تحفة القادم

ابن الأبار

مقدمة

مقدمة أسأل الله عوناً على حَمده الفَرض، وصوناً من الرَّفض، لِما يُثمر مُضاعف القَرض، ومحمداً أُصلِّي عليه وعلى آله وصحبه الذين أشبهوا نُجوم السماء في الأرض، صلاةً تُدخلني في زمرة الجنة إذا أُخرجَ بَعث النار يوم العَرض. وبعد، فهذا اقتضاب من بارع الأشعار، بل يانع الأزهار، قصرتُه على أهل الأندلس بلدي، وحصرتُه إلى من سبق وفاتَه منهم مولدي. ثمَّ ألحقتُ بهم أفراداً لحقهم شيوخُ ذلك الأوان، لأُضاهي " أنموذج " أبي عليّ ابن رَشيق، في شُعراء القيروان؛ وأضفت إلى هؤلاء، الطارئين على الجزيرة من الغُرباء، وربأتُ به عمَّا تضمنتْه تصانيف السابقين من الأُدباء؛ ليكون بريعانه وضَيعته، أبعدَ من خُسرانه وضَيعته؛ فجئتُ بجواهر لم يُبتذل مَصونها، وبأزاهر لم تُهتصر غُصونها؛ مسارعاً إلى ما لهم من أبيات سائرة، وآيات سافرة، وشارعاً في تكميل عددهم مائة شاعر وشاعرة؛ وجعلته باكورة ما بين يديّ في هذا الفن، والله المستعان ذو الطَّوْل والمَنّ.

ولما عارضت به " زاد المسافر " سمَّيته " تحفة القادم " وحميتُه أسجاع الناثر، اكتفاء بقوافي الناظم؛ ناسياً مَن ذَكره في ترجمةٍ أبو بحر ابن إدريس جامعه، وآتياً من روائع البديع ما يهتزّ له مُبصره وسامعه، كتشبيه لابن المُعتز فاضح، وتَشبيب إزراؤه بالرَّضِيّ واضح، أعيا الأول وله السبقُ يوم الرِّهان، وأنسى الثاني ليلةَ السَّفح وظَبية البان؛ إلى فنونٍ ذواتِ فُتون من الآداب، ساحرةٍ للألباب، وساخرةٍ من الكَلِمِ اللُّباب. وهذا أوانُ الشُّروع في المُراد، بهذا المجموع أبدأ: فالأول في الزمان، وربما قدّمت الأكبر بالمكان، إلا أن يعرض من النِّسيان، ما هو مُوكَّل بالإنسان.

ابن خلصة

ابن خلصة أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن فتح بن قاسم بن سليمان بن سويد بن خَلصة - بفتح الخاء المعجمة واللام والصاد - اللخمي، من أهل بلنسية، كان أستاذاً في علم اللسان والأدب فصيحاً مفوّهاً حافظاً للغات، أقرأ كتاب سيبويه بدانية وبلنسية، وله يدٌ في النثر، ثمَّ انتقل إلى المريّة وفيها توفي سنة تسع عشرة وخمسمائة، حكى ذلك ابن الصيرفي في تاريخه وقيل سنة عشرين وقيل إحدى وعشرين " وهو الصحيح ". ومن قوله في أبي العلاء ابن زُهر من قصيدة: غدَتْ عنك أفواهُ الغيومِ الدوافقِ ... تفيضُ بما تُوري زناد البوارقِ أنارَتْ جهاتُ الشَّرقِ لمَّا احتللتَه ... فكاد الدُّجى يجلو لنا وجه شارقِ

وكم زفرَتْ شوقاً بلنسِيَةُ المُنى ... إليكَ ولكنْ رُبَّ حسناءَ طالقِ تقلَّدَ منك الدَّهرُ عقداً وصارماً ... بهاءً لجيدٍ أو سناءً لعاتقِ ولو قُسِمَت أخلاقك الغُرّ في الدنا ... لما صوَّحَت خُضْر الرُّبى والحدائقِ وله يخاطبه وقد استدعى منه كتاباً: يا وَزَراً تُفصحُ اللَّيالي ... بأنه سِرُّهَا اللبابُ ومَنْ معاليه سافراتٌ ... والشَّمسُ من دونها نقابُ حددتَ لي فامتثلتُ أمراً ... ها أنا بالبابِ والكتاب وينسب إلى خلصة أيضاً: أبو عبد الله الضرير الداني، وليس من شرطنا لتقدم وفاته في آخر المائة الخامسة، ولأنه أيضاً مذكور في كتاب الذخيرة لابن بسام. وأبو عبد الله محمد بن يوسف بن خلصة المعافري الشاطبي أحد الرواة عن أبي عمر ابن عبد البر، وليس بمعدود في الأدباء. وأردت بهذا الانباء والانباه، التفرقةَ بينهم خيفةَ الاشتباه.

ابن أبي الصلت

ابن أبي الصلت أبو الصَّلت أُمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت، من أهل إشبيلية، وسكن المَهديَّة، واتصل بأميرها يحيى بن تميم المُعزّ الصِّنهاجي، ثمَّ بابنه عليّ بن يحيى، وبعده بالحسن بن علي، آخر ملوكِ الصّنهاجيين بها. وتُوفي صدر ولايته سنة عشرين وخمسمائة، أو بعدها بيسير. وقيل توفي مع أبي عبد الله المازري في سنة ست وثلاثين، والأول أصحّ. ومن خَبره أنَّه خرج من إشبيلية ابن عشرين سنة، ولزم التعلُّم بمصر

عشرين سنة، ثمَّ أوطن المَهديَّة عشرين سنة. حُدثت بهذا عن أبي عبد الله ابن عبد الخالق الخطيب بها، عن بعض مَن أدركه من شيوخها. وله تواليف مُفيدة في الطبّ، وهو كان الغالب عليه، وفي الأدب والعروض والتاريخ. ومن مدائحه في يحيى بن تميم يصف فرساً له كان يُسمَّى هلالاً لغُرَّةٍ في جبهته هِلالية الشكل: شهدتُ لقد فات الجيادَ وبَذَّها ... جوادُك هذا من وِرادٍ ومن شُقرِ جوادٌ تبدَّت بين عينيه غُرَّةٌ ... تُريكَ هلالَ الفطر في غُرة الشهرِ وما اعتنَّ إلاَّ قلتُ أسأل صاحبي ... بعَيشكَ من أهدى الهلالَ إلى البدرِ كأنَّ الصَّباحَ الطَّلْقَ قَبَّلَ وَجْهَهُ ... وسالتْ على باقيهِ صافيةُ الخمرِ كأنَّك منهُ إذ جَذَبْتَ عِنانَهُ ... على منكِبِ الجَوْزاءِ أو مَفْرِق النَّسرِ كأنَّك إذ أرسلتَه فوق لُجة ... تُدَفِّعها أيدي الرِّياح إلى العبْرِ تدفّقتُما بحرَين جُوداً وجَودةً ... ومن أعجبِ الأشياءِ بحرٌ على بَحْرِ وله أيضاً فيه ويصف بعضَ مبانِيه: قُم يا غلامُ ودَعْ مُخالسةَ الكَرى ... لمُهجِّرٍ يصفُ النّوى ومُغلَّسِ

أو ما رأيت النَّوْرَ يَشرقُ بالنَّدى ... والفجرَ يَنْصُلُ من خضابِ الحِنْدِسِ والتُّربُ في خَلل الحديقة مُرْتَوٍ ... والغصنُ من حُلَلِ الشَّبيهِ مُكْتَسِ والرَّوضُ يبرُزُ في قلائدِ لُؤلُؤٍ ... والأرضُ ترفُلُ في غَلائِلِ سُندسِ لا تَعْدَمُ الألحاظُ كيف تصرَّفَتْ ... وَجَناتِ وَرْدٍ أو لواحظَ نَرْجسِ وله كلام في المباني السلطانية يصفُها فمن ذلك قوله: وضَّاحة حلَّتِ الأنوارُ ساحتَها ... فأزمعتْ رحلةً عن أُفقها السُّدُفُ كأنَّ رَأْدَ الضُّحى مما يُغازلها ... عن الغَزالةِ هيمانٌ بها كَلِفُ تجمَّعتْ وهي أشتاتٌ محاسنُها ... هذا الغَدير وهذِي الرَّوضةُ الأُنُفُ يُضاحكُ النُّور فيها النَّوْرَ من كَثَبٍ ... مهما بكتْ للغَواني أعينٌ ذُرُفُ خُضرٌ خمائلها زُرقٌ جداولها ... فالحُسْنُ مُتلفٌ فيها ومختلفُ دَوْح وظلٌّ يلذُّ العيشُ بينهما ... هذا يَرِفُّ كما تهوَى وذا يَرِفُ يَجري النسيمُ على أرجائها دَنِفاً ... ومِلؤه أرَجٌ يشفَى به الدَّنِفُ حاكَ الربيعُ لها من صوبِهِ حِبَراً ... كأنَّها الحُلَلُ الأفوافُ والصُّحف غَريرةٌ من بناتِ الرَّوضِ ناعمةٌ ... يَثني معاطفَها في السُّندس التَّرَف تَندى أصائلُها صُفراً غلائلُها ... كأنَّ ماءَ نُضارٍ فوقها يَكِفُ وله في المَصنع المعروف بأبي فِهر: نَمت صُعُداً في جِدَّةٍ غُرفاتُه ... على عَمَدٍ مما استجاد لها الجِدُّ تَخَيَّلن قاماتٍ وهُنَّ عقائلٌ ... سوى أنَّها لا ناطقاتٌ ولا مُلْدُ قُدودٌ كساها ضافيَ الحُسن عُرْيُها ... وأمعنَ في تَنعيمها النَّحتُ والقَدُّ

تُذكِّرُ جنَّاتِ الخلودِ حدائقٌ ... زواهرُ لا الزَّهراءُ منها ولا الخُلد فأسحارُها تُهدي لها الطيبَ مَنْبجٌ ... وآصالُها تُهدي الصَّبا نحوها نجدُ أنافَ على شُمِّ القُصورِ فلم تَزَلْ ... تَنَهَّدُ وجداً للقُصور وتَنهدُّ رَحيبُ المَغاني لا يضيق بوَفْدِهِ ... ولو أنَّ أهلَ الأرضِ كلَّهُمُ وَفد تلاقَى لديه النَّور والنُّور فانجلتْ ... تفاريقَ عن ساحاتهِ الظُّلَمُ الرُّبد وسُجن أبو الصلت بمصر، فقال في ذلك: عَذيريَ من دهرٍ كأنِّي وَترتُه ... بباهِرِ فَضلي فاستقادَ به منِّي تَعجَّلني بالشَّيبِ قبلَ أوانهِ ... فجرَّعني الدُّرديَّ من أوَّلِ الدَّنّ وما مرَّ بي كالسّجنِ فيه مُلمَّةٌ ... وشرٌّ من السّجنِ المُصاحَبُ في السّجن أظُنُّ اللَّيالي مُبْقِياتي لحالةٍ ... تُبدِّلُ فيها حياتي هذه عنِّي وإلاَّ فما كانتْ لتَبْقَى حُشاشتي ... على طولِ ما ألقى من الضَّيمِ والغَبنِ وقالوا حديثُ السِّنّ يسْمو إلى العُلا ... كأنَّ العُلا وقفٌ على كِبَرِ السنِّ وما ضرَّني سنُّ الحَداثة والصِّبا ... إذا لم يَضْفُ خُلْقي إلى النَّقصِ والأفْنِ فعلْمٌ بلا دَعوى ورأيٌ بلا هوًى ... ووعدٌ بلا خُلْفٍ ومنٌّ بلا مَنِّ متى صَفَتِ الدُّنيا لحُرٍّ فأبتغي ... بها طيبَ عَيشي أو خُلُوِّي من الحُزْنِ وهل هي إلاَّ دارُ كُلِّ مُلِمَّةٍ ... أمضُّ لأحشاءِ اللَّبيبِ من الطَّعنِ

وقال أبو الصَّلت: تَجري الأُمور على حُكم القَضاء وفي ... طيِّ الحوادِثِ مَحبوبٌ ومكروهُ فربَّما سَرَّني ما بِتُّ أحذرُهُ ... وربَّما ساءني ما بِتُّ أرجوهُ

ابن البراء التجيبي

ابن البراء التجيبي أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله بن البراء التُّجِيبي: من أهل الجزيرة الخضراء، ومعدودٌ في المجيدين من الشعراء، وله ديوان نظم ونثر كبير. فارق وطنه وهو صغير منتزحاً إلى بلاد الصحراء، وممتدحاً من كان بها من الأمراء، وأراه لم يعد إلى ذَراه، كما لم يعدم الحنين إليه في تأويبه وسُراه، فمن شعره في ذلك: عندي على الخضراءِ دَمْعٌ واكفٌ ... والقلبُ أبرَدُ حَرّهِ الرمضاءُ أودى ثِقافُ فراقِنَا بقناتنا ... فانآدتِ اليَزَنِيَّةُ السمراءُ نزحِتْ بيَ الأقدارُ عن دارِ الهوَى ... وقَذَفْنَني حيثُ الفؤادُ هواءُ فإقامتي ما بينَ أظهرِ معشرٍ ... سيَّان عندهُم الدُّجى وذُكاءُ وقال أيضاً: أحنُّ إلى أرضٍ لَبِسْتُ بها الصِّبا ... فعندي لها من أجل ذِكْرِ الصِّبا وجدُ ومن أجلِ نَصْلِ السَّيفِ أُكرِمَ جَفْنُهُ ... ومن جهَةِ الرّيَّا سما العنبرُ الوردُ وقال أيضاً: سقى واكفُ القطرِ الجزيرةَ إنَّني ... إليها وإن جَدَّ الفِراقُ لوامقُ دياراً بها فارقتُ عَصرَ شبيبتي ... فيا حبَّذا عَصْرُ الشَّبابِ المفارقُ

شبابٌ شَفَى نفسي وودَّعَ مسرعاً ... كما زار طَيفٌ أو تبوَّجَ بارقُ قضيتُ به حقَّ الهوَى وأطعتُهُ ... فأيامُهُ في عينِ فكري حدائقُ وقال أيضاً: بي جُؤذَرٌ هامَ الفؤادُ بحُبِّهِ ... عُنيتْ لواحظُهُ بقتلِ محبِّهِ قد أتلفَ المُهَجاتِ بين لَطافَةٍ ... في وجنتيهِ وقسوةٍ في قلبهِ وإذا رأى المرآةَ هامَ فؤادُهُ ... في حُسْنِ صورتِهِ فرقَّ لصبّه ولابن البراء في أعرج أبِنْ لي يا أبا موسى بحالٍ ... بَدَتْ لي منكَ يضحكُ من رآها تكيلُ الأرضَ باعاً بَعْدَ باعٍ ... كأنَّكَ قد عَزَمتَ على شِراها وتنبحُكَ الكلابُ بكلِّ أرضٍ ... كأنَّكَ قد طُبِعتَ على أذاها وقال بالقيروان، وقد بلغه أن أبا الفضل يوسف ابن النحوي ذم خطَّ أهل الأندلس، من قصيدة يقول فيها: تنسمْ أريجاً لم يَضُعْ من لطائمِ ... وعرِّجْ على ربعٍ لميَّةَ طاسِمِ ترحلتُ عن أَرضي فأفضتْ بيَ النَّوى ... لأرضِ ذئابٍ في ثيابِ ضراغمِ فكم فيهمُ من عائبٍ قمرَ الدّجى ... ومستنزرٍ منهلَّ قطْرِ الغمائم رمى معشري بالذمِّ منطقُ يوسفٍ ... وحُسْنُ الثّريّا مُفْحِمٌ كلَّ ذائم أبا الفضل لا ترتَبْ بأنَّك من فمي ... سليمُ أفاعٍ لستَ منها بسالمِ أراكَ سفاهاً عبتَ خطَّ مَعَاشرٍ ... بهمْ تُسْفِرُ الأيَّامُ عن وجهِ باسمِ فإن يكُ فضلاً ما تشي يدُ كاتبٍ ... فكلُّ العُلا في ما تشي يدُ راقم

وله من قصيدة: ما خيَّمَ المجدُ إلاَّ في منازلنا ... فليس يَعْدِلنا في الأرضِ من أحدِ إذا بَلَوْتَ فأخلاقٌ مُهذَّبةٌ ... وإن سألتَ فبذلٌ من فمٍ ويدِ من كلِّ مكرُمَةٍ فُزنا بأوفَرِها ... حفظُ الجِوارِ لنا والأخذُ بالقَوَدِ لنا نفوسٌ عن الجاراتِ معرِضَةٌ ... وفي التّقى لأفاعيهنَّ بالرَّصدِ إن شئتَ من كَلِمِ الأعرابِ أفصحَها ... فخُذْهُ عن والدٍ منَّا وعن وَلَدِ تَنْبُو حِدادُ الظُّبَا عن غَرْبِ منطقنا ... نبوَّ ظُفرِ الفتَى عن مخلبِ الأسدِ ومنها في الرّدّ على أبي الفضل إذ ذمَّ أبا عمر ابنَ عبد البرّ: معتوهُ قسطيلةٍ ينفي رياضتنا ... ومن يُرِدْ قَنَصَ العنقاءِ لم يصدِ تفيظُ دون مُناها نَفْسُ حاسِدِنا ... وكيف للغَوْرِ يعلو ذِرْوَةَ السَّنَدِ تعساً ليوسفَ أنْ مَنَّاهُ خاطرُهُ ... لحاقَنَا وهلِ العرماضُ كالثمدِ باحَتْ بذمِّ ابن عبد البر قَوْلَتُهُ ... إن الحسودَ على المحسودِ ذو حَرَد كم يُتْعِبُ النفسَ فيما ليس يبلغُهُ ... والضبعُ يعظمُ عنها كلُّ ذي لِبَدِ لو حلَّ ساحةَ قومي كان مُطَّرَحاً ... كَبَهْرَجٍ لَحِظَتْهُ عينُ مُنْتَقِدِ دعوى العلومِ تحلاَّها فأَشبههم ... كما تشابَهَ لفظُ السَّعْدِ والسُّعْدِ وتوفي أبوه وهو على حاله من الاغتراب والاضطراب، فكتب إلى أخيه مع نثر: تَبَّتْ يدُ البينِ كم من مهجةٍ عبثتْ ... بها وكم من فؤادٍ وهو مُنْصَدِعُ دنوُّ رَبْعَكَ أقصى ما أُؤَمِّلُهُ ... لكنْ منالُ الَّذي لم يُقضَ ممتنعُ

وكان أبوه أبو بكر أحدَ شيوخ أبي الفضل عياض، رحمه الله. ومما سمعه، قال: أنشدني أبو جعفر ابن الدلال ببلنسية عن أبي الحجاج ابن الشيخ سمعت منه بمالقة عن أبي طاهر السلفي سمعه منه بالإسكندرية، قال: أنشدني الإمام أبو المظفر الأبيوردي لنفسه بهمذان: وقصائدٍ تحكي الرياضَ أضعتُها ... في باخلٍ ضاعتْ به الأَحسابُ فإذا تناشدها الرواةُ وأبصروا ال ... ممدوحَ قالوا ساحرٌ كذَّابُ

ابن الطراوة

ابن الطراوة سليمان بن محمد بن عبد الله أبو الحسين السبائي - بالسين المهملة وبالباء الموحدة - المعروف بابن الطراوة من أهل مالقة. أخذ عن أبي الحجاج الأعلم والأديب أبي بكر المرشاني وأبي مروان ابن سراج، حمل عنهم كتاب سيبويه وكان إمام العربية في عصره وصاحب التواليف المشهورة فيها، وكانت وفاته في رمضان وقيل في شوال سنة ثمان وعشرين وخمسمائة. ومن شعره: وقائلةٍ أتَهْفو للغواني ... وقد أضحى بمَفْرِقِكِ النَّهارُ فقلتُ لها حَثَثْتِ على التّصابي ... أحقُّ الخيلِ بالرَّكضِ المعارُ ومنه في فقهاء مالقة: إذا رأوا جَملاً يأتي على بُعدٍ ... مَدُّوا إليه جميعاً كفَّ مقتنصِ

إن جئتَهم فارغاً لَزُّوك في قَرَنٍ ... وإن رأوا رشوةٍ أفْتوك بالرُّخَصِ ومنه وقد خرجوا ليستسقوا على أثر قحط في يوم غامت سماؤه فزال ذلك عند خروجهم: خرجوا ليستسقوا وقد نَشأتْ ... بحريّةٌ قَمِنٌ بها السحُّ حتَّى إذا اصطفّوا لدعوتهمْ ... وبدا لأعينهمْ بها نَضْحُ كُشِفَ الغمامُ إجابةً لهمُ ... فكأنَّما خرجوا ليستصْحوا هكذا وجدت هذه الأبيات منسوبةً إليه، وقد سبقه إلى معناها أبو عليّ المحسن ابن القاضي أبي القاسم عليّ بن أبي الفهم التنّوخي صاحب كتاب الفرج بعد الشدّة في قوله: خرجنا لنستسقي بيمنِ دعائه ... وقد كاد هُدْبُ الغيم أن يُلبسَ الأرضا فلمّا ابتدا يدعو تقشّعتِ السَّما ... فما تمَّ إلاَّ والغمامُ قد ارفضَّا

الأندي

الأندي أحمد بن خليل أبو عمرو الأُنْدي - بالنون والدال المهملة - من أهل بلنسية، كان طبيباً أديباً شاعراً صاحبَ افتنانٍ ومقطَّعاتٍ حسان، وهو القائل: ومَذعورةٍ من حَلْيها قد ذعرتُها ... بسلّةِ مطرورِ الغِرارِ مهنَّدِ فما وجدَتْ للحَزم إلاَّ التِفاتَةً ... تُرقرِقها ما بين دمع وإثمدِ حكمتُ على ألحاظها بعضَ حُكمها ... فحسبُكَ منِّي مُعتدٍ غيرُ معتدِ وله أيضاً: وهيفاءَ رام الغُصنُ يحكي قوامها ... وقالت لها شمسُ الضُّحى أنتِ أملحُ يُقِلُّ رداحَ الردفِ منها مخصَّرٌ ... بأضيَقَ من خلخالها يتوشّحُ تَلاعبُ بالمرآة عُجباً وإنَّما ... تُلاعب ظبيَ الموتِ في الماءِ يسبحُ وله في فرس: ذو غرّةٍ إن مرَّ تحسبهُ ... ريحاً يمرُّ أمامها قَبَسُ شهمٌ كطبعكَ في الوغى يقظٌ ... سهلٌ كخُلْقِكَ في النَّدى سَلِسُ وله أيضاً: بحيث بدتْ خُضْرُ الكتائبِ مقلةً ... تخالُ بها من مُشْرَعاتِ القنا شفرا وله أيضاً: ومنزلٍ ما به أنيسٌ ... يلوح للسَّفْرِ فيه نارُ

علَّلتُ طرفي بها بخدٍّ ... دخانها حولَه عذارُ وله أيضاً: وغديرٍ رقَّتْ حواشيه حتَّى ... بان في قَعْرهِ الَّذي كان ساخا وكأنَّ الطيورَ إذ كرعت في ... هـ وعلَّتْ تزُقُّ فيه فِراخا

ابن فرتون

ابن فرتون أبو القاسم خلف بن يوسف بن فرتون الأبرش النحوي من أهل شنترين، تجول في بلاد الأندلس وغيرها معلماً بالعربية، وكان رأساً في العربية واللغة، حفظ كتاب سيبويه؛ وتوفي بقُرْطُبَة سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، فمن قوله، أنشدنا أبو الربيع ابن سالم قال أنشدنا أبو القاسم ابن سمجون قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن أبي القاسم بن الأبرش لأبيه: لقد كنتُ أخشى أنْ تكونَ ملالةً ... فقد وقع الأمرُ الَّذي كنتُ أحذرُ فلقِّنْ لساني إن لقيتك حجةً ... فعند ارتحالي إن نسيتَ سأذكر وله بالإنشاد المذكور: لو لم يكنْ ليَ آباء أَسودُ بهم ... ولم يُثبِّتْ رجالُ العُرْبِ لي شَرفا ولم أنلْ عند مَلْكِ العصر منزلةً ... لكان في سيبويهِ الفخرُ لي وكفى

وزاد أبو الربيع بيتاً ثالثاً عن ابن حمير بالإنشاد عن ابن الأبرش كذلك: فكيفَ عِلْمٌ ومجدٌ قد جمعتهُما ... وكلُّ مختلقٍ في مثلِ ذا وَقَفا وبالإنشاد الأول له: رأيتُ ثلاثةً تَحكي ثلاثاً ... إذا ما كنتَ في التشبيهِ تنصِفْ فتاجو النّيلُ منفعةً وحُسناً ... ومصرٌ شنترينُ وأنت يوسُفْ وما أحسن قول شيخنا أبي الحسن ابن حريق في هذا المعنى، وأنشدنيه: أصبحَت تُدميرُ مِصْراً شَبهاً ... وأبو يوسف فيها يوسُفا ولابن الأبرش يرثي غلاماً وسيماً غرق، قاله أو تمثل به وهو: الحمدُ للهِ على كلِّ حالْ ... قد أطفأَ الماءُ سِراجَ الجَمالْ أطفأهُ ما قد كانَ مَحْيا له ... قد يطفئُ الزيتُ ضياءَ الذُّبالْ وقد أكثر الشعراء في رثاء الغريق فأجادوا، من ذلك قول أبي القاسم ابن العطار الإشبيلي في بعض الهَوزَنيين ومات غريقاً في نهر طلبيرة عند فتحها: ولما رأوا أنْ لا مقرَّ لسَيفِهِ ... سوَى هامِهم لاذوا بأجرأ منهمُ وكان من النَّهر المَعين مُعينُهم ... ومن ثَلَم السدّ الحسامُ المثلّمُ فيا عجباً للبحرِ غالتهُ نُطفةٌ ... وللأسَدِ الضّرغامِ أرداه أرقَمُ

العامري النحوي

العامري النحوي أبو بكر محمد بن إبراهيم القرشي العامري الخطيب النحوي من أهل شلب، وأصله من مدينة باجة. له ورسم أن يُكتب على قبره: لئن نفذ القدرُ السَّابقُ ... بموتي كما حكمَ الخالقُ فقد مات والدُنا آدمٌ ... ومات محمّدٌ الصادقُ ومات الملوكُ وأشياعُهم ... ولم يبقَ منْ جمعهم ناطقُ فقُلْ للذي سرَّهُ مهلكي ... تأهَّبْ فإنَّك بي لاحقُ وللناس فيما يكتبون على القبور كثير مستجاد، من ذلك قول أبي إسحاق ابن خفاجة: خليليَّ هل من وقفةٍ بتألُّمِ ... على جدثي أو نظرةٍ بترحُّمِ خليليَّ هل بعد الرَدى من ثنيّةٍ ... وهل بعد بطن الأرض دارُ مخيّمِ وإنّا حَيينا أو رَدينا لإخْوَةٌ ... فمَنْ مرَّ بي من مسلم فليسلّمِ وماذا عليه أن يقول مُحيّياً ... ألا عِمْ صباحاً أو يقول ألا اسلمِ وفاءً لأشلاءٍ كرُمْنَ على البِلَى ... فعاجَ عليها من رُفاتٍ وأعظُمِ

يردّد طوراً آهةَ الحُزن عندها ... ويذرفُ طوراً دمعةَ المترحّمِ وقول أبي بكر عبد الرحمن بن محمد بن مُغاوِر الكاتب - بالغين والواو المكسورة والراء: أيُّها الواقفُ اعتباراً بقبري ... استمِعْ فيه قولَ عظمي الرميمِ أودعوني بطنَ الضريح وخافوا ... من ذنوبٍ كلومُها بأديمي قلتُ لا تجزعوا عليَّ فإنِّي ... حَسَنُ الظنّ بالرءوف الرحيمِ واتركوني بما اكتسبتُ رهيناً ... غَلِقَ الرهن عند مولًى كريمِ أنشدنيهما أبو الربيع ابن سالم قال: أنشدنا أولاهما أبو رجال ابن غلبون بمرسية، قال: أنشدنا أبو إسحاق - يعني ابن خفاجة - لنفسه، وذكرها، قال أبو الربيع: وأنشدنا الثانية قائلها على باب داره بشاطبة.

ابن العريف

ابن العريف أبو العباس أحمد بن محمد بن موسى بن عطاء الله الصنهاجي، ابن العريف الزاهد، من أهل المرية. ولي الحسبة ببلنسية، وقد أقرأ بسرقسطة، وبعد ذلك بَعُدَ صيته في العبادة. توفي سنة ست وثلاثين وخمسمائة ودفن بمراكش، وقيل إنَّه سُمّ، وله أخبار انظرها في غير هذا الموضع، وله نثر ونظم، فمن ذلك قوله: تمشَّى والعيونُ لهُ سَوامٍ ... وفي كلِّ النفوسِ إليه حاجهْ وقد مُلِئَتْ غَلائلهُ شُعاعاً ... كما مُلئتْ من الخمرِ الزجاجهْ وله: إذا نزلَتْ بساحتكَ الرَّزايا ... فلا تجزعْ لها جَزعَ الصبيِّ فإنَّ لكلّ نازلةٍ عَزاءً ... بما قدْ كان من فقدِ النبيّ وله أيضاً: إنْ لم أمتْ شوقاً إليكَ فإنني ... سأموتُ شوقاً أو أموتُ مشوقا

ألبسْتَني ثوبَ الضنى فعَشِقتُهُ ... مَنْ ذا رأى قبلي ضنًى معشوقاً لا قرَّ قَلْبي من مَقَرَّ جوانحي ... إن لم يَطِرْ قلبي إليكَ خفوقاً وبرئتُ من عيني إذا هي لن تَدَعْ ... للدَّمعِ في مجرى الدُّموعِ طريقا بحلاوةِ الإخلاصِ جُدْ لي بالرِّضى ... إنِّي رأيتُكَ بالعِبادِ رفيقا وله أيضاً: قِفا وقفةً بينَ المحصّبِ والحمى ... نصافحْ بأجفانِ العيونِ المغانيا ولا تنسيا أنْ تسألا سَمُرَ اللِّوَى ... متى بات من سُمْرِ الأسنَّةِ عاريا فعهدي به والماءُ ينسابُ فوقَهُ ... سماءٌ وماءُ الوردِ ينسابُ واديا كأنَّ فؤادي في فمِ الليثِ كلّما ... رأيتُ سنا برقِ الحمى أو رآنيا أقامَ على أطلالهمْ ضوءُ بارقٍ ... من الحسنِ لا يُبقي على الأرضِ ساليا سلامٌ على الأحبابِ تحدوه لوعةٌ ... من الشَّوق لم يفقد من البينِ حاديا

ابن غتال

ابن غتال أبو الحكم جعفر بن يحيى المعروف بابن غتال من أهل دانية، ولسلفه بها نباهة، وهو القائل: حُبُّكَ لذٌّ بكلِّ معنًى ... إلى كرًى ملتَ أو سهادِ إن كانَ لا بدَّ من منامٍ ... فأضلعي هاكَ عن وسادِ ونمْ على خَفْقِها هُدُوّاً ... كالطفلِ في نَهْنَهِ المهادِ أبو بكر يحيى بن بقي كان أظرف معنًى وألطف ذهناً، حيث يقول: باعدتُهُ عن أضلعٍ تشتاقُهُ ... كي لا ينامَ على وسادٍ خافقِ على أن بعض الأدباء نسبه إلى الجفاء لما قال: " باعدته عن أضلع تشتاقه " ولم يقل: " باعدت عنه أضلعاً تشتاقه "، وهذا تنبيه حسن. وأنشدنا الربيع ابن سالم قال: أنشدنا عبد الرحمن بن محمد بن مغاور، قال: أنشدنا أبو الحكم ابن غتال ارتجالاً في غلام وسيم لسعته نحلة في شفته: إن لَسَعَتْ لَعْسَاءة نحلةٌ ... ولم تَسَعْها رُخْصَةٌ في اللَّمَمْ

عذرتُها إذ أخذَتْ شَهْدَها ... من شفةٍ تشهدُ فيها لفم لا غروَ في النحلِ ويُوحى لها ... أن تلثمَ الزهرَ إذا ما ابتسم ودخل هو وأبو بكر ابن مغاور وصاحبٌ لهما من الأدباء حمام بيار من جهة شاطبة، فصادفوا هواء بارداً فقال ابن مغاور: شَرُفَتْ بحمامِ النوارِ بيار ... فدخانه تَعْشَى به الأبصارُ وقال الآخر: بينا ترومُ في دفئه ... يغشاك قرٌّ ما عليه قرار وقال أبو الحكم بن غتال: لو أن لي فيه عصا موسى على ... آياتها ما فرَّ عنِّي الفار فقال ابن مغاور: هذا على أنك ابن غتال، وهو اسم الهر مصغراً باللسان الأعجمي.

ابن علقمة البلنسي

ابن عَلْقَمَة البَلَنْسي أبو محمد عبد الله بن محمد بن الخَلَف الصَدَفي من أهل بلنسية، ويُعرف بابن عَلْقَمَة، وأبوه الكاتبُ أبو عبد الله هو صاحب " تاريخ بَلَنْسية " وكتب أبو محمد هذا للقاضي أبي الحسين ابن عبد العزيز. وفيه يقول أبو العباس ابن العريف الزاهد، رحمه الله تعالى: منْ عجبِ الدَّهرِ وآياته ... سُكَّرَةٌ تُعزَى إلى عَلْقَمَهْ خيفَ عليها العينُ من طِيبِها ... فهي بأضدادِ الكُنَى مُعْلَمَهْ بقيَّةُ المعنى لذي فطنةٍ ... لأنَّها في اللفظ عِلْقٌ وَمَهْ ومن شعر أبي محمد يخاطب الأستاذ أبا عبد الله ابن خَلَصة عقيبَ إبلاله من مرضٍ أُرجِفَ فيه بموتِهِ: نَعَوْك وقاك الله كلَّ مُلمَّةٍ ... وما هو نعيٌ بل مُصَحَّفُهُ بَقْيُ ويَنْعٌ لزهرِ الجسمِ بعد ذُبولِهِ ... وبالضِّدِّ من معناه يبدُو لنا الشيُّ فهذا صحيحُ الزَّجرِ بادٍ دليلُهُ ... وللهِ فينا الحكمُ والأمرُ والنَّهيُ

فجاوبه ابن خَلصة بأبياتٍ منها: لئنْ كنتُ مَنْعِيّاً فما الموتُ وصمةً ... لقد نُعِيَتْ قبلي الرسالةُ والوحيُ ليُغْض عدوٌّ أو ليُظهرْ شماتةً ... فعمَّا قليلٍ يَتبعُ الميِّتَ الحيٌّ

ابن ورد

ابن ورد أبو القاسم أحمد بن محمد بن عمر بن ورد التميمي، من أهل المرية. سمعت الحافظ أبا الربيع ابن سالم الكلاعي يقول: سمعت أبا الخطاب ابن الحسن، وهو ابن الجميِّل يقول: سمعت أبا موسى عيسى بن عمران - يعني قاضي الجماعة - يقول: لم يكن بالأندلس مثل أبي القاسم ابن ورد:

ولا أُحاشي من الأقوام من أحد توفي سنة أربعين وخمسمائة وله: سُكنَى الفنادقِ ذُلُّ ... والبيتُ منهُ أذلُّ فإنْ دُفعتَ إليها ... فحُجرةٌ لا أقلُّ وله: كلُّ خِلًّ صحبْتُهُ ... من ذوي المجدِ والعُلى أنا منهُ بواحدٍ ... منْ عَظِيمَيْنِ مُبتلَى باصطبارٍ على الأذى ... أو فراقٍ على القلى واعتبرْ حالَ من دنا ... منهُمُ بالذي عَلا ودعِ النَّاسَ كلّهمْ ... تُعفَ من فادح البَلا غيرَ تَسْليمةِ اللّقا ... والَّذي بعدها فَلا هاكَها من مجرِّبٍ ... فاغتَنِمْها معجِّلا وله في ابنٍ صغير: فلذَةُ كِبْدي أَمَسُّها بيدي ... يقولُ إن حاول الكلام أَغُ لو جمعَ الواصفونَ أن يصفوا ... مقدارَ حبّي لهُ لما بَلَغوا وحدثني أبو الربيع ابن سالم بلفظه ثمَّ بقراءتي عليه، قال: حدثني أبو عبد الله ابن أبي عمر، هو ابن عيّاد، عن أبيه، قال: حدثني أبو بكر بن إبراهيم بن نجاح الواعظ قال: دخلنا على أبي القاسم ابن ورد عائدين له في مرضه، الَّذي توفي فيه، فسألناه عن حاله فأنشد بعدما استند لنفسه: عَشْرُ الثمانينَ وعمرٌ طويلْ ... لم يبقَ للصحبةِ إلاَّ القليلْ لا تحسبوني ثاوياً فيكمُ ... فقدْ دنا الموتُ وآنَ الرَّحيلْ

ابن أبي ركب

ابن أبي ركب أبو الطاهر إسماعيل بن مسعود الخُشني ابن أبي رُكَب، من أهل جَيّان. هو عَمّ أبي ذَرّ. من قوله: يقولُ النَّاسُ في مَثَلٍ ... تذكَّرْ غائباً تَرَهْ فما لي لا أرى سَكني ... ولا أنسَى تذكُّرهْ أنشدناه أبو الربيع عن ابن حُميد قال: أنشدناه أبو بكر ابن مسعود لأخيه إسماعيل. وحدثني أبو الربيع بلفظه قال: حدثني أبو الحسين ابن زرقون أن أباه

شيخنا، رحمه الله حدَّثه قال: كنَّا يوماً بسَبتة في جُملة من الطلبة، ومعنا أبو الطاهر إسماعيل بن مسعود، وكان أبو الطاهر هذا أديباً شاعراً فاضلاً، فمرَّ بنا رجل صَنَع، وفي يده مِحبرة أبنوس، وقد احتفل في عملها وتأَنق في حِليتها، فأراناها وقال: إن هذه المحبرة أريد أن أقصد بها بعض الكُبراء وأرغب أن تُتِمُّوا لي احتفالي فيها، بأن تصنعوا لي بينكم أبياتَ شعرٍ أدفعها معها، رجاءَ أن يكون ذلك أنجحَ لغرضي منها. قال أبي: فأطرقنا نفكِّرُ في مَطلبه، وبَدَرَنا أبو الطاهر، فقال: وافْتك من عُددِ العُلا زِنجيَّةٌ ... في حُلّةٍ من حِليةٍ تتبخترُ سوداءُ صفراءُ الحليِّ كأنَّها ... ليلٌ تُطرِّزُهُ نجومٌ تَزْهر فسُرَّ الرَّجُل بها وسأل كَتْبَها، فكُتبت له. وانفصل عنَّا شاكراً ما كان من إسعافه. فلم يغبْ عنَّا إلاَّ يسيراً، وإذا به قد عاد إلينا وفي يده قلم نُحاس مُذهَّبٌ، فقال لنا: وهذا مما أعددته للدفع مع هذه المِحبرة، وأُنسيت قبلُ ذِكرَهُ لكم، فتفضَّلوا بإكمال الصنيعة، فبَدَرَ أيضاً أبو الطاهر وقال: حَملتْ بأصفرَ من نِجَارِ حُلِيِّها ... تُخفيهِ أحياناً وحيناً يظهرُ خَرسانُ إلاَّ حين يرضعُ ثَديها ... فتراه يَنْطِقُ ما يشاءُ ويَذْكر وحُكي لي أن أبا الطاهر هذا حضر مع جماعة من أصحابه، فيهم أبو عبد الله ابن زرقون متنزِّهاً في بعض الأعوام، وفي عَقب شعبان منه. فلما تملأوا بالطعام، قال أبو الطاهر لابن زرقون: أجزْ يا أبا عبد الله، فقال: حَمِدْتُ لشعبانَ المُباركِ شَبعةً ... تُسهِّلُ عندي الجُوعَ في رمضانِ كما حَمِدَ الصَّبُّ المُتَيَّمُ زَورةً ... تحمَّل فيها الهجرَ طولَ زمانِ

فقال أبو الطاهر: دَعَوْها بشَعبانيَّة ولوَ انَّهم ... دَعَوْها بشَبْعانيّة لشَفاني وحدثني بهذه الحكاية شيخُنا أبو الربيع، وأنشدني الأبيات لابن زرقون، وقال: " أكلة " مكان " شبعة ".

