تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيي الدين
ابن العطار
بسم الله الرحمن الرحيم
الإيجاز في شرح سنن أبي داود السجستاني رحمه الله تعالى
جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1428 هـ - 2007 م الدار الأثرية عمّان - الأردن - تلفاكس: 65658045/ 00962 خلوي: 795943456/ 00962 - ص ب: 925595 - الرمز البريدي: 11190 الرمز الإلكتروني: [email protected]
مقدمة المحقق
مقدمة المحقق إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فهذا كتاب مهم ينشر لأوّل مرة، وهو لعالم رباني، وإمام متفنّن، وضع الله القبول لمؤلفاته، وأحسب ذلك لإخلاصه وعلمه وأدبه، وسليم قصده، ودقة عباراته، وبديع وصفه، وجودة سبكه، وحسن اختياره، وأمانة نقله، وعفّة لسانه، وتجرُّده للحق وعدم تعصّبه، وسلامة منهجه في دورانه مع الدليل، وإعطائه خواصه من الحاكمية والشمول والثبات والعصمة، وأنه قابل للعمل والتطبيق، مع التحرِّي في صحَّته، وإعمال قواعد أهل الصنعة في ذلك. ووضعتُ بين يدي هذا الكتاب -ألا وهو "الإيجاز في شرح سنن أبي داود السجستاني رحمه الله"- تعريفاً به، ودراسة مستقصاة عن المقدار الذي وصل إليه صاحبه فيه، وتتبّعت النقص الذي فيه، وجهدتُ في حصره وإثباته في مقدِّمته. واستحسنتُ البدء بالتعريف بصاحبه ومؤلفه، وهو الإمام الجليل العلامة محيي الدين يحيى بن شرف النووي (ت 676هـ)
رحمه الله تعالى بقلم صاحبه وأخصّ الناس به، وأقرب تلاميذه إليه، وأعرفهم به وبأحواله، وهو الإمام علاء الدين علي بن إبراهيم ابن العطار (ت 724 هـ)، فقد أفرده بتصنيف سمّاه "تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيي الدين"، كان مرجعاً لمن أتى بعده، واعتمد عليه جمع من مترجمي النووي، وكانوا عيالاً عليه فيه، وكنت قد نشرته قديماً، فأعدت النظر فيه، وزدتُ عليه وصححت أخطاء طبعيّة وقعت فيه، وألحقتُ فيه زيادات مهمة، جلها تخصُّ مؤلفات النووي والتعريف بنسخها الخطية، وإظهار طبعاتها المستجدة، وإثبات جهود العلماء حولها، والزيادات تشمل مواطن أخرى متفرّقة فيه. والمرجو من الله أن أكون قد أصبتُ ووفّقتُ في ذلك، وأن يكتب لي الأجر في صنيعي هذا، الذي لا همَّ لي فيه إلَّا خدمة تراثنا المجيد، وديننا الحنيف، والله من وراء القصد. وكتب أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان السادس عشر من رمضان من سنة ألف وأربع مئة وست وعشرين من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- الأردن- عمان
مقدمة تحقيق "تحفه الطالبين"
مقدمة تحقيق "تحفه الطالبين" وتشتمل على الموضوعات التالية: - من أَفرد ترجمة الإمام النووي بكتاب مستقلٍّ. - تعريف بكتاب "تحفة الطالبين". - توثيق نسبته لمصنفه وأهميته. - تاريخ تصنيفه. - النسخة المعتمدة في التحقيق. - صور عن النسخة المعتمدة في التحقيق. - عملي في التحقيق. - ترجمة ابن العطار. - مصادر ترجمته. - ترجمته.
من أفرد ترجمة الإمام النووي بكتاب مستقل
من أفرد ترجمة الإمام النووي بكتاب مستقل إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفِرُه، ونعوذ بالله من شرور أنْفسِنا ومن سيِّئات أَعمالِنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هاديَ له. أما بعد: فقد اعتنى العلماء والباحثون قديماً وحديثاً بترجمة الإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي رحمه الله، وأفرده بالترجمة غير واحد، في كتبٍ لطيفةٍ مستقلَّة؛ منهم: - تلميذه الشيخ الإمام العالم الزاهد علاء الدين علي بن إبراهيم ابن داود ابن العطار الشافعي، في كتابنا هذا، وسيأتي-إن شاء الله تعالى- الكلامُ عليه. - الشيخ العلامة شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر ابن عثمان بن محمد السخاوي (ت 902 هـ) (¬1) في كتاب "المنهل العَذْب الرَّويّ، في ترجمة الإمام النووي"، طُبع في القاهرة عن جمعية ¬
النشر والتأليف الأزهرية، بعناية الشيخ محمود ربيع، سنة (1354 هـ- 935 م)، ثم طُبع طبعةٍ أنيقةٍ عن دار التراث بالمدينة النبوية، سنة 1409هـ تحقيق محمد العيد الخطراوي. - الشيخ العلّامة جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت 911 هـ)، في كتاب: "المنهاج السوي في ترجمة الإمام النووي"، طبع في بيروت عن دار ابن حزم، تحقيق: أحمد شفيق دمج، سنة (1408 هـ - 1988 م). - محمد بن الحسن اللخمي (ت 738 هـ) في أربع ورقات؛ كما قال السخاوي (¬1). - العلّامة الربّاني كمال الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن الشافعي القاهري المعروف بـ (ابن إمام الكاملية) (¬2) وشيخها (ت 874 هـ)، في جزء سمَّاه: "بغية الراوي في ترجمة الإمام النواوي". - العلامة أبو الفضل النويري خطيب مكة، في جزء سماه: "تحفة الطالب والمنتهي في ترجمة الإمام النووي". قال السخاوي: "وأفردها -أي: ترجمة الإمام النووي- أيضاً من مدَّة: العلامة الربَّاني كمال الدين إمام الكاملية وشيخها في جزء سمَّاه: "بغية الراوي في ترجمة النواوي"رحمه الله وقرأها -على ما بلغني- العلامة أبو الفضل النويري -خطيب مكة شرفها الله-. ¬
وقد أخذها بعض الجماعة، فقال: إنه رتبها، وزاد عليها؛ لكونه استحسن جمعها، وما رضي وضعها، وسمَّاها "تحفة الطالب والمنتهي في ترجمة الإمام النووي"، ومن نفس التسمية يعلم المقصود. ولو فرض -على سبيل التنزُّل- أن صاحب "التحفة" لم تكثر أوهامه، وكان ما زعمه -والعياذ بالله- صحيحاً؛ ما كان يجمل به هذا القول، بل اللائق الأدب مع أهل العلم والولايات، وإنزالهم منازلهم في البدايات والنهايات، ومن لم يجعل الله له نوراً؛ فما له من نور، وكأني به -ألهمنا الله رشدنا- قد أخذ ما وقع لي من الزَّوائد الفرائد، التي لا أعلم مَن سبقني إليها؛ مِن غير عزو، غافلًا عن قول القائل (¬1): "شُكر العلم عزوُه لقائله". "ولا حول ولا قوة إلا بالله" (¬2). - الشيخ شمس الدين محمد ابن الفخر عبد الرحمن بن يوسف البعلي؛ كما قال السخاوي (¬3). - أحمد بن محمد السُّحَيْمي المصري الشافعي (ت 1178هـ). قال الأستاذ خير الدين الزِّرِكْلي في "الأعلام" (8/ 149): "وأفردت ترجمته في رسائل؛ إحداها: للسُّحَيْمي". ¬
- الشيخ عبد الغني الدَّقْر (معاصر)، في كتاب بعنوان: "الإمام النووي: شيخ الإسلام والمسلمين، وعمدة الفقهاء والمحدِّثين"، طبع في سوريا عن دار القلم، ضمن سلسلة: "أعلام التاريخ" (رقم 10)، آخر طبعاته سنة (1407 هـ- 1978م). - الشيخ علي الطنطاوي (معاصر)، في كتاب بعنوان: "الإمام النووي"، طبع في سورية عن دار الفكر، ضمن سلسلة "أعلام التاريخ" (رقم 4)، أول طبعة له سنة (1380هـ -1960م). - الدكتور الشيخ محمود رجا مصطفى حمدان (معاصر)، في أطروحته للدكتوراه؛ بعنوان: "الإمام النووي وأثره في الفقه الإسلامي"، مقدمة لقسم الدراسات الإسلامية بجامعة البنجاب، بإشراف الدكتور خالد علوي، سنة (1404 هـ-1984 م)، مضروبة على آلة كاتبة. - الشيخ شحادة حميدي العَمْري، في أطروحته للماجستير، بعنوان: "الإمام النووي وجهوده في التفسير"، مقدمة لقسم أصول الدين في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية، بإشراف الدكتور فضل حسن عبَّاس، سنة (1407 هـ- 1987 م)، مضروبة على آلة كاتبة. - الأستاذ أحمد عبد العزيز قاسم الحداد، له أطروحة ماجستير مطبوعة بعنوان: "الإمام النووي وأثره في الحديث وعلومه" نشر دار البشائر الإسلامية، سنة1413 هـ- 1992 م. - الأستاذ يعقوب كوج يغيت، له أطروحة ماجستير سنة 1409 هـ بعنوان: "محيي الدين النووي: حياته وآثاره ومنهجه في شرح صحيح مسلم"، وهي بإشراف الدكتور رمضان أيفالي، مقدمة لمعهد العلوم الاجتماعية في جامعة سلجوق، قونيا، في تركيا.
- الأستاذ حميد الداودي، له أطروحة بعنوان: "الإمام النووي المحدّث الفقيه من خلال كتابيه "المجموع" و"المنهاج"، قدمت لجامعة محمد الأول، في كلية الآداب، وجدة - المغرب، سنة 1414 هـ.
تعريف بكتاب "تحفة الطالبين"
تعريف بكتاب "تحفة الطالبين" توثيق نسبته لمصنِّفه وأهميته: نسبة كتاب "تحفة الطالبين في ترجمة الإمام النووي محيي الدين" صحيحة لمصنِّفه ابن العطار، إذ ما من أحد ترجم للإمام النووي؛ إلاَّ ونقل منه، واعتمد عليه. فنقل منه -وأكثر- الذهبيُّ في ترجمة الإمام النووي في كتابيه: "تذكرة الحفاظ"، و"تاريخ الإسلام"، وكذلك السخاويُّ في "المنهل العذب الروي"، والسيوطيُّ في "المنهاج السوي"، إذ لا تمر فقرة من فقرات هذه الكتب؛ إلا وفيها: "قال ابن العطار". إلا أن الذهبي نقل نصوصاً صدَّرها بقوله: "قال ابن العطار"، ولم نجدها في الكتاب الذي بين أيدينا! وتنبَّه لهذا الأمر -قديماً- السخاويُّ؛ إذ قال: "قلتُ: وقد أفرد ترجمته بالتَّصْنيف خادمُه العلاَّمة علاء الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن داود الدِّمشقي، عُرف بـ (ابن العطار)، الذي كان لشدَّة ملازمته له، وتحقُّقه به؛ يقال له: (مختصر النووي)، استوفيتُ مقاصده هنا، وهو عمدتي، بل عمدة كلّ من أتى بعده".
ووقع في كلام الذهبي في "سير النبلاء" (¬1) أنه في ست كراريس (¬2)، والمتداول بالأيدي في كراس وشيء، فيُحتمل أن يكون كتب فيه جميع المراثي، ثم حذفها منه بعضُ النساخ، ووجدتُ في نسخةٍ وقفتُ عليها ما يُسْتَأنسُ به لذلك. وظاهر صنيع الذهبي في "تاريخه" مشعرٌ بكون التي وقف عليها فيها لم يستوفِ المراثي فيها. وقد وقفتُ على نسخة بجميع المراثي (¬3) بخطّ تلميذه، شيخ شيوخنا، المسنِد، شهاب الدين أحمد ابن البدر حسن؛ لأبيه، وهو أبو عبد الله محمد ابن الواعظ أبي عبد الله محمد بن زكريا بن يحيى بن مسعود بن غنيمة السويداوي، عُرف هو وأبوه بـ: (القدسي)، كتبها بالخانقاه السميساطية بدمشق، وهي بسماعه على مؤلِّفها، بقراءة المحدّث ناصر الدين أبي عبد الله محمد بن طغر بك بن الصيرفي؛ سوى ورقتين، فبقراءة السويداوي، وذلك في ثلاثة مجالس، آخرها يوم الأربعاء، سادس عشر ربيع الآخر، سنة أربع وعشرين وسبع مئة، بمنزل المؤلف، بدار الحديث النورية بدمشق، وصحح بخطه. وكتب السويداوي أن المصنف ابتدأ في تصنيفها في منتصف شعبان سنة ثمان وسبع مئة، ودعا له بقوله: "عافاه الله، وأحسن عقباه". ¬
وسبب ذلك أنه كان أصيب بالفالج من قبيل سنين، ويحتمل أن يكون تصنيفاً آخر، وهو بعيد، لكن يستأنس له بما وجدته في كلام الذهبي مدرجاً في كلام ابن العطارة مما لم أقف عليه في النسختين" (¬1). انتهى. قلت: ولا يبعد أنَّ نقل الذهبي عن ابن العطار مما شافهه به، وهذا يؤكد مقولة السخاوي السابقة: "ويحتمل أن يكون تصنيفاً آخر، وهو بعيد"! ويستأنس لهذا بما قاله ابن العطار في كتابنا هذا (ص 97): "ورأيت منه أموراً تحتمل مجلَّدات ". وما قاله ابن العماد الحنبلي في "شذرات الذهب" (6/ 64): "وله معه حكايات، واطلع على أحواله". وقد رأى الكتاني كتاب ابن العطار، وصرح أنه في مجلد، فقال في "فهرس الفهارس" (2/ 829) في ترجمة ابن العطار: "صاحب الشيخ محيي الدين النووي، وجامع ترجمته في مجلد، وقفت عليه بدمشق، وعليه خطه". وذكر هذا الكتاب ونسبه للمصنِّف جماعة؛ منهم: حاجي خليفة في "كشف الظنون" (1/ 368)، وإسماعيل باشا البغدادي في "هدية العارفين" (1/ 717)، وعمر رضا كحالة في "معجم المؤلفين" (7/ 5)، وصلاح الدين المنجد في لمعجم المؤرخين الدمشقيين" (ص 128)، وقال: "في كراس على قول السخاوي، وستة كراريس على قول الذهبي". وغيرهم كثير. ¬
تاريخ تصنيف الكتاب:
تاريخ تصنيف الكتاب: قال السخاوي -فيما سبق- نقلًا عن ناسخ الأصل الذي كان بين يديه من ترجمة ابن العطار: "وكتب السويداوي أن المصنّف ابتدأ في تصنيفها منتصف شعبان سنة ثمان وسبع مئة". وذكر حاجي خليفة في "كشف الظنون" (1/ 368) أن الشيخ ابن العطار ألفها سنة سبعين وسبع مئة!! وهذا خطأ، إذ وفاة ابن العطار -كما سيأتي- كانت سنة (724 هـ)، فكيف يتصور صحة مقولته؟! ومما يوكِّد ما قاله السخاوي عدَّة أمور: أولاً: جاء على طرة النسخة الخطيَّة التي اعتمدناها في التحقيق ما يلي: "ابتدئ في تبييضها منتصف شعبان سنة ثمان وسبع مئة". ثانياً: صرَّح المصنِّف في كتابه أن ابن صَصْرى التَّغلبي -ممن رثى الإمام النووي- حضر مجلسه في سنة اثنتين وسبع مئة (¬1). وذكر الحسين بن صدقة -ممن رثى الإمام النووي أيضاً- وقال: "عفا الله عنه" (¬2). وتدل هذه العبارة أن ابن صدقة كان ميتاً حينذاك، وإذا علمنا أن وفاته كانت بعد (705هـ) -كما قال ابن حجر في "الدرر الكامنة" (2/ 57) - فلا أقل من أنه صنَّفه بعد هذه السنة بسنة واحدة. ¬
النسخة المعتمدة في التحقيق:
النسخة المعتمدة في التحقيق: اعتمدتُ في تحقيق هذا الكتاب على نسخة خطية نفيسة، بخط العالم الفقيه الشيخ جمال الدين داود بن إبراهيم بن داود، أبي سليمان، الدمشقي، الشافعي، أخي المصنِّف، إذ جاء في آخرها ما نصه: "ووقع الفراغ من هذه الترجمة يوم الخميس، سابع ربيع الآخر، سنة أربع وأربعين وسبع مئة، على يد الفقير إلى الله تعالى: داود بن إبراهيم بن داود ابن العطار، عفا الله عنه، وعن والديه، وعن جميع المسلمين". قال الذهبي في ترجمة الناسخ: "سمع الكثير، ونسخ كتباً كباراً، وله أثْباتٌ وأصولٌ، وليَ مشيخة القَلِيجيَّة بعد أخيه، حدثنا عن ابن أبي الخَيْر وغيره، وله أجزاء عالية، وفيه تعبُّدٌ وخير، ولد سنة خمس وستين وست مئة [665 هـ- 1297 م]، وهو أحدُ إخْوتي من الرَّضاعة" (¬1). وتوفي ليلة الخميس ثالث جمادى الآخرة من سنة اثنتين وخمسين وسبع مئة (¬2). وعارضها الناسخ على نسخة المصنِّف، فجاء في هامش اللوحة الأخيرة من المخطوط ما نصُّه: "بلغ معارضة بأصل مؤلِّفه بخطه رحمه الله كتبه إبراهيم بن داود". ¬
وخطها واضح ومقروء؛ إلا أن الرطوبة أصابت قسماً يسيراً جدّاً منها، فلم تؤثر إلا على الكلمة الأخيرة من السطر الأول من اللوحات الأخيرة التي على اليمين، وعلى الكلمة الأولى من السطر الأول -والثاني في بعض الأحايين- من أغلب اللوحات الأخيرة التي على الشمال. والمخطوط يقع في (46) ورقة، في كل ورقة لوحتان، عدا الغلاف، وورقة بعده؛ فيها كثير من التملكات، وثَبَتٌ في أسماء من قرأه، وتكررت فيه هذه العبارة: "طالع هذه الترجمة الميمونة متبركاً بمآثر المترجَم العبدُ الفقير إلى الله تعالى ... ". وعلى الغلاف ما صورته: "تحفة الطالبين في ترجمة شيخنا الإمام النووي محيي الدين، قدس الله روحه، ونوَّر ضريحه. تصنيف: الشيخ الإمام العالم العامل الزاهد علاء الدين علي بن إبراهيم بن داود ابن العطار الشافعي -عفا الله عنهم-". وعليها تملكات كثيرة؛ من بينها: "الحمد لله، مِن نعم الله على عبده: محمد بن أحمد بن عبد الهادي" (¬1). **** ¬
صورة عن طرة النسخة المعتمدة في التحقيق
صورة عن اللوحة الأولى من المخطوط
صورة عن اللوحة الأخيرة من المخطوط
عملي في التحقيق
عملي في التحقيق يتلخص عملي في هذا الكتاب بما يلي: أوَّلاً: قمتُ بنسخ المخطوط، وضبطتُ نصه، ومن ثم قابلتُه بالأصل مرة أخرى؛ خشية السقط والتحريف أثناء النسخ. ثانياً: ذكرتُ في الهامش مَن نقل عبارة المصنِّف، ووجدتُ -كما أشرتُ سابقاً- أن السخاوي والسيوطي قد نقلا -وأكثرا جدّاً- عن المصنِّف، فكأن كتابيهما نسخ أُخرى -غير النسخة المعتمدة في التحقيق- لولا الأخطاء، والتصحيفات، والنقص في بعض العبارات منهما. ثالثاً: ذكرتُ في الهامش الزيادات الواقعة في نسخة الذهبي -على حدِّ تعبير السخاوي-. رابعاً: عرَّفت ببعض الغريب الواقع في الكتاب. خامساً: أشرتُ إلى مصادر ترجمة الأعلام الوارد ذكرهم في الكتاب، وآثرتُ ذكر المصادر دون الترجمة -إلا للنزر اليسير منهم- خوف الإطالة. سادساً: عرَّفت بالأماكن التي وردت في النص. سابعاً: اعتنيتُ بالكتب التي ذكرها المصنِّف للنووي، فبيَّنتُ
المطبوع من المخطوط، وبيَّنتُ الكتاب الذي طُبع أكثر من مرة، ومكان طبعه، واسم محقِّقه -إن وجد-، ومن ثمَّ ذكرتُ ثبتاً في الكتب التي لم يذكرها ابن العطار، وبيَّنتُ -كذلك- مطبوعها من مخطوطها، وأماكن وجود مخطوطاتها، والكتب التي نُسبت للإمام النووي خطأ، وأسهبتُ في هذا (¬1)، لأن كتابنا هذا أهم مرجع للمحققين والدارسين لحياة الإمام النووي وتصانيفه، فأكون بهذا العمل قد وفَّرتُ عليهم وقتاً طويلًا، وجهداً عظيماً، ولا أخفي على القارئ أن هذا العمل من أهم بواعثي على تحقيق هذا الكتاب. ثامناً: عزوتُ الآياتِ القرآنية إلى أماكنها، فذكرتُ السورة ورقم الآية، وخرَّجتُ الأحاديث النبوية؛ ذاكراً درجتها من الصحة والحسن والضَّعف. تاسعاً: ألحقتُ بكتابنا هذا تتمة فيها: تحذير الإمام النووي من البدع (¬2). عاشراً: وأخيراً ... ذيَّلت الكتاب بمجموعة فهارس، تسهل على القاريء الوقوف عى مبتغاه. وأخيراً ... الله تعالى أسأل، وباسمه وصفاته أتوسل، أن يكتب لي أجرين في كل ما علَّقتُ عليه، وأن يرزقني فهماً في كتابه، ثم في سنَّة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-، قولاً وعملاً يؤدِّي به عنَّا حقَّه، ويوجب لنا نافلة مزيدِه، إنه سميعٌ مجيب. ¬
ترجمة الإمام ابن العطار
ترجمة الإمام ابن العطار (¬1) ¬
اسمه ونسبه ولقبه وولادته:
اسمه ونسبه ولقبه وولادته: هو الإمام الفقيه المفتي الزاهد المحدِّث بقيَّة السلف علاء الدين علي بن إبراهيم بن داود بن سلمان بن سليمان أبو الحسن ابن العطار الشافعي. ولد يوم عيد الفطر، سنة أربع وخمسين وست مئة [654 هـ- 1256 م]، كان أبوه عطاراً، وجدُه طبيباً. اشتغل على الشيخ محيي الدين النووي، ولازمه حتى كان يقال له: "مختصر النووي"، وقد يختصر، فيقال: "المختصر". ... شيوخه: - سمع على: أحمد بن عبد الدائم، وإسماعيل بن أبي اليُسْر، ¬
علاقته مع الإمام النووي:
وعبد الوهاب بن الناصح، والكمال بن عبد، وابن أبي الخير، وجمال الدين بن مالك، وابن النشبي، والكمال بن فارس، وأخذ العربية عن ابن مالك، وغيره. - وسمع بالحرمين، ونابلس، والقاهرة؛ من عدَّة أشياخ يزيدون على المئتين، وخرَّج له أخوه لأمه من الرَّضاعة الشيخ شمس الدين الذهبي معجماً. قال الذهبي: "خرَّجتُ له معجماً في مجلَّد، ... انتفعتُ به، وأحسنَ إليَّ باستجازته لي كبار المشيخة". وأفاد ابن السبكي أنه نيَّف فيه على ثمانين شيخاً. وتجد مجموعة من شيوخه في جزئه "التساعيات"، وهنالك عدد لا بأس من شيوخه في كتابه هذا "تحفة الطالبين"، وانظر قائمة في اثنين وأربعين نفساً منهم في مقدمة تحقيق "شرح العمدة" له (15 - 18). ... علاقته مع الإمام النووي: كان الشيخ علاء الدين ابن العطار شديد المحبة لشيخه النووي، وكانت بينهما مودَّة أكيدة، واجتماع دائم، ومذاكرات، ودراسات، وكان الإمام النووي يحبُّه ويسرّ برؤيته. قال ابن العطار: " ... فبلغني مرضه، فذهبتُ من دمشق لعيادته، ففرح رحمه الله بذلك" (¬1). وكانت لابن العطار منزلة خاصة عند شيخه الأمام أبي زكريا، ¬
وكانت للإمام النووي عناية خاصة من تلميذه ابن العطار أيضاً. قال ابن العطار: "كان -أي: الإمام النووي- رفيقاً بي، شفيقاً عليَّ، لا يمكِّن أحداً من خدمته غيري على جَهدِ مني في طلب ذلك منه، مع مراقبته لي -رضي الله عنه - في حركاتي وسكناتي، ولطفه بي في جميع ذلك، وتواضعه معي في جميع الحالات، وتأديبه لي في كلِّ شيء حتى الخطرات، وأعجز عن حصر ذلك" (¬1). وكان الإمام النووي يثق بمقدرة تلميذه، ويعتقد فيه الصلاح والتقوى، فها هو يقول عنه: " ... وقد أخبرني مَن أثق بخبره وصلاحه وكراماته وفلاحه ... " (¬2). أما عن ثقته بمقدرة تلميذه العلميَّة؛ فالدليل عليها ما قال التلميذ عن نفسه: " ... وأذِنَ لي -رضي الله عنه- في إصلاح ما يقع لي في تصانيفه، فأصلحْتُ بحضرته أشياء، فكتبه بخطِّه، وأقرَّني عليه (¬3)، ودفع إليَّ ورقةً بعدَّةِ الكتب التي كان يكتب منها ويصنِّف بخطه، وقال لي: إذا انتقلتُ إلى الله تعالى؛ فأتمم "شرح المهذب" من هذه الكتب، فلم يُقدَّر ذلك لي" (¬4). ومن شدَّة إعجاب ابن العطار بشيخه الإمام النووي -ويحق له ذلك - فقد انقطع فترة تزيد عن ست سنوات إلى التلمذة عليه، والأخذ ¬
طلبه للعلم ومرضه وتدريسه:
منه، فها هو يقول: "وكانت مدَّة صحبتي له؛ مقتصراً عليه دون غيره، من أوَّل سنة سبعين ويست مئة وقبلها بيسير إلى حين وفاته" (¬1). وحفظ ابن العطار كتاب "التنبيه" بين يدي شيخه النووي. ... طلبه للعلم ومرضه وتدريسه: نسخ الشيخ علاء الدين الأجزاء، وكتب الطباق، وغلب عليه الفقه. قال الذهبي: "سمع وكتب الكثير، وحدَّث، ودرَّس، وأفتى، وولِيَ مشيخة النُّورية، والغوصيّة، والقليجية (¬2)، وغير ذلك". أصيب بفالج سنة (701 هـ)، وكان يُحْمَل في مِحَفَّة، ويُطاف به، وكتب بشماله مدَّة. وباشر الشيخ علاء الدين مشيخة المدرسة النورية من سنة أربع وتسعين إلى سنة وفاته مدة ثلاثين سنة. ... مدحه وثناء العلماء عليه: مدحه كل مَن ترجم له، فقال عنه تلميذه الذهبي: "كان صاحب معرفة حسنة، وأجزاء، وأصول". وقال أيضاً: "له فضائل، وتألُّه -أي: عبادة-، واتِّباع". ¬
مصنفاته:
وقال النُّعيمى: "وكان فيه زهد، ويفيد، ويأمر بالمعروف على عادة [شيخه] في أخلاقه، وله أتباع ومحبُّون". وقال ابن هدايته الله: "كان ديِّناً ورعاً". وقال ابن العماد الحنبلي: "وعدَّه في الحفَّاظ العلامة ابن ناصر الدين، وأثنى عليه". ... مصنَّفاته: قال ابن كثير: "له مصنَّفات، وفوائد، ومجاميعُ، وتخاريجُ". قلت: من مصنفاته: - "شرح العمدة"؛ أخذ شرح ابن دقيق العيد، وزاد عليه من "شرح صحيح مسلم" للنووي، مع فوائد أخر حسنة؛ سمَّاه: "العُدَّة شرح العمدة"، طبع عن دار البشائر، بيروت، ووقف على طبعه والعناية به الأستاذ نظام يعقوبي. - مصنَّف في "فضل الجهاد". - وآخر بعنوان: "آداب الخطيب"، طبع عن دار الغرب الإسلامي. - وآخر بعنوان: "الوثائق المجموعة". - وآخر في: "حكم البلوى وابتلاء العباد". - وآخر في: "حكم الأخبار والاحتكار عند غلاء الأسعار". - وآخر: "حكم صوم رجب وشعبان، وما الصواب فيه عند أهل العلم والعرفان، وما أُحدث فيهما، وما يلزمه من البدع التي يتعين إزالتها على أهل الإيمان" طبع بتحقيق جاسم الفَجّي، عن مكتبة أهل الأثر ومكتبة غراس، الكويت، سنة 1425هـ، في (77) صفحة.
- وآخر: "فضل زيارة القبور وأحكام المقبول منها والمحذور والمشروع والمنكور، وما يتعلق بذلك من المحدثات المؤدّيات إلى الآثام والفجور" طبع بتحقيق أحمد العيسوي، عن دار الصحابة، بطنطا، سنة 1412هـ، في (71) صفحة، وسماه بعضهم: "رسالة في أحكام الموتى وغسلهم". - و"تحفة الطالبين"، وقد مضى الكلام عليه. - "الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد" مطبوع عن دار الكتب الأثرية، تحقيق الأخ الشيخ علي حسن عبد الحميد، في (48) صفحة. - "شرح عمدة الحافظ وعدّة اللاحظ" لابن مالك، مطبوع عن دار الفكر العربي، القاهرة. - "اختصار نصيحة أهل الحديث" للخطيب البغدادي طبع بالهند، أفاده عبد الحي الكتاني. - "الجزء فيه تساعيات"، قال في آخر (الديباجة) منه (ق 5/ ب- 6/ م) -بعد كلام-: "وأنا أَشرع -إن شاء الله تعالى- في تخريج أحاديث معظمها من القسم الأول تساعية الإسناد، وهي أعلى ما يقع لأمثالنا، وقد كنتُ سُئلتُ عن تخريج أربعين حديثاً تساعية بالقاهرة المحروسة، فخرَّجتُ لهم اثنين وعشرين حديثاً، لأنّ سماعاتي كلها لم تكن حاضرة عندي بها، واعتذرت بذلك لهم، فقبلوه، وسمعوها مني، وكتبوا بها نسخاً، ولله الحمد والمنة على ذلك، وغيره من وجوه الخيرات، إنه قريب، مجيب الدعوات". وهي منسوخة عندي، ومنضَّدة، فسح الله الوقت، وبارك فيه لإخراجها، أو مراجعتها، والله العاصم والهادي.
