تحفة المجد الصريح في شرح كتاب الفصيح

اللَّبْلِيُّ

تُحفَةُ المَجدِ الصَّريِح في شَرح كِتابِ الفَصِيح "السفر الأول" تأليف أبي جَعفر أحمَد بن يوسُف الفِهري اللَّبلِيَ (613 - 691 هـ) دراسة وتحقيق الدكتور/ عبد الملك بن عيضة بن رداد الثبيتي الأستاذ المساعد في كلية المعلمين بمكة المكرمة

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم / صلى الله على سيدنا محمد وعلى أله وسلم. قال الشيخ الحافظ اللغوي الأديب النحوي أبو جعفر أحمد بن يوسف بن علي بن يوسف الفِهْريّ اللَّبلْيّ، أعز الله أيامه، ومكن في السعادة دوامه بمنِّه وكرمه إنه مُنعِم كريم: الحمد لله المنفرد بالوجود الواجب، المنزه عن النِّدِّ المشابه والضَّدَّ المناصب، المتعالي عما اتصفت به الحوادث من الآفات والمعايب، الذي خلق آدم فأتقن خلقه من الطين اللازب، وصوره بيده في أحسن التقويم مخصوصاً بأكرم الخِيَم وأشرف المناقب، وأسجد له ملائكته تشريفاً لرتبته وتعريفاً بما خَطَّه من حُظْوَتِه في مسطور المقدور القلمُ الكاتب، وعلمه الأسماء كلها على اختلاف الألسن والمذاهب، فوضع على كل مسمى اسمه الخاص به المناسب، بعدما عجزت الملائكة عن مُضَمَّن السؤال والاستنباء في تلك المطالب، وردت ذلك إلى علم الله المحيط بالشاهد والغائب، ثم انتشرت اللغات في ذرية آدم الأعاجم منهم والأعارب، وأظهر الحق سبحانه شرف اللسان العربي بإسماعيل النبي فَتُنُوقلت اللغات في ذريته الأكارم الأطايب، إلى أن بعث الله تعالى سيدنا محمداً خاتم النبيين وإمام المرسلين صلى الله عليه وسلم بالقرآن العربي المبين فاعتلى قدر هذا اللسان/ بأعلى المراتب، ووجب لذلك تعلم اللغات العربية إذ بها يُفْهَمُ الكتاب والسنة ويستبين في تفسير مجملاته وإيضاح مشكلاته اللسن اللاحب، فصلوات الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة دائمة نامية يملأ نورها ما بين السماء والأرض والمشارق والمغارب، وسلم كثيرا.

وبعد؛ فإن الوزير الأجل، والقائد الأعلى الأمجد، الأرفع الأحسب الأكمل، العماد الأشرف الأطول، ذا الشيم الجميلة؛ والفضائل الجزيلة، والهمة السامية إلى نيل كل منقبة وإحراز كل فضيلة، أبو بكر بن الوزير- الجليل الماجد الأرفع الأعلى الأحق كان بكل فضيلة، الأولى المبارك المعظم المقدس المرحوم- أبي الحسن وصل الله سعوده، وحفظ على المعالي والمآثر وجوده، أشار علي إشارة التصحيح بشرح كتاب الفصيح، حين استحسن ما شاهده من تفسيري لغريبه، وشرحي لمعانيه، وأستصوب تنبيهي عند الإقراء على سهو من نسب السهو لمؤلفه فيه، فأجبته إلى ما سأل، وبادرت إلى أمره الممتثل، وشرعت في عمله شروع من انشرح صدراً بما ندب إليه، وأكببت على تتبع ألفاظه وتبيين معانيه، إكباب من بذل من الاجتهاد أقصى ما لديه، فشرحت الكتاب شرح استيفاء واستيعاب، وتكلمت على شواهد أبياته بما عن في معانيها من إغراب، وفي ألفاظها من إعراب، واستدركت ما يجب/ استدراكه، مذيلاً لكلامه وقاصداً لإكمال ما تحصل الفائدة به وإتمامه، وانتصرت له حيث أمكنني الانتصار، ورددت على من تعقب عليه رداً يرتضى بحكم الإنصاف ويختار، ورتبت الكلام فيه أولاً على مدلول اللفظ ومعقوله، ومسموعه ومقوله، وإن كان فعلاً أتيت بلغاته، وأنواع مصادره واسم فاعله ومفعوله، وربما أتيت بالمرادف والمشترك، وسلكت من التعليل في بعض المواضع واضح المسلك، وأخذت ذلك من كتب أئمة اللغة المشهورين بالتبريز،

ونفضت فيه الدواوين ما بين المستوعب منها والوجيز، ككتاب السماء والعالم لأبي عبد الله محمد بن أبان بن سيد القرطبي، وموعب اللغة لأبي غالب تمام بن غالب المعروف بابن التياني، وجامع اللغة لأبي عبد الله محمد بن جعفر المعروف بابن القزاز، وواعي اللغة لأبي

محمد عبد الحق بن عبد الله الأزدي المحدث الإشبيلي، والمخصص والمحكم والعويص وشرح الغريب المصنف لأبي الحسن علي ابن سيدة: والصحاح لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، والمبرز لأبي عبد الله محمد بن يونس الحجاري، والجمهرة لابن دريد، والمجمل لابن فارس، ومختصر العين للزبيدي، وتهذيب أبنية الأفعال لأبي القاسم علي بن جعفر السعدي المعروف بابن القطاع، والأفعال لابن القوطية، ولابن طريف، والمنظم لكراع والمجرد والمنجد له؛ والإصلاح والألفاظ

والفرق/، والمثنى وفعلت وأفعلت ليعقوب بن السكيت، واليواقيت وغريب أسماء الشعراء للمطرز، والفصوص لصاعد، والغريب لأبي عبيد، والزاهر لابن الأنباري، وكتاب ليس لابن خالويه، وكتاب اطرغش وكاب أبنية الأفعال أيضاً، والأفق له أيضاً، وكتاب الوحوش لهشام الكرنبائي، وكتاب صعاليك العرب لأبي الحسن الأخفش، والمصادر للفراء،

وكتاب فعل وأفعل لأبي عبيدة معمر بن المُثَنَّى، وكتاب الأبدال لعبد الواحد بن علي اللغوي، وكتاب المصادر والنوادر لأم البهلول الفقعسية، والفاخر لأبي طالب المفضل بن سلمة، والألفاظ لأبي نصر البصري، والمحتسب وشرح شعر المتنبي لأبي الفتح عثمان بن جني، وفصل المقال في شرح الأمثال ومعجم ما استعجم لأبي عبيد البكري، وكتاب المعاقبات لابن الأعرابي: والألفاظ له أيضاً، وشرح الأمثال لابن أغلب المرسي، وحلى العلى لعبد الدائم القيرواني، ولحن العامة للزبيدي، ولأبي حاتم السجستاني، وإصلاح المنطق لأبي علي أحمد

بن جعفر الدينوري، والأضداد لأبي بكر بن الأنباري، والمقصود والممدود لابن ولاّد، ولأبي عليّ القاليّ، وخلق الإنسان لثابت، ولأبي حاتم، والأصمعي: والفرق لثابت ولأبي حاتم؛ والتذكير والتأنيث، والحشرات لأبي حاتم أيضاً: والغرائز، وحيلة ومحالة، والهمز، وفعلت وأفعلت لأبي زيد الأنصاري، /وفعلت وأفعلت أيضاً لأبي إسحاق الزجاج، ولأبي علي القاليّ؛ والمثلث، وشرح الكامل، وشرح أدب الكتاب لأبي محمد بن السيد البطليوسي؛ والمثلث أيضاً لأبي عبد الله القزاز، والصواب لابن عديس، وشرح ابن عليم، والاشتقاق لابن النحاس، والبهي للفراء، وكتاب الأزمنة لقطرب وفعلت وأفعلت؛ ونوادر القالي، وأبي عبد الله بن الأعرابي، وأبي الحسن اللحياني، ويونس، وأبي زيد، وثعلب، وأبي مسحل، وأبي موسى الحامض، وأبي محمد اليزيدي، وما وقع في

الأَغْرِبَة، كغريبي الهَرَوِيّ والقُتَبِيّ، وغيرهما، وما سقط إلي من شروحاته، ككتاب ابن دُرُسْتَويه، وابن خالويه، والمطرز، ومكي، والتدميري، وابن هشام السبتي، وابن طلحة الأشبيلي، وغير ذلك مما يطول إيراده، ويوجد في أثناء الكتاب نقله عن قائله وإسناده. ولما استوفى هذا الشرح شرط صحتا وكماله، وتلخص منه الفريد الذي لم يُحْذَ على مثاله، ولا نُسِجَ على منواله، رأى الوزير الأجل العماد

الأطول أبو بكر- أبقاه [الله] لما له من جميل الرأي، وجليل السعي- أن يكون هذا الكتاب مشرفاً برفعه إلى أسمى المَحَالّ وأعلاها، وتطريزه، باسم من تطرزت به السيادة فراقت حُلاها، وهو نجل الشرف الذي ثبت أصله في قرارة السّناء، وسما فرعه في دوحة العلياء، ونجم الفخار الذي يطأ بأخمصه قمة السماك ومنكب الجوزاء، شخص النفاسة، وشمس الرئاسة، ذو الوزارتين/ الهمام الأسعد، السيد الأوحد الأمجد، متلقي راية المفاخر بيمينه، المتألق نور الحسب الوضاح في جبينه، قطب المكارم، أبو القاسم بن ذي الوزارتين الشريفتين، والرئاستين المُنيفتين، علم الأعلام، ومُساجل الغَمّام وجمال الدول والأيام، وحامي حمى الحق والحقيقة بالعزم والحسام، وحائز الفخر الباهر الكمال والتمام، ركن الاستناد والأوي، وكهف الشرف الباذخ القُضَاعِيّ، وكعبة السماح التي إليها إعمال المطي، وحُجَّة العز الماثل والمجد العلي - أبي علي حرس الله وجودهم الذي تبأى به المحامد، وكافأ جودهم الذي يعجز عن مكافأته الشاكر والحامد، وأبقاهم للعلم يرفعون علمه ومناره، ويجمعون منتقاه ومختاره، ويُعِزُّون من اقتفى آثاره، أو كانت عنده منه أثارة، فعملت بالرأي الأرشد في رفعه إلى محلهم العالي، وشرفته بنسبته إلى سيد تزهى به المآثر والمعالي، فصار باسمهم المُرَفْع مجموعاً، ولخزانتهم الجليلة مرفوعاً، وكأن الذخر الأنفس سيق إلى مستحقه، وملكه من يعترف الفضل بأنه مالك رقه، وتشرف بذلك المؤلف والتأليف، واعتر المجموع الغريب والتصنيف، وعندما كمل المقصد، وأن إن يُتَاحَفَ به السيد الأسعد، انتقيت له اسماً يوافق المسمى، وينطق بانتخابه للمحل الأسمى، فسميته: " تحفة المجد الصريح في شرح كتاب الفصيح". وإني لأرجو فيه أن يحل محل القبول والاستحسان، ويُرتضى منه صواب المقول في علم اللسان، إن شاء الله تعالى.

باب "فعلت بفتح العين"

/ وهذا ابتداء ما جمعته، وافتتاح ما صنعته، وبالله تعالى أستعين، وبتوفيقه يتضح السبيل ويستبين، وهو حسبي ونعم الوكيل. قال أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب رحمه الله تعالى: بَابُ "فَعَلْتُ بفتح العَين" قال أبو جعفر: يعني بالعين: المحرف الثاني من جميع الأفعال الماضية التي فيه. قوله: "تَقُوْلُ نَمَى المَالُ" قال أبو جعفر: أي زاد وكثر، قاله غير واحد. وفي نمى لغة ثانية يقال: نَمُوَ، على وزن ظرف، حكاها صاحب الواعي ومن خطه. وحكاها أيضاً أبو القاسم السعدي في أفعاله. وفي مضارع نَمَى بفتح العين لغتان: يَنْمِي على وزن يَرْمِي كما ذكره ثعلب، وَيَنْمُو على وزن يدعو، قال الشاعر في يَنْمِي: *والشَّيءُ تَحقِره وقد ينمي*

وقال الشاعر في يَنْمِي أيضاً: مَا زَالَ يَنْمِي جَدُّهُ صَاعِداً ... مُنْذُ لَدُنْ فَارَقَهُ الحَالُ وأنشد اللحياني في نوادره عن الكسائي في يَنْمُو: يَا حُبَّ لَيْلَى لاَ تَغَيَّرْ وَازْدَدِ ... وَانْمُ كَماَ يَنْمُو الخِضاَبُ فِي الْيَدِ وأخذ ابن هشام السبتي على ثعلب في كونه ذكر يَنْمِي فقط ولم يذكر معها يَنْمُو، قال: وهما لغتان فصيحتان، فكان حقه أن يذكرهما.

قال أبو جعفر: ما قاله ابن هشام من أنهما لغتان فصيحتان غلط، وإنما اللغة الفصيحة يَنْمِي فقط، وهي التي ذكرها ثعلب بدليل ما نقله الأئمة الثقات الأثبات. قال الجوهري في كتابه الصحاح: نَمَى المال وغيره، يَنْمِي، وربما قالوا: ينمو، قال الكسائي: ولم أسمعه بالواو إلا من أخوين من بني سليم، ثم سألت عنه بني سليم فلم يعرفوه بالواو. قال أبو جعفر: وحكي هذا أيضاً أبو عبيد في المصنف/ عن الكسائي، وصاحب الواعي أيضاً عن الكسائي. فإذا كان الكسائي على مرتبته من حفظ كلام العرب، وإمامته، لم يسمعها إلا من رجلين من العرب فهذا أدل دليل على قلتها، فكيف تكون ك"يَنْمِي". وقال صاحب الواعي، ومن خَطِّهِ: نَمَى الشَّيءُ يَنْمِي، وَيَنْمُو، والأفصح: يَنْمِي. وقال أبو علي القالي في مقصوره وممدوده: يقال: نَمَى المال يَنْمِي،

وَيَنْمُو، والأفصح يَنْمِي. وقال ابن دَرَستويه في تصحيحه: يَنْمُو لغة لبعض العرب وليست بخطأ، ولكن يَنْمِي أعلى وأعرف. وقال أبو حاتم في كتابه تقويم المُفْسَد يقال: نَمَى الشيء يَنْمِي، ولا يقال: يَنْمُو. وحكي أبو حاتم أاً عن الأصمعي أنه قال: العامة يقولون: يَنْمُو بالواو، ولا أعرف ذلك بثبتٍ. وقال الزمخشري في شرحه لهذا الكتاب: يَنْمِي بالياء، اختيار نقلة أهل اللغة كالفراء، والكسائي، وأبي عبيدة، وأبي زيد وكذا قال ابن الدهان اللغوي في شرحه لهذا الكتاب: ينمي بالياء اختيار نَقَلَة أهل اللغة.

قال أبو جعفر: فخرج من هذا الذي نقلناه عن الأئمة أن (يَنْمِي) أفصح من (يَنْمُو) فلذلك لم يذكرها ثعلب، وأن أخذ ابن هشام، ومن كان على مذهبه ليس بشيء. وقوله: «وغيره ينمي» قال أبو جعفر: معناه أن ينمي بالياء ليس محصوراً على المال فقط، حتى لا يقال يَنْمِي إلا في المال، بل يُقالُ في المال وفي كل ما تتصور الزيادة فيه، وإن كان بعض اللغويين فرق بين يَنْمِي وَيَنْمُو، فقال: يَنْمِي بالياء للمال، وَيَنْمُو بالواو لغير المال. كما فرقوا بين يزبِد بالكسر ويزبُد بالضم، فقالوا: زَبَدَ [هـ]

يزُبِدُ [هـ] بكسر المستقبل: إذا أعطاه، وزَبَده/ يَزْبُدُهُ بضم المستقبل: إذا أطعمه الزُّبْدَ. قال الفراء في كتابه البهي: رأيت نحويي أهل الحجاز يقولون للخضاب وأشباهه يَنْمُو، وللمال يَنْمِي، قال الفراء: وأنشدني بعض بني قيس: *وَانْمِ كَمَا يَنْمِي الخِضَاُب فِي الْيَدِ* فهذا يَنْمِي بالياء في غير المال. وقال أبو حاتم في كتابه تقويم المُفسد: كان الأصمعي يقول لكل شيءٍ يزيد: يَنْمِي، بالياء، الخضاب يَنْمِي، والمالُ يَنْمِي. قال أبو جعفر: وَيُقاُل نَمَى الشيء [يَنْمِي] نَمَاءً، ونَمْياً، عن صاحب الواعي. وحكاها أيضاً ابن سيدة، والزُّبيديُّ في مختصره وزاد عليه ونُمِياً .. ويُقالُ نَمَا الشيء يَنْمُو نُمُواً، ونَمَاءً عن الزُّبيديِّ، وعن صاحب

الواعي، وغيرهما. ويُقال في مصدر نَمُوَ: نُمُوٌّ، عن السعدي في أفعاله، وعن غيره. قال أبو جعفر: وحكي اللغويون اختلاف العرب في المال، فقال ابن سيدة في كتابه العويص: العرب لا توقع اسم المال مُطلقاً إلا على الإبل، وذلك لشرفها عندهم، وكثرة غنائها، قال: وربما أوقعوه على أنواع المواشي كلها من الإبل والغنم والبقر، إلا أن الأصل إنما هو الإبل. وحكي المطرز في كتابه "اليواقيت" أن المال هو الصامت والناطق، قال: فالصامت الذهب والفضة والجوهر، والناطق الجمل والبقرة والشاة. وحكي القالي في أماليه عن أحمد بن يحيى أنه قال: المال عند العرب أقله ما تجب فيه الزكاة، وما نقص عن ذلك فلا يقع عليه مال. ومنهم من أوقعه على جميع ما يملكه الإنسان، وهو الظاهر لقول الله تبارك وتعالى: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) فلم يخص شيئاً دون شيء، حكي هذا ابن السيد وغيره، وهو اختيار كثيرٍ/ من المتأخرين.

قال أبو جعفر: ومقال نَمَى المال، وعَفَا، وضَفَا، وَوَفَا، وضَنَأ، وأضْنَأ، وأَضْنَى، بهمز وغير همز، وارتعج، وأَمِر، وثَرا، كل ذلك إذا كَثُرَ عن يعقوب في ألفاظه. قال أبو جعفر: قال ابن الأعرابي في نوادره: نَمَى الشيء، وَأَنْمَاهُ الله، ونَمَّاهُ الله. قال أبو جعفر: كذا رأيته بخط الآمِدِي نَمَّاهُ بالتشديد، ورأيت بخط أبي الفضل بن الفرات نَمَاهُ بالتخفيف.

وقوله: «وذَوَى العود يَذْوِي» قال أبو جعفر: أي ذبل، حكاه كراع في منظمه، وغيره. قال ابن هشام ومن خطه: ولا يقال جف. قال أبو جعفر: وثبت في بعض النسخ «أي: جف». ومعنى جف: يَبِسَ، وسيأتي تفسيره إن شاء الله تعالى. فقال أبو العباس التُّدميري في شرحه لهذا الكتاب: ليس ذلك بشيءٍ، ولا تصح هذه الرواية عن ثعلب؛ لأن الذاوي ليس الجاف على الإطلاق، قال: وقد فسر ذلك ذو الرُّمَّةِ فقال: وَأبْصَرْنَ أَنَّ القِنْعَ صاَرَتْ نِطَافُهُ ... فِراَشاً وَأَنَّ البَقْلَ ذَاوٍ وَيَابِسُ قال: فانظر كيف قسم البقل هاهنا على ضربين: فجمل منه يابساً، وذاوياً، فاليابس معروف، والذاوي الذي ذبل وقلت رطوبته. قال أبو جعفر: وهذا الذي قال الأميري وابن هشام من أنه لا يقال ذوى بمعنى يبس فاسد، بدليل ما حكاه أئمة اللغة، قال يعقوب في الإصلاح:

ذوى العود ذوياً، وذأى يذأى ذَأياً: يَبِس. وقال ابن فارس في كتابه المجمل: ذوى العود يَذوِي: إذا يَبِس. وقال أبو علي القالي في كتابه المقصور والممدود: والذوى مصدر ذوى العود يَذوِي ذَوى: يبس. وأما البيت الذي استدل به التدميري/ فليس فيه دليل لاحتمال أن يكون من عطف الشيء على نفسه إذا اختلف اللفظان، قال عنترة ابن شداد: *أقْوَى وأَقْفَرَ بَعْدَ أُمِّ الهَيْثَمِ* والإقواء والإقفار سواءً. وقال آخر:

فَقَدَّمَتِ الأدِيْم لِرَاهِشَيْهِ ... وَأَلفَى قَوْلَها كَذِباً وَمَيْنَا والكَذِبُ وَالْمَيْنُ سواء. وقال آخر: قَدْ رَابَنِي مِنْكِ يَا أَسمْاءُ إِعْرَاضُ ... فَدَامَ مِنْكُمْ لَنَا مَقْتُ وَإِبْغَاُض والمقت والإبغاض واحد. وقال آخر: أَلاَ حَبَّذَا هِنْدٌ وَأَرْضٌ بِهَا هِنْدُ ... وَهِنْدٌ أَتَى مِنْ دُوْنِهَا النَّايُ وَالبُعْدُ والنأي هو: البعد، إلى غير ذلك من الأبيات، وهي كثيرة جداً، فخرج من هذا أن ما ذكره ابن هشام والتدميري من أن ذوى لا تكون بمعنى يبس خطأ. وينبغي أن تعلم أن ذبل يُقالُ بمعنيين: فأحد المعنيين هو الذي دق بعد أن كان ريان، عن الزبيدي في مختصره.

ويقال: بمعنى يبس، حكاه ابن التياني في مختصر الجمهرة فقال يقال: ذَبَلَ العود وغيره ذَبْلاً، وَذُبْوْلاً: يَبِسَ، فعلى هذا من فسر ذوى بذبل كما فسره كراع في المنظم وغيره فقد أساء، لأنه فسره بلفظ مشترك، فلم يبين معناه، ومن فسر ذوى بأحد المعنيين اللذين ذكرناهما فقد أصاب. وقد فسره الأصمعي على ما حكاه عنه أبو حاتم في لحنه بتفسير لا شيء أجلى منه، فقال يقال: ذوى العود: إذا ذبل ولم يبلغ الجفوف وفيه ندىً باقٍ، فهذا التفسير في نهاية من الوضوح والبيان. قال ابن هشام: ذَأَى يَذْأَى/ لغة فصيحة كذوى ولم يُخبر بها ثعلب. قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله ابن هشام- من أن ذَأَى فصيحة كذَوَى المفتوحة العين- خطأ، والذي يدل على فساد ما قاله أن أئمة اللغة حكوا بخلاف قوله، قال يونس في نوادره يقول ناس من العرب: قد ذَأَى العشب يَذْأَى، فيهمزون، وبعضهم ذَوَى يَذوِي وهو الكثير.

وقال ابن فارس في كتابه المجمل: ذَوَى العود يذوي، وبعضهم يقول: ذَأَى يَذْأَى، والأولى أجود. وقال القالي في المقصور والممدود: أجود اللغات ذوى بفتح العين، ثم ذَأَى، ثم ذَوِىَ بكسر العين. وقال ابن دريد في الجمهرة: ويقول قوم من العرب: ذَأَى العودُ، وليس باللغة العالية. وقال ابن سيدة في المخصص في باب يبس العشب: يقال ذوى البقل يَذوِي ذُوِياً، وذَأَى يَذْأَى ذَاياً، وذَوِيَ يَذْوَى، والفصحى عند الجميع هي الأولى من هذه اللغات، يعني ذَوَى بالفتح. وقال مكي في شرحه: ذَوَى بفتح العين أفصح من ذَوِي بالكسر، ومن ذَأَى. قال أبو جعفر: فتبين بما ذكرناه أن أخذ ابن هشام على ثعلب في كونه

لم يذكر ذَأى كما ذكر ذَوَى، ليس بشيءٍ؛ لأن ذَوَى بفتح العين فصيحة كما قدمناه، وذَأَى ليست فصيحة مثلها، فلذلك لم يذكرها. قال أبو جعفر: قد قدمنا أن في الماضي ثلاث لغات: ذَوَى بالفتح، وذَأَى بالهمز، وذَوِيَ- بالكسر. وحكي هذه اللغات ابن القطاع في أفعاله، وزاد: ذَئِيَ. قال أبو جعفر: ويقال في المستقبل من ذَوَى بالفتح: يَذْوِي بالكسر، /وفي مستقبل ذَأَى بالهمز: يَذْأَى بالفتحِ، وفي مستقبل ذَوِيَ بالكسر: يَذْوَى بالفتح. قال أبو جعفر: ويقال في الصفة من ذَوَى بالفتح: ذَاوٍ، ومن ذَوِيّ بالكسر: ذَوٍ، ومن ذأى بالهمز: ذَاءٍ، قال ابن سيدة في المخصص: وذَئِيُّ. قال أبو جعفر: ويقال في المصدر من المفتوح: ذيٌّ، وذُوِيٌّ. وفي المكسور: ذَوى عن مَكِّيِّ، وعن ابن القطاع، وفي المهموز: ذَايّ، وذَاوً عن ابن سيده في المخصص وعن ابن القطاع، وذُئِيُّ عن

ابن الأعرابي في نوادره. وقوله: «وَغَوَى الرَّجْلُ يَغْوِى» قال أبو جعفر: إذا اتهمك في الشر، عن الزبيدي في مختصره. وقال ابن التياني عن أبي عبيد: الغواية الضلال، وأنشد: إذا خُيِّرَ السِّيديُّ بين غَوَايةٍ ورُشْدٍ أتَى السِّيدِيُّ ما كان غَاوِيَا وقال عن قُطْربٍ: زعم المفضل أنه سمع العرب تقول: أصبح فلان غوياً، أي: مريضاً، وقال بعض العرب: أغويت فلاناً: أهلكته. قال أبو جعفر: ويقال أيضاً: غَوَى الرَّجُلُ: إذا فسد عليه عيشه، ومنه قوله عز وجل: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} أي: فسد عليه عيشه في الجنة، قاله المطرز، وابن خالويه، وغيرهما. وحكي يعقوب

في إصلاحه عن الأصمعي أنه يقال: غَوَى الرجل يَغْوِى، بفتح العين في الماضي وكسرها في المستقبل كما ذكره ثعلب، وقال عنه: ولا يقال غيره. وكذا أنكره الزمخشري في شرحه، قال: ولا لغة فيها إلا الفتح، قال: والعامة تقول: غَوِي بالكسر، وهو خطأ، قال: فأما قراءة أبي الهذيل على /ما أخبرني ابن مهدوي {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} قال: معناه أكل وأكثر حتى بشم؛ لأن معنى غَوِي بالكسر هو أن يكثر الفصيل من لبأ أمه حتى يبشم. قال أبو جعفر: وحكي ابن الأعرابي في نوادره، [والمطرز] في شرحه، وأبو عبيدة في فَعَل وأفْعَل، وصاحب الواعي، وغيرهم، أنه يقال: غَوِي الرجل يَغْوَى، بكسر الواو في الماضي وفتحها في المستقبل، على وزن عَلمَ يَعْلَم.

قال ابن الأعرابي: ومن الفصيل غَوِى بالكسر لا غير وقال ابن التياني عن قطرب: قراءة أهل الشام (كما غوينا) بكسر الواو، والكثيرة عندنا غَوَيْنَا، وقال عن الفراء اللغة الفاشية غَوَيْنَا، وبعض العرب غَوِيْنَا. قال أبو جعفر: والمصدر الغَيُّ والغَوَايَةُ عن يعقوب في إصلاحه، وعن غيره، وعن ابن درستويه والغية. والصفة ممن المطرز وابن السكيت وغيرهما غاوٍ، وَغَوِيُّ. وحكاهما أيضاً ابن التياني وأنشد: *أَضْرَمَ فيها الغَوِيُّ السُّعُر*

وزاد المطرز: وغَوٍ. وفي الجمع عن كُراع في المجرد: رجال غُوَاة، وغَاوُون. وأنشد ثعلب: «فمن يَلْقَ خَيراً يَحْمَدِ النَّاسُ أمرهَ ... ومن يَغْوِ لا يَعْدَمْ على الغَيِّ لائما» قال أبو جعفر: هذا البيت للمُرَقِّش الأصغر واسمه عمرو بن حرملة، كذا نسب في ديوان شعره، وقيل: اسمه ربيعة بن سفيان بن قيس بن سعد بن مالك، وقيل: عمرو بن سفيان وسمى بالمرقش لأنه كان يزين شعره فيما ذكره ابن الأنباري. وقيل: سمي بذلك ببيت قاله، وهو: الدَّارُ وحشً والرّسُوُم كما ... رَقَّشَ في ظَهْرِ الأَدِيم قَلَمْ.

قال أبو جعفر: وفي كتاب أدب الشاعر أن الذي سمي المرقش بالبيت إنما هو/ المرقش الأكبر، وهو عم الأصغر، واسمه عوف بن سعد، ويقال: ربيعة بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة. والأكبر صاحب أسماء، والأصغر صاحب فاطمة، وكان الأصغر أشعرهما وأطولهما عمراً. والبيت الذي أنشده ثعلب من القصيدة التي أولها: أَلا يَا اسْلَمِي لا صُرْمَ لي اليومَ فاطماً ... ولا أبداً ما دام وصلُكِ دائما رَمَتْكَ ابنةُ البكريِّ عن فَرْعِ ضَالَةٍ ... وهُنَّ بنا خُوصٌ يُخَلْنَ نعائما تراءتْ لنا يوم الرَّحيل بِوَارِدٍ ... وعَذْبِ الثَّنايا لم يكن مُتَرَاكما ثم قال بعد أبيات: وَإلَى جَنَابٌ حَلْفَةً فأطعتَهُ ... فنسكَ لُمْ لا اللَّومَ إنْ كُنتَ لائما ويروى: (فنفسَكَ وَلِّ اللَّوم)، ثم قال: فمن يَلْقَ خيراً ............ ... ............. البيت وقال القصيدة في قصة طويلة، جرت بينه وبين عمرو بن جناب ابن عوف بن مالك صاحبه، وفاطمة بنت المنذر، ذكر القصة ابن السيرافي،

وغيره. وموضع الشاهد من البيت الذي استشهد به ثعلب قوله: «يَغْوِى» بكسر العين في المستقبل، فدل على أن الماضي مفتوح، ولو كان الماضي على فعل بكسر الواو لكان مستقبله يَغْوَى بفتح الواو: لأن باب فَعِل يَفْعِل بالكسر فيهما قليل يُحفَظُ ولا يقاس عليه. وقوله: «ومَنْ يَغْوِ» أي: من يفسد ويضل، أومن يفسد عليه عيشه، وبهذا المعنى الأخير/ [يقوى] معنى البيت. وقوله: «لا يعدم» أي: لا يفقد، وأما «يَلْقَ» فقد رُوِي بضم الياء وفتحها، ومعناه: يصنع، وبه فسر قوله تبارك وتعالى:

{أَلْقَى السَّامِرِيُّ}. ومعنى البيت بَيِّنٌ، أي: من يفعل خيراً يحمد، ومن يعمل شراً يذم. قال أبو جعفر: وقيل في معنى البيت، أي: من اتبع الحق فسلم حَمَدَ الناس سعيه، وشكروه على ذلك، ومن اتبع الباطل فهلك لم يعدم لذلك لائماً، كما قال الآخر: والنَّاسُ مَنْ يَلْقَ خيراً قائلون له ... ما يَشتَهِي وَلأُمَ المُخْطِئ الهَبَلُ وقال قوم: الخير في هذا البيت: المال، قالوا من يُصِب مالاً ويساراً حُمِدَ أمره، واحتجوا بقوله تبارك وتعالى {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} و {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} أي: ترك مالاً، والأول أصح، والدليل على ذلك قوله: «ومن يَغْوِ» والشاعر الفصيح لا يجعل الغَيَّ إلا مقابل ضده،

وضده الرشد وليس فيه إعراب مشكل فنتكلم عليه. وقوله: «وفَسَدَ الشَّيْءُ يَفْسُدُ» قال أبو جعفر: الفساد ضد الصلاح [قال الزمخشري: وهو إذا تغير وصار إلى الرداءة]. قال ابن درستوريه في تصحيحه: العامة تقول: فَسُدَ، بضم الماضي وهو لحن وخطأ. قال أبو جعفر: هذا الذي أنكره ابن درستويه قد حكاه اللغويون، قال يعقوب في الإصلاح: فَسَدَ الشيء وفَسُدَ لغة. قال ابن قتيبة في الأدب: فَسُدَ الشيء والأجود فَسَد، وحكي اللغتين أيضاً صاحب الواعِي، والجوهري، وكراع في المجرد، وابن

القطاع، وغيرهم. وزاد كراع وفَسِد بكسر السين/ فتجيء فيها بهذه ثلاث لغات. وحكي قطرب في فَعَلْت وأفعلت: فَسدَ الشيء وأفْسَدَ بالألف بمعنى. فمن قال فَسَدَ بالفتح ففي مستقبله لغتان: يفسُد بضم السين، وهو الذي حكاه الناس كلهم، ويَفسِد بكسر السين عن القزاز، وما رأيته عن أحد من اللغويين إلا عنه، وإن كان هو القياس. وفي مصدره لغتان: الفَسَاد، والفُسُود، حكاهما يعقوب في إصلاحه، وصاحب الواعي، وغيرهما. والصِّفَةُ: رجل فاسد وفَسِيد، عن الجوهري، والقزاز، وزاد القزاز: ومِفْسادّ، قال: وإنما قالوا فَسِيدّ لأنهم يقولون: فَسُد، كما يقولون: كَرُم.

وقال الجوهري: وقوم فَسّدَى، كما قالوا: سَاقِطٌ، وسَقْطَى. قال أبو جعفر: وفي ضد فَسَد لغتان: صلح بفتح اللام، وصلح بضمها [حكاهما] صاحب الواعي، ويعقوب، وابن سيدة في المُحْكَم وغيرهم. وقال ابن درستويه: وكذلك يقولون: صَلُحَ بضم اللام، ولو كان ذلك صواباً لجاء اسم الفاعل منه على صَلِيحٍ مثل: ظَريِف، وكَريِمٍ. قال أبو جعفر: وهذا الذي أنكره ابن درستويه من أنه لا يقال: صَلُحَ، بضم اللام، قد حكيناه عن الأئمة، وإنكاره أيضاً أن اسم الفاعل منه لم يأت على فعيل - فيقال صَلِيحٌ- ليس بصحيح، حكي ابن الأعرابي في نوادره، ونقلته من خط الآمدي أنه يقال: فَاسِدُ وفَسيدٌ، وصَالِحُ وصَلِيحٌ.

وقال ابن سيدة في المحكم: والجمع صُلَحاء وصُلُوح. قال أبو جعفر: ويقال في مستقبل صَلَحَ المفتوح اللام/ لغتان: يَصلُح بضم اللام، ويصلح بفتحها، حكي ذلك ابن عديس في كتابه الصواب، ومن خطه نقلته وابن سيدة في المحكم. وفي مستقبل صَلُحَ المضموم اللام: يَصْلُحُ بضم اللام أيضاً ليس إلا، كظرف يظرف على القياس. وفي المصدر عن يعقوب في إصلاحه، وعن ابن خالويه في كتاب الأبنية وعن اليزيدي في نوادره: صَلاَحٌ وصُلُوحٌ. وقوله: «وَعَسَيْتُ أَنْ أَفعلَ ذلك» قال أبو جعفر: عسى من أفعال المقاربة، وفيه طمع وإشفاق. قال صاحب الواعي: عسى تكون للترجي، وتكون شكاً ويقيناً،

وكل عسى في القرآن فمعناها الإيجاب، كما قال الله عز وجل: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَاتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِه} فهو واجب أن الله يأتي بالفتح، وقد أتى به سبحانه. وهي من الآدميين معناها الترجي، وأن يكون لا يدري أيكون ذلك الأمر أم لا يكون، قالوا: فإذا قال الله سبحانه عسى الله أن يأتي بكذا وكذا فإن ذلك الأمر كائن لا محالة، وإذا قال الإنسان عسى أن يكون كذا وكذا جاز أن يكون [وأن] لا يكون. وقال الجوهري في الصحاح: عسى من الله عز وجل واجبة في جميع القرآن إلا قوله: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ}، وقال عن أبي عبيدة: عسى من الله عز وجل إيجاب، فجاءت على إحدى لغتي العرب، لأن عسى رجاء ويقين. قال أبو جعفر: وفي حال إضافته إلى المضمر فيه لغتان: عَسَيْتُ بفتح السين كما حكاه ثعلب، وعَسِيتُ بكسر السين/ وهي قراءة نافع،

وقرأ بها أيضا شيبة، فيما حكاه ابن التياني عن قطرب. وقال الأستاذ أبو بكر بن طلحة في شرحه: وعَسِيتُ بكسر السين أيضاً فصيحة، ولم يذكرها ثعلب. قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله ابن طلحة من أنها فصيحة فليس في ذلك درك على أبي العباس ثعلبٍ، لأنه على تقدير أنها فصيحة اختار عَسَيتُ بفتح السين عليها: لأنها أفصح منها. قال أبو عمر المطرز قي شرحه: أخبرنا ثعلب عن سلمة عن الفراء أنه قال: كلام العرب العالي عَسَيتُ أن أفعل بفتح السين، ومنهم من يقول: عَسِيتُ، فهذا كلام الفراء، وناهيك به! يبين أن عَسَيْتُ بالفتح ليست كَعَسِيْتُ بالكسر، فلذلك اختارها أبو العباس. وقال ابن الثياني عن الأصمعي: إنه لم يعرف عَسِيت بالكسر، قال: وقد ذكره بعض القراء، وهو خطأ.

وحكي أيضاً عن الفراء أنه قال: لعلها لغة نادرة. وقال ابن درستويه في تصحيحه: العامة تقول عَسِيتُ بكسر السين، وهي لغة شاذة. وقال صاحب الواعي: تقول عَسَيتُ أن أفعل ذلك بفتح السين، وهي أفصح اللغات، وحكي عَسِيْتُ بالكسر. وقال ابن سيدة في المحكم: عَسَيتُ بالفتح أعلى. وقال عبد الدائم بن مرزوق القيرواني: تقول عَسَيتُ أن أفعل كذا، بفتح السين وكسرها لغتان، والفتح أكثر، ذكر هذا في كتابه حُلَى العُلَى. وقال يعقوب في كتابه فَعَلْت وأفعلت: عَسِيتُ بالكسر لغة رديئة. وقال أبو عبيد/ القاسم بن سلام في كتابه في القراءات: كان نافع يقرأ {عَسَيْتُمْ} بالكسر، والقراءة عندنا بالفتح: لأنها أعرب

اللغتين ولو كانت عسيتم بالكسر لقرئ {عَسَى رَبُّنَا} بالكسر أيضا، وهذا الحرف لا نعلمهم اختلفوا في فتحه، وكذلك سائر القرآن، وقد حُكِيَ عن أبي عمرو أنه كان يحتج بهذه الحجة. وقال القتبي ويقولون: ما عَسِيتٌ، والأجود ما عَسَيتُ بالفتح. [وحكاهما] أيضاً ثابت في لحنه قال: وعَسَيْتُ بالفتح أجود. فتبين بما ذكرناه من كلام الأئمة أن أخذ ابن طلحة على ثعلب ليس بشيء. هذا حكمها إذا كانت مسندة إلى مضمر، فإن كانت مسندة إلى ظاهر نحو قولك: عسى زيد أن يقوم، فلا نعلم أحدا من اللغويين حكى فيها الكسر، إلا ما رأيته للهروي أبي الحسن علي بن محمد في كتابه "الذخائر" فإنه قال: في عسى لغتان: منهم من يفتح السين، ومنهم من يكسرها، فأطلق كلامه فيها ولم يقيده. وقوله: "ولا يُقَالُ مِنْهُ يَفْعَلُ، وَلاَ فَاعِلٌ". قال أبو جعفر: أي لا يتصرف فيستعمل منه مستقبل، أو اسم فاعل، فلا يقال منه: يَعْسَى ولا عَاسٍ، وإنما لم يستعمل منه مستقبل ولا اسم

فاعل؛ لأنها على الحقيقة ليست فعلاً، وإنما هي حرف، بدليل أن معقول الفعل هو: ما دل بصيغته على الحدث والزمان المعين، كـ (ضرب) فإنه يدل على وقوع الحدث الذي هو الضرب، ويدل ببنيته على أن الضرب وقع في زمان معين، وهو المضي، وكذلك هو حكم سائر الأفعال. وأما عسى وأخواتها من الأفعال / التي لا تتصرف فلا يفهم منها وقوع الحدث، ولا تعيين الزمان، فليست بأفعال على الحقيقة كما قدمناه، وإنما قيل فيها إنها أفعال بالمجاز: وذلك أن النحويين وجودا فيها أحكام الأفعال، من اتصال الضمائر بها كقولك: عَسَيتُ وعَسَيتُما وعَسَيتُم وعَسَينَ، كما قالوا ضربتُ وضربتُما، [وضربتم] وضربْن. قال الزمخشري عن أبي عبيدة: من العرب من يُوَنَّثُ عسى، قال:

وهم الذين يؤنثون رُبَّ، وأنشد على ذلك: عَسَتْ كُرْبَةٌ أمسيتُ فيها مُقِيمَةٌ ... يكونُ لنا منها رخاءٌ ومخرجُ فلما وجدوا فيها أحكام الأفعال ألحقوها بالأفعال، فقيل فيها أفعال بهذا المعنى، وهذا هو الذي يجب أن يُعتَقد فيها، لا كما عمله النحويون، فإنهم التزموا فيها أنها أفعال، ومن حقيقة الأفعال التصرف، وأعني بالتصرف: اختلاف الأبنية للدلالة على اختلاف الأزمنة. وهذه أفعال وليست متصرفة، فاحتاجوا أن يعتذروا عن كونها لِمَ لَمْ تتصرف، والحق ما قلته، والله تعالى هو الموفق للصواب. على أنه قد رأيت أبن ظفر في شرح المقامات قد حكى عن أبي عبيد ألله يقال: عَسَيت أعْسى، قال: فعلى هذا يجوز أن يقال: عَاسٍ في اسم الفاعل. وقال عبد الدائم القيرواني في كتابه حُلى العُلى: لا تتصرف عَسَيتُ، لا تقول منها يَفْعَل ولا فَاعِلٌ، إلا أن أبا زيد ذكر أنه جاء

عَسٍ، قال: وقد قال أبو العلاء المعري: / عَسَاك تَعْذِرُ إِنْ قَصَّرتُ في مِدَحِي ... فإنَّ مثلي بِهِجْرَان القريض عَسٍ قال أبو جعفر: عس في بيت المعري بمعنى فليق، وكلامنا في عسى التي معناها الطمع، فغلط عبد الدائم باستشهاده بهذا البيت. وقد تكلم في بعض أحكام هذه الأفعال بعض من تعرض لشرح هذا الكتاب وأطال فيها، والحق أن كتب النحو أولى بذلك. وقوله: "ودَمَعَتْ عيني تَدْمَع". قال أبو جعفر: أي سال منها الدمع، عن ابن درستويه. وقال ابن التياني، والجوهري: الدَّمع ماء العين المجتمع، القطرة منه دمعة. وقال الزمخشري في شرحه: الدَّمعُ [الماء يجتمع في الجفن] قبل أن

يسيل، فإذا سال فهو عبرة، قال الشاعر: إلى الله أشْكُو دَمْعَةً تَتَحَيَّرُ ... ولَو قَدْ حَدَا الحَادِي لَظَلَّتْ تَحَدَّرٌ ثم يتجوز في الدمع فيستعمل فيما فارق الجفن، قال امرؤ القيس: *. . . حتى بَلَّ دمعي مِحْمَلِي * وسُمَّيت العبرة عبرة؛ لعبورها الأجفان، والدمع يسمى بذلك لمفارقته مستقره، ويقال: سُمَّى بذلك لظهوره، ومنه الشَّجَّة الدامعة: إذا ظهر الدم منها. وحكى ابن سيدة في المخصص عن الفارسي أنه قال: الدمع يكون اسماً ومصدراً، وعلى هذا جمع فقيل: أَدْمُع، ودموع. قال الجوهري: والدُّمَاع بالضم: ماء العين عن علة أو كِبَر ليس الدمع، وأنشد: يَا مَنْ لِعَينٍ لَا تَنِي تَهْمَاعا ... قَدْ تَرَكَ الدَّمْعُ بها دُمَاعا. فال أبو جعفر: قال ثعلب في نوادره وفي المجالس له: سمعتهم

/يقولون: دمعت عيني، مفتوحة الميم، ولم أسمع أحداً يذكرها بالكسر. قال أبو جعفر: وكذا حكى ابن التياني عن الكسائي وأبي زيد أنهما قالا: دَمَعَتْ عينه بالفتح لا غير. وحكى ابن سيدة في المخصص، وابن التياني عن ابن دريد، والجوهري، عن أبي عبيد، وابن القطاع في أفعاله، والأزهري في كاب تهذيب اللغة، ومحمد بن أبان بن سيد أنه يقال: دمعت بفتح الميم، ودمعت بكسرها. وحكى اللغتين أيضا الحياني في نوادره وقال: إنها لغة قليلة. وقال ثابت في لحنه: سمعت أبا عبيدة وأبا زيد قالا: دَمَعَتْ عينه ودَمِعَتْ، بالفتح والكسر، والفتح أجود.

قال أبو جعفر: ومقال في المستقبل من دَمَعَتْ المفتوحة الميم: تَدْمَعُ بفتح الميم: لأن العين بعدها من حروف الحلق، ولولا ذلك لجاز فيها الضم والكسر عن ابن درستويه. ويقال في مستقبل دَمِعَتْ المكسورة الميم: تَدْمَعُ، بالفتح لا غير، على القياس. ويقال في المصدر: دَمَعٌ، ودَمَعٌ مثل: الطَّعْنِ والطَّعَنِ، والطَّرْدِ والطَّرَد، ودُمُوْعٌ، عن ابن سيدة في المخصَّص، وابن التياني، ومكي في شرحه. وزاد مكي و"دَمَعَانً" وحكاها أيضاً اللحياني في نوادره. قال مكي: وقد سموا ماء العين بالمصدر، فقالوا: جرى دَمْعُه، والمَدْمَعُ مجرى الدَّمْع، وجمعه مَدَامِعَ. وقال ابن سيدة في المخصص، وابن التياني: المَدْمَعُ: مجتمع الدمع في نواحي العين، وجمعه مَدَامع. وقال الجوهري: المدامع: المآقي وهي أطراف العين، وقال عن الأحمر: والدمع / بصم الدال والميم سمةٌ في مجرى الدمع.

وقوله: " ورَعَفْتُ أَرْعُفُ ". قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: معنى رَعَفْتُ: انبعث الدم من أنفي، وذلك الرعاف، على فعال. قال الزمخشري: وهذا ما أضيف الفعل منه إلى غير فاعله، كقولهم: غَلَتِ القدر، وإنما يعني ما فيها، وأصل رَعَف: تقدَّم وسَبَق. قال ابن سيدة في المحكم، وابن التياني: الرعاف: الدم يسبق من الأنف، وكل سابق راعف. وقال القزاز: الرعاف: الدم بعينه، وإنما سُمَّي الدَّمُ الخارج من الأنف رُعَافاً؛ لخروجه وبدوره، يُقَالُ: رَعَفَ الفارسُ الخيل إذا بدر منها وتقدمها؛ فقيل الرعاف لما يخرج من الأنف من الدم لهذا. قال أبو جعفر: وفي الحديث أبي قتادة: "أنه كان عُرْسٍ وجاريةٌ

تضرب بالدف وهو يقول لها: ارْعُفي"، أي" تقدمي. قال الجوهري: ويقال: رماح رَواعِف، إما لتقدمها في الطعن، أولما يقطر منها من الدم، قال: وَرَعَف الفرس يَرْعَفُ ويَرْعُفُ، أي: سبق وتقدم، واسترعَف مثله. وقال أبو جعفر: وبقال في الماضي: رَعَفَ، ورَعُفَ، بفتح العين وضمها، حكى ذلك يعقوب في إصلاحه، وأبو عبيد في الغريب المصنف، وابن القطاع في أفعاله، وثابت في لحنه عن أبي عبيدة، والجوهري في الصحاح. وقال الجوهري: الضم لغة ضعيفة. وحكى اللغتين أيضاً ابن سيدة، والمطرز في شرحه، وقاسم

في الدلائل، وغيرهم. وزاد المطرز، وأبن سيدة في المحكم، وابن السيد في مثلثه، رَعِفَ بكسر العين / قال المطرز: وهي أضعفها. فتلك ثلاث لغات، وإن كان القزاز قد قال في "جامعه" يقال: رَعَفَ بفتح العين في الماضي، ولا تضم العين. وابن التياني في مُوعَبِهِ لم يحك في رَعَفَ سوى الفتح. لكن قد حكينا الأوجه الثلاثة: الفتح، والضم، والكسر عن التقات. قال ابن التياني عن الأصمعي: إن عثمان البتي قال

للحسن: ما تقول في رجل رُعِفَ؟ بضم الراء، فأنكرها عليه الحسن، وقال: أهذا نَحْوِيُّكُم؟ وكان عثمان صاحب عربية، وطلبها قبل الفقه، وكان يقال له عثمان العربي لذلك. وحكى الزبيدي في طبقات النحويين، وأبو بكر محمد بن عبد الملك التاريخي في تاريخ النحاة له، كلاهما عن عبيد الله بن معاذ العنبري البصري أنه قال: جاء سيبوبه إلى حماد بن سلمة فقال: أحدثك

هشام بن عروة عن أبيه في رجل رَعُفَ في الصلاة؟ فقال له حماد: أخطأت، إنما هو رَعَفَ، فانصرف إلى الخليل، فشكا إليه ما لقيه من حماد، فقا: صدق حماد، ومثل حماد يقول هذا! ورَعُفَ لغة ضعيفة، والصحيح رَعَفَ. ويقال في مستقبل رَعَفَ المفتوح العين: يَرْعَف ويَرْعُف، بفتح العين وضمها، حكى ذلك كراع في المجرد، وابن سيدة في المحكم، وابن التياني، والجوهري، وصاحب الواعي، وغيرهم. ويقال في المصدر: رَعْفٌ ورُعَافٌ، من ابن التياني، وعن ابن سيدة في المحكم وغيرهما. وقوله: " وعَثَرَ يَعْثُرُ ".

قال أبو جعفر: حكى صاحب الواعي، وابن التياني / وابن سيدة في المحكم أن معنى عَثَرَ: كبا، [أي: سقط لوجهه] قال صاحب الواعي: العرب تدعو على الرجل فتقول: ما له عَثَرَ جده، أي: كبا. وقال المطرز في شرحه: يكون بالرجل باللسان، تقول العرب: عثر فلان بِرِجْلِهِ وبلسانه. قال أبو جعفر: يُقالً: عَثَرَ بفتح الثاء كما حكى ثعلب، وعَثُرَ بضم التاء حكاه المطرز في شرحه عن ثعلب، وإن كان الزمخشري في شرحه أنكر الضم، قال: والعامة تقول: عَثُرْتُ، بالضم، وهو خطأ. وقال ابن سيدة: وأُرى اللحياني حكى: عَثَرَ وعَثِرَ، بفتح الثاء وكسرها، قال ويقال: عَثَرَ، وتَعَثَر، وعَثَرَ، وأعْثَرَه، وأنشد عن ابن الأعرابي:

فخرجتُ أُعْثَرُ في مقَادِمِ جُبَّتي ... لولا الحياء أطَرْتُها إحضارا هكذا أنشده أُعْثَر على صيغة ما لم يسم فاعله، قال: ويروي أَعْثُرُ. قال أبو جعفر: ومقال في مستقبل عثر المفتوح الثاء لغتان: يَعْثُرُ، ويَعْثِرُ، بالضم والكسر، عن ابن سيدة، وأبي عبيد في المصنف. وفي مستقبل عَثُرَ المضموم الثاء: يَعْثُرُ بالضم أيضا على القياس. في مستقيل عَثِرَ بكسر الثاء إن صحت: يعثر بالفتح على القياس أيضاً. ويقال في المصدر: عَثْرٌ وعِثارٌ، عن صاحب الواعي، وعن ابن التياني وعن ابن سيدة في المحكم، وزاد مكي في شرحه وعُثُورً وزاد المطرز أيضاً وعَثْرَةٌ. وفال صاحب الواعي: وقال قوم: عَثَرَ الرجل يَعْثُرُ عُثُوراً، وعَثَرَ

الفرس يَعْثُرُ عِثَاراً ففرقوا بينهما لاختلاف المعنى. قال أبو جعفر: وحكى هذا أيضاً ابن التياني، وفي الحديث: "اضربوها على العِثَار ولا / تضربوها على النِّفا ر" قال الزمخشري: يقول: اضربوا الخيل إذا عَثَرت؛ كي لا يصير ذلك عادة لها، ولا تضربوها إذا نفرت، فلعلها تنفر من بلية لا ترونها. قال صاحب الواعي: ويكون عَثَرَ بمعنى: اطَّلَعَ، يقال منه: عَثَرَ الرجل يَعْثِر عَثُراً: إذا اطلع على الشيء ولم يطلع عليه غيره، وعَثَرْتُ منه على خيانة، أي: اطلعت، ولغة أَعْثَرْتُ، وحكى هذا أيضا ابن التياني، وقال في المستقبل: يَعْثِرُ بالكسر، أعني في عَثَرَ التي بمعنى اطلع. وقال ابن سيده في المحكم: وعَثَرَ العرق بتخفيف الثاء: ضرب، عن اللحياني.

وقوله: " ونَفَرَ يَنْفِرُ ". قال أبو جعفر: معناه أسرع، [وقيل: جَبُن، قاله المرزوقي]، ولا أذكر في ماضيه الآن سوى الفتح. وأما مستقبله ففيه لغتان: يَنْفِرُ، ويَنْفُرُ، بالكسر والضم، حكاهما يونس في نوادره، وأبو عبيد في المصنف، والجوهري في الصحاح، وغيرهم. قال التدميري: هو من النفار والاشمئزاز، بضم القاء في المضارع، ومن النَّفْر في سبيل الله ومن عرفات أيضاً بكسرها. قال أبو جعفر: قال الزمخشري قال ابن الأعرابي: نَفَر الوحش يَنْفُر، ونَفَر الإنسي يَنفِر، واستبد بهدا القول. فال أبو جعفر: وقد حكينا اللغتين فيهما، وقال صاحب الواعي ومن

خطه ويقال: يوم النَّفَر والنُّفور والنَّفِير والنَّفْر، كلها ليوم النَّفْرِ والحج. قال: ونَفَرَتِ الدابة تَنْفِرُ وتَنْفُرُ نُفُوراً، وهي نُافِرة، بالهاء، قال: وكل فرقٍ من شيء فهو نافرٌ منه، والأنثى نافرة. قال أبو جعفر: وقال اليزيدي في نوادره: نفرت الدابة وما أشبهها، والإنسان أيضا، وهي تَنْفِرُ نِفَاراً ونَفْراً ونُفُوراً، فهي نَفُور مفتوح الأول، ونافر بغير / هاءٍ. وفي المصدر: نَفْر ونُفُور ونِفَار، عن المطرز في شرحه، وعن مكي في شرحه أيضاً. [وقال] الجوهري: نَفَر الحاج من منى [نَفْراً]، ونَفَر القوم في الأمر نُفُوراً. وقوله: " وشَتَمَ يَشْتِمُ ". قال أبو جعفر: الشَّتم هو: رمي أعراض ألناس بالمعايب وثلبهم، وذكرهم بقبيح لقول حُضَّراً وغُيَّباً، عن ابن درستويه. قال: ولذلك قيل للأسد: شتيمُ الوجه: لأنه قبيح. وقال المطرز في شرحه: الشتم عند العرب الكلام القبيح سوى القذف، وقال: والعامة تخطئ فيه فتجعله الزنا.

قال أبو جعفر: ويقال في الماضي: شتَم خفيف التاء، وشَتَّم ثقيل التاء، [وتشتَّم] حكى ذلك المطرز في شرحه عن الفراء. ويقال في مستقبل شَتَم المخفَّف: يَشْتِم ويَشْتُم، بالكسر والضَّم حكاهما ابن سيده في المحكم، والمطرز في شرحه. قال المطرز حاكياً عن الفراء: إذا أشكل يفعلُ ويفعِل وماضيه على فَعَل بالفتح فَثِبْ على يفعل بالكسر فإنه الباب عندهم. قال أبو جعفر: ومقال في مستقبل شتَّم المثقل: يُشَتِّم، وفي مستقبل تَشَتَّم: يَتَشَتَّمُ. ويقال في الصفة: شاتِم، وشتَّام، ومُتَشَتِّم عن

المطرز. وقال ابن سيدة في المحكم: والرجل مَشْتُوم، والأنثى مَشْتُومة، وشَتِيم بغير هاء. قال أبو جعفر: ويقال في مصدر شَتَمَ المخفف: شَتْمٌ، وشَتِيمةٌ، مَشْتَمَة، حكاها مكي في شرحه. وفي مصدر شَتَّمَ، وتَشَتَّمَ: تَشْتِيْمٌ، وتَشَتٌّمٌ. قال ابن سيدة في المحكم: والمَشْتَمَةٌ والشَّتِيْمَةٌ: ما شُتِمَ به الرجل. قال أبو جعفر: قال يونس في نوادره: أهل الحجاز يقولون: شَتَمَهٌ مَشْتَمَةً قبيحةً بالفتح / وبنو تميم يقولون: مَشْتِمةٌ بالكسر. وقوله: " ونَعَسْتُ أَنْعُسُ ". قال أبو جعفر: قال ابن سيده في المحكم: النعاس النوم، وقيل: مقاربته، وقيل: ثَقَلَتُه. قال أبو جعفر: قال أبو حاتم في لحنه: والعامة تقول: نَعُسَ

بالضم، وهو خطأ. قال أبو جعفر: لا أذكر الآن في نَعَس سوى الفتح مع بحثي عنها. وفي المستقبل لغتان: يَنْعُسُ بالضم كما حكى ثعلب، ويَنْعَسُ بالفتح حكاها ابن التياني، قال: وبعض بني عامر يقول: يَنْعَسُ بالفتح. قال أبو جعفر: ويقال في الصفة: رجل نَاعِسٌ، ونَعْسَانٌ، عن ابن سيدة في المحكم، وعن القزاز في الجامع. قال ابن سيدة ولا يقال نَعْسَانُ. قال أبو جعفر: وكذا حكى ابن التياني عن الأصمعي أنه لا يقال نَعْسَانُ. قال ابن التياني: وحكى الزجاج عن الفراء أنه أقال: قد سمعت نعسان من أعرابي من عَنَزَةَ، قال: ولكني لا اشتهيه.

قال أبو جعفر: لأن فعلان بابه أن يجيء من فَعِل يَفْعلَ، كقولهم: غَضِبَ يَغْضَبُ فهو غَضْبَانٌ، ورَجِلَ فهو رَجْلَانٌ، قال الشاعر: عَلَيَّ إذا لاقَيتُ ليلى بِخَلوَةٍ ... أنَ ازدار بيتَ الله رَجْلَانَ حافيا وحكى أيضاً عن صاحب العين أنه قال: وسمعناهم يقولون: نَعْسَانٌ ونَعْسَى، حملوه على وَسْنَانَ ووَسْنَى، وأحسن ما يكون ذلك في الشِّعْر. قال أبو جعفر: والأنثى ناعِسَة ونَعْسَى، عنهم أيضاً. ابن التياني وابن سيدة: ونَعُوسٌ. ابن سيدة: ونعاسة. ابن التياني: ومنعاس، حكاه عن ابن الأنباري عن الأصمعي. ويقال في المصدر: نعاس عن ابن سيدة، وزاد صاحب الواعي وابن

التياني: و"نَعْسٌ" بإسكان [العين]. قال أبو جعفر: وثبت في بعض النسخ " وأنا ناعس". / فيقول القائل: لأي شيء ذكر ثعلب اسم الفاعل من نعست ولم يذكر من غيره؟ والجواب: لأنه وجد الناس يقولون: نعسان، وهو عنده خطأ، فأراد أن يبين لهم الصواب فيه. وقوله: "ولَغَبَ الرَّجُل يَلْغَبُ ". قال أبو جعفر: اللغب هو التعب، وفي التنزيل: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} قاله صاحب الواعي، وغيره. وقال ابن سيدة في المحكم: لَغِبَ: أعيا أشد الإعياء، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} بفتح اللام. ومقال في الماضي: لَغَبَ ولَغِبَ، بالفتح والكسر عن عبد الحق،

وابن سيدة في المحكم، وعن اليزيدي في نوادره، وقال عنها: هي لغة قليلة. وزاد صاحب الواعي ولَغُبَ بالضم، فتلك ثلاث لغا. قال ابن القطاع: ولَغُبَ الرجل بالضم لَغَاَبَةٌ، ولُغُوبَةً: ضعف، فهو لَغْبٌ. ويقال في مستقبل لَغَبَ المفتوح العين يَلْغَبُ ويَلغُبُ، بالفتح والضم، عن ابن خالويه. ويقال في مستقبل المضموم: [يلغُب]، والمكسور الغين: [يلغَب] على القياس. وفي الصفة: لَاغِبٌ، ولَغِبٌ؛ عن المطرز في شرحه. وفي المصدر عنه اللَّغْبُ، والاسم اللُّغُوبُ. وقال ابن سيدة، وصاحب الواعي: لَغِبَ - بكسر الغين - لَغَبَا

بالتحريك، ولَغَبَ - بالفتح - لُغُوباً، ولَغْباً. وحكى المطرز في شرحه أنه يقال: لَغَبَ الرجل، وأعيا، وتعب، ونَفِهَ، ونَفَهَ، وبَدَّدَ، كل ذلك إذا تعب. قال أبو جعفر: وقال أبو عبيد في المصنف: وأَفْثَج، وأَفْثَى، وباخ، وأنبهر وقبع. قال: والأين الإعياء، وليس له فعل. وقوله: " وذَهَلْتُ عن الشيء أَذْهَلُ ". قال أبو جعفر: معناه تناسيته، أو شُغِلتُ عن، قاله ابن طريف / في أفعاله، وابن القطاع. وقال كراع في المجرد: معناه نسيته. وقال أبو جعفر بن النحاس في كتاب الاشتقاق له: ذهلت عن الشيء: إذا طبت نفسا بتركه لشغل قلبك بغيره. قال أبو جعفر: ويقال في الماضي: ذَهَلْتُ، وذَهِلتُ، بفتح الهاء وكسرها،

عن أبي عبيد في الغريب المصنف، وعن كراع في المجرد، كل عن ابن النحاس في الاشتقاق، وهن اليزيدي في نوادره، وعن ابن طريف، وغيرهم. وقال مكي في شرحه: وقد أُولِعَت العامة بذَهِلْتُ، بكسر الهاء، والصواب ذهلت بفتحها. قال أبو جعفر: قد حكينا عن اللغويين أنه يقال بالوجهين. وقال ابن طريف وابن القوطية ويقال: ذهلت عن الشيء، وذهلته، بغير حرف جر. وفي الصفة: ذَاهِلٌ، وفي المصدر: الذٌّهُول، عن ابن درستويه.

وقوله: " وغَبَطْتُ الرَّجُل أَغْبِطُهُ". قال أبو جعفر: الغبط [عند] أكثر اللغويين خلاف الحسد، وفرقوا بينهما بأن قالوا: الغبط هو أن يتمنى أن يكون له مثل ما عند إنسان من نعمة ولا يزول ما عنده، والحسد هو أن تريد زوال ما عند إنسان مع كونه لك، ذكر هذا الفرق غير واحد من اللغويين. وقال ابن فارس في كابه المجمل: الغبطُ: الحسدُ. وقال كراع في المجرد ويقال: الغَبْطُ أيضاً: الحسد، وليس بمحفوظ. وقال ابن التياني في مختصر الجمهرة: غبطت الرَّجُل: حسدته على الشيء، وأنشد في الموعب: * فالناس بين شامت وغُبَّطِ * وحكى القزاز في / الجامع: غبطت الرجل: إذا حسدته. وقال أبو عبيد في الغريب المصنف، والهروي: سئل النبي

صلى الله عليه وسلم هل يضر الغبطُ؟ قال: لا، إلا كما يضر العِضَاهَ الخبطُ. قالا: ففسر الغَبْطُ بالحسد. قال أبو جعفر: وقد تأول الناس هذا الخبر، فمما قيل في تأويله: إنما كُرِهَ الغبطُ لئلا يجر إلى الحسد، وهو من باب الشيء تتركه ولك فيه سعة: لئلا تدخل في محظور كقولهم: ليس الزهد في الحرام، إنما الزهد في الحلال، وهذا تأويل ثعلب ذكره المطرز في شرحه. وقد ورد ما يقتضي بظاهره إباحة نوعٍ من الحسد، جاء في الحديث: " لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله مالاً، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل أتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويعلمها". وقد تؤول أيضاً هذا الحديث بتأويلاتٍ منها: إن الحسد هنا شدة الحرص والرغبة، كنى بالحسد عنهما لأنهما [سببه]، قاله الخطابي. وقيل: إنه تخصيص لإبادة نوع من الحسد، وإخراج له عن جملة ما حُظِرَ منه، كما رخص في نوع من الكذب، وإن كانت جملته محظورة، كقوله

عليه الصلاة والسلام: "إن الكذب لا يحل إلا في ثلاث: "رجل يكذب في الحرب، والرجل يصلح بين اثنين، ويحدث أهله ليكذبها". أي: يترضاها؛ ذكر هذا التأويل صاحب الواعي. قال القزاز يقال: حسدتك على هذا الشيء، وحسدتك هذا الشيء، بمعنى واحد، قال ويقال منه: حَسَدَ يَحْسُدُ، فهو حاسِدٌ وحَسُودٌ وحَسَّادٌ قال ابن سيدة في المحكم: رجل حَاسِدٌ من قوم حُسَّدٍ، وحُسَّادٍ، وحَسَدَةٍ / وحَسُودٌ من قوم حُسُدٍ، والأنثى بغير هاء. قال أبو جعفر: وحكى اللحياني في نوادره أنه يقال: حَسَدَ فلانٌ فلاناً يحسُده، ويحسِده، بضم السين وكسرها، حَسَداً، وحَسَادةً. ابن القطاع: وحُسُودةً، وحَسَداً وحَسْداً، بالتحريك والإسكان. وحكى صاحب الواعي عن ابن الأعرابي: أن الحسد مأخوذ من الحَسْدِ ل، وهو القُرَادُ، فهو يَقْشِرُ القلب كما يَقْشِرُ القرادُ الجِلْدَ فيمص الدم.