ابن ولاد

ابن ولاد أبو بكر محمد وَلاّد من أهل شَلْطيش بغرب الأندلس، ومن شعره: نَطْوي سُبوتاً وآحاداً ونَنْشرها ... ونحن في الطيّ بين السَّبتِ والأحَدِ فعُدَّ ما شئتَ من سبتٍ ومن أحدٍ ... حتَّى تصيرَ مع المدخولِ في العددِ وهذا كما قال أبو بكر ابن دريد في رثاء أبي جعفر الطبري: ما زلتَ تكتبُ في التاريخ مجتهداً ... حتَّى رأيتُكَ في التاريخ مكتوبا وكان لابن ولاد هذا حفيد صغير يتعلم في الكتاب فتغدَّى معه يوماً وقد خبر منه نبلاً وفطنةً، فسأله إجازة قوله: أكَلْنا الخبزَ ... مصبوغاً بزيتِ فقال الصبيّ: غذاءً نافعاً ... في وسط بيتِ فقال ابن ولاد: فلو شيءٌ يردُّ ... الميتَ حيّاً فقال الصبي: لكان الخبزُ يٌح ... يي كلَّ مَيْتِ

وله في علَّةٍ طاولته: ملَّني العائداتُ والعوَّادُ ... وجفاني الكرى فَلَيْلي سُهادُ قد أَلِفْتُ الفراشَ حولاً عليلاً ... وبكبْدي من السَّقام كُبادُ إنَّما الداءُ والدواءُ في الل ... هـ وإن كانَ للطَّبيب اجتهادُ وله مما وُجد بخطّه بعد موته: أرجوك يا ربِّ في سرِّي وفي عَلَني ... إنَّ الرجاءَ إليكَ اليومَ يحملني مَن ذا يونّسني في القبر منفرداً ... إن لم تكنْ أنت يا مولاي تونسني وسوف يضحك خلٌّ قد بكى جزعاً ... بعدي ويسلو الَّذي قد كانَ يندبني ذنبي عظيمٌ ومنك العفوُ ذو عِظَمٍ ... فكيف يا ربِّ من عفوٍ تُخيّبني سمَّيتَ نفسَكَ رحماناً فقد وَثِقَتْ ... نفسي بأنَّك يا رحمانُ ترحمني

التطيلي الأصغر

التطيلي الأصغر أبو إسحاق إبراهيم بن محمد التُّطَيلي - بضم التاء المثناة من فوق وفتح الطاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها لام وياء النسبة - الضرير، نشأ بقُرْطُبَة وسكن إشبيلية، وكان يُعرف بالتطيلي الأصغر، واشتهر بالشعر بعد أبي العباس التطيلي الأعمى بزمان يسير، وهو القائل من قصيدةٍ، منها في عماه: يَثْني إلى وطءِ ما يغتاله قَدَماً ... يُهوِي إلى لمسِ ما يعدو عليه يدا يمشي فتحسبُهُ يقضي الصَّلاةَ خطاً ... إذا استوى راكعاً من ركعةٍ سجدا تهوي به قدماه صولَجَيْ لَعِبٍ ... تنزو السِّلامُ كراتٍ عنهما بددا مخالطٌ لبني الدُّنيا مفارقُهُمْ ... قد غابَ عنه من الأشياء ما شهدا شمسُ الظَّهيرةِ أعشتْ كوكَبَيْ بصري ... كذا سنا النّجم في ضوءِ الضّحى خَمَدا إن نازَعَ الدَّهرُ في ثنتَيْنِ من عَدَدي ... فواحدٌ في ضلوعي يبهرُ العَدَدا يَغنى عن الشُّهْبِ في أجفانه مُقَلاً ... مَن كانت الشَّمسُ في أضلاعه خَلدا مَنْ طالَ خُلقاً نَفَى في خَلقه قِصَراً ... لا تَقْدُرِ الجِلْدَ منه واقدُرِ الجَلدا

لا يُدركُ الرمحُ شأوَ السهمِ في غَرَضٍ ... ولو تسلسَلَ فيه لَدْنُهُ مددا لك يكف أنِّي غريبُ الشّخصِ في نَفَري ... حتَّى غدوتُ غريبَ الطّبع متّحدا ومنها: إن تجفُ حمصٌ فتجفو غيرَ ذي رحمٍ ... تعصُّباً فيه إذ مجدا وغاظها أن رأتْ إنجابَ ضَرَّتها ... ومن رأى كرماً في ندِّهِ حقدا فإن نمتني وليداً دارُ قُرْطُبَةٍ ... وأنكرتني وسنّي قد وفى رشدا فعُذْرُها أن أمَّ الليثِ تُرضعُهُ ... شِبلاً وتمنعُ منه دَرَّها أَسدا وهو القائل: أتاك العِذارُ على غرَّةٍ ... وقد كنتَ في غَفلة فانتَبِهْ وقد كنتَ تأبى زكاةَ الجمالِ ... فصار شُجاعاً وطُوّقتَ بهْ ومن شعره: ومعذَّرٍ رقَّتْ له خمرُ الصِّبا ... حيث العِذارُ حبَابُها المترَقْرِقُ ديباجُ حُسنٍ كانَ غُفلاً ناقصاً ... فأتمَّه عَلَمُ الشَّباب المونقُ وشكا الجمالُ مقيله في وَرْده ... فأظلَّهُ آسُ العذار المشرقُ عامت بماء الفضل شامةُ خدِّهِ ... فغدا العذار زُوَيرقاً لا يغرقُ إن كانَ يمحو نَقْشَهُ مِنْ وجهِهِ ... فطُلَى الغزالِ بمسكها تَتَفلَّقُ وله من قصيدة يصف رمحاً: وأسمرَ يضحَى في شُعاعِ سنانِهِ ... وإن كانَ من خفقِ اللواءِ لفي ظلِّ حوَى جُرأَةَ الأعرابِ من سُمرةِ القنا ... وحاز دهاءَ الروم من زُرقةِ النصل

علا نَصْلُهُ للشهبِ فانحطَّ لَدْنُهُ ... إلى القُضْبِ عن فرعٍ يحنُّ إلى الأصلِ يقدِّمُهُ بأسُ الحديد إلى الوغى ... فيعطفُهُ لينُ القضيبِ إلى الدّلِّ ومنها يصف سيفاً: وأبيضَ يحكي الموتَ فعلاً ودقّةً ... فلولا شعاعُ الصَّقْلِ لم يبدُ عنْ نَصْلِ يذيبُ بماء الصقلِ كلَّ مُفاضةٍ ... فما تقعُ الغربانُ إلاَّ على مُهْلِ وقد عجمت دودَ النوائبِ نصلُهُ ... فعضَّتْ وما أبدَتْ سوى أثَرِ النملِ وله يصف قلماً: وأعجمِ الصوتِ قد ألقتْ به العَرَبُ ... أقلُّ شيءٍ لديه الشعرُ والخطبُ يَزْهَى بياناً إذا ما شُقَّ مقولُهُ ... وإذ يقطُّ ففي إفصاحِهِ العجبُ

ابن عطية

ابن عطية أبو عبد الله محمد بن علي بن عطية الكاتب، رحمه الله، من أهل بلنسية، ويُعرف بابن الشواش. كان أبرع أهل عصره خطّاً، والتنافسُ فيما يوجد من وراقته مُتصل إلى اليوم. له يخاطب أبو الحسن ابن الزقّاق مُعترضاً ومختبراً من قصيدة طويلة: يا مُهدياً قِطعاً زانتْ مَعانيها ... ألفاظُها زِينةَ الأسلاكِ للعُنقِ عند امتحانِ الفتَى تبدو حقيقتُه ... أصِدْقَ دعوى أتى أم قَوْلَ مُختلقِ والطِّرْفُ ليست تُرى في القيدِ خِبرته ... حتَّى يَمُرَّ مع الفُرسانِ في طَلَقِ وقد بعثتُ بها غَرَّاءَ حالِيةً ... تَبغي جوابَ معانيها على نَسَقِ فإنْ تُجاوبْ على قلتُه فأنا ... أُقِرُّ أنَّكَ مَعصومٌ من السَّرقِ وأولها: يا زائراً صدَّه عن مضجعي أرقِي ... والصُّبحُ يَفترُّ ثغراً في لَمى الغَسَقِ

الاقليمي

الاقليمي أبو عبد الله محمد بن شَبيه - بالشين المعجمة المفتوحة والباء المكسورة بواحدة من أسفلها بعدها ياء باثنتين - الاقليمي الكاتب من إقليم غرناطة، ويلقَّب بالعقرب، وهو القائل يخاطب القاضي أبا محمد ابن سماك، وقد حمل عليه في قضية، فملح ما شاء، أفادني ذلك الحافظ أبو الربيع ابن سالم، وأنشدنيه عن أبي جعفر ابن حكم عنه: للهِ حيٌّ يا أُميمُ حَواكِ ... وحمائمٌ فوقَ الغصونِ حَواكِ غَنَّينَ حتَّى خلتُهنَّ عَنَيْنَني ... بغنائهنَّ فنُحْتُ في مَغْناكِ أذكَرْنني ما كنتُ قد أُنسيتُهُ ... لقديم هذا الدَّهر من شكواكِ أشكُو الزّمانَ إلى الزّمانِ ومَنْ شكا ... نَكَدَ الزّمانِ إلى الزّمانِ فشاكِ شكوايَ بالقاضي إليه وما أرى ... في الجوِّ يشكو عقرب بسماكِ يا ابنَ السماكِ المستقلّ برمحه ... والعُزْلُ ترهبُ ذا السّلاحِ الشَّاكي راعِ الجوارَ فبيننا في جوّنا ... حقُّ السُّرى والسيرِ في الأفلاكِ وابسطْ ليَ الخُلُقَ المشوبَ ببسطةٍ ... ظَرْفَ الكرامِ بعفَّةِ النساكِ وأنا أذكّر لم يفتْ من لم يمتْ ... فدراكِ ثمَّ دراكِ ثمَّ دراكِ

ابن محارب

ابن محارب أبو محمد مُحارب بن محمد بن مُحارب: من أهل وادي آش، له يمدح القاضي أبا الفضل عياض بن موسى بن عياض أثناء مقامةٍ من إنشائه: غَدا سَلِسَ القِيادِ فما يُراضُ ... وعَمَّ جَميعَ لِمَّته البَياضُ وأَضحى القلبُ لا تُصيبه هِندٌ ... ولا سلمَى ولا الحَدَقُ المِراضُ ولا يُشْجيه طِيبُ نَسيمِ نَجْدٍ ... ولا تُسليه بالزَّهَرِ الرِّياضُ وإنْ غنَّى الحَمامُ بغُصْنِ أيْكٍ ... فمِن عضِّ الزَّمانِ به عِضَاضُ وقائلةٍ أتكرعُ في ثِمادٍ ... وقد لاحتْ لرائدها الحِياضُ إلى كم ذا تقولُ لكُلِّ خَطْبٍ ... مقالةَ من ألمَّ بها المَخاضُ وتَنقبضُ انقباضَ العَيِّ حتَّى ... أضرَّ بكَ السُّكون والانقباض وَوَجْدُ بني عِياضٍ بالمَعالي ... مَدَى الدُّنيا حديثٌ مُستفاضُ إذا قُصِدوا أثاروا الجُودَ بحراً ... وسالُوا بالمكارم ثمَّ فاضوا فقلتُ لها ومَن منهم عِياذي ... فقالت ذاك سيّدهم عِياض

إمامٌ زانَهُ عِلْمٌ وحِلم ... له بالخُطةِ العُليا انتهاض يُقارضُ من أساء بحُسْنِ صَبرٍ ... وأمرُ الدِّينِ والدُّنيا قِراض ففي الآداب جَدْولُ ماءِ مُزنٍ ... وفي الآراء نَحرٌ لا يُخاض ويُبرمُ ما يَرومُ فليس يُخشَى ... على أمرٍ قد ابرمه مُضاض يَهيم بكُل مَعْلُوةٍ وفَضْلٍ ... كما قد هامَ بالعَلْيا مُضاض ومَن تَعْلَقْ حِبالَ بني عِياضٍ ... يداه فلا يُضامُ ولا يُهاضُ قلت: أنشدني أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد العزيز الشاطبي صاحبنا بحضرة تونس قال: أنشدنا الإمام تقيّ الدين أبو عمرو ابن الصلاح لنفسه في " مشارق الأنوار " وكان لا يُغبُّ مطالعته والاستفادةَ منه بعد قعوده لإسماع الحديث بالدار الأشرفية بدمشق: مَشارقُ أنوارٍ تبدَّتْ بِسَبتةٍ ... وذا عجبٌ كونُ المَشارِقِ بالغَرْبِ وذكر الأبيات التي أولها: " ظلموا عياضاً " ونسبها إلى عامر المالقي.

الهواري

الهواري ميمون الهواري من أهل قُرْطُبَة، وأحد القادمين من فقهائها ونبهائها مُرسية غزاةً مع الأمير تميم بن يوسف بن تاشفين، والقاضي أبو الوليد ابن رشد فيهم ومدار أمرهم عليه، ومصرف حكمهم إليه، وكانوا قد نزلوا بظاهرها فلقيهم أبو محمد ابن أبي جعفر هنالك، ودار بينهم في مجتمعهم ذلك ما أفضى إلى التفضيل بين لا إله إلاَّ الله وبين الحمد لله، فغلب أبو الوليد

الهيللة وأبى أبو محمد إلاَّ الحمدلة، فقال ميمون هذا يخاطبه زارياً عليه، وكتب بها إليه: أعِدْ نظراً فيما كتبتَ ولا تكُنْ ... بغير سهامٍ للنضالِ منازعا فدونك تسليمَ العلومِ لأهلها ... وحسبُكَ منها أنْ تكونَ متابعا أخِلْتَ ابنَ رشدٍ كالذين عهدتهمْ ... ومن دونه تلقى الهزبرَ المدافعا فقال أبو جعفر ابن وضاح يراجعه عن ابن أبي جعفر: لعمركَ ما نبَّهْتَ منِّيَ نائماً ... ودونكَ فاسْمَعْها إذا كنتَ سامعا فلو سلمتْ تلك العلومُ لأهلها ... لما كنتَ فيما تدَّعيه منازعا ولو ضمَّنا عندَ التناظرِ مجلسٌ ... سقيناك منها السمَّ لا شكَّ ناقعا

ابن الجائزة

ابن الجائزة أبو زكريا يحيى بن الجائزة من أهل شريش: له وقد استأذن على قاضي بلده، فحجب، وقيل هو جالس مع أبي الأصبغ ابن غراب الفقيه، فكتب إليه: لَعمْرُ أبيكَ ما هذا صوابُ ... يكونُ وزيركَ الأعلى الغرابُ إذا نعب الغرابُ بدارِ قومٍ ... فيوشكُ أن يصاحبها الخرابُ

ابن الأصبغ

ابن الأصبغ أبو الحسين محمد بن عبيد الله بن الأصبغ القرشي المرواني: من أهل قُرْطُبَة وسكن شاطبة. أخبرنا به القاضي أبو سليمان ابن حوط الله إذناً قال أنشدني أبو جعفر أحمد بن يوسف بن عياد، قال أنشدني أبي، قال: أنشدني أبو عبد الله الشاطبي لنفسه؛ كذا قال ابن حوط الله، والصواب ما كتب قبل في نسبه وكتبته، ومن خط ابن عياد نقلت ذلك: تثنَّتْ فاسترابَ الخيزرانُ ... وفاهتْ فاستذلَّ الأقحوانُ وأبدت من تثَنّيها فنوناً ... قلوبُ العاشقين لها مكانُ وقالت لا يُباءُ بنا قتيلٌ ... وليس لخائفٍ عندي أمانُ أرى رِضوانَ ملتمساً محلّي ... كأنّ الأرضَ عاد بها الجنان وقالت للغزالة حُسْنُ وجهي ... وثغري يُجتنى منه الجمانُ وقالت عبشميٌّ من قريشٍ ... ولا مال يعين ولا زمان

ابن صبرة

ابن صبرة أبو مروان وليد بن إسماعيل بن صَبْرة الغافقي: من أهل رُوقة من عَمَل سَرَقُسطة بالثغر الشرقي، وكان فارساً أديباً ذا نظم ونثر، له يفخر، وكان القاضي أبو جعفر ابن عمر مُعجباً بشعره: لَعمرُ أبيك الخير إنِّي لكاتبٌ ... ولكنْ صُدورُ الدَّارعينِ القَراطِسُ أخُطُّ بخَطِّيٍّ وأشكُلُ بالظُّبا ... فيقرؤه الأُميُّ واللَّيلُ دامسُ لئن قالتِ الكُتَّابُ إنِّيَ كاتبٌ ... لقد قالتِ الفُرسانُ إنِّيَ فارسُ وسمعت أبا القاسم ابن حسَّان الكَلبي بداره بإشبيلية يحكي أن ابن صبرة هذا قصد أبا القاسم بن قَسيّ، عند ثورته بغرب الأندلس، ومرَّ في طريقه بقومٍ أنكروه، وسمع بعضهم يقول من هذا؟ فقال يجاوبه بديهاً: إنِّي امرؤ غافقيٌّ ليس لي حَسبٌ ... إلاَّ الأَقبُّ وعسَّالٌ ونَصَّالُ من آلِ صَبْرة قد سمعتَ بهم ... سُحبٌ إذا سُئلُوا أُسْدٌ إذا صالوا وأنشدنا الحافظ أبو الربيع ابن سالم، وكتبتُه من خطه، قال: أنشدنا أبو عبد الله محمد بن علي بن قابل، قال: أنشدنا وليد بن سبرة لنفسه، مما يُكتب في قَوس:

تألَّفتُ من عَظمِ وعُودٍ كأنَّني ... هلالٌ وعند النَّزعِ بَدرُ تَمامِ فَبِي تَدْرَكُ الأرْواحُ يومَ كريهةٍ ... إذا بَعُدت عن ذابلٍ وحسامِ وإن رَدَّ عن رُوحٍ حُساماً وذابلاً ... دِلاصٌ فيما تَسطيع ردَّ سِهامي كأنَّ سهامِي لَحْظُ عَفراءَ في الوغَى ... وكُلُّ كَمِيٍّ عُروةُ بن حِزام وهو " ابن سبرة " بالسين بخط أبي الربيع، ونقلته عن ابن حيان بالصاد، وهكذا يوجد بخطه. وله ردٌّ على ابن غَرْسية. ولم أقف على تاريخ وفاته، ولا على وفاة المذكورين قبله إلى أبي القاسم ابن ورد، فإن قدّمتُ وأخرتُ فعن غير قصد.

خزرون

خزرون أبو المجد خزرون البربري: من أهل إشبيلية؛ له من قصيدة في يحيى بن الحاج من أمراء الملثّمين: هذا النَّسيمُ يهزُّ من زهرِ الرُّبى ... فَمُرِ الحمامةَ يا غضا أن تَنْدُبا أبكى أُوار البَرقِ مُقلةَ دِيمَةٍ ... فاستضحَكَتْ ثَغْرَ الأقاحةِ أشنبا منها: فوَّارَةٌ كالسَّابريةِ نَثْرةً ... سحَّتْ مكانَ السَّمهريَّةِ مِذْنَبا قالوا هي المرآةُ أُخلصَ صَقْلُها ... ولربَّما صَدِئَتْ فكانَ الطُّحلُبا والى الخميلَةِ حيثُ ألقت زَوْرها ... أحوى أظلَّ صِوارَهُ والرَّبربا وكتب في يوم طلٍّ إلى أحد الملثمين وقد مطله بما وصله به وكيلٌ له يعرف بفلُّوس: يا مشبهَ البومِ إلاَّ في تجهُّمِهِ ... أنت المليُّ وجَدّي في المفاليس أنا العقابُ تدلَّتْ من شواهقها ... فكيف تُمسكُ رزقي كفُّ فلّوس وله: مضَى يتلفَّتُ السّحرَ الحلالا ... ويأنفُ أن يقولَ رَنا غزالا وفي خطواتهِ نشواتُ تيهٍ ... تعربدُ في معاطفِهِ دَلالا بذلتُ له الهوَى فنأى مِراراً ... وباعدتُ الكَرى فدنا خيالا

ودونَ الأجرَعَيْنِ مَقيلُ خِشفٍ ... توخَّى الظّلَّ والشَّبِمَ الزُّلالا يناغمُ ظبيةً مُلئتْ حذاراً ... فتحسبُ كلَّ ما وطئت حِبالا

ابن سلام المعافري

ابن سلام المعافري أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن سلام المعافري: من أهل شاطبة، هو خال شيخنا الحافظ أبي عمرو بن عات، توفي في حدود الخمسين وخمسمائة. له في الثلج: ولم أرَ مثلَ الثلج في حُسن منظرٍ ... تَقَرَّ به عينٌ وتشنَؤُهُ النفسُ فنارٌ بلا نور يضيءُ له سناً ... وقطرٌ بلا ماءٍ يقلّبه اللمس وأصبحَ ثغرُ الأرضِ يفترُّ ضاحكاً ... فقد ذاب خوفاً أن تقبّله الشَّمس وله ارتجالاً في وسيم مرَّ به: بنفسي وإن ضنَّ الحبيبُ بنفسه ... ولم يُبقِ بعضي للفراق على بعضِ رمى مقلتي واعتلَّ لي بجفونِهِ ... وقد رنَّقَتْ في عينه سِنَةُ الغمض وأبدى له الإعراضُ ليتاً مورّداً ... فأبصرتُ غُصْنَ الوردِ في السوسنِ الغض

ابن جحاف

ابن جحاف أبو محمد عبد الله بن عبيد الرحمن بن جَحَّاف المعافري من أهل بلنسية. من أرباب البيوت القديمة فيها والنَّباهة، وأبوه مسمًى على التصغير وهو والَّذي قبله مذكوران في " التكملة " توفي في صفر سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، ومن شعره ورواه أبو عمر ابن عياد عنه: هتَّ البُدور على الغُصون المُيَّسِ ... طَلَعَتْ فكان مَقامُها في الأنفسِ يرفُلْنَ في حللِ الحَرير تأوُّداً ... وقد انتَقَبْنَ براقِعاً مِن سندسِ وإذا مررنَ أثرنَ ما بي من هوًى ... يا حُسنهنَّ وحسنَ ذاك الملبسِ ومنه: يا أيُّها القمرُ الَّذي ... قدْ صرتُ فيه كالسُّهَى أدَمي بخدِّك أمْ جرَى ... ماءُ العقيقِ على المَهَا خُذْ مُهجَتي وهبِ الرِّضَى ... واجعلهُما هاءً وها

ابن قزمان

ابن قزمان محمد بن عيسى بن عبد الملك بن قُزمان القرطبي المتفرّد بإبداع الزجل، وتوفي سنة أربع وخمسين وخمسمائة، والأمير أبو عبد الله محمد بن سعد إذ ذاك محاصر في قُرْطُبَة؛ فمن قوله: يا رُبَّ يومٍ زارني فيه مَن ... أطلعَ من غرَّتهِ كوكبا ذو شفةٍ لمياءَ معسولةٍ ... ينشعُ من خدَّيه ماءُ الصبَا قلتُ له هَبْ لي بها قُبلةً ... فقال لي مبتسماً مرحبا فذقتُ شيئاً لم أذقْ مثلَهُ ... للهِ ما أحلَى وما أعذبا أسعدني اللهُ بإسعاده ... يا شقوتي يا شقوتي لو أبَى ومن شعره: كثير المال تبذلُهُ فيفنَى ... وقد يبقَى من الذكرِ القليلُ

ومَن غرستْ يداه ثمارَ جُودٍ ... ففي ظلِّ الثناءِ له مقيلُ ومنه: يمسكُ الفارسُ رمحاً بيدٍ ... وأنا أُمسكُ فيها قَصَبَهْ فكِلانا بَطَلٌ في حربه ... إنَّ الأقلامَ رماحُ الكَتَبَهْ ومنه: وعهدي بالشباب وحسنُ قدِّي ... حكى ألِفَ ابن مُقلةَ في الكتَابِ وقد أصبحتُ مُنحنياً كأنِّي ... أُفتِّشُ في الترابِ على شبابي وقال يعتذر ارتجالاً: يا أهل ذا المجلس السَّامي سرادقُهُ ... ما مِلتُ لكنَّني مالتْ بيَ الراحُ فإن أكنْ مُطفئاً مصباحَ بيتكمُ ... فكلّ مَن فيكمُ في البيت مصباحُ وله: خليليَّ ما لي بالتّجلّد حيلة الأبيات المشهورة. ومن أزجال ابن قزمان: أُفني زماني على اختياري ... ونقطع العمر باجتهاد لم يحلُ حسّ الطَّرَبْ بداري ... حتَّى يميلْ راسِ للوساد واحدْ مؤذّنْ سكنْ جواري ... شيخ مليحْ أزهد العباد

إذا طلعْ في السحرْ يَعِظْني ... يقول حيَّ على الفلاحْ يبدّل العودْ سماعَ أُذني ... حيَّ على العشق للملاحْ نهارِ أم ليلِ كانْ مودّي ... لم نخل من شُربِ أو مجونْ لمَّا يكون الحبيب عندي ... ليس نعرف النَّوم إيش يكونْ وانا هو شيخ الخلاعَه وحدي ... نسهَرْ إذا نامت العيونْ وليلة الهجر تفتقِدْني ... إذا طلعْ كوكب الصَّباحْ لا شكَّ بين الغصونْ تَجِدْني ... نعلّم القُمرِي النواحْ لأيْ سببْ قُلِّيَ انتَ غضبانْ ... إيش اخبروكْ عنِّي من قبيحْ أكثَرْ نحبَّكْ من كلِّ إنسانْ ... ونكتم السرّ ما نبيحْ إيَّاكَ أن تبتلى بهجرانْ ... تذوق ما ذقتُ يا مليحْ من الجفا والصدودْ أَجِرْني ... فقال مَن يعشق الملاحْ يكونْ أخا ذلَّةٍ وحُزنِ ... فقلت زدني فلا براحْ

ابن سيد الجراوي

ابن سيد الجراوي أبو العباس أحمد بن الحسن بن سيد الجُراوي - بالجيم والراء وبعدها ألف وواو - الأستاذ من أّهل مالقة وليس باللص وإنَّما توافقا في الاسم والكنية والنسب، ذاك من أهل إشبيلية وهو كنانيّ النسب، وكلاهما أقرأ الأدب والعربية، تقدمت وفاة المالقي منهما، وغلط أبو بحر صفوان بن إدريس في كنية الإشبيلي منهما عند ذكره في كتاب " زاد المسافر " وقد ذكرتُهما جميعاً في كتاب " التكملة ". ومن قوله: وبينَ ضلوعي للصبابةِ لوعةٌ ... بحُكْمِ الهوَى تقضي عليَّ ولا أَقضي جَنى ناظري منها على القلبِ ما جنى ... فيا مَن رأى بعضاً يعين على بعضِ وأورد له أيضاً: لمَّا رأيتُك عينَ الزّمانِ ... وأنَّ إليكَ تُحثُّ الخطا

بكرتُ إليك بكورَ الغرابِ ... ورُحتُ عليك رواحَ القَطا هكذا أُنشد الأول على الخَرْم وعيوب الشعر الجائزة للعرب لا تجوز للمُحدَثين ومَن احتجّ بهم عندي ليس بمصيب، على أنَّه وقع في شعر حبيب: هُنَّ عوادي يوسفٍ وصواحبُهْ وقرأتُ لعباس بن ناصح الأندلسي في ديوان شعره: إنَّك بالصبر لا تُوبَنُ ... وفي الجَزَع الخلقُ الأشْيَنُ ووافقهما أبو الطيب في قوله: لا يُحزِن الله الأميرَ فإنَّني ... لآخذُ من حالاتِهِ بنصيبِ وحسبنا اليوم القبول، إذا نقَّحنا وجوَّدنا ما نقول. ولابن سيد المالقي ما قاله في جريح بسهم: حَسَدَتْكَ نُشَّابُ القسيِّ لأنْ رأتْ ... عينيك أمضَى في الإصابةِ مقصدا فجنَتْ عليك ويا لها ممَّا جنَتْ ... لهفي عليك فكَم خشيتُ الحُسَّدا

ابن سكن

ابن سكن أبو بكر بن سَكَن: من أهلِ شِلْب، لم أقف على اسمه؛ له من قصيدة يمدح: أخجلتَ الشَّمسَ لدى الحَمَلِ ... وَسَمَتْ قَدماك على زُحَلِ وكسفتَ الشُّهْبَ بنيِّرةٍ ... من شهبِ ظُباً بذُرى الأَسل أحرقتَ عُداتكَ إذ مَردوا ... من لمعِ شِفارِكَ بالشُّعَل سجدتْ في الأرضِ رُءوسهمُ ... بظُبا الأسيافِ على عجلِ لزموا تقبيلَ الأثلَبِ إذ ... أخْلَوْا يُمناك من القُبَلِ كُحِلْتَ بمراوِدِ سُمْركمُ ... حَلَقُ الماذيَّةِ كالمقلِ وجنتْ راحاتُ بنُودِكُمُ ... لحَفيظتكم ثَمَر القُلَل قَبضت بأناملَ من عَذَبٍ ... وسَطَتْ بشَبا ظُفُرٍ عَصِل ولا أحسن إشارة، ولا أبين عبارة، لمن أراد الكلام على هذه العروض من قول شيخنا أبي الحسن علي بن محمد بن حريق في قصيدة فريدة أنشدنيها وقرأتها عليه، وكان ممدوحه بها قد قال له، لما علم أنَّه

ما استعمل في ذلك مِقْوَلَة: خُذ في الأشعار على الخَبَب ... فقصُورك عنه من العَجِب هذا وبنُو الآداب قضَوْا ... لك بالعلْياءِ من الرُّتب فقال: أَبُعَيْدَ الشَّيبِ هوًى وصِبَا ... كلا لا لهوَ ولا لَعبَا ومنها: ذَرَتِ السِّتون بُرادَتها ... في مسكِ عِذارِك فاشتهبَا فخُذن في شُكرِ الكَبرةِ ما ... جاءَ الإصباحُ وما ذَهَبا فيها أحرزت مَعارف ما ... أبليتَ لجدّته الحِقَبا والخمرُ إذا عَتِقت وُصفت ... أغلى ثمناً منها عِنَبا وبقيّة عمرِ المرءِ له ... إن كانَ بها طبّاً دَرِبا يَبني فيها بإنابته ... ما هدَّمه أيامَ صِبا ويُنبّه عَين تُقًى هَجعت ... ويُعمِّر بيتَ حِجًى خَربا ويُحبِّر فيها الشِّعر على ... وزنٍ هَزِج يُدعَى الخَببا وَحْشٍ في العُرب منازلُهُ ... مجهولِ الأصلِ إذا نُسبا سَهل التقطيع ولكنْ لم ... يُنْطِقْ باريكَ به العَربا نَكِرتْه فلم يَضربْ وَتِداً ... في الحيِّ ولم يَمدُد سَببا وقلت أنا من قصيدة أمدح فيها الأمير أبا زكريا:

قامتْ بالحقِّ خلافتُه ... يتقلَّدُهُ ويُقلِّدُه وأتى والدينُ إلى تَلَفٍ ... فتَلافَى الدينَ يُجدِّده ما أَوقده العُدوان غدا ... يُطفيه العدلُ ويُخمده وكأنَّ عِداه وصارمَه ... ليلٌ والصُّبحُ يُبدِّده قُبضتْ أيدي الكُفَّارِ به ... لما بُسطت فيهم يدُه ولابن سكن في حَبّ المُلوك وأحسنَ ما شاء: ودَوحٍ تَهَدَّلَ أغصانُهُ ... رَعى الطَّرفَ من حُسنه ما اشتهَى فما احمرَّ منه فُصوصُ العقي ... قِ وما اسودَّ منه عُيونُ المَها وقد قال فيه أبو عمر أحمد بن عبد الله بن حربون، وأهداه: خذوا باكورةَ الثمرِ الغريبِ ... تُحدِّثكم عن الألمى الشنيبِ وما حَبُّ الملوك بعثتُ لكنْ ... بعثتُ إليكمُ حَبّ القلوب وحكى بعض الأدباء أن ابن سكن هذا كان بمجلس أُنس على نهر شِلْب بالجسر بحيث ينصبُّ النَّهر السلسال في البحر العجَّاج، وينساب العذب الزلال في الملح الأُجاج، وقد تعرَّضتْ هناك إحدى الجواري لجواز الجسر، وذكَّرته عيونَ المها بين الرُّصافة والجسر، فلما بصُرتْ به رجعت عن وجهها، وسترت ما ظهر من محاسن وجهها، فقال: وعقيلةٍ لاحتْ بشاطئِ نهرها ... كالشَّمس طالعةً لدى آفاقِها فكأنَّها بلقيسُ وافت صَرْحَها ... لو أنَّها كشفتْ لنا عن ساقها

حوريةٌ قمريةٌ بدويّةٌ ... ليس الجفا والصدُّ من أخلاقها ثمَّ لقي أبا بكر ابن المُنَخَّل فأنشده الأبيات فقال في ذلك: ما ضرَّها وهي الجمالُ بأسرِهِ ... لو أنَّها زُفَّت إلى عُشَّاقها

ابن الشواش المغربي

ابن الشوّاش المغربيّ أبو الوليد إسماعيل بن عمر الأستاذ المعروف بالشوّاش - بشينين معجمتين والواو مشدّدة بعدها ألف - من أهل شِلْب، وفي طبقة أبي بكر ابن المنخل وأبي عمر ابن حربون، وكان من القادمين من أهل بلده على سلا مهنِّئين بالبيعة المنعقدة ليلة العاشر من جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وخمسمائة. ومن شعره في بيعة الأمير محمد بمراكش سنة سبع وأربعين وخمسمائة: أهاب به داعي الحياةِ مثوِّبا ... فبادره واستنجد الرِّيحَ مركبا وأزمعَ يقتادُ الهوَى في مراده ... وينحو سحابَ الخير حيث تسحّبا بحيثُ غمامُ السعدِ ينشأُ حافلاً ... فيهمُلُ دفّاقاً وينهلُّ صيِّبا وتنبعث الأنوارُ من مَطلع الرضى ... فتوضِحُ للحيران نهجاً ومذهبا منها: أقول لوَفْدِ الخيرِ إذ جدَّ جِدُّهم ... وقد جُشِّموا الأهواءَ شأواً مغرِّبا وشرّفهم قصدُ الإمام فجرّروا ... على عاتقِ الجَوْزاءِ ذيلاً مسحَّبا هُدًى لمطاياكم فإنَّ سبيلها ... أبرُّ مقصداً وتطلُّبا

سيبدو لكم عن سيركمْ عَلَمُ الهدى ... ويوري لكم زَنْدُ السعادةِ مثقبا منها: أرى جبلاً من رحمة الله خاشعاً ... يخفُّ له رَضْوَى إذا عقَد الحُبا تصوَّرَ شخصاً رُكِّب البأسُ والنّدَى ... صريحين فيه للعلا فتركّبا فلولا ندًى في راحتيه تلهّبا ... ولولا استعارُ النَّاس فيه تسرّبا

ابن الصقر

ابن الصقر أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن الصقر الأنصاري الخزرجي، أصله من سرقسطة، انتقل جد أبيه منها فسكن بلنسية وولد بها أبوه عبد الرحمن وولد أبو العباس هذا بالمريّة في آخر شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، وكان من أكابر الطلبة، وولي القضاء بإشبيلية وتوفي بمراكش في جمادى الأولى سنة تسع وستين وخمسمائة، وهو القائل: للهِ إخوانٌ تناءتْ دارهُم ... حفظوا الودادَ على النَّوى أو خانوا يُهدي لنا طيبَ الثناءِ ودادُهمْ ... كالندِّ يُهدي الطيبَ وهو دخان وله في الحضِّ على السياسة والمداراة: أرضِ العدوَّ بظاهرٍ متصنّعِ ... إن كنت مضطراً إلى استرضائِهِ كمْ من فتًى بوجهٍ باسمٍ ... وجوانحي تنقدُّ من بغضائِهِ

ابن أبي روح

ابن أبي رَوْح أبو محمد عبد الله بن محمد بن أبي رَوْح، من أهل الجزيرة الخضراء، ورحل عنها إلى المشرق سنة سبعين وخمسمائة أو نحوها ولم يعُد إليها، فقال يتشوَّقها أنشدني ذلك له الأستاذ أبو عبد الله ابن هشام وغيره: أُعلِّلُ يا خضراءُ نفسيَ بالمُنَى ... وأقنعُ إنْ هبَّتْ رياحُكِ بالشَّمِّ إذا غبتِ عن عَيْني يغيبُ مَنامُها ... وكيف ينامُ اللَّيلَ ذو الوجدِ والهَمِّ تذكَّرتُ مَنْ فيها ففاضتْ مَدامعي ... فللَّهِ مَن فيها من الخالِ والعمِّ أَحنُّ إلى الخضراءِ من كلِّ موطنٍ ... حنينَ مَشُوقٍ للعناقِ وللضَّمِّ وما ذاكَ إلاَّ أنَّ جسْمي رَضيعُها ... ولا بدَّ مِن شوقِ الرَّضيع إلى الأُمِّ وله: إذا بلغتَ الحمى أو واديَ العَسَلِ ... فقفْ قليلاً به يا حاديَ الإبلِ وقلْ لقاتلتي ظلماً بلا قَوَدٍ ... هلاَّ رحمتِ قتيلَ الأعينِ النجلِ وفي هذا الوادي يقول الرصافي: كم بين شطيك من ريٍّ لجانحةٍ ... ذابتْ عليكَ صدًى يا واديَ العسلِ وما دعاها إلى وادٍ سواكَ ظماً ... إلاَّ تبيّنُ فيها فترةُ الكسلِ

ابن سعد الخير

ابن سعد الخير أبو الحسن عليّ بن إبراهيم بن محمد بن سعد الخير الأنصاري، الأستاذ من أهل بلنسية: وكان على تقدُّمه في العربية وتفنُّنه في الآداب منسوباً إلى غفلة تَغلب عليه. وله رسائل بديعة وتواليف، منها: " كتاب الحلل في شرح الجمل " ابتدأه من حيث انتهى البطليوسي، وكتاب " جذوة البيان وفريدة العِقيان "، وكتاب " القرط "، وغير ذلك. وتوفي بإشبيلية في أوائل ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين وخمسمائة. ومن شعره ونقلتُه من خطه: ألا سائِلِ الرُّكبانَ هل ظلَّ لَعلَعٌ ... كما كانَ مَطلولَ الأصائل سَجْسجا وهل وَردوا ماءَ العُذَيب مَناهلاً ... إذا صافحتْ كفُّ النَّسيم تَأَرّجا وعن حَرَجاتِ الحيّ ما لي وما لها ... تُجدِّد لي شوقاً إذا الرَّكْبُ عَرَّجا وعن أثلاثِ الجِزْع هل حال ظِلُّها ... وهل تَخِذتْ ريحُ الصَّبا فيه مَدْرجا

لئن ظَمِئت نفسي إليها فطالما ... وردتُ بمَغناهنَّ أشنبَ أفْلجا بحيثُ يَشِفُّ السِّترُ عن ماءِ مبسِمٍ ... أرى بابَ صَبري عن أبهمَ مُرْتجا ركبتُ الهوَى عُرْيَ السَّراة وربَّما ... ركبتُ إلى الهيجاءِ أدهمَ مُسْرَجا فيا رُبَّ يومٍ قد صَلِيتُ بحرِّهِ ... تراه بنارِ المُرْهفاتِ مُؤَجَّجا غدوتُ وجفنُ الشَّمس بالنُّور أزرق ... فغادرتُه بالنَّقع أرمدَ أدْعجا سقيتُ العَوالي بالنَّجيع فنوَّرت ... بَهاراً يُرى عند الطِّعان بَنَفْسجا وله: بأبي من بني الملوكِ غَريرٌ ... قد تردَّيتُ فيه بُرْدَ التَّصابي ضاعفتْ حُسنَه ضفيرةُ شَعرٍ ... هي منه طِرازُ بُرْدِ الشَّباب تتلوَّى على الرِّداءِ مِراحاً ... كحَبابٍ ينسابُ فوقَ حَباب وله في هذا وقد لبس ثياباً حمراء وبعينيه رَمد: ومُهَفْهفٍ يجري بصفحةِ خدِّه ... ولَماهُ من ماءِ الحياةِ عُبابُهُ وما زالَ يَهتكُ باللِّحاظِ قلوبَنا ... حتَّى تضرَّج طَرفُهُ وثِيابُهُ فبدا بحُمرةِ ذا وحُمرةِ هذه ... كالسَّيفِ يَدْمَى حدُّهُ وقِرابُهُ وله في سحابة: وساريةٍ سَحبتْ ذيلَها ... وهزَّت على الأُفقِ أعطافَها تُسَلُّ البُروق بأَرجائها ... كما سلَّتِ الزَّنجُ أسيافَها وله في رُمانة مفتّحة، وأنشدنيه له صاحب الأحكام أبو الحسن ابن أبي الفتح: وساكنةٍ من ظِلال الغصونِ ... بخِدْرٍ تَروقك أفنانُهُ

