تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة

ناصر الدين البيضاوي

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين بحمد الله ومنه أسترفد وبحسن توفيقه أستنجد وعلى سوابغ لطفه أستند وفي أوضح سبله بأبين دلائله أسترشد وبعصم الهداية عن غياهب الضلالة أستبعد وبالتوسل بمحمد سيد البشر وشفيع المحشر أستسعد وباقتفاء هديه واتباع أمره أستمجد وفي الصلاة عليه وعلى آله وصحبه غاية وسعي أستنفد. ثم إلى الله سبحانه أرغب في تيسير ما هممت به من تفسير معوصات كتاب المصابيح المقتبسة من النور العلوي الفائض على الروح القدسي المصطفوي وحل مشكلاته وإبانة معضلاته واستكشاف أسراره واستيقاد أنواره والتنبيه على مزالق أهل الأهواء عن صراط السواء وما ارتبكت به علاتهم واشتبكت به جهالاتهم والإرشاد إلى ما يظهر عمايتهم ويزيح غوايتهم بحسب ما تسعه قدرتي وتفي به

المقدمة الأولى في بيان طريق روايتي لهذا الكتاب

مُنَّتي ليكون تحفة لمن سمت همته إلى اقتباس المعالم الدينية واقتناص المعارف القدسية وترقى بمراقي الفكر إلى عوالي الدرجات بلغه الله أقصى الغايات ووفقه لاستجماع أنواع الكمالات ودليلا لي يوم القيامة يهديني ونورا على الصراط يسعى بين يدي وبيميني والله سبحانه ولي التوفيق وبإسعاف راجيه حقيق ولنصدر الكتاب بتقديم مقدمات المقدمة الأولى في بيان طريق روايتي لهذا الكتاب وهي من طرق متعددة ووجوه مختلفة أجلها وأقواها أني قد قرأته وسمعته ملرارا على والدي مولاي ولي الله الوالي قاضي قضاة الأعظم السعيد إمام الحق والدين: أبي القاسم عمر بن المولى العلامة قاضي قضاة المغفور له فخر الدين أبي عبد الله محمد بن الإمام الماضي صدر الدين أبي الحسن علي قدس الله أرواحهم ونور ضرائحهم وهو يرويه عن والده المذكور لقبه واسمه ونسبه وعن عمه أقضى القضاة السعيد شمس الدين أبي نصر أحمد بن علي وعن الإمام

القاضي حجة الدين عبد المحسن بن أبي العميد الأبهري وعن الصدر السعيد كافي الدين فناخسرو بن فنا خسرو فيروز الشيرازي وعن الإمام زين الدين علي بن إبراهيم بن الحسين البيضاوي وهؤلاء يروونه عن الإمام الحافظ الناقد أبي موسى محمد المديني عن مؤلفه الإمام محيي السنة ناصر الحديث أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي رحمهم الله وكان رضي الله عنه يرويه أيضا عن الإمام السعيد مخلص الدين أبي عبد الله محمد بن معمر بن عبد الواحد القرشي عن والده عن المؤلف وعن الإمام المقتدي أرشد الدين علي بن محمد النيريزي والإمام المتبحر موفق الدين أبي القاسم عبد الرحمن السروستاني عن الإمام السعيد قوام الدين أبي مقاتل مناور بن فزكوه الديلمي عن المؤلف وأعلاها: أنه قد أجاز لي روايته خالي الإما السعيد الرباني شهاب الدين أبو بكر ابن الإمام الماضي نجم الدين عبد الرحمن البيضاوي والصاحب السعيد غياث الدين أبو مضر محمد بن أسعد

المقدمة الثانية في بيان فضل الفن من العلم على سائر الفنون

العقيلي اليزدي والإمام المرحوم جمال الدين أحمد الهمداني المعروف ب (عاج) وهؤلاء - رحمهم الله - يروونه عن الحافظ عن المؤلف وإني قد سمعته بعضه وأجاز لي روايته باقيه الإمام المعمر جمال الدين عثمان بن يوسف المكي عن الإمام أبي منصور بن حفدة الطوسي عن المؤلف ولهل طرق أخرى تركتها حذرا عن الإكثار وإيثارا للاختصار والله ولي التوفيق المقدمة الثانية في بيان فضل الفن من العلم على سائر الفنون سنتلو عليك فيما يتلو هذه المقدمة ما يدل على مؤاخاة وتناسب بين الكتاب والسنة وأنهما من واد واحد وناهيك بهذا لها شرفا وفضلا وهي كعين ينشعب عنها أنهار العلوم الدينينة والمعالم الشرعية فإن علم التفسير - مع جلالة قدره ونباهة ذكره - مبناه على تأويلات وبيانات صدرت عن الشارع صلوات الله عليه وسائر العلوم منشعبة عن هذين العلمين ومتفرعة عليهما لأن من الآيات والسنن ما هي متعلقة بالعقائد

والمعارف ومنها ما يتعلق بأفعال الناس وأحوالهم وإما على طريقة شرع الأحكام أو على سبيل القصص والأخبار. والأول استأثر الناظر في المعارف والطالب للحقائق وتصرف فيها بالتفصيل والتكميل حتى تحصل على الطبقة العليا والمعرفة الأولى المسماة بـ: العلم الإلهي وأصول الدين وعلم الكلام والقسم الثاني: وهو ما يتعلق بالأفعال على طريق التخيير أو الاقتضاء انقسم قسمين يتعلق أحدهما بالأعمال الظاهرة وثانيهما بالأحوال الباطنة فأخذ المجتهد في طلب الأحكام الشرعية القسم الأول من هذين القسمين وجعل ما كان منهما معربا عن قاعدة كلية يمكن التوصل بواستطها إلى أحكام شتى أوضاعا وأساسا وسماها مع ما انضاف إليها مما يشاكلها ويتعلف بأذيالها أصول الفقه وما كان دليلا على قضايا تختص بفعل فعل سندا وأصولا وتامل فيها حق تأمله وبذل غاية جهده حتى حصل له من مفهوم منظومها ومدلول مفهومها ومقتضى معقولهل أحكام يقف الحاصي دون إحصائها وسماها: علم الفقه وعلم الشريعة وعلم المذهب واستخلص أرباب السلوك السائحين في الملأ الأعلى السائرين إلى الله تعالى قسيم هذا القسم وغاصوا فيها وجعلوها ظهرا لبطن ففهما ظواهرها وورثوا بالعمل بها حقائقها وبواطنها فجمعوا الأمرين مناصحة للمريدين ومعاونة للمقتبسين فسموا القسم الأول: علم التصوف وعلم مكارم الأخلاق وعلم الرياضة

المقدمة الثالثة في بيان تناسب الكتاب والسنة

وعلم التزكية وعلم التخلية وسموا الثاني: علم الحقائق وعلم المشاهدة وعلم المكاشفة والقسم الثالث: من الأقسام الثلاثة: الأول أخذه القاص باعتبار الحكاية نفسها: تارة متبددة وتارة متسقة وبنى عليه علمي القصص والتواريخ والمذكر باعتبار ما يصحبها من الاعتبار المرغب والمرهب واستخرج منها علم التذكير فظهر بهذا أن علم الحديث رئيس العلوم ورأسها ومينى قواعد الدين وأساسها المقدمة الثالثة في بيان تناسب الكتاب والسنة قد جرى فيما مضى من الكلام أن الأحاديث تنقسم إلى أقسام ثلاثة: عقائد وأحكام وأخبار والقسم الأخير بأسره غيب لا يمكن الوقوف عليه بإيحاء وتوقيف سواء كانت إخبارا عن أمور مترقبة كالفتن الحادثة والوقائع النازلة في دور دور والأشراط الدالة على دنو القيامة أو قصصا وحكايات عن أشياء سالفة وأشخاص دارجة فإنها أيضا ممن لم يكن حاضر تلك الأحوال ولم يمارس شيئا من كتب الأخبار ولم يصاحب أحدا يعلم هذا الفن ويعتمد فيه على قوله غيب صرف لا يتصور معرفته إلا بنوع من الوحي والإلهام من عالم الغيب والشهادة

والقسمان الآخران وإن أمكن أن يكون فيهما ما صدر عن استدلال عقلي في مسألة عقلية أو اجتهاد في حكم واقعة لم نجد فيه نصا فإن الشافعي وأبا يوسف - رحمهما الله - جوزاه وتوقف فيه الباقون غير أبي علي وابنه فإنهما منعا وجمع فرقوا بين الحروب وغيرها إلا أن ظاهر قوله تعالى {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} [النجم:3 - 4] يمنع ذلك فإن قلت: من المحتمل أنه تعالى أوحى إليه وأمره بالاستدلال والاجتهاد وحينئذ يكون ما قاله استدلالا واجتهادا قولا بالوحي واتباعا له. قلت: أخبر سبحانه وتعالى أن ما يقوله وحي لا أنه بالوحي وتسمية ما يكون مسببا عن الشيء باسمه مجاز والصل يمنعه فظهر إذا أن الأحاديث كالآيات في كونها وحيا منزلا من عن الله تعالى لكنها تفارقها من وجوه: الأول: أن الكتاب هو المنزل لأجل الإعجاز والتحدي به ولا كذلك الحديث. والثاني: أن ألفظ القرآن متعبد بها لا يجوز تغييرها وتعويضها بما يفيد عين فائدتها بخلاف السنن فإن أكثر الأمة على جواز نقلها بالمعنى والثالث: أن ألفاظ القرآن ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ وليس لجبريل ولا للرسول - صلوات الله عليهما - تصرف فيها أصلا

المقدمة الرابعة في بيان أنواع الحديث

وأما الأحاديث فمن المحتمل أن يكون النازل على جبريل معنى صرفا فكساه حلة عبارته وبينه للرسول صلى الله عليه وسلم بتلك العبارة وألهمه كما لقيه فأعرب الرسول بعبارة تفصح عنه هذا ما لاح لي ارتجالا والعلم عند الله وحده المقدمة الرابعة في بيان أنواع الحديث ينبغي لك أن تعلم أنه ليس كل مل ينسب إلى الرسول - صلوت الله عليه - صدقا والاستدلال به جائزا فإنه روي عن شعبة - رحمه الله - أنه قال: نصف الحديث كذب وعن أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم من أئمة الحديث - رحمهم الله - نحو ذلك ولأنه نسب إليه - صلوات الله عليه - أنه قال "سيكذب علي" فهذا الخبر إن كان صدقا فلا بد من أن يكذب عليه وإن كان كذبا فقد كذب عليه وللمخافة عن هذا أوعد الشارع عليه وقال "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" وهذا إنما وقع من الثقات لا عن تعمد بل إما لنسيان كما روي عن ابن عمر رضي الله عنه روى "إن الميت ليعذب ببكاء أهله" فبلغ ابن عباس رضي الله عنه فقال: "ذهل أبو عبد الرحمن إنه - عليه السلام - مر بيهودي يبكي على ميت فقال "إنه ليبكي عليه وإنه ليعذب"

أو لالتباس لفظ أو وقوع خطأ في تعبير العبارة والنقل بالمعن نظيره: أن ابن عمر رضي الله عنه روى: أنه - عليه السلام- وقف على قليب بدر فقال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا" ثم قال "إنهم الآن يسمعون ما أقول" فذكر ذلك لعائشة رضي الله عنها فقالت "لا بل قال: إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق" أو لأنه ذكره الرسول - صلوات الله عليه - حكاية فحسب الراوي أنه يقوله من تلقاء نفسه كما روي أنه قال: الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار فقالت عائشة رضي الله عنها: إنما قال الرسول - صلوات الله عليه - حكاية عن غيره. أو لأن ما قاله - صلوات الله عليه - كان مختصا بسبب فغفل الراوي عنه كما روي أنه قال "التاجر فاجر" فقالت عائشة: إنما قال ذلك في تاجر يدلس أو لنحوها. وقد وقع عن تعمد: إما عن الملاحدة طعنا في الدين وتنفيرا للعقلاء عنه كما روي أنه قيل له: يارسول الله مم ربنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: خلق خيلا فأجراها فعرقت فخلق نفسه عن ذلك العرق " تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وتبرأ الرسول صلى الله عليه وسلم عما بهتوه بهتانا عظيما وإما عن الغواة المتعصبين تقريرا لمذهبهم وردا لخصومهم

كما روي أنه قال: سيجيء أقوام من أمتي يقولون: القرآن مخلوق فمن قال: مخلوق فقد كفر بالله العظيم وطلقت امرأته من ساعته لأنه لا ينبغي لمؤمنة أن تكون تحت كافر" أو عن جهلة القصص ترقيقا لقلوب العوام وترغيبا لهم في الأذكار والأوراد كما حكي: أن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين - رحمة الله عليهما - حضرا مسجد رصافة في جماعة فقام بين أيديهم قاص وقال: أخبرنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قال لا إله إلا الله خلق الله من كل كلمة منها طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان " وأخذ في قصة طويلة فنظر يحيى إلى أحمد وقال: أنت حدثته؟ فقال: والله ما سمعته إلا الساعة فدعاه يحيى وقال له: أنا يحيى وهذا أحمد وما سمعنا بهذا قط فقال: لم أزل أسمع أن يحيى أحمق وما تحققته إلا الساعة ليس في الدنيا غيركما أحمد ويحيى قد كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. أو عن المتهالكين على المال والجاه تقربا إلى الحكام كما وضعوا في دولة بني العباس نصوصا على إمامة العباس وأولاده إلى غيرهم من الزائغين عن الهدى.

إذا عرفت هذا فتقول: ما نقل عن الرسول - صوات الله عليه - ثلاثة أقسام: ما يعلم صدقه وما يعلم كذبه وما لا يعلم حاله والأول: كل خبر بلغت كثرة رواته في كل طبقة مبلغا أحال العقل تواطؤهم على الكذب ويسمى: متواترا. والثاني: ما يخالف قاطعا ولم يكن يقبل التأويل أو كان من الشواذ المروية في أمر تتوفر الدواعي على إشاعته إما لغرابته, أو لكونه أصلا في الدين ويسمى: موضوعا. والثالث: على ثلاثة أقسام لأنه: إما أن يكون راحج الصدق, أو راجح الكذب, أو مستوى الطرفين. والأول: ما سلم لفظه ومعناه, واتصل إسناده إلى الرسول - صلوات الله عليه - بعنعنة ثقات معلومي العدالة ويسمى: صحيحا, وقد يقسم هذا القسم بنوعين من التقسيم إلى أقسام أربعة: التي أوردها الإمامان محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري ومسلم بن حجاج القشيري في جامعيهما - تسمى صحاحا وإن كانت فرادى في كل الطبقات أو بعضها تسمى: حسانا وعلى هذا اصطلح صاحب الكتاب, ولا شك أن القسم الأول عند التعارض أرجح من الثاني, لتأكد الظن فيه, واتفاق القائلين بالخبر الواحد على هذا النوع خاصة. والثاني: أن الحديث إن كان مما دونه الحفاظ وشاع فيما بينهم سمي: مشهورا, وإن تفرد به حافظ واحد, ولم

ينكره غيره سمي: غريبا, وقد يطلق الغريب ويراد به: ما رواه التابعي عن صحابي لم يكن مشهورا به. والثاني: ما يكون في لفظه ركاكة أو خلل لا يحسن إصلاحه, أو في معناه خور, مثل أن يكون على خلاف آية أو خبر متواتر أو إجماع, ويسمى: مستقيما, أو في أحد رواته قدح وتهمة, ويسمى: ضعيفا ومنكرا, وقد يطلق السقيم عليه أيضا. والثالث: ما لا يكون في متنه علة, ولا في راويه خلل بين, لكن بعض رواته لم يعلم بعين أو وصفه, والأول: إن كان هو الصحابي سمي الحديث: مرسلا, وإن كان غيره سمي: منقطعا, وإن كان كليهما سمي: معضلا, والثاني: ما لا يعرف عدالة رواته, وسمي: مجهولا. والمنقطع والمعضل لا استدلال بهما, وفي المرسل والمجهول خلاف, فاعتبرهما أبو حنيفة, ورد الشافعي رضي الله عنه المجهول مطلقا, والمرسل إذا لم يكن مؤبدا بإرسال آخر, أو فتوى أهل العلم أو العلم بأن الراوي الفرع لا يروي إلا من العدل وللكلام بعد مجال, لكن الاقتصار أولى والاشتغال بالمقصود أجدى.

مقدمة مصابيح السنة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى والصلاة التامة الدائمة على رسوله المجتبى محمد سيد الورى وعلى آله نجوم الهدى. قال الشيخ الإمام الأجل السيد, محيي السنة, ناصر الحديث ركن الإسلام, قدوة الأمة, إمام الأئمة, أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء, البغوي, نور الله قبره: أما بعد, فهذه ألفاظ صدرت عن صدر النبوة, وسنن سارت عن معدن الرسالة, وأحاديث جاءت عن سيد المرسلين وخاتم النبيين, هن مصابيح الدجى, خرجت عن مشكاة التقوى التقي, مما أوردها الأئمة في كتبهم, جمعتها للمنقطعين إلى العبادة, لتكون لهم بعد كتاب الله حظا من السنن, عونا على ما هم فيه من الطاعة. تركت ذكر أسانيدها حذرا من الإطالة عليهم, واعتمادا على نقل الأئمة, وربما سميت في بعضها الصحابي الذي يرويه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعنى دعا إليه وتجد أحاديث كل باب منها تنقسم إلى صحاح وحسان.

أعني بـ (الصحاح): ما أخرجه الشيخان, أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري, وأبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري رحمهما الله, في جامعيهما, أو أحدهما. وأعني بـ (الحسان) ما أورده أبوداود سليمان بن الأشعث السجستاني وأبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي, وغيرهما من الأئمة في تصانيفهم – رحمهم الله – مما لم يخرجه الشيخان, وأكثرها صحاح بنقل العدل عن العدل غير أنها لم تبلغ غاية شرط الشيخين في علو الدرجة من صحة الإسناد, إذ أكثر الأحكام ثبوتها بطريق حسن. وما كان فيها من ضعيف أو غريب أشرت إليه, وأعرضت عن ذكر ما كان منكرا أو موضوعا, والله المستعان وعليه التكلان. روى عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لامريء ما نوى, فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله, فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه " (عنوان الكتاب) (قوله: وربما سميت في بعضها الصحابي الذي يرويه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعنى دعا إليه)

لذكر الصحابي فوائد: الأولى: معرفة الناسخ والمنسوخ, لأنه إذا تعارض خبران, وعلم أن أحدهما يرويه من كان له صحبة مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - زمانا محدودا, وراوي الآخر أسلم بعد انقطاع صحبته, علم أن الأول منسوخ بالثاني. والثانية: التنبيه على رجحان الخبر بحال الراوي من علمه وزيادة ورعه وعلو منصبه, إلى غير ذلك, كما بيناه في كتابي "المنهاج" و"المرصاد" والثالثة: أن الحديث الواحد قد يروى عن جماعة بطرق مختلفة طعن في فروع بعضهم, فينسب الحديث إلى الآخر توقيا عن ذلك. والرابعة: أن المعاني المتقاربة قد تروى عن أشخاص من الصحابة بألفاظ متفاوتة, فيذكر الصحابي الذي يرويه بهذه العبارة تمييزا لها عن أخواتها. (قوله: وما كان فيها من ضعيف أو غريب أشرت إليه) مر تعريف أقسام الأحاديث, ولقائل أن يقول: الضعيف – كما ذكرت – ساقط عن درجة الاعتبار والاحتجاج, فلم أثبته في تضاعيف ما أورده؟ وجوابه: أن حاصل الضعيف, راجع إلى طعن رمي به الراوي,

وليس كذلك ما هو قادح عند أحد قادحا عند كل أحد، فإن مجال الخلاف في أسباب الجرح فسيح, فلعل الحديث الضعيف عنده لم يكن ضعيفا عند غيره, بل كان أصلا تبنى عليه المسائل, وكم من خلاف منشؤه ذلك, فأثبته الشيخ في الكتاب تعميما لنفعه, وأشار إلى ضعفه تنبيها على ما هو عنده, وأيضا كثير من الأحاديث الضعاف استشهد به من لم يتحقق كنه حالها ولا ركاكة رجالها, وأشهرها بين الناس حتى صارت من الزائغات المقبوله, فأوردها وذكر ضعفها إزاحة لذلك, والله أعلم. "عن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما الأعمال بالنيات, وإنما لامرئ ما نوى, فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله وإلى رسوله, ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه" الموجب لتقديم هذا الحديث أمران: أحدهما: أن أول ما يجب على العبد هو القصد إلى النظر المفيد للمعرفة, كما بين في الكتب الأصولية, ومن قال بأن أول الواجبات هو المعرفة أراد به: أول الواجبات المقصودة بالذات, لا أول ما يجب كيف كان, فكان جديرا بأن يقدم ما ورد فيه. ثانيهما: أن يكون أول ما يقرع السمع ويتمكن في النفس: إنما الأعمال بالإخلاص, فيزكي المتعلم أولا سره عن الأغراض والمطامع

الدنيوية, ويتوجه بقلبه إلى الحضرة الإلهية. ولا يقصد بسعيه – سيما في هذا الفن – سوى الفوز بالمعرفة والزلفى من الله تعالى. ولفظة (إنما) تفيد الحصر, لأنها مؤلفة من (أن) التي للإثبات و (ما) التي للنفي, والأصل يقتضي بقاء مفهومها بعد التركيب, ولا ريب في أن (إن) لا تقتضي إثبات غير المذكور, و (ما) نفي المذكور, فتعين عكسه. ويشهد له قول الأعشى: [و] إنما العزة للكاثر وقول الفرزدق: ........... وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي فالمعنى: لا عمل إلا بالنية, والنفي المضاف إلى الأفعال مثل: لا صلاة, ولا صيام, ولا نكاح , متروك الظاهر, لأن الذوات غير منتفية, والمراد به نفي الأحكام المتعلقة بوجودها كالصحة والفضيلة, والحمل على نفي الصحة أولى, لأنه أشبه بنفي الشيء في نفسه, لأن اللفظ يدل بالتصريح على نفي الذات, وبالتبع على نفي جميع الصفات, فلما منع الدليل على نفي الذات بقي دلالته على نفي جميع الصفات. والنية: عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من

جلب نفع أو دفع ضر, حالا أو مآلا. وتحقيق ذلك: أن الأفعال الاختيارية لا تتم إلا بثلاثة أمور: علم, وإرادة, وقدرة, فإن الفعل لايوجد إلا بتأثير القدرة, والقدرة لا تعمل ما لم تستعملها الإرادة ولم تعين لها أحد الطرفين الممكنين, أعني: الفعل والترك, والإرادة لا تبعث ولا تتوجه نحوه ما لم يتصور فيه مصلحة تدعوه إليه, فتلك الإرادة إذا أبرمت وصارت عزما جزما, عبر عنها بالنية لغة. والشرع خصصها بالإرادة المتوجهة نحو الفعل ابتغاء لوجه الله تعالى وامتثالا لحكمه, فمن فعل نائما أو غافلا ففعله معطل مهمل, يماثل أفعال الجماد, ومن أتى طاعة رياء وسمعة, أو طمعا في عطاء دنيوي, أو توقعا لثناء عاجل, أو تخلصا عن تعنيف الناس فهو مزور أو مستعيض, لا مطمع ولا مطمح له سوى الدنيا, وما له في الآخرة من خلاق, كما قال عليه السلام:" إن أول الناس يقضى إليه يوم القيامة: رجل استشهد, فأتى به فعرفه نعمه فعرفها, قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت, قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال: رجل جريء وقد قيل فأمر به فسحبت على وجهه حتى ألقي في النار " الحديث.

ومن عمل صالحا فهو مخلص في عمله, مستقبل بوجهه نحو معبوده, صعد من الحضيض الإنسي إلى الأوج القدسي, واستحق ما أعد له من الثواب في دار المآب. وتحقيق ذلك: أن المقصود الأعظم من شرع الأعمال وإدآب الجوارح: تمثل الملكات الفاضلة في النفس, وتمكن العقائد الحقة فيها فإن العبادة تذكر المعبود, ويمكن ذكره تكررها والمواظبة عليها, وتوجب للنفس صدقا في محبته وشوقا إلى قربه, وشغفا إلى ما عند من نعائم العقبى وطرائقها, وزهدا في حطام الدنيا وزخارفها ويشهد له قوله تعالى (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) وقوله عليه السلام: " إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم, بل إلى قلوبكم ونياتكم " وقوله: " نية المؤمن خير من عمله ونية الفاجر شر من عمله ". والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي, ليحسن تطبيقه بما بعده وتقسيمه بقوله: (فمن كانت هجرته) إلى آخره, فإنه تفصيل لما أجمله, واستنباط للمقصود عما أصله إذ روي: أن رجالا هاجروا شغفا بمهاجرات وطمعا في منح الأنصار فورد فيهم الحديث.

(1) كتاب الإيمان

كتاب الإيمان

(1) كتاب الإيمان 1 - باب من الصحاح: 1 - 1 - قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب, شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر, ولا يعرفه منا أحد, حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - , وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع يديه على فخذيه, فقال: يا محمد أخبرني عن الإيمان, فقال: " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, وتؤمن بالقدر خيره وشره " فقال: صدقت, قال: فأخبرني عن الإسلام, قال: " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, وتقيم الصلاة ووتؤتي الزكاة, وتصوم رمضان, وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " قال: صدقت, قال: فأخبرني عن الإحسان, قال: " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك " قال: فأخبرني عن الساعة قال: " ما المسؤول عنها

بأعلم من السائل " قال: فأخبرني عن أماراتها, قال: " أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العلة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان " ثم انطلق, فلبثت مليا, ثم قال لي: " يا عمر أتدري من السائل؟ " قلت: الله ورسوله أعلم قال: " فإنه جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم " ورواه أبو هريرة - رضي الله عنه - وفي روايته: " وأن ترى الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض في خمس لا يعلمهن إلا الله: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث) الآية. (كتاب الإيمان) (من الصحاح) " قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب, شديد سواد الشعر ولا يرى عليه أثر السفر, ولا يعرفه منا أحد, حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسند ركبتيه إلى ركبتيه, ووضع يديه على فخذيه, وقال: يا محمد أخبرني عن الإيمان, فقال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, وتؤمن بالقدر خيره وشره, فقال: صدقت, قال: فأخبرني عن الإسلام, قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة, وتصوم رمضان, وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا, قال: صدقت, قال: فأخبرني عن الإحسان, قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه

يراك, قال: فأخبرني عن الساعة, قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل, قال: فأخبرني عن أماراتها, قال: أن تلد الأمة ربتها, وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان, قال: ثم انطلق فلبثت مليا, ثم قال لي: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله روسوله أعلم, قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم ". ورواه أبو هريرة وفي روايته: " وأن ترى الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض في خمس لا يعلمهن إلا الله: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث) الآية [لقمان 34] أي: الساعة معدودة من المغيبات الخمس التي ذكرت في القرآن, كقوله تعالى: (إن الله عند علم الساعة) الآية. " بينما " أصله: بين, و (ما) مزيدة معوضة عما يستحقه من المضاف إليه, ولذلك لا يضاف, (بينا (مثله في المعنى, والألف فيه حصلت من إشباع الفتحة, قال الشاعر: فبيناه يشري نفسه قال قائل ... لمن جمل رخو الملاط نجيب والمعنى: بين أوقات أو أحوال نحن جالسون فيها عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمان طلوع هذا الرجل, أي: بدوه وظهوره. " الإيمان ": (إفعال) من الأمن بمعنى الطمأنينة, يقال: أمنته وأمننيه فلان, ثم يقال: أمنته, أي: صدقته, وحقيقته: أمنته عن

التكذيب والمشاقة, وتعديته لتضمنه معنى أقر وأعترف. و" الله " أصله: (إله) فحذفت همزته معوضا عنها حرف التعريف, وكذلك قطع الألف وأدخل عليه حرف النداء, فقيل: يا ألله و (الإله): فعال بمعنى المفعول, كالكتاب بمعنى المكتوب, من: أله إلاهة , أي: عبادة, أو أله ألها, أي: تحير, فإن الفطن يدهش في معرفة المعبود, والعقول تتحير في كبريائه, فغلب على المعبود بحق, وأما (الله) فمختص به لا يقع على غيره, واختلف في أنه وصف أو اسم, فمن زعم أنه اسم احتج بأن صفاته تعالى لا بد لها من اسم تجري عليه, وسائر الألفاظ الجارية على الله صفات بالاتفاق, ومن أنكر ذلك تمسك بأن ذاته من حيث هو غير معقول, فلا يمكن وضع اللفظ له, والظاهر أنه من الصفات الغالبة ز و (الملائكة) جمع: ملاك على الأصل, كالشمائل جمع: شمال والتاء لتأنيث الجمع, مشتق من الألوكة بمعنى: الرسالة غلبت على الجواهر العلوية النورانية المبرأة عن الكدورات الجسمانية, التي هي وسائط بين الله تعالى والبشر. و (كتبه): ما أنزل على أنبيائه صلوات الله عليهم, إما مكتوبا على نحو ألواح, أو مسموعا من الله تعالى من وراء حجاب, أو من ملك مشاهد مشافه أو مصوت هتاف, وأشار سبحانه إلى هذه الأقسام في قوله: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء) [الشورى 51] وإنما قدم ذكر الملك على الكتاب

والرسل اتباعا لترتيب الواقع, فإنه سبحانه أرسل الملك بالكتاب إلى الرسول لا تفضيلا للملك عليهما. والموجب لدخول الإيمان بها في مفهوم الإيمان الصحيح – مع أن المقصود بالذات معرفة المبدأ والمعاد – أن الناس تنقسم إلى: فطن ذكي يرى المعقولات كالمحسوسات, ويدرك الغائبات إدراك المشاهدات ومنهم الأنبياء صلوات الله عليهم, وإلى من ليس هذا صفتهم, بل الغالب عليهم متابعة الحس ومشايعة الوهم, والعجز عن التخطي إلى ما وراء ذلك, وهم أكثر الخلق وعامة الناس. فإذا: لا بد لهم من معلم يدعوهم إلى الحق, ويذودهم عن الزيغ, ويكشف لهم الحقائق والمغيبات, ويحل عن عقولهم العقد والشبهات, وما هو إلا النبي صلوات الله عليه, المبعوث لهذا الأمر, وهو – وإن كان نافذ البصيرة, مشتعل القريحة, يكاد زيتها يضيء, ولو لم تمسسه نار – يحتاج إلى نور يظهر له الغائبات إظهار نور الشمس للمشاهدات, وهو الوحي والكتاب, ولذلك سمي القرآن: نورا. ثم لا بد لهذا النور من حامل يحمله, وموصل يوصله, وهو الملك المتوسط بين الله ورسوله, فالمرء لا يصير مؤمنا إلا إذا تعلم من النبي - صلى الله عليه وسلم - ما علمه وتحققه بإرشاد الكتاب الواصل غليه بتوسط الملك, وهو أن له ولجميع ما يشار له في الحدوث والإمكان صانعا واحدا واجب الوجود وفائض الجود, مقدسا عن سمة الإمكان ووصمة النقصان.

وهنا أسرار دقيقة لا يتفطن لها إلا الأفراد من الصديقين. و (اليوم الآخر) يوم القيامة, لأنه آخر أيام الدنيا, أو آخر الأزمنة المحدودة, والمراد بالإيمان به: الإيمان بما فيه من البعث والحساب, ودخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار, إلى غير ذلك مما ورد النص القاطع عليه. و (القضاء): هو الإرادة الأزلية, والعناية الإلهية المقتضية لنظام الموجودات على ترتيب خاص, و " القدر ": تلك الإرادة بالأشياء في أوقاتها. والقدرية قالوا: القضاء علمه تعالى بنظام الموجودات, وأنكروا تأثير قدرة الله تعالى في أعمالنا وتعلق إرادته بأفعالنا, وزعموا أنها واقعة بقدرتنا ودواع منا, فأثبتوا لنا قدرة مستقلة بالإيجاد والتأثير في أفعالنا, كما هي ثابتة لله تعالى في أفعاله, ولذلك سماهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: مجوس هذه الأمة. و" الإسلام ": هو الانقياد والإذعان يقال: سلم وأسلم واستسلم: إذا خضع وأذعن, ولذلك أجاب عنه بالأركان الخمسة. وهذا صريح بأن الأعمال خارجة عن مفهوم الإيمان, وأن الإسلام والإيمان متباينان, كما أضشعر به قوله تعالى (قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) [الحجرات: 14] وإليه ذهب أبو الحسن الأشعري رحمه الله. وقال بعض المحدثين وجمهور المعتزلة: الإيمان والإسلام عبارتان عن معبر واحد, وهو المجموع من التصديق بالجنان, والإقرار

باللسان والعمل بالأركان. ويرد عليهم: أنه سبحانه عطف الأعمال الصالحة والانتهاء عن المعاصي على الإيمان في مواضع لا تحصى, ولو كانت الأعمال داخلة في الإيمان لما حسن ذلك. وعلى المحدثين خاصة أنه لو كان كذلك للزم خلروج الفاسق بفسقه عن عداد المؤمنين, كما قاله المعتزلة, ولكنهم أشد الناس إنكارا لهذه المقالة. فإن قلت: فما تصنع بقوله تعالى {إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران:19] {رضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة:3] (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) [آل عمران: 85] فإن الإيمان لو كان مغايرا للإسلام لم يكن عند الله دينا, ولما كان مرضيا ولا ومقبولا؟! وبقوله عليه السلام:" الإيمان بضع وسبعون شعبة, أفضلها قول: لا إله إلا الله, وأدناها إماطة الأذى عن الطريق "؟! قلت: الآيات تدل على أن الشرائع والأعمال المغايرة للإسلام غير مقبولة, ولا معتد بها, ولا يلزم من ذلك أن يكون ما ليس من قبيل الأعمال كذلك, مع أن الآيتين الأوليين لا تفيدان الحصر, والإيمان المذكور في الحديث مجاز, لأن إماطة الأذى عن الطريق ليس من مفهوم الإيمان الحقيقي وفاقا, والتصديق القلبي ليس خارجا عنه. والحديث أخرجه عن الشعب البضع والسبعين, إذ لو دخل فيه لزم أن يكون القول أفضل من العقد, وليس كذلك.

ووجه التجوز: أن الإقرار اللساني يعرب عن التصديق النفساني والعمل يصدقه من حيث إنه من ثمراته ونتائجه. فإن قلت: فعلى هذا لا يزيد ولا ينقص, وقد قال تعالى {ويزداد الذين آمنوا إيمانا} [المدثر:31] {فأما الذين آمنوا فزادهم إيمانا} [التوبة:124] {ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} [الفتح: 4]؟! قلت: المعنى: أن تصديقهم يتضاعف بنزول آية بعد أخرى, فإنهم لما كانوا مؤمنين بآية, ثم نزلت آية أخرى وآمنوا بها أيضا, تعدد إيمانهم وازداد. هذا وإن التصديق لو جاز فيه التقليد قبل التنقص والاشداد ضعفا وقوة, وهو ظاهر, وكذا إن لم يجوز, لأنه يقوى برسوخه في النفس بكثرة ممارسته وتعاضد أدلته والألف به, فإن له تأثيرا في ذلك, وكثيرا ما لأجله يتشابه النظري بالضروري, وتتفاوت الأوليات في الجلاء. (وإقامة الصلاة): تعديل أركانها, من أقام العود: إذا قومه وسواه, أو إدامتها والمحافظة عليها, من قامت السوق: إذا نفقت واستديمت, والصلاة: (فعلة) من: صلى بمعنى دعا, أو حرك الصلوين, فإن المصلي يفعله في ركوعه وسجوده, كالزكاة بمعنى: نما أو طهر, فإن المال يزيد بأداء الزكاة ويطهر بها. و (الصوم) في اللغة: الإمساك, و (الحج) هو القصد, فخصا بهذين النوعين عن الإمساك والقصد, و (البيت) اسم جنس غلب

على الكعبة, وصار له مثل: النجم للثريا, والسنة لعام القحط. و" الإحسان " ها هنا بمعنى: الإخلاص والجد في الطاعة, ولذلك فسره بذلك, فإن من زاول طاعة الملك في حضرته كان أجد وأنشط في عمله, وأطمع في معروفه, وأخوف من تأديبه على تقصيره وسوء صنيعه, وذلك بسبب اطلاعه على حاله, وعلمه بأفعاله, لا لرؤية المطاع إياه, وهو بمعنى قوله:" وإن لم تكن تراه فإنه يراك ". والظاهر أن عدم التصديق عقب من هذا الجواب من إغفال بعض الرواة, فإن مسلم بن حجاج – رحمه الله – رواه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وذكر في طريقه عمر - رضي الله عنه - , أنه قال – يعني عمر – بعد قوله: " فإنه يراك " في كل ذلك يقول له:" صدقت " وبتقدير أن يكون من جبريل فسببه ظهور الجواب وجلاؤه. ومدة بقاء هذا العالم, وتعين الوقت الذي تقوم فيه الساعة, سر استأثره الله بعلمه, لا يعرفه ملك مقرب ولا نبي مرسل, ولذلك قال عليه الصلاة والسلام:" ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " أي: تساويا في عدم العلم بها. وقال في رواية أبي هريرة: " في خمس لا يعلمهن إلا الله ", أي: الساعة معدودة في خمس, واستدل بقوله تعالى {إن الله عنده علم الساعة} [لقمان: 34]. والحكمة في هذا السؤال والجواب: هو الفصل بين ما يمكن معرفته ويحسن النظر فيه, وما لا يمكن ولا يفيد الخوض فيه والسؤال

عنه, والإقناط الكلي لمن يطمع التطلع. و (الأمارة): العلامة, وتأنيث " ربتها " على تأويل النفس أو النسمة, وقد روي: " ربها " هو ولد المستولدة عن السيد, وتسمية " ربتها " إما لأجل أنه سبب عتقها, أو لأنه ولد ربها أو مولاها بعد الأب, وذلك إشارة إلى قوة الإسلام, لأن كثرة السبي والتسري دليل على استعلاء الدين واستيلاء المسلمين, وهي من الأمارات, لأن قوته وبلوغ أمره غايته منذر بالتراجع والانحطاط المؤذن بأن القيامة ستقوم, لامتناع شرع آخر بعد, إذ هو آخر الأديان والهدى, واستمرار عادته سبحانه على أن لا يدع عباده أبدا سدى. و" الحفاة " جمع: حاف, وهو الذي لا نعل له, من: حفي يحفى حفية وحفاية, و" العراة " جمع عار, و" العالة " جمع: عائل, من: عال بمعنى كثر عياله, أي: يغلب الأرذال, ويذل الأشراف, ويتولى الرئاسة من لا يستحقها, ويتعاطى السياسة من لا يحسنها. و" لبثت مليا ", أي: زمانا طويلا. و" جبريل ": ملك يتوسط بين الله ورسله, ومن خواص الملك أن يتمثل للبشر, فيراه جسما مشكلا محسوسا, ثم إن هذا المثل بقوة ملكية, أو ملكية نفسانية؟ فيه خلاف, وتفاوت الحاضرين عند نزول الوحي في ذلك دليل على الرأي الثاني, وتحقيق القول فيه تطويل وعدول عن المقصود.

2 - 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الإيمان بضع وسبعون شعبة, فأفضلها قول: لا إله إلا الله, وأدناها إماطة الأذى عن الطريق, والحياء شعبة من الإيمان ". " عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الإيمان بضع وسبعون شعبة, أفضلها قول: لا إله إلا الله, وأدناها إماطة الأذى عن الطريق, والحياء شعبة من الإيمان " (البضع والبضعة) بكسر الباء: ما فوق الواحد دون العشرة, وقيل: ما فوق الثلاثة, بدليل لحوق التاء به حالة التذكير والعراء عنها حالة التأنيث, ولا يستعمل إلا مفردا أو نيفا للعشرات, فلا يقال: بضع ومئة, ولا: بضع وألف, وهو من البضع بمعنى القطع, ويرادفه: البعض. و (البضع والبضعة) بالفتح: القطعة من الشيء, وفي الحديث: " فاطمة بضعة مني " والمرة من البضع. و (الشعبة): الطائفة من الشيء, والغصن من الشجر, والجمع: شعب, والشعب - بالكسر -: الطريق في الجبل, وبالفتح: القبيلة العظيمة, والشعوبية: جيل العجم, وتشعب القوم: تفرقوا, فالتركيب كما ترى دال على التفرق والانقسام. قوله:" بضع وسبعون " يحتمل أن يكون المراد به التكثير دون التعديد, كما في قوله تعالى {إن تستغفر لهم سبعين مرة} [التوبة:80]

واستعمال لفظة السبعة والسبعين للتكثير كثير, وذلك لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد, فإنه ينقسم إلى فرد وزوج, وكل منهما إلى أول ومركب, والفرد الأول ثلاثة, والمركب خمسة, والزوج [الأول] الاثنان, والمركب أربعة, وينقسم أيضا إلى منطف كالأربعة, وأصم كالستة, والسبعة تشمل جميع هذه الأقسام, ثم إن أريد مبالغة جعلت آحادها أعشارا. وأن يكون المراد تعداد الخصال وحصرها, وبيانه: أن شعب الإيمان – وإن كانت متعددة متبددة – إلا أن حاصلها يرجع إلى أصل واحد, وهو تكميل النفس على وجه به يصلح معاشه ويحسن معاده, وذلك بأن يعتقد الحق ويستقيم في العمل, وإليه أشار صلوات الله عليه, حيث قال لسفيان الثقفي حين سأله في الإسلام قولا جامعا: " قل آمنت بالله ثم اسقم ". وفن الاعتقاد ينشعب إلى ست عشرة شعبة. طلب العلم, ومعرفة الصانع, وتنزيهه عن النقائص وما يتداعى إليها, والإيمان بصفات الإكرام مثل الحياة والعلم والقدرة, والإقرار بالوحدانية, والاعتراف بأن ما عداه صنعه لا يوجد ولا يعدم إلا بقضائه وقدره, والإيمان بملائكته المطهرة عن الرجس المعتكفين في حظائر القدس, وتصديق رسله المؤيدين بالآيات في ادعاء البنوة,

وحسن الاعتقاد فيهم, والعلم بحدوث العالم, واعتقاد فنائه على ما ورد به التنزيل, والجزم بالنشأة الثانية وإعادة الأرواح إلى الأجساد والإقرار باليوم الآخر – أعني بما فيه من الصراط والحساب وموازنة الأعمال وسائر ما تواتر عن الرسول صلوات الله عليه -, والوثوق على وعد الجنة وثوابها, واليقين بوعيد النار وعقابها. وفن العمل ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أحدها: ما يتعلق بالمرء نفسه, وهو ينقسم إلى قسمين: أحدهما: ما يتعلق بالباطن, وحاصله: تزكية النفس عن الرذائل, وأمهاتها عشرة: شره الطعام, وشره الكلام, وحب الجاه, وحب المال, وحب الدنيا, والحقد, والحسد, والرياء, والعجب, وتحلية النفس بالكمالات، وأمهاتها ثلاثة عشرة: التوبة, والخوف, والرجاء, والزهد, والحياء, والشكر, والوفاء, والصبر, والإخلاص, والصدق, والمحبة, والتوكل, والرضا بالقضاء, وثانيهما: ما يتعلق بالظاهر, ويسمى: فن العبادات, وشعبها ثلاث عشرة: طهارة البدن عن الحدث والخبث, وإقامة الصلاة, وإيتاء الزكاة, والقيام بأمر الجنائز, وصيام رمضان, والاعتكاف, وقراءة القرآن, وحج البيت والعمرة, وذبح الضحايا, والوفاء بالنذور, وتعظيم الإيمان, وأداء الكفارات.

وثانيها: ما يتعلق به, وبخواصه وأهل منزله, وشعبها ثمان: التعفف عن الزنا ’ والنكاح, والقيام بحقوقه, وبالبر بالوالدين, وصلة الرحم, وطاعة السادة, والإحسان إلى المماليك والعتق. وثالثها: ما يعم الناس وينوط به صلاح العباد, وشعبها سبع عشرة: القيام بإمارة المسلمين واتباع الجماعة ومطاوعة أولي الأمر, والمعاونة على البر, وإحياء معالم الدين ونشرها, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, وحفظ الدين بالزجر عن الكفر ’ومجاهدة الكفار, والمرابطة في سبيل الله, وحفظ النفس بالكف عن الجنايات, إقامة حقوقها من القصاص والديات, وحفظ أموال الناس بطلب الحلال, وأداء الحقوق, والتجافي عن المظالم, وحفظ الأنساب وأعراض الناس بإقامة حدود الزنا والقذف, وصيانة العقل بالمنع عن تناول المسكرات والمجننات بالتهديد والتأديب عليه, ودفع الضرر عن المسلمين, ومن هذا القبيل: إماطة الأذى عن الطريق. و"أدناها"أي: أقربها منزلة, وأدونها مقدارا, من الدنو بمعنى القرب, يقال: فلان داني القدر وقريب المنزلة كما يعبر بالبعيد عن ضد ذلك, يقال: فلان بعيد الهمة بعيد المنزلة, بمعنى: الرفيع العالي, ولذلك استعمله في مقابلة الأعلى, و (الإماطة):الإبعاد,

من: ماط, أي: بعد, والدفع بمعنى المِيَاط. و"الأذى": في الأصل مصدر, يقال: آذاه يؤذيه أذى وإيذاء وأذية, فاستعمل فيما يؤذي مطلقا, ثم خص بالخبث والأوساخ, والمقصود الظاهر منه: صيانة الطرق عما يؤذي المارة وينغص المرور. و"الحياء ":تغير وانكسار يعتري المرء من خوف ما يلام به ويعاب, مأخوذ من الحياة, يقال: حيى الرجل, كما يقال: نسي وحشي, إذا اعتلت النسا والحشا, وكأن الحيي صار لما يعتريه من التغير والانكسار متنقص الحياة منتكس القوى, ولذلك قيل: مات حياء, وجمد في مكانه خجلا, وإنما أفرده بالذكر لأنه كالداعي والباعث إلى سائر الشعب, فإن الحيي يخاف فضاحة الدنيا والآخرة, فينزجر عن المعاصي ويتثبط عنها. 3 - 5 - وقال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه والده وولده والناس أجمعين ",رواه أنس. "عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ". المراد بالحب ها هنا ليس الحب الطبيعي التابع للميول والشهوات النفسانية, فإنه خارج عن حد الاخيار والاستطاعة, بل الحب العقلي الذي هو: إيثار ما يقتضي العقل رجحانه ويستدعي

اختياره, وإن كان على خلاف الهوى. ألا ترى أن المريض يعاف الدواء وينفر عنه بطبعه, ويميل إليه باختياره ويهوى تناوله بمقتضى عقله, لما علم أو ظن أن صلاحه فيه؟! فالمرء لا يؤمن إلا إذا تيقن أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يأمر ولا ينهى إلا بما فيه صلاح عاجلي, أو خلاص آجلي, وأنه آخذ بحجزه يكفه عن النار من غير غرض وتوقع عوض. وقد علم أن الوالد كان غرضه في ابتداء أمره قضاء وطره, وغاية صمته في كفالته أيام صغره أن يكون ردءا له في كبره, وخلفا له بعد عمره, وولده إن بر به, فبره أداء لما عليه من سوابق الأيادي والنعم. وإذا علم ذلك علم قطعا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعطف الناس عليه وأنفعهم له, بل الشفيق الحقيقي هو لا غير, وحينئذ يقضي العقل بترجيح جانبه ولزوم طاعته, فثبت أن المرء لا يؤمن ولا يعتد بإيمانه حتى يقتضي عقله ترجيح جانب الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ما سواه من المخلوقات, وهذا أول درجات الإيمان وكفايتها, وكمالها: أن تتمرن نفسه ويرتاض طبعه, بحيث يصير هواه تبعا لعقله, مذعنا لأمر [هـ] ,مساعدا على تحصيل فضائله, فيطاوع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويرجح جانبه بعقله وطبعه, ويصير الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحب إليه عقلا وطبعا, والإيمان به والإذعان لحكمه ملائما لنفسه موافقا لطبعه, ويلتذ به التذاذا عقليا, إذ اللذة إدراك ما هو كمال وخير من حيث هو كذلك, [لا] من حيث إنه

مطعوم أو منكوح, ألا ترى أنه قد يشتهي تارة, ويعاف عنه أخرى, وأن صاحب الجاه كثيرا ما يعرض عن المطاعم الشهية والمناكح البهية مراعاة لحشمته, وهي وإن لم تكن من المحسوسات فهي من اللذائذ الخسيسة الحيوانية, وليست بينها وبين اللذائذ العقلية الأبدية – سيما الكمالات الإيمانية والحالات الوجدانية التي تعرض لأولياء الله المقربين - نسبة يعتد بها, والشارع – صلوات الله عليه – عبر عن هذه الحالة بالحلاوة, لأنها أطهر اللذائذ الحسية. **** 4 – 6 – وقال: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, ومن أحب عبدا لا يحبه إلا لله, ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار " رواه أنس. " فيما روي أنه قال: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, ومن أحب عبدا لا يحبه إلا لله, ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار " وإنما جعل هذه الأمور الثلاثة عنوانا لكمال الإيمان المحصل لتلك اللذة, لأنه لا يتم إيمان امريء حتى يتمكن في نفسه أن المنعم بالذات والقادر على الإطلاق هو الله تعالى, ولا مانح ولا مانع سواه

وما عداه وسائط ليس لها في حد ذاتها إضرار ولا إنفاع, وأن الرسول - صلوات الله عليه – هو العطوف الحقيقي, الساعي في إصلاح شأنه وإعلاء مكانه, وذلك يقتضي أن يتوجه بشراره نحوه, ويحب ما يحبه, لكونه وسطا بينه وبينه, وأن يتيقن أن جملة ما وعد به وأوعد حق لا يحوم الريب حوله يقينا يخيل إليه الموعود كالواقع, والاشتغال بما يؤول إلى الشيء ملابسة به, فيحب مجالس الذكر رياض الجنة, وأكل مال اليتيم أكل النار, والعود إلى الكفر إلقاء في النار, فيكرهه كما يكره أن يلقى في النار. فإن قلت: لم ثنى الضمير ها هنا, ورد على الخطيب قوله:"ومن عصاهما فقد غوى " في حديث عدي بن حاتم, وأمره بالإفراد؟! قلت: ثنى الضمير ها هنا إيماء إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين, لا كل واحدة, فإنها وحدها ضائعة لاغية, وأمر بالإفراد في حديث عدي إشعارا بأن كل واحد من العصيانين مستقل باستلزام الغواية, فإن قوله:"ومن عصى الله ورسوله "- من حيث إن العطف في تقدير التكرير, والأصل فيه استقلال كل من المعطوف عليه في الحكم – في قوة قولنا: ومن عصى الله فقد غوى, ومن عصى الرسول فقد غوى ولا كذلك قول الخطيب: " ومن عصاهما فقد غوى ".

5 – 8 – وقال:" والذي نفس محمد بيده, لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني, ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار " رواه أبو هريرة - رضي الله عنه -. " عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنه قال عليه الصلاة والسلام:" والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة, يهودي ولا نصراني, ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ". "الأمة " جمع لهم جامع من دين أو زمان أو مكان أو غير ذلك, فأمة محمد تطلق تارة ويراد بها: كل من كان مبعوثا إليهم وآمن به أو لم يؤمن, ويسمون: أمة الدعوة, وتطلق أخرى ويراد بها: المؤمنون به والمذعنون له, وهم أمة الإجابة, وهي ها هنا بالمعنى الأول بدليل قوله :" ولم يؤمن بي " واللام فيها للاستغراق أو للجنس. و" يهودي ولا نصراني " صفتان مقيدتان ل "أحد " أو بدلان عنه بدل البعض عن الكل, واللام للعهد, والمراد بها أهل الكتاب, ويعضده توصيف الأحد باليهودي والنصراني, والموجب لتخصيصهما دفع التخصيص فيهما, والإشعار على سائر حال الكفرة بالوجه الآكد الأبلغ , فإنه لما كان لمتوهم تخصيص ذلك لمن لم يكن أهل الكتاب, ويتوقع للكتابي بسبب ما له من الإيمان بنبيه والاستسلام لشرعه خلاصا ونجاة = نص على أنهم – وإن كانوا أصحاب شرع – فإنه لكونه منسوخا لا ينفعهم ولا يغنيهم, ولا محيص لهم عن الإيمان

به والانقياد له, وإذا كان حال هؤلاء, وهم أولاد الأنبياء وأرباب الأديان كذلك, فما ظنك بالمعطلة وعبدة الأوثان وأضرابهم؟! وقولهم: لا يكون كذا إلا وكان – أو يكون – كذا, من المحرفات التي تستعمل للإثبات الكلي, مثاله: لا يكون طير إلا ويكون له جناحان أي: كل طير فله جناحان. ومعنى الحديث: أن كل أحد من هذه الأمة يسمع بي وتتبين له معجزتي, ثم لم يؤمن برسالتي ولم يصدقني في مقالتي, كان من أصحاب النار, سواء الموجود ومن سيوجد. **** 6 – 9 – وقال:" ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد, والعبد المموك إذا أدى حق الله وحق مواليه, ورجل كانت عنده أمة يطؤها, فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها, فله أجران " رواه أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -. " عن أبي موسى الأشعري أنه قال - صلى الله عليه وسلم -: ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد, والعبد المملوك إذا أدى حق

الله وحق مواليه, ورجل كانت عنده أمة يطؤها, فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها, ثم أعتقها فتزوجها, فله أجران ". المراد بالكتابي: نصراني تنصر قبل المبعث أو بلوغ الدعوة إليه وظهور المعجزة لديه, ويهودي تهود قبل ذلك, إن لم تجعل النصرانية ناسخة لليهودية, إذ لا ثواب لغيره على دينه, فيضاعف باستحقاقه ثواب الإيمان به, ويدل على ذلك أن البخاري - رضي الله عنه - روى هذا الحديث وذكر :" آمن بعيسى " بدل:"آمن بنبيه ". ويحتمل إجراؤه على عمومه, إذ لا يبعد أن يكون طرآن الإيمان به سببا لقبول تلك الأعمال والأديان وإن كانت منسوخة, كما ورد في الحديث أن مبرات الكفار وحسناتهم مقبولة بعد إسلامهم. **** 7 – 10 – وقال:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, ويقيموا الصلاة, ويؤتوا الزكاة, فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام, وحسابهم على الله, " رواه ابن عمر - رضي الله عنه -. " عن ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, ويقيموا الصلاة, ويؤتوا الزكاة, فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام, وحسابهم على الله ".

إذا قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " أمرت " فهم منه أن الله تعالى أمره, وإذا قاله الصحابي فهم منه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمره, فإن من اشتهر بطاعة رئيس إذا قال ذلك فهم منه أن الرئيس أمره, وإنما خص الصلاة والزكاة بالذكر والمقاتلة عليهما أيضا بحق الإسلام, لأنهما أما العبادات البدنية والمالية, والعيار على غيرهما والعنوان له, ولذلك سمى الصلاة " عماد الدين " والزكاة: " قنطرة الإسلام ", وأكثر الله سبحانه ذكرهما مقترنتين في القرآن. وقوله:" وحسابهم على الله " أي: فيما يسرون به من الكفر والمعاصي , والمعنى: إنا نحكم عليهم بالإيمان, ونؤاخذهم بحقوق الإسلام, بحسب ما يقتضيه ظاهر حالهم, والله سبحانه يتولى حسابهم, فيثيب المخلص, ويعاقب المنافق, ويجازي المسر بفسقه أو يعفو عنه. ... 8 – 11 – وقال: " من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا, وأكل ذبيحتنا, فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله, فلا تخفروا الله في ذمته ". رواه أنس - رضي الله عنه -. " عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من صلى صلاتنا, واستقبل قبلتنا, وأكل ذبيحتنا, فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله, فلا تخفروا الله في ذمته ".

إنما لم يذكر سائر الأركان استغناء بالصلاة التي هي عنوان الإسلام, وإيذانا بأن الواجب أن يكتفى بما يظهر من طلاء الدين وأمارات الإيمان , وتفوض سرائرهم إلى عالم الغيوب. وأضاف الصلاة احترازا عن صلاة اليهود والنصارى وسائر أرباب الملل, وإنما ذكر استقبال القبلة – والصلاة متضمنة لها – لأنه أعرف وأشهر, فإن كل أحد يعرف قبلتهم, ولا كذلك صلاتهم, وإن قبلتنا لا تلابس قبلتهم, والصلاة تتشابه في كثير من أعمالها, ثم لما ميز المسلم عن غيره باعتبار العبادات عقبه بذكر ما يوجب ذلك عادة, وقال:"وأكل ذبيحتنا". و (الذمة): الأمان, وأذمه: أجاره, أي: له أمان الله من نكال الكفار وما شرع لهم من القتل والقتال, وخفر يخفر – بالكسر – خفرا فهو خفير : إذا أجاره, وكذلك خفر يخفر تخفيرا. قال أبو جندب الهذلي: يخفرني سيفي إذا لم أخفر والخفرة – بالضم -: الذمة. وأخفرته يجيء للتعدية إلى مفعول ثان بمعنى: جعلت له خفيرا, وللسلب بمعنى: غدرت به ونقضت عهده, وعليه معن قوله:" ولا تخفروا الله في ذمته " أي: لا تعاملوه

معاملة الغادر في نقض عهده واغتيال مؤمنه. **** 9 – 14 - عن طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - قال: جاء رجل من أهل نجد ثائر الرأس, نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول, حتى دنا, فإذا هو يسأل عن الإسلام, فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " خمس صلوات في اليوم والليلة ", فقال: هل علي غيرهن؟ فقال: " لا إلا أن تطوع ", قال: " وصيام شهر رمضان ", قال: هل علي غيره؟ قال: "لا إلا أن تطوع ", قال: وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاة, فقال: هل علي غيرها؟ فقال: " لا إلا أن تطوع ". قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه, فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أفلح الرجل إن صدق ". (النجد): ما ارتفع من الأرض, والأراضي الواقعة بين تهامة والعراق سميت بها لارتفاعها على أراضي تهامة. " ثائر الرأس ": منتشر شعر الرأس, من: ثار الغبار يثور ثورا وثورانا. و (دوي الصوت): حفيفه. وقوله:" فإذا هو يسأل عن الإسلام " معناه: يسأل عن شرائع الإسلام وأصول أعماله, ولذلك لم يتعرض للشهادة في جوابه, وهذا

إذا قلنا: إن الحديث مغاير لما روى أبو هريرة, وإن قلنا باتحادهما - كما قاله بعض أصحاب الحديث – فلا حاجة إلى هذا التأويل ويكون عدم ذكر الشهادة في هذه الرواية لنسيان الراوي أو ذهوله عنه. فإن قلت: كيف يصح القول بالاتحاد, وقد أبرم الحكم بالفلاح في رواية أبي هريرة, وقال:" من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ", وعلق في هذه الرواية بصدقه؟! قلت: لعله – عليه السلام – علق أولا بحضرة السائل لئلا يتكل, أو قبل نزول الوحي فيه والاطلاع على صدقه, ثم أخبر الحاضرين بذلك, فاقتصر كل واحد من الراويين على نقل أحدهما لذهوله, أو نسيانه للآخر. وينبغي لك أن تعلم أن الحديث الواحد إذا رواه راويان, واشتملت إحدى الروايتين على زيادة, فإن لم تكن مغيرة لإعراب الباقي قبلت, وحمل ذلك على نسيان الآخر أو ذهوله أو اقتصاره بالمقصود في صورة الاستشهاد, وإن كانت مغيرة مثل:"في أربعين شاة نصف شاة " تعارضت الروايتان, وتعين طلب الترجيح. فإن قلت: كيف قرره الرسول – صلوات الله عليه – على حلفه هذا, وقد جاء النكير على من حلف أن لا يفعل خيرا, والنهي عنه في قوله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا} [البقرة:224]؟!

قلت: المنع عما كان هن عناد أو مراء, ولا شك أن ترك النوافل جائز, والحلف على المباح غير محرم, وما كان كذلك فالتقرير عليه جائز, ولهذا الكلام محمل آخر, وهو أن السائل كان رسولا, فحلف أن لا يزيد في الإبلاغ على ما سمعت ولا أنقص **** 10 – 15 – وعن ابن عباس أنه قال:" إن وفد عبد القيس لما أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"من القوم – أو من الوفد؟ ", قالوا: ربيعة, قال: " مرحبا بالقوم – أو بالوفد غير خزايا ولا ندامى ", قالوا: يا رسول الله! إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام, وبيننا وبينك هذا الحي من مضر, فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا, وندخل به الجنة, وسألوه عن الأشربة, فأمرهم بأربع, ونهاهم عن أربع: أمرهم بالإيمان بالله وحده, فقال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ’ وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وصيام رمضان, وأن تعطوا من المغنم الخمس ", ونهاهم عن أربع: عن الحنتم, والدباء, والنقير, والمزفت, وقال: " احفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم ". " الوفد " جمع وافد, من: وفد فلان على السلطان, بمعنى:

ورد عليه رسولا إليه, وعبد القيس من ربيعة, وهي قبيلة عظيمة من قبائل العرب, ومضر في مقابلتهم. ولفظة "أو" شك من الراوي, و"مرحبا" مأخوذ من: رحب رحبا – بالضم – إذا وسع, وهو من المفاعيل المنصوبة بعامل مضمر لازم إضماره, والمعنى: أتيتم رحبا وسعة. و"غير " حال عن (الوفد) أو (القوم) , والعامل فيه الفعل المقدر. و"خزايا ": جمع خزيان, من: خزي بمعنى ذل. و" ولا ندامى " معناه: ولا نادمين, وغير مراعاة لمطابقة قوله:"غير خزايا ". وكان العرب في جاهليتهم يعظمون الأشهر الحرم, ويستعظمون القتال فيها والانتهاب, واستقر ذلك في بدء الإسلام, ثم نسخ. و (الأمر الفصل) هو المحكم الواضح الذي لا إجمال فيه. والظاهر أن الأمور الخمسة تفسير للإيمان, وهو أحد أربعة المأمور بها, والثلاثة الباقية حذفها الراوي نسيانا أو اختصارا. ويحتمل أن يقال:" أمرهم بالإيمان " ليس تفسير لقوله:" أمرهم بأربع " بل هو مستأنف, وتفصيله الأربعة المذكورة بعد الشهادة, و"إقام الصلاة ", : خبر مبتدأ محذوف, وفي الكلام تقديم وتأخير, وتقديره: أمرهم بالإيمان بالله وحده, قال: أتدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد

رسول الله, وأمرهم عقيب ذلك بأربع ونهاهم عن أربع, والمأمورات الأربع: إقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وصوم رمضان, وإعطاء الخمس. و" الحنتم " الجرة الخضراء, و" الدباء " بضم الدال: القرع, و"النقير ": أصل الخشب ينقر, فينبذ فيه, و" المزفت ": المطلي بالزفت وهو القير, والمقصود بالنهي ليس استعمالها مطلقا, بل التنقيع فيها والشرب منها ما يسكر, وإضافة الحكم إليها إما لاعتيادهم استعمالها في المسكرات, أو لأنها أوعية تسرع بالاشتداد فيما يستنقع فيها, فلعلها تغير النقيع في زمان قريب ويتناوله صاحبه على غفلة, بخلاف السقاء, فإن التغير إنما يحدث فيه على مهل ومرور زمان فلا يخفى. والدليل على هذا: ما روى أنه – عليه السلام – قال: نهيتكم عن النبيذ, إلا في سقاء, فاشربوا في الأسقية كلها, ولا تشربوا مسكرا ". ... 11 - 16 – وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحوله عصابة من أصحابه:" بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا, ولا تسرقوا, ولا تزنوا, ولا تقتلوا أولادكم, ولا تأتون ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم, ولا تعصوا في معروف, فمن وفى منكم فأجره على الله, ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له, ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله عليه فهو إلى الله, إن شاء عفا عنه, وإن شاء عاقبه, فبايعناه على ذلك ".

" وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحوله عصابة من أصحابه: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا, ولا تسرقوا, ولا تزنوا, ولا تقتلوا أولادكم, ولا تأتون ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم, ولا تعصوا في معروف, فمن وفى منكم فأجره على الله, ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له, ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله, إن شاء عفا عنه, وإن شاء عاقبه, فبايعناه على ذلك ". (العصابة): الجماعة من العصب, ومنه: العصب, لأنه يشد الأعضاء بعضها ببعض. و (المبايعة): المحالفة والمعاهدة, شبهت بالمعاملة وومبايعتهم إياه: إلتزام طاعته وبذل الوسع في امتثال أوامره وأحكامه, ومبايعته إياهم: الوعد بالثواب على ذلك. و (البهتان): الكذب الذي يبهت المكذوب عليه, أي: يدهشه ويجعله متحيرا. و (الافتراء): الاختلاق, والفرية: الكذب, كأنه أخذ من: الإفراء, الذي هو القطع على وجه الإفساد, والفري: قطعه على جهة الإصلاح, وإنما أضاف إلى الأيدي والأرجل لأنها العاملة, ولأن المفتري غالبا يكون من الأمور التي تحصل بمزاولة هذين العضوين.

و (العصيان) في الأصل: الامتناع عن الشيء والتأبي عنه, ولهذا المعنى سمي العصا عصا, وإجماع المسلمين عصا في قوله " وما شققت عصا المسلمين " وفي العرف يفيد الامتناع عن المطاوعة, كما في قوله تعالى: {لا يعصون الله ما أمرهم} [التحريم:6] {ولا أعصي لك أمرا} [الكهف: 69]. و (المعروف) في اصطلاح الشارع: ما عرف من الشرع حسنه, وبإزائه المنكر: هو ما أنكره وحرمه. و"ذلك " في قوله:" ومن أصاب من ذلك شيئا, فعوقب في الدنيا فهو كفارة له, ومن أصاب من ذلك شيئا, ثم ستره الله فهو إلى الله, إن شاء عفا عنه, وإن شاء عاقبه,". فيه إشارة إلى ما سبق سوى الشرك, فإنه لا يكفر بالقتل عليه, ولا يعفى عنه, والتنصيص على تخيير المعاقبة والمعافاة دليل على المعتزلة, لأنهم يوجبون العقاب على الكبائر قبل التوبة, ويحرمون التعذيب بعدها. ... 12 - 17 – وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أضحى – أو: فطر –إلى المصلى فمر على النسائ فقال:" يا معشر النساء تصدقن, فإني أريتكن أكثر أهل النار ",

فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن, وتكفرن العشير, ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ", قلن: وما نقصان ديننا يا رسول الله؟ قال: " أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ ", قلن: بلى, قال: " فذلك من نقصان عقلها ", قال:" أليس إذا حاضت لم تصل ,ولم تصم, قلن: بلى, قال: " فذلك من نقصان دينها ". " عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج في أضحى – أو فطر – إلى المصلى ", الحديث. (المعشر): الجماعة, من: العشرة, بمعنى: المعاشرة والعشير: المعاشر, والمراد به الزوج, و" من ناقصات ": صفة حذف موصوفها, أي: وما رأيت أحدا من ناقصات. و (العقل): هو غريزة في نفس الإنسان يدرك بها المعاني الكلية, ويحكم ببعضها على بعض, وهو رئيس القوى الإنسانية, وخلاصة الخواص النفسانية, ونور الله في قلب المؤمن المعني بقوله: {مثل نوره} [النور:35] بدليل قراءة ابن مسعود: (مثل نوره في قلب المؤمن) , ولذلك سمي لبا وبصيرة. و" أذهب ":أفعل تفضيل وقع صفة لمفعول " ما رأيت ", وقد نقل في بعض طرق الحديث: " تجلس إحداكن شطر عمرها, فلا تصلي ولا تصوم ", وهو أوفق لما قبله وأفيد, لأنه يدل على أن الحيض قد يتمادى خمسة عشر يوما, كما هو قول الشافعي - رضي الله عنه - فإن

شطر الشيء نصفه, مأخوذ من أخلاف الناقة, فإن لها أربعة أخلاف: قادمان ومتأخران ,ويسمى كل خلفين: شطرا. ... 13 – 18 – وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " قال الله تعالى: كذبني ابن آدم, لم يكن له ذلك وشتمني, ولم يكن له ذلك, فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني, وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته, وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا, وأنا الأحد الصمد, لم ألد ولم أولد, يكن لي كفوا أحد ". وفي رواية:" فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولد ", رواه ابن عباس - رضي الله عنه -. " عن ابن عباس - رضي الله عنه -: أنه – عليه السلام – قال: قال الله تعالى: كذبني ابن آدم, ولم يكن له ذلك " الحديث. قوله:" وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته ": إشارة إلى برهان يحقق للعالم إمكان الإعادة, وهو أن مواد البدن وصوره وما يتوقف عليه تحققه إن لم يمكن وجودها, لما وجدت أولا, وقد وجدت, وإن أمكن لم يمتنع لذاته, وهو محال, وتنبيه على تمثيل يرشد العامي: وهو أنا نرى في الشاهد أن من عمد إلى اختراع صنعة لم ير مثلها ولم

بجد لها عددا وموادا صعب عليه ذلك, وتعب فيها تعبا شديدا, وافتقر إلى مكابدة أفعال ومعاونة أعوان ومرور أزمان, ومع ذلك فكثيرا ما لا يستتب له الأمر ولا يتم له المقصود, ومن أراد إصلاح منكسر وإعادة منهدم ركبه وبناه, وكانت العدد حاصلة , والمواد باقية هان عليه ذلك وسهل جدا, فيا معشر الغواة! كيف تحيلون إعادة أبدانكم, وأنتم معترفون على جواز ما هو أصعب منها؟! بل هو كالمتعذر بالنسبة إلى قدركم وقواكم, وأما بالنسبة إلى قدرته تعالى فلا سهولة ولا صعوبة, يستوي عنده تكوين بعوض طيار وتخليق فلك دوار, كما قال عز اسمه " {وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر} [القمر:50]. و (الشتم): توصيف الشيء بما هو إزراء ونقص به, وإثبات الولد له كذلك, لأنه قول بمماثلة الولد له في تمام حقيقته, وهي مستلزمة للإمكان المتداعي إلى الحدوث ,ولأن الحكمة في التوالد استحفاظ النوع, إذ لو كانت العناية الأزلية مقتضية بقاء أشخاص الحيوان, لاستغنى عن التناسل استغناء الأفلاك والكواكب عنه, فلو كان الباريء تعالى متخذا ولدا لكان مستخلفا خلفا يقوم بأمره بعد عصره, تعالى عن ذلك علوا كبيرا, كما قال:" سبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا! ". ... 14 – 19 – وقال:" قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم, يسب الدهر, وأنا الدهر, أقلب الليل والنهار ". رواه أبوهريرة - رضي الله عنه -.

" عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنه قال عليه السلام: قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم " الحديث. من عادة الناس إسناد الحوادث والنوازل إلى الأيام والأعوام وسبها, لا من حيث إنها أيام وأعوام, بل من حيث إنها أسباب تلك النوائب, وموصلتها إليهم على زعمهم وحسبانهم, فهو في الحقيقة ذموا فاعلها وعبروا عنه بالدهر, فالباري تعالى في الحقيقة هو المعني بالدهر في شتمهم, وهو معنى قوله:" أنا الدهر ", لا أن حقيقته حقيقة الدهر. ولإزاحة هذا الوهم الزائغ أردف ذلك بقوله:" أقلب الليل والنهار ", فإن مقلب الشيء ومغيلاه لا يكون نفسه. وقيل: فيه إضمار, والتقدير: أنا مقلب الدهر والمصرف فيه, والمعنى: إن الزمان يذعن لأمري, لا اختيار له, فمن ذمه على ما يظهر فيه صادرا مني فقد ذمني, فإني الضار والنافع, والدهر ظرف لا أثر له, ويعضده نصب (الدهر) في رواية على أنه ظرف متعلق بقوله: (أقلب) , والجملة خبر مبتدأ. ... 15 – 21 – وقال:" قال الله تعالى: الكبرياء ردائي, والعظمة إزاري, فمن نازعني واحدا منها أدخلته النار ", رواه أبو هريرة - رضي الله عنه -.

" وعنه: أنه قال عليه السلام: قال الله تعالى: الكبرياء ردائي, والعظمة إزاري ,فمن نازعني واحدا منها أدخلته النار ". " الكبرياء " فعلياء كجرباء بمعنى: الكبر وهو الترفع على الغير, بأن يرى لنفسه شرفا عليه, و" العظمة ": أن يكون الشيء في نفسه كاملا شريفا مستغنيا, فالأول أرفع من الثاني, ولذلك مثله بالرداء, فكبرياء الله تعالى – والعلم عنده -: ألوهيته التي هي عبارة عن استغنائه عما سواه واحتياجه إليه, وعظمته: وجوبه الذاتي الذي هو عبارة عن استقلاله واستغنائه عن الغير, فإنما مثلهما بالرداء والإزار إدناء للمتوهم من المشاهد, وإبرازا للمعنى المعقول في صورة المحسوس, فكما لا يشارك الرجل في إزاره وردائه, ويستقبح طلب الشراك فيهما, لا يمكن مشاركة الباري تعالى في هذين الوصفين, فإنه الكامل المنعم المستغني المتفرد بالبقاء, وما سواه ناقص محتاج على صدد الفناء, كما قال تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص:88]. فكل مخلوق استعظم نفسه واستعلى على الناس فهو مزور ينازع رب العزة في حقه, مستوجب لأقبح نقمه وأفظع عذابه, أعاذنا الله منه ومن موجباته.

16 – 23 – وعن معاذ - رضي الله عنه - قال: كنت ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمار, ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل, فقال: " با معاذ! هل تدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ , قلت: الله ورسوله أعلم, قال: " فإن حق الله على العباد أن يعبدوه, ولا يشركوا به شيئا, وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا ", فقلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: لا, فيتكلوا ". "عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنه قال: كنت ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمار, ما بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل, فقال: يا معاذ! هل تدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم, قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا, وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا, فقلت: يا رسول الله! أفلا أبشر الناس؟ قال: لا فيتكلوا ". (الردف): الرديف التابع, وقوله تعالى: {ردف لكم} [النمل:72] أي: تبعكم من: الردف وهو العجز, و" مؤخرة الرحل ": آخرته. والحق الثابت: تحقق العبادة على العباد قضية أمره المحتوم, وتحقق الثواب على الله مقتضى وعده المصدق, لا إيجاب العقل علينا شكرا لإنعامه, وعليه سبحانه إثابة لمساعي عبيده كما زعمته المعتزلة, فإن البراهين قاطعة على فساد ذلك, كما بيناه في الكتب الأصولية.

فإن قلت: كيف ذكر هذا الحديث, والرسول – صلوات الله عليه – منع منه؟! قلت: لعله كان في بدء الإسلام حينما كان الكسل بعد مستوليا على الطباع, ولم تتمرن النفوس على الطاعات, ولم تتيقظ للرموز والإشارات, ولم تتنبه بأن الإيمان لا يتم, ولا يكمل إلا بأن يتدرع بلباس التقوى, والتجافي عن اقتفاء الهوى, أو: قبل ورود الأمر بالتبليغ والوعيد على الكتمان والتضييع, ويؤيد ذلك ما روي أنه رواه آخر عمره تأثما. ... 17 – 25 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثوب أبيض وهو نائم ,ثم أتيته وقد استيقظ, فقال: " ما من عبد قال: لا إله إلا الله, ثم مات على ذلك , إلا دخل الجنة ", قلت: وإن زنى, وإن سرق, قال:" وإن زنى وإن سرق ", قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن ونى وإن سرق ", قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: " وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر ", وكان أبو ذر إذا حدث بهذا الحديث قال: وإن رغم أنف أبي ذر. " عن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - , وعليه ثوب أبيض " الحديث.

"رَغِم": لصق بالرغام, وهو التراب, يستعمل هذا التركيب مجازا بمعنى: كره, من باب إطلاق اسم السبب على المسبب, أو الاستعارة, فإن حصول المكروه يشارك رغم الأنف في الهوان. والحديث دليل على أن الكبائر لا تسلب اسم الإيمان, فإن من ليس بمؤمن لا يدخل الجنة وفاقا, وأنها لا تحبط الطاعات, لأنه – عليه السلام – عمم الحكم ولم يفصل, فلو كانت الكبائر محبطة على طريق الموازنة أو غيره لزم أن لا يبقى لبعض الزناة شيء من الطاعات. والقائل بالاحباط يحيل دخول الجنة لمن هذا شأنه, وإن أرباب الكبائر من أهل القبلة لا يخلدون في النار. ... 18 – 26 – وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ,عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمدا عبده ورسوله, وأن عيسى عبد الله ورسوله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه, والجنة حق, والنار حق = أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ". " عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمدا عبده ورسوله " الحديث. ذكر عيسى – صلوات الله عليه – تعريضا للنصارى, وإيذانا بأن إيمانهم مع القول بالتثليث شرك محض لا يخلصهم عن النار, أو

لأنهم كانوا حضورا. والكلمة: اللفظ الدال على معنى مفرد بالوضع, وقد يطلق على مركبات لها وحدة اجتماعية – كما يقال: كلمة الحويدرة, لقصيدته – متسقة, من الكلم بمعنى الجرح, لأنها مؤثرة في النفس كما يؤثر الجرح في البدن, وإنما سمي عيسى كلمة الله لأن خلقه من غير ماء ونطفة يشبه إيجاد الإبداعات المحصلة لمجرد تعلق الإرادة والأمر, كما قال تعالى: {إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} [يس:82]. أو: لأنه تكلم في غير أوانه, [فسمي بالكلمة لذاته فصاحته وفرط استغراب الكلام منه, كما سمي العادل] بالعدل, والمواظب على الصوم بالصوم, وما يتعجب منه بالعجب, وأضيف إلى الله تعظيما له, أو: لأن كلامه كان خارقا للعادة خارجا عما عليه البشر. وقوله: " ألقاها إلى مريم " معناه: أوصلها إليها وأوجدها فيها. " وروح منه " أي: مبتديء منه, فإن سائر الأرواح

أجسام سارية في البدن, ولا كذلك روحه وروح آدم صلوات الله عليهما, فإنه تعالى خلقهما بلا توسط أصل وسبق مادة, ولا ما يشابه ذلك, فلهذا خصهما الله تعالى بهذا الفضل وأضافهما إلى نفسه, فقال: {فنفخنا فيها من روحنا} [الأنبياء:91] , وقال: {ونفخت فيه من روحي} [ص:72]. ولعله سمي روحا لأن الله تعالى أحيا به الأموات كما أحيا بالأرواح الأبدان. وأفرد " الحق " لأنه مصدر, أو على تأويل: كل واحد. وقوله:" أدخله الله الجنة على ما كان من العمل " دليل على المعتزلة في مقامين: أحدهما: أن العصاة من أهل القبلة لا يخلدون في النار, لعموم قوله:" من شهد ". وثانيهما: أنه تعالى يعفو عن السيئات قبل التوبة واستيفاء العقوبة, لأن قوله:"على ما كان من العمل " حال من قوله:" أدخله الله الجنة ", كما في قولك: رأيت فلانا على أكله, أي: آكلا, ولا شك أن العمل غير حاصل حينئذ, بل الحاصل حال إدخاله استحقاق ما يناسب عمله من الثواب والعقاب, ولا يتصور ذلك في حق العاصي الذي مات قبل التوبة إلا إذا أدخل قبل استيفاء العقوبة. فإن قلت: ما ذكرت يستدعي أن لا يدخل النار أحد من العصاة؟!

قلت: اللازم عموم العفو, وهو لا يستلزم عدم دخول النار, لجواز أن يعفو عن بعضهم بعد الدخول وقبل استيفاء العذاب, هذا وليس يحتم عندنا أن يدخل النار أحد من الأمة, بل العفو عن الجميع بموجب وعده, حيث قال: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48] وقال: {يغفر الذنوب جميعا} [الزمر:53]. ... 19 – 27 – وقال عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - , فقلت له: ابسط يمينك فلأبايعك, فبسط يمينه, فقبضت يدي, فقال: ما لك يا عمرو؟ " قلت: أردت أن أشترط, قال: تشترط ماذا؟ " قلت: أن يغفر لي, قال: "أما علمت يا عمرو ! أن الإسلام يهدم ما كان قبله, وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها, وأن الحج يهدم ما كان قبله؟ ", فبايعته. " قال عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - " الحديث. المراد بـ"ما قبله ": ما سبق من كفر وعصيان, وما ترتب عليهما من العقوبات التي هي من حقوق الله تعالى, فأما حقوقه المالية ككفارة

الأيمان فلا تنهدم بالهجرة والحج, وفي الإسلام خلاف, أما حقوق العباد فلا تسقط بالحج والهجرة إجماعا, ولا بالإسلام لو كان المسلم ذميا, وكذا لو كان حربيا وكان الحق ماليا. ... من الحسان: 20 – 28 – عن معاذ - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة, ويباعدني عن النار, قال:" لقد سألت عن عظيم,,وإنه ليسير على من يسره الله عليه, : تعبد الله ولا تشرك به شيئا, وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة, وتصوم رمضان, وتحج البيت ", ثم قال: " ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة والصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار, وصلاة الرجل في جوف الليل " ثم تلا:" {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ {يعلمون} , ثم قال:"ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ " قلت: بلى يا رسول الله! قال: رأس الأمر الإسلام, وعموده الصلاة, وذروة سنامه الجهاد ", ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ ", قلت: بلى يا نبي الله! فأخذ بلسانه وقال: " كف عليك هذا ", فقلت: يا نبي الله! إنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: " ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم – أو: على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم؟ ".

(الحديث من الحسان) " عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنه قال: قلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة "الحديث. " يدخلني ": مرفوع واقع في حيز الصفة, وإن صح الجزم فيه كان جزاء الشرط محذوفا , تقديره: أخبرني بعمل إن عملته يدخلني الجنة, والجملة الشرطية بأسرها صفة لـ"عمل " أو جوابا للأمر, وتقديره: إن إخبار الرسول – صلوات الله عليه – لما كان وسيلة إلى عمله, وعمله ذريعة إلى دخول الجنة, كان الإخبار سببا بوجه ما لإدخال الجنة, ونظيره قول من يسأل منك شيئا: إن تعطيني دينارا كفاني اليوم. وقوله:" وإنه ليسير على من يسره الله عليه " إشارة إلى أن أفعال العباد واقعة بأسباب ومرجحات تفيض عليهم من عنده, وذلك إن كان نحو طاعة سمي: توفيقا ولطفا, وإن كان نحو معصية سمي: خذلانا وطبعا. و (الجنة) بالضم: الترس, وبالكسر: الجنون, وبالفتح: الشجر المظل, قال الشاعر: تسقي جنة سحقا أي: نخلا طويلا.

وأطلق على البستان لما فيه من الأشجار, وعلى دار الثواب لما فيها من البساتين, وثلاثتها مأخوذ من: الجن بمعنى الستر, وإنما جعل الصوم جنة لأنه يقمع الهوى ويردع الشهوات التي هي من أسحة الشياطين, فإن الشبع محبلة للآثام منقصة للإيمان, ولهذا قال عليه السلام: " ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه ", فإن من ملأ بطنه انتكست بصيرته وتشوشت فكرته, لما يستولي على معادن إدراكه من الأبخرة الكثيرة الصاعدة من معدته إلى دماغه, فلا يتأتى له نظر صحيح. ولا يتفق له رأي صالح, ولعله يقع في مداحض فيزيغ عن الحق كما أشار إليه – صلوات الله عليه – في قوله:"لا تشبعوا, فتطفئوا نور المعرفة من قلوبكم "’ وغلب عليه الكسل والنعاس, فيمنعه عن وظائف العبادات, وقويت قوى بدنه وكثرت المواد والفضول فيه, فينبعث غضبه وشهوته, ويشتد شبقه لدفع ما زاد على ما يحتاج إليه بدنه , فتوقعه بسبب ذلك في المحارم. و"صلاة الرجل ": مبتدأ خبره محذوف, تقديره: وصلاة الرجل في جوف الليل كذلك أي: تطفيء الخطيئة, أو: هي من أبواب الخير, والأول أظهر, إذ الآية التي استشهد بها نظمها في سلك واحد. وإنما جعل هذه الثلاثة أبواب الخير لأن المرء إذا تصدق وصلى

في جوف الليل انطفأ ما سلف من الخطايا, وإذا صام واعتاد قلة الأكل والشرب انقمعت شهواته, وانقلعت مواد الذنوب من أصها, وحينئذ دخل في الخير من كل وجه, وأحاطت به الحسنات. و"رأس الأمر ": أصله, ألا ترى أنه فسر بالإسلام؟ و" عموده ": ما يقوم به ويعتمد عليه, ونظيره قوله عليه الصلاة والسلام:" الصلاة عماد الدين " ولأنها العمل العام الدائم الظاهر الفارق بين المؤمن والكافر. و" ذروة السنام ": أعلاه, ولا ريب في علو أمر الجهاد وتفوقه على سائر الأعمال. و (ملاك الشيء): أصله ومبناه, وأصله ما يملك به كنظام. وقوله:" كف عليك " أي: كف عليك لسانك, فلا تتكلم بما لا يعنيك, فإن من كثر كلامه كثر سقطه وومن كثر سقطه كثرت ذنوبه, ولشره الكلام مفاسد يطول إحصاؤها. أو: لا تتكلم بما يهجس في نفسك من الوساوس, فإنك غير مأخوذ به ما لم يظهر, لما روى أبو هريرة أنه قال عليه السلام:" إن الله تعالى تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل ". أو: لا تتكلم – أو: لاتتفوه – بما ستره الله عليك, فإن التوبة عنه أرجى قبولا ووالعفو عنه أرجى وقوعا. و" ثكلتك أمك ": فقدتك, والثكل: موت الولد وفقد الحبيب, وهذا وأمثاله أشياء مزالة عن أصلها إلى معنى التعجب وتعظيم الأمر.

و" ويكب ": مضارع كبه بمعنى: صرعه على وجهه فأكب, وهذا من النوادر. و (الحصائد): جمع حصيد بمعنى: محصود, من: حصد الزرع, واستعير للكلام المتنوع المتفرق. ... 21 – 31 – وقال:" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده, والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم, والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله, والمهاجر من هجر الذنوب ", رواه فضالة بن عبيد - رضي الله عنه -. " عن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه -: أنه عليه السلام قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " الحديث. من لم يراع حكم الله تعالى في ذمام المسلمين والكف عنهم لم يكمل إسلامه, ومن لم يكن له جاذبة نفسانية إلى رعاية الحقوق وملازمة العدل فيما بينه وبين الناس فلعله لا يراعي ما بينه وبين الله تعالى, فيخل بإيمانه, والمقصود الأعظم من الجهاد: تكميل من يحاربه كرها, ليصير الكمال بالتدرج له طباعا وخلقا, لا قتله وأسره, ولذلك يصحح الإيمان حالة الإكراه لا غير. فالواجب على المجاهد: أن يقبل على نفسه أولا ويجاهد معها,

باب الكبائر وعلامات النفاق

ويستكمل فضائلها, فإن حقها آكد, والشفقة عليها أليق, كما جاء في الأخبار:" أنه سبحانه أوحى إلى المسيح صلوات الله عليه: عظ نفسك, فإن اتعظت فعظ الناس, وإلا فاستحيي مني ", ولذلك سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجهاد الأكبر. والحكمة في الهجرة أن يتمكن المرء من الطاعة بلا مانع ووازع, ويتبرأ عن صحبة الأشرار المؤثرة بدوامها في اكتساب الأخلاق الذميمة والأفعال الشنيعة, فهي في الحقيقة التحرز عن ذلك, والمهاجر الحقيقي من يتحاشى عنها. ... 2 - باب الكبائر وعلامات النفاق من الصحاح: 22 - 33 - قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: قال رجل: يا رسول الله! أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: " أن تدعوا لله ندا وهو خلقك ", قال: ثم أي؟ قال:" ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك ", قال: ثم أي؟ قال: ثم أن تزاني حليلة جارك ", فأنزل الله تصديقها: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله

إلا بالحق ولا يزنون} الآية. (باب الكبائر وعلامات النفاق) (من الصحاح): " قال ابن مسعود - صلى الله عليه وسلم -: قال رجل: يا رسول الله! أي الذنب أكبر عند الله؟ " الحديث. (الند): المثل المناوي, قال جرير: أتيما تجعلون إلي ندا ... وما تيم لذي حسب نديد من: ند ندودا: إذا نفر. و (الحليلة): الزوجة, والحليل: الزوج, سميا بذلك لأن كلا منهما حلال للآخر, من: حل يحل بالضم, أو حال عنده, من: حل يحل, كما سمي الجار: حليلا. وليس لقائل أن يقول: كيف عد الكبائر ها هنا ثلاثا, وأربعا في حديث ابن عمر وأنس, وسبعا في حديث في حديث أبي هريرة؟! لأنه – عليه السلام – لم يتعرض للحصر في شيء من ذلك, ولم يعرب به كلامه, أما في هذا الحديث فظاهر, وأما في حديث ابن عمر فلأن الحكم فيه مطلق, والمطلق لا يفيد الحصر. فإن قلت: بل الحكم فيه كلي, إذ اللام في (الكبائر) للاستغراق؟! لو كان اللام للاستغراق لا للجنس لكان المعنى: كل واحدة من

الكبائر كل واحدة من هذه الخصال, أو مجموع هذه الخصال, وهو فاسد, وأما في حديث أبي هريرة فلأن قوله:" اجتنبوا السبع الموبقات " – أي: المهلكات – لا يستدعي عدم وجوب الاجتناب عن غيرها, ولا أن غيرها غير موبق, لا بلفظه ولا بمعناه, ومفهوم اللقب ضعيف مزيف. فإن قلت: ما وجه مخالفة أنس ابن عمر, فإنه روى:" شهادة الزور " بدل:"اليمين الغموس "؟ قلت: لعلها لاختلاف المجلس وتعدد الحديث, أو لنسيان كل واحد أو ذهوله عن واحد منهما. والزور: الكذب, من: زورت بمعنى: قدرت, سمي به كما سمي بالحلق مجازا. والغموس: الحلف الكاذب على ما مضى, سمي غموسا لأنه يغمس صاحبه في الإثم, وللفقهاء خلاف مشهور في تعلق الكفار به. ... 23 – 35 – وقال:" اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله, والسحر, وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, وأكل الربا, وأكل مال اليتيم, والتولي يوم الزحف, وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ", رواه أبو هريرة. " وقوله في حديث أبي هريرة: والتولي يوم الزحف " معناه:

الإدبار للفرار يوم الازدحام للقتال, والزحف: الجماعة الذين يزحفون إلى العدو, أي: يمشون إليهم بمشقة. ... 24 – 36 – وقال:" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن, ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن, ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن, ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن, ولا يغل أحدكم حين يغل وهو مؤمن, فإياكم وإياكم ", رواه أبو هريرة - رضي الله عنه -. " عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " الحديث. ظاهر دليل على أن صاحب الكبيرة ليس بمؤمن, وأصحابنا أولوه بأن المراد بالمؤمن الكامل في إيمانه, أو ذو أمن من عذاب الله, وبأن صيغ الأفعال – وإن كانت واردة على طريقة الإخبار – فالمراد منها النهي, ويشهد له أنه روي:" لا يزنون " بحذف الياء, " ولا يشرب " بكسر الباء, توفيقا بينه وبين ما سبق من الدلائل على أن الإيمان هو التصديق, والأعمال خارجة عنه, وقوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} [الحجرات: 9] ونظائره. و (الانتهاب): الغارة, و (الغلول): الخيانة, والمضارع منه: يغل بالضم, والغل: الحقد , ومضارعه: يغل بالكسر, و" إياكم ":

منصوب على التحذير. ... 25 – 39 – وقال:" أربع من كن فيه كان منافقا خالصا, ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان, وإذا حدث كذب, وإذا عاهد غدر, وإذا خاصم فجر ", رواه عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -. " عن ابن عمر - رضي الله عنه - , عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: أربع من كن فيه كان منافقا خالصا " الحديث. يحتمل أن يكون هذا مختصا بأبناء زمانه, فإنه – عليه السلام – علم بنور الوحي بواطن أحوالهم, وميز بين من آمن به صدقا وأذعن له نفاقا, وأراد تعريف أصحابه وتوقيفهم على حال هؤلاء المنافقين, ليكونوا على حذر عن مكائدهم, ولم يذكرهم بأعيانهم لحكم وفوائد: منها: أن منهم من علم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو توقع أنه سيتوب عن نفاقه, فلم يرد تثبيته في ديوان المنافقين وتشهيره بهذا الاسم. ومنها: أن عدم التعيين أوقع في الدعوة وأدل على شفقته وحسن صنيعه معهم. ومنها: أن لا ييأسوا عما ينافقون لأجله, فيظهروا المخاصمة ويلتحقوا بالمحاربين.

ويحتمل أن يكون عاما, والمراد هو الزجر عن هذه الخصال على آكد وجه وأبلغه, لأنه بين أن هذه الأمور طلائع النفاق وأعلامه, وقد تمكن في العقول السليمة أن النفاق أقبح القبائح, فإنه كفر مموه باستهزاء وخداع مع رب الأرباب وعالم الأسرار, ولذلك بالغ سبحانه في شأنهم, ونعى عليهم بالخصال الشنيعة, ومثلهم بالأعمال الفظيعة, وجعلهم شر الكفار, و‘د لهم الدرك الأسفل من النار, فيعلم من ذلك أن هذه الأشياء أولى الأمور وأحقها بأن يهاجر عنها, ولا يؤتى مراتعها, فإن من رتع حول حمى النفاق يوشك أن يقع فيه. ويحتمل أن يكون المراد بالمنافق: المنافق العرفي لا الشرعي, ويشهد له قوله عليه السلام:" ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ". و" النفاق ": مأخوذ من النفق, وهو السرب الذي يكون له طريقان, والنافقاء: الباب الذي يخرج منه اليربوع. و (الفجور) في اللغة: الميل, وفي الشرع: الميل عن القصد والعدول عن الحق, والمراد به ها هنا: الشتم والرمي بالأشياء القبيحة والبهتان. ... من الحسان: 26 – 41 – عن صفوان بن عسال - رضي الله عنه - قال: قال يهودي لصاحبه:

اذهب بنا إلى هذا النبي فقال له صاحبه: لا تقل: نبي, إنه لو سمعك لكان له أربعة أعين فأتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألاه عن تسع آيات بينات, فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" لا تشركوا بالله شيئا, ولا تسرقوا, ولا تزنوا, ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق, ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله, ولا تسحروا, ولا تأكلوا الربا, ولا تقذفوا محصنة, ولا تولوا للفرار يوم الزحف ووعليكم خاصة اليهود أن: {لا تعدوا في السبت} ", قال: فقبلا يديه ورجليه, وقالا: نشهد أنك نبي, قال:"فما يمنعكم أن تتبعوني؟ " قالا: إن داود دعا ربه أن لا يزال من ذريته نبي, وإنا نخاف إن تبعناك أن تقتلنا اليهود. (من الحسان): " عن صفوان بن عسال - رضي الله عنه - قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي " الحديث. " له أربعة أعين " ونظائره كنايات عن ازدياد الفرح وفرط السرور, إذ الفرح يوجب قوة الأعضاء ويضاعف القوى والحواس, كما أن الغم يقتضي أضداد ذلك, وتضاعف القوى يشبه تضاعف الأعضاء الحاملة لها, ويكون مسببا عنه. وفي بعض الروايات: " أربع أعين " لتأنيث العين. و (الآية): العلامة, سميت المعجزة آية لما فيها من الدلالة على

النبوة وصدق من ظهرت هي بسببه ولأجل دعواه, و: الحكم الشرعي, لما تضمنه من الدلالة على حال من يتعاطى متعلقه في الآخرة من السعادة والشقاوة, والمراد بالآيات ها هنا: إما المعجزات التسع المذكورة في قوله تعالى: {ولقد ءاتينا موسى تسع آيات بينات} الآية [الإسراء: 101] , ويشهد له روى الترمذي رحمه الله: أنهما سألاه عن هذه الآية , وعلى هذا فقوله:" لا تشركوا " كلام مستأنف ذكره عقيب الجواب, ولم يذكر الراوي جوابه استغناء بما في القرآن أو غيره. وإما الأحكام العامة الشاملة للملل كلها, وبيانها ما بعدها. فإن قلت: كيف يكون هذا جوابا وهو عشر خصال, والمسؤول عنه تسع آيات؟! قلت: الزيادة على السؤال جائز واقع في قوله عليه السلام, وقد سئل عن ماء البحر [فقال] " طهور ماؤه, وحل ميتته ". هذا وقوله:" علكم خاصة " حكم مستأنف مختص بدينهما, غير شامل لسائر الأديان, لا تعلق له بسؤالهم, ولهذا غير سياق الكلام, والله أعلم. وقد أجيب: بأنه ليس في بعض الروايات:" ولا تقذفوا محصنة ", وفي بعضها:" أو: لا تولوا الفرار" على الشك, وهو لا ينتهض جوابا بالنظر إلى ما في الكتاب.

و"عليكم " خبر لـ" أن لا تعتدوا ",و" خاصة " حال, و " اليهود ": نصب على التخصيص والتفسير وأي: أعني اليهود. وفي بعض طرق هذا الحديث:" يهود " مضموم بلا لام على أنه منادى. وفيه: أن ما يوصف به لا نحذف عنه حرف النداء إلا على شذوذ. ... 27 – 43 – عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا زنى العبد خرج منه الإيمان , فكان فوق رأسه كالظلة, فإذا خرج من ذلك العمل رجع إليه الإيمان ". " عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنه – عليه السلام – قال: إذا زنى العبد خرج منه الإيمان " الحديث. المؤمن لا يزنى إلا إذا استولى شبقه, واستعلى شهوته بحيث يغلب إيمانه ويشغله عنه فيصير في تلك الحالة فاقد الإيمان, أو كالفاقد له, لكن لا يرتفع عنه اسمه ولا يزول عنه حكمه, بل هو بعد في كنف رعايته وظل عصمته, والإيمان مظل عليه كالظلة, وهي أول سحابة تظل على الأرض, فإذا فرغ من ذلك وخرج منه زال الشبق المعاوق عن الثبات, على ما يأمره إيمانه, والموجب لذهوله ونسيانه

فصل في الوسوسة

عاد الإيمان, وأخذ في القوة والازدياد والحمل على البداء. ... فصل في الوسوسة من الصحاح: 28 - 45 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - فال: جاء ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به, قال: " أو قد وجدتموه؟ ",قالوا: نعم, قال:" إذا صريح الإيمان ". (فصل في الوسوسة) (من الصحاح): " قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: جاء ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه, فسألوه: إنا نجد " الحديث. ذلك إشارة إلى ما دل عليه قوله:" يتعاظم ",أي: علمكم بفساد تلك الوساوس, وامتناع نفوسكم, والتجافي عن التفوه = بها صريح الإيمان, أي: خالصه. ... 29 - 46 - وقال ك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" يأتي الشيطان أحدكم

فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله, ولينته ". " وعنه, عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: يأتي الشيطان أحدكم " الحديث. إنما أمره بالاستعاذة والاعراض ولم يأمر بالتأمل والنظر فيه لوجهين: أحدهما: أن السبب في اعتوار أمثال ذلك احتباس المرء في عالم الحس, وما دام هو كذلك لا يزيد فكره إلا انهماكا في الباطل وزيغا عن الحق. وثانيهما: أن العلم باستغناء الواجب لذاته عن المؤثر والموجد أمر ضروري, لا يقبل الاحتجاج والمناظرة له وعليه, فمن وقع له زيغ فيه فليس ذلك إلا لتسلط وهمه, ونقصان عقله, واستيلاء الوساوس عليه, ومن كان هذا حاله فلا علاج له إلا بالاستعاذة بالله والاستعانة منه, والاستعداد بالمجاهدة والرياضة, فإنها تزيل البلادة, وتصفي الذهن ونزكي النفس. ... 30 – 48 – وقال:" ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن ", قالوا: وإياك يا رسول الله! قال: " وإياي, إلا أن الله أعانني عليه فأسلم, فلا يأمرني إلا بخير ", رواه ابن مسعود.

"عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن " الحديث. روي:" فأسلم " بالفتح على صيغة الماضي, بمعنى: انقاد لي, أو: صار مسلما على يدي, وبالرفع على أنه مضارع سلمت, أي: أخلص من إغوائه ووسواسه, والأول أظهر طباقا واتساقا بقوله:" فلا يأمرني إلا بخير ". وما قيل من أن القرين شيطاني مطبوع على التمرد والعصيان, فلا يتصور منه الانقياد والإسلام, فكلام إقناعي لا يشهد له نقل ولا عقل. ... 31 – 50 – وقال:" ما من بني آدم [من] مولود إلايمسه الشيطان حين يولد, فيستهل صارخا من مس الشيطان, غير مريم وابنها ", رواه أبو هريرة. " عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنه – عليه السلام – قال: ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان " الحديث. مس الشيطان: تعلقه بالمولود وتشويش حاله, والإصابة بما يؤذيه ويؤلمه أولا, كما قال تعالى حكاية عن أيوب عليه السلام:" أني مسني الشيطان بنصب وعذاب} [ص:41] والاهتمام بحصول ما يصير ذريعة ومتسلقا له في إغوائه. و (الاستهلال) والإهلال: رفع الصوت, و (الصراخ): هو الصوت.

واستثناء مريم وابنها – عليهما السلام – لاستعاذة أمها, حيث قالت: {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} [آل عمران: 36]. ... 32 – 52 – وقال:" إن إبليس يضع عرشه على الماء, ثم يبعث سراياه يفتنون الناس , فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة, يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا, فيقول: ما صنعت شيئا, قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته, فيدنيه منه ويقول: نعم أنت؟ ", قال الأعمش: أراه قال: فيلتزمه ". " عن جابر - رضي الله عنه -: أنه – عليه السلام – قال: إن إبليس يضع عرشه على الماء " الحديث. (السرايا): جمع سرية, وهي القطعة من الجيش, والسبب في استبشار الشيطان بالتفريق: ما فيه من انقطاع النسل, وما يتوقع من البداء والوقوع في الزنا, الذي هو أفحش الكبائر وأكثرها معرة وفسادا. ... 33 – 53 – وقال - صلى الله عليه وسلم -: " إن الشيطان قد أيس من أن يعبده المصلون في جزيرة العرب, ولكن في التحريش بينهم ", رواهما

" وعنه, عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب, ولكن في التحريش بينهم ". عبادة الصنم عبادة الشيطان, بدليل قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: {ياأبت لا تعبد الشيطان} [مريم:44] وإنما جعل عبادة الصنم عبادة الشيطان لأنه الآمر به والداعي إليه. و" المصلون ": المؤمنون, كما في قوله عليه السلام:" نهيتكم عن قتل المصلين ", وإنما سمي المؤمن لأن الصلاة أشرف الأعمال, وأظهر الأفعال الدالة على الإيمان. ومعنى الحديث: إن الشيطان أيس أن يعود أحد من المؤمنين إلى عبادة الصنم, ويرتد إلى شركه في جزيرة العرب, ولا يرد على هذا ارتداد أصحاب مسيلمة والعنسي ومانعي الزكاة, وغيرهم ممن ارتدوا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , لأنهم لم يعبدوا الصنم. وجزيرة العرب: من حفر أبي موسى الأشعري إلى أقصى اليمن طولا, ومن رمل يبرين إلى منقطع سمارة – وهي بادية في طريق الشام – عرضا, هكذا ذكره أبو عبيدة معمر بن المثنى. وإنما سميت جزيرة , لأنها واقعة بين بحر فارس, والروم, والنيل, ودجلة, والفرات. وقال مالك بن أنس - رضي الله عنه -: جزيرة العرب مكة والمدينة واليمن. و" التحريش ": الإغراء على الشيء بنوع من الخداع, من: حرش الضب الصياد: إذا خدعه, أي: يخدعهم ويغري يعضهم على بعض.

من الحسان: 34 – 55 – وقال:" إن الشيطان لمة بابن آدم, وللملك لمة, فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق, وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق, فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله, فليحمد الله, ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان ", ثم قرأ: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} ",غريب. (من الحسان) " عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن للشيطان لمة بابن آدم, للملك لمة " الحديث. (اللمة) بالفتح: القرب والإصابة, ويقال: فلان أصابه لمة من الجن, أي: أصابه مس, من: الإلمام وهو القرب, والمراد بها: الهمة التي تقع في القلب بواسطة الشيطان أو الملك. والرواية الصحيحة: " إيعاد " بالياء, على زنة: إفعال في الموضعين, وإنما سوغ استعماله في الخير – مع اختصاصه عرفا في الشر – للمزاوجة, والإتباع, والأمن عن الاشتباه بذكر الخير بعده. ونسب لمة الملك إلى الله تعالى, تنويها لشأن الخير وإشادة بذكره.

