسن الآداب فلا يجوز أن يقال: يا ضار، يا مانع، يا خالق القردة، على الانفراد، بل يقول: يا ضار يا نافع، يا معطي يا مانع، يا خالق الخلق2. وإنه يجب الإيمان بصفاته الثابتة من غير تمثيل ولا تعطيل حيث قال رحمه الله: واعلم أن ما ورد في الكتاب العزيز والسنة الشريفة من ذكر الصفات نحو {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، 3 {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّك} 4 {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} 5 {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} 6 ونحو حديث: " إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء "7 وحديث: " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها "8 رواهما مسلم9.

_ (1) انظر: ص 353 [ش 96] . (2) انظر: ص 470 - 471. (3) سورة طه، الآية: 5. (4) سورة الرحمن، الآية: 27. (5) سورة طه، الآية: 39. (6) سورة الفتح، الآية: 10. (7) مسلم: القدر (2654) , وأحمد (2/168) . (8) مسلم: التوبة (2759) , وأحمد (4/395 ,4/404) . (9) راجع تخريجهما في ص 402-403 من هذا الكتاب.

يجب الإيمان بها من غير تمثيل ولا تعطيل، وأنشد في ذلك قول الشيباني: فلا مذهب التشبيه نرضاه مذهبًا ولا مقصد التعطيل نرضاه مقصدًا1. الإيمان بالقدر: ويعتقد أن الإيمان بالقدر خيره وشره وحلوه ومره معناه أن ما قدره الله تعالى في الأزل لابد من وقوعه، وما لم يقدره يستحيل وقوعه، وبأنه تعالى قدر الخير والشر قبل خلق الخلق2. ويُفَصَّل في الإيمان بالقدر بمثل ما نقل عن علماء السلف كابن تيمية وابن رجب وابن القيم فيقسمه إلى قسمين: أحدهما: الإيمان بأنه تعالى سبق في علمه ما يفعله العباد من خير وشر، وما يجازون عليه، وأنه كتب ذلك عنده وأحصاه، وأن الأعمال تجري على ما سبق علمه وكتابه. الثاني: خلق أفعال العباد كلها من خير وشر وكفر وإيمان، وهذا القسم الذي ينكره القدرية كلهم. وأن الأول لا ينكره إلا غلاتهم، وهو الذي كفرهم بإنكاره أكثر العلماء حيث أنكروا العلم القديم3. ويعتقد ما عليه السلف أن الهداية والإضلال بيد الله سبحانه وتعالى، وأن الله قد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم داعيًا ومبلغًا وليس إليه من الهدى شيء، وأن إبليس خلق مزينًا للدنيا وليس إليه من الضلال شيء4.

_ (1) راجع هذا النقل عنه ص 405 - 406 من هذا الكتاب. (2) انظر: ص 516. (3) انظر: ص 517. (4) انظر: ص 213.

وأن الخير والشر كلَّه من الله لا يجري في سلطانه إلا ما يشاء ولا يحصل في ملكه إلا ما سبق به القضاء، لا مهرب لعبد عن معصيته إلا بتوفيقه ورحمته، ولا قوة له على طاعته إلا بمعونته وإرادته، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه ولا راد لأمره1. الشفاعة: ويعتقد أن الشفاعة في القرآن الكريم على قسمين شفاعة مثبتة وشفاعة منفية، وأن المثبتة لأهل الإخلاص أهل "لا إله إلا الله" وأن المنفية لأهل الشرك والكفر2. وأن الشفاعة المثبتة لا تكون إلا بإذن الله تعالى لقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} 3 وأنها تنفع العصاة من أهل التوحيد4. وأن الشفاعة ثابتة للنبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء والملائكة والمؤمنين بعضهم لبعض5. القرآن الكريم: ويعتقد في القرآن الكريم ما يعتقده السلف والأئمة أنه كلام الله منزل غير مخلوق، وما فيه من الكلام نزل به جبريل من عند الله على محمد صلى الله عليه وسلم وأنه صفة من صفات الله.

_ (1) انظر: ص 514. (2) انظر: ص 200. (3) سورة البقرة، الآية: 255. (4) انظر: ص 203. (5) انظر: ص 204.

قال رحمه الله: واعلم أن القرآن العظيم من صفات الله تعالى وهو كلام الله تعالى، تكلم به في القدم1. ويؤكد رحمه الله على أنه يجب العمل بمحكمه والإيمان بمتشابهه2. الجماعة والإمامة: ويعتقد بأنه يجب السمع والطاعة لولاة الأمر، وأنه لا يجوز أن تفرق جماعة المسلمين، وأن المفارق للجماعة يجوز قتله كما قال صلى الله عليه وسلم " فمن رأيتموه فارق الجماعة أو يريد أن يفرق أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم كائنًا من كان فاقتلوه فإن يد الله مع الجماعة، وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض "3 وقوله صلى الله عليه وسلم " من قتل تحت راية عمية يدعو لعصبية أو ينصر عصبية فقتلته جاهلية "45. وأن أبا بكر الصديق أفضل الصحابة، وأولى بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم 6. التوحيد: ويعتقد أن التوحيد أهم وأعظم وأفضل وأقدم العلوم7 وأن تفسيره وبيانه أكبر المسائل وأهمها8.

_ (1) انظر: ص 408. (2) ص 409-410. (3) انظر تخريج الحديث في: ص 267 في كلام الشارح. (4) انظر تخريجه في الموضع السابق. (5) انظر: ص 266-267. (6) انظر: ص 231. (7) انظر: ص 5. (8) انظر: ص 110.

وأنه إما توحيد في الربوبية أو توحيد في الألوهية. ويعرف توحيد الألوهية بأنه لا معبود بحق في الوجود إلا الله، وأن كل ما في القرآن من العبادة فمعناه التوحيد، وأن أصل العبودية التذلل، وأن العبادة هي غاية التذلل، ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال والإعظام وهو الله تعالى1. وفسر العبادة بأنها عبارة عن الفعل المشتمل على نهاية التعظيم، ولا تليق إلا لمن له الإنعام والإفضال على عباده، ولا منعم إلا الله تعالى، فكان هو المستحق للعبادة لا غيره2. وإن حقيقة التوحيد إفراد الله بالطاعة، وإفراد رسوله صلى الله عليه وسلم بالمتابعة3. اللعن والتكفير والولاء والبراء: وكان اعتقاده رحمه الله في اللعن والتكفير والولاء والبراء يتفق مع ما عليه جمهور أهل السنة والجماعة من جواز لعن أهل المعاصي على العموم من غير تعيين كما ثبت في الأحاديث الصحيحة من لعن الواصلة والمستوصلة وآكل الربا ونحو ذلك4. ويقرر رحمه الله أن كل من اعتقد في مخلوق وجعل فيه نوعًا من الإلهية فقد جعله إلهًا مع الله وإن لم يسمه إلهًا لأن الاعتبار بالمعاني لا بالألفاظ والأسماء5.

_ (1) انظر: ص 22. (2) انظر: ص 25. (3) انظر: ص 115. (4) انظر: ص 153 من هذا الكتاب. (5) انظر: ص 144 من هذا الكتاب.

ويقرر رحمه الله أن الاستهزاء بالله وبرسوله كفر، وأن الرضا بالكفر كفر، وأن شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم يكفر ويقتل، ومن شك في كفره كفر1. ويقول رحمه الله بأن الموحد العاصي لا يجوز أن يقال: إن الله يعاقبه لا محالة، ولا يجوز أن يقال: إن الله تعالى يعفو عنه لا محالة، بل هو في مشيئة الله عز وجل كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 2 إن شاء عفا عنه بفضله وكرمه ... وإن شاء عذبه بقدر ذنبه ثم أخرج من النار وأدخل الجنة، ولا يخلد في النار مؤمن، ولا يجوز أن يشهد لأحد من المؤمنين بالجنة إلا للأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ولمن بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم 3. ولا يجوز أن يقال: بأن الذنب لا يضر مع الإيمان بل يضر، ولا يثبت به في الحال جواز المؤاخذة عليه. ويقرر رحمه الله أن من كمال الإيمان الحب في الله والبغض في الله، وأن يكون الله ورسوله أحب إلى المسلم مما سواهما، فيقول رحمه الله بأن الحب في الله، والبغض في الله، والموالاة في الله، والمعاداة في الله: أصل من أصول الدين وبهما يكمل الإيمان4. موقفه من الفرق: لقد حذر رحمه الله من اتباع الطرق المختلفة والأهواء المضلة والبدع المردية، وسائر الملل والأديان المخالفة لدين الإسلام5.

_ (1) انظر: ص 448 من هذا الكتاب. (2) سورة النساء، الآية: 48. (3) انظر: ص 551 من هذا الكتاب. (4) انظر: ص 343 من هذا الكتاب. (5) انظر: ص 33 من هذا الكتاب.

وأما موقفه من الفرق المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة فإنه متفق مع العلماء من سلف هذه الأمة، فقد بين رحمه الله أن الرافضة والجهمية هما أشر أهل البدع، وأن بعض السلف قد أخرجهم من الثنتين والسبعين فرقة، وأن الشرك قد حدث بسبب الرافضة فقد كانوا أول من بنوا على القبور وعظموها. وبيَّن رحمه الله أن الجبرية - أو الجهمية - ينسبون إلى جهم بن صفوان، وهم يزعمون أن لا قدرة للعبد أصلا; ولهذا أطلق عليهم الجبرية، وليس الذي أنكر عليهم مذهب الجبرية خاصة، وإنما الذي أطبق السلف بذمهم عليه هو إنكارهم للصفات، حتى قالوا بأن القرآن ليس كلام الله وأنه مخلوق1. وبيَّن رحمه الله أن القدرية هم الذين ينسبون خلق الخير إلى الله تعالى والشر إلى النفس، وقد جاء في الحديث " القدرية مجوس هذه الأمة "2،لأن قولهم إن أفعال العباد مخلوقة بقدرتهم، يشبه قول المجوسية القائلين بأن الخير من فعل النور، والشر من فعل الظلمة. وبيَّن أن الجامع بين فرق القدرية أنهم ينكرون خلق أفعال العباد من خير وشر وكفر وإيمان. وأما غلاتهم فينكرون علم الله سبحانه وتعالى بما يفعله العباد من الخير والشر وكتابته له وسبق علمه به3.

_ (1) انظر: ص 232 من هذا الكتاب. (2) راجع تخريجه ص 514 من هذا الكتاب. (3) انظر: ص 517 من هذا الكتاب.

وبيَّن رحمه الله أن جهال الصوفية وغلاة الرافضة تكون عندهم طاعة لمشايخهم وأئمتهم توصلهم إلى طاعة المخلوق في معصية الخالق، وقد تكون هذه الطاعة شركًا أكبر إذا أوجبوا ذلك أو استحبوه أو استحلوه، مع العلم بأنه معصية، وقد تكون شركا أصغر1. وبيَّن رحمه الله اعتقاد المرجئة بأنهم يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة. ثم عقب عليه بأن ذلك من الافتراء على الله تعالى2. هذه بعض الجوانب من عقيدة الشارح التي ظهرت من خلال شرحه، وهناك جوانب أخرى كثيرة تتعلق بتوحيد الألوهية الذي هو موضوع الكتاب يمكن تأملها من خلال قراءة الكتاب.

_ (1) انظر: ص 115 من هذا الكتاب. (2) انظر:ص 554 من هذا الكتاب.

ونزلت: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} 12?} عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا بعث الله الخلائق يوم القيامة نادى مناد من تحت العرش: يا معشر الموحدين إن الله قد عفا عنكم فليعف بعضكم عن بعض "3 قال الشاعر: وكل ذنب فإن الله يغفره ... إن أسعف المرء إخلاص وإيمان وكل كسر/ فإن الله يجبره ... وما لكسر قناة الدين جبران4

_ (1) سورة الزمر، ال، الآية: 53. (2) [1 ث] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (8/ 549 , ح 4810) , كتاب التفسير, باب ((يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم. . . ((ال، الآية. و ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (2/ 499 , ح 193/ 122) , كتاب الإيمان, باب كون الإسلام يهدم ما قبله. (3) ((كنز العمال)) : (1/ 74, ح 292) عن ابن أبي الدنيا في ذم الغضب. قال العراقي في ((المغني عن حمل الأسفار)) : (3/ 194) ضمن ((إحياء علوم الدين)) , حديث أنس: ((إذا بعث الله عز وجل الخلائق يوم القيامة نادى مناد. . . ((الحديث. أخرجه أبو سعيد أحمد بن إبراهيم المقري في كتاب ((التبصرة والتذكرة ((بلفظ: ((ينادي مناد من بطنان العرش يوم القيامة يا أمة محمد إن الله تعالى يقول: ما كان لي قبلكم فقد وهبته لكم وبقيت التبعات فتواهبوها وادخلوا الجنة برحمتي ((, وإسناده ضعيف, ورواه الطبراني في ((الأوسط)) بلفظ: ((نادى مناد يا أهل الجمع تتاركوا المظالم بينكم وثوابكم علي)) , وله من حديث أم هانئ: ((وينادي مناد يا أهل التوحيد ليعف بعضكم عن بعض وعلي الثواب)) . الحديث كما ترى: قال عنه العراقي: إسناده ضعيف. (4) انظر: قصيدة ((عنوان الحكم)) لأبي الفتح البستي: (ص 43) . والبيتان بلفظ: كل الذنوب فإن الله يغفرها ... إن شيع المرء إخلاص وإيمان وكل كسر فإن الدين يجبره ... وما لكسر قناة الدين جبران

الباب الثاني: التعريف بالكتاب ونسخه

الباب الثاني: التعريف بالكتاب ونسخه الفصل الأول: التعريف بالكتاب ... الفصل الأول: التعريف بالكتاب اسم الكتاب: اتفقت جميع النسخ على تسمية الكتاب على الورقة الأولى بأنه "تحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد". وكذلك تصدير المؤلف كتابه بقوله: (وقد شرعت في شرحه مستعينا بالله الكريم الوهاب وأسأله النفع به وجزيل الثواب وإصابة الحق بعين الصواب وسميته "تحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد1 ") . نسبته لصاحبه: وقد صرح المؤلف في أول كتابه بأنه يستعين بالله على شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب فعلم أنه له لاسيما وأنه لم ينسبه أحد لغيره. وقال أحد نساخه بعد أن انتهى من نسخه: تم الكتاب المسمى "تحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد" شرح الشيخ العالم العلامة فريد دهره ووحيد عصره عبد الهادي بن محمد بن عبد الهادي2. وأخبرني الشيخ عبد الرحمن الزميلي - وهو الذي حصلت على النسخة الرابعة منه - مشافهة بأنها نسخ جد أبيه، وقد أخبره أبوه عمن قبله بأن الكتاب لعبد الهادي بن محمد بن عبد الهادي.

_ (1) انظر: مقدمة المؤلف للكتاب: ص 5. (2) انظر: وصف النسخ: ص 73.

موضوع الكتاب: والكتاب كما هو معلوم شرح للكتاب المشهور "كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد" لمؤلفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فهو شرح منتظم على أبوابه. - فقد صدر الكتاب بشرح أدلة المصنف أن التوحيد أول واجب على المكلف، وما للتوحيد من الفضل من تكفيره للذنوب، ونجاة صاحبه من الخلود في النار، ثم زاد بيان ذلك ببيان ضده وهو الشرك فبضدها تتبين الأشياء. - ثم انتقل المصنف وتبعه الشارح بعد معرفة التوحيد إلى بيان أهمية الدعوة إليه المشروط بأن يكون على بصيرة، وذلك تحت باب (الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله) ، وباب (تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله) . - ثم انتقل إلى الأبواب المفصلة لمعنى التوحيد وبيانه والتحذير مما وقع فيه الناس من أنواع الشرك الأكبر والأصغر، فشرح الأبواب التي فيها التحذير من التعلق بغير الله ظانًّا فيه النفع والضر كلبس الحلق والخيوط والحروز لرفع البلاء أو دفعه والتعلق بالرقى والتمائم، والتبرك بالأشجار والأحجار، والذبح والنذر والاستعاذة والاستغاثة بغير الله. - ثم انتقل إلى بيان ما أورده المصنف من الآيات والأحاديث في الرد على من أجاز التعلق بالخلق وأنهم ينفعون ويضرون تحت باب قول الله تعالى {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شيئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} 1 وباب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُم} 2 وباب الشفاعة، وباب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت} 3

_ (1) سورة الأعراف، الآية: 191. (2) سورة سبأ، الآية: 23. (3) سورة القصص، الآية: 56.

ثم انتقل إلى شرح الأبواب المتعلقة بالغلو في الصالحين بأصنافه المختلفة من الغلو فيهم أو عبادة الله عند قبورهم، وأن علاج ذلك هو حماية جناب التوحيد من كل طريق يوصل إلى الشرك، والعلم بأن من الأمة من يضل فيعبد الأوثان، ولابد من دعوتهم وحربهم لردهم إلى الحق وتعريفهم عليه، وذلك تحت باب: ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين، وباب: ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده، وباب: ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانًا تعبد من دون الله، وباب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد، وباب: ما جاء أن بعض هذه الأمة تعبد الأوثان. - ثم انتقل إلى شرح الأبواب التي عقدها المصنف لمعالجة الواقع الذي كان يعيشه كثير من الناس في تلك الأزمان في الجزيرة - ولا يزال إلى اليوم في بعض البلاد، فشرح باب: ما جاء في السحر، وباب: بيان شيء من أنواع السحر، وباب: ما جاء في الكهان ونحوهم، وباب: ما جاء في النشرة، وباب: ما جاء في التطير، وباب: ما جاء في التنجيم، وباب: ما جاء في الاستسقاء بالأنواء. - وما بقي من أبواب الكتاب جعلها المصنف في بيان تعظيم الله أو التحذير من الاعتقاد في بعض الخلق ما يعتقد في الله، أو النهي عن أمور تنافي التوحيد أو كماله. فمن أول الأمر بالتوكل عليه، وعدم الأمن من مكره، والصبر على أقداره والتسليم والإيمان بها، والإيمان بأسمائه وصفاته واحترامها، وعدم ظن السوء فيه سبحانه، وتعظيم ذمة الله وذمة رسوله، وأن لا يتألى عليه ولا يستشفع به على خلقه، وأن يُحْمَى توحيده ويُقَدَّر حق قدره.

ومن الثاني: المحبة أو الخوف من غير الله كالمحبة والخوف من الله، ومراءاة غير الله بالعمل الصالح أو إرادة الدنيا من ورائه، والطاعة لغير الله في معصية الله، والتحاكم إلى غير حكم الله ورسوله، نسبة نعم الله إلى غيره تعالى، ومساواة غيره تعالى به اعتقادًا أو نطقًا. ومن الثالث: سب الدهر أو سب الريح وقول السلام على الله، وقول اللهم اغفر لي إن شئت، أو قول عبدي وأمتي، أو رد من سأل بالله، أو السؤال بوجه الله، أو التصوير، أو الإكثار من الحلف بالله. وقد تبع المؤلف المصنف فشرح هذه الأبواب وبينها وشنع على الواقعين في تلك المخالفات الشركية أو المنافية لكمال التوحيد، وحذرهم بالآيات والأحاديث والآثار والشعر. منهج المؤلف في شرحه: شرح التحقيق يعد في نظري من أهم الشروح لكتاب التوحيد، وهو ثالث ثلاثة من الشروح الموسعة المهمة لكتاب التوحيد1. فقد اهتم صاحبه بكل ما يهتم به الشارح لكتاب: فقد شرح الغريب، وبين المختصر الذي يحتاج إلى بيان، واستشهد بالأبيات الشعرية في المواطن التي تحتاج إلى استشهاد ... إلى غير ذلك من مقاصد الشروح. وقد كان يعالج النصوص المشروحة على النسق الآتي تقريبًا:

_ (1) وأعني بالثلاثة: (الشرحان المطبوعان المتداولان وهما ((تيسير العزيز الحميد)) للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب, و ((فتح المجيد)) للشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب) . وأما الثالث فهو هذا الشرح الذي بين أيدينا.

1- يذكر اسم الباب وقد يدخل شرحًا بين كلمات التسمية، وخصوصًا إذا كانت تسمية الباب تشمل آية. 2- يذكر جزءًا من النص من كتاب التوحيد ثم يشرحه ثم يأتي بالجزء الآخر ويشرحه وهكذا. 3- إذا كان النص آية ينقل أقوال المفسرين فيها، وإن كان حديثًا يشرحه بذكر روايات أخرى للحديث. وهذا أسلوب في الشرح مدحه ابن حجر رحمه الله في "الفتح": (6/475) ، حيث قال: (إن المتعين على من يتكلم على الأحاديث أن يجمع طرقها ثم يجمع ألفاظ المتون إذا صحت الطرق، ويشرحها على أنها حديث واحد، فإن الحديث أولى ما فسر بالحديث) . وقد سلك ذلك ابن رجب رحمه الله في رسالته "كلمة الإخلاص". وقد فسر الغريب في الحديث، ويضبط ما يحتاج إلى ضبط ليتضح المعنى. 4- يزيد في مواضع كثيرة بعد بيان الآية أو الحديث أقوالا مأثورة عن الصحابة أو التابعين أو العلماء أو الزهاد. 5- إذا رأى حاجة إلى الإضافة أو التنبيه في شرح آية أو حديث فإنه يضيف ذلك بتصديره بكلمة فرع أو تتمة أو تكميل أو علم أو نحو ذلك. وقد يجعل ذلك بعد نهاية الباب إن كان متعلقه الباب كله. 6- يذكر أحيانًا مناسبة الآية أو الحديث للترجمة. 7- قد يترجم ترجمة مختصرة لبعض الرواة.

مقارنته بـ"التيسير" و"الفتح "1: لم أجد في الكتاب تصريحًا أن المؤلف قد أخذ من "التيسير" أو "الفتح"، ولربما كان تأليفه لهذا الشرح دالا على أنه لم يكن قد وصلهم شرح لكتاب التوحيد2. ومع هذا فإن الكتاب قريب في منهجه من أسلوب الكتابين، ولعل اجتماع الأدلة وتواردها في كل باب لأن مادة الكتاب المشروح واحدة، ولاتفاقهم في بعض المصادر ك "فتح الباري" و "الأذكار" للنووي وغيرهما. والشروح الثلاثة لكل واحد منها ميزة قد لا توجد في الآخرين، فلا يغني أحدها عن الآخرين، ومما امتاز به هذا الشرح: 1- عنايته بالألفاظ الغريبة وضبطها وبيانها في اللغة معتمدًا على كتب اللغة والغريب. 2- تحلية شرحه بالاستشهاد بالأبيات الشعرية فقد استشهد بما يقرب من ستين بيتًا. 3- امتاز أيضًا بتعقيباته وملحقاته في الأماكن المناسبة بعد باب أو تفسير آية أو شرح حديث.

_ (1) أعني: ((تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد)) , و ((فتح المجيد شرح كتاب التوحيد)) . (2) والأحوال والتاريخ يثبت ذلك فأما ((التيسير)) فلم يكن صاحبه قد أتمه إذ مات سنة 1233 هـ ولم يتمه بعد, وتداول الكتاب وتنقله لا يكون إلا بعد تمام تأليفه, إضافة إلى انعدام الطباعة آنذاك وإن وجدت فهي محدودة. وأما ((الفتح)) فربما كان تأليفه متأخرًا عن كتاب ((التحقيق)) أو مقارنًا له, إضافة إلى الأسباب الأخرى من قلة الطباعة أو انعدامها آنذاك.

ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحدًا إذ رفع إلي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه، فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي: هذه أمتك ومنهم سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب.

_ فيعمل السامع بحديثه {ولكن حدثنا ابن عباس} -رضي الله عنهما- {عن النبي صلى الله عليه وسلم} قال: " عرضت عليَّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط "1 أي: الجماعة، والرهط من الثلاثة إلى العشرة2 " والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد " لأنه لم يجبه أحد فحشر وحده، وكل أمة تحشر وحدها مع نبيها إذ رفع إلى سواد عظيم أي: ناس كثير " فظننت أنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه "3 الذين أجابوه " فنظرت فإذا سواد عظيم "4 أكثر من سواد موسى وقومه (فقيل لي: هذه أمتك [ومعهم] 5 سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب (وجاء في رواية: " مع6 كل واحد منهم سبعون ألفًا "7.

فرع: حديث " لا تزول قدم عبد يوم القيامة [حتى يسأل] 1 عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه "2.

_ (1) ما بين القوسين سقط من ((الأصل)) , وهو ثابت في بقية النسخ. (2) [37 ح] ((سنن الترمذي)) : (4/ 612 , ح 2417) , كتاب صفة القيامة, باب في القيامة. ((مجمع الزوائد)) : (10/ 346) , باب ما جاء في الحساب عن الطبراني في ((الأوسط)) . ((سنن الدارمي)) : (1/ 110 , ح 543) , المقدمة, باب من كره الشهرة والمعرفة. والحديث رواه جمع من الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم , فقد رُوي عن أبي برزة الأسلمي, وعن معاذ بن جبل, وعن ابن عباس, وعن أبي الدرداء, وعن ابن مسعود - رضي الله عنهم-. زاد في بعض الروايات في ((المجمع)) : ((وعن حبنا أهل البيت)) , وفي ((سنن الترمذي)) في رو، الآية ابن مسعود: ((حتى يسأل عن خمس)) . والحديث قال فيه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني, انظر: ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) : (2/ 667 , ح 946) . وانظر: ((تحقيقه لاقتضاء العلم العمل)) : (ص 159 , ح1 ,2 , 3) . انظر تفصيل التخريج في الملحق.

هذا الحديث وما أشبهه كقوله صلى الله عليه وسلم " ما منكم [من] 1 أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان "2 عام لأنه نكرة في سياق النفي لكنه مخصوص بقوله صلى الله عليه وسلم " [يدخل] 3 الجنة سبعون ألفا من أمتي بغير حساب "4 وبقوله تعالى5 " أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن "6.

_ (1) كلمة: (من) سقطت من ((الأصل)) , وأضفتها من النسخ الأخرى. (2) [38 ح] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (13/ 423 , ح 7443) , كتاب التوحيد, باب قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} . و ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (7/ 106 , ح67/ 1016) , كتاب الزكاة, باب الحث على الصدقة. والحديث رواه عدي بن حاتم -رضي الله عنه-. انظر التفصيل في تخريجه في الملحق. (3) ما بين القوسين من ((ر)) و ((ع)) , وفي ((الأصل)) و ((ش)) : (يدخلون) . وقد اختلفت النسخ في اللفظ فبعضها: ((يدخل الجنة سبعون ألفا)) , وبعضها: ((يدخل الجنة من أمتك)) , وبعضها: ((يدخل الجنة من أمتي)) . (4) [39 ح] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (11/ 305 , ح 6472) , كتاب الرقاق, باب ومن يتوكل على الله فهو حسبه. ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (3/ 91 , ح 372/ 218) , كتاب الإيمان, باب الدليل على دخول طائفة من المسلمين الجنة بغير حساب. والحديث في ((صحيح البخاري)) مروي عن ابن عباس, وفي ((صحيح مسلم)) مروي عن عمران بن حصين -رضي الله عنهما-. انظر تفصيل التخريج في الملحق. (5) أي: في الحديث القدسي. (6) [40 ح] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (8/ 395-396 , ح 4712) , كتاب التفسير, باب ذرية من جعلنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا. ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (3/ 66-69 , ح 327/ 194) , كتاب الإيمان, باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها. الحديث مروي من طريق أبي هريرة -رضي الله عنه-. انظر التخريج المفصل في الملحق.

ثم نهض فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك، فقال بعضهم: لعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: لعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئًا، وذكروا أشياء.........

_ {ثم نهض} أي: قام من بين أصحابه " فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك، فقال بعضهم: لعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: لعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئًا، وذكروا أشياء "1 أي: غير هذا، فقيل: إنهم من أهل البقيع، كأن وجوههم القمر ليلة البدر، روى2 الطبراني3 عن أمِّ قيس بنت محصن4 قالت:

فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه، فقال: "هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ".

_ أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي حتى أتينا البقيع فقال: " يا أم قيس، يبعث من هذه المقبرة سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب "، فقام رجل فقال: أنا منهم، قال: "نعم"، فقال آخر فقال: أنا منهم؟ فقال: سبقك بها عكاشة 1"23. {فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه} / بخوضهم في أولئك {فقال: " هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون "4} . تمسك بهذا الحديث من كره الرقى والكي من بين سائر

فقام عكاشة بن محصن

_ الأدوية، وزعم أنهما قادحان في التوكل. وقال عياض وغيره: الحديث يدل على أن للسبعين الألف مزية على غيرهم وفضيلة تفردوا بها1 {فقام عكاشة بن محصن} الأسدي- بتشديد الكاف وتخفيفها- قيل: كان من أجمل الرجال، وكنيته أبو محصن، وهاجر وشهد بدرًا، وقاتل فيها2 قال ابن إسحاق3 بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير فارس من العرب عكاشة "45.

فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت منهم، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: قد سبقك بها عكاشة "1.

_ {فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: " أنت منهم 2 "} " وفي رواية: "اللهم اجعله منهم3 " {ثم قام رجل آخر فقال4 ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: "قد سبقك5 بها عكاشة 6 "} " [استشهد عكاشة في قتال الردة - رضي الله عنه-] 78.

قال القرطبي1 لم يكن عند الثاني2 من تلك الأحوال ما كان عند عكاشة فلذلك لم يجبه إذ لو أجابه لجاز أن يطلب ذلك كل من كان حاضرا، فيتسلسل فسَدَّ الباب3 فقوله: " سبقك بها عكاشة " من حسن خلقه صلى الله عليه وسلم. قال النووي4 الأظهر المختار أن الرجل هو سعد بن عبادة5.

_ (1) هو: محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري, الخزرجي, المالكي -أبو عبد الله- القرطبي, صاحب كتاب ((الجامع لأحكام القرآن)) في التفسير, والذي يحكي مذاهب السلف كما ذكره ابن العماد, وصاحب كتاب ((التذكرة في أمور الآخرة)) , مات سنة 671هـ. انظر ترجمته في: ((الأعلام)) : (5/ 322) , ((شذرات الذهب)) : (5/ 335) , ((طبقات المفسرين)) للداوودي: (2/ 69-70) . (2) في ((ع)) , و ((ش)) سقط قوله: (لم يكن عند) . (3) انظر: ((فتح الباري)) : (11/ 412) , كتاب الرقاق, باب يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب. (4) هو: يحيى بن شرف -أبو زكريا- النووي, الشافعي, الملقب بمحيي الدين, عالم في الفقه والحديث, نقل عنه قوله: (خطر لي الاشتغال فيه علم الطب فاشتريت كتاب القانون فيه وعزمت على الاشتغال فيه فأظلم عليّ قلبي, وبقيت أياما لا أقدر على الاشتغال بشيء ففكرت في أمري ومن أين دخل عليّ الداخل فالهمني الله أن سببه اشتغالي بالطب فبعت القانون في الحال واستنار قلبي) , وُلد رحمه الله سنة 631هـ, وتوفي سنة 676هـ. انظر ترجمته في: ((شذرات الذهب)) : (5/ 354-356) , ((الأعلام)) : (8/ 149- 150) , ((تذكرة الحفاظ)) : (4/ 1470-1474) . (5) هو: سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن حرام الأنصاري سيد الخزرج, صحابي جليل, كان ذا جود وكرم, دعا له ولآله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة)) , توفي سنة 15هـ بحوران بالشام. انظر ترجمته في: ((الإصابة)) : (4/ 152-153) , ((صفة الصفوة)) : (1/ 503) , ((أسد الغابة)) : (2/ 204-206) .

رضي الله عنه-. وفي البخاري1 [فقام] 2 رجل من الأنصار، وهذا أولى من قول من قال3 كان منافقا4. فرع: لا يظن أن5 من استرقى، واكتوى لا يدخل الجنة بغير حساب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رقى نفسه وأمر بالرقى، وكذا كوى نفسه وأصحابه6.

_ (1) انظره: مع ((الفتح)) : (11/ 406, ح 6542) , كتاب الرقاق, باب يدخل الجنة سبعون ألفا. (2) في ((الأصل)) : (فقال) , وهو خطأ, وصوبته من بقية النسخ, ومن الرو، الآية في ((صحيح البخاري)) . (3) كلمة: (قال) سقطت من ((ر)) , و ((ع)) , وهي ثابتة في ((الأصل)) , و ((ش)) . (4) انظر: ((شرح النووي على صحيح مسلم)) : (3/ 89-90) . (5) كلمة: (أن) سقطت من ((ر)) , و ((ع)) , وهي ثابتة في ((الأصل)) , و ((ش)) . (6) وقد أورد الشارح رحمه الله الأدلة على جواز تلك الأمور, فحديث جابر وحديث أنس, وحديث عمران وحديث ابن عباس -رضي الله عنهم- كلها أدلة على جواز الكي لكن تركه من كمال التوحيد. وقوله لآل عمرو بن حزام: ((اعرضوا على رقاكم, لا بأس بالرقى ما لم يكن فيها شرك)) دليل على جواز الرقى إذا لم تكن شركا. ويبقى القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم رقى نفسه وأمر بالرقى, وكوى نفسه وأصحابه. فأما رقيته لنفسه فيستدلون عليه بما ورد في ((صحيح البخاري)) أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو الله أحد والمعوذتين جميعا ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده. انظر: ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (10/ 209 , ح 5748) , كتاب الطب, باب النفث في الرقية. وأما أمره بالرقى فيدل عليه ما ورد في ((صحيح البخاري)) -أيضا- عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر أن يسترقي من العين ((. وما ورد فيه -أيضا- عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة فقال: ((استرقوا لها فإن بها نظرة)) . انظر: ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (10/ 199) , كتاب الطب, باب رقية العين. وأما كيه لنفسه فيستدلون عليه إطلاق بعض الأقوال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتوى, وفي بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم اكتوى للجرح الذي أصابه بأحد, وقد جزم ابن التين بأنه اكتوى وعكسه ابن القيم في ((الهدي)) . وقد تعقب ابن حجر رحمه الله ذلك فقال: ولم أر في أثر صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتوى. إلا أن القرطبي نسب إلى كتاب ((أدب النفوس)) للطبري أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتوى. وذكره الحليمي بلفظ: روي أنه اكتوى للجرح الذي أصابه بأحد, قلت -القول لابن حجر-: والثابت في ((الصحيح)) في غزوة أحد أن فاطمة أحرقت حصيرا فحشت به جرحه وليس هذا الكي المعهود. انظر: ((فتح الباري)) : (10/ 156) , كتاب الطب, باب من اكتوى أو كوى غيره. وأما كيه لأصحابه فيستدلون عليه بحديث جابر في قصة سعد بن معاذ, وبحديث أنس في كي أسعد بن زرارة الآتيان بعد هذا.

عن جابر رضي الله عنه قال: " لما رمي سعد بن معاذ1 رضي الله عنه في أكحله2 حسمه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص3 ثم ورمت فحسمت

_ (1) هو: سعد بن معاذ بن النعمان بن امرىء القيس الأنصاري، صحابي جليل، وهو القائل يوم بدر عن الأنصار: ((امض يا رسول الله لما أردت فنحن معك فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك)) توفي من أثر جراح في أكحله وقع له يوم الخندق، ولما مات قال صلى الله عليه وسلم: ((اهتز عرش الرحمن لموت سعد)) ، مات سنة 5 من الهجرة. انظر ترجمته في: ((أسد الغابة)) : (2/ 221- 224) ، ((صفة الصفوة)) : (1/ 455- 465) ، ((الإصابة)) : (4/ 171) . (2) الأكحل: عرق في وسط الذراع يكثر فصده, ويدعى نهر البدن وفي كل عضو منه شعبة. . . فإذا قطع في اليد لم يرقأ الدم. انظر: ((النهاية)) : (4/ 154) , و ((لسان العرب)) : (11/ 586) . (3) المشقص: نصل السهم إذا كان طويلاً غير عريض. انظر: ((لسان العرب)) : (7/ 48) .

ثانية " أخرجه مسلم وأبو داود1. وعن أنس رضي الله عنه قال: " كوى النبي صلى الله عليه وسلم أسعد بن زرارة2 من الشوكة3 " الشوكة: حمرة تعلو الوجه والجسد4. وكيه صلى الله عليه وسلم بيان للجواز عند الضرورة، وقيل: إنما كوى سعد بن معاذ ليرقأ الدم عن جرحه وخاف عليه أن ينزف فيهلك، والكي مستعمل في هذا الباب، وهو من

_ (1) ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (14/ 445 , ح 75/ 2208) , كتاب السلام, باب لكل داء دواء واستحباب التداوي. وانظر: ((سنن أبي داود)) : (4/ 200 , ح 3866) , كتاب الطب, باب في الكي, وقد جاء فيه مختصرا بلفظ: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ في رميته)) . و ((سنن ابن ماجه)) : (2/ 1156 , ح 3494) , كتاب الطب, باب من اكتوى. (2) هو: أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة -أبو أمامة- الأنصاري الخزرجي وهو من أول الأنصار إسلاما, شهد العقبتين, مات في السنة الأولى من الهجرة, وكان موته بسبب مرض يقال له: الذبحة, وهو أول من دفن بالبقيع. انظر ترجمته في: ((الإصابة)) : (1/ 50-51) , ((أسد الغابة)) : (1/ 86-87) , ((سير أعلام النبلاء)) : (1/ 299-304) , ((طبقات ابن سعد)) : (3/ 608-612) . (3) ((سنن الترمذي)) : (4/ 390, ح 2050) , كتاب الطب, باب ما جاء في الرخصة في ذلك. / ((مسند الإمام أحمد)) : (5/ 378) , ((معجم الطبراني)) كما في ((مجمع الزوائد)) : (5/ 98) , ((مسند أبي يعلى)) (كما في ((مجمع الزوائد)) : (5/ 98) . الحديث قال فيه الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات, وقال في بعض طرقه: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح, وقال في أخرى: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. وقال الترمذي: حديث حسن غريب. وصححه الألباني كما في ((صحيح سنن الترمذي)) : (2/ 204 , ح 1670) . (4) فسرت الشوكة بهذا, وفسرت -أيضا- بأنها داء كالطاعون ولعلها مرضان. انظر: ((لسان العرب)) : (10/ 455) , مادة: ((شوك)) .

العلاج الذي يعرفه الخاصة، وأكثر العامة، والعرب تستعمل الكي كثيرًا فيما يعرض لها من الأدواء1 وتعاطي الأسباب لا ينافي التوكل، ولكن مقام الرضا والتسليم أعلى من مقام تعاطي الأسباب2 وترك الرقية [والكي] 34 من تحقيق التوحيد، والناس فيه مراتب5.

_ (1) ((معالم السنن)) للخطابي: (4/ 197-198) . (2) وهذا مقيد بما إذا كانت هذه الأسباب مكروهة أو مباحة فيتركها العبد توكلا على الله لكونها أسبابا مكروهة, أما تعاطي الأسباب المشروعة فلا يقدح في مقام الرضا والتسليم. (3) قوله: (والكي) سقط من ((الأصل)) , وألحقته من بقية النسخ. (4) لو عبر بقوله: (وترك الاسترقاء والاكتواء) لكان أوفق للنص: ((الذين لا يسترقون ولا يكتوون)) ; لأن المقصود أن المكروه هو طلب الرقية والكي. (5) نقل القرطبي عن غيره أن استعمال الرقى والكي قادح في التوكل; لأن البرء فيهما أمر موهوم وما عداهما محقق عادة كالأكل والشرب فلا يقدح ثم تعقبه فقال: وهذا فاسد من وجهين: أحدهما: أن أكثر أبواب الطب موهوم. والثاني: أن الرقى بأسماء الله تعالى تقتضي التوكل عليه والالتجاء إليه والرغبة فيما عنده والتبرك بأسمائه, ولو كان ذلك قادحًا في التوكل لقدح الدعاء, إذ لا فرق بين الذكر والدعاء. ثم ذكر أن طائفة من الصوفية قالت: لا يستحق اسم التوكل إلا من لم يخالط قلبه خوف غير الله تعالى حتى لو هجم عليه الأسد لا ينزعج وحتى لا يسعى في طلب الرزق لأن الله ضمنه له. ثم تعقبه فقال: وأبى ذلك الجمهور وقالوا: يحصل التوكل بأن يثق بوعد الله ويوقن بأن قضاءه واقع, ولا يترك اتباع السنة في ابتغاء الرزق مما لا بد له منه من مطعم ومشرب وتحرز من عدو بإعداد السلاح وإغلاق الباب ونحو ذلك, ومع ذلك فلا يطمئن إلى الأسباب بقلب, بل يعتقد أنها لا تجلب بذاتها نفعًا ولا تدفع ضرًا, بل السبب والمسبب فعل الله تعالى, والكل بمشيئته, فإذا وقع من المرء ركون إلى السبب قدح في توكله. انظر: ((فتح الباري)) : (11/ 409-410) , كتاب الرقاق, باب يدخل الجنة سبعون ألفًا بغير حساب.

يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [لآل عمرو بن حزم] 12 "اعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقى ما لم يكن فيها شرك "3.

_ (1) في ((ر)) : (قال لآل عمرو بن العاص وابن حزم) , وفي ((ع)) : (قال لابن عمر وابن حزم) , وفي ((ش)) : (قال لا لعمرو ابن حزم) , والصواب المثبت من مصادر الحديث: (قال لآل عمرو بن حزم) . (2) هو: عمرو بن حزم بن زيد الأنصاري الخزرجي -أبو الضحاك- صحابي جليل, استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على نجران, روى محمد بن سيرين عنه أنه كلم معاوية بكلام شديد لما أراد البيعة ليزيد, وروى عنه أنه روى لعمرو بن العاص لما قتل عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تقتله الفئة الباغية)) , مات سنة 53هـ. انظر ترجمته في: ((أسد الغابة)) : (3/ 711) , ((شذرات الذهب)) : (1/ 59) , ((الأعلام)) : (5/ 76) . (3) [43 ح] الرو، الآية التي عن آل عمرو بن حزم نصها: أنهم جاءوا فقالوا: يا رسول الله, إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب, وإنك نهيت عن الرقى. قال: فعرضوا عليه, فقال: ((ما أرى بأسا من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه ((. انظر: ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (14/ 437 , ح 63/ 2199) , كتاب السلام, باب استحباب الرقية. و ((السنن الكبرى)) للبيهقي: (9/ 349) , كتاب الضحايا. و ((فتح الباري)) : (10/ 195) , كتاب الطب, باب الرقى إلا أنه قال في آخره: ((فليفعل)) . أما الرو، الآية التي نسبها الشارح إلى آل عمرو بن حزم فالصحيح أنها عن عوف بن مالك -رضي الله عنه-, ولعل ذكرها بجوار رو، الآية آل عمرو في تلك المصادر التي اعتمدت عليها الشارح كان السبب في خلط الشارح بينهما وتخريج هذه الرو، الآية أعني: رو، الآية عوف: ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (14/ 437 , ح 64/ 2200) , كتاب السلام, باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيها شرك. و ((سنن أبي داود)) : (4/ 214 , ح 3886) , كتاب الطب, باب ما جاء في الرقى. انظر تفصيل التخريج في الملحق.

عن عمران بن حصين12 -رضي الله عنهما- قال: " نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكي فابتلينا فاكتوينا كيات فما أفلحنا ولا أنجحنا "3 أخرجه أبو داود والترمذي4. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنهي أمتي عن الكي "5.

_ (1) في ((ر)) : (عمر ابن حصيب) وهو تصحيف ظاهر. (2) هو: عمران بن الحصين -صحابي جليل أسلم عام خيبر سنة 7هـ, وكان من علماء الصحابة, كان ممن تسلم عليه الملائكة, روى عنه قوله: اكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا, وأنه لما اكتوى انقطع عنه التسليم مدة, توفي سنة 52هـ. انظر ترجمته في: ((تذكرة الحفاظ)) : (1/ 29) , ((صفة الصفوة)) : (1/ 681) , ((طبقات ابن سعد)) : (7/ 9) . (3) الترمذي: الطب (2049) , وأبو داود: الطب (3865) , وابن ماجه: الطب (3490) , وأحمد (4/427) . (4) [44 ح] ((سنن أبي داود)) : (4/ 197 , ح 3865) , كتاب الطب, باب في الكي. و ((سنن الترمذي)) : (4/ 389 , ح 2049) , كتاب الطب, باب ما جاء في كراهية التداوي بالكي. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني, انظر: ((صحيح سنن أبي داود)) : (2/ 733 , ح 3274) , و ((صحيح سنن الترمذي)) : (2/ 204 , ح 1669) . انظر تفصيل التخريج في الملحق. (5) [45 ح] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (10/ 136) , كتاب الطب, باب الشفاء في ثلاث. ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (14/ 442 , ح 71/ 2205) , كتاب السلام, باب لكل داء دواء. انظر تفصيل التخريج في الملحق.

الفصل الثاني: التعريف بنسخ الكتاب

الفصل الثاني: التعريف بنسخ الكتاب النسخ وكيفية الحصول عليها ورموزها: وقفت على أربع نسخ للكتاب: الأولى: نسخة ضمد، وقد حصلت على أصلها المخطوط من مكتبة الشيخ علي بن محمد أبو زيد الحازمي المدرس في معهد ضمد العلمي، وقد حصلت عليها بادئ ذي بدء بواسطة الأخ الفاضل محمد بن هادي المدخلي المدرس في كلية الحديث بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية الذي كان قد استعارها من صاحبها، فلما سمعني أذكر الكتاب وأن له نسخة في ضمد أخبرني بوجودها عنده، وقدمها إليَّ. فجزاه الله خير الجزاء، وجزى الله صاحبها مثليه حيث أمهلني ببقائها عندي حتى انتهيت من عملي. والمخطوطة ليس لها رقم مخصوص في مكتبة صاحبها. وقد جعلت هذه النسخة أصلاً نسخت عليه، وقارنت النسخ الأخرى به لما امتازت به من القدم ووضوح الخط وقلة التحريف والسقط مقارنة بغيرها، إضافة إلى توافر أصلها المخطوط بين يدي. الثانية: نسخة من الرياض، حصلت على صورتها من مكتبة الرياض العامة السعودية التي أصبحت في دار الإفتاء. وقد قام بتصويرها لي الأخ الفاضل صالح بن محمد العقيل المحاضر في كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية فجزاه الله عني خير الجزاء.

وهي برقم عام 86، ورقم التصنيف 361، وقد رمزت لها بحرف "ر". الثالثة: نسخة من الرياض أيضًا، حصلت عليها من مكتبة خاصة يمتلكها الشيخ عمر غرامة العمروي، وقد أحسن جزاه الله خيرًا فأعارني أصل المخطوط. وهي برقم 157 مخطوطات كما ذكره لي مشافهة وقيدته عنه وقد رمزت لها بحرف "ع". الرابعة: نسخة من شوحط من قرى عسير، وقد حصلت على صورة منها من صاحبها الشيخ الفاضل عبد الرحمن بن عبد الله الزميلي، وقد أطلعني على أصل المخطوط وأخبرني أنها بخط جد والده. فجزى الله من قدمها لي خير الجزاء، ورحم الله كاتبها رحمة واسعة. وليس للنسخة رقم في مكتبته، وقد رمزت لها بحرف "ش". وصف النسخ: - النسخة الأولى: خطها جيد، وهي قليلة الأخطاء، وكاتبها يبدل الهمزة ياء في مثل قوله (علمايه، الملايكة، خطييات) ، ويستعمل الرسم العثماني في مثل قوله: (الصلاة، الزكاة) . ويخطئ قليلاً في الإملاء في مثل (الانتهى، الإسرى) ونحوها. وقد جعل ناسخها نص كتاب التوحيد باللون الأحمر، وشرحه بالخط الأسود، لكنه لم يلتزم اللون الأحمر للنص بدقة بل حلى به الشرح أحيانًا في مثل قوله: (أولاً، ثانيًا) ، وفي مثل قوله: (تتمة، فرع، قيل، ونحوها) .

وقد مُحِيَ الخط الأحمر في كثير من الصفحات خصوصًا في أوائل الكتاب. وقد أحاط الكتابة في كل صفحة بخطين أحمرين ومسطرة الصفحة في هذه النسخة 23×16 سم وعلى أطراف أوراقها أثر احتراق وغرق. وعدد صفحاتها 213 صفحة. وتتراوح عدد أسطر كل صفحة بين 20 إلى 21 سطرًا. وقد وجدت في هذه النسخة تقديمًا وتأخيرًا بين الأوراق ربما حصل عند التجليد فرتبتها ورقمتها. ووجدت أنه قد سقط منها ما يقارب صفحتين وذلك من أول باب (ما جاء في اللو) من بعد قوله: وقيل: لو كنا على إلى أول (باب لا تسبوا الريح) وقوفًا على قوله: عن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكملت ذلك النقص بالنظر في النسخ الأخرى. وعلى هذه النسخة بعض التصحيحات والإضافات اليسيرة الدالة على تصحيحها ومقابلتها بغيرها. وقد جلد معها في أولها جزء من نظم عبد الله بن محمد الأمير لعمدة الأحكام وهو مبتور من أوله حيث بدأ بباب القراءة في الصلاة. أول المخطوط: وقد كتب على ورقتها الأولى (كتاب تحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد) للشيخ العالم العلامة فريد دهره ووحيد عصره عبد الهادي بن محمد بن عبد الهادي البكري العجيلي نفع الله به وبعلومه آمين اللهم آمين آمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا كريم آمين اللهم آمين.

- آخر المخطوط: وقد كتب على ورقتها الأخيرة قول كاتبها: تم هذا الشرح العظيم بعون الله الملك الرحيم إنه جواد كريم، وفقنا الله لفهم معانيه والعمل بما فيه. وكان الفراغ من رقمه في شهر محرم الحرام سنة أربعة وستين ومائتين وألف. وذلك بعناية الأخ السيد الجليل الأفضل رفيع المنصب والمحل شيعي1 آل الرسول نسأل الله أن يقينا وإياه المحذور، ويتولى إعانتنا وإعانته في جميع الأمور. وأن يختم لنا وله بالصالحات من الأعمال2 محمد وآله خير آل، وأن ينشر علينا وعلي ظل رحمته، وأن يجعلنا من الفائزين برضائه في جناته وغرفاته، وأن يوفق الجميع إلى أوضح طريق وأقوم منهج إنه على ما يشاء قدير نعم المولى ونعم النصير. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا مباركًا فيه من يومنا هذا إلى يوم الدين سرمدًا بسرمد ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. حسين بن إسماعيل بن حسن الحازمي حفظه الله3 وأبقاه فيما يرضيه وصلى الله على سيد محمد وآله. كان ذلك بقرية ضمد المحروسة حرسها الله من نقمه وأسبل عليها نعمه آمين، اللهم آمين آمين.

_ (1) يقصد بكلمة شيعي هنا التشيع اللغوي بمعنى الموالي والمحب لآل البيت. (2) هنا كلمة محيت بيد متأخر. (3) أطال الكاتب الجمل بين قوله وذلك بعن، الآية الأخ السيد وبين ذكر اسمه هنا.

الفصل الثالث: الإضافة العلمية فيه

الفصل الثالث: الإضافة العلمية فيه سوف أعرض في هذا الفصل ما وجدته في هذا الشرح من الإضافة العلمية مقارنة بالشرحين الآخرين "تيسير العزيز الحميد" و "فتح المجيد"، ولا أعني بذلك أنه أوسع منهما شرحا وبسطا للمسائل ففيهما أيضا ما ليس فيه. ففي أول الكتاب من (ص 24 - 29) توسع في بيان قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} 1 الآية فذكر ثمان عشرة مسألة من هذه الآية وست عشرة آية بعدها، ولم يأت هذا في "فتح المجيد" ولا "تيسير العزيز الحميد". ومن (ص 30 - 34) استنتج الشارح رحمه الله عشر مسائل من قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شيئًا} 2 الآيات إلى قوله تعالى: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 3 ولم يأت ذكرها في "التيسير" ولا "الفتح". ومن (ص 36 - 42) بعد قوله تعالى {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شيئًا} 4 ذكر الحقوق العشرة التي وسمت بها هذه الآية فذكر بأنها تسمى آية الحقوق العشرة. ولم يأت ذكر هذه العشرة في "التيسير" ولا "الفتح"، وإنما أشار في "الفتح" أنها سميت آية الحقوق العشرة.

_ (1) سورة الإسراء، الآية: 23. (2) سورة الأنعام، الآية: 151. (3) سورة الأنعام، الآية: 153. (4) سورة النساء، الآية: 36.

وفي (ص 46 - 50) بعد حديث معاذ وبعد قوله: "لا تبشرهم فيتكلوا" أورد الشارح رحمه الله مما وضح به هذا الحديث ما نقله عن الحسن البصري من قوله: " يرد كثير من الناس يوم القيامة مفاليس من الأعمال لاتكالهم على سعة رحمة الله " وفي باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب: من (ص 52 - 53) فسر قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ …} 1 بقوله: أي: أمان من وحشة القبر ومن هول المحشر ومن عذاب النار، واستدل بما في المسند وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في نشورهم، وكأني بأهل لا إله إلا الله قد قاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن "2. وفي (ص 54) بعد قوله: "وروح منه" من حديث عبادة بن الصامت نقل في معناه عن بعض المفسرين أن الله لما خلق أرواح البشر جعلها في صلب آدم عليه السلام، وأمسك عنده روح عيسى عليه السلام فلما أراد أن يخلقه أرسل بروحه مع جبريل إلى مريم فنفخ في جيب درعها فحملت بعيسى عليه السلام، فهو بشر لا يحط عن منزلته، ولا يرفع فوق قدره ومنزلته عليه السلام3.

_ (1) سورة الأنعام، الآية: 82. (2) سيأتي تخريجه في الكتاب, انظر: ص 52 , وانظر: الملحق: (28 ح) . (3) أقول ولعل هذا القول إن صح فيه خبر يكون من أحسن ما يشرح به ذلك; لأن الله تعالى قد أشار إليه في قوله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} , أي: كانت له صفة في الخلق تختلف عن غيره.

وفي (ص 57) استدل بحديث أبي سعيد الخدري من قوله: " يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله " على إثبات الميزان، وذلك بعد أن شرح هذا الحديث بحديث البطاقة. وفي باب من حقق التوحيد دخل الجنة: في (ص 64) تحت قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 1 فسر معنى {أُمَّةً} ومعنى {حَنِيفا} بمعان لم يأت ذكرها في الشرحين. وفي (ص 68) من حديث بريدة بن الحصيب عند قوله: "لا رقية إلا من عين أو حمة "2. شرح هذا الحديث بروايات أخرى توضحه فذكر رواية سهل بن حنيف: " لا رقية إلا من نفس أو حمة أو لدغة " 3. ثم فسر معنى النفس والحمة واللدغة، وبين أن هذا لا يعني عدم جواز الرقية من غيرها - يعني: العين والحمة - لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رقى بعض أصحابه من وجع كان به،4 وإنما معناه: لا رقية أولى وأنفع من رقية العين والسم. وأنه لما رأى المرأة التي بها سفعة قال: " استرقوا لها فإن بها نظرة " 5 فأمر بالرقية من غير ما سبق. وهذا التفصيل لم يرد في الشرحين.

_ (1) سورة النحل، الآية: 120. (2) انظر تخريجه في الكتاب في نه، الآية سياقه الطويل: ص 76 , وانظره في الملحق: [42 ح] . (3) انظر تخريجه في الكتاب: ص 68. (4) انظر التحقيق: ص 68. (5) انظر التحقيق: ص 70.

ثم زاد بعد ذلك تعقيبا أن العين حق ولها تأثير في المعيون، وأنه لا ينكر ضررها إلا معاند، وأورد الأدلة على ذلك مما ذكره ابن القيم في "زاد المعاد" ولم يورده الشرحان في هذا الموضع. وفي (ص 72) من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه.. . "1 الحديث، إلى قوله: " فقيل لي: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب "2 جمع بينه وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه ... "3 الحديث. بأن هذا الحديث وما أشبهه كقوله صلى الله عليه وسلم " ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان "4 عام لأنه نكرة في سياق النفي، لكنه مخصوص بقوله صلى الله عليه وسلم " يدخل الجنة سبعون ألفا من أمتي بغير حساب "5 وبقوله تعالى في الحديث القدسي:" أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن "6. وهذا الجمع لم يورده الشرحان. ثم بين (ص 80) أنه ليس كل من استرقى أو اكتوى غير داخل في السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وذلك بعرض الأدلة على ذلك. وهذا لم يفصل فيه الشرحان. وفي باب الخوف من الشرك: ومن (ص 86 - 89) شرح المؤلف الآية التي صدر بها شرحه، وهي قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 7.

_ (1) البخاري: الطب (5752) , ومسلم: الإيمان (220) , والترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (2446) , وأحمد (1/271) . (2) البخاري: الطب (5752) , ومسلم: الإيمان (220) , والترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (2446) , وأحمد (1/271) . (3) الدارمي: المقدمة (539) . (4) البخاري: الرقاق (6539) والتوحيد (7443) , ومسلم: الزكاة (1016) , والترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (2415) , وابن ماجه: المقدمة (185) والزكاة (1843) , وأحمد (4/256 ,4/377) . (5) مسلم: الإيمان (216) , وأحمد (2/302) , والدارمي: الرقاق (2807) . (6) البخاري: تفسير القرآن (4712) , ومسلم: الإيمان (194) , والترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (2434) . (7) سورة النساء، الآية: 48.

ببعض الأحاديث والآثار التي جلت المعنى وأظهرته خلافًا للشرحين فقد اقتصر في بيانها على ما نقل في ذلك عن ابن القيم. وفي (ص 89 - 91) شرح الآية الثانية وهي قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} 1 بأن وجه مناسبتها الرد على من قال: إن المسلمين لا يقع فيهم الشرك ولا يخاف عليهم منه. واستدل على خوف السلف على أنفسهم منه كما خاف إبراهيم عليه السلام بما نقل عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: "كان الناس يسألون رسول ال صلى الله عليه وسلم له عن الخير وأسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه". وبيَّن أن أشدَّ الخوف على من لم يعرف الجاهلية، واستدل عليه بقول عمر رضي الله عنه " إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية ". وهذا الاستدلال والبيان من أهم ما ينبغي ذكره هنا ولم يأت في الشرحين في هذا الموضع. وفي باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله: في (ص 106) من حديث سهل بن سعد في قصة علي - رضي الله عنهما - يوم خيبر عند قوله: " لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم "2 شرح هذا الجزء من الحديث بحديث آخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئًا ... "3 الحديث. وفي باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه: من (ص 121 - 125) في حديث عقبة بن عامر: " من تعلق تميمة فلا أتم الله له "4. فسر الشارح التميمة بالعزيمة التي تعلق على الأولاد لدفع الآفات،

_ (1) سورة إبراهيم، الآية: 35. (2) البخاري: المناقب (3701) , ومسلم: فضائل الصحابة (2406) , وأبو داود: العلم (3661) , وأحمد (5/333) . (3) مسلم: العلم (2674) , والترمذي: العلم (2674) , وأبو داود: السنة (4609) , وأحمد (2/397) , والدارمي: المقدمة (513) . (4) أحمد (4/154) .

وقد استشهد على وجود ذلك الاعتقاد الفاسد بأبيات لأحد العرب في الجاهلية. ثم زاد فائدة في نهاية الباب عن الرتيمة وفرق بينها وبين التميمة، وهذا ما لم يأت في الشرحين. وفي باب ما جاء في الرقى والتمائم: في (ص 131) ذكر بعض الأحاديث الواردة في وصف الرقى الشرعية التي كان يرقي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلمها، كحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم رقى الحمى ومن الأوجاع كلها: بسم الله الكبير أعوذ بالله العظيم من كل عرق نعار، ومن شر حر النار "1. وما روي أنه كان يقول صلى الله عليه وسلم " اذهب البأس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما "2. وما روي عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول للمريض: " بسم الله تربة أرضنا وبريقة بعضنا تشفي سقيمنا بإذن ربنا "3 وفي رواية مسلم: " إذا اشتكى إنسان أو كانت به قرحة أو جرح قال النبي صلى الله عليه وسلم بأصبعه - هكذا - ووضع شيئًا من سبابته بالأرض ثم رفعها وقال: بسم الله ... إلخ "4. وعن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات، فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن 5.

_ (1) انظر تخريجه في التحقيق: ص 131. (2) انظر تخريجه في التحقيق: ص 132 , وفي الملحق: [66 ح] . (3) انظر تخريجه في التحقيق: ص 132. (4) انظر تخريجه في التحقيق: ص 133. (5) انظر تخريجه في التحقيق: ص 133.

بينما اقتصر الشرحان على ذكر الأحاديث التي فيها الإذن بالرقى الشرعية. وفي باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما: في (ص 136) في بيانه لقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى} 1 وعند ذكر العزى ذكر معنى آخر لم يذكر في الشرحين، وهو أنه صنم لغطفان وضعها لهم سعد بن ظالم الغطفاني، وذلك أنه قدم مكة فرأى الصفا والمروة ورأى أهل مكة يطوفون بينهما فرجع إلى بطن نخلة، فقال لقومه: إن لأهل مكة الصفا والمروة وليستا لكم، ولهم إله يعبدونه وليس لكم قالوا: فما تأمرنا، قال: أنا أصنع لكم كذلك فأخذ حجرا من الصفا وحجرا من المروة ونقلهما إلى نخلة، فوضع الذي أخذ من الصفا، وقال: هذا الصفا، ووضع الذي أخذ من المروة وقال: هذه المروة، ثم أخذ ثلاثة أحجار فأسندها إلى شجرة، وقال: هذا ربكم، فجعلوا يطوفون بين الحجرين ويعبدون الأحجار الثلاثة، حتى افتتح رسول الله صلى اللع عليه وسلم مكة فأمر برفع الحجارة، وبعث خالد بن الوليد إلى العزى فقطعها2. وفي (ص 140 - 144) عند حديث أبي واقد الليثي لما قال بعض حدثاء العهد بالإسلام: " اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط "3 فأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. ذكر الشارح رحمه الله مما وضح به هذه الرواية أنه قد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم 4 لأن الناس كانوا يذهبون إليها فيصلون تحتها فخاف عليهم الفتنة.

_ (1) سورة النجم، الآية: 19. (2) انظر تخريج هذا الخبر في التحقيق: ص 134. (3) الترمذي: الفتن (2180) , وأحمد (5/218) . (4) انظر تخريج هذا الخبر في التحقيق: ص 136 , وانظر الملحق: [4 ث]

وثبت في"الصحيحين" أن عمر رضي الله عنه قال - حين قبل الحجر الأسود -: " والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك "1 ثم قبله قال ذلك خوفا على قريبي العهد بالإسلام ممن ألف عبادة الأحجار، فبيَّن لهم أنه لا يضر ولا ينفع بذاته، وإن كان امتثال ما يشرع فيه ينفع بالجزاء والثواب. وهذان الأثران من أحسن ما يوضح به حديث أبي واقد الليثي ويبيِّنه، ولم يرد ذكرهما في الشرحين في هذا الموضع. وفي باب ما جاء في الذبح لغير الله: في (ص 144 - 147) عند قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي} 2 الآية. ذكر الشارح في شرحه معاني لم تأت في الشرحين فذكر أن الآية دليلا على أن جميع العبادات تؤدى على الإخلاص لله تعالى، وأن فيها دليلا على أن جميع العبادات لا تؤدى إلا على وجه التمام والكمال; لأن ما كان لله لا ينبغي إلا أن يكون كاملا تاما مع إخلاص العبادة. وذكر بأن معنى {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي} أي: أن حياتي وموتى خلق الله تعالى وقضاؤه وقدره، أو أن معناه أن طاعتي في حياتي لله، وجزائي بعد مماتي من الله، ثم قال: وحاصل الكلام: أن الله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبين أن صلاته ونسكه وسائر عبادته وحياته ومماته كلها واقعة بخلق الله وقضائه وقدره، وهو المراد بقوله تعالى: {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شرِِيكَ له} 3 يعني في

_ (1) انظر تخريج هذا الخبر في التحقيق: ص 142. (2) سورة الأنعام، الآية: 162. (3) سورة الأنعام، الآية: 163-162.

العبادة والخلق والقضاء والقدر وسائر أفعاله لا يشاركه فيها أحد من خلقه. وفي (ص 146) في معنى قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} 1 ذكر الشارح رحمه الله خمسة أقوال بينما لم يذكر في الشرحين في معنى ذلك إلا ثلاثة أقوال، والزيادة المذكورة أن معنى فصل لربك وانحر، أي: صل لربك صلاة العيد يوم النحر وانحر نسكك، والمعنى الآخر أن معناه فصل الصلاة المفروضة بجمع وانحر البدن بمنى، وذكر من ذلك عن ابن عباس أن معناه أن تضع يدك اليمنى على الشمال في الصرة عند النحر، وذكر من ذلك أنه رفع اليدين مع التكبير إلى النحر. وفي (ص 147) نقل الشارح في معنى حديث علي بن أبي طالب "لعن الله من ذبح لغير الله ... "2 الحديث عن الرافعي وهو من الشافعية أنه قال: "واعلم أن الذبح للمعبود نازل منزلة الجود، فمن ذبح لغير الله من حيوان أو جماد لم تحل ذبيحته وكان كافرا كمن سجد لغير الله سجدة عبادة". ونقل في ذلك (ص 149) أن إبليس لعنه الله أتى في صورة رجل رحمة زوجة أيوب فوسوس إليها أن تطلب من أيوب أن يذبح سخلة لغير الله، فلما فعلت قال لها أيوب: "والله لئن شفاني الله لأجلدنك مائة جلدة ويلك أتأمريني أن أذبح لغير الله". وتوسع في ذكر الأدلة على التحذير من لعن الوالدين أكثر من الشرحين الآخرين فذكر من (ص 150 - 153) مجموعة من الأدلة فيها النهي عن اللعن عموما، وبيَّن أنها دالة على تحريم لعن الوالدين من باب أولى. وذكر في (ص 153 - 154) تنبيهين:

_ (1) سورة الكوثر، الآية: 2. (2) مسلم: الأضاحي (1978) , والنسائي: الضحايا (4422) , وأحمد (1/108 ,1/118) .

أحدهما: أن الإنسان إذا لعن شيئًا عليه أن يبادر فيشترط فيقول: (إلا أن يكون لا يستحق) . والثاني: عن جواز لعن أهل المعاصي على العموم من غير تعيين والاستدلال عليه. وفي باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله: بين الشارح رحمه الله (ص 158 - 159) تحت قوله تعالى: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} 1 الآية. أن المراد به مسجد قباء ثم بيَّن موقع قباء وأنه من عوالي المدينة، ثم بيَّن موقع العوالي وبعده عن المدينة، وأورد الأحاديث الواردة في فضل قباء، وهذا ما لم يأت في الشرحين. وفي باب من الشرك النذر لغير الله تعالى: بدأ الشارح رحمه الله (ص 164) بتعريف النذر في اللغة والشرع ولم يأت ذلك في الشرحين الآخرين. ثم ذكر في (ص 165 - 166) الاختلاف في حكم النذر هل هو مكروه أو خلاف الأولى أو أنه قربة، وأن النهي عنه محمول على من علم من حاله عدم القيام بما التزمه، وذكر حجج كل قول. ثم ذكر في (ص 166) أن النذر على ضربين: نذر لجاج، ونذر تبرر، ثم ذكر معناهما وما يتعلق بكفارتهما وهذا لم يأت في الشرحين الآخرين. ثم ذكر في (ص 167) أنواع النذور المنهي عنها والكفارة فيها، وبين أن النذر على قسمين: مفسر، وغير مفسر. ثم بين ذلك ولم يأت ذلك بهذا التفصيل والبيان في الشرحين الآخرين.

_ (1) سورة التوبة، الآية: 108.

وفي باب من الشرك الاستعاذة بغير الله تعالى: ذكر الشارح رحمه الله في (ص 169، 170) سبب نزول قوله تعالى {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} 1 وفسر قوله {رَهَقاً} بمعان كثيرة، وهذا لم يأت في الشرحين الآخرين. وتحت حديث خولة بنت حكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك "2. ذكر الشارح في (ص 171، 172) بيانًا لهذا الحديث، حديث أبي داود والنسائي أن رجلا جاء فقال: لدغت الليلة فلم أنم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضرك "3 ونقل رحمه الله في (ص 172) عن ابن التين أن الرقى بالمعوذات وغيرها من أسماء الله تعالى هو الطب الروحاني، إذا كان على لسان الأبرار فإنه يحصل به الشفاء بإذن الله تعالى. وذكر في ذلك في (ص 172 - 173) عن عائشة - رضي الله عنها - " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ الحسن والحسين بكلمات الله التامات "4. وفي باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعوه: نقل رحمه الله في (ص 174) في معنى قول الله تعالى: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ} 5 الآية، أن معنى ما لا ينفعك: يعني إن عبدته. ودعوته. ومعنى ولا يضرك، يعني: إذا تركت عبادته. وبين في (ص 174 - 175) أن الخطاب في هذه الآية وإن كان في الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم إلا أن المراد به غيره، فيكون المعنى: لا تدع أيها الإنسان من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك.

_ (1) سورة الجن، الآية: 6. (2) مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2708) , والترمذي: الدعوات (3437) , وابن ماجه: الطب (3547) , وأحمد (6/378 ,6/409) , والدارمي: الاستئذان (2680) . (3) مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2709) , وأحمد (2/375) , ومالك: الجامع (1774) . (4) البخاري: أحاديث الأنبياء (3371) , والترمذي: الطب (2060) , وابن ماجه: الطب (3525) . (5) سورة يونس، الآية: 106.

وفي (ص 175) نقل عن الطبري والبغوي والقرطبي أن معاد الضمير في قوله: "يصيب به" إلى الضر والخير. وذكر رحمه الله في (ص 175 - 176) أن في هذه الآية لطيفتين: أحدهما: من قوله: {مِِِِنْ عِبَادِهِ} حيث يفهم منها أن جميع الكائنات محتاجة إليه وأن جميع الممكنات مستندة إليه. والثانية: من قوله: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} 1 حيث بين أن الله تعالى رجح جانب الخير على جانب الشر; لأنه قد ذكر أن الضر لا كاشف له إلا هو، وأن الخير لا راد له غيره ثم عقب ذلك بقوله: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} 2 مما يؤكد الفضل والخير الذي يفيضه على عباده. وفسر رحمه الله في (ص 177) قوله تعالى: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ} 3 بحديث ابن عباس حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم " إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله "4. وتحت قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ} 5 الآية. وفي (ص 179) فسر قوله تعالى {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ} 6 بأن الله يجعل أولادهم خلفاء لهم أو جعلهم خلفاء الجن في الأرض. وفي باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شيئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} 7 الآية: تحت حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كيف يفلح قوم شجوا نبيهم "8 فأنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} 9. ذكر الشارح من (ص 182 - 185) الخلاف في نزول هذه الآية متى وأين كان؟ هل كان يوم أحد أو كان في بئر معونة؟ وذكر الخلاف في سبب نزولها على القولين الماضيين.

_ (1) سورة يونس، الآية: 107. (2) سورة يونس، الآية: 107. (3) سورة العنكبوت، الآية: 17. (4) الترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (2516) , وأحمد (1/293 ,1/303) . (5) سورة النمل، الآية: 62. (6) سورة النمل، الآية: 62. (7) سورة الأعراف، الآية: 191. (8) مسلم: الجهاد والسير (1791) , والترمذي: تفسير القرآن (3002) , وأحمد (3/253) . (9) سورة آل عمران، الآية: 128.

وتحت حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم العن فلانًا وفلانًا" 1 بعد أن قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، فأنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} 2 ذكر الشارح من (ص 85 - 189) أن من فوائد هذا الحديث استحباب القنوت في الصلاة للنوازل. ثم ذكر بعد ذلك الخلاف في جواز لعن المعين ممن اتصف بشيء من المعاصي كيهودي أو نصراني أو ظالم أو زان أو مصور أو سارق أو آكل ربا، ورجح جواز اللعن واستدل عليه ببعض الأحاديث الصحيحة. وبين رحمه الله في (ص 190) معنى قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} 3والحكمة في منع الله تعالى لنبيه من الدعاء على من كان يدعو عليهم. وتحت حديث أبي هريرة لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه قوله تعالى: {أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} 4 الآية ... الحديث. بذكر الشارح في (ص 191) أن ذلك يفيد أن الإنسان إذا بدأ بنفسه أولا ثم الأقرب فالأقرب من أهله لم يكن لأحد عليه طعن، وكان قوله أنفع وكلامه أنجع. وأن ذلك يفيد جده صلى الله عليه وسلم تشميره إلى ما أمره الله به. وفي باب قول الله تعالى: {إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} 5 الآية. تحت حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عنه وسلم " اذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها ... " 6 الحديث. ذكر الشارح في (ص 197) في معنى هذا الحديث أثرًا عن وهب بن

_ (1) البخاري: المغازي (4070) , والنسائي: التطبيق (1078) , وأحمد (2/147) . (2) سورة آل عمران، الآية: 128. (3) سورة آل عمران، الآية: 128. (4) سورة الشعراء، الآية: 214. (5) سورة سبأ، الآية: 23. (6) البخاري: تفسير القرآن (4701) , والترمذي: تفسير القرآن (3223) , وابن ماجه: المقدمة (194) .

منبه، أن إبليس كان يصعد إلى السماوات كلهن وينقلب فيهن ويقف منهن حيث يشاء منذ أخرج آدم من الجنة إلى أن رفع عيسى عليه السلام، فحجب عن أربع سموات إلى أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم فحجب من الثلاث الباقية فأصبح محجوبا مسترقا هو وجنوده إلى يوم القيامة. وتحت حديث النواس بن سمعان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السموات منه رجفة ... " الحديث. ذكر الشارح في (ص 199) الفترة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيسى عليه السلام وأنه قد قطع الوحي في تلك الفترة، ثم ذكر أنه لما تكلم جبريل بالرسالة إلى محمد صلى الله عليه وسلم ظن الملائكة أن الساعة قد قامت فصعقوا; لأن محمدا صلى الله عليه وسلم عند الملائكة من أشراط الساعة، ثم بين أن في ذلك أعظم رد على من يعبد مع الله غيره; لأنه إذا كان هذا حالهم وخوفهم من الله وتعظيمهم له وهيبتهم منه إذا تكلم بالوحي فكيف يدعوهم من يشرك به. وفي باب الشفاعة: وتحت قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} 1. ذكر الشارح في (ص 200 - 201) أن سبب نزول هذه الآية ما روين عن ابن عباس رضي الله عنه قال: مر ملأ من قريش وعنده خباب وبلال وصهيب فقالوا: أهؤلاء من الله عليهم من بيننا فأمرنا أن نكون تبعا لهؤلاء اطردهم عنك، فلعلنا نتبعك. وذكر في (ص 201 - 202) أن من معان {يَخَافُون} في قوله تعالى: {يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِم} 2 أي: يعلمون وعليه يكون المراد بهم كل معترف بالبعث من مسلم وكتابي; وإنما خصوا بالذكر; لأن الحجة عليهم أؤكد من غيرهم لاعترافهم بصحة المعاد والحشر.

_ (1) سورة الأنعام، الآية: 51. (2) سورة الأنعام، الآية: 51.

وذكر في (ص 202) من المعان أن المراد بهم الكفار لأنهم لا يعتقدون صحته ولذلك قال: {يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِم} 1. وأن من المعاني أن المراد بالإنذار جميع الخلائق فيدخل فيه كل مؤمن معترف بالحشر، وكل كافر منكر له; لأن الكل يخاف سواء اعتقد وجوده أو شك فيه، ولأن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم عامة لجميع الخلق. وبين في نفس الصفحة أن معنى قوله تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيع} 2 أي: ما لم يؤذن بالشفاعة فإذا أذن كان للمؤمنين ولي وشفيع، وأن هذا مذهب أهل السنة والجماعة الذين يعتقدون أن الشفاعة تنفع العصاة من أهل التوحيد. وتحت قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْض} 3 الآية. بين رحمه الله في (ص 205 - 206) أنواع الشفاعة المنفية والمثبتة واستدل عليها. وبين رحمه الله في (ص 209) أن المقام المحمود هو الشفاعة واستدل عليه. وفي باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} 4. بين الشارح في (ص 213 - 214) أن الهداية والإضلال بيد الله سبحانه واستدل على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بعثت داعيًا ومبلغًا وليس إلي من الهدى شيء، وخلق إبليس مزينا وليس إليه من الضلالة شيء " ثم عرض الأدلة من القرآن تصديقا لذلك، وتوصل إلى أن من فهم معنى قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} 5 تبين له بطلان قول المشركين وفساد شركهم.

_ (1) سورة الأنعام، الآية: 51. (2) سورة الأنعام، الآية: 51. (3) سورة سبأ، الآية: 22. (4) سورة القصص، الآية: 56. (5) سورة القصص، الآية: 56.

وفي باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم هو الغلو في الصالحين: ذكر الشارح في (ص 216) أن من الغالية من فسر قوله {وَتُسَبِّحُوه} في قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيرا (ً8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} 1 بالرسول فجعل الرسول هو الذي يسبح بكرة وأصيلا. واستدل رحمه الله من (ص 217 - 219) بقوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ} 2 على أن الهوى من أعظم ما يوصل إلى اتباع الضلال، وشرح ذلك بما نقل من الآثار عن بعض السلف. وتحت قوله صلى الله عليه وسلم "هلك المتنطعون قالها ثلاثا "3. بين في (ص 222 - 223) المتنطع بأنه الباحث عما لا يعنيه، أو الذي يدقق نظره في الفروق البعيدة، فيفرق بين متلائمين، أو يجمع بين متفرقين، وبين أن هذا النظر والبحث غير مرضي، واستدل عليه بما نقله عن بعض السلف. وفي باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده: تحت حديث عائشة - رضي الله عنها - لما قال صلى الله عليه وسلم " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "4 بين الشارح في (ص 225 - 226) كلمتي اليهود والنصارى وأصلهما في اللغة. وذكر رحمه الله في (ص 226 - 227) استشكالا وجوابه عند قوله صلى الله عليه وسلم " اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "5 وهو كيف يعود الضمير إلى النصارى ونبيهم عيسى عليه السلام لم يقبر، بل إنهم يزعمون أنه ابن الله أو أنه الله.

_ (1) سورة الفتح، الآية: 9-8. (2) سورة المائدة، الآية: 77. (3) مسلم: العلم (2670) , وأبو داود: السنة (4608) , وأحمد (1/386) . (4) البخاري: الصلاة (436) , ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (531) , والنسائي: المساجد (703) , وأحمد (1/218 ,6/34 ,6/255) , والدارمي: الصلاة (1403) . (5) البخاري: الصلاة (436) , ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (531) , والنسائي: المساجد (703) , وأحمد (1/218 ,6/34) , والدارمي: الصلاة (1403) .

ثم ذكر في (ص 228) فائدة لها اتصال بالبناء على القبور تتعلق بدفن النبي صلى الله عليه وسلم في المكان الذي دفن فيه، وذكر الدليل عليه. وتحت حديث جندب بن عبد الله الذي منه قوله صلى الله عليه وسلم " إن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا "1. ذكر الشارح في (ص 230 - 231) تحت هذه العبارة من الحديث قصة قتل الجعد بن درهم حين قتله خالد بن عبد الله القسري يوم عيد الأضحى; لمخالفته أن الله اتخذ إبراهيم خليلا وكلم موسى تكليما كما دل عليه القرآن. وفي باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله: تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد "2. قال الشارح في (ص 235) : (اتفق العلماء على أن من زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين من الصحابة وغيرهم فإنه لا يتمسح به ولا يقبله، بل ليس في الدنيا ما شرع تقبيله إلا الحجر الأسود) . وتحت حديث ابن عباس " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج "3. بين الشارح في (ص 238 - 239) الزيارة الشرعية للرجال والأحاديث الواردة في الترغيب فيها. وفي باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق توصل إلى الشرك: تحت قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} 4 ومن (ص 241 - 243) توسع الشارح في ذكر نسب النبي صلى الله عليه وسلم واتصاله بقبائل العرب وشرفه على غيره، وذكر الأحاديث والآثار في ذلك.

_ (1) مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (532) . (2) أحمد (2/246) . (3) الترمذي: الصلاة (320) , والنسائي: الجنائز (2043) , وأبو داود: الجنائز (3236) , وأحمد (1/229 ,1/287) . (4) سورة التوبة، الآية: 128.

وتحت قوله تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 1 ذكر الشارح في (ص 244 - 245) حديثا في أسمائه وكيف أنه صلى الله عليه وسلم اختص باسمين من أسماء الله تعالى، ولم يجمع الله ذلك لأحد من الأنبياء غيره صلى الله عليه وسلم. وفي باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان: تحت قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} 2 ذكر رحمه الله من (ص 249 - 251) أن سبب نزول هذه الآية أن كعب بن الأشرف نزل على أبي سفيان فأحسن مأواه ونزل باقي اليهود على قريش في دورهم، فقال لهم أهل مكة: أنتم أهل كتاب ومحمد صاحب كتاب ولا نأمن أن يكون هذا مكر منكم، فإن أردتم أن نخرج معكم فاسجدوا لهذين الصنمين ففعلوا ذلك، فذلك قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} 3 ثم قال كعب بن الأشرف لأهل مكة: ليجيء منكم ثلاثون رجلا فلنلزق أكبادنا بالكعبة فنعاهد رب هذا البيت لنجهدن على قتال محمد ففعلوا، ثم قال أبو سفيان لكعب بن الأشرف: إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم، ونحن أميون لا نعلم فأينا أهدى سبيلا نحن أم محمد ... إلى أن قال كعب: والله لأنتم أهدى سبيلا مما عليه محمد فأنزل الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ} 4. وتحت قوله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} 5 فسر الشارح في (ص 253 - 254) الطاغوت بعدة أقوال منها الشيطان والعجل والكهان والأحبار. وتحت قوله صلى الله عليه وسلم " وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح

_ (1) سورة التوبة، الآية: 128. (2) سورة النساء، الآية: 51. (3) سورة النساء، الآية: 51. (4) سورة النساء، الآية: 51. (5) سورة المائدة، الآية: 60.

بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا "1. أورد الشارح في (ص 259) تحت هذه العبارة حديث النبي صلى الله عليه وسلم "لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم "2 وبينه بقوله: (ومعنى يعذروا: أي لا يهلكهم الله حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم، فتقوم الحجة عليهم ويتضح عذر من يعاقبهم) . وتحت قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: "لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى "3. ختم الشارح الباب من (ص 263 - 266) ببعض النصوص في الفتن لمناسبة تعلقها بذكر قيام الساعة. وفي باب ما جاء في السحر: ختم الشارح الباب في (ص 275 - 276) بذكر ثلاثة أحكام تتعلق بالساحر، وبينها وذكر أقوال العلماء فيها وهي حكم الساحر، وحكم قتله وتوبته، وحكم أخذ العوض على السحر. وذكر في آخرها الفرق بين أخذ العوض على السحر وأخذه على الرقى. وفي باب بيان شيء من أنواع السحر: تحت حديث " إن العيافة والطرق والطيرة شرك "4 ذكر الشارح في (ص 279 - 280) بيانا لذلك ما روي عند أبي داود عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله، ومنا رجال يخطون، قال: كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك "5 وبينه بقول الخطابي رحمه الله أن معناه: (الزجر عنه) أو أن من بعده لا يوافق خطه ولا ينال حظه من الصواب; لأنه خاص به.

_ (1) مسلم: الفتن وأشراط الساعة (2889) , والترمذي: الفتن (2176) , وأبو داود: الفتن والملاحم (4252) , وأحمد (5/284) . (2) أبو داود: الملاحم (4347) , وأحمد (4/260) . (3) مسلم: الإمارة (1920) , والترمذي: الفتن (2229) , وأبو داود: الفتن والملاحم (4252) , وابن ماجه: المقدمة (10) والفتن (3952) , وأحمد (5/279) . (4) أبو داود: الطب (3907) , وأحمد (5/60) . (5) مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (537) , وأبو داود: الصلاة (930) والطب (3909) , وأحمد (5/447) .

وبين في (ص 282 - 283) معنى النفث أنه إما النفخ مع الريق، أو النفخ فقط، والخلاف في جوازه في الرقى والعوذ الشرعية المستحبة. وتحت حديث ابن مسعود أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أنبؤكم ما العضة هي النميمة، القالة بين الناس "1. ومن (ص 283 - ص 284) حذر من قبول قول الوشاة، وأن من حملت إليه وشاية لزمه ستة أمور، وذلك لاتصالها بالتحذير من الغيبة. وفي باب ما جاء في الكهان ونحوهم: تحت حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم "2. عرف الشارح (ص 287) الكاهن بأنه الذي يدعي مطالعة علم الغيب ويخبر الناس عن الكوائن، وأن الكهانة أصناف منها ما يتلقاه الكاهن من الجن. واستدل في (ص 289) على عدم جواز تصديق الكاهن بما روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله ... "3 الحديث. وفي باب ما جاء في النشرة: ذكر الشارح في (ص 297) حديث ابن عباس وعائشة في قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم من قبل اليهود عن طريق غلام كان للنبي حيث ما زالت به اليهود حتى أوصل إليهم شيئًا من مشاطة النبي صلى الله عليه وسلم فسحروه. وذكر رحمه الله في (ص 298) حديث أبي سعيد الخدري، وحديث عائشة في قصة رقية النبي صلى الله عليه وسلم والحال التي أصبح عليها حال النبي صلى الله عليه وسلم.

_ (1) مسلم: البر والصلة والآداب (2606) , وأحمد (1/437) . (2) الترمذي: الطهارة (135) , وأبو داود: الطب (3904) , وابن ماجه: الطهارة وسننها (639) , وأحمد (2/429) , والدارمي: الطهارة (1136) . (3) البخاري: الجمعة (1039) , وأحمد (2/24 ,2/58) .

وفي باب ما جاء في التطير: تحت حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر "1 أورد في الشرح أنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يوردن ممرض على مصح "2. ونقل الشارح في (ص 302) عن النووي رحمه الله قوله: (إنما نهى عنه; لأنه ربما أصابها المرض المعدي بفعل الله وقدره الذي أجرى به العادة، لا بطبعه; فيحصل لصاحبها ضرر، ولئلا يقع في نفس صاحبها أن المرض يعدي بطبعه فيكفر) . وذكر في (ص 302 - 303) إيضاحًا للحديث الماضي حديث أسامة ابن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها "3 ثم شرحه. وتحت زيادة مسلم في الحديث الماضي: " ولا نوء ولا غول "4. نقل الشارح في (ص 305 - 306) كلامًا يتضح منه حقيقة الغول، وأن المراد من النفي في قوله: "ولا غول" نفي مضرتها. وتحت حديث الفضل بن عباس: " إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك "5. ذكر الشارح في (ص 311 - 312) بيانا له حديث سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا هامة ولا عدوى ولا طيرة، وإن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار "6 وذكر معنى ذلك وأن شؤم الدار ضيقها وسوى جوارها، وشؤم الفرس أن لا يغزو عليها، وشؤم المرأة أن لا تلد، أو أن معناه إن كان لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس لا يعجبه ارتباطه، فيفارق المرأة وينتقل عن الدار، ويبيع الفرس.

_ (1) البخاري: الطب (5757) , ومسلم: السلام (2220) , وأبو داود: الطب (3911) , وأحمد (2/397) . (2) البخاري: الطب (5771) , ومسلم: السلام (2221) . (3) البخاري: الطب (5728) , ومسلم: السلام (2218) , والترمذي: الجنائز (1065) , وأحمد (5/206) , ومالك: الجامع (1656) . (4) مسلم: السلام (2220) , وأبو داود: الطب (3912) . (5) أحمد (1/213) . (6) أبو داود: الطب (3921) , وأحمد (1/180) .

وذكر بعده قوله: وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم "ث لاثة لا يسلم منها أحد الطيرة والحسد والظن، قيل: فما يصنع؟ قال: إذا تطيرت فامض، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق ". وفي باب ما جاء في التنجيم: تحت قول قتادة: (خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء ورجومًا للشياطين وعلامات يهتدى بها ... إلخ) . بين الشارح في (ص 315 - 316) المنهي عنه من علم النجوم والجائز منه بل والمطلوب معرفته منه، وذكر بأنه كما أن الجبال علامات النهار فالنجوم علامات الليل، واستدل رحمه الله بقوله تعالى: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} 1 بأنها رد على الفلاسفة والمنجمين الذين يقولون بأن هذه النجوم فاعلة متصرفة في العالم السفلي حيث تبين من الآية بأنها مقهورة مسخرة بأمر الله. وذكر في (ص 316) قصة عمر بن الخطاب مع الربيع بن سبرة التي فيها إنكار عمر للتنجيم حين قال: والله ما نخرج لا بشمس ولا بقمر إلا بالله الواحد القهار. وتحت حديث: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر وقاطع الرحم ومصدق بالسحر "2. ختم الشارح الباب من (ص 318 - ص 319) بذكر بعض الأحاديث الواردة في ذم قطيعة الرحم. وفي باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء: تحت قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} 3 نقل في (ص 320) في معنى الآية أثرا عن الحسن، وهو قوله: "خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب".

_ (1) سورة الأعراف، الآية: 54. (2) أحمد (4/399) . (3) سورة الواقعة، الآية: 82.

وذكر في نفس الصفحة أن المراد به هنا الاستسقاء بالأنواء، وذلك أنهم كانوا يقولون إذا مطروا: مطرنا بنوء كذا، ولا يرون ذلك المطر من فضل الله عليهم، فقيل لهم: أتجعلون رزقكم، أي: شكركم بما رزقكم التكذيب، ثم قال: فمن نسب الإنزال إلى النجم فقد كذب برزق الله ونعمه وكذب بما جاء به القرآن. وتحت حديث: " أربع من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب …" 1 الحديث. ذكر من (ص 321 - 324) بعض الأحاديث في التحذير من الفخر بالأحساب والتعاظم بالأنساب. ثم ذكر في (ص 325) روايتين في وعيد النائحة وعرف بها، وذكر أن تهيئة الطعام للنائحات محرم; لأنه إعانة على معصية. وتحت حديث: " أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب "2. ذكر الشارح في (ص 328) معنى النوء وأنه أحد المنازل وهي الكواكب الثمانية والعشرون التي هي منازل القمر، وأنهم يزعمون أن القمر إذا نزل بعض تلك الكواكب مطروا، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وجعل سقوط المطر من فعل الله عز وجل لا من فعل غيره. ثم ذكر في (ص 328 - 329) الحكم بالتفصيل فيما إذا قال مسلم: مطرنا بنوء كذا. وتحت حديث ابن عباس: قال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا فأنزل الله هذه الآية {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} 3 الآية.

_ (1) صحيح مسلم: كتاب الجنائز (934) , ومسند أحمد (5/344) . (2) البخاري: الجمعة (1038) , ومسلم: الإيمان (71) , وأبو داود: الطب (3906) , وأحمد (4/117) , ومالك: النداء للصلاة (451) . (3) سورة الواقعة، الآية: 75.