وفاته:
- ورتَّب "فتاوى الإمام النووي" (¬1)؛ كما سيأتي (ص 77). - وله (تقريظ) على "تخميس البردة" في المكتبة العباسية، بالبصرة، رقم [105 (3) - مجموع] منسوخة سنة 1239هـ بخط خضر بن السيد جميل، انظر "الفهرس الشامل" (1/ 219 - السيرة والمدائح النبوية). - وله "رسالة في السماع" منه نسخة خطية في مكتبة شستربتي، دبلن- إيرلندا، برقم (3296/ 2)، منسوخة بين سنتي 904 - 906 هـ كذا في "فهارسها" (1/ 174) وانظر "الفهرس الشامل" (4/ 665) لمؤسسة آل البيت- الأردن، قسم (الفقه وأصوله). ... وفاته: مات رحمه الله يوم الإثنين، مستهل ذي الحجة، سنة أربع وعشرين وسبع مئة [724هـ - 1324 م]، وعلى هذا جمهور مترجميه، وقد شذَّ ابن هداية الله، فقال: "مات سنة إحدى وتسعين وست مئة! وهو ابن ثمانٍ وثمانين سنة"! ولم يتابعه أحد على هذا. وقال الذهبي: "مات عن سبعين سنة". وهذا هو الصحيح؛ لأنه ولد -كما قدمنا- سنة أربع وخمسين وست مئة، ودفن بقاسيون في دمشق، رحمه الله تعالى، وأجزل مثوبته. ¬
تحفة الطالبين في ترجمة للإمام محيي الدين
تحفة الطّالبين في ترجمة للإمام محيي الدين تصنيف علاء الدين علي بن إبراهيم ابن العطار (المتوفى سنة 724هـ) ضبط نصه وعلق عليه وخرج أحاديثه أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان
تحفة الطالبين في ترجمة الإمام النووي محيي الدين الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأزواجه وذريته وأصحابه الطاهرين. أشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فلما كان لشيخي وقدوتي إلى الله تعالى؛ الإمام الرباني أبي زكريا يحيى بن شرف الحزامي النواوي -تغمده الله برحمته، وأسكنه جنات النعيم، وجمع بيني وبينه في دار كرامته إنه جواد كريم- عليَّ من الحقوق المتكاثرة، ما لا أطيق إحصاءها؛ بعثني ذلك على أن أجمع كتاباً في بعض مناقبه، ومآثره، وكيفية اشتغاله، وما كان عليه من الصبر على خشونة العيش، وضيق الحال، مع القدرة على التنعُّم والسعة في جميع الأحوال، على عادة أئمة الحديث في ذلك؛ ليكون سبباً للترحُّم عليه، والدعاء له، وفَّقنا الله لما وفقه، ورزقنا ما رزقه. فقد رُوِّينا بالإسناد إلى سفيان بن عيينة أنه قال: "عند ذكر الصالحين تتنزّل الرحمة" (¬1). ¬
وروِّينا بإسنادنا إلى محمد بن يونس أنه قال: "ما رأيتُ للقلب أنفعَ من ذكر الصالحين" (¬1). وعلى الله الكريم أتوكل، وإليه أبتهل، أن ييسر ذلك على أكمل [1]، الوجوه وأتمِّها؛ إنه على كل شيء قدير، وهو حسبي ونعم الوكيل/، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم. ... ¬
1 - فصل: في نسبه ونسبته
1 - فصل: في نسبه ونسبته هو أبو زكريا (¬1) يحيى ابن الشيخ الزاهد الورع وليّ الله أبي يحيى شرف بن مِرَا (¬2) بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام (¬3) -بالحاء المهملة والزاي (¬4) - الحزامي النوويُّ، ذو التصانيف المفيدة، ¬
وأما نسبته:
والمؤلفات الحميدة، أوحد دهرِهِ، وفريدُ عصرِه، الصوَّام، القوام، الزَّاهد في الدنيا، الرَّاغب في الآخرة، صاحب الأخلاق الرضيَّة، والمحاسن السنيَّة، العالم الرَّبَّاني المتَّفق على علمه وإمامته وجلالته وزهده وورعه وعبادته وصيانته في أقواله وأفعاله وحالاته، له الكرامات الطافحة، والمكرمات الواضحة، والمؤثرُ بنفسه وماله للمسلمين، والقائم بحقوقهم وحقوق ولاة أمورهم بالنُّصح والدُّعاء في العالمين (¬1)، وكان كثيرَ التلاوةِ والذكرِ لله تعالى، حشَرَنا الله في زمرته، وجمع بيننا وبينه في دار كرامته، مع من اصطفاه من خليقته أهل الصَّفاء والوفاء والود، العاملين بكتاب الله تعالى، وسنَّة محمد -صلى الله عليه وسلم- وشريعته. ... وأما نسبته: [2] (الحِزَامي)؛ فهي بالحاء والزَّاي إلى جدِّه المذكور حزام/، وذكر لي الشيخ -قدس الله روحه- أن بعض أجداده كان يزعم أنها نسبة إلى حزام أبي حكيم الصحابي -رضي الله عنه- قال: "وهو غلط" (¬2). وحزام جده؛ نزل في الجولان بقرية (نوى) (¬3) على عادة العرب، ¬
فأقام بها، ورزقه الله ذرية، إلى أن صار منهم خلق كثير. و (النووي) نسبة إلى (نوى) المذكورة، وهي بحذف الألف بين الواوين على الأصل، ويجوز كتبها بالألف على العادة (¬1)، وهي قاعدة الجولان الآن، من أرض حوران (¬2) من أعمال دمشق، فهو ¬
2 - فصل: في مولده ووفاته
دمشقي (¬1)؛ لأنه أقام بها نحواً من ثمانية وعشرين عاماً. وقد قال عبد الله بن المبارك: "مَن أقام في بلدة أربع سنين؛ نُسِبَ إليها" (¬2). ... 2 - فصل: في مولده ووفاته أما مولده؛ فهو في العشر الأوسط (¬3) من المحرم سنة إحدى وثلاثين وست مئة (¬4). وذكر لي بعض الصالحين الكبار أنه ولد وكُتِبَ من الصادقين. وذكر لي والدهُ أن الشيخ كان نائماً إلى جنبه، وقد بلغ من العمر ¬
سبع سنين ليلة السابع والعشرين من رمضان؛ قال: "فانتبه نحو نصف الليل، وأيقظني، وقال: "يا أبة! ما هذا الضوءُ الذي قد ملأ الدار؟! ". واستيقظ أهلهُ جميعاً، فلم نر كلُّنا شيئاً". قال والده: "فعرفتُ/ أنها ليلة القدر" (¬1). [3] وأما وفاته؛ فهي ليلة الأربعاء، الثلث الأخير من الليل، رابع وعشرين رجب، سنة ست وسبعين ولست مئة [بنوى] (¬2)، ودُفِن بها صبيحة الليلة المذكورة (¬3)، وكانت وفاته عقب واقعة جرت لبعض الصالحين بأمره لزيارة القدس الشريف، والخليل -عليه أفضل الصلاة والسلام (¬4) -، فامتثل الأمر، وتوفي عقبها. ... ¬
3 - فصل: في مبدأ أمره واشتغاله
3 - فصل: في مبدأ أمره واشتغاله ذكر لي الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي (¬1) ولي الله رحمه الله قال: "رأيت الشيخ محيي الدين -وهو ابن عشر سنين- بنوى، والصبيان يُكْرِهونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم، ويبكي لإكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، فوقع في قلبي محبته. وجعله أبوه في دُكَّان، فجعل لا يشتغل بالبيع والشِّراء عن القرآن". قال: "فأتيتُ الذي يُقْرِئُه القرآن، فوصيتُه به، وقلتُ له: هذا الصبيُّ يُرْجى أن يكون أعلم أهل زمانه، وأزهدهم، وينتفع الناس به. ¬
فقال لي: أمنجِّمٌ أنت؟ فقلتُ: لا، وإنما أنطقني الله بذلك. فذكر ذلك لوالده، فحرص عليه، إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الاحتلام" (¬1). قال لي الشيخ: "فلما كان عمري تسع عشرة سنة؛ قدم بي والدي [4] إلى دمشق (¬2) في/ سنة تسع وأربعين، فسكنتُ المدرسة الرّواحية (¬3)، ¬
وبقيتُ نحو سنتين لم أضع جنبي إلى الأرض، وكان قوتي فيها جراية المدرسة لا غير". قال: "وحفظتُ كتاب "التنبيه" (¬1) في نحو أربعة أشهر ونصف، وحفظتُ رُبعَ العبادات من "المهذب" (¬2) في باقي السنة" (¬3). ¬
قال: "وجعلتُ أشرح وأصحح على شيخنا الإمام العالم الزاهد الورع ذي الفضائل والمعارف أبي إبراهيم إسحاق بن أحمد بن عثمان المغربي الشافعي رحمه الله (¬1) ولازمته". قال: "فأعْجِبَ بي لما رأى من اشتغالي وملازمتي وعدم اختلاطي بالناس (¬2)، وأحبَّني محبَّة شديدةً، وجعلني أعيد الدروس في حلقته لأكثر الجماعة". قال: "فلما كانت سنة إحدى وخمسين؛ حجَجْتُ مع والدي (¬3)، وكانت وقفة جمعةٍ، وكان رحيلنا من أول رجب". قال: "فأقمتُ بمدينةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحواً من شهر ونصف". ¬
قال لي والده رحمه الله: "لما توجَّهْنا من (نوى) للرحيل؛ أخذتْهُ الحُمَّى، فلم تفارقه إلى يوم عرفة". قال: "ولم يتأوَّه قط، فلما قضينا المناسك، ووصلنا إلى (نوى)، ونزلنا إلى دمشق؛ صبَّ الله عليه العلم صبّاً، ولم يزل يشتغل بالعلم، ويقتفي آثار شيخه المذكور في العبادة؛ من الصلاة، وصيام الدهر (¬1)، [5] والزهد، والورع، وعدم إضاعة شيء من أوقاته/ إلى أن توفي " (¬2). ¬
فلما توفي شيخُه المذكور؛ ازداد اشتغاله بالعلم والعمل. قال لي شيخُنا القاضي أبو المفاخر محمد بن عبد القادر الأنصاري رحمه الله (¬1): "لو أدرك القشيريُّ صاحب "الرسالة" شيخَكُم وشيخَه (¬2)؛ لما قَدَّمَ عليهما في ذكره لمشايخها (¬3) أحداً؛ لما جُمع فيهما من العلم، والعمل، والزهد، والورع، والنُّطق بالحِكَم، وغير ذلك". وذكر لي الشيخ -قدَّس الله روحه- قال: "كنتُ أقرأ كلَّ يومِ اثنتي عشر درساً على المشايخِ؛ شرحاً وتصحيحاً: درسين في "الوسيط"، ودرساً في "المهذَّب"، ودرساً في "الجمع بين الصحيحين"، ودرساً في "صحيح مسلم"، ودرساً في "اللمع" لابن جُنِّي في النحو، ودرساً في "إصلاح المنطق" لابن السِّكِّيت في اللغة، ودروساً في التصريف، ¬
ودرساً في أصول الفقه؛ تارة في "اللمع" لأبي إسحاق، وتارة في "المنتخب" لفخر الدين الرازي، ودرساً في أسماء الرجال، ودرساً في أصول الدين" (¬1). قال: "وكنتُ أعلِّق جميع ما يتعلق بها؛ من شرح مُشْكِل، ووضوح عبارة، وضبط لغة". قال: "وبارك الله لي في وقتي، واشتغالي، وأعانني عليه" (¬2). قال: "وخطر لي الاشتغال بعلم الطب، فاشتريتُ كتاب ¬
4 - فصل
"القانون" (¬1) فيه، وعزمتُ على الاشتغال فيه، فأظلم عليَّ قلبي، وبقيتُ أياماً/ لا أقدر على الاشتغال بشيءٍ، ففكرتُ في أمري، ومن [6] أين دخل عليَّ الداخل، فألهمني الله تعالى أن سببه اشتغالي بالطبِّ، فبِعْتُ في الحال الكتاب المذكور، وأخرجتُ من بيتي كلَّ ما يتعلق بعلم الطب، فاستنار قلبي، ورجع إليَّ حالي، وعدتُ إلى ما كنتُ عليه أولًا" (¬2). ... 4 - فصل ذكر لي رحمه الله تعالى قال: "كنت مريضا بالمدرسة الرّواحيَّة، فبينا أنا في بعض الليالي في الصُّفَّة الشرقية منها، ووالدي وإخوتي وجماعة من أقاربي نائمون إلى جانبي؛ إذ نشَّطني الله، وعافاني من ألمي، فاشتاقت نفسي إلى الذكر، فجعلتُ أسبِّح، فبينا أنا كذلك بين الجهر والإسرار؛ إذا شيخٌ حسنُ الصورةِ، جميلُ المنظرِ، يتوضَّأ على حافَّةِ البِرْكَة وقتَ نصفِ الليلِ، أو قريب منه، فلما فرغ مِن وضوئه؛ أتاني، وقال لي: يا ولدي! لا تذكر الله تعالى وتهوِّش على والدك ¬
5 - فصل: في ذكر شيوخه في الفقه
وإخوتك وأهلك ومَن في هذه المدرسة. فقلتُ: يا شيخ! مَن أنت؟ قال: أنا ناصحٌ لك، ودَعْني أكونُ مَن كنتُ. فوقع في نفسي أنه إبليس، فقلتُ: أعوذُ باللهِ من الشيطان الرجيم، ورفعتُ صَوْتي بالتسبيحِ، فأعْرَضَ، ومشى إلى ناحيةِ باب المدرسة، فانتبه والدي والجماعة على صوتي، فقمتُ إلى باب المدرسة، فوجدتُه، مقفلًا، وفتشتُها، فلم أجد [7] فيها أحداً غير مَن كان فيها/ فقال لي والدي: يا يحيى! ما خبرك؟ فأخبرتُه الخبر، فجعلوا يتعجَّبون، وقعَدْنا كُلُّنا نسبحُ ونذكُر" (¬1). ... 5 - فصل: في ذكر شيوخه في الفقه وأذكرهم مسلسلاً مني إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أما أنا؛ فقرأتُ عليه الفقهَ؛ تصحيحاً وعرضاً وشرحاً وضبطاً خاصّاً وعامّاً، وعلومَ الحديث؛ مختصَرَه وغيرَه؛ تصحيحاً وحفظاً وشرحاً وبحثاً وتعليقاً خاصا ًوعامّاً. وكان رحمه الله رفيقاً بي، شفيقاً عليّ، لا يمكِّن أحداً من خدمته غيري ة على جَهدٍ مني في طلب ذلك منه، مع مراقبته لي -رضي الله عنه- (¬2) في حركاتي وسكناتي، ولطفه بي في جميع ذلك، وتواضعه معي في جميع ¬
الحالات، وتأديبه لي في كل شيء حتى الخطرات، وأعجز عن حصر ذلك. وقرأتُ عليه كثيراً من تصانيفه ضبطاً وإتقاناً. وأذِنَ لي -رضي الله عنه- في إصلاح ما يقع لي في تصانيفِه، فأصلحْتُ بحضرتِه أشياء، فكتَبَهُ بخطِّهِ، وأقرَّني عليه، ودفَعَ إليَّ ورقةً بعدَّة الكتب التي كان يكتب منها، ويصنِّف بخطه، وقال لي: "إذا انتقلتُ إلى الله تعالى؛ فأتْمِمْ "شرح المهذَّب" من هذه الكتب". فلم يقدَّر ذلك لي. وكانت مدة صحبتي له؛ مقتصراً عليه دون غيره، من أول سنة سبعين وست مئة وقبلها/ بيسير إلى حين وفاته. [8ٍ] قال رحمه الله (¬1): أخذتُ الفقه؛ قراءةً وتصحيحاً وسماعاً وشرحاً وتعليقاً عن جماعاتٍ: أوَّلهم: شيخي: الإمام، المتفق على علمه، وزهده، وورعه، وكثرة عباداته، وعظم فضله، وتميزه في ذلك على أشكالِه: أبو إبراهيم ¬
إسحاق بن أحمد بن عثمان المغربي ثم المقدسي رضي الله عنه (¬1) [وأرضاه، وجمع بيني وبينه وبين سائر أحبابنا في دار كرامته مع من اصطفاه]. ثم شيخنا: الإمام، العارف، الزاهد، العابد، الورع، المتقِنُ، مفتي دمشق في وقته: أبو محمد عبد الرحمن بن نوح بن محمد بن إبراهيم ابن موسى المقدسي ثم الدمشقي رحمه الله (¬2). ثم شيخنا: أبو حفص عمر بن أسعد بن أبي غالب الرَّبَعي (¬3) -بفتح الراء والباء- الأربلي الإمام المتقن المفتي -رضي الله عنه-". وأدركتُه أنا، وحضرتُ بين يديه، وسمعتُ عليه "جزء أبي الجهم العلاء بن موسى الباهلي "، وكان شيخُنا كثيرَ الأدب معه، حتى كنا في الحلقة يوماً بين يديه، فيقام منها، وملأ إبريقاً، وحمله بين يديه إلى الطهارة -رحمهما الله، ورضي عنهما-. قال: "ثم شيخنا: الإمام، العالم، المجمع على إمامته، ¬
وجلالته، وتقدُّمه في علم المذهب على أهل عصره بهذه النواحي أبو الحسن بن سلاَّر بن الحسن الأربلي ثم الحلبي ثم الدمشقي -رضي الله عنه-" (¬1). وأدركتُه أنا، وحضرتُ جنازته مع شيخنا -رحمهما الله تعالى-. قال:"وتفقَّه شيوخنا الثلاثة المذكورون/ أوَّلاً على شيخهم أبي [9] عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان المعروف بابن الصلاح، وتفقَّه هو على والده، وتفقَّه والدُه في طريقة العراقيين على أبي سعدٍ عبد الله بن محمد بن هبة الله بن علي بن أبي عصرون الموصلي، وتفقه أبو سعد على القاضي أبي علي الحسن بن إبراهيم الفارقي، وتفقه الفارقي على أبي إسحاق الشيرازي، وتفقه [الشيخ] أبو إسحاق على القاضي أبي الطيب طاهر بن عبد الله الطبري، وتفقه أبو الطيب على أبي الحسن محمد بن علي بن سهل بن مصلح الماسرجسي، وتفقه الماسرجسي على أبي إسحاق إبراهيم بن محمد (¬2) المروزي، وتفقه أبو إسحاق على أبي العباس أحمد بن عمر بن سريج، وتفقه ابن سريج على أبي القاسم عثمان بن بشَّار الأنماطي، وتفقه الأنماطي على أبي إبراهيم إسماعيل بن يحى المزني، وتفقه المزني على أبي عبد الله ¬
محمد بن إدريس الشافعي -رضي الله عنه-، وتفقه الشافعي على جماعات؛ منهم. أبو عبد الله مالك بن أنس؛ إمام المدينة. ومالك على ربيعة عن أنس، وعلى نافع عن ابن عمرة كلاهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. والشيخ الثاني للشافعي: سفيانُ بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عمر وابن عباس -رضي الله عنه-. والشيخ الثالث للشافعي: أبو خالد مسلم بن خالد مفتي مكة، [10] وإمام أهلها/. وتفقه مسلم على أبي الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وتفقه ابن جريج على أبي محمد عطاء بن أسلم أبي رباح، وتفقه عطاء على أبي العباس عبد الله بن عباس، وأخذ ابن عباس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعن عمر بن الخطاب، وعلي، وزيد بن ثابت، وجماعات من الصحابة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. هذه طريقة أصحابنا العراقيين. وأما طريقة أصحابنا الخراسانيين؛ فأخَذْتُها عن شيوخنا المذكورين، وأخذها شيوخنا الثلاثة المذكورون عن أبى عمرو عن والده عن أبي القاسم البزري -بتقديم الزاي على الراء-[الجزري]، عن أبي الحسن علي بن محمد بن علي إلكِيَا الهَرَّاسيّ (¬1) عن أبي المعالي ¬
عبد الملك بن عبد الله بن يوسف [بن عبد الله بن يوسف] إمام الحرمين، عن والده أبي محمد، عن أبي بكر عبد الله بن أحمد القفال المروزي الصَّغير -وهو إمام طريقة خراسان-، عن أبي زيد محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد المروزي، عن أبي إسحاق المروزي، عن ابن سريج؛ كما سبق. وتفقَّه شيخُنا الإمام أبو الحسن سَلاّر على جماعات؛ منهم الإمام أبو بكر الماهاني، وتفقه الماهاني على ابن البزري بطريقه السابق، والله أعلم". فمعرفة هذه السلسلة من النفائس، والمهم الذي يتعين على الفقيه/ [11] والمتفقه علمه، ويقبُح به جهله، فالشيوخ في العلم آباء له في الدين، ووصلة بين العبد وبين رب العالمين (¬1). قال يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله:"العلماء أرأفُ بأمَّةِ محمد - صلى الله عليه وسلم - من آبائهم وأمهاتهم؛ لأنهم يحفظونهم [من نار الآخرة وأهوالها، وآباؤهم وأمَّهاتهم يحفظونهم] (¬2) من الدنيا وآفاتها". يعني: الآباء العلماء، وأما الآباء الجهال؛ فلا يحفظونهم لا في الدُّنيا، ولا في الآخرة، والله أعلم. ... ¬
6 - فصل: في شيوخه الذين أخذ عنهم أصول الفقه
6 - فصل: في شيوخه الذين أخذ عنهم أصول الفقه قرأ على جماعة؛ أشهرهم وأجلهم: العلامة القاضي أبو الفتح عمر بن بُنْدار بن عمر بن علي بن محمد التفليسي الشافعي رحمه الله (¬1)؛ قرأ عليه "المنتخب" للإمام فخر الدين الرازي، وقطعة من كتاب "المستصفى" للغزالي، وقرأ غيرهما من الكتب على غيره (¬2). ... 7 - فصل: فيمن أخذ عنه اللغة والنحو والتصريف أول من أخذ عنه ذلك: فخر الدين المالكي رحمه الله؛ ذكر لي الشيخ رحمه الله أنه قرأ عليه كتاب "اللُّمع" لابن جُنِّي (¬3). وأنه قرأ على الشيخ أبي العباس أحمد بن سالم المصري (¬4) النحوي اللغوي التصريفي -بحثاً- كتابَ: "إصلاح المنطق" لابن السكيت، وكتاباً في التصريف. قال: "وكان لي عليه درس؛ إما في ¬
8 - فصل: فيمن أخذ عنه فقه الحديث وأسماء وجاله وما يتعلق به
سيبويه، وإمَّا في غيره". الشك مني (¬1). [12] وقرأ على شيخنا العلامة أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن/ مالك الجيَّاني رحمه الله (¬2) كتاباً من تصانيفه، وعلق عليه شيئاً. وأشياء كثيرة غير ذلك (¬3). ... 8 - فصل: فيمن أخذ عنه فقه الحديث وأسماء وجاله وما يتعلق به أخذ فقه الحديث عن الشيخ المحقق أبي إسحاق إبراهيم بن عيسى المرادي الأندلسي (¬4) الشافعي رحمه الله شرح عليه "مسلماً"، ومعظم "البخاري"، وجملة مستكثرة من "الجمع بين الصحيحين" للحميدي (¬5). ¬
9 - فصل: في الكتب التي سمعها
وأخذ "علوم الحديث" لابن الصلاح عن جماعة من أصحابه (¬1). وقرأ على الشيخ أبي البقاء خالد بن يوسف بن سعد النابلسي (¬2) الحافظ كتاب "الكمال في أسماء الرجال" للحافظ عبد الغني المقدسي، وعلق عليه حواشي، وضبط عنه أشياء حسنة (¬3). ... 9 - فصل: في الكتب التي سمعها سمع "البخاري"، و"مسلماً"، و"سنن أبي داود"، و"الترمذي"، وسمع "النسائي" بقراءته، و "موطأ مالك"، و"مسند الشافعي"، و "أحمد بن حنبل"، و"الدارمي"، و"أبا عوانة الأسفرائيني"، و"أبا يعلى الموصلي"، و"سنن ابن ماجه"، و"الدَّارَقُطْنيَّ"، و"البيهَقِي"، و"شرح السنة" للبغوي، و"معالم التنزيل" في التفسير له، وكتاب "الأنساب" ¬
للزبير بن بكار (¬1)، و "الخطب النباتية" (¬2)، و"رسالة القشيري"، و "عمل اليوم والليلة" لابن السُّنِّي، وكتاب "آداب السامع/ والراوي" للخطيب، [13] وأجزاء كثيرة غير ذلك. نقلتُ ذلك جميعَه من خطِّ الشيخ رحمه الله. وقُرِيءَ عليه "البخاري"، و "مسلم"؛ بدار الحديث الأشرفية (¬3) سماعاً وبحثاً. وحضرت "مسلماً"، وأكثر "البخاري"، وقطعة من "سنن أبي داود". وقُرِيءَ عليه "الرسالة" للقُشَيْري، و"صفوة الصفوة"، وكتاب "الحجة على تارك المحجة" لنصر المقدسي؛ بحثاً وسماعاً. وحضرتُ معظم ذلك، وعلقتُ عنه أشياءَ في ذلك وغيره، فرحمه الله، ورضي عنه (¬4). ... ¬
10 - فصل: في شيوخه الذين سمع منهم
10 - فصل: في شيوخه الذين سمع منهم سمع أبا الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد المقدسي (¬1)، وهو أجلّ شيوخه، وأبا محمد إسماعيل بن أبي إسحاق إبراهيم بن أبي اليُسْر (¬2)، وأبا العباس أحمد بن عبد الدَّائِم (¬3)، وأبا البقاء خالد النَّابلسيّ (¬4)، وأبا محمد عبد العزيز بن أبي عبد الله محمد ابن عبد المحسن الأنصاري (¬5)، والضياء بن تمام الحنفي، والحافظ أبا الفضل محمد بن محمد بن محمد البكري (¬6)، وأبا الفضائل عبد الكريم بن عبد الصمد (¬7) خطيب دمشق، وأبا محمد عبد الرحمن بن سالم بن يحيى الأنباري (¬8)، وأبا زكريا يحيى بن أبي الفتح الصَّيْرفي ¬
11 - فصل
الحرَّاني (¬1)، وأبا إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل الواسطي (¬2)، وغيرهم. وسمعتُ أنا من معظم شيوخه (¬3). ... 11 - فصل وسمع منه خلقٌ / كثيرٌ؛ من العلماء، والحفَّاظ، والصُّدور، [14]، والرؤساء، وتخرج به خَلْقٌ كثيرٌ من الفقهاء، وسار علمُهُ وفتاويه في الآفاق، ووقع على دينِه وعلمه وزهده وورعه ومعرفته وكرامته الوِفَاقُ، وانتفعَ الناسُ في سائر البلاد الإسلامية بتصانيفهِ، وأكبُّوا على تحصيل تواليفه، حتى رأيتُ مَن كان يشنؤها في حياته مجتهداً على تحصيلها والانتفاع بها بعد مماته، فرحمه الله، ورضي عنه، وجمع بيننا وبينه في جنَّاته (¬4). ... ¬
12 - فصل
12 - فصل وذكر لي رحمه الله أنه كان لا يضيع له وقتاً في ليلِ ولا نهار؛ إلَّا في وظيفة من الاشتغال بالعلم، حتى في ذهابه في الطُّرق ومجيئه يشتغل في تكرار محفوظه، أو مطالعة، وأنه بقي على التحصيل على هذا الوجه نحو ستِّ سنين. ثم إنَّه اشتغل بالتصنيف، والإشغال، والإفادة، والمناصحة للمسلمين ووُلاتهم، مع ما هو عليه من المجاهدة لنفسه، والعمل بدقائق الفقه، والاجتهاد على الخروج من خلاف العلماء وإنْ كان بعيداً، والمراقبة لأعمال القلوب وتصفيتها من الشوائب؛ يحاسب نفسه على الخطرة بعد الخطرة. وكان محقِّقاً في علمه وفنونه، مُدقِّقاً في علمه وكلِّ شؤونه، حافظاً [15] لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عارفاً/ بأنواعه كلها؛ من صحيحه وسقيمه، ¬
وغريب ألفاظه وصحيح معانيه، واستنباط فقهه، حافظاً لمذهب الشافعي وقواعده وأصوله وفروعه، ومذاهب الصحابة والتابعين، واختلاف العلماء، ووفاقهم، وإجماعهم، وما اشتهر من ذلك جميعه، وما هُجر، سالكاً في كلِّها ذكر طريقة السلف، قد صرف أوقاته كلها في أنواع العلم والعمل، فبعضها للتصنيف، وبعضها للتعليم، وبعضها للصلاة، وبعضها للتلاوة، وبعضها للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر (¬1). ذكر لي صاحبُنا أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي الفاضل -نفع الله به- في حياة الشيخ رحمه الله قال: "كنتُ ليلةً في أواخر الليل بجامع دمشق، والشيخ واقف يصلي إلى سارية في ظلمة، وهو يردِّدُ قوله تعالى: {وَقِفُوهُم إنَهُم مَسئولُونَ} (¬2)؛ مِراراً، بحزنٍ وخشوعٍ، حتى حصل عندي من ذلك شيءٌ الله به عليم" (¬3). وكان حمه الله إذا ذكر الصَّالحينَ؛ ذكرهم بتعظيم وتوقير واحترام، وسوَّدهم، وذكر مناقبهم وكراماتهم (¬4). ... ¬
13 - فصل