35 – 57 – عن عمرو بن الأحوص - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في حجة الوداع:" ألا لا يجني جان على نفسه, ألا لا يجني جان على ولده, ولا مولود على والده, ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلادكم هذه أبدا وولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم فسيرضى به ". " عن عمرو بن الأحوص - رضي الله عنه - أنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في حجة الوداع " الحديث. سمي تلك الحجة: حجة الوداع, لأنها كانت آخر حجة حجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وتوفي بعده في العام القابل, فكأنه ودع الحرم والبيت بها, لما روي: أنه قال في خطبة خطبها في تلك الحجة:" هل بلغت؟ " فقيل: نعم, فطفق يقول:" اللهم اشهد ", ثم ودع الناس, ولما روى أبو أمامة أنه قال في تلك الخطبة (يا أيها الناس! أنصتوا فلعلكم لا تروني بعد عامكم هذا). و" ألا ": حرف تنبيه, و" لا يجني ": خبر في معنى النهي, وفيه مزيد تأكيد, لأنه كأنه نهاه فقصد أن ينتهي فأخبر عنه, وهو الداعي إلى العدول عن صيغة النهي إلى صيغة الخبر, ونظيره: إطلاق لفظ الماضي في الدعاء, ولمزيد التأكيد والحث على الانتهاء أضاف الجناية إلى نفسه, والمراد به: الجناية على الغير, بيانه: أن الجناية على الغير لما كان سببا للجناية عليه اقتصاصا ومجازاة كان كالجناية

باب الإيمان بالقدر

على نفسه, فأبرزها على ذلك, ليكون أدعى إلى الكف وأمكن في النفس, لتضمنه ما يدل على المعنى الموجب للنهي. ودليل هذا التأويل أنه روي في بعض الطرق هذا الحديث:" ألا لا يجني جان إلا على نفسه ". وقوله:" ولا يجني جان على ولده, ولا مولود على والده " يحتمل أن يكون المراد النهي عن الجناية عليها, وإنما أفردهما بالتصريح والتنصيص لاختصاص الجناية عليهما بمزيد قبح وشناعة, وأن يكون المراد به تأكيد قوله) لا يجني جان على نفسه) , فإن العرب في جاهليتهم كانوا يأخذون بالجناية من يجدونه من الجاني وأقاربه, الأقرب فالأقرب, ولعلهم شنوا القتل فيهم, وعليه الآن ديدن أهل الجفاء من سكان البوادي والجبال. فالمعنى على هذا: لا يجن أحد على غيره, فيؤخذ بها هو ووالده وولده, ويكون في الحقيقة جنايته على الغير جناية على نفسه ووالده وولده. ... 3 - باب الإيمان بالقدر من الصحاح: 36 - 58 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

" كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين أف سنة, قال: وكان عرشه على الماء ". (باب الإيمان بالقدر) (من الصحاح): " عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كتب الله مقادير الخلائق "الحديث. " كتب الله " معناه: أجرى القلم على اللوح المحفوظ بتحصيل

ما بينهما من التعلق, وأثبت فيه مقادير الخلائق على وفق ما تعلقت به إرادته أزلا إثبات الكاتب ما في ذهنه بقلمه على لوحة, أو: قدر وعين مقاديرهم تعيينا بتا لا يتأتى خلافه. وقوله:" بخمسين ألف سنة " معناه: طول الأمد وتمادي ما بين التقدير والخلق من المدد, أو: تقديره ببرهة من الدهر الذي يوم منه كألف سنة مما تعدونه, وهو الزمان, أو: من الزمان نفسه. فإن قلت: كيف تحمله على الزمان, وهو على ما هو المشهور مقدار حركة الفلك الذي لم يخلق حينئذ؟ قلت: فيه كلام, وإن سلم فمن زعم ذلك قال بأنه مقدار حركة الفلك الأعظم الذي هو عرش الرحمن, وكان موجودا حينئذ, بدليل قوله: {وكان عرشه على الماء} , وهو أيضا بظاهره دليل لمن زعم أن أول ما خلق الله في هذا العالم الماء, ثم ادعى أنه سبحانه أوجد منه سائر الإجرام, تارة بالتلطيف, وأخرى بالتكثيف. ... 37 – 60 – وقال:" احتج آدم وموسى عند ربهما, فحج آدم موسى, قال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده, ونفخ فيك من روحه, وأسجد لك ملائكته, وأسكنك في جنته, ثم أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض؟ فقال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه, وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء, وقربك نجيا

فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق؟ قال موسى: بأربعين عاما, قال آدم: فهل وجدت فيها: {وعصى آدم ربه فغوى}؟ قال: نعم, قال: أفتلومني على أن عملت عملا كتبه الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فحج أدم موسى ", رواه أبو هريرة. " عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنه قال عليه السلام: احتج آدم وموسى عند ربهما " الحديث. هذه محاجة نفسانية ومكالمة روحانية جرت بينهما في عالم الغيب وحظيرة القدس, والظاهر: أن المراد بهذه الكتبة كتبها في الألواح التي أعطى موسى, وذكر في كتابه العزيز وصفه وقال: {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء} [الأعراف:145] وقال: {وألقى الألواح} [الأعراف: 150] ,أو: في اللوح المحفوظ. وقوله:" فحج آدم موسى " معناه: غلب عليه بالحجة, بأن ألزمه أن جملة ما صدر عنه لم يكن ما هو مستقل به متمكنا من تركه, بل كان أمرا مقضيا عليه, وما كان كذلك لم يحسن اللوم عليه عقلا, وأما ما ترتب عليه شرعا من الحد والتعزير فحسنه من الشارع لا يتوقف على غرض أو نفع, وإن سلم فالمقصود منه أن يكون أسبابا منكلة له عن العود إليه, ولغيره عن الاشتغال بمثله, فيتقي

منه من أراد التوقي عن هذا النوع من العصيان, كما يوجد ما يوجد في عالمنا مرتبطا بأسبابها لحكمة اقتضت إناطة الحوادث بأسباب تتوسط بينه وبينها. ومن المعلوم أن موسى – صلوات الله عليه – لم يكن متعبدا بلومه عليه السلام, ولم يكن لومه أيضا في ذلك العالم نافعا, فلا يحسن. ... 38 – 61 – وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة, ثم يكون علقة مثل ذلك, ثم يكون مضغة مثل ذلك, ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات, فيكتب عمله, وأجله, ورزقه, وشقي أو سعيد, ثم ينفخ فيه الروح, وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع, فيسبق عليه الكتاب, فيعمل بعمل أهل الجنة, فيدخل الجنة, وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع, فيسبق عليه الكتاب, فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار ", رواه ابن مسعود - رضي الله عنه -. " عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه ",الحديث. " إن خلق أحدكم ",أي: مادة خلق أحدكم, أو: ما يخلق منه

أحدكم يجمع, أي: يقرر ويحرز في بطنها. وقوله:" ثم يبعث الله إليه ملكا ", أي: يبعث الله إليه الملك في الطور الرابع, حينما يتكامل بنيانه وتتشكل أعضاؤه, فيعين له, وينفث فيه ما يليق به من الأعمال والأرزاق حسبما اقتضته حكمته وسبقت به كلمته, فمن وجده مستعدا لقبول الحق واتباعه, ورآه أهلا للخير وأسباب الصلاح متوجهة إليه, أثبته في عداد السعداء, وكتب له أعمالا صالحة تناسب ذلك, ومن وجده كزا جافيا قاسى القلب ضاريا بالطبع متأبيا عن الحق أثبت ذكره في ديوان الأشقياء الهالكين, وكتب له ما يتوقع منه من الشرور والمعاصي, هذا إذا لم يعلم من حاله وقوع ما يقتضي تغير ذلك, فإن علم من ذلك شيئا كتب له أوائل أمره وأواخره, وحكم عليه وفق ما يتم به عمله, فإن ملاك العمل خواتيمه, وهو الذي يسبق إليه الكتاب, فيعمل بعمل أهل الجنة أو النار. **** 39 – 63 – وقالت عائشة رضي الله عنها: دعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنازة صبي من الأنصار, فقلت: طوبى لهذا! عصفور من عصافير الجنة, لم يعمل سوءا, قال:" أو غير ذلك يا عائشة! إن الله

خلق الجنة وخلق النار, فخلق لهذه أهلا, ولهذه أهلا, خلقهم لهما وهم في أصلاب آبائهم ". " عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: دعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنازة صبي من الأنصار" الحديث. " طوبى ": فعلى, تأنيث: أطيب ووطوبى له معناه: أطيب المعيشة له. وقوله:" أو غير ذلك " إشارة إلى ما ذكرنا أن الثواب والعقاب ليسا لأجل الأعمال, وإلا لزم أن لا يكون ذراري المسلمين والكفار من أهل الحنة والنار, بل الموجب لهما هو اللطف الرباني والخذلان الإلهي المقدر لهم وهم في أصلاب آبائهم, بل هم وآباؤهم وأصول أكوانهم بعد في العدم, فالواجب فيهم التوقف وعدم الجزم بشيء من ذلك. فإن قلت: كيف التوفيق بينه وبين قوله:" [هم] من آبائهم "؟ قلت: ذلك في الأحكام الدنيوية, وهذا في أمر الآخرة, فإن الطفل يتبع أبويه في حكم الإيمان والكفر, لا فيهما, فإن الإيمان والكفر عبارتان عن التصديق والتكذيب المخصوصين, وهما لا يحصلان لمن لم يتصف بهما تبعا لغيره. ... 40 – 89 – عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله! ذراري المؤمنين؟ قال::" من آبائهم ", فقلت: يا رسول الله! بلا عمل؟

قال: " الله أعلم بما كانوا عاملين ", فقلت: فذرلري المشركين؟ قال: من آبائهم ", قلت: بلا عمل؟ قال: " الله أعلم بما كانوا عاملين ". وقول عائشة بعد ذلك:" يا رسول الله! بلا عمل؟ " سؤال معناه: أن الحكم على الإيمان والكفر إنما هو بسبب ما يصدر عنه من الإقرار والإنكار, وسائر ما يدل على التصديق والتكذيب من الأعمال, فكيف يحكم على الذراري بالإيمان والكفر, ولم يظهر منهم ما يشعر بحالهم؟! وجوابه: قوله عليه السلام " الله أعلم بما كانوا عاملين ", وهو إشارة إلى أنهم لما لم يأتوا بما يدل على ما يستعدونه من الخير والشر, ويشعر بحالهم لو عاشوا وبلغوا سن البلوغ, جنحنا إلى إتباعهم آباءهم, إذ الغالب أن ولد اليهودي يتهود, وولد النصراني يتنصر, وولد المسلم يسلم, لما غلب على الطباع من التقليد والحرص على المألوف, والميل إلى مشايعة الأباء وتعظيم شأنهم وترويج آرائهم, فحكمنا بإسلام ولد المسلم وترقبنا خلاصه, وأسجينا كفر الكافر على ولده, وخفنا عليه بناء على هذا الأمر الظاهر وإن احتمل غيره, كما يتوقع الخلاص للصالح المذعن ويخاف على الفاسق المتمرد, وإن جاز عكسه, وسيأتيك مزيد كشف لذلك. ... 41 – 64 – وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة ", قالوا: يا رسول الله!

أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ فقال: " اعملوا فكل ميسر لما خلق له, أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل السعادة, وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعلم الشقاوة " ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى () وصدق بالحسنى} الآية " رواه على بن أبي طالب. " عن علي - رضي الله عنه -: أنه قال عليه الصلاة والسلام: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة " الحديث. فيه إشارة إلى أن الله تعالى دبر أمر العباد وقدر أحوالهم في المعاد قبل وجودهم, ووهم يتشبث به المجبرة المانعون للتكليف, ويتشكل به القدرية المنكرون للقدر, وهو أن السعادة والشقاوة لو كانتا مقدرتين بحيث لا يتطرق إليهما التغير والتبدل لم تكن التكاليف والأعمال مفيدة, فإن من كتب مقعده من الجنة لا يزحزحه عن مقعده كفر وفسوق, ومن قدر مقعده من النار لا يخلصه عنه إيمان وخلوص. وتنبيه على الجواب عنه: وهو أن الله تعالى دبر الأشياء على ما شاء, وربط بعضها ببعض, وجعلها أسبابا ومسببات, وإن كان يقدر على إيجاد الجميع ابتداء بلا أسباب ووسائط, كما خلق المباديء والأسباب, لكنه أمر اقتضته حكمته وسبقت به كلمته وجرت عليه عادته, فمن قدر أنه من أهل الجنة قدر له ما يقربه إليها من الأعمال, ووفقه لذلك بإقداره وتمكينه منه وتحريضه عليه بالترغيب والترهيب, وألان قلبه لقبول الحق, وأرشده للتمييز بين الباطل والحق ومن قدر

أنه من أهل النار قدر له خلاف ذلك, وخذله حتى اتبع هواه, وران على قلبه الشهوات, ولم يغن عنه النذر والآيات, فأتى بأعمال أهل النار وأصر بها, حتى طوى عليه صحيفة عمره, وكان ما يدخله النار ملاك أمره, وهو معنى قوله:" وكل ميسر لما خلق له ". ... 42 – 65 – وقال: " إن الله تعالى – كتب على ابن آدم حظه من الزنا, أدرك ذلك لا محالة, فزنا العين النظر, وزنا اللسان المنطق, والنفس تتمنى وتشتهي, والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " وفي رواية:" الأذنان زناهما الاستماع, واليد زناها البطش, والرجل زناها الخطا ".رواه أبوهريرة - رضي الله عنه -. " عن أبي هريرة - رضي الله عنه - , عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا " الحديث. أراد بالزنا: مقدماته من التمني, والتخطي لأجله, والتكلم فيه طلبا أو حكاية, واستماع ذلك, ونحوها. " والفرج يصدق ذلك ويكذبه ",أي: بالإتيان بما هو المقصود من ذلك, أو بالترك والكف عنه, ولما كانت المقدمات – من حيث إنها طلائع وأمارات – تؤذن بوقوع ما هي وسيلة إليه تشابه المواعيد والأخبار عن الأمور المترقبة, سمي ترتب المقصود عليها – الذي هو كالمدلول لها – وعدم ترتبه: صدقا وكذبا.

وقوله: (كتب عليه) أي قضى, فأثبت في اللوح المحفوظ, وقيل: خلق له أداته وعدده من الحواس وغيرها, والأول هو المناسب لمعاني هذا الباب, والله أعلم. ... 43 – 66 – وعن عمران بن حصين: أن رجلين من مزينة قالا: يا رسول الله! أرأيت ما يعمل الناس, ويكدحون فيه, أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر سبق, أم فيما يستقبلون؟ فقال:" لا بل شيء قضي عليهم, وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل {ونفس وما سواها () فألهمها فجورها وتقواها} [الشمس: 7 - 8] ". " وفي حديث عمران بن حصين: أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون؟ ". أي: يسعون, والكدح: السعي والعناء. ... 44 - 67 – وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" يا أبا هريرة! جف القلم بما أنت لاق, فاختص على ذلك أو ذر ". " وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - , عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: يا أبا هريرة! جف القلم بما أنت لاق, فاختصر [فاختص] على ذلك أو ذر ".

(جفاف القلم): كناية عن الفراغ عن التقدير, وثبت المقادير, إذ الكاتب إنما يجف قلمه بعد فراغه عن الكتابة. و (أو) للتسوية. ومعناه: أن الاختصار على التقدير والتسليم له وترك الإعراض عنه سواء, فإن ما قدر لك من خير أو شر, فهو لا محالة لاقيك, وما لم يكتب, فلا حيلة ولا طريق إلى حصوله لك. وروي: " فاختص " من (الاختصاء) ويشهد له ما روي صدرا لهذا الحديث, وهو: أن أبا هريرة قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله! إني رجل شاب, وإني أخاف العنت, ولست أجد طولا أتزوج به النساء, فاذن لي أن أختصي, فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" جف القلم بما أنت لاق, فاختص على ذلك أو دع ", وعلى هذا يكون (على ذلك) حالا. ... 45 – 68 – وقال - صلى الله عليه وسلم -: " إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن, كقلب واحد يصرفه كيف يشاء ", ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم مصرف القلوب, صرف قلوبنا على طاعتك ", رواه عبد الله ابن عمرو

" وعن ابن عمر [و] رضي الله عنهما: أنه قال: قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن "الحديث يقال: فلان قبض الملك بين إصبعيه, ويقلبه بأنملته, إذا تمكن منه, واستقل بأمره وجرى حسب تصرفه وتدبيره ومن غير استعصاء وتمانع. والمعنى: إن الله تعالى هو المتمكن من قلوب العباد, والمتسلط عليها, والمتصرف فيها, يصرفها كيف يشاء, كما قال تعالى: {فألهمها فجورها وتقواها} [الشمس: 8]. وإنما قال:" من أصابع الرحمن " ولم يقل: من أصابع الله, إشعارا بأن الله تعالى إنما تولى بنفسه أمر قلوبهم, ولم يكله إلى أحد من ملائكته رحمة منه وفضلا, كيلا يطلع على سرائرهم, ولا يكتب عليهم ما في ضمائرهم. ... 46 – 69 – وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما من مولود إلا يولد على الفطرة ,فأبواه يهودانه, أو ينصرانه أو يمجسانه, كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء, هل تحسون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها؟ " ثم يقول:" {فطرة الله التي فطر الناس عليها} ". " عن أبي هريرة - رضي الله عنه - , عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ما من مولود إلا

يولد على الفطرة " الحديث. بناء " الفطرة " يدل على النوع, من: (الفطر) وهو الابتداء والاختراع, كالجلسة والركية واللام فيها إشارة إلى معهود, وهو ما نطق به قوله تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها} [الروم: 30]. والمراد بها: الخلقة التي خلق الله الناس عليها, من الاستعداد للمعرفة, وقبول الحق, والتأبي عن الباطل, والتمييز بين الخطأ والصواب. والمعنى: أن كل مولود يولد على وجه لو ترك بحاله, ولم يعتوره من الخارج ما يصده عن النظر الصحيح من فساد التربية وتقليد الأبوين والألف بالمحسوسات والانهماك في الشهوات ونحو ذلك , لنظر فيما نصبه من الدلائل على التوحيد وصدق الرسول وغير ذلك نظرا صحيحا يوصله إلى الحق ويهديه إلى الرشد, وعرف الصواب واتبع الحق, ولم يختر إلا الملة الحنيفية, ولم يلتفت إلى جنبة سواها, لكن يصده عن ذلك أمثال هذه العوائق. وضرب (الجمعاء) و (الجذعاء) لذلك مثلا, فإن البهيمة تولد سوية الأراب سليمة الأعضاء من الجذع ونحوه, فلو لم يتعرض الناس لها بقيت سليمة كما ولدت, وسميت السليمة جمعاء, لاستجماعها جميع ما ينبغي أن يكون له من الأعضاء. وقيل: المراد بالفطرة ملة الإسلام, ويعضده: أنه روي:" كل

مولود يولد على الملة " بدل: (الفطرة) , وفيه نظر, لأنه يؤدي إلى مخالفة الحديث للآية التي استشهد بها, فإنها دلت على أن تلك الفطرة لا تتبدل, كما قال: {لا تبديل لخلق الله} [الروم: 30] , والإسلام يبدله تهويد الأبوين وتمجيسهما على ما نطق الحديث. ولعله – عليه السلام – تلفظ بالعبارة الثانية في مجلس آخر, وأراد بها أن كل مولود يولد على حكم الإسلام, على معنى أنه لو خلي وطبعه, ونظر فيما نصب له من الآيات اختار الإسلام واستقر عليه. ... 47 – 70 – وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخمس كلمات, فقال: :" إن الله تعالى لا ينام, ولا ينبغي له أن ينام, يخفض القسط ويرفعه, يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار, وعمل النهار قبل عمل الليل, حجابه النور, لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ". " عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخمس كلمات " الحديث. كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وعظ قام وقوله:" بخمس كلمات " حال: أي قام متفوها بخمس كلمات, وما بعده تفصيل له, والنوم استراحة للقوى والحواس, ومن كان بريئا من ذلك ولا يشغله شأن عن شأن لا ينبغي له أن ينام.

" يخفض القسط ويرفعه ": ينقص النصيب باعتبار ما كان يمنحه قبل ذلك, ويزيد بالنظر إليه بمقتضى قدره الذي هو تفصيل لقضائه الأول. وقيل: القسط: هو الميزان, لما روى أبو هريرة:" يخفض الميزان ويرفعه ", سمي بذلك لأنه تحصل به المعدلة في القسمة, وخفضه ورفعه كنايتان عن التوسيع والتقتير. " يرفع إليه عمل الليل ",أي: إلى خزائنه, كما يقال: حمل المال إلى الملك, فيضبط إلى يوم الجزاء, أو يعرض عليه وإن كان أعلم به, ليأمر ملائكته إمضاء ما قضى لفاعله جزاء له على فعله. " قبل عمل النهار " أي: قبل أن يؤتى بعمل النهار, وهو بيان لمسارعة الكرام الكتبة إلى رفع الأعمال, وسرعة عروجهم إلى ما فوق السماوات, وعرضهم على الله تعالى, فإن الفاصل بين الليل والنهار أن لا يتحرى هو آخر الليل وأول النهار, وقيل: قبل أن يرفع إليه عمل النهار, والأول أبلغ. " حجابه النور " أي: تحيرت البصائر والأنظار, وأبيحت طرق الأفكار دون أنوار عظمته وكبريائه وأشعة عزه وسلطانه, فهي كالحجب التي تحول بين العقول البشرية وما وراءها, لو كشفت فتجلى ما وراءها لأحرقت عظمة جلال ذاته وأفنت ما انتهى إليه بصره من خلقه, لعدم إطاقته, وهو بعد في الدار الدنيا منغمس في الشهوات, متآلف

بالمحسوسات, محجوب بالشواغل البدنية والعوائق الجسمانية عن حضرة القدس, والاتصال بها ومشاهدة جمالها. و (السبحات): جمع سبحة, والمراد بها: الأنوار التي إذا رآها الملائكة المقربون سبحوا لما يروعهم من جلال الله وعظمته. ... 48 – 72 – وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذراري المشركين فقال:" الله أعلم بما كانو عاملين ". " وعن أبي هريرة قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذراري المشركين, فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين ". (الذراري): جمع ذرية, هي نسل الرجل إما من الذر بمعنى التفريق, سموا بذلك لأن الله تعالى ذرهم في الأرض, فهي فعلية كسرية, أو فعلولة قلبت الراء الثالثة ياء كما في: تقضيت, ثم قلبت الواو ياء وأدغمت فيها, والمراد بها: الأطفال, وأمرهم فيما يتعلق بالأور الدنيوية تبع لأشرف الأبوين في الدين, وهو معنى قوله – عليه السلام – حيث قال: " [هم] من آبائهم ", وفيما يعود بأمر الآخرة من الثواب والعقاب فموقوف موكول إلى علم الله, لأن السعادة والشقاوة ليستا معللتين عندنا بالأعمال, بل الله تعالى خلق من شاء سعيدا ومن

شاء شقيا, وجعل الأعمال دليلا على السعادة والشقاوة. وأنت تعلم أن عدم الدليل وعدم العلم به لا يوجبان عدم المدلول والعلم بعدمه, وكما أن البالغين منهم شقي وسعيد, فأما الذين شقوا فهم مستعملون بأعمال أهل النار حتى يموتوا عليها, فيدخلوا النار, وأما الذين سعدوا فهم موفقون للطاعات وصالح الأعمال حتى يتوفوا عليها, فيدخلوا الجنة, فالأطفال منهم من سبق القضاء بأنه سعيد من أهل الجنة, فهو لو عاش عمل أعمال أهل الجنة, ومنهم من جف القلم بأنه شقي من أهل النار, فهو لو أمهل لاشتغل بالعصيان وانهمك في الطغيان, وهو معنى قوله:" والله أعلم بما كانوا عاملين ". ... من الحسان: 49 – 74 – وسئل عمر بن الخطاب عن هذه الآية " {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} الآية قال عمر - رضي الله عنه -: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل عنها فقال:" إن الله خلق آدم, ثم مسح ظهره بيمينه, فاستخرج منه ذرية, فقال: خلقت هؤلاء للجنة, وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره, فاستخرج منه ذرية, فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون ", فقال رجل: ففيم العمل يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" إن الله إذا خلق العبد

للجنة استعلمه بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة, وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار, فيدخله النار ". (من الحسان) " سئل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن هذه الآية: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} [الأعراف: 172] الآية فقال عمر: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل عنها " الحديث. معنى الآية: أن الله تعالى أخرج من أصلاب بني آدم نسلهم, وأشهدهم على أنفسهم بأن نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته, وركب فيهم العقول والبصائر, وجعلها مميزة بين الحق والباطل, نزل تمكينهم من العلم بربوبيته بنصب الدلائل, وخلق الاستعداد فيهم وتمكينهم من معرفتها والإقرار بها = منزلة الإشهاد والاعتراف تمثيلا وتخييلا. ونظيره قوله تعالى: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} [النحل: 40] وقوله: {فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين} [فصلت: 11]. وقول الشاعر: إذ قالت الأنساع للبطن الحق

وقوله: قالت لها ريح الصبا قرقار فإن من البين الذي لا يشك فيه أنه لا قول ولا خطاب ثم, وإنما هو تمثيل وتصوير للمعنى, فظاهر الحديث لا يساعد هذا المعنى ولا ظاهر الآية, فإنه سبحانه وتعالى لو أراد أن يذكر أنه استخرج الذرية من صلب آدم دفعة واحدة لا على توليد بعضهم من بعض على مر الزمان, لقال: وإذ أخذ ربك من ظهر آدم ذريته. والتوفيق بينهما: أن يقال: المراد من " بني آدم " في الآية آدم وأولاده, وكأنه صار اسما للنوع كالإنسان والبشر, والمراد من الإخراج توليد بعضهم من بعض على مر الزمان وواقتصر في الحديث على ذكر آدم اكتفاء بذكر الأصل عن ذكر النوع. قوله:" مسح ظهر آدم " يحتمل أن يكون الماسح هو الملك الموكل على تصوير الأجنة وتخليقها وجمع موادها وإعداد عددها, وإنما أسند إلى الله تعالى من حيث هو الآمر به, كما أسند إليه التوفي في قوله تعالى {الله يتوفى الأنفس حين موتها} [الزمر: 42] والمتوفي لها هو الملائكة ولقوله تعالى: {الذين تتوفاهم الملائكة} [النحل: 28] ويحتمل أن يكون الباري تعالى. والمسح من باب التمثيل, وقيل ك هو من المساحة بمعنى

التقدير كأنه قال: قدر ما في ظهره من الذرية. **** 50 – 75 – وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يده كتابان, فقال للذي في يده اليمنى: " هذا كتاب من رب العالمين, فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم, ثم أجمل على آخرهم, فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا " ثم قال للذي في شماله:" هذا كتاب من رب العالمين, فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وأسماء قبائلهم, ثم أجمل على آخرهم, فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا" ثم قال: بيديه فنبذهما, ثم قال: " فرغ ربكم من العباد, {فريق في الجنة وفريق في السعير} ". " وعن عبد الله بن عمرو أنه قال: خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يديه كتابان " الحديث. (قال للذي بيديه) , أي: أشار إليه, أو: قال لأجله وفي شأنه, والظاهر أن قوله: " هذا كتاب من رب العالمين " كلام صادر على سبيل التمثيل والتصوير, مثل الثابت في علم الله تعالى, أو المثبت في اللوح بالمثبت في الكتاب الذي كان في يده

وقوله: "ثم أجمل على آخرهم" من قولهم: أجمل الحساب إذا تمم ورد من التفصيل إلى الجملة, وأثبت في آخر الورقة مجموع ذلك وجملته. وقوله:" فرغ ربكم " إلى آخره فذلكة الكلام ونتيجته, فإنه سبحانه لما قسم العباد قسمين ووقدر أحد القسمين على التعيين أن يكون من أهل الجنة, وقدر القسم الآخر أن يكون في النار, وعينهم تعيينا لا يقبل التغيير والتبديل, فقد فرغ من أمرهم: {فريق في الجنة وفريق في السعير} [الشورى: 7]. ... 51 – 79 – وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:" إن الله تعالى خلق خلقه في ظلمة, فألقى عليهم من نوره, فمن أصابه من ذلك النور اهتدى, ومن أخطأه ضل, فلذلك أقول: جف القلم على علم الله ". " عن عبد الله بن عمرو, عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن الله تعالى خلق خلقه في ظلمة " الحديث. المراد بالظلمة: ظلمة الطبيعة, والميل إلى الشهوات ووالركون إلى المحسوسات, والغفلة عن معالم الغيب وأسرار عالم القدس, والنور الملقى إليهم ما نصب لهم من الشواهد والحجج وما أنزل

عليهم من الآيات والنذر, إذ لولا ذلك لبقوا في ظلمات الطبيعة حيارى متخبطين مثل الأنعام, كما هو حال الكفرة المنهمكين في الشهوات, المعرضين عن الآيات, الذين أخبر عنهم بقوله: {أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون} [الأعراف: 179]. ... 52 – 83 – عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية ",غريب. " عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية ". " المرجئة " بالهمز: القائلون بالجبر الصرف, المنكرون للتكليف, سموا بها لأنهم أخروا أمر الله تعالى ولم يعتبروه, من: أرجأ إذا أخر. و" القدرية ": المنكرون للقدر, القائلون بأن أفعال العباد مخلوقة بقدرهم ودواعيهم, لا يتعلق بخصوصها قدرة الله تعالى أو إرادته, نسبوا إلى القدر لأن بدعتهم نشأت من قولهم في القدر. ... 53 – 90 – عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " الوائدة والموؤدة في النار ". " عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الوائدة والموؤدة في النار ".

باب إثبات عذاب القبر

الوأد: دفن الولد الحي في القبر, وكانت العرب في جاهليتهم يدفنون البنات حية, فالوائدة في النار لكفرها وفعلها, والموؤدة فيها لكفرها. والحديث دليل على تعذيب أطفال المشركين, ولعل المراد بالوائدة: القابلة, وبالموؤدة: الموؤدة لها وهي أم الطفل, فحذفت الصلة, إذ كان من ديدنهم أن المرأة إذا أخذها الطلق حفر لها حفرة عميقة, فجلست عليها, والقابلة وراءها تترقب الولد, فإن ولدت ذكرا أمسكت, وإن ولدت أنثى ألقتها في تلك الحفرة, وأهالت عليها التراب. ... 4 - باب إثبات عذاب القبر من الصحاح: 54 - 92 - وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال::" إن العبد إذا وضع في قبره, وتولى عنه أصحابه, وإنه ليسمع قرع نعالهم = أتاه ملكان وفيقعدانه, فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ - لمحمد -, فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله, فيقال له ك انظر إلى مقعدك من النار, قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة, فيراهما جميعا, وأما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول:

لا أدري كنت أقول ما يقول الناس, فيقال له: لا دريت ولا تليت, ويضرب بمطرقة من حديد ضربة, فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين ". (باب إثبات عذاب القبر) (من الصحاح): " عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه " الحديث. (القرع): الصوت. وقوله: " إنه ليسمع قرع نعالهم ",أي: لو كان حيا, فإن جسده قبل ما يأتيه الملك فيقعده ميت لا يحس بشيء, والمراد بالإقعاد: التنبيه والإيقاظ عما هو عليه بإعادة الروح إليه, أجري الإقعاد مجرى الإجلاس. وقد يقال: أجلسته من نومه: إذا أيقظته, والحديث ورد بهما, والظاهر أن لفظ الرسول صلوات الله عليه: (فيجلسانه) , وبعض الرواة بدله بهذا اللفظ, فإن الفصحاء يستعملون الإقعاد إذا كان من قيام, والإجلاس إذا كان من اضطجاع. و" لا دريت ولا تليت ": عن الدراية والتلاوة, دعا عليه بنحو ما أجابه. و (الثقلان): الإنس والجن, وإنما منعوا عن سماعها لئلا تنتقص حكمة التكليف, ويرتفع الابتلاء والامتحان, ولا يعرضوا عن التدابير

والصنائع ونحوها مما يتوقف عليه بقاء الشخص والنوع, فيبطل معاشهم وينقطع إدبارهم. فإن قلت: مفهوم الحديث أن هذا السؤال إنما يكون ممن دفن وقبر, وأما غيره فهو بمعزل عن ذلك, ويشهد له ظاهر قوله – عليه السلام – في حديث زيد بن ثابت:" لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ". قلت: بل هو أمر يشمل الأموات ويعمهم, حتى إن من مات وأكلته سباع البهائم والطيور, وتفرقت في الشرق والغرب, فإن الله تبارك وتعالى يعلق روحه الذي فارقه بجزئه الأصلي الباقي من أول عمره إلى آخره, المستمر على حاله حالتي النمو والذبول الذي يتعلق به الروح أولا, فيحيا ويحيا بحياته سائر أجزاء البدن, ليسأل, فيثاب أو يعذب. ولا يستبعد ذلك, فإن الله تعالى عالم بالجزئيات كلها حسب ما هي عليها, فيعلم الأجزاء بتفاصيلها, ويعلم مواقعها ومحالها, ويميز بين ما هو منها أصل وما هو فضل, ويقدر على تعليق الروح بالجزء الأصلي منها حال الانفراد تعليقه به حال الاجتماع, فإن البنية عندنا ليست شرطا للحياة, بل لا يستبعد تعليق ذلك الروح الشخصي الواحد في آن واحد بكل واحد من تلك الأجزاء المتفرقة في المشارق والمغارب, فإن تعلقه ليس على سبيل الحلول حتى يمنعه الحلول في جزء الحلول في آخر.

ومن أراد تحقيق ذلك فليطالع كتابي " الطوالع " ليعلمه علم اليقين. والحديث ورد على ما هو الغالب. وقوله:" لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم " معناه: أن الله تعالى لو أسمعكم صياح الأموات وصراخهم حينما يعذبون لاشتد عليكم الرعب, وحملكم على التحرز عن الأموات والتباعد عنهم, والإعراض عن الاشتغال بدفنهم مخافة أن يصيحوا وأنتم متدافنون, لا حذرا من عذاب القبر, فإنه لا يرد من قدر الله, ولا يغني من عذابه. ... 55 - 96 – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان, يقال لأحدهما: المنكر وللآخر النكير, فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله, أشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمدا رسول الله, فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا, ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ذراعا, ثم ينور له فيه وثم يقال له: نم, فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم؟ فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه, حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك, وإن كان منافقا قال: سمعت الناس يقولون فقلت مثله, لا أدري

فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك, فيقولان للأرض: التئمي عليه, فتلتئم عليه, فتختلف أضلاعه, فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك ". (من الحسان): " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان " الحديث. يحتمل أن يتمثل الملكان للميت بهذا اللون, ويحتمل أن يكون المراد بالسواد قبح الصورة وفظاعة المنظر, يقال: كلمت فلانا فما رد علي سوداء ولا بيضاء, أي: ما أجابني بكلمة حسنة ولا قبيحة, وبالزرقة: قليب البصر وتحديد النظر, يقال: زرقت عينه نحوي: إذا انقلبت وظهر بياضها, وهي كناية عن شدة الغضب, فإن الغضبان ينظر إلى المغضوب عليه شزرا بحيث تنقلب عينه, ومن هذا يوصف العدو, فيقال: أسود الكبد أزرق العين. و" يفسح له في قبره " أي: يوسع مرقده, و" العروس " يطلق على الذكر والأنثى, وإنما مثل استراحة الميت بنومه ولأنه من أعز أحوال الإنسان وأرغده في الاستراحة ***

56 – 97 – ورواه البراء بن عازب رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله, فيقولان له ك ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام, فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله, فيقولان ك وما يدريك؟ فيقول ك قرأت كتاب الله, فآمنت به وصدقت, فذلك قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} , قال: فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي, فأفرشوه من الجنة, وألبسوه من الجنة, وافتحوا له بابا إلى الجنة, قال: فيأتيه من روحها وطيبها, ويفتح لها [له] فيها مد بصره, وأما الكافر, فذكر موته, قال: ويعاد روحه في جسده, ويأتيه ملكان فيجلسانه, فيقولان: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري, فيقولان: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه, لا أدري, فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري, فينادي مناد من السماء: أن كذب, فأفرشوه من النار, وألبسوه من النار, وافتحوا له بابا إلى النار ", قال: فيأتيه من حرها وسمومها, قال: ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ’ ثم يقيض له أعمى أصم, معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لصار ترابا, فيضربه بها ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين, فيصير ترابا ئ, ثم يعاد فيه الروح ". وفي رواية البراء بن عازب: أن صدق عبدي فأفرشوه "

بهمزة القطع, أي: اجعلوا له فراشا أو: ابسطوا له فيكون (أفرش) بمعنى: فرش. و" يفتح له مد بصره " أي: مداه, والمعنى: أنه يرفع الحجاب قدامه, فيرى ما يمكنه, ويستأهل أن يراه. " فيقبض له " أي: يقدر, قال تعالى: {وقيضنا لهم قرناء} [فصلت: 25] والقيض: المثل. "أعمى أصم " أي: من لا يرى عجزه فيرحمه, ولا يسمع زئيره فيرق له. ... 57 – 100 – عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنينا تنهشه وتلدغه حتى تقوم الساعة, لو أن تنينا منها نفخ في الأرض ما أنبتت خضراء ". " عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنينا " الحديث. يحتمل أن يكون المراد به العدد المخصوص, وخصوصه توقيفي لا مجال للنظر فيه, بل إنما يتلقى بطريق الوحي, كأعداد

باب الاعتصام بالكتاب والسنة

الركعات, وقيل: إن لله تسعة وتسعين اسما, كل اسم منها يدل على معنى يجب الإيمان به, فالكافر لما أعرض عنها, ولم يؤمن بها جملة ولا تفصيلا, سلط عليه بعدد كل اسم منها تنين ووهي الحية الكبيرة. " تنهشه " أي: تلدغه إلى يوم القيامة. وأن يراد به الكثرة, ويؤول التنين بما يحيق الكافر من المكاره والعذاب, والله أعلم. ... 5 - باب الاعتصام بالكتاب والسنة من الصحاح: 58 - 101 - عن عائشة رضي الله عنه قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ". (باب الاعتصام بالكتاب والسنة) (من الصحاح): " عن عائشة رضي الله عنه - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ".

(الأمر) حقيقة في القول الطالب للفعل مجاز في الفعل والبيان والطريق, وأطلق ها هنا على الدين من حيث إنه طربقه أو بيانه الذي تتعلق به شراشره. والمعنى: أن من أحدث في الإسلام ما لم يكن له من الكتاب أو السنة سند ظاهر أو خفي, ملفوظ أو مستنبط, فهو رد عليه, أي: مردود. ... 59 - 102 - وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أما بعد, فإن خير الحديث كتاب الله, وخير الهدي هدي محمد, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة ". " وعن جابر رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله " الحديث. " أما ": حرف يذكر لفصل الخطاب, ويستدعي جوابا مصدرا بالفاء الجزائية, لما فيها من معنى الشرط, قال سيبويه: إذا قلت: أما زيد فمنطلق, فكأنك قلت: مهما يكن من شيء فزيد منطلق. و" الهدي ": السيرة, يقال: هدى هدى زيد, إذا سار سيرته, من: تهادت المرأة في مشيها, إذا تبخترت, ولا يكاد يطلق إلا على طريقة حسنة وسنة مرضية, ولذلك حسن إضافة (الخير) إليه, واللام فيه للاستغراق, لأن أفعل التفضيل لا يضاف إلا إلى متعدد وهو داخل

فيه, ولأنه لو لم يكن للاستغراق لم يفد المعنى المقصود, وهو تفضيل دينه وسنته على سائر الأديان والسنن. وروي:" شر الأمور " بالنصب, عطفا على اسم (إن) وهو الأشهر, وبالرفع, عطفا على (إن) مع اسمه ... 60 - 103 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم, ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية, ومطلب دم امريء بغير حق ليهريق دمه ". رواه ابن عباس رضي الله عنه. " عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أبغض الناس إلى الله ثلاثة " الحديث. (الإلحاد): الميل عن الصواب, ومنه: اللحد, و (الملحد في الحرم): من أحدث فيه جناية, أو أتى فيه بالمعصية, فهو مخالف لأمر الله تعالى وهاتك لحرمه من وجهين, فهو أحق بالغضب, ومزيد البغضاء. وكذا (الطالب في الإسلام سنة الجاهلية) , وأما (القاصد لقتل امريء بغير حق): فهو يقصد ما كرهه الله من وجهين: من حيث إنه ظلم, والظلم على الإطلاق مكروه مبغوض, ومن حيث إنه يتضمن موت العبد, وهو يسوؤه, والله سبحانه وتعالى يكره مساءته, فيستحق مزيد المقت, وتضاعف العذاب.

والمراد بالناس المفضل عليهم: سائر عصاة الأمة, فإن الكافر أبغض إليه من هؤلاء المعدودين. وقوله:" ليهريق " أصله: ليؤريق, من (أراق) على الأصل, فأبدلت الهمزة هاء, يقال: هرقت الماء وأرقته, كما يقال: هردت الشيء وأردته. ... 61 - 105 - وعن جابر رضي الله عنه قال:: جاءت الملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلا فاضربوا له مثلا, قال بعضهم ك إنه نائم, وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان, فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا, وجعل فيها مأدبة, وبعث داعيا, فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة, ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة, فقالوا: أولوها له يفقهها, قال بعضهم: إنه نائم, وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان, فقال بعضهم: الدار الجنة, والداعي محمد, فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله, ومن عصى محمدا فقد عصى الله, ومحمد فرق بين الناس. " وعن جابر رضي الله عنه قال: جاءت الملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم " الحديث. هذا الكلام يحتمل أمرين:

أحدهما: أن كون حكاية سمعها جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم , فحكاه. وثانيها: أن يكون إخبارا عما شاهده هو بنفسه , وانكشف له. و (قول بعضهم: إنه نائم , وقول يعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان) مناظرة جرت بينهم , بيانا وتحقيقا لما أن النفوس القدسية الكاملة لا يضعف إدراكها بضعف الحواس واسترخاء الأبدان. وقوله: (مثله كمثل الرجل) معناه: أن قصته كهذه القصة عن آخرها ,لا أن حاله كحال الرجل , فإنه في مقابله الداعي دون الباني. و"المأدبة ": طعام الدعوة ,من: أدب القوم يأدبهم - بالكسر - أدبا , وآدابهم إيدابا , إذا دعاهم إلى طعامه. وقوله:"أولوها له " أي: فسروا الحكاية , والتمثيل لمحمد ,من (أول تأويلا) ,إذا فسر بما يؤول إليه شيء , والتأويل في اصطلاح العلماء: تفسير اللفظ بما يحتمله احتمالا غير بين. والفاء في "فمن أطاع محمدا " فاء السببية ,أي: لما كان الرسول يدعوهم إلى الله بأمره , وهو سفير من قبله ,فمن أطاعه فقد أطاع الله , ومن عصاه فقد عصى الله. وقوله:" محمد فرق بين الناس " روي بالتشديد: على صيغة الفعل , وبالسكون: وهو مصدر وصف به للمبالغة كـ (الصوم) و (العدل) أي: هو الفارق بين المؤمن والكافر , والصالح والفاسق ,

إذ به تميزت الأعمال والعمال , ونظيره قوله تعالى: {كان الناس أمة واحدة} [البقرة: 213] الآية. ... 62 - 106 - وعن أنس رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم , فلما أخبروا كأنهم تقالوها , فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ,وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا , وقال الآخر: أنا أصوم النهار ولا أفطر , وقال الآخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا , فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: " أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له , لكني أصوم وأفطر , وأصلي وأرقد , وأتزوج النساء , فمن رغب عن سنتي فليس مني ". " عن أنس رضي الله عنه أنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ,الحديث. (الرهط): جمع دون العشرة من الرجال , لفظه مفرد , ومعناه الجمع , ولذلك صح وقوعه مميز للثلاثة. و"تقالوها ": تفاعل من (القلة) ,بمعنى: استقلوها. وقوله:" أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم " أي: بيننا وبينه بون بعيد , ومسافة طويلة , فإنا على صدد التفريط وسوء العاقبة , وهو معصوم مأمون العاقبة , واثق بقوله تعالى: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما

تأخر} [الفتح:2] ,أعمالنا جنة من العقاب ,وأعماله مجلبة للثواب , فنحن كالمضطر الذي لا مندوحة له عن العمل , وهو كالمتطوع الطالب للفضل. فرد عليهم – صلوات الله عليه – ما اعتقدوه في حقه وما اختاروا لأنفسهم من الرهبانية بقوله:" أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له " , لأني أعلم به , وبما هو أعز عليه وأكرم عنده , فلو كان ما استأثرتموه من الإفراط في الرياضة أحسن مما أنا عليه من الاعتدال والتوسط في الأمور لما أعرضت عنه. و (الذنب): ما له تبعة دنيوية وأخروية , مأخوذ من (الذنب) ,ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم معاتبا بترك ما هو الأولى تأكيدا لعصمته ,أطلق عليه اسم الذنب. و"أما": حرف تنبيه ,تؤكد بها الجملة المصدرة بها. وقوله:"فمن رغب عن سنتي ", أي: مال عنه استهانة وزهدا فيه , لا كسلا وتهاونا. "فليس مني" أي: من أشياعي وأهل ديني. ... 63 - 109 – عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ,عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما فقال: يا قوم! إني

رأيت الجيش بعيني , وإني أنا النذير العريان , فالنجاء النجاء , فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا , فانطلقوا على مهلهم , فنجوا , وكذبت طائفة منهم , فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم , فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به من الحق , ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق ". "عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما "الحديث. (المثل): الصفة العجيبة ,وهو في الأصل بمعنى المثل , الذي هو النظير , ثم استعير للقول السائر الممثل مضربه بمورده , وذلك لا يكون إلا قولا فيه غرابة , ثم استعير لكل ما فيه غرابة من قصة وحال وصفة ,قال الله تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون} [الرعد:35] ,وقال: {ولله المثل الأعلى} [النحل:60] ,أي: صفتي وصفة ما بعثني الله به العجيب الشأن كصفة رجل أتى قوما وشأنه. و"النذير العريان":مثل سائر يضرب لشدة الأمر ودنو المحذور وبراءة المحذر عن التهمة , وأصله: أن الرجل إذا رأى العدو ,وقد هجمت على قومه , وأرادت أن تفاجئهم , وكان يخشى لحوقهم عند لحوقه تجرد عن ثوبه ,وجعله على سائر خشبة وصاح , ليأخذوا حذرهم ويستعدوا قبل لحوقهم. و"النجاء " بالمد: مصدر (نجا) إذا أسرع يقال: ناقة ناجية ,أي:

مسرعة , ونصبه على المصدر ,أي: أنجوا النجاء , أو على الإغراء. و (أدلجوا) ,أي: ساروا في الدلجة , وهي الظلمة , [والدلجة أيضا:] السير في الليل , وكذا الدلج بفتح اللام ,وادلجوا – بتشديد الدال – ساروا آخر الليل. و (المهل) بالتحريك: الهينة والسكون , وبالسكون: الإمهال. و"اجتاحهم " ’أي: استأصلهم وأهلكهم ,والجائحة: الهلاك , وسمي بها الآفة , لأنها مهلكة. ... 64 - 110 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثلي كمثل رجل استوقد نارا , فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها , وجعل يحجزهن , ويغلبنه فيقتحمن فيها , قال: فذلك مثلي ومثلكم , أنا آخذ بحجزكم عن النار , هلم عن النار , هلم عن النار , فتغلبوني فتقحمون فيها ". "عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: مثلي كمثل رجل استوقد نارا , فلما أضاءت ما حولها " الحديث. (استيقاد النار): رفعها و (وقودها): سطوعها وارتفاع لهبها , والوقود – بالفتح -:الحطب , و (أضاء) من (الوضوء) ,وهو فرط الإنارة و (أضاء) جاء لازما ومتعديا ,فإن جعل لازما فـ (ما حوله)

فاعل له, والتأنيث لأن ما حول النار أشياء وأماكن. وإن جعل متعديا ففاعله ضمير يعود إلى (النار) و (ما) مع صلة: مفعول به ,و (حوله): نصب على الظرف ,وتركيبه بدل على الدوران والإطافة. و"الفراش" دويبة تطير إلى الضوء شغفا به ,وتوقع نفسها فيها. "يحجزهن ":يمنعهن , من (الحجز) ,وهو المنع ,ومنه: الحجزة , وهي معقد الإزار , فإنها يمنع انحلالها ,والجمع: حجز. (يتقحمون) من: التقحم , وهو الدخول في الشيء بغتة من غير روية , وبمعناه: الاقتحام والقحوم والتقاحم , و (القحم) بضم القاف وسكون الحاء: الهلاك , وبفتح الحاء: المهالك , وبفتح القاف وسكون الحاء: الشيخ الهم. و"هلم" بمعنى: تعال ,وأصله عند الخليل: [ها] لم , من (لم يلم) إذا انضم إلى الشيء بالقرب منه , زيدت عليها حرف التنبيه , ثم حذفت ألفها لكثرة الاستعمال , وهي لا تنصرف في لغة الحجاز , قوله تعالى: {والقائلين لإخوانهم هلم إلينا} [الأحزاب: 18]. وعند آخرين: هل أم بمعنى اقصد , ركب بينهما , وحذفت الهمزة بإلقاء حركتها إلى ما قبلها.

والمعنى: ضم نفسك إلي وبعدها عن النار , أو اقصدني معرضا عن النار , حذفت صلة العامل الأول استغناء به عن صلته , والعامل الثاني استغناء بصلته عنه. و" تقحمون" أصله: تتقحمون , فحذفت إحدى التاءين تخفيفا. ومعنى التمثيل: أنكم في جرأتكم على المعاصي الموبقة واغتراركم بما ظهر لكم من زخارفها ولذائذها , وجهلكم بما ترتب عليها وتعلق بها من النيران , وعدم التفاتكم إلى صنيعي معكم , وإني أمنعكم عنها استيفاء لكم واستصلاحا لشأنكم ,بريئا شوائب أغراض تعود إلي = كالفراش في جرأتها عن النار, واغترارها بحسن منظرها ولطافة جوهرها , وجهلها على مخبرها وما يعود إليها من مضربها , وعدم الالتفات إلى من يذود عنها , والمبالاة بمنعه إياها , وذائدها في منعها إشفاقا عليها. ... 65 - 111 – وقال صلى الله عليه وسلم:" مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير , أصاب أرضا , فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء , فأنبتت الكلأ والعشب الكثير , وكانت منها أجادب أمسكت الماء , فنفع الله بها الناس , فشربوا وسقوا وزرعوا , وأصاب منها طائفة أخرى إنما

هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ , فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم , ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ", رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه. " عن أبي موسى الأشعري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير " الحديث. " الكلأ": النبات , و"العشب": الكلأ الرطب , وعطف الأخص على الأعم جائز إذا كان بحيث يهتم بإفراده. و"أجادب" جمع: جدب ,وهي الأرض التي لا تنبت , يقال: أرض جدب , وجديب , من (الجدب) ,وهو القحط ,والمراد به ها هنا: الأراضي الصلبة التي لا ينصب فيها الماء , سماها: أجادب , لصلابتها ,ولأنها لا تنبت. و" قيعان": جمع: قاع , وهي الفضاء الواسع الخالي التي لا ينبت فيها. ... 66 – 112 – وقالت عائشة رضي الله عنها: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} ",قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه , فأولئك الذين سمى الله , فاحذروهم ".

"قالت عائشة رضي الله عنها: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب} [آل عمران: 7] الآية , قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا رأيت الذين يتبعون " الحديث. (المتشابه): المشتبه ,وهو الذي أريد به غير ظاهره ,و (اتباعه): التعلق بظاهره , أو تأويله عن غير ثبت ودليل قاطع ورد إلى محكم , وهو ما ظهرت منه ما أريد به , وإنما سماها: أم الكتاب , لأنها بينة في نفسها , مبينة لما عداها من المتشابهات فهو كالأصل له. ... 67 – 113 - وقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: هجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما , فسمع صوت رجاين اختلفا في آية , فخرج يعرف في وجهه الغضب , فقال:" إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب ". في حديث ابن عمر [و]: " هجرت " من (التهجير) ,وهو السير في الهاجرة ,وكذا التهجر. ... 68 – 114 – وقال رسول صلى الله عليه وسلم:" ذروني ما تركتكم , فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم , فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم , وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه "رواه أبو هريرة رضي الله عنه

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي – عليه السلام – قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم " الحديث. المراد منه: هو النهي عن الاقتراح والسؤال عما لا يعنيهم ولا يليق بهم , فإنه تضييع للعمر , ودليل على التردد في الأمر ,وقد يصير سبب الوقوع في الزيغ والبدع , لسوء الفهم وضعف البصيرة , ومن أجله ضل من قبلهم من الأمم السالفة , واستزلوا , واستوجبوا اللعن والمسخ وغير ذلك من البلايا والمحن. ... 69 – 116 – وقال:" يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم , فإياكم وإياهم , لا يضلونكم , ولا يفتنونكم " رواه أبو هريرة رضي الله عنه. " وفي حديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه: يكون في آخر الزمان دجالون ". أي: مزورون ملبسون , من: الدجل , وهو الخلط , ومنه: سيف مدجل , إذا كان مموها بالذهب , وسمي الدجال دجالا , لأنه يموه باطله بما يشبه الحق.

70 – 119 – وقال:" ما من نبي بعثه الله في أمته قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره , ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون , ويفعلون ما لا يؤمرون , فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن , ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن , ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن , ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ", رواه ابن مسعود رضي الله عنه. " عن ابن مسعود: أنه – عليه السلام – قال: ما من نبي بعثه الله في أمته قبلي إلا كان له من أمته حواريون " الحديث. (حواري الرجل): صفوته وخالصته , وسمي بذلك لخلوص نيته وصفاء عقيدته من الحور , وهو شدة البياض , ومنه سميت الحضريات: حواريات. وقيل: الحواري: القصار بلغة النبط , وكان أصحاب عيسى قصارين , فغلب عليهم الاسم , وصار كالعلم لهم , ثم استعير لكل من ينصر نبيا , ويتبع هديه حق اتباعه. و" خلوف " جمع: خلف بالسكون , وهو الرديء من الأعقاب , والخلف بالفتح: الصالح منهم , وجمعه: أخلاف. يقال: خلف سوء , وخلف صدق , قال الله تعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} [مريم: 59]. وقال لبيد:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب وقوله:" ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل " معناه: أن أدنى مراتب الإيمان أن لا يستحسن المعاصي ويكرهه بقلبه , فإن لم يمتنع عنه , أو اشتغل لأغراض دنيوية ولذات مخدجة عاجلة ,فإذا زال ذلك حتى استصوب المعاصي , وجوز التدليس على الخلق والتلبيس في الحق , خرج من دائرة الإيمان خروج من استحل محارم الله , واعتقد بطلان أحكامه. ... 71 – 120 – وقال:" لا يزال من أمتي أمة قائمته بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ", رواه معاوية رضي الله عنه. " عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله " الحديث. المراد بـ (الأمة): أمة الإجابة , وبالأمر الأول: الشريعة والدين ,وقيل: الجهاد , وبالقيام به: المحافظة والمواظبة عليه , وبالأمر الثاني: القيامة , كما في قوله تعالى: {أتى أمر الله} [النحل:1]. والطائفة: هم المجتهدون في الأحكام الشرعية والعقائد الدينية ,

أو: المرابطون في سبيل الله والمجاهدون لإعلائه دينه. ... 72 – 122 – وقال:" من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه , لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ,ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا ". " عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه – عليه السلام – قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه " الحديث. أفعال العباد – وإن كانت غير موجبة ولا مقتضية للثواب والعقاب بذواتها – إلا أنه تعالى أجرى عادته يربط الثواب والعقاب بها ارتباط المسببا ت بالأسباب , وفعل العبد: ما له تأثير في صدوره بوجه , فكما يترتب الثواب والعقاب على ما يباشره ويزاوله يترتب كل منهما على ما هو سبب من فعله كالإرشاد إليه والحث عليه , ولما كانت الجهة التي بها استوجب المسبب الأجر والجزاء غير الجهة التي استوجب بها المباشر لم ينقص أجره من أجره شيئا. ... 73 – 123 – وقال:" بدأ الإسلام غريبا , وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء ".

" وعنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم: بدأ الإسلام غريبا , وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء " أي: كان الإسلام في بدء أمره – لقلته وعزة وجوده – كالغريب المنقطع عن إخوانه المعوز لألافه , وسيكون آخر الأمر كذلك. " فطوبى للغرباء " المتمسكين بحبله , والمتشبسين بذيله في ذلك العصر. ... 74 – 124 – وقال:" إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز إلى جحرها ". روى هذه الأحاديث الثلاثة أبو هريرة رضي الله عنه. وفي حديثه الثالث: " إن الإيمان ليأرز إلى المدينة " أي: ينضم إليها وينقبض , يقال: أرز يأرز أرزا وأروزا , ومنه: الأروز للبخيل , سمي بذلك ,لأنه ينقبض إذا سئل. ... من الحسان: 75 – 127 – عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه , لا يوشك رجل شبعان

على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن , فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه , وما وجدتم فيه من حرام فحرموه , وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله , ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي , ولا كل ذي ناب من السباع , ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها , ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه , فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه ". (من الحسان): " عن المقدام بن معدي كرب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه " الحديث. "ألا" مؤلفة من حرفي الاستفهام والنفي , لإعطاء التنبيه على تحقق ما بعدها , وذلك لأن الهمزة فيه للإنكار , فإذا دخلت على نفي أفادت تحقق الثبوت , ولكونها بهذه المثابة لا يكاد يقع ما بعدها إلا ما كانت مصدرة بما يصدر بها جواب القسم , وشقيقتها (أما) التي هي من طلائع القسم ومقدماته. "ومثله معه " معناه: وأحكاما ومواعظ وأمثالا تماثل القرآن في كونها وحيا واجبة القبول , أ: في المقدار كقوله في حديث العرباض بن سارية:" إنها مثل القرآن أو أكثر". وقوله:" ألا يوشك رجل شبعان " أي: يسرع ويقرب , وإنما

وصفه بالشبعان , لأن الحامل له على هذا القول إما البلادة وسوء الفهم , ومن أسبابه: الشبع وشره الطعام وكثرة الأكل , وإما البطر والحماقة , ومن موجباته: التنعم والغرور بالمال والجاه , والشبع يكنى به عن ذلك. و" على أريكته ": متعلق بمحذوف في حيز الحال , أي: متكئا أو جالسا , وهو تأكيد وتقرير لحماقة القائل وبطره وسوء أدبه , والأريكة: الحجلة , وهي سرير يزين بالحلل والأثواب للعروس , وجمعها: أرائك. وقوله " ومن نزل بقوم " أي: من أهل الذمة من سكان البوادي , فإن الضيافة لا تجب على غيرهم , أو كان ذلك قبل استقرار الزكاة فإنها نسخت سائر الإنفاق. و (قريت) الضيف قرى – بالكسر والقصر – وقراء – بالفتح والمد -: أحسنت إليه. وقوله:" فله أن يعقبهم بمثل قراه " أي: يتبعهم بأن يأخذ من مالهم مثل قراه. ... 76 - 129 – وعن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون , ووجلت منها القلوب , فقال قائل: يا رسول الله! كأن هذه موعظة مودع فأوصنا , فقال: " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا , فإنه من يعش منكم

بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعلكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين , تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ , وإياكم ومحدثات الأمور , فإن كل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة ". " عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون , ووجلت منها القلوب " الحديث. (البلاغة): وجازة اللفظ ,أو: كثرة المعنى مع البيان عليه. و (ذرفت العيون): دمعت من تأثيرها في النفس. وقوله:" وإن كان عبدا حبشيا " معناه: أنه لو ولي الإمام عليكم عبدا حبشيا فأطيعوه , ولا تستنكفوا عن طاعته , أو: أنه لو استولى عليكم عبد حبشي , وأنتم تعلمون أنكم لو أقبلتم على دفعه ومخالفة أمره أدى ذلك إلى هيج الحروب والفتن وإثارة الفساد في الأرض , فعليكم بالصبر والمداراة حتى يأتي أمر الله ,أو: المبالغة في الحث على طاعة الحكام , كما قال عليه السلام:"من بنى لله مسجدا مثل مفحص قطاة , بنى الله له بيتا في الجنة ". و" الخلفاء الراشدون ": هم الخلفاء الأربعة , ومن دان بدينهم وسار سيرهم , أو: أئمة الإسلام المجتهدون في الأحكام , فإنهم خلفاء الرسول – صلوات الله عليه – في إحياء الحق , وإعلاء الدين ,وإرشاد الخلق إلى الطريق المستقيم. و" النواجذ" جمع: ناجذة , وهي الضرس الأخير , وقيل: أي

ضرس كان , وقيل: الناب , وقيل: الضاحكة. ... 77 – 130 – عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا , ثم قال:" هذه سبيل الله " ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله , وقال: "هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه " ثم قرأ: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه} [الأنعام:153] الآية. " عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال: هذا سبيل الله " الحديث. " سبيل الله ": هو الرأي القويم والصراط المستقيم , وهما: الاعتقاد الحق والعمل الصالح , وذلك لا تتعدد أنحاؤه , ولا تختلف جهاته , لكن له درجات ومنازل يقطعها السالك بعلمه وعمله , فمن زل قدمه , وانحرف عن أحد هذه المنازل فقد ضل سواء السبيل , وتباعد عن المقصد المقصود , ولا يزال سيره وسعيه يزيد له انهماكا في الضلال وبعدا عن المرمى , إلا أن يتداركه الله بفضله , فيلهمه أنه ليس على الطريق , وأنه لو استمر على ما هو عليه أفضى به إلى الهلاك , وهو التوبة , فينكص على عقبيه حتى لتحق بالمقام الذي انحرف عنه , وهو الإنابة ثم يأخذ منها في سلوك ما يليها , وهو السداد.

78 – 133 – وقال:" إن الدين ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحية إلى جحرها , وليعقلن الدين من الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل , إن الدين بدأ غريبا ويرجع غريبا , فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي ". رواه كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف بن زيد بن ملحة عن أبيه ,عن جده. " عن عمرو بن عوف المزني ,عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الدين ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحية إلى جحرها " الحديث. في أكثر نسخ " المصابيح ": رواه زيد بن ملحة , عن أبيه عن جده وهو غلط , لأن زيد بن ملحة جاهلي , جد عمرو بن عوف ,والصواب: رواه كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده. وقوله: (يأرز) أي: يلتجيء ,من: الأرز , وهو الضم , والمأرز: الملجأ. و" الحجارة": مكة والمدينة وما يتعلق بها سميت به لأنها حجزت بين نجد وغور , وقيل: لأنها حجزت بالجرار الخمس , وقوله:" وليعقلن الدين من الحجاز " أي: ليمتنعن ويتخذ منه معقلا ,أي: ملجأ وحصنا كما تتخذه " الأروية من رأس الجبل ": وهي الأنثى من الوعول ,من: العقل , وهو المنع وسمي العقل عقلا لأنه يمنع صاحبه من تعاطي ما لا يليق به.

79 – 134 – وقال:" ليأتين على أمتي كما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمة علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك , وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة , وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة , كلهم في النار إلا ملة واحدة , قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي " رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. " عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليأتين على أمتي كما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل " الحديث. (الحذو): القطع , يقال: حذوت النعل بالنعل: إذا قدرت كل واحدة وقطعتها بمقدار صاحبتها. " وحذو النعل بالنعل ": استعارة في التساوي. والمراد من قوله: (بأمتي) إما أمة الدعوة , فيندرج سائر أرباب الملل والنحل الذين ليسوا على قبلتنا في عداد الثلاث والسبعين , أو أمة الإجابة , والمراد بالملل الثلاث والسبعين ك مذاهب أهل القبلة. ... 80 – 135 - وفي رواية أخرى:" واحدة في الجنة , وهي الجماعة , وإنه سيخرج في أمتي قوم تتجارى بهم تلك الأهواء كما

يتجارى الكلب بصاحبه , لا يبقى منهم عرق ولا مفصل إلا دخله ". " وقوله في رواية معاوية: تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه ". معناه: يجري بينهم ويسري إلى قلوبهم جري الكلب في العروق إلى أعماق البدن , وهو داء يعتري الإنسان من عضة الكلب المجنون , وهو مرض مخوف تصل نكايته إلى جميع البدن. ... 81 – 140 – وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه عمر رضي الله عنه فقال: إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا , أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال: أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية , ولو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي ". " وفي حديث جابر: أمتهوكون أنتم؟! ". أي: متحيرون من (التهوك) بمعنى: التحير , وقد جاء بمعنى التهور أيضا. ... 82 – 143 – عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما ضل قوم بعدي كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ", ثم قرأ صلى الله عليه وسلم هذه

الآية: {ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون} [الزخرف:58]. " عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل " الحديث. المراد بهذا " الجدل ": العناد والمراء والتعصب , لترويج مذاهبهم وآراء شيوخهم , من غير أن يكون لهم نصرة على ما هو عليه الحق , وذلك محرم , أما المناظرة لإظهار الحق واستكشاف الحال ,واستعلام ما ليس معلوما عنده , أو تعليم غيره ما هو عنده: ففرض على الكفاية , خارج عما نطق به الحديث.

(2) كتاب العلم

كتاب العلم

(2) كتاب العلم من الصحاح: 83 - 147 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" بلغوا عني ولو آية , وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج , ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " رواه عبد الله بن عمرو. (كتاب العلم) (من الصحاح): " عن عبد الله بن عمر [و] رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بلغوا عني ولو آية " الحديث. إنما قال:"ولو آية" ولم يقل: حديثا , إما لشدة اهتمامه بنقل الآيات , لأنها هي الباقية من بين سائر المعجزات , ولأن حاجتها إلى الضبط والنقل أمس , إذ لا مندوحة لها عن تواتر ألفاظها. وإما للدلالة على تأكد الأمر بتبليغ الحديث , فإن الآيات - مع اشتهارها وكثرة حملتها , وتكفل الله سبحانه وتعالى بحفظها عن

الضياع والتحريف – واجبة التبليغ مأمورة النقل , فكيف بالأحاديث , فإنها قليلة الرواة قابلة للإخفاء والتغيير؟! وقوله " حدثوا عن بني إسرائيل " تجويز وإباحة للتحدث عنهم , ولا حرج بفرقة بين الأمرين ,فإن قول القائل: افعل هذا ولا حرج = يفيد الإباحة عرفا ورفع الحرج المفهوم من قوله: (أمتهوكون أنتم؟) ونحوه. وإنما يجوز التحث عنهم إذا لم ير كذب ما قاله علما أو ظنا , لقوله عليه السلام:" من حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " روي بضم الياء بمعنى: يظن ووبفتحها من قولهم: فلان يرى ,من الرأي كذا , وإنما سماه كاذبا , لأنه يعين المفتري , ويشاركه بسبب نشره وإشاعته. ... 84 - 149 – وقال صلى الله عليه وسلم:" من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين , وإنما أنا قاسم والله يعطي , ولا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ". رواه معاوية رضي الله عنه. " في حديث معاوية: إنما أنا قاسم , والله يعطي ". معناه: أنا قاسم أقسم العلم بينكم , فالقي إلى كل واحد ما يليق به ووالله سبحانه وتعالى يوفق من يشاء منكم لفهمه والتفكر في

معناه , والعمل بمقتضاه. ... 85 – 150 – وقال صلى الله عليه وسلم:" الناس معدن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الإسلام خيارهم في الجاهلية إذا فقهوا ", رواه أبو هريرة رضي الله عنه. " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الناس معادن كمعادن الذهب والفضة " الحديث. (المعدن): المستقر والمستوطن , من (عدنت البلد) إذا توطنته , فكما أن المعدن منها ما لا يحصل منه شيء يعبأ به ,ومنها ما يحصل بكد وتعب كثير شيء يسير , ومنها ما هو بعكس ذلك , ومنها ما يظفر فيه بمغارات مملوءة من الذهب الإبريز , فمن الناس من لا يعي ولا يفقه ولا تغني عنه الآيات والنذر , ومنهم من يحصل له علم قليل بسعي واجتهاد طويل , ومنهم من أمره بالعكس ,ومنهم من يفيض عليه من حيث لا يحتسب بلا شوق وطلب معالم كثيرة , وتنكشف له المغيبات , ولم يبق بينه وبين القدس حجاب ز ... 86 – 151 – وقال صلى الله عليه وسلم:" لا حسد إلا في اثنتين ك رجل أعطاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق , ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي

بها ويعلمها ", رواه ابن مسعود رضي الله عنه ز " عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا حسد إلا في اثنتين "الحديث. (الحسد) في الأصل: عبارة عن أن يتمنى الرجل زوال نعمة غيره وانتقالهـ[ا] إليه , وهو بهذا المعنى مذموم كله , وقد يطلق ويراد به الغبطة: وهو أن يتمنى حصول مثلها له , وهو بهذا المعنى حسن مرضي إذا كان المتمنى ما يتقرب به إلى الله , كطلب المال للإنفاق في الخير والعلم للعمل به وإرشاد الخلق. ... 87 – 152 – وقال صلى الله عليه وسلم:" إذا مات ابن الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية , أو علم ينتفع به , أو ولد صالح يدعو له ",رواه ابو هريرة رضي الله عنه. " عن أبي هريرة رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة "الحديث. لما ثبت أنه سبحانه يثيب المكلف بكل فعل يتوقف وجوده توقفا بوجه ما على كسبه , سواء فيه المباشرة والتسبب ووكان ما يتجدد حالا فحالا من منافع الوقف وويصل إلى المستحقين من نتائج فعل الواقف , واستفادة المتعلم من مآثر المتقدمين وتصانيفهم بتوسط

إرشادهم , وصالحات أعمال الولد تبعا لوجوده الذي هو مسبب عن فعل الوالد = كان ثواب ذلك لاحقا بهم , غير منقطع عنهم. فإن قلت: قوله صلى الله عليه وسلم:" من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة وومن سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ", وقوله عليه السلام:"كل ميت يختم على عمله , إلا المرابط في سبيل الله , فإنه بنمو له عمله إلى يوم القيامة "يكاد يخل بهذا الحصر , سيما الحديث الأخير , فإنه ينافي قطريه؟ قلت: أما قوله: " من سن سنة حسنة " فغير خارج عن هذه الأقسام , فإن وضع السنن وتأسيسها من باب التعليم. وأما قوله:" من سن سنة سيئة " فالمراد به المعاصي , والمراد بالعمل هاهنا: الطاعة , لغلبته فيه , فلا تعارض. وأما قوله:" كل ميت يختم على عمله " فمعناه: أن الرجل إذا مات لا يزاد في ثواب ما عمل , ولا ينقص منه شيء وإلا الغازي , فإن ثواب مرابطته ينمو ويضاعف , وليس فيه ما يدل على أن عمله يزاد بضم غيره أو لا يزاد. ... 88 – 153 – وقال:" من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة , ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة , ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة

والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه وومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة , وما اجتمع قوم في مسجد من مساجد الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ووغشيتهم الرحمة , وحفت بهم الملائكة , وذكرهم الله فيمن عنده , ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ط, رواه أبو هريرة رضي الله عنه. " وعنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ك من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة "الحديث. " نفس " بمعنى: فرج , والنفس: السعة يقال: فلان في نفس من أمره ,أي: سعة. و"الكربة ": الغم ,وجمعها: الكرب , والكربية: الشدة ز وقوله:"غشيتهم " أي غطتهم وأحاطت بهم , و" السكينة ": الوقار والطمأنينة , مأخوذة من: السكون , و" حفت بهم ": أحدقتهم وأحاطت بهم , من: الحفيف وهو الجانب. والمراد بـ (من عنده): الملأ الأعلى والطبقة الأولى من الملائكة. وقوله:" من بطأ به [عمله] لم يسرع به نسبه " أي: من أخره عمله لسوئه أو قصوره , لم يقدمه شرف نسبه.

89 – 156 – وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا. " عن ابن مسعود رضي الله عنه كأنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة كراهة السآمة علينا". " يتخولنا ": يتعهدنا , من: خال يخول خولا , وروي: " يتخوننا ", والمعنى واحد. و" السآمة ": الملال , يقال: سئم – بالكسر – يسأم سآمة. قال زهير: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا محالة يسأم والمعنى: أنه يراقبنا ويحافظ على أريحيتنا , زلا يكثرنا الوعظ , حذرا عن الملال. ... 90 – 160 – وقال:" لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها , لأنه أول من سن القتل ", رواه ابن مسعود رضي الله عنه. " وعنه أنه – عليه السلام – قال: لا تقتل نفس ظلما إلا كان على

ابن آدم الأول كفل من دمها ". معناه: قابيل أول ولد ولد لآدم , بسبب أنه سن القتل في بني آدم بقتله أخاه هابيل ظلما ز " كفل " أي: نصيب من دم كل امريء يقتل ظلما. ... من الحسان: 91 – 161 – عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة ,وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم , وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض , والحيتان في جوف الماء , وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب , وإن العلماء ورثة الأنبياء , وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ووإنما ورثوا العلم , فمن أخذه أخذ بحظ وافر". " عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة " الحديث. نكر العلم , ليتناول أنواع العلوم الدينية , ويندرج فيه القليل والكثير. و (وضع الملائكة أجنحتها لطالب العلم): مجاز عن الانقياد له

والانعطاف عليه , كقوله تعالى: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} [الإسراء:24] أو عن تسهيل مسلكه والإسراع به إلى متوجهه ومقصوده. وإنما يستغفر له أهل السماوات , لأنهم عرفوا بتعريفه وعظموا بقوله , وأهل الأرض لأن بقاءهم وصلاحهم مربوط برأيه وفتواه ووالعبادة كمال ونور يلازم ذات العابد ولا يتخطاه , فشابه نور الكواكب , والعلم كمال يوجب للعالم في نفسه شرفا وفضلا , ويتعدى منه إلى غيره فيستضيء بنوره ويكمل بواسطته , لكنه كمال ليس للعالم من ذاته , بل نور يتلقاه من النبي صلى الله عليه وسلم , ولذلك شبهه بالقمر. ... 92 - 163 – وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الناس لكم تبع , وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين , فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا ". " وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه: استوصوا بهم خيرا ". أي: وصوا , وتحقيقه: اطلبوا الوصية والنصيحة لهم عن أنفسكم. ... 93 – 164 – وقال:" الكلمة الحكمة ضالة الحكيم , فحيث وجدها فهو أحق بها ",رواه أبو هريرة رضي الله عنه , غريب. " عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: الكلمة الحكيمة ضالة الحكيم ,

فحيث وجدها فهو أحق بها ". " الكلمة " هاهنا بمعنى: الكلام , و" الحكمة ": المحكمة , وهي التي تدل على معنى فيه دقة الحكيم الفطن المتقن , الذي له غور في المعاني و (ضالته): مطلوبه. والمعنى: أن الناس متفاوتة الإقدام في فهم المعاني واستنباط الحقائق المحتجبة واستكشاف الأسرار المرموزة , فمن قصر فهمه عن إدراك حقائق الآيات ودقائق الأحاديث ينبغي أن لا ينكر على من رزق فهمها , وألهم تحقيقها , ولا ينازع فيها , كما لا ينازع صاحب الضالة في ضالته إذا وجدها , وأن من سمع كلاما ولم يفهم معناه ,أو لم يبلغ كنهه فعليه أن لا يضيعه , ويحمله إلى من هو أفقه منه , فلعله يفهم منه ما لا يفهمه , ويستنبط ما لا يتأتى له أن يستنبط , كما أن الرجل إذا وجد ضالة في مضيعة فسبيله أن لا يضيعـ[ها] , بل يأخذها ويتفحص عن صاحبها حتى يجده , فيرد [ها] عليه , وأن العالم إذا سئل عن معنى ,ورأى في السائل دراية وفطانة يستعد بها فهمه , فعليه أنه يعلمه ولا يمنع منه. ... 94 – 165 – وقال:" طلب العلم فريضة على كل مسلم ",رواه أنس رضي الله عنه. " عن أنس رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: طلب العلم فريضة على كل مسلم ".

المراد من (العلم): ما لا مندوحة للعبد من تعلمه , كمعرفة الصانع , والعلم بوحدانيته , ونبوة رسوله , وكيفية الصلاة , فإن تعلمه فرض عين. ... 95 – 167 – وقال:" خصلتان لا تجتمعان في منافق: حسن سمت , ولا فقه في الدين " رواه أبو هريرة رضي الله عنه. " وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: خصلتان لا تجتمعان في منافق: حسن سمت , ولا فقه في الدين ". (السمت) في الأصل: الطريق , ثم استعير لهدي أهل الخير, يقال: ما أحسن سمته! أي ك هديه. 96 – 172 – وقال:" من طلب العلم ليجاري به العلماء , أو ليماري به السفهاء , أو يصرف وجوه الناس إليه أدخله الله النار ", رواه كعب بن مالك رضي الله عنه. " وعن كعب بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من طلب العلم ليجاري به العلماء "الحديث. (المجاراة): المفاخرة ,مأخوذ من (الجري) لأن كل واحد

من المتفاخرين يجري مجرى الآخر. و (المماراة): المحاجة والمجادلة ,من (المرية) وهو الشك , فإن كل واحد من المحاجين يشك فيما يقوله صاحبه , أو يشككه بما يورد على حجته ,أو من (المري) , وهو مسح الحالب الضرع ليستنزل اللبن , فإن كلا من المتناظرين يستخرج ما عند صاحبه. و (السفهاء): الجهال , فإن عقولهم ناقصة مرجوحة بالإضافة إلى عقول العلماء. ... 97 – 173 – وقال:" من تعلم علما مما ينبغي به وجه الله , لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة " يعني: ريحها , رواه أبو هريرة رضي الله عنه. " وعنه: أنه – عليه السلام – قال: من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة "أي: ريحها. ... 98 – 174 – وقال:" نضر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها فرب حامل فقه غير فقيه , ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ".

وقال:" ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله , والنصيحة للمسلمين , ولزوم جماعتهم , فإن دعونهم تحيط من ورائهم ".رواه ابن مسعود رضي الله عنه. " عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نضر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها " الحديث. (النضرة): الطراوة والبهاء , والنضر والنضار والنضير: الذهب الخالص وكل جوهر خالص صافي اللون , و (نضر) يجيء لازما ومتعديا , يقال: نضر وجهه , ونضر الله وجهه , وبمعناه: نضر – بالضم – نضارة , ونضر , بالكسر , وروي: (نضر الله) – بالتشديد – بمعنى: نعمه ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل عمله , فإنه جدد بحفظه ونقله طراوة الدين وجلبابه. " فرب حامل فقه ": إشارة إلى فائدة النقل والداعي إليه. وقوله:" ثلاث لا يغل عليهن " إلى آخره: استئناف فيه تأكيد لما قبله فإنه – عليه السلام – لما ذكر ما يحرض على تعلم السنن ونشرها , قفاه برد ما عسى يعرض مانعا – وهو الغل – من ثلاثة أوجه: أحدها: أن تعلم الشرائع ونقلها ينبغي أن يكون خالصا لوجه الله , مبرأ عن شوائب المطامع والأغراض الدنيوية , وما كان كذلك لا يتأثر عن الحقد والحسد , وغيرهما مما يتعلق بأمور الدنيا ,ولا يليق بأمر الآخرة. وثانيها: أن أداء السنن إلى المسلمين نصيحة لهم , وهي من

وظائف الأنبياء , فمن تعرض لذلك وقام به , كان خليفة لمن يبلغ عنه , وكما لا يليق بالأنبياء أن يهملوا أعاديهم ويعرضوا عنهم , ولا ينصحوا لهم , لا يحسن من حامل الأخبار وناقل السنن أن يمنحها صديقه , ويمنع عدوه. وثالثها: أن التناقل والتحاور ونشر الأحاديث إنما يكون في أغلب الأمر بين الجماعات , فحث على لزومها , ومنع عن التأبي عنها لحقد وضغينة تكون بينه وبين حاضريها = تبيان ما فيها من الفائدة العظمى , وهو إحاطة دعائهم من ورائهم , فيحرسهم عن مكائد الشيطان وتسويله. وروي: (لا يغل) على بناء المفعول و (لا يغل) ,من (الإغلال) بمعنى: الخيانة , أي: لا يخون قلب مسلم في هذه الأشياء الثلاثة , وعلى هذا: المقصود من ذلك هو الحث على الإخلاص. ... 99 - 177 - وقال:" من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ " رواه جندب رضي الله عنه. " وعن جندب أنه - عليه السلام - قال: من قال في القرآن برأيه , فأصاب فقد أخطأ ". المفسر للقرآن برأيه: من شرع في التفسير من غير أن يكون له وقوف على لغة العرب ووجوه استعمالها , من الحقيقة والمجاز

والمجمل والمفصل والعام والخاص , وعلم بأسباب نزول الآيات والناسخ والمنسوخ منها , وتعرف لأقوال الأئمة وتأويلاتهم , وهو - وإن اتفق له أن يوافق ما قاله المراد بالآية والمعنى بها - فهو مخطيء من حيث إنه ضل السبيل , وقال ما قاله من غير سند ودليل. ... 100 - 178 - وقال:" المراء في القرآن كفر " رواه أبو هريرة رضي الله عنه. " وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه - عليه السلام - قال: المراء في القرآن كفر ". المراد بـ (المراء فيه): التدارؤ , وهو أن يروم تكذيب القرآن بالقرآن , ليدفع بعضه ببعض , فيطرق إليه قدحا وطعنا , ومن حق الناظر في القرآن أن يجتهد في التوفيق بين الآيات والجمع بين المختلفات ما أمكنه , فإن القرآن يصدق بعضه بعضا , فإن أشكل عليه شيء من ذلك , ولم يتيسر له التوفيق , فليعتقد أنه من سوء فهمه , وليكله إلى عامله , وهو الله تعالى ورسوله عليه السلام , كما قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء: 59]. 101 - 181 - وقال:" أنزل القرآن على سبعة أحرف , لكل آية

منها ظهر وبطن , ولكل حد مطلع ", رواه ابن مسعود رضي الله عنه. " عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف , لكل آية منها ظهر وبطن , ولكل حد مطلع ". قيل: أراد بها: اللغات السبع المشهود لها بالفصاحة من لغات العرب , وهي: لغة قريش , وهذيل , وهوازن , واليمن , وبني تميم , ودوس , وبني الحارث. وقيل: أراد بها: القراءات السبع المعروفة التي اختارها الأئمة السبعة , وهم: عاصم , وحمزة , والكسائي من أهل الكوفة , وابن كثير من مكة , ونافع من المدينة , وأبو عمرو من البصرة , وابن عامر من الشام. وقيل: أراد به: أجناس الاختلافات التي تؤول إليها اختلافات القراءات , فإن اختلافها إما أن يكون في المفردات أو المركبات , والثاني كالتقديم والتأخير , مثل: {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19]. و (جاءت سكرة الحق بالموت) , والأول إما أن يكون بوجود الكلمة وعدمها مثل: {فإن الله هو الغني الحميد} [الحديد: 24] , قريء بالضمير وعدمه , أو بتبديل الكلمة بغيرها مع اتفاق المعنى ,مثل: {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5] , و (كالصوف المنفوش) , أو اختلافه مثل: {وطلح منضود} [الواقعة:29] و (طلع منضود) , وبتغييرها إما بتغيير هيئة كإعراب مثل: {هن أطهر لكم} [هود: 78] بالرفع والنصب , أو صورة مثل: {وانظر إلى العظام كيف ننشزها} [البقرة:259] و (ننشرها)

أو حرف , مثل: {باعد} و {بعد} {بين أسفارنا} [سبأ:19]. وقيل: أراد [أن] في القرآن ما هو مقروء على سبعة أحرف أو أوجه , كقوله تعالى {فلا تقل لهما أف} [الإسراء] , فإنه قريء بالضم , والفتح والكسر منونا , وغير منون والسكون. وقيل: معناه: أنه أنزل مشتملا على سبعة معان: الأمر , والنهي , والقصص , والأمثال , والوعد , والوعيد , والموعظة. وأقول: المعاني السبعة هي: العقائد , والأحكام , والأخلاق , والقصص , والأمثال ووالوعد والوعيد. وقوله (ولكل آية ظهر وبطن) قيل: ظهر الآية: لفظها المتلو , وبطنها: معناها الذي يفهم منه , وقيل: ظهرها: ما ظهر منها من المعنى الجلي المكشوف , وبطنها: ما خفي من معناها , ويكون سرا بين الله تعالى وبين المصطفين من أوليائه. " ولكل حد مطلع " أي: لكل حد وطرف من الظهر والبطن مطلع , أي: مصعد , أو موضع يطلع عليه بالترقي إليه , فمطلع الظاهر: تعلم العربية والتمرن فيها , ويتبع ما يتوقف عليه معرفة الظاهر من أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وغيرذلك , ومطلع الباطن: تصفية النفس , والرياضة بآداب الجوارح في اتباع مقتضى الظاهر والعمل بمقتضاه , كما قال عليه السلام:" من عمل بما علم , ورثه الله علم ما لم يعلم ".

102 – 182 - وقال:" العلم ثلاثة: آية محكمة , أو سنة قائمة , أو فريضة عادلة , وما كان سوى ذلك فهو فضل ", رواه عبد الله ابن عمرو رضي الله عنه. " وقال عليه السلام: [العلم] ثلاثة: آية محكمة , أو سنة قائمة , أو فريضة عادلة , وما كان سوى ذلك فهو أفضل ". قيل: المراد بـ (الآية المحكمة): الثابتة الباقي حكمها من القرآن وبـ (السنة القائمة): الحديث الصحيح المستقيم سنده وبـ (الفريضة العادلة):الأحكام. ... 103 – 185 – وقال معاوية رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأغلوطات. " وعن معاوية: أنه عليه السلام: نهى عن الأغلوطات ". " الأغلوطات " جمع: أغلوطة , وهي أفعولة , من (الغلط) كالأحدوثة , يريد بها: المسائل التي يغالط بها المفتي , ليشوش فكره , ويسقط رأيه.

(3) كتاب الطهارة

كتاب الطهارة

(3) كتاب الطهارة من الصحاح: 104 - 191 - عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الطهور شطر الإيمان , والحمد لله تملأ الميزان , وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض , والصلاة نور , والصدقة برهان , والصبر ضياء ,والقرآن حجة لك أو عليك , كل الناس يغدو , فبائع نفسه , فمعتقها أو موبقها ", وفي رواية أخرى:" ولا إله إلا الله والله أكبر يملآن ما بين السماء والأرض ". (كتاب الطهارة) (من الصحاح): " عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطهور شطر الإيمان ", الحديث. قد جاء فعول في كلام العرب لمعان مختلفة: منها: المصدر, وهو قليل, كالقبول والولوع والوزوع.

ومنها: الفاعل, كالعفو والصفوح والشكور , وفيه مبالغة ليست في الفاعل. ومنها: المفعول, كالركوب والضبوث والحلوب. ومنها: ما يفعل به, مثل الوضوء والغسول والفطور. ومنها: الاسمية, كالذنوب , وقد حمل الشافعي رضي الله عنه قوله: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} [الفرقان:48] على المعنى الرابع , لقوله تعالى {ليطهركم به} [الأنفال:11] ,ولقوله عليه السلام:" وجعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا ". وهو هاهنا بمعنى المصدر , والمراد به: المشترك بين طهارتي الحدث والخبث. وبـ (الإيمان): الصلاة , كما في قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} [البقرة: 143] ,أي: صلاتكم إلى بيت المقدس. وإنما جعل الطهارة شطر الصلاة – وشطر الشيء نصفه – لأن صحة الصلاة والاعتداد بها باجتماع أمرين: الأركان والشرائط , وأظهر الشروط وأقواها: الطهارة , فجعل الطهارة كأنها الشرط كله , والشرط شطر ما لا بد منه حتى ينعقد صحيحا. وقال بعض المحققين: الطهور: تزكية النفس عن العقائد الزائغة والأخلاق الذميمة , وهي شطر الإيمان الكامل , فإنه عبارة عن مجموع

أحدهما: تزكية النفس عن ذلك. وثانيهما: التحلية بالاعتقادات الحقة والشمائل المحمودة. " وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماوات والأرض ", أي: يملأ ما يترتب عليهما من الثواب – بفرض الجسمية – ما بين السماوات والأرض. واشتقاق (النور): من نار ينور: إذا نفر لما فيه من الحركة والاضطراب , و (البرهان): الدليل الواضح , و (الضياء): النور القوي , والإضاءة: فرط الإنارة , قال الله تعالى: {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا} [يونس:5] , فـ"الصلاة نور " يهتدي بها في ظلمات الهوى , فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر , أو: نور يسعى بين يدي صاحبها يوم القيامة ,"والصدقة برهان ",أي: دليل واضح على صدق صاحبها في دعوى الإيمان , أو على أنه على الهدى والفلاح , و"الصبر ضياء" تنكشف به الكرات , وتنقلع به الظلمات , إذ الصبر: ثبات النفس على المكاره وحبسها عن الشهوات , فمن صبر على ما أصابه من مكروه – علما بأنه من قضاء الله وقدره – هان عليه ذلك , وكفى عنه شره , وادخر له أجره , ومن اضطرب فيه وأكثر الجزع له , لم ينفع تعبه , ولم يدفع سعيه شيئا من قدر الله , بل يتضاعف به همه , ويتحبط به أجره , وكذا من صبر على مشاق التكاليف والكف عن الملاهي والمحرمات فاز في الدارين

فوزا عظيما , ومن استأثر الاستراحة واتبع الهوى , فقد خسر خسرانا مبينا. و" القرآن حجة " لمن عمل به , يدل على فوزه ونجاته , وحجة على من أعرض عنه , يدل [علي] سوء مآبه. و (الغدو): ضد الرواح , مأخوذ من: الغدوة , وهو ما بين الصبح والطلوع. و (البيع): المبادلة , والمعنى به هاهنا: صرف النفس واستعماله في عرض ما يتوخاه ويتوجه نحوه , فإن كان خيرا يرضى به الله تعالى , فقد أعتق نفسه عن عذابه , وإن كان شرا فقد أوبقها , أي: أهلكها , بأن جعلها بسببه عرضة لأليم عقابه. ... 105 – 192 – وقال:" ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره , وكثرة الخطا إلى المساجد , وانتظار الصلاة بعد الصلاة , فذلكم الرباط , فذلكم الرباط , فذلكم الرباط ,رواه أبو هريرة رضي الله عنه. " عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه – عليه الصلاة والسلام – قال: ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره " الحديث.

"إسباغ الوضوء على المكاره ": إتمامه وتكميله حال ما يكره استعمال الماء , كالتوضؤ بالماء البارد في الشتاء. و" الرباط ": المرابطة , وهي ملازمة ثغر العدو , مأخوذ من (الربط) وهو الشد , والمعنى: أن هذه الأعمال هي المرابطة الحقيقية , لأنها تسد طرق الشيطان على النفس , وتقهر فيها الهوى , وترعبها في التقى , وتمنعها عن قبول الوساوس واتباع الشهوات , فيغلب بها حزب الله جنود الشيطان , وذلك هو الجهاد الأكبر , إذ الحكمة في شرع الجهاد تكميل الناقصين ومنعهم عن الإفساد والإغواء. ... 106 – 195 – وقال:" ما من امريء مسلم تحضره صلاة مكتوبة , فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها , إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يأت كبيرة , وذلك الدهر كله ", رواه عثمان رضي الله عنه. " وعن عثمان رضي الله عنه: أنه – عليه السلام – قال: ما من امريء مسلم تحضره صلاة مكتوبة " الحديث. " الصلاة المكتوبة ": المفروضة , من: كتب كتابا , إذا فرض وهو مجاز من (الكتبة) , فإن الحاكم إذا كتب شيئا على أحد كان ذلك حكما وإلزاما.

و (إحسان الوضوء): الإتيان بفرائضه وسننه. و (خشوع الصلاة):الإخبات فيها بانكسار الجوارح , و (إحسانها): أن يأتي بكل ركن على وجه أكثر تواضعا وخضوعا , وتخصيص الركوع بالذكر تنبيه على إنافته على غيره , وتحريض عليه , فإنه من خصائص صلاة المسلمين. و" ما لم يأت كبيرة " أي: لم يعمل , وفي "كتاب مسلم ": "ما لم يؤت " – بكسر التاء – من (الإيتاء) على بناء الفاعل , والأكثر: " ما لم تؤت " على بناء المفعول , وكأن الفاعل يعطي العمل , أو يعطيه الداعي له والمحرض عليه , أو الممكن له منه. " وذلك الدهر كله ": إشارة إلى التكفير ,أي: لو كان يأتي بالصغائر كل يوم , ويؤدي الفرائض كملا يكفر كل فرض ما قبله من الذنوب , كما قال عليه الصلاة والسلام:" الصلوات الخمس , والجمعة إلى الجمعة , ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن , إذا اجتنبت الكبائر ". أو إلى ما قبلها ,أي: المكتوبة تكفر ما قبلها , ولو كان ذنوب العمر كله. ... من الحسان: 107 – 200 – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" استقيموا ولن تحصوا

واعملوا أن خير أعمالكم الصلاة , ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ", رواه ثوبان رضي الله عنه. " عن ابن عمرو رضي الله عنهما: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: استقيموا ولن تحصوا "الحديث. المراد بـ (الاستقامة): اتباع الحق والقيام بالعدل وملازمة المنهج المستقيم , وذلك خطب عظيم لا يتصدى لإحصائه إلا من استضاء قلبه بالأنوار القدسية , وتخلص عن الظلمات الإنسية , وأيده الله من عنده , وأسلم شيطانه بيده وقليل ما هم , فأخبرهم بعد الأمر بذلك: أنكم لا تقدرون على إيفاء حقه والبلوغ إلى غايته , كيلا تغفلوا عنه , ولا تتكلوا على ما تأتون به , ولا تيأسوا من رحمة الله , فيما تذرون عجزا وقصورا , لا تقصيرا. وقيل: و (لن تحصوا) معناه: ولن تحصوا ثوابه , و (الإحصاء) في الأصل , وهو العد ,من (الحصى) بمعنى العدد , والله أعلم. ***

باب ما يوجب الوضوء

2 - باب ما يوجب الوضوء من الصحاح: 108 - 204 - وقال علي رضي الله عنه: كنت رجلا مذاء , فكنت أستحي أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم , فأمرت المقداد فسأله , فقال: " يغسل ذكره ويتوضأ". (باب ما يوجب الوضوء) (من الصحاح): " قال علي رضي الله عنه: كنت رجلا مذاء وكنت أستحي أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم , فأمرت المقداد , فسأله , فقال: يغسل ذكره ويتوضأ". (المذاء): كثير المذي , من (أمذى) , وللشافعي قولان فيما إذا خرج من أحد السبيلين خارج غير معتاد كالدم والمذي: أحدهما: أنه يتعين غسله , ولا يجوز الاقتصار على الحجر , لندوره , وخصوصا في المذي , للزوجته وانتشاره , ويعضده ظاهر هذا الحديث. والثاني: جواز الاقتصار نظرا إلى المخرج. والمراد من الأمر بالغسل: لتتقلص عروقه , وينقطع المذي. ***

109 - 205 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضؤوا مما مست النار ". " وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه - عليه السلام - قال: توضؤوا مما مست النار ". (الوضوء) في أصل اللغة هو: غسل بعض الأعضاء وتنظيفه , من (الوضاءة) بمعنى النظافة , والشرع نقله إلى الفعل المخصوص , وقد جاء هاهنا على أصله , والمراد فيه وفي نظائره: غسل اليدين لإزالة الزهومة , توفيقا بينه وبين حديث ابن عباس وأم سلمة ونحوهما. ومنهم من حمله على المعنى الشرعي , وزعم أنه منسوخ بحديث ابن عباس , وذلك إنما يتقرر لو علم تاريخهما وتقدم الأول. لا يقال: ابن عباس متأخر الصحبة , فيكون حديثه ناسخا , لأنا نقول: تأخر الصحبة وحده لا يقتضي تأخر الحديث. نعم , لو كانت صحبته بعد وفاة الآخر أو غيبته , دل ذلك على تأخره وأما لو اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا , لجواز أن يسمع القدم صحبة بعد سماعه. ***

من الحسان: 110 - 216 - وقال:" وكاء السه العينان فمن نام فليتوضأ". رواه علي رضي الله عنه. قال الشيخ الإمام رحمه الله: وهذا في غير القاعد لما صح: (من الحسان): " وعن علي رضي الله عنه: أنه - عليه السلام - قال: وكاء السه العين فمن نام فليتوضأ". (الوكاء): ما يشد به الشيء ,و (السه): الدبر ,وأصله: سته لجمعه على: أستاه وتصغيره على: ستيهة , والمعنى: أن الإنسان إذا تيقظ أمسك ما في بطنه , فإذا نام زال اختياره واسترخت مفاصله , فلعله يخرج منها ما ينقض طهره , وذلك إشارة إلى أن نقض الطهارة بالنوم وسائر ما يزيل العقل ليس لأنفسها , بل لأنها مظنة خروج ما ينتقض الطهر به. ولذلك خص عنه النوم ممكن المقعد من الأرض في حديث أنس. ... 111 - 222 - وقد روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينه وبينها شيء فليتوضأ". " عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه - عليه السلام - قال: إذا أفضى أحدكم

باب أدب الخلاء

بيده إلى ذكره , ليس بينه وبينها شيء فليتوضأ ". "أفضى ": وصل , لازم عداه بالباء , وهذا وحديث بسرة دليل على أن المس ناقض للوضوء ,وهو قول سعد وابن عمر وابن عباس , ومذهب الأوزاعي والشافعي وأحمد والمزني , والمشهور عن مالك. وروي خلافه عن علي رضي الله عنه وابن مسعود وعمار وحذيفة وعمران بن حصين , وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه , ومعتمده: ما روى قيس بن طلق بن علي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" هل هو إلا بضعة منك؟ " وقد طعن الباحثون عن أحوال الرواة في قيس. وزعم الشيخ: أنه منسوخ بحديث أبي هريرة , لأنه أسلم بعد مراجعة طلق إلى اليمن بسنتين , وذلك يدل على تأخر حديثه عن حديث طلق , فيكون ناسخا. وأول يعضهم بأنه في الإفضاء بظهر الكف , وهو غير ناقض , لأنه روي في مقدم هذا الحديث: أن رجلا سأل فقال: كنت أحك فخذي فأفضيت بيدي ذكري , وفيه نظر , لأن تخصيص الحديث به ينافي التعليل المومأ إليه بقوله:" هل هو إلا بضعة منك " والله أعلم. ... 3 - باب أدب الخلاء من الصحاح: 112 - 226 - عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة , ولا تستدبروها , ولكن شرقوا أو غربوا ". قال المصنف: هذا الحديث في الصحراء , أما في البنيان فلا بأس به , لما روي. (باب أدب الخلاء) (من الصحاح): "عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: أنه – عليه السلام – قال: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها , ولكن شرقوا أو غربوا ". " الغائط" لغة: المكان المطمئن من الأرض , وفي العرف يراد به: البراز , لأن العرب يقصدون الغيطان لقضاء الحاجة , وظاهر الحديث يدل على عدم جواز الاستقبال والاستدبار عند قضاء الحاجة مطلقا, وإليه ذهب النخعي , والجمهور فرقوا بين البناء والصحراء. قال المصنف: هذا الحديث في الصحراء , أما في البنيان فلا بأس به , لما روي: ... 113 - 227 – عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ارتقيت فوق بيت حفصة بنت عمر لبعض حاجتي , فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام. وخص الحديث بما روى ابن عمر:" أن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق

بيت حفصة يقضي حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام ". وتأويله بأنه – عليه السلام – لعله انحرف عن القبلة يسيرا , ولم يميز الراوي = ضعيف. والفرق بين البناء والصحراء: أن الصحراء غالبا لا يخلو عن مصل من ملك أو إنس أو جن فيحاذيه بفرجه , ولا كذلك في البنيان الذي تقضى فيه الحاجة. ... 114 – 230 – وقال ابن عباس رضي الله عنهما: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال:"إنهما يعذبان ’ وما يعذبان في كبير , أما أحدهما فكان لا يستبريء من البول , ويروى: لا يستنزه من البول – وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ", ثم أخذ جريدة رطبة فشقها بـ[نصفين] ,ثم غرز في كل قبر واحدة , وقال: لعله أن يخفف عنهما ما لم يبسا ". " عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه – عليه الصلاة والسلام – مر بقبرين , فقال: إنهما يعذبان , وما يعذبان في كبير " الحديث. لعله عنى بالكبيرة: ما يستعظمه الناس ولا يجترىء عليه , و (النميمة) – وإن كانت من الذنوب إلا أنها – يجترىء عليها ولا يبالى بها , ودعا أن يخفف عنهما العذاب ما دامت النداوة في تينك الخشبتين , وهو دليل على عذاب القبر. ***

115 – 231 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اتقوا اللاعنين ", قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم ". " وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه – عليه السلام – قال: اتقوا اللاعنين ,قالوا: وما اللاعنان؟ "الحديث. سمي الحامل على اللعن والمسبب له لاعنا , كما يسند الفعل إلى مسببه , فيقال: بنى الأمير القلعة. فإن قلت: كيف طابق الجواب السؤال؟ قلت: فيه إضمار , والتقدير: تخلى الذي يتخلى. والمراد من " ظلهم ": ما اختاروه أندية ومقيلا ونحو ذلك. ... 116 – 233 – وقال:" من توضأ فليستنثر , ومن استجمر فليوتر ", رواه أبو هريرة رضي الله عنه. " وقال عليه السلام: من توضأ فليستنثر "الحديث. نثر وانتثر و0استنثر): إذا استنشق الماء , ثم استخرج ما في أنفه ونثره , وقال الفراء: هو أن يحرك النثرة , وهو الفرجة بين الشاربين.

من الحسان: 117 – 237 – وقال أبو موسى: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم , فأراد أن يبول , فأتى دمثا في أصل جدار فبال , ثم قال: " إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله ". (من الحسان): " عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم , فأراد أن يبول , فأتى دمثا " الحديث. (الدمث): المكان السهل اللين , و (الارتياد):الطلب. 118 – 239 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما أنا لكم مثل الوالد , فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة , ولا يستدبرها لغائط أو بول , وليستج بثلاثة أحجار , ونهى عن الروث والرمة , وأن يستنجي الرجل بيمينه ". " وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه – عليه السلام – قال: إنما أنا لكم مثل الوالد " الحديث. صدر الحديث بذلك لئلا يستحيى منه , فيسأل عنه ما يشكل. و (الاستنجاء): إزالة النجو , وهو العذرة , مأخوذ من (النجوة) ,

وهي ما ارتفع من الأرض , لأن قاضي الحاجة يستتر بها. وقوله:" ليستنج بثلاثة أحجار " دليل للشافعي رضي الله عنه أن التثليث واجب وغن حصل النقاء بواحد. و"الرمة" بكسر الراء: العظم البالي , وقد علل منع الاستنجاء بالعظم بأنه طعام الجن. ... 119 – 243 – وقال رويفع بن ثابت رضي الله عنه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رويفع! لعل الحياة ستطول بك بعدي , فأخبر الناس أن من عقد لحيته , أو تقلد وترا , أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدا من بريء ". " وعن رويفع رضي الله عنه: أنه – عليه السلام – قال: يا رويفع! لعل الحياة ستطول بك بعدي , فأخبر الناس أن من عقد لحيته , أو تقلد وترا , أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمد منه بريء ". (عقد لحيته): تجعيدها بالمعالجة , وهو منهي عنه لما فيه من التأنيث والتشبيه بمن يفعل ذلك من الكفرة , وقيل: إن أهل الجاهلية كانوا يعقدونها في الحرب , فنهوا عنه. و (الوتر): وتر القوس , كانوا يقلدون به الفرس لئلا تصيبه العين , فنهاهم عن ذلك وأمرهم بقطعها , ليعلموا أنه لا يرد من قدر الله شيئا.