أورد الشارح (ص 330) في بيانها حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله) صلى الله عليه وسلم " لو أمسك الله القطر عن عباده خمس سنين لأصبحت طائفة من الناس كافرين يقولون: سقينا بنوء المجدح "1. وفي باب قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} 2 الآية: تحت قول الله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ} 3 الآية. أورد الشارح في (ص 332) حديث أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل: " أي الأعمال أفضل، قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله "4 وحديث أبي هريرة:"أخبرنا بما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: لا تستطيعونه، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القائم الصائم، القانت بآيات الله لا يفتر في صيام وصلاة حتى يرجع المجاهد إلى أهله "5. وذكر في (ص 333 - 334) أنه يجب تحمل المضار في الدنيا ليبقى الدين سليما، وأنه يجب على المسلم ترجيح مصالح الدين على مصالح الدنيا ويقدمها، وأن المحبة لله من دقائق أسرار التوحيد، واستدل على ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبته: " أحبوا الله من كل قلوبكم " وبين أن علامة المحبة الصادقة متابعة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} 6 واستشهد على ذلك ببعض الأبيات والآثار. وتحت حديث: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ... "7 الحديث.

_ (1) النسائي: الاستسقاء (1526) . (2) سورة البقرة، الآية: 165. (3) سورة التوبة، الآية: 24. (4) البخاري: العتق (2518) , ومسلم: الإيمان (84) , والنسائي: الجهاد (3129) , وأحمد (5/163) , والدارمي: الرقاق (2738) . (5) مسلم: الإمارة (1878) , والترمذي: فضائل الجهاد (1619) , وأحمد (2/424) . (6) سورة آل عمران، الآية: 31. (7) البخاري: الإيمان (16) , ومسلم: الإيمان (43) , والترمذي: الإيمان (2624) , والنسائي: الإيمان وشرائعه (4987) , وابن ماجه: الفتن (4033) , وأحمد (3/103 ,3/248 ,3/288) .

ذكر الشارح في (ص 337 - 338) بعض الأحاديث المتعلقة بمحبة أهل البيت ثم ذكر من (ص 339 - 340) بعض النصوص من الكتاب والسنة في فضل الحب في الله، وزاد من ذكر ذلك بعد حديث ابن عباس: " من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله ... " الحديث. وفي باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 1. تحت حديث عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ... " الحديث. ذكر الشارح في (ص 349 - 450) النصوص الواردة في وعيد من التمس رضا الناس بسخط الله. وفي باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 2. ذكر الشارح في (ص 351) في صدر الباب أن التوكل من الفرائض ومن شروط الإيمان وذكر له تعريفا. وذكر في (ص 352 - 353) بعد الآية الثانية تقسيما للخوف وأنه على قسمين خوف العقاب، وخوف الهيبة. وذكر في (ص 355) سبب نزول قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 3 والخلاف في كونها مكية أو مدنية. وتحت قول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} 4.

_ (1) سورة آل عمران، الآية: 175. (2) سورة المائدة، الآية: 23. (3) سورة الأنفال، الآية: 64. (4) سورة الطلاق، الآية: 3.

ذكر الشارح في (ص 355) أن معناه ومن يثق بالله فيما نابه كفاه ما أهمه. واستدل عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا "1. وأن معنى قوله {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} 2 أي: منفذ أمره وممض في خلقه ما قضاه. وذكر قول مسروق في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} 3 قال: توكل عليه أم لم يتوكل غير أن المتوكل يكفر عنه ويعظم له أجرا. ومعنى قوله: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} 4 أي: أجلا ينتهي إليه. وفي باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} 5. ختم الشارح هذا الباب (ص 360) بقوله: (اعلم أنه لا يجوز أن يظن العاصي أنه لا مخلص له من العذاب فإن معتقد ذلك قانط من رحمة الله; لأن من تاب زال عقابه وصار من أهل المغفرة والرحمة) . واستدل على ذلك بقوله تعالى: {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} 6 وقوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} 7. وفي باب الإيمان بالله والصبر على قدر الله: تحت حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت "8 قال الشارح في (ص 362) : حكي عن بعض العلماء العاملين المخلصين قال: (النسب نسبان: نسب طيني، ونسب ديني، فالنسب

_ (1) الترمذي: الزهد (2344) , وابن ماجه: الزهد (4164) , وأحمد (1/52) . (2) سورة الطلاق، الآية: 3. (3) سورة الطلاق، الآية: 3. (4) سورة الطلاق، الآية: 3. (5) سورة الأعراف، الآية: 99. (6) سورة يوسف، الآية: 87. (7) سورة الزمر، الآية: 53. (8) مسلم: الإيمان (67) , وأحمد (2/441 ,2/496) .

الديني أفضل من النسب الطيني، فالعلماء ورثة الأنبياء كما في الحديث; لأن الميراث ينتقل للأقرب، وأقرب الأمة في نسب الدين العلماء رضي الله عنهم) . ثم أعقب ذلك بذكر حديثين في التواضع وعدم الفخر لمناسبته للكلام في النسب فأورد قوله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد (1 والثاني قوله صلى الله عليه وسلم " من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه "2. وتحت حديث ابن مسعود: "ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب "3 ذكر الشارح في (ص 364) أنه ليس من كمال الإيمان بالقدر والصبر على المصائب ضرب الخد وشق الجيب عند المصيبة، والدعاء للعصبية والحمية والأنفة، واستدل على قبح ذلك بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حين " قال أحد المهاجرين: يا للمهاجرين، وأحد الأنصار: يا للأنصار فقال: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم وغضب لذلك غضبا شديدا "4 وتحت حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عن ذنبه حتى يوافى به يوم القيامة "5. ذكر الشارح في (ص 365 - ص 370) بيانا لهذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم " لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة "6 وقوله صلى الله عليه وسلم لسعد لما سأله " أي الناس أشد بلاء فقال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه "7.

_ (1) أبو داود: الأدب (4895) , وابن ماجه: الزهد (4179) . (2) مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699) , وابن ماجه: المقدمة (225) , وأحمد (2/252) , والدارمي: المقدمة (344) . (3) البخاري: الجنائز (1297) , ومسلم: الإيمان (103) , والترمذي: الجنائز (999) , والنسائي: الجنائز (1860 ,1862) , وابن ماجه: ما جاء في الجنائز (1584) , وأحمد (1/386 ,1/442) . (4) البخاري: تفسير القرآن (4907) , ومسلم: البر والصلة والآداب (2584) , والترمذي: تفسير القرآن (3315) , وأحمد (3/338 ,3/385) . (5) الترمذي: الزهد (2396) . (6) الترمذي: الزهد (2399) , وأحمد (2/450) . (7) الترمذي: الزهد (2398) , وابن ماجه: الفتن (4023) , وأحمد (1/185) , والدارمي: الرقاق (2783) .

وفي لفظ قال: ثم من؟ قال: "العلماء"، قال: ثم من؟ قال: "الصالحون ". وقوله صلى الله عليه وسلم " إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله ثم صبره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله "1 وذكر الشارح في خاتمة الباب من (ص 370 - 372) بعض الأحاديث في فضل الإيمان بالقضاء والقدر والتيسير لمن صبر ورضي بحكم الله. وفي باب ما جاء في الرياء: وتحت قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} 2. ذكر الشارح في (ص 373) عن ابن عباس في معنى هذه الآية أن الله تعالى علم رسوله صلى الله عليه وسلم التواضع لئلا يزهو على خلقه فأمره أن يقر فيقول: " إني آدمي مثلكم إلا أنني خصصت بالوحي ". وفسر في (ص 373) قوله تعالى: {يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} 3 بالخوف والأمل جميعًا، ونقل في ذلك ما ذكر من أن هذه الآية تجمع شرطي قبول العمل. وتحت حديث أبي هريرة مرفوعا: " أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه "4. ذكر الشارح في (ص 375) معنى قوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} 5 فنقل معناها عن البغوي بأنه لا تبطلوا أعمالكم يعني بالرياء والسمعة; لأن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه الكريم. ثم ذكر بعد ذلك أثرا وحديثًا في ذم الرياء. وتحت حديث أبي سعيد مرفوعا: " ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم

_ (1) أبو داود: الجنائز (3090) , وأحمد (5/272) . (2) سورة الكهف، الآية: 110. (3) سورة الكهف، الآية: 110. (4) مسلم: الزهد والرقائق (2985) , وابن ماجه: الزهد (4202) , وأحمد (2/301 ,2/435) . (5) سورة محمد، الآية: 33.

عندي من المسيح الدجال قالوا: بلى، قال: الشرك الخفي ... "1 الحديث. ذكر الشارح (ص 377) أن الرياء درجات وأن أولها الرياء بأصل الإيمان. والثانية: أن يكون مصدقا بالله ولكنه يرائي بالصلاة والزكاة فهذا دون الأول. والثالثة: الذي يرائي بالنوافل والسنن. وذكر في خاتمة الباب (ص 377) حديث أبي بكر في كفارة الشرك الخفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم، تقولها ثلاث مر ات " وفي باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا: وتحت قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} 2 قال الشارح في (ص 378) بأنها نزلت في كل من عمل عملاً يبتغي به غير الله تعالى. وذكر في الترهيب من ذلك: أن رجلاً كان يلازم مسجد موسى عليه السلام فمسخه الله أرنبًا. ثم ذكر بعد ذلك في (ص 379) حديث الثلاثة الذين هم أول من يقضى فيهم: المجاهد والقارئ والمتصدق، ثم ذكر أن معاوية لما بلغه هذا الحديث بكى حتى غشي عليه.

_ (1) ابن ماجه: الزهد (4204) , وأحمد (3/30) . (2) سورة هود، الآية: 15.

وذكر بعد ذلك من (ص 381 - 383) بعض الأحاديث في الترهيب من طلب الدنيا بأعمال الآخرة. وتحت حديث: " تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة ... "1 الحديث. بين الشارح في (ص 384) مفردات الحديث من كتب اللغة بما لم يفصل فيه الشرحان الآخران. وفي نهاية الباب ختمه الشارح في (ص 385 - 386) بذكر بعض الأحاديث في فضل الجهاد في سبيل الله. وفي باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله: تحت قول ابن عباس: " يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر " ذكر الشارح من (ص 387 - 389) قول ابن عباس لهذه المقالة وأنه قد روي عن ابن عمر مثلها، ثم ذكر ما يمكن أن يترتب عليها فقال: ولو فتح هذا الباب لوجب أن يعرض عن أمر الله ورسوله ويبقى كل إمام في أتباعه بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم في أمته وهذا تبديل للدين ... إلى آخر ما قال ... وهو كلام حسن. وتحت قول الإمام أحمد بن حنبل: (عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 2. من (ص 389 - 392) بين الشارح هذا القول، واستهل كلامه بأبيات لابن المعتز في ذمِّ التقليد وهي:

_ (1) البخاري: الجهاد والسير (2887) , وابن ماجه: الزهد (4136) . (2) سورة النور، الآية: 63.

لا فرق بين مقلد وبهيمة ... تنقاد بين جداول ودعاثر تبًا لقاض أو لمفت لا يرى ... علللاً ومعنى للمقال السائر ثم نقل مجموعة من الأقوال عن بعض الأئمة من السلف الصالح. وتحت حديث عدي بن حاتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قرأ {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً} 1 فقال: إنا لسنا نعبدهم، قال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه قال: بلى، قال: "فتلك عبادتهم ". ذكر الشارح في (ص 392) أصل الحديث وفيه أنه جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقه صليب فقال له: "يا عدي، ألق هذا من عنقك "2 وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة التوبة، حتى أتى هذه الآية {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً} 3 الآية. ثم بين معنى الصليب والأدلة الدالة على تحريم طاعة أحد في معصية الله. ثم ختم الباب في (ص 393 - 394) بذكر مسألة جواز تقليد العامي للعالم مستدلا بقوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون} َ4 وحديث: {ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال} 5. وفي باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} 6: وتحت قوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً} 7. ذكر الشارح في (ص 398 - 399) سبب نزول الآية وهو أنه كان بين بني النضير وبني قريظة دماء، وذلك قبل أن يبعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم.

_ (1) سورة التوبة، الآية: 31. (2) الترمذي: تفسير القرآن (3095) . (3) سورة التوبة، الآية: 31. (4) سورة النحل، الآية: 43. (5) أبو داود: الطهارة (336) . (6) سورة النساء، الآية: 60. (7) سورة المائدة، الآية: 50.

وفي باب من جحد شيئًا من الأسماء والصفات: وتحت قول الله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} 1 نقل الشارح في (ص 401 - 402) ما ذكره المفسرون: من أن الآية مدنية أو مكية ثم ذكر سبب نزولها على القولين. فنقل عن قتادة ومقاتل وابن جريج أنها مدنية وأن سبب نزولها ما كان في صلح الحديبية لما جاء سهيل بن عمرو اتفق المسلمون معه أن يكتبوا كتاب الصلح فقال صلى الله عليه وسلم لعلي: اكتب بسم الله الرحمن الر حيم، فقالوا: ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة - يعنون: مسيلمة الكذاب. وذكر القول الثاني: على أنها مكية قال: وسبب نزولها أن أبا جهل سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحجر يدعو ويقول في دعائه: يا الله يا رحمن فرجع أبو جهل إلى المشركين وقال: إن محمدًا يدعو إلهين، يدعو الله ويدعو إلهًا آخر سمي الرحمن، ولا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة فنزلت. ونقل عن الضحاك عن ابن عباس قولاً ثالثًا أنها نزلت في كفار قريش. قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم " اسجدوا للرحمن، قالوا: وما الرحمن؟ فقال الله تعالى: {قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} 2 الآية "وتحت قول علي رضي الله عنه "حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟! " بيَّن الشارح في (ص 403) تعليل ذلك بأن السامع لما لا يفهمه يعتقد استحالته فلا يصدق بوجوده فيلزم التكذيب، ويخاف عليهم من تحريف معناه.

_ (1) سورة الرعد، الآية: 30. (2) سورة الرعد، الآية: 30.

وتحت قول ابن عباس: " ما فرق هؤلاء يجدون رقة في قلوبهم عند محكمه ويهلكون عند متشابهه " قال الشارح في (ص 403 - 404) : واعلم أن ما ورد في الكتاب العزيز والسنة الشريفة من ذكر الصفات نحو {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 1 {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} 2 {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} 3 {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} 4 ونحو حديث: " إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن ... "5 الحديث. وحديث: " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ... "6 الحديث، يجب الإيمان بها من غير تمثيل ولا تعطيل. ثم ذكر من (ص 405 - 408) بأن الروعة الحقيقية هي التي تصيب المؤمن عند سماع القرآن، وضابطها مخالفتها لما يدعيه المبتدعة. واستدل على ذلك بنصوص الكتاب والسنة وأقوال وأحوال بعض السلف. ثم ذكر من (ص 408 - ص 410) كلاما حسنا يبين أن القرآن الكريم من صفات الله تعالى فهو كلامه ونقل من أقوال السلف ما يؤيد ذلك، وذكر بعض الأحاديث في الترهيب من الجدال فيه واتباع المتشابه فيه. وفي باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} 7 تحت قول المصنف: (وقال بعض السلف: هو كقولهم كانت الريح طيبة والملاح حاذقا) . قال الشارح في (ص 413) يعني فجرت السفينة، ثم فسر معنى الملاح بأنه الذي يصلح السفينة في البحر ويعالجها، قال: فأضافوا سير السفينة إلى الريح والملاح، وهو الله الذي يجريها ويرسيها قال الله تعالى:

_ (1) سورة طه، الآية: 5. (2) سورة الرحمن، الآية: 27. (3) سورة طه، الآية: 39. (4) سورة الفتح، الآية: 10. (5) مسلم: القدر (2654) , وأحمد (2/168) . (6) مسلم: التوبة (2759) , وأحمد (4/395 ,4/404) . (7) سورة النحل، الآية: 83.

{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} 1 وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} 2 وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ} 3 وذكر بعد ذلك في (ص 414) بعض المعانى لقوله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} 4 فنقل عن السدي ومجاهد وقتادة والكلبي وغيرهم. وفي باب قول الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 5: تحت قول ابن عباس في تفسيره للآية: "وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلان وحياتي وتقول: لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص " أورد الشارح في (ص 417) رواية أخرى عنه فقال وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: " إن أحدكم يشرك حتى يشرك بكلب فيقول: لولاه لسرقنا الليلة، وكذا قوله: ما لي إلا الله وأنت "ثم قال: ولا يستدل بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 6 - يعني: على جواز العطف على لفظ الجلالة - ثم ذكر الجواب على ذلك. وتحت قول ابن مسعود: "لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقًا " ذكر الشارح في (ص 418 - 419) بعض الأحاديث التي تحذر من الحلف بغير الله تعالى. وبيَّن عقب ذلك في (ص 419 - 420) الرد على من استدل بقوله صلى الله عليه وسلم " أفلح وأبيه إن صدق "7 على جواز الحلف بغير الله، وبين دلالة الحديث الصحيحة واستدل على ذلك.

_ (1) سورة يونس، الآية: 22. (2) سورة الشورى، الآية: 33-32. (3) سورة الجاثية، الآية: 12. (4) سورة النحل، الآية: 83. (5) سورة البقرة، الآية: 22. (6) سورة الأنفال، الآية: 64. (7) أبو داود: الأيمان والنذور (3252) , والدارمي: الصلاة (1578) .

وبيَّن في (ص 420) أن ما علم من أن الله قد أقسم بمخلوقاته لا يدل على جواز حلف غيره بالمخلوقات; لأن الله له أن يحلف بما شاء وليس للعبد أن يقسم إلا به. وفي (ص 421) أورد الشارح الحديث في النهي عن الحلف بالأمانة وما ذكره الخطابي في معناه، وسبب النهي عنه وحكم من قال: وأمانة الله. وفي (ص 422) نقل الشارح عن النووي تقبيحه لقول القائل: (الله يعلم ما كان كذا وكذا) وأنه مما اعتاده بعض الناس وبيان حكم ذلك. وبين رحمه الله في (ص 423) قول إبراهيم النخعي أنه يكره أن يقول الرجل: أعوذ بالله وبك، ويجوز أن يقول: بالله، ثم بك. وفي باب ما جاء فيمن لم يقنع بالله تعالى: وتحت حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحلفوا بآبائكم ومن حلف بالله فليصدق ... "1 الحديث. ذكر الشارح في (ص 424 - 425) أن لهذا الحديث في التحذير من الحلف كاذبًا حديث اليمين الغموس، وحديث ابن مسعود: " من حلف على مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان "2 وحديث أبي أمامة مرفوعا: " من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة "3 فقال الرجل: وإن كان شيئًا يسيرا يا رسول الله، قال: " وإن كان قضيبا من أراك "4. وفي باب قول ما شاء الله وشئت: تحت حديث الطفيل لما قال رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود، قلت: "إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون عزير ابن الله، قالوا: وإنكم

_ (1) ابن ماجه: الكفارات (2101) . (2) البخاري: المساقاة (2357) , ومسلم: الإيمان (138) , والترمذي: البيوع (1269) , وأبو داود: الأيمان والنذور (3243) , وابن ماجه: الأحكام (2323) , وأحمد (1/377) . (3) مسلم: الإيمان (137) , والنسائي: آداب القضاة (5419) , وابن ماجه: الأحكام (2324) , وأحمد (5/260) , ومالك: الأقضية (1435) , والدارمي: البيوع (2603) . (4) مسلم: الإيمان (137) , والنسائي: آداب القضاة (5419) , وابن ماجه: الأحكام (2324) , وأحمد (5/260) , ومالك: الأقضية (1435) , والدارمي: البيوع (2603) .

لأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد ... "1 الحديث. ذكر الشارح في (ص 430) من فوائد هذا الحديث أن الرؤيا الصالحة من أقسام الوحي، وقد تكون سببا لشرع بعض الأحكام كما في الأذان في رؤيا عبد الله بن زيد. واستدل على كراهة النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بين الله وبينه في الضمير بحديث الرجل الذي خطب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى ... الحديث. وقد جاء الحديث كاملا، بينما أشار إليه في "التيسير" إشارة، ولم يأت ذكره في "الفتح". وفي باب من سب الدهر فقد آذى الله: ذكر الشارح رحمه الله في (ص 432 - 434) معنى (الدهر) بالرفع والنصب، وبين أن الصواب أن يكون بالرفع، وأن عليه جماهير العلماء المتقدمين والمتأخرين. وفي باب التسمي بقاضي القضاة: وتحت حديث: " إن أخنع اسم عند الله رجل يسمى ملك الأملاك "2 نقل الشارح في (ص 436) عن القاضي عياض: أنه يستدل بهذا الحديث على أن الاسم هو المسمى. وذكر في (ص 436) معان أخرى لقوله: "أخنع"، وأنه يأتي بمعنى: أفجر، يقال: أخنع الرجل إلى المرأة والمرأة إليه; إذا دعاها إلى الفجور، ويأتي بمعنى أخبث، أي: أكذب الأسماء، وقيل: أقبح، وقيل: أفحش وأفجر، وذكر أنه جاء في رواية للبخاري: "أخنى"، ونقل عن أبي عبيد أنه روى: "أنخع"، أي: أقتل; لأن معنى النخع القتل. ونقل الشارح في نهاية الباب (ص 438) عن ابن القيم فائدة تتعلق بما

_ (1) أحمد (5/72) . (2) البخاري: الأدب (6206) , ومسلم: الآداب (2143) , والترمذي: الأدب (2837) , وأبو داود: الأدب (4961) , وأحمد (2/244) .

مضى: وهو أن من عقد له الأمر هل يجوز أن يقال له: (خليفة الله) قال: (فقيل: يجوز لقيامه بحقوق الله تعالى في خلقه، وقيل: لا يجوز لأنه إنما يستخلف من يغيب أو يموت والله تعالى لا يغيب ولا يموت) . واستدل على ترجيح عدم الجواز بما روي " أن أبا بكر رضي الله عنه قيل له: يا خليفة الله، فقال: لست خليفة الله ولكني خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا راض بذلك " وفي باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك: تحت حديث أبي شريح وأنه كان يسمى أبا الحكم وقول النبي صلى الله عليه وسلم له أنت أبو شريح. قال الشارح رحمه الله في (ص 439) : (في هذا الحديث احترام أسماء الله تعالى وصفاته ولو كان كلاما لم يقصد به معناه وتغيير الاسم لأجل ذلك) . وختم شرح الباب (ص 440) بفوائد منها: استحباب تغيير الاسم بأحسن منه وأن ذلك هدي النبي صلى الله عليه وسلم واستشهد على ذلك بعدة وقائع ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر في (ص 441) فائدة تتعلق بتحسين الاسم واستدل عليها. وفي باب من هزل بشيء فيه ذكر الله تعالى أو القرآن أو الرسول: وتحت الحديث الذي ذكرت فيه غزوة تبوك. عرف الشارح رحمه الله في (ص 443) بغزوة تبوك وأنها آخر غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم وأنها سميت الفردة; لأنه لم يكن في عامها غيرها، وأن الله قد سماها ساعة العسرة لوقوعها في شدة الحر، وأن عثمان رضي الله عنه أنفق فيها ألف دينار وحمل على تسعمائة وخمسين بعيرًا وخمسين فرسًا،

ولذلك قيل له: مجهز جيش العسرة، وأن عددهم سبعين ألفا وأن فيها قصة الثلاثة الذين خلفوا. وفي (ص 448) ذكر الشارح رحمه الله إجماع العلماء على أن شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم كافر، وأن على ذلك الأئمة مالك والليث وأحمد وإسحاق والشافعي، وذكر الأدلة على ذلك. وفي باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} 1 الآية: نقل الشارح ما ذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب في شرح هذه الآية وخلله بزيادة بيان فقال في (ص 449 - 450) {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} 2 أي: لست على يقين من البعث، {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي} 3 يعني: وإن رددت إلى ربي، {إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} 4 أي: الجنة، والمعنى: كما أعطاني في الدنيا سيعطيني في الآخرة. وقال في (ص 450) ، وقوله تعالى: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} 5 أي: في مقابلته، وكان أعلم بني إسرائيل بالتوراة بعد موسى وهارون ... قال رحمه الله: (وقيل: على فضل وخير علمه الله عندي ورآني أهلاً لذلك ففضلني بهذا المال عليكم كما فضلني بغيره، وقيل: هو علم الكيمياء، وكان موسى عليه السلام يعلمه، فعلم يوشع بن نون ثلث ذلك العلم، وعلم كالب بن يوقنا ثلثه، وعلم قارون ثلثه، فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه ... وكان ذلك سبب أمواله. وفي (ص 451) ذكر الشارح أول الآية قصة الرجلين وهي قوله تعالى: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَة} 6 الآية، وشرحها وبينها بآية أخرى من سورة هود.

_ (1) سورة فصلت، الآية: 50. (2) سورة فصلت، الآية: 50. (3) سورة فصلت، الآية: 50. (4) سورة فصلت، الآية: 50. (5) سورة القصص، الآية: 78. (6) سورة الكهف، الآية: 36-35.

وتحت حديث أبي هريرة في قصة الثلاثة: الأبرص والأقرع والأعمى. بيَّن الشارح في (ص 452 - 457) الحديث فشرح معنى البرص والقرع، ومعنى مفردات إبل، وبقر، ونتج، وولد، ولم يتوسع الشرحان في ذلك. وفي باب قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} 1 الآية: ذكر الشارح رحمه الله في (ص 458 - 459) الآية التي تسبق آية الباب وشرحها فبين كيفية خلق حواء، ومتى كان، وكيف كان حملها، وتخويف الشيطان لها لتسميه عبد الحارث، ونقل الأحاديث الواردة في ذلك. وفي باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} 2: تحت هذه الآية بين الشارح رحمه الله في (ص 466) سبب نزول الآية منقولا عن مقاتل أن رجلاً دعا الله في صلاته ودعا الرحمن فقال بعض مشركي مكة: إن محمدا وأصحابه يزعمون أنهم يعبدون ربًّا واحدًا فما بال هذا يدعو اثنين. وفي (ص 468) نقل الشارح عن النووي بعد الحديث الذي فيه ذكر أسماء الله أنه قال: (اتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر أسمائه سبحانه وتعالى، وليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما المقصود من الحديث أن هذه التسعة والتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الآخر " أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك "3.

_ (1) سورة الأعراف، الآية: 190. (2) سورة الأعراف، الآية: 180. (3) أحمد (1/391) .

وفي (ص 469) تكلم عن المقصود بإحصائها فقال: (وقد ذكر الحافظ أبو بكر ابن العربي عن بعضهم أن لله ألف اسم، قال ابن العربي: وهذا قليل) . ثم ختم شرح هذا الحديث بذكر شروط الدعاء فقال: واعلم أن للدعاء شروطا منها أن يعرف الداعي معاني الأسماء التي يدعو بها، ويستحضر في قلبه عظمة المدعو وهو الله عز وجل ويخلص النية في دعائه مع كثرة التعظيم والتبجيل والتقديس لله تعالى، ويعزم على المسألة مع رجاء الإجابة، ويعترف لله عز وجل بالربوبية وعلى نفسه بالعبودية. وفي باب لا يقال: السلام على الله: وتحت حديث ابن مسعود: " كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، قال: لا تقولوا السلام على الله، فإن الله عز وجل هو السلام "1. ذكر الشارح رحمه الله من (ص 472) تتمة الحديث وهو قوله: " ولكن قولوا التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء أو بين السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو "2. ثم بيَّن في (ص 473) معنى السلام وأنه من أسماء الله وأن معناه السلامة من النقائص والآفات التي تلحق الخلق، وأنَّ السلام تحية لا تصلح لله تعالى وأن التحية التي تصلح له أن يقول العبد التحيات لله والصلوات، ثم استدل على ذلك بحديث عائشة أنها قالت: " كان رسول الله

_ (1) البخاري: الأذان (835) , والنسائي: السهو (1298) , وأبو داود: الصلاة (968) , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (899) , وأحمد (1/431) , والدارمي: الصلاة (1340) . (2) البخاري: الأذان (835) , ومسلم: الصلاة (402) , والترمذي: النكاح (1105) , والنسائي: التطبيق (1166) , وأبو داود: الصلاة (968) , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (899) , وأحمد (1/382 ,1/422) , والدارمي: الصلاة (1340 ,1341) .

صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام "1. ثم نقل عن الملا على قاري عن ابن الجزري أن ما يزاد من قول: " وإليك يرجع السلام فحينا ربنا بالسلام " لا أصل له بل هو مختلق من بعض القصاص. وفي باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت: تحت حديث أبي هريرة رضي الله عنه " لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة "2 أورد الشارح في (ص 475) بيانا للحديث الماضي حديث أنس بن مالك وهو قوله صلى الله عليه وسلم " إذا دعا أحدكم فليعزم ولا يقولن اللهم اعطني إن شئت، فإن الله تعالى لا مستكره له "3 وقوله صلى الله عليه وسلم " سلوا الله حوائجكم البتة " وفي بيان رواية مسلم: " وليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء "4 أورد الشارح في (ص 476) حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال: " يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر "5. ثم قال رحمه الله في (ص 476) : (وفي هذا تنبيه للخلق على إدامتهم لسؤاله تعالى مع إعظام الرغبة وتوسيع المسألة لما تقرر أن خزائن الله لا تنقص بالعطاء سحاء الليل والنهار دائمة) . ثم ختم ذلك بذكر بعض النصوص الدالة على فضل الدعاء من الآيات والأحاديث.

_ (1) مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (592) , والترمذي: الصلاة (298) , والنسائي: السهو (1338) , وأبو داود: الصلاة (1512) , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (924) , وأحمد (6/62 ,6/184) , والدارمي: الصلاة (1347) . (2) البخاري: الدعوات (6339) , ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2679) , والترمذي: الدعوات (3497) , وأبو داود: الصلاة (1483) , وأحمد (2/243 ,2/463) . (3) البخاري: التوحيد (7464) , ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2678) , وأحمد (3/101) . (4) مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2679) , وأحمد (2/457) . (5) مسلم: البر والصلة والآداب (2577) , والترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (2495) , وابن ماجه: الزهد (4257) , وأحمد (5/177) .

وفي باب لا يقول: عبدي وأمتي: وتحت حديث: " لا يقل أحدكم: أطعم ربك وضيء ربك "1 نقل الشارح (ص 478 - 479) عن النووي قوله: (قال العلماء: لا يطلق الرب بالألف واللام إلا على الله تعالى خاصة، وأما مع الإضافة فيقال رب المال ورب الدار وغير ذلك، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في ضالة الإبل (حتى يلقاها ربها) ثم بين ذلك وشرحه. ثم أورد في (ص 479) تساؤلاً عن قول يوسف عليه السلام: (اذكرني عند ربك) ، وأن فيه جوابين: أحدهما: أنه خاطبه بما يعرفه. والثاني: أن هذا شرع من قبلنا وبين ذلك وبسطه. وفي (ص 480 - 481) بين الفرق بين استعمال فتاي وفتاتي وبين عبدي وأمتي وأن الأولى للاختصاص، والثانية للملك، واستدل عليه. ثم قال عقب ذلك: (وهذا كله من تحقيق التوحيد; لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعالى) ، وأوضح ذلك. وفي (ص 481) بين معنى إطلاق (السيد) وأنه يطلق على الذي يفوق قومه، ويطلق على الذي يفزع إليه في النوائب فيحتمل الأثقال، وعلى الشريف وعلى الكريم وعلى المالك وعلى الزوج. وفي (ص 482) ذكر دليلاً على إطلاق السيد على بعض أهل الفضل، ودليلاً على النهي عن إطلاقه على المنافق، ثم نقل جمع النووي بين الحديثين بأنه لا بأس بإطلاق فلان سيد ويا سيدي وما أشبه ذلك إذا كان المسود فاضلاً خيرًا إما بعلم وإما بصلاح وإما بغير ذلك، وإن كان فاسقًا أو متهمًا في دينه كره أن يقال له: سيد.

_ (1) البخاري: العتق (2552) , ومسلم: الألفاظ من الأدب وغيرها (2249) , وأحمد (2/316) .

ثم ذكر في (ص 482 - 483) فائدة تتعلق بالقيام للقادم واستدل على جواز ذلك إذا كان لأهل العلم والفضل والصلاح فقال: (وأما القيام للقادم فكذلك يجوز إذا كان من أهل العلم أو الفضل أو الصلاح) . ثم ذكر في (ص 483) فائدة في المواضع التي يستحب فيها القيام ونقل في ذكرها نظمًا. ومن (ص 483 - 487) ذكر الخلاف في تقبيل اليد، وعرض الأدلة على جوازه ومنعه، ثم رجح أن الأفضل المصافحة، ونقل في ذلك أقوال العلماء كالبغوي والنووي، وذكر بعض الأفعال والأقوال المنقولة عن بعض السلف. وفي باب لا يرد من سأل بالله تعالى: تحت حديث ابن عمر: " من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه ومن دعاكم فأجيبوه ... "1 الحديث. أورد الشارح رحمه الله في (ص 488) زيادة من رواية أخرى وهي قوله صلى الله عليه وسلم " من استجار بالله فأجيروه "2. وفي (ص 489) عند قوله صلى الله عليه وسلم " ومن دعاكم فأجيبوه "3 استدل على أن إجابة الداعي من الواجبات بما ورد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو نحوه "4 وقوله صلى الله عليه وسلم " إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها "5. وذكر في (ص 489 - 490) أن الدعوة للوليمة سنة، وأن إجابة الدعوة واجب إذا كانت وليمة عرس، سنة إن كان غيرها، وذكر بعض النصوص الواردة في الأمر بإجابة الدعوة. وتحت قوله: " ومن صنع إليكم معروفًا فكافئوه فإن لم تجدوا ما

_ (1) النسائي: الزكاة (2567) , وأبو داود: الزكاة (1672) , وأحمد (2/127) . (2) النسائي: الزكاة (2567) . (3) أبو داود: الزكاة (1672) , وأحمد (2/127) . (4) مسلم: النكاح (1429) . (5) البخاري: النكاح (5173) , ومسلم: النكاح (1429) , وأبو داود: الأطعمة (3736) , ومالك: النكاح (1159) .

تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه "1 ثم ذكر الشارح في (ص 491) أن المكافأة على الصنائع واجب ثم عرض الأدلة على فضل الصنائع المعروف بنقل بعض الأحاديث والآثار في ذلك إلى (ص 496) . وفي باب ما جاء في اللو: تحت قوله تعالى: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} 2 قال الشارح في (ص 496) في معناها (ومعنى الآية أن الحذر لا ينفع من القدر والتدبير لا يقاوم التقدير، فالذي قدر عليهم القتل وقضاه وحكم به لابد أن يقتلوا، المعنى لو جلستم في بيوتكم لخرج منها ولظهر الذين قضى الله عليهم القتل إلى حيث يقتلون فيه) . وتحت قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} 3. ذكر الشارح في (ص 497) أن في الآية دليل على أن المقتول يموت بأجله خلافًا لمن يزعم أن القتل قطع على المقتول أجله. وتحت حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: " احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن ... "4 الحديث. بين الشارح رحمه الله في (ص 497) معنى قوله: "ولا تعجزن" بقوله، أي: لا تراخي في أمور دينك، قال: والعجز قد تعوذ منه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يفوت خير الدنيا والآخرة. وتحت قوله صلى الله عليه وسلم " فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا "5 نقل الشارح في (ص 498) الخلاف في معنى لو فذكر قول سيبويه بأنها حرف لما كان سيقع لو وقع غيرها، وعن غيره بأنها حرف امتناع لامتناع.

_ (1) النسائي: الزكاة (2567) , وأبو داود: الزكاة (1672) , وأحمد (2/99 ,2/127) . (2) سورة آل عمران، الآية: 154. (3) سورة آل عمران، الآية: 168. (4) مسلم: القدر (2664) , وابن ماجه: المقدمة (79) والزهد (4168) , وأحمد (2/366 ,2/370) . (5) مسلم: القدر (2664) , وابن ماجه: المقدمة (79) .

وبيَّن في نفس الصفحة متى يكره استعمال "لو" ومتى لا يكون مكروها. وفي باب لا تسبوا الريح: وتحت حديث: " لا تسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها "1 استدل الشارح في (ص 500 - 501) ببعض الأحاديث التي تبين الحكمة من عدم جواز سب الريح. فذكر حديث أبي هريرة: " الريح من روح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب "2. وبين معنى قوله: "من رَوح الله" بفتح الراء، أي: من رحمة الله بعباده، ومعنى قوله: "تأتي بالرحمة"، أي: الغيث، ومعنى قوله: "تأتي بالعذاب"، أي: بإتلاف النبات والشجر، وهلاك الماشية وهدم الأبنية. وزاد في الاستدلال بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا هاجت الريح قال: " اللهم لقحا لا عقيما " وبما روت عائشة - رضي الله عنها - أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئا ترك العمل وإن كان في صلاة ثم يقول: " اللهم إني أعوذ بك من شرها "3 وبما روى ابن عباس " أنه صلى الله عليه وسلم ما هبت ريح إلا جثا على ركبتيه وقال: اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابًا، اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا ". ثم ختم رحمه الله الباب في (ص 503) بكلام عن كراهية سب الحمى واستدل عليه وذلك لمناسبته.

_ (1) الترمذي: الفتن (2252) , وأحمد (5/123) . (2) أبو داود: الأدب (5097) , وابن ماجه: الأدب (3727) , وأحمد (2/267) . (3) أبو داود: الأدب (5099) .

وفي باب قول الله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} 1: ذكر الشارح في (ص 503) تحت آية الباب أنه لما شاور النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أُبي في وقعة أُحد أشار عليه أن لا يخرج من المدينة فلما خالفه النبي صلى الله عليه وسلم وخرج وقتل من قتل، قيل لعبد الله بن أُبي: قتل بنو الخزرج، قال: هل لنا من الأمر شيء؟. وفي (ص 507) نقل الشارح أقسام الظن في الشرع وأنه منه ما هو واجب وحرام ومندوب وجائز ومثل لكل نوع، ثم ذكر بعض ما روي في فضل حسن الظن بالله تعالى، وذم سوء الظن به سبحانه. وفي باب ما جاء في القدر: تحت حديث ابن عمر: "والذي نفس ابن عمر بيده لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبًا ثم أنفقه في سبيل الله ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر ". أورد الشارح رحمه الله بيانًا لهذا الحديث في (ص 509 - 510) حديثين عن ابن عباس ثم أتبعهما بكلام حسن للمناوي في شرحهما. وتحت حديث عبادة بن الصامت حين قال لابنه: " يا بني، إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك " نقل الشارح في (ص 513) عن المفسرين كلاما عن القلم الذي كتب الله به الذكر وأنه قلم من نور وذكر أمورا تتعلق بعظمة ذلك القلم. وتحت رواية ابن وهب: " من لم يؤمن بالقدر أحرقه الله بالنار ". بينها الشارح في (ص 514) بقوله تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} 2 وشرحه. ثم عرف بالقدرية وذكر الحديث الوارد بأنهم مجوس هذه الأمة،

_ (1) سورة آل عمران، الآية: 154. (2) سورة الأحزاب، الآية: 38.

وبين وجه الشبه بينهم وبين المجوس، وكيف أن اعتقادهم يخالف ما أجمع عليه أهل السنة والجماعة. وتحت حديث ابن الديلمي حين أتى أُبيّ بن كعب فقال: في نفسي شيء من القدر، فحدثني بشيء لعل الله يذهبه من قلبي، فقال: " لو أنفقت مثل أحد ذهبا ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر ... "1 الحديث. نقل الشارح في بيان هذا الحديث (ص 516) ما روي عن ابن عباس من حديث: " واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك ... "2 الحديث. ثم ذكر معنى الإيمان بالقدر خيره وشره. ثم ختم الباب في (ص 516 - 517) بأقسام الإيمان بالقدر منقولاً عن ابن رجب، وأنه ينقسم إلى قسمين، وهي لا تختلف عن التقسيم الذي نقل في "التيسير": (ص 688) عن ابن القيم. وفي باب ما جاء في المصورين: وتحت حديث عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله "3. ذكر الشارح رحمه الله تتمة الحديث من أوله ثم شرح بعض مفرداته ففسر معنى القرام، والسهوة، ثم ذكر حديثا في وعيد المصورين. وتحت حديث: " من صور صورة كلف أن ينفخ فيها"4. أورد الشارح في (ص 520) بيانا لهذا الحديث ما روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المصورون يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم "5 فبين معنى الصورة التي يشملها النص بأنها

_ (1) أبو داود: السنة (4699) , وابن ماجه: المقدمة (77) , وأحمد (5/182 ,5/185) . (2) الترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (2516) , وأحمد (1/293) . (3) البخاري: اللباس (5954) , وأحمد (6/36) . (4) البخاري: التعبير (7042) , والنسائي: الزينة (5358) , وأحمد (1/246) . (5) البخاري: النكاح (5181) , ومسلم: اللباس والزينة (2107) , وأحمد (6/246) , ومالك: الجامع (1803) .

كل ما يصور من الحيوان سواء في ذلك الصورة المستوية القائمة التي لها أشخاص أو ما لا شخص له من المنقوشة في الجدار وغيره ثم ذكر ترخيص بعض العلماء فيما كان منها في الأنماط التي توطأ. ثم نقل عن بعض أهل العلم أن حمل النقد الذي فيه صورة لا يؤثر وذكر علة ذلك وأن السلف كانوا يتعاملون به من غير نكير. وفي باب ما جاء في كثرة الحلف: وتحت قول الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} 1 ذكر الشارح رحمه الله في (ص 523) أن معنى الآية، أي: قللوا، وأنها تدل على النهي عن كثرة الحلف تعظيما لله تعالى. واستدل على ذلك بحديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: " الحلف حنث أو ندم "2 وأن المناوي قال فيه: (لأنه إما يحنث فيأثم أو يندم على منعه نفسه مما كان له فعله ومعنى آخر للآية أن المراد احفظوا أيمانكم عن الحنث إذا حلفتم لئلا تحتاجوا إلى التكفير. ثم ذكر بالمناسبة أن من حلف على ترك مندوب أو فعل مكروه، فالأولى أن يحنث نفسه ويكفر واستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم " إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير "3. وتحت حديث سلمان: " ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أشيمط زان ... " الحديث. قال الشارح في (ص 526) بعد قوله: " ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بمينه ولا يبيع إلا بيمينه " قال: يكره الحلف في البيع ونحوه ولو كان صادقًا قال الله تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} 4.

_ (1) سورة المائدة، الآية: 89. (2) ابن ماجه: الكفارات (2103) . (3) البخاري: الأيمان والنذور (6623) , ومسلم: الأيمان (1649) , وابن ماجه: الكفارات (2107) , وأحمد (4/401) . (4) سورة البقرة، الآية: 224.

وتحت حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ... "1 الحديث. ذكر الشارح في (ص 526 - 528) المقصود بقرن النبي صلى الله عليه وسلم ثم بيَّن معنى القرن والخلاف في مقدار مدته، ورجح أن القرن مائة سنة. واستدل عليه بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعبد الله بن بسر: " إنك تعيش قرنا " فعاش مائة سنة. وفي (ص 528 - 529) ذكر الشارح أن في الحديث دلالة أنه لا يجوز للشاهد أداء الشهادة حتى يسأله المشهود له إذا كان عالمًا بها. ثم ذكر أنه إن كان المشهود له غير عالم بها جاز أداؤها قبل طلبها. واستدل على ذلك بحديث: " ألا أخبركم بخير الشهود الذي يأتي بشهادته قبل أن يسأل عنها "2 رواه مسلم. وتحت حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ... "3 الحديث. نقل الشارح في (ص 530) عن السيوطي معنى القرن وبين أن البدع قد ظهرت من القرن الثالث ظهورا فاشيًا. وتحت قول إبراهيم التيمي: (كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار) . ذكر الشارح في (ص 531 - 532) أنه يستحب لوالد الصبي وولي اليتيم وقيمه أن يحسن أدبه ويربيه ويأمره بحسن الأخلاق ويصونه وينهاه عن مساويها، ثم ذكر التدرج معه في التربية والتأديب وما يبدأ به معه. واستدل على قوله بحديث: " مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها "4.

_ (1) الترمذي: الأمثال (2863) , وأحمد (4/130 ,4/202 ,5/344) . (2) مسلم: المساقاة (1587) , والترمذي: البيوع (1240) . (3) البخاري: في اللقطة (2435) , ومسلم: اللقطة (1726) , وأبو داود: الجهاد (2623) , وابن ماجه: التجارات (2302) , وأحمد (2/6) , ومالك: الجامع (1812) . (4) البخاري: الجهاد والسير (2790) , وأحمد (2/335 ,2/339) .

واستشهد ببعض الأبيات على فائدة الضرب في تقويم الصبيان على الآداب القويمة. وفي باب ما جاء في ذمة الله تعالى وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحت قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَاعَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُواالْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} 1 نقل الشارح في (ص 533) عن المفسرين أنها نزلت في الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام فأمرهم بالوفاء بهذه البيعة. ثم ذكر أقوالاً أخرى في المراد بالعهد فذكر أنه كل ما يلتزمه الإنسان، ويدخل فيه الوعد; لأن الوعد من العهد، أو أنه اليمين، أو أن المراد منه حلف الجاهلية. وذكر الاستدلال على كل قول من تلك الأقوال. وتحت حديث بريدة قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ... "2 الحديث. ذكر الشارح في (ص 535) معنى السرية والجيش والجحفل والخميس والبعث وذكر سبب تسمية السرية بذلك. وذكر في (ص 535) معنى الغلول بأنه الخيانة في الغنيمة، واستدل عليه بقوله تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} 3 وبحديث: " لا تغلو فإن الغلول نار وعار على أصحابه في الدنيا والآخرة ". وفسر الغدر في (ص 536) بأنه الاغتيال قال: وهو ممنوع شرعًا إما لتقدم أمان أو لوجوب تقدم الدعوة. واستدل عليه بقوله صلى الله عليه وسلم " وإذا جمع الله الأولين والآخرين يرفع لكل

_ (1) سورة النحل، الآية: 91. (2) مسلم: الجهاد والسير (1731) , والترمذي: الديات (1408) والسير (1617) , وأبو داود: الجهاد (2612) , وابن ماجه: الجهاد (2858) , وأحمد (5/352 ,5/358) , والدارمي: السير (2439) . (3) سورة آل عمران، الآية: 161.

غادر لواء يقال هذه غدرة فلان بن فلان "1 ثم عقب عليه بقوله: (وقد عوقب الغادر بالفضيحة العظمى، وقد يكون ذلك من مقابلة الذنب بما يناسب ضده في العقوبة، فإن الغادر أخفى جهة غدره ومكره فعوقب بنقيضه وهو شهرته على رؤوس الأشهاد) . وفي (ص 537) بين معنى التمثيل المنهي عنه في قوله صلى الله عليه وسلم "ولا تمثلوا"، واستدل عليه بقوله صلى الله عليه وسلم " إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة "2. وفي (ص 537) بين الشارح معنى قوله صلى الله عليه وسلم " ولا تقتلوا وليدًا "3 أي: طفلاً صغيًرا، قال: وفيه النهي عن قتل الصبيان، وكذلك النساء. واستدل على ذلك بحديث ابن عمر: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان "4 قال: وألحق المجانين بالصبيان إلا إذا قاتلوا أو تترس الكفار بهم ثم ذكر ما قاله الشافعي في شيوخ المشركين وأطفالهم. وفي (ص 538) ذكر الشارح مسألة تتعلق بنقل رؤوس الكفار لمناسبته الكلام عن قوله صلى الله عليه وسلم " ولا تمثلوا ". فبين أنه يكره نقل رؤوس الكفار من بلاد إلى بلاد واستدل عليه، ورد على من استدل بحمل رأس أبي جهل. وفي (ص 540) ذكر مسألتين تتعلقان بالجزية: إحداهما: أنه يشترط لعقدها الإمام أو نائبه بخلاف عقد الأمان فإنه يصح من غيره. والثانية: أن الجزية لا تنعقد لليهود والنصارى والمجوس وأنه لا جزية على المرأة والصبي والمجنون والعبد، وأن أقلها دينار على كل واحد لكل سنة.

_ (1) البخاري: الأدب (6177) , ومسلم: الجهاد والسير (1735) , وأبو داود: الجهاد (2756) , وأحمد (2/29) . (2) مسلم: الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1955) , والترمذي: الديات (1409) , والنسائي: الضحايا (4405 ,4412) , وأبو داود: الضحايا (2815) , وابن ماجه: الذبائح (3170) , وأحمد (4/123 ,4/125) , والدارمي: الأضاحي (1970) . (3) مسلم: الجهاد والسير (1731) , والترمذي: الديات (1408) والسير (1617) , وأبو داود: الجهاد (2613) , وابن ماجه: الجهاد (2858) , وأحمد (5/358) , والدارمي: السير (2439) . (4) البخاري: الجهاد والسير (3015) , ومسلم: الجهاد والسير (1744) , والترمذي: السير (1569) , وأبو داود: الجهاد (2668) , وابن ماجه: الجهاد (2841) , وأحمد (2/22 ,2/75) , ومالك: الجهاد (981) , والدارمي: السير (2462) .

وذكر الشارح في (ص 540 - 541) أن الحديث دليل على أن المشركين لا يقاتلون إلا بعد دعائهم إلى الإسلام ثم ذكر الخلاف بين أهل العلم في ذلك فنقل عن الإمام مالك قوله: إنهم لا يقاتلون حتى يؤذنوا. وأنه قد ذهب جماعة إلى أنهم يقاتلون قبل الدعوة إذا كانت قد بلغتهم من قبل، قال: وهو قول الشافعي والثوري وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق وذكر حجج الفريقين. ومن (ص 542 - 545) بين معنى الإخفار، وتحريم إخفار الذمة والأمان والجوار، وحرمة انتهاك ذمة الله وذمة رسوله، وأن الذمة تكون من المسلمين ويجب تنفيذها، ثم ذكر الأدلة على ذلك. وفي نهاية الباب في (ص 546) تكلم الشارح رحمه الله عن حكم إحصار الكفار ورميهم بالمدافع والإحراق بالنار، وقطع الأشجار، وهدم الحصون، وقتل الحيوانات، واستدل لما يجوز وما لا يجوز في غيره. وفي باب ما جاء في الإقسام على الله تعالى: وتحت حديث أبي هريرة: أن القائل رجل عابد، قال أبو هريرة: " تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته ... "1 أورد الشارح في (ص 548 - 550) الحديث بتمامه، ثم أورد رواية جندب بن جنادة عند الطبراني التي فيها أن الله تعالى أوحى إلى نبي من الأنبياء أنها، - أي: الكلمة التي قالها - خطيئة فليستقبل العمل. ثم نقل من "فيض القدير" في شرح هذه الرواية قوله يستأنف عمله للطاعة فإنها أحبطت عمله بتأليه على الله، وهذا خرج مخرج الزجر والتهويل. ثم أورد الاستدلال على ذلك بحديث: "ويل للمتألين من أمتي "،

_ (1) أبو داود: الأدب (4901) , وأحمد (2/323) .

وحديث: " من يتألى عليَّ الله يكذبه ". وفي (ص 551) ذكر مذهب أهل السنة والجماعة في مصير المؤمن الموحد العاصي وأنه لا يقال بأن الله يعاقبه لا محالة، وأنه لا يجوز أن يقال: إن الله تعالى يعفو عنه لا محالة، بل هو في مشيئة الله تعالى، ثم استدل على ذلك. وذكر (ص 553) أنه لا يجوز أن يشهد على أحد من المؤمنين بالنار إلا من شهد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ثم استدل على ذلك. وذكر في (ص 554) أنه لا يجوز أن يقال: الذنب لا يضر مع الإيمان، بل يضر، ولا يثبت به في الحال جواز المؤاخذة، وبين أن ذلك خلافا للمرجئة الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وفي باب لا يستشفع بالله تعالى على خلقه: وتحت حديث جبير بن مطعم قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا رسول الله، نهكت الأنفس، وجاع العيال ... "1 الحديث. بين الشارح رحمه الله في (ص 555 - 556) معنى الاستسقاء في اللغة والشرع وأنه على أنواع ثلاثة دعاء أو دعاء مع صلاة الجمعة، أو دعاء عام يجتمع له الناس بصلاة خاصة. وفي (ص 557) بين الشارع معنى سبحان الله وأن سبحان من الأسماء التي لا تستعمل إلا مضافة أبدًا وهو علم للتسبيح كعثمان للرجل ... ثم ذكر معاني هذا الاسم وخصائصه وإعرابه. وفي (ص 558) أوضح معنى قول الأعرابي: (فإنا نستشفع بالله

_ (1) البخاري: الجمعة (933) , والنسائي: الاستسقاء (1528) .

عليك) وأن النبي صلى الله عليه وسلم كرهه; لأن الشافع يسأل المشفوع إليه والرب تعالى وتقدس لا يسأل عبده ولا يشفع إليه. وفي باب ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده طرق الشرك: تحت حديث عبد الله بن الشخير لما قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا، فقال: " السيد الله تبارك وتعالى ". بين الشارح رحمه الله (ص 560 - 561) : (أن ذلك لا يتعارض مع إخباره صلى الله عليه وسلم أنه سيد ولد آدم لأنه إخبار عما أعطي من الشرف على النوع الإنساني) . وفي (ص 561) ذكر الشارح رحمه الله الخلاف في الإتيان بلفظ السيادة في نحو الصلاة عليه، ونقل ترجيح بعضهم أن لفظ الوارد لا يزاد عليه بخلاف غيره. وفي نفس الصفحة بين معنى قوله صلى الله عليه وسلم " قولوا بقولكم أو بعض قولكم "1 بأن معناه، أي: قولوا بقول أهل دينكم وملتكم، يعني: ادعوني رسولاً ونبيا ولا تسموني سيدًا كما تسمون رؤساءكم لأنهم كانوا يحسبون أن السيادة بالنبوة بأسباب الدنيا. ومعنى "أو بعض قولكم"، يعني: بعض الاقتصاد في المقال وترك الإسراف فيه وهذا من تواضعه صلى الله عليه وسلم. وفي (ص 562) بين معنى قوله صلى الله عليه وسلم " ولا يستجرينكم الشيطان بقوله "2 أي: لا يستغلبنكم فتقعون في أمر عظيم مع أنهم لم يقولوا إلا الحق فإنه سيد ولد آدم وأفضلهم وأكرمهم، فنهاهم عن هذا الخطاب حماية للتوحيد وسدًا للذرائع، ولحداثة عهدهم بالإسلام فكأنه يقول: لا تخاطبوني بما تخاطبون به رؤساءكم بل بما سماني به الله تعالى من نحو نبي ورسول.

_ (1) أبو داود: الأدب (4806) . (2) أبو داود: الأدب (4806) , وأحمد (4/25) .

وتحت حديث أنس بن مالك رضي الله عنه " إن ناسا قالوا: يا رسول الله، يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، فقال: "يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل "1. بين الشارح رحمه الله في (ص 563) قوله صلى الله عليه وسلم " ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل "2 بحديث آخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله "3. ثم بين في (ص 564) معنى الإطراء فقال: (الإطراء: المبالغة في المدح، يعني: قولوا ما هو اللائق والمناسب للعبودية والرسالة) وأن ذلك تواضعا منه صلى الله عليه وسلم واجتنابا عن التفاخر. ثم استدل على تواضعه صلى الله عليه وسلم بقول عائشة - رضي الله عنها -: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته "4 وقولها: " كان بشرا من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه "5. وفي باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِه} 6 نقل الشارح في (ص 569) فيما يتعلق بالصفات عن الخطابي قوله: (ليس فيما يضاف إلى الله عز وجل من صفة اليدين شمال; لأن الشمال محل النقص والضعف) ، وقد روي: " كلتا يديه يمين "7 وليس عندنا معنى اليد الجارحة إنما هي صفة جاء بها التوقيف، فنحن نطلقها على ما جاءت ولا نكيفها وننتهي إلى حيث انتهى بنا الكتاب والأخبار المأثورة الصحيحة وهو مذهب أهل السنة) .

_ (1) أحمد (3/249) . (2) أحمد (3/153) . (3) أحمد (1/23) , والدارمي: الرقاق (2784) . (4) أحمد (6/167) . (5) أحمد (6/256) . (6) سورة الأنعام، الآية: 91. (7) مسلم: الإمارة (1827) , والنسائي: آداب القضاة (5379) , وأحمد (2/160) .

ونقل عن سفيان بن عيينة في ذلك قوله: (كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه) . ونقل عن البغوي قوله في "شرح السنة": (كل ما جاء في الكتاب والسنة من هذا القبيل في صفات الباري كالنفس والوجه والعين واليد والرجل والإتيان والمجيء والنزول إلى السماء الدنيا والاستواء على العرش والضحك والفرح، فهذه ونظائرها صفات الله تعالى ورد بها السمع يجب الإيمان بها وإمرارها على ظاهرها معرضا فيها عن التأويل مجتنبا عن التشبيه معتقدا أن الباري لا يشبه شيء من صفاته صفات الخلق، كما لا يشبه ذاته ذات الخلق، قال: وعلى هذا مضى سلف الأمة وعلماء السنة تلقوا جميعها بالإيمان والقبول وتجنبوا فيها التمثيل والتأويل، ووكلوا العلم فيها إلى الله تعالى كما أخبر الله تعالى عن الراسخين في العلم {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} 1. ثم ذكر في (ص 570) فائدة تتعلق بطي الأرض فقال: (فإن قيل: فأين يكون الناس عند طي الأرض؟ قيل: يكونون على الصراط) . ونقل عن القرطبي في (ص 571) قوله: (المقصود بهذا النداء إظهار انفراده بالملك عند انقطاع دعوى المدعين وانتساب المنتسبين إذ قد ذهب كل ملك وملكه وكل جبار ومتكبر وهو مقتضى قوله: " أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ "2) . وتحت قوله صلى الله عليه وسلم " ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض ". أورد الشارح من (ص 573 - 575) الخلاف في الكرسي هل هو العرش أو غيره؟ على أربعة أقوال:

_ (1) سورة آل عمران، الآية: 7. (2) البخاري: تفسير القرآن (4812) , ومسلم: صفة القيامة والجنة والنار (2787) , وابن ماجه: المقدمة (192) , وأحمد (2/374) , والدارمي: الرقاق (2799) .

أحدها: أن الكرسي هو العرش نفسه. الثاني: أن الكرسي غير العرش. والثالث: أن الكرسي هو الاسم. والرابع: أن المراد بالكرسي الملك والسلطان والقدرة. وذكر أصحاب هذه الأقوال من السلف والاستدلال عليها. ومن (ص 576 - 579) ذكر بعض النصوص التي تصف العرش وحملته من الملائكة من الآيات والأحاديث والآثار. وفي نهاية الباب ختم الشيخ رحمه الله الباب من (ص 581 إلى آخر الكتاب) بذكر نصوص في عظمة الله وعجائب مخلوقاته وغرائب مبتدعاته وعظيم قدرته وآياته وملكه ومصنوعاته تبعا لما عقده المصنف في هذا الباب لذلك.

لعن الله من لعن والديه............................

_ الله من الشرك الأكبر، ووجه الدلالة على ذلك من الآيتين الكريمتين ظاهر، وهو أن الله قرن الذبح بالصلاة، ومعلوم أن من صلى لله ولغيره فقد أشرك، قال الرافعي1 من الشافعية: واعلم أن الذبح للمعبود نازل منزلة الجود، فمن ذبح لغير الله من حيوان أو جماد لم تحل ذبيحته وكان كافرًا، كمن سجد لغير الله سجدة عبادة. يروى "أن إبليس -لعنه الله- أتى في صورة رجل رحمة بنت افراثيم بن يوسف2 حين ابتلى الله أيوب عليه السلام، فقال لها: ليذبح أيوب هذه السخلة لي فقالت -لأيوب زوجها عليه السلام-: اذبح هذه السخلة3 واسترح، فقال لها: والله لئن شفاني الله لأجلدنك مائة جلدة ... ويلك أتأمريني أن أذبح لغير الله "4. {" لعن الله من / لعن والديه "5} اعلم أن لعن المسلم المصون حرام

بإجماع المسلمين، ولعن الوالدين أشد حرمة، ومنه أن تلعن والدي الرجل فيلعن والديك، لأنك صرت السبب في ذلك،1 واللعن منهي عنه. ففي صحيح البخاري ومسلم2 عن ثابت بن الضحاك3 رضي الله عنه وكان من أصحاب4 الشجرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لعن المؤمن كقتله "56.

_ (1) ولعله يشير إلى حديث عبد الله بن عمر بن العاص - في ((صحيح مسلم)) انظره: مع ((شرح النووي)) : (2/446-447, ح 146/90) - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من الكبائر شتم الرجل والديه , قالوا: يا رسول الله, هل يشتم الرجل والديه؟ قال: ((نعم, يسب أبا الرجل فيسب أباه, ويسب أمه فيسب أمه)) . وحديث: ((لعن الله من لعن والديه)) وهو في ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) -أيضا-: (13/151, ح 44/1978) . (2) في ((الأصل)) قدم مسلما على البخاري, ولعله خطأ من الناسخ, وما أثبته من بقية النسخ. (3) هو: ثابت بن الضحاك بن خليفة بن ثعلبة بن عبد الأشهل الأنصاري الأشهلي, صحابي جليل شهد بيعة الرضوان, وكان رديف النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق, ودليله إلى حمراء الأسد, وكان ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة, مات سنة 45 هـ. انظر ترجمته في: ((الإصابة)) : (2/11) , ((أسد الغابة)) : (1/271) , ((تهذيب التهذيب)) : (2/8) . (4) في ((ر)) : (من أهل الشجرة) . (5) البخاري: الأدب (6105) , ومسلم: الإيمان (110) , وأحمد (4/33) . (6) [70 ح] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (11/537, ح 6652) , كتاب الأيمان والنذور, باب من حلف بملة سوى ملة الإسلام. و ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (2/480) , كتاب الإيمان, باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه, والحديث من رو، الآية ثابت بن الضحاك. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

وعن أبي الدرداء1 رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن اللعانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء -يعني: من يلعن الناس في الدنيا فاسق، والفاسق لا تقبل شفاعته ولا شهادته- "23 رواه مسلم4. وعن سمرة بن جندب5 رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار "6 قال الترمذي: حديث حسن صحيح7.

_ (1) هو: عويمر بن عامر, ويقال: ابن قيس بن زيد, وقيل: ابن ثعلبة بن عامر بن زيد بن قيس, وقال الكلبي: اسمه عامر بن زيد بن قيس مشهور بكنيته أبي الدرداء, كان من أفاضل الصحابة وفقهائهم وحكمائهم, روي عنه أنه مر على رجل قد أصاب ذنبا وكانوا يسبونه فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى؟ قال فلا تسبوا أخاكم واحمدوا الله الذي عافاكم, قالوا: أفلا تبغضه. قال: إنما أبغض عمله فإذا تركه فهو أخي, توفي سنة 32 هـ. انظر ترجمته في: ((سير أعلام النبلاء)) : (2/335-353) , ((أسد الغابة)) : (4/18-19) , ((تذكرة الحفاظ)) : (1/24) . (2) مسلم: البر والصلة والآداب (2598) , وأبو داود: الأدب (4907) , وأحمد (6/448) . (3) ما بين الحاصرتين - ليس من الحديث, وإنما تفسير وبيان من الشارح رحمه الله. (4) [71 ح] ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (16/387, ح 2598) , كتاب البر والصلة والآداب, باب النهي عن لعن الدواب. وكذا في ((سنن أبي داود)) : (5/211- 212, ح 4907) , كتاب الأدب, باب في اللعن. انظر بقية تخريجه في الملحق. (5) هو: سمرة بن جندب بن هلال الفزاري, من علماء الصحابة, يكنى: أبا سليمان, سكن البصرة, وتولى إمارتها في عهد معاوية سنة, وكان شديدا على الحرورية كان إذا أتى بواحد منهم قتله ولم يقله, ويقول: شر قتلى تحت أديم السماء يكفرون المسلمين ويسفكون الدماء مات سنة 58 هـ, أو 59 هـ. انظر ترجمته في: ((أسد الغابة)) : (2/302-303) , ((الطبقات)) لابن سعد: (6/34) , ((سير أعلام النبلاء ((: (3/183-186) , ((الإصابة)) : (4/257) . (6) الترمذي: البر والصلة (1976) , وأبو داود: الأدب (4906) . (7) [72 ح] ((سنن الترمذي)) : (4/350, ح 1976) , كتاب البر والصلة, باب ما جاء في اللعنة. وكذا في ((سنن أبي داود)) : (5/211, ح 4906) , كتاب الأدب, باب في اللعن. وفي ((مسند الإمام أحمد)) : (5/15) . والحديث قال فيه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم في ((المستدرك)) (1/48) : صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وصححه الألباني, انظر: ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) : (2/585, ح 893) . و ((صحيح سنن الترمذي)) : (2/189, ح 1609) , و ((صحيح سنن أبي داود)) : (3/927, ح 4100) . انظر بقية تخريجه في الملحق.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس المؤمن باللعان ولا بالطعان ولا الفاحش ولا البذيء "1 قال الترمذي: حديث حسن2. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من لعن شيئًا ليس له أهل رجعت اللعنة عليه "34.

_ (1) صحيح البخاري: كتاب تفسير القرآن (4698) , وسنن الترمذي: كتاب البر والصلة (1977) , ومسند أحمد (1/416) . (2) [73 ح] ((سنن الترمذي)) : (4/350, ح 1977) , كتاب البر والصلة, باب ما جاء في اللعنة. و ((مستدرك الحاكم)) : (1/12) , كتاب الإيمان. الحديث قال فيه الترمذي: حديث حسن غريب, وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين, وصححه الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) : (1/571, ح 320) , و ((صحيح الترمذي)) : (2/189, ح 1610) . انظر تفصيل التخريج في الملحق. (3) الترمذي: البر والصلة (1978) , وأبو داود: الأدب (4908) . (4) [74 ح] ((سنن أبي داود ((: (5/212, ح 4908) , كتاب الأدب, باب في اللعن. ((سنن الترمذي)) : (4/351, ح1978) , كتاب البر والصلة, باب ما في اللعنة. والحديث قال فيه الترمذي: هذا حديث حسن غريب, وصححه ابن حبان: ((الموارد)) : (ص 487, ح 1988) . وصححه الألباني, انظر: ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) : (2/51, ح 528) , و ((صحيح سنن الترمذي)) : (2/189, ح 1611) . انظر بقية التخريج في الملحق.

تنبيه: ينبغي للإنسان إذا لعن1 ما لا يستحق اللعن أن يبادر بقوله: (إلا أن يكون لا يستحق) 2. واعلم أنه يجوز لعن أهل المعاصي على العموم من غير تعيين كما ثبت في الأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة3 ولعن أكل الربا،4 ولعن المصورين،5 ومنها " لعن الله من لعن والديه "67.

_ (1) (لعن) سقط من ((ر)) . (2) وكان الأفضل أن يستبدل هذا التنبيه أو يقدمه بقوله: (إن الإنسان ينبغي له أن يتجنب اللعن والإكثار منه) . (3) الحديث في هذا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة. وهو في ((صحيح البخاري)) , انظره: مع ((الفتح)) : (10/374, ح 5933) , وقد رواه غيره. والواصلة: هي التي تصل الشعر لغيرها, والمستوصلة: هي التي تطلب أن يوصل لها الشعر. (4) والحديث في هذا عن عبد الله, قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله, قال: قلت وكاتبه وشاهديه, قال: إنما نتحدث بما سمعنا. وفي رو، الآية عن جابر قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء. والحديثان في ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (11/29-30, ح 105/1597, ح 106/1598) . (5) والحديث في هذا عن أبي جحيفة عن أبي قال: لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ونهى عن ثمن الكلب وكسب البغي ولعن المصورين. وهو في ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (9/494, ح 5347) . (6) مسلم: الأضاحي (1978) , والنسائي: الضحايا (4422) , وأحمد (1/108) . (7) وهو جزء من حديث الباب الذي سيأتي تخريجه بعد قليل.

ل عن الله من آوى محدثا، لعن الله من غير منار الأرض " 1 رواه مسلم. وعن طارق بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم...........

_ " لعن الله من / آوى محدثًا " أي: ضمه إليه، وقد وجب عليه حق الله فيلتجئ إلى من يجيره من ذلك. " لعن الله من غير منار الأرض "2 أي: أعلامها، وهي المراسيم التي تفرق بين حقك من الأرض وحق جارك فتغيرها بتقديم أو تأخير. {رواه مسلم3} . {وعن طارق بن شهاب45} رضي الله عنه {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال:" دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجاوزه أحد حتى يقرب شيئًا، قالوا لأحدهما: قرب، قال: ليس عندي شيء أقرب، قالوا: قرب ولو ذبابا، فقرب ذبابا فخلوا سبيله فدخل النار

_ قال: {" دخل الجنة رجل في ذباب "} أي: بسبب ذبابًا {ودخل النار رجل في ذباب "} أي: بسبب ذباب1 {قالوا: وكيف} سبب {ذلك يا رسول الله2، قال: "مر3 رجلان على قوم لهم صنم} يعبدونه من دون الله {لا يجاوزه4 أحد} يمر عليه {حتى يقرب} له {شيئًا} والقربان: اسم لما يتقرب به5 إلى الله عز وجل من صدقة أو ذبيحةذ أو نسك أو غير ذلك مما يتقرب به {قالوا: لأحدهما قرب} له قربانًا {قال: ليس عندي شيء أقرب} له {قالوا: قرب} له {ولو ذبابًا فقرب} له {فخلوا سبيله فدخل النار} بسبب ذلك الذباب6 حيث وافقهم على طلبتهم، ولو كان لم يقصد به إلا التخلص من شرهم ولكنه7 مسلم; لأنه لو كان كافرًا لم

وقالوا للآخر: قرب، فقال: ما كنت لأقرب لأحد شيئًا دون الله عز وجل

_ يقل دخل النار في ذباب; لأنه مكره12 قال الله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنّ} 3، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "45 ولو أنه صبر على القتل لكان أفضل، وعمل القلب هو المقصود الأعظم، فدخوله النار للتطهير {وقالوا للآخر: قرب} له قربانًا {فقال: ما كنت لأقرب لأحد شيئًا دون الله عز وجل} لأن القربان

فضربوا عنقه [فدخل] ، الجنة " رواه أحمد.

_ لا تصلح إلا لله تعالى {فضربوا عنقه [فدخل] ،1 الجنة " رواه أحمد2} حيث لم يوافقهم على التقريب لذلك الصنم. فيه شاهد للحديث الصحيح: " الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك "34.

كتاب التوحيد

كتاب التوحيد وقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} 1.

_ {كتاب التوحيد} هو مصدر وحد، ومعنى وحدته: اعتقدته منفردًا بذاته وصفاته لا نظير له ولا شبيه2 وقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} 3 قيل: معناه إلا ليوحدون4 فالمؤمن يوحده اختيارًا في الشدة والرخاء، والكافر يوحده في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء5 وقال علي- كرم الله وجهه-[في الجنة] 67 إلا ليعبدون،

أي: إلا لآمرهم أن يعبدون، وأدعوهم إلى عبادتي1 وقيل: إلا ليعرفون2 كلما كان في القرآن من العبادة فمعناه التوحيد، وأصل العبودية التذلل3 والعبادة غاية التذلل، ولا يستحقها إلا لمن4 له غاية5 الإفضال والإعظام وهو الله تعالى وتقدس، وفي الآية الكريمة دليل على أن الجن مكلَّفون ومخاطبون بالعبودية، ومجزيُّون ومحاسبون ثوابًا وعقابًا، وهذا وجه الحكمة في خلق الجن والإنس6 قال الله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُون} 7 وقال عز وجل {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً} 8 وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} 9 أي: بالعدل، وهو الثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية.

_ (1) ((تفسير البغوي ((: (4/ 235) . (2) ((تفسير البغوي ((: (4/ 235) . ولا بد أن يعلم هنا بأن المعرفة هنا ليس على الإطلاق, وإنما المعرفة لله مع الطاعة له وإلا فإن معرفة إبليس لربه لم تنفعه, وإقرار قريش بأن الله خلقهم وخلق السموات والأرض, كل ذلك لم ينفعهم حينما لم يتخذوه سبحانه إلها يعبد وحده, ومن هنا ضل من فسر الإيمان بالمعرفة وحدها. (3) قوله: (فمعناه التوحيد, وأصل العبودية التذلل) سقط من نسخة ((ر)) . (4) هكذا في جميع النسخ, والأولى أن يقال: (إلا من له) . (5) كلمة: (غ، الآية) سقطت من ((ر)) . (6) وبهذا يتضح أن الحكمة التي خلق الله من أجلها هذا الخلق, وأرسل الرسل وأنزل الكتب هي عبادته تعالى: ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين , فمتى خلت الأرض من عبادته قامت القيامة, كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله. (7) سورة المؤمنون، الآية: 115. (8) سورة ص، الآية: 27. (9) سورة الدخان، الآية: 39-38.

وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 1. ..............................................................

_ وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً} 2 وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً3 بعثهم الله تعالى بالتوحيد كما بعثنا فيكم محمدًا رسولاً بالتوحيد {أنِ اعْبُدُوا الله} ، أي: وحدوا الله بالعبادة، والإخلاص {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} هو عام في كل ما عبد من دون الله، وشر الطواغيت إبليس لعنه الله، ومنها الحاكم بغير ما أنزل الله، والكاهن والساحر، والطاغي عن حده، وكل ما يطغى الإنسان فهو طاغوت4 وعبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت، وفيه معنى قوله

وقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ..........................................

_ تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} 1 والرسل عليهم السلام كانوا يأمرون أممهم بأن يعبدوا الله بالإخلاص، وأن يجتنبوا الطاغوت {فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَة} 2. {وقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ} قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ومعناه وأمر ربك3، وقيل معناه: وأوجب ربك، وقيل: وحكم ربك، وقيل: أوصى ربك، وهي قراءة علي بن أبي طالب وابن مسعود4 -رضي الله عنهما5 -.

أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماًوَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} 1.

_ {أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} 2 الآيات المحكمات إلى قوله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً} 3 وفيها ثمان عشرة مسألة: الأولى: وجوب عبادة الله والمنع من4 عبادة غيره; لأن العبادة عبارة عن الفعل المشتمل على نهاية التعظيم، ولا تليق إلا لمن له5 الإنعام والإفضال على عباده، ولا منعم إلا الله تعالى، فكان هو المستحق للعبادة لا غيره. الثانية: لزوم القيام بحق الوالدين إحسانًا إليهما برًّا وعطفًا عليهما سيما عند بلوغ الكبر وانتهائهما إلى حالة الضعف. والإنسان يكلف في حق الوالدين بخمسة أشياء: الأول: قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 6 وهي كلمة تضجر وكراهية. الثاني: قوله تعالى: {وَلا تَنْهَرْهُمَا} 7 أي: تزجرهما.

الثالث: قوله تعالى {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} : 1 أي: حسنًا جميلاً لينًا ويحسن الأدب معهما بأن يقول: يا أبتاه، يا أماه، ولا يسميهما بأسمائهما. الرابع: قوله عز وجل {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} 2 أي: ألن لهما جناحك واخفض لهما حتى لا تمنع من شيء أحباه، وقوله من الرحمة، أي: من الشفقة. الخامس: قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} 3 أي: وادع الله لهما أن يرحمهما برحمته الباقية، والأحاديث الواردة في بر الوالدين كثيرة، منها قول هصلى الله عليه وسلم " رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب من سخط الوالد45 ". الثالثة: أمره تعالى أن يؤتي الإنسان أقاربه حقوقهم، وحقهم صلتهم بالموادة والزيارة وحسن المعاشرة سواء كانوا محارما6 أم لا.

_ (1) سورة الإسراء، الآية: 23. (2) سورة الإسراء، الآية: 24. (3) سورة الإسراء، الآية: 24. (4) في ((الأصل)) , و ((ش)) : (الوالد) بالإفراد, وفي الأخرى بالتثنية: (الوالدين) . (5) [5 ح] ((سنن الترمذي)) : (4/ 310, ح 1899) , كتاب البر والصلة, باب ما جاء من الفضل في رضا الوالدين, ((الأدب المفرد)) للبخاري: (ص 18, ح 2) , والحديث في ((سنن الترمذي)) عن عبد الله بن عمرو, وجاء الحديث في بعض المصادر معزوا إلى ابن عمر. والحديث صححه الألباني, انظر: ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) : (2/ 29, ح 516) , و ((صحيح سنن الترمذي)) : (2/ 176, ح 1549) . وقد اختلف في رفعه ووقفه. انظر تفصيل التخريج في الملحق. ولا بد أن يعلم هنا أن ذلك مقيد بما شرع فلا يفهم أن رضا الوالد مطلوب حتى في مخالفة الشرع إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. (6) في ((ر)) : (محارم بدون تنوين) .

الرابعة: ما أمر الله به من إيتاء المسكين حقه ومثله الفقير، وهما1 المحتاجان اللذان لا يفي خرجهما بدخلهما2 والفقير أسوأ حالاً من المسكين عند الشافعي3. الخامسة: 4 ما أمر به من إيتاء ابن السبيل حقه- وهو المسافر المنقطع عن ماله- ويحق5 لهؤلاء الثلاثة في الصدقة. السادسة: النهي عن التبذير وهو إنفاق المال في غير حقه من سرف أو معصية أو رياء أو مفاخرة، ويدخل في ذلك الرشا، وحلوان الكاهن، وما يعطى النائحة وعن مجاهد6 " لو أنفقت مدا في باطل كان تبذيرا "7 ويدخل في ذلك الإسراف8 في الوضوء. السابعة: النهي عن البخل، وذلك المراد بقوله: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ

_ (1) كلمة: (وهما) تفردت بها ((الأصل)) . (2) هكذا في كل النسخ, والصواب: (لا يفي دخلهما بخرجهما) . (3) انظر: ((مغني المحتاج)) : (3/ 108) , و ((روضة الطالبين)) : (2/ 311) . والمسكين والفقير من الكلمات التي إذا اجتمعت اختلفت في المعنى, وإذا انفرد كل منهما كان له معنى خاصا به. وقد اختلف في المسكين والفقير أيهما أحسن حالا. (4) كلمة: (الخامسة) سقطت من ((ر)) . (5) هكذا في النسخ الثلاث, وفي ((الأصل)) : (والحق) . (6) هو: مجاهد بن جبر -أبو الحجاج المخزومي- إمام في التفسير والقراءة, سمع من بعض الصحابة, ولزم ابن عباس مدة وقرأ عليه القرآن, قال ابن جريج عنه: لأن أكون سمعت من مجاهد أحب إليَّ من أهلي ومالي, وُلد سنة 31هـ, ومات سنة 104هـ. انظر ترجمته في: ((تذكرة الحفاظ)) : (1/ 92-93) , ((صفة الصفوة)) : (2/ 208- 211) , ((طبقات المفسرين)) : (2/ 305- 308) . (7) ((تفسير ابن كثير)) : (3/ 39) . (8) سقطت كلمة: (الإسراف) من ((ر)) .

مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} 1. وهذه كناية عن البخل، وقوله: {وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} 2 هو نهي عن الإسراف، والواجب الاقتصاد، ففي الخبر: " خير الأعمال أوسطها " وفي رواية3 " خير الأمور أوساطها "4. الثامنة: النهي عن قتل الأولاد خشية الإملاق- أي: الفقر والإفلاس-; لأن5 أهل الجاهلية كانوا يئدون البنات خشية الفاقة وخشية نكاحهن غير الكفؤ، وفي الآية دلالة على كبر هذه الخطيئة. التاسعة: النهي عن الزنا، وذلك معلوم ضرورة6 من الدين. العاشرة: النهي عن قتل النفس التي حرم الله [إلا بالحق] 7 وذلك - أيضا- معلوم تحريمه.

_ (1) سورة الإسراء، الآية: 29. (2) سورة الإسراء، الآية: 29. (3) هكذا في ((الأصل)) , وفي بقية النسخ: (وقال صلى الله عليه وسلم) . (4) [6, 7 ح] ((تفسير القرطبي)) : (2/ 154) , (6/ 276) , قال القرطبي قبله: (وفي الحديث) , ثم قال: (وفيه عن علي -رضي الله عنه-: عليكم بالنمط الأوسط فإليه ينزل العالي وإليه يرتفع النازل) . و ((شعب الإيمان)) للبيهقي: (5/ 261, ح 6601) , وهو موقوف على مطرف. وأخرجه البيهقي -أيضا- في ((السنن الكبرى)) : (3/ 273) عن عمرو بن الحارث بلفظ: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرا بين أمرين وخير الأمور أوساطها ثم قال بعده: (هذا منقطع) . الحديث مختلف بين وقفه ورفعه. الحديث قال الألباني في مقدمة ((حجاب المرأة المسلمة)) (ص 7) : (حديث ضعيف الإسناد, ورواه أبو يعلى من قول وهب بن منبه بنحوه وسنده جيد) . انظر بقية تخريجه في الملحق. (5) في ((ر)) , و ((ع)) : (أن أهل الجاهلية) . (6) في ((ر)) : (ضرورته) . (7) هذه الزيادة من ((ر)) , و ((ع)) .

وقوله: {إِلاَّ بِالْحَقِّ} ، وذلك نحو ما ورد في الحديث: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان، وزنًا بعد إحصان، وقتل النفس بغير حق "1 وكذلك القتل لمدافعه2 والبغي على الإمام، ونحو ذلك مما حصل فيه دليل الإباحة كالتارك لدينه والمفارق الجماعة. الحادية عشرة: أن3 من قتل ظلمًا وعدوانًا فقد جعل الله لوليه سلطانًا - أي: ولاية على القاتل بالقتل-، وقيل: سلطانه هو أن يتخير فإن شاء استقاد4 وإن شاء أخذ الدية، وإن شاء عفا عنه. الثانية عشرة: 5 النهي عن الإسراف في القتل، أي: الولي لا يقتل غير القاتل كفعل الجاهلية، ولا يمثل بالقاتل فيقطع أنفه وأذنيه ويبقر بطنه. الثالثة عشرة: 6 النهي عن أخذ مال اليتيم وهو الطفل الذي لا أب له، وقوله تعالى: {إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن} 7 وذلك حفظه وزراعة أرضه، والتجارة في ماله، وقوله تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّه} 8 أي: يكمل عقله، ويمكنه القيام بمصالح ماله.

_ (1) [8 ح] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (12/ 201 , ح 6878) , كتاب الديات, باب إن النفس بالنفس, ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (11/ 176 , ح 25/ 1676) , كتاب القسامة, باب ما يباح به دم المسلم. الحديث: جاءت روايته عن عبد الله (هكذا) قال ابن حجر في الفتح عند الحديث عبد الله بن مسعود وجاء -أيضا- عن عثمان بن عفان- رضي الله عنه-. انظر التخريج المفصل في الملحق. (2) في ((ر)) , و ((ع)) : (مدافعة) , وهو خطأ. (3) في ((ر)) : (إنه) . (4) لا بد أن يقيد أن اختيار الاستقادة بأن تكون عن طريق السلطان لا أن ينفذ ذلك بنفسه. (5) في ((ر)) : قدم هنا النهي عن أخذ مال اليتيم خلافا للأصل. (6) في ((ر)) : أخر هنا النهي عن الإسراف في القتل خلافا للأصل. (7) سورة الإسراء، الآية: 34. (8) سورة الإسراء، الآية: 34.

وقوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّّ تُشْرِكُوا بِهِ شيئًا} 1 الآيات المحكمات إلى قوله تعالى: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 2.

_ الرابعة عشرة: أمره تعالى بوفاء العهد، وهو الإتيان3 بما أمر الله به، والانتهاء عن ما نهى عنه، أو ما التزمه الإنسان على نفسه. الخامسة عشرة: أمره تعالى بالإيفاء في الكيل والوزن بأن يؤديه من هو عليه على الوفاء والكمال. السادسة عشر: النهي عن اتباع ما ليس له به علم في قوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} 4 أي: لا تقل سمعت ما لم تسمع، ولا أبصرت ما لم تبصر، ولا علمت ما لم تعلم5. ويدخل في ذلك أصول الدين وفروعه، والفتوى والشهادة والغيبة ورواية الأخبار. السابعة عشر: النهي عن البطر والخيلاء في قوله تعالى: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً} 6 فيعرف الإنسان نفسه لأنه خلق ضعيفا. الثامنة عشرة: النهي عن الشرك في قوله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} . {وقوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا

تُشْرِكُوا بِهِ شيئًا} 12} الآيات المحكمات إلى قوله تعالى: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 3. وفيها عشر مسائل: الأولى: أن لا تشركوا به شيئًا، والمعنى: تحريم الشرك بالله تعالى، فيلزم من ذلك وجوب الإخلاص لله تعالى في العبادة; لأنه أخرجه من العدم إلى الوجود بعد أن لم يكن شيئًا. الثانية: قوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} 4 قيل: لما كانت نعمة الوالدين تالية لنعمة الله تعالى في التربية قرن ذلك الأمر بعبادة الله تعالى والنهي عن الشرك، وقد فرع على هذا فروع: منها: وجوب نفقتهما مع الإعسار ولو كانا كافرين، ومثل هذا قوله في سورة لقمان عليه السلام {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} 5. ومنها: أن يعف أباه بتزويج حرة. ومنها: أن لا يحج ولا يجاهد إلا بإذنهما، بخلاف طلب العلم فإنه يجوز الخروج له6. الثالثة: قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاق} 7 وهذا خرج

_ (1) سورة الأنعام، الآية: 151. (2) اقتصر في جميع النسخ على هذا القدر من ال، الآية، ثم قال بعدها: الآيات المحكمات إلى قوله: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ثم شرحها، وفي ((المؤلفات)) تمم ذكر ال، الآيةإلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} . (3) سورة الأنعام، الآية: 153. (4) سورة الأنعام، الآية: 153. (5) سورة لقمان، الآية: 15. (6) قال ابن حجر -رحمه الله تعالى- في ((فتح الباري)) (6/ 141) في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: ((ففيها فجاهد)) : (واستدل به على تحريم السفر بغير إذن لأن الجهاد إذا منع مع فضيلته فالسفر المباح أولى, نعم إن كان سفره لتعلم فرض عين حيث يتعين السفر طريقا إليه فلا منع, وإن كان فرض كف، الآية ففيه خلاف) . (7) سورة الأنعام، الآية: 151.

على1 العادة وإلا فهو محرم خشي الفقر أم لا. الرابعة: قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِش} 2 يعني: الزنا وغيره من المحرمات والمنهيات ما ظهر منها وما بطن- قيل: سره وعلانيته-، وقيل: القليل والكثير، وقيل3 الظاهر ما ظهر تحريمه، والباطن ما فيه شبهة، ويعضده الخبر: "المؤمنون وقافون عند الشبهات "4. الخامسة: قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 5 وقد تقدم تفسيره6. السادسة: قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} 7 وقد تقدم تفسيره8. السابعة: قوله تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} 9 أي: العدل، وقد تقدم تفسيره] 1011. الثامنة: قوله تعالى: {لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} 12 يعني: طاقتها، أي: لا نكلف المعطي أن يعطي أكثر مما وجب عليه، ولا نكلف صاحب الحق الرضا بأقل من حقه13.

_ (1) هكذا في ((الأصل)) , وقد سقطت كلمة: (على) من بقية النسخ. (2) سورة الأنعام، الآية: 151. (3) سقط من العبارة في ((ر)) قوله: (والكثير, وقيل) . (4) لم أجد هذا الخبر بنصه فيما بحثت فيه, ووجدت في ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (10/ 382) معناه بلفظ: ((المؤمن وقاف متبين)) منسوبا للحسن البصري. (5) سورة الأنعام، الآية: 151. (6) انظر: (ص 28, 29) . (7) سورة الأنعام، الآية: 152. (8) انظر: (ص 29) . (9) سورة الأنعام، الآية: 152. (10) (السابعة....) سقطت من ((الأصل)) وألحقته من بقية النسخ. (11) انظر: (ص30) . (12) سورة الأنعام، الآية: 152. (13) انظر ((تفسير البغوي)) : (2/142) ، وانظر: ((تفسير الشوكاني)) : (2/178) .

[التاسعة] 1: قوله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} 2 أي: اصدقوا في مقالتكم: من الإقرار، والشهادة، والوصايا، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والفتاوى، والأحكام3 ثم أنه تعالى أكد ذلك وبيَّن أنه يلزم العدل في القول ولو كان المقول له ذا قربى وهو كقوله تعالى: {وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} 4. [العاشرة] 5: قوله تعالى: {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا} 6 قيل: العهد الفرائض، وقيل: ما أوجبه باليمين، وقيل: ما أمر به في هذه الآية. وقوله تعالى: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} 7 فتمتثلون ما أمرتكم به. قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} 8 يعني: وأن هذا الذي وصيتكم به في هاتين الآيتين هو صراطي، يعني: طريقي وديني الذي ارتضيته لعبادي9 {مُسْتَقِيماً} يعني: قويما- لا اعوجاج فيه10 {َاتَّبِعُوهُ} ، واعملوا به، وقوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} 11 يعني: الطرق المختلفة، والأهواء المضلة، والبدع المردية، وسائر الملل

_ (1) في (الأصل) : (الثامنة) وفي بقية النسخ: (التاسعة) . (2) سورة الأنعام، الآية: 152. (3) انظر (تفسير البغوي) : (2/142) ، وانظر: ((تفسير القرطبي)) : (7/137) .. (4) سورة النساء، الآية: 135. (5) في (الأصل) : (االتاسعة) وفي بقية النسخ: (العاشرة) . (6) سورة الأنعام، الآية: 152. (7) سورة الأنعام، الآية: 152. (8) سورة الأنعام، الآية: 153. (9) انظر (تفسير البغوي) : (2/142) . (10) انظر (تفسير البغوي) : (2/142) . (11) (تفسير البغوي) : (2/142) ..

والأديان المخالفة لدين الإسلام1 {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِه} 2 يعني: فتميل بكم هذه الطرق المختلفة المضلة عن دينه وطريقه الذي ارتضاه لعباده3 روى4 البغوي5 بسنده عن ابن مسعود قال: " خط لنا رسول الله صلي الله عليه وسلم خطا ثم قال: "هذا سبيل الله" ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله وقال: هذه سبل على كل سبيل شيطان يدعو إليه "6 وقرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} 78 يعني: باتباع دينه وصراطه الذي لا اعوجاج فيه {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 9 يعني الطرق المختلفة والسبل المضلة.

_ (1) انظر: ((تفسير البغوي)) : (2/142) . (2) سورة الأنعام، الآية: 153. ((تفسير البغوي)) : (2/142) . (3) انظر: ((تفسير البغوي)) : (2/142) . (4) في ((ر)) (رواه البغوي بسند) ، وهو خطأ من الناسخ، والصواب ما أثبت من ((الأصل)) ، وبقية النسخ. (5) هوك الحسين بن مسعود بن محمد –أبو محمد- المعروف بالفراء البغوي، الشافعي، الفقيه، المحدث، المفسر، كان من العلماء الربانيين، وكان ذا تعبد ونسك، وقناعة باليسير، مات سنة 516 هـ. انظر ترجمته في: ((سير أعلام النبلاء)) .. (19/439-443) ، ((تذكرة الحفاظ)) : (4/1257- 1259) ، ((وفيات الأعيان)) : (2/136) ، و ((شذرات الذهب)) : (4/48) . (6) أحمد (1/435) , والدارمي: المقدمة (202) . (7) سورة الأنعام، الآية: 153. (8) [9ح] ((سنن الدارمي)) : (1/60، ح208) ، المقدمة، باب في كراهية أخذ الرأي. ((مسند الإمام أحمد)) : (1/465) ، ((المستدرك)) للحاكم: (2/8) . والحديث قال عنه الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وشاهده لفظًا واحدًا حديث الشعبي عن جابر من وجه غير معتمد. وصححه ابن حبان: ((الإحسان)) : (1/105، ح6) . وحسنه الألباني في ((مشكاة المصابيح)) : (1/58، ح1606) ، وصححه في تخريجه لـ ((شرح العقيدة الطحاوية)) : (ص525، ح810) . انظر التخريج المفصل في الملحق. (9) سورة الأنعام، الآية: 153.