13 - فصل ذكر لي شيخُنا العارفُ القدوةُ المُسَلِّكُ وليُّ الدينِ أبو الحسن [16] علي، المقيم بجامع بيت لهيا (¬1) خارج دمشق رحمه الله ُقال: "كنتُ/ مريضاً بمرض يسمى: "النِّقْرِس" (¬2)؛ في رجلي، فعادني الشيخُ محيي الدين -قدَّس الله روحه-، فلما جلس عندي؛ شَرَعَ يتكلَّم في الصبر". قال: "فكلَّما تكلَّم؛ جعل الألمُ يذهب قليلًا قليلًا، فلم يزل يتكلَّم فيه حتى زال [جميع الألم] (¬3) كأن لم يكن قط". قال: "وكنتُ قبلَ ذلكَ لمْ أَنَمِ الليلَ كُلَّه من الألمِ، فعرفتُ أنَّ زوالَ الألمِ من بركته رحمه الله" (¬4). وذكر لي صاحبنا في القراءة على الشيخ رحمه الله لـ "معرفة السنن والآثار" اللطحاوي؛ الشيخ العلامة المفتي رشيد الدين إسماعيل بن ¬
المعلم الحنفي -فسح الله في مدته- قال: "عذلتُ (¬1) الشَّيخَ محيي الدين في عدم دخول الحمام، وتضييق عيشه في أكله، ولباسه، وجميع أحواله، وقلتُ له: أخشى عليك مرضاً يعطِّلك عن أشياء أفضل مما تقصده". قال: "فقال: إن فلاناً صام، وعبدَ الله حتى اخضرَّ عظمه". قال: "فعرفتُ أنه ليس له غرض في المقام في دارِنا هذه، ولا يلتَفِتُ إلى ما نحنُ فيه" (¬2). ورأيتُ رجلًا من أصحابه قَشَّرَ خيارةً؛ ليطعمه إياها، فامتنعَ مِن أكلها، وقال: "أخشى أن ترطِّبَ جِسْمي، وتجلبَ النوم" (¬3). وكان رحمه الله لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلةً واحدة بعد عشاء الآخرة، ولا يشرب إلا شربة واحدة عند السَّحر، وكان لا يشرب الماء ¬
[17] المبرَّد (¬1)، وكان لا يأكل/ فاكهة دمشق، فسألتُه عن ذلك، فقال: "دمشقُ كثيرةُ الأوقافِ وأملاكِ مَن هو تحت الحَجْر شرعاً، والتصرف لهم لا يجوز إلا على وجه الغبطة والمصلحة (¬2)، والمعاملة فيها على وجه المساقاة (¬3)، وفيها اختلاف بين العلماء، [ومَن جوزها؛ قال:] (¬4) بشرط المصلحة والغبطة لليتيم والمحجور عليه، والناس لا يفعلونها إلا على [جزء من] (¬5) ألف جزء من الثمرة للمالك، فكيف تطيب نفسي بأكل ذلك؟! " (¬6). ¬
وقال لي الشيخ العارف المحقق المكاشَف (¬1) أبو عبد الرحيم محمد الإخميمي -قدَّس الله روحه، ونور ضريحه-: "كان الشيخ محيي الدين رحمه الله سالكاً منهاج الصحابة -رضي الله عنه-، ولا أعلم أحداً في عصرِنا سالكاً على منهاجهم غيره". وكتب شيخنا أبو عبد الله محمد بن الظهير الحنفي الأربليّ (¬2) -شيخ الأدب في وقته- كتاب "العمدة في تصحيح التنبيه" للشيخ -قدس روحه-، وسألني مقابلته معه بنسختي؛ ليكون له روايةً عنه مني، فلما فرغنا من ذلك؛ قال لي: "ما وصل الشيخ تقي الدين ابن الصلاح إلى ما وصل إليه الشيخ محيي الدين من العلم والفقه والحديث واللغة وعذوبة اللفظ والعبارة" (¬3). ... ¬
14 - فصل
14 - فصل [18] صنَّف رحمه الله كتباً في الحديث والفقه عمَّ النفع بها/، وانتشر في أقطار الأرض ذكرها؛ منها: "المنهاج في شرح صحيح مسلم" (¬1). ¬
ومنها: "المبهمات" (¬1). و"رياض الصالحين" (¬2). ¬
و "الأذكار" (¬1). وكتاب "الأربعين" (¬2). ¬
و"التيسير في مختصر الإرشاد في علوم الحديث" (¬1). ومنها: "الإرشاد" (¬2). ¬
ومنها: "التحرير في ألفاظ التنبيه" (¬1). و"العمدة في تصحيح التنبيه" (¬2). ¬
و"الإيضاح في المناسك" (¬1). و"الإيجاز في المناسك" والمناسك الثالث والرابع والخامس والسادس (¬2). ¬
ومنها: "التبيان في آداب حملة القرآن" (¬1). "ومختصره" (¬2). ومنها: "مسألة الغنيمة" (¬3). ¬
وكتاب: "القيام" (¬1). ومنها: كتاب "الفتاوى" (¬2)، ورتَّبتُه أنا. ¬
ومنها: "الروضة في مختصر شرح الرافعي" (¬1). ¬
ومنها: "المجموع في شرح المهذب" (¬1) إلى باب المصرَّاة. ¬
ومنها كتب ابتدأها، ولم يتمَّها؛ عاجلته المنية: قطعة في "شرح التنبيه" (¬1). ¬
وقطعة في "شرح الوسيط" (¬1). وقطعة في "شرح البخاري" (¬2). ¬
وقطعة يسيرة في "شرح سنن أبي داود" (¬1). وقطعة في "الإملاء على حديث الأعمال بالنيات" (¬2). وقطعة في "الأحكام" (¬3). ¬
وقطعة كبيرة في "التهذيب للأسماء واللغات" (¬1). وقطعةُ مُسَوَّدَة في "طبقات الفقهاء" (¬2). ¬
ومنها قطعة في "التحقيق في الفقه" (¬1) إلى باب صلاة المسافر. ومنها كتاب "المنهاج/ في مختصر المحرر" (¬2) للرافعي، وشرح ¬
ألفاظ منه، ومُسَوَّدات كثيرة (¬1). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
ولقد أمرني مرة ببيع كراريس نحو ألف كرَّاس بخطه، وأمرني بأن أقف على غسلها في الورَّاقة، وخوَّفني (¬1) إن خالفت أمره في ذلك، فما أمكنني إلا طاعته، وإلى الآن في قلبي منها حَسَراتٌ (¬2). ولما اختصر "المحرر" للرافعي رحمه الله المسمى بـ "المنهاج"؛ حفظه بعد موته خلقٌ كثير، ووقف عليه في حياته شيخُنا الأديبُ الفاضل رشيد الدين أبو حفص عمر بن إسماعيل بن مسعود الفارقي (¬3) شيخ الأدب في وقته، فامتدحه بأبيات حسنة، ووقف عليها الشيخ بخطِّه: اعْتَنَى بالفَضْلِ يَحْيَى فاغْتَنَى ... عَنْ بَسيطٍ وَجِيزٍ نافِعِ وتَحَلَّى بِتُقاهُ فَضْلُهُ ... فتَجَلَّى بلَطيفٍ جَامِعِ ناصِباَ أَعْلامَ عِلْمِ جازِماً ... بمقالٍ رافِعاً للرَّافِعِي ¬
15 - فصل
فكَأنَّ ابنَ الصَّلاحِ حَاضِرٌ ... وكأنْ ما غَابَ عَنَّا الشَّافِعِيّ (¬1) وقال لي شيخُنا العلَّامة حجَّة العرب شيخ النُّحاة أبو عبد الله محمد ابن عبد الله بن مالك الجيَّاني رحمه الله وذكر "المنهاج" لي بعد أن كان وقف عليه: "والله لو استقبلتُ مِن عُمري ما استدبرتُ/ لحفظتُه". وأثنى على حسنِ اختصاره، وعذوبةِ ألفاظه (¬2). [20] **** 15 - فصل وكان لا يأخذ من أحدٍ شيئاً، ولا يقبلُ إلَّا مِمَّن تحقَّق دينه ومعرفته، ولا له به عُلْقةٌ (¬3) من إقراء أو انتفاع به؛ قاصداً الخروج من حديث القوس (¬4)، والجزاء في الدار الآخرة، وربما أنه كان يرى نشر العلم مُتعيِّناً عليه، مع قناعة نفسه وصبرها، والأمور المتعيِّنة لا يجوز [أخذ] (¬5) الجزاء عليها في الدَّار الدُّنيا، بل جزاؤه في الدَّار الآخرة ¬
شرعاً؛ كالقرض الجارِّ إلى منفعةٍ، فإنها حرامٌ باتفاق العلماء (¬1). وكنتُ جالساً بين يديه قبل انتقاله بشهرين ونحوها، وإذا بفقير قد دخل عليه، وقال الشيخ: فلان من بلاد (صَرْخَد) (¬2) يسلِّم عليك، وأرسل معي هذا الإبريق لك. فقبله الشيخ، وأمرني بوضعهِ في بيت حوائِجه، فتعجَّبْتُ منه لقبوله، فشعر بتعجُّبي، فقال: "أرسَلَ إلي بعضُ الفقراءِ زَرْبُولًا (¬3)، وهذا إبريقٌ، فهذه ألةُ السَّفَر" (¬4). ثم بعد أيام يسيرة كنت عنده، فقال لي: "قد أُذِنَ لي في السَّفَر". فقلتُ: كيفَ أُذِنَ لك؟ ¬
قال: " [بَينا] (¬1) أنا جالس هنا -يعني بيته في المدرسة الرّواحية، وقُدَّامه طاقة مشرفة عليها- مستقبل القبلة؛ إذ مرَّ علي شخصٌ في الهواء من هُنا، ومرَّ كذا -يُشير من/ غرب المدرسة إلى [21] شرقها-، وقال: قُمْ سافِرْ لزيارةِ بيت المقدس" (¬2). وكنتُ حملتُ كلامَ الشيخِ على سفر العادة، فإذا هو السفر الحقيقي، ثم قال لي: "قم حتى نُوَدِّع أصحابنا وأحبابنا". فخرجتُ معه إلى القبورِ التي دُفن فيها بعض مشايخِه، فزارهم، وقرأ شيئاً، ودعا، وبكى، ثم زار أصحابه الأحياء؛ كالشيخ يوسف الفقاعي، والشيخ محمد الإخميمي، وشيخنا الشيخ شمس الدين ابن أبي عمر شيخ الحنابلة. ثم سافر صبيحة ذلك اليوم، وجرى معه وقائع، ورأيتُ منه أموراً تحتمل مجلَّدات، فسار إلى (نوى)، وزار القدس، والخليل عليه السلام (¬3)، ثم عاد إلى (نوى)، ومرض عقب زيارته بها في بيت والده، فبلغني مرضه، فذهبتُ مِن دمشق لعيادته، ففرح رحمه اللهُ بذلك، ثم قال لي: "ارجع إلى أهلك". وودعْتُه وقد أشرف على العافية يوم السبت العشرين من رجب سنة ¬
16 - فصل
ست وسبعين وست مئة، ثم توفي ليلة الأربعاء المتقدم ذكرها (¬1) الرابع والعشرين من رجب. فبينما أنا نائم تلك الليلة؛ إذ منادٍ ينادي على سدة جامع دمشق في يوم الجمعة: الصلاة على الشيخ ركن الدين الموقع، فصاح الناس [22] لذلك النداء، فاستيقظتُ، فقلتُ: إنا لله/ وإنا إليه راجعون. فلم يكن إلا ليلة الجمعة عشية الخميس؛ إذ جاء الخبرُ بموته فنودي يوم الجمعة عقب الصلاة بموته، وصُلِّيَ عليه بجامع دمشق، فتأسَّفَ المسلمون عليه تأسُّفاً بليغاً؛ الخاصُّ والعام، والمادحُ والذَّامُّ (¬2)، ورثاه الناسُ بمراثي كثيرة، سيأتي ذكرها آخر هذا الكتاب. ... 16 - فصل وكان مواجهاً للملوك والجبابرة بالإنكار، ولا تأخذه في الله لومةُ لائم، وكان إذا عجز عن المواجهة؛ كتب الرسائل، وتوصل إلى إبلاغها، فمما كتبه وأرسلني في السعي فيه وهو يتضمن العدل في الرعيَّة، وإزالة المكوس عنهم، وكتَبَ معه في ذلك شيخنا شيخ الإسلام أبو محمد عبد الرحمن ابن الشيخ أبي عمر شيخ الحنابلة، وشيخنا العلامة قدوة الوقت أبو محمد عبد السلام بن علي بن عمر ¬
الزواوي شيخ المالكية، وشيخنا العلامة ذو العلوم أبو بكر محمد بن أحمد الشريشي المالكي، وشيخنا العارف القدوة أبو إسحاق إبراهيم ابن الشيخ العارف ولي الله عبد الله عرف بابن الأرمني، وشيخنا المفتي أبو حامد محمد ابن العلاَّمة أبي الفضائل عبد الكريم ابن الحرستاني خطيب دمشق وابن خطيبها، وجماعة آخرون، ووضعها في ورقة كتبها إلى الأمير بَدْر الدِّين بيلبك الخَزنْدار (¬1) بإيصال ورقة العلماء/ إلى [23] السلطان الظاهر التُّركي، وهذه صورتها: "بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله يحيى النَّواوي. سلام الله ورحمته وبركاته على المولى المُحْسِنِ ملكِ الأمراء بدر الدين، أدام الله الكريم له الخيرات، وتولاَّه بالحسنات، وبلَّغه من خيرات الآخرة والأولى كلَّ آمالِه، وبارك له في جميع أحواله، آمين. ويُنْهَى إلى العلوم الشريفة (¬2) أنَّ أهل الشام في هذه السنة في ضيقِ عيشٍ، وضَعْف حالٍ، بسبب قلَّة الأمطار، وغلاء الأسعار، وقلّة الغلاَّت والنبات، وهلاك المواشي، وغير ذلك. وأنتم تعلمون أنَّه تجب الشفقةُ على الرعيةِ والسُّلطان، ونصيحته في مصلحته ومصلحتهم، فإنَّ الدِّينَ النَّصيحة. ¬
وقد كتب خَدَمَةُ الشَّرْعِ؛ الناصحون للسلطان، المحبُّون له؛ كتاباً بتذكيره النَّظَر في أحوال رعِيَّتِهِ، والرفق بهم، وليس فيه ضررٌ، بل هو نصيحةٌ مَحْضَةٌ، وشفقة تامة، وذكرى لأولي الألباب. والمسؤول من الأمير -أيده الله تعالى- تقديمه إلى السلطان -أدام الله له الخيرات-، ويتكلم عليه من الإشارة بالرِّفق بالرعية بما [24] يجدُهُ مُدَّخَراً له عند الله: {يَوْمَ تَجدُ كُل نَفسِ مَا عَمِلَت مِن خَير وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَء تَوَدُ لَو أَن بَينَهَا وَبَينَه أَمَدَا بَعِيدا وَيُحَذِرُكم اللهُ نَفْسَه} (¬1). وهذا الكتاب الذي أرسله العلماء إلى الأمير أمانةٌ ونصيحةٌ للسلطان -أعز الله أنصاره-[والمسلمين كلِّهم في الدُّنيا والآخرة، فيجب عليكم الصالُهُ للسُّلطانِ -أعزَّ الله أنصاره-،] (¬2)، وأنتُم مسؤولون عن هذه الأمانة، ولا عُذْرَ في التأخُّرِ عنها، ولا حُجَّةَ لكم في التقصيرِ فيها عند الله تعالى، وتُسألون عنها {يَومَ لَا يَنفعُ مَال وَلَا بنَوُنَ} (¬3)، (يَومَ يَفِر اَلمرِء من أَخيه (34) وَأُمه وَأبيه (35) وَصَاحِبَته وَبَنِيهِ (36) لِكل امرئ مِنْهُمْ يؤمَئذ شَأن يُغْنِيهِ (37)} (¬4). أنتم بحمد الله تحبون الخير، وتحرصون عليه، وتسارِعون إليه، وهذا من أهم الخيرات، وأفضل الطاعات، وقد أُهِّلْتُم له، وساقه الله إليكم، وهو مِن فضلِ الله، ونحن خائِفون أن يزداد الأمر شدَّةَ إن لم يَحْصُلِ النظَرُ في الرِّفقِ بهم. ¬
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)} [الأعراف: 201] " (¬1). وقال تعالى: {وَمَا تفعَلُو مِن خير فَإنَ اللهَ بِه عَلِيم} (¬2). والجماعة الكاتِبون منتظرون ثمرةَ هذا؛ مما إذا فَعَلْتُموهُ، وَجَدْتُموهُ عند الله {إِنَ اَللهَ مع اَلَذِينَ اَتقَوا وَاَلَذِينَ هُم مُحسِنُونَ} (¬3). والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته فلما وصلتِ الورقتان إليه؛ أوقفَ عليهما السُّلطان، فلما وقف عليهما؛ ردَّ جوابَها جواباً عنيفاً مؤلماً، فتنكَّدَت خواطرُ الجماعة الكاتبون (¬4) وغيرهم، فكتب رحمه الله جواباً لذلك الجواب: "بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله رب العالمين/. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم. من عبد الله يحيى النَّواوي. يُنْهَى أن خَدَمَةَ الشرْعِ كانوا كتبوا ما بلغ السلطان -أعز الله أنصاره-، فجاء الجوابُ بالإنكار والتوبيخ والتهديد، وفَهِمْنا منه أن الجهادَ ذُكِرَ في الجواب على خِلاف حكم الشرع، وقد أوْجَبَ الله ¬
إيضاحَ الأحكام عند الحاجة إليها، فقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ (187)} [آل عمران: 187] (¬1). فوجب علينا حينئذٍ بيانه، وحَرُمَ علينا السكوتُ؛ قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)} [التوبة: 91] (¬2). وذُكِرَ في الجواب أنَّ الجهادَ ليسَ مختصّاً بالأجنادِ، وهذا أمرٌ لم نَدَّعِهِ، ولكنَّ الجهادَ فرضُ كفايةٍ، فإذا قَرَّرَ السُّلطانُ له أجناداً مَخْصوصينَ، ولهم أخباز (¬3) معلومةٌ مِن بيت المال؛ كما هو الواقع؛ تفرَّغَ باقي الرعية لمصالحهم ومصالح السلطان والأجناد وغيرهم؛ من الزراعة، والصَّنائِع، وغيرهم (¬4)، الذي يحتاجُ الناسُ كلُّهم إليها، فجهادُ الأجنادِ مُقابِل الأخبازِ المقرَّرةِ لهم، ولا يَحِلُّ أنْ يؤخَذَ مِن الرَّعيَّةِ شيءٌ ما دامَ في بيتِ المالِ شيءٌ؛ مِن نَقْدِ، أو متاع، أو أرضِ، [26] أو ضياعٍ / تباع، أو غير ذلك. وهؤلاء علماء المسلمينَ في بلاد السلطان -أعزَّ الله أنصاره- مُتَّفِقون على هذا، وبيت المال -بحَمْدِ الله- معمورٌ، زادَهُ الله عمارةً وسَعَةً وخيراً وبركةً في حياة السلطانِ المقرونةِ بكمالِ السعادةِ له، ¬
والتَّوفيق والتَّسديد والظهورِ على أعداء الدين، (وَمَا النَّصرُ إلا مِنْ عِندِ اللهِ) (¬1)، وإنما يُسْتَعانُ في الجهادِ وغيرِه بالافتقارِ إلى الله تعالى، واتباع آثار النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومُلازمةِ أحكام الشرع. وجميعُ ما كتبْناهُ -أوَّلاً وثانياً- هو النصيحةُ التي نعتَقِدُها، ونَدينُ الله بها، ونسألهُ الدَّوامَ عليها حتى نَلْقاه. والسلطانُ يعلمُ أنَّها نصيحةٌ له وللرَّعيَّة، وليس فيها (¬2) ما نُلامُ عليه، ولم نكتُب هذا للسطان؛ إلَّا لعِلْمِنا أنَّه يُحِبُّ الشَّرعَ، ومتابعَتَهُ أخلاقَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرفقِ برعيَّتِه، والشفقةِ عليهم، وإكرامِه لآثارِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكلُّ ناصح [للسلطانِ] (¬3) موافِقٌ على هذا الذي كَتَبْناهُ. وأما ما ذُكِرَ في الجواب مِن كونِنا لم نُنكِر على الكفَّارِ حين كانوا في البلاد؛ فكيف يُقاسُ ملوكُ الإسلامِ وأهلُ الإيمان والقرآنِ بطُغاةِ الكفَّارِ؟! وبأيِّ شيءٍ كُنَّا نُذَكِّرُ طغاةَ الكفَّارِ وهُم لا يعتَقِدونَ شيئاً مِن دينِنا؟! وأما تهديدُ الرعيةِ بسبب نصيحَتِنا، وتهديدُ طائفة (¬4)؛ فليس هو المَرْجُوُّ مِن عدْلِ السلطانِ، وحِلْمِهِ/ وأيُّ حِيلة لضعفاء المسلمين [27] المفرَّقين في أقطار ولايةِ السلطان في كتاب كَتَبهُ بعضُ المسلمين النَّاصحينَ نصيحةً للسلطان ولهُم، ولا عِلْمَ لهُم به؟! وكيفَ يؤاخَذونَ بهِ لو كانَ فيه ما يُلامُ عليه؟! ¬
وأما أنا في نفسي؛ فلا يضرُّني التهديدُ، ولا أكبرُ (¬1) منه، ولا يمنَعُني ذلك من نصيحةِ السُّلطانِ، فإني أعتَقِدُ أنَّ هذا واجبٌ علي وعلى غيري، وما ترتَّبَ على الواجبِ؛ فهو خيرٌ وزيادةٌ عند الله تعالى؛ {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39)} [غافر: 39] (¬2)، {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)} [غافر: 44] (¬3)، وقد أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نقول بالحق حيث ما كنا، وأن لا نخافَ في اللهِ لومَةَ لائِمٍ. ونحنُ نُحِبُّ للسلطانِ معاليَ الأمورِ، وأكمَلَ الأحوالِ، وما يَنْفَعُهُ في آخرتِه ودُنياه، ويكونُ سبباً لدوامِ الخيراتِ له، ويَبْقى ذكرُهُ له على ممرِّ الأيام، ويخلُدُ في سننه الحسنة، ويجد نفعَه {يَومَ تَجدُ كل نَفس مَا عَمِلَت مِن خير محضَراً} (¬4). وأما ما ذُكِر من تمهيد [السلطان] (¬5) البلادَ، وإدامتَه الجهاد، وفتح الحصون، وقهر الأعداء؛ فهذا بحمدِ الله من الأمور الشائعة، التي اشترك في العلم بها الخاصَّةُ والعامَّة، وسارَتْ في أقطارِ الأرضِ، ولله الحمد، وثواب ذلك مُدَّخَرٌ للسلطانِ إلى (يَومَ تَجدُ كُل نَفس مَا عَمِلَت مِن خير محُضَراً} (¬6). ولا حُجَّة لنا عند الله تعالى إذا تَرَكْنا هذه النَّصيحَةَ الواجبةَ علينا. والسلام عليكم، ورحمة الله وبركاته. ¬
الحمدُ لله رب العالمين" (¬1). ومما كتبه لمَّا احتيطَ على أملاكِ دمشق -حرسها الله تعالى- بعد إنكاره مواجهةَ السلطان الظاهر، وعدم إفادته وقبوله: بِسْم اللَّهِ الرَّحَمنِ الرَّحِيمِ الحمدُ لله رب العالمين. قال الله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)} (¬2). وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ (187)} (¬3). وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (2)} (¬4). وقد أوجبَ الله على المكلَّفين نصيحةَ السلطانِ -أعزَّ الله أنصارَه - ونصيحَةَ عامَّةِ المسلمين، ففي الحديث الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الدِّينُ النَّصيحةُ؛ للهِ، ولكتابهِ، ورسوله، وأئمَّةِ المسلمين، وعامَّتِهم" (¬5). ¬
ومِن نصيحة السلطان -وفقه الله لطاعته، وتولاه بكرامته- أن تُنْهى (¬1) إليهِ الأحكام إذا جرتْ على خِلافِ قواعدِ الإسلام. وأوجبَ الله [تعالى] (¬2) الشفَقَةَ على الرعيةِ، والاهتمامَ بالضعَفَةِ، وإزالَةَ الضررِ عنهم. قال الله تعالى: {واخفِض جَنَاحَكَ لِلمُؤْمنِينَ} (¬3). وفي الحديث الصحيح: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما تنصَرون [29]، وتُرْزَقون بضعفائكم/" (¬4). وقال - صلى الله عليه وسلم -: "مَن كَشَفَ عن مسلم كُرْبةً مِنْ كُرَبِ الدُّنيا؛ كشَفَ الله عنهُ كُرْبةً مِن كُرَبِ يوم القيامَةِ، والله في عون العبَدِ ما كانَ العبدُ في عون أخيهِ" (¬5). ¬
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهمَّ مَنْ وَليَ مِن أَمْرِ المسلمينَ شيئاً، فرَفَقَ بهِم؛ فارْفقْ بهِ، ومَن شَقَّ عليهمِ؛ فاشْفقْ عليهِ" (¬1). وقال - صلى الله عليه وسلم -: "كلكمْ راعٍ، وكلكم مَسؤولٌ عن رَعِيَّتِه" (¬2). وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ المقْسِطينَ على مَنابرَ مِن نورٍ على يمينِ الرحمنِ؛ الذينَ يَعْدِلونَ في حُكْمِهِم، وأَهليهِم، وما وُلُّوا" (¬3). ¬
وقد أنعم الله تعالى علينا وعلى سائِر المسلمين بالسلطان -أعز الله أنصارهُ- فقد أقامَه لنُصْرَةِ الدِّينِ، والذبِّ عن المسلمين، وأذل بهِ الأعداءَ مِن جميع الطوائِف، وفتحَ عليهِ الفتوحاتِ المشهورةَ في المدةِ اليسيرةِ، وأوْقَعَ اَلرُّعْبَ منه في قلوب أعداء الدين، وسائر الماردين، ومهَّدَ له البلادَ والعبادَ، وقَمَعَ بسببهِ أهلَ الزَّيْغِ والفساد، وأمدهُ بالإعانةِ واللطفِ والسعادةِ. فلله الحمدُ على هذه النعمِ المتظاهرةِ، والخيراتِ المتكاثرةِ، ونسألُ الله الكريمَ دوامَها له وللمسلمين، وزيادَتَها في خير وعافية آمين. [30] وقد أوجبَ الله شكْرَ نِعَمهِ، ووعَدَ الزيادةَ/ للشاكرينَ، فقال تعالى: {لَئن شَكُرتُم لَأَزِيدَنَكم} (¬1). ولقد لَحِقَ المسلمين [بسبب] (¬2) هذه الحَوْطَةِ على أملاكِهم أنواعٌ مِن الضَّرَرِ، لا يمكنُ التعبيرُ عنها، وطُلِبَ منهُم إثباتٌ لا يلزَمُهُم، فهذه الحَوْطَةُ لا تَحِلُّ عندَ أحدٍ مِن عُلماء المسلمين، بل مَن في يدهِ شيءٌ؛ فهو مُلْكُه، لا يَحِلُّ الاعتراضُ عليه، ولا يُكَلَّف بإثباتِه. وقد اشتُهِرَ من سيرةِ السلطان أنَّه يُحِبُّ العملَ بالشرعِ، وُيوصي نُوَّابَهُ به، فهو أوْلى مَن عمل به، والمسؤول إطلاقَ النَّاسِ من هذه الحَوْطَةِ، والإفراجَ عن جميعِهم، فأطْلِقْهُم أطْلَقَكَ الله مِن كُلِّ مكروهِ؛ ¬
فهُم ضَعَفَةٌ، وفيهم الأيتامُ، والأراملُ، والمساكينُ، والضَّعَفَةُ، والصَّالحونَ، وبهِم (¬1) ننصَر، ونُغاثُ، ونُرزَق، وهم سُكَّان الشام المبارك، جيرانُ الأنبياءِ -صلواتُ الله وسلامهُ عليهم-، وسكَّانُ ديارِهم، فلهُم حُرماتٌ مِن جهاتٍ. ولو رأى السُّلطانُ ما يلحَقُ الناسَ مِن الشَّدائِد؛ لاشتَدَّ حُزْنُه عليهِم، وأطلقَهُم في الحالِ، ولم يُؤخرْهُم، ولكن لا تُنْهَى الأمورُ إليهِ على وجهِها. فبالله! أغِثِ المسلمين؛ يُغِثْكَ الله، وارْفِقْ بهِم؛ يَرْفَقِ الله بك، وعجِّلْ لهُم الإفراجَ قبلَ وقوعِ الأمطارِ، وتَلَفِ غَلاَّتِهم؛ فإنَّ أكثَرهُم وَرِثوا هذه الأملاكَ مِن أسلافِهِم، ولا يمكِنُهُم تحصيلُ كتبِ شراءٍ، وقد نُهبَتْ كُتبهم/. [31] وإذا رفقَ السلطانُ بهِم؛ حَصَل له دعاءُ رسولِ الله لمن رفق بأمتِه ونصره على أعدائِه؛ فقد قال الله تعالى: {إن تَنصروا اَللهَ يَنصُركُم} (¬2). وتتوَفَّرُ له من رعيَّتِه الدَّعوات، وتظْهَرُ في مملكَتِه البركاتُ، ويُبارَكُ له في جميعِ ما يقصدُه من الخيراتِ. وفي الحديث عن رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَن سَنَّ سُنة حَسَنَةً؛ فلهُ أجْرُها وأجْرُ مَن عَمِلَ بها إلى يومِ القيامَةِ، ومَن سَنَّ سُنةً سيئةً، فعَلَيْهِ وزْرُها وِوزْرُ مَن عملَ بها إلى يومِ القيامَةِ" (¬3). ¬
فنسألُ الله الكريم أن يوفِّقَ السلطانَ للسُّننِ الحسنةِ التي يُذكَرُ بها إلى يوم القيامة، ويحميهِ مِن السُّننِ السيِّئةِ. فهذه [نصيحَتُنا] (¬1) الواجبةُ علينا للسُّلطانِ، ونرجو من فضلِ اللهِ تعالى أن يُلْهِمَهُ الله فيها القَبولَ، والسلامُ عليكُم ورحمةُ الله. الحمدُ لله رب العالمين، وصلواتُه وسلامُه على سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبِه" (¬2). ومما كتبه رسالةٌ تَتعلَّقُ بالمكوسِ والحوادِثِ الباطلةِ. ومما كتبه رسالة بالأمداء والخيل، وأبطل الله تعالى ذلك على يد من يشاء من عباده في دولة السعيد ابن الظاهر (¬3) -رحمهما الله تعالى-. ومما كتبه بسبب الفقهاء لما رُسِم (¬4) بأن الفقيه لا يكون منزلاً في [32] أكثر/ من مدرسة واحدة، وهذه صورته: ¬