وقيل: المراد به: خيط يتقلدون به لذلك. والرجيع: السرقين , مأخوذ من (الرجوع) ’ فإنه رجع من حال إلى حال. ... 120 – 244 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من اكتحل فليوتر , من فعل فقد أحسن , ومن لا فلا حرج , ومن استجمر فليوتر , ومن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج , ومن أكل فما تخلل فليلفظ , وما لاك بلسانه فليبتلع , من فعل فقد أحسن , ومن لا فلا حرج , ومن أتى الغائط فليستتر ,فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستدبره ,فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم , من فعل فقد أحسن , ومن لا فلا حرج ". " وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال – عليه السلام – قال: من اكتحل فليوتر " الحديث. (الإيتار) في الأمور محبوب , و (الكثيب): تل الرمل , من (الكثب) وهو الجمع. والمراد من (لعب الشيطان بالمقاعد إذا لم يسترها): أن تنكشف عورته ويفضح فيما بين الناس. ***

121 – 247 – وقال:" اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد , وقارعة الطريق , والظل ".رواه معاذ رضي الله عنه. " وعن معاذ رضي الله عنه: أنه – عليه السلام – قال: اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد , وقارعة الطريق , والظل ". "البراز" بفتح الباء: الفضاء الواسع , والتركيب يدل على الظهور , فكنوا به عن الغائط , ثم اشتق منه: (تبرز) إذا تغوط. و" الموارد ": الأمكنة التي يوافيها الناس , كالأندية. ... 122 – 248 – وقال:" لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان , فإن الله يمقت على ذلك ", رواه أبو سعيد رضي الله عنه ز " وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه: يضربان الغائط ". أي: يسرعان. ... 123 – 249 – وقال:" إن هذه الحشوش محتضرة , فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث ", رواه زيد بن أرقم رضي الله عنه. " وفي حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه: إن هذه الحشوش محتضرة ". " الحشوش " جمع: حش , وهو البستان من النخيل , ثم كنى

به عن المستراح. ومعنى " محتضرة ": أن الشيطان يحتضرها , ألا ترى أنه – عليه السلام – رتب على إتيانها الأمر بالاستعاذة؟ ... 124 – 251 – وقالت عائشة:" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك ". " وفي حديث عائشة رضي الله عنها: غفرانك ". وهو بمعنى: المغفرة , ونصبه بأنه مفعول به , والتقدير: أسأل غفرانك , ووجه تعقيبه للخروج عن المستحم أنه كان مشغولا بما يمنعه من الذكر , وما هو نتيجة شرهه على الطعام , واشتغاله بقضاء الشهوات. ... 125 – 256 – عن حذيفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم , فبال قائما. قيل: كان ذلك لعذر به , والله أعلم. " وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه عليه السلام: أتى سباطة قوم , فبال قائما ". (السباطة) في الأصل: قمامة البيت , ثم استعمل لمطرحها وملقاها مجازا , ثم توسع واستعلم للفناء.

باب السواك

والحديث دليل على نهيه - عليه السلام - عمر عن ذلك للتأديب والتنزيه , لا للحرمة , وقيل: ذلك للحرمة , وفعله - عليه السلام - كان لعذر. ... 4 - باب السواك من الصحاح: 126 - 257 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء , وبالسواك عند كل صلاة ". (باب السواك) (من الصحاح): " عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء , وبالسواك عند كل صلاة ". "لولا": تدل على انتفاء الشيء لثبوت غيره , والحقيقة أنها مركبة من (لو) و (لا) و (لو): تدل على انتفاء الشيء لانتفاء غيره , فتدل هاهنا مثلا على انتفاء الأمر لانتفاء نفي المشقة , وانتفاء النفي ثبوت , فيكون الأمر منفيا لثبوت المشقة.

ومعنى "أشق":أثقل , وفيه دليل على أن الأمر للوجوب لا للندب من وجهين: أحدهما: أنه نفى الأمر مع ثبوت الندبية , ولو كان للندب لما جاز ذلك. وثانيهما: أنه جعل الأمر ثقلا ومشقة عليهم , وذلك إنما يتحقق إذا كان دليلا على الوجوب. ... 127 - 259 - وقال حذيفة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام للتهجد من الليل يشوص فاه بالسواك ". " وقال حذيفة رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام للتهجد " الحديث. (التهجد): إزالة الهجود , وهو النوم. وشاص "يشوص" شوصا: إذا غسل وتنظف. ... 128 - 260 - وقالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عشر من الفطرة: قص الشارب , وإعفاء اللحية , والسواك , واستنشاق الماء , وقص الأظفار, وغسل البراجم , ونتف الإبط , وحلق العانة ,

وانتقاص الماء - يعني: الاستنجاء - ". قال الراوي: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة. وفي رواية:" الختان " بدل: " إعفاء اللحية ". " وعن عائشة رضي الله عنها: أنه - عليه السلام - قال: عشر من الفطرة " الحديث. " الفطرة ": السنة , والمعنى: أنها من سنة إبراهيم ,أي: من السنة التي فطر إبراهيم على التدين بها , أو فطر الناس عليها , وركب في عقولهم استحسانها. و" إعفاء اللحية ": إرسالها وتركها لتكثر , و" قص الشارب ": قطعه , و" البراجم ": مفاصل الأصابع , واحدها) برجمة) بضم الباء. و" انتقاص الماء " يريد به: الاستنجاء , هكذا قال الراوي , وقيل: معناه: أن يغسل الذكر بعدما بال ليرتد البول وينتقص , ويعضده رواية أبي داود:"الانتضاح " , ولذلك قيل: هو تصحيف , والصحيح: انتقاص الماء , من (النفض) بمعنى: النضح , فالماء على الأول: الماء الذي يستنجى به , وعلى الثاني: البول. ... من الحسان: 129 - 262 - وقال:" أربع من سنن المرسلين: الحياء

باب سنن الوضوء

والتعطر , والسواك , والنكاح - ويروى:"الختان " - , رواه أبو أيوب. (من الحسان): " وعن أبي أيوب رضي الله عنه: أنه - عليه السلام - قال: أربع من سنن المرسلين: الحناء , والتعطر , والسواك , والنكاح ". روي: الحناء , والحياء , والختان) , فالأول: على تقدير مضاف , كالاستعمال والخضاب , فإن الحناء نفسه لا يكون سنة وطريقة , وهو أوفق للتعطر. والثاني: مؤول بما يقيتضيه الحياء ويوجبه , كالتستر والتجنب عن الفواحش والرذائل ,فإن الحياء نفسه أمر جبلي - ليس بالكسب - حتى يعد من السنن. ... 5 - باب سنن الوضوء من الصحاح: 130 - 265 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا , فإنه لا يدري أين باتت يده ".

(باب سنن الوضوء) (من الصحاح): "عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه – عليه الصلاة والسلام – قال: إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء " الحديث. إذا ذكر الشارع حكما وعقبه وصفا مصدرا بالفاء و (إن) , أو بأحدهما , كان ذلك إيماء إلى أن ثبوت الحكم لأجله. ونظير ذلك قوله عليه السلام:" لا تقربوه طيبا , فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا " وقوله:" إنها ليست بنجسة , إنها من الطوافين عليكم أو الطوافات ". وقوله:" فإنه لا يدري أين باتت يده " يدل على أن الباعث على الأمر بالغسل احتمال النجاسة , فإن أكثرهم كانوا يستجمرون وينامون عراة , فربما وصلت أيديهم إلى منافذهم وهم لا يشعرون , فيكون قرينة يقتضي حمل ذلك على التنزيه واستحباب الغسل , فإن توهم النجاسات لا يوجب الغسل. وذهب الحسن البصري وأحمد – في إحدى الروايتين عنه – إلى ظاهر الحديث , وقالا: يجب الغسل , وينجس الماء لو أدخل اليد فيه قبل غسلها. ومن ذلك علم الفرق بين ورود الماء على النجاسة وعكسه , فقال الشافعي: لو أورد الثوب النجس على ماء قليل نجس الماء ولم يطهر الثوب.

والمعنى فيه: أن اتصال النجاسة سبب للنجاسة , فاحتمل ذلك فيما أورد الماء عليها , لسرعة وروده وانفصاله عنها ضرورة , فبقي غيره على الأصل. واستحباب التثليث في الغسل , فإنه لما أمر به في النجاسة الموهومة علم أن النجاسة الحقيقية أولى به. ... 131 – 266 – وقال:" إذا استيقظ أحدكم من نومه فتوضأ فليستنثر ثلاثا , فإن الشيطان يبيت على خيشومه ", رواه أبو هريرة. " وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه – عليه الصلاة والسلام – قال: إذا استيقظ أحدكم من منامه , فتوضأ , فليستنثر ثلاثا , فإن الشيطان يبيت على خيشومه ". (استنثر) " حرك النثرة , وهي طرف الأنف , وكذلك: نثر وانتثر , ويجوز أن يكون بمعنى: نثرت الشيء , إذا بددته. و (الخيشوم): أقصى الأنف المتصل بالبطن المقدم من الدماغ , الذي هو موضع الحس المشترك ومستقر الخيال , فإذا نام تجتمع فيه الأخلاط , وييبس عليه المخاط , ويكل الحس , ويتشوش الفكر , فيرى أضغاث أحلام , فإذا قام من نومه وترك الخيشوم بحاله استمر الكسل والكلال , واستعصى عليه النظر الصحيح , وعسر الخضوع

والقيام على حقوق الصلاة وآدابها, وهو المراد من بيتوتة الشيطان في الخيشوم, والأمر بطرده بالاستنثار. فإن قلت: ما هذه الفاءات الثلاث؟ قلت: الأول: للعطف , والثاني: جواب الشرط دخل على الأمر , والثالث: فاء السببية دخل على الجملة , ليدل على أن ما بعده علة للأمر بالاستنثار. ... 132 – 271 – وقال عبد الله بن عمرو: رأى النبي صلى الله عليه وسلم قوما توضؤوا وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء , فقال: " ويل للأعقاب من النار , أسبغوا الوضوء ". " عن ابن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم قوما , وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء , فقال: ويل للأعقاب من النار , أسبغوا الوضوء ". ذهب عامة العلماء إلى أن الواجب غسل الرجلين , لهذا الحديث ونظائره , كقوله عليه الصلاة والسلام:" لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الطهور مواضعه , فيغسل وجهه ويديه , ثم يمسح برأسه , ثم يغسل رجليه " وكقوله تعالى: {وأرجلكم} [المائدة: 6] بالنصب , فإن الظاهر يدل على دخولها تحت حكم الوجوه والأيدي في وجوب الغسل.

وقالت الشيعة: يجب المسح عليهما , ولا يجوز الغسل , لظاهر قوله تعالى: (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) [المائدة:6] بالخفض. وقال داود: يجب الجمع بين الغسل والمسح , ذهابا إلى مقتضى الدليلين. وقال محمد بن جرير: المتوضيء بالخيار بينهما , لتعارض الدليلين. والجواب عن ذلك: أن قراءة الجر تعارض قراءة النصب , فلابد من التأويل , وتأويل الجر بأنه على المجاورة , كقوله تعالى: {عذاب يوم أليم} [هود: 26] وقولهم: حجر [جحر] ضب خرب = أولى من تأويل النصب بأنه محمول على محل الجار والمجرور , لأنه الموافق للسنة الثابتة الشائعة , فيجب المصير إليه. فإن قلت: ما وجه إيراده في هذا الباب؟ قلت: اشتماله على الأمر بإسباغ الوضوء أوجب ذلك , فإنه من السنن , إذ المعني به: تكميله والمبالغة فيه , كالتثليث وتطويل الغرة. ... 133 – 272 – وقال المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى عمامته وخفيه. " وعن مغيرة بن شعبة رضي الله عنه: أنه – عليه السلام – مسح على ناصيته وعمامته وخفيه ".

اختلف الفقهاء في المسح على العمامة , فمنعه أبو حنيفة ومالك رضي الله عنهم مطلقا , وجوز الثوري وأحمد بن حنبل وداود – رحمهم الله – الاقتصار على مسحها , إلا أن أحمد اعتبر أن يكون التعمم على طهر كلبس الخف , لما روي عن ثوبان: أنه – عليه السلام – بعث سرية في أيام برد , وأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين , أي: العمائم والخفاف. وقال الشافعي رضي الله عنه: لا يسقط الفرض بالمسح عليها , لظاهر الآية الدالة على وجوب إلصاق المسح بالرأس , والأحاديث المعاضدة لها , لكن لو مسح من رأسه ما ينطلق عليه المسح , وكان يعسر عليها رفعها , فأمر اليد المبتلة عليها بدل سنة الاستيعاب , كان حسنا , لهذا الحديث , وحمل حديث ثوبان على ذلك. ... من الحسان: 134 – 275 – وعن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ". (من الحسان): " عن سعيد بن زيد رضي الله عنه: أنه – عليه السلام – قال: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ".

هذه الصيغة حقيقة في نفي الشيء , ويطلق مجازا على نفي الاعتداد به , لعدم صحته , كقوله عليه السلام:" لا صلاة إلا بطهور " , أو كماله: كقوله:" لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " والأول أشيع وأقرب إلى الحقيقة , فيتعين المصير إليه ما لم يمنعه مانع , وهاهنا محمولة على نفي الكمال خلافا لأهل الظاهر , لما روى ابن عمر وابن مسعود: أنه – عليه السلام – قال:" من توضأ ,فذكر اسم الله , كان طهورا لجميع بدنه , ومن توضأ , ولم يذكر اسم الله , كان طهورا لأعضاء وضوئه " ولم يرد به الطهور عن الحدث ,فإنه لا يتجزأ بل الطهور عن الذنوب. ... 135 – 286 – عن أبي أمامة , ذكر وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ,قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح المأقين , قال: وقال:" الأذنان من الرأس " , وقيل: هذا من قول أبي أمامة. " وعن أبي أمامة رضي الله عنه: أنه عليه السلام كان يمسح المأقين ". (المأق) بالهمز: طرف العين الذي يلي الأنف , وإن ثبت مجيئه للطرفين , فالمعنى به هذا , لأنه المفرغة , فيحتاج إلى زيادة تنظيف ومبالغة فيها , إسباغا للوضوء. ***

باب الغسل

136 - 287 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء , فأراه ثلاثا ثلاثا , ثم قال: " هكذا الوضوء , فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم ". " وعن عمر [و] بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم: أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء , فأراه ثلاثا ثلاثا , ثم قال: هكذا الوضوء , فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم ". أي: أساء الأدب , فإن الازدياد استنقاص لما استكمله الشارع , و"تعدى" عما حد له وجعله غاية التكميل ,و"ظلم " بإتلاف الماء ووضعه في غير موضعه. والحديث مسند إن كان الضمير في (جده) راجعا إلى (أبيه) ومرسل إن كان راجعا إلى (عمرو) لأن جده محمد بن عبدالله بن عمرو , وهو ليس بصحابي. ... 6 - باب الغسل من الصحاح: 137 - 292 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا

جلس أحدكم بين شعبها الأربع , ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل ". (باب الغسل) (من الصحاح): " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جلس رجل بين شعبها الأربع وجهدها , وجب الغسل , وإن لم ينزل ". قيل ك " شعبها الأربع ": يداها ورجلاها , وقيل: رجلاها وشفراها , ولذلك كنى عنها بالشعب. و" جهدها": جامعها , قال ابن الأعرابي: (الجهد) بالفتح: من أسماء النكاح , ولعله كناية مأخوذة من (الجهد) بمعنى المبالغة. واختلف العلماء في وجوب الغسل بالإيلاج , فذهب جمهور الصحابة ومن بعدهم إلى أن إيلاج الحشفة في الفرج يوجب الغسل وإن لم ينزل , لهذا الحديث وغيره من الأخبار المعاضدة له , وذهب سعد بن أبي وقاص في آخرين من الصحابة: إلى أنه لا يجب الغسل ما لم ينزل , وقال به الأعمش وداود , وتمسكوا بقوله عليه السلام:" الماء من الماء ",أي: الاغتسال بالماء من أجل خروج الماء , وذلك يفيد الحصر عرفا. وأجيب بأنه منسوخ بقول أبي بن كعب: كان الماء من الماء شيئا

في أول الإسلام , ثم ترك ذلك بعد , وأمر بالغسل إذا مس الختان بالختان , وقد روي مثله عن زيد بن خالد. وقول ابن عباس: إن الماء من الماء في الاحتلام , معناه: أنه يدل على وجوب الاغتسال من أجل خروج الماء , وذلك لا يستلزم عدم وجوبه لغيره , فلا يعارض الحديث الموجب الغسل بالإيلاج. لا يقال: هذا التركيب يفيد قصر الحكم عليه عرفا , وقد جاء في بعض الروايات:" إنما الماء من الماء " ولفظة (الماء) تفيد الحصر على ما عرفت , لأنه – وإن ثبت ذلك – فهو دلالة مفهوم , والمفهوم لا يعارض المنطوق. نعم , مقدمة هذا الحديث ترد هذا التأويل , فإن مسلم بن حجاج روى في جامعه عن أبي سعيد الخدري قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين إلى قباء , حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان , فصرخ به , فخرج يجر إزاره ,فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أعجلنا الرجل ", فقال عتبان: يا رسول الله! أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ولم يمن , ماذا عليه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما الماء من الماء ". ... 138 – 294 – وقالت أم سليم: يا رسول الله ّ! إن الله لا يستحيي

من الحق , فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت ظ قال: نعم , إذا رأت الماء " فغطت أم سلمة وجهها وقالت: يا رسول الله! أو تحتلم المرأة؟ قال:" نعم تربت يمينك فبم يشبهها ولدها؟ إن ماء الرجل غليظ أبيض , وماء المرأة رقيق أصفر , فمن أيهما علا وسبق يكون من الشبه ". " عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن أم سليم قالت: يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق , فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال: نعم , إّذا رأت الماء , فغطت أم سلمة وجهها وقالت: يا رسول الله! أو تحتلم المرأة؟ قال: نعم , تربت يمينك ّ! فبم يشبهها ولدها؟ إن ماء الرجل غليظ أبيض , وماء المرأة رقيق أصفر , فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه ". " أم سليم ": ابنة ملحان , واسمه: مالك بن خالد بن زيد النجاري , امرأة أبي طلحة الأنصاري. " لا يستحيي ": لا يترك ترك الحيي , وإنما قدمت ذلك اعتذارا عن شؤالها , فإنه مما يستحيي منه وقوله:"تربت يمينك " وإن كان أصله الدعاء بمعنى: لا أصبت خيرا , من (ترب الرجل) بمعنى: افتقر , وأصاب الترب , ليس المراد منه الدعاء , بل التنبيه على استعجالها وإنكارها احتلام المرأة ليس بصواب , والعرب تطلق أمثال ذلك في مخاطباتهم للتعجب والتنبيه.

وقوله:" فبم يشبهها ولدها " استدلال على أن لها منيا كما للرجل مني , والولد مخلوق منهما , إذ لو لم يكن لها ماء , وكان الولد من مائه المجرد لم يكن يشبهها , لأن الشبه بسبب ما بينهما من المشاركة في المزاج الأصلي المعين المعد لقبول التشكلات والكيفيات المعينة من مبدعه تبارك وتعالى , فإن غلب ماء الرجل ماء المرأة وسبق , نزع الولد إلى جانبه , ولعله يكون ذكرا , وإن كان بالعكس , نزع الولد إلى جانبها , ولعله يكون أنثى. ... 139 – 296 – وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قال: قالت ميمونة رضي الله عنها: وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا فسترته بثوب , وصب على يديه فغسلهما , ثم أدخل يمينه في الإناء , فأفرغ بها على فرجه , ثم غسله بشماله , ثم ضرب بشماله الأرض فدلكهما دلكا شديدا , ثم غسلها , فمضمض واستنشق , وغسل وجهه وذراعيه , ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفيه , ثم غسل سائر جسده , ثم تنحى فغسل قدميه , فناولته ثوبا فلم يأخذه , فانطلق وهو ينفض يديه. " وعن ابن عباس قال: قالت ميمونة رضي الله عنها: وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا , فسترته بثوب , وصب على يديه , فغسلهما , ثم أدخل يمينه في الإناء , فأفرغ بها على فرجه , ثم غسله بشماله , ثم ضرب بشماله الأرض , فدلكهما دلكا شديدا , ثم غسلها , فمضمض

واستنشق وغسل وجهه وذراعيه , ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفيه , ثم غسل سائر جسده , ثم تنحى , فغسل قدميه , فناولته ثوبا , فلم يأخذه , فانطلق وهو ينفض يديه ". (الغسل) بالضم: يطلق اسما للفعل المخصوص , ولما يغتسل به , وهو المراد هاهنا , وروي (غسلا) بالكسر , وهو في الأصل لما يغسل به الرأس من الخطمي ونحوه , فاستعير للماء. و (الإفراغ): الصب. و (الحفنة): ملء الكفين , ولا يكاد يستعمل إلا في الشيء اليابس , كذا قال الجوهري , فاستعماله في الماء مجاز , ولعلها يتجوز بها لملء كفه , فقالت: ملء كفيه , لتميط هذا الوهم. ومن فوائد هذا الحديث الدلالة على أن الأولى تقديم الاستنجاء , وإن جاء تأخيره , لأنهما طهارتان مختلفتان , فلا يجب الترتيب بينهما , وذكر المزني في " المنثور ": أن المحدث لو قدم التوضؤ على الاستنجاء لم يصح وضوؤه , لأن بقاء ما يحدث بمنزلة حدوثه. واستعمال اليسرى فيه. ودلكها على الأرض مبالغة في إنقائها , وإزالة ما عبق بها. والوضوء قبل الغسل , واختلف في وجوبه , فأوجبه داود مطلقا ,

وقوم إذا كان محدثا أو كان الفعل مما يوجب الجنابة والحدث , ومنصوص الشافعي رضي الله عنه: أن الوضوء يدخل في الغسل , فيجريه لهما , وهو قول مالك. وتأخير غسل الرجلين إلى آخر الغسل , وهو مذهب أبي حنيفة وقول للشافعي رضي الله عنها , والمذهب: أن لا يؤخر , لرواية عائشة. والتنحي – أي: التباعد – عن مكانه لغسل الرجلين. وترك النشف , لأنه – عليه السلام – لم يأخذ الثوب. وجواز النفض , والأولى تركه , لقوله عليه السلام:" إذا توضأتم فلا تنفضول أيديكم ", ومنهم من حمل النفض هاهنا عن تحريك اليدين في المشي وهو تأويل بعيد. ... 140 – 297 – وقالت عائشة رضي الله عنها: إن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض , فأمرها كيف تغتسل , ثم قال: خذي فرصة من مسك فتطهري بها ", قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: "سبحان الله! تطهري بها " قالت: كيف أتطهر بها؟ فاجتذبتها إلي فقلت: تتبعي بها أثر الماء ". " وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: إن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض " الحديث

(الفِرْصة): قطعة من الصوف والقطن ونحوهما , من (فرصت الشيء): إذا قطعته. و"من مسك": متعلق بمحذوف , تقديره: مطيبة من مسك , لما روي:" فرصة ممسكة " ,والمراد: أن تتبع أثر الدم طيبا , لتقطع رائحة الأذى. وأنكر القتبي أن تكون (ممسكة) من المسك , وزعم أنه من: مسكت كذا , إذا أمسكته , ومعناه: محتملة تحتملينها معك تعالجين بها قبلك , واستشهد له بقوله:" فتطهري بها " , وفيه نظر , لأنه يستلزم تغليط راوي هذه الرواية التي اتفق عليها الشيخان , لفظا بأن يقال: كان من: (مسك) بالفتح ,أي: من جلد عليه صوف , فكسر غلطا , أو معنى بأن فهم من (ممسكة) المطيبة بالمسك , ثم رواه بالمعنى , إذ القصة واحدة. ولأن ما روي أنه – عليه السلام – بعدما ما وصف لها الغسل , قال: " ثم تأخذ " يناسب التطيب دون الاستطابة , فإنها لا تؤخر. ... 141 – 298 – وقالت أم سلمة: قلت: يا رسول الله! إني امرأة أشد ضفر رأسي , أفأنقضه لغسل الجنابة؟ فقال:" لا , إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات , ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين ". " وعن أم سلمة – رضي الله عنها – قالت: قلت: يا رسول الله!

إني امرأة أشد ضفر رأسي "الحديث. (الضفر والتضفير): نسج الشعر وغيره عريضا , ومنه يقال للعقيصة: الضفيرة. و (الحثو والحثية):مثل الحفنة , من (الحثو) , وهو الإثارة , يقال: حثا يحثو حثوا وحثى يحثي حثيا. وهذا نظير حديث ميمونة , وقيل يحتمل أن يكون المراد بالحثية: القبضة الواحدة التي تعم البدن. والتنصيص بـ (الثلاث) على وجه الاستحباب , وهو غير شديد , لقوله – عليه السلام – بعده:" ثم تفيضين الماء عليك ". واختلف العلماء في وجوب نقض الضفيرة إذا كان الماء يصل إلى جميع أجزائها , فذهب الجمهور إلى أنه لا يجب لهذا الحديث , وخالفهم النخعي مطلقا , وأحمد بن حنبل في الغسل عن الحيض وحده. فإن كان الضفر يمنع وصول الماء إلى باطنها , وجب نقضها وفاقا , لقوله عليه السلام:" من ترك موضع شعرة من الجنابة لم يغسلها فعل بها كذا وكذا من النار ". وهذا الحديث مخصوص بالصورة الأولى , ولعله – عليه السلام – بنى الحكم على ما شاهده. ***

باب مخالطة الجنب وما يباح له

من الحسان: 142 - 306 - وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه بالخطمي وهو جنب يجتزيء بذلك , ولا يصب عليه الماء ". (من الحسان): " عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه بالخطمي وهو جنب يجتزيء بذلك , ولا يصب عليه الماء ". (الخطمي) بالكسر: نبت يغسل به الرأس. (ويجتزيء به) أي: يقتصر عليه , وفيه تسامح , لأن ظاهره يدل على أنه كان يقتصر على استعمال الماء المخلوط بالخطمي , ومن المعلوم أن الذي يغسل رأسه به يفيض الماء على رأسه بعده مرارا , ليزيل أثره , فلعله أراد أنه - عليه السلام - يقتصر على ما يزيله , ولا يفيض بعد إزالته ماء مجددا للغسل , والله أعلم. ... 7 - باب مخالطة الجنب وما يباح له من الصحاح: 143 - 308 - قال أبو هريرة رضي الله عنه: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا

جنب , فأخذ بيدي فمشيت معه حت قعد , فانسللت فأتيت الرحل فاغتسلت , ثم جئت وهو قاعد , فقال:" أين كنت يا أبا هر؟ " فقلت له: لقيني , وأنا جنب , فكرهت أن أجالسك وأنا جنب , فقال: " سبحان الله , إن المؤمن لا ينجس ". (باب مخالطة الجنب وما يباح له) (من الصحاح): " عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأنا جنب , فأخذ بيدي , فمشيت معه حتى قعد , فانسللت , فأتيت الرحل فاغتسلت , ثم جئت وهو قاعد " الحديث. (الجنب): من أجنب , يقال: جنب الرجل وأجنب , إذا لحقته الجنابة , سمي بذلك لأنه مأمور بأن يجتنب مواضع الصلاة ويتباعد عنها , أو لمجانبته الناس حتى يغتسل. و (انسللت): انجردت ,من: سل السيف. وقوله:" إن المؤمن لا ينجس " في هذا الموضع يمكن أن يحتج به على من قال: الحدث نجاسة حكمية , وإن من وجب عليه وضوء أو غسل فهو نجس حكما. ... 144 - 314 - وقال ابن عباس رضي الله عنها: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من الخلاء ,

فأتي بطعام , فذكروا له الوضوء , فقال:" أريد أن أصلي فأتوضأ؟! ". " وعن ابن عباس قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من الخلاء "الحديث. قوله:"أريد " تقديره: أأريد أن أصلي , فأتوضأ؟ فحذفت همزة الاسفهام استثقالا للجمع بين همزتين , وهي للإنكار , أي: ما أريد أن أصلي فأتوضأ , والمعنى: أن التوضؤ يجب للصلاة لا للطعام. ... من الحسان: 145 - 320 - وقال:" لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة , ولا كلب , ولا جنب "روا علي رضي الله عنه. وهذا فيمن يتخذ تأخير الاغتسال عادة تهاونا بها. (من الحسان): " عن علي رضي الله عنه: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب ". يريد بالملائكة: الملائكة النازلين بالبركة والرحمة , والطائفين على العباد للزيارة واستماع الذكر , وأضرابهم , لا الكتبة , فإنهم لا يفارقون المكلفين طرفة عين في شيء من أحوالهم الحسنة والسيئة ,لقوله تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 18] ونحوه.

وإنما أبوا دخول بيت فيه صورة , لحرمة التصوير ومشابهة بيوت الأصنام , وبيت فيه كلب , لأن فيه نجسا , فيشبه المبرز والمزبلة ونحوهما , واستثني عن ذلك ما يجوز اقتناؤه , ككلب الزرع والصيد , لجواز اقتنائه شرعا , وبيت فيه جنب تهاون في الغسل , وأخره حتى يمر عليه وقت صلاة , وجعل ذلك دأبا وعادة , فإنه مستخف بالشرع , متساهل في الدين , غير مستعد لاتصالهم والاختلاط بهم , لا أي جنب كان , فإنه ثبت: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد. ... 146 - 321 - وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر , والمتضمخ بالخلوق , والجنب إلا أن يتوضأ ". وقد ذكر في حديث عمار) أن الملائكة لا يقربون جيفة كافر) وسببه ظاهر. و" المتضمخ بالخلوق " أي: المتلطخ به , وهو طيب له صبغ يتخذ من الزعفران أو غيره , والسبب فيه: أنه توسع في الرعونة وتشبه بالنساء , وذلك يؤذن بخسة النفس وسقوطها. ***

باب أحكام المياه

8 - باب أحكام المياه من الصحاح: 147 - 324 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه ". (باب أحكام المياه) (من الصحاح): " عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري , ثم يغتسل فيه ". " الدائم ": الراكد , وهو " الذي لا يجري ":صفة ثابتة تؤكد الوصف الأول , و"ثم يغتسل فيه ": عطف على الصلة , وترتب الحكم على ذلك يشعر بأن الموجب للمنع أنه يتنجس فيه , فلا يجوز الاغتسال به , وتخصيصه بالدائم يفهم منه أن الجاري لا ينجس , ولذلك قال الشافعي في القديم: إن الماء الجاري لا ينجس إلا بالتغير. ... 148 - 325 - وقال:" لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ", رواه أبو هريرة رضي الله عنه.

" وعنه: أنه - عليه السلام - قال: لا يغتسل أحدكم في الماء الراكد وهو جنب ". تقييد الحكم بالحال يدل على: أن المستعمل في غسل الجنابة إذا كان راكدا لا يبقى على ما كان , وإلا لم يكن للنهي والتقييد فائدة , وذلك إما بزوال الطهارة كما قاله أبو حنيفة , أو بزوال الطهورية كما قاله الشافعي في الجديد. ... 149 - 327 - وقال السائب بن يزيد: ذهبت بي خالتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن ابن أختي وجع , فمسح برأسي , فدعا لي بالبركة , ثم توضأ , فشربت من وضوئه , ثم قمت خلف ظهره , فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه مثل زر الحجلة. " وعن سائب بن زيد [يزيد] بن سعيد بن ثمامة أنه قال: ذهبت بي خالتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن ابن أختي وجع " الحديث. هذا السائب كناني , وقيل: حليف بني أمية , ترب ابن الزبير , ولد سنة ثنتين من الهجرة , وتوفي سنة ست وثمانين , وقيل: سنة إحدى وتسعين , وخالته أخت النمر بن قاسط الكندي. وقوله:" فشربت من وضوئه ": يجوز أن يكون المراد به: ما فضل به , وأن يكون المراد: ما انفصل من أعضاء وضوئه , وعلى هذا يكون

دليلا على طهارة المستعمل , وللمانع أن يحمله على التداوي. و" خاتم النبوة ": أثر كان بين كتفيه نعت به في الكتب المتقدمة , فكان علامة يعلم بها أنه النبي الموعود للبشرية في تلك الكتب , وصيانة لنبوته عن تطرق التكذيب والقدح إليها صيانة الشيء المستوثق بها بالختم. و (الزر): البيضة , و"الحجلة " بفتح الجيم: القبج. ... من الحسان: 150 - 328 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان الماء قاتين لم يحمل نجسا " , ويروى:" فإنه لا ينجس ". (من الحسان): " عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا ". (القلة): الجرة التي يسقى بها , سميت بذلك لأنها تقل باليد , وقيل: القلة ما يستقله البعير , وفي تقدير القلتين بالأمناء خلاف , فقيل: خمس مئة رطل , وقيل: ست مئة رطل , وقيل: خمس مئة من , وسند جميع ذلك مذكور في الكتب الفقهية , فليطلب منها. والحديث بمنطوقه يدل على أن الماء إذا بلغ قلتين لم ينجس

بملاقاة النجاسة ,فإن قوله:" لم يحمل " معناه: لم يقبل , كما يقال: فلان لا يحتمل ضيما, إذا امتنع عن قبوله ودفع عن نفسه. وذلك إذا لم يتغير بها , فإن تغير بها كان نجسا , لقوله عليه السلام:" خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء , إلا ما غير طعمه أو ريحه ". وبمفهومه على أن ما دونه ينجس بملاقاة النجاسة , وإن لم يتغير , لأنه - عليه السلام - علق عدم التنجس ببلوغه قلتين , والمعلق بشرط عدم عند عدمه , فيلزم تغاير الحالين في التنجس وعدمه , والمفارقة بين الصورتين حال التغير منتفية إجماعا , فتعين أن يكون حين ما لم يتغير , وذلك ينافي عموم الحديث المذكور , فمن قال بالمفهوم وجوز تخصيص المنطوق به كالشافعي خصص عمومه به , فيكون كل واحد من الحديثين مخصصا للآخر , ومن لم يجوز ذلك لم يلتفت إليه , وأجرى الحديث الثاني على عمومه كمالك , فإنه قال: لا يتنجس الماء إلا بالتغير , قل أو كثر. ... 151 - 329 - وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: قيل: يا رسول الله! أنتوضأ من بئر بضاعة , وهي بئر تلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال صلى الله عليه وسلم:" إن الماء طهور لا ينجسه شيء ". " وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: قيل يا رسول الله! أنتوضأ من بئر بضاعة , وهي بئر تلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب

باب تطهير النجاسات

والنتن؟ فقال: إن الماء طهور لا ينجسه شيء ". هذا يؤيد الحديث السابق , فإن بئر بضاعة كان بئرا كثير الماء يكون ماؤها أضعاف قلتين , لا يتغير بوقوع هذه الأشياء فيه. قال قتيبة بن سعيد: سألت قيم البئر عن عمقها , فقال: أكثر ما يكون الماء فيه إلى العانة , وإذا نقص يكون إلى ما دون العورة. وقال أبو داود: مددت ردائي عليها , فإذا عرضها ستة أذرع. وذراع وربع وفي مثله عرضا وعمقا قلتان. ... 9 - باب تطهير النجاسات من الصحاح: 152 - 340 - وقال أبو هريرة: قام أعرابي , فبال في المسجد , فتناوله الناس , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " دعوه , وأهريقوا على بوله سجلا - أو ذنوبا - من ماء , فإنما بعثتم ميسرين , ولم تبعثوا معسرين ". ويروى: أنه دعاء فقال:" إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر , وإنما هي لذكر الله , والصلاة , وقراءة القرآن ",

أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. (باب تطهير النجاسات) (من الصحاح): " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي , فبال في المسجد , فتناوله الناس " الحديث. " أهريقوا ": أمر من: أهرق يهريق – بسكون الهاء – اهرياقا , نحو: أسطاع يسطيع اسطياعا , وكان الأصل: أراق , فأبدلت الهمزة هاء , ثم جعلت عوضا عن ذهاب حركة العين , فصارت كأنها من نفس الكلمة , ثم أدخل عليه الهمزة. و (السجل): الدلو إذا كان فيه شيء من الماء و (الذنوب): الدلو المليء ماء , والترديد بينهما من شك الراوي , ويحتمل أن يكون تخييرا من الشارع. وقوله:" بعثتم ميسرين " خطاب مع الحاضرين من الصحابة , جعل بعثته إليهم للتيسير بمنزلة بعثتهم كذلك , لأنهم خلفاؤه ونوابه في ذلك. ... 153 – 341 – قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه , ثم

لتنضحه بماء , ثم نصلي فيه ". وفي رواية:" حتيه , ثم اقرصيه , ثم اغسليه بالماء ". وفي رواية:" ثم رشيه بالماء , وصلى فيه ". " وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة؟ " الحديث. (الحيضة) بكسر الحاء: وهي اسم دم الحيض , والجمع: حيض , والحيضة أيضا: الخرقة التي تستثفر بها الحائض , والمراد بها هاهنا: الدم و (الحيضة) بالفتح: المرة من الحيض. والمراد بـ (القرص): الغسل بأطراف الأصابع والأظفار , مبالغة في إزالة لونها. و (النضح): الرش , وقد يستعمل في الصب شيئا فشيئا , وهو المراد هاهنا. وفيه دليل على أن الماء متعين في إزالة النجاسة , لأنه أمر بغسل الحيضة بالماء ,فيجب , وإذا وجب غسل دم الحيض بالماء , وجب غسل سائر النجاسات به , لعدم القائل بالفصل , والإجماع على عدم مفارقتها في ذلك. ***

من الحسان: 154 – 348 – عن لبابة بنت الحارث قالت: كان الحسين بن علي رضي الله عنهما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم , فبال , فقلت: أعطني إزارك حتى أغسله , قال: " إنما يغسل من بول الأنثى , وينضح من بول الذكر ". وفي رواية:" يغسل من بول الجارية , ويرش من بول الغلام ". (من الحسان): " عن لبابة بنت الحارث أم ابن عباس رضي الله عنهم أنها قالت: كان الحسين ابن علي رضي الله عنهما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحديث. والمراد من (النضح): رش الماء بحيث يصل إلى جميع موارد البول من غير جري , و (الغسل): إجراء الماء على موارده , والفارق بين الصبي والصبية: أن بول الصبية – بسبب استيلاء الرطوبة والبرد على مزاجها – يكون أغلظ وأنتن , فتفتقر إزالتها إلى مزيد مبالغة بخلاف الصبي. وقيل: الفرق بأن نجاسة بولها مكررة , لأنها تخالط رطوبة فرجها في الخروج , وهي نجسة. ... 155 - 349 – وقال:" إذا وطيء بنعله أحدكم الأذى فإن التراب له طهور ".

"عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه – عليه السلام – قال: إذا وطيء بنعله أحدكم الأذى فإن التراب له طهور ". إذا أصاب أسفل الخف أو النعل نجاسة , فدلكه بالأرض حتى يذهب أثرها طهر , وجاز الصلاة فيه عند جمع من فقهاء التابعين , وبه قال الشافعي في القديم , وسنده ظاهر هذا الحديث , وقال في الجديد: لا بد من غسله بالماء , وقال أبو حنيفة: إن كانت النجاسة يابسة جاز الاقتصار فيه على الدلك , وإن كانت رطبة بعد فلا بد من غسلها , وقال مالك: لا بد من الغسل في البول والعذرة , وفي روث الدواب عنه روايتان , فعلى الجديد يؤول الحديث بما إذا وطيء النجاسة يابسة , فإنه ربما يتشبث بها شيء منه , ويزول بالدلك , كما يؤول به قوله في حديث أم سلمة: " يطهره ما بعده ", إذ الإجماع على أن الثوب إذا أصابته نجاسة لا يطهر إلا بالغسل. ... 156 – 352 – وعن أبي المليح عن أبيه رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع أن تفترش. " وعن [أبي] المليح , عن أبيه: أنه – عليه السلام – نهى عن جلود السباع أن تفترش ". الموجب للنهي أن افتراشها دأب الجبابرة وسجية المترفين , أو

باب المسح على الخفين

نجاسة ما عليها من الشعر , فإن العادة جرت على افتراشها معه , والشعر ينجس بالموت , ولا يطهر بالدباغ , على ما هو مذهب الشافعي رضي الله عنه. ... 10 - باب المسح على الخفين من الصحاح: 157 - 358 - عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: أنه غزا مع رسول صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك , قال المغيرة: فتبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الغائط , فحملت معه إداوة , فلما رجع أخذت أهريق على يديه من الإداوة , فغسل يديه ووجهه , وعليه جبة من صوف , ذهب يحسر عن ذراعيه , فضاق كم الجبة , فأخرج يديه من تحت الجبة , وألقى الجبة على منكبيه , وغسل ذراعيه , ثم مسح بناصيته وعلى العمامة , ثم أهويت لأنزع خفيه فقال:" دعهما , فإني أدخلتهما طاهرتين " فمسح عليهما , ثم ركب وركبت , فانتهينا إلى القوم وقد قاموا إلى الصلاة يصلي بهم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وقد ركع بهم ركعة , فلما أحس بالنبي صلى الله عليه وسلم ذهب يتأخر , فأومأ إليه , فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم إحدى الركعتين معه , فلما سلم قام النبي صلى الله عليه وسلم وقمت , فركعنا الركعة التي سبقتنا.

(باب المسح على الخفين) (من الصحاح): " عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك " الحديث. (التبرز): الخروج من المبرز. " قبل الغائط ": نحوه , أي: تبرزه لأجله , و" الإداوة ": الركوة , و"أهوى ": قصد الهوي , أي: قصدت الهوي من القيام إلى القعود , وقال الأصمعي: أهويت بالشيء: إذا أومأت. وقوله عليه السلام:" دعهما , فإني أدخلتهما طاهرتين " يدل على أن العلة المجوزة لإبقائهما والمسح عليهما لبسهما على الطهارة , وقد صرح به في حديث أبي بكرة. ... 158 - 361 - عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال: وضأت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك , فمسح أعلى الخف وأسفله. قال الشيخ الإمام رضي الله عنه: هذا مرسل لا يثبت , وروي متصلا. " وعنه أنه قال: وضأت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك " الحديث. " وضأت" أي: ... سكبت الوضوء على يديه. وقول الشيخ: (هذا مرسل لا يثبت , وروي متصلا عن المغيرة) معناه: أن هذا الحديث , وإن روي متصلا عن المغيرة , لكنه لم يثبت

باب التيمم

كذلك , بل هو مرسل , إذ لم يثبت ذلك إلا من رجاء بن حيوة , وهو قال: حدثت عن كاتب المغيرة , أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله , وعلى هذا يكون مرسلا ومنقطعا , والله أعلم. ... 11 - باب التيمم من الصحاح: 159 - 366 - وقال عمار رضي الله عنه: كنا في سرية فأجنبت , فتمعكت فصليت , فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إنما كان يكفيك هكذا " فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما , ثم مسح بهما وجهه وكفيه. وفي رواية قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" إنما يكفيك أن تضرب بيديك الأرض , ثم تنفخ , ثم تمسح بهما وجهك وكفيك ". (باب التيمم) (من الصحاح): " قال عمار: كنا في سرية , فأجنبت , فتمعكت , فصليت , فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم " الحديث.

باب الغسل المسنون

(التمعك): التقلب في التراب والتمرغ فيه. والحديث دليل على أن الجنب والمحدث سيان في التيمم , وأن تخفيف التراب مسنون , ومسح الكفين كاف , وقد قال به أحمد وداود , وهو رواية عن مالك وقول قديم للشافعي , وذهب الجمهور إلى أنه لا بد من ضربتين , يمسح بالضربة الأولى وجهه , وبالأخرة يديه إلى المرفق , لحديث ابن عمر , ومعاضدة القياس والاحتياط له , وقد روي ذلك عن عمار أيضا. ... 12 - باب الغسل المسنون من الصحاح: 160 - 372 - وقال:" غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ". رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه. (باب الغسل المسنون) " عن أبي سعيد الخدري: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ". اختلف العلماء في غسل الجمعة , فذهب أبو هريرة والحسن البصري ومالك إلى وجوبه أخذا بظاهره , وذهب الأكثرون إلى أنه

باب الحيض

سنة , لما روى سمرة بن جندب رضي الله عنه: أنه - عليه السلام - قال:" من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت , ومن اغتسل فالغسل أفضل ", وقالوا: الواجب هاهنا بمعنى: الثابت الذي ينبغي أن لا يترك , لا ما يؤثم تركه ,كما يقول الرجل لصاحبه , حقك واجب علي , ويشهد له قوله: " حق على كل مسلم أن تغتسل في كل سبعة أيام يوما ", وإنما ذكر بهذا اللفظ تأكيدا للسنة وتحريضا لهم عليه. و (المحتلم):البالغ. وقوله: " فبها ونعمت " كلام يطلق للتجويز والتحسين , وتقديره: فأهلا بتلك الفعلة ونعمت , وقال الأصمعي: تقديره هاهنا: فبالسنة أخذ , ونعمت الخصلة أو الفعلة. ... 13 - باب الحيض من الصحاح: 161 - 379 - وقالت عائشة رضي الله عنها: كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد وكلانا جنب , وكان يأمرني فأتزر , فيباشرني وأنا حائض , وكان يخرج رأسه إلى وهو معتكف فأغسله وأنا حائض.

(باب الحيض) (من الصحاح): " عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد , كلانا جنب "الحديث. يريد بـ (المباشرة) هاهنا: المضاجعة وتواصل البشرتين دون الجماع ,لقولها: فأتزر. ... 162 - 380 - وقالت: كنت أشرب وأنا حائض , ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في فيشرب , وأتعرق العرق وأنا حائض , ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في. " وعنها أنها قالت: كنت أشرب وأنا حائض " الحديث. و (العرق) بفتح العين وسكون الراء , و (التعرق): أخذ اللحم من العظم , و (العرق) أيضا: العظم الذي فصل منه معظم اللحم وبقيت عليه بقية , وجمعه: عراق بالضم , والمراد به هاهنا: العظم. ... 163 - 382 - وقالت: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:" ناوليني الخمرة من المسجد ", فقلت: إني حائض! فقال: " إن حيضتك ليست في يدك ".

باب المستحاضة

" وقالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد " الحديث. " الخمرة " بالضم: سجادة صغيرة تؤخذ من سعف النخل , مأخوذة من (الخمر) بمعنى: التغطية ,فإنها تخمر موضع السجود أو وجه المصلي عن الأرض. و (الحيضة) بكسر الحاء: فعلة من (الحيض) , بمعنى: الحال التي تكون الحائض عليها من التحيض والتجنب. وقد روي بالفتح , وهي المرة من الحيض. وفيه دليل على أن للحائض أن تتناوله شيئا من المسجد. ... 14 - باب المستحاضة من الصحاح: 164 - 387 - قالت عائشة رضي الله عنها: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني امرأة أستحاض فلا أطهر , أفأدع الصلاة؟ فقال: " لا , إنما ذلك عرق وليس بحيض , فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة , وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي ".

(باب المستحاضة) (من الصحاح): " قالت عائشة: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فقالت: يا رسول الله! إني امرأة أستحاض " الحديث. يقال: (استحيضت المرأة تستحاض) على البناء للمفعول. وقوله: (وإنما ذلك عرق , وليس بحيض) معناه: أن ذلك دم عرق انشق , وليس بحيض , فإنه دم تميزه القوة المولدة بإذن الله تبارك وتعالى من أجل الجنين , ويدفعه إلى الرحم في مجار مخصوصة , فيجتمع فيه , ولذلك سمي: حيضا , من قولهم: استحوض الماء , أي: اجتمع , فإذا كثر وامتل الرحم , ولم يكن فيه جنين أو كان أكثر مما يحتمله ينصب منه. وقوله:" فإذا أقبلت حيضتك " يحتمل أن يكون المراد به: الحالة التي كانت تحيض فيها , فيكون ردا إلى العادة. وأن يكون المراد به: الحال التي تكون للحيض من قوة الدم في اللون والقوام , ويؤيد [هـ] ما روى ابن شهاب , عن عروة , عن فاطمة بنت أبي حبيش: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: " إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف , فإذا كان ذلك فدعي الصلاة ", فيكون ردا إلى التمييز , وقد اختلف العلماء فيه , فأبو حنيفة منع اعتبار التمييز مطلقا , والباقون عملوا بالتمييز في حق المبتدأة , واختلفوا فيما إذا تعارضت العادة

والتمييز , فاعتبر مالك وأحمد وأكثر أصحابنا التمييز , ولم ينظروا إلى العادة , وعكس ابن خيران. ... من الحسان: 165 – 391 – وقالت حمنة بنت جحش: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة , فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أستفتيه , فقال:" إني أنعت لك الكرسف , فإنه يذهب الدم ", فقلت: هو أكثر من ذلك , قال: " تلجمي " قلت: هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجا , قال:" إنما هي ركضة من ركضات الشيطان , فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله , ثم اغتسلي , فصلي أربعا وعشرين ليلة وأيامها , أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها , وصومي , وكذلك افعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن , ميقات حيضهن وطهرهن ". وفي رواية:" وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين , وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء , ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي , وصومي إن قدرت على ذلك " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" وهذا أعجب الأمرين إلي ". (من الحسان): " قالت حمنة بنت جحش: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة ,

فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أستفتيه , فقال: إني أنعت لكم الكرسف , فإنه يذهب الدم " الحديث. " الكرسف ": القطن , والمعنى: أصفه لك لتعالجي به. " وتلجمي " أي: شدي اللجام. وقوله:" إنما هي ركضة من ركضات الشيطان " , أي: إنما هي ضربة من ضرباته , [و] حركة من حركاته , ولعلها أضيفـ[ت] إليه , لأنها لا تكاد تخلو عن تقصير في العبادة. والثج: السيلان , يقال: {ماء ثجاجا} [النبأ:14] أي: سيال. وتحيضي: اقعدي أيام حيضك عن الصلاة والصوم وسائر ما تدعه الحيض , والظاهر أنها كانت مبتدأة , فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غالب عادة النساء , وهو الست أو السبع , و (أو): ليس للتخيير ولا لشك الراوي , بل العددان لما استويا في أنهما غالب العادات ردها الشارع إلى الأوفق منهما لعادات النساء المماثلة لها في السن , والمشاركة لها في المزاج بسبب القرابة أو المسكن. و (في علم الله) ,أي: فيما علمك الله , أو في علمه الذي بينه للناس وشرعه لهم. ***

(4) كتاب الصلاة

كتاب الصلاة

(4) كتاب الصلاة 1 - باب من الصحاح: 166 - 395 - عن أنس رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني أصبت حدا فأقمه علي , ولم يسأله عنه , وحضرت الصلاة , فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قام الرجل , فقال: يا رسول الله! إني أصبت حدا فأقم في كتاب الله , قال:" أليس قد صليت معنا؟ " قال: نعم , قال:" فإن الله قد غفر لك ذنبك أو حدك ". (كتاب الصلاة) (من الصحاح): " عن أنس رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فقال: يا رسول الله! إني أصبت حدا " الحديث.

صغائر الذنوب تقع مكفرات بما يتبعها من الحسنات , وكذا ما خفي من الكبائر , لعموم قوله تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود:114] وقوله عليه السلام:" أتبع الحسنة السيئة تمحها ". فأما ما ظهر منها وتحقق عند الحاكم لم يسقط حدها إلا بالتوبة , وفي سقوطه بها خلاف , وخطيئة هذا الرجل في حكم المخفي , لأنه ما بينها , فلذلك سقط حدها بالصلاة , سيما وقد انضم إليها ما أشعر بإنابته عنها وندامته عليها , والترديد من شك الراوي. ... 167 - 397 - وقال:" بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة " رواه جابر. " وعن جابر رضي الله عنه: أنه - عليه السلام - قال: بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة ". من ترك الصلاة المفروضة عمدا جاحدا لوجوبها كفر وفاقا , ومن تركها كسلا وتهاونا , فذهب النخعي وابن المبارك وأحمد وإسحاق إلى تكفيره , وحكي ذلك عن عمر وابن مسعود وغيرهما من الصحابة لهذا الحديث وأمثاله , وذهب الآخرون إلى أنه لا يكفر , وحملوا ذلك على المبالغة في الزجر وتعظيم الوزر , ومتعلق الظرف محذوف , تقديره: ترك الصلاة وصلة بين العبد والكفر توصله إليه.

ويحتمل أن يؤول بأن الحد الواقع بينهما: ترك الصلاة , فمن تركها دخل الحد وحام حول الكفر ودنا منه. ... من الحسان: 168 - 398 - عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" خمس صلوات افترضهن الله تعالى , من أحسن وضوءهن , وصلاهن لوقتهن , وأتم ركوهن وخشوعهن , كان له على الله تعالى عهد أن يغفر له , ومن لم يغفل فليس له على الله عهد , إن شاء غفر له , وإن شاء عذبه ". (من الحسان): " عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات افترضهن الله تعالى " الحديث. شبه وعد الله بإثابته المؤمنين على أعمالهم بالعهد الموثوق به الذي لا يخالف , ووكل أمر التارك إلى مشيئته تجويز العفو , ومن ديدن الكرام محافظة الوعد والمسامحة في الوعيد. ... 169 - 401 - وقال:" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن

باب المواقيت

تركها فقد كفر " رواه بريدة. " وعن بريدة بن الحصيب الأسلمي: أنه - عليه السلام - قال: العهد الذي بيننا وبينهم " الحديث. الضمير الغائب للمنافقين , شبه الموجب لإبقائهم وحقن دمائهم بالعهد المقتضي لإبقاء المعاهد والكف عنه , والمعنى: أن العمدة في إجراء أحكام الإسلام عليهم: تشبههم بالمسلمين في حضور صلواتهم ولزوم جماعتهم وانقيادهم للأحكام الظاهرة , فإذا تركوا ذلك كانوا وسائر الكفار سواء. ... 2 - باب المواقيت من الصحاح: 170 - 402 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وقت الظهر إذا زالت الشمس ما لم يحضر العصر , ووقت العصر ما لم تصفر الشمس , ووقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس ما لم يسقط الشفق , ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط , ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس , فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة , فإنها تطلع بين قرني الشيطان ".

(باب المواقيت) (من الصحاح): "عن ابن عمر [و] رضي الله عنهما: أنه - عليه السلام - قال: وقت الظهر إذا زالت الشمس "الحديث. (زوال الشمس): انتقالهـ[ا] من خط نصف النهار. وقوله:" ما لم تحضر العصر " دليل على أنه لا اشترك بين الوقتين. وقال مالك: إذا صار ظل كل شيء مثله من موضع زيادة الظل كان بقدر أربع ركعات من ذلك الوقت مشتركا بين الظهر والعصر , لأن جبريل صلى العصر في اليوم الأول والظهر في اليوم الثاني في ذلك الوقت. والشافعي أول ذلك بانطباق آخر الظهر وأول العصر على الحين الذي صار ظل كل شيء مثله لهذا الحديث , ولأنه لا يتمادى قدر ما يسع أربع ركعات , فلابد من تأويل , وتأويله - على ما ذكرنا - أولى , قياسا على سائر الصلوات. وقوله:" وقت العصر ما لم تصفر الشمس " يريد به وقت الاختيار , وكذا ما ورد في حديث جبريل , لقوله عليه السلام:" من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح , ومن أردك ركعة قبل العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " وكذا قوله في وقت العشاء , فإن الأكثرين ذهبوا إلى أن وقت جوازه يمتد إلى

طلوع الفجر الصادق , لما روى أبو قتادة: أنه - عليه السلام - قال: " ليس التفريط في النوم , إنما التفريط في اليقظة , أن يؤخر صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى " , خص الحديث في الصبح , فيبقى على عمومه في الباقي. وقوله:" ما لم يسقط الشفق " يدل على أن وقت المغرب يمتد إلى غروب الشفق , وإليه ذهب الشافعي قديما والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي. وذهب مالك والأوزاعي وابن المبارك والشافعي في قوله الجديد: إلى أن صلاة المغرب لها وقت واحد , لأن جبريل صلاها في اليومين في وقت واحد , و (سقوط الشفق): غروبه , والمراد به: الحمرة التي تلي الشمس , كما رواه ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم , وهو قول مكحول وطاوس ومالك والثوري وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن حسين وأبي يوسف.,وروي عن أبي هريرة: أنه البياض الذي يعقب الحمرة , وبه قال ابن عبد العزيز والأوزاعي وأبو حنيفة. و" قرني الشيطان ": ضفيرتاه , شبه تسويل الشيطان لعبدة الشمس عبادتها وحثه إياهم على سجودها وقت طلوعها بحمله إياها برأسه إليهم واطلاعها عليهم. ***

باب تعجيل الصلاة

3 - باب تعجيل الصلاة من الصحاح: 171 - 405 - قال أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس , ويصلي العصر ثم يجيء أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية , ونسيت ما قال في المغرب , وكان يستحب أن يؤخر العشاء , ولا يحب النوم قبلها والحديث بعدها , وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه , ويقرأ بالستين إلى المئة , وفي رواية: ولا يبالي بتأخير العشاء إلى ثلث الليل. (باب تعجيل الصلاة) (من الصحاح): " قال أبو برزة الأسلمي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الهجيرة " الحديث. (الهجيرة والهاجرة): نصف النهار , والمراد بها: صلاتها , أعني: صلاة الظهر , وتسمى الأولى لأنها أول صلاة النهار , و (دحوض الشمس): زوالها , من: دحضت رجله تدحض دحضا: إذا زلقت , كأنها حين تزول تدحض من كبد السماء , و (حياة الشمس): استعارة من

بقاء لونها وقوة ضوئها وشدة حرها. و" ينفتل " أي: ينقلب. وقوله:" يقرأ بالستين إلى المئة " معناه: أنه يقرأ هذا القدر من الآيات في الصلاة. ... 172 - 407 - قال أنس رضي الله عنه: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر. " وقال أنس: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر ". حمل أكثر الفقهاء "ثيابنا " على الملبوس , وأوله الشافعي بالمصلى ونحوه , ولم يجوز السجود على ثوب هو لابسه , لما روي عن خباب أنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء , فلم يشكنا , أي: لم يزل شكوانا , وقول جابر: كنت أصلي الظهر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت قبضة من الحصباء لتبرد في كفي , أضعها لجبهتي أسجد عليها لشدة الحر , فلو جاز السجود بكور عمامته , أو على طرف ثوبه لم يحتج إلى تبريد الحصباء.

173 - 408 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة " وفي رواية:" بالظهر , فإن شدة الحر من فيح جهنم ". " وعن أبي هريرة: أنه قال عليه السلام: إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة , وفي رواية: بالظهر " الحديث. (الإبراد): كسر الحر , والمراد به: تأخير الظهر إلى أن يقع الظل في الطريق , فيأتي فيه طالب الجماعة. وقوله:" فإن شدة الحر من فيح جهنم " أي: من ثوران حرها , وسطوعها: علة للأمر. ... 174 - 408 - م - " واشتكت النار إلى ربها , فقالت: يا رب! أكل بعضي بعضا , فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف , أشد ما تجدون من الحر , وأشد ما تجدون من الومهرير ". (واشتكاء النار من أكل بعضها بعضا): مجاز عن كثرتها وغليانها وازدحام أجزائها , بحيث يضيق عنها مكانها , فيسعى كل جزء في إفناء الجزء الآخر , والاستيلاء على مكانها , و (نفسها): لهبها وخروج ما يبرز منها , مأخوذ من نفس الحيوان , وهو الهواء الدخاني الذي تخرجه القوة الحيوانية ويبقى منه حوالي القلب.

وقوله: "أشد ما تجدون من الحر": خبر مبتدأ محذوف , أي: ذلك أشد وتحقيقه: أن أحوال هذا العالم عكس أمور ذاك العالم وآثارها , فكما جعل مستطابات الأشياء وما يستلذ به الإنسان في الدنيا أشباه نعائم الجنان ومن جنس ما أعد لهم فيها , ليكونوا أميل إليها وأرغب فيها , ويشهد لذلك قوله تعالى: {كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل} [البقرة:25] = جعل الشدائد المؤلمة والأشياء المؤذية نموذجا لأحوال الجحيم وما يعذب به الكفرة والعصاة , ليزيد خوفهم , وانزجارهم عما يوصلهم إليه , فما يوجد من السموم المهلكة فمن حرها , وما يوجد من الصراصر المجمدة فمن زمهريرها , وهو طبقة من طبقات الجحيم , ويحتمل هذا الكلام وجوه أخر , والله سبحانه وتعالى أعلم بالحقائق. 175 - 415 - وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح ,فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس. " وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح , فينصرف النساء " الحديث. (التلفع): شد اللفاع , وهو ما يغطي الوجه , و (المروط) جمع: مرط بالكسر , وهو كساء من صوف أو خز يؤتزر به , والمعنى: أنهن

يتلحَّفْن بالمروط , " ما يعرفن من الغلس ": وهو ظلمة آخر الليل. ... 176 - 417 - عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:" يا أبا ذر كيف بك إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة - أو قال: يؤخرون الصلاة " , قلت: يا رسول الله فما تأمرني؟ قال: " صل الصلاة لوقتها , فإن أدركتها معهم فصلها , فإنها لك نافلة ". " وعن أبي ذر رضي الله عنه: أنه - عليه السلام - قال: يا أبا ذر! كيف بك إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة " الحديث. (إماتة الصلاة): مجاز عن إضاعتها وتأخيرها لعدم المبالاة بها , والضمير في " فصلها " للصلاة , وفي بعض النسخ:" فصله " بهاء ساكنة للوقف. والحديث دليل على أن من صلى منفردا , ثم صادف جماعة سن له أن يعيد معهم , وتكون الأولى فرضا , والثانية نفلا. ... من الحسان: 177 - 428 - وقال:" أعتموا بهذه الصلاة , فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم " رواه معاذ بن جبل.

(من الحسان): " عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أنه - عليه السلام - قال: أعتموا بهذه الصلاة , فإنكم قد فضلتم بها " الحديث. (أعتم الرجل): إذا دخل العتمة , كما يقال: أصبح: إذا دخل في الصباح , والعتمة: ظلمة الليل , وقال الخليل: العتمة من الليل ما بعد غيبوبة الشفق , [أي: صلوها بعدما] دخلتم الظلمة , وتحقق لكم سقوط الشفق , ولا تستعجلوا فيها , فتوقعوها قبل وقتها , وعلى هذا لم يدل على أن التأخير فيه أفضل , ويحتمل أن يقال: إنه من العتم الذي هو الإبطاء , يقال: أعتم الرجل قراه: إذا أخره. والتوفيق بين قوله:" لم تصلها أمة قبلكم " وقوله في حديث جبريل:" هذا وقت الأنبياء من قبلكم ": أن يقال - والله أعلم -: إن صلاة العشاء كانت تصليها الرسل نافلة لهم , ولم تكتب على أممهم كالتهجد , فإنه وجب على الرسول - صلوات الله عليه - ولم يجب علينا , أو يجعل هذا إشارة إلى وقت الإسفار , فإنه قد أشرك فيه جميع الأنبياء الماضية والأمم الدارجة , بخلاف سائر الأوقات. ***

فصل

178 - 430 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر " رواه رافع بن خديج. " وعن رافع بن خديج رضي الله عنه: أنه - عليه السلام - قال: أسفروا بالفجر , فإنه أعظم للأجر ". أي: طولوا صلاة الفجر وأمدوها إلى الإسفار , فإنه أوفق للأحاديث الصحيحة الواردة بالتغليس والتعجيل فيه. ... فصل من الصحاح: 179 - 432 - وقال عليه السلام:" من صلى البردين دخل الجنة ", رواه أبو موسى. (فصل في فضائل الصلاة) (من الصحاح): " عن أبي موسى رضي الله عنه: أنه - عليه السلام - قال: من صلى البردين دخل الجنة ". (البردان والأبردان): الغداة والعشي , سميا بذلك لأنهما يكونان أبرد من وسط النهار , والمراد به: صلاتا الصبح والعصر , وإنما خصتا

بهذا الفضل لأنهما مشهودتان , تشهدهما ملائكة الليل وملائكة النهار , ولأن الصبح مما يثقل على النفوس , إذ النوم والكسل يغلب عليها في وقته , والعصر يقام عن قيام الأسواق واشتغال الناس بالمعاملات. والمعنى: أن المسلم إذا حافظ عليهما وأتى بهما كلا في وقتيهما - مع ما فيه من التثاقل والمشاغل - كان الظاهر من حاله أن يحافظ على غيره أشد محافظة , وما عسى يقع منه تفريط فبالحري أن يقع مكفرا , فيغفر له ويدخل الجنة. ... 180 - 434 - وقال:" من صلى الصبح فهو في ذمة الله , فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء , فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه , ثم يكبه على وجهه في نار جهنم ", رواه جندب القسري. " وعن جندب القسري - وهو جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي - أنه - عليه السلام - قال: من صلى الصبح فهو في ذمة الله " الحديث. المواظبة على صلاة الصبح , لما فيها من الكلفة والمشقة مظنة خلوص الرجل ومئنة إيمانه , ومن كان مؤمنا خالصا فهو في ذمة الله وعهده. وقوله:" فلا يطلبنكم الله من ذمته " وإن دل ظاهره على النهي عن مطالبة الله إياهم بشيء من عهده , لكن المعنى: نهاهم عما يوجب

مطالبته تعالى إياهم من نقض عهده وإخفاء ذمته , بالتعرض لمن له ذمته , ويحتمل أن يكون المراد بالذمة: الصلاة المقتضية للأمان , فيكون المعنى: لا تتركوا صلاة الصبح , فينتقض به العهد الذي بينكم وبين ربكم , فيطلبكم به , ومن طلبه الله للمؤاخذة بما فرط في حقه والقيام بعهده أدركه , ومن أدركه كبه على وجهه في نار جهنم. ... 181 - 435 - وقال:" لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه , ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه , ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا ", رواه أبو هريرة رضي الله عنه. " عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول " الحديث. " النداء ": الأذان , أي: لو يعلمون ما في التأذين من الفضل والثواب , ثم لم يجدوا له طريقا إلا (الاستفهام) - أي: الاقتراع وطلب السهم بالقرعة , من: ساهمته فسهمته أسهمه: إذا قارعته - اقترعوا حرصا ومنافسة به , ويحتمل أن يكون المراد به: الإقامة , على تقدير مضاف , وهو أوفق لما بعده , أي: لو يعلمون ما في حضور الإقامة , وتحرم الإمام والوقوف في الصف الأول , ولم يجدوا مجالا إلا بالاستهام لاستهموا.

باب الأذان

و" ثم " هاهنا: للإشعار بتعظيم الأمر وبعد الناس عنه. و" التهجير ": السير في الهاجرة , والمراد به: السعي إلى الجمعة وجماعة الظهر , لا يقال الأمر بالإبراد ينافيه , لأنا نمنع ذلك , فإن كثيرا من أصحابنا حملوا الأمر به على الرخصة , فعلى هذا يكون الإبراد رخصة , والتهجير سنة , ومن حمل ذلك على الندب فله أن يقول: الإبراد تأخير الظهر أدنى تأخير , بحيث يقع الظل , ولا يخرج بذلك عن حد التهجير , فإن الهاجرة تطلق على الوقت إلى أن يقرب العصر , والله أعلم. ... 4 - باب الأذان من الصحاح: 182 - 443 - قال أنس رضي الله عنه: ذكروا النار والناقوس , فذكروا اليهود والنصارى , فأمر بلال أن يشفع الأذان , وأن يوتر الإقامة إلا الإقامة. (باب الأذان) (من الصحاح): " قال أنس رضي الله عنه: ذكروا النار والناقوس , فذكروا اليهود والنصارى " الحديث.

لَمَّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وبنى المسجد شاور الصحابة فيما يجعل علما للوقت , " فذكروا النار والناقوس , فذكروا اليهود والنصارى ", أي: فذكر جمع من الصحابة النار والناقوس , وذكر آخرون النار شعار اليهود والناقوس شعار النصارى , فلو اتخذنا أحد الأمرين شعارا لالتبس أوقاتنا بأوقاتهم. وقوله:" فأمر بلال " يفيد عرفا: أن الرسول - صلوات الله عليه - أمره , فإن من اشتهر بطاعة أمير إذا قال: (أمرت بكذا) فهم منه أمر الأمير له , وأيضا مقصود الراوي: بيان شرعيته , وهي لا تكون إلا إذا كان الأمر صادرا من الشارع , وذلك حين ما ذكر له عبد الله بن زيد الأنصاري رؤياه. وقوله:" أن يشفع الأذان ", أي: أن يأتي بألفاظه شفعا. وقوله:" أن يوتر الإقامة " دليل على أن الإقامة فرادى , وهو مذهب أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين , وإليه ذهب الزهري ومالك والشافعي والأوزاعي وأحم وإسحاق , وقد رواه ابن عمر وبلال وسعد القرظ , وهو كان مؤذن مسجد قباء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفة بلال في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عهده , واحتج من زعم أنها مثنى بما روى ذلك عبد الله بن زيد. ... 183 - 446 - عن أبي محذورة: أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع

باب فضل الأذان وإجابة المؤذن

عشرة كلمة , والإقامة سبع عشرة كلمة. وقول أبي محذورة) علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان تسع عشرة كلمة , والإقامة سبع عشرة كلمة) وذلك معارض بما روى الإفراد عنها أيضا , وحديث أبي محذورة ما سمعت أحدا قال بموجبه غير محمد بن إسحاق بن خزيمة , لأنه يقتضي الترجيع في الأذان , إذ به يصير تسع عشرة كلمة , والتثنية في الإقامة , والقائل بأحدهما لا يقول بالآخر , وأبو محذورة اسمه: سمرة بن معين القرشي الجمحي , ويقال: جابر بن معين , وقيل: سمرة بن نوذان بن سعد بن جمح. ... 5 - باب فضل الأذان وإجابة المؤذن من الصحاح: 184 - 451 - عن معاوية رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" المؤذنون أول الناس أعناقا يوم القيامة ". (باب فضل الأذان) (من الصحاح): " عن معاوية: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: المؤذنون أطول

الناس أعناقا يوم القيامة ". (تعديل عنق الرجل وطوله): كناية عن فر حه وعلو درجته وإنافته على غيره , كما أن حنو القد واطمئنانه وخضوع العنق وانكساره: يعبر بها عن الحيرة والهوان والهم , قال الله تعالى: {فظلت أعناقهم لها خاضعين} [الشعراء: 4]. ... 185 - 452 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين , فإذا قضى النداء أقبل , حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر , حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه , يقول: اذكر كذا , واذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى ". " وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان " الحديث. شبه إشغال الشيطان نفسه وإغفالها عن سماع التأذين: بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره , ثم سماه: ضراطا , تقبيحا له. وقوله:" ّإذا ثوب بالصلاة " معناه: إذا أقيم لها , وإنما سميت الإقامة: تثويبا , لأن المؤذن بعدما دعا الناس إلى الصلاة عاد إلى دعائهم بها , من) ثاب) بمعنى: رجع , ولذلك يسمى قوله:" الصلاة

خير من النوم ": تثويبا , لأنه رجوع إلى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة. ... 186 - 453 - وقال:" لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة " رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه. " وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه - عليه السلام - قال: لا يسمع مدى صوت المؤذن " الحديث. (مدى الشيء): غايته , وغاية الصوت تكون أخفى لا محالة , فإذا شهد له من بعد عنه ووصل إليه همس صوته , فأن يشهد له من دنا منه وسمع مباديء صوته كان أولى , وإنما قال ذلك ولم يقل: لم يسمع صوت المؤذن , ليكون أبلغ وأشد تحريضا وحثا لهم على رفع الصوت. ... 187 - 456 - وقال: " من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة , آت محمدا الوسيلة والفضيلة , والدرجة الرفيعة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته يا أرحم الراحمين , حلت له شفاعتي يوم القيامة ", رواه جابر. " عن جابر رضي الله عنه: أنه - عليه السلام - قال: من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة " الحديث.

هذا إشارة إلى الأذان , وإنما أنث لتأنيث خبره , لأنه هو في المعنى , كما فعل ذلك في قولهم: من كانت أمك؟ و " التامة ": صفة مقيدة للخبر , أي: هذه دعوة تامة في إلزام الحجة وإيجاب الإجابة والمسارعة إلى المدعو إليه , و" الصلاة ": عطف على الخبر , ومعناها الدعاء , و"القائمة ": الدائمة , من: أقام الشيء وأقام عليه: إذا حافظه وداوم عليه , كما قال الشاعر: أقامت غزالة سوق الضراب لأهل العراقين حولا قميطا أي: لا يغيرها شارع ولا يبطلها غاشم , و " الوسيلة ": ما يتقرب إلى غيره , كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} أي: اتقوه بترك المعاصي , وابتغوا إليه الوسيلة بفعل الطاعات , من: وسل إلى كذا: إذا تقرب إليه. قال لبيد: أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم ألا كل ذي لب إلى الله واسل والمراد بها هاهنا: منزلة في الجنة , لقوله - عليه السلام - في حديث عبد الله بن عمرو: " ثم سلوا الله لي الوسيلة , فإنها منزلة في الجنة " , وإنما سميت وسيلة لأنها منزلة يكون الواصل إليها قريبا من الله تعالى فائزا بلقائه , فيكون كالوصلة التي يتوسل بالوصول إليه

والحصول فيها إلى الزلفى من الله عز وجل , والانخراط في عمار الملأ الأعلى , أو: لأنها منزلة سنية , ومرتبة علية يتوسل الناس بمن اختص بها ونزل فيها إلى الله تعالى , وشفيعا مشفعا يخلصهم من أليم عقابه. ... 188 - 459 - وقال: " بين كل أذانين صلاة , بين كل أذانين صلاة " ثم قال في الثالثة: " لمن شاء ", رواه عبد الله بن مغفل. " وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه: أنه - عليه السلام - قال: بين كل أذانين صلاة " الحديث. المراد بـ (الأذانين): الأذان والإقامة , والمعنى: أنه يسن أن يصلي بين كل أذان وإقامة صلاة , ولا يجوز حمله على أن بين كل أذان وأذان الوقت الذي بعده صلاة , لأنها واجبة , لا خير فيها , وقد خير , فقال - عليه السلام - في المرة الثالثة:" لمن شاء ". ... من الحسان: 189 - 460 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الأئمة ضمناء , المؤذنون أمناء , فأرشد الله الأئمة , وغفر للمؤذنين ".

(من الحسان): " عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه - عليه السلام - قال: الأئمة ضمناء " الحديث. الإمام متكفل أمور صلاة الجمع , فيتحمل القراءة عنهم إما مطلقا عند من لا يوجب القراءة على المأموم , أو إذا كانوا مسبوقين , ويحفظ عليهم الأركان والسنن وعدد الركعات , ويتولى السفارة بينهم وبين ربهم في الدعاء , والمؤذن أمين في الأوقات , يعتمد الناس على أصواتهم في الصلاة والصيام وسائر الوظائف المؤقتة. وقوله:" أرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين " دعاء أخرجه في صورة الخبر , تأكيدا وإشعارا بأنه من الدعوات التي تتلقى بالمسارعة إلى إجابتها , وعبر بصيغة الماضي ثقة بالاستجابة , وكأنه أجب سؤاله , وهو يخبر عنه موجودا , والمعنى: أرشد اللهم الأئمة للعلم بما تكفلوه والقيام به والخروج عن عهدته , واغفر للمؤذنين ما عسى يكون لهم من تفريط في الأمانة التي حملوها. ... 190 - 464 - عن أبي هريرة رضي الله عنه , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

" المؤذن يغفر له مدى صوته , ويشهد له كل رطب ويابس , وشاهد الصلاة يكتب له خمس وعشرون صلاة , ويكفر عنه ما بينهما ". " وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه - عليه السلام - قال: المؤذن يغفر له مدى صوته ". أي: يستغفر له كل من سمع صوته , فحضر الصلاة , وذلك لأن الصلاة كفارة لما سبق من الخطايا , فمن سمع صوت المؤذن وأسرع إلى الصلاة غفرت خطاياه للصلاة المسببة من ندائه , فكأنه غفر لأجله , ويحتمل أن يكون المراد به: أن المؤذن يغفر له خطاياه , وإن كانت بحيث لو فرضت أجساما ملأت ما بين الجوانب التي يبلغها مدى صوته. ... 191 - 465 - وقال عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه: قلت: يا رسول الل! اجعلني إمام قومي , قال: " أنت إمامهم , واقتد بأضعفهم , واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا ". " وقال عثمان بن أبي العاص: يا رسول الله! اجعلني إمام قومي " الحديث. جعله إمام القوم , وأمره بأن يقتدي بأضعفهم على معنى أن يتبع في أفعاله الصلاة منته , فيأتي بها حسبما يطيقه ويحتمله.

باب المساجد ومواضع الصلاة

وقوله:" واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا " تمسك به من منع الاستئجار على الأذان , ولا دليل فيه, لجواز أنه - عليه السلام - أمر بذلك أخذا بالأفضل. ... 192 - 469 - وقال: " ثنتان لا تردان: الدعاء عند النداء , وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا ", ويروى:" وتحت المطر " , رواه سهل بن سعد. " وفي حديث سهل بن سعد رضي الله عنه: حين يلحم بعضهم بعضا ". أي: حين يقوم القتال ويتشبث بعضهم ببعض , يقال: (لحمه): إذا التصق به التصاق اللحم بالعظم , أو يهم بعضهم بقتل بعض , من: لحم فلان فهو ملحوم ولحيم: إذا قتل , كأنه يجعل لحما. ... 6 - باب المساجد ومواضع الصلاة من الصحاح: 193 - 478 - قال ابن عباس رضي الله عنه: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت دعا في نواحيه كلها , ولم يصل حتى خرج , فلما خرج ركع ركعتين في

قُبُل الكعبة , وقال:" هذه القبلة ". (باب المساجد) (من الصحاح): " قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت دعا في نواحيه " الحديث. ذهب عامة العلماء إلى جواز التنفل داخل الكعبة , لحديث ابن عمر , وهو الذي يليه , واختلف في الفرض , فذهب الجمهور إلى جوازه , ومنع منه مالك وأحمد , وحكي عن محمد بن جرير أنه قال: لا يجوز فيها الإتيان بالفرض ولا بالنفل , تمسكا بهذا الحديث , وهو – مع ضعف دلالته – لا يعارض حديث ابن عمر لأنه حكاية دخوله يوم الفتح , فلو كان ابن عباس يحكي غيره فلا تعارض , وإن كان يحكيه – والظاهر ذلك – فالحديث مرسل , لأنه – عليه السلام – لما دخل أغلق عليه الباب ولم يكن ابن عباس معه , فلا يقاوم المسند , والمراد: بـ (قبل الكعبة): الجهة التي فيها الباب , والباء يسكن ويحرك. وقوله: " هذه " إشارة إلى الكعبة , و"القبلة ": خبرها , والمعنى: إن أمر القبلة قد استقر عليها , فلا ينسخ إلى غيرها , ويحتمل أن يكون إشارة إلى تلك الجهة , والمراد: أن يعلمهم أن الأفضل أن يقف الإمام من هذا الجانب دون غيره , فإنه مقام إبراهيم صلوات الله عليه. ***

194 – 481 – وقال: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام , والمسجد الأقصى ,ومسجدي هذا ", رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه. " وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه – عليه السلام – قال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد " الحديث. ينبغي للعاقل ألا يشتغل إلا بما له فيه صلاح دنيوي أو فلاح أخروي , ولما كانت ما عدا ذلك من المساجد متساوية الأقدام في الشرف والفضل , وكان التنقل والارتحال لأجلها عبثا ضائعا نهى الشارع عنه , ولهذا قيل: لو نذر أن يعتكف أو يصلي في أحد هذه المساجد تعين , بخلاف سائر المساجد , والمقتضي لشرفها: أنها من أبنية الأنبياء ومتعبداتهم. ... 195 – 482 – وقال: " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة , ومنبري على حوضي " رواه أبو هريرة. " عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه – عليه السلام – قال: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة " الحديث. قيل معناه: إن الصلاة والذكر فيما بينهما يؤدي إلى " روضة من رياض الجنة " , ومن حضر وعظه وسمع قوله سماع تذكر واتعاظ سقي

يوم القيامة من حوضه. وقيل: سمي ما بينهما روضة لأنه مجلس الذكر والدعاء , وقد سمي رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلس الذكر والدعاء: رياضا , لأنها مؤدية إليها , وشبه المنبر بالحوض , لأن القلوب الصادئة ترده وتستشفي به من علة الجهال. ... 196 – 488 – وقال جابر: أراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد , فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" يا بني سلمة! دياركم , تكتب آثاركم , دياركم , تكتب آثاركم ". " وقال جابر: أراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى المسجد " الحديث. " بنو سلمة " بكسر اللام: بطن من الأنصار , وكانت دورهم بعيدة من المسجد , فأرادوا أن يتحولوا إلى قربه , فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعري دورهم , أي: أن تصير عراة , أي: فضاء , فنهاهم عنه. و (ديار) جمع: دار , ونصبه على الإغراء , أي: الزموا دياركم , و" تكتب ": جواب الأمر , والمراد بالآثار الخطى إلى المساجد , أي: تعد خطاكم وتكتبها الكتبة للثواب أو ما يؤثر , أي: يكتب في السنن والآثار حرصكم على الطاعات وجدكم واجتهادكم في حضور الجماعات ,

ويقتدي بكم من بعدكم ... 197 – 499 – وقال:" لعنة الله على اليهود والنصارى , اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ". " وعن عائشة رضي الله عنها: أنه – عليه السلام – قال: لعنة الله على اليهود والنصارى "الحديث. لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لشأنهم ويجعلونها قبلة , ويتوجهون في الصلاة نحوها , فاتخذوها أوثانا = لعنهم ومنع المسلمين عن مثل ذلك ونهاهم عنه , أما من اتخذ مسجدا في جوار صالح , أو صلى في مقبرته , وقصد به الاستظهار بروحه , أو وصول أثر من آثار عبادته إليه , لا التعظيم له والتوجه نحوه فلا حرج عليه , ألا ترى أن مرقد إسماعيل – عليه السلام – في المسجد الحرام عند الحطيم , ثم إن ذلك المسجد أفضل مكان يتحرى المصلي لصلاته , والنهي عن الصلاة في المقابر مختص بالمقابر المنبوشة , لما فيها من النجاسة. ... 198 – 501 – وقال: " اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورا ".

" وعن ابن عمر: أنه – عليه السلام – قال: اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم , ولا تتخذوها قبورا ". " من صلاتكم ": مفعول " اجعلوا " أي: اجعلوا بعض صلاتكم في البيوت , " ولا تتخذوها قبورا ": تخلونها عن الصلاة , شبه المكان الخالي عن العبادة بالقبر , أو الغافل عنها بالميت , ثم أطلق القبر على مقره. وقيل: معناه: النهي عن الدفن في البيوت , وإنما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة مخافة أن يتخذ قبره مسجدا , أو يستبدله الناس , وغير ذلك. ... من الحسان: 199 – 503 – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما بين المشرق والمغرب قبلة ". (من الحسان): " عن أبي هريرة رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة ". يريد ما بين مشرق الشمس في الشتاء – وهو مطلع قلب العقرب – ومغرب الشمس في الصيف , وهو مغرب السماك الرامح.

200 – 504 – وقال طلق بن علي: خرجنا وفدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه , وصلينا معه , وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا , فقال: " إذا أتيتم أرضكم فاكسروا بيعتكم , وانضحوا مكانها بهذا الماء , واتخذوها مسجدا ". " وقال طلق بن علي: خرجنا وفدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فبايعناه " الحديث. قوله: " فاكسروا بيعتكم " أي: غيروا محرابها وحولوه إلى الكعبة. وقوله: " بهذا الماء " قيل: إنه إشارة إلى جنس الماء , والمراد: تطهيرها وغسلها بالماء عما بقي فيها , وقيل: إلى ما أعطاه من فضل وضوئه , إذ روي أنه قال: واستوهبنا فضل وضوئه , فدعا بماء , فتوضأ منه وتمضمض , ثم صبه في إداوة وقال: " اذهبوا بهذا الماء , فإذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعتكم , ثم انضحوا مكانها بهذا الماء , واتخذوا مكانها مسجدا ", فقلنا: يا نبي الله! البلد بعيد والماء ينشف , فقال: " أمدوه من الماء , فإنه لا يزيد إلا طيبا " ويكون المراد منه: إيصال بركة وضوئه إليها. ***

201 - 512 – عن عبد الرحمن بن عائش رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأيت ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة , فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قلت: أنت أعلم أي رب – مرتين – قال: فوضع كفه بين كتفي , فوجدت بردها بين ثديي , فعلمت ما في السماء والأرض , ثم تلا هذه الآية: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين} , ثم قال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قلت: في الكفارات , قال: وما هن؟ قلت: المشي على الأقدام إلى الجماعات , والجلوس في المساجد خلف الصلوات , وإبلاغ الوضوء أماكنه في المكاره , م يفعل ذلك يعش بخير ويمت بخير , ويكون من خطيئته كيوم ولدته أمه , ومن الدرجات إطعام الطعام , وبذل السلام , وأن يقوم بالليل والناس نيام , قال: قل: اللهم! إني أسألك الطيبات , وترك المنكرات , وحب المساكين , وأن تغفر لي خطيئتي وترحمني وتتوب علي , وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون ". " عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت ربي تبارك وتعالى " الحديث. الحديث – على ما أورده الشيخ – مرسل , فإن عبد الرحمن ليس بصحابي , وقد أورده أحمد بن حنبل في " مسنده " وروي بإسناده عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي , عن مالك بن عامر , عن معاذ بن

جبل , فالظاهر أنه حكاية رؤياه , ويدل عليه مقدمة الحديث على ما ساقه الطبراني , فإنه روي بإسناده عن معاذ: أنه قال: احتبس علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة حتى كادت الشمس تطلع , فلما صلى الغداة قال: " إني صليت الليلة ما قضي لي , ووضعت جنبي في المسجد , فأتاني ربي في أحسن صورة ", وعلى هذا لم يكن فيه إشكال , إذ الرائي قد يرى غير المشكل مشكلا , والمشكل بغير شكله , ثم لم يعد ذلك بخلل في الرؤيا وخلل في خلد الرائي , بل له أسباب أخر تذكر في علم المنامات , ولولا تلك الأسباب لما افتقرت رؤيا الأنبياء – صلوات الله عليهم – إلى التعبير , وإن كان في اليقظة , وعليه ظاهر ما روى أحمد بن حنبل , فإن فيه:" فنعست في صلاتي حتى استيقظت , فإذا أنا بربي عز وجل في أحسن صورة " فلا بد من التأويل: فأقول – وبالله التوفيق -: صورة الشيء ما يميز به الشيء عن غيره , سواء كان عين ذاته أو جزءه المميز , وكما يطلق ذلك في الجسم يطلق في المعاني , فيقال: صورة المسألة كذا وصورة الحال كذا , فصورته تعالى – والله أعلم -: ذاته المخصوصة المنزهة عن مماثلة ما عداه من الأشياء , كما قال تعالى: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11] [البالغة] إلى أقصى مراتب الكمال.

و" الملأ الأعلى ": الملائكة , سموا بذلك لعلو مكانهم أو مكانتهم , وقيل: نوع من الملائكة أعظمهم عند الله قدرا وأعلاهم منه منزلة , و (اختصاصهم): إما عبارة عن تبادرهم إلى بت تلك الأعمال والصعود بها إلى السماء , وإما عن تفاوتهم في فضلها وشرفها وإناقتها على غيرها , وإما عن اغتباطهم الناس تلك الفضائل لاختصاصهم بها. وقوله: " فوضع كفه بين كتفي " مجاز عن تخصيصه إياه بمزيد الفضل عليه , وإيصال فيضه إليه , فإنه لما كان من ديدن الملوك أن أحدهم إذا أراد أن يدني إلى نفسه بعض خدمه , ويذكر معه بعض أحوال مملكته يضع يده على ظهره , ويلقي ساعده على عنقه , تلطفا به , وتعظيما لشأنه , وتنشيطا له في فهم ما يقوله = جعل ذلك حيث لا كف ولا وضع حقيقة , [بل] كناية عن التخصيص لمزيد الفضل والتأييد وتمكين الملهم في الروع. وقوله: " فوجدت بردها بين ثديي " كناية عن وصول ذلك الفيض إلى قلبه , وتأثره عنه , ورسوخه فيه , وإيقانه له , يقال: ثلج صدره وأصابه برد اليقين , لمن تيقن الشيء وتحققه. وقوله: " فعلمت ما في السماء والأرض " دليل على أن وصول ذلك الفيض صار سببا لعلمه , ثم استشهد بالآية. والمعنى: أنه تعالى كما أرى إبراهيم – صلوات الله عليه – ملكوت السماوات والأرض , وكشف له ذلك فتح علي أبواب الغيوب حتى علمت ما فيهما من الذوات والصفات والظواهر والمغيبات.

و (الملكوت): فعلوت , من: الملك , وهو أعظمه , وقيل: المراد به في الآية: خلق السماوات والأرض. قوله ثانيا: " فيم يختصم الملأ الأعلى " إعادة للسؤال بعد التعليم. وقوله: " قلت: في الكفارات " جواب له , وإنما سميت الخصال المذكورة: كفارات لأنها تكفر ما قبلها من الذنوب , بدليل قوله: " ومن يفعل ذلك يعش بخير ويمت بخير , ويكون من خطيئته كيوم ولدته أمه ". وقوله: " وفي الدرجات " أي: ومما يرفع الدرجات , أو يوصل إلى الدرجات العالية. ... 202 – 513 – عن أبي أمامة رضي الله عنه , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثة كلهم ضامن على الله: رجل خرج غازيا في سبيل الله , فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر أو غنيمة , ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على الله ,ورجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله ". " وعن أبي أمامة رضي الله عنه , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة كلهم ضامن على الله " الحديث. " ضامن " من باب النسب , بمعنى: ذو ضمان , كـ (القاسط) و (اللابن).

قوله: " ورجل دخل بيته بسلام " أي: مسلما على أهله , وقيل: معناه: من دخل بيته طالبا للسلامة في أيام الفتن. ... 203 – 524 – وقال: " صلوا في مرابض العنم , ولا تصلوا في أعطان الإبل ". " وقال النبي صلى الله عليه وسلم: صلوا في مرابض الغنم " الحديث. (المرابض) جمع: مربض , وهو مأوى الغنم , و (الأعطان): المبارك. والفارق: أن الإبل كثير الشراد شديد النفار , فلا يأمن المصلي في أعطانها عن أن تنفر وتقطع الصلاة عليه , ويتشوش قلبه , فيمنعه عن الخشوع فيها , وإليه أشار بقوله: " لا تصلوا في مبارك الإبل , فإنها من الشياطين " , ولا كذلك من صلى في مرابض الغنم. واختلف العلماء في أن النهي الوارد عن الصلاة في المواطن السبعة للتحريم أو التنزيه , ثم القائلون بالتحريم اختلفوا في الصحة خلافا مبنيا على أن النهي هل يدل على الفساد؟ وفيه أربعة مذاهب: أحدها: أنه يدل مطلقا. وثانيها: أنه لا يدل أصلا. وثالثها: الفرق: بين ما ورد في العبادات وبين ما ورد في

باب الستر

المعاملات ونحوها. ورابعها: الفرق: بين ما إذا كان متعلق النهي نفس الفعل , أو ما يكون لازما له , كصوم يوم العيد والصلاة في الأوقات المكروهة وبيع الربا , وبين ما لا يكون كذلك , كالصلاة في الدار المغصوبة والوادي وأعطان الإبل والبيع وقت النداء. 7 - باب الستر من الصحاح: 204 - 529 - عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام , فنظر إلى أعلامها نظرة , فلما انصرف قال: " اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم , وائتوني بأنبجانية أبي جهم , فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي ". وفي رواية: " كنت أنظر إلى علمها وأنا في الصلاة , فأخاف أن تفتنني ". (باب الستر) (من الصحاح): " عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة " الحديث.

(الخميصة): كساء مربع أسود له علمان , فإن لم يكن ذا علم لا يسمى خميصة. و (الأنبجانية): روي بفتح الباء , والكسر أشهر , وهو كساء منسوب إلى أنبيجان , وهو موضع , و (أبو جهم) هذا: أبو جهم بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي. قيل: إنما أرسل إليه لأنه كان أهداها إياه , فلما ألهاه علمها , أي: شغله عن الصلاة , بوقوع نظره إلى نقوش العلم وألوانه , أي: تفكره في أن مثل ذلك للرعونة التي لا تليق به ردها إليه ,فاستبدل منه أنبجانيتة , كيلا يتأذى قلبه بردها إليه. ... 205 - 530 - عن أنس رضي الله عنه قال: كان قرام لعائشة رضي الله عنها سترت به جانب بيتها , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أميطي عنا قرامك , فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي ". " وفي حديث أنس: كان لعائشة قرام ". أي: ستر فيه رقم ونقوش. ... 206 - 531 - وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: أهدي لرسول [الله] صلى الله عليه وسلم فروج حرير , فلبسه , ثم صلى فيه , ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا

كالكاره له , ثم قال: " لا ينبغي هذا للمتقين ". " وفي حديث عقبة بن عامر بن ربيعة - وهو أنصاري خزرجي شهد بدرا وغيره من المشاهد , واستشهد يوم القيامة -: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروج حرير ". " فروج ": قباء شق من خلفه , والظاهر: أنه كان قبل التحريم , وقيل: بعده , وإنما لبسه استمالة لقلب المهدي , وهو المقوقس صاحب الإسكندرية , وقيل: أكيد [ر] صاحب دومة الجندل. ... 207 - 534 - وقال: " لا تقبل صلاة حائض إلا بخمار ". (من الحسان): " عن عائشة رضي الله عنها , عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقبل صلاة حائض إلا بخمار " المراد بـ (الحائض): المرأة , وقيل: التي بلغت سن المحيض , حاضت أو لم تحض , كما يقال: (المحتلم) لمن بلغ بالسن وإن لم يحتلم.

208 - 536 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة , وأن يعطي الرجل فاه ". " وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة , وأن يغطي الرجل فاه ". قيل: المراد: سدل اليد , وهو إرسالها , وقيل: إرسال الثوب حتى يصيب الأرض , وتخصيص النهي بالصلاة , وهو منهي عنه على الإطلاق , لأنه من الخيلاء , وهو في الصلاة أشنع وأقبح , أو لأن عادة العرب شد الأزر على أوساطهم حال التردد , وحلها حينما انتهوا إلى مساجدهم ومجالسهم وإسبالها وربطها ربطا غير محكم , فنهوا عن ذلك في الصلاة , لأن المصلي يشتغل بضبطه ولا يأمن أن تنفصل عنه في انتقالاته. وكانت العرب يتلثمون بالعمائم , فيغطون أفواههم , فنهوا عنه , لأنه يمنع عن إتمام القراءة وتكميل السجود. ... 209 - 538 - قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره , فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم , فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: " ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ " قالوا: رأيناك نعليك , فقال:" إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا ", وقال: " إذا جاء أحدكم

باب السترة

المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرا فليمسحه , وليصل فيهما " وفي رواية: " خبثا ". " وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه " الحديث. ألفاظه ظاهرة , وفيه: دليل على وجوب مبايعته , لأنه - عليه السلام - لما سألهم عن الحامل لهم على الخلع أجابوا بالمتابعة , وقررهم على ذلك وذكر المخصص له , وعلى أن المستصحب للنجاسة إذا جهل صحت صلاته , وهو قول قديم للشافعي , لأنه - عليه السلام - لما أعلمه جبريل خلع النعل ولم يستأنف , ومن يرى فساد الصلاة حمل القذر على ما يستقذر عرفا كالمخاط , وعلى أن من تنجس نعله إذا دلك على الأرض طهر وجاز الصلاة فيه , وهو أيضا قول قديم للشافعي , لقوله: " فليمسحه وليصل فيهما " ومن يرى خلافه أول بما ذكرناه , والله أعلم. ... 8 - باب السترة من الصحاح: 210 - 541 - عن عون بن أبي جحيفة , عن أبيه قال: رأيت

رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح في قبة حمراء من أدم , ورأيت بلالا أخذ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم , ورأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء , فمن أصاب منه شيئا تمسح به , ومن لم يصب أخذ من بلل يد صاحبه , ثم رأيت بلالا أخذ عنزة فركزها , وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء مشمرا صلى إلى العنزة بالناس الظهر ركعتين , ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة. (باب السترة) (من الصحاح): " عن عون بن أبي جحيفة , عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح " الحديث. المراد بوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما انفصل عن أعضائه في الوضوء , وتمسحهم به دليل على طهارة الماء المستعمل , و" العنزة ": أطول من العصا وأقصر من الرمح , ولها سنان كسنانه , و " الحلة ": إزار ورداء , لا يسمى حلة حتى يكون ثوبين. وفيه: دليل على أن المصلي إذا نصب بين يديه علامة جاز المرور ما وراءه. ... 211 - 545 - قال: " إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من

الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه , فإن أبي فليقاتله فإنما هو شيطان ". " وقال عليه السلام: إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس " الحديث. لما علق الأمر بالدفع بالتوجه إلى السترة دل ذلك على عدمه إذا لم يصل إلى سترة. وقوله: " فليدفعه " أي: بالإشارة ووضع اليد على نحره , و" إن أبى فليقاتله " أي: فليعالج دفعه بعنف , " فإنما هو شيطان " من حيث إن فعله فعل الشيطان , أو الحامل له على ذلك هو الشيطان , أو لأن الشيطان هو المارد , سواء كان من جن أو إنس , وراوي الحديث أبو سعيد الخدري. ... 212 - 546 - عن أبي هريرة رضي الله عنه , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال]:"تقطع الصلاة المرأة , والحمار , والكلب , وبقي ذلك مثل مؤخرة الرحل ". " وعن أبي هريرة رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم تقطع الصلاة: المرأة "الحديث. جمهور العلماء من الصحابة ومن بعدهم على أن صلاة المصلي

لا يقطعها ما يمر بين يديه , لما روى أبو سعيد الخدري أنه - عليه السلام - قال: " لا يقطع الصلاة شيء , وادرؤوا ما استطعتم , فإنما هو شيطان " وحملوا هذا الحديث على المبالغة في الحث على نصب السترة , فإن مرور المار بين يدي المصلي مما يشغل قلبه ويشوش حاله , وذلك قد يؤدي إلى قطع الصلاة عليه. وأخذ أنس بن مالك والحسن بن أبي الحسن بظاهر هذا الحديث , وشرطا أن يكون الكلب أسود , لأن أب ذر رواه مقيدا به , وقال أحمد وإسحاق: يقطعها الكلب أسود دون المرأة والحمار , لأن حديث عائشة وابن عباس عارضه فيهما , فيبقى دليلا في الكلب سالما عن المعارض , وقد عارضه في الكلب مطلقا حديث الفضل بن عباس المعدود من الحسان. ... من الحسان: 213 - 549 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا , فإن لم يجد فليصب عصاه , فإن لم يكن معه عصا فليخطط خطا , ثم لا يضره ما مر أمامه ". (من الحسان): " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا " الحديث.

أي: إذا وجد المصلي بناء أو شجرا أو نحو ذلك في الموضع الذي يصلي فيه جعله تلقاء وجهه , وإن لم يجد فلينصب عصاه وليتوجه إليه , فإن لم يكن معه عصاه فليخط بين يديه خطا حتى يتعين به مصلاه ويتبين حده , فلا يتخطاه المار , وهو دليل على جواز الاقتصار عليه , وهو قول قديم للشافعي. ... 214 - 551 - وقال المقداد بن الأسود: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عمود ولا عود , ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر , ولا يصمد له صمدا. " وقال المقداد بن الأسود: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عمود " الحديث. معناه: أنه - عليه السلام - إذا كان يصلي إلى شيء منصوب بين يديه ما قصده قصدا مستويا بحيث يستقبله بما بين عينيه , حذرا من أن يضاهي فعله عبادة الأصنام , بل يميل عليه يجعله على أحد حاجبيه , و (الصمد): القصد , يقال: صمدت صمدة , أي: قصدت قصدة.

باب صفة الصلاة

9 - باب صفة الصلاة من الصحاح: 215 - 555 - وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بـ {الحمد لله رب العالمين} , وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه , ولكن بين ذلك , وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما , وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالسا , وكان يقول في كل ركعتين التحيات , وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى , وكان ينهى عن عقبة الشيطان , وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع , وكان يختم الصلاة بالتسليم. (باب صفة الصلاة) (من الصحاح): " عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير" الحديث. " يستفتح الصلاة " أي: يبتدئها , ويجعل التكبير فاتحتها , و"القراءة" عطف على الصلاة , أي: يبتديء القراءة بسورة الفاتحة , فيقرؤها , ثم يقرأ السورة , ذلك لا يمنع تقديم دعاء الاستفتاح , فإنه

لا يسمى في العرف قراءة , ولا يدل على أن التسمية ليست من الفاتحة , إذ ليس المراد أنه كان يبتديء القراءة بلفظ: {الحمد لله} , بل المراد: أنه كان يبتديء بقراءة السورة التي مفتتحها {الحمد لله} كما يقال: قرأت: {قل هو الله أحد} [الإخلاص:1]. " وكان إذا ركع لم يشخص رأسه " أي: لم يرفعه , من: شخصت كذا: إذا رفعته , وشخص شخوصا: إذا ارتفع , و " لم يصوبه " أي: لم يرسله , وأصل الصوب: النزول من أعلى نحو أسفل , و" لكن بين يديك " , أي: يجعل رأسه بين التصويب والتشخيص , بحيث يستوي ظهره وعنقه كالصفحة الواحدة , و (بين): وإن كان من حقه أن يضاف إلى شيئين فصاعدا , إلا أن ذلك لما كان بمعنى شيئين من حيث وقع مشارا به إلى مصدري الفعلين المذكورين , حسن إضافته إليه. " وكان رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما ": دليل على وجوب الرفع والاعتدال , لأن فعله في الصلاة دليل الوجوب ما لم يعارضه ما يدل على أنه ندب , لقوله عليه السلام: " صلوا كما رأيتموني أصلي ", وهو مذهب الشافعي , وقال أبو حنيفة: لا يجب الاعتدال ولا الرفع , بل لو انحط من الركوع إلى السجود جاز , وروي عن مالك وجوب الرفع وعدمه. " وكان يقول في كل ركعتين التحية " أي: يتشهد في كل ركعتين ,

سمي الذكر المعين: تحية وتشهدا , لاشتماله على التحية والشهادة. " وكان ينهى عن عقبة الشيطان " أي: الإقعاء في الجلسات , وهو أن يضع إليتيه على عقبيه , " وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع " أي: أن يبسط ذراعيه كما تفترشها السباع , ولا يقلها مخويا إذا سجد , وتقييد النهي بالرجل يدل على أن المرأة لا تحوي. ... 216 - 556 - وقال أبو حميد الساعدي في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم , رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه , وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه , ثم هصر ظهره , فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه , فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما , واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة , فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى , فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته ". " وقال أبو حميد الساعدي في نفر من الصحابة: أنا أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحديث. اتفقت الأئمة على أن رفع اليد عند التحريم مسنون , واختلفوا

في كيفيته , فذهب مالك والشافعي: إلى أن السنة أن يرفع المصلي يديه حيال منكبيه , لهذا الحديث ونحوه , وقال أبو حنيفة: يرفعهما حذو أذنيه. واختلفوا في كيفية الجلسات , فقال أبو حنيفة: يجلس المصلي مفترشا فيها جميعا , وقال مالك: يجلس متوركا فيها كلها , وقال الشافعي: يتورك في التشهد الأخير ويفترش في الأول , كما رواه الساعدي في هذا الحديث , وألحق بالتشهد الأول الجلسات الفاصلة بين السجود , لأنها يعقبها انتقالات , وهي من المفترش أيسر. وقوله: " هصر ظهره " أي: ثناه , كأنه كسر ظهره لشدة انحنائه ومده , يقال: هصرت كذا ك إذا مددته , وأصل الهصر: أن تأخذ رأس الشيء ثم تكسره إليك من غير بينونة. ... 217 - 559 - وروى مالك بن الحويرث: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع اليدين إذا كبر , وإذا ركع , وإذا رفع رأسه من الركوع , وقال: حتى يحاذي بهما أذنيه. وفي رواية: " إلى فروع أذنيه ". " وروى مالك بن الحويرث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع " الحديث.