وحكى صاحب الواعي أيضاً، وابن التياني، وكراع في المجرد أنه يقال: غبطت الرجل أَغْبِطُهُ غَبْطاً، وغِبْطَةً، ومَغْبِطَةً، ومَغْبَطَةً. قال الزمخشري في شرحه يقال: غَبَطْتُ الرجل في كذا وبكذا، وبالباء أجود، وأنشد: وأُغْبَطُ من ليلى بما لا أنالُهُ ... ألا كل ما قَرَّتْ به العينُ صالحُ قال: والغبط أيضاً الجسٌّ، قال لا الشاعر: * كالغَابِطِ الكلبَ يرجو الطِّرْقَ في الذَّنَبِ * قال أبو جعفر: ولا أذكر الآن في ماضيه سوى الفتح، ولا في مستقبله سوى الكسر.

وقوله: " وخَمَدَتِ النَّارُ ". قال أبو جعفر: معناه سكن التهابها؛ قاله غير واحد. ويقال خَبَتَ بمعنى: خَمَدَتْ، وكَبَتَ: إذا غطاها الرماد والجمر تحته، وهَمَدَتْ: إذا طُفِئَتْ ولم يبق منها شيءً البتة، قاله يعقوب في الإصلاح، وغيره. قال أبو جعفر: وقال المطرز في شرحه يقال: خمدت: إذا سكن لهبها، وهمدت: إذا سكن لهبها أقل من ذلك، فإذا التهبت قليلاً قيل: اشتعلت وأستعرت، وسَعَرَتْ، فإذا زادت على ذلك قيل: احتدمت، وما أشد حدمتها، فإذا زادت على ذلك قيل / فارت تفور فوراً، فإذا زادت قليلاً قيل: زَفَرَتْ، وتَلَظَّتْ، ولَسَّنَتْ. وقال المطرز أيضا في "ياقوته ": هي النار، والمانُوسة

والوَبِيصَةُ، والوَابِصَةُ، والسكن. قال أبو جعفر: ومقال في الماضي: خمدت بفتح الميم، كما قاله ثعلب، وهو المشهور من كلام اللغويين. قال الزمخشري: والعاهة [تقول]: خَمِدَتْ، بكسر الميم، وخَمِدَتْ، وليستا بلغة. وقال أبو حاتم في تقويم المفسد: لا يقال خَمِدَتْ بكسر الميم، وإنما يقال: خَمَدَتْ بفتحها. وحكى المطرز في (شرحه) وفي (ياقوته) عن ثعلب عن ابن الأعرابي: خمدت بكسر الميم. ولا أعرفه عن غيره. وقوله: "وغيرها تَخْمُدُ". قال أبو جعفر: يعني أن الخمود يستعمل في النار وفي غيرها، يقال: خَمَدَ القوم: إذا انقطع حسهم، مأخوذ من خمود النار. وقوله تبارك وتعالى: {فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} أي: قد انقطع حسهم وحركتهم. وخَمَدَ المريض: إذا أُغمي عليه، مأخوذ من هذا أيضاً. وخَمَدَتِ الحُمَّى: إذا سكن فورانها، وكله من هذا، قاله صاحب الواعي. وقوله: "وعَحَزْتُ أَعْجِزُ" قال أبو جعفر: العَجْز في كلا العرب أن لا تقدر على ما تريده، قاله

المطرز في شرحه. وقيل العجز: الكسل والتواني، قاله ابن السيد في المثلث. قال أبو جعفر: هذا يقتضي أن العجز هو الكسل وليس بالمشهور، وإنما المشهور الفرق بين العجز والكسل. قال صاحب تثقيف اللسان: عجزت عن الشيء: إذا حاولته فلم تقدر عليه، وكسلت عن الشيء: إذا تركته وتراخيت عنه وأنت تريده. ولأجل الفرق بينهما اخذ على ابن قتيبة في خطبه / أدب الكتاب حين قال: "واستوطؤا مركب العحز " فقيل: إنما كان الوجه أن يقول واستوطؤا مركب الكسل: لأنهم قادرون على ما ذكر لولا الكسل. لكن يتخرج كلام ابن قتيبة على ما حكيناه عن ابن السيد، من أن العجز هو الكسل، وحكى الزبيدي قال: حدثت أن بعض الصناع وعد رجلاً من أهل العلم بصناعة شيء من عمله، وحد له وقتاً، فأتاه للوقت، فلم يلف ذلك الشيء كاملاً، فقال له: أعجزت عن عمل كذا؟ فقال له: لم أعجز،

ولكني كَسِلْتُ، قال: فتصاغرت إلي نفسي أن يكون الصانع أعلم بمواقع الكلام مني. قال أبو جعفر: في الماضي لغتان: عَجَزَ بفتح الجيم، كما ذكره ثعلب، وهو المشهور، قال ثعلب: قلت لابن الأعرابي أتقول: عجزت بكسر الجيم من العجز؟ قال: لا، إنما أقول: عجزت بفتح الجيم من العجز، وعجزت من العجيزة، وعجزت المرأة من العجوز. قال المطرز: وأخبرنا ثعلب عن أبي نصر عن الأصمعي [قال]: عَجَزْتُ أَعْجِزُ، وعَجِزْتُ أَعْجَزُ، كلاهما من العَجْز. قال أبو جعفر: وحكى أيضا أبو حاتم في تقويم المفسد عن أبي زيد: عَجِزَ بالكسر، وقال: إنها لغة لبعض قيس. وحكاها [ابن] التياني أيضاً، واللحياني في نوادر، وقال: إنها لغة رديئة، وحكاها أيضا القزاز في الجامع، وابن القطاع، ويعقوب في فعل وأفعل، وثابت في فعل وأفعل وقال: الفتح أكثر، وأبو عبيدة في فعل وأفعل وقال: الجيدة بالفتح، وأبن خالويه، وغيرهم.

فقول ابن الأعرابي: إنه لا يقال عَجِزْتُ بكسر الجيم من العَجْز، قد حكيناه كما تقدم، وقوله: وعَجِزَتْ من العجيز ة، قد حكاه ابن سيده في المحكم / بالفتح. وقوله: وعجزت المرأة من العجوز، قد حكى صاحب الواعي التخفيف فيه، فقال يقال: عَجَزَتْ تَعْجِزُ عَجْزاً: إذا صارت عجوزاً، وعًجَّزَتْ تُعَجِّزُ تَعجِيزاً. وقد قيل: "اتق الله في شبيبتك وعجزك" فهذا من عَجَزْتُ بالتخفيف. قال أبو جعفر: وحكى هذا أيضاً ابن سيدة، وحكى أيضا في المصدر: عَجْزاً، وعُجْزاً، بالفتح والضم. قال ويقال: تَعَحَّزَتْ أيضاً. قال ابن السيد في مثلثه: أكثر ما يقال عجزت بالتشديد. وحكى ابن طريف قال: شاهدت مناظرة جرت بين رجلن هن أهل الأدب في شيء من النحو، فجرى في تضاعيف المناظرة كلام تكلم به أحدهما، فقال مخبراً عن نفسه: عجزت عن كذا، فقال خصمه: وهل يعجز مثلك أبا فلان؟ فقال: بلى، قد يلحق الحصر والكسل جميع بني أدم، فقال خصمه: انظر ماذا تقول؟ إنما ينبغي لك أن تقول: عَجَزْتُ بفتح الجيم، كما قال تعالى

مخبراً عن ابن آدم {أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ} ومستقبله يعجز بكسر الجيم، كما جاء في الحديث: "أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضمٍ" وإنما يقال: عجزت امرأة بكسر الجيم إذا: عظمت عجيزتها، والمستقبل: تعجز، والمصدر: عًجًزٌ بفتح الجيم، أفبمثل هذا أخبرت عن نفسك يا أبا فلان؟ فأخجله، وأضحك أهل المجلس منه. قال ابن طريف: ولو أن هذا الأديب إذ لم يحفظ اللغة المالية المشهورة كلم أن طائفة من العرب تقول: عجز بمعنى: عجز، لما علاه خصمه بالحجة. قال أبو جعفر: ويقال في الصفة: عَاجِزً، وعَجُزٌ وعَجِزٌ، بضم الجيم وكسرها، عن صاحب / الواعي ومن خطه نقلته. وحكى ذلك أيضا ابن التياني، وكراع في المجرد، وزاد المطرز في شرحه: وعَجِيزٌ. وحكى الجوهري في الصحاح في المصدر: عُجْزاٌ، ومَعْجِزَةً ومَعْجَزَةً، بكسر الجيم وفتحها، مَعْجِزاً ومَعْجَزاً، بالكسر والفتح أيضا.

وقوله: " وحَرَصَ يَحْرِصُ ". قال أبو جعفر: قال صاحب الواعي، معنى حَرَصتُ على الشيء: إذا اجتهدت في اغتنامه. وقال التدميري: أي أحببته فطلبته، والحرص مثل الطمع مقترناً بالطلب. وقال صاحب العين: الحرص شدة الإرادة. وقال المطرز: الحرص هو الطلب بالنية والجوارح بتعب وحيلة، وقال ابن القطاع: حَرَصَ: رَغِبَ رغبه مذمومةً. قال أبو جعفر: قال أبو حاتم في تقويم المفسد، وأبو الفتح المراغي في لحنه: حرص الرجل بالفتح، والعامة تقول: حرص بالكسر وهو خطأ: قال الله تبارك وتعالى: {وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}.

قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى ابن التياني عن أبي زيد وعن قطربٍ: حرِصَ، بالكسر. وحكى ذلك أيضاً ابن سيدة في كتبه، واللحياني في نوادره، وكراع في مجرده، وابن خالوبه في كتاب أبنية الأفعال، وأبن دريد في الجمهرة، وصاحب الواعي، والمطرز، وابن القطاع في أفعاله، وقال: والفتح أفصح. وقال ابن جني في كتابه المحتسب: والفتح أعلى، وقرئ قوله تبارك وتعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ}، و" إن تحرص" بالكسر والفتح. وبفتح الراء في المستقبل قرأ الحسن، [وأبو] حيوة، قال ابن / جني: وكلاهما من معنى السحابة الحارصة، وهي التي تقشر

وجه الأرض، وشجة حارصةٌ: وهي التي تقشر جلدة الرأس، فكذلك [الحرص]، فكأن صاحبه ينال من نفسه لشدة اهتمامه بما هو حريص عليه، حتى يكاد يَحًتٌّ مستقر فكره. قال أبو جعفر: ويقال في مستقبل حرص المفتوح الراء: يحرص بكسرها، ويحرص بضمها، عن ابن سيده في المحكم، وقال القزاز: والكسر أكثر. ويقال في مستقبل حرص المكسور: يحرص بفتح الراء على القياس. ومقال في الصفة: رجل حربص، [والقياس حارص] من قوم حِرَاصٍ، وحُرصَاء حكى ذلك ابن التياني، وابن سيده في المخصص: وصاحب الواعي. وزاد ابن سيده في المخصص: وامرأة حريصة من نسوة حِرَاصٍ، وحَرَائِصَ. وحكى في المحكم في المصدر: حرصت حِرْصاً، بكسر الحاء، وحَرْصاً بفتحها، وحَرِصَ حَرَصاً، بفتح الحاء والراء. وقوله: " ونَقَمْتُ على الرجل أَنْقِمُ ". قال أبو جعفر: يقال: نقمت على الرجل، ونقمت، بفتح القاف

وكسرها، أي: أنكرت عليه قولاً قاله، أو فعلاً فعله، حكاه المطرز في شرحه عن الفراء، وحكاه أيضا أبو عبيد في الغريب المصنف، ومكي في شرحه، وصاحب الواعي، وابن القطاع في أفعاله، والزمخشري، وقال: والكسر أفصح. قال صاحب الواعي: وبالوجهين قرئ قوله تبارك وتعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ} "ونقموا". قال أبو جعفر: ويقال: نَقَمْتُ منه كما في الآية الكريمة. وأنشد أبو عبيد: / ما نَقَم الناسُ من أميّة إلا ... أنَّهم يحلمون إن غَضِبُوا.

وحكى المطرز في شرحه، ومكي، في مصدر المفتوح: نِقْمَةً، ونَقِمَةً، ونَقْماً. [قال العماني: ونَقِيمةً]. وفي مصدر المكسور: نقماً، بفتح النون والقاف. قال أبو جعفر: قال أبو عبيد، وابن القطاع: ونقمت منك، بكسر القاف نقْمةً: عاقبك. قال أبو عبيد: وفي الحديث: "فهو كالأرقم، إن يقتل يَنْقَم، وإن يترك يلقم"، قال ابن خالويه: معناه إن بترك الأرقم - يعني الحيَّة -

يعَضُّ، وإن يقتل ينتقم له، أي: كان له من ينتقم، فهذا على نَقِمَ يَنْقَم، قال: والأجود نَقَمَ يَنْقِمُ، وإنما جاء بهذه اللغة في هذا المثل للمشاكلة. قال أبو جعفر: وكذا فسره أبو عبيد في الأمثال، فقال يقول: إن قلته كان له من ينتقم له منك، وإن تركته قتلك. قال أبو جعفر: وحكى الزبيدي في مختصره بخلاف ما تقدم، قال: نَقَمَ يَنْقِمُ نَقَماً ونِقْمَة، ونَقِمَ: إذا انْتَقَمَ، قال: ونقمت الشيء: أنكرته. قال أبو جعفر: فحكى في نقم التي في معنى الانتقام الوجهين، وفي التي بمعنى الإنكار وجهاً واحداً، وهو الفتح، بخلاف ما تقدم. وزاد صاحب الواعي، ونقلته من خطه: ونِقِمَةً بكسر النون والقاف في مصدر التي بمعنى العقوبة. وحكى في مصدرها أيضاً مكي: نقوماً. وقوله: " وغَدَرْتُ به أَغْدِرُ ". قال أبو جعفر: الغَدْرُ نقض العهد وتركه، عن ابن فارس في كتابه

المجمل. وذلك مثل أن تؤمن / إنساناً ثم تقتله، وتسلب ماله. قال التدميري: وكأنه مأخوذ المعنى من غادرت الشيء: إذا تركته، فكأنك تركت ما كان بينك وبينه من المهد، قال: وأصله من الغدير، وهو الماء الذي يغادره السيل، أي: يُخَلِّفه ويتركه. قال أبو جعفر: وبقال في الماضي غر بالفتح، كما حكاه ثعلب، وكذا حكاه غيره. وحكى ابن هشام السبتي في شرحه، ومن خطا نقلته: غدر بالكسر، ولا أعرفه من غيره مع بحثي عنه، وحكى ابن الأعرابي في نوادره أنه يقال: غَدِرَ الرجل - بكسر الدال - عن أصحابه: إذا تخلف، قال ويقال: مات إخوته وغَدِرَ. قال أبو جعفر: يقال في مستقبل غَدَرَ بالفتح: يَغْدِرُ ويَغْدُرُ، بالكسر والضم، عن الحضرمى فى شرحه. وفي مستقبل غدر بالكسر: يَغْدَرُ، بالفتح على القياس.

وحكى ابن سيدة، وابن أبان، والجوهري أنه يقال: غَدَرَهُ، وغَدَرَ به. ويقال في الصفة: غَادِرٌ، وغَدَّارٌ، وغَدُورٌ، عن ابن سيدة في المخصص، وعن محمد بن أبان في كتابه العالم، وعن المطرز في شرحه. قال ابن سيدة، ومحمد بن أبان: ورجل غَدُورٌ، والأنثى بغير هاء. وزاد: "وغِدِّيرٌ". وزاد المطرز: وغُدَرَةٌ، وغُدَرٌ، وغَدِرٌ. قال ابن سيدة، ومحمد بن أبان: ويقال للرجل: يا غُدَرُ. قال أبو جعفر: قال ابن فارس في كتابه المجمل، والجوهري: والجمع يآل غُدَرَ. قال أبو جعفر: قال ابن سيدة، وابن أبان: ويا مَغْدَرُ، ويا مَغْدِرُ، ويا بن مَغْدَرَ ومَغْدِرَ / والأنثى يا غَدَارِ، لا يستعمل إلا في النداء. قال أبو جعفر: قال صاحب الواعي، وغيره: وليس يجوز أن يقال: هذا

غُدَرُ، أو هذه غَدَارِ، إنما جرى هذا في كلامهم في النداء. قال أبو جعفر: وقال [الجوهري]: وأكثر ما يستعمل هذا في النداء بالشتم، يقال: "يا غُدَرُ ألست أسعى في غَدْرَتِكَ ". قال أبو جعفر: قال صاحب الواعي: وغَدَّارَةٌ للكثير الغدر. وقال ابن التياني في مختصر الجمهرة: رجل غِدِّيرٌ: غادر، من قوم غَدَرَةٍ. قال الأخفش في كتاب صعاليك العرب: وغَادِرٌ وغدار مثل: شَاهِدٍ وشُهَّادٍ، فإذا قالوا غُدَّرٌ وشُهَّدٌ فهو محذوف. قال أبو جعفر ومقال في المصدر: غَدْرٌ، ومَغْدِرَةٌ، ومَغْدَرةٌ.

وقال اللحياني في نوادره: وغُدْرَانٌ. وقوله: "وعمدت للشيء أعمد: إذا قصدت إليه" قال أبو جعفر: قد تولى ثعلب تفسيره، وكذا فسره غيره. قال ابن التياني عن الأصمعي: ولا يقال عمدت، بكسر الميم. قال أحمد: وكذا أنكر الكسر الزمخشري في شرحه، وغيره. وحكى المطرز في شرحه عن ثعلب أنه يقال: عمدت بكسر الميم. ولم أر أحداً حكاه سواه. ويُقالُ أيضاً: تعمده واعتمده، عن ابن سيدة في المحكم، وعن ابن التياني. وحكى ابن سيدة في

المحكم أيضاً، والمطرز في شرحه: عَمَدَهُ، وعَمَدَ إليه، وعَمَدَ له. قال أبو جعفر: ويقال في المصدر: عَمْدٌ، وعَمَدٌ، وعِمَادٌ، وعُمْدَةٌ، عن المطرز / في شرحه. وقال ابن الأعرابي في نوادره: وعُمُودُ، ومَعْمَدٌ، عن ابن عرفة، ذكره في شرح شعر سحيم. قال أبو جعفر: ومعنى قول ثعلبٍ: " إذا قصدت إليه": إذا أتيته، والقَصْدُ: إتيان الشيء، تقول قَصَدتُه، وقَصَدتُ إليه، وقَصَدتُ له، بمعنى، عن الجوهري، وابن القطاع. وقوله " وهَلَكَ يَهْلِكُ ". قال أبو جعفر: معناه مات، حكاه ابن التياني عن أبي زيدٍ، وقاله أيضا ابن سيدة في المحكم، وغيره. وزاد المطرز: أو وقع في أمرٍ شديد كالموت. وأما الماضي فحكى المطرز في شرحه [عن ثعلب] عن

سلمة عن الفراء أنه: لا يجوز هلك، بالكسر في لغة من اللغات. قال أبو جعفر: ما حكاه المطرز هو المشهور عند اللغويين، وما رأيت أحداً حكى فيه سوى الفتح إلا ابن التياني في المُوعَبِ فإنه حكى عن كراع أنه يقال: هلك يهلك، بالكسر في الماضي، وقال: إنها لغة رديئة جدا. وقال الزمخشري في شرحه: والعامة تقول: هلك بالكسر، وهي لغة ضعيفة. وقال ابن جني في كتابه المحتسب في قوله تبارك وتعالى: {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} [بفتح الياء واللام من يهلك] إنما هو من باب ركن يركن، وقَنَطَ يَقْنَطُ، وكل ذلك لغات

مختلطة عند أبي بكر، قال: وقد يجوز أن يكون ماضي يهلك: هلك، كَعَطِبَ يَعْطَبُ، فاستغنى عنه بهلك، وبقيت يهلك دليلاً عليها. قال أبو جعفر ويقال: أهْلَكَهُ الله، وهَلَكَهُ الله في معنى أَهَلَكَهُ، حكى ذلك صاحب الواعي، وابن القوطية، والجوهري، وصاحب المُوعَب / وقال عن أبي عبيدة: إنها لغة لبني تميمٍ، قال: وأبو عبيد بمثله، وابن قتيبة كذلك. قال أبو جعفر: وأما المستقبل فيقال في هَلَك المفتوح: يهلك بالكسر، وفي هلك المكسور على ما حكاه ابن التياني: يَهْلَكُ، بالمفتح على القياس فيهما. ويقال في الصفة: هَالِكٌ، والجمع هَالِكُونَ وهُلْكٌ وهَلْكَى، عن المطرز في شرحه. وقال محمد بن أبان: و [هُلَّاكٌ]. وقال هو، وابن التياني، والجوهري: وهَوَالِك.

قال أبو جعفر: وفاعل وفواعل في المذكر قليل، يقال: فَارِسٌ وفوارسٌ، وهَالِكٌ وهَوَالِكٌ، ونَاكِسٌ ونَوَاكِسٌ. قال أبو جعفر: ويقال في المصدر: هَلَاكٌ، وهُلْكٌ، وهُلْكَة، ومَهْلَكَةٌ، عن المطرز. قال صاحب الواعي: وهَلْكٌ، بفتح الهاء وإسكان اللام. وقال اليزيدي في نوادره: وهَلَكَةٌ، بفتح الهاء واللام. وقال الجوهري: هُلُوكاً، ومَهْلُكا، ومَهْلِكاً، ومَهْلُكاً. قال أبو جعفر: وقال ابن خالويه في كتاب ليس، وفي الأبنية: وتُهْلُوكاٌ، قال: وأنشدنا أبو عمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي: شَبِيْبُ عادى الله من يَجْفُوكَا ... وسَبَّبَ الله له تُهْلُوكَا.

وقال محمد بن أبان عن أبي إسحاق الزجاج: وتَهْلَكَةٌ وتَهْلُكَةً على أنهما مصادر. وقال: وعند الفارسي هما اسمان، بمنزلة التَّتْفَلَةِ، والتَّتْفُلَةِ. وقال الجوهري عن اليزيذي: التَّهْلُكَة من نوادر المصادر، ليست مما يجري على القياس. وقال ابن خالويه في كتاب الأبنية له: ليس في كلام العرب مصدر على تَفْعُلَة - بضم العين - إلا حرف واحد / هَلَك تَهْلُكَةً. قال الجوهري: والاسم: الهُلْكُ. قال وقولهم: " أفعل ذاك إما هلكت هلك" بضم اللام والهاء، غبر مصروفٍ، أي: على كل حال. وقال عن الكسائي يقال: "وقع في وادي نهلك " بضم التاء والهاء

واللام مشددة، وهو غير مصروف، مثل: تُخُيِّبَ، ومعناهما الباطل. قال أبو جعفر: وحكي اللحياني في نوادره أنه يقال: مات فلان، وهَلَكَ، وفاَدَ، وجَنَّصَ، ودَنَّقَ، وعَكَّى، وهرْوَزَ، وعَصَدَ، وهَبَزَ، وقَفَزَ، وفَوَّزَ، وقَرَضَ الرِبَاط ولَقِيَ هِنْدَ الأحَامِسِ، وفَاضَ، وفَاظَ، وفَطَسَ وطَفَسَ، وقَفَسَ وفَقَسَ مقلوب، قال ويقال أيضاً: فاظت نفسه، وفاضت نفسه، تجعل الفعل [للنفس]. قال: وقال بعضهم: فاض فلان نَفْسَه، أي: قاءها. قال: وحكي الأصمعي: حان فَوْظُهُ، قال ويقال: دَابَرَ، أي: مات، وأنشد: زَعَمَ ابنُ جُدْعانَ بنِ عمـ ... ـروٍ أنَّنِي يوماً مُدَابِرْ. أي: ميِّت.

قال أبو جعفر: وذكر ابن الأعرابي في نوادره بعض ما حكيناه عن اللحياني، وزاد: وأَبَزَ، وهَزَأ، وقَحَزَ ونَفَقَ. قال أبو جعفر: وزاد أبو زيد في كتاب الغرائز: وهَدَأَ، وفَرَغَ، وبَرَدَ، وفَاقَ. قال أبو جعفر: وزاد يعقوب في ألفاظه: وقَلِتَ، وخَفَتَ، وجاَدَ، ووَجَبَ، وشَجِبَ، وتَنَبَّل، وأَشْعَبَ، وزَهِقَتْ نفسُه، وقَضَى نحبَهُ، ولَفَظَ عَصَبَهُ، ولَفَظَ نَفْسَهُ، ولعَقِ إصبعه، ولطع إصبعه. قال أبو جعفر: العَصَبُ: الريق على الشفة اليابس، أي: ضربه حتى ألقى ذلك، وذلك لا يُلْقَى. وروى المُهَلَّبِيُّ لَعِقَ بكسر العين،

وبالكسر رأيته بخط محمد بن عبد السلام/ الخُشَتِيِّ. وقال ابن الأعرابي في ألفاظه: وأَرَاحَ، وقَشَمَ. وقال ابن سيده في المحكم: وتاَغَ. وزاد الجوهري: وقَرَضَ، وقُبِضَ فلان، أي: مات. وقال صاحب الواعي: وتَرَزَ: إذا مات، حكاه عن قاسم صاحب الدلائل، وحكاه أيضاً أبو نصر البصري في الألفاظ له، وزاد: وتَزِرَ بالكسر، ورَدِي، وزَأمَ، وأَفَاتَ، وأقَصَّهُ الموت، وقَفَّى عليهم الخَبَالُ، ولَفَظَ الحياة، وعَفَّى، وتَوَى، وأنشد: [فـ] من للقوافي بعد كعبٍ يَحُوكُها ... إذا ما تَوى كعبٌ وفَوَّزَ جرولُ

وثَوَى، وعَطِبَ، وعَنِتَ ووَتِغ، ووَبَقَ، قال: وأوبقتُه أنا، قال تبارك وتعالى: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا}، وتودأت، قال: ومات حَتْفَ أنْفِهِ: إذا لم يقتل. قال أبو جعفر: وهَمَدَ أيضاً، وهَيْرَزَ هَيْرَزَةُ، وفَطَسَ وفَطِسَ، وفَطَزَ وفَطِزَ، بمعنى مات، عن ابن القطاع. قال: وخَبَصَ أيضاً، وطَنْفَسَ: إذا مات. وقال القزاز: إذا مات الرجل أو فُقِد قلت: اُخْتُلِجَ، كأنه ذهب به. وقال صاحب المبرز ويقال للذي مات: قد بُدِئ. قال أبو جعفر: أوْدَى فلان: هَلَكَ، قال امرؤ القيس: *وأودى عصام في الخطوب الأوائل*

وقال صاحب الواعي: ويقال أبن الرجل: إذا مات، قال: ذكره أبو جعفر عن أبن الأعرابي. وزاد أبو عبيد في المصنف: وظَنَّ، وتَغِبَ. وقال يعقوب في ألفاظه: ويقال: نزل به حمَامُهُ، أي: مَوْتُهُ. قال ويقال: سَاقَ، ونَزَعَ، وحَشْرَجَ، وكَرَّ، وشَقَّ بَصَرُهُ. وحكي ابن الأعرابي في نوادره أنه يقال: تَاقَ الرجل يتَوُقُ، وراَقَ يَريِقُ، وفَاقَ يَفِيقْ، وكَرَّ، و [ساق] / وغَرَّ، وغَرْغَرَ: إذا جاد بنفسه. وقوله: «وعَطَسَ يَعْطِسُ». قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: العُطَاسُ معروف المعنى، قال: وهو مأخوذ من العُطَاس الذي هو الصُّبْحُ، أو من الانتباه من النوم: لأن عُطَاس الإنسان إنما هو [تخلص من] بخار مُسْتَكِنِّ في الرأس والخياشيم، وانفساح من ضيق وغم، فهو في ذلك بمنزلة الصبح الخارج من الظلمة أو الانتباه من الرقدة.

قال أبو جعفر: العُطَاس يقع على ما يصيب، الإنسان، ويقع على الصبح أيضاً كما قال ابن درستويه، وكذا قال ابن سيدة في المحكم وصاحب الواعي. وغيرهما. وليس في بيت امرئ القيس- وهو قوله: وقد أغتدي قبلَ العُطَاس بِهَيكَلٍ ... شَدِيدِ مَشَكِّ الجَنْبِ فَعْم المُنَطَّقِ - دليل على أن العُطَاس هو الصُّبْح كما زعم بعضهم، لاحتمال أن يكون امرؤ القيس إنما أراد أن يُبَكِّر قبل أن ينتبه أحد من نومه فَيَعْطِس وذلك بليل فيتشاءم به، فيرجع عن مراده، لأن العرب كانت تتشاءم بالعطاس، قال العجاج يصف فلاة: * قطعتها ولا أهابُ العُطَّسَا* العُطَّسُ جمع عاطِسٍ، وقال الشاعر: وخرقٍ إذا وَجَّهتَ فيه لغَزوةٍ ... مضيتَ ولم تحبسْكَ عنه العواطسُ أنشده ابن التياني، وأنشده أيضاً: *لا تَلْتَوى من عاطسٍ ولا نَغَقْ** وما ذكرته من الاحتمال في البيت ذكره ابن التياني، وغيره.

قال الزمخشري في شرحه: ولا يقال لغير الإنسان يَعْطِسُ إلا للهر خاصة، وكذلك [قولهم] خرج فلان قبل العُطَاس يعنون قبل الصبح، وأصله/ قبل انتباه الناس. وفي الماضي لغتان: عَطَسَ بالفتح كما حكاه ثعلب، وهو الذي حكاه الناس كلهم. وغطس بالكسر حكاه مكي في شرحه، ولم أر أحداً من اللغويين حكاه سواه. وفي المستقبل لغتان: يَعْطِسُ بالكسر، ويَعْطُسُ بالضم: عن أبي عبيد في المصنف، وعن الجوهري، والقتبي. ولم يحك الضم في المستقبل يعقوب في الإصلاح. وحكي اللغتين أيضاً ابن سيدة في المحكم وابن التياني، وصاحب الواعي، والمطرز، [وغيرهم]، وزاد المطرز: والأفصح الكسر.

وحكي اللغتين أيضاً اليزيدي في نوادره، وقال تقول العرب عامة: يعطس بالكسر إلا قليلاً منهم يقولون: يَعْطُسُ بالضم. قال أبو جعفر: وفي الصفة: عَاطِسٌ. وفي المصدر: عَطْسَ وعُطَاسٌ، عن ابن التياني. وقوله: «ونَطَحَ الكبشُ يَنْطِحُ». قال أبو جعفر: النَّطحُ: هو ضرب الكبش برأسه، [قاله] صاحب الواعي وغيره، [قال المرزوقي: ينطح الكبش: إذا ضرب غيره بقرنه]. والنطح أيضاً مصدر نَطَحَ الشجاع قِرْنَه، قال الأستاذ أبو بكر ابن صافٍ في شرحه لهذا الكتاب: النَّطح مخصوص بالكباش. قال أبو جعفر: وكان الأستاذ أبو الحسن بن خروف يخطئه في ذلك، ويقول: قوله النَّطح مخصوص بالكباش خطأ؛ لأنه قد استعمل في غير

الكباش، حكي ابن قتيبة نَطَح الكبش والثور، وحكي اللغويون نطح الشجاع قرنه، قال: فكيف يقول إنه مخصوص بالكباش. فكان الأستاذ أبو علي الشلوبين شيخنا وقت القراءة عليه يعتذر لابن صافٍ شيخه، ويقول: يمكن أن يريد أن النًّطح أكثر ما يوجد في/ الكباش، وهي كثيرة الولوع به جداً، وليس غيرها يولع به مثلها، ولم يرد أن الكباش تختص به، ولا يوجد في غيرها، هذا ما أراده، وكيف لا يريده! والنَّطح شهير الاستعمال في الحروب، يقال: نطح الشجاع قرنه فصرعه. قال أبو جعفر: اعتذار الأستاذ صحيح، وهو قول ابن درستويه، قال في تصحيحه: ويختص بذلك الكباش، لأنها مولعة به، ويشبه بها الأقران في الحروب فيقال: تناطحوا، وانتطحوا، وأنشد الراجز: اللَيلُ داجٍ والكباش تنتطحْ فمن نجا برأسه فقد رَبِحْ

قال أبو جعفر: ويقال في الماضي: نَطَحَ بالفتح، كما ذكره ثعلب، ولا أذكر الآن فيه سواه، قال المطرز في شرحه: ونَطَّح بالتشديد. وكان الأستاذ أبو علي [يقول] وقت القراءة عليه: ليست نَطَّح بالتشديد لغة في نَطَحَ بالتخفيف؛ لأن باب فَعَّل إنما هو للتكثير، فلا ينبغي أن يجعل ذلك لغة في نَطَحَ بالتخفيف، وإنما هو بناء آخر لمعناه من التكثير، قال: فإذا وُجِدَ لهم أن نَطَّحَ لغة في نَطَحَ فمعناه أنهما بمعنى واحد، إلا فيما تُطْلَبُ به الأبنية ومعانيها. قال أبو جعفر: وفي المستقبل لغتان: يَنْطِحُ بالكسر، ويَنْطَحُ بالفتح، عن المطرز في شرحه، وعن مكي في شرحه أيضاً. وهي الصفة عن المطرز: نَاطِحٌ، ونَطَّاحٌ، ونَطيِحٌ. قال صاحب الواعي: والمفعول منطوح، ونطيح. قال أبو جعفر: قال ابن سيدة في المحكم: ليس في كلام العرب فَعَلَ يَفْعِلُ مما لام الفِعْلِ منه حاء إلا يَنْطِحُ، ويَنْكِحُ، ويَمْنِحُ، وينضح، [ويَنْبِحُ] ويَرْجِحُ، ويَأنِح، ويَأزِحُ، ويَمْلِحُ القدر،

وقوله: «ونَحَتَ يَنْحِتُ». قال أبو جعفر/ معناه نَجَرَ، قال الله تعالى: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ}، قال التدميري: أي ما تَقْشِرُون، لأنهم كانوا يصنعون الأصنام ويَقْشِرون عنها لحاء العود؛ لِتَحسُنَ وتَمَّلِسَ، والنحت هو القَشْرُ، ومنه النُحَاتَةُ، وهو ما يَتَقَشَّرُ عن العود عند النحت. قال أبو جعفر: ولا أذكر الآن في الماضي سوى الفتح، ويُقالُ في مستقبله: يَنْحِتُ بالكسر، ويَنْحَتُ بالفتح، وبالفتح قرأ الحسن (تَنْحَتُون). قال ابن جِنِّيِّ في كتابه المحتسب: أجود اللغتين [نَحَت ينحِت بكسر الحاء، و] ينحَت بفتح الحاء لأجل حرف الحلق الذي فيه، كسَحَرَ يَسْحَرُ. وحكي صاحب الواعي ومن خطه نقلته هاتين اللغتين، وزاد

يَنْحُتُ بالضم، فتجيء في المستقبل بهذه ثلاث لغات. قال المطرز في شرحه: والعود مَنْحُوتٌ، ونَحِيْتٌ. قال صاحب الواعي: ويكون أيضاً معنى نَحَتَ: نَكَحَ، يقال: نَحَتَ الرجل المرأة: إذا جامعها، قال: ويكون أيضاً بمعنى أنضى، يقال: نَحَتَ السفر البعير: إذا أنضاه، وهو جَمَلَ نَحيتٌ. قوله: «وجَفَّ التَّوب، وكلُّ شيء رَطْبٍ يَجِفُّ» قال أبو جعفر: معناه يبس بعد الرطوبة، قاله صاحب الواعي، وابن طريف، وغيرهما. ويقال: تجفجف الشيء: إذا جف وفيه بعض الندوة: عن أبي حاتم في تقويم المفسد، وعن المطرز. [قال المرزوقي: ويستعمل في كل يبوسة تعقب رطوبة، قال: والجُفَافة ما يسقط من الجاف كالنُحاتة]. وحكي المطرز بسنده عن الفراء أنه قال: سمعت الكسائي يقول

لرجل: إياك ويَجَفُّ، فإنها لُكْنَة. قال ثعلب: هذا قول الكسائي وحده، والناس كلهم يقولون: يَجِفُّ، ويَجَفُّ، والأولى أفصحهما. قال أبو جعفر: وكذا حكي الزبيدي في مختصره، وابن القطاع في أفعاله: يَجِفُّ، ويَجَفُّ، باللغتين، وابن طريف/ في أفعاله، وغيره. فمن قال: يَجِفُّ بالكسر فماضيه مفتوح، ومن فتح في المستقبل فالماضي عنده مكسور، ولولا الإدغام لظهرت الكسرة. وقد حكي أبو عبيد في الغريب المصنف، ويعقوب في الإصلاح: جَفَفْتَ، تَجِفُّ. وجَفِفْتَ، تَخَفُّ. وحكي يعقوب، والزبيدي في مختصره في المصدر: جُفُوفاً. قال يعقوب: وجَفَافًا. وحكي المصدرين ابن القطاع في أفعاله.

قال أبو جعفر: وأخذ ابن هشام على ثعلب في كونه أتى بمضارعي جَفُ و [كل] في هذا الباب، وقال: معلوم أن كل ما كان ماضيه فعل من المضاعف وهو غير متعد فإن مضارعه يأتي على يَفْعِل بكسر العين، نحو: دَبَّ يَدِبُّ وإن كان متعديا فإنه يأتي على يَفْعُل، نحو: شّدَّ يَشُدُّ، إلا ما شَذَّ منهما، قال: فإذن هذا معلوم فلا معنى لذكرهما. قال أبو جعفر: وكان الأستاذ أبو علي يقول في رد هذا القول: الذي قاله ثعلب صحيح، والذي قاله هذا المعترض خطأ؛ وذلك أنه لا يُعْرَفُ الماضي إذا لم يوصل بضمير على أي وزن هو إلا بالمضارع، فلما قالت العرب: يَجِفُّ ويَكِلُّ ولم تقل: يَجَفُّ ولا يَكَلُّ، علمنا أن الماضي فَعَل لا فَعِل ولا فَعُلَ، إذ لو كان فعل لقالوا: يَجُفُّ، أو فَعِلَ لقالوا: يَجَفُّ، فلما كان الماضي لا يُعْرَفُ [إلا] بالمضارع، وبه يستدل عليه، كان سَوْقُ الدليل أكد وأوجب

من كل ما يذكر: فإذن ذكره واجب - أعني المضارع- ليستدل به على بنية الماضي. قال: وأيضاً فإن ثعلباً لم يلتزم هذا الذي قاله هذا المعترض، من أن ما هو معلوم في القياس لا يذكره، فقد ذكر مضارعي غَوَى وذَوَى، /وهما من الياء، ومضارع فعل من الياء لا يكون إلا على يَفْعِلُ، فلأي شيء قال: «يَذْوِي ويَغْوِي» إن كان يلتزم ألا يذكر معلوماً في القياس. وقوله: «ونَكَلَ عن الشيء يَنْكُلُ». قال أبو جعفر: معناه رجع عن غير واحد. قال المطرز في شرحه: وذلك بأن يرجع عن شيء قاله، أو عدو قاومه، أو شهادة أراد أداءها، أو يمينٍ وجب عليه أن يحلف بها، يقال في كل ذلك: نَكَلَ. قال أبو جعفر: ويقال في الماضي: نَكَلَ بالفتح كما حكاه ثعلبً. وقال يعقوب في إصلاحه عن الأصمعي لا يقال: نَكِلْتُ بالكسر. قال أبو جعفر: قد حكي فيه الكسر جماعة من اللغويين، قال

صاحب الواعي يقال: نَكَلْتُ بالفتح، ونَكِلْتُ بالكسر، قال: والكسر لغة تميمية. وحكاها أيضاً ابن القطاع في أفعاله، ويعقوب في كتابه فَعَلْتَ وأفْعَلْتُ، وثابت في لحنه، ويونس في نوادره. والمطرز في شرحه والحامض في نوادره، كلاهما عن ثعلب. وحكاها أيضاً أبو حاتم في تقويم المفسد عن أبي زيد [قال]: ولم يعرفها الأصمعي. قال أبو جعفر: ويقال في مستقبل نَكَلَ المفتوح العين: يَنْكُلُ بالضم، وهو المشهور، وبالكسر عن المطرز، وعن أبي موسى الحامض في نوادره، وعن الزمخشري في شرحه، قال: والضم أفصح. ويقال في مستقبل نَكِلَ المكسور العين: يَنْكَل، بالفتح على القياس. وفي الصفة: ناكِلٌ. وفي مصدر المفتوح العين: نُكُولٌ، وفي مصدر

المكسور العين: نَكَلٌ. وحكي ثابت في مصدر المكسور/ العين نُكُولاً، وكذلك في مصدر المفتوح، ونقلته من أصله الذي عليه خطه. وقوله: «وكَلَلْتُ من الإعياء أكلُّ كَلَالاً، وكَلَّ بصري كُلُولاً وكلَّةً». قال أبو جعفر: كَلَلْتُ معناه: ضَعُفْتُ، وكذلك كَلَّ بصري: ضَعُفَ عن النظر، وكَلَّ السيف: إذا لم يقطع، والفعل من الجميع واحد، والمصدر مختلف. فمصدر كَلَلْتُ من الإعياء كَلالٌ وكَلالَةٌ، والأول أكثر؛ قاله صاحب الواعي. وقال الخليل - رحمه الله: كُلُّ ما كان من باب المضاعف [قيل مصدره] يجوز فيه الفَعَال والفَعَالة، مثل: اللَّذَاذِ واللّذَاذَةِ، والجَلالِ والجَلالَةِ، والضَّلالِ والضَّلالَةِ. وذكر أبن سيدة في المحكم هذين المصدرين، وزاد: وكَلٌّ. قال أبو جعفر: وحكي جميعها اللحياني في نوادره، واليزبدي

في نوادره أيضاً. ومصدر كَلَّ السيف والبصر وغيره من الشيء الحديد: كَلُّ، وكِلَّةٌ، وكَلاَلَةُ، وكُلُولَةٌ، وكُلُولٌ، عن ابن سيدة. قال: ويقال: كَلَّلَ، وهو كَلِيلُ، وكَلُّ: إذا لم يقطع. وقال اللحياني: أنكَلَّ السيف: ذهب حده. قال أبو جعفر: قال الزمخشري في شرحه: وقالوا في الحديد خاصة: انكَلَّ، إلحاقاَ بانْفَلَّ. قال أبو جعفر: وقد غلط الناس ابن قتيبة في رسالة أدب الكتاب، فإنه استعمل الكَلاَل في السيف في قوله: "مع كَلاَلِ الحَدِّ، وَيُبْسِ الطينة". قالوا: وهو غير معروف في السيف، وإنما هو مستعمل في الإعياء، قالوا: وقد أستدرك ذلك في باب المصادر من كتابه، فذكر أن الكَلاَلَ إنما يستعمل في الإعياء، وأن السيف إنما يقال فيه: كَلُّ يَكِلُّ كلَّة. قال/ أحمد: هذا الذي قالوه هو المشهور، وحكي المُطرِّز في شرحه عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال: يقال: كَلَّ في كُلَّ شيء يَكِلُّ كَلاَلاً: إذا أَعْيا وأنقطع، وهو كالٌ، وكليل. [ويقال في الماضي: كلِلْتُ بالكسر، عن العماني. قال: والأفصح كلَلْتُ بالفتح].

[وقوله: «وفي كُلِّه يَكِلُّ» أي: في المستقبل من الجميع يكِلُّ، بالكسر لأنها لا تتعدى]. وقوله: «وسبَحت أسْبَحُ» قال أبو جعفر: معناه عُمت، عن غير واحد. وقال الزمخشري في شرحه: السباحة هو الجري فوق الماء من غير انغماس، والعَومُ: هو الجري فيه على طريقة السباحة، إلا أنه يكون مع انغماسٍ فيه. وفي وصية بعض الملوك إلى مؤدب أولاده: علِّمهم العوم، وخُذْهُم بقلة النوم. وهذا مثل وصية غيره: علمهم السباحة قبل الكتابة، فإنهم يجدون من يكتب عنهم، ولا يجدون من يسبح عنهم. وأصل السَّبْحِ في اللغة: التصرف، والعوم تصرف، ولكنه تصرف مخصوص. وقال التدميري: السباحة العوم في الماء، والسباحة أيضاً ضرب من العدو السريع، مأخوذ من ذلك. قال أبو جعفر: وقال اللحياني في نوادره: قُرِى قوله تبارك وتعالى:

{إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً} و"سَبْخاً" قال الفراء: معنى سَبْحاً وسَبْخاً واحد، أي: فراغاً. وقال أبو الحسن: قرأها يحيى بن يعمر " سَبْخاً "، وفُسِّرِ: نَوْماً، و"سَبْحاً": فراغاً. قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: إنما ذكره ثعلب لأن العامة تقول فيه: سَبِحْتُ بكسر الباء، وهو خطأ. قال أبو جعفر: ما قاله ابن درستويه من أن سَبَحْتُ إنما ذكره ثعلب لأن العامة تقول فيه سَبِحْتُ بكسر الباء فيكون سَبَحْتُ على قوله مما فيه لغة واحدة والناس على خلافها خطأ؛ لأن المطرز قد حكي في شرحه عن ثعلب أنه يقال: سَبِحتُ بكسر الباء/ في الماضي، وقال: إنها لغة ضعيفة. قال أبو جعفر: فيجيء على هذا أن ثعلباً إنما ذكر سَبَحْتُ؛ لأن فيها لغتين؛ إحداهما فصيحة، والأخرى ليست فصيحة، فذكر الفصيحة، وترك التي هي غير فصيحة، كما شرط في صدر كتابه.

وقد حكي أيضاً مكي في شرحه: سَبِحْتُ بكسر الباء. وقال هو والمطرز في المصدر: سَبْحُ، وسِبَاحَةُ، وحكي المصدرين أيضاً ابن التياني في مختصر الجمهرة فقال: يقال: سَبَحَ الرجل وغيره في الماء، سَبْحاً، وسِباَحَة. وحكي مكي في شرحه: سَبَحَ الفرس إذا مد يديه في الجري فهو سَابِحُ، وسَبُوحُ. وقوله: «وشَحَبَ لونُه يَشْحُبُ». قال أبو جعفر: إذا تغير بِهُزال، أو مرض، أو جهد، أو جوع: عن أبي حاتم في تقويم المُفْسَد. وقيل معناه: تغيَّر، عن التدميري عن غير تقييد بشيء. وقال صاحب الواعي وقيل: الشحوب بعينه هو الهُزَال. قال أبو جعفر: ويقال في الماضي: شَحَبَ وشَحُبَ، بالفتح والضَّمِّ؛ عن يعقوب في الإصلاح، وعن أبي حاتم، وعن صاحب الواعي، وعن غيرهم.

فأما شَحَبَ بالفتح فعي مستقبله لغتان: يَشْحُبُ بالضم، ويَشْحَبُ بالفتح؛ عن ابن جني في شرح شعر المتنبي. وفي الصفة: شَاحِبٌ [وفي المصدر عن المرزوقي: شُحُوب، وشُحُوبة]. قال اللحياني في نوادره يقال: امْتُقعَ لونُه، وانْتُقِعَ لونُه، وابْتُقِعَ، واهْتُقع، واستُقِعَ، والتُقِعَ، واستُنْقِعَ، والتُمِعَ، والتُهِمَ، والتُمِئَ، وابتُسِرَ [وانتُسِفَ]، وانتُشِفَ لونه. قال أبو جعفر: وقال ابن عديس في كتاب الصواب ومن خطه عن الهروي: والتُمِغَ بالغين معجمة. وقال ابن سيده: وحكي بعضهم الْتَمَأ كاقْتَتَلَ، أبو عمرو وألتُسِع. قال عبد الواحد

اللغوي/: والتُطِعَ، بطاء غير معجمة ولام، وانتُطِعَ، بالنون والطاء غير معجمة أيضاً. وقال المطرز في شرحه: ونُطِعِ، وتَمَعَّرَ، وارْبَدَّ، وأسِفَ، وتَطَحَّلَ، ولم تبق فيه رائحة دم أي: لون دم، كل ذلك إذا تغير من غَمَّ، أو عِلَّة. وحكي: قد اسْلَهَمَّ وجهُهُ: إذا اصْفَرَّ، وتَدَعَّرَ: إذا تَبَقَّعَ بُقَعاً سَمْجَةً متغيرة، وأنشد: كَسَا عَامِراً ثوبَ المذلَّة ربُّهُ ... كما كُسِيَ الخِنْزِيرُ ثَوباً مُدَعَّرا ومُدَغَّرا، بالغين معجمة. وقوله: «وسَهَمَ وجهُهُ». قال أبو جعفر: معناه تغير من جوع أو مرض، قاله صاحب الواعي. قال أبو جعفر: قال الزمخشري: تغير من حر أو سفر، قال: ومن العرب من يجعل السهوم نفس الهزال، ومنهم من يفرق بينه وبين الهزال، قال الشاعر: وفي جِسْمِ راَعِينا سُهُوم كأَنَّه ... هُزَال ومَا [من] قِلَّةِ الطُّعْمِ يَهْزَلُ

وقال التدميري: وقيل معنى سَهَمَ: تغير بِعُبُوسٍ. [وفرق المرزوقي بين الشحوب والهُزال، فقال: شحب لونه: إذا تغير، وسهم وجهه: إذا تغير مع هزال. قال وقيل: السهوم: العبوس من الهم وغيره]. قال أبو جعفر: ويقال: سَهَمَ وسَهُمَ، بالفتح والضم، يَسْهُمُ سُهُوماً [فيهما] عن يعقوب في الإصلاح، وعن ابن سيده في المحكم، وغيرهما. وقوله: «ووَلَغَ الكلبُ في الإناءِ يَلَغُ». قال أبو جعفر: الوَلْغُ من الكلاب والسباع كلها هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع، فيحركه فيه تحريكاً قليلاً أو كثيراً؛ قاله المطرز في شرحه عن ثعلبٍ عن ابن الأعرابي.

قال مكي في شرحه: فإن كان غير مائع قيل: لَعِقَهُ، ولَحَسَهُ ولَحِسَهُ، بالفتح والكسر في الحاء. قال المطرز: فإن كان الإناء فارغاً يقال: لَحَسَ، وإن كان فيه شيء قيل: وَلَغَ. قال أبو جعفر: هذا يقتضي أنه إذا كان في الإناء شيء مائعاً كان أو غير مائع/ فإنه يقال فيه: وَلَغَ، وهو بخلاف ما حكيناه عنه قبل. فإنه قيده أولاً بقوله: من كل مائع، وقال هنا: وإن كان فيه شيء، فَعَمَّ المائع وغيره. وفيه أيضاً خلاف لما حكيناه عن مكي في قوله: إذا كان الذي في الإناء غير مائع يقال فيه: لَعِقَ ولَحِسَ. وقال المطرز: إذا كان فارغاً يقال فيه: لَحِسَ. وقال ابن درستويه: معنى وَلَغَ الكلب الإناء: لَطَعَهُ بلسانه، شَرِبَ فينه أو لم يشرب، كان فيه ماء أو لم يكن. قال أبو جعفر: كلام أبى درستويه هذا يقتضي أن الكلب إذا لَعِقَ الإناء، سواء كان فيه مائع أو غير مائع أو كان الإناء فارغاً فإنه يقال فيه: ولغ، وهو بخلاف ما تقدم. وحكي الجوهري عن أبي زيد أنه يقال: وَلَغَ الكلب بشرابنا، وفي شرابنا، ومن شرابنا.

قال أبو جعفر: قال المطرز: ولا يقال ولغ في شيء من جوارحه سوى لسانه. وقال ابن جني في شرح شعر المتنبي: أصل الوَلْغِ شُرْبُ السباع بألسنتها الماء، ثم كثر فصار الشُرْب مطلقاً. وقال المطرز: حكي ثعلب أنه قال: سمعت ابن الأعرابي وقد سئل أيكون الوُلْوغ في الطير؟ قال: لا يكون إلا في الذباب وحده. قال أبو جعفر: فهذا يقتضي أن الولوغ ليس مخصوصاً بالسبع والكلب، بل يكون فيهما وفي هذا النوع فقط. وكذلك قال المطرز في كتابه الياقوت، والجوهري في الصحاح، وابن التياني في الموعب: ليس شيء من الطير يَلَغُ إلا الذباب. وأنشد المطرز: تَذُبُّ عنه كَفُّ بها رَمَقُ ... طَيراً عُكُوفاً كَزُوَّرِ العُرُسِ عَمَّا قليلٍ خَلَسْنَ مُهْجَتَهُ ... فَهُنَّ من وَالِغٍ ومُنْتَهِسِ / قال ابن درستويه: وإنما ذكر ثعلب وَلَغَ لأن العامة تقول فيه: وَلِغَ بكسر اللام في الماضي، مثل: شَرِبَ، وهو خطأ.

قال أبو جعفر: يجيء على ما ذكره أبن درستويه أن ثعلباً إنما ذكره لأنه مما فيه لغة واحدة، والناس على خلافها، وقوله هو الخطأ، إنما ذكره ثعلب لأن فيه لغتين: إحداهما فصيحة، وهي وَلَغَ بفتح اللام، والأخرى ليست بفصيحة وهي وَلِغَ بكسر اللام، فذكر التي هي فصيحة، وترك الأخرى التي ليست بفصيحة والدليل على صحة ما نقوله أن المطرز قال في شرحه: أخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال: الفصحاء من العرب يقولون: وَلَغَ بالفتح، ومنهم من يقول: وَلِغَ بالكسر، فهذا يدل على أن ثعلباً كان يعرف اللغتين، فذكر التي هي فصيحة، وترك الأخرى على ما شرط في صدر كتابه. وحكي اللغتين أيضاً أبو علي في البارع، وابن القطاع في الأفعال، [والكرنبائي] في كتابه الوحوش، وابن سيدة في المحكم. وحكاه أيضاً أبو حاتم في تقويم المفسد، وابن التياني في الموعب، قالا ويقال: وَلِغ، قالا: واسكن بعضهم اللام فقال: وَلْغَ. قال أبو جعفر: ويقال في مستقبل وَلَغَ بالفتح: يَلَغُ بفتح اللام، ويَوْلَغُ، ذكر ذلك صاحب الواعي، ومن خطه نقلته.

وحكى مكي في شرحه، وابن جني في شرح شعر المتنبي: ويَلِغُ بالكسر. قال مكي: والجيد فتحها من أجل حرف الحلق. ويقال في مستقبل وَلِغَ بالكسر: يَلَغُ بالفتح. وحكي ابن خالويه في أبنية الأفعال، وابن القطاع في أفعاله في مستقبله أيضاً: يَلِغُ بالكسر كما في الماضي، ويَوْلَغُ/، ونسباها لأبي زيد. [وقوله: «ويُوْلَغ». هو مستقبل أولغ: إذا مكن من الولوغ، وهذا فسره بقوله: «إذا أولغه صاحبه» والمستقبل من أولغ: يُولغ، ولم تحذف الواو وإن كانت وقعت بين ضمة وكسرة، كما في يعد وبابه، لأن أصل يُولَغ: يُأولِغ على وزن يُؤَكرم، فبين الواو والياء همزة منوية وإن كان حذفت تخفيفاً]. ويقال في المصدر: وَلْغُ، بسكون السلام، ووَلَغَان بتحريكها، ووُلُوغ، عن اليزيدي في نوادره. وقوله: «ويُنْشَدُ هذا البيت:

مَا مَرَّ يومُ إلاَّ وعندهما ... لحمُ رجالٍ أو يُولَغان دَما» قال أبو جعفر: البيت لابن قيس الرقيات، ذكره غير واحد. قال ابن سيده في العويص: يجوز أن يقال: قال ابن قيس الرقيات، بالكسر والضم، فمن كسر فإنه يرده إلى قيس، ومن ضم فإنه يرده إلى ابن قيس، قال: والكسر لابن الأنباري. قال أبو جعفر: ونقلت من خط التدميري إنما سمي قيس الرقيات؛ لأنه قال: رُقَيَّةُ لا رُقَيَّةُ لا ... رُقَيَّةُ أيُّها الرجل قال وقيل: لأنه شبب بجماعة نساء، كل واحدة منهن يقال لها رُقيَّة، وقيل: غير ذلك. قال أبو جعفر: ونَسَبَ البيت الجوهري في الصحاح لأبي

زبيد. وقال بعض المشايخ: هو لابن هرمة، ونسبه الزمخشري في شرحه لمروان بن أبي حفصة. قال أبو جعفر: يصف في البيت شبلي أسد، وقبله يصف لبؤة: تُرْضِعُ شِبْلَينِ في مَغارِهِما ... قد نَهَزَا لِلِفطاَم أو فُطِمَا ويرى: وسط غِيْلِهمَا بدل في مَغَارِهِمَا. وروى عبد الدائم القيرواني في كتابه حلى العلى: "قد نهدا للفطام" بالدال غير معجمة، قال: ويُروى قد نَهَزَا بالزاى، يقال: نَهَدْت، أي: نَهَضْتُ، قال: ونَهَزْتُ مثله. قال الزمخشري: ويُروى لَحمُ رَجَانٍ: وهو المنتن. وقيل في معنى البيت: إن هذين الشبلين تحت خصب ورفاهية؛ لأن أمهما تفترس الرجال، وتطعمهما لحومهم، أو تولغهما دماء آخرين، إشارة إلى اللحم الطري، ففي كل يوم لا يخلوان من ذلك/ عن

التدميري، قال: وموضع الشاهد منه قوله: "يُولَغَانِ"، فدل على أنهم يستعملونه متعدِّياً، وغير مُتَعَدِّ، فيقولون: وَلَغَ الكلب، وأوْلَغَهُ صاحبه، فإذا بنوا المتعدي لما لم يُسَمَّ فاعله قالوا: أُوِلغَ الكلب يُولَغُ، ويُولَغَانِ: إذا كانا كلبين، وتُوْلَغُ: إذا كانت كلاباً كثيرةً. قال أحمد: وأنشده ابن جني في شرح شمر المتنبي "أو يَالَغَانِ" ثم قال: ويروى "يَلِغَان، ويُولَغَان" إلا أنه إذا رُوِيَ أو يَلِغَان ينكسر الوزن، قال: ولكن بعضهم قد رواه فاتبعناه. قال أبو جعفر: وكذا قال صاحب الموعب: إنه يروى "يَلِغَانِ" بكسر اللام. قال أبو جعفر: وكما أنشده ابن جني أعني يَالَغَان بالألف- أنشده الأصبهاني أيضاً، وقال: إن الرواية فيه بالألف. قال أبو جعفر: ولا يجوز من وَلَغَ بالفتح يَالَغُ؛ لأنه لا يجيء على هذا

المثال من فَعَلَ يَفْعَلُ، لا يقال: وَهَبَ يَاهَبُ، ولا وَقَعَ يَاقَعُ، إنما يجيء من فَعِلَ يَفْعَلَ، مثل: وَجِلَ يَوْجَلُ، ويقال فيه: يَاجَل، ويَيْجَلُ. وخُرِّجَتْ هذه الرواية على وجهين: أحدهما: ما حكيته قبل، من أنه يقال: وَلِغَ يَوْلَغُ، ثم أُبدلت الواو ألفاً. كما قالوا في يَوجَل: يَاجَل، وفي يَوحَل: يَاحَلُ. والثاني: أن يكون الشاعر أشبع فتحة الياء اضطراراً، فنشأت بعدها الألف، كما قال: أقول إذ خَرَّتْ على الكَلْكَال ... يا ناقتي ما جُلْتِ من مَجَالِ فأشبع فتحة الكاف من الكَلكَل، فنشأت الألف، فقال: الكلكال. وكما

قال الآخر: *والخَيلُ خَارِجَةُ من القَسْطَال* يريد: القَسْطَل، يعني الغُبَار، فأشبع فتحة الطاء/ فنشأت بعدها. وأما إعراب البيت فإن قوله: «لحم رِجَال»، مرتفع على أنه مبتدأ، وخبره في الظرف قبله الذي هو «عندهما»، والجملة في موضع الحال، أي: ما مر يوم إلا مصادفاً عندهما ذلك. وقوله: «أو يُولَغَان» جملة حالية معطوفة على الجملة الحالية التي هي وعندهما لحم رِجَالٍ، كأنه قال: ما مر يوم إلا وهما في هذه الحال، أو في هذه الحال. وقوله: «دَماً» قيل فيه: إنه مفعول على أسقاط حرف الجر، وقيل فيه: إنه مفعول ثانٍ ل"يولَغَان"، لأنه بمعنى يُسْقَيَانِ دَماً، وأنشد الفراء: شَرُّ قَرِينٍ لِقَرينٍ بَعْلَتُهُ ... تُولِغُ كلباً سورَهُ أو تَكُفِتُهُ

والمفعول الأول هو الألف التي هي ضمير الشبلين في "يُولَغَانِ" والتقدير: أو يُولَغُ الشَّبْلانِ دماً. وقوله: «وأَجَنَ الماء يَاجِنُ، ويأجُنُ». قال أبو جعفر: أخْتُلِفَ فيه، فقيل معناه: تغير لونه وطعمه لطول ركوده، وتقادم عهده، قاله ابن درستويه، وأنشد: ومنهلٍ فيه الغرابُ مَيْتُ كَأنَّه من الأجُونِ الزَّيْتُ سقيتُ منه القومَ واستقيتُ وقيل: معناه تغير غير أنه شَروُبٌ، قال ذلك أبو عبيد في المصنف، وصاحب المبرز، وابن سيدة في المخصص، وابن القطاع في أفعاله، وكراع في المُنَظَّم، وابن طريف. وقيل معناه: تَغَيَّرَ، ولم يقيدوه بشيء، قال ذلك صاحب الواعي،

والمُطرِّز وابن خالويه. قال الزمخشري: الأجُونُ: تغير لون الماء، والأسُونُ: تغير طعم الماء. قال ابن درستويه: وإنما ذكره ثعلب لأن العامة تقول فيه: أجِنَ بكسر الجيم من الماضي؛ وهو خطأ، إلا بالفتح. قال أبو جعفر: / كسر الجيم من الماضي ليس بخطأ، حكاه صاحب الواعي، وكراع في المجرد، وأبو حاتم في تقويم المفسد حكاه عن أبي ريد، وحكاه أيضاً ابن القطاع في أفعاله، وابن طريف في أفعاله أيضاً، وقالا: وأَجِنَ الرجل، بكسر الجيم، لا غير: غَضِبَ. قال ابن القطاع: وأجَنَ القصار الثوب، بفتح الجيم: دقَّهُ. وحكي ابن سيدة في كتابه المحكم أجُنَ، بضمِّ الجيم، فيجيء في

الماضي ثلاث لغات. قال أبو جعفر: ويقال في الصفة: أجِنُ بالمد، وأَجِينُ بالقصر، وأَجْنٌ بالسكون في الجيم وأجِينُ بالقصر وبالياء، وأجُونُ، حكي ذلك صاحب الواعي، ومن خطه نقلته. وحكي ذلك أيضاً صاحب الموعب إلا أجُوناً، فإنه لم يحكه. ولم يحك ابن سيدة في المخصص أجُوناً أيضاً، ولا أجِناً بالقصر، وحكي ما عداها. ويقال في مستقبل المفتوح الجيم: يَاجِنُ ويَأجُنُ، بالكسر والضم، كما حكاه ثعلب. وفي مستقبل أجِنَ المكسور الجيم: يَأُجَنُ بالفتح على القياس، وفي مستقبل المضموم: [يَاجُنُ] بالضم على القياس. ويقال في مصدر المفتوح الجيم: أَجْنُ بسكون الجيم، وأًجُونُ. قاله كراع في المجرد، وصاحب الموعب، وصاحب المبرز، والمطرز. وفي مصدر المكسور الجيم: أَجَنُ بفتح الجيم، قاله غير واحد. قال أبو جعفر: ويقال: أَجَمَ الماء، أجُوماً، بالميم، حكاه ابن

التياني عن قطرب. وفي الصفة آجِمُ، قال صاحب الواعي: الآجِمُ من الماء: المتغير مثل الآجِنِ. وأنشد يعقوب في كتاب القلب والإبدال: وتَشْرَبُ أسْاَرَ الحِيَاَضِ تَسُوفُها ... ولو وَرَدَتْ ماء المُرَيْرَةِ آجِماَ قال: أراه أراد آجناً. وقوله: «أسَنَ الماء يَاسِنُ، ويَاسُنُ». قال أبو جعفر/: معناه تغير، عن ابن التياني، وابن طريف في أفعاله، وغيرهما. وزاد صاحب الواعي وأنْتَنَ. وكذا قال أبو عبيد في المصنف، وابن سيدة في المخصص، وكراع في المنظم: وهو الذي لا يشربه أحد من نَتَنِهِ. وقال المطرز، وابن خالويه: معنى أسَنَ وأجَنَ واحد، فلم يفرقا بينهما، ولا قيداه بشيء كما قيده غيرهما.