قال ابن مسعود:" من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه فليقرأ {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} 1 إلى قوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً} "2 الآيات، وقوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شيئًا} 3.

_ قال ابن عباس: "هذه الآيات محكمات في جميع الكتب لم ينسخهن شيء وهن محرمات على بني آدم كلهم، وهن أم الكتاب، من عمل بهن دخل الجنة، ومن تركهن دخل النار "4. {قال5} أبو عبد الرحمن عبد الله {ابن مسعود} بن غافل بالمعجمة والفاء، ابن حبيب الهذلي- رضي الله عنه-: {من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم} عند موته في الصحيفة {التي عليها خاتمه} أي: طابعه وعلامته التي لا تغير; لأن خاتم الكتاب يصونه عن التغيير، وتفتح تارة/ وتكسر لغة {فليقرأ: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} 6 إلى قوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً} 7} الآيات89. وقوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شيئًا} 10 وهذه

الآية الكريمة تسمى آية الحقوق العشرة: الأول- بدأها الله بقوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شيئًا} 1 يعني: وأخلصوا له في العبادة ولا تجعلوا له شريكًا من خلقه2. الثاني: قوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} 3، يعني: البر بهما، والأم أحق الناس بالبر ثم الأب ثم الأدنى فالأدنى. الثالث: قوله: {وَبِذِي الْقُرْبَى} ، أي: أحسنوا إلى ذي القربى وواصلوه وهو ذو رحمه من قبل أبيه وأمه الرابع: قوله: {وَالْيَتَامَى} أي: أحسنوا إلى اليتامى، إنما أمر بالإحسان إليهم; لأن اليتيم مخصوص بنوعين من العجز4 الصغر وعدم المشفق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين - وأشار بالسبابة والوسطى- وفرج بينهما شيئًا "5.

_ (1) سورة النساء، الآية: 36. (2) انظر: ((تفسير الطبري)) : (4/ 5/ 77) . (3) سورة النساء، الآية: 36. (4) زيد هنا حرف: (في) في جميع النسخ, ولعله من الناسخ الأول فتبعه من بعده, وقد أسقطته ليستقيم الكلام. (5) [10 ح] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (10/ 436, ح 6005) , كتاب الأدب, باب فضل من يعول يتيما. ((سنن الترمذي)) : (4/321، ح1918) ، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في رحمة اليتيم. الحديث مروي عن سهل بن سعد- رضي الله عنه-. وروي من طريق أبي هريرة بلفظ قريب من الماضي في ((صحيح مسلم)) . انظر: (صحيح مسلم مع شرح النووي) : (18/ 323، ح 42/ 2983) ، كتاب الزهد والرقاق، باب الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم. انظر التفصيل في التخريج في الملحق.

الخامس: قوله: {والمساكين} المسكين: الذي ركبه ذل الفاقة والفقر فتمسكن لذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله،- وأحسبه قال: كالقائم 1 الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يفطر "2. السادس: قوله: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} أي: أحسنوا إلى الجار ذي القربى، وهو الذي قرب جواره منك السابع: قوله: {وَالْجَارِ الْجُنُب} وهو الذي بعد جواره منك، وقيل: الجار ذي القربى هو القريب، والجار الجنب3 الأجنبي الذي ليس بينك وبينه قرابة. عن ابن عمر4 -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما زال

_ (1) في ((ر)) : (وأحسبه كالقائم الذي.....إلخ) . (2) البخاري: الأدب (6007) , ومسلم: الزهد والرقائق (2982) , والترمذي: البر والصلة (1969) , والنسائي: الزكاة (2577) , وابن ماجه: التجارات (2140) , وأحمد (2/361) . (3) قوله: (الذي بعد جواره منك, وقيل: الجار ذي القربى هو القريب والجار الجنب) سقط من ((ر)) . (4) هو: عبد الله بن عمر بن الخطاب -أبو عبد الرحمن- صحابي جليل أسلم مع أبيه صغيرًا, ولم يشهد أحدا لصغره, قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل , قال: وكان بعد لا ينام من الليل إلا القليل. مات سنة 74هـ, وقيل: 73هـ. انظر ترجمته في: ((سير أعلام النبلاء)) : (3/ 203-239) , ((طبقات ابن سعد)) : (4/ 142-188) , ((تاريخ بغداد)) : (1/ 171-173) .

جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه "1. عن عائشة2 - رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله: " إن لي جارين فإلى أيهما أهدي3؟ قال: " إلى أقربهما بابا منك" " أخرجه البخاري4. عن أبي ذر5 جندب بن جنادة الغفاري- رضي الله عنه- قال: قال

_ (1) [12 ح] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (10/ 441, ح 6015) , كتاب الأدب, باب الوصاة بالجار, ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (16/ 415, ح 141/ 2625) , كتاب البر والصلة والآداب, باب الوصية بالجار والإحسان إليه. وقد روي الحديث -أيضا- في ((الصحيحين)) عن عائشة -رضي الله عنها-. انظر التفصيل في التخريج في الملحق. (2) هي: عائشة بنت أبي بكر الصديق, زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأشهر نسائه وإحدى أمهات المؤمنين, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضلها: يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام. انظر ترجمتها في: ((الإصابة)) : (13/ 38-42) , ((أسد الغابة)) : (6/ 188-199) . (3) في ((ر)) , و ((ع)) : (قال: أيّهما أهدي) . (4) [13 ح] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (10/ 447, ح 6020) , كتاب الأدب, باب حق الجوار في قرب الأبواب. ((سنن أبي داود)) : (5/ 358, ح 5155) , كتاب الأدب, باب في حق الجوار. انظر تفصيل التخريج في الملحق. (5) هو: جندب بن جنادة بن قيس بن عمرو -أبو ذر- الغفاري, وقد اختلف في اسمه, صحابي جليل, كان أبو ذر يتأله في الجاهلية ويقول: لا إله إلا الله, ولا يعبد الأصنام, فمر عليه رجل من أهل مكة بعدما أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا ذر إن رجلاً بمكة يقول مثل ما تقول: لا إله إلا الله, ويزعم أنه نبي. . . فذهب أبو ذر إليه وكان إسلامه, وذلك في قصة طويلة. . . توفي -رضي الله عنه- بالربذة سنة 32هـ. انظر ترجمته في: ((طبقات خليفة بن خياط)) : (ص 31-32) , ((تهذيب التهذيب)) : (12/ 90-91) , ((طبقات ابن سعد)) : (4/ 219-237) .

رسول الله صلى الله عليه وسلم " [يا أبا ذر] 1 إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد2 جيرانك " أخرجه مسلم3. عن أبي هريرة4 رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه "5 أخرجه البخاري ومسلم6. وفي رواية: " لا يدخل الجنة 7 ". البوائق: الغوائل والشرور8.

_ (1) ما بين القوسين سقط من ((الأصل)) , وهي في جميع النسخ. (2) هكذا في ((الأصل)) , وفي النسخ الأخرى: (وتعهد) . (3) [141 ح] ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (16/ 415, ح142/ 2625) , كتاب البر والصلة, باب الوصية بالجار, ((مسند الإمام أحمد بن حنبل)) : (5/ 149, 156, 161) بألفاظ متقاربة. انظر التفصيل في التخريح في الملحق. (4) هو: عبد الرحمن بن صخر على الأشهر, وكنيته أبو هريرة, دوسي صحابي جليل, حافظ فقيه, قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مسلمًا أيام فتح خيبر, فلزم النبي صلى الله عليه وسلم , وحفظ عنه كثيرًا من السنة, توفي -رضي الله عنه- سنة 58هـ على المشهور. انظر ترجمته في: ((تذكرة الحفاظ)) : (1/ 32-37) , ((الإصابة)) : (12/ 63-79) , ((أسد الغابة)) : (5/ 318-321) . (5) البخاري: الأدب (6016) . (6) [15 ح] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (10/ 443 , ح 6016) , كتاب الأدب, باب إثم من لم يأمن جاره بوائقه. ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (2/ 376-377 , ح 73) , كتاب الإيمان, باب تحريم إيذاء الجار. والحديث جاء في البخاري -أيضا- عن أبي شريح. انظر التفصيل في تخريج الحديث في الملحق. (7) هي رو، الآية ((صحيح مسلم)) السابقة. (8) ((النه، الآية في غريب الحديث)) : (1/ 162) , ومفرد بوائق: بائق, وهي الداهية.

الثامن: قوله: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} قال ابن عباس- رضي الله عنهما-: هو الرفيق في السفر1 وقيل: هي المرأة تكون معك إلى جنبك2. عن ابن عمر3 -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير الأصحاب عند الله4 خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله، خيرهم لجاره " أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن5. التاسع: قوله تعالى: {وَابْنَ السَّبِيلِ} يعني: المسافر6 المجتاز بك، الذي قد انقطع به، وقال الأكثرون: المراد بابن السبيل:

_ (1) ((تفسير ابن كثير)) : (1/ 507) , و ((تفسير البغوي)) : (1/ 425) , و ((تفسير السيوطي)) : (2/ 531) . (2) المصادر السابقة بأرقامها, وقد ذكر البغوي هذا الخبر عن ابن عباس وعكرمة وقتادة, وعن علي وعبد الله والنخعي, وذكره السيوطي عن زيد بن أسلم. (3) هكذا في جميع النسخ: (ابن عمر) , وفي ((سنن الترمذي)) وغيره: (عبد الله بن عمرو ابن العاص) . (4) ما بين القوسين سقط من جميع النسخ, وهو تمام الحديث كما جاء في مصادره من كتب السنة, فأضفته تصحيحا للخطأ في الحديث. (5) [16 ح] ((سنن الترمذي)) : (4/ 333, ح 1944) , كتاب البر والصلة, باب ما جاء في حق الجوار. والحديث رواه -أيضا- الإمام أحمد في ((مسنده)) : (2/ 168) , ورواه غيرهما, والحديث جاء في الترمذي والمصادر الأخرى عن عبد الله بن عمرو بن العاص, وليس عن ابن عمر. الحديث صححه الألباني, انظر: ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) : (1/ 162, ح 103) . وانظر تفصيل التخريج في الملحق. (6) سقطت كلمة: (المسافر) من ((ر)) .

باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب

باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب وقول الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواوَلَم ْيَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} ..................

_ {1- باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب} {وقوله الله تعالى:: {الَّذِينَ آمَنُواوَلَم ْيَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} 1} أي: وحدوا الله2: {وَلَم ْيَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} 3 أي: لم يخلطوا توحيدهم بشرك4. عن ابن مسعود قال: (لما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُواوَلَم ْيَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} 5 شق ذلك على المسلمين وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟! فقال رسول الله (ليس ذلك: إنما هو الشرك، ألم تسمعوا قول لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} 6 7. وفي رواية " ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان عليه السلام8 لابنه " وذكره9.

{أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ} ...........................................................

_ {أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ} 1 أي: أمان من وحشة القبر، ومن هول المحشر ومن عذاب النار2 كما في "المسند"34 وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم، ولا في نشورهم وكأني بأهل لا إله إلا الله قد قاموا ينفضون التراب عن رءوسهم، ويقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن "5.

{وَهُمْ مُهْتَدُونَ} . عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسول.........................................

_ {وَهُمْ مُهْتَدُونَ} 1 هداهم [الله] 2 في الدنيا3 وشرح صدورهم بالإسلام وأخلصوا لله بالأعمال. {عن عبادة بن الصامت4 رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من شهد أن لا إله إلا الله وحده} أي: منفردًا {لا شريك له} في ألوهيته ووحدانيته وربوبيته {وأن محمدًا} الهاشمي القرشي الذي أوجب علينا اتباعه وطاعته، ومحبته {عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله5}

وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه..........................................

_ فمن زعم غير هذا فقد كفر وأشرك {وكلمته1} هي2 قوله تعالى كن فكان3 بشرًا من غير أب ولا واسطة 45 {أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} يعني: أوصلها إلى مريم {وَرُوحٌ مِنْهُ 6} يعني: أنه كسائر الأرواح التي خلقها7 الله، وقيل: الروح هو الذي نفخ8 - جبريل عليه السلام- في جيب درع مريم فحملت9 بإذن الله تعالى، قال بعض المفسرين إن الله لما خلق

والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل " أخرجاه. ولهما من حديث عتبان:................................

_ أرواح البشر جعلها في صلب آدم عليه السلام وأمسك عنده روح عيسى عليه السلام، فلما أراد1 أن يخلقه أرسل بروحه مع جبريل2 إلى مريم، فنفخ في جيب درعها فحملت بعيسى عليه السلام، فهو بشر لا يحط عن منزلته ولا يرفع فوق قدره ومنزلته عليه السلام3 {والجنة حق} أعدها الله4 لمن عبده وأطاعه {والنار حق} أعدها الله لمن أشرك به وعصاه، فمن شهد بها وآمن بها {أدخله الله الجنة على ما كان من العمل} أي: قليلاً كان أو كثيرًا، صلاحًا أو فسادًا {أخرجاه5} أي: الشيخان: البخاري ومسلم {ولهما من حديث عتبان} بكسر العين على المشهور، وحكى ضمها، ابن مالك الأنصاري6

" فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ". وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:................................................................

_ رضي الله عنه1 - " فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله "23 " بهذا الشرط محبة وخوفا ورجاء بالإخلاص نجته من النار. وفي الحديث " سمع النبي صلى الله عليه وسلم مؤذنا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: خرج من النار (- أي: نجاه الله من النار- خرجه مسلم4. {وعن أبي سعيد الخدري5 رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

" قال موسى: يا رب علمني شيئًا أذكرك وأدعوك به، قال: قل يا موسى لا إله إلا الله، قال: كل عبادك يقولون هذا، قال: يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله (رواه ابن حبان والحاكم...........................

_ " قال موسى: يا رب علمني شيئًا أذكرك وأدعوك به، قال: قل يا موسى لا إله إلا الله، قال: كل عبادك يقولون هذا، قال: يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع " فيه نص على أن الأرضين سبع كالسماوات، قال الله تعالى: {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنّ} 1 " في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله "2 رواه ابن حبان3 والحاكم4

وصححه

_ وصححه1} وكذلك ترجح بصحائف الذنوب كما في حديث السجلات والبطاقة. عن عبد الله بن عمرو بن العاص2 رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل يستخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة، فينشر له3 تسعًا وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر، يقول:

أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول الله عز وجل بلى، إن لك عندنا حسنةً فإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج الله بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فتوضع في كفة، والبطاقة في كفة فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة، ولا يثقل مع اسم الله تبارك وتعالى شيء " أخرجه أحمد والنسائي والترمذي1 والبطاقة: الرقعة، وأهل مصر يقولون للرقعة بطاقة. قال محمد بن إسماعيل الأمير23 رحمه الله:- إذا فكرت في ذنوبي ... أخشى على قلبي احتراقه

_ (1) [33 ح] ((مسند الإمام أحمد)) : (2/ 213) . ((سنن الترمذي)) : (5/ 24-25 , ح 2639) , كتاب الإيمان, باب فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله. والحديث قال فيه الحاكم في ((المستدرك)) (1/ 6) : صحيح على شرط مسلم, ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: حديث حسن غريب. وصححه الألباني, انظر: ((صحيح سنن ابن ماجه)) : (2/ 428 , ح 3469) , و ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) : (1/ 212, ح 135) . ولم أجد أن النسائي أخرجه, لا في ((سننه)) ولا في ((عمل اليوم والليلة)) , ولعله في ((السنن الكبرى)) . (2) في ((ر)) : (قال الأمير محمد بن إسماعيل) . (3) هو: محمد بن إسماعيل بن صلاح بن علي الكحلاني ثم الصنعاني المعروف بالأمير, نفر من التقليد, وحارب الباطل فامتحن وسجن وتؤومر على قتله فنجاه الله, وُلد سنة 1099هـ, وتوفي سنة 1182هـ. انظر ترجمته في: ((البدر الطالع)) : (2/ 133-139) , ((أبجد العلوم)) : (3/ 191- 193) .

عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا.......

_ لكن ينطفي لهيبي ... بذكر ماجاء في البطاقه1 فيه إثبات الميزان، كما هو في الآيات والأحاديث الشهيرة2 وله كفتان ولسان يوزن به الأعمال حسنها وسيئها. 3 {عن أنس} ابن مالك4 {-رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا

ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة "1.

_ ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة "2 هذا آخر الحديث ولفظه بكماله مع شرحه: عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله عز وجل يا ابن آدم إنك ما دعوتني "3 - أي: مدة دوام دعائك- " ورجوتني "- أي: أملت مني الخير- " غفرت لك ذنوبك " على ما كان منك من عظائم وجرائم " ولا أبالي " بذنوبك، إذ لا معقب لحكمي، ولا مانع لعطائي، " يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك "4 - بفرض كونها أجساما- "عنان"- بفتح المهملة- أي: سحاب الدنيا5 أي: ملأت ما بين السماء والأرض، كما في الرواية الأخرى6 - أو: عنانها ما عن لك منها- أي: ظهر إذا رفعت رأسك7 "ثم استغفرتني"- أي: تبت توبة صحيحة- " غفرت لك ولا أبالي "- لأن الاستغفار إقالة، والكريم محل إقالة العثرات، " يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض

خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة "1 أخرجه الترمذي2 والقراب بضم القاف، ويقال بكسرها، والضم أفصح وأشهر. قال القاضي34 هو مأخوذ من القرب، أي: ما يقاربها في المقدار، والقراب شبه جراب يضع فيه المسافر زاده وقراب السيف5. عن ابن عباس -رضي الله عنهما- " أن قوما قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، وانتهكوا فأكثروا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد إن ما تدعوا إليه لحسن لو6 تخبرنا أن لأعمالنا كفارة، فنزلت: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} . إلى قوله: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَات…ٍ} 7 8"- قال: يبدل شركهم إيمانًا وزناهم إحصانًا9.

_ (1) الترمذي: الدعوات (3540) . (2) تقدم تخريجه قريبا (ص 61) . (3) كلمة: (القاضي) غير واضحة في ((الأصل)) , وجاءت واضحة في بقية النسخ. (4) هو: عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن اليحصبي السبتي -أبو الفضل- المشهور بالقاضي عياض, عالم المغرب, كانت له تواليف كثيرة, منها: كتاب ((الشفا في حقوق المصطفى)) وله كتاب ((العقيدة)) , وكان إماما في الحديث, ومن تصانيفه: إكماله لشرح صحيح مسلم للمازري المسمى ((المعلم)) , وُلد سنة 476هـ, وتوفي سنة 544 هـ. انظر ترجمته في: ((وفيات الأعيان)) : (3/ 483) , ((تذكرة الحفاظ)) : (4/ 1304) , ((شذرات الذهب)) : (4/ 138) . (5) انظر: ((مشارق الأنوار)) : (2/ 176) . (6) (لو) سقطت من ((ر)) . (7) سورة الفرقان، الآيات: 68-70. (8) زيد هنا في ((ر)) لفظة: (علي) , ولم أجد في التفاسير أن هذا القول عن علي -رضي الله عنه-, ولعله إن صح النقل علي بن أبي طلحة الذي يروي عن ابن عباس. (9) ((تفسير الطبري)) : (11/ 19/ 46) , و ((تفسير القرطبي)) : (13/ 78) , و ((تفسير ابن الجوزي)) : (6/ 107) , و ((تفسير ابن عباس)) (صحيفة) : (ص 383) .

باب من حقق التوحيد دخل الجنة

باب من حقق التوحيد دخل الجنة قال الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً..........................

_ {2- باب من حقق التوحيد دخل الجنة} {قال الله تعالى:: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} 1} للمفسرين في معنى هذه اللفظة أقوال: أحدها: قول ابن مسعود: الأمة معلم الخير، يعني: أنه كان معلمًا للخير يأتم به أهل الدنيا2. الثاني: قال مجاهد: إنه كان مؤمنًا وحده والناس كلهم كفار3 فلهذا المعنى كان أمة وحده. الثالث: 4 قال قتادة5 ليس أهل دين إلا وهم يتولونه ويرضونه، وكان عليه السلام إماما يقتدى به6 دليله قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ

{قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 2.

_ إِمَاماً} 1. فهو إمام الموحدين، قيل: إنما3 سمى أمة; لأنه قام مقام أمة في عبادة الله 45. {قَانِتاً لِلَّه} ِ يعني: مطيعا لله قائما بأوامر الله6 {حَنِيفاً} 7 يعني: مقيما على دين الإسلام، لا يميل عنه ولا يزول8 وقيل: من اختتن وضحى وأقام مناسك الحج9 {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} يعني: أنه عليه السلام كان من الموحدين المخلصين من صغره إلى كبره10 ومناسبة الآية للترجمة أن الله وصف إبراهيم الخليل عليه السلام بتحقيق التوحيد، وهذا دليل على أنه أرفع المقامات وأفضل الدرجات وأجل الحسنات.

وقال: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ} . عن حصين بن عبد الرحمن رضي الله عنه قال: كنت عند سعيد ابن جبير فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ ...........................

_ {وقال: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ} 1} مدح الله الموحدين وأثنى عليهم بكونهم لا يشركون. {عن حصين بن عبد الرحمن2 -رضي الله عنه3 - قال: كنت عند سعيد ابن جبير4 فقال: أيكم رأى الكوكب} أي: النجم5 {الذي6 انقض} أي: سقط ونزل {البارحة} .

فقلت: أنا، ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت، قال: فما صنعت؟ قلت: ارتقيت، قال: فما حملك على ذلك؟ قلت: حديثًا حدثناه الشعبي قال: وما حدثكم؟ قلت: حدثنا عن بريدة بن

_ عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: " أمرنا ألا نتبع أبصارنا الكوكب إذا انقض وأن نقول عند ذلك ما شاء الله، لا قوة إلا بالله1 " {فقلت2 أنا، ثم قلت} عقب ذلك {أما إني لم أكن في صلاة} ليبعد عن مدح نفسه بما ليس فيه فقال: لم أكن في صلاة3 {ولكني لدغت، قال: فما صنعت؟ قلت: ارتقيت، قال: فما حملك على ذلك، قلت: حديث حدثناه} عامر {الشعبي4 قال: وما حدثكم؟ قلت: حدثنا عن بريدة بن

الحصيب أنه قال: " لا رقية إلا من عين أو حمة "1.

_ الحصيب2 أنه قال: " لا رقية3 إلا من عين أو حمة " يعني: ليست الرقية من العين4 إذا أصابت إنسانا بشرك وكذلك رقية الملدوغ. عن سهل بن حنيف5 (لا رقية إلا من نفس أو حمة أو لدغة (6.

النفس: العين، والحمة: السم، واللدغة: لدغة الحية وشبهها، وقد تسمى العقرب والزنبور حمة; لأنها مجرى السم، وليس في هذا عدم جواز الرقية من غيرهما; لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه رقى بعض أصحابه من وجع كان به1 " وإنما معناه لا رقية أولى وأنفع من رقية العين والسم. اعلم أن العين حق ولها تأثير في المعيون2 فلا ينكر ضررها إلا معاند، والعاين تنبعث من عينه قوة سمية، فتصل بالمعيون فربما هلك3. عن جابر4 رضي الله عنه يرفعه: "أكثر من يموت بعد5 قضاء

_ (1) لعله يشير بذلك إلى ما أورده البخاري رحمه الله من الأحاديث التي بوب لها بقوله: باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم , ومنها ما روته عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقي يقول: امسح البأس رب الناس, بيدك الشفاء, لا كاشف له إلا أنت. انظر: ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (10/ 206) , كتاب الطب, باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم. (2) يقال: معين ومعيون, قال في ((لسان العرب)) (13/ 301) : والمصاب معين على النقص ومعيون على التمام أصابه بالعين, قال الزجاج: المعين المصاب بالعين والمعيون الذي فيه عين. (3) انظر: ((زاد المعاد)) : (4/ 165) , في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج المصاب بالعين. (4) هو: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام, يكنى بأبي عبد الله, وقيل: أبو عبد الرحمن, صحابي من المكثرين في الحديث, روى عن جابر قوله: (استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البعير خمسا وعشرين مرة) +يعن: بليلة البعير, يوم باع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا واشترط ظهره إلى المدينة, توفي سنة 74هـ, وقيل: سنة 77هـ. انظر ترجمته في: ((أسد الغابة)) : (1/ 307-308) , ((الإصابة)) : (2/ 45) . (5) كلمة: (بعد) سقطت من ((ر)) .

الله وقدره بالنفس "1 يعني: العين2. وعن أم سلمة3 -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية4 في وجهها سفعة- أي صفرة- فقال صلى الله عليه وسلم " استرقوا لها، فإن بها النظرة "5،

_ (1) [35 ح] ((مجمع الزوائد)) : (5/ 106) باب ما جاء في العين, وأحاله على البزار. ((السنة)) لابن أبي عاصم: (1/ 136 , ح 311) , ((مسند أبي داود الطيالسي)) : (ص 242 , ح 1760) , بلفظ: ((جل من يموت. . .)) . والحديث في ((المجمع)) عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم , وفي ((السنة)) و ((مسند الطيالسي)) عن جابر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث قال عنه الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا طالب بن حبيب بن عمرو وهو ثقة. وقال ابن حجر في ((الفتح)) (10/ 204) : أخرجه البزار بسند حسن. وقال الألباني: إسناده حسن, ورجاله ثقات إن كان أبو الربيع الحارثي هو الزهراني سليمان بن داود, وإن كان غيره فلم أعرفه. انظر: ((ظلال الجنة في تخريج السنة)) عند الحديث: (311) , وخرجه في ((الصحيحة)) : (2/ 384 , ح 747) . انظر زيادة تخريجه في الملحق. (2) هذا التفسير من الراوي. انظر: ((فتح الباري)) : (10/ 204) . (3) هي: أم المؤمنين هند بنت أبي أمامة بن المغيرة القرشية المخزومية, زوج النبي صلى الله عليه وسلم , كانت من المهاجرات إلى الحبشة والمدينة, ماتت في سنة 59هـ. انظر ترجمتها في: ((الطبقات ((لابن سعد: (8/ 86-96) , ((أسد الغابة)) : (6/ 340- 343) , ((سير أعلام النبلاء)) : (2/ 201-210) . (4) كلمة: (جارية) سقطت من بقية النسخ, وفي حذفها تغيير المعنى إذ بحذفها يتبين أن السفعة كانت في وجه أم سلمة. (5) ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (10/ 199 , ح 5739) , كتاب الطب, باب رقية العين. ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (14/ 435 , ح 59/ 2197) , كتاب السلام, باب استحباب الرقية من العين. ((مستدرك الحاكم)) : (4/ 212) , كتاب الطب, ((مشكاة المصابيح)) : (2/ 1280, ح 4528) . الحديث: قال فيه الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي: فذكر بأنه قد أخرجه البخاري, وهو كما قال وقد ذكرته, إلا أنه فاته أن الحديث -أيضا- في ((صحيح مسلم)) , وقد خرجته منه. وقال التبريزي في ((المشكاة)) : (2/ 1280 , ح 4528) : بأنه متفق عليه, وهو كما قال.

فقال: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع.

_ أي: نظرة عين إنسي أو جني، وقال صلى الله عليه وسلم " العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا [استغسلتم] 1 فاغسلوا "2 أي: إذا أمر العاين بما اعتيد عندهم من غسل أطرافه وما تحت إزاره، وتصب غسالته على المعيون3 - فليفعل- ندبًا، وقيل: وجوبًا. {فقال: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع4} وإذا كان المخبر ثقة

باب الخوف من الشرك

باب الخوف من الشرك وقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ............................................................

_ {3- باب الخوف من الشرك} {وقول الله تعالى:: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} 1} 2 يعني: أن الله لا يغفر لمشرك مات على شركه34 {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} قال ابن عباس -رضي الله عنهما لعمر بن الخطاب رضي الله عنه "يا أمير المؤمنين: الرجل يعمل من الصالحات5 لم يدع من الخير شيئًا إلا عمله غير أنه مشرك، قال عمر: هو في النار، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لم يدع من الشر شيئًا إلا عمله غير أنه لم يشرك بالله شيئًا، قال عمر: الله أعلم، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: إني لأرجو له كما

وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} . 1

_ لا ينفع مع الشرك عمل، كذلك لا يضر مع التوحيد ذنب، فسكت عمر (2 {وقوله تعالى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} 3} أي: اختلق إِثْماً عَظِيماً} يعني: ذنبا عظيما4 غير مغفور إن مات عليه، وفي الآية الثانية {فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً} 5 وكررها في سورة النساء مرتين للتأكيد. عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه6 قال: ما في القرآن أحب إلي من هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 7 أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب8.

وعن جابر رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، ما الموجبتان؟ قال: " من مات لا يشرك1 بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات مشركا به دخل النار "2 وفيه حديث الدواوين الثلاثة الأول الذي3 لا يغفر الله منه شيئًا الشرك بالله، وهو أشد الدواوين وأقبح المعاصي، قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} 45 وجاء في

_ (1) في ((ر)) : (من مات ولم يشرك) . (2) ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (2/ 453-455 , ح 151-152/ 93) , كتاب الإيمان, باب من مات لا يشرك بالله شيئًا. ((مسند الإمام أحمد)) : (3/ 391-392) . انظر بقية تخريج الحديث في الملحق. (3) في ((ر)) سقطة كلمة: (الذي) خلافا للنسخ الأخرى. (4) سورة المائدة، الآية: 72. (5) [47 ح] الحديث بتمامه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدواوين ثلاثة فديوان لا يغفر الله منه شيئًا, وديوان لا يعبأ الله به شيئًا, وديوان لا يترك الله منه شيئًا, فأما الديوان الذي لا يغفر الله منه شيئًا فالإشراك بالله عز وجل, قال الله عز وجل: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء , وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئًا قط فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه, وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئًا فمظالم العباد بينهم القصاص لا محالة. والحديث في ((المستدرك ((للحاكم: (4/ 575-576) . وفي ((مسند الإمام أحمد ((: (6/ 240) . والحديث قال فيه الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: صدقة ضعفوه, وابن بابنوس فيه جهالة. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد ((: (10/ 348) : صدقة بن موسى ضعفه الجمهور. وقال الألباني في تخريج ((المشكاة ((: رواه أحمد, وسنده ضعيف.

وقال الخليل عليه السلام: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} .

_ الحديث: " إن مثل من أشرك بالله تعالى كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق، وقال: هذه داري، وهذا عملي، فاعمل وأد إلي، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك "1. {وقال إبراهيم الخليل عليه السلام: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} 2}

قال إبراهيم التيمي1: "ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم2 ولا يتهاون بكلمة التوحيد ويعيب على من اجتهد في تعلمها إلا من هو أكبر الناس شركًا، وأجهلهم بلا إله إلا الله ". ووجه مناسبة هذه الترجمة بهذه الآية الرد على من قال إن المسلمين لا يقع منهم الشرك، ولا يخاف عليهم منه،3 فينبغي للمؤمن شدة الخوف من ذلك، والبحث عنه، ومعرفته لئلا يقع فيه وهو لا يشعر، والشرك شوكة العين، فكما أن الشوكة إذا دخلت في العين فقأتها4 وأعمتها، وكذلك إذا دخل الشرك على العبادة أبطلها.

_ (1) هو: إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي الكوفي, يكنى أبا أسماء, كان من الثقات والعلماء العاملين, وكان قانتًا لله عالمًا فقيهًا واعظًا, يقال: قتله الحجاج, وقيل: مات في حبسه سنة 92هـ, أو 94هـ. انظر ترجمته في: ((تذكرة الحفاظ)) : (1/ 73) , ((تهذيب التهذيب)) : (1/ 176- 177) , ((سير أعلام النبلاء)) : (5/ 60-62) . (2) انظر: ((تفسير الطبري)) : (8/ 13/ 228) , و ((تفسير القرطبي)) : (9/ 368) , و ((تفسير السيوطي)) : (5/ 46) . (3) وهذه شبهة يتعلق بها القبوريون لتفريطهم بشأن التوحيد, ومن علم حقيقة الشرك ورأى أو علم ما وقع في كثير من بلاد المسلمين عند المشاهد والقبور لكثير ممن اعتقد فيهم الول، الآية من دعاء الأموات والغائبين والاستغاثة بهم وسؤال الحاجات وتفريج الكربات والتقرب إليهم بالنذور والذبائح, وكذلك الذبح للجن والاستغاثة بهم علم أن تلك دعوى باطلة ويلزم المسلم أن يخاف على نفسه من الشرك وأن يأخذ بأسباب النجاة من الوقوع فيه. (4) هكذا في ((الأصل)) , وفي بقية النسخ: (فقعتها) بالعين بدل الهمزة وهو سائغ لغة. انظر: ((لسان العرب)) : (8\ 256) , مادة: ((فقع)) (4) .

عن حذيفة1 رضي الله عنه [قال] 2: " كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه " رواه البخاري3. وأشد الخوف على من لا يعرف أمور الجاهلية، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه " إنما تنقض4 عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية"5.

_ (1) هو: حذيفة بن حسل بن جابر. واليمان لقب أبيه حسل, صحابي, روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا من الأحاديث, وهو صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم. توفي سنة 36هـ. انظر ترجمته في: ((الإصابة)) : (2/ 223) , ((أسد الغابة)) : (1/ 468-469) . (2) كلمة: (قال) أضيفت من ((ر)) . (3) [2 ث] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (6/ 615 , ح 3606) , كتاب المناقب, باب علامات النبوة في الإسلام, وفي (13/ 35, ح 7084) , كتاب الفتن, باب كيف الأمر إذا لم يكن جماعة. ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (12/ 478-479 , ح 1847) , كتاب الإمارة, باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال, وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة. انظر بقية التخريج في الملحق. (4) هكذا في ((الأصل)) : (إنما تنقض) , وفي بقية النسخ: (تنقض عرى الإسلام ... ) . (5) لم أجد هذا الأثر فيما اطلعت عليه من الكتب المسندة, وقد أورده ابن القيم في ((الفوائد)) : (ص 202) , وفي ((مدارج السالكين)) : (1/ 343) , فلعل الشارح قد نقل ذلك منه.

وفي الحديث: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه، فقال: الرياء (1. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار "2 رواه البخاري.

_ {وفي الحديث: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه، فقال: "الرياء "34} . وسيأتي الكلام عليه في بابه الآتي إن شاء الله تعالى5. {وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وهو يدعو من دون الله6 ندًّا دخل النار " رواه البخاري7} هذا وعيد

ولمسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار "1.

_ شديد، والذي يدعو غير الله لا يكون إلا على نكد، ومضرة في الدنيا; لأن الذي يدعوه لا يستجيب له، ولا يتولاه، وفي الآخرة2 يعاديه، ويجحد عبادته3 والدعاء لله لا لغيره. {ولمسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة "4} وفي معناه حديث معاذ السابق.5 " ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار "6 ولو كان من أعبد الناس، فينبغي للعبد أن يحذر من الشرك، وأن يعتني بمعرفته، فقد سأل الخليل عليه السلام له ولبنيه وقاية عبادة الأصنام وهو إمام الموحدين،7 قال النبي صلى الله عليه وسلم:

" يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة، فأول من يكسى إبراهيم "1 خليل الله عليه أفضل الصلاة والسلام،2 وهو أول من هاجر في الله تعالى، وقال جل ثناؤه: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} 3 قال الفضيل بن عياض4 -رحمه الله تعالى-: "عليك بطريق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطريق الضلال ولا تغتر بكثرة الهالكين "5.

_ (1) [50 ح] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (11/ 377, ح 6526) , كتاب الرقائق, باب الحشر. و ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (17/ 199-200 , ح 58/ 2860) , كتاب الجنة وصفة نعيمها, باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة. والحديث عن ابن عباس وهو بالمعنى ونصه في ((صحيح البخاري)) : ((إنكم محشورون حفاة عراة غرلا {كما بدأنا أول خلق نعيده} ال، الآية, وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم الخليل ... )) الحديث. انظر بقية تخريجه في الملحق. (2) قوله: (عليه أفضل الصلاة والسلام) من ((الأصل)) , وقد سقط من بقية النسخ. (3) سورة العنكبوت، الآية: 26. (4) هو: الفضيل بن عياض بن مسعود -أبو علي- التميمي, اليربوعي, الخراساني, الإمام, الزاهد المشهور, وقد كان من قطاع الطرق, وسبب توبته أنه عشق جارية فبينا هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع تاليا يتلو: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم) ال، الآية, فلما سمعها قال: بلى يا رب قد آن فرجع وتاب, وُلد سنة 105هـ, وتوفي سنة 187هـ. انظر ترجمته في: ((سير أعلام النبلاء)) : (8/ 421-442) , ((وفيات الأعيان)) : (4/ 47 -50) , ((الأعلام)) : (5/ 153) , ((صفة الصفوة)) : (2/ 237-247) . (5) انظر: كتاب ((الأذكار)) للنووي: (ص 145) , كتاب تلاوة القرآن, ونقل معناه عن سفيان بن عيينة, فقال: (اسلكوا سبل الحق ولا تستوحشوا من قلة أهلها) كما في ((صفة الصفوة)) : (2/ 235) , ((الاعتصام)) للشاطبي: (1/ 112) .

باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله وقول الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}

_ {4- باب الدعاء1 إلى شهادة أن لا إله إلا الله} {وقول الله تعالى: {قل} } يا محمد لهؤلاء {هَذِهِ سَبِيلِي} يعني: طريقي التي2 أدعوا إليها وهي توحيد الله عز وجل ودين الإسلام، وسمى الدين سبيلا لأنه الطريق المؤدي إلى الثواب والجنة {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} 3 يعني: على يقين ومعرفة4، والبصيرة هي المعرفة التي يميز بها بين الحق والباطل5 {أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} 6 يعني: ومن آمن بي

{وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 1. عن ابن عباس -رضي الله عنهما- " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب....

_ وصدق بما جئت به يدعوا إلى الله، وحق على من اتبعه وآمن به أن يدعو إلى ما دعا إليه2. وقوله: {وسبحان الله} أي: وقل سبحان الله3 تنزيهًا لله عما لا يليق بجلاله من جميع العيوب والنقائص والشركاء والأضداد والأنداد {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 4 يعني: وقل يا محمد وما أنا من الذين أشركوا بالله غيره. {عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب} "5 ناس من اليهود6.

فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله "1 - وفي رواية: (إلى أن يوحدوا الله- فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة..............................

_ " فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله "2 وفي رواية: (إلى أن يوحدوا الله (3 في الحديث4 دليل على5 أن التوحيد مفتاح الدعوة يبدأ به قبل كل شيء حتى الصلاة، وهو أول واجب على الإنسان فيبدأ بالأهم فالأهم {فإن هم أطاعوك لذلك} أي: انقادوا لك بذلك {فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة} وقوله صلى الله عليه وسلم " فرض الله على أمتي ليلة الإسراء خمسين صلاة، فلم أزل أراجعه وأسأله التخفيف حتى جعلها خمسًا في كل يوم وليلة "6 وقوله للأعرابي7:

فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم...........

_ " خمس صلوات في اليوم والليلة "1 وقد اختلف في الإسراء، فقال ابن الأثير2: الصحيح عندي أنه [كان] 3 ليلة الاثنين ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة4. وبهذا جزم شيخ الإسلام النووي في "شرح مسلم"5، والله أعلم. وفي "الروضة" كتاب السير6 أنه كان في شهر رجب7. {فإن هم أطاعوك لذلك} أي: انقادوا لك بذلك {فأعلمهم أن الله افترض عليهم

صدقة تؤخذ من أغنيائهم لترد على فقرائهم....................

_ صدقة1} أراد بالصدقة الزكاة المفروضة، فرضت في السنة الثانية من الهجرة2، وقيل: في الثالثة، وقيل: غير ذلك3 {تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم} والمراد بالفقراء هنا: ما يشمل الأصناف الثمانية للزكاة، لا الفقراء بمعنى الأخص4، وتحرم على الغني- إلا من استثنى الشارع صلوات الله وسلامه عليه، قال: لا تحل الصدقة إلا لخمسة: لعامل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل الله، أو مسكين تصدق عليه منها فأهدى منها لغني "5 - وعلى القوي المكتسب

لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي "1 أي: قوي. وتحرم على ذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب، ولا يدفع لهم شيء لقوله صلى الله عليه وسلم " إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد [إنما هي أوساخ الناس "2 وفي رواية: " وأنها لا تحل لمحمد ولا آل محمد "] 3.

_ (1) [54ح] ، ((سنن الترمذي)) : (3/ 33، ح 652) ، كتاب الزكاة، باب ما جاء فيمن لا تحل له الصدقة. ((سنن أبي داود)) : (2/ 285- 286، ح 1634) ، كتاب الزكاة، باب من يعطى من الصدقة. والحديث مروي عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنه- والحديث قال فيه الترمذي: حديث حسن. وأورده الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) : (1/ 201،! 527) . وفي ((صحيح سنن أبي داود)) : (1/ 307-308، ح 1439) . انظر بقية التخريج في الملحق. (2) [55ح] ، ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (7/183- 185، ح 167/ 1072) ، كتاب الزكاة، باب ترك استعمال آل النبي على الصدقة. ((سنن أبي داود)) : (3/ 386- 389، ح 2985) ، كتاب الخراج، باب بيان مواضع قسم الخمس، ومن هم ذوو القربى. والحديث مروي عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث. انظر بقية التخريج في الملحق. (3) ما بين القوسين سقط من ((الأصل)) ، وهو ثابت في بقية النسخ، ولعله قد سقط من الناسخ بسبق نظره إلى ما بعد كلمة محمد الثانية.

رواه مسلم1. وقال أبو حنيفة: تحرم على بني هاشم، ولا تحرم على بني2 المطلب3 دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم " إنا وبنو المطلب شيء واحد لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام "4 5 وتحرم على موالي بني هاشم، وبني المطلب لقوله صلى الله عليه وسلم " مولى6 القوم منهم "7

_ (1) [56ح] ، ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (7/186- 187، ح 168/1072) ، كتاب الزكاة، باب ترك استعمال آل النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة. ((سنن أبي داود)) : (3/ 386- 389، ح هـ 98 2) ، كتاب الخراج والإمارة، باب إتيان موضع قسم الخمس. الحديث لنفس راوي الحديث الماضي. انظر بقية التخريج في الملحق. (2) في بعض النسخ: (عبد المطلب) ، وفي بعضها: (المطلب) ، واعتمدت ما في ((الأصل ((. (3) انظر: ((الاختيار)) : (1/ 5 12- 121) ، و ((فتح القدير)) في الفقه الحنفي: (2/ 272- 274) . (4) في ((ر)) : (الجاهلية والإسلام) . (5) ((سنن أبي داود)) : (3/ 383- 384، ح 3980) ، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب بيان مواضع قسم الخمس. وهو في ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (533/6، ح 3552) ، كتاب المناقب، باب مناقب قريش بلفظ: ((إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد)) . (6) هكذا في ((الأصل)) , وفي بقية النسخ: (موالي) , وقد جاءت الروايات باللفظين. (7) [57 ح] , ((سنن الترمذي)) : (3/37, ح 657) , كتاب الزكاة, باب ما جاء في كراهية الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ومواليه. ((سنن النسائي)) : (5/107, ح 2612) , كتاب الزكاة, باب مولى القوم منهم. وقد جاء الحديث في ((صحيح البخاري)) . انظره: مع ((الفتح)) : (12/48, ح6761) بلفظة: ((مولى القوم من أنفسهم)) . والحديث روي عن أبي رافع, وأنس -رضي الله عنهما-. والحديث كما ترى هو في البخاري بلفظ قريب, وقال الترمذي فيه: حسن صحيح. وصححه الألباني كما في ((صحيح سنن الترمذي)) : (1/202, ح 530) , و ((السلسلة الصحيحة)) : (4/149, ح 1613) . انظر بقية التخريج والحكم عليه في الملحق. والمعنى بقوله: ((منهم)) أي: في المعاونة والانتصار والبر والشفقة ونحو ذلك. انظر: ((فتح الباري)) : (2/49) , كتاب الفرائض, باب 24.

وقال مالك -رحمه الله تعالى-: لا تحرم12 واختلفوا في نقل الصدقة من بلد المال إلى بلد آخر مع وجود المستحقين فمنعه بعض أهل العلم لهذا الحديث،3 قال ابن دقيق العيد:4 وفيه عندي ضعف; لأن الأقرب أن المراد تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم من حيث إنهم مسلمون لا من حيث إنهم أهل اليمن. انتهى5.

_ (1) في ((ر)) : (تحرم) خلافا للأصل, وبقية النسخ التي فيها الصواب الموافق لمراجع المالكية. (2) ((مختصر خليل)) : (ص 64) , والخرشي: (2/214-215) , من كتب المذهب المالكي. (3) المراد بالحديث المشار إليه: حديث معاذ المشروح. (4) هو: محمد بن علي بن وهب بن مطيع -أبو الفتح- تقي الدين, المعروف بابن دقيق العيد, كان بصيرا بعلم المنقول والمعقول, وكان لا يسلك المراء في بحثه بل يتكلم بكلمات يسيرة, ولد سنة 625 هـ, وتوفي سنة 702 هـ. انظر ترجمته في: ((البدر الطالع)) : (2/229-232) , ((تذكرة الحفاظ)) : (4/1481- 1484) , ((أبجد العلوم)) : (3/156) . (5) انظر: ((الأحكام)) (2/184) , وقول ابن دقيق العيد: (وفيه عندي ضعف) يعني به: القول بعدم جواز نقل الزكاة عن بلد المال, ولا يعني به الحديث السابق للقول كما قد يتوهم, فإن الحديث مما اتفق عليه.

فإن هم أطاعوك لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم.....

_ واعلم أنه إذا أمر الإمام بنقلها وجب نقلها إليه وفرقها حيث شاء. {فإن هم أطاعوك لذلك} أي: انقادوا لك بذلك {فإياك وكرائم أموالهم} أي: باعد نفسك واترك كرائم أموالهم فلا تلزمهم بها، والكريمة: العزيزة عند مالكها لكونها أكولة، أي: مسمنة للأكل، أو قريبة العهد بالولادة، أو حاملاً، أو فحلاً معدًا للضراب، والحكمة في المنع من ذلك أن الزكاة وجبت مواساة للفقراء في مال الأغنياء فلا يناسب ذلك الإجحاف بأرباب الأموال {واتق دعوة المظلوم} أي: اجتنب الظلم لئلا يدعو عليك المظلوم، وهذا الخطاب وإن كان المخاطب به معاذًا فهو عام للخاص والعام، وفي حديث آخر عن علي رضي الله عنه " اتق دعوة المظلوم فإنما يسأل الله حقه وإن الله لن1 يمنع ذا حق حقه "2 والله تعالى يقول: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} 3 ويقول تعالى لمن ظلم: " لأنصرنك ولو بعد

فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " أخرجاه.

_ حين "1 {فإنه2 ليس بينها وبين الله حجاب، أخرجاه3} فيه أن دعوة المظلوم لا ترد وأنها مجابة، وأن المظلوم له ناصر يجيبه ولو كان كافرًا4 فإنما يسأل الله حقه ولا يمنع ذا حق حقه، وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن لا ناصر له ولا معين5 -اليتيم والضعيف والأرملة والحيوان والرقيق

فقال صلى الله عليه وسلم " الله الله في من لا ناصر له إلا الله " رواه ابن عدي.12 وفي المعنى: " اشتد غضب الله على من ظلم من لم يجد ناصرًا غير الله ". أخرجه ابن عدي -أيضا3 - " والظلم ظلمات يوم القيامة "4.

_ (1) انظر كتابه: ((الكامل في الضعفاء)) : (3/1015) , وهو بلفظ: ((الله فيمن ليس له إلا الله)) . وانظر: ((الجامع الصغير مع الفيض)) : (2/99, ح 1444) , وقد أحاله على ابن عدي. والحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه-. والحديث رمز له السيوطي في ((الجامع)) بالضعيف, وضعفه الألباني في ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) : (3/656, ح 1460) . (2) هو أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد الجرجاني الإمام, الحافظ, يعرف بابن القطان, وهو صاحب كتاب ((الجرح والتعديل)) , ولد سنة 277 هـ, وتوفي سنة 365 هـ. انظر ترجمته في: ((تذكرة الحفاظ)) : (3/940-942) , ((سير أعلام النبلاء ((: (16/154-156) , ((شذرات الذهب)) : (3/51) . (3) لم أجده في ((الكامل)) لابن عدي. وهو في ((الجامع الصغير مع الفيض)) : (1/516, ح 1046) . وفي ((المعجم الصغير للطبراني مع الروض)) : (1/61-62, ح 71) . والحديث مروي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-. والحديث رمز له السيوطي في ((الجامع)) بالضعف, وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/206) : فيه مسعر بن الحجاج النهدي -كذا هو في الطبراني- ولم أجد إلا مسعرا ابن يحيى النهدي ضعفه الذهبي بخبر ذكره. وقال الألباني في ((ضعيف الجامع)) (ص 123, ح 861) : ضعيف جدًّا, وأحال على ((سلسلة الأحاديث الضعيفة ((: (رقم 2392) , ولم يطبع بعد. (4) [60 ح] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (5/100, ح 2447) , كتاب المظالم, باب الظلم ظلمات يوم القيامة. و ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (16/371, ح 56/2578, ح 57/2579) , كتاب البر والصلة والآداب, باب تحريم الظلم. والحديث روي عن ابن عمر وجابر -رضي الله عنهما-. انظر بقية التخريج في الملحق.

ولهما عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله

_ والأحاديث في تحريم الظلم كثيرة جدًّا. ومظالم العباد بينهم لا يترك الله منها شيئًا ولا يهملها كما ورد في حديث الدواوين الثلاثة1. {ولهما عن سهل بن سعد2} الساعدي {-رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر:} بينها وبين المدينة ثلاث مراحل3 " لأعطين الراية غدًا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله "4 محبة الله العبد إنعامه عليه وتوفيقه وهدايته إلى طاعته والعمل بما يرضى عنه، وأن يثيبه أحسن الثواب على طاعته / وأن يثني عليه فيرضى عنه5،

يفتح الله على يديه، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقيل: هو يشتكي عينيه فأرسلوا إليه فأتي به...................................

_ ومحبة العبد لله عز وجل أن يسارع إلى طاعته [وابتغاء مرضاته] ،1 وأن لا يفعل ما يوجب سخطه وعقوبته، وأن يتحبب إليه بما يوجب له الزلفى لديه {يفتح الله على يديه} فيه علم من أعلام النبوة فإنه وقع كما قال {فبات الناس يدوكون ليلتهم} أي: يخوضون {أيهم يعطاها} قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه " ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، فتساورت2 رجاء أن أدعى لها3 " {فلما أصبحوا غدوا على4 رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها} أي: الراية، حرصا [منهم] ،5 على الفضيلة {فقال: "أين علي بن أبي طالب؟ "} رضي الله عنه وكان قد تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم في خيبر وكان به رمد {فقيل هو يشتكي عينيه} من رمد أصابه {فأرسلوا إليه فأتي به} الذي أتى به سلمة بن الأكوع6 يقوده

فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية وقال: أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام.....

_ {فبصق1 في عينيه ودعا له2 فبرأ كأن لم يكن به وجع} وتفله3 في عينيه وبرؤه فيه علم من أعلام النبوة -أيضا- {فأعطاه الراية} فيه الإيمان بالقدر لحصولها لمن لم يسع لها ومنعها عمن سعى لها {وقال: "أنفذ4 "} أي: سر {"على رسلك"} يقال: افعل كذا على رسلك [بكسر الراء وسكون المهملة] ،5 أي: اتئد وارفق {"حتى تنزل [بساحتهم] ،6 ثم ادعهم إلى الإسلام"} قبل القتال، وهو مشروع لمن دعوا قبل ذلك، وقوتلوا، وسيأتي بيانه -إن شاء الله تعالى- في باب ما جاء في ذمة الله وذمة رسوله7

وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم "1.

_ {وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه} ، أي: في الإسلام: كالصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرم، والجهاد، وأداء الفرائض، واجتناب المحارم {فوالله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر / النعم "23} وحمر: بضم فسكون، والنعم بفتحتين لا واحد له من لفظه، وهي أنفس أموال العرب وأعزها عندهم، وهي الإبل والبقر والغنم، وأكثر ما يقع على أشراف4 أموالهم -الإبل-. قال أبو عبيدة5:

باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله وقول الله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ.............

_ النعم الإبل فقد1. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم " ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا "2 رواه مسلم وغيره3. {5- باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله} {وقول الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} 4 الآية} من أكبر المسائل وأهمها تفسير التوحيد، وتفسير ويَرْجُونَ

رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} 1.

_ الشهادة، وبينها [الشيخ] ،2 رحمه الله بأمور منها آية الإسراء فيها الرد على المشركين الذين يدعون الصالحين يبتغون إلى ربهم الوسيلة -أي: القربة والدرجة العليا- قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: " هم عيسى وأمه وعزير والملائكة والشمس والقمر والنجوم "3 وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنزلت هذه الآية في نفر من العرب، كانوا يعبدون نفرا من الجن، فأسلم أولئك الجن، ولم يعلم الإنس بذلك، فتمسكوا بعبادتهم وعيرهم الله، وأنزل هذه الآية4. وقوله أيهم أقرب: ينظرون أيهم أقرب إلى الله ويتقرب إليه بالعمل الصالح وزيادة الخير والطاعة {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} 56 7 أي: جنته8 {وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} 9 يرجون10 ويخافون كغيرهم من عباد الله تعالى، فكيف يزعمون أنهم آلهة11 {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} 12 أي: كان حقيقا

وقوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} 1. وقوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} ......

_ بأن يحذره كل أحد2 من ملك مقرب أو نبي مرسل، فضلا عن غيرهم من الخلائق3 {وقوله:: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} 4} الآية معناه: أنا أتبرأ مما تعبدون إلا من الله الذي خلقني {فَإِنَّهُ سَيَهْدِين} ِ 5} أي: يرشدني إلى دينه فاستثنى من المعبودين ربه عز وجل وقوله تعالى: {وَجَعَلَهَا} أي: جعل إبراهيم عليه السلام. {كَلِمَةً} التوحيد التي تكلم بها وهي لا إله إلا الله {كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} 6 أي: في ذريته فلا يزال منهم من يوحد الله ويدعو إلى توحيده { {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي: المشركون عما هم عليه من الشرك إلى دين إبراهيم عليه السلام. {وقوله:: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} 7 يعني: اتخذوا8 -اليهود والنصارى- علماءهم وقراءهم والأحبار العلماء من اليهود، والرهبان أصحاب الصوامع من النصارى أربابًا من دون الله، يعني: أنهم أطاعوهم9 في معصية الله تعالى، وذلك أنهم أحلوا لهم أشياء وحرموا عليهم أشياء من قبل أنفسهم فأطاعوهم فيها فاتخذوهم

كالأرباب لا أنهم عبدوهم واعتقدوا فيهم الإلهية1. عن عدي بن حاتم2 -رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: " يا عدي، اطرح عنك هذا الوثن "3 وسمعته يقرأ4 {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} 5 قال: " أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئًا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئًا حرموه (6 أخرجه الترمذي، وقال: حديث غريب7.

_ (1) انظر: ((تفسير الطبري)) : (6/10/133-114) , ((تفسير القرطبي)) : (8/120) , ((تفسير البغوي)) : (2/285) . وكاف التشبيه في قوله: (كالأرباب) , وقوله: (لا أنهم عبدوهم واعتقدوا فيهم الإلهية) يقلل من الترهيب الوارد في ال، الآية والحديث الذي يدل عليه ما في صريح ال، الآية {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} فالأولى ترك هذه الجملة هنا. وما جاء في الحديث الآتي من قوله: ((فتلك عبادتهم)) . (2) هو: عدي بن حاتم بن عبد الله -أبو الطريف, ويقال: أبو دهب- صحابي جليل, وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في وسط سنة 7 هـ مسلمًا فأكرمه واحترمه, خاطبه عمر بقوله: (أقمت إذ كفروا, ووفيت إذ غدروا وأقبلت إذا أدبروا) , وقد خرج هو وجرير البجلي وحنظلة وكاتب من الكوفة ونزلوا قرقيسيا وقالوا: لا نقيم ببلد يشتم فيه عثمان. مات -رضي الله عنه- سنة 67 هـ. انظر ترجمته في: ((الطبقات)) لابن سعد: (6/22) , ((تاريخ بغداد)) : (1/189- 191) , ((سير أعلام النبلاء)) : (3/162-165) , ((أسد الغابة)) : (3/505-507) . (3) الترمذي: تفسير القرآن (3095) . (4) زاد في بقية النسخ قوله: (في براءة) . (5) سورة التوبة، الآية: 31. (6) الترمذي: تفسير القرآن (3095) . (7) [62 ح] ((سنن الترمذي)) : (5/278, ح 3095) , كتاب تفسير القرآن. ((السنن الكبرى)) للبيهقي: (10/116) , كتاب آداب القاضي. والحديث قال فيه الترمذي: هذا حديث غريب. وحسنه الألباني. انظر: ((صحيح سنن الترمذي)) : (3/56, ح 2471) . انظر بقية التخريج في الملحق.

وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) } 1.

_ وقال عبد الله بن المبارك2. وهل بدل3 الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها4. قوله: {وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} يعني: اتخذوه إلها5 لما اعتقدوا فيه البنوة والحلول اعتقدوا فيه الإلهية {وَمَا أُمِرُوا} في الكتب المنزلة الإلهية عليهم وعلى ألسنة أنبيائهم {إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً} 6 لأنه هو المستحق للعبادة7 {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} 8 أي: تعالى الله وتنزه عن أن يكون له شريك في العبادة9.

وقوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً} .........

_ وفي الآية دليل على أن1 من أطاع مخلوقا في معصية الخالق فقد اتخذه ربا، وحقيقة التوحيد إفراد الله بالطاعة، وإفراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتابعة،2 وطاعة المخلوق في المعصية تارة تكون شركا أكبر إذا أوجب ذلك أو استحبه أو استحله مع معرفته أنها معصية كما يفعل جهال الصوفية مع مشايخهم،3 وغلاة الرافضة مع أئمتهم4 وإن اعتقدوا تحريمه كان شركا أصغر. {وقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً} 5} يعني:

{يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} ...........................

_ أصناما يعبدونها،1 والند: المثل المنازع،2 فعلى هذا الأصنام أنداد بعضها لبعض وليست أندادا لله، تعالى الله أن يكون له ند أو أن يكون له مثل منازع، وقيل: الأنداد الأكفاء من الرجال وهم رؤساؤهم وكبراؤهم الذي يطيعونهم في معصية الله3 {يُحِبُّونَهُمْ} أي: يودونهم ويميلون إليهم، والحب نقيض البغض {كَحُبِّ اللَّهِ} أي: كحب المؤمنين لله، والمعنى: يحبون الأصنام كما يحب المؤمنون ربهم عز وجل4 وقيل: معناه يحبونهم كحب الله، فيكون المعنى أنهم يسوون5 بين الأصنام وبين الله تعالى في المحبة6.

وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} 1. ......................

_ فمن قال بهذا القول الثاني أثبت للكفار محبة الله تعالى لكن جعلوا الأصنام شركاء له في المحبة مع أنهم يحبون الله حبا عظيمًا لم يدخلهم في الإسلام، فكيف بمن أحب الند حبًّا أكبر من حب الله، فكيف بمن لم يحب إلا الند وحده، ولم يحب الله تبارك وتعالى2 {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} 3، أي: أثبت وأدوم على محبته; لأنهم لا يختارون مع الله سواه، والكفار يعدلون عن أصنامهم في الشدائد ويقبلون على الله تعالى كما أخبر عنهم {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} 4 والمؤمنون لا يعدلون عن الله تعالى في السراء، ولا في الضراء ولا في الشدة ولا في الرخاء، فكيف بمن يشرك به في حال الشدة وفي حال الرخاء5.

وفي " الصحيح " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل "1 وشرح هذه الترجمة ما بعدها من الأبواب.

_ {وفي "الصحيح" عن النب صلى الله عليه وسلم ي أنه قال: " من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله "2} أي: تبرأ وأنكر دين المشركين مع التلفظ بها والإقرار بها " حرم ماله ودمه " فالكفر بما يعبد من دون الله شرط لعصمة الدم والمال، وهذه مسألة عظيمة جليلة3. " وحسابه على الله عز وجل "4 في الآخرة فيما5 أخل به من العبادة، وقد علم أنه لا تتم شهادة أن لا إله إلا الله إلا بشهادة أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشيخ رحمه الله {وشرح هذه الترجمة [ما بعدها] 6 من الأبواب} 7.

باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع بلاء أو دفعه

باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع بلاء أو دفعه وقول الله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} 1.

_ {6- باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما رفع بلاء أو دفعه} {وقول الله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ 2} أي: بشدة وبلاء ومرض {هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} أي: بنعمة وخير وبركة وعافية {هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} 3 فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسكتوا،4 فقال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم {قُلْ حَسْبِيَ اللَّه} 5 أي: هو ثقتي وعليه اعتمادي {عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} 6 أي: به يثق الواثقون7.

عن عمران بن حصين صلى الله عليه وسلم " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر، فقال: ما هذه؟ فقال: من الواهنة. قال: انزعها فإنها لا تزيد إلا وهنا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا "1.

_ بدأ الشيخ -رحمه الله تعالى- في تفسير بيان الشرك الأصغر، فذكر من ذلك لبس الحلقة والخيط، واستدل بالآيات التي نزلت في الأكبر على من فعل الشرك الأصغر، وكما2 ذكر حذيفة رضي الله عنه في هذا الباب3. {عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر، فقال: " ما هذه؟ " فقال: من الواهنة} وهي علة تحصل في الأعضاء تسقط القوة وتبطل الحركة، ومثله الوانية [وعلاجهما] 4 عند الأطباء شيء واحد. {قال: "انزعها فإنها [لا تزيدك] ،5 إلا وهنًا، فإنك لو مت وهي عليك

رواه أحمد بسند لا بأس به. وله عن عقبة بن عامر مرفوعًا: " من تعلق تميمة فلا أتم الله له

_ ما أفلحت "} أي: ما نجوت {"أبدا"، رواه [أحمد] ،1 بسند لا بأس به} 2 فيه أنه إذا فعله أحد جهالة فإنه يعرف بأنه منهي عنه، ويغلظ عليه الأمر، فإن أصر على ذلك بعد معرفته أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه فإنه3 يكفر، ولو لم يفعله. {وله عن عقبة بن عامر4 مرفوعًا: / " من تعلق تميمة فلا أتم الله له "5} التميمة: العزيمة،6 ويقال: إنها خرزة كانوا يتعلقونها يرون أنها تدفع الآفات عنهم، واعتقاد هذا جهل وضلال، إذ لا نافع ولا دافع إلا الله

ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له " 1.

_ سبحانه وتعالى، ويقال: بل التميمة قلادة يعلق فيها العوذ، قال أبو ذؤيب:2. وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع3 وقال آخر: بلاد بها عق الشباب تميمت ... وأول أرض مس جلدي ترابها4 وقوله "ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له 5 " الوَدْع -بالفتح والسكون-: جمع ودعة، وهو شيء أبيض يجلب من البحر، يعلق في حلوق الصبيان وغيرهم،6 وإنما نهي عنها لأنهم كانوا يعلقونها مخافة العين، وقوله:

وفي رواية: " من تعلق تميمة فقد أشرك "1. ولابن أبي حاتم عن حذيفة أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} 2.

_ "لا ودع الله له"، أي: لا جعله في دعة وسكون، وقيل: هو لفظ مبني من الودعة، أي: لا خفف الله عنه ما يخافه3. فيه استحباب الدعاء على من تعلق تميمة أن الله لا يتم له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له، {وفي رواية: " من تعلق تميمة} أي: عزيمة {فقد أشرك "،4 ولابن أبي حاتم5 عن حذيفة} بن اليمان {أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} 6} 7.

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} 1 " قال: [يسألهم] 2 من خلقهم ومن خلق السماوات والأرض فيقولون الله، فذلك إيمانهم، وهم يعبدون غيره فذلك "شركهم" " أخرجه رزين،34 وأخرجه البخاري تعليقًا في آخر "صحيحه"5. فيه دليل على أن الصحابة -رضي الله عنهم- يستدلون بالآيات التي في الأكبر على الأصغر6، فإن تعليق الخيط من الشرك الأصغر، وتعليق الودع من7 العين من ذلك أيضًا. تتمة: اعلم أن الرتيمة خلاف التميمة وهو خيط التذكرة يعقد على الأصبع للحاجة، يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا أراد أن يذكر شيئًا ربط في

_ (1) سورة يوسف، الآية: 106. (2) هكذا بالمضارع في ((الأصل)) , وفي بقية النسخ بالماضي: (سألهم) . (3) هو: رزين بن معاوية بن عمار -أبو الحسن- العبدري, الأندلسي السرقسطي, الإمام المحدث, صاحب كتاب ((تجريد الصحاح)) الذي جمع فيه بين ((الموطأ)) والصحاح الخمسة, كان إمام المالكيين بالحرم, توفي سنة 535 هـ. انظر ترجمته في: ((سير أعلام النبلاء)) : (20/204-205) , ((العبر)) : (2/447) , ((شذرات الذهب)) : (4/106) , ((الأعلام)) للزركلي: (3/20) . (4) ولعله في كتابه ((التجريد للصحاح الستة)) الذي لا أعلم أنه طبع. (5) ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (13/491) عن عكرمة, وكذا في ((تفسير الطبري)) : (8/13/77, 78) , و ((تفسير السيوطي)) : (4/593) , و ((تفسير ابن كثير)) : (2/512) . قال الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) : (13/494-495) عقب هذا الأثر: (وبأسانيد صحيحة عن عطاء وعن مجاهد نحوه, وبسند حسن من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: من إيمانهم إذا قيل لهم: من خلق السموات ومن خلق الأرض ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله وهم به مشركون) . (6) وقد تفدم ذكر ذلك (ص 120) , وأشار هناك إلى هذا الموضع. (7) في ((ر)) , و ((ش)) : (عن العين) .

باب ما جاء في الرقى والتمائم

باب ما جاء في الرقى والتمائم في " الصحيح " عن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه " أنه كان

_ في أصبعه خيطا يتذكر به ذلك الشي " -ذكره في "محاسن الشريعة"1 للقفال2 رحمه الله وهو عادة الناس إلى الآن، قال الشاعر: إذا لم تك الحاجات من همة الفتى ... فليس بمغن عنه عقد الرتائم3 {7- باب ما جاء في الرقى والتمائم} {في "الصحيح" عن أبي بشير الأنصاري4 رضي الله عنه " أنه كان

مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فأرسل رسولاً أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت "1.

_ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فأرسل رسولا أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت "23} . قال مالك -رحمه الله تعالى-: أرى ذلك من العين4. هكذا في جميع النسخ قلادة من وتر أو قلادة، فقلادة الثانية مرفوعة معطوفة على قلادة من وتر، ومعناه: أن الراوي قال [قلادة] ،5 من وتر أو قلادة فقط ولم يقيدها بالوتر. وقول مالك: أرى ذلك من العين هو بضم الهمزة، أي: أظن أن النهي مختص بمن فعل ذلك بسبب ضرر العين،6 وأما من فعله لغير ذلك

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الرقى والتمائم والتولة شرك "1 رواه أحمد [وأبو داود] .

_ من زينة أو غيرها فلا بأس23 وفيه: قلدوا الخيل،4 ولا تقلدوها الأوتار،5 أي: لا تجعلوا في أعناقها الأوتار فتختنق لأن الخيل6 ربما رعت الأشجار فتنشب الأوتار ببعض شعبها فتخنقها، وقيل: إنما نهاهم عنها; لأنهم كانوا يعتقدون أن تقليدها بالأوتار يدفع عنها العين وهي لا تدفع ضررًا ولا تصرف حذرًا. {وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الرقى والتمائم والتولة شرك "7 رواه أحمد [وأبو داود] 89.

وعن عبد الله بن حكيم مرفوعا: " من تعلق شيئًا وكل إليه "1 رواه أحمد والترمذي.

_ وعن عبد الله بن حكيم23 مرفوعًا: " من تعلق شيئًا وكل إليه "4 أي: ترك5 إلى ما علقه {رواه أحمد والترمذي} 67.

التمائم شيء يعلق على الأولاد من العين، لكن إذا كان المعلق من القرآن فرخص فيه بعض السلف، وبعضهم لم يرخص فيه ويجعله من المنهي عنه، منهم ابن مسعود -رضي الله عنه. والرقى: هي التي تسمى العزائم، وخص منها الدليل ما خلا من الشرك، فقد رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العين والحمة.

_ قال الشيخ -رحمه الله تعالى-: {التمائم شيء يعلق على الأولاد من العين، لكن إذا كان المعلق من القرآن فرخص فيه بعض السلف، وبعضهم لم يرخص فيه ويجعله من المنهي عنه منهم ابن مسعود رضي الله عنه1} . والرقى: هي التي تسمى العزائم، وخص منها الدليل ما خلا من الشرك، فقد رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العين والحمة2.

والتولة: شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته.

_ والتولة: شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته} 12. عن الشفا بنت عبد الله3 قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ارقي ما لم يكن شرك بالله " رواه الحاكم4.

قال الخطابي:1 الرقى المنهي عنه ما كان منها بغير لسان العرب فلا يدخله ما لا يدري ما هو، ولعله قد يدخله سحر أو كفر.2 عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم رقى الحمى ومن الأوجاع كلها: بسم الله الكبير أعوذ بالله العظيم من كل عرق نعار3 ومن شر حر النار " 4. قوله نعار، يقال: نعر العرق إذا علا وارتفع

_ (1) هو: حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب من ولد زيد بن الخطاب, إمام, كنيته: أبو سليمان, مما ألفه كتاب ((العزلة)) , وكتاب ((الغنية عن الكلام وأهله)) , وكتاب ((شرح الأسماء الحسنى)) , ولد سنة 319 هـ, وتوفي سنة 388 هـ. انظر ترجمته في: ((سير أعلام النبلاء)) : (17/23-28) , ((وفيات الأعيان)) : (2/214 -216) , ((تذكرة الحفاظ)) : (3/1018-1020) . (2) الرقى إذا كانت بالقرآن أو بالأذكار والأدعيه المباحة فإنها جائزة لكل الأمراض, وخصها بعضهم بما إذا كان المرض عينا أو حمة للخبر في ذلك, وزاد بعضهم: لدغة العقرب للخبر في ذلك. وقد جاءت الأدلة التي تعمم الرقى لجميع الأمراض كما ترى في هذا الباب كقول ابن عباس: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم رقى الحمى ومن الأوجاع كلها: بسم الله الكبير أعوذ بالله العظيم من شر كل عرق نعار ومن شر حر النار)) . انظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية)) : (1/336) , و ((تيسير العزيز الحميد)) : (ص 165-166) , و ((فتح المجيد)) : (ص 134-135) . (3) في ((ر)) : (نعاق) خلافا لبقية النسخ, وهو تصحيف ظاهر. (4) ((سنن الترمذي)) : (4/405, ح 2075) , كتاب الطب, باب (26) . ((سنن ابن ماجه ((: (2/1165, ح 3526) , كتاب الطب, باب ما يعوذ به من الحمى. ((مستدرك الحاكم)) : (4/414) , كتاب الرقى والتمائم. الحديث قال فيه الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة, وإبراهيم يضعف في الحديث. وقال الألباني في ((مشكاة المصابيح)) (1/490, ح 1554) : وسنده ضعيف لما ذكره الترمذي.

وكان يقول صلى الله عليه وسلم " أذهب البأس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقمًا "12. عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول للمريض: " بسم الله تربة أرضنا وبريقة بعضنا تشفي سقيمنا بإذن ربنا "3 رواه البخاري4. قال النووي: يعني الحديث أنه أخذ من ريق نفسه على أصبعه السبابة ثم وضعها على التراب فعلق بها شيء منه، ثم مسح به الموضع العليل أو الجرح5.

_ (1) أبو داود: الطب (3883) , وابن ماجه: الطب (3530) , وأحمد (1/381) . (2) [66 ح] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (10/131, ح 56755) , كتاب المرضى, باب دعاء العائد للمريض. ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (14/431-432, ح 48/2191) , كتاب السلام, باب استحباب رقية المريض. الحديث مروي عن عائشة -رضي الله عنها-. انظر بقية التخريج في الملحق. (3) البخاري: الطب (5745) , ومسلم: السلام (2194) , وأبو داود: الطب (3895) , وابن ماجه: الطب (3521) , وأحمد (6/93) . (4) ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (10/206, ح 5745) , كتاب الطب, باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم. وكذا في ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (14/434, ح 2194) , كتاب السلام, باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة. ((سنن ابن ماجه)) : (2/1163, ح 3521) , كتاب الطب, باب ما عوذ به النبي صلى الله عليه وسلم. (5) انظر: ((شرح النووي على صحيح مسلم)) : (14/433) , وكان الأولى تأخير قول النووي -هذا- إلى ما بعد رو، الآية مسلم, لأنه شرح له.

عن رويفع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا رويفع، لعل الحياة تطول بك فأخبر الناس أن من عقد لحيته..................

_ وفي رواية لمسلم: " إذا اشتكى إنسان أو كانت به قرحة أو جرح قال النبي صلى الله عليه وسلم بأصبعه هكذا ووضع شيئًا من سبباته بالأرض ثم رفعها وقال: بسم الله..... إلى آخره "12. عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات، فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن "34. 5 {عن رويفع} بن ثابت67 مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم {قال8 رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا رويفع لعل الحياة تطول بك فأخبر الناس أن من عقد لحيته

أو تقلد وترًا، أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدًا بريء منه 1.

_ أو تقلد وترًا، أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدًا بريء منه 23. قال في "معالم السنن": كان أهل الجاهلية يعقدون4 اللحية في الحروب لينصروا ويعصموا من القتل،5 وقال -أيضًا- وهو معالجة اللحية للتجعيد6 ومن الأفعال المذمومة حلقها وهو من المنكرات، ولا يفعله إلا من لا مروة له، وهو من فعل المجوس7 وتقلد [الوتر] ،8 قيل: إنهم كانوا يعلقون التمائم على الأوتار ليعصم9 من الآفات، وقيل: كانوا يعلقون فيها الأجراس على الخيل فنهي عنها; لأنها تخنق الخيل من الوتر من شدة الجري،10 أو لئلا يسمع العدو حركة الجرس فيكون ذلك تحذيرًا لهم.

وعن سعيد بن جبير قال: " من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة " رواه وكيع، وله عن إبراهيم قال: " كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن ".

_ قوله: "أو استنجى برجيع دابة"، أي: روثها; لأنه نجس، أو عظم ولو طاهرا. وفي مسلم: "فإنه طعام إخوانكم"1 يعني: الجن. {وعن سعيد بن جبير قال: من قطع تميمة من إنسان} معلقة عليه {كان كعدل رقبة2} يعني: قطعها يعدل عتق رقبة {رواه وكيع،3 وله عن إبراهيم} بن يزيد النخعي4 {قال: كانوا} أي: السلف الصالح منهم

باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما

باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما وقول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى} (19)

_ عبد الله بن مسعود وأصحابه {يكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن12} قال سعيد بن جبير: لدغتني عقرب فأقسمت على أمي لترقيني، فناولت الراقي يدي3 التي لم تلدغ4. {8- باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما} {وقول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} 5} هذه أسماء أصنام اتخذوها آلهة يعبدونها، اشتقوا لها أسماء من أسماء الله تعالى فقالوا: من الله اللات، ومن العزير العزى،6 وقيل: كانت اللات بالطائف، وقيل: بيت بنخلة كانت قريش تعبده،7 عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (كان

اللات رجلاً صالحًا يلت سويق الحاج [أي: يسحقه] ،1 قيل: فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه) 2، وقيل: كان في رأس جبل له غنيمة يسلا3 منها السمن ويأخذ منها الأقط، ويجمع رسلها -الرسل اللبن-4 ثم يتخذ منها حيسًا فيطعم الحاج، وكان ببطن نخلة، فلما مات عبدوه5، وقيل: كان رجلاً من ثقيف يقال له صرمة بن غنم وكان يسلا السمن فيضعه على صخرة فتأتيه العرب فتلت به أسوقتهم [أي: تخوضه] فلما مات الرجل حولتها ثقيف إلى منازلها فعبدتها6. وأما العزى، فقيل: هي شجرة بغطفان كانوا يعبدونها "فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد7 فقطعها، فجعل خالد يضربها بالفأس ويقول:

_ (1) ما بين القوسين سقط من ((الأصل)) , وأضفته من بقية النسخ. (2) [3 ث] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (8/611, ح 4859) , كتاب التفسير, باب أفرأيتم اللات والعزى. ((تفسير الطبري)) : (13/27/58) , تفسير، الآية 19 من سورة النجم. انظر بقية تخريجه في الملحق. (3) هكذا في جميع والنسخ, والصحيح هنا أن تكون بالهمز: (يسلأ) . انظر: ((لسان العرب ((: (14/397) . (4) انظر: ((لسان العرب)) : (11/282) , ((مجمل اللغة)) : (1/2/376) . (5) انظر: ((تفسير القرطبي)) : (17/100) , و ((تفسير البغوي)) : (4/249) . (6) انظر: ((تفسير البغوي)) : (4/249) , و ((تفسير القرطبي)) : (17/100) . (7) هو: خالد بن الوليد بن المغيرة, سيف الله تعالى, غزا في كثير من المعارك في عهد الرسول وبعده, لما قدم هو وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة مسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رمتكم مكة بأفلاذ كبدها , وقد شهد فتح مكة فأبلى فيها وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العزى وكان بيتا عظيما لمضر تبجله فهدمها, توفي -رضي الله عنه- سنة 21 هـ. انظر ترجمته في: ((سير أعلام النبلاء)) : (1/366-384) , ((أسد الغابة)) : (1/586- 589) , ((الجرح والتعديل)) : (3/356) .

يا عزة1 كفرانك لا سبحانك ... إني رأيت الله قد أهانك2 فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية ويلها، واضعة يدها على رأسها، ويقال: أن خالدا رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد قطعتها، فقال: " ما رأيت منها؟ " فقال: ما رأيت منها3 شيئًا، فقال: "ما قطعت" فعاودها ومعه المعول فقطعها واجتث أصلها فخرجت منها امرأة عريانة، فقتلها ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال: تلك العزى لن تعبد أبدًا "4. وقيل: هي صنم لغطفان وضعها لهم [سعد] ،5 بن ظالم الغطفاني6 وذلك أنه قدم مكة فرأى الصفا والمروة ورأى أهل مكة يطوفون بينهما، فرجع إلى بطن نخلة، فقال لقومه: إن لأهل مكة الصفا والمروة وليستا لكم، ولهم إله يعبدونه وليست لكم، قالوا: فما تأمرنا، قال:

_ (1) في ((ر)) , و ((ش)) : (يا عزى) , وفي ((ع)) : (يا عز) . (2) انظر: ((سير أعلام النبلاء)) : (1/369) , ترجمة خالد بن الوليد, وقد ذكره بسنده, وراجع: ((إغاثة اللهفان)) : (2/306) , و ((شعر الدعوة الإسلامية)) : (ص 45, برقم 24) . (3) كلمة: (منها) في ((الأصل)) , وقد سقطت من بقية النسخ. (4) [68 ح] , ((دلائل النبوة)) للبيهقي: (5/77) , ((دلائل النبوة)) لأبي نعيم: (2/687) , ((تفسير البغوي)) : (4/249) . انظر بقية تخريجه في الملحق. (5) في ((الأصل)) : (سعيد) , وصححته من بقية النسخ والمصادر الأخرى التي ذكرته. (6) اختلفت المراجع في تسميته فقد جاءت تسميته في ((فتح الباري)) (8/612) : ظالم بن سعد, وفي ((تفسير القرطبي)) (17/99) : ظالم بن أسعد, وفي ((تفسير البغوي)) : سعد ابن ظالم.

{وَمَنَاة} ................................

_ أنا1 أصنع لكم كذلك، فأخذ حجرا من الصفا وحجرا من المروة ونقلهما إلى نخلة، فوضع الذي أخذ2 من الصفا، وقال: هذا الصفا، ووضع الذي أخذ من المروة، وقال: هذه المروة، ثم أخذ ثلاثة أحجار فأسندها إلى شجرة، وقال: هذا ربكم، فجعلوا يطوفون بين الحجرين ويعبدون الأحجار الثلاثة حتى افتتح3 رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فأمر برفع الحجارة، وبعث خالد بن الوليد إلى العزى فقطعها.4 وقيل: هي بيت بالطائف كانت تعبده ثقيف5. وقوله: {وَمَنَاة} قيل: هي لخزاعة كانت بقديد،6 " وقالت عائشة في الأنصار كانوا يهلون لمناة، وكانت حذو قديد "7 وقيل: بيت

{الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} 1. وعن أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال:" خرجنا مع رسول الله

_ بالمشلل2 تعبده بنو كعب،3 وقيل: مناة صنم لهذيل وخزاعة يعبدها أهل مكة،4 وقيل: اللات، والعزى، ومناة أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها5. وقوله: {الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} 6 نعت لمناة ومعنى الآية: هل رأيتم هذه الأصنام حق الرؤية، فإن رأيتموها علمتم أنها لا تصلح للعبادة; لأنها لا تضر ولا تنفع. {عن أبي واقد الليثي7 رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله

صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة أخرى فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ

_ صلى الله عليه وسلم إلى حنين} وهو واد بين مكة والطائف1 {ونحن حدثاء عهد بكفر} يعني: أن انتقالهم من الكفر إلى الإسلام قريب، والذي ينتقل من الباطل إلى الحق الذي اعتاده قلبه لا يأمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادة {وللمشركين} من العرب {سدرة} أي: شجرة من السدر {يعكفون عندها وينوطون} أي: يعلقون {بها2 أسلحتهم، يقال لها} أي: تسمى {ذات أنواط} لكونها يناط بها الأسلحة {فمررنا بسدرة أخرى فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط} وقصدهم التقرب إلى الله بذلك لظنهم أنه يحبه {ف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الله أكبر} تعجبا من طلبتهم ذلك {إنها السنن} أي: سنن أهل الكتاب المذمومة {قلتم والذي نفسي بيده} حلف وهو لا يحلف إلا لمصلحة {كما قالت بنو إسرائيل لموسى} عليه السلام {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} 3 أي: أن4 طلبتكم كطلبة بني

إسرائيل، ولم يعذرهم1 النبي صلى اله عليه وسلم لكونهم حدثاء عهد بكفر، بل رد عليهم بقول: الله أكبر، إنها السنن، لتتبعن سنن من كان قبلكم، فغلظ الأمر بهذه الثلاث الكلمات2 سدا للذريعة. يروى " أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى اله عليه وسلم 3 لأن الناس كانوا يذهبون إليها فيصلون تحتها فخاف عليهم الفتنة، " وثبت في "الصحيحين" أن عمر رضي الله عنه قال حين قبل الحجر الأسود: " والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى اله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك4 ثم قبله "5 قال ذلك خوفا على

_ (1) مقصود الشارح رحمه الله بقوله: (لم يعذرهم النبي صلى الله عليه وسلم ... إلخ) , أي: لم يترك البيان لهم ويسكت على قولهم. بل بين لهم وغلظ الأمر بأمور ثلاثة: تكبيره لإعظام الأمر, وإخباره أن هذا من طرق اليهود والنصارى, وإخباره أن قولهم كقول اليهود لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً} ، وذلك سدا للذريعة لئلا يتساهل بأمثال هذه العبارة. وأما الحكم عليهم بمقتضى قولهم فإن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحقيقة قد عذرهم فلم يحكم عليهم بالكفر, مع تشبيهه له بقول اليهود: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً:} , وذلك لعدم توفر شروط التكفير فقد كانوا حدثاء عهد بكفر, ويجهلون المحظور في قولهم بدليل أنهم لم يعودوا لقولهم بعد أن بين لهم. (2) قوله: (الكلمات) في ((الأصل)) فقط, وقد سقطت من بقية النسخ. (3) [4 ث] ((تفسير السيوطي)) : (7/522) , ((طبقات ابن سعد)) : (2/100) . قال ابن حجر في ((فتح الباري)) (7/448) : (وجدت عند ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر بلغه ... وذكر القصة. انظر تخريجه والحكم عليه في الملحق. (4) [5 ث] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (3/462, ح 1597) , كتاب الحج, باب ما ذكر في الحجر الأسود. و ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (9/19-21, ح 248) , كتاب الحج, باب استحباب تقبيل الحجر الأسود. انظر بقية تخريجه في الملحق. (5) قوله: (ثم قبله) في ((الأصل)) , وقد سقط من بقية النسخ.

{إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} 1 لتركبن سنن من كان قبلكم (رواه الترمذي.

_ قريبي العهد بالإسلام ممن ألف عبادة الأحجار، فبين لهم أنه لا يضر ولا ينفع بذاته وإن كان امتثال ما يشرع فيه ينفع بالجزاء والثواب2 {قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} 3 أي: تجهلون عظمة الله [وأنه] ،4 لا يستحق أن يعبد سواه {لتركبن} لتسلكن {سنن} أي: سبل {من كان قبلكم " رواه الترمذي56} ، وفي رواية: " لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل "78 [أي: تعملون مثل أعمالهم كما يقطع أحد النعلين على قدر

باب ما جاء في الذبح لغير الله

باب ما جاء في الذبح لغير الله وقول الله تبارك وتعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} ..............

_ النعل] 1 والحذو التقدير والقطع، وفيه علم من أعلام النبوة; لأنه وقع كما أخبر، وفي هذا الباب دليل واضح على أن كل من اعتقد في مخلوق وجعل فيه نوعا من الإلهية فقد جعله إلها مع الله وإن لم يسمه إلها; لأن الاعتبار بالمعاني لا بالألفاظ والأسماء. {9- باب ما جاء في الذبح لغير الله} {وقول الله تبارك وتعالى: {قُلْ} } يا محمد { {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} 2} قال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك والسدي:3 (أراد بالنسك في هذا

وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي.

_ الموضع الذبيحة في الحج والعمرة "1 وقيل: النسك كل ما يتقرب به إلى الله تعالى من صلاة وحج وذبح وعبادة،2 وفي قوله: {صَلاتِي وَنُسُكِي} 3 دليل على أن جميع العبادات يؤديها العبد على الإخلاص لله تعالى، ويؤكد هذا قوله: {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَه} 4 وفيه دليل على أن جميع العبادات5 لا تؤدى إلا على وجه التمام والكمال; لأن ما كان لله لا ينبغي إلا أن يكون كاملا تاما مع إخلاص العبادة، فما كان بهذه الصفة من العبادات6 كانت مقبولة { {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي} } أي: حياتي وموتي خلق الله تعالى وقضاؤه وقدره، هو يحييني ويميتني معناه: أن محياي بالعمل الصالح، ومماتي إذا مت على الإيمان لله، وقيل: إن معناه أن طاعتي في حياتي لله، وجزائي بعد مماتي من الله، وحاصل الكلام أن الله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبين أن صلاته ونسكه وسائر عبادته وحياته ومماته7 كلها واقعة بخلق الله وقضائه وقدره، و [هو] ،8 المراد بقوله تعالى:

لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} 1. وقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} 2.

_ {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ} 3 يعني: في العبادة والخلق والقضاء والقدر وسائر أفعاله لا يشاركه فيها أحد من خلقه {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} يعني: قل يا محمد وبهذا التوحيد أمرت4 {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} 5 قال قتادة: يعني من هذه6 الأمة، وقيل: معناه وأنا أول المسلمين7 لقضائه وقدره8 {وقوله:9 {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) } 10} معناه: أن ناسا كانوا يصلون لغير الله فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصلي له [وينحر له] 11 متقربًا إلى ربه بذلك،12 وقيل: معناه فصل لربك صلاة العيد يوم النحر وانحر نسكك،1314 وقيل: معناه فصل الصلاة المفروضة بجمع، وانحر

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات: " لعن الله من ذبح لغير الله

_ البدن بمنى،12 وقال ابن عباس -رضي الله عنهما {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} 3. أي: ضع يدك اليمنى على الشمال في الصلاة عند النحر،4 وقيل: هو رفع اليدين مع التكبير إلى النحر، حكاه ابن الجوزي،56 ومعنى الآية قد أعطيتك ما لا نهاية لكثرته من خير الدارين، وخصصتك بما لم أخص به أحدا غيرك، فاعبد ربك الذي أعطاك هذا العطاء الجزيل والخير الكثير، وأعزك وشرفك على كافة الخلق، ورفع منزلتك فوقهم فصل له واشكره على إنعامه عليك وانحر البدن متقربا إليه. عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات: " " لعن الله من ذبح لغير الله " اللعن: هو الطرد من رحمة

الله، والذبح لغير الله من الشرك الأكبر، وقد صرح الشيخ تقي الدين1 رحمه الله أن ما ذبح لغير الله2 على قصد التعظيم والعبادة بأن الذبيحة حرام، وأن الذابح يصير بذلك كافرًا مرتدًا; لأنه مما أهل به لغير الله، وذبيحة مرتد3. وورد في الحديث النهي عن ذبائح الجن،4 قال أبو عبيد: هو أن يشتري دارًا أو يستخرج عينًا فيذبح خوفًا أن يصيبه الجن فيها5. هذا ما فسره الزمخشري67 وابن الأثير ولا يمترى مسلم في كون الذبح لغير

_ (1) هو: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام أبو العباس تقي الدين ابن تيمية كان من بحور العلم, أثنى عليه الموافق والمخالف, وقد برع في علوم كثيرة وخصوصا في علم الحديث وعلوم العقائد, وهو غني عن ذكر معتقده فقد كان منافحا عن اعتقاد السلف في الإيمان والربوبية والألوهية والأسماء والصفات, ولد سنة 661 هـ, وتوفي سنة 728 هـ. انظر ترجمته في: ((العقود الدرية في مناقب ابن تيمية)) بكاملة, ((تذكرة الحفاظ)) : (4/1496) , ((البداية، والنهاية)) : (14/117-121) . (2) في بقية النسخ: (أن ما ذبح لغيره) . (3) انظر: ((مجموع الفتاوى)) : (17/484-485) , (26/306) . (4) الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم ((نهى عن ذبائح الجن)) , وقد ذكره أبو عبيد في ((غريب الحديث ((: (2/221) , والزمخشري في كتابه ((الفائق)) : (2/4) , وابن الأثير في ((النهاية)) : (2/153) . (5) انظر: ((غريب الحديث ((: (2/221) . (6) هو: محمود بن عمر بن محمد -أبو القاسم- الخوارزمي, الزمخشري, كبير المعتزلة, صاحب ((الكشاف)) في التفسير, و ((الفائق)) في غريب الحديث, كان رأسا في اللغة والمعاني والبيان, وكان داعية إلى الاعتزال, وفي تفسيره كثير من ذلك فليتنبه, ولد سنة 467 هـ, وتوفي سنة 538 هـ. انظر ترجمته في: ((سير أعلام النبلاء)) : (20/151 - 156) , ((وفيات الأعيان)) : (5/168) , ((الأعلام)) : (7/178) . (7) في كتابه ((الفائق)) : (2/4) .

باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله

باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله وقوله تعالى: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ.............................