تُضاحكُ أترابَها فيه لمَّ ... اغدا الجوُّ تدمع أجفانه كما فَتح الليثُ فاه وقد ... تضرَّجَ بالدَّمِ أسنانه وله في حَفلة كِنَاز اصطفَّت بها جُملة غُربان: ومُخضرَّةِ الأرجاءِ قد طلَّها النّدَى ... وقابلها أنفُ الصَّبا بتنفُّسِ تبدَّتْ بها الغِربانُ سطراً كما بدتْ ... ضفيرةُ شَعرٍ فوقَ بُردةِ سُندسِ وأنشدنا له القاضي أبو الخطّاب والأستاذ في الحساب والفرائض أبو عبد الله ابن نعمان البكري عنه يصفُ دُولاباً: للهِ دولابٌ يَفيض بسَلسلٍ ... في روضةٍ قد أينعت أفنانَا قد طارَحَتْه بها الحمائمُ شَجوها ... فيُجيبها ويُرجِّعُ الألحانا فكأنَّه دَنِفٌ يَدورُ بمعهدٍ ... يبكي ويسألُ فيه عمَّنْ بانا ضاقت مَجاري طرفه عن دمعِهِ ... فتفتَّحت أضلاعه أجفانا

ابن هرودس

ابن هرودس أبو الحكم إبراهيم بن علي بن هَرَوْدَس - بفتح الهاء والراء وسكون الواو وفتح الدال المهملة وفي آخره سين مهملة - الأنصاري الكاتب من أهل حصن مَرْشانة من عمل المريّة، وسكن مالقة وتوفي بمراكش في الطاعون الواقع بها في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، وأخبرنا أبو القاسم ابن بقي قال: أنشدنا الكاتب أبو الحكم ابن هرودس لنفسه: أَإِبراهيمُ إنَّ الموتَ آتِ ... وأنت من الغواية في سباتِ رجاؤك مثلُ ظلِّ الرمحِ طولاً ... وعمرُكَ مثلُ إبهامِ القطاةِ

النجار الكاتب

النجار الكاتب أبو الحسن علي بن زيد النجار الكاتب من أهل إشبيلية، كتب للسلطان بعد وفاة أبي الحسن عبد الملك بن عياش سنة ثمان وستين وخمسمائة، وعاجلته منيته فتوفي بمراكش في الطاعون وفي صفر من سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، المذكورة قبلُ؛ من شعره: تغارُ بها الشَّمسُ في من يَغارُ ... ويعشقها البدرُ في من عشقْ ترى الفرعَ في موج أردافها ... وقد كاد يغرقُ أو قد غرقْ وتبصر قِلَّةَ حظِّ الوشاحِ ... منها فتعذرُهُ في القلق تُساقطُ لفظاً نثيرَ الجمان ... وتبسمُ عن مثله متَّسق وتهديكَ أنفاسَ ريحانةٍ ... تنفَّسَ عنها صديعُ الفلق وتُظلمُ من فرعها في الصَّباح ... وتصبحُ من وجهها في الغسق ومنه يرثي: أما تشتفي منِّي صروفُ زماني ... وهلاَّ كفى الأيَّامَ أنيَ فانِ وحسبُ المنايا أنْ خلعتُ شبيبتي ... ولولا حذاريها خلعتُ عناني فغيَّضْتُ أمواهَ الدُّموع بمقلتي ... وأخمدتُ نيرانَ الجوى بجناني

ونزَّهتُ عن سمع القيانِ مسامعي ... وقدستُ عن بنيِ الدنان بناني فأَشرق عُذْري للنهى فعذرنني ... وأظلم في عيني الصّبا فلحاني ولم تقنعِ الأيَّامُ حتَّى رمينني ... بعرضِ شمامٍ أو بركنِ أبانِ فطارَ فؤادُ البرقِ يحكي جوانحي ... وأرسل عينيه الحيا فبكاني ومنها: بدا ليَ أن الدَّهرَ ليس مُصَرِّداً ... كؤوسَ الرَّدى أو يشربَ الملوانِ وأبصرتُ ما بينَ المصارعِ مصرعي ... سريعاً رماني الدَّهر أو متواني

الرفاء الرصافي

الرفاء الرصافي أبو عبد الله محمد بن غالب الرفاء الرصافي، من رصافة بلنسية، وسكن مالقة، وكان شاعر عصره، مع عدم الانتجاع بشعره، واقتصر على التعيش من صناعته، وأمداحه قليلة، وكان في قصائده كثيراً ما يذكر شوقه إلى معاهده فيأتي بما يعجب ويعجز، وعرف بعزوف النفس، فصار الأكابر يجزلون منه ويخطبون مدحه، وهو بصناعته مشتغل، إلى أن توفي بمالقة في رمضان سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، وشعره مدون يتنافس فيه ولم يتزوج، روى عنه أبو علي ابن كسرى المالقي وأبو الحسين ابن جبير. فمن قوله في قصيدة يراجع أبا الحسن ابن لبال الشريشي: على أنَّني لا أرتضي الشعرَ خطّةً ... ولو صُيّرتْ خضراً مسارحيَ الغبرا كفى ضَيعَةً بالشعر أنْ لستُ جالباً ... إليَّ به نفعاً ولا دافعاً ضُرّا يقول أناسٌ لو رفعتَ قصيدةً ... لأدركتَ حتماً في الزّمانِ بها أمرا ومن دون هذا غَيْرةٌ جاهليَّةٌ ... وإن هي لم تلزمْ فقد تلزمُ الحرَّا ألم يأتهم أنِّي وأدت بحكمها ... بُنَيَّاتِ صدري قبل أن تبرحَ الصدرا

وله وقد قتل إنسان اسمه يوسف: يا وردةً جادتْ بها يدُ مُتحفي ... فَهَمَى لها دمعي وهاج تأسُّفي حمراءُ عاطرةُ النسيم كأنَّها ... من خدِّ مقتبَلِ الشَّبيبةِ مُترفِ عرضتْ تُذكّرني دماً من صاحبٍ ... شربتْ به الدُّنيا سلافةَ قرقفِ فلثمتُها شغفاً وقلتُ لعبرتي ... هي ما تمجُّ الأرضُ من دمِ يوسفِ وله في يوسف أيضاً: لا تسلْ بعد قتلِ يوسفَ عنِّي ... ففؤادي مثلَّمٌ كسلاحِهْ لو تأملتَ مقلتي يومَ أودى ... خلتَني باكياً ببعضِ جراحهْ ومن قوله في نائمٍ تحبَّبَ العرقُ على وجهه: ومهفهفٍ كالغصنِ إلاَّ أنَّه ... سلب التثنّي النَّومَ عن أثنائِهِ أضحى ينامُ وقد تحبَّبَ خدُّهُ ... عَرَقاً فقلت الوردُ رُشَّ بمائِهِ وقال، وهي في موسى بن رزق: وعشيةٍ لبستْ رداءَ شحوبها ... والغيمُ بالجوِّ الرقيق مقنَّعُ بلغتْ بنا أمَدَ السُّرور تألفاً ... واللَّيلُ نحو فراقنا يتطلعُ فابلل بها رمقَ الغَبوق فقد أتَى ... من دونِ قُرْصِ الشَّمسِ ما يُتَوَقَّعُ سقطت ولم يملك نديمك ردَّها ... فوددتُ يا موسى لَوَ أنَّك يوشع

وله من جملة قصيدة: لو جئتَ نار الهُدى من جانب الطورِ ... قبستَ ما شئتَ من علمٍ ومن نورِ من كلِّ زهراءَ لم تُرفعْ ذوائبها ... ليلاً لسارٍ ولم تُشْبَبْ لمقرورِ نورٌ طوى الله زندَ الكونِ منه على ... سقطٍ إلى زمنِ المهديِّ مذخورِ ومنه أيضاً: مرأى عليه اجتماعٌ للنفوسِ كما ... تشبّثتْ بلذيذِ العيش أجفانُ للعين والقلب في إقباله أملٌ ... كأنَّه للشَّباب الغضِّ ريعانُ وله من أبيات قالها في حائك: غزيّلٌ لم تزلْ في الغزل جائلةً ... بنانُهُ جَوَلان الفكرِ في الغَزَلِ جَذْلان تلعبُ بالمحواكِ أنمُلُه ... على السّدَى لعبَ الأيَّامِ بالدُّوَلِ ما إن يَني تعبَ الأطرافِ مشتغلاً ... أفديه من تعبِ الأطرافِ مشتغلِ جذباً بكفَّيْه أو فحصاً بأرجلُه ... تَخبُّطَ الظبي في أشراكِ مُحتبلِ وله من قصيدة يصف نهراً نضب ماؤه: فتوالتِ الأمحالُ تنقصُهُ ... حتَّى غدا كذؤابةِ النجمِ وله يصف نهراً ألقت عليه ظلها دوحة وهي فيه: ومهدَّل الشطَّين تحسِبُ أنَّه ... متسيِّلٌ من دُرّةٍ لصفائِهِ فاءتْ عليه مع العشيَّةِ سَرحةٌ ... صَدِئتْ لفيئتها صحيفةُ مائِهِ فتراه أزرقَ في غلالةِ حُمرةٍ ... كالدارع استلقى بظلِّ لوائِهِ

كثر التولع بهذه الأبيات عام أحد وأربعين وستمائة، فأنشدني في ذاك لنفسه الخطيب أبو القاسم بن معاوية اليحصبي صاحبنا، واسمه كنيته، ويكنى أبا الفضل: وبحرٍ طافح الشطَّين صافٍ ... نأَى عرضاه في عرضٍ وطولِ تُوافيه الجداولُ وهْي حَسْرَى ... فتشكو بثَّها شكوَى العليلِ كأنَّ الموجَ في عبرَيْه ترسٌ ... تُذهِّب مَتْنهُ كفُّ الأصيلِ تفيءُ عليه دائحةٌ حسانٌ ... فتُؤوِيَه إلى ظلٍّ ظليلِ كأنَّ مكانَ فيءِ الظلِّ منه ... مكانُ اللمسِ من سيفٍ صقيلِ وللخطيب أبي القاسم أيضاً: ويومٍ عكفنا طولَه نجتني المُنَى ... بأعذبِ نهرٍ في ألذِّ نهارِ لدى ربوةٍ غنَّاءَ طيبةِ الثرى ... وذات معين سائح وقرار على رفرف خضر بسطن لدوحة ... وَرُدِّينَ من أمثالها بازار فجَدْوَلُه في سرحةِ الماءِ مُنصُلٌ ... ولكنَّه في الجزعِ عطفُ سوارِ وأمواجه أردافُ غيدٍ نواعمٍ ... يُلَفَّعنَ بالآصال رَيْطَ نُضارِ إذا قابلتْهُ الشَّمسُ أذكاه نورها ... فبُدِّلَ منه الماءُ جذوةَ نارِ يفيءُ عليه الدوحُ ظلاًّ مضاعَفاً ... فيرجعُ منه بدره لسرارِ كأنَّ مكانَ الظلّ صفحةُ وجنةٍ ... أظلَّتْ عليها خضرةٌ لعذارِ أو البكر حاذتْ بالسَّجَنْجَل خدَّها ... وقد سترتْ من بعضه بخمارِ وقلت أنا: ونهرٍ كما ذابت سبائكُ فضَّةٍ ... حكى بمحانيه انعطافَ الأراقمِ إذا الشفقُ استولى عليه احمرارُهُ ... تبدَّى خضيباً مثلَ دامي الصوارمِ

وتحسبُهُ سُنَّتْ عليه مُفاضةٌ ... لأن هاب هبَّاتِ الرياحِ النواسمِ وتُطلِعه من دُكْنةٍ بعد زُرْقَةٍ ... ظلالٌ لأدواحٍ عليه نواعمِ كما انفجرَ الفجرُ المُطلُّ على الدُّجى ... ومن دونه في الأُفقِ سُحْمُ الغمائمِ وقلت أيضاً: سقياً لروض رُدْتُهُ رأدَ الضُّحى ... وحمامُهُ طرباً يناغي البلبلا شتَّى محاسنُهُ فمن زَهَرٍ على ... نَهَرٍ تسلَّلَ كالحبابِ تسلُّلا وكأنَّما حميَ الربيع لقطفه ... فاستلَّ منه يذود عنه منصلا غربتْ به شمسُ الظهيرة لا تَني ... إحراقَ صفحتِه لهيباً مُشعلا حتَّى كساه الدوحُ من أفنانِهِ ... بُرداً يمزَّقُ في الأصائلِ هلهلا فكأنَّما لمعُ الظلال بمَتْنه ... قِطَعُ الدماءِ جمدنَ حين تحلَّلا وقلت أيضاً: غازلتُ في شطَّيه أب ... كارَ المُنى عصرَ الشبابِ فالظلُّ يبدو فوقه ... كالخالِ في خدِّ الكَعابِ لا بل أدار عليه خو ... فَ الشَّمسِ منه كالنِّقابِ مثل المجرَّة جرَّ في ... ها ذيلَه جونُ السَّحابِ

السالمي

السَّالميّ أبو زيد عبد الرحمن السَّالميّ من أهل إستجّة. ذُكر له: تسلَّيت عن عِيسى بحُبّ محمَّد ... ولولا هُدى الرَّحمن ما كنتُ أهتَدي وما عن قِلًى منِّي سلوتُ وإنَّما ... شَريعةُ عيسى عُطِّلت بمحمَّد وهي عندي مُتصلة بالإنشاد إلى القائل من طريق ابن الطَّيلسان.

ابن جرج الكاتب

ابن جُرْج الكاتب أبو جعفر عبد الله بن محمد بن جُرْج - بجيمين بينهما راء - الكاتب من أهل قُرْطُبَة ومن بيوتاتها النبيهة، أصلهم من أَلْبِيرة. وكانت وفاة أبي جعفر سنة خمس وسبعين وخمسمائة، ومن شعره يستدعي طبيباً: خلِّ ابن سيناءَ وأقوالَهُ ... فإنَّها من خُدَع المَرْءِ ولتأْتني في منزلي مُسرعاً ... فإنَّ عندي حِيلَةَ البُرْءِ ومنه: أمَّا ذُكاءُ فلم تصْفَرَّ إذ جَنَحَتْ ... إلاَّ لفُرقةِ هذا المنظرِ الحسنِ رُبًى تَروقُ وقِيعانٌ مُزخرَفَةٌ ... وسابحٌ مُدَّ بالهطَّالة الهُتُنِ وللنسيم على أرجائه حَبَبٌ ... يكادُ من رِقَّةٍ يَخْفَى على الغُصُنِ وتُنسب هذه القطعة غلطاً إلى أبي القاسم أخيل بن إدريس الرُّنْدي، كاتب ابن حمدين ولم يصحّ، وأنشدها أبو القاسم عامر بن هشام القرطبي

في مجموع له لأبي جعفر ابن جُرْج هذا وهو بَلَديُّهُ ولعلَّه سمعها منه. واهتدم البيت الأول منها أبو عبد الله ابن مرج الكحل الجزيري من جزيرة شقر، فجاء به في آخر قطعة من حرِّ كلامه، أنشدناها مراراً وهي: عرجْ بمنعرجِ الكثيبِ الأعفرِ ... بين الفراتِ وبين شطِّ الكوثر ولنغتبقها قهوةً ذهبيةً ... من راحَتَيْ أحوى المدامعِ أحور وعشيَّةٍ كم بتُّ أرقُب وقتَها ... سمحتْ بها الأيَّامُ بعد تعذُّر نِلنا بها آمالَنا في رَوضة ... تُهدي لناشِقِها نسيمَ العَنبر والدَّهرُ من نَدمٍ يُسَفِّه رأيَه ... فيما صَفَا منه بغَير تكدُّر والوُرْقُ تشدُو والأراكةُ تَنثني ... والشَّمسُ ترفلُ في قميصٍ أصفر والرَّوضُ بين مُذهَّب ومُفضَّض ... والزهرُ بين مُدَرْهم ومُدَنَّر والنَّهرُ مرقومُ الأباطحِ والرُّبى ... بمُصَنْدَل من زَهْره ومُعَصفر فكأنَّه وجِهاتُه محفوفة ... بالآس والنُّعمان خَدُّ مُعذِّر وكأنَّه وكأنَّ خُضرةَ شطِّه ... سيفٌ يُسلُّ على بِساط أخضر وكأنَّه ذاك الحَباب فرنْده ... مهما طَفا في صَفحه كالجَوهر نَهرٌ يَهيمُ بحُسنه من لم يَهم ... ويُجيد فيه الشِّعرَ من لم يَشْعر ما اصفرَّ وجه الشَّمس عند غُروبها ... إلاَّ لفُرقة حُسن ذاك المَنظر

العبدري

العبدري أبو الأصبغ عيسى بن محمد العَبدريّ، المعروف بابن الواعظ، من أهل المرية سكن أَلشْ من أعمال مُرسية، وأنشدني أبو الربيع ابن سالم، قال: أنشدني أبو القاسم ابن الحذاء المُرسي، قال: أنشدنا أبو الأصبغ عيسى بن محمد بن عبد الله بن الواعظ العَبدريّ لنفسه في سُكناه بأَلش، وكان أصله من المرية: عَدِمتُ بإخمالي وجوهاً من الإنْس ... فها أنا في الأيَّام مُستوحشُ النَّفسِ برئتُ زماناً من حوادثَ أمرضتْ ... وأَلشُ لَعمري أسلمتْني إلى النُّكس أقمتُ بها كالسَّيفِ لازمَ جَفنَه ... وإن كنتُ حيّاً مثلَ مَن دُسَّ في رَمْس فإنِّي بآدابي أتيتُ جزيرةً ... فعُوقبتُ منها بالإقامةِ في حَبسِ وهل وحشةُ الإنسانِ إلاَّ بمثلها ... فَصِيح لسانٍ بين ألسنةٍ خُرْس شَرَوْني رَخيصاً ليس يَدْرون قيمتي ... وقد تُشْتَرى الأعلاقُ بالثَّمنِ البَخسِ ومن شعره مما ذكره عنه أبو عبد الله ابن عيّاد في مشيخة أبيه أبي عمر: إن قيل في الصَّيف رَيحانٌ وفاكهةٌ ... فالأرضُ مُغبرَّة والجوُّ مَحْرورُ

وإن يكُن في الخريفِ النخلُ مُختَرَفاً ... فالأرضُ مُربدَّةٌ والجوُّ مأسور وإن يكُن في الشِّتاء الغيثُ مُنسكباً ... فالأرضُ مُبتلَّةٌ والجوُّ مَقْرور ما الدَّهر إلاَّ الرَّبيع المُستنير إذا ... أتى الرَّبيعُ أتاكَ النَّوْرُ والنُّورُ الأرضُ سُندسةٌ والجوُّ لُؤْلُؤَةٌ ... والنَّورُ فَيروزجٌ والماءُ بلّور مَن شمَّ ريحَ تحيَّاتِ الرِّياضِ يَقُلْ ... لا المسكُ مسكٌ ولا الكافورُ كافور وكتب أبو بكر مالك ابن حِمير من أهل أَرْيُولة إلى أبي الأصبغ هذا: رحلتُ وإنَّني من غير زادِ ... وما قدَّمتُ شيئاً للمَعادِ ولكنّي وثقتُ بجُودِ ربِّي ... وهل يَشقَى المُقِلُّ مع الجَوادِ فقال في معناه: رحلتُ بغير زادٍ للمَعادِ ... ولكنَّني نزلتُ على جوادِ ومَن يرحلْ إلى مولًى كريمٍ ... فما يحتاجُ في سَفَرٍ لزادِ ولابن شرف في هذا المعنى، وأنشدناه أبو الرَّبيع عن أبي عبد الله: رحلتُ وكنتُ ما أعددتُ زاداً ... ولا قصَّرتُ في قُوتِ المُقيمِ فها أنا ذا رحلتُ بغير زادٍ ... ولكنَّني نزلتُ على كريمِ وذكرتُ أبيات المُصنفي في هذا المعنى: قالتْ ليَ النَّفسُ أتاكَ الرَّدى ... وأنتَ في بحرِ الخَطايا مُقيمْ وما ادّخرتَ الزّادَ قلتُ اقصري ... هل يُحملُ الزادُ لدارِ الكريمْ واخَجْلتا منه إذ جئتُه ... والعبدُ مطلوبٌ بدَينٍ قديمْ وما أرى يطلبُني قد دَرى ... أنِّيَ محتاجٌ إليه عَديمْ

ولستُ محتاجاً إلى شاهدٍ ... لأنَّ مولايَ بحالي عليمْ وحكمه القِسْطُ ولا يَقتضي ... هلاكَ مِدْيانٍ بمال الغَريمْ هي من آخر كلامه، متصلة بمَشهد حِمَامه. وقد نظم الرئيسُ - رحمه الله - صاحب مَنُورقة، أبو عثمان سعيد بن حكم القُرشي، في هذا المعنى: يا رَبِّ إنِّي راحلٌ والزادُ ما ... عنديَ منه للرَّحيلِ عَتادُ والوقتُ عنه ضَيِّق ولديك ما ... يَسَعُ الوَرَى لهُمُ وأنت جَوادُ وله أيضاً: حان قُدومي على القديمِ ... ويَحسُن الظنُّ بالكريمِ إن كانَ ذَنبي عظيماً اضحى ... فأين منه عَفْوُ العظيمِ حَسْبِيَ أنِّي أَرجو لديه ... فضلَ غنيٍّ على عَديم أفسد في صدر البيت الثاني والثالث من حيث الوزن، وقد وقع فيه جمهور من الشعراء. قال ابن عيّاد: ومن شعره ما كتبه لأبي بخطّه ونقلتُه منه: لا تَصحبِ السُّلطانَ في حالةٍ ... صاحبُه ليثَ الشَّرى يَركبُ يهابُهُ النَّاسُ لمركوبِهِ ... وهْوَ لما يركبُهُ أهيبُ

ابن المنخل

ابن المنخَّل أبو محمد عبد الله بن أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنخَّل المَهْري من أهل شِلْب، ومن شعره: شرفُ الخلافةِ أنْ ملكتَ زمامَها ... وغدوتَ من عَقِبِ الإمام إمامَها وافَتْكَ تبتدرُ الرِّضا إذْ رُمتها ... ولشدَّ ما امتنعتْ على مَنْ رامها طبعَ الإلهُ لها حساماً صارِماً ... يَحمي جوانبَها فكنتَ حُسامَها ورأتْ عُداةُ اللهِ أنَّ حِمَامَها ... من قيسِ عَيْلانٍ فكنتَ حِمامَها فعَلى رماحِكَ أن تَشُقَّ جُيوبَها ... وعلى حُسامك أنْ يُفَلِّقَ هامَها منها: ملِكٌ يُجيرُ من الزَّمان فإن تَضِمْ ... حُرّاً بواديهِ اللَّيالي ضامَها قِسطاسُ عدلٍ لا يميلُ فإنْ رأَى ... مَيْلَ الخلافة أَمَّها فأقامَها ما الجودُ إلاَّ ما تُفيضُ بَنانُهُ ... لا ما تُفيضُ العربُ فيه سِهَامَها

ما البأسُ إلاَّ ما تضمَّنَ سيفُهُ ... لا ما تضمَّنَ بعضُهُ صمصامَها ما الرجز إلا ما يجر خلافه ... ليس الذي وسمت به أيامها يُطفي الحروبَ إذا توهَّج جمرُها ... ولربَّما خمدَتْ فشبَّ ضِرامَها وإذا أُسودُ الحرب عاج عُرامُها ... عانى بحدِّ المشرفيِّ عُرامَها وإذا بُروقُ المُزْنِ لُحْنَ كَواذباً ... صدقَتْ بروقُ نَوالِهِ مَن شامَها ومنها: لمَّا رأيتَ الدينَ أظلَمَ وجْهَه ... والحربُ قد سدَلَتْ عليه قتامَها أقْبَلْتَها شُعثَ النَّواصي شُزَّباً ... جُرداً تُباري في الفَلاةِ سِمامَها من كلِّ مُشرفةِ التَّليلِ كأنَّما ... عَقَدوا بباسقةِ النَّخيلِ لِجامَها وأغرَّ وضَّاحِ الحُجُولِ مُطَهَّمٍ ... يجلو إذا خاض الغِمارَ ظلامَها منها: يلقى العُداةُ الرُّعْبَ قبل لقائه ... فيُزِلُّ قبل قتالها أقدامَها وقال مُسلِّياً عن هزيمةٍ: لا تكترثْ يا ابنَ الخليفةِ إنَّه ... قَدَرٌ أُتيحَ فما يُرَدُّ مُتاحُهُ قد يَكْدُر الماءُ القَراحُ لعلَّةٍ ... ويعودُ صفْواً بعد ذاك قَرَاحُهُ

ابن ننة

ابن ننَّة أبو بكر محمد بن أبي بكر بن فرح بن سليمان من أهل جيّان ويعرف بابن نِنَّة - بنونين الأولى مكسورة والثانية مفتوحة مشددة - من شعره في أسود بقلنسوة حمراء: وأسودَ غربيبٍ على أنَّ رأسهُ ... به كمةٌ كالبارقِ المتألِّقِ نظرتُ إليها من بعيدٍ كأنَّها ... بقيةُ نارٍ فوقَ جِذعٍ مُحرَّقِ ومن شعره في ديك: ولهُ إذا ولَّى الظَّلامُ تطرُّبٌ ... تلتذّه أسماعُ كلِّ طَروبِ لِيَبُثّه في يومه مستعلياً ... حتَّى تميلَ ذُكاؤه لغُروبِ ولقد يُريك بصفحتيه سَوسناً ... ما بين وردٍ بالحياءِ مَشُوبِ ويُريك من مثل الدمشق مُلاءةً ... لم تَرمِها عينٌ رَنَت بعيوبِ ترنُو إلى عينيه إذ يُذكيهما ... فتقول ماءٌ جالَ في أُلهُوبِ معاني هذه الأبيات من قول أبي العلاء المعرّي: أيا ديكُ عُدَّتْ من أياديك صيحةٌ ... بعثتَ بها مَيْتَ الكرَى وهو نائمُ عليك ثيابٌ خاطها الله قادراً ... بها رَئِمَتْكَ العاطفاتُ الروائِمُ وتاجُكَ معقودٌ كأنَّك هُرمزٌ ... يُباهي به أملاكه ويُوائمُ وعيناك سِقْطٌ ما خَبا عندَ قِرَّةٍ ... كلمعةِ برقٍ ما لها الدَّهرَ شائمُ

ورثتَ هُدَى التذكار من قبل جُرهمٍ ... أوانَ ترقَّتْ في السَّماء النعائمُ وما زِلتَ للدين القويم دِعامةً ... إذا قلِقت من حامليه الدعائمُ ولابن معمعة قصيدة في ديك منها: ليَ ديكٌ حَضنتُه وهْو في البي ... ضةِ من منصبٍ كريم الخِيمِ يأكل العفو كيف ما شاء من ما ... لي كأكل الوصيِّ مالَ اليتيمِ أبيضُ اللون أفرقُ العُرفِ نظّا ... رٌ بعينٍ كأنَّها عينُ رِيمِ وعلى نحرِهِ وشاحان من شَذ ... رٍ نثيرٍ ولؤلؤٍ منظومِ رافعٌ رايةً من الذنب المش ... رف يسعَى بها كسعي الظليمِ وإذا ما مشَى التَبَهْنُسَ مشيَ ال ... طَرِبِ المُنتشي من الخرطومِ وسمَ الأرضَ وسمَ طينِ كتابٍ ... بخواتيم كاتبٍ مختومِ وله خنجران في قَصَب السَّا ... قَيْنِ قد رُكّبا لحفظ الحَريمِ وعليه من ريشه طيلسانٌ ... صِيغَ من صنعة اللطيف الحكيمِ وإذا ما رأيتَه بين خمسٍ ... من دجاجاته كبار الجسومِ قلت مَلْكٌ يخدُمْنَهُ فتياتٌ ... يتهادَين بين زنج ورُومِ وترى عُرفَه فتحسِبَه التا ... جَ على رأس كسرويٍّ كريمِ ثاقِبُ العلم بالمواقيت ليلاً ... ونهاراً وحاذقٌ بالنجومِ ويحثُّ الجيرانَ حولي على الب ... رّ كحثّ المدير كأسَ النديمِ

ابن صاحب الصلاة

ابن صاحب الصّلاة أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الله بن فُتُوحٍ، الحضرمي الأستاذ الدّاني النحوي المعروف بعَبْدون وبابن صاحب الصّلاة. أقرأ النحو بشاطبة زماناً، وأدّب بني صاحب بلنسية، وكان مبرّزاً في العربية مشاركاً في الفقه ويقول الشعر، وفيه تواضع وطيبة أخلاق. توفي ببلنسية مستهل رجب سنة ثمان وسبعين وخمسمائة وأخذ عنه جلّة منهم أبو جعفر الذهبي، وأبو الحسن ابن حريق وأبو محمد ابن نَصْرون، وأبو الرَّبيع ابن سالم، ومن شعره في ابن سعدٍ وقد كبتْ به البغلة: إن تكبُ في السَّير بنتُ العَيْرِ بالملكِ ... فليس يُدركها في ذاك مِنْ دَرَكِ عُذرُ الملومة فيها أنَّها حملتْ ... ما ليس يحْمل غير الأرضِ والفلكِ الدَّهرَ والبحرَ والطَّودَ الأشمَّ ذرًى ... والبدرَ بدر الدّجى والشَّمسَ في الحلكِ وهذا مأخوذ من قول ابن المعتزّ في رئيس سقط عن بغل: لا ذنبَ عنديَ لابنِ العَيْرِ يومَ وَهَتْ ... قواهُ من خوَرٍ فيها ومن لينِ حمَّلتُموه سوى ما كانَ يَحْله ... فُرْهُ البغال وأصنافُ البَراذينِ الشَّمسَ والبدرَ والطَّودَ المنيفَ ولي ... ثَ الغابِ والبحرَ والدُّنيا مع الدينِ

وللشعراء في هذا أبيات نادرة، وهو من تحسين القبيح، منها قول أبو بكر ابن مُجْبَرٍ: لا ذنبَ للطِّرْفِ إن زلَّتْ قوائمُهُ ... وهضْبةُ الحلم إبراهيمُ يُجريها وكيف يحملُهُ طِرفٌ وخردلةٌ ... من حِلمِهِ تزنُ الدُّنيا وما فيها وله أيضاً: ألا اصفحْ عن الطِّرف الَّذي زلَّ إذ جرى ... أيثبتُ طِرفٌ فوقَه النَّاسُ والدَّهرُ تداخَلَه كبرٌ لئنْ كنتَ فوقه ... فتلك لعَمْري زلَّةٌ جرَّها الكبْرُ ثبتَّ عليه حين زلَّ رَجاحةً ... أيخرج عن أثناء هالته البدرُ ولم يدْر هل أمسكْتَهُ أو ركضتَهُ ... وللعُجْبِ سُكْرٌ ليس يعدله سُكْرُ ومن شعر عبدون أيضاً: يا مَن مُحيَّاهُ جنَّاتٌ مفتَّحةٌ ... وهجْره ليَ ذنبٌ غيرُ مغفورِ لقد تناقضتَ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ ... تناقض النَّارِ بالتَّدخين والنّورِ ومنه ما ألغزهُ في باكورة تين: وما شيءٌ نماهُ العودُ حتَّى ... تناهَى بالنَّماءِ إلى الصّلاحِ تَكَفّلهُ الهواءُ بدَرّ سَكْرى ... من الأنواء صيّبةٍ رداحِ طَلَتْهُ الشَّمس مسكاً ثمَّ خطَّتْ ... بكافورٍ عليه يدُ الرِّياحِ خُطوطاً بالبياض على سوادٍ ... كما خطَّ الدّجى ضَوْء الصَّباحِ ولعبدون في رحلته عن شاطبة إلى بلنسية - وكان الرئيس أبو الحجاج يوسف بن سعد هو الَّذي نقلها منها واستأدبه لبنيه لما كان عليه من التصاون والعدالة، وأباح له الإقراء، فكان يعلمهم العربية بالقصر فإذا انفصل عنهم

علَّم النَّاس أيضاً بمسجد رحبة القاضي من بلنسية، إلى أن توفي في التاريخ المتقدم ذكره: سأرحل عن دارٍ نَبَتْ بي ولم يقمْ ... بها أحدٌ بي حين أقعدني الدَّهرُ ففي النَّاس صحبٌ إن جفانيَ صاحبٌ ... وفي الأرض قطرٌ حافلٌ إن نبا قطر ألم ترَ أنَّ الماءَ بالجري أزرق ... وبالمكث في مستنقع الماء مصفرّ ورحلةُ أهلِ الفضلِ عن أهل بلدة ... شهيدٌ بنقص فيهمُ ولها خسر وشرُّ بلاد اللهِ ما لم يكن بها ... معينٌ على أن لا يستقرَّ بها الحرّ وقال: وعجَّلَ شيبي أن ذا الفضل مبتلى ... بدهرٍ غدا ذو النقصِ فيه مؤمَّلا ومن نكدِ الدُّنيا علي الحرِّ أن يرى ... بها الحرَّ يشقَى واللئيمَ ممولا متى ينعمُ المعترُّ عيناً إذا اعتفى ... جواداً مُقِلاً أو غنياً مبخَّلا

ابن الجنان

ابن الجنان محمد بن عبد الغني الفهري المعروف بابن الجنّان من أهل جيّان، سكن مدينة فاس؛ وله: قالوا المشيب نجومٌ والشَّباب دُجًى ... لو يَحْسُنُ القبحُ أو لو يقبحُ الحَسَنُ ما كانَ أغناكَ يا ليلَ الذوائبِ عن ... نجوم شيبك ذي لو أنصفَ الزمنُ وله أيضاً: لمَن كلمٌ كالسِّحر من غُنج أحداقِ ... سقاكَ بكأسٍ لم تُدِرْها يدُ السَّاقي ولم أرَ شعراً فصَّلَ السحرَ لؤلؤاً ... على غير لبَّاتٍ ومن غير أعناقِ سِوى نَفَثاتٍ للرُّصافيِّ رُصّفت ... شراباً لظمآنٍ وكنزاً لإملاقِ

ابن غلنده

ابن غلنده أبو الحكم عبيد الله بن علي بن غَلِنْدُه - بفتح الغين المعجمة وكسر اللام وسكون النون وضم الدال المهملة وبعدها هاء - الكاتب، من أهل سرقسطة، وسكن إشبيلية وتوفي بمراكش سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وقد أسنّ. وكان يشارك في فنون من الطب والأدب وغير ذلك مع الخط البارع والإتقان لكلّ ما يحاول. ومن شعره: يا خيرَ مَن عَلِقَ الفؤادُ يحبِّهِ ... وأجلَّ من يسمو إليه الناظرُ عجباً لأنك ملءَ عينك نائمٌ ... وأنا كما يختار صدُّكَ ساهرُ ومنه: آهِ والبينُ قد أجَدَّ بصحبي ... لو أفاد العزاءُ تكرارَ آها يا لواةَ الديونِ من غير عُسْرٍ ... إن مَطْلَ الغنيِّ ظلمٌ تناهى

وقال وهو من لزومياته: تكثَّرْ من الإخوانِ للدهرِ عُدَّةً ... فكثرةُ دُرِّ العقدِ من شرفِ العقدِ وعظِّمْ صغيرَ القومِ وابدأ بحقِّه ... فمن خِنْصَرَيْ كفَّيكَ تبدأُ بالعَقدِ

ابن طفيل

ابن طفيل أبو بكر محمد بن عبد الملك بن طفيل القيسي، من أهل بَرشانة من عمل المريّة. وكان طبيباً أديباً كتب لوالي غرناطة وقتاً، وتوفي بمراكش سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وحضر السلطان جنازته؛ وشعره في غاية الجودة وهو القائل: أتذكرُ إذ مسحتَ بفيكَ عيني ... وقد حلَّ البكا فيها عقودَه ذكرتُ بأنَّ ريقك ماء وردٍ ... فقابلتُ الحرارة بالبرودَه وقال: يقولون لي ظمياءُ أضحتْ عليلةً ... فقلت فما بالي بقيت إذن حيّا أتصبح شمسُ الأرضِ كاسفةَ السَّنا ... ولا يعتري جسمي لعلَّتها فيّا إذا ما طوى عنِّي السقامُ وصالَها ... طوى الميتُ روحي في ملاءتِهِ طيّا

وقال: ألمَّتْ وقد نام الرقيبُ وهوَّما ... وأسرت إلى وادي العقيق من الحمى وراحتْ إلى نجدٍ فراح مُنَجَّداً ... ومرَّت بنعمانٍ فأضحى منعما وجرَّتْ على تُرْبِ المحصّب ذيلَها ... فما زال ذاك التربُ نهباً مقسما تناقلُهُ أيدي الرِّجالِ لطيبه ... ويحمله الداريُّ أيَّانَ يمما ولما رأتْ أن لا ظلامَ يُجِنُّها ... وأن سُراها فيه لن يتكتما سَرَتْ عذبات الريط عن حُرِّ وجهها ... فأبدت شعاعاً يرجع الصُّبح معلما فكان تجلِّيها حجابَ جمالها ... كشمس الضُّحى يعشَى بها الطَّرف كلَّما ولما رأتْ زُهرَ الكواكبِ أنَّها ... هي النيِّرُ الأسمى وإن كنَّ بالسَّما بكتْ أسفاً أن لم تَفُزْ بجوارها ... وأسعدَها صوبُ الغمامِ فأسْجَما تجلَّت يمُجُّ القطرَ ريَّانُ بُرْدها ... فتنفضُهُ كالدُّرّ فذاً وتوأما يضم عليها الماء فضل ثيابها ... كما بلَّ سِقْطُ الطّلِّ نَوْراً مُكمَّما ويَفتَقُ نَضْحُ الغيثِ طيّبَ عَرفها ... نسيم الصّبا بين العَرار تنسّما جلَتْ عن ثناياها وأومَضَ برقُها ... فلم أدر من شَقَّ الدُّجُنَّةَ منهما وساعدني جَفْنُ الغمام على البكا ... فلم أدر وَجْداً أيَّنا كانَ أسجَمَا ونظَّمَ سِمْطَيْ ثغرها ووشاحها ... فأبصرتُ دُرَّ الثغر أحلَى وأنْظما تقول وقد ألْمَمْتُ أطرافَ كمِّها ... يديَّ وقد أنْعَلْتُ أخمصَها الفما نشدتُك لا يذْهَبْ بك الشوق مذْهباً ... يُسهِّلُ صعباً أو يُرخِّصُ مَأْثَما فأقصرتُ لا مُستغنياً عن نوالها ... ولكن رأيت الصَّبر أوفى وأكرما

وهو القائل من قصيدة في فتح قَفْصة سنة ست وأربعين وأُنْفِذت إلى البلاد: ولما انقضى الفتحُ الَّذي كانَ يُرتجى ... وأصبحَ حزبُ اللهِ أغلبَ غالبِ وأنجزَنا وعدٌ من اللهِ صادقٌ ... كفيلٌ بإبطال الظنون الكواذب وساعدنا التَّوفيقُ حتَّى تبيَّنت ... مقاصدنا مشروحةً بالعواقب وأذعن من عُليا هلال بن عامر ... أبيٌّ ولبَّى الأمرَ كلُّ مجانبِ وهبُّوا إذا هبَّ النسيم كما سرى ... ولم يتركوا بالشَّرقِ عُلْقة آيب يَغَصُّ بهم عُرضُ الفَلاَ وهو واسع ... وقد زحموا الآفاقَ من كلِّ جانب كأنَّ بسيطَ الأرضِ حَلْقَةُ خاتمٍ ... بهم وخِضَمُّ البحرِ بعضُ المذانب ومدَّ على حكمِ الصَّغارِ لسلمنا ... يَدَيهِ عظيمُ الرُّومِ في حال راغب يُصرِّحُ بالرؤيا وبين ضلوعه ... تنفُّسُ مذعورٍ وزفرةُ راهب وَعَى من لسانِ الحالِ أفصحَ خُطْبة ... وما ضمنت عنه فِصاح القَواضب وأبصَرَ مَتْن الأرضِ كِفَّةَ حابلٍ ... عليه وما ضرَّاه في كفِّ حالب أشَرْنا بأعناقِ الجياد إليكم ... وعُجْنا عليكم من صدور الرّكائب إلى بُقعةٍ قد بيَّنَ اللهُ فضلها ... بمن حلَّ فيها من وليٍّ وصاحب