صدر الحديث يدل على أن رفع اليد مشروع للركوع والاعتدال , وبه قال الشافعي وأحمد ومالك في إحدى الروايتين عنه , وقال أبو حنيفة والثوري: لا يرفع إلا في تكبيرة الافتتاح. وآخره تمسك به الحنيفية في كيفية الرفع. روي: أن الشافعي لما قدم العراق اجتمع عليه العلماء , فسئل عن أحاديث الرفع , فقال: أرى أن يرفع بحيث تحاذي أطراف أصابعه أذنيه وإبهامه شحمة أذنيه وكفاه منكبيه , فاستحسن منه ذلك. و (فروع الأذن): أعاليه , وفرع كل شيء: أعلاه. و" مالك بن الحويرث ": ليثي من ليث بن بكر بن عبد مناة , يكنى: أبا سليمان , سكن بالبصرة , ومات بها سنة أربع وسبعين. ... 218 - 560 - وعن مالك بن الحويرث: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي , فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا. " وعنه: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي , فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا ". هذا دليل على استحباب جلسة الاستراحة , والمراد بالوتر: الركعة الأولى والثانية من الرباعيات.

من الحسان: 219 - 565 - قال أبو حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم , قالوا: فاعرض , قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه , ثم يكبر , ثم يقرأ , ثم يكبر , ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه , ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه , ثم يعتدل فلا يصبي رأسه ولا يقنع , ثم يرفع رأسه فيقول: " سمع الله لمن حمده " , ثم يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلا , ثم يقول: " الله أكبر " , ثم يهوي إلى الأرض ساجدا , فيجافي يديه عن جنبيه , ويفتح أصابع رجليه , ثم يرفع رأسه , ويثني رجله اليسرى , فيقعد عليها , ثم يعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه معتدلا , ثم يسجد , ثم يقول " الله أكبر " ويرفع ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها , حتى يرجع كل عظم على موضعه , ثم ينهض , ثم يصنع في الركعة الثانية مثل ذلك , ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة , ثم يصنع ذلك في بقية صلاته , حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى , وقعد متوركا على شقه الأيسر , ثم سلم , قالوا: صدقت هكذا كان يصلي , صحيح. وفي رواية من حديث أبي حميد: ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما , ووتر يديه فنحاهما عن جنبيه , وقال: ثم

سجد فأمكن أنفه وجبهته الأرض , ونحى يديه عن جنبيه , ووضع كفيه حذو منكبيه , وفرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه حتى فرغ , ثم جلس فافترش رجله اليسرى , وأقبل بصدر اليمنى على قبلته , ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى , وكفه اليسرى على ركبته اليسرى , وأشار بإصبعه , يعني: السبابة. وفي رواية: وإذا قعد في الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى , ونصب اليمنى , وإذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض , وأخرج قدميه من ناحية واحدة. (من الحسان): " قال أبو حميد الساعدي رضي الله عنه في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم , قالوا: فاعرض "الحديث. أكثر علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم على: أن رفع اليد في المواضع الأربعة مسنون , ولم يذكر الشافعي رفع اليدين عند القيام من السجود إلى الركعة الأخرى , لأنه بنى قوله على حديث ابن شهاب عن سالم , وهو لم يتعرض له , لكن مذهبه اتباع السنة , فإذا ثبت لزم القول به. وقوله: " فلا يصبي رأسه " أي: لا يخفضه , من: (صبا): إذا مال و" لا يقنع " أي: لا يرفع , يقال: (أقنع رأسه): إذا رفعه وأقبل بطرفه على ما بين يديه , و (أقنع يديه): إذا رفعهما مستقبلا ببطونهما

باب ما يقرأ بعد التكبير

وجهه , و"يفتخ أصابع رجليه " أي: ينصبها ويغمز مفاصلها إلى باطن الرجل , وقيل: يوسعها ويلينها , والفتخ: هو اللين في المفاصل , ومنه قيل للعقاب: فتخاء , لأنها إذا انحطت كسرت جناحيها وغمزتهما. " ووتر يديه " أي: جعلهما كوتر القوس. ... 10 - باب ما يقرأ بعد التكبير من الصحاح: 220 - 571 - وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة - وفي رواية: كان إذا افتتح الصلاة - كبر , ثم قال: " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما , وما أنا من المشركين , إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له , وبذلك أمرت , وأنا من المسلمين , اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت , سبحانك وبحمدك , أنت ربي وأنا عبدك , ظلمت نفسي واعترفت بذنبي , فاغفر لي ذنوبي جميعا , إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت , واهدني لأحسن الأخلاق , لا يهدي لأحسنها إلا أنت , واصرف عني سيئها , لا يصرف عني سيئها إلا أنت , لبيك وسعديك , والخير كله في يديك , والشر ليس إليك , أنا بك وإليك , تباركت

وتعاليت , أستغفرك وأتوب إليك ", وإذا ركع قال: " اللهم لك ركعت , وبك آمنت , ولك أسلمت , خشع لك سمعي , وبصري , ومخي , وعظمي , وعصبي " , وإذا رفع رأسه من الركوع قال: " اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وما بينهما , وملء ما ما شئت من شيء بعد ", وإذا سجد قال: " اللهم لك سجدت , وبك آمنت , ولك أسلمت , سجد وجهي للذي خلقه وصوره , وشق سمعه وبصره , فتبارك الله أحسن الخالقين ", ثم يكون من آخر ما يقوله بين التشهد والتسليم: " اللهم اغفر لي ما قدمت , وما أخرت , وما أسررت , وما أعلنت وما أسرفت , وما أنت أعلم به مني , أنت المقدم وأنت المؤخر , لا إله إلا أنت ". وفي رواية: " والشر ليس إليك , والمهدي من هديت , أنا بك وإليك , لا منجا منك ولا ملجأ إلا إليك , تباركت وتعاليت ". (باب ما يقرأ بعد التكبير) (من الصحاح): " قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال ", وفي رواية: " كان إذا افتتح الصلاة " الحديث. " وجهت وجهي " أي: توجهته بالعبادة , بمعنى: أخلصت عبادتي له وقصدت بطاعتي نحوه , " للذي فطر السماوات والأرض " على غير مثال سبق , " حنيفا ": مائلا عن الأديان الباطلة والأراء الزائغة , من:

الحنف , وهو الميل. " ونسكي " عبادتي , وقيل: ديني , أي: هو خالص لوجه الله , لا أشرك فيه غيره. " ومحياي ومماتي " أي: وحياتي وموتي له , هو خالقها ومدبرهما , لا تصرف لغيره فيهما , وقيل: معناه: طاعات الحياة والخيرات المضافة إلى الممات كالوصايا والتدبير , و (سبحان): اسم للتسبيح , ولا يستعمل إلا منصوبا على المصدر , ومعنى " سبحانك ": نزهتك تنزيها , وأصله: سبح في الأرض: إذا أبعد , و" لبيك ": مصدر مثنى ,من: ألب على كذا , أي: أقام , والمعنى: أدوم على طاعتك دواما بعد دوام , و" سعديك ": لا يكاد يستعمل إلا مع (لبيك) والمعنى: أساعدك بعد مساعدة. " والخير كله بيديك " أي: الكل عندك كالشيء الموثوق به المقبوض عليه , يجري مجرى قضائك وقدرك , لا يدرك من غيرك ما لم تسبق به كلمتك. " والشر ليس إليك " , أي: لا يتقرب به إليك , أو لا يضاف إليك , بل إلى ما اقترفته أيدي الناس من المعاصي , كقوله تعالى: {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} [النساء: 79] أو: ليس إليك قضاؤه , فإنك لا تقضي الشر من حيث هو شر , بل لما يصحبه من الفوائد الراجحة , فالمقضي بالذات هو الخير , والشر داخل تحت القضاء , " أنا بك " أعتمد وألوذ إليك , أي: أتوجه وألتجيء , " تباركت ": تعظمت وتمجدت أوجبت بالبركة , وأصل الكلمة: للدوام والثبات , ومن ذلك: البركة , وبرك البعير , ولا تستعمل هذه اللفظة إلا لله

تعالى , و " تعاليت ": عما تتوهمه الأوهام وتتصوره العقول. " لا منجى منك ": لا موضع ينجو للأبد به من عذابك. ... 220 - 572 - عن أنس رضي الله عنه: أن رجلا جاء إلى الصلاة وقد حفزة النفس , فقال: الله أكبر , الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه , فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته , فقال: " أيدكم المتكلم بالكلمات؟ , لقد رأيت اثنى عشر ملكا يبتدرونها أيهم يرفعها ". " وعن أنس رضي الله عنه: أن رجلا جاء إلى الصلاة وقد حفزه النفس " الحديث. " حفزة النفس ": أقلقه وجهده من العجلة , وأصله: الإزعاج , و (حمدا): نصب بفعل مضمر دل عليه " الحمد " , ويحتمل أن يكون بدلا عنه جاريا على محله , و"طيبا": وصفا له , أي: خالصا عن الرياء والشبهة , " مباركا ": يقتضي بركة وخيرا كثيرا يترادف إرفاده , ويتضاعف إمداده. ... من الحسان: 221 - 574 - عن جبير بن مطعم: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة قال: " الله أكبر كبيرا , الله أكبر كبيرا , الله أكبر كبيرا , والحمد لله كثيرا ثلاثا , وسبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثا , أعوذ بالله من الشيطان الرجيم , من نفخه ونفثه , وهمزه ".

باب القراءة في الصلاة

(من الحسان): " عن جبير بن مطعم رضي الله عنه: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة قال: الله أكبر " الحديث. (نفخ الشيطان): عبارة عن الكبر , كأن الشيطان ينفخ فيه بالوسوسة فيعظمه في عينه ويحقر الناس عنده , وأما " نفثه ": فالشعر , فإنه كالشيء ينفث من الفم , وأما " همزه ": فالجنون , فإنه جعل من نخسه وغمزه. ... 11 - باب القراءة في الصلاة من الصحاح: 222 - 578 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ثلاثا , غير تمام ", وقيل لأبي هريرة رضي الله عنه: إنا نكون وراء الإمام؟ قال: اقرأ بها في نفسك , فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين , ولعبدي ما سأل , وإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين} قال الله: حمدني عبدي , وإذا قال: {الرحمن الرحيم} قال الله: أثنى علي عبدي , وإذا قال: {مالك يوم الدين} قال: الله

تعالى مجدني عبدي , وإذا قال: {إياك نعبد وإياك نستعين} قال ك هذا بيني وبين عبدي , ولعبدي ما سأل , وإذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: هذا لعبدي , ولعبدي ما سأل ". (باب القراءة في الصلاة) (من الصحاح): " عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه - عليه السلام - قال: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن " الحديث. سميت الفاتحة: " أم القرآن " , لاشتمالها على المعاني التي في القرآن , من: الثناء على الله تعالى بما هو أهله , والتعبد بالأحكام , والترغيب والترهيب بالوعد والوعيد , وقصة الغابرين من العصاة والمطيعين. واختلف العلماء في وجوب القراءة في الصلاة , فذهب مالك وأحمد إلى أنها سنة , وذهب الباقون إلى وجوبها , ثم اختلفوا في الواجب , فقال الشافعي: تتعين الفاتحة ولا يقوم غيرها مقامها , واستدل بهذا الحديث ونحوه , وقال أبو حنيفة: يجب آية من القرآن , أي: أية آية كانت. وقال أبو يوسف ومحمد: يجب قراءة طويلة , أو ثلاث آيات قصار , و (الخداج): مصدر (خدجت الناقة): إذا ألقت ولدها قبل

وقت النتاج , فاستعير للناقص , والمعنى: ذات خداج. وفيه: " اقرأ بها في نفسك " , أي: أخفت بها صوتك , واستدل به على وجوب القراءة على المأموم , ولا دليل فيه , لأنه قول أبي هريرة من غير رفع. وقوله: " فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ... " إلى آخره يدل على فضل الفاتحة دون وجوبها , إلا أن يقال: " قسمت الصلاة " من حيث إنها عامة شاملة لأفراد الصلاة كلها , في معنى قولنا: كل صلاة مقسومة على هذا الوجه , ويلزمه أن كل ما لا يكون مقسوما على هذا الوجه فلا يكون صلاة , والذي يدل عليه ظاهرا عموم صدر الحديث وخصوص قوله عليه السلام: " إذا كنتم خلفي لا تقرؤوا إلا بفاتحة الكتاب , فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ". وقوله: " بيني وبين عبدي نصفين " حمله بعضهم على المشاطرة والمناصفة على السواء , وقال: الفاتحة سبع آيات بالإجماع , نصفها الأول لله تعالى , وهو ثلاث آيات , ونصف من قوله {الحمد لله} إلى قوله: {إياك نعبد} , والباقي للعبد , ولذلك قال في الآية الرابعة: " هذا بيني وبين عبدي " , وبنى على ذلك أن التسمية ليست من الفاتحة , وأن {أنعمت عليهم} آية , ويمنعه: ما روى أبو عبد الله الحاكم في صحيحه " هذا الحديث بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه , وذكر فيه: " فإذا قال العبد: بسم الله الرحمن الرحيم قال الله: ذكرني عبدي ", وما روى الترمذي بإسناده عن أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ

الفاتحة , وقرأ بسم الله الرحمن الرحيم , ووقف , وكذا في مقاطع سائر الآيات , وقرأ: {صراط الذين أنعمت عليهم} إلى آخره السورة بنفس واحد , بل الأولى أن يحمل على المشاركة المطلقة , فإن النصف يطلق ويراد به البعض. قال الشاعر: إذا مت كان الناس نصفان شامت وآخر مئن بالذي كنت أصنع ... 223 - 587 - وقال جابر: كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة , فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء , ثم أتى قومه فأمهم فافتتح سورة البقرة , فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف , فبلغ ذلك معاذا فقال: إنه منافق , فبلغ ذلك الرجل , فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنا قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا , وإن معاذا صلى بنا البارحة فقرأ البقرة فتجوزت , فزعم أني منافق , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا معاذ! أفتان أنت؟ - ثلاثا - اقرأ: {والشمس وضحاها} ,و {سبح اسم ربك الأعلى} , ونحوهما ". " وقال جابر رضي الله عنه: كان معاذ بن جبل يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم يأتي قومه , فيصلي بهم " الحديث.

فيه دليل على جواز اقتداء المفترض بالمتنفل , فإن من أدى فرضا , ثم أعاده يقع المعاد له نفلا , لما روي: أنه - عليه السلام - صلى الصبح , فرأى رجلين لم يصليا معه , فقال: " ما منعكما أن تصليا معنا؟ "قالا: كنا صلينا في رحالنا , فقال: " إذا صليتما , ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم , فإنها لكما نافلة ", وعلى أن من أدى الفريضة بالجماعة جاز له إعادتها. قوله: " فانحرف رجل " , أي: مال عن الصف أو الجمع وخرج منه. " فتجوزت " أي: اختصرت الصلاة وخففت. " أفتان أنت " أي مشوش توقع الناس في الفتنة , وهو دليل على أنه ينبغي للإمام أن يخفف الصلاة ولا يطولها , بحيث يتأذى القوم منها. ... 224 - 606 - وقال عبادة بن الصامت: كنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر , فقرأ فثقلت عليه القراءة , فلما فرغ قال: " لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟! ", قلنا: نعم يا رسول الله! قال: " لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب , فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ", وفي رواية قال: " وأنا أقول مالي ينازعني القرآن؟! , فلا تقرؤوا بشيء من القرآن إذا

جهرت إلا بأم القرآن). (من الحسان) (قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فقرأ، فثقلت عليه القراءة) الحديث. وقوله: (ما لي ينازعني القرآن)؛ أي: لا يتأتى لي بيسر، فكأني أجاذبه، فيعصى ويثقل علي. 225 - 610 - وقال عبد الله بن أبي أوفى: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا، فعلمني ما يجزئني، قال: (قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)، قال: يا رسول الله! هذا لله، فما لي؟، قال: (قل: اللهم ارحمني، وعافني، واهدني، وارزقني). وقال عبد الله بن أبي أوفى: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا. الحديث دليل على أن العاجز عن قراءة القرآن يقوم التسبيح والدعاء في حقه مقام القراءة.

باب الركوع

226 - 613 - وعن جابر قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه سورة الرحمن فسكتوا، فقال: (لقد قرأتها على الجن فكانوا أحسن مردودا منكم، كلما أتيت على قوله: {فبأي آلاء ربكما تكذبا} قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد). غريب. وفي حديث جابر: وكانوا أحسن مردودا. أي ردا، مفعول بمعنى المصدر، كـ (المخلوق) و (المعقول). قال الشاعر: لا يعدم السائلون الخير أفعله ... إما نوالا وإما حسن مردود * * * (باب الركوع) (من الصحاح): 227 - 614 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقيموا الركوع والسجود , فوالله إني لأراكم من بعدي.

(باب الركوع) (من الصحاح): " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقيموا الركوع والسجود , فوالله إني لأراكم من بعدي ". هذا ما أورد الشيخان بإسناهما عن أنس بن مالك. " وأقيموا " أي: عدلوا وأتموا , من: (أقام العود): إذا قومه. " فوالله إني لأراكم من بعدي ": حث على الإقامة ومنع عن التقصير , فإن [الـ] تقصير إذا لم يخف على الرسول صلى الله عليه وسلم فكيف يخفى على الله تعالى؟! والرسول صلى الله عليه وسلم إنما علمه بإطلاع الله تعالى إياه وكشفه عليه. ... 228 - 614 - م - وقال البراء: كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده وجلوسه بين السجدتين , وإذا رفع من الركوع ما خلا القيام والقعود قريبا من السواء. " قال البراء بن عازب رضي الله عنه: كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده " الحديث " وإذا رفع ": عطف على " سجوده " والمعنى: وزمان رفعه , وإنما حسن ذلك لأن المراد من الركوع والسجود امتدادهما. وقوله: " ما خلا القيام والقعود ", استثناء من المعنى , فإن مفهوم ذلك: إن كان أفعال صلاته ما خلا القيام والقعود , أي: قعود التشهد

"قريبا من السواء " ... 229 - 616 - وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ", يتأول القرآن. " وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك , اللهم اغفر لي , يتأول القرآن ". " يتأول القرآن ": جملة وقعت حالا عن الضمير في " يقول " , أي: يقوله متأولا للقرآن , أي: مبينا ما هو المراد من قوله تعالى: {فسبح بحمد ربك واستغفره} [النصر:3] آتيا بمقتضاه , يقال: أول الكلام وتأول: إذا فسره وبين المراد منه , مأخوذ من: (آل): إذا رجع , كأن المفسر يصرف الكلام عن سائر الوجوه المحتملة إلى المحمل الذي أوله عليه. ... 230 - 617 - وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: " سبوح قدوس رب الملائكة والروح ". " وعن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده:

سبوح قدوس , رب الملائكة والروح ". (السبوح) , (القدوس): صفتان بنيتا من: (سبح) و (قدس): إذا ذهب وبعد , كمبالغة المفعول , والأكثر فيهما الضم , وقد حكي الفتح فيهما على وزان [وزن] فعول , و"الروح": هو الروح المذكور في قوله تعالى: {يوم يقوم الروح والملائكة صفا} [النبأ:38] , واختلف فيه: فقيل: المراد به: النفوس البشرية , وقيل: قوم خلقهم الله على صورة البشر وليسوا بشرا , وقيل: جبريل , وهو لعظم قدره وعلو منزلته يقابل سائر الملائكة بأجمعهم , وقيل: ملك وكله الله على العالم السفلي أصوله وفروعه , غهو وحده - من حيث إنه يتولى أمر أحد قسمي العالم - يقابل صف الملائكة الذين هم بأسرهم يتولون قسم هذا القسم ويشتركون فيه , أو هو مع أتباعه وجنوده من الأرواح البشرية والكرام الكتبة وملائكة البحار والسحب والأمطار ونظائرهم يقومون صفا , والملائكة العلوية صفا , فاقتصر على ذكره استغناء به عن ذكر أتباعه. ... 231 - 618 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا , فأما الركوع فعظموا فيه الرب , وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء , فقمن أن يستجاب لكم ". " وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا " الحديث.

رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه. "ألا": حرف تنبيه يذكر لتحقيق ما بعدها , مركبة من همزة الاستفهام التي هي بمعنى الإنكار و (لا) التي للنفي , والإنكار إذا دخل على النفي أفاد التحقيق , ولذلك لا يقع بعدها إلا ما كانت مصدرة بنحو ما يتلقى به القسم , كقوله: {إني نهيت} [الأنعام: 56] والناهي هو الله تعالى , وذلك يدل على عدم جواز القراءة في الركوع والسجود , لكن لو قرأ لم تبطل صلاته , إلا إذا كان المقروء الفاتحة فإن فيه خلافا من حيث إنه زاد ركنا , لكن لم يتغير به نظم صلاته. وقوله:" فعظموا فيه الرب" أي: قولوا: سبحان ربي العظيم , ويشهد له حديث عقبة بن عامر وابن مسعود ونحوهما , وظاهر يدل على وجوب ذلك , كما هو مذهب أحمد وداود , إلا أن الجمهور حملوه على الندب , لأنه - عليه السلام - لما علم الأعرابي المسيء صلاته لم يذكر له ذلك ولم يأمر به. فإن قلت: لم أوجبتم القراءة والذكر في القيام والقعود , ولم توجبوا في الركوع والسجود؟ قلت: لأنهما من الأفعال العادية , فلا بد من مميز يصرفهما عن العادة ويمحصهما للعبادة , وأما الركوع والسجود فهما بذاتيهما يخالفان العادة , ويدلان على غاية الخضوع والاستكانة فلا يفتقران إلى ما يقارنهما , فيجعلهما طاعة. و" قمن " - بالفتح والكسر - الجدير , وكذلك (القمين) , والأول

باب السجود وفضله

لا يثني ولا يجمع , بخلاف الثاني ,فيقال: هم قمين وقمينون , فكان الأول مصدرا نعت به , والثاني نعتا في أصله , كـ (حذر) و (حذر). ... 13 - باب السجود وفضله من الصحاح: 232 - 627 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم " على الجبهة , واليدين , والركبتين , وأطراف القدمين , ولا نكفت الثياب والشعر ". (باب السجود وفضله) (من الصحاح): " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم " الحديث. رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. قوله:" أمرت " يدل عرفا على أن الله أمره , وذلك يقتضي وجوب وضع هذه الأعضاء في السجود. وللعلماء فيه أقوال: فأحد قولي الشافعي وقول أحمد: أن الواجب وضع جمعيها , أخذا بظاهر هذا الحديث.

والقول الآخر له: أن الوضع وضع الجبهة وحده , لأنه - عليه السلام - اقتصر عليه في قصة رفاعة , وقال: " ثم يسجد , فيمكن جبهته من الأرض " , ووضع الأعظم الست الباقية سنة , والأمر محمول على المشترك بين الوجوب والندب توفيقا بينهما , ولأن المعطوف على " أسجد " ,وهو قوله: " ولا يكفت " ليس بواجب وفاقا , ومعناه: أن يرسل الثوب والشعر ولا يضمهما إلى نفسه وقاية لهما من التراب , والكفت: الضم. وعند أبي حنيفة: يجب وضع أحد العضوين من الجبهة والأنف , لوقوع اسم السجود عليه , ولأن عظم الأنف متصل بعظم الجبهة متحد به , فوضعه كوضع جزء من الجبهة. وعن مالك والأوزاعي والثوري: وجوب وضعهما معا , لما روي: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي ما يصيب أنفه من الأرض شيء , فقال: " لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب الجبين ". والصحيح أنه من مراسيل عكرمة , هكذا ذكره الدارقطني في " جامعه " , وقد أسند إلى ابن عباس , ولم يثبت. ... 233 - 630 - وقالت ميمونة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد جافي بين يديه , حتى لو أن بهمة أرادت أن تمر تحت يديه لمرت ". " وفي حديث ميمونة رضي الله عنها: حتى لو أن بهمة أرادت أن

تمر تحت يديه لمرت ". و" البهمة " - بفتح الباء وسكون الهاء: ولد الشاة , وجمعها: بهم وبهام. ... 234 - 632 - وقال أبو هريرة رضي الله عنه: كان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في سجوده:" اللهم اغفر لي ذنبي كله , دقه وجله , وأوله وآخره , وعلانيته وسره ". " وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: اللهم اغفر لي ذنبي كله , دقه وجله ". أي: دقيقه وجليله , يعني: قليله وكثيره , وإنما قدم الدق على الجل , لأن السائل يتصاعد في مسألته , ولأن الكبائر إنما تنشأ في الغالب عن ارتكاب الصغائر وعدم المبالاة بها , فكأنها وسائل إليها , ومن حق الوسيلة أن تقدم إثباتا ورفعا. ... 235 - 633 - وقالت عائشة: فقدت ليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفراش , فالتمسه , فوقعت يدي على بطن قدميه - وهو في المسجد - وهما منصوبتان , وهو يقول: " اللهم أعوذ برضاك من سخطك , وبمعافاتك من عقوبتك , وأعوذ بك منك , لا أحصي ثناء عليك

أنت كما أثنيت على نفسك ". " وفي حديث عائشة: فالتمسته ". أي: طلبته. وقولها فيه: " فوقعت يدي على بطن قدمه في السجود "يدل على أن الملموس لا يفسد وضوءه , أو اللمس الاتفاقي لا أثر له ,إذ لولا ذلك لما استمر على السجود. ... من الحسان: 236 639 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير , وليضع يديه قبل ركبتيه ". وحديث وائل بن حجر أثبت من هذا , وقيل: هذا منسوخ. (من الحسان): " عن أبي هريرة رضي الله عنه , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سجد أحدكم فلا يبرك " الحديث. ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الأحب للساجد أن يضع ركبتيه ثم يديه , لما رواه وائل بن حجر , وقال مالك والأوزاعي بعكسه , لهذا الحديث , والأول أثبت عند أرباب النقل , وقد قيل: حديث أبي هريرة

باب التشهد

منسوخ , لما روي عن مصعب بن سعد رضي الله عنه أنه قال: كنا نضع اليدين قبل الركبتين , فأمرنا بالركبتين قبل اليدين , فلو كان حديث أبي هريرة سابقا على ذلك لزم النسخ مرتين , وإنه على خلاف الدليل. ... 14 - باب التشهد من الصحاح: 237 - 642 - قال ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبتيه اليسرى , ووضع يده اليمنى على ركبتيه اليمنى , وعقد ثلاثة وخمسين , وأشار بالسبابة. وفي رواية: وضع يديه على ركبتيه , ورفع إصبعه التي تلي الإبهام اليمنى يدعو بها , ويده اليسرى على ركبته باسطها عليها. (باب التشهد) (من الصحاح): " قال ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى " الحديث. " قعد في التشهد " أي: في زمانه , وسمي الذكر المخصوص:

تشهدا , لاشتماله على كلمتي الشهادة , كما سمي: دعاء لاشتماله عليه , فإن قوله: " سلام عليك وسلام علينا " دعاء عبر عنه بلفظ الإخبار لمزيد التوكيد. " وعقد ثلاثة وخمسين " أي: عقد اليمنى عقد ثلاثة وخمسين , وذلك بأن يقبض الخنصر والبنصر والوسطى , ويرسل المسبحة , ويضم إليها الإبهام مرسلة. وللفقهاء في كيفية عقدها وجوه: أحدها: ما ذكرناه. الثاني: أن يضم الإبهام إلى الوسطى المقبوضة كالقابض ثلاثة وعشرين , فإن ابن زبير رواه كذلك. والثالث: أن يقبض الخنصر والبنصر ويرسل المسبحة ويحلق الإبهام والوسطى , كما رواه وائل بن حجر , وأشار بالسبابة , أي: رفعها عند قوله: لا إله إلا الله ليتطابق الفعل والقول على التوحيد. وفي رواية: " رفع إصبعه التي تلي الإبهام اليمنى يدعوا بها " أي: يهلل , يسمى التهليل والتحميد: دعاء , لأنه بمنزلته في استحباب لطف الله واستدعاء صنعه. وقد جاء في الحديث: " إنما كان أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك , وله الحمد , وهو على كل شيء قدير ". ****

238 - 643 - عن عبد الله بن الزبير أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى , ويده اليسرى على فخذه اليسرى , وأشار بإصبعه السبابة , ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى , ويلقم كفه اليسرى ركبته. " وفي حديث ابن الزبير: ويلقم كفه اليسرى ركبته ". أي: يدخل الركبة في راحته , يقال: لقمت الطعام ألقمه والتقمته: إذا أدخلته في فيك , واللقم: الطريق الواسع الذي يدخله الناس الكثير. واختيار الشافعي: أن يبسط اليد اليسرى على الفخذ قرب الركبة , لحديث وائل بن حجر وأبي حميد الساعدي. ... 239 - 644 - قال عبد الله بن مسعود: كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام على الله - قبل عباده - السلام على جبريل , السلام على ميكائيل , السلام على فلان , فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم: أقبل علينا بوجهه فقال: " لا تقولوا: السلام على الله , فإن الله هو السلام , فإذا جلس أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات , السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته , السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين , فإنه إذا قال ذلك , أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض , أشهد أن لا إله إلا الله , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ,

ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به ". " وقال عبد الله بن مسعود: كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام على الله - قبل عباده - السلام على جبريل , السلام على ميكائيل , السلام على فلان , فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقبل علينا بوجهه , قال: لا تقولوا: السلام على الله , فإن الله هو السلام , فإذا جلس أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله , والصلوات الطيبات , السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته , السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين , فإنه إذا قال ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض ". كانوا يسلمون على الله أولا ثم على أشخاص معينين من الملائكة والناس , فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلموا على الله , وبين لهم أن ذلك عكس ما يجب أن يقال , فإن كل سلامة وإحياء ورحمة له ومنه , فهو مالكها ومعطيها , وأعلمهم أن الدعاء للمؤمنين ينبغي أن يكون شاملا لهم , وعلمهم ما يعمهم , وأمرهم بإفراده - صلوات الله عليه - بالذكر , لشرفه ومزيد حقه عليهم وتخصيص أنفسهم , فإن الإلهام بها أهم , و (التحية): تفعلة , من: الحياة , بمعنى الإحياء والتبقية على الخير , والصلاة من الله: الرحمة , و" الطيبات ": ما يلائم ويستلذ به , وقيل: الكلمات الدالة على الخير , كـ (سقاه الله ورعاه) , أتى بالصلوات والطيبات في هذا الحديث بحرف العطف , وقدم " الله " عليهما , فيحتمل أن يكونا معطوفين على " التحيات " , والمعنى ما سبق , ويحتمل أن يكون " الصلوات "

مبتدأ , وخبرها محذوف يدل عليه (عليك) , و (الطيبات): معطوفة عليها , والواو الأولى تعطف الجملة على الجملة التي قبلها. وفي حديث ابن عباس ما ذكر العاطف أصلا وزاد: (المباركات) , وأخر (الله) , فتكون صفات. وقوله: " فإنه إذا قال ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض " يدل على أن الجمع المضاف والجمع المحلى باللام للعموم. واختار الشافعي رضي الله عنه رواية ابن عباس , لأنه أفقه , ولاشتمال ما رواه على زيادة , ولأنه الموافق لقوله تعالى: {تحية من عند الله مباركة طيبة} [النور:61] ولأن في لفظه ما يدل على زيادة ضبطه لفظ الرسول عليه السلام ووهو قوله: " كان يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن ". قال الشافعي: ويحتمل أن يكون وقوع الاختلاف من حيث إن بعض من سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حفظ الكلمة على المعنى دون اللفظ , وبعضهم حفظ اللفظ والمعنى , وقررهم الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك وسوغه لهم , لأن المقصود هو الذكر , وكله ذكر , والمعنى غير مختلف , ولما جاز في القرآن أن يقرأ بعبارات مختلفة كان في الذكر أجوز. واختار أبو حنيفة رواية ابن مسعود , واختار مالك ما روي عن عمر بقوله على المنبر: " ويعلمه الناس , وهو: التحيات لله , الزاكيات لله , الطيبات والصلوات لله , السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته , السلام علينا

باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها

وعلى عباد الله الصالحين " وإليه ذهب الشافعي قديما , واستدل عليه: بأن عمر لا يعلم الناس على المنبر بين ظهراني المهاجرين والأنصار إلا ما علمهم الرسول , ولا خلاف في أن المصلي أيها قرأ في الصلاة صحت صلاته , إنما الكلام في الأفضل. ... من الحسان: 240 - 650 - قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف حتى يقوم. (من الحسان): " قال ابن مسعود: كان النبي صلى الله عليه وسلم في الركعتين الأوليين " الحديث. أي: لم يكن متمكنا مستقرا , كالقاعد على " الرضف " , وهو الحجر المحماة. ... 15 - باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها من الصحاح: 241 - 652 - عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه: قالوا يا رسول

الله! كيف نصلي عليك؟ , قال: " قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته , كما صليت على آل إبراهيم , وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم , إنك حميد مجيد ". (باب صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضائلها) (من الصحاح): " في حديث أبي حميد الساعدي: كما صليت على إبراهيم ". أي: على [آل] إبراهيم , (آل): مقحم , كما في قوله - عليه السلام - لأبي موسى: " إنه أعطي مزمارا من مزامير آل داود ", إذ لم يكن له آل مشهور بحسن الصوت , وأصل (آل):أهل , فأبدلت الهاء همزة لقرب المخرج , ثم الهمزة ألفا , بدليل تصغيره على (أهيل) , ويختص بالأشراف , فيقال: آل الملك والوزير , ولا يقال: آل الخياط والإسكاف. ... من الحسان: 242 - 658 - وقال: " لا تجعلوا قبري عيدا , وصلوا علي , فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ".

(من الحسان): " قال عليه السلام: لا تجعلوا قبري عيدا , وصلوا علي , فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ". (العيد): ما يعاد إليه , أي: لا تجعلوا قبري عيدا تعودون إليه متى أردتم أن تصلوا. على ظاهره نهي عن المعاودة , والمراد: المنع عما يوجبه , وهو ظنهم بأن دعاء الغائب لا يصل إليه ولا يعرض عليه , ولذلك علل النهي بقوله: " فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم " , فإن النفوس القدسية إذا تجردت عن العلائق البدنية عرجت واتصلت بالملأ الأعلى , ولم يبق لها حجاب , فترى الكل كالمشاهدة بنفسها أو بإخبار الملك لها , كما نطق به الحديث السابق , وفيه سرد يطلع عليه من تيسر له. ... 243 - 659 - وقال: " رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل على , ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له , ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر أو أحدهما , فلم يدخلاه الجنة ". " وقال: رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل " الحديث. أي: خاب وخسر من قدر بأن يتفوه بأربع كلمات , فيوجب لنفسه عشر صلوات من الله , ويرفع لها عشر درجات , ويحط عنها عشر

خطيئات , فلم يفعل , وكذا من علم أنه لو كف نفسه عن الشهوات شهرا في كل سنة , وأتى بما وظف له فيه من الصيام والقيام غفر له ما سلف من الذنوب , فقصر ولم يفعل حتى انسلخ الشهر ومضى , وكذا من أدرك أبويه أو أحدهما في كبر السن , ولم يسع في تحصيل مآربه والقيام بخدمته , فيستوجب له الجنة , جعل دخول الجنة بسبب ما يلابس الأبوين وما هو بسببهما بمنزلة ما هو بفعلهما ومسبب عنهما. ... 244 - 662 - عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: دخل رجل فصلى فقال: اللهم اغفر لي وارحمني , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عجلت أيها المصلي , إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله , وصل علي , ثم ادعه ", قال: ثم صلى رجل آخر بعد ذلك , فحمد الله , وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أيها المصلي! ادع تجب ". " وعن فضالة بن عبيد قال: دخل رجل , فصلى , فقال: اللهم اغفر لي وارحمني " الحديث. أشار إلى أن من شرط السائل أن يتقرب إلى المسؤول منه قبل طلب الحاجة , بما يوجب له الزلفى لديه , ويتوسل بشفيع له بين يديه , ليكون أطمع في الإسعاف وأحق بالإجابة , فمن عرض السؤال قبل تقديم الوسيلة فقد استعجل ***

باب الدعاء في التشهد

16 - باب الدعاء في التشهد من الصحاح: 245 - 664 - قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في الصلاة: " اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر , وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال , وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات , اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم " , فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم! , فقال: " إن رجلا إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف ". (باب الدعاء في التشهد) (من الصحاح): " قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر " الحديث. سمي " الدجال ": مسيحا , لأن إحدى عينيه ممسوحة , فيكون فعيلا بمعنى مفعول , أو لأنه يمسح الأرض , أي: يقطعها في أيام معدودة , فيكون بمعنى فاعل , وأما المسيح الذي هو لقب عيسى النبي - صلوات الله عليه - فأصله: (مسيخا) بالعبرانية , وهو المبارك. وما قيل: إنه (فعيل) من: فعل بمعنى (مفعول) , لقب به لأنه

مسيح بالبركة والطهارة من الذنوب , أو لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن , أو لأن جبريل مسحه بجناحه , أو بمعنى فاعل , لأنه كأنه يمسح الأرض بالسير , أو كان لا يمسح ذا عاهة إلا برأ = فليس يثبت. و" المحيا ": مفعل , من: الحياة , و " الممات ": مفعل , من: الموت , و " فتنة المحيا ": ما يعتري الإنسان حال حياته من البلايا والمحن , و " فتنة الممات ": شدة سكرات الموت وسؤال القبر وعذابه , و " المغرم " والغرامة والغرم واحد , وهو ما يلزم الإنسان أداؤه بسبب جناية أو معاملة أو غيرهما , و" المأثم ": مصدر أثم الرجل يأثم , ويجوز أن يكون المراد به: ما يوجب الإثم أو ما فيه الإثم. وقوله:" إذا حدث " أي: أخبر عن ماضي الأحوال - تمهيدا لمعذرته في التقصير - كذب. " فإذا وعد " أي: لما يستقبل " أخلف ". ... من الحسان: 246 - 668 - عن عامر بن سعد , عن أبيه , أنه قال: كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده. (من الحسان): " عن المغيرة , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول ".

باب الذكر بعد الصلاة

نهى عن ذلك لئلا يتوهم أنه بعد في المكتوبة , و" حتى يتحول ": جاءت للتأكيد , فإن قوله: " لا يصلي في الموضع الذي صلى فيه " أفاد ما أفاد. ... 247 - 679 - عن أنس رضي الله عنه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة. " عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة ". إنما نهاهمم عن ذلك لينصرف النساء , ولا يختلطن بهم. ... 17 - باب الذكر بعد الصلاة من الصحاح: 248 - 681 - وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: " اللهم أنت السلام , ومنك السلام , تباركت يا ذا الجلال والإكرام ".

(باب الذكر) (من الصحاح): " قالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول " الحديث. هذا إنما هو في الصلاة بعدها راتبة , أما التي لا راتبة بعدها كصلاة الصبح فلا , إذ روي أنه كان يقعد بعد الصبح على مصلاه حتى تطلع الشمس , ودل حديث أنس رضي الله عنه على استحباب الذكر وفضله بعد صلاة الصبح إلى الطلوع , وبعد صلاة العصر إلى الغروب. وقوله: " أنت السلام " أي: السالم من المعايب والنقصان , " ومنك السلام " أي: السلامة , وسيأتي شرح هذه الأسامي في باب أسماء الله تعالى وافيا إن شاء الله تعالى. ... 249 - 687 - وعن كعب بن عجرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " معقبات لا يخيب قائلهن - أو فاعلهن - دبر كل صلاة مكتوبة: ثلاث وثلاثون لا تسبيحة , وثلاث وثلاثون تحميدة , وأربع وثلاثون تكبيرة ". " وعن كعب بن عجرة السوادي - من بني سواد بن مري , من قضاعة -: أنه - عليه السلام - قال: معقبات لا يخيب قائلهن " الحديث. (المعقبات): الكلمات التي يأتي بعضها عقيب بعض , مأخوذة

من: العُقَب , يقال للواتي يقمن عند أعجاز الإبل المعتركات على الحوض , فإذا انصرفت ناقة دخلت مكانها أخرى: معقبات , وملائكة الليل وملائكة النهار: معقبات , لأن بعضهم يعقب بعضا , وقد يقال للقائل: فاعلا , لأن القول فعل من الأفعال. ... من الحسان: 250 - 691 - وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل , ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة ". (من الحسان): " عن أنس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس " الحديث. خصص بني إسماعيل , لشرفهم وإنافتهم على غيرهم , ولقربهم منه ومزيد اهتمامه بحالهم , ولعله ذكر أربعة , لأن المفضل على عتقهم مجموع أربعة أشياء: ذكر الله , والقعود له , والاجتماع عليه , والاستمرار به إلى الطلوع والغروب. ***

باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة وما يباح منه

18 - باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة وما يباح منه من الصحاح: 251 - 693 - عن معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل , فقلت له: يرحمك الله , فرماني القوم بأبصارهم , فقلت: ما شأنكم تنظرون إلى؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم , فلما رأيتهم يصمتونني سكت , فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فبأبي هو وأمي , ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه , والله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني , قال: " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس , إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن "- أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - قلت: يا رسول الله! إني حديث عهد بجاهلية , وقد جاء الله بالإسلام , وإن منا رجالا يأتون الكهان؟ , قال: " فلا تأتهم " , قلت: ومنا رجال يتطيرون؟ , قال: " ذاك شيء يجدونه في صدورهم , فلا يصدنهم ", قلت: ومنا رجال يخطون؟ , قال: " كان نبي من الأنبياء يخط , فمن وافق خطه فذاك ". (باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة وما يباح منه)

(من الصحاح): " عن معاوية بن الحكم قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل " الحديث. " ما كهرني " أي: ما زجرني , والكهر والنهر والقهر أخوات. وقوله: " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس " دليل على حرمة الكلام في الصلاة , وأضاف (الكلام) إلى "الناس " ليخرج منه الدعاء والتسبيح والذكر , فإنها لا يراد بها خطاب الناس وإفهامهم. " أو كما قال الرسول " أي: مثل ما قاله , يعني: مثل التسبيح والتهليل كالدعاء وسائر الأذكار. وقوله: " ومنا رجال يتطيرون " أي: يتفاءلون بالسنوح والبروج ونحو ذلك , وأصل التطير: التفاؤل بالطير , وكانت العرب في جاهليتهم يتفاءلون بالطيور والظباء ونحو ذلك , فإذا بدت لهم سوانح تيمنوا بها وشرعوا فيها كانوا يقصدون , وإن ظهرت بوارح تشاءموا بذلك وتثبطوا عما قصدوا وأعرضوا عنه , فبين صلوات الله عليه: أنها خطرات فاسدة لا دليل عليها , فينبغي ألا يلتفتوا إليها , ولا تصدنهم البروح عما قصدوه , إذ لا يتعلق بها نفع ولا ضر. وقوله: " ومنا رجال يخطون " أي: يضربون خطوطا بخطوط الرمل.

" وكان نبي من الأنبياء يخط " أي: يخط فيعرف الأحوال بالفراسة بتوسط تلك الخطوط , وقيل: هو إدريس صلوات الله عليه , " فمن وافق خطه " في الصورة والحالة , وهي قوة الخاطر في الفراسة , وكماله في العلم والورع الموجبين لها , " فذاك " أي: فذاك يصيب , والمشهور:"خطه" بالنصب , فيكون الفاعل مضمرا , وروي بالرفع , فيكون المفعول محذوفا. والحديث دليل على حرمة الكلام في الصلاة , وإن تضمن مصلحة من مصالح الصلاة , لعموم قوله: (لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) , وأن الجاهل بحرمة الكلام في الصلاة إذا كان قريب العهد بالإسلام معذور في التكلم , فإنه - عليه السلام - بين له حكم الصلاة , وما أمره بإعادتها. ... 252 - 696 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخصر في الصلاة ". " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخصر في الصلاة ". " الخصر ": وضع اليد على الخاصرة , وهي الطفطفة , وتسمى: شاكلة أيضا , قيل: كان ذلك من ديدن اليهود , فنهى عنه. ***

253 - 699 - عن أبي قتادة الأنصاري أنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه , فإذا ركع وضعها , وإذا رفع من السجود أعادها , ويروى: رفعها. " وعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناس " الحديث. دل الحديث على أن الأفعال المتعددة إذا تفاصلت لم تفسد الصلاة , وقيل: إسناد الإعادة والرفع إليه على سبيل المجاز , فإنه - عليه السلام - لم يتعمد لحملها , لأنه يشغله عن صلاته , لكنها على عادتها تتعلق به وتجلس على عاتقه , لا يدفعها عن نفسه , و (أمامة): ابنة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ... 254 - 700 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع , فإن الشيطان يدخل في فيه ". " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا تثاءب أحدكم " الحديث. (التثاؤب): تفاعل , من: الثؤباء بالمد , وهو فتح الحيوان فمه لما عراه من تمط وتمدد لكسل وامتلاء , وهي جالبة للنوم الذي هو من حبائل الشيطان , فإنه به يدخل على المصلي , فيخرجه عن صلاته ,

فلذلك جعل سببا لدخول الشيطان , و (الكظم):المنع والإمساك. ... 255 - 701 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن عفريتا من الجن تفلت البارحة ليقطع علي صلاتي , فأمكنني الله منه , فأخذته , فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم , فذكرت دعوة أخي سليمان: {رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي} , فرردته خاسئا ". " وعنه: أنه - عليه السلام - قال: إن عفريتا من الجن " الحديث. (العفريت): فعليت , من: العفر بكسر العين وسكون الفاء , وهو الخبيث , ومعناه: المبالغ في الأمر مع دهاء وخبث , والتفكك والإفلات , والانقلاب واحد , وهو التخلص إلى الشيء نجاة , (التمكين): إقدار الغير على الشيء , و (السارية): الأسطوانة. " فرددته خاسئا" أي: طردته صاغرا , من قولهم) خسأت الكلب): إذا زجرته مستهينا به. ***

من الحسان: 256 - 714 - عن عدي بن ثابت , عن أبيه , عن جده رفعه قال: " العطاس , والنعاس , والتثاؤب في الصلاة , والحيض , والقيء , والرعاف من الشيطان ". (من الحسان): " عن عدي بن ثابت , عن أبيه , عن جده دينار الأنصاري: أنه - عليه السلام - قال: العطاس والنعاس " الحديث. أضاف هذه الأشياء إلى الشيطان لأنه يحبها ويرتضيها , ويتوسل بها إلى ما يتبعه من قطع الصلاة والمنع من العبادة , ولأنها تغلب في غالب الأمرين من شره الطعام , الذي هو من أعمال الشيطان. وقد ضعفه علماء الحديث. ... 257 - 715 - عن مطرف بن عبد الله بن الشخير , عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي , ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء. " وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير , عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي , ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء ".

باب سجود السهو

"مطرف ": روي بفتح الراء وكسره , وهو من فقهاء التابعين , وأبوه عبد الله , حرشي من بني عامر بن صعصعة. و" أزيز المرجل ": صوت غليانه , يقال: أزت القدر تؤز أزيزا: إذا غلت , وفيه دليل على أن البكاء لا يبطل الصلاة , ولعله غلب عليه. ... 258 - 718 - وقال " الاختصار في الصلاة راحة أهل النار ". " وقال عليه السلام: الاختصار في الصلاة راحة أهل النار ". " الاختصار ": وضع اليد على الخاصرة , أي: يتعب أهل النار من طول قيامهم في الموقف , فيستريحون بالاختصار. ... 19 - باب سجود السهو من الصحاح: 259 - 725 - وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى , ثلاثا أم أربعا , فليطرح الشك , وليبن على ما استيقن , ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم , فإن كان صلى خمسا شفعها بهاتين السجدتين , وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان ". (باب السهو) (من الصحاح): " قال عليه السلام: إذا شك أحدكم في صلاته , فلم يدر كم صلى ثلاثا أو أربعا " الحديث. القياس يقتضي ألا يسجد , إذ الأصل أنه لم يزد شيئا , لكن صلاته لا تخلو عن أحد خللين: إما الزيادة وإما أداء الرابعة على تردد , فيسجد جبرا للخلل والتردد , لما كان من تلبيس الشيطان وتشوشه سمي جبره: " ترغيما للشيطان ". والحديث دليل على أن وقت السجود قبل السلام , وهو مذهب الشافعي , ويؤيده حديث عبد الله ابن بحينه , وبحينه: أمه , وهي ابنة الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف , أبوه مالك بن القشب , من أزد شنوءة , حليف بني عبد المطلب , وله أيضا صحبة. وقال أبو حنيفة والثوري: إنما يسجد الساهي بعد السلام ,

وتمسك بحديث ابن مسعود وحديث أبي هريرة , وهي مشهورة بقصة ذي اليدين , واسمه: خرباق , وليس هو ذا الشمالين , فإنه خزاعي واستشهد يوم بدر , فلا يروي قصته أبو هريرة , وذو اليدين سلمي - من بني سليم - عاش حتى رآه المتأخرون من التابعين , ورووا عنه , وروى هذه القصة عمران بن حصين بمثل ما رواه أبو هريرة , وقد روى عنه أنه سجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم , وما سمعت أحدا من العلماء ذهب إليه. وقال مالك - وهو قول للشافعي -: إن كان السجود لنقصان قدم , وإن كان لزيادة أخر , وحمل الأحاديث على الصورتين توفيقا بينها , واقتفى أحمد موارد الحديث وفصل بحسبها , فقال: إن شك في عدد الركعات قدم , وإن ترك شيئا ثم تداركه أخر , وكذا إن فعل ما لا نقل فيه , وأصحابنا زعموا أن التقديم كان في أوائل الإسلام , فنسخ. قال الزهري: كل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم , إلا أن تقديم السجود على السلام كان آخر الأمرين , وقال: قصة ذي اليدين كانت قبل بدر , وحينئذ لم يحكم أمر الصلاة ولم ينزل نسخ الكلام , فإن نسخه كان بالمدينة , لأن زيد بن أرقم الأنصاري قال: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: {وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238] , وزيد كان في أوائل الهجرة صبيا , وعلى هذا لا إشكال فيه , غير أن الحديث رواه أبو هريرة وعمران , وهما أسلما عام خيبر , وهو السنة السابعة من الهجرة , وقد قال أبو هريرة:" صلى لنا " , وفي رواية:" صلى بنا " , وفي رواية: " بينا

أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , ويدل ذلك يدل على أنه من الحاضرين؟ والجواب عنه: أنهما لعلهما سمعاه من غيرهما , فأرسلاه , وأما (لنا) و (بنا) [ف] يحتمل أن يكون قول من روى عنه , فإنه لما سمع الحديث منه ولم يذكر من يرويه عنه ظن أنه كان من الحاضرين , [فنقله بالمعنى , وأن يكون من قوله ذكره حكاية عمن سمعه , فغفل عنه الراوي , أو أراد بالضمير الصحابة والمسلمين الحاضرين] ثمة , وإن لم يكن هو حاضرا , لكن لما كان من أهل جلدتهم حسن أن يقال: (لنا) و (بنا) , وأراد وإياكم كنا ندعي بني عبد مناف ", أراد به قومه , لأنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم , وأمثاله كثيرة في الكلام شائعة في العرف , وأما الرواية الثالثة فتحتمل التأويلين الأولين , والأول فيه أظهر , لأن مسلم ابن حجاج - رحمه الله - ذكره بإسناده عن أبي سلمة , عن أبي هريرة وروي أيضا من طريق آخر عن أبي سلمة أنه قال: حدثنا أبو هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين , وساق الحديث إلى آخره , ولم يذكر: " بينا أنا أصلي " , والله أعلم. وإن لم نقل بما قال الزهري , وجعلنا الحديث من مسانيدهما فتأويله أن ما صدر من الرسول - صلوات الله عليه - من الأفعال والأقوال إنما صدر عن ظنه أنه أكمل صلاته وخرج عنها , وما صدر من الجمع فلتوهمهم أن الصلاة قد قصرت , وأنهم قد خرجوا منها , وأكملوها بالركعتين , فيكون كفعل الساهي والناسي وقولهما , وذلك

باب سجود القرآن

لا يقطع الصلاة , والحديث دليل عليه. ... 20 - باب سجود القرآن من الصحاح: 260 - 735 - وقال ابن عباس رضي الله عنهما: سجدة (ص) ليست من عزائم السجود , وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها. (باب سجود القرآن) (من الصحاح): " قال ابن عباس: {ص} ليست من عزائم السجود , وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها ". أي: سجدة {ص} " ليس من عزائم السجود " أي: من السجدات المأمورة , والعزيمة في الأصل: عقد القلب على الشيء , ثم استعمل لكل أمر محتوم , وفي اصطلاح الفقهاء: الحكم الثابت بالأصالة , كوجوب الصلوات الخمس وإباحة الطيبات , وإنما أتى بها - صلوات الله عليه - موافقة لأخيه داود - صلوات الله عليه - وشكرا لقبول توبته , فإنه روي عنه - عليه السلام - أنه قال:" سجدها أخي داود توبة , ونحن نسجدها شكرا ". والحديث دليل للشافعي على أبي حنيفة , وقد استقر رأيهما على أن عزائم السجود اربع عشرة , واتفقا في تفاصيلها , غير أن الشافعي

باب أوقات النهي عن الصلاة

قال: اثنتان منها في الحج , لحديث عقبة وولا شيء في {ص} , وعد أبو حنيفة واحدة في الحج وواحدة في {ص}. وللشافعي قول قديم: أنها إحدى عشرة , ولا شيء منها في المفضل , لقول ابن عباس: إنه - عليه الصلاة والسلام - لم يسجد في شيء من المفضل منذ تحول إلى المدينة , وهو قول مالك. ... 21 - باب أوقات النهي عن الصلاة من الصحاح: 261 - 745 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يتحر أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها ". وفي رواية: " إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تبرز , وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب , ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها , فإنها تطلع بين قرني الشيطان ". (باب أوقات النهي) (من الصحاح): " قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يتحر أحدكم , فيصلي عند طلوع الشمس " الحديث.

قوله: " لا يتحر " معناه: لا يطلب الوقت الحري , أي: لا يقصد بصلاته هذين الوقتين , و "حاجب الشمس ": طرف قرصها الذي يبدو أولا ويغيب , وقيل: النيازك التي تبدو إذا حان طلوعه , و (البروز): الظهور , والمراد: ارتفاعها , لحديث عقبة. " ولا تحينوا " أصله: لا تتحينوا أي: لا تتقربوا بصلاتكم طلوع الشمس , من: (حان): إذا قرب , ويجوز أن يكون من: الحين , يقال: (تحين الوارش): إذا ترقب وقت الأكل ليدخل على القوم , ويكون المعنى: لا تنتظروا بصلاتكم طلوع الشمس , ويحتمل أن يكون (تحين) بمعنى: حين الشيء إذا جعل له حينا , أي: لا تجعلوا وقت الصلاة طلوع الشمس ولا غروبها بصلاتكم فيها. وقوله: " فإنها تطلع بين قرني الشيطان " سبق تفسيره. ... 262 - 746 - وقال عقبة بن عامر رضي الله عنه: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن , وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع , وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس , وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب. "وفي حديث عقبة بن عامر: وحين يقوم قائم الظهيرة ". أي: تستوي الشمس وتصل إلى خط نصف النهار , وهو من:

(قام): إذا اعتدل , ويجوز أن يكون من: (قام): إذا وقف , قال تعالى: {وإذا أظلم عليهم قاموا} [البقرة:20] , فإن الشمس إذا بلغت وسط السماء تستبطيء حركاتها , فيخيل للناظر أنها واقفة. و" حين " تضيف الشمس للغروب " أي: مالت له , يقال: ضاف السهم وتضيف عن الهدف: إذا مال عنه , وسمي الضيف: ضيفا , لأنه مائل إلى من نزل عليه. ... 263 - 748 - وقال عمرو بن عبسة: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة , فقدمت المدينة , فدخلت عليه فقلت: أخبرني عن الصلاة؟ , فقال: " صل صلاة الصبح , ثم أقصر عن الصلاة حين تطلع الشمس حتى ترتفع , فإنها تطلع حين تطلع بين قرني الشيطان , وحينئذ يسجد لها الكفار , ثم صل , فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح , ثم أقصر عن الصلاة , فإنه حينئذ تسجر جهنم , فإذا أقبل الفيء فصل , فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر , ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس , فإنها تغرب بين قرني الشيطان , وحينئذ يسجد لها الكفار " قلت: يا نبي الله! فالوضوء , حدثني عنه وقال:" ما منكم رجل يقرب وضوءه فيتمضمض , ويستنشق فينتثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه مع الماء , ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من

أطراف لحيته مع الماء , ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء , ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من اطراف شعره مع الماء , ثم يغسل قدميه إلى الكعبين , إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء , فإن هو قام فصلى , فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل , وفرغ قلبه لله تعالى إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه ". " وقال عمرو بن عبسة: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة , فقدمت المدينة , فدخلت عليه , فقلت: أخبرني عن الصلاة " الحديث. " عمرو بن عبسة " - بفتح الباء - ابن عامر بن خالد: سلمي - من بني سلم - أقبل إلى مكة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستخف إيمانه , ثم عاد بأمره إلى قومه , وكان يترصد خبره حتى سمع أنه - عليه السلام - قدم المدينة , فارتحل إليه. وقوله: " أخبرني عن الصلاة " أي: عن أوقاتها , أو: عنها في أي وقت أفعلها. وقوله عليه السلام: " فإنها تطلع " إلى قوله: " يسجد لها الكفار " علة الأمر بالإقصار عن الصلاة , وهو تركها , والمراد به: التحرز عن مشابهتهم في العبادة.

وقوله: " فإن الصلاة مشهودة محضورة " معناه: أن الصلاة بعد الارتفاع يشهدها ويحضرها أهل الطاعة من أهل السماوات والأرض. وفي رواية: " مشهودة مكتوبة " أي: تشهدها الملائكة وتكتب أجرها , وهو إبداء الفرق بين الصلاة وقت الطلوع والصلاة بعد الارتفاع , وبيان فضل صلاة الضحى. وقوله: ط حتى يستق الظل بالرمح " أي: يرتفع معه ولا يقع منه على الأرض , من قولهم: (استقلت السماء) بمعنى: ارتفعت , وروي (حتى يستق الرمح [ب] الظل , أي: يرفعه ويستبد بحمله على الرؤوس , والمعنى على الروايتين: ألا يقع له على الأرض ظل , وذلك إنما يكون وقت الاستواء طول النهار في البلاد الواقعة على خط الاستواء , والمراد به: وقت الاستواء. وقوله: " فإنه حينئذ تسجر جهنم " أي: توقد , يقال: سجرت التنور , أي: أوقدته , والسجور: الوقود , واختلف العلماء في جواز الصلاة في الأوقات الثلاثة وبعد صلاة الصبح إلى الطلوع وبعد صلاة العصر إلى الغروب , فذهب داود إلى جواز الصلاة في الأوقات مطلقا , وقد روي ذلك عن جمع من الصحابة , فلعلهم لم يسمعوا نهيه صلوات الله عليه , أو حملوه على التنزيه دون التحريم , وخالفهم الأكثرون , فقال الشافعي: لا يجوز فيها فعل صلاة لا سبب لها , أما الذي له سبب كالمنذورة وقضاء الفائتة فجائز , لحديث كريب عن أم سلمة , واستثنى أيضا مكة واستواء الجمعة , لحديثي جبير بن مطعم

باب الجماعة وفضلها

وأبي هريرة , وقال أبو حنيفة ك يحرم فعل كل صلاة في الأوقات الثلاثة , سوى عصر يومه عند الاصفرار , ويحرم المنذورة والنافلة بعد الصلاتين دون المكتوبة الفائتة وسجود التلاوة , وقال مالك: يحرم فيها النوافل دون الفرائض , ووافقه أحمد , غير أنه جوز فيها ركعتي الطواف أيضا. ... 22 - باب الجماعة وفضلها من الصحاح: 264 - 754 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ". (باب الجماعة وفضلها) (من الصحاح): " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ". " الفذ ": الفرد , وأول سهام القداح فذ , وشاة مفذة: شاة تلد واحدا واحدا , فإذا اعتادت ذلك سميت: مفذاذا.

والحديث دليل على أن الجماعة ليست شرطا للصلاة , وإلا لم تكن صلاة الفذ ذات درجة حتى تفضل عليها صلاة الجماعة بدرجات , والتمسك به على عدم وجوبها ضعيف , إذ لا يلزم من عدم اشتراطها عدم وجوبها , ولا من جعلها سببا لإحراز الفضل , فإن الواجب أيضا يوجب الفضل. وراوي الحديث عبد الله بن عمر. ... 265 - 755 - قال: " والذي نفسي بيده! لقد هممت أن أمر بحطب يحتطب , ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها , ثم آمر رجلا فيؤم الناس , ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم , والذي نفسي بيده! لو يعلم أحدهم أنه يجد عرفا سمينا , أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء ". " وقال عليه السلام: والذي نفسي بيده! لقد هممت أن آمر " الحديث. " يحتطب ": يجمع , والتحطب: جمع الحطب. " ثم أخالف إلى رجال " أي: أتردد إليهم وأمضي عقبهم. " عرفا سمينا " , أي: عظما عليه لحم , " أز مرماتين حسنتين ", أي: سهمين , والمرماة: السهم الذي يتعلم به الرمي , أي: لو علم

أحدهم أنه لو حضر وقت العشاء لحصل له حظ دنيوي لحضره , وإن كان خسيسا حقيرا , ولا يحضر للصلاة وما رتب عليها من الثواب , ويجوز أن يراد بالعشاء: الصلاة , أي: لو علم أنه لو حضر الصلاة وأتى بها لحصل له نفع ما دنيوي من مأكول كعرق أو غيره كمرماتين لحضرها , ولا يحضرها لقصور همته على الدنيا وزخارفها مما يتبعها من مثوبات العقبى ونعمها. وقيل: المراد بالمرماة: ظلف الشاة , سمي بذلك لأنه يرمي به , وقيل: المرماة: العظم الذي لا لحم عليه , والحسن والحسن: العظم الذي في المرفق مما يلي البطن , والقبيح والقبح: العظم الذي في المرفق مما يلي الكتف , فعلى هذا يكون (حسنتين) بدلا من (مرماتين) لا صفة , والمعنى: التوبيخ , أي: لو دعي أحدهم إلى مثل هذا الشيء الحقير لأجاب ولا يجيب إلى الصلاة. وقوله:" فأحرق عليهم بيوتهم " يدل على وجوب الجماعة , وقد اختلف العلماء فيه , وظاهر نصوص الشافعي تدل على أنها من فروض الكفايات , وعليه أكثر أصحابه , لقوله عليه السلام:"ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا يقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان , فعليك بالجماعة , فإنما يأكل الذئب القاصية " أي: الشاة البعيدة من السرب والراعي و (استحوذ الشيطان): وهو غلبته وإنما يكون بما يكون معصية , كترك الواجب دون السنة , وذهب الباقون منهم إلى أنها سنة وليست بفرض , وهو مذهب أبي حنيفة ومالك , وتمسكوا بالحديث السابق.

وأجابوا عن هذا: بأن التخريب لاستهانتهم وعدم مبالاتهم بها , لا لمجرد الترك ويشهد له ما بعده من الحديث. وقال أحمد وداود: إنها فرض على الأعيان لظاهر الحديث , وليست شرطا في صحة الصلاة , وإلا لما صحت صلاة الفذ , وقد دل الحديث السابق على صحتها. وقال بعض الظاهرية بوجوبها , أو إشراطها , لقوله عليه السلام: " من سمع المنادي , فلم يمنعه من اتباعه عذر لم تقبل منه الصلاة التي صلاها ". وأجيب عنه: بأن النداء نداء الجمعة , أو المراد به أنه لم تقبل صلاته قبولا تاما كاملا , توفيقا بينه وبين الحديث المتفق على صحته. ... من الحسان: 266 - 766 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " " لا تقبل لامرأة صلاة تطيبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة ". (من الحسان): " عن أبي هريرة: أنه - عليه السلام - قال: لا تقبل لامرأة صلاة تطيبت لهذا المسجد حتى ترجع , فتغتسل غسلها من الجنابة ".

باب تسوية الصف

هذا تشديد ومبالغة في المنع عن ذهابهن إلى المسجد متطيبات فإنه يهيج الرغبات ويفتن الناس. وقوله:" فتغتسل غسلها من الجنابة " أي: مثل غسلها , والمراد: أن تغسل جميع بدنها ليزول عنها ما عبق من الطيب , والله أعلم. 23 - باب تسوية الصف من الصحاح: 267 - 774 - عن نعمان بن بشير رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي القداح , فرأى رجلا باديا صدره من الصف , فقال: " عباد الله! لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ". (باب تسوية الصفوف) (من الصحاح): " عن النعمان بن بشير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا " الحديث. " القداح " جمع: قدح , وهو السهم الذي لم يرش بعد , ولم يركب

عليه النصل , واللام في " لتسون" اللام التي يتلقى بها القسم , وبكونه في معرض قسم مقدر أكده بالنون المشددة , أو للعطف ردد بين تسويتهم الصفوف وما وكاللازم لنقيضها , فإن تقدم الخارج عن الصف تفرق على الداخل , وذلك قد يؤدي إلى وقوع الإحنة والضغينة فيما بينهم , و (إيقاع المخالفة بين وجوههم): كناية عن المهاجرة والمعاداة , فإن كل واحد من العدوين يعرض بوجهه عن الآخر , وقد صرح به في حديث ابن مسعود الأنصاري , وقال: " استووا ولا تختلفوا , فتختلف قلوبكم ". ... 268 - 775 - وقال: " أقيموا صفوفكم وتراصوا , فإني أراكم من وراء ظهري ". وفي رواية: " أتموا الصفوف ". " وقال عليه السلام: أقيموا صفوفكم وتراصوا ". أي: عدلوا صفوفكم وتضامنوا أكتافكم بعضا إلى بعض , و (الرص): ضم الشيء إلى شيء , قال الله تعالى: {كأنهم ينيان مرصوص} [الصف:4]. ... 269 - 778 - عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليلني منكم أولو الأحلام والنهى , ثم الذين يلونهم ,

ثم الذين يلونهم - ثلاثا - وإياكم وهيشات الأسواق ". " وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليلني منكم أولو الأحلام " الحديث. " ليلني " , أي: ليقرب مني , من: ولي يلي - بالكسر فيهما - إذا قرب , والولي: القرب , و" أولو الأحلام والنهى ": البالغون العقلاء , لشرفهم وفضلهم , ومزيد تفطنهم وتيقظهم , وضبطهم لصلاته , و (الأحلام) جمع: حلم , وهو البلوغ , قال الله تعالى: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم} [النور:59] , وأصله: ما يراه النائم , و (النهى): العقل , " ثم الذين يلونهم " كالمراهقين , " ثم الذين يلونهم " كالصبيان المميزين , " ثم الذين يلونهم " كالنساء , فإن نوع الذكر أشرف على الإطلاق. و"إياكم " ,أي: احذروا وأنقوا نفوسكم عن هيشات الأسواق عن أن يكون حالكم وصفتكم , و (هيشات الأسواق): مختلطاتها وجماعاتها , من: الهيش , وهو الخلط والجمع , وروي بالواو , والمعنى واحد , أي: تكونوا مختلطين اختلاط أهل الأسواق , فلا يتميز الذكور عن الإناث , ولا الصبيان عن البالغين. ... 270 - 780 - وقال جابر بن سمرة رضي الله عنه: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم

فرآنا حلقا , فقال: " ما لي أراكم عزين؟ ", ثم خرج علينا فقال: " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ ", فقلنا يا رسول الله! كيف تصف الملائكة عند ربها؟ , قال: " يتمون الصفوف الأولى , ويتراصون في الصف ". " وقال جابر بن سمرة رضي الله عنه: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم , فرآنا حلقا , فقال: ما لي أراكم عزين ". " حلقا " جمع: حلقة , و" ما لي أراكم عزين " أي: جماعات متفرقين حلقة حلقة , جمع: عزة , وهي الجماعة , قال الله تعالى: {عن اليمين وعن الشمال عزين} [المعارج:37] , وأصل (عزة): عزوة , من: أجحفوه بحذف آخر جمعوه بالواو والياء والنون جبرا له , وتعويضا عما حذف , كما فعلوه في (بنون) و (قلون). ... من الحسان: 271 - 782 - قال: " رصوا صفوفكم , وقاربوا بينها , وحاذوا بالأعناق , فوالذي نفسي بيده! إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف ".

باب الموقف

(من الحسان): " قال عليه الصلاة والسلام: رصوا صفوفكم , وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق , فوالذي نفسي " الحديث. " رصوا صفوفكم " أي: صلوا صفوفكم بتواصل المناكب وضم بعضها إلى بعض , ولا تجمعوا خلالها فرجا تسع واقفا أو يلج فيها مار , فإن الشيطان يدخل من خلالها لتشويش صلاتكم ويقطعها عليكم , و" قاربوا بينها " بحيث لا يسع بين كل صفين صف آخر , حتى لا يقدر الشيطان أن يمر بين أيديكم , ويصير تقارب أشباحكم سببا لتعاضد أرواحكم , و" حاذوا بالأعناق ": فلا يرتفع بعضكم على بعض , بأن يقف مكانا أرفع من مكانه , ولا عبرة بالأعناق أنفسها , إذ ليس للطويل أن ينخنس حتى يحاذي عنقه عنق القصير الذي بجنبه. و" الحذف " - بالحاء الغير المعجمة وفتح الذال [المعجمة]-: غنم سود صغار من عنم الحجاز , والواحدة ,: حذفة ف: ان الشيطان يتصغر حتى يدخل في تضاعيف [الصف]. ... 24 - باب الموقف من الصحاح: 272 - 790 - وقال جابر رضي الله عنه: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي ,

فجئت , حتى قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأخذ بيدي , فأدارني خلفه حتى أقامني عن يمينه , ثم جاء جبار بن صخر , فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأخذ بيدينا جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه. (باب الموقف) (من الصحاح): " قال جابر: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي , [ف] جئت حتى قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأخذ بيدي " الحديث. الحديث دليل على أن الأولى أن يقف واحد عن يمين الإمام ويصطف اثنان فصاعدا خلفه , وأن الحركة الواحدة والحركتين المتصلتين باليد لا تبطل الصلاة , وكذا ما زاد على ذلك إذا تفاصلت , إذ لو كانت مبطلة لما فعل. وجبار بن صخر الأنصاري من بني سلمة , شهد بدرا وأحدا وما بعدهما من المشاهد. ... 273 - 793 - عن أبي بكرة: أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع , فركع قبل أن يصل إلى الصف , ثم مشى إلى الصف , فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم , فقال: " زادك الله حرصا ولا تعد ". " عن أبي بكرة: أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع , فركع " الحديث.

ذهب جمهور العلماء إلى أن الانفراد خلف الصف يكره ولا يبطل الصلاة , وقال النخعي , وحماد بن أبي سليمان , وابن أبي ليلى , ووكيع , وأحمد: تبطل الصلاة به , والحديث حجة عليهم , فإنه - عليه السلام - ما أمره بإعادة الصلاة , ولو كان الانفراد مفسدا لم تكن صلاته منعقدة , لاقتران المفسد بتحريمها. وقوله:" لا تعد" أي: لا تفعل ثانيا مثل ما فعلت , إن جعل نهيا عن اقتدائه منفردا وركوعه قبل أن يصل إلى الصف [ف] لا يدل على فساد الصلاة , إذ ليس كل محرم يفسد الصلاة , ويحتمل أن يكون عائدا إلى المشي إلى الصف في الصلاة , فإن الخطوة والخطوتين , وإن لم تفسد الصلاة لكن الأولى التحرز عنها. ... 274 - 796 - وقد صح عن سهل بن سعد الساعدي أنه سئل: من أي شيء المنبر؟ , قال: هو من أثل الغابة , عمله فلان مولى فلانة , وقام عليه رسول لله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة وكبر , وقام الناس خلفه , فقرأ وركع , وركع الناس خلفه , ثم رجع القهقرى , فسجد على الأرض , ثم عاد إلى المنبر , ثم قرأ ثم ركع ثم رفع رأسه , ثم رجع القهقرى حتى سجد الأرض , فلما فرغ أقبل على الناس فقال: " إنما صنعت هذا لتأتموا بي , ولتعلموا صلاتي ".

باب الإمامة

من الحسان: "سئل سهل بن سعد الساعدي: من أي شيء المنبر؟ فقال: من أثل الغابة " الحديث. "الأثل" - بسكون الثاء -: نوع من الطرفاء , يقال له بالفارسية: كن شورة , و"الغابة": الأجمة , و" القهقرى": نوع من الرجوع , وهو أن يرجع المرء على قفاه , بحيث لا يقبل على ممشاه , ولعله كان على الدرجة الأخيرة , فلم تكثر أفعاله في الصعود والنزول. والحديث دليل على أن الإمام إذا كان على علو , والمأموم بسفل , وتحاذيا ببعض أعضائهما صحت صلاتهما. وقوله:" إنما صنعت لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي " بيان للغرض من ذلك , وهو قصد التعليم وبيان الصلاة وإعلام الانتقالات , وتمهيد لعذره فيما خالف نهيه عن أن يقف الإمام في مقام أرفع من مقام القوم , ونهيه عن التخطي في الصلاة , وتقرير لهما. 25 - باب الإمامة من الصحاح: 275 - 798 - عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى , فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة , فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة , فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا , ولا يؤم الرجل الرجل في سلطانه - ويروى: في أهله - ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه ". (باب الإمامة) (من الصحاح): قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " الحديث. رواه أبو مسعود الأنصاري. وإنما قدم النبي صلى الله عليه وسلم الأقرأ على الأعلم , لأن الأقرأ في زمانه كان أفقه , أما لو تعارض فضل القراءة وفضل الفقه قدم الأفقه , وعليه أكثر العلماء , لأن احتياج المصلي إلى الفقه أكثر وأمس من احتياجه إلى القراءة , لأن ما يجب في الصلاة من القراءة محصور , وما يقع فيها من الحوادث غير محصور , فلو لم يكن فقيها فيه , كثيرا ما يعرض له في صلاته ما يقطعها عليه وهو يغفل عنه. وقال سفيان الثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي بأن الأقرأ

باب ما على الإمام

أولى لظاهر هذا الحديث , والتقدم في الهجرة والسبق إلى الإسلام يؤذن بكمال النفس , ومزيد ميلها إلى الحق , وقوة قبولها إليه , ويقتضي تمرنها عليه وهذه الفضيلة , وإن انقطعت بذاتها , لكنها موروثة حكما , فإن أولاد المهاجرين ومن كان أسبق في الهجرة مقدمون على غيرهم. وقوله: " لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه " أي: في محل سلطته , فالوالي في محل ولايته والمالك في ملكه أولى بالإمامة من غيره , لأنها نوع تقدم وسلطنة. وقوله: " ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه " أي: لا يجلس على دسته وسريره , والموضع الذي يخص به ويعتاد الجلوس فيه , وقيل: المراد بالتكرمة: المائدة , وهي في الأصل مصدر كرم تكريما , كما أطلق لما يكرم به مجازا. ... 26 - باب ما على الإمام من الصحاح: 276 - 808 - قال أنس رضي الله عنه: ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النبي صلى الله عليه وسلم , وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أم تفتن أمه. 276 - 809 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها , فأسمع بكاء الصبي , فأتجوز في صلاتي مما أعلم

من شدة وجد أمه من بكائه ". (باب ما على الإمام) (من الصحاح): " قال أنس: ما صليت خلف إمام قط أخف صلاة ولا أتم " الحديث. (تخفيف الصلاة مع إتمامه): أن يأتي بجميع الفرائض والسنن , ويقتصر على قراءة أوساط المفصل وقصاره ونحوهما , ويلبث راكعا وساجدا ريثما يسبح ثلاثا. وقوله: " فيخفف مخافة أن تفتن أمه " أي: يقطع قراءة السورة ويقتصر على بعض ما قصد قراءته , ويسرع في أفعاله , وهو بمعنى قوله عليه السلام في الحديث الذي بعده:" فأتجوز" أي: فأخفف , كأنه تجاوز عما كان يقصده ويفعله لولا بكاء الصبي , والفتن: الابتلاء , والمراد به هاهنا: التشوش والحزن , بدليل قوله في الحديث الثاني: " مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه "أي: حزنها. قيل: فيه دليل على أن الإمام إذا أحس بداخل يريد الصلاة معه , وهو في ركوعه أو تشهده الأخير جاز له أن ينتظر لحوقه راكعا ليدرك الركعة , أو جالسا ليدرك فضل الجماعة , لأنه لما جاز له أن يقتصر صلاته لحاجة غيره في أمر دنيوي كان تطويله لها لأمر العبادة بالجواز أحق وأولى. ويؤيده: ما روي عن عبد الله بن أبي أوفى بإسناد غير متصل: " أنه

عليه السلام كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم ". ... 277 - 812 - وقال: " يصلون لكم , فإن أصابوا فلكم ولهم , وإن أخطؤوا فلكم وعليهم ". " و [قد] قال عليه السلام: يصلون لكم , فإن أصابوا فلكم [ولهم] , وإن أخطؤوا فلكم وعليهم ". الضمير الغائب للأئمة , وهم وإن كانوا يصلون لله تعالى لكنهم من حيث إنهم ضمناء لصلاتهم على ما سبق في (باب التأذين) تقريره = فكأنهم يصلون لهم , , " فإن أصابوا" أي: أتوا بجميع ما كان عليهم من الأركان والشرائط , فقد حصلت الصلاة لكم تامة كاملة كما حصلت لهم , " وإن أخطؤوا "بأن أخلوا ببعض ذلك عمدا أو سهوا فإن الخطأ يشمل القبيلتين من حيث إنه نقيض الصواب المقابل لهما , " فلكم " , أي: فتصح الصلاة وتحصل لكم , ووبال الخطأ عليهم , وذلك إذا لم يتابعه المأموم فيما أخطأ فيه عالما بحاله , وفيه دليل على أن الإمام إذا صلى جنبا أو محدثا , والمأموم جاهل بالحال صحت صلاته. والحديث مما أورده الإمام محمد بن إسماعيل البخاري مسندا إلى أبي هريرة رضي الله عنه. ***

باب ما على المأموم من المتابعة وحكم المسبوق

27 - باب ما على المأموم من المتابعة وحكم المسبوق من الصحاح: 278 - 816 - وقال " إنما جعل الإمام ليؤتم به , فلا تختلفوا عليه , فإذا ركع فاركعوا , وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد , وإذا سجد سجدوا , وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا ". قال الشيخ الإمام رحمه الله: وقوله " فصلوا جلوسا " منسوخ بما روي. (باب ما على المأموم من المتابعة) (من الصحاح): " قال النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به " الحديث. قال الشارح رحمه الله: هذا حديث صحيح , أخرجه الشيخان عن أبي هريرة , والائتمام: الاقتداء والاتباع , أي: جعل الإمام ليقتدى به ويتبع , ومن شأن التابع ألا يسابق متبوعه ولا يساويه , بل يراقب أحواله ويأتي على أثره بنحو ما فعله. وقوله: " وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك

الحمد " يوهم أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده , وهو مذهب مالك وأحمد. وأجيب عنه: بأنه لما كان الإمام يقوله ينبغي أن يقوله المأموم تحقيقا للائتمام المأمور به في صدر الحديث , والمقصود من قوله هذا: قول تعليم الدعاء , لا المنع عن غيره , وفيه نظر , لأن الفاء تقتضي معاقبة قوله هذا قول الإمام , وذلك بنفي التلفظ بغيره فيما بينهما , وقد انتفى المساوقة في التسميع , لقوله: " ليؤتم به ". وقوله: " وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا "أي: إذا جلس للتشهد فاجلسوا , والمتشهد مصل وهو جالس , وقيل: معناه أن الإمام لو جلس في حال القيام لعذره وافقه المأمومون فيه , وإن لم يكن بهم بأس , ثم اختلفوا فيه , فقيل: إنه محكم ثابت حكمه , وهو قول أحمد وإسحاق , وقيل: إنه منسوخ بحديث عائشة , وهو أنه: صلى في مرضه الذي توفي فيه قاعدا , والناس خلفه قياما , وهو مذهب سفيان الثوري وابن المبارك وأبي حنيفة والشافعي , وقال مالك: لا يجوز لأحد أن يؤم الناس قاعدا , وكلا الحديثين حجة عليه , ودليله ما روي أنه - عليه السلام - قال: " لا يؤم أحد بعدي جالسا , وهو مرسل ومحمول على التنزيه , توفيقا بينه وبينهما. ... 279 - 817 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما ثقل

رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة , فقال: " مروا أبا بكر أن يصلي بالناس " , فصلى أبو بكر تلك الأيام , ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وجد في نفسه خفة , فقام يهادى بين رجلين , ورجلاه تخطان في الأرض حتى دخل المسجد , فلما سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر , فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر , فجاء حتى جلس عن يسار أبي بكر رضي الله عنه , فكأن أبو بكر يصلي قائما , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعدا , يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم , والناس يقتدون بصلاة أبي بكر , وفي رواية: وأبو بكر يسمع الناس التكبير. " وفي حديث عائشة: تهادى بين الرجلين ". أي: مشى بينهما معتمدا عليهما مائلا يمينا وشمالا , و (التهادي): مشي النساء والإبل الثقال في تمايل يمينا وشمالا , تفاعل , من: الهدي , وهو السكون. والرجلان: العباس بن عبد المطلب وأسامة بن زيد , وقيل: علي بن أبي طالب وأسامة , وروي: (يهادى) على ما لم يسم فاعله , كأنه لما اعتمد عليهما فهما حملاه. " رجلاه تخطان في الأرض " أي: تمدان فيها من الضعف. " فلما سمع أبو بكر حسه " أي: حركته , وفي الحديث: أنه كان في مسجد الخيف , فسمع حس حية , أي: حركتها , ولعله من باب تسمية المفعول بالمصدر

باب من صلى صلاة مرتين

وقوله:" يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم , والناس يقتدون بصلاة أبي بكر " ليس معناه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إمام أبي بكر وأبو بكر كان إمام القوم , فإنه غير جائز , إذ الاقتداء بالمأموم ممنوع , بل الإمام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأبو بكر وإن كان إماما في بدء الصلاة لكنه لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم , وشرع في الصلاة صار هو والقوم يقتدون به , وكان أبو بكر يترجم , ويسمع الناس التكبير , كما صرح به في الرواية الأخرى , فأبو بكر يتبع تكبيرات النبي صلى الله عليه وسلم , والقوم يتبعون تكبيرات أبي بكر. وفيه دليل على جواز إنشاء القدوة في تضاعيف الصلاة , فإن أبا بكر ما كان مقتديا , ثم صار مقتديا , وعلى أن للمأموم أن يقتدي بإمام , فيفارقه ويقتدي بآخر , وأن أبا بكر أفضل الناس بعده وأولاهم بخلافته , كما قالت الصحابة: رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا , ولا نرضاه لدنيانا؟. ... 28 - باب من صلى صلاة مرتين من الصحاح: 280 - 824 - قال جابر رضي الله عنه: كان معاذ بن جبل رضي الله عنه يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم , ثم يأتي قومه , فيصلي بهم. وقال جابر ك كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء , ثم يرجع إلى قومه , فيصلي بهم العشاء , وهي له نافلة. من الحسان ك 280 م - 825 - عن يزيد بن الأسود أنه قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم

حجته , فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف ,فلما قضى صلاته وانحرف , فإذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا معه , قال: " علي بهما " فجيء بهما ترعد فرائصهما قال: " ما منعكما أن تصليا معنا؟ ", فقالا: يا رسول الل! إنا كنا صلينا في رحالنا , قال:" فلا تفعلا , إذا صليتما في رحالكما , ثم أتيتما مسجد , فصليا معهم , فإنهما لكما نافلة ". (باب من صلى صلاة مرتين) (من الصحاح): " قال جابر: كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم , ثم يأتي قومه , فيصلي بهم ". دل الحديث على جواز إعادة الصلاة بالجماعة , وقد اختلف فيه , فذهب الشافعي إلى جواز مطلقا , وقال أبو حنيفة: لا تعاد إلا الظهر والعشاء , أما الصبح والعصر فللنهي عن الصلاة بعدهما , وأما المغرب فلأنه وتر النهار , فلو أعادها صارت شفعا , وقال مالك: إن كان قد صلاها في جماعة لم يعدها , وإن كان قد صلاها منفردا أعادها في الجماعة , إلا المغرب. وقال النخعي والأوزاعي: يعيد , إلا المغرب والصبح , وعلى أن اقتداء المفترض بالمتنفل جائز , لأن الصلاة الثانية كانت نافلة لمعاذ , لقوله - عليه السلام - في حديث يزيد بن الأسود:" إذا صليتما في رحالكما , ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم , فإنها لكما نافلة " , وصلاة القوم كانت فريضة. وفي الحديث الثاني: (فجيء بهما ترعد فرائصهما) أي: تضطرب من الخوف , يقال: أرعد الرجل على بناء ما لم يسم فاعله: إذا أخذته الرعدة , وهي الفزع والاضطراب من الخوف , قال أمية بن

باب السنن وفضلها

أبي الصلت: فرائضهم من شدة الخوف ترعد والفرائض جمع: فريصة , وهي لحمة تحت الكتف مما يلي الجنب. ... 29 - باب السنن وفضلها من الصحاح: 281 - 831 - وقال: " صلوا قبل المغرب ركعتين , صلوا قبل المغرب ركعتين " , قال في الثالثة: " لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة ". (باب السنن وفضيلتها) (من الصحاح): " قال النبي عليه الصلاة والسلام: صلوا قبل المغرب ركعتين , قال في الثالث لمن شاء كراهة أن يتخذها الناس سنة ". لما كان ظاهر الأمر يقتضي الوجوب وكان مراده الندب والاستحباب = خير المكلف , وعلق الأمر على المشيئة مخافة أن

يحمل اللفظ على ظاهره , سيما وقد أكد الأمر بتكرار ثلاثا , فيتخذ طريقة ثابتة لا محيص عنها. وقد تطلق السنة ويراد بها الفريضة , كقولهم: الختان من السنة. والحديث مما أورده البخاري في " صحيحه" بإسناده عن عبد الله بن سرجس المزني. ... 282 - 841 - وقال: " من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهن بسوء عدلن له بعبادة ثنتي عشرة سنة ". من الصحاح: " قال: من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهن بسوء عدلن له بعبادة ثنتي عشرة سنة ". إن قلت: كيف تعادل العبادة القليلة تلك العبادات الكثيرة ,فإنه تضييع لما زاد عليها من الأفعال الصالحة , وقد قال تعالى: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا} [الكهف: 30]؟ قلت: الفعلان إن اختلفا نوعا فلا إشكال , إذ المقدار اليسير من جنس قد يزيد في القيمة والبدل عما يزيد مقداره ألف مرة وأكثر من جنس آخر وإن اتفقا , فلعل القليل يكتني بمقارنة ما يخصها من

باب صلاة الليل

الأوقات والأحوال ما يوجب لها شفاء على أمثاله , ثم إن العبادات يضاعف ثوابها عشرة أضعاف وأكثر على مراتب العبادات , كما قال عليه السلام: " الصدقة بعشرة أمثالها , والقرض بسبعين ", فلعل القليل في هذا الوقت والحال بسببهما يضاعف أكثر ما يضاعف الكثير في غيرهما , فيعادل المجموع المجموع , ويحتمل أن يكون المراد منه: أن ثواب القليل مضعفا يعادل ثواب الكثير غير مضعف , وهذا الكلام سؤالا وجوابا يجري في جميع نظائره. ... 30 - باب صلاة الليل من الصحاح: 283 - 845 - عن عروة , عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة , يسلم من كل ركعتين , ويوتر بواحدة , فيسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه , فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر , قام فركع ركعتين خفيفتين , ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة , فيخرج.

(باب صلاة الليل) (من الصحاح): " عن عروة بن الزبير , عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ " الحديث. بنى الشافعي مذهبه في الوتر على هذا , وزعم أن أكثر الوتر إحدى عشرة ركعة والفصل فيه أفضل من الوصل , وأن فيه ما بين فرض العشاء وطلوع الفجر , ولا يجوز تقديمه على فرض العشاء , وفي جواز تقديمه على السنة خلاف , ووجه المنع شمول قولها:" بين أن يفرغ من صلاة العشاء " لها. وفي الحديث دليل على أنه يجوز أن يتقرب إلى الله بسجدة فردة لغير التلاوة والشكر , وقد اختلف الآراء في جوازه , وأن أذان الصبح يقدم على وقته , لأن قولها: " وإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر " أي: من أذانها , و"تبين له الفجر " = يدل على أن التبيين لم يكن بالأذان , وإلا لما كان لقوله) وتبين له الفجر) فائدة بعد قوله: (وسكت المؤذن) , والركعتان: ركعتا الصبح , وكأن اضطجاعه استراحة عن مكابدة الليل ومجاهدة التهجد. ... 284 - 852 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: بت عند خالتي ميمونة ليلة والنبي صلى الله عليه وسلم عندها , فتخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة

ثم رقد , فلما كان ثلث الليل الآخر أو بعضه قعد فنظر إلى السماء فقرأ: {إن في خلق السموات والأرض واختلف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} حتى ختم السورة , ثم قام إلى القربة , فأطلق شناقها , ثم صب في الجفنة , ثم توضأ وضوءا حسنا بين الوضوءين لم يكثر وقد أبلغ , فقام يصلي , فقمت فنوضأت فقمت عن يساره , فأخذ بأذني عن يمينه , فتنامت صلاته ثلاث عشرة ركعة , ثم اضطجع فنام حتى نفخ , وكان إذا نام نفخ , فآذنه بلال بالصلاة فصلى ولم يتوضأ , وكان في دعائه: " اللهم اجعل في قلبي نورا , وفي بصري نورا , وفي سمعي نورا , وعن يميني نورا , وعن يساري نورا , وفوقي نورا , وتحتي نورا , وأمامي نورا , وخلفي نورا , واجعل لي نورا , - وزاد بعضهم - وفي لساني نورا , - وذكر - وعصبي , ولحمي , ودمي , وشعري , وبشري ". وفي رواية: " واجعل في نفسي نورا , وأعظم لي نورا ". وفي رواية: " اللهم أعطني نورا ". وفي رواية: عن ابن عباس أنه رقد عند النبي صلى الله عليه وسلم فاستيقظ فتسوك وتوضأ وهو يقول: {إن في خلق السموات والأرض} حتى ختم السورة , ثم قام فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود , ثم انصرف فنام حتى نفخ , ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات , كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات , ثم أوتر بثلاث.

" وفي حديث ابن عباس: فلما كان ثلث الليل الآخر أو بعضه ". أي: بعض الثلث , ويجوز أن يكون الضمير لليل. " قعد , فنظر إلى السماء , فقرأ: {إن في خلق السموات والأرض واختلف الليل والنهار} [البقرة:164] حتى ختم السورة , ثم قام إلى القربة ":يدل على أن المتهجد ينبغي له إذا استيقظ أن يشغل كل عضو بما هو المطلوب منه والموظف له من الطاعات , فيطالع بعينه عجائب الملك والملكوت , ثم يتفكر بقلبه فيما انتهى إليه حاسة بصره , ويعرج بمراقي فكره إلى عالم الجبروت , حتى ينتهي إلى سرادقات الكبرياء , فيفتح لسانه بالذكر والدعاء , ثم يتبع بدنه نفسه بالتأهب للصلاة والوقوف في مقام التناجي. و" الشناق": الخيط الذي يشد به رأس القربة. وقوله: " ثم توضأ وضوءا حسنا بين الوضوءين " أي: وضوءا تاما كاملا غير طويل ولا قصير , متوسطا بينهما. وقوله: " لم يكثر وقد أبلغ " بيان للجملة المتقدمة , أي: لم يكثر صب الماء , و (قد أبلغ) الوضوء مواضعه. وقوله: " فتنامت صلاته ثلاث عشرة ركعة " أي: صارت تامة , تفاعل من: تم , وهو لا يجيء إلا لازما وواستدل به من قال: أكثر الوتر ثلاث عشرة , وليس كذلك , لأن ركعتي الفجر داخلتان فيه , بدليل قوله: " ثم اضطجع , فنام حتى نفخ , وكان إذا نام نفخ , فآذنه

بلال بالصلاة , فصلى ولم يتوضأ ", وكان يعتاد أن يصلي ركعتي الصبح , ثم يضطجع حتى يأتيه المؤذن ويعلمه , فيخرج للفرض , وقد صرحت به عائشة) وإنما لم يتوضأ). " وقد نام حتى نفخ " أي: تنفس بصوت , لأن النوم لا ينقض الطهر بنفسه , بل لأنه مظنة خروج الخارج , ولذلك لا ينتقض وضوء من نام قاعدا ممكنا مقعده على الأرض , وإليه أشار - عليه السلام - بقوله: " وكاء السه العينان" , ولما كان قلبه - صلوات الله عليه - يقظان لا ينام لم يكن نومه مظنة في حقه , فلا يؤثر , ولعله أحس بتيقظ قلبه بقاء طهره. و (النور): ما يتبين به الشيء ويظهر , ومعنى طلب النور للأعضاء: أن تتحلى بأنوار المعرفة والطاعة , وتعرى عن الظلم الجهالة والمعاصي. وللجهات الست طلب الهداية للنهج القويم والصراط المستقيم , وأن يكون جميع ما تصدى وتعرض له سببا لمزيد علمه وظهر أمره , وأن يحيط به يوم القيامة , فيسعى خلال النور , كما قال تعالى في حق المؤمنين: {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم} [التحريم: 8]. ثم لما دعا أن يجعل لكل عضو من أعضائه نورا يهتدي به إلى كماله , وأن يحيط به من جميع الجوانب , فلا يخفى عليه شيء , ولا ينسد عليه طريق = دعا أن يجعل له نورا به يستضيء الناس , ويهتدون إلى سبيل معاشهم ومعادهم في الدنيا والآخرة. وقوله في رواية الأخرى: (ثم قام فصلى ركعتين أطال فيهما

القيام والركوع والسجود , ثم انصرف , فنام حتى نفخ , ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات , كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات , ثم أوتر بثلاث = يدل على الركعات الست كانت من تهجده , وأن الوتر ثلاث , وإليه ذهب أبو حنيفة , وقال: الوتر ثلاث ركعات موصولة , لا أزيد ولا أنقص , وإن السواك كلما قام من النوم محبوب. ... 285 - 854 - قالت عائشة رضي الله عنها: لما بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل , كان أكثر صلاته جالسا. " وقالت: لما بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل كان أكثر صلاته جالسا ". بدن تبدينا: أسن وكبر , وبدن بدانة: سمن , وقد رويا , والأول أكثر في النسخ وأصح , لأنه - عليه السلام - لم يوصف بالسمن المثقل , وعلى هذا معنى (ثقل): ضعف ويطؤ حركته , ويشهد له ما روي عن عبد الله بن شقيق أنه قال: قلت لعائشة: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي جالسا؟ قالت: نعم , بعدما حطمته السن. ... 286 - 857 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ,

باب ما يقوله إذا قام من الليل

ومن قام بمائة آية كتب من القانتين , ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين ". (من الحسان): " عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قام بعشر آيات " الحديث. (القانتون): المواظبون على الطاعة , والقنوت: الطاعة , و (المقنطرون): الذين يتخذون القناطير من الأجر , مأخوذ من: القنطار , وهو المال الكثير. ... 31 - باب ما يقوله إذا قام من الليل من الصحاح: 287 - 863 - قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام الليل يتهجد , قال: " اللهم لك الحمد , أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن , ولك الحمد , أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن , ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض , ومن فيهن , ولك الحمد , أنت الحق , ووعدك الحق , ولقاؤك حق , وقولك حق , والجنة حق , والنار حق , والنبيون حق , ومحمد صلى الله عليه وسلم حق , والساعة حق , اللهم لك أسلمت ,

وبك آمنت , وعليك توكلت , وإليك أنبت , وبك خاصمت , وإليك حاكمت , فاغفر لي ما قدمت وما أخرت , وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني , أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ". (باب ما يقول إذا قام من الليل) (من الصحاح): " قال ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال: اللهم لك الحمد " الحديث. (يتهجد): أي: أن يصلي صلاة الليل , وهو حال من الضمير في (قام) و" قال: اللهم ": خبر كان , و" قيم ": فبعل , من: قام , ومعناه: الدائم القيام بحفظ المخلوقات من " السماوات والأرض ومن فيهن " , وإنما قال: (من) ولم يقل (ما) تغليبا للعقلاء , فإن مما فيهن الملائكة والثقلين. وقوله: " أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن " أي: منورها , أي: مظهرها , فإن النور ما يظهر بنفسه ويظهر غيره. " لك أسلمت " أي: أذعنت , " وبك آمنت " أي: صدقت , أو بك آمنت نفسي من عذابك , " وإليك أنبت " أي: رجعت , " وبك خاصمت " أي: بقوتك. ... 288 - 765 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تعار من الليل فقال:

باب التحريض على قيام الليل

لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير , سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ", ثم قال: " رب اغفر لي - أو قال ثم دعا - استجيب له , فإن توضأ ثم صلى قبلت صلاته ". " وقال عليه السلام: من تعار من الليل , فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد , وهو على كل شيء قدير , سبحان الله , والحمد لله , ولا إله إلا الله " الحديث. " تعار ": استيقظ , قال الجوهري: تعار الرجل من الليل: إذا هب من نومه مع الصوت , ولعلها مأخوذ من: عرار الظليم , وهو صوته , والمعنى: أن من هب من نومه , فذكر الله تعالى بهذا الذكر , ثم دعاه استجيب له , وإن صلى قبلت صلاته. وراوي الحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه. 32 - باب التحريض على قيام الليل من الصحاح: 289 - 869 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد , يضرب على كل عقدة: عليك

ليل طويل فارقد , فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة ,فإن توضأ انحلت عقدة , فإن صلى انحلت عقدة , فأصبح نشيطا طيب النفس , وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ". (باب التحريض على قيام الليل) (من الصحاح): " قال رسول صلى الله عليه وسلم: يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد " الحديث. القافية: القفا , وعقد الشيطان على قافيته: استعارة من تسويل الشيطان وتحبيب النوم إليه , وتزيين الاستراحة والدعة له , وتثبيط [هـ] عن القيام , وتخييل بقاء الليل إليه كلما انتبه. والتقييد بالثلاث: إما للتأكيد , أو لأن الذي تنحل به عقدته ثلاثة أشياء: الذكر والوضوء والصلاة , فكأن الشيطان منعه عن كل واحد منها بعقدة عقدها على قافيته , ولعل تخصيص القفا لأنه محل الواهمة ومجال تصرفها , وهي أطوع القوى للشيطان وأسرعها إجابة إلى دعوته. وقوله: " فأصبح نشيطا طيب النفس " فذلكة الانحلال ونتيجتها , أي: إن فعل هذه الأفعال وأتى بها انحلت عنه العقد , وتخلصت عن وثاق الغفلة , فأصبح بنشاط وأريحية وميل إلى الطاعة , وإن لم يفعل ذلك بقي عليها أثر تلك العقدة , واستمرت الغفلة على قلبه , وكان

كسلان يستثقل العبادة , فتفوت عنه , أو لا يتأتى منه كما ينبغي. وقد روى هذا الحديث أبو هريرة. ... 290 - 871 - وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقيل: ما زال نائما حتى أصبح - ما قام إلى الصلاة - فقال: " الشيطان في أذنه ". " وقال عبد الله بن مسعود: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل , فقيل: ما زال نائما " الحديث. " بال الشيطان في أذنه ": تشبيه وتمثيل , شبه تثاقل نومه وإغفاله عن الصلاة وعدم انتباهه بصوت المؤذن وإحساس سمعه إياه بحال من بيل في أذنه , فثقل سمعه وفسد حسه. وقيل: إنه كناية عن استهانة الشيطان والاستخفاف به , فإن من عادة المستخف بالشيء غاية الاستخفاف أن يبول به , وإنما خص الأذن لأن الانتباه أكثر ما يكون إنما يكون باستماع الأصوات , ولأنه منع الأذن عن استماع الأذان وصوت الدعاة. ***

291 - 873 - وقال: " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر , يقول: من يدعوني فأستجيب له , من يسألني فأعطيه , من يستغفرني فأغفر له ". وفي رواية: " ثم يبسط يديه يقول: من يقرض غير عدوم ولا ظلوم؟ حتى يتفجر الفجر". وفي رواية: " يكون كذلك حتى يضيء الفجر , ثم يعلو ربنا إلى كرسيه ". " وقال: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة " الحديث. لما ثبت بالقواطع العقلية والنقلية أنه تبارك وتعالى منزه عن الجسمية والتحيز والحلول , امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع أعلى إلى ما هو أخفض منه , بل المعنى به عما ذكره أهل الحق: دنو رحمته , ومزيد لطفه على العباد , , وإجابة دعوتهم , وقبول معذرتهم , كما هو ديدن الملوك الكرماء والسادة الرحماء إذا نزلوا بقرب قوم محتاجين ملهوفين فقراء مستضعفين. وقد روي: " يهبط من السماء العليا إلى السماء الدنيا " أي: ينتقل من مقتضى صفات الجلال التي تقتضي الأنفة من الأرذال , وعدم المبالاة , وقهر العداة , والانتقام من العصاة , إلى مقتضى صفات الإكرام المقتضية للرأفة والرحمة , وقبول المعذرة , والتلطف بالمحتاج , واستعرض الحوائج , والمساهلة , والتخفيف في الأوامر

والنواهي والإغضاء عما يبدو من المعاصي. وفي رواية: " ثم يبسط يديه يقول: من يقرض غير عدوم ولا ظلوم , حتى يتفجر الصبح , أي: من يقرض غنيا لا يعجز عن أداء حقه والوفاء بعهده , عادلا لا يظلم المقرض بنقص مستحقه دينه وتأخير الأداء عن أدائه. ومقصود الحديث: تخصيص هذا الوقت بمزيد الشرف والفضل , وأن ما يأتي به المكلف فيه أرجى وأنفع. **** من الحسان: 292 - 877 - عن أبي أمامة قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم , وهو قربة لكم إلى ربكم , ومكقرة للسيئات ومنهاة عن الإثم ". وفي رواية: " ومطردة الداء عن الجسد ". (من الحسان): " قال عليه الصلاة والسلام: عليكم بقيام الليل " الحديث. " دأب الصالحين ": عادتهم , وهو ما يواظبون عليه ويأتون به في أكثر أحوالهم , من قولهم: دأب الرجل في علمه إذا جد فيه واجتهد , ومنه

باب القصد في العمل

قوله تعالى: {وسخر لكم الشمس والقمر دائبين} [إبراهيم: 33] أي: مواظبين على إصلاح العالم , و" مكفرة ": مفعلة بمعنى اسم الفاعل وكذلك " منهاة " , ونظيرهما: مطهرة ومرضاة , ومنجلة , ومحزنة. والمعنى: إن قيام الليل قربة تقربكم إلى ربكم , وخصلة تكفر سيئاتكم وتنهاكم عن المحرمات , كما قال تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} [العنكبوت: 45]. ... 293 - 881 - وعن أبي أمامة أنه قال: قيل: يا رسول الله! أي الدعاء أسمع؟ قال:" جوف الليل الآخر , ودبر الصلوات المكتوبات ". " وفي حديث أبي أمامة: أي الدعاء أسمع؟ ". أي: أرجى وأقرب إلى الإجابة , والله أعلم. ... 33 - باب القصد في العمل من الصحاح: 294 - 885 - وقال: " خذوا من الأعمال ما تطيقون , فإن الله

لا يمل حتى تملوا ". (باب القصد في العمل) (من الصحاح): " قال عليه السلام: خذوا من الأعمال ما تطيقون , فإن الله لا يمل حتى تملوا ". (الملال): فتور يعرض للنفس من كثرة مزاولة شيء , فيوجب الكلال في الفعل والاعراض عنه , وهو [و] أمثال ذلك على الحقيقة إنما يصدق في حق من يعتريه التغير والانكسار , فأما من تنزه عن ذلك فيستحيل تصور هذا المعنى في حقه , بل إذا أسند إليه شيء من ذلك يجب أن يؤول , فيحمل على ما هو منتهاه وغاية معناه , كإسناد الرحمة والغضب والحياء إلى الله تعالى. فمعنى الحديث والله أعلم: اعملوا حسب ومعكم وطاقتكم , فإن الله تعالى لا يعرض عنكم إعراض الملول , ولا ينقص ثواب أعمالكم ما بقي لكم نشاط وأريحية , فإذا فترتم فاقعدوا , فإنكم إذا مللتم عن العبادة , وأتيتم بها على كلال وفتور كانت معاملة الله معكم حينئذ معاملة الملول عنكم. والداعي إلى هذا التجوز: قصد الازدواج , وله في القرآن نظائر جمة , منها: قوله تعالى: {يخادعون الله والله خادعهم} [النساء: 142] {فيسخرون منهم سخر الله منهم} [التوبة:79] {نسوا الله فأنساهم أنفسهم}

وراوي الحديث عائشة. ... 295 - 888 - وقال: " إن الدين يسر , ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه , فسددوا وقاربوا , وأبشروا , واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ". " وقال عليه السلام: إن الدين يسر , ولن يشاد الدين أحد " الحديث. " الدين " في الأصل: الطاعة والجرأة , والمراد به: الشريعة , وأطلق عليها لما فيها من الطاعة والانقياد , والمعنى: إن دين الله الذي أمر به عبادة واختار لهم مبني على اليسر والسهولة , كما قال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج:78] , وقال عليه السلام: " عليكم بالحنيفية السمحة السهلة , ولن يشاد الدين ", أي: لن يقاومه بشدة , والمشادة: التشدد. والمعنى: إن من شدد على نفسه وتعمق في أمر الدين بما لم يوجب عليه , كما هو دأب الرهابنة وأرباب الصوامع , فلربما يغلبه ما يحمله من الكلفة , فيضعف عن القيام نحو ما كلف به , وهو معنى قوله: " إلا غلبه " , فإنه تقال أمر الدين , وقصد أن يغلب عليه بالزيادة

باب الوتر

والتشدد في أفعاله , فعاد مغلوبا بما فرط في التكاليف. و" سددوا " أي: الزموا الطريق المستقيم , من السدادة , وهو الاستقامة , " وقاربوا ": اقتصدوا وتوسطوا , فلا تفتروا ولا تشددوا ,و " استعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة " أي: استعينوا على حوائجكم واستنجاحكم بالصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل , و" الغدوة " بضم الغين: نقيض الرواح , وهما السير طرفي النهار , و " الدلجة " بفتح الدال وضمها: السير في الليل , يقال: أدلج القوم إذا ساروا ليلا , استعير بها عن الصلاة في هذه الأوقات , لأنها سلوك وانتقال من العادة إلى العبادة , ومن الطبيعة إلى الشريعة , ومن الغيبة إلى الحضور. وهذا الحديث من مسانيد أبي هريرة. ... 34 - باب الوتر من الصحاح: 296 - 897 - عن سعد بن هشام رضي الله عنه أنه قال: انطلقنا إلى عائشة رضي الله عنها فقلت: يا أم المؤمنين , أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ , قالت: ألست تقرأ القرآن؟ , قلت: بلى , قالت: فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان

القرآن , قلت: يا أم المؤمنين , أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ , قالت: كنا نعد له سواكه وطهوره , فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل , فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة , فيذكر الله , ويحمده , ويدعوه , ثم ينهض ولا يسلم فيصلي التاسعة , ثم يقعد فيذكر الله ويحمده , ويدعوه , ثم يسلم تسليما يسمعنا , ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد , فتلك إحدى عشرة ركعة , فلما أسن وأخذ اللحم أوتر بسبع , وصنع في الركعتين مثل صنيعه في الأولى , فتلك تسع يا بني , وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها , وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة , ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة , ولا صلى ليلة إلى الصبح , ولا صام شهرا كاملا غير رمضان. (باب الوتر) (من الصحاح): " عن سعد بن هشام: قال: انطلقنا إلى عائشة , فقلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحديث. أي: خلقه كان جميع ما فصل في القرآن , فإن كل ما استحسنه وأثنى عليه وأمر به ودعا إليه فهو قد تولاه وتحلى به , وكل ما استهجنه

ونهى عنه تجنبه وتزكى عنه , فكان القرآن بيان خلقه. ... من الحسان: 297 - 906 - وقال: " إن الله تعالى وتر يحب الوتر , فأوتروا يا أهل القرآن ". (من الحسان): " قال عليه الصلاة والسلام: إن الله وتر يحب الوتر , فأوتروا يا أهل القرآن " الحديث. الوتر: نقيض الشفع , وهو ما لا ينقسم بمتساويين , وقد يتجوز به لما لا نظير له كالفرد , ويصح إطلاقه على الله بالمعنيين , فإن ما لا ينقسم لا ينقسم بمتساويين , وكل ما يناسب الشيء أدنى مناسبة كان أحب إليه مما لم يكن له تلك المناسبة. وقوله: " فأوتروا " أي: اجعلوا صلاتكم وترا بضم الوتر إليها , و " أهل القرآن ": المؤمنون , فإنهم المصدقون له والمنتفعون به , وقد يطلق ويراد به القراءة. وقد روى هذا الحديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. ***

باب القنوت

298 - 907 - قال: " إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم: الوتر , جعله الله فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر ". " وقال عليه السلام: إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم " الحديث. " أمدكم ": أعطاكم زيادة لكم في أعمالكم , قال الله تعالى: {أمدكم بأنعام وبنين} [الشعراء:133] , والإمداد: إتباع الثاني الأول تقوية وتأكيدا له , من: المدد. وروي:" زادكم " وليس في الروايتين ما يدل على وجوب الوتر , إذ الإمداد والزيادة يحتمل أن يكون على سبيل الوجوب , وأن يكون على طريقة الندب. وراويه خارجة بن حذافة القرشي , وكان من الأبطال , يعدل بألف فارس , استخلفه عمرو بن العاص بمصر في صلاة الصبح يوم ميعاد الخوارج , فحسب الخارجي الذي قصد قتل عمرو - وهو رجل من بني العنبر - أنه عمرو , فقتله , ولا يعرف له غير هذا الحديث. ... 35 - باب القنوت من الصحاح: 299 - 913 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا

أراد أن يدعو على أحد , أو يدعو لأحد , قنت بعد الركوع , فربما قال إذا قال: " سمع الله لمن حمده , ربنا لك الحمد ": " اللهم أنج الوليد بن الوليد , وسلمة بن هشام , وعياش بن أبي ربيعة , اللهم اشدد وطأتك على مضر , واجعلها سنين كسني يوسف " يجهر بذلك , وكان يقول في بعض صلاته: " اللهم العن فلانا وفلانا " , لأحياء من العرب , حتى أنزل الله تعالى: {ليس لك من الأمر شيء} الآية. (باب القنوت) (من الصحاح): " في حديث أبي هريرة: واشدد وطأتك على مضر ". أي: خذهم أخذا شديدا , يقال: وطئهم العدو إذا نكأ فيهم , وأصل الوطء على الشيء ,: المشي والتخطي عليه , ومنه يقال لأبناء السبيل: وطاؤه. و" اجعلها ": الضمير للوطأة أو للأيام , وإنما أضمرها - وإن لم يجر ذكرها - لما دل عليه المفعول الثاني الذي هو هو , و" سنين ": جمع السنة التي بمعنى القحط , و" سني يوسف ": السبع الشداد التي أصابتهم. ... 300 - 914 - وقال عاصم الأحول: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه

باب قيام شهر رمضان

عن القنوت في الصلاة , كان قبل الركوع أو بعده؟ , قال: قبله , إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا , إنه كان بعث أناسا يقال لهم: القراء , سبعون رجلا , فأصيبوا , فقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا يدعو عليهم. " وفي حديث أنس: أنه كان بعث أناسا يقال لهم: القراء ". هم أناس كانوا يقيمون في الصفة ويتعلمون القرآن ويقتبسون العلم , بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجد ليقرؤوا عليهم القرآن ويدعوهم إلى الإسلام , فلما نزلوا بئر معونة قصدهم عامر بن الطفيل في أحياء من بني سليم , وهو رعل وذكوان وعصية , وقاتلوهم , فقتلوهم , ولم ينج منهم إلا كعب بن زيد الأنصاري , من بني النجار فإنه تخلص وبه رمق , فعاش حتى استشهد يوم الخندق , وكان ذلك في السنة الرابعة من الهجرة. ... 36 - باب قيام شهر رمضان من الصحاح: 301 - 919 - قال أبو هريرة رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة , فيقول: " من قام رمضان

إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " , فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك , ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه , وصدرا من خلافة عمر صلى الله عليه وسلم. (باب قيام شهر رمضان) (من الصحاح): " في حديث أبي هريرة: من قام شهر رمضان إيمانا واحتسابا , غفر له ما تقدم من ذنبه " الحديث أي: أتى بقيام رمضان وهو التراويح , أو: قام إلى صلاة رمضان أو إلى الصلاة ليالي رمضان , " إيمانا" بالله وتصديقا بأنه تقرب إليه , و " احتسابا": يحتسب بما فعله عند الله تعالى أجرأ لم يقصد به غيره , " غفر له " سوابق الذنوب. ... من الحسان: 302 - 921 - قال أبو ذر رضي الله عنه: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتى بقي سبع , فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل , فلما كانت السادسة لم يقم بنا , فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب

شطر الليل , فقلت: يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة , فقال: " إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف , حسب له قيام ليلة " , فلما كانت الرابعة لم يقم حتى بقي ثلاث , فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس , فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح - يعني السحور - ثم لم يقم بنا بقية الشهر. (من الحسان): " في حديث أبي ذر: لو نفلتنا قيام الليل هذه الليلة " الحديث. أي: جعلت بقية الليل زيادة لنا على قيام الشطر , و (النفل): الزيادة على الأصل , ومنه سميت الحاقدة: نافلة. وفيه: " فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح , يعني: السحور ", إنما سمي السحور: فلاحا , وهو الفوز بالبغية لأنه يعين على إتمام الصوم , وهو الفوز بما قصده ونواه , أو الموجب للفلاح في الآخرة , وقوله: " يعني السحور ": الظاهر أنه من متن الحديث , لا من كلام الشيخ , ويدل عليه ما أورده أبو داود في " سننه " , فإنه روى الحديث بإسناده عن جبير بن نفير عن أبي ذر , وذكر فيه أنه قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: " السحور ". ***

باب صلاة الضحى

37 - باب صلاة الضحى من الصحاح: 303 - 926 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة , فكل تسبيحة صدقة , وكل تحميدة صدقة , وكل تهليلة صدقة , وكل تكبيرة صدقة , وأمر بالمعروف صدقة , ونهي عن المنكر صدقة , ويجزيء من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى " (باب صلاة الضحى) (من الصحاح): " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ". السلامى: عظم الأصابع , والجمع: سلاميات , فالمراد به: العظام كلها , يدل عليه الحديث الثاني من الحسان , وهو قوله: " في الإنسان ثلاثة وستون مفصلا , عليه أن يتصدق عن كل مفصل بصدقة " والمراد بالصدقة: الشكر والقيام بحق المنعم , بدليل قوله: " وكل تسبيحة صدقة , وكل تحميدة صدقة " إلى آخره , والمعنى: إن كل عظم من عظام ابن آدم يصبح سليما عن الآفات , باقيا على الهيئة التي تتم بها منافعة وأفعاله فعليه صدقة , شكرا لمن صوره ووقاه عما يغيره ويؤذيه.