_ {10 - باب لا يذبح لله1 بمكان يذبح فيه لغير الله} {وقوله تعالى: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً} 2 ... الآية، قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: " لا تصل فيه أبدا3 منع الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصلي في مسجد الضرار " -سمي مسجد الضرار-; لأن المنافقين بنوه لمضارة المسلمين، وقوله: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} 4 يعني بني على تقوى الله عز وجل 5 {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} يعني: من أول يوم بني ووضع أساسه6 {أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ} 7 أي: مصليا،8. واختلفوا في المسجد الذي أسس على التقوى فقال عمر9 وزيد بن ثابت10 وأبو سعيد الخدري: (هو مسجد رسول الله

صلى الله عليه وسلم يعني: مسجد المدينة، "1. ويدل عليه ما روي عن أبي سعيد الخدري (قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه فقلت: يا رسول الله، أي المسجدين أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفا من حصباء فضرب به الأرض، قال: هو مسجدكم هذا -لمسجد المدينة - "2 أخرجه مسلم3. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي "4 وفي رواية عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وعروة بن الزبير5 وسعيد بن جبير وقتادة

_ (1) انظر: ((تفسير الطبري)) : (7/11/26-27) , و ((تفسير البغوي)) : (2/327) , و ((تفسير ابن الجوزي)) : (3/501) . (2) مسلم: الحج (1398) , والترمذي: تفسير القرآن (3099) , والنسائي: المساجد (697) , وأحمد (3/8 ,3/23 ,3/24 ,3/89 ,3/91) . (3) [78 ح] ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (9/178, ح 514/1398) , كتاب الحج, باب بيان المسجد الذي أسس على التقوى. ((سنن النسائي)) : (2/36, ح 697) , كتاب المساجد, باب ذكر المسجد الذي أسس على التقوى. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق. (4) [79 ح] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (3/70, ح 196) , كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة, باب ما بين القبر والمنبر, و ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (9/171, ح 1391) , كتاب الحج, باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة. انظر بقية التخريج في الملحق. (5) هو: عروه بن الزبير بن العوام -أبو عبد الله- روى عن كثير من الصحابة, وهو تابعي ثقة, وقال عروة بن الزبير لعلي في الكلام عن جور من جار من بني أمية: (يا علي, إن من اعتزل أهل الجور -والله يعلم من سخطه لأعمالهم- فإن كان منهم على ميل ثم أصابتهم عقوبة الله رجي له أن يسلم مما أصابهم) , ثم خرج عروة وسكن العقيق, وقد اختلف في وفاته من سنة 91-101 هـ. انظر ترجمته في: ((تهذيب التهذيب)) : (7/180-185) , ((طبقات ابن سعد)) : (5/178-182) .

فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} .

_ أنه مسجد قباء1 ويدل عليه سياق الآية، وهو قوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} 2 قال [كانوا] ،3 يستنجون بالماء فنزلت هذه الآية فيهم4 أخرجه أبو داود والترمذي، وقال: حديث غريب،5 وقباء -بالضم والتخفيف- هو من عوالي المدينة، والأشهر مده وصرفه وتذكيره، والعوالي موضع قريب من المدينة، وكأنه جمع عالية، قاله في "المصباح"،6 وفي "المقرب"7 ...

أنه على نصف فرسخ من المدينة. ومما يدل على فضل مسجد قباء ما روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور قباء راكبا و [ماشيا] ،1 فيصلي فيه ركعتين "رواه البخاري ومسلم2. وعن أسيد بن ظهير3 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الصلاة في مسجد قباء كعمرة "4 أخرجه الترمذي5.

_ (1) قوله: (ماشيا) سقط من ((الأصل)) , وأثبته من بقية النسخ. (2) ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (3/68, ح 1191) , كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة, باب مسجد قباء. و ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (9/179, ح 516) , كتاب الحج, باب فضل مسجد قباء وفضل الصلاة فيه وزيارته. (3) هو: أسيد بن ظهير بن رافع بن عدي بن زيد الأنصاري الأوسي الحارثي, يكنى: أبو ثابت, له ولأبيه صحبة, استصغر في يوم أحد وشهد الخندق, توفي في خلافة عبد الملك بن مروان. انظر ترجمته في: ((الإصابة)) : (1/76-77) , ((أسد الغابة)) : (1/114) , ((الاستيعاب)) : ضمن ((الإصابة)) : (1/180) . (4) الترمذي: الصلاة (324) , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1411) . (5) ((سنن الترمذي)) : (2/146, ح 324) , كتاب أبواب الصلاة, باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء. وكذا في ((سنن ابن ماجه)) : (1/452, ح 1411) , كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها, باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء. ((مستدرك الحاكم)) : (1/487) , كتاب المناسك, باب فضل النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد قباء. ((صحيح ابن حبان)) : ((الإحسان)) : (3/74, ح 1625) , من رو، الآية ابن عمر -رضي الله عنه-. والحديث قال فيه الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه, وصححه ابن حبان -كما ترى-, وصححه الألباني كما في ((صحيح سنن الترمذي)) : (1/104, ح 267) , و ((صحيح سنن ابن ماجه)) : (1/37, ح 1159) .

عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه " قال: نذر رجل أن ينحر إبلا ببوانة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادها؟ قالوا: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم "1 رواه أبو داود وإسناده على شرطهما.

_ عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: نذر رجل أن ينحر إبلا ببوانة} قال في "النهاية": هي هضبة وراء ينبع، وقيل: هي موضع في أسفل مكة دون يلملم2 " فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادها3؟ قالوا: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله " كالقتل والزنا وصوم يوم العيد {ولا فيما لا يملك ابن آدم "} ومن شروطه إطلاق التصرف فيما نذره {رواه أبو داود وإسناده على شرطهما4} أي: البخاري ومسلم.

وجه1 مطابقة الآية للترجمة من جهة التشبيه والقياس، فقاس الذبح في الموضع الذي يذبح فيه لغير الله بالنهي عن الصلاة في مسجد الضرار مع أن الأرض لا تعصي الله، ولكن أثرت معصية المنافقين فيها، وتخصيص البقعة بالنذر لا بأس به إذا خلا من الموانع، مثل إذا كان في البقعة وثن من أوثان الجاهلية ولو كان بعد زواله، وكذلك إذا كان فيها عيد من أعيادهم وفيه الحذر عن مشابهة المشركين، ولو لم يقصد ذلك، فقد صح في الحديث أن " من تشبه بقوم فهو منهم " 2 [حكمه حكمهم لأن كل معصية ميراث عن أمة من الأمم التي أهلكها الله، فكل من لابس منها شيئًا فهو منهم] 3. ومما يشبه ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها معللا أن ذلك وقت سجود الكفار لها4 إبعادًا

_ (1) هكذا في كل النسخ, أخر: (وجه مطابقة ال، الآية للترجمة) إلى هنا, وكان الأولى أن يكون قبل حديث ثابت بن الضحاك. (2) ((سنن أبي داود)) : (4/314, ح 4030) , كتاب اللباس, باب لباس الشهرة. ((مسند الإمام أحمد)) : (2/50) , ((مسند عبد بن حميد)) : ((المنتخب)) : (ص 267, ح 848) . الحديث مروي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-. والحديث صححه الألباني, انظر: ((صحيح سنن أبي داود)) : (2/761, ح 3401) , و ((إرواء الغليل)) : (5/109, ح 1269) . (3) ما بين القوسين سقط من ((الأصل)) , وأضفته من النسخ الأخرى. (4) الحديث الذي فيه النهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها, ورد في ((صحيح البخاري)) بلفظ: ((ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان)) . انظر: ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (6/335, ح 3273) . وكذلك في مسلم و ((الموطأ ((, و ((مسند الإمام أحمد)) . وأما التعليل بأن ذلك وقت سجود الكفار لها فقد ورد في ((سنن أبي داود ((: (2/56- 57, ح 1277) : (( ... ثم اقصر حتى تطلع الشمس فترتفع قيس رمح أو رمحين فإنها تطلع بين قرني شيطان ويصلي لها الكفار)) . وورد في ((سنن النسائي)) : (1/280, ح 572) : ( ... فإن الصلاة محضورة مشهودة إلى طلوع الشمس فإنها تطلع بين قرني الشيطان وهي ساعة صلاة الكفار ... ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تغيب الشمس فإنها تغيب بين قرني شيطان وهي صلاة الكفار)) .

باب من الشرك النذر لغير الله تعالى

باب من الشرك النذر لغير الله تعالى لقوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} . ...........................

_ لمشابهة المشركين، وفيه أن1 المعصية قد تؤثر في الأرض، وكذلك الطاعة. {11- باب من الشرك النذر لغير الله تعالى} {لقوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} 2 34} لما وصف الله ثواب الأبرار في الآخرة، وصف أعمالهم في الدنيا التي استوجبوا بها هذا الثواب، والمعنى كانوا في الدنيا يوفون بالنذر، وهو في اللغة: الوعد مطلقا،5 وفي الشرع: الوعد بخير، والأصل فيه قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} وفي

الصحيح: " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " 1 واختلف فيه: فقيل: هو مكروه لصحة النهي عنه، وأنه لا يأتي بخير; لأنه لا يجر للناذر نفعا ولا يدفع عنه ضررا ولا يرد قضاء، وإنما يستخرج به من مال البخيل. وقيل: هو خلاف الأولى. وقيل: هو قربة، والنهي عنه محمول على2 من علم من حاله عدم القيام بما التزمه جمعا بين الأدلة،3 وهو على ضربين4. نذر لجاج5 -بفتح اللام- وهو أن يقول إنسان لإنسان إن كلمتك أو إن لم أكلمك فلله علي [عتق] ،6 أو صوم، وفيه كفارة يمين،7 وفي

_ (1) [81 ح] انظر ((صحيح البخاري مع الفتح ((: (11/581, ح 6696) , كتاب الأيمان والنذور, باب النذر في الطاعة. و ((سنن أبي داود)) : (3/593, ح 3289) , كتاب الأيمان والنذور, باب ما جاء في النذر في المعصية. والحديث مروي من حديث عائشة -رضي الله عنها-. انظر تفصيل التخريج في الملحق. (2) زيد هنا في ((الأصل)) كلمة: (أن) , وإسقاطها أولى كما جاء في النسخ الأخرى. (3) والجمع الصحيح بين الأدلة أن يقال: بأن الكراهة للنذر قبل إحداثه, وأما بعد إحداثه فإنه يجب أداؤه, فتشمل الكراهة من علم من نفسه القيام بما التزمه أو لم يعلم القيام بذلك, وقد أشار الشارح لهذا في نه، الآية الباب. انظر: (ص 167) . (4) انظر: ((روضة الطالبين)) للنووي: (3/293-294) . (5) وقد عرفه المقدسي في ((المغني)) : (13/622) بأنه الذي يخرجه مخرج اليمين للحث على فعل شيء أو المنع منه غير قاصد به النذر ولا القربة. (6) في ((الأصل)) : (أعتق) , وصوابه من أثبته من بقية النسخ. (7) انظر: ((المغني)) للمقدسي: (13/622-623) , كتاب النذور, و (ص 451-452) , في كتاب الأيمان.

قول: ما التزمه، وفي قول: أيهما شاء، وهو المعتمد1. ونذر تبرر، أي: تقرب بأن يلتزم قربة إن حدثت نعمة أو ذهبت نقمة كأن يقول: إن شفا الله مريضي فلله علي كذا، فيلزمه ذلك إذا حصل المعلق عليه، ويتعين الوفاء للحديث المار، ولا يصح نذر معصية كالقتل والزنا وصوم يوم العيد لحديث2 "لا نذر في معصية " رواه مسلم3. وكذلك نذر واجب: كصوم رمضان، وأن لا يشرب الخمر; لأنه واجب بإيجاب الشرع ابتداء فلا معنى لإيجابه، وكذلك نذر مباح: كالأكل، والنوم،4 ولا كفارة5 في هذه الثلاثة عند الشافعي -رحمه الله تعالى6 -.

_ (1) انظر: ((روضة الطالبين)) للنووي: (3/294-295) . (2) قوله: (المار, ولا يصح ... إلى قوله ... لحديث) مثبت في ((الأصل)) فقط, وقد سقط من بقية النسخ, ولعله سبق نظر من الناسخ الأول إلى كلمة: (الحديث) المتأخرة. (3) [82 ح] ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (11/108-110- ح 164) , كتاب النذر, باب لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك. و ((سنن أبي داود)) : (3/609-612, ح 3316) , كتاب الأيمان والنذور, باب في النذر فيما لا يملك. والحديث مروي عن من حديث عمران بن الحصين. انظر بقية التخريج في الملحق. (4) معنى العبارة السابقة: أن صيام رمضان, وترك شرب الخمر واجب عليه فلا يصح نذرهما بأن يقول: نذرت ألا أشرب الخمر, أو نذرت أن أصوم رمضان, وكذلك لا يستقيم أن يقول: نذرت أن آكل أو أنام. (5) في ((ر)) , و ((ع)) مصحفة إلى: (والكفارة) , وهو خطأ يقلب الحكم, وما أثبته من ((الأصل)) , و ((ش)) هو الصواب. (6) انظر: كتاب ((الأم)) : (2/254) , (7/61) , وكتاب ((روضة الطالبين)) : (3/298- 299) .

وقوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْر} ...................

_ {وقوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ} } يعني: فيما فرضه الله عليكم من إعطاء زكاة وتجهيز غاز { {أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْر} 1} يعني: ما أوجبتموه على أنفسكم في طاعة الله تعالى فوفيتم به. والنذر مفسر وغير مفسر، فالمفسر أن يقول: لله علي صوم أو حج أو عتق أو صدقة فيلزمه الوفاء به، ولا يجزيه غيره كما قد تقدم بيانه2. وغير3 المفسر: أن يقول: نذرت لله لا أفعل كذا ثم يفعله، أو يقول: لله علي نذر، من غير تسمية شيء فيلزمه كفارة [يمين] 4 وبعضهم أوجب الكفارة في نذر المعصية، وفيما لا يطيقه الناذر لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: إن رسول الله صلى اله عليه وسلم قال: " من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا في معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته يمين، ومن نذر نذرا فأطاقه فليف به " أخرجه أبو داود5.

فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} . في " الصحيح " عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ".

_ وقوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} 1} ، أي: يعلم ما أنفقتم ونذرتم فيجازيكم به، دلت الآية الكريمة أن النذر قربة. {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} 23} أي: أعوان يدفعون عنهم عذاب الله تعالى، ففيه وعيد عظيم لكل ظالم. {في "الصحيح"} أي: البخاري {عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه "45} دل الحديث أن النذر عبادة، فإذا صرفت العبادة لغير الله تعالى كان شركا; لأن الله تعالى أوجب الوفاء بنذر الطاعة، ومدح المؤمنين به مع كونه منهيا عنه ابتداء، وقد سبق ذكره في أول الباب6.

باب من الشرك الاستعاذة بغير الله

باب من الشرك الاستعاذة بغير الله وقول الله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} .

_ ونذر المعصية لا يجوز الوفاء به، وليس فيه كفارة، وكفارته تركه، ومن ذلك ما ينذره كثير من الجهال من الشمع والزيت وغيرهما لقبور وأحجار1. {12- باب من الشرك الاستعاذة بغير الله تعالى2} الاستعاذة: الالتجاء والامتناع بالغير مما يخشاه من عاذ يعوذ، والله سبحانه وتعالى ملاذ المستعيذ المجهود لا غيره. {وقول الله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} 3} وذلك أن الرجل من العرب في الجاهلية، كان إذا سافر في أرض قفر، قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه، فيبيت في أمن وجوار منهم حتى يصبح4. روى البغوي بإسناد عن الثعلبي5 عن

كردم بن أبي السائب1 الأنصاري2 قال: خرجت مع أبي إلى المدينة، وذلك أول ما ذكر بمكة، فآوانا المبيت إلى راعي غنم، فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم -الحمل: بالتحريك الجذع من الضأن فما دونه- فوثب الراعي فقال: يا عامر الوادي جارك، فنادى مناد لا نراه: يا سرحان أرسله، فأتى الحمل يشتد، أي: يجري بسرعة، حتى دخل الغنم ولم تصبه كدمة، فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بمكة {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} 34 ومعنى الآية زاد الإنس الجن باستعاذتهم بقادتهم رهقا، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: إثما، وقيل: طغيانا، وقيل: غيا، وقيل: شرا، وقيل: عظمة، وذلك أنهم كانوا يزدادون بهذا التعوذ طغيانا وعظمة ويقولون -يعني: عظماء الجن-: سدنا الجن والإنس، والرهق في كلام العرب: الإثم وغشيان المحارم5.

_ (1) هذا في ((الأصل)) , وقد جاء في النسخ الأخرى: (الشائب) , وهو تصحيف, فهو كردم ابن أبي السائب الأنصاري, وقيل: ابن أبي السنابل. (2) هو: كردم بن أبي السائب الأنصاري, وقيل: ابن أبي السنابل, قال البخاري وابن السكن: له صحبة, وقد سكن المدينة. وقال ابن حبان: له صحبة, ثم أعاده في التابعين فقال: يروي المراسيل, ومخرج حديثه عن أهل الكوفة. انظر ترجمته في: ((الإصابة)) : (8/276-277) , ((أسد الغابة)) : (4/164) , (5/133) . (3) سورة الجن، الآية: 6. (4) ((تفسير البغوي)) : (4/402) , ((تفسير ابن كثير)) : (4/457-458) , ((تفسير القرطبي)) : (19/10) . (5) ((تفسير البغوي)) : (4/402) , وانظر: ((تفسير الطبري)) : (14/29/108-109) , و ((تفسير ابن كثير)) : (4/457) .

عن خولة بنت حكيم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك " رواه مسلم. 3

_ {عن خولة بنت حكيم1 قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك " رواه مسلم23} . وعند أبي داود والنسائي بسند صحيح عن رجل من أسلم قال: " جاء رجل فقال: لدغت الليلة فلم أنم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضرك "45 قال ابن

التين1 الرقى بالمعوذات وغيرها من أسماء الله تعالى هو الطب الروحاني إذا كان على لسان الأبرار حصل الشفاء بإذن الله تعالى2. وقد ثبت في حديث عائشة -رضي الله عنها- " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعوذ الحسن 3...................................

_ (1) هو: أبو محمد عبد الواحد بن التين السفاقسي أو الصفاقسي المغربي المالكي, المحدث, الإمام, الراوي, المفسر, الفقيه, له عدة مصنفات منها: ((المخبر الفصيح في شرح البخاري الصحيح)) فيه اعتناء زائد في الفقه ممزوجا بكثير من كلام ((المدونة)) اعتمده الحافظ ابن حجر في ((شرحه)) , توفي سنة 611 هـ. انظر عنه في: ((شجرة النور الزكية في طبقات المالكية)) : (1/168) , ((السيرة الشامية)) : (3/333) , ((إتحاف القارئ بمعرفة جهود وأعمال العلماء في صحيح البخاري ((: (ص 191) . (2) انظر: ((فتح الباري)) : (10/196) , كتاب الطب, باب الرقى بالقرآن والمعوذات. وتمام قول ابن التين: (فلما عز هذا فزع الناس إلى الطب الجسماني وتلك الرقى المنهي عنها التي يستعملها المعزم وغيره ممن يدعي تسخير الجن له فيأتي بأمور مشتبهة مركبة من حق وباطل يجمع إلى ذكر الله وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعاذة بهم والتعوذ بمردتهم) . انظره في: ((فتح الباري)) : (10/196) . (3) هو: الحسن بن علي بن أبي طالب -أبو محمد- القرشي الهاشمي سبط النبي صلى الله عليه وسلم, قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: إن ابني هذا سيد يصلح الله به بين فئتين عظيمتين. وكان ورعا فاضلا, وقد دعاه ذلك إلى ترك الملك والدنيا رغبة فيما عند الله تعالى, وكان يقول: ما أحببت أن إلي أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أن يهراق في ذلك محجمة دم, فكان ذلك هو ما تنبأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه, ولد في السنة الثالثة, وتوفي سنة 50 من الهجرة. انظر ترجمته في: ((الإصابة)) : (2/242-246) , ((أسد الغابة)) : (1/487- 492) , ((وفيات الأعيان)) : (2/65-69) .

والحسين1 بكلمات الله التامات من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة "2. وقد اتفق العلماء -رضي الله عنهم- أن الاستعاذة بالمخلوق لا تجوز، واستدلوا بحديث خولة، وقالوا: فيه دليل أن كلمات الله غير مخلوقة وردوا به على الجهمية والمعتزلة في قولهم بخلق القرآن،3 ولو كان كلمات الله مخلوقة لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بها; لأن الاستعاذة بالمخلوق شرك.

_ (1) هو: الحسين بن علي بن أبي طالب -أبو عبد الله- سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو وأخوه حبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانتيه في الدنيا, ولد في السنة الرابعة من الهجرة, وقتل في كربلاء سنة 61 هـ. انظر ترجمته في: ((الإصابة)) : (2/248-253) , ((أسد الغابة)) : (1/495-500) . (2) [85 ح] لم أجد في المصادر التي اطلعت عليها أن الحديث روي عن عائشة -رضي الله عنه-, وإنما هو عن ابن عباس -رضي الله عنهما-, ولعله قد سبق نظر المؤلف حين الاستدلال من ((فتح الباري)) إلى حديث قبله عن عائشة. ((سنن الترمذي)) : (4/396, ح 2060) , كتاب الطب, باب (18) . و ((سنن أبي داود)) : (5/104, ح 4737) , كتاب السنة, باب في القرآن. الحديث قال فيه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني, انظر: ((صحيح سنن ابن ماجه)) : (2/268, ح 2841) , و ((صحيح سنن الترمذي)) : (2/206, ح 1683) , و ((صحيح سنن أبي داود)) : (3/897, ح 3963) . انظر تفصيل التخريج في الملحق. (3) مسألة القول بخلق القرآن من المسائل التي ابتدعتها الجهمية وحصل بسببها الإيذاء والامتحان للعلماء فأحق الله الحق وأزهق الباطل بعد أن جاهد العلماء لبيان الحق وكان أعظمهم بلوى وثباتا في تلك الفتنة الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى-.

باب من الشرك أن يستغيث بغير الله تعالى أو يدعوه

باب من الشرك أن يستغيث بغير الله تعالى أو يدعوه وقول الله تعالى: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ..}

_ {13- باب من الشرك أن يستغيث بغير الله تعالى أو يدعوه1} الاستغاثة: هي طلب الغوث ممن يخلصه أو ينصره، وهي جائزة إن كان المطلوب له قدرة على تخليصه كما قال تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} 2 كما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب وغيره في أشياء يقدر عليها المخلوق. وإنما المراد استغاثة العبادة3 التي لا يقدر عليها إلا الله كما يفعله الجهال عند القبور، وطلب الأولياء ما لا يقدر عليها المخلوق. والدعاء: هو النداء مع التذلل، والنداء مطلق الإقبال4. {وقول الله تعالى: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ 5} يعني: إن عبدته ودعوته {وَلا يَضُرُّكَ} } يعني: إن تركت عبادته {فَإِنْ فَعَلْتَ} يعني: ما نهيتك عنه، فعبدت غيري وطلبت النفع، ودفع الضر من غيري { {فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ} } يعني: لنفسك، لأنك وضعت العبادة في غير موضعها،

وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} .

_ وهذا الخطاب وإن كان في الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم فالمراد به غيره، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يدع من دون الله شيئًا ألبتة، فيكون المعنى: ولا تدع أيها الإنسان من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك، وقوله عز وجل {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ} 1 يعني: وإن يصبك الله بشدة وبلاء {كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ} 2 يعني: لذلك الضر الذي أنزله بك إلا هو {وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} يعني: بسعة ورخاء { {فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} 3} يعني: فلا دافع لرزقه { {يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ} يعني: بكل واحد من الضر والخير4 { {مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} 5} وقيل: إنه تعالى لما ذكر الأوثان، وبين أنها لا تقدر على ضر ولا نفع بين أنه القادر على ذلك كله وأن جميع الكائنات محتاجة إليه، وجميع الممكنات مستندة إليه; لأنه القادر على كل شيء6 وأنه ذو الجود والكرم والرحمة،7 ولهذا المعنى ختم الآية بقوله {الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} وفي الآية لطيفة أخرى، وهي أن الله تعالى رجح جانب الخير على جانب الشر، وذلك أنه تعالى لما ذكر أساس الضر، بين أنه لا كاشف له إلا هو، وذلك يدل على أنه تعالى يزيل جميع المضار ويكشفها; لأن الاستثناء من النفي إثبات، ولما ذكر الخير

وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} 1.

_ قال2 فلا راد لفضله، يعني: أن جميع الخيرات منه، فلا يقدر أحد على ردها; لأنه هو الذي يفيض جميع الخيرات على عباده3 وعضده بقوله {وَهُوَ الْغَفُورُ} يعني: الساتر لذنوب عباده {الرَّحِيمُ} 4} يعني: بهم. وأخرج البيهقي5 في "شعب الإيمان" عن عامر بن عبد قيس6 قال: "ثلاث آيات7 في كتاب الله اكتفيت بهن عن جميع الخلائق أولهن {وَإِنْ

وقوله تعالى: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ}

_ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} والثانية: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ} 1. والثالثة: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} 2.3. {وقوله تعالى4 {فَابْتَغُوا} أي: اطلبوا {عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ} فإنه القادر على ذلك كما في الحديث الصحيح: " إذا سألت فاسأل الله "56 يعني: اسأل الله من فضله، ولا تسأل غيره، فإن خزائن الوجود بيده وأزمتها إليه إذ لا قادر ولا معطي ولا متفضل غيره، فهو أحق أن يقصد سيما وقد قسم الرزق وقدره، لكل أحد بحسب ما أراده له، لا يتقدم ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص، " وإذا استعنت فاستعن بالله "78 من أعانه فهو

وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} 1. وقوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6) } 2

_ المعان، ومن خذله فهو المخذول {وَاعْبُدُوهُ َ} أي: وحدوه {وَاشْكُرُوا لَهُ} 3} لأنه المنعم عليكم بالرزق {إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أي: في الآخرة. {وقوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ} يعني: الأصنام لا تجيب عابديها إلى شيء يسألونها {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} يعني: لا تجيب أبدا ما دامت الدنيا {وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} لأنها جمادات لا تسمع ولا تفهم {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} 4أي: جاحدين5.

وقوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُون} 1.

_ {وقوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ} 2} أي: المكروب المجهود،3 وقيل: الضرورة الحاجة المحوجة من مرض أو نازلة من نوازل الدهر، إذا نزلت بأحد بادر إلى الالتجاء والتضرع إلى الله تعالى، وقيل: هو المذنب4 إذا استغفر5 {إِذَا دَعَاهُ} يعني: فيكشف ضره {وَيَكْشِفُ السُّوءَ} أي: الضر; لأنه لا يقدر على تغير حال من فقر إلى غنى، ومن مرض إلى صحة، ومن ضيق إلى سعة إلا القادر الذي لا يعجزه شيء، و [القاهر] 6 الذي لا يغلب7 ولا ينازع {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ} أي: سكانها، وذلك أنه ورثهم سكناها والتصرف فيها قرنا بعد قرن،8 وقيل: يجعل أولادكم خلفاء لكم، وقيل: جعلكم خلفاء الجن في الأرض9 {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُون} 10 أي: تتعظون.

وروى الطبراني أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله تعالى ".

_ {وروى الطبراني1} -رحمه الله تعالى- {أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين فقال بعضهم} قيل: إن القائل عبادة بن الصامت، قاله لأبي بكر2 {قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله تعالى "3 وهذا حماية من النبي صلى الله عليه وسلم للتوحيد، وتأدب مع الله عز وجل4 وسد للذريعة، فكيف

باب قول الله تعالى: {أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون

باب قول الله تعالى {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ} .

_ بمن يستغيث بميت أو غائب عند المصائب، يطلب منه إزالة ضر أو جلب نفع، ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الخلق وأكرمهم على الله، وقد نفى الاستغاثة به وقال: إنما يستغاث بالله تعالى"؛لأنه المغيث على الحقيقة الذي ينجي المكروب إذا دعاه واستغاث به. {14- باب} قوله الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً} . أي: إبليس والأصنام1 {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} وقوله: {وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً} . يعني الأصنام لا تقدر على نصر من أطاعها وعبدها، ولا تضر من عصاها، والنصر المعونة على الأعداء، والمعنى: أن المعبود الذي تجب عبادته يكون قادرا على إيصال النفع ودفع الضر، وهذه الأصنام ليست كذلك، فكيف يليق بالعاقل أن يعبدها ثم قال تعالى {أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ} 2 ولا يقدرون أن يدفعوا عن أنفسهم مكروها3 وقوله

وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِير إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ 14) } . وفي " الصحيح " عن أنس قال: " شج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وكسرت رباعيته، فقال: كيف يفلح قوم شجوا نبيهم فنزلت:.

_ تعالى1 {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} يعني: الأصنام {مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِير} هو لفافة النواة وهي القشرة الرقيقة التي تكون على النواة {إِنْ تَدْعُوهُمْ} يعني: الأصنام {لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ} يعني: أنها جماد {وَلَوْ سَمِعُوا} 2 على سبيل الفرض والتمثيل {مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} أي: ما أجابوكم وما نفعوكم {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} أي: يتبرءون منكم، ومن عبادتكم إياها {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} 3 يعني: نفسه تعالى، أي: لا ينبؤك مثلي; لأنه عالم بالأشياء4. {وفي "الصحيح" عن أنس} بن مالك رضي الله عنه {قال: شج النبي صلى اله عليه وسلم يوم أحد، وكسرت رباعيته} الرباعية: هي التي تلي الثنية، وهي أربع رباعيات5 {فقال: كيف يفلح قوم شجو نبيهم} صلى اله عليه وسلم {فنزلت

{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} إلى ... فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}

_ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} 1 إلى ... فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} 2. 3} . واختلفوا في4 نزولها، فقيل: نزلت يوم أحد5. واختلفوا في سببها، فقيل: إن عتبة بن أبي وقاص6 شج وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم [وكسر] ،7 رباعيته، فجعل يسلت الدم عنه ويقول: كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله تعالى فأنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} 8. 9.

وقيل: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم بالاستئصال1 فنزلت هذه الآية، وذلك لعلمه2 أن أكثرهم يسلمون. وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما وقف على جثة عمه حمزة3 ورأى ما صنعوا به من المثلة، فأراد أن يدعو عليهم، فنزلت هذه الآية4. وقيل: إنها نزلت في بئر معونة، وهم سبعون رجلا من القراء، فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بئر معونة، وهي بين مكة وعسفان، وهي أرض هذيل، وذلك في صفر سنة أربع من الهجرة، وعلى رأس أربعة أشهر من أحد، بعثهم ليعلموا الناس القرآن والعلم، وأمر عليهم المنذر بن عمرو5

_ 1 انظر: ((تفسير الطبري)) : (3/4/87) , و ((تفسير السيوطي)) : (2/312) . 2 الأولى أن يقال هنا: (لعلم الله) , أو يكون التعبير قبل هذا فأنزل الله هذه ال، الآية لئلا يوهم أن الضمير في قوله: (لعلمه) عائد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيفهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن أكثرهم سيسلمون, وعلم الغيب صفة خاصة بالله تعالى. 3 هو: حمزة بن عبد المطلب بن هاشم, عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاع أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب أسلم في السنة الثانية من البعثة, وكان سبب إسلامه غضبه لسب رسول الله من قبل أبي جهل فأقبل عليه وضربه بالقوس على رأسه فقالوا: ما نراك يا حمزة إلا قد صبأت فقال حمزة: وما يمنعني ... فامنعوني إن كنتم صادقين ثم إنه ثبت على الإسلام وجاهد في سبيله وقتل في أحد سنة 3 هـ. انظر ترجمته في: ((أسد الغابة)) : (1/528-532) , ((الإصابة)) : (2/285-287) , ((صفة الصفوة)) : (1/370-377) . 4 انظر: ((تفسير الرازي)) : (8/217) , و ((تفسير ابن الجوزي)) : (1/457) . إلا أن فيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى ما فعلوه بحمزة من المثلة قال: لأمثلن منهم بثلاثين فنزلت. 5 هو: منذر بن عمرو بن خنيس الأنصاري الخزرجي, الساعدي, صحابي جليل, شهد العقبة وبدرا وأحدا, استشهد بعد أحد بأربعة أشهر أو نحوها يوم بئر معونة سنة 4 هـ, قتله عامر بن الطفيل ومن معه من بنو سليم وبنو عصيه فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر ترجمته في: ((أسد الغابة)) : (4/493-494) , ((الإصابة)) : (9/285-286) , ((سيرة ابن هشام)) : (1/466) .

عن ابن عمر -رضي الله عنهما- ((أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر: اللهم العن فلانا وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فأنزل الله)) (1) {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (2) .

_ فقتلهم عامر بن الطفيل (3) فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وجدا شديدا، وقنت شهرا في الصلاة كلها يدعو على جماعة من تلك القبائل (4) . (5) {عن ((ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة (6) من الفجر: اللهم العن فلانا وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فأنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (7) (8) فيه استحباب القنوت للنوازل، وجواز لعن المعين

وفي رواية: يدعو على صفوان بن أمية،.

_ ممن اتصف بشيء من المعاصي كيهودي أو نصراني أو ظالم أو زان أو مصور أو سارق أو آكل ربا. وأشار الغزالي1 إلى تحريمه إلا في حق من علمنا أنه مات على الكفر كأبي لهب وأبي جهل، وفرعون وهامان، وأشباههم قال: لأن اللعن الإبعاد عن رحمة الله تعالى ولا ندري ما يختم به لهذا الفاسق أو الكافر، قال: وأما الذين لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعينهم، فيجوز أنه صلى الله عليه وسلم 2 علم موتهم على الكفر بوحي من الله تعالى3. {وفي رواية: يدعوا على صفوان بن أمية4} ،.

وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} . .................................

_ وسهيل بن عمرو (1) ، والحارث بن هشام (2) ، فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (3) (4) } ومع ذلك تاب الله على كثير منهم، وآمنوا: كصفوان بن

أمية، وعكرمة بن أبي جهل1، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام. عن أبي هريرة قال: لما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة الثانية قال: " اللهم انج الوليد بن الوليد2، وسلمة بن هشام3، وعياش بن أبي

_ (1) هو: عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة أبو عثمان القرشي المخزومي, المكي, أسلم عام الفتح وحسن إسلامه وقد كان من قصة إسلامه أنه هرب عند الفتح فركب البحر في سفينة فأصابتهم عاصفة فقال أصحاب السفينة: أخلصوا -أي لله- فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئًا هاهنا, فقال عكرمة: إن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص ما ينجيني في البر غيره, اللهم لك علي عهد إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفوا كريما قال: فجاء فأسلم, وقيل: إن زوجته أم حكيم بنت عمه سارت إليه وهو باليمن بأمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت أسلمت قبله فردته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم. انظر ترجمته في: ((الإصابة)) : (7/36) , ((أسد الغابة)) : (3/567-570) , ((تهذيب التهذيب)) : (7/257-258) . (2) هو: الوليد بن الوليد بن المغيرة أخو خالد بن الوليد, شهد بدرا مشركا فأسر, وقدم أخواه خالد وهشام لفدائه وبعد أن سلما فداءه أسلم فقيل له في ذلك, فقال: كرهت أن تظنوا بي أن جزعت من الأسار, فكان محبوسا في مكة, وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو له فيمن يدعو لهم من المستضعفين المؤمنين بمكة. انظر ترجمته في: ((الإصابة)) : (10/315-318) , ((أسد الغابة)) : (4/678- 679) . (3) هو: سلمة بن هشام بن المغيرة القرشي, المخزومي, أسلم قديما, وهو أخو أبي جهل وابن عم خالد بن الوليد, وقد كان من خيار الصحابة, وقد هاجر إلى الحبشة, وقد عذب في الله ومنع من الهجرة إلى المدينة فكان ممن يدعو لهم النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت, قتل في عهد عمر في مرج الصفر سنة 14 هـ. انظر ترجمته في: ((أسد الغابة)) : (2/283-284) , ((الإصابة)) : (4/236-237) .

ربيعة، (1) والمستضعفين بمكة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف)) (2) زاد في رواية: ((اللهم العن فلانا وفلانا لأحياء من العرب حتى أنزل الله)) {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} (3) سماهم في رواية [أنس] ، (4) " اللهم العن رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله " (5) (6) قال (7) ثم بلغنا أنه ترك

_ (1) هو: عياش بن أبي ربيعة واسم أبي ربيعة عمرو بن المغيرة, يكنى: أبا عبد الرحمن, وقيل: أبو عبد الله, وهو أخو أبي جهل لأمه, كان إسلامه قديمًا, وهاجر إلى الحبشة ثم عاد وهاجر هو وعمر بن الخطاب إلى المدينة, فقدم أخواه لأمه: أبو جهل والحارث ابنا هشام فذكرا له أن أمه حلفت أن لا يدخل رأسها دهن ولا تستظل حتى تراه فرجع معهما فحبساه بمكة, فكان ممن يدعو لهم النبي صلى الله عليه وسلم. انظر ترجمته في: ((أسد الغابة)) : (4/20-21) . (2) [89 ح] ((صحيح البخاري مع الفتح)) : (6/418, ح 3386) , كتاب أحاديث الأنبياء, باب قول الله تعالى /4 لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين /4. ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (5/182-183, ح 294/670) , كتاب المساجد, باب استحباب القنوت. انظر زيادة التخريج في الملحق. (3) سورة آل عمران، الآية: 128. (4) صحفت في جميع النسخ إلى: (يونس) , وقد أثبت الصواب من أصل الحديث. (5) البخاري: الجهاد والسير (2814) , ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (677) , والنسائي: التطبيق (1070) , وأحمد (3/116 ,3/162) . (6) [90 ح] ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (5/185-187, ح 299, ح 303/677, ح 307, ح 308/679) , كتاب المساجد, باب استحباب القنوت. ((صحيح ابن حبان)) : ((الإحسان)) : (3/219, ح 1981) . انظر زيادة التخريج في الملحق. (7) أي: أبو هريرة -رضي الله عنه- راوي الحديث المتقدم كما يتضح من السياق.

اللعن لما أنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} 1 معنى الآية: ليس لك من أمر مصالح2 عبادي شيء إلا ما أوحي إليك، وأن الله تعالى هو مالك أمرهم،3 فإما أن يتوب عليهم ويهديهم فيسلموا أو يهلكهم ويعذبهم إن أصروا على الكفر، وقيل: ليس لك مسألة هداهم والدعاء عليهم; لأنه تعالى أعلم بمصالحهم، فربما تاب على من يشاء منهم، وقيل: معناه ليس لك من أمر خلقي شيء إلا ما وافق أمري إنما أنت عبد مبعوث لإنذارهم ومجاهدتهم4. قال بعض العلماء: والحكمة في منعه صلى الله عليه وسلم من الدعاء عليهم ولعنهم أن الله تعالى علم من حال بعض الكفار أنه سيسلم5 فيتوب عليهم، أو سيولد منهم ولد يكون مسلما برا تقيا، فلأجل هذا المعنى منعه الله تعالى من الدعاء عليهم; لأن دعوته صلى الله عليه وسلم مجابة، فلو دعا عليهم بالهلاك هلكوا6. ولكن اقتضت حكمة الله وما سبق في علمه إبقاءهم ليتوب على بعضهم ويستخرج من بعضهم ذرية مؤمنة صالحة، ويهلك بعضهم بالقتل والموت وهو قوله تعالى: {أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} 7. [وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم " اللهم إني لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، ولا أستطيع أن آخذ إلا ما أعطيتني،

_ (1) سورة آل عمران، الآية: 128. (2) في ((ر ((: (ليس لك من الأمر من مصالح عبادي ... ) , وكذا في النسختين الأخريين مع إسقاط كلمة: (من) الثانية, والأحسن من أثبت من ((الأصل ((. (3) قوله: (هو مالك أمرهم) سقط من ((ش ((. (4) انظر: ((تفسير الزمخشري ((: (1/462) , و ((تفسير الرازي ((: (8/219) . (5) في بقية النسخ: (أنه يسلم) . (6) انظر: ((تفسير الفخر الرازي ((: (8/219) . (7) سورة آل عمران، الآية: 128.

وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عليه {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قال: " يا معشر قريش، أو كلمة نحوها-: اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبد مناف، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئًا.

_ ولا أتقي إلا ما وقيتني 1 قال الله تعالى: {قُلْ} أي: يا محمد: إني {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاءَ} 2.3. {وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال4 قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله عليه {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} 5 قال: " يا معشر قريش، -أو كلمة نحوها-: اشتروا أنفسكم {"من الله بتوحيده " لا أغني عنكم من الله شيئًا "6 أي: لا أدفع عنكم من عذابه وأليم عقابه شيئًا " يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئًا7 يا عباس بن عبد المطلب " عم رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا أعني عنك8 من الله شيئًا 9

ويا صفية بنت عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئًا، يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئًا "

_ ويا صفية بنت عبد المطلب12 {"عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أغني عنك3 من الله شيئًا، يا فاطمة بنت محمد4 سليني ما شئت من مالي5 لا أغني عنك من الله شيئًا "6 ومعنى الآية: أن الإنسان إذا بدأ بنفسه أولا

وبالأقرب فالأقرب من أهله، لم يكن لأحد عليه طعن ألبتة، وكان قوله أنفع وكلامه أنجع. فيه جده وتشميره صلى الله عليه وسلم إلى ما أمره الله به من (1) الإنذار للأبعد والأقرب حتى نسب بسببه إلى الجنون، وكذلك لو فعله مسلم الآن ومن نظر فيما وقع في قلوب خواص الناس تبين له التوحيد وغربة الدين، وفي الحديث: ((إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء)) (2) . أي: أنه كان في أول الأمر كالغريب الوحيد الذي لا أهل (3) له عنده لقلة المسلمين يومئذ، وسيعود غريبا كما كان، أي: يقل المسلمون في آخر الزمان (4) فيصيرون

_ (1) في ((ر)) : (إلى ما أمر به) . (2) [92 ح] ((صحيح مسلم مع شرح النووي)) : (2/536, ح 232/145, 146) , كتاب الإيمان, باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا. ((سنن الترمذي)) : (5/18, ح 2629) , كتاب الإيمان, باب ما جاء أن الإسلام بدأ غريبا. والحديث جاء في ((صحيح مسلم)) من رو، الآية أبي هريرة وابن عمر, وفي ((سنن الترمذي)) وغيره جاء من رو، الآية ابن مسعود وجابر -رضي الله عنهما-. قال الترمذي, وكذا نقله عنه البغوي في ((شرح السنة)) (1/118-119) : بأنه حديث حسن صحيح غريب من رو، الآية ابن مسعود. وصححه الألباني, انظر: ((الأحاديث الصحيحة)) : (3/267, ح 1273) . و ((صحيح سنن الترمذي)) : (2/131, ح 2120) . انظر التفصيل في تخريجه في الملحق. (3) قوله: (لا أهل) سقط من ((ش)) . (4) إن كان مراد الشارح بالقلة قلة المتمسكين بالإسلام حيث يصبح المتمسك بالسنة واتباع السلف غريبا لما يجده من المعارضة والمعاداة ممن حوله فله وجه. وأما إن كان مراده قلة العدد فمعارض بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بالكثرة حين أخبر بتداعي الأمم على المسلمين في آخر الزمان فسأله أصحابه أمن قلة نحن يومئذ؟ قال: ((بل أنت يومئذ كثير, ولكنكم غثاء كغثاء السيل)) .

باب قول الله تعالى: {حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير}

باب قول الله تعالى {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} . في " الصحيح " عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

_ كالغرباء فطوبى للغرباء، أي: الجنة لأولئك المسلمين الذين كانوا في أول الإسلام،1 ويكونون في آخره، وإنما خصهم بها لصبرهم2 على أذى الكفار أولا وآخرا، ولزومهم دين الإسلام. {15- باب} {قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} 3 قيل: إن هذه الآية تقطع عروق شجرة الشرك من القلب4. {في "الصحيح" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

" إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض، وصفه سفيان بكفه فحرفها

_ " إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا " [مصدر] 1 أي: خاضعين منقادين طائعين {"لقوله"} أي: لقول الله تعالى {"كأنه سلسلة"} أي: جرت {"على صفوان"} أي: حجر أملس {" ينفذهم ذلك "} بفتح الياء وضم الفاء، أي: يعمهم2 ذلك القول {" حتى إذا فزع "3} يعني: كشف وأخرج {" عن قلوبهم "} من غشية تصيبهم عند سماع كلام الله عز وجل {" قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق "} أي: قالوا: قال الله القول الحق {" وهو العلي الكبير "} أي: ذو العلو والكبرياء {فيسمعها مسترق السمع} من الشياطين {" ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض، وصفه4 سفيان بكفه فحرفها"} أي: أمالها

وبدد بين أصابعه فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر والكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء ".

_ {وبدد} أي: فرق {بين أصابعه فيسمع1 الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى2 يلقيها} آخرهم {على لسان الساحر والكاهن} من الإنس {فربما أدركه الشهاب} أي: النجم الذي يرمي به {قبل أن يلقيها، وربما ألقاها} في أذن وليه من الإنس {قبل أن يدركه} ذلك3 الشهاب {ف يكذب معها4 مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا5 فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء "6} .

عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي، أخذت السماوات منه رجفة أوقال: رعدة شديدة خوفا من الله تعالى، فإذ

_ قال وهب بن منبه: " كان إبليس يصعد إلى السماوات كلهن ويتقلب فيهن، ويقف منهن حيث شاء، ولا يمنع ولا يحجب منذ أخرج آدم من الجنة إلى أن رفع عيسى فحينئذ حجب من أربع سماوات، فصار يتردد في ثلاث سماوات حتى1 أن بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فحجب من الثلاث الباقية فصار مسترقا محجوبا هو وجنوده إلى يوم القيامة، يقذفون بالكواكب " ذكره ابن الجوزي2. {عن النواس بن سمعان3 رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي، أخذت السماوات منه رجفة " لكلام الله جل وعلا " أو قال: رعدة شديدة خوفا من الله تعالى، فإذا

سمع ذلك أهل السماوات صعقوا وخروا له سجدا فيكون أول من يرفع رأسه من السجود جبريل عليه السلام، فيكلمه الله من وحيه بما أراد، ثم يمر جبريل على الملائكة، كلما مر بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل، فيقول جبريل: قال الحق وهو العلي الكبير، قال: فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عزوجل ".

_ سمع ذلك أهل السماوات صعقوا " أي: غشوا خوفًا1 من قيام الساعة، وقد وصف الله تعالى الملائكة في محكم كتابه بالخوف فقال سبحانه وتعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} 2 " وخروا له سجدا3 فيكون أول من يرفع رأسه من السجود جبريل عليه السلام فيكلمه الله من وحيه بما أراد، ثم يمر جبريل على الملائكة، كلما مر بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول جبريل: قال الحق وهو العلي الكبير، قال: فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل " 4 قيل: كانت الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم خمسمائة سنة أو

ستمائة، لم تسمع الملائكة فيها وحيا، فلما بعث الله محمدا1 صلى الله عليه وسلم كلم جبريل بالرسالة إلى محمد صلى الله عليه وسلم [فلما سمعت الملائكة ظنوا أنها الساعة; لأن محمدا صلى الله عليه وسلم] 2 عند أهل السماوات من أشراط الساعة فصعقوا مما سمعوا خوفا من قيام الساعة، فلما انحدر جبريل جعل يمر بأهل كل سماء فيكشف عنهم فيرفعون رءوسهم، ويقول3 بعضهم لبعض: {أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ} يعني: الوحي {عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا} 4. هذه الأحاديث وما يشابهها رد على المشركين العابدين مع الله عز وجل غيره من الملائكة والأنبياء والصالحين، فإذا كان هذا حالهم،5 وتعظيمهم الله تعالى، وهيبتهم له6 إذا تكلم بالوحي، وأنهم يصعقون، فكيف يدعوهم المشرك، ويظن أنهم يرضون بدعائهم وعبادتهم مع الله، هذا من أمحل المحال وأبطل الباطل، والله تعالى يقول في حقهم: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} 7 وقال {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} 8.

_ (1) في ((ر)) : (فلما بعث محمد) بالبناء للمجهول. (2) ما بين القوسين سقط من ((الأصل)) , ولعله قد سبق النظر من الكاتب إلى ما بعد قوله: صلى الله عليه وسلم الثانية, وقد أضفته من النسخ الأخرى. (3) في ((ر)) , و ((ش)) : (ويقولون) . (4) سورة سبأ، الآية: 23. (5) يعني: حال الملائكة. (6) كلمة: (له) أثبتت في ((الأصل)) , وسقطت من بقية النسخ. (7) سورة الأنبياء، الآية: 26. (8) سورة الأنبياء، الآية: 28.

باب الشفاعة

باب الشفاعة وقول الله تبارك وتعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ}

_ {16- باب الشفاعة} {وقول الله تبارك وتعالى:: {وَأَنْذِرْ بِهِ} } يعني: وخوف به، أي: بالقرآن، والإنذار الإعلام1 مع تخويف2 {: {يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} 3} . عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر ملأ من قريش وعنده خباب،4 وبلال،5 وصهيب6 فقالوا: {أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ

بَيْنِنَا} 1. فأمرنا أن نكون تبعا لهؤلاء أطردهم عنك فلعلنا نتبعك، فأنزل الله عز وجل {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} 2 إلى قوله: {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} 34 قال الفضيل بن عياض: ليس كل خلقه عاتب، إنما عاتب الذين يعقلون فقال تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} 5 أي: الذين يقرون بالحشر والنشر إلى ربهم، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "يريد المؤمنين لأنهم يخافون يوم القيامة، وما فيه من شدة الأهوال"6 وقيل: معنى يخافون: يعلمون، والمراد بهم كل معترف بالبعث من مسلم وكتابي، وإنما خص

_ (1) سورة الأنعام، الآية: 53. (2) سورة الأنعام، الآية: 51. (3) سورة الأنعام، الآية: 55. (4) ((تفسير الطبري)) : (5/ 7/ 201) . وقد جاءت هذه الرو، الآية من رو، الآية ابن مسعود وسعد بن أبي وقاص وخباب بن الأرت. ((سنن ابن ماجه)) : (2/ 1383, ح 4128) , كتاب الزهد, باب مجالسة الفقراء. ((المستدرك)) للحاكم: (3/ 319) , كتاب معرفة الصحابة. الحديث قال عنه الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وصححه الألباني, انظر: ((صحيح سنن ابن ماجه)) : (2/ 397- 398, ح 3330) , كتاب الزهد, باب مجالسة الفقراء. (5) سورة الأنعام، الآية: 51. (6) لم أجد هذا القول بنصه منسوبا لابن عباس في كتب التفسير المشهورة, ووجدت معناه في ((تفسير الفخر الرازي)) : (12/ 233) , سورة الأنعام، الآية: 51.

{لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} 1 وقوله: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} 2] .

_ الذين يخافون بالذكر دون غيرهم، -وإن كان إنذاره صلى الله عليه وسلم لجميع الخلائق-; لأن الحجة عليهم أؤكد من غيرهم، لاعترافهم بصحة المعاد والحشر، وقيل: المراد بهم الكفار; لأنهم لا يعتقدون صحته، ولذلك قال: {يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} 3 وقيل: المراد بالإنذار جميع الخلائق، فيدخل فيه كل مؤمن معترف بالحشر، وكل كافر منكر له; لأنه ليس أحد لا يخاف الحشر، وسواء اعتقد وقوعه أو كان يشك فيه4 ولأن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وإنذاره لجميع الخلائق. { {لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ} } يعني: من دون الله تعالى {وَلِيٌّ} أي: قريب ينفعهم {وَلا شَفِيعٌ} 5 يشفع لهم; لأن الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله عز وجل لقوله {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِه} 6 وإذا كانت الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله صح قوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} 7 يعني: حتى يؤذن في الشفاعة، فإذا أذن فيها كان للمؤمنين ولي وشفيع، وهو مذهب أهل السنة الذين جمعوا بين الكتاب والسنة. إذ الشفاعة8 تنفع العصاة من أهل التوحيد، حتى لا يبقى منهم أحد إلا دخل الجنة.

وقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِه} 1. قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} 2 3.

_ {وقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} 4} أي: بأمره5 وهذا استفهام إنكار، والمعنى: لا يشفع عنده أحد إلا بأمره وإرادته; وذلك لأن المشركين زعموا أن الأصنام تشفع لهم، فأخبر أنه لا شفاعة لأحد إلا ما استثناه بقوله: {إِلاَّ بِإِذْنِهِ} يريد بذلك شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعة بعض الأنبياء والملائكة وشفاعة المؤمنين بعضهم لبعض] 6 {وقوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ} 7} أي:\ ممن يعبدهم هؤلاء ويرجون شفاعتهم عنده { {لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً} 8} يعني: أن الملائكة مع علو منزلتهم لا تغني شفاعتهم شيئًا، فكيف تشفع9 الأصنام مع حقارتهم، ثم أخبر أن الشفاعة لا تكون إلا بإرادته فقال تعالى: {إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ} 10 أي11 الشفاعة {وَيَرْضَى} أي: من أهل

وقوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ22 وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} .

_ التوحيد، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- يريد لا تشفع الملائكة إلا لمن رضي الله عنه 1 وقيل: إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء من الملائكة في الشفاعة لم يشاء الشفاعة له23. {وقوله تعالى: {قُلِ} أي: يا محمد لكفار مكة {ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} 4 أنهم آلهة {مِنْ دُونِ اللَّهِ} والمعنى: ادعوهم ليكشفوا عنكم الضر الذي نزل بكم في سنين5 الجوع، ثم وصف عجز الآلهة فقال: {لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} 6 يعني: من خير وشر ونفع وضر {وَمَا لَهُمْ} أي: الآلهة {فِيهِمَا} أي: في السماوات والأرض7 {مِنْ شِرْكٍ} أي: شركة {وَمَا لَهُ} أي: لله {مِنْهُمْ} أي: في الآلهة {مِنْ ظَهِيرٍ} أي: عوين ولا وزير، فانتفت أسباب [الشرك] 8 وانقطعت مواده فلم يبق إلا الشفاعة، فنفاها سبحانه وتعالى عن آلهتهم وأخبر أنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه فقال تعالى: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} 9 أي:

أذن الله له في الشفاعة قاله تكذيبا للكفار1 حيث قالوا: {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} 2 وقيل: يجوز أن يكون المعنى: إلا لمن أذن الله في أن يشفع له34 والمراد من هذا [الباب] 5 بيان الشفاعة المنفية والشفاعة المثبتة فيه، فالثابتة لأهل الإخلاص -أهل لا إله إلا الله- ولا يدخل معهم غيرهم من أهل الشرك والكفر، قال الله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} 6 وإنما تنفع عصاة الموحدين7. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، ماذا ورد عليك في الشفاعة فقال:" شفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا يصدق لسانه قلبه "89.

_ (1) في ((ر)) : (للكافر) , وهو خطأ حسب السياق. (2) سورة يونس، الآية: 18. (3) في ((ر)) : (إلا لمن أذن له في الشفاعة أن يشفع) , وفي ((ع)) : (إلا لمن أذن له في أن يشفع له) , وفي ((ش)) : (لمن أذن له في أن يشفع له) . (4) انظر: ((تفسير البغوي)) : (3/ 557) , سورة سبأ, ال، الآية: 23. (5) كلمة: (الباب) سقطت من ((الأصل)) , وهي ثابتة في بقية النسخ. (6) سورة المدثر، الآية: 48. (7) بالنظر في نصوص الشريعة من الكتاب والسنة عن الشفاعة يتبين أن الشفاعة نوعان: أحدهما: شفاعة منفية: وهي الشفاعة التي نفاها الله تعالى, وهي التي أثبتها المشركون لأصنامهم, وضاهاهم فيها جهال هذه الأمة وضلالهم. والثاني: شفاعة مثبتة: وهي التي أثبتها الله تعالى لعباده, وهي أن يشفع الشفيع بإذن الله, ومنها شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة في أهل الموقف, وشفاعته في قوم استوجبوا النار أن لا يدخلوها وفي قوم دخلوها أن يخرجوا منها وهي الشفاعة التي أنكرها المعتزلة. انظر: ((مجموع الفتاوى)) : (1/ 332) , و ((لوامع الأنوار)) : (2/ 204, 212) . (8) أحمد (2/307) . (9) ((مسند الإمام أحمد)) : (2/ 307, 518) , ((المستدرك على الصحيحين)) : (1/ 70) . ((صحيح ابن حبان ((: ((الإحسان)) : (8/ 131, ح 6432) , ذكر الأخبار عن وصف القوم الذين تلحقهم شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم في العقبى. والحديث - كما ترى- قد أخرجه ابن حبان في ((صحيحه)) , وقال عنه الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.

قال أبو العباس ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "نفى عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره –

_ عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله قال: " أول من أشفع له يوم القيامة من أمتي أهل بيتي، ثم الأقرب فالأقرب من قريش، ثم الأنصار ثم من آمن بي واتبعني من أهل1 اليمن ثم من ساير العرب، ثم الأعاجم، وأول من [يشفع] 2 أولوا الفضل " أخرجه الطبراني في "الكبير"3. قال الشيخ -رحمه الله تعالى-: {قال أبو العباس ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: (نفى عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره

ملك أو قسط من الملك أو يكون عونا لله، ولم يبق إلا الشفاعة فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب كما قال: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده لا يبدأ بالشفاعة أولا، ثم يقال له: ارفع رأسك وقل تسمع واسأل تعط، واشفع تشفع

_ ملك أو قسط من الملك أو يكون عونا لله، ولم يبق إلا الشفاعة فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب كما قال: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} 1 فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن2 وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده لا يبدأ بالشفاعة أولا، ثم يقال له: ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعط، واشفع تشفع 3،

وقال له أبو هريرة رضي الله عنه من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: " من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه " فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله ولا تكون لمن أشرك بالله، وحقيقته أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع

_ وقال له1 أبو هريرة رضي الله عنه من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: " من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه "2 فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله ولا تكون لمن أشرك بالله، وحقيقته أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع

ليكرمه، وينال المقام المحمود، فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك، ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع كثيرة من القرآن، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص " اهـ.

_ ليكرمه1، وينال المقام المحمود، فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك، ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع كثيرة من القرآن2، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص" انتهى كلامه3. تنبيه: المقام المحمود هو الشفاعة العامة للناس التي يتدافعها الأنبياء عليهم السلام، فيشفع لأهل الموقف مؤمنهم وكافرهم ليراحوا من هول موقفهم، ويعطي لواء الحمد، قال الله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} 4 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل عنها رسول الله عين فقال: " هي الشفاعة "5.

باب قول الله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين}

باب قول الله تعالى {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} .

_ {17 – باب} {قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} 1} أي: هدايته لقرابته {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} فيقذف في قلبه نور الهداية، فينشرح صدره للإيمان {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} 2 أي: بمن قدر له الهدى، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ} 3 يعني: كفره وإضلاله4 {فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} 5 يعني: فلن تقدر على دفع أمر الله فيه، وهذه الآية من أشد الآيات على القدرية6.

في الصحيح عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم -وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل فقال له يا عم، قل لا إله إلا الله- كلمة أحاج لك بها عند الله فقالا له: أترغب

_ {في "الصحيح" عن سعيد بن المسيب عن أبيه} المسيب بن حزن {قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة} أبو طالب اسمه عبد مناف، وهو أخو عبد الله أبي النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه وأمه، وأمهما وأم عاتكة بنت عبد المطلب فاطمة بنت عمرو المخزومي،1 وله من الولد طالب وعقيل وجعفر وعلي، كلهم صحابيون إلا طالبا اختطفته الجن فذهب ولم يعلم إسلامه {جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم -وعنده عبد الله بن أبي أمية2. 3 وأبو جهل- فقال له: يا عم، قل لا إله إلا الله -كلمة أحاج لك بها عند الله فقالا له: أترغب

عن ملة عبد المطلب، فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فأعادا فكان آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فأنزل الله عز وجل {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}

_ عن ملة عبد المطلب} جد النبي صلى الله عليه وسلم اسمه1 شيبة الحمد، وقيل: عامر، وعاش مائة وأربعين سنة، سمي عبد المطلب لأن أباه هاشما توفي وهو صغير، فغلبت عليه أمه سلمى الأنصارية الخزرجية2 بالمدينة، فلما شب وترعرع ذهب له عمه المطلب بن عبد مناف فقدم به مكة مردفه خلفه، وكان آدم اللون فقال الناس: عبد المطلب، فلزمه ذلك الاسم {فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فأعاد} أي: عبد الله وأبو جهل {فكان آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله} فيه مضرة جلساء السوء على الإنسان، وأن الأعمال بالخواتيم نسأل الله حسن الخاتمة، ونعوذ به من سوء العاقبة {فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فأنزل الله عز وجل} عليه3 { {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ

وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} وأنزل الله في أبي طالب: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} .

_ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} 1. وأنزل في أبي طالب: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (2.3} . اعلم أن الهداية والإضلال4 بيد الله سبحانه {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً} 5 قال النبي صلى الله عليه وسلم " بعثت داعيا ومبلغا وليس إلي من الهدى شيء،6 وخلق إبليس مزينا للدنيا، وليس إليه من الضلالة شيء "7 فيه برهان قاطع وبيان ساطع على أن الأمر كله

لله، وأنه هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء1 ويغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، ويجلب الخير لمن يشاء،2 ويكشف الضر عمن يشاء، قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} 3 ولكن لا يشاء أن يؤمن بك ويصدقك إلا من سبقت له السعادة في الأزل، ولم يضل إلا من سبقت له الشقاوة في الأزل {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} 4 فلا يقدر أحد على توفيق من أراد الله خذلانه. فإذا عرف الإنسان معنى هذه الآية ومن نزلت فيه تبين له بطلان قول المشركين وفساد شركهم; لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سيد الخلق أجمعين وأفضلهم وأكرمهم عند الله ومع ذلك حرص حرصا عظيما، واجتهد على هداية عمه أبي طالب في حياته فلم يتيسر له ذلك، ثم استغفر له بعد موته حتى نهاه الله عن ذلك، وهذه الآية من أشد الآيات على القدرية5.

_ (1) قوله: (ويضل من يشاء) سقطت من ((ر)) , و ((ع)) . (2) قوله: (ويضل من يشاء, ويغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ويجلب الخير لمن يشاء) سقط من ((ش)) . (3) سورة يونس، الآية: 99. (4) سورة يونس، الآية: 99-100. (5) وقد سبق مثل هذا القول عند قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئا} . انظر: (ص 210) .

باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم هو الغلو في الصالحين

باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم هو الغلو في الصالحين وقول الله عز وجل {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقّ} .

_ {18- باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم1 هو الغلو في الصالحين} {وقول الله عز وجل {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} 2} الغلو: مجاوزة الحد، وذلك أن الحق بين طرفي الإفراط والتفريط، فمجاوزة الحد والتقصير مذمومان3 في الدين يعني [لا تغلو] 4 في دينكم غلوا باطلا كما قالت النصارى في المسيح هو الله أو ابن الله، وقال الجمهور في عامة النصارى فإنهم الثالثون، يقولون: الأب والابن وروح القدس إله واحد { {وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقّ} 5} وهو تنزيهه عن الشريك والولد، وكذلك من غلا في دينه من الرافضة والقدرية والجهمية، وقد حرق علي بن أبي طالب رضي الله عنه الغالية من الرافضة فأمر

بأخاديد خدت لهم عند باب كنده فقذفهم فيها،1 واتفق الصحابة على قتلهم، لكن ابن عباس -رضي الله عنهما- كان مذهبه أن يقتلوا من غير تحريق. والغالية في علي بن أبي طالب رضي الله عنه ادعوا أنه إله فاستتابهم فلم يتوبوا فحرقهم بالنار2 ومن الغالية من يقول في قول الله تعالى {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً8 لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا} 3 فيجعلون أن الرسول هو الذي يسبح بكرة وأصيلا4.

_ (1) وذلك أنه ظهر في زمانه من ادعى فيه الإلهية وسجدوا له لما خرج من باب مسجد كنده, فأمر علي -رضي الله عنه- بتحريقهم بعد أن أجلهم ثلاثة أيام. انظر: ((جامع الرسائل)) : (1/ 260-261) , رسالة التوبة. (2) والتحريق بالنار لمن كفر بالله اختلف السلف فيه, فأجازه جماعة واستدلوا لذلك, ومنعه آخرون واستدلوا له. وخلاصة القول في هذه المسألة: أن السلف من الصحابة ومن بعدهم على رأيين منهم من يرى جواز التعذيب به, ومنهم من لا يرى ذلك, والذين أجازوه منهم من يعاقب به كل مرتد, ومنهم من يعاقب به من أضاف إلى الارتداد عملا آخر مشينا, وأن مدار خلافهم هو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو هريرة- رضي الله عنه- قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: ((إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار)) , ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أردنا الخروج ((إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما ((, وفي رو، الآية لابن عباس: ((لا تعذبوا بعذاب الله)) وأمثالهما من الأحاديث. فمن فهم من هذا النص النهي قال بمنع التحريق, ومن فهم منه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أراد التنزه والتعظيم لله قال: بأن الأمر بالتحريق باق على أصله. انظر: ((فتح الباري)) : (6/ 150- 151) , و ((التمهيد)) لابن عبد البر: (5/ 317) . (3) سورة الفتح، الآية: 8-9. (4) انظر: ((غرائب التفسير)) للكرماني: (2/ 1112) .

قوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ} 1 الأهواء: جمع هوى، وهو ما تدعو شهوة النفس إليه، قال عامر الشعبي: (ما ذكر الله تعالى الهوى في القرآن إلا وذمه) ،2 وقال أبو عبيد: (لم نجد الهوى يوضع إلا موضع الشر لأنه لا يقال فلان يهوى الخير، إنما يقال يحب الخير ويريده) ،3 وقد ورد إطلاق الإله على الهوى المتبع قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} 4. قال الحسن: (هو الذي لا يهوى شيئًا إلا ركبه) 5 وقال قتادة: (هو الذي كلما هوى شيئًا ركبه وكلما اشتهى شيئًا أتاه لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى) 6. وروى من حديث عن أبي أمامة7 مرفوعا بإسناد ضعيف: " ما تحت

_ (1) سورة المائدة، الآية: 77. (2) انظر: ((تفسير الفخر الرازي)) : (12/ 63) . وفي ((تفسير الألوسي)) : (25/ 152) , و ((ذم الهوى)) لابن الجوزي: (ص 18) , نسباه إلى ابن عباس. (3) انظر: ((تفسير الفخر الرازي)) : (12/ 63) , وقد جاء في ((تفسير القرطبي)) ذكره: (2/ 25) , وجاء بعده قوله: وقد يستعمل في الحق, ومنه قول عمر- رضي الله عنه- في أسارى بدر, فهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر, ولم يهو ما قلت, وقالت عائشة- رضي الله عنها- للنبي- صلى الله عليه وسلم: والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. أخرجه مسلم. (4) سورة الجاثية، الآية: 23. (5) ((تفسير السيوطي)) : (6/ 260) إلا ان فيه (تبعه) بدل (ركبه) , و ((تفسير القرطبي)) : (13/ 36) . (6) ((تفسير السيوطي)) : (6/ 260) , ((تفسير الشوكاني)) : (5/ 8) مختصرا منسوبا إلى الحسن وقتادة. (7) هو: صدى بن عجلان بن الحارث- أبو أمامة- الباهلي السهمي, صحابي جليل, خاطب بعض التابعين فقال: ((لم أر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شيء أشد خوفا على هذه الأمة من الكذب والعصبية ألا وإياكم والكذب والعصبية, ألا وإنه أمرنا أن نبلغكم ذلك عنه ألا وقد فعلنا فأبلغوا عنا ما بلغناكم)) , توفي- رضي الله عنه- سنة 86 هـ, وقيل: 81 هـ. انظر ترجمته في: ((أسد الغابة)) : (2/ 398) , ((الإصابة)) : (5/ 133- 134) , ((تهذيب التهذيب)) : (4/ 420) .

ظل السماء [إله] 1 يعبد أعظم عند الله من2 هوى متبع "3 وكثير من الذنوب منشؤها من اتباع الهوى، والخطاب في قوله: {وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا} 4 لليهود والنصارى الذين كانوا في زمان رسول الله5 صلى الله عليه وسلم نهوا عن اتباع أسلافهم فيما اتبعوه من الضلالة بأهوائهم، وهو المراد في قوله: {أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا} 6 فبين الله أنهم كانوا على ضلالة {وَأَضَلُّوا كَثِيراً} 7 من اتبعهم على ضلالتهم وأهوائهم {وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} 8 يعني: وأخطأوا عن قصد طريق الحق9 قال الشاعر:

_ (1) زيادة كلمة: (إله) من ((ر)) , و ((ش)) . (2) قوله: (بإسناد ضعيف, ما تحت ظل السماء إله يعبد أعظم عند الله من) سقط من ((ع)) . (3) [98 ح] ((معجم الطبراني الكبير)) - ((مجمع الزوائد)) -: (1/ 188) . ((حلية الأولياء)) : (6/ 118) , ((كتاب السنة)) لابن أبي عاصم)) : (1/ 8) . والحديث- كما ترى- قال فيه الشارح: إسناده ضعيف, وحكم عليه بعضهم بالوضع. فأورده ابن الجوزي في ((الموضوعات)) : (3/ 139) , وقال: هذا حديث موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه جماعة ضعاف, والحسن بن دينار والخصيب كذابان عند علماء النقل. وقال الألباني في ((ظلال الجنة على السنة)) لابن أبي عاصم: (1/ 8) بأن الحديث موضوع. وقال الهيثمي: فيه الحسن بن دينار وهو متروك الحديث. انظر لزيادة تخريجه والحكم عليه في الملحق. (4) سورة المائدة، الآية: 77. (5) في ((ر)) : (في زمن النبي) . (6) سورة المائدة، الآية: 77. (7) سورة المائدة، الآية: 77. (8) سورة المائدة، الآية: 77. (9) انظر: ((تفسير البغوي)) : (2/ 55) , و ((تفسير القرطبي)) : (6/ 252) .

في " الصحيح " " عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قول الله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} قال: " هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا سموها بأسمائهم ففعلوا، ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت ".

_ إذا ما تحيرت في حالة ... ولم تدر فيها الخطا والصواب فخالف هواك فإن الهوى ... يقود النفوس إلى ما يعاب {في "الصحيح" عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قول الله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} 1 قال: هذه أسماء2 رجال صالحين من قوم نوح} عليه السلام {فلما هلكوا} أي: الرجال الصالحون {أوحى الشيطان} لعنه الله {إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها} أي: الصالحون {أنصابا سموها بأسمائهم ففعلوا} ذلك {ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم3} بموت العلماء {عبدت4} قال الشيخ -رحمه الله تعالى-: -

قال ابن القيم: (قال غير واحد من السلف: لما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم) انتهى.

_ {قال ابن القيم} محمد بن أبي بكر بن أيوب المعروف بابن قيم الجوزية،1 {قال غير واحد من السلف لما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم"2} انتهى3. قال القرطبي: وإنما صوروا أوائلهم ليتأسوا بها ويتذكروا أعمال إخوانهم الصالحة فيجتهدون كاجتهادهم، ويعبدون الله عند قبورهم، ثم خلفهم قوم جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن أسلافكم [كانوا] 4 يعبدون هذه الصور ويعظمونها5 فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك سدا للذريعة المؤدية إلى ذلك.

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله " أخرجاه.

_ عن عروة بن الزبير -رضي الله عنهما-: أنهم كانوا أولاد آدم لصلبه، وكان ود أكبرهم، وأبرهم به،12 وقيل: شيث3. {وعن [عمر] 4 -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم "5} الإطراء: مجاوزة الحد في المدح، أي: لا تمدحوني بالباطل، أو لا تجاوزوا الحد في مدحي " إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله "6 أخرجاه7.

ولمسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو ". ولمسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " هلك المتنطعون، قالها ثلاثا ".

_ {ولمسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما1 - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إياكم والغلو "2} أي: احذروا الغلو " {فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو "3 أي: في الدين. {ولمسلم} أيضا {عن ابن مسعود} رضي الله عنه {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " هلك المتنطعون، قالها ثلاثا " 4} .

المجلد الثاني

المجلد الثاني باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده؟! ... باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده؟! في "الصحيح" عن عائشة -رضي الله عنها- أن أم سلمة -رضي الله عنها- ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور..

_ المتنطع: الباحث عما لا يعنيه، أو الذي يدقق نظره في الفروق البعيدة فيفرق بين متلائمين، أو يجمع بين متفرقين، فهذا النظر والبحث غير مرضي ولا محمود. قال ابن مسعود رضي الله عنه "إياكم والتنطع والتعمق وعليكم بالعتيق1") 2، يعني: ما كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم-، يعني: اتركوا البدعة، فإنها بريد من الشرك، وإنما يعبد الله بما شرع، ولا يعبد بالأهواء3 والبدع. {باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده} {في"الصحيح" عن عائشة -رضي الله عنها- أن أم سلمة -رضي الله عنها- "ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور"} الكنيسة متعبد اليهود والنصارى، أو الكفار، والبيعة للنصارى،

فقال: " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنو على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله " فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل. ولهما عنها قالت: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها.

_ والجمع: بيع، ذكرتها أم سلمة1 في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم {فقال: " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح} شك من الراوي {بنو على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله "2 فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين3 فتنة القبور، وفتنة التماثيل4} أي: التصاوير. {ولهما عنها قالت لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم} أي: نزل به ملك الموت والملائكة الكرام عليهم السلام {طفق} أي: جعل {يطرح خميصة [له] 5 على وجهه} الخميصة: ثوب له أعلام {فإذا [اغتم] 6 بها كشفها}

فقال -وهو كذلك-: "لعنة الله على اليهود والنصارى.

_ أي: رفعها عن وجهه {فقال- وهو كذلك-:} في النزع " لعنة الله على اليهود والنصارى "1 وفي رواية أبي هريرة: " قاتل الله اليهود والنصارى "2 أصله اليهوديون حذفت منه ياء النسبة واشتقاقه من الهود، وهو التوبة والميل والرجوع من الشيء إلى ضده، يقال: هاد إذا تاب أو مال أو رجع من خير أو شر وعليه قوله تعالى: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} 3 أي: تبنا إليك أو ملنا أو رجعنا إليك [فسموا] 4 بذلك لأنهم تابوا عن عبادة العجل، ومالوا عن5 الحق إلى الباطل، ورجعوا من الخير إلى الشر،6 والنصارى: جمع نصران ونصرانه كندامى في جمع ندمان وندمانة، واشتقاقه قيل: من النصرة، لنصرة بعضهم بعضا، أو سموا بذلك نسبة إلى قرية تسمى

اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد

_ ناصرة1 " اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "} قال في"التوشيح": هو في اليهود واضح،2 وفي النصارى مشكل3 إذ نبيهم لم يقبر بل لا يزعمون نبوة عيسى -عليه الصلاة والسلام- بل يدعون فيه أنه ابن الله، أو إله، ولا هو ميت حتى يكون له قبر فيشكل ضمهم إلى اليهود، ووجه بأن لهم أنبياء غير رسل كالحواريين ومريم في قول، أو الجمع في قوله أنبيائهم: بأن الجمع من اليهود والنصارى، والمراد الأنبياء، ويؤيده رواية مسلم:" قبور أنبيائهم وصالحيهم "4، والمراد اتخاذ أعم من الابتداع والاتباع،

يحذر مما صنعوا، ولو ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا " أخرجاه.

_ فاليهود ابتدعت، والنصارى اتبعت، ولا ريب أن النصارى تعظم كثيرا من القبور التي تعظمها، والمراد قبور المسلمين خشية أن يعبد فيها القبور بقرينة1 خبر: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد"2 قالت عائشة- رضي الله عنها3 -: {يحذر} أمته {مما4 صنعوا5} "، ولولا ذلك [أبرز] 6 قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا7} فيصلى فيه {أخرجاه} 8 وقد نهى صلى الله عليه وسلم

عن تجصيص القبور كما رواه مسلم عن جابر،1 ونهى عن الكتابة عليها، وأن يزاد عليها غير ترابها، كما رواه أبو داود عن جابر.2 وهؤلاء يتخذون الألواح ويكتبون عليها القرآن وغيره، ويزيدون عليها التراب والآجر والأحجار، فحادوا الله ورسوله وناقضوه. فرع: اختلف أصحابه في موضع قبره صلى الله عليه وسلم فقال قوم: ندفنه في البقيع، وقال آخرون: في المسجد، وقال قوم: يحبس حتى يحمل إلى أبيه إبراهيم، فقال أبو بكر -رضي الله عنه3 -: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما دفن نبي إلا حيث يموت "4 أخرجه ابن ماجه، ومالك في"الموطأ"، وغيرهما،5 وكان

_ 1 انظر الحديث في هذا في"صحيح مسلم مع شرح النووي": (7/ 41, ح 94) , كتاب الجنائز, باب 32. 2"سنن أبي داود": (3/ 552-553, ح 3226) , كتاب الجنائز, باب في البناء على القبر. والحديث صححه الألباني. انظر:"صحيح سنن أبي داود": (2/ 621, ح 2763) . 3 جاء هنا في النسخ الثلاث غير"الأصل"زيادة كلمة: (يقول) ولا معنى لزيادتها. 4 الترمذي: الجنائز (1018) , وأحمد (1/7) . 5 [103 ح] "سنن ابن ماجه": (1/ 520- 521, ح 1628) , كتاب الجنائز, باب ذكر وفاته ودفنه - صلى الله عليه وسلم -."موطأ مالك": (1/ 231, ح 27) , كتاب الجنائز, باب ما جاء في دفن الميت. انظر:"سنن الترمذي": (3/ 329, ح 1018) , كتاب الجنائز, باب 33. الحديث في المصادر السابقة لم يأت بهذا اللفظ وأقربها ما جاء في"الموطأ"بلفظ:"ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه". قال الألباني في"أحكام الجنائز" (ص 137) عنه: حديث ثابت بما له من الطرق والشواهد ثم ذكرها. وقال ابن حجر في"الفتح" (1/ 529) : هذا الحديث رواه ابن ماجه ... وفي إسناده حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف, ثم ذكر رو، الآية أخرى للحديث من"سنن النسائي الكبرى"وقال بعدها: إسناده صحيح لكنه موقوف. لزيادة التخريج انظر الملحق.

ولمسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلا.

_ موته في بيته، وهو بيت عائشة الذي كانت تسكنه، فدفن فيه، وهو ملاصق المسجد. {ولمسلم عن جندب بن عبد الله1} رضي الله عنه {قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت2 بخمس، وهو يقول:" إني3 أبرأ4 إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلا" انقطع إليه، ولا

كما اتخذ إبراهيم خليلا.

_ يسعه مخالة غيره، ولجأ إليه في سد خلالته فكفاه ووقاه، ولا يحتاج إلى المخلوقين، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: (الخلة تتضمن كمال المحبة ونهايتها، بحيث لا يبقى في قلب المحب سعة لغير محبوبه، وهي منصب لا يقبل المشاركة بوجه ما) 1 {كما اتخذ إبراهيم خليلا} قال الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} 2 ولما أظهر الجعد بن درهم3 إنكار كلام الله لموسى ومخالته لإبراهيم ضحى به خالد بن عبد الله القسري45 في آخر دولة بني أمية، فخطب خالد الناس يوم عيد

ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد

_ الأضحى فقال: "يا أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، وإني مضح بالجعد بن درهم فإنه يزعم أن الله تعالى لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، ثم نزل فذبحه" كما ذكر قصته غير واحد من العلماء، منهم البخاري في كتاب"خلق أفعال العباد" " ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا "1 فيه التصريح بأن الصديق أفضل الصحابة، والإشارة إلى خلافته رضي الله عنه {ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم2 مساجد3} فيه الرد على الطائفتين اللتين هما أشر أهل البدع، بل أخرجهم بعض السلف من الثنتين والسبعين فرقة، وهم الرافضة والجهمية، وبسبب الرافضة حدث الشرك وعبادة القبور وهم أول

من بنى عليها المساجد، قال الكرماني1 الجهمية فرقة من المبتدعة ينسبون إلى جهم بن صفوان2 مقدم الطائفة القائلة أن لا قدرة للعبد أصلا وهم الجبرية3 بفتح الجيم وسكون الموحدة، ومات جهم بن صفوان مقتولا في زمن هشام بن عبد الملك،4 وليس الذي أنكروه على الجهمية

_ 1 هو: محمد بن يوسف بن علي الكرماني, عالم بالحديث, أصله من كرمان, واشتهر ببغداد, وتصدى لنشر العلم بها ثلاثين سنة, وأقام بمكة مدة وفيها فرغ من تأليف"شرح صحيح البخاري", وُلد سنة 717هـ, وتوفي سنة 786هـ. انظر ترجمته في:"الأعلام"للزركلي: (7/ 153) ,"الدرر الكامنة": (4/310) ,"بغية الوعاة": (120) . 2 هو: جهم بن صفوان- أبو محرز- السمرقندي أس الضلالة ورأس الجهمية الضال المبتدع, كان ينكر الصفات وينزه الباري عنها بزعمه, ويقول بخلق القرآن, ويقول بأن الله في الأمكنة كلها, ويقول الإيمان عقد بالقلب وإن تلفظ بالكفر, هلك سنة 128 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (6/ 26- 27) ,"ميزان الاعتدال": (1/ 426) ,"الكامل"لابن الأثير: (5/ 342- 344) . 3 أي: الخالصة التي لا تثبت للعبد فعلا, فيقولون: لا قدرة للعبد أصلا, والله سبحانه وتعالى لا يعلم الشيء قيل وقوعه, وعلمه تعالى حادث لا في محل. ومن الجبرية متوسطة يسندون الفعل إلى الله, ويثبتون للعبد كسبا. انظر:"لوامع الأنوار": (1/ 90) . 4 هو: هشام بن عبد الملك بن مروان- أبو الوليد- القرشي الأموي, وهو الرابع من ولد عبد الملك الذين ولوا الخلافة, نقل عنه أنه كان يكره سفك الدماء, حفظ له من الشعر:. إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى إلى بعض ما فيه عليك مقال ولد سنة 70 هـ, ومات سنة 125 هـ. انظر ترجمته في:"البد، الآية والنه، الآية": (9/ 395- 399) ,"سير أعلام النبلاء": (5/ 351- 353) ,"شذرات الذهب": (1/ 163- 165) .

ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك ". فقد نهى عنه في آخر حياته، ثم إنه لعن وهو في السياق من فعله، والصلاة عندها من ذلك وإن لم يبن مسجد، وهو معنى قولها: أخشى أن يتخذ مسجدا، فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدا وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدا، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدا كما قال صلى الله عليه وسلم " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورًا "

_ مذهب الجبر خاصة وإنما الذي أطبق السلف على ذمهم بسبب إنكارهم الصفات، حتى قالوا: إن القرآن ليس كلام الله، وأنه مخلوق، {ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني1 أنهاكم عن ذلك2"} قال الشيخ -رحمه الله تعالى-: {فقد نهى عنه في آخر حياته، ثم إنه لعن وهو في السياق من فعله،3 والصلاة عندها من ذلك، وإن لم يبن مسجد وهو معنى قولها: أخشى أن يتخذ مسجدا4 فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدا، وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدا، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدا، كما قال صلى الله عليه وسلم " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورًا "5.

ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود مرفوعا: " إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد ".

_ ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود مرفوعا: " إن من شرار الناس من تدركهم الساعة " أي: تقوم عليهم {وهم أحياء} وعن ابن مسعود رضي الله عنهقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس " رواه مسلم، وأحمد في"مسنده" 1، وعن أنس رضي الله عنهقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله "2 رواه مسلم، والترمذي، وأحمد في"مسنده" 3 {والذين يتخذون القبور مساجد" 45 يعني: أن الذين يتخذون القبور مساجد كذلك من

باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله

باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله روى مالك في "الموطأ"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "

_ أشرار الناس، وسواء بنوا عليها مساجد أو عندها، أو صلوا عندها ولو عبدوا الله فيها سدا للذريعة إلى الشرك قبل وقوعه، والله أعلم.1 {باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله} {روى مالك} بن أنس -رحمه الله تعالى- {في"الموطأ" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "2} قال العلماء: لا يجوز بناء المساجد على القبور ولم يقل أحد من أئمة المسلمين أن الصلاة عند القبور وفي مشاهدها مستحبة، أو فيها فضيلة، بل اتفقوا كلهم على أن الصلاة في المساجد والبيوت أفضل من الصلاة عند قبور الأنبياء والصالحين سواء سميت مشاهد أو لم تسم.

ولابن جرير بسنده عن سفيان عن منصور عن مجاهد {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى} قال: كان يلت لهم السويق فمات فعكفوا على قبره، وكذا قال أبو الجوزاء عن ابن عباس: "كان يلت السويق للحاج".

_ {ولابن جرير1 بسنده عن سفيان عن منصور عن مجاهد {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى} 2 قال: كان يلت لهم السويق فمات فعكفوا على قبره، وكذا قال أبو الجوزاء3 عن ابن عباس: كان يلت السويق للحاج4} وهو رجل صالح بالطائف يطعم من يمر عليه من الحجاج، فلما مات عكفوا

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج " رواه أهل السنن.

_ على قبره.1 والعكوف على القبور والتمسح بها وتقبيلها حرام لا يجوز، ولهذا اتفق العلماء على أن من زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين من الصحابة وأهل البيت وغيرهم فإنه لا يتمسح به ولا يقبله،2 بل ليس في الدنيا ما شرع تقبيله إلا الحجر الأسود، وقد ثبت في"الصحيحين" أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال: "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك"3 لأن تقبيله من العبادات التي لا يفهم معانيها كالسعي والرمي.4 {وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج " رواه أهل السنن} 5 أما لعنه

زائرات القبور فلمظنة البكاء والنوح لما فيهن من رقة القلوب وكثرة الجزع وقلة احتمال المصائب فيخشى منهن المحذور، وأما الرجال فزيارتهم القبور مندوب لحديث أبي هريرة رضي الله عنهوغيره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة " رواه ابن ماجه.1 وفي رواية ابن مسعود: "فإنها تزهد في الدنيا، وتذكر الآخرة"2 والوارد المأثور من الدعاء في زيارة القبور منه ما رواه مسلم عن بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا [إلى] 3 المقابر: " السلام

_ 1"سنن ابن ماجه": (1/ 500, ح 1569) , كتاب الجنائز, باب ما جاء في زيارة القبور."سنن الترمذي": (3/ 361, ح 1054) , كتاب الجنائز, باب ما جاء في الرخصة في زيارة القبور."سنن النسائي": (4/ 89, ح 2032) , كتاب الجنائز, باب زيارة القبور, لكن عند الترمذي والنسائي يختلف اللفظ يسيرا, وروي الحديث عن بريدة. والحديث صححه الألباني, انظر:"صحيح سنن ابن ماجه": (1/ 262, ح 1275) , و"أحكام الجنائز": (ص 178- 179) , وقد ذكر له شواهد. 2"سنن ابن ماجه": (1/ 501, ح 1571) , كتاب الجنائز, باب ما جاء في زيارة القبور."السنن الكبرى"للبيهقي: (4/ 77) , كتاب الجنائز, باب زيارة القبور. هذا اللفظ ضعفه الألباني. انظر:"ضعيف سنن ابن ماجه": (ص 119, ح 343) . ولكنه صحح ألفاظا أخرى بمعناه جاءت عن بريدة بن الحصيب, وعن أبي سعيد الخدري, وعن أنس. وفي هذا تنبيه لمن يتجرأ في المجالس بالتصحيح والتضعيف للأحاديث بمجرد السماع لغيره أن حديث كيت وكيت ضعيف قبل أن يعرف قواعد التضعيف والتصحيح فإن هذا الحديث قد حكم عليه بالضعف من طريق, وصحح من طريق آخر فلينتبه لهذا. 3 في"الأصل": (من المقابر) , وفي"ع", و"ش": (للمقابر) , والمثبت من"ر".

عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية "1. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور بالمدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال: " السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا، ونحن بالأثر "2 رواه الترمذي.3 وعن محمد بن [النعمان] 45 يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من زار قبر أبويه أو أحدهما [في كل جمعة] 6 غفر له، وكتب له برًّا " رواه البيهقي

_ 1"صحيح مسلم مع شرح النووي": (7/ 49, ح 104/ 975) , كتاب الجنائز, باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها."سنن ابن ماجه": (1/ 494, ح 1547) , كتاب الجنائز, باب ما جاء فيما قال إذا دخل المقابر. و"مسند الإمام أحمد": (5/ 353) . 2 الترمذي: الجنائز (1053) . 3"سنن الترمذي": (3/ 360, ح 1053) , كتاب الجنائز, باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر."الأذكار"للنووي: (ص 219) . وأحاله الشيخ الألباني في"أحكام الجنائز": (ص 197) إلى الضياء في"المختارة". والحديث قال عنه الترمذي: حديث حسن غريب. وقال الألباني في"أحكام الجنائز" (ص 197) : في سنده قابوس بن أبي ظبيان, قال النسائي: ليس بالقوي, وقال ابن حبان: رديء الحفظ ينفرد عن أبيه بما لا أصل له. وضعفه في"ضعيف سنن الترمذي": (1/ 117, ح 176) , و"ضعيف الجامع": (ص 494, ح 3372) . 4 كلمة: (النعمان) صححت من النسخ الأخرى, وقد رسمت في"الأصل": (النعمى) . 5 هو: محمد بن النعمان أبو اليمان البصري, روى عنه عبد الله بن بكر السهمي وأبو موسى محمد بن المثنى, قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: هو شيخ مجهول, وكذلك حكم عليه الذهبي بالجهالة. انظر ترجمته في:"كتاب الجرح والتعديل": (8/ 108) ,"ميزان الاعتدال": (4/ 56) . 6 زيادة: (كل جمعة) من بقية النسخ غير"الأصل", وهي تتفق مع الأصول.

في"شعب الإيمان" مرسلاً.1 وأما لعنة المتخذين عليها المساجد فقد علم مما تقدم تحريمه،2 وأما لعنة من اتخذ السرج عليها بالشمع والزيت وغيرهما فلأن الموتى قد صاروا إلى البلى، فلا يليق السرج لهم;3 ولأنه من الإسراف الذي لا فائدة فيه، ومع ذلك فقصد من فعله التعظيم والتبرك بصاحب القبر، فهو من حسم مادة الشرك، وتحقيق التوحيد، وإخلاص الدين لله رب العالمين، فكيف بمن يأتي القبر يسأله أن يزيل مرضه ويقضي دينه، فهو مشرك يستتاب فإن تاب وإلا قتل. تتمة: اعلم أن هدم البناء على4 القبور والقبب واجب; لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه قد نهى عن البناء عليها، ولعن فاعله.5

_ 1 [108 ح] "شعب الإيمان"للبيهقي: (6/ 201, ح 7901) . وقد أورد الحديث الهيثمي في"مجمع الزوائد": (3/ 59) , باب زيارة القبور, مرويا عن أبي هريرة مرفوعا, وأحاله على الطبراني في"الأوسط"و"الصغير". وفي"كنز العمال": (16/ 468, ح 45487) مرويا عن أبي هريرة- أيضا- وأحاله على الحكيم. والحديث قال فيه العراقي في"تخريج الإحياء" (4/ 521- 522) : معضل. وذكر السيوطي في"اللآلئ" (2/ 440) بأن فيه ضعيف ومجهولان. وحكم الألباني عليه في"سلسلة الأحاديث الضعيفة": (1/ 65- 66, ح 49) بالوضع, وقال: إن فيه محمد بن النعمان مجهول, ويحيى بن العلاء متروك, وعبد الكريم بن أمية ضعيف. انظر لزيادة تخريجه وبيان الحكم عليه في الملحق. 2 قوله: (وأما لعنة المتخذين عليها المساجد فقد علم مما تقدم تخريجه) سقط من"ر", وهو ثابت في"الأصل", وبقية النسخ. 3 قوله: (السرج لهم) سقط من"ع", و"ش", وهو ثابت في البقية. 4 قوله: (البناء على) سقط من"ر", وهو ثابت في بقية النسخ, و"الأصل". 5 وقد تقدم ذكر الأدلة على ذلك في هذا الباب والباب الذي قبله. انظر: (ص 224, 234, 235, 237) .

باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيدوسده كل طريق توصل إلى الشرك

باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيدوسده كل طريق توصل إلى الشرك وقول الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ

_ {باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق توصل إلى الشرك} {وقول الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} } ، هذا خطاب للعرب، يعني: لقد جاءكم أيها العرب رسول من أنفسكم تعرفونه بنسبه1 وجنسه، وأنه ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام، ترجعون معه إلى نفس واحدة، وذلك أقرب إلى فهم الحجة، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (ليس قبيلة من العرب إلا وقد ولدت النبي صلى الله عليه وسلم وله فيهم نسب، يعني: من مضريها وربيعيها ويمنيها) 2 فأما ربيعة ومضر فهم من ولد معد ابن عدنان، وإليه نسب3 قريش وهم منهم، وأما نسبته إلى عرب اليمن وهم القحاطنة، فإن آمنة لها نسب في الأنصار وإن كانت قرشية، والأنصار أصلهم من عرب اليمن من ولد قحطان بن سبأ.

فعلى هذا القول يكون [المقصود] 1 من قوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} يرغب العرب في نصره والإيمان به، فإن شرفهم بشرفه، وإن عزتهم بعزته،2 وفخرهم بفخره. وقرأ ابن عباس -رضي الله عنهما- والزهري {مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [بفتح الفاء] 3 ومعناه: أنه من أشرفكم وأفضلكم.4 عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما ولدني من سفاح أهل [الجاهلية] 5 شيء ما ولدني إلا نكاح كنكاح أهل الإسلام "67. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا، حتى كنت من القرن الذي كنت منه " رواه البخاري.8

_ 1 جاء في"الأصل": (المقصد) , والتعبير بما أثبته من النسخ الأخرى هو اللائق. 2 في بقية النسخ غير"الأصل": (فإن شرفهم بشرفه وعزتهم بعزته) . 3 قوله: (بفتح الفاء) سقطت من"الأصل", وهي ثابتة في بقية النسخ. 4 انظر:"تفسير البغوي": (2/ 341- 342) . 5 هذه الكلمة يقتضيها السياق, وقد سقطت من كل النسخ. 6"السنن الكبرى"للبيهقي: (7/ 190) , كتاب النكاح."معجم الطبراني":"مجمع الزوائد": (8/ 214) , كتاب علامات النبوة, وقد أحال على الطبراني. 7 حديث ابن عباس هذا سقط بكامله من"ش". 8 [109 ح] "صحيح البخاري مع الفتح": (6/ 566, ح 3557) , كتاب المناقب, باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وكذا في"مسند الإمام أحمد": (2/ 373) . انظر بقية تخريجه في الملحق.

عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}

_ وعن واثلة بن الأسقع1 رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم،2 واصطفاني من بني هاشم" أخرجه مسلم.3 قوله تعالى: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} أي: شديد عليه عنتكم، يعني: مكروهكم، وقيل: يشق عليه ضلالتكم { (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} يعني: حريص على إيمانكم وإيصال الخير إليكم، وقال قتادة: حريص على هدايتكم، وأن يهديكم الله تعالى {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 4يعني: أنه صلى الله عليه وسلم رءوف بالمطيعين رحيم بالمؤمنين.

عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لي خمسة أسماء1 أنا [محمد وأنا أحمد] 2 وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب3 - والعاقب الذي ليس بعده نبي- وقد سماه الله رءوفا رحيما "4 أخرجاه.5 قال الحسين بن الفضل:6 لم يجمع الله لأحد من أنبيائه اسمين من أسمائه إلا النبي صلى الله عليه وسلم فسماه الله رءوفا رحيما7 [و] 8 قال:

_ 1 عبارة: (لي خمسة أسماء) جاءت من لفظ"صحيح البخاري", ولم تأت في"صحيح مسلم". 2 هكذا في النسخ غير"الأصل", وهي موافقة للصحيحين, وفي"الأصل"جاءت بتقديم أحمد على محمد. 3 إلى هنا رو، الآية"صحيح البخاري". 4 هذا القدر الزائد على رو، الآية البخاري من"صحيح مسلم"مأخوذ من ثلاث روايات متوالية. 5 [111 ح] "صحيح البخاري مع الفتح": (6/ 554, ح 3532) , كتاب المناقب, باب ما جاء في أسماء الرسول - صلى الله عليه وسلم -. و"صحيح مسلم مع شرح النووي": (15/ 113- 114, ح 124, 125) , كتاب الفضائل, باب في أسمائه - صلى الله عليه وسلم -. انظر تخريجه في الملحق. 6 هو: الحسين بن الفضل بن عمير أبو علي البجلي الكوفي النيسابوري, العلامة, المفسر, الإمام, اللغوي, المحدث, كان رأسا في معاني القرآن, ولد سنة 178 هـ, وتُوفي سنة 282 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (13/ 414- 416) ,"شذرات الذهب": (2/ 178) ,"طبقات المفسرين"للداودي: (1/ 159- 160) ,"الأعلام": (2/ 251- 252) . 7 قوله: (أخرجاه. قال الحسين بن الفضل: لم يجمع الله لأحد من أنبيائه اسمين من أسمائه إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - فسماه الله رءوفا رحيما) هذا كله أسقطه الناسخ من"ر". 8 هذه الواو ساقطة من كل النسخ, وأضفتها ليستقيم السياق, ونص العبارة في المصدر: (إلا النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنه قال: {الْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} , وقال: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم ".

_ : {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 1 2? {عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تجعلوا بيوتكم قبورا " 3 أي: لا تجعلوا بيوتكم قبورا التي لا يصلى فيها، أي: لا تجعلوها بمنزلة القبور، فإنه لا يجوز الصلاة فيها -أي: في القبور- وذلك أن التطوع في البيت أفضل منه في المسجد. عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة " رواه البخاري.4 {ولا تجعلوا قبري عيدا} المراد: النهي5 عن الاجتماع لزيارته كاجتماعكم للعيد لمجاوزة حد التعظيم، وقبر غيره أولى بالنهي كائنا من كان {وصلوا علي فإن لاتكم تبلغني [حيثما كنتم] 6") } لأن النفوس

رواه أبو داود بإسناد حسن، ورواته ثقات، وعن علي بن

_ القدسية إذا تجردت عن العلائق البدنية عرجت واتصلت بالملأ الأعلى، ولم يبق لها حجاب، فصلاة الرجل وسلامه تبلغه وإن بعد1 وتعرض عليه أعمال أمته في الصلاة والسلام عليه2 {رواه أبو داود بإسناد حسن، ورواته ثقات،3 وعن علي بن.

الحسين أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبري النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي

_ الحسين} 12 -رضي الله عنهما- {أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي3 صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو [فنهاه] 4 وقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي}

عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تتخذوا قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا، فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم " رواه في"المختارة".

_ [الحسين] 1 {عن جدي} 2 علي بن أبي طالب رضي الله عنه {عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تتخذوا قبري عيدا "3 أي: لا تتخذوا قبري مظهر عيد تجتمعون لزيارتي كاجتماعكم للعيد {ولا بيوتكم قبورا} أي: صلوا فيها النوافل، التي لا تشرع فيها جماعة {" فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم 4 5") } لأنه حي في قبره6 يسمع من يصلي ويسلم عليه ويبلغه {رواه} -أيضا- المقدسي7 {في"المختارة"} وهي الأحاديث التي

باب ما جاء أن بعض هذه الأمة تعبد الأوثان

باب ما جاء أن بعض هذه الأمة تعبد الأوثان وقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ

_ صحت خارج"الصحيحين"، وبلغت تسعين جزءا، واخترمته المنية قبل تمامها. {باب ما جاء أن بعض هذه الأمة تعبد الأوثان) {وقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} نزلت في كعب بن الأشرف وسبعين راكبا من اليهود قدموا مكة بعد وقعة أحد ليحالفوا قريشا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل كعب بن الأشرف1 على أبي سفيان2 فأحسن مثواه، ونزل باقي اليهود على قريش في

دورهم، فقال لهم أهل مكة: أنتم أهل كتاب ومحمد صاحب كتاب،1 ولا نأمن من أن يكون هذا مكر منكم، فإن أردتم أن نخرج معكم فاسجدوا لهذين الصنمين، ففعلوا ذلك، فذلك2 قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} ثم قال كعب بن الأشرف لأهل مكة: ليجيء منكم ثلاثون رجلا فلنلزق أكبادنا بالكعبة فنعاهد رب هذا البيت لنجهدن على قتال محمد ففعلوا، ثم قال أبو سفيان لكعب بن الأشرف: إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم، ونحن [أميون] 3 لا نعلم، فأينا أهدى سبيلا نحن أم محمد؟ فقال كعب:4 أعرضوا علي دينكم، فقال أبو سفيان: ننحر للحجيج الكوما -وهي الناقة العظيمة السنام، والجمع: كوم- ونسقيهم ونقري الضيف ونفك العاني، ونصل الرحم، ونعمر بيت ربنا، ونطوف به ونحن أهل الحرم، ومحمد فارق دين آبائه، وقطع الرحم، وفارق الحرم، وديننا القديم، ودين محمد الحديث، فقال كعب:5 والله لأنتم أهدى سبيلا مما عليه محمد6 فأنزل الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ} يعني: يا محمد

_ 1 قوله: (ومحمد صاحب كتاب) في"الأصل", وقد سقط من بقية النسخ. 2 كلمة: (فذلك) في"الأصل", وقد سقطت من بقية النسخ. 3 كلمة: (أميون) ليست في"الأصل", وقد أثبتها من بقية النسخ. 4 كلمة: (كعب) سقطت من"ر", وهي ثابتة في بقية النسخ. 5 في بقية النسخ: (كعب بن الأشرف) . 6 زيد هنا في"الأصل"قوله: (صلى الله عليه وسلم) , وهي ليست من الأثر, زادها الناسخ.

وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} .

_ {إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ} يعني: ابن الأشرف وأصحابه اليهود1 {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} يعني به: سجودهم للصنمين.2 والجبت والطاغوت كل ما عبد من دون الله عز وجل3 وقيل: الجبت حيي بن أخطب، والطاغوت: كعب بن الأشرف، اليهوديان، وكانا طاغية4 اليهود5 {وَيَقُولُونَ} يعني: كعب بن الأشرف وأصحابه {لِلَّذِينَ كَفَرُوا} يعني: لكفار قريش {هَؤُلاءِ} يعنى: أنتم يا هؤلاء {هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} بمحمد {سَبِيلاً} 6 أي: طريقا، والمقصود أن اليهود

وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ

_ وافقوا قريشا على السجود للصنمين مع بغضها، ومعرفة بطلانها، ويقولون: أنهم1 أهدى سبيلا من المؤمنين وهم يعرفون كفرهم، وأشد عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا حسدا منهم. {وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ} هذا جواب اليهود حين قالوا: ما نعرف دينا شرا من دينكم، والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء2 اليهود الذين3 قالوا هذه المقالة هل أخبركم بشر من ذلك الذي ذكرتم ونقمتم علينا إيماننا بالله وبما أنزل علينا {مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ} يعني: جزاء، فإن قلت المثوبة مختصة بالإحسان لأنها في4 معنى الثواب، فكيف جاءت في الإساءة، قلت: وضعت المثوبة موضع العقوبة على طريقة قوله: (تحية بينهم ضرب وجيع) ، ومنه قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} 5 6 والمعنى: قل هل أنبئكم بشر من أهل7 ذلك الدين مثوبة، وعلى حسب

مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ

_ قولهم واعتقادهم أن ذلك الدين شر، ومعلوم أن الأمر ليس كذلك، فقيل لهم: هب أن الأمر كذلك1 لكن {مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} ومسخ صورته شر من ذلك، ومعنى لعنه الله: أبعده وطرده من رحمته،2 وغضب عليه، يعني: وانتقم منه لأن الغضب إرادة الانتقام من العصاة3 {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} يعني: من اليهود من لعنه الله وغضب عليه، ومنهم من جعله قردة وخنازير، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: إن المسخين كلاهما في أصحاب السبت شبانهم مسخوا قردة، ومشايخهم مسخوا خنازير،4 وقيل: إن مسخ القردة كان في أصحاب السبت من اليهود، ومسخ الخنازير من الذين كفروا بعد نزول المائدة في زمن عيسى عليه السلام5 ولما نزلت هذه الآية عير المسلمون اليهود، وقالوا: يا إخوان

وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً

_ القردة والخنازير وافتضحوا بذلك1 {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} 2يعني: وجعل منهم عبدة الطاغوت، يعني: من أطاع الشيطان فيما سول لهم،3 والطاغوت هو الشيطان،4 وقيل: هو العجل،5 وقيل: هو الكهان6 والأحبار،7 وجملته أن كل من أطاع أحدا في معصية فقد عبده،8 وهو الطاغوت {أُولَئِكَ} يعني: الملعونين والمغضوب عليهم والممسوخين {شَرٌّ مَكَاناً} يعني: من غيرهم ونسب الشر إلى المكان، والمراد به أهله،

وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} . وقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً} .

_ فهو من باب الكناية، وقيل: أراد أن1 مكانهم سقر، ولا مكان أشد شرا منه2 {وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} 3 يعني: وأخطأ4 عن قصد طريق الحق. {وقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} يعني: تندروس5 وأصحابه6 {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً} 7 نصلي فيه، وفعل ذلك على باب الكهف. قال ابن عباس: تنازعوا في البنيان فقال المسلمون: نبني8 عليهم مسجدا يصلي فيه الناس لأنهم على ديننا، وقال المشركون: نبني عليهم9

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه "

_ بنيانا يسترهم لأنهم من أهل سنتنا.1 {عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لتتبعن سنن} أي: طرق {من كان قبلكم حذو القذة بالقذة} أي: تعملون مثل أعمالهم، والقذة: ريشة السهم، وجمعه: على قذذ، أي: كما يقدر كل واحد منها على قدر صاحبتها فتقطع، فضرب مثلا للشيئين يستويان ولا يتفاوتان {حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه "} مبالغة في اقتدائهم بمن قبلهم، خصه لشدة ضيقه،2 وفيه علم من أعلام النبوة; لأنه وقع كما أخبر، والضب: حيوان بري يشبه الجرذون3 ولكنه كبير القد،4

قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن " أخرجاه. ولمسلم عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وأن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها

_ وله عجائب لطيفة عند العرب، منها أن للذكر منه ذكرين وللأنثى منه فرجين، وأنه لا يشرب الماء، ويعيش سبعمائة سنة فأكثر، ويبول في كل أربعين [يوما] 1 قطرة، وسنه قطعة واحدة ولا تسقط، وغير ذلك2 {قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال:"فمن؟ ") استفهام إنكار، أي: ليس المراد غيرهم {أخرجاه} .3 {ولمسلم عن ثوبان4 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله زوى لي} أي: فتح لي وأظهر لي {الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وأن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها} فوقع كما أخبر {وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض} يعني: الذهب والفضة {وأني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها

بسنة بعامة وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال: يا محمد إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا ".

_ بسنة [بعامة] } 1 أي: من غير أنفسهم {فيستبيح بيضتهم} أي: مجتمعهم وموضع سلطانهم، ومستقر دعوتهم، وبيضة الدار وسطها ومعظمها، أراد عدوا يستأصلهم ويهلكهم، فإنه إذا هلك أصل البيضة هلك كل ما فيها من طعم أو فرخ، وقيل: أراد بالبيضة الخوذة، فكأنه شبه مكان اجتماعهم والتئامهم ببيضة الحديد {وإن ربي قال: يا محمد إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة} تعمهم وتستأصلهم {وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم} للحرب {من بأقطارها} أي: طوارفها وجوانبها، أي: بأقطار الأرض من العدو {حتى يكون بعضهم يهلك بعضا} أي: الفتن {ويسبي بعضهم بعضا 2"} .

ورواه البرقاني في

_ عن أبي البختري1 قال: حدثني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم " أخرجه أبو داود،2 ومعنى يعذروا، أي: لا يهلكهم الله حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم، فتقوم الحجة عليهم، ويتضح عذر من يعاقبهم3 {ورواه البرقاني4 في

"صحيحه"، وزاد: " إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام

_ "صحيحه" 1، وزاد:2" إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وقع "} وفي رواية:"وإذا وضع3" {عليهم السيف لم يرفع} عنهم {إلى يوم القيامة ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي} وفي رواية:"حتى يلحق4 قبائل5" {من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام} الفئام بكسر الفاء وبعدها همزة، أي: كثير،6 وفي رواية:

من أمتي الأوثان، وأنه سيكون من أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي

_ "قبائل"1بدل فئام {من أمتي الأوثان،2 وأنه سيكون من أمتي ثلاثون كذابون3 كلهم يزعم} وفي رواية: يدعي {أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي "} يحذر هذه الأمة من تصديق المتبئين، كمسيلمة4 وطليحة56

والعنسي1 -قال الدارقطني:2 اسمه عيهلة3 - والمخ4 وقد خرج في آخر عصر الصحابة، وتبعه فئام كثير. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريبًا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول

_ 1 هو: الأسود العنسي- لعنه الله- واسمه: عبهلة بن كعب بن غوث, خرج أول مخرجه من بلدة باليمن ومعه سبعمائة مقاتل فما مضى شهر حتى تملك صنعاء, وقد قتل بعد مضي أربعة أشهر على يدي إخوان صدق وأمراء حق وهم داذويه وفيروز الديلمي وقيس المرادي سنة 11 هـ قبل وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بليال. انظر:"البد، الآية والنه، الآية": (6/ 383) ,"الكامل"لابن الأثير: (2/ 336) . 2 هو: علي بن عمر بن أحمد البغدادي الدارقطني, أبو الحسن, محدث حافظ فقيه, انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بالعلل وأسماء الرجال مع الصدق والثقة وصحة الاعتقاد. قال السلمي: سمعت الدارقطني يقول: ما شيء أبغض إليَّ من الكلام. وقال ابن طاهر: اختلفوا ببغداد فقال قوم: علي أفضل من عثمان- رضي الله عنهما- فتحاكموا إلى الدارقطني, قال: فأمسكت, وقلت: الإمساك خير, ثم لم أر لديني السكوت, وقلت: عثمان أفضل لاتفاق جماعة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذا وهو قول أهل السنة, وهو أول عقد يحل من الرفض. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (16/ 449- 461) ,"تذكرة الحفاظ": (3/ 991- 995) ,"وفيات الأعيان": (3/ 297- 299) . 3 قوله: (قال الدارقطني اسمه: عيهلة) ثابت في"الأصل"ساقط من بقية النسخ. 4 هو: المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي, كان متلونا كذابا يدعو مرة إلى محمد بن الحنفية ومرة لابن الزبير حتى ادعى آخرا أن جبرئيل يأتيه بالوحي من السماء فلما تحقق ابن الزبير سوء حاله بعث أخاه المصعب لحربه فحاصره في قصر الإمارة ثم قتله, وذلك سنة 67 هـ. انظر ترجمته في:"البد، الآية والنه، الآية": (8/ 311- 314) ,"شذرات الذهب": (1/ 74- 75) ,"العبر": (1/ 55) .

ولا تزال طائفة من أمتي على

_ الله1") ، وفي رواية: " لا تقوم الساعة حتى يخرج سبعون كذابا " أخرجه أبو داود والترمذي،2 قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} 3 {" ولا تزال طائفة} أي: فرقة {من أمتي على

الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى "1.

_ الحق منصورة} وفي رواية:"ظاهرين"2، أي: غالبين {لا يضرهم من خذلهم} وفي رواية:" من خالفهم "3 {" حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى "4} يعني: حتى يأتي قيام الساعة، وهم على ذلك، ولنذكر بعض ما ورد في الفتن: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى "5 فقلت: يا رسول الله، إن كنت لأظن حين أنزل الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} 6 إن ذلك تاما7 قال:" إنه سيكون من ذلك ما شاء الله تعالى، ثم يبعث الله ريحا8 طيبة، فيتوفى كل9 من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم " أخرجه مسلم.10

عن عمرو بن العاص1 رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية ليكونن من أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار إلا ملة واحدة "، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال:" من كان على ما أنا عليه وأصحابي " أخرجه الترمذي.2 قال الخطابي في قوله صلى الله عليه وسلم"ستفترق أمتي" دلالة على أن هذه الفرق غير خارجة عن الملة والدين إذ جعلهم من أمته.3

_ 1 هو: عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم القرشي- أبو عبد الله-, وقيل: أبو محمد, من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , أسلم وهاجر إلى المدينة بصحبة خالد بن الوليد أوائل سنة ثمان, أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بعض الجيوش للغزو, سكن مصر وبها توفي, وقد اختلف في وفاته بين سنة 43 إلى سنة 51 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (3/ 54- 77) ,"أسد الغابة": (3/ 741- 745) ,"الإصابة": (7/ 122- 125) . 2 [119 ح] "سنن الترمذي": (5/ 26, ح 2641) , كتاب الإيمان, باب 18."مستدرك الحاكم": (1/ 128- 129) . والحديث قال الألباني في تخريجه لـ"شرح الطحاوية": (ص 260, ح 263) : ضعيف جدا بهذا السياق, وقد حسنه الترمذي في بعض النسخ, وهو ممكن باعتبار شواهده. وصححه في"سلسلة الأحاديث الصحيحة"برقم: (1348) , وفي"صحيح الجامع"برقم: (5219) . انظر بقية تخريجه والحكم عليه في الملحق. 3 انظر:"معالم السنن"للخطابي على"سنن أبي داود": (5/ 5) , كتاب السنة, باب شرح السنة.

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ترجعوا بعدي كفارا -فرقا مختلفة- يقتل بعضكم بعضا فتشبهون الكفار بقتل بعضكم1 بعضا بالعداوة " أخرجه الترمذي2 عن أبي هريرة رضي الله عنهقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قتل، ولا المقتول في أي شيء قتل، قيل: وكيف ذلك؟ قال: الهرج، القاتل والمقتول في النار " أخرجه مسلم.3 عن عرفجة بن شريح4 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سيكون بعدي هنات وهنات، فمن رأيتموه فارق الجماعة، أو يريد أن يفرق أمر أمة

_ 1 في النسخ الأخرى غير"الأصل": (بعضهم) . 2 [120 ح] "سنن الترمذي": (4/ 486, ح 2193) , كتاب الفتن, باب 28, ولكنه بلفظ:" لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ". والحديث قال الترمذي بعده: هذا حديث حسن صحيح. وقد جاء الحديث بمعناه عند البخاري ومسلم وغيرهما عن جرير. راجع لبقية تخريجه والحكم عليه الملحق. 3"صحيح مسلم مع شرح النووي": (18/ 251- 252, ح 55, 56) , كتاب الفتن وأشراط الساعة, باب 18. ولم أجده في غير"صحيح مسلم". 4 هو: عرفجة بن شريح, ويقال: ابن صريح أو ضريح, أو طريح أو شريك, الأشجعي, وقيل: الكندي, ومنهم من جعله أسلميا, روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:"إنها ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمة محمد وهم جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان". انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (7/ 176- 178) , كتاب"الجرح والتعديل": (7/ 17) ,"أسد الغابة": (3/ 519) ,"الاستيعاب مع الإصابة": (8/ 80) .

محمد كائنا من كان فاقتلوه فإن يد الله مع الجماعة، وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض " رواه النسائي وابن حبان وأحمد.1 قوله:"هنات"، أي: شدائد وعظائم، والمراد بها: الفتن والأمور الحادثة.2 عن جندب بن عبد الله رضي الله عنهقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قتل تحت راية عمية يدعو لعصبية أو ينصر عصبية فقتلته جاهلية "3 أخرجه مسلم والنسائي.4 العمية- بتشديدتين-: الجهالة والضلالة، من العماء5 والتعصب: المحاماة والمدافعة على الباطل.6

_ 1 [121 ح] "سنن النسائي": (7/ 92-93, ح 4020) , كتاب تحريم الدم, باب قتل من فارق الجماعة."صحيح ابن حبان":"الإحسان": (7/ 51, ح 4558) ."مسند الإمام أحمد": (4/ 341) . والحديث صحيح فقد أخرجه مسلم- أيضا- ولم يخرجه الشارح منه. انظره مع"شرح النووي": (12/ 483, ح 1852) , كتاب الإمارة, و (ح 59/ 1852) باب حكم من خرق أمر المسلمين. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق. 2 انظر:"النه، الآية في غريب الحديث": (5/ 279) . 3 الترمذي: العلم (2676) , وابن ماجه: المقدمة (42) , والدارمي: المقدمة (95) . 4 [122 ح] "صحيح مسلم مع شرج النووي": (12/ 482, ح 57/ 1850) , كتاب الإمارة, باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند الفتن."سنن النسائي": (7/ 123, ح 4115) , كتاب تحريم الدم, باب التغليظ فيمن قاتل تحت ر، الآية عمية. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق. 5 انظر:"النه، الآية في غريب الحديث": (3/ 304) , و"لسان العرب": (15/ 97) , مادة: (عمى) . 6 انظر:"لسان العرب": (1/ 606) , مادة: (عصب) .

باب ما جاء في السحر

باب ما جاء في السحر

_ {باب ما جاء في السحر} سمي السحر سحرًا لخفاء سببه لأنه يفعل خفية.1 اختلفوا فيه هل هو تخييل، أو له حقيقة: فذهب قوم إلى أنه تخييل لا حقيقة له لقوله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} 2 ولقوله: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} 3 4. وذهب قوم إلى أنه حق وله حقيقة، ويكون بالقول والفعل، ويؤلم ويمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه كما جاء نصه في القرآن.5

وقول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} وقوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} قال عمر: (الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان) .

_ وقيل: الجمع ممكن بأن يكون منه ما هو تخييل، ومنه ما يكون له حقيقة.1 {وقول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} أي: اختار السحر {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} 2 يعني: ما له [من] 3 نصيب في الجنة، وقوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} 4 قال الشيخ -رحمه الله تعالى-: {وقال عمر} بن الخطاب رضي الله عنه {الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان5} .

وقال جابر: (الطواغيت كهان كان ينزل عليهم الشيطان في كل حي واحد) . عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق

_ {وقال جابر} بن عبد الله -رضي الله عنهما-: {الطواغيت كهان كان ينزل عليهم الشيطان في كل حي واحد1} قال: قال الله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} 2 {عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اجتنبوا السبع الموبقات "} أي: المهلكات {قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال:"الشرك بالله} قال الله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} 3 وهو أكبر المعاصي وأقبحها، والذنب الذي لا يغفره الله4 {والسحر} وهو من الكبائر التي [نهى عنها] ،5 ويحرم تعلمه، والعمل به كفر إذا اعتقد صدقه وتأثيره، {وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق} أي: إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد

وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف

_ إيمان، وزنا بعد إحصان، والنفس بالنفس1 وهو أعظم المعاصي وأكبرها بعد الشرك بالله {وأكل الربا} قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} 2 وحرب الله النار، وحرب الرسول3 السيف،4 {وأكل مال اليتيم} قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 5 {والتولي يوم الزحف} أي: الفرار يوم الحرب، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} يعني: فلا تولوهم ظهوركم منهزمين {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} أي: يوم الحرب والقتال {إِلاَّمُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ} أي: منعطفا إلى القتال، يري عدوه من نفسه الانهزام وقصده الكرة على العدو، والعود إليه، وهذا أحد أبواب الحرب وخدعها، {أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ} يعني: منضما وصائرا إلى جماعة من المسلمين يريدون العود إلى

وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ". وعن جندب مرفوعا: " حد الساحر ضربه بالسيف ".

_ القتال {فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} يعني: من [انهزم] 1 من المسلمين وقت الحرب إلا في هاتين الحالتين وهي التحرف للقتال، والتحيز إلى فئة من المسلمين2 فقد رجع بغضب من الله {وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} 34 {وقذف المحصنات} يعني: المسلمات العفيفات، {الغافلات} يعني: البريئات {المؤمنات} 5 وهذه السبع الموبقات المخصوصة بالنهي لعظم شأنها.6 {وعن جندب} بن عبد الله7 رضي الله عنه {مرفوعا} يعني: إلى النبي صلى الله عليه وسلم {" حد الساحر ضربه بالسيف "} ضبطه المناوي بالهاء بعد الموحدة، كما في خط المؤلف، يعني: السيوطي في"الجامع الصغير"8.

رواه الترمذي، وقال: الصحيح أنه موقوف. وفي"صحيح البخاري" عن بجالة بن عبدة، قال: "كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة

_ {رواه الترمذي، وقال: الصحيح أنه موقوف} .1 {وفي"صحيح البخاري" عن بجالة بن عبدة2} بجالة بفتح الباء [الموحدة] 3 وتخفيف الجيم، وعبدة بسكون الباء الموحدة. {قال: كتب عمر4 بن الخطاب -رضي الله عنه-} وفي رواية: قال: أتانا كتاب عمر رضي الله عنه قبل موته بسنة5 {أن اقتلوا كل ساحر وساحرة6

قال: فقلنا ثلاث سواحر". وصح "عن حفصة -رضي الله عنها- أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقتلت".

_ قال: فقلنا ثلاث سواحر1} امتثالا لأمره واعتمادا على قوله {وصح} في"الموطأ" {عن حفصة2 -رضي الله عنها-} زوج النبي صلى الله عليه وسلم {أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها} وقد كانت دبرتها،3 فأمرت بقتلها {فقتلت،4

وكذلك صح عن جندب. قال أحمد عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

_ وكذلك صح عن جندب1} بن عبد الله. {قال أحمد عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم2} اعلم أنه يتعلق بالساحر ثلاثة أحكام: الحكم الأول: إذا ظهر أنه قتل بسحره فعند الشافعي أنه يقتل بذلك قصاصا، وأن له حقيقة3 وعند غيره لا حقيقة له فيقتل حدا.4 الحكم الثاني: في حكم قتله وتوبته فقال مالك -رحمه الله تعالى-:

يقتل ولا تقبل توبته; لأنه لا يوثق بتوبته كالزنديق،1 وقيل: كالمحارب إن تاب قبل أن يقدر عليه لم يقتل وقبلت توبته، وإن كان بعد القدرة عليه قتل ولم تقبل توبته، ولم يستتب، وقيل: هو كالمرتد في الاستتابة وقبول التوبة.2 الحكم الثالث: أن أخذ العوض على السحر حرام، وقد فسر قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} 3 [أنهم] 4 كانوا يعطون الأجرة [عليه] 5 فذلك اشتراؤهم، وقيل: المراد6 بالاشتراء ابتياع السحر بدين الله تعالى، وأما أخذ العوض على الرقبة فجائز للخبر الوارد بذلك في [الذين] 7 رقوا على الملدوغ8 بفاتحة الكتاب.9

_ 1 انظر:"الموطأ"للإمام مالك: (2/ 736) , كتاب الأقضية, باب القضاء فيمن ارتد, و"البيان والتحصيل": (16/ 443- 444) . 2"المغني"لابن قدامة: (8/ 153- 154) . 3 سورة البقرة، الآية: 102. 4 في"الأصل": (لأنهم) , والصواب ما أثبته من بقية النسخ. 5 كلمة: (عليه) سقطت من"الأصل", وأثبتها من بقية النسخ. 6 وفي غير"الأصل": (وقيل: أراد) . 7 في"الأصل": (الذي) , وصححته من بقية النسخ. 8 هكذا في كل النسخ. 9 والحديث الوارد في هذا في"صحيح البخاري"راجعه مع"الفتح": (9/ 54) عن أبي سعيد الخدري قال: كنا في مسير لنا فنزلنا, فجاءت جارية فقالت: إن سيد الحي سليم وإن نفرنا غيب فهل منكم راق, فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقية فرقاه فبرأ, فأمر لنا بثلاثين شاة وسقانا لبنا, فلما رجع قلنا له: أكنت تحسن رقية أو كنت ترقي, قال: لا ما رقيت إلا بأم الكتاب, قلنا: لا تحدثوا شيئا حتى نأتي أو نسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:" وما كان يدريه أنها رقية؟ اقسموا واضربوا لي بسهم ".

باب بيان شيء من أنواع السحر

باب بيان شيء من أنواع السحر قال أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا عوف عن حيان بن العلاء حدثنا قطن بن

_ {باب بيان شيء من أنواع السحر} {قال أحمد حدثنا محمد بن جعفر1 حدثنا عوف2 [عن] 3 حيان4 ابن العلاء5 حدثنا قطن بن

قصيبة عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت " إسناده جيد.

_ قبيصة1 عن أبيه} أي: قبيصة2 {أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت "3 إسناده جيد4} .

قال عوف: "العيافة زجر الطير، والطرق الخط يخط في الأرض" وقال الحسن: "الجبت رنة الشيطان". ولأبي داود والنسائي وابن حبان في"صحيحه"المسند منه.

_ قال الشيخ رحمه الله: {قال عوف: العيافة: زجر الطير، والطرق: الخط يخط في الأرض،1 [والجبت: قال الحسن] 2 رنة الشيطان} .34 {ولأبي داود والنسائي وابن حبان في"صحيحه5"المسند منه6} . في أبي داود7 عن معاوية بن الحكم السلمي8 -رضي الله عنه –

قال: قلت: يا رسول الله، ومنا رجال يخطون،1 قال: " كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك " وأخرجه مسلم والنسائي.2 قال الخطابي قوله:"فمن وافق خطه فذاك3"، يحتمل أن يكون معناه الزجر عنه، أو كان من4 بعده لا يوافق خطه ولا ينال خطه من الصواب; لأن ذلك إنما كان [لذلك] 5 النبي، فليس لمن بعده أن يتعاطاه طمعا في نيله والله أعلم.6 وفي"القاموس": الطرق كضرب الكاهن بالحصا.7

_ 1 هنا أضيف في النسخ كلها كلمة: (فالخط) , وليست في"المؤلفات", ولا في أصل الحديث مما ذكره. 2 انظر:"صحيح مسلم مع شرح النووي": (5/ 23- 25, ح 33) , كتاب المساجد ومواضع الصلاة, باب تحريم الكلام في الصلاة. و"سنن النسائي": (3/ 14-18, ح 1218) , كتاب السهو, باب الكلام في الصلاة. 3 قوله: (وأخرجه مسلم والنسائي, قال الخطابي قوله فمن وافق خطه فذاك) سقطت من"ر", ولعله سبق نطر من الناسخ إلى ما بعد كلمة فذاك الثانية. 4 كلمة: (من) سقطت من"ر". 5 كلمة: (لذلك) في غير"الأصل", وفي النسخة الأصل: (ذلك) . 6 انظر:"معالم السنن"للخطابي: (4/ 230) . وانظر:"شرح النووي على صحيح مسلم": (5/ 27) , كتاب المساجد, باب تحريم الكلام في الصلاة. 7 انظر:"القاموس المحيط": (ص 1166) , مادة: (طرق) .

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد " رواه أبو داود بإسناد صحيح. وللنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه" من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك ".

_ {وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" من اقتبس شعبة من النجوم} أي: تعلم [نوعا] 1 من علم النجوم {فقد اقتبس شعبة من السحر} أي: نوعا من السحر {زاد ما زاد "2، رواه أبو داود بإسناد3 صحيح4} . {وللنسائي من حديث أبي هريرة " من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك "56} .

قوله:" من عقد عقدة " أي: عقد الخيط عقدة حين يرقي عليها، والنفث: النفخ مع ريق قليل، وقيل: إنه النفخ فقط. واختلفوا في جواز النفث في الرقى والعوذ الشرعية المستحبة: فجوزه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم، ويدل عليه حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت:" كان رسول الله إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات ... " الحديث.1 وأنكر جماعة النفث والتفل في الرقى، وأجازوا النفخ2 بلا ريق، قال عكرمة:3 لا ينبغي للراقي أن ينفث ولا يمسح ولا يعقد.4 وقيل: النفث في العقد إنما يكون مذموما إذا كان بسحر مضر بالأرواح والأبدان،5 وإذا كان النفث لإصلاح الأرواح والأبدان وجب أن لا يكون مذموما ولا مكروها بل هو مندوب إليه.

_ 1"صحيح مسلم مع شرح النووي": (14/ 432, ح 50) , كتاب السلام, باب رقية المريض بالمعوذات والنفث. 2 في"ر": (النفث بالثاء) , وهو خطأ مخالف للنسخ الأخرى ويتضح من السياق. 3 هو: عكرمة بن عبد الله البربري المدني أبو عبد الله مولى عبد الله بن عباس, تابعي, كان من أعلم الناس في التفسير والمغازي, وُلد سنة 25 هـ, وتوفي سنة 105 هـ. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (7/ 263- 273) ,"حلية الأولياء": (3/ 326 - 347) ,"طبقات ابن سعد": (5/ 287- 293) . 4"تفسير القرطبي": (20/ 258) . 5 انظر: المصادر السابقة: (20/ 258) .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا هل أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة، القالة بين الناس " رواه مسلم.

_ {وعن} عبد الله {ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ألا هل أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة، القالة بين الناس " رواه مسلم1} . العضه- بفتح العين وإسكان الضاد المعجمة، وبالهاء على وزن الوجه، وروى العضه -بكسر العين وفتح الضاد المعجمة على وزن العدة-: وهي الكذب والبهتان.2 وعلى الرواية الأولى: العضه مصدر، ويقال: عضهه عضها، أي: رماه بالعضه، قيل: إن عمل النمام أضر من عمل الشيطان [لأن عمل الشيطان] 3 بالوسوسة، وعمل النمام بالمواجهة. واعلم أنه ينبغي أن لا يعتمد على قول الواشي ومن حمل إليه نميمة، قيل: إنه يلزمه ستة أمور:4

الأول: أن لا يصدقه; لأن النمام فاسق، وهو مردود الخبر. الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح فعله. الثالث: أن يبغضه في الله تعالى، فإنه بغيض عند الله تعالى. الرابع: أن لا يظن بالمنقول [عنه] 1 سوءا لقوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ} 2 الخامس: أن لا يحملك ما حكي لك على التجسس لقوله تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا} السادس: أن لا يرضى [لنفسه] 3 بما نهاه عنه فلا يحكي نميمته. وقد جاء أن رجلا ذكر لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه رجلا يشي فقال عمر: إن شئت نظرنا في أمرك فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} 4 وإن كنت صادقا فأنت من أهل هذه الآية {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} 5

_ 1 كلمة: (عنه) أضفتها ليستقيم الكلام ولا وجود لها في جميع النسخ. 2 سورة الحجرات، الآية: 12. 3 كلمة: (لنفسه) أضفتها من المصدر لتستقيم العبارة. 4 سورة الحجرات، الآية: 6. 5"الأذكار"للنووي: (ص 431) , وتتمته: وإن شئت عفونا عنك, قال العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبدا. وهو في"إحياء علوم الدين"- أيضا-: (3/ 166) .

ولهما عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن من البيان لسحرا ".

_ والعاقل لا يغتر بحيلة المفسد النمام الواشي، فغرضه غرض فاسد، إما التشفي حيث أنه قد حقن الغضب في باطنه، وإما يريد رفعة نفسه، وخفض غيره، وإما زوال النعمة التي هو فيها، فيذكره بالسوء -نعوذ بالله من حاله وأفعاله-. وفي الخبر قال النبي صلى الله عليه وسلم " النميمة والشتيمة والحمية لا يجتمعن في قلب مؤمن1 ") {ولهما عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن من البيان لسحرا "2.

باب ما جاء في الكهان ونحوهم

باب ما جاء في الكهان ونحوهم روى مسلم في"صحيحه"عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما "

_ وأصل الحديث عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قدم رجلان من المشرق [فخطبا] 1 فعجبا الناس لبيانهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم"إن من البيان لسحرا" رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي.2 البيان: إظهار المقصود بأبلغ لفظ، وهو من الفهم، وذكاء القلب، وأصله الكشوف والظهور، وقيل: معناه أن الرجل يكون عليه الحق، وهو أقوم بحجته من خصمه، فيقلب الحق ببيانه إلى نفسه; لأن معنى السحر قلب الشيء في عين الإنسان، وليس بقلب الأعيان. ألا ترى أن البليغ يمدح الإنسان حتى يصرف قلوب السامعين إلى حبه، ثم يذمه حتى يصرفها إلى بغضه، فإذا كانت الفصاحة في الكلام يحصل بها مضرة صارت نوعا من السحر. {25- باب ما جاء في الكهان ونحوهم} {روى مسلم في"صحيحه" عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما " 3} .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " رواه أبو داود.

_ قال في"القاموس": العراف: الكاهن1 وقال في"النهاية": العراف: المنجم، والذي يدعي علم الغيب2. {وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " رواه أبو داود3} . الكاهن: هو الذي يدعي مطالعة علم الغيب، ويخبر الناس عن الكوائن. والكهانة أصناف، منها ما يتلقاه الكاهن من الجن، فإن الجن كانوا يصعدون إلى جهة السماء فيركب بعضهم بعضا، فلما جاء الإسلام ونزل القرآن حرست السماء من الشياطين، وأرسلت عليهم الشهب، فبقي من

وللأربعة والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما عن أبي هريرة رضي الله عنه " من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ".

_ استراقهم ما يخطفه الأعلى فيلقيه إلى الأسفل قبل أن يصيبه الشهاب، قال تعالى: {إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} 1 {وللأربعة2 والحاكم3 وقال: صحيح على شرطهما عن [أبي هريرة] 4 رضي الله عنه " من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم "5} .

ولأبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه مثله موقوفا.

_ {ولأبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه مثله [موقوفا] 1 عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، لا يعلم أحد ما يكون في غد إلا الله ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام إلا الله، ولا يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يدري أحد متى يجيء المطر إلا الله تعالى "2 قال الله تعالى في3 سورة لقمان:

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه موقوفا: "ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم".

_ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} 1. قال أبو ذؤيب2: يقولون لي لو كان بالرمل لم يمت ... نبيشة والكهان يكذب قيلها3 وقال آخر: جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف نجد4 إن هما شفيان5.6 {وعن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعا:"ليس منا} أي: ليس ممن حقق التوحيد {من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم".

رواه البزار بإسناد جيد. ورواه الطبراني بإسناد حسن من حديث ابن عباس دون قوله:"من أتى ... " إلى آخره.

_ رواه البزار1 بإسناد جيد2} . {ورواه الطبراني3 بإسناد حسن من حديث ابن عباس} -رضي الله عنهما- {دون قوله:"ومن أتى." إلى آخره4} .

قال البغوي: العراف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق، ومكان الضالة ونحو ذلك، وقيل: هو الكاهن، والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وقيل: الذي يخبر عما في الضمير. وقال أبو العباس ابن تيمية: العراف: اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق. وقال ابن عباس في قوم يكتبون أبا جاد وينظرون في النجوم: "ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق" انتهى.

_ قال الشيخ -رحمه الله تعالى-: {قال البغوي: العراف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق، ومكان الضالة ونحو ذلك1 وقيل: هو الكاهن، والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وقيل: الذي يخبر عما في الضمير. وقال أبو العباس ابن تيمية: العراف: اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق2 {وقال ابن عباس: في قوم يكتبون أبا جاد وينظرون في النجوم: "ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق"3 انتهى4} .

باب ما جاء في النشرة

باب ما جاء في النشرة عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: " هي من عمل الشيطان " رواه أحمد بسند جيد، وأبو داود، وقال: سئل أحمد عنها فقال: ابن مسعود يكره هذا كله.

_ ولله در القائل1: وأعلم علم اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غد عمي2 {باب ما جاء في النشرة} {عن جابر} بن عبد الله {-رضي الله عنه-: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: هي من عمل الشيطان " رواه أحمد بسند جيد، وأبو داود3 وقال4 سئل أحمد عنها فقال: ابن مسعود يكره هذا كله5} .

وفي البخاري عن قتادة قال: قلت لابن المسيب: "رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته

_ هو من ترك المصلحة خوفا من المفسدة، قال الخطابي: قلت: النشرة ضرب من الرقية والعلاج، يعالج به من كان يظن به مس الجن، وقيل: سميت نشرة; لأنه ينشر بها عنه، أي: يحل عنه، وقال الحسن: (النشرة من السحر) . قال الأصمعي12: أدعوك دعوة ملهوف كأن به ... مسا من الجن أو ريحا من النشر3 {وفي البخاري عن قتادة قال4 قلت لابن المسيب: رجل به طب} بكسر الطاء، أي: به سحر، كنوا عن السحر بالطب تفاؤلا كما يقال للديغ: سليم {أو يؤخذ عن امرأته} بفتح الواو المهموزة، وتشديد الخاء المعجمة، أي: يحبس عن امرأته ولا يقدر على جماعها.

أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه". انتهى. وروي عن الحسن أنه قال: "لا يحل السحر إلا ساحر"

_ {أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه1 انتهى} . وأخرج [الطبري] 2 في"التهذيب" عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى بأسا إذا كان بالرجل سحر أن3 يمشي إلى من يطلقه عنه4. وقد سئل الإمام أحمد عمن يطلق السحر عن المسحور فقال: لا بأس به5. {وروي عن الحسن أنه قال: (لا يحل السحر إلا ساحر6"} أي: لا يعلم ذلك إلا ساحر، وقال ابن الجوزي: النشرة حل السحر عن المسحور ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر7.

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: النشرة حل السحر عن المسحور وهي نوعان: الأول: حل سحر بسحر مثله وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يحمل الحديث، وقول الحسن، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور. والثاني: النشرة بالرقية والمعوذات والدعوات والأدوية المباحة فهذا جائز.

_ قال الشيخ -رحمه الله تعالى-: {قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: النشرة حل السحر عن المسحور وهي نوعان: الأول1 حل سحر بسحر2 مثله وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يحمل الحديث، وقول الحسن3 فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور. الثاني: النشرة بالرقية والمعوذات والدعوات والأدوية المباحة4 فهذا جائز5} . وهو المعتمد وبه يزول الإشكال، والله سبحانه أعلم.

ومن الأدوية ما ذكر ابن بطال1 أن يأخذ سبع ورق من السدر ثم تدق بين حجرين، ثم تضرب بالماء، ثم يحسو منها ثلاثا ثم يغسل بالباقي2 قال ابن عباس وعائشة3 -رضي الله عنهم-:"كان غلام من اليهود يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فدنت إليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدة أسنان من مشطه، فأعطاها اليهود، فسحروه4 فيها وتولى ذلك لبيد بن أعصم5 من بني زريق حليف اليهود، وقد كان منافقا، فنزلت المعوذتان6 فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة، حتى انحلت العقد كلها، فقام7 النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال".

_ 1 هو: علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال القرطبي المالكي, أبو الحسن كان من أهل العلم والمعرفة والفهم- عني بالحديث عن، الآية تامة-, وقد ألف شرحا لـ"صحيح البخاري", توفي سنة 449هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (18/47) ,"الديباج المذهب": (2/ 105- 106) ,"معجم المؤلفين": (7/ 87) . 2 انظر:"فتح الباري": (10/ 233) . وقد ذكر سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عند هذا الموضع أن هذا ليس من البدع بل هو من باب التداوي المباح الذي يدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: عباد الله تداووا ولا تتداووا بحرام. انظر تعليقه على"فتح المجيد": (ص 316) , طبعة دار العلم. 3 كلمة: (عائشة) سقطت من"ر", وهي ثابتة في بقية النسخ. 4 في كل النسخ عدا"الأصل": (فسحروه) , وفي"الأصل"بالمفرد: (سحره) . 5 هو: لبيد بن أعصم, كان من يهود بني زريق, وهو الذي سحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مشط ومشاطة في جف طلعة ذكر, وقد استمر الحال ستة أشهر حتى أنزل الله سورتي المعوذتين, فاستخرج السحر وأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يخرجه. انظر ترجمته في:"كتاب السيرة النبوية"لابن هشام: (2/ 157) ,"البد، الآية والنه، الآية": (6/ 45) . 6 في غير"الأصل": (المعوذات) بالجمع, وفي"الأصل"ما أثبته. 7 في"ر": (فقال) وهو تحريف ظاهر.

ويروى أنه لبث ستة أشهر، واشتد عليه ذلك ثلاث ليال فنزلت المعوذتان12. وفي مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد اشتكيت؟ قال: نعم، قال: بسم الله أرقيك عن كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك "3. عن عائشة- رضي الله عنها-: " أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل إليه أنه صنع شيئا ولم يصنعه" 4. وفي البخاري: "كان يرى أنه يأتي النساء ولم يأتهن "5. قال سفيان6 وهذا أشد ما يكون من السحر7.

_ 1 في كل النسخ: (المعوذات) , وفي"الأصل": (المعوذتان) . 2 "تفسير البغوي": (4/ 546) , و"تفسير القرطبي": (20/ 254) . و"تفسير ابن كثير": (4/ 614) . 3 انظر:"صحيح مسلم مع شرح النووي": (14/ 420- 421, ح 40) , كتاب السلام, باب الطب والمرض والرقى. و"سنن ابن ماجه": (2/ 1164, ح 3523) , كتاب الطب, باب ما عوذ به النبي - صلى الله عليه وسلم - وما عوذ به. و"مسند الإمام أحمد": (5/ 323) . 4"صحيح البخاري مع الفتح": (6/ 334, ح 3268) , كتاب بدء الخلق, باب صفة إبليس وجنوده. و"مسند الإمام أحمد": (6/ 57) . وجاء في"سنن النسائي": (7/ 112-113, ح 4080) بلفظ آخر عن زيد بن أرقم. 5"صحيح البخاري مع الفتح": (10/ 232, ح 5765) , كتاب الطب, باب هل يستخرج السحر. 6 هو: ابن عيينة, كما صرح به ابن حجر في"الفتح": (10/ 234) , وقد تقدمت ترجمته. انظر: (ص 195) . 7 نفس المصدر السابق برقمه ومكانه.

باب ما جاء في التطير وغيره

باب ما جاء في التطير وغيره وقول الله تعالى: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} وقوله تعالى: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ

_ {باب ما جاء في التطير وغيره1} {وقول الله تعالى: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} يعني: ما أصابهم من الخيرات والجدبات والشر كله من الله، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: طائرهم ما قضى لهم وقدر لهم من عند الله، وفي رواية:"شؤمهم عند الله"، ومعناه: إنما جاءهم بكفرهم بالله، وقيل: الشؤم العظيم هو الذي لهم عند الله من عذاب النار2. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} يعني: ما أصابهم من الله تعالى3 وإنما قال: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} لأن أكثر الخلق يضيفون الحوادث إلى الأسباب، ولا يضيفونها إلى القضاء والقدر4. {وقوله تعالى: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} 5} أي: شؤمكم معكم بكفركم وتكذيبكم، يعني: أصابكم الشؤم من قبلكم6 قال ابن عباس -رضي

َإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر " أخرجاه.

_ الله عنهما-:"حظكم من الخير والشر"1 {أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ} يعني: اتطيرتم لئن ذكرتم ووعظتم {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} 2 أي: في ضلالتكم وشرككم متمادون في غيكم3. {عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر " أخرجاه4} فقال أعرابي: " ما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء، فيخالطها البعير الأجرب فيجربها؟ قال: فمن أعدى الأول 5") قال معمر6 قال الزهري7 فحدثني رجل عن أبي

هريرة- رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يوردن ممرض على مصح 1") قال فراجعه الرجل فقال: أليس قد حدثتنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا عدوى ولا صفر ولا هامة " قال: لم أحدثكموه، قال الزهري: قال أبو سلمة2 قد حدث به، وما سمعت أبا هريرة نسي حديثا قط غيره3 قوله: "لا يوردن ممرض على مصح " قال الممرض الذي

_ 1 [136 ح] "صحيح البخاري مع الفتح": (10 / 241, ح 5771) , كتاب الطب, باب لا هامة."صحيح مسلم مع شرح النووي": (14 / 466, ح 2221) , كتاب السلام, باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة. انظر بقية تخريجه في الملحق. 2 اسمه عبد الله, وقيل: إسماعيل بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري, الحافظ, أحد كبار التابعين وأعلام المدينة, عرف بكنيته, وقد حدث عن أبيه وأسامة بن زيد وعبد الله بن سلام وآخرين, وحدث عنه عروة والشعبي والزهري وغيرهم, وُلد سنة بضع وعشرين, وتوفي سنة 94هـ, وقيل: سنة 104هـ. انظر ترجمته في:"تذكرة الحفاظ": (1/63) ,"تهذيب التهذيب": (12 / 115- 118) ,"سير أعلام النبلاء": (4 / 287- 292) . 3 انظر الخبر في:"صحيح البخاري مع الفتح": (10 / 241, ح 5771) , في نه، الآية الحديث الذي تقدم تخريجه. وفي"سنن أبي داود": (4 / 232, ح 3911) , كتاب الطب, باب في الطيرة. وذكره النووي في"شرح مسلم": (14 / 464) كتاب السلام, باب لا عدوى ولا طيرة.

مرضت ماشيته، والمصح هو صاحب الصحاح1 قال النووي: إنما نهى عنه؟ لأنه ربما أصابها المرض المعدي بفعل الله وقدره، الذي أجرى به العادة لا بطبعه، فيحصل لصاحبها ضرر، ولئلا2 يقع في نفس صاحبها أن المرض يعدي بطبعه فيكفر3. وفي البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد4 - رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها "5 قيل: علة النهي مخافة الفتنة على

_ 1 انظر:"معالم السنن"للخطابي مع"مسند أبي داود": (14 / 231) . و"شرح النووي على صحيح مسلم": (14 / 468) , كتاب السلام, باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة. 2 في بقية النسخ: (لئلا) بإسقاط الواو. 3 انظر:"شرح النووي على صحيح مسلم": (14 / 468) , كتاب السلام, باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة. 4 هو: أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي, أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش عظيم, فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفذه أبو بكر وكان في غزاة فأدرك كافرا هو وأحد الأنصار, قال: فلما شهرنا عليه السلاح, قال: أشهد أن لا إله إلا الله فلم نبرح عنه حتى قتلناه فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه خبره فقال: يا أسامة, من لك بلا إله إلا الله, فقلت: يا رسول الله, إنما قالها تعوذا من القتل, فقال: من لك يا أسامة بلا إله إلا الله؟ فوالذي بعثه بالحق ما زال يرددها عليَّ حتى وددت أن ما مضى من إسلامي لم يكن وأني أسلمت يومئذ , توفي آخر أيام معاوية سنة 58 هـ, وقيل: توفي سنة 54 هـ. انظر ترجمته في:"الإصابة": (1 / 31) ,"أسد الغابة": (1 / 79- 81) ,"طبقات ابن سعد": (4 / 61-72) . 5 [137 ح] "صحيح البخاري", انظره مع"الفتح": (10 / 178- 179, ح 5728) , كتاب الطب, باب ما يذكر في الطاعون. و"صحيح مسلم"أيضا انظره مع"شرح النووي": (14 /- 454- 455, ح 92 /2218) , كتاب السلام, باب الطاعون والطيرة والكهانة. انظر بقية التخريج في الملحق.

الناس بأن يظنوا أن هلاك القادم إنما حصل بقدومه، وسلامة الفرار1 إنما كانت بفراره، ولا مخافة أن يصيبه غير القدر2. قوله:"ولا طيرة" بكسر ففتح من التطير، التشاؤم بالطيور وغيرها3 والهامة بتخفيف الميم وهو طائر يتشاءمون به إذا صاح، وقيل: إنه يسكن الخربة، وقيل: هو دابة، وقيل: إن أهل الجاهلية كانوا يزعمون أنه إذا قتل منهم قتيل خرج طائر من القبر ينادي بأخذ الثأر، ممن قتله فنفاه نبينا صلى الله عليه وسلم4. وقد أخرج [الطبري] 5 عن عكرمة قال: "كنت عند6 ابن عباس فمر طائر فصاح فقال: [رجل خير فقال] 7 لا عند هذا خير ولا شر"8

_ 1 هكذا في كل النسخ, وفي المصدر: (الفار) . 2 انظر:"شرح النووي على صحيح مسلم": (14 / 456) على الحديث السابق الإشارة إليه. 3 انظر:"لسان العرب": (4/512) , مادة: (طير) , و"شرح النووي على صحيح مسلم": (14 / 469-470) . و"فتح الباري شرح صحيح البخاري": (10 / 212) , كتاب الطب, باب الطيرة. 4 انظر:"لسان العرب": (12 / 624- 625) , مادة: (هوم) , و"فتح الباري على صحيح البخاري": (10 / 241) , كتاب الطب, باب لا هامة, و"شرح النووي على صحيح مسلم": (14 / 466) , كتاب السلام, باب لا عدوى ولا طيرة.... 5 في كل النسخ: (الطبراني) , وما أثبته هو الصواب كما صحح في"ش", وكما هو في المصادر. 6 سقطت كلمة: (عند) من"ر", وهي ثابتة في بقية النسخ. 7 ما بين القوسين سقط من"الأصل", وأثبته من بقية النسخ. 8"فتح الباري على صحيح البخاري": (10 / 215) كتاب الطب, باب الفأل. ولم أجده في"تفسير الطبري", فلعله في"تهذيب الآثار"أو غيره. أو لعله اعتمد على النقل من"فتح الباري". وانظر:"تفسير القرطبي": (7 / 266)

قوله:"ولا صفر " كانت العرب تزعم أن في البطن حية يقال لها: الصفر، تصيب الإنسان إذا جاع وتؤذيه، وأنها تعدي، فأبطل الإسلام ذلك1 وقيل2 أراد به [النسيء] 3 الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية وهو تأخير المحرم إلى صفر، ويجعلون صفر هو الشهر الحرام فأبطله الإسلام4 وفي الحديث: "صفرة في سبيل الله خير من حمر النعم"5 أي: جوعه يقال: صفر الوطب6 إذا خلا من اللبن، قيل: إن رجلا أصابه الصفر فنعت له السكر7 [والصفراء] 8 اجتماع الماء في البطن، كما يعرض للمستسقي يقال: صفر فهو مصفور، وصفر صفرا فهو صفر، والصفر دود يقع في الكبد و [شراسف] 9 الأضلاع10 فيصفر منه

_ 1 انظر:"لسان العرب": (4 / 463) , مادة: (صفر) . و"فتح الباري على صحيح البخاري": (10 / 171) , كتاب الطب, باب لا صفر. و"شرح النووي على صحيح مسلم": (14 / 465- 466) , كتاب السلام, باب 33. 2 في"ر": (قيل) بدون الواو. 3 في"الأصل"غير واضحة, وقد صححتها من النسخ الأخرى. 4 نفس المصادر بصفحاتها. 5 ذكره ابن حجر في"الفتح": (10 / 171) من غير سند ولا راو ولا إحالة. وهو في"غريب الحديث"لابن الجوزي: (1 / 593) . وفي"النه، الآية"لابن الأثير: (3 / 36) . 6 الوطب: سقاء اللبن, وجمعه أوطب وأوطاب, وهو جلد الجذع فما فوقه. انظر:"لسان العرب": (1 / 797) , مادة: (وطب) . 7 انظر:"فتح الباري": (10 / 171) , قال ابن حجر عنده بأنه تقدم في الأشربة وهو كما ذكر في نفس الجزء (ص 79) . 8 في"الأصل", و"ع", و"ش": (الصفر) , والمثبت من"ر". 9 في كل النسخ: (سراصيف) , ولعلها قد صحفت, والمثبت هو الصواب كما في"القاموس": (ص 1064) , و"فتح الباري": (10 / 171) . 10 الشرسوف: غضروف معلق بكل ضلع أو مقط الضلع وهو الطرف المشرف على البطن. انظر:"القاموس المحيط": (ص 1064) , و"فتح الباري": (10 / 171) .

زاد مسلم: " ولا نواء ولا غول "

_ الإنسان جدا وربما قتله {زاد مسلم:" ولا نوء ولا غول 1"} فيه إبطال ما يتحدثون به [عنها] 2 من تغولها واختلاف ألوانها، وإضلالها الناس من الطريق وسائر ما يحكى عنها، يقول: لا تصدقوا بذلك، ولا تخافونها3 فإنها لا تقدر على شيء من ذلك إلا بإذن الله عز وجل وورد في الحديث: "الغيلان سحرة الجن4") قيل: إن خلقها خلق الإنسان، [ورجلها رجل حمار] 5.

ولهما عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل، قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة "

_ حكي أنه لقي الغول1 جمع من الصحابة منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سار إلى الشام قبل الإسلام، وضربه بالسيف.2 {ولهما عن أنس) ابن مالك- رضي الله عنه- {قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل، قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة "3 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" الفأل مرسل 4"- أي: من قبل الله عز وجل- يستقبلك به كالبشير5.

ولأبي داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر

_ قال الحليمي1 (وإنما كان صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل؟ لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق، والتفاؤل حسن ظن به، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال) 2. وهو أن يسمع الإنسان الكلمة الحسنة فيتفاءل بها، ويتبرك بها، مثل أن يسمع المريض قائلا يقول: يا سالم، والطالب الحاجة يا واجد، والطيرة بخلافها مأخوذة من اسم3 الطير. {ولأبي داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر4} - رضي الله عنه-

قال: "ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحسنها الفأل، ولا ترد مسلما، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأت بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك " وعن ابن مسعود مرفوعا: " الطيرة شرك

_ {قال: "ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"أحسنها الفأل، ولا ترد مسلما "} بل يمضي في حاجته ويتوكل على الله تعالى الذي منه النفع والضر. {فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأت بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك "1} يستحب إلى من سبق إلى قلبه الكراهة أن يدعو بهذا الدعاء فإنه يزيلها. {وعن ابن مسعود} - رضي الله عنه {مرفوعا: " الطيرة شرك "2}

وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل " رواه أبو داود، والترمذي

_ يقدح في التوحيد {وما منا إلا} قال في"النهاية" هو من قول ابن مسعود1 أدرجه في الحديث2 هكذا جاء في الحديث ولم يذكر المستثنى، ومعناه: وما منا إلا من يعتريه التطير، ويسبق إلى قلبه الكراهة، فحذفه اختصارا للكلام، واعتمادا على3 فهم السامع4. قال محمد بن إسماعيل5 كان سليمان بن حرب6 ينكر هذا ويقول: هذا الحرف ليس من كلام7 رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه قول ابن مسعود- 8 -. {ولكن الله يذهبه بالتوكل} يعني: أن الواقع في القلب من ذلك مع كراهية لا يضر، إذا9 لم يرده ولم يعمل بذلك الخاطر غفره الله له ولم يؤاخذه به (رواه أبو داود، والترمذي

وصححه، وجعل آخره من قول ابن مسعود. ولأحمد من حديث ابن عمرو- رضي الله عنهما-: " من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك، قالوا: فما كفارة ذلك؟ قال: أن يقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك [ولا إله غيرك] "

_ وصححه1 وجعل2 آخره من قول ابن مسعود3} أدرجه في الحديث. {ولأحمد} رحمه الله {من حديث ابن [عمرو] 4 - رضي الله عنهما-: "من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك، قالوا: فما كفارة ذلك؟ قال: أن يقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك [ولا إله غيرك] "56

وله من حديث الفضل بن العباس: " إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك ".

_ يعني: الخير والشر والنفع والضر من الله، وبقضائه وقدره، ولا معبود بحق إلا هو جل وعلا. {وله من حديث الفضل بن العباس1 "إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك"2 يعني: حقيقة الطيرة المذمومة ما أمضاك في الشيء أو ردك عنه شؤما وحذرا، وعملت3 بموجبه4. تتمة: عن سعد بن (مالك) أبي وقاص5 رضي الله عنه أن رسول

الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لا هامة ولا عدوى ولا طيرة وإن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار "1 قيل: شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها، وشؤم الفرس أن لا يغزو عليها، وشؤم المرأة أن لا تلد2 وقيل: إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس لا يعجبه ارتباطه3 فيفارق المرأة، وينتقل عن الدار ويبيع الفرس4. وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم " ثلاثة لا يسلم منها أحد: الطيرة والحسد والظن، قيل: فما نصنع؟ قال: إذا تطيرت فامض، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق "5.

_ 1 [140 ح] "سنن أبي داود": (4 / 236, ح 3921) , كتاب الطب, باب في الطيرة,"مسند الإمام أحمد": (1 / 174) . الحديث صححه الألباني. انظر:"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (2 / 431, ح 789) . و"صحيح سنن أبي داود": (2 / 3320) . انظر بقية تخريجه في الملحق. 2 معالم السنن مع"سنن أبي داود": (4 / 237) . 3 في"ر", و"ع": (ارتباطها) . 4 انظر: معنى ذلك في:"فتح الباري": (6 / 62) , كتاب الجهاد, باب ما يذكر من شؤم الفرس. 5 [141 ح] "النه، الآية في غريب الحديث": (3 / 152) , وهو بلفظه. وانظر:"شعب الإيمان"للبيهقي: (2 / 63, ح 1172) , و"مصنف عبد الرزاق": (10 / 403, ح 19504) . الحديث: مروي من طريق إسماعيل بن أمية. والحديث قال فيه ابن حجر في"الفتح" (10 / 213) : هذا مرسل أو معضل لكن له شاهد وذكره. وقد ورد له شاهد آخر عند الطبراني كما في"مجمع الزوائد": (8 / 78) عن حارثة بن النعمان. وقال الهيتمي: فيه إسماعيل بن قيس الأنصاري وهو ضعيف. انظر بقية التخريج في الملحق.

باب ما جاء في التنجيم

باب ما جاء في التنجيم قال البخاري في"صحيحه": قال قتادة: "خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن أول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به"

_ {باب ما جاء في التنجيم} {قال البخاري في"صحيحه": قال قتادة: "خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن أول1 فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به"2} .

وكره قتادة تعلم منازل القمر ولم يرخص ابن عيينة فيه، ذكره حرب

_ قال الشاعر القحطاني1 في"نونيته": إن النجوم على ثلاث أضرب ... فاسمع مقال الناقد الدهقان بعض النجوم جعلن زينا للسماء ... كالدر فوق قلائد النسوان ومعالما تهدي المسافر للسرى ... ورجوم كل مثابر شيطان2 والمنهي من علم النجوم ما يدعى من علم الكوائن3 التي ستقع في مستقبل الزمان من المطر والمرض ونحوها، وأما ما يستدل به على أوقات الصلاة ومعرفة القبلة ففرض كفاية، وقد يكون فرض عين في نحو السفر.4 قال الشيخ- رحمه الله تعالى-: {وكره قتادة تعلم منازل القمر، ولم يرخص ابن عيينة فيه، ذكره حرب5

عنهما، ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق. انتهى.

_ عنهما،1 ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق.2 انتهى) . والجبال علامات النهار، والنجوم علامات الليل، ورد الله سبحانه وتعالى على الفلاسفة والمنجمين بقوله عز وجل {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ} 3 لأنهم يعتقدون أن هذه النجوم هي الفاعلة المتصرفة في العالم السفلي، فأخبر الله تعالى أن هذه النجوم مسخرات في نفسها مذلالات لأمر ربها، مقهورات تحت قهره، ويصرفها كيف يشاء ويختار، وأنها ليس لها تصرف في نفسها4 فضلا عن غيرها، خلقها لمنافع عباده.

قال الشاعر لله دره: لا ترقم النجم في أمر تحاوله ... وانهض بعزم وجد أيها الرجل مع السعادة ما للنجم من أثر ... فلا يضرك مريخ ولا زحل واعزم متى شئت فالأوقات واحدة ... فالله يفعل لا جدي ولا حمل1 عن الربيع بن سبرة الجهني2 قال: "لما غزا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-، وأراد الخروج إلى الشام خرجت معه، فلما أراد أن يدلج نظرت إلى السماء فإذا القمر في الدبران،3 فأردت أن أذكر لعمر، فعرفت أنه يكره ذكر النجوم، فقلت له: يا أبا حفص، انظر إلى القمر، ما أحسن استواءه الليلة، فنظر فإذا هو في الدبران، فقال: قد عرفت4 ما تريد يا ابن سبرة، تقول: إن القمر في الدبران، والله ما نخرج لا بشمس ولا بقمر إلا بالله الواحد القهار"5.

_ 1 انظر: الأبيات الماضية. 2 هو: الربيع بن سبرة بن معبد الجهني المدني, تابعي ثقة, روى عن أبيه, وله صحبة, وعمر بن عبد العزيز وعمرو بن مرة الجهني, وروى عنه عبد الملك وعبد العزيز ابنا الربيع بن سبرة. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (3/244) ,"الجرح والتعديل": (3/ 462) . 3 الدبران: بفتح الدال والباء- سمي بذلك لاستدباره الثريا وهو نجم أحمر صغير منير, ويطلقون عليه- أيضا- المجدح- بكسر أو ضم الميم وسكون الجيم وفتح الدال. انظر:"فتح الباري": (2 / 524) , كتاب الاستسقاء. 4 في"ر": (ما عرفت) , وهو خطأ من الناسخ, ويخالف النسخ الأخرى. 5 انظر:"تهذيب تاريخ ابن عساكر": (5 / 305) , وفي"أصل تاريخ ابن عساكر"المخطوط: (6 / 218) .

عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر" رواه أحمد وابن حبان في"صحيحه".

_ {عن أبي موسى} الأشعري1 رضي الله عنه {قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر "2 رواه أحمد وابن حبان3 في"صحيحه" قوله:" مدمن خمر "

هو الذي يداوم شربها، ويلازمه، وعنه صلى الله عليه وسلم " الخمر1 أم الخبائث2 ") . وفي الحديث: " مدمن الخمر كعابد الوثن 3") وهذا تغليظ في أمرها وتحريمها، و"قاطع الرحم": الذي يقطع صلة أرحامه. عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، قال: أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى، قال: فذاك لك، " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرؤوا إن شئتم {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} 4 رواه البخاري، ومسلم.5

_ 1 قوله: (هو الذي يداوم شربها, ويلازمه, وعنه صلى الله عليه وسلم الخمر) سقط من"ر", وذلك لسبق نظره إلى كلمة: (الخمر) المتأخرة. 2"معجم الطبراني الأوسط"كما في"المجمع": (5 / 72) . و"مسند الشهاب"للقضاعي: (1 / 68, ح 38) ,"سنن الدارقطني": (4 / 247) , كتاب الأشربة. الحديث: قال الهيتمي: (وواه الطبراني في"الأوسط"عن شيخه شباب بن صالح, ولم أعرفه, وبقية رجاله ثقات, وفي بعضهم كلام لا يضر) . وحسنه الألباني كما في"السلسلة الصحيحة": (4 / 469, ح 1854) . 3 [142 ح] "التاريخ الكبير"للبخاري: (1 / 1 / 129, ح 5926) عن أبي هريرة, وعن عبد الله, ولعله ابن عباس. وجاء بلفظ:"مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن"عن ابن عباس, وقد أخرجه الإمام أحمد في"المسند": (1 / 272) . الحديث: حسنه الألباني في"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (2 / 292, ح 677) , فقال: إنه بمجموع طرقه حسن أو صحيح. انظر بقية تخريجه والحكم عليه في الملحق. 4 سورة محمد، الآيتان: 22-23. 5 [143 ح] "صحيح البخاري مع الفتح": (13 / 465- 466, ح 7502) , كتاب التوحيد, باب قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} ."صحيح مسلم مع شرح النووي": (16 / 347- 348, ح 16 / 2554) , كتاب البر والصلة والأدب, باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها. انظر بقية تخريجه في الملحق.

وعنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن الملائكة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم " رواه الطبراني.1 وقال صلى الله عليه وسلم " الرحم معلقة بالعرش، تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله " رواه البخاري.2 وهو مأمور بوصلها، قال صلى الله عليه وسلم " من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ في أثره فليصل رحمه " أخرجه البخاري عن أبي هريرة- رضي الله عنه-.3

_ 1 نسبه الهيثمي إلى الطبراني ولم يحدد. انظر:"مجمع الزوائد": (8 / 151) ,"جمع الجوامع"للسيوطي. راجع: (ح 5926) . والحديث من حديث ابن أبي أوفى."الترغيب والترهيب": (3 / 345, ح 41) . والحديث قال فيه الهيثمي: وفيه آدم المحاربي وهو كذاب. وحكم عليه الألباني بالوضع في"ضعيف الجامع": (ح 1791 / 570) . 2 [144 ح] اللفظ ليس في"صحيح البخاري", وإنما هو في"صحيح مسلم". انظره مع"شرح النووي": (16 / 348, ح 17 / 2555) , كتاب البر والصلة والآداب, باب صلة الرحم وتحريم قطعها. وأما في البخاري فقد ورد بلفظ:"الرحم شجنة فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته", وهو في"صحيح البخاري مع الفتح": (10 / 417, ح 5989) , كتاب الأدب, باب من وصل وصله الله. والحديث: من رو، الآية عائشة- رضي الله عنها-. انظر بقية تخريجه والحكم عليه في الملحق. 3 [145 ح] "صحيح البخاري مع الفتح": (10 / 415, ح 5985) , كتاب الأدب, باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم. إلا أنه بلفظ:"من سره", لكن لفظ:"من أحب"جاء عن أنس بعده, ولعل الشارح قد خلط بينهما من حفظه أو نقله."صحيح مسلم مع شرح النووي": (16 / 350, ح 21 / 2557) , كتاب البر والصلة, باب صلة الرحم. انظر بقية التخريج في الملحق.

باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء

باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء وقول الله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}

_ قوله:"يبسط له في رزقه"، أي: يوسع1 له، وقوله:"ينسأ له"، أي: يؤخر له، وقوله:"في أثره"، أي: في أجله. {باب ما جاء في الاستسقاء الأنواء} 2 {وقول الله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} أي: حظكم ونصيبكم {أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} قال الحسن في هذه الآية: خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب،3 وقال جماعة من المفسرين: معناه وتجعلون شكركم أنكم تكذبون- أي: بنعمة الله عليكم- وهذا في الاستسقاء بالأنواء، وذلك أنهم كانوا إذا مطروا يقولون: مطرنا بنوء كذا ولا يرون ذلك المطر من فضل الله عليهم، فقيل لهم: أتجعلون رزقكم، أي: شكركم بما رزقكم

وعن أبي مالك الأشعري- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أربع من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب

_ التكذيب،1 فمن نسب الإنزال إلى النجم [فقد] 2 كذب برزق الله ونعمه، وكذب بما جاء به القرآن، والمعنى: تجعلون بدل الشكر التكذيب. {وعن أبي مالك الأشعري- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربع من أمر3 الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب " وكلهم لآدم وحواء قال صلى الله عليه وسلم " ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء 4") وللترمذي وحسنه: " لينتهين أقوام

يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا، إنما هم فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعل،1 إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية، وفخرها بالآباء إنما هو مؤمن تقي، أو فاجر شقي، الناس بنو آدم [وآدم] ،2 خلق من تراب "3 العبية- بتشديد الباء وكسرها-: الكفر والفخر،4 وفي رواية: " قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية "5 وجاء في الحديث: " قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس؟ قال:

_ 1 الجعل: دابة سوداء من دواب الأرض, جمعه جعلان, ويقال له: أبو جعران. انظر:"لسان العرب": (11 / 112) , مادة: (جعل) . 2 في"الأصل", و"ر": (الناس بنو آدم خلق من تراب) . وفي بقية النسخ: (خلقوا من تراب) . وقد أضفت ما بين القوسين من مصادر الحديث. 3 [147 ح] "سنن الترمذي": (5 / 734, ح 3955) , كتاب المناقب, باب فضل الشام واليمن."سنن أبي داود": (5 / 340) , كتاب الأدب, باب في التفاخر بالأحساب. الحديث: من طريق أبي هريرة- رضي الله عنه-. والحديث- كما ترى- قد حسنه الترمذي, ووافقه الألباني. انظر:"صحيح سنن الترمذي": (3 / 254, ح 3100) . انظر بقية تخريجه في الملحق. 4 وأما العين فتضم وتكسر. انظر:"غريب الحديث"للخطابي: (1 / 290) , وانظر:"معالم السنن في سنن أبي داود"في موضع الحديث. 5"مسند الربيع بن حبيب": (2 / 8, ح 419) , وانظر:"إتحاف السادة المتقين": (8 / 419) .

أكثرهم ذكرا للموت وأحسنهم استعدادا، قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 1.2 قال الشاعر: بي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم3 وقال آخر:4 لعمرك ما الإنسان إلا ابن دينه ... فلا تترك التقوى اتكالا على النسب وقد رفع الإسلام سلمان الفارسي ... كما وضع الشرك اللعين أبا لهب5 وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديا ينادي: ألا إني جعلت نسبا وجعلتم نسبا،

_ 1 سورة الحجرات، الآية: 13. 2 [148 ح] "سنن ابن ماجه": (2 / 1423, ح 4259) , كتاب الزهد, باب ذكر الموت والاستعداد له."معجم الطبراني الصغير":"مجمع الزوائد": (10 / 309) . إلا أن الحديث قد صدر فيهما بـ"أي المؤمنين أكيس؟ أو من أكيس الناس؟ ". والحديث عن ابن عمر. والحديث قال فيه الهيثمي: (إسناده حسن) . وحسنه الألباني بمجموع طرقه. انظر:"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (3 / 372- 373, ح 1384) . انظر بقية تخريجه في الملحق. 3 ذكر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في"الأضواء": (7 / 635) أنه ينسب إلى سلمان الفارسي. وانظر:"الكامل"للمبرد: (3 / 179) , و"شعر الخوارج"لعبد الرزاق حسين: (ص 35) , وقد نسباه إلى نهار بن توسعة. 4 قوله: (وقال آخر) سقطت من"ر", وهي ثابتة في بقية النسخ. 5 انظر:"جامع العلوم والحكم"لابن رجب: (ص 305) , وانظر:"ديوان علي ابن أبي طالب"المنسوب إليه: (ص 12) .

والاستسقاء بالنجوم، والنياحة، وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب".

_ فجعلت أكرمكم أتقاكم فأبيتم إلا أن تقولوا: فلان ابن فلان خير من فلان ابن فلان، فاليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم، أين المتقون" وفي رواية: "فليقم المتقون"1 وعن جابر- رضي الله عنه- قال: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق، فقال: يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ألا هل بلغت، قالوا: نعم يا رسول الله، قال: فليبلغ الحاضر الغائب "2 {والاستسقاء بالنجوم، والنياحة} على الميت {وقال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب "3

رواه مسلم.

_ رواه مسلم.12 السربال3 والدرع كالقميص. وفي رواية: "تجيء النائحة يوم القيامة تنبح كنبح الكلاب4") وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة "5

ولهما عن زيد بن خالد- رضي الله عنه- قال: "صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل

_ واعلم أن النياحة رفع الصوت بالندب، وهو تعديد النادبة محاسن الميت، وقيل: هو البكاء مع تعديد محاسنه. تنبيه: يحرم تهيئة الطعام للنائحات؟ لأنه إعانة على معصية {ولهما عن زيد بن خالد1 رضي الله عنه قال: صلى لنا رسول الله2 صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية} قال النووي: الحديبية معروفة، وهي بئر قريب من مكة دون مرحلة، ويجوز فيها تخفيف الياء وتشديدها، والتخفيف هو الصحيح المختار، وهو قول الشافعي وأهل اللغة، والتشديد قول وهب3 وأكثر المحدثين.4 {على إثر سماء كانت من الليل} السماء هنا: المطر؟ لأنه نزل منها، قال الشاعر:

فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي، كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي

_ إذا سقط السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا1 وقال غيره:2 عصت عاد رسولهم فأمسوا ... عطاشا ما تبلهم السماء والإثر- بكسر الهمزة، وإسكان الثاء، ويقال: [بفتحهما] ،3 لغتان4 "فلما انصرف أقبل على الناس فقال:" هل تدرون ماذا قال ربكم؟ "قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: 5 "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي

مؤمن بالكوكب"

_ مؤمن بالكوكب 1"2} النوء: واحد الأنواء من المنازل، وهي الكواكب الثمانية والعشرون التي هي منازل القمر، كانوا يزعمون أن القمر إذا نزل بعض تلك الكواكب مطروا، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم قولهم، وجعل سقوط المطر3 من فعله سبحانه دون فعل غيره، وقيل: النوء سقوط نجم من المنازل يقال: [ناء] 4 النجم ينوء إذا سقط وغاب، وقيل: ناء إذا ظهر وطلع.5 قال العلماء- رحمهم الله تعالى-: إن قال مسلم مطرنا بنوء كذا مريدا أن النوء هو الموجد والفاعل المحدث للمطر صار كافرا مرتدا مسلوب الإيمان خارجا عن ملة6 الإسلام بلا شك.7

وإن قال مريدا أنه علامة لنزول المطر فينزل المطر عند هذه العلامة ونزوله بفعل الله تعالى وخلقه لم يكفر، والمختار أنه مكروه; لأنه من ألفاظ الكفار، ومن شعار الجاهلية. وهذا ظاهر الحديث، ونص عليه الشافعي- رحمه الله تعالى-. قال في"الأم"- وغيره والله أعلم-: (فمن لا يعتقد تدبيره وتأثيره فيكون المراد بالكفر كفر النعمة لله تعالى، لاقتصاره على إضافة الغيث إلى الكواكب) .1 ويؤيده حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-: " ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق بها كافرين "2 فقوله:"بها" يدل على أنه كفر بالنعمة، والله أعلم.

_ 1 انظر:"الأم"للشافعي: (1 / 252) , ونص قول الشافعي رحمه الله: (وأرى معنى قوله - والله أعلم-: أن من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك إيمان بالله لأنه يعلم أنه لا يمطر ولا يعطي إلا الله عز وجل, وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه أمطره نوء كذا فذلك كفر, كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن النوء وقت والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئا ولا يمطر ولا يصنع شيئا, فأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا على معنى مطرنا بوقت كذا فإنما ذلك كقوله مطرنا في شهر كذا ولا يكون هذا كفرا وغيره من الكلام أحب إليَّ منه) . 2 [153 ح] "صحيح مسلم مع شرح النووي": (2 / 421- 422, ح 126 / 72) , كتاب الإيمان, باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء."سنن النسائي": (3 / 164, ح 1524) , باب كراهة الاستمطار بالكوكب. ولفظه يختلف يسيرا. انظر بقية التخريج في الملحق.

ولهما من حديث ابن عباس بمعناه، وفيه قال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، فأنزل الله هذه الآية: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}

_ {ولهما من حديث ابن عباس} - رضي الله عنهما- {بمعناه، وفيه قال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، فأنزل الله هذه الآية: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} إلى قوله: {تُكَذِّبُونَ} 1 2 3"وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو أمسك الله القطر عن عباده خمس سنين لأصبحت طائفة من الناس كافرين يقولون: سقينا بنوء المجدح " أخرجه النسائي،4 المجدح- بكسر الميم وسكون الجيم

باب قول الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله}

باب قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} الآية. وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ.

_ آخرها حاء مهملة-: نجم يقال له: الدبران.1 {باب) قول الله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} 2 الآية تقدم تفسيرها في باب تفسير التوحيد، وشهادة أن لا إله إلا الله3 وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ} وقرئ على الجمع وعشيراتكم،4 العشيرة: الأدنون

وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ

_ من أهل الإنسان الذين يعاشرونه دون غيرهم1 {وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا} يعني: اكتسبتموها2 {وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا} يعني: بفراقكم لها3 {وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا} يعني: تستوطنوها راضين بسكناها4 {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} يعني: أحب إليكم من الهجرة إلى الله ورسوله {وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ} 5 قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} 6 الآية، أي: فرض عليكم الجهاد. روى البخاري ومسلم عن أبي ذر " أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله (7 وفي مسلم والترمذي والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة قال: " قيل يا رسول الله، أخبرنا

َتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} .

_ بما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: لا تستطيعونه، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القائم الصائم القانت بآيات الله لا يفتر في صيام وصلاة حتى يرجع المجاهد إلى أهله 1.2") {فَتَرَبَّصُوا} أي: فانتظروا3 {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} 4بقضائه، وهذا أمر تهديد وتخويف5 {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} 6 يعني: الخارجين عن طاعته،7 بين الله سبحانه وتعالى أنه يجب تحمل المضار في الدنيا ليبقى

الدين سليما، وأنه يجب على المسلم ترجيح مصالح الدين على مصالح الدنيا، ويقدمها. ومن دقائق أسرار التوحيد الغامضة المحبة لله وإلى هذا المقام أشار في خطبته صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة حيث قال: " أحبوا الله من كل قلوبكم "1 وعلامة محبة الله تعالى متابعة نبيه صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} 2 قال الشاعر: تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا لعمري في القياس بديع لو كان حبك صادقا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع في كل يوم يبتديك بنعمة ... منه وأنت لشكر ذاك مضيع3 قال الحسن: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنا نحب ربنا حبا شديدا فأحب الله أن يجعل فيه علما فأنزل الله هذه الآية4 "عن أبي الدرداء.....

_ 1"دلائل النبوة"للبيهقي: (2 / 524- 525) , وانظر:"كلمة الإخلاص"لابن رجب: (ص 36) ,"سير ابن هشام": (2 / 146- 147) , وانظر:"كنز العمال": (16 / 124- 125, ح 44147) . والحديث من طريق أبي سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف. 2 سورة آل عمران، الآية: 31. 3 انظر:"كتاب الشفا"للقاضي عياض: (2 / 9- 10) , وانظر:"تفسير الآلوسي": (3 / 129) , وقد نسبها الآلوسي إلى الوراق. وذكره الغزالي في"الإحياء": (5 / 321) , وهو في"ديوان الشافعي": (ص 55) , وهو في"جامع العلوم والحكم منسوبا إلى بعض المتقدمين. انظر: (ص 397) . 4 يعني بال، الآية قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ ... } الآية: 24 من سورة التوبة. انظر:"تفسير الطبري": (3 / 3 / 232) , و"تفسير ابن الجوزي": (1 / 373) , و"تفسير السيوطي": (2 / 178) , و"كلمة الإخلاص"لابن رجب: (ص 33) .

عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " أخرجاه.

_ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان من دعاء داود عليه الصلاة والسلام: اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي، ومن الماء البارد " رواه الترمذي،1 وقال: حديث حسن. {عن أنس) بن مالك- رضي الله عنه- {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " [أخرجاه] .23 اعلم أن محبة نبينا صلى الله عليه وسلم شرط للإيمان حتى يكون أحب إليك من ولدك ووالدك والناس أجمعين، ومن نفسك أيضا.

ولهما عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما

_ عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي التي بين جنبي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه فقال عمر: والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم الآن يا عمر "1 وسئل علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ "2 وحقيقة المحبة له صلى الله عليه وسلم متابعته والانقياد لسنته وعدم مخالفته. {ولهما عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاث من كن فيه وجد3 حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما " ومن هنا يعلم أنه لا تتم شهادة أن لا إله إلا الله إلا4 بشهادة أن محمدا رسول الله، فإنه

إذا علم أنه لا تتم محبة الله إلا بمحبة رسوله وكراهة ما يكرهه، ولا طريق إلى معرفة ما يحبه وما يكرهه إلا من جهة محمد المبلغ عن الله ما يحبه وما يكرهه، فصارت محبة الله مستلزمة لمحبة رسوله وتصديقه ومتابعته، ولهذا قرن الله1 بين محبته ومحبة رسوله في الآية الكريمة التي في أول الباب، كما قرن بين طاعته وطاعة رسوله في مواضع كثيرة من القرآن.2 [سئل ذو النون3 متى أحب ربي؟ قال: إذا كان ما يبغضه عندك أمر من الصبر] 45 واعلم أنه ورد أدلة من الكتاب والسنة بوجوب محبة أهل البيت عليهم السلام6 واحترامهم قال الله تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} 7 وقال صلى الله عليه وسلم في حديث: "أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي- كررها ثلاثا " رواه مسلم.

_ 1 لفظ الجلالة: (الله) سقط من"ر". 2"كلمة الإخلاص"لابن رجب: (ص 42- 43) . 3 هو: ثوبان بن إبراهيم المصري أبو الفياض أو أبو الفيض أحد الزهاد العباد المشهورين من أهل مصر, كانت له فصاحة وحكمة وشعر, قال السلمي: ذو النون أول من تكلم ببلدته في ترتيب الأحوال ومقامات الأولياء, فهجره علماء مصر, مات سنة 245 هـ, وقيل: 246 هـ, في مصر. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (11 / 532- 536) ,"تاريخ بغداد": (8 / 393- 397) ,"وفيات الأعيان": (1 / 315- 318) . 4 ما بين القوسين ألحقته من بقية النسخ الأخرى غير"الأصل". 5"حلية الأولياء": (9 / 363) , و"كلمة الإخلاص"لابن رجب: (ص 31) . 6 التعبير بـ (عليه السلام) لغير الأنبياء تقدم التنبيه عليه: (ص 21) . 7 سورة الشورى، الآية: 23.

وغيره،1 وقال صلى الله عليه وسلم " أحبوا أهل بيتي بحبي " أخرجه الترمذي وحسنه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم.2 وقال صلى الله عليه وسلم للعباس- رضي الله عنه-: " والذي نفسي بيده لا يدخل الإيمان قلب رجل حتى يحبكم الله ورسوله " رواه الإمام أحمد والحاكم وصححه3 إلى غير ذلك من الأحاديث النبوية.4

_ 1 [158 ح] "صحيح مسلم مع شرح النووي": (15 / 188-189, ح 36) , كتاب فضائل الصحابة, باب 4."مسند الإمام أحمد": (4 / 367) . انظر بقية التخريج في الملحق. 2 [159 ح] "سنن الترمذي": (5 / 664, ح 3789) , كتاب المناقب, باب في مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم."المستدرك"للحاكم: (3 / 149- 150) , كتاب معرفة الصحابة. الحديث مروي عن ابن عباس. والحديث قال عنه الترمذي: حديث حسن غريب. وقال عنه الحاكم: صحيح على شرط البخاري ومسلم, وقد نقله الشارح عنهما كما ترى. وقد وافق الذهبي الحاكم على ذلك في"التلخيص". انظر بقية التخريج في الملحق. 3"مسند الإمام أحمد": (1 / 207) , و"مستدرك الحاكم": (3 / 333) , و"سنن الترمذي": (5 / 652, ح 3758) , كتاب المناقب, باب مناقب العباس. والحديث قال الحاكم: (يزيد وإن لم يخرجاه فإنه أحد أركان الحديث في الكوفيين) . وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح) . وضعف الألباني هذا الجزء من الحديث. انظر:"مشكاة المصابيح": (3 / 1735- 1736, ح 6147) , كتاب المناقب, باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. 4 الأسطر الماضية من قوله: (واعلم أنه ورد أدلة من الكتاب والسنة بوجوب محبة أهل البيت ... إلى هنا) من"الأصل", وقد سقط من النسخ الأخرى.

وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله

_ " وأن يحب المرء" المسلم " لا يحبه إلا لله" قال صلى الله عليه وسلم " المتحابون في الله على كراسي من ياقوت حول العرش "1 وقال صلى الله عليه وسلم " المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى رأسه اشتكى كله، وإن اشتكى عينه اشتكى كله "2 قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} 3 وقال: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} 4 عن النعمان بن بشير5 رضي الله عنه مرفوعا: "مثل

المؤمنين في توادهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "1 عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله تعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي " رواه أحمد ومسلم،2 وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو أن رجلين3 تحابا في الله عز وجل واحد في المشرق وآخر في المغرب لجمع الله بينهما يوم القيامة يقول: هذا الذي كنت تحبه في 4") وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى

_ 1 [160 ح] "صحيح البخاري مع الفتح": (10 / 438, ح 6011) , كتاب الأدب, باب رحمة الناس والبهائم."صحيح مسلم مع شرح النووي": (16 /376, ح 66) , كتاب البر والصلة, باب تراحم المؤمنين. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق. 2"مسند الإمام أحمد": (2 / 338) . و"صحيح مسلم مع شرح النووي": (16 / 359, ح 37 / 2566) , كتاب البر والصلة والأدب, باب فضل الحب في الله."سنن الدارمي": (2 / 221, ح 276) , كتاب الرقائق, باب المتحابين في الله. 3 هكذا في"الأصل": (رجلين) , وفي بقية النسخ: (عبدين) , وهو موافق لما في"شعب الإيمان"و"المشكاة", وقد جاء بلفظ: (رجلين) في"تفسير ابن كثير": (4 / 144) . 4"مشكاة المصابيح": (3 / 1398, ح 5024) ,"شعب الإيمان"للبيهقي: (6 / 492, ح 9022) ,"تفسير ابن كثير": (4 / 144) .

وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه منه كما يكره أن يقذف في النار ".

_ تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم " رواه مسلم.1 {وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقده الله منه} بالإسلام {كما يكره أن يقذف2 في النار 3 4"} ومن لم يكن كذلك كان ممن يعبد الله على حرف إن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة، لأن إيمانه ضعيف، ولم يحسن إسلامه.

وعن ابن عباس- رضي الله عنهما-[قال] : "من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك".

_ {وعن ابن عباس- رضي الله عنهما-[قال] 1 "من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك"2 عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "يا أبا ذر أي عرى الإيمان أوثق؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: الموالاة في الله، والحب في الله، والبغض في الله " رواه البيهقي في"شعب الإيمان"3. وعن أبي ذر- رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتدرون أي الأعمال أحب إلى الله تعالى؟ " قال قائل: الصلاة والزكاة، وقال قائل: الجهاد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن أحب الأعمال إلى الله تعالى

وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئا رواه ابن جرير. وقال ابن عباس في قوله: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} قال: المودة.

_ الحب في الله والبغض في الله " رواه أحمد.1 والحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله، والمعاداة في الله، أصل من أصول الدين وبهما يكمل الإيمان. {وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئا رواه ابن جرير.2 وقال ابن عباس} رضي الله عنهما- {في قوله: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} 3 قال:"المودة"4} .

باب قول الله تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}

باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين} .

_ {باب} {قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} يعني: الشيطان يخوفكم يا معشر المؤمنين بأوليائه،1 وقيل: معناه يعظم أولياءه في صدوركم فتخافوهم2 3 {فَلا تَخَافُوهُمْ} يعني: فلا تخافوا أولياء الشيطان، ولا تقعدوا عن قتالهم ولا تجبنوا عليهم4 {وَخَافُونِ} أي: فجاهدوا في سبيلي مع رسولي فإني وليكم وناصركم5 {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين} 6 مصدقين بوعدي أني متكفل7 لكم بالنصر والظفر8 وإخلاص الخوف من الله تعالى من الفرائض ومن شروط الإيمان. قال الفضيل بن عياض: من خاف الله خافه كل شيء، ومن لم يخف من الله خوفه من كل شيء9

وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ

_ {وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} بين في1 هذه الآية من هو المستحق لعمارة المساجد، وهو من آمن بالله، فإن الإيمان شرط فيمن يعمر المسجد لأنه2 يعبد الله فيه، فمن لم يكن مؤمنا بالله امتنع أن يعمر مسجدا لله يعبد الله فيه،34 وقوله: {وَالْيَوْمِ الآخِرِ} يعني: وآمن باليوم الآخر أنه حق كائن لأن عمارة المسجد لأجل عبادة الله عز وجل وجزاء أجره إنما يكون في الآخرة، فمن أنكر الآخرة لم يعبد الله، ولم يعمر له مسجدا5 والإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم داخل في الإيمان بالله، فإن من آمن بالله واليوم الآخر فقد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم6 {وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} وكان ذلك مما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن أقام الصلاة وآتى الزكاة فقد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم7 وقوله تعالى

لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} وقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ

_ {وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ} 1 2يعني: ولم يخف في الدين غير الله، ولم يترك أمرا لخشية الناس.3 {وقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ} أي: أصابه بلاء من الناس افتتن {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} 4 أي: جعل أذى الناس وعذابهم كعذاب الله في الآخرة، والمعنى: أنه جزع من أذى الناس، ولم يصبر عليه، فأطاع الناس كما يطيع الله تبارك وتعالى من يخاف من عذابه56 وهو المنافق إذا أوذي في الله، رجع عن الدين وكفر7 {وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ} أي: وقع فتح ودولة للمؤمنين {لَيَقُولُنَّ} يعني: هؤلاء المنافقين للمؤمنين {إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} أي: على عدوكم، وكنا مسلمين، وإنما أكرهنا حتى قلنا ما قلنا8 فأكذبهم الله تعالى فقال

أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- مرفوعا: " إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله وأن تحمدهم على رزق الله

_ تعالى {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ} أي: من الإيمان والنفاق {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} 1 أي: صدقوا فثبتوا على2 الإسلام عند البلاء، قيل: نزلت هذه الآية في أناس كانوا يؤمنون بألسنتهم، فإذا أصابهم بلاء من الناس، أو مصيبة في أنفسهم افتتنوا3. } عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- مرفوعا:"إن من ضعف اليقين أن ترضى الناس بسخط الله4 {وذلك بأن تترك شيئا أوجبه الله عليك، أو تفعل شيئا حرمه الله عليك خوفا أو رجاء لغير الله تعالى، وتؤثر رضا المخلوق بما يسخط الخالق، وهو من ضعف اليقين، وعدم التصديق بوعد الله ووعيده} وأن تحمدهم على رزق الله {لأنهم لا يستحقون الحمد والثناء، فصرفك الثناء الذي يستحقه المنعم إلى من لا يستحقه من ضعف اليقين أيضا. قال الشاعر: لا تخضعن لمخلوق على طمع ... فإن ذلك نقص منك في الدين

وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله، إن رزق الله لا يجره حرص حريص ولا يرده كراهية كاره"

_ واسترزق الله مما في خزائنه ... فإن ذلك بين الكاف والنون1 [ما لله موليك فضل فاحمدنه ... فما لدى غيره نفع ولا ضرر] 2 3 {وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله} قال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} 4 ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع " {إن رزق الله لا يجره حرص حريص ولا يرده كراهية كاره} 5") لأن الرزق الذي قسمه الله وكتبه له وهو في بطن أمه لا يزيد ولا ينقص قال الشاعر: أتعبت نفسك فيما لست تدركه ... وضاع عمرك في هم وفي نكد

وعن عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس"

_ لو طرت بين السماء والأرض مجتهدا ... في شربة الماء فوق الرزق1 لم تجد هون عليك فإن الرزق على قدر ... يأتي ولو أنه في جبهة الأسد وقال آخر: إني لأعلم والأرزاق جارية ... أن الذي هو رزقي سوف يأتيني أسعى له فيعنيني تطلبه ... ولو قعدت أتاني لا يعنيني2 وعن عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس" لأنه آثر دينه على دنياه وآثر رضاء الله على رضا الناس، ووالى وعادى في الله تعالى، فرضي الله عنه جزاء وفاقا، وزاده فأرضى عنه الناس تفضلا منه وتكرما "ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط [السخط: هو الغضب وهو ضد الرضا] ،3 عليه الناس" عامله الله بنقيض4 ما أراد من

رواه ابن حبان في"صحيحه".

_ الناس، فأسخطهم عليه عقوبة [له] ،1 {رواه ابن حبان في"صحيحه"2} . واعلم أن من التمس رضا الناس بسخط الله فقصده الدنيا وحطامها فيصير من عبيدها، ومن عبيد الهوى الذين أطاعوا هواهم وعصوا مولاهم، قال صلى الله عليه وسلم " تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش (3 عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله عبد الدينار، وعبد الدرهم " رواه الترمذي.4

باب قول الله تعالى: {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}

باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

_ {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} 1 {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} 2 وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} 3 {باب} {قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 4 التوكل من الفرائض ومن شروط الإيمان وهو تفويض الأمر إلى الله تعالى ثقة بحسن تدبيره، وهو مقام عظيم من مقامات5 الأبرار، قال ذو النون: "التوكل هو خلع الأرباب وقطع الأسباب، وهو التعلق بالله في كل الأحوال فيكون الإنسان بين يدي الله تعالى كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء"6

وقول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ

_ {وقول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} من الله تعالى في هذه الآية ذكر1 صفات المؤمنين وأحوالهم فقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} ولفظة: {إنما} تفيد الحصر، والمعنى: ليس المؤمنين الذين يخالفون الله ورسوله إنما المؤمنون الصادقون في إيمانهم الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، أي: خضعت وخافت ورقت قلوبهم، وقيل: إذا خوفوا بالله انقادوا خوفا من عقابه، وقال أهل الحقائق:2 الخوف على قسمين: خوف العقاب وهو خوف العصاة، وخوف الهيبة والعظمة وهو خوف الخواص لأنهم يعلمون عظمة الله عز وجل فيخافونه أشد خوفًا.

وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً.

_ وأما العصاة فيخافون عقابه، فالمؤمن إذا ذكر الله وجل قلبه وخاف على قدر مرتبته في ذكر الله عز وجل.1 والخوف ثمرة التوحيد، قال بعض العلماء: الخوف سوط يسوق الخائف إلى المقامات المحمودة.2 وقوله تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} أي: إذا قرئ عليهم آيات القرآن زادتهم تصديقا،3 والإيمان هو التصديق بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالجوارح، ويقبل الزيادة والنقص لقوله تعالى:

{وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} وقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}

_ {زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} وإذا قبل الزيادة قبل النقص.1 قال الشيباني2 رحمه الله في"عقيدته": إيماننا قول وفعل ونية ويزداد بالتقوى وينقص بالردى3 وقوله تعالى: {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} 4 يعني: يفوضون جميع أمورهم إليه، ولا يرجون غيره، ولا يخافون سواه. واعلم أن المؤمن إذا كان واثقا بوعد الله ووعيده كان من المتوكلين عليه لا على غيره، وهذه درجة عالية ومرتبة شريفة. وهذه المراتب الثلاث- أعني: الوجل عند ذكر الله، وزيادة الإيمان عند تلاوة القرآن، والتوكل على الله- من أعمال القلوب. {وقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 5}

وقوله: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ

_ أي: كافيك وكافي من اتبعك من المؤمنين.1 روى سعيد بن جبير عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن هذه الآية نزلت في إسلام عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-، قال سعيد بن جبير: أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة، ثم أسلم عمر فنزلت هذه الآية.2 فعلى هذا القول تكون الآية مكية كتبت في سورة مدنية بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم3 وقيل: أراد بقوله: {وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الأنصار.4 والآية نزلت بالمدينة، وقيل: أراد جميع المهاجرين والأنصار.5 {وقوله: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} 6يعني: من يثق بالله فيما نابه كفاه ما أهمه، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا "7

{إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار

_ (إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} أي: منفذ أمره وممض في خلقه ما قضاه {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} 1 أي: جعل لكل شيء من شدة أو2 رخاء أجلا3 ينتهي. قال مسروق4 في هذه الآية (إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} توكل عليه أم لم يتوكل عليه غير أن المتوكل يكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجرا.56 (عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار" قال: وقد حقق ذلك حيث لم

وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا [له] {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} " رواه البخاري والنسائي.

_ يستعن بأحد من الملائكة حين ألقي في النار وفوض أمره إلى الله وقد استقبله جبريل عليه السلام وقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا فقال جبريل: فاسأل ربك فقال إبراهيم: [من] 1 سؤالي علمه بحالي حسبي الله ونعم الوكيل.2 {وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا [له] 3 {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً} أي تصديقا ويقينا4 {وَقَالُواحَسْبُنَا اللَّهُ} أي: كافينا الله5 {وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} 6 [رواه البخاري والنسائي] 78

باب قول الله تعالى: {أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون}

باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} وقوله: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ}

_ والتحسب لا يكون إلا لله عز وجل ولا يجوز أن يقال: أنا في حسب فلان.1 (باب) {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} 2 أي: إلا من خسر في أخراه وهلك3 مع الهالكين.4 {وقوله: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ} 5 يعني: من ييأس من رحمة ربه إلا المكذبون،6 وأخبر أن القانط من رحمة الله ضال; لأن القنوط من رحمة الله كبيرة كالأمن من مكر الله، ولا يحصل إلا7 عند من جهل كون أن8 الله تعالى قادر على ما يريد.

عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "سئل عن الكبائر فقال: الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله ". وعن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: " أكبر الكبائر الشرك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله "

_ {عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " سئل عن الكبائر فقال:"الشرك بالله "1 أي: يعبد معه غيره من حجر، أو شجر، أو شمس، أو قمر، أو نبي، أو شيخ، أو جني، أو نجم، أو غير ذلك." واليأس من روح الله " أي: من رحمة الله والأمن من مكر الله 2 أي: عقوبته. {وعن3 ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: " أكبر الكبائر الشرك4 بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله "

رواه عبد الرزاق.

_ رواه عبد الرزاق1} وأخرجه ابن2 أبي حاتم.3 قال الله تعالى: {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} 4 اعلم أنه لا يجوز أن يظن العاصي أنه لا مخلص له من العذاب فإن اعتقد ذلك فهو قانط من رحمة الله; لأن لا أحد من العصاة إلا ومتى تاب زال عقابه، وصار من أهل المغفرة والرحمة.

باب الإيمان بالله والصبر على قدر الله

باب الإيمان بالله والصبر على قدر الله وقوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} قال علقمة: هو الرجل تصيبه

_ روي "عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنه دخل المسجد فإذا قاص يقص1 وهو يذكر النار والأغلال، فقام على رأسه فقال: لم تقنط الناس؟ ثم قرأ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} 2") {باب الإيمان بالله والصبر على قدر الله4} {وقوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} 5 6} قال الشيخ- رحمه الله تعالى-: {قال علقمة:7 هو الرجل تصيبه

المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم. [وفي صحيح مسلم] ، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت "

_ المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم) 1. 2 {عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت "3 قال الله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} 4 حكي عن بعض العلماء العاملين المخلصين، قال: النسب نسبان: نسب طيني، ونسب ديني، فالنسب الديني أفضل من النسب الطيني، فالعلماء ورثة الأنبياء كما في الحديث5؟ لأن الميراث ينتقل للأقرب، وأقرب الأمة في نسب الدين

العلماء- رضي الله عنهم-. عن عياض بن حمار1 الصحابي- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد "2 وفي الحديث: " من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه "3.

_ 1 هو: عياض بن حمار ابن أبي حمار المجاشعي التميمي, الصحابي, كان صديقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قديما وروى عنه, وعنه مطرف ويزيد ابنا عبد الله بن الشخير وله حديث عند مسلم, عاش إلى حدود الخمسين. انظر ترجمته في:"الاستيعاب مع الإصابة": (9 / 66- 67) ,"أسد الغابة": (4 / 22- 23) ,"طبقات ابن سعد": (7 / 36) ,"تهذيب التهذيب": (8 / 200) . 2 [168 ح] "صحيح مسلم مع شرح النووي": (17 / 205- 206, ح 64 / 2865) , كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها, باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار. و"سنن أبي داود": (5 / 203, ح 4895) , كتاب الأدب, باب في التواضع. انظر بقية تخريجه في الملحق. 3 [169 ح] وهو حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو هريرة- رضي الله عنه-. انظر خ في"صحيح مسلم مع شرح النووي": (17 / 24- 25, ح 38 / 2699) , كتاب الذكر والدعاء, باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر. وفي"سنن أبي داود": (4 / 59, ح 3643) , كتاب العلم, باب الحث على طلب العلم. انظر بقية تخريجه في الملحق.

ولهما عن ابن مسعود- رضي الله عنه- مرفوعا: " ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية "

_ {ولهما عن ابن مسعود- رضي الله عنه- مرفوعا: " ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب " أي: ليس في كمال الإيمان بالقدر والصبر على المصائب من ضرب خده، وشق جيبه عند المصيبة (ودعا بدعوى الجاهلية1 أي: يدعو لعصبية حمية وأنفة، ولما قال المهاجري: [يا] 2 للمهاجرين، وقال الأنصاري: [يا] ،2 للأنصار،3 قال النبي صلى الله عليه وسلم:

وعن أنس- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أراد الله بعبده الخير، عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة "

_ "أبدعوى1 الجاهلية وأنا بين أظهركم، وغضب لذلك غضبا شديدا"2 وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أراد الله بعبده الخير، عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد3 بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة "4. وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة " رواه أحمد وابن ماجه

وابن أبي شيبة.12 وعن سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- قال: " قلت: يا رسول الله، أي [الناس أشد] 3 بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، - يبتلى الرجل على حسب دينه " رواه الترمذي، وصححه ابن حبان والحاكم4

_ 1 [173 ح] "مسند الإمام أحمد": (2 / 287, 450) ."مصنف ابن أبي شيبة": (3 / 231) . ولم أجده في"سنن ابن ماجه", ولم أجد في الفهارس نسبته إليه, فلعله سهو من الشارح صلى الله عليه وسلم. والحديث أخرجه ابن حبان في"صحيحه":"الإحسان": (4 / 254, ح 2913) . وقال الترمذي في"سننه": (4 / 602, ح 2399) : هذا حديث حسن صحيح. ووافقه الألباني في"صحيح سنن الترمذي": (2 / 286, ح 1957) . انظر بقية تخريج الحديث في الملحق. 2 هو: عبد الله بن محمد بن القاضي أبي شيبة- أبو بكر- العبسي, من مؤلفاته:"المصنف"و"المسند"و"التفسير", أخوه الحافظ عثمان ابن أبي شيبة, وابن أخيه هذا محمد بن عثمان ابن أبي شيبة صاحب كتاب"العرش", فهو بيت علم, وهو من أقران الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وعلي بن المديني, توفي سنة 235 هـ. انظر ترجمته في:"تاريخ بغداد": (10 / 66- 71) ,"تهذيب التهذيب": (6 / 2- 4) ,"سير أعلام النبلاء": (11 / 122- 127) . 3 في"الأصل": (أي: أشد الناس) , وهو خطأ من الناسخ, والصواب الموافق للأصول ما أثبته من بقية النسخ. 4 [174 ح] "سنن الترمذي": (4 / 601- 602, ح 2398) , كتاب الزهد, باب ما جاء في الصبر على البلاء. و"صحيح ابن حبان":"الإحسان": (4 / 253, ح 2890) , (4 / 352, ح 2910) . و"مستدرك الحاكم": (1 / 41) , كتاب الإيمان. والحديث قال عنه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه ابن حبان كما ترى, ولم يتكلم عنه الحاكم, وعلق الذهبي عليه بقوله: وله شواهد كثيرة, ووافق الألباني الترمذي فقال في"صحيح سنن الترمذي" (2 / 286, ح 1956) : حسن صحيح, وانظر:"السلسلة الصحيحة": (1 / 225, ح 143) . انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

وفي لفظ:" الأنبياء، قال ثم من؟ قال: العلماء، قال ثم من؟ قال: الصالحون "1. عن إبراهيم2 السلمي3 عن أبيه عن جده4 قال: قال رسول الله

_ 1 [175 ح] "مستدرك الحاكم": (1 / 40) , كتاب الإيمان, بلفظه, وفي: (4 / 307) بدون قوله: (ثم من؟ قال: العلماء) . و"سنن ابن ماجه": (2 / 1334- 1335, ح 4024) , كتاب الفتن, باب الصبر على البلاء إلا أنه لم يأت فيه ذكر العلماء. والحديث بهذا اللفظ عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه-. والحديث سكت عنه الحاكم في الموضع الأول, وفي الموضع الثاني قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه, وقال الذهبي في الموضعين: على شرط مسلم. وصححه الألباني, انظر:"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (1 / 226, ح 144) . انظر بقية التخريج في الملحق. 2 هو: إبراهيم بن مهدي المصيصي بغدادي الأصل, صاحب حديث روى عن حماد بن زيد وأبي المليح وإبراهيم بن سعد, وعنه أبو داود وأحمد بن حنبل وابن أبي الدنيا, توفي سنة 225 هـ, وقيل: 224 هـ. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (1 / 169) ,"الجرح والتعديل": (2 / 138- 139) ,"سير أعلام النبلاء": (10 / 556- 557) . 3 يعني به هنا: محمد بن خالد كما يدل عليه سند الحديث في"سنن أبي داود", وليس إبراهيم الذي تقدمت ترجمته, ويؤيد ذلك ما ذكره ابن حجر في"التهذيب": أن أبا المليح قد روى عن محمد بن خالد المذكور حديثا في الرقى. أقول: وكذا الحديث المذكور هنا فإنه من رو، الآية أبي المليح عنه. انظر ترجمته في:"الجرح والتعديل": (7 / 242) ,"سنن أبي داود": (3 / 470) ,"تهذيب التهذيب": (9 / 145) . 4 الصواب هنا أن يقال: عن محمد بن خالد عن أبيه عن جده, وقد حصل اللبس على من = = نقله بسبب أن أبا داود قال في"السنن": حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي وإبراهيم بن مهدي المصيصي قالا: حدثنا أبو المليح عن محمد بن خالد. قال أبو داود: قال ابراهيم بن مهدي: السلمي عن أبيه عن جده- وكانت له صحبة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ذكر الحديث. فالذي ظهر لي أن أبا داود قد عرف بمحمد بن خالد بأن إبراهيم بن مهدي قد قال عنه بأنه السلمي فالتبس ذلك على البعض فظن أن السلمي هو إبراهيم. فالمقصود بالسلمي محمد بن خالد وهو الذي له صحبة كما ذكره أبو داود, وكما جاء في"التهذيب": (9 / 145) . وأما إبراهيم فقد توفي سنة 225 هـ, كما جاء في"سير أعلام النبلاء": (10 / 556) . وبسبب هذا الالتباس حكم الألباني على الحديث في"المشكاة": (1 / 493- 494, ح 1568) بأن سنده ضعيف, وقال بأن محمد بن خالد مجهول, وكان قد حكم عليه في"صحيح سنن أبي داود": (2 / 597, ح 2649) بالصحة. والصواب تصحيح الحديث لاتصال سنده, ولعدم جهالة محمد بن خالد, فالمجهول غيره.

صلى الله عليه وسلم "إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعلمه ابتلاه الله تعالى في جسده أو في ماله ثم صبره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى 1") كذا في "روضة المصابيح"2

_ 1 [176 ح] "سنن أبي داود": (3 / 470, ح 3590) , كتاب الجنائز, باب الأمراض المكفرة للذنوب"مسند الإمام أحمد": (5 / 272) . والحديث صحة روايته عن محمد بن خالد عن أبيه عن جده. والحديث صححه الألباني. انظر:"صحيح سنن أبي داود": (2 / 597, ح 2649) , وأحال على"السلسلة الصحيحة": (2599) . انظر بقية تخريجه في الملحق. 2 لعل الشارح أو الناسخ قد سها فكتب"روضة المصابيح"بدلا من"مشكاة المصابيح", فقد وجدت الحديث فيه أو أن هذا كتاب معروف للشارح لم أقف عليه.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط " حسنه الترمذي.

_ {وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء " يعني: أن كثرة الأجر من الله تعالى يوم القيامة مع كثرة البلاء الذي أصابه في الدنيا {وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم} أي: علامة حب الله العبد ابتلاؤه بالأمراض والمصائب بشرط الصبر عليها، والرضا بما قضاه وقدره {فمن رضي} بما قضاه الله {فله الرضا} بما يعطيه في الآخرة من الخير والكرامة جزاء وفاقا {ومن سخط بما قضاه وقدره عليه {فله السخط} لأن الجزاء من جنس العمل نسأل الله رضاه والجنة ونعوذ به من سخطه والنار حسنه الترمذي.1 وعن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سعادة ابن آدم رضاه بما قضاه الله له، ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضاه الله له " رواه أحمد والترمذي.2

في هذه الأحاديث بشارة عظيمة إذا ابتلى الله المؤمن وحمد1 الله تعالى وصبر. وفي الحديث: " عجبت من قضاء الله للمؤمن إن أصابه خير حمد الله وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد الله وصبر، فالمؤمن يؤجر في كل أمره "2 وفيها نذارة شديدة لمن لم يصبر ويرضى بحكمه ويسلم لقضائه، قال النبي صلى الله عليه وسلم " أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام، يا موسى، من لم يصبر على [قضائي] ،3 ولم يصبر على بلائي، ولم يشكر على نعمائي، فليخرج من أرضي وسمائي، وليطلب ربًّا سواي " خاتمة: اعلم أن الصبر والشكر من أركان الإيمان قال النبي صلى الله عليه وسلم "الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر"4 قال الله تعالى:

_ 1 في"ر"صحفت كلمة: (حمد) إلى: (رحمه) . 2"مسند الإمام أحمد": (1 / 173) ,"السنن الكبرى"للبيهقي: (3 / 376) ."معجم الطبراني الصغير"كما في"مجمع الزوائد": (7 / 209- 210) . والحديث عن سعد ابن أبي وقاص. والحديث قال عنه الهيثمي: رواه أحمد بأسانيد ورجالها كلها رجال الصحيح. 3 في"ر": (لمن لم يصبر على قضائي) . 4 [178 ح] "مسند الشهاب": (1 / 127- 128, ح 159) , باب 112."شعب الإيمان"للبيهقي: (7 / 123, ح 9715) . والحديث مروي عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-. والحديث رمز له السيوطي في"الجامع الصغير"بالضعف, انظره مع"الفيض": (3 / 188, ح 3106) . وقال الألباني في"السلسلة الضعيفة" (2 / 89, ح 625) : ضعيف جدا. انظر بقية تخريجه في الملحق.

{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} 1 وقال: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} 2 ومدح الله الصبر في القرآن في نيف وسبعين موضعا3 "وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: الصبر4") وقال [النبي] 5 صلى الله عليه وسلم " أفضل الأعمال الصبر "6 وقال صلى الله عليه وسلم "أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس "7 وقال

_ 1 سورة السجدة، الآية: 24. 2 سورة الزمر، الآية: 10. 3 انظر مواضع ذلك في:"المعجم المفهرس لألفاظ القرآن"حاشية على المصحف: (ص 507-509) . 4 [179 ح] انظر:"المغني عن حمل الأسفار مع الإحياء": (4 / 64) . والحديث قال العراقي عنه: أخرجه أبو منصور الديلمي في"مسند الفردوس"من رو، الآية يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا:"الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد", ويزيد ضعيف. وقد جاء الحديث بلفظ آخر أنه حينما سئل ما الإيمان؟ قال:"الصبر والسماحة". وهو في مصادر كثيرة انظر الملحق. 5 أضفت كلمة: (النبي) من بقية النسخ. 6 انظر:"الجامع الصغير مع الفيض": (2 / 29) . وقد أحاله المناوي في"الفيض"على البيهقي في"الزهد", وصحح إسناد تلك الرو، الآية, ولم أجدها في كتاب"الزهد"المطبوع بنصها. 7"إحياء علوم الدين": (4 / 64) . و"محاسبة النفس"لابن أبي الدنيا: (ص 82, ح 113) , وهو من كلام عمر بن عبد العزيز. قال العراقي في حاشيته على الإحياء"المغني عن حمل الأسفار": لا أصل له مرفوعًا إنما هو من قول عمر بن عبد العزيز. وفضيلة العمل مع كراهية النفس يحصل فيما لو حان الأمر الشرعي وكرهت النفس القيام به, لا أن يتكلف الإنسان إكراه نفسه على ما له فيه سعة ويظن أن في ذلك فضلا كمن يتوضأ بالماء البارد في الشتاء مع وجود الساخن.

صلى الله عليه وسلم " إذا أحب الله عبدا ابتلاه ببلية لا دواء لها، فإن صبر اجتباه، وإن رضي اصطفاه "1 قال ابن عباس- رضي الله عنهما-: "الصبر على ثلاثة: صبر على أداء فرائض الله فله ثلاث مائة درجة، وصبر عن محارم الله فله ستمائة درجة، وصبر في المصيبة عند الصدمة الأولى فله تسعمائة درجة"2.

_ 1 انظر:"إحياء علوم الدين": (4 / 305) , و"فردوس الأخبار": (1 / 311, ح 976) . قال العراقي في"تخريج الإحياء": (وذكره صاحب"الفردوس"من حديث علي ولم يخرجه ولده في"مسنده") . قال: والطبراني من حديث أبي عتبة إذا أراد الله بعبد خيرا ابتلاه وإذا ابتلاه اقتناه لا يترك له مالا ولا ولدا وسنده ضعيف. والاجتباء والاصطفاء من المترادفات كما جاء في"اللسان". انظر: (14 / 130- 131) , وانظر: (14 / 463) , ومن هذا الحديث على تقدير ثبوته يكون الاصطفاء درجة أعلى من الاجتباء. 2"الجامع الصغير"ضمن"فيض القدير": (4 / 234- 235, ح 5137) ."فردوس الأخبار": (2 / 577, ح 3662) بنحوه. وقد أحاله في"الجامع الصغير"إلى ابن أبي الدنيا في فضل الصبر, وأبو الشيخ في الثواب. والحديث لم أجد من رواه عن ابن عباس, وإنما روي عن علي- رضي الله عنه-. والحديث حكم عليه ابن الجوزي بالضعف. انظر:"الموضوعات": (3 / 184) . ورمز له السيوطي بالضعف. انظر:"الجامع"كما سبق. وحكم عليه الألباني بالضعف. انظر:"ضعيف الجامع": (ص 516- 517, ج 3532) .

باب ما جاء في الرياء

باب ما جاء في الرياء وقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}

_ {باب ما جاء في الرياء} {وقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: "علم الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم التواضع لئلا يزهو على خلقه، فأمره أن يقر فيقول: إني آدمي مثلكم إلا أنني خصصت بالوحي، فأكرمني الله به"1 {إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} لا شريك له في ملكه وألوهيته {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} أي: يخاف المصير إليه، وقيل: يؤمل رؤية ربه، فالرجاء هنا بمعنى الخوف والأمل جميعا.2 قال الشاعر: [فلا] كل ما [ترجو] من الخير كائن ... ولا كل ما [ترجو] ، من الشر واقع3 فجمع بين المعنيين. وقوله {فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً} أي: من حصل له رجاء لقاء الله والمصير إليه فليستعمل نفسه بالعمل الصالح {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} 4 أي: لا يرائي بعمله، ولما كان العمل الصالح قد يراد به وجه الله تعالى، وقد

عن أبي هريرة- رضي الله عنه- مرفوعًا قال الله تعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه " رواه مسلم.

_ يراد به الرياء والسمعة، اعتبر فيه قيدان، أحدهما: أن يراد به الله تعالى. والثاني: أن يكون مبرءا من جهة الشرك جميعا.1 عن جندب بن عبد الله البجلي- رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به " أي: شهره الله يوم القيامة، أخرجاه.2 {عن أبي هريرة- رضي الله عنه- مرفوعا قال الله تعالى: " أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك3 فيه غيري تركته وشركه " رواه مسلم4} . ولغير مسلم:"فأنا منه بريء، هو للذي عمله5"قال الكلبي6 في

قوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} 1 يعني: بالرياء والسمعة؟ لأن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم،2 وقال الفضيل: (ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما) 3. عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال ربكم: أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله، فمن اتقى أن يجعل معي إلها، فأنا أهل أن أغفر له " متفق عليه.4

_ 1 سورة محمد، الآية: 33. 2"تفسير البغوي": (4 / 47) . 3"شعب الإيمان"للبيهقي: (5/ 347 ح 6879) "حلية الأولياء": (8/ 95) "الأذكار"للنوي: (ص7) و"الكبائر"للذهبي: (ص11) . 4 [182 ح] لم أجد هذا الحديث في"صحيح البخاري"ولا في"صحيح مسلم", ويدل عليه كلام العلماء الآتي. والحديث في"سنن الترمذي": (5 / 340, ح 3328) , كتاب تفسير القرآن, باب من سورة المدثر. و"سنن ابن ماجه": (2 / 1437, ح 4299) , كتاب الزهد, باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة. والحديث قال فيه الترمذي: هذا حديث غريب, وسهيل ليس بالقوي في الحديث, قد تفرد بهذا الحديث عن ثابت. وقال الحاكم في"المستدرك" (2 / 508) : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الألباني في"طلال الجنة على كتاب السنة" (2 / 469, ح 969) : حديث حسن. وإسناده ضعيف, قال: وإنما حسنته لشاهد له. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

وعن أبي سعيد مرفوعًا: " ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى [يا رسول الله] ، قال: الشرك الخفي: يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل " رواه أحمد.

_ {وعن أبي سعيد} الخدري- رضي الله عنه- {مرفوعًا: " ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى، 1 قال: الشرك الخفي: يقوم الرجل 2 فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل " رواه أحمد} .3 قوله:"فيزين صلاته" يعني: بتطويلها، وزيادة الخشوع فيها، ليعتقد فيه من يراه أنه من أهل الدين والصلاح، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء"4

واعلم أن الرياء بأصل الإيمان أغلظ أبواب الرياء، وصاحبه مخلد في النار، وهو الذي يظهر الإسلام، ويبطن التكذيب، وهو النفاق الأكبر. والدرجة الثانية: أن يكون مصدقا بالله، ولكنه يرائي بالصلاة والزكاة والصوم، فهذا دون الأول. الدرجة الثالثة: الذي يرائي بالنوافل والسنن، ورد في الحديث: "أن أدنى الشرك أن تحب على شيء من الجور أو تبغض على شيء من العدل، وهل الدين إلا الحب في الله والبغض في الله"1 خاتمة فيما يذهبه: عن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الشرك فيكم يعني: أيها الأمة أخفى من دبيب النمل، وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره، تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم، تقولها ثلاث مرات "2

_ 1 [183 ح] "مستدرك الحاكم": (2 / 291) كتاب التفسير."تفسير ابن كثير": (1 / 366) ,"حلية الأولياء"لأبي نعيم: (8 / 368) . والحديث عن عائشة- رضي الله عنها-. والحديث قال فيه الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي, وقال: عبد الأعلى قال الدارقطني: ليس بثقة. وقال ابن الجوزي في"العلل المتناهية" (2 / 823, ح 1378) : لا يصح. وضعفه الألباني كما في"ضعيف الجامع": (ص 502, ح 3432) . انظر بقية تخريج الحديث والحكم عليه في الملحق. 2 [184 ح] "مسند أبي يعلى": (1 / 60- 62, ح 58) ,"الأدب المفرد"للبخاري: (ص 242, ح 717) ,"مسند أبي بكر الصديق": (ص 55- 56, ح 18) . والحديث قال الهيثمي في"مجمع الزوائد" (10 / 223- 224) : رواه أبو يعلى من رو، الآية ليث ابن أبي سليم عن أبي محمد عن حذيفة وليث مدلس, وأبو محمد إن كان هو الذي روى عن ابن مسعود أو الذي روى عن عثمان بن عفان فقد وثقه ابن حبان, وإن كان غيرهما فلم أعرفه, وبقية رجاله رجال الصحيح. وضعفه الألباني كما في"ضعيف الجامع": (ص 502, ح 3433) . وانظر بقية تخريجه في الملحق.

باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا وقول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا

_ {باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا} {وقول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} يعني: بعمله الذي يعمله من أعمال البر.1 نزلت في كل من عمل عملا يبتغي به غير الله تعالى2 يروى أن رجلا كان يلازم مسجد موسى عليه السلام فمسخ أرنبا، فسأل الله موسى أن يعيده إلى حالته، فأوحى الله تعالى إليه أنه كان يطلب الدنيا بالدين فمسخه الله أرنبا {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} يعني: أجور أعمالهم الذين عملوا لطلب الدنيا، وذلك أن الله تعالى يوسع عليهم في الرزق، ويدفع عنهم المكاره في الدنيا، وما أشبه ذلك3 {وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} يعني: أنهم لا ينقصون من أجور أعمالهم التي عملوها في الدنيا، بل يعطون أجورهم في الدنيا كاملة موفرة45 {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا}

وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

_ يعني: وبطل ما عملوا في الدنيا1 من أعمال البر2 {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 3 لأنه لغير الله تعالى. عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أول من يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: ما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال جريء فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت القرآن فيك، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال عالم، وقرأت القرآن4 ليقال هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها فقال: ما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، فقال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ذلك، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار "5

وفي الحديث أن معاوية1 لما بلغه هذا الحديث بكى حتى غشي عليه، فلما أفاق قال: صدق الله ورسوله، قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا....} الآية،2 وأغلظها أن يكون مقصد الإنسان التمكن من معصية الله تعالى كالذي يرائي بعبادته، ويظهر التقوى والورع وغرضه أن يعرف بالأمانة حتى يولى القضاء والأوقاف والوصايا ومال اليتيم لأجل أن يأكلها.3

_ 1 هو: معاوية ابن أبي سفيان- القرشي الأموي- أول خلفاء بن أمية, وُلد قبل البعثة بخمس سنين, وقيل: غير ذلك, ورجح الحافظ ابن حجر الأول, وأسلم بعد الحديبية, وكان يخفي إسلامه وأظهره عام فتح مكة, وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وكتب له الوحي, ولاه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على الشام بعد أخيه يزيد ابن أبي سفيان وبقي فيها أميرا عشرين سنة, واجتمع عليه الناس لما صالح الحسن بن علي وتنازل له- رضي الله عنهم-, وبقي خليفة للمسلمين نحو عشرين سنة, ومات في رجب سنة 60 هـ. انظر ترجمته في:"الإصابة": (9 / 231- 234) ,"أسد الغابة": (4 / 433- 436) ,"طبقات ابن سعد": (7 / 406) . 2"سنن الترمذي": (4 / 593, ح 3382) , كتاب الزهد, باب ما جاء في الرياء والسمعة."شعب الإيمان"للبيهقي: (5 / 326, ح 6807) . انظر:"تفسير الطبري": (7 / 12 / 13) . 3 انظر: كتاب"إحياء علوم الدين": (3 / 321) فقد ذكر نحوه.

عن عمر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تعلم علما لغير الله تعالى، أو أراد به غير الله، فليتبوأ مقعده من النار " أخرجه الترمذي.1 وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة - يعني: ريحها-"2 وعنه- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تعوذوا بالله من جب الحزن، قالوا: يا رسول الله، وما جب الحزن؟ قال: واد في جهنم تتعوذ منه جهنم كل يوم مائة مرة، قيل: يا رسول الله، من يدخله؟

_ 1 [186 ح] "سنن الترمذي": (5 / 33, ح 2655) , كتاب العلم, باب ما جاء فيمن يطلب بعلمه الدنيا."سنن ابن ماجه": (1 / 95, ح 258) , المقدمة, باب الانتفاع بالعلم والعمل به. والحديث قال الترمذي فيه: هذا حديث حسن غريب. وضعفه الألباني كما في"ضعيف الجامع": (ص 797, ح 5530) , و"ضعيف سنن الترمذي": (ص 316, ح 498) . انظر بقية تخريج الحديث في الملحق. 2 [187 ح] "سنن أبي داود": (4 / 71, ح 3664) , كتاب العلم, باب ما جاء فيمن يطلب العلم للدنيا."سنن ابن ماجه": (1 / 92- 93, ح 252) المقدمة, باب الانتفاع بالعلم."مستدرك الحاكم": (1 / 85) , كتاب العلم. والحديث قال فيه الحاكم: هذا حديث صحيح, سنده ثقات, رواته على شرط الشيحين, ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في تخريح"اقتضاء العلم العمل للخطيب": (ص 194, ح 102) . انظر بقية تخريجه في الملحق.

قال: "القراء المراءون بأعمالهم " أخرجه الترمذي،1 وقال: حديث حسن غريب. ومن كان يظهر الأعمال الصالحة ليحمده الناس، وليعتقدوا فيه الصلاح وليقصدوه بالعطاء، فهذا العمل هو الذي لغير الله نعوذ بالله من الخذلان. وعن سمرة بن عطية أنه قال: يؤتى بالرجل يوم القيامة للحساب، وفي صحيفته أمثال الجبال من الحسنات، فيقول رب العزة تبارك وتعالى: صليت يوم كذا وكذا ليقال: فلان صلى، أنا الله لا إله إلا أنا لي الدين الخالص، صمت يوم كذا وكذا ليقال: صام فلان، أنا الله لا إله إلا أنا لي الدين الخالص، تصدقت يوم كذا وكذا ليقال:2 تصدق فلان، أنا الله لا إله إلا أنا لي الدين الخالص، فما زال يمحو شيئا بعد شيء حتى تبقى صحيفته ما فيها شيء، فيقول ملكاه: ألغير الله كنت تعمل؟. وقال صلى الله عليه وسلم "يجاء يوم القيامة بصحف مختومة فتنصب بين يدي الله تعالى، فيقول: ألقوا هذا، فتقول الملائكة: وعزتك وجلالك ما رأينا إلا

_ 1 [188 ح] "سنن الترمذي": (4 / 593-594, ح 2383] , كتاب الزهد, باب ما جاء في الرياء والسمعة."سنن ابن ماجه": (1 / 94, ح 256) , المقدمة, باب 23. والحديث قال فيه الترمذي: هذا حديث حسن غريب, وقد ذكره الشارح. وضعفه الألباني كما في"المشكاة": (1 / 90, ح 275) , و"ضعيف سنن الترمذي": (ص 267- 268, ح 415) , واستبعد تحسين الترمذي له. انظر بقية تخريجه والحكم عليه في الملحق. 2 قوله: (صام فلان, أنا الله لا إله إلا أنا لي الدين الخالق تصدقت يوم كذا وكذا ليقال) سقط من"ر".

في"الصحيح" عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس وإذا شيك فلا ان تقش

_ خيرًا، فيقول الله عز وجل وهو أعلم: إن هذا لغيري، ولا أقبل من العمل إلا ما ابتغي به وجهي "1 {في "الصحيح"} وفي نسخة خرج في "الصحيحين" {عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط" أي: غضب {تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش} .

طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، وإن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع له "

_ قوله:"تعس"- بكسر العين المهملة، ويجوز الفتح- أي: هلك أو سقط على وجهه إذا عثر وانكب على وجهه، وهو دعاء عليه بالهلاك. وقوله:" وإذا شيك فلا انتقش "، أي: شاكته الشوكة إذا دخلت في جسمه، والانتقاش: إخراج الشوكة من الجسم، و"الخميصة": ثوب مربع، و"الخميلة": فراش من صوف. {طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله} قوله:"طوبى" هو مصدر من الطيب، أو اسم الجنة، أو شجرة في الجنة، ومحلها الرفع كسلام لك والنصب كسلاما لك، و"العنان"- بكسر العين المهملة-: وهو سير اللجام، و"الفرس": يطلق على الذكر والأنثى من الخيل. {أشعث رأسه مغبرة قدماه} أي: متقشف غير مترفه لزهده وطول سفره في سبيل الله، وطول الغربة عن الأوطان، وتحمل المشاق. {إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، وإن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع له"12} . "الحارس": الذي يحرس المسلمين بالليل لئلا يبيتهم العدو، و"الساقة": آخر الجيش، والجيش يسمى خميسا؟ لأنهم أخماس مقدمة،

وقلب، وميمنة، وميسرة، وساقة، فهو في الساقة، وقوله:"إن استأذن لم يؤذن له"، أي: إذا استأذن في الدخول على الملوك وغيرهم لم يؤذن له لخموله، ولكونه مجهولا عندهم لا يعرفونه، وإن شفع عندهم لم يشفع له حيث لا جاه عندهم، وصفة الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة. وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم " رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره "1 [أخرج البيهقي عن أم بشر2 تبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير الناس منزلة رجل على متن فرسه يخيف العدو أو يخوفونه "3

_ 1 [190 ح] "صحيح مسلم مع شرح النووي": (16 / 413, ح 138 / 2622) , كتاب البر والصلة والآداب, باب فضل الضعفاء والخاملين."مستدرك الحاكم": (4 / 328) , كتاب الرقاق, وفيه"تنبو عنه أعين الناس", وليس فيه"مدفوع الأبواب", وليس فيه قوله:"أغبر ذي طمرين". والحديث روايته هنا عن أبي هريرة- رضي الله عنه-, وروي نحوه عن أنس وابن مسعود. والحديث قال فيه الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد أظن مسلما أخرجه من حديث حفص بن عبد الله بن أنس. وقد صدق ظنه فقد أخرجه كما نرى لكن ليس من طريق حفص بن عبد الله بن أنس, وإنما عن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة. انظر بقية تخريجه في الملحق. 2 هي: أم بشر أو مبشر بنت البراء بن معرور, وقد حصل اللبس بينها وبين أم مبشر الأنصارية امرأة زيد بن حارثة, روت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: إن أرواح المؤمنين نسمة تسرح في الجنة حيث تشاء, وأن نسمة الفاجر في سجين , وقوله:" أرواح المؤمنين في طيور خضر يأكلون من الجنة ويشربون ويتعارفون ... "الحديث. انظر ترجمتهما في:"الإصابة": (13 / 182-183) ,"أسد الغابة": (6 / 390- 391) . 3"شعب الإيمان": (4 / 42, ح 4291) . وروي نحوه في"سنن الترمذي": (4 / 473, ح 2177) , و"مسند الإمام أحمد": (6 / 419) عن أم مالك البهزية."الأدب المفرد"للبخاري: (ص 242, ح 717) ,"مسند أبي بكر الصديق": (ص 55- 56, ح 18) . والحديث قال الهيثمي في"مجمع الزوائد" (10 / 223- 224) : رواه أبو يعلى من رو، الآية ليث ابن أبي سليم عن أبي محمد عن حذيفة وليث مدلس, وأبو محمد إن كان هو الذي روى عن ابن مسعود أو الذي روى عن عثمان بن عفان فقد وثقه ابن حبان, وإن كان غيرهما فلم أعرفه, وبقية رجاله رجال الصحيح. وضعفه الألباني كما في"ضعيف الجامع": (ص 502, ح 3433) . انظر بقية تخريجه في الملحق.

وأخرج الطبراني في "الأوسط" بسند جيد عن أنس قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أجر المرابط؟ فقال: من رابط ليلة حارسا من وراء المسلمين كان له أجر من خلفه ممن صام وصلى "1 وفي البخاري ومسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها "2] 3

_ 1"الترغيب والترهيب": (2 / 245, ح 9) , كتاب الجهاد, الترغيب في الرباط."مجمع الزوائد": (5 / 289) إلا أنه قال: (يوما) بدل: (ليلة) . والحديث مروي عن أنس- رضي الله عنه-. والحديث كما قال المنذري: سنده جيد, وقال الهيثمي: رجاله ثقات. 2"صحيح البخاري مع الفتح": (6 / 85, ح 2892) , كتاب الجهاد, باب فضل رباط يوم في سبيل الله. و"صحيح مسلم مع شرح النووي": (13 / 65, ح 163 / 1913) , كتاب الإمارة, باب فضل الرباط. والحديث عن سهل بن سعد الساعدي. 3 ما بين القوسين في حاشية"الأصل", وقد أشير لإلحاقه بالنص بإشارة, ولا يوجد في النسخ الأخرى.

باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابا

باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابا وقال ابن عباس: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر"

_ {باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل اللهوتحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابا1} {وقال ابن عباس} - رضي الله عنهما- {"يوشك} أي: يقرب {أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون:2 قال أبو بكر وعمر3") } قال ابن عباس هذا الكلام لما ناظره بعض الناس في المتعة،4 وكذلك ابن عمر لما سألوه عنها فأمر بها، فعارضوه بقول عمر، فبين لهم أن عمر لم يرد ما يقولونه فألحوا عليه فقال لهم:

أأمر1 رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يتبع أم أمر عمر مع علم الناس أن أبابكر وعمر أعلم ممن هو فوق ابن عمر وابن عباس، ولو فتح هذا الباب لوجب أن يعرض عن أمر الله ورسوله، ويبقى كل إمام في أتباعه بمنزلة النبي في أمته وهذا تبديل للدين يشبه ما عاب الله به النصارى في قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} 2 وقال تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} 3 وهذا نص في بطلان التقليد إن كان المقلد لا يعرف ما أنزل الله على رسوله لأنه جاهل ضال، ومن قلد أهل الهدى فهو في تقليدهم على هدى، وكان الشافعي- رحمه الله تعالى- يقول: (إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط، وإذا رأيت الحجة موضوعة على الطريق فهي قولي) .4 وكان أحمد- رحمه الله تعالى- يقول: (إنه من قلة علم الرجل

_ 1 هكذا في"الأصل"بهمزة الاستفهام, وفيه بقية النسخ بدونها. 2 سورة التوبة، الآية: 31. 3 سورة الأحزاب، الآيتان: 66-67. 4 انظر:"أعلام الموقعين": (2 / 282) , وكتاب"إيقاظ همم أولي الأبصار": (ص 63) ,"حلية الأولياء": (9 / 106- 107) ,"سير أعلام النبلاء": (10 / 35) . وذكره النووي بلفظ غير هذا في"المجموع": (1 / 104) , وقال بعده: وروي بألفاظ مختلفة. وقد ألف السبكي رسالة في معنى هذا القول انظرها في"مجموعة الرسائل المنيرية": (3 / 98- 114) الرسالة السادسة (معنى قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي) .

قال [الإمام] أحمد بن حنبل- رحمه الله تعالى-: (عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .

_ أن يقلد دينه الرجال) .1 وقال- رحمه الله تعالى-: (أجمع المسلمون على أن2 من استبان له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس) .3 قال بعض السلف:4 (ما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلناه على الرأس والعين، وما جاءنا عن الصحابة فنأخذ ونترك، وما جاءنا عن التابعين فهم رجال ونحن رجال) {قال6 أحمد بن حنبل- رحمه الله تعالى-: (عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 7

أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك) .

_ تدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد1 بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك) 2} . قال القائل في ذم التقليد: لا فرق بين مقلد وبهيمة ... تنقاد بين جداول ودعاثر تبا لقاض أو لمفت لا يرى ... عللا ومعنى للمقال السائر فإذا اقتديت فبالكتاب وسنة ... المبعوث بالدين الحنيف الظاهر3 وقال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى-: "لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم"4 قال معاذ بن جبل- رضي الله عنه-: لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال: " لا تقضين ولا تفصلن إلا بما تعلم، وإن أشكل عليك أمر فقف حتى تبين أو تكتب إلي فيه (5 وقال الحاكم:

(أنبأنا أبو عمرو1 بن السماك2 مشافهة أن أبا سعيد الجصاص3 حدثهم قال: سمعت الربيع بن سليمان4 يقول: سمعت الشافعي- رحمه الله تعالى- يقول:5 سأله رجل عن مسألة فقال: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فقال له السائل يا أبا عبد الله: تقول بهذا؟ فارتعد الشافعي واصفر

_ 1 صحفت في"الأصل"و"ع"و"ر"إلى: (ابن عمرو) , وفي"ش"إلى: (ابن عمر) وقد صححتها من الأصول. 2 هو: أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله البغدادي الدقاق- ابن السماك- الشيخ الإمام المحدث المكثر الصادق, مسند العراق, حدث عنه الدارقطني والحاكم وابن منده وله مصنفات كما ذكره الدارقطني, كان ثقة ثبتا, توفي سنة 344 هـ. انظر ترجمته في:"شذرات الذهب": (2 / 366- 367) ,"تاريخ بغداد": (11 / 302 - 303) ,"سير أعلام النبلاء": (15 / 444) . 3 هو: الحسن بن علي بن إسماعيل الجصاص, أبو سعيد, كان كثير الحديث لا سيما عن أهل مصر كالربيع بن سليمان والمذكورين معه مات سنة 301 هـ. انظر ترجمته في:"تاريخ ابن عساكر": (15 / 10) , و"تاريخ بغداد": (7 / 376) , وانظر ذكره في سند هذه الرو، الآية في"حلية الأولياء": (9 / 106) . 4 هو: الربيع بن سليمان بن عبد الجبار أبو محمد المرادي مولاهم البصري الإمام المحدث الفقيه الكبير صاحب الإمام الشافعي وناقل علمه حدث عنه أبو داود وابن ماجه والنسائي, أفنى عمره في العلم ونشره, ولد سنة 174 هـ, وتوفي سنة 270 هـ. ويوجد الربيع بن سليمان الأزدي الجيزي الأعرج وقد سمع أيضا من الشافعي وتوفي سنة 256 هـ. انظر ترجمته في:"تذكرة الحفاظ": (2 / 586- 587) ,"تهذيب التهذيب": (3 / 245- 249) ,"شذرات الذهب": (2 / 159) . 5 هكذا في كل النسخ, وفي بعض مصادر الحديث: (سمعت الربيع بن سليمان يقول سأل رجل الشافعي فقال ... إلخ) .

عن عدي بن حاتم أنه " سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ.} .." الآية، فقلت له: إنا لسنا نعبدهم، قال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ "فقلت: بلى، قال

_ لونه، وقال: ويحك وأي أرض تقلني، وأي سماء تظلني إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أقل به، نعم على الرأس والعينين،1 نعم على الرأس والعينين) . والأحاديث في هذا كثيرة فلنقتصر منها على ما مر ففيه كفاية.2 {عن عدي بن حاتم} - رضي الله عنه- {أنه سمع رسول3 الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ.} 4 الآية5 فقلت له: إنا لسنا نعبدهم، قال: "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ " فقلت: بلى، قال:

"فتلك عبادتهم " رواه أحمد والترمذي وحسنه.

_ " فتلك عبادتهم " رواه أحمد والترمذي وحسنه.1 أصل الحديث قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب، فقال: "يا عدي، ألق هذا من عنقك " وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة التوبة، حتى أتى على هذه الآية {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} وساق الحديث،2 "الصليب": خشبة معروضة على أخرى يزينها النصارى بالحلي والأشياء الفاخرة ويعكفون عليها.3 وصح عنه صلى الله عليه وسلم "لا طاعة لأحد في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف "4 أي: فيما رضيه الشرع وعرفه واستحسنه. مسألة يحتاج إلى التنبيه إليها: اعلم أنه يجوز للعامي أن يقلد العالم فيما يتعلق بنفسه قال الله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 5 وفي الحديث أن رسول الله

باب قول الله تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك

باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ

_ صلى الله عليه وسلم قال: "ألا سألوا إذا لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال1") والله أعلم. {باب} قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} 2

قال الشيخ- رحمه الله تعالى-: قال1 الشعبي: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد - عرفه أنه2 لا يأخذ الرشوة ولا يميل في الحكم3 - وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود- لعلمه أنهم يأخذون الرشوة ويميلون في الحكم4 - فاتفقا أن يأتيا كاهنا من جهينة اسمه أبو بردة فيتحاكما إليه فنزلت: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} الآية،56 وقيل: نزلت في رجلين اختصما فقال أحدهما: نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف ثم ترافعا إلى عمر، فذكر له أحدهما القضية7 فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلم (أكذلك؟ قال: نعم، فضربه بالسيف فقتله) 8 انتهى.

_ 1 قول الشعبي وما بعده من ذكر قصة المنافق مع عمر قدم في النسخ الخطية على تتمة ال، الآية: ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وما بعدها من الآيات وحديث عبد الله بن عمرو خلافا للمؤلفات وقد جعله شرحا لل، الآية. 2 في"المؤلفات": (لأنه عرف) . 3 قوله: (ولا يميل في الحكم) سقطت من"المؤلفات". 4 قوله: (يميلون في الحكم) سقط من"المؤلفات". 5 سورة النساء، الآية: 60. 6"تفسير الطبري": (4 / 5 / 152- 153) , و"تفسير البغوي": (1 / 446) , و"تفسير السيوطي": (2 / 580) , و"أسباب النزول"للواحدي: (ص 112- 113) . 7 في"المؤلفات": (القصة) . 8"أسباب النزول"للواحدي: (ص 112- 113) , و"تفسير البغوي": (1 / 446) . وقد ذكر الطبري: (4 / 5 / 155) رو، الآية عن أنس بمعنى هذه الرو، الآية إلا أنه لم يذكر التحاكم إلى عمر. وهذه الرو، الآية حكم عليها الدوسري في"النهج السديد": (ص 216) بالوضع, والعصيمي في"الدر النضيد": (ص 132) بأنها ضعيفة جدا.

وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً

_ وقال ابن عباس- رضي الله عنهما-: نزلت في رجل من المنافقين يقال له بشر كان بينه وبين يهودي خصومة، فقال اليهودي: ننطلق إلى محمد، وقال المنافق: بل ننطلق إلى كعب بن الأشرف، وهو الذي سماه الله الطاغوت فأبى اليهود أن يخاصمه إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودي، فلما خرجا من عنده لزمه المنافق، فقال: انطلق بنا إلى عمر، فأتيا عمر فقال اليهودي: اختصمت أنا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه، فلم يرض بقضائه، وزعم أنه يخاصمني إليك، فقال عمر للمنافق: أكذلك؟ قال: نعم، فقال لهما عمر: رويدا حتى أخرج إليكما، فدخل عمر البيت وأخذ السيف واشتمل عليه، ثم خرج، فضرب به المنافق حتى برد، وقال: هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء الله ورسوله، فنزلت هذه الآية.1 وقال جبريل: إن عمر فرق بين الحق والباطل، فسمي الفاروق،2 وسمى الله كعبا الطاغوت لإفراطه في الطغيان، وعداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى: {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} 3 يعني: بالطاغوت4 لأن الكفر بالطاغوت إيمان بالله عز وجل وقوله: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} 5

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاََّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}

_ يعني: لا تفسدوا أيها الناس في الأرض بالمعاصي والكفر، والدعاء إلى غير طاعة الله بعد إصلاح الله إياها ببعثة الرسل، وبيان الشرائع، والدعاء إلى طاعة الله عز وجل وهذا معنى قول الحسن والسدي والضحاك والكلبي وقال عطية:1 لا تعصوا في الأرض فيمسك الله المطر، ويهلك الحرث بسبب معاصيكم،2 وقيل: معنى الآية لا تفسدوا في الأرض شيئا بعد أن3 أصلحه الله تعالى فيدخل فيه جميع الفساد.4

وقوله: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} 1] 2 وقوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ

_ {وقوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} قال مقاتل: كان بين بني النضير وقريظة دماء، وهما حيان من اليهود، وذلك قبل أن يبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فلما بعث وهاجر إلى المدينة تحاكموا إليه، فقالت بنو قريظة: بنو النضير إخواننا، أبونا واحد،3 وديننا واحد، وكتابنا واحد، فإن قتل بنو النضير منا قتيلا، أعطونا سبعون وسقا4 من تمر، وإن قتلنا منهم قتيلا أخذوا مائة وأربعين وسقا وأرش جراحاتنا على النصف من جراحاتهم فاقض بيننا وبينهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أحكم أن [دم] 5 القرظي وفاء من دم النضيري، ودم النضيري وفاء من دم القرظي ليس لأحدهما فضل عن الآخر في دم ولا عقل ولا جراحة فغضب بنو النضير،

وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " قال النووي

_ وقالوا: لا نرضى بحكمك، فإنك1 عدو، وإنك [لا تألوا] ،2 أي: تقصر في وضعنا وتصغيرنا، فأنزل الله {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} وقرئ بالتاء على الخطاب، والمعنى: قل لهم يا محمد: أفحكم الجاهلية تبغون3 {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} 4 5} يعني: أي حكم أحسن من حكم الله تعالى إن كنتم موقنين،6 إن لكم ربا وأنه عدل في حكمه. {عن عبد الله بن عمرو7 - رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به "8 قال النووي}

رحمه الله: حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح. [قال الشعبي: "كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد- لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة- وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود لعلمه أنهم يأخذون الرشوة؟ فاتفقا أن يأتيا كاهنا من جهينة فتحاكما إليه فنزلت: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} الآية". وقيل: "نزلت في رجلين اختصما فقال أحدهما: نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر إلى كعب بن الأشرف، ثم ترافعا إلى عمر، فذكر له أحدهما القصة، فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلم أكذلك. قال: نعم، فضربه بالسيف فقتله".

_ رحمه الله: {حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح} .12 فمن أطاع الشيطان وهواه، وخالف الله ورسوله، فقد كذب فعله قوله، ونقص كمال توحيده بقدر معصية الله ورسوله في طاعة الشيطان والهوى قال الله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} 3 أي: طوعا ورضا لا قهرا.

باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات

باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات وقول الله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ

_ {باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات} {وقول الله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} قال قتادة ومقاتل وابن جريج1 هذه الآية مدنية نزلت في صلح الحديبية، وذلك أن سهيل بن عمرو لما جاء للصلح، واتفقوا على أن يكتبوا2 كتاب الصلح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب "اكتب3 بسم الله الرحمن الر حيم، قالوا: ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة - يعنون: مسيلمة الكذاب - وقال تعالى: {وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ} 4

قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}

_ اكتب - كما نكتب1 - باسمك اللهم"2 فهذا معنى قوله: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} يعني: أنهم ينكرونه ويجحدونه، والمعروف أن الآية مكية، وسبب نزولها أن أبا جهل سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحجر يدعو ويقول في دعائه: يا الله يا رحمن، فرجع أبو جهل إلى المشركين وقال: إن محمدا يدعو إلهين يدعو الله، ويدعو إلها آخر3 سمي الرحمن، ولا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، فنزلت هذه الآية، وقوله: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 4 5 وروى الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنها نزلت في كفار قريش قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم "اسجدوا للرحمن" قالوا: وما الرحمن، فقال الله تعالى: {قُلِ} يا محمد إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته {هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} يعني: عليه اعتمدت في أموري كلها {وَإِلَيْهِ مَتَابِ} 6 يعني: توبتي ورجوعي.7

وفي"صحيح البخاري" قال علي: "حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله". وروى عبد الرزاق عن معمر عن [ابن] طاووس عن أبيه "عن ابن عباس أنه [رأى] رجلا انتفض لما سمع حديثا عن

_ {وفي"صحيح البخاري قال علي} بن أبي طالب رضي الله عنه {"حدثوا الناس بما يعرفون"} أي: يفهمون وتدركه عقولهم، ولا تحدثونهم بغير ذلك. {أتريدون} [بهمزة الاستفهام الإنكارية] 1 {أن يكذب الله ورسوله"2} بتشديد الذال مفتوحة; لأن السامع لما لا يفهمه يعتقد استحالته فلا يصدق بوجوده، فيلزم التكذيب ويخاف عليهم من تحريف معناه، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} 3. {وروى عبد الرزاق عن معمر عن [ابن] 4 طاووس عن أبيه عن ابن عباس "أنه [رأى] 5 رجلا انتفض} أي: أصابته رعدة {لما سمع حديثا عن

النبي صلى الله عليه وسلم في الصفات، استنكارا لذلك فقال: ما فرق هؤلاء؟ يجدون رقة في قلوبهم عند محكمه ويهلكون عند متشابهه". انتهى [ولما سمعت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الرحمن أنكروا ذلك فأنزل الله فيهم {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} . 1

_ النبي صلى الله عليه وسلم في الصفات، استنكارا لذلك فقال: ما فرق هؤلاء؟} المبتدعين المضلين، استفهام إنكار {يجدون رقة} أي: ليونة وسكينة {في قلوبهم عند محكمه2 ويهلكون عند متشابهه3} لدخولهم فيه بالرأي والقياس {انتهى} كلام ابن عباس. واعلم أن ما ورد في الكتاب العزيز والسنة الشريفة من ذكر الصفات نحو {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 4 {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} 5 {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} 6 {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} 7 ونحو حديث: " إن قلوب بني آدم

كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء " 1 وحديث: " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها " 2 رواهما مسلم. يجب الإيمان بها من غير تمثيل، ولا تعطيل، قال الشيباني: فلا مذهب التشبيه نرضاه مذهبا ... ولا مقصد التعطيل نرضاه مقصدا3 ونفوض أمر المراد منها إلى الله تعالى.4 واعلم أن الروعة التي تصيب المؤمن عند سماع القرآن والهيبة التي تعتريه5 عند تلاوته، لميل قلبه إليه، وتصديقه به، فلا تزال بالمؤمن، قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} يعني: القرآن6 {كِتَاباً

_ 1 [195 ح] "صحيح مسلم مع شرح النووي": (16/ 443 , ح 17/ 2654) , كتاب القدر, باب تصريف الله تعالى القلوب. و"سنن الترمذي": (4/ 448- 449 , ح 2140) , كتاب القدر, باب ما جاء في أن القلوب بين أصبعي الرحمن. والحديث روي عن عبد الله بن عمرو, وروي -أيضا- عن النواس, وعن أنس بلفظ مختلف. انظر بقية التخريج في الملحق. 2 [196 ح] "صحيح مسلم مع شرح النووي": (17/ 83 , ح 31/ 2759) , كتاب التوبة, باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت."مسند الإمام أحمد": (4/ 395) . والحديث مروي عن أبي موسى الأشعري. انظر بقية التخريج في الملحق. 3"مجموع مهمات المتون - متن الشيبانية": (ص 36) . 4 تقييد التقويض هنا بأمر المراد منها فيه احتياط لالتزام مذهب السلف من عدم التفويض المطلق, ومثله التعبير بالقول: (أمروها بلا كيف) أو (ترك تفسيرها) فإن المراد بمثل هذه العبارات إنما هو ترك الكلام في معنى الكيفية بدليل أن من روي عنه من علماء السلف مثل هذه العبارات نجد أنه قد نقل عنه القول بالإثبات. 5 في"ر": (تعتريها) , وهو خطأ ظاهر من الناسخ. 6 قوله: (يعني القرآن) سقطت من"ر"و"ش".

مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ} أي: يثني فيه ذكر الوعد والوعيد، والأمر والنهي، والأخبار والأحكام، {تَقْشَعِرُّ} أي: تضطرب وتشمئز1 {مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} 2 يعني إذا ذكرت آيات الوعيد والعذاب اقشعرت جلود الخائفين لله، وإذا ذكرت آيات الوعد والرحمة لانت جلودهم وسكنت قلوبهم قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} 3 روي عن العباس بن عبد المطلب45 رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا اقشعر جلد العبد المؤمن6 من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها "7 وفي رواية: " حرمه الله على النار "8

_ 1 في"ع"تتمايز. 2 سورة الزمر، الآية: 23. 3 سورة الأنفال، الآية: 2. 4 في"ع"و"ش": (ابن عبد المطلب) . 5 هو: عباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو الفضل القرشي المكي عم رسول الله صلى الله عليه وسلم , قيل: إنه أسلم قبل الهجرة, وكتم إسلامه وهاجر قبل الفتح بقليل وشهد الفتح وثبت يوم حنين واختلف في وفاته ما بين 32 هـ إلى 34 هـ. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (5/ 122) ,"الإصابة": (5/ 328- 329) ,"أسد الغابة": (3/ 60- 63) . 6 كلمة: (المؤمن) من"الأصل", وقد سقطت في بقية النسخ. 7"معجم الطبراني الكبير": (ح 5879) , وقد ذكره في"كنز العمال": (3/ 141- 142) محالا عليه."تاريخ بغداد"للخطيب: (4/ 56) , البزار"مجمع الزوائد": (10/ 310) ,"تفسير البغوي": (4/ 76) . 8"تفسير البغوي": (4/ 77) 0.

قال قتادة: نعتهم الله بهذا، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم، والغشيان إنما ذلك في أهل البدع وهو من الشيطان.1 وروي عن عبد الله بن عروة بن الزبير،2 قال: قلت لجدتي أسماء3 بنت أبي بكر الصديق: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم الله عز وجل تدمع عيونهم وتقشعر جلودهم، قال عبد الله: فقلت لها إن ناسا اليوم إذا قرئ عليه القرآن خر أحدهم مغشيا عليه، قالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.4

_ 1"تفسير البغوي": (4/ 77) , و"تفسير السيوطي": (7/ 221) . 2 هو: عبد الله بن عروة بن الزبير بن العوام أبو بكر الأسدي. روى عن: أبيه, وجدته أسماء بنت أبي بكر, وأبي هريرة. وروى عنه: أخواه هشام, وعبيد الله, ومصعب بن ثابت, وغيرهم. وكان ثقة ثبتا فاضلا. ولد سنة 45 هـ, وتوفي سعة 125 هـ, وقيل: 126 هـ. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (5/ 319- 321) ,"الجرح والتعديل": (5/ 133) ,"تقريب التهذيب": (1/ 433) . 3 هي: أسماء بنت أبي بكر الصديق بن أبي قحافة أم عبد الله القرشية, التيمية المكية, ثم المدنية, والدة الخليفة عبد الله بن الزبير. وهي التي سميت بذات النطاقين, أسلمت قديما بمكة وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ماتت سنة 73 هـ. انظر ترجمتها في:"طبقات ابن سعد": (8/ 249- 255) ,"الإصابة": (12/ 114- 115) ,"شذرات الذهب": (1/ 80) ,"أسد الغابة": (6/ 9- 10) 0. 4"تفسير البغوي": (4/ 77) , و"تفسير السيوطي": (7/ 222) .

وروي أن ابن عمر مر برجل من أهل العراق ساقط، فقال: ما باله، فقالوا: إنه إذا قرئ عليه القرآن، وسمع ذكر الله سقط، قال ابن عمر: إنا لنخشى الله، وما نسقط، وقال: إن الشيطان يدخل في جوف أحدهم ما كان هذا صنيع أصحاب رسول الله1 صلى الله عليه وسلم.2 وذكر عند ابن سيرين3 الذين يصرعون إذا قرئ عليهم القرآن، فقال: بيننا وبينهم أن يقعد أحدهم على ظهر بيت باسط رجليه، ثم يقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره، فإن رمى بنفسه فهو صادق.4 واعلم أن القرآن العظيم من صفات الله تعالى وهو كلام الله تعالى، تكلم به في القدم5 وقال في"فتح الباري": سئل سفيان بن عيينة عن

_ 1 هذا في"الأصل", وفي بقية النسخ: (أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم) . 2 نفس المصدر: (4/ 77) , وانظر:"تلبيس إبليس"لابن الجوزي: (ص 310) . وروي مثله عن عائشة وأنس وعبد الله بن الزبير -رضي الله عنهم-. 3 هو: محمد بن سيرين الأنصاري أبو بكر بن أبي عمرة البصري مولى أنس بن مالك تابعي جليل وكان ثقة ثبتا عابدا كبير القدر ورعا, قال ابن عون: كان محمد بن سيرين يرى أن أهل الأهواء أسرع الناس ردة وأن هذه نزلت فيهم وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره , ولد سنة 33 هـ, ومات سنة 110 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (4/ 606- 622) ,"تهذيب التهذيب": (9/ 214- 217) ,"وفيات الأعيان": (4/ 181- 183) . 4"تفسير البغوي": (4/ 77) , وانظر:"تلبيس إبليس": (ص 312- 313) . 5 المعنى بقدم كلام الله أنه قديم النوع فإن الله لم يزل متكلما إذا شاء وكيف شاء, فالله سبحانه وتعالى قد تكلم بالقرآن وكتبه في اللوح المحفوظ, وأرسل به جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم منجما, وحادث الآحاد فإن الله قال عما نزل منه جديدا على رسوله ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث. انظر:"مجموع الفتاوى"لابن تيمية: (8/ 28) , (12/ 372) , (13/ 132) .

القرآن أمخلوق هو؟ فقال: يقول الله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} 1 ألا ترى كيف فرق بين الخلق والأمر، فالأمر كلامه، فلو كان كلامه مخلوقا لم يفرق.23 ويحرم الجدال فيه، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الجدال في القرآن [كفر] 4") رواه الحاكم5 والمراد: المؤدي إلى مراء ووقوع في شك، أما التنازع في الأحكام فجائز إجماعا حيث خلا عن التعصب والتعنت، وإلا كان من أقبح القبائح.

_ 1 سورة الأعراف، الآية: 54. 2 زاد هنا كلمة: (بين) في"ر", ولا معنى لها. 3"فتح الباري"لابن حجر: (13/ 332- 333) ,"تفسير ابن عيينة": (ص 249) ,"تفسير البغوي": (2/ 165) ,"تفسير السيوطي": (3/ 474) . وقال ابن حجر عقب إيراده: وسبق ابن عيينة إلى ذلك محمد بن كعب القرظي وتبعه الإمام أحمد بن حنبل وعبد السلام بن عاصم وطائفة, أخرج كل ذلك ابن أبي حاتم عنهم في كتاب"الرد على الجهمية". 4 في"الأصل"بالتعريف: (الكفر) , والصواب ما أثبته من النسخ الأخرى ونص الحديث. 5 [197ح] "مستدرك الحاكم": (2/ 223) ,"مسند الإمام أحمد": (2/ 258) ,"صحيح ابن حبان":"الإحسان": (3/ 13 , ح 1462) . والحديث قال فيه الحاكم بعد أن ساقه من طريقين: طريق المعتمر بن سليمان بلفظ:"مراء في القرآن كفر", وطريق عمرو بن أبي سلمة بلفظ:"الجدال". قال: حديث المعتمر عن محمد بن عمرو صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وصححه ابن حبان كما ترى. وصححه الألباني في"صحيح الترغيب والترهيب": (1/ 133 , ح 138) . انظر بقية التخريج في الملحق.

قال الشاعر: تراه معدا للخلاف كأنه ... برد على أهل الصواب موكل والذين في قلوبهم زيغ وميل عن الحق يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة لطلب الفساد. عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} إلى {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} فقال: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سماهم1 الله فاحذروهم"2 عن ابن عباس - رضي الله عنهما - يرفعه قال: "الأمر ثلاثة: أمر بين رشده فاتبعه، وأمر بين غيه فاجتنبه، وأمر اختلف فيه فكله إلى الله عز وجل" رواه الإمام أحمد3 وسيأتي ذكر الصفات في آخر باب من الكتاب إن شاء الله تعالى.4

_ (سماهم) لفظ"سنن الترمذي", وفي البخاري ومسلم وأبي داود: (سمى) . 2 [198 ح] "صحيح البخاري مع الفتح": (8/ 209 , ح 4547) , كتاب التفسير, باب (1) ,"صحيح مسلم مع شرح النووي": (16/ 457 , ح 1/ 2665) , كتاب العلم, باب النهي عن اتباع متشابه القرآن. انظر بقية التخريج في الملحق. 3 انظر: كتاب"الزهد"للإمام أحمد: (ص 415 , ح 1712) , ولم أجده في"المسند". وانظر:"جامع بيان العلم"لابن عبد البر: (2/ 24) , و"معجم الطبراني":"مجمع الزوائد": (1/ 157) . والحديث قال الهيثمي فيه: رجاله موثقون. وتعقبه الألباني في"تعليقه على المشكاة": (1/ 65) , فقال: إن من رواته المقدام واسمه هشام بن زياد وهو متروك كما قال الحافظ في"التقريب". 4 انظر: (ص 565) .

باب قول الله تعالى: {يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون}

باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} قال مجاهد ما معناه: "هو قول الرجل هذا مالي ورثته عن آبائي" وقال عون بن عبد الله: يقولون

_ {باب} {قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} 1} قال الشيخ - رحمه الله تعالى -: {قال مجاهد ما معناه2 هو قول الرجل هذا مالي ورثته عن آبائي3 وقال عون بن عبد الله4 يقولون:

"لولا فلان لم يكن كذا" وقال ابن قتيبة: "يقولون هذا بشفاعة آلهتنا" وقال أبو العباس بعد حديث زيد بن خالد الذي

_ لولا فلان لم يكن كذا1 وقال ابن قتيبة23 يقولون4 هذا بشفاعة آلهتنا5 وقال أبو العباس} ابن تيمية {بعد حديث زيد بن خالد الذي

فيه: إن الله تعالى قال: " أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر " وقد تقدم. وهذا كثير في الكتاب والسنة، يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره ويشرك به، وقال بعض السلف: هو كقولهم كانت الريح طيبة، والملاح حاذقا [ونحو ذلك مما هو جار على ألسنة كثير] .

_ فيه:"1 "إن الله تعالى قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر " 2"وقد تقدم} الحديث وشرحه في باب الاستسقاء بالأنواء3 {وهذا كثير في الكتاب والسنة، يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره ويشرك به4 وقال بعض السلف:} مثلا {هو كقولهم كانت الريح طيبة، والملاح حاذقا56} يعني: فجرت السفينة، والملاح هو الذي يصلح السفينة في البحر ويعالجها، فأضافوا سير السفينة إلى الريح والملاح، وهو الله7 الذي يجريها ويرسيها، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} 8 وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ

رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} 1، وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ} 2 وقال السدي: نعمة الله يعني محمدا صلى الله عليه وسلم أنكروه وكذبوه، وقيل: نعمة الله هي الإسلام3 وهو من أعظم النعم التي أنعم الله بها على عباده، ثم إن كفار مكة أنكروه وجحدوه، وقال مجاهد وقتادة: نعمة الله ما عدد عليهم في هذه السورة من النعم، يقرون بأنها من الله، ثم إذا قيل لهم: تصدقوا وامتثلوا أمر الله فيها ينكرونها ويقولون: ورثناها عن آبائنا4 وقال الكلبي: هو أنه لما ذكر هذه النعم قالوا: هذه نعم كلها من الله لكنها بشفاعة5 آلهتنا6 وقيل: هو قول الرجل لولا فلان لكان كذا وكذا78 وقيل: إنهم يعرفون بأن الله تعالى: أنعم بهذه النعم، ولكنهم لا يستعملونها في طلب رضوانه ولا يشكرونه عليها.9

_ 1 سورة الشورى، الآيتان: 32-33. 2 سورة الجاثية، الآية: 12. 3 [15 ث] "تفسير الطبري": (8/ 14/ 157) , و"تفسير البغوي": (3/ 80) . وهذا التفسير لهذه ال، الآية هو الذي رجحه الطبري. و"تفسير السيوطي": (5/ 155- 156) . انظر بقية تخريج الأثر في الملحق. 4 انظر:"تفسير الطبري": (8/ 14/ 157 , 158) , و"تفسير القرطبي": (10/ 161) , و"تفسير البغوي": (3/ 80) , و"تفسير الآلوسي": (14/ 206) . 5 هذا في"الأصل", وفي بقية النسخ: (من شفاعة) . 6"تفسير الطبري": (8/ 14/ 158) , و"تفسير البغوي": (3/ 80) , و"تفسير القرطبي": (10/ 161- 162) , و"تفسير ابن الجوزي": (4/ 479) , و"تفسير الآلوسي": (14/ 206) . 7 قوله: (ولولا فلان لما كان كذا وكذا) سقط من"ر". 8"تفسير الطبري": (8/ 14/ 158) , و"تفسير الماوردي": (3/ 207) , و"تفسير القرطبي": (10/ 161) , و"تفسير البغوي": (3/ 80) , و"تفسير الآلوسي": (14/ 206) . 9 انظر:"تفسير القرطبي": (10/ 161- 162) , و"تفسير الشوكاني": (3/ 185) .

باب قول الله تعالى: {فلاتجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون}

باب قول الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

_ قال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (1) يعني: من نعمة الإسلام وصحة الأبدان وسعة في الأرزاق، وكل ما أعطاكم من مال أو ولد، فكل ذلك من الله تعالى هو المتفضل على عباده، فيجب عليكم شكره على جميع إنعامه (2) (3) . {41- باب} قول الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (4) } أنه إله واحد في التوراة والإنجيل (5) - أي: لا تجعلوا لله أمثالا تعبدونهم كعبادته (6) - والند: المثل (7) {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} يعني: الأشياء، وأنه لا مثل له.

قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في الآية: "الأنداد: هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل. وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلان وحياتي، وتقول: لولا كلبه هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط لأتانا [اللصوص] . وقول الرجل: ما شاء الله وشئت. وقول الرجل: لولا الله وفلان لا تجعل فيها فلان، هذا كله به شرك" رواه ابن أبي حاتم.

_ {قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في} تفسير {الآية، الأنداد: هو الشرك أخفى من دبيب النمل،} أي: الذر {على صفاة} أي: حجر ملساء {سوداء في ظلمة الليل وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلان، وحياتي، وتقول: لولا كلبة1 هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في [الدار] 2 لأتانا [اللصوص] 3} واللصوص: السرق، والبط: طائر أخضر4 معروف يحرس الدار وما أشبهها. {وقول الرجل5 ما شاء الله وشئت. وقول الرجل: لولا الله وفلان لا تجعل فيها فلان6 هذا كله به شرك. رواه ابن أبي حاتم7} .

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " رواه الترمذي، وحسنه، وصححه الحاكم.

_ وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: إن أحدكم يشرك حتى يشرك بكلب فيقول: لولاه لسرقنا الليلة1 وكذا قوله: مالي إلا الله وأنت2 ولا يستدل بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 3 فإن الأرجح أن العطف على الكاف4 ويدل عليه الحديث5. {وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " رواه الترمذي، وحسنه، وصححه الحاكم6} .

وقال ابن مسعود: "لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا".

_ {وقال ابن مسعود} رضي الله عنه {"لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا"1} لأن الحلف بالشيء2 يقتضي تعظيمه، والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده3. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تحلفوا بآبائكم، ولا بأمهاتكم، ولا بالأنداد، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون " رواه أبو داود والنسائي4.

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: وأبي، فقال: " إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم " قال عمر رضي الله عنه فوالله ما حلفت بها1 ذاكرا ولا آثرا2. قوله. آثرا: يريد مخبرا به من قولك أثرت الحديث آثره إذا رويته، يقول: ما حلفت ذاكرا من نفسي ولا مخبرا به عن غيري. وأما ما رواه أبو داود بسنده في حديث قصة الأعرابي فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أفلح وأبيه إن صدق "3 وفي رواية قال:" أفلح وأبيه إن صدق

_ 1 كلمة: (بها) سقط من"ر", وفي"ع": (بهما) وهو خطأ من الناسخ. 2 [200 ح] "صحيح البخاري مع الفتح": (11/ 530 , ح 6647) , كتاب الأيمان والنذور, باب لا تحلفوا بآبائكم."صحيح مسلم مع شرح النووي": (12/ 115 , ح 1/ 1646) , كتاب الإيمان والنذور, باب النهي عن الحلف بغير الله. انظر بقية تخريجه في الملحق. 3 [201 ح] "سنن أبي داود": (1/ 272- 273 , ح 391 , 392) , كتاب الصلاة, باب فرض الصلاة. والحديث بهذا للفظ رواه -أيضا- مسلم في"صحيحه", انظره مع"شرح النووي": (1/ 280- 283) . ورواه البخاري بلفظ:"أفلح إن صدق", انظر:"صحيح البخاري مع الفتح": (1/ 106 ح 46) . والحديث من رو، الآية طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه-. انظر بقية تخريجه في الملحق.

[أو] 1 دخل الجنة وأبيه إن صدق"23 فقال الخطابي: قوله"وأبيه": هذه كلمة جارية في ألسن العرب تستعملها كثيرا في خطابها تريد بها التوكيد، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلف الرجل بأبيه، فيحمل4 أن يكون هذا القول منه قبل النهي، ويحتمل أن يكون جرى ذلك منه على عادة الكلام الجاري على الألسن، وهو لا يقصد به القسم، كلغو اليمين المعفو عنه، قال الله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} 5 وقيل جواب آخر: وهو أن يكون صلى الله عليه وسلم أضمر فيه كأنه قال: لا ورب أبيه، انتهى ملخصا6. وإن قيل: قد أقسم الله تعالى ببعض مخلوقاته كالليل، والشمس أجيب بأن الله تعالى له أن يقسم بما شاء من مخلوقاته تنبيهًا

_ 1 ما بين القوسين أضفته من أصل الحديث تصحيحا للحديث, وقد سقط من كل النسخ. 2 قوله: (وفي رو، الآية قال:"أفلح ... إلى ... إن صدق") سقط من"ر". 3 انظر:"صحيح مسلم مع شرح النووي": (1/ 282- 283 , ح 9/ 11) , كتاب الإيمان, باب بيان الصلوات. والحديث عن طلحة بن عبيد الله. 4 كلمة: (فيحمل) سقطت من"ر", وفي"ع": (فحمل) بالماضي. 5 سورة البقرة، الآية: 225. 6"معالم السنن"للخطابي, ضمن"سنن أبي داود": (1/ 273) . وقد رجح النووي في"شرحه لصحيح مسلم": (1/ 82) أنه ليس حلفا, وإنما هو كلمة جرت عادة العرب أن تدخلها في كلامها غير قاصدة بها حقيقة الحلف, والنهي إنما ورد فيمن قصد حقيقة الحلف ... وقال بأنه الجواب المرضي. والأحسن منه أن يحمل على أن ذلك قبل النهي; لأنه قد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث تدل على نهيه عن أقوال وإن لم يقصد قائلوها مدلولها كنهيه أن يقول; ما شاء الله وشئت, وأن يقول, لولا الله وأنت; وذلك لحمايته لجناب التوحيد.

على شرفها1 وأما الحلف بالأمانة فورد في الحديث2 عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حلف بالأمانة فليس منا "3 قال الخطابي: هذا يشبه أن تكون الكراهة فيها من أجل أنه أمر أن يحلف بالله وصفاته، وليست الأمانة من صفاته4 وإنما هي5 أمر من أمره، وفرض من فروضه، فنهوا عنه لما في ذلك من التسوية بينهما، وبين أسماء الله عز وجل وصفاته6. وقال أبو حنيفة: (إذا قال: وأمانة الله كان يمينا ولزمته الكفارة) وقال الشافعي: (لا يكون ذلك يمينا ولا يلزمه الكفارة) 7.

_ 1 ذكر مثل ذلك النووي على"شرح صحيح مسلم": (11/ 116) . 2 يعني: ورد ذمه. 3 [202 ح] "سنن أبي داود": (3/ 571 , ح 3253) , كتاب الأيمان والنذور, باب 6."مستدرك الحاكم": (4/ 298) ,"صحيح ابن حبان":"الإحسان": (6/ 279 , ح 4348) . والحديث أورده ابن حبان في"صحيحه"-كما ترى- وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه, وقال الهيثمي في"مجمع الزوائد" (4/ 332) : رجاله رجال الصحيح خلا الوليد بن ثعلبة وهو ثقة, وصحح النووي إسناده في"الأذكار": (ص 456 , ح 1154) , وفي"رياض الصالحين": (ص 544 , ح 1718) , وصححه الألباني في"السلسلة الصحيحة": (1/ 49 , ح 94) . انظر بقية تخريجه في الملحق. 4 قوله: (وليست الأمانة من صفاته) سقط من"ع". 5 كلمة: (هي) من"الأصل", وسقط من بقية النسخ. 6"معالم السنن"للخطابي: (3/ 571) . 7 المصدر السابق: (3/ 571) . وانظر -أيضا-:"شرح النووي على صحيح مسلم": (11/ 117) .

وعن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان " رواه أبو داود بسند صحيح.

_ تنبيه: قال النووي - رحمه لله تعالى -: (ومن أقبح الألفاظ المذمومة ما يعتاده كثير من الناس إذا أن يحلف على شيء فيتورع عن قوله (والله) كراهة الحنث، أو إجلالا لله فيقول الله يعلم ما كان كذا فإن كان [قائلها] 1 متيقنا كما قال فلا بأس، وإن كان كاذبا أو شاكا في ذلك فهو من أقبح القبائح; لأنه تعرض للكذب على الله تعالى فإنه أخبر أن الله تعالى يعلم شيئا لا يتيقن كيف هو [وعلى] 2 خلاف ما هو، وذلك لو تحقق3 كان كفرا فينبغي للإنسان اجتناب هذه العبارة) 4. {وعن حذيفة} بن اليمان رضي الله عنه {عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان " رواه أبو داود بسند صحيح5} .

[وجاء] عن إبراهيم النخعي أنه "يكره أن يقول الرجل أعوذ بالله وبك" ويجوز أن يقول بالله ثم بك، قال: ويقول: لولا الله ثم فلان، ولا تقولوا لولا الله وفلان.

_ 1 {عن إبراهيم النخعي أنه يكره أن يقول الرجل2 أعوذ بالله وبك، ويجوز أن يقول بالله ثم بك، قال: ويقول: لولا الله ثم فلان، ولا تقولوا لولا الله وفلان3} . اعلم أن العطف المطلق بالواو تشريك وتسوية بخلاف ثم4 فإنها للترتيب والانفصال، وما ورد من إطلاق الشرك على الحلف بغير الله، وعلى من سوى بين الله وبين المخلوق في المشيئة مثل ما شاء الله، وما شاء فلان، وما لي إلا الله وأنت، ولولا الله وفلان، هذه كلها من الشرك الأصغر قادحة في كمال التوحيد.

باب ما جاء فيمن لم يقنع [بالحلف] بالله تعالى

باب ما جاء فيمن لم يقنع [بالحلف] بالله تعالى عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحلفوا بآبائكم، ومن حلف [بالله] فليصدق،

_ {باب ما جاء فيمن لم يقنع1 بالله تعالى} {عن ابن عمر2 - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحلفوا بآبائكم "} فيه النهي عن الحلف بالآباء، وقد سبق معناه وتفسيره3. وقوله: {ومن حلف [بالله] 4 فليصدق} يعني: لا يحلف إلا وهو يعلم أنه صادق في يمينه، وإن علم أنه كاذب فاجر، فيمينه يمين الغموس. عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ فذكر الحديث، وفيه اليمين الغموس، قال: " الذي يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب " أخرجه البخاري5.

ومن حلف له بالله فليرض

_ وعن [ابن] 1 مسعود مرفوعا: " من حلف على مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان " ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} 2 الآية3. ولمسلم عن أبي أمامة مرفوعا: " من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة، فقال رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله، قال: وإن كان قضيبا من أراك "4 {ومن حلف له بالله فليرض} تعظيما لله سبحانه وتعالى، واعتقادًا5 بأنه لا يقدم مسلم على الحلف بالله إلا وهو صادق، سواء كان الحلف في

ومن لم يرض فليس من الله " [رواه ابن ماجه بسند حسن] .

_ حكم أو غيره. {ومن لم يرض فليس من الله "1 2} أي: ليس من أهل دينه وطاعته حيث لم يرض به ويعظمه، وهذا وعيد شديد لمن لم يرض بالحلف بالله. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأى عيسى عليه السلام رجلا يسرق فقال: سرقت؟ قال: كلا والذي لا إله إلا هو فقال عيسى عليه السلام: آمنت بالله وكذبت عيني " أخرجه الشيخان والنسائي3.

باب قول ما شاء الله وشئت

باب قول ما شاء الله وشئت عن قتيلة أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إنكم تشركون، تقولون ما شاء الله وشئت، وتقولون والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا ورب الكعبة، وأن يقولوا ما شاء الله ثم شئت " رواه النسائي وصححه.