ويقال في الماضي [أيضاً]: أَسِنَ بالكسر، حكاه صاحب الواعي، وكراع في المجرد، وابن القطاع في أفعاله، وابن طريف في أفعاله، وصاحب الموعب، وزاد صاحب الموعب، وابن طريف وابن القطاع، وقطرب: وآسَنَ بالمد، فتجيء ثلاث لغات. ويقال في مستقبل المفتوح السين: يَأسِنُ ويَاسُنُ، بالكسر والضم، على القياس كما حكاه ثعلب. وفي مستقبل المكسور السين: يَأسَنُ، بالفتح على القياس أيضاً. ويقال في الصفة: آسِنُ بالمد، وأسِنُ بغير مد، عن مكي في شرحه، ويقال في مصدر المفتوح السين: أَسْنُ بالإسكان، وفي المكسور السِّين: أسَنُ بالتحريك، عن صاحب الواعي وغيره. وعن ابن طريف: أُسُونُ في مصدر أَسَنَ المفتوح السين، وأَسَنُ بالتحريك في مصدر أسِنَ بالكسر.

وحكى ابن القطاع: أسْناً، وأُسُوناً في مصدر المفتوح السين. وحكى ابن التياني عن قطرب في مصدر المفتوح السين الممدود آسَن: إِسَاناً. وقوله: «وغَلَتِ القِدْرُ فهي تَغْلِي». قال أبو جعفر: معناه أرتفع ماؤها من شدة التسخين، قاله صاحب الواعي، وغيره. قال مكي: وقد يستعار في الغضب فيقال: غَلَتْ قِدرُهُ، أي: فار غضبه. قال أحمد: ويقال في الماضي: غلت كما قال ثعلب، أنشد أبو زيد في نوادره: /وكُنَّا كَذَاتِ القدر لم تَدْرِ إذ غَلَتْ ... أتُنْزِلُها مذمومةً أم تُذِيْبُهَا قال يعقوب في الإصلاح، واليزيدي في نوادره، وغيرهما: ولا

يقال غَلِيَتْ. وأنشد يعقوب لأبي الأسود الدؤلي: ولا أقولُ لِقِدْرِ القومِ قد غَلِيَتْ ... ولا أقولُ لبابِ الدَّار مَغْلُوقُ قال أبو جعفر: أخبر أنه فصيح لا يَلْحَنُ، فلا يقول غَلِيَتْ، وإنما يقول غَلَتْ. وكذا قال ابن سيدة وغيره، وما رأيت أحداً من اللغويين حكي غَلِيَتُ إلا ابن المغربي، فإنه حكاه في مختصر الإصلاح، وقد قدمنا أن يعقوب أنكره في الإصلاح، فهو منفي في الأصل، ومثبت في الفرع، فيمكن أن يكون ابن المغربي قد بلغته رواية [في الإصلاح فأثبتها. ويقال في المصدر غَلْيُ وغَلَيان] عن غير واحد. قال ابن سيدة: وأغلاها، وغَلاَّها. وقوله: «وغَثَتْ نفسي فهي تَعْثِي».

قال أبو جعفر: أي جاشت للقيء، وتحركت له. عن التدميري، وقال عن صاحب العين: غَثَتْ نفسي، أيْ: خَبُثَتْ. قال أبو جعفر: قال ابن درستويه والعامة تقول: غَثِيَتْ، بكسر الثاء وإثبات الياء وهو خطأ. قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكي صاحب الواعي، وابن سيده في المحك، وابن التياني، ومحمد بن أبان حكاه عن أبي زيد أنه يقال: غَثِيَتْ، على وزن رَضِيَتْ. وفي مستقبله: تَغْثَى. قال صاحب الواعي، واليزيدي في نوادره. وابن القوطية، وأبو مسحل: وفي المصدر غَثْيُ، وغَثَيانُ. وحكي أبو عمر المطرز في شرحه عن أبن الأعرابي أنه قال: يقال: غَثَتْ نفسه، ولَقِسَتْ، وخَبُثَتْ، وضاقت، وتَبَعْثَرَتْ، وتَمَذَّرَتْ،

وتَرَمَّضَتْ، وتَعَرَّبَتْ، وتَمَقَّسَتْ، كله بمعنى واحد. قال أبو جعفر: وزاد محمد بن أبان: ورَانَتْ، وغَانَتْ، وجَاشَتْ نفسه/ مثل ذلك. وقال هو أيضاً، والمطرز عن ابن الأعرابي: إن أعرابياً اصطاد بومة من مقبرة، فذبحها وشواها وأكلها، يُقَدِّرُ أنها سمانى، قال: فغثت نفسه، واشتكى فقال: *نَفْسِي تَمَقَّسُ مِنْ سُمَانَى الأَقْبُرِ* قال أبو جعفر: وحكي أيضاً هذه الحكاية أبو حاتم في كتابه عنى أبي زيد، وأبن التياتي أيضاً. وقال أبو حاتم: تَمَقَّسُ: تَجِيشُ وتضطرب. وقوله: «وكَسَبَ المال يَكْسِبُه». قال أبو جعفر: معناه: ابتغاه ووجده، قاله ابن درستويه.

قال أبو جعفر: ويقال: كسب المال، واكتسبه، وكَسَبْتُ الرجل مالاً فَكَسَبَهُ، وهو أحد ما جاء على فَعَلْتُهُ فَفَعَلَ. وأكسبته خطأ، حكي ذلك ابن التياني في مختصر الجمهرة، وصاحب الواعي. وحكي الخطابي، وابن القطاع: كَسَبْتُ الرجل المال، وأكْسَبْتُهُ غيري، قال الخطابي: وأفصحهما حذف الألف. وحكي أيضاً أكسبته بالألف مكي في شرحه، وقال: هي لغة رديئة. وحكاها أيضاً المطرز في شرحه عن ابن الأعرابي، وأنشد: *فأَكْسَبَنْي مالاً وأكْسَبْتُهُ أجراً* قال أبو جعفر: قال أيضاً المطرز في كتابه غريب أسماء الشعراء يقال: كَسَبَ واكْتَسَبَ، وحَرَثَ وأحْرَثَ واحْتَرَثَ، وقَرَشَ وأقْرَشَ واقْتَرَشَ

، وحَرَشَ وأحْرَشَ واحْتَرَشَ، ودَبَشَ وأدْبَشَ ودْبَّشَ، كله إذا أكد على عِيَالِهِ. وقال الحامض في نوادره: وهَبَشَ. واهْتَبَشَ، وعَسَمَ، واعْتَسَمَ، وهَبَلَ. واهْتَبَلَ، وجَرَمَ، واجْتَرَمَ. وقال ابن الأعرابي في ألفاظه: وخمش. وقمش، وخرش، وكدش، وكدح، وقرف، واعتصف. قال مكي في شرحه: قوله «وهو الكَسْبُ» /والكِسْب أيضاً، بفتح الكاف وكسرها، والفتح أفصح. [قال الشيخ أبو جعفر: (والكزب) أيضاً بالزاي لغة في الكسب، والعرب تبدل من السين زاياً في كثير من كلامها كما (قالوا: الأزَد) وأصله الأسد، والزراط وأصله السراط]. وقوله: «رَبَضَ الكلب يَرْبِصُ». قال أبو جعفر: قال التدميري: هو مثل بَرَكَ البعير: إذا جمع يديه

ورجليه وألصق بَرْكَهُ بالأرض، وهو صدره. قال أبو جعفر: وقال ابن مريد في الجمهرة يقال: رَبَضَتِ الشاة وغيرها من الدواب، ورَضَبَتْ لغة مرغوب عنها، قال: وقد يقال للحافر: رَبَضَتْ، قال: وربما قيل للسباع، فأما المعروف للسباع فَجَثَمَ. قال أبو جعفر: وقال يعقوب في كتاب الفرق يقال في ذوات الحافر وذوات الأظلاف والسباع: قد رَبَضَتْ ويقال للإنسان: قَعَدَ وجَلَسَ، ويقال للبعير: بَرَكَ، ولا يقال: ناخ، ويقال في الطائر والأرنب والخِشْفِ: قد جَثَمَ. وقال ابن السيد في الاقتضاب: قد استعمل البروك في غير البعير، والزُّبوض في غير الشاة، والجثوم في غير الطائر،: وروي عن رجل من العرب كان يلقب البُرَك أنه قال في بعض حروبهم: *أنَا البُرَك أبْرُكُ حَيْثُ أُدْرَكُ*

وقال أبو حاتم في كتاب الفرق: وقالوا في البعير والنعامة: بَرَكَ بُرُوْكاً، وفي الحافر والظلِّف والسِّباع: رَبَضَ، وقال أبو عبيدة: جَثَمَ البعير. وقال أبو حاتم في كتاب الفرق ويقال: جَثَمَ الإنسان، وغيره، وجَثَا. قال أبو جعفر: ويقال في المصدر: رَبْضُ وربُوُضُ، عن ابن دريد في الجمهرة. ولا أذكر الآن في الماضي سوى الفتح، [قال العماني: ولم يسمع يربُض بالضم في المستقبل]. وقوله: «ورَبَطْتُ الشيء أَرْبِطُهُ». قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: هو كمعنى شد الحبل أو الخيط، أو نحوهما: إذا عقد عليه. قال أبو جعفر: ولا أذكر الآن في ماضيه سوى الفتح، وفي المستقبل

/لغتان: يَرْبِطُ ويَرْبُطُ، بالكسر والضم، عن صاحب الواعي، وعن الجوهري، واليزيدي في نوادره، وعن المطرز. وزاد اليزيدي والمطرز: والكسر أفصح. ويقال قي المصدر: رَبْطُ ورِبَاطُ، عن المطرز، [وعن اليزيدي أيضاً. وعن مكي في شرحه] ومَرْبَطَ، بفتح الباء. قال: فأما المَرْبِطُ بكسر الباء فالموضع الذي يُرْبَطُ [فيه]، والمِرْبَطُ: الحبل الذي يربط به، قال: والرَّبْطُ يستعمل في كل شيء، والعرب تقول: نعم الرَّبيِطُ هذا الفرس [وحكي العماني في المصدر: رَبْط، ورُبوط، ورَبِاط]. قال أبو جعفر: وثبت في بعض النسخ «ونَحَلَ يَنْحَلً». نَحَلَ معناه: هُزِلَ من مرض أو عشق، عن صاحب الواعي. وعنه وعن أبن

القطاع وعن المطرز في الماضي لغتان: نَحَلَ ونَحِلَ، بالفتح والكسر وحكي اللغتين ابن طريف، وقال: المشهور من كلام العرب الفتح في الماضي، ونَسَبَ نَحِلَ المكسورة الحاء لابن دريد. ويقال في مستقبل نَحَلَ بالفتح: يَنْحِل ويَنْحَلُ، بالكسر والفتح، عن ابن عديس. وقال التدميري في شرحه لأدب الكتاب عن ابن كيسان: يَنْحَلُ ويَنْحُلُ بالفتح والضم في مستقبل نَحَلَ بالفتح. قال أبو جعفر: وفي الصفة نَاحِلُ. وفي المصدر عن صاحب الواعي. نُحُولُ فيهما. وعن المطرز في شرحه: نَحَلُ بفتح الحاء في مصدر نَحِلَ المكسورة الحاء، ونُحُولُ في مصدر المفتوحة الحاء. قال أبو جعفر: وحكي صاحب الواعي أنه يقال: النُّحُلُ يراد به الدقة،

قال: وأحسبه يراد به التحول، ثم تحذف الواو فيصير نحلاً، والعرب ربما فعلت ذلك في بعض كلامها. وحكي أيضاً: قد أنْحَلَ فلاناً الهم: إذا أرَقَّهُ، وقالوا: سيف ناحل؛ لرقته، وجَمَل نَاحِلُ: دقيق مهزول. قال أبو جعفر: وثبت أيضاً في بعض النسخ: «وقَحَلَ يَقْحَلُ» ومعناه: يَبِس، قاله أبو عبيد في الغريب المصنف/، وابن دريد في الجمهرة، وغيرهما. وقال ابن التياني: قَحَلَ الشيخ، وقَحِلَ: يبس جلده على عظمه. وفي ماضيه لغتان: قَحَلَ وقَحِلَ، بالفتح والكسر، عن أبي عبيد، وعن يعقوب في الإصلاح، وعن ابن سيده في المخصص، وقال عن أبي حنيفة: والكسر لغة ضعيفة. قال: وفي المصدر قُحُولُ فيهما حكاه عن أبي عبيد. قال ابن سيده: ويقال: قَحَلَ جلده، وتَقَحَّلَ وتَقَهَّلَ على البدل: يبس من العبادة خاصة. قال أبو جعفر: وحكي المطرز عن ابن الأعرابي أنه يقال: قَحَلَ الشيء، وقَهَلَ، وجَفَّ، وقَفَّ كله بمعنى واحد: إذا جف. وحكي صاعد في الفصوص: قَفَلَ الشيء يَقْفُل قفولاً.

باب "فعلت بكسر العين"

باب "فَعِلت بكسر العين" قوله: «قَضِمَتِ الدَّابةُ شعيرَها تَقْضَمُهُ» قال أبو جعفر: قال صاحب الواعي معناه: أكَلَتْهُ، وكذا ما أشبه الشعير في اليبس. قال: وأصل القَضْمِ: الدَّقُّ، وفي الحديث: (فأعطانيه- يعني: السواك- فَقَضِمتُه)، أي: كسرته، قال: والكسر لا يكون إلا في الأشياء الصلبة، قال: ومعنى خَضِمت: أكلت الرطب. قال أبو جعفر: ما ذكره عبد الحق من الفرق بين القَضم والخَضم، واختصاص القَضم بأكل اليابس، والخضم بأكل الرطب، قد قاله غير واحدٍ. قال محمد بن أبان في كتابه العالم، وابن سيدة في كتبه،

وابن جني، وابن درستويه، وغيرهم: القضم لليابس، والخضم للرَّطْب. وحكى أيضاً محمد بن أَبان، وابن سيده، وكراع في المنظم: أن القَضْمَ الأكل بأطراف الأسنان، والخضَم بالفم كلِّه. قال أبو جعفر: وهذا راجع إلى القول الأول في المعنى؛ لأنَ الإنسان ما يأكل بأطراف أسنانه إلا الأشياء الصُّلْبة، ويأكل بجميع فمه / الأشياء الَّلَّينة فكأنَّه في المعنى أيل إلى أنّ القضم أكل اليابس، والخضم أكل الرَّطْب. وكذا قال مكِّي في شرحه، قال: إذا كان القضم أكل الشيء بأطراف الأسنان فكأنه أكل الشيء القليل، والخضم أكل الشيء بالفم كلِّه فكأنه أكل الشيء الكثير، وأنشد: تَبَّلغ بأخلاقِ الثِّيابِ جَدِيدَهَا ... وبالقَضمْ حَتْى تُدْرِكَ الخَضْمَ بِالقَضْمِ قال أبو جعفر: وحكى صاحب الواعي عن الكسائي: أنّ الخضم

للإنسان بمنزلة القضم للدَّابَّة. وجاء ابن جنيٍّ في الخصائص وأبدى بزعمه حكمة في استعمالهم القضم لليابس والخضم للرَّطْب، وقال: اختاروا الخاء لرخاوتها للرَّطْب، والقاف لصلابتها لليابس، وذكر أشياء من هذا النَّحو ممَّا حاكت فيه المعاني ما بالألفاظ. فقال [أبو] محمد بن السيِّد: لعَمْرِي إنَّ العرب رُبَّما حاكت المعنى باللَّفظ الذي هو عبارة عنه في بعض المواضع، ويوجد تارة ذلك في صيغة الكلمة، وتارة في إعرابها، فأمَّا في الصِّيغة فقولهم للعظيم الرَّقَبة: رَقبانُّي، والقياس رَقَبِيَّ، وللعظيم اللِّحية: لحيانيَّ، والقياس لحييَّ، وللعظيم الجمة: جماني، فزادوا في الألفاظ على ما كان ينبغي أن تكون عليه، كما زادت المعاني الواقعة تحتها. وكذلك يقولون: صرَّ الجُنْدِب: إذا صوَّت صوتاً لا تكرير فيه، فإذا كثَّر الصوت قيل: صَرصَر. وأمَّا محاكاتهم المعنى بإعراب الكلمة دون صيغتها فإنا وجدناهم يقولون: صعد زيد في الجبل، وضرب زيد بكراً، فيرفعون اللفظ كما ارتفع/ المعنى الواقع تحته. قال أبو محمد: ولكن هذا قياس غير مُطَّرد، ألا تراهم قالوا:

أسد وعنكبوت، فجعلوا اللفظين مخالفين للمعنيين. وقالوا: زيد مضروب، فرفعوه لفظاً وهو منصوب معنًى، وقالوا: مات زيد، وأمات الله زيدا، وأحدهما فاعل على الحقيقة، والآخر فاعل على المجاز. فإذا كان الأمر على هذا السبيل، كان التشاغل بما تشاغل به ابن جني عناءً لا فائدة فيه. قال أبو جعفر: ويقال: قَضَمْتُ وقضِمْتُ، وخَضَمْتٌ وخَضِمْتُ، بالفتح والكسر فيهما، حكى ذلك ثابت في لحنه، ولم أر أحداً حكى الفتح في قضمتُ إلا ابن طلحة. وأما خضمت بالفتح أيضاً فقد حكاه أبو مسحل، وابن القطاع. وقوله:"وكذلك بَلِعتُ الشيء أَبلَعُه". قال أبو جعفر: البلع: [هو] إرسال الطعام في الحلق من غير مضغ، عن الزمخشري وابن الدهان. قال الزمخشري ويقال: البلع يكون للطعام والشراب، والدليل عليه قوله تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي}.

وقال: والبلاعُ اسم لما يُبلع من طعام، أو شراب، كما تقول: طعام لما يطعم، وشرابٌ لما يشرب. قال ابن التياني، وابن سيدة: وبلِعَ الماء: جرعَهُ. قالا: وبلع الرجل الشيء وابتلعه. وزاد ابن سيدة: وتبلعه، حكاه [عن] ابن الأعرابي. وقال ابن التياني في مختصر الجمهرة: وكل شراب بلوع، ورجل بُلَع، وامرأة بُلَعَة: كثير الأكل. قال وفي الموعب: والبلعةُ من الماء بفتح الباء كالجَرْعَة. قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: وإنما ذكر ثعلب بَلِعت لأن العامة تفتح ماضيه، وهو خطأ، إنما ماضيه بالكسر لا غير. قال أبو جعفر: الفتح في بلعت ليس بخطأ كما قاله ابن درستويه،

وحكى صاحب الموعب عن الفراء أنه قال: بلَعتُ الشيء وبلِعْتُهُ لغتان، والكسر أجود من الفتح، قال: ويَبْلَع بالفتح باللغتين جميعاً. قال أبو جعفر: وحكى الفتح أيضاً في بلعت يعقوب في كتابه فعَلْتُ وأَفْعَلْتُ. قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: وسُميت البالوعة على فاعُولةٍ، والبَلُّوعة على فعولةٍ؛ لأنها تبلع المياه، / وهي البواليع، والبلاليع. وقال المطرز فى شرحه ويقال لها أيضاً: البَلُّوقة، وجمعها بَلَالِيق، قال: وقد جاءت البلاعة والبلاقة على وزن علاَّمة. قال ابن درستويه: وقد يستعار في غير ذلك، فيقال: اَبلعني رِيْقِي، أي: امهلني حتى أقول وأفعل. وقال ابن سيدة في المحكم: والمبلعُ، والبُلْعوم، والبلْعُمُ، كله مجرى الطعام. وقوله:"وسَرِطْتُهُ أَسْرَطُهُ".

قال أبو جعفر: سرطاً، وسرطاناً، عن الزمخشري في شرحه. ومعناه: بلعته بسرعة، عن مكيٍّ في شرحه. وقال الجوهري: سرطتُ الشيء، واسترطتُهُ: بلعته. وكذا قال ابن درستويه، إلا أنه قال: لا يكون إلاَّ في الطعام الليِّن خاصة، ولا يقال في الشراب، وكلٌ ما نزل في الحلق بسرعة وسهولة وبُلع كله لمرة واحدة، قال: ومنه قيل للفالوذ: سرطْراَط؛ لسرعته وجريه في الحلق، ويقال في المثل:"الأخذ سُريطى، والقضاء ضُرَّيطَى"يعني به: سهولة الأكل على المستدين بدينه، وصعوبة قضاء الدين عليه.

وقال الجوهري: وفي المثل:"لا تكن حلواً فَتُسْتَرطَ، ولا مُراً فتُعقى، من قولهم: أعقيتُ الشيء: إذا أزلته من فيك لمرارته، كما يقال: أشكيت الرجل: إذا أزلته عما يشكوه. قال أبو جعفر: ويقال أيضاً: /"الأخذ سُرَّيط، والقضاء ضُرَّيط"حكاه غير واحد. وحكى اللحياني في نوادره: رجل سَرْطَمٌ، وسرْطمٌ؛ للذي يبتلع كلَّ شيءٍ. وقال ابن درستويه: إنما ذكر ثعلب سرطته؛ لأن العامة تقول: سرطتُهُ، بفتح الراء، وهو خطأ. قال أبو جعفر: قد حكى يعقوب بن السِّكِّيت في كتابه فعلت وأفعلت عن الفرَّاء أنَّه يقال: سَرَطَ وسرِطَ، بالفتح والكسر في الماضي. وفي مستقبل المفتوح: يَسرُطُ بالضَّمِّ. وحكى ابن طلحة أيضاً: سرطْتُهُ بالكسر، وسرطته بالفتح، وسرطتُهُ بالفتح وتشديد الراء. قال صاحب الواعي: ومسرطُ الإنسان هو مجرى الطَّعام.

وقوله:"وزردتُهُ أَزْردُه". قال ابو جعفر: زرْداً، وزَرَداناً، عن الزمخشري. قال ابن درستويه: هو بمعنى سرطته، وهو سرعة البلغ، إلا أنَّه دونه. وقال ابن سيده في المحكم: معناه بلعْتُهُ. قال ابن درستويه: وإنما ذكره ثعلب: لأنَ العامة تقول: زردتهُ بالفتح في الماضي، وهو خطأ. قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى ابن دريد في الجمهرة، وابن سيده في المحكم: زرد الشيء وزرده، بالكسر والفتح، وازدرده: إذا ابتلعه. وحكى اللغتين أيضا - أعني زرد، وزرد - ابن القطاع.

وقال أبو عمر المطرز في كتاب غريب أسماء الشعراء: تقول: زرِد فلان الشَّيء زَرَداً، وزَرْداً بالتحريك والإسكان، وازدَرَدَه، ومن العرب من يقول: ازدار بمعنى ازدَرَدَ. وقوله:"ولقمْتُ الشَّيء أَلْقَمُ". قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: هو وضع الُّلقمَة في الفم خاصَّة دون البلع. قال الزمخشري: وأصل اللَّقم السدُّ، فالمُلتقم كأنه يسد خرزة فيه أو حلقه بما يتناوله من الطعام، واللقمة: اسم ما يلتقم دفعة واحدة، قليلاً كان أو كثيراً. / قال ابن درستويه: ويقال: تلقَّمْتُهُ، والتَقَمْتُه، ولقمت غيري. قال: وإنما ذكره ثعلب؛ لأن العامة تقول: لقمت، بفتح الماضي، وهو خطأ. قال أبو جعفر: ويقال: لَقِمْتُ اللقمة، وزردْتها، وبَلعتُها،

وسرِطْتُها، وسَلِجْتُها بكسر اللام، بمعنى واحدِ، عن يعقوب في الإصلاح. [قال الشيخ أبو جعفر: ما حكيناه في هذه الألفاظ التي تقدمت من فعِلت وافتعلت،"كـ"بلعت وابتلعت وسرِطت واشترطت، ولقمِت والتقمت، كأن في افتعل من هذه الأبنية في هذا الباب زيادة تكلف] وقال ابن درستويه: وهذا الباب كله على وزن واحد، ومعنى واحدٍ. ومصدره كله على فعل، ساكن العين مفتوح الفاء. كالبلع، واللقم، والزرد، والسرط: لأنه كله متعد. وقوله: "وجَرِعْتُ الماء أَجْرَعُهُ". قال أبو جعفر: معناه بلعته، قاله ابن درستويه، قال ومنه قيل: تجرعته: إذا بلعت منه شيئاً بعد شيء بشدة، قال الله تبارك وتعالى: {يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ} ومنه قيل: تجرع الغيظ، وجرعته الهم، ونحوه. وقال صاحب الموعب: الجرع في الناس والحافر كله والظلف، وهو شرب في عجلة.

قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: وإنَّما ذكره ثعلب؛ لأن العامة تقول فيه: جَرَعْتُهُ، بفتح الماضي، وهو خطأ. قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى أبو عبيد في الغريب المصنف عن الكسائي، وابن قتيبة. وابن سيدة في المحكم، وصاحب الواعي، وابن التيانى، ومحمد بن أبان، أنه يقال: جرع الماء، وجرعَ، بالكسر والفتح. قال صاحب الواعي: وكل ما كان على مثل هذا فهو على فعل بكسر العيد إلا هذا الحرف، يقال: بلعته، وعضضته، وسففته، وجَرِعْته وجَرَعْته. قال أبو جعفر /: كل ما ذكره عبد الحق يجوز فيه الوجهان، وسنذكر جميعه إذا انتهينا إليه إن شاء الله تعالى. وقال صاحب الواعي أيضاً، وابن التياني ويقال: تجرع الماء، واجترعه. وقال ابن درستويه: والجرعة بالضم: مقدار ما يتجرع منه،

والجرعة بالفتح: المرة الواحدة. وحكى هذا أيضاً ابن سيدة في المحكم، وصاحب الواعي - أعني الفرق بين الجُرْعَة والجَرْعَة - وزاد ابن سيدة فقال ويقال: الجُرْعَة والجَرْعَة: الاسم. قال أبو جعفر: وحكى هذا أيضاً يعقوب في الإصلاح في باب"فَعْلَة وفُعْلَة"بمعنى واحد، فقال يقال: جُرْعَة وجَرْعَة. وحكاه أيضا ابن التياني عن اللحياني. قال عبد الحق، وابن التياني العرب تقول: "الجَرْعُ أروى، والرشِيف أشرَب". قال أبو جعفر: وذكر هذا المثل أيضا ابن درستويه، وفسره، فقال: أي بلع الماء أسرع للري، وترشفه أدوم للشرب، قال: يُضرب ذلك للنفقة والإسراف والقصد. قال أبو جعفر: وحكى صاحب الموعب في مصدر جرعَ: جرعاً، وجُرَعاً، وجُرْعةً مثل: ظُلْمَةٍ وظُلَم. وقوله:"ومًسِستُ أمسُّ".

قال أبو جعفر: إذا لمستهُ بيدك لتعلم لينه من خشونته. قال ابن درستويه: العامة تقول: مسستُه بفتح الماضي، وهو خطأ. قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى الجوهري في الصحاح، وابن القطاع عن أبي عبيدة، والمطرز في شرحه عن ثعلب عن ابن الأعرابي، وثابت في لحنه، ويعقوب في إصلاحه، أنه يقال: مَسسْتُ بالكسر، ومسستُ بالفتح، والأفصح مسستُ بالكسر. قال عبد الحق: ويقال: ماسستُه أيضاً.

قال أبو جعفر: وقال الجوهري: وربما قالوا: مِستُ الشيء، يحذفون منه السين الأولى ويحولون / كسرتها إلى الميم، ومنهم من لا يحول ويترك الميم على حالها مفتوحة، قال: وهو مثل قوله تبارك وتعالى: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} يكسر ويفتح، وأصله ظللتم. وهو من شواذ التخفيف. وأنشد: مَسِنا السَّماء فَنِلْنَاها وطَالَهُمُ ... حَتَّى رَأوا أُحُداً يَهْوِي وثهْلاناً قال أبو جعفر: فإذا أردت المستقبل من قولهم ظلتُ، ومستُ، رددته إلى الأصل؛ لأنَّ المستقبل قاعدة التصريف، وعليه مدار الأفعال، فلا يحل بالقواعد. فنقول في الأمر منه: امسس على الأصل، وإن شئت قلت:

مَسِّ، ومَسَّ. قال: وأمسَستُه الشيء فمسَّهُ. قال أبو جعفر: وحكاه أيضاً يونسُ في نوادره، فقال يقال: ما مَسِتُهُ، ومسستُهُ. قال أبو جعفر: وفي مصدر مسستُ عن صاحب الواعي: مُماسة، ومساس، قال الله جل ثناؤه: {فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ} أي: لا مُماسَّة. قال: ومن العرب من يقول: لا مساس، بفتح الميم وكسر السين، يجعله مثل: نزال، ودراك. قال أبو جعفر: وحكاه أيضاً سيبويه، وفسَّره مكي فقال: أيْ: لا تمسُّني ولا أمسك، أي: لا اختلاط بيننا. قال صاحب الواعى: ويكنى بالمساس عن الجماع، ومنه قوله

تبارك وتعالى: {مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ}. قال أبو جعفر: ويقال في مصدر مسستُ: المَس، والمَسيسُ، قاله يعقوب في الإصلاح، وابن درستويه وغيرهما. وزاد الفراء في المصادر: وممَساً. وقوله: "وشَممتُ أَشَمُّ". قال أبو جعفر: الشمُّ معناه استنشاق الرائحة، عن ابن درستويه، قال: وقد يستعار في غير/ ذلك، في كل ما قارب شيئاً أو دنا منه، فيقال: قد شامهُ وشمَّهُ، وفي الحديث أنه قال للخافضة: "أَشمِّيه، ولا تنهكيه"وفيه أيضاً: "إنَّ الأرواح عند الله جل ثناؤه تشام كما تشامُّ الخيلُ الشمسُ". قال: ومنه أخذ النحويون إشمام الحرف الحركة.

قال أبو جعفر: والمشموم: المسك، غلبت عليه هذه الصفة غلبة الاسم، كالشذو والشذا: وهو المسك، وإنما خصُّوا المسك باسم المشموم - وإن كان كل طيبٍ مشموماً - لأنَّ المسك أرفعُ أنواع الطيب، كما غلب العود على هذا الخشب المبخر به، وإن كأن كل خشب عوداً، وله نظائر كثيرة، قاله ابن سيدة في العويص. والفاعل من شمَّ ومَسَّ: شامٌّ وماس ُّ، وإن شئتَ قلت: شام ومَاس، على أصل التخفيف، كقوله: جرف هار، وهو قياس شائع في المضاعف عن الفراء، وأنشد لعبد المُطلب في ابنه العبَّاس: أرجو لعبَّاس إذا ما ابني كبِر ... أن يَسقى الحاجَ إذا الحاج ُكتر أراد الحاج فخفف. قال ابن درستويه: والعامَّة تقول: شممتُ بفتح الماضي، ويقولون في المستقبل: أشُمُّ، بضم الشِّين، وهو خطأ. قال أبو جعفر: الفتح في شممت ليس بخطأ، قال المطرز في شرحة: أخبرنا ثعلب عن سلمة عن الفراء، وعن ابن الأعرابي قالا: يقال:

شَمِمت أشم، وشَمَمت اشُمُّ، والأولى أفصح. وحكاها أيضاً يعقوب في الإصلاح، وابن سيده في العويص، وابن القطاع في أفعاله، وثابت في لحنه، وابن جني في شرح شعر المتنبي. [والمصدر الشّمّ والشَّميم، قال الزمخشري: وقد جاء مصدره شميمى على فعيلى، كالخطيبى والخليفى. قال ابن جني: وتشمَّمته أتشمَّمه تشمُّماً. واشتممته أيضاً عن المرزوقي]. وقوله: "وعَضِضْتُ أَعَضُّ". قال أبو جعفر: العض الشدُّ / بالأسنان على الشيء، قاله ابن سيدة. قال: وكذلك عضةُ الحية، ولا يقال للعقرب؛ لأن لدغها إنما هو [بزُنَاباها] وشولَتها.

قال: والعض بالأسنان، واللسان: أن يتناول الناس بما لا ينبغي، والفعل كالفعل، وكذلك المصدر. قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: والعامة تفتح الماضي، وهو خطأ. قال أبو جعفر: ليس بخطأ، وحكى أبو حاتم في تقويم المفسد: عضضت بفتح الضاد. وحكاه أيضاً ابن القطاع، وأبو زيد في الغرائز، ويعقوب في كتابه فعل وأفعل، وقال: وعضضت بالفتح لغة فاشية. [وحكاها أيضاً ثابت في لحنه عن أبي عبيدة]. وحكى صاحب الموعب عن أبي زيد أن تميماً تقول: عضضتُ بالفتح. وكذا قال ابن سيده في المحكم يقال: عضِضْتُه، وعضضتُه تميمية، ولم يسمع لها بآتٍ على لغتهم.

وكذلك حكى صاحب الواعي في الماضي أيضاً، قال فيه لغتان: عَضِضتُ بكسر الضَّاد، وعَضَضتُ، والكسر أعرف، قال: وهذه لغة حكاها الكسائي. وحكى ابن التياني أيضاً عن قطرب: أن بني تميم تفتح هذا المكسور كله من المضاعف. وحكاها أيضاً الجوهري عن أبي عبيدة، وقال عنه: الفتحُ لغة في الرباب. قال أبو جعفر: وفي المصدر عن صاحب الواعي، وعن ابن التياني، وأبي حاتم في الفرق: عضُّ، وعضيضٌ. وزاد ابن سيدة في المحكم:"عِضاضٌ". وحكى الجوهري، وابن القطاع، وأبو حاتم في فرقه،

وأبو زيد في الغرائز، أنَّه يقال: عضَّهٌ، وعَضَّ به، وعضَّ عليه. قال الجوهرى: وهما يتعاضان: إذا عض كل واحد منهما صاحبه. وقال ابن درستويه: إنما يدخل فيه"على"فيعدَّى به إذا أريد معنى / المبالغة في العضِّ، أو لأنه عضُّ من فوق الشيء، قال: وقد تُعَدِّى بالباء وبمن إذا عُني به عضَّ بعض الشيء دون بعض، فيقال: (؟؟؟) به، وعضضتُ منه، فإذا لم يعن من ذلك شيء عُديَ الفعل بنفسه، فقيل: عضضته، كما قال جل ثناؤه: {عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}. قال: ويستعار فى غير ذلك، فيقال: قد عضَّه الأمر: إذا اشتد عليه، وعض القتب ظهر البعير: إذا عقره. وقال أبن التياني ويقال: ما لنا عضاض بالفتح، أي: ما نعض عليه قال ويقال:"أبرأ إليك من العضَاض والعَضيض"وقال عن ابن دريد: العِضَاض: مصدر تعاضَّا عضاضاً. وقال عن صاحب العين: [العظُّ]: الشدة في الحرب، وقد عظَّته الحرب في معنى عضته، وقال بعضهم: هو من عضِّ الحرب إياَّه، ولكن فُرق بينهما كما

يفرق بين الدَّعث و [الدَّعظ] لاختلاف الوضعين. وقوله: "وغَصِصْتُ أَغَصُّ". قال أبو جعفر: أيْ اختنقت، وأيضاً اغتممت، عن ابن القُوطية، قال: وغصصتُه أنا: خنقته، وأيضاً غممتُهُ. وقال صاحب الواعي: الغَصصُ بالماء، وقال عن ابن دريد، يقال: غصَّ: شرق بالماء وغيره. وقال المطرز حاكياً عن ابن الأعرابي: الغصصُ يكون في الطعام، والشراب، والكلام، والريق. قال الزمخشري: والشرق لا يكون إلا في الشراب. وأنشد المطرز: لو بِغَيْرِ الماءِ حَلْقيِ شَرِق ... كُنتُ كالغَصَّان بالماء اعتِصَاري.

قال: والغصص، والجأرُ، والجأزُ، والحَروةُ، كلُّه بمعنًى واحد. قال أبو جعفر: وقال صاحب المُبَرز يقال: جَئِزَ بالماء، وغص َّبالطعام، وشَجِي بالعظم والعود، / قال الراجز: * يَسْقِي العِدَى غيظاً طَويلَ الجأزِ * قال ويقال: الجأَزُ والجازُ: وهو الغصص بالماء، بالسكون والتحريك. قال أبو جعفر: ويقال في الماضي: غصِصتْ بالكسر كما حكاه ثعلب، وغصصتُ بالفتح لغة في الرباب، حكى ذلك يعقوب في الإصلاح عن أبي عبيدة، وابن القطاع في أفعاله. وحكاه أيضاً ابن التياني، وقال: الكسر أجود. ويقال في الصفة: غاصٌّ، وغصانُ، والمرأة غَصِّى، كعطشانَ وعطشى، عن صاحب الواعي، وعن ابن التياني. قال المطرز: ويجمع غصَّان: غصاصَى، كما يجمع سكران:

سكارى، وغُصَاصى: كسُكَارى. قال أبو جعفر: والمصدر: الغص، والغصِيص، عن مكي في شرحه. وغصصَ، عن عبد الحق. وقوله:"ومَصِصْتُ، أَمَصُّ". قال أبو جعفر: معناه شربتُه شرباً رفيقاً، عن ابن طَريف في أفعاله، وعن ابن القطاع. وقال ابن درستويه: هو معروف المعنى، كمص الرَّجل الماء [بشفتيه] عند شربه، والحمار بِجَحْفَلته، والطير لا تمَصٌّ ولا السِّباع؛ لقصر شفاهها. قال أبو جعفر: وكان شيخنا الأستاذ أبو علي الشَّلوبين يقول لنا وقت القراءة عليه، وكان ينسبه لشيخه أبي إسحاق بن ملكون: المص هو اجتذاب بالشفتين مع صوتٍ يحدث ليس بالشديد.

قال أبو جعفر: وفي الحديث:"مصوا الماء مصاً،، ولا تًعُبُّوه عباً، فإن الكُباد من العب"الكُبَاد: وجع الكبد. قال أبو جعفر: وقال ابن درستويه: والعامة تقول مصصتُ بفتح الماضي، وتقول أمص بضم المستقبل، وهو خطأ. قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكي المطرز في شرحه عن ثعلب عن ابن الأعرابي/ أنه يقال: مَصصِت أمصُّ، ومصَصتُ أمص. وحكاه أيضاً ابن طريف في أفعاله، وابن القطاع في أفعاله أيضاً. وقال أبو عبد الله القزاز: ويقال أيضاً: امتَصَصْتَهُ امتصَاصاً. قال أبو جعفر: ويقال في الصِّفة: رجل ماصِّ ومَصانُ، وامرأة ماصَّة ومَصَانة، عن مكي في شرحه، قال: والعامة تقول: [ماصان]، وأنشد: فإِنْ تَكُنِ المُوسَى جَرَتْ فوقَ بَظْرِها ... فما خُتِنَتْ إلا ومصَّانُ قاعِدُ

وقوله: "وسَفِفْتُ الدواء أسَفُّهُ". قال أبو جعفر: قال التدميري: أي شربته غباراً. وقال ابن درستويه: هو أن يُلقَى من الرَّاحة في الفم، ولا يقال ذلك إلا في شيءٍ مطحونٍ أو مدقوقٍ، أوحبٍّ صغار كالسمسم ونحوه إذا كان يابساً، وكذلك يقال للطائر إذا لقط، وللإبل إذا لقطت اليابس، كمال قال عنترة: ما رَاعَني إلاّ حَمُولةُ أَهْلها ... وَسْطَ الدِّيار تَسَفُّ حَبَّ الحُمْحُمِ قال أبو جعفر: قد استعمل سففت في غير المطحون والمدقوق والحبِّ وفي غير الغبار، حكى صاحب الواعي عن أبي عبيد، وابن القطاع أنه يقال: سففت الماء أسَفُّهُ سفاً، وسفتُّهُ أسفته سفتاً: إذا أكثر منه وهو في ذلك لا يروى.

قال صاحب الواعي: وسَفِهتُ الماء أسفَهُهُ سفهاً مثله، قال: ويقال: سففتُ السويق وما أشبهَهُ. قال أبو جعفر: هذا الذي نقلناه خلاف لما حكاه ابن درستويه والتدميري قبلُ، من أنه لا يقال: سففتُ إلا فيما كان / مطحوناً أو حباً صغاراً كالسمسم يابِساً، أو غباراً كما قاله التُّدمِيريُّ، وأرَيْنا له أنه يستعمل في خلافه. قال أبو جعفر: قال اليزيديٌّ في نوادره وتقول: سفِفْتُ السَّويق، والدَّواء، وشبه ذلك سَفاً وسفُوفاً، والاسم السفوف بالفتح. ويقال: سففت الدواء، وسفته، حكاه عبد الحق عن الرياشي، قال ويقال: أسففت الجرحَ الدواء، قال: ولا يقال من الدواء إلا سَففته. وأما في الخُوص ففيه لغتان: سففتُ الحصير، وأسففته، بمعنى نسجْتُه.

قال أبو جعفر: قال ابن درستويه ويقال: قد أسففتُ الرجلُ والطائر ذلك، بالألف، فسفه، واستَفَّهُ. قال أبو جعفر: قال أبو عبيد في الغريب المصنف عن الكسائي أنه قال: سَفِفتُ الدواء بالكسر لا غير. قال أبو جعفر: قد حكى ابن طلحة الإشبيليُّ في شرحه أنَّه يقال: سَفِفتُ وسففت، بالكسر والفتح. قال أبو جعفر: والدَّواء من قوله: "سففْتُ الدَّواء"هو أحد الأدوية، وهو ممدود. قال الجوهري والدواء بالكسر لغة فيه. قال: وهذا البيت ينشد على هذه اللغة: يقولون مخمورُ وهذا دِواؤهُ ... عليَّ إذاً مَشْي إلى البيتِ واجِبُ أي: قالوا إنَّ الجلد والتعزير دواؤه، قال: وعليَّ حجة ماشياً إن كنتُ

شربتها. قال: ويقال: الدواء بالكسر إنما هو مصدر داويتُه مُداواةً ودِاءً. وقوله: "وزكنْتُ الأمر أَزَكنُهُ". قال أبو جعفر: اختلف اللغويون في معنى زكنتُ على أقوال، وإن كان ابن طلحة الإشبيليّ/ قد قال في شرحه: إنَّه بمعنى ظننتُ وتوهمتُ، وأنكر أن يكون بمعنى: علمت وتبع في ذلك ابن درستويه فإنه قال: معنى زكنتُ: حزرتُ وخَمَّنت، قال: وأهل اللغة يقولون معناه: علمتُ، ويستشهدون عليه ببيت قعنب ابن أم صاحب وهو ولن يُراجِعَ قلبي ودُهَّم أبداً ... زِكْنتُ من أمرهم مِثل الذي زَكِنُوا قال: وليس لهم فيه دليل على تفسيرهم، إنما معناه: خمنتُ على مثل ما خمنوا عليه مني من سوء الظنِّ، وحزرتُ منهم على مثل ما حزروا عليه مني.

قال أبو جعفر: أمَّا إنكارُ ابن درستويه أن زكِنتُ لا تكون بمعنى علمتُ فغلط، على ما سنبينه إن شاء الله تعالى. ومن قال إن معنى زَكِنت: علمت، وأخذه من هذا البيت، فالحق ما قاله ابن درستويه: من أنه ليس فيه دليل لاحتماله، وإن كان ابن درستويه قد قصر معنى زكنت في البيت على الحرز والتخمين، وحصر ذلك بقوله: (إنَّما)، وهو باطل، بل هو محتمل للحرز والتخمين وللعلم. وعلى أنه بمعنى العلم فسره ابن قتيبة في الأدب، وأبو مسحل في نوادره، وأبو حاتم في لحنه، والقزاز في الجامع، وابن فارس في المجمل، وغيرهم من اللغويين. لكن الحق أن يقال: إنَّ زكنتُ في البيت محتمل كما قدمته، فإذا كان محتملاً فلا يسوغ أن يقال: إنه بمعنى العلم كما قاله القتبي والقزاز في الجامع وابن فارس وغيرهم، ولا إنه بمعنى: الحزرِ والتخمين كما قاله ابن درستويه ومن كان على مذهبه. وإنما يؤخذ أن معنى زكن: حزر وخمن، أو / معناها: علم، أو هي مشتركة بين الأمرين، من أقوال أئمة اللغة لا من البيت، هذا هو الحق، فإذا ترتب هذا فلنذكر ما قاله أئمة اللغويين في ذلك: قال أبو حاتم في لحنه عن أبي زيد: زكنت الشيء: علمته،

وأزكنتُك الأمر: أعلمتك، وليس في معنى الظن، والعامة يخطئون فيجعلونه في معنى ظننت. وكذا قال أبو عبد الله محمد بن جعفر القزاز في كتابه الجامع فقال يقال: زكنت الشيء: إذا علمته، قال: والعامة تجعل زكنته بمعنى: ظننته وتوهَّمْتُهُ. وقال ابن سيدة في المخصص وغيره من كتبه: زكنت الخبر، وأزكنته: علمته، وكذلك أزكنته غيري. وقال المطرز في شرحه عن ثعلب عن ابن الأعرابي: زكنت أزكن، أي: علمت وفطنت. وقال ابن طريف في أفعاله: زكن، وأزكن: علم. وقال ابن فارس في كتابه المجمل: زكنت منك كذا، أي: علمته. وقال أبو عمرو الشيباني في نوادره: زكنت فلاناً بكذا وكذا، وزكنت منه كذا وكذا: علمته منه. قال أبو جعفر: فهذا نصُّ من أئمة اللغويين على أن زكنت بمعنى: علمت.

وإذ قد ذكرنا من قال فيه إنَّه بمعنى عَلِمت، فلنذكر من قال فيه إنه بمعنى ظننت، حكى صاحب الواعي عن أبي عبيدة: زكنْتُ وأزكنْتُ: ظننت. قال أبو جعفر: وحكاه أيضاً ابن الأعرابي في نوادره، وابن فارس في المجمل، وأبو عبيد في المصنف، وثابت في لحنه. قال أبو جعفر: ومن اللغويين من فرق بين زكنَ وأزكنَ فقال: زكن الشيء: علمه، وأزكنه: ظنه حكاه ابن سيدة في المحكم عن ابن الأعرابي. فتبين بما ذكرناه عن أئمة اللغة أن زكنت تقال بمعنى: علمت، وبمعنى: ظننت، / فمن قصرها على معنى واحدٍ من معانيها وقال: إنها لا تقال إلا بهذا المعنى، وعين معنى واحداً من معانيهافقد أخطأ. قال أبو جعفر ويقال: زَكِنَ وزَكَنَ، بالكسر والفتح، عن صاحب الواعي، وعن مكي. قال ابن فارس: ولا يقال منه: أزكنت، على أنَّ الخليل قد ذُكر عنه. قال أبو جعفر: وحكى هذا القزاز عن الخليل أيضاً.

وقوله: "وَنَهِكَهُ المرضُ". قال أبو جعفر: أي أضعفه، وأجهده، وأنحله، عن ابن سيده في العويص، وعن غيره. وقال القزاز: أصله النقص، وهو أن ينقص من لحمه، يقال بدت في فلان نهكه المرض، أي: هزاله، وهذا مرض ناهك، أي: قد أهزل المريض. قال أبو جعفر: حكى عبد الحقِّ في الواعي عن الكراع أنَّه قال: النُّهُوك، والنُّكُوه مقلوب: هو الضَّعف، والنَّهْكُ: المبالغة في كل شيء، وقد نهِكَ الشَّراب نَهْكًا: إذا أفناه. قال أبو جعفر: وفي الحديث: "انْهكُوا وجوه القوم" أي: أبْلُغُوا جهدكم في قتالهم، يقال نهكته الحمى: إذا بلغت منه، وأثرت فيه، وبدت فيه نهكتها، قاله الهروي. وفي الحديث أيضا: "إنَّ قريشا قد نهِكَتْهُمُ الحرب" أي: أضرت بهم، وبلغت منهم، عن عبد الحق. قال أبو جعفر: والنَّهك من الأضداد؛ لأنه يقال في الضعف كما قدمناه، ويقال في القوة.

قال القَزَّاز يقال: أسَدُّ نَهِيكٌ، أي: قويٌ شديد، وهذا سيف نهيك: إذا كان قاطعا، ويقال: قد نَهُكَ الرَّجُل نَهَاكَةٌ: إِذا قوي واشتد، فهو نهيك، قال: ولذلك/قيل للشُّجاع: نهيك، فقيل هو مأخوذ من قول العرب: "أَنْهِكْ من هذا الطَّعام" أي: بالغ فيه، فقيل للشجاع نهيك؛ لأنه يَنْهَك عدوّه، أي: يبالغ فيه. وحَكَى أنَّ النَّهِيك من الإبل: هو الذي يَصُول على النَّاس، وقد نَهُكَ البعير، فيجوز أن يكون الشجاع من هذا. قال أبو جعفر: ومنه سُمِّي المنهوك من الشعر: وهو الذي بُولغ في حذف أجزائه حتى بقي على أقلها، كقول الشاعر: يَا ليتنِي فيها جّذّعْ أحَبُّ فيها وأَضَعْ قال أبو جعفر: قال ابن دَرَستويه: وَإِنَّما ذكره ثعلب لأنَّ العامة تقول

نَهَكَهُ المرض وغيره، بفتح الهاء، وهو خطأ. قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى الجوهريّ في الصِّحاح، وابن القطَّاع في الأفعال، والزَّمخشريّ في شرحه، ومكِّي في الشّرح: نَهَكَتْهُ الحمَّى، بالفتح. وحكاها أيضا أبو حاتم في تقويم المفسد عن أبي زيد. ويقال في الصِّفة: رجل منهوك ونهيك، وفي الفاعل: ناهك، عن ابن دّرّستويه. ويقال في المصدر: نَهْكَ ونَهَكٌ، بإسكان الهاء وتحريكها، ونَهَاكَةٌ، عن ابن سيدة، ونُهُوكَةٌ عن ابن دّرَستويه، واليزيديِّ في نوادره، ونُهُوكٌ عن ابن سيدة في العويص، وعن اليزيديِّ، وسيبويه، ونَهْكَةٌ عن الجوهريِّ، والهرويِّ واليزيديِّ، وابن القطَّاع، ويعقوب في الإصلاح.

وقوله: "وأنْهَكَهُ عقوبة" قال أبو جعفر: الذي ثبت في معظم النُّسخ انْهَكْهُ بألف موصولة على الأمر، وثبت في بعضها وأنْهَكَه السلطان عقوبة على الخبر، وكذا رواه ابن القَطَّاع/ في أفعاله عن ثعلب على الخبر. فرد عليٌّ بن حمزة البصريُّ رواية الخبر، وقال: إنِّما يقال: نَهِكَهُ المرض، ونَهِكَهُ السُّلطان عقوبةٌ، ونَهِكْتُ الثُّوب لُبساً، والمال إنفاقاً، والدَّلبة سيراً، كلُّه سواء بغير ألف. قال أبو جعفر: معنى اعتراض ابن حمزة أن نهكه لم يستعمل إلا ثُلاثياً، واستعمله ثعلبٌ رباعياً، هذا على رواية الخبر، وينفصل عنه بأنْ يقال: أنْهَكَهُ عقوبة منقولٌ بالهمزة من نَهِكَهُ عقوبةً، والنَّقل بالهمزة لا يفتقر إلى السَّماع عند أكثر النَّحويِّين. قال أبو جعفر: وبعد هذا الانفصال يَرِدُ اعتراض ابن دّرّستويه، وهو أنَّه قال: قول ثعلبٍ: "أَنْهَكَ السُّلطان عقوبة" ليس من الباب، لأنَّه على أَفْعَلَ، بالألف، وليس هذا موضعه، قال: وإنْ كان راجعا إلى معنى نَهِكَهُ المرض، إلَّا أنَّه منقول من فاعله إلى فاعلٍ آخر. قال أبو جعفر: ويجاب عن هذا بأن يقال: ذكره على معنى التَّتميم بالفرق بينه وبين ما اشترك معه في اللَّفظ، كذا كان يجيب الأستاذ أبو عليِّ شيخُنا وقت القراءة عليه.

وقوله: "وبَرِئْتُ من المرض، وبَرَاتُ". قال أبو جعفر: معناه سلمت من السُّقَم، عن الفزَّاز، وابن التَّيِّانيِّ. قال أبو جعفر: وَبَرِئْتُ من المرض هي لغة بني تميم، وبَرَأتُ من المرض هي لغة أهل الحجاز، قال ذلك ابن التُّيِّانيِّ، واليزيديُّ في نوادره، والجوهريُّ، والِّحياني في نوادره، وقاسم في الدِّلائل، قال: وعليها جاء في الحديث: " كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بارئا". قال أبو جعفر: ويقال في/ الماضي أيضاً: بَرُؤَ، بضمِّ الراء مثل: بَرُعَ، عن أبي "عبد" الله القَزَّاز، وعن ابن سيده في المحكم، وعن

ابن القطَّاع في أفعاله، وعن ابن التِّيِّانيِّ، وعن ابن السِّيد في مثله، وعن ابن خالويه حكاه عن المازنيُّ. قال أبو جعفر: وزاد أبو عبد الله القَزَّاز: بَرَى يَبْرَى، بكسر الرَّاء في الماضي دون همزٍ، قال: ومنه إنشادهم: لَعَلَّ عينيك تَبْرِى مِنْ قَذَّى فِيها قال أبو جعفر: وحكاه أيضا ابن يونس في مُبِرِّزِه عن أبي زيد، وابن القطِّاع في أفعاله. قال أبو جعفر: ويقال بَرَا يَبْرُو، بضمِّ الراء وبغير همز، حكى ذلك صاحب المبرِّز عن ابن خالويه. ويقال في مستقبل بَرِأ المهموز المفتوح الرَّاء التي هي لغة أهل

الحجاز: يَبْرَأُ، ويَبْرُؤ، بفتح الرَّاء وضمِّها والهمز، عن القزَّاز، وعن ابن التيِّانيِّ، وعن أبي حاتم، وعن صاحب المبرِّز، وزاد ابن التَّيِّانيِّ: أّبرُؤ، قال عنها: إنِّها لغة قبيحة لم يوجد غيرها. ويقال في مستقبل بَرِئ المكسور الرَّاء: أَبْرَأ، بفتح الرَّاء والهمز، عنهم أيضا، وزاد صاحب المِّبَرِّز، واللِّحيانيُّ في نوادره: وإِبْرأ، بكسر الهمزة وفتح الراء، وقال صاحب المبَرِّز عن أبي حاتم/ وأبْرُو، بفتح الهمزة وضمِّ الراء، قال: وهي قبيحة. وحَكى عن محمد بن سلام أنِّه قال: سألت يونس عن قول بشار: نَفَرَ الحَيُّ مِنْ بُكَائِي وَقَالُوا ... فُزْ بِصَبْر لَعَلَّ عَيْنَيك تَبْرُو

مَسَّهُ مِنْ صُدُودِ عَبْدَةَ ضُرٌ ... "فَبَنَاتُ الفُؤادِ مَا تَسْتَقِرُّ. فقال يقولونه في المرض وحده، يقال: برا من مرضه يَبْرُو بغير همزٍ. وحكى بإسناد له عن المازِنيِّ قال: لغة للعرب أبروُّ من المرض، قال/ فعلى هذا قول بشَّارٍ يكون صحيحا. وقال صاحب المُبَرِّز أيضاً: ويُخرجُ بيت بشَّارٍ على غير اللُّغة، وذلك أن يكون على لغة من قال: أَبْرُؤُ، ثمَّ ترك الهمز. قال: ويقال في مستقبل بَرِيَ المكسور الرَّاء دون همز: يّبرَى، بفتح الرَّاء دون همز، عن القزاز، وعن صاحب المبرِّز حكاه عن أبي زيد. ويقال في مستقبل بَرَا المفتوحة الرَّاء دون همز يَبْرُو، بضم الرَّاء دون همز، حكاه صاحب المبرِّز عن ابن خالويه، وقد تقدم.

ويقال: بَرُؤْت المضمومة الراء المهموزة: أبْرؤُ بالضمِّ أيضا وبالهمز على القياس. قال أبو جعفر: ويقال في الصِّفة من المرض: بَارئ، عن ابن ... قال: ومن غير المرض بَرِئٌ. قال أبو جعفر: وكان الأستاذ أبو علي يقول وقت القراءة: إن اسم الفاعل في ذلك كله بارِئ، قال: ولم يُسمَع بَرئٌ. قال أبو جعفر: قد سُمع برئ، حكى اللحيانيُّ في نوادره: أصبح فلان بَارِئاً من مرضه، وبريئا من قوم براءٍ، كقولك: صحيح وصحاح. قال عبد الحقِّ: ويقال في مصدر بَرَأَ، وبرئَ، على لغة أهل الحجاز وبني تميم: البُرء فيهما جميعا، عن القزاز، وابن الأنباري في الزَّاهر. وزاد ابن الأنباري: وبَرْءًا، بفتح الباء، وزاد صاحب المُوعِب، واللحيانيَّ في نوادره، وبروءا مثل: (بُرُوعاً). قال أبو جعفر: ذكر هذين المصدرين أيضا ل"بَرَأتُ" المفتوحة أبو زيج في كتاب الهمز له، فقال: تقول: بَرَاتُ من المرض، فأنا أَبْرُؤُ بُرْءًا،

وبُروءا "فعولا" قال: وَبَرِئْتُ أبْرَأ بُرْءاً. ويقال في مصدر بري المكسورة الراء التي هي غير مهموزة: بَرْيا، عن صاحب المُبرز. ويقال في مصدر برؤ على مثال برع: برءا، عن ابن التياني. قال أبو جعفر: وكان الوجه أن يذكر برئت وبرأت في باب ما يقال بلغتين، وهو الأليق بهما، ولا يذكرهما في هذا الباب. ويقال: أبرأه الله من المرض. وأنشد صاحب المبرز للعجاج: صَمّاءُ لا يُبْرِئُها من الصَّمَمْ تقادم العهد ولا طُولُ القِدْمْ وقوله: "وَبَريتُ القلم وغيره، غير مهموز، أَبْرِيه بَرْيًا " قال أبو جعفر: وفي الحديث: كنت أبْري النَّبلّ، وأرِيشُها". قال اللحياني في نوادره: بريت العود، وكل شيٍ نَحَتُّهُ. قال ابن عديس ومن خطه: وابتراه كبراه، وأنشد لِطَرفَةَ:

من خطُوبٍ حدثت "أمْثَالُها ... تَبْتَري عُودَ القَوِيِّ المُسْتَمِرْ قال أبو جعفر: قال ابن دريد في الجمهرة، والقزاز في الجامع، وابن القطاع في أفعاله، وابن جني، وابن سيدة في العويص: بَرَوْتُ العود والقلم بَرْوًا، وبَرَيْتُهُ بَرْيًا. قال القزاز: والياء أعلى. قال: والبراية: النحاتة، وبراية كل شيء: ما تبريه منه. وقال مكي/ في شرحه: وقد يسمى القلم نفسه براية. وقال الكراع في المنظم: والبراء: ما بريت من العود، ذكره في حرف الهمزة، وحكى في المجرد: حصرمت القلم بريته. قال ابن النحاس في الاشتقاق له: بريت القلم مشتق من البرا، وهو الترقيق والإرهاف؟. قال: ومنه برت العلة جسم فلان، أي: أنحلته وأرقته. قال ألو جعفر: كان حق ثعلب أن لا يذكر بريت القلم في هذا الباب؛ لأن هذا الباب إنما هو باب فعلت بكسر العين، وبريت بالفتح، فقيل إنما

ذكره هنا للمشاركة اللفظية التي بينه وبين برِيت من الرجل، قاله ابن درستويه. وقوله:"وبَريْتُ من الرَّجل، والدين، براءة". قال أبو جعفر: وبُرءاً، عن الفراء في مصادره. وقال ابن طريف في أفعاله: بريَّ من الشيء: تركه. وقال القزاز ويقال: برَّأت الرجل من حقي عليه، وأبرأتُهُ، بمعنى واحد قال الله عز وجل {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} وحكى هذا أيضاً ابن التياني، وصاحب المبرز. وزاد ابن التياني: وتبرأت إليك من حقك. وقال صاحب المبرز عن الكسائي [يقال]: براءة الله من ذمه، وبراء الله من دمه، أي: أنا بريء من دمه، وقال عن اللحياني: وأهل الحجاز يقولون: أنا منك براء، وغيرهم يقولون: أنا منك بريء، قال الله عز وجل في لغة أهل الحجاز: {إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ} وفي غير موضع في القرآن: {وَإِنَّنِي بَرِيءٌ} وهي لغة تميم / وغيرها من العرب. فمن قال: أنا منك براءُ، لم يثن ولم يجمع، ولم يؤنث، وكان على

[لفظ] واحد. وقال بعضهم: نحن البراءُ والخلاء من هذا .. ومن قال: بريء، قال في الإثنين: بريئان، وفي الجمع: بريئون، وبراءُ مثل: بُرعاءَ وبُراءُ بلا إجراء. وقال عن غير اللحياني: وبراء، بإجراء، وبراء، وأنشد للحطيئة: وإنَّ أبَاهُمُ الأدنَى أَبُوكم ... وإنَّ صُدورَهُم لكُم براَءُ قال"وقال اللحيانى: وامرأة بريئةُ، وهما منك بريئتان وهن بريئات وبَرًايا. قالت أم البهلول في الواحدة: بِكُلٍّ سَتُرْمَى وهي منها بَرِيْئَةً ... وغيرُ الألى يَرْمُون لَيلَى حَسيِبْهُا أي: الله حسيبها لاهُم.

قال أبو جعفر: ما ذكره صاحب المبرز عن اللحياني وجدته في نوادره، وقال يقال: برئِت إليك منْ حقك براءةً وبراءً، قال: وكذا في الدينِ والدِّين يقال: بَرِئتُ إليك لا غَيرُ، والمصدرُ كما تقدم. وقوله:"وضننتُ بالشَّيء أَضَنُّ به". قال أبو جعفر: معناه بخلت به، عن عبد الحق، وعن غيره. وقرئ قوله تبارك وتعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} أي: ببخيل يكتم ما أوحي إليه، ومن قرأها بالظاء، أراد وما هو بمتهم على ما أوحي إليه، عنه أيضاً. قال أبو جعفر: ويقال في الماضي: ضننت بالفتح، عن المطرز في شرحه حكاه عن ابن الأعرابي، وقال: الفصيحه هي الأولى.

وحكاه أيضاً أبو عبيد في مصنفه، ويعقوب في إصلاحه، والدِّينوريُّ في إصلاحه أيضاً. ويقال في المصدر: ضننت ضنا، / وضنة، ومضنةً، عن مكي في شرحه. وأنشد ابن سيدة في العويص: حاشا أبي ثروان إنَّ به ... ضِنَّا على الملحاة والشتم وقال يعقوب في إصلاحه: وضنانةً. قال أبو جعفر: وأما الظنُّ، بالظاء فمصدر ظننت الشيء: إذا

شككت وإذا تيقنتَ، وهو من الأضداد، عن مكي، وعن كراع في المجرد. وحكاه أيضاً ابن سيدة في المخصص عن أبي عبيد، قال: ويقال: ظننت الشيء، وأَظْنَنْتُه، واظَّنَنْتُه، وتظنيتُه على التحويل. وقوله:"وشملهُمُ الأمرُ يَشْملُهُم". قال أبو جعفر: معناه عمَّهم، عن يعقوب في إصلاحه، وعن غيره. وقال صاحب الواعي ويقال: جمع الله شمل فلان: إذا دُعيَّ له بتأليف أموره وجمعها. وفي دعائه عليه الصلاة والسلام:"أسألك رحمة تجمع بها شملى"أي: تجمع بها ما افترق من أموري.