على الصَّفوة الأدْنَين منَّا تحيَّةٌ ... توافيهمُ بين الصَّبا والجَنائب وقال: سألتُ من المليحةِ بُرءَ دائي ... برَشْفِ بَرُودِها العذبِ المزاج فما زالتْ تُقبِّلُ في جفوني ... وتَبْهرني بأصناف الحِجاج وقالت إن طَرْفك كانَ أصلاً ... لدائك فلْيقَدَّم في العلاج

ابن لبال

ابن لبال أبو الحسن عليّ بن أحمد بن لَبَّال الأميي القاضي، من أهل شريش. توفي بها سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، ضُحى يوم الثلاثاء الثاني لذي الحجة، ودفن في اليوم المذكور. ومن قوله: لمَّا تقوَّس منِّي الجسمُ عن كِبَرِ ... فابيضَّ ما كانَ مُسودّاً من الشَّعَرِ جعلتُ أمشي كأنِّي نصفُ دائرةٍ ... تَمشي على الأرض أو قوسٌ بلا وتَر وقال: قوَّس ظَهري المَشيبُ والكِبَرُ ... والدَّهر يا عمرُو كُلُّه عِبَرُ كأنَّني والعصا تَدبُّ معي ... قوسٌ لها وهي في يدي وتَر

وقال: ما كنتُ أحسبُ قبل رُؤية وجهه ... أنَّ البُدورَ تدُورُ في الأغصانِ غازلتُهُ حتَّى بدا ليَ ثغرُهُ ... فحسبتُهُ دُرّاً على مَرْجانِ كم ليلةٍ عانقتُهُ فكأنَّما ... عانقتُ من عِطْفَيْهِ غُصْن البانِ يَطغى ويلعبُ تحت عَقد سواعِدِي ... كالمهرِ يلعب بين ثِنْي عِنان وله: ألبسني حُلَّةَ الضنا قمرٌ ... ألبسه الحسنُ حلَّةَ الخفرِ أرسل من صدغه لعارضِهِ ... ذؤابةً تحت لمةِ الشعرِ يفترُّ عن فضةٍ وعن بَرَدٍ ... وعن أقاح ندٍ وعن دُرَرِ

ابن مسلمة

ابن مسلمة أبو الحسين محمد بن محمد بن مسلمة من أهل إشبيلية، ودار سلفه قُرْطُبَة، وكانَ جميل الصورة في صغره، وفيه يقول أبو العباس اللصّ: خلبتَ قلبي بلحظٍ ... أبا الحسينِ خَلوبِ فلِمْ أسمَّى بلصٍّ ... وأنت لصُّ القلوبِ توفي سنة خمس وثمانين وخمسمائة، وقال في كير الحدَّاد: ومنضّدٍ فيه الرياحُ سواكنٌ ... فإذا تحرَّكَ آذنْت بهبوبِ يَطوي على زَفَراته كشحاً له ... عند التحرُّكِ هيئةَ المكروبِ ولآبنُوس الفحم إن عرَّضتَهُ ... أهدى له ما شئتَ من تذهيبِ صَدرُ المحبّ يُخال منه مُعْمَلاً ... ومتى تُعطّلهُ فخصرُ حبيبِ وله من قصيدة يمدح: ما دارهم بمجيبةٍ أطلالُها ... فاستجرِ دمعَكَ لن يُفيدَ سؤالها أعيتْكَ دارسةٌ سطا بجديدها ... كرُّ الجديد فأشكلتْ أشكالُها والدارُ تلك وإنَّما بك لوعةٌ ... ألقاك في ليل الشكوك ظلالها يا دارَ وادي الشطِّ من أعلى القُرى ... هطلتْ عليكِ من الغمام ثقالُها عهدي بدَوحِكِ وهو يخطر من قناً ... والسربِ وهو من الجيادِ رِعالُها ومَهَاكِ هذي البيض وهي أوانسٌ ... يقصدن حَبَّاتِ القلوبِ نِبالُها

نَفرٌ تَصيدُ ولا تُصادُ وإنَّما ... تُدني لنا آجالَنا آجالُها من كلِّ سابغة الوشاح خريدةٍ ... لفَّاءَ غَصَّ بساقها خلخالُها منها: أيامَ أرضُكِ لا يطيرُ غرابُها ... سالتْ مذانبها ورقَّ ظلالُها فكأنَّها والأمْنُ فيها والمُنى ... لأبي سليمان اغتدتْ أعمالُها

ابن ذمام

ابن ذمام أبو محمد عبد الله بن محمد بن ذِمَامٍ، الكاتب المُرسي: من أهل لَقَنْت - بفتح اللام والقاف وسكون النون وبعدها تاءٌ ثالثةُ الحروف - من عمل مرسية وسكن مالقة. وكان في أول أمره توجَّه إلى مرّاكش وتعلَّق بخدمة أبي الغَمر هلال ابن الأمير محمد بن مَرْدنيش، فكتب إليه أبوه الأستاذ أبو عبد الله مع رسالة يُشعره اللّحاقَ به وقد رغب إليه فيه: إلى الحضرةِ العُليا المَسيرُ المحقَّقُ ... بها أملٌ إنْ شاءهُ اللهُ يلحقُ بها كعبةُ الآمال طُوبى لطائفٍ ... يُقبِّلُ أرْكاناً لها ويُخلِّقُ فطوبى لمنْ أمسى وقد حطَّ رَحْلَهُ ... بساحةِ بابٍ للهُدى ليس يُغلَقُ وتعساً لمنْ لم ينظِم الدَّهرُ شملَهُ ... بمرّاكُشَ الغرَّاء حيث التأنُّقُ فراجعه برسالةٍ يقول فيها: بنانُك منْ بَحْر المعارِفِ تُنفقُ ... وذهنُكَ للمعنى البديع موفَّقُ فنظمُكَ درٌّ أنفَسُ الدُّرِّ دونَه ... ونثرُكَ مِسكٌ طيِّبُ العَرْف يَعْبَقُ وأنتَ مليكٌ للبلاغة كلِّها ... وراياتُها من فوق رأسِكَ تخفِقُ

وللهِ بِكْرٌ بنتُ عشرٍ زفَفْتَها ... تُعبِّر عن سحرٍ حَلالٍ وتنطِقُ تجلَّتْ فجلَّتْ أن يُعارضَ حُسنُها ... وكيف وفيها للمعالي تأنُّقُ وما هو إلاَّ أن فضضْتُ ختامها ... فهيَّجَ بلبالي إليك التَّشوُّقُ فيا ليتَ مُرَّ الشوقِ لم تَدْرِ طعمَهُ ... ويا ليتَ هذا البينَ لم يكُ يُخلقُ فذاكَ للذَّاتِ التَّواصُلِ قاطعٌ ... وهذا لشمل الأقرَبينَ مفرِّقُ واقترح عليه أبو الغَمر المذكور أن يعارض أربعةً من أشعار الغناء، أولها: يخُطُّ الشَّوقُ شَخْصَك في ضَميري ... على بُعْدِ التَّزاوُرِ خَطَّ زُورِ فقال: ملكتَ الفضلَ يا نَجْلَ ابنِ سَعْدٍ ... فما لكَ في الأكارمِ من نَظيرِ حُسامكَ حاسمٌ عَدْوَ الأعادي ... ومالُكَ مُذْهِبٌ عُدْمَ الفقيرِ ووَجهكَ إن تبدَّى في ظلامٍ ... تجلَّى عن سنا قمرٍ مُنيرِ لِذا سمَّاكَ مَنْ سمَّى هلالاً ... لإشراقٍ حُبيتَ به ونورِ وثانيها: أشاقك طيفٌ أخرَ اللَّيل منْ هند ... ضمانٌ عليه أن يزورَ على بُعْدِ فقال: حكى دَمْعُها الجاري على صفحَةِ الخدِّ ... نَثيرَ جُمانٍ قد تساقطَ من عِقْدِ فقلتُ لها ما بالُ دمعِكِ جارياً ... فقالتْ لِما في القلب من ألم الوَجْدِ ولولا لهيبٌ ظلَّ بين جَوانحي ... يُجفِّفُ دمعي كان كالسيل في المدِّ وما يُطفئُ الجَمْرَ المضرَّمَ في الحشا ... سوى وصلِ مَوْلانا هلالٍ أبي سَعْدِ وثالثُها: أُعانِقُ غُصْنَ البانِ منها تعلُّلاً ... فأُنكرُهُ مَسّاً وأعرفُهُ قدّا

فقال: شكتْ يا لها تشكو لفَرْطِ صبابةٍ ... ولوعةِ وجدٍ ألبستها الضَّنى بُرْدا وقالتْ ودمعُ العينِ في وَرْدِ خدِّها ... يُريكَ جُمان الطَّلِّ إذْ بلَّلَ الوَرْدا أيا قمرٌ رِفْقاً على القلبِ إنَّه ... سَقيمٌ ضعيفٌ ليس يَحتمِلُ الصَّدَّا فلو حمّلتْ شُمُّ الجِبال من الهوَى ... كبعض الَّذي حُمّلتهُ هدَّها هدَّا ورابعُها: صحا القلبُ عن سلمى وعُلِّق زَيْنَبا ... وعاودَهُ أضعافُ ما قد تجنَّبا فقال: إذا نَمَّتِ الأزهارُ واعتلَّتِ الصَّبا ... وهيَّجتِ الألحانُ أشْجانَ منْ صبا ودارَتْ كؤوسٌ للمُدامِ تَخالُها ... لرِقَّةِ ما فيها لُجَيْناً مُذَهَّبا تهُزُّ هلالاً للمكارمِ هزَّةً ... كهزّ القنا يومَ الكريهةِ والظُّبا ففي حالةِ الإفضال يشبهُ حاتماً ... وفي حالة الإقْدام يحكي المُهَلَّبا ومن شعره والرابع مُضَمَّن: نَفى نَوْمي وهيَّجَ لي خيالي ... فِراقٌ لم يكنْ يجري ببالي وكنَّا قبلَه في خَفْضِ عَيْشٍ ... وأُنْسٍ وانتظامٍ واتّصالِ فشتّتنا الفِراقُ وروَّعَتْنا ... مَطيُّ البَيْنِ تُدْنى لارتحالِ فلو نُعْطى الخيارَ لما افترَقْنا ... ولكن لا خيارَ مع اللَّيالي

أبو بكر اليعمري

أبو بكر اليعمري أبو بكر محمد بن محمد بن حارث اليعمري من أهل أبذة - بالذال المعجمة وباؤها الموحدة مشددة وهمزتها مضمونة - أنشدني أبو عبد الله ابن الصفّار الضرير، قال: أنشدنا أبو بكر المذكور لنفسه يهجو ابن همشك: همشكٌ ضُمَّ من حرفي ... ن من همٍّ ومن شكِّ فعين الدين والدُّنيا ... لإمرَتِهِ أسًى تبكي هذا إبراهيم بن أحمد بن همشك رومي الأصل مَلَكَ في الفتنة جيّان وشقورة وكثيراً من أعمال غرب الأندلس، كان عاتياً قاسياً، فكان يعذّب خلق الله تعالى بالتعليق والتحريق، ولا يتناهى عن منكرٍ فعلَهُ من رميهم بالمجانيق، ودهدهتهم كالحجارة من أعالي النيق، وصاهر ابن سعد وحالفه ثمَّ إنَّه صار إلى الدعوة المهدية على يد الشيخ أبي حفص رحمه الله. وحكى ابن صاحب الصلاة عن بعض الصالحين أنَّه رآه في النَّوم فقال له: كيف حالك وما لقيت من ربك؟ فأنشده بيتين لم يُسمعا قبلُ وهما:

من سرَّهُ العَيثُ في الدُّنيا بخلقهِ من ... يصوّر الخلقَ في الأرحام كيف يَشا فليحزَنِ اليومَ حزناً قبل سَطوتهِ ... مُغَلَّلاً يمتَطي جمرَ الغضا فُرُشا

ابن أيوب

ابن أيوب أبو الحجاج يوسف بن عبد الله بن أيوب الفهري: من أهل دانية، وسكن بَلَنسية، وولي بها الأحكام، وكان له بعقد الشروط استقلال، وتوفي في شعبان سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة. وأنشدني أبو الربيع ابن سالم، قال أنشدني لنفسه: أبى اللهُ إلاَّ أن أفارقَ منزلاً ... يُطالعني وجهُ المُنى فيه سافرا كأنَّ على الأقدارِ ألا أحُلَّه ... يميناً فما أغشاه إلاَّ مُسافرا وقوله: تذكرتُ فانهلَّتْ جفونيَ أدمعا ... مَصيفاً على عهد الشبابِ ومَرْبَعا منازلُ حالتْ دونَها غربةُ النَّوى ... وهاجتْ عليها للمشوقِ تفجعا وقد راقني والشَّمسُ تقضي حُشاشةً ... لها والدُّجى قد آن أن يتقنعا تألَّفَ سربٌ خلته وسْطَ مِذْنَبٍ ... سفيناً على ساجٍ من البحر مُقْلِعا ومنها: تهادى أُصَيْلاناً إلى وُكُناتهِ ... كمثل المهاري بالأزمَّةِ نزعا دعاهُ لها داعي الحنينِ وحثَّهُ ... حبابٌ إلى تلك السبيل فأسرعا وسدَّد مسعاه هنالك خائفٌ ... توقّع من حصبائهِ ما توقعا

ابن رضا

ابن رضا أبو عمرو رضيّ بن رضا الكاتب من أهل مالقة، أنشد لبعضهم هذه القطعة وهي: أرادوا بعادي فأدنيتهمْ ... فقالوا عجيبٌ عجيبٌ عجيبْ فأهملتُ دمعي على وجنتي ... فقالوا مريبٌ مريب مريبْ فناديتُ في الحيِّ يا غربتي ... فقالوا غريبٌ غريب غريبْ فقلتُ متى الوصلُ يا سادتي ... فقالوا قريبٌ قريب قريبْ فسلَّمتُ تسليمَ صبٍّ بهم ... فقالوا حبيبٌ حبيب حبيبْ واستغربت بمالقة، فصنع في ذلك مقامة تدلُّ على مكانه من الأدب، وقال يعارضها: نسبتُ بها في الهوَى مُعْلناً ... بذكري فقالوا نسيبٌ نسيبْ وأغربتُ في حبِّها طالباً ... رضاها فقالوا غريبٌ غريبْ أهابَ التصابي فلبيتهُ ... وهبتُ فقالوا مهيبٌ مهيبْ وكم قد كُذبت فلم أنخدعْ ... لقيلٍ فقالت كذيب كذيبْ أرابوا وإنِّي لذو إربةٍ ... وإربٍ فقالت أريب أريبْ عسى وطن سمعت منشداً ... يقول فقالتْ حبيبٌ حبيبْ وله أيضاً: ولما التقينا نسيتُ النسيبَ ... فقالت نسيبٌ نسي بي النسيبا

وحققت أنيَ مغرًى بها ... فقالت غريبٌ غري بي غريبا كَنَتْ عن محبٍّ بغير اسمهِ ... فقالت منيبٌ مُني بي منيبا ومن شعره قوله: بكيتُ بدمع كَذَوْبِ العقيق ... غراماً وشوقاً لوادي العقيقْ وبيتٍ عتيقٍ ثوى تُرْبَهُ ... محمدٌ المصطفى أو عتيق فللهِ تربٌ كمسكٍ سحيقٍ ... عدانيَ عنه مكانٌ سحيق بودِّيَ لو سرتُ سيرَ الفنيق ... أجوب إلى البيت نيقاً فنيق فأبغي لأعلى رفيقٍ خلاصاً ... عسى الرَّبُّ الأعلى يرى بي رفيق وحدَّثني أبو الحسين عبد الله بن محمد بن الموصلي بثغر بطليوس أن أبا عمرو هذا استشهد بدانية من نواحيها، وهو إذ ذاك يتولَّى الكتابةَ لواليها بعد التسعين وخمسمائة.

ابن البراق

ابن البراق أبو القاسم محمد بن علي الهَمْداني - بالميم الساكنة والدال المهملة - المعروف بابن البرَّاق من أهل وادي آش، وخرج منها في الفتنة فسكن مُرسية وبلنسية وكتب بها الحديث وسمع من شيوخها ثمَّ انصرف إلى بلده قبل التسعين وخمسمائة وبعد موت ابن سعد وتوفي هناك سنة ست وتسعين وخمسمائة. ومن قوله: للفجر من خَللِ السَّحاب تشوُّفُ ... وعلى المَذاكي عزّةٌ وتشرُّفُ فكأنَّ مَوشيّ الدَّرانِكِ سُندسٌ ... وكأنَّ منضود الأرائكِ رَفْرَفُ ولربَّما سَجَعَتْ هناكَ حمائمٌ ... فحسبتُ أنَّ بها قياناً تعزِفُ وقوله في لابس ثوبٍ أصفر فوق أحمر: برَّحَ بي ذو محاسنٍ صَرفتْ ... لواحظَ الخلقِ عن سنا الفلقِ

تشتاقهُ أضلُعي وإن رَشقتْ ... أحناءها منه أسهمُ الحدقِ يَعطفهُ التيهُ في مصبَّغةٍ ... بَثَّتْ هناك الشعاع في الأفقِ كالشَّمس عند الأصيل قد لبستْ ... صفرتَها تحت حمرةِ الشفقِ ومن قوله في مليح يلبس أطماراً، قاله ارتجالاً: عاينتُه بين أطمارٍ يُزانُ بها ... ما بين مستترٍ منها ومنكشفِ كأنَّهُ قمرٌ دارتْ به سُحبٌ ... فالبعضُ منكشفٌ والبعضُ في سَدَفِ وقوله: قالوا التحى وستسلو عنه قلتُ لهم ... لا يحسنُ الرَّوضُ ما لم ينبتِ الزَّهَرُ هل التحى طرفهُ السَّاجي فأهجرَهُ ... أو هل تزحزحَ عن أجفانهِ الحَوَرُ

ابن الفرس

ابن الفرس أبو محمد عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم بن أحمد الخزرجي القاضي المعروف بابن الفرس المالكي، من أهل غرناطة وبيوتاتها الأصيلة؛ وحكى ابن الصيرفي أن جده أبا القاسم سمع بغرناطة أول الدولة المرابطية على القاضي أبي الأصبغ ابن سهل. وحكى أيضاً أن أبا بكر ابن جعفر القليعي ولاه قضاء المنكب فتقبله كارهاً، وكان فقيهاً حافظاً مبرزاً وإليه كانت الرحلة في وقته؛ وذكر أنَّه من أهل بيت علم وجلالة بغرناطة قلت: غاب عن الصيرفي من كان منهم بشارقة الأشراف من عمل بلنسية. سمع أبو محمد أباه وجدَّه أبا القاسم وتفقه في كتب أصول الدين

والفقه وبرع وألف كتاباً في أحكام القرآن من أحسن ما وضع في ذلك، واضطرب في روايته قبل موته بقليل، وكسر النَّاس نعشه لما مات، رابع جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وخمسمائة. ومن شعره: بعثوا برأسِ العلج عنه مُخْبراً ... يا منْ رأى مَيْتاً يقولُ ويخبرُ فسما به مَتْنُ القناةِ كواعظٍ ... يسمو به بين المعاشرِ منبرُ وكأنه قد أثمرته قناتهُ ... يا من رأى غصناً برأسٍ يثمرُ ومنه قوله أيضاً: انظر إلى رأسٍ نأى عن جسمه ... ولرب نأيٍ ليس فيه تلاقِ أضحى له سورُ المدينةِ جُثَّةً ... من غير رِجْلٍ ظاهرٍ أو ساقِ وكأنَّ ذاك السُّورَ مقعدُ نزهةٍ ... وكأنه متشوفٌ من طاقِ ومن شعره ويروى لغيره: أأدعو فلا تُلْوي وأنت قريبُ ... وأشكو فلا تُشْكي وأنت طبيبُ فهل شيبَ من تلك المصافاةِ مَشْرَعٌ ... وهيلَ على ذاك الإخاءِ كثيبُ ومنه في صدر رسالة: ما بالنا متهماً ودُّنا ... ونحن في ودكمُ نقتتلْ كأنكم مثلُ فقيهٍ رأى ... أن يتركَ الظاهرَ للمحتملْ

ومنه في خسوف القمر: تطَلَّعَ البدرُ لم يشعرْ بناظرهِ ... حتَّى استوى ورأى النظّارَ فاحتجبا كالخودِ ألقتْ رواقَ الخدرِ ناظرةً ... ثمَّ استردَّت حياءً فوقها الطنبا ولي في ذلك: ألم تر للخسوف وكيف أودى ... ببدر التمِّ لماع الضياء كمرآةٍ جلاها الصقلُ حتَّى ... أنارت ثمَّ رُدَّتْ في غشاء ولي فيه أيضاً بعكس المعنى وإبقاء التشبيه: تناولتِ المرآةَ وهي صقيلةٌ ... تأمَّلُ وجهاً دونه ذلك الصَّقْلُ فلما تناهت أوْدَعَتْها غشاءَها ... وقد حدَّثَ القرطاسُ واستمع الحجلُ فشبهتها بدراً علاهُ خسوفهُ ... فأظلم منه ما أنار له قبلُ ومن شعره ابن الفرس في تفاحة: وتفاحةٍ يُهدي إليك نسيمها ... فما شئت من طيبٍ ينمُّ لناشقِ تروقُكَ منها حمرةٌ فوق صفرةٍ ... كوجنةِ معشوقٍ على خدٍّ عاشقِ ومن شعره في نارنجة وسط النَّهر: ونارنجةٍ في النَّهرِ تحسبُ أنَّها ... شرارةُ جمرٍ في الرمادِ تلوحُ وما هو إلاَّ الرَّوضُ أبدى شقيقَهُ ... يهدِّبها غُصْنٌ هناك مَروحُ أو الدرع تضفو فوق أعطافِ فارسٍ ... غدا في رحى الهيجاء وهو جريحُ تغيب وتبدو مرَّةً فكأنَّها ... عقيقةُ برقٍ في الحبيِّ تلوح كأنَّ حبابَ الماءِ يكتمُ سرَّها ... وقد جعلت تفشو به وتبوح وقال ابن الفرس هذه الأبيات بجزيرة شقر، وفي نهرها أبصر تلك

النارنجة، وجاراه فيها جماعة منهم أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن فتحون المخزومي فقال: ولقد رميتُ مع العشيِّ بنظرةٍ ... في منظرٍ غضِّ البشاشةِ يبهجُ نهرٌ صقيلٌ كالحسام كأنَّه ... روضٌ لنا نفحاتُهُ تتأرج تثني معاطفَهُ الصَّبا في بُردَةٍ ... موشيَّةٍ بيدِ الغمامة تُنسجُ والماءُ فوق صفائِهِ نارنجةٌ ... تطفو به وعبابُهُ يتموجُ حمراءُ قانيةُ الأديم كأنَّها ... وَسْطَ المجرَّةِ كوكبٌ يتوهجُ وقال أبو المطرف ابن أبي بكر ابن سفيان المخزومي في ذلك: ومنظرٍ قد راقني حُسنُهُ ... من أزرقٍ ينسابُ كالأرْقَمِ أبصرتُهُ يحملُ نارنجةٍ ... طافيةً حمراءَ كالعندمِ ودرَّجَتْ ريحُ الصَّبا مَتْنهُ ... لما انبرت وهيَ بها ترتمي فخلته مهنداً مُصلَتاً ... هُزَّ وفيه قطرةٌ من دمِ وقال محمد بن إدريس المعروف بابن مرج كحل: وعشيةٍ كانت قنيصةَ فتيةٍ ... ألفوا من الأدب الصريح شيوخا وكأنَّها العنقاءُ قد نصبوا لها ... منَ الانحناء إلى الوقوعِ فخوخا شملتهمُ آدابهم فتجاذبوا ... سرَّ السّرور محدِّثاً ومصيخا والورْقُ تقرأ سُورةَ الطربِ التي ... يُنسيكَ منها ناسخٌ منسوخا والنَّهرُ قد طَفَحَتْ به نارنجةٌ ... فتيممت من كانَ فيه منيخا فتخالهم خَلَلَ السَّماء كواكباً ... قد فارقت بسعودها المريخا خرق العوائدَ في السُّرورِ نهارُهُمْ ... فجعلتُ أبياتي له تاريخا

وقال عبد المنعم ابن الفرس أيضاً: ونارنجةٍ تحمرُّ في النَّهرِ مثلما ... توقَّدَ نجمٌ في المجرَّةِ سابحُ تحملها صدرُ الغديرِ كأنَّها ... سريرةُ حبٍّ قد طوتها جوانحُ ومن شعره: انظر إلى خضرةٍ في الزرع قارنها ... مبيضُّ نَوْرٍ ومصفرٌّ وأحمرُهُ كثوبِ وشيٍ أجادَتْهُ صوانعه ... والرِّيحُ تطويه طوراً ثمَّ تنشرُهُ ومنه أيضاً: أخاماتُ زرعٍ أم بحورٌ تلاعبتْ ... بأمواجها أيدي الرياح النواسمِ تراها أمام الرِّيح وهي تسوقها ... كجيشِ زنوجٍ فرَّ قدَّامَ هازمِ وأنشدنا أبو الربيع ابن سالم قال: أنشدنا أبو عبد الله ابن زرقون، أنشدنا أبو الفضل عياض لنفسه ارتجالاً، وقد نظر إلى زرع تتخلل الشقر خضرته: انظر إلى الزرع وخاماتِهِ ... تحكي وقد وَلَّتْ أمامَ الرياحْ كتيبةً خضراءَ مهزومةً ... شقائقُ النعمانِ فيها جراحْ

ابن إدريس

ابن إدريس أبو بحر صفوان بن إدريس التُّجيبي، من أهل مرسية وفي نبيهات البيوتات بها. وهو ممن جمع تجويد الشعر إلى تحبير النثر، مع سداد المقصد وسلامة المعتقد. ومن تصانيفه كتاب " بداهة المُتحفز وعجالة المستوفز " يشتمل على رسائله وأشعاره، وما خوطب به وراجع عنه، و " زاد المسافر " - وهو الَّذي عارضته بهذا المجموع - وتأليف في أدباء الأندلس لم يُكمله، ومن أصحابنا من عثر على بعضه فحدَّث بكثرة ما حُشر فيه من الفوائد. وتوفي مُعتبطاً لم يبلغ الأربعين سنة، وثكله أبوه الخطيب أبو يحيى، وهو تولَّى الصلاة عليه عند وفاته في شوال سنة ثمان وتسعين وخمسمائة. أنشدني الأديب أبو محمد عبد الله بن علي الغافقي المرسي، قال: أنشدني أبو البحر لنفسه: أَحمى الهوَى قلبه وأوْقَدْ ... فَهْو على أنْ يموت أو قَدْ وقال عنه العذولُ سالٍ ... قلَّده اللهُ ما تقلَّد

وباللِّوى شادنٌ عليه ... جيدُ غزالٍ ووجهُ فَرْقد علّله ريقُه بخَمر ... حين انتشى طرفُه فَعَرْبد لا تَعجبوا لانهزام صَبري ... فَجيش أَجفانه مُؤيَّد أنا له كالَّذي تمنَّى ... عبدٌ نعم عبدُه وأَزيد له عليَّ امتثالُ أمرٍ ... ولي عليه الجفاءُ والصَّدّْ إن بَسْملت عينُه لقَتْلي ... صلَّى فُؤادي على محمَّدْ وأنشدنا الحافظ أبو الربيع ابن سالم قال: أنشدنا صاحبنا الأديب الكاتب أبو بحر لنفسه يتغزَّل ويصف ليلة أنس: يا حُسنه والحسنُ بعضُ صفاتِهِ ... والسِّحر مقصورٌ على حركاتِهِ بدراً لوَ انَّ البدرَ قيل له اقترحْ ... أملاً لقال أكونُ مِن هالاتهِ يُعطي ارتياحَ الحسن غصنٌ أملد ... حَمَل الصَّباح فكان من زَهَراتهِ والخالُ ينقُط في صَحيفة خدِّه ... ما خطَّ مسك الصُّدغ من نُوناتهِ وإذا هلالُ الأُفق قابلَ وجهه ... أبصرتَه كالشَّخص في مرآتهِ عَبثت بقلبِ عَمِيده لحظاتُهُ ... يا ربِّ لا تَعْتب على لَحظاته رَكب المآثم في انتهاب نُفوسنا ... فالله يَجعلهنَّ من حَسناتهِ ما زلتُ أخطُب للزمانِ وِصالَه ... حتَّى دنا والبعدُ من عاداتهِ فغفرتُ ذنبَ الدَّهر فيه لليلةٍ ... سَترت على ما كانَ من زَلاَّتهِ غَفل الزَّمان فنِلْت منه نظرةً ... يا ليته لو دام في غَفَلاتهِ

ضاجعتُه واللَّيلُ يُذكي تحته ... نارَيْن من نفسي ومن وَجناتهِ بِتنا نُشعشع والعفافُ نديمُنا ... خمرَيْن من غَزَلي ومن كلماتهِ فضممتُه ضمَّ البَخيل لمالِهِ ... أحنُو عليه من جَميع جهاتهِ أوثقتُه في ساعديَّ لأنه ... ظبيٌ خَشيتُ عليه من فَلتاتهِ والقلبُ يدعو أن يُصيَّر ساعداً ... ليفوز بالآمال في ضمَّاتهِ حتَّى إذا هامَ الكرَى بجفونِهِ ... وامتدَّ في عَضُديَّ طَوْعَ سِناته عَزم الغرامُ عليَّ في تَقبيله ... فنفضتُ أيدي الطَّوْعِ من عَزماته وأبى عفافي أن أقبِّلَ ثَغره ... والقلبُ مَطويٌّ على جَمَراتهِ فاعجبْ لمُلْتَهِب الجوانح غُلَّةً ... يشكو الظَّما والماءُ في لَهَواتهِ وسبقه بهذا أبو بكر يحيى بن أحمد بن بَقي الإشبيلي، في القصيدة المشهورة إذ يقول: بأَبي غزالٌ غازلتْهُ مُقلتي ... بين العُذيبِ وبين شَطَّي بارقِ وله: أَعِذاره رفْقاً عليه فقد ... صَدر الصِّبا غضبانَ عنك أسِفْ كيف انبريتَ لنُون وَجنته ... فمحوتَها وكتبت لامَ ألِفْ فكأنَّها نهيٌ لعاشقه ... لا تلتفتْ بدرٌ جَنى فكُسِفْ وله في وسيم أثَّرت الشَّمس في وجنته: ومُعَنْدم الوَجنات تَحسب أنَّه ... صُبغتْ بُرود الوَرد في وَجناتِهِ مَثلَ الجمالُ بخدِّه مُتنبِّئاً ... فشهِدْت أنَّ الخالَ من آياتِهِ نظرتْ إليه أختُهُ شمسُ الضُّحى ... وإياتُها في النُّور دون إياتِهِ فتوقَّدت أحشاؤها من زَفرة ... فبدا شعاعُ النَّار في مرآتِهِ

وله في وسيم يلعب بسيفٍ ويخوِّف به: قُلنا وقد شامَ الحُسامَ مُخوِّفاً ... رشأٌ بعاديةِ الضَّراغم عابثُ هل سيفُهُ من طَرفه أم طَرفُه ... من سَيفِهِ أم ذاك طرفٌ ثالثُ وله في آخر يرمي نارَنْجاً في ماء: وشادنٍ ذي غَنَجٍ دلُّه ... يروقنا طوراً وطوراً يَروعْ يَقذف بالنَّارنج في بِركةٍ ... كلاطخٍ بالدَّم سَرْدَ الدُّروعْ كأنَّها أكبادُ عُشَّاقِهِ ... يُتلفها في لُجّ بحرِ الدُّموعْ وله في نارنجة: رُبَّ نارنجةٍ تأمَّلتُ منها ... منظراً رائعاً ونَشْأً غريبا نشأتْ في القَضيب وهي رَمادٌ ... فغذَاها الحيا فعادت لهيبا وله في باكورة: حيّتك ضاحكةً بُنيَّةُ أيكةٍ ... تهفُو تحيتها بعِطْفِ النَّادي لمَّا درتْ أنْ سوف تَثكل أُمَّها ... لبست بحُكم الفَقد ثوبَ حدادِ تنشقُّ عن لُمَع البياضِ كأنَّها ... قَلبي تبسَّمَ عن ثُغور وِدادي وله في أَكُول: وصاحبٍ ليَ لا كانتْ طبائعُهُ ... كأنَّها سحبٌ بالسَّرْط مُنهمرَهْ إذا أحسَّ بمأكولٍ تُقدِّمه ... يكاد يسبقُ فيه حلقُهُ بصرَهْ كأنَّ فاه عصا مُوسى إذا انقلبتْ ... وما تُقدّمه إفكٌ من السَّحرَهْ وله من مفردات الأبيات: بَيني وبين أبي جَمرةٍ ... عداوةُ الماء مع النَّارِ وله: لو أنَّه كانَ جُزءَ فِقْهٍ ... لما عدا جامع العُيوب

وله: حَلَّيتمُ زمناً لولا اعتدالكُمُ ... في حكمكمْ لم يكنْ في الحكم يعتدلُ فإنَّما أنتمُ في أنفه شَمَمٌ ... وإنَّما أنتمُ في طرفِهِ كَحَلُ ومنها: يرى اعتناقَ العوالي في الوغى غزلاً ... لأن خرصانها من فوقها مُقَلُ وله: سرُّ النَّوى في ضمير كتماني ... إن لم تنافقْ عليَّ أجفاني أبلى لقلبي وليس في بدني ... ربَّ طليقٍ يشقَى به العاني وله: والسرحةُ الغناءُ قد قبضتْ بها ... كفُّ النسيم على لواءٍ أخضرِ وكأنَّ شكلَ الغيم مُنْخُلُ فضَّةٍ ... يرمي على الآفاقِ رَطْبَ الجوهرِ وله: وكأنَّما أغصانها أجيادها ... قد قُلِّدتْ بلآلئِ الأنْوارِ ما جاءها نَفَسُ الصّبا مستجدياً ... إلاَّ رَمَتْ بدراهمِ الأزهارِ وله: أُولعَ من طرفه بحتفي ... هل يعجبُ السَّيفُ للقتيلِ تهيبوا بالحسامِ قتلي ... فاخترعوا دعوةَ الرحيلِ

ابن مسعدة

ابن مسعدة أبو بكر عبد الرحمن بن علي بن مَسعدة العامريّ الكاتب: من أهل غرناطة، وولي الخطبة بجامع قَصبتها، وكان من مشاهير الكتاب، وتوفي عن سن عالية، ودُفن مستهل جمادى الآخرة سنة ستمائة؛ فمن قوله ممَّا كتب عنه إلى يزيد بن صِقلاب: أبا بكرٍ ودادكَ من ضَميري ... كرَقْم يُحابر أَعيا الصَّناعا وأنسى ابنَ الرّقاع وأُمَّ سلمى ... فما لي لا أُضمِّنه الرِّقاعا وأكتُمُ لوعتي حِفظاً لشيبٍ ... لَحا في الحبِّ مَن كشفَ القناعا وخُلةَ واصلٍ بالذاتِ تَبغي ... وبالإعراض لا تألو انقِطاعا وإن يكُ طيفُك السَّاري سُهيلاً ... قَنعتُ به على البُعد اطلاعا وحَسبي نفثةٌ في عِقد سِحرٍ ... لخَمسك تَلأم النَّفسَ الشَّعاعا بقيتَ تُناكفُ القمرَيْنِ حُسناً ... وتعتقلُ الذَّوابلَ واليَراعا ولابن صِقلاب مراجعة له على هذا.