_ {باب قول ما شاء الله وشئت} {عن قتيلة} [بالمثناة والتصغير بنت صيفي الأنصارية الجهنية الصحابية1 من المهاجرات] {أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إنكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت " رواه النسائي وصححه2.}

وله - أيضا - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت، قال: " أجعلتني لله ندا، ما شاء الله وحده " [ولابن ماجه] عن الطفيل - أخي عائشة لأمها - قال: رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود، قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله، قالوا: إنكم

_ {وله - أيضا - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت، قال: "أجعلتني لله ندا أي مثلا! أنكر1 عليه ذلك، وقال: {ما شاء الله وحده "2 أي: لا شريك له في المشيئة. 3 {عن طفيل4 أخي عائشة لأمها} - رضي الله عنهما - {قال: رأيت} أي: في المنام {كأني أتيت على نفر من اليهود} أي: جماعة منهم {قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله، قالوا: إنكم

لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ثم مررت بنفر من النصارى فقلت: إنكم لأنتم القوم-: لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد. فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، قال: " هل أخبرت بها أحدا؟ قلت: نعم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن طفيلا رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم، وإنكم قلتم كلمة، كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها، فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده ".

_ لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ثم مررت بنفر من النصارى} أي: جماعة منهم {فقلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون1 ما شاء الله وشاء محمد. فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، قال: هل أخبرت بها} أي: بالرؤيا2 {أحدا؟ قلت: نعم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن طفيلا رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم، وإنكم قلتم كلمة، كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها، فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده 3}

يعني1 لا تشركوني ولا غيري2 في المشيئة، وهذا الشرك ليس من الأكبر لقوله: يمنعني كذا وكذا إذ لو كان من الأكبر لما منعه شيء عن النهي عنه. وفيه أن الرؤيا الصالحة من أقسام الوحي، وقد تكون سببا لشرع بعض الأحكام، كما في الأذان في رؤيا عبد الله بن زيد بن عبد ربه3 في المنام، ومما كره النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بين الله وبينه في الضمير. يروى أن رجلا خطب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما4 فقد غوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "بئس خطيب القوم أنت هلا قلت: ومن يعص الله ورسوله فقد غوى "5 وكره قوله ومن يعصهما، لما فيه من الجمع بينهما في الضمير والمساواة.

_ 1 كلمة: (يعني) سقط من"ر". 2 هذا في"الأصل", وفي النسخ الأخرى, أخطاء إملائية ونحوية. 3 هو: عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد الله الأنصاري -صحابي- شهد العقبة وبدرا, وهو الذي أري الأذان في النوم, توفي سنة 32 هـ, قال الحاكم بأن الصحيح أنه توفي في أحد. انظر ترجمته في:"طبقات ابن سعد": (3/ 536- 537) ,"الإصابة": (6/ 90- 91) ,"أسد الغابة": (3/ 142- 145) . 4 هذا في"الأصل", وفي بقية النسخ: (يعصاهما) . 5 [210 ح] "صحيح مسلم مع شرح النووي": (6/ 407 , ح 48/ 870) , كتاب الجمعة, باب تخفيف الصلاة والخطبة, و"المستدرك"للحاكم: (1/ 289) . والحديث -كما ترى- قد أخرجه مسلم في"صحيحه", ومع ذلك فإن الحاكم قد قال عقبه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي على ذلك. فوهم رحمه الله في قوله: إن مسلما لم يخرجه. والحديث عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه-. انظر بقية التخريج في الملحق.

باب من سب الدهر فقد آذى الله

باب من سب الدهر فقد آذى الله وقول الله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} في"الصحيح" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار "

_ {باب من سب الدهر فقد آذى الله) {وقول الله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} } أي: ما الحياة إلا الحياة الدنيا نموت ونحيا، أي: يموت الآباء ويحيى الأبناء، وما يهلكنا إلا الدهر، أي1 وما يفنينا إلا مر2 الزمان، واختلاف الليل والنهار3 {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} 4 أي: لم يقولوه عن5 علم علموه {إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} 6 والظن لا يغني من الحق شيئا. {وفي "الصحيح" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم} يعني: يعاملني معاملة توجب الأذى في حقكم {يسب الدهر وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار 7

وفي رواية: " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر "

_ وفي رواية: "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر (1} ومعنى هذا الحديث: أن العرب كان من شأنها2 ذم الدهر وسبه عند النوازل والنوائب والحوادث والمصائب النازلة بها، من موت أو هدم أو تلف مال أو غير ذلك، يقولون: يا خيبة الدهر ... ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر 3} أي: فاعل النوازل والحوادث، وخالق الكائنات، وفي رواية: " يؤذيني ابن آدم يقول: يا خيبة الدهر، فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر، فإني أنا الدهر، أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضته (4 وقوله عز وجل "أنا الدهر " برفع الراء هو الصواب

المعروف الذي قاله الشافعي، وأبو عبيد، وجماهير المتقدمين والمتأخرين. قال أبو بكر محمد بن داود الأصبهاني الظاهري1 (إنما هو الدهر بالنصب على الظرف، أي: أنا مدة الدهر، أقلب ليله ونهاره) 2. وحكى ابن عبد البر3 هذه الرواية عن بعض أهل العلم قال النحاس45 يجوز النصب، أي: أنا باق مقيم أبدا6 فالله سبحانه

_ 1 هو: محمد بن داود علي أبو بكر الظاهري, العلامة, البارع, ذو الفنون, وهو مصنف كتاب"الزهرة"في الآداب, وكان له بصرا تاما بالحديث وأقوال الصحابة, وكان يجتهد ولا يقلد أحدا, مات سنة 297 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (13/ 109- 116) ,"تاريخ بغداد": (5/ 256- 263) ,"وفيات الأعيان": (4/ 259- 261) . 2"شرح النووي على صحيح مسلم": (15/ 5- 6) , كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها. 3 هو: يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي -أبو عمر- إمام حافظ في الحديث, قال الذهبي: كان إماما دينا ثقة متقنا علامة صاحب سنة واتباع, وكان أولا أثريا ظاهريا فيما قيل, وكان في أصول الديانة على مذهب السلف, لم يدخل في علم الكلام, ولد سنة 368 هـ, وتوفي سنة 463 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (18/ 153- 163) ,"شذرات الذهب": (3/ 314) ,"العبر": (2/ 316) . 4 في كل النسخ: (النجاشي) , وفد صوبتها من المصدر: (شرح النووي) . 5 هو: أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي المصري أبو جعفر النحاس مفسر, أديب, نحوي, لغوي, وفقيه, رحل إلى بغداد وأخذ عن المبرد والأخفش والزجاج وغيرهم, له تصانيف منها:"معاني القرآن","تفسير القرآن","إعراب القرآن","الناسخ والمنسوخ"وغيرها, توفي بمصر سنة 338 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (15/ 401- 402) ,"شذرات الذهب": (2/346) ,"الأعلام": (1/208) ,"معجم المؤلفين": (2/82) . 6 نفس المصدر السابق: (ص 6) .

باب التسمي بـ"قاضي القضاة" ونحوه

باب التسمي بـ"قاضي القضاة" ونحوه في"الصحيح"عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أخنع اسم عند الله رجل يسمى ملك الأملاك "

_ وتعالى مقلب الدهر ومصرفه، وهو الفاعل لهذه الأمور التي تضيفونها إلى الدهر1. قال الشاعر: يا شاكي الدهر جهلا في تصرفه ... لا تشك دهرك فإن الدهر مأمور ما ذنب دهرك والأيام عالية ... وكل أمر إذا وافاك مسطور فاصبر على حدثان الدهر وارض به ... ما دام في الدهر مهموم ومسرور {باب التسمي ب"قاضي القضاة" ونحوه} {في"الصحيح" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أخنع اسم عند الله رجل يسمى ملك الأملاك 2 3}

قال [مسلم] 1 قال أحمد بن حنبل: سألت2 أبا عمرو3 عن أخنع؟ فقال: أوضع4 وهذا التفسير الذي فسره5 - أبو عمرو - بن العلاء التميمي المقري6 مشهور عنه، وعن غيره، قالوا: معناه أشد ذلا وصغارا يوم القيامة، والمراد صاحب الاسم، ويدل عليه الرواية الثانية:"أغيظ

_ 1 ما بين القوسين هو الصواب, فقد أورده مسلم في"صحيحه"بعد الحديث الماضي, وقد جاء في كل النسخ: (قال النووي) , ولعله قد اختلط على الشارح رحمه الله فظنه من كلام النووي. 2 في"ش": (سمعت) , والصواب من أثبت من النسخ الأخرى وأصل الحديث. 3 هو: أبو عمرو بن العلاء بن عمار التميمي المازني البصري -شيخ القراء والعربية- اختلف في اسمه على أقوال: أشهرها زبان, حدث باليسير عن أنس بن مالك ويحيى ابن يعمر ومجاهد, وقرأ القرآن على سعيد بن جبير ومجاهد, حدث عنه شعبة وحماد ابن زيد, وانتصب للإقراء أيام الحسن البصري, قال إبراهيم الحربي وغيره: كان أبو عمرو من أهل السنة, مات سنة 157 هـ. انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب": (12/ 178- 180) ,"وفيات الأعيان": (3/ 466- 470) ,"سير أعلام النبلاء": (6/ 407- 411) . 4 انظر:"صحيح مسلم مع شرح النووي": (14/ 369) بعد حديث (20/ 2143) . 5 كلمة: (فسره) سقطت من"ع". 6 أخطأ الشارح رحمه الله في تعريفه بأبي عمرو بأنه ابن العلاء التميمي فقد عرف به النووي في آخر شرحه للحديث بأنه إسحاق بن مرار اللغوي النحوي وحقق ذلك. انظر:"شرحه على صحيح مسلم": (14/ 369) , وانظر:"تاريخ بغداد": (6/ 329) , و"ميزان الاعتدال": (3/ 373) , وانظر:"سير أعلام النبلاء"لتعرف أبو العلاء الذي ذكره الشارح: (6/ 407) . ومما يظهر الخطأ أن الإمام أحمد قد ولد سنة 164 هـ. انظر:"السير": (11/ 179) , وأبو العلاء هذا -الذي ذكره الشارح- توفي سنة 154 هـ, انظر:"السير": (6/ 407) , فكيف يكون قد أخذ عنه؟!.

رجل على الله" قال القاضي: وقد يستدل به على أن الاسم هو المسمى، وفيه الخلاف المشهور1 وقيل: أخنع بمعنى أفجر، يقال: أخنع الرجل إلى المرأة، والمرأة إليه، إذا دعاها إلى الفجور، وهو بمعنى أخبث، أي: أكذب الأسماء وقيل: أقبح وفي رواية البخاري: أخنى وهو بمعنى ما سبق، أي: أفحش وأفجر، والخنا هو الفحش، وقد يكون بمعنى أهلك [لصاحبه] 2 المسمى، والإخناء الإهلاك، يقال: أخنى عليه الدهر، أي: أهلكه، وقال أبو عبيد: وروي أنخع، أي: أقتل، والنخع القتل الشديد3.

_ 1 مسألة (الاسم والمسمى) من المسائل التي حصل فيها الكلام, والذين قالوا: الاسم غير المسمى هم الجهمية ليصلوا أن أسماء الله غيره, وما كان غيره فهو مخلوق, ولهذا روي عن الشافعي والأصمعي وغيرهما القول بأنه إذا سمع الرجل يقول الاسم غير المسمى فيشهد عليه بالزندقة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولم يعرف -أيضا- عن أحد من السلف أنه قال: الاسم هو المسمى, بل هذا قاله كثير من المنتسبين إلى السنة بعد الأئمة وأنكره أكثر أهل السنة عليهم. والقول المنقول عن أكثر أهل السنة والجماعة الموافقون للكتاب والسنة والمعقول أن الاسم للمسمى كما قال تعالى: ولله الأسماء الحسنى , وقال: أياما تدعو فله الأسماء الحسنى. انظر:"مجموع الفتاوى"لابن تيمية (6/ 187 , 206 , 207) , قاعدة في الاسم والمسمى. 2 في"الأصل": (لصاحب) , والمثبت من بقية النسخ, وهو الصواب الموافق للمصدر المأخوذ منه. 3 من أول الباب إلى هنا الكلام المنقول عن النووي رحمه الله, انظره في"شرحه على صحيح مسلم": (14/ 368- 369) .

قال سفيان: مثل شاهان شاه. وفي رواية: " أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه ".

_ {قال سفيان: مثل شاهان شاه1} قوله شاهان شاه الثاني الملك، والأول جمعه; لأن قاعدة العجم تقديم المضاف إليه على المضاف. {وفي رواية:" أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه "2} تمامه وأغيظه رجل كان يسمى ملك الأملاك3 قال سفيان بن عيينة: ملك الأملاك مثل شاهان شاه4 ومعناه: ملك الملوك، ولا يوصف بذلك إلا الله تعالى، ومثله قاضي القضاة; لأن معناه أنه قاض على كل قاض فكان أشد قضاء، ولا يزكى على الله أحد5 وهو ما أشبهه من الأسماء أوضع اسم عند الله تعالى، فإن الله تعالى هو ملك الملوك وأحكم الحاكمين6.

باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك عن أبي شريح أنه كان يكنى أبا الحكم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله الحكم، وإليه الحكم، فقال

_ تنبيه: اختلف العلماء فيمن عقد له الأمر هل يجوز أن يقال: خليفة الله فقيل: يجوز لقيامه بحقوق الله تعالى في خلقه وقيل: لايجوز; لأنه إنما يستخلف من يغيب أو يموت، والله تعالى لا يغيب ولا يموت1. يروى أنه قيل لأبي بكر رضي الله عنه يا خليفة الله، فقال: لست خليفة الله2 ولكني3 خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا راض بذلك4. وهذا كله تعظيم وإجلال لله تعالى. {باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك} {عن أبي شريح} هانئ الحارثي الصحابي رضي الله عنه {أنه كان يكنى أبا الحكم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم" إن الله5 الحكم، وإليه الحكم "، فقال:

إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، فقال: ما أحسن هذا، فما لك من الولد؟ قلت: شريح، ومسلم، وعبد الله، قال: من أكبرهم؟ قال: شريح، قال: فأنت أبا شريح "

_ إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، فقال: ما أحسن هذا، فما لك من الولد؟ قلت: شريح، ومسلم، وعبد الله، قال: من أكبرهم؟ قال: شريح، قال: فأنت أبا شريح "12 وفي رواية: أنه لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه سمعهم يكنونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إن الله هو الحكم وإليه الحكم، فلم تكنى أبا الحكم؟ فقال: إن قومي ... إلى آخره".3 فيه احترام أسماء الله تعالى وصفاته، ولو كان كلاما لم يقصد به معناه، وتغيير الاسم لأجل ذلك، واستحباب الكنية بأكبر أولاد الرجل.

اعلم أنه يستحب تغيير الاسم بأحسن منه1 فقد غير النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاصي وعزيز بالمطيع وعبد العزيز، وسمى حربا سلما، وسمى المضطجع المنبعث، وأرضا يقال لها عفرة سماها خضرة، وشعب الضلالة سماه شعب الهدى، وسمى بني مغوية بني رشدة2 وغير اسم عاصية، فقال: أنت جميلة3. وفي"صحيح البخاري" عن سعيد بن المسيب بن حزن عن أبيه أن أباه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما اسمك؟ فقال: حزن، قال: أنت سهل، قال: لا أغير اسما سمانيه أبي، قال: بل أنت حزن، قال ابن المسيب فما زالت الحزونة فينا 4 الحزونة5 غلظ الوجه وشيء من القساوة.

_ 1 وهذا الأحسن قد يكون بديلا عن قبيح أو مستكره وقد يكون بديلا لاسم فيه تزكية أو تشريك لاسم من أسماء الله أو تعبيد لغير الله أو نحوه. 2 ذكره أبو داود في"سننه": (5/ 241- 243) بعد حديث سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده حزن. وانظر:"زاد المعاد": (2/ 336) فقد نقلها عنه. 3"صحيح مسلم مع شرح النووي": (14/ 366 , ح 14/ 2139) , كتاب الآداب, باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن. و"سنن أبي داود": (5/ 238- 239 , ح 4952) , كتاب الأدب, باب تغيير الاسم القبيح. 4 [215 ح] "صحيح البخاري مع الفتح": (10/ 574 , ح 6190) , كتاب الأدب, باب اسم الحزن."سنن أبي داود": (5/ 241 , ح 4956) , كتاب الأدب, باب في تغيير الاسم القبيح. وفيه انظر بقية التخريج في الملحق"أنه لما قاله له أنت سهل قال: لا, السهل يوطأ ويمتهن". انظر بقية التخريج في الملحق. 5 سقطت كلمة: (الحزونة) من"ر".

فرع: يستحب تحسين الاسم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم (1 وقال صلى الله عليه وسلم "إن أحب أسمائكم إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن "2 وقال صلى الله عليه وسلم " سموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة " 3.

_ 1 [216 ح] "سنن أبي داود": _5/ 236, ح 4948) , كتاب الأدب, باب في تغيير الأسماء. و"صحيح ابن حبان":"الإحسان": (7/ 528 , ح 5788) ,"مسند الإمام أحمد": (5/ 194) . والحديث عن أبي الدرداء -رضي الله عنه-. والحديث -كما ترى- قد صححه ابن حبان, وصححه الألباني كما في"صحيح سنن أبي داود": (3/ 936 , ح 4146- 4956) . و"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (1/ 375 , ح 214) . انظر بقية تخريجه في الملحق. 2 [217 ح] "صحيح مسلم مع شرح النووي": (14/ 360 , ح 2/ 2132) , كتاب الأدب, باب النهي عن التكني بأبي القاسم."سنن الترمذي": (5/ 133 , ح 2834) , كتاب الأدب, باب ما جاء فيما يستحب من الأسماء. والحديث عن ابن عمر, وروي عن أنس -أيضا-. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق. 3"سنن أبي داود": (5/ 237 , ح 4950) , كتاب الأدب, باب في تغيير الأسماء."السنن الكبرى"للبيهقي: (9/ 306) ,"الأدب المفرد"للبخاري: (ص 275 , ح 816) . والحديث عن أبي وهب الجشمي. والحديث صححه الألباني دون قوله فيه:"تسموا بأسماء الأنبياء"0 انظر:"صحيح سنن أبي داود": (3/ 935 , ح 4140- 4950) . و"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (2/ 605 , ح 904) , (3/ 33 , ح 1040) .

باب من هزل بشيء فيه ذكر الله تعالى أو القرآن أو الرسول

باب من هزل بشيء فيه ذكر الله تعالى أو القرآن أو الرسول وقول الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} عن ابن عمر، ومحمد بن كعب، وزيد بن أسلم، وقتادة

_ {باب من هزل بشيء فيه ذكر الله تعالى أو القرآن أو الرسول} {وقول الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} 1 2} . عن ابن عمر، ومحمد بن كعب3 وزيد بن أسلم4 وقتادة

دخل حديث بعضهم في بعض أنه قال رجل في غزوة تبوك

_ دخل حديث بعضهم في بعض أنه قال رجل} من المنافقين {في غزوة تبوك} وهي أدنى بلاد الروم1 ولم يغز النبي صلى الله عليه وسلم بعدها حتى توفي وهي الفردة2 لأنه لم يكن في عامها غيرها، وسماها الله ساعة العسرة3 لوقوعها في شدة الحر، وأنفق عثمان رضي الله عنه فيها ألف دينار4 وحمل على تسعمائة وخمسين بعيرا وخمسين فرسا5 ولذلك قيل له: مجهز جيش العسرة، وكان عددهم سبعين ألفا6 وفيها قصة الثلاثة الذين خلفوا، وهم: كعب بن مالك7وهلال بن

ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء، يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء، فقال له عوف بن مالك: كذبت، ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عوف إلى

_ أمية1 ومرارة بن الربيع23. قال الرجل المنافق: {ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا} أي أكثر أكلا {ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء} أي: عند الحرب {يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء، فقال له عوف بن مالك4 كذبت، ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عوف إلى

رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجد القرآن قد سبقه فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق، قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقا بنسعة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الحجارة تنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب فيقول له رسول الله صلى الله

_ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجد القرآن قد سبقه فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال: يا رسول الله، إنما1 كنا نخوض ونلعب2 ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق} أي: نخوض في الكلام كما يفعل الركب يقطعون الطريق بالحديث واللعب {قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقا بنسعة3 ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الحجارة تنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب فيقول له رسول الله صلى الله

عليه وسلم: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ [لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ما يلتفت إليه وما يزيده عليه ".

_ عليه وسلم: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} 1 2 ما يلتفت إليه وما يزيده عليه 3} . قال محمد بن إسحاق4 الذي قال هذه المقالة فيما بلغني هو وديعة ابن ثابت5 أخو بني أمية بن زيد بن عمرو بن عوف6.

وقال قتادة: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في غزوة تبوك وبين يديه ناس من المنافقين، فقالوا: يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها؟ هيهات هيهات، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم احبسوا علي الركب فأتاهم، فقال: قلتم كذا وكذا، فقالوا: يا نبي الله، إنما كنا نخوض ونلعب، فأنزل الله فيهم ما تسمعون 1. وقال الكلبي ومقاتل: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في غزوة تبوك، وبين يديه ثلاث نفر من المنافقين: اثنان يستهزئان بالقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم والثالث يضحك2 وقيل: كانوا يقولون: إن محمدا يوهم أنه يغلب الروم، ويفتح مدائنه ما أبعده عن ذلك، وقيل: كانوا يقولون: إن محمدا يزعم أنه نزل في أصحابنا قرآن إنما هو قوله وكلامه وقوله: {قل} يا محمد، {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} فيه توبيخ وتقريع للمنافقين3 والمعنى: كيف يقدمون على الاستهزاء بالله، يعني: بفرائضه وحدوده وأحكامه، قال الله عز وجل {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} 4 يعني: قل لهؤلاء المنافقين: لا تعتذروا بالباطل قد كفرتم بعد إيمانكم، يعني: أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر، وكذلك الرضا به كفر قال الله

_ 1 انظر:"تفسير الطبري": (6/ 10/ 172) . و"تفسير عبد الرزاق": (1/ 2/ 282) , و"تفسير ابن كثير": (2/ 382) , و"تفسير السيوطي": (4/ 230) . 2 انظر:"تفسير السيوطي": (4/ 31) , و"تفسير الفخر الرازي": (16/ 125) . 3 انظر:"تفسير الشوكاني": (2/ 377) . 4 سورة التوبة، الآية: 66.

تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} 1 والرضا بالكفر كفر، وأجمع العلماء أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم كافر، ومن شك في كفره كفر2 ويقتل3 وممن قال بذلك مالك والليث4 وأحمد وإسحاق5 وهو مذهب الشافعي6 قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} 7 والقرآن معجزة وحجة على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فمن الناس من جحد وأنكر ما جاء به كما أخبر الله عنهم بقوله: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} 8 قال الله تعالى تكذيبا لهم وتصديقا لنبيه صلى الله عليه وسلم {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} 9

_ 1 سورة النساء، الآية: 140. 2 هذا في"الأصل", وفي بقية النسخ: (كافر) . 3 يعني الشاتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم. 4 هو: الليث بن سعد الفهمي الأصبهاني, قال عنه الشافعي: إنه أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به, سمع عطاء بن أبي رباح وابن شهاب, ولد سنة 94 هـ, وتوفي سنة 175 هـ. انظر ترجمته في:"تذكرة الحفاظ": (1/ 224) ,"تاريخ بغداد": (13/ 3- 14) ,"وفيات الأعيان": (4/ 127- 132) . 5 هو ابن راهويه, وقد تقدمت ترجمته: (ص 315) . 6 انظر:"الصارم المسلول"لابن تيمية: (ص 3) . 7 سورة الأحزاب، الآية: 57. 8 سورة الفرقان، الآية: 5. 9 سورة الفرقان، الآية: 6.

باب ما جاء في قول الله تعالى {ولئن أذقناه رحمة منا بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي} الآية

باب ما جاء في قول الله تعالى {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} الآية ... باب ما جاء في قول الله تعالى {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} قال مجاهد: هذا بعملي وأنا محقوق به. وقال ابن عباس رضي الله عنه يريد من عندي.

_ {48- باب ما جاء في قول الله تعالى} 1 {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا} أي: آتيناه خيرا وعافية وغنى2 {مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ} أي: من بعد شدة وبلاء أصابه3 {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} أستحقه بعملي {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} قال مجاهد: هذا بعملي وأنا محقوق به} 4. {وقال ابن عباس - رضي الله عنهما-: يريد من عندي} 56 {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} أي: لست على يقين من البعث {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي}

وقوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} قال قتادة: على علم مني بوجوه المكاسب، وقال آخرون: على علم من الله أني له أهل، وهذا معنى قول مجاهد: أوتيته على شرف.

_ يعني: وإن رددت إلى ربي {إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} 1 2 أي: الجنة [والمعنى] 3 كما أعطاني في الدنيا سيعطيني في4 الآخرة5. {وقوله تعالى:} حاكيا عن قارون {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} 6 أي: في مقابلته، وكان أعلم بني إسرائيل بالتوراة بعد موسى وهارون، {قال قتادة: على علم مني بوجوه المكاسب7 وقال آخرون: على علم من الله أني له أهل8 وهذا معنى قول مجاهد: أوتيته على شرف} وقيل: على فضل وخير، علمه الله عندي ورآني أهلا لذلك ففضلني بهذا

المال عليكم كما فضلني بغيره1 وقيل: هو علم الكيمياء، وكان موسى عليه السلام يعلمه فعلم يوشع بن نون2 ثلث ذلك العلم، وعلم كالب بن يوقنا ثلثه، وعلم قارون ثلثه فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه، وكان يصنع من الرصاص فضة ومن النحاس ذهبا، وكان ذلك سبب أمواله3 وقيل: كان علمه حسن التصرف في التجارات والزراعات، وأنواع المكاسب4. وفيما قص الله سبحانه وتعالى في الأخوين قال: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} يعني: الكافر أخذ بيد صاحبه المؤمن يطوف به في البستان5 {وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} أي: بكفره قال {قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ} أي: تهلك {هَذِهِ} يعني: جنته {أَبَداً} وذلك لما أعجبه حسنها وزهرتها {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً} 6 لأنه لم يعطني الجنة في الدنيا إلا ليعطيني في الآخرة أفضل منها7 وقال عز وجل {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ} يعني: ولئن نحن أنعمنا على الإنسان فبسطنا عليه من العيش {لَيَقُولَنَّ} يعني8 الذي أصابه الخير والسعة {ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي}

_ 1"تفسير البغوي": (3/ 455) , و"تفسير القرطبي": (13/ 315) . 2 كلمة: (نون) سقطت من"ر". 3"تفسير البغوي": (3/ 455) , وانظر:"تفسير القرطبي": (13/ 315) . 4"تفسير البغوي": (3/ 455) , وانظر:"تفسير ابن الجوزي": (6/ 242) , و"تفسير القرطبي": (13/ 315) . 5"تفسير البغوي": (3/ 162) . 6 سورة الكهف، الآيتان: 35ـ 36. 7"تفسير البغوي": (3/ 162) . 8 زاد في"الأصل"هنا كلمة: (أن) خلافا لبقية النسخ ولا معنى لها.

وعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن ثلاثة من بني إسرائيل: أبرص وأقرع وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا فأتى الأبرص

_ ذهبت الشدائد والعسر والضيق، وإنما قال ذلك غرة بالله عز وجل وجراءة عليه لأنه لم يضف الأشياء كلها إلى الله تعالى، وإنما أضافها إلى العوائد، فلهذا ذمه الله تعالى فقال: {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} 1 أي: أشر بطر، والفخر هو التطاول على الناس وتعديد المناقب2 وينبغي للعبد أن يشكر الله تعالى على ما أنعم عليه، ويقوم بحقوقها رزقنا الله شكر نعمه3. {وعن أبي هريرة} رضي الله عنه {أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إن ثلاثة من بني إسرائيل: أبرص وأقرع وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم} أي يختبرهم ويمتحنهم فبعث إليهم ملكا} من الملائكة {فأتى الأبرص} البرص بياض معروف وعلامته أن يعصر فلا يحمر قاله4 النووي5 وقال بعضهم: هو أبيض اللون براقا أملس غائصا في الجلد واللحم إلى العظم والشعر النابت فيه أبيض6 أعاذنا الله تعالى من علله الفادحة آمين.

فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به، قال: فمسحه فذهب عنه قذره، فأعطي لونا حسنا، وجلدا حسنا، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل أو البقر - شك إسحاق - فأعطي ناقة عشراء، وقال: بارك الله لك فيها، فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرا حسنا، فقال:

_ {فقال: أي شيء أحب إليك، قال1 لون حسن وجلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به} من العاهة التي ابتلاني الله به في بدني، {قال: فمسحه فذهب عنه قذره، فأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا} وبرأ كأن لم يكن به شيء، بقدرة الله تعالى {قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل} بكسرتين وتسكن الباء واحد يقع على الجمع ليس بجمع ولا اسم جمع وجمعه آبال، وهي أنفس الأموال عند العرب، وأحبها إليهم {أو البقر شك إسحاق} الراوي {فأعطي ناقة عشراء} والناقة العشراء - بضم العين وفتح الشين وبالمد-: وهي الحامل {وقال: بارك الله لك فيها، قال: فأتى الأقرع} القرع: زوال شعر الرأس حتى يصير أملس لا شعر به، ويسميه الأطباء داء الثعلب أعاذنا الله منه {فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عني2 الذي قد قذرني الناس به} أي: من أجله {فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرا حسنا} أي: بقدرة الله تعالى {فقال:

أي المال أحب إليك؟ قال: البقر، فأعطي بقرة حاملا للحراثة، قال: بارك الله لك، فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس، فمسحه فرد الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاة والدا، فأنتج هذان وولد هذا فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم، قال: ثم أتى الأبرص في صورته وهيئته

_ أي المال أحب إليك؟ قال: البقر1 فأعطي بقرة حاملا} البقرة: واحدة البقر، وهي الأنثى، وأصلها البقر، وهو الشق سميت بذلك لأنها تبقر الأرض، أي تشقها {للحراثة قال: بارك الله لك2 فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس، فمسحه فرد الله إليه بصره} بقدرته جل وعلا3 {قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاة والدا، فأنتج هذان وولد هذا} وفي رواية: فنتج، معناه: تولى نتاجها، والناتج للناقة كالقابلة للمرأة، وقوله: وولد هذا هو بتشديد اللام، أي: تولى ولادتها، وهو بمعنى نتج في الناقة، والناتج والقابلة بمعنى واحد لكن هذا للحيوان وذاك لغيره {فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم، قال: ثم4 أتى الأبرص في صورته وهيئته} أي: في صورة الأبرص قبل البرء، أراد الله بذلك

فقال: رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن، والمال بعيرا أتبلغ به في سفري، فقال: الحقوق كثيرة، [فقال] : كأني أعرفك ألم تكن أبرص يقذرك الناس، فقيرا فأعطاك الله عز وجل المال، فقال: إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر، فقال: إن كنت كاذبا فصيرك

_ الاختبار، وهو يعلم ذلك {فقال:} أنا {رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال} أي الأسباب {في سفري فلا بلاغ1 لي اليوم} من الزاد يبلغني مقصدي {إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن، والمال بعيرا أتبلغ به في سفري} البعير: اسم يقع على الذكر والأنثى {فقال: الحقوق كثيرة} قاله بخلا منه وشقاوة نعوذ بالله من حاله {فقال: كأني أعرفك ألم تكن أبرص يقذرك الناس، فقيرا فأعطاك الله عز وجل المال، فقال: إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر} أي: كبيرا عن كبير في العز والشرف {فقال: إن كنت كاذبا فصيرك سالله إلى ما كنت} أي: ردك الله أبرص كما كنت أولا {قال2 وأتى الأقرع في صورته) أي: في صورته قبل أن يعطى الشعر الحسن اختبارا من الله سبحانه وتعالى {فقال له مثل ما قال لهذا ورد عليه مثل ما رد عليه هذا، فقال: إن كنت كاذبا فصيرك

الله إلى ما كنت، قال: وأتى الأقرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل ما رد عليه هذا، فقال: إن كنت كاذبا فصيرك إلى ما كنت، قال: فأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين وابن سبيل قد انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري، فقال: قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري فخذ ما شئت ودع ما شئت فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله [فقال: أمسك مالك فإنما ابتليتم فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك " أخرجاه] .

_ الله1 إلى ما كنت} أي: ردك الله أقرع كما كنت أولا {قال: فأتى الأعمى في صورته وهيئته 2} أي: في صورته وهيئته التي كان عليها قبل أن يمسحه الملك {فقال:} أنا {رجل مسكين وابن سبيل قد انقطعت بي الحبال} أي: الأسباب {في سفري فلا بلاغ لي اليوم} من الزاد يبلغني مقصدي {إلا بالله ثم بك أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري، فقال: قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري فخذ ما شئت ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله 3 4} أي: لا أشق عليك في

باب قول الله تعالى: {فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون}

باب قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}

_ رد شيء تأخذه أو تطلبه، أي: لا أمنعك من أخذ شيء هو لله، له ما أخذ وله ما أعطى1 وفي رواية البخاري: لا أحمدك2 ومعناه: لا أحمدك بترك شيء تحتاج إليه كما قالوا3 ليس على طول الحياة ندم، أي: على فوات طولها4. {49- باب} {قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} 5 6} يعني: آدم وحواء، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}

يعني: آدم أبو البشر عليه السلام {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} يعني: حواء، وذلك أن الله تعالى لما خلق آدم ألقى عليه النوم، ثم خلق حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى، فلما استيقظ رآها جالسة عند رأسه، فقال لها: من أنت؟ قالت: امرأة، قال: لم خلقت؟ قالت: خلقت لتسكن إلي، فمال إليها وألفها; لأنها خلقت منه1 واختلفوا في أي وقت خلقت حواء فقال كعب الأحبار ووهب بن منبه وابن إسحاق: خلقت حواء قبل دخوله الجنة2 وقال ابن مسعود وابن عباس: إنها خلقت في الجنة بعد دخوله إياها3 {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} يعني: واقعها {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً} يعني: لئن أعطيتنا بشرا سويا مثلنا {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} 4 قال المفسرون: لما أهبط آدم وحواء إلى الأرض ألقيت الشهوة في نفس آدم، فأصاب حواء فحملت، فلما ثقل الحمل: أتاها إبليس، فقال: إني أخاف أن يكون الذي في بطنك بهيمة أو كلبا أو خنزيرا، قال: وما يدريك من أين يخرج؟ أمن دبرك أو فيك، أو يشق بطنك فيقتلك، فخافت حواء من ذلك، ثم عاد إليها فقال: إني بمنزلة من الله، فإن دعوت الله أن يجعله خلقا سويا، ويسهل خروجه عليك تسميه عبد الحارث، وكان اسمه لعنه الله في الملائكة الحارث، فذكرت ذلك

_ 1 انظر:"تفسير ابن كثير": (1/458) , تفسير سورة النساء, و"تفسير الرازي": (9/ 161) , تفسير سورة النساء أيضا. 2"تفسير ابن الجوزي": (2/ 20) ,"تفسير الخازن": (1/ 395) . 3 انظر:"تفسير الطبري": (1/ 1/ 229) , و"تاريخ الطبري": (1/ 103 , 104) , و"تفسير ابن الجوزي": (2/ 2) , و"تفسير السيوطي": (1/ 127) . 4 سورة الأعراف، الآية: 189.

لآدم، فقال: لعله صاحبنا الذي قد علمت، فعاودها إبليس لعنه الله، فلم يزل بهما حتى غرهما، فلما ولدت سمياه عبد الحارث، فعاش1. عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما حملت حواء طاف إبليس عليه اللعنة، وكان لا يعيش لها ولد، فقال: سميه عبد الحارث، فسمته عبد الحارث فعاش، وكان من وحي الشيطان وأمره " أخرجه الترمذي2 وقال: حديث حسن غريب. قوله: "وذلك من وحي الشيطان"، يعني: وسوسته وحديثه. كما جاء أنه خدعهما مرتين مرة في الجنة، ومرة في الأرض3 قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: لما ولد لآدم أول ولد أتاه إبليس فقال: إني أنصح لك في شأن ولدك هذا سمه عبد الحارث - وكان اسمه لعنه الله في السماء الحارث4 فقال آدم: أعوذ بالله من طاعتك، إني أطعتك في أكل الشجرة

_ 1 انظر:"تفسير الطبري": (6/ 9/ 145) , و"تفسير البغوي": (2/ 221) , و"تفسير السيوطي": (3/ 624) , والرو، الآية عند ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن سعيد ابن جبير. 2 [219 ح] "سنن الترمذي": (5/ 267 , ح 3077) , كتاب تفسير القرآن, باب ومن سورة الأعراف."مستدرك الحاكم": (2/ 545) ,"مسند الإمام أحمد": (5/ 11) . والحديث قال الحاكم فيه: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي, لكنه خالفه في"الميزان": (2/ 179) فقال: صححه الحاكم وهو حديث منكر. وضعفه الألباني كما في"سلسلة الأحاديث الضعيفة": (1/ 348 , ح 342) . انظر بقية تخريج الحديث في الملحق. 3 انظر:"تفسير البغوي": (2/ 221) , وقد صدر هذا القول بقوله: (وجاء في الحديث) . 4 في كل النسخ كتب: (عبد الحارث) , والصواب ما أثبته من أصل الرو، الآية.

فأخرجتني من الجنة، فلن أطيعك فمات ولده، ثم ولد له بعد ذلك ولد آخر، فقال: أطعني وإلا مات كما مات الأول فعصاه فمات الولد الثاني، فقال: لا أزال أقتلهم حتى تسميه عبد الحارث، فلم يزل به حتى سماه عبد الحارث، فذلك قوله عز وجل {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} 1 قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: أشركه في طاعته في غير عبادة، ولم يشرك بالله، ولكن أطاعه2. وقال قتادة: أشركا في الاسم، ولم يشركا في العبادة3 وقال عكرمة: ما أشرك آدم ولا حواء، وإنما كان لا يعيش لهما ولد فأتاهما الشيطان وقال: إن سركما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحارث4. قرئ: شركا - بكسر الشين والتنوين - ومعناه: شركة، قال أبو عبيدة: حظا ونصيبا5 وقرئ: شركاء - بضم الشين مع المد، جمع شريك، يعني: إبليس. عبر عن الواحد بلفظ الجمع، يعني: جعلا له شريكا إذ سميا ولدهما عبد الحارث6.

_ 1"تفسير الطبري": (6/ 9/ 146- 147) , و"تفسير السيوطي": (3/ 624- 627) . 2 انظر:"تفسير الطبري": (6/ 9/ 146) , وانظر:"تفسير ابن الجوزي": (3/ 302) . 3"تفسير الطبري": (6/ 9/ 147) , وانظر:"تفسير القرطبي": (7/ 338) . 4"تفسير الطبري": (6/ 9/ 146- 147) . 5"تفسير البغوي": (2/ 221) . 6"تفسير البغوي": (2/ 221) . وخلاصة القول: أن آدم وحواء- على فرض صحة الرو، الآية عنهما في ذلك وعلى حسب الظاهر من السياق- قد أخطأ في قبول ما عرضه إبليس عليهما من تشريك غير الله معه, ولربما كان ذلك لعدم علمهما أنه إبليس كما يدل عليه قوله لهما (إني بمنزلة من الله) وقول آدم لحواء لما شكت إليه: (لعله صاحبنا الذي قد علمت) , مع ما ابتليا به من موت الولد وحبهما لبقائه كما جاء في بعض الروايات: (فأدركهما حب الولد) فسمياه عبد الحارث, ثم لما علما أنه إبليس غيرا ذلك الاسم وتابا ويدل على ذلك أنه لم يعلم في التاريخ ولا النصوص أن من أبناء آدم من يقال له: عبد الحارث. وإن كان المراد أن الذم لغير آدم وحواء وإنما كان لبعض نسلهما من بني آدم كما رجحه بعض أهل العلم فلا إشكال, وهذا يأباه سياق ال، الآية. وتحقيق هذه المسألة يحتاج إلى جمع النصوص والحكم عليها والمقارنة بين الصحيح منها وغيره ومحاولة التوفيق والجمع بين ما صح منها.

قال ابن حزم: اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد عمرو، وعبد الكعبة، وما أشبه ذلك حاشا عبد المطلب.

_ قال الشيخ - رحمه الله تعالى -: {قال ابن حزم1 اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد عمرو، وعبد الكعبة، وما أشبه ذلك حاشا عبد المطلب2} يعني: إلا عبد المطلب; لأن لتسمية عبد المطلب3 قصة معروفة، وقد ذكرتها في باب قوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} 4 5

وعن ابن عباس في الآية قال: لما تغشاها آدم حملت فأتاهما إبليس فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعني ولأجعلن له قرني أيل فيخرج من بطنك فيشقه ولأفعلن ولأفعلن، يخوفهما - سمياه عبد الحارث، فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا ثم حملت، فأتاهما فقال مثل قوله فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا ثم حملت فأتاهما فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث فذلك قوله: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} " رواه ابن أبي حاتم.

_ {وعن ابن عباس في الآية قال:"لما تغشاها آدم حملت1 فأتاهما إبليس فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعني2 ولأجعلن له قرني أيل فيخرج من بطنك فيشقه ولأفعلن ولأفعلن3 يخوفهما - سمياه عبد الحارث، فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا ثم حملت، فأتاهما فقال مثل قوله فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا ثم حملت فأتاهما4 فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث فذلك قوله: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} 5 رواه ابن أبي حاتم6} .

[وله بسند صحيح "عن قتادة قال: أشركا في طاعته، ولم يكن في عبادته"] وله بسند صحيح [عن مجاهد] في قوله: {لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً} قال: أشفقا أن لا يكون إنسانا، وذكر معناه عن الحسن وسعيد وغيرهما.

_ { [وله بسند صحيح عن قتادة قال: أشركا في طاعته، ولم يكن في عبادته] 12 وله بسند صحيح [عن مجاهد] 3 في قوله {لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً} قال: أشفقا أن لا يكون إنسانا4 ذكر معناه عن الحسن وسعيد وغيرهما5} انتهى كلامه. قال العلماء - رحمهم الله تعالى -: ولم يكن ذلك شركا في العبادة، ولا أن الحارث رب لهما لأن آدم عليه السلام كان نبيا معصوما من الشرك6 وإنما أخبر آدم بقوله: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} لأن حسنات الأبرار

سيئات المقربين1 ولأن2 منصب النبوة أشرف المناصب وأعلاها فعاتبه الله على ذلك لأنه نظر إلى المسبب، ولم ينظر إلى المسبب والله أعلم بمراده. وقوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} 34 نزه سبحانه وتعالى نفسه عن الإشراك والمشركون5.

_ 1 انظر:"تفسير الفخر الرازي": (15/ 88) . وهذه العبارة غير مسلمة فالحسنات حسنات سواء كانت من الأبرار أو من المقربين, والسيئات كذلك. وقد أورد هذه العبارة الشيخ الألباني في"سلسلة الأحاديث الموضوعة": (1/ 135 , ح 100) , وقال بعدها: (باطل لا أصل له, وقد أورده الغزالي في"الإحياء": 4/ 44 بلفظ:"قال القائل الصادق: حسنات الأبرار ... "قال السبكي: ينظر إن كان حديثا فإن المصنف قال: قال القائل فينظر من أراد, قلت -القائل الألباني-: الظاهر أن الغزالي لم يذكره حديثا ولذلك لم يخرجه الحافظ العراقي في تخريج أحاديث "الإحياء", وإنما أشار الغزالي إلى أنه من قول أبي سعيد الخراز الصوفي, وقد أخرجه عنه ابن الجوزي في"صفوة الصفوة"وكذا ابن عساكر في ترجمته كما في "الكشف" قال -القائل السبكي-: وعده بعضهم حديثا وليس كذلك) . قلت: -القائل الألباني-: وممن عده حديثا الشيخ أبو الفضل محمد بن محمد الشافعي فإنه قال في كتابه"الظل المورود": (ق 12/ 1) : فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: 000 فذكره. ولا يشفع له أنه صدره بصيغة التمريض -إن كانت مقصودة منه- لأن ذلك إنما يفيد فيما كان له أصل ولو ضعيف, وأما فيما لا أصل له كهذا فلا. 2 في النسخ الأخرى: (وأن منصب النبوة) . 3 سورة الأعراف، الآية: 190. 4 هذا الجزء هو نه، الآية، الآية الباب, وقد أخر ذكره الشارح رحمه الله إلى ما بعد الأحاديث خلافا للمؤلفات فقد جاء بال، الآية تامة, ثم انتقل إلى الأحاديث. 5 انظر:"تفسير الطبري": (6/ 9/ 149) .

باب قول الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}

باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}

_ {باب} {قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} 1} يعني: ادعوا الله بأسمائه [الحسنى] 2 التي سمى بها نفسه أو سماه بها رسوله كما أنه لا يدعى غيره فلا يدعى إلا بأسمائه. وفيه دليل على أن أسماء الله توقيفية لا اصطلاحية، ومما يدل على صحة هذا القول ويؤكده: أنه يجوز أن يقال: يا جواد، ولا يجوز أن يقال: يا سخي، ويجوز أن يقال: يا عالم، ولا يجوز أن يقال: يا عاقل، ويجوز أن يقال: يا حكيم، ولا يجوز أن يقال: يا طبيب3. والأسماء الحسنى ليست إلا لله، وهي محصورة في نوعين: أحدهما: عدم افتقاره إلى غيره. والثاني: افتقار غيره إليه. وعند الغزالي والباقلاني4 يجوز إطلاق ما لم يرد عليه نص إذا

لاق به سبحانه وتعالى1. وسبب نزول الآية: قال مقاتل: إن رجلا دعا الله في صلاته، ودعا الرحمن فقال بعض مشركي مكة - قال ابن الجوزي: هو أبو جهل - قال2 إن محمدا وأصحابه يزعمون أنهم يعبدون ربا واحدا، فما بال هذا يدعو اثنين، فأنزل الله هذه الآية: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} 3 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن لله تسعة وتسعين اسما من حفظها دخل الجنة، والله وتر يحب الوتر " 4 وفي رواية الترمذي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة، هو الله الذي لا إله إلا هو، الرحمن، الرحيم،

_ 1 انظر التفصيل في ذلك في:"لوامع الأنوار البهية": (1/ 125) فقد أجازه الباقلاني وفصل فيه الغزالي فأجاز إطلاق الصفة وهي ما دل على معنى زائد على الذات, ومنع إطلاق الاسم وهو ما يدل على نفس الذات. وتوقف الجويني فقال: ما ورد الشرع بإطلاقه في أسماء الله وصفاته أطلقناه, وما منع الشرع من إطلاق منعناه, وما لم يرد فيه إذن ولا منع لم نقض فيه بتحليل ولا تحريم. انظر: كتاب"الإرشاد": (ص 136- 137) . 2 كلمة: (قال) سقطت من"ر"0. 3"تفسير البغوي": (2/ 217) , و"تفسير ابن الجوزي": (3/ 292) . 4 [220 ح] "صحيح البخاري مع الفتح": (11/ 214 , ح 3410) , كتاب الدعوات, باب لله مائة اسم غير واحد وزاد فيه:"مائة إلا واحدا"."صحيح مسلم مع شرح النووي": (17/ 7- 8 , ح 5/ 2677) , كتاب الذكر والدعاء والتوبة, باب 2 , بلفظ:"لله تسعة وتسعون ... "الحديث. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، الباري، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، المحصي، المبدي، المعيد، المحيي، المميت، الحي القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الولي، المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرءوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، [المانع، المعطي، الضار، النافع] 1 النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور " 2.

_ 1 في"الأصل"خلط الناسخ في الترتيب فقال: (المانع, الضار, المعطي, النافع) , والصواب ما أثبته من بقية النسخ. 2 [221 ح] "سنن الترمذي": (5/ 530- 531 , ح 3507) , كتاب الدعوات, باب 83."صحيح ابن حبان":"الإحسان": (2/ 88- 89 , ح 805) ."مستدرك الحاكم": (1/ 16 , 17) . والرو، الآية أيضا عن أبي هريرة -رضي الله عنه-. والحديث قال فيه الترمذي: حديث غريب ولا نعلم في كثير شيء من الروايات له إسناد صحيح ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث. وقال ابن حجر في"بلوغ المرام" (ص 346) : (التحقيق أن سردها إدراج من بعض الرواة) . وقال الصنعاني في"سبل السلام" (4/ 208) : (اتفق الحفاظ من أهل الحديث أن سردها إدراج من بعض الرواة) . انظر بقية تخريج هذه الرو، الآية والحكم عليها في الملحق.

قال الشيخ محيي الدين النووي - رحمه الله تعالى-: (اتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر أسمائه سبحانه وتعالى، وليس معناه أنه ليس له أسماء1 غير هذه التسعة والتسعين، وإنما المقصود من الحديث أن هذه التسعة والتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن الدخول الجنة بإحصائها، لا [الإخبار] 2 بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الآخر: " أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك " 34. وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي5 عن بعضهم: أن لله

_ 1 هذا في"الأصل", وفي بقية النسخ: (ليس له اسم) . 2 في"الأصل": (لأخبار) , وقد صححت من بقية النسخ. 3 [222 ح] "مسند الإمام أحمد": (1/ 391) ,"صحيح ابن حبان": (الإحسان) : (2/ 159- 160 , ح 968) ,"مستدرك الحاكم": (1/ 509) . والحديث من رو، الآية عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-. والحديث قال فيه الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه, فإنه مختلف في سماعه من أبيه. ووافقه الذهبي على ذلك وزاد (وأبو سلمة لا يدري من هو ولا رو، الآية له في الكتب الستة) . وقال الهيثمي: رجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح غير أبي سلمة الجهني, وقد وثقه ابن حبان. وصححه الشيخ الألباني في"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (1/ 336- 338 , ح 199) . انظر بقية التخريج في الملحق. 4"شرح النووي على صحيح مسلم": (17/ 8) , كتاب الذكر والدعاء, باب في أسماء الله تعالى. 5 هو: العلامة الحافظ القاضي, أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد الإشبيلي, صنف في الحديث والفقه والأصول وعلوم القرآن والأدب والنحو ومن كتبه:"أحكام القرآن", و"الأمل الأقصى بأسماء الله الحسنى", وكان قد تخرج بأبي حامد الغزالي وبأبي زكريا التبريزي, ولد سنة 468 هـ, ومات سنة 543 هـ. انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ": (4/1294- 1298) ,"وفيات الأعيان": (4/296- 297) ,"طبقات المفسرين"للداودي: (2/ 167- 171) .

وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ

_ ألف اسم، قال ابن العربي: وهذا قليل1 وقوله صلى الله عليه وسلم "من أحصاها دخل الجنة"2 معناه: من حفظها، يعضده الرواية الأخرى: "من حفظها"، وقيل: المراد من الإحصاء العدد، أي3 عدها في الدعاء بها، وقيل غير ذلك4. وقوله: "والله وتر يحب الوتر"5 الوتر: الواحد، ومعناه في وصف الله تعالى: أنه الواحد لا شريك له ولا نظير6. واعلم أن للدعاء شروطا: منها أن يعرف الداعي معاني الأسماء التي يدعو بها، ويستحضر في قلبه عظمة المدعو، وهو الله عز وجل ويخلص النية في دعائه مع كثرة التعظيم والتبجيل والتقديس لله تعالى، ويعزم على المسألة مع رجاء الإجابة، ويعترف لله عز وجل بالربوبية، وعلى نفسه بالعبودية، فإذا فعل العبد ذلك عظم موقع الدعاء، وكان له أثرا عظيما. وقوله تعالى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} 7 الإلحاد في اللغة:

] ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس {يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} . يشركون، وعنه: سموا اللات من الإله والعزى من العزيز. وعن الأعمش يدخلون فيها ما ليس منها] .

_ الميل عن القصد، والعدل عن الاستقامة، وقال ابن السكيت1 الملحد: العادل عن الحق المدخل فيه ما ليس فيه، يقال: ألحد في الدين إذا عدل عنه ومال إلى غيره2 وقال أهل المعاني: الإلحاد في أسماء الله: تسميته بما لم يسم به نفسه، ولم يرد فيه نص من كتاب ولا سنة لأن أسماء الله تعالى3 توقيفية كما تقدم4 فلا يجوز فيها غير ما ورد في الشرع، بل يدعى الله بأسمائه التي وردت في الكتاب والسنة على وجه التعظيم، ويراعي الداعي حسن الآداب، فلا يجوز أن يقال: يا ضار، {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 5

باب لا يقال السلام على الله في"الصحيح" عن "أبي مسعود رضي الله عنهقال: كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان

_ يا مانع، يا خالق [القردة] 1 على الانفراد، بل يجوز أن يقال: يا ضار يا نافع، يا معطي يا مانع، يا خالق الخلق2. وقوله تعالى: {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 3 يعني: في الآخرة، ففيه تهديد ووعيد لمن ألحد في أسماء الله عز وجل4 والله أعلم. {باب لا يقال السلام على الله} {في"الصحيح" عن} عبد الله {بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا إذا كنا5 مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان} وفي رواية أخرى:" السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، السلام على فلان "6 فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقبل علينا

قال: لا تقولوا السلام على الله، فإن الله عز وجل هو السلام "

_ بوجهه قال1 "لا تقولوا السلام على الله، فإن الله عز وجل هو السلام " 2 تمامه:" ولكن قولوا التحيات لله والصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء، أو بين السماء والأرض - أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله - ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو ".3 وفي رواية لمسلم: " ثم ليتخير من المسألة ما شاء " 4.

باب لا يقال السلام على الله

باب لا يقال السلام على الله ... بين النبي صلى الله عليه وسلم أن السلام من أسماء الله تعالى، ومعناه: السلامة من النقائص والآفات التي تلحق الخلق، والسلام تحية لا تصلح1 لله تبارك وتعالى، وبين صلى الله عليه وسلم التحية2 التي تصلح لله عز وجل بقوله:" ولكن قولوا التحيات لله والصلوات والطيبات ". عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم3 لم يقعد إلا مقدار ما يقول: " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام " أخرجه مسلم والترمذي4. قال الملا علي قاري5 قال ابن الجزري67 في"التصحيح": وأما

_ 1 قوله: (والآفات التي تلحق الخلق, والسلام تحية لا تصلح) سقط من"ر", وهو مثبت في بقية النسخ. 2 هذا في"الأصل", وفي بقية النسخ: (التحيات) بالجمع. 3 قوله: (إذا سلم) سقطت من"ر". 4 [224 ح] "صحيح مسلم مع شرح النووي": (5/ 94 , ح 136/ 592) , كتاب المساجد ومواضع الصلاة, باب استحباب الذكر بعد الصلاة. و"سنن الترمذي": (2/ 95- 96 , ح 298 , 299) , أبواب الصلاة, باب ما يقول إذا سلم. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق. 5 هو: علي بن محمد سلطان الهروي -المعروف بالقاري الحنفي- أقام بمكة وأخذ من علمائها كأبي الحسن البكري وابن حجر الهيتمي, وشرح"الفقه الأكبر"المنسوب لأبي حنيفة, وشرح"رسالة ألفاظ الكفر"للبدر الرشيد, وقد شنع عليه بعض علماء زمانه في مسائل منها: مسألة والدي رسول الله صلى الله عليه وسلم والحكم بكفرهما, توفي سنة 1014 هـ. انظر ترجمته في:"خلاصة الأثر": (3/ 185- 186) ,"البدر الطالع": (1/ 445- 446) ,"معجم المؤلفين": (7/ 100) . 6 في"ع"و"ش": (ابن الجوزي) وهو تصحيف. 7 هو: محمد بن محمد العمري الدمشقي ثم الشيرازي الشافعي شمس الدين- يعرف بابن الجزري- كان مقرنا مفسرا محدثا نحويا فقيها, مما صنفه قديما:"الحصن الحصين في الأدعية"و"عدة الحصن الحصين"و"التعريف بالمولد الشريف", و"أسنى المناقب في فضل علي بن أبي طالب". قال ابن العماد: سمعت بعض العلماء يتهمه بالمجازفة في القول, وأما الحديث فما أظن ذلك به ... قال: ولم يكن محمود السيرة في القضاء, ولد في دمشق في 25 من شهر رمضان سعة 751 هـ, وتوفي بشيراز في ربيع الأول سنة 833 هـ. انظر ترجمته في:"شذرات الذهب": (7/ 204- 206) ,"البدر الطالع": (2/ 257- 259) ,"معجم المؤلفين": (11/ 291- 292) .

باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت

باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت في "الصحيح" عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت

_ ما يزاد بعد قوله:"ومنك السلام" من نحو"وإليك يرجع السلام، فحينا ربنا بالسلام" فلا أصل له، بل هو مختلق1 من بعض القصاص2. {باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت} {في"الصحيح" عن أبي هريرة} رضي الله عنه {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت،

ليعزم المسألة، فإنه لا مكره له "

_ ليعزم المسألة، فإنه1 لا مكره له "23} ولا غنى للعبد عن رحمته ومغفرته، فنسأل الله أن يتغمدنا برحمته. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دعا أحدهم فليعزم ولا يقولن: اللهم اعطني إن شئت، فإن الله تعالى لا مستكره له "4. وقال صلى الله عليه وسلم " سلوا الله حوائجكم البتة "5 جزمًا وقطعًا ولا ترددوا في سؤاله، ولا في حصول الإجابة.

ولمسلم: " وليعظم الرغبة، فإن الله [لا يتعاظمه شيء] أعطاه "

_ {ولمسلم:"وليعظم"} أي: يكثر {الرغبة} فيما سأله {فإن الله} تعالى {لا يتعاظمه ولا} يتكاثر {شيء] 1 أعطاه2} فيرجو الإجابة منه، ويرغب إليه عز وجل قال الله تعالى {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} 3 وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر "4. وفي هذا تنبيه للخلق على إدامتهم لسؤاله تعالى، مع إعظام الرغبة وتوسيع المسألة، لما تقرر أن خزائن الله لا تنقص بالعطاء سحاء الليل والنهار دائمة. قال بعض العارفين: من رزق الدعاء لم يحرم الإجابة لقوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} 5 وقوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ

أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} 1 وقال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} 2 وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما على [الأرض مسلم] 3 يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم " رواه الترمذي45. وفي البخاري ومسلم6 عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يستجاب لأحدكم، ما لم يعجل فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي "7

_ 1 سورة البقرة، الآية: 186. 2 سورة النساء، الآية: 110. 3 في"الأصل": (ما على المسلم يدعو) , والمثبت هو الصواب الموافق لأصل الحديث. 4 كلمة الترمذي سقطت من"ر", وهي ثابتة في بقية النسخ. 5 [228 ح] "سنن الترمذي": (5/ 566 , ح 3573) , كتاب الدعوات, باب في انتظار الفرج وغير ذلك."مسند الإمام أحمد": (5/ 329) ,"شرح السنة"للبغوي: (5/ 186 , ح 1387) . والحديث قال الترمذي فيه: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وصححه الألباني كما في"صحيح الجامع": (2/ 985 , ح 5637- 1819) . ولم أجده في"الجامع الصغير". وأوله في"صحيح الجامع":"ما على الأرض مسلم يدعو ... "الحديث. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق. 6 [229 ح] "صحيح البخاري مع الفتح": (11/ 140 , ح 6340) ,, كتاب الدعوات, باب يستجاب للعبد ما لم يعجل. و"صحيح مسلم مع شرح النووي": (17/ 55 , ح 90/ 2735) , كتاب الذكر والدعاء ... باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل. انظر بقية التخريج في الملحق. 7 البخاري: الدعوات (6340) , ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2735) , والترمذي: الدعوات (3387) , وأبو داود: الصلاة (1484) , وابن ماجه: الدعاء (3853) , وأحمد (2/487) , ومالك: النداء للصلاة (495) .

باب لا يقول عبدي وأمتي

باب لا يقول عبدي وأمتي في "الصحيح" عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضيء ربك

_ {باب لا يقول عبدي وأمتي} {في"الصحيح" عن أبي هريرة} رضي الله عنه {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضيء ربك "1} . قال النووي - رحمه الله تعالى-: (قال العلماء: لا يطلق الرب بالألف واللام إلا على الله تعالى خاصة، وأما مع الإضافة فيقال: رب المال، ورب الدار، وغير ذلك) 2. ومنه قول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في ضالة الإبل:"حتى يلقاها ربها"3 قال العلماء: (وإنما يكره [للمملوك] 4 أن

وليقل: سيدي ومولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي وأمتي

_ يقول لمالكه: ربي; لأن1 في لفظه مشاركة لله تعالى في الربوبية. وأما حديث:"حتى يلقاها ربها" وما في معناه، فإنما استعمل; لأنها غير مكلفة فهي كالدار والمال، ولا شك أنه لا كراهة في قول: رب المال، ورب الدار2 وأما قول يوسف - عليه الصلاة والسلام {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} 3 ففيه جوابان: أحدهما: أنه خاطبه بما يعرفه، وجاز هذا للضرورة، كما قال موسى - عليه الصلاة والسلام - للسامري: {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ} 4 أي: الذي اتخذته إلها. والجواب الثاني: أن هذا شرع لمن كان قبلنا، وشرع من قبلنا لا يكون شرعا لنا إذا ورد شرعنا بخلافه5. {وليقل: سيدي} بتشديد الياء {ومولاي} أي: فجائز ذلك {ولا يقل] 6 أحدكم: عبدي وأمتي} كراهة7 لذكر العبودية لغير الله تعالى

وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي "

_ {وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي "1} وفي رواية: " لا يقولن أحدكم: عبدي وأمتي، فكلكم عبيد، ولا يقول العبد: ربي، وليقل: سيدي " 2 وفي رواية: " لا يقولن أحدكم: عبدي وأمتي، كلكم عبيد الله، وكل نسائكم إماء الله، ولكن ليقل: غلامي وجاريتي، وفتاي، وفتاتي " 3. وهذا كله من تحقيق التوحيد; لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعالى، ولأن فيها تعظيما لا يليق بالمخلوق استعماله لنفسه، وقد بين صلى الله عليه وسلم العلة في ذلك فقال:"كلكم عبيد الله" فنهى عن التطاول في اللفظ، كما نهى عن التطاول في الأفعال، وفي إسبال الإزار وغيره. وأما غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي فليست دالة على الملك كدلالة عبدي، مع أنها تطلق على الحر والمملوك، وإنما هي للاختصاص، قال

تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} 1 {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ} 2 {قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} 3 واعلم أن السيد يطلق على الذي يفوق قومه، ويطلق على الذي يفزع إليه في النوائب، فيحتمل الأثقال، وعلى الشريف وعلى الكريم، وعلى المالك، وعلى الزوج، وقد جاءت أحاديث كثيرة بإطلاق سيد على أهل الفضل، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "إن ابني هذا - يعني: الحسن - سيد، ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين من المسلمين "4 وأنه قال للأنصار - لما أقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه-:" قوموا إلى سيدكم "5 وورد:" لا تقولوا للمنافق: سيد، فإنه إن6 لم يكن7 سيدا فقد أسخطتم ربكم عز وجل ".8

_ 1 سورة الكهف، الآية: 60. 2 سورة يوسف، الآية: 62. 3 سورة الأنبياء، الآية: 60. 4 [232 ح] "صحيح البخاري مع الفتح": (6/ 628 , ح 3629) , كتاب المناقب, باب علامات النبوة في الإسلام. و"مسند الإمام أحمد": (5/ 49) . والحديث عن أبي بكرة -رضي الله عنه-. انظر بقية تخريج الحديث في الملحق. 5 [233 ح] "صحيح البخاري مع الفتح": (7/ 123 , ح 3804) , كتاب مناقب الأنصار, باب مناقب سعد بن معاذ -رضي الله عنه-. و"صحيح مسلم مع شرح النووي": (12/ 335- 336 , ح 64/ 1768) , كتاب الجهاد والسير, باب جواز قتال من نقض العهد. والحديث عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-. انظر بقية التخريج في الملحق. 6 في"ر"سقطت كلمة: (إن) , وهي ثابتة في بقية النسخ. 7 في"ش"أسقطت كلمة: (يكن) وبيض لها. 8 [234 ح] "سنن أبي داود": (5/ 257 , ح 4977) , كتاب الأدب, باب لا يقول المملوك ربي."مستدرك الحاكم": (4/311) ,"مسند الإمام أحمد": (5/ 346- 347) . والحديث عن عبد الله بن بريدة عن أبيه. والحديث قال فيه الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه, وقال الذهبي: عقبة -يعني: عقبة بن الأصم- ضعيف. وقال المنذري في"الترغيب" (4/ 21) : رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح. وصححه الألباني في"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (1/ 645- 646 , ح 371) . انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

قال النووي: (والجمع بين هذه الأحاديث أنه لا بأس بإطلاق فلان سيد ويا سيدي وما أشبه ذلك إذا كان المسود فاضلا خيرا إما بعلم وإما بصلاح، وإما بغير ذلك، وإن كان فاسقا أو متهما في دينه أو نحو ذلك كره أن يقال له: سيد) 1. وأما القيام للقادم2 فكذلك يجوز إذا كان من أهل العلم أو الفضل أو الصلاح أو الشرف لقوله صلى الله عليه وسلم " قوموا إلى سيدكم " 3 قاله صلى الله عليه وسلم لما لمعاذ من الشرف كأنه قال: قوموا إليه تلقيا وإكراما، وفيه إكرام أهل4 الفضل والعلم والشرف بالقيام لهم إذا أقبلوا [والتنبيه] 5 على شرف ذوي الشرف والتعريف بأقدارهم وتنزيلهم منازلهم، وقد قام صلى الله عليه وسلم لعكرمة بن أبي جهل لكونه من رؤساء قريش6 ولعدي بن حاتم لكونه سيد بني

_ 1"الأذكار"للنووي: (ص 449) . 2 مسألة القيام للقادم جمع فيها الإمام النووي رسالة لطيفة سماها:"كتاب الترخيص في الإكرام بالقيام", وقد طبعت قريبا. 3 تقدم تخريج الحديث قريبا في الملحق برقم: [232 ح] . 4 كلمة: (أهل) سقطت من"ر". 5 في"الأصل"و"ر": (والتنبه) , والمثبت من"ع"و"ش". 6 انظر:"كتاب الترخيص في الإكرام بالقيام"للنووي: (ص 42- 43) . وانظر:"فتح الباري": (11/ 52) حيث نقل ابن حجر هذا الخبر عن النووي. و"شرح النووي على صحيح مسلم": (12/ 336) .

طي1 يتألفهما، وما ورد من النهي عن ذلك إنما هو في القيام للإعظام كما هو دأب الأعاجم2 لا للإكرام3 كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، كما جزم بذلك الإمام الغزالي - رحمه الله تعالى - بقوله: (القيام مكروه على جهة الإعظام لا على جهة الإكرام والتنبيه على شرفه) 4. فائدة: المواضع التي يستحب فيها القيام على طريق الإكرام ستة، وقد نظمها الشيخ محمد بن أبي القاسم - رحمه الله تعالى - فقال: سن القيام لقدوم عالم ... وصالح ووالد5 وحاكم ومصحف وعند خوف فتنة ... وربما أوجب في الأخيرة خاتمة للباب: في تقبيل اليد: اختلفوا فيه، فقال بعضهم: يكره تقبيل اليد، يروى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "أقبل رجل من جهينة فسلم، ثم جلس وقال: أفيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: هو ذا6 فقام مسرعا7 فقبل يده ثم قبضها "8

_ 1 انظر ذلك في:"السيرة النبوية"لابن هشام: (2/ 580- 581) , و"البد، الآية والنه، الآية": (5/ 74) . 2 هذا في"الأصل", وفي بقية النسخ: (الأعاجمة) . 3 في"ر": للإكرامة) , وهو تحريف لضعف الكاتب في الإملاء. 4"إحياء علوم الدين": (2/ 223) حقوق المسلم. 5 في"ر": (وواليه) , وهو تحريف ظاهر. 6 في"ر": (هو هذا) , والمثبت من النسخ الباقية. 7 في"ر"حرفت إلى كلمة: (مشروحا) . 8 هكذا في"الأصل", وفي بقية النسخ: (فقبضها) .

رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن هذه حمقة من حمقات العجم كانوا يستطيلون بها على الناس بتجبرهم إذا جلسوا في مجالسهم، ودخل عليهم من دونهم تملقهم بمثل هذا يستجلب به رأفتهم، ألا إن تحية الإسلام المصافحة " وهو حديث أطول من هذا رواه هشام1 عن أبيه عن الكلبي. ويؤخذ منه كراهة التقبيل مطلقا حتى تقبيل الولد يد والده، وتقبيل العبد يد سيده، إذ كان2 أكرم الخلق على الله منع منه، فكيف بغيره. قال الإمام العلامة الحسن بن ناصر الحسني الشافعي في كتابه"نزهة القصاد": ويستحب مصافحة الرجل الرجل والمرأة المرأة3 لقوله4 صلى الله عليه وسلم "إذا التقى المؤمنان فتصافحا، تناثرت الذنوب من أيديهما" 5.

_ 1 هشام بن محمد بن السائب الكلبي أبو المنذر, الإخباري النسابة الكوفي الشيعي, أحد المتروكين كأبيه, روى عن أبيه كثيرا ومجالد وأبي مخنف, وحدث عنه ابنه العباس ومحمد بن سعد وخليفة بن خياط, له تصانيف منها: كتاب"الكنى", و"ملوك الطوائف", و"حلف الفضول", توفي سنة 204 هـ, وقيل: 206 هـ. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء": (10/ 101- 103) ,"الكامل"لابن عدي: (7/ 2568) ,"تاريخ بغداد": (14/ 45- 46) . 2 هذا في"الأصل"و"ش", وفي"ر"و"ع": (إذا كان) . 3 في"ر": (ويستحب مصافحة الرجل والمرأة) , وهو خطأ شنيع من الناسخ, فمصافحة المرأة محرم فضلا عن أن يكون مستحبا. 4 سقطت كلمة: (لقوله) من"ر". 5 [235 ح] لم أجد الحديث بهذا النص, ولعل الشارح أو المنقول عنه قد ذكره من حفظه فجمع بين ألفاظ مختلفة للحديث كما تجد ذلك عند التخريج المفصل. وانظر أصل الحديث في:"سنن الترمذي": (5/ 74- 75 , ح 2727) , كتاب الاستئذان, باب ما جاء في المصافحة. و"سنن أبي داود": (5/ 388 , ح 5211 , 5212) , كتاب الأدب, باب في المصافحة. و"سنن ابن ماجه": (2/ 1220 , ح 3703) , كتاب الأدب, باب المصافحة. والحديث عن البراء بن عازب -رضي الله عنه-. والحديث صححه الألباني من طريق الأجلح عن أبي إسحاق عن البراء. وضعفه من طريق مالك عن أبي داود عن البراء. انظر:"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (2/ 44 , ح 525) . ومن طريق أبي بلح عن زيد بن الحكم العنزي عن البراء. انظر:"ضعيف سنن أبي داود": (ص 513 , ح 1113) . انظر بقية التخريج والحكم على الحديث في الملحق.

[وصفتها] 1 أن يقبض كل واحد كف صاحبه ثم يرسله، ويستحب أن يدعو كل واحد لصاحبه، بأن يقول: اللهم اغفر لي ولأخي2. قال البغوي: (وتكره المعانقة والتقبيل إلا تقبيل الوالد لولده شفقة) .3 وقال أبو عبد الله [الزبيري] 45 لا بأس أن يقبل الرجل رأس الرجل وما بين عينيه عند قدومه من سفر أو تباعد لقائه. قال في "الروضة": (المختار أن تقبيل يد غيره إن كان لزهده أو

_ 1 في"الأصل": (ومنها) , وهو خطأ, والصواب ما أثبته من بقية النسخ. 2 لعله قد استخرج حكم الاستحباب لهذا القول مما جاء في الحديث من الإخبار في بعض طرق أحاديث المصافحة أن المتصافحين يغفر لهما, وهذا فيه نظر. 3 انظر:"شرح السنة"للبغوي: (12/ 293) . 4 في"الأصل"و"ع": (الزبير) , والصواب من"ر"و"ش". 5 هو: مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ـ أبو عبد الله الأسدي الزبيري ـ كان إمامًا قدوة، حدث عنه محمد بن عمر الواقدي وعبد الرزاق، وكان أكثر الناس صلاة وصيامًا، إلا أنه قد ضعفه أحمد، والنسائي، ويحي، وابن حبان، مات سنة 157هـ انظر ترجمته في: "سير أهلام النبلاء": (7/29ـ30"، "الكامل في الضعفاء" لابن عدي: "6/2359"

لصلاحه أو لعلمه أو لشرفه وصيانته ونحو ذلك من الأمور الدينية، فهو مستحب وإن كان لغناه ودنياه1 وشوكته وجاهه ونحو ذلك، فهو مكروه) 2. اعلم أنه لم يكن من عادة الصحابة تقبيل يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق3 صلوات الله وسلامه عليه، فمن جعل ذلك عادة فقد خالف ما عليه السلف، وأما من فعل ذلك بعض الأحيان، ولم يجعله عادة مستمرة فهذا لا بأس به، بل قد يستحب، وعلى هذا يحمل الحديث المذكور عن ابن عمر - رضي الله عنهما - " أنهم لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة مؤتة قالوا: يا رسول الله، نحن الفرارون، قال: بل أنتم العكارون 4 إنا لكم فئة، قال: فقبلنا يديه ورجليه " 5.

_ 1 في"ر"و"ع": (أو دنياه) , وفي"ش"سقطت كلمة: (كان) . 2 انظر:"روضة الطالبين": (10/ 236) , وانظر:"الأذكار"للنووي: (ص 330) . 3 هذا في"الأصل", وفي بقية النسخ: (وهو أفضل من الخلق) . 4 أي: العطافون, يقال: عكر واعتكر كر وانصرف, ورجل عكار في الحرب عطاف كرار والعكار الذي يولي في الحرب ثم يكر راجعا. انظر:"لسان العرب": (4/ 599) . 5 [236 ح] "سنن أبي داود": (3/ 106 , ح 2647) , كتاب الجهاد, باب في التولي يوم الزحف. و"سنن الترمذي": (4/ 215 , ح 1716) , كتاب الجهاد, باب ما جاء في الفرار من الزحف."مسند الإمام أحمد": (2/ 110- 111) . والحديث عن ابن عمر -رضي الله عنه-. والحديث قال الترمذي فيه: حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي زياد. وضعفه الألباني كما في"إرواء الغليل": (5/ 27 , ح 1203) , و"ضعيف سنن أبي داود": (ص 257- 258 , ح 567) . انظر بقية التخريج في الملحق.

وكذلك أبو عبيدة1 قبل يد عمر2 وزيد بن ثابت قبل يد ابن عباس3 وهذا إنما فعلوه لأمر يوجب ذلك بعض الأحيان، ولم يجعلوه عادة مستمرة. والله أعلم. والسنة معانقة القادم من سفره وتقبيله4 ولا بأس بتقبيل الميت الصالح5 ويكره حني الظهر في كل حال لكل أحد، ولا بأس بالقيام لأهل الفضل، بل هو مستحب للاحترام لا للرياء والإعظام6 وقد ثبتت أحاديث بكل ما ذكرته. والله أعلم. انتهى7.

_ 1 هو: عامر بن عبد الله بن الجراح القرشي الفهري المكي -أبو عبيدة- أحد السابقين إلى الإسلام, شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة, وسماه أمين الأمة, وهو مشهور بكنيته, وهو الذي انتزع الحلقتين من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى سقطت ثنيتاه, وفيه وفي أبيه نزل قوله تعالى: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله وذلك لما كان أبوه يوم بدرا كافرا وكان يتصدى له وهو يحيد عنه ولما أكثر قصده أبو عبيدة فقتله, توفي -رضي الله عنه- في طاعون عمواس سنة 18 هـ. انظر ترجمته في:"حلية الأولياء": (1/ 100- 102) ,"الإصابة": (5/ 285- 289) ,"سير أعلام النبلاء": (1/ 5- 23) . 2 انظر:"السنن الكبرى"للبيهقي: (7/ 101) النكاح, و"المصنف"لابن أبي شيبة: (8/ 750) الأدب. انظر:"الآداب الشرعية"لابن مفلح: (2/ 258) . 3 انظر:"الرخصة في تقبيل اليد": (ص 95 , رقم 30) . 4 انظر: كتاب"الأذكار"للنووي: (ص 332) . 5 المصدر السابق: (ص 332) . 6"كتاب الترخيص في الإكرام بالقيام": (ص 23) . 7 كلمة: (انتهى) سقطت من"ر".

باب لا يرد من سأل بالله تعالى

باب لا يرد من سأل بالله تعالى عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه

_ {باب لا يرد من سأل بالله تعالى} 1 {عن ابن عمر} - رضي الله عنهما - قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من استعاذ بالله فأعيذوه "2} أي: خلصوه، الاستعاذة بالله جل وعلا هو الالتجاء إليه، والامتناع به، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يمنع المستعيذ بالله ويعاذ من شر من3 أراده بسوء في نفسه وماله تعظيما لله المستعاذ به. وفي رواية:" من استجار بالله فأجيروه "4 {ومن سأل بالله فأعطوه}

ومن دعاكم فأجيبوه

_ أي: مطلوبه، ويتأكد إعطاء من سأل بالله، إجلالا1 وتعظيما له تبارك وتعالى; لأنه المسئول والمطلوب، وهو المعطي، فيجب إكرام من سأل بالله وإسعافه بمطلوبه {ومن دعاكم فأجيبوه} وهذا من حقوق المسلم على المسلم إجابة الداعي. عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو نحوه " رواه مسلم23. وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها " متفق عليه4. فيه طلب الدعوة للوليمة وهو سنة، وطلب5 الإجابة وهو

واجب في وليمة العرس سنة في غيرها.1 وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه " ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله " رواه مسلم2. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة العبد3 قيل: لأي أمر يدعوه إليه من ضيافة أو حاجة له إليه. وكان يدعى صلى الله عليه وسلم إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب4

_ 1 وقد خصت وليمة العرس بذلك للنص الوارد في تخصيصها في قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب ", وهو في"صحيح مسلم"في نفس الموضع السابق, ولما نقله النووي عن القاضي من اتفاق العلماء على وجوب الإجابة في وليمة العرس. انظر:"شرح النووي على صحيح مسلم"في الموضع نفسه. 2 [239 ح] "صحيح مسلم مع شرح النووي": (9/ 249 , ح 110/ 1432) , كتاب النكاح, باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة. وأخرجه البخاري في"صحيحه"موقوفا على أبي هريرة, وقد نقل ابن حجر في شرحه له عن بعض المحدثين أنه قال آخره: يقتضي رفعه. انظر:"فتح الباري": (9/ 244) , كتاب النكاح, باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله. انظر بقية التخريج في الملحق. 3 يعني بالعبد هنا: المملوك, فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يمتنع من إجابته لأمر يدعوه إليه مساواة له بغيره من المسلمين. 4 [240 ح] الحديث بنصه في"الشمائل"للترمذي: (ص 263 , ح 316) , وفي"مسند الإمام أحمد": (3/ 180) , وقد ذكر فيه أن الداعي كان خياطا. وبمعناه جاء في"صحيح البخاري"عن أنس أيضا أنه مشى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخبز شعير وإهالة سنخة. انظر:"صحيح البخاري مع الفتح": (4/ 302 , ح 2069) . والحديث من رو، الآية أنس بن مالك -رضي الله عنه-. انظر بقية التخريج في الملحق.

ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه " رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح.

_ والإهالة: شيء من الأدهان يؤدم به، والسنخة: المتغيرة الريح1 {ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا [ما تكافئونه] 2 فادعو له، حتى تروا أنكم قد كافأتموه " رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح3} فيه دليل على أن المكافأة على الصنيعة واجب سواء كانت بجاه أو مال، وقد تكون صنيعة الجاه أسر وأعظم من صنيعة المال، ولله در القائل: وإذا امرؤ أهدى إليك صنيعة ... من جاهه فكأنها من ماله4 وفي الحديث عن أنس رضي الله عنه "صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة" رواه مالك5.

وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء " رواه الترمذي، والنسائي، وابن حبان في"صحيحه"1. وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أعطي عطاء فليجز به إن وجد فإن لم يجد فليثن عليه، فإن من أثنى عليه فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره " أخرجه الترمذي2 وقال:

_ 1 [242 ح] "سنن الترمذي": (4/ 380 , ح 2035) , كتاب البر والصلة, باب ما جاء في المتشبع بما لم يعطه."عمل اليوم والليلة"للنسائي: (ص 221- 222 , ح 180) ."صحيح ابن حبان":"الإحسان": (2/ 911 , ح 2024) . والحديث -كما ترى- قد صححه ابن حبان. وقال الترمذي: حديث حسن جيد, ووافقه الألباني في"مشكاة المصابيح": (2/ 911 , ح 3024) فقال: هو حديث جيد. انظر بقية التخريج في الملحق. 2 [243 ح] "سنن الترمذي": (4/ 379 , ح 2034) , كتاب البر والصلة, باب ما جاء في المتشبع بما لم يعطه."سنن أبي داود": (5/ 158 , ح 4813) , كتاب الأدب, باب في شكر المعروف. والحديث قال فيه الترمذي: حديث حسن غريب. وحسنه الألباني كما في"صحيح سنن الترمذي": (2/ 200 , ح 1656) , و"صحيح سنن أبي داود": (3/ 914 , ح 4028) , و"السلسلة الصحيحة": (2/ 181 , ح 617) . راجع بقية التخريج في الملحق.

" من لا يشكر الناس لا يشكر الله " 1. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنهعن النبي صلى الله عليه وسلم " من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة " 2. وورد: " من سعى في حاجة أخيه المسلم قضيت أو لم تقض - غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكتب له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق "3.

_ 1 [244 ح] "سنن الترمذي": (4/ 339 , ح 1955) , كتاب البر والصلة, باب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك. و"سنن أبي داود": (5/ 157- 158 , ح 4811) , كتاب الأدب, باب في شكر المعروف. والحديث روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-. والحديث قال فيه الترمذي: حديث حسن صحيح. وصححه الألباني كما في"صحيح سنن الترمذي": (2/ 185) . انظر بقية التخريج في الملحق [ح 1592] , و"صحيح سنن أبي داود": (3/ 913 , ح 4026) . انظر بقية التخريج في الملحق. 2 [245 ح] "مسند البزار"عن"مجمع الزوائد": (5/ 210) ,"الشمائل المحمدية"للترمذي: (ص 24 , ح 319) ,"دلائل النبوة"للبيهقي: (1/ 289) . والحديث من رو، الآية أبي الدرداء -رضي الله عنه-. والحديث قال فيه الهيثمي: فيه سعيد البراد وبقية رجاله ثقات. وحكم عليه الألباني بالضعف في"السلسلة الضعيفة": (4/ 98) . انظر بقية تخريجه والحكم عليه في الملحق. 3 احتاط الشارح فلم ينسبه للنبي صلى الله عليه وسلم , ولعله على علم أن نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم لا تصح. ولمن أجده بلفظه, وإنما وجدته بلفظ:"من سعى لأخيه المسلم في حاجة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر". في"الفوائد المجموعة"للشوكاني: (ص 84 , ح 236) ,"تنزيه الشريعة"لابن عراق: (2/ 143) , وفي"فتح الباري": (10/ 451) بلفظ:" ... قضيت له أو لم تقض غفر له". والحديث موضوع كما حكم بذلك جمع من العلماء. انظر:"الفوائد المجموعة"و"تنزيه الشريعة". وقال ابن حجر في الرو، الآية التي ذكرها في"الفتح": أنها بسند ضعيف.

باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يسأل بوجه الله إلا الجنة " رواه أبو داود.

_ {باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة} {عن جابر} بن عبد الله - رضي الله عنهما - {قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يسأل بوجه الله إلا الجنة "} 1 رواه أبو داود2} قوله: "لا يسأل بوجه الله إلا الجنة "; لأنها غاية المطلوب3 كأن يقال: اللهم إني أسألك بوجهك الكريم أن تدخلنا الجنة، قيل: المراد لا تسألوا من الناس شيئا بوجه الله كأن يقال: يا فلان، اعطني لوجه الله، فإن الله أعظم أن يسأل به.

واتفقوا أنه يكره سؤال مخلوق بوجه الله لخبر أبي داود:"لا يسأل بوجه إلا الجنة"1 وقضيته2 أن السؤال بالله من غير ذكر الوجه لا كراهة فيه، ويظهر أن سؤال الله بوجهه بما يتعلق بالدنيا يكره، كما يدل عليه الحديث، وقد جاءت الأحاديث بلعن من سأل بوجه الله، وكذلك المسئول إذا لم يعط.3 عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من سئل بوجه الله ثم يمنع سائله ما لم يسأل هجرا " 4 بضم الهاء وسكون الجيم - أي: قبيحا - أو لا يليق5 6 وهذا الحديث من أحاديث الصفات7.

_ 1 الحديث السابق. 2 هكذا في كل النسخ, ولعله يعني: (وتفصيله) . 3 في"ر"حرفت كلمة: (يعط) إلى: (بيعطا) . 4"معجم الطبراني الكبير"كما في"مجمع الزوائد": (3/ 103) ."الترغيب والترهيب": (1/ 601 , ح 1) . والحديث قال الهيثمي عن رو، الآية الطبراني: إسناده حسن على ضعف في بعضه مع توثيق. وقال المنذري في"الترغيب"عنها: رجاله رجال الصحيح إلا شيخه يحيى بن عثمان وهو ثقة وفيه كلام. وحسنه الألباني في"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (5/ 363- 364 , ح 2290) , و"صحيح الترغيب والترهيب": (ص 429 , ح 841) . 5 في"ر": (ولا يليق) , والصواب المثبت من"الأصل"وبقية النسخ. 6 انظر:"لسان العرب": (5/ 251) . 7 وذلك لأن فيه إثبات صفة الوجه لله تعالى على ما يليق بجلاله.

باب ما جاء في اللو

باب ما جاء في اللو وقول الله تعالى: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا}

_ {باب ما جاء في اللو} {وقول الله تعالى: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} 1} أي: في أحد، وذلك أن المنافقين قال بعضهم لبعض: لو كان لنا عقول لم نخرج مع محمد صلى الله عليه وسلم إلى قتال أهل مكة، ولم يقتل رؤساؤنا، وقيل: لو كنا2 على [الحق3 ما قتلنا، قال الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، يعني: التكذيب بالقدر4 وهو قولهم: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} 5 أي: قضي عليهم القتل وقدر عليهم إلى مضاجعهم، يعني: إلى مصارعهم التي يصرعون بها وقت القتل، ومعنى الآية أن الحذر لا ينفع من القدر، والتدبير لا يقاوم التقدير، فالذي قدر عليهم القتل وقضاه وحكم به لابد أن يقتلوا، والمعنى: لو جلستم في بيوتكم لخرج منها ولظهر الذين قضى الله عليهم القتل إلى حيث يقتلون فيه.

وقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} في"الصحيح" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزن، وإن أصابك شيء

_ {وقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} 1} معنى الآية: الذين قالوا: وهم عبد الله بن أبي وأصحابه لإخوانهم، - يعني: في النفاق-، لو أطاعونا - يعني: هؤلاء الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - في القعود عن الرسول صلى الله عليه وسلم والانصراف عنه ما قتلوا يوم أحد، فرد الله عليهم بقوله: {قُلْ} لهم يا محمد {فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 2 أي: ادفعوا عنكم يعني: أن الحذر لا ينفع من القدر3 وفي الآية دليل أن المقتول يموت بأجله خلافا لمن يزعم أن القتل قطع على المقتول أجله.4 {في"الصحيح" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"احرص على ما ينفعك} أي: في الآخرة من فعل الطاعات، والعمل الصالح، {واستعن بالله} أي: اطلبه المعونة على العبادة وجميع أمورك {ولا تعجزن} أي: لا تراخي في أمور دينك، والعجز قد تعوذ منه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يفوت خير الدنيا والآخرة {وإن أصابك شيء} من الآفات أو

فلا تقل لو أني فعلت [لكان] كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان "

_ فاتك شيء من أمور الدنيا {فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا1 ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان "2} فسر سيبويه"لو" بأنها حرف لما كان سيقع لو وقع غيرها، وفسرها غيره أنها حرف امتناع لامتناع، وقوله:"وقدر الله" بفتح أوله المخففين، ورفع الراء، وقيل: بتشديد الراء بصيغة الماضي، والله أعلم. وقوله:" فإن لو تفتح عمل الشيطان "، أي: وساوسه المفضية لصاحبها الخسران، أما إذا أتى ب"لو" على وجه التأسف على ما فات من الخير، وعلم أنه لن يصيبه إلا ما قدر الله له فليس بمكروه، ومنه:" لو استقبلت من أمري من استدبر "3 وقال بعض العلماء - رحمهم الله تعالى - من عرف الحق والحقيقة سقط عنه لو وكيف4.

باب لا تسبوا الريح

باب لا تسبوا الريح عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا

_ {باب لا تسبوا الريح1 {عن أبي [ابن كعب] 23 رضي الله عنه أن رسول الله صلى] 4 الله عليه وسلم قال: " لا تسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا

نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به " صححه الترمذي.

_ نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به " صححه الترمذي1} . وعن أبي هريرة رضي الله عنهقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الريح من روح الله تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها، واسألوا الله تعالى خيرها، واستعيذوا بالله من شرها " رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد حسن2.

وفي رواية: " لا تسبوا الريح فإنها من روح الله، تأتي بالرحمة والعذاب "1 قوله:" من روح الله " هو بفتح الراء، قال العلماء2 أي: من رحمة الله بعباده،" تأتي بالرحمة "، أي: بالغيث، و" تأتي بالعذاب "، أي: أي: بإتلاف النبات والشجر، وهلاك الماشية، وهدم الأبنية فلا تسبوها، فإنها مأمورة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا هاجت الريح قال: "اللهم لقحا لا عقيما"3 أي4 حاملا للماء كاللقحة من الإبل، والعقيم التي لا ماء فيها، كالعقيم من الحيوان لا ولد فيها. وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئا، أي5 سحابا في أفق السماء ترك العمل، وإن كان في صلاة ثم يقول:" اللهم إني أعوذ بك من شرها فإن مطر قال: اللهم صيبا هنيئا " 6 الصيب: المطر الكثير.