قال أبو جعفر: ويقال في الماضي: شملهم بالفتح، عن اللحياني في نوادره، وقال: هي لغة قليلة. وحكاها أيضاً المطرز في شرحه وقال عن ابن الأعرابي: والأولى أفصح. وحكاها أيضاً يعقوب في الإصلاح، وأبو زيد في كتاب المصادر. قال يعقوب: وليس يعرفها الأصمعيُّ، وأنشد: كَيْفَ نومِي على الفِراشِ ولمَّا ... تَشْمَلِ الشامَ غارةٌ شعواء وحكى القزاز عن أبي عمرو: أشملهم الخوفُ، وشملَهُم. قال أبو جعفر: وقال اليزيدي في نوادره يقال. شملهُم الأمر شملاً، وشمولاً، قال: وشملهم، بالفتح أيضاً. وفرق بعض اللغويين بين شمِلهم بالكسر وشمَلهم بالفتح، / فروى الجهضميُّ عن الفراء: شَمِلَهُم بالكسر في الشَّرِّ، وشملهم بالفتح

في الخير، ذكر هذه التفرقة ابن الدهان اللغوي. وقوله: "ودهمَتْهُم الخيل تدهمُهُم". قال أبو جعفر: معناه فجِئتهم وكثرت عليهم، عن ابن درستويه، وعن المُطرز في شرحه. وأصله من الدهم، وهو العدد الكثير، ومنه قيل للجمع الكثير: الدهماء. قال ابن درستويه: وكذلك الأدهم من الدواب و [هو] الذي عمَّ شعره كله السوادُ. وحكى أبو سليمان الخطابي والمطرز في شرحه عن أبي المكارم: أن بعض العرب سبق الناس إلى عرفات فقال: اللهم اغفر لي قبل أن يدهمك الناس. قال ابن درستويه والعامة تقول: دهمتهم، بالفتح، وهو خطأ. قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى أبو عبيد في مصنفه، والمطرز في شرحه عن ثعلب عن أبي نصر عن ألأصمعي، وابن القطاع في أفعاله،

ويعقوب في إصلاحه عن أبي عبيدة، دهِمتهمُ ودهمَتهمُ، بكسر الهاء وفتحها. قال المطرز: والأولى أفصح. وقوله:"وقد شلَّت يده تشلُّ". قال أبو جعفر: الشلل: بطلان [في] اليد أو الرجل من آفةٍ تعتريها، عن الأعلم، قال: وليس معناه قُطِعت كما قاله ابن درستويه. وقال الزمخشري: إذا استرخت، وقال كراع في المجرد: الشلل: تقبض الكف. وأنشد اللحياني في نوادره: فشَلَّتْ يَمِيني يومَ أعلُو ابن جعفر ... وشلَّ بنَاناَها وشَّل الخناصر قال أبو جعفر: وأصله شللتُ على فعلت بكسر العين. حكى القزاز: قد شلَلِت بعدي يا رجل، وبدليل مجيء مستقبله على تَشَلُّ بفتح الشين، ولو [كان] أصله فعلتُ / بالفتح لجاء تَشِلُّ بكسر الشين، فلما اجتمع

حرفان متجانسان أدغموا اللاَّم في اللاَّم، ولذلك أدخله ثعلبً في هذا الباب. وكذلك كل ما كان على مثاله فحقُه أن يُدغم، إلا أحرفاً جاءت نوادرَ، وهي لححتْ عينه: إذا التزقت، وألل السقاء، وضبب البلد، وصككتْ، ومششت الدابة. وحكى ابن خالويه في شرحه عن أبي زيد أنه قال في مثلٍ:"عَيِيَّ أياسُ شرٌّ من شللٍ"قال: وأصل ذلك أن امرأة خطبها رجلان، أحدهما: جميل عَييُّ، والآخر: أَشلُ اليد عاقل، فقالوا لها: اختاري أيهما شئت، فقالت"عَيِيٌّ أيأس شرُّ من شللٍ"فتزوجت الأشل. وقال ابن درستويه والعامة تقول: شُلت يُدهُ، بالضم، يعنُون أنَّه بمعنى قُطعت، وهو خطأ. قال أبو جعفر: ما قاله ابن درستويه من أنه لا يقال: شُلت، بضم الشين، هو الذي عليه كلام اللغويين. وقال اللحياني ني في نوادره: ومنهم

من يقول شُلت، وهو قليل. قال ابن خالويه في كتابه ليس: ليس أحد يقول: شُلت يدُه، بالضمِّ، إنما هي أُشِلتُ: لأنّا نقول: شلَّتْ يُده، وأشلَّها الله، فلما لم يسمَّ الفاعل قلنا: أُشِلت إلا اللحيانيِّ فإنَّه أجأز شُلت، وأُشِلَّت. وحكى المطرز في شرحه [عن ثعلب] عن ابن الأعرابي أنه لا يقال: كيف تَرُدُّه في لغة رديئة، قال: وسأل ثعلبًا أبو موسى الحامض فقال له: كيف تَرُدُّه إلى ما لم يُسمَّ فاعله؟ قال أقول: أُشلَّت يدُه. قال أبو جعفر: ما أجاب به ثعلب صحيح، لأنه بنى أُشِلَّت من أشلّ، يقال: أشَلَّ الله يده إشلالاً. وقد حكى ثعلب في كلب أيمان العرب له: أشَلَّ الله عَشرهُ، وأُشِلَّتْ عشره. وحكى ابن سيدة في العويص: أشللتُ يدهُ، بالألف. ويقال على ما حكيناه عن / اللِّحيانيِّ وعن المطرِّز: شُلَّت يدُه، ويكون

فعله المبنيّ للفاعل شَلّ. حكى ثعلب في كتاب أيمان العرب والدَّواهي له فقال: يقال: شُلَّ وسُلَّ، وغُلَّ وآلَّ، [سُلَّ] من السُّل، وغُلَّ: جُنَّ حتَّى يُشدَّ، وأل طُعِن بالآلة فقتل، وهي الحربَة. فقال أبو الحسن الأخفش [راوية] الكتاب: المعروف عند جميع العلماء ولا أعلم فيه اختلافا أنَّه يقال: شَلَّت يدُهُ، وأُشِلَّت، وحكى ثعلبٌ شُلَّ، وأحسبه جرى على هذا لمزاوجة الكلام: لأن بعده وسُلَّ، وكذلك الذي يليه. وقوله:"ولا تَشْلَلْ يَدُك" قال أبو جعفر: هو دعاء له بالسلامة من الشَّلل، أنشد ابن الأعرابي في نوادره: فلا تَشْلَلْ يدَ فَتَكتْ بِعَمروٍ ... فإنَّك لن تَذِلَّ ولن تُلاَمَا

وقال القزاز: يقال: لا ثَشللْ يدُك، ولا تَشَل عشركُ، أي: أصابِعُك. قال: وتقول لمن أجاد الطَّعن والرَّمْيَ: لا شلال، ولا شلل ولا عمى. وقوله:"ونفذ الشيءُ يَنْفدُ" قال أبو جعفر: معناه فني، حكاه المطرز عن ابن الأعرابي. قال الله تبارك وتعالى: {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقٍ} وقال جل ثناؤه {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي}. قال القزاز يقال: أنفدْتُ الشيء: إذا أفنيته، وأَنفَد القوم: إذا ذهب ما عندهم، كذلك استنفد القوم ما عندهم: إذا أذهبوه، وانتفد الرجل من القوم: تنحى عنهم، وفي الحديث:" [فأكلها] حتى نفدها" أي: أتى عليها. وقال ابن القطاع: نقد الشيء: فني، وأنفد كذلك.

وقال المطرز في شرحه: ونفدَ: إذا خرج، قال ويقال: رجل مُنافدُ: إذا كان مخاصماً فلا يزال كذلك حتي / يُنفدَ حُجَّةَ خصمنه، وأنشد: وهو إذا ما قِيل هَلْ مِنْ واحدٍ ... أو رَجُلٍ عَنْ حَقِّكُمْ مُنَافِدِ يكونُ للغائبِ مثلَ الشَّاهِدِ ويقال: نَفِدَ الشِّيء يَنْفَدَ نفاداً، ونفوداً، ونفادةً، عن الفرَّاء في المصادر. الزمخشري: ونفدا، ً قال: ويقال: نفد الشيء نافداً على المصدر وفاعل لا يكاد يجيء بمعنى المصدر إلاّ ما جاء في شعر الهذلي.

* إذا هَبَّت لقارِئِها الرَّياحُ * قالوا: وهو مصدر قرأت الريح: إذا جاءت لوقتها. [قال المرزوقي: والصفة نفد ونافد] وقوله:"ولَجِجْتَ تَلَجُّ". قال أبو جعفر: أي صممت على مذهبك تُصمم، أي: أبيت أنَّ تأتى إلاّ مأ اشتهيت، عن التدميري. ويقال في الماضي أيضاً: لججتَ بالفتح، عن القزاز، وعن يعقوب في فعلت وأفعلت، وعن الزمخشري. وقال: الكسر أجود، وعن الجوهري، وعن مكي في شرحه. قال الجوهري: ويقال: رجل لجُوج، ولجُوجة، الهاء للمبالغة، ولُججَة. ويقال في المصدر: لجج، ولَجَاجّ، ولجَاجَةُ، عن ابن عديس في كتاب الصَّواب ومن خَطَّه نقلته. وأنشد صاحب الجامع:

* وقد لَجِجْنَا في هَوَاكِ لَجَجَا * قال: وأصله لَجَاجٌ. وقوله:"وخطفَ الشَّيء يَخْطَفُهُ". قال أبو جعفر: الخطفُ: الأخذ بسرعة واستلابٍ، عن صاحب الجامع، وغيره. قال: ويقال: هذا سيف يخطف الرأس، وبرق خاطف: يخطفُ نور البصر، والشياطين تخْتطِفُ السمع، أي: تسترقُ منه الخطفة كما قال الله تعالى: {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ}. قال أبو جعفر: قال الهروي: أي استرق السمع بسرعة. وقال صاحب الواعي: وجاء في الحديث:"وعلى جَنَبتي الصراط خطاطيفُ، وكلاليب تَخطف الناس بأعمالهم". قال: يريد تأخذهم/ وتستلمهم بسرعة على قدر ذنوبهم، وجرائمهم. قال أبو جعفر: ومنه الخطيف، قال الهروي: الخطيفة: أن

يأخذ لُبينة ويَذُرَّ عليها دقيقاً ثم يَطْبَخُها، فيلعقُها الناس ويختطفونها. وقال: الخطيفة: الكبولا. وقال المطرز في شرحه: قال سويد بن غفلة: دخلت عَلَى علِي رضي الله عنه يوم عيد وبين يديه خوانٌ عليه خبزُ السمراء وخطيفة ومِلْبنةٌ، فقلت: يا أمير المؤمنين خطيفة ومِلبنة يوم عيد! فقال: كُل ما حضر، إنما هو عيد لمن غفر له. قال أبو جعفر: ويًقال في الماضي أيضا: خطفه بالفتح، حكاه الجوهري عن الأخفش، وقال عنها: هي قليلة رديئة لا تكاد تعرف، قال: وقد قرأ بها يونس في قوله عز وجل: {يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} قال: واختطقه، وتخطفه، كله بمعنى واحدٍ.

قال أبو جعفر: وحكى الفتح أيضاً في خطف القزاز في الجامع، والمطرز [عن ثعلب، وقالا]: والكسر أفصح. وحكى الفتح أيضاً ابن القطاع. وقوله:"ووددتُ أن ذاك كان: إذا تَمَنَّيْتَهُ". قال أبو جعفر: [قد] تولى تفسيره. قال الزمخشري عن الفراء: العرب تتلقى ودِدتُ بلو مرة، وبأن أخرى، فيقولون: وددت لو كان ذاك، ووددت أن كان ذاك: إذا تمنيتَهُ. ويقال في الماضي أيضاً: وددت بالفتح، عن الفراء، حكى ذلك القزاز عنه، وقال اليزيدي / في نوادره: ليس في شيء من العربية وددت مفتوحة. قال القزاز: والمستقبل من وددت بمعنى تمنيتُ، ومن التي هي بمعنى أحببتُ: أوَدُّ، لا اختلاف فيه.

قال القزاز ويقال في المصدر: الوَدُّ والوِدُّ والوُدُّ، بالفتح والكسر والضم، والوِداد والوَدَاد، وأنشد: [تَمَّنَّانِيِ لِيَلقَانِي قُيَيْسّ ... وَدِدت وَأينما مِني وِدَادي] قال: ويروى ودادي بفتح الواو وكسرها، قال: والكسر أكثر، قال: والوَدادة، والوِدادة بالكسر والفتح أيضاً وأنشد: وددت ودادةً لوْ أنَّ حَظِّي ... من الخُلان أن لا تَصْرِميني قال أبو جعفر: قال ابن الأنباري، ومكِّي في شرحه: ومودةً. وقوله:"وودتُ الرَّجُلَ إذا: أحْببْتَهُ". قال أبو جعفر: قال الزمخشري قال الكسائيُّ وحده: ودِدتُ

الرَّجل: إذا أحببته، ووددْتُهُ، ولم يرو الفتح فيه غيره. قال القزاز ويقال في الحُب: الوَدُّ، والوُدُّ، والوِدُّ، بالأوجه الثلاثة، والمودَّةُ والمَوددة في معنى الود، وأنشد: إنَّ بَنِيَّ للِئَامٌ زَهَدَهْ ... مَا لِيَ في صُدُورهم مِنْ مَوْدَدَه قال: وهذا من ضرورة الشعر، ليس مما يجوز في الكلام. قال أبو جعفر: وقال أبو زيد في نوادره: ويقال في الحب: وداد، بكسر الواو. وزاد ابن السيد في مثلثه:"ووداد ووداد"بالفتح والضَّمِّ. قال عبد الدائم القيرواني بسنده عن المطرِّز: ووددت موددةً، بكسر

الدَّال، هو أحد ما جاء على مثال: فعلته مفعلة، قال: ولم يأت على هذا المثال إلا هذا وقولهم: حَمِيْتُ عليه محمية أي: غضبت، وحمدت محمدة، وحسبت محسبة وأنشد البيت: *مَالِيَ في صُدُورهم من مَوْدِدَه* بالكسر قال أبو جعفر: وقال أبو زيد في نوادره: وودَادَةٌ، بفتح الواو، وأنشد في الوِدَادِ بكسر الواو: فلم تَر عُصْبَةً ممَّن يَلِيْنَا ... من الأحياء من قَارٍ وَبَادِ / أشَدَّ بَسَالَة منا إذا ما ... أَرَدْنَاهُ وأليَنَ في الوِدَادِ وقال ابن السيد في المثلث: ووِدَادَةٌ، بكسر الواو. قال أبو جعفر: قال سيبويه: ورجل ودود، ورجال ودداء، شبهوه بفعيل؛ لأنه مثله في الزِّنة والزِّيادة، ولم يتقوا التضعيف لأن هذا اللفظ في كلامهم نحو: خششاء. وقال القزاز ويقال: فلان ودِك، ووَديدك، كما يقولون: حِبُّك وحَبِيْبُك. وقال مكي في شرحه: وودك أيضاً، كلها بمعنى حبيب.

وقال القزاز: وقرئ: {سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّاً} "وَدَا". قال: وجمع وُدِّ: أَوَدٌّ. والأوِداءُ جمع الوديد، كما تقول: حبيت وأحباء، ورجل واد، وقوم وداد. قال أبو جعفر: وفي حديث الحسن: "آخه وأحبه، وادده". قال صاحب الواعي: هو من الوُدِّ، ردَّه إلى الأصل فأظهر الدَّالين من وَدِدَ يَوْدَدُ. وفي الحديث: "تعلموا العربية، فإنها تدل على المروءة، وتزيد في المودة". قال الخطابي: بقيت زمانًا أقول ما معنى زيادتها في المودة؟ حتى وقع لي أنه يريد مودة المشاكلة؛ وذلك أنَّ لمعرفة بكل صناعة تجمع بين أهلها. قال أبو جعفر: ويقال: حَبَبْتُ الرجل وحَبِبْتُهُ، بفتح الباء وكسرها، وأحْبَبْتُهُ، ثلاثُ لغات.

ورجل حَبِيْبٌ وحُبَابٌ بمعنى، عن كراعٍ في المجرَّد، قال: والحِبَابُ الحُبُّ. وقال محمد بن أبَان في كتابه العالم يقال: أحببت الرَّجلُ، ووَددِتُهُ، وصادقته، وخاللته، وهو خليلي، وخلتي، وخلصاني، وحواريى، وصفي، وشجيري، وسجيري، [ولفيفي] ودُخْلَلِي ودُخْلُلِي، بفتح اللام وضمها. قال: وقال ثعلب: السجير بالسين غير معجمة: خاصتي، والتشجير بالشِّين مُعجمة: الغَريب. قال محمد بن أبَان ويقال: حَبَبْتُهُ أحِبُّهُ، / وإحِبُّهُ. بفتح الهمزة وكسرها، وكسرها نادر، حُباً. وحكى أبو عمرو: حبِاً، بكسر الحاء. قال أبو جعفر: ويقال: ألقى عليه رَخْمَتَهُ، ومحبته، وجنته، ومقته، وحبه، وخلته، ومودته، وبشره، وملقه، وبشاشته،

وهشاشته، وشراشره، ولبلبته، وإشباله، وعلقه، وشغفه، وهواه، وحنانه، ورئمانه، حكى ذلك المطرز في الياقوت. وقال أبو نصر في ألفاظه: وأما العشق فهو في النساء خاصة، قال: وفلان حُبَّةُ نفسي، [وحمة] نفسي، وأحبه حُباً صردًا، وحنبريتًا، وسُماقًا. وقوله: "ورَضِعَ المولود يَرْضَعُ" قال أبو جعفر: معناه معروف، وهو مصُّ الثدي، قاله غير واحد. [وقيل معناه: إذا امتصّ اللبن من ثَدْي أمّه] قال ابن طريف [ويقال]: رضع الصغير من كل شيء. وقال المطرز في شرحه ويقال: امرأة مُرْضِع: إذا كانت تُرضِع ولدها

ساعة وهي تمشي، وامرأة مرضعة: إذا كان ثديها في فم ولدها. قال ثعلب: فمن ها هنا جاء القرآن {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} لأن من كان ثديها في فم وَلَدِها فهي أشفق ممن لم يكن صبيها يَرْضَعُها، فإذا ذهلت هذه لهول ذلك اليوم فغيرها أشد ذهولاً. قال أبو جعفر: وقال ابن التيتاني: قال الحربي عن الفراء: المرضعة الأم، والمُرضعُ التي معها صبي ترضعه. قال أبو جعفر: ويقال للمولود: رَصيعٌ ورَاضِعُ، قال الخطابيُّ ويقال أيضًا: رَضِعٌ، كما قالوا: خاشع وخشع. قال ابن التيانيِّ: [جمع راضع: رضاع]، ورضع، كما جاء

في الحديث: "لولا بهائمُ رُتَّعٌ، وصبيان رَضَّعٌ". قال: ورُضُع مثل: طُنُبٍ، وراضِعُون، ونساء مَرَاضِيعٌ. [قال الشيخ أبو جعفر]: ويقال في الماضي: رَضِعَ يرْضَعُ، ورَضَعَ، بالكسر في الماضي والفتح في المستقبل. وبالفتح في الماضي/ والكسر في المستقبل، عن أبي عبيد في المصنف، وعن يعقوب في الإصلاح، وقالا عن الأصمعي: إن عيسى بن عمر أخبره أنه سمع العرب تُنشد هذا البيت: وذَمُّوا لنا الدُّنيا وهم يَرْضِعُونَهَا ... أفَاوِيقَ حتَّى مَا يَدُرُّ لَهَا تُعْلُ وحكى اللغتين أيضًا يونس في نوادره، وابن دريد في الجمهرة، والمطرِّز عن ابن الأعرابيِّ قال: والكسر أفسح. وحكاها أيضًا اليزيدي في نوادره، وقال عنها: لغة رديئة. وحكاها أيضًا أبو حاتٍم في "فَرْقِهِ" وقال: ولم نسمع رَضَعَ يَرْضَعُ بالفتح فيهما.

قال أبو جعفر: ويقال في المصدر: رَضْعٌ، ورَضَعٌ، ورَضِعٌ، ورَضَاعٌ، ورِضَاعٌ، ورَضَاعَةٌ ورِضَاعَةٌ، حكى ذلك صاحب الواعي، والفرَّاء في المصادر، وابن سيدة، وابن التَّيَّانيِّ. وقال صاحب الواعي: والرَّضَاعَةُ بفتح الراء لا غير عند الفُصَحَاء، وحكى قوم الرِّضَاعَةُ بالكسر. قال أبو جعفر: وقال المطرز: الرِّضَاعَة بالكسر عن الكِسَائيِّ، أدخل الكسرة مع التاء، ولا يقوله غيره. قال أبو جعفر: وقد حكاها أيضًا اليزيديُّ في نوادره. وقوله: "وفَرِكَتْ المرأةُ زَوجَها تَفْرَكُهُ فَرْكًا: إذا أبغضته" قال أبو جعفر: الْفِرْكُ بكسر الفاء: بغضُ المرأةِ زوجَها، عن صاحب الواعي، وغَيرهِ.

وقال اليزيدي في نوادره: وهذا رجل مُفَرَّك، بيِّن التَّفْريِك: إذا أبغضته النساء. وحكى ابن جنّيّ في شرح شعر المتنبي عن أبي زيد: رجل فَارِكٌ، وامرأة فَارِكٌ. قال صاحب الواعي: ويقال: فَارَكَ فلانٌ صاحبه: إذا فارقه وتاركه، وحكى عن أبي عبيد أنه قال: هذا حرف مخصوصٌ به المرأةُ والزوج، لم اسمعه في غير ذلك. قال أبو جعفر: قد جاء ما يقتضي/ استعمال الفِركْ في غير المرأة والزوج، وفي الحديث: "الحُبُّ من الله، والفِرْكُ من الشيطان". وقد استعاره رؤبةُ في غير نوع الإنسان، فقال: *ولم يُضِعْهَا بَيْنَ فِرْكٍ وعَشَقْ* قال ابن سيدة في العويص: الفِرْكُ والعِشْقُ إنما هما في نوع الإنسان، فاستعارهما رؤبة للعَيْرِ والأُتُنِ، قال: ومعنى البيت: لم يُضِعِ الحمارُ أُتُنَهُ في حالٍ من الأحوال، في بُغْضه لها ولا في عِشْقه، قال: والأكثر في

بِغْضَة المرأةِ الرجل الفِرْك، والأكثر في بِغْضَةِ الرجل المرأة الإصلاف، يقال: صَلِفَتْ المرأةُ: إذا لم تحظ عند بعلها، وأَصْلَفَهَا بَعْلُها: أبْغَضها. قال أبو جعفر: وأنشد ابن خالويه: إنّي أُوَاصِلُ من أردتُ وِصَاَلهُ ... بحبالِ لا صَلِفٍ ولا لَوَّامِ قال: وصَلِفَ الرجل المرأة، أي: أبغضها. قال صاحب الواعي: فهو صَلِفٌ، وصَلِفٌ. وقال ابن طريف: والمرأة صلفة، والجمع: صلائف، وصلفات. قال أبو جعفر: وحكى ابن الأنباري في الزاهر عن أبي عبيدة قال: خرج أعرابي، وكانت امرأته تَفْرَكُهُ وكان يصلفها، فاتبعته نواة فقالت: شطَّ نواك ونأى سفركُ، ثم اتبعته روثة وقالت: رثيتك وراث خبرك، ثم أتبعته حصاةً وقالت: حاص رزقك وحص أثرك. قال: تَفْرَكُهُ: تبغِضُه: ويصلفها: يبغضها، وشطَّتْ: بعدت، ونأى: بعد، وارث: أبطأ، وحاص: حاد، وحص: محي.

قال أبو جعفر: ويقال فَرِكَتْ المرأةُ وفَرَكَتْ، بالكسر والفتح، عن اللحياني في نوادره، وعن الفراء في كتابه البهي، وقال: وفَرِكَتْهُ بالكسر أجودُ. وحكى الفتح في فرَكَتْهُ أيضًا النَّضْرُ بن شميل في كتابه في صفات النِّساء. وحكاها/ أيضًا صاحب الواعي عن الخليل. وحكاها أيضًا المطرِّزُ في شرحه عن ابن الأعرابي، وابن القطَّاع وعبدُ الحقِّ. ويقال: هي فَارِكٌ، وفَرُوك، والجمع فَوَارِك، عن المطرز، وزاد المطرز "وفُرَّكٌ". وأنشد الجوهري: لها رَوضٌة في القلب لم ترعَ مثلَها ... فَرُوكٌ ولا المُسْتَعْبِرَاتُ الصلَّائِفُ قال أبو جعفر: ويقال في مصدر فَرِكَتْ بالكسر: فِرْكٌ بالكسر، وفي

مصدر فَرَكَتْهُ بالفتح: فُرُوكٌ، عن اللحياني في نوادره، وعن المُطرِّز. وزاد المطرز في مصدر المفتوح: وفَرْكٌ. وقال اليزيدي في نوادره: فَرِكَتِ المرأة زوجها فِرْكًا، بكسر الفاء وفتحها، وفُرُوكاً. وقوله: "وشَرِكْتُ الرَّجل في الشَّيء" قال أبو جعفر: يعني إذا صِرْتَ شريكَه فيه وقال صاحب الواعي: الشِّرْك يكون بمعنى الشَّرِيك، ويكون بمعنى النصيب، ويكون مصدّر شَرِكْتُ الرَّجُلَ في ماله قال: وكلُّ شيء فيه لقوم سهم فهو مُشْتَرَكٌ، ولذلك قالوا: الطريق مشترك، والحديث مشترك، أي: يشترك فيه من سمعه فيتساوون فيه. والشَّريك والمشارك من له معك شِرْك، قال: وقد اشترك الرًّجلان في معنى تشاركا. قال أبو جعفر: ويقال: شَركْتُ الرَّجُلَ، وأَشْرَكْتُهُ، وشَرَكْتُهُ،

كله بمعنى الشِّرْكَةِ، حكاه المُطَرز في شرحه عن ثعلب عن ابن الأعرابي. وقال صاحب الواعي: ويقال في الصفة: فلان شريك، ومشارك وجمع الشريك: شركاء، وأشراك، وقيل واحد الأشْراك: شِرْكٌ، وهو الشَّرِيك، عن أبي عبيد، وللمرأة شريكي. قال أبو جعفر: ويقال في المصدر: شِرْكٌ، وشَرِكَةً، ثم يجوز حذف الحركة/ استخفافاً فتقول: شَرْكَةً، وشِرْكَةً على نقل الحركة، عن مكِّيٍّ. وقوله: "وصَدَقْتَ يا هذا وبَرِرْتَ". قال أبو جعفر: قال القزاز يقال: صَدَقْتَ القومَ: قلتُ لهم صدقاً. قال أبو جعفر: والصِّدق هو: الأخبار عن الشيء على ما هو به. قال القزاز: ومعنى بَرِرْتُ في يميني: صدقت أيضًا. وقال مكِّيٌّ: بَرَّتْ يمينهُ: إذا لم يحنث فيها.

قال أبو جعفر: قال ابن الأعرابي ونقلته من خطِّ الآمِدِيِّ: العرب تقول: صَدَقْت وبَرِرْت، وبَرَرْتَ، بالكسر والفتح. قال أبو جعفر: صَدَقْتَ ليس من الباب؛ لأنَّه فعَل بفتح العين، والباب بابُ فعل بكسرها، فكان الأستاذ أبو عليٍّ يقول وقت القراءة عليه: إنَّما أتي بصَدَقتُ وليس من الباب؛ لأنَّ العرب تقولهما معًا، فتقولُ: صَدَقتَ وبَرِرْتَ، كما تقول النُّحاة: نَعَمْ ونُعْمَةَ عينٍ لذلك أيضًا. قال أبو جعفر: قال ابن طَرِيف في أفعاله: بَرَّ الرَّجلُ يمينَهُ، وأَبَرَّهَا، والمصدر عنه وعن اللِّحيانيَ: بِوُّ، وبُرُورٌ. وقوله: "وكذلك بَرْرْتُ والِدِي". قال أبو جعفر: أيْ أكرمتُه، وقمتُ بما يلزمني من حَقِّه. قال القزاز: تقول العرب: بَرَّ فلان ربَّه: أي أطاعه، ولذلك

قال الشَّاعر: لاَ هُم لولا أنَّ بكراً دونكا ... يَبَرُّك النَّاسُ ويَفْجُرُونكا قال: يريد يطيعك النَّاسُ ويَعْصُونَك. وقال ابن دَرَستويه: بَرِرْتُ والدي أصله بَرِرْتُ بوالدي، ولذلك يقال: هو بَارٌّ بوالديه، وفي كتاب الله تعالى وجل: {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي}، وكذلك بَرِرْتُ في يميني، وأصلهما أنْ لا يتعدَّيا إلاّ بحرف جرٍّ إلاَّ أن يكثر استعمال أحدهما فيحذف منه الجار ويُعَدَّى/ بنفسه، كقولهم: بَرِرْتُ في يميني ومودَّتي. قال: وإنما ذكرهما ثعلبٌ لأن العامة تفتح الماضي منهما" ولذلك ذكرهما. قال أبو جعفر: وكذا أنكرهما الزمخشريُّ في شرحه، وابن السيد في الاقتضاب، وقال: أما بَرِرْتُ بوالدي فلا أعرف فيه لغة غير الكسر.

قال أبو جعفر: وحكى ابن سيدة في المحكم أنه يقال: بَرِرْتُ والدك، وبَرَرْتَه، بكسر الماضي وفتحه. وقوله: "ورجل بَارٌّ، وبَرٌّ". قال أبو جعفر: بَارٌّ فاعل من البِرِّ، وهو فِعْل الخَيْر، ووزنه فاعل، وأصله بَارِرٌ، ثُمَّ أُسكِنت الرَّاء الأولى وأُدغمت في الثانية استثقالاً للجمع بين مِثْلَين، وجمعه بَرَرَةٌ مثل: كافرٍ وكَفَرة، ولم يدغموا في بَرَرَةٍ لخفَّة الفتحة. وزن بَرٍّ: فَعِلٌ: وأصله بَرِرٌ، ثم أدركه الإدغام لما قلناه في بَارٍّ، وجمعه أبرار، مثل: فَخِذ وأفخاذ. وقد يمكن أنْ يكون أبرار جمع بَارٍّ، كما قالوا: صاحب وأصحاب، وشاهد وأشهاد. وبَرٌّ أبلغ في الصِّفة من بارٍّ، وكذلك ما كان على مثاله، فإن حذف الألف يوجب مبالغة الصفة، كقولهم: رجل ثابت وثبت، وزائر وزور. وقوله: "وجَشِمْتُ الأمر أجْشَمُهُ"

قال أبو جعفر: أيْ تكلَّفته بمشقَّة، عن غير واحد. قال القزاز: وكذا تَجَشَّمتُهُ، [قال الشيخ أبو جعفر: وقال المرزوقي: تجشَّمته: إذا زدت له كلفة. قال القزَّاز:] وأجشمني فلان مثل: جَشَّمَنِي، ومعناه: أكرهني عليه. وحكى المطرز في شرحه: جَسِمْتُهُ بالسِّين غيرَ معجمة: إذا ركبت جَسِيْمَهُ ومُعظمَهُ. قال أبو جعفر: ويقال في المصدر: جَشْمٍّ، وجَشَامَةً، عن القزاز. وقوله: "وسَفِدَ الطَّائر". قال أبو جعفر: أَيْ جامع، عن ابن خالويه. وقال صاحب الواعي: هو مثل الجماع للإنسان، ويقال/ في الطائر، زالسِّباع، والتَّيس، والثَّور، وكذلك في البعير.

قال أبو جعفر: حكى كراعُ في المجرد أنه يقال: سَفِدَ الطائر، وزَجَل، وزَحَل، بمعنى واحدٍ. قال ابن درستويه: والعامة تقول: سَفَدَ يَسْفِدُ، بفتح الماضي وكسر المستقبل. وقال أبو جعفر: قد حكى سَفَدَ بالفتح يعقوب في الإصلاح عن أبي عبيدة، وكراع في المجرد، وصاحب الواعي، وابن سيدة في المحكم، وابن القَطَّاع. ويقال في المصدر: السَّفْدُ، والسِّفَادُ، عن صاحب الواعي، وعن ابن سيدة في المحكم وغيرهما. وقوله: "وفَجِئَنِي الأمرُ يَفْجَؤُنِي". قال أبو جعفر: إذا نزل به بَغْتَةً، عن القَزَّاز. وقال صاحب المبرز، وأبو زيد في كتاب [الهمز]: فجئته: لقيته وهو لا يشعر بك وأنت لا تشعر به.

وقال صاحب المبرز عن قطرب: نحن نَتَفَجَّأُ فلاناً، أيْ: ننتظره فجاءة، وأتيته فُجْوَاءَ، أي: مُفَاجأة. وقال ابن خالويه: كانوا يتعوَّذون من الموت الفُجَاءة؛ لأنَّ الرَّجل ربما كان مقيمًا على معصية فإذا مرض أقلع عنها وتاب، وإذا أتاه الموت فُجاءَةً مات على غير توبة. قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: والعامة تفتح الماضي منه. قال أبو جعفر: حكى أبو عبيد في المصنف، أنه يقال: فَجَأَني، ويقال أيضًا: فَاجَأَنِي، حكاه يعقوبُ، وأبو زيد في كتاب الهمز، وابن دريد في كتاب الجمهرة، وصاحب المبرز، وغيرهم، وحكاها أيضًا ابن التَّيَّانيِّ فقال يقال: فَجَأَ الأمر، وفَاجَأَ، وفَجِئَ.

قال أبو جعفر: فَاجَأَنِي هو أحد ما جاء على غير قياس؛ لأنَّ قياس المفاعلة أن تكون بين اثنين كالمحاكمة، والمضاربة، والمعانقة. ومما شذَّ من هذا الباب عافاه الله، وعاليت الرَّحْلَ، وطارقت النَّعل. ورُبَّما/ يترك الهمز كما قال الشَّاعر: نِعْمَ المُعَانِقُ نَفْجَاهَا وقد جَعَلتْ ... أخرى اللَّيالي وقد جَمَّتْ لهُ العِلَلُ ويقال في الصفة: أنت فاجِئٌ، ومُفَاجِئٌ، وهو مَفْجُوءٌ، ومُفَاجَأُ، عن القزاز. وفي المصدر عنه: فَجْأُ، وفُجَاءَةٌ ومُفَاجَأةً. وحكى المطرز عن ابن الأعرابي أنه يقال: رأيته فُجَاءَةٌ، والتقاطًا وعيناً، وبدَدَاً، وأول صوْكِ وأول بَوْكٍ، أي: رأيته فُجَاءَةٌ بغير

تلبث، وقال اللحياني في نوادره: لقيته أول وَهْلَةٍ، ووَهَلَةٍ، ووَاهِلَةٍ أي: أول كل شيء. وقال ابن الأعرابي أيضًا: وأول ذي يَدَينِ، وذاتِ يَدَينِ، وقال أيضًا في ألفاظه: ولِقَاطًا، وكِفَاحاً، وصكة عمي، وعين عنة، وصحرة بحرة، وكَفَّةَ كَفَّةَ، وكَفَّةَ لِكَفَّةَ وكَفَّةَ عن كَفَّةَ، وفلاطاً وافتلاطاً، ولقيته أدنى ظلم، وأول عائنة، وأول عوك وأول ذي أول.

باب "فعلت بغير ألف"

بابُ "فَعَلتُ بغيرِ ألفٍ" قوله: "شَمَلَتِ الريِّحُ" قال أبو جعفر: أي هَبَّتْ ريحٌ شمالٌ. وقوله: "من الشَّمال" متعلق بمعنى الفعل، كأنه قال مأخوذ من الشمال، أيْ: هذا الفعل الذي هو شَمَلَتْ مأخوذ من الرِّيح الشَّمال، وكذلك الكلام في جَنَبَتْ من الجنوب، وباقيها. قال التدميري: وقال بعضهم: هي في الشمال متعلقة بشَمَلَتْ، وفي الجنوب متعلقة بجنبت، وكذلك في الصبا، والدبور، والتقدير عنده: شملت الريح من ناحية الشمال، وجنبت من ناحية الجنوب، فتكون "مِنْ" ها هنا لابتداء الغاية في المكان. والشمال هي: الريح التي مِنْ عَنْ شمالك إذا استقبلت مطلع الشمس، والشمال أيضًا قد يكون اسماً للناحية التي تلي قُطْبَ بناتِ نعشٍ،

وذلك مما سمي باسم الشيء بحكم المناسبة، عن التدميري فعلى هذا/ القول يكون معنى شملت الريح من الشمال، أي: هبت الربح من ناحية الشمال، ويكون المجرور - الذي هو من الشمال - "متعلق" بالفعل الذي هو شملت، وكذلك في الصبا وباقيها. وأحسن ما رايته في معرفة الرياح ما كان يقوله لنا الأستاذ أبو علي: إن المسمي للرياح [إذا] استقبل مطلع الشمس فما استقبله من الرياح سماه قبولًا، وما استدبره - أي: جاءه من دبره - سماه دبوراً، وما جاءه من ناحية شماله سماه شمالاً، وما جاءه من ناحية اليمين سماه جنوبًا. وكذا كان يقول الأستاذ أبو بكر ابن طلحة، وغيرهما. قال أبو جعفر: الريح نسيم الهواء، أنثى، والجمع أرواح، أبو حنيفة: وأرياح، وعلى هذا قيل: أراييح، وأروايح جمع أرواح، والكثير

رياح، عن صاحب كتاب العالم، وابن سيدة في المخصص. قالا: وحكى بعضهم ريح وريحة مع كوكب وكوبة، وأشْعر أنَّهما لغتان. وقالا عن الفارسي: أعلم أن الريح اسم على فِعْل، والعين منه واو، فانقلبت في الواحد للكسر، فأما في الجمع القليل فصَحَّت. لأنه لا شيء فيه يوجب الإعلال، ألا ترى أنَّ الفتحة لا توجِبُ إعلال هذه الواو في نحو: يَوْم وقَوْل وعَوْن. فأما في الجمع الكثير فَرِياح، انقلبت الواو ياء للكسرة التي قبلها، وإذا كانت قد انقلبت في نحو: ديمة وديم، وحيلة وحيل، فإنْ تنقلبَ في رياح أجدرُ لوقوع الألف بعدها، والألف تشبه الياء، والياء إذا تأخرت عن الواو أوجبت فيه الإعلال، فكذلك الألف لشبهها، وقد يكون الرَّيح يُعْني به الجمع، كقولك: كتُر الدينار والدرهم، ونظيره كثير. قال أحمد: وإنما سميت الريح ريحاً/ لأن الغالب عليها في هبوبها المجيء [بالروح] والراحة، وانقطاع هبوبها يُكسِب الكَرْبَ والغّمَّ والأذى، فهي مأخوذة من الرَّوح، حكى هذا ابن الأنباري في كتابه الزاهر.

قال أبو جعفر: والشمال فيه لغات، يقال: شمال بتخفيف الهمزة، وشمال كما قال امرؤ القيس: *لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وشَمْأَلِ* وشأمل على القلب، وشمل كأسد، وشمل كفلس، وشمول على وزن رسول، عن صاحب الواعي، وابن سيدة في المخصص، وكراع في المجرد، ما عدا شمولاً فإن "كراع" لم يحكه. وحكى أيضًا جميعها صاحب كتاب العالم، وزاد ابن سيدة، وصاحب كتاب العالم، واليزيدي في نوادره، وعبد الواحد اللغوي: وشَيْمَل على وزن فيصل، وزاد صاحب الواعي: وشَامَل على وزن طَابَقٍ، وحكاه أيضاً كراع في المجرَّد. وزاد صاحب الواعي: وشِمَال، على وزن كِتَابٍ، وشَمِيل بفتح الشين وكسر الميم. قال أبو جعفر: قال سيبويه: الهمزة في شَامَلٍ، وشَمْأَلٍ

رائده. واستدلَّ الفارسيُّ على ذلك بقولهم: شملت الرِّيح بلا همز، كما قالوا: امرأة ضَهْيَأَةٌ ووزنها فَعْلأَةٌ، فيمن حعلها من ضَاهيتُ، أَيْ: شابهتُ: غير مهموزٍ. وقال أبو عليٌّ أيضًا: فأمَّا شَمَلٌ فَمُخَفَّفٌ من شَمْأَلٍ. وامرأة ضَهْيَأُ مهموزة غير ممدودة، ومنهم من يمدُّ فيجعلها على فَعْلاء بالمدّ، والهمزة فيها زائدة؛ لأنّهم يقولون: نساء فُهْيٍّ، فيحذفون الهمز، عن ابن ولاَّد في مقصوره. قال ابن فارس: المضاهاة: المشاكلة، تهمز ولا تهمز. وقال صاحب كتاب العالم، وابن سيدة: لا يلزم قول/ أبي عليٍّ، قد يكون شَمَلٌ موضوُعاً أوَّلَ كَشَمْلٍ. قال أبو جعفر: ويقال في الجمع الشَّمَالتُ، والشَّمَائِلُ، عن صاحب كتاب العالم، وعن ابن سيدة أيضًا، قال: ويقال: لا تكاد الشَّمَال تهُبُّ ليلًا، والعرب تقول: إن الجنوب قالت للشَّمَال: "إنَّ لي عليك فضلًا، أنا أَسْري وأنتِ لا تَسْريِن، فقالت الشَّمُول: إنّ الحُرَّةَ لا تَسري".

قال أبو جعفر: ويقال: شَمَلَتْ تَشْمُلُ شَمْلاً، وشمُوُلاً، عن اللَّحيانيّ في نوادره، وعن الزيديِّ نوادره أيضاً. وقال كراع في المجرد: ويقال للشمَّال: أيْرٌ وإيْرٌ وأيِّرٌ، وَهْيرٌ وهَيِّر وهِيْرٌ، سِتُّ لغات. وقوله: "وَجَنَبَتْ من الجَنُوب". قال أبو جعفر: أَيْ هبَّت ريح جَنُوبً، والجَنُوبَ ريح قِبْلِيَّةً، أَو يكون بالمعنى الثَّانِي أي: هبَّت ريحً مِن جهة الجَنُوبِ، ويكون الجنوب أيضاً اسماً للنَّاحية التي تلي القُطْبَ المقابلَ لبنات نَعْشٍ، كما تقدم في شمَلَتْ. قال أبو جعفر: والجمع الجَنَائِبُ، عن اليزيديِّ في نوادره، وعن ابن سيده. قالا ويقال: جَنَبَتْ تَجْنُبُ جُنُوباً، قال اليزيديُّ: بضم الجيم [قال]، وجَنْباً بفتح الجيم، قال: والاسم الجَنُوبُ بفتح الجيم. وقوله: "وصَبَتْ من الصَّبَا". قال أبو جعفر: هو على ما تقدَّم في شَمَلَتْ، وَجَنَبَتْ، ويقال لها: القبول، عن ابن خالويه، وغَيْرِهِ.

وحكى اللَّحيانيُّ في نوادره: أنَّ ريح الصَّبَا يكتب بالياء، والألف، لقولهم في تثنيته: صَبَوانِ، وصَبَيانِ ويقال في الجمع: الصَّبَوَاتُ، والأصْبَاءُ، عن ابن سيدة في المخصص، وعن اللَحيانيِّ. وعن ابن سيدة: صَبَتْ تصْبُو صَباً. قال أبو جعفر: وزاد اليزيديُّ في نوادره: وصُبُوّاً. وقوله: "ودَبَرَتْ من الدَّبُور". قال أبو جعفر: على ما قَدَّمناه [أيضاً] من التَّفسير، إِمِّا أنْ يكون الدَّبُور الرِّيح / الغربيَّة، فيكون المعنى هَبَّتْ ريحٌ دَبُورٌ، ويكون من الدَّبُور متعلِّقاً بمعنى الفعل. وإمّا أن يكون الدّبُور الغرب، فيكون المعنى هَبَّتْ من جهة الدَّبُور، أيْ: من جهة الغرب، والجمع الدَّبائِر.

قال أبو جعفر: وقال اليزيديُّ في نوادره: وقد دَبَرَتْ تدُبر دَبْراً، ودُبُوراً. قال أبو عبيد: وكلُّ ريح من هذه الأربع انحرفت فوقعت بين ريحين فهي نكباء. قال اليزيديُّ في نوادره: وقد نكَبَتْ تَنْكُب نَكْباً، ونُكُوباً. قال أبو جعفر: وإنَّما سمُيِّتْ بذلك لأنَّها نَكَبَتْ، أَيْ: عدلتْ عن مهابِّ هذه الرِّياح الأَرْبع قاله القُتَبِيُّ. وقوله: "كلُّ ذلك بغير ألفٍ". قال أبو جعفر: قال التُّدميريُّ، ونقلته من خَطِّه: وكلُّها يقال فيها فَعَلَتْ بغير ألف إلا النُّعاميَ وحْدَها - وهي الجنوب - فإنَّه يقال فيها: أنعمت بالألف: إذا هَبَّتْ. وكذا قال ابن هشام، وغيرُهما. وحكى ابن سيدة في المخصص، وصاحب كتاب العالم، كلاهما عن ابن دريد أنَّه قال: أفْعَلَتْ مقولة في ذلك كلِّه.

قال أبو جعفر: وهل هذه الألفاظ أسماء أم صفات؟ فإنَّ سيبويه قال: هي صفات في أكثر كلام العرب، سمعناهم يقولون: هذه ريحٌ شَمَالٌ، وهذه ريحٌ سَمُوم، وهذه ريحٌ جَنُوب، سمعنا ذلك من فصحاء العرب لا يعرفون غيره، قال الأعشى: لها زَجَلَّ كحفيفِ الحَصَا ... دِ صَادَفَ باللَّيلِ رِيحاً ذَبُورا وقوله: "وخَسَاتُ الكَلْبَ" قال أبو جعفر: معناه: طردته وأبعدته، عن ابن دَرَستويه، قال: وذلك أن تقول له: اخْسَأُ. قال أبو جعفر: وخَسَأَ من الألفاظ التي سَوَّوْا فيها بين التعديِّ وغير المُتَعَدِّي، فجاء التعدَّي وغيرُ/ المتعدِّي بلفظٍ واحدٍ، كقولهم: غاض الماء وغِضْتُهُ، وعاب الشَّيء وعِبتُهُ، وزاد الشَّيء وزِدتُهُ، وعَمَرَ المنزلُ وعَمَرتُهُ، ومدَّ النَّهر ومَدَدْتُهُ، وهي ألفاظ ذكر كثيراً منها ابن جنَّيٍّ في الخصائص، وأبو عبيد في المصنِّف، جاءت مُتَعَدِّيةً من غيرِ همز، ولا حرف جَرَّ، ولا

َتضْعِيفِ عينٍ، وكذلك خَسَأ، لأنَّه يقال خَسَأ الكلب وخَسَأتُهُ، فجاء مُعَدىً من غير شيءٍ يتعدَّى به، وكان حقُّه أنْ لا يتعدَّى إلاّ بأحد الأشياء التي ذكرناها: لأن معناه كما قدَّمناه بَعُدَ، وبَعُدَ لا يتعدَّى، فهو من تلك الألفاظ. قال أبو جعفر: على هذا أهل اللُّغة، أعني: أنَّ خَسَأَ من الألفاظ التي سَوَّوْا فيها بين المُتَعَدِّي وغيرهِ. وقال ابن الدَّهَّان في شرحه، [وصاحب الموعب]: العامَّة تقول: أخسأته، بالألف، وهي لغة. قال أبن دَرَستويه: إنَّما تعدَّتْ هذه الأشياء بنفسها من غير مُعَدٍّ؛ لأنَّه كَثُرَ استعمالها، وعُرِفَ معناها، فحذف منها حرف التَّعْدية والنَّقْلِ تخفيفاً، واستُغْنيَ عنه بالتعارف لمعناها. قال أبو جعفر: ويقال: خَسَأتُهُ فَخَسَأ، وخَسِئَ وانْخَسَأ، أيْ: أبعدته فَبَعُد، عن صاحب الواعي. وقال صاحب المبُرزِّ عن الأصمعيِّ ويقال: أخْسَأ يا كلب، واخْسَئِي يا كلبةُ.

وقال ابن أبي إسحاق لبكر بن حبيب: ما ألحن في شيء فقال لا تقل، فقال: خُذ عليَّ كَلِمةً، فقال: هذه واحدة، قل: كلِمَهْ. ومرَّتْ سِنَّوْرَةٌ فقال لها: [اخسَيْ]، فقال: أخطأت، إنَّما هو اخْسَئِي. وقال الكراع في المجرد: خَسَأُتُ الكلب لا يقال بالألف. قال أبو جعفر: حكى صاحب الموُعِبِ عن قطربٍ، وابنُ الدَّهَّان وقد [تقدم] أنَّه يقال: أَخْسَأتُهُ بالألف لغة. وحكى [هو و] صاحب المبرِّز والفرَّاء في مصدر خَسَأَ: خَسْئاً وخُسُوءاً. وقوله: "وفَلَجَ الرَّجُلُ على خصمه".

قال أبو جعفر: أيْ ظهر عليه وغَلَبَه بالحُجَّة، عن غير واحد. قال التدُّميريُّ ومن خطِّه: وهو مأخوذ من الفُلْجِ، وهو الظَّفَر. وقال اللَّحيانيُّ في نوادره [يقال]: لِمَن الفَلَجُ والفَلْجُ؟ بفتح الفاء مع تكسين اللام وتحريكها، والفُلْجُ بضمِّ الفاء وسكون اللاَّم، ويقال: أفْلَجْتُ فلاناً على فلانٍ، ويقال: فَالَجْتُ فلاناً فَفَلَجْتُهُ، وأنا أَفْلُجُهُ، أَيْ: خصمتُهُ وغلبته. قال أبو جعفر: ويقال في الماضي: فَلَجَ، وَأفْلَجَ بالألف، ذكره صاحب الواعي، وابن القطَّاع، وثابت، وأبو عبيد. وحكاها أيضاً قطربٌ في فَعَلْتُ وأَفْعَلْتُ، قالا وقال بعضهم: فَلَجَهُمْ: إذا فلج عليهم. ويقال في الصِّفة من فَلَجَ: فَالِجٌ وفَلْجٌ، كما يقال بَالِغٌ وبَلْغٌ، وثَابِتُ وثَبْتٌ، عن الكراع في المجرد.

ويقال في المصدر من فَلَجَ: الفُلْجُ بضمِّ الفاء وتسكين اللاَّم، والفَلَجُ بفتح الفاء واللاَّم. وفي المصدر من أَفْلَجَ على القياس: الإفْلاَجُ. وقوله: "ومذى الرَّجُل يَمْذِي". قال أبو جعفر: معناه خرج من ذَكَرِه المَذْيُ، وهو ماء أَرَقُّ من المَنِيَّ، ولا لذّة له عند خروجه، عن ابن دَرَستوريه. قال: واسم ذلك الماء المَذِىُّ بكسر الذَّال، كأنَّه سُمِيَّ بمصدره، لأنَّه يقال: مَذَى يَمْذِي مَذْياً، وإنَّما يخرج ذلك الماء عند الملاعبة، أو ذكرِ الجماع. وحكى الكراع في المجرد أنَّه يقال فيه: المَدْيُ، بدال غير معجمة، ولم أره لأحد من اللُّغويين سواه. قال أبو جعفر: والوَدْيُ الماء الذي يخرج أبيضَ رقيقا على أَثَر البول. عن أبي عبد الله القزَّاز، قال: والذَّال المعجمة فيه لغة، قال: والمَنيُّ ماءُ الرَّجل الذي يكون منه الولد. قال أبو جعفر: وحكي أبو عبيد في المصنَّف عن الأصمعيِّ أنَّه قال:

المذِيُّ، والمَنِيُّ والوَدِيُّ مُشَددَّاتُ/ الياء. قال أبو عبيد: وغيره يُخَفِّفُ المذْيَ، والوَدْيَ. قال أبو عبيد: والصواب عندنا أنَّ المَنِيَّ وحده بالتَّشديد، والآخران مُخَفَّفان، وحكى المطرِّز في ياقوته عن ابن الأعرابي أنَّه قال: المَذْيُ مثل: الرَّمْي، والمَذِي مثل: العَمِي، والوَدْيُ مثل: الرَّمْي، والوَدِي مثل: العَمى، والمَنِيُّ مثل: الشَّقِيّ، والمَنِي على مثال: العَمِي، قال: والأولى أفْصَحُهُنَّ. قال أبو جعفر: ويقال في الفعل منه: مَذَى، وأَمْذَى. حكى [ذلك] أبو عبيد في المصنَّف، والكراع في المجرد، والمطرِّز، وغيرُهم. [وزاد المطرِّز ومَذَّى بالتشديد] وقال الدِّيْنورِي في كتابه إصلاح المنطق: وأمذى قليلة، قال: وكذا قال الفَرَّاء في فَعَلْتُ وأَفْعَلْتُ: ومَذَى بالتخفيف أفْصَحُهُنَّ.

[ويقال من المَنِيِّ: مَنَى الرَّجلُ، وأمنى، عن من تقدمَّ، وزاد المطرِّز: ومَنَّى بالتَّشديد، قال: ومَنَى بالتَّخفيف أفصحهن]. وحكى الكراع في المجرد: أنَّ المَنيَّ يجمع مُنْي على مثال: فُعْلٍ. ويقال من الوَدْى: وَدىَ وأَوْدَى، عن المطرِّز، والقزَّاز. وزاد المطرِّز: وَدَّى، بالتَّشديد، قال: ووَدَى بالتخفيف أفْصَحُهُنَّ. وقولة: "ورَعَيْتُ الرَّجُلَ أرْعَبُهُ". قال أبو جعفر: أَيْ: أخفتهُ وأفزعتُه، عن غير واحدٍ. قال التُّدميريُّ: وهو مأخوذ من الرُّعب، وهو الخوف والفزع. وقال مكِّيِّ في شرحه: معناه ملأتُه فَزَعاً، وهو من قولهم: رَعَبَتِ السُّيوُلُ الوادي: إذا ملأته، ومن رَعَبْتُ الإناء: إذا ملأتَه. قال ابن التَّيَّانيِّ: ورَجُلٌ رَعِيبً، ومَرْعُوبَّ، وقد رُعِبَ بضمِّ الرَّاءِ، ورَعُبَ بضم العين وفَتْحِ الرَّاِء، قال: يكون ذلك في الجَبَان والشُّجَاع مثل

الفزع والذُّعْر. وحَكَى رَعَبْتُ الرَّجُل رُعُباً، بضمَّتين، وتُسَكِّنُ العين، فهي مَرْعُوبٌ ومُرْتَعِب أَيْ: فَزِعٌ. قال أبو جعفر: قال ابن الأعرابيِّ في نوادره: العرب تقول: رَعَبْتُ الرَّجُل، ولا تقول: أرعبته. وحكى ابن طلحة الاشبيليّ: أرْعَبْتُهُ بالألف. / قال الأزهريُّ: ورَعَّبْتُهُ فهو مُرَعَّب. وقوله: "ورَعَدَتِ السَّماء من الرَّعْدِ". قال أبو جعفر: أَيْ سُمعَ منها الرَّعد. والرَّعْد هو: الصَّوت الذي تسمعه نحو الغيم ويقال: إنَّ الرَّعد اسم ملك يزجر السَّحاب، وهو يقول ابن عباس. وما تسمعه صوت، وليس الرَّعد اسم الصَّوت الذي تسمعه

حقيقة، إنَّما اسم ذلك الصَّوت [الشَّعَارُ] بفتح الشِّين، قال الشَّاعر: *وقِطِارُ سَاريَةٍ بغير [شَعَار]. وجاء في الخبر عن النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلم أنَّه قال: "إنَّ الله تعالى يُنْشِئ السَّحاب، فتنطق أحسن المَنْطِق، وتضحك أحسن الضَّحك، فمنطقها الرعَّد، وضَحِكُها البرق". قال القزَّاز: فإذا سمعتَ الرَّعد قلت: أَرْعَدْتُ، أيْ: دخلتُ في موضعٍ تسمعُ فيه الرَّعد. وقال اللَّحيانيُّ في نوادره: رَعَدَتِ السَّماء تَرْعَدُ وتَرْعُدُ بالفتح والضَّمِّ، رَعْداً ورُعُوداً. أبن التَّيَّانيَّ: ورَعْدَةً. وقوله: "وبَرَقَتْ من البرق" قال أبو جعفر: قال التُّدميريُّ: البرق عند أهل اللُّغة نور وضياء، يصحبان السَّحاب. وقال ابن خالويه: البرق: مَصْع ملك أي: ضرب ملك. قال الزَّمخشري: والبرق النَّار التي من الغيم: قال: وربما قالوا للبرق: بارق، وللسَّحاب الذي فيه البرق: بارق.

قال أبو جعفر: قال محمد بن أبان في كتابه العالم، وابن سيدة في المخصص: رَعَدَتِ السَّماء وبَرَقَتْ، هذا الكلام العالي الفصيح، وقد جاء أرعدت، وأبرقت على قلَّةٍ، وهو مرغوب عنه، والأصمعي يردُّها، وحكاها أبو زيد. قالا: وبرقت السَّماء تبرُق بَرْقًا، وبَرَقَانًا. قال أبو جعفر: وحكى اللُّغتين أيضاً ابن القطَّاع، وقال في المصدر: بَرْقً، وبرُوُقٌ. / قال أبو جعفر: وحكى أيضًا رَعَدَتْ وأَرْعَدَتْ، وبَرَقَتْ وأَبْرَقَتْ ابن التَّيَّانيَّ في مختصر الجمهرة، قال: والسَّحابة بَارِقَةً، والجمع بَوَارقٌ. وقوله: "وكذلك رَعَدَ الرجل وبَرَقَ: إذا أَوْعَدَ وتهدَّد، وقد يقال: أرْعَدَ وأَبْرَقَ". قال أبو جعفر: أي: أَفْزَعَ كما يُفْزِعُ الرَّعد والبرق. وحكى أبو عبيد في المصنَّف عن الأصمعيَّ: أنَّه أنكر أَرْعَدَ وأبْرَقَ

بالألف. وكذلك حكى يعقوب في الإصلاح عنه أنَّه لا يقال: أرْعَدَ وأبْرَقَ، قال يعقوبُ: ولم يكن يرى بيت الكُمَيت حُجَّةَّ: لأنَّه عنده مولد، وهو قوله: أبْرِقْ وأَرْعِدْ يا يزيدُ ... فما وعيدكُ لي بِضَائْر قال ابن دَرَستويه: إنَّما لم يُجِزْهُ الأصمعيُّ لأنَّه كان صاحب رواية وسماع، وليس بصاحب قياس ولا نظره، وكان يخطئ الكُمَيْتَ في هذا البيت ولا يحتجُّ بشعره، من أجل أنَّه قرويٌّ متأدبِ كاتب. قال ابن دَرَستويه: وليس ذلك ممَّا يسقط به الشاعر، وقد كان المُرَقَّشُ كاتباً، وعَدِيُّ بن زيد كاتباً متأدباً، وأمَيَّةُ بن أبي

الصَّلْتِ كاتباً عالماً، وقُسُّ بن ساعدة كذلك، وليس في أشعارهم مطعن لأحد. وكان أبو الأسود الدُؤليّ كاتباً أديباً عالماً، وهو إمام النَّحويَّين في النَّحو، وأشعاره حُجَجٌ لازمةٌ. قال: وإنَّما انحرف الأصمعيُّ عن الكُمَيتِ لمذهبه، لا لأدبه، وقد روت العرب شعراً لامرئ القيس تزعم أنَّه أجاب به [عَمْرَو بن حُنَيٍّ] حين سأله أنْ يقول بيتاً فيه سبع عينات، وبيتاً فيه سبع قافات، فقال: فَأَرْعَدَ رَعْدُ الرَّعِداتِ وأرْعَدَتْ ... رَوَاعِدُ رَعْدٍ رَعْدُهُنَّ قَصُوفُ وأبْرَقَ بَرْقُ البَارِقاتِ وأبْرَقَتْ ... بَوَارِقُ بَرْقٍ بَرْقُهُنَّ خَطُوفُ فأتى بألف في أرعد وأبرق، وهو سيِّد الشُّعراء، ولم ينكره أحد من العرب عليه. / قال أبو جعفر: وقد حكى غير الأصمعيِّ من الأئمة الوثوق بهم في اللُّغة أنَّه يقال: أَرعد وأَبرق بالألف، حكى ذلك يعقوب في الإصلاح عن

أبي عبيدة، أبي عمرو. وكذلك حكي أبو عبيد في المصنَّف عن غير الأصمعيّ من الأئمة، وأنشد لذي الرُّمّة: إذا خَشِيَتْ مِنْهُ الصَّريمةَ أبْرَقَتْ ... له بَرْقَة مِنْ خُلَّبٍ غَيرِ ماطِرِ وحكاها اللحيانيّ [أيضاً] في نوادره. فإنكار الأصمعيِّ ليس بِحُجَّة، وإنَّما الحجَّة فيما قدمناه. وقوله: "وهَرَقْتُ الماء، فأنا أُهْرِيقُهُ، وإذا أمرتَ قلتَ: أرقْ ماءك وهو الأصل". قال أبو جعفر: معنى هَرَقْتُ الماء، صيبته، قال ابن خالويه: العرب تقول: هرقتُ الماء، وصببُتُه، ودفقُتُه، وسكبتُهُ. قال أبو جعفر: وأصل هرقتُ: أرقتُ، والعرب تُبدِل من الهمزة هاءً، ومن الهاء همزة: للقرب الذي بينهما من حيث أنَّهما من أقصى الحلق: فجاز أَنْ يبدل كلُّ واحد منهما من صاحبه، فمن أبدال الهاء من الهمزة قولهم: إيَّاك وهَياَّك، وكما قال:

*لَهِنَّك من برقٍ عليَّ كريمُ* قال اللَّحيانيُّ في نوادره: يقال: أرَدْتُ أَنْ أفعل ذاك، وهَرَدْتُ أنْ أفعل ذاك، وأَنَرْتُ الثَّوب، وهَنَرْتُهُ. وأرَحْتُ دابتي، وهَرَحْتُها. وأرَقْتُ الماء، وهَرَقْتُهُ. ومن إبدال الهمزة من الهاء قولهم: هيهات وأيهات، كما قال: أيْهَاتَ منزلُنا بنَعْفِ سُويقَةٍ ... كانَتْ مَبَاركَةً من الأيَّام ثُمَّ قالوا: فَهَيْهَاتَ هَيْهاَتَ العَقِيقُ وأهلُهُ ... وهَيْهَاتَ خِلٌّ بالعَقِيقِ نُوَاصِلُهْ فتبَّين أنَّ أصله الهمزُ وقد أُخِذَ على ثعلب في إدخاله هَرَقْتُ في هذا / الباب؛ لأنَّ هذا

الباب إنَّما هو باب فَعَلْتُ بغير ألفٍ، وهَرَقْتُ من باب أفْعَلُتُ بالألف، وبيان أنَّه من باب أفْفَلْتُ أنَّ أصله كما قَدَّمنا أرَقْتُ، وهو فِعْلُ مُعْتَلُّ العين من الواو على قول، وأصله على هذا أرْوَقْتُ؛ لأنَّه من قولهم: رَاقّ الماء يَرُوقُ: إذا انصبَّ. وقيل أصله أرْيَقْتُ؛ لأنه من رَاقَ يَرِيْقُ رَيْقًا: إذا انصبَّ، ثُمَّ نقلت حركة الياء أو الواو إلى الرَّاء، وحُذِفت الياء أو الواو لالتقاء السَّاكنين، فبقى أرَقْتُ. وممَّا يدل أيضاً على أنَّه رباعيٌّ أنُّك إذا أسندتَ إلي الغائب قلتَ: هَرَاقَ، وأرَاقَ، وفي المستقبل: يُهَرِيقُ، ويُريِقُ، فلو كان ثلاثياً لقيل: يَهْرقُ أو يُهْرُقُ. فخرج من هذا كلِّه أنَّه ليس ثلاثيًا، وإنَّما هو فعل رباعيٌّ. فوجه العذر لثعلبٍ أنَّه إنَّما أدخله في هذا الباب مراعاةً للَّفظ؛ لأَنَّ لفظه ثلاثيٌ، فذكره في هذا الباب لهذا الوجه، كما ذكره غيره لوجهٍ أخر. قال أبو عبد الله القزاز في كتابه الجامع لمَّا ذكر هَرَقْتُ في "الهاء والرَّاء والقاف"، اعتذر عن ذكره له في هذا الموضع فقال: ليس هذا من هذا الباب، ولكن ذكرناه من أجل لزوم الهاء للبدل.

قال أبو جعفر: فهذا اعتذار منه عن ذكره هَرَقْتُ في هذا الموضع، ولم يذكره فيء الهمزة والرَّ اء والقاف" الذي هو أصله، لكنَّه راعى كما ذكر لزوم البدل، وكذلك ثعلب كان حقُّه أنْ لا يذكرَ هرقتُ إلاَّ في باب أفعل، ولا يذكره في باب فَعَلْتُ، لكنَّه راعى كما قدَّمناه لفظه، فإنَّه ثلاثيٌّ. قال أبو جعفر: ويمكن أنْ يكون الذي حمل ثعلباً على أن ذكر هرقتُ في هذا الباب وإن كان ليس بابه أن كلامه في هذا الباب إنما هو فيما يقال من الأفعال بغير ألف/ في الأفصح، وكان في هرقتُ لغتان: هرقتُ، وأهرقت على ما حكاه أبو عبيد في المصنَّف، واللَّحيانيُّ في نوادره. وقال عنها: إنَّها أبعدُ اللُّغات، وهي لبني تَغْلِب. قال: ونُرَى أنَّ الهاء فيها زائدة، كما قالوا: أمهات. وحكاها أيضاً الجوهري، وأبو عمرو الشيباني في نوادره. فَذَكَر ثعلبٌ هرقتُ إشارة إلي أنَّها أفصح من أهرقت، مع أن اللَّفظ ليس ثلاثياً. قال أبو جعفر: وحكى الجوهريُّ أنَّ في هرقتُ ثلاث لغات، وذكر هاتين اللُّغتين، وقال فيه لغة ثالثة: أهْرَاقَ يُهْرِيقُ أِهْرِياقاً، فهو مُهْريِقٌ،

والشيء مُهْرَاق ومُهَرَاق أيضاً بالتحريك، قال: وهذا شَاذٌّ. وقوله: "فأنا أُهَريقهُ". قال أبو جعفر: كان أصله على ما قدمناه أُأرِيقُهُ، فَحُذِفَتْ إحدى الهمزتين استثقالاً لاجتماع همزتين، وكان المحذوف من الهمزتين الثَّانية، لأنَّها زائدة لغير معنى، سوى معنى بناء الفعل على أفعل في الماضي، وتُرِكتْ همزة المُخْبِرِ عن نفسه، لأنَّها دليل الاستقبال، ثُمَّ حُذِفت الهمزة مع باقي حروف المضارعة وإنْ لم تجتمع فيها همزتان، حملاً على ما تجتمع فيه همزتان، وهو المُخْبِرُ عن نفسه، ولئلا يختلف حكم الفعل المضارع، فيجري الباب كلُّه مَجْرىَّ واحداً، كما قالوا: وَعَدَ يَعدُ، وأصله يَوْعِدُ، فحذفوا الواو استثقالاً لها بين ياءٍ وكسرةٍ، وحملوا على ذلك سائر حروف المضارعة، ليستوي الباب كله، ولا تثبت هذه الهمزة إلا في الشِّعر كما قال: *فَإِنَّهُ أَهْلّ لأنْ يُؤَكْرَمَا*

وكما قال: *وصَالياتٍ كَكَمَا يُؤَتفَيْنْ* / ومن أبدل الهمزة في أراق هاءِّ لم يحذفها في المستقبل: لأنَّ الهاء أسهل من الهمزة، فلهذا قالوا: يُهَرِيقُ، ولم يقولوا في الكُلَّ: يُؤَريِقُ. وقوله: "أرِقْ ماءك، وهو الأصل". قال أبو جعفر: أصبُبْ ماءك، وقد تقدمت عِلَّته. قال أبن دَرَستويه: وهو عامٌّ في كُلِّ شيء مثله، كالدَّمع والمطر والخمر والدَّم، وغير ذلك. وقوله: "وصَرَفْتُ الصبَّيان". قال أبو جعفر: معناه: سَرَّحتهُمُ من موضع التَّعليم. والعامة تقول: أصرفت. ولا أذكر فيه الآن إلاّ فعلت، بغير ألفٍ، كما ذكره ثعلب، وإنما يقال: أصرفت في الشَّراب: إذا جعلته صِرفاً، أي: خالصاً.