"بسم الله الرحمن الرحيم خَدَمَةُ الشَّرْعَ يُنْهونَ أنَّ الله تعالى أمرَنا بالتعاوُنِ على البر والتقوى، ونصيحَةِ وُلاةِ الأمورِ، وعامةِ المسلمين، وأخذ على العلماء العهد بتبليغ أحكام الدين ومناصحةِ المسلمين، وحثَّ على تعظيمِ حُرُماتِه، وإعظامِ شعائِر الدينِ، وإكرامِ العلماء وتباعِهم. وقد بلغَ الفقهاءَ بأنه رُسمَ في حقِّهِم بأنْ يُغَيروا عن وظائِفِهم، ويُقْطَعوا عن بعضِ مدارِسِهم، فتنكَّدَتْ بذلك أحوالُهم، وتضرروا بهذا التضييقِ عليهِم، وهُم محتاجونَ، ولهُم عِيالٌ، وفيهِم الصالِحِونَ، والمشتغِلونَ بالعلومِ، وإنْ كانَ فيهِم أفرادٌ لا يَلْتَحِقونَ بمراتِب غيرهم، فهم منتَسِبونَ إلى العلمِ، ومشارِكونَ فيهِ. ولا تَخْفى مراتِبُ أهلِ العلمِ، وفضلُهم وثناءُ الله تعالى عليهِم، وبيانُه مزيّتَهم على غيرِهم، وأنهم ورَثَةُ الأنبياءِ -صلواتُ الله وسلامُه عليهِم- وأن الملائِكَة -عليهم السلام- تضعُ أجنِحَتَها لهُم، ويستَغْفِرُ لهُم كُلُّ شيءِ، حتى الحيتانُ. واللائِقُ بالجَنابِ العالي إكرامُ هذه الطَّائِفةِ، والإحسانُ إليهِم، ومُعاضَدَتُهُم، ودفعُ المكروهاتِ عنهُم، والنَّظَرُ في أحوالِهم؛ بما فيهِ الرِّفقُ بهم؛ فقد ثبت في "صحيح مسلم" عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - / أنه قال: [33] "مَن وَليَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيْئاً، فَرَفَقَ بهِم؛ فارْفُقْ به" (¬1). وروى أبو عيسى الترمذي بإسناده عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه كان يقول لطلبةِ العلم: مرحباً بوصيةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬
قال: "إنَّ رجالًا يأتونكُم يتفَقَّهونَ في الدِّينِ، فإذا أَتَوْكُم؛ فاسْتَوْصوا بهِم خيراً" (¬1). والمسؤول أن لا يُغَيَّر على هذه الطائفةِ شيء، وتُسْتَجْلَبَ دعوتُهم لهذه الدولة القاهرة، وقد ثبت في "صحيح البخاري" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "هل تنصَرونَ وتُرْزقونَ إلَّا بضُعفائِكُم" (¬2). وقد أحاطتِ العلومُ بما أجاب بهِ الوزيرُ نظامُ المُلْك (¬3) حينَ أنكَرَ عليهِ السلطانُ صرفَ الأموالِ الكثيرةِ في جهةِ طلبةِ العلم، فقال: "أقمتُ لكَ بها جُنْداً لا تُرَدُّ سِهامُهُمْ بالأسْحارِ". فاسْتَصْوبَ فعْلَهُ، وساعَدَهُ عليهِ. والله الكريمُ يوَفِّقُ الجنابَ [دائماً] (¬4) لمرضاتِه، والمسارعة إلى طاعاتِه. ¬
والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم" (¬1). وله رحمه الله رسائِلُ كثيرةٌ في كُلِّياتٍ تتعلَّقُ بالمسلمين وجزئيات، وفي إحياء سنن نيِّرات، وفي إماتة بدع مظلمات (¬2)، وله كلام طويل في الأمْرِ بالمعروفِ/، والنَّهْيِ عن المنكرِ؛ مواجهاً به أهلَ المراتب [34] العاليات. قال لي المحدث أبو العبَّاس أحمد بن فرح الإشبيلي رحمه الله (¬3) وكان له ميعادٌ على الشيخ -قدَّس الله روحه- في الثلاثاء والسبت، يومٌ يشرح في "صحيح البخاري"، ويومٌ يشرح في "صحيح مسلم"؛ قال: "كان الشيخ محيي الدين قد صار إليه ثلاث مراتب، كل مرتبة منها؛ لو كانت لشخصٍ شُدَّتْ إليه آباطُ الإبلِ من أقطارِ الأرض. المرتبةُ الأولى: العلم، والقيام بوظائفه. الثانية: الزهد في الدنيا وجميع أنواعها. الثالثة: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر" (¬4). ... ¬
17 - فصل: في ذكر المواثي التي رثاه بها العلماء
17 - فصل: في ذكر المواثي التي رثاهُ بها العلماء قرأتُ على شيخِنا العلامة شيخ الأدب أبي عبد الله محمد بن أحمد ابن عمر بن أبي شاكر الحنفي الأربلي رحمه الله (¬1)، وكان مدرِّساً للقايمازية بدمشق: قلتَ -رضي الله عنك- وكان ذلك في العشر الأول من شعبان سنة ست وسبعين وست مئة: عَز العَزاءُ وعَم الحادِثُ الجَلَلُ ... وخابَ بالمَوْتِ في تَعْميرِكَ الأمَلُ واسْتَوْحَشَتْ بَعْدَما كنْتَ الأنيسَ لها ... وساءهَا فَقْدُكَ الأسْحارُ والأصُلُ (¬2) [35] قَدْ كُنْتَ للدينِ نُوراً يُسْتَضاءُ بهِ ... مُسَدداً مِنْكَ فيهِ القَوْلُ والعَمَلُ/ وكُنْتَ تَتْلو كِتابَ اللهِ مُعْتَبِراً ... لا يَعْتَريكَ على تَكْرارِهِ مَلَلُ وكُنْتَ في سُنةِ المُخْتارِ مُجْتَهِداً ... أنْتَ باليُمْنِ والتَّوْفيقِ مُشْتَمِلُ وكُنْتَ زيناً لأهْل العِلْمِ مُفْتَخِراً ... على جَديدٍ كَساهُمْ ثوبُكَ السملُ (¬3) وكُنْتَ أسْبَغَهُمْ ظِلاًّ إذا استْعَرَتْ ... هَواجِرُ الجَهْلِ والإِظْلالُ يَنْتَقِلُ كساكَ رَبُّكَ أوْصافَاً مُجَمَّلَةً ... يَضِيْقُ عَنْ حَصْرِها التَّفْصيلُ والجُمَلُ أَسْلَى (¬4) كَمالُكَ عَنْ قَوْم مَضَوْا بَدَلاً ... وعَنْ كَمالِكَ لا مُسْلٍ ولا بَدَلُ فمِثْلُ فَقْدِكَ تَرْتَاعُ، العُقولُ لهُ ... وفَقْدُ مِثْلِكَ جُرْحٌ لَيْسَ يَنْدَمِلُ زَهِدْتَ في هذهِ الدُّنْيا وزُخْرُفِها ... عَزْماً وحَزْماً فَمَضْروبٌ بكَ المَثَلُ أعْرَضْتَ عَنْها احْتِقاراً غَيْرَ مُحْتَفِلٍ ... وأنْتَ بالسَّعْيِ في أُخْراكَ مُحْتَفِلُ ¬
عَزَفْتَ عَنْ شَهَوات ما لِعَزْم فتى ... بها سواك إذا عنَّت له قبل أَسْهَرْتَ في العِلْم عَيْناً لَمْ تَذُقْ سِنَةً ... إلا وأنت في الحلم مشتغل يا لَهْفَ حَفْل عًظيم كُنْتَ بَهْجَتَهُ ... وحيله فعراه بعدك العطل وطالِبُو العِلْم مِن دان ومُغْتَرب ... نالوا بيمينك منه فوق ما أملوا حَارُوا لِغَيْبَةِ هادِيْهِم وضاقَ بهِمْ ... لفرط حزنٍ عليه السهل والجبل تُرَى درَى تُرْبَهُ مَن غَيبُوهُ بهِ ... أو نعشه من على أعواده حملوا / [36] عَنَّاهُ شُغْلُهُمُ دهراً وعادَ لَهُم ... بلاعج الوجد (¬1) عن أشغالهم شغل يا (مُحْيي الدِّينِ) كَمْ غادرْتَ مِن كبد ... حرى عليك وعين دمعها هطل وكُمْ مُقام كَحَد السَّيْفِ لا جَلدٌ ... يقوى على هوله فيه ولا جدل أَمَرْتَ فيهِ بأمْرِ اللهِ مُنْتَضِياً (¬2) ... سيفاً من العزم لم يصنع له خلل وكلم تَوَاضَعْتَ عنْ فَضْل وعَنْ شَرَفٍ ... وهمةٍ هامة الجوزاء تنتعل عالجْتَ نَفْسَكَ والأدواءُ شامِلةٌ ... حتى استقامت وحتى زالت العلل بَلَغْتَ بالتعَب الفَاني رِضَى مَلِكٍ ... ثوابه فى جنان الخلد متصل ضَيْفُ الكَريَم جَديرٌ أَنْ يُضافَ لهُ ... إلى الكرامة من ألطافه نزل بَرَرْتَ أَصْلَيْكَ (¬3) في داريكَ مُحْتَسِباً ... فقد تكافأ فيك الحزن والجذل (¬4) فَجَعْتَ بالأمْسِ لَيْلَا كُنْتَ سَاهِرَهُ ... لله والنوم قد خيطت به المقل وحَالَ (¬5) نورُ نهارٍ كُنْتَ صائِمَهُ ... إذا الهجير بنار الشمس مشتعل لا زَالَ مَثْواكَ مَثْوى كُل عارِفَةٍ ... وروضه النضر من سحب الرضا خضل (¬6) ¬
إلى مَتَى بغُرورٍ نَطْمِئِنُّ ولا الـ ... مُلوكُ رُدَّ الرَّدَى عنهُمْ ولا الرُّسُلُ [37] ولا حِمىً مِن حِمام (¬1) جَحْفَلٍ (¬2) لَجبٍ (¬3) ... ولا حُصونٌ مَنيعَاتٌ ولا قُلَلُ (¬4) / يا لاهِياً لاهِياً عَنْ هَوْلِ مَصْرَعِهِ ... وضَاحِكُ السن مِنْهُ بَضْحَكُ الأجَلُ لا تُخْلِ نَفْسَكَ مِن زَاد فإنكَ مِن ... حينِ الولادِ مَعَ الأنْفاسِ مُرْتَحِلُ ومَا مَقامٌ يُديمُ السَّيْرَ يَتْبَعُهُ ... إلى مَحَل تَلاهُ سَائِقٌ عَجِلُ (¬5) قال شيخُنا ناظمها: "نجزت -بحمد الله ومنه- خمسة وثلاثون بيتاً". (والجَلَلُ) -بفتح الجيم-: هو الأمر العظيم، ويستعمل في الحقير، وينصرف إلى أحدهما بالقرينة له. قال: (فَقْدُكَ): مرفوع الدال؛ تقديرُهُ: واستوحَشَتْ الأقدار، وساءها الفقدُ (¬6). (السَّمَل) -بفتح الميم-: هو الخَلِق. (عزَفْتَ): أي: مِلْتَ بكراهة. (عَنَّتْ): أي: عرضت. ¬
(اللهَف): الخَوَر. (العَطَل) -بفتح العين والظاء-: هو ضدّ التحلِّي. (هامة الجَوْزاء): أعلاها. (البلاعج) -بكسر الباء الموحدة-: بعارض، وهو الحرق. (بررتَ أصليك في الدارين): من حيث إنهما صبرا على موته، فأُثيبوا عليه. ثم رثاه بأخرى، وخصني بها، وأرسلها إلي تعزيةً لي به؛ لأني كنتُ سرتُ إلى (نوى) صحبةَ قاضي القضاة أبي المفاخر محمد بن عبد القادر الأنصاري رحمه الله لتعزية والده وأقاربه، وأقمتُ عندهم أياماً (¬1)، فلما عدت إلى دمشق؛ كتبها وأرسلها- رحمهم الله:-/ [38] نَبَأ أصَم بهِ وأصْمَى الناعِي ... فَجَنَى على الأبْصارِ والأسْماعِ غَدَتِ النُّفوسُ بهِ شَعاعاً إذْ بَدَتْ ... شَمْسُ الضُّحَى حُزْناً بغَيْرِ شُعاع أَوْدَى بِها خَوْفُ التفَرُّقِ قَبْلَهُ ... ما أشْبَهَ الأوْجالَ بالأوْجاعَ حَل المُصابُ بِرَبِّ كُلِّ فَضيلَةِ ... رَبَّاءِ كُل ثَنِيَّةِ (¬2) طَلاَّعِ هاد إلى السنَن القَويم وسُنةِ الـ ... هادي جَميلِ مَناقِب ومَساعِ (يَحْيىَ) الذي أَحْيا الفَضَائِلَ سَعْيُهُ ... وهَدَى ببارِقِ ذهنِهَ اللماعِ القانِتُ القَوَّامُ والصوامُ والسـ ... ـاعِي بخَطْو في العُلوم وَسَاعِ هانَتْ عِلَى هِمَمِ لهُ إِلِّيةِ ... لكنهاَ عَزتْ عَلى الَأطْماعِ ما زَالَ أوْحَدَ دهرِهِ في عَصْرِهِ ... وإلى سَبيلِ الحَقِّ أفْضَلَ دَاع ¬
طالَ الوَرَى طُرّاً بأعْلَى هِمَّةٍ ... في كل صالحةٍ وأطول باع وشَّاهُمُ (¬1) مُتَحَقِّقاً بِمعارِفٍ ... محمودة الأجناس والأنواع خَبَر جَليل جَلَّ في تَأبِينِهِ ... عن رثية الأشعار والأسجاع قد جُمِّعَتْ فيهِ خِلالُ سَمِيِّه ... ثبوتها بشهادة الإجماع نِعْمَ المَوَفَّقُ كانَ في أَقْوالِهِ ... وفعاله وموفق الأتباع [39] فَقَدَتْهُ والآمالُ فيهِ فَسيحَةٌ ... إذ كان خير ذخيرةٍ ومتاع/ باتَتْ لِفَقْدِ حُنُوِّهِ في وَحْشَةِ ... وعلى الأسى محنية الأضلاع طوْبَى لهُ مِن واصِلِ حَسَناتِهِ ... بالصالحات لليله قطَّاع لَقِيَ المَنونَ لِقاءَ مُرْتاح إلى ... مولاه لا جزع ولا مرتاع يا لَهْفَ مَن كانَ السعيد بقُرْبِهِ ... ومنازل منه خلت ومرباع لا زَالَ مَثْواهُ بصَوْبِ سَحائِبِ الر ... ضوان روضاً دائم الإمراع (¬2) وقرأ الصدرُ الرئيسُ الفاضلُ أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن مصعب رحمه الله بدار الحديث النورية مرثاةً، نظمها وأنا أسمع، وكان قرأ على الشيخ -قدس الله روحه- قطعةً من "المنهاج في مختصر المحرر"، واستنسخ "الروضة" له، وقابلتُ له بعضها مع الشَّيخِ، وأصلحتُ بإملائه رحمه الله مواضع منها: أأكْتُمُ حُزْنِي والمَدامِعُ تُبْديهِ ... لِفَقْدِ امْرئٍ كُلُّ البَرِيةِ تَبْكيهِ رَأى الناسُ مِنْهُ زُهْدَ (يَحْيى) سَمِيِّهِ ... وتَقْواهُ فيما كانَ يُبْدي ويُخْفيهِ ولَمْ يَرْضَ بالدُّنْيا ولا مالَ لحظَةً ... إلى عَيْشِها فالله لا شَك يُرْضِيْهِ فَلَيْسَ لهُ في زُهْدهِ وخُشُوعِهِ ... وتَجْريدِهِ في الناسِ مِثْلٌ يُدانيهِ ¬
تَحَلَّى بأوْصافِ النَّبيِّ وصَحْبِهِ ... وتابعهم هدياً فمن ذا يناويه (¬1)؟ وشَمَّرَ عنْ ساقِ اجْتِهادٍ يُعَلِّمُ الـ ... جهول ويهديه السبيل ويكفيه/ [40] وكانَ رَؤوفاً بالضَّعيفِ وطالبِ الـ ... ـعلوم يوفيه الجواب ويدنيه يُسَرُّ إذا ما سَدَّدَ الخَصْمُ حُجَّةً ... وإن ضل عن قصد المحجة يهديه ومَن جاءَ يَستَفْتيهِ يُمْني مَحَلَّهُ ... ويجلسه بالقرب منه ويفتيه تَصانِيفُهُ في كُلِّ عِلْم بَديعَةٌ ... وأبدع منها ما يقول ويمليه حَديث رسولِ الله والفقْهُ دأبُهُ ... يصنف في هذا وهذاك يرويه وَيتْلو كِتابَ الله سِرّاً وجَهْرةً ... ويفكر في تفسيره ومعانيه يَرَى المَوْتَ حُلْواً في إِماتَةِ بِدْعَةٍ ... وكم سنة أحيا بصدق مساعيه فَطُوبى لهُ ما شانَه (¬2) طيبُ مَطْعَمٍ ... ولا ملبسٍ رقَّت ولانت حواشيه وآثَرَ مَع فَقْرٍ بهِ وخَصاصَةٍ ... على نفسه جوداً بما كان يحويه تَفَرَّقَ في أهْلِ العُلوم (¬3) مَحاسِنٌ ... وقد جمعت أوصافهم كلها فيه شَكَا فَقْدَهُ عِلْمُ الحَدَيثِ وحِفْظُهُ ... وأهلوه والكتب الصِّحاح وقاريه ولاحَ على وَجْهِ العُلومِ كَآَبةٌ ... تخبر أن الدين قد مات مات محييه (¬4) قَضَى ولهُ عِلْمٌ يُجَدِّدُ ذِكْرَهُ ... وينشره فالدهر هيهات يطويه وعَمَّ بِلادَ المُسْلِمينَ مُصابُهُ ... وخصَّ دمشقاً بالرزية ناعيه وكَمْ نِلْتُ مِن خَيْريَّةٍ في حَياتِهِ ... وبعد مماتي فى معادي أرجيه/ [41] وما كُنْتُ أرْجو أن أؤخَّرَ بَعْدَهُ ... فأندبه بعد الممات وأرثيه فلَوْ أنَّهُ يُفْدَى بأهْلي وجِيْرَتى ... ومالي ونفسي كنت والله أفديه ¬
ولكِنَّهُ المَوْتُ الذي قَهَرَ الوَرَى ... فما مِنْهُمُ إلَّا مُجيبٌ لِداعِيهِ إذا عَدِمَ الإسلامُ أشْرَفَ أهْلِهِ ... فحُقَّ لَنا فى ذا المُصاب نُعَزِّيهِ فَحَيَّا الحَيَا قَبراً بهِ راحَ ساكِناً ... ليُرْوَى [ثَرَى] (¬1) ذاكَ الضَّريح وَواديهِ (¬2) ورثاه الفقيهُ الفاضلُ الإمامُ الصدرُ الرئيسُ الأديبُ نجم الدين أبو العباس أحمد ابن شيخنا عماد الدين أبي عبد الله محمد بن أمين الدين سالم بن الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن صَصْرى التَّغْلِبي (¬3) -بالتاء المثنَّاة والغين المعجمة- البلدي في شعبان سنة ست وسبعين وست مئة. وعَتبَهُ بعضُ مشايِخِهِ على ذلك، فبلغَني أنَّه أجابَ عَتَبَهُ بأنَّكَ إذا مُتَّ رَثَيْتُكَ بأحسنَ منها. فلما كان في سنة اثنتين وسبع مئة؛ وليَ قضاءَ القضاةِ بالشام، فتفضَّلَ، وحضرَ مَجْلِسي للحديث بدار الحديث النورية -رحم الله واقِفَها-[في جُمادى الأولى] (¬4)، فأمرتُ قاريءَ الحديث أن يقرأها عليه؛ ليسمعَها الحاضرون منه، وتبركاً بذكر الشيخ -قدس الله روحه- وسمعتُها معهم [42] لأرويها عنه لمن طلب ذلك -إن شاء الله تعالى-/. وتجوز الرواية عن الأحياء بلا كراهة عند جمهور العلماء، وكرهها الشافعي رحمه الله خوف نسيان المروي عنه، واتهام الراوي، والله أعلم. ¬
أعَيْنَي جِدّا بالدُّموعِ الهَوامِلِ ... وجُودِي بِها كالسَّرياتِ (¬1) الهَواطِلِ على الشيخ مُحْيي الدينِ ذي الفَضْل والتقى ... ورَبِّ الهُدَى والزهْدِ حاوِي الفَضائِلِ على قانِتٍ بَرٍّ طَهورٍ مُوَفَّقٍ ... على عالِمِ بالنُّسْكِ والدِّينِ عامِلِ على زاهِدٍ في طاعَةِ اللهِ جاهِدٍ ... على عابدٍ يَبْغِي رِضى اللهِ فاضِلِ على راغِب في الدينِ قدْ رَفَضَ الدُّنا ... فَغَالتْهُ مِنها حادِثاتُ الغوائِلِ وسِيلِي دماً فالدَّمْعُ لَيْسَ بنافِع ... غلِيلي ولا مُطْفٍ أوامَ مَفَاصِلِي لقَدْ كانَ فَرْدَاً في الزَّمانِ مُكَمَّلاً ... عَديمَ نظيرٍ أو شَبيهٍ مُساجِلِ (¬2) لَقَدْ كانَ بَحْراً للفَضائِلِ طامياً ... غَزيرَ عُبابٍ ما لَهُ مِن سَواحِلِ لَقَدْ كانَ ذا فَضْلٍ ونُبْلٍ وسُؤدُدٍ ... سَمَا عَنْ مُساوٍ أَوْ عَديلٍ مُماثِلِ لَقَدْ كانَ عنْ دينِ الإلهِ مُناضِلاً ... فَأكْرِمْ بهِ مِن ديِّنٍ ومُناضِلِ لَقَدْ كانَ في الدُّنْيا الدنيَّةِ زَاهِداً ... فلَمْ يُلْهَ مِنْها قَط يَوْماً بطائِلِ لقَدْ كانَ في الأخْرى العَلِيَّةِ جاهِداً ... فَنَوَّلَهُ مِنْها بأشْرَفِ (¬3) نائِلِ لَقَدْ كانَ بالمَعْروفِ للنَّاسِ آمِراً ... وناهِيَهُم عن مُنْكَراتٍ وباطِل/ [43] فكَم قامَ في الإسلامِ حَق قِيامِهِ ... وما عاقَهُ عْن قَصْده ِعَذْلُ عاذِلِ (¬4) وكَمْ مِن مُقام قامَ فيهِ بنُصْرَةِ الـ ... أنام مَقَامَ الذَّابلاتِ العَوامِلِ وكَمْ لِذَوي الجَاهاتِ واجَهَ مُعْلِناً ... بإِنْكَارِهِ عندَ الضُّحَى والأصائِلِ وكَمْ بالهُدَى والحَقِّ شافَهَ مُنْكِراً ... لمَنْ لَمْ يَكُنْ يُصْغِي لأقوالِ قائِلِ فإنْ هُوَ عنْ رُؤياهُ أصْبَحَ عاجِزاً ... يُبَلِّغُهُ إنْكارَهُ في الرَّسائِلِ تَنَزَّهَ عنْ دُنْياهُ يَرْجو إلهَهُ ... فعَوَّضَهُ عَنْ عاجِلاتٍ بآجِلِ وصَدَّ عِنِ الفاني ليُصْبحَ فائِزاً ... بِباقٍ مِن الأخْرى عَديمِ مُعادِلِ ¬
فلَمْ يَكُ مِن حَظِّ لَهُ في حَياتِهِ ... وذاك على الإخلاص أقوى الدلائل ولَمْ يَكُ يَسْعى في سوى الزهْدِ والتقَى ... وقد كان فيه خير ساعٍ وفاعل ولَمْ يَكُ فعَّالاً سوى الخير والهُدى ... وهاتيك -والرحمن- أفعال عاقل تَعَزوْا جَميعَ الناسِ عنهُ فكُلُّكُم ... مصابٌ به من عالمين وجاهل فكَمْ قامَ فيما نابَكُم مِن مُلِمَّةِ ... وشغلٍ بما فيه من الحزن شاغل على قاصِديكُم بالنوائِب مُنْكِراً ... بلفظ وجيز للمواعظ شامل وكَمْ ذَب عنكُمْ مَرةً وحَماكُمُ ... بقول وعزم مثل حد المناصل (¬1) [44] رَجاءَ ثَواب اللهِ لا قَصْدَ سُمْعَةِ ... ولا لحياء منكم وفواضل/ فأسْكَنَهُ الرحمنُ في دارِ خُلْدِهِ ... وبلَّغه منها أجل المنازل ورَثاهُ بعضُ فضلاء الحنفية (¬2) -رحمهم الله أجمعين-: مُصابٌ أَصابَ القَلْبَ والجَفْنَ أرقا ... وخطبٌ أتى بالحزن والصبر فرَّقا ورُزْءٌ تَفَشَّى المُسْلِمينَ بأسْرِهم ... وسهمٌ إلى عين الشريعة فوِّقا (¬3) فأضْمَى صَميمَ القَلْبِ مِن كُل مُسْلِم ... وأصلا الحشا جمراً من الحزن محرقا ولَمْ يَعْدُ قَلْبَ الشافعيةِ نَصْلُهُ ... وإن كان قد عم المذاهب مطلقا لَقَدْ سَددَ الرَّامي السِّهامَ ولَمْ يَكُنْ ... ليخطي به سهم المنون مفوقا وخَطْبٌ يَجوبُ الأرضَ شَرْقاً ومَغْرِباً ... فأشأم في قطع البلاد وأعرقا ¬
وعَمَّ جَميعَ الأرْضِ مِن كُلِّ وِجْهَةٍ ... وإن خص من دون الأقاليم (جلقا) (¬1) ومادَتْ نَواحي الأرض حُزْناً بأهْلِها ... وكادت قلوب الخلق أن تتمزقا وضاقَ الفَضاءُ الرحْبُ حَتى لَقَدْ غَدا ... كسم خياط (¬2) أو من السم أضيقا وقَدْ حَكَمَتْ أيْدي المَنونِ بِمَنْ كسا ... على الدين والدنيا جمالاً ورونقا ومَنْ كانَ للدِّينِ الحَنيِفي عِصْمَةً ... يرد العدى عنه وللعين مؤنقا (¬3) ومَن كَانَ حَلْياً للزَّمانِ وأَهْلِهِ ... وعقد نظام العلم والحلم والتقى لَقَدْ كانَ رُكْناً للشَّريعَةِ مانِعاً ... يصان به الإسلام طوعاً ومتقى/ [45] وعَيْنَاً لأهْلِ الرُّشْدِ في المَحْلِ هاطِلَاً ... وصوباً (¬4) على أهل الضلاله مصعقا ونوراً لدينِ اللهِ يَهْدِي ذَوي العَمَى ... وبدر تمام في سما الشرع مشرقا وعضباً (¬5) يَصونُ الدينَ مِن كلُ مُلْحِدٍ ... وباغ صقيلاً (¬6) ماضي الحد مطلقا إذا ما انْتَضاهُ الشَرْعُ مِن أَجْلِ حادِثٍ ... فرى هامة الخطب الجسيم وفلَّقا (¬7) لَقَدْ هَفَتِ الأكْبادُ مِنَّا كآبةً ... وطارت أسىً من حزنها وتحرقا وأَوْدَي بِها عُظْمُ المُصاب ولَوْ فُدِي ... لكانت له الأرواح من كلِّنا وقا فأَصْبَحَتِ الأقطارُ واَلكَوْنُ كُلُّهُ ... لفقدك (محيي الدين) بيداء سملقا (¬8) وأَقْفَرَ رَبعُ الزُّهْدِ والجُودِ والنُّهَى ... وربع الحِجَى (¬9) والنسك والدين والتقى أسِفْتُ ولو رَدَّ القَضاءَ تَأَسُّفٌ ... لما كان مما بي إليك تطرقا ¬
رَثَيْتُكَ لا أني ظَنَنْتُكَ مَيتاً ... وكيف وإحياء العلوم هو البقا وكَمْ مَئتٍ أحْيَيْتَهُ بعدَ مَوْتِه ... فأصبح أبداً (¬1) للصواب وأحذقا وكَمْ غامِضٍ أَوْضَحْتَ للناسِ غَمْضَهُ ... وإن كان قد أعيا الإمام المحقِّقا وكَمْ شَنَّفَ الأسْماعَ دُرًّا ولُؤلؤاً ... إذا ما شجى في مجلس منه منطقا بِلَفظٍ يَفوقُ الماءَ مِنْهُ عُذوبَةً ... بل اللؤلؤ الرطب الأنيق المنمقا [46] ومُفْتَقِراً للعِلْمِ أَغْنَيْتَ فَقْرَهُ ... فأضحى غنياً بعد أن كان مملقا (¬2) / وحَيْرانَ في قَفْرٍ مِن الغَيِّ بَلْقَعٍ (¬3) ... هداه إلى سبل الرشاد وطرقا وكَمْ فاجِرٍ قَدْ راضَهُ بتَلَطُّفِ ... فعوض عن ذاك الفجور به تقى (أبا زَكَرِيا) ليسَ للمَرْءِ مَلْجأ ... يرد الردى عنه ولو جر فيلقا فكُل وإنْ طالَتْ جَريدَةُ عُمْرِهِ ... سينسخ في درج المنون محققا أَ (يَحْيىَ) لو أن المَوْتَ يَثْنيهِ عَنْ فَتى ... ثبات جنان لانثنى عنك أخرقا وما مَدَّ صَرْفُ الدَهْرِ نَحْوَكَ باعَهُ ... ولا ضم جنبيك الصفيح (¬4) مُطبقا فَكَمْ مَوْطِنِ قدْ قُمْتَ فيهِ مُجاهِداً ... وطرف الردى فيه إليك (¬5) محدقا لَئِنْ كانَ قَدْ وارى الثَّرَى حُسْنَ خَلْقِهِ ... فغير مطيقٍ أن يواري التخلقا وكَيْفَ يُواري الترْبُ عِلْماً غدا بهِ ... على سعةٍ صدر البسيطة ضيقا فَطُوبى لِقَبْرٍ ضَمَّهُ فَلَقَدْ غَدا ... يباهي به دار المقامة والبقا سَقَا قَبْرَهُ صَوْبَا غَمامٍ ورَحْمَةٍ ... إذا قيل أن قد أقلعا عنه أغدقا (¬6) ¬
ورَثاهُ صاحِبُنا الفقيهُ الفاضِلُ أبو عبد الله محمد المَنْبِجِيّ (¬1) -نَفَعَ الله به- أحدُ فقهاء المدرسة الناصرية بدمشق المحروسة والساكنِ بها، شاعر، أديبٌ، مفلِّق: سُبُلُ العُلوم تَقَطَّعَتْ أسْبابُها ... وتَعَطَّلَتْ مِن حَلْيِها طُلاَّبُها لِمُصيبَةٍ عَزَّ العَزاءُ لها كَما ... في النَاسِ قَدْ جَلَّتْ وجَل مُصابُها/ [47] يا أيُّها الحَبْرُ الذي مِن بَعْدِهِ ... كُلُّ الفَضائِلِ أُغْلِقَتْ أَبوابُها أَضْحَى على الدُّنْيا لِفَقْدِكَ وَحْشَةٌ ... ما اعْتَادها مِن قَبْلِ ذا أَرْبابُها مُسْوَدَّةٌ أيَّامُها مُتَغَيرٌ ... أَحْوالُها مُسْتَوْحِشٌ مِحْرابُها للهِ أيُّ بِحارِ فَضْل غُيِّضَتْ (¬2) ... مِنْ بَعْدِ ما زَخَرَتْ وعَجَّ عُبابُها (¬3) مَنْ للمَسائِلِ أَعْضَلَتْ مَنْ لِلْفتا ... وَى أشْكَلَتْ عَنْ أَنْ يُرَدَّ جَوابُها مَن لِلتُّقَى مَنْ لِلْحيا مَنْ لِلْحِجى ... طُويَتْ لِفَقْدِ أَلِيفها أَثْوابُها قدْ كانَ ذا سَمْتٍ يقرُّ بِحُسْنِهِ ... فِي العَالمينَ شُيوخُها وشَبابُها ومَناقِبٍ مِثْلِ الكَواكِب سَافِرٍ ... عَنْها لحَظِّ النَّاظِرينَ نِقابُها حَسَناتُهُ أَرْبَتْ على قطرِ الحَيا ... فلأجْلِ ذلكَ أتْعِبَتْ كُتَّابُها ما عُذرُ أجْفانٍ عليهِ لَمْ يَدُمْ ... بِنَجيع دَمْع حَسْرَةً تَسْكابُها تَبّاً لِدُنْيا لا يَدُومُ سُرُورُها ... مَعَ أنها لا تَنْقَضي أوْصابُها فَنَعيمُها -أَنَّى نَظَرْتَ- شَقاؤها ... والشهْدُ (¬4) مِنْها -إنْ تُحَقق- صابُها (¬5) وكَذا المَنونُ إذا اعْتَبَرْتَ مَطِيَّةً ... مَرْهونَةً كُلُّ الوَرَى رُكَّابُها ¬
فانْظُرْ لِنَفْسِكَ أيها المَغْرورُ مِن ... يَوم يَطولُ على النفوسِ حِسابُها [48] في مَوْقِفٍ للنَّاسِ صَعْب لَمْ تُفِدْ ... أحسابُها فيهِ ولا أَنْسابُها/ [48] واسْلُكْ كـ (مُحْيي الدينِ) سُبْلَ سَلامَةٍ ... تُقْصيكَ مِن نارٍ يَدُومُ عَذابُها عَزَفَتْ عنِ الدُنْيا الدنيةِ نَفْسُهُ ... وهِيَ التي عَدَدُ الحصى خُطَّابُها وتَخَيَّرَ الباقي على الفانِي وما ... أَصْباهُ مِنْها حَلْيُها وخِضَابُها أَطْنَبْتُ في نَظْمي المَراثيَ بَعْدَهُ ... لَوْ كَانَ تَشْفِي غُلتي إِطْنابُها فَسَقَى ضَرِيحاً حَلَّ فيهِ رَحْمَةٌ ... يَهْمِي على كَرِّ العُصورِ سَحَابُها وأَحَلَّه الرَّحْمنُ عالِيَ جَنَّةٍ ... مَأُنوسَةٍ رِضْوانُهُ بَوابُها (¬1) ورثاه قاريء دار الحديث الأشرفية، والآخذ عنه، الشيخ، الفاضل، المحدِّثُ، أبو الفضل، يوسف بن محمد بن عبد الله (¬2) الكاتب، الأديب، المصري، ثم الدمشقي، وقال: "نَظَمْتُها راثياً مشايخي -رحمَهُم الله تعالى-". وسَمِعْتُها مِن لَفْظِهِ: الحَمْدُ للهِ العَظِيمِ الهَادي ... جَلَّتْ مَحامِدُهُ عَنِ التَّعْدادِ رَبٌّ عَلا في مَجْد وجَلالِهِ ... عَنْ مَنْ يُضاهِيهِ مِن الأنْدادِ جَل الذي هُو واحِدٌ في مُلْكِهِ ... مِن غَيْر صاحِبَةٍ ولا أَوْلادِ خَلَقَ الوَرَى والخَلْقَ إِظْهارَاً لِما ... يَخْفى مِن المُلْكِ العَظيمِ البادِي قَسَمَ الخَلائِقَ كَيْفَ شاءَ فَكُلُّهُم ... مُلْكٌ له مِن رائِح أوْ غادِي [49] فَقَضى لِمَنْ قَدْ شاءَ بالإبْعادِ ... وقَضَى لِمَنْ قَدْ شاَءَ بالإسْعادِ/ وقَضاؤه عَدْلٌ فَلَيْسَ بجائِرٍ ... إذ كانَ مالِكَهُم بِلا تَرْدادِ ¬