باب التطوع

والحديث حديث أبي ذر. ... 304 - 927 - وقال: " صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ". " وقال عليه السلام: صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ". رواه زيد بن أرقم. (الأواب): الراجع إلى طاعة الله من متابعة الهوى , من: الأوب , وهو الرجوع , و" ترمض الفصال ": تحترق بالرمضاء لشدة الحر , فإن الضحى إذا ارتفع في الصيف يشتد حر الرمضاء , فتحترق أخفاف الفصال بمماشيها , وإنما أضاف الصلاة في هذا الوقت إلى الأوابين , لأن النفس تركن فيه إلى الدعة والاستراحة , فصرفها إلى الطاعة والاشتغال فيه بالصلاة أوب من مراد النفس إلى مرضاة الرب. ... 38 - باب التطوع من الصحاح: 305 - 932 - قال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الفجر: " يا بلال!

حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام؟ , فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة ", قال: مل عملت عملا أرجى عندي إلا أني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي. (باب التطوع) (من الصحاح): " قال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الفجر: يا بلال! حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام " الحديث. " أرجى ": من أسماء التفضيل التي بنيت للمفعول , فإن العمل مرجو به الثواب وعلو الدرجة , ويجوز أن تكون إضافته إلى العمل لأنه سبب الرجاء , ويكون المعنى: حدثني بما أنت أرجى من نفسك به من أعمالك. وقوله: " سمعت دف نعليك " أي: صوت نعليك , والدف والدفيف: السير اللين. ... 306 - 936 - عن بريدة قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بلالا فقال: " بم سبقتني إلى الجنة؟ , ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي ", قال: يا رسول الله! , ما أذنت قط إلا صليت ركعتين , وما أصابني حدث قط إلا توضأت عنده , ورأيت أن لله علي

باب صلاة التسبيح

ركعتين , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بهما ". من الحسان: " عن بريدة قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم , فدعا بلالا: بم سبقني إلى الجنة؟ "الحديث. " بم سبقني " أي: بأي عمل يوجب دخول الجنة سبقت , فأقدمت عليه قبل أن آمرك وأدعوك إليه؟ جعل السبق فيما يدخل الجنة كالسبق في دخول الجنة , ثم رشحه بأن رتب عليه سماع الخشخشة أمامه , وهي صوت حركته أو دفيف النعل بين يديه , ولا يجوز إجراؤه على ظاهره , إذ ليس لنبي من الأنبياء أن يسبقه , فكيف لأحد من أمته؟! ... 39 - باب صلاة التسبيح من الصحاح: 307 - 943 - وقال يعلي بن أمية: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما قال الله تعالى: {أن تقصروا من الصلاة إن خفتم} فقد أمن الناس؟ , قال عمر: عجبت مما عجبت منه , فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: " صدقة تصدق الله بها عليكم , فاقبلوا صدقته ".

باب صلاة السفر

40 - باب صلاة السفر (باب صلاة السفر) (من الصحاح): " قال يعلي بن أمية: قلت لعمر بن الخطاب: إنما قال الله: {أن تقصروا من الصلاة إن خفتم} ,فقد أمن الناس " الحديث. لفظه " إن " من الأدوات التي تستعمل غالبا لتعليق أحد المتساويين على الآخر على ما قررناه في كتبنا الأصولية , فيدل بمنطوقه على ارتفاع الأول عند ارتفاع الثاني , وبمفهومه على ارتفاع الثاني عند ارتفاع الأول ما لم يعارضه دليل , ولذلك تعجبا من جواز القصر مع زوال الخوف , وقررهم الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك , ولم يبين أنه خطأ , بل بين المعارض , وهو أن الله تعالى تصدق عليهم بأن رخص لهم فيه حالتي الأمن والخوف إذا كانوا سفرا. ... 308 - 945 - وقال ابن عباس رضي الله عنه: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوما يصلي ركعتين. " وقال ابن عباس: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوما يصلي ركعتين ".

باب الجمعة

المسافر إذا أقام أربعة أيام صحاح , أو لأمر علم أنه لا يتنجز دونه لم يترخص عندنا , أما لو أقام لأمر قد يتنجز دونه , فلم يستتب له حتى مضت أيام, فإن كان الغرض غيره على الأصح , وفيما زاد عليه خلاف , وهذا الحديث وأمثاله محمول على الصورة الأخيرة ومن لم يجوز الزيادة على ثمانية عشر. قال: لعل الراوي عد يومي النزول والارتحال مع أيام الإقامة. وقيل: كانت إقامته في بقاع متفرقة , ولم يقم في مكان واحد أكثر من ثلاثة أيام. ... 41 - باب الجمعة من الصحاح: 309 - 955 - عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا , وأوتيناه من بعدهم , ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم - يعني الجمعة - فاختلفوا فيه , فهدانا الله له , والناس لنا فيه تبع , اليهود غدا والنصارى بعد غد ". وفي رواية: " نحن الآخرون الأولون يوم القيامة , ونحن أول من

يدخل الجنة ". وفي رواية: " نحن الآخرون من أهل الدنيا , والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق ". (باب الجمعة) (من الصحاح): "قال النبي صلى الله عليه وسلم: نحن الآخرون السابقون يوم القيامة , بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا , وأوتيناه من بعدهم " الحديث. " نخن الآخرون " أي: في الدنيا , و " السابقون يوم القيامة " فإن محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته يحشرون قبل سائر الأمم , ويمرون على الصراط أولا , ويقضي لهم قبل سائر الخلائق , ويتقدمون في دخول الجنة. وقوله: " بيد أنهم " , معناه: غير أنهم , وهو رد ومنع لفضل الأمم السابقة على هذه الأمة , فإن المقتضي له اعتداد الله بهم وإنزال الكتب عليهم , وإنا وإياهم متساوية الأقدام في ذلك , غير أنهم لما تقدم زمانهم أوتوا الكتاب قبلنا , و " أوتيناه من بعدهم " , والتقدم الزماني لا يوجب فضلا ولا شرفا. وقوله: " ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم " يعني: الجمعة , " فاختلفوا فيه , فهدانا الله له " معناه: أن الله تعالى أمر بعباده , وفرض

عليهم أن يجتمعوا يوم الجمعة , فيحمدوا خالقهم ويشكروا مانحهم , ويشتغلوا بالذكر والعبادة وما عين لهم , بل أمرهم أن يستخرجوه بأفكارهم ويعينوه باجتهادهم , وأوجب على كل قبيل أن يتبع ما أدى إليه اجتهاده , صوابا كان أو خطأ , كما هو الحال في جميع الصور الاجتهادية. فقالت اليهود: اليوم يوم السبت , لأنه يوم فراغ وقطع عمل , فإن الله تعالى فرغ فيه عن خلق السماوات والأرضين , فينبغي أن ينقطع الناس فيه عن أعمالهم , ويعرضوا عن صنائعهم وتدبير معاشهم ويتفرغوا للعبادة. وزعمت النصارى: أن المراد: يوم الأحد , فإنه يوم بدء الخلق الموجب للشكر والعبادة. فهدى الله هذه الأمة , ووفقهم للإصابة حتى عينوا الجمعة , وقالوا: إن الله تعالى خلق الإنسان للعبادة , كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات:56] وكان خلقه يوم الجمعة , فكانت العبادة فيه أولى , ولأنه تعالى في سائر الأيام أوجد ما يعود نفعه إليه , وفي الجمعة أوجد نفسه , والشكر على نعمة الوجود أهم وأحرى. قوله: " والناس لنا تبع , اليهود غدا , والنصارى بعد غد " لما كان يوم الجمعة مبدأ دور الإنسان وأول أيامه , كان المتعبد فيه باعتبار العبادة متبوعا , والمتعبد في اليومين اللذين بعده تابعا.

وقد روى الحديث أبو هريرة. ... من الحسان: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم , وفيه قبض , وفيه النفخة , وفيه الصعقة , فأكثروا علي من الصلاة فيه , فإن صلاتكم معروضة علي " , قالوا: يا رسول الله! كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ - يقولون: بليت - فقال: " إن الله تعالى حرم على الأرض أجساد الأنبياء ". (من الحسان): " قال عليه السلام: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة , فيه خلق آدم وفيه قبض " الحديث. رواه أوس الثقفي. " فيه خلق ": بيان لفضله , ولا شك أن خلق آدم فيه يوجب له شرفا ومزية , وكذا قبضه فيه , فإنه سبب لوصوله إلى جناب القدس والخلاص عن البليات , وكذا " النفخة " , وهي نفخ الصور , فإنها مبدأ قيام الساعة , ومقدمات النشأة الثانية , وأسباب توصل أرباب الكمال إلى ما أعد لهم من النعيم المقيم , و" الصعقة ": الصوت الهائل الذي يموت الإنسان من هوله.

باب وجوبها

وقوله: " وقد أرمت " من: أرم المال إذا فني , ويحتمل أن يكون في الأصل: أرممت , أي: صرت رميما , فحذفت الميم الأولى كما حذفت اللام من ظلت , استثقالا للجمع بين المثلين , ثم كسرت الراء لالتقاء الساكنين , وقد روي على الأصل. ... 42 - باب وجوبها من الصحاح: 311 - 963 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات , أو ليختمن الله على قلوبهم , ثم ليكونن من الغافلين ". (باب وجوبها) (من الصحاح): " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات " الحديث. أي: أحد الأمرين كائن لا محالة , إما الانتهاء عن ترك الجمعات , أو ختم الله على قلوبهم , فإن اعتياد ترك الجمعة يغلب الرين على القلوب , ويزهد النفوس في الطاعة , وذلك يؤدي بهم إلى أن يكونوا من الغافلين.

والودع: الترك , يقال: ودع يدع ودعا: إذا ترك , والأمر منه: دع , وفي الحديث:" دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ". ... 43 - باب التنظيف والتبكير من الصحاح: 312 - 975 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من غسل يوم الجمعة واغتسل , وبكر وابتكر , ومشى ولم يركب , ودنا من الإمام , واستمع ولم يلغ , كان له بكل خطوة عمل سنة: أجر صيامها , وقيامها ", رواه أوس بن أوس. (باب التنظيف والتبكير) (من الصحاح): " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من غسل يوم الجمعة واغتسل " الحديث. روي: " غسل " بالتشديد والتخفيف , فإن شدد فمعناه: حمل غيره على الغسل , بأن يطأها , وبه قال عبد الرحمن بن الأسود وهلال وأحمد ابن حنبل , وقيل: معناه: بالغ في الغسل , والتشديد فيه للمبالغة دون التعدية , كما في قطع وكسر , و " اغتسل ": تأكيد له , والعطف يأباه

وقيل: المراد بالأول: غسل الرأس خاصة , وإفراده بالذكر لأن العرب كانت شعثا غبرا ذات لمم وشعور , وكانت في غسلها وتنظيفها كلفة , وإن خففت فمحمول على التأكيد , وفيه ما سمعت , أو مخصوص بغسل الرأس. وقوله: " بكر وابتكر " أي: أسرع وذهب إلى المسجد بالبكرة , فإن التبكير هو الإسراع في أي وقت كان , بدليل قوله عليه السلام:" لا تزال أمتي على سنتي ما بكروا بصلاة المغرب ",وقوله: " بكروا بالصلاة يوم الغيم , فإنه من ترك العصر حبط عمله ". وقيل: (بكر) مبالغة (بكر) بالتخفيف , من: البكور , و (ابتكر): أدرك باكورة الخطبة , وهي أولها. واختلف أرباب النقل في راوي هذا الحديث , فقيل: أوس بن أوس الثقفي , وقيل: أوس بن أبي أوس , وقيل: أوس بن حذيفة , وقال يحيى بن معين: أوس بن أبي أوس وأوس بن حذيفة: واحد وحذيفة: اسم أبي أوس. ... 313 - 978 - وقال: " من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرا إلى جهنم " غريب. " وقال عليه السلام: من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ

جسرا إلى جهنم ". " تخطى رقاب الناس ": تجاوز رقابهم بالخطو عليها. وروي:" اتخذ " بالبناء للفاعل , ومعناه: أن صنيعه هذا يؤديه إلى جهنم , كأنه جسر اتخذه إلى جهنم , وبالبناء للمفعول , ومعناه: أنه يجعل يوم القيامة جسرا يمر عليه من يساق إلى جهنم , مجازاة له بمثل عمله. وقد روى هذا الحديث معاذ بن أنس. ... 314 - 979 - عن معاذ بن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب. " وعن معاذ بن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب ". " الحبوة " بضم الحاء: أن يجمع الرجل ظهره وساقيه بثوب , ووجه النهي عنها بهذا القيد أنه مجلبة للنوم , وقعدة لا تمكن فيها , فربما يسبقه الحدث ويمنعه إعادة الطهر عن استماع الخطبة. ***

باب الخطبة والصلاة

44 - باب الخطبة والصلاة من الصحاح: 315 - 984 - وقال السائب بن يزيد: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر , على عهد النبي صلى الله عليه وسلم , وأبي بكر , وعمر , فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء. (باب الخطبة والصلاة) (من الصحاح): " قال السائب بن يزيد: كان النداء يوم الجمعة " الحديث. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يصعدون المنبر بعد الزوال وقبل الأذان , فلما صعدوا وسلموا على الحاضرين جلسوا , وأخذ المؤذن في الأذان , فيؤذن بين يدي المنبر , وهو النداء الأول , ثم لما فرغوا من الخطبة وطفقوا في الزوال أقام المؤذن , وهو النداء الثاني , فلما انتهى الأمر إلى عثمان وكثر الناس في المدينة رأى أن يؤذن المؤذن بعد الوقت وقبل أن يخرج الإمام , ليصل صوته إلى نواحي البلد , ويجتمع الناس قبل خروج الإمام , فلا يفوت عنهم أوائل الخطبة , فزاد أذانا آخر , وصار النداء ثلاثة , وما زاد وإن كان باعتبار الوقوع نداء أولا , إلا أنه شرع بعد النداءين الأذان بعد صعود الإمام

المنبر وإقامة عند نزوله , فهو نداء ثالث , ثالث النداءين المتقدمين. و" الزوراء ": دار بالمدينة , لعلها سميت بها لبعدها عن العمارة , يقال: أرض زوراء , أي: بعيدة. ... 316 - 985 - وقال جابر بن سمرة: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن , ويذكر الناس , فكانت صلاته قصدا , وخطبته قصدا. " وقال جابر بن سمرة: كان للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان , يجلس بينهما يقرأ القرآن " الحديث. " يقرأ القرآن " صفة ثانية للخطبتين , والراجع محذوف , والتقدير: يقرأ فيهما , و " يذكر الناس ": عطف عليه داخل في حكمه , والقصد في الأصل: الاستقامة في الطريق , استعير للتوسط في الأمور والتباعد عن الأطراف , ثم للمتوسط بين الطرفين كالوسط , أي: كانت صلاته متوسطة , لم تكن ف غاية الطول , [و] لا في غاية القصر , وكذا الخطبة , وكذا: لا يقتضي مساواة الخطبة للصلاة حتى يخالف قوله - عليه السلام - في حديث عمار: " إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة في فقهه , فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة ,

وإن من البيان سحرا ". لأن أطول الصلوات أطول من طوال الخطب المعهودة , فإنه صلى الخسوف ركعتين قرأ فيهما البقرة وآل عمران والنساء والمائدة , وسبح في ركعاته قدر أربع مئة آية منها , ولم يكن شيء من خطبته مثل ذلك ولا نصفه , ولذلك أفرد كلا منهما بقصد ولم يثن , فتكون الصلاة المقتصدة أطول من الخطبة المتوسطة , والمقصود من الأمر بالإطاعة: أن يجعل صلاته أطول من خطبته , لا الإطالة مطلقا. ... 317 - 986 - وقال عمار: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه , فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة , وإن من البيان لسحرا ". وقوله: " مئنة من فقهه " أي: علامة يتحقق بها فقهه , مفعلة بنيت من (أن) المشددة , فإنها لشدة مشابهتها الفعل لفظا ومعنى أجريت مجراه في بناء الكلمة منها. ووجه دلالة ذلك على فقهه: أن الصلاة أصل مقصود بالذات , والخطبة تقدمة وتوطئة لها , وما هو بالذات مقصود أحق بالاهتمام والتطويل مما هو سببه ومقصود من يتبعه , فلما آثر الخطيب ذلك دل

باب صلاة العيد

على علمه بهذه القضايا , فإن الفعل المتقن يدل على علم فاعله , وأن الصلاة تعبد ليس للإمام فيها مزيد تصرف , فاقتصارها غالبا لا يخلو عن ترك أو استعجال , ولا كذلك الخطبة , فإنها منوطة ببلاغة الخطيب , فكم من قائل طول ولم يعرب عما هو المقصود! وكم من بليغ يجمع في كلمات معدودة معاني جمة , فيستغني بها عن الإطالة! فإذا أطال الصلاة وخفف الخطبة مع الإتمام والتكميل دل ذلك على علمه بأحوال الصلاة , وحسن تعهده لها , وكمال فصاحته , وإليه أشار بقوله بعده ك " وإن من البيان سحرا " , وسنذكر معناه في (باب البيان والشعر). ... 46 - باب صلاة العيد من الصحاح: 318 - 1000 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى , فأول شيء يبدأ به الصلاة , ثم ينصرف , فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم , فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم , وإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه , أو يأمر بشيء أمر به , ثم ينصرف.

(باب صلاة العيدين) (من الصحاح): " في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: وإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه ". أي: لو أراد في الخطبة أن يرسل جيشا إلى موضع لأرسله , ولم تمنعه الخطبة عن ذلك. هذا دليل على أن الكلام في أثناء الخطبة على الخطيب غير محرم , و (البعث): الجيش الذي يبعث إلى موضع , من: بعثته إلى كذا إذا أرسلته , مصدر بمعنى مفعول , و (قطع): ميزه وأخرجه من القبائل , وكان يعين السرايا ويقطعهم بالعيد , لاجتماع الناس هنالك. ... 319 - 1006 - وعن عائشة رضي الله عنها: أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدفقان وتضربان - وفي رواية: تغنيان - بما تقاولت الأنصار يوم بعاث , والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه , فانتهرهما أبو بكر , فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه فقال: " دعهما يا أبا بكر , فإنها أيام عيد , وفي رواية: " يا أبا بكر! إن لكل قوم عيدا , وهذا عيدنا ". " وقالت عائشة رضي الله عنها: إن أبا بكر دخل عليها , وعندها

جاريتان في أيام منى " الحديث. المدخول عليها: عائشة , والراوي حكى قولها بعبارة نفسه. و" أيام منى ": أيام التشريق , " تدفقان " أي: تضربان الدف , و" تضربان ": تدفقان , من: ضرب الأرض إذا وطئها , و " ما تقاولت الأنصار": ما يخاطب به الأنصار بعضهم بعضا في الحرب من مفاخر الحزبين: الأوس والخزرج , والتفاؤل: التفاوض. و" بعاث " بالعين المهملة: اسم حصن كان للأوس , ويوم بعاث: يوم جرى الحرب فيه عند هذا الحصن بين القبيلتين , وبقيت تلك المحاربة والتطارد بينهم مئة وعشرين سنة , حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة , فألف الله بينهم بيمن مقدمه , ونزل فيهم قوله تعالى: {لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم} [الأنفال: 63] والتغشي: التغطي بالثوب , ونهر وانتهر بمعنى: زجر. وقوله: " فإنها أيام عيد " تعليل الجواز , وأيام التشريق تسمى: أيام العيد , لإشراكها له في أنها أيام أكل وشرب. ***

فصل في الأضحية

320 - 1008 - وقال جابر: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق. " وقال جابر: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق ". أي: يخرج في طريق ويرجع في آخر , والسبب فيه يحتمل وجوها: أن يشمل الطريقين بركته وبركة من معه من المؤمنين , وأن يستغني منه أهل الطريقين , وإشاعة ذكر الله , والتحرز عن كيد الكفار , وتفاؤلهم بأن يقولوا: رجع على عقبه , أو رجع من حيث جاء , [و] اعتياد أخذه ذات اليمين حيث عرض له سيلان , وأخذ طريق أطول في الذهاب إلى العبادة , لتكثر خطاه , فيزيد ثوابه , وأخذ طريق أقصر في الإياب , ليسرع إلى مثواه. ... فصل في الأضحية من الصحاح: 321 - 1025 - عن أنس رضي الله عنه أنه قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين , ذبحهما بيده وسمى وكبر , قال: رأيته واضعا قدمه على صفاحهما ويقول: " بسم الله والله أكبر ".

(فصل في الأضحية) (من الصحاح): " عن أنس قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين , ذبحهما بيده وسمى وكبر ". (التضحية): ذبح الأضحية , وهي ما يذبح يوم يوم النحر على وجه القربة , وفيها أربع لغات: أضحية بضم الهمزة وكسرها , وجمعها: أضاحي , وضحية وجمعها: ضحايا , وأضحاة والجمع: أضحى , وإنما سميت بذلك: إما لأن أول وقت يذبح فيه ضحى يوم العيد بعد صلاته , واليوم يوم الأضحى لأنه وقت التضحية , أو لأنها تذبح يوم الأضحى , واليوم يسمى: أضحى لأنه يتضحى فيه بالغداة , فإن السنة ألا يتغدى فيه حتى ترتفع الشمس ويصلي. و (الأملح): الأبيض الذي يخالط سواده بياض , والملحة: بياض يخالطه سواد , وقيل: النقي البياض. و (الأقرن): عظيم القرن. ... من الحسان: 322 - 1033 - عن جابر رضي الله عنه قال: ذبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجوأين , فلما ذبحهما قال: " إني وجهت

وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم حنيفا وما أنا من المشركين , إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين , لا شريك له , وبذلك أمرت وأنا من المسلمين , اللهم منك ولك , عن محمد وأمته , بسم الله والله أكبر ". وفي رواية: ذبح بيده وقال: " بسم الله والله أكبر , اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي ". (من الحسان): " في حديث جابر: ذبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجبين ". (الموجي): الخصي , من الوجاء , وهو رض عروق الخصيتين , وفي الحديث: " عليكم بالباءة , فمن لم يستطع فعليه بالصوم , فإنه له وجاء " وهو من: الوجء , بمعنى: الكسر , يقال: وجأت عنقه أجؤها وجاء , وأصله: موجوءين , لكن لما كانت الهمزة قد تقلب باء في ماضي ما لم يسم فاعله - وهو كالأصل للمفعول - قلبت هاهنا , ثم قلبت الواو لتقدمها سالبة عن الياء ياء , وأدغمت فيها ز وروي: (موجين) , أي: مختلطي السواد والبياض ويكون صفة مؤكدة لـ (أملحين). ***

323 - 1035 - وعن علي رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن , وأن لا نضحي بمقابلة , ولا مدابرة , ولا شرقاء , ولا خرقاء. " وعن علي - كرم الله وجهه - قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن " الحديث. " أن نستشرف العين والأذن " أي: أن ننظر إليهما ونتأمل سلامتهما , و (الاستشراف):إمعان النظر , مأخوذ من: الشرف , وهو المكان المرتفع , فإن من أراد أن يطلع على شيء أشرف عليه , وشاة مقابلة بفتح الباء: هي التي قطعت من قبالة أذنها - وهي مقدمها - قطعة وأدليت عليها , والمدابرة: هي التي قطعت مؤخرها وتركت معلقة عليها , والشرقاء: المشقوقة الأذن طولا , من: الشرق , وهو الشق , ومنه: أيام التشريق , فإن فيها تشرق لحوم القرابين , والخرقاء: المشقوقة الأذن عرضا. ... 324 - 1036 - وعن علي رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحى بأغضب القرن والأذن. " وعنه أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحى بأغضب القرن والأذن ". أي: بمقطوع القرن والأذن , و (الغضب): القطع , ومنه سمي

باب صلاة الخسوف

السيف: عضبا, والناقة المقطوعة الأذن: عضباء. 325 - 1037 - وعن البراء بن عازب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ماذا يتقى من الضحايا؟ فأشار بيده فقال: " أربعا: العرجاء البين ظلعها , والعوراء البين عورها , والمريضة البين مرضها , والعجفاء التي لا تنقي ". " وفي حديث البراء: العجفاء التي لا تنقي ". أي: مهزولة لا نقي لها , وهو مخ العظم , يقال: أنقت الناقة إذا: سمنت , ووقع في عظامها المخ. ... 48 - باب صلاة الخسوف من الصحاح: 326 - 1049 - عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم , فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه , فقام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة , ثم ركع ركوعا طويلا , ثم رفع رأسه , فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول , ثم ركع ركوعا

طويلا وهو دون الركوع الأول , ثم رفع ثم سجد , ثم قام فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول , ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول , ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول , ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول , ثم رفع , ثم سجد , ثم انصرف وقد تجلت الشمس فقال: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله , لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته , فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله " قالوا: يا رسول الله! رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا , ثم رأيناك تكعكعت؟ , قال: " إني رأيت الجنة , فتناولت منها عنقودا , ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا , ورأيت النار , فلم أر كاليوم منظرا أفظع قط منها , ورأيت أكثر أهلها النساء " فقالوا: لم يا رسول الله؟ , قال: " بكفرهن " , قيل: يكفرن بالله؟ , قال: " يكفرن العشير , ويكفرن الإحسان , لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله , ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط ". (باب صلاة الخسوف) (من الصحاح): " في حديث ابن عباس: ثم [رأيناك] تكعكعت ". أي: تأخرت , يقال: كعكعته فتكعكع. وقوله: " فتناولت منها عنقودا , ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت

الدنيا ": وذلك إما بأن يخلق الله تعالى مكان كل حبة تقتطف حبة أخرى , كما هو المروي في خواص ثمر الجنة , أو بأن يتولد منه مثله بالزرع , فيبقى نوعه ما بقيت , فيؤكل منه. ... 327 - 1051 - وعن أبي موسى أنه قال: خسفت الشمس , فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعا يخشى أن تكون الساعة , فأتى المسجد , فصلى بأطول قيام وركوع وسجود ما رأيته قط يفعله , وقال: " هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته , ولكن يخوف الله بها عبادة , فإذا رأيتم شيئا من ذلك , فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره ". " وفي حديث أبي موسى: فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعا يخشى أن تكون الساعة ". كان فزعه عند ظهور الآيات كالخسوف والزلازل والريح والصواعق , شفقا على أهل الأرض من أن يأتيهم عذاب من عذاب الله كما أتى من قبلهم من الأمم , لا من قيام الساعة , فإنه يعلم أنها لا تقوم وهو بين أظهرهم , وقد وعده الله النصر وإظهار الأمر وإعلاء دينه على الأديان كله , ولم يبلغ الكتاب أجله فيها. وقول الراوي: " يخشى أن تكون الساعة " تخيل وتمثيل منه ,

كأنه قال: كان فزعا فزع من يخشى أن تكون الساعة. ... من الحسان: 328 - 1057 - وقال عكرمة: قيل لابن عباس: ماتت فلانة - بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم - فخر ساجدا , فقيل له: أتسجد في هذه الساعة؟ , فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا رأيتم آية فاسجدوا ", وأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؟!. (من الحسان): " في حديث ابن عباس فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم آية فاسجدوا " الحديث. الآية التي أمر بالسجود عند ظهورها: العلامات المنذرة بنزول البلايا والمحن التي يخوف الله بها عباده , ووفاة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كذلك , لأنها كانت أمنة للناس لقوله عليه السلام: " وأنا أمنة لأصحابي , فإذا ذهبت أصحابي ما يوعدون , وأصحابي أمنة لأهل الأرض ". وأزواج النبي - صلوات الله عليهم - ضممن شرف الزوجية إلى شرف الصحبة , فهن أحق بهذا المعنى من غيرهن , وزوال

فصل في سجود الشكر

الأمنة يوجب الخوف. ... فصل في سجود الشكر من الحسان: 329 - 1059 - وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نغاشيا , فسجد شكرا لله تعالى. (باب سجود الشكر) من الصحاح: " روي: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نغاشيا , فسجد شكرا لله تعالى ". (النغاش والنغاشي) بالياء المشددة: القصير الناقص القدر , وقد روي الحديث بهما. ... 330 - 1060 - عن عامر بن سعد , عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة نريد المدينة , فلما كنا قريبا من عزوزاء نزل , ثم رفع يديه فدعا الله ساعة , ثم خر ساجدا , فمكث طويلا , ثم قام فرفع

يديه ساعة , ثم خر ساجدا , ثم قام فقال: " إني سألت ربي , وشفعت لأمتي , فأعطاني ثلث أمتي , فخررت ساجدا لربي شكرا , ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي , فأعطاني ثلث أمتي فخررت ساجدا لربي شكرا , ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي , فأعطاني الثلث الآخر , فخررت ساجدا لربي شكرا ". وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نغاشيا , فسجد شكرا لله , والنغاش: القصير. " وعن عامر بن سعد , عن أبيه - يعني: سعد بن أبي وقاص - قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة نريد المدينة " الحديث. (عزوزي) مقصورة: موضع بين الحرمين , سمي بذلك لصلابة أرضه , مأخوذة من: العزاز بفتح العين , وهو الأرض الصلبة , أو لقلة مائه , من المعزوز , وهي الناقة الضيقة الإحليل التي لا ينزل لبنها إلا بجهد. وكانت شفاعته للأمة بعد السجدات الثلاث , وإعطاؤه إياهم جميعا في ألا يخلدهم في النار , ويخفف عليهم , ويتجاوز عن صغائر ذنوبهم , توفيقا بينه وبين ما دل من الكتاب والسنة على أن الفاسق من أهل القبلة يدخل النار. ***

باب الاستسقاء

49 - باب الاستسقاء من الصحاح: 331 - 1062 - وقال أنس رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء , وإنه ليرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه. (باب الاستسقاء) (من الصحاح): " قال أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء " الحديث. أي: لا يرفعهما كل الرفع حتى يتجاوز رأسه و " يرى بياض إبطيه " لو لم يكن عليه ثوب إلا في الاستسقاء , لأنه ثبت استحباب رفع اليد في الأدعية كلها. ... 332 - 1063 - وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى , فأشار بظهر كفيه إلى السماء. " عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى , فأشار بظهر كفيه إلى السماء ". فعل ذلك تفاؤلا بتقلب الحال ظهرا لبطن , وذلك نحو صنيعه في

تحويل الرداء , أو إشارة إلى ما يسأله , وهو أن يجعل بطن السحاب إلى الأرض , لينصب ما فيه من الأمطار. ... 333 - 1065 - وقال أنس: " أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر قال: فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه ". وفي حديثه الثالث: " لأنه حديث عهد بربه ". أي: قريب العهد بالفطرة , لم يخالطه ما يفسده. ... 334 - 1066 - وقالت عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال: " صيبا نافعا ". " وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى المطر قال: صيبا نافعا ". (الصيب): فيعل , بني للمبالغة , من: الصوب , يطلق على المطر والسحاب , والمراد به: المطر , ونصبه بإضمار فعل , والتقدير: اجعله صيبا نافعا , أو نسألك صيبا. ***

من الحسان: 335 - 1067 - عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى , وحول رداءه حين استقبل القبلة , فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر , وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن , ثم دعا الله. (من الحسان): " في حديث عبد الله بن زيد , وهو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري , من بني النجار , فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر " الحديث. (العطاف والمعطف): الرداء , سمي بذلك لأنه يقع على العطفين , وأطلق هاهنا وأراد به: أحد شقي الرداء , وكذلك أضاف إليه ووصف بالأيمن والأيسر. ... 336 - 1068 - عن عمير مولى آبي اللحم: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت , قائما يدعو رافعا يديه قبل وجهه لا يجاوز بهما رأسه. " وعن عمير مولى آبي اللحم: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقى عند أحجار الزيت ".

" آبي اللحم " رجل من قدماء الصحابة كان لا يأكل اللحم ,فقلب بذلك , وقيل: كان في الجاهلية لا يأكل ما ذبح على النصب , والأكثرون على أنه عبد الله بن عبد الملك , استشهد يوم حنين , وهو الذي يروي الحديث , ولا يعرف له حديث سواه , وعمير يرويه عنه , وله أيضا صحبة , ويروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم غيره من الأحاديث. و" أحجار الزيت ": موضع بالمدينة من الحرة , سمي به لسواد أحجاره , كأنها طليت الزيت. ... 337 - 1071 - وعن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يواكيء يرفع يديه , فقال: " اللهم اسقنا غيثا مغيثا , مريئا مريعا , نافعا غير ضار , عاجلا غير آجل ", فأطبقت عليهم السماء. " وعن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يواكيء , فقال: اللهم اسقنا غيثا مغيثا " الحديث. " يواكيء ": يتحامل على يديه من غاية الرفع والخضوع في الدعاء , وقيل: يعتمد على عصاه , والمواكأة والتوكؤ والاتكاء: الاعتماد والتحامل على الشيء. " مريئا " هنيئا صالحا لا ضرر فيه , كالطعام الذي يمرأ , " مريعا ": مختصبا , يقال: أمرع المكان إذا: أخصب , ومكان مريع أي: خصيب , فهو فعيل: من المراعة , ويحتمل أن يكون: مفعلا , من الربع , ولو ثبت

فصل في صفة المطر والريح

الرواية بضم الميم كان اسم فاعل , من: أراع بمعنى: زاد وكثر , يقال: أراع الطعام وأراعت الإبل , والمعنى: اسقنا غيثا كثير النماء ذا ريع , وروي بالباء وضم الميم , من أربع بالمكان إذا: أقام به , أي: مقيما للناس مغنيا لهم عن الارتياد لعمومه جميع البلاد , وقيل: من: أربع بمعنى: أنبت الربيع. " فأطبقت عليهم السماء " أي: أحيطت بهم المطر وعم , من قولهم: أطبقت الحمى , ومطر طبق , أي: عام. فصل في صفة المطر والريح من الصحاح: 338 - 1075 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مفاتيح الغيب خمس: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث} الآية. (فصل) (من الصحاح): " قال عليه السلام: مفاتيح الغيب خمس: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث} [لقمان:34] الآية ". (المفاتح) جمع: المفتح , وهو الخزانة , أي: خزائن الغيب خمس

لا يطلع عليها غير الله , وروي: " مفاتيح " وهي جمع: مفتاح , أي: العلوم التي بها يفتح الغيب ويطلع عليها. ... 339 - 1076 - وقال صلى الله عليه وسلم: " ليست السنة بأن لا تمطروا , ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت الأرض شيئا ". " وقال عليه السلام: ليست السنة بأن لا تمطر " الحديث. معناه: أن القحط الشديد ليس بأن لا تمطر , بل أن تمطر ولا ينبت , وذلك لأن حصول الشدة بعد توقع الرخاء وظهور مخايله وأسبابه أقطع مما إذا كان اليأس حاصلا من أول الأمر , والنفس مترقبة لحدوثها. ... من الحسان: 340 - 1080 - وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: ما هبت ريح قط إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وقال: " اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا , اللهم اجعلها رياحا , ولا تجعلها ريحا". قال ابن عباس رضي الله عنهما: في كتاب الله - عز وجل -: {إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا} ,

و {إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم} وقال: {وأرسلنا الريح لواقح} {أن يرسل الرياح مبشرات}. (من الحسان): " في حديث ابن عباس: اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا " الحديث. قيل: قال ذلك لأن أكثر ما ورد (الرياح) في القرآن وردت في معرض الرحمة , و (الريح) وردت للعذاب , وهو تأويل ابن عباس. وقيل: (الرياح) إذا كثرت جلبت السحاب وكثر المطر , فيؤدي إلى زكاء الزرع وكثرة الإنماء , وإذا لم يكن كذلك كانت عقيما لا فائدة فيها. وقيل: إذا كانت (الريح) ريح عذاب , فقد مر به من هبت عليه , فلا تهب عليه ريح أخرى , وأما إذا كانت للرحمة فتمر عليهم ريحا بعد ريح , وكثرة بعد أخرى. ... 341 - 1081 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أبصرنا شيئا من السماء - تعني السحاب - ترك عمله , واستقبله وقال: " اللهم إني أعوذ بك من شر ما فيه " , فإن كشفه الله حمد الله , وإن مطرت قال: " اللهم سقيا نافعا ".

" وفي حديث عائشة: إذا أبصرنا شيئا , تعني السحاب ". سمي به لأنه ينشأ من الأبخرة المتصاعدة من البحار والأراضي النزة ونحو ذلك , أو لأنه ينشأ من الأفق بمعنى: يخرج منه.

(5) كتاب الجنائز

كتاب الجنائز

(5) كتاب الجنائز 1 - باب عيادة المريض وثواب المرض من الصحاح: 342 - 1086 - وقال البراء بن عازب: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع , ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض , واتباع الجنائز , وتشميت العاطس , ورد السلام , وإجابة الداعي , وإبرار المقسم , ونصر المظلوم , ونهانا عن خاتم الذهب , وعن حرير , والإستبرق , والديباج , والميثرة الحمراء , والقسي , وآنية الفضة. وفي رواية: وعن الشرب في الفضة , فإنه من شرب فيها في الدنيا , لم يشرب فيها في الآخرة. (كتاب الجنائز) (باب عيادة المريض)

(من الصحاح): " قال البراء بن عازب: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع , ونهانا عن سبع " الحديث. " إبرار المقسم ": تصديق من أقسم عليه , وهو أن يفعل ما شاء له الملتمس , وأقسم عليه أن يفعله , يقال: بر وأبر القسم إذا: صدقه , وفي الحديث: " لو أقسم على الله لأبره " , ويحتمل أن يكون المراد من المقسم الحالف , ويكون المعنى: أنه لو حلف أحد على أمر مستقبل , وأنت تقدر على تصديق يمينه كما لو أقسم ألا يفارقك حتى تفعل كذا , وأنت تستطيع فعله = فافعل , كيلا يحنث في يمينه. و" الميثرة ": وسادة السرج , كأنها تؤثر له , وجمعها: مياثر , قيل: المنهي منها ما كان من مراكب الأعاجم من ديباج أو حرير , وتوصيفها بالحمرة , لأنها كانت الأغلب في مراكبهم , وقيل: المنهي عنه هو المياثر الحمر , سواء كان من إبرسيم وغيره لما فيها من الرعونة , و" القسي " بفتح القاف وتشديد السين: ثوب حرير يؤتى به من مصر , منسوب إلى بلد يقال له: قس. ... 343 - 1087 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع ". " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في

خرفة الجنة حتى يرجع " الحديث. روى الحديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم , و (الخرفة) بالضم: ما يجتنى من الثمار , والاختراف: الاجتناء , وقد يتجوز بها للبستان من حيث إنه محلها , وهو المعنى بها في الحديث , بدليل قوله صلى الله عليه وسلم فيما روي: " عائد المريض على مخاوف الجنة حتى يرجع " , المخارف: جمع مخرف , وهو البستان , ويحتمل أن يكون على تقدير المضاف , أي: في مواضع خرفتها , والمعنى: إن العائد فيما يحوزه من الثواب كأنه في بستان من الجنة , يجتني ثمار الجنة من حيث إن فعله يوجب ذلك , وروي: " كان له خريف في الجنة " أي: مخروف , فعيل بمعنى مفعول. ... 344 - 1091 - وقالت عائشة رضي الله عنها: كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه , أو كانت به قرحة , أو جرح , قال النبي صلى الله عليه وسلم بإصبعه: " باسم الله , تربة أرضنا بريقة بعضنا ليشفى سقيمنا بإذن ربنا ". " وقالت عائشة: كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه " الحديث. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبل أنملة إبهامه اليمنى بريقه , فيضعها على التراب , ثم يرفعها ويضمد به القرحة , وقيل: يشير بها إلى المريض ويقول: " هذه الرقى ".

وقوله: " بإصبعيه " في موقع الحال عن فاعل " قال ". و" تربة أرضنا ": خبر مبتدأ محذوف , هي هذه , والباء متعلقة بمحذوف هو خبر ثان جاء بعدها أو حال عنها , والعامل فيها معنى الإشارة , واللام: لتعليل فعل دل عليه الحال أو القول , وتقدير الكلام: قال النبي صلى الله عليه وسلم مشيرا بإصبعيه: بسم الله , هذه تربة أرضنا معجونة بريقة بعضها , ضمدنا بها , أو فعلنا ما فعلنا , أو قلنا ما قلنا , ليشفى سقيمنا. وقد شهدت المباحث الطبية على أن الريق له مدخل في النضح وتبديل المزاج , ولتراب الوطن تأثير في حفظ المزاج الأصلي ودفع نكاية المغيرات , ولهذا ذكر في تدبير المسافرين أن المسافر ينبغي أن يستصحب تراب أرضه إن عجز عن استصحاب مائها , حتى إذا ورد ماء غير الماء الذي تعود شربه ووافق مزاجه جعل شيئا منه في سقايته , ويشرب الماء من رأسه , ليحفظه عن مضرة الماء الغريب , ويأمن تغير مزاجه لها آثار عجيبة تتقاعد العقول عن الوصول إلى كنهها. ... 345 - 1095 - عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول: " إن أباكما - يعني إبراهيم - كان يعوذ بها

إسماعيل وإسحاق: أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة , ومن كل عين لامة ". " وفي حديث ابن عباس: أعوذ بكلمات الله التامة , من كل شيطان وهامة , ومن كل عين لامة ". (كلمات الله): جميع ما أنزله على أنبيائه , لأن الجمع المضاف إلى المعارف يقتضي العموم , وتمامها: خلوها عن التناقض والاختلاف , وعدم تطرق الخلل إليها , وتعلق الريب بأذيالها. و (الهامة) في الأصل: ما يدب على الأرض , غير أن العرب خصصت إطلاقها على ما يخاف ويحذر من أجناس الأرض كالحيات وسائر ذوات السموم , " وعين لامة ": ذات لمم , أي: تصيب باللمم , وهو السوء. ... 346 - 1098 - وقال: " إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم " , قيل: ذلك لأن لك أجرين؟ , قال: " أجل " ثم قال: " ما من مسلم يصيبه أذى مرض فما سواه , إلا حط الله سيئاته كما تحط الشجرة ورقها ". " وقال عليه السلام: إني أوعك كما يوعك رجلان منكم ". أي: تصيبني سورة الحمى وحدنها ضعف ما تصيب رجلا منكم ,

والوعك: حرارة الحمى وشدتها والرعدة فيها. ... 347 - 1100 - وقالت: مات النبي صلى الله عليه وسلم بين حاقنتي وذاقنتي , فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم. " وقالت عائشة رضي الله عنها: مات النبي صلى الله عليه وسلم بين حاقنتي وذاقنتي " الحديث. أي: توفي مستندا على , و (الحاقنة): النقرة بين الترقوة وحبل العاتق , و (الذاقنة): طرف الحلقوم , وقيل: نقرة الذقن. وقولها: " فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا " أي: لما رأيت شدة وفاته علمت أن ذلك ليس من المنذرات الدالة على سوء عاقبة المتوفى , وأن هون الموت وسهولته ليس من المكرمات , وإلا لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس به , فلا أكره شدة الموت لأحد , ولا أغبط أحدا للموت من غير شدة , كما روي عنها في الحسان. ... 348 - 1101 - وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع ,تفيئها الرياح , تصرعها مرة , وتعدلها أخرى , حتى يأتيه أجله , ومثل المنافق كمثل الأرزة المجذية التي لا يصيبها شيء حتى يكون انجعافها مرة واحدة ".

" وقال النبي صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع " الحديث. الخامة: الغضة الرطبة من النبات التي لم تشتد بعد , وقيل: ما لها ساق واحد. و" تفيئها الرياح " أي: تحركها وتميلها يمنة ويسرة , وأصل الفيئة: إلقاء الفيء على الشيء , وهو الظل , فالريح إذا أمالتها إلى جانب ألقت ظلها عليه , و " الأزرة " بفتح الراء: شجرة الأرزن , وبسكونها: الصنوبر , و" المجذية ": الثابتة , فيقال: جذا وأجذى إذا نبت قائما , و" انجعافها ": انقلاعها , يقال: جعفت الشيء فانجعفت بمعنى: قلعته فانقلع. ... 349 - 1108 - وقال: " الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل - أو علي من كان قبلكم - فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه , وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه ". " وقال عليه السلام: الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل " الحديث. " الطاعون ": من الأمراض المهلكة غالبا , فإذا عرض للمؤمن كان شهادة له , وإن حل على الكافر كان رجزا , أي: عذابا. وفي الحديث: النهي عن استقبال البلاء , فإنه تهور أو إقدام على الخطر , والعقل يمنعه , والفرار عنه , فإنه فرار من القدر , وهو لا ينفعه. ***

من الحسان: 350 - 1112 - عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من توضأ فأحسن الوضوء , وعاد أخاه المسلم محتسبا , بوعد من جهنم مسيرة ستين خريفا ". (من الحسان): " في حديث أنس رضي الله عنه: بوعد من جهنم مسيرة ستين خريفا ". أي: عاما , سمي بذلك لاشتماله عليه. ... 351 - 1114 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الحمى ومن الأوجاع كلها أن يقولوا: " بسم الله الكبير , أعوذ بالله العظيم , من شر كل عرق نعار , ومن شر حر النار ", غريب. " وفي حديث ابن عباس: ومن شر كل عرق نعار ". أي: صباب الدم , يقال: نعر العرق ينعر - بالفتح فيهما - نعرا: إذا فار منه الدم. ... 352 - 1117 - وسئلت عائشة رضي الله عنها عن قول الله تعالى: {وإن تبدوا في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} , وعن

قوله تعالى: {من يعمل سوءا يجز به} فقالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " هذه معاتبة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة , حتى البضاعة يضعها في يد قميصه فيفقدها فيفزع لها , حتى إن العبد ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير ". " وفي حديث عائشة: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذه معاقبة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة ... " إلى آخره. هذه إشارة إلى مفهوم الآية المسؤول عنها , أي: محاسبة العباد ومجازاتهم مما يبدون وما يخفون من الأعمال , مؤاخذة الله العبد ومعاقبته مما يصيبه في الدنيا من الأذى والمكاره. وروي: " هذه معاتبة الله العبد ", من: العتاب. ... 353 - 1120 - وقال: " الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد , والغريق شهيد , وصاحب ذات الجنب شهيد , والمبطون شهيد , وصاحب الحريق شهيد , والذي يوت تحت الهدم شهيد , والمرأة تموت بجمع شهيد ". " وفي حديث عبادة بن الصامت: والمرأة تموت بجمع ". الجمع بضم الجيم وكسرها: أن تموت المرأة وفي بطنها ولد , وقيل: هو الطلق , وقيل: هو أن تكون المرأة بكر لم يفضها زوجها. ***

باب تمني الموت وذكره

354 - 1131 - عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في أجله , فإن ذلك لا يرد شيئا ويطيب نفسه " غريب. " وقال عليه السلام: إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في أجله " الحديث. رواه أبو سعيد الخدري. والمعنى: رفهوا ووسعوا له في الأجل , بأن تقولوا له: لا بأس , طهور , ونحوه , فإن ذلك لا يرد قضاء الله ولا يؤخر أجله المحتوم , ولكن تطيب به نفسه. ... 2 - باب تمني الموت وذكره من الصحاح: 355 - 1133 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يتمنى أحدكم الموت , إما محسنا فلعله يزداد خيرا , وإما مسيئا فلعله أن يستعتب ". (باب تمني الموت) (من الصحاح): " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنمى أحدكم الموت , إما محسنا " الحديث.

" لا يتمنى": نهي أخرج في صورة النفي للتأكيد , ولأن الظاهر من أحوال الناس أنهم لا يتمنون الموت , وإن لم يرد النهي عنه. و" إما محسنا " تقديره: إن كان محسنا , فحذف الفعل بما استكن فيه من الضمير , ثم عوض عنه (ما) وأدغم في ميمها النون , ويحتمل أن يكون "إما": الحرف القاسم , و" محسنا ": منصوب بأنه خبر كان , والتقدير: إما أن يكون محسنا , أو حال , والعامل فيه ما دل عليه الفعل السابق , أي: إما أن يتمناه محسنا. وقوله: " فلعله أن يستعتب " أي: يطلب العتبى , وهو الإرضاء , وكذا الإعتاب , والمراد منه: أن يطلب رضا الله بالتوبة ورد المظالم وتدارك الفائت. ... من الحسان: 356 - 1142 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لأصحابه: " استحيوا من الله حق الحياء ", قالوا: إنا نستحيي من الله يا نبي الله! والحمد لله , قال: " ليس ذلك , ولكن من استحيى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى , وليحفظ البطن وما حوى , وليذكر الموت والبلى , ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا , فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء ", غريب.

(من الحسان): " عن ابن مسعود: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لأصحابه: استحيوا من الله حق الحياء " الحديث. " الحياء ": حالة تعرض للإنسان من خوف ما يعاب ويذم , فيحمله على أن يتركه ويعرض عنه. وقوله: " ليس ذلك " أي: ليس الحياء من الله حق الحياء ما تحسبونه , بل هو أن يترك الرجل ما لا يحبه الله ولا يستحسنه , ويكون فيما يذره ويأتيه خائفا عن عتابه , طالبا لمرضاته , فيحفظ نفسه بجميع جوارحه وقواه عما لا يرضاه الله , فيحفظ رأسه وما وعاه من الحواس الظاهرة والباطنة عن استعمالها فيما لا يحل , والبطن وما حواه عن تناول ما يحرم , إلى غير ذلك , وأن يتذكر الموت والبلى , ويعلم أن الآخرة خير وأبقى , ويعرض عن متاع الدنيا رغبة إلى الله تعالى ورهبة من عقابه. ... 357 - 1145 - ويروي: " موت الفجأة أخذة الأسف ". " وعنه عليه السلام: موت الفجأة أخذة الأسف ". " الفجأة " بالمد والقصر: مصدر فجئه الأمر: إذا جاءه بغتة , وقد جاء منه فعل بالفتح , و" الأسف " بفتح السين: الغضب , وبالكسر: الغضبان , وقد روي الحديث بهما.

باب ما يقال لمن حضره الموت

والمعنى: إن موت الفجأءة من آثار غضب الله تعالى , فإنه أخذه بغتة ولم يتركه لأن يستعد لمعاده بالتوبة , أخذة من مضى من العصاة والمردة , كما قال تعالى: {أخذتهم بغتة فإذا هم مبلسون} [الأنعام:44] , وهو مخصوص بالكفار إن صح ما روي: أنه - عليه السلام - سئل عن الفجاءة , فقال: " راحة للمؤمن , وأخذة أسف للكفار ". ... 3 - باب ما يقال لمن حضره الموت من الصحاح: 358 - 1150 - وقالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره , فأغمضه , ثم قال: " إن الروح إذا قبض تبعه البصر " , فضج ناس من أهله فقال: " لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير , فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ", ثم قال:" اللهم اغفر لأبي سلمة , وارفع درجته في المهديين , واخلفه في عقبه في الغابرين , واغفر لنا وله يا رب العالمين , وافسح له في قبره ونور له فيه ". (باب ما يقال عند من حضره الموت) (من الصحاح): " قالت أم سلمة: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة [وقد]

باب غسل الميت وتكفينه

شق بصره " الحديث. قال الجوهري: شق بصر الميت: إذا نظر إلى شيء لا يرتد إليه طرفه , وقال ابن السكيت: ولا تقل: شق الميت بصره. وقوله عليه السلام: " إن الروح إذا قبض تبعه البصر " يحتمل أن تكون علته للشق , والمعنى: أن المحتضر يتمثل له الملك المتوفي لروحه , فينظر إليه نظرا شزرا , ولا يرتد إليه طرفه حتى يفارقه الروح , واضمحلت بقايا القوى , ويبقى البصر على تلك الهيئة , ويعضده: ما روى أبو هريرة أنه - عليه السلام - قال: " ألم تروا الإنسان إذا مات شخص بصره؟ "قالوا: بلى , قال: " فذلك حين يتبع بصره نفسه ". ويحتمل أن يكون علة للإغماض , فكأنه قال: أغمضته , لأن الروح إذا فارق تبعه البصر في الذهاب , فلم يبق لانفتاح بصره فائدة. 4 - باب غسل الميت وتكفينه من الصحاح: 359 - 1157 - قالت أم عطية رضي الله عنها: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته فقال: " اغسلنها وترا , ثلاثا أو خمسا أو سبعا , بماء وسدر , واجعلن في الآخرة كافورا , فإذا فرغتن

فآذنني ", فلما فرغنا آذناه , فألقى إلينا حقوه , وقال: " أشعرنها إياه ". وفي رواية: " ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها " , وقالت: فضفرنا شعرنا ثلاثة قرون فألقيناها خلفها. (باب غسل الميت وتكفينه) (من الصحاح): " قالت أم عطية: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته " الحديث. (الابنة المغسولة): هي زينب , وقيل: أم كلثوم زوجة عثمان رضي الله عنهما. وقوله:" ثلاثا , أو خمسا , أو سبعا " للترتيب دون التخيير , إذ لو حصل النقاء بالغسلة الأولى استحب التثليث وكره التجاوز عنه , كما في الوضوء وسائر الأغسال , وإن حصل بالثانية أو الثالثة استحب التخميس , وإلا فالتسبيع. وقوله: " بماء وسدر " لا يقتضي استعمال السدر في جميع الغسلات , لصحة قوله: " اغسلنها ثلاثا بماء وسدر " في كلها أو بعضها من غير تكرار ولا نقص , والمستحب: استعماله في الكرة الأولى , ليزيل الأقذار ويكثف المسام , ويمنع عنه تسارع الفساد , وجعل قدر من الكافور في الأخيرة لدفع الهوام. وقولها: " فألقى إلي حقوه " أي: إزاره , والحقو في الأصل: الخصر , سمي الإزار به لأنه يشد عليه.

وقوله: " أشعرنها إياه " أي: اجعلنه شعارها , الضمير الأول للغاسلات , والثاني للميت , والثالث للحقو , والضفر: فتل الشعر. ... 360 - 1158 - وقالت عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب يمانية , بيض , سحولية , من كرسف , ليس فيها قميص ولا عمامة. " وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب يمانية " الحديث. سحولية بفتح السين: منسوبة إلى سحول , موضع باليمن يعمل فيها البرود الأبيض اليمانية , وقد يقال للثوب: سحل , والجمع: سحول , والكرسف: القطن. ... من الحسان: 361 - 1164 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها , ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها ".

(من الحسان) " عن أبي سعيد الخدري: أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد , فلبسها , ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها ". العقل لا يأبى حمله على ظاهره حسبما فهم منه الراوي , إذ لا يبعد إعادة ثيابه البالية , كما لا يبعد إعادة عظامه الناخرة , فإن الدليل الدال على جواز إعادة المعدوم لا تخصيص له بشيء دون شيء. غير أن عموم قوله عليه السلام: " يحشر الناس حفاة عراة " حمل جمهور أهل المعاني , وبعثهم على أن أولوا الثياب بالأعمال التي يموت عليها من الصالحات والسيئات , والعرب تطلق الثياب وتستعير به للأعمال , فإن الرجل يلابسها ويخالطها كما يلابس الملابس. قال الراجز: لكل دهر قد لبست أثؤبا ... حتى اكتسى الرأس قناعا أشيبا ... 362 - 1165 - وعن عبادة بن الصامت , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خير الكفن الحلة , وخير الأضحية الكبش الأقرن ". " وعن عبادة بن الصامت , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الكفن الحلة ". (الحلل): برود اليمن , ولا تطلق الحلة إلا إذا كان ثوبان , إزار

باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

ورداء , والله أعلم. ... 5 - باب المشي بالجنازة والصلاة عليها من الصحاح: 363 - 1169 - وعنه أيضا قال: " إذا رأيتم الجنازة فقوموا , فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع ". (باب المشي بالجنازة والصلاة عليها) "قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الجنازة فقوموا , فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع " الحديث. الباعث على الأمر بالقيام أحد أمرين: إما ترحيب الميت وتعظيمه , وإما تهويل الموت وتفظيعه والتنبيه على أنه بحال ينبغي أن يقلق ويضطرب من رأى ميتا , استشعارا منه ورعبا , ولا يثبت على حاله , لعدم المبالاة وقلة الاحتفال به , ويشهد له قوله عليه السلام: " إن الميت فزع , فإذا رأيتم الجنازة فقوموا " , فإن ترتب الحكم على الوصف - سيما إذا كان بالفاء - يدل على أن الوصف علة الحكم و (الفزع) بفتح الزاي: مصدر جرى مجرى الوصف به للمبالغة , أو بتقدير: ذو

وقوله: " ولا يقعد حتى توضع " قيل: أراد به وضعها عن الأعناق , ويعضده رواية الثوري: " حتى توضع بالأرض " , وتأنيث الضمير التي في " توضع " بالتاء , وكسر الجنازة , فإنها عبارة عن السرير , وهو لا يوضع في اللحد , وقيل: حتى توضع في اللحد , وقد صرح به أبو معاوية الضرير , وقد روى الحديث الأول: أبو سعيد الخدري , والثاني: جابر الأنصاري. ... 364 - 1171 - وروي عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم للجنازة , ثم يقعد بعده ". " وعن علي رضي الله عنه: أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم للجنازة , ثم يقعد بعد ". يحتمل الحديث معنيين: أحدهما: أنه كان يقوم للجنازة , ثم يقعد بعد قيامه , أي: إذا تجاوزت وبعدت عنه. وثانيهما: أنه كان يقوم أياما , ثم لم يكن يقوم بعد ذلك , وعلي هذا يكون فعله الأخير قرينة وأمارة على أن الأمر الوارد في ذينك الخبرين للندب , ويحتمل أن يكون نسخا للوجوب المستفاد من ظاهر

الأمر , فإنه وإن كان مخصوصا بنا دونه , لأن الأمر لا يكون مأجورا بأمره , والفعل صورة تختص بمن يتعاطاه إلا أن فعله المتأخر من حيث إنه يجب علينا الأخذ به والاقتفاء فيه عارضه فينا , فنسخه , والأول أرجح , لأن احتمال المجاز أقرب من النسخ. ... 365 - 1172 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا , وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها , فإنه يرجع من الأجر بقيراطين , كل قيراط مثل أحد , ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن , فإنه يرجع بقيراط ". " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا " الحديث. (القيراط): نصف دانق , وأصله: قراط , لأنه يجمع على: قراريط , فأبدل أحد حرفي التضعيف ياء , وهو إبدال شائع مستمر , وقد يطلق ويراد به بعض الشيء والقسط منه , واستعماله هاهنا بهذا المعنى. ***

باب دفن الميت

من الحسان: 366 - 1188 - عن المغيرة بن زياد رضي الله عنه - يقال: إنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم - قال: " الراكب يسير خلف الجنازة , والماشي يمشي خلفها وأمامها , وعن يمينها وعن يسارها , قريبا منها , والسقط يصلى عليه , ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة ". (من الحسان): " عن المغيرة رضي الله عنه: أنه - رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم - قال: الراكب يسير خلف الجنازة " الحديث. المغيرة الذي روى هذا الحديث: مغيرة بن شعبة , وفي نسخ " المصابيح ": عن المغيرة بن زياد , وهو غلط , ولعله من خطأ الناسخ , إذ ليس في عداد الصحابة والتابعين أحد بهذا الاسم والنسب. ... 6 - باب دفن الميت من الصحاح: 367 - 1201 - وقال بن عباس رضي الله عنه: جعل في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء.

(باب دفن الميت) (من الصحاح): " قال ابن عباس رضي الله عنهما: جعل في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء ". (القطيفة): دثار مخمل , وجمعها: قطائف وقطف كصحائف وصحف , وفيه دليل على جواز طرح الفرش في القبور , وقيل: هو مخصوص به , فلا يحسن في حق غيره. ... 368 - 1202 - وعن سفيان التمار: أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما. " وعن سفيان التمار: أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما ". " سفيان " هذا كوفي من أتباع التابعين , أسند الحديث إلى الشعبي وغيره. و (المسنم): المحدب على هيئة السنام. ... من الحسان: 369 - 1208 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللحد لنا , والشق لغيرنا ".

(من الحسان): " عن ابن عباس , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللحد لنا , والشق لغيرنا ". معناه: أن اللحد آثر لنا , والشق آثر لغيرنا , أي: الذين كانوا قبلنا , وهذا يدل على اختيار اللحد , وأنه أولى من الشق , لا للمنع منه. ... 370 - 1218 - وقال القاسم بن محمد: دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: يا أماه! اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم , فكشفت لي عن ثلاثة قبور , لا مشرفة ولا لاطئة , مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء " غريب. " وقال القاسم بن محمد بن أبي بكر: دخلت على عائشة , فقلت: يا أماه! اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم , فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة , مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء ". أي: لا مرتفعة ولا منخفضة , لاصقة بالأرض , " مبطوحة " أي: مبسوطة مسواة , من: البطح , وهو أن يجعل ما ارتفع من الأرض منبطحا , أي: منخفضا حتى يستوي ويذهب التفاوت , و (البطحاء): المسيل الذي هو الحصى الصغار , والمراد به: الحصى هاهنا. ***

باب البكاء على الميت

7 - باب البكاء على الميت من الصحاح: 371 - 1221 - قال أنس رضي الله عنه: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين - وكان ظئرا لإبراهيم - فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه , ثم دخلنا عليه بعد ذلك , وإبراهيم يجود بنفسه , فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان , فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال: " يا ابن عوف! إنها رحمة " ثم أتبعها بأخرى فقال: " إن العين تدمع , والقلب يحزن , ولا نقول إلا ما يرضي ربنا, وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون ". (باب البكاء على الميت) (من الصحاح): " قال أنس: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين , وكان ظئرا لإبراهيم " الحديث. (الظئر): يقال للمرضعة , والرجل الذي در عليه اللبن , وكانت زوجة هذا الرجل - واسمها: ريان - ترضع إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم , من: الظأر , يقال: ظأرت الناقة وأظأرت إذا عطفت على ولد غيرها , سميا بذلك لتعطفها على الرضيع يجود بنفسه , أي: يموت , يقال:

جاد بنفسه: إذا مات. قوله: " فجعلت عينا الرسول صلى الله عليه وسلم تذرفان " أي: تدمعان , فقال عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟! ", أي: وأنت أيضا تتفجع للمصائب تفجع غيرك؟ استغرب منه البكاء من حيث إنه يدل على ضعف النفس والعجز عن مقاومة المصيبة بالصبر , ويخالف ما عهده من الحث على الصبر والنهي عن الجزع , فأجاب عنه وقال: " إنها رحمة " أي: الحال التي تشاهدها مني يا ابن عوف رقة وترحم على المقبوض , ينبعث عن التأمل فيما هو عليه , لا ما توهمت من الجزع وقلة الصبر , ثم فصل ذلك وقال: " إن العين تدمع , والقلب يحزن , ولا نقول إلا ما يرضي ربنا , وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ". ... 372 - 1222 - وقال أسامة بن زيد: أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه: إن ابنا لي قبض فأتنا , فأرسل يقريء السلام ويقول: " إن لله ما أخذ , وله ما أعطى , وكل عنده بأجل مسمى , فلتصبر ولتحتسب " , فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها , فقام ومعه سعد بن عبادة ورجال , فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونفسه تتقعقع , ففاضت عيناه , فقال سعد: يا رسول الله! ما هذا؟ , قال: " هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده , فإنما يرحم الله من عباده الرحماء ".

" وفي حديث أسامة: فلتصبر ولتحتسب ". يحتملان الغيبة والحضور على الأصل , كما قريء قوله تعالى: {ولا تفرحوا} [الحديد:23] والمراد بالاحتساب: أن تجعل الولد في حسابه لله تعالى , فتقول: {إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة: 156]. وقوله: " ونفسه تتقعقع " أي: تضطرب وتصوت , من: القعقعة , وهو صوت معه حركة , ومنه قعقعة السلاح. ... 373 - 1223 - وقال عبد الله بن عمر: اشتكى سعد بن عبادة شكوى , فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف , وسعد بن أبي وقاص , وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم - ,فلما دخل عليه وجده في غاشية , فبكى النبي صلى الله عليه وسلم , فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بكوا , فقال: " ألا تسمعون! , إن الله لا يعذب بدمع العين , ولا بحزن القلب , ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم , وإن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ". " وفي حديث ابن عمر: فلما دخل وجده في غاشية ". أي: في شدة من المرض تشبه سكرات الموت تغشاه , و (الغاشية): الداهية من شر أو مرض , وسعد بن عبادة بريء من مرضه وعاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي في أيام خلافة أحد العمرين رضي الله عنهما على

اختلاف بين النقلة. وعن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الميت ليعذب ببكاء أهله ". يريد به: بكاء معه نياحة على ما هو عادة أصحاب الرزايا , إذ صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم جواز البكاء المجرد عنها قولا وفعلا , لا مطلقا , بل بشرط أن يكون مسببا عن وصيته والأمر به , لقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام: 164]. وقيل: المراد بالميت: المشرف على الموت , وبالتعذيب: أنه إذا حضره الموت والناس حوله يصرخون ويتفجعون يزيد كربه ويشتد عليه سكرات الموت فيصير معذبا به. وقول عائشة: ذهل ابن عمر , إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة يهودي , وهم يبكون عليه , فقال: " أنتم تبكون , وإنه ليعذب " = لا يراد هذا الحديث , لاحتمال تغاير الحديثين. ... 374 - 1225 - وقال: " أنا بريء ممن حلق , وسلق , وخرق ". " وعن أبي موسى الأشعري , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا بريء ممن حلق وسلق وخرق ".

أي: من حلق شعره عند المصيبة , وسلق صوته , أي: رفع بالبكاء والنياح , من: شلقه بالكلام: إذا آذاه , وخرق جيبه , وشق ثوبه على المصيبة. ... 375 - 1228 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فليلج النار إلا تحلة القسم ". " وعن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فليلج النار إلا تحلة القسم ". التحلة: مصدر كالتعرة بمعنى: التحليل , والمعنى: أن المسلم المصاب بوفاة أولاده لا يدخل النار إلا قدرا يسيرا يبر الله تعالى به قسمه , وذلك حين ما يمر على الصراط الممدود على رأس جهنم. و" القسم ": قيل: هو قوله تعالى: {فوربك لنحشرنهم} [مريم: 68] , وقيل: هو قوله: {وإن منكم إلا واردها} [مريم: 71] , فإن القسم فيه مضمر , أو جعل كالقسم من حيث إنه خبر مؤكد محقق لا يقبل الخلف. ... من الحسان: 376 - 1234 - عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من

كان له فرطان من أمتي أدخله الله بهما الجنة " فقالت عائشة رضي الله عنها: فمن كان له فرط من أمتك؟ , قال: " ومن كان له فرط يا موفقة! ", فقالت: فمن لم يكن له فرط من أمتك؟ , فقال: " فأنا فرط أمتي , لن يصابوا بمثلي " غريب. (من الحسان): " عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان له فرطان من أمتي أدخله الله بهما الجنة ". (الفرط) بالتحريك: من يتقدم القافلة يطلب الماء والمرعى , ويهييء لهم ما يحتاجون إليه في المنزل , فعل بمعنى: فاعل , يستوي فيه الواحد والجمع , مثل (تبع) بمعنى: (تابع) يقال: فرط فرطه وفروطه بضم الفاء: إذا تقدم , ومنه قوله عليه السلام: " أنا فرطكم على الحوض ". والمعنى: أن الطفل المتوفى يتقدم والديه , فيهييء لهما في الجنة منزلا ونزلا , كما يتقدم فرط القافلة ويعذبون لهم ما يفتقرون إليه من الأسباب ويعينون لهم المنازل.

(6) كتاب الزكاة

كتاب الزكاة

(6) كتاب الزكاة 1 - باب من الصحاح: 377 - 1244 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار , فأحمي عليها في نار جهنم , فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره , كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد , فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار , قال: ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها , ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت , لا يفقد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفافها , وتعضه بأفواهها , كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد , فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار , ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء

ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها , وتطؤه بأظلافها , كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد , فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ". قال: " والخيل ثلاثة: لرجل أجر , ولرجل ستر , وعلى رجل وزر , فأما الذي له أجر: فرجل ربطها في سبيل الله , فأطال لها في مرج أو روضة , فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كان له حسنات , ولو أنه انقطع طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له , ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك حسنات له , وأما الذي هي له ستر: فرجل ربطها تغنيا وتعففا , ثم لم ينس حق الله تعالى في رقابها ولا ظهروها , فهي له ستر , وأما الذي هي عليه وزر: فرجل ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الإسلام , فهي على ذلك وزر". وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر؟ فقال: " ما أنزل على فيها شيء إلا هذه الآية الفاذة الجامعة: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} [الزلزلة:7 - 8]. (كتاب الزكاة) (من الصحاح): " عن أبي هريرة رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها " الحديث.

أنث الضمير ذهابا إلى المعنى , إذ لم يرد بهما النزر الحقير , بل جملة وافية من الدراهم والدنانير , أو على تأويل الأموال , أو لعوده إلى الفضة , لأنها أقرب منه , واكتفى ببيان حال صاحبها عن بيان حال صاحب الذهب. و (التصفيح): التسطيح والتعريض , وصفائح: جمع صفحة , وهي ما يطبع مما ينطرق كالحديد والنحاس عريضة , وروي مرفوعا: على أنه يقام مقام الفاعل , ومنصوبا: على أنه مفعول ثان , وفي الفعل ضمير الذهب والفضة أقيم مقام الفاعل , وأنث بالتأويل السالف , أو للتطبيق بينه وبين المفعول الثاني الذي هو [صفائح]. وقوله: " من نار " للبيان , والمعنى: إن صاحب الذهب والفضة إذا لم يؤد حقها جعل له صفائح من نار , فيكوى , أو جعل الذهب والفضة صفائح من نار , فكأنما تنقلب صفائح الذهب والفضة , لفرط إحمائها وشدة حرارتها صفائح النار , وهذا التأويل يوافق التنزيل , حيث قال عز من قال: {يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم} [التوبة:35]. قوله: " فأحمى عليها " أصله: فأحمى النار عليها , أي: توقد النار عليها ذات حمى , من قوله تعالى: {نار حامية} [القارعة: 11] , فحذفت النار , ونقل الإسناد عنها إلى الجار والمجرور , والمعنى: أن

تلك الصفائح النارية تحمى مرة ثانية في نار جهنم , ليزيد حرها ولهبها , ويشتد إحراقها , " فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره ", لأنه جمع المال , فأمسكه ولم يصرف مصارفه , ليتحصل له به وجاهة عند الناس وترفه وتنعم في المطاعم والملابس والمساكن , فيكوى جنبه وظهره على المأكولات الهنية اللذيذة , فينفخ ويقوى منها , ويحوي عليها بالثياب الفاخرة والملابس الناعمة , ويلتذان بها , ويحوي نقصا لغرضه سببا لتألمها وعذابها , أو لأنه ازور عن الفقير في المجلس , وأعرض عنه وولاه ظهره , أو لأنها أعرف الأعضاء الظاهرة , لاشتمالها على الأعضاء الرئيسة التي هي الدماغ والقلب والكبد , وقيل: المراد بها: الجهات الأربع التي هي مقاديم البدن ومآخره وجنبتاه. " كلما بردت أعيدت له " معناه: دوام التعذيب , واستمرار شدة الحرارة في تلك الصفائح استمرارها في حديدة محماة ترد إلى الكثير , وتخرج منها ساعة فساعة. " في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " يريد به: يوم القيامة , ويشهد له قوله: " حتى يقضى بين العباد , فيرى سبيله إما إلى الجنة " إن لم يكن له خطيئة سواه , أو كانت ولكنه سبحانه تداركه بعفوه , " أو إلى النار " إن كان على خلاف ذلك.

" قال: ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها , ومن حقها حلبها يوم وردها ... " الحديث. قوله: " ومن حقها حلبها يوم وردها " معناه: أن يسقي من ألبانها المارة وذا الحاجة , إنما خص الورد لأنهم يجتمعون غالبا على الماء , فينبغي لصاحبها أن يحلبها عند المياه ويطعم من حضرها , وعلى هذا سبيل الاستحباب. قوله: " بطح لها بقاع قرقر " أي: أكب صاحب الإبل على وجهه بصحراء واسعة مستوية , فتطأه , والقاع والقيع: الصحراء الواسعة المستوية , والقرقر: القاع الأملس , والمعنى: أنه لا يكون فيه نتوء يمنع شيئا منها عن إبصاره , ويحجزه عن إيطائه. وفي أكثر النسخ: " بطح له " على أن الضمير للصاحب , والظاهر أنه خطأ الرواية. والمعنى: أما الأول فلأن: الشيخ أسند هذا الحديث في " شرح السنة " إلى الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله , وفي المروي عنه في " صحيحه ": " بطح لها " , وأما الثاني: فلأن صاحبها مبطوح , فلا يكون مبطوحا له , بل ينبغي أن يكون الواطيء , وهي الإبل. قوله: " كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها " المناسب عكسه , كما رواه مسلم بن الحجاج عن محمد بن عبد الملك الأموي بإسناده عن أبي هريرة , وذكر: " كلما مضى عليه أخراها رد عليه أولاها ".

ونظير حديث أبي ذر , ولعل راويه أخطأ في التقديم والتأخير , ويحتمل أن يؤول بأن الأخرى - وإن لم تكن مردودة في النوبة الأولى - لكنها لما كانت مردودة في سائر النوب أجرى عليها حكمها في هذه النوبة , وأسند الرد إليها , إيهاما بأن التناوب على هذا الوجه أمر مستمر دائر , كأنه لا مبدأ له ولا منقطع. قوله: " ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء " العقصاء: التي دخل قرنها وسط أذنيهـ[ا] , وقيل: هي الملتوية القرن , ورجل عقص ,: إذا كان عسرا فيه التواء والجلحاء: التي لا قرن لها , والأجلح من الإنسان: من ليس على مقدم رأسه شعر , والعضباء من العنم: المكسورة القرن , ومن الإبل: المشقوقة الأذن , من العضب , وهو القطع. قال: " والخيل ثلاثة: لرجل أجر , ولرجل ستر , وعلى رجل وزر ... " الحديث. قوله: " فأطال لها في مرج " أي: أرخى طويلتها في المرعى , والطيل والطويلة , وأصله: الطول , أبدل واوه ياء , لانكسار ما قبلها واستثقال النقل من الكسرة إلى الواو , واستثقال النقل إلى أختها التي هي الضمة.

" استنت ": عدت من السنن , وهو الطريق , " شرفا أو شرفين ": شوطا أو شوطين , سمي به لأن العادي به يشرف على ما يتوجه إليه , أو يبلغ شرفا من الأرض: وهو ما يعلو منها. قوله: " وأما الذي له ستر فرجل ربطها تغنيا وتعففا " أي: استغناء به وتعففا عن السؤال والاحتياج إلى الناس , فيتجر فيها أو يتردد عليها إلى متاجره ومزارعه ونحو ذلك , فتكون سترا له يحجبه عن الفاقة والحاجة إلى التكفف. " ولم ينس حق الله في رقابها ": فيؤدي زكاة تجارتها , " ولا ظهورها ": فيحارب عليها في سبيل [الله] حتى لا تصير عليه وزرا. قوله: " ونواء لأهل الإسلام " معناه: مناوأة ومعاداة لهم , من: النوء بمعنى: النهوض , كأن كل واحد من المتعادين ينهض إلى صاحبه. ... 378 - 1245 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان , يطوقه , ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - يقول: أنا مالك , أنا كنزك ", ثم تلا هذه الآية: {ولا يحسبن الذين يبخلون} الآية [آل عمران: 180].

" وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من آتاه الله مالا , فلم يؤذ زكاته مثل له ماله " الحديث. " مثل له " أي: صور له وخيل إليه , و" الشجاع ": الحية العظيمة , و" الأقرع ": التي تمعط شعر رأسها من فرط سمها. " له زبيبتان ": نكتتان سوداوان فوق عينيه , وهذا النوع أوحش الحيات وأخبثها , وقيل: الزبيبتان: الزبدتان تكونان في الشدقين إذا غضب الإنسان أو كثر كلامه , يقال: تكلم فلان حتى زبب شدقاه. (يطوقه): أي: يجعل طوقا في عنقه. ... 379 - 1249 - عن أبي هريرة أنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة , فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله ورسوله؟ , وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا , قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله , وأما العباس فهي علي ومثلها معها ", ثم قال: " يا عمر! أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه؟ ". " وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة , فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس " الحديث. معناه: ما حمله على منع الزكاة إلا إغناء الله ورسوله إياه , وهو

تعريض بكفران النعمة وتقريع بسوء المقابلة , وفي القرآن: {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا} [البروج: 8] أي: ما كرهوا , وأصل النقم: الإنكار على ما يكره , تقول: نقمت أنقم: بفتح العين في الماضي , وكسرها في الغابر , وبعكسه إذا أنكرت وعبت عليه بفعل يكرهه. و" ابن جميل ". قوله " " أما خالد فإنكم تظلمون خالدا , قد احتبس أدراعه وأعتده " معناه: أنه احتسبها في سبيل الله , وقصد بإعداده الجهاد دون التجارة , فلا زكاة فيها ووأنتم تظلمونه بأن تعدونها من عداد عروض التجارة , فتطلبون الزكاة منها , إذ هو يتطوع باحتباس الأدراع والأعتد في سبيل الله , فكيف يمنع الزكاة التي هي من فرائض الله المؤكدة؟! فلعلكم تظلمونه , فتطلبون منه أكثر مما عليه , فيمتنع عن الإجابة. والأدراع: جمع درع , والأعتد: جمع العتد , وهو الفرس القوي الصلب المعد للركوب. قوله: " وأما العباس فهي علي ومعها مثلها " أول: بأنه - عليه السلام - استسلف منه صدقة عامين , العام الذي شكا فيه العامل , والعام الذي بعده , فهي صدقة السنة الراهنة , ومثلها صدقة السنة القابلة , وقيل: إنه استمهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك , وأخر زكاة العام لحاجة بالعباس إلى العام القابل , وتكفل بصدقة العامين جميعا.

قوله: " يا عمر! أما شعرت " أي: علمت " أن عم الرجل صنو أبيه؟ " أي: مثله , يقال لنخيل خرجت من أصل واحد: صنوان , واحدها: صنو. ... من الحسان: 380 - 1252 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما نزلت هذه الآية: {والذين يكنزون الذهب والفضة} [التوبة: 34] كبر ذلك على المسلمين فقالوا: يا نبي الله! إنه كبر على أصحابك هذه الآية , فقال: " إنه ما فرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم ", فكبر عمر , ثم قال: " ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة , إذا نظر إليها تسره , وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته ". (من الحسان): " عن ابن عباس: لما نزلت هذه الآية: {والذين يكنزون الذهب والفضة} [التوبة: 34] كبر ذلك على المسلمين , فقالوا: يا نبي الله! إنه كبر على أصحابك هذه الآية , فقال: إنه ما فرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم , فكبر عمر , ثم قال: ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة , إذا نظر إليها تسره , وإذا أمرها أطاعته , وإذا غاب عنها حفظته ". (كبر عليهم) أي: شق وعظم , لأنهم حسبوا أنها تمنع عن

جمع المال رأسا وضبطه , وأن كل من أثل مالا جل أو قل , فإن الوعيد لاحق به , فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن المراد بالكنز في الآية: لا الجمع وضبط المال مطلقا , بل الحبس عن المستحق والامتناع عن الإنفاق الواجب الذي هو الزكاة , فإنه تعالى إنما فرضها ليطيب بإفرازها عن المال , وصرفها إلى مستحقها ما بقي منه , ولذلك قال عمر: ما أدى زكاته فليس بكنز , وقال ابنه عبد الله: كل ما أديت زكاته فليس بكنز , وإن كان تحت سبع أرضين , وما لم تؤد زكاته فهو الذي ذكره الله , وإن كان على ظهر الأرض. أو إلى أنه تعالى ما رتب الوعيد على الكنز وحده , بل على الكنز مع عدم الإنفاق في سبيل الله , وهو الزكاة , فمن أداها فهو بعيد عن الوعيد , لقوله: " إنه ما فرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم ". " فكبر عمر " استبشارا بعدم الحرج المظنون , وكشف الحال , ورفع الإشكال. ثم إنه - عليه السلام - لما بين لهم أنه لا حجر عليهم في جمع المال وكنزه ما داموا يؤدون زكاتها , ورأى استبشارهم به رغبهم عنه إلى ما هو خير وأبقى , وهي المرأة الصالحة الجميلة , فإن الذهب لا ينفعك ولا يغنيك حتى تقر عينك , وهي ما دامت معك تكون رفيقك , تنظر إليها فتسرك , وتقضي عند الحاجة بها وطرك , وتشاورها فيما يعن لك فتحفظ سرك , وتستمد منها في حوائجك فتطيع أمرك , وإذا غبت عنها تحامي مالك , وتراعي عيالك , ولو لم يكن لها إلا أنها

تحفظ بذرك , وتربي زرعك , فيحصل لك بسببها ولد يكون لك وزيرا في حياتك , وخليفة بعد وفاتك , لكان لها بذلك فضل كبير. ... 381 - 1256 - وقال: " لا جلب , ولا جنب , ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم ". " وعن ابن عمر [و] , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا جلب ولا جنب , ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم " الحديث. (الجلب) بسكون اللام وفتحها: تعب الحيوان وسوقها من موضع إلى آخر , ومنه: الجلاب , والمراد به هاهنا: أن لا يأتي الساعي القوم ويأمرهم بجلب النعم إليه , ليعده ويميز عنه الصدقة , فيشق عليهم. و" الجنب): سوق الدابة إثر أخرى , ومنه: الجنبة , والمراد به: أن يذهب أرباب المواشي بها , ويجنبوا عن مواضعهم المعهودة , ليشق على الساعي تتبعهم , نهى الساعي أن يكلف أرباب المواشي سوق النعم عن منازلهم إليه , ونهاهم أن يجتنبوا عن محالهم المتعارفة فرارا عن الساعي , فيتعبوه في الطلب , وأخرج النهي في صورة النفي تأكيدا , ثم بين ما هو العدل في ذلك , وأنه لا محيص عنه , فقال: " ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم ". ***

باب ما تجب فيه الزكاة

2 - باب ما تجب فيه الزكاة من الصحاح: 382 - 1260 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة , وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة , وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة ". (باب ما تجب فيه الزكاة) (من الصحاح): " عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة " الحديث. (الوسق): حمل البعير , كما أن الوقر: حمل البغال والحمير , وقدر بستين صاعا , مأخوذ من: وسقت الشيء وسقا: إذا جمعته وحملته. قوله: " وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة " , (أواق) جمع: أوقية , كـ: نحات جمع: نحتة , وأضاح جمع: أضحية , ويقال: (أواق) بالتنوين كـ: قاض رفعا بالاتفاق , وجرا عند الأكثر , و (أواقي) مفتوحة غير منونة حالة النصب كـ: ضوارب , والتنوين فيه للصرف , لخروجه بإعلال الياء عن صيغة مساجد , أو بدل عن الياء

الساقطة أو عن إعلالها , فيه خلاف , الأظهر: الثالث , والأوقية كانت حينئذ أربعون درهما , وما نقل عن الخليل: أن الأوقية سبعة مثاقيل فعرف جديد. قوله: " وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة " معناه: وليس في الإبل صدقة حتى تبلغ خمسا , والذود: ما بين الثلاث إلى العشر من الإناث , وقيل: ما بين الثنتين إلى التسع , وإنما أضاف الخمس إليه – ومن حقها أن يضاف إلى الجمع – لما فيه من معنى الجمعية. ... 383 – 1263 – عن أنس: أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم , هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين , والتي أمر الله بها رسوله , فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها , ومن سئل فوقها فلا يعط: في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة , فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى , فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى , فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقه طروقه الجمل , فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة ,

فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون , فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومئة ففيها حقتان طروقتا الجمل , فإذا زادت على عشرين ومئة ففي كل أربعين بنت لبون , وفي كل خمسين حقة , ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها , فإذا بلغت خمسا ففيها شاة , ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة , ويجعل معها شاتين إن استيسرتا , له أو عشرين درهما , ومن بلغت عنده صدقة الحقة ليست عنده الحقة , وعنده الجذعة , فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين , ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون فإنها تقبل منه بنت لبون , ويعطي معها شاتين أو عشرين درهما , ومن بلغت صدقته بنت لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة , ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين , ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده بنت مخاض فإنها تقبل منه بنت مخاض , ويعطي معها شاتين أو عشرين درهما , ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه , ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين , فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها , وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه , وليس معه شيء , وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى ومئة وعشرين شاة , فإذا زادت على عشرين ومئة إلى مئتين ففيها

شاتان , فإذا زادت على مئتين إلى ثلاث مئة ففيها ثلاث شياه , فإذا زادت على ثلاث مئة ففي كل مئة شاة , فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها , ولا تخرج في الصدقة هرمة , ولا ذات عوار , ولا تيس إلا ما شاء المصدق , ولا يجمع بين متفرق , ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة , وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية , وفي الرقة ربع العشر , فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها. " عن أنس: أن أبا بكر رضي الله عنهما كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين ". " هذه الكتاب " إشارة إلى الكتاب الذي كتبه , أو كان نسخته بين يدي الراوي حينما رواه , أو إلى ما يحكيه بعد , يقال: كتاب فلان إلى فلان كذا , ويراد به: الأمر المكتوب في كتابه. وقوله: " هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله " إشارة إلى ما في ذهنه , ويذكر عقبها. وقوله: " ففيها بنت مخاض أنثى " أي: التي تمت لها سنة , سميت بذلك لأن أمها تكون حاملا , والمخاض: الحوامل من النوق لا واحد لها من لفظها , ويقال لواحدتها: خلفة , وإنما أضيفت إلى المخاض – والواحدة لا تكون بنت نوق – لأن أمها تكون في نوق

حاملا , وضعت حملها معهن في سنة , وهي تتبعهن , ووصفها بـ (أنثى) تأكيدا , كما قال تعالى: {نفخة واحدة} [الحاقة: 13] , وفائدة هذا التأكيد: أن لا يتوهم متوهم أن البنت هاهنا والابن في ابن لبون كالبنت في ينت طبق , والابن في ابن آوي , وابن دابة يشترك فيهما الذكر والأنثى. وقوله: " ففيها حقة طروقة الجمل " , (الحقة) بكسر الحاء: التي تمت لها ثلاث سنين , وذكرهما: حق , سميت بذلك لاستحقاقها أن يحمل عليها وينتفع بها , و (الطروقة): فعولة بمعنى مفعولة , من: طرق الفحل الناقة يطرق طرقا: إذا ضربها , والمراد بها: التي بلغت , أي: يضربها الفحل. وقوله: " ففيها جذعة " أي: التي سن لها أربع سنين , ودخلت في السنة الخامسة. وقوله: " فإذا زادت على عشرين ومئة ففي كل أربعين بنت لبون , وفي كل خمسين حقة " دليل على استقرار الحساب بعدما جاوز العدد المذكور , وهو مذهب أكثر أهل العلم , وقال النخعي والثوري وأبو حنيفة: يستأنف الحساب بإيجاب الشياه , ثم بنت مخاض , ثم بنت لبون , على الترتيب السابق. واحتجوا بما روي عن عاصم بن ضمرة , عن علي رضي الله عنه في حديث الصدقة: " فإذا زادت الإبل على عشرين ومئة ترد الفرائض إلى أولها ", وبما روي: أنه – عليه السلام – كتب كتابا لعمرو بن حزم في

الصدقات والديات وغيرها , وذكر فيه: " إن الإبل إذا زادت على عشرون ومئة استؤنفت الفريضة ". ولا يعادلان حديث أنس , فإنه متفق على صحته واتصاله إلى الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما , بطرق متعددة , ورفعهما إياه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأما حديث عاصم – مع قلة رواته – [فـ] قفه شعبة وسفيان على علي رضي الله عنه , وروى الشافعي بإسناده عن علي رضي الله عنه خلاف ذلك , وفيه ما هو متروك بإتفاق أهل العلم , وهو أنه قال: " في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه " , ولم يقل به أحد. وأما كتاب عمرو بن حزم فغير متفق عليه , فإن سبطه عبد الله بن محمد بن عمرو رواه مثل حديث أنس , ثم اختلف المتشبثون بهذا الحديث فيما إذا زادت على عشرين ومئة بعض تغير. وللشافعي فيه قولان: أصحهما: أنه يتغير الواجب , لحصول اسم الزيادة , والثاني: أنه لا يتغير لما روى ابن شهاب , عن سالم , عن عبد الله بن عمر: أن في النسخة التي كانت عند آل عمر: " فإذا كانت إحدى وعشرين ومئة ففيها ثلاث بنات لبون " وهذه الرواية , مع أنها لم تناف بمنطوقها تعلق الفرض بما دون ذلك , فهي لا تقاوم رواية أنس في الشهرة وعلو الطبقة. وقوله: " ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة , وليست عنده جذعة , وعنده حقة , فإنها تقبل منه الحقة , ويجعل معها شاتين

إن استيسرتا له , أو عشرين درهما " دليل على جواز النزول والصعود من السنن الواجب عند فقده إلى سن آخر يليه. وقال مالك: يجب تحصيل الواجب , وقال أبو حنيفة: يأخذ الساعي قيمته , وعلى أن جبر كل مرتبة بشاتين أو عشرين درهما , وقال الثوري: جبران مرتبة عشرة دراهم أو شاتان , لحديث عاصم وعلي: " إن المعطي مخير بين الدراهم والشاتين ". قوله: " ولا تخرج في الصدقة الهرمة ولا ذات عوار " أي: التي نال منها كبر السن , واختلت قواها , والتي بها عيب , رعاية لجانب المستحق , و (العوار) بفتح العين: العيب , وروي عن أبي زيد ضمها. " ولا تيس " لأن الواجب هي الأنثى , أو لأنه مرغوب عنه لنتنه وفساد لحمه , أو لأنه ربما يقصد المالك منه الفحولة , فيتضرر بإخراجه. وقوله: " إلا ما شاء المصدق " رواه أبو عبيد بفتح الدال , والباقون بكسرها , فعلى الأول يراد به المعطي , ويكون الاستثناء مختصا بقوله: (ولا تيس) باعتبار العلة الأخيرة , إذ ليس له اختيار المعيبة وإخراجها , وعلى الثاني معناه: إلا ما شاء المصدق منها ويراه أنفع للمستحقين , فإنه وكيلهم , فله أن يأخذ ما شاء باجتهاده , ويحتمل تخصيص ذلك بما إذا كانت المواشي كلها معيبة.