وقولهم: انصرف، يدلُّ على أنَّ مُتَعَدِّيه بغير ألف، لأنَّهم قالوا: لا يجيء انفعل مطاوعةً من أفعل إلاَّ قولهم: أغلقت الباب فانغلق، وأطلقت الرَّجُلَ فانطلق. وزاد بعضهم أدخلته فاندخل، وأنشد: *ولا يَدِي في حَميِتِ السَّكنِ تَنْدَخِلُ* وقالوا "أجَلتُه فانجال. ومعنى صرف الله عنك الأذى، أي: أزاله وأذهبه. وقوله: "وقَلَبْتُ القَوْمَ". قال أبو جعفر: معناه كمعنى صرفتهم، عن ابن دَرَستويه، وغيره. قال: والعامة تقول: أقلبت الصبيان، وأقلبت القوم والثَّوب، ونحو ذلك، بالألف، وهو خطأ. قال أبو جعفر: وقال اللحيانيُّ في نوادره يقال: قلبت الغلمان، وقلبت الثوب، وقلبت الحديث، وقلبت الرجل عما كان عليه، هكذا كلام العرب بغير ألف، قال: وكل شيء يُقْلَبُ فهو بغير ألف، وبعضهم يقول: أقلبت في

كلها/ وهو مرغوب عنه، وحكي أيضاً "أقلبت" قطربٌ في فعلت وأفعلت. وقوله: "وكذلك التَّوبُ". قال أبو جعفر/: معنى قلبت الثوب: حوَّلته. ويجوز في الثوب وجهان: الرفع، والنَّصب. فأمَّا الرفع فعلى الابتداء والخبر كذلك، وأما النَّصبُ فعلى تقدير وكذلك قلبت الثَّوبَ. وقوله: "ووَقَفْتُ الدَّابَّة". قال أبو جعفر: معناه: حبستها عن السَّير، عن ابن درستويه. ويقال أيضًا: أوقفت الدَّابَّة. بالألف، حكاها ابن سيدة في المحكم، وابن القَطَّاع. وحكاها أيضاً أبو علي القالي في فعلت وأفعلت، وقال عنها: هي رديئة جداً. وحكاها أيضاً القزاز، وقال عن الفراء: إن بعض بني يقول: أوقفت الدَّابَّة والدَّار وأنشد الفَرَّاء: وقولها والرَّكاب مُوْقَفَهْ ... أقم علينا حينًا فلم اقِمْ وقال يعقوب في فعلت وأفعلت: سمع الكسائيُّ في فَزَارة أوقفتُ الدَّابَّة.

وقال أبو حاتم في تقويم المفسد عن أبي زيد: العرب تقول ما أوْقَفَكَ ها هنا، قال: فإن قالوا "من" لم يقولوا أوقفك، ولكن من وقَفَك ها هنا، من غير ألف. قال أبو زيد: وكتب رجل من الفُرسْ يسأل الخليل عن قولهم ما أوقفك، ومن وقفك؟ فكتب إليه هما سواء، ثم لقيني الخليل فسألني، فقلت يقال: ما أوْقَفَكَ، ومن وَقَفَكَ بغير ألف. قال أبو جعفر: وكذا حكى ابن القوطيَّة قال: وعن بعضهم من وقَفَك، وما أوقفك سواء. قال أبو جعفر: وقال اليزيديُّ في نوادره تقول: ما أوقفك يا فلان هاهنا؟ وما وقفك؟ كلُّ يقال. وحكى هذا أيضاً ابن القوطية، وقال: أي جعلك تقف. قال أبو جعفر: وحكى ابن الأنباري عن ثعلب أنَّه قال: ليس في كلام العرب أوقفتُ بالألف إلاّ في موضعين:

يقال: تكلم الرَّجُلُ فأوقف، أي: انقطع عن الحجَّة،/ وأوقفتُ المرأة: جعلت لها سواراً من وَقْفٍ. قال أبو جعفر: وقال ابن القطَّاع في أفعاله قالوا: ليس في كلامهم أوقفتُ إلا قولهم: أوقفت عن الأمر الذي كنتُ فيه أي: أقلعت. وحكي أبو عمرو الشّيبانيّ: كلَّمتهم ثم أوقفت، أي: سكتُّ. قال أبو جعفر: الوَقْفُ: السَّوار يكون من العاج والقَرْنِ، وقيل: هو الخَلْخَالُ ما كان من فِضَّة أو غيرها، قالوا: وأكثر ما يكون من الذَّبْلِ، عن القَزَّاز. وقوله: "ووقفتُ وقفاً للمساكين". قال أبو جعفر: معناه حَبَسْتُ عليهم شيئاً يأخذونه. قال الجوهريُّ: وأوقفتُ، بالألف لغة رديئة. وقوله: "ومَهَرْتُ المرأة". قال أبو جعفر: معناه جعلتُ لها مهراً، وهو الصدَّاَق، عن ابن دَرَستوية. ويقال أيضاً: أمْهَرْتُها، بالألف، حكي ذلك أبو عبيد في

المصنف، وابن درستويه، والجوهري، وثابت في لحنه، وأبو عبيدة. وحكى اللغتين أيضاً: قطرب في فعلت وأفعلت، قال ابن خالويه في كتاب الأفق: وأمهرتها لغة بني عامر. ومن أمثال العرب: "هو كالممهورة إحدى خدمتيها". فهذا على مهرت، ولو كان على أمهرت لقال: كالممهرة. يضرب لمن يستحمق فيخدع بشيء. قال أبو عبد الله القزاز: والحدمتان: الخلخالان، قال: وأصله أن رجلًا خطب امرأة، فقالت: وما تمهرني؟ فأخذ إحدى خدمتيها فأعطاها لها، فرضيت بذلك. قال: وامرأة ممهورة، وممهرة، ومهيرة، وتجمه مهيرة على مهائر. وفرق بينهما بعض اللغويين - أعني بين مهرت، وأمهرت - فقال:

مهرتها: إذا قطعت لها مهراً وأعطيتها مهراً، فإذا زوجتها من رجل على مهرٍ قلت: أمهرتها. قال القزاز: ويدل على أنهما لغتان قول الشاعر: أُخِذْنَ اغتِصاَباً خِطبَةً عَجرَفِيةً ... وأُمهِرنَ أرْماَحاً من الخَطَّ ذُبَّلا وأنشد هذا البيت أيضاً أبو عبيد في المصنف عن أبي زيد. وأنشد الزمخشري: وَيْحَكَ ياَ حُرقُوصُ مَهلًا مهَلا ... أإبِلًا أَمْهَرتَنِي أمْ نَخْلا أم أنت شيءُ لا تُبَالِي جَهلا وقوله: "وعلفتُ الدَّابَّةَ". قال أبو جعفر: معناه أطعمتها العلف، وهو التِّبنُ والقتُّ، وما أشبه ذلك، عن ابن درستويه، قال: ويكون في الحمام والدجاج، وشبهها.

وقال الجوهري: العلف للدواب. وقال ابن خالويه: لا يكون العلف إلا في التبن والشعير، ونحو ذلك، ولا يكون في الماء، وخرج قول الشاعر: *عَلَفْتُها تبناً وماءً باردا* على إضمار فعل، كأنه قال: وسقيتها ماءُ، كما قال الآخر: ورأيت زَوْجَكِ في الوَغَى ... مُتَقَلِّداً سيفاً ورمحا على أنه نصب رمحاً على إضمار فعلٍ، تقديره وحاملًا رمحاً، ولا يجوز أن يكون منصوباً على العطف على قوله: (متقلِّداً) لأن الرمُّح لا يُتَقَلَّد.

قال أبو جعفر: قال ابن التياني: وجمع العلف علاف، وأعلاف [قال المرزوقي: وعلوفة، زيدت الهاء تأكيداً لتأنيث الجمع]. قال أبو جعفر: ويقال: علفت الدابة، وأعلفتها بالألف، وحكى ذلك أبو علي البغدادي، وأبو إسحاق الزجاج في فعلت وأفعلت. وأنكر الزمخشري أعلفت الدابة بالألف، قال: العامة تقوله، وهو خطأ. وقال عن أبي زيد الكلابي: ليس في كلام العرب أعلفت إلا قولهم: أعلف الطلح: إذا خرج علفه. وهو شيء مثل الباقلي الرطب. قال القزاز: ويقال: دابة معلوفة، وعليف. وقال ابن سيدة في المخصص عن صاحب العين: وقد اعتلفت: أكلت العلف، واستعلفت: طلبت العلف.

قال: والعليفة والمعلفة: الناقة والشاة تعلف لتسمن، ولا ترسل فترعى، والعلوفة: ما يعلفون، الواحد والجميع فيه سواء. وقوله: "وزررتُ عليَّ قَميصِي". قال أبو جعفر: معناه جعلت له زِرا، عن القزاز. والأزرار والأزرة ما يكون في الطوق. وقال ابن درستوية: معناه: شددت زره بعروة. قال: والعامة تقول: أزررت بالألف، وهو خطأ. قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى ابن دريد في الجمهرة، وقطرب في فعلت وأفعلت، وثابت في لحنه، زررت، وأزررت. وحكى اللغتين أيضاً أبو عليُ القاليُّ في فعلت وأفعلت، فقال: يقال: زررت القميص، وأزررته لغتان فصيحتان، ذكرهما أبو عبيدة. وحكاهما القزاز أيضاً، قال: ومن اللغويين من فرق بين زررته وأزررته، فقال: معنى زررته: إذا كان محلولًا فشددت أزراره، ومعنى أزررته: لم يكن له [زرِّ] فجعلته له. وحكى هذا أيضاً كراع في

المجرد، وابن سيدة في المحكم، ونسبه لابن الأعرابي. قال أبو جعفر: والزير لغة في الزر، عن ابن خالويه في كتابه ليس. وقوله: "وازْرُرْ عليك قميصك، وزُرَّه، وزُرُّه، وزُرِّه، مثل: مُدَّ، ومُدُّ، ومُدِّ" [قال الشيخ أبو جعفر: قوله: "ازْرُر" هو أمر من زررت القميص: إذا رددت أزراره، وهي لغة أهل الحجاز، وزُرَّ أمر أيضاً من زررت القميص، وهي لغة بني تميم، والتضعيف هو الأصل]. قال أبو جعفر: فمن قال ازْرُرْ أخرجه على الأصل، ومن قال زُرَّ بالفتح فللتخفيف كلعل وأين؛ وذلك أنه إذا اجتمع ساكنان حرك أحدهما إلى الفتح لأنه أخف الحركات، ومن قال زر بالكسر قال: اجتمع ساكنان فحركت أحدهما إلى الكسرة، ومن قال زر بالضم فللإتباع. واعترض ثعلباً الأستاذُ أبو إسحاق بن ملكون، وقال: تجويزه الكسر والفتح والضم مع اتصال الضمير خطأ.

قال: وإنما تجوز الأوجه الثلاثة بشرط ألا يتصل ضمير بالفعل المضاعف، نحو قولك: مد، ورد، فإن اتصل به ضمير فإن كان ضمير المذكر نحو قولك: مده ورده فلا يجوز فيه/ إلا الضم فقط، وإن كان هاء ضمير المؤنث فتحوا، فيقولون: ردها. قال أبو جعفر: هذا الذي ذكره الأستاذ أبو إسحاق بن ملكون هو الذي ينص عليه النحويون في كتبهم، لكن ما ذكره ثعلب ليس بخطأ. حكى سيبويه أن بعض العرب يفتح ويكسر ويضم مع اتصال الضمير بالفعل، فصح ما قاله ثعلب، وبطل ما اعترض به الأستاذ أبو إسحاق. قال الشاعر: قال أبو ليلى بَحَبْلٍ مُدِّهِ ... حَتَّى إذا مَدَدْتَه فَشُدِّهِ إنَّ أبا ليلى نسيجُ وَحْدِهِ [وبعد هذا فكان حق أحمد بن يحيى أن يورده في الفصيح من الكلام]. قال أبو جعفر: وغلط ثعلباً أيضاً الأستاذ أبو بكر بن طلحة

الإشبيلي فقال: إنما الفصيح زره بالضم، ثم زره بالفتح، وأما زره بالكسر فقليلة، وبابها الشعر. قال: وأما مُدَّ، ومدُّ، ومدِّ التي مثلها فكلها فصيحة. وقوله: "ونَشَدْتُك الله عزَّ وجلَّ". قال أبو جعفر: معناه سألتُك بالله، عن القزَّاز، وابن درستويه، وغيرهما. وهو من قولهم: نشدت الضالة: إذا سألت عنها، عن ابن درستويه، وابن خالويه. قال أبو جعفر: وقال ثعلب في أماليه: معناه ذكرتك الله تعالى. وزاد ابن طريف في أفعاله: مستحلفا. قال القزاز: وناشدتك الله تعالى مناشدة.

قال ثعلب: وأنشدتك بالألف، ذكرها في أماليه ولم أرها لغيره. ولهذا ذكر نشدتك في هذا الباب، لأنها مما فيه لغتان: نشد، وأنشد بالألف، ونشد بغير ألف أفصح؛ فلهذا ذكرها. وقال اللحياني في نوادره [يقال]: نشدته الله، وبالله، نشدة ونشيدة. وقال اليزيدي في نوادره، وابن طريف: ونشدانا. قال اللحياني: ويقال: أنشدك الله، وأنشدك بالله، وأذكرك الله، وأذكرك بالله. وقال المطرز في شرحه: وتقول: نشدتك الله، وعمرك، وقعدك الله، وقعدك وقعيدك، وقيدك الله، كله بمعنى واحد، معناه: أذكرك الله. قال أبو جعفر: واسم الله تعالى في قوله "نشدتك الله" ينتصب على وجهين: إما على إسقاط حرف الجر، كأنه قال: سألتك بالله، على ما فسرناه قبل من معنى نشدتك. وإما أن يكون منصوبا بنشدتك من غير إسقاط حرف جر، كأنه قال: ذكرتك الله، فيعدي نشدتك إلى اسم الله تعالى من غير واسطة، كما

يتعدى ذكَّرتك، وقد حكينا قبل عن ثعلب أن معنى نشدتك: ذكرتك، فينتصب على هذا. وقوله: "وحُشْ عليَّ الصَّيدَ". قال أبو جعفر: قال الجوهري: حشت الصيد: إذا جئته من حواليه لتصرفه إلى الحبالة. وكذلك أحشت الصيد، وأحوشته. قال أبو جعفر: وحكى هذا اللغات أيضاً صاحب الواعي، وثعلب في المجالس، واللحياني في نوادره، وزاد صاحب الواعي: وحوشته، قال: وفي حديث عمر رضي الله عنه "أنه دخل أرضاً له فرأى كلباً فقال: احيشوه علي". قال صاحب الواعي أي سوقوه إلي. قال أبو زيد: إذا طلبت المعاونة من صاحبك قلت: أحوش، بتصحيح الواو.

قال أبو جعفر: وحكى اللحياني وثعلب في المجالس في مصدر حشت: حوشاً، وحياشةً. وقال الجوهري: واحتوش القوم الصيد: إذا أنفره بعضهم على بعض، قال: وإنما ظهرت فيه الواو كما ظهرت في اجتوروا. قال أبو جعفر: قال التدميري: وحشت الصيد مأخوذ من الحوش، والاحتواش، وهو الانضمام إلى الشيء، والاستدارة حواليه، يقال عن ذلك: احتوش/ القوم فلاناً، وانحاشوا إليه: إذا انضموا إليه، وجعلوه وسطهم، ومنه قيل لجماعة النخل: الحائش. وكان من أصله أُحْوُشْ على مثال: أُنْقُشْ، فلما وجب أن تعتل الواو في الماضي لتحركها وانفتاح ما قبلها، وجب ها هنا في [الأمر] أن تنقل حركة العين إلى الفاء فاجتمع عند ذلك ساكنان، لام الفعل وعينه، فحذفت العين لالتقاء الساكنين، وبقيت الضمة دالة عليها، ولما تحركت فاء الفعل بالحركة

المنقولة إليها من العين سقطت ألف الوصل استغناء عنها بتلك الحركة، فقالوا: حش. كما قالوا: قل، وبع، وما أشبه ذلك. وقوله: "ونَبَذْتُ النَّبِيْذَ". قال أبو جعفر: معناه تركته ليطيب/ عن غير واحد. وهو فعيل في معنى مفعول، كثتيل وجريح في معنى مقتول ومجروح. وأصل النبذ الطرح والرفض. وبه سمي النبيذ، كأنه طرح في الأوعية ليدرك. وفي الحديث "فنبذ خاتمه، ونبذ الناس خواتيمهم". أي: رمى خاتمه، ورمى الناس خواتيمهم. وقوله تبارك وتعالى: {فَنَبَذُوهُ ورَاءَ ظُهُورِهِمْ} أي: طرحوه. قال التدميري: ويحتمل أن يكون معنى النبيذ، أي: تركته وهجرته، من قوله تبارك وتعالى: {فَنَبَذُوهُ ورَاءَ ظُهُورِهِمْ} قال: والوجه الأول أظهر. قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: والعامة تقول: أنبذت بالألف، وهو خطأ. قال أبو جعفر: وكذا قال كراع في المجرد، ويعقوب في

الإصلاح: أن "أنبذت" خطأ. وحكى اللحياني أنه يقال: نبذ تمراً، وأنبذه، قال: وهي قليلة. وحكاها أيضاً قطرب في كتابه فعلت وأفعلت، وأبو الفتح المراغي في لحنه. وقال القزاز: أكثر الناس يقول: نبذت النبيذ/ بغير ألف. وحكى الفراء عن الرؤاسي: أنبذت النبيذ، وقال الفراء: أنا لم أسمعها من العرب، وكان الرؤاسي ثقة. وحكى ابن سيدة في المحكم: نبذ النبيذ، وأنبذه، وانتبذه ونبذه. وقال في العويص وقيل: الانتباذ: المعالجة. وقوله: "ورهنت الرهن". قال أبو جعفر معناه جعلته عند المرتهن وأثبته. قال ابن سيده في المحكم: والرهن ما وضع عند الإنسان مما ينوب مناب ما أخذه منه. قال أبو جعفر: والراهن: الذي يدفع الرهن، والمرتهن: الذي يأخذه. قال القزاز: وسمي الرهن رهناً لثباته عند المرتهن، تقول العرب لكل

مقيم: راهن، أي: ثابت، ويقولون: هذا طعام راهن: إذا كان دائماً، قال ويقال: رهنت الشيء، ورهنتك الشيء، وأرهنت بالألف. قال الشاعر: لَمْ أَرَ بُوساِّ مَثْلَ هذا العَامِ ... أَرْهَنْتُ فيه للشَّقا خَيتَامِ وقال ابن همَّام السَّلوليُّ: وكَرَّهَنِي دَارَهم أَنَّنِي ... رَأَيْتُ لَهُم مَالِكاً فّاتِكا فلما خشيت أظافيره ... نَجَوْتُ وأَرْهَنتُهُ مَالِكا قال أبو جعفر: وكان الأصمعي يقول: لا يقال: أرهنته بالألف، قال: والرواية في هذا البيت "نجوت وأرهنه مالكا" كما تقول: قمت وأضرب وجهه، يعني أن أرهنه فعل مضارع من رهن، والجملة في موضع الحال، كأنه قال: نجوت وهذه حالي. فقوله والرواية في هذا البيت

"وأرهنه" ليس بحجة؛ لأنه رد لما رواه غيره من الثقات، ولا يتصور أن يقول: لا يقال: أرهنت؛ لأني لم أسمعه، ويحتاج إلى تبديل الروايات. هذا لا يصح، إن كان لم يسمعه هو سمعه غيره، وقد حكى/ ابن الأعرابي في نوادره، والفراء في المصادر، أنه يقال: رهنت، وأرهنت. قالا: وأرهنت قليلة. قال ابن الأعرابي: ورهنته لساني لا غير. قال أبو جعفر: قال صاحب الواعي: وجمع الرهن: رهان، ورهن، وقرئ: {فَرِهَانُّ مَقْبُوضَةُ} بالوجهين، ورهون أيضاً. ابن درستويه: ورهائن. قال ابن سيدة في المحكم عن ابن جني: ورهين، كعبد وعبيد. قال مكي: واسم الشيء الذي يرهن رهن، كأنه سمي بالمصدر. وقوله: "وخَصَيْتُ الفحل".

قال أبو جعفر: معناه سللت أنثييه، عن القزاز، وغيره. قال: فإن رضضتهما ولم تخرجهما فذلك الوجاء. وقال المطرز في شرحه يقال: خصيت الفحل، ووجأته، ومتنته: إذا سللت بيضتيه. قال: ونطفته: إذا أنت دققت خصييه ليذبلا، ومعلته: إذا سللت خصييه بالعجلة. قال القتبي: فإن شددتها حتى تندرا فقد عصبته. والصفة خاص، وهو مخصي وخصي، فعيل بمعنى مفعول. قال كراع: وجمعه خصية، وخصيان. قال أبو جعفر: والعامة تقول: أخصيت، وهو خطأ؛ لأنه من باب إصابة الأعضاء، [وقياسه أن يجئ بغير ألف، كقولهم: رأسته: إذا أصبت رأسه]، وظهرته: إذا ضربت ظهره، وبطنته: إذا ضربت بطنه. وقوله: "وبرئتُ إليك من الخِصاء".

قال أبو جعفر: قد قلنا إن الخصاء بالمد هو سل الأنثيين، والوجاء هو أن ترضهما من غير أن تخرجهما. وقال اليزيدي في نوادره: الوجاء هو أن توجأ عروق الخصيتين حتى تيبس البيضتان، والجب أن تجب البيضتان مع جلدتهما، وملستهما ملسا: وذلك أن تشق عنهما وتسلهما سلًا بعروقهما، ومتنتهما متناً: وذلك أن تشق عن البيضتين وتسلهما سلًا، وكل هذا الخصاء. ومعنى برئت إليك من الخصاء، أي: إن مات فلا شيء علي. /وتبرأت منه، عن ابن خالويه، وغيره. [قال المرزوقي: يقال هذا الكلام عند التبايع به، قال: وذلك إذا كان خصاؤه حديثاً]. وقوله: "ونَعَشْتُ الرَّجُل". قال أبو جعفر: معناه تداركته من هلكة، عن ابن التياني. وقال ابن درستويه: معناه رفعته من صرعته، وذلك إذا صره بيديه فوقع على الأرض، أو سق جاهه، أو ظلمه ظالم فنصرته، أو عثر فأخذت بيده، أو زل في كلامه فأعنته، أو افتقر فأغنيته، أو آسيته، قال: ففي كل ذلك قد

نعشته، أي: رفعته. قال أبو جعفر: ومنه سرير الميت سمي نعشاً؛ لأنه يرفع عليه الميت، يقال: نعشت الشيء: رفعته. وقال المفضل بن سلمة في كتابه الفاخر: ومن ذلك قد انتعش الرجل: إذا استغنى بعد فقر، أو قوي بعد ضعف، وقلل: وقيل معنى نعشه، أي: جبره الله وأحياه. قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: والعامة تقول: أنعشه بالألف، وهو خطأ. قال أبو جعفر: وكذا قال ابن دريد في الجمهرة: لا يلتفت إلى أنعشه، فهو كلام العامة، ولم يقله أحد. وحكى أيضاً يعقوب في الإصلاح: إنكاره عن الأصمعي، وأنكره أيضاً الجوهري في الصحاح. وحكى ابن سيدة في المحكم، وصاحب الجامع، وابن القطاع أنه

يقال: نعشه الله، وأنعشه. وأنشد صاحب الجامع: وأنْعَشَنِي مِنْهُ بسَيْبٍ مُفَعَّمِ وحكى المطرز في شرحه عن ثعلب عن سلمة عن الفراء أنه قال: كلام العرب الفصحاء نعشه بغير ألف، قال: وقد سمعنا أنعشه بالألف، ونعشه، قال: والأولى أفصح. وحكاها أيضاً أبو عبيد في المصنف عن الكسائي. وقوله: "وحَرَمْتُ الرَّجل عطاءه، أَحْرِمهُ". قال أبو جعفر: أي منعته، عن غير واحد. والحرمان منع العطية. والعطاء اسم لما يعطي كالعطية، وحرمت مأخوذ من الحرمان، وهو المنع، ومنه قوله تبارك وتعالى: {للسَّائِلِ والْمَحْرُومِ} أي: الممنوع الرزق، / قاله الهروي. ويقال في الماضي: حرم بفتح الراء، كما حكاه ثعلب. وحرم بكسر الراء، حكاه ابن سيدة في المحكم، وصاعد في الفصوص.

ويقال أيضا: أحرم بالألف، حكاه أبو عبيد في المصنف، وأنشد: وأنبئتُها أَحْرَمَتْ قومَها ... لِتَنْكِحَ في مَعْشرٍ آخرينا قال: وليست بالجيدة. وحكاها أيضاً صاعد، والكراع في المجرد، وابن القطاع في أفعاله، وصاحب الجامع، وابن درستويه، وأبو علي القالي في فعلت وأفعلت، والمطرز في شرحه عن ابن الاعرابي. قال المطرز: وحرمت بغير ألف أفصح. وكذا قال ابن سيدة في المحكم. قال أبو جعفر: ويقال في المصدر: حرمان وحرم، بكسر الراء وفتح الحاء، وحرمة بكسر الراء أيضا وفتح الحاء. ابن سيدة:

وحرما بكسر الحاء وإسكان الراء. القزاز: وحرما بضم الحاء وسكون الراء. [ابن سيدة وأبو نصر البصري في كتابه الألفاظ، وابن القطاع في أفعاله، والقزاز، والكراع في المجرد، وصاعد في الفصوص: وحريمة على مثال: ضريبة]. ابن سيدة: وحرمة بفتح الحاء والراء. القزاز وصاعد والكراع في المجرد: ومَحْرَمة ومَحْرِمة، بفتح الراء وكسرها، وزاد القزاز وابن القطاع في أفعاله: وحرمة، بكسر الحاء وإسكان الراء. ابن سيدة: وحريما على مثال: ظريف. وقال أبو نصر البصري في كتابه الألفاظ: ويقال: هو عليه حرام، وحرِم، وحُرْم. قال أبو جعفر: قال اليزيدي في نوادره: وحرْم، بكسر الحاء وبسكون الراء. قال أبو نصر: حرَمَه، وحَترهُ، ومنعه، وجبَههُ، وزَوَاه ورعاه عنه.

وقوله: "وحَلَلْتُ من إحرامي أحلُّ". قال أبو جعفر: أي فرغت منه، وحل لي ما كان محرما علي في حال الإحرام كالطيب والنساء. ويقال أيضاً: أحل، حكاها أبو عبيد في المصنف، وابن التياني عن أبي زيد، والفراء في كتابه البهيِّ، وأبو عبيدة. وقال اللحياني في نوادره: لغة أهل الحجاز حل فلان من إحرامه يحل حلا ومحلا، وهو/ حلال، وحل، وبه نزل القرآن، قال الله تبارك وتعالى: {وإذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}. وتميم تقول: أحللت من إحرامي. أحل إحلالا، وأنا محل وحلال. قال أبو جعفر: وكذا حكى اليزيدي في نوادره: أن حل لغة أهل الحجاز، وتميم تقول: أحلَّ. وقال الدينوري في كتابه إصلاح المنطق: حللت من إحرامي، أحل حلًا، وأنا حلال، ولا يقال: حالُّ. قال ابن خالويه في الأفق: ونحن حلال، لا يثنى ولا يجمع. وقوله: "وحزَنَني الأمر يَحْزُنُنِي".

قال أبو جعفر: إذا غمه، عن ابن السيد في مثلثه. وقال الخطابي: أكثر الناس لا يفرقون بين الهم والحزن، وهما على اختلافهما يتقاربان في المعنى، إلا أن الحزن إنما يكون على أمر قد وقع، والهم إنما هو فيما يتوقع ولما يكن بعد. قال أبو جعفر: ويقال في الماضي أيضاً: أحزن بالألف، حكاها ابن سيدة في المحكم، والقزاز، وأبو نصر البصري في ألفاظه، واليزيدي في نوادره، ويعقوب في فعل وأفعل، وأبو علي القالي في فعلت وأفعلت، وابن السيد في المثلث. وقرئ قوله تبارك وتعالى: {إنِّي لَيَحْزُنُنِي} و"يحزنني". وذكر ابن سيدة عن سيبويه تفرقة بين حزن وأحزن، فقال: أحزنه: جعله حزيناً، وحزنه: فعل فيه حزناً، كأفتنه: جعله فاتنا، وفتنه: جعل فيه فتنة.

قال ابن سيدة: ويقال أيضاً: حزن بكسر الزاي، وتحازن، وتحزن. قال أبو جعفر: ويقال في الصفة عنه: محزون، ومحزن وحزين، وحزن، وحزنان، ومحزان: شديد الحزن، من قوم حزناء، وحزان. قال يعقوب في فعل وأفعل: يقال: حزنني هذا الأمر، وهذا أمر محزن بكسر الزاي، ولا يتكلمون به على القياس، ذهبوا إلى لغة من قال: أحزنني. وقوله: "وشَغَلنِي عنك أمرُ يَشْغَلُنِي". قال أبو جعفر: أي منعني. قال ابن درستوية: الشُّغل: هو ما حاك بينك وبين غيرك، وقطعك عما سواه. قال: وإنما ذكره ثعلب؛ لأن العامة تقول: أشغلني/ بالألف، وهو خطأ. قال أبو جعفر: وأنكرها أيضاً يعقوب في الأصلاح، والقزاز في الجامع.

وحكى ابن سيدة في العويص عن أبي عبيد أنه يقال: شغلني، وأشغلني. وحكاها أيضاً أبو علي في فعلت وأفعلت، وقطرب في فعلت وأفعلت له أيضاً، وحكاها أيضاً ثابت في لحنه، وقال: أخبرني بها أبو زيد عن يونس. وحكاها أيضاً أبو عبيدة في فعل وأفعل، قال: والجيدة شغلته. وقال المطرز في شرحه: أخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي أنه يقال: شغلته عن الأمر وأشغلته، وشغلني وأشغلني، قال: والأولى أفصح. وبمثله قال الزجاج في فعلت وأفعلت. وحكاها أيضاً ابن خالويه، وقال عنها: إنها ليست بالجيدة؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وأَهْلُونَا}. قال: وقال علي رضوان الله عليه يوم النهروان: "شغلونا عن الصلاة الوسطى - يعني العصر - حتى غابت الشمس، ملأ الله قبورهم ناراً".

وقولهم: "أشغل من ذات النحيين". حجة أيضا لمن قال: شغلني، لأنه لا يجئ من (أفعلت) أفعل من كذا إلا نادرا، وهو قولهم: أولى للمعروف، وأعطى للمال. وأتقى من فلان، وزاد بعضهم: وأذهب لكذا، من أذهبته، واحتج بقول الشاعر: يَقُولون لِي اِصرِمْ يَرْجِعِ العَقْلُ كلُّه ... وصُرْمُ حَبِيبِ النَّفْسِ أَذْهَبُ لِلعَقْلِ قال أبو جعفر: ويقال في المصدر: شُغل وشَغل، وشَغل وشُغل عن المطرز، وابن خالويه، وأبي عبيدة [في فعل وأفعل]، ومكي. قال أبو جعفر: وحكى ابن الأعرابي في نوادره، ونقلته من خط الآمدي: أن العرب تقول ما الذي كبأك عني؟ وشجرك، وعبدك،

وغصنك، وشحنك، أي: ما الذي حبسك، وشغلك؟ وقوله: "وشفاه الله يشفيه" قال أبو جعفر: أي: أذهب ما به من داء، أو غم. /والشفاء ممدود: هو البرء والصحة. قال ابن درستويه: وإنما ذكره ثعلب؛ لأن العامة تقول: أشفاه، بألف، وهو خطأ. قال: وكان من دعائه عليه السلام: "اشف شفاء لا يغادر سقماً"، وفي الحديث أيضاً: "أنا الراقي، والله الشافي" على مثال: فاعل. قال: فهذا يدل على أن فعله بغير ألف. قال أبو جعفر: ما ذكره ابن درستويه هو المشهور، وحكى ابن هشام وغيره أنه يقال: أشفاه الله. وقال القزاز يقال: أشفى هذا الدواء داء فلان إشفاءً، واستشفى هو بهذا الدواء. وقوله: "وغاظني الشيء يغيظني".

قال أبو جعفر: أي أغضبني، عن كراع في المجرد. قال ابن سيدة: هو أشد الغضب. وفرق الزمخشري بين الفيظ والغضب، فقال: الغيظ على من لا تقدر عليه، والغضب على من تقدر عليه، يقال: غضب السلطان على رعيته، واغتاظ الغلام على سيده. قال: وهذه الكلمة بالظاء، وهي لغة أهل الحجاز. وتميم تقول ذلك بالضاد، وقال الشاعر: إلِى الله أَشْكُو مِنْ خَليِلٍ أَوَدُّهُ ... ثَلاثَ خِصَالٍ كلُّها لِيَ غَائِضُ وهذا كقولهم: فاظت نفسه بالظاء، والضاد، وأنكر الأصمعي ذلك. فأما الغيض بالضاد فهو النقصان، يقال: غاض الماء: إذا نقص. قال ابن درستويه: وإنما ذكره ثعلب؛ لأن العامة تقول: أغاظني، بالألف، وهو خطأ. قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى المطرز في شرحه عن ثعلب عن سلمة

عن الفراء أنه يقال: غاظني الشيء، وأغاطني، بالألف، غيطني لغة، والأولى أفصح. وقال مكي في شرحه: وأغاظني لغة رديئة. وحكاها أيضا ابن سيدة في المحكم عن الزجاج، وقال: ليست بالفاشية. قال ابن سيدة: وقد غاظه فاغتاظ، [وغيظه فتغيظ]. وقوله: "ونَفَيْتُ الرَّجل". قال أبو جعفر: /أي أجليته وغربته، وعن نسبه أيضاً أبعدته، عن التدميري. وقال ابن القوطية: معناه حبسته. وقوله تبارك وتعالى: {أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ} فسر على وجهين، أحدهما: أنه ينفى من الأرض التي أفسد فيها، والقول الآخر: أنه يحبس، ولهذا قال بعض المحبسين:

خَرَجْنا من الدنُّيا ونَحْنُ من أَهْلِها فَلَسْنا مِنَ الأَحْيَاء فيها ولا المَوْتَى إذا جَاءنا السَّجَّان يَوماِّ لحاَجَةٍ ... عَجبِنْاَ وقُلنا جَاء هَذَا منَ الدُّنيا وقوله: "ورديء المتاع". قال أبو جعفر: معناه نحيت الردئ من الطيب، قال ابن درستويه: وهو في كل شيء من الدنانير والدواب والناس، وغير ذلك. قال: إنما ذكره ثعلب، لأن العامة تقول: أنفيت الرجل، وهو خطأ. قال أبو جعفر: لا أعرفه الآن بالألف، وقال الجوهري: يقال: نفيته فانتفى، ونفى هو أيضاً، يتعدى ولا يتعدي، وأنشد: *فَأصْبَحَ جَارَاكم قَتيلًا ونَافيا* قال الزمخشري: ويقال: انتفل بمعنى انتفى. قال أبو جعفر: ويقال في المصدر: نفي، ونفاية، ونفاية بفتح النون وكسرها، عن صاحب الواعي.

قال أبو جعفر: والمتاع جهاز المرأة، عن ابن التياني، وقال عن أبي حاتم: المتاع والجهاز كناية. وقال عن الفراء: العرب تجمع المتاع على أمتعة، وأماتيع، ومتعٍ. قال ابن التياني: وحكى أبو زيد رفع القوم أماتعهم. وقوله: "وزَوَى وجهَه عني يَزْوِيه زَيًّا إذا قبَضه". قال أبو جعفر: زويا، عن ابن القطاع، وثابت في لحنه. ورأيت بخط ابن شاهين صاحب أبي عبيدة، أي: قبَّضه، بتشديد الباء. [وقال الكراع في المجرد] إذا قبض بين عينيه. وقال ثابت في لحنه: إذا لواه. قال أبو جعفر: وجاء في الحديث: "زويت لي الأرض". قال صاحب الواعي أي: جمعت لي وقبضت. وقال القزاز: /زويت الشيء أزويه زيا: إذا جمعته، وزوى الرجل وجهه: إذا قيضه، قال: كل هذا بالتخفيف، قال: ومن هذا قالوا: زوت الجلدة

في النار: إذا تقبضت، ومن هذا سميت زاوية البيت؛ لأنها ما ضاق بين اقتران حائطيه، وقد تزوى: إذا جلس في الزاوية. قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: والعامة تقوله بالألف، قال: والصواب زويته، وأنشد للأعشى: يزيدُ يغُضُّ الطرف عنِّي كأنَّما ... زَوَى بين عَيْنَيهِ علىَّ المحاجمُ فلا يَنْبسطَ مِنْ بَيْنَ عينيك ما انْزوى ... ولا تَلْقَنِي إلاّ وأَنْفُكَ رَاغِمُ قال أبو جعفر: قد حكى المطرز في شرحه عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه يقال: زوى، وأزوى لغة، وزوى بالتشديد لغة أخرى، قال: والأولى أفصح. وقوله: "وَبَرَدْتُ عَيْني أَبْرُدُها". قال أبو جعفر: معناه كحلتها بالبرود، وهو كحل بارد، عن ابن درستويه، وابن خالويه. قال ابن الدهان: هو كالتوتياء.

وحكى أيضاً بردت عيني بالكحل وأبردتها، ابن القطاع في أفعاله، قال: ومعناه أذهبت حرها، قال: والماء بالثلج مثله. وقال ابن درستويه: بردت عيني وبردتها مما يتعدى دون معد، وكان القياس أن يقال: بردتها بالتشديد، وأبردتها بالألف. وقوله: "وكذلك بَرَدَ الماءُ حرارةَ جوفي يَبرُدها". قال أبو جعفر: بروداً، عن اليزيدي في نوادره، أي: سكن لهبه. قال الهروي: ويسمى النوم برداً؛ لأنه يرخي المفاصل، ويسكن الحركات. وقال القزاز: إنما قالوا لمن مات: برد؛ لأن المعنى عدم حرارة الروح. وقال ابن التياني في مختصر الجمهرة: يقال: بردت الشيء برداً، وبردته بالتشديد، وجاء في الشعر أبردته: / صيرته بارداً. وحكى ابن القطاع ما حكاه ابن التياني، وقال: أبردته بالألف لغة رديئة.

وقال صاحب الواعي ونقلته من خطه: يقال: بردت الماء، وبردت الشيء، والرجل مبرد، وبارد، قال: وزهم بعض أهل العربية أنك تقول: بردت الماء، من الإبراد. وبردته، من الإسخان، وقال: هو من الأضداد، وينشد في ذلك بيت يغلط فيه وهو: عَافَت الماءَ في الشِّتَاء فَقُلنا ... بَرِّدِيْهِ تُصَادِفِيهِ سَخْيِنَا وإنما هو بل رديه، فأدغم اللام في الراء، كما يقرأ بالإدغام {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}. قال أبو جعفر: وحكى هذا أيضاً ابن سيدة في المخصص عن أبي حاتم. وقال عنه: الذي قال إن بردت وسخنت شيء واحد هو قطرب. ورد عليه بما ذكره صاحب الواعي. قال ابن سيدة: ويقال: ماء برد، وبرود، وبارد: بين البرد والبرودة، وقد برد. وقال عبد الحق: وتقول العرب: اسقني وأبرد،

معناه: إتت به بارداً، واسقني وابرد، أي: ابرد غليلي، عن ابن الأعرابي في نوادره. وأنشد ثعلب: "وعَطِّل قَلُوصِي في الرِّكاب فَإِنَّها ... سَتَبْرُدُ أكباداً وتُبْكي بَوَاكِيا" قال أبو جعفر: البيت لمالك بن الريب، وقيل لجعفر بن علبة الحارثي، وقيل لعبد يغوث بن وقاص الحارثي، وقبله: إذا ما أتيت الحارثيات فانْعَنِي ... لَهُنَّ وخَبِّرْهُنَّ أنْ لا تَلاَقيا ثم قال: وعطِّل قَلُوصِي في الركِّاب ..... البيت. القلوص من الإبل هي مثل الجارية من الأناسي، والركاب: من الإبل خاصة، وهو جمع لا واحد له من لفظه، وواحدتها راحلة، والبواكي" جمع باكية، والأكباد جمع كبد. قال الحضرمي في شرحه: ووجدت/ في بعض الروايات قبل البيت:

تَذَكَّرْتُ مَنْ يَبْكِي عَلَيَّ فَلَم أَجِدْ ... سِوَى السَّيفِ والرُّمحِ الرُّدَينْيِّ بَاكِيا وأشقر محبوك يجر عنانه ... على الماء لمَ يَتْرُكْ له الموتُ ساقِيا إذا ما أتيت الحارثيات ........... البيت وعطل قلوصي ............ البيت ومعنى البيت: كأنه ينوح على نفسه فيقول لصاحبه وهو بخراسان، وقد لدغته الحية يوصيه، إذا أنا فقدت فعطل قلوصي، أي: اتركها معطلة بلا راكب يركبها، ولا قائم يقوم عليها، من قوله تبارك وتعالى: {وإذَا العِشَارُ عُطِّلَتْ}، وكان ذلك علامة من مات صاحبه. وقوله: "ستبرد أكباداً وتبكي بواكيا". أي: إذا فقدت وعطلت قلوصي فرح لذلك أعدائي، فبردت أكبادهم من حرارة الموجدة والشنف، وحزن أحبائي، فبكوا من شدة الوجد والشغف. وموضع الشاهد من قوله: "ستبرد" بفتح التاء وضم الراء، فدل على أن الماضي منه "فعل" بفتح [العين]، إذ لا يجوز في أفعال الغرائز أن تتعدى إلى مفعول، ولأن باب (فضل يفضل) أقل مما يقاس عليه.

وقوله: "بواكيا" منصوب بتبكي، وقياسه بواكي غير مصروفٍ؛ لأنه جمع لا نظير له من الأحاد، وإنما زيدت الألف هنا في بواكيا لإطلاق القوافي، كما زيدت الواو في قول الآخر: *سُقِيتِ الغيثَ أيَّتها الخيامو* والياء في قوله: * كانت مباركةً من الأيامي * وجمع القلوص: قلص، وقلاص، وقلائص. ويروى أنه لما بلغت هذه الأبيات نساء بني الحارث قمن يبكين عليه، وقام أبوه إلى كل ناقة وشاة فنحر أولادها، وألقاها بين أيديها، وقال:

ابكين معنا على جعفر، فما زالت النوق ترغو، والشاء تثغو، والنساء ينحن ويبكين، وهو يبكي معهن فما رئ في العرب يوم كان أوجع ولا/ أحزن منه. وقوله: "وهلْتُ عليه التراب فأنا أَهيله". قال أبو جعفر: أي صببت. يقال: كثيب مهيل، يعني: مصبوباً، عن ابن خالويه، وغيره. وفي حديث عثمان بن أبي العاص، ومات في سفر قال: "هيلوا علي الكثيب ولا تحفروا لي فيحبسكم". قال الشاعر: هِيلُوا عَلَى دَيْسَمَ من بَرْدِ الثَّرى ... يَأبَى إلاهُ النُاسِ إِلاَّ مَا تَرَى

وفي الحديث أيضاَ: "كيلوا ولا تهيلوا" قال القزاز: وأصله من هلت الكثيب، وذلك أن ترسله إرسالًا. وقال أبو زيد في مصادره: الهيل ما لم ترفع به يديك، والحثي ما رفعت به يديك. قال التدميري: وكان أصله هيلت بكسر الياء، منقولًا من فعلت بفتح العين، قال سيبويه: ولو لم يحولوها إلى فعلت - يعني بكسر العين - لكان حال الفاء فيها الآن كحالها لو اعتلت من فعلت. يعني أنها لو لم تكن محولة من فعلت بفتح العين إلى فعلت بكسرها لوجب أن تقول فيها: هلت، بفتح الهاء. قال ابن درستويه: وإنما ذكر هذا لأن العامة تقول: أهلت التراب، بالألف، وهو خطأ. قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى أبو عبيد في الغريب المصنف

هلت عليه التراب، وأهلت. وحكى المطرز في شرحه عن ابن الأعرابي أنه يقال: هلت التراب، وأهلته، وهيلته، قال: والأولى أفصح. وقال الزمخشري في شرحه: أهلت لغة في هذيل وأنشد: وَأَصْبَحَ إِخْوَان الصَّفَاءِ كَأنَّهُ ... أهَالَ عَلَيهِم جَانِب التُّرْبِ هَائِلُ فجمع اللغتين. وقوله: "وفض الله فاه". قال أبو جعفر: معناه كسر الله أضراسه، عن ابن خالويه، وغيره. قال صاحب الواعي: ومنه فضضت الشيء: إذا كسرته وفرقته، ولا يكون إلا بالتفرقة نحو: فضضت الخاتم، وما أشبهه. / وفلان يفض العطاء، أي: يفرقه. قال: ومنه قوله جل وعلا: {وإذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهُوًا انفَضُّوا إلَيْهَا} أي: تفرقوا إليها. قال: ومن هذا يقال: أصاب بلادهم غيث فضيض" أي: متفرق، وفضضت جموع القوم: إذا فرقتها وكسرتها،

وكل شيء تفرق من شيء فهو فضاضة، ولذلك قال النابغة: تَطِيرُ فُضَاضاً بينها كُلُّ قَوْنَسٍ ... وَتتْبَعُها مِنْهُم فَرَاشُ الحَواجِبِ قال أبو جعفر: يقال: فض الله فاه، وفض فوه وقال ابن القطاع: يقال: فض الله فاه، وأفضه. وقوله: "ولا يفضض الله فاك". قال أبو جعفر: أي لا يكسر الله أسنانك اللائي في فيك، ثم حذفها لعلم المخاطب كما يقال: "يا خيل الله اركبي، وأبشري بالجنة" يريد يا ركاب خيل الله، عن المطرز. قال صاحب الواعي: والفم يقوم مقام الأسنان، ولذلك تقول: سقط فم فلان، أي: سقطت أسنانه، قاله هو، وغيره. ومنه قول النبي صلَّى الله عليه وسلم للنابغة الجعدي لما مدحه بقصيدته الرائية:

ولا خَيرَ في حِلْمٍ إذا لمَ تَكُنْ لَهُ ... بَوَادِرُ تَحمْي صَفْوَهُ أَنْ يُكدَّرا : "لا يفضض الله فاك" أي: لا يسقط أسنانك، وأقام الفم مقام الأسنان. قال أبو جعفر: يقال: إنه عمر حتى أدرك ابن الزبير، وله أكثر من مائة سنة ولم تسقط له سن، لدعوة النبي صلَّى الله عليه وسلم. وقد قيل: إنما قال ذلك لعمه العباس لما قال فيه أبياتاً مدحه بها. قال ابن درستويه: وإنما ذكره ثعلب لأن العامة تقول: لا يفضض الله فاك، بضم الياء، وهو خطأ. وكذلك قال صاحب الواعي. قال أبو جعفر: وحكى المطرز في شرحه عن ابن الأعرابي أنه يقال في الدعاء: لا يفضض الله فاك من (فعل وأفعل)، ولا يفض الله فاك من الإفضاء.

/ قال: فمن قال فض وأفض: أراد الكسر. وحكى أيضا لا يفض الله فاك ابن خالويه، وقال في معناه، أي: لا جعل الله فاك لا سن فيه. قال أبو جعفر: وقال الفراء في كتابه البهي: وبعض العرب يقول: لا يفض الله فاك، من أفضيت. قال: والفض أن تكسر أسنانه، والإفضاء: أن تسقط ثناياه من تحت ومن فوق، قال: وفض الله فاه، وفضض. وقوله::وقد ودَج دابته يَدِجُها" قال أبو جعفر: أي فصد عرقاً في عنقها. قال القزاز: والودج عرق في العنق، وهما ودجان يقال لهما: الوريدان. قال: وقيل: الودج عرق متصل من الرأس إلى السحر، والجمع الأوداج. قال القزاز: فإذا فصد هناك قيل: ودج توديجاً. قال: ويقال: ودجت الدابة، وفصدت الناقه، وفزدت، بالزاي أيضاً، وحكى: "ما حرم من فزد له" أي: من فصد له ذراع البعير.

قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: وإنما ذكره ثعلب لأن العامة تقول: ودج دابته، بالتشديد، إلا أن يراد به مرة بعد أخرى، فشدد للتكثير. قال أبو جعفر: قد حكى ابن سيدة في المخصص ودج بالتشديد مثل ودج المخففة. وحكى في المصدر: ودجاً، ووداجاً. وقوله: "يدجها". كان أصله يودجها، فخرج على قياس وعد يعد، ووزن يزن، بحذف الواو استثقالًا لها بين ياء وكسرة. / [وقوله: "دج دابتك". قال الشيخ أبو جعفر: هو أمر من ودج، وكذلك تد هو أمر من وتد،

والأصل فيهما اودج واوتد، فحذفت الواو فيهما لوقوعها بين كسرتين، بين كسرة الهمزة وكسرة الحرف الذي بعد الواو، فلما حذفت الواو سقطت همزة الوصل؛ لأنها إنما اجتلبت من أجل الواو الساكنة]. وقوله: "ووتد وتده". قال أبو جعفر: إذا ضربه في الأرض. قال ابن درستويه: الوتد معروف، وهو عود مثل سكة الحديد، يوتد في الحائط وغيره للثياب. قال أبو جعفر: ويقال فيه: وتد ووتد، بالكسر والفتح، حكاها يعقوب في الإصلاح عن أبي عبيدة، قال: وأهل نجد يقولون: ود. وحكى أيضاً هذه اللغات يونس في نوادره، والكراع في المجرد. قال صاحب الواعي: ووتد، ثم تدغم التاء في الدال فيصير وداً. قال أبو جعفر/: فإذا جمعته، أو صغرته رجع إلى أصله، فقلت: أوتاد، ووتيد، لانفكاك الإدغام. وحكى ابن عديس في كتاب الصواب، ونقلته من خطه أنه يقال: وتد مثل: إبل، ونسبه لابن خالويه، وقال عن القزاز وهو الوتيد أيضاً.

قال ابن درستويه: وإنما ذكره ثعلب لأن العامة تقول: قد أوتد، بالأف وتفتح التاء من الوتد، وهو خطأ. قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى يونس في نوادره، ويعقوب في فعل وأفعل، وأبو إسحاق الزجاج، وأبو علي البغدادي في فعلت وأفعلت، وأبو عبيدة عن يونس في فعلت وأفعلت، وابن القوطية، وابن القطاع أنه يقال: أوتدت الوتد، بالألف. وقد حكينا قبل الفتح في الوتد، فلا يكون ما تقوله العامة خطأ. وكان الأستاذ أبو علي يحكي لنا وتد بالتشديد. وحكى الجوهري وتد [الرجل] بالتشديد: أنعظ. وقوله: "وقد جهد دابته: إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها". قال أبو جعفر: قال القزاز يقال: بلغ الرجل جهده، ومجهوده: إذا بلغ أقصى قوته.

قال أبو جعفر: وبالوجهين قرئ قوله تبارك وتعالى: {والَّذِينَ لا يَجِدُونَ إلاَّ جُهْدَهُم} و"جهدهم" قال ابن خالويه: وقد فرق [بينهما] فقيل: الجهد بالضم: الطاقة، والجهد بالفتح: المشقة. قال ابن درستويه: وإنما ذكره ثعلب لأن العامة تقول: أجهد دابته، بالألف، وهو خطأ. قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى أبو زيد في فعلت وأفعلت، وقطرب، وأبو عبيدة في فعل وأفعل قال: والكلام الجيد بغير ألف، ومكي، وابن القطاع في أفعاله، وابن جني في شرح شعر المتنبي أنه يقال: أجهد دابته بالألف. قال القزاز ويقال: جهدت في الأمر، وأجهدت: إذا بلغت فيه المجهود.

وقوله: "وفرَضت له أفرِض" قال أبو جعفر: معناه / أن تجعل رزقا لمن لا ديوان له، وسمي فرضاً لأنه قد صار لازماً كالفرض الذي في القوس: وهو الحز الذي يدخل فيه الوتر، وكذلك فرائض الله سبحانه لما كانت لوازم سميت بذلك، قاله غير واحد. [قال المرزوقي عن الأصمعي: الفرض ما تهبه لغير جزاء، قال وقال غيره: الفرض ما تهبه لتكافأ عليه]. وحكى ابن خالويه بإسناد له عن ابن الأعرابي قال: جاء رجل إلى معاوية - رحمه الله - فقال افرض لي، ففرض له، فقال: افرض لابني، قال: لا أفعل، قال: فافرض لعشيرتي، فقال معاوية: طَلَبَ الأبلقَ العَقُوقَ فَلَّما ... لم يَجِدهُ أرَادَ بيضَ الأَنُوقِ قال: وإنما ذكره لأن العامة تقول: أفرضت، بالألف، وهو خطأ.

قال أبو جعفر: قد حكى ابن القطاع، وقطرب في فعلت وأفعلت: أفرضت بالألف. وقال أبو زيد في كتابه حيلة ومحالة يقال: أفرضت للرجل إفراضاً، والفرض: الهبة والعطية. وقوله: "وصِدت الصيدَ أصِيده". قال أبو جعفر: معناه معروف، أي أخذت الصيد. قال ابن هشام ونقلته من خطه: الصيد كل ما كان من الحيوان ممتنعاً، وكان أكله حلالًا، ولا مالك له. وقال ابن الأعرابي في نوادره: جميع الوحش يقال له: الصيد. وقال ابن خالويه في كتابه ليس: ليس في كلام العرب الصيد من غير الحيوان إلا في ثلاثة [أشياء]: صدت ماء، وصدت بيضة، وصدت كمأة. وقال الزمخشري: ويستعمل الصيد فيما ليس بمملوك، فأما إذا ملكته مرة ثم أصبته أخرى لا تقول: صدته. قال أبو جعفر: ويقال: صدتك الصيد، وصدت لك، عن أبي زيد في نوادره. قال ابن درستويه: وإنما ذكره ثعلب لأن العامة تقول: أصدت، بالألف، وهو خطأ. قال أبو جعفر: أما أصدت بالألف فلا أذكره الآن، ولكن يقال: اصطدته، وتصيدته، حكى ذلك ابن طلحة في شرحه. وقال ابن القطاع في أفعاله يقال: صاد الصيد يصيده/ ويصاده.

باب "فعل بضم الفاء"

باب "فُعِل بضم الفاء" قال أبو جعفر: يريد وما كان على معنى فُعِل، هذا يريد - ولا بد - بدلالة أنه ذكر في هذا الباب ما هو على وزن فُعِل كبُهِت، وشُهِر، وغُبِن، وأشباهها. وذكر أيضاً ما هو على غير وزن فُعل كأُهِل الهلال، واستُهل، وامتُقع، وانقُطع إلى غير ذلك مما هو على غير وزن فُعل، فتبين بما ذكرناه أنه يريد ما قلناه. وأما مقصوده بذكر هذا الباب فنقول أولاً: هذا الباب هو على قسمين: قسم استعمل فيه اللغتان، أعني الإسناد إلى الفاعل وإلى المفعول، إلا أن الفصيح فيه الإسناد إلى المفعول، كقولك: عُنيت بحاجتك، وشُغلت عنك، وأمثالهما مما نذكره إذا انتهينا إليه إن شاء الله تعالى. وقسم ليس فيه إلا لغة واحدة كانقطع بالرجل، وما كان مثله فإنه لم يستعمل فيه إلا البناء للمفعول. فإذا ترتب هذا فما كان فيه اللغتان ـ الإسناد إلى الفاعل، وإلى المفعول ـ إنما ذكره ليبين أن الفصيح منهما هو الإسناد إلى المفعول. وما كان فيه لغة واحدة ـ وهو الإسناد إلى المفعول ـ فإنما ذكره ليُعلم أن العامة تقول بخلافه، لهذا ذكر هذا الباب. وليس من الصحيح ما

ذكره ابن خالويه في كتابه، فإنه قال: معناه أن الفعل من هذا الباب لا ينطق به إلا على لفظ ما لم يسم فاعله. وما أشد تناقضه! يقول هذا ثم يذكر بعده بسطر أن من العرب من يقول: عنيت بحاجتك، على بنية الفاعل، ثم حكى بعده بهت على بنية الفاعل أيضاً، إلى غير ذلك مما ذكره في هذا الباب مما هو مبني للفاعل والمفعول، فالصحيح إذا ما قدمناه. قوله: "عُنِيتُ بحاجتك، فأنا بها مَعْنِيّ". عُني قال أبو جعفر: أي شُغلت بها، وقصدت نحو قضائها، عن التدميري. وقال ابن سيدة في المحكم: العناية: ما تهمم به الرجل، قال ويقال: عناه الأمر واعتنى بالأمر، وعني بالأمر. وقال المطرز في الياقوت: يقال: عُنِيتُ بحاجتك، وعَنيِتُ بحاجتك، على بنية الفاعل، قال: وهما لغتان فصيحتان، قال: وعُنيت المبنية للمفعول أفصح، وأنشد:

قد رابني أنَّ الكَرِيَّ أسكتَا ... لَو كَان مَعْنِياً بنا لَهَيَّتَا وأنشد في الأخرى المبنية للفاعل: عانٍ بأُخرَاها طويلُ الشُّغْلِ ... له جَفِيرانَ وأيُّ نَبْلِ قال أبو جعفر: وحكى ابن سيدة في المحكم وأنا به عنٍ. وحكى هو، واليزيدي في نوادره في المصدر: عنايةً، وعُنيّاً. وقوله: "وقد أَولِعْتُ بالشيء أولع به". أولع قال أبو جعفر " [الولوع] " العلاقة وحب الشيء، عن ابن سيدة في المحكم قال ابن درستويه: وفي معناه: أُلهجت به، وأغريت به. قال التدميري: ويقال في الخير والشر، كقولك: أولعت بمدح فلان وأولعت بذمه، وكذلك ما أشبهه. قال أبو جعفر: ويقال في الماضي: ولع، بفتح الواو وكسر اللام عن ابن سيدة في المحكم، وابن التياني.

وفي الصفة عنهما: ولع، وولوع. قال الزمخشري: والعامة تقول: [ولعت، وأنا ولع] وهو لغة، ومنه قول الشاعر: ..................... ... .......... شيق ولع قال ابن جني في المحتسب: وأظنني سمعت أولعني به، فإن كان كذلك فما أقله. وقال ابن التياني عن الأصمعي: والمصدر الولوع، بفتح الواو ولا تضم، وما هذا الولوع وأنشد: لَعَمرُكَ ما طِلابُكَ أُمَّ عمروٍ ... ولا ذِكراكها إلا الولوع وحكى ابن القطاع في المصدر: ولعا، وولعا، بإسكان اللام وتحريكها، وولوعاً.

وقوله: "وبهتَ الرجل يُبْهَتُ" قال أبو جعفر: قال صاحب الواعي: وذلك إذا رأي شيئاً فبقي ينظر إليه نظر المتعجب، قال ومنه قوله سبحانه وتعالى {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} أي: بقي متحيراً ينظر نظر المتعجب، يقال منه: بهت: إذا أصابه ذلك. قال أبو جعفر: وقال ابن التياني في مختصر الجمهرة، وصاحب كتاب العالم: بهت الرجل وبَهُت: استولت عليه الحُجة، قالا: ورجل باهت، وبهات، ومباهت، و [بهوت]، [قال المرزوقي: ويقال: باهت فلاناً، والبهت والبهيتة والبهتان واحد، ولهذا يستعمل في المكابرة ومدافعة الصدق بالكذب، ويقولون: يا للبهيتة عند ذلك]. قال أبو جعفر: وقال ابن التياني في مختصر الجمهرة ويقال: بهت، وبهت، وبهتَ، بكسر الهاء وضمها وفتحها مع فتح الباء، وبهذه اللغات قُرئ قوله تبارك وتعالى: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} حكى ذلك ابن جني في كتابه المحتسب.

قال ابن القطاع: وبُهت المبنية لما لم يُسَمَّ فاعله أفصح. وقولع: "وقد وُثِئت يده فهي مَوْثُوءة". قال أبو جعفر: الوثء والوثاءة: وصم يصيب اللحم لا يبلغ العظم فيرم، وقيل: وهو توجع في العظم من غير كسر، وقيل: هو الفك. قال أبو جعفر: ويقال في فعل ذلك: وثئت، على صيغة ما لم يُسمَّ فاعله كما حكاه ثعلب. وفي الصفة منه: موثُوءة ووثيئة مثل فعيلة، [عن ابن سيدة في المحكم] قال: ويقال أيضاً: وثأتها أنا، وأوثأتُها. قال أبو جعفر: ويقال أيضاً: وثئت يده، على بنية الفاعل، وفي المستقبل: ثتأ. عن ابن سيدة، وعن الحياني، قال ابن دستويه: وتوثأ. قال أبو جعفر: ويقال أيضاً: وثؤت توثؤ مثل: قدم يقدم، عن الصولي في كتاب العيادة.

قال أبو جعفر: وفي الصفة عن اللحياني في نوادره: وثئه ووثيئة، على فعله وفعيلة، وزاد الصولي في كتاب العيادة: وموثئة. وعن اللحياني/ في المصدر: وثء ووثأ. ووثوء عن الصولي في كتاب العيادة، قال صاحب الواعي: ووثأة. قال صاحب المبرز عن الأصمعي: أصابه وثء، فإن خففت قلت: وثّ، ولا يقال: وثيَّ، ولا وثو. وقوله: "وقد شُغِلت عنك" شُغِل قال أبو جعفر: قد تقدم الكلام على شغلت في الباب الذي قبل هذا قال ابن سيدة في المحكم عن ثعلب: شغلت من الأفعال التي غلبت فيها صيغة ما لم يسم فاعله، قال: وتعجبوا من هذه الصيغة، فقالوا: ما أشغله! قال: وهذا شاذ، إنما يحفظ حفظاً، يعني أن التعجب موضوع على صيغة الفاعل. قال ابن سيدة: ورجل مُشتغَل، ومُشتغِل، الأخيرة على لفظ المفعول حكاهما ابن الأعرابي. وقوله: "وقد شُهر في الناس".

قال أبو جعفر: معناه: ظهر أمره في خير أو شر، عن المطرز. قال صاحب لواعي: وسمي الشهر شهراً، لاشتهاره وظهوره. قال أبو جعفر: ويقال أيضاً: شهر الأمر في الناس، بفتح الشين وضم الهاء، حكاه الأستاذ أبو على شيخنا. ويقال أيضاً: اشتهر، عن مكي. وحكي في مصدر شهر: شهراً، وشهرة. وقال المطرز ويقال: شهرت فلاناً أشهره شهراً، وشهارة. وقوله: "وقد طُلَّ دمه، فهو مطلول". قال أبو جعفر: إذا أُبطل فلم يظفر بقاتله، أو لم تؤخذ ديته، عن أبي زيد في نوادره، وعن عبد الحق. قال عبد الحق: ويستعار فيقال: أطللت حقه، وطللته، قال: ومن كلام يحيي بن يعمر لرجل خاصم [امرأته]: أأن سألتك ثمن شكرها

وشبرك، أنشأت تطلها وتضهلها! تطلها، أي: تبطل حقها. قال أبو جعفر: ويقال في الماضي أيضاً: طل دمه يطل، بفتح الماضي وكسر المضارع، حكاه يعقوب في الألفاظ عن أبي عبيدة، وقال يعقوب عن أبي عمرو: وفي المضارع من هذا بطل بفتح الطاء. وحكي هذا/ أيضاً التدميري، وقال عن أبي عبيدة: طل دمه، ودمه بفتح الطاء ورفع الدم ونصبه. قال أبو جعفر: وحكي المطرز عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه يقال: طُل دمه، وطل دمه، ولا يقال/ أُطِل. وقال أبو علي القالي في فعلت وأفعلت، وأبو عبيدة في الغريب، وصاحب كتاب العالم، وصاحب الواعي يقال: أُطِل.