ابن الشواش

ابن الشوّاش أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الجُميمي - بالجيم والميمين - من أهل بلنسية ويعرف بابن الشوّاش - بالشينين المعجمتين والواو المشددة - لم أقف على تاريخ وفاته وقيل إنَّها قبل هذا المائة السابعة. أنشدني أبو بكر محمد بن الحاج أبي عامر محمد بن حسن الفهري، قال: أنشدني خالي لنفسه، وكان يقول إنَّه شهر بالنسبة إلى خاله ابن الشوّاش المشهور ببراعة الخط: وردُ خدَّيكَ قد ذَبلْ ... بعذارٍ به اشتملْ خالَهُ الحسنُ أرقماً ... جاءَ يُتْوِيه فاحتملْ بلَّغَ الحاسدَ المنى ... وأرى الشَّامتَ الأَمل وله بديهة في باكورة ورد، وأنشدنيها أبو بكر: تمَّ السُّرورُ بوردٍ زان مجلسنا ... فنابَ عن خدِّ من أهْوى ونفحتِهِ فاشربْ شبيهَتَهُ وانعمْ بمشبهه ... لعلَّ زورةَ ذا بُشرَى بزورتِهِ وله أيضاً: فَتى حازَ في شرخ الشَّبيبة غايةً ... من المجد تكبو الرِّيحُ فيها وتطلَحُ يصرّف بين النَّاسِ والجودِ راحةً ... هي الدَّهر ذو الحالَين تسطو وتمنَحُ

ابن نصير

ابن نصير أبو القاسم أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن نُصَير من أهل شَوْذَر عمل جيّان، وسكن قُرْطُبَة وتوفي بمالقة رابع المحرم سنة اثنتين وستمائة، وكان من رجالات الأندلس. قال يخاطب الكتَّاب بمراكش وهو عامل إشبيلية: سلامٌ على النَّادي الَّذي ما له نِدٌّ ... ومن نَظْم أشتاتِ المعالي به عقدُ سَجايا تمشَّى الحكمُ في جنباتها ... وقامَ صقيلاً دون حوزتها الحدُّ إذا خطبوا أو خوطبوا حُفظتْ لهم ... بدائعُ عنها يصدر الحلُّ والعَقدُ وإن لُبس الأمجادُ بُرداً لزينةٍ ... فليس لهم من غير مكرمةٍ بُردُ حَوَتْ منهمُ دارُ الخلافةِ أنجُماً ... هي النيّرات الزُّهر أطلعها السعدُ يدلّ على عليائهم طيبُ ذكرِهم ... وطيبَ نسيم الوردِ يُنبئني الوردُ ظفرتُ بعهدٍ منهمُ أحرز المُنى ... فلا ذُخْرَ إلاَّ فوقه ذلك العهدُ فراجعه عنهم الحكيم أبو بكر بن يحيى بن إبراهيم الأصبحي المعروف بالخدوج. وقال ابن نصير يرثي الخطيب أبا علي الحسن بن حجاج:

نعى المكارمَ لمَّا أن نعى ناعِ ... مَن كانَ جامِعَها طرّاً بإجماعِ مضَى وخلّد عمراً لا نفاذَ له ... من نشر ذِكْرٍ ذكيِّ العَرْفِ ضوَّاعِ إذا تنازَعَهُ النَّادي وردَّدَهُ ... أتتْ رواياتُهُ منه بأنواعِ وله: أيا هَضْبَتَيْ مجدٍ ويا كَوكَبَيْ سعدِ ... ويا رافدَيْ رفدٍ ويا صارمَيْ حدِّ غياثاً فقد أودى الحطيمُ ومُكِّنتْ ... من الدَّهرِ في حَوْبائِهِ يدُ ذي حقدِ وكيف وأنَّى وهو يُسندُ منكما ... إلى منعةٍ تُرْبي على الأبلق الفردِ فإن يدعُ يا عثمانُ أفرخَ روعُهُ ... وإن يدعُ عبد الحقِّ أيقنَ بالعضدِ ينام رضيَّ البالِ ملءَ جفونه ... ولو بات ما بين الأساوِد والأُسدِ

الجلياني

الجلياني أبو الفضل عبد المنعم بن عمر الغساني، يعرف بالجلياني، وجليانة - بالجيم واللام والياء آخر الحروف وبعد الألف نون وهاء - من عمل وادي آش. كان أديباً فاضلاً طبيباً حاذقاً رحل من الأندلس إلى المشرق ومدح الملك أبا المظفر صلاح الدين بن أيوب، وتوفي سنة اثنتين وستمائة بدمشق. ومن شعره: فأبخسُ شيءٍ حكمةٌ عند جاهلٍ ... وأهونُ شخص فاضلٌ عند ظالمِ فلو زُفَّتِ الحسناءُ للذئب لم يكنْ ... يرى قربها إلاَّ لأكلِ المعاصمِ

ومنه: عجباً من أحبابنا وانقيادي ... طوعَهم إن شَفَوْا وإن أمرضوني ما رضاهم إلاَّ لسخطِ سواهم ... في هواهم وحبَّذا إن رضوني وله: أؤمل لقياكم وإن شطَّتِ النَّوى ... وأزجر قرباً في مرور السوانح ويذكي اشتياقي زَنْدُ تذكارِ عهدكم ... وما الشوقُ إلاَّ بعض نار الجوانح ومنه: قالوا نرى نفراً عند الملوكِ سَمَوْا ... وما لهم همةٌ تسمو ولا ورعُ وأنت ذو همَّةٍ في الفضلِ عاليةٍ ... فلم ظميتَ وهم في الجاهِ قد كرعوا فقلتُ باعوا نفوساً واشتروا ثمناً ... وصنتُ نفسي فم أَخضع كما خضعوا قد يكرَمُ القردُ إعجاباً بخسَّتِهِ ... وقد يُهانُ لفرطِ النخوةِ السبعُ ومنه: بذلتُ وقتاً للطبِّ كي لا ... ألقى بني الملك بالسؤالِ وكان وجهُ الصوابِ في أن ... أصونَ نفسي بلا ابتذالِ لا بدَّ للجسمِ من قوامٍ ... فخذه من جانبِ اعتدالِ واقربْ من العزّ في اتّضاعٍ ... واهربْ من الذلِّ في المعالي

ابن كسرى المالقي

ابن كِسرى المالقيُّ أبو علي الحسن بن محمد بن عليّ الأنصاري، من أهل مالقة ويعرف بابن كِسرى، وتوفي سنة ثلاث أو أربع وستمائة. ومن قوله: إلهيَ أنت الله رُكني وملجأي ... وما لي إلى خلقٍ سواكَ ركونُ رأيتُ بني الأيَّام عُقبَى سكونهم ... حراكٌ ومن بعد الحراكِ سكونُ رضًى بالَّذي قدَّرتَ تسليمَ عالمٍ ... فإنَّ الَّذي لا بدَّ منه يكونُ وقال في طِفل قبَّله فاحمرَّت وجنتُه: وَا بأبي رائقُ الشبابِ رَنا ... بهجةُ خدَّيه ما أُمَيْلحَهَا كأنَّني كلَّما أُقبِّلُهُ ... أنفخُ في وردةٍ لأفْتَحها وقال: وخالقْ بنقصانٍ جميعَ الورَى تَسُدْ ... فيا سُوءَ ما تلقاه إن كنتَ فاضِلا

ألم ترَ أن البدرَ يُرقبُ ناقصاً ... ويُترَك منسيّاً إذا كانَ كامِلا وقال: يا شاعراً يتسامَى ... وجَدُّه خَلدُونُ لم يكفِ أنَّك خَلٌّ ... إلاَّ بأنَّك دُونُ وأنشدنا أبو الحسين ابن سراج قال: أنشدنا أبو علي ابن كِسرى في راقصة اسمها " نُزْهَة " وتُعرف بيخُطّ الشَّوق: تخطُّ يخُطُّ الشَّوقَ في القلبِ شخصُها ... ففي كلِّ ما تأتيه حُسنٌ وتحْسينُ وليست تطيق الشِّينَ في كل نطقها ... فمن أجل بُعد الشِّين باعَدَها الشَّيْنُ إذا رقصتْ أبصرتَ كلَّ بديعة ... تُرى ألِفاً حيناً وحيناً هي النُّونُ فيا نُزهةَ الأبصار سُمِّيتِ نُزهةً ... لكي يُوضح المعنى بَيانٌ وتبيينُ والبيت الثالث مأخوذ من قول عُبادة بن ماء السَّماء: يُعجبني أن تقوم قُدَّامَا ... تفتل قبلَ الجُفون أكمامَا كأنَّها في اعتدالها ألِفٌ ... ترجعُ عند انعطافها لامَا

أبو عمران الميرتلي

أبو عمران الميرتلي أبو عِمران موسى بن حسين بن عمران الزاهد، يعرف بالمِيرتُلي، وأصله من ثغر مِيرتلة، وسكن إشبيلية، وكان لا يُعدلُ به أحدٌ من أهل عصره صلاحاً وعبادة مع تصرفه في فنون الأدب، وشعره في الزهديات مجموع. روى عنه ابن حوط الله. ولما احتضر ما زال يكرر:) إنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات (، إلى أن قبض. توفي ليلة السبت مستهل جمادى الأولى سنة أربع وستمائة. أنشدني أبو سليمان ابن حوط الله، قال: أنشدني لنفسه من أبيات: إلى كم أقولُ ولا أفعلُ ... وكم ذا أحومُ ولا أنزلُ وأزجرُ نَفْسي فلا تَرْعوي ... وأنصح نَفسي فلا تقبلُ وكم ذا تعلل لي ويحها ... بعلّ وسوف وكم تمطل وكم ذا أؤمِّل طولَ البقاءُ ... وأغفُلُ والموتُ لا يغفلُ وفي كلِّ يوم ينادي بنا ... منادي الرَّحيل ألا فارحلوا

أمن بعد سبعين أرجو البقا ... وسبع أتت بعدها تعجلُ كأنْ بي وشيكاً إلى مصرعي ... يساق بنعشي ولا أمهلُ فيا ليتَ شعريَ بعد السّؤال ... وطول المقام لما أنقلُ ومن شعره: ما حالُ من أبلتُ الأيَّامُ جِدَّتَهُ ... وخانه ثقتاه السمعُ والبصرُ حالٌ يجاوبُ عنها من يسائلها ... عينٌ فحسبُكَ مرأى العينِ لا الخبرُ إن أخلقت جدّتي أو أذهبتْ جدّتي ... أو مسَّني ضرّها فالله لي وَزَر ما لي سوى الله من مولًى أؤمِّلُهُ ... هو الرجاءُ وإن أودى بيَ الضررُ وقوله: وللنفوسِ وإن كانت على وَجَلٍ ... من المنيَّة آمالٌ تقوّيها فالمرءُ يبسطها والدَّهرُ يقبضها ... والنفسُ تنشرها والموتُ يطويها وقوله: إلمامُ كلِّ ثقيلٍ قد أضرَّ بنا ... يزيدُ بعضهمُ والشيءُ يزدادُ ومن يَخِفُّ علينا لا يلمُّ بنا ... وللثقيل مع السَّاعاتِ تردادُ ووجد مكتوباً هذا البيت: فلا تعتبنَّ علينا الصّبا ... فنحن إذا ما خلونا صبونا فنظم قوله عفا الله عنه: فقد نستجمُّ بلغوِ الكلام ... لكيما يكونَ على الحقِّ عونا ونحن أولو الجِدِّ في المبتدا ... وأهلُ الفكاهة مهما خلونا ونستغفر الله في إِثر ذا ... ونسأله العفوَ عما لغونا

ابن محفوظ

ابن محفوظ أبو المعالي ماجد بن محفوظ بن مرعي، الشريف من أهل بلنسية ومن ولد طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق. ومن شعره: ما القلبُ عن حبِّ ذاتِ الخالِ بالخالِ ... أَطعتُ إلاَّ على لمياءَ عذالي أهيمُ منها على شَحْطٍ بجاريةٍ ... حوراءَ تعطو بجيدٍ غيرِ معطالِ كالصُّبح في بَلَجٍ والرَّوض في أَرَجٍ ... والرقصِ في مائسِ الأعطاف ميالِ ومنها: غادية من غوادي المُزْنِ سائلةٌ ... بكلِّ وبلٍ كريمِ الودقِ هَطَّال تُفَجّر الغيلَ في بيداءَ مَجْهَلَةٍ ... وتنبتُ الغيلَ في خبراءَ ممحال حتَّى تغادرَ أغفالَ التلاعِ بها ... من واصبٍ مُعْلماتٍ غير أغفال ومن قوله: رِدِ المجرَّةَ نهراً إن ظمئتَ ولا ... تقنع بِبَرْضٍ من الآمال أو ثَمَدِ ولا تقلْ ليس لي ذاتٌ أسودُ بها ... فإنَّ هذا قياسٌ غيرُ مطّرد هذا الفلانيّ مستقضًى بشاطبةٍ ... وليس من خُطَّةٍ الأحكام في صدد لا غروَ أن يسموَ الرذلُ الخيارَ كما ... يسمو على الماءِ ما يطفو من الزبد لا يرتضي خطّة نيطتْ به أحدٌ ... والصقر ليس بصيَّادٍ مع الصُّرَدِ ما ضرَّه وهو قاضٍ أن يلامَ وأن ... ليس القضاء بمحبوبٍ إلى أحدِ حُطُّوه عن رتبةٍ قدمتموه لها ... من الحضيضِ وردُّوا العَيْرَ للوتدِ

ابن عبد ربه

ابن عبد ربه أبو عمرو محمد بن عبد ربه الكاتب، سكن مالقة وكتب لواليها حينئذ المعروف بالمنتظر، ثمَّ ولي عمالة جيّان سنة أربع وستمائة، وكناه أبو بكر ابن صِقلاب في بعض ما خاطبه به أبا عبد الله؛ وهو القائل: تقضَّى زماني بينَ عتبٍ وإعتاب ... وجفَّتْ دموعي بين سَحٍّ وتَسكابِ وطال بعيني أن ترى غيرَ غادر ... فأوْلَى بعيني أن تكفَّ وأَولى بي ألا ليت شعري هل أرى مثلَ فتيةٍ ... ذوي همم في المعلُواتِ وأحسابِ إذا شئتَ أن تلقى فتًى ليس دونهم ... فيممْ أبا بكرٍ يزيدَ بن صِقلاب ومن شعره ويروى لبعض الأمراء: بين الرياض وبين الجو مُعترَكٌ ... بيضٌ من البرق أو سمرٌ من السَّمُرِ إن أوترَتْ قوسَها كفُّ السَّماء رمتْ ... نبلاً من المُزن في صافٍ من الغُدُرِ فاعجبْ لحرب سِجال لم تُثِرْ ضرراً ... نفعُ المحارب فيها غاية الظَّفَرِ فتحُ الشقائق جَرْحاها ومغنمُها ... وَشْيُ الربيع وقَتلاها من الثمرِ

لأجل هذا إذا هبَّتْ طلائعها ... تدرَّعَ النَّهرُ واهتزَّت قنا الشجرِ هذا يشبه قول ابن عبادة القزَّاز الأندلسي وقيل لغيره: ألؤلؤٌ دمعُ هذا الغيثِ أم نُقَطُ ... ما كانَ أحسنَهُ لو كانَ يُلتقطُ بين السَّحابِ وبين البرقِ مَلحمةٌ ... قَعاقِعٌ وظُبًى في الجوِّ تُخترطُ والرِّيحُ تحملُ أنفاساً مصعَّدةً ... مثلَ العبير بماء الورد يختلطُ والرَّوضُ ينشرُ من ألوانه زَهَراً ... كما تنشَّرُ بعد الطيّة البُسُطُ كتب إليه ابن صقلاب مع نثر: أما والهوَى العُذْرِيّ وهو يمينُ ... عليه من الطرف الكحيل أمينُ لقد خُضتُ مقداماً حشا كلِّ فَيلقٍ ... ولمَّا تَرُعْني الحربُ وَهْي زَبونُ وقد حاد عن لُقيا كتابِكَ خاطري ... كما حاد منخوبُ الفؤادِ طعينُ أفي كلِّ صدرٍ منكَ صدرُ كتيبةٍ ... وفي كلِّ حرفٍ غارةٌ وكمينُ عجبتُ لفظٍ منك ذاب نحافةً ... ومعناه ضخمٌ ما أردتَ سمينُ وأعجبُ من هذين أن بيانَهُ ... حياةٌ لأربابِ الهوَى ومَنونُ زحمتَ به في غُنجها مُقَلَ الدُّمى ... وعلَّمتَ سِحْرَ النفث كيف يكونُ فأجاب ابن عبد ربّه: أيا راكباً إنَّ الطَّريق يمينُ ... وحيثُ ترى حيّاً ففيه كمينُ وإنِّي وإن أفلتُّ منهم فإنما ... نَجَوْتُ وقلبي باللّحاظ طعينُ

عيونٌ حياةُ النفس بين لحاظها ... وإن كانَ في تلك اللّحاظ مَنونُ وأعلَقُ منها بالنفوس وقد جرى ... حديثك يوماً والحديثُ شجونُ سطورٌ كهاتيك اللّحاظ بعينها ... تقولُ لنفسِ السحر كُن فيكونُ وما كنتُ أدري قبل فنٍّ نهجتَه ... بأن بلاغاتِ الرِّجالِ فنونُ

ابن شطريه

ابن شطريه أبو جعفر أحمد بن عبد الرحمن المعروف بابن شَطْرِيَه - بفتح الشين المعجمة وسكون الطاء المهملة وكسر الراء وفتح الياء آخر الحروف وبعدها هاء - هكذا وجدته مقيداً في نسخة موثوق بها. من أهل قُرْطُبَة وأحد تلاميذ الأستاذ أبي جعفر ابن يحيى الحميري، وتوفي في حياته مُختضراً بمرسى قُرْطُبَة عند وصوله إليها من مراكش، قاله لي أبو العباس أحمد بن علي القرطبي القاضي صاحبنا، وأنشدني له: لقد ظَلَمَتْ يومَ الوداعِ ظَلومُ ... أما عَلِمتْ أنَّ الفراقَ أليمُ وغادرتِ المشتاقَ لهفانَ شَجْوُهُ ... صحيحٌ ولكنَّ العزاءَ سقيمُ هِلالُ سماءٍ أو غزالُ سَماوةٍ ... إلى خلدي يسمو وفيه يُسيمُ ولم يكن عنده عنه غير هذه الأبيات وحكى عنه أنَّه كان شاعراً مجيداً.

ابن طالب

ابن طالب أبو عبد الله محمد بن طالب الكاتب من أهل مالقة، وكتب لواليها أبي عامر ابن حَسُّون، صادف جمعاً من العرب في بعض متوجّهاته فقتلوه، رحمه الله. له من قصيدة يرثي أبا القاسم ابن نُصير: أنَصبرُ أم عن سماحٍ وجُودِ ... نصيرُ إلى عدمٍ من وُجودِ لقد عدل الموتُ بين الورى ... فأودى بسيّدهم والمَسُودِ ففيمَ العويل وعمَّ السلوُّ ... وما للهَديلِ وما للنَّشيدِ وأين الغواني وأين الصَّريعُ ... وما شأنُ صَخرٍ وبنت الشَّريدِ وكيف يُسيغُ لذيذ الورود ... مَن الموتُ منه كحبلِ الوريدِ منها: لبيتِ العُلى كانَ حرفُ الرويِّ ... ومِن كلِمِ الفخرِ بيتُ القصيدِ دعا نعيُه بشتاتِ النظام ... وشَوبِ الصفاء وشَيبِ الوليدِ فيا أرضُ صُونيهِ شحّاً به ... فما القصدُ إفرادُ ذاك الفريدِ ولولا الأمانةَ ما أُودِعَتْ ... سريرةُ معنى العُلى في الصعيدِ طواه الضميرُ كطيِّ السجلِّ ... ونشَّرهُ الدَّمعُ نشرَ البُرودِ عشيَّةَ طُفنا به راكعين ... نقبِّل منه مكانَ السجودِ

ابن شكيل الصدفي

ابن شكيل الصدفي أبو العباس أحمد بن يعيش بن علي بن شَكيل - بفتح الشين المعجمة وكسر الكاف وسكون الياء آخر الحروف وبعدها لام - الصَّدفي من أهل شريش. أحد شعرائها الفحول، مع نزاهة ومروءة سابغة الذيول، وله ديوان شعر وقفت عليه، وتخيرت منه ما نسبته إليه، وتوفي معتَبطاً سنة خمس وستمائة. وله في مقتل أبي قصبة الخارج في جُزولة سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وفيها افتتحت جزيرة مَنورقَة - بالنون - من قصيدة أولها: الله أطفأ ما أذكى أبو قَصَبَهْ ... من حربهِ وأزالَ السِّحرَ بالغَلَبهْ أمرُ الخليفةِ وافاهُ على عجلٍ ... يدعوه للحقِّ لما اغتره كذبهْ فمن أراد سؤالاً عن قضيَّته ... فجملةُ الأمرِ أنَّ الحقَّ قد غلبهْ لقد شفى النفسَ أنْ وافى بهامته ... صدرَ القناةِ مكانَ الصدرِ والرقبهْ لما استمرَّ جماحاً في ضلالته ... عادت عليه لجاماً تلكم القصبهْ كانت عصاهُ التي غرَّ الأنامَ بها ... لما يقرِّبُ من نارِ الوغى حطبهْ

يا خجلةَ القلمِ المحمود إذ ذكروا ... أنَّ البراعةَ للأقلامِ منتسبهْ أطلَّ يعثرُ في أذيالِ مِشيتِهِ ... من الحياءِ ويلحى قومَه الخلبهْ قد أحزنته شماتاتُ السُّيوفِ به ... لمَّا وَلينَ وأضحى حائنَ العصبهْ كم من حسامٍ لدى الهيجاءِ منصلتٍ ... لا يردعُ الدِّرعُ حَدَّيه ولا اليَلَبهْ ينهلُّ قطرُ المنايا من مضاربِهِ ... كأن مزناً بأعلى مزنه سكبه كأنه الجدول السيال يجذبه ... كفُّ النسيم إذا ما ميَّلوا شُطبهْ وقال من قصيدة: ألبَسْتَنا العدلَ أبراداً مفوَّفةً ... ونحن بالحمدِ والذكرى نوشِّعُها ذُمَّ الزّمانُ فأبداكم لنحمده ... وتلك حجَّةُ صدقٍ ليس يدفعها وشقَّ حُجْبَ خفاياه فلحتَ كما ... ينشقُّ عن جبهةِ الغراء بُرْقعها وقال في حمَّام: تُلهي العيونَ رقومُهُ فكأنَّها ... قد أُلبستْ ساحاتهُ ديباجا مجموعةٌ أضداده فترى بها ... نارَ الغَضا والوابلَ الثجّاجا حرَّان منسكب الدُّموعِ كأنَّما ... يحكي بذاك العاشقَ المهتاجا دُحِيَتْ بسيطةُ أرضه من مرمرٍ ... فجرى الزجاجُ به وثار عجاجا وجلتْ سماوَتُه السَّماءَ وإنَّما ... جَعلَتْ مكانَ النَّيِّرات زجاجا قامت على عُمُدٍ جُلينَ عرائساً ... فترى لها السّمْكَ المكلَّل تاجا وقال في سوسنة أُودعت شقيقةً: سوسنةٌ بيضاءُ قد أُودعتْ ... شقيقةً قانيةَ البُردِ أبيضُها ينشقُّ عن أحمرٍ ... كالبرقعِ انشقَّ عن الخدِّ وقال أيضاً: مفتتِنٍ في نفسه فاتنٌ ... لغيره ليس له كُنْهُ

جالَ على مرآتِهِ لحظهُ ... فانعكسَ السحرُ بهِ عنهُ أبرزه الحمّام في حليةٍ ... من عَرَقٍ لؤلؤها منهُ يحيا به الوجدُ وذاك اسمه ... فلا يسَلْني أحدٌ مَن هُو قد قلتُ للبدرِ امتحاناً له ... كنْ مثله يا بدرُ أو كُنْهُ وله: النَّاسُ في السّلمِ والعشَّاقُ بينهم ... في أعظم الحرب من أَخبار من عشقوا كم موقفٍ للوغى صعبٍ سلمتُ به ... حتَّى شهدتُ وغًى أنصارها الحدقُ

ابن مطرف

ابن مطرف أبو الحسن مطرف بن مطرف، من أهل غرناطة. من شعره: ومهمهٍ كمدى الآمالِ مُتَّسعٍ ... أمسيتُ فيه حليفَ الأُسدِ والأجَمِ فخضتُ بحرَ ظلامٍ كاد يكتمني ... كأنَّني خبرٌ في سرِّ مكتتم منها في المديح: في حصن ينبول للإسلام أيّ يدٍ ... بيضاءَ قد قعدتْ للسَّفْرِ لم تقم أنحى على البيد محزوم المشلِّ بدا ... تدبير منتصرٍ لله منتقم حلَّ الثغورَ فلم ينهج على ظمأ ... من الثغورِ بمعسولٍ ولا شبم هذا من قول أبي تمام: عداك حرّ الثغور المستطابة عن ... برد الثغور وعن سلسالها الحَصبِ رجع: وبات واللَّيل يدعو فرقَهُ فِرَقاً ... من رميةٍ بفؤاد الشركِ لم ترم ومهَّدَ الأرض حتَّى كاد قاطبها ... يميلُ من جهة النعمى إلى الشَّام شدُّوا بأضلعها الأفخاذَ والتصقت ... على السروج فأغنتهم عن الحزم

هذا من قول أبي الطيب: أو ركبوا الخيلَ غيرَ مسرجةٍ ... فإن أفخاذهم لها حُزُمُ رجع: حيث المنايا شهودٌ تقتضي علناً ... من النفوس بمفلولٍ ومنحطم والهامُ تقرع بأساً في معاقدها ... بكلِّ باكٍ دماً في كفِّ مبتسم ومن شعره أيضاً: يا للهوى إن له آيةً ... محكمةً في كلِّ ما يصنعُ إن شبّها في طَرَفٍ لوعةً ... بكى لها من طَرَفٍ أدمع فهو لقلبي شررٌ محرقٌ ... وهو بجفني ديمةٌ تَهْمَعُ من قول أبي الحسين ابن سراج: كأنَّ فؤادي وجفني معاً ... هما طرفا غُصُنٍ أخضر إذا اضطرم النَّارُ في جانبٍ ... تقطَّر من جانبٍ آخر وله: وكم محببةٍ هام الفؤادُ بها ... قدماً وصورتها من أحسن الصور كأنَّها البدر في تدويرها فإذا ... شقت على النصف كانت شقة القمر وقال في سهل بن مالك:

وصفوا سهلاً فقالوا ... حاطبٌ واللَّيلُ ليلُ إنَّما العلمُ الثريا ... والفتَى سهلٌ سهيلُ فقال سهل رادّاً عليه: حسدوا سهلاً فقلنا ... أيْ لعمري حسدوهُ صغَّروا الاسمَ افتراءً ... وكبيراً وجدوه ورد عليه ابن مرج الكحل: إن دعوني بسهيلٍ ... فأنا حقّاً سهيلُ قد دهاكم من طلوعي ... يا بني الزَّنْيةِ ويلُ أشار إلى قول أبي الطيب: وتنكرُ موتهم وأنا سهيلٌ ... طلعتُ بموتِ أولاد الزناء ومن شعر مطرف وهي من غُرره: سنَّةٌ سنَّها جميلٌ قديماً ... وأتى المحدثون مثلي فزادوا

ابن عذرة

ابن عذرة أبو القاسم عبد الرحمن بن عمر بن عذرة الأنصاري القاضي: من أهل الجزيرة الخضراء، صدرٌ في نُبهائها، وكان خطيباً مُفوَّهاً، توفي سنة ست وستمائة. حدثني ابن أخيه أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي الحكم الكاتب أنَّه وقف على قبر أبيه أبي حفص، ومعه أخواه: أبو بكر وأبو الحكم عبد الرحيم، فقال أبو القاسم: يا أيُّها الواقفُ استغفر لمُودَعِهِ ... ربَّ العبادِ وربَّ الجُودِ والكَرمِ وقال أبو بكر: واحذر هُجومَ المنايا واستعدَّ لها ... وعُدَّ نفسكَ إحدى هذه الرِّممِ وقال أبو الحكم: ولا تغُرَّنَّكَ الدُّنيا وزينَتُها ... فكم أبادتْ وكم أفنتْ من الأُممِ وهي طويلة ومنها: واعلم بأنَّك مسؤول ومُرتهنٌ ... بما عَمِلْتَ فخففْ من مَوقفِ النَّدم

ابن سفر

ابن سفر أبو الحسين أو أبو عبد الله محمد بن سَفَر الأديب منسوب إلى جدّه، وأصحابنا يكتبونه بالصاد، وكان بإشبيلية وهو من ناحية المريّة، قال في المدّ والجزر بوادي إشبيلية وأبدع في ما اخترع: شقَّ النسيمُ عليه جيبَ قميصه ... فانسابَ من شطَّيْه يطلب ثارَهُ وتضاحكتْ وُرْقُ الحمام بأيكها ... هُزْءاً فضمَّ من الحياء إزارَهُ وقال أيضاً: لو شاهدتْ عيناك زورَقَ فتيةٍ ... أبدى بهم نهجُ السُّرور مَراحَهُ وقد استداروا تحت ظلّ شِراعه ... كلٌّ يمدّ لكأس راحٍ راحَهُ لحسِبتَه خوفَ العواصف طائراً ... مدَّ الحنانَ على بنيه جناحَهُ

النجاري

النجاري أبو زيد عبد الرحمن المعروف بالنجاري. له: قد صرتُ أرجو الله مِن بعدما ... قد كنتُ أرجوك مع اللهِ يا لاهياً يلهُو بكلِّ الورى ... ما يَغفلُ الله عن اللاَّهي وأنشدني أبو الحجاج ابن إبراهيم بتونس قال: أنشدني أبو زيد هذا ببَيَّاسة، وحكى أنَّه خرج مع أبي بحر صفوان بمُرسية يطوفان على ضفة نهرها، فوقفا على الدولاب الملاصق للقصر، فقال النجاري: وباكيةٍ تَبكي فيُسْلي بكاؤها ... وما كلُّ من يَبكي إذا ما بكى يُسلي فقال أبو بحر: كأنَّ بُكاها من سرورٍ فدمعُها ... يُثير سُروراً في جوانح ذي خَبْلِ فقال النجاري: فيا عجبا ينهلُّ واكفُ دَمعها ... سريعاً وإن كانت تَدور على رِسْل فقال أبو بحر: كذاك السَّحابُ الغُرُّ تُرسلُ دمعَها ... سريعاً وتَمشي في السَّماءِ على مَهْلِ

فقال النجاري: تَسلسلَ منها الماءُ من كلِّ جانبٍ ... فخيّلتها من عَبرة الصَّبِّ تَسْتملي فقال أبو بحر: كأنَّ السَّحابَ الغُرَّ ألقتْ بسرِّها ... إليها فلم تكتُم وضاقتْ عن الحملِ

البكري الإشبيلي

البَكْري الإشبيلي أبو محمد عبد الله بن محمد بن عمَّار البكري من أهل إشبيلية، ومن أقارب أبي عبيد البكري. قدم على شرق الأندلس في أول هذه المائة السابعة. وسمع منه ببلنسية بعضَ شعره شيخنا القاضي أبو الخطاب ابن واجب ثمَّ عاد إلى بلده وبه توفي. ومن شعره: سُلَّتْ على الأعداءِ منه صوارمٌ ... قطعتْ مناسِبَ رُومةٍ عن قيصَرِ وكتائبٌ ضاقَ الفضاءُ بحملِها ... برئتْ بها لمتونَةٌ مِن حِمْيَرِ وأول هذه الأبيات: طلعتْ كبدرِ التِّمّ لاح لمبصرِ ... غيداءُ تبسمُ عن نَفيسِ الجوهرِ وتنفَّستْ فكأنَّ نفحَ مُدامةٍ ... شِيبتْ روائحُها بمسكٍ أذْفرِ عجبتْ لراميةِ القلوب بأسهُمٍ ... أبداً تُفَوَّقُ من قِسِيِّ المَحجرِ سفرتْ كما وضحَ الصَّباحُ فقابلتْ ... بدرَ السَّماءِ ببدْر أرضٍ نيِّرِ ومنه: أهلاً بساحرةِ الجفون وقد أتتْ ... لزيارتي تَمشي على استحياءِ خافتْ عُيونَ وُشاتها فتلفَّعتْ ... حذَرَ الرقيب ببُرْدَةِ الظَّلماءِ وأتتك بين لِدَاتها فكأنَّها ... قمرٌ وهنَّ كواكبُ الجَوْزاءِ

وقال في أعور غَمَّتْ حدقته السليمة حُمرةٌ إلاَّ يسيرَ بياضٍ كالخطِّ الدائر بها؛ وقاله ارتجالاً: لم ترَ عَيْني مثلَ عينٍ غدتْ ... لا تعرفُ السُّهدَ من الغمضِ فازتْ يدُ الدَّهر بتفريقها ... من كلِّ مُسودٍّ ومُبيضِّ وأبقتِ الأيَّامُ أُختاً لها ... ناكسةَ الرأس إلى الأرضِ كأنَّها من حُمرةٍ وردةٌ ... قد طُوِّقتْ بالسَّوسنِ الغضِّ وقال في صديق كان يُداجيه: ومُستبطنٍ حِقداً وفي حَركاته ... تصنُّعُ مظلومٍ يذِلُّ لظالمِ تصدَّى لإيناسي بحِيلةِ فاتكٍ ... ولاحَظَني خوفاً بطرفٍ مُسالمِ تستَّرَ عن كشفِ العداوة جاهداً ... كما كمنتْ في الرَّوض دُهمُ الأراقمِ ومن شعره يصف إشبيلية من قصيدة: أجلْ فديتُكَ طرفاً في محاسنِها ... تُبصرْ وحقِّكَ منها آيةً عَجَبا قُطر تكنّفهُ من جانبَيْه معاً ... مصانعٌ تحملُ الأنداءَ واللَّهَبا زُهرُ الوجوه كأنَّ البدرَ جرَّ على ... حيطانها البيضِ من أنوارِهِ عَذَبا والنَّهر كالجوِّ راقَ العينَ بَهجتُهُ ... تهزُّ منه الصَّبا هنديةً قُضُبا تراهُ من فضَّةٍ حيناً فإنْ طلعتْ ... عليه شمسُ الضُّحى أبصرتَهُ ذَهَبا صفا وراق فلولا أنَّه نَهَرٌ ... أمسى سماءً يُرينا في الدُّجى شُهُبا كأنَّما الجوُّ مرآةٌ به صُقلتْ ... زرقاءُ تحسبُ فيها زَهرها حَبَبا ما روضةُ الحَزْنِ حلَّى القطرُ لَبَّتها ... ومدَّتِ الشَّمسُ في حافاتها طُنُبا يوماً بأبهجَ مرأًى منه إنْ رقصتْ ... حدائقُ الحسنِ في أرجائِهِ طَرَبا وكانت بينه وبين الخطيب أبي الربيع ابن سالم مكاتبات، ووجه إليه

الكتاب مخاطبة ومراجعة في استدعاء كتاب البلاذري " نسب الأشراف " فجاوبه أبو الربيع بأبيات. ومن أبيات البكري: ابعثْ إليَّ أبا الرَّبيع صحيفةً ... قد راق منظرُها وطاب ثناها مهما تُصِخْ أسماعُنا لحديثها ... فنفوسُنا تصبو إلى رُؤياها أضحتْ تحدِّثُ عن أُناسٍ أصبحوا ... رمماً يذكِّرك الرَّدى مَثْواها أَظْفِرْ يدي منها بعِلْقِ مَضِنَّةٍ ... كيمين موسى أُظفرتْ بعَصاها أو كالقميصِ أتى النَّبيَّ مبشّراً ... فأزاح عن عين النَّبيِّ عَماها فأجاب أبو الرَّبيع بأبياتٍ منها: أهدى إلى النَّفسِ المَشُوقِ مُناها ... وأعادَ نُضرةَ أُنسهِ وثَناها طِرْسٌ أتى والمجدُ بعضُ حُداتِهِ ... يحوي نظائرَ فاقتِ الأشباها حيَّى بها وُدّي سُلافاً مُزَّةً ... طابتْ مذاقتُها وطاب شذاها ومنها: تبغي الحديثَ عن الألى درجتْ على ... سَمتِ العُلا آحادُها وثُناها طوتِ السنونَ حياتَها لكنَّما ... حُسنُ المساعي في الورى أحياها لبيك راعي خلةٍ مستدعياً ... سِيَرَ الكرامِ وقد سبقتَ مداها لم يَعْدُكَ التوفيقُ فيما رُمتهُ ... بل وافقتْ بك رميةٌ مرماها سيرُ الأوائلِ خيرُ ما استنطقتَهُ ... عن سُنَّةِ المجدِ التي ترعاها نعم الجليسُ على انفرادٍ دفترٌ ... تعتامُ منه قبلةً ترضاها لا مفشياً سرَّ الصديقِ ولو جفا ... ومتى يعاينْ خَلَّةً أخفاها يدنو إذا أدنيته ومتى تشأ ... إقصاءه يقنَ الحيا وتناهى خذه كما أحببتَ عِلْقَ مَضِنَّةٍ ... حسبُ الأماني حُسنُهُ وكفاها وهي أبيات طويلة؛ فوجه إليه أبو الرَّبيع بالكتاب.

قال الشيخ أبو الرَّبيع: وكان أبو محمد قد كتب قوله: " المَضِنَّة " في أبياته بظاء ثمَّ إنَّه تذكَّر ذلك بعد إنفاذها فكتب إلى أبي الرَّبيع ابن سالم: قلْ للفقيه أبي الرَّبيع وقد جرَى ... قَلَمي فأصبحَ بالصواب ضَنينا ابْشُرْ بفضلكَ ظاءَ كلِّ مَضِنَّةٍ ... شالَتْه كفِّي فاستحال ظَنينا فكتب إليه: حَسِّنْ بإخوانِ الصَّفاءِ ظُنُونا ... ليس الصديقُ على الصديقِ ضَنينا ما دار في خَلَدي سوَى غَلَطٍ جرى ... حاشاكَ تُلفى بالصَّوابِ ضَنينا ولقد بشرْتُ مُشَال كلِّ مَضِنَّةٍ ... لمَّا أتتْ حتَّى بشرتُ النُّونا وأنشدني أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الأزدي بتونس، قال: أنشدني أبو محمد ابن عمار بمرسية في لابس ثوبٍ أصفر: نارٌ لقلبي نورٌ لعيني ... كلاهما قادني لِحَيْني أُلْبِسَ للحسنِ ثوبَ تبرٍ ... يَزين مرآهُ أيَّ زين لا تنكروه فغيرُ بِدْعٍ ... قميصُ تبرٍ على لجين

ابن أبي قوة

ابن أبي قُوة أبو الحسن علي بن أحمد أبي قُوة الأزدي، من أهل دانية، سكن مراكش، وبها توفي سنة ثمان وستمائة. وله قصيدة يهنئ فيها بفتح قَفْصة، منها في المهنَّى قوله: فصلُ القضيةِ أنَّ حزبَكَ غالبٌ ... عند الكفاحِ وحزبُهُمْ مخذولُ ذكَّرتَهمْ يومَ الحسابِ فلم يَسَلْ ... منهم هناك عن الخليلِ خليلُ منها: تركَ الفريسةَ وهي منه بمخلبٍ ... إنَّ الصقورَ على البغاثِ تصول كتبتْ يراعُ الصفر بين ضلوعه ... سطراً يرى في سفكه التأويل فالثغر ثغرٌ بالبشائر باسمٌ ... والدينُ جفنٌ بالسُّرور كحيل ومنها: المجدُ يشهدُ والبسالةُ والنّدَى ... والحلمُ أنَّك للإمام سليل أحييتم الإيمان بعد مماتهِ ... وشفيتم الإسلامَ وهو عليل لولا بيانكمُ ونورُ هداكمُ ... لم يُعرفِ التحريمُ والتحليل

وقال يرثي أبا القاسم ابن حبيش الخطيب بقوله: يا سرحةَ العلم التي لما ذوتْ ... طُمستْ عيونٌ بعدها وعيونُ ما كنت إلاَّ الشَّمسَ يَجهلُ قدرَها ... من لم تعاوده ليالٍ جونُ إيهٍ ثمالَ الطالبين وظلَّهم ... كلُّ المصائبِ ما عداك تهونُ ومنها: يا أيُّها الرُّوح المقدَّس لم تَفِظْ ... إلاَّ لتُشْغَفَ فيكَ حورٌ عِينُ للهِ نعشُك يومَ حملك إنَّه ... لجميع أشتاتِ العلومِ ضَمينُ فكأنَّه موسَى يُناجي ربَّه ... وثناءه من بعده هارونُ ومنها: هذي المنابر باكياتٌ بعده ... فلها عليه زفرةٌ وأنين ولطالما طَربتْ به حتَّى تُرى ... عيدانُها قد عُدْنَ وهْيَ غُصون غضبانُ في حقٍّ رفيقٌ بالورى ... كالسَّيف فيه مع المضاءِ اللين

ابن بدرون

ابن بدرون أبو القاسم عبد الملك بن بَدْرون الحضرميّ، من أهل شِلْب، ويكنى أبا الحسين؛ وهو مؤلف " كمامة الزَّهر وصَدفة الدُّرر " في شرح قصيدة أبي محمد ابن عبدون اليابري التي يرثي بها المتوكل. وله: ليَهْنِ الأعادي منك أنَّ سُروجَهم ... وإن أَنِفوا دون اللُّحود لُحودُ فإنْ وَضعوا كفّاً فسيفُك ساعدٌ ... وإن رفعوا رأساً فرمحك جيدُ

الكانمي

الكانمي أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن شكلة الذكواني الكانمي، وزادني أبو عبد الله الصفار أنَّه سلمي ذكواني من قرية من قرى السودان بكانم تسمى بلمة - وكانم بلد مما يلي صعيد مصر - وكان لونه غربيباً، وأمره غريباً، قدم على المغرب قبل الستمائة، وسكن مراكش وأقرأ بها الآداب. وبلغني أنَّه دخل الأندلس، وكان شاعراً محسناً، قرأ المقامات، وتوفي سنة ثمان، أو تسع، وستمائة بمراكش. ومن قوله: كم سائلٍ لم لا تهجو فقلتُ له ... لأنني لا أرى مَنْ خافَ من هاجِ لا يكرهُ الذمَّ إلاَّ كلُّ ذي أنَفٍ ... وليس لؤمُ لئامِ الخلقِ منهاجي وله يتعصَّبُ لبعض الألوان: لا تشهدنَّ لغربيبٍ ولا يَقَقٍ ... حتَّى تشاهدَ فضلاً غيرَ مردودِ بكلِّ لونٍ ينالُ الحرُّ سُؤْدَده ... مهما تجرَّدَ من أخلاقه السود والنَّاسُ لفظٌ كلفظِ العود مشتركٌ ... لكن يُرجَّحُ بين العود والعودِ أما ترى المسكَ حقُّ العاج يخبأه ... والجصّ مُطَّرَحٌ فوق القراميد ولم يبالِ ابنُ عمرانٍ بأُدْمَتهِ ... حتَّى اصطفاه كليماً خيرُ معبود وأنشدني أبو القاسم ابن عُلَيم قال أنشدني أبو زيد الفازازي

لأبي إسحاق هذا إثر خروجه من عنده وقد أتاه زائراً قال: وكان أبو زيد الفازازي يفضله على شعراء عصره بهذين البيتين: أفي الموت شكٌّ يا أخي وهو برهانُ ... ففيمَ هجوعُ الخلق والموتُ يقظانُ أتَسْلو سلوَّ الطير تَلْقط حَبّها ... وفي الأرض أشراكٌ وفي الجوّ عِقْبانُ ومن شعره: إنِّي وإن ألبَسَتْني العجمُ حُلّتها ... فقد نَماني إلى ذكوانها مُضَرُ فلا يَسُؤكَ من الأغماد حالكها ... إن كان باطنها الصمصامةُ الذَّكَرُ

ابن ثعلبة

ابن ثعلبة أبو بكر محمد بن ثعلبة الكاتب من أهل غرناطة، له، ونقلته من خطه: حامتْ طيور رجائي وهي ظامئةٌ ... على شريعةِ قُربٍ منك تُرويها فابذُل لها العذبَ من لُقياك إنَّ لها ... سَجْعاً بذكركمُ ما زال يُغْريها ورِشْ لها من جناحِ الفضلِ قادمةً ... يا ابن الكرام فقد هيضتْ خَوافيها راحت إليك أبا العبّاس مأرُبَتي ... ترجو النَّجاحَ فلا تقطعْ ترَجِّيها ولم تَؤُمَّ سوى كفَّيك من صنعَ ... هي القِسيُّ وأنت اليومَ باريها وفي التَّداعي إلى نَجواك أيُّ منًى ... فإنْ مَننتَ فليس المَطْلُ يَعْروها سَوِّغ بها أملَ المُشتاق منكَ رِضاً ... فإنَّ جودَ العُلا بالوصل يُرضيها هذا ولا رغبةٌ في نَيْل طائلةٍ ... إلاَّ بدائع من يُمناك تُهديها أجِلْ بنانيَ في مجنى أزاهرها ... فطالما بِتُّ بالأفكار أجْنيها وقد وجدتُ لمعنى العيش لفظَ عُلاً ... فأيقنتْ بُغيتي أن سوف تَحْويها لا زلتَ تُحيي لها من رَوْمها أملاً ... أودى وتَبني عُلاً هُدَّت مبانيها وله: وفي حِماهم شادنٌ ... لم تكتنفهُ الرِّيَبُ تُترِعُ لي ألحاظهُ ... كأسَ الهوَى فأشرَبُ أهيفُ إلاَّ فضلةً ... لا تدّعيها الكُتُبُ