رَحِمَ الأنامَ فَأرْسَلَ الرُّسْلَ الكِرا ... م الراشدين بواضح الإرشاد واللهُ شَرَّفَنا [بفَضْلِ] (¬1) نَبِينا الـ ... مبعوث حقاً رحمة لعباد فأتَى بقُرْآنٍ عَظِيمٍ باهِرٍ ... فيه الهدي أكرم به من هاد وحَدِيْثهُ يَشْفِي الصُّدُورَ ونُوره ... تحيى القلوب به (¬2) ويروي الصادي وأقامَ للدِّينِ المُبينِ أَئِمَّةً ... تهدي الورى فهم نجوم بلادي فَوُجودُهُمْ بَيْنَ الخَلائِقِ رَحْمَةٌ ... ومماتهم علمٌ لقرب معاد (¬3) فَالْعِلْمُ مَقبوضٌ بِقَبْضِ نُفوسِهِم ... قد جاء ذاك عن النبي الهادي (¬4) فَلَقَدْ فَقَدْنا سادَةً في دهرِنا ... نور العباد وعصمة الرواد (¬5) ابنُ الصَّلاح إِمَامُنا حَبْرُ الوَرَى ... وبقية العلماء والعباد والشَّيْخ عِزُّ الدِّينِ أوْحَدُ دَهْرِهِ ... وكذا السخاوي الرحيب النادي وكَذا أبو عَمْرِو الإمامُ وشَيْخُنا الـ ... حبر الخطيب ملقب بعماد وكَذا شِهابُ الدِّينِ شَيْخٌ بارعٌ ... في كل علم ثابت الأطواد وكَذاكَ (مُحْيي الدِّينِ) فاقَ بِزُهْدِه ... وبفقهه الفقها مع الزهاد القانِتُ الأوَّابُ والحَبْرُ الذي ... نصر الشريعة دائماً بجهاد/ [50] ¬
تَبْكِيهِ دارٌ للحَدِيثِ وأَهْلُها ... لخلوها من فضله المعتاد لَمْ يَبْقَ بَعْدَكَ للصُّحيحِ مُعَرِّفٌ ... قد كنت فيه جهبذ النقاد مَنْ ذا يُبَيِّنُ مُرْسَلاً مِن مُسْنَدٍ ... أو من حيث عد في الأفراد أوْ كانَ مَقْطوعاً ضَعِيفاً مُعْضَلًا ... أو كان موضوعاً لذي إلحاد أوْ مَنْ يُبَيِّنُ مُنْكَراً في مَتْنِهِ ... أو من يعرف علة الإسناد مَنْ ذا لِدَفْع المُنْكَراتِ وقَدْ غَدَتْ ... بين الأنام كثيرة الترداد أَنْهَكْتَ جِسْمَكَ بالصِّيام مُواظِباً ... وسهرت غير ممتع برقاد تشْفي النفوسَ إذا أجَبْتَ سُؤالَ مَن ... يلقي عليك دقائق الإيراد وزَهَدْتَ في الدُنْيا وفي لَذاتِها ... فكتبت عند الله في الزهاد تَبْكِيهِ جامِعُ جِلَّقٍ لَما خَلا ... منه تهجده على الآباد يا حَبذا تِلكَ الخلائِقُ والنُّهَى ... ما كان أبردها على الأكباد ونَصَرْتَ دينَ اللهِ وَحْدَكَ جَاهِداً ... ودفعت عنه شبهة المراد (¬1) حَتى حَصَلْتَ على عُلوم جَمةٍ ... ونشرت أخبار النبي الهادي بالواضِحاتِ مِن الأدِلةِ جُلُّها ... نص القرآن بذهنك الوقاد [51] أوحِشْتِ جِلَّقُ إذ فَقَدْتِ وَأَهلها ... من بعد أنس خالص ووداد/ تَبْكيهِ صَحْبٌ كانَ يَجْمَعُ شَمْلَهُم ... فيه بشرح شارح لفؤاد يا حَبذا مِنْ مُسْتَشارٍ ناصِحٍ ... بمشورة تأتي بكل رشاد قَدْ كُنْتَ عَيْناً للبلادِ وأهْلِها ... تسقي بك الأرضون عند جماد قَدْ كُنْتَ نوراً للْبَلادِ وأَهْلِها ... قد عاد بعدك مبدلاً بسواد فَبَكَيْتُهُ لَما ثَوى بِثَرَى (نَوَى) ... ونأى فقد أصمى صميم فؤاد فَلَقَدْ سُلِبْناهُ وبُدِّلَ قُرْبُه ... لما حواه لحده ببعاد قَدْ كَان تُسْلِيْنا مَجِالِسُ عِلْمِهِ ... عن سالف الآباء والأجداد أَتُرَى تَعُودُ لَنا لَيالِي أُنْسِكُم ... هيهات لكن ذاك يوم معادي ¬
حُقَّ البُكاءُ على الأنامِ لِفَقْدِهِم ... حُزْناً وحُقَّ تَفَتتُ الأكْبادِ تَرَكُوا مَنازِلَهُم وسَارُوا سُرْعَةً ... تَتْرى كَأنَّهُم حَدَاهُم حادِي غَدَتِ المَنونُ عليْهِمُ فتَتابَعوا ... فكأنَّما كانوا على مِيْعادِ ماذا أؤمِّلُ بَعْدَهم مِن لَذَّةٍ ... تَبْقى وهُمْ كانوا جَميعَ فُؤادِي [يا صائِراً هذا المَصيرَ أَلا اسْتَفِقْ ... مِنْ غَفْلَةٍ تُرْدِي وطُولِ رُقادِ] (¬1) واعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ سُكْناكَ الثَّرَى ... وتَصِيرَ في لَحْدٍ مِن الألْحادِ لا تستطيعُ إذاً لِنَفْسِكَ حِيْلَةً ... واحْذَرْ إِلهَكَ فهْوَ بالمِرْصادِ ما النَّاسُ إلا غافِلونَ عِنِ الهُدى ... في هذهِ الدُنْيا سِوى الزُّهادِ/ [52] يا رَبِّ فاجْبُرْ كَسْرَها فيمَنْ مَضَى ... مِنْهُم وأيْقِظْنا للاسْتِعْدادِ واختِمْ لنا بالخَيْرِ عنْدَ مَماتِنا ... أنْتَ الكَريمُ ومَلْجأ القُصَّادِ والحَمْدُ للهِ المُهَيْمِنِ دَائماً ... ثُمَّ الصَّلاةُ على النَّبيِّ الهَادِي والآلِ والأصْحابِ ثُمَّ سَلامُهُ ... ما غَرَّدَتْ وُرْقٌ على الأعْوادِ (¬2) وقال الأديبُ الفاضلُ المحدِّثُ أبو الحسن عليُّ بن المظفر بن إبراهيم الكِنْديُّ (¬3)، يرثي شَيْخَنا الإمامَ العلاَّمَةَ الحافظَ المُفْتي الزاهدَ الورعَ أنموذجَ الطِّرازِ الأوَّل، محيي الدين يحيى النواوي الشافعي -رضي الله عنه-، متقرباً بذلك إلى الله سبحانه وتعالى: لَهْفِي عَلَيْهِ سَيِّداً وحَصُورا (¬4) ... سَنَداً لأعلامِ الهُدَى وظَهِيرا ¬
ومُجاهِداً ومُجاهِراً في اللهِ لا ... يخشى مليكاً قاهراً وأميرا ومُشَيداً رُكْنَ الشَّريعَةِ ناصِحاً ... بالباقيات الصالحات مشيرا ما إنْ يُبالي راح مَعْذولاً إذا ... نصح الورى لله أو معذورا عَفٌّ عَنِ الدُّنْيا وكَمْ عَرَضَتْ لهُ ... حلا فأولاها قلى (¬1) ونفورا لَمْ يُصْبحِ الوَرِقُ (¬2) المُزَخْرَفُ رائِقاً ... يوماً لدينه ولا النُّضارُ نضيرا [53] هَجَرَ الكَرَى والطِّيِّباتِ تَوَرُّعاً ... إذ قام ديجوراً وصام هجيرا/ ما زالَ بِرُّ الوالِدَيْن شِعارَهُ ... مذ أوتي الحكم المبين صغيرا أحْيا شَريعَةَ أَحْمَدِ وأَفاضَها (¬3) ... فأفادنا نشراً لها ونُشُورا يُفْتي فَيَفْتِنُ كُل حَبْرِ عِلْمُهُ ... مع أنه يهدي الهدى والنُّورا ما ماتَ (يَحْيىَ) إِنَّما جَبَلٌ هَوَى ... فأخاف ذلك يذبُلاً وثبيراً (¬4) ما غاب عنهُ عالِمٌ بَلْ عالَمٌ ... كانت به التقوى أعزَّ نفيرا إِن المَدارِسَ (¬5) وَحْشَةً لِفِراقِهِ ... أضحت دوارس لا تبين دثورا (¬6) وكذا المَساجِدُ بالمصابِيح انْثنتْ ... تبدي عليه حرقةً وزفيرا يا مَنْ رَآه وهْوَ حَيٌّ لَوْ تَرى ... بعد الممات العالم النِّحريرا لَرَأيْتَ ثَمَّ مُسَوَّغاً ومُسَوَّراً (¬7) ... لاقى حياءً وافراً وحُبُورا ذاكَ الشُّحوبُ مِن العِبادَة والأسَى ... في الله صارت (¬8) نضرةً سرورا ¬
تِلْكَ الزَّوايا والثِّيابُ الخُشْنُ قَدْ ... عادَتْ (¬1) عليهِ جَنَّةً وحَرِيرا آهاً على الأوَّاهِ والأوَّابِ مِن ... صِدْقِ المَقالِ لِنَفْسِهِ هِجِّيرى والطَّاهِرِ الأعْراضِ والأغْراضِ لا ... يُبْدي رِياءً للأنامِ وزُورا مَنْ كانَ يُسْتَسْقى (¬2) بيُمْنِ دُعائِهِ ... صَوْبُ الغَمامِ فَيَسْتَجيبُ مَطيرا ودَرَيئةٌ عندَ الحَوادِثِ تَتَّقِي ... [عندَ المُلوكِ بها الوَرَى المَحْذورا] (¬3) [ضَمتْ (نوى) الجولانِ مِن أخلاقِهِ] (¬4) ... نوءاً إذا ضَنَّ السَّحابُ غَزيرا/ [54] فالخصْبُ حالَفَ أَرْضَها حتى كأ ... نَّ الجَدْبَ عَنْها لَمْ يَكُنْ مَشْهورا وتَقَدَّسَتْ بقُدُومِهِ مِنْ قُدْسِهِ ... فِيها فبُورِكَ طاهِراً وطَهُورا (¬5) ورثاه الشيخُ الفاضلُ أبو [محَمَّد] (¬6) إسماعيلُ البُسطي -رضي الله عنه-، وتوفي رحمه الله بعد وفاة الشيخ بأربعة وعشرين يوماً، ودُفِنَ مِن يومه بدمشق (¬7): رزِيَّةُ (مُحْيي الدين) قد عَمَّتِ الوَرَى ... فلَسْتَ تَرَى إلَّا حَزيناً مُفَكِّرا فَطالِبُهُمْ لِلْعِلْمِ يَبْكِي لِفَقْده ... وجاهِلُهُمْ يَبْكي لعُرْفٍ تَنَكُّرا عَزيزٌ عليْنا فَقْدُهُ وفِراقُهُ ... ولكِنْ هِيَ الآجالُ لَنْ تتأخَّرا فَيَا زَوْرَةً قَدْ أَوْرَثَتْنَا تَحَيُّرا ... كَمَا أَوْرَثَتْهُ في الجِنانِ تبَخْتُرا لَقدْ عَطَّلَتْ مِنا دُروساً عَزيزَةً ... كَمَا عَطَّلَتْ أَوْراقَهُ والمَحابِرا وكُنَّا كَعِقْدٍ وهْو واسِطَةُ الضيا ... فَلَمَّا انْجَلى ذاكَ الضِّياءُ تَنَاثَرا ¬
وكانَ كَبَدْرٍ نحْنُ هالَةُ أفْقِهِ ... فلما دنا منه الأفول تغيرا وعاش الذي قَدْ عاش وهُو مُجاهِدٌ ... فلما أتاه الموت مات مهاجرا وفي رابعِ العِشْرينَ مِن رَجَب سَرَى ... إلى الله يا بشراه ذكراً مُعَطَّرا [55] نوى سِتْرَهُ بعدَ المَماتِ تَواضُعاً ... فسار (نوى) حتى ثوى متسترا/ وَبرَّ أباه إِذ فَداه بِروحِهِ ... فيا حبذا براً لديه موفرا تَواضَعَ عِنْدَ المَوْتِ فازْدادَ رِفْعَةً ... ونودي له بعد الصلاة كما جرى وقاضي قُضاةٍ (¬1) المُسْلِمينَ سَعَى لهُ ... إلى قبره بعد الممات وكبرا فتاويهِ كانتْ تُسْتَفادُ بفِعْلِهِ ... فأوجب ذاك الحكم أن لا تكثرا خَمِيْصُ الحَشَا (¬2) مِمَّا بهِ مِن قَنَاعَةٍ ... ولكنه ملآن دُرّاً وجوهراً ذَليلٌ سَاوَى المؤمِنينَ بِليْنِهِ ... عزيزٌ إذا ما الشرع يوما تكدرا تَحَلَّى قَميصَ العِلْمِ مِن فَضْلِ رَبهِ ... فما كان يخفيه بمصقوله ترى فَيا عاتِبيهِ في رَثاثَةِ طِمْرِهِ (¬3) ... فعند صباح القوم يستحمد السرى (¬4) لقدْ شَرَحَ "التنبيهَ" شَرْحاً مُهذَّباً ... وبينهُ للطالبين وفسراً وأَوْضَحَ فيه -قدَّس الله رُوحَه- ... بحسن عباراتٍ وزاد وكثرا وكَمْ مُشْكِلاتِ عُجمَتْ فأَزالَهَا ... بحسن بيان لا حجاج ولا مرا ولا خاصَمَ الأقرانَ يومَ جِدالِهِ ... ولا دق كما قط يوماً على الثرى قَديرٌ على شَرْح الكِتابِ بسُرْعَةٍ ... ويشرح في سطرين إن شئت أشهرا تَصَدَّى لِنَقْلِ اَلعِلْم منهُ تبَرُّعاً ... وكان ثواب الله أوفى وأوفرا [56] وما زالَ في دارِ الحَديثِ مُقامُهُ ... فسار إلى دار المقام لينظرا/ ¬
(رواحِيَّة) كانت مَحَلَّ دروسِهِ ... فراح إلى روح النعيم بما قرا (¬1) فهذا هُو الفَضْلُ المُبينُ حَقيقةً ... وإن كنت في وصفي له لمقصرا سَلامٌ على تِلْكَ المَقابِرِ مِن (نوى) ... لقد جاورت مسكاً ونداً وعنبرا ويا قَبْرَهُ يَهْنيكَ ما حُزْتَ مِنْ تُقَى ... ومن ورع مرض وفقهاً محبراً سُقيتَ الحَيا ما دامَتِ الأرض فمَسْجداً ... وما تليت {إنا وجدنه صابراً} (¬2) جَزَاهُ إِلهِي في الجِنانِ مَساكِنا ... ورضوانه منه عليه له قرا ورَثاهُ تِلميذُه الفقيه المقريء أبو العباس أحمد الضرير الواسطي (¬3) الملقَّب بالجلال: لقَدْ ذَهبَ الحَبْرُ الجَليلُ الموفَّقُ ... وعدنا حيارى والدموع تدفق على رَجُلٍ ما في البَرِيَّة مِثْلُهُ ... فيا عجباً من ذا يجاري ويلحق بِزُهْدٍ وإِحْسانٍ وعِلْم ورأفَةٍ ... وأمر بمعروف وبالحق ينطق ولَمْ تَرْدَعَنْهُ في الإِله مَخافَةٌ ... ولم يخش من خلق لعمري ويفرق لِوَجْهِ إِلهِ العَرْشِ قَدْ كانَ فِعْلُهُ ... [وقد] (¬4) كان ذا قلب من الله يشفق ولكِنَّهُ قَدْ أَتْعَبَ النَّاسَ بَعْدَهُ ... بما قد رأوا منه فذاك محقق فمَنْ لِعُلومِ الشَّرْعِ بعْدَكَ مُوضِحٌ ... لطالبها أنى لها من يحقق / [57] ومَنْ لامْرِيءِ تَبْغي الفَتاوى تَخلُّصاً ... ويجمع شملاً فالصحاب تفرقوا ويا أَسَفَى ضاعَتْ عُلومٌ كَثيرةٌ ... لفقدك (محيي الدين) إني مصدق فأسْألُ رَبَّ العَرْشِ يُؤْويكَ جَنَّةً ... تخلد فيها بالنعيم وترزق ورثاهُ بعضُ الإِخوانِ أَيْضاً (¬5): ¬
شُؤونَ دَمْعيَ لَيْس الصَّبْرُ مِن شاني ... سُحِّي (¬1) أَسىً لا تَشُحِّي (¬2) بالدم القاني يا صاح لَنْ تَنْصَحَ العَيْنانِ رَبَّهما ... إِنْ لَمْ يَقْض مِنْهُما في الحُزْنِ عَيْنانِ مَن ذا يَقارِبُني فى الحُزْنِ بعدَكَ (محـ ... يي الدين) فالسقْمُ أصْماني وأَضْناني والحُزْنُ ماتِحُ (¬3) تأموري (¬4) ومانِحُهُ ... إِنْسَانُ عَيْني والأحْواضُ أَجْفاني أما كَفاني بِتَبْريحٍ الفِراقِ وما ... كابَدْتُهُ مِن صَباباتي وأشْجاني حَتَّى رُميتُ بِرُزْءٍ فتَّ في كَبِدي ... وخانَني جَلَدي فيه وسُلْواني فَلي هُنالِكَ صَعْقَاتُ الكَليع لدَكْ ... كِ الطُّورِ أَعْني بهِ موسى بنَ عِمْرانِ فلا لعاً (¬5) لكَ يا ناعي لعلكَ لم ... تَكُنْ على ثقةٍ مِنْهُ وإِيقانِ لَمْ تَدْرِ وَيْحَكَ مَن تَنْعَى نَعَيْتَ لنا ... بَحْراً حَوا غَايَتَي عِلْمٍ وِإحْسانِ نَعَيْتَ بَدْرَ تَمام يُسْتَضاءُ بهِ ... لمْ يَرْمِهِ دَهْره يَوْماً بنُقْصانِ [58]، لقَدْ وُترْتُ إِماماً عالماً وَرِعاً ... أَعْدَدْته للزَّمانِ الجائِرِ اَلجَاني/ وارحمتا للعلوم بعدَ مَصْرَعِهِ ... فكَمْ لها مِن كآباتٍ وأَحْزانِ! لَهْفي عليهِ لقدْ كانَتْ خَلائِقُهُ ... مَجْبولَةً فيهِ مِن زُهْدٍ وإِيْمانِ إِنْ تَنْقَطِعْ مِنْهُ أَسْبابُ الرَّجاءِ فَلِي ... حُزْنٌ أعانيهِ ما كَرَّ الجَديدانِ لَمْ أَدْعُ صَبْريَ إِلا صُدَّ مُنْهَزِماً ... والدَّمْعُ لم أَدْعُهُ إِلَّا ولَبَّاني سَقْياً لتُرْبَةِ قَبْرٍ ضَمَّهُ فَلَقَد ... ضَمَّ العِظامَ العظامَ القَدْر والشَّانِ أصْبَحْتُ مِن بعد كالطَيْرِ يلْتَمِسُ الن ... هوض أَنى وقَدْ هِيضَ (¬6) الجَناحانِ يا لائِمي إِنَّ قَلْبي عنكَ في شُغُلٍ ... دع الملامَ فما للصَّبِّ (¬7) قَلْبانِ ¬
فَقَدْ سَقَتْني كُؤوسُ الحُزْنِ فادِحَةً ... للنار قادحة في قلبي العاني إِنَّ الاَمامَ الذي في التُّرْب خُطَّ لهُ ... لَحْدٌ وإن عجَّ عن أهل وأوطان مِنْ قَبْلِهِ ما رأَيْنا العِلْمُ منْدَرِجاً ... والزهد والمجد في أثناء أكفان أَحيا الشَّرائِعَ والأَحْكام حيثُ له ... بشرعة المصطفى علم بتبيان نَفْسِي تَطيرُ شَعاعاً مِنْ تَذَكُّرِهِ ... والسقم منتشر فى طي جثماني آهاً لها لوعةً في القَلْبِ مُصْعِدةً ... تنفس الروح عن لفحات نيران كَمْ يَخْفِقُ القَلْبُ مِني حينَ أَذْكُرُهُ ... فلست أنسى أخاً ما كان ينساني سَقْياً ورَعْياً لِقَبْرٍ هِيْلَ فيهِ على ... غصنٍ نضير بماء العلم ريان / [59] يَرْتاحُ قَلْبي لَقَبْرٍ في (نوى) فلَقَدْ ... عيلت إليه صباباتي وأشجاني سُبْحانَ مَنْ بِنَعيمِ الخُلْدِ نَعَّمَهُ ... وبالأسى بعده والبث أشقاني الموْتُ أَرْوَحُ مِن رَوْحِ الحَياةِ ولا ... أقول إنهما من بعده سيان خَطْبٌ تَرَفَّعَ عَنْ شَق الجُيوبِ لهُ ... فقد شققت حياتي دون قمصان خَطْبٌ أَفاضَ فلا أَهْلاً بِمَقْدَمِهِ ... علي جلباب حزن منه غثاني الحمدُ للهِ هذا مِن مَقادرِهِ ... فكل حي عليها هالك فاني لَوْ رَدَّ عنه الرَّدَى باسٌ لَبَادرَهُ ... أسدٌ تبادر من شيب وشبان لكِنَّهُ المَوْتُ غَلَّاب بِكَرَّتِه ... لكل أغلب (¬1) من إنس ومن جان يا مَنْ بهِ يُقْتَدى في كُل مُشْكِلَةٍ ... وما له في علو الشأن من ثاني مَلأتَ قَلْبِيَ حُزْناً لا تُقادُ لهُ ... من بعد فقدك والتسهيد يغشاني قَدْ ساوَرَتْنيَ أفْكارٌ مُبَرِّحَةٌ ... حتى لقد هدمت صبري وجثماني والعَيْنُ باكِيَةٌ بالدَّمْعِ جارَيَةٌ ... وعنك يا سيدي قد عز سلواني أفْضى أَخُونا لِما أَفْضى النَّبِيُّ لَهُ ... وصاحباه وصنواه الشهيدان فأَسْألُ اللهَ رَبِّي أنْ يُبَشِّرَهُ ... برحمة أبداً منه ورضوان ¬
[60] مِني السلامُ عليهِ كُلما سَجَعَتْ ... قُمْرِيةٌ (¬1) هَتَفَتْ مِن فَوْقِ أغْصانِ/ ورثاه بعض المحبين أيضاً (¬2): وجَدَتْ عليكَ [شَريعَةُ] (¬3) الإِسلام ... أسَفاً يُلازِمُها مَدى الأيامِ واسْتَوْدَعَتْ منكَ الرعيةُ في الثرى ... كَهْفَ الأرامِلِ كافِلَ الأيْتامِ ولَقَدْ حَكَمْتَ فكانَ حُكْمُكَ قائماً ... فينا بأمْرِ اللهِ خيرَ قِيامِ تاللهِ ما أخَذَتْكَ لَوْمَةُ لائِم ... في اللهِ حالَ النَّقْضِ والإبرام أعطاكَ رَبُّكَ في كِلا الدارَيْنِ مِن ... قَسْم السعَادةِ أوْفَرَ الأقْسامِ ولَقَدْ حَماكَ مِن النقائِصِ كُلها ... إذْ كُنتَ عنْ شَرْع النبي تُحامِي وسلامَةُ الدُنْيا دليلُ سَلامَةِ الـ ... أخْرَى مِن التبِعاتِ والآثام عَجَبِي لِقَبْرِكَ كَيْفَ لَمْ يَنْهَر لهُ ... لَحْدٌ وفيهِ بَحْرُ عِلْم طامِي (¬4) لَكَ رُتْبَة ٌكَمْ رامَها كُفْؤٌ لها ... فَتَمَنعَتْ وغَلَتْ على المُسْتام ما بالُ دمْعِيَ بعْدَ فَقْدِكَ خَانَني ... حتى المَدامِعُ ما وفَتْ بذِمامي (¬5) أَيْنَ الوفاءُ وما العيونُ قَريحَةٌ ... لما فُقِدْتَ ولا الجُفونُ دوامي أسِفي عليكَ ولو وجَدْتُ وسيلَةً ... تُدْني حِمَاميَ ما كَرِهْتُ حِمامي أما المَدارِسُ فاسْتَمَرَّ ظَلامُها ... إِذْ غابَ عَنْها منكَ بَدْرُ تَمام [61] وكَذا المَسائِلُ عادَ حُسْنُ وُضوحها ... في غايَةِ الإشكالِ والإبهامِ/ ولَقَدْ رَدَدْتَ على الأجانِب حَقَّهُم ... وأخَذْتَ حَقَّا مِن ذَوي الأرْحامِ حُكْمٌ تَنَزه أنْ يُخالِطَهُ الهوى ... إِنَّ الهَوى إِلْبٌ على الحُكَّامِ ما كانَ ما أَعْطَيْتَهُ وسَلَبْتَهُ ... إِلا كَطَيْفٍ زائِرٍ بِمَنامِ ¬
حَذَاراً فَوي الأرْحامِ أَنْ يَعْتاقَكُم ... عَنْ رُشْدِكُم حُلُم مِن الأحْلامِ وأرَى حَقيقةَ عَيْشِهِ كَمَجازها ... ما أَشْبَهَ الإِيجادِ بالإِعدامِ! مَوْلايَ (مُحْيي الدينِ) كَم أَوْلَيْتَ مِن ... نِعَمِ تَعُمُّ العالَمينَ حُسامِ بالرُّغْمِ مِنا أَنْ يَكونَ مُحَجباً ... في التُّرْبِ تحْتَ صفائِحٍ ورُغامِ حَسْبُ المَنايا اُّنهُنَّ فَجَعْنَنا ... في شَيْخِنا ودِعامَةِ الإسْلام قَد رُجتِ الأرْضُ الفضاءُ لِفَقْدهِ ... وتزَعْزَعَتْ برواسيَ الأعْلامِ لو أنهُ يُفْدَى لقَلَّ لهُ الفِدا ... بالناسِ والَأمْوالِ والأنْعامِ إِنْ كانَ قدْ عَلِقَتْهُ أشْراكُ الرَّدَى ... مِن بَعْدِ عِلْمِ نافِذِ الأحْكامِ فلَهُ بأرْبابِ الخِلافَةِ أسْوَةٌ ... وأئِمَّةِ الإِسْلامِ والحُكامِ أيْنَ القُرونُ السالفونَ و (مالِكٌ) ... و (سَريّ) و (الشِّبْلِي) و (البِسطامي) أينَ المُعَمرُ ألفَ عام صاحِبُ الـ ... ـفُلْكِ المُداب بفُلْكِهِ العَوَّام حَتى نَجا ومِن المنيةِ مَا نَجا ... مِنْ بَعْدِ طولِ العُمْرِ والأعْوامِ/ [62] أينَ المُعَمرُ عُمْرَ سَبْعَةِ أَنْسُرِ ... أَيْنَ (الخَليلُ) مُكَسرُ الأصْنامِ أيْنَ (الكَليمُ) المُسْتَجابُ دُعاؤهُ ... بالشامِ حينَ دَعا على (بَلْعام) أيْن النبيُّ (مُحَمدُ) الهادي إلى ... سُبُلِ الهُدَى وحُلولِ دارِ مُقامِ (¬1) لا يُبعِدَنْكَ اللهُ يا شَيْخَ الوَرَى ... وسَقَى ضَرِيْحَكَ كُل غَيْثِ هامِي يا خَيْرَ مَن فُجِعَ الأنامُ بفَقْده ... بعْدَ النبي وبَعْدَ كُل إِمام (1) حاشاكَ تُصْبحُ ضِمْنَ لَحْدِ ضَيِّقٍ ... مِنْ بَعْدِ وُسْعِ مَدارِسٍ لِقيامِ إِنْ كانَ عاجَلَكَ القَضاءُ وصُرِّمَتْ ... مِنْ عُمْرِكَ الأعَوامُ بالأيامِ فَلَقَدْ تَرَكْتَ العَيْنَ بَعْدَكَ ثَرَّة (¬2) ... تَبْكِي لِفَقْدِكَ والقُلوبُ دوامي حَيثْ ثَراكَ سَحَائِبٌ هَطَّالَةٌ ... مَصْحُوبَةٌ بِتَحِيةِ وسَلامِ (1) ¬
وإِذا الحَياءُ أَتَتْكَ مِنْهُ تَحِيةٌ ... في كُلِّ شَهْرٍ مرةً أوْ عامِ فَعَلَيْكَ مِنِّي كُل يَوْمٍ رَحْمَةٌ ... أَدْعو بها وتَحِيتِي وسَلامي وقالَ المهذبُ عمرو بن عليّ الزَّرْعِي (¬1) يَرْثيهِ: أيُّ عُذْرٍ لِمُقْلَةٍ غَيْرِ عَبْرى ... بَعْدَ (يَحيْى) ومُهْجَةِ غَيْرِ حَرى غاصَ بَحْرُ العُلوم بَعْدَ عُباب ... ثُم أضْحَى بعدَ العُذوبَةِ بَحْرا (¬2) [63] أيْنَ عِلْمُ (يَحيْىَ) إِذاَ ماتَ (يَحْيىَ) ... وحَديثٌ على المَنابرِ يُقْرا/ وعَهِدْتُ الدِّيارَ [يُبْكَى] (¬3) عليها ... حينَ تَضْحَى مِن الأَحِبةِ قَفْرا ولَدارُ الحَديثِ تَبْكي عليهِ ... حِيْنَ أضْحَتْ مِن البَلاغَةِ صِفْرا عُطِّلَتْ بَعْدَهُ المَدارِسُ طُرّاً ... مَنْ جَوادِ في حَلْبَةِ الدَّرْسِ أحْرا يُفْحِمُ الخَصْمَ في الجِدالِ بِبَحْثٍ ... يَذَرُ اللوْذَعي (¬4) بالغَيِّ مُغْرى لا يَشوبُ الجِدالَ منهُ بلفْظٍ ... غيرِ فقهٍ وليسَ يَنْطِقُ هُجْرا (¬5) فَقَضى نَحْبَهُ وعاشَ حَميدًا ... رَبَّ فَضْلِ مِن كُلِّ عَيْب مُبرَّا زاهِداً في نَعيمِ دنْياهُ حَتَّى ... يَتَقاضاهُ مِن نَعيم الَأخْرى تَرَكَ الطيِّباتِ في هذهِ الدُّنْ ... ـيا ولَذاتِها لِيُحرِزَ أجْرا وغَدا قانِعاً بأيْسَرِ قُوتٍ ... وهُو عِنْدَ الأنام أعْظَمُ قَدْرا وعَصَى النفْسَ في طِلاب هَواها ... وأطاعَ الإلهَ سَرّاً وجَهْرا يَنْصُرُ الحَق في المَحَافِلِ إِذ ... لا يَسْتَطيعُ الأنامُ للحَقِّ نَصْرا فِبِحَقٍّ تَبْكي العُيونُ عَلَيْهِ ... بِدِماءٍ وتَنْثُرُ الدمْعَ نَثْرا فَلَقَدْ أَوْحَشَ المَجالِسَ مِنْهُ ... صَدْرُهَا الحَبْرُ حيْنَ آنسَ قَبْرا ¬
كُنْتَ للعِلْمِ يا (أبا زٌكَريّا) ... وعاءً وللنوائِبِ [الحادثات] (¬1) ذُخْرا عالِماً عامِلًا وكَمْ رَبِّ عِلْم ... يَعِظُ النَّاسَ وهُو بالوَعْظِ أَحْرى/ [64] كُنْتَ للناسِ في المُلِمَّاتِ ذُخْراً ... أعْظَمَ اللهُ فيكَ للناسِ أجْرا وسَقَتْ قَبْرَكَ السحائِبُ مِمَّا ... وَسَقَتْ مِن بِحارِ ذي العَرْشِ قَطْرا لِتَفوحَ الرِّياضُ حَوْلَكَ طِيْبا ... مِثْلَ ما فاحَ طِيْبُ ذِكْرِكَ عِطْرا ورثاه الحُسين بن صدقة الموصلي (¬2) -عفا الله عنه-: خَطْبٌ ألَم وهَتْ لَهُ الأصْلادُ (¬3) ... وتَفَطَّرَتْ بهُجومِهِ الأطْوادُ وهَمَتْ عُيونُ أوْلي النُّهَى بمَدامعٍ ... مُنْهَلَّةٍ وتَصَدَّعَتْ أكْبادُ هذا أوانُ المَوْتِ فِيما بَيْنَنَا ... مُتَخَيِّرٌ فكأنهُ نَقَّادُ ذَهبَ الإِمامُ العالِمُ الحَبْرُ الذي ... كانَتْ تُحَصِّلُ نَفْعَهُ العُبادُ تَبْكِيكَ يا (يَحْيى) الفَتَاوى دَائِماً ... والسُّنَّةُ البَيْضاءُ والإِسنادُ يا أيُّها الناعِي إِلَيْنا سَيِّداً ... فيهِ جِدالٌ باهِرٌ وجِلادُ مَنْ للمَسائِلِ بعْدَهُ إِنْ أَشْكَلَتْ ... وبِمَنْ سِواهُ يَقْتَدي الزُّهَّادُ ما زالَ بالمَعْروفِ فِيْنا آمِراً ... ولَنا بنورِ عُلومِهِ إِرْشادُ يا (مُحْيى الدِّينِ) الحَنيفِ سقا ثرىً ... واراكَ مِن كَرَمِ الإِلهِ عِهَادُ (¬4) وأَباحَكَ الحُسْنَى وحُسْنَ جِوارِهِ ... مَعَ أهْلِهِ وزِيادةً تُزْدادُ/ ورثاه بعضُ المحبِّين أَيضاً (¬5) /: [65] ¬
حبيب نعاك فَقَلْبُهُ مَقْرُوحُ ... وبكى عليك فدمعه مسفوح وغَدَا يُعَفِّرُ خَدَّهُ بِمَدَامِعِ ... تجري عليك دماً وأنت طريح أَتُرَاكَ يا قَمَراً تَحَجبُ بالثرَى ... وجماله تحت التراب يلوح شاهَدْتُ بَعْدَكَ حَالَ مَن فارقْتَهُ ... أنت الحياة له وأنت الروح مُتَوَجِّعَ الأحْشاء بَرَّحَ حُزْنَهُ ... [أسفٌ] (¬1) يؤجِّج وقده التبرج أمْسَى لَهُ قَلْبٌ كَليمٌ نارُهُ ... يصلى الخليل بها وأنت ذبيح ولَقَدْ رأيْتُكَ فَوْقَ أَعْوادِ الرَّدَى ... وأمامك التهليل والتسبيح والناسُ كالطُّوفانِ وهِيَ سَفِيْنَةٌ ... تجري بأدمعنا وشخصك نوح والكَوْنُ يَنْدِبُ ما أَصابَكَ سَهْمُهُ ... والجو يبكي والغمام ينوح وعَلَيْكَ قَدْ رَقَّ الصَّبَا فَنَسيمُهُ ... قلقٌ بقبرك يغتدي ويروح مُتَصَعدُ الأنْفاسِ إِلا أَنَّهُ ... بجميل وصفك بالعبير يفوح فالآنَ مَثْواكَ القُلوبُ وإِنْ يَكُنْ ... أخفاك عن نظر العيون ضريح حاشاكَ مِن بَعْدِ الوَقارِ بأنْ تُرَى ... ميتاً وأنت معفَّرٌ مطروح لا تُعْرِضَنْ عَنَّا بوَجْهكَ مُغْضَباً ... إن الوداد كما عهدت صحيح [66] لَمْ يَبْقَ خِلٌّ نَاظِرَ أوْ سامِعٌ ... إلا عليك فؤاده مجروح/ وَيوَدُّ لَوْ جُعِلَتْ وِقاءَكَ نَفْسُهُ ... ودوام مجدك بالبقاء صريح ثُمَّ انْثَنَى أسِفَاَ يُرَدِّدُ شَجْوَهُ ... ودموعه فوق الخدود تسوح كَيْفَ التَّصَبُّرُ وهُو فِيْكَ مَلاَمَةٌ ... وبما التسلي وهو عنك قبيح أمْ كَيْفَ [أكْتُمُ] (¬2) فيكَ فَرْطَ تَوَجُّعي ... وأخو الجوى (¬3) بدموعه مفضوح لَوْ لَمْ يكُنْ جَارَ الحِمَى ما شَاقَني ... برقٌ يضيء بسفحه ويلوح ¬