وفي الصفة: مطلول، وطليل، عن صاحب الواعي. وعنه في المصدر: طلُّ، وطلول. وقال المطرز: قال ابن الأعرابي يقال: ذهب دمه فَرغاً، وهَدْراً، وهَدَراً، وإهداراً، وجباراً، وخضراً مضراً، وبطراً، ودلها، وبُطْلاً، وباطلاً، وظلفاً، وطلفاً، كله بمعنى. وقال أبو عبيد في المصنف عن أبي عمرو ظلْفاً، وظلَفاً، قال: سمعته بالظاء وبالطاء، قال: وعن أبي شنبل بالطاء المهملة. وقال يعقوب في ألفاظه: ذهب دمه طلفاً وطليفاً، وظلفاً وظليفاً. قال أبو جعفر: ويقال أيضاً: دماؤهم بينهم هدم، أي: هدر، عن أبي عبيد، وعن يعقوب، وعن صاحب الواعي، وعن صاحب كتاب العالم.

وقوله: "وأهدر فهو مُهدر" قال أبو جعفر: معناه طل وأبطل دمه، قال ابن درستويه: إلا أن بين طُلَّ وأهدر فرقاً، وهو أن الإهدار إنما هو الإباحة من سلطان أو غيره لدم إنسان ليقتل بغير مخافة من قود [أو دية] أو طلب به. قال أبو جعفر: ويقال هدر الدم نفسه، عنه، وعن أبي يزيد في نوادره. وقال ابن سيدة في المحكم: يهدرِ ويهدرُ، هدْراً وهدَراً. وقال ابن دريد في الجمهرة: ويقال أيضاً: هدرت دمه، وأهدرته. وقوله: "وقد وقص الرجل: إذا سقط عن دابته فاندقت عنقه، فهو موقوص" وُقص قال أبو جعفر: قد فسره ثعلب، وكذا فسره غيره. قال يعقوب في الإصلاح: الوقص في العنق بإسكان القاف: دق العنق، وبتحريكها قصر العنق.

وقال الزمخشري: الوقص كسر العنق من بين/ الأعضاء، وأصل الوقص في اللغة الكسر فقط. قال ابن خالوية: ويريد بقوله: "اندقت" انكسرت. وحكى أبو عبيد في المصنف عن الكسائي أنه يقال: وقصت عنقه وقصاً، قال: ولا يكون وقصت العنق نفسها. قال أبو جعفر: والعنق وصلة ما بين الرأس والجسد، حكاه ابن سيدة في المخصص عن صاحب العين، وعن المطرز في الياقوت: والعنق أيضاً بإسكان النون. قال ابن سيدة عن ابن دريد: والعنق تذكر وتؤنث، فمن قال عنق بإسكان النون ذكر، ومن قال عنق بضم النون أنث. وقال ابن خالوية: والتصغير في لغة من ذكر عنيق، وفي لغة من أنث عنيقة، والجمع أعناق، وأنشد المطرز:

عَجِبْتُ مِنْ نَفْسِي ومِنْ إشْفَاقها ... ومِنْ طرِادِي الطير عن أرزاقِها والموت في عُنْقي وفي أَعْنَاقها قال: والعنق بفتح النون أيضاً. قال أبو جعفر: ومن أسماء العنق عن ابن سيدة في المخصص، وعن المطرز في الياقوت: الهادي، والكرد، والرقبة، والجيد. المطرز: والتبعة، والمهوي، وقال في شرحه: والقصرة. ابن سيدة: والتليل، والعجان، والسطاع، والعطل، والشراع، والشجعم، والحزة، والإقليد، والمجداف، على التشبيه بمجداف السفينة. ابن خالوية: والمقلد. هذا بلغني من أسمائه. ولم يذكر ابن هشا منها إلا أربعة، وابن خالوية إلا خمسة.

وقوله: "ووضع الرجل يوضع". قال أبو جعفر: معناه خسر من رأس المال، عن ابن درستويه، وغيره. قال أبو جعفر: وهو مأخوذ من الوضع ضد الرفع، يقال: ارتفع السعر والسلعة: إذا زاد ثمنها، واتضع: إذا نقص، فكأن الرجل إذا خسر في البيع/ فقد نقص ماله. قال ابن التياني، وابن سيدة في المحكم في مصدر وضع المبني لما لم يسم فاعله: ضعة وضعة، بكسر الضاد وفتحها، ووضيعة. والتقييد بالكسر والفتح عن ابن التياني، وقال عن أبي حاتم: إن الأصمعي قال: لا يقال وضعت، وإنما هو وضعت في متاعي، بفتح الواو والضاد، وأنا واضع فيه مائة درهم، فأردت أن أكتب قوله: لا يقال وضعت، فقال: لا تكتبه. قال أبو جعفر: ويقال أيضاً: وضع، بفتح الواو وكسر الضاد على مثال: وجل يوجل، وأوضع، بضم الهمزة وكسر الضاد، عن صاحب الواعي ومن خطه نقلته. وحكى ذلك أيضاً ابن سيدة في المحكم، وابن القطاع. قال ابن سيدة: وصيغة ما لم يسم فاعله أكثر، وحكى في مصدرهما: وضعا.

[قال الشيخ أبو جعفر: قال المرزوقي قالوا: أوضع في تجارته، ولم يقولوا: هو موضوع في تجارته، كما لا يقال من سقط في يده: هو مسقوط في يده، فاكتفوا ببناء الفعل فيه عن اسم المفعول، كما اكتفوا ببناء المفعول عن بناء الفعل في قولهم: منهوم وميمون عن نهم ويمن]. قال أبو جعفر: وحكى ابن التياني عن أبي حاتم: أن امرأة من الأعراب قالت لزوجها: لو غدوت إلى سوق الإبل فاشتريت وبعت كما يفعل فلان، فقال: إن امرأة فلان خير له منك لي، تعمل له النبيذ فيشرب منه، ثم يغدو إلى السوق، قال: فعملت له نبيذاً، فأصبحت الجرة ولها كتيت، فشرب ثم ذهب إلى السوق، فوضع عشرة دراهم، فقال: قد وكَّلَتْنِي زَوْجَتي بالسَّمْسَرةْ ... ونَبَّهتِني لِطُلُوع الزُّهَرَة وكَانَ مَا ربِحْتُ وسَطَ الغَيثَرَة ... وفي الزحِّام أنْ وُضُعِتُ عَشرةْ

وقوله: "ووكس يوكس". قال أبو جعفر: معناه خسر، عن الجوهري في الصحاح. قال صاحب الواعي: ويدعى للرجل فيقال: لا توكس يا فلان! وإن فلاناً ليوكس في بضاعته. قال ويقولون: بعت الثوب بالوكس، أي: بالخسران، قال: وقال قوم: بعت الثوب بأوكس الثمن، أي بأقله. وقال ابن درستويه: إنما ذكره ثعلب/ لأن العامة تقول: أوكست، بألف، وقد أوكستني، وهو خطأ. قال أبو جعفر: قد حكى عبيد في المصنف عن الكسائي أنه يقال: وكست، وأوكست. وقوله: "وقد غُبن الرجل في البيع غبنا، وغبن رأيه غبناً". غبن قال أبو جعفر: معنى غبن في البيع: خُدع، عن ابن درستويه، وغيره. [قال المرزوقي: ورجل مغبون، وغبين: إذا بعت منه السلعة بما لا تساوي].

وقال مكي: الغبْن والغبَن أصلهما النقص، فالغبن بإسكان الباء: نقص في البيع والشراء، يقال غبنة يغبنه، والغبن بفتح الباء: نقص في الرأي وضعف. قال أحمد: وحكي اللحياني في نوادره أنه يقال: الغبن والغبَن والغبانة واحد. وقال ابن سيدة في العويص. يقال: غبنت رأيك وله نظائر: كألمت بطنك، وسفهت نفسك، ورشدت أمرك. قال أبو جعفر: ورشد بغيته، وبطر رأيه، وسفه رأيه، ووجع بطنه، ةكل شيء يوجعه، عن أبي عمرو الشيباني في كتابه الجيم. قال أبو جعفر: فإما أن يكون كل ذلك منصوباً على إسقاط حرف الجر، كأن الأصل في رأيه، فلما سقط الخافض تعدي الفعل فنصب. وإما أن يكون منصوباً بغبن نصب المفعول، وإن كان لا يتعدى لكنه ضمن معنى ما يتعدى، كأنهم قالوا: جهل رأيه، وعلى رأي الكوفيين هو منصوب على التمييز، وهو ضعيف، لأن التمييز لا يكون إلا نكرة.

قال أبو جعفر: وإنما ذكر غبن في هذا الباب وليس بابه، لاشتراكه مع غبن في الحروف، وليبين افتراقهما من جهة المعنى. وقوله: "وقد هُزل الرجل والدابة، يهزل". قال أبو الجعفر: أي قل لحمهما، عن صاحب الواعي، وقال المطرز في شرحه: الهزال في الدواب والناس والمال، والهزل والهزال في الأخلاق، يقال: هزل به، وأهزله: إذا عرضه للقبيح الذي يضحك به. وقال صاحب الواعي ويقال: هزل الرجل دابته فجعفت. / قال أبو جعفر: قال اليزيدي في نوادره: فأنا أهزلها هزلاً وهزالاً. قال ابن القطاع: وأهزلت الدابة لغة. قال صاحب الواعي: وإبل هزلي، وهزالي، وعنه وعن المطرز في شرحه: وهزيل، ومهزول للمضرور. قال عبد الحق: وهذا زمن الهزال، أي الضر، وكل ضر هزال.

وقوله: "وقد نكب الرجل فهو منكوب" قال أبو جعفر: أصابته جائحة، أو حادثة من حوادث الدهر، عن غير واحد. وقال ابن القطاع: ونكب الرجل والجيش نكوباً، ونكبة: هزم. قال التدميري ونقلته من خطِّه: وأصله من النكب، وهو الميل، يقال من ذلك: بعير أنكب: إذا كان يمشي مائلاً في شق، ومنه سميت النكباء، لأنها مالت عن مهاب الرياح الأربع، ويقال: قد نكبه الدهر، فكأنه قد مال به من جهة إلى جهة. وقيل: النكب: أن ينكب الحجر حافراً أو منسماً فيقال من ذلك: حافز منكوب، ومنسم منكوب ونكيب، وأنشد الخليل: وتَصُك ُّالأرضَ لمَّا هَجَّرت ... بنكيِبِ معرٍ دامي الأَظَلْ قال أبو جعفر: وقال صاحب الواعي ويقال: نُكب الرجل: إذا ضربت رِجله الأرض، ومنه الحديث: "نكبت إصبع رسول الله صلى الله عليه وسلم". وعنه في المصدر: نكب بإسكان الكاف، ونكب بتحريكها. وفي

الصفة عن المطرز: منكوب، ونكيب. قال صاحب الواعي: ولا يقال نكب على بنية الفاعل إنما يقال: نكب ينكب: إذا مال، قال: هكذا قال قاسم، يعني صاحب الدلائل. وقال كراع في المجرد: نكب: أصيب منكبه. وقوله: "وقد حلبت ناقتك وشاتك، فهي تحلب لبناً كثيراً". قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: معناه معروف هو أن يستخرج من الضرع ما فيه من اللبن بالكف أو الصابع، ونحو ذلك. والعامة تقول: حلبت، وهو خطأ، لأن الفعل/ في الحقيقة لغيرها. قا سيدة في المخصص: ويكون الحلب في الإبل والشاء والبقر، ويقال، أحلبها وأحلبها حلباً، واحتلبتها. وقال صاحب الواعي: الحلب في اللغة: السيلان، يقال: تحلب الندى: إذا سال.

وقال ابن التياني: ويقال للبن الحليب: الحلب، وقد سقيتك حليباً، وحلباً. وقال أبو جعفر: وحكى هذا أيضاً ابن سيدة وقال: وقيل: الحلب: المحلوب، والحليب ما لم يتغير طعمه. قال صاحب الواعي ويقال: ناقة حلوب: إذا كانت ذات لبن، وحلوبة - قال: وقد فرق بينهما فقيل: حلوب للواحد، وحلوبة للجمع - وحلبى وحلبانة وحلباة، ومنه الحديث: "ابغني ناقة حلبانة ركبانة". ابن خالويه في كتاب: وحلبوتي ركبوتي. قال أبو جعفر: وحكى أيضاً ابن التياني هذا، قال يقال: ناقة حلباة ركباة: ذات لبن، تحلب وتركب، وهي أيضاً الحلبانة الركبانة، وأنشد: حلبانة ركبانة صفوف ... تخلط بين وبرٍ وصوفِ

قال: شبه سرعة يديها بسرعة يدي ناسجة تخلط بين وبر وصوف من سرعتها. قال: ولا يقال للذكور شيء من ذلك، وتصغير حلباة [حليبة]. وحكى عن ابن دريد ناقة حلبوت ركبوت، أي: تصلح للحلب والركوب. قال ابن التياني: والتحلابة من الغنم: التي تحلب من غير فحلٍ، وناقة تحلبة بكسر التاء واللام: تحلب قبل أن تسفد، وتحلبة بضم التاء واللام، وتحلبة بضم التاء وفتح اللام. قال أبو جعفر: وحكى صاحب الواعي في المصدر: حلباً بإسكان اللام، وحلباً بفتحها. وقال الزمخشري في شرحه: والمصدر الحلب بفتح اللام، ولا يجوز الحلب بالتسكين البتة. قال ابن سيدة: وحلاباً. قال/ صاحب الواعي: وقيل: الحلب

بالتحريك اسم ما يحلب، والحلب بالتسكين المصدر. قال ابن سيدة: والمحلب والحلاب: الإناء الذي يحلب فيه. وقوله: "ورهصت الدابة فهي مرهوصة، ورهيص". قال ابو جعفر: معناه أن تصيبها الرهصة، وهو ماء ينزل في رسغها فينزع ويستخرج ويداوي، عن ابن درستويه. وقال القزاز: والرواهص من الحجارة هي جمع راهصة، وهو الحجر الذي يرهص الدابة إذا وطئته، قال: والمراهص مواضع الرهصة من الحافر، والواحدة مرهصة. قال أبو جعفر: ويقال: رهصت الدابة، بفتح الراء وكسر الهاء، والله سبحانه أرهصها، حكى ذلك أبو عبيد في المصنف، وابن القطاع في الأفعال، وأبو مسحل، والجوهري في الصحاح. قال ابن القوطية: والمصدر رهص، ورهصة.

وعن ابن القطاع ومن خطه في مصدر رهصت المبنية لما لم يسم فاعله: رهص، بإسكان الهاء، قال: [ورهصت] الدابة، وأرهصتها، وحكى صاحب الواعي: رهصني الحجر بفتح الهاء. وقوله: "ونتجت الناقة [تنتج] ". قال أبو جعفر: معناه قيم عليها حتى ولدت، عن ابن سيدة. وفي الحديث: "هل تنتج إبلك" قال الهروي: أي تولدها فتلي نتاجها. قالا: والناتج للناقة بمنزلة القابلة للمرأة. قال ابن دستوريه: تقول: قد نتجت ناقتي، وقبلت القابلة المرأة، فإذا لم تسم الفاعل فيهما ضممت فقلت: نتجت الناقة، وقبلت المرأة. قال أبو جعفر: والنتاج اسم عام يجمع وضع الغنم وسائر البهائم، عن القزاز. وقال ابن سيدة في المخصص وقيل: النتاج في الناقة والفرس، وهو في

ما سوى ذلك قبيح، والأول أصح، وقيل النتاج في جميع الدواب، والولاد في الغنم. وقال القزاز، وابن سيدة وكراع/ في المجرد: والنتوج من الخيل وجميع ذوات الحافر: الحامل. قال القزاز يقال: فرس نتوج، وكل ذات حافر نتوج: وذلك إذا كان في بطنها ولد قد استبان، وبها نتاج، أي: بها حمل. وحكى ابن عديس في كتاب الصواب ومن خطه عن كراع أنه يقال: ناقة نتوج، ونتيج: إذا ولدت. قال أبو جعفر: هكذا حكى ابن عديس، والذي رأيته لكراع في المجرد يقال للحامل من ذوات الحافر: نتوج، لكن ربما رآه له في موضع آخر من كتبه. قال أبو جعفر: وقد يستعار في غير ذلك، فيقال: الريح تنتج السحاب: إذا مرته حتى يجري قطره، وفي المثل: "إن العجز والتواني تزاوجا، فأنتجا الفقر" أي: لا تكون لهما عاقبة محمودة، ويقال: هذه المقدمة

لا تنتج نتيجة صادقة، أي لا يحصل عنها المطلوب. قال ابو جعفر: ويقال: نتجت الناقة على بناء ما لم يسم فاعله كما حكاه ثعلب، وفي الصفة منه: ناتج، ونتوج، عن القزاز. قال الزمخشري في شرحه: والعامة تقول: نتجت تنتج، وهو خطأ بهذا المعنى، إنما نتجها أهلها: إذا حضروها عند الولادة. قال أبو جعفر: قد حكى القزاز عن الخليل: نتجت، بفتح النون والتاء، وهو على بنية الفاعل بمعنى: حملت، وحكى هذا ابن سيدة في المحكم، وقال: إنها قليلة، وزاد: وأنتجت على بنية الفاعل أيضاً. وحكى ابن الأعرابي فرقاً بين نتجت وأنتجت، المبنيين لما لم يسم فاعله فقال: نتجت الفرس: ولدت، وأنتجت: دنا ولادها، كلاهما فعل ما لم يسم فاعله، قال: ولم أسمع نتجت ولا أنتجت، على صيغة الفاعل. قال أبو جعفر: وحكى الزجاج في فعلت وأفعلت: نتجت الناقة وأنتجت بمعنى واحد،/ ونسب ذلك للأخفش. وقال أبو عبد الله القزاز: والذي حققناه من هذه الأفعال أنه يقال: نتجت الناقة، إذا

تبين حملها. قال أبو جعفر: وأنتتجت انتتاجاً: إذا وضعت ولا أحد عندها، عن اليزيدي في نوادره. وقوله: "ونتجها أهلها". قال أبو جعفر: وأنتجها أيضاً صاحبها، عن القزاز، قال: فهو نتوج، ولم يقولوا: منتج، قال: وعلى نتجها أكثر الناس. وقوله: "وعقمت المرأة: إذا لم تحمل". قال أبو جعفر: قال ابن التياني، وابن سيدة، وصاحب الواعي، كلهم عن الخليل: العقم هزمة تقع في الرحم فلا تقبل الولد. قال صاحب الواعي: واصله أن العرب تقول للفرس إذا كان شديد معاقد الأرساغ: إنه لشديد المعاقم، ويقال: حرب عقام وعقَام، بالضم والفتح، ومعناه: شديد مفنية، فمعنى عقمت المرأة كأنها مسدودة الرحم. قال أبو جعفر: وقيل: مأخوذ من الريح العقيم، لأنها لا تلقح شجراً، ولا تنشيء سحاباً ولا مطراً، فكانت بمنزلة الذي لاد من الرجال،

قال الله عز وجل: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ* مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ}، عن صاحب الواعي، وغيره. وفي الحديث: "سوداء ولود خير من حسناء عقيم". قال ابن خالويه: العرب تقول: خير النساء المرأة يتبعها غلام، وفي حجرها غلام، وفي بطنها غلام، الولود الودود. قال أبو جعفر: ويقال: عقمت المرأة كما حكاه ثعلب، وعقمت بفتح العين وكسر القاف، عن ابن التياني، وابن سيدة في المحكم. وزاد ابن التياني، وكراع في المجرد: وعقمت بفتح العين وضم القاف./ وزاد صاحب الواعي عن الخطابي: وعقمت بفتح العين والقاف. وزاد الزجاج، وأبو عليً القالي في فعلت وأفعلت وأعقمت على بنية الفاعل.

قال أبو علي القالي في فعلت وأفعلت، وقطرب في فعلت وأفعلت أيضاً ويقال: عقم الله رحمها، وأعقمها، قال قطرب: عقم الله رحمها يعقمها، ويعقمها، بالكسر والضم. قال أبو جعفر: ويقال في الصفة: [رجل عقيم و] امرأة عقيم حكاه صاحب الواعي عن الخطابي، وقال عنه الذكر والأنثى فيه سواء. قال أبو جعفر: حكى القزاز، وصاحب الواعي، وابن خالوية: رجل عقيم، وامرأة عقيمة بالهاء، فعلى هذا لا يستوي فيه الذكر والأنثى، لكن المشهور ما ذكره الخطابي، لأن عقيمة فعلية بمعنى مفعولة، وفعيل إذا كان بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث إذا أريد به الوصف. قال أبو جعفر: وحكى سيبويه: رجل عقيم وعقم، قال: شبهوه بجديد وجدد. قال ابن سيدة في المحكم: ورجل عقام. قال أبو جعفر: والجمع من الرجال عقمى وعقام، مثل: مرضى ومراض، عن ابن التياني وعن ابن بلبل، وعن ابن سيدة في

المحكم. وزاد ابن سيدة، وابن بلبل: وعقماء على مثال: ظرفاء. قال الكراع في المجرد، وابن بليل عن أبي يزيد: وعقم مثل: طنب. قال أبو جعفر: وجمع العقيم من النساء عقيمات، ومعقومات، وعقائم، عن صاحب الواعي. وزاد الكراع في المجرد، واليزيدي في نزادره، وابن سيده في المحكم عن اللحياني، وابن خالوية عن الخليل: وعقم، بضم العين وإسكان القاف./ وزاد اليزيدي: "وعقم" بضم العين والقاف. قال ابن سيدة: ويقال: رحم عقيم بغير هاء، وعقيمة: معقومة، والجمع: العقائم والعقم مثل: طنب. قال أبو جعفر: ويقال في مصدر عقمت المبني للمفعول الذي حكاه ثعلب: عقم بضم العين وإسكان القاف، وعقم بفتح العين وإسكان القاف، وعقم بفتحهما. عن ابن سيدة. وفي مصدر عقمه الله: عقم بفتح العين وإسكان القاف، عن ابن التياني، وابن سيدة. وزاد ابن التياني: وعقماً بضم العين وإسكان القاف، وعقوماً، بضم

العين والقاف، وحكى الثالثة عن قطرب. وفي مصدر عقمت بفتح العين وكسر القاف: عقم، بفتح العين والقاف، عن ابن سيدة. / [وقوله: "ومن العاقر قد عقرت، بفتح العين وضم القاف". قال الشيخ أبو جعفر: إذا انقطع حبلها وحيضها، عن المطرز. وقال صاحب الواعي: العقر بضم العين وسكون القاف مصدر العاقر من النساء، وهي التي لا تحمل من غير داء ولا كبر خلقة. وحكى هذا أيضاً صاحب الموعب. وقال ابن سيدة في المحكم: العقْر والعقُر: العقم. قال صاحب الواعي: وسميت المرأة بذلك كأن في رحمها عقراً يمنعها من الولادة. قال الشيخ أبو جعفر: يقال: عقرت كما حكاه ثعلب، وعقرت بفتح القاف، وعقرت بكسرها، عن صاحب الموعب، وعن صاحب الواعي، وعن ابن سيدة في المحكم، وعن المطرز. وعن ابن الأعرابي أن عقرت بضم

القاف أفصح. قال ابن التياني: وعقرت مبني لما لم يسم فاعله، قال: وأنكر هذا المبرد. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال في مستقبل عقرت بضم القاف: تعقر بالضم على القياس، وفي مستقبل عقرت المكسورة: تعقر بالفتح على القياس أيضاً، وفي مستقبل عقرت بالفتح: تعْقرُ وتَعقُرُ، بضم القاف وكسرها، عن صاحب الواعي. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال في الصفة: رجل عاقر، وعقير: لا يولد له، عن ابن الأعرابي في نوادره /، وعن ابن سيدة في المحكم. قال ابن سيدة: ولم نسمع في المرأة عقيراً، قال: والجمع عقر مثل: سلمٍ، وأنشد: ولَو أنَّ ما في بَطنِه بَين نسوةٍ ... حَبِلْنَ ولو كانت قَواعِدَ عقراً قال الشيخ أبو جعفر: وزاد اليزيدي في نواده و "عقر" بضم العين والقاف. وقال صاحب الموعب، وصاحب الواعي، وأم البهلول في كتاب المصادر: [عقر] أيضاً، وعواقر.

قال ابن التياني: بنات العقر مثال: قرط. قال الشيخ أبو جعفر: وزاد اليزيدي في نوادره: والعقارة. قال الأزهري: وقالوا: امرأة عقرة مثل: همزة. قال الشيخ أبو جعفر: وقال أبن جني: ومما عدوه شاذاً ما ذكروه من فعل فهو فاعل نحو: عقرت المرأة فهي عاقر، وشعر فهو شاعر، وحمض فهو حامض، وطهر فهو طاهر، قال: وأكثر ذلك وعامته لغات تداخلت فتركبت، قال: هكذا ينبغي أن يعتقد، وهو أشبه بحكمة العرب. قال الشيخ أبو جعفر: وكان القياس أن يقال في الصفة من فعل بالضم فعيلة، وكان يقال عقُرت فهي عقيرة مثل: ظرفت فهي ظريفة، إلا أنه جاء كما ترى. قال السيخ أبو جعفر: ويقال في مصدر عقرت المبني للمفعول: عَقْرٌ مثل: صقر، عن ابن التياني. وفي مصدر عقرت الذي حكاه ثعلب: عَقارة وعِقارة، بفتح العين وكسرها، عن ابن سيدة. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال / في مصدر عقرت بالفتح فيهما:

عَقر وعُقر مثل: صَقر وقُرط، عن ابن التياني، وعن ابن سيدة. وزاد ابن التياني: وعُقر مثل: طُنُب، وعقر مثل: جبل، حكاه من أبي زيد. ويقال في مصدر عقرت بكسر القاف: عقار بكسر العين. فال الشيخ أبو جعفر: وذكر ثعلب عَقُرت في هذا الباب وليس بابه لكنه لما كان بمعنى عُقمت ذكره على معنى التتميم له]. / وقوله: "وقد زُهيت علينا يا رجل، فأنت مزهو". قال أبو جعفر: أي: تكبرت علينا، والزهو الكبر، قاله غير واحد. وفي الحديث: "إن الله يبغض العائل المزهو" أي: المتكبر، عن صاحب الواعي. قال التدميري: وزهيت مأخوذ من الزهو، وهو التيه والعجب، وأصله في البسر إذا حسن منظره، وراقت ألوانه، ومثل ذلك النخوة أيضا وهو: العجب والتكبر. قال أبو جعفر: وقال الجوهري: قلت لأعرابي من بني سليمٍ ما

معنى زهي الرجل؟ قال: أعجب بنفسه، فقلت: أتقول وما إذا افتخر؟ قال: أما نحن فلا نتكلم به. وقال أبن درستويه: وإنما ذكره لأن العامة تقول: قد زها علينا، فتجعل الفعل له، وإنما هو مفعول لم يسم فاعله. قال أبو جعفر: وكذا قال القزاز، قال: ويقال: زهي، مبني لما لم يسم فاعله، ولا يقال: زها، على صيغة فعل الفاعل. قال أبو جعفر: وحكى ابن سيدة في المحكم زهيت، وزهوت، قال: وقال ابن الأعرابي: زهاه كبره، ولا يقال: زها الرجل، ولا أزهيته / ولكن زهوته. وحكى التدميري عن الفراء أنه قال: سمعت كلبا وغيرهم يقولون: زهوت علينا يا رجل. وقال الجوهري: وفي زهى لغة أخرى حكاها ابن دريد: زها يزهو زهوا: أي تكبر، ومنه قولهم: ما أزهاه، وليس هذا من زهي؛ لأن ما لم يسم فاعله لا يتعجب منه. قال: وقال خلف الأحمر النحوي:

لَنَا صاحبُّ مُولعُّ بالخلافِ ... كثيرُ الخطاء قليلُ الصَّواب ألجُّ لجاجاً من الخُنفَساء ... وأزهىَ إذا ما مَشَى من غُراب. قال أبو جعفر: وذكر اللغويون زهي في (ز/ هـ / و) لأنه من الزهو [بالواو] لكن أبدلت الواو [ياء] بالكسرة قبلها. وقوله: "وكذلك نُخي من النخوة ". قال أبو جعفر: قال ابن درستويه: هو مثل زهيت علينا، والنخوة: التكبر والتجبر، قال: ولم يسمع فعل الفاعل من النخوة مستعملاً في شيء من الكلام. قال أبو جعفر: قد أُستعمل، حكى ابن سيدة في المحكم، ومكي، أنه يقال: نخا ينخو، وانتخى. وحكاه أيضا الزمخشري، وقال يقال: انتخى فهومنتخ، ونخي فهو نخ، بمعنى واحد. قال ابن سيدة: ونخي المبني للمفعول أكثر. وقوله: "وفلج الرجل من الفالج، فهو مفلوج ".

قال أبو جعفر: معناه استرخى شقه من داء أصابه، عن ابن درستويه. قال أبو جعفر: وهو الخدر. وقال أبو حاتم: إنما سمي المفلوج مفلوجاً؛ لأنه ذهب نصفه، والفلج نصف المكيال، وفي بعض الحديث: "الفالج مرض الأنبياء". قال أبو جعفر: وقد حده التدميري بحد طبي فقال: الفالج داء يصيب الإنسان عند امتلاء بطون الدماغ من بعض الرطوبات، فيبطل منه الحس وحركات الأعضاء، ويبقى العليل كالميت لا يعقل شيئاً. قال هو، وغيره: والفالج في كتاب العين ريحً تصيب الإنسان. [قال المرزوقي: ومصدر فلج: الفالج، وهو اسم الفاعل، وضع موضع المصدر، ومثله: عُوفي عافية، وقم قائماً]. قال ابن درستويه/: وإنما ذكره ثعلب لأن العامة تقول فيه أفلج الرجل، بالألف، وهو خطأ.

قال أبو جعفر: لا أذكر الآن فيه إلا كما حكاه ثعلب فُلج بغير ألف، وهو على قياس أحمَّه الله وأزكمهُ، وقد حُم هو وزكم، وكذلك يقال: أفلجه الله، وقد فلج ولا يقولون: أفلج. وقوله: "ولقي من اللَّقوة، فهو ملقو". قال أبو جعفر: اللقوة الداء الذي يكون في الوجه، عن أبي عبيد في المصنف. وقد بين حقيقتها ابن درستويه فقال: معنى لُقي الرجل: اعوج وجهه، والتوى شق شدقه إلى أحد جانبي عنقه، وهو ضرب من الفالج، إلا أن الفالج في البدن كله، وهذا في الوجه خاصة. قال التدميري: وهي من انصباب خلط. قال أبو جعفر: ما قاله التدميري تبين السبب الذي تكون منه اللقوة، وهو كلام طبي لا لغوي. ويقال: لقي الرجل، ولقوته، عن ابن الأعرابي في نوادره. قال أبو جعفر: ويقال لها: اللقاء بالضم، على بناء الأدوار، كما تقول: النحاز، والسعال.

قال الزمخشري: وقد لُقي، وألقي، كما يقال: قُلب البعير، وأقلب. وقوله: "وقد ديربي، وأديربي: لغتان، فأنا مُدار بي، ومدور بي". قال أبو جعفر: معناه أن يعتري الإنسان حيرة في رأسه، واسم الداء الدوار، عن مكي، وهو مأخوذ من الدوار، وهو ضرب من الحيرة يصيب الإنسان، وأصلها، من الدماغ. قال الزجاج: وفي معناه ديم به، وأديم به. قال أبو جعفر: قال يعقوب في كتاب فعلت وأفعلت، وقطرب في فعلت وأفعلت أيضاً: ديربي، وأديربي، وقد داربهم، وأداربهم. وقوله: "دير" أصله دور، على وزن ضرب، ففعل به ما فعل بـ (قيل وبيع). وقوله: "أدير" أصله أيضاً أدور، على وزن أكرم، ففعل به ما فعل بـ (أُميل وأُريد)، وجاء مدور على دير، ومدار على أدير.

/ وقد قدمنا في ألول الباب الاعتذار عن وجه دخول أدير بي، وكل ما لم يكن على وزن فُعل بما أغنى عن إعادته. والمصدر من الأول دوران، ومن الثاني إدارة. وقوله: "وقد غُم الهلال على الناس". قال أبو جعفر: معناه ستره عنهم غيم أو غيره، عن يعقوب، وعن غيره. قال الهروي: وكل شيء غطيته فقد غممته، ومنه قوله تبارك وتعالى: {ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} أي: مغطي مستوراً، وفي الحديث: "فإن غُم عليكم" أي: ستر، ومنه سمي الغم غماً، لاشتماله على القلب، قال: ومنه سمي الغمام الذي هو الغيم الأبيض غماماً، لأنه يغم الساء: أي يسترها. وقال ابن درستويه: إنما ذكره ثعلب لأن العامة تقول: أُغمي علينا

[الهلال]، بألف وياء، وهو خطأ. قال أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى الهروي أنه يقال: غُم الهلال، وغُمي، وأُغمي. وبالأوجه الثلاثة روي قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن غُمَّ عليكم فأقدروا له". وقوله: "وأًغني على المريض، فهو مغمي عليه" قال أبو جعفر: معناه غُشي عليه، عن غير واحد. وقال بعض اللغويين: هو مأخوذ من الغمى، وهو سقف البيت، فكأنه غُطي على عقله كما يغطى البيت بالسقف. قال ابن التياني: وتركت الرجل غماً، مثال، إذا كان مغمى عليه، وتركتهما غماً، وكذلك الجميع. وقال عن أبي الحسن: غماً مصدر فلا يثنى، ومن ثناه أخرجه مخرج الاسم، وجمعه أغماء. قال ابن التياني: وتركنا الرجل غماً: إذا أشرف على الموت، وكذلك الجميع، والمؤنث.

قال أبو جعفر: وحكى أبو زيد في نوادره أن أبا مرة الكلابي، وأبا خيرة العدوي قالا: قد غمي على الرجل فهو مغمي عليه. / قال أبو جعفر: وحكى أيضاً غمي أبو عبيد في المصنف، ويعقوب في الإصلاح، والمطرز عن ابن الأعرابي، وأبو علي القالي في فعلت وأفعلت. قال ابن التياني: وغمي عليه ضعيفه، وأفصح منها أغمي عليه. وقوله: "وغشي عليه، فهو مغشي عيه". قال أبو جعفر: يقال: غشي على المريض غشياً، وغشاء: إذا ذهب عقله، عن صاحب الواعي. وقال ابن القطاع: غشي عليه غشبة، غشياً، وغشيانا: ذهب عقله. وقوله: "وقد أهل الهلال، واستهل".

قال أبو جعفر: معناه رُئي فرفع الصوت بذكره. قال ابن درستويه: وهو مشتق من استهلال الناس بالتكبير، قال: والعامة تقول فيه: هل الهلال، فيجعلون الفعل للهلال، ويعنون به طلع. قال: وأما العرب فإنهم يقولون: أُهل، لأنهم يعنون بها أُطلع وأُري، وإنما يريدون أن الناس أهلوا الهلال، أي: أهلوا له لمَّا رأوه، أي: رفعوا أصواتهم كما يقال: أهللنا بالحج، أي: رفعنا أصواتنا بالتلبية، وكذلك يقولون: اُستهل، لأنهم استهلوا حين رأوه، من رفع الصوت كما يقال: استهل المولود: إذا رفع صوته بالبكاء، ولا يعنون أنهم استطلعوا الهلال، فإنمَّا هو استفعال من الإهلال كقول ابن أحمر: يُهِلُّ بالفَرْقَد رُكبانها ... كما يُهِلُّ الرَّاكِبُ المُعتَمِرْ قال: وكان يجب أن يقال: أهللنا بالهلال، وقد أُهل بالهلال، فيعدى إليه الفعل بالباء، لأنه فعل غير متعد بنفسه، ولكن حذفوا الباء لكثرة هذا الكلام تخفيفاً، وعُدي الفعل بنفسه، كما قيل: سميته زيداً، أي: بزيد. قال: ويجوز أن يكون معنى قولهم أُهل الهلال كمعنى قيل الهلال، أو صيح الهلال؛ فلذلك صار مفعولاً / لم يسم فاعله.

قال: ويجوز أن يكون أهللنا الهلال بمعنى قلنا الهلال: لأن الهلال اسم يتكلم به، وقول يقال، فعلى هذا تعدى. قال أبو جعفر: قال محمد بن أبان في كتابه العالم حكي عن الثقة أنه يقال: هل الهلال نفسه، أي: طلع، وأهللناه نحن: رأيناه. وحكى صاعد في كتابه الفصوص: أهل الهلال، بالألف، وأنكر هل بغير ألف. وحكى ابن عديس في كتابه الصواب ونقلته من خطه، والقزاز في الجامع، هل الهلال، وأهل. وحكى الحامض في نوادره، وأبو مسحل في نوادره أيضاً: أتيت فلانا عند إهلال الشهر، واستهلاله، وهلَّته، وهلهِّ، وهلوله. قال أبو جعفر: قال صاحب كتاب العالمم: أول ما يطلع القمر ويرى في أول ليلة من الشهر يسمى هلالاً، لأنه يهل بذكره، أي: يرفع الصوت بذكره، قال: فإذا جاوزت له ليلتان فهو هلال أيضاً، وإن لم يهل بذكره: لأنه على شبه الحالة الأولى لليلته. قال: وأسماء القمر كثيرة الانتقال، فهو أول الشهر هلال،

وإزميم، ثم قمر، ثم بدر، تم هو قمر إلى أخر الشهر. قال: ومن أسمائه حين يُقمر: الزبرقان، والساهور. ومن صفاته: المسفر، ثم الواضح، ثم الباهر، والمفتق، وإضحيان. قال أبو جعفر: وسنتكلم إن شاء الله تعالى على طلوعه، ومغيبه، وأسمائه، وسائر أحواله، إذا انتهينا إلى قوله: "وخسف القمر" في باب حروف منفردة. وقوله: "ورُكضت الدابة". قال أبو جعفر: إذا حركتها بساقيك لتعدو، عن القزاز. قال ويقال: مر الفرس يركض، ولا يقال: يركض، إنما يركض الرجل برجليه. قال أبو جعفر: وقال اليزيدي في نوادره يقال: ركض الفرس وهو يركض ركضا، وركضته أنا ركضاً، سواء. قال: وكل شيء يفعل هو، أو يفعل به / فهو بمنزلة الفرس. قال الزمخشري في شرحه: والعامة تقول: ركضت: إذا غذت، وهو

خطأ. وكذا أنكر صاعد في الفصوص أن يقال: ركض الفرس، قال عن الأصمعي: ركضت الفرس، ولا يقال: ركض الفرس، وإنما الركض تحريك إياه برجلك، أو بغير ذلك، سار أو لم يسر. وقال الجوهري: ركضت الفرس برجلي: إذا استحثثته ليعدو، تم كثر حتى قيل: ركض الفرس: إذا عدا، وليس بالأصل، والصواب ركض الفرس، على ما لم يسم فاعله، فهو مركوض. وقال التدميري يقال: ركضت الفرس فعدا، ولا يقال فركض هو، قال: وقال بعضهم ذلك وأنشد: جَوَانِحَ يَخْلُجنَ خَلجَ الظِّبَا ... ءِ يَرُكُضْنَ مِيلاً ويَنْزِعْنَ مِيلاً قال: والرواية الأخرى (يركضن) على ما لم يسم فاعله. قال أبو جعفر: وقد حكى سيبويه كضت الدابة على ما سمي فاعله. وقال ابن القطاع في أفعاله: الصواب ركض الفرس، على ما لم يسم فاعله، ولغة ركضني البعير برجله.

قال أبو جعفر: وقال الحريري في درة الغواص: وقد توَهم بعضهم أن الركض لا يكون إلا في الخيل، قال: وليس كذلك، بل يقال: ركض البعير برجله: أي رمح، وركض الطائر: إذا حرك جناحية ثم ردهما على جسده في الطيران، كما قال سلامة بن جندل: أَوْدَى الشَّبابُ حَمِيدًا ذو التَّعاجيب ... أودي وذلك شأوٌ غير مطلوبِ وَلَّى حَثيثًا وهذا الشيبُ يطلُبُه ... لو كان يُدرِكُهُ رَكْضُ اليعاقيبِ قال: يعني باليعاقيب ذكور الحجل، وهو جمع يعقوب. قال: ويروي (ركض اليعاقيب) بالرفع والنصب. قال أحمد: ما قاله الحريري من أن الركض يستعمل في غير / الخيل حق، وقد حكيناه قبل عن اليزيدي في نوادره. وقوله: "وقد شُدِهت، وأنا مَشْدُوه، أي: شُغِلت". قال أبو جعفر: فسر ثعلب شدهت بشغلت وأنكره ابن درستويه

وقال: ليس معناه شغلت، وفسره بالدهش والتحير. وكذا فسره ابن هشام في شرحه، ورأيته بخطه، وتبع في ذلك ابن درستويه. قال أبو جعفر: أما إنكارُهُما أن شدهت ليس معناه شغلت فغير صحيح، بدليل ما حكاه أئمة اللغة، قال أبو زيد في نوادره وناهيك به ثقة! وبكلامه حجة، قالوا: شده الرجل يشده شدها، وشدها، فتحٌ وضم: وهو الشغل، ساكن لا غير. قال أبو جعفر: هذا لفظه في نوادره، وحكى ابن سيدة في العويص عن أبي زيد أنه قال: شده الرجل، أي: شغل فقط. وحكى صاحب الواعي عن الكسائي ونقلته من خطه أنه يقال: جاءني على شُدهةٍ، وشَدهةٍ، أي شغل، وقد شُدِهْت وأنا مشدودة، أي: شغلت. وقال كراع في المجرد: الشَّدة، والشُدة: الشغل. وقال الزمخشري في شرحه: شُدهت عنك، أي: شُغلت، ويقال ما شدهك عنا؟ أي: ما شغلك. قال أبو جعفر: فتبين بهذا الذي حكيناه عن الأئمة أنّ ما ذكره ابن

درستويه، ومن تبعه كابن هشام، ليس بصحيح. لكن الحق في ذلك أن يقال: إن شدهت فسره اللغويون بالوجهين: بمعنى الشغل، وبمعنى التحير. أما كونه بمعنى الشغل فقد فرغنا من إثباته، وأما كونه بمعنى التحير فقد حكى ابن السِّكيت في كتابه الإصلاح في باب (فعل وفعل بإتفاق معنى) عن ابن الأعرابي أنَّه يقال: شَده وشُده، من قولك رجل مشدوده: من التحير. وقال القتبي: شُده فلان شدها، وشُدها: إذا تحير. / وقال ابن دريد في الجمهرة: شُده الرجل فهو مشدوه، والاسم الشَّده: وهو الحيرة. قال أبو جعفر: فتقرر بما نقلناه عن أئمة اللغويين أن شدهت فسرها اللغويون بالمعنيين المذكورين، فمن فسرها بأحد المعنيين مع عدم إنكار المعنى الثاني فكلامه صحيح، ومن فسرها بأحد المعنيين وأنكر المعنى الثاني كما فعل ابن درستويه وابن هشام فكلامه غير صحيح .. وقد تقدم بيان ذلك كثيراً، والحمد لله كثيراً.

قال القزاز: قالوا: أدهشه هذا الأمر، ولا يقولون: أشدهه هذا الأمر، وهذه الشدائد شُدَّهٌ. ويقال أيضا: سُده يسده سدهاً، بسين غير معجمة، بمعنى شده. قاله عبد الواحد اللغوي. وقوله:" وقد بر حجك، فهو مبرور". قال أبو جعفر: معناه قُبل حجك، أي: جعله الله تعالى من أعمال البِر. قال صاحب الواعي: والبر اسم جامع للخير، وفي الحديث: "وليس للحج المبرور ثواب دون الجنة". قال الهروي: قال شمر: هو الذي لا يخالطه شيء من المأثم. قال أبو قلابة لرجل قدم من الحج: بُر الحج، ودعا له أن يكون مبروراً لا مأثم فيه، قال ابن

خالويه: والحج المبرور هو المقبول. قال ابن درستويه: وإنما ذكره لأن العامة تقول: بَر حجُّك، بفتح الباء يجعلون الفعل للحج، وإنما الحج مفعول مبرور، ليس ببار. قال أبو جعفر: قد حكى أبو عبيد في المصنف عن الفراء بر حجك كما حكاه ثعلب، وبر حجك، بفتح الباء، على صيغة الفاعل وقال عنة: فإذا قالوا: أبر الله حجك، قالوا بالألف، قال: والبر في اليمين مثله. وحكى أيضاً أبو عبيد في المصنف عن أبي زيد: بر الله حجك، وأبره. قال أبو جعفر: وحكى اللحياني في نوادره: بُر حجك، وبَر حجك، وقد بر النسك، وبر النسك. وحكى / الجوهري: بر حجه، وبر الله حجه براً، بالكسر في هذا كله، ويقال: الحج، والحجُّ: إذا أردت الاسم، وقرئ: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}، و" حج البيت" بالفتح والكسر. فإذأ أردت

المصدر فهو مفتوح لا غير، ومنه قوله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}. وقوله: "وثُلِج فؤادُ الرجل فهو مثلوج: إذا كان بليداً". قال أبو جعفر: معناه أنه قد برد قلبه هن الفهم والمعرفة، فصار بليداً، أي: لا يفهم شيئاً. قال التدميري: كأن حرارة قلبه الغريزية ضَعُفت حتى بردت، فصار كذلك على مزاج البهائم. قال أبو جعفر: كأن قلبه مبرد بالثلج، لأنهم يصفون الذكي بحدة القلب، وشدة التوقد، ويقال: هو شهم الفؤاد وذكي الفؤاد، ولم يقولوا: ثليج، لأنهم أخرجوه مخرج معتوه ومجنون وأنشد ابن سيدةوغيره: ولم يكُ مثلوجَ الُفؤادِ مُهبَّجاً ... أضَاعَ الشَّبابَ في الرَّبيلَةِ والخَفْضِ

قال الفارسي: وهذا كما قالوا بارد الفؤاد، وأنشد: ولَكِنَّ قَلباً بين جنبيك باردُ وقال القزاز: ويقال: ثلج الرجل: إذا أصابه الثلج، والثلج معروف. وقوله: "وثلج بخبر أتاه يثلج به: إذا سر به". قال أبو جعفر: قال ابن السيد: إنما سمي السرور بالشيء والسكون إليه ثلجاً، لأن المتهم بالشيء الحزين يجد لوعة في نفسه، وحدة في مزاجه، فإذا ورد عليه ما يسره ذهبت تلك اللوعة عنه فلذلك قيل: ثلجت نفسي بكذا، وهو ضد قولهم: احترقت نفسي من كذا والتاعت. قال أبو جعفر: ويقال: أثلجني أي: أفرحني، وما أثلجني بهذا الأمر أي: ما أسرني به. قال عبد ألحق /: وثلج قلبي بالكسر أي: تيقن: قال: وأثلجني فلان بهذا الأمر أي: وثقت به أنه يفعله. قال: وفي كلام بعضهم: (أما والله لقد أتاك الثلج) أي: أتاك اليقين والثلج: اليقين، بفتح الثاء، واللام.

قال القزاز: وثلج الرجل ـ بفتح الثاء وكسر اللام ـ يثلج ثلجاً: إذا برد جلده، قال: وإنما ذلك أن يواظب على الشيء حتى يعتاده. وقال الكراع في المجرد: ويقال أيضاً: ثلجت نفسي: اطمأنت، بفتح اللام في الماضي وكسرها وضمها في المستقبل، وحكى في المصدر ثلوجاً. قال أبو جعفر: وقال ابن درستويه: ليس بين معنى ثلج فؤاد الرجل وبين معنى ثلج بخبر فرق، إلا أن البرد قد أفرط على الأول حتى فتر عن كل شيئ، وأن هذا قد أصابه قدر ما التذ به. قال: وانما أتى بـ (ثلج) بخبر وإن كان ليس من الباب: لأن لفظه ولفظ ثلج فؤاد الرجل مشتقان من معنى واحد. وقوله: "وتقول أمتقع لونه أي: تغير". قال أبو جعفر: معناه ذهاب الدم من الوجه، وغؤوره في البدن، لأنه من المقع، وهو شدة شرب الفصيل لبن أمه، عن ابن درستويه. وقد تقدم الكلام على ما فيه من اللغات في الباب الأول من الكتاب في

قوله: "وشحب لونه". وقوله: "وانقُطِع بالرجل، فهو منقطَع به" قال أبو جعفر: معناه أن الرجل إذا عجز عن سفره من نفقة ذهبت أو راحلة نفقت: أو ضلت، يقال: أنقطع به عن ابن التياني، وغيره. وقال التدميري: قال أبو جعفر يقال: / أقطع بالرجل: إذا لم يكن له ديوان، وأقطع به: إذا مات ما يركبه، وانقطع بالرجل: إذا فني زاده. قال الشيخ أبو جعفر: وحكى ابن التياني عن أبي حاتم أنه لا يقال: قطع بضم القاف، قال: إلا أن تريد قُطع عليه الطريق. قال الشيخ أبو جعفر: ما حكي عن أبي حاتم هو المشهور، ولكن قد حكي أنه يقال: قطع بضم القاف في معنى انقطع، حكاه مكي في شرحه، وحكاه أيضا ابن التياني عن أبي حنيفة، وزاد مكي: وأُقطع به في معناه، قال: وأبدع مثله أيضاً. قال الشيخ أبو جعفر: قال يعقوب في كتاب فعلت وأفعلت: يقال قُطع،

وأُقطع، ورجل مقطع به، ومقطوع به، ومنقطع به، ورجل مقطع: لا ديوان له، وبعير مقطع: إذا قام من الهزال. قال ابن خالويه: وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أبدع بي فاحملني، فحمله على ناقة، وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: قد نقب خُف بعيري فاحملني، فلم يفعل، فقال: / أقسَمَ بالله أبو حفْص عُمر ... مَا مسَّها من نقبٍ ولا حَفَر فاغفر له اللَّهُمَّ إن كان فجرْ قال ابن درستويه: وإنما ذكره لأن العامة تقول: انقطع به، بفتح القاف والطاء، وتظن أن الفعل للرجل، وهو خطأ، وإنما يجوز ذلك إذا سمي

الفاعل معه، فقيل: انقطعت به نفقته، ونحو ذلك. قال الشيخ أبو جعفر: لا أذكر فيه الآن انقطع مبنياً للفاعل كما أنكره ابن درستويه، وإنما قيل: انقطع على ما لم يسم فاعله، لأن الفعل لم يحل به، إنما حل بما كان يصحبه، وهو الزاد والراحلة. وقوله: "ونفست المرأة غلاماً، فهي نفساء، والمولود منفوس". قال الشيخ أبو جعفر: معناه ولدت، عن غير واحد. قال ثابت: إذا ولدت قيل: وضعت، ثم هي نفساء. وقال صاحب الواعي وقالوا: هي نفساء حتى تطهر. قال الفارسي: وأصلها من التشقق والانصداع، يقال: تنفست القوس: تشققت، ويُسمى الدم الذي يسيل من النفساء: نفساً، وهو مذكر. وقال صاحب الواعي: وقيل لها نفساء: لما يسيل منها من الدم، لأن النفس هو الدم. قال: وفي الحديث عن النخعي: "كل شيء ليست له نفس سائلة ثم مات في الماء لم ينجسه" يريد الدم.

قال ابن درستويه: وإنما سمي الدم نفساً لنفاسته في البدن، وقوام الروح والبدن به. وقال أيضاً: وإنما قيل للمولود منفوس لأنه مما ينفس به أي: يُضن. قال الشيخ أبو جعفر: والنفساء: التي تلد الولد، عن كراع في المجرد. وحكى ابن عديس في كتابه / الصواب، ونقلته من خطِّه عن ثعلب: أن النفساء: الوالدة، والحامل، والحائض. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال: نفساء بضم النون وفتح الفاء، ونفساء بفتح النون والفاء، ونفساء بفتح النون واسكان الفاء، عن كراع في المجرد، وكل ذلك بالمد، ونقلته من خطه، ونفسى بالقصر. قال الشيخ أبو جعفر: والجمع نفساوات بضم النون وفتح الفاء، ونفاس، ونفس، ونفاس. عن كراع في المجرد، وعن ثابت في خلق الإنسان، وعن صاحب الواعي، وعن اللحياني في نوادره ما عدا نُفساً بالتشديد فلم يذكره. قال ابن التياني: ونفساوات بفتح النون والفاء. وقال كراع في المجرد، وصاحب الواعي، والنحاس في اشتقاقه:

ونَفاسَى بفتح النون مثال: [سكارى]. وقال اللحياني في نوادره، وكراع في المجرد: ونفس مثل: صرد. قال صاحب الواعي: ونفس مثل: قُفل. وقال ابن سيدة في المخصص، وثابت في خلق الإنسان: ونفس مثال: طنب، ونوافس، ونفاس بضم النون وتخفيف الفاء. قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن درستويه: والعامة تقول للنُفساء: قد نفست، بفتح الأول، تجعل الفعل لها، وهو خطأ. قال الشيخ أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى أبو عبيد في المصنف عن الكسائي نفست المرأة بضم الأول، ونفست بفتح الأول: إذا ولدت. وحكاها أيضاً اللحياني في نوادره، ومحمد بن أبان في كتابه العالم، وثابت في خلق الإنسان، ويعقوب / في كتاب الفرق، قال: والمولود منفوس ونفيس.

وقال الهروي، وصاحب الواعي: نفست المرأة ونفست: إذا ولدت، [فإذا حاضت قلت نفست، بفتح النون لا غير. وقال بعضهم: نُفست المرأة بضم النون: إذا ولدت] ونُفست ونَفست بضم النون وفتحها: إذا حاضت. قال الشيخ أبو جعفر: حكى ابن سيدة، وثابت في المصدر: نفساً بالفتح فيهما، ونفاسة ونفاساً، بكسر النون فيهما. وحكى اللحياني في مصدر نفست بضم الأول: نفاساً فقط، وفي مصدر المفتوح الأول: نِفاساً، ونِفاسة، ونَفَساً. قال الشيخ أبو جعفر: وأما الغلام في قول ثعلب: "ونفست المرأة غلاماً" فانتصب على اسقاط حرف الجر [قاله] ابن درستويه. وقيل: على التمييز، وهو الأولى: لأن حذف حرف الجر [و] وصول الفعل لا يقال به في كل موضع. وقوله: "ونفست عليك بالشيء أنفس به".

قال الشيخ أبو جعفر: معناه ضننت به، قاله كراع في المجرد، وابن درستويه. وقال ابن خالويه: معناه بخلت [به] عليك. قال: فإن قلت نفست عليك فمعناه: افتخرت، قال ويقال: هذا الثوب أنفس من هذا أي: أجل وأفخر، وفي قوله جل وعلا: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} بفتح الفاء، أى: من أشرفكم. وحكى أبو عبيد في المصنف عن الأصمعى أنه قال: وتقول: نفست عليك بالشيء: إذا لم تره يستاهله. وقال صاحب الواعي: معناه حسدتك عليه، قال: وفي حديث الحُباب بن المنذر يوم السقيفة: "إنا والله لا ننفس أن يكون لكم هذا الأمر، ولكنا نكره أن يلينا / بعدكم قوم قلنا آباءهم وأبناءهم. قال الشيخ أبو جعفر: وهذا غلام منفوس به، ومال منُفس، ومنَفس،

ونفيس: له خطر، وتقول: إن الذي ذكرت لمنفوس فيه، أي: مرغوب فيه. قال الشيخ أبو جعفر: ونفست ليس من هذا الباب، لأن هذا الباب إنما هو لما لم يسم فاعله، وهذا لما سمي فاعله، وإنما أدخله للمشابهة اللفظية التي بينه وبين نفست المرأة، وان اختلفا في المعنى. وقوله: "وإذا أمرت من هذا الباب كله كان باللام". إلى آخر الكلام. قال الشيخ أبو جعفر: الفعل لا يخلو من أن يكون مبنياً للفاعل [أو للمفعول، فإن كان مبنيا للفاعل] فلا يخلو المأمور من أن يكون متكلما، أو مخاطباً، أو غائباً، فإن كان متكلما أوغائباً فإن اللام وحرف المضارعة يثبتان فيه، كقولك: لأضرب زيداً، وليكرم زيد عمراً، ولا يكادون يأمرون الغائب إلا باللام، وقد جاء بغير اللام، وهو قليل، قال الشاعر: محمدُ تَفْدِ نَفْسكَ [كل نفس] ... إذا ما خِفْتَ من أمرٍ تبالا يعني: وبالاً.

وإن كان مخاطباً فلا يثبتان فيه في الأكثر، كقولك: اضرب، واقتل. وإنما قلنا في الأكثر لأنه قد جاء الأمر بها في المخاطب.، نحو قوله عليه السلام: "فلتأخذوا مصافكم"، وكقراءة من قرأ: (فبذلك فلتفرحوا) وكقوله: لِتَقُم أنت يابن خير لُؤي ... فَتُقضي حوائج المسلمينا هذا حكم الفعل إن كان مبنيا [للفاعل] وأما إن كان مبنيا للمفعول فإن اللام تثبت فيه في الأمر، كان المأمور متكلماً أو مخاطباً أو/ غائباً، كقولك: لأُعن بحاجتك، ولِتعن بحاجتي، وليعن فلان بحاجتي. وإنما لزمت في هذا الباب مع المخاطب - وإن كان بابها أنْ تحذف منه إذا كان فاعلاً - لأن الأمر فيه كأنه لغائب في الأصل، وذلك أن أصل قولنا لتعن بحاجتي: ليعن (فلانا) بحاجتي، بري به وإكرامي إياه، وما أنا عليه من التحفظ والتكرمة له، وهذا أمر لغائب في الحقيقة، فلزمت اللام فيه حملاً على معناه، كذا كان الأستاذ أبو عليّ يقول في سبب لزومها للمخاطب في الفعل المبني للمفعول.

قال الشيخ أبو جعفر: وحكى ابن جني في كتاب الخصائص بإسناد له عن أبي عثمان أنه كان عند أبي عبيدة، فجاءه رجل فسأله، فقال له: كيف تأمر من قولنا عُنيت بحاجتك؟ فقال له [أبو عبيدة]: أُعنَ بحاجتك، فأومأت إلى الرجل، أي: ليس كذلك، فلما خلونا قلت له: [إنما] يقال: لتعن بحاجتي، قال: فقال أبو عبيدة: لا تدخل علي، فقلت: لم؟ فقال: لأنك كنت مع رجل خوزي، سرق مني عاماً أول قطيفة لي، فقلت: لا والله ما الأمر كذا، ولكنك سمعتني أقول ما سمعت أو كلاماً هذا معناه. قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن الأعرابي على ما حكاه الزمخشري: من قال لتعن بحاجتي [فمعناه] لتكن المقصود بحاجتي، ومن قال [لتعن] بحاجتي، فمعناه: لتكن منك عناية، قال الزمخشري: وهذه اللام تسمى لام الأمر، وبعض العرب يفتحها مثل لام كي، وهو قليل، فإذا تقدم عليها واو أو فاء أو ثم فأنت بالخيار، فإن شئت / سكنت، وإن شئت تركتها على الأصل مكسورة. وقول ثعلب في آخر لفظة من هذا الباب: "ونحوه" كان الأستاذ أبو علي شيخنا يقول: يجوز فيها النصب والجر، ولا يجوز فيها الرفع. أما النصب: فبالعطف على الجملة التي هي في موضع نصب بالقول، وأما الجر: فبالعطف على القول في قوله: "كقولك" أي: كقولك كذا وكذا، وكنحو هذا القول، والنصب أحسن.

باب "فعلت وفعلت باختلاف المعنى"

باب "فعِلت وفعَلت باختلاف المعنى" مقصوده بهذا الباب ذكر الاختلاف بين [هاتين] الصيغتين في المعنى، مع اختلافهما في البناء، وإن [كانتا] من أصل واحد. قوله: "نقهت الحديث مثل: فهمت". قال الشيخ أبو جعفر: قد فسره ثعلب، فأغنى عن تفسيره، وكذلك فسره غيره، قال التدميري: كأنه والله تعالى أعلم لما فهمه بعد جهله كان في ذلك بمنزلة من صح جسمه بعد سقمه، فهما في معنى واحد، إلا أنه فرق بينهما إذا كان أحدهما للجسم، والآخر للنفس. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال أيضا: نقهت الحديث بفتح القاف، عن أبي عبيد في المصنف، وعن يعقوب في الإصلاح. وحكى اللغتين أيضاً اللحياني في نوادره، وقال يقال: قد نقهت حديثك بالكسر أنقه نقها ونقوهاً، ونقهت حديثك أنقه نقوهاً. وحكى المرزوقي في مصدر نقه بالكسر: نقاهة، وفي الصفة فيه: ناقه، ونقه.

ويقال: نقهت بفتح القاف، ولكل واحد منهما وجه في القياس، فمن قال: نقهت بالكسر، أخرجه على بناء علمت، ومن قال: نقهت بالفتح، ألحقه ببناء دريت وشعرت: كذا قال الزمخشري في معناهما في شرحه لهذا الكتاب. ويقال: فهمت الحديث فهْما وفهَما، بتسكين الهاء وتحريكها بالفتح، واسم الفاعل: فهم لا غير. وقوله: "نقهت من المرض". في معناه قولان: قيل إذا بدأ فيه البرء، كذا قال القزاز. وقال ابن درستويه: برأت، ولذلك جاء على وزنه لما كان في معناه، قال: كما جاء نقهت الحديث بالكسر على وزن فهمت لما كان في معناه. ويقال أيضاً نقهت بالكسر. والمصدر منه: نقه بالتحريك، ومن المفتوح: نقوه. ويقال: نقه الرجل من مرضه، وبرئ، وبرأ، وبرا بغير همز، واسخات، واصخات بالصاد، وتقشقش، وبل، وأبل، واستبل، واطرغش، وغسق، واخطف، وطرغش، وتطشى، وافرنقع، وأسوي، وانسل، وأفاق، وأفصم، واحرنشم. وقوله: "وقررت به عينا أقر". أي: سررت فخرج من عيني ماء قرور، وهو البارد، وهي ضد أسخن الله عينه، ومعنى سخنت عينه، أي: أبكاه الله، فخرج من عينيه دمع حار، لأن دمع البكاء حار، فإذا قلت: قر الله عينك، فكأنك دعوت له بخروج ذلك الدمع، أي: فرحت وسررت، فهو مأخوذ من القرور، وهو الماء البارد. وقيل معنى قرت عينك، أي: لا طمحت إلى ما يفزعك ويروعك، وسكنت إلى رؤية أحبابك، فهذا مأخوذ من القرار. وقيل معنى أقرّ عينك: أنام الله عينك، [و] المعنى صادف

/سروراً أذهب سهره فنام. قال الزمخشري: قررت به عيناً، [وقررنا به عيناً] وإن شئت عيوناً. قال: وتقول: قرة عين، وإن شئت قرأت عين، كل واحد في ما هذا سبيله يسد مسد الجمع. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال: قد قَرَّت عيني تقر، وتقر، عن أبي علي في فعلت وأفعلت، قال: ويقال: أقر الله عينك، وأقر ألله بعينك، بزيادة الباء. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال أيضاً: قررت بالفتح، حكى اللغتين فيها: الكسر والفتح، أبو عبيد في المصنف، والجوهري، ويعقوب في الإصلاح، وكراع في المجرد، والمطرز في الياقوت. قال المطرز: والكسر أفصح. وحكى جميعهم عدا المطرز في المصدر: قُرة، بضم القاف، وقروراً. وزاد ابن عديس وقرة بفتح القاف. قأل الشيخ أبو جعفر: وانتصب عيناً على التمييز، وهذا من باب ما

نقل عنه الفعل، كان في الأصل قرت عينه، فلما جعل الفعل لصاحب العين أشبه المفعول به فنصب. وقوله: "وقررت في المكان أقر". قال الشيخ أبو جعفر: معناه ثبت وسكنت، عن أبن درستويه. قال: ولذلك جاء على (فعلت) بفتح أوله وثانيه، وهو من القرار، والقرار: المستقر. هال الشيخ أبو جعفر: وحكى أبو عبيد في المصنف عن الكسائي قررت بالمكان، بكسر القاف، قال: وهي لغة أهل الحجاز، وقررت بالفتح أجود. وحكاها أيضا يعقوب في الإصلاح عن الفراء، وحكاها أيضاً الجوهريوابن التياني، وابن القطاع. وحكاها أيضاً المطرز في الياقوت، وابن سيدة في المحكم، وقالا: وقررت بالفتح أعلى.