عذّبني حامِلُها ... وهو بها معذَّبُ وخرج يوماً صحبة أبي بحر صفوان بن إدريس وجماعةٍ في مرسية فقعدوا على صهريج ماءٍ يحفّ به أدواحٌ مزهرةٌ وسقيط نَوْرِها على الماء واقعٌ، فقال ابن ثعلبة: خليلي أبا بحرٍ وما قَرقَفُ اللمى ... بأعذبَ من قولي خليلي أبا بحرِ أجِزْ غيرَ مأمورٍ قسيماً نظمتهُ ... تأمَّلْ على مجرى المياه حُلَى الزَّهرِ فقال أبو بحر: تأمَّلْ على مجرى المياه حُلى الزَّهرِ ... كعهدك بالخضراءِ والأنجُم الزُّهرِ وقد ضحكتْ للياسمين مَباسمٌ ... سروراً بآداب الفقيه أبي بكر وأصغَتْ من الآس النضيرِ مَسامعٌ ... لتسمعَ ما تتلوه من سُوَر الشعرِ

ابن أبي البقاء

ابن أبي البقاء أبو عبد الله محمد بن محمد بن سليمان الأنصاري الأستاذ من أهل بلنسية ويعرف بابن أبي البقاء وأصله من سَرَقُسطة، وتعلّم فبرع في العربية وعلّم واعتنى بتقييد الآثار، وكان شاعراً مجوّداً مقطّعاً ومقصداً، وتوفي سنة عشر وستمائة: قال من مرثية: قد علّمتْني اللَّيالي أنَّ رَيِّقَها ... صابٌ وإن قال قومٌ إنَّه عَسلُ إنَّ الَّذي كانت الآمالُ مُشرِقةً ... به وعيشُ الأماني بُرْدُها خَضِلُ أصابَ صرفُ اللَّيالي منه قُطْبَ حِجًى ... يا من رأى الشُّهْبَ قد أعيت بها السبُلُ وهدَّ للحلم طوداً شامخاً عَلَماً ... يا للياليَ تشكو صَرفَها الحيلُ وضاق وجهُ الدُّجى عن نور بهجته ... فكيف توسِعُها إشراقَها الأُصُلُ وقال أيضاً: غيرُ خافٍ على بصيرِ الغرامِ ... أنَّ يومَ الفراق يومُ حِمامِ عبَراتٌ تصُدُّ عن نظراتٍ ... ونَشيجٌ يحول دون الكلامِ ودماءٌ تُراقُ باسم دموعٍ ... ونفوسٌ تودي برسم سلامِ

شَربتْ بعدك اللَّيالي حياتي ... غيرَ أوشالِ لوعتي وسَقامي وله، أنشدنيها صهره أبو الحسن عليّ بن أحمد المكناسي، قال: أنشدني لنفسه. قلت: حضر أبو بحر ليلةً بمرسية، وبها جماعة من الطلبة ووجوه الناس، ومعهم طالب بلنسي، فتباسطوا إلى أن عرضوا عليه أن ينشدهم، فأنشد هذه القصيدة. فقال أبو بحر: ما تملُّون من كلام مهيار؟ فقال له البلنسي: ولا بد، هذا كلام مهيار؟ فقال: هذا نفَسُهُ وهذا منزعه، فقال له: هي للأستاذ ابن أبي البقاء؛ فخزي أبو بحر ووجم: نِمْتُمُ عن ليلِ حِلْفِ السَّهرِ ... وطويتُمْ غيرَ ما في مُضْمَري ودعا البينُ فلم يجنحْ إلى ... دَعوةِ البين سوى مُصْطبرِ ليت شعري هل وجدتُم بعدنا ... ما وجدنا من أليم الذِّكَرِ لوعةٌ نجديّةٌ تَطْرقُنا ... وغرامٌ بابليٌّ يَعْتري وهوًى هيَّجَ ما هيَّجه ... من جَوًى أضرم نارَ الفِكَرِ كلّما أبصرتُ شيئاً حَسناً ... بعدكمْ أعملتُ غَضَّ البصرِ فعلام اطُّرِحَتْ مودَّةٌ ... لم تَشِنْها وَصْمةٌ من كَدرِ كان من حقّ الوفا أن تصْرِفوا ... قولةَ الواشي بحُسْنِ النَّظرِ لا ووجدي وغرامي في الهوَى ... وخضوعي فهو إحدى الكُبَر ما نسينا سورةً من عهدكم ... كيف تُنْسى مُحكماتُ السُّور هل إلى عودةِ حُزْوى سببٌ ... أو إلى يانعِ ذاك السَّمُر وبوُدِّي لو وجدنا سبباً ... لارتجاعِ الفائتاتِ الأُخَر قد ذوتْ ريحانةُ العيشِ وهل ... يرجعُ النضرةَ ذاوي العُمُر ونسيمٌ كلَّما علَّلنا ... صدَّ إغفاءةَ نوم السَّحر ما على ظبيٍ سقاني بِمنًى ... لو أراني مثلَها في أُقُر يَنْصُلُ العامُ ولا نلقاكمُ ... يا لَقوْمي للضَّنين الموسِر وعلى هذا فلا عَتْبَ على ... ما جَنيتُم فهو حُكْم القَدَر

وله: سلوا فتياتِ الحيِّ عنِّي فربَّما ... عَصيتُ التَّصابي أو أطعتُ التكرُّما تقول يشُوق الحيُّ بان خليطُه ... ويهتاجُ أنْ غنَّى الحمامُ ورنَّما ويَسري إلى الذَّلفاء واللَّيلُ لابسٌ ... من النَّجم والظلماءِ ثوباً موشَّما أيَشغلني عن وابلِ البرقِ رعدُهُ ... وأبتاعُ بالبُرهانِ ظنّاً مُرجَّما أيا سائلي عن جُلِّ همّي وهِمَّتي ... ألم ترني بالمكرمات متيَّما إذا لم أُرشَّح للفضائلِ يافعاً ... فها أُدْرِكُ العلياءَ إلاَّ توهُّما وهل يُتعاطى أن يكون أخا العُلا ... ووالدَها مَن لا يكون لها ابنما وما المجدُ إلاَّ كفُّك النفسَ عن هوًى ... يلَذُّ وإن سُوِّغتَ صاباً وعَلْقما ورمْيُكَ جَونَ اللَّيلِ بالعيسِ إنَّه ... إذا ناب خَطبٌ فارْضَ بالعيس أسْهُما وذي رَوْنق كالبرقِ لكنَّ رعدَهُ ... صَدوقٌ ووعدُ البَرق كِذْبٌ وربَّما عقدتُ نجادَيْهِ لحلِّ تمائمي ... وقلتُ له كُن للمكارمِ سُلَّما وساءَ الأعادي إذ بكتْ شَفراته ... وسُرَّ وُلاةُ الوُدّ حين تبسَّما ومن شعره يمدح: لإقبالِ هذا السَّعدِ تبتهجُ الدُّنيا ... ويحيا منَ الآفاقِ ما لم يكنْ يحيا كذاك انتشارُ الأرضِ من بعدِ موتها ... أيا من رأَى مَيْتَ الدُّنا ناشراً حيا وقوله: وكم بالمصلَّى والكنيسةِ من هوًى ... أثارَ بأحناءِ الضلوعِ بلابلا يفوقون سحباناً فصاحةَ منطقٍ ... تزيدُ على ألفاظِ قَسٍّ بلابلا بها أَخوا صدقٍ جديدٌ لديهما ... ثيابُ جديدِ المجدِ لن يَقْبَلا بلا سألتهما حفظَ الودادِ على النَّوى ... فلا وأَبيك الخير ما قابلا بلا

ابن فرسان

ابن فرسان أبو محمد عبد البر بن فرسان الغسّاني الكاتب: من أهل وادي آش، وأخذ بمالقة عن أبي القاسم السُّهيلي، ثمَّ لحق بإفريقية فكتب ليحيى بن إسحاق بن غانية وحضر معه حروبه، وكان من رجالات وقته براعةً وشجاعة، وأصابته في بعض الوقائع جراحةٌ انتقضت به فهلك منها سنة إحدى عشرة وستمائة، قبل وفاة مخدومه بأزيد من عشرين سنة، فلم يسُدَّ عنده أحدٌ مسدَّه بعد ذلك. ومن قوله: نَدًى مُخْضِلاً ذاك الجناحَ المُنَمْنما ... وسَقياً وإن لم تشْكُ يا ساجعاً ظَما أعِدْهُنَّ ألحاناً على سَمْع مُعْربٍ ... يُطارحُ مُرتاحاً على القُضْبِ مُعجِما فَطِرْ غيرَ مقصوصِ الجناحِ مُرفَّها ... مُسوَّغَ أشتاتِ الحُبوبِ مُنعَّما مُخلًّى وأفراخاً بوكرِكَ نُوَّماً ... ألا ليت أفراخي معي كُنَّ نُوَّما وقال: ألا يا ليلُ دمعكَ مُستهلٌّ ... ووجهُكَ كاسفٌ وحشاكَ خافِقْ أفارقَكَ الأنيسُ فراقَ إلْفي ... مَعاهدَه فقد يبكي المُفارقْ أطلْتَ على مُسهَّدِكَ المُعنَّى ... وبعضُ الطُّولِ للعاداتِ خارقْ

وغابتْ أنجمٌ لكَ زاهراتٌ ... وقد ظهرتْ مشيباً في المفارقْ فيا ركْبَ الدُّجى حَثْحِثْ قليلاً ... لعلَّ الفجر تُطلعهُ المشارقْ وقال: بيَّض من مَفرقي عدُوِّي ... لخوضِ هَوْلٍ أو خَرْقِ دَوِّ وصَيَّر اللَّيلَ منه صُبحاً ... طلوعُ شمسٍ بكلِّ جَوِّ وقال: كفى حزناً أنَّ الزِّجاجَ صقيلةٌ ... وأن الشَّبا رَهْنُ الصَّدا بدمائهِ وأنَّ بياذيقَ الجوانبِ فرْزنتْ ... ولم يَعْدُ رُخُّ الدَّسْتِ بيتَ بِنائه قال: وأنشدنيه الأستاذ أبو عبد الله محمد بن عبد الجبار قال: أنشدنا لنفسه: بين الحجازِ وبين الغرب قاطعةٌ ... من العوائقِ سُدَّتْ دونها الطُّرُقُ عَوفٌ وزُغْبٌ ودبَّابٌ وسالمها ... والهَيَّبون ودومُ البحرِ والغرقُ وله في صدر رسالة يُخاطب بها عليلاً: من لم يَزُر بخطاهُ زار بقلبه ... مُستنصراً لك في المُلِمِّ بربِّهِ يدعو وقد يُجدي الدُّعاءُ مُجهَّزاً ... في حربِ أنصارِ الخُلوصِ ورَكْبه يا غائباً تاقتْ إليه محافِلٌ ... كانت تألَّمُ من زيارةِ غبِّه لا دامَ هذا البُعد بَعْدُ ولا اعتدى ... دهرٌ عليكَ بموجِعٍ من خطْبه ونبا حُسامُ ضَنًى عَراكَ وفُلِّلتْ ... بيدَ الشِّفاء قواطعٌ من غربه

ابن جعفر السكوني

ابن جعفر السكوني أبو الحسين عبيد الله بن محمد بن جعفر السكوني، من أهل إشبيلية، وهو ابن عم الهيثم بن أحمد الشاعر الإشبيلي، وكان أبو الحسين أعور هجاء. ومن شعره: كيف النجاةُ وقلبي بين أشراكِ ... من مقلتَيْ مستطيلِ اللحظِ فتَّاكِ شاكي السلاحِ ولم يحمل مثقَّفةً ... غيرَ الجفونِ ولكنْ يا له شاكِ تشكو معاطفُهُ من ثقْلِ مئزره ... ويا بلائي من المشكوِّ والشَّاكي وله وقد دخل عليه بعضُ أصحابه بطبق ياسمين وأخبره أنَّه بعث في محبوبه فلم يصل إليه، ووجَّه ذلك الطبق مكانه، فقال: أشار إلى اليأسِ من وصْلهِ ... وقد صحَّ في خاطري منذ حينْ ولو شاء أرسلها وردةً ... فدلَّتْ على الوِرْدِ للعاشقين على أنَّ هذا وهذا معاً ... يدلُّ على خدِّه والجبين ومن شعره وقد تناول من يد معذِّرٍ " الأشعار الستة " فأول ما وقعت عينه على قصيدة امرئ القيس التي أولها: " قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان " فقال يصفه مذيلاً بأعجازها أبياتاً منها:

وذي صَلَفٍ خطَّ العذارُ بخدِّه ... كخطِّ زبورٍ في عَسيبِ يمانِ فقلتُ له مستفهماً كُنْهَ حاله ... لمن طللٌ أبصرتهُ فشجاني فقال ولم يملك عزاءً لنفسه ... تمتعْ من الدُّنيا فإنك فان فما كان إلاَّ برهةً ورأيتهُ ... كتيسِ ظباءِ الحلَّبِ العدوانِ وهذا من مليح التضمين ونبيل التذييل، وقد كان عند أبي بحر منه ما يستحسن. وكان شيخنا أبو الرَّبيع ابن سالم كثيراً ما ينشدنا مستملحاً قول أبي محمد ابن عبدون، ويقول أنشدنا القاضي أبو عبد الله ابن زرقون عنه، وكان صاحب أنزال الدور ببطليوس قد عيَّن له داراً واهية البناء، فكتب إلى المتوكل أبي محمد ابن الأفطس: أيا سامياً من جانبيه إلى العُلا ... سموَّ حبابِ الماءِ حالاً على حال لعبدك دارٌ حلَّ فيها كأنها ... ديارٌ لسلمى عافياتٌ بذي خال يقول لها لما رأى من دثورها ... ألا عمْ صباحاً أيها الطلل البالي فمرْ صاحب الأنزالِ منها بفاصلٍ ... فإن الفتَى يهذي وليس بفعال ومن شعره: سحقاً لوجه ابن أدهمْ ... فإنَّه يجلبُ الهمْ وما استبان لخلقٍ ... إلاَّ اشتكى وتألَّمْ وجهٌ ترى الشؤمَ فيه ... يكادُ أن يتكلم وله من أبيات: فأنت يا ولدَ الفخَّار أنت كما ... تُدْعى ولا تسبقنَّ الراء بالألف

ابن أبي خالد الكاتب

ابن أبي خالد الكاتب أبو عمر يزيد بن عبد الله بن أبي خالد اللخمي الكاتب، من أهل إشبيلية، صدرٌ في نبهائها وأدبائها، وممن له قدر في منجبيها ونجبائها، وإلى سلفه ينسب المعقل المعروف بحجر أبي خالد، وتوفي بها سنة اثنتي عشرة وستمائة، رحمه الله. وله في فتح المهدية: كم غادر الشعراءُ من متردَّم ... ذُخِرَتْ عظائمه لخيرِ مُعظَّمِ تبعاً لمذخورِ الفتوح فإنها ... جاءت له بخوارقٍ لم تعلم من كلِّ ساميةِ المنال إذا انتمت ... رفعتْ إلى اليرموكِ صوتَ المنتمي وتوسطت في النَّهروانِ بنسبةٍ ... كرمتْ ففازت بالمحلِّ الأكرم وله من قصيدة يهنئ بفتح ميورقة، هي بإجادته ناطقة: وغِربان يَمٍّ قابلْته بوارحاً ... فأدبر لا يرجو له مُتيمَّما بكل كَمِيٍّ في اللِّقاء مُدجَّج ... إذا كلحَ اليومُ العَماسُ تَبسَّما

سحائب جَون أرعدت بصَليلها ... وأبدت بُروقَ البيض كالوَشْي مُعْلَما ويا حُسْن ما تبدو خلال دُروعها ... أسنتُها تحكي السَّماءَ وأنجُما وقد عانقت سُمرَ الذَّوابل سُمرها ... كما ضم روضُ الحَزْن غُصناً وأرْقما ويا للجواري المُنشآتِ وحُسنها ... طوائرَ بين الماء والجوِّ عُوَّما إذا انتشرت في الجو أجنحةٌ لها ... رأيتَ به روضاً ونَوْراً مُكمَّما وإن لم تَهِجْه الرِّيحُ جاء مُصافحاً ... فمدَّت له كفّاً خضيباً ومعْصما مجاذيف كالحيّاتِ مدَّتْ رؤوسها ... على وَجَلٍ في الماء كي تُرْوِيَ الظما كما أسْرعتْ عدّاً أناملُ حاسبٍ ... بقبْضٍ وبسطٍ يسبقُ العينَ والفما هي الهُدبُ في أجفانِ أكحلَ أوْطفٍ ... فهل صُبِغتْ من عَندمٍ أو بكت دما أجاد ما أراد في هذا الوصف، وإن نظر إلى فعل أبي عبد الله ابن الحدّاد يصف أسطول المعتصم بن صُمادح: هام صرف الرَّدى بهامِ الأعادي ... أن سمتْ نحوهم لها أجيادُ وتراءت بشَرْعها كعيونٍ ... دأبُها مثل خائفيها سُهاد ذات هُدبٍ من المجاديفِ حاكٍ ... هُدْبَ باكٍ لدمعه إسْعاد

حُمَمٌ فوقها من البيضِ نارٌ ... كُلُّ من أُرسلت عليه رَماد ومن الخَطّ في يدَيْ كلِّ ذِمْر ... ألِفٌ خطّها على البحر صاد وما أحسن قول شيخنا أبي الحسن ابن حريق في هذا المعنى من قصيد أنشدنيه: وكأنَّما سكن الأراقمُ جوفَها ... من عهد نوحٍ خشيةَ الطُّوفانِ فإذا رأينَ الماء يطفح نَضْنَضت ... من كُلِّ خَرْتٍ حيَّةٌ بلسان ولم يسبقهم بالإحسان، وإن كان سبقهم بالزمان، عليّ بن محمد الإياديّ التونسي في قوله: شَرعوا جوانبَها مجادفَ أتعبتْ ... شأْوَ الرِّياح لها ولمّا تَتْعبِ تنضاعُ من كَثبٍ كما نفرَ القطا ... طوراً وتجتمع اجتماعَ الرَّبرب والبحرُ يجمعُ بينها فكأنه ... ليلٌ يُقَرِّب عقرباً من عقرب وله من هذه القصيدة الفريدة في ذكر الشراع: ولها جَناحٌ يُستعارُ يُطيرها ... طوعَ الرِّياحِ وراحةَ المُتطرِّبِ يعلو بها حُدْبَ العُبابِ مُطارهُ ... في كلِّ لُجٍّ زاخرٍ مُعْلولب يسمو بآخرَ في الهواءِ مُنَصَّب ... عريان منسرح الذؤابة شؤذب يتنزّل الملاّحُ منه ذُؤابةً ... لو رامَ يركبها القطا لم يَرْكب وكأنما رام استراقةَ مَقْعد ... للسَّمع إلاَّ أنَّه لم يُشْهَب وكأنما جنّ ابن داودٍ همُ ... ركبوا جوانبها بأعنفِ مركب سَجروا جواهم بينهم فتقاذفوا ... منها بألسنِ مارجٍ متلهب من كلِّ مسجورِ الحريق إذا انبرى ... من سجنه انصلتَ انصلاتَ الكوكب عريانُ يقدمهُ الدخانُ كأنه ... صبحٌ يكرُّ على ظلامٍ غيهب

ومن أولها: أعجبْ بأسطول الإمام محمدٍ ... وبحسنه وزمانه المستغرب لبستْ به الأمواجُ أحسنَ منظرٍ ... يبدو لعينِ الناظرِ المتعجب من كلِّ مشرفةٍ على ما قابلت ... إشرافَ صدرِ الأجدل المتنصب ومنها: جوفاء تحمل موكباً في جوفها ... يومَ الرهانِ وتستقلُّ بموكب وهي طويلة من غرر القصائد. وقال أبو عمر القسطليّ: وحال الموجُ دونَ بني سبيلٍ ... يطيرُ بهم إلى الغَول ابنُ ماءِ أغرُّ له جناحٌ من صباحٍ ... يُرفرفُ فوقَ جُنحٍ من مساءِ أخذه أبو إسحاق ابن خفاجة فقال: وجاريةٍ ركبتُ بها ظلاماً ... يطير من الصَّباح بها جناحُ وقد عملت أنا في ذلك المعنى: يا حبَّذا من بناتِ الماءِ سابحةٌ ... تطفو لِما شبَّ أهلُ النَّارِ تُطفئهُ تُطيرها الرِّيحُ غِرباناً بأجنحةِ ال ... حمائمِ البيضِ للأشراكِ تَرْزؤهُ من كل أدهمَ لا يُلفى به جَربٌ ... فما لراكبه بالقارِ يَهْنؤهُ يُدْعى غُراباً وللفتخاء سُرْعتهُ ... وهو ابنُ ماءٍ وللشاهينِ جُؤجؤهُ

ابن نوح الغافقي

ابن نوح الغافقي أبو القاسم محمد بن محمد بن نوح الغافقي، من أهل بلنسية وقاضيها ودار سلفه سرقُسطة، وتوفي مصروفاً بمراكش سنة أربع عشرة وستمائة، له شعر حسن منه قوله في فتح المهدية من أبيات: قد أنزل القَسْرُ من أعلى ذوائبها ... من كان معتقداً في برجها الأسدا حيثُ الثواةُ لقد ضلَّتْ حلومهمُ ... على مجانيقَ توهي العقلَ والجَلدا كأنَّما الأرضُ كانت قبلُ واجدةً ... حقداً على واكفاتِ السّحْبِ أو حَردا فأمطرتهنّ أحجارَ العذابِ بما ... كانت قديماً عليها أمطرتْ بَردا وأنشدنا أخوه أبو الحسن، قال: أنشدنا لنفسه: لا تغبطنَّ كلَّ موفورِ الغِنى ... مشتملاً ملابسَ العَظمه يلمز لا بسببٍ إلاَّ بما ... يحويه من أكياسه المُفعَمه فالله قد أخبر عن أمثاله ... وقال في آياته المُحكمه يحسب أنَّ ماله أخلده ... كلاّ ليُنبذنَّ في الحُطمه

وكتب إليه أبو بكر ابن صقلاب وهو إذ ذاك يتولى قضاء المرية، أنشدنيها أيضاً أخوه أبو الحسن: يا أبا القاسم ابن نوحٍ بقلبي ... لك ودٌّ رطبُ المكاسرِ لَدْنُ فإذا أعرضَ المُحبُّ فأقبلْ ... وإذا ما تنازَحَ الخِلُّ فادْنُ لقد احتازتِ المريّةُ نَدْباً ... غَبَطتْها عليه ناسٌ ومُدْنُ مُشرفاً مُشرقاً على كلِّ فضلٍ ... ليَ منه وللسِّيادة خِدْن قلتُ إذ سامها إليَّ هِباتٍ ... لم يُطِقْ حملها بوازلُ بُدْنُ أنا والله في جوار يزيدٍ ... مَوْردي كوثرٌ وداريَ عَدْنُ

ابن المرخي

ابن المرخي أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن عبد الملك بن عبد العزيز اللخمي الكاتب من أهل إشبيلية ويعرف بابن المُرخي - بخاء معجمة بعد الراء - كان أبوه أبو الحكم كاتباً، وأما جدّه أبو بكر فنظير ابن أبي الخِصال في بلاغته وبيانه، وبيته عريقٌ في النباهة والكتابة ولم أدرك أبا بكر المتأخر. وتوفي سنة ست عشرة وستمائة. له كتاب في الخيل و " كتاب حلية الأديب في اختصار الغريب المصنَّف ". ومن قوله في قصيدة يخاطب بها أستاذه أبا العباس ابن سيد المعروف باللص: سأهجرُ العلم لا بُغضاً ولا كَسلا ... حتَّى يقالَ ارعوى عن حُبّه وسلا ولا أمرُّ ببيتٍ فيه مسكنُه ... كي لا يمثَّلَ شوقي حيثما مَثلا إذا ظمئتُ وكان العذبُ ممتنعاً ... فلستُ عن غير ذاك العذبِ معتزلا

إذا طُردتُ قَصِيّاً عن حياضكمُ ... فإنَّ نفسيَ ممَّا تكرهُ النَّهلا قد كان عندي زعيم القوم عالمهم ... فاليوم عندي زعيمُ القومِ من جَهِلا ما إن رأيتُ الَّذي يزدادُ معرفةً ... إلاَّ يزيدُ انتقاصاً كلَّما كملا وآيةُ الصِّدقِ في قولي وتجربتي ... أنَّ الجواد على العلاَّتِ ما وألا وجاوبه أبو العباس بقصيدة على غير الرويّ، فجاوبه عنها أبو الحسن ابن يزيد بمثلها إذ أمسك أبو بكر عن المجاوبة.

الربضي القرطبي

الربضي القرطبي أبو جعفر أحمد بن عبد الرحمن اللخمي الكاتب من أهل قُرْطُبَة، ويُعرف بالربضي لسكناه بالربض الشرقي منها. كتب للولاة ثمَّ قعد عن الخدمة والتزم عمارة أرض له مقتصراً على التعيش من غلتها إلى أن توفي في أول شوال سنة ست عشرة وستمائة. له في صباه وقد عوتب على شرب الخمر: وأبي المدامة ما أُريدُ بشربها ... صَلَفَ الرقيعِ ولا انهماكَ اللاهي لم يبقَ من عصْرِ الشَّبابِ وطيبهِ ... شيءٌ كعهدي لم يحلْ إلاَّ هي إنْ كنتُ أشربها لغيرِ وفائها ... فتركتها للنّاسِ لا للهِ وهذه الأبيات قد أنشدنيها بعض الأعلام لأبي القاسم عامر بن هشام وإنَّما هي لأبي جعفر هذا أنشدنيها صاحبنا أبو الحسن حازم بن محمد الأديب، قال: أنشدني أبو الحسن ابن أبي القاسم ابن بقي وأبو عبد الله بن أبي الحسن ابن قطرال، قالا: أنشدنا الربضي. ورواها أيضاً بعض أصحابنا وأنشدناها لأبي سليمان داود بن أحمد المالقي الطبيب إنشاداً عنه.

وله في فوَّارة رخام كلَّفه وصفها والي قُرْطُبَة حينئذٍ فقال: وأنشدته عن أبي القاسم ابن الطيلسان عنه: ما شَغَلَ الطَّرفَ مثلُ فائرةٍ ... تمجُّ صرْفَ الحياةِ من فيها أشرِفْ بها والحبابُ في جَذلٍ ... يُظْهِرهُ حُسْنهُ ويخْفيها تكادُ من رقَّةٍ تَضمَّنُها ... تخطئها العينُ إذ توافيها كأنَّها دُرَّةٌ مُنَعَّمةٌ ... زهراءُ قد ذابَ نصفها فيها وله أيضاً: ضَحِكَ المشيبُ براسه ... فبكى بأعينِ كاسهِ رجلٌ تَخوَّنهُ الزَّما ... نُ ببؤسهِ وبباسهِ فجرى على غُلَوائهِ ... طلقَ الجموحِ بناسهِ أخذاً بأوفرِ حظِّهِ ... لرجائهِ من ياسهِ

ابن صقلاب

ابن صقلاب أبو بكر يزيد بن محمد بن صقلاب الكاتب، من أهل المرية، وعاملها بعد أبيه أبي عبد الله. وكان غَزِلاً ماجناً صاحب إبداع، في قوافٍ وأسجاع، مع سراوة وسخاوة، توفي سنة تسع عشرة وستمائة. له: لهفَ القَصِيِّ لقد طالت شكايتُه ... ولا طبيبَ بقُربِ الدَّار يُشْكيهِ قد طارحَتْهُ حمامُ الأيكِ نَغْمَتها ... حرفاً بحرفٍ فيحكيها وتحكيه وساجلتْ عبراتِ السُّحبِ عبرتهُ ... إذا تفيضُ فتبكيها وتبكيه وله: إذا عُقدت كفٌّ على ذي مُروءةٍ ... فأنت الَّذي تُثْنى عليه الخناصرُ وإن أثنتِ الأعصارُ يوماً على امرئٍ ... فأنت الَّذي تُثْني عليه الأعاصر وله في طريقة التجنيس: دِنْ بالرِّضا واجنح لأسبابهِ ... ودَع من العَتْب وأوصابه وقاسمِ الحُرَّ وأقسمْ به ... في حُلْوه إن كان أو صابه وارْبُط على العهد وحافظْ على ... ما قاله الخِلُّ وأوصى به

ومن غزليّاته: وأخي فتنةٍ أدار علينا ... من يَديْه ومُقلتَيْه رَحيقا عاينْته عيونُنا فصبغْنا ... دُرَّ خدّيه بالعُيون عَقيقا جعل النَّقلَ لَثْمنا مِرْشَفيْهِ ... فانتقلنا على المُدامة ريقا عُتِّقت هذه وهذا عَتيقٌ ... فشربنا على العتيق عتيقا أسكر النَّقلُ والشرابُ جميعاً ... وأبى الكأسُ واللَّمى أن أُفيقا كلما قلتُ قد صحوتُ قليلاً ... عُدتُ في حَيرةِ الخُمار غَريقا لم أكُن شاعرَ الطَّريقة لكنْ ... مُذ تعشَّقْتُه سلكتُ الطَّريقا حكّمتنا يدُ الهوَى في القوافي ... فغَزلنا من الرَّقيقِ رقيقا وهذه القطعة أنشدنيها قديماً بعض أصحابنا عنه: وله: من النَّاس من يبقى من اللؤم عرضهُ ... وإن زانه ثوبٌ عليه جديدُ ومنهم جوادُ النفسِ لو سيلَ نفسَهُ ... لكان بها طلقَ الجبين يجودُ فذاك الَّذي تبقى مآثرُ مجدهِ ... وآثارُها في العالمين شهود فإن عاش فالآمالُ خالدةٌ به ... وإن مات فالأمداحُ فيه خلود وقال أيضاً: أما ورياضٍ من ضميرك ما درت ... غزارةَ بحرٍ لا ولا بنتَ راقمِ ولا رقمتْ كفُّ الغمامةِ بُرْدَها ... وقد خلعتْ فيها جلودَ أراقم فللخاطرِ السيَّالِ فيها سحابةٌ ... وللقلمِ الجاري بها كفُّ راقم لقد أنعمتني إذ تنسمتُ عَرْفَها ... على رمَقٍ لا يستلينُ لناقم

وإن جاد يوماً بالرضى فهو مازجٌ ... على إثره شهدَ الرضى بالعلاقم مسحتَ بها حُرَّ الجوى عن جوانحٍ ... حَوَتْ ضِعْفَ ما تحويه حَرَّةُ واقم وقال أيضاً: أنا صبٌّ وابن صبٍّ ... بالعوالي والمعالي وبناني وجناني ... بهما قد المعالي فهما إن فسح اللَّ ... هـ مدى العمر معا لي وله أيضاً: رأوا ممن يحبهمُ نحولاً ... فعابوه بجهلهمُ عليهِ وأمضى ما يكونُ السَّيفُ قطعاً ... إذا أخذ الضنا من شفرتيهِ

ابن غياث

ابن غياث أبو عمرو محمد بن عبيد الله بن غيَّاث - بالغين المعجمة والياء المثناة من تحت المشددة وبعد الألف ثاء مثلثة - من أهل شريش، كان شاعراً مطبوعاً، توفي أول سنة تسع عشرة وستمائة، قال من أبيات: وكَوْثَريّ الريقِ إلاَّ أنَّه ... فوق العقيق دُرَّه قد نَظَما أسكرني ولم أذُقْ رحيقَهُ ... إلاَّ بثغرِ خاطري توهُّما منها: إن لم تكن معرفةٌ تقدّمت ... فودُّنا بالغيب قد تقدّما يا وقفةً بالشَّوقِ فيما بيننا ... أتعَبَ منه البينُ شخصاً كرما أهدَتْ لنا منه الرُّبى مع الصبا ... عَرْفاً تذكّرتُ به عهد الحِمى وقال في الشَّيب وأجاد: صبوتُ وهل عارٌ على الحُرِّ إن صبا ... وقيدَ بعشر الأربعين إلى الصِّبا

يرى أنَّ حبَّ الحُسن في الله قربةٌ ... لمن شاء بالأعمال أن يتقرَّبا وقالوا مشيبٌ قلتُ واعجبا لكم ... أيُنكَر بدرٌ قد تجلَّلَ غيهبا وليس بشيبٍ ما ترون وإنَّما ... كُمَيتُ الصِّبا مما جرى عاد أشهبا وله: نهنه دموعكَ إنَّ البينَ قد أزِفا ... واندبْ دياراً عليها الشَّوقُ قد عكفا بانوا وغودِرَ نِضْوٌ لا تحسُّ به ... عينٌ ولو أنَّ في إنسانها قُذفا فارقْ حبيباً وإن ساءَتْكَ فُرْقَتهُ ... فما سما الدرُّ حتَّى فارقَ الصدفا وله: هذي الجفونُ لأيِّ شيءٍ تذرفُ ... ولعلَّها دارَ الأحبَّةِ تعرفُ من أين تعرفها وقد عَمِيتْ أسًى ... أقميصَهُ ألقى عليها يوسف وله: يا سارياً من خيامِ نجدٍ ... حُطَّ فضوءُ الصَّباحِ لاحا لقد تحملتَ عَرْفَ طيبٍ ... ملأتَ من نَشْرِه البطاحا لكنَّ من أجلِ ساكنيه ... رقَّ نسيمُ الصّبا وفاحا إيهٍ ودون القبابِ قلبي ... يشكو إلى أهلها انتزاحا غادره ركبهُمْ مقيماً ... فلم يُطِقْ بالهوَى براحا ضاع فلا للمها ولا لي ... يا ليته مات فاستراحا أوليتَها الوُرْقُ إذ بكتْهُ ... تعيره للسرى جناحا لما شكا ما به إليهم ... أثخنه حُبُّهمْ جراحا ولم يبحْ بالهوَى ولكنْ ... لسانُ ما يشتكيه باحا

رموا بأرماحهم وهزُّوا ... قدودهم نحوه رياحا واستلأموها دروعَ ليلٍ ... قد نُقِّبوا تحتها الصَّباحا وأعملوا البيضَ وانتضوها ... من غنج ألحاظهم صفاحا يا صاحِ ما بالنا سكرنا ... وما شربنا في الحيّ راحا

ابن طملوس

ابن طملوس أبو الحجاج يوسف بن محمد بن طملوس: من أهل جزيرة شقر من عمل بلنسية، كان أحد علمائها الأماثل، وآخر المتحققين بعلوم الأوائل. توفي سنة عشرين وستمائة. ومن شعره: بسمتْ به الأيَّامُ بعد عبوسها ... وتهللتْ بشراً عيونُ النَّاسِ وتمهدتْ أرجاؤهم لما رسا ... ما بينها جبلُ الملوكِ الراسي هيهاتِ أين الصُّبحُ من لألائهِ ... أيُقاسُ نورُ الشَّمسِ بالنبراسِ ملكٌ أبتْ همَّاته وهِباته ... من أن تجارى في النّدَى والباس وقال أيضاً: جاد على الجزع بوادي الحمى ... صوبُ الحيا سكباً على سكبِ حيثُ الصّبا يُهدي نسيم الربى ... طيّبةَ المسرى إلى الغرب تمرُّ بالركبِ سُحَيراً فيا ... موقعَ ريَّاها من الركب وبالكثيب الفَرْدِ من لَعْلَع ... غُزَيِّلٌ ضلّ عن السرب أفلتَ منِّي واغتدى قانصاً ... قلبي فيا ويحيَ من قلبي

فسرتُ أشتدُّ على إثره ... أنْشُدهُ في ذلك الشعب يا هل رأتْ عيناك من ناشدٍ ... يسعى بلا قلبٍ ولا لب أحببْ به من ملكٍ جائرٍ ... أحكامهُ تجري على الصب يثنيه من خمرِ الصِّبا نشوةٌ ... لِعْبَ الصَّبا بالغُصُنِ الرطب يا جائر اللحظِ على صبِّه ... سلّطتَ عينيك على قلبي ومن قوله: لعمرُكَ ما تلقى من النَّاس واحداً ... غدا قلبه مما ابتلينا به خِلْوا كأنَّ الهوَى حتمٌ علينا مُقدَّرٌ ... فلا مهجةٌ إلاَّ تذوب له شَجْوا ألا صاحبٌ يَلْحى على الغيِّ صاحباً ... لقد عُدِمَ العذَّالُ مذ عَمَّتِ الشَّكوى

أبو الربيع العبدري

أبو الرَّبيع العبدري أبو الرَّبيع سليمان بن أحمد بن عليّ بن أبي غالب العبدري الكاتب، من أهل دانية وسكن مرّاكش بعد تجوله ببلاد الأندلس، وكان جدّه عليّ وأبوه أحمد وأخواه محمد ويحيى شعراء ولبيتهم نباهة. وولي أبو العباس منهم قضاء مالقة وامتحن في قصّة عليّ الجزيري الثائر حين اشتدّ الطلب عليه وقد خيب من كان يجلس إليه، وقيل إنَّه أطلق أخاه من السجن بمالقة بألف دينار رشوةً فأُسلم إلى صاحب الشرطة فضربه ألف سوط فهلك قبل استيفائها، وأُمر به فصُلب بإزاء جذع الجزيري، وذلك في سنة ستّ وثمانين وخمسمائة، فقال ابنه أبو الرَّبيع هذا يرثيه: يا من رأى بَدْرَ الدُّجى لِتمامهِ ... عَبَثتْ بهِ أيْدي الزَّمان تصَرُّفا ولَقدْ نظرتُ إليهِ يومَ أقلَّهُ ... كالرمْحِ عُرِّضَ من سنانٍ أُرْهَفا

جَهِدَ الترابُ به ليستُرَ شخصَهُ ... فإذا به قد كان منهُ ألْطَفا وكأنَّه رام اللِّحاق بعالم ال ... عُلْوِ الَّذي هو منهمُ فاستوقِفا وشجاه نَوحُ الباكياتِ لِفَقْده ... فثوى هنالك رقَّةً وتعطُّفا وقال فيه أيضاً: جهلاً لمثلك أن يبكي لما قدرا ... أو أن يقول أسًى يا ليته قبرا لو لمْ تُقدَّرْ عليه ميتَةٌ سَبقتْ ... ورامها كلُّ أهْلِ الأرضِ ما قدرا فاضَتْ جُفونُك أن قاموا بأعظُمهِ ... وقد تطايرَ عنها اللَّحْمُ وانْتَثرا وأوْثَقوه إلى جِذْعٍ بِموثقَةٍ ... يُنكِّسُ الطَّرْفَ عنها كلُّ من نظرا ضاقتْ به الأرضُ ممَّا كانَ حمَّلها ... من الأيادي فمجَّتْ شِلْوَهُ ضَجرا وعَزَّ إذ ذاك أنْ يَحْظى بهِ كَفنٌ ... فما تَسَرْبلَ إلاَّ الشَّمسَ والقمرا لم تَضْحَ أعْظُمهُ يوماً ولا ظَمِئتْ ... قلبي لهُنَّ ودمْعي مُزْنَةٌ وثَرى منها: وليلةٍ من خطيئاتِ الزَّمان مَضتْ ... حالفْتُ فيها الأسى والدَّمعَ والسَّهَرا غنَّى بها الكَبْلُ إذ عنَّى فأسْمَعَني ... في رِجْل أحمدَ يحكي حيَّةً ذَكرا يا أحمدَ بنَ عليٍّ هُبَّ من وَسنٍ ... فما عَهِدْتُك تَكْرى قبْلها سَحرا تاقَ الدُّجى والمُصلَّى تحت غَيْهَبهِ ... إلى تِلاوتك الآياتِ والسُّوَرا قدْ كنتَ فيه سِراجاً نستَضيءُ بهِ ... حتَّى إذا ما خَبَتْ أنوارُك اعْتَكرا وقال وقد أنزل من عوده ودفنه: خليلي لو ترى في حمصَ دَفْني ... أبي لَهَجرْتَ طُعْمَك والمناما

أُواريه بسَتْرٍ من ضريحٍ ... كأنِّي مُغمدٌ منهُ حُساما كأنَّ مَحاجري ودَقَتْ لديهِ ... عشيّةَ قُمْتُ أدْفِنُه غَماما وقال وقد توفّيت والدته: طوى القَمرينِ التُّربُ عن أعين الورى ... بميْتِ عُلاً ماتت على إثْرِه العِرسُ فأصْبَحتِ الغَبْراءُ خضراءَ منهُما ... بآيةِ ما قد حلَّها البدرُ والشَّمسُ وقال يصف خيلاناً: ولِلألبابِ من خَدَّيْ سُليْمى ... دواعٍ للجنونِ ولِلْفُتونِ وما الخيلانُ أبْصرَ من رآها ... ألا رُدَّ الحديثَ إلى يقينِ ولكنْ فوق صفحتِها صقالٌ ... تمثَّلُ فيه أحْداقُ الجُفونِ وله في شكوى الزمن: أخي عوفيتَ والبلوى ضروبٌ ... تعمُّ وتارة تأتي اختصاصا تعالَ فخذْ بحظِّك من همومي ... ودعْ أطلال هندٍ والعِراصا وباكِ أخاك دنيا قد تولَّتْ ... ودهراً ينهكُ العمرَ انتقاصا وما أنهيتُ نفسي في المعالي ... ولا أدركتُ في ثأرٍ قصاصا فليت العيشَ إذ لم يُقْضَ محضاً ... رُزِقْتُ إذا انقضى منه الخلاصا وله يصف ناراً: ولقد نعمتُ بنارِ فحمٍ أصبحتْ ... تختالُ بين معصفرٍ ومورّدِ إلاَّ بقايا كالدُّجى مسودةً ... أو مثلِ أصداغ الجواري الخرَّدِ فكأنما يبدو لعيني منهما ... حبرٌ أُريقَ على سبائكِ عسجدِ

ابن أصبغ

ابن أصبغ أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى بن محمد بن أصبغ الأزدي، من أهل قُرْطُبَة وفي بيوتاتها الأصيلة ويعرفون ببني المناصف، وولي أبو إسحاق هذا قضاء دانية، وصرف عنها أول الفتنة المنبعثة بالأندلس صدر سنة إحدى وعشرين وستمائة، وسكن بلنسية أشهراً وبها صَحِبتهُ. ثمَّ انتقل عنها وولي بعد ذلك قضاء سجلماسة إلى أن توفي بها سنة سبع وعشرين وستمائة. وله في ترتيب حروف " كتاب العين " للخليل، وهو أحسن ما قيل فيه على كثرته: عَذَّبني حُلْوُ هوًى خُضْتهُ ... غوايةً قائدةً كربي جالبةً شوقَ ضلوعٍ صَبَتْ ... ساحرةً زاجرةً طبي دوسيّة تيّمني ظَبْيها ... ذوبُ ثناياه رضا لبي ناولني فاهُ بلا مانعٍ ... واضحةً إحسانها يربي ومن شعره: وزائرٍ زارني وَهْناً فقلتُ له ... أنَّى اهتديتَ وسجفُ اللَّيل مسدولُ

فقال آنستُ ناراً من جوانحكم ... أضاء منها لدى السَّارين قنديلُ فقلتُ نارُ الهوَى معنًى وليس لها ... نورٌ يبينُ فماذا منكَ مقبولُ فقال نِسْبتنا من ذاك واحدةٌ ... أنا الخيالُ ونارُ الحبِّ تخييلُ

ابن يخلفتن

ابن يخلفتن أبو زيد عبد الرحمن بن يَخْلَفْتن بن أحمد الفازازي: ولد بقُرْطُبَة ونشأ بها، وتجوّل ببلاد الأندلس والعُدوة، وكتب هو وأخوه أبو عبد الله كبيره لأمراء المغرب، وبلغا الرُّتبة العالية، وكانا من مفاخر وقتهما. وأبو عبد الله مُقلٌّ من الشعر، وتوفي بقُرْطُبَة قاضياً سنة إحدى وعشرين وستمائة. وأما أبو زيد فمُكثرٌ، وشعره مدوَّن. وكانت وفاته بمراكش سنة سبع وعشرين وستمائة. ومما عُزي لي أنَّه من شعره في الحضّ على الحج والزيارة: النَّاسُ قد رحلوا وأنت مُقيمُ ... ودُعوا وأنت مُحجَّبٌ محرومُ صَدقوا العزيمةَ فاستقلَّتْ عيسُهم ... وهواك في نَيْل المُنى مَقْسوم غَطَّتك من آذيِّ ذَنْبك مَوجةٌ ... فيها الهلاكُ وما أراك تقومُ وتُلام في تركِ الحجاز فتَنْثني ... عن غير مَعْذرةٍ وأنت مَلومُ أحسِنْ فقد فارقتَ كلَّ إساءة ... مهلاً فأنت بعِلْمه مَعْلومُ لا أنت في السَّفْر الذين تقدَّموا ... نحو النبيِّ ولا أراك تقومُ وإذا بدا لك دِرْهمٌ في جلَّق ... بادرتَ تقعدُ نحوه وتقومُ

وإذا أراد الله تبليغَ امرئٍ ... فالعُرْب خاضعةٌ له والرُّومُ ما النَّاسُ إلاَّ الرَّاحلون لربِّهم ... والآخَرون بلابلٌ وهُمومُ لا خَلْق ألأم من مُحاذرِ عَيْلةٍ ... في قَصْدِ ربِّ النَّاسِ وهو كريمُ وذكر له: يا نائمَ الطَّرف عن سُهدٍ وعن أرقِ ... وفارغَ القلب من وجدٍ ومن حُرَق بكمالها، وهي من جيد كلامه في النسيب.