قوله: " ولا يجمع بين متفرق , ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة " الظاهر: أنه نهي للمالك عن الجمع والتفريق , قصدا إلى سقوط الزكاة أو تقليلها , كما إذا ملك أربعين شاة , فخلط بأربعين لغيره , لتعود واجبة من شاة إلى نصفها , أو كان له عشرون شاة مخلوطة بمثله , ففرق حتى لا يكون نصابا , فتتعلق به , وهو قول أكثر أهل العلم. وقيل: [نهي] للساعي أن يفرق المواشي على المالك , ليزيد الواجب , كما إذا كان له مئة وعشرون شاة , وواجبها شاة , ففرقها المصدق , فجعلها أربعين أربعين , ليكون فيها ثلاث شياه , [أ] وأن يجمع بين متفرق لتجب فيه الزكاة أو يزيد , كما كان لرجلين أربعون شاة متفرقة , فجمعها لتجب فيها الزكاة , أو كان لكل واحد منهما مئة وعشرون , فجمع بينهما ليصير الواجب ثلاث شياه , وهو قول من لم يعتبر الخلطة , ولم يجعل لها تأثيرا كالثوري وأبي حنيفة. وهذا التأويل حينئذ يفقر قوله: (خشية الصدقة) إلى إضمار , مثل: أن تقل الصدقة , وظاهر قوله عقيب ذلك: " وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية " يعضد الوجه الأول , ومن صور التراجع أن يكون لأحد الخليطين ثلاثون بقرا , وللآخر أربعون , فأخذ الساعي تبيعا من صاحب الثلاثين , ومسنة من صاحب الأربعين , فيرجع باذل التبيع بأربعة

أسباعه على صاحب المسنة , وهو بثلاثة أسباعها على باذل التبيع. وعلى الوجه الثاني يؤول بمثل ما إذا كان مئة وإحدى وعشرين شاة مشتركة بين اثنتين أثلاثا , وأخذ العامل من عرض المال شاتين فحصه صاحب الثلثين من المأخوذ شاة وثلث , والواجب عليه شاة , فيرجع بالثلث الزائد عن واجبه على صاحب الثلث , وظاهر لفظ الحديث كما ترى يأبى عنه. قوله: " وفي الرقة ربع العشر " , (الرقة): الدراهم المضروبة , وأصله: الورق , والتاء بدل عن الواو كما في: عدة , ويجمع على رقين , مثل: ثنين وعزين. ... 384 – 1264 – وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر , وما سقي بالنضح نصف العشر ". " وعن عبد الله بن عمر , عن النبي صلى الله عليه وسلم: فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر , وما سقي بالنضح نصف العشر ". (العثري) بفتح العين والثاء: الزرع الذي يشرب بالعروق , وقيل: العذي , وهو [الزرع الذي لا يسقيه إلا ماء المطر] , والمعنى

الثاني – وإن كان المشهور بين أهل اللغة – إلا أن الأول أليق بالحديث , لئلا التكرار وعطف الشيء على نفسه , سمي بذلك لأنه لا يحتاج في سقيه إلى عمل , ويؤيده بدله: " ما سقي منه بعلا ". و (النضح): السقي بالسواقي , والفارق بينه وبين أخواته: كثرة المؤنة , ولم يختلف في ذلك أحد من أهل العلم. ... 385 – 1265 – وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" العجماء جرحها جبار , والبئر جبار , والمعدن جبار , وفي الركاز الخمس ". " وعن أبي هريرة: أنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العجماء جبار , والبئر جبار , والمعدن جبار , وفي الركاز الخمس " (العجماء): البهيمة , وهي في الأصل: تأنيث أعجم , وهو الذي لا يقدر على الكلام , سميت بذلك لأنها لا تتكلم ,. و (الجبار): الهدر , والمراد: أن البهيمة إذا أتلفت شيئا ولم يكن معها قائد ولا سائق , وكان نهارا فلا ضمان , فإن كان معها أحد فهو ضامن , لأن الإتلاف حصل بتقصيره , وكذا إن كان ليلا , لأن المالك قصر في ربطه , إذ العادة أن تربط الدواب ليلا , وتسرح نهارا. وقوله:" والبئر جبار , والمعدن جبار " معناه: أن من استأجر حافزا ليحفر له بئرا أو شيئا من المعدن , فانهار عليه البئر أو المعدن لا ضمان عليه , وكذا إن وقع فيها إنسان وهلك إن لم يكن الحفر

عدوانا , وإن كان , ففيه خلاف. وقوله: " وفي الركاز الخمس " يريد به: المعدن عند أهل العراق , لما روي بأنه سئل عنه , فقال: " الذهب والفضة الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقه " ودفين أهل الجاهلية عند أهل الحجاز , وهو الموافق لاستعمال العرب , والمناسب لوجوب الخمس فيه , واشتقاقه من: الركز مصدر: ركزت الرمح , ويقال: أركز الرجل: إذا وجد ركازا. ... من الحسان:386 – 1268 – وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المعتدي في الصدقة كمانعها ". (من الحسان): " عن أنس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المتعدي في الصدقة كمانعها ". معناه: أن العامل المتعدي في الصدقة الآخذ أكثر ما يجب , والمانع الذي يمتنع عن أداء الواجب , كلاهما في الوزر سواء. ***

387 – 1272 – عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " إذا خرصتم فدعوا الثلث , فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع ". " عن سهل بن أبي حثمة – بالحاء المهملة -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إذا خرصتم فدعوا الثلث , فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع ". الخطاب مع المصدقين , أمرهم أن يتركوا للمالك ثلث ما خرصوا عليه أو ربعه , توسعة عليه حتى يتصدق به على جيرانه ومن يمر عليه ويطلب منه , فلا يحتاج أن يغرم ذلك من ماله , وهو قول الشافعي رضي الله عنه وعامة علماء الحديث. وأما أصحاب الرأي فلا عبرة بالخرص عندهم , لإفضائه إلى الربا , وزعموا: أن الأحاديث الواردة فيه إنما كانت قبل ورود النهي عن الربا , فلما حرمت الربا نسخ ذلك , ويكذبه حديث عتاب بن أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في زكاة الكروم: " إنها تخرص كما يخرص النخل , ثم تؤدى زكاته زبيبا , كما تؤدى زكاة النخل تمرا " فإنه أسلم أيام الفتح , والربا كانت محرمة قبله , ثم إن قلنا بوجوب الزكاة في الذمة , فلا ربا في الخرص , وإن قلنا بوجوبها في عين المال وأن المستحق شريك فيه , والخرص تضمين , فكأن الساعي افترض نصيبه

ربطا من المالك , ليؤدي التمر بدله فهو مستثنى للحاجة , كالغرماء. ... 388 – 1274 – عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " في العسل في كل عشرة أزق زق ". " عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في العسل: في كل عشرة أزق زق ". تمسك به الأوزاعي وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق , وأوجبوا فيه العشر , وقد طعن في إسناده الإمام أبو عيسى الترمذي. ... 389 – 1279 – وروى ربيعة عن غير واحد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية , وهي من ناحية الفرع , فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم. " عن ربيعة بن عبد الرحمن , عن غير واحد: أن ر سول الله صلى الله عليه وسلم أقطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية , وهي [من] ناحية الفرع فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة ". (القبلية) بفتح القاف والباء [و] بكسر اللام: اسم موضع , من (الفرع) , وهي ناحية بأعالي المدينة , واستدل به لجواز إقطاع

باب صدقة الفطر

المعادن , ولعلها كانت باطنة , فإن المعادن الظاهرة لا يجوز إقطاعها , لما روي: أن أبيض بن حمال استقطع ملح مأرب من النبي صلى الله عليه وسلم , فأراد أن يقطعه - وروي - فأقطعه - , فقيل: إنه كالماء العد , قال: فلا إذن ". وإن الواجب في معادن ربع العشر , وهو قول عمر بن عبد العزيز ومالك , وأحد أقوال الشافعي. والحديث - مع إرساله - لا يفصح عنه , فإن قوله: " لا يؤخذ منها إلا الزكاة " لا يعين أن يكون المأخوذ ربع العشر , فإن من أوجب الخمس أوجبه زكاة. ... 3 - باب صدقة الفطر من الصحاح: 390 - 1280 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر , أو صاعا من شعير , على العبد والحر , والذكر والأنثى , والصغير والكبير من المسلمين , وأمر بها أن تؤدى

قبل خروج الناس إلى الصلاة. (باب صدقة الفطر) (من الصحاح): " عن ابن عمر قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر " الحديث. (فرض) في اللغة بمعنى: قدر , وفي الشرع بمعنى: أوجب , ولفظ الشارع متى دار بين معنيين شرعي وغير شرعي تعين حمله على الشرعي ما أمكن , إذ الغالب أن يتكلم كل مصطلح على ما اصطلح عليه. جعل وجوبها على السيد للعبد كالوجوب عليه , فنسب إليه مجازا , إذ ليس هو أهلا لأن يكلف بالواجبات المالية , فإنه لا يملك , ويؤيد ذلك: عطف (الصغير) عليه , فمن ملك عبدا مسلما لزمه فطرته إن وجدها , سواء المسلم فيه والكافر ,وسواء كان للتجارة أو الخدمة , لعموم الحديث وإطلاقه. وذهب أصحاب الرأي: إلى أنه لا يجب إخراجها عن عبيد التجارة , استغناء بزكاة التجارة , ولا يعلمون أن متعلق أحدهما غير متعلق الآخر , فلا يمنع وجوب أحدهما وجوب الآخر , وعن عبد الكافر , ولو ملك مسلم عبدا كافرا لم يجب عليه فطرته , لمفهوم قوله: " من المسلمين " ولأنها طهرة للمخرج عنه , فلا يناسب

إخراجها عن الكافر. وقال عطاء والنخعي وابن المبارك والثوري وأصحاب الرأي بوجوبه. وقوله: " وأمر بها " يريد به: أمر استحباب , لجواز التأخير إلى آخر اليوم عند الجمهور , واختلفوا في جواز التأخير عن اليوم , جوزه ابن سيرين والنخعي , ومنعه الباقون. ... 391 - 1281 - وقال أبو سعيد الخدري: كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام , أو صاعا من شعير , أو صاعا من تمر , أو صاعا من أقط , أو صاعا من زبيب. " قال أبو سعيد الخدري: كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام " الحديث. يريد بالطعام: الحنطة , سموا به لأنه أشرف ما يقتات به وأنفع ما يطعم. وقوله: " أو صاعا من شعير " على التنويع دون التخيير , فإن من يكون البر غالب قوته تعين عليه إخراجه , ولا يجوز له إخراج ما دونه في الشرف , والمعنى: كنا نخرج هذه الأنواع على حسب ما يقتضيه حالنا. وقوله: " أو صاعا من أقط " يدل على أن من كان الأقط قوته يجزئه

باب من لا يحل له الصدقة

إخراج صاع منه , وهو أحد قولي الشافعي , والقول الآخر ومذهب أبي حنيفة: أنه لا يجزيء لأنه لا تجب فيه الزكاة , فلا يجزيء إخراجه في الزكاة , وهذا القياس - مع أنه في مقابلة النص - خال عن الجامع. ... 4 - باب من لا يحل له الصدقة من الصحاح: 392 - 1288 - وقالت عائشة رضي الله عنها: كانت في بريرة ثلاث سنن: إحدى السنن أنها عتقت , فخيرت في زوجها , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الولاء لمن أعتق " ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم والبرمة تفور بلحم , فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت , فقال: " ألم أر برمة فيها لحم؟ ", قالوا: بلى , ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة , وأنت لا تأكل الصدقة , قال: " هو عليها صدقة , ولنا هدية ". (باب من لا تحل له الصدقة) (من الصحاح): " في حديث عائشة: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم , والبرمة تفور بلحم , فقرب إليه خبز وأدم " الحديث.

" ألم أر ": استفهام بمعنى التقرير , و (الصدقة): منحة لثواب الآخرة , و (الهدية): أن يملك الرجل غيره تقربا إليه وإكراما له , ففي الصدقة نوع ترحم وذل للآخذ , ولذلك حرم أخذها على الرسول صلوات الله عليه , بخلاف الهدية. فإذا تصدق على المحتاج بشيء ملكه , وصار له كسائر ما يملكه ويستكسبه , فله أن يهدي به غيره , كما له أن يهدي بسائر أمواله بلا فرق , فيحل للرسول - صلوات الله عليه - أن يتناوله , لزوال ما هو المحذور من الصدقة , سيما وقد كان من عادته أن يقبل الهدايا ويثيب عليها. ... من الحسان: 393 - 1293 - وقال:: لا تحل الصدقة لا تحل الصدقة لغني , ولا لذي مرة سوي ". (من الحسان): " عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحل الصدقة لغني , ولا لذي مرة سوي ". المراد بـ (الصدقة): الزكاة , و (المرة): القوة , من: أمررت الحبل: إذا حكمت فتله , و (سوي): مستو , أي: قويم الخلق معتدله ,

باب من لا تحل له المسألة ومن تحل له

مصون على الخلل والانحراف إلى أحد طرفي الإفراط والتفريط , والمعنى: أن الزكاة لا تحل على الغني , ولا على قوي يقدر على الكسب , وإليه ذهب أكثر أهل العلم , وقال أصحاب الرأي: تحل الزكاة لمن لا يملك مئتي درهم , وإن كان كسوبا , واستثنى من ذلك العامل , فإنه يأخذ في مقابلة عمله , والغازي المتطوع , والغارم لإصلاح ذات بين , والمؤلفة قلوبهم , فإن الداعي إلى إعطائهم أمور ليست الحاجة. ... 5 - باب من لا تحل له المسألة ومن تحل له من الصحاح: 394 - 1297 - عن قبيصة بن مخارق قال: " تحملت حمالة , فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها , فقال: " أقم حتى تأتينا الصدقة , فنأمر لك بها , ثم قال: " يا قبيصة! إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة , فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك , ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله , فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوب الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة , فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال: سدادا من

عيش - فما سواهن من المسألة - يا قبيصة - سحت , يأكلها صاحبها سحتا ". (باب من لا تحل له الصدقة ومن تحل له) " عن قبيصة بن مخارق قال: تحملت حمالة , فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها " الحديث. (الحمالة) بفتح الحاء: ما يتحمله الإنسان عن غيره من دية وغرامة , والمراد بها في الحديث: أن يكون بين القوم تشاجر وتحارب في دم أو مال , فيسعى الرجل في إصلاح ذات بينهم , والتزم ما لا يبذل في تسكين تلك النائرة. قوله: " اجتاحت ماله " أي: استأصلته وأهلكته الحاجة , " قواما من عيش " معناه: ما يقوم به عيشه , و (السداد) بكسر السين: ما يسد به الخلل , ومنه: سداد القارورة. قوله: " ورجل أصابته فاقة , حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة , فحلت له المسألة " , وليس من باب الشهادة , ولا يريد به التنصيص على أن الفاقة لا تثبت إلا بثلاثة شهود , إذ لم يسمع أن أحدا من الأمة قال به , ولم نجد لهذا العدد من الرجال مدخلا في شيء من الشهادات , بل لعله ذكره على وجه الاستحباب وطريقة الاحتياط , ليكون أدل على براءة السائل عن التهمة , وأدعى الناس إلى سد حاجته.

و (الحجى): العقل , و (السحت): كل حرام يحيق آكله منه عار , ولذلك غلب في الرشا , سمي بذلك لأنه يكون فيه هلكة , من قولهم: أسحت الله الظالم وسحته , بمعنى: أهلكه واستأصله , قال الله تعالى: {فيسحتكم بعذاب} [طه: 61] أي: يهلككم. ... 394 - 1299 - وقال: " ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم ". " وفي حديث ابن عمر: ما يزال الرجل يسأل حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم ". (المزعة) بضم الميم وكسرها: القطعة , من: مزعت اللحم: إذا قطعته , والمراد به: ما يلحقه في الآخرة من الهوان وذل السؤال. ... 395 - 1302 - وقال حكيم بن حزام: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني , ثم سألته فأعطاني , ثم قال لي: " يا حكيم! , إن هذه المال خضرة حلو , فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه , ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه , وكان كالذي يأكل ولا يشبع , واليد العليا خير من اليد السفلى , قال حكيم: فقلت: يا رسول الله! , والذي بعثك بالحق , لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا ". " وفي حديث حكيم بن حزام: لا أرزأ بعدك أحدا شيئا ", أي:

لا أثقل أحدا بالسؤال والأخذ منه غيرك , والإرزاء: إصابة الضر , و (الرزء): المصيبة , أو: لا أسال أحدا أنقصه ماله , من الرزء , وهو النقصان , يقال: ما رزأته ماله , أي: ما نقصته , ومنه: رزأت الرجل أرزؤه رزءا: إذا أصبت منه خيرا. 396 - 1308 - وقال: " من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش , أو خدوش , أو كدوح " , قيل: يا رسول الله! وما يغنيه؟ , قال: " خمسون درهما , أو قيمتها من الذهب ". 396 - م - 1309 - وقال: " من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار ", قالوا يا رسول الله , وما يغنيه؟ , قال: " قدر ما يغديه , أو يعشيه ". وفي رواية: " شبع ليلة ويوم ". وقال: " من سأل منكم وله أوقية أو عدلها , فقد سأل إلحافا ". " وعن ابن مسعود , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من سأل الناس وله ما يغنيه " الحديث. (الخدش): قشر الجلد بعود ونحوه , و (الخمش): قشر بالأظفار , و (الكدح): العض , وهي في أصلها مصادر , لكنها لما جعلت أسماء للآثار جوز جمعها , ولما كان السؤال على ثلاثة أصناف: مقل ومفرط ,

ومتوسط ذكر هذه الآثار الثلاثة المتفاوتة بالشدة والضعف وردد بينها. وقوله: " خمسون درهما " في جواب: " ما يغنيه " بظاهره يدل على أن من ملك خمسين درهما أو عدلها , أي: مثلها من جنس آخر فهو غني لا يحل له السؤال وأخذ الصدقة , وبه قال ابن المبارك وأحمد وإسحاق. والظاهر: أن من وجد قدر ما يغذيه ويعيشه على دائم الأوقات , وفي أغلب الأحوال فهو غني كما ذكر في الحديث الذي بعده , سواء حصل له ذلك بكسب يد أو تجارة , لكن لما كان الغالب عليهم التصرف والتجارة , وكان يكفي هذا القدر أن يكون رأس مال يحصل بالتصرف فيه ما يسد الحاجة في غالب الأمر = قدره تخمينا في هذا الحديث , وقدر في الحديث الثالث ما يقرب منه , وقال: " من سأل منكم وله أوقية أو عدلها ", والأوقية يومئذ: أربعون درهما , وعلى هذا لا تنافي بينها ولا نسخ. وقيل: حديث " ما يعيشه " منسوخ بحديث الأوقية , وهو بهذا الحديث , ثم هو منسوخ بما روي مرسلا أنه قال: " ومن سأل الناس , وله عدل خمس أواق , فقد سأل إلحافا ", وعليه أصحاب الرأي. ***

(7) كتاب الصوم

كتاب الصوم

(7) كتاب الصوم 1 - باب من الصحاح: 397 - 1391 /م - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء ". وفي رواية: " فتحت أبواب الجنة , وغلقت أبواب جهنم , وسلسلت الشياطين ". وفي رواية: " فتحت أبواب الرحمة ". (كتاب الصوم) (من الصحاح): " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء ". وفي رواية:" فتحت أبواب الجنة " الحديث. (فتح أبواب السماء): كناية عن تواتر نزول الرحمة وتوالي

صعود الطاعة بلا مانع ومعاق , ويشهد له الرواية الأخيرة. و (تغليق أبواب جهنم): عبارة عن انتفاء ما يدخل به صاحبه النار , فإن الصائم فيه يتنزه عن كبائر الذنوب والفواحش , وتكون صغائره مكفرة ببركة الصوم. و (تصفيد الشياطين بالسلاسل): مجاز عن امتناع التسويل عليهم , واستعصاء النفوس عن قبول وساوسهم وحسهم أطماعهم عن الإغواء , وذلك لأنه إذا دخل رمضان , واشتغل الناس بالصوم , وانكسرت فيهم القوة الحيوانية التي هي مبدأ الشهوة والغضب الداعيين إلى أنواع الفسوق والمعاصي , وصفت أذهانهم , واشتعلت قرائحهم , وصارت نفوسهم كالمرائي المتقابلة المتحاكية , فتنبعث قواهم العقلية داعية إلى الطاعات ناهية عن المعاصي , فتجعلهم مجمعين على وظائف العبادات , عاكفين عليها , معرضين عن أصناف المعاصي عازفين عنها , فتفتح لهم أبواب الجنان , وتغلق عليهم أبواب النيران , ولا يبقى للشيطان عليهم سلطان , وهذه - وإن كانت مخصوصة بالصائمين لهذا الشهر - فلا يبعد في أن تشمل بركتهم من عداهم , ويحيط بمن وراءهم. ***

398 - 1394 - وقال: " كل عمل ابن آدم يضاعف , الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف , قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي , وأنا أجزي به , يدع شهوته وطعامه من أجلي ". وقال: " للصائم فرحتان: فرحة عند فطره , وفرحة عند لقاء ربه , ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك , والصيام جنة , فإذا كان يوم صوم أحدكم , فلا يرفث , ولا يصخب , فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني آمرؤ صائم ". وعنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كل عمل ابن آدم يضاعف , الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف " الحديث. لما أراد بقوله:" كل عمل " الحسنات من الأعمال , وضع الحسنة موضع الضمير الراجع إليه , و" إلا الصوم ": مشتثنى عن كلام غير محكي دل عليه ما قبله , والمعنى: أن الحسنات يضاعف جزاؤها من عشر أمثالها إلى سبع مئة مثل , بحسب ما بينها من التفاوت , ويدل على أدناها قوله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] , وعلى أقصاها قوله: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة} [البقرة: 261]. " إلا الصوم " فإن ثوابه لا يقادر قدره , ولا يقدر إحصاءه إلا الله

تعالى , فلذلك يتولى جزاءه بنفسه , ولا يكله إلى ملائكته , والموجب لاختصاص الصوم بهذا الفضل أمران: أحدهما: أن سائر العبادات مما يطلع عليه العباد , والصوم سر بينه وبين الله تعالى , يفعله خالصا لوجه الله , ويعامله به طالبا لرضاه , وإليه أشار بقوله: " فإنه لي ". وثانيهما: أن سائر الحسنات راجعة إلى صرف المال , [أ] واشتغال البدن بما فيه رضاه , والصوم يتضمن كسر النفس وتعريض البدن للنقصان والنحول , مع ما فيه من الصبر على مضض الجوع وحرقة العطش , فبينه وبينها أمد بعيد , وإليه أشار بقوله:" يدع شهوته وطعامه لأجلي ". قوله: " فرحة عند فطره " أي: فرحة بإتمام الفعل والخروج عن العهدة , " وفرحة عند لقاء ربه " أي: بنيل الجزاء , وهو لقاء ربه. وقوله: " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " تفضيل لما يستكره من الصائم على أطيب ما يستلذ من جنسه , ليقاس عليه ما فوقه من آثار الصوم ونتائجه. و (الرفث): الفحش , و (الصخب): الصياح والخصومة , والصخاب: الصياح. ***

باب رؤية الهلال

2 - باب رؤية الهلال من الصحاح: 399 - 1396 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تصوموا حتى تروا الهلال , ولا تفطروا حتى تروه , فإن غم عليكم فاقدروا له ". (باب رؤية الهلال) (من الصحاح): " عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تصوموا حتى تروا الهلال " الحديث. " لا تصوموا " نهي عن الصوم على قصد أنه صوم رمضان إلا [أن] يثبت , وهو أن يرى هو أو من يثق به ويحكم بقوله , والمنفرد بالرؤية إذا لم يحكم بشهادته يجب عليه عندنا أن يصوم لرمضان , ويسر بإفطار عيده. " فإن غم عليكم " أي: غطي الهلال بغيم , من: غممت الشيء: إذا غطيته , وفيه ضمير , ويجوز أن يكون مسندا إلى الجار والمجرور , بمعنى: إن كنتم مغموما عليكم " فاقدروا " أي: قدروا عددا الشهر الذي كنتم فيه ثلاثين يوما , إذ الأصل بقاء الشهر ودوام خفاء الهلال ما أمكن. وقيل: فاقدروا له منازل القمر ومسيره حتى يتبين لكم أن

الشهر تسعة وعشرون أو ثلاثون. ولهذا قال: المنجم إذا علم بحسابه أنه من رمضان فعليه أن يصومه , والرواية الثانية تدل على المعنى الأول. ... 400 - 1399 - وقال: " شهرا عيد لا ينقصان: رمضان , ذو الحجة ". عن أبي بكرة: أنه - عليه السلام - قال: " شهرا عيد لا ينقصان , رمضان وذو الحجة ". أي: لا ينقص عددهما غالبا , [أو] ولا ينقص ثواب العمل في أحدهما عن ثواب العمل في الآخر , أو لا ينقصان في الثواب وإن نقص عددهما , يعني: لا ينقص ثواب رمضان يكون تسعة وعشرين يوما عن ثواب رمضان يكون ثلاثين , ولا ثواب ذي الحجة ناقص عن ثواب ذي حجة كامل. ... من الحسان: 401 - 1401 - قال صلى الله عليه وسلم: " إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ". (من الحسان): " عن أبي هريرة: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: إذا انتصف

فصل

شعبان فلا تصوموا ". المقصود من النهي: استجمام من لم يقو على تتابع الصيام الكثير في بقية شعبان , ليقوى بذلك على صيام شهر رمضان , فاستحب إفطاره فيها , كما استحب إفطار عرفة للحاج ليقوى على الدعاء , أما من لم يصعب عليه ذلك , ولم يضعف به , فلا يتوجه النهي نحوه , ألا ترى أنه - عليه السلام - جمع بين صوم الشهرين وصيام جميع أيامهما , أو أكثر أيام شعبان حتى ظنت أم سلمة أنه صام جميعها؟ ... فصل من الصحاح: 402 - 1409 - وقال: " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " رواه سهل بن سعد. (فصل) (من الصحاح): " عن سهل بن سعد: أنه - عليه السلام - قال: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ". لما اشتمل تعجيل الفطر على مخالفة أهل الكتاب , فإنهم يؤخرونه

إلى اشتباك النجوم كان المتدينون به بخير , من حيث إنهم متمسكون بشريعة محمد صلوات الله عليه , معرضون عما يخالفها. ... 403 - 1411 - وقال أبو هريرة رضي الله عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم , فقال له رجل: إنك تواصل يا رسول الله! قال: " وأيكم مثلي؟ , إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ". " وعن أبي هريرة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم " الحديث. " الوصال ": تتابع الصوم من غير إفطار بالليل , والموجب للنهي عنه: إيراث الضعف والسآمة , والعجز عن المواظبة على كثير من وظائف الطاعات والقيام بحقوقها , وللعلماء اختلاف في أنه تحريم أو نهي تنزيه , والظاهر الأول. وقوله: " وأيكم مثلي؟ " يريد به: الفرق بينه وبين غيره , بأنه سبحانه يفيض عليه ما يسد مسد طعامه وشرابه , من حيث إنه يشغله عن إحساس الجوع والعطش , ويقويه على الطاعات , ويحرسه عن تخلل يفضي إلى كلال القوى وضعف الأعضاء , ولا كذلك غيره. ***

من الحسان: 404 - 1412 - عن حفصة رضي الله عنها , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من لم يجمع الصيام من الليل قبل الفجر فلا صيام له " ويروى موقوفا على حفصة. (من الحسان): " عن حفصة , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من لم يجمع الصيام من الليل قبل الفجر فلا صيام له ". (أجمع) على الأمر , وأزمع عليه: إذا صمم العزم , ومنه قوله تعالى: {وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم} [يوسف: 102] أي: أحكموه بالعزيمة. وظاهره: أنه لا يصح الصوم لمن لم يعزم عليه من الليل قبل طلوع الفجر مطلقا , فرضا كان أو نفلا , وإليه ذهب ابن عمر وجابر بن زيد ومالك والمزني وداود , وذهب الباقون: إلى صحة النفل بنية من النهار , وخصصوا هذا الحديث بما روي عن عائشة أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيني , فيقول: " أعندك غداء " فأقول: لا , فيقول:" إني صائم " وفي رواية: " إذا صائم " و (إذا): للاستقبال والاستئناف. واتفقوا على اشتراط التبييت في كل فرض لم يتعلق بزمان بعينه ,

باب تنزيه الصوم

كالقضاء والكفارة والنذر المطلق , واختلفوا فيما له زمان معين كصوم رمضان والنذر المطلق , فشرطه الأكثرون فيه أخذا بعموم الحديث , غير أن مالكا وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين عنه قالوا: لو نوى أول ليلة من رمضان صوم جميع الشهر أجزأه , لأن صوم الكل كصوم يوم , وهو قياس مردود في مقابلة النص , ولم يشترط أصحاب الرأي , وخصصوا الحديث بما روي أنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى أهل العوالي يوم عاشوراء: " إن من أكل منكم فليمسك بقية نهاره , ومن لم يأكل فليصم " وكان صوم عاشوراء حينئذ فرضا , وبالقياس على النفل. والجواب عن الحديث: أن صوم عاشوراء لم يكن فرضا , وإلا لأمر الآكلين بالقضاء , وعن القياس: أن المعنى في النفل التكثير والترغيب فيه بالترفيه والتسهيل , وذلك مفقود في الفرض , وأنه معارض بالقياس على سائر الفرائض. ... 3 - باب تنزيه الصوم من الصحاح: 405 - 1420 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ".

(باب تنزيه الصوم) (من الصحاح): " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به , فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " الحديث. المقصود من إيجاب الصوم وشرعه: ليس نفس الجوع وعطشه , بل ما يتبعه من كسر الشهوة وإطفاء ثائرة الغضب , وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة , فإذا لم يحصل له شيء من ذلك , ولم تتأثر به نفسه , ولم يكن له من من صيامه إلا الجوع والعطش لا يبالي الله تعالى بصومه , ولا ينظر إليه نظر قبول , إذ لم يقصد به مجرد جوعه وعطشه , فيحتفل به ويقبل منه. وقوله: " فليس لله حاجة " مجاز عن عدم الالتفات والقبول والميل إليه , نفي السبب , وأراد نفي المسبب. ... 406 - 1421 - وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم , وكان أملككم لإربه ". " وفي حديث عائشة رضي الله عنها: وكان أملككم لإربه ". أي: لحاجة نفسه , تريد: الشهوة , تعني: لا يستولي سلطان

شهوته ولا يغلب عليه بحيث يحمله على ما لا ينبغي أن يفعل. ... 407 - 1425 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت , وأهلكت , فقال: " ما شأنك؟ " قال: وقعت على امرأتي في نهار رمضان , قال: " فأعتق رقبة " قال: ليس عندي , قال: " فصم شهرين متتابعين ", قال: لا أستطيع , قال: " فأطعم ستين مسكينا ", قال: لا أجد , قال: اجلس , فجلس , فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر - والعرق: المكتل الضخم - قال: " خذ هذا فتصدق به " قال: على أفقر منا؟ , فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه , قال: " أطعمه عيالك ". " وعن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت , قال: ما شأنك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان , قال: فأعتق رقبة " الحديث. دل الحديث على أن من واقع في نهار رمضان , أي: أفطر بالوقاع فيه , فعليه تحرير رقبة , فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين , فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا , فإنه أمره بالأول , ثم رتب الثاني بالفاء على فقده , ثم رتب الثالث على العجز عن الثاني. وحكي عن ابن جبير والنخعي وقتادة: أنهم قالوا: لا كفارة

عليه , ولعل الحديث لم يصل إليهم , وعن مالك: أن المجامع مخير بين الخصال الثلاث. واختلف في قدر الطعام , فقال الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد: يطعم ستين مدا ستين مسكينا , إذ صح عن أبي هريرة أنه قال: " فأتى بعرق قدر خمسة عشر صاعا " , وقاسوا عليه سائر الكفارات , إلا فدية الأذى لحديث ورد فيها. وقال الثوري وأصحاب الرأي: يطعم كل مسكين نصف صاع , وكذا في سائر الكفارات , لما روي مرسلا في كفارة الظهار: أنه - عليه السلام - قال لسلمة بن صخر: " أطعم عنك ستين مسكينا وسقا من تمر " , ولما روي عن محمد بن إسحاق بن يسار. (العرق): مكتل يسع ثلاثين صاعا , وهو مكتل ضخم ينسج من خوص النخل. واختلف في قوله: " أطعمه عيالك " , فمنهم من قال: إنه مخصوص به , ومنهم من جعله منسوخا , ومنهم من جوز صرف الكفارة إلى من في نفقته. والأحسن: ما قاله الشافعي وهو: أن الرجل لما أخبره أن لا أجوع منه في المدينة لم ير أن يتصدق على الأجانب ويدع عياله في الضر , فأمره أن ينفق عليهم ويؤخر الكفارة إلى اليسار. ***

من الحسان: 408 - 1434 - عن شداد بن أوس قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يحتجم لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان , قال: " أفطر الحاجم والمحجوم ". قال المصنف رحمه الله: وتأوله بعض من رخص في الحجامة , أي: تعرضا للإفطار , والمحجوم للضعف , والحاجم لأنه لا يأمن من أن يصل شيء إلى جوفه بمص الملازم. (من الحسان): " عن شداد بن أوس قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يحتجم لثماني عشرة خلت من رمضان , قال: أفطر الحاجم والمحجوم ". ذهب إلى ظاهر الحديث جمع من الأئمة , قالوا: يفطر الحاجم والمحجوم , ومنهم أحمد وإسحاق , وقال قوم منهم مسروق والحسن وابن سيرين: تكره الحجامة للصائم , ولا يفسد الصوم بها , وحملوا الحديث على التغليظ , وأولوا قوله: " أفطر الحاجم والمحجوم " بأنهما نقصا أجر صيامهما , وأبطلاه بارتكاب هذا المكروه. وقال الأكثرون: لا بأس بها , إذ صح عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم , واحتجم وهو صائم , وإليه ذهب مالك والشافعي وأصحاب الرأي , وقالوا: معنى قوله: " أفطر ": تعرض

باب صوم المسافر

للإفطار , كما يقال: هلك فلان: إذا تعرض للهلاك , أما المحجوم فللضعف الذي يلحقه منها , وأما الحاجم فلأنه لا يأمن من أن يصل شيء إلى باطنه بمص الملازم , والله أعلم. ... 4 - باب صوم المسافر من الصحاح: 409 - 1439 - وقال جابر رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر , فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه , فقال: " ما هذا؟ " قالوا: صائم , قال: " ليس من البر الصوم في السفر ". (باب صوم المسافر) (من الصحاح): " قال جابر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر , فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه " الحديث. ذهب جمهور العلماء إلى أن المسافر سفرا طويلا مباحا مخير في الصوم والفطر , لحديث عائشة وأبي سعيد المذكور قبل هذا الحديث , وروي عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا: يجب عليه الفطر , ولا يجوز له الصوم , وإليه ذهب داود , لظاهر هذا الحديث ولما

روي: أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن ناسا صاموا , فقال: " أولئك العصاة " وهو ضعيف , إذ يصح منه - عليه السلام - وممن كانوا معه في الأسفار أنهم صاموا من غير نكير. وهذا الحديث لا يدل على حرمة الصوم , فإن عدم كونه من البر لا يدل على عدم جوازه , ثم إنه مخصوص بسببه , مقصور على من يجهده الصوم ويؤديه إلى مثل حال ذلك الرجل , والحديث الثاني فيمن أبى قلبه عن قبول رخصة الله تعالى , فأما من اعتقد أن الفطر مباح , ولا يتأذى بالصوم فهو أفضل له من الفطر , لأنه أخذ بالحزم , واقتناص لفرصة الأداء وفضل الوقت , وبه قال أنس وعثمان بن العاص والنخعي وسعيد بن جبير وابن المبارك ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي. ... من الحسان: 410 - 1443 - روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة , والصوم عن المسافر , وعن المرضع , والحبلى ". (من الحسان): " عن أنس بن مالك الكعبي - وهو رجل من بني عبد الله بن كعب ,

ولم يعرف له غيره هذا الحديث -: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم , وعن المرضع والحبلى ". " الصوم " منصوب معطوف على " شطر " ولا يجوز عطفه على " الصلاة " لفساد اللفظ والمعنى , أما لفظا: فلأنه لو عطف عليه للزم منه العطف على عاملين مختلفين , وإنه غير جائز , وأما معنى: فلأن الموضوع عنهم الصوم لا شطره. والمراد بالوضع: وضع الأداء , ليشترط فيه المعطوف والمعطوف عليه , فيصح نسبته إليهما , إذ الصوم غير موضوع مطلقا , فإن قضاءه واجب عليهم , بخلاف شطر الصلاة , والمراد بها: الصلوات الرباعية التي تقصر. ... 411 - 1444 - وقال: " من كانت له حمولة تأوي إلى شبع فليصم رمضان حيث أدركه ". " وعن سلمة بن المحبق , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من كانت له حمولة تأوي إلى شبع فليصم رمضان حيث - رمضان - أدركه ". " من كانت له حمولة " أي: دابة يحمل عليها متاعه من إبل وحمار وغيرها , فعولة , من: حمل , بمعنى: محمول عليها. " تأوي إلى شبع " بالتاء , أي: تأوي الحمولة صاحبها , بمعنى:

باب صيام التطوع

تؤويه إلى شبع , فإن (أوى) جاءت لازما ومتعديا , والمعنى: أن من كان له حمولة تأويه إلى حال الشبع ورفاهية , ولم يلحقه في سفره وعثاء ولا مشقة فليصم رمضان , والأمر فيه محمول على الندب والحث على الأولى والأفضل , للنصوص الدالة على جواز الإفطار في السفر مطلقا. ... 6 - باب صيام التطوع من الصحاح: 412 - 1452 - وقال عمران بن حصين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له أو لآخر:" أصمت من سرر شعبان؟ " , قال: لا , قال: " فإذا أفطرت فصم يومين ". (باب صوم التطوع) (من الصحاح): " عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له أو لآخر أصمت من سرر شعبان؟ قال: لا , قال: فإذا أفطرت فصم يومين ".

سر الشهر وسرره وسراره: آخره , سمي بذلك لاستمرار القمر فيه , وحمل الحديث على أنه - عليه السلام - علم أن المخاطب نذر صومه , أو اعتاد صيام سرر الشهور , فأمر بالقضاء بعد عيد الفطر , وخص النهي فيما روى أبو هريرة: أنه - عليه السلام - قال:" لا تقدموا شهر رمضان بصيام يوم أو يومين " بمن يبتديء به من غير إيجاب ولا اعتياد , توفيقا بينهما , وقيل: المراد به: البيض , فإن سر الشيء: وسطه وجوفه , ومنه السرة. ... 413 - 1455 - وقال ابن عباس رضي الله عنهما: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله! إنه يوم تعظمه اليهود , فقال: " لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ". " قال ابن عباس: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء , وأمر بصيامه " الحديث. (يوم عاشوراء) و (عشوراء) ممدودان: اليوم العاشر من المحرم , ويشهد له الحديث , وقيل: هو اليوم التاسع , لأنه مأخوذ من أعشار أوراد الإبل , تقول العرب: وردت الإبل عشرا إذا وردت اليوم التاسع. وقوله: " لأصومن التاسع " أراد به: ضم صوم تاسوعاء إلى

عاشوراء , مخالفة لأهل الكتاب وتمييزا عنهم. ... 414 - 1468 - وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عبد الله! ألم أخبر أنك تصوم النهار , وتقوم الليل؟ ", فقلت: بلى يا رسول الله , قال: ط فلا تفعل , صم وأفطر , وقم ونم , فإن لجسدك عليك حقا , وإن لعينك عليك حقا , وإن لزوجك عليك حقا , وإن لزورك عليك حقا , لا صام من صام الدهر , صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله , صم كل شهر ثلاثة , واقرأ القرآن في كل شهر " قلت: إني أطيق أكثر من ذلك , قال: " صم أفضل الصوم صوم داود , صيام يوم وإفطار يوم , واقرأ في كل سبع ليال مرة , ولا تزد على ذلك ". " وفي حديث عبد الله بن عمرو: إن لزورك عليك حقا " أي: لزوارك , يقال: زائر وزور , كراكب وركب , وقيل: هو مصدر نعت به كعدل وصوم , يقال: رجل زور ورجال زور. وفيه:" لا صام من صام الدهر " أي: من صام الدهر فكأنه لم يصم , لأنه إذا اعتاد ذلك لم يجد منه رياضة ولا كلفة يتعلق بها مزيد ثواب. ***

من الحسان: 415 - 1472 - عن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من غرة كل شهر ثلاثة أيام , وقلما كان يفطر يوم الجمعة. (من الحسان): " عن ابن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من غرة كل شهر ثلاثة أيام , وقلما كان يفطر يوم الجمعة ". (غرر الشهر): أوائله , ولعل الغالب فيما اطلع عليه الراوي من أحواله عليه السلام: أنه كان يصومها , إذ صح: أن عائشة سئلت: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم , فقيل: من أي أيام شهر؟ قالت: لم يكن يبالى من أي أيام الشهر يصوم. وقوله: " وقلما كان يفطر يوم الجمعة " لا يخالف قوله - عليه السلام - فيما روى أبو هريرة أنه قال: " لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو بعده " , إذ ليس فيه ما يدل على أنه كان يختص بصوم يوم الجمعة , فلعله كان يصومه باليوم الذي يليه , ويحتمل أن يكون المراد منه: أنه كان يمسك قبل الصلاة ولا يتغدى إلا بعد أداء الجمعة , كما روي عن سهل بن سعد الساعدي. والسبب في النهي عن إفراد الجمعة بالصوم: لعله مخالفة اليهود والنصارى في إفراد السبت والأحد , أو أن لا يخص بالتعظيم والعبادة , ويعطل سائر الأيام , ويشهد له ما روى أبو هريرة أنه - عليه

السلام - قال: " لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي , ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام , إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ". ... 416 - 1477 - عن عبد الله بن بسر , عن أخته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم , فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة , أو عود شجرة فليمضغه ". " عن عبد الله بن بسر , عن أخته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ". أخت عبد الله اسمها: بهية , وقيل: بهيمة , وتعرف بالصماء , والمراد بالنهي: إفراد السبت بالصوم , لا الصوم فيه مطلقا , لما سبق من حديث أبي هريرة في الجمعة , والداعي إليه: مخالفة اليهود , وفي معنى المستثنى ما وافق سنة مؤكدة , كما إذا كان السبت يوم عرفة أو عاشوراء , للأحاديث الصحاح التي وردت فيها. وقوله ك " فيما افترض عليكم " يتناول: المكتوبة , والمنذورة , وقضاء الفائت الواجب , وصوم الكفارة , واتفق الجمهور على أن هذا النهي والنهي عن إفراد الجمعة نهي تنزيه وكراهة , لا تحريم. ***

فصل

فصل من الصحاح: 417 - 1481 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم , فقال: " هل عندكم شيء؟ ", فقلنا: لا قال: " فإني إذا صائم ", ثم أتانا يوما آخر , فقلنا: يا رسول الل! أهدي لنا حيس , فقال: " أرينيه , فلقد أصبحت صائما " , فأكل. (فصل) (من الصحاح): " في حديث عائشة رضي الله عنها: ثم أتانا يوما آخر , فقلنا: يا رسول الله! أهدي لنا حيس , فقال: أرينيه , فلقد أصبحت صائما , فأكل ". (الحيس): ثريد يتخذ من أخلاط , وقيل: من الزبد والتمر , والحديث دليل على أن الشروع في النفل لا يمنع من الخروج عنه , كما قال: " الصائم المتطوع أمير نفسه " وإليه ذهب أكثر العلماء , وقال أصحاب الرأي: يجب إتمامه , ويلزمه القضاء إن أفطر , وبه قال ملك , حيث لا عذر , واحتجوا بما روي عن الزهري , عن عروة , عن عائشة قالت: كنت أنا وحفصة صائمتين , فعرض لنا طعام اشتهيناه , فأكلنا منه , فقالت حفصة: يا رسول الله! إنا كنا صائمتين , فعرض لنا طعام اشتهيناه , فأكلنا منه , قال: " اقضيا يوما آخر مكانه ", والأصح:

باب ليلة القدر

أنه مرسل , إذ صح عن ابن جريج أنه قال: قلت للزهري: أسمعته عن عروة؟ قال: لا , إنما أخبرينيه رجل بباب عبد الملك بن مروان , ثم إنه محمول على أنه - عليه السلام - أمرهما بذلك استحبابا , إذ الأصل لما لم يجب , فالبدل بعدم الوجوب أولى. ... 7 - باب ليلة القدر من الصحاح: 418 - 1489 - وقال ابن عمر: إن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر , فمن كان منكم متحريها فليتحرها في السبع الأواخر ". (باب ليلة القدر) (من الصحاح): " قال ابن عمر: إن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر " الحديث.

"أُرُوا": فعل ما لم يسم فاعله , من: الرؤيا , أي: خيل لهم أن الليلة ليلة القدر , ومثل لهم بعض صفاتها وأحوالها. وسميت الليلة (ليلة القدر): إما لأنها ليلة تقدير الأمور , فإنه تعالى بين فيها لملائكته ما يحدث إلى مثلها من العام القابل , كما قال تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} [الدخان: 4] , وإما لخطرها وشرفها على سائر الليالي. وقوله: " قد تواطأت " أي: توافقت , وأصل المواطأة: أن يطأ الرجل برجله موطيء صاحبه. " فمن كان متحريها " أي: طالبا لها , من: تحرى الشيء: إذا قصد حراء - أي: جانبه - أو طلب الأحرى , أي: فمن كان يريد طلبها في أحرى الأوقات بالطلب فليطلب في السبع الأواخر , يعني: التي تلي آخر الشهر ومختتمه , أو السبع التي هي إثر العشرين , لأن السبع يطلق على السبع الأول , والسبع التي هي نيف العشر , والتي هي نيف العشرين , وحمله على الثاني أولى , لأنه يشتمل على الليالي الثلاثة التي ذهب أكثر أهل العلم إلى أن ليلة القدر إحداها , وهي ليلة: إحدى وعشرين , وثلاث وعشرين , وسبع وعشرين , ولم يثبت أنه - عليه السلام - صرح بتعيين شيء منها , وما روي فيها فأمور استدلالية ذكرها الصحابة باجتهادهم. قال الشافعي: وأقوى الروايات عندي فيها: ليلة إحدى وعشرين. ***

باب الاعتكاف

419 - 1495 - وقالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره , وأحيا ليله , وأيقظ أهله. " وقالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره , وأحيا ليله , وأيقظ أهله. (المئزر): الإزار , ونظيره: ملحف ولحاف , وشده: كناية عن التشمير والاجتهاد , أراد به: الجد في الطاعة , أو عن الاعتزال عن النساء والتجنب من غشيانهن. ... 8 - باب الاعتكاف من الصحاح: 420 - 1501 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس من الخير , وكان أجود ما يكون في رمضان , وكان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان , يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن , فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة. (باب الاعتكاف) (من الصحاح): " عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير ,

وكان أجود ما يكون في رمضان , كان جبريل يلقاه كل ليلة " الحديث. إنه - عليه السلام - كان أجود الناس من حيث إنه مطبوع على الجود , مجبول على الإعراض عن متاع الدنيا , مستغن بالباقيات الصالحات عن الزخارف الفانيات , ثم إنه يأخذ في القوة والازدياد بالرياضة والانهماك في العبادة , والانخراط في سلك الروحانيات والاتصال بهم , فلذلك كان أجود ما يكون في رمضان وحينما لقيه جبريل , حتى سبق الريح المرسلة التي أرسلها الله تعالى بالبشرى في السرعة والمبادرة إلى الانقطاع وإيصال الخير. هذا , وإن شهر رمضان موسم الخيرات ومواقيت المبرات , والعمل فيه يقع بمكان من الله لا يقع في غيره , فإنه سبحانه يفعل بالعباد من التفضيل والاحسان وقبول الطاعة ما لا يفعل في غيره ,فالبحري أن يزاد فيه الخير , ويضاعف الإحسان والبر. ... 421 - 1504 - وروي عن عمر رضي الله عنه: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام , قال: " فأوف بنذرك ". " وعن عمر: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت نذرت ف الجاهلية " الحديث. ظاهرالحديث يدل على جواز إفراد الليل بالاعتكاف , وأن

الصوم ليس شرطا فيه , وأن الكافر إذا نذر قربة , ثم أسلم لزمه الوفاء بها , والأظهر: أنه لا يلزمه , لأنه لا يفضل ما التزمه على ما لزمه شرعا , والأمر بالوفاء محمول على الندب , وأن المسجد الحرام يتعين للاعتكاف بالتعيين في النذر. ***

(8) كتاب فضائل القرآن

كتاب فضائل القرآن

(8) كتاب فضائل القرآن 1 - باب من الصحاح: 422 - 1510 - وقال: " أيكم يحب أن يغدوا كل يوم إلى بطحان أو العقيق , فيأتي بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم؟ " قالوا: يا رسول الله! كلنا يحب ذلك , قال: " فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله تعالى خير له من ناقتين , وثلاث خير له من ثلاث , وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل ". (كتاب فضائل القرآن) (من الصحاح): " عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى يطحان " الحديث. " بطحان " بضم الباء وسكون الطاء: اسم واد بالمدينة , سمي بذلك لسمعته وانبساطه , من: البطح , وهو البسط

و" العقيق" يريد به: العقيق الأصفر , وهو واد على ثلاثة أميال , وقيل: على ميلين من المدينة , عليه أموال أهلها , وإنما خصهما بالذكر لأنهما أقرب المواضع التي تقام فيها أسواق الإبل إلى المدينة. (والكوماء): الناقة العظيمة السنام المشرفة , والكوم: الموضع المشرف , ويقال لصبرة الطعام: الكومة , لارتفاعها , والتكويم: الرفع , وإنما ضرب المثل بها لأنها من خيار مال العرب وأحبها إليهم. "في غير إثم" أي: في غير ما يوجب إثما كغصب وسرقة , سمي موجب الإثم: إثما مجازا , و " خير له من ناقتين ": خبر مبتدأ محذوف , أي: هما خير من ناقتين , و" من أعدادهن من الإبل ": متعلق بمحذوف , تقديره: وأكثر من أربع خير من أعدادهن من الإبل على هذا القياس. ... 423 – 1511 – وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد فيه ثلاث خلفات عظام سمان؟ " قلنا: نعم , قال: " فثلاث آيات يقرأ بهم أحدكم في صلاته خير له من ثلاث خلفات عظام سمان ". ويقرب منه الحديث الذي يليه , وفيه: " ثلاث خلفات " أي: نوق

حوامل , واحدها: خلفة , من خلفت الناقة بالكسر: إذا حملت. ... 424 – 1512 – وقال: " الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة , والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ". " وعن عائشة , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة " الحديث. "الماهر": الحاذق , من المهارة , وهي الحذق , و" السفرة ": الكتبة , جمع: سافر , من السفر وأصله: الكشف , فإن الكاتب يتبين ما يكتبه ويوضحه , ومنه قيل: للكتاب: سفر بكسر السين , لأنه يكشف الحقائق , ويسفر عنها , والمراد بها: الملائكة , الذين هم حملة اللوح المحفوظ , كما قال تعالى: {بأيدي سفرة * كرام بررة} [عبس: 15 – 16] سموا بذلك لأنهم ينقلون الكتب الإلهية المنزلة إلى الأنبياء منه , فكأنهم يستنسخونها. و"الماهربالقرآن" من حيث إنه حامل للقرآن حافظ له أمين عليه , ويؤديه إلى المؤمنين , ويكشف لهم ما يلتبس عليهم = مع السفرة ومعدود من عدادهم , فإنهم الحاملون لأصله الحافظون له , ينزلون به على أنبياء الله ورسله , ويؤدون إليهم ألفاظه , ويكشفون عليهم معاتبه.

" ويتتعتع فيه " أي: يقف في قراءته , والتعتعة في الكلام: التردد فيه من حصر أوعي , " له أجران " أي: أجر القراءة وأجر ما يتجشمه من الكلفة والمشقة. ... 425 – 1517 – عن البراء رضي الله عنه قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين , فتغشته سحابة , فجعلت تدنو وتدنو , وجعل فرسه تنفر , فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم , فذكر ذلك له فقال: " تلك السكينة تنزلت بالقرآن ". " عن البراء قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف , وإلى جانبه حصان " الحديث. (الحصان): الكريم من فحول الخيل , سمي به لأنه يحصن ويضن به. " مربوط بشطنين " أي: حبلين , والشطن: الحبل الطويل الشديد الفتل. و" السكينة " في الأصل: السكون والطمأنينة , والمراد بها هاهنا: الملائكة وملك معين ينزل على القاريء , ويبين له ما يشكل عليه. ... 426 – 1518 – عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: كنت

أصلي , فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم , فلم أجبه حتى صليت , ثم أتيت , فقال: " ما منعك أن تأتيني؟ " فقلت: كنت أصلي , فقال: " ألم يقل الله: {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم} ",ثم قال: " ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد؟ " فأخذ بيدي , فلما أردنا أن نخرج قلت: يا رسول الله! إنك قلت: " ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن " قال: {الحمد لله رب العالمين} هي السبع المثاني , والقرآن العظيم الذي أوتيته ". " وفي حديث أبي سعيد بن المعلى الزرقي الأنصاري: قلت: يا رسول الله! إنك قلت: ألا أعلمك أعظم سورة من القرآن " الحديث. " قال: الحمد لله " أي: السورة التي مستهلها: {الحمد لله} والام في " السبع ": للعهد , والمعهود قوله تعالى: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني} [الحجر: 87] وسميت: (السبع المثاني) لأنها سبع آيات باتفاق , غير أن منهم من عد التسمية دون {أنعمت عليهم} [الفاتحة:7] , ومنهم من عكس , ومثناة في الصلاة أو الإنزال , فإنها نزلت بمكة حينما فرضت الصلاة , وبالمدينة لما حولت القبلة , و" القرآن العظيم ": معطوف عليه عطف إحدى صفتي الشيء على الأخرى ,

أي: هي الجامعة بين كونها سبعا من المثاني والقرآن العظيم. ... 427 – 1519 – وقال: " لا تجعلوا بيوتكم مقابر , إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة ". " وعن أبي هريرة: أنه – عليه السلام – قال: لا تجعلوا بيوتكم مقابر " الحديث. أي: لا تجعلوا بيوتكم كالمقابر خالية عن الذكر والطاعة , واجعلوا لها نصيبا من القراءة والصلاة. " فإن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه البقرة " أي: ييئس من إغواء أهله وتسويلهم , لما يرى من جدهم في الدين ورسوخهم في الإسلام. " قال عليه السلام: من قرأ البقرة وآل عمران جد فينا ". ذلك لما في حفظها والمواظبة على تلاوتهما من الكلفة والمشقة , واشتمالهما على الحكم والشرائع والقصص والمواعظ والوقائع الغريبة والمعجزات العجيبة , وذكر خالصة أوليائه والمصطفين من عباده , وتفضيح الشيطان ولعنه , وكشف ما يتوسل به إلى تسويل آدم وذريته , ولذلك سماهما: (الزهراوين) في الحديث الذي يليه. ***

428 – 1520 – وقال: " اقرأوا القرآن , فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه , اقرأوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران , فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما , اقرأوا سورة البقرة , فإن أخذها بركة , وتركها حسرة , ولا يستطيعها البطلة ". " وقال: اقرأوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران , فإنهما تأتيان " الحديث. الزهراء تأنيث: الأزهر , وهو المضيء , ويقال للنيرين: الأزهران , مثل حراسة السورة إياه , وخلاصه ببركتها من عذاب يوم القيامة بإطلال أحد هذه الأشياء الثلاثة , ولعلها تمثل له حتى يشاهدها كأنه ظله أظلته من غمامة أو سحابة أو غياية , وهي كل متظلل من عال إذا ظل , ولعله يريد به: ما يكون له صفاء وضوء , إذ الغياية: ضوء شعاع الشمس. " أو فرقان من طير " أي: قطيع منه , " صواف " ك باسطات أجنحتها متصلا بعضها ببعض , جمع: صافة , ولفظة (أو) فيه: للتقسيم والتنويع لا لشك الراوي وتردده , إذ الروايات كلها متسقة على هذا المنهاج , ولعل الأول: لمن يقرأهما ولا يعرف معناهما , والثاني: لمن

وفق للجمع بين تلاوة اللفظ ودراية المعنى , والثالث: لمن ضم إليها تعليم المستعدين وإرشاد الطالبين , وبيان حقائقها , وكشف ما فيهما من الرموز واللطائف عليهم , وإحياء قلوبهم الجامدة , وهيج نفوسهم الخامدة حتى طاروا من حضيض الجهالة والبطالة إلى أوج العرفان واليقين , لا جرم , تمثل له يوم القيامة مساعيه طيورا صواف يحرسونه , ويحاجون عن بالدلالة على سعيه في الدين ورسوخه في اليقين , والإشعار بفضله وعلو شأنه. والضمير في " تحاجان " للسورتين. وفيه:" لا يستطعهما البطلة " أي: السحرة , عبر عن السحرة بالبطلة لأن ما يأتون به باطل , سماهم باسم فعلهم , وإنما لم يقدروا على حففظهما , ولم يستطيعوا قراءتهما لزيغهم عن الحق , واتباعهم للوساوس , وانهماكهم في الباطل. ... 429 – 1522 – وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبا المنذر! أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ ", قلت: الله ورسوله أعلم , قال: " يا أبا المنذر , أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ ", قلت: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} , قال: فضرب بيده في صدري وقال: " ليهنك العلم يا أبا المنذر! ".

ثم قال: " والذي نفس محمد بيده , إن لهذه الآية لسانا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش " " وعن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا المنذر! أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ " الحديث. (أي) في الاستفهام إذا أضيف إلى نكرة يكون سؤالا عن تعين ما أضيف إليه بما يميزه عن أخواته الملتبس هو بها , فيحسن السؤال به إذا كان السائل معتقدا استحضار المخاطب له ولأخواته , حتى يقدر على التمييز والتعيين , فلذلك وصف الآية بقوله: " معك " لئلا يتشوش ذهنه , ويتوهم أن المسؤول عنه لعله آية لم يلقنها الرسول بعد , ولم يعلمها إياه , ويويد بذلك تعليمه , ولاحتمال إرادة التعليم والإرشاد إلى تعليم المتصف بهذه الصفة لم يعين في الكرة الأولى , وقال:" الله ورسوله أعلم " مع ما فيه من تعظيم السائل ومراعاة الأدب. ثم لما لم يعين الرسول – عليه السلام – وكرر السؤال , علم أنه يريد بذلك استنطاقه بما استنبطه , واستدل على فضله بما يدل عليه , فعين وقال: {الله لا إله إلا هو} [البقرة: 255] أي: الآية التي مستهلها ومبدؤها , لأن شرف الآيات بشرف مدلولاتها ورفعه قدرها , واشتمالها على الفوائد العظيمة والعوائد الخطيرة , ثم بحسن النظم ومزيد البيان والفصاحة , ولا شك أن أعظم المدلولات ذات الله تعالى وصفاته , وأشرف العلوم وأعلاها قدرا وأبقاها ذخرا: هو العلم

الإلهي الباحث عن ذاته تعالى وصفاته السلبية والثبوتية , وما يدل عليها من صنائعها وأفعاله , وأن رجوع الخلق إليه وحسابهم عنده , لا مرد لحكمه , ولا مانع من عذابه. وهذه الآية باعتبار معناها وما يستفاد من مفهومها وفحواها: تشتمل على جملة ذلك مفصلا أو مجملا , على طريقة التقرير والتحقيق لا على سبيل الدعوى ومحض التقليد. ومن حيث [إن] اللفظ وقع في مجاز البلاغة وحسن النظم والترتيب موقعا تنمحق دونه بلاغة كل بليغ , وتتعتع في معارضته فصاحة كل فصيح , والاشتغال بتفصيل ذلك خروج عن المقصود , فمن شاء فليطالع تفسيرها من كتابنا المسمى بـ:" أنوار التنزيل ", ولذلك دعا برسوخه في لعلم وتيسيره له فقال: " ليهنك العلم " , أي: ليكن العلم هنيئا لك. ... 430 – 1524 – عن ابن عباس رضي الله عنه قال: بينما جبريل عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع نقيضا من فوقه , فرفع رأسه , فقال: هذا باب من السماء فتح لم يفتح قط إلا اليوم , فنزل منه ملك إلى الأرض لم يزل قط إلا اليوم , فسلم فقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة , لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته.

" وعن ابن عباس قال: بينا جبريل عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع نقيضا من فوقه , فرفع رأسه " الحديث. " بينا جبريل عند النبي صلى الله عليه وسلم ", أي: بين أوقات وحالات كان هو عنده , والعامل فيه: " سمع نقيضا " أي: صوتا , ويكثر استعماله في صوت الرحال والمحامل , والإنقاض: التصويت , والضمائر الثلاثة التي في (سمع) و (رفع) و (قال): راجعة إلى جبريل , لأنه أكثر اطلاعا على أحوال السماء , وأحق بالإخبار عنها , ولما اتفق له – عليه السلام – في ذلك اليوم [من] معارفة واتصال بملك لم يكن له معه سابقة عرفان , ولا لمن قبله من الأنبياء عليهم السلام , وأوحي إليه بالبشرى العظيمة التي احتص بها , كان ذلك فتح باب سماوي لم يفتح قبله , لا عليه ولا على غيره. وإنما سماهما:" نورين " لأن كلا منهما يكون لصاحبه في القيامة نورا يسعى أمامه , أو لأنه يرشده ويهديه بالتأمل فيه والتفكر في معانيه إلى الطريق القويم والمنهج المستقيم , وذلك لاشتمالهما على جملة ما تحويه الكتب السماوية من الحكم النظرية والأحكام العلمية والتصفية الروحانية , وبيان أحوال السعداء والأشقياء والترغيب على الطاعة والترهيب عن المعاصي بالوعد والوعيد إجمالا , مع السؤال بشرطه لما فيه صلاح الدارين والفوز بالحسنين , فلذلك بشر

بالإجابة وقال: " لن تقرأ بحرف منهما " أي: بكلام فيه سؤال , مثل: {اهدنا} {غفرانك ربنا} و {ربنا ولا تحملنا} ," إلا أعطيته " , فإن الحرف يطلق ويراد به الكلام , كما يطلق ويراد به اللغة , وقوله " إلا أعطيته " يخصه ويقيده بما فيه دعاء , ولعل ابن عباس سمع ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وترك الإسناد لوضوحه. ولا يبعد أن يقال: قد اتفق له وقت , فانكشفت له الحال , وتمثل له جبريل والملك النازل , كما تمثلا للرسول صلوات الله عليه , فشاهدهما وسمع مقالتهما مع الرسول صلى الله عليه وسلم , والله أعلم بحقائق ذلك. ... 431 – 1525 – عن عبد الله رضي الله عنه قال: لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهي به إلى سدرة المنتهى , فأعطي ثلاثا الصلوات الخمس , وخواتيم سورة البقرة , وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات. " وفي حديث عبد الله بن مسعود: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهي به إلى سدرة المنتهى ". أي: إلى حيث تنتهي إليه أعمال العباد , أو نفوس السائحين في

الملأ الأعلى , فيجتمعون فيه اجتماع الناس في أنديتهم , أو إليه ينتهي علم الخلائق من الملائكة والرسل وأرباب النظر والاعتبار , كما جاء في الحديث: " وما وراءه غيب لا يطلع عليه غيره تعالى ". وفيه: " وغفر لمن لا يشرك بالله – من أمته – شيئا المقحمات ", أي: الذنوب العظام التي تقحم صاحبها , أي: تلقيه في النار , والقحوم: الوقوع في الشيء , و (شيئا): نصب على المصدر , أي: شيئا من الشرك. ... 432 – 1528 – وقال: " أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ " قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ , قال: {قل هو الله أحد] تعدل ثلث القرآن ". " وفي حديث أبي الدرداء: أنه – عليه الصلاة والسلام – قال: {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن ". أي: تساويه , لأن معاني القرآن آيلة إلى تعليم ثلاثة علوم: علم التوحيد , وعلم الشرائع , وعلم تهذيب الأخلاق وتزكية النفس , و (سورة الأخلاص) تشمل على القسم الأشرف منها , الذي هو

كالأصل والأساس للقسمين الآخرين , وهو علم التوحيد على أبين وجه وآكده. ... من الحسان: 433 – 1533 – عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث تحت العرش يوم القيامة: القرآن يحاج العباد له ظهر وبطن , والأمانة , والرحم تنادي: ألا من وصلني وصله الله , ومن قطعني قطعه الله ". (من الحسان): " عن عبد الرحمن بن عوف , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثلاث تحت العرش يوم القيامة " الحديث. كونها " تحت العرش ": عبارة عن اختصاصها بمكان من الله تعالى وقربة واعتبار , لا يضيع أجر من حافظ عليها , ولا يهمل مجازاة من ضيعها وأعرض عنها وكما هو حال المقربين عند السلطان الواقفين تحت عرشه الملازمين لحضرته , فإن التواصل بهم , والإعراض عنهم , وشكرهم , وشكايتهم يكون لها تأثير عظيم لديه. واختصاص هذه الثلاثة بهذه المنزلة من حيث إن من حافظ عليها حق رعايتها فقد أكمل الدين وأحرز الحق وأقام العدل , ومن أضاعها

ولم يبال بها فعلى خلاف ذلك , لأن كل ما يحاوله الإنسان إما أن يكون أمرا بينه وبين الله تعالى لا يتعلق بغيره , وإما أن يكون أمرا دائرا بينه وبين سائر الناس عامة , أو بينه وبين خاصته من أقاربه وأهل منزله , والقرآن وصلة بينه وبين ربه , فمن راعى أحكامه , واتبع ظواهره وبواطنه فقد أدى حقوق الربوبية , وأتى بما هو وظائف العبودية. و" الأمانة": تعم الناس كلهم , فإن دماءهم وأعراضهم وأموالهم وسائر حقوقهم أمانات فيما بينهم , فمن قام بحقها فقد أقام العدل , وجانب المظالم رأسا , ومن وصل الرحم , وراقب الأقارب , ودفع عنهم المخاوف , وأحسن إليهم بما أنعم الله عليه , وأعانهم فيما يهم لهم من أمري الدين والدنيا ما أمكنه واستطاع = فقد أدى حقه وخرج عن عهدته , ولما كان القرآن منها أعظم قدرا وأرفع منارا , وكان العمل به والقيام بحقه والامتثال لحكمه يشتمل على القيام بالأمرين الآخرين , والمحافظة عليهما قدم ذكره , وأخبر عنه بأنه " يحاج العباد " أي: يخاصمهم فيما ضيعوه وأعرضوا عن حدوده وأحكامه , ولم يلتفتوا إلى مواعظه وأمثاله , سواء ما ظهر منها معناها واستغنى عن التأويل , أو خفي واحتاج إلى مزيد كلفة في إبراز ما هو المقصود منه , وأخر الرحم لأنه أخصها , وأفرد بالذكر – وإن اشتمل على محافظته

محافظة الأمرين المذكورين قبل – لأنه أحق حقوق العباد بأن يحفظ ولأنه أراد أن يبين أن صلة الرحم وقطيعتها بهذه المثابة العظيمة من الوعد والوعيد. ... 434 – 1534 – وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقال لصاحب القرآن: اقرأ , وارتق , ورتل كما كنت ترتل في الدنيا , فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها ". " عن ابن عمر: أنه – عليه الصلاة والسلام – قال: يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا , فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها ". " صاحب القرآن ": حافظه والمواظب على قراءته , وقيل: العالم بمعانيه والمعتني بالتدبر فيه , والمراد من الحديث: المعنى الأول , لقوله: " اقرأ وارتق " أي: اقرأ ما كنت تحسنه من القرآن , وارتق بقدره في درجات الحنان. قيل: درج الجنة بعدد أي القرآن , والقراء يتصاعدون بقدرها , فمن قرأ مئة آية مثلا كان منزله عند آخر آية يقرؤها , وهي المئة من الدرجات , ومن حفظ جميع القرآن كان منزله الدرجة الأقصى من درجات الجنان , وهذا للقاريء الذي يقرؤه حق قراءته , وهو أن يتدبر

معناه , ويأتي بما هو مقتضاه , لا الذي يقرأ , والقرآن يلعنه. ... 435 – 1538 – عن الحارث , عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ألا إنها ستكون فتنة ", فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ , قال: " كتاب الله , فيه نبأ ما قبلكم , وخبر ما بعدكم , وحكم ما بينكم , هو الفصل ليس بالهزل , من تركه من جبار قصمه الله , ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله , وهو حبل الله المتين , وهو الذكر الحكيم , وهو الصراط المستقيم , هو الذي لا تزيغ به الأهواء , ولا تلتبس به الألسنة , ولا تشبع منه العلماء , ولا يخلق عن كثرة الرد , ولا تنقضي عجائبه , هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: {إنا سمعنا قراءنا عجبا * يهدي إلى الرشد فأمنا به} , من قال به صدق , ومن عمل به أجر , ومن حكم به عدل , ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ", إسناده مجهول. " عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا إنها ستكون قتنة , فقلت: ما المخرج منها؟ "الحديث. " المخرج " " مفعل بمعنى الموضع , " فما المخرج منها؟ " أي: فما الطريق الذي يخرج به منها وينقضي عنها؟ وقوله: " كتاب الله " على حذف المضاف , أي: التمسك بالكتاب , ليطابق السؤال , " هو الفصل " أي: الفاصل بين الحق والباطل , وصف

بالمصدر للتأكيد والمبالغة , " ليس بالهزل " أي: جد كله , ليس فيه ما يخلو عن إتقان وتحقيق , أو يعرى عن أمر خطير وفائدة عظيمة , فيتساهل فيه. " من جبار " بيان لـ (من) بينه بذلك , ليدل على أن الحامل له على الترك والإعراض عنه هو التجبر والحماقة , والجبار لا يطلق صفة للعبد إلا في معرض الذم , لأنه لا يليق به. والقصم: الكسر , و" قصمه الله ": يحتمل الخبر والدعاء , وكذلك قوله: " أضله الله " فإن طلب الشيء في غير محله ضلال. " وهو حبل الله المتين " أي: الوصلة التي يوثق عليها , فيتمسك بها من أراد الترقي والعروج إلى معارج القدس وجوار الحق , " والذكر " أي: المذكور , " الحكيم " أي: المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه , أو المشتمل على الحقائق والحكم , بمعنى: ذو الحكمة. " لا تزيغ به الأهواء " أي: لا تميل عن الحق باتباعه ما دامت تتبعه , " ولا تلتبس به الألسنة " أي: لا يختلط به غيره بحيث يشتبه الأمر ويلتبس الحق بالبطل , وإنه تعالى تكفل حفظه , وقال: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9] " ولا يشبع منه العلماء " أي: لا يحيط علمهم بكنهه , فيقفوا عن طلبه وقوف من شبع من

مطعوم , فإن الناظر فيه لا ينتهي إلى حد إلا وهو يعد طالب لحقائقه باحث عن دقائقه. " ولا يخلق على كثرة الرد " أي: لا يزول رونقه ولذة قراءته واستماعه عن كثرة ترداده على ألسنة التالين , وتكراره على آذان المستمعين , على خلاف ما هو عليه كلام المخلوقين , يقال: خلق الثوب – بالضم – وأخلق: إذا بلي , وباقي الحديث واضح. ... 436 – 1540 – وقال: " لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار ". " عن عقبة بن عامر , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار ". أي: لو صور القرآن , وجعل في إهاب , وألقي في النار , ما مسته ولا أحرقته بركة القرآن , فكيف بالمؤمن الحامل له المواظب على تلاوته؟! واللام في "النار" قيل: للجنس , والأولى أن تجعل للعهد , والمراد بها: نار جهنم , أو النار التي تطلع على الأفئدة , أو النار التي وقودها الناس والحجارة. ***

437 – 1543 – وقال: " تعلموا القرآن واقرؤوه , فإن مثل القرآن لمن تعلم فقرأ وقام به كمثل جراب محشو مسكا تفوح ريحه بكل مكان , ومثل من تعلمه فرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكيء على مسك ". " وفي حديث أبي هريرة: مثل من تعلمه فرقد وهو في جوفه , كمثل جراب أوكيء على مسك " تمثيل لمن تعلم القرآن فرقد عليه , بجراب مسك أوكيء عليه , أي: شد بالوكاء , من حيث إنه ضيعه على نفسه , وأبطل فائدته في حقه بترك قراءته والتدبر في معانيه , وبخل به على غيره , ومنع عنه بالكف عن الاستماع والتعليم. ... 438 – 1555 – عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا زلزلت} تعدل نصف القرآن , و {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن , و {قل يا أيها الكافرون} تعدل ربع القرآن ". " وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا زلزلت} تعدل نصف القرآن , و {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن , و {قل ياأيها الكافرون} تعدل ربع القرآن ". يحتمل أن يقال: المقصود الأعظم بالذات من القرآن: بيان

المبدأ والمعاد , و {إذا زلزلت} مقصورة على ذكر المعاد , مستقلة ببيان أحواله , فتعادل نصفه. وجاء في حديث آخر: أنها ربع القرآن , وتقريره أن يقال: القرآن يشتمل على تقرير: التوحيد , والنبوات , بيان أحكام المعاش , وأحوال المعاد , وهذه السورة مشتملة على القسم الأخير من الأربعة. و {قل يا أيها الكافرون} محتوية على القسم الأول منها , فتكون كل واحد منها كأنه ربع القرآن. ... 439 – 1561 – وقال عقبة بن عامر رضي الله عنه: " بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والأبواء إذ غشينا ريح وظلمة شديدة , فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ بـ: {قل أعوذ برب الفلق} , {قل أعوذ برب الناس} , ويقول: " يا عقبة! تعوذ بهما , فما تعوذ معوذ بمثلهما ". " وفي حديث عقبة ين عامر: بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والأبواء ". " الجحفة ": ميقات أهل الشام , و"الأبواء " – بفتح الهمزة -: قرية من أعمال الفرع من المدينة , بينها وبين الجحفة خمسة فراسخ

فصل

وثلاثة أميال , سميت بذلك لأن السيول تبوؤها. ... فصل من الصحاح: 440 - 1564 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" تعاهدوا القرآن , فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها ". (فصل) (من الصحاح): " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ك تعاهدوا القرآن , فوالذي نفسي بيده , لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها ". تعاهد الشيء ةتعهده: محافظته وتجديد العهد به , والمراد منه: الأمر بالمواظبة على التلاوة والمداومة على تكراره ودرسه , كيلا ينسى. " فإنه أشد تفصيا " أي: أسرع تخلصا وذهابا وانفلاتا من الإبل المعقلة إذا أطلقها صاحبها , أو لم يحكم قيدها , ولم يعاهد عليها , , (عقل) تخفيف عقل جمع عقال , ككتب وكتب في جمع كتاب.

441 - 1568 - وسئل أنس رضي الله عنه: كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم , فقال: كانت مدا , ثم قرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم} , يمد بـ {بسم الله} , ويمد بـ {الرحمن} ويمد بـ {الرحيم}. " وسئل أنس: كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كانت مدا ". أي: كانت قراءته ذات مد , أي: كان يمد ما كان في كلامه من حروف المد واللين. ... 442 - 1569 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن ". " وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن ". أي: ما استمع شيئا كاستماعه لقراءة نبي يتغنى بالقرآن , يعني: أنه لا يقع عند الله تعالى مواقع القبول كلام حسن وقوعه , والاستماع كناية عن القبول , والأذن في الأصل إصغاء الأذن إلى المتكلم ليسمع ما يقوله قال الشاعر: صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا

والمراد من التغني: الجهر به , ورفع الصوت , ويعضده أنه جاء في بعض الروايات: " يتغنى بالقرآن " أي: يجهر به ووقيل: الترتيل , وتحسين الصوت , ويؤيده قوله - عليه السلام - ط ليس منا من لم يتغن بالقرآن " , ولذلك جوز الشافعي رضي الله عنه القراءة بالألحان بشرط أن لا يغير اللفظ ولا يخل بنظم الكلام. وقوله: " ليس منا ": يريد به الحث على التغني والتاكيد , لا الوعيد بتركه ز وقال أبو عبيد: " من لم يتغن ": معناه: من لم يستغن , ليناسب قوله " ليس منا " فإن ظاهره وعيد , وقد جاء في كلامهم: تغنى بمعنى: استغنى. قال الأعشى ك وكنت امرا زمنا بالعراق ... عفيف المناخ طويل التغن ... 443 - 1573 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: " إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن " قال: آلله سماني لك؟! قال: نعم , قال: وقد ذكرت عند رب العالمين؟! قال: نعم " فذرفت عيناه.

وفي رواية: " أمرني أن أقرأ عليك: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب}. " وعن أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن " المرا د: قراءة تعليم , فإن المعلم إذا قرأ والمتعلم يسعه كان ذلك أشد اعتمادا عليه من أن يقرأ المتعلم , وكان فيه تعليم حسن الترتيب والتأدبة , وكيفية الترتيل , وسائر هيئات القراءة. ... من الحسان: 444 - 1575 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال ك جلست في عصابة من ضعفاء المهاجرين , وإن بعضهم ليستتر ببعض من العري , وقاريء يقرأ علينا ة إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقام علينا , فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت القاريء , فسلم , ثم قال: " ما كنتم تصنعون؟ " قلنا: كنا نستمع إلى كتاب الله , فقال: " الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم ", قال: فجلس وسطنا ليعدل بنفسه فينا , ثم قال بيده هكذا , فتحلقوا , وبرزت وجوههم له , فقال: " أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين! بالنور التام يوم القيامة , تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم , وذلك خمس مئة سنة ".

(من الحسان): " في حديث أبي سعيد الخدري: فجلس وسطنا ليعدل بنفسه فينا ". أي: ليسوي بنفسه , ويجعلها عديلا لنا بجلوسه فينا , تواضعا ورغبة فيما نحن فيه. ... 445 - 1576 - وقال: " زينوا القرآن بأصواتكم ". " وعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: زينوا القرآن بأصواتكم ". قيل: إنه من المقلوب , ويدل عليه: أنه روي أيضا عن البراء عكس ذلك. ونظيره في كلام العرب قولهم: عرضت الناقة على الحوض , والمعروض: هو الحوض على الناقة , وقولهم: إذا طلعت الشعرى , واستوى العود على الحرباء , فإن الحرباء تستوي على العود. ويجوز أن يجرى على ظاهره فيقال: المراد تزيينه بالترتيل والجهر به وتحسين الصوت , فإنه إذا سمع من صيت حسن الصوت , يقرؤه بصوت طيب ولحن حزين , يكون أوقع في القلب , وأشد تأثيرا في النفس , وأرق لسامعيه , فلذلك أمربه وسماه تزيينا , لأنه

تزيين اللفظ والمعنى. ... 446 - 1577 - وقال: " ما من امريء يقرأ القرآن , ثم ينساه إلا لقي الله يوم القيامة أجذم ". " قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من امريء يقرأ القرآن , ثم ينساه إلا لقي الله يوم القيامة أجذم ". أي: مقطوع اليد , هكذا قال أبو عبيد , واعترض عليه القتيبي , وقال: تخصيص العقوبة باليد لا يناسب هذه الخطيئة , وفسر الأجذم بالمجذوم التي بها تهافتت أطرافه , وتساقطت أسنانه بالجذام , وقول أبي عبيد أظهر لغة , وأشهر استعالا. ولعل معنى قوله (لقي الله أجذم): أنه يكون منقطع الحجة لا يجد سببا يتمسك به , وتتشبث به يده , فإن القرآن سبب أحد طرفيه بيد الله , والآخر بأيدي العباد ,فمن تركه انقطع عنه يده , فصارت كالمقطوعة , وقد يكنى بعدم اليد عن عدم الحجة , فيقال: ما لي بهذا الأمر يدان , بمعنى ك ما لي به تمسك.

بسم الله الرحمن الرحيم

(9) كتاب الدعوات

كتاب الدعوات

(9) كتاب الدعوات 1 - باب من الصحاح: 447 - 1590 - وقال: " اللهم إني أتخذ عندك عهدا لن تخلفينه [تخلفنيه] , فإنما أن بشر, فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته جلدته فاجعلها له صلاة, وزكاة, وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة ". (باب الدعوات) (من الصحاح) " عن أبي هريرة: أنه - عليه السلام - قال: "اللهم إني أتخذ عندك عهدا لن تخلفنيه" الحديث "أتخذ عندك" أي: أسأل منك, وألتمس من عندك "عهدا" أي: وعدا, والعهد في الأصل: الميثاق والعقد, ولما كان كل واحد من العقد والوعد متضمنا معنى الآخر عبر عن الوعد بالعهد, تأكيدا وإشعارا

بأنه من المواعيد التي لا يتطرق إليها الخلف, ولا ينبغي أن يتطرق إليها كالمواثيق, ولذلك استعمل فيه الخلف, وقال: " لن تخلفنيه " للمبالغة وزيادة التأكيد. وقوله: " فإنما أنا بشر ": تمهيد لمعذرته فيما يبدر عنه, لأن من لوازم البشرية الغضب المؤدي إلى ذلك. وقوله: " فأي المؤمنين " إلى آخره: بيان وتفصيل لما كان يلتمسه, قابل أنواع الفظاظة والإيذاء بما يقابلها من أنواع التعطف والإلطاف, وعد الأقسام الأول متناسقة من غير عاطف, وذكر ما يقابلها بالواو, لما كان المطلوب معارضة كل واحدة من تلك بهذه الأمور. وقوله: "صلاة" أي: رحمة وإكراما وتعطفا, و"زكاة" أي: طهارة من الذنوب والمعايب. ... من الحسان: 448 - 1596 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة ثم قرأ {وقال ربكم ادعوني استجب لكم} ". 449 1597 - وروي: "الدعاء مخ العبادة". (من الحسان): "عن نعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدعاء هو العبادة,

ثم قرأ: {وقال ربكم ادعوني استجب لكم} [غافر: 60]. ويروى:" الدعاء مخ العبادة". لما حكم بأن الدعاء هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة, من حيث إنه يدل على أن فاعله مقبل بوجهه إلى الله تعالى, معرض عما سواه, لا يرجو ولا يخاف إلا منه = استدل عليه بالآية, فإنها تدل على أنه أمر مأمور به, إذا أتى به المكلف قبل منه لا محالة, وترتب عليه المقصود ترتب الجزاء على الشرط, والمسبب على السبب, وما كان كذلك كان أتم العبادات وأكملها. ويقرب منه الرواية الأخرى, فإن مخ الشيء خالصه. ... 450 - 1599 - وقال: "لا يرد القضاء إلا الدعاء, ولا يزيد في العمر إلا البر". "وعن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر". سبق في (باب الإيمان بالقدر): أن القضاء قسمان, جازم لا يقبل الرد والتعويق, ومعلق: وهو أن يقضي الله أمرا كان مفعولا ما لم يرده عائق, وذلك العائق لو وجد كان ذلك أيضا قدرا مقضيا, كما روي أنه - عليه السلام - سئل, فقيل: يا رسول الله! أرأيت رقى نسترقيها, وتقاة نتقيها, ودواء نتداوى به, أيرد ذلك من قدر الله شيئا؟ قال:

"هي من قدر الله" وقد ذكرنا في شرح هذا الحديث مزيد تقرير لهذا الكلام. وقيل: المراد بالقضاء: ما يخاف نزوله, وتبدو طلائعه وأمارته من المكاره والفتن, ويكون القضاء الإلهي جاريا بأن يصان عنه العبد الموفق للخير والدعاء, فإذا أتى به العبد حرس من حلول ذلك البلاء عليه, فيكون دعاؤه كالراد لما كان يظن حلوله ويتوقع نزوله. وقيل: الدعاء لا يدفع القضاء النازل, لكن يسهله ويهونه من حيث أنه يتضمن الصبر عليه والتجمل فيه والرضا بالقضاء والرجوع إلى الله, وهو معنى الحديث التالي له. وهو ما روى ابن عمر: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: "الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل". ... 451 - 1613 - وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة, فأذن لي وقال: "أشركنا - يا أخي - في دعائك, ولا تنسنا" فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا. "وقال عمر رضي الله عنه: استأدنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن لي" الحديث.

في هذا الالتماس إظهار الخضوع والمسكنة في مقام العبودية, وتحضيض الأمة على التبرك والرغبة في دعاء الصالحين, وتفخيم شأن عمر, والإشادة بذكره, وإرشاده إلى ما يحمي دعاءه من الرد, ويوجب إجابته, وتعليم للأمة بأن لا يخصوا أنفسهم بالدعاء, ويشاركوا فيه أقاربهم وأحبابهم, سيما في مظان الإجابة. وروي: "أخي" - بالتصغير - وهو تصغير الاختصاص والتلطف كالتصغير في (بني). وقوله " فقال كلمة ": يحتمل أن يكون المراد بها ما سبق, وأن يكون غيره, ولم يصرح به, توقيا عن تفاخر أو نحوه, والباء في "بها" للبدلية, أي: لو كانت الدنيا لي بدل تلك الكلمة, لما سرني, لعلمي بأن تلك الكلمة خير لي من الدنيا. ... 452 - 1614 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر, والإمام العادل, ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء, ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين". "عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر" الحديث.

باب ذكر الله عز وجل والتقرب إليه

(الصائم): بدل من "دعوتهم" على حذف المضاف, أي: دعوة الصائم ودعوة الإمام بدليل عطف " دعوة المظلوم " عليه. وقوله: " يرفعها الله ": في موضع الحال, ويحتمل أن تجعل تفضيل ثلاثة, ويكون القسم الثالث محذوفا, لدلالة قوله: " ودعوة المظلوم " عليه, وهو مبتدأ (يرفعها) , خبره: استأنف به الكلام, لفخامة شأن دعاء المظلوم, واختصاصه بمزيد قبول, ورفعها فوق الغمام, وفتح أبواب السماء لها: مجاز عن إثارة الآثار العلوية, وجمع الأسباب السماوية على انتصاره بالانتقام من الظالم, وإنزال البأس عليه. قوله: " ولو بعد حين ": يدل على أنه سبحانه يمهل الظالم ولا يهمله. ... 2 - باب ذكر الله عز وجل والتقرب إليه من الصحاح: 453 - 1617 - وقال: " سبق المفردون ", قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ , قال: " الذاكرون الله كثيرا والذاكرات ". (باب ذكر الله تعالى والتقرب إليه)

(من الصحاح): " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبق المفردون, قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات ". (المفرد): من فرد, إذا اعتزل وتخلى للعبادة ’ فكأنه فرد نفسه بالتبتل إلى الله تعالى, ولذلك فسر بقوله: " الذاكرون الله كثيرا والذاكرات " أي: سبقوا بنيل الزلفى, والعروج إلى الدرجات العلى, وإنما قالوا: " ما المفردون ". ولم يقولوا: من هم, لأنهم أرادوا فسر اللفظ وبيان ما هو المراد منه, لا تعيين المتصفين به, وتعريف أشخاصهم. ... 454 – 1619 – وقال: " يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي, وأنا معه إذا ذكرني, فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي, وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ". " وعنه: أنه – عليه السلام – قال: يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبيدي بي, وأنا معه إذا ذكرني " الحديث. (الظن): هو الاعتقاد الراجح بأحد النقيضين, وهو كالواسطة بين العلم والشك, يشارك العلم في كونه اعتقادا راجحا, ويخالف به الشك, ويشاركه في أنه مع تجويز النقيض واحتماله, ويباين العلم في ذلك, فلذلك استعير لهما, فقال تعالى: {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم} [البقرة: 46] أي: يوقنون, فإن الظن غير كاف ولا معتبر في

ذلك, وقال: {يظنون بالله غير الحق} [آل عمران:154] , وفسر بيشكون. والظن في الحديث: يصح إجراؤه على ظاهره, ويكون المعنى: أنا عند ظن عبدي بي, أي: أعامله على حسب ظنه بي, وأفعل به ما يتوقعه مني, والمراد: هو الحث على تغليب الرجاء على الخوف, وحسن الظن بالله كما قال – عليه السلام -: " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى ". ويجوز أن يفسر بالعلم, والمعنى: أنا عند يقينه بي وعلمه بأن مصيره إلي وحسابه علي, وأن ما قضيت له من خير وشر, فلا مرد له, لا معطي لما منعت, ولا مانع لما أعطيت, أي: إذا تمكن العبد في مقام التوحيد, ورسخ في الإيمان والوثوق بالله تعالى, قرب منه ورفع دونه الحجاب, بحيث إذا دعاه أجاب, وإذا سأله استحباب. كما روي في حديث أبي هريرة: أنه – عليه السلام – قال عن الله تعالى: " علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به, غفرت له ". وقوله: " وأنا معه إذا ذكرني " أي: بالتوفيق والمعونة, أو أسمع ما يقوله, " فإن ذكرني في نفسه" أي: سرا وخفية, إخلاصا وتجنبا عن الرياء " ذكرته في نفسي " أي: أسر بثوابه على منوال عمله, وأتولى بنفسي إثابته لا أكله إلى أحد من خلقي.

قوله: " في ملأ خير جهنم " أي: في ملأ من الملائكة المقربين, وأرواح المرسلين, والمراد منه: مجازاة العبد بأحسن مما فعله, وأفضل مما جاء به. ... 455 – 1620 – وقال: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد, ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها أو غفر, ومن تقرب شبرا مني تقربت منه ذراعا, ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا, ومن أتاني يمشي أتيته هرولة, ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة ". قوله: " وأزيد " أي: أزيد من عشر أمثالها إلى سبع مئة. وقوله: " ومن تقرب مني شبرا " إلى آخره: تمثيل وتصوير لمجازاة العبد فيما يتقرب به إلى ربه, وتضاعف لطفه وإحسانه عليه, وفرط عفوه عنه, وسمي إثابة الحق تعالى له (تقربا) على سبيل المقابلة, و (الهرولة): الإسراع في المشي, وهو التوسط بين العدو والمشي. وقوله: " وإن لقيني بقراب الأرض " أي: بملئها, مأخوذ من القرب, أي: بما يقاربها في المقدار, والقراب: شبه جراب يضع فيه المسافر زاده, وقراب السيف: غمده. ***

456 – 1621 – وقال: " إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب, وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه, وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه, فإذا أجببته, كنت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها, ورجله التي يمشي بها, وإن سألني لأعطينه, ولئن استعاذ بي لأعيذنه, وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن, يكره الموت, وأنا أكره مساءته, ولا بد له منه". " وعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب " الحديث. أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى هي الفرائض التي افترضها عليه,, وناهيك بفضلها المعاتبة على تركها, والمعاقبة بالإخلال بها, وإن العبد لا يزال يتقرب إلى الله بأنواع الطاعات, وأضاف الرياضيات, ويترقى من مقام إلى آخر أعلى منه, حتى يحبه الله سبحانه, فيجعله مستغرقا بملاحظة جناب قدسه, بحيث ما لاحظ شيئا إلا لاحظ ربه, فما التفت لفت حاس ومحسوس, وصانع ومصنوع, وفاعل ومفعول, إلا رأى الله, وهو آخر درجات السالكين, وأول درجات الواصلين, فيكون بهذا الاعتبار سمعه وبصره. وقيل: معناه: فأحفظ حواسه وجوارحه وأراقبها, حتى لا يستعملها

إلا فيما أحبه وأرتضيه, فينقلع عن الشهوات, ويستغرق في الطاعات. قوله: " وما ترددت في شيء أنا فاعله " أي: ما أخرت وما توقفت توقف المتردد في أمر أنا فاعله إلا في قبض نفس عبدي المؤمن, أتوقف فيه حتى يسهل عليه, ويميل قلبه إليه, شوقا إلى أن ينخرط في سلك المقربين, ويتبوأ في أعلى عليين. و (التردد): تعارض الرأيين, وترادف الخاطرين, وهو وإن كان محالا في حقه تعالى, إلا أنه أسند إليه باعتبار غايته ومنتهاه الذي هو التوقف والتأني في الأمر, وكذلك سائر ما يسند إلى الله تعالى من الغضب والمكر ونحو ذلك. ... 457 – 1623 – عن حنظلة الأسيدي قال: انطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: نافق حنظلة! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما ذاك؟ " قلت: نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي العين, فإذا خرجنا عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا, فقال رسول الله:" والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر, لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم, ولكن! يا حنظلة ساعة وساعة " ثلاث مرات. "وفي حديث حنظلة الأسيدي: عافسنا الأزواج والأولاد".

أي: لاعبنا, والمعافسة: الملاعبة. ... من الحسان: 458 – 1625 – وعن عبد الله بن بسر قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي الناس خير؟ فقال: " طوبى لمن طال عمره وحسن عمله " قال: يا رسول الله, أي الأعمال أفضل؟ , قال: " أن تفارق الدنيا ولسانك رطب من ذكر الله". (من الحسان): "قال عبد الله بن بسر: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي الناس خير؟ فقال: طوبى لمن طال عمره وحسن عمله". لما كان السؤال عما هو غيب لا يعلمه إلا الله تعالى, عدل عن الجواب إلى كلام مبتدأ يشعر بأمارات تدل على المسؤول عنه, وهو: طول العمر مع حسن العمل, فإنه يدل على سعادة الدارين والفوز بالحسنين. ... 459 – 1627 – وقال: "من اضطجع مضطجعا لم يذكر الله فيه, كان عليه ترة يوم القيامة, ومن قعد مقعدا لم يذكر الله فيه كان عليه ترة يوم القيامة".

" وعن أبي هريرة: أنه – عليه السلام – قال: من اضطجع مضطجعا لم يذكر الله فيه, كان عليه ترة يوم القيامة ". " ترة ": نقصا, من وتره يتره وترا وترة, وقيل: حسرة, لأنها من لوازم النقصان. ... 460 1632 – عن ثوبان قال: لما نزلت: {والذين يكنزون الذهب والفضة} كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره, فقال بعض أصحابه: لو علمنا أي المال خير فنتخذه؟ فقال: " أفضله لسان ذاكر, وقلب شاكر, وزوجة مؤمنة تعنيه [تعينه] على إيمانه ". " عن ثوبان قال: لما نزلت: {والذين يكنزون الذهب والفضة} [التوبة: 34] كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره, فقال بعض أصحابه " الحديث. ظاهر كلامهم وإن كان سؤالا عن تعيين المال, لكنهم ما أرادوه بعينه, بل أرادوا أعم منه, وهو ما يصح ويحسن أن يقتنى ويدخر, ليكون عونا وعدة عند نزول الحوادث, وتراكم الحوائج, فلذلك أجاب عنه بما أجاب, و (لو) بمعنى التمني, ولذلك نصب جوانبه.

باب أسماء الله تعالى

3 - باب أسماء الله تعالى من الصحاح: 461 - 1633 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا, من أحصاها دخل الجنة ". وفي رواية:" وهو وتر يحب الوتر ". (باب أسماء الله تعالى) (من الصحاح): " إن الله تعالى تسعة وتسعين اسما, مئة إلا واحدا, من أحصاها دخل الجنة ". أسماء الله تعالى: ما يصح أن يطلق عليه سبحانه بالنظر إلى ذاته, أو باعتبار صفة من صفاته السلبية كالقدوس والأول, أو الحقيقية كالعليم والقادر, أو الإضافية كالحميد والملك, أو باعتبار فعل من أفعاله كالخالق والرزاق, كما سيأتيك شرحه. قوله: " مئة إلا واحدة " بدل عن " تسعة وتسعين " بدل الكل, وفائدته: التأكيد, والمبالغة في التقدير, والمنع عن الزيادة بالقياس, وتأنيث (واحدة) على تأويل الكلمة. قوله: " من أحصاها " أي: عدها, والمعنى: من قرأها كلمة كلمة

على سبيل الترتيل كمن يعدها, وقيل: من علمها, نظيره قول ابن عباس: " أحصيت كل القرآن إلا حرفين " أي: من تأمل فيها, وتدبر معانيها, واطلع على حقائقها, وقيل: من أطاقها, أي: أطاق القيام بحقها, والعمل بمقتضاها بأن يتأمل معانها, ويستعمل نفسه فيما يناسبها, فالمعنى الأول عام, والثاني خاص, والثالث أخص, ولذلك قيل: الأول للعوام, والثاني للعلماء, والثالث للأولياء. ... من الحسان: 462 – 1634 – قال: " إن لله تسعة وتسعين اسما, من أحصاها دخل الجنة, هو الله الذي لا إله إلا هو, الرحمن, الرحيم, الملك, القدوس, السلام, المؤمن, المهيمن, العزيز, الجبار, المتكبر, الخالق, الباريء, المصور, الغفار, القهار, الوهاب, الرزاق, الفتاح, العليم, القابض, الباسط, الخافض, الرافع, المعز, المذل, السميع, البصير, الحكم, العدل, اللطيف, الخبير, الحليم, العظيم, الغفور, الشكور, العلي, الكبير, الحفيظ, المقيت, الحسيب, الجليل, الجميل, الكريم, الرقيب, المجيب, الواسع, الحكيم, الودود, المجيد, الباعث, الشهيد, الحق, الوكيل, القوي, المتين, الولي, الحميد, المحصي, المبديء, المعيد, المحيي, المميت, الحي, القيوم, الواجد, الماجد, الواحد, الأحد الصمد, القادر,

المقتدر, المقدم, المؤخر, الأول, الآخر, الظاهر, الباطن, الوالي, المتعالي, البر, التواب, المنتقم, العفو, الرؤوف, مالك الملك, ذو الجلال والإكرام, المقسط, الجامع, الغني, المغني, المانع, الضار, النافع, النور, الهادي, البديع, الباقي, الوارث, الرشيد, الصبور, " غريب. (من الحسان): عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ". قال مشايخنا – رحمهم الله -: التسمية: هو اللفظ الدال على المسمى, والاسم هو المعنى المسمى به, كما أن الوصف هو لفظ الواصف, والصفة مدلولة, وهو المعنى القائم بالموصوف, وقد يطلق ويراد به اللفظ, كما تطلق الصفة ويراد به الوصف, إطلاقا لاسم المدلول على الدال, وعليه اصطلحت النجاة. ويدل على أنه للمعنى دون اللفظ قوله تعالى: {سبح اسم ربك} [الأعلى: 1] أي: المسبح ذات الباري تعالى, دون ألفاظ الذاكرين, وكذلك قوله: {تبارك اسم ربك} [الرحمن: 78] وقوله: {ما تعبدون من دونه إلا أسماء} [يوسف: 40] فإن من المعلوم أن عبدة الأصنام ما عبدوا اللفظ, وإنما عبدوا المسمى بالتسميات. وقول الشاعر:

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر وقالت المعتزلة: الاسم: هو التسمية دون المسمى. وقال حجة الإسلام: الاسم: هو اللفظ الدال على المعنى بالوضع لغة: والمسمى: هو المعنى الموضوع له, والتسمية وضع اللفظ له, أو إطلاقه. فإن قيل: فعلى الأول يكون قوله: "إن لله تسعة وتسعين اسما" حكما بتعدد الإله سبحانه. قلت: الجواب من وجهين: الأول: أن المراد من الاسم هاهنا اللفظ, ولا خلاف في ورود الاسم بهذا المعنى, إنما النزاع في أنه هل يطلق ويراد به المسمى عينه, ولا يلزم من تعدد التسميات تعدد المسمى. الثاني: أن كل واحد من الألفاظ المطلقة على الله سبحانه يدل على ذاته باعتبار صفة حقيقية, أو غير حقيقية, وذلك يستدعي التعدد في الاعتبارات والصفات دون الذات, ولا استحالة في ذلك. " هو الله " قيل: أصله لاها بالسريانية فعرب, وقيل: عربي وضع لذاته المخصوصة كالعلم له, لأنه يوصف ولا يوصف به, ولأنه لا بد له من اسم تجري عليه صفاته, ولا يصلح له غيره, فتعين أن يكون هو اسمه, ولأنه لو كان وصفا لم يكن قوله: " لا إله إلا الله "

توحيدا مثل: لا إله إلا الرحمن, فإنه لا يمنع الشركة. والحق: أنه وصف في أصله, لأن ذاته من حيث هو بلا اعتبار أمر آخر حقيقي أو غيره غير معقول للبشر, فلا يكمن وضع اللفظ له ولا الإشارة إليه بإطلاق اللفظ عليه, لكنه لما غلب عليه بحيث لا يستعمل في غيره وصار كالعلم, أجري مجراه في إجراء الأوصاف عليه, وامتناع الوصف به, وعدم تطرق احتمال الشركة إليه. ومعناه: المستحق للعبادة, وأصله: آله – فحذفت الهمزة, وعوض عنها الألف واللام – ولذلك قيل: يا ألله بالقطع , واشتقاقه من أله إلاهة وألوهية وألوهة بمعنى عبد, أو من أله إذا تحير, لأن العقول تتحير في معرفته, ومن ألهت إلى كذا بمعنى سكنت إليه, لأن القلوب تطمئن بذكره, والأرواح تسكن إلى معرفته, أو من أله فزع, إذ الناس تفزع إليه. وقيل: أصله: ولاه, من وله, إذا تحير وتخبط عقله, فقلبت الواو همزة, لاستثقال الكسرة عليها استثقال الضمة في وجوه, كما قلبت في إعاء وإشاح, وهو ضعيف, إذ لو كان كذلك لجمع على أولهة دون آلهة. وقيل: لاه مصدر لاه يليه ليها ولاها, إذا احتجت أو ارتفع لأنه محجوب عن إدراك الأبصار, ومرتفع عن كل شيء, وعما لا يليق به. فإحصاء العوام له: إجراؤه على اللسان, والذكر به على الخشية والتعظيم, وإحصاء الخواص: أن يتأملوا معناه, ويعلموا أن هذا

الاسم لا يستحق ولا يستأهل لأن يطلق عليه إلا من كان موجودا واجب الوجود, فائض الجود, جامعا الصفات الإلهية منعوتا بنعوت الربوبية, فإن مفهومه: المستحق للعبادة, ولا يستحق لها, إلا من كان هذا شأنه. وإحصاء الأخصين له: أن تستغرق قلوبهم بالله, فلا يلتفتون إلى أحد سواه, ولا يرجون ولا يخافون فيما يأتون ويذرون إلا إياه, لما فهموا من هذا الاسم أنه الحق الثابت, وأن كل ما عداه باطل هالك, لأنه ممكن, وكل ممكن من حيث ذاته لا وجود له, بل إنما وجوده من الجهة التي تلي الواجب تعالى, وإليه أشار تعالى حيث قال: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص: 88]. (الرحمن الرحيم) اسمان بنيا للمبالغة من رحم: كالغضبان من غضب, والعليم من علم, والرحمة في اللغة: رقة قلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان على من رق له. وأسماء الله تعالى وصفاته, إنما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي تكون انفعالات, فرحمة الله على العباد, إما إرادة الإنعام عليهم, ودفع الضر عنهم, فيكون الاسمان من صفات الذات, أو نفس الإنعام والدفع, فيعودان إلى صفات الأفعال. و (الرحمن) أبلغ من (الرحيم) , لزيادة بنائه, وذلك يؤخذ تارة

باعتبار الكمية, وأخرى باعتبار الكيفية, وعلى الأول قيل: يا رحمن الدنيا, لأنه يعم المؤمن والكافر, ورحيم الآخرة, لأنه يخص المؤمن, وعلى الثاني قيل: يا رحمن الدنيا والآخرة, ويا رحيم الدنيا, لأن النعم الأخروية بأسرها تامة عظيمة, والنعم الدنيوية تنقسم إلى جليل وحقير, وتام وغير تام, وكأن معنى الرحمن: المنعم الحقيقي, تام الرحمة, عميم الإحسان, ولذلك لا يطلق على غيره تعالى, فإن غيره إنما يفعل ما يفعل لغرض نفسه, فيستعيض بإنعامه جزيل ثواب, أو جميل ثناء, أو يزيل به رقة الجنسية, أو حب المال عن القلب إلى غير ذلك من الأغراض. ثم إنه كالواسطة فيه, فإن ذات النعمة ووجودها, والقدرة على إيصالها, والداعية الباعثة عليه, والتمكن من الانتفاع بها, إلى سائر ما يتوقف عليه الانتفاع ويتم به من خلقه تعالى = لا يقدر عليها أحد غيره. وحظ العارف من هذين الاسمين أن يتوجه بشراره إلى جناب قدسه, فيتوكل عليه, ويلتجئ فيما يعن له إليه, ويشغل سره بذكره, والاستمداد به عن غيره, لما فهم منهما أنه المنعم الحقيقي, المولي للنعم كلها, عاجلها وآجلها, ويرحم عباد الله, فيعاون المظلوم, ويصرف الظالم, ويدفع عنه ظلمه بالطريق الأحسن, والوجه الأجمل, وينبه الغافل, وينظر إلى العاصي بعين الرحمة دون الإزراء, ويجتهد في إزالة المعاصي وإزاحتها على أحسن ما يستطيعه من الطرق, ويسعى في سد خلة المحتاجين بقدر وسعه وطاقته.

(الملك) معناه: ذو الملك, والمراد به: القدرة على الإيجاد والاختراع, من قولهم: فلان يملك الانتفاع بكذا: إذا تمكن منه, فيكون الاسم على ذلك من أسماء الصفات كالقادر. وقيل: التصرف في الأشياء بالخلق والإبداع والإماتة والإحياء فيكون من أسماء الأفعال كالخالق. وظيفة العارف من هذا الاسم أن يعلم أنه المستغني في ذاته وصفاته عن كل شيء, وأن ما عداه مفتقر إليه في وجوده وبقائه, مسخر لحكمه وقضائه, فيستغني عن الناس رأسا, ولا يرجو ولا يخاف إلا إياه, ولا يتذلل لأحد سواه, ويتخلق به بالاستغناء عن الغير, والاستبداد بالتصرف في مملكته الخاصة التي هي قلبه وقالبه, والتسلط على جنوده ورعاياه من القوى والجوارح, واستعمالها فيما فيه خير الدارين وصلاح المنزلين. (القدوس) فعول من القدس, وهو الطهارة والنزاهة, ومعناه: منزه عم سمات النقص وموجبات الحدوث, بل المبرأ عما يدركه حس, أو يتصوره خيال, أو يسبق إليه وهم, أو يحيط به عقل, وهي من أسماء التنزيه. وحظ العارف منه: أن يتحقق أنه لا يحق الوصول إلا بعد

العروج من عالم الشهادة إلى عالم الغيب, وتنزيه السر عن المتخيلات والمحسوسات, والتطواف حول الأمور الكلية والأمور الأولية المتعالية عن تعلقات الحس والخيال, وتطهر القصد عن أن يحوم حول الحظوظ الحيوانية, واللذائذ الجسمانية, وفيقبل بشراره على اللع تعالى شوقا إلى لقائه, مقصور الهم على معارفته ومطالعة جماله حتى يصل إلى جناب العز, وينزل بحبوحة القدس. (السلام) مصدر نعت به, والمعنى: ذو السلامة من كل آفة ونقص, أي: الذي سلم ذاته عن الحدوث والعيب وصفاته عن النقص, وأفعاله عن الشر المحض, فإن ما نراه من الشرور فهي مقضية لا لأنها كذلك, بل لما تتضمنه من الخير الغالب المؤدي تركه إلى شر عظيم, فالمقضي والمفعول بالذات هو الخير, والشر داخل تحت القضاء, وعلى هذا يكون من أسماء التنزيه. وقيل: معناه: مالك تسليم العباد من المخاوف والمهالك, فيرجع إلى القدرة, فيكون من صفات الذات. وقيل: ذو السلام على المؤمنين في الجنان, كما قال تعالى: {سلام قول من رب رحيم} [يس: 58] , فيكون مرجعه إلى الكلام القديم.