_ 1 هذا لفظ رو، الآية ابن ماجه المتقدم ذكرها. 2 سقطت كلمة: (العلماء) من"ر", وهي مثبتة في بقية النسخ 0. 3 [249] "المستدرك"للحاكم: (4/ 285- 286) ,"معجم الطبراني الكبير", كما في"مجمع الزوائد": (10/ 135) . و"السنن الكبرى"للبيهقي: (3/ 364) , كتاب صلاة الاستسقاء, باب أي ريح يكون بها المطر0 والحديث عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه-. والحديث قال فيه الحاكم: إسناده صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير المغيرة بن عبد الرحمن وهو ثقة. انظر بقية التخريج في الملحق 0. 4 في"ر": (أو حاملا) وهو تصحيف من الناسخ0. 5 في"ر": (أو سحابا) , وهو تصحيف من الناسخ. 6 [5 25 ح] "سنن أبي داود": (5/ 330, ح 5099) , كتاب الأدب, باب ما يقول إذا هاجت الريح 0"سنن ابن ماجه": (2/ 1280, ح 3889) , كتاب الدعاء, باب ما يدعو به الرجل إذا رأى السحاب والمطر0 والحديث صححه الألباني, انظر:"صحيح أبي داود": (3/ 960, ح 4252) , و"صحيح سنن ابن ماجه": (2/ 337, ح 3137) , وفي"الكلم الطيب": (ص 88, ح هـ 155) .انظر بقية التخريج في الملحق0

وروى الشافعي1 رضي الله عنه في كتابه"الأم" بإسناده عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ما هبت ريح إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وقال: " اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا، اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا " 2. وذكر الشافعي رضي الله عنه حديثا منقطعا عن رجل أنه شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الفقر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لعلك تسب الريح "3 قال الشافعي

_ 1 هذا في"الأصل", وفي بقية النسخ: (وروي عن الشافعي) 0. 2"الأم"للشافعي: (1/ 253) , القول في الإنصات عند روية السحاب والريح. وانظر:"مسند الشافعي"ترتيبه: (ص 81) 0 وأخرجه البغوي في"شرح السنة": (4/ 393) , وفي"الأذكار"للنووي: ص 233 , ح 548) . والحديث عن ابن عباس- رضي الله عنه-. والحديث قال فيه الألباني: بأن إسناده ضعيف جدا, فيه العلاء بن راشد مجهول يرويه عنه إبراهيم بن أبي يحيى وهو الأسلمي متهم 0 انظر:"مشكاة المصابيح": (1/ 481, ح 1519) . 3 انطر:"الأم"للشافعي: (1/ 253) القول في الإنصات عند رؤية السحاب والريح. وذكره النووي في"الأذكار": (ص 163 , ح 549) . والحديث- كما ذكر الشارح نقلا عن النووي في"الأذكار"- منقطع, وكذلك أعله المناوي في"فيض القدير": (6/ 399) بذلك. وقال الحافط: سند الحديث معضل كما في"الفتوحات الربانية": (4/ 280) .

رضي الله عنه-: (لا ينبغي لأحد أن يسب الريح فإنها خلق الله تعالى مطيع، وجند من أجناده يجعلها رحمة ونقمة لمن شاء) 1. خاتمة للباب: يكره سب الحمى، في "صحيح مسلم" عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب، أو أم المسيب2 فقال: " ما لك يا أم السائب أو يا أم المسيب ترفرفين؟ قالت: الحمى، لا بارك الله فيها، فقال: لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد " 3 قوله:"ترفرفين"، أي4 تتحركين، معناه ترتعد من الحمى.

_ 1 انظر:"الأذكار"للنووي: (ص 163) . 2 هي: صحابية, أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلمت, وقال بعضهم فيها: أم المسيب, روى عنها أبو قلابة حديث الحمى وهو الحديث الذي رؤته هنا. انظر ترجمتها في:"طبقات ابن سعد": (8/ 308) ,"الإصابة": (13/ 216- 217) ,"الاستيعاب مع الإصابة": (13/ 228) ,"أسد الغابة": (6/ 336) . 3"صحيح مسلم مع شرح النووي": (16/367 , ح 53/ 4575) , كتاب البر والصلة والآداب, باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو000"الأدب المفرد"للبخاري: (ص180 , ح 516) ,"السنن الكبرى"للبيهقي: (3/ 377) ,"مسند أبي يعلى": (4/ 64 , ح 2083) . 4 في"ر": (أو تتحركين) , وهو تصحيف كما تقدم.

باب قول الله تعالى: {يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية}

باب قول الله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} وقوله تعالى: {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ

_ {باب} قول الله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ} ، يعني: يظنون أن الله لا ينصر محمدا، وقيل: يظنون أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل، وأن أمره قد يضمحل1 {ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} أي: كظن أهل الجاهلية2 {يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ} وذلك أنه لما شاور النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين في وقعة أحد، فأشار عليه أن لا يخرج من المدينة، فلما خالفه النبي صلى الله عليه وسلم وخرج، وقتل من قتل، قيل لعبد الله بن أبي: قتل بنو الخزرج، قال: هل لنا من الأمر شيء؟ وهو استفهام على سبيل الإنكار، أي: ما لنا أمر يطاع3 {قُلْ} أي: يا محمد {إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} 45 وقوله تعالى: {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} يعني: أنهم ظنوا أن الله

{عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} قال ابن القيم: في الآية الأولى فسر هذا الظن بأنه سبحانه وتعالى لا ينصر رسوله، وأن أمره سيضمحل، وفسر ظنهم إنما أصابهم لم يكن بقدر الله وحكمته، وفسر بإنكار الحكمة وإنكار القدر، وإنكار أن يتم أمر رسوله وأن يظهره على الدين كله، وهذا هو ظن السوء الذي ظنه المنافقون والمشركون في سورة الفتح، وإنما كان هذا ظن السوء

_ لا ينصر محمدا صلى الله عليه وسلم والمؤمنين {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} 1 يعني: عليهم دائرة العذاب والهلاك2 {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} 3 أي: منقلبا، قال الشيخ - رحمه الله تعالى: {قال ابن القيم} - رحمه الله تعالى - {في الآية الأولى فسر هذا الظن بأنه سبحانه وتعالى لا ينصر رسوله، وأن أمره سيضمحل، وفسر بظنهم إنما أصابهم4 لم يكن بقدر الله وحكمته، وفسر بإنكار الحكمة وإنكار القدر وإنكار أن [يتم] 5 أمر رسوله، وأن يظهره على الدين كله، وهذا هو ظن السوء الذي ظنه المنافقون والمشركون في سورة الفتح، وإنما كان هذا ظن السوء; ...

لأنه ظن غير ما يليق به سبحانه وتعالى، وما يليق بحكمته وحمده ووعده الصادق، فمن ظن أنه يديل الباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها الحق [أو أنكر أن يكون ما جرى بقضائه وقدره] وأنكر أن يكون قدره لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد، بل يزعم أن ذلك لمشيئة مجردة {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته وموجب حكمته وحمده، فليعتني اللبيب الناصح لنفسه بهذا، وليتب إلى الله ويستغفره من ظنه بربه ظن السوء، ولو فتشت من فتشت لرأيت عنده تعنتا على القدر

_ لأنه ظن غير ما يليق به سبحانه وتعالى، وما يليق بحكمته وحمده ووعده الصادق، فمن ظن أنه يديل الباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها الحق1 وأنكر أن يكون قدره لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد، بل يزعم أن ذلك لمشيئة {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} 2 وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته، وموجب حكمته وحمده فليعتني اللبيب الناصح لنفسه بهذا، وليتب إلى الله ويستغفره من ظنه بربه ظن السوء، ولو فتشت من فتشت3 لرأيت عنده تعنتا على القدر،

وملامة له، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر وفتش نفسك هل أنت سالم. قال الشاعر: فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا إخالك ناجيا

_ وملامة له، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر وفتش نفسك هل أنت سالم. قال الشاعر1 فإن تنج منها2 تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا إخالك ناجيا انتهى كلامه3. قال شارح"الرياض": (الظن في الشرع ينقسم إلى واجب كحسن الظن بالله تعالى، وحرام كسوء الظن به تعالى وبكل من ظاهره العدالة، ومندوب وهو حسن الظن بمن ظاهره العدالة، وجائز كظن السوء بمن وقف مواقف التهم4. قال تعالى5 "أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء" 6 - يعني:

فأنا أعامله على حسب ظنه، وحسن الظن به عبادة، وسوء الظن به من أكبر المعاصي. يروى عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "عمود الدين وغاية مجده وذروة سنامه حسن الظن بالله تعالى، فمن مات وهو يحسن الظن بالله دخل الجنة". وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يموتن أحدكم حتى يحسن الظن بالله تعالى1 فإن حسن الظن بالله ثمن الجنة " 2.

_ 1 [251ح] "صحيح مسلم شرح النووي": (17/ 214 ,ح 81 , 82/ 2877) , كتاب الجنة, باب الأمر بحسن الظن بالله."سنن أبي داود": (3/ 484- 485 , ح 3113) , كتاب الجنائز, باب ما يستحب من حسن الظن بالله. والحديث عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه-. انظر بقية التخريج في الملحق. 2 هذه الزيادة لم أجدها فيما بحثت فيه, ولعلها من كلام الشارح استفادها من كلام ابن عمر المتقدم قريبا.

باب ما جاء في منكر القدر

باب ما جاء في منكر القدر قال ابن عمر: والذي نفس ابن عمر بيده لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا، ثم أنفقه في سبيل الله ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم استدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره " رواه مسلم.

_ {باب ما جاء في منكر القدر} 1 {قال ابن عمر} رضي الله عنه {والذي نفس ابن عمر بيده لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا، ثم أنفقه في سبيل الله ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم استدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره " رواه مسلم} 2. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن الله تعالى قال: " أنا خلقت الخير والشر فطوبى لمن قدرت على يده الخير، وويل لمن قدرت على يده الشر "3. وعنه - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم " القدر نظام التوحيد

فمن وحد الله وآمن بالقدر فقد استمسك بالعروة الوثقى" 1 رواهما الطبراني. وقال المناوي2 في شرح هذا الحديث:"لأن من قطع بأن الخلق لو اجتمعوا على أن ينفعوه لم ينفعوه إلا بشيء قدره الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروه لم يضروه إلا بشيء قدره الله عليه، وطرح الأسباب فقد استمسك بالعروة الوثقى"3.

_ 1 [254ح] "معجم الطبراني الأوسط مع"مجمع الزوائد": (7/ 197) . و"الجامع الصغير"مع"الفيض": (4/534 , ج 6178) . والحديث عن ابن عباس- رضي الله عنهما-. والحديث قال فيه الهيثمي: وفيه هانئ بن المتوكل وهو ضعيف. وضعفه الألباني, انطر:"ضعيف الجامع": (ص 602 , ح4132) , و"شرح العقيدة الطحاوية": (ص 255) , حاشية (245) . انظر بقية التخريج في الملحق. 2 هو: عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي المناوي الشافعي, كان عالما زاهدا عابدا قانتا لله, أخذ علمه عن بعض المتصوفة, وأخذ عن مشايخ الصوفية طرق الخلوتية والشاذلية والنقشبندية وتلقن الذكر من قطب زمانه عبد الوهاب الشعراني, من كتبه كتاب جمع فيه أصول الدين, وأصول الفقه وأحكام النجوم والتصوف وغيرها من العلوم, ولد سنة 952 هـ, وتوفي سنة 1031 هـ. انظر ترجمته في:"معجم المؤلفين": (5/ 220- 221) ,"خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر": (2/ 412- 416) . 3 انطر:"فيض القدير"للمناوي: (4/ 534) . وهذه العبارة مما فيه إجمال, فإن قصد بطرح الأسباب عدم الاعتماد عليها مع عدم إنكار خلق الله لها وجعلها سببا للمسببات فلا بأس. وأما إن قصد إنكار طبائع الأسباب فهذا نقص في العقل, وإن قصد رفض الأسباب بالكلية فهو قدح في الشرع. واعتقاد أهل السنة والجماعة عدم إنكار ما خلقه الله من الأسباب التي يخلق الله بها المسببات فالله سبحانه وتعالى يقول: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: 57] . وقال تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ} [المائدة: 16] فأخبر سبحانه أنه يفعل بالأسباب. انطر:"التدمرية"لابن تيمية: (ص 210) .

وعن عبادة بن الصامت أنه قال لابنه: "يا بني إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول ما خلق الله القلم

_ {وعن عبادة بن الصامت أنه قال لابنه: يا بني إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أنه ما أصابك} من المقادير {لم يكن ليخطئك، وما أخطأك} من المقادير {لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ما خلق الله القلم} الذي كتب الله به الذكر وهو قلم من نور طوله ما بين السماء والأرض1 ويقال: أول ما خلق الله القلم فنظر إليه فانشق نصفين، ثم قال: أجر بما هو كائن إلى يوم [القيامة] 2 فجرى على اللوح المحفوظ بذلك3

فقال له: اكتب، فقال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة، يا بني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من مات على غير هذا فليس مني ".

_ فإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه1 ثم إن ذلك الكتاب سبح الله ومجده ألف عام قبل أن يخلق شيئا من خلقه". 2 {فقال له: اكتب، فقال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة، يا بني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من مات على غير هذا فليس مني "3 أي: ليس من أهل ديني.

وفي رواية لأحمد: " إن أول ما خلق الله تعالى القلم، ثم قال: اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة ". وفي رواية لابن وهب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لم يؤمن بالقدر خيره وشره أحرقه الله بالنار "

_ وفي رواية لأحمد: "إن أول ما خلق الله تعالى القلم، ثم قال 1 اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة "2. {وفي رواية لابن وهب3 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لم يؤمن بالقدر خيره وشره أحرقه الله بالنار "4.

وفي"المسند" و"السنن" عن ابن الديلمي قال: أتيت أبي بن

_ قال الله تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} 1 والقدرية ينسبون خلق الخير إلى الله تعالى والشر إلى النفس. وفي الحديث:"القدرية مجوس هذه الأمة"2 لأن قولهم: إن أفعال العباد مخلوقة بقدرتهم يشبه قول المجوسية القائلين: بأن الخير من فعل النور، والشر من فعل الظلمة3. وأجمع أهل السنة أن الخير والشر كله من الله تعالى، لا يجري في سلطانه إلا ما يشاء، ولا يحصل في ملكه إلا ما سبق به القضاء، لا مهرب لعبد عن معصيته إلا بتوفيقه ورحمته، ولا قوة له على طاعته إلا بمعونته وإرادته، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه ولا راد لأمره. {وفي"المسند" و"السنن" عن [ابن] 4 الديلمي5 قال: أتيت أبي بن

كعب، فقلت: في نفسي شيء من القدر، فحدثني بشيء لعل الله يذهبه من قلبي، فقال: لو أنفقت مثل أحد ذهبا ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ولو مت على غير هذا لكنت من أهل النار، قال: فأتيت عبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت، فكلهم حدثني بمثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم

_ كعب، فقلت: في نفسي شيء من القدر، فحدثني بشيء لعل الله يذهبه من قلبي، فقال: لو أنفقت مثل أحد ذهبا ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك"} وإنما هو مقدر عليك لا على غيرك {وما أخطأك لم يكن ليصيبك} لأنه بأن يكونه أخطأك أنه مقدر على غيرك {ولو مت على غير هذا لكنت من أهل النار"، قال: فأتيت عبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت، فكلهم حدثني بمثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم1

حديث صحيح رواه الحاكم وصححه.

_ حديث صحيح رواه الحاكم وصححه} 12. وفي حديث ابن عباس: " واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف "3. ومعنى الإيمان بالقدر خيره وشره وحلوه ومره: بأن ما قدره الله تعالى في الأزل لابد من وقوعه، وما لم يقدره يستحيل وقوعه، وبأنه تعالى قدر الخير والشر قبل خلق الخلق. واعلم أن الإيمان بالقدر على قسمين4

أحدهما: الإيمان بأنه تعالى سبق في علمه ما يفعله العباد من خير وشر، وما يجازون عليه، وأنه كتب ذلك عنده وأحصاه، وأن الأعمال تجري على ما سبق علمه وكتابه. ثانيهما: خلق أفعال العباد كلها من خير وشر، وكفر وإيمان، وهذا القسم الذي ينكره القدرية كلهم. والأول لا ينكره إلا غلاتهم، وكفرهم بإنكاره كثيرون، ومحل الخلاف حيث لم ينكروا العلم القديم وإلا كفروا كما نص عليه الشافعي وأحمد1 وغيرهما2 والله أعلم.

_ 1 ومما نص عليه الشافعي: أن المزني قال: سألت الشافعي عن قول النبي صلى الله عليه وسلم:" ستة لعنهم الله ... فذكر المكذب بالقدر "فقلت له: من القدرية؟ فقال: نعم هم الذين زعموا أن الله لا يعلم المعاصي حتى تكون. انظر:"شرح أصول اعتقاد أهل السنة": (4/ 703- 704) . ومما نص عليه الإمام أحمد قوله: (القدري الذي يقول: إن الله لم يعلم الشيء حتى يكون هذا كافرا) . وقوله-رحمه الله-: (إذا جحد العلم قال: إن الله عز وجل لا يعلم الشيء حتى يكون استتيب فإن تاب وإلا قتل) . وقد جمع أخي الشيخ عبد الإله بن سليمان الأحمدي نصوصا كثيرة غير هذا في رسالته"المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد". انطر: (1/ 142- 144) من المسألة 109 إلى 118. 2 انظر بعضا من أقوال السلف والعلماء في تكفير القدرية في: كتاب"شرح أصول اعتقاد أهل السنة"للالكائي: (4/ 706- 711) .

باب ما جاء في المصورين

باب ما جاء في المصورين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة " أخرجاه. ولهما عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله "

_ {باب ما جاء في المصورين} {عن أبي هريرة رضي الله عنهقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة " أخرجاه1} . الذرة: النملة الحمراء من أصغر الحيوان2 والشعيرة والحبة من أصغر الجمادات التي يعرفها الناس. {ولهما عن عائشة) - رضي الله عنها - (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله "3.

ولهما عن ابن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل مصور في النار تجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم "

_ والحديث بتمامه: قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم تلون وجهه وقال: "يا عائشة، أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله " قالت: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين. القرام - بكسر القاف -: هو الستر، والسهوة - بفتح السين المهملة-: هي الصفة تكون بين يدي البيت، والمضاهاة: المشابهة. وجاء عنه صلى الله عليه وسلم " البيت الذي فيه الصورة لا تدخله الملائكة " 1. {ولهما عن ابن عباس} - رضي الله عنهما - {سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مصور في النار تجعل له بكل صورة نفس يعذب بها في جهنم " 2.}

ولهما عنه مرفوعا: " من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ "

_ {ولهما عنه مرفوعا: " من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ " 1. وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المصورون يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، أي: ما صورتم " أخرجاه2 أي: لا يستطيع أحد ذلك، والصور3 كل ما يصور من

الحيوان سواء في ذلك الصورة المستوية1 القائمة التي لها أشخاص، وما لا شخص2 له من المنقوشة في الجدار والمصورة فيها وفي الفرش والأنماط، فقد رخص بعض العلماء فيما كان منها في الأنماط التي توطأ وتداس بالأرجل، والصورة إذا غيرت بأن تقطع رأسها، أو تحل أوصالها حتى تغير هيأتها عما كانت لم يكن بها بعد ذلك بأس. تنبيه: قال ابن حجر3 في"التحفة": (فرع: لا يؤثر حمل النقد الذي عليه صورة كاملة لأنه للحاجة، ولأنها ممتهنة بالمعاملة بها، ولأن السلف كانوا يتعاملون بها من غير نكير، ولازم ذلك عادة حملهم لها، وأما الدراهم الإسلامية فلم تحدث إلا في زمن عبد الملك، وكان مكتوب عليها اسم الله واسم رسوله4 صلى الله عليه وسلم.

_ 1 هذا في"الأصل", وفي"ر"و"ش": (المنسوية) , ولعلها قد حرفت عن المنصوبة. 2 لعل الصواب: (أو ما لا شخص له) . 3 هو: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الوائلي السعدي الهيتمي, من كتبه:"تحفة المحتاج في شرح المنهاج", و"الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة", وكتاب"تطهير الجنان واللسان عن التفوه بثلب معاوية بن أبي سفيان", وكتاب (الزواجر عن اقتراف الكبائر". نال من شيخ الإسلام ابن تيمية وقد رد عليه ووضح افتراءاته الآلوسي في كتابه"جلاء العينين في محاكمة الأحمدين", ولد سنة 909هـ, وتوفي سنة 974هـ. انطر ترجمته في:"خلاصة الأثر": (2/ 166) , "البدر الطالع": (1/ 109) ,"جلاء العينين": (ص 27) . 4 هكذا في"الأصل"و "ش", وفي"ر"و"ع": (اسم الله واسم رسول الله) .

ولمسلم عن أبي الهياج قال: قال لي علي " ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرا مشرفا إلا سويته ".

_ {ولمسلم عن أبي الهياج1 قال: قال لي علي: " ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع صورة إلا طمستها "} أي: لا تترك صورة من صور2 الحيوان إلا غيرتها ونقضتها. {ولا قبرا مشرفا} أي: مرتفعا {إلا سويته "3} أي: هدمته. فيه تحريم البناء على القبور وأنه يجب هدمه حتى يسويه بالأرض، وقد سبق بيانه في باب ما جاء في الغلو في قبور الصالحين4.

باب ما جاء في كثرة الحلف

باب ما جاء في كثرة الحلف وقول الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ}

_ {باب ما جاء في كثرة الحلف} {وقول الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} 1 أي: قللوا، ففيه النهي عن كثير الحلف تعظيما لله سبحانه وتعالى. عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الحلف حنث أو ندم " 2 قال المناوي: لأنه إما يحنث فيأثم، أو يندم على منعه نفسه مما كان له فعله3 وقيل في معنى الآية {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} عن الحنث إذا حلفتم لئلا تحتاجوا إلى التكفير، وهذا إذا لم يحلف على ترك مندوب

عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب " أخرجاه.

_ أو فعل مكروه، فإن حلف على ذلك فالأفضل، بل الأولى أن يحنث نفسه ويكفر1 لما روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها، إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير " أخرجاه2. {عن أبي هريرة} رضي الله عنه {قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب " 3 أخرجاه4} . أي: اليمين الكاذبة على البيع ونحوه، منفقة - بفتح الميم والقاف

وعن سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشيمط زان، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته

_ مفعلة-: من نفق البيع ضد كسد، أي: مزيدة للسلعة-بكسر المهملة- أي: البضاعة، أي: رواج له، وقوله:"ممحقة" مفعلة: من المحق، أي: مذهبة للبركة، أي: مظنة لمحقها، أي: نقصها. {وعن سلمان} الفارسي1 مولى النبي صلى الله عليه وسلم {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم2 قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله "} أي: بما يسرهم {ولا يزكيهم} أي: يطهرهم من الذنوب {ولهم عذاب أليم:} أي: مؤلم موجع {أشيمط} تصغير أشمط، أي: [أشيب] 3 {زان} لأنه من غير ضرورة، فقد ضعفت شهوته، وإنما هو عناد واستخفاف بحق الله تعالى، والشيخ الكبير يعجز عن الوطء الحلال فكيف بالحرام {وعائل} أي: فقير {مستكبر} لأنه قد عدم المال فلم يستكبر، {ورجل جعل الله بضاعته} أي: جعل يمينه بالله

لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه" رواه الطبراني بسند صحيح. وفي"الصحيح" عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خير أمتي قرني

_ سلعته {لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه" رواه الطبراني بسند صحيح1} يكره الحلف في البيع ونحوه ولو كان صادقا، قال الله تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} 2 فاتخاذ الأيمان عادة مبتذلة منهي عنه وقد ذم الله3 من أنزلت فيه آية القلم وهي قوله: {حَلاَّفٍ مَهِينٍ} 4 لأن لفظ حلاف للمبالغة كشتام وضراب; لأن الحلاف مجترئ على الله تعالى غير معظم له. {وفي "الصحيح" عن عمران بن حصين} رضي الله عنه {قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" خير أمتي قرني} أي: عصري، يعني: أصحابي،

ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم - قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثا - ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن "

_ - ومدتهم نحو مائة وعشرين سنة من البعثة {ثم الذين يلونهم} أي: يقربون منهم، وهم التابعون وهم [ما بين] 1 مائة إلى نحو تسعين2 {ثم الذين يلونهم} أتباع التابعين وهم إلى حدود العشرين ومائتين {قال عمران3} رضي الله عنه {فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثا ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن "} 4 الفرن: الأمة من الناس، وأهل كل زمان قرن، [سموا] 5 بذلك لاقترانهم في الوجود في ذلك الزمان.

واختلفوا في مقدار القرن فقيل: ثمانون سنة1 وقيل: ستون سنة، وقيل: أربعون سنة، وقيل: ثلاثون سنة2 وقيل: مائة وعشرون سنة، وقيل: مائة سنة، وهو الأصح لما روي3 عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن بسر المازني4" إنك تعيش قرنا " فعاش مائة سنة5 فعلى هذا القول: المراد بالقرن أهله الذين وجدوا فيه. في الحديث دليل أنه لا يجوز للشاهد [أداء الشهادة] 6 حتى يسأله المشهود له إذا كان عالما بها.

_ 1 قوله: (فقيل: ثمانون سنة) سقطت من"ش". 2 قوله: (وقيل: أربعون سنة, وقيل: ثلاثون سنة) سقطت من"الأصل", وأثبتها من بقية النسخ. 3 في"ر": (لما يروى) . 4 هو: عبد الله بن بسر بن أبي بسر أبو صفوان المازني, الصحابي المعمر, له ولأبويه ولأخويه صحبة, روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبيه وأخيه من أقواله:"والله وليمسخن قوم وإنهم لفي شرب الخمر وضرب المعازف حتى يكونوا قردة وخنازير". مات سنة 88 هـ, وقيل: 96 هـ, وهو آخر من مات بالشام. انظر ترجمته في:"الإصابة": (6/ 22- 23) ,"طبقات ابن سعد": (7/ 413) ,"كتاب المعرفة والتاريخ": (1/ 258) ,"تهذيب التهذيب": (5/ 158) . 5"مسند الإمام أحمد": (4/ 189) ,"مجمع الزوائد": (9/ 405) , وأحاله على الطبراني وأحمد."التاريخ الكبير"للبخاري: (1/ 323) , و"التاريخ الصغير"له: (1/ 216) . والحديث عن عبد الله بن بسر- رضي الله عنه-. والحديث قال فيه الهيثمي: رواه الطبراني وأحمد, ورجال أحمد رجال الصحيح غير الحسن بن أيوب وهو ثقة, ورجال الطبراني ثقات. 6 ما بين القوسين من"ع", وفي"الأصل"وبقية النسخ: (أداؤها) .

وإن كان المشهود له غير عالم بها جاز أداؤها قبل طلبها لحديث زيد ابن خالد الجهني رضي الله عنهأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بخير الشهود الذي يأتي بشهادته قبل أن يسأل عنها " رواه مسلم1. قال في "شرح السنة": (وهو حديث صحيح) 2 ورواه مالك وأبو داود3. وقوله:"يظهر فيهم السمن" يعني: من أجل أكلهم لذيذ المطاعم والاشتغال بها عن المكارم، بل يدل على تحريم كثرة الأكل الزائد على قدر الكفاية المبتغى به الترفه والسمن، وقد قال صلى الله عليه وسلم " إن أبغض الرجال إلى الله الحبر السمين " 4.

_ 1 [270ح] "صحيح مسلم مع شرح النووي": (12/ 258- 259 , ح19/ 1719) , كتاب الأقضية, باب بيان خير الشهود."سنن الترمذي": (4/ 544 ,ح 2295) , كتاب الشهادات, باب ما جاء في الشهداء أيهم خير. انظر بقية التخريج في الملحق. 2 انظر:"شرح السنة": (10/ 138) . 3"موطأ مالك": (2/ 720 , ح3) , كتاب الأقضية, باب ما جاء في الشهادات."سنن أبي داود": (4/ 21 , ح3596) , كتاب الأقضية, باب في الشهادات. والظاهر أن حديث الباب فيه التحذير من الاستعجال في الشهادة والتسرع بالإدلاء بها ولو لم ير الإنسان ويعاين. وأما الثاني ففيه المدح لمن يدلي بشهادته لإطهار حق أو إزالة مظلمة وهو يعلم الحق لصاحبها. 4"تفسير القرطبي": (11/ 67) بلقظه. وفي "شعب الإيمان" للبيهقي: (5/ 33 , ح 5668) , باب في المطاعم والمشارب. و"تفسير السيوطي" بلفظ:"إن الله يبغض أهل البيت اللحمين والحبر السمين". والحديث حكم عليه الشوكاني بالوضع في"الفوائد المجموعة": (ص 289 , ح912) , وذكر أنه قد ورد نحوه من قول الشافعي.

وفيه عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم [ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم] ،

_ {وفيه عن ابن مسعود} رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم [ثم الذين يلونهم] "1. قال السيوطي2 القرن: أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة3. وبعد القرن الثالث ظهرت البدع ظهورا فاشيا، ولم يزل الأمر في انتقاص إلى الآن، والقرن مصدر من الاقتران.

ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته" قال إبراهيم التيمي: (كانوا يصربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار) .

_ {ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته"1} المراد: أنهم لا ورع عندهم ولا اعتناء بأمر الدين، فتارة، يقول الإنسان: أشهد بالله والله معا، وتارة يقول: والله أشهد2. {قال إبراهيم التيمي} رحمه الله: (كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار) 3 يستحب لوالد الصبي وولي اليتيم وقيمه أن يحسن أدبه

ويربيه، ويأمره بحسن الأخلاق ويصونه، وينهاه عن مساويها، فإذا بلغ حد العقل علمه كلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإذا بلغ ست سنين أدبه، فإذا بلغ سبع سنين علمه الطهارة والصلاة والصيام، وعلمه القرآن، فإذ بلغ تسع سنين عزل فراشه، وإذا بلغ عشر سنين ضربه على الصلاة إذا تركها لحديث أبي داود وغيره: " مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها "1 وهو حديث صحيح، والضرب واجب على الولي أبا كان أو جدا أو وصيا أو قيما من جهة القاضي، وكذلك ينشئه على الأفعال الصالحة، ويضربه على الأفعال المذمومة قال الشاعر: لا تحزنن على الصبيان إن ضربوا ... فالضرب يبرا ويبقى العلم والأدب الضرب ينفعهم والعلم يرفعهم ... لولا المخافة ما قروا وما كتبوا لولا المعلم كان الناس كلهم ... شبه البهائم لا علم ولا أدب

_ 1 [272ح] "سنن أبي داود": (1/ 332- 333 , ح494) , كتاب الصلاة, باب متى يؤمر الغلام بالصلاة."سنن الترمذي": (2/ 259, ح407) , أبواب الصلاة, باب ما جاء متى يؤمر الصبي بالصلاة."مستدرك الحاكم": (1/ 201) , كتاب الصلاة. والحديث عن سبرة- رضي الله عنه-. والحديث- كما ترى- قد ذكر الشارح أنه صحيح, وقال الترمذي: حديث حسن صحيح, وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود": (1/ 97 , ح465) : حسن صحيح. انظر بقية التخريج في الملحق.

باب ما جاء في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم

باب ما جاء في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وقول الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ

_ {باب ما جاء في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم} 1 وقول الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} نزلت في الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فأمرهم بالوفاء بهذه البيعة، وقيل: المراد منه كل ما يلتزمه الإنسان باختياره، ويدخل فيه الوعد; لأن الوعد من العهد، وقيل: العهد هاهنا هو اليمين، قال الشعبي2 العهد يمين فكفارته كفارة يمين3 وعلى هذا يجب الوفاء به لقوله صلى الله عليه وسلم " من حلف على يمين ثم رأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه "4 فيكون قوله: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} من العام الذي خصصته السنة،

وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} عن بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية

_ وقال مجاهد وقتادة: نزلت في حلف أهل الجاهلية1 ويشهد2 لهذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم "كل حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة"3 {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} يعني: تشديدها فتحنثوا فيها. وفيه دليل على أن المراد بالعهد غير اليمين لأنه أعم منه. {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} يعني: شهيدا بالوفاء بالعهد {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} 4 يعني: من وفاء العهد ونقضه {عن} سليمان5 عن أبيه {بريدة} - رضي الله عنهما - {قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية} السرية: قطعة من الجيش

أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: "اغزوا بسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا

_ تخرج ثم تعود إليه، وهي مائة إلى خمسمائة، فإن زاد على ثمانمائة سمي جيشا، وإن زاد على أربعة آلاف، سمي جحفلا، والخميس1 الجيش العظيم، وما افترق2 من السرية سمي بعثا، وسميت السرية سرية لأنها تسري في الليل وتخفي أمرها. قوله {أوصاه في خاصته3 بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا} فيه دليل على التأمير في الحرب والسفر، ووصية الإمام لأمير الجيش ومن معه بالتقوى {ثم قال4 اغزوا بسم الله في سبيل الله} لتكون كلمة الله هي العليا {قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا} بضم الغين المعجمة وتشديد اللام، أي: لا تخونوا في الغنيمة، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} 5 وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تغلوا فإن الغلول نار وعار على أصحابه في الدنيا والآخرة "6 رواه

ولا تغدروا، ولا تمثلوا

_ أحمد والنسائي وصححه ابن حبان1. {ولا تغدروا} الغدر: هو الاغتيال، وهو ممنوع شرعا، إما لتقدم2 أمان أو ما يشبهه أو لوجوب تقدم الدعوة. عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا جمع الله الأولين والآخرين يرفع لكل غادر لواء يقال: هذه غدرة فلان بن فلان " متفق عليه3. وقد عوقب الغادر بالفضيحة العظمى، وقد يكون ذلك من مقابلة الذنب بما يناسب ضده في العقوبة، فإن الغادر أخفى جهة غدره ومكره، فعوقب بنقيضه، وهو شهرته على رءوس الأشهاد. {ولا تمثلوا} بالقتلى كجدع الأنوف وبقر البطون وقطع الآذان، قال

ولا تقتلوا وليد

_ صلي الله عليه وسلم1 "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة " رواه مسلم2. {ولا تقتلوا وليدا} أي: طفلا صغيرا، وفيه النهي عن قتل الصبيان وكذلك النساء لحديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان " متفق عليه3. وألحق المجانين بالصبيان إلا إذا قاتلوا أو تترس الكفار بهم، وأجاز الشافعي قتل الشيخ لقوله صلى الله عليه وسلم " اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم "4.

" [وإذا] لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو

_ أي: صغارهم1 وعند أبي حنيفة لا يجوز قتل الشيخ الكبير إلا إذا اتبع راية وأعان2 بماله3. تتمة: يكره نقل رءوس الكفار من بلاد إلى بلاد لما روى البيهقي: أن أبا بكر رضي الله عنه أنكر على4 فاعله، وقال: لم يفعل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم5. وما روي من حمل رأس أبي جهل فقد تكلموا في ثبوته، وبتقدير ثبوته إنما حمل من موضع إلى موضع لا من6 بلد إلى بلد7 وكأنهم فعلوه لينظر الناس إليه فيتحققوا موته. والله أعلم. { [وإذا] 8 لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو

خلال فأيتهم [ما] أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إذا فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما [على المهاجرين] ، فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين

_ خلال} شك الراوي {فأيتهن أجابوك فأقبل منهم، وكف عنهم} 1 الخطاب هنا لأمير الجيش خاصة ثم {ادعهم إلى الإسلام) هي الخصلة الأولى {فإن أجابوك} أي: أطاعوك {فاقبل منهم وكف عنهم2 ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار3 المهاجرين4 وأخبرهم أنهم إذا فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما عليهم} 5 هذا من توابع الخصلة الأولى {فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين} 6

ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم "

_ والأعراب: هم أهل البوادي {ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين} فيسهم لمن شهد الوقعة {فإن هم أبوا فسلهم1 الجزية} هو إشارة إلى الخصلة الثانية. تنبيه: يشترط لعقد الجزية الإمام أو نائبه بخلاف عقد الأمان فإنه يصح من غيره. {فإن هم أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم} لعصمة الدماء والأموال ببذل الجزية، ولا تنعقد لليهود والنصارى والمجوس من العرب والعجم، ولا جزية على المرأة والصبي والمجنون والعبد، وأقلها دينار على كل واحد لكل سنة. {فإن هم أبوا} أي: من الإسلام، أو من إعطاء الجزية {فاستعن بالله وقاتلهم} إشارة إلى الخصلة الثالثة. في الحديث دليل أنه لا يقاتل المشركون إلا بعد دعائهم إلى الإسلام. واختلف العلماء في ذلك: فقال مالك: لا يقاتلون حتى يؤذنوا2.

وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه

_ وذهب جماعة إلى أنهم يقاتلون قبل الدعوة إذا كانت الدعوة قبل بلغتهم وهو قول الشافعي أو الثوري وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق1 واحتج الشافعي] 2 بقتل ابن أبي الحقيق، وروى عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغير عند صلاة الصبح، فإذا سمع أذانا أمسك وإلا أغار3 وأغار على بني المصطلق وهم غارون4. فثبت بهذه الأحاديث أن الدعوة ليست بشرط، إذا كانت الدعوة قد بلغتهم قبل ذلك، وأما من لم تبلغه الدعوة فإنه لا يقاتل حتى يدعى إلى الإسلام. - {وإذا حاصرت أهل حصن} الحصر: المنع والتضييق، أي: حصرهم ومنعهم من الخروج منه {فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه

[فلا تجعل لهم ذمة الله، ولا ذمة نبيه] ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله "

_ [فلا تجعل لهم ذمة الله، ولا ذمة نبيه] 1} . قال النووي: نهى عنه2 {ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم3 أصحابكم4 أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله} 5 يقال: خفرت الرجل أي أجرته، وأخفرت الرجل إذا أجرته6 وأخفرت إذا نقضت عهده وذمامه. فيه أنه يحرم إخفار الذمة والأمان والجوار، وانتهاك ذمة الله وذمة رسوله أشد وأغلظ من ذمة الغير، وتنفيذ من كل أحد من المسلمين ذكرا كان أو أنثى. عن [أبي عبيدة] 7 بن الجراح رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يجير على المسلمين بعضهم " أخرجه ابن أبي

شيبة1 وفي رواية عن عمرو بن العاص: "يجير على المسلمين أدناهم"2 يعني: كالعبد والمرأة. وفي"الصحيحين" عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه"ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم"3 زاد ابن ماجه من وجه آخر:"ويجير عليهم أقصاهم"4 وفي رواية عنه: "فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل" 5.

_ 1"مصنف ابن أبي شيبة": (12/452 , 455) , و"مسند أبي يعلى": (2/179 - 180 , ح 876) , "مسند الإمام أحمد": (1/195) . 2 [279ح] "مسند الإمام أحمد": (4/197) ."مجمع الزوائد": (5/329) , وأحاله على أحمد وأبي يعلى والطبراني. والحديث روي بأكثر من طريق, وروي عن غير عمرو بن العاص, فقد روي عن أبي هريرة وأنس وأم سلمة. والحديث قال فيه الهيثمي: فيه رجل لم يسم وبقية رجال أحمد رجال الصحيح. وقال الألباني في رو، الآية أبي هريرة للحديث بأنه حسن صحيح بشواهده. انظر بقية التخريح والحكم على الحديث في الملحق. 3 [280ح] "صحيح البخاري مع الفتح": (4/81 , ح 1870) , كتاب فضائل المدينة, باب حرم المدينة."صحيح مسلم مع شرح النووي": (9/150 , ح 467/1370) , كتاب الحج, باب فضل المدينة. أنظر بقية التخريح في الملحق. 4 انظر:"سنن ابن ماجه": (2/895 , ح 2685) , كتاب الديات, باب المسلمون تتكافأ دماؤهم إلا أنه بلفظ:"ويجير على المسلمين أدناهم ويرد على المسلمين أقصاهم". وهو -أيضا- في"سنن أبي داود": (4/670 , ح 4531) , كتاب الديات, باب إيفاد المسلم بالكافر. 5"صحيح البخاري مع الفتح": (4/81 , ح 1870) , كتاب فضائل المدينة, باب حرم المدينة. "صحيح مسلم مع شرح النووي": (9/150 , ح 467) , كتاب الحج, باب فضل المدينة."سنن أبي داود": (2/531 , ح 2034) , كتاب المناسك, باب تحريم المدينة.

ولهما من حديث أم هانئ1 " وقد أجرنا من أجرت يا أم هانئ "2. وعن أبي رافع3 رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس الرسل " رواه أبو داود، والنسائي، وصححه ابن حبان4

_ 1 هي: السيدة الفاضلة أم هانئ بنت أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمية المكية أخت علي وجعفر, واختلف في اسمها فقيل: فاختة, وقيل: هند, أسلمت يوم الفتح, روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في الكتب الستة وغيرها, وعاشت إلي بعد سنة 50هـ. انظر ترجمتها في:"الإصابة": (13/300 - 301) ,"أسد الغابة": (6/404) ,"طبقات ابن سعد": (8/47) ,"تهذيب التهذيب": (12/481) . 2 [281ح] "صحيح البخاري مع الفتح": (1/469 , ح 357) , كتاب الصلاة, باب الصلاة في الثوب الواحد."صحيح مسلم مع شرح النووي": (5/240 , ح 82/336) , كتاب صلاة المسافرين, باب استحباب صلاة الضحى. انظر بقية التخريج في الملحق. 3 هو: أبو رافع, مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم , يقال اسمه: إبراهيم, وقيل: أسلم, وقيل: ثابت, أسلم قيل بدر ولم يشهدها ولكن شهد أحدا وما بعدها, كان عالما فاضلا, خاطبه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"يا أبا رافع إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة, وإن مولى القوم من أنفسهم", توفي في خلافة علي بالكوفة سنة 40هـ. انطر ترجمته في:"طبقات ابن سعد": (4/73 - 75) ,"الإصابة": (11/128 - 129) ,"تهذيب التهذيب": (12/92) ,"سير أعلام النبلاء": (2/16 - 17) . 4"سنن أبي داود": (3/189 - 190 , ح 2758) , كتاب الجهاد, باب في الوفاء بالعهد."صحيح ابن حبان":"الإحسان": (7/191 , ح 4857) . وفي"السنن الكبرى"للنسائي كما ذكر المزي في"تحفة الأشراف": (9/199 , ح 12013) . والحديث -كما ترى- قد صححه ابن حبان. وصححه الألباني في"السلسلة الصحيحة": (2/323 , ح 752) .

وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله ولكن

_ قوله: لا أخيس بالعهد، أي: لا أنقضه1 يقال: خاس بعهده يخيس، وخاص بوعده إذا خانه. وفيه أن العهد يرعى مع الكافر، كما يرعى مع المسلم، وأن من أمن كافرا لم يكن له اغتياله في مال ولا دم ولا منفعة. وقوله: لا أحبس الرسل، يعني: أن الرسول صار كأنه عقد له العقد مدة مجيئه ورجوعه. وعن [عبد الله بن عمرو] 2 - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال3 " من قتل معاهدا لم يرح4 رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما " أخرجه البخاري5. {وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك} أي: طلبوا {أن تنزلهم} من الحصن {على حكم الله} فيهم {فلا تنزلهم على حكم الله} ورعا {ولكن

أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا " رواه مسلم وأبو داود والترمذي.

_ أنزلهم على حكمك} باجتهادك {فإنك لا تدري} أي: لا تعلم (أتصيب حكم الله فيهم1} أي: توافق حكم الله فيهم2 {أم لا} توافق حكم الله فيهم {رواه مسلم وأبو داود والترمذي34} . فيه جواز إحصار الكفار في البلاد والقلاع ويجوز رميهم بالمدافع والمنجنيق ويحرم الإحراق بالنار، لحديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن النار لا يعذب بها إلا الله " رواه البخاري5.

وأما الشجر فيجوز قطعها إذا كان في قطعها مصلحة لأنه صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير، فأنزل الله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} 1 الآية. متفق عليه2. وكذلك هدم الحصون يجوز إذا كان في هدمها مصلحة للمسلمين، ويحرم إتلاف الحيوان إلا ما يقاتلون عليه.

_ 1 سورة الحشر، الآية: 5. 2 [285 ح] "صحيح البخاري مع الفتح": (8/629 , ح 4884) , كتاب التفسير, باب ما قطعتم من لينة. و"صحيح مسلم مع شرح النووي": (12/294 , ح 29/1746) , كتاب الجهاد والسير, باب جواز قطع أشجار الكفار. والحديث مروي عن ابن عمر -رضي الله عنهما-. انظر بقية التخريح في الملحق.

باب ما جاء في الإقسام على الله تعالى

باب ما جاء في الإقسام على الله تعالى عن جندب [بن عبد الله] رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال عز وجل من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان، قد غفرت له وأحبطت عملك " رواه مسلم. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن القائل رجل عابد قال أبو هريرة:"تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته".

_ {باب ما جاء في الإقسام على الله تعالى} {عن جندب} [بن عبد الله} 1 {- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان} العاصي (فقال عز وجل من ذا الذي يتألى علي} أي: من الحالف علي؟ هذا2 استفهام إنكار وتوبيخ فإنه تبارك وتعالى يعلم ذلك المتألي {أن لا أغفر لفلان [فإني] 3 قد غفرت له} بفضله وكرمه {وأحبطت} أي: أبطلت {عملك" رواه مسلم} 4. {وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن القائل رجل عابد قال أبو هريرة:"تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته".

أخرجه أبو داود.

_ أخرجه أبو داود12} . [وعن أبي هريرة- رضي الله عنه-3 قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كان في بني إسرائيل رجلان متحابان أحدهما مذنب، والآخر في العبادة مجتهد، فكان المجتهد لا يزال يرى الآخر على ذنب فيقول له: أقصر فوجده يوما على ذنب فقال له أقصر فقال: خلني وربي أبعثت علي رقيبا فقال: والله لا يغفر لك - أو قال: لا يدخلك الجنة. فقبض الله أرواحهما فاجتمعا عند رب العالمين; فقال الرب تبارك وتعالى للمجتهد: أكنت على ما في يدي قادرا، وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار " 4 وللطبراني عن جندب بن جنادة5 رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال رجل: لا يغفر الله لفلان - أي: فلان العاصي - فأوحى الله

تعالى إلى نبي من الأنبياء إنها - أي: الكلمة التي قالها - خطيئة فليستقبل العمل"1 أي: يستأنف عمله للطاعة، فإنها أحبطت عمله بتأليه على الله، وهذا خرج2 مخرج الزجر والتهويل3. وفي حديث آخر: " ويل للمتألين من أمتي"4 يعني: يحكمون على الله يقولون: فلان في الجنة، وفلان في النار. وفيه: "من يتألى على الله يكذبه "5 أي: من حكم عليه، وحلف

_ 1"الجامع الصغير" للسيوطي, مع "الفيض": (4/504 , ح 6087) , وقد أحاله على الطبراني. وقد تقدم حديث جندب هذا في أول الباب من رو، الآية مسلم ويختلف يسيرا في لفظه, انظر: (ص 548) . وهذا اللفظ أشار السيوطي لضعفه في"الجامع الصغير", انظره: مع"الفيض"في المكان السابق, وصححه الألباني كما في"صحيح الجامع": (2/801 , ح 4347) , و"سلسلة الأحاديث الصحيحة": (5/25 , ح 2014) . 2 كلمة: (خرج) سقطت من"ر", وهي مثبتة في بقية النسخ. 3 انظر:"فيض القدير": (4/504) عند شرح الحديث الماضي, و"معجم الطبراني الكبير": (2/177) . 4"الجامع الصغير"مع "الفيض": (6/368 , ح 9650) , و"كنز العمال": (3/559 , ح 7902) , وقد أحالاه على البخاري في"التاريخ"من رو، الآية جعفر العبدي مرسلا, وقال المناوي في"الفيض"بأن القضاعي أخرجه مسندا. والحديث من رو، الآية جعفر العبدي. والحديث أشار السيوطي لضعفه. وضعفه الألباني كما في"ضعيف الجامع": (ص 887, ح 6143) . 5"مسند الشهاب"للقضاعي: (1/220 , ح 336) عن زيد بن خالد. و"معجم الطبراني الكبير"عن"مجمع الزوائد": (3/271) عن أبي أمامة."الجامع الصغير"مع"الفيض": (6/385) عن أبي أمامة. والحديث روي عن زيد بن خالد, وروي عن أبي أمامة. والحديث أشار السيوطي إلى ضعفه من رو، الآية أبي أمامة. وضعفه الألباني كما في "ضعيف الجامع": (ص 893, ح 6184) من رو، الآية أبي أمامة. وقال الهيثمي: فيه علي بن يزيد وهو ضعيف وقد وثق.

كقولك: والله ليدخلن الله فلانا النار، وينجحن الله سعي فلان. وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -، قال: "قل اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي، ورحمتك أرجى عندي من عملي" رواه مالك1. اعلم أن المؤمن الموحد العاصي لا يجوز أن يقال: إن الله تعالى يعاقبه لا محالة، ولا يجوز أن يقال: إن الله تعالى يعفو عنه لا محالة، بل هو في مشيئة الله عز وجل كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 2 إن شاء عفا عنه بفضله وكرمه أو ببركة ما معه من الإيمان وكثرة3 الطاعات، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم أو باستغفار الرسل والملائكة عليهم السلام لعامة المؤمنين أو بشفاعة واحد من الأخيار وإن شاء عذبه بقدر ذنبه ثم أخرج إلى الجنة وعاقبته إلى الجنة لا محالة، ولا يخلد4 في النار مؤمن، ولا يجوز أن يشهد لأحد من المؤمنين بالجنة إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولمن بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بها.

_ 1 لم أجده في"موطأ مالك". وهو في"مستدرك الحاكم": (1/543 - 544) , كتاب الدعاء. وذكره في"كنز العمال": (2/198 , ح 3737) , ونسبه إلى الحاكم والضياء. وذكره العجلوني في"كشف الخفاء": (1/192 , ح 583) . وذكره النووي في"الأذكار": (ص 488 , ح 1250) . والحديث قال الحاكم فيه: رواته عن آخرهم مدنيون ممن لا يعرف واحد منهم بجرح, ووافقه الذهبي. 2 سورة النساء، الآية: 48. 3 هذا في"الأصل", وفي بقية النسخ: (وكثير من الطاعات) . 4 في"ر": (ولا يدخل) هو خطأ يغير المعنى.

ففي الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: " لن يدخل الجنة أحدا منكم عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته "1. وفي رواية للبخاري: "والله لا أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم "2 وهذا فيما لم يوح إليه فيه شيء، وأما ما علمه3 عن الله تعالى فإنه يدري عاقبته، ولهذا بشر أصحابه العشرة، وأهل بدر وأحد والحديبية بالجنة. وعن سعد بن أبي وقاص4 رضي الله عنه قال: " ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض أنه من أهل الجنة، إلا لعبد الله بن سلام "5

_ 1 [288 ح] "صحيح البخاري مع الفتح": (10/127 , ح 5673) , كتاب المرضى, باب تمني المريض الموت."صحيح مسلم مع شرح النووي": (17/166 , ح 73 , ح 75/2816) , كتاب صفة القيامة والجنة والنار, باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله. والحديث روي عن أبي هريرة, وروي عن عائشة. انظر بقية التخريح في الملحق. 2"صحيح البخاري مع الفتح": (3/114 , ح 1243) , كتاب الجنائز, باب الدخول على الميت بعد الموت, و (12/392 , ح 7003) , كتاب التعبير, باب رؤيا النساء. والحديث عن أم العلاء -رضي الله عنها-. 3 هذا في"الأصل", وهو الصواب, وفي "ر" و"ش"صحفت إلى: (عمله) , وفي "ع" أسقط: (ما) في قوله: (ما علمه) . 4 تقدمت ترجمته باسم: (سعد بن مالك) انظر: (ص 311) . 5 هو: عبد الله بن سلام بن الحارث ابو يوسف, كان أحد أحبار اليهود ثم أسلم حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة, وقيل: تأخر إسلامه إلى ما قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بشهرين. وف ي"الصحيح" عن سعد بن أبي وقاص قال: ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام. روى الزبيدي أنه لما أريد قتل عثمان جاء عبد الله بن سلام إليه فقال: جئت لأنصرك فقال: له اخرج إلى الناس فاطردهم عني, وكان مما قال:"إن لله سيفا مغمودا عنكم وإن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالله الله في هذا الرجل أن تقتلوه" توفي عبد الله بن سلام سنة 43هـ. انظر ترجمته في:"طبقات ابن سعد": (2/352 - 353) ,"الإصابة": (6/108 - 110) ,"أسد الغابة": (3/160 - 161) .

متفق عليه1. وكذلك لا يجوز أن يشهد على أحد من المؤمنين بالنار إلا من شهد عليه النبي صلى الله عليه وسلم. ففي البخاري في قصة الرجل الذي قاتل المشركين أبلغ القتال فقال صلى الله عليه وسلم إنه من أهل النار فجرح فلم يصبر فقتل نفسه2 بحكم القدر الجاري عليه، وقد يكون باطن الأمر بخلاف ظاهره كما صح أن الأعمال

_ 1"صحيح البخاري مع الفتح": (10/478) , كتاب الأدب, ترجمة باب من أثنى على أخيه بما يعلم."صحيح مسلم مع شرح النووي": (16/275 , ح 147/2483) , كتاب فضائل الصحابة, باب من فضائل عبد الله بن سلام."مسند الإمام أحمد": (1/177) . 2 انظر:"صحيح البخاري مع الفتح": (6/89 - 90 , ح 2898) , كتاب الجهاد, باب لا يقول فلان شهيد. وفي: (11/330 , ح 6493) , كتاب الرقاق, باب الأعمال بالخواتيم."صحيح مسلم مع شرح النووي": (2/484 - 485 , ح 179/112) , كتاب الإيمان, باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه. والحديث من رو، الآية سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه-.

بالخواتيم1 نسأل الله حسن الخاتمة، ونعوذ به من سوء2 عاقبتها. وفي قصة مدعم3 مولى النبي صلى الله عليه وسلم حين أصيب يوم خيبر فقال الناس: هنيئا له بالشهادة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر لم تصبها المقاسم تشتعل عليه نارا "4 ولا يجوز أن يقال الذنب لا يضر مع الإيمان، بل يضر ولا يثبت به في الحال جواز المؤاخذة عليه، وعسى لا5 يعفى عنه، خلافا للمرجئة فإنهم يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وهو من افترائهم على الله تعالى في قولهم: إن المؤمن وإنا عصا لا يدخل النار6 وأما الطاعة مع الكفر فهو صحيح لأنها لا تنفع معه.

_ 1 [289 ح] الحديث في ذلك في "صحيح البخاري", انظره: مع"الفتح": (11/499 , ح 6607) , كتاب القدر, باب العمل بالخواتيم. و"صحيح مسلم مع شرح النووي": (2/484 , ح 179/112) , كتاب الإيمان, باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه. والحديث عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه -, وهو جزء من الحديث المتقدم في"صحيح مسلم". انطر بقية التخريح في الملحق. 2 هذا في"الأصل", وفي بقية النسخ: (شؤم) . 3 هكذا ضبطه النووي ف ي"شرح صحيح مسلم", وقال بأنه جاء مصرحا به في "الموطأ" في هذا الحديث بعينه, وهو كما قال في "الموطأ": (2/459 , ح 25) , كتاب الجهاد, باب ما جاء في الغلول. 4 [290 ح] "صحيح البخاري مع الفتح": (11/592 , ح 6707) , كتاب الأيمان والنذور, باب هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض والغنم. و"صحيح مسلم مع شرح النووي": (2/488 - 489, ح 183/ 115) , كتاب الإيمان, باب غلظ تحريم الغلول. والحديث من رو، الآية أبي هريرة -رضي الله عنه-. انظر بقيه التخريح في الملحق. 5 في "ع": (وعسى أن لا يعفى) . 6 انظر:"مجموع الفتاوى"لابن تيمية: (16/242) .

باب لا يستشفع بالله تعالى على خلقه

باب لا يستشفع بالله تعالى على خلقه عن جبير بن مطعم قال: " جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، نهكت الأنفس، وجاع العيال، وهلكت الأموال، فاستسق لنا ربك

_ {باب لا يستشفع بالله تعالى على خلقه عن جبير بن مطعم1 قال: رضي الله عنه- {قال: جاء أعرابي} رجل من أهل2 البادية {إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، نهكت} أي: ضعفت، وفي رواية: جهدت3 {الأنفس، وجاع العيال} من قلة القوت {وهلكت الأموال} وفي رواية:" نهكت الأنعام "4 بسبب انقطاع الغيث {فاستسق لنا ربك} يعني: اسأله لنا أن يسقينا، هو لغة: طلب السقيا، وشرعا: طلب سقيا العباد من الله تعالى عند حاجتهم إليها.

فإنا نستشفع بالله عليك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم سبحان الله، فما زال يسبح، حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك، أتدري ما الله؟ إن شأن الله تعالى أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد " وذكر الحديث. رواه أبو داود.

_ وهو ثلاثة أنواع: أدناها: أن يكون بالدعاء، وأوسطها بالدعاء1 خلف الصلاة، وفي خطبة الجمعة ونحوها، وأكملها أن يكون بصلاة وخطبة. {فإنا نستشفع بالله عليك} أي: نتوسل2 بالله عليك، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا [وبك على الله] أي: بدعائك إلى الله تعالى [فقال النبي صلى الله عليه وسلم سبحان الله، فما زال يسبح} يعني: يكرر التسبيح {حتى عرف ذلك} الغيار {في وجوه أصحابه} الحاضرين {ثم قال: ويحك} كلمة زجر كويلك {أتدري ما الله؟} أي: ما عظمة الله تعالى {إن شأن الله تعالى أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد ... وذكر الحديث} وتمامه إن عرشه على سماواته كهذا قال بأصابعه مثل القبة عليه، وإنه ليئط به أطيط الرجل بالراكب" {رواه أبو داود3} .

قوله: سبحان الله هو من الأسماء التي لا تستعمل إلا مضافة أبدا وهو علم للتسبيح كعثمان للرجل، وهو لا ينصرف كونه علما، ويكون لأحد معنيين: إما للتنزيه وإما التعجب، وهو هنا للتنزيه، وانتصابه بفعل مضمرة، تقديره أسبح الله سبحان1 ثم نزل منزلة الفعل وسد مسده ودل على التنزيه البليغ من [جميع] 2 القبائح التي تضيفها إليه أعداؤه. قال طلحة بن عبيد الله3 رضي الله عنه سألت [رسول الله] 4 صلى الله عليه وسلم عن تفسير سبحان الله، فقال: تنزيه الله تعالى عن كل سوء ".5

_ 1 في"الأصل": (سبحان) , وفي بقية النسخ: (سبحانه) . 2 صحفت ف ي"الأصل" إلى: (جهة) , والصواب ما أثبته من بقية النسخ. 3 هو: طلحة بن عبيد الله بن عثمان أبو محمد القرشي التيمي المكي, الصحابي الجليل وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة وكان ممن سبق إلى الإسلام وابتلي على إسلامه, كان ممن وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه يوم أُحد واتقى عنه النبل بيده حتى شلت أصبعه وضرب على رأسه, توفي سنة 36 هـ. انظر ترجمته في:"حلية الأولياء": (1/ 87-88) ,"أسد الغابة": (2/ 467- 471) , "الإصابة": (5/ 232- 233) . 4 في"الأصل": (سألت النبي) , وما أثبته اتفقت عليه النسخ الأخرى وهو الموافق لأصل الحديث. 5 "المستدرك على الصحيحين": (1/ 502) , كتاب الدعاء. والحديث قال فيه الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

قال ابن حجر1 في "فتح الباري" معناه: تنزيه الله عما لا يليق به2 من كل نقص فيلزم نفي3 الشريك والصاحب والولد وجميع الرذائل4. وإنكاره صلى الله عليه وسلم قول الأعرابي (فإنا نستشفع بالله عليك) لأن الشافع يسأل المشفوع إليه، والعبد يسأل ربه ويشفع إليه، والرب تعالى وتقدس لا يسأل عبده، ولا يشفع إليه، ومثله أتوجه بالله عليك فإنه لا يجوز، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (وبك على الله) فإنه جائز بل يستحب الاستسقاء به في حياته بخلافه بعد موته5 لأن عمر رضي الله عنه لم يستسق به بعد موته، بل بعمه العباس رضي الله عنه بواسطة دعائه كما صح في البخاري6.

_ 1 هو: أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني, أبو الفضل شهاب الدين ابن حجر من أئمة العلم والتاريخ, أصله من عسقلان (بفلسطين) , رحل إلى اليمن وغيرها لسماع الشيوخ وأصبح حافظ الإسلام في عصره, من أعظم مؤلفاته عند الناس وعنده كتابه"فتح الباري", وُلد سنة 773 هـ, وتوفي سنة 852 هـ. انظر ترجمته في:"البدر الطالع": (1/ 87- 92) ,"معجم المؤلفين": (2/ 20- 22) , "الضوء اللامع": (2/ 36- 40) , "شذرات الذهب": (7/ 270- 272) . 2 كلمة: (به) سقطت من "ر", وهي ثابتة في بقية النسخ كما هو في "الفتح". 3 هذا في "الأصل", وهو الموافق لما في "الفتح", وقد سقطت كلمة: (نفى) من النسخ الأخرى. 4 انظر:"فتح الباري على صحيح البخاري": (11/ 206) , كتاب الدعوات, باب فضل التسبيح. 5 ويعني بالاستسقاء به, أي: بدعائه كما دلت عليه الدلائل كمجيء الأعرابي الذي اشتكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة الأمطار وهلاك الأموال وجياع العيال, كما تقدم الحديث في ذلك: (ص 555) في أول الباب, حيث طلب من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء, وكما استسقى عمر بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم حيث طلب فيه الدعاء, وكما استسقى معاوية بيزيد بن الأسود, كما سيأتي ذكره هنا. 6 والحديث في ذلك أن أنس بن مالك - رضي الله عنه- روى أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال: فيسقون. والحديث في "صحيح البخاري", انظره: مع"الفتح": (2/ 494, ح 1010) , كتاب الاستسقاء, باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا. وانظر:"طبقات ابن سعد": (4/ 28- 29) .

ويستحب أن يستسقى بأهل الفضل والصلاح، وإذا كان من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أولى وأحسن. يروى أن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - استسقى بيزيد1 ابن الأسود الجرشي2 وقال: اللهم إنا نستشفع إليك بخيارنا، وقال: يا يزيد، ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه ودعا ودعوا فسقوا3 ولم يشرع الاستسقاء بالميت والغائب.

_ 1 في "الأصل" و"ع": (يزيد) , وفي "ر" و"ش": (بديد) , والصواب الذي أثبته تصحيحا من المصادر الحديثية: (بيزيد بن الأسود) . 2 هو: يزيد بن الأسود الجرشي أبو الأسود, كان من سادة التابعين بالشام, أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم, وكان من العباد, استسقى به معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه- فقال له: قم يا بكاء, وحديثه في ذلك كما هو هنا, ذكر ابن منده أن منهم من عده من الصحابة ولم يثبت. انظر ترجمته في:"الإصابة": (10/ 382- 383) ,"طبقات ابن سعد": (7/ 444) ,"سير أعلام النبلاء": (4/ 136- 137) . 3 [17 ث] "طبقات ابن سعد": (7/ 444) ."المعرفة والتاريخ"للفسوي: (2/ 380- 381) , "تاريخ دمشق" لابن عساكر: (18/ 122) , والأثر عن التابعي سليم بن عامر الخبائري. والأثر صححه الألباني كما في كتابه"التوسل: أنواعه وأحكامه". انظر: (ص 45) . انظر بقية تخريج الأثر في الملحق.

باب ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسد طرق الشرك

باب ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسد طرق الشرك عن عبد الله بن الشخير قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا، فقال: السيد الله تبارك وتعالى

_ {باب ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسد طرق الشرك} {عن عبد الله بن الشخير} 1 رضي الله عنه {قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا، فقال لنا: السيد الله تبارك وتعالى} أي: هو الذي تحق له2 السيادة المطلقة، إذ الخلق كلهم عبيده. ولا ينافيه "أنا سيد ولد آدمء"3 لأنه إخبار4 عما أعطي من الشرف

قلنا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا، فقال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان ".

_ على النوع الإنساني، وقد اختلف هل الأولى الإتيان بلفظ السيادة في نحو الصلاة عليه أو لا؟ ورجح بعضهم1 أن لفظ الوارد لا يزاد عليه، بخلاف غيره. {قلنا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا} أي: أكثرنا عطاء {فقال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم} أي: قولوا بقول أهل دينكم وملتكم، يعني: ادعوني رسولا ونبيا، ولا تسموني سيدا كما تسمون رؤساءكم، لأنهم كانوا يحسبون أن السيادة بالنبوة بأسباب الدنيا، وقوله:"أو بعض قولكم" يعني: بعض الاقتصاد في المقال، وترك الإسراف فيه، وهذا من تواضعه صلى الله عليه وسلم (ولا يستجرينكم الشيطان) أي: لا يغلبنكم فتقعون في أمر عظيم، مع أنهم لم يقولوا إلا الحق،

رواه أبو داود بسند جيد. وعن أنس رضي الله عنه أن ناسا قالوا: يا رسول الله، يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا، فقال: يا أيها الناس، قولوا

_ فإنه1 سيد ولد آدم وأفضلهم، وأكرمهم، فنهاهم عن هذا الخطاب حماية للتوحيد، وسدا للذرائع، ولحداثة عهدهم بالإسلام فكأنه يقول: [لا تخاطبوني بما تخاطبون به رؤساءكم2 بل بما سماني به الله تعالى من نحو نبي ورسول {رواه أبو داود بسند جيد3} {وعن أنس} بن مالك {- رضي الله عنه - أن ناسا قالوا: يا رسول الله، يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا، فقال: يا أيها الناس، قولوا

بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل " رواه النسائي بسند جيد.

_ بقولكم} الذي لا غلو فيه ولا {يستهوينكم الشيطان} أي: يلقينكم في هواه، قال الله تعالى: {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ} 1 {أنا محمد2 عبد الله ورسوله} قال الله عز وجل {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} 3 وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} 4 فأضافه إضافة تشريف وتعظيم وتبجيل وتفخيم " ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل " رواه النسائي بسند جيد5} كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم عليه السلام

إنما أنا عبد الله، فقولوا: عبد الله ورسوله "1 الإطراء: المبالغة في المدح، يعني: قولوا في2 ما هو اللائق والمناسب للعبودية والرسالة، تواضعا واجتنابا عن التفاخر. عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته "3 وقالت: " كان بشرا من البشر يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه " رواه الترمذي4.

_ 1 تقدم تخريجه عند ذكر جزء منه في شرح خطبة الكتاب: (ص 17) , وتم تخريجه بالتفصيل في الملحق برقم: [3 ح] , وقد سبق ذكر الحديث- ايضا- في متن الكتاب في باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم هو الغلو في الصالحين في: (ص 221) , وقد أحلت هناك إلى ما أحلت إليه هنا. 2 هذا في"الأصل"وهو اللائق إذا شددت ياء: (في) , وفي "ر": (قولوا في حقي) وهو لائق أيضا, وفي "ع" و"ش": (قوله في حقي) وهو خطأ. 3"مسند الإمام أحمد": (6/ 167) بلفظه, وانظر: (ص 121, 260) أيضا."الأدب المفرد"للبخاري: (ص 188, ح 539) ,"دلائل النبوة"للبيهقي: (1/ 328- 329) , وذكره في"المشكاة"من حديث آخر: (3/ 1619, ح 5822) . 4 [295 ح] "الشمائل"للترمذي: (ص 270, ح 325) ,"مسند الإمام أحمد": (6/ 256) ,"صحيح ابن حبان":"الإحسان": (7/ 474, ح 5646) . والحديث- كما ترى- قد أخرجه ابن حبان في"صحيحه". وصححه الألباني في"السلسلة الصحيحة": (2/ 280- 281, ح 671) . انظر بقية تخريج الحديث في الملحق.

باب ما جاء في قول الله تعالى {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة} الآية

باب ما جاء في قول الله تعالى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية ... باب ما جاء في قول الله تعالى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السماوات على أصبع والأرضين على أصبع

_ {باب ما جاء في قوله تعالى} {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} أي: ما عظموه حق عظمته حين أشركوا به غيره، ثم أخبر عن عظمته فقال: {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 1 2 أي3 تنزه وتعاظم بالأوصاف الحميدة عما يصفه به المشركون4. {عن} عبد الله {ابن مسعود} رضي الله عنه {قال: جاء حبر من الأحبار} أي: عالم من علماء اليهود {إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، إنا نجد5} فيما أنزل على موسى عليه السلام في التوراة {أن الله يجعل السماوات} على {أصبع، والأرضين} السبع {على أصبع،.....

والشجر على أصبع، والماء على أصبع، والثرى على أصبع، وسائر الخلق على أصبع، فيقول: أنا الملك. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم لقول الحبر حتى بدت نواجذه [تصديقا لقول الحبر] ، ثم قرأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية.

_ والشجر على أصبع، والماء على أصبع1 والثرى} هو التراب الندي {ع لى أصبع، وسائر الخلق على أصبع، فيقول: أنا الملك} الحق {فضحك2 النبي صلى الله عليه وسلم} تعجبا وتصديقا {لقول الحبر3} اليهودي {حتى بدت} أي: ظهرت {ن واجذه} هي أقصى الأضراس، وهي أربعة في كل جانب واحد، ويسمى ضرس الحلم4 [تصديقا لقول الحبر] 5 ثم قرأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} 6 الآية7

وفي رواية لمسلم: " والجبال والشجر على أصبع ثم يهزهن " عز وجل فيقول: أنا الملك ". وفي رواية للبخاري: " يجعل السماوات على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع " أخرجاه ولمسلم عن ابن عمر مرفوعا: "ي طوي الله السماوات يوم القيامة [ثم يأخذهن] ، بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟

_ وفي رواية لمسلم: " والجبال والشجر على أصبع ثم يهزهن عز وجل فيقول: أنا الملك "12. وفي رواية للبخاري: " يجعل السماوات على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع "3 أخرجاه.4 ولمسلم عن} عبد الله {ابن عمر} - رضي الله عنهما - {مرفوعا: "يطوي الله السماوات يوم القيامة [ثم يأخذهن] بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك} الحق (أين الجبارون؟

أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين السبع، ثم يأخذهن بشماله ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارين؟ أين المتكبرون "؟.

_ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين السبع، ثم [يأخذهن] 1 بشماله ثم يقول: أنا الملك} الحق {أين الجبارون، أين المتكبرون "2؟ "} . عن عبيد الله بن مقسم3 أنه نظر إلى عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - كيف يحكي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال يأخذ الله سماواته وأرضه بيده فيقول: أنا الله، ويقبض أصابعه ويبسطها فيقول: أنا الملك حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل حتى إني أقول أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم "4.

قال أبو سليمان1 (ليس فيما يضاف إلى الله عز وجل من صفة2 اليدين شمال لأن الشمال3 محل النقص والضعف، وقد روي "كلتا يديه يمين"4 وليس عندنا معنى اليد الجارحة، إنما هي صفة جاء بها التوقيف5 فنحن نطلقها على ما جاءت ولا نكيفها، وننتهي إلى حيث انتهى بنا الكتاب والأخبار المأثورة الصحيحة، وهو مذهب أهل السنة والجماعة) 6. قال سفيان بن عيينة: (كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه) 7.

_ 1 المعروف بالخطابي وقد تقدمت ترجمته: (ص 131) . 2 قوله: (من صفة) سقطت من"ر". 3 قوله: (الشمال) سقطت من"ر". 4 [298ح] "صحيح مسلم مع شرح النووي": (12/ 453, ح 18/ 1827) , كتاب الإمارة, باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر."سنن النسائي": (8/ 221- 222, ح 5379) , كتاب في آداب القضاة, فضل الحاكم العادل في حكمه. والحديث عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنه-. انظر بقية تخريجه في الملحق. 5 في"ر"صحفت إلى: (التوفين) . 6 نقل هذا القول عن الخطابي البغوي في"شرح السنة": (10/ 64) , والبيهقي في كتاب"الأسماء والصفات": (ص 419) . ولم أجده إلى الآن في كتب الخطابي التي بحثت فيها. 7 انظر: كتاب"الأسماء والصفات"للبيهقي: (ص 417) , و"تفسير السيوطي": (3/ 474) , و"شرح السنة"للبغوي": (1/ 171) . ولا يعني بالسكوت عليه التفويض بحيث لا يتكلم فيها بنفي أو إثبات, وإنما يعني بالسكوت عنها, أي: في تأويلها وتفسيرها بالعقل, وقد تقدم مثل ذلك وبيانه: (ص 405) .

قال في"شرح السنة": (كل ما جاء في الكتاب والسنة من هذا القبيل في صفات الباري، كالنفس. والوجه والعين واليد والرجل والإتيان والمجيء والنزول إلى سماء الدنيا، والاستواء على العرش، والضحك والفرح1 فهذه ونظائرها صفات الله تعالى ورد بها السمع، يجب الإيمان بها وإمرارها على ظاهرها معرضا فيها عن التأويل، مجتنبا عن التشبيه، معتقدا أن الباري لا يشبه شيء من صفاته صفات الخلق، كما لا يشبه ذاته ذات الخلق، قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 23 (وعلى هذا مضى سلف الأمة، وعلماء السنة، تلقوا جميعها بالإيمان والقبول، وتجنبوا فيها التمثيل والتأويل، ووكلوا العلم فيها إلى الله تعالى، كما أخبر الله تعالى عن الراسخين في العلم {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} 4 5 فائدة: فإن قيل6 فأين7 يكون الناس عند طي الأرض؟ قيل: يكونون على الصراط8 والله أعلم.

_ 1 انظر:"شرح السنة"للبغوي: (1/ 168) . 2 سورة الشورى، الآية: 11. 3 انظر:"شرح السنة"للبغوي: (1/ 170) . 4 سورة آل عمران، الآية: 7. 5"شرح السنة"للبغوي: (1/ 171) . 6 قوله: (فإن قيل) سقط من"ش". 7 في"الأصل": (فأين) , وفي بقية النسخ: (أين) . 8 يدل على هذا ما روى الترمذي في"سننه"عن عائشة أنها تلت هذه الآية: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} قالت: يا رسول الله, فأين يكون الناس؟ قال:"على الصراط". نظر:"سنن الترمذي": (5/ 296, ح 3121) , كتاب التفسير, باب ومن سورة إبراهيم, وجاء في"صحيح مسلم"عن ثوبان أن يهوديا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أين يكون الناس يوم تبدل الأرض والسموات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هم في الظلمة دون الجسر ... " الحديث. انظر:"صحيح مسلم مع شرح النووي": (3/ 231, ح 34/ 315) , كتاب الحيض, باب بيان صفة مني الرجل والمراة. وقد فسر النووي في شرحه لحديث مسلم الظلمة دون الجسر بالصراط الذي جاء ذكره في رو، الآية الترمذي. انظر ما ذكره القرطبي في:"التذكرة": (1/ 233- 236) عن التبديل للأرض وما ورد فيه.

وقوله تعالى: " أنا الملك، أين الجبارون، أين المتكبرون "؟ قال الشيخ القرطبي - رحمه الله تعالى -: المقصود بهذا النداء إظهار1 انفراده بالملك عند انقطاع دعوى المدعين، وانتساب المنتسبين، إذ قد ذهب كل ملك وملكه وكل جبار ومتكبر ... وهو مقتضى قوله2" أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ "3. وهذه الأحاديث تدل على أن الله تعالى يفني جميع خلقه أجمع ثم يقول الله تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فيجيب على نفسه المقدسة بقوله: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} 4

_ 1 كلمة: (إظهار) في "الأصل", وقد سقطت من بقية النسخ. 2 هكذا في "الأصل", وفي النسخ الأخرى: (وهو مقتضى قوله الحق) . 3 انظر:"التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة": (1/ 212) , باب يفنى العباد ويبقى الملك لله وحده. 4 سورة غافر، الآية: 16.

وروي عن ابن عباس قال: " ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم ". وقال ابن جرير: حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد: حدثني أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس " قال: وقال أبو ذر: سمعت رسول الله.....

_ {وروي عن ابن عباس} - رضي الله عنهما - {قال: " ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة "} أي: حبة خردل {في يد أحدكم "} 1. {وقال ابن جرير: حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: حدثني أبي قال: قال رسول الله " ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة "} كل سماء من السبع كدرهم {ألقيت في ترس} 2 هو المجن الذي يجتن3 به في الحرب {قال: وقال أبو ذر: سمعت رسول الله

صلي الله عليه وسلم يقول: "ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض "

_ صلى الله عليه وسلم يقول: " ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري1 فلاة من الأرض 2.} اختلفوا هل الكرسي هو العرش أو غيره على أربعة أقوال: أحدها: أن الكرسي هو العرش نفسه كما قاله الحسن; لأن العرش والكرسي اسم للسرير الذي يصح التمكن عليه. القول الثاني: أن الكرسي غير العرش يدل عليه هذا الحديث، وهو أمامه، وهو فوق السماوات السبع، ودون العرش، قال السدي: إن السماوات والأرض في جنب الكرسي كحلقة ملقاة في فلاة، والكرسي في جنب العرش كحلقة ملقاة في فلاة3.

قيل: كل قائمة من قوائم الكرسي طولها مثل السماوات والأرض، وهو ما بين يدي العرش، ويحمل الكرسي أربعة أملاك لكل ملك أربعة وجوه أقدامهم على الصخرة التي تحت الأرض السابعة السفلى، ملك على صورة أبي البشر آدم عليه السلام، وهو يسأل الرزق والمطر لبني آدم من السنة إلى السنة، وملك على صورة الثور، وهو يسأل للأنعام الرزق من السنة إلى السنة، وملك على صورة السبع، وهو يسأل الرزق للوحوش من السنة إلى السنة، وملك على صورة النسر، وهو يسأل الرزق للطير من السنة إلى السنة1. وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش: أن ما بين أذنيه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام "2 وفي بعض الأخبار:" أن بين حملة

_ 1 لم أجد هذه الرو، الآية بنصها. وقد رُوي مثله في كتاب"العظمة": (2/551, ح 195) . وانظر: كتاب"الأسماء والصفات": (ص 509) . وانظر:"تفسير السيوطي": (2/ 18) . 2 [300 ح] "سنن أبي داود": (5/ 69, ح 4727) , كتاب السنة, باب في الجهمية, كتاب "الأسماء والصفات" للبيهقي: (ص 504) . "العظمة"لأبي الشيخ: (3/ 948- 949, ح 476) . والحديث عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه-. والحديث قال ابن كثير في "التفسير" (4/ 442) : إسناده جيد رجاله كلهم ثقات. وقال الذهبي في "العلو" (ص 78) : إسناده صحيح. وقال الهيثمي في"مجمع الزوائد" (1/ 80) : رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة": (1/ 232, ح 151) . انظر بقية تخريجه في الملحق.

العرش وحملة الكرسي سبعين حجابا من ظلمة، وسبعين حجابا من نور، غلظ كل حجاب مسيرة خمس مائة عام لولا ذلك لاحترقت حملة الكرسي من نور حملة العرش ".1 القول الثالث: أن الكرسي هو الاسم الأعظم لأن العلم يعتمد عليه، كما أن الكرسي يعتمد عليه، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -"كرسيه علمه"2. القول الرابع: المراد بالكرسي الملك والسلطان والقدرة، لأن الكرسي موضع الملك والسلطان، فلا يبعد أن يكنى بالكرسي على سبيل المجاز3.

_ 1 [301 ح] "الأسماء والصفات" للبيهقي: (ص 508) . "معجم الطبراني الأوسط" عن"مجمع الزوائد": (1/ 79- 80) . "حلية الأولياء"لأبي نعيم: (4/ 80) . والحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه-. والحديث قال فيه ابن الجوزي: هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمتهم به عبد المنعم. وقال الهيثمي: فيه عبد المنعم بن إدريس كذبه أحمد. وقال ابن حبان كان يضع الحديث. انطر بقية التخريج في الملحق. 2 [19 ث] "تفسير الطبري": (3/3/9) , و"تفسير البغوي": (1/239) , وكتاب "الأسماء والصفات" للبيهقي: (ص 497) . انظر بقية التخريح في الملحق. 3 وهذا تأويل بعيد لأنه قد وردت في السنة أحاديث مستقلة تذكر الكرسي.

وعن عبد الله بن مسعود قال: " ما بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء وسماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله تبارك وتعالى فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم " أخرجه ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن عاصم

_ {وعن عبد الله بن مسعود} رضي الله عنه {قال: " ما بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء وسماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله تبارك وتعالى فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم " طيبها وخبيثها، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور {أخرجه ابن مهدي1 عن حماد بن سلمة2 عن عاصم

عن زر عن عبد الله، ورواه بنحوه المسعودي عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله. قال الحافظ الذهبي [رحمه الله قال] وله طرق.

_ عن زر عن عبد الله، ورواه بنحوه المسعودي1 صلى الله عليه وسلم"عن عاصم عن أبي وائل2 عن عبد الله. قاله الحافظ الذهبي [رحمه الله] 3 وله طرق} 4 قال الله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} 5 أي: على رءوسهم يومئذ

ثمانية أملاك، جاء في الحديث "أنهم اليوم أربعة أملاك، فإذا كان يوم القيامة أيدهم بأربعة أخر فكانوا ثمانية على صورة الأوعال بين أظلافهم إلى ركبهم كما بين سماء إلى سماء"1. الأوعال: تيوس الجبال، يروى أنهم يقولون: سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت، سبوح قدوس رب الملائكة والروح. قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} 2 قال كعب الأحبار: "خلق الله ياقوتة خضراء ثم نظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد، ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها، ثم وضع العرش على الماء"3. وقال ضمرة4 "إن الله تعالى كان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض وخلق القلم فكتب به ما هو خالق وما هو كائن من

_ 1 هذا جزء من حديث سبق تخريجه: (ص 574) . 2 سورة هود، الآية: 7. 3 [21 ث] "تفسير البغوي": (2/ 374) هكذا هو بلفظه."تفسير القرطبي": (9/ 8) . وانظر: كتاب "العظمة"لأبي الشيخ: (2/ 546- 547) . انظر بقية تخريجه في الملحق. 4 هو: ضمرة بن حبيب بن صهيب الزبيدي أبو عتبة الحمصي, كان ثقة من التابعين, روى عن شداد بن أوس وأبي أمامة الباهلي وعوف بن مالك, وروى عنه ابنه عتبة وأرطاة بن المنذر وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر وآخرون, توفي سنة 130 هـ. انظر ترجمته في: "تهذيب التهذيب": (4/ 459) , "الجرح والتعديل": (4/ 467) , "ميزان الاعتدال": (2/ 330) .

خلقه إلى يوم القيامة ثم إن ذلك الكتاب سبح الله ومجده ألف عام قبل أن يخلق شيئا من خلقه"1. قال سعيد بن جبير: "سئل ابن عباس عن قوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} 2 على أي شيء؟ 3 قال: كان على متن الريح"4. وقال وهب بن منبه: "إن العرش كان قبل أن يخلق الله السماوات والأرض ثم قبض [قبضة] 5 من صفات الماء، ثم فتح القبضة فارتفع دخانا ثم قضاهن سبع سماوات في يومين، ثم أخذ طينة من الماء فوضعها مكان البيت، ثم دحا الأرض منها، ثم خلق الأقوات بعد يومين، والسماوات في يومين والأرض في يومين، ثم فرغ آخر الخلق في اليوم السابع"6.

_ 1 انظر:"تفسير الطبري": (7/ 12/ 5) , وفي "تاريخه": (1/ 41) . وقد تقدم ذكر مواضع أخرى لتخريجه: (ص ... ) . 2 سورة هود، الآية: 7. 3 زيد هنا كلمة: (كان) في "ر", وقد سقطت من "الأصل" وبقية النسخ, وجاءت في الجواب, والتعبيران صحيحان. 4 [22 ث] "تفسير الطبري": (7/ 12/ 5) ,"مستدرك الحاكم": (2/341) , "العظمة" لأبي الشيخ: (2/ 577 , ح 210) . والأثر قال الحاكم فيه: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وصححه الألباني كما في "ظلال الجنة": (1/ 258) مع كتاب "السنة" لابن أبي عاصم. انطر بقية تخريجه في الملحق. 5 في "الأصل": (قبضا) , وصححتها من بقية النسخ. 6 راجع:"تفسير الخازن": (3/ 179) بنصه, "تفسير الطبري": (7/ 12/ 5) , وفي "تاريخه": (1/ 39) , "العظمة" لأبي الشيخ: (2/ 600- 601 , ح 230) .

قال بعض العلماء: في خلق جميع الأشياء [و] 1 جعلها على الماء يدل على كمال القدرة لأن البناء الضعيف إذا لم يكن له أساس على أرض صلبة لم يثبت ذلك البناء، فكيف بهذا الخلق العظيم وهو العرش والسماوات والأرض فهذا يدل على كمال قدرة الله تعالى2. وفي"الصحيح" عن عمران بن حصين قال: " دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعقلت ناقتي بالباب فأتى الناس من بني تميم فقال: اقبلوا البشرى يا بني تميم، قالوا: بشرتنا فاعطنا - مرتين - فتغير وجهه صلى الله عليه وسلم ثم دخل على ناس من أهل اليمن3 فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذا لم يقبلها بنو تميم، قالوا: قبلنا يا رسول الله، ثم قالوا: جئنا لنتفقه في الدين، ولنسائلك عن أول هذا الأمر ما كان؟ قال: كان الله ولم يكن معه شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء، ثم أتاني رجل فقال: يا عمران أدرك ناقتك فقد ذهبت فانطلقت أطلبها فإذا السراب يقطع دونها، وأيم الله لوددت أنها ذهبت ولم أقم "4.

_ 1 السياق يقتضي إضافة هذه الواو, وقد سقط في كل النسخ. 2 انظر: "تفسير الرازي": (17/ 13 , 187) . 3 قوله: (مرتين, فتغير وجهه صلى الله عليه وسلم , ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن) أثبته من "الأصل", وقد سقط من بقية النسخ. 4 [302 ح] "صحيح البخاري مع الفتح": (13/ 403 , ح 7418) , كتاب التوحيد, باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم."سنن الترمذي": (5/ 732- 733 , ح 3951) , كتاب المناقب, باب مناقب في ثقيف. انظر بقية التخريج في الملحق.

وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ قلنا: الله ورسوله أعلم

_ وفي مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء "1 وفي رواية: " فرغ الله من المقادير وأمور الدنيا قبل أن يخلق السماوات والأرض، وكان عرشه على الماء بخمسين ألف سنة "2. قوله:"فرغ"، يريد إتمام خلق المقادير، لا أنه3 كان مشغولا ففرغ منه; لأن الله لا يشغله شأن عن شأن، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون. {وعن العباس بن عبد المطلب) رضي الله عنه {قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم،

قال: " بينهما خمسمائة سنة، ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة، وكثف كل سماء خمسمائة سنة، وبين السماء السابعة والكرسي بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، والله تبارك وتعالى فوق ذلك، وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم " أخرجه أبو داود وغيره.

_ قال: " بينهما1 خمسمائة سنة، ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة، وكثف كل سماء"2 أي: غلظها (خمسمائة سنة، وبين السماء السابعة والكرسي3 بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، والله تبارك وتعالى فوق ذلك، وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم} حسنها وسيئها، يعلم ما يسرون وما يعلنون4 وما يبدون وما يكتمون {أخرجه أبو داود وغيره5} .

ختم الشيخ - رحمه الله تعالى - هذا الكتاب بذكر عظمة الله وعجائب مخلوقاته وغرائب مبتدعاته وعظيم قدرته وآياته وملكه ومصنوعاته للاستدلال على وحدانيته في ربوبيته وألوهيته. قال الشاعر: وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد أيا عجبا كيف يعصي الإله ... أم كيف يجحده الجاحد1 2 فكيف ينبغي للعبد أن يشرك معه أحدا من المخلوقين في عبادته، وقد أخذ الله على جميع بني آدم حين أخرجهم من صلبه وهم كالذر، أن لا يشركوا به شيئا3. في"صحيح البخاري" عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تبارك وتعالى لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة4 لو أن ذلك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدي به فيقول: نعم، فيقول:

_ 1 هذا البيت من "ر" و"ش", وقد سقط من "الأصل" و"ع", وهو في الأصول مقدم على الذي قبله. 2 البيتان لابن المعتز, وقد ذكرها ابن كثير في"تقسيره": (1/ 26) . وقد نسبها في"الوفيات": (7/ 138) إلى أبي نواس, ونسبها أبو الفرج في "الأغاني": (4/ 35) إلى أبي العتاهية, وانظر: "ديوانه": (ص 62) . 3 حيث قال الله تعالى: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين [الأعراف: 172] . وسيأتي ذكرها بعد قليل ضمن حديث ابن عباس وحديث أبي بن كعب في أخذ الميثاق على بني آدم, انظر: (ص 584) . 4 هنا أضيف في حاشية "الأصل" قوله: (يقال له) , وهي إضافة لا تناسب السياق, فلم ألحقها اتباعا للنسخ الأخرى وأصل الحديث.

أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي شيئا "1 عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان يعني عرفة، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا قال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} 2 رواه أحمد3. وعن أبي بن كعب في قول الله عز وجل {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} 4 قال: جمعهم نجعلهم أزواجا، ثم صورهم فاستنطقهم فتكلموا ثم أخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا، قال: فإني أشهد عليكم السماوات والسبع والأرضين السبع، وأشهد عليكم آباءكم آدم أن تقولوا يوم

_ 1 [304] "صحيح البخاري مع الفتح": (11/ 416 , ح 6557) , كتاب الرقاق, باب صفة الجنة والنار."مسند الإمام أحمد": (3/ 127 , 129) . انظر بقية التخريح في الملحق. 2 سورة الأعراف، الآيتان: 172-173. (3ل5) [305 ح] "مسند الإمام أحمد": (1/ 272) . وانظر:"السنة"لابن أبي عاصم: (1/ 89) ,"الأسماء والصفات] ) للبيهقي: (ص 206 , 327) . والحديث حسن إسناده الألباني في"ظلال الجنة على كتاب السنة"لابن أبي عاصم. وانظر:"السلسلة الصحيحة": (4/ 158 , ح 1623) . انظر بقية التخريح في الملحق. 4 سورة الأعراف، الآية: 172.

القيامة: لم نعلم بهذا، اعلموا أنه لا إله غيري، ولا رب غيري، ولا تشركوا بي شيئا، إني سأرسل عليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي، قالوا: شهدنا بأنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك، فأقروا بذلك، وذكر الحديث بطوله. رواه أحمد1. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها " رواه أبو داود والحاكم2. وهم غرس الله الذين يغرسهم في دينه3 وهم الذين قال فيهم علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم -: "لن تخلوا الأرض من قائم بحججه"4 والله سبحانه وتعالى أعلم.

_ 1 [356 ح] "مسند الإمام أحمد": (5/ 135) . "شرح أصول اعتقاد أهل السنة": (3/ 559- 560 , ح 991) . "مستدرك الحاكم": (2/ 323- 324) , كتاب التفسير. والحديث قال فيه الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال الألباني في رو، الآية الإمام أحمد في تعليقه على "المشكاة" (1/44) : سنده حسن موقوف, ولكنه في حكم المرفوع. 2 "سنن أبي داود": (4/ 480 , ح 4291) , كتاب الملاحم, باب ما يذكر في قرن المائة. "المستدرك على الصحيحين": (4/ 522) ,"تاريخ بغداد"للخطيب: (2/ 61- 62) . والحديث لم يتكلم عليه الحاكم. وصححه الألباني كما في "سلسلة الأحاديث الصحيحة": (2/ 150- 151 , ح 599) . 3 قوله: (رواه أبو داود والحاكم, وهم غرس الله الذين يغرسهم في دينه) سقط من"ر". 4"حلية الأولياء": (1/ 8) , من وصية له لكميل بن زياد. وذكر السيوطي في كتابه"الرد على من أخلد إلى الأرض": (ص 98) , وفي"جامع بيان العلم وفضله": (2/ 137) . والأثر قال فيه ابن عبد البر: هو حديث مشهور يستغنى عن الإسناد لشهرته عندهم. وقال الخطيب في كتاب"الفقيه والمتفقه" (1/ 50) : هذا الحديث من أحسن الحديث معنى وأشرفها لفظا.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين.

§1/1