ابن حمادو

ابن حمادو محمد بن علي بن حمادو - بالحاء المهملة وبعد الدال المهملة واو - الصنهاجي من أهل قلعة حماد، وكان بشرق الأندلس في أول هذه المائة السابعة، ثمَّ ولي قضاء الجزيرة الخضراء وقضاء سَلا بعد ذلك، وتوفي سنة سبع وعشرين وستمائة. ومن شعره: أبا عبد الإله إليك أشكو ... لواعجَ بين جانحتيّ تذكو بَعُدتُ عن الديار وساكنيها ... وفرَّق بيننا فَلكٌ وفُلْكُ ولم يَعدِل لعمر الله عندي ... فراقَ أحبّةٍ مِلْكٌ ومُلْكُ وقال يهنّئ باسترجاع بلاد إفريقية والظهور على يحيى بن إسحاق: فتوحٌ لها في كلِّ يومٍ تلاحقُ ... كما استبقتْ يومَ الرهانِ السوابقُ تجيءُ وما بينَ الزّمانَيْنِ مُهلةٌ ... كما نَسَقَ المعطوفَ بالواو ناسِقُ بشائرُ تعلوها تباشيرُ مثلما ... تبلَّجَ صُبحٌ أو تألَّقَ بارقُ وراقت بلادُ اللهِ فهي نضارةً ... خمائلُ يندى زهرها وحدائقُ

كذا فليكنْ فتحٌ وإلاَّ فإنَّما ... جميعُ فتوحِ العالمينَ مَغالقُ إذا قرأ القرآنَ في غَسَقِ الدُّجى ... أُبَيُّ بن كعبٍ لم يغنِّ مُخارِقُ

غالب الأنصاري

غالب الأنصاري أبو تمام غالب بن محمد بن إسماعيل الأنصاري، من أهل بلنسية، ومعدود في أدبائها، وكان يحترف بالتجارة وأحياناً بالوراقة، وصحب أبا الحسين ابن جبير وغيره من الأدباء، وسمع الحديث وكتب كثيراً مع فهم، وضرب في النظم بسهم، وقد قرأ عليه شيخنا أبو الرَّبيع ابن سالم بعضَ شعر ابن جبير، وتوفي في المحرم سنة تسع وعشرين وستمائة. أنشدني كثيراً وانتفعت بنقده وتمييزه، وأنشدني لنفسه يعاتب أحد إخوانه: وأخٍ بذلتُ له مَصونَ مودَّتي ... ورعايتي والنفسَ حتَّى ملَّها أجهدتُ نفسي في اتباع سبيلهِ ... نظراً له في النُّصْحِ لا نظراً لها ورأيتُ أنِّي إن أسُسْهُ بطاعتي ... إياه كان على السويّةِ أو لها أصغى إليَّ إذا نصحتُ تأسياً ... بي إذ أطعتُ له الأوامرَ كلَّها فإذا به مستغرقٌ في وجده ... لاحتْ له طرقُ الهدى فاحتلها يبغي قطيعةَ واصلٍ في صحبةٍ ... قد كان أنهلها الودادَ وعلَّها فإذا تجيشُ النفسُ تبغي سلوةً ... غلبَ الوفاءُ على الإباء فسلَّها إيهٍ أبا إسحاقَ دعوةَ مرشدٍ ... لنصيحةٍ والحرُّ يقبل مثلها أعدِ التفاتاً وادّركها غلطةً ... فيمن ترومُ لدى القضية عدلها

ودعِ اللجاجَ بأن تحلَّ مخالفاً ... حَزْنَ البقاعِ ونحن نؤثر سهلها والنفسُ إن طاوعتها أمَّارةٌ ... بالسوءِ فاحذرْ أن تطاوعَ جهلها فلربَّما جذبتْ إلى حَسَراتهِ ... نفسُ التقيّ إذا تناسى ختلها من لم تَزَعْهُ عن المكارم نفسهُ ... لم يَسْطعِ العذالُ يوماً عذلها وإذا تولى المرء غاية شهوةٍ ... وليت فلم يقدر هنالك عزلها ومتاعُ هذا الدَّهرِ أقصرُ مدَّةً ... من أن يقابحَ ذو المروءةِ أهلها وكان أبو محمد ابن باديس يناظر عليه في ذلك التاريخ في " مستصفى الغزالي " فحكى أبو تمام ابن صاحب الأحكام أن أبا الحصين ابن أبي الفتح كان ممن يحضر ذلك التناظر، فغاب عنه يوماً فكتب إليه ابنُ باديس: يا واحداً في المعالي ... به العُلا تستبدُّ إن القراءة نادت ... مولاي ما منك بدّ فراجعه أبو تمام بأبياتٍ أولها: لبَّيكَ لبيكَ يا مَنْ ... علاؤه لا يُحَدُّ ومن إذا حلَّ شكٌّ ... فقولهُ لا يُرَدُّ

ابن جهور

ابن جهور أبو بكر محمد بن محمد بن جهور الأزدي من أهل مُرسية، وأحد نبهائها وأدبائها، من شعره وقد رأى امرأة سافرةً فغطت وجهها بكفّها المخضوب: فاجأتُها كالظبي في سِربهِ ... فاحتجَبَتْ بالكفِّ والمعصمِ وقد بدا الوشيُ بأطرافها ... فأقصرتْ عن لومها لُوَّمي قالوا وقد دلَّهَهُم حبّها ... من طوَّق البُلاّر بالعَندمِ قلتُ جرت من مقلتي دمعةٌ ... فاختضبت أنملُها بالدمِ ومن قوله وقد مرَّ وهو بجزيرة شُقر بأرضٍ حمراء لابن مرج الكُحل غير صالحة للعمارة فقال يداعبه: يا مَرجَ كُحْلٍ ومن هذي المروجُ له ... ما كان أحوج هذي الأرض للكُحُلِ ما حمرةُ الأرض عن طيبٍ وعن كرمٍ ... فلا تكنْ طمِعاً في رزقها العجلِ لكنّ شيمتَها أخلاقُ صاحبها ... فما تفارقها كيفية الخجل فجاوبه: يا قائلاً إذ رأى مَرجي وحمرتَهُ ... ما كان أحوج هذي الأرضَ للكحل

تلك الدماءُ التي للروم قد سَفكت ... في الفتح بيضُ ظُبى أجداديَ الأُوَل أحببتُها إذ حكت من قد كلفتُ به ... في حمرة الخدّ أو إخلافه أمَلي

ابن إدريس التجيبي

ابن إدريس التجيبي أبو عمرو إبراهيم بن إدريس القاضي التجيبي من أهل مرسية وهو أخو أبي بحر صفوان بن إدريس وولي قضاء بلده والخطبة بجامعه، وتوفي رحمه الله تعالى أول سنة ثلاثين وستمائة، ومن شعره: قسماً بحُسن الطلّ في الزهرِ ... يبدو به شَنَباً على ثغرِ أو بالنسيم إذا ثنى غُصُناً ... فأرى انثناء العطف كالكسرِ أو بالغصون تكلَّلتْ زَهَراً ... فأتتْكَ بالأجيادِ والشذرِ لقد استعنتُ على التألُّمِ في ... أمرِ الهوَى فقضى الهوَى أمري ومطوَّقٍ طارحتُه شَجَني ... وعلى الدُّجى طوقٌ من الفجرِ يشدو بعطفٍ مائسٍ ثملٍ ... شربَ النّدَى عوضاً عن الخمرِ يهتزُّ من طربٍ له فإذا ... غنَّى رمى بدراهمِ الزهرِ فحسبتُ عبد الحقّ يطرفه ... فيجود ما أنشدتُ من شعري منها: وإليكمُ راقتْ محاسنها ... والحسنُ في الأسلاكِ للنحرِ أعملتُ فيها خاطري سَحَراً ... فاشتقّ منه فجاء بالسحرِ وله من قصيدة يمدح فيها: شِيَمُ الصوارمِ أن تُقرِّبَ ما نأى ... لكنْ على مَنْ عَزْمُه كظُباتها أخلصتَ للرحمن نيّةَ عالمٍ ... أنَّ النُّفوسَ له على نيَّاتها

وجعلتَ تقوى اللهِ شِكَّتك التي ... نزلتْ قلوبُ الرُّوم رَهْنَ شكاتها ومنها: أوطأتَ أرضَ المُشركين كتائباً ... كادت تميدُ الأرضُ من وَطآتها كالبحرِ يطفحُ موجهُ جَرْياً إذا ... هبَّتْ رياحُ النَّصرِ في راياتها جاءت تَرومُ الشُّهبَ في أبراجها ... وتهابها الآسادُ في أجماتها ومنها: قد كان غَرَّ الرومَ صفحُكَ قادراً ... حتَّى وضعتَ السَّيفَ في صَفَحاتها ظَنُّوكَ لا تسطيعُ دَفْعَ كُماتها ... إذ لم تُطِقْ بالجودِ ردَّ عُفاتها تُزْهى بك الأيَّامُ وهيَ جديدةٌ ... مثلَ الجيادِ زَهَتْ بحُسْنِ شِياتِها فاسْلمْ على مرِّ اللَّيالي إنَّها ... لتَحوطُ عِقْداً منك في لَبّاتها

أبو الربيع ابن سالم

أبو الرَّبيع ابن سالم أبو الرَّبيع سليمان بن موسى بن سالم بن حسّان الحميري الكلاعي الخطيب من أهل بلنسية، علم الأعلام، واللعوب في جدّه بأطراف الكلام، الَّذي فاز بالجنّة يوم فاد، وأفاد علوم السنة في ما أفاد. ولد في شهر رمضان سنة خمس وستين وخمسمائة، واستشهد - رحمه الله - مقبلاً غير مدبر في وقعة أنيشة على ثلاثة فراسخ من بلنسية ضحى يوم الخميس الموفي عشرين لذي الحجة سنة أربع وثلاثين وستمائة. وكان بقيّة أعلام الحديث ببلنسيّة، عني أتمّ عناية بالتقييد والرواية، وكان إماماً في صناعة الحديث بصيراً به حافظاً حافلاً عارفاً بالجرح والتعديل، ذاكراً للمواليد والوفيات، يتقدّم أهل زمانه في ذلك وفي حفظ أسماء الرجال خصوصاً من تأخر من زمانه وعاصره. وكتب الكثير، وكان الخطّ الَّذي يكتبه لا نظير له في الإتقان والضبط، مع الاستبحار في الأدب والاشتهار بالبلاغة، فرداً في إنشاء الرسائل مجيداً في النظم. وكان هو المتكلّم عن الملوك في مجالسهم والمبين عنهم لما يريدونه في المحافل على المنبر. ولي خطابة بلنسيّة. وله تصانيف مفيدة في عدّة فنون: ألّف " الاكتفاء في مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلّم والثلاثة الخلفاء " في أربعة

مجلّدات، وله كتاب حافل في معرفة الصحابة والتابعين لم يكمله، وكتاب " مصباح الظلم " يشبه " الشهاب " و " كتاب في أخبار البخاري وسيرته " و " كتاب الأربعين " سوى ما صنّف في الحديث والأدب والخطب. ومن شعره يرثي أبا بحر من كلمة: أما وأبي بحرٍ لقد راع خاطري ... مُصابُ القوافي والعُلا بأبي بحرِ ليبكِ عليه المجدُ ملءَ جفونهِ ... ويبكِ عليه رائقُ النظمِ والنثرِ ويا دوحَ روضٍ كان زهرُ كِمامهِ ... عزاءك في الرَّوضِ الأنيقِ من الزهرِ ومنها: ويأسكَ عن رَوْحٍ من الطيبِ بعده ... سوى ما تؤدِّي الرِّيحُ عنه من الذكر أحقاً أبا بحرٍ تجهزتَ غادياً ... إلى غايةٍ ناءٍ مداها على السَّفْرِ فإن قصَّرَ المقدارُ عمرك إنَّ في ... نفائسِ ما خلَّدتَ عمراً إلى عمرِ وله: أشجاه ما فعل العِذارُ بخدِّه ... قلبي شجا وهواي فيه هيّجا ما رابه والحسنُ يمزجُ وردَه ... آساً ويخلط بالشَّقيق بَنَفْسجا ولقد علمتُ بأنَّ قلبي صائرٌ ... كُرَةً لصدغيه غَداةَ تَصَوْلجا ومنه: ولمّا تحلَّى خدُّه بِعِذاره ... تسلَّوا وقالوا ذَنبُه غيرُ مغفورِ وهل تنكر العينُ اللجينَ مُنَيَّلاً ... أو المسك مذروراً على صحن كافورِ وحسبيَ منه لو تغيَّرَ خدُّه ... تَمايلُ غُصْنٍ والتفاتةُ يعفورِ

ومنه: قالوا اكتَسَتْ بالعِذارِ وجنتُه ... هل في الَّذي قلتموه من باسِ أكْلَفُ بالورد وهو منفردٌ ... فكيف أسلو إذ شيبَ بالآسِ ومنه: قالوا التحى واشتكى عينيه قلتُ لهم ... نعم صدقتم وهل في ذاك من عارِ بنفسجٌ عيضَ من وردٍ ونرجسةٌ ... تحَوَّلتْ وردةً زينت بأشفارِ ما مرَّ من حسنه شيءٌ بلا عِوَضٍ ... حُسْنٌ بحسنٍ وأزهارٌ بأزهارِ ومنه: رياضٌ كالعروسِ إذا تجَلَّتْ ... وقَلَّ لها مُشابهةُ العَروسِ فمن زهرٍ ضحوكِ السنِّ طَلْقٍ ... بجهمٍ من سحائِبه عبوسِ وقضبٍ تحسبُ الأرواح سقَّتْ ... معاطفها سلافة خندريسِ ونهرٍ مثل هنديٍّ صقيلٍ ... تجرَّدَ فوقَ مَوْشيٍّ نفيسِ توَلَّت نَسجَه السُّحبُ الغوادي ... وحاكتْ وَشْيَه أيدي الشُّموسِ ومنه وهو جناس: بنفسَ من أخلاَّئي خليلٌ ... سريٌّ لا يرَى كالحمدِ مالا متى يعدمْ مُمالأةَ اللَّيالي ... على ما يبتغي منهنَّ مالا وأكثر ما يكونُ إليك ميلاً ... إذا الزمنُ المساعد عنك مالا نَعَمْ وقفٌ عليه لسائليه ... كأنْ لم يدرِ في الألفاظ ما لا وقال: يا غزالاً غزْوَ أرض الرُّ ... وم يَبغي ويَرومُ ما يَفي أجرُك بالغَز ... وِ بقتلي يا ظَلومُ وقال: أوصيكُمُ بالقلب خيراً فإنَّه ... أبَى يومَ بِنتُم أن يُصاحب جُثماني

فقلتُ له أين المُقام فقال لي ... بكفِّي أبيٌّ ذو حِفاظٍ وإحسانِ أيحسنُ في شَرع الصَّبابة تركُ من ... تكنَّفني إحسانُهُ منذُ أزمانِ أيحسُن أن أُصغي لداعية النَّوى ... إذاً فرماني الله منه بهجرانِ فقلتُ له أُكرمتَ يا قلبُ فاغتبطْ ... ولو أن لي أمري لكنتُ لك الثاني وله في طريقة أبي الفتح البُستي: تعجَّبوا لفُؤادي الشَّهمِ أن آسى ... ما لي وقد جَدَّ جِدُّ العمرِ لا آسَى لو لم تَعِظْنيَ نفسي لاتَّعظتُ بأنْ ... أرى مثالَ نعيمِ الدَّهرِ إبئاسا هاتيك أربُعُ صَحبي بعد ساكنها ... لم تُبقِ فيها النَّوى نُؤياً ولا آسا فارجعْ إلى الله يا قلباً عتا صَلَفاً ... فذو النَّدى في الورى إن يُستَعنْ آسَى ولا يروقُكَ توريدُ الخدودِ فما ... تُبقي لياليك ورداً لا ولا آسا تجرَّعِ الصابَ في الدُّنيا عساك تُرى ... معوَّضاً منه في دار الرِّضا آسا وله ورسم على مشط فِضَّة: تهوى محلِّي النجومُ ... يا بُعدَ ما قد ترومُ كم لمَّةٍ لكَعابٍ ... بها النفوسُ تهيمُ سرَيْتُ فيها شهاباً ... حَواه ليلٌ بهيمُ ما صاغني من لُجَيْنٍ ... إلاَّ ظريفٌ كريمُ مَشْطُ الحِسان بعَظْمٍ ... ظُلمٌ لعمري عظيمُ وكتبتُ إليه معمّياً بأسماء الطير وكان يُعنى بذلك: إنْ شئتَ يا دهرُ حارِبْ ... أو شئتَ يا دهرُ سالِمْ فصارمي ومِجَنّي ... أبو الرَّبيع ابن سالمْ

فراجعني بعد أن فكَّها بقوله: نعم فحارب وسالمْ ... وصلْ مُعاناً وصارمْ أنا المِجَنُّ الَّذي لا ... تحيكُ فيه الصوارمْ أنا الحُسامُ الَّذي لا ... يزالُ للضَّيْم حاسمْ فاحكمْ بما شئتَ إنِّي ... بعَضْدِ صحبيَ حاكمْ

ابن محرز الزهري

ابن محرز الزهري أبو بكر محمد بن محمد بم مُحرز الزُّهري القاضي: من أهل بلنسية، من أهل الطلب البارع والنباهة في بلده. فمن قوله من قصيدة يصف الإغارة على شَنْتَمَرِيَّة وفتح حصن شزالة، وذلك بعد غدر النصارى وإغارتهم على فَحْص المِيل من نواحي بلنسية: كذا فليُغِرْ أو فليَغَرْ طالبَ الوِتْر ... وينهضْ إلى الجَبْر المسهَّدُ بالكسرِ خرجتَ وللإسلامِ أنَّةُ موجعٍ ... تذوبُ لها الصُّمُّ القَواسي من الصَّخر أملتَ لها أُذناً تُصيخُ لمثلها ... على حين صَمَّتْ كلّ أُذنٍ من الوَقْرِ نفرتَ لها كالليثِ يطرُقُ غِيلَه ... ذئابٌ بها من ظُفرِهِ نُدَبُ العَقْرِ فسرتَ على اسم الله تحدوك عزمةٌ ... لو استُكْفيَتْ نابتْ عن العسكرِ المَجْر عليك ابتهاجُ الظافرين كأنَّما ... تَسيرُ على وعدٍ صحيحٍ من النَّصر دَعتْك من الوامي ثكالَى ثُغورِهِ ... ففضتَ على أعطافه فَيضةَ البحرِ وله في هذه القصيدة محاسن وأجاد فيها ما أراد.

وكتب إلى أبي الرَّبيع ابن سالم شيخنا، رحمه الله: أبلغْ سلامي يضُوع رَنْدَهْ ... يا طرسُ أُبلغتَ ما تودُّهْ إلى أخٍ طال منه كفِّي ... بصارمٍ لا يُحَدُّ حَدُّهْ شَرُفتُ منه بمشرفيٍّ ... أُفردَ عن مُشْبهٍ فِرِنْدُهْ أبُوه مِن شوقِهِ بقَلبي ... فهل أنا اليومَ منه جَدُّهْ وقال: سقى الله المُعَرَّسَ إذ سهرنا ... به والحادثاتُ بحالِ غمضِ قطعنا ليلَهُ والحالُ رفعٌ ... يُقِرُّ العينَ منها عيشُ خفضِ نضاجعُ من بناتِ الماءِ أو من ... نباتِ الماء فيها كلَّ غصنِ يروقُكَ أو يروعك منه فاعجبْ ... سيوفٌ بعضها أغمادُ بعضِ ومن قصيدة لأبي عبد الله ابن أبي البقاء وقد سمع أرجوزتي أبي بكر في ذلك، في شكل خباء الماء: تُحاكُ أعاليه وأسفله وما ... يقومُ عليه أو به من سَدَى النَّهرِ وإن حاولوا تطنيبَهُ فبأربعٍ ... تمزّق من أردانِ أثوابه الوُفْرِ وأنشدني الأديب أبو عبد الله محمد بن أحمد الحضرمي صاحبنا لنفسه، وسئل وصف مثله والرِّيح تبدده، فقال وأحسن ما أراد: ومطنّب للماءِ ما أوتادُهُ ... إلاَّ نتائجُ فكرِ طَبٍّ حاذقِ عبثتْ بد أيدي الصَّبا فكأنَّها ... أيدي الصَّبابةِ بالفؤادِ العاشقِ ولأبي بكر من كلمة: إن الله مطلقين أسارى ... طلبوا القُرْبَ مهتدين حيارى

عثروا إذ تحيروا فرآهم ... فجزاهم بأن أقالَ العثارا قُبِلتْ منهم الصلاة وهم لا ... يقربون الصلاةَ إلاَّ سكارى

ابن عميرة المخزومي

ابن عميرة المخزومي أبو المطرف أحمد بن عبد الله بن عَميرة المخزومي القاضي: من أهل جزيرة شُقر وسكن بلنسية. فائدة هذه المائة، والواحد يفي بالفئة، الَّذي اعترف بأمجاده الجميع، واتصف بالإبداع فماذا يوصف به البديع، ومعاذ الله أن أُحابيه بالتقديم، لما له من حق التعليم، كيف وسَبْقُهُ الأشهر، ونطقه الياقوت والجوهر، تحلَّت به الصحائف والمهارق، وما تخلَّت عنه المغارب والمشارق، فحسبي أن أجهد في أوصافه، ثمَّ أشهد بعدم إنصافه، هذا على تناول الخصوص والعموم لذكره، وتناوب المنثور والمنظوم على شكره. فمن نسيب قصيدة مدح بها قوله: يا والياً أمرَ الجمالِ بسيرةٍ ... قلَّ الحديث بمثلها عن والِ حتَّى متى قلبي عليك متيّمٌ ... وإذا سألتُ يُقال قلبُكَ سالِ أرضى رضاك عن الوشاة وأنت لا ... ترضيك موجدتي على العذالِ وبيانُ حبّك لم أؤخره وفي ... جدواه عندكَ غايةُ الإجمالِ

قد حرت في حالٍ لديك ولستُ من ... أهلِ الكلام أحارُ في الأحوالِ وأجلتُ فكري في وشاحك فانثنى ... شوقاً إليك يجول في جوَّالِ أنصفْتَ غصنَ البانِ إذ لم تدعُهُ ... لَتأَوّدٍ مع عطفكَ الميَّالِ ورحمْتَ دُرَّ العقدِ حين وضعته ... متوارياً عن ثغركَ المتلالي كيف اللقاء وفِعلُ وعدكَ سينهُ ... أبداً تخلِّصهُ للاستقبالِ وكُماةُ قومكَ نارهُمْ ووقودها ... للطَّارقينَ أسِنَّةٌ وعَوالِ وقال من قصيدة أنشدنيها بإشبيلية، إثر نُزهة جمعتنا بخارجها، صدر سنة سبع عشرة وستمائة، وأنا اقترحت وصفها عليه، وأولها: لو غيرُ طرفِكَ مَوْهِناً يأتيني ... ما كانَ في عَقب الصِّبا يُصبيني وافَى وقد هجعَ الخليطُ فبات في ... ثَوب الدُّجى أُدْنيه أو يُدنيني ومنها في الوصف المقترح: يا حِمصُ إنك في البلاد فريدةٌ ... ببديعِ حسنٍ جلَّ عن تحسينِ أحبِب بنهرِك حينَ يزخَر مدُّه ... فيروقُ منه تحرُّكٌ كسُكونِ ويعودُهُ الجَزر الَّذي يُبقي على ... شطَّيه حِجراً دونه للطِّينِ مثل الخريدةِ إن تقلَّص ثوبها ... خجِلت لشيءٍ تحته مَدْفونِ فكأنَّما هو عاشقٌ ذو زَفْرة ... تعتاده في الحِين بعد الحينِ أو مثل مُمتلئِ الجوانح والحشا ... غيظاً طواه الحلمُ بالتَّسكينِ وتخالُ ما نثرتْ به أيدي الصَّبا ... حَلَقَ المُضاعفِ نسجُهُ المَوْضونِ تجري به أسرابُ طيرٍ آثَروا ... فيها المجازَ فسُمِّيت بسَفينِ يا حسنَها من ذاتِ أجنحةٍ لها ... عملٌ يَبَذُّ جناحَيِ الشَّاهينِ تَثني الجَموحَ فلا يَريمُ مكانَه ... منها وتَرجعُ صوتَ كلِّ حَرونِ من كُل دهماءِ الأديم ترى بها ... منها بنفسَجَةً على نَسْرينِ عُطفتْ وأُرهفَ جسمُها فكأنَّها ... قمرٌ إذا ما عاد كالعُرْجونِ

جُلنا بها في النَّهرِ نَرتع للمُنى ... ما بين أصنافٍ لها وفُنونِ ولربما رُعنا بنيه بغارةٍ ... تركتْ مَصونَ حِماه غيرَ مَصونِ تَحكي إذا ما أبرزت حركاتِها ... فعلَ النَّزيف يَنوء دون مُعينِ قد قَوَّستها مِيتةٌ لا كبرةٌ ... فانظُر إلى ألِفٍ تعودُ كنونِ حتَّى بلغنا شَنْتبوس ويا له ... من مشهدٍ بهوَى النفوسِ قَمينِ حيثُ القصورُ البيضُ يُرمقُ حُسنها ... فيكونُ قيدَ نواظرٍ وعُيونِ بَهرتْ جمالاً في الدُّجى حتَّى ترى ... معها عمودَ الصُّبح غيرَ مُبينِ فهي النجومُ بل البدورُ لأنَّها ... تزدادُ حُسناً في اللَّيالي الجُونِ قد أُلِّفَتْ أجزاؤها فتناسبتْ ... كتناسبِ النَّغماتِ في التَّلحينِ طابَ الزمانُ بها فما نيسانها ... أندَى ندًى من آبَ أو كانونِ فسقَى العروسَ مع الخليج حيالَهُ ... صوبٌ بريّ رُبوعها يُرضيني فلقد مضتْ لي ثَمَّ ساعةُ لذَّةٍ ... عن ذكر لذَّات الأُلى تُسليني وجنيتُ من ثَمر المُنى ما شئتُه ... وأخذتُ منه فوق ما يكفيني في فتيةٍ ظفرتْ يدايَ بقُرْبهم ... بأجلِّ عِلقٍ في الزَّمان ثَمين ما منهمُ إلاَّ صَريحُ مَودَّةٍ ... أُصْفيه منها مثلَ ما يُصفيني أخذُوا بأطرافِ الحديثِ فَشَعْشَعوا ... منها كُؤوساً حَثُّها يُحييني وتذاكروا أخبارَ سيِّدنا فقُلْ ... جَلبوا فَتِيق المسكِ من دَارينِ وقال يصف مثلها بنهر جزيرة شُقر، وأنشدنيه: خذْ في حَديثك إنَّ وصفك يُطربُ ... عن يومِ أُنسٍ ذكرُهُ مُستعذبُ واطلبْ إعادته منَ الأيَّامِ إنْ ... سمحتْ بذا وأظُنُّ ذلك يَصْعب يومٌ أرانا الحسنَ في النَّهر الَّذي ... قد طاب منه موردٌ أو مَشْرب

يمشي ويُزجي موجَه فكأنَّه ... لما انتهبنا ما يُواري مُقصِب وقد امتطينا زَوْرقاً فيه فقُلْ ... صُبحٌ تمشَّى في سناهُ غَيْهب فتراه طَوْراً طائراً ولربما ... ضُمَّتْ جَناحاه إليه فيُجْنِب ولنا شِباكٌ قد تجاذبَ غَزْلها ... ضدَّانِ يطفُو ذا وهذا يَرْسُب نُسجتْ كنَسج الدِّرعِ لكنَّ الرَّدى ... لم يعدُ لابسَها إذا ما يُطْلَب تُبدي لنا سَمَكاً أرادتْ أن يُرى ... حسَناً بها فلأجله تتقلَّبُ فكأنَّها جَمدتْ من الماءِ الَّذي ... حصباؤُهُ من صَفْوه لا تُحجبُ يا نهرَ شُقرٍ فيكَ أدركتُ المُنى ... فلأنتَ من نَهر إليَّ مُحبَّبُ يَهنيك إذ حُزْتَ المحاسنَ كلَّها ... أنِّي سأشعرُ في حُلاك وأخطبُ وله: انظُرْ إلى الوادي غَدا كدراً ... وصفاؤُهُ قد عاد كالعَلَقِ فكأنَّهُ لمَّا بدَا أُفقٌ ... سالتْ عليهِ حُمرةُ الشَّفقِ وله ممَّا يُكتب على قوس: ما انآد مُعتَقَلُ القَنا إلاَّ لأنْ ... يحكي تأطُّرَ قامتي العوجاءِ تَحنو الضُّلوعُ على القلوبِ وإنَّني ... ضِلَعٌ توافيها بأعضلِ داءِ وله وقد أهدى ورداً: خذها إليكَ أبا عبد الإلهِ فقد ... جاءتكَ مثلَ خدودٍ زانها الخفرُ أتتك تحكي سجايا منك قد عذبَتْ ... لكنْ تغيُّر هذا دونَهُ الغيرُ إنْ شمتَ منها بروقَ الغيثِ لامعةً ... فسوفَ يأتيكَ من ماءٍ لها مطرُ وكتب إليَّ مع تحفةٍ أهداها مكافئاً عن مثلها: يا واحدَ الأدبِ الَّذي قدْ زانَهُ ... بمناقبٍ جعلتهُ فارسَ مِقْنِبهْ

بالفضلِ بالهبةِ ابتدأتَ فإنْ تُعِرْ ... طَرَفَ القبولِ لما وهبت ختمتَ بهْ وله ارتجالاً من قصر الإمارة من بلنسية، وأنا حاضرٌ في صبيحة بعض الجمع، وقد حُجم صاحبٌ لنا من أهل النظم والنثر وأُحسن إلى الحجام المخصوص: أرى منْ جاءَ بالموسى مواسى ... وراحةُ ذي القريضِ تعودُ صفرا فهذا مخفقٌ إنْ قَصَّ شِعْراً ... وهذا مُنجحٌ إن قصَّ شَعرا وله أيضاً: هو ما علمتَ من الأميرِ فما الَّذي ... تزدادُ منهُ وفيهِ لا ترتابُ لا يتَّقي الأجنادُ في أيَّامِهِ ... فقراً ولا يرجو الغنى الكتَّابُ وله بعد انفصاله من بلنسية عن وحشةٍ في ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وستمائة: أسيرُ بأرجاءِ الرجاءِ وإنَّما ... حديثُ طريقي طارقُ الحدثانِ وأُحضرُ نفسي إن تقدمتُ خيفةً ... لغضِّ عنانٍ أو لعضِّ زمانِ أينزلُ حظِّي للحضيضِ وقد سرى ... لإمكانِهِ فوق الذُّرى جبلانِ وأخبطُ في ليلِ الحوادثِ بعدما ... أضاءَ لعيني منهما القمرانِ فيحيى لآمالي حياةً معادةً ... وإنَّ عزيزاً عِزَّةٌ لمكاني وقالوا اقترح إنَّ الأمانيَّ منهما ... وإن كنَّ فوق النَّجم تحت ضمانِ فقلت إذا ناجاهما بقَضيَّتي ... ضميريَ لم أحفلْ بشرح لساني وله أيضاً: سلب الكرى من مقلتيَّ فلم يجئ ... منه على نأيٍ خيالٌ يَطرقُ

أهفو ارتياحاً للنَّسيم إذا سرى ... إنَّ الغريقَ بما يرى يتعلَّقُ وله يخاطب العراقيّ، وقد بعث إليه في جزء من كتاب " الجدل " يقتضيه، إثر ما ولي شغل الخزانة بمراكش: تقلَّدتَ من شُغل الخزانةِ خُطّةً ... تقلُّدُها بالفضلِ والعلم لائقُ وأرسلتَ عن جُزء كحرفٍ بمُهْرَقٍ ... وقد جُمعتْ في راحتيكَ المَهارقُ فيا مَن له تسعٌ وتسعون نَعجةً ... أفي سَخلةٍ عَجفاءَ أنت تُضايقُ ومن قصيدة أيضاً في تغلُّب الروم على بلنسية: ما بال دمعك لا يني مدرارهُ ... أم ما لقلبك لا يقرُّ قرارهُ أللوعةٍ بين الضلوع لظاعنٍ ... سارت ركائبهُ وشطَّتْ دارهُ أم للشبابِ تقاذفَتْ أوطانهُ ... بعد الدنوّ وأخفقتْ أوطارهُ أم للزمانِ أتى بخطبٍ فادحٍ ... من مثل حادثة خَلَتْ أعصاِرهُ بحرٌ من الأحزانِ عبَّ عبابُهُ ... وارتجَّ ما بين الحشا زخَّارهُ في كلِّ قلبٍ منه وجدٌ عنده ... أسفٌ طويلٌ ليس تخبو نارهُ أمَّا بلَنْسيةٌ فمَثْوى كافرٍ ... حَفَّت به في عُقرها كُفَّارهُ زرعٌ من المَكروهِ حلَّ حصادُهُ ... بيدِ العدوِّ غداةَ لجَّ حِصارهُ وعزيمةٌ للشِّرك جَعْجَع بالهُدى ... أنصارُها إذ خانه أنصارهُ قلْ كيف تثبتُ بعد تمزيق العِدا ... آثارُهُ أو كيف يُدرَك ثارهُ ما كانَ ذاك المِصْر إلاَّ جنَّةً ... للحسنِ تَجري تحتها أنهارهُ طابتْ بطِيبِ نهارِهِ آصالُهُ ... وتعطَّرتْ بنَسيمه أسحارهُ وتألقتْ أوقاتُهُ وتفيَّحتْ ... أرجاؤُهُ وتفتَّحتْ أنوارهُ أمَّا السّرار فقد عَراه وهل سوى ... قَمرِ السَّماء يَزول عنه سرارهُ

قد كانَ يُشرقُ بالهِداية ليلُهُ ... فالآن أظلم بالضَّلال نهارُهُ ودَجا به ليلُ الخُطوبِ فصُبْحه ... أعيا على أبصارنا إسفارهُ وقال: نَكِّب عن الدُّنيا ولا تلْقَها ... إلاَّ بوُدٍّ مثلها زائلِ إذا تحلَّيتَ بما زَخْرفتْ ... فأنت في التَّحقيق كالعاطلِ حلَّتْ لمن أمَّلها بُرهةً ... لكنَّه لم يَحْلَ بالطَّائلِ مَن مُنْصفي من زمنٍ جائرٍ ... يُغلَبُ فيه الحقُّ بالباطلِ لو كانَ سَحبانٌ بهِ مُفْصِحاً ... لم يأمنِ الإسكاتَ من باقلِ حسبكَ أنَّ الوغدَ يحتاجُهُ ... مَن ارتدَى بالخُلُقِ الفاضلِ يَفتقرُ الضِّدّ إلى ضدِّه ... مثلَ افتقار الفِعل للفاعلِ ومن رسالة له كتب بها معزِّياً إلى بَطَلْيَوْس: ولم أرَ مثل الحقِّ أمَّا طريقُهُ ... فأَمْنٌ وأمَّا جارُهُ فعزيزُ إذا ما امرؤٌ آوى إليه فحصنُهُ ... حصينٌ ومأواه المُباحُ حَريزُ فكُن معه تظفرْ بما شئتَ من مُنًى ... مُصادفُها بالصالحاتِ يفوزُ ومن خير ما حازَ الفتَى الصبرُ إنَّه ... أداةٌ لمَوْفور الثَّوابِ تَحوزُ رأينا التُّقى كنزاً يدومُ الغِنى به ... إذا فنيتْ للمُوسرين كُنوزُ وكائن رأينا من حوادثَ أقبلتْ ... فللخلقِ تصريحٌ بها ورموزُ تُقابَل بالتَّسليمِ للهِ وحدَهُ ... فتَمضي ولم يُشعَرْ بها وتجوزُ