كَلا ولولا طِيْبُ ذِكْرِكَ ما حَلا ... ذكرٌ بسمعي رنده (¬1) والشيح (¬2) فلأبْكِيَنكَ بالدِّماءِ إِذا قَضَى ... دمعي عليك صبابةً وأنوح ولَوِ ارْعَوَيْتُ (¬3) شَرَحْتُ رُزْئي إِنما ... عندي [لمختصر] (¬4) الخطوب شروح فَعَلَيْكَ رِضْوانُ الإِلهِ مُؤَبدا ... يهدي إليك وروحه والروح ورَثاهُ أيضاً بعض الإخوانِ (¬5): سَيْفُ الحِمَامِ على البَرِيةِ مُنْتَضَى ... صبراً وتسليماً بما حكم القضا وأَحَقُّ مَا يَبْدَا اللبِيْبُ بنَفْسِهِ ... إن كان مما يدعي طلب الرضا وأَعَزُّ مَنْ يُبْكَى عليهِ تًأسُّفَاً ... محيي الشرائع نورة ملأ الفضا الزاهِدُ الوَرعُ التقِيُّ ومَنْ بهِ ... عز العزا كالمصطفى والمرتضى ما زَالَ يَقْضِي عُمْرَهُ بلَطَافةٍ ... من خلقه متفضلاً حتى قضى / [67] أذَويهِ لا تَتَجَلدُوا لِمُلِمةٍ ... لو نالت الصخر الأصم ترضرضا لَوْ كانَ (مُحْيي الدِّينِ) (يَحيْىَ) يُفْتَدى ... لفديته بحشاشتي خوف القضا فعَلَيْكَ (مُحْيي الدًينِ) أَوْلَى مَا جَرى ... دمعٌ يفيض وفي الحشا جمر الغضا فَلِمَنْ أعَزِّي والعَزاءُ مُمَنَّعُ ... مني بخطب قد أمض وأمرضا لِلْعالِمينَ العامِلينَ ومَنْ بِهِمْ ... أرجو النجاة من التردي في لظا لكِنني أرْجُو بـ (يَحْيىَ) مِنْهُمُ (¬6) ... غفران ربي من ذنوبي ما مضى ¬
فاسْمَعْ فَرِيْدَ العَصْرِ أكْرَمَ سامعٍ ... قَوْلاً يُريكَ الحَقَّ أَبْلَجَ أبْيَضا قَدْ كانَ أقْرَضَكَ الإِلهُ عُلومَهُ ... في الدِّينِ فاسْتَوْفى الذي قَدْ أفْرَضا إِنْ كانَ (يَحْيىَ) قَدْ حَواهُ لَحْدُهُ ... فكذا الرسولُ وبَعْلُ (فاطِمَةَ) الرضى لِكِنَّ ذلكَ سُنَّةٌ مَحْكُومَةٌ ... بَيْنَ الأنام وذاكَ أُسْوَةُ مَنْ مَضى فَلِيَهْنِكَ البُشْرى بصَبْرِكَ والذي ... تَرْجُوهُ باَلصَّبْرِ الجَميلِ مُعَوَّضا يا سَيِّدي إِن الَرَّزِيةَ لمْ تَزَلْ ... بينَ الأنام على تَصارِيفِ القَضَا لَكنَّ مِثْلَ عَزائِنا في شَيْخِنا ... (يَحْيى) التقَي الزاهِدِ الندبِ الرضى هَلْ عَنْهُ مِن عِوَضِ يَقومُ مَقامَهُ ... هَيْهَاتَ أَنْ يُلْقَى لهُ مُتَعَوَّضَا [68] وجَماعَةَ الإِخوانِ يَدْعو خُفْيَةً ... وتَضَرُّعاً وتَذَلُلاً وتَعَرُّضا/ والرَّبُّ مُطَّلِعٌ وقَدْ سَمِعَ النِّدا ... وأَفاضَ نُوراً ساطِعاً مَلأ الرُّبا فَسَقَى ثَرَى جَدَثٍ حَواهُ عارِضٌ ... ما مَرَّ بالأرَضينَ إلا رَوَّضا وسَما عَلَيْهِ بارِقٌ مِن رَحْمَةٍ ... لَمْ تَخْبُ نارٌ بالإِضا إلا أَضا أسَفِي عَلى مُحْيي العُلوم ونورِها ... ما زالَ صدْراً في العُلُوِّ مُعَرَّضا فلئنْ (¬1) قَضى وعَفَتْ مَراقِي اَلمَجْدِ مِنْ ... آثارهِ فالذِّكْرُ مِنْهُ ما انْقَضا مِنْ نَشْرِهِ عَبِقَ الوُجودُ وإِنَّهُ ... ذُخْرٌ لكُلِّ مُؤَملٍ يَرْجُو الرِّضى ورثَاهُ الفاضِلُ أبو محمد عبد الله الأندلسي رحمه اللهُ (¬2): يا دَهْرُ أقْصِرْ فما أبْقَيْتَ مِنْ ثارِ ... كَمْ ذا تُجَرِّعُ أرْزاءً بتَكْرَارِ غَيَّبْتَ عَنْ دِيْنِنا مُحْيي مَعالِمِهِ ... فَأنْثر زينَتهُ مِن بَعْدِ إِظْهارِ يا فَجْعَةً نكأتْ قَرْحَ الجَوانحِ واسْـ ... ـتَدْمَتْ عُيونُ الوَرَى [مِن] (¬3) خَطْبِها الطَّارِي ¬
تَبْكِي وهَلْ يَنْفَعُ الثكْلى تَعَدُّدها ... أوْ هَلْ يَرُدُّ فقيداً دَمْعُها الجَاري مَن لِلحَديثِ ومَنْ للفِقْهِ بعدَكَ يا ... مَنْ كانَ يَدْحَضُ مَنْكوراً بإنْكارِ مَن لِلْمَعارِفِ مَنْ للعُرْفِ يُظْهِرُهُ ... بِحُسْنِ نُصْح وتَسْلِيكِ وإِعْذارِ مَنْ للزَّهادَةِ والنَّهْج القَويمِ ومَن ... للصَّوْم والنُّسكِ في حِلْم وإِيْثارِ أرْمَضْتَ عينَ عُلومِ كُنْتَ مُصْلِحَها ... فاليَوْمُ مَرْهاؤُها (¬1) تَبْكِيَ بإكْبارِ/ [69] لله درّك كَمْ أحييتَ مِنْ رَمَقٍ ... بِحُسْنِ فَتْوَى وتَفْسيرِ وأَخْبارِ وكمْ عَذَلْتَ أخا جَهْلِ لمَعْذَلَةِ ... ورُضْتَ أَشْوَسَ (¬2) هَذَّاراً (¬3) بإنْذارِ فاليَوْمَ أضْحَى بَدِيُّ الفَضْلِ مُنْتَدِباً ... ومُعْلِمُ النَّفْعِ يَشْكو فَرْطَ إِضْرارِ وللدُّروسِ دروسٌ غَيْرُ مُرتَسَمٍ ... وإِنْسُها مِن تَلافي أنْسِها عارِ ما لي أرى المَوْتَ يَهْوى نَقْلَ صَفْوَتِنا ... عنَّا ويُلْحِقَ أخباراً بأخْبارِ كأنَّ بَيْنَهُمُ مِيعادَ مُجْتَمَعٍ ... أو اسْتَقَلُّوا قِلَىً في هذهِ الدَّارِ كأنَّهُم رَكْبُ سَبْقِ أُعْبِطوا نَفَلَاً ... فأُعْجِلوا عَنْ وَداِع الأهْلِ والجَارِ فَيَا لَها حَسْرَةً تَهْمِي الدُّموعُ لَها ... يَمْضِي الخِيارُ ويَبْقى عِبءُ أَوْزَارِ أعارَنا الدَّهْرُ مِنْهُم مَنْعَةً زَمَناً ... ثُمَّ اسْتَرَدَّ ولمْ نَظْفَرْ بأوْطارِ يا نَفْسُ نوحِي فَما لَلْمَوْتِ باقيةٌ ... لا بُدَّ حاديكِ يَوْماً خَلْفَهُم سارِ ولَيْسَ يُجْدِيكِ إِلا ما ادَّخَرْتِ فَبَا ... درِي قَبْلَ إِرْقالٍ (¬4) وإِحْضارِ (¬5) فإنْ تُعَزَّ يَعِزَّ الصَّبْرُ عَنْكَ وقَدْ ... يَلْقَى المُصابُ تَشَفيهِ بِتَذْكارِ لَقَدْ فَقَدْناكَ فَقْدَ القَلْبِ مُهْجَتَهُ ... والعَيْنِ رُؤيَتَها مِن بَعْدِ إبْصارِ وحَجبَ التربُ تِرْبَ الفَضْلِ واشْتَمَلَ الضـ ... ـريحُ مِنْكَ على كَنْزٍ وَأنْوارِ ¬
[70] فالله يُخْلِفُنا خَيْراً ويأجُرُنا ... إِلَيْكَ مَرْجِعُنا يا خَيْرَ غَفَّارِ/ وفي النبي لَنا وَعْظٌ وصُحْبتِهِ ... صَلَّى عَلَيْهِمْ إِلهٌ خالِقٌ بَارِي ورثاه الفاضل الأديب أبو محمد سليمان بن علي؛ عُرف بالعفيف التلِمْساني (¬1): نَعَمْ بَعْدَ (يَحْيىَ) مَعْهَدُ الفَضْلِ دارِسُ ... فما أنْصَفَتْ إِنْ لَمْ تنحْهُ المَدارِسُ في صَبْرُ مت عندي ويا حُزْنُ فَلْتَعِشْ ... فإن (النواوِي) قَدْ حَوَتْهُ النواوِسُ (¬2) بَكَتْهُ مساعيهِ التي بَذَّت الألى ... سَعَوْا للعُلا في رَكضِهِمْ (¬3) وهُو جالِسُ وناحَتْ عليهِ وُرْقُ أَوْراقِهِ وما ... لهَا مِنْ سِوى الأقلام قَصْبُ مُوايِسُ (¬4) وأقْسِمُ ما نَفْسٌ بَكَتْهُ نَفِيْسَةٌ ... إذا لَمْ تُساعِدْها اَلدُّموعُ النَّفائِسُ تَلَهَّبَ قَلْبُ البَرْقِ والرَّعْدُ صارخٌ ... أَسَىَ ودموعُ الغادِياتِ بَواجِسُ (¬5) وظَلّ وباتَ اللؤلُؤ الرَّطْبُ حاسِداً ... مَدامِعَ فيهِ درُّها مُتَجانِسُ ومَثْوَى الثُّرَيَّا فيهِ قَدْ حَسَدَ الثَّرَى ... فَماذا عَسَى فيهِ تَقولُ المَجالِسُ لَقَدْ كانَ يُحْيى الليلَ (يَحْيىَ) مُسَهُّدُ الـ ... جُفونِ وجَفْنُ النجْم في الأفْقِ ناعِسُ وَيطْوي (¬6) على الدَّاءِ الدفينِ مِن الطوى (¬7) ... أضَالِعَ ما فيها سِوى الذكْرَ هاجِسُ ¬
وُيرْضِي جَليسَ الخَيْرِ مُمْتِعُ بَحْثِهِ ... فَينْقادُ للحَق المُماري (¬1) المُمارِسُ (¬2) فإِنْ تَضْحَكِ الأخْرى سُروراً بمِثْلِهِ ... فوَجْهُكِ يا دُنْيا مِن الفَقْدِ عابِسُ وكُنْتِ به مِثْلَ العَروسِ فأصْبَحَتْ ... لَدَيْهِ مِن الحُوْرِ الحِسانِ عَرائِسُ/ [71] فللهِ غُصْنٌ بَعْدَما تَم زَهْرُهُ (¬3) ... وأَيْنَعَ أَضْحَى رَطْبُهُ وهُو يابِسُ وبَدْرُ تَمام والبُدورُ مَتَى تَغِبْ ... تُرَجَّ وهذا مِنْهُ قَلْبِيَ آيِسُ فأُقْسِمُ ما النُّعْمَى بِها القَلْبُ ناعِمٌ ... عليهِ ولا البُؤسَى بها القلبُ بائِسُ [وهَيْهاتَ لو أنِّي صديقٌ وماتَ لَم ... أعِشْ بَعْدَهُ لما حَوَتْهُ الرَّوامِسُ (¬4) فيا دهرُ هَلْ كانَتْ مَناياهُ أكْؤساً ... مُلِئْتَ بها سُكْراً فرأسُكَ ناكِسُ] (¬5) ويا كُلَّ يَوْمٍ بَعْدَهُ صارَ ليلَةً ... أمَا تَنْجَلِي بالصُّبْح مِنْكَ الحَنادِسُ (¬6) لقدْ أجْفَلَتْ (¬7) غُرُّ المسائِل بَعْدَهُ ... وعَهْدِي بِها مِنَ قَبْلُ وهِيَ أوانِسُ تُطارِدُ مِنْهُنَّ الشَّرودَ كأنها ... مَهاً تَدرِبْها (¬8) بالقِسِي (¬9) الفَوارِسُ ولو أَنهُ فِينا لعُدْنا وكُنَّسُ الـ ... جَواري (¬10) لَدَيْنا لا الظِّباءُ الكَوَانِسُ لهُ في رَسولِ الله والآلِ أُسْوَةٌ ... وأصْحابُهُ عنهُمْ تَقَرّى الفَرادسُ (¬11) ¬
أبَوْا أَنْ يَؤوبوا نَحْوَ دُنْيا دنيةٍ ... ملابسها يغرى بها وهو لابس وكانَتْ لَيالِيهِ كأيامِهِ سَنىً ... فأيامنا مثل الليالي دوامس (¬1) سَقَى عَهْدَهُ عَهْدٌ فإنا عِصابَةٌ ... مدامعها تسقي الذي الحزن غارس وكَيْفَ نُبَكِّيهِ ونَعْلَمُ أنهُ ... على ما إليه صار كان ينافس (¬2) ورثاه تلميذه الفقيه الأديب الأمين سلطان إمام الرواحية (¬3): بَكَتِ العُلومُ لِفَقْدِ مَن أَحْياها ... من بعد طول خمولها وخفاها [72] ذَهبَتْ لمذْهبِهِ المذاهِبُ بعْدَما ... جلَّى مآخذها وشدَّ عراها/ وغَدَتْ مُوَدِّعة لهُ توديعَ مَن ... [قد] (¬4) أقسمت أن لا ينال حباها أفَلَتْ (¬5) شُموسُ سُعودِنا مِن بَعْدِهِ ... والعين فارقها الكرى (¬6) وقلاها يا لَلرِّجالِ رَزيَّةً (¬7) عَمَّت فَلا ... جبرٌ لها من ذا يطيق دوامها قد أظْلَمَ الأفُقُ المُنيرُ لِفَقْد مَن ... حاز الفضائل كلها وحواها أضْحَى على الأقْطارِ مِنْهُ وَحْشَةٌ ... حتى تشابه صبحها بمساها لله أيَّةُ حَسْرَةٍ أبْنا (¬8) بِها ... إذ فارقت تلك النفوس شفاها السيدُ القوامُ والحَبْرُ الذي ... أعيت مناقبه لمن جاراها والناسِكُ القَوَّامُ ذاكَ (¬9) المُقْتَدي ... بأئمةٍ في العلم طاب ثناها ¬
يا مُحْيِياً للدِّينِ بَعْدَ إماتَةٍ ... ومؤيِّداً لشريعةٍ أسْماها يا آمِراً بالعُرْفِ يُرْضِي رَبَّهُ ... بُوِّئتَ مِن دَارِ النَّعِيمِ عُلاها يَبْكِيكَ ذا الليلُ البَهيمُ فطالَ ما ... قَدْ قُمْتَ فيهِ مُسَبِّحاً أوَّاها وكذاكَ صَوْمُكَ في الهَواجِرِ دائباً ... سَيَّانَ عندَكَ حَرُّها وشِتَاها يا زاهِداً نِلْتَ المَعالي والرِّضا ... يا عارِفاً عَيْبَ الدُّنا وفَنَاها أعْرَضْتَ عنها إذ أَتَتْكَ مُطيعَةً ... ورَغِبْتَ في أخْرى يَدُومُ بَقاها خَطَبَتْكَ حُورٌ في جِنانٍ زُينتْ ... لِقُدومِ نَفْسٍ قَدْ زَكا مَسْعاها/ [73] أَلِجَنَّةِ الفِرْدَوْسِ بُشْرَى بالَّذي ... قَدْ حَلَّها طُوبَى لهُ سُكْناها فالسُّنّةُ الغَرَّاءُ تَبْكِي فَقْدَهُ ... إذْ مِنْ أَغاليطِ الرُّواةِ حَماها وكَذاكَ مَذهْبُ ابنِ إدْريسَ الذي ... فاقَ الأئمَّةَ سُؤدَداً فَعَلاها فاليَوْمَ بُنْيانُ القَواعِدِ قَدْ هَوى ... مِنْ بَعْدِ تَشْييدٍ وحُسْنِ بِناها مَنْ للمسائِلِ كاشِفاً عَنْ سِرِّها ... إذْ أعْضَلَتْ وتَعَسَّرَتْ فَتْواها قدْ كُنْتَ توضِحُها بلَفْظٍ موجَزٍ ... فيَطيبُ مِنْكَ جُدَّادها (¬1) وجَنَاها وإذا تَحِلُّ بنا النَّوازِلُ مَنْ لَنا ... في رَفْعِها عَنَّا وحَلِّ عُراها أَمْ مَنْ تُرَضِّيهِ لدَفْعِ كَريهَةِ ... يَوْماً إذا ما عَمَّنا بَلْواها قَدْ كُنْتَ (مُحيي الدين) حِصْناً مانِعاً ... عَنَّا فَوا أسَفا عليكَ وآها فَلَقَدْ غَدَوْتَ مُكَرَّماً في صُحْبَةٍ ... كانَتْ نُفوسُهُمُ لَدَيْكَ سَفاها فالآنَ شُتِّتَ شَمْلُهُم وتَفَرَّقوا ... حَيْرَى سُكارَى ليْسَ مِنْ صَهْباها (¬2) فلَوْ أنَّ نَفْساَ تُفْتَدى لَفَدَتْكَ مِن ... كَأسِ الحِمامِ نُفوسُنا بِدِماها لكِنَّ كاساتِ المَنونِ دَوائِر ... لَمْ يَعْدُها مَنْ لِلْحُصونِ بَناها قَدْ أَكْثَرَتْ فيكَ الرُّثاةُ وما أرى ... تُجْدي سِوَى تَذْكَارِهَا وغِناها ¬
[74] رَوَّى الإلهُ تُرابَ تُرْبَتِك التي ... بك قد علت شرفاً وطاب شذاها/ وأتَتْكَ مِن رَب العِباد تَحِيةٌ ... حتي المعاد صباحها ومساها ورثاهُ بعض المحبين رحمه الله (¬1): سَلْ رَبْعَ (¬2) دارٍ قَدْ خَلَتْ إنْ أخْبَرا ... عن أهلها وبأهلها ما قد جرا رَحَلوا فَلِمْ لا وَدَّعوا أترى بهم ... يا دار غلس ركبهم أم هجرا أمْ في دُجُنَّة لَيْلِهِم كَي لا يرا ... هم حاسدٌ ومكاشحٌ بهم سرى يا دارُ ما صنَعَ الزمان فحَدِّثي ... عنهم بصدق لا حديث مفترى ففهِمْتُ مِنها حيثُ لَمْ تَنْطِقْ إذا ... نزل القضاء فأيما عين ترى لا تَسْألني واسألِ الأقْدارَ هَلْ ... منهن يحمي مزدرى أو مدرى سَلْ أيْنَ (سابورٍ) و (شابورٍ) وَكَمْ ... (كسرى) تخوَّنه الزمان و (قيصرا) ما أضْعَفَ الإنسانَ بَلْ عَجبٌ لهُ ... يختار أن يبقى وليس مخيرا ولَقَدْ أتَانا عَنْ فَرِيد زَمانِهِ ... خبرٌ فأرق للجفون أسهرا جافى الجُنُوبَ عَنِ المَضاجِعِ ذِكْره ... ونفى الرُّقاد عن العيون ونفرا يا لَيْتَ قَبْلَ سَماعِهِ أسْماعُنا ... صُمَّتْ وأعياننا لذلك لا ترى يا مخبِراً (¬3) عن هُلكِ (مُحْيي الدينِ) ما ... تخشى وتستحي به أن تجهرا [75] وشَقِيْقَةٍ أفْزَعْتَها لَمَّا أتى النـ ... ـاعي به إذ قمت أمشي القهقرى/ وأعَضُّ مِنْ وَجْدٍ عليهِ أنامِلي ... وأهيم منه تأسُّفاً وتحسُّرا قالَتْ أوَيْحَكَ ما دهاكَ وما الذي ... لك قد أصاب وما الذي لك قد عرا فأجَبْتُها ثَكِلَتْكِ أمُّكِ تَسْألي ... عمَّا جرا لي هل قليلٌ ما جرى هذا دِعامَةُ دِيْنِنا بلْ كَسْره ... إن الرَّزيَّة فيه أم حبوكرى (¬4) ¬
لا تَحْسَبيهِ مِن الهِضاب فإنهُ ... -لمن الجبال- هو المنيعات الذُّرى عَلاَّمَةٌ ولَئِنْ يَكُنْ علماؤنا ... جُمَّا فكل الصيد في جوف الفرا (¬1) (يَحْيَى) وما أدْراكَ ما (يَحْيىَ) إذا ... عُدَّتْ مآثره التي لن تحصرا لله قَبْرٌ عَنْ مَيامِنِ جاسِم (¬2) ... واروا به جثمان أشعث أغبرا أَتُرَى الذي واراه في ذاكَ [العَراً] (¬3) ... أدرى لمن وارى به أم ما درى قَبَروا الفَضَائِلَ كُلَّها في لَحْدِهِ ... والفضل ما من حقِّه أن يقبرا ومُغسِّلٍ ماذا أرادَ بغُسْلِهِ ... إذ كان من دنس الذنوب مطهرا هذا الثناءُ عليكَ (يَحْيى) دائماً ... منا فطيَّبه الإله وكثَّرا ولَئِنْ تَمُتْ أحْيَيْتَ مَجْداً لم يَخَفْ ... بتغيُّر الأيام أن يتغيَّرا ولَئِنْ تَكُنْ وُدِّعْتَ غَيْرَ مُذَمَّمٍ ... وحصلت فيما بين أطباق الثرى لَكَ أسْوَةٌ بالمُصْطَفى المُعْطَى بِيَو ... م العرض هذاك اللِّوا والكوثرا/ [76] ولَقَدْ عَلِمْتَ بأنَّ تلْكَ سَجِيَّةٌ ... من عادلٍ ساوى (¬4) بها بين الورى ساوى (4) بها بَينَ الحَقيرِ وبَيْنَ مَن ... بالمجد والعزِّ ارتدى وتأمَّرا ولحِقْتَ فَضْلاً مَن تَقَدَّمَ حَيْثُ [مِن] (¬5) ... أعمارهم قد كان عمرك أقصرا لَم يُثْمِرِ العِلْمُ الشريفُ لعالِمٍ ... فيما رأينا مثل ما لك أثمرا وقَّرْتَهُ بالزُّهْدِ ثُمَّتَ بالتُّقَي ... فنرى كما وقَّرته لك وقرا وسَهِرْتَ إذ نِمْنَ العُيونُ وإنَّهُ ... عند الصباح ليحمد القوم السُّرَى ولَتِلْكَ مَوْهِبَةٌ خُصِصْتَ بها ولو ... كانت بتشميرٍ لكل شَمَّرا ولَقَدْ تَرَكْتَ الأهْلَ والأصْحابَ في ... موتٍ لفقدك لو تشاهد أحمرا ¬
أجْفانُهُم يا ويحَهُم قَدْ حالَفَتْ ... طُولَ السُّهادِ (¬1) وحَرَّمَتْ طيبَ الكَرى ولَئِنْ عليْكَ تَفَتَّتَتْ أكْبادُنا ... وتَقَطَّعَتْ مِن شأنِنا أنْ نُعْذَرا أسَقى الغَمامُ (نوى) وعَمَّم أرْضَها ... حَتى ضَريحُكَ لَمْ يَزَلْ رَطْبَ الثرَى سُحُبٌ تَروحُ وتَغْتَدي مَشْحُونَةً ... ماءً ورَيْحاناً ومِسْكاً أذْفَرا ورثاهُ بعضُ المدرِّسين بالبادرائيَّة (¬2) بدمشق رحمه الله: سَقَى قَبْرَ يَحْيىَ في (نوي) كُل مُسْبِلٍ (¬3) ... مِن الغَيْثِ عَرَّاض (¬4) البَوارِقِ هَتَّانُ (¬5) [77] ولا زالَ قَبْرٌ حَل فيهِ يَحِلُّهُ ... مِن اللهِ رِضوانٌ ورَوْحٌ وريحانُ/ حَوَى كاشفاً والنَّاسُ في غَفَلاتِهِم ... فَحازَ الهُدَى (يَحْيىَ) و (يَحْيىَ) لهُ شانُ إذا سَخَنَتْ عَيْني بخِلٍّ (¬6) فَقَدْتُهُ ... فلا بانَ (¬7) خُلاَّني الثِّقاتُ بَلى بَانوا وقَدْ كانَ لي حزنٌ يُكَدِّرُ (¬8) عِيْشَتي ... فها أنا ذا لي مِنْ فِراقِيَ أحْزَانُ لَقَدْ أنْجَبَتْ فيكَ ابنَةُ القَوْمِ إذْ أتَتْ ... بِمِثْلِكَ واسْتَعْلَتْ على الأرض حَوْرانُ ورثاه بعض المحبين في الله تعالى رحمه الله (¬9): ¬
بَكا العِلْمُ حيناً بعدَ حِينٍ على (يَحْيَى) ... وآلى (¬1) يَميناً بعدَهُ لَمْ يَكُنْ يَحْيا وأُزْلفَتِ الجَنَّاتُ والحَورُ زُخْرِفَتْ ... سُروراً بمَنْ أنْكَى لنُقْلتِهِ العُلْيا رُزِئنا بمَنْ فيهِ فوائِدُ جَمَّةٌ ... تَقِي نَقِي راغِبُ الزُّهْدِ في الدُّنْيا عَليمٌ بأخْبارِ النبي وعالِمٌ ... بها وسَديدُ القَوْلِ في مُشكِل الفُتْيا لهُ دَرَجاتُ العِلْم والزُّهْدِ والتُّقَى ... وتَصْنيفُ مَن حازَ العُلومَ وما [أَعْيا] (¬2) أضاءَتْ مِن "المِنهاج" مِنَّا مَناهِجٌ ... وراحَتْ بهِ عينُ الرِّيا والرَّدِى عَمْيا وبَثَّ لنا مِن نَشْرهِ آيَ "رَوْضَةٍ" ... على زَهْرها مِن زُهْدهِ دائماً بُقْيا سقى الوابِلُ الوَسْمِي (¬3) أرضَ نَوى نَوا (¬4) ... كَما حَلَّ فيها صادق الرَّأي والرُّؤيَا وحَيَّا الحَيا ذاكَ الضَّرِيحَ ومَنْ بِهِ ... وسُقْياً لأرْضٍ حَلَّ في رَبْعَها سُقْيا ورثاهُ بعضُ المحبين في الله تعالى رحمه الله (¬5):/ [78] بانَتْ مَسَرَّاتُنا مُذْ بانَ إخوانُ ... فأيْنَ مُعْتَبِرٌ فالدَّهْرُ حَيْرانُ قدْ فارَقَتْ مِن نواحي الأرْضِ ساداتُها ... وغُيِّرَتْ بعْدَهُم للدَّهْرِ أزْمانُ قَدْ نُقِصتْ مِثْلَ ما قَدْ قال ننقُصُها ... أطْرافَها (¬6) فَافْتَكِرْ ما قالَ دَيَّانُ ¬
أيْنَ الذينَ هُمْ كانوا ذَوِي حِكَمٍ؟ ... قد بان من قولهم للدين تبيان أيْنَ الدين أقاموا الدِّينَ واجْتَهَدوا ... ولم يكن دأبهم غير الذي دانوا بانُوا جَميعاً ولا أرْجُو رُجوعَهُمُ ... فدمعتي أصبحت حمراء مذ بانوا يا (محييَ الدين) مُذْ فارَقْتَنا عَجِلاً ... قد هُدِّمَتْ لمشيد الدين أركان أَرْكانُ بُنيانِهِ عَنْدَ النَّوَى عُدِمَتْ ... فكيف يبقى ولا أركان بنيان قَدْ كُنْتَ في هذه الدُّنْيا على سِيَرٍ ... لم يستطع مثلها في الدهر إنسان زَهِدْتَ فيها ولَمْ تُخْدع بِزُخْرُفِها ... ودام منك على الأصحاب إحسان الناسُ في راحَةِ الدنْيا ولَذَّتِها ... وأنت عند جهاد النَّفس تعبان وَهُمْ على دَعَةٍ في طيبِ مَرْقَدِهِمْ ... وأنت في حل علم الدين سهران وأيْنَ ما كُنْتَ قد حازَتْ ملائكَةٌ ... حول المكان ولم يقربك شيطان وكُنْتَ بَحْراً مُحيطاً للحَدِيثِ لَنا ... يفيض من موجه دُرٌّ ومرجان [79] وكنْتَ في المذْهَب المَنْصورِ مُجْتَهِداً ... وعنك ينقله شيبٌ وشبان/ لو كان يَلْقاك مِمًّنْ قَدْ مَضَى أحَد ... من الصحابة أو ممن له شان لكانَ (طَلْحَةُ) فيما قُلْتَ مَرْتَضِياً ... وكان يثني عليك الحبر (سلمان) وكان مَهْما رآكَ (الشافِعِي) فَرِحاً ... وكان ينصفك البحَّاث (نعمان) قَدْ كنْتَ كاسْمِكَ (مُحْيي الدين) مُجْتَهِداً ... ومن دعائك نال النصر فرسان سَلَكْتَ بينَ الوَرى سُبْلَ النجاةِ وقَدْ ... أقرَّ فيك لسان الوحي قرآن بأنَّ جاهَكَ عندَ اللهِ مُرْتَفِعٌ ... وأن حظك من ذي العرش غفران يَوْماً تكونُ عُصاةُ الناسِ قدْ جُمِعَتْ ... والنار ذات لظىً والرب غضبان يَفِر ُّكُلُّ امرىء مِنْ هَوْلِ مَصْرَعِهِ ... من ابنه وأخيه وهو حيران قَدْ فُتِّحَتْ لِلْوَرَى أبوابُ هاوِيَة ... ونارها انتشرت والجسم عريان فعِنْدَ ذاكَ بلا ريبٍ عَلى عَجَلٍ ... بالبشر من ربِّنا يأتيك رضوان وقَدْ تَرَى جَنَّةَ الفِرْدَوْسِ قد فُتِحَتْ ... وعمَّ من طيبها روحٌ وريحان تَدُومُ فيها بأفراحٍ على أبَدٍ ... ومنك في فرحٍ حُورٌ وولدان
18 - فصل
مَتَى ذَكَرْنَاك قَدْ فاضَتْ مَدامِعُنا ... حَتى جَرَتْ مِن دموعِ العَيْنِ غُدْرانُ يَنُوحُ كُل امرىءٍ مِنْ فَرْطِ لَوْعَتِهِ ... حَتَى لَقَدْ قَرِحَتْ بالدمْعِ أجْفانُ مَن لا يَنوحُ إذا باتَتْ أحِبتهُ ... أوْ لا يَسيلُ على خَدَّيْه عِقْيانُ/ [80] الناسُ طُرّاً على ذِكْراكَ [في] (¬1) حُرَقٍ ... وليسَ يَعْرِضُ في ذِكْراكَ نِسْيانُ قَدْ سالَ بَحْرُ دماءٍ مِن لواحِظِهِم ... مُذْ قامَ مُكْتَئِباً يَرْثيكَ (عُثْمانُ) عَساكَ تَشْفَعُ فيهِ حَيْثُ قامَ غَداً ... لِيَنْمَحِي ذَنْبُهُ فاللهُ رَحْمانُ فإنهُ مُذنِبٌ عاصٍ ومُعْتَرِفٌ ... وقد ْمَلا صُحْفَهُ سُوءٌ وعِصْيانُ يا نَفْسُ لا تُخْدَعي باللهْوِ واتَّعِظي ... فإن رِبْحَكِ عندَ اللَّهْوِ خُسْرانُ كَمْ مِن أناسِ مِن الأخْبار قَدْ عُدِموا ... كأنَّهُمْ ساعةً في الدَّهْرِ ما كانوا لا تَطْمَعي في البقايا نَفْسُ بَعْدَهُمُ ... فإن كُل الوَرَى في الدَّهْرِ ضِيفانُ ... 18 - فصل لما توفِّيَ رحمه الله ودُفِنَ؛ أرادَ أهلُهُ وأقاربهُ وجيرانُه أن يبنوا على ضريحه قُبَّةً، وأجمعوا على ذلك؛ إذ جاء رحمه الله في النوم إلى أكبر امرأةٍ من قرائبه -أظنُّها عمَّتَه- وقال لها: "قولي لأخي والجماعة لا يفعلوا هذا الذي قد عَزَموا عليه من البنيان؛ فإنه كُلما بنوا شيئاً؛ يُهْدَمُ عليهم". فانتبهَتْ منزعجةً، فقصَّتْ عليهم الرُّؤيا، فامتنعوا من البنيان، وحوَّطوا على قبره بحجارةٍ تمنع الدَّوابَّ وغيرها (¬2). ¬
وقال لي جماعة من أقاربه وأصحابه بـ (نوى): إنهم سألوه يوماً أن لا ينساهم في عَرَصات القيامة، فقال لهم: "إنْ كانَ ثَمَّ جاهٌ، والله لا [81] دَخَلْتُ الجنة وأحدٌ / ممن أعرفه ورائي، ولا أدخُلُها إلَّا بعدَهم". فرحمه الله، ورضي عنه، لقد جَمَعَتْ هذه الحكايةُ من الأدب مع الله عز وجل ومن الكرم ما لا يخفى على متأمِّل فطن (¬1). ... 19 - فصل كنتُ يوماً بين يديهِ لتصحيح درس عليه في "مختصر علوم الحديث" الأصغر له، فلما فرغتُ منهُ؛ قال لي: "رأيتُ الليلةَ في المنامِ كأنِّي كنتُ سابحاً في بحرِ، وكأني خرجتُ منه إلى شاطيء، وإذا ¬
أنا بشخص قد غرق فيه، وقد تعلَّق بخشبة على وجهه لحظةً، ثم غرق". قلتُ: يا سَيدي! علمتَ الشخصَ مَن هُو؟ قال: "نعم". قلتُ: مَن هُو؟ قالَ: "ابن النَّجَّار". قلتُ: فما أوَّلْتَه؟ قال: "يظهَرُ قليلًا، ثم يَخفى خَفاءً لا ظُهورَ بعدَه، مع نفاقِ قلبهِ". وكان مِن قصَّةِ المذكور أنَّه سعى في إحداث أمورٍ على المسلمين باطلة، فقام الشيخُ -قدَّس الله روحه- مع جماعة من علماء المسلمين، فأزالوها بإذن الله تعالى، ونصرَ الله الحقَّ وأهله، فَغَضِبَ لذلك؛ لكراهيتِه مصلحة المسلمين، ونصيحَة الدين، وبعثَ إلى الشيخِ يهَدِّدُهُ، ويقول: "أنت الذي تحزِّبُ العلماء عَلى هذا". فكتَبَ إليه الشيخ -قدَّسَ الله روحَهُ- كتاباً هذا صورَتُه: بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله رب العالمين. من يحيى النووي. اعلم أيها المقصِّر فى التأهُّب/ لمعادِه، التاركُ مصلحَةَ نفسه في [82] تهيئةِ جهازِهِ له وزاده، أني كنتُ لا أعلمُ كراهَتَكَ لنُصْرَةِ الدين، ونصيحةِ السلطان والمسلمين؛ حملًا منِّي لك على ما هو شأنُ المؤمنين؛ مِن إحسانِ الظنِّ بجميع الموحِّدين، وربما كنتُ أسمعُ في بعض الأحيانِ مَن يذْكُرُكَ بِغشِّ المسلمين، فأُنْكِرُ عليه بلساني وبقلبي؛ لأنها غيبةٌ لا أعلم صحَّتها، ولم أزَلْ على هذا الحال إلى هذه الأيام.