ووظيفة العارف: أن يتخلق به بحيث يسلم قلبه عن الحقد والحسد, وإرادة الشر, وقصد الخيانة, وجوارحه عن ارتكاب المحظورات واقتراف الآثام, ويكون سلما لأهل الإسلام, ساعيا في ذب المضار, ودفع المعاطب عنهم, ومسلما على كل من يراه, عرفه أو لم يعرفه. (المؤمن) المصدق: صدق رسله بقوله الصدق, فيكون مرجعه إلى الكلام, أو بخلق المعجزة وإظهارها عليهم, فيكون من أسماء الأفعال. وقيل: معناه: أنه الذي أمن البرية بخلق أسباب الأمان, وسد أبواب المخاوف, وإفادة آلات تدفع بها المضار, فيكون أيضا من أسماء الأفعال. وقيل: معناه: أنه الذي يؤمن عباده الأبرار يوم العرض من الفزع الأكبر, إما بقول مثل: {ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} [فصلت: 30] , أو بخلق الأمن والطمأنينة فيهم, فيرجع إلى الكلام أو الخلق. ووظيفة العارف منه: أن يصدق الحق ويسعى في تقريره, فيكف نفسه عن الإضرار والحيف, ويكون بحيث يأمن الناس بوائقه. ويعتضدون به في دفع المخاوف, ورفع المفاسد في أمور الدين والدنيا.

(المهيمن) الرقيب البالغ في المراقبة والحفظ, من قولهم: هيمن الطير: إذا نشر جناحيه على فرجه صيانة له, هذا قاله الخليل, وسيأتي معنى الرقيب. فإن قيل: كيف تجعله مرادفا للرقيب, والمستفاد من أحد المترادفين عين المستفاد من الآخر, فلا يكون في إحصاء الثاني فائدة, لأن فضيلة هذه الأسماء لما تحتها من المعاني, فإذا دل عليه بلفظ آخر لم يكن للدلالة عليه مزيد فضل؟ قلت: لا أجعله مرادفا, إذ في المهيمن من المبالغة باعتبار الاشتقاق والزنة ما ليس في الرقيب, فهما كالغافر والغفور, والرحمن والرحيم. وقيل: معناه: الشاهد, أي: العالم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة فيرجع إلى العلم, أو الذي يشهد على كل نفس بما كسبت, فيرجع إلى القول. وقيل: أصله: مؤيمن, فقلبت الهمزة هاء كما قلبت في: هرقت وهرحت وهياك, ومعناه: الأمين الصادق وعده. وقيل: هو القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم, فيرجع إلى القدرة. وحظ العارف منه: أن يراقب قلبه, ويقوم أحواله, ويحفظ القوى

والجوارح عن الاشتغال بما يشغل قلبه عن جناب القدس, ويحول بينه وبين الحق. (العزيز) الغالب من قولهم: عز: إذا غلب, ومرجعه إلى القدرة. وقيل: عديم المثل, فيكون من أسماء التنزيه. وقيل: هو الذي تتعذر الإحاطة بوصفه, ويعسر الوصول إليه مع أن الحاجة تشتد إليه. وحظ العارف منه: أن يعز نفسه فلا يستهينها بالمطامع الدنية, ولا يدنسها بالسؤال عن الناس, والافتقار إليهم, ويجعلها بحيث يشتد إليها احتياج العباد في الإرفاق والإرشاد. (الجبار) بناء مبالغة من الجبر, وهو في الأصل: إصلاح الشيء بضرب من القهر, ثم يطلق تارة في الإصلاح المجرد, نحو قول علي رضي الله عنه: " يا جابر كل كسير, ومسهل كل عسير ". وتارة في القهر المجرد, نحو قوله صلى الله عليه وسلم: " لا جبر ولا تفويض ". ثم يتجوز منه لمجرد العلو, لأن القهر مسبب عنه, فيقال: نخلة

جبارة, للباسقة التي لا تنالها الأيدي, ولذلك قيل: الجبار هو المصلح لأمور العباد, والمتكفل لمصالحهم, والمقدر لصلاحهم, فهو إذن من أسماء الأفعال. وقيل: معناه: حامل العباد على ما يشاء, لا انفكاك لهم عما شاء من الأخلاق والأعمال والأرزاق والآجال, فمرجعه أيضا إلى الفعل. وقيل: معناه: المتعالى عن أن يناله كيد الكائدين, ويؤثر فيه قصد القاصدين, فيكون مرجعه إلى التقديس والتنزيه. وحظ العارف من هذا الاسم: أن يقبل على النفس فيجبر نقائصها باستكمال الفضائل, ويحملها على ملازمة التقوى, والمواظبة على الطاعة, ويكسر فيها الهوى والشهوات بأنواع الرياضات, ويرتفع عما سوى الحق غير ملتفت إلى الخلق, فيتحلى بالسكينة والوقار بحيث لا يزلزله تعاور الحوادق, ولا يؤثر فيه تعاقب النوازل, بل يقوى على التأثير في الأنفس والآفاق بالإرشاد والإصلاح. (المتكبر) هو الذي يرى غيره حقيرا بالإضافة إلى ذاته, فينظر إلى غيره نظر المالك إلى عبده, وهو على الإطلاق لا يتصور إلا لله تعالى, فإنه

المتفرد بالعظمة والكبرياء بالنسبة إلى كل شيء من كل وجه, ولذلك لا يطلق على غيره إلا في معرض الذم. وحظ العارف منه: أن يتكبر عن الركون إلى الشهوات, والسكون إلى الدنيا وزخارفها, فإن البهائم تساهمه فيها, بل عن كل ما يشغل سره عن الحق, ويستحقر كل شيء سوى الوصول إلى جناب القدس, من مستلذات الدنيا والآخرة. (الخالق البارئ المصور) قيل: إنها ألفاظ مترادفة, وهو وهم, فإن الخالق من الخلق, وأصله: التقدير المستقيم, يستعمل بمعنى الإبداع, وهو إيجاد الشيء من غير أصل, كقوله تعالى: {خلق السموات والأرض} [الشورى: 29] , وبمعنى التكوين {خلق الإنسان من نطفة} [النحل: 4] , وقوله: {وخلق الجان من مارج من نار} [الرحمن: 15].# والبارئ: مأخوذ من البرء, وأصله: خلوص الشيء عن غيره, إما على سبيل التفصي منه, وعليه قولهم: برئ فلان من مرضه, والمديون من دينه, واستبرأت الجارية رحمها, وإما على سبيل الإنشاء منه, ومنه: برأ الله النسمة وهو البارئ لها. وقيل: الباريء: هو الذي خلق الخلق بريئا من التفاوت والتنافر المخلين بالنظام الكامل, فهو أيضا مأخوذ من معنى التفصي.

والمصور: مبدع صور المخترعات ومزينها, فالله تعالى سبحانه خالق كل شيء بمعنى أنه مقدره وموجده من أصل, أو من غير أصل, وبارئه حسبما اقتضته حكمته, وسبقت به كلمته من غير تفاوت واختلال, ومصوره بصورة يترتب عليها خواصه, ويتم بها كماله. وثلاثتها من أسماء الأفعال. وحظ العارف منه: أن لا يرى شيئا, ولا يتصور أمرا, إلا ويتأمل فيه من باهر القدرة وعجائب الصنع, فيترقى من المخلوق إلى الخالق, وينتقل من ملاحظة المصنوع إلى ملاحظة الصانع, حتى يصير بحيث كلما نظر إلى شيء وجد الله عنده. (الغفار) في الأصل: بمعنى الستار, من الغفر: وهو ستر الشيء بما يصونه, ومنه المغفر, ومعناه: أنه يستر القبائح والذنوب بإسبال الستر عليها في الدنيا, وترك المؤاخة والعقاب عليها في الآخرة, ويصون العبد من أوزارها, وهو من أسماء الأفعال. وحظ العارف منه: أن يستر من أخيه ما يحب أن يستر منه, ولا يفشي منه إلا أحسن ما فيه, ويتجاوز عما ينذر عنه, ويكافئ المسيء إليه بالصفح والإنعام عليه. (القهار) هو الذي لا موجود إلا وهو مقهور قدرته, ومسخر لقضائه, عاجز

في قبضته, ومرجعه إلى القدرة. وقيل: هو الذي أذل الجبابرة وقصم ظهورهم بالإهلاك ونحوه, فهو إذن من أسماء الأفعال. وحظ العارف منه: أن يسعى في تطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة قهرا, وكسر شهواتها, فإنها أعدى عدوه. (الوهاب) كثير النعم, دائم العطاء, والهبة الحقيقية: هي العطية الخالصة عن الأعواض والأغراض, فإن المعطي مستعيض وليس بواهب, وهو من أسماء الأفعال. وحظ العارف منه: أن لا يستمنح ولا يتوقع إلا من الله, بل أن يبذل جميع ما يملكخ حتى الروح خالصا لوجه الله, لا يريد به جزاء ولا شكورا. (الرزاق) خالق الأرزاق والأسباب التي يتمتع بها, والرزق هو المنتفع به, فكل ما ينتفع به منتفع, فهو رزقه, سواء كان مباحا أو محظورا. وقالت المعتزلة: الرزق هو الملك, وفساده ظاهر طردا وعكسا. وللفرار من هذا الإشكال زاد بعضهم وقال: رزق كل مرزوق ما ينتفع به من ملكه.

وأما الثاني: فلأن ما يدر على البهائم رزقها, لقوله تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} [هود: 6] , ولا يكون ملكا لها. وحظ العارف منه: أن يحقق معناه: ليتحقق أنه لا يستحقه إلا الله تعالى, فلا ينتظر الرزق ولا يتوقعه إلا منه, فيكل أمره إليه, ولا يتوكل فيه إلا عليه, ويجتهد في أن يكون وصلة بين الله وبين الناس في وصول الأرزاق الروحانية والجسمانية إليهم, بالإرشاد والتعليم, وصرف المال, ودعاء الخير, وغير ذلك, لينال حظا من هذه الصفة. (الفتاح) الحاكم بين الخلائق, من الفتح بمعنى الحكم, قال الله تعالى: {ربنا افتح بننا وبين قومنا بالحق} [الأعراف:89] أي: احكم, ومرجعه إما إلى القول القديم, أو الأفعال المنصفة للمظلومين من الظلمة. وقيل: هو الذي يفتح خزائن الرحمة على أصناف البرية, قال الله تعالى: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها} [فاطر: 2]. وقيل: معناه: مبدع الفتح والنصرة. وحظ العارف منه: أن يسعى في الفصل بين الناس, وانتصار

المظلومين, ويهتم بتيسير ما يعسر على الخلق من الأمور الدينية والدنيوية, حتى يكون له حظ من هذا الاسم. (العليم) البالغ في العلم, وعلمه تعالى شامل لجميع المعلومات, محيط بها سابق على وجودها, وهو من صفات الذات. وحظ العبد منه: أن يكون مشغوفا بتحصيل العلوم الدينية, سيما المعارف الإلهية التي هي باحثة عن ذاته وصفاته, فإنها أشرف العلوم, وأقرب الوسائل إلى الله تعالى, مراقبا لأحواله, محتاطا في مصادره وموارده, لعلمه بأنه تعالى عالم بضمائره, مطلع على سرائره. (القابض الباسط) مضيق الرزق على من أراد, وموسعه لمن شاء. وقيل: هو الذي يقبض الأرواح عن الأشباح عند الممات, وينشر الأرواح في الأجساد عند الحياة. فهما على الوجهين من صفات الأفعال. وحظ العارف منه: أن يراقب الحالين, فيرى القبض عدلا من الله فيصبر عليه, والبسط فضلا منه فيشكر, وأن يكون ذا قبض وبسط, ضنة على الأسرار الإلهية على غير أهلها, وإفاضة لها

على من هو أهلها. (الخافض الرافع) هو الذي يخفض القسط ويرفعه, أو يخفض الكفار بالخزي والصغار ويرفع المؤمنين بالنصر والإعزاز, أو يخفض أعداءه بالإبعاد ويرفع أولياءه بالتقرب والإسعاد. وحظ العبد منهما: أن يخفض الباطل, ويرفع الحق, ويعادي أعداء الله فيخفضهم, ويوالي أولياءه فيرفعهم. (المعز المذل) يعز من يشاء, ويذل من يشاء. والأعزاز الحقيقي: تخليص المرء عن ذل الحاجة واتباع الشهوات, وجعله غالبا على أمره, قاهرا لنفسه, مالكا لإربه. والإذلال الحقيقي: ما يقابل ذلك. وحظ العبد من ذلك: أن يعز الحق وأهله, ويذل الباطل وحزبه, وأن يسأل الله تعالى التوفيق لما يستمد به إعزازه, ويجتهد فيه, ويستعيذ به من موجبات الإذلال, ويتوقى عن مظانه. (السميع البصير) هما من أوصاف الذات, والسمع: إدراك المسموعات حال

حدوثها, والبصر: إدراك المبصرات حال وجودها. وقيل: إنهما في حقه تعالى صنفان تنكشف بهما المسموعات والمبصرات انكشافا تاما, ولا يلزم من افتقار هذين النوعين من الإدرك فينا إلى آلة افتقارهما إليها بالنسبة إلى الله تعالى, لأن صفات الله تعالى مخالفة لصفات المخلوقين بالذات, وإن كانت تشاركها فإنما تشاركها بالعوارض, وفي بعض اللوازم, ألا ترى أن صفاتنا أعراض عارضة معرضة للآفة والنقصان, وصفاته تعالى مقدسة عن ذلك. وحظ العبد منهما: أن يتحقق أنه بمسمع من الله, ومرأى منه, فلا يستهين باطلاع الله تعالى عليه, ونظره إليه, ويراقب مجامع أحواله من مقاله وأفعاله. (الحكم) الحاكم الذي لا مرد لقضائه ولا معقب لحكمه, ومرجع الحكم إما إلى القول الفاصل بين الحق والباطل, والبر والفاجر, والمبين لكل نفس جزاء ما عملت من خير أو شر, وإما إلى المميز بين الشقي والسعيد بالعقاب والإثابة. وقيل: أصله المنع, ومنه سميت حكمة اللجام: حكمة, فإنها تمنع الدابة عن الجماح, والعلوم حكما, لأنها تمنع صاحبها عن سمر الجهال. وحظ العبد منه: أن يستسلم لحكمه, وينقاد لأمره, فإن لم يرض بقضائه اختيارا أمضي فيه إجبارا, ومن رضي به طوعا عاش راضيا مرضيا.

(العدل) العادل البالغ في العدل, وهو الذي لا يفعل إلا ما له فعله, مصدر نعت به للمبالغة. ووظيفة العارف: أن لا يعترض على الله تعالى في تدبيره وحكمه, بل يرى الكل منه حقا وعدلا, ويستعمل كل ما منح به من الأمور الداخلة فيه والخارجة عنه فيما ينبغي أن يستعمل فيه شرعا وعقلا, حتى يندرج تحت مسمى هذا الاسم. (اللطيف) قيل: معناه: اللطيف, كالجميل فإنه بمعنى المجمل, فيكون من أسماء الأفعال. وقيل: معناه: العليم بخفيات الأمور ودقائقها, وما لطف منها. وحظ العبد منه: أن يلطف بعباده, ويرفق بهم في الدعاء إلى الله تعالى, والإرشاد إلى طريقه الحق, ويتيقن أنه تعالى عالم بمكنونات الضمائر علمه بجليات الظواهر, فلا يضمر ما لا يحسن إظهاره. (الخبير) العليم ببواطن الأشياء من الخبرة, وهي العلم بالخفايا الباطنة. وقيل: هو المتمكن من الإخبار عما علمه.

وحظ العبد منه: أن لا يتغافل عن بواطن أحواله, ويشتغل بإصلاحها, وتلافي ما يحدث فيها من المقابح. (الحليم) هو الذي لا يستفزه غضب, ولا يحمله غيظ على استعجال العقوبة, والمسارعة إلى الانتقام, وحاصله راجع إلى التنزيه عن العجلة. وحظ العبد منه: أن يتخلق به, ويحمل نفسه على كظم الغيظ, وإطفاؤه نائره الغضب بالحلم. (العظيم) أصله من عظم الشيء: إذا كبر عظمه, ثم استعير لكل جسم كبير المقدار كبرا يملأ العين, كالجمل والفيل, أو كبرا يمنع إحاطة البصر بجميع أقطاره كالأرض والسماء, ثم لكل شيء كبير القدر بالرتبة على هذا القياس, والعظيم المطلق البالغ إلى أقصى مراتب العظمة هو الذي لا يتصوره عقل, ولا يحيط بكنهه بصير ة, وهو الله تعالى, فيرجع حاصل الاسم إلى التنزيه, والتعالي عن إحاطة العقول بكنه ذاته. وحظ العبد منه: أن يستحقر نفسه, ويذللها للإقبال على الله تعالى, بالانقياد لأوامره ونواهيه, والاجتهاد في اقتناص مراضيه. (الغفور) كثير المغفرة, وهي صيانة العبد عما استحقه من العذاب

بالتجاوز عن ذنوبه, من الغفر, وهو إلباس الشيء ما يصونه عن الدنس, ولعل الغفار أبلغ منه لزيادة بنائه. وقيل: الفرق بينه وبين الغفار: أن المبالغة فيه من جهة الكيفية, وفي الغفار باعتبار الكمية. وحظ العبد منه ظاهر. (الشكور) وهو الذي يعطي الثواب الجزيل على العمل القليل, فيرجع إلى الفعل. وقيل: هو المثنى على العباد المطيعين, فيرجع إلى القول. وقيل: معناه: المجازي عباده على شكرهم, فيكون الاسم من قيبل الازدواج. وحظ العبد منه: أن يعرف نعم الله تعالى, ويقوم بمواجب شكره, ويواظب على وظائفه, وأن يكون شاكرا للناس معروفهم, فإن من لم يشكر الناس لم يشكر الله. (العلي) فعيل من العلو, ومعناه: البالغ في علو الرتبة إلى حيث لا رتبة إلا وهي منحطة عنه, وهو من أسماء الإضافة. وحظ العبد منه: أن يذل نفسه في طاعة الله تعالى, ويبذل جهده في العلم والعمل, حتى يفوق جنس الإنس في الكمالات النفسانية,

والمراتب العلمية والعملية. (الكبير) نقيض الصغير, وهما في الأصل يستعملان للأجسام باعتبار مقاديرها, ثم لعالي الرتبة ودنيها, قال الله تعالى حكاية عن فرعون: {إنه لكبيركم الذي علمكم السحر} [طه: 71]. والله سبحانه كبير بالمعنى الثاني: إما باعتبار أنه أكمل الموجودات وأشرفها, من حيث إنه واجب الوجود بالذات من جميع الجهات, غني على الإطلاق, وما سواه حادث بالذات, نازل في حضيض الحاجة والافتقار, وإما باعتبار أنه كبير عن مشاهدة الحواس وإدراك العقول وعلى الوجهين فهو من أسماء التنزيه. وحظ العبد منه: أن يجتهد في تكميل نفسه علما وعملا, بحيث يتعدى كماله إلى غيره, ويقتدي بآثاره, ويقتبس من أنواره. قال عيسى عليه السلام: " من علم وعمل وعلم, فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماء ". (الحفيظ) الحافظ جدا, يحفظ الموجودات من الزوال والاختلال ما يشاء, ويصون المتضادات المتعديات بعضها عن بعض, فيحفظها في المركبات

محمية عن إفناء بعضها بعضا, فلا يطفئ الماء النار, ولا يحلل النار الماء, ويحفظ على العباد أعمالهم, ويحصي عليهم أفعالهم وأقوالهم. وحظ العبد منه: أن يحفظ سره عن اتباع الشبهات والبدع, وجوارحه عن انقياد الشهوات والغضب, ويختار قصد الأمور, ويحفظ نفسه عن الميل إلى طرفي الإفراط والتفريط, وحظ العارف خصوصا أن يحفظ باطنه عن ملاحظة الأغيار, وظاهره عن موافقة الفجار. (المقيت) خالق الأقوات البدنية والروحانية , وموصلها إلى الأشباح والأرواح, وفي الحديث: " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقيت " فهو من صفات الأفعال. وقيل: المقتدر بلغة قريش. قال الشاعر: وذي ضغن كففت النفس عنه ... وكنت على إساءته مقيتا وقيل: الشاهد والمطلع على الشيء, من أقات الشيء: إذا شهد عليه, فهو على الوجهين من صفات الذات. وحظ العبد منه: أن يصير نافعا هاديا يطعم الجائع ويرشد الغافل. (الحسيب) الكافي في الأمور, قال الله تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق:3] من أحسبني: إذا كفاني, فعيل بمعنى مفعل,

كالأليم, والحسيب المطلق هو الله تعالى, إذ يمكن أن تحصل الكفاية في جميع ما يحتاج إليه الشيء في وجوده وكماله وبقائه البدني والروحاني بأحد سواه. وقيل: المحاسب: يحاسب الخلائق يوم القيامة, فعيل بمعنى فاعل, كالجليس والنديم. فمرجعه بالمعنى الأول إلى الفعل, وبالمعنى الثاني إليه إن جعلت المحاسبة عبارة عن المكافأة, وإلى القول إن أريد بها السؤال والمعاتبة وتعداد ما عملوا من الحسنات والسيئات. وقيل: الشريف, والحسب: الشرف. وحظ العارف منه: أن يتسبب لكفاية حاجات المحتاجين وسد خلتهم, ويحاسب نفسه, قبل أن يحاسب, ويشرف نفسه بالمعرفة والطاعة. (الجليل) المنعوت بنعوت الجلال, وهي الصفات التنزيهيه كالقدوس والغني. وحظ العبد منه: أن ينزه نفسه عن العقائد الزائغة, والخيالات الفارغة, والأخلاق الذميمة, والأفعال الرديئة.

(الكريم) المتفضل الذي يعطي في غير مسألة ولا وسيلة. وقيل: المتجاوز الذي لا يستقصي في العتاب. وقيل: المقدس عن النقائص والعيوب, من قولهم: كرائم الأموال لنفائسها, ومنه سمي شجر العنب, كرما, لأنه طيب الثمرة, قريب المتناول, سهل القطاف, عاري عن الشوك, بخلاف النخل. وحظ العبد منه: أن يتخلق به, فيعطي من غير موعدة, ويعفو عن مقدرة ويتجنب عن الأخلاق المردية والأفعال المؤذية. (الرقيب) الحفيظ الذي يراقب الأشياء ويلاحظها, فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. وحظ العبد منه: أن يراقب أحوال نفسه, ويأخذ حذره من أن ينتهز الشيطان منه فرصة, فيهلكه على غفلة, فيلاحظ مكامنه ومنافذه, ويسد عليه طرقه ومجاربه. (المجيب) هو الذي يجيب دعوة الداعي إذا دعاه, أو يسعف السائل إذا

ما التمسه واستدعاه، والعبد ينبغي أن يجيب ربه أولا فيما أمره ونهاه, ويتلقى عباده بلطف الجواب, وإسعاف السؤال. (الواسع) مشتق من السعة: وهي تستعمل حقيقة باعتبار المكان, وهو لا يمكن إطلاقه على الله تعالى بهذا المعنى, ومجازا في العلم والإنعام والمكنة والغنى, قال تعالى: {وسعت كل شيء رحمة وعلما} [غافر: 7] وقال: {لينفق ذو سعة من سعته} [الطلاق:7]. ولذلك فسر الواسع بالعالم المحيط علمه بجميع المعلومات, كليها وجزئيها, موجودها ومعدومها, وبالجواد الذي عمت نعمته, وشملت رحمته كل بر وفاجر, ومؤمن وكافر, وبالغنى الممكن مما يشاء. وحظ العبد منه: أن يسعى في سعة معارفه وأخلاقه, ويكون جوادا بالطبع غني النفس, لا يضيق قلبه بفقد الغائب, ولا يهتم لتحصيل المآرب. (الحكيم) ذو الحكمة, وهي عبارة عن كمال العلم, وإحسان العمل والإتقان فيه, وقد يستعمل بمعنى العليم والمحكم.

وقيل: هو مبالغة الحاكم. فعلى الأول مركب من صفتين, إحداهما: من صفات الذات والأخرى: من صفات الأفعال, وعلى الثاني يرجع إلى القول. وحظ العبد من هذا الاسم: أن يجتهد في تكميل القوة النظرية بتحصيل المعارف الإلهية, واستكمال القوة العملية بتصفية النفس عن الرذائل والميل إلى الدنيا والرغبة في زخارفها, والاشتغال بما يوجب الزلفى من الله تعالى, حتى يندرج تحت (من) قوله عز وعلا: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: 269]. (الودود) مبالغة الود, ومعناه: الذي يحب الخير لجميع الخلائق, ويحسن إليهم في الأحوال كلها, وقيل: المحب لأوليائه, وحاصله يرجع إلى إرادة مخصوصة. وحظ العبد منه: أن يريد للخلق ما يريد لنفسه, ويحسن إليهم حسن قدرته ووسعه, ويحب الصالحين من عباده. (المجيد) مبالغة الماجد, من المجد: وهو سعة الكرم, من قولهم: مجدت

الماشية: إذا صادفت روضة أنفا, ومجدها الراعي, ومنه قولهم: في كل شجر نار, واستمجد المرخ والعفار. وحظ العبد منه: أن يعامل الناس بالكرم وحسن الخلق, ليكون ماجدا فيما بينهم. (الباعث) هو الذي يبعثر ما في القبور, ويحيي الأموات يوم النشور. وقيل: هو باعث الرسل إلى الأمم. وحظ العبد منه: أن يؤمن أولا بمغيبه, ويكون مقبلا بشراره على استصلاح المعاد, والاستعداد ليوم التناد, منقادا بطبعه للرسل, سالكا بهديهم من السبل, ويحيي النفوس الجاهلة بالتعليم والتذكير, فيبدأ بنفسه, ثم بمن هو أقرب منه منزلة وأدنى رتبة. (الشهيد) من الشهود, وهو الحضور, ومعناه: العليم بظاهر الأشياء وما يمكن مشاهدتها, كما أن الخبير هو العليم بباطن الأشياء, وما لا يمكن الإحساس بها. وقيل: مبالغة الشاهد, والمعنى: أنه تعالى يشهد على الخلق يوم القيامة. وحظ العبد منه ظاهر.

(الحق) الثابت, وبإزائه الباطل الذي هو المعدوم, والثابت مطلقا هو سبحانه, وسائر الموجودات من حيث إنها ممكنة لا وجود لها في حد ذاتها, ولا ثبوت لها من قبل أنفسها, وإياه عنى الشاعر بقوله: ألا كل شيء ما خلا الله باطل وهو بهذا المعنى من صفات الذات. وقيل: معناه: المحق أي: المظهر للحق, أو الموجد للشيء حسب ما تقتضيه الحكمة, فيكون من صفات الأفعال. وحظ العبد منه: أن يرى الله تعالى حقا, وما سواه باطلا في ذاته حقا بإيجاده واختراعه, وأن له حكمة ولطفا في كل ما يوجده, وإن خفي علينا كنهه. (الوكيل) القائم بأمور العباد, وبتحصيل ما يحتاجون إليه. وقيل: الموكول إليه تدبير البرية. وحظ العبد منه: أن يكل إليه, ويتوكل عليه, ويستكفي بالاستعانة به عن الاستمداد بغيره. (القوي المتين) القوي: يطلق على معان مترتبة, أقصاها القدرة التامة البالغة إلى

الكمال, والله تعالى قوي بهذا المعنى. والمتانة: شدة الشيء واستحكامه, وهو في الأصل مصدر متن: إذا قوي ظهره, ومرجعها إلى الوصف بكمال القدرة وشدتها. (الولي) المحب: الناصر, وقيل: معناه: متولي أمر الخلائق. وحظ العبد منه: أن يحب الله ويحب أوليائه, ويجتهد في نصره ونصر أوليائه وقهر أعدائه, ويسعى في ترويج حوائج الناس, ونظم مصالحهم, حتى يتشرب بهذا الاسم. (الحميد) المحمود المستحق للثناء, فإنه الموصوف بكل كمال, والمولي لكل نوال, {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} بلسان الحال, فهو الحميد المطلق. والعبد قد يستضيء بعكس هذا الاسم, إذا سعى قدر ما يقدر في تنقيح عقائده, وتهذب أخلاقه, وتحسين أعماله, ثم إنه بعد لم يخل من مذمة خلقية ومنقصة خلقية لا يستطيع التفصي عنها.

(المحصي) العالم الذي يحصي المعلومات, ويحيط بها إحاطة العاد بما يعده. وقيل: القادر الذي لا يشذ عنه شيء من المقدورات. وقد سبق الكلام في شرح الإحصاء أول الباب. والعبد وإن أمكنه إحصاء بعض المعلومات, والوصول إلى بعض ما يقدر عليه, لكنه يعجز عن إحصاء أكثرها. (المبدئ المعيد المحيي المميت) معاني هذه الأسماء بينة, واختصاصها بالله تعالى ظاهر. (الحي) ذو الحياة, وهو الفعال الدراك, وأختلف في معنى الحياة, فذهب أكثر أصحابنا والمعتزلة إلى أنه صفة حقيقية قائمة بذاته, لأجلها صح لذاته أن يعلم ويقدر. وذهب آخرون إلى أن معناها أنه لا يمتنع منه أن يعلم ويقدر هذا في حقه, وأما في حقنا فعبارة عن اعتدال المزاج المخصوص بجنس الحيوان, وقيل: هو القوة التابعة له, المعدة لقبول الحس والحركة الإرادية.

(القيوم) فيعول بني للمبالغة كالديور والديوم, ومعناه: القائم بنفسه المقيم لغيره, وهو على الإطلاق والعموم لا يصح إلا لله تعالى, فإن قوامه بذاته لا يتوقف بوجه ما على غيره, وقوام كل شيء به, إذ لا يتصور للأشياء وجود ودوام إلا بوجوده ووجوبه. وللعبد فيه مدخل بقدر استغنائه عما سوى الله وإمداده للناس, كأن مفهومه مركب, فهو من نعوت الجلال, وصفات الأفعال. (الواجد) هو الذي يجد كل ما يطلبه ويريده, ولا يعوزه شيء من ذلك. وقيل: الغني مأخوذ من الوجد, قال الله تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} [الطلاق: 6] ز (الماجد) بمعنى المجيد, إلا أن في المجيد مبالغة ليست في الماجد, وقد سبق الكلام فيه. (الواحد الأحد) أي: المتعالي عن التجزؤ والتثني, فإن الواحدة تطلق ويراد بها عدم التجزئة والانقسام, ويكثر إطلاق الواحد بهذا المعنى وقد يطلق

بإزاء التعدد والكثرة, ويكثر إطلاق الأحد بهذا المعنى, والله سبحانه وتعالى من حيث إنه منزه عن التركيب والمقادير لا يقبل التجزئة والانقسام واحد, ومن حيث إنه متعال أن يكون له ثل, فيتطرق إلى ذاته التعدد والاشتراك أحد. (الصمد) السيد سمي بذلك لأنه يصمد إليه في الحوائج, ويقصد إليه في الرغائب, ومن كان يقصده الناس فيما يعن لهم من مهام دينهم ودنياهم, فله حظ من هذا الوصف. (القادر المقتدر) معناها: ذو القدرة, إلا أن المقتدر أبلغ لما في البناء من معنى التكلف والاكتساب, فإن ذلك وإن امتنع في حقه تعالى حقيقة, لكنه يفيد المعنى مبالغة, ونظيره: سافرت وخادعت, لواحد, ومن حقها أن لا يوصف بهما مطلقا غير الله, فإنه القادر بالذات, والمقتدر على جميع الممكنات, وما عداه فإنما يقدر بإقداره على بعض الأشياء, وفي بعض الأحوال, فحقيق به أن لا يقال له: إنه قادر, إلا مقيدا أو على قصد التقييد. (المقدم المؤخر) هو الذي يقدم الأشياء بعضها على بعض, إما بالذات كتقديم البسائط على المركبات, أو بالوجود كتقديم الأسباب على مسبباتها, أو بالشرف والقرية كتقديم الأنبياء والصالحين من عباده على من عداهم, أو

بالمكان كتقديم الأجسام العلوية على السفلية, والصاعدات منها على الهابطات, أو بالزمان كتقديم الأطوار والقرون بعضها على بعض. (الأول الآخر) فإنه مبتدأ الوجود, ومنتهى السلوك, منه بدأ, وإليه يعود. (الظاهر الباطن) أي: الظاهر وجوده بآياته ودلالته المنبثة في أرضه وسمائه, إذ ما من ذرة في السماوات ولا في الأرض إلا وهي شاهدة باحتياجها إلى مدبر دبرها, ومقدر قدرها, والباطن بذاته, المحتجب عن نظر العقل بحجب كبريائه. (الوالي) هو الذي تولى الأمور, وملك الجمهور. (المتعالي) هو البالغ العلا, والمترفع عن النقائص. (البر) المحسن, وهو البر في الحقيقة, إذ ما من بر وإحسان إلا وهو موليه.

(التواب) الذي يرجع بالإنعام على كل مذنب حل عقد إصراره, ورجع إلى التزام الطاعة, بقبول توبته, من التوب وهو الرجوع. وقيل: هو الذي ييسر للمذنبين أسباب التوبة, ويوفقهم لها ويسوق إليهم ما ينبههم عن رقدة الغفلة, ويطلعهم على وخامة عواقب الزلة, فسمي المسبب للشيء باسم المباشر له, كما أسند إليه فعله في قولهم: بني الأمير المدينة. وحظ العبد منه: أن يكون واثقا بقبول التوبة, غير آيس عن الرحمة بكثرة ما اقترفه من الذنوب, صفاحا عن المجرمين, قابلا لمعاذيرهم, حتى يفوز بنصيب من هذا الوصف, ويصير مختلفا بهذا الخلق. (المنتقم) هو المعاقب للعصاة على مكروهات الأفعال, والانتقام: افتعال من: نقم الشيء: إذا كرهه غاية الكراهة, وهو لا يحمد من العبد إلا إذا كان انتقامه من أعداء الله, وأحق الأعداء بالانتقام نفسه, فينتقم منها مهما قارفت معصية, أو تركت طاعة, بأن يكلفها خلاف ما حملته عليه. (العفو) هو الذي يمحو السيئات, ويتجاوز عن العاصي, وهو أبلغ من الغفور, لأن الغفران, لأن الغفران ينبئ عن الستر, والعفو ينبئ عن المحو, وأصل

العفو: القصد لتناول الشيء, سمي به المحو, لأنه قصد لإزالة الممحو. وحظ العبد منه ظاهر. (الرؤوف) ذو الرأفة, وهي شدة الرحمة, فهو أبلغ من الرحيم بمرتبة, ومن الراحم بمرتبتين. (مالك الملك) هو الذي ينفذ مشيئته في ملكه, ويجري الأمور فيه على ما يشاء لا مرد لقضائه, ولا معقب لحكمه. (ذو الجلال والإكرام) هو الذي لا شرف ولا كمال إلا هو له, ولا كرامة ولا مكرمة إلا وهي منه. (المقسط) هو الذي ينتصف للمظلومين, ويدرأ بأس الظلمة عن المستضعفين, يقال: قسط: إذا جار, وأقسط: إذا عدل وأزال الجور. (الجامع) هو المؤلف بين أشتات الحقائق المختلفة والمتضادة, متزاوجة زممتزجة في الأنفس والآفاق, فمن جمع بين العلم والعمل, ولفق

الكمالات النفسانية بالآداب الجسمانية, فله حظ من ذلك. (الغني) هو الذي يستغني عن كل شيء لا يحتاج إليه في ذاته, ولا في شيء من صفاته, لأنه الواجب من جميع جهاته. (المغني) هو الذي وفر على كل شيء ما يحتاج إليه, حسبما اقتضته حكمته, وسبقت به كلمته, فأغناه من فضله. والعبد إذا قطع الطمع عما في أيدي الناس, وأعرض عن السؤال عنهم, والتوقع منهم رأسا بحيث لم يبق له حاجة إلا إلى الله, وسعى في سد خلة المحتاجين, فاز بحظ وافر من هذين الاسمين, مع أنهما على الإطلاق لا يصدقان إلا على الله تعالى. (المانع) هو الذي يدفع أسباب الهلاك والنقصان في الأبدان والأديان, ولما كان المنع من مقدمات الحفظ – أعني منع ما يفضي إلى الفساد ويؤدي إلى الهلاك – فكونه مانعا من مقدمات كونه حفيظا. (الضار النافع) هو الذي يصدر عنه النفع والضر, فلا خير ولا شر, ولا نفع ولا ضر, إلا وهو صادر عنه, منسوب إليه, إما بوسط أو غير وسط.

(النور) هو الظاهر بنفسه, المظهر لغيره, ولا شك في أن الوجود إذا قوبل بالعدم كان الظهور للوجود, والخفاء للعدم, ولما كان الباري تعالى موجودا بذاته, مبرأ عن ظلمه العدم وغمكان طروه, وكان وجود سائر الأشياء فائضا عن وجوده, صح إطلاق لفظ النور عليه. (الهادي) هو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى, والذي هدى خاصة عباده إلى معرفة ذاته, فاطلعوا بها على معرفة مصنوعاته, وهدى عامة خلقه إلى مخلوقاته, حتى استشهدوا بها على معرفة ذاته وصفاته. والمحظوظ من هذا الاسم من الناس: من أرشد الخلق إلى الحق القوم, وهداهم إلى الطريق المستقيم, وهم الأنبياء, ثم العلماء الوارثون لهم. (البديع) المبدع: وهو الذي أتى بما لم يسبق إليه, وقيل: هو الذي لم يعهد مثله, والله سبحانه هو البديع مطلقا بالمعنيين, أما الأول فظاهر وأما الثاني, فلأنه لا مثل له في ذاته, ولا نظير له في صفاته وأفعاله, ومرجعه بالمعنى الأول إلى صفات الأفعال, وبالمعنى الثاني إلى صفات التنزيه.

(الباقي) الدائم الوجود الذي لا يقبل الفناء, واختلف العلماء في أن البقاء: هل هو صفة حقيقية زائدة على الذات, أو اعتبار عارض له؟ والحق هو الثاني, وتحقيق القول فيه مذكور في كتبنا الكلامية. (الوارث) الباقي بعد فناء العباد, فترجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك. (الرشيد) الذي ينساق تدبيره إلى غاياتها على سنن السداد من غير استشارة وإرشاد, وقيل: هو المرشد, فعيل بمعنى مفعل, كالأليم والوجيع, والرشيد من العباد من هدى إلى التدابير الصائبة فيما يعن له من مقاصد الدين والدنيا. (الصبور) هو الذي لا يستعجل في مؤاخذة العصاة ومعاقبة المذنبين, وقيل: هو الذي لا تحمله العجلة على المسارعة إلى الفعل قبل أوانه, وهو أعم من الأول, والفرق بينه وبين الحليم: أن الصبور يشعر بأنه يعاقب بالآخرة, بخلاف الحليم. وأصل الصبر: حبس النفس عن المراد, فاستعير لمطلق التأني في الفعل. والعبد إذا حبس نفسه عما تدعوا إليه القوى, وصبر على مضض

باب ثواب التسبيح والتحميد والتهليل

الطاعات, وترك الشهوات, فاز بالحظ الأوفى من هذا الاسم. ... 4 - باب ثواب التسبيح والتحميد والتهليل من الصحاح: 463 - 1639 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفضل الكلام أربع: سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر ". وفي رواية: " أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله , والله أكبر, لا يضرك بأيهن بدأت ". (باب ثواب التسبيح) (من الصحاح): " عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله [صلى الله] عليه وسلم: أفضل الكلام أربع: سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر ". الظاهر أن المراد من " الكلام ": كلام البشر, فإن الثلاث الأول وإن وجدت في القرآن, لكن الرابعة لم توجد فيه, ولا يفضل ما ليس فيه على ما هو فيه.

ولأنه روي أنه عليه السلام قال: " أفضل الذكر بعد كتاب الله, سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر ". وقيل: ما يعم القبيلتين, والرابعة وإن لم توجد في القرآن على هذه الصيغة, إلا أن فيه ما يفيد فائدتها. والموجب لفضلها اشتمالها على جملة أنواع الذكر من التنزيه والتحميد والتوحيد والتمجيد, ودلالتها على جميع الطالب الإلهية إجمالا. وهذا النظم وإن لم يتوقف عليه المقصود, لاستقلال كل واحدة من الجمل الأربع, ولذلك جاء في بعض رواياته: " لا يضرك بأيهن بدأت = لكنه حقيق بأن يراعى, لأن الناظر المتدرج في المعارف يعرفه سبحانه أولا بنعوت الجلال الذي هي تنزيه ذاته عما يوجب حاجة أو نقصا, ثم بصفات الإكرام وهي الصفات الثبوتية التي بها يستحق الحمد, ثم يعلم أن من هذا شأنه لا يماثله غيره, ولا يستحق الألوهية سواه, فينكشف له من ذلك: {كل شيء هالك إلا وجهه له الحمد الحكم وإليه ترجعون} [القصص: 88]. ... 464 - 1646 - وعن جويرية: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها

بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها, ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال: " ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ " قالت: نعم, قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات, لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه, ورضا نفسه, وزنة عرشه, ومداد كلماته ". " وفي حديث جويرية بنت الحارث: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلت بعدك أربع كلمات " الحديث. أي: لو قوبلت تلك الكلمات بما قلت لترجحت وزادت عليه في الأجر والثواب. يقال: وازنه فوزنه,:إذا غلب عليه وزاد في الوزن, كما يقال: حاججته فحججته, قامرته فقمرته. وقوله: " سبحان الله وبحمده " بيان قوله: " أربع كلمات " ولعله عد " سبحان الله وبحمده عدد خلقه " كلمة واحدة, لأنها جملة واحدة والبواقي ثلاثا, لأن كل واحدة منها من حيث إن العامل فيها على تقدير التكرير نظيرها, و" عدد خلقه " نصب على المصدر, وكذلك البواقي, فالمعنى: أسبحه تسبيحا يساوي عدد خلقه عند التعداد, وزنة عرشه في المقدار, ويوجب رضا نفسه, أو يكون ما يرتضيه لنفسه, ويمد مداد كلماته, وهو مصدر: مددت الشيء أمده مدا ومدادا.

وقيل: يمد به, أي: يكثر ويزاد, والمراد: وقدر كلماته ومثلها في الكثرة. ... 465 - 1648 - وقال:" لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم كنز من كنوز الجنة ". " وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة ". (الحول): الحركة, يقال: حال الشخص: إذا تحرك, و (القوة): الاستطاعة, أي: لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله تعالى وأقداره. والمراد: أن هذا الذكر يدخر لقائله من الأجر والثواب ما يقع له في الجنة موقع الكنز في الدنيا لكانز في الاستظهار والاستعانة به على طلب الحوائج وتحصيل المطالب. ... من الحسان: 466 - 1652 - وقال: " الحمد لله رأس الشكر, ما شكرالله عبد لا يحمده ".

(من الحسان): " عن ابن عمر: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: الحمد رأس الشكر, ما شكر الله عبد لا يحمده ". " الحمد ": هو الثناء والنداء على الجميل الاختياري من نعمة أو غيرها, و" الشكر ": مقابلة النعمة قولا وعملا واعتقادا, كما الشاعر: أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجبا والحمد من حيث إنه باللسان خاصة إحدى شعب الشكر, وهو لما كان أشبع للنعمة وأدل على مكانها, لخفاء الاعتقاد, وما في أعمال الجوارح من الاحتمال, جعل رأس الشكر, وأصله والعمدة فيه, حتى انعكس عليه, فلم يعتد بغيره من الشعب عند فقده, وكان التارك له كالمعرض عن الشكر رأسا. ... 467 1654 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وقال موسى: يا رب, علمني شيئا أذكرك به, قال قل: لا إله إلا الله, لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري, والأرضين السبع وضعن في كفة, ولا إله إلا الله في كفة لمالت بهن لا إله إلا الله ". " وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وقال موسى

يا رب علمني شيئا أذكرك به " الحديث. (عامر الشيء): حافظه ومدبره وممسكه عن الخلل والانحلال, ومن ذلك سمي الساكن والمقيم في البلد: عامره. يقال: عمرت المكان: إذا أقمت فيه, وسمي زوار البيت عمارا. وفي الحديث على المعنى الأعم الذي هو الأصل والحقيقة, ليصح استثناؤه سبحانه عنه, فإنه العامر لها أولا وبالحقيقة, كما قال الله تعالى: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا} [فاطر: 41]. والمراد: أن مفهوم هذه الكلمة لو وزنت بالسماوات والملائكة القاطنين فيها والموكلين عليها, والأرضين السبع, لترجحت. كيف لا وجميع ما سواه في حد نفسه وبالنظر إلى وجوده تعالى كالمعدوم الفاني, كما قال تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص: 88] , والمعدوم لا يوازن الثابت الموجود؟!!. ... 468 - 1658 - وقال: " التسبيح نصف الميزان والحمد لله يملؤه, ولا إله إلا الله ليس لها حجاب دون الله حتى تخلص إليه " غريب. " عن ابن عمر: أنه - عليه السلام - قال: التسبيح نصف الميزان, والحمد لله يملؤه ".

باب الاستغفار والتوبة

أي: التسبيح يفعم نصف الميزان, أو يأخذ نصف كفة الحسنات, والحمد يملؤه بأن يأخذ النصف الآخر ويفعمه, وذلك لأن الأذكار التي هي أم العبادات البدنية والغرض الأصلي من شرعها تنحصر في نوعين: التنزيه والتحميد, والتسبيح يستوعب القسم الأول, والتحميد يتضمن القسم الثاني. وقيل: المراد تفضيل التحميد على التسبيح, وأن ثوابه ضعف ثواب التسبيح, فإنه وحده يملأ الميزان, وذلك لأن الحمد المطلق إنما يستحقه من كان مبرأ عن النقائص, منعوتا بنعوت الجلال, وصفات الكمال, فيكون التحميد شاملا للأمرين, ودالا على القسمين. ... 5 - باب الاستغفار والتوبة من الصحاح: 469 - 1663 - وقال " إنه ليغان على قلبي, وإني أستغفر الله في اليوم مائة مرة "

(باب الاستغفار والتوبة) (من الصحاح): " عن الأغر بن يسار المزني: أنه عليه الصلاة والسلام قال: إنه ليغان على قلبي, وإني لأستغفر في اليوم مئة مرة ". أي: يطبق على قلبي إطباق الغين وهو الغيم, يقال: غينت السماء تغان, والجار والمجرور في محل الرفع لإسناد الفعل إليه, والمعنى: إنه ليغشى على قلبي ما لا يخلو البشر عنه من سهو أو التفات إلى حظوظ النفس من مأكول ومنكوح ونحو ذلك, فإنه يكون كحجاب وغيم يطبق على قلبه, فيحول بينه وبين الملأ الأعلى حيلولة تصده عن تلقي الوحي, ومشاهدة جناب القدس, حسبما كان له في سائر أوقاته التي أشار إليها بقوله: " لي مع الله وقت " فيستغفر الله تصفية وتجلية للقلب, وإزاحة للغاشية, وكشفا للحجاب العارض. وهو وإن لم يكن ذنبا, لكنه – من حيث إنه بالنسبة إلى سائر أحواله نقص وهبوط إلى حضيض البشرية, والتفات إلى عالم الزور – يشبه الذنب, فيناسب الاستغفار. ***

470 - 1665 – وقال فيما يوري عن الله تعالى أنه قال: " يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي, وجعلته بينكم محرما, فلا تظالموا, يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته, فاستهدوني أهدكم, يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته, فاستطعموني أطعمكم, يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته, فاستكسوني أكسكم, يا عبادي! إنكم تخطؤن بالليل والنهار, وأنا أغفر الذنوب جميعا, فاستغفروني أغفر لكم, يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني, ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني, يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا, يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا, يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد, فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته, ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر, يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم, ثم أوفيكم إياها, فمن وجد خيرا فليحمد الله, ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه, رواه أبو ذر, وكان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه. " وفي الحديث الذي يروى عن الله تبارك وتعالى: يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم, وإنسكم وجنكم, كانوا على أتقى قلب رجل واحد

منكم, ما زاد ذلك في ملكي شيئا. الخطاب مع الثقلين خاصة, لاختصاص التكليف, وتعاقب التقوى والفجور بهم, ولذلك فصل المخاطبين بالإنس والجن, ويحتمل أن يكون عاما شاملا لذوي العلم كلهم من الملائكة والثقلين, ويكون ذكر الملائكة مطويا مدرجا في قوله: " وجنكم " لشمول الإحسان لهم, وتوجه هذا الخطاب نحوهم لا يتوقف على صدور الفجور منهم, ولا على إمكانه, لأنه كلام صادر على سبيل الفرض والتقدير. وقوله: " كانوا على أتقى قلب رجل " تقديره: على تقوى أتقى, أو: على أتقى أحوال رجل. وفيه: " لو أن أولكم وآخركم, وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ". (الصعيد): وجه الأرض, والمراد بقوله: " في صعيد واحد ": في مقام واحد, قيد السؤال بالاجتماع, لأن تزاحم السؤال وازدحامهم مما يدهش المسؤول عنه ويبهته, ويعسر عليه إنجاح مآربهم, والإسعاف إلى مطالبهم. و" المخيط " بكسر الميم وسكون الخاء: الإبرة, وغمسها في البحر وإن لم يخل عن نقص ما, لكنه لما [لم] يظهر ما ينقصه للحس, ولم يعتد به العقل, وكان أقرب المحسوسات نظيرا ومثالا, شبه به صرف

ملتمسات السائلين مما عنده, فإنه لا يغيضه مثل ذلك, ولا أقل منه. وفيه: " إنما هي أعمالكم أحصيها لكم, ثم أوفيكم إياها ". أي: هي جزاء أعمالكم, فأحفظها عليكم, ثم أؤديها إليكم تاما وافيا, إن خيرا فخير وغن شرا فشر. ... 470 /م – 1666 – وقال: " كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا, ثم خرج يسأل, فأتى راهبا فسأله, فقال له: ألي توبة؟ قال: لا فقتله, وجعل يسأل, فقال له رجل: ائت قرية كذا وكذا فإن فيها قوما صالحين, فأدركه الموت في الطريق, فنأى بصدره نحوها, فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب, فأوحى الله إلى هذه: أن تقربي, وإلى هذه: أن تباعدي, وقال: قيسوا ما بينهما, فوجد إلى هذه أقرب بشبر, فغفر له ". وفي الحديث الثاني:" فأدركه الموت فناء بصدره نحوها ". أي: منعه الموت عن الوصول إلى القرية التي كان يقصدها, وحال بينه وبينها, وأصل النوء: النهوض بكد ومشقة, وكأن الموت نهض بصدره وصده عن الحركة نحو المتوجهة إليه. ... 471 – 1671 – وقال: " لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان معه راحلته بأرض فلاة, فانفلتت منه, وعلها طعامه وشرابه, فأيس منها, فأتى شجرة, فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده, فأخذ بخطامها, ثم قال

من شدة الفرح: " اللهم أنت عبدي, وأنا ربك, فأخطأ من شدة الفرح ". " وقال – عليه الصلاة والسلام -: لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان [معه] راحلته بأرض فلاة, فانفلتت منه, وعليه طعامه وشرابه " الحديث أي: تقع التوبة من الله تعالى في القبول والرضا به موقعا يقع في مثله ما يوجب فرط الفرح ممن يتصور في حقه ذلك. (الفلاة): المفازة. " فانفلتت " أي: ذهبت. ... 472 – 1672 – وقال: " إن عبدا أذنب ذنبا, فقال: رب, أذنبت ذنبا, فاغفره, فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي, ثم مكث ما شاء الله, ثم أذنب ذنبا, فقال: رب أذنبت ذنبا آخر, فاغفره لي, فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب, ويأخذ به؟ قد غفرت لعبدي, ثم مكث ما شاء الله, ثم أذنب ذنبا, فقال: رب أذنبت ذنبا آخر, فاغفره لي, فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب, ويأخذ به؟ غفرت لعبدي فليعمل ما شاء ". " وفي حديث أبي هريرة: ثم أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت ذنبا آخر فاغفر لي " الحديث. الهمزة في " أعلم " للتقرير, والمعنى: أنه لما علم بي, وتيقن أني غافر للذنب, وقابل للتوب, شديد العقاب, ذو الطول, وندم على

ما فعل, فاستغفر عنه وتاب, قبلت توبته, وغفرت له ذنوبه. وقوله: " فليعمل ما شاء " ليس المراد منه الحث على ما شاء من المعاصي والإذن فيه, فإنه كما يطلق للإباحة والتخيير يطلق للتهديد, كقوله تعالى: {اعملوا ما شئتم} [فصلت: 40] والتلطف وإظهار العناية والشفقة, كما تقول لمن تراقبه وتتقرب إليه وهو يتباعد عنك ويقصر في حقك: افعل ما شئت, فلست أعرض عنك ولا أرك ودادك. وهو في الحديث بهذا المعنى: أي: إن فعلت أضعاف ما كنت تفعل واستغفرت عنها غفرت لك, فإني أغفر الذنوب جميعا ما دمت تائبا عنها مستغفرا إياها. ... من الحسان: 473 – 1675 – قال: " قال الله تعالى: يا ابن آدم, إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك, ولا أبالي, يا ابن آدم, لو بلغت ذنوبك عنان السماء, ثم استغفرتني غفرت لك, ولا أبالي, يا ابن آدم, إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا, ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ". غريب. (من الحسان): " في الحديث الذي يرويه عن الله عز وجل: يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك

عنان السماء ثم استغفرني غفرت لك ". (العنان): السحاب, الواحدة: عنانة, من عن: إذا اعترض وأضافه إلى السماء لأنه معترض دونها. وقد يقال: عنان السماء بمعنى: أعنان السماء, وهي صفائحها وما اعترض من أقطارها, ولعله المراد من الحديث, إذ روي: " أعنان السماء ". والمعنى: أنه لو كثرت ذنوبك كثرة تملأ ما بين السماء والأرض بحيث تبلغ أقطارها وتعم نواحيها, ثم استغفرني, غفرت لك جميعها غير مبال بكثرتها, فإن استدعاء الاستغفار للمغفرة يستوي فيه القليل والكثير, والجليل والحقير. ... 474 – 1680 – وقال: " إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه, فإن تاب, واستغفر صقل قلبه, وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه, فذلكم الران الذي ذكر الله تعالى: " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} صحيح. " عن أبي هريرة: أنه – عليه السلام – قال: إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه " الحديث.

المعنى الأول في التكليف بالأعمال الظاهرة والأمر بمحاسنها والنهي عن مقابحها ما تستكسب النفس منها من الملكات الفاضلة والهيئات الذميمة, فمن أذنب ذنبا أثر ذلك في نفسه, وأورث لها كدورة ما, فإن تحقق قبحه وتاب عنه زال الأثر, وصارت النفس مصقولة صافية, وإن انهمك فيه وأصر عليه زاد الأثر, ونشأ في النفس, واستعلى عليها, وصار من أهل الطبع. وقوله: " فذلكم الران " أي: فذلك الأثر المستعلي ما أخبر الله وعبر عنه بقوله: {ران على قلبوهم} [المطففين: 14] أي: غلب واستولى على قلوبهم ما كانوا يكسبون من الذنوب, أدخل حرف التعريف على الفعل لما قصد به حكاية اللفظ, وأجراه مجرى الاسم من حيث إنه يصح الإخبار عنه بهذا الاعتبار, وشبه تأثر النفس باقتراف الذنوب بالنكتة السوداء من حيث إنهما يضادان الجلاء والصفاء, وأنث الضمير الذي في " كانت " الراجع إلى ما دل عليه " أذنب " لتأنيثهما. ... 475 – 1681 – وقال: " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ". " وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه عليه الصلاة والسلام قال: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ".

(الغرغرة): تردد الشيء في الحلق, وتستعمل في تردد الروح فيه, وهو المراد, والمعنى: أن توبة المذنب مقبولة ما لم يحضره الموت, فإذا احتضر لم تنفعه, كما قال تعالى: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} [النساء: 18] , وذلك لأن من شرط التوبة العزم على ترك الذنب المتوب عنه, وعدم المعاودة عليه, وذلك إنما يتحقق مع تمكن التائب منه, وبقاء أوان الاختبار. ... 476 – 1683 – وقال: " إن الله تعالى جعل بالمغرب بابا عرضه مسيرة سبعين عاما للتوبة, لا يغلق ما لم تطلع الشمس من قبله, وذلك قوله تعالى: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل} ". " وعن أبي هريرة: أنه عليه الصلاة والسلام قال: إن الله جعل بالمغرب بابا عرضه مسيرة سبعين عاما " الحديث. المعنى: إن باب التوبة مفتوح على الناس, وهم في فسحة وسعة عنها ما لم تطلع الشمس من مغربها, فإذا طلعت انسد عليهم فلم يقبل منهم إيمان ولا توبة, لأنهم إذا عاينوا ذلك اضطروا إلى الإيمان

والتوبة, فلا ينفعهم ذلك كما لا ينفع المختصر. ولعله لما رأى كأن سد الباب إنما هو من قبل المغرب, جعل فتح الباب أيضا من ذلك الجانب. وقوله: " مسيرة سبعين عاما ": مبالغة في التوسعة, أو تقدير لعرض الباب بمقدار ما يسده من جزم الشمس الطالع من المغرب. ... 477 – 1687 – عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إلا اللمم}: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما " وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {إلا اللمم} [النجم: 32]: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما الشعر لأمية بن أبي الصلت, أنشده الرسول صلوات الله عليه. وقوله تعالى: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له} [يس: 69] ينفي إنشاء الشعر لا إنشاده, لأنه رد لقولهم: {هو شاعر} [الأنبياء: 5]. و" اللمم " في الأصل: الشيء القليل, وفي الآية: الذنب الذي يأتيه الإنسان ولا يعتاده.

وقوله: " لا ألما " أي: لم يلم بمعصية. ... 478 – 1688 – عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله تعالى: يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته, فسلوني الهدى أهدكم, وكلكم فقراء إلا من أغنيت, فسلوني الرزق أرزقكم, وكلكم مذنب إلا من عافيت, فمن علم منكم أني ذو قدرة على المغفرة فاستغفرني غفرت له, ولا أبالي, ولو أن أولكم وآخركم, وحيكم وميتكم, ورطبكم ويابسكم, اجتمعوا على أتقى قلب عبد من عبادي ما زاد ذلك في ملكي جناح بعوضة, ولو أن أولكم وآخركم, وحيكم وميتكم, ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على أشقى قلب عبد من عبادي ما نقص ذلك من ملكي جناح بعوضة, ولو أن أولكم وآخركم, وجنكم وإنسكم, ورطبكم ويابسكم اجتمعوا في صعيد واحد, فسأل كل سائل منكم ما بلغت أمنيته, فأعطيت كل سائل منكم مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما لو أن أحدكم مر بالبحر, فغمس فيه إبرة فرفعها, ذلك بأني جواد ماجد, أفعل ما أريد, عطائي كلام, وعذابي كلام, إنما أمري لشيء إذا أردت أن أقول له: كن, فيكون ". " وفي آخر حديث أبي ذر: عطائي كلام وعذابي كلام, إنما أمري لشيء إذا أردت أن أقول له: كن فيكون ".

فصل

أي: ما أريد إيصاله إلى العبد من عطاء أو عذاب لا أفتقر إلى كد ومزاولة عمل, بل يكفي لحصوله ووصوله تعلق الإرادة به, شبه الإرادة بحصول الشيء, وحصوله عقيب الإرادة حسبما يقضيه من غير تأخر وتخلف بتوجيه الأمر نحوه, وابتداره إلى الامتثال عقيبه. ... فصل من الصحاح: 479 - 1692 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما قضى الله الخلق كتب كتابا فهو عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي ". وفي رواية: " غلبت غضبي ". (فصل) (من الصحاح): " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما قضى الله الخلق كتب كتابا فهو عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي ". (القضاء): فصل الأمر, سواء كان بقول أو فعل, والمراد به هاهنا الخلق, كما قال تعالى: {فقضاهن} [فصلت: 12] , أي: لما خلق الله الخلق حكم حكما جازما, ووعد وعدا لازما لا خلف فيه:

بـ" إن رحمتي سبقت غضبي " شبه حكمه الجازم الذي لا يعتريه نسخ ولا يتطرق إليه تغير بحكم الحاكم إذا قضى أمرا وأراد إحكامه, عقد عليه سجلا, وحفظ عنده, ليكون ذلك حجة باقية محفوظة عن التبديل والتحريف. وقوله: " فوق العرش ": تنبيه على تعظيم الأمر وجلالة القدر, فإن اللوح المحفوظ تحت العرش, والكتاب المشتمل على هذا الحكم فوق العرش, ولعل السبب في ذلك - والعلم عند الله تعالى -: أن ما تحت العرش عالم الأسباب والمسببات, واللوح يشتمل على تفاصيل ذلك, وقضية هذا العالم - وهو عالم العدل, وإليه أشار بقوله: " بالعدل قامت السماوات والأرض " - إثابة المطيع, وعقاب العاصي, حسبما يقتضيه العمل من خير أو شر, وذلك يستدعي غلبة الغضب على الرحمة, لكثرة موجبه ومقتضيه, كما قال تعالى: {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة} [فاطر: 45] , فتكون سعة الرحمة وشمولها على البرية, وقبول إنابة التائب, والعفو عن المشتغل بذنبه المنهمك فيه, كما قال تعالى: {وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم} [الآية الرعد: 6] = أمرا خارجا عنه, مترقيا منه إلى عالم الفضل الذي هو فوق العرش. وفي أمثال هذا الحديث أسرار إفشاؤها بدعة, فكن من الواصلين إلي العين دون السامعين للخير. ***

480 - 1696 - وقال: " قال رجل لم يعمل خيرا قط لأهله, وفي رواية: أسرف رجل على نفسه, فلما حضره الموت أوصى بنيه: إذا مات, فحرقوه, ثم اذروا نصفه في البر, ونصفه في البحر, فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين, فلما مات فعلوا ما أمرهم, فأمر الله البحر, فجمع ما فيه, وأمرالبر, فجمع ما فيه, ثم قال له: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب, وأنت أعلم فغفر له " " وعنه عليه السلام: قال رجل لم يعمل خيرا قط لأهله " الحديث. المشكل فيه قوله: " فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين ", فإنه يحتمل أن يكون من قول رسول الله صلوات الله عليه, ويكون معناه: أنه تعالى لو وجده على ما كان عليه, ولم يفعل به ما فعل فترحم عليه بسببه ورفع عنه أعباء ذنبه, لعذبه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين. أو: لو ضيق عليه وناقشه في الحساب لعذبه أشد العذاب, من القدر وهو التضييق, قال الله تعالى: {ومن قدر عليه رزقه} [الطلاق: 7] , أي: ضيق. ويحتمل أن يكون من تتمة كلام الموصي, حكاه على غير لفظه, فيحتمل تأويلا آخر, وهو أن الرجل قد دهش من هول المطلع, فصار

مبهوتا مسلوب العقل مختل الكلام, فجرى ذلك على لسانه من غير عقيدة. ... 481 - 1697 - وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي, فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسعى, إذا وجدت صبيا في السبي أخذته, فألصقته ببطنها, وأرضعته, فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: " أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ " قلنا: لا وهي تقدر على أن لا تطرحه, قال: " لله أرحم بعباده من هذه بولدها ". " وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بسبي, فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها " الحديث. " السبي ": ما يسبي من العدو من نساء وصبيان. و" قد تحلب ثديها " أي: سال, " تسقي " أي: ترضع الطفل, وروي: " تسعى " أي: تعدو في طلب الولد, " إذا وجدت صبيا ", أي: صبيا لها, [أ] وأي صبي كان, فإنها إذا كانت حنونة عطوفة على ولد غير [ها] كانت أحن على ولدها, " وهي تقدر على أن لا تطرحه " أي: لا تكون طارحة حال قدرتها على أن لا تطرح. ... 482 - 1698 - وقال: " لن ينجي أحدا منكم عمله! " قالوا:

ولا أنت يا رسول الله؟ قال: " ولا أنا, إلا أن يتغمدني الله منه برحمته, فسددوا, وقاربوا, واغدوا وروحوا, وشيئا من الدلجة, والقصد القصد تبلغوا ". " عن أبي هريرة: أنه - عليه السلام - قال: لن ينجي أحدا منكم عمله " الحديث. المراد: بيان أن النجاة من العذاب والفوز بالثواب بفضل الله ورحمته, والعمل غير مؤثر فيهما على سبيل الإيجاب والاقتضاء, بل غايته أنه يعد العامل لأن يتفضل عليه, ويقرب إليه الرحمة, كما قال تعالى: {إن رحمت الله قريب من المحسنين} [الأعراف: 56] , وقوله: " إلا أن يتغمدني الله ": إلا أن يحفظني برحمته كما يحفظ السيف في غمده, ويجعل رحمته محيطة بي إحاطة الغلاف بما يحفظ فيه. " فسددوا ": بالغوا في التصويب والاستداد في الصراط المستقيم, " وقاربوا ": اقربوا إلى الله بكثرة القربات, والمواظبة على الطاعات, أو: اقتصدوا في الأمور, وتجنبوا عن طرفي الإفراط والتفريط, فلا ترهبوا فتشأم نفوسكم ويختل معاشكم, ولا تنهمكوا في أمر الدنيا فتعرضوا عن الطاعة رأسا, واعبدوه طرفي النهار وزلفا من الليل شبه العبادة في هذا الأوقات من حيث إنها توجه إلى مقصد

وسعي للوصول إليه بالسلوك والسير وقطع المسافة في هذه الأوقات. " والقصد القصد " منصوب على الإغراء, أي: الزموا القصد, والتمسوا الطريق المستقيم, ولا تنحرفوا عنه, لما بني أول الكلام على أن العمل لا ينجي ولا يوجب الخلاص, لئلا يتكلوا على أعمالهم, قفاه بالحث على الأعمال, والأمر بالمواظبة على وظائف الطاعات, والاقتصاد في الأمور, لئلا يتوهموا أن العمل ملغي, وجوده وعدمه سواء, فإنه أقرب إلى النجاة, وأدعى إلى الخلاص. ... 483 - 1700 - وقال: " إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها, وكان بعد القصاص: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف, والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها ". " وعنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أسلم العبد فحسن إسلامه, يكفر الله عنه كل سيئة " الحديث. " حسن إسلامه ": خلص, " كل سيئة كان زلفها " أي: قدمها, من الزلف, وهو التقدم, يقال: زلف وتزلف وازدلف: إذا تقدم, وزلفه تزليفا: قدمه, وقيل: جمعها واكتسبها. " وكان بعد القصاص " أي: كان بعد الإسلام المقاصة والمجازاة, من القصص وهو التتبع للأثر, وسمي القود قصاصا, لأنه مجازاة الجاني بمثل فعله.

وقوله: " الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف, والسيئة بمثلها ": تفضيل له. وقوله: " إلا أن يتجاوز الله عنها " بقبول التوبة, والعفو عن الجريمة. ... من الحسان: 484 - 1704 - عن عامر الرام أنه قال: بينا نحن عنده - يعني: عند رسول الله صلى الله عليه وسلم - إذ أقبل رجل عليه كساء وفي يده شيء قد أتلف عليه, فقال: يا رسول الله! , مررت بغيضة شجر, فسمعت فيها أصوات فراخ طائر, فأخذتهن, فوضعهن في كسائي, فجاءت أمهن, فاستدارت على رأسي, فكشفت لها عنهن, فوقعت عليهن, فلفقتهن بكسائي, فهن أولاء معي, فقال: " ضعهن ", فوضعهن, وأبت أمهن إلا لزومهن, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتعجبون لرحم أم الأفراخ فراخها؟ فوالذي بعثني بالحق لله أرحم بعباده من أم الأفراخ بفراخها, ارجع بهن حتى تضعهن من حيث أخذتهن, وأمهن معهن, فرجع بهن ". (من الحسان): " عن عامر الرام قال: بينا نحن عنده, يعني: عند النبي صلى الله عليه وسلم, الحديث. " التفت عليه ": تلفف عليه بكساء أو نحوه, و" الغيضة ": الأجمة,

باب ما يقول عند الصباح والمساء والمنام

وهي مغيض ماء تجتمع فيه الشجر, والجمع: غياض وأغياض, و (الفرخ): ولد الطير, والجمع: فراخ وأفراخ, و (الرحم والرحم) كالعسر والعسر مصدر بمعنى الرحمة, والله أعلم. ... 6 - باب ما يقول عند الصباح والمساء والمنام من الصحاح: 485 - 1707 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أوى أحدكم إلى فراشه, فلينفض فراشه بداخله إزاره, فإنه لا يدري ما خلفه عليه, ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي, وبك أرفعه, إن أمسكت نفسي فارحمها, وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " وفي رواية: " ثم ليضطجع على شقه الأيمن, ثم ليقل: باسمك ". وفي رواية: " فلينفضه بصنفة ثوبه ثلاث مرات, وليقل: إن أمسكت نفسي فاغفر لها ". (باب ما يقول عند الصباح والمساء والمنام) (من الصحاح): " عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه عليه السلام قال: إذا أوى أحدكم إلى

فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره, فإنه لا يدري ما خلفه عليه ". (داخلة الإزار): الحاشية التي تلي الجسد وتمامه, وإنما أمر بالنفض بها لأن المتحول إلى فراشه يحل بيمينه خارجة الإزار, وتبقى الداخلة معلقة فينفض بها. ... 486 – 1708 – عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن, ثم قال: " اللهم أسلمت نفسي إليك, ووجهت وجهي إليك, وفوضت أمري إليك, وألجأت ظهري إليك, رغبة ورهبة إليك, لا ملجأ, ولا منجا منك إلا إليك, آمنت بكتابك الذي أنزلت, وبنيبيك الذي أرسلت, وقال رسول الل صلى الله عليه وسلم:" من قالهن, ثم مات تحت ليلته مات على الفطرة ". وفي رواية: قال رسول الله لرجل: " إذا أويت إلى فراشك فتوضأ وضوءك للصلاة, ثم اضطجع على شقك الأيمن, ثم قل: اللهم أسلمت نفسي إليك – بهذا – وقال: " فإن مت من ليلتك مت على الفطرة, وإن أصبحت أصبت خيرا ". " وعن البراء بن عازب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن, ثم قال: اللهم " الحديث. " أوى إلى فراشه ": انقلب إليه ليستريح, " نام على شقه الأيمن ",

لأن التيمن في جميع الأمور محبوب, ولأن المباحث الطبية دلت على أن أفضل هيئات النوم وأنفعها أن يبتدئ على اليمين, ثم ينقلب إلى اليسار. " وألجأت ظهري إليك ": أسندته إليك, كأنه اضطر ظهره إلى ذلك لما علم أن لا سند سواه. " رغبة ورهبة ": مفعول لهما, والعامل فيهما: (ألجأت) , أو ما دل عليه الأفعال المعدودة, كأنه قال: فعلت ذلك رغبة ورهبة. " إليك " صلة (رغبة) , وأما صلة (رهبة) فمحذوفة, وقيل: إنها متعلقة بمحذوف تقديره: متوجها بهما إليك. ... من الحسان: 487 – 1715 – وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح: " اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة, اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي, اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي, وعن يميني وعن شمالي, ومن فوقي, اللهم استر عوراتي, وآمن روعاتي, اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي, وعن يميني وعن

شمالي, ومن فوقي, وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي " يعني: الخسف. (من الحسان): " في حديث ابن عمر: اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي, وعن يميني وعن شمالي, ومن فوقي, وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي ". ما يلحق الإنسان من نكبة وفتنة فإنما يحيق به ويصل إليه من إحدى هذه الجهات, فلذلك سأل أن يحفظ من جميع جهاته. " وأعوذ بعظتمك أن أغتال من تحتي " أي: أهلك بالخسف, و (الاغتيال): الأخذ بغتة, وأصله: الاحتيال, والغائلة: الحيلة. ... 488 – 1725 – وعن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند مضجعه: " اللهم إني أعوذ بك بوجهك الكريم, وكلماتك التامات من شر ما أنت آخذ بناصيته, اللهم أنت تكشف المغرم والمأثم, اللهم أنت الذي لا يهزم جندك, ولا يخلف وعدك, ولا ينفع ذا الجد منك الجد, سبحانك وبحمدك ". " وعن علي رضي الله عنه: أن رسول الله كان يقول عند مضجعه: اللهم

إني أعوذ بوجهك الكريم, وكلماتك التامات " الحديث. (وجه الله) مجاز عن ذاته, تقول العرب: أكرم الله وجهك, بمعنى: أكرمك, وقال تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص: 88] أي: ذاته, و (الكريم) يطلق على الشريف النافع الذي يدوم نفعه ويسهل تناوله, و (الكلمات التامات): مر تفسيرها, والإستعاذة بها بعد الاستعاذة بذاته تعالى إشارة إلى أنها لا توجد نابضة حركة, ولا قابضة سكون من خير أو شر, إلا بأمره التابع لمشيئته, كما قال تعالى: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} [النحل: 40]. " ما أنت آخذ بناصيته " أي: ما هو في ملكتك وتحت سلطانك, وأنت متمكن من التصرف على [ن] تشاء, والأخذ بالناصية كناية عن الاستيلاء والتمكن من التصرف فيه, وإنما عدل إلى هذه العبارة ولم يقل: [من شر] كل شيء, إشعارا بأنه المسبب لكل ما يضر وينفع والمرسل له, لا يقدر أحد على منعه, ولا شيء ينفع في دفعه, وإليه أشار بقوله: " لا يهزم جندك ولا ينفع ذا الجد منك الجد ": فلا مفر منه إلا إليه, ولا معاذ يستعاذ به سواه. و" المغرم " في الأصل: ما يلزم الإنسان من غرم, وقد يعمم فيطلق لما يحيق حاله من خسران. و" المأثم " والإثم: وهو الوقوع في الذنب, و" الجد ": الحظ والإقبال في الدنيا. ***

489 – 1728 – عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خلتان لا يحصيهما – وفي رواية: لا يحافظ عليهما – رجل مسلم إلا دخل الجنة, ألا وهما يسير, ومن يعمل بهما قليل: يسبح الله في دبر كل صلاة عشرا, ويحمده عشرا, ويكبره عشرا " قال: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده, قال: " فتلك خمسون ومائة باللسان, وألف وخمسمائة في الميزان, وإذا أخذ مضجعه يسبحه ويحمده ويكبره مائة ". وفي رواية: " يكبر أربعا وثلاثين, ويحمد ثلاثا وثلاثين, ويسبح ثلاثا وثلاثين, فتلك مائة باللسان, وألف في الميزان, فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة؟ قالوا: فكيف لا نحصيها؟ قال: " يأتي الشيطان أحدكم وهو في صلاته فيقول: اذكر كذا, اذكر كذا, حتى ينفتل, فلعله أن لا يفعل, ويأتيه في مضجعه فلا يزال ينومه حتى ينام ". " وفي حديث ابن عمرو: خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة ألا وهما يسير " الحديث. (الخلة): الخصلة, " لا يحصيهما " لا يأتي بهما, ولا يحافظ عليهما, لما كان المأتي به من جنس المعدودات عبر عن الإتيان بهما بالإحصاء. " ألا ": حرف تنبيه تؤكد بها الجملة, وهي بالجملة المصدرة بها

اعتراض أكد بها التحضيض والتحريض عليهما. وقوله: " يسبح الله " إلى قوله: " ويكبره عشرا ": بيان إحدى الخلتين. وقوله عليه السلام: " فتلك خمسون ومئة في اللسان " فذلكة الكلمات المذكورة دبر الصلوات, وجملة تعدادها في اليوم والليلة, وذلك لأن عدد الكلمات المحصاة خلف كل صلاة ثلاثون, وعدد الصلوات المفروضة في يوم وليلة خمس, فإذا ضرب أحدهما في الآخر بلغ هذا المبلغ. وقوله: " وألف وخمس مئة في الميزان " لأن الحسنة بعشر أمثالها. وقوله: " فإذا أخذ مضجعه " إلى آخره: بيان للخلة الأخرى. ... 490 – 1731 – عن أبي الأزهر الأنماري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال: " بسم الله وضعت جنبي, اللهم اغفر لي ذنبي, واخسأ شيطاني, وفك رهاني, وثقل ميزاني, واجعلني في الندي الأعلى ". " وفي حديث أبي الأزهر الأنماري: اللهم اغفر لي ذنبي, واخسأ شيطاني, وفك رهاني, واجعلني في الندي الأعلى ". (الخسأ): الزجر والطرد, والمعنى: اجعل الشيطان مطرودا عني,

وممنوعا عن تسويلي وتثبيطي عن الطاعة, وأضافه إلى نفسه من حيث هو قاصده ومتوجه إلى وسوسته وإزالته. " وفك رهاني " أي: خلص نفسي عن عهدة ما عليها من التكاليف بالتوفيق للإتيان بها, أو عما أقترفه من الأعمال التي لا ترتضيها بالعفو, قال تعالى: {كل امرئ بما كسب رهين} [الطور: 21]. " واجعلني في الندي الأعلى " أي: النادي يريد به مجتمع الملأ الأعلى الذي هم الطبقة الأولى من الملائكة. وروي:" في النداء الأعلى " أي: فيمن ينادى به للتعظيم والتنويه, أو: من أهل النداء الأعلى, وهو نداء الله تعالى لأوليائه والمقربين من عباده. وقيل: نداء أهل الجنة أهل النار, كما حكى الله تعالى في القرآن, فإنهم الأعلون رتبة ومكانا من أصحاب الأعراف وأهل النار. ***

باب الدعوات في الأوقات

7 - باب الدعوات في الأوقات من الصحاح: 491 - 1738 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى السفر كبر ثلاثا, ثم قال: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون} , اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى , اللهم هون علينا سفرنا هذا, واطو عنا بعده, اللهم أنت الصاحب في السفر, والخليفة في الأهل, اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر, وكآبة المنظر, وسوء المنقلب في المال والأهل " وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: " آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ". (باب الدعوات في الأوقات) (من الصحاح): " عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى السفر كبر ثلاثا, ثم قال: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا اه مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون} [الزخرف: 13 - 14] ". " استوى على بعيره ": استقر على ظهره. {وما كنا له مقرنين}: مطيقين مقتدرين, من أقرن له: إذا أطاقه

وقوي عليه, وهو اعتراف بعجزه وقصوره, وأن تمكنه من الركوب والاستواء عليه بإقدار الله تعالى وتسخيره إياه. {وإنا إلى ربنا لمنقلبون]: راجعون إليه, وفيه تنبيه على أن السفر الأعظم الذي الإنسان بصدده هو الرجوع إلى الله تعالى, فهو أهم بأن يهتم به, ويشتغل بالآستعداد له قبل نزوله. وفيه: " اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر, وكآبة المنظر, وسوء المنقلب في المال والأهل ". (الوعثاء): الشدة والمشقة, من قولهم: رمل أوعث, ورملة وعثاء: لما شق منه السير للينه ورسوخ الأقدام فيه. و (الكآبة): سوء الحال, والانكسار من الحزن. يريد الاستعاذة من كل منظر يكتئب دون النظر إليه, ومن الانقلاب بما يسوءه من نقص في المال والأهل. ... 492 - 1742 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان ف سفر وأسحر يقول: " سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا, ربنا صلحبنا, وأفضل علينا, عائذا بالله من النار ". " وعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر وأسحر يقول: سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا, ربنا صاحبنا وأفضل علينا,

عائذا بالله من النار ". " كان " الأولى تدل علافا على مواظبته على هذا القول في أسحار أسفاره. "وأسحر " أ: دخل في السحر. " سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه " أي: سمع من كان له سمع بحمد الله وإفضاله علينا, بمعنى: إن حمدنا لله على نعمه وإنعامه علينا أشيع وأشهر من أن يخفى على ذي سمع و" سامع " نكرة قصد بها العموم, كما قصد في قولهم: تمرة خير من جرادة. وقيل: هو خبر في معنى الأمر أي: ليسمع من كان يحق أن يسمع ويستعد له. " ربنا صاحبنا " أي: أعنا واحفظنا, " وأفضل علينا " بإدامة النعمة ومزيدها, والتوفيق للقيام بحقوقها. " عائذا بالله من النار " نصب على المصدر, أي: أعوذ عياذا, أقيم اسم الفاعل مقام المصدر, كما في قولهم: قم قائما, وقول الشاعر: ولا خارجا من في زور كلام أو: على الحال من الضمير المرفوع في يقول, أو ليسحر, ويكون من كلام الراوي. ***

493 - 1743 - وقال ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات, ثم يقول: " لا إله إلا الله وحد لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو على كل شيء قدير, آيبون تائبون عابدون ساجدون, لربنا حامدون, صدق الله وعده, ونصر عبده, وهزم الأحزاب وحده ". " وفي حديث ابن عمر التالي لهذا الحديث: يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ". أي: على كل مكان عال منها. وفيه: " وهزم الأحزاب وحده " (الأحزاب): جمع حزب, والمراد به: القبائل الذين اجتمعوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم, وتوجهوا إلى المدينة, واجتمعوا في حوماتها نحوا من اثني عشر ألفا, سوى من انضم إليهم من يهود قريظة والنضير, ولبثوا قريبا من شهر. وكان الرسول - صلوات الله عليه - حفر لهم الخندق, وكان يحاربهم وراءه يرمي النبال والحجارة, فأرسل الله عليهم ريحا وجنودا لم يروها, فهزمهم وشردهم من غير قتال وإيجاف خيل وركاب, كما يقول هو مشروح في كتب المغازي. ... 494 - 1745 - قال عبد الله بن بسر: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على

أبي, فقربنا إليه طعاما ووطية, فأكل منها, ثم أتي بتمر, فكان يأكله, ويلقي النوى بين أصبعيه ويجمع السبابة والوسطى, وفي رواية: فجعل يلقي النوى على ظهر أصبعيه السبابة والوسطى, ثم أتي بشراب, فشربه, فقال أبي - وأخذ بلجام دابته -: ادع الله لنا, فقال: " اللهم بارك لهم فيما رزقتهم, واغفر لهم, وارحمهم ". " وعن عبد الله بن بسر المازني أنه قال: نزل رسول الله على أبي فقربنا إليه طعاما ووطبة, فأكل منها ". (الوطبة والوطب): سقاء اللبن, وروي: " وطيئة " - بالهمز - على وزن وثيقة, وهي طعام كالحيس. ... من الحسان: 495 - 1746 - عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال:: اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان, والسلامة والإسلام, ربي وربك الله " غريب. (من الحسان): " في حديث طلحة بن عبيد الله: اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان ". (الإهلال) في الأصل: رفع الصوت, نقل منه إلى رؤية الهلال, لأن الناس يرفعون أصواتهم إذا رأوه بالإخبار عنه, ولذلك سمي الهلال

هلالا, ثم نقل منه إلى طلوعه, لأنه سبب لرؤيته, ومنه إلى إطلاعه. وفي الحديث بهذا المعنى: أي: أطلعه علينا وأرنا إياه مقترنا بالأمن والإيمان. ... 496 - 1749 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه, فقال: قبل أن يقوم: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك, وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك ". " وفي حديث أبي هريرة: فكثر فيه لغطه " بفتح الغين, أي: صوته. ... 497 - 1755 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر, فأقبل الليل, قال: " يا أرض, ربي وربك الله, أعوذ بالله من شرك, وسر ما فيك, وشر ما خلق فيك, وشر ما يدب عليك, وأعوذ بالله من أسد وأسود, ومن الحية والعقرب, ومن ساكن البلد, ومن والد وما ولد ". " وعن ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فأقبل الليل قال: يا أرض! ربي وربك الله, أعوذ بالله من شرك, وشر ما خلق فيك ".

خاطب الأرض وناداها على الاتساع إرادة الاختصاص, وشر الأرض: الخسف والسقوط عن الطريق, والتحير في المهامه والفيافي, وما فيها من أحناش الأرض وحشراتها, وما يعيش في الثقب وأجوافها. وقوله: " وأعوذ بك " تلوين للخطاب, وانتقال من الغيبة إلى الحضور للمبالغة ومزيد الاعتناء, وفرط الحاجة إلى العوذ به مما يعده بعد, ولذلك خصها بالذكر, وهي مندرجة فيما خلق في الأرض, وفيما يدب عليها. و (الأسود): نوع من الحية أسود اللون, يقال: إنها أخبثها وأجرأها, فإنها تعارض الركب, وتتبع الصوت, ولذلك أفردها بالذكر, وجعلها جنسا آخر برأسها, ثم عطف عليها الحية. " ساكن البلد " الإنس, سماهم بذلك لأنهم يسكنون البلاد غالبا, أو لأنهم بنوا البلدان واستوطنوها, وقيل: الجن, والمراد بالبلد: الأرض, يقال: هذه بلدتنا أي أرضنا. " ووالد وما ولد " إبليس وذريته, وقيل: أراد آدم وذريته, ويحتمل أن يكون المراد جميع ما يوجد بالتوالد من الحيوانات أصولها وفروعها, وفي التعبير بهذه العبارة إيماء بأن العياذ إنما يحسن ويفيد إذا كان بمن لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. ***

498 - 1756 - عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: " اللهم أنت عضدي ونصيري, بك أحول, وبك أصول, وبك أقاتل ". " وعن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: اللهم أنت عضدي ونصيري, بك أحول, وبك أصول, وبك أقاتل ". (العضد): ما يعتمد عليه ويثق المرء به في الحراب وغيره من الأمور. و" أحول ": أحتال من حال يحول حيلة, والمراد كيد العدو وقيل: أكر وأتحرك, من حال إذا تحرك. و (الصول): الحمل على العدو, ومنه: الصائل. ... 499 - 1757 - وعن أبي موسى رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوما قال: " اللهم إنا نجعلك في نحورهم, ونعوذ بك من شرورهم ". " وعن أبي موسى: أنه - عليه السلام - كان إذا خاف قوما قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم, ونعوذ بك من شرورهم ". تقول: جعلت فلانا في نحر العدو: إذا جعلته قبالته, وترسا يقاتل عنك, ويحول بينه وبينك, والمعنى: نسألك أن تصد صدورهم, وتدفع

شرورهم, وتكفينا أمورهم, وتحول بيننا وبينهم. ... 500 - 1765 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رجل هموم لزمتني يا رسول الله؟ قال: " أفلا أعلمك كلاما إذا قلته أذهب الله همك, وقضى عنك دينك؟ قال: بلى, قال: " قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن, وأعوذ بك من العجز والكسل, وأعوذ بك من الجبن والبخل, وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال, قال: ففعلت ذلك, فأذهب الله همي, وقضى عني ديني ". " وفي حديث أبي سعيد الخدري: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن, وأعوذ بك من العجز والكسل ". قيل: الفرق بين "الهم" و"الحزن": أن الحزن على ما مضى, والهم على لما يستقبل. ولعله لو صح فلما في الهم من إبهام معنى القصد. وقيل: الفرق بينهما بالشدة والضعف, فإن الهم من حيث إن تركيبه أصل في الذوبان - يقال: همني المرض, بمعنى: أذابني, والهم: الشحم والبرد إذا ذابا, وسنام مهموم, أي: مذاب, وسمي به ما يعتري الإنسان من شدائد الغم, لأنه يذيبه - أبلغ وأشد من الحزن الذي أصله الخشونة.

و" العجز " أصله: التأخر عن الشيء, مأخوذ من العجز وهو مؤخر الشيء, وللزومه الضعف والقصور عن الإتيان بالشيء استعمل في مقابلة القدرة, واشتهر فيها. و" الكسل ": التثاقل عن الشيء مع وجود القدرة والداعية. ... 501 - 1761 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفأ الإنسان إذا تزوج قال: " بارك الله لك, وبارك عليك, وجمع بينكما في خير ". " وعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفأ الإنسان إذا تزوج قال: بارك الله لك, وبارك عليك, وجمع بينكما بخير ". (الترفية): أن يقول للمتزوج: بالرفاء والبنين, و (الرفاء) بالكسر والمد: الالتئام والاتفاق, من رفأت الثوب: إذا أصلحته, وقيل: السكون والطمأنينة من قولهم: رفوت الرجل: إذا أسكنته, ثم استعير للدعاء للمتزوج, وإن لم يكن بهذا اللفظ. والمعنى: أنه إذا أراد الدعاء للمتزوج دعا له بالبركة, وبدل قولهم في جاهليتهم: بالرفاء والبنين, بقوله هذا, لأنه أتم نفعا, وأكثر عائدة, ولما في الأول من التنفير عن البنات. ***

باب الاستعاذة

8 - باب الاستعاذة من الصحاح: 502 - 1767 - عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تعوذوا بالله من جهد البلاء, ودرك الشقاء, وسوء القضاء, وشماتة الأعداء ". (باب الاستعاذة) (من الصحاح): " عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعوذوا بالله من جهد البلاء, ودرك الشقاء, وسوء القضاء, وشماتة الأعداء ". (الجهد): مصدر قولك: اجهد جهدك في هذا الأمر, أي: ابلغ غايتك, وقد يطلق على المشقة, والمراد بـ"جهد البلاء ": ما يمتحن به الإنسان ويشق عليه, بحيث يتمنى فيه الموت ويختاره عليه. و (الدرك): اسم من الإدراك, لما يلحق الإنسان من تبعة, قال تعالى: {تخاف دركا ولا تخشى} [طه:77] , وقد يحرك ويسكن. ... 503 - 1768 - وقال أنس رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن, والعجز والكسل, والجبن والبخل, وضلع الدين, وغلبة الرجال ".

" في حديث أنس: وضلع الدين, وغلبة الرجال ". (الضلع) بالتحريك: الاعوجاج, يريد به ثقله الذي يميل صاحبه عن الاستواء. و" غلبة الرجال ": يريد بها قهر السلطان وجوره. ... 504 - 1769 - وعن عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم, والمغرم والمأثم, اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار, وفتنة النار, وفتنة القبر, وعذاب القبر, وشر فتنة الغنى, وشر فتنة الفقر, ومن شر فتنة المسيح الدجال, اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد, ونق قلبي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس, وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب "." وفي حديث عائشة: ومن شر فتنة الغنى, وشر فتنة الفقر " " فتنة الغنى ": البطر والطغيان والتفاخر به, وصرف المال في المعاصي وما أشبه ذلك. و" فتنة القبر": الحسد على الأغنياء, والطمع في أموالهم, والتذلل لهم بما يتدنس به عرضه, ويتثلم به دينه, وعدم الرضا على ما قسم الله إلى غير ذلك مما لا تحمد عاقبته. وناهيك قوله عليه السلام: " كاد الفقر أن يكون كفرا ". ***

من الحسان: 505 - 1776 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الفقر, والقلة, والذلة, وأعوذ بك من أن أظلم أو أظلم ". (من الحسان): " عن أبي هريرة: أنه - عليه الصلاة والسلام - كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة". يريد بـ (الفقر): الفقر المدقع الذي يحوج الإنسان إلى التكفف والتذلل وتدنيس العرض. و" القلة ": قلة الصبر, أو قلة العدد, أو القلة في أبواب البر والخير, لا قلة المال, لأنه - عليه السلام - كان يؤثر الإقلال من الدنيا. ... 506 - 1777 - وعنه: أن رسول الله كان يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الشقاق, والنفاق, وسوء الأخلاق ". " وعنه: أنه - عليه الصلاة والسلام - كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشقاق ".

[المشاقة وهي المخالفة: مأخوذ من الشق, فإن كل واحد من المتخالفين في شق غير شق صاحبه] , والنفاق: أن تظهر لصاحبك خلاف ما تضمره وتسره. ... 507 - 1778 - وعنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الجوع, فإنه بئس الضجيع, وأعوذ بك من الخيانة, فإنها بئست البطانة ". " وعنه: أنه عليه السلام كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع, وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة ". " الجوع ": الألم الذي يناله الحيوان من خلو المعدة, و" الضجيع ": المضاجع, استعاذ منه لأنه يمنع استراحة البدن, ويحلل المواد المحمودة بلا بدل, ويشوش الدماغ, ويثير الأفكار الفاسدة, والخيالات الباطلة, ويضعف البدن عن القيام بوظائف الطاعات. و" الخيانة ": نقيض الأمانة, و" البطانة ": ضد الظهرة, وأصلها في الثوب فاتسع قيما يستبطن الرجل من أمره فيجعله بطانة حاله. ***

508 - 1782 - وعن أبي اليسر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: " اللهم إني أعوذ بك من الهدم, وأعوذ بك من التردي, ومن الغرق, والحرق والهرم, وأعوذ بك من أن يتخبطني الشيطان عند الموت, وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا, وأعوذ بك أن أموت لديغا " وزيد في بعض الروايات: " والغم ". " عن أبي اليسر - بفتح الياء والسين, وهو كعب بن عمرو -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: اللهم إني أعوذ بك من الهدم, وأعوذ بك من التردي ". الحديث. " الهدم " بالسكون: سقوط البناء, ووقوعها على الشيء, وروي بالفتح, وهو اسم ما انهدم منه. و" التردي ": السقوط من عال, كالتدهور من شاهق جبل, والسقوط في البئر و" الغرق ": بالتحريك: مصدر: غرق في الماء. و" الحرق " أيضا بالتحريك: النار. وإنما استعاذ من الهلاك بهذه الأسباب مع ما فيه من نيل الشهادة لأنها مجهدة مقلقة, لا يكاد الإنسان يصطبر عليها, ويثبت عندها, فلعل الشيطان ينتهز عنه فرصة, فيحمله على ما يخل بدينه, ولأنه يعد فجأة, وهي أخذة الأسف على ما مر تقريره في (كتاب الجنائز). و" تخبط الشيطان): مجاز عن إضلاله وتسويله أو عن الجنون,

قال تعالى: " كـ {الذي يتخبطه الشيطان من المس} [البقرة: 275] , وأصل الخبط: الوطء والضرب, يقال: خبط البعير الأرض بيده: إذا ضربها بأخفافها, وخبطت الورق من الشجر: إذا ضربته ليسقط. ... 509 - 1783 - عن معاذ, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " استعيذوا بالله من طمع يهدي إلى طبع ". " عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: استعيذ [و] بالله من طمع يهدي إلى طبع ". (الهداية): الإرشاد إلى الشيء والدلالة إليه, ثم اتسع فيه, فاستعمل بمعنى الإدناء من الشيء والإيصال إليه. و (الطبع) بالتحريك: العيب, وأصله: الدنس الذي يعرض للسيف, والمعنى: أعوذ بالله من طمع يسوقني إلى شين في الدين وإزراء بالمروءة. ... 510 - 1784 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي, فنظر إلى القمر, فقال: " يا عائشة, استعيذي بالله {ومن شر

باب جامع الدعاء

غاسق إذا وقب} وهذا غاسق إذا وقب ". " عن عائشة قالت: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي فنظر في القمر فقال: يا عائشة! استعيذي بالله من شر غاسق إذا وقب, هذا غاسق إذا وقب ". (الغاسق): الليل إذا غاب الشفق, واعتكر ظلامه, من غسق يغسق: إذا أظلم, وأطلق هاهنا على القمر, لأنه يظلم إذا كسف, ووقوبه: دخوله في الكسوف واسوداده, وإنما استعاذ من كسوفه, لأنه آية من آيات الله تدل على حدوث بلية ونزول نازلة. ... 9 - باب جامع الدعاء من الصحاح: 511 - 1791 - وعن علي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قل: اللهم اهدني وسددني, واذكر بالهدى: هدايتك الطريق, وبالسداد: سداد السهم ". (باب جامع الدعاء) (من الصحاح): " عن علي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل: اللهم اهدني

وسددني, واذكر بالهدى: هدايتك الطريق, والسداد: سداد السهم ". أمره بأن يسأل من الله تعالى الهداية والسداد, وأن يكون في ذكره وخاطرا بباله: أن المطلوب هداية كهداية من ركب متن الطريق, وأخذ في المنهج المستقيم, وسداد السهم نحو الغرض, والمعنى: أن يكون في سؤاله طالبا غاية الدى, ونهاية السداد. ... 512 – 1794 – عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو يقول: " رب أعني, ولا تعن علي, وانصرني, ولا تنصر علي, وامكر لي, ولا تمكر علي, واهدني, ويسر الهدى لي, وانصرني على من بغلى علي, رب اجعلني لك شاكرا, لك ذاكرا, لك راهبا, لك مطواعا, لك مخبتا, غليك أواها منيبا, رب تقبل توبتي, واغسل حوبتي, وأجب دعوتي, وثبت حجتي, وسدد لساني, واهد قلبي, واسلل سخيمة صدري ". (من الحسان): " في حديث ابن عباس: رب اجعلني لك شاكرا, لك ذاكرا, لك راهبا " الحديث. قدم الصلات على متعلقاتها تقديما للأهم, وإرادة الاختصاص, و (المخبت): الخاشع المتواضع, من الخبت, وهو المطمئن من الأرض,

أو المطمئن إلى ذكر ربه, الواثق به, من قوله تعالى: {وأخبتوا إلى ربهم} [هود: 23] أي: اطمأنوا إلى ذكره, وسكنت نفوسهم إلى أمره, وأقيمت اللام مقام (إلى) لتفيد معنى الاختصاص. و (الأواه) فعال بني للمبالغة من أوه, يقال: أوه تأويها وتأوه تأوها: إذا قال: أوه, وهو صوت الحزين المتفجع. والمعنى: اجعلني لك أواها متفجعا على التفريط," منيبا " راجعا إليك, تائبا عما أقترفه من الذنوب. (الحوبة): الإثم, وكذا الحوب والحوب, وغسله: كناية عن إزالته بالكلية بحيث لا يبقى منه أثر, و (سداد اللسان): أن لا يتحرك إلا بالحق, ولا ينطق إلا بالصدق, و (سخيمة الصدر): الضغينة, من السخمة: وهو السواد, ومنه: سخام القدر, وإضافتها إلى الصدر, لأن مبدأها القوة الغضبية التي هي إحدى شعبتي القوة الحيوانية المنبعثة من القلب الذي هو في الصدر, (سلها): إخراجها, وتنقية الصدر منها, من سل السيف: إذا أخرجها من الغمد. ... 513 – 1798 – عن عبد الله بن يزيد الخطمي, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه: " اللهم ارزقني حبك, وحب من ينفعني حبه

عندك, اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب, اللهم ما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما أحب ". " وفي حديث عبد الله بن يزيد الخطمي: اللهم ما زويت عني مما أحب, فاجعله فراغا لي فيما أحب ". أصل (الزي) الجمع والقبض, والمعنى: ما صرفته عني من محابي فنحه عن قلبي, واجعله سببا لفراغي لطاعتك, ولا تشغل به قلبي, فيشغل عن عبادتك. ... 514 – 1799 – عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: " اللهم اسم لنا من خشيتك ما تحول بيننا وبين معاصيك, ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك, ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا, ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا, وقوتنا ما أحييتنا, واجعله الوارث منا, واجعل ثأرنا علة من ظلمنا, وانصرنا على من عادانا, ولا تجعل مصيبتنا في ديننا, ولا تجعل الدنيا أكبر همنا, ولا مبلغ علمنا, ولا تسلط علينا من لا يرحمنا "غريب. " وفي حديث ابن عمر: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به يبيننا وبين معاصيك " الحديث.

" اقسم لنا " أي: اجعل لنا قسما ونصيبا. " تحول به ": تحجب وتمنع, من حال الشيء حيولة. " ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا " أي: ارزقنا يقينا بك, وبأن لا مرد لقضائك وقدرك, وأن لا يصيبنا إلا ما كتبته علينا, وأن ما قدرته لا يخلو عن حكمة ومصلحة واستجلاب مثوبة, تهون به مصيبات الدنيا. و"اجعله ": الضمير فيه للمصدر, كما في قولك: زيد أظنه منطلق, أي: اجعل الجعل, و" الوارث " هو المفعول الأول, و"منا " في موضع المفعول الثاني, على معنى: واجعل الوارث من نسلنا, لا كلالة خارجة عنا, كما قال تعالى حكاية عن دعوة زكريا عليه السلام: {فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب} [مريم: 5 - 6] ,. وقيل: الضمير للتمتع الذي دل عليه التمتيع, ومعناه: اجعل تمتعنا بها باقيا عنا, مأثورا فيمن بعدنا, أو محفوظا لنا إلى يوم الحاجة, وهو المفعول الأول, و (الوارث) مفعول ثان, و (منا) صلة له. وقيل: الضمير لما سبق من الإسماع والإبصار والقوة, وإفراده وتذكيره على تأويل المذكور, كما قول رؤبة: فيها خطوط من سواد وبلق ... كأنه في الجلد توليع البهق

والمعنيُّ بوارثها: لزومها له عند موته لزوم الوارث له. " واجعل ثأرنا على من ظلمنا " أي: اجعل إدراك ثأرنا على من ظلمنا فندرك منه ثأرنا, أو اجعل ثأرنا مقصودا على من ظلمنا ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره, فأخذ به غير الجاني, كما كان معهودا في الجاهلية, وأصل الثأر: الحقد والغضب, من الثوران, يقال: ثأر ثائرة: إذا هاج غضبه. ... 515 – 1797 – عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي سمع عند وجهه دوي كدوي النحل, فأنزل الله يوما, فمكثنا ساعة, فسري عنه, فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال: " اللهم زدنا ولا تنقصنا, وأكرمنا ولا تهنا, وأعطنا ولا تحرمنا, وآثرنا ولا تؤثر علينا, وأرضنا وارض عنا, ثم قال: " أنزل علي عشر آيات, من أقامهن دخل الجنة, ثم قرأ: {قد أفلح المؤمنون} حتى ختم عشر آيات. وفي حديث عمر: إذا أنزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدوي النحل, فأنزل الله يوما, فمكثنا ساعة فسري عنه ". أي: سمع من جانب وجهه وجهته صوت خفي كدو النحل, كأن الوحي كان يؤثر فيهم وينكشف لهم انكشافا غير تام, فصاروا كم سمع دوي صوت ولا يفهمه, أو سمعوه من الرسول – عليه الصلاة والسلام -

من غطيطه, وشدة تنفسه عند نزول الوحي. وقوله:" فسري عنه " أي: كشف وزال ما اعتراه من برحاء الوحي. ***

(10) كتاب الحج

كتاب الحج

(10) كتاب الحج 1 - باب المناسك من الصحاح: 516 - 1801 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيها الناس: قد فرض الله عليكم الحج فحجوا, فقال رجل: أكل عام يا رسول الله! فسكت حتى قالها ثلاثا, فقال [رسول الله صلى الله عليه وسلم]: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ". (كتاب المناسك) (من الصحاح): " عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا " الحديث. " الحج " في اللغة: القصد.