ابن شلبون

ابن شلبون أبو الحسن عليّ بن لُب بن شلبُون المعافري، من أهل بلنسية، وكتب لوُلاتها، ثمَّ وزر لمحمد بن يوسف بن هود أول ثورته، سنة خمس وعشرين وستمائة، وكان من الأدباء النجباء، وتوفي بمراكش سنة تسع وثلاثين وستمائة. له من قصيدة يمدح ويعتذر عند قدومه مع وفد بلنسية سنة اثنتين وعشرين وستمائة إلى إشبيلية: حنانَيْك قد ثُبنا إليك وقد تُبْنا ... فجدِّد لنا الرُّحْمى وأكِّد لنا الأمْنا هو القَدَر الجاري على النَّاسِ حُكمُهُ ... فلا غروَ أن جاءوا سراعاً وأبطأنا إذا لم تكُن بالمُرتجين عنايةٌ ... سماويَّةٌ عادتْ عِياذتهم أَفْنا مُلكنا فصُرِّفنا تصاريفَ نَجتني ... بها مرَّةً رِبحاً وآونةً غَبنا وأمَّا وإغضاءُ الخليفةِ شاملٌ ... فبُشرى بما نِلْنا به الخيرَ والأمْنا وله من قصيدة يمدح أيضاً أولها: أَوجهُك والألحاظُ والقدُّ والرِّدْفُ ... أم البدرُ واليَعفورُ والغصنُ والحقْفُ وريَّاك عمَّ الخافقين أريجُها ... أم المسكُ من دَارين نمَّ له عَرْفُ والقصيدة طويلة. وله من قصيدة يرثي شيخنا أبا الربيع: خطبُ الخطوبِ دها العلاءَ مُصابُهُ ... فَارْبَأ بدمعكَ أن يقلَّ مَصابُهُ

ومنها: واسكُب له حمرَ الدُّموع يُمِدُّها ... قلبٌ يسيلُ على الجفونِ مُذابُه أودى سليمانٌ فشَرْعُ محمدٍ ... ثَكلانُ باديةٌ به أوصابُه فُجعتْ به سِيرُ الرَّسول مُصنِّفاً ... كُتباً يُنَظِّم شذرَها إطنابُه وأُصيبَ منه حديثُهُ بإمامه ... وحفيظهِ من حادثٍ يَنتابُه العالِم العالي به مُترسِّلاً ... قمَمَ الكواكب علمُهُ ونِصابُه فمَن المُجَلِّي عن طريق صَحيحه ... وسَقيمه مهما يَشُبْهُ تَشابُه وبمَن يُعرِّج طالبُ العلم الَّذي ... ما أُعلمت إلاَّ إليه رِكابُه أو مَن لِذرْوة مِنْبرٍ تُزهَى به ... أعوادُهُ ويهُزّها إسهابُه ومنها: أم من لصَدرِ المَحفِل المَشهود إنْ ... كثُرَ الكلامُ به وقلَّ صوابُه الرَّوضُ آداباً تأرَّجَ زهرُهُ ... والبحرُ إدراكاً يَعُبُّ عُبابُه وَلد الزّمانُ وما أتى بنَظيره ... ليس الزّمانُ بدائمٍ إنجابُه غار الجمالُ فما يُتاحُ طلوعُهُ ... غابَ الكمالُ فيما يُباحُ إيابُه خَطَّتْ رماحُ الخَطِّ فيه أسطُراً ... بيَمينه منها يكون كِتابُه

الغزال

الغزَّال أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن غالب أبو جعفر الحمْيري: من أهل مُرسية يُعرف بالغزَّال - مشدد الزاي بالغين المعجمة - وبالحمَّامي - مشدد الميم - وكان مجيداً مكثراً ووقع من شعره إليَّ قليل، توفي ببلده سنة إحدى وثلاثين وستمائة وكنتُ قد لقيته به في سنة ست وعشرين. له في رؤيا أبي بحر صفوان بن إدريس رحمه الله تعالى: له الله ما أهداه في كلِّ مُشكلٍ ... لمعنًى وكلُّ القوم في دُجْنة عُمْيُ فما هو إلاَّ بالبلاغة مُرْسَلٌ ... وآيتُه الرؤيا إذا انقطع الوحيُ ظاهر هذا الكلام يقتضي أن أبا بحر رآها، والَّذي حُكي لي وهو الصحيح أن المنصور أبا يوسف رأى أباه في النوم يقول له: ببابك رجلٌ يُعرف بابن إدريس فاقضِ حاجته - أو ما هذا معناه - فلما أصبح، وذلك يوم الثامن عشر لذي الحجة عام تسعين وخمسمائة، أخبر بالرؤيا فوجَّه فيه قاضي الجماعة أبو القاسم ابن بقيّ والكاتب أبو الفضل ابن طاهر المعروف بابن محشوّة وبشَّراه، ويوم الاثنين بعده سئل عن مطالبه فقُضيت وزُوّد بأربعمائة دينار. وذكر أبو المطرف أن إنساناً حدثه أن أبا المنصور رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأن أبا بحر كان عنده ظهيراً، ولولا هذا ما شفع فيه رسول الله

صلى الله عليه وسلّم. وذكروا أن المنصور لما سمع مدح أبي بحر ورثاءه للحسين أراد الإحسان إليه، وتسبب بالرؤيا لئلا يكثر عليه الشعراء، وادَّعى عندها محمد بن إدريس المعروف بابن مرج الكُحل أنَّه ذلك لتوافق اسمَيْ أبويهما، فقال أبو بحر يخاطبه: يا سارقاً جاء في دعواه بالعجبِ ... سامحتُه في قريضي فادَّعى نسبي يُنمى إلى العربِ العرباء مدَّعياً ... كذاك دَعوتُه للشعر والأدبِ يا أيُّها المَرْج دَعْ للبحر لؤلؤه ... فالدُّرُّ للبحر ذي الأمواج والحدبِ هبْ أنَّ شعرك شعري حين تسرقُهُ ... أنَّى أنا أنت أو أنَّى أبوك أبي هذا النوع من الهجاء لا يسمح عند أكثر الأدباء، وتركتُ لأجل الهجاء من لم أجد له سواه ومنهم: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الفريّاني؛ وأبو بكر محمد بن عبد الله بن سدية؛ وأبو عبد الله محمد الواعظ الكفيف المعروف بالموروري، وسكن دانية ثمَّ بلنسية وكان مشهوراً أذاه؛ وأبو بكر محمد بن علي بن رفاعة الشريشي الطبيب؛ وأبو زكريا يحيى بن خالد الشريشي؛ وأبو سعيد ميمون بن علي المعروف بابن خبازة وتوفي برباط الفتح سنة سبع وثلاثين وستمائة؛ وأبو موسى عيسى بن عبد الله الدجي؛

ومنهم: أبو المحجى عياش بن حوافر، وأبوه من عرب ميورقة وبها ولد ونشأ؛ ومن القدماء ابن وازع، غير مسمَّى، من أهل بياسة وكان يعقد فيها الشروط. ولأبي جعفر في مجمر نار: ومجمرٍ ملئتْ ساحاتُهُ بِغَضاً ... والجمرُ يرمي شراراً وهو يستعرُ كُلِّفتُ تشبيهه يوماً فقلت خذوا ال ... تشبيه بالخُبْرِ لا يشغلْكُمُ الخبرُ فمجمرُ النَّارِ صدري والغضا كبدي ... والجمرُ قلبي ودمعي ذلك الشَّررُ

الزهري

الزهري أبو المطرف الزهري: من أهل إشبيلية؛ من قوله في جارية خرجت عليه وعلى جليس له فنفرت: يا ظبيةً نَفَرَتْ والقلبُ مِكْنَسُها ... خوفاً لختليَ بل عمداً لتعذيبي لتأمني فابنُ عبدِ الحقِّ ألحفنا ... عدلاً يؤلِّفُ بين الظبي والذيبِ وقال: مرَّتْ تهادى بنا كالبدر وانفتلتْ ... كالغصن والتفتت كالشَّادِن الخرقِ تسربلتْ ببرودِ الحسنِ والتحفتْ ... بالغُنجِ واشتملتْ مِرْطاً من الحَدَقِ

ابن طلحة

ابن طلحة أبو جعفر أحمد بن محمد بن طلحة الأنصاري: من أهل جزيرة شُقر؛ كتب لابن هود وتجوَّل ببلاد غرب الأندلس، ثمَّ فارقه ولحق بسبتة، فقُتل بها ثامن شوال سنة اثنتين وثلاثين وستمائة. وله شعر كثير لم أقف الآن إلاَّ على قوله: أغصَصتُ بالريقِ قوماً ما جنيتُ لهمْ ... إلاَّ نفائسَ ما قدّرتُ من حَسَنِ إنِّي قَتلتُ غبيّاً ما برزتُ لهُ ... إلاَّ تقلَّبَ في أثوابِ مندفِنِ إن سلَّ غَربُ ذكائي حَدَّ قافيةٍ ... في النَّومِ أُدرجَ من ثوبيهِ في كفنِ قدْ كابرَ الحقَّ بهتاً وهو معتقدٌ ... في السرّ إثبات ما يَنْفيهِ في العلنِ وأبصرَتْ عينُهُ الآفاتِ باهرةً ... لا تَسْتَسِرُّ لساهٍ لا ولا فطنِ فلازمَ الغيَّ واستَهْوتهُ منقصةٌ ... كأنَّهُ عاكفٌ منها على وثَنِ ما للغضاضةِ سلطانٌ على أدبٍ ... تُحدى به العيسُ من مصرٍ إلى عدنِ وأنشدني سنة عشرين وستمائة لنفسه، وأنشدني أبو الحجاج ابن إبراهيم عنه:

عَجَبي لقومٍ أمّلوا أن يبلغوا ... من كلِّ مأثرةٍ وفضلٍ مَبلغي من بعضِ حاصليَ الَّذي لا أبتغي ... يئسوا فمَن لهمُ بما أنا أبتغي وأمر بقتله الأمير أبو العباس اليناشتي لأمورٍ نقمها عليه منها أنَّه هجاه فقال: سمعنا بالموفَّقِ فارتحلنا ... وشافِعُنا له حسبٌ وعلمُ ورمتُ يداً أُقبِّلها وأُخرى ... أعيشُ بفضلها أبداً وأسمو فأنشدنا لسانُ الحالِ عنهُ ... يَدٌ شَلاَّ وأمرٌ لا يتمُّ

الرفاء المرسي

الرفَّاء المرسي أبو علي الحسن بن عبد الرحمن الكناني الأستاذ: من أهل مرسية، ويعرف بالرفَّاء، صاحب مقطّعات وتذييلات حِسان، وكان حُلو النَّادرة فَكِهاً ممتعاً. وتوفي ببلده سنة ثلاث وثلاثين وستمائة. وله: أتى فأسَى كلَّ ما كَلَّما ... وبان الأسى كُلَّما كَلَّما وروَّى الغليلَ ومن بعدما ... شفَى الصّبَّ ماءُ اللَّمى أَلَّما وثلَّم ما شاء من قُرْبِه ... وزاد فقد ثلَّ ما ثلَّما وسلَّ عليه حُسامَ النَّوى ... ومن بأسِ ما سلَّ ما سَلَّما وضرَّمَ نارَ الجوَى في حَشاه ... فألحفَهُ ضَرَّ ما ضرَّما وعدَّمه الصَّبرَ من بعده ... يرَى فرصةً عَدَّ ما عَدَّما أعيْنَيْهِ كُفَّا فأصْلُ الأسَى ... إذا ما اعْتَرى وانتَمَى أنْتُما ويا صاحبَيْهِ ألا عُدْتُما ... وهلاَّ إذا عُدْتُما عُدْتُما وقد قلتُما أن سَيَقضي هوًى ... ومن قَبله قلتُ ما قُلتُما خرج أبو علي هذا، وأبو بحرٍ صفوان بن إدريس، وأبو عبد الله

مرج الكحل، إلى متنزهات مُرسية، فمرُّوا في طريقهم بمسجد فجلسوا فيه يسيراً، فلمَّا همُّوا بالانفصال، كتب أبو بحرٍ في صفحة من حيطانه: قُدِّست يا بيتُ في البيوتِ ... ودمتَ للدِّين ذا ثُبوتِ فكتب ابن مرج الكحل: يعمُرُك النَّاسُ في سُجودٍ ... وفي رُكوع وفي قُنوتِ فكتب أبو علي المذكور: وإن نَبا بالغَريبِ بيتٌ ... كنتَ له موضِعُ المبيتِ وله من أبيات في المجبَّنات: شغفتُ بحبِّ أبكارٍ حبالى ... وودِّي لو بنيتُ بها عروسا إذا لاحتْ بدوراً في المقالي ... تراءتْ للعيون بها شموسا ولي فيها من أبيات: بنفسي مثلجاتٌ في الصدورِ ... لها سِمَتانِ من نارٍ ونورِ حواملُ وهي أبكارٌ عذارى ... تُزفُّ على الأكفِّ مع البكورِ بياضُ الطَّلحِ ما تنشقُّ عنه ... وفوقَ أَديمها صُهْبُ الخمورِ كبردِ الطلِّ حين تذاق طعماً ... وفي أَحشائها وَهَجُ الحرورِ لها حالانِ بين فمٍ وكفٍّ ... إذا وافتْكَ رائقةَ السفورِ فتغربُ كالأهلَّةِ في لَهاةٍ ... وتطلُعُ في يمينٍ كالبدورِ

ابن هشام الأزدي

ابن هشام الأزدي أبو بكر بن هشام الأزدي الكاتب من أهل قُرْطُبَة، كان من الكتَّاب البلغاء، وهو أخو أبي القاسم عامر بن هشام، وأبوهما أبو الوليد هشام بن عبد الله بن هشام أحد حكام قُرْطُبَة، وهو الَّذي صلَّى على أبي القاسم ابن بشكوال عند وفاته. وتوفي أبو بكر هذا بالجزيرة الخضراء سنة خمس وثلاثين وستمائة. واسمه كنيته، والنَّاس يكنونه أبا يحيى. وله في ليلة أنس: ولمَّا دنا الإصباحُ قامَ مُودِّعي ... وخلَّفَني في قبضةِ الوجدِ هالكا وكانَ سوادُ اللَّيلِ أبيضَ ناصعاً ... فعادَ بياضُ الفجرِ أسودَ حالكا وله: يا واحِدِي وهو لا جمعٌ يُقاومُهُ ... في حالةِ النَّفعِ أو في حالةِ الضَّررِ هل من سَبيل لذاتِ الظِّلِّ والشّجرِ ... ومِذنَبٍ من مَعينِ الماءِ مُنفَجِرِ وذي حنينٍ كأُمِّ الخِشْفِ فاقدةً ... له وقد ضلَّ بينَ الضَّالِ والسَّمُرِ حتَّى أَكونَ بحيثُ الجسمُ في دَعَةٍ ... وفي قرارٍ وطرفُ العينِ في سفرِ

تُهدي إلينا الصَّبا بلا عوضٍ ... مِسكاً إذا سحبتْ ذَيْلاً على الزَّهَرِ فإنْ تُجِبْ داعياً منِّي فلا عجبٌ ... وإنْ تُجبْني على شِعري فأنتَ حَرِي وقال يراجع محمد بن إبراهيم بن يوسف الكاتب المعروف بابن السماد: للهِ مِن نَفَحاتِ العُودِ عاطرةٌ ... هبَّتْ علينا تُحيِّينا وتُحْيِينا ظمئتُ شوقاً فأجرتْ لي لوافِحُها ... مَعينَ ماءٍ يُسَقِّينا ويُروِينا هذا السَّلامُ وهذا الودُّ نعرفُهُ ... يا ليتَ شِعري متى يُقضَى تَلاَقينا يا داعياً بلسانِ الصِّدقِ إنَّكَ قد ... أسمعتَ قلبَ فتًى يهواكُمُ دينا دعوْتَنا للتَّصابي إذ دعوت لنا ... فأَصْغِ منَّا إلى لبَّيْك آمينا

ابن مطروح

ابن مطروح أبو محمد عبد الله بن محمد بن مَطْروح التُّجيبي القاضي من أهل بلنسية. توفي بها والرُّوم يحاصرونها في ذي قعدة سنة خمس وثلاثين وستمائة. ومن شعره يرثي أباه من قصيدةٍ: دعاكَ فلبَّيتَ داعي البِلَى ... وفارقتَ أهلكَ لا عن قِلى رمتْكَ وسَهْم الرَّدى صائبٌ ... شعوبُ فما أخطأتْ مَقْتَلا تقاضاكَ منَّا الغريمُ الَّذي ... أبى قدرُ اللهِ أنْ يمطُلا أيا ظاعناً هدَّنا فقدُهُ ... جميعاً ألم يأْنِ أنْ نقفُلا أحنُّ إلى موردٍ أمَّه ... وإنْ لم يكن مورداً سلسَلا وأَذهلُ مهما دَعوا باسمِهِ ... وحُقَّ لمثليَ أنْ يذهَلا وهوَّنَ وجدِي على فقدِهِ ... لحاقي به بعدُ مُستعجِلا إذا جفَّ من شجرٍ أصلُهُ ... فلا بدَّ للفرعِ أن يذبُلا سأبكيه ما دمتُ ذا مقلةٍ ... وأعصي العواذلَ والعُذَّلا وأتركُ حكمَ لبيدٍ سُدًى ... كما يَنسخُ الآخِرُ الأوَّلا وقال القاضي أبو محمد يرثي الشيخ أبا عبد الله ابن نوحٍ من قصيدة: ناداكَ إذا أزِفَ الرَّحيلُ مُنادي ... فظعنْتَ في قودِ الحِمامِ الغَادي

والنَّاسُ في الدُّنيا كسَفْرٍ أزمَعوا ... ظَعْناً وما غيرُ المنيَّةِ حادي هل نحنُ إلاَّ من أرومة هالك ... فالفرعُ تِلْوُ الأصلِ في المُعتادِ كلّ الجسومِ وإنْ تطاولَ مكثُها ... فمصيرُها لجواهِرٍ أفرادِ قضتِ العقولُ بأنَّ كلَّ مركَّبٍ ... ينحلُّ عند تغالُبِ الأضدادِ تتلُو المَبادي في الأُمورِ نهايةٌ ... والكونُ يُؤذِنُ طبعُهُ بفسادِ لَهْفي ولَهْفي لا يُجيرُ منَ الرَّدى ... لَهْفي على قمَر العُلى والنَّادي أودَى ابن نوحٍ فالشَّريعةُ بعده ... تبكي وتلبسُ فيه ثوبَ حدادِ كم ذبَّ عنها كم أقامَ لواءها ... فرْداً وجلَّى مِن ظلامِ عنادِ من لم يَلِجْ أُذُنيهِ مُؤلِمُ نَعْيه ... لم يَدْرِ كيف تَصَدَّعُ الأكبادِ وسئل تذييل هذا البيت: وإذا ذكرتك لم أجدْ لك لوعةً ... إذ لا تفارقُ قلبيَ المعهودا فقال: ما غبتَ عن قلبي فديتكَ لحظةً ... وكفى بقلبكَ لي لديك شهيدا لكنَّ حظَّ العينِ منكَ فقدتُهُ ... فالشَّوقُ منِّي لا يزالُ جديدا وله شعر كثير.

ابن الصابوني

ابن الصابوني أبو بكر محمد بن أحمد ابن الصابُوني الصدفي من أهل إشبيلية، شاعر عصره المجيد، والمبدئ في محاسن القريض المعيد، الَّذي ذهبت البدائع بذهابه، وختمت الأندلس شعراءها به، توجَّه إلى المشرق فتوفي في طريقه من الإسكندرية إلى مصر سنة أربع وثلاثين وستمائة، من شعره من جملة قصيدة: والبيضُ تسكنُ أوصالَ الكُماةِ وقد ... شحا لها الضربُ كالأفواهِ للجَدَلِ إذا المقاتِل عن قصد الرَّدَى كَمِهَتْ ... سوَّى لها الطعنُ مثل الأعيُن النُّجلِ وللشِّفار شروعٌ في الدروع كما ... تواتَر الطيرُ في الغُدران للنَّهلِ ومنه من قصيدة قالها بإشبيلية قبل وفادته على حضرة تونس، وأولها: شخصتُ لعزمِ البينِ فاخترَمَتْ شخصي ... زيادةُ وجدٍ تنهكُ الجسمَ بالنقصِ يقول فيها: وقد كنتُ سلطاناً عليها محكماً ... فما نلتُ للرقبى سوى خُلَسِ اللّصّ

كأنَّ اللَّيالي لم تكنْ قطّ أرخصَتْ ... بنيل المُنَى من ذلك البَشَرِ الرخص ومنها: لقد برَّحتني النائباتُ بعيثها ... فمن ألمٍ ومن أملٍ تقصي سأقتصُّ للملك الهمام شكيتي ... فيبسطَ لي في صَرْفها يدَ مقتصّ أبي زكرياءَ المهذبِ من أبي ... محمدٍ النامي لمجد أبي حفص أميرٌ يطيعُ الله من قد أطاعه ... ويعصي حدودَ اللهِ مَن أمرَهُ يعصي فكم تحرصُ الدُّنيا لتحظى بودّه ... فيصرف وجهَ الزهدِ عن رغبة الحرص يشيّد أركانَ المعالي براحةٍ ... بناءُ العُلا من سعيها مُحكمُ الرصّ وتضطر أوصافُ المحامدِ عنده ... إلى خَرَس الوصّافِ أو كذِبِ الخرص فيستغرق الرَّاجي الأيادي من يدٍ ... ويستجمعُ الرَّامي العوالمَ في شخص وإن كانَ هذا الشقّ منبت شعبتي ... لأرضَى بذاك الشّقّ حظِّيَ أو شِقْصي وتؤنسني ذكرايَ تونسَ آملاً ... على بعدِ مهوَى أرضِ تونسَ من حمص ستذكرني آفاقُ أندلسٍ بما ... جلوتُ بها من رائقٍ حَسَنِ النصّ فقد بخستْ بالغمط حقِّي كأنَّها ... رأتْ أن عينَ الشَّمسِ تلحقُ بالبخص وأهوي إلى ذاك الجنابِ ركائبي ... بكلّ نحوصٍ عندها السَّهلُ كالنُّحص أقسّمُ فرقَ اللَّيلِ عن سُنَّةِ الضّحى ... وأهبط خصرَ القاع من كفَلِ الدعص إلى أن أرَى وجهاً إذا شمتُ برقَهُ ... رأيتُ جبينَ البدرِ مكتملَ القرص وقد عورضت هذه القصيدة بقصائد يأتي ذكرها مستوفى من كتاب " إيماض البرق " من جمعي إن شاء الله تعالى، ولي في ذلك من كلمة أولها:

أتجحد قتلي ربَّةُ الشَّنْفِ والخُرْصِ ... وذاك نجيعي في مُخَضَّبها الرَّخْصِ ومنها: وفيتُ لحرصي في هواها فخانني ... وقدماً أصيب النَّاسُ من قبل الحرصِ عمومٌ من البلوى بها عامريَّةٌ ... أبى الحسنُ أن أُلفى بها غيرَ مختصّ لها الله ماذا في القلائدِ من حُلًى ... تشفّ وماذا في الشفوف وفي القمص نهارُ محيّا تحت ليلِ ذوائبٍ ... تريه وتخفيه مع النَّقضِ والعقص تلوثُ على بدرِ التمامِ لثامَها ... إذا الوشيُ زرَّتْهُ على الغصنِ والدعص ومنها: سقى اللهُ درَّ المُزْن داراً قصيةً ... على الشَّدِّ والتقريب والوخدِ والنصّ يسائلُ عن نجد صَباها مَعاشرٌ ... وأسألُ عن حمصَ النّعامى وأستقصي ولو كنتُ موفورَ الجناح لطار بي ... إليها ولكن خصَّه البين بالقَصِّ فشتانَ ما أياميَ السودُ أوجهاً ... بحسمَى وما ليلاتيَ البيضُ في حمصِ بحيثُ ألفتُ الورقَ للشدو تنبري ... على نهرها والقضبَ تهتاج للرقصِ وفي يد تشبيبي قيادُ شبيبتي ... وخلّي وحلمي مستقيدٌ ومستعص كلانا على أقصى الهوادةِ والهوَى ... فلا عذَلٌ يُقصي ولا غزَلٌ يعصي ومنها: خلافتُهُ ألوتْ بكلِّ خلافةٍ ... كذلك بطلانُ القياسِ مع النصّ لديه استقرَّتْ في نصابٍ ونَصبةٍ ... وللشرف المحضِ اكتفاءٌ عن المحص تناهى إليه العلمُ والحلمُ فانثنت ... تشيدُ بعلياه ثناءً ولا تحصي وما اشتبهت حال الملوك وحاله ... ألم ترَ أن الفضل ليس من النقصِ ومن شعر ابن الصابوني: أَلقتْ إلى الهرب الأعداءُ أنفسَها ... وما عبيتَ لها جيشاً سوى الرهبِ خيرُ الكتائب ما لم يُغنِ غايبُه ... وأفضلُ الفتح ما وافَى بلا تعبِ

ومن شعره: لقد حجبتْ زُجّ الحواجب سَلوتي ... فهل لحظُ وصفٍ سُمِّيَت بالحواجبِ وواواتُ أصداغٍ أقاربُ نسبة ... لنوناتها تُدعى بوصف عقاربِ وميم فمٍ من تحت صادٍ لشاربٍ ... سُلافاً حَواها حتمُ صادٍ لشاربِ ومن شعره يرثي: قد كنتُ آملُ أن يقدَّر قبله ... يومي فيُختَم بالجهاز حبائي أعزِزْ بأن عكَسَ الرَّدَى أُمنِيتي ... فختمتُ فيه مدائحي برثائي ومن شعره: وعذبني خدٌّ به المسكُ باقل ... كأنِّيَ في وصفيه للعجز باقلُ أما وعذارٍ فوق خدّك إنَّه ... لأَنْكأِ فِعلي مُقلتيك لفاعلُ وما خيَّلَت نفسي إليَّ بأنه ... ستفعل أفعالَ السُّيوف الحمائلُ ومن شعره: رأيتُ في خدِّه عذاراً ... خلعتُ في حبِّه عذاري قد كتب الحسنُ فيه سطراً ... ويولج اللَّيل في النَّهارِ ومنه: يَسقي الرَّحيقَ المختومَ من فمه ... ختامُهُ من عذاره مسكُ أسبَلَ دمعي لصدره دُرَراً ... جسمي لفرط الضَّنَى لها سلكُ

حمدة

حمدة حمدة بنت زياد بن بقي العوفي - بالفاء - المؤدب من أهل وادي آش، إحدى المتأدبات المتصرفات المتغزلات المتعففات. حدثت عن أبي الكرم جودي بن عبد الرحمن الأديب قال: أنشدني أبو القاسم ابن البراق قال: أنشدتني حمدة بنت زياد العوفية وقد خرجت متنزهة بالرملة فرأت ذا وجه وسيم أعجبها فقالت:

أباحَ الدَّمعُ أسراري بوادِ ... به للحسنِ آثارٌ بَوادِ فمن وادٍ يطوفُ بكلِّ روضٍ ... ومن روضٍ يطوف بكلِّ وادِ ومن بين الظباءِ مهاةُ رَمْلٍ ... سبتْ عقلي وقد ملكت فؤادي لها لحظٌ ترقِّدُهُ لأمرٍ ... وذاك الأمرُ يمنعني رقادي إذا سدلَتْ ذوائبها عليه ... رأيتَ البدرَ في ظُلَمِ الدآدي تخالُ الصُّبحَ ماتَ له خليلٌ ... فمن حُزْنٍ تسربلَ بالحدادِ وأنشدني الكاتبان أبو جعفر ابن عبيد الأركشي وأبو إسحاق ابن الفقيه الجياني قالا: أنشدنا القاضي أبو يحيى عتبة بن محمد بن عتبة الجراوي لحمدة هذه: ولما أَبى الواشون إلاَّ فراقَنا ... وما لهمُ عندي وعدكَ من ثارِ وشنُّوا على آذاننا كلَّ غارةٍ ... وقلَّتْ حماتي عند ذاك وأنصاري غزوتَهُمُ من مقلتيكَ وأدمعي ... ومن نَفَسي بالسَّيفِ والسيلِ والنَّارِ وحدثني بعض قرابة الأمير أبي عبد الله ابن سعد أن هذه الأبيات الثلاثة لمهجة بنت ابن عبد الرزاق من نواحي غرناطة.

نزهون

نزهون وعاصرت حمدة هذه أو قاربت عصرها نزهون بنت القليعي، وهو فيما أحسب أبو بكر محمد بن أحمد بن خلف بن عبد الملك بن غالب الغساني، غرناطية، وكانت واحدة صنفها في أدبها. كتب إليها أبو بكر ابن سعيد أخو مروان كاتب أبي زكريا ابن غانية: يا مَنْ لها ألفُ شخصٍ ... من عاشقٍ وعشيقِ

أراكَ خلَّيتِ للنَّا ... سِ سَدَّ ذاك الطَّريقِ فأجابته برسالة فيها: حللتَ أبا بكرٍ محلاً منعتُهُ ... سواكَ وهل غيرُ الحبيبِ له صدري وإن كانَ لي كم من حبيب فإنما ... يُقدِّمُ أهلُ الحقِّ فضلَ أبي بكرِ ولها في قبيح الصورة عرض لخطبتها: عذيريَ من أنوكٍ أصلعِ ... سفيهِ الإشارة والمنزعِ يروم الوصالَ بما لو أتَى ... يرومُ به الصفعَ لم يصفعِ برأسٍ فقيرٍ إلى كية ... ووجهٍ فقيرٍ إلى برقعِ ولها: للهِ در ليالٍ ما أُحَيْسَنَها ... وما أُحيسَنَ منها ليلةَ الأحدِ لو كنتَ حاضرنا فيها وقد غفلت ... عينُ الرقيبِ فلم تنظر إلى أحدِ أبصرتَ شمس الضُّحى في عاتِقَيْ قمرٍ ... وريمَ مجهَلَةٍ في ساعِدَيْ أسدِ وقال فيها المخزومي أستاذها: على وجه نزهونٍ من الحسنِ مسحةٌ ... وإن كانَ قد أضحَى من الصَّونِ عاريا قواصدُ نزهونٍ تواركُ غيرها ... ومن قصد البحر استقلَّ السواقيا

فقالت ترد عليه مستطردة: إن كانَ ما قلتَ حقّاً ... من نقض عهدٍ كريمِ فصار ذكري ذميماً ... يُعزَى إلى كلِّ لُومِ وصرتُ أقبحَ شيءٍ ... في صورة المخزومي

هند

هند هند خادم أبي محمد ابن مسلمة الشاطبي الكاتب، حكى لي أبو محمد ابن أبي بكر الداني الطبيب أن الوزير أبا عامر بن ينق كتب إليها من مجلس أُنسٍ يستدعيها: يا عندُ هل لكِ في زيارة فتيةٍ ... نبذوا المحارمَ غيرَ شربِ السلسلِ سمعوا البلابلَ قد شدتْ فتذكَّروا ... نغماتِ عودِكِ في الثقيل الأوَّلِ فكتبت الجواب إليه في ظهر الرقعة: يا سيّداً حازَ العُلا عن سادةٍ ... شُمِّ الأُنوفِ من الطرازِ الأوَّلِ حسبي من الإسراعِ نحوكَ أنَّني ... كنتُ الجوابَ مع الرسولِ المقبلِ

بنت الحاج

بنت الحاج وأما حفصة بنت الحاج الركونية من أهل غرناطة فلعلها بقيت بعد حمدة، وهي القائلة أبياتها المشهورة: يا سيِّدَ النَّاسِ يا مَنْ ... يُؤَمِّلُ النَّاسُ رِفدَهْ امننْ عليَّ بصكٍّ ... يكونُ للدَّهرِ عُدَّهْ تخطّ يمناك فيه ... الحمد لله وحده

الملحق

الملحق

ابن سهل

ابن سهل إبراهيم بن سهل الإسرائيلي: قال ابن الأبار في " تحفة القادم ": كان من الأدباء الأذكياء الشعراء، مات غريقاً ما ابن خلاص والي سبتة في الغراب الَّذي غرق بهم في قدومهم إلى إفريقية مع أبي الرَّبيع سليمان بن علي الغُريغر قبل سنة ست وأربعين وستمائة؛ انتهى.

الفرياني

الفُرَيَّاني أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الفُرَيَّاني - بضم الفاء وفتح الرَّاء وتشديد الياء آخر الحروف وبعد الألف نون - قال ابن الأبار في " تحفة القادم ": كان بإشبيلية ناظراً لأبي سليمان داود بن أبي داود في المواريث وكان أبو بكر ابن زُهر يكرهه؛ فقال الفُرَيَّاني: أمْرانِ قد أتلَفَا جُودي ومَوْجُودي ... ظلمُ ابنِ زُهرٍ ما استِخْفافِ داوُدِ يا ربِّ فاجْزِ ابنَ زُهرٍ عن تعسُّفِهِ ... واغْفِرْ لداودَ يا ذا الفضلِ والجُودِ

ابن خيارة

ابن خيارة أبو سعيد ميمون بن علي المعروف بابن خيارة: توفي سنة سبع وثلاثين وستمائة. من شعره، وفيه لزوم، يهجو الطبيب عبد الله بن حبيب: ثوى رمقاً بالشَّرقِ حتَّى ثوى بهِ ... وقائع في الإسلامِ جاءت بلا حربِ جنان جريء دون رمحٍ ولا ظُباً ... بحكمته استغنى عن الطعن والضربِ له شربةٌ للمسلمين أعدَّها ... فكم نقلتْ من ذي حياةٍ إلى التربِ ودعواه في الإسلام والطبِّ والعُلا ... كدعوى زيادٍ في إخاء بني حربِ ولما قضى في الشَّرقِ بالطبِّ ما قضى ... بقتلِ حُماةِ الدين عاد إلى الغربِ فأندلسٌ فيها عدوان منهما ... قلوبُ بني الإيمانِ في أَعظم الكربِ فلابن حبيبٍ ما علمتَ وبعده ... من الرومِ أوباشٌ تغير على العُرْبِ

عياش بن حوافر

عياش بن حوافر أبو الحيا عياش بن حوافر، من عرب ميورقة - بالياء - ولد بها ونشأ؛ كان أخبثهم لساناً وأكثرهم افتناناً، وإنَّما أخرته لعداده في العامة، حتَّى يهجو فيجيء بالطامة، وما أنسى تعجب أبا الرَّبيع شيخنا منه، واستغرابه لما يصدر عنه، مثل قوله: ما في بني طلحةٍ من يُرْتجَى لندًى ... ولا يخاف لبأس منهم أحدُ هجوتهم حين عاف النَّاسُ هجوهُمُ ... فلي عليهمْ بتنويهِ الهجاءِ يدُ وقال أيضاً: بنو يفعولَ إن كانوا قضاةً ... فقد رأوا الحرامَ لهم حلالا إذا أُعطوا رشاً كانوا خفاقاً ... وإنْ سئلوا النَّدى صاروا ثقالا

وقال أيضاً: إلاهي إنَّني بكَ من زماني ... ومن سكني مَيُورْقَةَ مستغيثُ هي الأرضُ التي خبثتْ تراباً ... فلم ينشأ بها إلاَّ خبيثُ على أنَّه هو القائل في النسيب: بين القلوبِ وبين الأعين النُّجلِ ... حربٌ تُشَبُّ بغير البيضِ والأَسَلِ أمَّا الملاحُ فحدِّثْ عن ملاحمهم ... في العاشقين وعن صفين لا تسلِ من كلِّ أحورَ قد أردَتْ لواحظُهُ ... على غرارته من فارس بطلِ عَنُّوا لنا برماحٍ من قدودهمُ ... وأنجدوها بأسيافٍ من المقلِ وابن الأميرِ أميرٌ في كتائبه ... يغزو القلوبَ بأفراس من الغزلِ

عيسى الدجي

عيسى الدجي أبو موسى عيسى بن عبد الله الدُّجّي - بضم الدال المهملة مشددة وجيم مشددة - وهي قرية بشريش، وأحسبه حيّاً إلى الآن، أفضى به خبثُ لسانه التولّع بالنيلِ من جيرانه إلى أن ضربه قاضي موضعه، فما اضرب عن منزعه. وقد سمعته بإشبيلية ينشد ما لم أرضه، فتحرجت أن أكتبه أو بعضه، على أنَّه القائل: قالوا أتشربُ بعد الشَّيب قلتُ لهم ... هذا لمعنًى غريبٍ في ابنةِ العنبِ السنّ حرَّكَ أسناني فأشربها ... أُجْرِي عليها لتقوى ذائب الذهبِ وقال في بقالٍ ألحى تلمساني: أهدت تلمسانُ لنا لحيةً ... بوجه تيسٍ جئتُ أن أسألَهْ ألفيتُهُ وهو بدكّانه ... وهي على ما يحتوي مُسْبَلَهْ فقلت ماذا قال علَّقتُها ... لأمنعَ الذبانَ أن تدخلهْ

مرج الكحل

مرج الكحل محمد بن إدريس بن علي أبو عبد الله الأندلسي الشاعر المعروف بمرج الكحل، قال ابن الأبّار: شاعر مفلق بديع التوليد، توفي سنة أربع وثلاثين وستمائة، من نظمه: مثَلُ الرّزق الَّذي تطلبُه ... مثَلُ الظّلّ الَّذي يمشي مَعَكْ أنت لا تُدركه متّبعاً ... وإذا ولّيتَ عنهُ تَبِعَكْ ومن نظمه: لك الخير يا مولايَ ما العبد بامرئٍ ... لديه حسامٌ بل لديهِ يَراعُ وهل أنا إلاَّ مثل حسَّانَ شيمةً ... جبانٌ وفي النَّظمِ النَّفيسِ شجاعُ

الطبيب الشريشي

الطبيب الشريشي أبو بكر محمد بن علي بن رفاعة الشريشي الطبيب: قال ابن الأبّار: كان أسمر اللون أبرص وهو القائل: شَريشُ ما هيَ إلاَّ ... تصحيفُ شرٍّ تبيَّنْ فارحلْ فديتُك عنها ... إنْ كنتَ ممَّن تديَّنْ فلم يَسُدْ قطُّ فيها ... حرٌّ ولا مَنْ تقيَّنْ

ابن محرز الزهري

ابن محرز الزهري محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن أبو بكر الزهري البلنسي ويعرف بابن محرز: سمع وروى، وكان أحد رجال الكمال علماً وإدراكاً وفصاحة مع التفنن في العلوم وحفظ اللغات، روى عنه ابن الزبير. ولد في سنة تسع وستين وتوفي سنة خمس وخمسين وستمائة، وله شعر رائق فمنه ما قاله ملغزاً في نارنجة: ما ذات حملٍ وهي حملٌ نفسها ... لا حُرَّةٌ في جنسِها ولا بغي كالبدرِ إلاَّ أنَّها مُكِنَّةٌ ... أهلَّةً إبدارها لا ينبغي تريكَ من جملتها فاعجبْ لها ... شطرَ اسمها وخاطرَ ابن أصبغ ومنه: سقى الله المعرَّس إذ سهرنا " الأبيات " ومنه: إن للهِ مطلقين أسارى " الأبيات " وكتب مع قلنسوة أهداها: خذها مُحَدَّبةً مقعَّرةً لها ... من طرفها ما للسَّماءِ من الحُبُكْ أطلع بها الأسنَى جبينك يُجْتَلَى ... منها ومنه الشَّمسُ في نصف الفلكْ

وكتب مع تفاحة: بعثتُ بها على عجلٍ ... وودٍّ خالصٍ صَدَقَكْ فخذْ من لونها خجلي ... وخذْ من عطرها خُلُقَكْ وكتب مع حجل: مزِّق موشَّى بُرْدِها ومفصَّلاً ... من طوقها انثره وعفّرْ جنبها خذها بما فيه مشتْ غدراً ولا ... تُغْفِلْ خطاها في الدماءِ وعَبَّها فاعجبْ من البازي له في جنسها ... أَثرُ العدو ولا يزال مُحِبَّها نظمت ثلاثَ بدائع في خلقِها ... نثرتْ بها في كلِّ قلبٍ حُبَّها تمشي بمرجانٍ وتبلغ أرقماً ... وبحبَّةِ الرّمّان تلقط حَبَّها وقال يخاطب والي بلنسية لما صدر إليه من مراكش: بشرى الإياب أفادَها لك حالا ... ما ساك ليلة أزمعُوا التّرحالا كم منحة من محنة نجمت وكمْ ... أجمال بينٍ سببت إِجمالا وله الأبيات الدالية المكسورة واللامية المضمومة في وصف مثال نعل النبي صلى الله عليه وسلّم.

§1/1