فجرى ما جرى من قول قائل للسُّلطان -وفَّقه الله لكريمِ الخيرات-: إنَّ هذه البساتين يَحِلُّ انتزاعُها مِن أهلها عندَ بعضِ العلماء، وهذا من الافتراء الصريح، والكذب القبيحِ، فوجب عليَّ وعلى جميعِ مَن عَلِمَ هذا من العلماء أن يُبَيِّنَ بطلان هذه المقالة، ودَحْضَ هذه الشناعة، وأنَّها خلافُ إجماع المسلمين، وأنَّه لا يقولُ بها أحدٌ من أئمَّةِ الدين، وأن يُنْهوا (¬1) ذلك إلى سلطان المسلمين، فإنَّه يجبُ على الناس نصيحته؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "الدِّينُ النصيحة؛ لله، ولكتابه، ولرسوله، وأئمَّة المسلمين، وعامَّتهم" (¬2). وإمام المسلمين في هذا العصر هو السلطان -وفّقه الله تعالى لطاعته، وتولاه بكرامته-. وقد شاع بين الخواصِّ والعوام، أنَّ السلطانَ كثيرُ الاعتناءِ [83] بالشَّرْعِ، ومحافظٌ على العملِ به، وأنَّه بَنَى المدرسة لطوائف/ العلماء، ورتَّبَ القضاة من المذاهب الأربعة، وأمر بالجلوس في دار العدل، لإقامة الشرع، وغير ذلك؛ مما هو معروف من اعتناء السُّلطان -أعزَّ الله أنصارَهُ- بالشرع، وأنَّه إذا طلبَ طالبٌ منهُ العملَ بالشرعِ؛ أمر بذلك، ولم يخالفه. فلما افترى هذا القائلُ في أمرِ البساتين ما افتراه، ودلَّس على السلطان، وأظهر أن انتزاعها جائزٌ عند بعض العلماء، وغشَّ السلطان في ذلك، وبلغ ذلك علماء البلد؛ وجب عليهم نصيحةُ السلطان، ¬
وتبيينُ الأمرِ له على وجهه، وأنَّ هذا خلافُ إجماع المسلمين، فإنَّه يجب عليهم نصيحةُ الدين، والسلطانِ، وعامَّةِ المسلمينَ. فوفَّقهم الله تعالى للاتفاقِ على كَتْبِ كتاب يتضمَّن ما ذكرتُه، على جهةِ النَّصيحة؛ للدين، والسلطان والمسلمين، ولم يذكروا فيه أحداً بعينه، بل قالوا: مَن زعم جوازَ انتزاعِها؛ فقد كذب. وكتب علماءُ المذاهب الأربعة خطوطَهم بذلك؛ لما يجب عليهم من النَّصيحةِ المذكورة، واتَّفقوا على تبليغها وليَّ الأمرِ -أدامَ الله نِعَمَهُ عليه- لينْصحوه، ويُبَيِّنوا حكمَ الشرع. ثم بلَّغني جماعاتٌ متكاثِراتٌ في أوقاتٍ مختلفاتٍ -حصل لي العلم بقولهم- أنك كرهت سعيَهم في/ ذلك، وسارَعْتَ في ذمِّ فاعل [84] ذلك، وأسندت معظم ذلك كله إليَّ، ويا حبذا ذلك من صنيع! وبلَّغني عنك هؤلاء الجماعات أنَّك قلت: قولوا ليحيى: هو الذي سعى في هذا، فينكفّ عنه، وإلا أخذتُ منهُ دارَ الحديث. وبلَّغني عنك هؤلاء الجماعاتُ أنَّك حلفتَ مراتٍ بالطلاق الثلاث أنَّك ما تكلَّمتَ في انتزاع هذه البساتين، وأنَّك تشتهي إطلاقَها! فيا ظالم نفسه! أما تستحي من هذا الكلام المتناقض، وكيف يصح الجمع بين شهوتك إطلاقها (¬1) وأنَّك لم تتكلم فيها، وبين (¬2) كراهتك السَّعيَ في إطلاقها ونصيحة السلطان والمسلمين؟ ويا ظالم نفسه! هل تعرَّض لك أحدٌ بمكروه، أو تكلَّم فيك بعينِك؟ وإنما قال العلماءُ: مَن قالَ هذا للسلطان فقد كذَبَ، ودلَّس ¬
عليه، وغشَّه، ولم ينصحه. فإن السلطان ما يفعلُ هذا إلا لاعتقادِهِ أنه حلالٌ عند بعض العلماء، فبيَّنوا أنه حرامٌ عند جميعهم. وأنت [قد] (¬1) قُلْتَ: إنك لم تتكلم فيها، وحلفتَ على هذا بالطَّلاقِ الثلاث، فأيُّ ضررِ عليك في إبطال قولٍ كاذبٍ على الشرع، غاشٍّ مدلس على السلطان، وقد قلت: إنه غيرُك؟! وكيف تكره السَّعْيَ [85] على شيءٍ قد أجمعَ الناسُ/ على استحسانِهِ؟! بل هو واجب على مَن قدر عليه. وأنا -بحمد الله- من القادرين عليه بالطريق الذي سلكتُ، وأما نجاحُه، فهو إلى الله تعالى؛ مقلِّب القلوب والأبصار. ثم إني أتعجَّب غايةَ العجب من اتِّخاذك إياي خَصماً، ويا حَبَّذا ذلك من اتخاذ، فإنِّي -بحمد الله تعالى- أحِبُّ في الله تعالى، وأبْغِضُ فيه، فأحِبُّ مَن أطاعهُ، وأبْغِضُ مَن خالفه، وإذا أخبرتَ عن نفسِكَ بكراهتِك السَّعْيَ في مصلحة المسلمين، ونصيحة السلطان؛ فقد دخلتَ في جملة المخالفين، وصرتَ ممَّن نُبْغِضهُ في الله ربِّ العالمين، فإنَّ ذلك من الإيمان؛ كما جاءت به الآثار الصحيحة، المنقولة بأسانيد الأئمة الأخيار (¬2). ارْضَ لِمَنْ غَابَ عَنْكَ غِيْبَتَهُ ... فَذاكَ ذَنْبٌ عِقابُهُ فِيهِ ويا ظالم نفسه! أنا خاصمتُك، أو كالَمْتُك، أو ذكرتُك، أو بيني ¬
وبينك مخاصمة، أو مُنازَعة، أو معاملةٌ في شيءٍ؟! فما بالك تكره فعل خيرٍ يَسَّرَني الله الكريمُ له؟! {وَمَا نَقَمُوا مِنهُم إلا أَن يُؤمِنُوا بِاللهِ اَلعزَيزِ الحميدِ} (¬1). بل أنتَ لسوءِ نَظَرِكَ لنفسك تتأذى على نفسكَ، وتُشْهِدُ الشهودَ بكراهة هذه النصيحة، التي هي مصرِّحة بأنَّك أنت الذي/ تكلَّمتَ في [86] هذه البساتين، وأنَّ الطلاقَ واقعٌ عليكَ، وما أبعدَ أن تكون شبيهاً بمن قال الله تعالى فيهم: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)} [محمد: 30] (¬2). ويا عدوَّ نفسه! أتُراني أكرَهُ مُعاداةَ مَن سَلَكَ طريقَتكَ هذه، بل -واللهِ- أُحِبها، وأوثرها، وأفعَلُها بحَمْدِ الله تعالى، فإنَّ الحُبَّ في الله، والبُغْضَ فيهِ، واجبٌ عليَّ وعليكَ، وعلى جَميعِ المكَلَّفينَ، ولستُ أدري أيَّ غرضٍ لك في حِرْصِكَ في الإنكار على السَّاعين في إعظام حُرُماتِ الدِّين، ونصيحة السلطان والمسلمين. فيا ظالِمَ نفسه! انْتَهِ عن هذا، وارجِعْ عن طَريقةِ المباهتينَ المعاندين. وأعْجَبُ مِن هذا تكْريرُك الإرسالَ إليَّ -بزعمك الفاسد- كالمتوعد-: إنْ لم يَنْكَفَّ أخذتُ منهُ دارَ الحديث. فيا ظالِمَ نَفسِه! وجاهِلَ الخيرِ وتاركه! أطَّلَعْتَ على قلبي أني متهافِت عليها، أو علمتَ أني منحَصِرٌ فيها، أو تحقَّقْتَ أني معتمِدٌ عليها، مستَنِدٌ إليها، أو عَرَفْتَ أني أعتقدُ انحصارَ رزقي فيها. أو ما ¬
علمتَ -لو أنصفتَ- كيف كان ابتداءُ أمرها، أو ما كنتَ حاضراً مشاهِداً أخذي لها؟! ولو فُرِضَ تهافُتي عليها؛ أكنْتُ أوْثرُها على مصلحةٍ عامةٍ للمسلمين، مشتملةٍ على نصيحة الله، وكتابه، ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، [87] والسُّلطان، وعامة المسلمين/؟! هذا ما لم أفْعَلْهُ ولا أفعله [إن شاء الله تعالى. وكيف تتوهم] (¬1) أنِّي أترك نصيحةَ الله ورسوله وسلطان المسلمين وعامَّتِهم؛ مخافة مِن خيالاتك؟! إن هذه لغباوة منك عظيمة. [ويا عجباً منك] (¬2)! كيفَ تقول هذا؟! أنتَ ربُّ العالمين؟! بيدك خزائنُ السماوات والأرض، وعليك رزقي ورزق الخلائق أجمعين؟! أم أنت سلطان الوقت؛ تحكم في الرَّعيَّة بما تُريد؟! فلو كنتَ عاقلاً؛ ما تهَجَّمْتَ على التَّفَوُّهِ بهذا الذي لا ينبغي أن يقولَه إلا ربُّ العالمين، أو سلطان الوقت؛ مع أن سلطان [الوقت] (¬3) منزَّهٌ عن قولِك الباطلِ، مرتفعُ المَحَلِّ عن فعْلِ ما ذكرتَ. يا ظالِمُ! فإنْ كنتَ تقولُ هذا استقلالاً منك؛ فقد افتأتَّ (¬4) عليهِ، واجْتَرَأتَ على أمر عظيم، ونسبتَه إلى الظلم عدواناً، وإنْ كنت تقوله عنه؛ فقد كذبتَ عليه، فإنه -بحمد الله- حَسَنُ الاعتقاد في الشَّرْع، وذلك من نِعَمِ الله تعالى عليه، والسلْطان -بحمد الله وفضله- أكثرُ ¬
اعتقاداً في الشَّرْع مِن غيره، ومعظم حُرُماته، وليس هو ممن يقابلُ ناصِحَهُ بهذيانات الجاهلين، وتُرَّهات المخالفين، بل يقبلُ نصائِحَهُم؛ كما أمره الله تعالى. واعلم أيَّها الظالمُ نفسه! أني -والله الذي لا إله إلَّا هو- لا أترُكُ شيئاً أقْدِرُ عليه من السعي في مناصحةِ الدين والسُّلطان والمسلمين في/ هذه القضيَّة، وإنْ رغمتْ أنوفُ الكارِهين، وإنْ كَرِهَ ذلك أعداءُ [88] المسلمين، وفَرِقَ حزبُ المخذِّلين، وسترى ما أتكلم به -إن شاء الله تعالى- عند هذا السلطان -وفقه الله تعالى لطاعته، وتولاَّه بكرامته (¬1) - في هذه القضية؛ غيرةً على الشرعِ، وإعظاماً لحُرمات الله تعالى، وإقامةً للدِّين، ونصيحةً للسلطان وعامة المسلمين. ويا ظالم نفسه! أجْلِبْ بخَيْلِكَ ورَجِلِكَ إنْ قدَرْتَ! واسْتَعِنْ بأهل المشرقين وما بين الخافقَيْن، فإني -بحمد الله- في كِفايَةٌ تامة، وأرجو من فضلِ الله تعالى أنك لا تَقْوى لمنابذةِ أقل الناس مرتبةً، وأنا -بحمد الله تعالى- مِمن يَوَدُّ القتلَ في طاعةِ الله تعالى. أتَقْوى يا ضعيف الحيلِ لمنابذتي؟! أبلَغَكَ يا هذا أنِّي لا أؤمِنُ بالقدر؟! أو بلغكَ أني أعتقِدُ أنَّ الآجالَ تنقُصُ، وأن الأرْزاقَ تتغيرُ (¬2)؟! أما تفكرُ في نفسك في قبيح ما أتَيْتَهُ من الفعال، وسوء ما نطَقْتَ بهِ من المقالِ؟! ¬
أيا ظالمَ نفسه! مَن طلب رضى الله تعالى تردُّه خيالاتُك، وتمويهاتُك، [وأباطيلُك] (¬1)، وتُرُّهاتُك؟ وبعد هذا كله، أنا أرجو من فضل الله تعالى أنَّ الله يوفق السلطان -أدام الله نِعَمَهُ عليه- لإطلاقِ هذه البساتين، وأن يفعَلَ فيها ما تقرُّ به [89] أعيُنُ المؤمنين، ويُرْغِمُ أنفَ المخالفينَ، فإن الله/ تعالى قال: {وَاَلْعاقبَةُ للمتقين} (¬2). والسلْطانُ -بحمد الله تعالى- يفعل الخيراتِ، فما يترُكُ هذه القضيَّةَ تفوتُه. واعلَمْ أنك عندي -بحمد الله تعالى- أقلُّ ممُّن أهتم بشأنك، أو ألتفتُ إلى خيالاتِك وبطلانِك، ولكنِّي أردتُ أن أعرفَكَ بعضَ أمري؛ لتدخلَ نفسكَ في منابذةِ المسلمين بأسرِهم، ومنابذةِ سلطانِهم -وفَّقه الله تعالى- على بصيرةٍ منك، وترتفع عنك جهالةُ بعضِ الأمر؛ ليكون دخولُك بعد ذلك معاندةً لا عذرَ لك فيها. ويا ظالِمَ نفسِه! أتتوهَّمُ أنه يَخْفى عليَّ وعلى مَن سلَكَ طريقَ نصائحِ المسلمينَ وولاةِ الأمرِ وحُماةِ الدينِ، أنَّا لا نعتَقِدُ صِدْقَ قولِ الله تعالى: {وَاَلعاقبَةُ للمتقين}. وقوله تعالى: {وَلَا يَحِيقُ المَكرُ اَلسيئ إِلا بِأهلِه} (¬3). وقوله تعالى: {وَاَلذِينَ جَهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلنا} (¬4). ¬
وقوله تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)} [محمد: 7] (¬1). وقوله تعالى: {وَكاَن حَقَّا علينَا نَصْرُ اَلْمُؤمنِينَ} (¬2). وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتى ظاهرين على الحق، لا يضرُّهم خذلان من خذلهم" (¬3). والمراد بهذه الطائفة أهل العلم؛ كذا قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه وغيره من أولي النُّهى والفهم (¬4). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "والله فى عون العبدِ ما كانَ العبدُ/ في عونِ أخيه" (¬5). [90] هذا فيمَنْ كانَ في عْونِ واحدٍ من النَّاس، فكيفَ الظَّنُّ بمَنْ هُو في عَوْنِ المسلمين أجمعينَ؛ مع إعظامِ حُرُماتِ الشَّرْعِ، ونصيحة السلطان، وموالاته، وبذل النَّفس في ذلك؟! واعْلَمْ أني والله لا أتعرَّضُ لك بمكروهٍ سوى أني أبْغِضُكَ لله تعالى، وما امتناعي عن التعرُّض لك بمكروهٍ عن عجزٍ، بل أخافُ الله ربَّ العالَمين من إيذاءِ مَن هُو مِن جملةِ الموحِّدين. ¬
20 - فصل
وقد أخبرني مَن أثِقُ بخبرِهِ وصلاحِهِ، وكراماتِه وفَلاحِه؛ أنَّك إنْ لم تُبادرْ بالتَّوْبَةِ؛ حلَّ بك عقوبةٌ عاجلةٌ، تكونُ بها آيةً لمَن بعدكَ، لا يأثَمُ بها أحدٌ مِن النَّاسِ، بل هو عدلٌ من الله تعالى، يوقِعُهُ بكَ؛ عبرةً لمَنْ بعدَكَ، فإنْ كنتَ ناظراً لنفسِكَ؛ فبادرْ بالرُّجوعِ عن سوء فعالِك، وتَدارَكْ ما أسْلَفْتَهُ مِن قبيحِ مقالِك، قبلَ أنْ يَحِلَّ بكَ ما لا تُقالُ فيهِ عَثَرَتُك، ولا تغترَّ بسلامَتِك وثروتك ووصلتِك، وأفْكِرْ في قول القائل: قَدْ نادَتِ الدُّنْيا على نَفْسِها ... لَوْ كانَ في العالَمِ مَنْ يَسْمَعُ كَمْ واثِقٍ بالعُمْرِ وارَيْتُهُ ... وجامِعٍ بَدَّدْتُ ما يَجْمَعُ والسَّلام على مَن اتَّبَع الهدى، والحمد لله رب العالمين (¬1). ... 20 - فصل ذكر لي صاحِبُنا الشيخُ أبو العبَّاس أحمد ابن الشيخ أبي عبد الله [91] محمد بن/ الحسن بن سالم الشافعي (¬2) -جعَلَ الله في بقيَّتِه البركة- غير مرَّة قال: "ذكر لي الشيخُ الصالحُ الصدوقُ المُعَمَّرُ أبو القاسم بن عُمَيْر المِزِّي -وكان من الأخيار-: أنه رأى فيما يرى النَّائِم بالمِزَّةِ راياتٍ كثيرةً؛ قال: وسمعتُ نوبةً تُضْرَبُ، فتعجَّبْتُ من ذلك! فقلتُ: ¬
ما هذا؟ فقيلَ لي: الليلة قُطِّبَ (¬1) يحيى النَّواوي. فاستيقظتُ من منامي، ولم أكن أعرف الشيخ، ولا سمعتُ به قبلَ ذلك". فدخل المدينة -يعني دمشق- في حاجة؛ قال: "فذكرتُ ذلك لشخصٍ، فقال: هو شيخُ دار الحديث الأشرفيَّة، وهو الآن جالسٌ فيها لميعادها، فاستدلَلْتُ عليها، ودخَلْتُها، فوجدْتُه جالساً فيها، وحولَه جماعةٌ، فوقَعَ بصرُهُ عليَّ، فنهض إلى جهتي، وترك الجماعة، ومشى إلى طرف إيوانِها، ولم يترُكْني أكَلِّمُه، وقال: "اكْتُمْ ما معك، ولا تُحَدِّثْ بهِ أحداً". ثم رجع إلى موضعه، ولم يَزِدْ على ذلك، ولم أكُن رأيتُه قبلَها، ولم أجْتَمِعْ بهِ بعدها" (¬2). آخره، والحمد لله وحده، وصلواته وسلامه على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. ¬
ووقع الفراغ من هذه الترجمة يوم الخميس سابع ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وسبع مئة، على يد الففير إلى الله تعالى داود بن إبراهيم [92]، ابن/ داود العطار، عفا الله عنه، وعن والديه، وعن جميع المسلمين.
تتمة في تحذير الإمام النووي من البدع
تتمة في تحذير الإمام النووي من البدع إن الإمام النووي الذي أكرمه الله -تبارك وتعالى- بالعيش مع كلام أفضل خلق الله محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقضى أغلب أوقاته في سماع الحديث الشريف من أفواه كبار الحُفَّاظ في الشام؛ متعرِّفاً بذلك على دقائق سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان حريصاً على الالتزام الكامل بكل ما يتعلمه من الكتاب والسنة، فجمع في ذلك بين العلم والعمل. ومن خلال حياته في القرن السابع الهجري رأى بعض الناس يقومون بتصرفات على خلاف سنة أبي القاسم -عليه الصلاة والسلام-، وجاؤوا بأشياء لا أصل لها في دين الله عز وجل، وقد قام الإمام النووي بدوره، فنبَّه الناس لخطر ذلك، وحذَّرهم منها، ومن الاغترار بأصحابها، داعياً لهم للتمسك الكامل بالكتاب والسنَّة، ونبذ ما عدا ذلك. وفيما يلي أمثلة حيَّة على ذلك: سُئِل الشيخ محيي الدين: هل هذا الحديث الذي يقوله عوامُّ أهل الشام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَن زارني وزار أبي إبراهيم في سنة واحدة؛ ضَمِنْتُ له على الله الجنَّة" (¬1). ¬
ويقولون: "مَن حجَّ؛ فليُقَدِّسْ حجته في سنته". يعنون: يزور بيت المقدس في سنة الحج. هل لهذين أصل أم لا؟ وقد أجاب على ذلك الإمام النووي بقوله: "الحديث المذكرر باطل وموضوع، ولا أصل لواحد من هذين الأمرين المذكررين، لكن زيارة الخليل - صلى الله عليه وسلم - وبيت المقدس فضيلة لا تختص بالحاج، ولو تركهما الحاج؛ لم يؤثر ذلك في صحة حجّه" (¬1). ويقول الشيخ محيي الدين عن ذلك أيضاً (¬2): "وهذا باطل؛ ليس هو مرويّاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يُعْرَف في كتاب صحيح ولا ضعيف، بل وضعه بعض الفجرة". وقد حذَّر رحمه الله من رواية الحديث الموضوع والضعيف، وعدم بيان حاله، وأن مَن يفعل ذلك؛ فهو داخل في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ كذباً عليَّ ليس كَكَذِبٍ على أحدٍ، فمَن كذب علي متعمداً؛ فَلْيَتبوَّأ مقعده من النار" (¬3). وبين رحمه اللهُ أنْ لا فرقَ في ذلك بين ما كان في الأحكام، وما لا حكم فيه؛ كالترغيب، والترهيب، والمواعظ، وغير ذلك، فقال: "لا ¬
فرق في تحريم الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم - بين ما كان في الأحكام وما لا حكم فيه؛ كالترغيب، والترهيب، والمواعظ، وغير ذلك، فكلُّه حرام، من أكبر الكبائر، وأقبح القبائح، بإجماع المسلمين الدين يُعتدُّ بهم في الإجماع؛ خلافاً للكَرَّامية، الطائفة المبتدعة في زعمهم الباطل أنه يجوز وضع الحديث في الترغيب والترهيب، وتابعهم على هذا كثيرون من الجهلة الدين ينسبون أنفسهم إلى الزُّهد، أو ينسبهم جهلةٌ مثلُهم. وشُبْهَةُ زعمهم الباطل أنه جاء في رواية: "من كذبَ عليَّ متعمداً؛ ليضلَّ به؛ فليتبوأْ مقعَدَهُ مِن النار" (¬1). وزعمَ بعضُهم أن هذا كذب له عليه الصلاة والسلام لا كذب عليه. وهذا الذي انتحلوه وفعلوه واستدلوا به غاية الجهل، ونهاية الغفلة، وأدلّ الدلائل على بُعدهم من معرفة شيء من قواعد الشرع، وقد جمعوا فيه جملًا من الأغاليط اللائقة بعقولهم السخيفة، وأذهانهم البعيدة الفاسدة، فخالفوا قول الله عز وجل: {وَلَا تَقفُ مَا ليَس لَكَ بِه عِلم إِنَ اَلسمَعَ وَاَلبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئكَ كانَ عَنْهُ مَسئُولا} (¬2) وخالفوا صريحَ هذه الأحاديث المتواترة، والأحاديث الصريحة المشهورة في إعظامِ شهادةِ الزُّورِ. وخالَفوا إجماعَ أهلِ الحلِّ والعَقْد، غير ذلك من الدلائل القطعيات في تحريم الكذب على آحاد الناس، فكيف بمَن قوْلُه شرعٌ، وكلامُه وحي؟! ¬
وإذا نُظِر في قولهم؛ وُجِد كذباً على الله تعالى، قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم: 3 - 4] (¬1). ومن أعجب الأشياء قولُهم: هذا كذب له! وهذا جهلٌ منهم بلسانِ العرب وخطاب الشرع، فإن كل ذلك عندهم كذب عليه. وأما الحديث الذي تعلَّقوا به؛ فأجاب العلماء عنه بأجوبة: أحسنُها وأخصرُها: أن قولَه: "ليضلَّ الناس"؛ زيادة باطلة، اتفق الحفاظ على إبطالها، وأنها لا تُعرف صحيحة بحال. الثاني: جواب أبي جعفر الطحاوي: أنها لو صحت؛ لكانت للتأكيد؛ كقول الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ليضل الناس} [الكهف: 15] (¬2). الثالث: أن اللام في "ليضلّ" ليست لام التعليل، بل هي لام الصيرورة والعاقبة، معناه: أن عاقبة كذبه ومصيره إلى الإضلال به؛ كقوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا (8)} [القصص: 8] (¬3). ونظائره في القرآن وكلام العرب أكثر من أن يحصر، وعلى هذا يكون معناه: فقد يصير أمر كذبه إضلالًا. وعلى الجملة: مذهبهم أركُّ من أن يُعتنى بإيراده، وأبعد من أن يُهْتَمَّ بإبعاده، وأفسد من أن يُحتاجَ إلى إفساده، والله أعلم. الرابعة: يحرمُ رواية الحديث الموضوع على عرف كونه موضوعاً، أو غلب على ظنه وضعه، فمَن روى حديثاً -علم أو ¬
ظن وضعه-، ولم يبين حالَ روايته وضعَهُ؛ فهو داخل في هذا الوعيد، مندرجٌ في جملة الكاذبين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ويدلُّ عليه أيضاً الحديث السابق: "مَن حدث عني بحديث يُرى أنه كذب؛ فهو أحد الكاذبَيْن" (¬1). ولهذا قال العلماء: ينبغي لمن أراد رواية حديث، أو ذِكْرَه، أن ينظر، فإن كان صحيحاً أو حسناً؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا، أو فعله، أو نحو ذلك من صيغ الجزم. وإن كان ضعيفاً؛ فلا يقل: قال، أو فعل، أو أمر، أو نهى، وشبه ذلك من صيغ الجزم، بل يقول: رُوِيَ عنه كذا، أو جاء عنه كذا، أو يُرْوَى، أو يُذْكَر، أو يُحْكَى، أو يُقال، أو بلغَنا، وما أشبهه، والله سبحانه أعلم" (¬2). وسُئِلَ الإمام النووي عن الذي يفعله بعض المصلين بالناس في صلاة التراويح، وهو قراءة سورة (الأنعام) في الركعة الأخيرة من صلاة التراويح في الليلة السابعة من شهر رمضان أو غير السابعة هل هو سنة أو بدعة؟ فقد قال قائل بأنها: نزلت جملة واحدة، فهل هذا ثابت في الصحيح أم لا، وهل فيه دليل لما يفعلونه، فإن كانت بدعة؛ فما سبب كراهتها؟ وقد أجاب الشيخ على ذلك بقوله: "هذا الفعلُ المذكورُ ليس سنة، بل هو بدعة مكروهة، ولكراهتها أسباب: منها: إيهام كونها سُنَّة. ¬
ومنها: تطويل الركعة الثانية على الأولى، وإِنما السُّنةُ تطويل الأولى. ومنها: التطويل على المأمومين وإنما السنة التخفيف. ومنها: هذُّ القراءة، وهَذْرَمَتها. ومنها: المبالغة في تخفيف الركعات قبلها. وغير ذلك من الأسباب. ولم يثبت نزول (الأنعام) دفعة واحدة، ولا دلالة فيه لو ثبت لهذا الفعل، فينبغي لكل مصلٍّ اجتناب هذا الفعل، وينبغي إشاعة إنكار هذا، فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة في النهي عن محدثات الأمور، وأن كل بدعة ضلالة، ولم يُنْقَل هذا الفعل عن أحد من السلف، وحاشاهم" (¬1). وسئل عن القراءة التي يقرؤها بعض الجهلة على الجنائز بدمشق؛ بالتمطيط الفاحش، والتغنِّي الزائد، وإدخال حروف زائدة في كلمات، ونحو ذلك مما هو مشاهد منهم؛ هل هو مذموم أم لا؟ وقد أجاب على ذلك بقوله: "هذا منكر ظاهر، ومذموم فاحش، وهو حرام بإجماع العلماء، وقد نقل الإجماع فيه الماوردي، وغير واحد، وعلى ولي الأمر -وفقه الله تعالى- زجرهم عنه، وتعزيرهم، واستتابتهم، ويجب إنكاره على كل مكلَّف تمكَّن من إنكاره" (¬2). وقال في "الأذكار": "وأما ما يفعله الجهلةُ من القراءة على الجَنازة بدمشق وغيرها؛ من القراءة بالتَّمطيط، وإخراج الكلامِ عن مواضعِهِ، فحرامٌ بإجماعِ العلماء" (¬3). ¬
وحذَّر الإمام النووي من الاجتماع للتَّعْزِية بقوله: "وأما الجلوسُ للتعزية؛ فنصَّ الشافعي، والمصنف -أي الشيرازي صاحب "المهذب"-، وسائرُ الأصحاب؛ على كراهته، ونقله الشيخ أبو حامد في "التعليق"، وآخرون عن نص الشافعي (¬1)؛ قالوا: يعني بالجلوس لها: أن يجتمع أهل الميت في بيتٍ فيقصدهم مَن أراد التعزية". قال: "قالوا: بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم، فمن صادفَهُم؛ عزاهُم، ولا فرقَ بين الرجال والنساء في كراهةِ الجلوس لها" (¬2). وسُئِل َرحمه الله عن صلاة الرغائب المعروفة في أول ليلة جمعة من شهر رجب؛ هل هي سنة وفضيلة أم بدعة؟ وقد أجاب على ذلك بقوله: "هي بدعة قبيحة، منكرة أشد الإنكار، مشتملة على منكرات، فيتعيَّن تركها، والإعراض عنها، وإنكارها على فاعلها، وعلى ولي الأمر -وفَّقه الله تعالى- منع الناس من فعلها؛ فإنَّه راع، وكل راع مسؤول عن رعيته، وقد صنَّف العلماء كتباً في إنكارها، وذمِّها، وتسفيه فاعلها، ولا يُغْتَرَّ بكثرة الفاعلين لها في كثير من البلدان، ولا بكونها مذكررة في "قوت القلوب"، و"إحياء علوم الدين"، ونحوهما؛ فإنها بدعة باطلة" (¬3). ويقول بعد ذلك (¬4): "وقد أمر الله تعالى عند التنازع بالرجوع إلى ¬
كتابه، فقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (59)} [النساء: 59] (¬1). ولم يأمر باتِّباع الجاهلين، ولا بالاغترار بغلطات المخطئين". وقال في "شرح صحيح مسلم" (8/ 20) عند حديث النهي عن تخصيصِ ليلة الجمعة بصلاةِ ويومِها بصيامٍ: "وفي هذا الحديث: النهيُ الصريح عن تخصيص ليلة الجمعة بصلاةٍ من بين الليالي، ويومها بصومٍ، وهذا متفق على كراهيته. واحتجَّ به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتَدَعة، التي تسمَّى (الرغائب)، قاتَلَ الله واضعَها ومخترِعَها، فإنها بدعة منكرة، من البدع التي هي ضلالة وجهالة، وفيها منكراتٌ ظاهرةٌ، وقد صنَّف جماعةٌ من الأئمَّة مصنَّفاتٍ نفيسةً في تقبيحها، وتضليل مصليها ومبتدعها، ودلائل قبحها وبطلانها وتضلُّل فاعلها أكثر من أن تُحْصَر، والله أعلم". وقال في "شرح المهذب" (4/ 56): "ولا يُغْتَرَّ ببعض من اشتبهَ عليه حكمها من الأئمة، فصنَّف ورقاتٍ في استحبابها؛ فإنه غالط في ذلك. وقد صنَّف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي (¬2)، كتاباً نفيساً في إبطالهما، فأحسن فيه وأجاد، رحمه الله". ¬
وسُئِلَ عن مقبرة مسبلة للمسلمين، بنى إنسان فيها مسجداً، وجعل فيها محراباً؛ هل يجوز ذلك؟ وهل يجب هدمه؟ وقد أجاب على ذلك بقوله: "لا يجوز ذلك، ويجب هدمه" (¬1). وسُئِلَ عن السجود الذي يفعله بعض الناس بين يدي المشايخ ونحوهم؛ ما حكمه؟ وقد أجاب على ذلك بقوله: "هو حرامٌ شديد التحريم" (¬2). وحول بعض بدع الناس في المدينة المنورة يقول الشيخ محيي الدين (¬3): "من جهالات العامَّة وبدعهم: تقرُّبهم بأكل التمر الصيحاني في الروضة الكريمة، وقطعهم شعورهم، ورميها في القنديل الكبير، وهذا من المنكرات المستشنعة، والبدع المستقبحة". وحول قيام بعض الناس بأشياء منكرة عند قبر المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يقول الإمام النووي (¬4): "لا يجوز أنْ يُطافَ بقبره - صلى الله عليه وسلم - ويُكْرَهُ إِلْصاق الظهر والبطن بجدار القبر، قاله أبو عبد الله الحليمي وغيره، وقالوا: يُكْرَه مسحه باليد، وتقبيله، بل الأدب أن يبعد منه؛ كما يبعد منه لو حضر في حياته - صلى الله عليه وسلم -، هذا هو الصواب الذي قال العلماء، وأطبقوا عليه، ولا يغترَّ بمخالفة كثير من الهوام، وفعلهم ذلك، فإنّ الاقتداء والعمل إنما يكون بالأحاديث الصحيحة، وأقوال العلماء، ولا يُلْتَفَت إلى محدَثات العوام وغيرهم، وجهالاتهم". ¬
ويقول بعد ذلك (¬1): "ومن خطر بباله أن المسح باليد ونحوه أبلغ في البركة؛ فهو من جهالته وكفلته؛ لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع، وكيف ينبغي الفضل في مخالفة الصواب؟! ". وحول قيام كثير من الحجاج بالوقوف على جبل الرحمة في عرفات، وتفضيل ذلك على غيره من أرض عرفات؛ يقول رحمه الله تعالى (¬2): "وأما ما اشْتُهِر عند العوامِّ من الاعتناء بالوقوف على جبل الرحمة الذي هو بوسط عرفات، وترجيحهم له على غيره من أرض عرفات، حتى ربما توهَّم من جهلتهم أنه لا يصح الوقوف إلا فيه؛ فخطأ ظاهر، ومخالف للسنة، ولم يذكر أحد ممَّن يُعْتَمَدُ في صعود هذا الجبل فضيلة يختص بها، بل له حكم سائر أرض عرفات؛ غير موقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلَّا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، فإنَّه قال: "يُسْتَحَبُّ الوقوف عليه". وكذا قال الماوردي في "الحاوي": "يُسْتَحَبُّ قصد هذا الجبل الذي يقال له: جبل الدعاء". وقال: "وهو موقف الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم-". وذكر البندنيجي نحوه. وهذا الذي قالوه لا أصل له، ولم يرد في حديث صحيح ولا ضعيف، فالصواب الاعتناء بموقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي خصَّه العلماء بالذكر وحثُّوا عليه، وفضّلوه، وحديثه في "صحيح مسلم" (¬3). ¬
هكذا نصَّ عليه الشافعي، وجميع أصحابنا، وغيرهم من العلماء". وحول صلاة الناس ركعتين إذا فرغوا من السعي يقول: "قال الشيخ أبو محمد الجُوَيْني: رأيتُ الناسَ إذا فرغوا من السعي؛ صلَّوا ركعتين على المروة. قال: وذلك حسن، وزيادة طاعة ولكن لم يثبت ذلك عن رسول الله عن - صلى الله عليه وسلم -". هذا كلام أبي محمد!! وقال أبو عمرو بن الصلاح: ينبغي أن يُكرَهَ ذلك؛ لأنه ابتداء شعار، وقد قال الشافعي رحمه الله: ليس في السعي صلاة. وهذا الذي قاله أبو عمرو أظهر، والله أعلم" (¬1). وحول بعض الأشياء التي ابْتُدِعت في يوم الجمعة يقول (¬2): "يُكْرَهُ في الخطبة أمور ابتدعها الجهلة: منها: التفاتُهم في الخطبة الثانية، والدق على درج المنبر في صعوده، والدعاء إذا انتهى إلى صعوده قبل أن يجلس، وربما توهَّموا أنها ساعة الإجابة، وهذا جهل؛ فإنَّ ساعة الإجابة إنما هي بعد جلوسه. ومنها: المجازفة في أوصاف السلاطين في الدعاء لهم. ومنها: مبالغتهم في الإسراع في الخطبة الثانية". وحذر رحمه الله من اعتقاد الجاهلية من كراهة التزوُّج والدُّخول في ¬
شهر شوال، فقال معلِّقاً على قول عائشة - رضي الله عنه -: "تزوَّجني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شوَّال، وبنى بي في شوَّال، فأيُّ نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أحظى عندَهُ مني؟! قال: وكانت تستحبُّ أن تُدْخِلَ نساءَها في شوّال" (¬1): "فيه استحباب التزويج والتزوُّج والدُّخول في شوَّال، وقد نصَّ أصحابُنا على استحبابه، واستدلُّوا بهذا الحديث، وقصدت عائشة بهذا الكلام رد ما كانت الجاهلية عليه، وما يتخيَّله بعضُ العوامِّ اليوم؛ من كراهة التزوُّج والتزويج والدُّخول في شوال، وهذا باطل لا أصل له، وهو من آثار الجاهلية، كانوا يتطيَّرون لما في اسم شوَّال من الإشالة والرفع" (¬2). وحذر كثيراً من كثير من آراء الفِرَقِ والطّوائف المبتدعة؛ مثل: القدرية (¬3) والمعتزلة (¬4)، والخوارج، والروافض (¬5). فحذر من أكاذيب الروافض على علي - رضي الله عنه - بقوله: " ... أشار بذلك إلى ما أدخلته الروافض والشيعة في علم علي - رضي الله عنه - وحديثه، وتقولوه عليه من الأباطيل، وأضافوهُ إليه من الروايات والأقاويل المفتعلة والمختلقة، وخلطوه بالحق، فلم يتميَّز ما هو صحيح عنه مما اختلقوه" (¬6). ¬
وحذَّر من قولهم بالرّجعة، فقال: "الرجعة: ما تقولهُ الرافضة وتعتقده بزعمها الباطل: أن عليّاً - رضي الله عنه - في السحاب! فلا نخرج -يعني مع مَن يَخرج من ولده- حتى ينادى من السماء: أنِ اخرجوا معه!! وهذا نوعٌ من أباطيلهم، وعظيم من جهالاتهم، اللائقة بأذهانهم السخيفة، وعقولهم الواهية" (¬1). وأكتفي بهذا القدر من الأمثلة الواضحة حول موقف الشيخ الإمام النووي من البدع وأصحابها، ووجدنا ميزانه في ذلك أن ما وافق السنَّة هو الحق الذي لا بدَّ من اتباعه والسير على وفقه، وما خالف السنة من أشياء محدثة مبتدعة لا بدَّ من تجنُّبِها والابتعاد عنها ابتعاداً كُليّاً. وقد لاحظنا فيما مضى أنه إذا سُلِمَ عن شيء ووجد فيه مخالفة لهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ نبَّهَ إلى ذلك، وحذر تحذيراً شديداً من الاغترار بفعل مَن يخالف هَدْيَ المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، وذلك أنه لا فيمة لأيِّ فعلٍ إذا كان على خلاف الكتاب والسنة. وكان كثيراً ما يتعرض في مصنفاته لبعض البدع ومحدَثات الأمور؛ ببيان خطرها، والدعوة لأجل تجنُّبها، والابتعاد عنها. وقد أكرم الله -تبارك وتعالى- الإمام النووي بأن يكون مجدِّداً لدين الله، وذلك بأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وإحيائه للسنة، وقمعه للبدعة. ... ¬
المصادر والمراجع
المصادر والمراجع - الآجري: محمد بن الحسين بن عبد الله (ت 360 هـ). 1 - "الشريعة": مطبعة السنة المحمدية، مصر، الطبعة الأولى، سنة 1369هـ / 1950م. - الإبراهيم: محمد عقلة (معاصر). 2 - "أبو إسحاق الشيرازي وأثره في الفقه الإسلامي": رسالة دكتوراه، مضروبة على الآلة الكاتبة. - الإسفرائيني: أبو عوانة (ت 310 هـ). 3 - "المسند": دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الهند، دون تاريخ. - الإسنوي: جمال الدين عبد الرحيم (ت 772 هـ). 4 - "طبقات الشافعية": تحقيق عبد الله الجبوري، بغداد، سنة 1390هـ. - الأصبهاني: أحمد بن عبد الله أبو نُعيم (ت 430 هـ). 5 - "حلية الأولياء": دار الكتاب العربي، بيروت، سنة 1387 هـ/ 1967م، الطبعة الثانية. - الألباني: محمد ناصر الدين (معاصر). 6 - "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل": المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، سنة 1399هـ/ 1979م. 7 - "سلسلة الأحاديث الصحيحة": مكتبة المعارف، بيروت. 8 - "سلسلة الأحاديث الضعيفة": مكتبة المعارف، بيروت. - البخاري: محمد بن اسماعيل (ت 256 هـ). 9 - "الأدب المفرد": دار البشائر الإسلامية، خرج أحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، صنع فهارسه رمزي دمشقيَّة، الطبعة الثالثة، سنة 1409هـ/ 1989م.