قال الشيخ أبو جعفر: وحكى اللغتين أيضاً أبو عبيد في فعل وأفعل، وقالا: وخفف بعض العرب / فقالوا: قرت وقرت، كما قالوا: ظَلت وظِلت. قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن عديس: واستقر، وتقار، وأقر فيه. وحكى أيضاً في [المصدر] قراراً، وقروراً، وقراً، وتقرة، قال: والأخرية شاذة. قال الشيخ أبو جعفر: وقال كراع في المجرد: ويقال للرجل: قرقار، بالكسر، أي: قرواسكن. وقوله:" وقنع الرجل: إذا رضي، قناعة". قال الشيخ ابو جعفر: القناعة الرضا بما رزقت، حكاه المطرز عن ثعلب. وحكاه أيضاً ابن التياني، والجوهري، وأنشد ابن التياني: فَاقْنع بِمَا قَسَمَ الإلهُ فإنمَّا ... قَسَمَ المعائش بيننا علاَّمُها

وأنشد أيضاً هو والجوهري: فمنهم سعيدٌ أخذٌ بنصيبه ... ومنهم شقِيُّ بالمعيشة قانعُ وحكى ابن التياني عن ابن دريد أنه قال: ومن دعائهم: (نسأل الله القناعة، ونعوذ به من القنوع). ويقال: رجل قنع من قوم قنعين، وقنيع من قوم قنيعين، عن ابن التياني، وعن ابن سيدة في المحكم. وزاد ابن سيدة وقنعاء. قالا: ورجل قانع. ابن سيدة: من قوم قنع. قالا: وامرأة قنيعة. ابن سيدة: وقنيع. قالا: من نسوة قنائع. ابن التياني: وقنعاء. وقالا: والمصدر قنع وزاد ابن التياني عن قطرب: وقنعان، قال: وقنوع / وقنعان، بضم القاف فيهما عن أبي مسحل. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال: رجل قنعان يرضى باليسير، حكاه الكراع في المجرد، وابن سيدة في المحكم. وحكى ابن سيدة أيضا، وابن التياني: رجل قُنعان، ومقنع.

وزاد ابن سيدة وقنعاني: إذا كان يقنع بهم، وينتهي إلى رأيهم، وكلها لا تثنى ولا تجمع ولا تؤنث، قال ابن سيدة [وربما] ثني وجمع، وأنشد وبايعتُ ليلى في الخَلاء ولم يَكُنْ ... شهُوُدي علَى ليلى عُدُولُّ مَقَانِع وقال ابن التياني: وفلان قنعان لي، أي: رضي إن أخذه بكفالة أو، بدمٍ وأنشد: فَبُؤ بأمرئ أُلفيِتَ لسْتَ كمثله ... وإن كنتُ قُنْعَاناً لمن يطلبُ الدَّما وحكى ابن سيدة عن ثعلب، واللحياني في نوادره: ورجل قنعن منهاة، أي: يُقنع برأيه، و [ينتهي] إلى أمره. وقوله: "وقنع قنوعاً: إذا سأل". قال الشيخ أبو جعفر: قيل سأل كما قال [ثعلب] وتعرض للطلب، وقيل:

[ذل في السؤال] عن ابن سيدة في المحكم، قال هو، وغيره: وفي التنزيل: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} فالقانع: الذي يسأل، والمعتر: الذي يتعرض ولا يسأل. وقال ابن خالويه: القانع من قولك: قنع، والمعتر من قولك: اعتره: إذا تعرض للسؤال ولا يسأل، غير أنه يمر باللحم فيقول: ما أسمن هذا اللحم! وما أطيب هذا الخبز!. قال ابن سيدة: وقيل القُنوع: الطمع. قال الشيخ / أبو جعفر: وقال المطرز: وقد استعمل القنوع في معنى القناعة. قال ابن سيدة في المحكم: وهي قليلة، حكاها ابن جني، وأنشد: أيذْهَبُ مالُ الله في غير حَقِّهِ ... ونعطشُ في أطلالِكُم ونجوُعُ

أنَرضَى بهذا منكُمُ ليس غيرهُ ... ويُقْنِعُنا ما ليس فيه قُنُوع وأنشد أيضا: وقالوا قد زُهيت فقلتُ كلاَّ ... ولكنِّي أَعزَّني الُقُنوع وكذا ذكر ابن الأنباري في كتاب الأضداد، فقال: وربما تكلموا بالقنوع في معنى القناعة، والاختيار ما قدمنا ذكره، فمنه قول بعضم: فلم أرَ عزاً كالقُنُوع لأهله ... وأنْ يُجمْلَ الإنسانُ ما عاش في الطلب وقال آخر: ثِقْ بالإله ورُدَّ النَّفس عن طمع ... إلى القُنُوع ولا تحسُد أخا ألمال وقال آخر: من قَنِعتْ نفسُه ببلُغَتها ... أضحى عزيزاً وظل ممتنعاً لله دَرُّ القُنُوع من خلقٍ ... كَمْ مِنْ وضيع به قد ارتفعا قال الشيخ أبو جعفر: وقال الجوهري وابن القطاع في أفعاله،

واللفظ واحد: وقال بعض أهل العلم: إن القنوع قد يكون بمعنى الرضا، والقانع بمعنى الراضي، وهو من الأضداد وأنشد: وقالوا قد زهيت .............. ... ............... البيت / وأنشد الجوهري للبيد: فمنهم سعيد أخذٌ بنصيبه ... .......... البيت وقد تقدم. قال: وفي المثل: "خير الغنى القنوع، وشر الفقر الخضوع". قال الجوهري: ويجوز أن يكون السائل سُمي قانعا، لأنه يرضى بما يعطى قل أو كثر، ويقبله ولا يرده، فيكون معنى الكلمتين راجعاً إلى الرضا. وقوله: "ويقنع فيهما جميعاً". قال الشيخ أبو جعفر: وإنما كان ذلك لأجل حرف الحلق. وقوله: "ولبست [الثوب] ألبسه"

قال الشيخ أبو جعفر: معناه معروف، قال ابن درستويه: هو بمنزلة اكتسيت، عام في كل شيء من اللباس وغيره، يقال: لبست [ثوبي، وخاتمي، وسلاحي، وسراويلي، وعمامتي، وغير ذلك مثل: لبست] أيامي، ولبست عمري، ونعمتي، وأهلي، قال الله تبارك وتعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ} قال: وجاء على فعلت كما كان ضده على فعلت، وهو [عريت]. قال الشيخ أبو جعفر: لا أذكر الآن في لبست الثوب إلا الكسر. ويقال في المصدر: لبس بضم اللام، ولباس بكسرها؛ عن ابن عديس وابن درستويه وغيرهما. وقال القزاز: واللباس واللبوس والملبس: ما يلبس، قال: واللبوس أيضاً: الدرع من قوله عز وجل: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ} قال:

ومن اللباس قول الراجز: البسْ لكلِّ حالة لَبُوسَها ... إمّا نَعِيمَها وإمَّا بُوسَها قال: وثوب لبيس، أي: ملبوس، ومُلاءة لبيس، وجمع لبيس: لُبُسٌ. قال الشيخ أبو جعفر: وقال ابن الأعرابي في نوادره: واللابس واللبوس: الرجل اللبوس الثياب بعينها. /وقوله: "ولبست عليهم الأمر ألبسه" قال الشيخ أبو جعفر: معناه خلطته وسترته، عن غير واحد. قال ابن درستويه: ولذلك جاء على مثالهما. قال أبو حاتم في لحنه: ولا يقال: لبست عليك الأمر، بالتشديد، إنما هو لبست، بالتخفيف وفتح الباء، قال: والمصدر اللبس، بإسكان الباء وفتح اللام، و [لا] يقال: اللبس بالتحريك. وقال صاحب الواعي: لبسته تلبيساً: إذا عميته عليه، قال: وكذلك فسر قوله تبارك وتعالى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ}.

قال: وفي هذا الأمر لُبسة: إذا كان ليس بواضح، قال: وفي الحديث: "فجاء الملك فشق عن قلبه، قال: فخشيت أن يكون قد ألبس [بي": أي خو] لطت من قولك في رأيه لبس، أي: اختلاط واشتباه. قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن درستويه: وأصل الفعلين واحد، يعني لبست الثوب ولبست الأمر، لأنهما جميعا من التغطية والاختلاط، لأن ستر الأمر تغطية له، ولبس الثياب تغطية للبدن، ولكن خولف بين الأمثلة للفرق بينهما. وقوله: "لسبت العسل، ونحوه، إذا لعقته". لسب قال الشيخ أبو جعفر: قد فسره ثعلب، ويقال أيضاً: التسبتُ، عن المرزوقي، قال: ولو قيل في الملعقة: الملسبة، لجاز. وحكى المطرز قال: أخبره ثعلب عن ابن الأعرابي أنه يقال: لسبت العسل، والضحك، والشهد، والسعابيب، والجلس، والطرم، والضرب، واللواص والأرْي.

قال الشيخ أبو جعفر: وقال محمد / بن أبان في كتابه العالم: ومن أسماء العسل المزج، والشور، والذوب، والذواب على وزن فعال، والنسيل، والنسيلة، وجنى النحل، ولعاب النحل، وريق النحل ومجاج النحل، والشهدة، والسلوى، و. .. ، قال ويقال: الطرم بالكسر، والطرم بالفتح. قال الشيخ أبو جعفر: قال يعقوب في الإصلاح عن يونس: أهل العربية يقولون: الشَهد، وأهل الحجاز يقولون: الشٌهد بالضم. قال: والعسل يذكر ويؤنث، فيقولون: هذه عسلة، يريدون بذلك هذه طائفة من العسل، كما يقولون: لحمة، قال: وتصغر على [هذه] عسيلة، قال: ويجمع العسل: أعسالاً، وعسولاً، وعسلاً، وعُسلاناً، [يريدون] بذلك الضروب، كما يقال: التمور.

قال الشيخ أبو جعفر: والعسل بفتح السين لفظ مشترك، يطلق على ما قدمنا ذكره، والعسل - أيضاً بالفتح - مصدر عسلت الطعام: إذا جعلت فيه عسلاً، والعسل أيضاً مصدر عسل الله العبد: إذا حببه إلى الناس، وفي الحديث "إذا أراد الله بعبد خيراً عسله" عن ابن السيد في مثلثه. قال الشيخ أبو جعفر: وحكى ابن هشام ونقلته من خطه عن ابن سراج أنه يقال: العسل، بالتسكين، ولم أر أحداً من النحويين حكاه مما رأيته إلا من طريق ابن سراج، مع بحثي عنه. وقوله: "ولبسته العقرب تلسبه، لسباً فيهما جميعاً". قال الشيخ أبو جعفر: أي لسعته. وفي مستقبل لَسّب لغتان: وتَلسبُ، وتَلسِبُ بضم السين وكسرها، / عن اليزيدي في نوادره، وعن أبي حاتم في تقويمه.

ويقال: لسبته ولزبته، بالزاي والسين، حكاه كراع في المجرد، والقزاز عن قطرب. قال الشيخ أبو جعفر: قال المطرز في ياقوته: ويقال للذي تلسع به: الإبرة. وقال ابن سيدة في المحكم: زنابة العقرب وزنابها كلتاهما إبرتها التي تلدغ بها، بتقديم النون على الباء. قال: واللسع لما ضرب بمؤخره، واللدغ لما كان بالفم، يقال: لسعته الهامة تلسعه لسعاً، ولسعته. قال الشيخ أبو جعفر: وكذا قال ابن التياني، والقزاز: أن اللسع لا يكون إلا بالذنب، يقال: لسعته العقرب، والزنبور، والنحل. قالا: وزعم أعرابي أن من الحيات ما يلسع بلسانه كما يلسع العقرب بالحُمة، وليست لها أسنان. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال: لدغته العقرب، ولسبته، وأبرته، وركعته، وكوته، عن أبي عبيد في المصنف، وعن المطرز في كتابيه، وزاد المطرز: ولسعته، وشحطته.

وقال أبو عبد الله بن الأعرابي في ألفاظه: ووشعته، وقضمته، وعثته، وأكلته. وقال ابن خالويه في كتابة أطرغش: ونهسته، ونكزته، ونشطته. قال ابن درستويه: وغرزته. وقال المطرز في الياقوت: ويقال لسمها: الحُمة، والحَمة. قال الشيخ أبو جعفر: ولم أر أحدا من اللغويين حكى في الحُمة التثقيل إلا المطرز، وقد قال أبو حاتم في كتاب الحشرات: الميم من الحُمة خفيفة، والعوام يُشددونه. / قال الشيخ أبو جعفر: قال المطرز: ويقال لبيتها: السك، قال: وهي العقرب والعقربة، والشبدع، والشبدعة، وشبوة لا تصرف، والشوشب، والفصعل، والفرضخ، وأم العريط، وتمرة لا تصرف.

قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن سيدة: والعقرب من الهوام يكون للذكر والأنثى بلفظ واحد، وقد يقال للأنثى: عقربة، والعقربان والعقربان، بالتخفيف والتشديد: الذكر منها، أنشد أبو عبيد: كأنَّ مَرْعَى أمَّكم إِذ غَدتْ ... عقربَةٌ يكومُها عُقْرُبانْ قال الشيخ أبو جعفر: وحكى ابن التياني عن كراع االعقربان بالتشديد: دويبة، ولم يصفها. وقال عن صاحب العين: العقربان مخففة الباء دويبة يقال هو دخال الأذن. وقال عن أبي حاتم: العقربان بضم العين والراء هو هذه الطويلة الشقراء الكثيرة القوائم، يسميه أهل البصرة دخالة الأذن، ذات قوائم كثيرة، وأنشد: تَبِيْتُ [تدهده] القرآن حَولِي ... كَأَنَّكَ عِنْدَ رأسي عُقْربان

قال: وليس بذكر العقارب، قال: وقد قال ناس: العقربان ذكر العقارب، والأنثى عقرب، ولم أر العلماء يقولون ذلك. قال الشيخ أبو جعفر: وقال اللحياني في نوادره: العُرقبان: دابَّة من دواب الأرض يقال إنة دخًّال الأذن. قال الشيخ أبو جعفر: وقد يستعار اللسع فيقال: لسع فلان فلاناً بلسانه: إذا قرضه، وإنَه للسعة، أي: قراضة للناس بلسانه، عن ابن التياني. وقال ابن سيدة في / المحكم ويقال: لَسِيعٌ: ملسوع، وكذلك الأنثى، والجمع لسعى ولسعاء، كقتلى وقتلاء. وقال القزاز، والكراع: قال أعرابي في كلام له: "في التجارب لسب العقارب". وحكى القزاز أيضاً، وابن التياني عن ابن دريد أنه قال: ومنه قول بعض السلف لرجل ذكر رجلاً عنده بسوء فسجع في كلامه، فقال: أراك سجاعاً لساعاً، أما علمت أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه نضنض لسانه ثم قال: "هذا أوردنى الموارد".

وقال ابن التياني عن صاحب العين: يقال للذي يقرض الناس: إنه لتدب عقاربه. وقوله:" وأسيت على الشيء: إذا حزنت عليه، آسى أسى". قال الشيخ أبو جعفر: قد فسره ثعلب، وكذا فسره غيره، قال الله تبارك وتعالى: {لِّكَيْلاَ تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ}. وهو مما أخذ عليه إدخاله في هذا الباب، لأن هذا الباب إنما هو موضوع لـ (فعلت) و (فعلت) من لفظ واحد، وأسيت ليس من لفظ أسوت، لأن أسيت من ذوات الياء، وأسوت من ذوات الواو، فكان حقه أن لا يأتي إلا بأسيت بكسر السين مع أسيت بفتحها، ليكونا جميعاً من ذوات الياء، أو من ذوات الواو. فكان الأستاذ أبو علي يقول: أسيت يحتمل أن يكون من ذوات الياء، ويحتمل أن يكون من ذوات الواو، لأن القبيلين يكونان مع الكسرة، وقولهم: رجل [أسوان] أي: حزين، يدل على أنه من ذوات الواو، فهو إذا

محتمل الأمرين. قال الشيخ أبو جعفر: وليس أسيانُ بمعناه مانعاً عن أن / يكون من ذوات الواو، لأنهم قالوا: غديان للمتغدي، وأصله الواو، ولكنهم لمَّا قالوا: تغديت، فقلبوا الواو ياء قلبوها في النعت كذلك، وهذه العلة موجودة في [أسي] وأسيان. ويمكن أن يقال: إنما أدخله في هذا الباب لأنه راعى اللفظ، بدليل أنه يقال: أسوت الجرح، وأسيته، فذكر أسيت علي الشيء: إذا حزنت عليه، ليعلم الفرق بينه وبين أسيت الجرح الذي حكيناه. ولم يذكر أسيت الجرح مع أسيت على الشيء، وكذا كان حقه أن يذكره معه لأن أسوت أفصح منه، فلذلك ذكر أسوت ولم يذكر أسيت الذي هو [في] معناه. واكتفى بمعرفة الفرق بينهما بذكر أسيت على الشيء. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال في الصفة: رجل أس، وأسوان، وأسيانُ، عن الكراع في المجرد. وحكى اللحياني في نوادره رجل أسوان، وأسيان، أي: حزين،

وقوم أُساوَى، وأسايا. وقوله:"وأسوت الجرح، وغيره: إذا أصلحته آسوه أسواً". قال الشيخ أبو جعفر: قد فسره ثعلب أيضاً. قال ابن السيد في مثلثه، وابن القطاع في أفعاله: يقال: أسوت الجرح والمريض وأسيته أسواً: عالجتها. وأنشد ابن السيد: * أرفق من أسوِ الطَّبيب الآسي* أي: من علاج الطبيب المعالج. قال الشيخ أبو جعفر: وحكى يعقوب في الإصلاح في مصدر أسوت الجرح: أساً، وأنشد: /عنده البِر والتُّقى وأسا الجر ... ح وحمل لمضلع الأثقال

قال الشيخ أبو جعفر: قال صاحب الواعي عن الأصمعي: إن أساً في البيت أصله أسو، يقال: أساه يأسوه أسواً: إذا داواه، قال: فالأسو والأسا مثل: اللغو واللغا. قال صاحب الواعي: ورواه أبو عمرو وإسا بكسر الهمزة، وأصله عنده [إساء]، وهو الدواء الذي يداوى به الجرح. ثم قال ابن السيد: وتقول العرب: "فلان يشج مرة، ويأسو أخرى" وأنشد: *يد تشجُّ وأخرى منك تأسُوني* وأنشد أيضاً للحطيئة: لَمَّا بَداَ لي مِنْكُمْ عَيبُ أنفسكُمْ ... ولم يَكُن لِجراحي مِنْكُمُ آسِي قال:. يقال: أسوت بين القوم وأسيت أسياً وأسواً: أصلحت وأنشد:

وقلت لصاحبنا يا حليـ ... ـم إنَّك لم تأسُ أسْواً رفيقا قال: وأسَيتُ له من اللَّحم أسياً: أبقيت، لا يقال فى غيره. قال الشيخ أبو جعفر: والصفة منه آس، والأصل: آسو، فصارت الواو ياء لانكسار ما قبلها. وقوله: "وحلا الشيء في فمي يحلو، وحلي بعيني يحلى، حلاوة فيهما جميعاً" قال الشيخ أبو جعفر: أمَّا حلا الشيء في فمي فمعروف المعنى، وأما حلي بعيني فمعناه: حسن في عيني، وهي مستعارة في العين، أعني الحلاوة، لأنها مذوقة، والعين ليست مما تذوق، بل هي للإبصار، فنسبة الحلاوة للعين مستعارة كما بينا. وقال /: تكون الحلاوة بالذوق والنظر والقلب، فيقال: رجل حلو، وامرأة حلوة: إذا حلت بعينك، ورجل حلو الشمائل، (هو حلو فيهما جميعا)، وقوم حلوون.

قال الشيخ أبو جعفر: قال اللحياني في نوادره: يقال للرجل: إنه لحلو، وانه لمر، وأنشد: وإنِّي لحلو تَعْتَرينِي مَرَارة ... وانِّي لصعبُ الرأسِ غيرُ ذَلُول قال الشيخ أبو جعفر: قال القزاز: وقد فرقوا بينهما، فقالوا: حلا الشيء في فمي يحلو [وحلي] بعيني وقلبي يحلى. قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن جني في المحتسب: اختاروا [البناء] للفعل [حلا] على فعَل فيما كان لحاسة الذوق لتظهر في الواو، [و] على فعِل في حلِي يحلَى لتظهر الياء والألف، لأنهما خفيفتان ضعيفتان إلى الواو: لأن حاسة النظر أضعف من حاسة الذوق. قال الشيخ أبو جعفر: ما أبرد هذا التعليل وأسخفه! وقال يعقوب في الإصلاح: يقال حلي بعيني [وبصدري، وفي عيني وفي صدري، وحلا بعيني] يحلو. فلم يفرق بينهما لأنهما من أصل واحد، [ومن] فرق بينهما في اللفظ ليدل على اختلاف المعنيين.

وحَلِيَ ياؤها منقلبة عن الواو، وإنما صارت كذلك لانكسار ما قبلها كقولهم: شهي من الشهوة. ومثل قولهم في حلا [و] حلي قولهم: علا في الدرج [و] علي في المكارم. وحكى ابن سيدة في المخصص عن أبي زيد أنه قال: ليس حلي من حلا في شيء، هذه لغة على حدتها، كأنها مشتقة من الحلي الملبوس، لأنه حسن في عينك كحسن الحلي. / قال الشيخ أبو جعفر: وحكى القزاز أيضاً هذا ولم ينسبه، وكان الأستاذ أبو علي يرد هذا القول، ويقول: الذي يفسده قولهم في مصدره: حلاوة، ولم يقولوا: حلاية. قال الشيخ أبو جعفر: وحكى ابن عديس في كتاب الصواب ونقلته من خطِّه، أنه يقال: حلا الشيء وحلي وحلو بالكسر والفتح والضم، واحلولى ضد مر، وحلى الشيء، واستحلاه، وتحلاه، واحلولاه. قال الشيخ أبو جعفر: قال اللحياني في نوادره: ويقال أيضاً: حلت الجارية في عيني وبعيني، وهي تحلو حلاوة، وأنشد: وَقَولُكَ للشِّيِء الذي لا تَنَالهُ ... إذا مَا حَلا في العين يَا لَيت ذَا ليا

قال: ويقال أيضاً: [احلولت] الجارية [تحلولي] احليلاء بعيني وفي عيني، وبقلبي وفي قلبي، وهي تحلا حلاوة. قال الشيخ أبو جعفر: وقال القزاز: ويقال: حلي فلان بخير يحلى حلى وحلي لنفسه أمراً: استانقه. وحلى فم الصبي يحلى حلى: إذا خرج به الحلى، وهو بثر يخرج في أفواه الصبيان. وقوله: "حلاوة فيهما جميعاً". قال الشيخ أبو جعفر: يقال: حلاوة، وحلو، عن ابن سيدة في المحكم، وعن القزاز. وزاد ابن سيدة: وحلوان. وقوله: "وعرِج الرجل يعرَج: إذا صار أعرج، وعرَج يعرُج: إذا غمز من شيء أصابه". قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن سيدة في المحكم: العرج، والعرجة: الضلع، والعرجة أيضاً: موضع العرج من الرجل. قال الشيخ أبو جعفر: يقال منه: عرج بكسر الراء لا غير: إذا صار

أعرج، عن صاحب الواعي، وعن ابن سيدة في المحكم، قالا: وعرَج، وعرُج، وعَرِج، بالفتح والضم والكسر، [وتعارج] مشى مشية الأعرج من غير عرج. وقال صاحب الواعي: العُرُوج في الصعُود، والعرجُ في العلة. قال الشيخ أبو جعفر: وحكى ابن سيدة في العلة: عرجاناً وزاد ابن التياني وعُروجاً. قال صاحب الواعي: وعرج بالفتح: إذا صعد في الأدرجة، ويقال في مستقبله: يعرج بضم الراء، وقال كراع في المجرد: ويعرج بالكسر لغة هذيل. وقال المرزوقي: ومصدره العروج. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال في الصفة: رجل أعرج من قوم عرج، وعُرجان، عن صاحب الواعي، وعن ابن سيدة قالا: وأعرج الرجل: جعله أعرج. قال صاحب الواعي: وامرأة عرجاء، والجمع عرج، قال: والعرجاء: الضبع، ولا يقال للذكر أعرج، قال: فأما قولهم: الضبعة العرجاء،

فمن كلام العرب، وإنما العرج خلقة فيها، فجعل هذا لها اسماً لا نعتا، والجمع عرج. وقوله: "وعرج يعرج: إذا غمز من شيء أصابه". قال الشيخ أبو جعفر: ومصدره العروج، والعرجان. وأصله الميل، ومنه التعريج، ومنعرج الوادي. ويعني بـ"غمز": تمايل في مشيته كمشية الأعرج. قال الشيخ/ أبو جعفر: وقال ابن هشام ونقلته من خطه: كان حق ثعلب أن لا يذكر هذا الفعل - يعني عرج - لأنه من المقيس، ثم قال حاكياً عن الكسائي: ما كان علي أن أفعل وفعلاء من غير ذوات التضعيف فإن الماضي منه على (فَعِل) نحو: عرج يعرج فهو أعرج، وعرجاء، وصلع يصلع فهو أصلع، وصلعاء، وقرع يقرع فهو أقرع، وقرعاء، وكذلك ما أشبهه إلا خمسة أحرفٍ جاءت على (فعُل) و (فعِل)، بضم العين وكسرها في الماضي، وهي: أدم وأدم، وحمق وحمِق، وخرَق وخرُق، وسمُر وسمِر، وعجف وعجف، وقالوا: رعُن وعجُم، ولم يسمع رعن ولا عجم. قال الشيخ أبو جعفر: كذا رأيته بخطه ورأيتُ يعقوب في الإصلاح

قد حكى عن الكسائي ما هذا لفظه، قال يعقوب حاكياً عن الكسائي: وما كان على أفعَل وفَعْلاء من غير تضعيف، فإن الكسائي قال يقال فيه: فعِل يفعَل إلا ستة أحرف فإنها جاءت على فعُل: الأسمر، والآدم، والأحمق، والأخرق، والأرعن، والأعجف، يقال: قد سمر، وأدم، ورعن، وخرق، وحمق، وعجف. قال يعقوب قال الأصمعي: والأعجم أيضاً يقال: عجم. قال يعقوب: وقال الفراء: يقال عجف وعجف، وحمُق وحمِق، وسمُر وسمِر - قال: وقالت قريبة الأسدية: قد اسمار - وقد خرق وخرق. قال يعقوب: وقال أبو عمر: يقال: أدمُ وآدم، وسمُر وسمِر. قال الشيخ أبو جعفر: هذا لفظ يعقوب في الإصلاح، وقال أبو عبيد في المصنف حاكيا أيضاً عن الكسائي: كل شيء من أفعل/ وفعلاء من غير الألوان فإنه يقال منه: قد (فعُل يفعُل) كقولك من الأعرج: قد عَرِج يعرَج إلا ستة أحرف فإنه يقال منها: [فعل يفعل] مثل: الأسمر، والآدم، والأحمق، والأخرق، والأرعن، والأعجَف. قال أبو عبيد: وقال الأصمعي: والأعجم أيضاً: عجُم.

قال الشيخ أبو جعفر: وهذا أيضاً لفظ أبي عبيد، وحكايته عن الكسائي يخالف ما حكاه ابن هشام عن الكسائي أيضاً. قال الشيخ أبو جعفر: وكان الأستاذ أبو على يقول في رد كلام ابن هشام: [كان حق ثعلب أن لا يذكر عرج] لأنه من المقيس. قال: لا يلزم ذلك، لأنه يمكن أن يكون ذكره لمكان عرج الذي معناه: غمز، إذا كان غرضه في الباب الفرق بين ما يقال فيه (فعِل) بكسر العين وبين ما يقاله فيه (فعَل) بفتحها، مما اتفقت الحروف فيهما. وقوله: "ونذرت النذر أنذره أنذره". قال الشيخ أبو جعفر: أي: قلت لله على أن أفعل كذا وكذا [إن] وقع كذا. وقيل معنى نذرت على نفسي: أوجبت، قاله صاحب الواعي. قال القزاز: النذر هو أن يجعل على نفسه لله تعالى فعلاً من أفعال الخير ملتزم الوفاء به، ومنه قوله جل وعز: {أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ} وجمعه نذور. وقال صاحب الواعي: لو قال قائل: علي أن أتصدق بدين لم يكن ناذراً، ولو قال: عليّ إن شفي الله مريضي، أو رد على غائبي، صدقة دينار كان ناذراً. فالنذر ما كان وَعداً على شرْط، وكل ناذرٍ واعد وليس كل واعدٍ ناذراً.

قال الشيخ أبو جعفر: وحكى ابن القطاع في/ المصدر نذراً، ونذراً، بالسكون والتحريك. وقوله: "ونذرت بالقوم أنذر: إذا علمت بهم فاستعددت لهم". قال الشيخ أبو جعفر: وأنذرت غيري، فأنا منذر، ونذير. قال الزمخشري: لا يكون الإنذار إلا [إعلام بشيء] فيه خوف، ولذلك سميت الأنبياء منذرين، لأنهم أخبروا العباد بالقيامة والنار ليحذروا ما يؤديهم إليها، فكل من أعلمك شيئاً يخاف منه فهو نذير ومنذر، وقال [قتادة] في قوله تعالي: {وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ}: أراد به الشيب، وقال الشاعر وقصد هذا المعنى:

فقلت الشَّيبُ من نُذُر المنايا ... ولستُ مُسوِّداً وجهَ النَّذير وحكى القزاز واليزيدي في المصدر، وكراع في المجرد: نذيراً، بتحريك الذال. وحكى ابن طريف نذارة بكسر النون. وقوله: "وعمر الرجل منزله، وعمر المنزل". قال الشيخ أبو جعفر: عمر الرجل منزله يعمره عمارة فهو عامر، والمنزل المعمور، منه قوله تبارك وتعالى: {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ}. قال المرزوقي: وعامر أيضاً، وقال: والرجل لا يكون إلا عامراً. ويقال: عمرت المكان بالفتح كما حكاه ثعلب، وعمرت بالمكان بالكسر: أقمتُ، عن ابن السيد في مثلثه. وحكى أبو عبيد في المصنف عن أبي يزيد أنه يقال: عمر الله بك منزلك، وأعمره، ولا يقال: أعمر الرجل منزله، بالألف. وحكى أبو علي في فعلت وأفعلت: عمر الله بك منزلك، وأعمر الله بك منزلك، بمعنى واحد.

قال الشيخ أبو جعفر: وعمَرْتُ المنزلَ، وعمَر هو، من الألفاظ [التي] سووا [فيها] / بين المتعدي وغير المتعدي، وقد تقدم الكلام عليها، فجاء اللازم والمتعدي بلفظ وواحد، ولهذا يقال: بلد عامر، قال الشاعر: ومَا فَرْحَةٌ الا سَتُعْقبُ تَرْحَةً ... وما عامرٌ إلا وشيكاً [سيَخْرَبُ] واستعمر المنزل: إذا استرم وافتقر إلى العمارة، قال المرزوقي: واستعمرته المنزل فعمره. قال ابن السيد في مثلثه: وزعم قطرب أنه يقال: عمُر المكان بالضم، ولا أحفظ ذلك عن غيره، وأنشد: إلى أرضِ الحُبابِ نَقلْتُ قومي ... لأعمُرَهاَ وما عمُرت زَمَانا قال الشيخ أبو جعفر: وحكى ابن التياني عن قطرب، فقال عنه: يقال: عمِر المنزل، وعمُر المنزل.

وقوله: "وعمِر الرجل: إذا طال عمره". قال الشيخ أبو جعفر: قال الجوهري: عمر بالكسر يعمر عمراً، وعمراً على غير قياس، لأن قياس مصدره التحريك، أي: عاش زماناً طويلاً. قال الشيخ أبو جعفر: وأنشد ابن سيدة في المخصص، وابن التياني: وعَمِرتُ حَرساً قبل مُجْرَى داحسٍ ... لو كان للنَّفس اللجُوج خُلُودُ قال ابن التياني عن صاحب العين: وعمره الله تعميراً. قال ثابت في لحنه: وأعمرك، أي: أطال عمرك. وحكى ابن التياني عن الفراء: طال عمرك، وعمرك، بفتح العين وضمها، قال: وعمرك أيضاً بضمتين. وحكى هذه اللغات أيضاً صاحب الواعي وغيره.

قال الشيخ أبو جعفر: وحكى هذه اللغات أيضاً المطرز في كتاب غريب أسماء الشعراء، وزاد فقال: [ويقال]: أطال عمرك/ بفتح العين والميم. وقال صاحب الواعي، والجوهري: ولا يستعمل في القسم إلا مفتوحاً. قال الشيخ أبو جعفر: قد حكى يونس في نوادره عن أبي زيد أنه يقال: لعمري بضم العين. وحكى أبو زيد في كتابه حيلة ومحالة: لعمري، بفتح العين والميم. وقوله: "وسخن الماء". قال الشيخ أبو جعفر: معناه معروف من السخونة، وهي الحرارة. قال القزاز: السخن: الحار من كل شيء، وطعام سخاخين: إذا كان حاراً. قال الشيخ أبو جعفر: وسخين أيضاً عن مكي. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال في الماضي: سخَن، بالفتح كما حكاه ثعلب، وسخُن بالضم عن ابن قتيبة في الأدب، وابن درستويه، قالا:

والأجود سخَن بالفتح. وحكى اللغتين أيضاً صاحب كتاب العالم، وابن القطاع في أفعاله، وقطرب في كتاب الأزمنة، واللحياني في نوادره، وابن سيدة في المخصص، وكراع في المجرد، وزادوا: وسخن بالكسر، قال كراع: والكسر لغة هوازن. قال الشيخ أبو جعفر: قال صاحب كتاب العالم، وابن سيدة: يقال: سخنته، قالا: ويقال: سخن الشيء وسخن، سخونة، وسخانة، وسخنة، وسُخناً، وَسخناً. قال الشيخ أبو جعفر: قال القزاز: وسخوناً. وقال صاحب كتاب العالم، وابن سيدة: وماء سَخين، وسِخين، ومسخن وسخاخين. قال الشيخ أبو جعفر: وحكاه أيضاً سيبويه، وكراع في المجرد. قال كراع: وليس لسُخاخين في الكلام/ مثال، قال

الزمخشري: اتفق [على] ذاك الكوفيون والبصريون وحكى ابن عديس في كتاب الصواب ونقلته من خطه، وذكره ابن سيده أيضًا: سخن وضخن، بالسين والصاد. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال: يوم ساخن، وسخن، وسخنان بسكون الخاء، عن اللحياني في نوادره، وعن صاحب كتاب العالم، وعن صاحب الواعي، وعن ابن سيدة، وعن الكراع في المجرد. وزاد اللحياني، وصاحب كتاب العالم، وابن سيدة: (وسخنان) بسكون الخاء مع [فتح] السين. وزاد صاحب كتاب العالم، وابن سيدة: (وسخاخن، وسخاخين)، وقالا واللحياني: وليلة سخنانة بفتح الخاء، وسخنانة بالتسكين. قال صاحب كتاب العالم، وابن سيدة: وسخنة، وساخنة. قال الشيخ أبو جعفر: وحكي عن ابي زيد إني لأجد سخنة بالتحريك، وسَخْنَةً، وسِخْنَةً، بفتح السين وكسرها مع التسكين، وسخناء ممدود، أي: سخانة من حر أو حمى.

قال الشيخ أبو جعفر: وحكى جميع هذا أيضًا أبو حاتم في كتابه "تقويم المفسد" وقيده بما ذكرناه. قال القزاز: وتقول: شربت سخونا بفتح السين: وهو كل شي تشربه حارًا مثل: الحساء وغيره. وقوله: «وسخنت عين الرجل، بكسر الخاء». قال الشيخ أبو جعفر: معناه حزنت وبكت، و [معناها]: حميت، عن ابن درستويه، قال: ولذلك جاء على [مثالها]. وقال القزاز: سخنت العين: إذا لم تنم، قال وقيل: إذا حون صاحبها، لأن دمع الحزن حار، وقيل: إذا لم تستقر. قال الشيخ/ أبو جعفر: قال ابن الأعرابي في نوادره: سخنت عينه، بالكسر لا غير، تسخن سخنة. وقال الزمخشري في شرحه: أهل الحجاز يقولون: سخن الماء وسخنت عينه، بالضم فيهما جميعًا، وتميم يقولون: سخن الماء بالضم، وسخنت عينه بالكسر تسخن بالفتح، قال الشاعر:

فَتَسْخَنُ عينُه عند التَّنَائي ... وتَسْخَنُ عينُه عند التَّلاَقِي قال مكي: ورجل سخين العين. وقوله: «وأمر القوم: إذا كثروا». قال الشيخ أبو جعفر: والأمرة: الزيادة، على وزن بركة، عن الزمخشري. ومنه قول أبي سفيان بن حرب، وقد وصف له قيصر صفة النبي عليه الصلاة والسلام، وقال له: إنه يملك ما تحت قدمي، قال: فقال أبو سفيان: أمر أمر محمد، أي: كبر وعظم، عن المطرز في ياقوته. وقال الجوهري عن أبي عبيدة: أمرته بالمد، وأمرته، لغتان بمعنى كثرته. قال الجوهري: ومنه الحديث: «خير المال مهرة مأمورة، أو سكة مأبورة»، أي: كثيرة النتاج والنسل. قال الشيخ أبو جعفر: وقال ثعلب على ما حكاه عنه المطرز: السكة: الطريقة من النخل، فإذا كانت من غير النخل فهي الأنبوب.

قال الشيخ أبو جعفر: قال الجوهري: وإنما قيل: "مهرة مأمورة" للازدواج، والأصل مؤمرة على وزن مفعلة، كما قال [صلى الله عليه وسلم] للنساء": "ارجعن مأزورات غير مأجورات" وإنما هو موزورات من الوزر، فقال: مأزورات على لفظ مأجورات ليزدوجا. قال الشيخ/ أبو جعفر: ومن أمثال العرب: "من قل ذل، ومن أمر قل ". ومنه قراءة من قرأ: ?أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} بكسر الميم، أي كثرناهم. قال ثعلب على ما حكاه عنه المطرز في الياقوت: هي قراءة ضعيفة في العربية: لأن فعلنا لا يتعدى إلا في حروف معدودة، قال: وأنشد أبو نصر

عن الأصعمي: أمِرُون ولاَّدونَ كُلَّ مُبَاركٍ ... طَرِفُون لا يَرِثُونَ سَهْمَ القُعْدُدِ قال: ومن قرأ "أمَرنْا مُتْرَفِيْهَا" فمعناه: أكثرنا، ومن قرأ "أمَّرْنا مُتْرَفِيْهَا" أي: جعلناهم كلهم أمراء، ومن قرأ "أمَّرْنا مُتْرَفِيْهَا" أي: أمرناهم بالطاعة ففسقوا، ويكون أيضًا بمعنى أمرنا، وقد جاء عن العرب أمرنا وأمرنا بمعنى واحد. قال الشيخ أبو جعفر: وحكى ابن القطاع في افعاله: أمر الشيء أمرا، وأمرا: كثر.

قال الشيخ أبو جعفر: ويقال في المصدر: أمر، وأمرة، عن ابن السيد في المثال، قال: وهو أمر، وأنشد لزهير: والإثمُ مِنْ شَرِّ ما يُصَالُ به ... والبِرٌ كالغيثِ نَبْتُهُ أَمِرْ وقال كراع في المجرد: والاسم الإمْرُ، قال ويقال: زرع إمر وأمر: كثير وقوله: «وأمر علينا فلان أي: ولي». قال الشيخ أبو جعفر: وأمر أيضًا صار أميرًا، بضم الميم، حكاه سيبويه، والجوهري. قال الجوهري/ والأنثى أميرة، وأنشد: وَلَو جَاءوُا بِرَمْلَةَ أَوْ بِهِنْدٍ ... لَبَايَعْنا أمِيرةَ مُؤْمِنِينا وقال ابن السيد في المثلث: [أمر] الرجل بضم الميم: إذا تعجب من/ إمرته. قال الشيخ أبو جعفر: وحكى ابن التياني، والجوهري في المصدر

:إمرة مثل: سدرة، وزاد ابن التياني وأمرًا. وقوله: «ومللت الشيء في النار أمله ملا». قال الشيخ أبو جعفر: قال القزاز: معناه دفنته في الجمر، والجمر هو الملة، وكل شيء تمله في الجمر فهو مملول، قالوا: إنما قيل للحفرة التي تجعل فيها النار: ملة، لمعاودة النار إياها مرة بعد مرة. قال أبو مسحل في نوادره: وهذه خبزة مملولة، وخبزة مليل. قال: إلا أن امتللت يكون بمعنى احترقت، فيكون لازمًا ومتعديًا، نحو ازداد، واستاق، واهتاج، وأنشد: فظَل الإماءُ يَمْتَلِلْنَ حُوارَها ... ويُسعْى علينا بالسَّديِفِ المسَرْهَدِ السَّديف: السنام، والمسرهد: المقطع قال المرزوقي: وبعض الناس يحملون ململته الحمى على الفراش أيضًا فتململ على هذا، ويقول: أصله مللته، قال: وأصحابنا

البصريون يجعلونه على حدة، وإن كان مؤديًا لمعناه، كرقرقت ورققت. وقال مكي: الملل الجمر، ويقال للرماد الحار أيضًا: المل، والملة: موضع الخبزة، ومنه يقال: هو يتململ على فراشه، يعني: إذا كان قلقا يتضور عليه، ولا يستقر، كأنه على ملة. قال الشيخ أبو جعفر: وفي الحديث: "إن لي قرابات أصلهم ويقطعونني، وأعطيهم ويكفرونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلى، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن دمت/ على ذلك فكأنما تسفهم المل". أي: فكأنما تسفي في وجوههم الملة. قال الهروي: الملة التراب المحمى بالنار، وتسفهم من السفوف. وقال الهروي أيضًا معناه: إذا لم يشكروك فإن إعطاءك إياهم حرام عليهم، ونار في بطونهم. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال: مللت الشيء في النار، وأمتللته: إذا مللت الشيء لنفسك، كما يقال: طبخت واطبخت، وقدرت واقتدرت، وشويت واشتويت، عن الزمخشري. وقوله: «ومللت من الشيء أمل».

قال الشيخ أبو جعفر: معناه سئمت وضجرت منه، عن غير واحد. قال ابن دستوريه: ولذلك جاء على مثاله. [وقيل إنه يرجع إلى المعنى الأول، كأنه تحرق قلبك صحبته]. ويقال في المصدر: ملل، وملال، عنه، وعن ابن طريف، وعن القزاز. وزاد القزاز وملالة. وحكى جميع المصدر ابن القطاع. قال المرزوقي: ورجل ملول [للمبالغة]. وقوله: «وأسن الرجل يأسن: إذا غشي عليه من ريح البئر» قال الشيخ أبو جعفر: يعني إذا شم ريح الماء الأسن، وشم نفس بئر فغشي عليه، عن ابن خالويه. قال التدميري: وهو مأخوذ من الماء الأسن، وهو المتغير، فكأنه لما شم رائحته غشي عليه.

قال الشيخ أبو جعفر: وقال الشاعر: قَدْ أَتْرُكُ مُصفرًا أَنَامِلُهُ ... يَميلُ في الرُّمحِ مَيلَ المائحِ الأَسِنِ ويقال أيضًا: وسن بالواو، حكاها يعقوب، وعبد الحق اللغوي، وغيرهما. قال التدميري: وكأنه - والله تعالى أعلم - مأخوذ من الوسن/ الذي هو ابتداء النعاس، لأن الغشي أيضًا شبيه بالنوم. وقوله: «وأسن يأسن، ويأسن» قال الشيخ أبو جعفر: قد تقدم الكلام عليه في باب (فعلت) بفتح العين. وقوله: «وعمت في الماء أعوم عومًا» قال الشيخ أبو جعفر: [وعيامة] قال ابن التياني: العوم: السباحة، والسفينة تعوم، وكذلك الإبل في سيرها، ويسمى الفرس السابح [عوامًا، وهو يعوم في جريه]، والنجوم تعوم.

وقوله: «وعمت إلى اللبن أعيم عيمة وأعام أيضًا» قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن التياني عن أب حاتم: معنى عام إلى اللبن: اشتهاه ولم يجده، قال ويقال/ عام يعيم عيمة، وعيما، ورجل عيمان، وامرأة عيمى، وقوم عيام بكسر العين، وعيامي، أي: عطاش إلى اللبن، وقال عن الكلابيين: العيمان الذي كان يشرب اللبن [فـ] فقده، فهو يعام إليه عيمة. وهي الشهوة إلى اللبن لمن اعتاده. قال يعقوب: ويدعى على الرجل فيقال: ما لم آم وعام! فمعنى آم: هلكت امرأته، وعنى عام: هلكت ماشيته، فهو يعام إلى اللبن. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال: عمت إلى اللبن، فأنا أعيم وأعام، عيمة وعيومًا، عن الفراء في كتابه البهي. قال الشيخ أبو جعفر: وزاد ابن القطاع وعيامًا. قال الشيخ أبو جعفر: وقد أخذ على ثعلب إدخاله في هذا الباب

عمت في الماء مع عمت على اللبن، لأن هذا/ الباب إنما هو موضوع لذكر اللفظنين اللتين هما متفقتان في الحروف مختلفتان في المعنى، وعمت بالضم وعمت بالكسر أصلهما [فعلت] بفتح العين، وهما منقولان من فعل العين إلى فعل بكسر العين. وأيضًا فإن عمت بالضم من الواو لأنه من العوم، وعمت بالكسر من الياء بدليل قولهم في مصدره: عيمة وعيما، فهما مختلفا الحروف باختلاف المعنى. وكذلك قوله: «أعام وأعيم» أما أعام فعلى القول إن عمت منقول من فعلت بفتح العين إلى فعلت بكسرها فهو خطأ؛ لأنه لا يكون الماضي مفتوحًا والمستقبل مفتوحًا بغير موجب، اللهم إلا إن لم يكن عمت بالكسر منقولاً من فعلت بفتح العين إلى فعلت، بل يكون أصله فعلت بكسر العين غير منقول من بناء آخر، فيكون ذكره أعام حينئذ صحيحًا، ويكون ذكره أعيم خطأ؛ لأنه لا يكون الماضي مكسورًا والمستقبل كذلك، إلا في حروف معدودة. وهذا الذي ذكره ثعلب من قوله: «أعام، وأعيم» إنما يجوز على أن يكون في عمت بالكسر لغتان: احدهما فعلت بكسر العين، فيكون أعام في [المستقبل] على هذه [اللغة]. ويكون أعيم على لغة من كان

أصل عمت عنده بالفتح. فإن كان أراده فكان يجب عليه أن يبينه ويوضحه. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال: أعام زيد بمعنى: عام، حكاه ابن خالويه. وقوله: «وعجت إليكم [أعوج] أي: ملت، وعجت بكلامه/ أعيج، وشربت دواء فما عجت به، أي: ما انتفعت به» قال الشيخ أبو جعفر: وهذا أيضًا قد أخذ عليه فيه لما قدمنا عمت وعمت، لأن عاج يعوج عين الفعل منه واو، وعاج يعيج عين الفعل منه ياء، فأصلهما مختلفان في البنية، وهذا الباب إنما هو لما اتفق في الحروف واختلف في البنية والمعنى، فظهر بهذا كله أن كلام ثعلب خطأ في الموضعين. ويقال: عجته فعاج كما [يقال]: رجعته فرجع، [وجبرته، فجبر]. ويقال أيضًا: عجته فانعاج وعاج بمعنى واحد، كما يقال سجم وانسجم، وهبط وانهبط. قال الشيخ أبو جعفر: ومعنى ما عجت بكلامه، أي: لم أصدقه، ولم أرض به، قاله ثعلب في نوادره. قال الشيخ أبو جعفر: وكذا قال اللحياني في نوادره فقال: لم أعج

بكلامه، أي: لم أرض به، والعيج الرضا وقال صاحب الواعي: العيج هو الاكتراث بالشيء، تقول: ما عجت به، أي: ما اكترثت به، وما عجت بقول فلان، أي: لم أكترث به ولم أباله، قال: وقال الخليل: لو قيل: يعيج به عيجوجة لكان صوابَا. وقال ابن خالويه: ما عجت بكلامه، أي: ما انتفعت به. وقال ابن التياني عن أبي زيد: شربت ماء ملحًا فما عجت به، أي: لم أرو منه. وقال اليزيدي في نوادره: عجت بخبره، فأنا أعيج به عيجًا، ومعيجًا، ومعاجًا: وهو أن تصدق بخبره، أو تفرح به. قال الشيخ أبو جعفر: قال اللحياني في نوادره: ما أعيج بكلامه عيوجًا، بالضم والكسر، وأنشد: /أَلَمَّ خيالُ تُكْتَمَ ليت شِعْرِي ... مَتَى عِوَجٌ إليها وانثناء وعيوجًا، قال ويقال: عجنا إلى فلان أشد العياج، والعووج. وقال ابن التياني: وبنو دبير يقولون: ما اعوج به عووجًا. قال الشيخ أبو جعفر: وحكى هذا أيضًا يعقوب عن الفراء فقال عنه: وبنو أسد يقولون: ما أعوج بكلامه، أي: ما التفت إليه، أخذوه من عجت الناقة. وقال الفراء في كتاب المصادر له: عجت إليه أعوج عياجًا، وربما قيل/ عوجًا، وعوجًا أيضًا.

باب «فعلت وأفعلت باختلاف المعنى»

باب «فَعَلْتُ وأَفْعَلْتُ باختلاف المعنى» مقصوده بهذا الباب الفصل بين فعل وأفعل، لأنهما قد يختلفان وقد يجيئان بمعنى واحد، فموضوع هذا الباب للفصل بينهما. قوله: «شرقت الشمس: إذا طلعت» قال الشيخ أبو جعفر رضي الله عنه: قد فسره ثعلب، فهي تشرق شروقًا، [ومشرقًا]، ومشرقًا، بالفتح [والكسر] عن اليزيدي في نوادره. ويقال أيضًا: أشرقت بالألف: إذا طلعت، عن صاحب كتاب العالم، وعن ابن سيدة في المحكم. وحكاه أيضًا ابن القطاع في أفعاله، ونسبه للأصمعي فقال عنه: يقال: شرقت الشمس، وأشرقت: طلعت.

وحكى أيضًا شرقت الشمس وأشرقت: إذا طلعت، ابن خالويه في كتابه ليس، وقطرب في كتاب الأزمنة، وأبو عبيدة في فعل وأفعل. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال: شرقت الشمس، وذرت، /وطلعت، وبزغت، وذر قرن الشمس، كله بمعنى واحد، عن ابن خالويه، وغيره. قال الشيخ أبو جعفر: وفي حديث أنس: "أتينا خبير حين بزقت الشمس". قال الهروي: هكذا الرواية، يقال: بزقت الشمس وبزغت. قال صاحب كتاب العالم: وشودت، قال: ويقال للشمس أول ما تطلع: بسرة، وأنشد: *فَعَالَيْتٌ قبلَ الضَّوء والشَّمسُ بُسْرَةٌ* قال: والبسر من كل شيء الغض، قال: فمن هذا قيل الشمس: بسرة.

قال الشيخ أبو جعفر: فإذا زالت الشمس قيل: دلكت، ودحضت، وزاغت، وزالت، وعدلت، وضجعت، والشمس صغواء، عن صاحب كتاب العالم. قال: فإن أذنت للمغيب قيل: شرقت بكسر الراء، ودنقت. قال الحامض في نوادره: دنفت الشمس، وأدنقت، بالفاء، ودنقت بالقاف، ورنقت بالراء والقاف، وأشفت، وشفت، بالفاء، وصفرت. قال صاحب كتاب العالم: وضيقت، وتضيفت، وضافت، وضرعت، وزبت وأزبت، ورسبت، وقسبت، ودلكت، وطفلت، وتطفلت، وتطرقت، وكربت، وضجعت، قال: وقد تقدم ضجعت: زالت. قال: فإذا غربت الشمس قيل: غابت، ووجبت، وسقط القرص، والعرج، قال: والعرج: غيبوبة الشمس، وأنشد:

*حتى إذا ما الشَّمس هَمَّتْ بِعَرَج* وآبت، وبادت، وغارت، وغربت، وغربت بالتشديد، ووقبت، وقنبت، قال: والقنوب مثل [الوقوب]. قال: ويقال: هي المشس، وذكاء على زنة فعال غير مصروفة، والجونة، والجارية، والغزالة، والإلاهة. قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن سيدة في المحكم: /الإلاهة، والألاهة، قال: والضم في أوله عن ابن الأعرابي. قال صاحب كتاب العالم: [هي] الشمس، وإلاهة على وزن فعالة، وألاهة على مثال: فعالة، والأليهة، والضح، والضحاء، والسراج، والبيضاء، وبوح، وبراح على وزن قطام، وبراح بالرفع،

ومهاة، والشرق، والشرقة، بتسكين الراء فيهما، والشرق بفتح الراء، والشارق، والشريق، وحناذ، والعين. قال الشيخ أبو جعفر: كل ما حكيناه عن صاحب كتاب العالم [حكاه] جميعه ابن سيدة في المخصص: والزبرقان، وقال الفارسي: ويوح بنقطتين من أسفل. قال الشيخ أبو جعفر: قال أبو حاتم في كتابه التذكير والتأنيث: الشمس مؤنثة، وكذلك كل اسم للشمس. وقال صاحب كتاب العالم، وابن سيدة ويقال: طلعت الغزالة، ولا يقال: غابت. وقالا هما والكراع في المجرد يقال: طلعت الشرق - والشرق الشمس، وقد تقدم - ولا يقال: غربت الشرق، لأن هذا اسم إنما يقع عليها عند الطلوع. قال صاحب كتاب العالم، وابن سيدة ويقال: اقعد في الشرق،

والشرقة، [والمشرقية] والمشرقة، المشرقة. وقال القزاز: الشرق: الشمس - وقد تقدم - يقال: اقعد في الشرق، أي: اقعد في الشمس، والشرق الضوء، والشرق خلاف الغرب. وقال ابن سيدة في المحكم: وقيل: الشرق والشرق والشرقة والشرقة، والشارق والشريق: الشمس حين تشرق، والشرق [والشرقة والشرقة]: موقع الشمس/ في الشتاء، فأما في الصيف فلا شرقة لها. قوله: «وأشرقت: إذا أضاءت». قال الشيخ أبو جعفر: قد فسره أيضًا، قال الزمخشري في شرحه: يقال: أشرقت الشمس، وأشرق الله الشمس، اللازم والمتعدي بلفظ واحد. قال: وقال قوم: شرقت الشمس وأشرقت بمعنى واحد كقولهم: ضاء وأضاء، ونار وأنار، وفي ضده دجا وأدجى [وغسى وأغسى]. قال الشيخ أبو جعفر وحكى أيضًا ابن سيدة في المحكم: شرقت وأشرقت: إذا أضاءت.

وقال كراع في المجرد: [أشرق] لونه، أي: صفا. وقال القزاز: وكل منير مشرق، وقد أشرقت الأرض: إذا أضاءت بنور يسطع فيها، وأشرق وجه الرجل: إذا تلالأ حسنًا وجمالاً. وقوله: «ومشيت حتى أعييت، وأنا معي وعييت بالأمر: إذا لم تعرف جهته وأنا به عيي» قال الشيخ أبو جعفر: معنى مشيت حتى أعييت أي: كللت وتعبت وأنا معي، قال ابن التياني عن أبي حاتم: ولا يقال عيان، ونحن معيون، ويعير معي، وإبل معايا، قال: وإبل معي وناقة معي سواء، وإبل معاي مكسورة، قال وأبو زيد وغيره: معايا. وقال سيبويه: وسألته عن قولهم معايا؟ فقال: الوجه معاي، وهو المطرد، وكذلك قول يونس، وغنما قالوا: معايا كما قالوا: مدارى، وصحارى، كانت مع الياء أثقل إذ كانت تستثقل وحدها.

قال الشيخ أبو جعفر: ومعنى عييت بالأمر: إذا عجزت عنه ولم تطق إحكامه/، عن ابن سيدة في المحكم. قال الشيخ [أبو جعفر]: وقال أيضًا ابن التَّيًّانيِّ عن الأصمعي: يقال: عيي فلان بالأمر: عجز عنه، بياءين ولا يقال: أعيا بالأمر. قال ابن التياني: ومن العرب من يقول: عي فلان بالأمر، بالإدغام. كما يقرأ: {وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} قال الجعدي: سألتني جارتي عن أُمَّةٍ ... وإذا ما عَيَّ ذو اللُّبِّ سألْ وكما قال: عَيُّوا بِأَمْرِهِمُ كَمّا ... عَيَّتْ بِبَيْضَتِها الحَمَامَةْ

قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن سيدة: يقال: عي بالأمر عيا، وعيي، وتعاليا، واستعيا هذه عن الزجاجي، وهو عي، وعيي، وعيان. قال الزمخشري: فهو عيي على فعيل، وعي على فعل، وعي على فعل، كما تقول: عفيف وعف، وخفيف [وخف]. قال سيبويه: وجمع العي: أعيياء، وأعياء، التصحيح من جهة أنه ليس على وزن الفعل، والإعلال لاستثقال اجتماع الياءين. قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن خالويه: العي في اللفظ، والإعياء في المشي. قال اليزيدي في نوارده: عييت بالأمر فأنا أعيا به عيًا شديدًا، وعياية. وقوله: «وحبست الرجل عن حاجته، وفي الحبس، فهو محبوس». قال الشيخ أبو جعفر: أي: منعته من التصرف، عن غير واحد.

والموضع الذي يحبس فيه: محبس قال الزمخشري: ولا يقال حبس، استغنوا بلفظ السجن عنه، استغنوا بلفظ السجن عنه، فالمحبس: مكان المحبس: مكان الحبس، والنحبس: المقرمة. وقوله: «وأحبست فرسًا/ في سبيل الله عز وجل، فهو محبس وحبيس» قال الشيخ أبو جعفر: أي: جعلته حبسًا للغزو. وحكى أبو عبيد في المصنف عن الأصمعي أنه يقال: حبست الفرس في سبيل الله، بغير ألف، وحكاها أيضًا ابن سيدة في المحكم، وابن القطاع في أفعاله، ويعقوب في فعلت وأفعلت، والفراء في فعلت وأفعلت، والزجاج في فعلت وأفعلت أيضًا. وقال ابن طريف، والخطابي: المعروف الفصيح احبسته، بالألف. قال الشيخ أبو جعفر: وقال القزاز: وحبيس هو أحد ما جاء على فعيل من أفعل وأفعلته فهو مفعل، وفعيل قليل منها هذا، ومنها: أعقدت العسل

فهو معقد وعقيد وأيتم الله الغلام فهو موتم ويتيم، وأترصت الباب فهو مترص وتريص، وأعتقت الغلام فهو معتق وعتيق، وأبهمت الأمر فهو مبهم وبهيم، وأحزن الشيء فهو محزن وحزين. قال ابن هشام ونقلته من خطه: أما [محبس] فهو اسم المفعول من أفعلت أن يأتي على مفعل نحو: أكرمت فهو مكرم، وأحبست فهو محبس. قال: فأما حبيس فإنما هو منقول من مفعول، وهو محبوس كما تقول: قتيل، والأصل مقتول، ورحيم، والأصل مرحوم، وإنما كان كذلك لأن الهمزة زائدة وأصله [الثلاثي]، وربما ردوا أسم الفاعل والمفعول إلى [الثلاثي] كما قالوا: أجنة الله فهو مجنون، ولم يقولوا: مجن، وأحمه الله [فهو محموم] ولم يقولوا: محم، وأيفع الغلام فهو يافع، ولم يقولوا: موفع، لأنهم قدروا الأصل/ ثلاثيًا، ومن شأنهم أن يردوا الرباعي وليس يعكسون الأمر. ويحتمل أن يكون حبيس من قولهم حبست فرسًا في سبيل الله، ولا يكون من أحبست، فأتى بمحبس من أحبست، وأتى بحبيس من حبسته وإن كانت إحدى اللغتين أفصح من الأخرى، ويكون أيضًا مجنون من جن، ومحموم من حم، لأنهم يقولون فيها وفي نظائرها فعل بغير ألف.

قال الشيخ أبو جعفر: قال القزاز: والمحبس الموضع الذي يحبس فيه، قال: وربما سموا المعلف محبسًا ومحبسًا، قال: وفي لسان فلان [خبسة] أي: ثقل. ويقال: احتبست فرسًا: إذا حبسته لنفسك، عن الزمخشري قال: والافتعال كثيرًا ما يجيء بمعنى الاختصاص [كالاشتواء، والاقتدار، والاطباخ]. وقوله: «أذنت للرجل في الشيء يفعله، فهو مأذون له فيه». قال الشيخ أبو جعفر: معناه أبحث له فعله، عن مكي. وقال ابن درستويه: ليس معناه أمرته كما زعم بعض أهل اللغة،

لأن الإذن إنما يكون في كل ما كان ممنوعًا ثم يطلق بعد ذلك، فإطلاقه المتوقع هو الإذن. قال: وأما الأمر فقد يقع [بـ]ــــما لم يكن محظورًا ولا محبوسًا على الإذن، ولا متوقعًا إطلاقه. وقوله: «وأذنته بالصلاة وغيرها، فهو مؤذن بها». قال الشيخ أبو جعفر: معناه أعلمته، عن غير واحد. قال ابن درستويه: والمصدر منه الإيذان، والأذان أيضًا، قال الله تبارك وتعالى:} وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ {أي: إعلام. وقال/ ابن خالويه: ومنه سمي المؤذن مؤذنًا، لأنه يعلم الناس بالصلاة، ويقال: أذان وأذين بمعنى واحد. قال: واشتقاقه من الأذن، كأنه قال: أليقيت الخبز في أذنك. وقوله: «وأهديت الهدية إهداء، وأهديت إلى البيت الحرام هديًا، وهديًا». قال القزاز: والهدية أيضًا مصدر كما تقول: أعطيت العطية إعطاء، وعطية، وأنا مهد، والعطية مهداة، وفي الحديث: "إنما أنا

رحمة مهداة". قال الشيخ أبو جعفر: وقال اللحياني في نوادره: رجل مهداء ممدود: [يكثر] الهدايا، والمهدي بالقصر: الطبق الذي يهدي عليه. قال الشيخ أبو جعفر: وقال اليزيدي في نوادره: أهديت الهدية إهداء، والهدية اسم الذي يهدي. قال الشيخ أبو جعفر رضي الله عنه: معنى أهديت: أرسلت، والهداية: ما أتحفت به. وقال اللحياني في نوادره أيضًا: هو هدي لبيت الله، أهل الحجاز يخففونه، وتميم يثقلونه. قال الشيخ أبو جعفر: وحكى هذا أيضًا اليزيدي في نوادره، وأنشد: حلفتُ بربَّ مكَّةَ والمصلَّى ... وأعناقِ الهَدِيِّ مُقَلَّدَاتِ قال: وواحد الهدي هدية، تقول: ناقة هدية، وقد قرئ بالوجهين

جميعًا:} حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ {" الْهَدْيُ مَحِلَّهُ" قال الشيخ أبو جعفر: قال اليزيدي: واحدها هدي مخفف .... فقيل: يكون الهدي حيوانًا وغير [حيوان]. / وقال ابن درستويه - وهو قول الأكثرين-: الهدي والهدي إسمان لما أهدي إلى البيت من الإبل والغنم، وغيرها، كما قالت عائشة رضي الله عنها: "كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم". قال: وإنما تقلد الأنعام والحيوان، ولا يقلد المصدر، فوضعت هذه الأسماء موضع المصادر. قال: فتوهم ثعلب أنها مصادر على الحقيقة. قال الشيخ أبو جعفر: وكذا قال ابن هشام في شرحه، ورأيته بخطه، وكذا قال ابن طلحة في شرحه أيضًا.

[والذي] أوقعهم في هذا الوهم أنهم رأوا الهدي والهدي قد [جاءا] مع الفعل الذي هو أهديت، فاعتقدوا أنهما مصدران لمجيئهما مع الفعل الذي هو أهديت، وليس كذلك، بل هما مفعولان لا مصدران، كما أن العروس - في قوله «أهديت العروس» - مفعول بأهديت، كذلك الهدي والهدي مفعولان بأهديت، لأنهما اسمان لما يهدى [وليسا] بمصدرين. وقال الفراء في كتابه البهي - وهو الذي أخذ منه ثعلب - تقول: أهديت إلى البيت هديًا وهديًا، وإذا أردت المصدر قلت: إهداء. قال الشيخ أبو جعفر: وحكى اللحياني في نوادره: أهديت الهدي إلى البيت الله إهداء، وفي الحديث في ذكر الجدب: "هلك الهدي ومات الودي". قال الهروي: أي هلكت الإبل، ويبست النخل. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال: أهديت إليه هدية، /وهديت إليه هدية، عن أبي حاتم في تقديم المفسد، وعن الزجاج.

ويقال في جمع الهدية: هدايا، وهداوي، عن صاحب الواعي ومن خطه، وعن ابن خالويه في كتابه الأبنية. قال الشيخ أبو جعفر: وذكر هذا الجمع أيضًا ابن سيدة في المحكم، وزاد وهداوي وهد [اوٍ] قال: والآخرية عن ثعلب، وقال عن [هداوي]: أنه نادر. وف كتاب المصادر لأم البهلول: الهدايا بالفتح في لغة مضر، وسفلاها تقول: الهدايا بالضم. وقوله: «وهديت العروس إلى زوجها هداء». هدى قال الشيخ أبو جعفر: إذا زففتها إليه أي: حملتها إليه ليلة بنائه بها. ويقال أيضًا: أهديت العروس إلى زوجها، بالألف، عن اللحياني في نوادره، وابن القطاع في أفعاله، [وهي لغة طيىء]. قال المطرز في الياقوت وقال عن ابن الأعرابي: إن هديت بغير ألف أفصح.