10 - "التاريخ الصغير": دار الوعي، حلب، ودار التراث، القاهرة، الطبعة الأولى، سنة 1397هـ/ 1977م، تحقيق: محمود إبراهيم زايد. 11 - "التاريخ الكبير": مصورة الطبعة الهندية، بيروت، تحقيق: عبد الرحمن المعلِّمي اليماني. 12 - "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه المشتهر بـ (الصحيح) ": المكتبة السلفية، مصر. - البغدادي: أحمد بن علي بن ثابت (ت 463 هـ). 13 - "تاريخ بغداد": دار الكتاب العربي، بيروت. 14 - "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع": مكتبة المعارف، الرياض، سنة 1403هـ / 1983م، تحقيق: د. محمود الطحان. 15 - "شرف أصحاب الحديث": دار إحياء السنة النبوية، كلية الإلهيات، جامعة أنقرة، تحقيق: الدكتور محمد سعيد خطيب أوغلي. 16 - "الفقيه والمتفقه": دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، سنة 1400هـ / 1980م. - البغدادي: إسماعيل باشا بن محمد الأمين. 17 - "إيضاح المكنون": دار الفكر، سنة 1402هـ / 1982 م. 18 - "هدية العارفين": دار الفكر، سنة 1402هـ / 1982 م. - البغوي: الحسين بن مسعود الفرَّاء (ت 516 هـ). 19 - "شرح السنة": المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، سنة 1403 هـ/ 1983 م. 20 - "معالم التنزيل": دار الفكر، بيروت، دون تاريخ. - البيهقي: أحمد بن الحسين (ت 458 هـ). 21 - "الأسماء والصفات": دار إحياء التراث العربي، بيروت، دون تاريخ.
22 - "الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد": دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1401 هـ / 1981م، علق عليه: أحمد عصام كاتب. 23 - "السنن الكبرى": دار الفكر، بيروت، وهي مصورة عن مطبعة حيدر آباد. 24 - "المدخل إلى السنن الكبرى": دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، دراسة وتحقيق: الدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي، دون تاريخ. - التّجيبي: القاسم بن يوسف (ت 730 هـ). 25 - "برنامج التجيبي": الدار العربية للكتاب، ليبيا، سنة 1981م، تحقيق: عبد الحفيظ منصور. الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى (ت 279هـ). 26 - "السنن": دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية، سنة 1403 هـ/ 1983م، تحقيق وشرح: أحمد شاكر. - ابن تغري بردي: أبو المحاسن يوسف الأتابكي (ت 874 هـ). 27 - "الدليل الشافي على المنهل الصافي": نشر مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى، سنة 1983م، تحقيق: فهيم محمد شلتوت. 28 - "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة": المؤسسة المصريّة العامة، القاهرة، سنة 1929 - 1972م. - ابن الجارود: أبو محمد عبد الله بن علي (ت 307 هـ). 29 - "المنتقى من السنن المسندة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -": دار القلم، بيروت، الطبعة الأولى، سنة1407هـ / 1987 م. - الجبوري: عبد الله (معاصر). 30 - "فهرس المخطوطات العربية في مكتبة الأوقاف العامة ببغداد":
الطبعة الأولى، نشر وزارة الأوقاف، بغداد، سنة 1393 هـ/ 1972م. - ابن جرير: محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ). 31 - "جامع البيان في تفسير القرآن": دار المعرفة، بيروت، سنة 1398 هـ /1978 م. - ابن الجعد: علي بن الجعد (ت 230 هـ). 32 - "مسند علي بن الجعد": مكتبة الفلاح، الكويت، تحقيق: الدكتور عبد المهدي بن عبد الهادي. - الحاكم: أبو عبد الله الحاكم النيسابوري (ت 405 هـ). 33 - "المستدرك": مصورة الطبعة الهندية، دار الفكر، بيروت، دون تاريخ. - ابن حِبَّان: أبو حاتم محمد بن حبان التيمي (ت 354 هـ). 34 - :"روضة العقلاء": دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1397 هـ / 1977م، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد ومحمد عبد الرزاق حمرة، ومحمد حامد الفقي. 35 - "الصحيح": دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، سنة 1407 هـ/ 1987 م، مع ترتيبه "الإحسان" للأمير علي بن بلبان (ت 739 هـ)، وطبعة مؤسسة الرسالة، تحقيق جماعة من الباحثين. 36 - "المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين": دار الوعي، حلب، الطبعة الأولى، سنة 1396 هـ، تحقيق: محمود إبراهيم زايد. - ابن حجر العسقلاني: أحمد بن علي (ت 852هـ). 37 - "تهذيب التهذيب": طبعة مصورة عن مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند، سنة 1327 هـ.
38 - "فتح الباري بشرح صحيح البخاري": طبعة مصورة عن المكتبة السلفية، مصر. 39 - "النكت الظِّراف": مطبوع بحاشية "تحفة الأشراف". الحسيني: أبو بكر بن هداية الله (ت 1014هـ). 40 - "طبقات الشافعية": دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1979م، تحقيق: عادل نويهض. - حمدان: محمود رجاء مصطفى (معاصر). 41 - "الإمام النووي وأثره في الفقه الإسلامي": رسالة دكتوراه، مقدمة لقسم الدراسات الإسلامية بجامعة البنجاب، سنة 1404 هـ/ 1984 م. - الحموي: ياقوت بن عبد الله. 42 - "معجم البلدان": دار صادر، بيروت، دون تاريخ. - الحميدي: عبد الله بن الزبير (ت 219 هـ). 43 - "المسند": عالم الكتب، بيروت، مكتبة المثنى، القاهرة، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. - ابن حنبل: أحمد بن حنبل (ت 241هـ). 44 - "المسند": دار الفكر، مصورة الطبعة الميمنية. - ابن خلكان: أبو العباس أحمد بن محمد (ت 681 هـ). 45 - "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان": دار صادر، بيروت، تحقيق: الدكتور إحسان عباس. - خليفة: حاجي. 46 - "كشف الظنون": دار الفكر، بيروت، سنة1402هـ / 1982 م. - الدارمي: عبد الله بن عبد الرحمن (ت 255 هـ). 47 - "سنن الدارمي": دار الكتب العلمية، بيروت. - أبو داود: سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275هـ).
48 - "سنن أبي داود": دار إحياء التراث العربي، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد. - الدَّقْر: عبد الغني (معاصر). 49 - "الإمام النووي شيخ الإسلام والمسلمين وعمدة الفقهاء والمحدِّثين": الطبعة الثانية، سنة 1400 هـ / 1980 م، دار القلم، دمشق. - الدَّورقي: أحمد بن إبراهيم بن كثير (ن 246 هـ). 50 - "مسند سعد بن أبي وقاص": دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى، سنة 1407 هـ / 1987 م/ تحقيق: عامر حسن صبري. - الذَّهبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد (ت 748هـ). 51 - "تاريخ الإسلام": معهد إحياء المخطوطات العربية، مخطوط (رقم 3030)، وطبعة دار الغرب، تحقيق الدكتور بشار عواد معروف. 52 - "تذكرة الحفاظ": دائرة المعارف العثمانية، الهند. 53 - "دول الإسلام": الهيئة المصرية العامة، سنة 1974 م، تحقيق: فهيم محمد شلتوت ومحمد مصطفى إبراهيم. 54 - "سير أعلام النبلاء": مؤسسة الرسالة، تحقيق: جماعة من العلماء. 55 - "العبر في خبر مَن غبر": مطبعة حكومة الكويت، سنة 1966م. 56 - "المعجم الكبير": مكتبة الصدِّيق، الطائف، الطبعة الأولى، سنة 1408هـ / 1988م، تحقيق: الدكتور محمد الحبيب الهيلة. 57 - "المعجم المختص بالمحدثين": مكتبة الصديق، الطائف، الطبعة الأولى، سنة 1408هـ/ 1988م، تحقيق: الدكتور محمد الحبيب الهيلة. 58 - "ميزان الاعتدال في نقد الرجال" دار المعرفة، الطبعة الأولى، سنة 1382هـ/1963م، تحقيق: علي محمد البجاوي.
- ابن رافع: محمد بن رافع السّلامي (ت 774 هـ). 59 - "الوفيات": مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، سنة 1402هـ/ 1982م، تحقيق: صالح مهدي عباس. - الرَّامهرمزي: الحسن بن عبد الرحمن (ت 360 هـ). 60 - "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي": دار الفكر، الطبعة الأولى، سنة 1391 هـ/ 1971 م، تحقيق: الدكتور محمد عجاج الخطيب. - الزِّرِكْلِي: خير الدين (معاصر). 61 - "الأعلام": (قاموس تراجم)، دار العلم للملايين، الطبعة السادسة، سنة 1984 م. - ابن زنجويه: حميد بن زنجويه (ت 241هـ). 62 - "الأموال": مركز الملك فيصل للبحوث؛ الطبعة الأولى، سنة 1406ص/ 1986م، تحقيق: د. شاكر ذيب فياض. - السبكي: تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين (ت 771 هـ). 63 - "طبقات الشافعية الكبرى": أ- دار المعرفة، الطبعة الثانية، بدون تاريخ. ب- مطبعة عيسى البابي الحلبي، مصر، تحقيق: محمود الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو. - السخاوي: محمد بن عبد الرحمن (ت 902 هـ). 64 - "ترجمة الإمام النووي": جمعية النشر والتأليف الأزهرية، بعناية محمود ربيع، سنة 1354هـ / 1935م. - سلامة: خضر إبراهيم (معاصر). 65 - "فهرس مخطوطات المكتبة البديرية": إدارة الأوقاف العامة، سنة 1407هـ / 1987م. 66 - "فهرس مخطوطات مكتبة المسجد الأقصى": إدارة الأوقاف العامة، الطبعة الأولى، سنة 1980م / 1401 هـ.
- السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن (ت 911 هـ). 67 - "الدرر المنثور في التفسير بالمأثور": دار الفكر، بيروت. 68 - "طبقات الحفاظ": مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الأولى، سنة 1393هـ /1973م. 69 - "طبقات المفسرين": مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الأولى، سنة 1396 هـ/ 1976م. 70 - "المنهاج السوي في ترجمة الإمام النووي": أ- مخطوط، نسخة مكتبة الإسكوريال، (رقم 1749). ب- دار ابن حزم، الطبعة الأولى، سنة 1408 هـ / 1988 م، تحقيق: أحمد شفيق دمج. - الشافعي: محمد بن إدريس (ت 204 هـ). 71 - "الأم": دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1403 هـ/ 1983م. - أبو الشيخ: عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان (ت 369 هـ). 72 - "طبقات المحدِّثين بأصبهان": مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، سنة 1407هـ/ 198م، تحقيق: عبد الغفور البلوشي. - الصَّنعاني: عبد الرزاق بن همام (ت 211 هـ). 73 - "المصنَّف": المكتب الإسلامي، بيروت، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. 7 - "المعجم الكبير": وزارة الأوقاف، بغداد، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. - الطنطاوي: علي (معاصر). 75 - "الإمام النووي": الطبعة الأولى، سنة 1380 هـ، دار الفكر، دمشق. - عبد الرزاق: سالم (معاصر). 76 - "فهرس مخطوطات مكتبة الأوقاف العامة في الموصل": الطبعة
الأولى، وزارة الأوقاف، بغداد، سنة 1400هـ / 1980م. - أبو عبد الله: محمد بن القاضي عياض. 77 - "التعريف بالقاضي عياض": الطبعة الثانية، سنة 1982م، تحقيق: الدكتور محمد بن شريفة. - أبو عبيد: القاسم بن سلام (ت 224هـ). 78 - "الأموال": مكتبة الكليات الأزهرية، الطبعة الأولى، سنة 1388هـ، تحقيق: محمد خليل هراس. - علي: محمد كرد. 79 - "خطط الشام": طبعة المفيد، دمشق، سنة 1347هـ / 1928م. - ابن العماد: عبد الحي بن أحمد الحنبلي (ت 1089 هـ). 80 - "شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب": المكتب التجاري، بيروت، دون تاريخ. - العَمْري: شحادة حميدي، (معاصر). 81 - "الإمام النووي وجهوده في التفسير": رسالة ماجستير مقدمة لقسم أصول الدين في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية، سنة 1407هـ / 1987م. - ابن قاضي شهبة: أحمد بن محمد (ت 851 هـ). 82 - "طبقات الشافعية": طبعة حيدرآباد، سنة 1398 هـ - 1400 هـ - صححه وعلق عليه: عبد العليم خان. - القطان: إبراهيم ياسين (معاصر). 83 - "عثرات المنجد في الأدب والعلوم والأعلام": الطبعة الأولى، دار القرآن الكريم، الكويت، سنة 1392هـ / 1972م. - ابن فارس: أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395 هـ). 84 - "معجم مقاييس اللغة": دار الفكر، سنة 1399 هـ/ 1979م، تحقيق: عبد السلام هارون.
- الفاسي: محمد بن الطيب (ت 1175 هـ). 85 - "شرح حزب الإمام النووي": دار الإمام مسلم، الطبعة الأولى، سنة 1408هـ / 1988م، تحقيق: بسام الجابي. - ابن الفرات: محمد بن عبد الرحيم. 86 - "تاريخ ابن الفرات": المطبعة الأميركانية، بيروت، سنة 1942م، تحقيق: قسطنطين زريق. - الكتبي: محمد بن شاكر (ت 764 هـ). 87 - "عيون التواريخ": وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، تحقيق: نبيلة عبد المنعم، وفيصل الساحر. 88 - "فوات الوفيات": دار صادر، بيروت، سنة 1973 م، تحقيق: الدكتور إحسان عباس. - كحالة: عمر. 89 - "معجم المؤلفين": (تراجم مصنِّفي الكتب العربية)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، سنة 1376 هـ/ 1057م. - ابن كثير: إسماعيل بن عمر (ت 774 هـ). 90 - "البداية والنهاية": مكتبة المعارف، بيروت، الطبعة الرابعة، سنة 1982 م. 91 - "تفسير القرآن الكريم": دار المعرفة، بيروت. - ابن ماجه: محمد بن يزيد القزويني (ت 265 هـ). 92 - "سنن ابن ماجه": دار إحياء التراث العربي، سنة 1395 هـ/ 1975 م، تحقيق وترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي. - ابن المبارك: عبد الله (ت 181هـ). 93 - "الزهد": دار الكتب العلمية، بيروت، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. - المروزي: محمد بن نصر (ت 294 هـ).
94 - "تعظيم قدر الصلاة": مكتبة الدار، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، سنة 1406 هـ، تحقيق: عبد الرحمن الفريوائي. - المزّي: يوسف بن عبد الرحمن (ت 742 هـ). 95 - "تحفة الأشراف": الدار القيمة، الهند، سنة 1384 هـ، تصحيح وتعليق: عبد الصمد شرف الدين. - مسلم: مسلم بن الحجاج (ت 261 هـ). 96 - "الجامع الصحيح" المشتهر بـ "صحيح مسلم": دار الفكر، بيروت، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي. - مصطفى: محمود (معاصر). 97 - "إعجام الأعلام": دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، سنة 1403 هـ/ 1983م. - معلوف: لويس (معاصر). 98 - "المنجد في الأدب والعلوم": المطبعة الكاثوليكية، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1956 م. - المنجد: صلاح الدين (معاصر). 99 - "معجم المؤرخين الدمشقيين": دار الكتاب الجديد، الطبعة الأولى، سنة 1398هـ / 1978م. - النسائي: أحمد بن شعيب (ت 303هـ). 100 - "المجتبى": دار الفكر، الطبعة الأولى، سنة 1348هـ/ 1930م. - النعيمي: عبد القادر بن محمد. 101 - "الدَّارس في تاريخ المدارس": مطبعة الترقي، دمشق، سنة 1367 هـ/1948 م. - النووي: يحيى بن شرف (ت 676 هـ). - الوادي آشي: محمد بن جابر (ولد سنة 673 هـ). 102 - "برنامج الوادى آشي": دار الغرب الإسلامي، الطبعة الثالثة،
سنة 1982 م، تحقيق: محمد محفوظ. - اليافعي: عبد الله بن أسعد. 103 - "مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان": مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، دون تاريخ. - اليونيني: موسى بن محمد (ت 726 هـ). 104 - "ذيل مرآة الزمان": الطبعة الأولى، حيدر آباد الدكن، سنة 1380 هـ/ 1960م. المجلات 105 - "مجلة البحث العلمي والتراث الإسلامي": العدد الثالث، سنة 1400 هـ. 106 - "مجلة البحوث الإسلامية": العدد الأول 1395 - 1396 هـ. 107 - "مجلة المورد العراقية": المجلد الأول العدد (1 - 2)، (ص 171).
الفهارس
الفهارس - فهرس الآيات الكريمة. - فهرس الأحاديث الشريفة. - فهرس الأعلام. - فهرس الأماكن. - فهرس كتب الإمام النووي. - فهرس الكتب الأخرى. - المصادر والمراجع. - الموضوعات والمحتويات.
فهرس الآيات الكريمة
فهرس الآيات الكريمة {أفَلَا يرون أَنَّا نَأتيَ الأرضَ} 151 (ت) {إنَا وَجَدْنَهُ صابرا} 133 {إن الَذِينَ اتقَوا إذَا مَسَهُمْ طائف} 101 {إنَ اَللهَ مع اَلَذِينَ اَتقَواْ} 101 {إن تنصُرُوا اَللهَ ينَصركم} 109، 163 {إنمَا هَذِهِ الحيَاةُ اَلدُنيَا} 104 {أولَم يروا أنا نأتيَ اَلأرَضَ} 151 (ت) {فَلَاْ تُزَكوا أَنفُسَكُم} 39 (ت) {لَئن شَكرتمُ لَأَزِيدَنَكم} 108 {ليسَ عَلَى اَلضُعَفَاء ولَا عَلَى اَلمرَضَى} 102 {واخفِضْ جناحَكَ لِلمُؤمنينَ} 106 {وإذ أخذ اَللهُ مِيثَقَ اَلَذِينَ أُوتُوا اَلكتب} 102، 105 {وَأفَوِضُ أَمري إلَى اَلله} 104 {وَتَعَاوَنوا عَلى اَلبِرِ وَالتقوَى} 105 {وَذكر فإن الذِكرىَ تَنفعُ اَلمُؤمنينَ} 105 {وَالعقبَةُ للمُتقِين} 162 {وقفُوهُم إنَهُم مسَئُولونَ} 65 {وَكاَنَ حَقّاً علينَا نَصْرُ المؤمنِينَ} 163
{وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ (43)} 162 {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (69)} 162 {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} 159 {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)} 101 {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (126)} 103 {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا (8)} 159 {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ (30)} 100 {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} 104 {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)} 100 {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)} 100
فهرس الأحاديث الشريفة
فهرس الأحاديث الشريفة الحديث الصفحة اللهم من ولي من أمر المسلمين شيئاً فرفق بهم 107 إن المقسطين على منابر من نور 107 إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً 127 (ت) إن رجالاً يأتونكم يتفقهون في الدين 112 إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم 106 الدين النصيحة 105، 156 كلكم راع وكلٌّ مسؤول عن رعيته 107 من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله 158 (ت) من أخذ على تعليم القرآن قوساً 95 (ت) من سن سنة حسنة فله 109 من كشف عن مسلم كربة 106 من ولي من أمر أمتي شيئاً 111 هل تنصرون وترزقون إلا 112 لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين 163 والله في عون العبد ما كان العبد 163 ***
فهرس الأعلام
فهرس الأعلام (ابن) ابن أبي عمر: 97 ابن الأرمني: 99 ابن البزري: 56، 57 ابن جني: 49، 58 ابن الحرستاني: 99 ابن سريج: 57 ابن السكيت: 49، 58 ابن السنِّي: 61 ابن صصرى التغلبي: 120 ابن الصلاح: 55، 56، 60، 69، 95، 127 ابن الظاهر: 110 ابن عباس: 56 ابن عمر: 56 ابن ماجه: 60 ابن النجار: 155 (أبو) أبو إبراهيم إسحاق بن أحمد بن عثمان: 47، 53 أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني: 55 أبو إسحاق إبراهيم بن علي الواسطي: 62
أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى: 59 أبو إسحاق إبراهيم بن محمد المروزي: 50، 55، 57 أبو إسحاق الشيرازي: 55 أبو البقاء خالد بن يوسف النابلسي: 60، 62 أبو بكر عبد الله بن أحمد القفال: 57 أبو بكر الماهاني: 57 أبو بكر محمد بن أحمد الشريشي: 99 أبو الجهم العلاء بن موسى الباهلي: 54 أبو حامد محمد بن عبد الكريم: 99 أبو الحسن بن سلار: 55، 57 أبو الحسن علي بن محمد: 56 أبو الحسن علي الكندي: 66، 129 أبو الحسن محمد بن علي: 55 أبو حفص عمر بن أسعد: 54 أبو حفص عمر بن إسماعيل: 94 أبو حنيفة: 152 أبو خالد مسلم بن خالد: 56 أبو داود: 60 أبو زكريا يحيى بن أبي الفتح: 62 أبو زيد محمد بن أحمد المروزي: 57 أبو سعيد الخدري: 111 أبو سعيد عبد الله بن محمد بن أبي عصرون: 55 الطيب طاهر بن عبد الله الطبري: 55
أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن مصعب: 118 أبو العباس أحمد بن سالم المصري: 58 أبو العباس أحمد بن عبد الدائم: 62 أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج: 55 أبو العباس أحمد بن فرح الإشبيلي: 113 أبو العباس أحمد بن محمد بن أبو الحسن: 164 أبو العباس الضرير الواسطي: 133 أبو عبد الله محمد بن أحمد الإربلي: 114 أبو عبد الله محمد بن أمين الدين التغلبي: 120 أبو عبد الله محمد البعلي: 65 أبو عبد الله محمد بن الحسن بن سالم: 164 أبو عبد الله محمد بن الظهير الحنفي: 69 أبو عبد الله محمد بن أبو عبد الله بن مالك: 59، 95 أبو عبد الله محمد المنبجي: 125 أبو علي أبو الحسن بن إبراهيم: 55 أبو عوانة الإسفرئيني: 60 أبو الفتح عمر بن بندار التفليسي: 58 أبو الفرج عبد الرحمن المقدسي: 62 أبو الفضل محمد البكري: 62 أبو الفضل يوسف بن محمد: 126 أبو القاسم البزري: 56 أبو القاسم بن عمير المزي: 164 أبو القاسم عثمان بن بشار: 55
أبو محمد إسماعيل بن أبي اليسر: 62 أبو محمد إسماعيل البسطي: 131 أبو محمد سليمان بن علي التلمساني: 144 أبو محمد عبد الرحمن بن سالم الأنباري: 62 أبو محمد عبد الرحمن بن أبي عمر: 98 أبو محمد عبد الرحمن بن نوح المقدسي: 54 أبو محمد عبد السلام الزواوي: 98 أبو محمد عبد العزيز بن أبي أبو عبد الله: 62 أبو محمد أبو عبد الله الأندلسي: 142 أبو محمد أبو عبد الله بن يوسف: 57 أبو محمد عطاء بن أسلم: 56 أبو المعالي عبد الملك: 56 أبو المفاخر محمد بن عبد القادر: 49، 117 أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز: 56 أبو يعلى الموصلي: 60 (الألف) إبراهيم: 137 إبليس:52 أحمد بن حنبل: 60، 163 (الباء) البخاري: 59، 60، 61 البسطامي: 137 البغوي: 60 بلعام: 137
(التاء) الترمذي: 60، 111 (الحاء) حسن بن حسين بن محمد: 39 الحسين بن صدقة الموصلي: 139 الحميدي: 59 (الخاء) الخطيب البغدادي:61 الخليل - صلى الله عليه وسلم -: 97 (الدال) الدارقطني: 60 الدرامي: 60 داود بن إبراهيم: 166 (الراء) الرافعي: 84، 94 ربيعة: 56 رشيد الدين إسماعيل بن المعلم الحنفي: 66 رضوان: 152 (الزاي) الزبير بن بكار: 61 زيد بن ثابت: 56 (السين) سابور: 148 السخاوي: 127
سرّي: 137 سعيد بن الظاهر: 110 سفيان بن عيينة: 37، 56 السلطان الظاهر: 99 سلمان: 152 سيبويه:57 (الشين) شابور: 148 الشافعي: 55، 56، 60، 65، 95، 120، 147، 152 الشبلي: 137 شهاب الدين (أبو شامة المقدسي): 127 (الضاد) الضياء بن تمام: 62 (الطاء) الطحاوي: 66 طلحة:152 (الظاء) الظاهر السلطان: 105 (العين) عبد الغني المقدسي: 60 عبد الكريم بن عبد الصمد: 62 أبو عبد الله بن المبارك: 42 عثمان: 153 عز الدين بن عبد السلام: 127
علي بن أبي طالب: 56 عمر بن الخطاب: 56 عمرو بن دينار: 56 عمرو بن علي الزرعي: 138 (الغين): الغزالي: 58 (الفاء) فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 142 فخر الدين الرازي: 50، 58 فخر الدين المالكي: 58 (القاف) القشيري: 49 قيصر: 148 (الكاف) كسرى: 148 (الميم) مالك: 56، 60، 137 محمد الإخميمي: 49، 97 محمد بن يونس: 38 مسلم:61،60،59 موسى بن عمران: 134، 137 (النون) نافع: 56 النسائى: 60
نصر المقدسي: 61 نظام الملك: 112 نوح - صلى الله عليه وسلم -:140 النووي:37،39،41،44، 66، 67، 69، 99، 101، 113، 115 117، 121، 123، 124، 126، 127، 129، 130، 131، 133، 134 137، 138، 139، 141، 142، 144، 147، 148، 149، 150، 151 152، 155، 157، 165 (الياء) يحيى - صلى الله عليه وسلم -:118 يحيى بن معاذ الرازي: 57 يوسف الفقاعي: 97
فهرس الأماكن
فهرس الأماكن (الثاء) ثبير: 130 (الجيم) جاسم: 149 جامع بيت لهيا: 128 جامع جِلق: 128 جِلق: 123، 128 الجوزاء: 115، 117 الجولان: 40، 41، 131 (الحاء) حوران: 41، 150 (الخاء) خراسان: 57 الخليل: 43، 97 (الدال) دار الحديث الأشرفية:61، 126، 128، 132، 165 دار الحديث النورية:118، 120، 132، 156، 159 دمشق:41، 45، 48، 54، 62، 65، 66، 68، 97، 98، 99، 105، 114، 117، 119، 125، 131، 165 (الشين) الشام:120، 99، 109، 137
(الصاد) صوخد: 96 (الطور) الطور: 134 (القاف) القدس: 43، 97 (الميم) المدرسة البادرائية: 77 المدرسة الرواحية: 45، 51، 133، 146 المدرسة القايايمازية: 114 المدرسة الناصرية: 125 المدينة المنورة: 47، 56 المزة: 164 مكة المكرمة: 56 (النون) نوى:41، 43، 44، 48، 97، 117، 128، 131، 132، 133، 135، 150، 151، 152، 154 (الياء) يذبل:130 ***
فهرس كتب الإمام النووي
فهرس كتب الإمام النووي (وفيها ما هو منسوب إليه خطأ وما هو مشهور بأكثر من عنوان) ابتداء التاريخ في الاسلام ومناقب الشافعي والبخاري: 85 أجوبة عن أحاديث سئل عنها: 85 (ت) الأحكام: 82 أدب المفتي والمستفتي: 91 (ت) الأذكار: 76 الأربعين: 72 الإرشاد: 73 إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق: 73 (ت) الإشارات: 75 (ت) الإشارات في بيان الأسماء المبهمات: 171 (ت) الأصول والضوابط: 85 (ت) أغاليط الوسط: 92 (ت) الأمالي: 82 (ت) الإملاء على حديث الأعمال بالنيات: 82 الإيجاز في المناسك: 78 الإيضاح في المناسك: 75 إيضاح المناسك الكبير: 75 (ت) (الباء) بستان العارفين: 86 (ت)
(التاء) التبيان فى آداب حملة القرآن: 76 التحرير: 74 (ت) التحرير في ألفاظ التنبيه: 74 تحفة طلاب الفضائل: 86 (ت) تحفة الوالد وبغية الرائد: 91 (ت) التحقيق فى الفقه: 84 ترتيب فتاوى النووي: 78 (ت) الترخيص بالقيام لذوي أبو الفضل والمرية من أهل الاسلام: 77 (ت)، 83 (ت) الترخيص في الإكرام بالقيام لذوي أبو الفضل والمزية من أهل الاسلام على جهة البر والتوقير والاحترام لا على الرياء والإعظام: 77 (ت). الترخيص فى الإكرام والقيام: 77 (ت) التصحيح في شرح ألفاظ التنبيه: 74 (ت) تصحيح ألفاظ التنبيه: 74 (ت) التقريب فى علم الحديث: 73 (ت) التقريب والتبشير فى معرفة سنن البشير: 73 (ت) التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير: 73 (ت) التلخيص:81 (ت) التهذيب للأسماء واللغات: 84 التيسير في مختصر الإرشاد في علوم الحديث: 73، 154 (الجيم) جامع السنة: 86 (ت) جزء مشتمل على أحاديث رباعيات: 87 (ت) جزء فيه ذكر اعتقاد السلف في الحروف والأصوات: 86 (ت)
(الحاء) حزب أدعية: 87 (ت) حلية الأبرار وشعار الأخبار في تلخيص الدعوات والأذكار المستحبة في الليل والنهار: 72 (ت) (الخاء) خلاصة الأحكام: 82 (ت) خلاصة الأحكام فى مهمات السنن قواعد الإسلام: 82 (ت) الخلاصة فى الحديث: 82 (ت) (الدال) دقائق الروضة: 87 (ت) دقائق المنهاج: 88 (ت) (الراء) رسالة فى آداب القراءة: 76 (ت) رسالة في الشمائل النبوية: 88 (ت) رؤوس المسائل: 88 (ت) روح السائل: 91 (ت) الروضة في مختصر شرح الرافعي: 78، 118 رياض الصالحين: 71 (السين) السيرة النبوية: 91 (ت)، 83 (ت) (الشين) شرح ألفاظ المنهاج: 84 شرح البخاري: 81 شرح التنبيه: 80، 132
شرح دقائق المنهاج: 88 (ت) شرح سنن أبي داود: 82 شرح مشكاة الأنوار فيما روي عن الله سبحانه من الأخبار: 93 (ت) شرح الوسيط: 81 شروط الوضوء: 94 (ت) (الصاد) الصلاة: 88 (ت) (الطاء) طبقات الشافعية: 84 (ت) طبقات الفقهاء: 83 طبقات الفقهاء الشافعية: 84 (ت) (العين) العمدة في تصحيح التنبيه: 74 عيون المسائل المهمة: 77 (ت) (الغين) غيث النفع في القراءات السبع: 93 (ت) (الفاء) الفتاوى: 77 فتاوى الإمام النووي: 78 (ت) (القاف) قسمة القناعة ومختصره: 93 (ت) القواعد والضوابط: 86 (ت) القيام: 77
(الكاف) كتاب في فقه الشافعية: 94 (ت) (اللام) لغة الفقه: 74 (ت) (الميم) ما تمس إليه حاجة القاري لصحيح البخاري: 82 (ت)، 91 (ت) ما وقع في المهذب من الأوهام: 88 (ت) المبهمات: 71 المبهم من حروف المعجم: 93 (ت) المجموع شرح المهذب: 79 مختصر آداب الاستسقاء: 89 (ت) مختصر أسد الغابة في معرفة الصحابة: 89 (ت) مختصر تأليف الدارمي في المحيرة: 89 (ت) مختصر البسملة: 89 (ت)، 91 (ت) مختصر التبيان: 76 مختصر الترمذي: 90 (ت) مختصر التنبيه: 90 (ت) مختصر المحرر: 90 (ت) مختصر شرح الوجيز: 90 (ت) مرآة الزمان في تاريخ الأعيان: 85 (ت) مسألة تخميس الغنائم: 76 (ت) مسألة الغنيمة: 76 مسألة نية الاغتراف: 90 (ت) المسائل المنثورة: 78 (ت)
مسائل وفتاوى: 78 (ت) المقاصد: 93 (ت) مقدمة في الفقه الشافعي: 91 (ت) منار الهدى في الوقف والابتدا: 94 (ت) المناسك الثالث والرابع والخامس والسادس: 75 مناقب الشافعي: 90 (ت) مناقب علي بن أبي طالب: 92 (ت) المنتخب في مختصر التذنيب: 90 (ت) المنتخب من كتاب التقييد: 91 (ت) المنثورات وعيون المسائل المهمات: 78 (ت) من نسب لأمه: 91 (ت) المنهاج في شرح صحيح مسلم: 70 المنهاج في مختصر المحرر: 84، 94، 118 مهمات الأحكام: 90 (ت) (النون) النكت على التنبيه: 74 (ت) نكت على الوسيط: 81 (ت) النهاية في اختصار الغاية: 92 (ت) (الواو) وجوه الترجيحات في الأحاديث الموهمة التعارض: 89 (ت) ***
فهرس الكتب الواردة في النص غير كتب النووي
فهرس الكتب الواردة في النص غير كتب النووي (الألف) آداب السامع والراوي، الخطيب البغدادي إصلاح المنطق، ابن السكَّيت: 49، 58 الأنساب، الزبير بن بكار: 60 (التاء) التنبيه، أبو إسحاق الشيرازي: 46 (الجيم) جزء أبي الجهم العلاء بن موسى الباهلي: 54 الجمع بين الصحيحين، الحميدي: 49، 59 (الحاء) الحجة على تارك المحجة، نصر المقدسي: 61 (الخاء) الخطب النباتية: 61 (الراء) الرسالة، القشيري: 49، 61 (السين) سنن ابن ماجه: 60 سنن أبي داود: 60، 61، 82 سنن البيهقي: 60 سنن الترمذي: 60، 111
سنن الدارقطني: 60 سنن الدارمي: 60 سنن النسائي: 60 (الشين) شرح السنة، البغوي: 60 (الصاد) صحيح البخاري: 59، 60، 61، 81، 112، 113 صحيح مسلم: 49، 59، 60، 61، 111، 113 صفوة الصفوة: 61 (العين) علوم الحديث، ابن الصلاح: 60 عمل اليوم والليلة، ابن السنِّي: 61 (القاف) القانون، ابن سينا: 51 (الكاف) الكمال في أسماء الرجال، المقدسي: 60 (اللام) اللمع، لابن جني: 49، 50، 58 (الميم) المحرر، الرافعي: 94 المستصفى، الغزالي: 58 مسند أبي عوانة: 63 مسند أبي يعلى: 60 مسند الإمام أحمد بن حنبل: 60
مسند الشافعي: 60 معالم التنزيل، البغوي: 60 معرفة السنن والآثار، الطحاوي: 66 المنتخب، فخر الدين الرازي: 50، 58 المهذب، أبو إسحاق الشيرازي: 46، 49، 53 الموطأ، مالك بن أنس: 60 (الواو) الوسيط: 49