وحكاها أيضًا ابن سيدة في المحكم، وزاد و [اهتداها]، قال: وهي عن أبي علي الفارسي، وأنشد: *كَذّبْتُم وبيتِ اللَّه لا تَهْتَدوُنَها* قال الشيخ أبو جعفر: وحكى كراع في المجرد، وابن سيدة في المحكم أنه يقال للعروس نفسها: الهدية، والهدي. وقوله: «وهديت القوم الطريق هداية، وفي الدين هدى». قال الشيخ ابو جعفر: أي: عرفتهم إياه، عن الكراع، وعن ابن عديس ونقلته من خطه عن ابن سيدة [الهدي]: الإرشاد، والهدى ضد الضلال، أنثى، وقد حكى فيها التذكير،/ قال اللحياني: الهدى مذكر، قال: وقال الكسائي: بعض بني أسد يؤنثه، يقول: هذه هدى مستقيمة. وقد هداه هدى، وهديا، وهداية، وهدية. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال: هديته كذا، وهديته لكذا، وهديته

إلى كذا، عن صاحب الواعي قال: فمن الأول قوله تبارك وتعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} ومن الثاني تبارك وتعالى:} قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ {ومن الثالث قوله جل وعلا: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} أي: دلوهم. قال الشيخ أبو جعفر: وحكى جميع ما حكاه صاحب الواعي ابن سيدة في المحكم .... قال اليزيدي. قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن سيدة: هداه للدين هدى، وقد تهدى إلى الشيء [واهتدى]، ورجل هدو على مثال: عدو، كأنه من الهداية. وقوله: «وقد سفرت المرأة: إذا ألقت خمارها، والرجل عمامته [وهي] سافر». قال الشيخ أبو جعفر: معناه كشفت وجهها، والرجل أزال عمامته. قال اليزيدي في نوادره: سفرت المرأة وجهها وعن وجهها وعن وجهها سوى، سهي سافر، قال: ومصدره السفور، والسفر بسكون الفاء. وأنشد في السفور بالضم.

وكنتُ إذا ما جِئتُ لَيْلَى تَبَرْقَعَتْ فقد رَابنَيِ منها الغَدَاةَ سُفُورهُا وقوله: «وأسفر وجهها: إذا أضاء». قال الشيخ أبو جعفر: قد فسره ثعلب، وقال اليزيدي في نوادره: أسفر وجهه/: إذا حسن وأشرق، قال: ومنه قوله تبارك وتعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ} أي: مبيضة. وقال عبد الحق: وهي المنيرة سرورًا. قال عبد الحق، وابن سيدة: وفعلها سفر، وأسفر. وقوله: «وكذلك أسفر الصبح: إذا تبين ضوؤه». قال الشيخ أبو جعفر: قد فسره أيضًا، ويقال: أسفر الصبح، وجشر، وابتسم، وانفجر عمود الصبح، وضحك، عن ابن خالويه. قال: إلا أن ضحك غير مستعملٍ. قال الشيخ أبو جعفر: وحكى القزاز، وابن عديس في كتاب الصواب: سفر الصبح، بغير ألف. وحكاه أيضًا ابن القطاع في أفعاله فقال يقال: سفر الصبح، وأسفر، وأبى الأصعمي إلا أسفر.

وقال ابن درستويه: كل ذلك راجع إلى أصل واحد، هو السفر، يقال: سفرت البيت -: إذا كشفته أو كنسته - سفرًا، وسفرت الريح السحاب، وسفرت النار الظلمة. قال الشيخ أبو جعفر: وفي الحديث: "لو أمرت بهذا البيت فسفر" أي: كنس. ويقال: إن السفر سمي سفرًا لأنه يسفر عن أخلاق الناس، أي: يكشف عنها، ولهذا قال علي عليه السلام: "السفر ميزان القوم" أي: كل يعرف مقدراه فيه. قال الشاعر: مِنَّ أَينَ أَلْقَى صَاحبَّا مثل عٌمَرْ يَزْدَادُ طِيبَا كُلَّما زَادَ السَّفّر والسفير ما سفرته الريح من ورق الشجر أي: كنسته وجمعته. قال صاحب الواعي: والسفر والسفارة: ما تكنسه من البيت فتلقيه، وهو بضم السين، قال: والمسفرة: المكنسة، ويقال لها: السفير/ أيضًا.

قال الشيخ أبو جعفر: وقال اللحياني في نوادره: ويقال للمكنسة: المقمة، والمخمة، والمسفرة، والمكسحة. وهي القمامة، والخمامة، والكساحة، والكناسة. قال: والمحوقة: المكنسة. وقوله: «وخنست عن الرجل: إذا تأخرت عنه». قال الشيخ أبو جعفر: أخنس، وأخنس بالضم عن الأخفش ونسبها للفراء. قال: والخنوس هو التأخير على أي وجه كان. قال الشيخ أبو جعفر: وفي الحديث: "الشيطان يوسوس للعبد، فإذا ذكر الله تعالى خنس". قال الهروي: أي انقبض وتأخر، يقال: خنسته فخنس، أي: أخرته فتأخر، وأخنسته أيضًا. قال الشيخ أبو جعفر: وفي الحديث أيضًا: "الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا، وخنس إبهامه في الثالثة" أي: قبضها. وقال القزاز: يقال: خنس الرجل عن القوم: إذا مضى في خفية. قال: وسمي الأخنس بن شريف الثقفي أخنس؛ لأنه خنس ببني

زهرة يوم بدر، وكان مطاعًا فيهم، فلم يشهدها منهم أحد، قال والعرب تقول: خنس: إذا رجع. وقوله: «وأخنست عنه حقه: إذا سترته». قال الشيخ أبو جعفر: وخنست أيضًا، عن قطرب. قال ابن درستويه: لا معنى لقوله «سترته» ولو كان فيه معنى سترته لقيل في كل مستور: أخنسته، وإنما معنى أخنسته: أخرته. قال فإنما هذا تفسير أخذ عن رواة تفسير القرآن في قوله تعالى جده: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّس} أنها الكواكب/ المستترة التي لا تظهر، قال: وإنما قيل لها الخنس لقصورها. ومنه قيل للبقرة خنساء، لقصور أنفها عن الارتفاع، والمرأة إذا كانت كذلك قيل لها أيضًا: خنساء، ولذلك قيل للكواكب: قد [خنست]، ومنه الآية الكريمة: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ}. قال الشيخ أبو جعفر: وكان الأستاذ أبو علي يقول: إنما فسره ثعلب بالمعنى، وذلك أن معنى قوله «إذا سترته» أي: اعتذرت له بأنه ليس عندي ما أعطيه، وأنا عندي ما أعطيه فاستر عنه ذلك الذي عندي لئلا

يطلبه لي، ويستحقه مني، ويكون ذلك منه [كناية] عن تأخير الحق عن صاحبه. ومثل هذا من الكناية بالشيء عما هو في معناه كثير في الاستعمال. قال: ويكون ذلك من ثعلب تفسيرًا بمعنى اللفظ مجردًا من تفسير الاشتقاق، فأن تفسير [هـ] قد يكون على هذين الوجهين، أعني: تفسير المعنى مجردًا من تفسير اللفظ، وهو تفسير الاشتقاق. تفسير يجمع فيه بين تفسير المعنى وتفسير الاشتقاق، الذي هو تفسير اللفظ. قال الشيخ أبو جعفر: وكتفسير ثعلب فسره يعقوب في كتابه فعلت وأفعلت، وقال عن الفراء قال [الكلابي]: قد أخنست عنك حقك، فهو مخنس: سترته عنك. وكذا فسره ابن قتيبة في كتاب خلق الإنسان، وكذا فسره أبو عبد الله القزاز فقال: أخنست عن الرجل حقه: أذا سترته عنه. وقوله: «وأقبست الرجل علمًا». أقتبس قال الشيخ أبو جعفر: معناه: أفدته إياه./ ومعنى قبسته نارًا،

أي: أخذتها في عود ودفعتها إليه، قاله ابن خالويه، وغيره. قال الكراع: وأقبستها. وحكى أبو عبيد في المصنف عن الكسائي أنه قال: أقبسته علمًا، وقبسته، بألف وبغير ألف. وقوله: «و [قبسته] نارًا». قال الشيخ أبو جعفر: إذا طلبت له نارًا، والقابس الطالب، ومصدره القبس بتسكين الباء، والنار تسمى القبس بفتحها، وهذا كالنقض والنقض ويقال أيضًا: أقبسته نارًا، بالألف، حكى أبو عبيد في المصنف عن الكسائي أنه يقال: قبسته نارًا، وأقبسته نارًا، بألف أيضًا وبغير ألف. وحكى أبو عبيد أيضًا عن أبي زيد أنه قال: قبسته نارًا: إذا [جئته] بها، فإن كان طلبها له قال: أقبسته نارًا.

قال الشيخ أبو جعفر: قال كراع في المجرد: والقبس النار، والمقابس السراج. وقوله: «وأوعيت المتاع في الوعاء». قال الشيخ أبو جعفر: معناه جعلته في الوعاء، وهو ظرف نحو الجراب والجوالق للثوب، وما أشبهه، قاله ابن خالويه. قال الله تبارك وتعالى: {وَجَمَعَ فَأَوْعَى}. وقال الشاعر: الخيرُ يبقى وإن طال الزَّمان به ... والشَّرُّ أَخْبَتُ ما أَوعَيْتُ في الزَّاد قال ابن التياني عن أبي مسحل: وعى الحب: أمسك ماءه فلم يقطر منه شيء. وقال القزاز: الوعي أصله جمع الشيء، قال الله عز وجل:} وَجَمَعَ فَأَوْعَى {، ووعى العظم يعي: إذا اجتمع مع صاحبه فانجبر. /و [وعت] المدة في الجرح، قال ابن التياني: إذا اجتمعت.

وقوله: «ووعيت العلم: إذا حفظته». قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن التياني: الوعي حفظ القلب الشيء، وقد وعى يعى وعيا، ووعاية: إذا حفظ كلامًا أو حديثًا، أو قلبه بقلبه، قال الله تبارك وتعالى:} أُذُنٌ وَاعِيَةٌ {أي: حافظة، من وعيت. قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن دستوريه: هما جميعًا من الوعاء، ولكن وعيته خص به ما كان في السمع والقلب، ومعناه الفهم والحفظ والذكر. وقال القزاز: و [الواعية]: النائحة، سميت بذلك لإظهارها ما اجتمع في جوفها من الحزن، ومنه قوله جل وعز: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ}. قال القزاز: [أي ما] يجتمعون في صدورهم من التكذيب والإثم. وقال الهروى: الوعي: الحافظ، الكيس، الفقيه، العالم.

قال الشيخ أبو جعفر: وفي الحديث: "سمعته أتناي، ووعاه قلبي": وفي خطبة قس بن ساعدة: "يأيها الناس استمعوا وعوا". قال ابن التياني في مختصر الجمهرة: وعى العلم يعيه، وأوعاه: حفظه. وحكي أيضًا وعيت العلم، وأوعيت، ابن القطاع، وقطرب في فعلت وأفعلت. وقوله: «وقد أضاق الرجل مثل: أعسر، فهو مضيق». قال الشيخ أبو جعفر: هو كما فسره أي: صار ماله ضيقا، كما قيل: أعسر أي: صار أمره عسرا، عن ابن درستوريه، والأعسر الفقير. قال الشيخ أبو جعفر: وهذا قياس مستتب، واعتبار مطرد، يقولون: أجبل الرجل/: إذا صار إلى الجبل، وأسهل: إذا صار إلى السهل، وأبحر [صار إلى البحر، وأفضى]: صار إلى الفضاء. وقوله: «وضاق الشيء فهو ضيق». ضاق قال الشيخ أبو جعفر: هو مثل صغر في المعنى، وذلك نحو: الخاتم

والثوب والمنزل والجراب إذا صغر فلم يسع الكثير مما يوعى [فيه] فهو ضيق، عن ابن درستويه أيضًا. قال الشيخ أبو جعفر: يقال ضاق الشيء يضيق ضيقًا وضيقًا، فهو ضيق وضيق، [ولا يجوز فيه ضيق]، إنما يجوز ذلك في المصادر، فأما النعت فلا يجوز فيه إلا الضيق، والضيق. قال الزمخشري: وأما قول رؤية. * وشفها الليل بمأزول ضيق* فلا نحسبها لغة، فإنما قال كذلك لضرورة الشعر، والشاعر يجوز له في الشعر ما لا يجوز لغيره في الكلام، من تشديد المخفف، وتخفيف المشدد، وقصر الممدود، وغير ذلك. وقوله: «وقد أقسط الرجل: إذا عدل فهو مقسط».

قال الشيخ أبو جعفر: يعني [جاء] بالقسط، وهو العدل، قال الله تبارك وتعالى:} اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {. ويقال أيضًا: قسط: إذا عدل، بغير ألف، حكاه يعقوب في كتاب الأضداد [قال]: قسط: جار، وقسط: عدل، وأقسط بألف: عدل لا غير. وحكي أيضًا أن قسط ضد ابن القطاع في أفعاله، وابن دريد في كتاب الأضداد، وابن الأنباري في كتاب الأضداد، قال: والجور أغلب على قسط. قال الزمخشري: أقسطت إليهم، وأقسطت بينهم، بمعنى واحدٍ. وقوله: «وقسط: إذا جار، فهو قاسط». قال الشيخ أبو جعفر:/ قد فسره أيضًا، ومنه [قوله] جل وعز:} وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا}. قال الجوهري: قسط: إذا جاز، يقسط بالكسر في المستقبل

قسوطًا، وقسطًا. وحكى المصدرين أيضًا ابن القطاع. وقوله: «وخفرت الرجل: إذا أجرته، خفرة وخفارة». قال الشيخ أبو جعفر: وكذا قال غيره، وحكي صاحب الواعي هذا، وقال: وخفرت الرجل: إذا أخذت منه جعلا لتجيره. وقال الزمخشري عن اللحياني: خفرت فلانًا: إذا تعدته وتفقدته. وقال صاحب الواعي أيضًا، وابن سيدة في المحكم: الخفارة، والخفارة، والخفارة، باللغات الثلاث: الاسم، خفرت الرجل: إذا أجرته. قال ابن سيدة: والخفارة، والخفارة، والخفارة أيضًا: جعل الخفير. قال الشيخ أبو جعفر: وقال كراع في المجرد: والخفير والخفرة: الذي يخفرك أي: يمنعك، والخفرة: المنع، وكذلك الخفارة والخفارة والخفارة، أربع لغات.

وقال اللحياني في نوادره: يقال: هو في حريمه، وحريمته، وخفارته، وخفارته، وحيزه. وقوله: «وأخفرته: إذا نقضت عهده». قال الشيخ أبو جعفر: قال كراع في المجرد، وأبن القطاع في أفعاله: وأخفرته أيضًا: يعثت معه خفيرًا، قال ابن القطاع: أي [مجيرًا]. وقال القزاز: يقال خفر فلان بفلان، وأخفره: إذا غدر به. قال الشيخ أبو جعفر: وفي حديث أبي بكر رضي الله/ عنه، وذكر المسلمين فقال: "فمن [ظلم] منهم أحدًا فقد أخفر الله" يريد: نقض عهده، وفي الحديث أيضًا: "من صلى الصبح فهو في خفرة الله" أي: في ذمامه وعهده، وفيه أيضًا "لا تخفروا الله في ذمته".

وقوله: «وخفرت المرأة: إذا استحيت، خفرًا وخفارة». قال الشيخ أبو جعفر: الخفر: شدة الحياء، قاله أبو عبيد في المصنف، يقال منه: امرأة خفرة، ومتخفرة. قال القزاز: والجمع خفرات. قال الشيخ أبو جعفر: قال الزمخشري في شرحه: الخفر الذي هو الحياء يختص به النساء، [لا] يقال: خفر الرجل، [ولكن] خفرت المرأة. قال الشيخ أبو جعفر: وإنما ذكر ثعلب خفرت المرأة في هذا الباب على معنى التتميم. وقوله: «ونشدت الضالة». قال الشيخ أبو جعفر: أي [التليفة] من الإبل، ونحوها: إذا طلبتها، فقلت: من رأى كذا وكذا؟ وأنشدتها: إذا عرفتها، فقلت: من ضاع له كذا وكذا؟ عن التدميري.

قال الشيخ أبو جعفر: وحكى اللحياني في نوادره نشدت الضالة: إذا طلبتها، وأنشدتها بغير ألف: إذا عرفتها، قال ويقال: أنشدت الضالة أنشدها إنشادة: إذا عرفتها، قال وقال الأصمعي: في كل شيء رفعت به صوتك فقد أنشدت به ضالة كانت أو غيرها. وقال الكراع في المجرد، وأبن القطاع: يقال: نشدت الضالة: طلبتها وعرفتها، ضد، وأنشدتها بالألف/: عرفتها لا غير. . قال الشيخ أبو جعفر: وكذا قال أبو عبيد في المصنف، وأنشد بيت أبي دؤاد: ويصيخ أحيانًا كما استمع ... العضل لصوت ناشد قال وقال الأصمعي: يقال في الناشد ها هنا: إنه المعرف، ويقال: بل الطالب، لأن المضل يشتهي أن يجد مضلاً مثله ليتعزى به.

قال صاحب الواعي: وبدل على أن الناشد هو الطالب قول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فقال: "أيها الناشد! غيرك الواجد". معناه: لا وجدت، يريد الدعاء عليه. قال ومنه قال الشاعر: أَنشِدُ الدِّار بِعطْفَي مَنْعِجِ ... وخَزَازى نِشْدَةَ الباغي المُضِلَ قال: فهذا يدلك على أن نشدت: طلبت، قال: ومعنى أنشد الدار: أقول أين ذهب أهلك؟. قال وقيل للطالب: ناشد؛ لرفعه صوته بالطلب، والنشيد رفع الصوت، ومنه إنشاد الشعر، إنما هو رفع الصوت به. قال الشيخ أبو جعفر: وحكى اللحياني في نوادره نشدت الضالة نشدة، ونشدة، ونشدانا، أي: طلبتها. وقوله: «وقد حضرني قوم، وشيء». قال الشيخ أبو جعفر: معنى حضر الشيء وحضرني، كمعنى شهد وشهدني، وهو ضد الغيبة، عن ابن درستويه. قال: ولذلك قيل للمشهد: الحضرة، والحاضرة. وقال القزاز: الحضر خلاف البدو، والحاضرة/ خلاف البادية، وهؤلاء أهل الحاضرة، أي: أهل الحضر، وحضرة الرجل فناء داره.

وهي حضرته أيضًا. قال والعرب تقول: كلمته بحضرة فلان، وبعضهم يقول: بحضرته وحضرته، وبمحضره، وكلهم يقول: بحضره. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال: حضرني قوم، وحضرني بكسر الضاد، حكاه ابن خالويه عن أبي عمرو. وحكاه أيضًا القزاز عن أبي الحسن، وحكاه يعقوب عن الفراء، وحكاه أيضًا الجوهري. قال الزمخشري عن الخليل: [لغة أهل المدينة] حضر بالكسر، فإذا انتهوا إلى المستقبل قالوا: يحضر، رجوعًا إلى الأصل، ومثله: فضل يفضل. وقال عن الفراء: حضرت الصلاة وغيرها، وأنشد لجرير: ما مَنْ جَفَانَا إذا [حاجاتُنا] حَضرِتَ كَمَنْ لنا عنده التَّكريمُ واللَّطَفٌ

قال المرزوقي: يقال: حضرني الشيء، وأحتضرني، حضورًا وحضرة وحضرًا. قال الزمخشري: والحاضر المقيم بالحضر، والبادي المقيم بالبدو وقال أبو عبد الله القزاز: والحاضرة القوم الحضور، والحاضر أيضًا: القوم الحضور. والحضر والحاضره والحضرة والحضارة كله بمعنى. وفلان حسن الحضرة، والحضرة: إذا حضر بخيرٍ. وقوله: «وأحضر الرجل والغلام: إذا عدوا». قال الشيخ أبو جعفر: عدا الغلام: أذا جرى، والحضر أشد عدو الفرس، عن ابن خالويه. وقال ابن درستويه: فإذا نقلت حضر المتقدم الذكر في قولك: حضرني قوم وشيء/ أدخلت الألف في أوله، فقلت: أحضرني فلان كذا وكذا، أي: جعله حاضرًا، ولذلك قيل للرجل والغلام إذا عدوا، والفرس: قد أحضر، لأنه جعل العدو حاضرًا. قال: ولكن لما استعمل ذلك في العدو سمي بالحضر ليفرق بينه وبين الحضور الذي يعم كل حاضر، ولا يخص العدو. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال: استحضرت الفرس: إذا طلبت حضره، عن القزاز. قال: وفرس محضير، ولا يقولون: محضار،

وهو نادر، والجمع محاضير، وهم يقولون: أحضر الفرس إحضارًا وحضرًا، وهي ألفاظ يقال فيها: إفعال وفعل مثل: أعسر إعسارًا وعسرًا. وقوله: «وكفأت الإناء: إذا كببته». قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن درستويه: معنى كفأته كمعنى قلبته، وهو أن تميله عن الاستواء، كببته أو لم تكبه، قال: ولذلك قيل: أكفأت في الشعر لأنه قلب القوافي عن جهة استوائها، فلو كان مثل كببته كما زعم لما قيل في القوافي، لأنها لا تكب. قال فقيل: كفأت الإناء على مثال: قلبته، لأنه في معناه، و [نقل] بالألف إلى الشعر وما أشبهه، أي: جعلت فيه قلبًا. قال الشيخ أبو جعفر: وكان الأستاذ أبو علي [يقال]: إن لم يكن دليل ابن درستويه -على أنه يقال: كفأت الإناء بمعنى كببته -إلا الاشتقاق [فليس] بشيء لأنه يمكن أن يكون اشتقاقه منه على وجه آخر، وهو الخلاف الذي بين حالة الكب/ وبين الحالة الأولى، كما كان الإكفاء خلافًا في حرف الروي في نفسه، أو في حركته، أو حركة ما قبله على ما سيأتي.

قال الشيخ أبو جعفر: والحق أن يقال: إن اللغويين قد فسروه بالمعيين: بمعنى كببته كما قاله ثعلب، وبمعنى قلبته كما قاله ابن درستويه. فمن الأول ما حكاه صاحب الواعي عن الكسائي أنه يقال: كفأت الإناء: إذا كببته. وهذا هو الذي منع منه ابن دستوريه، وحكاية الكسائي حجة عليه، وناهيك بالكسائي، وبإمامته. وحكاها أيضًا صاحب الواعي عن غير الكسائي. ومن الثاني ما حكاه يعقوب في الإصلاح، وأبو حاتم في تقويم المفسد عن الأصمعي، والزجاج في فعلت وأفعلت، وأبو زيد في كتاب الهمز له، أنه يقال: كفأت الإنا كفئا -عن أبي زيد المصدر -: إذا قلبته. فخرج بما ذكرناه أن أخذ ابن درستويه ليس بشيء. قال ابن القطاع: كببت الشيء كبا: قلبته لوجهه فأكب هو وهو من النوادر.

قال الشيخ أبو جعفر: ويقال: كفأت الإناء، وأكفأته أيضًا بالألف، حكاه يعقوب في الإصلاح عن ابن الأعرابي، وابن القوطية. وحكاه أيضًا أبو عبيد في المصنف، وأبو عبيد البكري في فصل المقال، وقالا: وكفأته بغير ألف أفصح. وقوله: «وأكفأت في الشعر، وهو مثل الإقواء». قال الشيخ أبو جعفر: [اختلفوا في] الأكفاء في الشعر، فمنهم من قال: إذا قلت بيتًا مرفوعًا وآخر مخفوضًا، كقول الشاعر: وهّلْ هِنْدُ إلاَ مهرةٌ عربيَّةٌ ... سَليِلةٌ أفراس تحلَّلَها بَغْلُ فَإِنْ نَتَجَتْ مُهْرًا كَرَيمًا فَبِالحَرَى ... وإِنْ يَكُ إِقرافٌ فَمِنْ قِبَلِ الفَحَلِ

قاله/ أبو عبيد البكري في فصل المقال. وقال: لا يقال أكفأت في الشعر [إلا] بالألف. وقال الزمخشري: وقال أبو عبيدة: الإكفاء في الشعر نقصان حرف من الفاصلة نحو قول الشاعر: أَفَبَعْدَ مقتلِ مَالِك بن زهيرٍ ... ترجُو النُّساءُ عَوَاقِبَ الأطْهارِ وقال عن المبرد: الإكفاء اختلاف الحرف الذي قبل الروي، كقول عمرو بن كلثوم: علينا كلُّ سَابِغَةٍ دِلاَصٍ ... تَرَى فَوقَ النٌجادِ لها غُضُوْنا

ثم قال في البيت الثَّاني: كأنَّ مُتُونَهُنَّ مُتُونُ غُدْرٍ ... تُصَفِّقُها الريٌاحٌ إذا جَرَيْنا وقال يعقوب، وأبو علي القالي، والزجاج في فعلت وأفعلت، وأبو زيد في كتاب الهمز: أكفأت في الشعر: إذا خالفت بين قوافيه. قال كراع: وهو أن تأتي قافية على النون، وأخرى على الميم، وكذلك الدال والطاء، والعين [والغين] وما أشبه ذلك. قال الشيخ أبو جعفر: وكذا قال صاحب الواعي، وابن القطاع عن أبي زيد. قال عبد الحق: وتكون من الحروف التي تشبه بعضها بعضًا، مثل قول الشاعر: بُنَيَّ إنَّ البِرَّ شيُ هَيِّنْ ثم قال: المَنْطِقُ اللَّيِّنُ والطُّعَيِّمْ قال: فجعل إحدى القافيتين نونًا، والأخرى [ميمًا].

قال: وقال الآخر: / واللَّهِ مَا آسَى عَلَىَ الجِيْرَانِ ثم قال: إِلاَّ عَلىَ الإخوانِ والأَعْمَامٍ ومن غيره قول الآخر: جَارِيَةٌ مِنْ ضَبَّة بن أُدِّ كَأنَّ تحت دِرْعِها المُنْعَطَّ شَطًّا رَمَيْتَ خلفه بِشَطِّ وقال الآخر: إذا نَزَلْتُ فاجْعَلاني وَسَطَا إنِّيَ شيخٌ لا أٌطِيقُ العَنَدَا يريد العَنَتَ.

قال الشيخ أبو جعفر: وأنشد ابن الأعرابي في كتاب المعاقبات عن الفراء: إِنّي إذا حَمِيَ الوطيسّ وجَعَلَتْ نِبَالُهمُ تطيشْ. فعاقب في القافية بين السين والشين، عن غير تاخ في المخرج ولا تقارب إلا لاندغام اللام فيهما. قال الشيخ أبو جعفر: وأما الإقواء فقال صاحب الواعي أيضًا، وابن طريف قيل: [الأكفاء] والإقواء واحد. قال صاحب الواعي: وهو قلب القافية من الجر إلى الرفع، وما أشبه ذلك، مأخوذ من أكفأت الإناء: إذا قلبته، وكفأت القوم: إذا أرادوا وجهًا فصرفتهم عنه، قال الشاعر: أَفِدَ التَّرّحُّلُ غير أنَّ رِكَابَنَا ... لَمَّا تَزَلْ بِرِحَالنِا وكَأَنْ قَدِ ثم قال: زَغَمَ الغُدّافُ بأَنَّ رَحْلتَنَا غَدًا ... ويذاك خَبَّر [نا] الغُدَافُ الأسودُ

فخفض في الأول، ورفع في الثاني، وقد تقدم ذلك. وقال كراع/ في المجرد: الإقواء هو اختلاف إعراب قوافيه، فعم ولم يخص بحركة، كما قال غيره: إن الإقواء بين مرفوع ومخفوض فقط، ولا يكون بين منصوب ومرفوع في الأكثر، نحو قول امرئ القيس: *إني امرؤ صَرْعِي عَليكِ حَرَامُ* والبيت من القصيدة التي أولها: لمن الدَّار غشيتها بِسُحَام ... فَعَمَايَتَينِ فَهَضْبِ ذي أقدامِ والقوافي مخفوضة. قال الشيخ أبو جعفر: وقد جاء الإقواء بين المرفوع والمنصوب، أنشد الفارسي: لا تنكحنً عجوزًا أو مُطَلَّقةً ... ولا يَسُوقنَّها في حَبْلِكَ القَدَرُ وإنْ أتوك فقالوا إنَّها نَصَفٌ ... فإنَّ أطيبَ نِصْفَيها الَّذي غَبَرا

فهذا إقواء بين المرفوع والمنصوب. قال الشيخ أبو جعفر: وقال كراع في المجرد: الإجارة في الشعر أن تكون القافية طاء والأخرى دالاً، يقال [لها أيضًا]: الأكفاء في قول الخليل. وقال ابن القطاع: الإجارة هي الخالف بين حركة القوافي، ونسبه لابن السكيت. وقوله: «وحصرت الرجل في منزله: إذا حبسته». قال الشيخ أبو جعفر: هو كما فسره، غير أنه بقى في قوله «في منزله» شيء، وهو أنه لا يعني أن الحبس لا يكون إلا في منزله فقط، بل يكون في منزله وفي غيره من المواضع كالسجن، وأمثاله. وقد تقدم لثعلب مثل هذا، في قوله في باب فعلت بفتح العين، وهو

قوله: / وقوله: «ويولغ: إذا أولغه صاحبه». وليس لتخصيص صاحبه معنى، بل يولغه صاحبه وغيره، وكذلك هذا، يحبس الرجل في منزله وفي السجن، وفي غير ذلك من المواضع. قال الشيخ ابو جعفر: ومنه قول الله تبارك وتعالى: {وَاحْصُرُوهُمْ} أي: احبسوهم وامنعوهم من التصرف. ويقال للذي يحبس في السجن: قد حصر. والحصير: السجن، عن صاحب الواعي. قال الله تبارك وتعالى: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} أي: سجنًا، عنه وعن غيره. "وسمي الحصير حصيرًا لأنه يمنع الجالس عليه من أذى الأرض". قال صاحب الواعي، وغيره: ويقال: من حصرك هنا؟ ومن أحصرك؟ أي: من حبسك عن التصرف؟. وقال ابن التياني عن الزجاج: وقيل للذي لا يأتي النساء: حصور، لأنه حبس عما يكون من الرجال، كما يقال للذي لا يتيسر له اللفظ: قد حصر في منطقه. والحصور الذي يكتم السر: أي يحبس السر في نفسه.

قال الشيخ أبو جعفر: ويقال في مستقبل حصر: يحصر بكسر الصاد، ويحصر بالضم، عن القزاز. ويقال: حصرت، وأحصرت بالألف، حكاه أبو عبيد، وأنشد لابن ميادة: ومَا هَجْرُ ليلى أَنَّ تكونَ تَبَاعَدَتْ ... عليك ولا أنْ أَحْصَرتَكْ شُغُولُ وحكى ذلك أيضًا الكراع في المجردَّ، والجوهري عن أبي عمرو الشيباني فقال عنه: حصرني الشيء، وأحصرني الشيء وأحصرني: حبسني. وقوله: «وأحصره المرض: إذا منعه من السير». قال الشيخ أبو جعفر قد فسره، وزاد يعقوب في إصلاحه: أومن حاجة يريدها. / وهو راجع إلى معنى المنع كما تقدم في حصر، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ {أي: منعتم من علة، أو عائق. قال صاحب الموعب: هكذا يقول أبو عبيدة، وقال عن الزجاج: الرواية عن أهل اللغة أنه يقال للرجل الذي يمنعه الخوف والمرض من التصرف:

قد أحصر فهو محصر، والذي حبس: قد حصر فهو محصور. قال وقال [الفراء]. لو قيل في الذي يمنعه المرض والخوف: قد حضر، لأنه بمنزلة الذي قد حبس بمنزلة المرض والخوف، الذي منعه من التصرف. قال صاحب الموعب: والحق في هذا ما عليه أهل اللغة، لأن الرجل إذا امتنع من التصرف فقد حبس نفسه، فكأن المرض أحبسه، أي: جعله يحبس نفسه، وحصرت فلانا: حبسته، لا أنه حبس نفسه، ولا يجوز فيه أحصر. قال ابن دريد: حصرت الرجل: حبسته، وأحصرته: منعته من التصرف، فكأن الحصر الضيق، والإحصار المنع. وقوله: «وأدلجت: إذا سرت من أول الليل وادلجت: إذا سرت من أخره». قال الشيخ ابو جعفر: قال ابن سيدة: الدلجة بالفتح والإسكان: سير السحر، والدلجة: سير الليل كله. والدلجة والدلجة، بالفتح والضم والإسكان، والدلج والدلجة، بالفتح

والتحريك فيهما: الساعة من آخر الليل. وادلجوا: ساروا من آخره، [وأدلجوا: ساروا الليل] كله. وقيل الدلج: الليل كله من أوله إلى آخره، حكاه ثعلب عن أبي سليمان العرابي/ وقال: أي ساعة سرت من [أول] الليل إلى آخره فقد أدلجت، على مثال أخرجت. وحكى الفارسي أدلجت وادلجت لغتان في المعينيين جميعًا. وإلى هذا ينبغي أن يذهب في قول الشماخ، والاسم الدليج. قال الشيخ أبو جعفر: وغلط ابن درستويه ثعلبًا في تخصيصه ادلج بالتشديد بسير [آخر] الليل، وأدلج بالتخفيف بسير [أوله] / قال: وإنما هما جميعًا عندنا سير الليل في كل وقت، من أوله ووسطه وآخره، وهو إفعال وافتعال من الدلج، والدلج: سير الليل بمنزلة السرى، [والإدلاج]

مخفف] إفعال منه، وليس واحد من هذين المثالين بدليل على شيء من الأوقات، ولو كان المثال دليلاً على الوقت لكان قول القائل: الاستدلاج بوزن الاستفعال أيضًا دليلاً لوقت آخر، وكان الاندلاج على الانفعال لوقت آخر. وهذا كله فاسد، ولكن الأمثلة عند جميعهم لاختلاف معاني الأفعال في أنفسها، لا لاختلاف أوقاتها. قال: فأما وسط الليل ولآخره وأوله وسحره وقبل النوم وبعده فمما لا تدل عليها الأفعال، ولا مصادرها، ولذلك احتاج الأعشى إلى اشتراطه بعد المنام، وزهير إلى سحرة. وهذا بمنزلة قولهم: الإبكار والابتكار والتبكير والبكور في أنه كله العمل بكرة، ولا يتغير الوقت بتغير هذه الأمثلة، وإن اختلف معانيها، قال: وقد وافق قول كثير من أهل اللغة في ذلك، واحتجوا على اختصاص الادلاج بسير آخر الليل بقول الأعشمي: / وادَّلاج بعد المنام و [تهجيـ ... ـرٍ وقُفٍّ] وسبسب ورمال وقول زهير: بَكَرْنَ بُكُورًا وادَّلَجْنَ بِسُحْرَةٍ ... فَهُنَّ لِوَادِ الرَّس كَالْيَدِ للفَمِ

قال: فلما قال الأعشي: "وادلاج بعد المنام" ظنوا أن الادلاج لا يكون غلا بعد المنام، ولما قال زهير: "وادلجن بسحرة" ظنوا أن الادلاج لا يكون إلا بسحرة، وهذا وهم وغلط، وإنما كل واحد من الشاعرين وصف كل ما فعله هو وخصه دون ما فعلهغيره، ولولا أنه يكون بسحرة وبغير سحرة لما احتاج إلى ذكر سحرةٍ، لأنه إذا كان الادلاج بسحرةٍ وبعد المنام فقد استغنى عن تقييده. قال: ومما يوضح فساد تأويلهم أن العرب تسمي القنفذ مدلجًا، لأنه يدرج بالليل ويتردد فيه، لا لأنه لا يدرج إلا في أول الليل، أو في وسطه، أو في آخره، أو فيه كله، ولكنه يظهر بالليل في أي أوقاته احتاج إلى الدروج: لطلب علف أو ماء أو غير ذلك. قال الشيخ أبو جعفر: هذا كلام ابن درستويه في رد كلام ثعلب ومن وافقه من اللغويين، وتتبعه على هذا الرد طوائف كثيرة من المتأخرين. ومت قاله ابن درستويه: من أن [اللغويين] أخذوا الفرق بين الإذلاج والادلاج من البيتين المتقدمين، وأمثالهما، فالإنصاف في ذلك أن يقال: إن كان اللغويون أخذوا الفرق بينهما من البيتين كما ذكره فالحق ما قاله ابن درستويه، لأنه ليس فيهما دليل، وإن كان أخذوا الفرق بينهما سماعًا من العرب [لا من] البيتين/ فالحق مع من خالقه ابن درستويه، وهذا.

هو الظاهر، فإن كثيرًا من اللغويين يذكرون الفرق بينهما من غير استشهاد [عليهما] بالبيتين، ولا بأمثالهما. وأما قوله: إن الأفعال تختلف لاختلاف المعاني إلى أخر كلامه، فهو كلام يدور على حرف، وهو أن الفعال هل دخلت لمعنى واحدٍ؟ وهو تخصيص الحدث بزمان فقط، أو دخلت لهذا ولغيره من المعاني؟ فزعم ابن درستويه [أنها] ما دخلت إلا لهذا المعنى فقط، وخالفه الأستاذ أبو علي وقال: إن الفعال تختلف أبنيتها لاختلاف المعاني على الجملة، فالمعاني التي تختلف لها الأبنية ليست بمقصورة على شيء من المعاني دون شيء، وإذا لم تكن مقصورة على شيء من المعاني دون شيء فما الذي يمنع أن تكون الدلالة إذ ذاك على أخر الوقت، أو أوله، أو الوقت كله؟ قال الشيخ أبو جعفر: وقال اللحياني في نوادره: سرينا سرية من الليل وسرية، وخرجنا ببلجة من الليل وبلجة، وبسدفة وسدفة، وشدفة وشدفة، وهو السدف والشدف، ودلجة من الليل ودلجة، وبعضهم يقول: الدلجة فيهما جميعًا، قال: ويقال خرجنا بعد بتك من الليل، ودلجة، [و] أفاويق من الليل، وبعد قطع وقطعة وقطيع، وخرجنا بغطاط من الليل، وغطاط: وهو السحر.

وقوله: «وأعقدت العسل وغيره، فهو معقد وعقيد». / قال الشيخ أبو جعفر: معناه أن تطبخه حتى يخثر، قاله صاحب الواعي. ويقال أيضًا: عقدت العسل، بغير ألف، كما تقوله العامة عن صاحب الواعي أيضًا، وعن كراع في المجرد. وقوله: «معقد، وعقيد». قال الشيخ أبو جعفر: الكلام فيهما كالكلام في محبس وحبيس، وقد تقدم. قال ابن سيدة في المحكم: وقد عقد العسل نفسه وانعقد. وقال الجوهري: يقال: أعقدت العسل، وعقدته بالتشديد تعقيًدا. قال الزمخشري: والعامة تقول: انعقد. قال: ولا يجيء انفعل من أفعلت، إلا النادر الذي لا يقاس عليه، وهو قولهم: أجلته فانجال، ويقال

أدخلته فاندخل، فهذا نادر، والمعروف قولهم: أغلقت الباب فانغلق، وأطلقته فانطلق. وقوله: «وعقدت الحبل، والعهد، فهو معقود». قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن سيدة في المحكم: العقد نقيض الحل، يقال: عقده يعقده عقدًا، وتعاقدًا، وعقده، أنشد ثعلب: لا يَمْنَعَنَّك من بُغَا ... ء الخَير تَعْقَادُ الرَّتائم وقد انعقد، وتعقد. قال الشيخ أبو جعفر: و [العقد]: العهد، وجمعه عقود، قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ {أي: بالعهود، عن

ابن خالويه، وغيره. وقوله: «وأصفدت الرجل: إذا أعطيته فهو مصفد». قال الشيخ أبو جعفر: قد فسر ثعلب، وكذا فسره غيره. وحكى الزجاح/ في معانيه، ويعقوب في كتاب فعلت وأفعلت، وقطرب في فعلت وأفعلت أيضًا، وثابت: صفدته بغير ألف. قال يعقوب: وقال رؤبة: صفدته، أي: أعطيته. قال صاحب الواعي: الاسم من العطية ومن الوثاق جميعًا الصفد، والجمع منهما جميعًا أصفاد، والمصدر من العطية [الإصفاد]، ومن الوثائق: الصفد والتصفيد. وقوله: «صفدته فهو [مصفود]». قال الشيخ أبو جعفر: إذا قيدته وأوثقت يده إلى عنقه، عن القزاز قال: قيل: الصنفد بسكون الفاء هو هذا، وأعني الغل، وقيل: هو القيد. قال: ويقال أيضًا: صفود في المصدر. قال: وجمع الصفد أصفاد، وقيل الاسم: الصفاد، والجمع صفد. قال: ويدل على الأصفاد

قوله تعالى: {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ} [ص: 38] وقد زعم قوم أنه جمع صفاد. قال: وهو النسع والحبل يوثق به الإنسان. قال الشيخ أبو جعفر: قال الزمخشري: الصفاد والصفد والصفد: الذي يشد به حبلاً كان أو غير حبل. وفي الحديث: "إذا جاء رمضان صفدت الشياطين" معناه: غلت، أو قيدت، على ما ذكرناه. ويقال: صفدته، بالتشديد والتخفيف، عن كراع في المجرد، وعن القزاز. قال ابن درستويه: وقيل في هذا: صفدته، لأنه بمعنى شددته فجاء على ما هو معناه. قال: وجاء أصفدته في العطية لأنه في معنى أعطيته، فلذلك جاء على أفعلته. قال: والأصل فيهما الشد والتوكيد والوثيقة، وتسمى العطية:/ الصفد، لأنها توكد الحال، وتشد المودة وتوكدها، وكذلك يسمى القيد: الصفد، لمثل ذلك المعنى. وقوله: «وأفصح الأعجمي، وفصُح اللحان».

قال الشيخ ابو جعفر: أفصح الأعجمي، أي: تكلم بالعربية بعد أن كان يتكلم بغيرها: لأن العجمي مشبه بالبهيمة عند العرب، ويقال للطير: عجم، إذا كان لا يفهم [نطقها] وغناؤها: قاله ابن خالويه. قال ابن خالويه: ومعنى فصح اللحان، أي: صار معربا وحسنت لغته، ولم يلحن. قال الشيخ أبو جعفر: واللحان الكثير اللحن، وفعال من أبنية المبالغة، ولا يقال لمن صدر اللحن منه [مرة واحدة لحان، وإنما يقال له: لاحن، فإن كثر منه] يقال له: لحان. قال ابن درستويه: ومعناهما جميعًا من الفصاحة، وهي البيان والإصابة في القول. قال الشيخ أبو جعفر: يقال أفصح الرجل: يريدون القول، كما قالوا: أسرع: يراد في العمل، وأحسن: يراد في الشيء. وقد يقال: أفصح لمن لا فصاحة له: يراد به البيان. وتقول: أفصح لي عن كذا وكذا، أي: بينة ولا تجمجم، عن القزاز، قال: ويستعيرون الفصيح لكل متكلم، والأعجم لكل من لا يتكلم. وفي

حديث الحسن: "من ذكر الله في السوق كان له من الأجر بعدد كل من فيها، من فصيح وأعجم" يريد بالفصيح الإنسان، وبالأعجم البهائم. وقال الزمخشري في [شرحه]: العرب إذا قالت الفصيح والعجم فإنهم يعنون به العرب والعجم، وأنشد للأعشى: / ولمِّا رأيت النَّاس للشَّرِّ أَقْبَلُوا ... وثابوا إلَيْنَا مِنْ فَصِيحٍ وأَعْجَمِ قال القزاز: وأفصح الصبح: إذا بدا لك ضوؤُه، وكل شيء وضح لك فقد أفصح لك. قال الشيخ أبو جعفر: ومعنى العجمي: هو الذي لا يفصح، وجمعه عجم، عن الكراع في المجرد. وقال صاحب الموعب: رجل أعجمي، منسوب إلى العجم وإن كان فصحيًا، ويقال: عجمي، يريد (أعجمي) ينسبه إلى أصله. وقال ابن سيدة: الأعجم و [الأعجمي]: الذي لا يفصح، فأما

العجمي: فالذي من جنس العجم، أفصح او لم يفصح، والجمع عجم. وقال صاحب الواعي: الأعجم الذي في لسانه عجمة وإن كان عربيا وكذلك الأعجمي، وكل كلام ليس بالعربية فهو أعجم إذا لم ترد به النسبة والعجمة: قلة الفصحاحة، ورجل عجمي: إذا كان من العجم وإن كان فصيح اللسان. قال: وقيس تقول: الأعجم في العجم. قال الشيخ أبو جعفر: وقال المطرز في كتاب غريب الشعراء: أخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي، وأخبرنا عن سلمة عن الفراء، وأخبرنا عن أبي نصر عن الأصمعي، قالوا كلهم: العجمي من كان أصله من العجم وإن كان فصيحًا بالعربية، والأعجمي الذي يتكلم بالفارسية وإن كان أصله عربيًا. وقوله: «وقد لممت شعثه». لمم قال الشيخ أبو جعفر: أي أصلحت أمره، وأصل اللم: الجمع، والشعث: التفرق، ثم استعير اللم في إصلاح كل فاسد، عن الزمخشري قال: وقد لممت شعثه، ولممته على شعثه.

قال صاحب الواعي: وكل مجتمع لمة، بالضم. / قال الزمخشري: وقد [لملمت] الشيء: جمعته، وهذا لتكرير يفيد التكثير. قال صاحب الواعي: وفي الحديث: "أسالك رحمة تلم بها شعثي" أي: تجمع بها ما تفرق من أمري. قال الشيخ أبو جعفر: وقال ابن درستويه. معنى لممته كمعنى رممته: إذا أصلحته وغيرت فساده، وهو تشعثه، ولكنه استعمل بالراء في المنازل والضياع والثياب ونحوها. وباللام في الشعر إذا اتسخ وقفر من الدهن والغسل، ولكنه قد [استعير لسوء] الحال في المال والنفس، ونحو ذلك. قال الشيخ أبو جعفر: وقال ابن خالويه: ويقال في الدعاء: لم الله شعثك، ورم نشرك. ويقال: ولي فلان فأصلح الفاسد، ورتق الفتق، ولم الشعث، وضم النشر، العين ساكنة من الشعث، والشين مفتوحة من النشر، فأما النشر بالسكون فهو ضد الطي.

ومثله رم الرث، وجمع [الشتات]، وجبر الكسر، ورقع الخرق والوهن، وأبرأ الكلم، وشعب الصدع، ورأب أيضًا. قال الشيخ أبو جعفر: والشعث انتشار الأمر، وفي الحديث: "وشعث النا [س] على عثمان". أي: أخذوا في التثريب والفساد، عن صاحب الجامع. قال: وأصله من الشعث: الذي هو انتشار الأمر وفساده، قال النابغة: ولستَ بِمُسْتَبْقٍ أخًا لا تَلُمُّهُ ... على شَعَثٍ أيُّ الرِّجَالِ المُهَذُّبُ قال: ومنه شعر أشعث ومشعث: إذا كان مختلاً. وقوله: «وألممت به: إذا أتيته وزرته». قال الشيخ أبو جعفر: الإلمام/ الزيارة إذا لم تداوم عليها، والإلمام من كل شيء: الإقلال منه، ويقال: ما زرته إلا لمامًا، أي: يسيرًا. قال: فَمَيِلي فيكُمُ وهَوَايَ مَعْكُمْ ... وإِنْ كانتْ زِيَارَتُنا لِمَاما

أي: قليلاً. ويقال: ألممت به، وألممت به، قال نصيب للأول: [بزينب] أَلْمِمْ قبل أنْ يَظْعَنَ الرٌكبُ ... وقُلْ إنْ تَملَّينا فما مَلَّكِ القَلْبُ وقال الآخر: أَلِمَّا على مَعْنٍ وقولا لقبره ... سَقَتْكَ الغَوادي [مربعًا ثم] مربعا. وقال صاحب الجامع: واللمم هو الإيتاء بالذنب الحين بعد الحين، وقيل: هو ما دون الفاحشة، وقيل: هو ما دون الكبيرة. قال: وأرى أن يكون اللمم الاختلاط، لأن اللمم من المس، والمس إنما هو اختلاط في العقل، فيكون {إِلَّا اللَّمَمَ}، أي: ما يخالط من الأمور فلا يعرف وجه تحريمه. قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن درستويه. والعامة تقول فيهما جميعًا: لممت، وهو خطأ. قال الشيخ أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى المبرد في كتاب الاشتقاق

لممت به، بغير ألف: وهي لغة بني تميم. وقوله: «وحمدت الرجل: إذا شكرت له صنيعه، وأحمدته: إذا أصبته محمودًا». قال الشيخ أبو جعفر: فسر ثعلب حمدته بمعنى شكرته لما كان جزاء لنعمة، وهو الصنيع، لأن الصنيع والصنيعة: النعمة. وهو مما اختلف فيه اللغويون، فقيل معنى حمدته: رضيته، قاله ابن عرفة، قال: وذهب ناس إلى أن الحمد هو الشكر. قال الشيخ أبو جعفر: وهو قول/ اللحياني في نوادره، وقاله أيضًا ابن سيدة في المحكم. قال ابن عرفة: وإنما قالوا إن الحمد بمعنى الشكر؛ لأنهم رأوا المصدر بالشكر [نائبًا] عن الحمد، وذلك قولهم: الحمد لله شكرًا. قال: ومصدر [الحمد] يخرج من غيره، مثل: قولهم: قتله صبرًا، فالصبر غير القتل، حكى هذا عنه صاحب الوعي. قال هو، والخطابي: والشكر الثناء، وكل شاكر حامد، وليس كل حامد شاكرًا.

قال صاحب الواعي: والقتيبي: وربما جعل الحمد مكان الشكر، ولا يجعل الشكر مكان الحمد. والفرق بين الشكر والحمد: [أن الشكر] هو الثناء على الإنسان بخير أو معروف اصطنعه عندك، والحمد الثناء عليه بكرم أو حسب أو شجاعة، [تقول]: حمدت شجاعته، ولا تقول: شكرت شجاعته، عن صاحب الجامع والقتيبي، وغيرهما. قال صاحب الجامع: وأصل الشكر إظهار النعمة، والشكور: الشكر، قال الله تبارك وتعالى: {لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا}. قال الشيخ بو جعفر: وكذا حكى صاحب الياقوت عن ثعلب قال: قلت لابن الأعرابي: أتفرق بين الحمد والشكر؟ قال: نعم، لا يكون [الشكر] إلا جزاء لنعمته، وهو قولك إذا أنعم الله عليك، بنعمة: الحمد لله، فهذا هو الشكر الصراح، وقولك إذا قيل لك إن [فلانًا] قد استغنى بعد فقر: الحمد لله، فهذا ثناء وذكر الله تعالى، ليس فيه شيء من الشكر. قال الشيخ أبو جعفر: وحكى ابن عديس عن ثعلب أن الفرق بين الحمد

والشكر: أن الحمد يكون عن يد وعن غير يد، والشكر لا يكون/ إلا عن يد. قال الشيخ أبو جعفر: فإن حمدته مرة بعد مرة قلت: حمدته فهو محمد، وفي الأول محمود. وحكى ابن سيدة في المحكم حمدت الرجل حمدًا وحمدة، ومحمدًا ومحمدًا، ومحمدة ومحمدة، بكسر الميم وفتحها. قال الشيخ: قال صاحب الواعي: [ليس] في كلام العرب فعلت مفعلة غير هذا، وحسبت محسبة، وحميت محمية. قال الشيخ أبو جعفر: وحكى اللحياني في نوادره رجل حمد وذم، وامرأة حمد وحمدة، وذم وذمة، يريد محمودة ومذمومة، وأتينا منزلاً حمدًا، ومنزلة حمدًا ومنزلة ذمًا، وأنشد:

ألا هل أتى ذَلفاء أنَّي لم أجد ... على كَبِدِي للماء مُنْذُ نَأَت بَرْدَا وأَنِّيَ لم أُشْرَفْ يَفَاعًا عَشٍيَّة ... ولا غُدوةً إلاَّ حَنَنْتِّ ولالا نجدَا وكَانَتَّ مِنْ الزُّوجات يُّوْمَنُ غَيَبُها ... وتَرْتَادُ فيها العَيْنُ مُنْتَجَعَّا حَمْدا قال الشيخ أبو جعفر: وحكى هذا أيضًا ابن عديس في كتاب الصواب، وقال عن غيره ويقال حمدت الرجل، وحمدته، بفتح الميم وكسرها، وأحمدته: وجدته محمودًا. قال: وقال بعضهم: أحمدت الرجل: إذا رضيت فعله ومذهبه، ولم تنشره للناس، وحمدته: جزيته وقضيت حقه، وأحمدته: استبنت أنه مستحق للحمد، وأحمد الرجل: فعل ما يحمد عليه، وأحمد أمره: صار عنده محمودًا. قال الشيخ أبو جعفر: وحكى ابن القطاع في أفعاله/ عن أبي زيد: حمدت الرجل وأحمدته، بمعنى، ضد ذممته. وحكى هذا أيضًا أبو عبيدة في فعل وأفعل. وقوله: «وأصحت السماء فهي مصحية». قال الشيخ أبو جعفر: أي ذهب غيمها، وهو ضد أغيمت، يقال: يوم صحو: إذا لم يكن في السماء سحابة، عن ابن خالويه.

قال الشيخ أبو جعفر: وحكى ابن سيدة في المخصص عن ابن السكيت أنه قال: أصحت المساء وهي صحو، ولا يقال: مصحية. وقال أبو حاتم: الناس يقرون أن الإصحاء هو انقشاع الغيم، وليس كذلك، إنما هو إقلاع [البرد] سواء كن غنيم أو لم يكن، وكذل قال صاحب الواعي: أصحت السماء فهي مصحية، ويوم مصحٍ: إذا لم يكن فيه برد وإن كان في السماء غيم، قال: وأصحى يومنا: إذا كان كذلك. قال الشيخ ابو جعفر: وحكى الفراء صحت السماء بغير ألف، قال الزمخشري: وكذلك كل ما يضاف إلى السماء يجوز فيه فعل وأفعل، كقولهم: رعدت وأرعدت، [وبرقت] وأبرقت، ومطرت وأمطرت. قال: وإن كان بعضها أوجه من بعض. قال ابن خالويه: ويقال: يوم دجن، أي: غيم، ويوم غيم

وغين، بمعنى واحدٍ. قال الزمخشري: ويوم غم، كل هذا إذا كانت السماء متغيمة، قال ويجوز يوم غيم بالإضافة. قال الشيخ أبو جعفر: يقال: غامت السماء تغيم غيمومة فهي غائمة وغيمة، وأغامت وتغيَّمتْ، وغَيَّمَتْ، وغَيِمَتْ، وغِيْنَتْ، وغَيَّمتْ، وأغمت، عن الهروي. قال صاحب كتاب العالم، وابن سيدة/ في المخصص: وتربدت، وغثت، ودججت، وأضبت، كل ذلك يقال عند تغيم السماء. قالا: ويقال في حال صحو السماء: السماء مصحية، وجلواء، ومقشعة، ومجهية، يقال: أجهت السماء فهي مجهية: إذا ذهب غيمها. وقوله: «وصحا السكران من سكره فهو صاحٍ». قال الشيخ أبو جعفر: معناه ذهب سكره، عن ابن سيدة في المحكم، وابن خالويه، وغيرهما.

قال ابن درستويه: أصلهما جميعًا من الصحو، وهو انجلاء الغيم عن السماء، وذهاب السكر عن السكران، وإنما السكر بخار يغطي على عقل الشارب كما يغطي السحاب وجه السماء، فإذا فاق السكر عن السكران قيل: قد صحا، أي: عقل، فلذلك جاء بغير ألف، وجاء أصحت بالألف، لأنه بمعنى أقشعت، وأسفرت. قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن سيدة في المحكم يقال: صحا السكران وأصحى، وكذلك المشتاق. وحكاه أيضًا ابن القطاع في أفعاله. قال الشيخ أبو جعفر: وقد يستعار في اللهو والصبا، فيقال: صحوت عن اللهو، وصحوت عن الصبا: إذا أفقت منه، وتركته، وأنشد ابن خالويه لجرير: أَتَصْحُو أَمْ فُوَادكُ غيرُ ضَاحٍ ... عَشيَّةَ هَمَّ صَحْبُك بالرُّواح تَقُول العَاذِلاتُ عليك شَيبٌ ... أَهَذَا الشَّيبُ يَمْنَعُنِي مِرَاحِي قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن درستويه: [شبه] جرير زوال الهم عن القلب بزوال السكر عن الشارب. قال الشيخ/ أبو جعفر: وحكى ابن خالويه بإسناذ له عن

ابن الأعرابي قال: يقال: يوم شيبان: إذا كان يوم غيم وصفا الجو. وحكى أيضًا بسنده عن ابن الأعرابي قال: قل الأعرابي ما أشد البرد؟ فال: إذا كانت السماء مصحية، والأرض ندية، والريح شامية. قال الشيخ أبو جعفر: ويقال: صحا السكران صحوا، وصحوًا، عن ابن سيدة في المحكم وابن درستويه. وقوله: «وأقلت الرجل البيع إقالة». قال الشيخ أبو جعفر: الإقالة في البيع: نقضه وإبطاله، عن أبي درستويه. وقال الفارسي: معناه أنك رددت عليه ما أخذت منه، تقول في البيع: قلته، وهو خطأ. قال الشيخ أبو جعفر: ليس بخطأ، حكى أبو عبيد في المصنف، وابن القطاع في الأفعال، والفراء في كتاب المصادر له، وأبو عبيدة في كتاب فعل وأفعل، واللحياني في نوادره: قلته البيع وأقلته. قال اللحياني: هي لغة ضعيفة، يقال: قلته البيع قليلاً، وإقالة.

وحكاها أيضًا اليزيدي في نوادره، وقال عنها: لغة رديئة. وحكاها أيضًا قطرب في كتابه فعلت وأفعلت، وقال: وأهل الحجاز يقولون: قلته، وهو مقيول ومقيل، ومقيل أجود مثل: مبيعٍ، ومبيوع لغة أناسٍ. قال الشيخ أبو جعفر: وأقلت كان في الأصل أقيلت، ويدلك على أنه من ذوات الياء [قولهم: تقابل الرجلان تقايلا]. وقوله: «وقلت، من القائلة، قيلولة». قال الشيخ أبو جعفر: أي نمت وقت القائلة،، عن ابن/ خالويه. ... والقيلولة نوم نصف النهار، عن ابن درستويه، قال: وبه سمي شرب نصف النهار قيلاً. قال الشيخ أبو جعفر: وأما القائلة [فهي] تدل على الساعة، كقولهم الهاجرة، عن الزمخشري. قال: وفي الحديث: "قيلوا فإن الشيطان لا يقيل".

قال اللحياني في نوادره، وابن القطاع في أفعاله، والفراء في المصادر: يقال من القائلة: قلت، وأنا أقيل قيلا، ومقيلاً، وقيلوة. قال الفراء: وقائلة: قال ابن القطاع: إذا نام القائلة، [أ] وشرب فيها. قال اللحياني: وأنا قائل، والجمع قائلون، وقيال، قال الله عز وجل: {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} قال الشيخ أبو جعفر: وقال ابن سيدة في المخصص، وأبو حاتم في لحنه: رجل قائل، وقوم قيل، وأنشدا: *إنْ قال قَيْلٌ لم أَقِلْ في القُيَّلِ* قال أبو حاتم: وقوم قيل، قال: والقيل أيضًا الشراب نصف النهار. قال الشيخ أبو جعفر: وبين النحويين اختلاف في وزن قيلولة، فذهب البصريون إلى أن وزنها فيعلولة (قيولولة) مثل: [كيونونة]،

فقبلوا الواو ياء وأدغموا فقالوا: قيلولة وكينونة، ثم خففوا كما خففوا الميت، فقالوا: الميت. وذهب الكسائي إلى أن وزنها فعلولة بالياء، وهي من الواو. فقيل في رده: لو كان ما قاله حقًا لقالوا [كونونة]، لأن (كان) من ذوات الواو، وهم لم يقولوا إلا كينونة. فقال الكسائي في الانفصال عن ذلك: هي من الواو، ولمن قبلت الواو من الياء لأنهما أختان يتعاقبان، كما قالوا: دام ديمومة، وساد [سيدوده]، / وهاع هيعوعة، من التهوع، وأصله كونونة مخففة، وسودودة، ودومومة. وذهب الفراء إلى أن كينونة وأخواتها أريد بهن فعلولة ففتحوا اولها كراهية أن تصير الواو ياء فقالوا: قيلولة، وهذا الأصل لذوات الياء كقولهم: حيدودة، وطيرورة، وأشباههما. قال: ولم يأت في ذوات الواو إلا قليلاً نحو: كينونة وأخواتها. قال الشيخ أبو جعفر: ومن اقوى حجج البصريين على تصحيح مذهبهم أن الشاعر قد نطق بها على الأصل، فقال: يَا لَيْتٌ أنُّا ضمَنُّا سَفيِنةُ ... حتَّى يعودَ الوصل كَيْنُونَةْ

قال الزمخشري: هيعوعة وقع فيه غلط ليس من الباب، لأنه يقال: دام يدوم، وساد يسود، وهاع يهوع. وقوله: «وأكننت الشيء: إذا أخفيته في نفسك». قال الشيخ أبو جعفر: قال الله تبارك وتعالى:} أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ {. أي: سترتم. وقوله: «وكننته: إذا سترته بشيء». قال الشيخ أبو جعفر: كنا وكنونا، عن اليزيدي في نوادره، وعن الفراء في المصادر. وقال الزمخشري عن الفراء: أكننت الشيء: إذا جعلته في كن، كما يقال: أغلفته: إذا جعلته في غلاف، والكنان: الغلاف، وجمعه أمنة، ومنه قوله تبارك وتعالى حكاية: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ {أي/: [في غلف. وقال الكسائي: كننت: إذا سترت وحفظت، قا] ل الله تبارك

وتعالى: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} فمكنون] من كننت. [وأنشد يعقـ]ـــــــــــــوب في الإصلاح للشماخ: ولو أني [أشاء] كننت نفسي ... إلى بيضاء بهكنة شموع. قال الشيخ أبو جعفر: وكذا حكى أبو عبيد في المصنف عن الكسائي، كما حكاه ثعلب هنا من أن أكننت الشيء في نفسك بالألف، وكننته: إذا سترته، بغير ألف. وحكى أبو عبيد أيضًا عن أبي زيد أنه قال: كننت الشيء في الكن وأكننته، وفي النفس [مثلهما] جميعًا. وقال ابن طريف: قول الكسائي أعم، وهي لغة القرآن، وذكر الآيتين المتقدمتين. وقال أبو عبيدة في فعل وأفعل قالت تميم: كنت الجارية أكنها كنا،

والكاف مكسورة، وأكننت العلم والسر، وقالت قيس: كنت السر والعلم، بغير ألف، وأكننت الجارية، بألف. قال الشيخ أبو جعفر: وقال ابن الأعرابي في نوادره: أكنت السر، بالألف، وكننت وجهي من الحر، وكننت سيفي، قال: وقد يكون هذا أيضًا بالألف. وقوله: «وقد أدنت الرجل: إذا بعته بدين». قال الشيخ أبو جعفر: قال ابن التياني: يقال: أدان الرجل: أخذ بدين، خفيفة الدال، وأدان فلان الناس، خفيفة أيضًا: أعطاهم الدين، فهو [مد] ين بضم الدين، والمدان: الآخذ بالدين، وهو أيضًا المعطي. / قال: ويقال للذي يعطي الدين: دائن. قال الشيخ أبو جعفر: قال اللحياني في نوادره: رجل مديان، وامرأة مديان، [والجمع] منهما مدايين بلا همز.

قال الفراء في المصادر: ومديان مثل: .... قليل. وقوله: «ودنت أنا، وادنت، أي: أخذت بدين». قال الشيخ أبو جعفر: حكى ابن السيد في الاقتضاب عن الخليل أنه يقال: رجل مدين، ومديون، ومدان، ودائن، وأدان، واستدان، ودان إذا أخذ بالدين، وأنشد: إنِّ المَديِن غَمُّةُ طَرِيُّ ... والدَّينُ دَاءٌ كاسمه دَوِيُّ قال الشيخ أبو جعفر: وقوله: «وادانت ادان» افتعل من الدين، وكان في الأصل آدتان، فانقلبت تاء الافتعال دالاً، وأدغمت في الأصلية، فقالوا: ادّان، وفي الأثر: "فأدان معرضًا" وقوله: «وضفت الرجل: إذا نزلت به وأضفته: إذا أنزلته». قال الشيخ أبو جعفر: يقال: ضفت الرجل، وتضيفته: إذا نزلت به

وصرت ضيفًا له، عن كراع في المجرد، والجوهري، وأنشد الجوهري للفرزدق: ووَجَدْتَ الثَّرى فينا إذا التُمِسّ الثّرى ... ومن هو يرجُو فَضْلَهُ المُتَضَيِّفُ قال الشيخ أبو جعفر: وأصله الميل، وذلك أنه يميل إلى من يضيفه. والضيفن: [ضيف] الضيف، وهو الذي نهلا النبي صلى الله عليه وسلم [عنه] بقوله: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فلا يستتعبن أحدًا". قال: ويقال: أضفته، وضيفته: إذا أنزلته بك ضيفًا وقريته.

§1/1