وفي الشرع: قصد البيت على الوجه المخصوص في الزمان المخصوص. " فقال رجل " يعني: الأقرع بن حابس: " أكل عام " أي: أتأمرنا أن نحج كل عام, ونصبه بفعل دل عليه " حجوا", وهذا يدل على أن مجرد الأمر لا يفيد التكرار, ولا المرة, وإلا لما صح الاستفهام, وإنما سكت - عليه السلام - حتى قالها ثلاثا زجرا له عن السؤال, فإنه تقديم بين يدي الرسول منهي عنه بقوله تعالى: {لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} [الحجرات:1] , لأنه - عليه السلام - مبعوث لبيان الشرائع, وتبليغ الأحكام, فلو وجب الحج كل سنة لبينه الرسول لا محالة ولم يقتصر على الأمر به مطلقا, سواء سئل عنه أو لم يسئل, فيكون السؤال استعجالا ضائعا. ثم إنه لما رأى أنه لا ينزجر به, ولا يقنع إلا بالجواب الصريح, أجاب عنه بقوله:" لو قلت نعم لوجبت " أي: لوجبت كل عام حجة. وأفاد به: أنه لا يجب كل عام, لما في "لو" من الدلالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره, وأنه إنما لم يتكرر لما فيه من الحرج والكلفة الشاقة, ونبه على أن العاقل ينبغي له أن لا يستقبل الكلف الخارجة عن وسعه, وأن لا يسأل عن شيء إن يبد له ساءه. واحتج بهذا الحديث من جوز أن يفوض الحكم إلى رأي

النبي صلى الله عليه وسلم, فيقول الله له: احكم بما شئت فإنك لا تحكم إلا بالصواب, كموسى بن عمران, فإن قوله عليه السلام (لو قلت نعم لوجبت) يدل على أنه كان إليه إيجاب ما شاء. وهو ضعيف, لأن قوله (ولو قلت) أعم من أن يكون قولا من تلقاء نفسه, أو من وحي نازل, أو رأي يراه إن جوزنا له الاجتهاد, والدال على الأعم لا يدل على الأخص, لكنه يدل على أن الأمر للوجوب, لأن قوله: (لو قلت نعم لوجبت) تقديره: لو قلت نعم حجوا كل سنة, لوجبت كل عام حجة, وذلك إنما يصح إذا كان الأمر مقتضيا للوجوب. ... 517 - 1812 - وقال ابن عباس رضي الله عنه: وقت رسول الله لأهل المدينة ذا الحليفة, ولأهل الشام الجحفة, ولأهل العراق قرن المنازل, ولأهل اليمن يلملم, فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة, فمن كان دونهن فمهله من أهله, وكذاك حتى أهل مكة يهلون منها. " قال ابن عباس: وقت النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة, ولأهل الشام الجحفة, ولأهل نجد قرن المنازل, ولأهل اليمن يلملم " الحديث. الوقت في الأصل: حد الشيء, والتأقيت: التحديد والتعيين, غير

أن التركيب شاع في الزمان, وهاهنا جاء على أصله. والمعنى: حد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعين لأهل المدينة ذا الحليفة, وهو ماء من مياه بني جشم, و (حليفة) تصغير حلفة كقصبة, وهي نبت في الماء, وجمعها حلفاء, و (جحفة): موضع بين مكة والمدينة من الجانب الشامي, يحاذي ذا الحليفة, وكان اسمه مهيعة, فأجحف السيل بأهلها, يقال: أجحف: إذا ذهب به, وسيل جحاف - بالضم - إذا خرب الأرض وذهب بها. و" قرن " بسكون الراء: جبل مدور أملس كأنه بيضة, مطل على عرفات. و" يلملم ": جبل من جبال تهامة على ليلتين من مكة. و" المهل ": موضع الإهلال, يريد به الموضع الذي يحرم منه, فيرفع فيه الصوت بالتلبية بالإحرام. وقوله: " حتى أهل مكة يهلون منها " يدل على أن المكي ميقاته نفس مكة, سواء أحرم بحج أو عمرة. والمذهب: أن المعتمر يخرج إلى أدنى الحل, فيعتمر منه, لأنه - عليه السلام - أمر عائشة لم أرادت أن تعتمر بعد التحلل من الحج بأن تخرج إلى الحل فتحرم. والحديث مخصوص بالحج. ***

من الحسان: 518 - 1817 - وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا, وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} ". (من الحسان): " عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله, ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا ". إنما وحد الضمير الذي في " تبلغه " والمرجوع إليه شيئان, لأنهما في معنى الاستطاعة, والمعتبر هو المجموع, ويجوز أن يكون الضمير (الراحلة) , ويكون تقييدها غنية عن تقييد (الزاد). وقوله: " فلا عليه " أي: لا تفاوت عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا, والمعنى: أن وفاته على هذه الحالة ووفاته على اليهودية والنصرانية سواء في أنها تعتريه وهو في كفران نعم اله, وترك ما أمر به والانهماك في معصيته, وهو من باب المبالغة والتشديد, والإيذان بعظم شأن الحج. ونظيره قوله تعالى: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} [آل عمران: 97] , فإنه وضع فيه (ومن كفر) موضع: ومن لم يحج, تعظيما

للحج, وتغليظا على تاركه. ... 519 - 1818 - وقال: لا صرورة في الإسلام" " وعنه: أنه - عليه السلام - قال: لا صرورة في الإسلام " (الصرورة): الذي لم يحج, من الصر, وهو المنع, كأنه أبى عن الحج, ومنع نفسه من الإتيان به, وظاهر هذا الكلام أيضا يدل على أن تارك الحج ليس بمسلم, والمراد منه: أنه لا ينبغي أن يكون في الإسلام أحد يستطيع الحج ولا يحج, فعبر عنه بهذه العبارة للتشديد والتغليظ. وقيل: الصرورة: من انقطع عن النكاح, وسلك طريق الرهابنة, وأصله: أن الرجل إذا ارتكب جريمة لجأ إلى الكعبة, وكان في أمان ما دام فيها, قل له: صرورة, ثم اتسع فيها فاستعملت لكل متعبد معتزل عن النساء. ... 520 - 1822 - وعنه قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الحاج؟ قال: " الشعث التفل ", وقال آخر: أي الحج أفضل؟ قال: " العج والثج, فقال آخر: ما السبيل؟ قال: " زاد وراحلة. " وعن ابن عمر قال: قال رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الحاج؟ قال:

الشعث التفل, فقال آخر: أي الحج أفضل؟ قال: العج والثج, فقال آخر: ما السبيل؟ قال: زاد وراحلة". " الشعث ": المتفرق الشعر, وكذلك: الأشعث, من الشعث, وهو التفرق. و" التفل": الذي لا يتطيب, فتوجد منه رائحة كريهة, من تفل الشيء من فيه: إذا رمى به مستكرها له. و" العج ": رفع الصوت, و" الثج ": التسبيل والإراقة, والمراد بهما: رفع الصوت بالتلبية, وإراقة دماء الهدي, ولعل السؤال كان عن صفة الحاج وسمته, وعن أفضل خصال الحج وأعماله, فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. والمراد بـ (السبيل): المذكور في قوله تعالى: {من استطاع إليه سبيلا} [آل عمران: 97]. ... 521 - 1825 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق. 522 - 1826 - وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق. " وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق ".

باب الإحرام والتلبية

" وعن عائشة: أنه - عليه السلام - وقت لأهل العراق ذات عرق ". " ذات عرق ": موضع من شرقي مكة, بينهما مرحلتان, توازي قرن نجد, سمي بذلك لأن هناك عرقا وهو الجبل الصغير. و" العقيق " موضع يقال: إنه قبيل (ذات عرق) , ويقال: إنه في حد (ذات عرق) من الطرف الأقصى, ولا اختلاف بين الحديثين. وفي صحة الحديثين مقال, والأصح عند الجمهور: أن النبي صلى الله عليه وسلم ما بين لأهل المشرق ميقاتا, وإنما حد لهم عمر رضي الله عنه حين فتح العراق, وهي بلاد من المشرق, إذ المراد منه: ما يكون من شرقي مكة إلى آخر العمارات, سميت به لوقوعها على شاطئ دجلة والفرات, والعراق: شاطئ البحر والنهر. وكان الشافعي يستحب للمشرقي عراقيا كان أو غيره أن يحرم من العقيق جمعا بين الحديثين, وتفصيا عن الخلاف, فإن تحديد المواقيت وتعيينها للمنع عن مجاوزتها بلا إحرام, لا عن الإحرام قبل ورودها. ... 2 - باب الإحرام والتلبية من الصحاح: 523 - 1828 - قالت عائشة رضي الله عنها: كنت أطيب

رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم, ولحله قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك, كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم ". (باب الإحرام والتلبية) (من الصحاح): " قالت عائشة - رضي الله عنها -: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم, ولحله قبل أن يطوف بالبيت, بطيب فيه مسك, كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم ". (الحل): الإحلال, و (الوبيص): اللمعان, يقال: وبص البرق وغيره: إذا لمع, و (المفارق): جمع المفرق, وهو وسط الرأس وإنما ذكرت بلفظ الجمع تعميما لجوانب الرأس التي يفرق فيها, والمراد بوبيص الطيب فيها وهو محرم أن فتات الطيب كان يبقى عليها بعد الإحرام بحيث يلمع فيها. وفي هذا الحديث ثلاث فوائد: الأولى: أن التطيب للإحرام والإحلال سنة, لمداومة الرسول - صلوات الله عليه - عليه. والثانية: لأن لا كراهية ولا فدية في التطييب قبل الإحرام بطيب يبقى أثره بعد الإحرام, وهو مذهب أكثر علماء الصحابة, وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق, وكرهه مالك, وأوجب أبو حنيفة الفدية

بما يبقى من أثره بعد الإحرام, قياسا على ما لو استدام لبس المخيط, وهو ضعيف, لأن استدامة اللبس لبس, واستدامة الطيب ليس بتطيب, ولذلك لو حلف أن لا يلبس وعليه ثوب, فاستدام لم يحنث, ولو حلف لا يتطيب وعليه طيب, فاستدامه لم يحنث, ثم إنه لو سلم عن القدح فلا يعارض الحديث المتفق على صحته, وتأويل الحديث بأن المعنى بالطيب الدهن المطيب, أو الطيب الذي يبقى جرمه ولا تبقى رائحته, تعسف لا يخفى ضعفه. ... 524 - 1829 - وقال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبدا يقول: " لبيك اللهم لبيك, لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك, لا شريك لك " لا يزيد على هؤلاء الكلمات. " وفي حديث ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يهل ملبدا ". أي: مغسول الرأس بما فيه غروية بضم الشعر بعضه إلى بعض, يقال: لبد رأسه: إذا جعل فيه من نحو صمغ أو خطمي ليلبد شعره, فلا يتشعث ولا يقع فيه الهوام ". ... 525 - 1830 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا

أدخل رجله في الغرز واستوت به ناقته قائمة أهل من عند مسجد ذي الحليفة " وعنه: " أنه - عليه السلام - كان إذا أدخل رجله في الغرز, واستوت به ناقته قائمة, أهل من عند مسجد ذو الحليفة. "الغرز" بسكون الراء: ركاب الرجل من جلد, فإن كان من خشب أو حديد فهو ركاب. " واستوت به " أي: قامت مستوية, وهو على ظهرها. قوله: " أهل من عند مسجد ذي الحليفة " يريد به أن مبدأ إهلاله كان منه. ... 526 - 1833 - وقالت عائشة رضي الله عنها: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع, فمنا من أهل بعمرة, ومنا من أهل بحجة وعمرة, ومنا من أهل بالحج, وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج, فأما من أهل بالعمرة فحل, وأما من أهل بالحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر. " وقالت عائشة رضي الله عنها: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع, فمنا من أهل بعمرة ... , ومنا من أهل بالحج, وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج, فأما من أهل بعمرة فحل, وأما من أهل بالحج,

أو جمع الحج والعمرة فلا يحلوا حتى كان يوم النحر". الحديث دليل على جواز الإفراد والقران, وأن الإفراد أفضل لاختيار النبي صلى الله عليه وسلم إياه. ... 527 - 1834 - وقال ابن عمر رضي الله عنهما: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج, بدأ فأهل بالعمرة, ثم أهل بالحج. " وما روى ابن عمر قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج, بدأ فأهل بالعمرة, ثم أهل بالحج ". لا يعادله, لأن عائشة كانت أعلم بحال الرسول [رسول] الله وأقرب منه منزلة, وحديثها تعاضده أحاديث أخر, منها: قصة حجة الوداع على ما رواها جابر بن عبد الله. ... 528 1831 - وقال أبو سعيد رضي الله عنه: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرخ بالحج صراخا. " وقول أبي سعيد: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرخ بالحج صراخا - أي: نصيح بالتلبية - ونهل بها ". وما رواه بكر بن عبد الله المزني عن عبد الله بن عمر أيضا: أنه - عليه

باب قصة حجة الوداع

السلام - لبى بالحج وحده. ولعل الأمر اشتبه عليه, أو على من روى منه, لما رأى أنه - عليه السلام - كان قد أمر الناس بالتمتع كما رواه جابر في قصة حجة الوداع, وابن عمر في تتمة هذا الحديث على ما أورده الشيخان في " جامعيهما " فظن أنه أيضا تمتع. ألا ترى أنه حكى فيه فعله على خلاف وضع التمتع, فقال: " فأتى الصفا, وطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف, ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه, ونحر هديه يوم النحر, وأفاض وطاف بالبيت حل من كل شيء حرم منه " ... 3 - باب قصة حجة الوداع من الصحاح:529 - 1841 - قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث بالمدينة تسع سنين لم يحج, ثم أذن في الناس بالحج في العاشرة فقدم المدينة بشر كثير, فخرجنا معه حتى إذا أتينا ذا الحليفة ولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر, فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: " اغتسلي, واستثفري, بثوب وأحرمي, فصلى

- يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - ركعتين في المسجد, ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء, أهل بالتوحيد, " لبيك اللهم لبيك, لا شريك لك, إن الحمد والنعمة لك والملك, لا شريك لك, وقال جابر: لسنا ننوي إلا الحج, لسن نعرف العمرة, حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن وطاف شبعا: رمل ثلاثا, ومشى أربعا, ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} , فصلى ركعتين جعل المقام بينه وبين البيت. ويروى: أنه قرأ في الركعتين: {قل ياأيها الكافرون} , {قل هوالله أحد} ثم رجع إلى الركن فاستلمه, ثم خرج من الباب إلى الصفا, فلما دنا من الصفا قرأ: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} , أبدأ بما بدأ الله به, فبدأ بالصفا, فرقى عليه حتى رأى البيت, فاستقبل القبلة, فوحد الله وكبره, وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير, لا إله إلا الله وحده أنجز وعده, ونصر عبده, وهزم الأحزاب وحده " ثم دعا بين ذلك, قال مثل هـ ثلاث مرات, ثم نزل فمشى إلى المروة, ففعل على المروة كما فعل على الصفا حتى انصبت قدماه في يطن الوادي سعى, حتى إذا أصعدت قدماه مشى, حتى أتى المروة, ففعل على المروة والناس تحته فقال: " لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت

لم أسق الهدي, وجعلتها عمرة, فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة " فقام سراقة بن جعشم فقال: يا رسول الله! ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه وقال: دخلت العمرة في الحج, مرتين, " لا بل لأبد الأبد " وقدم علي من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: " ماذا قلت حين فرضت الحج " قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك صلى الله عليه وسلم, قال: " فإن معي الهدي " قال: " فأهد, وامكث حراما, فلا تحل " وقال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة, قال: فحل الناس كلهم وقصروا, إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي, فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى, فأهلوا بالحج, وركب النبي, فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر, ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس, وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة, فسار, فنزل بها, حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له, فأتى بطن الوادي, فخطب الناس, وقال: " إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا, فس شهركم هذا, في بلدكم هذا, ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع, ودماء الجاهلية موضوعة, وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث - كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل - وربا الجاهلية موضوعة, وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب, فإنه موضوع

كله, فاتقوا الله في النساء, فإنكم أخذتموهن بأمان الله, واستحللتم فروجهن بكلمة الله, ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه, فإن فعلن ذلك فاضربهن ضربا غير مبرح, ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف, وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله, وأنتم تسألون عني, فما أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأدت ونصحت, فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء, وينكتها إلى الناس: " اللهم أشهد, اللهم أشهد, اللهم أشهد " ثلاث مرات, ثم أذن بلال, قم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر, ولم يصل بينهما شيئا, ثم ركب حتى أتى الموقف, فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات, وجعل حبل المشاة بين يديه, واستقبل القبلة, فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس, وأردف أسامة خلفه, ودفع حتى أتى المزدلفة, فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين, ولم يسبح بينهما شيئا, ثم اضطجع حتى طلع الفجر, فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام, فاستقبل القبلة, فحمد الله وكبره وهلله ووحده, فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا, فدفع قبل أن تطلع الشمس, وأردف الفضل بن عباس رضي الله عنهما حتى أتى بطن الجمرة الكبرى, حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة, فرماها بسبع

حصيات, يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف, فرمى من بطن الوادي , ثم انصرف إلى المنحر, فنحر ثلاثا وستين إبلا بيده, ثم أعطى عليا فنحر ما غبر, وأشركه في هديه, ثم أمر من كل بدنة ببضعة, فجعلت في قدر فطبخت, فأكلا من لحمها, وشربا من مرقها, ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت, فصلى بمكة الظهر, فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم, فقال:: انزعوا بني عبد المطلب, فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم " فناولوه دلوا, فشرب منه. (قصة حجة الوداع) (من الصحاح): " قال جابر بن عبد الله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: مكث بالمدينة تسع سنين لم يحج " الحديث. فرض الحج سنة ست من الهجرة, وكان المسلمون والمشركون يجتمعون عليه في الموسم, وكانوا ينسؤون في كل عامين من شهر إلى شهر, حتى دخلت السنة التاسعة, فنزلت حرمة النسيء, واستقر الأمر على أن يكون الحج أبدا في ذي الحجة, وأن المشركين لا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا. وكان أبو بكر رضي الله عنه أميرا على الحج في تلك السنة, فلما جاءت السنة العاشرة, وكان الحج مستقر الأمر مخصوصا بالمسلمين,

مخلصا من شوائب الكفر وما كانت من عاداتهم السيئة, مأمونا عن مصادمتهم ومصادفتهم فيه = عن له - عليه السلام - أن يحج. قوله: " ثم ركب القصواء " (القصواء): ناقة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سميت بذلك, لأنها كانت مقطوعة طرف الأذن, يقال: ناقة قصواء, وشاة قصواء: إذا كانت مقطوعة الأذن, من: قصوت البعير والشاة أقصو قصوا: إذا قطعت طرف أذنه, وهو شاذ, لأن قياس (فعلاء) أن يكون من: فعل, ولذلك لم يقل: جمل أقصى, بل مقصو ومقصي, ونظيره في الشذوذ: (حسناء) من: حسن, يقال: امرأة حسناء, ولا يقال: (رجل أحسن) في النعت, وقيل: سميت بذلك لسبقها وإبعادها في السير. وقوله:" لسنا نعرف العمرة " أي: ما قصدناها, ولم يكن في ذكرنا, أو لا نرى العمرة في أشهر الحج, استصحابا لما كان من معتقد أهل الجاهلية, فإنهم كانوا يرون العمرة محصورة في أشهر الحج, ويعتمرون بعد مضيها. وقوله: " رمل ثلاثا" أي: أسرع في المشي. وقوله: " حتى انصبت قدماه في الوادي " أي: انحدرت مجاز من قولهم: صب الماء فانصب. وقوله: " ومشى حتى إذا صعدت قدماه " أي: أبعدت قدماه وذهبت, و (الإصعاد): الذهاب في الأرض والإبعاد فيها سواء كان في صعدة أو وهدة, كما قال تعالى: {إذ تصعدون ولا تلوون على

أحد} [آل عمران:153] , وارتفعت قدماه من بطن الوادي إلى المكان العالي, ويدل عليه إطلاقه في مقابلة الانصباب في بطن الوادي. وقوله: " لو أني استقبلت ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة, فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل, وليجعلها عمرة " معناه: لو علمت من أمري, أي: ما أمر الله وأوحى أول الأمر, ما علمت آخره لم أسق الهدي, حتى لا يلزمني إتمام الحج والصبر على الإحرام إلى أوان الذبح. " وجعلتها " أي: الحجة عمرة كما أمرتكم به, موافقة لكم, ومساواة بكم, لما أراد أن يأمرهم بجعل الحج عمرة, والإحلال بأعمالها تأسيسا للتمتع, وتقريرا لجواز العمرة في أشهر الحج, وإماطة لم ألفوا من التحرج عنها = قد قدم العذر في استمراره على ما أهل به, وتركه موافقتهم في الإحلال, تطييبا لقلوبهم, وإظهارا لرغبة في موافقتهم, وإزاحة لما عراهم من الفظاظة وكراهة المخالفة. واختلف في جواز الحج إلى العمرة, الأكثرون منعوه, فمنهم من أنكر أن إحرامهم كان بالحج معينا, قال: كان إحرامهم مبهما موقوفا على انتظار القضاء, فأمرهم أن يجعلوه عمرة, ويحرموا بالحج بعد التحلل منها. ومنهم من قال: كان إحرامهم بالحج, فأمروا بالفسخ, ولكن كان ذلك من خاصية تلك السنة, لأن المقصود منه كان صرفهم عن سنن الجاهلية, وتمكين جواز العمرة في أشهر الحج في نفوسهم,

وقد حصل, ويشهد له ما روي عن بلال بن الحارث أنه قال: قلت: يا رسول الله! فسخ الحج لنا خاصة أو لمن بعدنا؟ قال: " لكم خاصة ". وقوم جوزوه إذا لم يسق الهدي, لظاهر هذا الحديث, وهو قول أحمد. قوله: " دخلت العمرة في الحج " أي: في وقته وأشهره, وهو المناسب للحال, وقيل: معناه: دخل عمل العمرة في عمل الحج إذا قرن بينهما. وقيل: معناه: أن العمرة نفسها داخلة في الحج, وفي الإتيان به مندوحة عن الإتيان بها, وأن فرضها ساقط بوجوب الحج وفرضه, وهو قول من لا يرى العمرة واجبة كأبي حنيفة ومالك والشافعي في القديم. قوله: " فقال: ماذا قلت حين فرضت الحج؟ " أي: حين ألزمته نفسك بالإحرام, سأل عن كيفية إحرامه. قوله:" قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك "يدل على جواز تعليق الإحرام بإحرام غيره. قوله: " فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج " أي: اليوم الثامن من ذي الحجة, سمي بذلك, لأن إبراهيم - عليه السلام - تروى فيه من ذبح ولده, وقيل: لأنهم يرتوون فيه من الماء لما بعده

قوله: "وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة" (نمرة) - بفتح النون وكسر الميم -: جبل عن يمين الخارج من مأزمي عرفة إذا أراد الموقف. قوله: " قال: وإن دماءكم وأموالكم حرام عليكم " ليس لبعضكم أن يتعرض لبعض, فيهريق دمه, أو يسلب ماله حرمة التعرض لهما في هذا اليوم, وهو يوم عرفة, من هذا الشهر, وهو ذي الحجة, في هذا البلد, وهي بلد مكة, أكد التحريم بهذا التشبيه, لما تقرر عندهم ورسخ في قلوبهم أنها محرمة, وأن استباحة الدماء والأموال فيها هتك للحرمات وأعظم الخطيئات. قوله: " ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ": مجاز عن التجافي عنه والإبطال. قوله: " ودماء الجاهلية موضوعة " أي: محطوطة مهدرة, لا يؤاخذ بها. قوله: " وإن أول دم أضع من دمائنا دم ربيعة بن الحارث " يريد به: الحارث بن عبد المطلب عمه, صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه, وكان أسن من العباس, وتوفي في أيام عمر, بدأ بما هو أخص وأكثر تعلقا به, فوضع أولا دم ابن عمه الذي قتلته هذيل, وربا عمه عباس بن عبد المطلب, ليكون أدعى إلى القبول, وأمكن في القلوب, وأقطع للطمع في الترخص فيه. قوله: " فاتقوا الله في النساء, فإنكم أخذتموهن بأمان الله " أي:

بعهده, عهد إليكم بالرفق بهن والشفقة عليهن, " واستحللتم فروجهن بكلمة الله " أي: بأمره وحكمه. " ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه " أي: من حقوقكم عليهن: ألا يدخلن في مساكنكم ولا يجلسن مجالسكم أحدا بغير إذنكم ودون رضاكم, عبر عن عدم الإذن والرضا بدخوله بكراهته, فإن من رأى أحدا دخل منزله بغير إذنه كرهه وتأذى منه. " فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح " أي: شديد, من: برح به الشوق تبريحا: إذا اشتد بحيث جهده, و (برحاء الوحي): شدته. قوله: " فقال بإصبعه السبابة " أي: أشار " يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس " أي: يحركها إليهم مشيرا كالذي يضرب بها الأرض, والنكت: ضرب رأس الأنامل إلى الأرض. قوله:" فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات, وجعل حبل المشاة بين يديه ": (الصخرات): يريد بها الصخرات اللاصقة بسفح الجبل, وهو موقف الإمام, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى الوقوف به, و (حبل المشاة) - بالحاء المهملة -: جبل بعرفة, وإضافته إلى المشاة, لاجتماعهم عليه, وقيل: هو رمل مستطيل دون الحبل, والحبل: هو المستطيل من الرمل, وقيل: الضخم منه, وجمعه: حبال. قوله:" ودفع حتى أتى مزدلفة " أي: ارتحل ومضى و (مزدلفة): منزل بن عرفا تومنى, سمي بذلك, لاقتراب الناس إلى

منى بالإضافة من عرفات إليها, أو لازدلاف حواء إلى آدم بها, كما سمي جمع ' لاجتماعهما فيه. قوله:" حتى أتى بطن محسر " أي: وادي محسر, وهو واد معترض للطريق. قوله: " حصى الخذف " أي: الحصى الذي يرمى برأس الأصابع, و (الخذف) بالخاء والذال المعجمتين: الرمي برأس الأصابع. قوله: " ثم أعطى عليا رضي الله عنه فنحر ما غبر" أي: بقي, من: الغبور, وهو من أسماء الأضداد. ومن فوائد هذا الحديث: أن ابتداء الطواف ينبغي أن يكون من الركن, أعني: الركن الذي فيه الحجر الأسود, فإنه وإن أطلق الركن هاهنا قيد بذلك في حديثه الآخر المودع في (باب الطواف) , وأن استلام الركن كل مرة سنة, وهو لمسه وتقبيله, من: السلام, كان المسلم يسلم بيده عليه, أي: يصافحه. وقيل: من (السلمة) بالكسر, وهي ضرب من الحجارة, والجمع: سلام. وأن صلاتي الظهر والعصر تجتمعان بعرفة تقديما, وصلاتي المغرب والعشاء تجتمعان بمزدلفة تأخيرا. وقد اختلف العلماء في أن الموجب لهذا الجمع هو السفر أو النسك, وإلى الأول ذهب عطاء ومجاهد, وبه قال الزهري وابن جريج

والثوري وأبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه, وأحمد وإسحاق. ويدل عليه ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه كان إذا قدم مكة صلى لهم ركعتين, ثم قال: يا أهل مكة! أتموا صلاتكم, فإنا قوم سفر " ولم ينكر عليه. وإلى الثاني مال الأوزاعي ومالك وسفيان بن عيينة. وأن الإمام يستحب له أن يقف في الموقف إلى أن تغرب الشمس, ثم يدفع إلى مزدلفة ويبيت بها, ثم يرتحل منها إلى منى قبل طلوع الشمس, وكان أهل الجاهلية يقفون بها حتى تطلع. وأن التلبية تبدل بالتكبير عند رمي الجمار, واختلف في أول زمان يقطع التلبية, فقال بعضهم: إنها تقطع مع أول حصاة ترمى إلى جمرة العقبة يوم النحر, وهو قول الثوري وأبو حنيفة والشافعي, ويدل عليه ما روى الشافعي بإسناده عن ابن عباس أنه قال: أخبرني الفضل بن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه من جمع إلى منى, فلم يزل يلبي حتى رمى الجمرة. وقال مالك: يلبي حتى تزول الشمس من عرفة, ثم يقطعها, وقد روي ذلك عن علي وعائشة رضي الله عنهما. وقال الحسن: إذا صلى الصبح يقطعها, وقد روي عن ابن عمر: أنه كان يتركها إذا غدا من منى إلى عرفة. وقال أحمد وإسحاق: يقطعها بعد الفراغ من رمي الجمرة, لأن لفظة (حتى) تستدعي دخول ما بعدها فيما قبلها, وهو يخالف ما رواه

باب دخول مكة والطواف

جابر في هذه القصة, مع أن (حتى) لا تستدعي الاستمرار على التلبية إلى الفراغ من الرمي. وأن مباشرة ذبح الأضاحي خير من التوكيل فيه. وقد قيل: إنه - عليه الصلاة والسلام - إنما ذبح بيده ثلاثا وستين بدنة, ليكون لكل سنة من عمره واحدة, والله أعلم بحقائق الأمور من ذلك. ... 4 - باب دخول مكة والطواف من الصحاح: 530 - 1845 - قال نافع: إن ابن عمر رضي الله عنهما كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح, ويغتسل, ويدخل مكة نهارا, وإذا نفر مر بذي طوى, وبات بها حتى يصبح, ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ". (باب دخول مكة والطواف) (من الصحاح): " قال نافع: إن ابن عمر كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى,

حتى يصبح ويغتسل ويدخل مكة نهارا, وإذا نفر مر بذي طوى وبات بها حتى يصبح, ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ". "ذو طوى " - بفتح الطاء وضمها -: موضع بمكة داخل الحرم. والحديث دليل على أن المبيت به ذهابا وإيابا, والغسل لدخول مكة, ودخولها نهارا, من السنن. ... 531 - 1847 - عن عروة بن الزبير: قد حج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتني عائشة رضي الله عنها أن أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ, ثم طاف بالبيت, ثم لم تكن عمرة, ثم حج أبو بكر رضي الله عنه فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت, ثم لم تكن عمرة, ثم عمر, ثم عثمان مثل ذلك. " وقال عروة بن الزبير: قد حج النبي صلى الله عليه وسلم, فأخبرتني عائشة أنه أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ, ثم طاف بالبيت, ثم لم تكن عمرة, ثم حج ". هكذا رواه البخاري, وروى غيره: " ثم لم يكن غيره " بدل: " ثم لم تكن عمرة ". على الأول معناه: أنه - عليه السلام - أفرد بالحج في تلك السنة, ولم يكن منه عمرة, وعلى الثاني: الأولى أن يحمل على هذا, توفيقا

بين الروايتين, ويحتمل أن يفسر بأنه لم تكن هناك له تحلل من الإحرام, بل أقام على إحرامه حتى نحر هداياه. وفيه دليل على استحباب طواف القدوم. ... 532 - 1853 - وقال ابن عباس رضي الله عنهما: طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن ". " وعن ابن عباس قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير, يسلم الركن بمحجن " (المحجن): خشب في رأسه اعوجاج كالكلاب يحرك به البعير, من قولك (حجنت الشيء): إذا جذبته وضممته إلى نفسك, وهو دليل على جواز الطواف راكبا, والمشي فيه أفضل, وإنما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع, لأن الناس غشوه وازدحموا عليه, فركب ليشرف لهم, ويراه القريب والبعيد. وأن الطائف إذا عسر عليه أن يستلم بيده فله أن يستلم بسوط ونحوه. ... 533 - 1856 - وقالت عائشة رضي الله عنها: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج, فلما كنا بسرف طمثت, فدخل النبي صلى الله عليه وسلم

وأنا أبكي, فقال: " لعلك نفست "؟ قلت: نعم, قال: " فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم, فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري " " عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج, فلما كنا بسرف طمثت, فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي, فقال: لعلك نفست؟ قلت: نعم, قال: فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم, فافعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري ". " سرف " - بفتح السين وكسر الراء -: موضع على ستة أميال من مكة, ويروى مصروفا وممنوعا على تأويل المكان والبقعة, و (نفست المرأة) - بفتح النون -: طمثت أي: حاضت, و (نفست) -بالضم -: ولدت, وقد جاء فيه الفتح. والحديث دليل على أن الحيض لا يفسد الحج, وأن للحائض أن تأتي بالمناسك كلها غير الطواف, فإنها تؤخره إلى أن تطهر. ... من الحسان: 534 - 1861 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن, فسودته خطايا بني آدم " صحيح.

(من الحسان): " عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن, فسودته خطايا بني آدم ". لعل هذا الحديث جار مجرى التمثيل والمبالغة في تعظيم شأن الحجر الأسود, وتفظيع أمر الخطايا والذنوب. والمعنى: أن الحجر لما له من الشرف والكرامة, وما فيه من اليمن والبركة يشارك جواهر الجنة, فكأنه نزل منها, وأن خطايا بني آدم تكاد تؤثر في الجماد, فتجعل المبيض منها مسودا, فكيف بقلوبهم؟! أو لأنه من حيث إنه مكفر للخطايا محاء للذنوب, لما روي عن ابن عمر: أنه كان يزاحم على الركنين, وقال: سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن مسحهما كفارة للخطايا " = كأنه من الجنة, ومن كثرة تحمله أوزار بني آدم صار كأنه ذا بياض شديد, فسودته الخطايا. هذا, وإن احتمال إرادة الظاهر غير مدفوع عقلا ولا سمعا, والله أعلم بالحقائق والمطلع على ما في الضمائر. ... 535 - 1862 - وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ف الحجر: " والله ليبعثه الله يوم القيامة له عينان بصر بهما, ولسان ينطق به, يشهد على من استلمه بحق, وعلى من استلمه بغير حق ". " وعنه: أنه _ عليه السلام - قال في الحجر: والله ليبعثه الله يوم

القيامة له عينان يبصر بهما, ولسان ينطق ويشهد على من استلمه بحق " شبه خلق الحياة والنطق فيه بعد أن كان جمادا لا حياة فيه بنشر الموتى وبعثها, وذلك لا امتناع فيه, فإن الأجسام متساوية في الجسمية وقبول الأعراض التي منها الحياة والنطق, والله سبحانه قادر على جميع الممكنات, لكن الأغلب على الظن أن المراد منه تحقيق ثواب المستلم, وأن سعيه لا يضيع, وأن أجره لا يفوت عنه. ونظيره: قوله - عليه السلام - لأبي سعيد الخدري: " أذن وارفع صوتك, فإنه لا يسمع صوتك حجر ولا مدر إلا شهد لك به يوم القيامة ". والمراد من (المستلم بالحق): من استلم اقتفاء لأثره, وامتثالا لأمره. ... 536 - 1865 - عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما بين ركن بني جمح والركن الأسود: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار {. " وعن عبد الله بن السائب: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فيما بين ركن بني جمح والركن الأسود: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} [البقرة: 201] ".

باب الوقوف بعرفة

(ركن بني جمح): هو الركن اليماني, سمي بذلك لأنه يلي دورهم, وهو بطن من قريش. ... 5 - باب الوقوف بعرفة من الصحاح: 537 - 1872 - وقالت عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة, وإنه ليدنو, ثم يباهي بهم الملائكة, فيقول: ما أراد هؤلاء؟ ". (باب الوقوف بعرفة) (من الصحاح): " قالت عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة, وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة, فيقول: ما أراد هؤلاء؟ ". لما كان الحج عرفة, والحج يهدم ما قبله كان ما في يوم عرفة من الخلاص عن العذاب والعتق من النار أكثر ما يكون في سائر الأيام, ولما كان الناس يتقربون إلى الله تعالى في ذلك اليوم بأعظم القربات, والله سبحانه أبر بهم, وألطف فيه من سائر الأيام عبر عن هذا المعنى

بالدنو منهم في الموقف, ليدنو منهم بفضله ورحمته, " ثم يباهي بهم " أي: يفاخر, والمعنى: أنه يحلهم من قربه وكرامته محل الشيء المباهى به. ... من الحسان: 538 - 1873 - عن عمرو بن عبد الله بن صفوان, عن خال له يقال له: يزيد بن شيبان أنه قال: كنا في موقف لنا بعرفة يباعده عمرو من موقف الإمام جدا, فأتانا ابن مربع الأنصاري, فقال: إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم, يقول لكم: " قفوا على مشاعركم, فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم عليه السلام ". (من الحسان): " عن عمرو بن عبد الله بن صفوان, عن خال له يقال له: يزيد بن شيبان, قال: كنا في موقف لنا بعرفة, يباعده عمرو عن موقف الإمام جدا, فأتانا ابن مربع الأنصاري فقال: إني [رسول] رسول الله إليكم, يقول: قفوا على مشاعركم, فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم عليه السلام ". " في وقف لنا بعرفة " أي: في موقف كان لنا في قديم الزمان يقف أسلافنا فيه قبل الإسلام.

وقوله: " يباعده عمرو" أي: يجعله بعيدا بوصفه بالبعد, و"جدا " نصب على المصدر, أي: يجد في التبعيد جدا. " فأتانا ابن مربع " بكسر الميم: يزيد بن مربع الأنصاري, من بني حارثة, و (المشاعر) جمع: مشعر, يريد بها مواضع النسك, سميت بذلك لأنها معالم العبادات. وقوله: " فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم عليه السلام ": بالاستقرار والتثبت على الوقوف في مواقفهم القديمة, علل ذلك بأن موقفهم موقف إبراهيم عليه السلام, ورثوه منه, ولم يخطوا في الوقوف فيه عن سنته, فإن عرفة كلها موقف, والواقف بأي جزء منها آت بسنة إبراهيم, متبع لطريقته, وإن بعد موقفه عن موقف النبي صلى الله عليه وسلم, أراد بذلك إعلانهم بأن عرفة كله موقف, حتى لا يتوهموا أن الموقف ما اختاره النبي صلى الله عليه وسلم لا غير, ولا يتنازعوا في المواقف ولا يتشاجروا عليها. ... 539 - 1876 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير الدعاء دعاء يوم عرفة, وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو على كل شيء قدير ". " عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير الدعاء دعاء يوم عرفة, وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله

وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ". لما شارك الذكر الدعاء في أنه جالب للثواب, ووصلة على حصول الطلبات ساغ عده من جملة الدعاء. وقد قيل لسفيان بن سعيد الثوري: هذا هو الثناء, فأين الدعاء؟ فأنشد قول أمية بن أبي الصلت في ابن جدعان: أأذكر حاجتي أم كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرضه الثناء وقد سبق مثله في (كتاب الدعوات) وهاهنا يحتمل إجراء ما في قوله: " وخير ما قلت " على العموم, ليتناول الذكر وغيره. ... 540 - 1877 - عن طلحة بن عبيد الله بن كريز رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما رؤي الشيطان وما هو فيه أصغر, ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة, وما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة, وتجاوز الله تعالى عن الذنوب العظام, إلا ما كان من يوم بدر " فقيل: وما رأى من يوم بدر؟ فقال: "إنه قد رأى جبريل وهو يزع الملائكة" مرسل. " وفي حديث طلحة بن عبيد الله بم كريز - بفتح الكاف وكسر الراء وهو من تابعي الشام - ولذلك حكم بإرساله -: ما رئي الشيطان يوما

هو فيه أصغر ولا أدحر ". أي: أبعد وأذل, اسم تفضيل للمفعول, من: الدحور, وهو الطرد والإبعاد, قال تعالى: {فتلقى في جهنم ملوما مدحورا} [الإسراء: 39] أي: مبعدا من رحمة الله. وفيه: " أنه قد رأى جبريل وهو يزع الملائكة " أي: يرتبهم فيكف أولهم على آخرهم, ومنه (الوازع) , وهو الذي يتقدم الصف فيصلحه, فيقدم بعضا ويؤخر بعضا. ... 541 - 1878 - عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان يوم عرفة إن الله ينزل إلى السماء الدنيا, فيباهي بهم الملائكة, فيقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم, فتقول الملائكة: يا رب! فلان كان يرهق, وفلان وفلانة, قال: يقول الله عز وجل: قد غفرت لهم ". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فما من يوم أكثر عتيقا من النار من يوم عرفة ". " وفي حديث جابر: ضاجين من كل فج عميق ". أي: أتوا ضاجين من كل طريق بعيد.

باب الدفع من عرفة والمزدلفة

وفيه: " فتقول الملائكة: يا رب! كان يرهق " أي: يظلم, قال تعالى: {فلا يخاف بخسا ولا رهقا} [الجن: 13] , أي: نقصا ولا ظلما. وقيل: معناه: أنه كان يغشى المحارم من شرب الخمر وغيره, وروي: " يزهق " - على ما لم يسم فاعله - من: (فعل) بمعنى: أنه كان يتهم بالسوء. وفيه: أن من آداب أرباب الكمال ألا يصرحوا بمعايب أرباب النقصان والعيوب, ولا يبتوا بفجور أصحاب الذنوب, وإن كانوا واقفين مطلعين عليها, وإنما قالوا ذلك, تعجبا منهم بعظم الجريمة, أو استعلاما لدخول صاحب مثل هذه الكبيرة في عداد المغفورين ببركة الحج يوم عرفة, والله أعلم. ... 6 - باب الدفع من عرفة والمزدلفة من الصحاح: 542 - 1879 - عن هشام بن عروة, عن أبيه أنه قال: سئل أسامة: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في حجة الوداع حين دفع؟ قال: كان يسير العنق, فإذا وجد فجوة نص.

(باب الدفع عن عرفة والمزدلفة) (من الصحاح): " عن هشام بن عروة, عن أبيه أنه قال: سئل أسامة: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في حجة الوداع حين دفع؟ قال: كان يسير العنق, فإذا وجد فجوة نص ". يريد بـ (أسامة): أسامة بن زيد. " حين دفع " أي: انصرف من عرفة إلى مزدلفة, سمي ذلك دفعا, لأنهم يزدحمون إذا انصرفوا, فيدفع بعضهم بعضا, أو لأنهم يدفعون به أنفسهم إلى مزدلفة, و (العنق): السير السريع. قال الراجز: يا ناق سيري عنقا فسيحا إلى سليمان فنستريحا وانتصابه على المصدر انتصاب القهقرى في قولهم: (رجع القهقرى) و (الفجوة) و (الفرجة) , يريد بها: المكان الخالي عن المارة, و (النص): السير الشديد, وأصله: الاستسقاء والبلوغ [إلى] غاية الشيء, وقد حكى مالك عن هشام أنه قال: والنص فوق العنق. ... 543 - 1880 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم

عرفة, فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجرا شديدا, وضربا للإبل, فأشار بسوطه إليهم, وقال: " يا أيها الناس, عليكم بالسكينة, فإن البر ليس بالإيضاع ". " وفي حديث ابن عباس: إن البر ليس بالإيضاع " أي: الإسراع, هو في الأصل: حمل الدابة على الإسراع وتهييجها, قال: أوضع بعيره: إذا أسرع به, ومثله: الإيجاف. ... 544 - 1883 - وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لميقاتنا إلا صلاتين: صلاة المغرب والعشاء بجمع, وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها. " وفي حديث ابن مسعود: وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها ". أي: قبل الوقت الذي يصليها فيه كل يوم. ... من الحسان: 545 - 1887 - عن محمد بن قيس ين مخرمة قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إن أهل الجاهلية كانوا يدفعون من عرفة حين تكون الشمس كأنها عمائم الرجال في وجوههم قبل أن تغرب, ومن

المزدلفة بعد أن تطلع الشمس حين تكون كأنها عمائم الرجال في وجوههم, وإنا لا ندفع من عرفة حتى تغرب الشمس, وندفع من المزدلفة قبل أن تطلع الشمس, هدينا مخالف لهدي أهل الأوثان والشرك ". (من الحسان): " عن محمد بن قيس بن مخرمة قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أهل الجاهلية كانوا يدفعون من عرفة حين تكون الشمس كأنها عمائم الرجال في وجوههم قبل أن تغرب, ومن المزدلفة قبل أن تطلع الشمس, حين تكون كأنها عمائم الرجال في وجوههم, وإنا لا ندفع من عرفة حتى تغرب الشمس, وندفع من المزدلفة قبل أن تطلع الشمس, هدينا مخالف لهدي الأوثان والشرك ". شبه ما يقع من الضوء على الوجه طرفي النهار حين ما دنت الشمس من الأفق بالعمامة, لأنه يلمع في وجهه لمعان بياض العمامة, والناظر إذا نظر إليه يجد الضوء في وجهه ككور العمامة فوق الجبين. والمعنى: أنا نخالف الجاهلين بتأخير الدفع من عرفة, وتقديمه من مزدلفة, لأن " هدينا " أي: طريقتنا " مخالف " لطريقتهم, فأخرج العلة مخرج الاستئناف للمبالغة, ووضع المظهر موضع المضمر, للدلالة على ما هو المقتضي للمخالفة والداعي إليها, وأضاف (الهدي) إلى " الأوثان " و" الشرك " والمراد: هدي أهلها, لأنهما كالآمرين لهم

بما فعلوه واتخذوه سبيلا. ... 546 - 1888 - قال ابن عباس رضي الله عنهما: قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات, فجعل يلطح أفخاذنا, ويقول: " أبني! لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ". " وقال ابن عباس: قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة - أغيلمة بني عبد المطلب - على حمرات, فجعل يلطح أفخاذنا ويقول: أبيني! لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ". أي: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل سائر الناس, وهو يدل على استحباب تقديم الضعفة كالصبيان, حتى لا يتخلفوا ولا يتأذوا بالاستعجال والازدحام. و (أغيلمة): تصغير (غلمة) جمع: غلام قياسا, كما أن (أصيبية) تصغير (صبية) جمع: صبي قياسا, وإن لم يستعملا, وإن المستعمل في جمعها (غلمة) و (صبية) , وانتصابها على الاختصاص. و"حمرات " جمع: حمر هو جمع: حمار. و" اللطح - بالحاء المهملة - ضرب لين ببطن الكف. و (أبيني) تصغير أبني بوزن أعمى, وهو اسم جمع للابن.

باب رمي الجمار

هكذا ذكره جار الله في كتابه " الفائق " قال: وإن يك لا ساء فقد ساءني ... ترك أبينيك إلى غير راع ... 7 - باب رمي الجمار من الصحاح: 547 - 1895 - وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الاتجمار تو, ورمي الجمار تو, والسعي بين الصفا والمروة تو, وإذا استجمر أحدكم فليستجمر بتو " أي: وتر. (باب رمي الجمار) (من الصحاح): " عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الاستجمار تو, ورمي الجمار تو, والسعي بين الصفا والمروة تو ". " الاستجمار ": الاستنجاء بالحجر, و"التو": الفرد, دل الحديث على أن الإتواء في أفعال الثلاثة مشروع ***

باب الهدي

من الحسان: 548 - 1896 - عن قدامة بن عبد الله بن عامر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة يوم النحر على ناقة له صهباء, ليس ضرب, ولا طرد, وليس قيل: إليك إليك. (من الحسان): " عن قدامة بن عبد الله قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي يوم النحر على ناقة صهباء, ليس ضرب ولا طرد, وليس قيل: إليك إليك. (الصهباء): وهي التي يخالط بياضها حمرة, من: (الصهبة) وهي الشقرة, و"قيل ": مصدر, يقال قلت قيلا وقولا وقالا مقالا ومقالة. وقوله: " إليك إليك " أي: ضم إليك ثوبك, وتنح عن الطريق. ... 8 - باب الهدي من الصحاح: 549 - 1899 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة, ثم دعا بناقته, فأشعرها في جنة صفحة سنامها الأيمن, وسلت الدم, وقلدها نعلين, ثم ركب راحلته, فلما استوت

به على البيداء أهل بالحج. (باب الهدي) (من الصحاح): " عن ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة, ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن, وسلت الدم [عنها] , وقلدها نعلين, ثم ركب راحلته, فلما استوت به على البيداء أهل بالحج ". " دعا بناقته " أي: دعا أن يؤتى بناقته, أي: الناقة التي أراد أن يجعلها هديا, ولعلها كانت من جملة رواحله. " فأشعرها " أي: أعلمها, من: الشعور, والمعنى: أنه طعن في صفحة سنامها الأيمن حتى يسيل منه الدم, فيعلم أنه هدي. " وسئلت الدم " أي: قطعه وأماطه, من قولهم: سلتت المرأة خضابها: إذا أزالته, وأصله: القطع, يقال: سلت فلان أنف فلان: إذا قطعه, وكان من عادة أهل الجاهلية إشعار الهدي وتقليده بنعل أو عروة أو لحاء شجرة أو غير ذلك, ليشعر بأنه هدي خارج عن ملك المهدي, فلا يتعرض له السراق وأصحاب الغارات. فلما جاء الإسلام ورأى عرضهم في ذلك معنى صحيحا قرر ذلك, وذهب أكثر العلماء إلى أن إشعار الهدي وتقليده على ما جاء في الحديث سنة.

وقال أبو حنيفة: يحرم الإشعار. وقال مالك وأبو يوسف: يشعر في صفحة سنامها اليسرى. ... 550 - 1903 - وقالت عائشة رضي الله عنها: فتلت قلائد بدن النبي صلى الله عليه وسلم بيدي, ثم قلدها وأشعرها, وأهداها, فما حرم عليه شيء كان أحل له. 551 - 1904 - وقالت: فتلت قلائدها من عهن كان عندي, ثم بعث بها مع أبي. " وقالت عائشة: فتلت قلائد بدن الرسول صلى الله عليه وسلم بيدي, ثم قلدها وأشعرها, وأهداها, فما حرم عليه شيء كان أحل له ". " وقالت: فتلت قلائدها من عهن كان عندي, ثم بعث بها مع أبي ". يريد بـ (البدن): البدن التي أهداها وبعث بها مع أبي بر في العام السابق على العام الذي حج بنفسه, ويدل عليه سياق الحديث. وقولها:" فما حرم عليه شيء كان أحل له ": إنما قالته ردا لما بلغها من فتيا ابن عباس فيمن بعث هديا إلى مكة أنه يحرم عليه ما يحرم على المحرم, حتى يبلغ الهدي محله, وينحر, و (العهن):

الصوف, قيل: هو الموصوف المصبوغ ألوانا, والعهنة: القطعة منه. ... 552 - 1907 - وقال ابن عباس رضي الله عنهما: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بست عشرة بدنة مع رجل وأمره فيها, فقال: يا رسول الله كيف أصنع بما أبدع علي منها؟ قال: " انحرها, ثم اصبغ نعليها في دمها, ثم اجعلها على صفحتها , ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك ". " وقال ابن عباس: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بست عشرة بدنة مع رجل وأمره فيها, فقال: يا رسول الله! كيف أصنع بما أبدع علي؟ قال: انحرها ثم اصبغ نعليها في دمها, ثم اجعلها على صفحتها ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك ". هذا الرجل قيل: إنه ناجية بن جندب الأسلمي. و" أمره فيها " أي: جعله أميرا فيها. " بما أبدع علي " أي: عطب, من قولهم: أبدعت الراحلة: إذا انقطعت عن السير بكلال أو ضلع, كأنها أبدعت الراحلة بانقطاعها عما كانت مستمرة عليه من عادة السير أمرا خارجا هما اعتيد منها وألف, وكان أصله: بما أبدع علي منها, فحذف الجار والمجرور

الثاني والراجع إلى الموصول الذي هو فاعل (أبدع) , وبني الفعل للمفعول وأسند إلى الجار والمجرور الثاني والراجع إلى الموصول الذي هو فاعل أبدع, وبنى الفعل للمفعول وأسند إلى الجار والمجرور الأول, كما أسند من نحو: سير بزيد, وإنما جاز قوع [وقوع] هذه الجملة صلة وهي خالية عن الراجع, لأنها في معنى (عطب) المتضمن له, وقد جاءت الرواية به. ونظيره: هذا حلو حامض, فإن كل واحد منهما خال عن الراجع, لعدم استقلاله, وإنما صح وقوع المجموع خبرا, لأنه في معنى (المز) المتضمن له, وإنما قال: (علي) والمستعمل: (أبدع بي) , لأن عطبة كل عليه, وللفرق بين انقطاع الراحلة وانقطاع ما يسوقه. وقوله: " اصبغ نعليها " أي: النعلين المقلد لهما, ونهى السائق ورفقته عن الأكل منها, قطعا لأطماعهم, حتى لا يحملهم القرم إلى اللحم على الاستعجال في النحر, ودفعا للتهمة عنهم, ولهذا إذا أبدع على المالك في الطريق, فذبحها ليس له ولا أحد من أهل رفقته أن يأكلوا منها, سواء كانوا فقراء أو أغنياء, إذا كان هديا أوجب على نفسه, فإن كان تطوعا فله أن يتموله ويأكل منه, ولا شيء عليه, وهو مذهب الشافعي وغيره من أهل العلم, فإن مجرد التقليد لا يخرجه عن ملكه وتصرفه إلى أن ينحر. وعن بعض المالكية: أن التقليد كالإيجاب, فيذبحه, ولا يحل له ولا لرفقته أكل شيء منه, فإن أكله هو أو أحد من رفقته حيث

لم يجز لزمه الغرم. ... 553 - 1909 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها, فقال: ابعثها قياما مقيدة, سنة محمد صلى الله عليه وسلم. " وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها, قال: ابعثها قياما مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم ". " قياما " بمعنى: قائمة, وقد صحت الرواية بها أيضا, وانتصابه على الحال, والعامل فعل محذوف دل عليه قرينة الحال, أي: انحرها قائمة مقيدة, و" سنة " نصب بعامل مضمر على أنه مفعول به, والتقدير: فاعلا بها, أو: مقتفيا في نحرها سنة محمد عليه الصلاة والسلام, أو مصدر دل على فعله مضمون الجملة السالفة. ... من الحسان: 554 - 1912 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية في هدايا رسول الله صلى الله عليه وسلم جملا كان لأبي جهل, في رأسه برة من فضة يغيظ بذلك المشركين ". ويروى: برة من ذهب.

(من الحسان): " عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية في هدايا رسول الله جملا كان لأبي جهل, في رأسه برة من فضة, يغيظ بذلك المشركين ". " عام الحديبية " هي السنة السادسة من الهجرة, توجه فيها رسول الله [إلى] مكة للعمرة, فأحصره المشركون بالحديبية, وهو موضع من أطراف الحل, قصته مشهورة. و" جملا" نصب بـ"أهدى" و" في هدايا ": صلة له, وكان حقه أن يقول: في هداياه, فوضع المظهر موضع المضمر, وكان ذلك مع أبي جهل بدر, فاغتنم. " في رأسه برة من فضة " أي: في أنفه حلقة فضة, فإن البلاة هي الحلقة التي تجعل في أنف البعير, لكن لما كان الأنف من الرأس قال: (في رأسه) على الاتساع, قال أبوعلي: وأصلها بروة, لأنها تجمع على برى, مثل: قرية وقرى, وقد تجمع على: (برات) و (برون) , كـ (ثبات) و (ثبون). ... 555 - 1916 - عن عبد الله بن قرط عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أفضل الأيام عند الله يوم النحر, ثم يوم القر". وقال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدنات خمس أو ست, فطفقن يزدلفن

إليه بأيتهن يبدأ, فلما وجبت جنوبها, قال: فتكلم بكلمة خفية لم أفهمها, فسألت الذي يليه فقال: قال: " من شاء فليقتطع ". " عن عبد الله بن قرط, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أفضل الأيام عند الله يوم النحر, ثم يوم القر ". " يوم القر": أول أيام التشريق, سمي بذلك لأن الحاج يقرون فيه بمنى, ولا ينفرون عنه, بخلاف اليومين الآخرين, ولعل المقتضي لفضلهما فضل ما يخصهما من وظائف العبادات. " وعنه قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدنات خمس أو ست, فطففن يزدلفن إليه, بأيتهن يبدأ, فلما وجبت جنوبها قال: فتكلم بكلمة خفية لم أفهمها, فسألت الذي يليه, فقال: قال: من شاء فليقتطع ". "بدنات" - بفتح الدال - جمع: بدنة. و" يزدلفن " بمعنى: يتقربن منه ويتقدمن نحوه, وأصله: الزلفة, والدال مبدلة من تاء الافتعال. وقوله: " فلما وجبت جنوبها " معناه: سقطت جنوبها على الأرض, وهي كناية عن موتها وزهوق روحها, فإنها إذا كانت تنحر قياما كان سقوطها على الأرض حين تزهق روحها وتتقطع قواها. ***

باب الحلق

9 - باب الحلق من الصحاح: 556 - 1918 - وقال ابن عباس رضي الله عنهما: قال لي معاوية: إني قصرت من رأس النبي صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص. (باب الحلق) (من الصحاح): " قال ابن عباس: قال لي معاوية: إني قصرت من رأس النبي صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص ". كان هذا في عمرة, لأن الحاج يحلق بمنى, فلا يعارض ما روى ابن عمر: أنه - عليه الصلاة والسلام - حلق رأسه في حجة الوداع, ولعل ذلك كان في عمرة الجعرانة, اعتمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة, وأراد الرجوع منها في السنة الثامنة من الهجرة, أو عمرة القضاء, إن صح ما روي عنه: إني أسلمت عام القضية, والأصح: أنه أسلم عام الفتح, و (المشقص): ما طال وعرض من النصال. قال الشاعر: سهام مشاقصها كالحراب ***

557 - 1921 - وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى, فأتى الجمرة فرمى بها, ثم أتى منزله بمنى, ونحر نسكه, ثم دعا بالحلاق, وناول الحالق شقه الأيمن, فحلقه, ثم أتى أبا طلحة الأنصاري, فأعطاه إياه, ثم ناول الشق الأيسر, فقال: احلق, فحلقه, فأعطاه أبا طلحة, فقال: اقسمه بين الناس". عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى, فأتى الجمرة فرمى بها, ثم أتى منزله بمنى, ونحر نسكه, ثم دعا بالحلاق, وناول الحالق شقه الأيمن, فحلقه, ثم أتى أبا طلحة الأنصاري, فأعطاه إياه, ثم ناول الشق الأيسر, فقال: احلق, فحلقه, فأعطاه أبا طلحة, فقال: اقسمه بين الناس". (النَّسك) في الأصل: التطهير, يقال: نسكت الثوب نسكا بمعنى: غسلته وطهرته, ثم استعمل في العبادة, لأنها تكفر الخطايا وتذهب السيئات, ثم اختص عرفا بأفعال الحج, لما لها من مزيد الأثرة في تطهير النفس عن الذنوب ومحو الأوزار, قال عليه السلام: " الحج يهدم ما قبله " ثم لما كان من أفعال الحج ذبح الهدايا والقرابين

فصل

سميت الذبيحة: نسيكة, وجمعها: نسك. والحلاق هو معمر بن عبد الله بن نافع بن فضلة القرشي العدوي, وأبو طلحة هذا هو الذي حفر قبره عليه السلام, ولحد له, ولعله إنما قسم شعره في أصحابه, لأنه علم أن أجله قد اقترب, فأراد أن يكون ذلك تذكرة لهم, وتركة باقية بين أظهرهم. ... فصل من الصحاح: 558 - 1926 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه, فجاء رجل فقال: لم أشعر, فحلقت قبل أن أذبح, فقال: اذبح؟ ولا حرج " فجاءه آخر وقال: لم أشعر, فنحرت قبل أن أرمى, فقال: " ارم ولا حرج " فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم أو أخر إلا قال: " افعل ولا حرج ". وفي رواية: " أتاه رجل فقال: حلقت قبل أن أرمي, قال: " ارم ولا حرج ", وأتاه آخر فقال: أفضت إلى البيت قبل أن أرمي, فقال: " ارم ولا حرج ".

(فصل) (من الصحاح): " عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه, فجاءه رجل فقال: لم أشعر, فحلقت قبل أن أذبح, فقال: اذبح ولا حرج, فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي, قال: ارم ولا حرج, فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج ". " لم أشعر " - بضم العين - أي: لم أعلم ترتيب أعمال النحر, وهو أن يرمي ثم يذبح, ثم يحلق, ثم يطوف, واختلف في أنه محبوب لا شيء في تركه, أو واجب يتعلق الدم بتركه, وإلى الأول ذهب أكثر علماء الصحابة والتابعين, وبه قال الشافعي أحمد وإسحاق, لهذا الحديث وأمثاله, وإلى الثاني مال ابن جبير, وبه قال أبو حنيفة ومالك, وأولوه. وقوله:" ولا حرج " على رفع الإثم لجهله دون الفدية, ويدل على هذا: أن ابن عباس روى مثل هذا الحديث وأوجب الدم, فلولا أنه فهم ذلك وعلم أنه المراد لما أمر بخلافه. ***

باب الخطبة يوم النحر ورمي أيام التشريق والتوديع

10 - باب الخطبة يوم النحر ورمي أيام التشريق والتوديع من الصحاح: 559 - 1929 - عن أبي بكرة رضي الله عنه عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر قال: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض, السنة اثنا عشر شهرا, منها أربعة حرم, ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم, ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان " ثم قال: " أي شهر هذا؟ فقلنا: الله ورسوله أعلم, قال:" أليس ذي الحجة؟ " قلنا: بلى, قال: " فأي بلد هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم, قال: " أليس البلدة؟ " قلنا: بلى, قال: " فأي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم, قال: " أليس يوم النحر؟ " قلنا: بلى, قال: " فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام, كحرمة يومكم هذا, في بلدكم هذا, في شهركم هذا, وستلقون ربكم, فيسألكم عن أعمالكم, ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض, ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم, قال: " اللهم اشهد, فليبلغ الشاهد الغائب, فرب مبلغ أوعى من سامع ".

(باب الخطبة يوم النحر ورمي أيام التشريق والتوديع) (من الصحاح): " عن أبي بكرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر, فقال: الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض, السنة اثنا عشر شهرا, منها أربعة حرم, ثلاث متواليات: ذو القعدة, وذو الحجة, ومحرم, ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان " الحديث. " خطبنا ": وعظنا, وأصل الخطب: المراجعة في الكلام. و" استدار " بمعنى: دار, والمراد: أن الزمان في انقسامه إلى الأعوام وانقسام الأعوام إلى الأشهر عاد إلى أصل الحساب, والوضع الذي اختاره الله ووضعه يوم خلق السماوات والأرض, وهو أن يكون كل عام اثني عشر شهرا, وكل شهر ما بين تسعة وعشرين إلى ثلاثين يوما, لأنه لما كان الزمان مقدار أسرع الحركات العلوية, وكان أظهر المتحركات الفلكية التي يحسن بحركاتها الخاص والعام الشمس والقمر = جعلهما الله تعالى علمين يعرف بهما مقادير الأزمنة وتفاصيل حسبانها, قال الله تعالى: {الشمس والقمر بحسبان} [الرحمن: 5] أي: بحساب معلوم بين, يجريان في بروجهما ومنازلهما. وبني وضع السنين على حركات الشمس, ووضع الشهور على حركات القمر, وكانت العرب في جاهليتهم غيروا ذلك, فجعلوا عاما اثني عشر شهرا, وعاما ثلاثة عشر, فإنهم كانوا ينسؤون الحج في كل

عامين من شهر إلى شهر آخر بعده, ويجعلون الشهر الذي أنسؤوه ملغى, فتصير تلك السنة ثلاثة عشر, وتتبدل أشهرها, فيحلون الأشهر الحرم ويحرمون غيرها, كما قال تعالى: {إنما النسيء زيادة في الكفر} [التوبة: 37] الآية, فأبطل الله تعالى ذلك, وقرره على مداره الأصلي. " ورجب مضر ": عطف على " ثلاث ", وتخصيصه بمضر, لأنهم كانوا يعظمونه أكثر ما يعظمون غيره من الأشهر الحرم, ويشددون في تحريمه غاية التشديد, ولذلك سمي رجبا. وتوصيفه بالذي " بين جمادى وشعبان " للتأكيد وإماطة الشبهة الحادثة فيه من النسيء. وقوله: ط أي شهر هذا ": يريد تذكارهم حرمة الشهر, وتقريرها في نفوسهم, ليبني عليها ما أراد تقريره. وقولهم في الجواب: " الله ورسوله أعلم " مراعاة للأدب, وتحرز عن التقدم بين يدي الله ورسوله, وتوقف فيما لا يعلم الغرض من السؤال عنه. ... 560 - 1934 - وقال أنس رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء, ثم رقدة بالمحصب, ثم ركب إلى البيت, فطاف به. " قال أنس: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء

ثم رقد رقدة بالمحصب, ثم ركب إلى البيت وطاف به " الجار والمجرور تنازع عليه الفعلان, أعني: "صلى" و"رقد". " المحصب " - بفتح الصاد والتشديد -: يريد به الشعب الذي يلي أحد طرفيه منى, ويتصل الآخر بالأبطح وينتهي عنده, ولذلك لم يفرق الراوي بينهما, فروى في هذا الحديث: أنه صلى بالمحصب, وفي حديثه الآخر: أنه صلى بالأبطح واختلف العلماء في التحصيب, وهو: أن الحاج إذا نفر من منى بعد الرمي إلى مكة للتوديع يقيم بهذا الشعب حتى يرقد ساعة من الليل ثم يدخل مكة, فذهب ابن عمر إلى أنه سنة, لفعله عليه السلام. وقال ابن عباس: لا سنة فيه, وإنما اتفق نزوله - عليه السلام - فيه للاستراحة بلا قصد نسك. ... 561 - 1939 - وقالت عائشة رضي الله عنها: حاضت صفية ليلة النفر, فقالت: ما أراني إلا حابستكم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " عقري, حلقي, أطافت يوم النحر؟ " قيل: نعم, قال: " فانفري ". ويؤيده: حديث عائشة: وقالت عائشة: حاضت صفية ليلة النفر, فقالت: ما أراني إلا حابستكم؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " حلقى عقرى, أطافت يوم

النحر؟ " قيل: نعم, قال:" فانفري ", ظنت صفية أن طواف الوداع كطواف الزيارة في تمام الحج في أنه لا يجوز تركها بالأعذار, فقالت: (ماأراني) , أي: ما أظنني (إلا حابستكم) أي: عن الرحلة إلى المدينة, فتوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت قولها, لأنها قصرت فلم تطف للزيارة, ولذلك دعا عليها, فسأل أنها: هل طافت يوم النحر؟ فلما علم أنها طافت للزيارة أمرها بالنفار. و"عقرى حلقى): منصوبتان على المصدر, فكان الأصل فيهما أن ينونا كسائر المصادر المنكرة الواقعة في الدرج, غير أنه أبدلت التنوين بالألف إجراء للوصل مجرى الوقف, والتقدير: عقرها عقرا, وحلقها حلقا. والعقر: قطع العصب, والحلق: توجع الحلق, وقيل: المراد به: حلق الشعر, لأنهن يفعلن ذلك في شدائد المصائب, هذا وأمثال ذلك مثل: ثكلتك أمك, وتربت يمينك, ولا أبا لك, مما يقع في كلامهم, للدلالة على تهويل الخبر وأن ما سمعه لم يوافقه, لا للقصد إلى وقوع مدلوله الأصلي والدلالة على التماسه. ... من الحسان: 562 - 1941 - عن رافع بن عمرو المزني قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة

باب ما يجتنبه المحرم

شهباء, وعلي يعبر عنه, والناس بين قائم وقاعد. " عن رافع بن عمرو المزني قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء, وعلي يعبر عنه, والناس بين قائم وقاعد ". (الشهباء): البيضاء التي يخالط بياضها سواد, و (الشهبة): البياض الذي يخالطه سواد مغلوب به. " وعلي يعبر عنه " أي يبلغ, والتعبير في الأصل: إنهاء المعنى بتوسط العبارة, سواء كان ذلك المعنى في نفسك أو سمعته بعبارة غيرك, فبلغته منه, يقال: عبر عما في ضميره, أي: أعرب عما في نفسه, وعبر عن فلان: إذا تكلم عنه, وكان في ذلك الموضع كثرة وازدحام عظيم, لا يبلغ صوته أخريات الناس, فنصب عليا رضي الله عنه ليسمع موعظته من لم يسمع صوته. ... 11 - باب ما يجتنبه المحرم من الصحاح: 563 - 1947 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم:

ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال: " لا يلبسوا القمص, ولا العمائم, ولا السراويلات, ولا البرانس, ولا الخفاف, إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين, وليقطعهما أسفل من الكعبين, ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه زعفران ولا ورس ". وفي رواية: " ولا تنتقب المرأة المحرمة, ولا تلبس القفازين ". (باب ما يجتنبه المحرم) (من الصحاح): " عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال: لا يلبسوا القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرنس ولا الخفاف, إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين, وليقطعهما أسفل من الكعبين, ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه زعفران ولا ورس ". سأل الرجل عما يجوز لبسه, فأجاب عنه بعد ما لا يجوز له لبسه, ليدل بالإلتزام من طريق المفهوم على ما يجوز, وإنما عدل عن الجواب المطابق إلى هذا الجواب, لأنه أحضر وأخصر, فإن ما يحرم أقل وأضبط مما يحل, أو لأنه لو قال: يلبس كذا وكذا, فربما أوهم أن لبس شيء مما عدده من المناسك, وليس كذلك, فعدل إلى ما لا يوهم

ذلك, أو لأن السؤال كان من حقه أن يكون مما لا يلبس, لأن الحكم العارض المحتاج إلى البيان هو الحرمة, وأما جواز ما يلبس فثابت بالأصل, مفهوم بالاستصحاب, فلذلك أتى بالجواب على وفقه تنبيها على ذلك. و" البرانس " جمع: برنس, وهو قلنسوة طويلة, وفي عطفها على (العمامة) دليل على أن المحرم ينبغي ألا يغطي رأسه بمعتاد اللباس وغيره. و (الورس): نبت يشبه الزعفران تصفر به الثياب. وحاصل الحديث: أنه يحرم على الرجل المحرم لبس المخيط والمطيب وستر الرأس بالعمائم ونحوها, والدليل على اختصاص الحكم بالرجال: توجيه الخطاب نحوهم, وأن واو الضمير - وإن استعمل متناولا للقبيلين على التغليب - فإن الظاهر فيه اختصاصه بالمذكرين, وعطف قوله: ولا تنتقب المرأة المحرمة, ولا تلبس القفازين " عليه في بعض الروايات. و (القفاز) - بالضم والتشديد - لليد: كالجرموق للرجل: مخيط يحشى بقطن, ويكون له أزرار ترد على الساعد, تلبسه المرأة توقيا من البرد. ... 564 - 1949 - عن يعلى عن بن أمية قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم

بالجعرانة إذ جاءه رحل أعرابي عليه جبة وهو متضمخ بالخلوق فقال: يا رسول الله, إني أحرمت بالعمرة وهذه علي, فقال: " أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات, وأما الجبة فانزعها, ثم اصنع في عمرتك كما تصنع ف حجتك ". " عن يعلى بن أمية التميمي قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة, إذ جاءه أعرابي عليه جبة, وهو متضمخ بالخلوق, فقال: يا رسول الله! إني أحرمت بالعمرة, وهذه علي؟ فقال: أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات, وأما الجبة فانزعها, ثك اصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك ". " الجعرانة " بسكون العين وفتح الراء وتخفيفها, وتحريك العين وتشديد الراء: من أطراف الحل بينها وبين مكة تسعة أميال. و"أعرابي " واحد: أعراب, والياء فيه للوحدة كالتاء في (تمرة). و (التضمخ): التلطخ بالطيب, و (الخلوق): طيب مخلوط يتخذ من الزعفران وغيره. وفي الحديث: دليل على أن من أحرم وعليه مخيط ينبغي أن ينزعه, وليس عليه شق ولا تمزيق, وقال النخعي: يشقه, وقال الشعبي: يشق عليه. وأن المحرم إذا لبس ناسيا أو جاهلا لم تلزمه الفدية, لأنه - عليه السلام - لم يأمر بها.

وأن التطيب للإحرام بما يبقى أثره بعده محظور, لأنه أمره بغسل الطيب ثلاث مرات للمبالغة. وأجيب عنه: بأنه إنما أمره بالغسل, لأن التضمخ بالزعفران ونحوه مما له صبغ حرام على الرجال حالتي حرمه وحله, لما روى أنس: أنه - عليه السلام - نهى أن يتزعفر الرجل, ولقوله عليه السلام: " طيب الرجال: ما خفي لونه, وظهر ريحه " لا لأن بقاء أثره يخل بالإحرام. ... 565 - 1950 - عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله: " لا ينكح المحرم, ولا ينكح, ولا يخطب ". " عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينكح المحرم, ولا ينكح, ولا يخطب ". جاءت الرواية في الكلمات الثلاث بالنهي والنفي, والأول أصح, والثاني محمول عليه, وهو دليل على أن المحرم ليس له أن يتزوج, ولا أن يزوج, وهو مذهب عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم, وأكثر علماء التابعين, وبه قال مالك والشافعي, وأحمد وإسحاق. غير أن مالكا قال: إذا نكح يفسخ بطلقة, وذهب الباقون إلى أنه لا يصح أصلا.

وقال ابن عباس: يصح منه العقد ولا يحرم, لأنه - عليه السلام - تزوج ميمونة وهو محرم, وبه قال الثوري وأصحاب الرأي, والأصح - وهو ما عليه أكثرون - أنه - عليه السلام - تزوجها عام عمرة القضاء في طريق مكة, قبل أن يحرم, وظهر أمر تزويجها بعد أن أحرم, ولذلك وهم ابن عباس, ثم بنى بها وهو حلال في المراجعة بسرف, لما روي عن يزيد بن الأصم ابن أخت ميمونة, عن ميمونة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال, وبنى بها حلالا, وماتت بسرف, ودفناها في الظلة التي بنى بها فيها. وعن أبي رافع قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة حلالا, وبنى بها حلالا, وكنت أنا الرسول بينهما. ومن البين: أن خبر صاحب الواقعة والسفير فيه مرجح - عند التعارض - على خبر غيره. ... 566 - 1955 - وعن عثمان رضي الله عنه حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الرجل إذا اشتكى عينيه وهو محرم ضمدهما بالصبر. " عن عثمان بن عفان: أنه حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجل إذا اشتكى عينيه, وهو محرم: ضمدها بالصبر ". " ضمدها ": عصبها بالضماد, وهو العصابة, والضمد: العصب.

باب المحرم يجتنب الصيد

و"الصَّبِر" - بكسر الباء -: دواء معروف. ... 567 - 1957 - عن كعب بن عجرة:" أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو بالحديبية قبل أن يدخل مكة وهو محرم, وهو يوقد تحت القدر والقمل يتهافت على وجهه, فقال: " أتؤذيك هوامك؟ " قال: نعم, قال: " فاحلق رأسك, وأطعم فرقا بين ستة مساكين - والفرق ثلاثة أصوع - أو صم ثلاثة أيام, أو انسك نسيكه " " وفي حديث كعب بن عجرة: والقمل يتهافت على وجهه". أي: يتساقط, والتهافت: تساقط الشيء شيئا فشيئا, من: الهفت, وهو الانخفاض. ... 12 - باب المحرم يجتنب الصيد من الصحاح: 568 - 1961 - عن الصعب بن جثامة: أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء- أو بودان - فرد عليه, فلما رأى ما في وجهه قال: " إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ".

(باب المحرم يجتنب من الصيد) (من الصحاح): " عن الصعب بن جثامة: أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء - أو بودان - فرد عليه, فلما رأى ما في وجهه قال: إنا لم نرده عليك, إلا أنا حرم ". " الأبواء ": قرية من أعمال فرع, على عشرة فراسخ من المدينة, و" ودان ": قرية جامعة على ثمانية أميال من الأبواء بينها وبين جحفة. قوله: " إلا أنا حرم " علة للرد, أي: لم نرد عليك لشيء إلا لأنا حرم, وبهذا الحديث يتشبث من رأى تحريم لحم الصيد على المحرم مطلقا, سواء صيد له أو لغيره, كابن عباس وطاوس والثوري, وأوله من فرق بين ما صاده أو صيد له, وبين ما صاده حلال, لا له وهم أكثر علماء الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة: بأنه - عليه السلام - إنما رده عليه لما ظن أنه صيد من أجله, ويدل عليه ما رواه في " الحسان " عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لحم الصيد لكم في الإحرام حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم ". وحديث أبي قتادة التالي لهذا الحديث الذي نحن فيه لا يقال: إنه منسوخ بهذا لأن حديث أبي قتادة كان عام الحديبية, وحديث الصعب كان في حجة الوداع, لأن النسخ إنما يصار إليه إذا تعذر

الجمع, كيف والحديث المتأخر محتمل لا دلالة [فيه] على الحرمة العامة صريحا ولا ظاهرا, حتى يعارض الأول فينسخه؟! ... 569 - 1964 - وعن عائشة رضي الله عنها, عن النبي صلى الله عليه وسلم:" خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية, والغراب الأبقع, والفأرة, والكلب العقور, والحديا ". " وعن عائشة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية, والغراب الأبقع, والفأرة, والكلب العقور, والحديا ". (الفسوق) أصله: الخروج عن القصد, وإنما سميت هذه الحيوانات " فواسق " لخبثهن تشبيها بالفساق, وقيل: لخروجهن من الحرمة في الحل والحرم, وقيل: لحرمتهن, من قوله تعالى: {ذلكم فسق} [المائدة: 3] أي: حرام. وإنما خصت بهذا الحكم, لأنها مؤذيات مفسدات, تكثر في المساكن والعمرانات, ومعسر دفعها, والتحرز عنها, فإن منها ما هي كالمنتهز للفرصة, إذا تمكن من إضرار بادر إليه, وإذا أحس بطلب أو دفع فر منه بطيران أو اختفاء في نفق, ومنها ما هو صائل متغلب لا ينزجر بالخسء والزجر, كـ" الكلب العقور": وهو كل ما يعدو على الإنسان ويصول عليه, ويعقره, أي: يجرحه, من: العقر, وهو الجرح,

وقاس عليه الشافعي كل سبع ضار أو صائل, وقيل: إنه يعم بلفظه كل سبع عقور, ويدل عليه أنه - عليه السلام - دعا على عتبة بن أبي لهب فقال: " اللهم سلط عليه كلبا من كلابك " ففرسه الأسد في مسيره إلى الشام. و" الغراب الأبقع ": الذي فيه سواد وبياض, والموجب لتخصيصه أنه أكثر ضررا وأسرع فسادا. و" الحدايا ": الحدأة. ... من الحسان: 570 - 1966 - عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الجراد من صيد البحر ". (من الحسان): " عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم: الجراد من صيد البحر ". إنما عده من صيد البحر, إما لأنه يشبه صيد البحر من حيث إنه يحل ميتته, ولا يفتقر إلى التذكية, أو لما قيل من أن الجراد يتولد من الحيتان كالديدان. ***

باب الإحصار وفوت الحج

13 - باب الإحصار وفوت الحج من الصحاح: 571 - 1975 - وقالت عائشة رضي الله عنها: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير, فقال لها: " لعلك أردت الحج؟ " قالت: والله ما أجدني إلا وجعة, فقال لها: " حجي, واشترطي, وقولي: اللهم محلي حيث حبستني ". (باب الإحصار وفوات الحج) (من الصحاح): " قالت عائشة: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير, فقال لها: لعلك أردت الحج؟ قالت: والله ما أجدني إلا وجعة, فقال لها: حجي واشترطي وقولي: اللهم محلي حيث حبستني ". هذا " الزبير ": زبير بن عبد المطلب, أكبر أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولم يدرك الإسلام, وكانت ضباعة تحت المقداد بن الأسود. وقوله: " اشترطي " يدل على أن من أحرم وشرط أن يخرج لعذر كذا صح إحرامه, وجاز له الخروج عنه إذا طرأ, وهو أحد قولي الشافعي, وقول أحمد وإسحاق, وأن طران العذر لا ينسخ التحلل من غير شرط, وإلا لما أمرها بالشرط, لعدم الإفادة, والإحصار مستثنى

بالنص, وهو قول ابن عباس وابن عمر وابن الزبير, ومذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقوله: " محلي حيث حبستني " يدل على أن المحصر وسائر من يحل له أن يحل لعذر يحل حيث حبس من حل أو حرم. ... من الحسان: 572 - 1977 - عن الحجاج بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كسر أو عرج أو مرض فقد حل, وعليه الحج من قابل " ضعيف. (من الحسان): " عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كسر أو عرج, أو مرض فقد حل, وعليه الحج من قابل ". تمسك به من جوز التحلل بعذر غير إحصار من عدو, كعطاء وعروة والنخعي وأبي حنيفة والثوري, ومن أوجب القضاء على المحصر, كمجاهد والشعبي والنخعي وعكرمة وأصحاب الرأي. وضعفه الشيخ في هذا الكتاب, ونسبه إلى بعض المحدثين في " شرح السنة ", وعلله بأنه معارض بما ثبت عن ابن عباس أنه قال: لا حصر إلا حصر العدو.

وحكى عن بعضهم: أنهم أولوه بما إذا كان قد شرط ذلك, وفيهما نظر, أما الأول: فلأن قول ابن عباس لا يعارض الحديث المرفوع, فكيف يوجب وهنه؟! اللهم إلا إذا ثبت رفعه, فيرجع بفضل الراوي وشهرته, وأما الثاني: فلأنه يقيد بلا دليل. ... 573 - 1978 - عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " الحج عرفة, من أدرك عرفة ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج, أيام منى ثلاثة, {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه} [البقرة: 203] ". " وعن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم [يقول]: الحج عرفة, من أدرك عرفة ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج أيام منى ثلاثة, {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه} [البقرة: 203]. " الحج عرفة " مبتدأ وخبر, على تقدير حذف المضاف من الطرفين, أي: ملاك الحج أو معظم أركانه: وقوف عرفة, لأن الحج يفوت بفواته, ولا يفوت بفوات غيره. وقوله: " من أدرك عرفة ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك ": معناه: من أدرك الوقوف بعرفة ليلة النحر قبل طلوع الفجر, فقد أدرك الحج, وبه قال عامة العلماء, وذهب بعض المالكية: إلى أن من فاته

باب حرم مكة حرسها الله

الوقوف نهارا فاته الحج, وإن أدركه ليلا, وسمى ليلة النحر: (ليلة جمع) , لأنه يجمع فيها صلواتها. و (تعجل): جاء لازما ومتعديا, فإن عديته فمفعوله محذوف, والمعنى: فمن تعجل النفر في يومين, أي: في آخر اليومين الأولين من أيام التشريق فلا إثم عليه ولا حرج, ومن تأخر إلى اليوم الثالث فلا إثم عليه, أي: التقديم والتأخير سواء في الجواز وعدم الحرج, ليس في التعجيل ترك واجب, ولا في التوقف والتأخير ارتكاب بدعة وزيادة على المشروع, مع أن التأخير أفضل. ... 14 - باب حرم مكة حرسها الله من الصحاح: 574 - 1979 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة:" لا هجرة, ولكن جهاد ونية, فإذا استنفرتم فانفروا ". وقال يوم فتح مكة: " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض, فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة, وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي, ولم يحل لي إلا ساعة من نهار, فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة, لا يعضد شوكه, ولا ينفر صيده, ولا يلتقط لقطته

إلا من عرَّفها, ولا يختلى خلاه " فقال العباس: يا رسول الله, إلا الإذخر, فإنه لقينهم ولبيوتهم, قال: " إلا الإذخر ". (باب حرم مكة) (من الصحاح): " عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: لا هجرة, ولكن جهاد ونية, وإذا استنفرتم فانفروا ". كانت الهجرة إلى المدينة بعدما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها فرضا على كل مسلم مستطيع, ليكون في سعة من العبادة, متمكنا من الطاعة, بلا وازع ولا صارف, ولينصر رسوله في إعلاء كلمته وإظهار دينه, فلما فتح الله عليه مكة ونصر دينه على الأديان كلها انتهى وجوبها وانقطع حكمها, لزوال ما هو الموجب لها, فاعلم ذلك. وقال: " لا هجرة " أي: [لا] وجوب لها ولا حكم بعد الفتح, ولكن بقي " جهاد ونية " في إعلاء الدين وإظهار الحق, ينالون بهما ثوابا ورتبة تدنو من رتبة المهاجرة. وقوله: " إذا استنفرت فانفروا " حث على الجهاد وأمر بإجابة الداعي إليه, وإزاحة ورد لما يختلج في صدورهم من قياس الجهاد على الهجرة في سقوط الوجوب, لاشتراكهما في بعض المقاصد والأغراض.

وعنه -عليه السلام - قال يوم فتح مكة: " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض, فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة, وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي, ولم يحل لي إلا ساعة من نهار, فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة: لا يعضد شوكه, ولا ينفر صيده, ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها, ولا يختلى خلاه " فقال العباس: يا رسول الله! إلا الإذخر, فإنه لقينهم ولبيوتهم, قال: إلا الإذخر " وفي رواية: " لا تعضد شجرتها, ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد ". " حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ": معناه: أن تحريمه أمر قديم, وشريعة سالفة مستمرة, ليس مما أحدثه أواختص بشرعه, ويحتمل أن يراد به التأقيت, أي: إنما خلق هذه الأرض حين خلقها محرمة. والتوفيق بينه وبين ما أورده في الباب التالي له: عن أبي سعيد الخدري, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن إبراهيم حرم مكة, فدعلها حرما, وإني حرمت المدينة حراما ما بين مأزميها, أن لا يهراق فيها دم, ولا يحمل فيها سلاح لقتال, ولا يخبط فيها شجرة إلا لعلف " أن يقال: إسناد التحريم إلى إبراهيم - صلوات الله عليه - من حيث إنه مبلغه

ومنهيه, فإن الحاكم بالشرائع والأحكام كلها هو الله تعالى, والأنبياء يبلغونها, ثم إنها كما تضاف إلى الله تعالى من حيث إنه الحاكم بها تضاف إلى الرسل, لأنها تسمع منهم, وتبين على لسانهم, فلعله لما رفع البيت المعمور إلى السماء, وقت الطوفان, وانطمست العمارة التي بناها آدم - عليه السلام - والكعبة الآن في محلها - على اختلاف الروايات - اندرست حرمتها , وصارت شريعة متروكة منسية إلى أن أحياها إبراهيم صلوات الله عليه, فرفع قواعد البيت, ودعا الناس إلى الحج, وحد الحرم وبين حرمته. قوله: " بحرمة الله " أي: تحريمه. وقوله: " لم يحل القتال فيه لأحد قبلي " لا يدل على أنه قاتل فيه وأخذ عنوة, فإن حل الشيء لا يستلزم وقوعه, فلا حجة للأوزاعي وأصحاب الرأي فيه. قوله: " لا يعضد ": لا يقطع, ذكر (الشوك): ليدل على منع قطع سائر الأشجار بطريق الأولى. ويعضده الرواية الأخرى: " ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها " أي: لا يلتقط لقطته إلا للتعريف والحفظ حتى يظهر مالكها, ولا يجوز التقاطها للتملك, فإنه مشروط بأن يكون الموجد معرضا للضياع, وما يوجد في الحرم فهو في أمان, وهو أظهر قولي الشافعي. وقيل: معناه: إلا من عرفها أولا سنة كما تعرف في سائر البقاع,

والمراد: هو المنع من تملكها أول ما وجدها من غير تعريف, وهو قول أكثر أهل العلم. وفيه نظر, إذ لم يكن على هذا لتخصيص الحرم به وجه, ولا فرق في المعنى بين الروايتين, لأن المنشد هو المعرف الطالب لصاحبها, من: الإنشاد, وهو رفع الصوت. " ولا يختلى خلاها " أي: لا يقطع نباتها, و (الخلا) مقصور: الرطب من النبات, كما أن الحشيش هو اليابس منه, والأكثرون على أنه لا فرق بين الرطب واليابس في حرمة القطع, واستثناؤه " الإذخر " عقيب استثناء العباس له, لعله وقع اتفاقا, فإنه كان يريد أن يستثنيه, فبادر العباس, أو مرتبا عليه, لأنه كان مأمورا بأن يستثني ما يرى مساس الحاجة إليه, أو ما يلتمس منه استثناؤه, و (قيونهم): جدرانهم, كانوا يضعونه على رؤوسها, واحدها: قين. ... 575 - 1985 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ". " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرب الكعبة ذو السويقيتين من الحبشة ". أي: يخربها رجل من الحبشة له ساقان دقيقتان,, (السويقة):

تصغير (الساق) , صغرها لدقتها وصغرها. وفي معناه: ... 576 - 1986 - وقال ابن عباس رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم: " كأني به أسود أفحج, يقلعها حجرا حجرا ". ما روي عن ابن عباس, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كأني به أسود أفحج, يقلعها حجرا حجرا ". الجار متعلق بمحذوف هو في الأصل خبر (كأن) وتقديره: كأني أبصر به. و" أسود أفحج ": حالان من الضمير المجرور, و (الفحج): تباعد ما بين الفخذين والساقين, وهو من صفات الحبشان, وكذا (خموشة الساقين): وهي دقتها. ... من الحسان: 577 - 1989 - عن عبد الله بن عدي بن الحمراء قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا على الحزورة, فقال: " والله إنك لخير أرض الله, وأحب أرض الله إلى الله, ولولا أني أخرجت منك ما خرجت ".

باب حرم المدينة على ساكنها الصلاة والسلام

(من الحسان): في حديث عبد الله بن عدي قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا على الحزورة ". بسكون الزاي وتخفيف الواو, وروي بفتح الزاي وتشديد الواو, وهو موضع كان به سوق مكة, سميت بذلك, لأن فيه تلا صغيرا, و (الحزورة): التل, وجمعها: الحزاورة. ... 15 - باب حرم المدينة على ساكنها الصلاة والسلام من الصحاح: 578 - 1990 - عن علي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " المدينة حرام ما بين عير إلى ثور, فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل منه صرف ولا عدل, ذمة المسلمين واحدة, يسعى بها أدناهم, فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل منه صرف ولا عدل, ومن والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل منه صرف ولا عدل ". وفي رواية: " ومن ادعى إلى غير أبيه, أو تولى غير مواليه فعليه

لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل منه صرف ولا عدل ". (باب حرم المدينة) (من الصحاح): عن علي رضي الله عنه:" المدينة حرام ما بين عير إلى ثور, فمن أحدث فيها حدثا, أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل منه صرف ولا عدل ذمة المسلمين واحدة, يسعى بها أدناهم, فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل منه صرف ولا عدل ومن والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله ... لا يقبل منه صرف ولا عدل ". " عير ": اسم جبل بالمدينة, وقد يقال له أيضا: عائر و" ثور": جبل بمكة فيه الغر الذي لبث فيه - صلوات الله عليه - حين هاجر, وذكر في القرآن, ولم يعرف بالمدينة موضع يقال له: ثور, فقيل: معناه: أن مقدار ما بين عير مكة - وهو عير عدوي - وثورها من المدينة حرام, وقيل: كأن أصله: المدينة حرام ما بين عير إلى أحد أو غيره من أقطار المدينة, فغلط الراوي, ولذلك ترك بعض الرواة بياضا موضع (ثور). وروى النسفي وابن السكن: " من عير إلى كذا ". أو سماه الرسول - صلوات الله عليه - ثورا: تشبيها بثور مكة, لوقوعها في مقابلة دبل سمي عيرا, وقيل: أراد بهما مأزمي المدينة, لقوله في حديث أبي سعيد: " وإني حرمت المدينة حراما ما بين

مأزميها " وهما شعبتان تكتنفانها, فشبههما بالجبلين اللذين بمكة, أو لا بتيها, لقوله في حديث أنس:" وإني حرمت ما بين لابتيها ", وهما حرتان بجنبها يكتنفانها, فشبههما بعير وثور, والحرة: الأرض الذي ألبستها حجارة سود, وجمعها: حرار, وجمع اللآبة: لوب ولاب ولابات. وقوله: " فمن أحدث حدثا " أي: بدعة, وهي في اصطلاح العلماء: ما خالف الكتاب والسنة مفصلا أو مجملا, و (المحدث): المبتدع. وروي: " أو آوى محدثا " بفتح الدال, ومعناه: من قرر فيه بدعة ومكنها بأن روجها, أو قدر على إماطتها فلم يفعل. و (الذمة): العهد سمي بها, لأنه يذم متعاطيها على إضاعتها, " يسعى بها ": يتولاها ويذهب بها. والمعنى: أن ذمة المسلمين واحدة, سواء صدرت من واحد أو أكثر, شريف أو وضيع, فإذا أمن أحد من المسلمين كافرا وأعطاه ذمته لم يكن لأحد نقضه. " لا يقبل منه صرف ولا عدل " أي: شفاعة ولا فدية, وقيل: صرف مال ولا بدل, وقيل: فريضة ولا نافلة. قوله: " ومن والى قوما بغير إذن مواليه " قيل: أراد به ولاء الموالاة لا ولاء العتق, لعطفه على قوله: " من ادعى إلى غير أبيه ", وجمع بينهما

بالوعيد في الرواية الأخرى, فإن العتق من حيث إن له لحمة كلحمة النسب, فإذا نسب إلى غير من هو له كان كالداعي الذي تبرأ عمن هو منه, وألحق نفسه بغيره, فيستحق به الدعاء عليه بالطرد والإبعاد عن الرحمة. وقوله:" بغير إذن مواليه ": ليس لتقييد الحكم بعدم الإذن وقصره عليه, وإنما هو للتنبيه على ما هو المانع, وهو إبطال حق مواليه والإهانة بهم, وإيراد الكلام على ما هو الغالب. ... 579 - 1991 - عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها, أو يقتل صيدها, وقال: " لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه, ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة ". وفي حديث سعد: " أن يقطع عضاهها". (العضاه): من أشجار الشوك, واحده: عضاهة. ... 580 - 1992 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعا يوم القيامة.

" وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يثبت على لأوائها وجهدها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعا - أو شهيدا - يوم القيامة ". " لا يثبت ": لا يصبر. و (اللأواء): شدة العيش, يريد به, ضيق المعيشة, وبـ (الجهد): ما يجدون فيها من شدة الحر وكربة الغربة ونحو ذلك. والظاهر: أن "أو" في قوله:" كنت له شفيعا أو شهيدا ": للتقسيم لا للشك من الراوي, لأنه روي كذلك عن جمع كثير من الصحابة بطرق مختلفة, فيبعد توافقهم جميعا في الشك فيه, والمعنى: كنت شهيدا للمتقين منهم, وشفيعا للعاصين. ... 581 - 1995 - وري أن سعدا وجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه, فسلبه, فجاءه أهل العبد, فكلموه أن يرد ما أخذ من غلامهم, فقال: معاذ الله أن لأرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروي: " أن سعدا وجد عبدا يقطع شجرا ويخبطه, فسلبه, فجاءه أهل العبد فكلموه أن يرد ما أخذ من غلامهم, فقال: معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ". " يخبطه " أي: ينقض أوراقه, وأصل الخبط: الضرب, يقال: خبطت الشجر خبطا: إذا ضربته بعصا ونحوها حتى يسقط ورقه. والخبط - بفتح الباء - المخبوط كـ (السلب) بمعنى: المسلوب.

وقوله: " فسلبه " أي: أخذ ثيابه. فـ" كلموه أن يرد " أي: في أن يرد, أو: بأن يرد. وقوله: " نفلنيه " أي: أعطانيه نفلا, أي: غنيمة, وكان الشافعي يرى في القديم أن من اصطاد صيدا أو يقطع شجرا أخذ سلبه, لهذا الحديث, وهو مذهب أحمد والجمهور, على أنه لا شيء عليه, لأن تحريم المدينة تعظيم حرمتها, دون تحريم صيدها وشجرها. ... 582 - 1996 - وقالت عائشة رضي الله عنها: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال, فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته, فقال:" اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد, وصححها لنا, وبارك لنا في صاعها ومدها, وانقل حماها, فاجعلها بالجحفة ". " وفي حديث عائشة: وعك أبو بكر وبلال رضي الله عنهما ". أي: أخذتهما الحمى وأصابتهما شدتها والرعدة فيها حتى صرعتهما. ... 583 - 1998 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يفتح اليمن, فيأتي قوم يبسون, فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم, والمدينة خير لهم لو كانوا

يعلمون, ويفتح الشام, فيأتي قوم يبسون, فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم, والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون, ويفتح العراق, فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم, والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ". " وعن سفيان بن أبي زهير الشنوئي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفتح اليمن, فيأتي قوم يبسون, فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم, والمدينة خير لهم كانوا يعلمون ". " يبسون ": يسوقون أموالهم, من: البس, وهو سوق بلين, والمعنى: أنه يفتح اليمن, فأعجب قوما بلادها ويلهنيه أهلها, فتحملهم على المهاجرة إليها بأنفسهم وأموالهم حتى يخرجوا منها, والحال أن " المدينة خير لهم ": لأنها حرم الرسول - صلوات الله عليه - وجواره, ومهبط الوحي, ومنزل البركات " لو كانوا يعلمون " ما فيها والإقامة بها من الفوائد الدينية. والعوائد الأخروية, التي يستحقر دونها ما يجدونه من الحظوظ الفانية العاجلة بسبب المهاجرة عنها, والإقامة في غيرها. ... 584 - 1999 - وقال صلى الله عليه وسلم: " أمرت بقرية تأكل القرى, يقولون: يثرب, وهي المدينة, تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد ". " وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت بقرية تأكل

القرى, يقولون: يثرب, وهي المدينة, تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد ". " أمرت بقرية " أي: بنزولها واستيطانها, " تأكل القرى " أي: تغلبها وتظهر عليها, بمعنى: أن أهلها يغلب أهل سائر البلاد فتفتح منها, يقال: أكلنا بني فلان, أي: غلبناهم وظهرنا عليهم, فإن الغالب المستولي على الشيء كالمفني له إفناء الأكل إياه. و" يثرب " من أسماء المدينة, سميت باسم واحد من العمالقة نزل بها, وكانت تدعى به قبل الإسلام, فلما هاجر الرسول - صلوات الله عليه - كره ذلك, لما فيه من إيهام معنى التثريب أو غيره, فبدله بـ (طابة) و (المدينة) , ولذلك قال: " يقولون يثرب, وهي المدينة " أي: هم كانوا يقولون ذلك, والاسم الحقيق بأن تدعى به هي المدينة, فإنها تليق بأن تتخذ دار إقامة, وهي (فعيلة) من: مدن بالمكان: إذا أقام به. " تنفي الناس " أي: شرار الناس وهمجمهم, ويدل عليه التشبيه بـ (الكير) , فإنه ينفي خبث الحديد ورديئه, وقد صرح بهذا المعنى في الأحاديث التي بعدها. ... 585 - 2004 - وقال: " ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال, إلا مكة والمدينة, ليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها, فينزل السبخة, فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات,

فيخرج إليه كل كافرومنافق " " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة, ليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها, فينزل السبخة, فترتجف الأرض بأهلها ثلاث رجفات, فيخج إليه كل منافق ". (النقب): الطريق في الجبل. " فترتجف " أي: تتزلزل وتضطرب, فكأنها تنفض إليه الكافر والمنافق من أقطارها. ... 586 - 2006 - وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدرات المدينة أوضع راحلته, وإن كان على دابة حركها, من حبها. " وفي حديث أنس: أوضع راحلته. أي: حركها وأسرعها. ... 587 - 2008 - ويروى أنه قال: " أحد جبل يحبنا ونحبه ". " وعن أنس: أنه - عليه السلام - قال: أحد جبل يحبنا ونحبه "

(محبة الحي للجماد): إعجابه وسكون النفس إليه, والمؤانسة به, لما يرى فيه من نفع, و (محبة الجماد للحي): مجاز عن كونه نافعا, إياه سادا بينه وبين ما يؤذيه, ولو لم يجد من أحد سوى ما وجده يوم أحد لكفى في صدق المحبة من الجانبين. ... من الحسان: 588 - 2011 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها, فإني أشفع لمن يموت بها " صح. (من الحسان): عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: " من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها, فإني أشفع لمن يموت بها ". أي: من استطاع أن يقيم بالمدينة, حتى يموت إذا جاءه الموت أدركه ثمة " فليمت بها ": أي: فليقم ثمة حتى يموت بها. ***

(11) كتاب البيوع

كتاب البيوع

(11) كتاب البيوع 1 - باب الكسب وطلب الحلال من الصحاح: 589 - 2015 - وقال: " إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا, وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين, فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات} , وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} , ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب, يا رب, ومطعمه حرام, ومشربه حرام, وملبسه حرام, وغذي حرام, فأنى يستجاب لذلك؟ ". (كتاب البيوع) (باب الكسب وطلب الحلال)

(من الصحاح): " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ". (الطيب): ضد الخبيث, فإذا وصف به الله تعالى أريد به أنه منزه عن النقائص مقدس عن الآفات والعيوب, وإذا وصف به العبد مطلقا أريد به أنه المتعري عن رذائل الأخلاق وقبائح الأعمال, والمتحلي بأضداد ذلك, وإذا وصف به الأموال أريد به كونه حلالا من خيار المال. ومعنى الحديث: أنه تعالى منزه من العيوب, فلا يقبل ولا ينبغي أن يتقرب إليه إلا بما يناسبه في هذا المعنى, وهو خيار أموالكم الحلال, كما قال تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92]. ... 590 - 2017 - وقال " الحلال بين, والحرام بين, وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس, فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه, ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام, كالراعي يرعى حول الحمى, يوشك أن يرتع فيه, ألا وإن لكل ملك حمى, ألا وإن حمى الله محارمه, ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهي القلب ". " وعن نعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحلال بين

والحرام بين, وبينهما أمور متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس, فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه, ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام, كالراعي يرعى حول الحمى, يوشك أن يقع فيه, ألا وإن لكل ملك حمى, ألا وإن حمى الله محارمه, ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهي القلب ". إن الله تعالى بين الحلال والحرام, بأن مهد لكل منها أصلا يتمكن الناظر المتأمل فيه من استخراج أحكام ما يعن له من الجزئيات, وتعرف أحوالها, لكن قد يتفق في الجزئيات ما يقع فيه الاشتباه, لوقوعه بين الأصلين, ومشاركته لأفراد كل منهما من وجه, فينبغي ألا يجترئ المكلف على تعاطيه, بل يتوقف ريثما يتأمل فيه, فيظهر له أنه من أي القبيلين هو, فإن اجتهد ولم يظهر له أثر الرجحان, بل رجع طرف الذهن عن إدراكه حسيرا تركه في حيز التعارض أسيرا, وأعرض عما يريبه إلى ما لا يريبه, استبراء لدينه أن يختل بالوقوع في المحارم, وصيانة لعرضه عن أن يتهم بعدم المبالاة بالمعاصي والبعد عن الورع, فإن من هجم عن الشبهات وتخطى خططها ولم يتوقف دونها وقع في الحرام, إذ الغالب أن ما وقع فيه من الشبهات لا يخلو عن المحارم, كما أن الراعي إذا رعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه. " ألا ": مركبة من همزة الاستفهام وحرف النفي, لإعطاء معنى

التنبيه على تحقق ما بعدها. و (الحمى): هو المرعى الذي حماه الإمام ومنع من أن يرعى فيه, شبه المحارم من حيث إنها ممنوع التبسط فيها, والتخطي لحدودها, والواجب التجنب من جوانبها وأطرافها بحمى السلطان, فكما يحتاط الراعي ويتحرز عن مقاربة الحمى حذرا عن أن تتخطاه ماشيته, فيتعرض لسخط السلطان, ويستوجب تأديبه, ينبغي أن يتورع المكلف عن الشبهات, ويتحنب عن مفارقتها, كيلا يقع في المحارم, ويستحق به السخط العظيم والعذاب الأليم. ولما كان التورع والتهتك مما يتبع ميلان القلب إلى الصلاح والفجور نبه على ذلك بقوله: " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله " ليقبل المكلف عليه فيصلحه, ويمنعه عن الانهماك في الشهوات والإسراع إلى تحصيل المشتبهات, حتى لا يبادر إلى الشبهات, ولا يستعمل جوارحه في اقتراف المحرمات. ... 691 – 2018 – وقال: " ثمن الكلب خبيث, ومهر البغي خبيث, وكسب الحجام خبيث ". " عن رافع بن خديج: أنه – عليه الصلاة والسلام – قال: ثمن الكلب خبيث, ومهر البغي خبيث, وكسب الحجام خبيث ".

(الخبيث) في الأصل: ما يكره لرداءته وخسته, ويستعمل للحرام من حيث كرهه الشارع واستردأه, كما يستعمل (الطيب) للحلال, قال تعالى: {ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب} [النساء:2] , أي: الحرام بالحلال, وللرديء من المال, قال تعالى: {ولا تمموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة: 267] , أي: الرديء من المال. ولما كان مهر الزانية, وهو ما تأخذه عوضا للزنا, حراما كان الخبيث المسند إليه بمعنى الحرام. و" كسب الحجام " لما لم يكن حراما, لأنه – عليه السلام – احتجم فأعطى الحجام أجره كان المراد من المسند إليه هو المعنى الثاني. وأما الأول: فمبني على صحة بيع الكلب, فمن صححه – كالحنفية – فسره بالدناءة, ومن لم يصححه – كأصحابنا – فسره بأنه حرام. ويؤيده: ... 592 – 2019 – وعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب, ومهر البغي, وحلوان الكاهن. " ما روى أبو مسعود الأنصاري: أنه – عليه السلام – نهى عن ثمن الكلب, ومهر البغي, وحلوان الكاهن ". " البغي ": الفاجرة, (فعيل) من: البغاء, وهو الزنا, وأصله

الفساد, يقال: بغى الجرح: إذا ترامى إلى الفساد, و (مهرها): أجرتها على الزنا, شبهها بالصداق, فاستعار لها (المهر). و" حلوان الكاهن ": منحة تمنحه على كهانته, يقال: حلوت فلانا أحلوه حلوا وحلوانا, مأخوذ من: الحلاوة. ... 593 – 2020 – وعن أبي جحيفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم, وثمن الكلب, وكسب البغي, ولعن آكل الربا, وموكله, والواشمة, والمستوشمة, والمصور. " وعن أبي جحيفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم, وثمن الكلب, وكسب البغي, ولعن آكل الربا وموكله, والواشمة والمستوشمة, والمصور ". علة النهي عن أخذ ثمن الدم والكلب نجاستها. و" كسب البغي ": ما تأخذه على البغاء. و" آكل الربا ": آخذه, و" موكله ": معطيه. و" الواشمة ": المرأة التي تنقش بدن غيرها بأن تنقر وتجعل في موضع النقر شيئا من النيلنج ونحوه, و" المستوشمة ": الملتمسة لئن يفعل بها ذلك. ***

594 – 2022 – عن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قاتل الله اليهود, حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها ". " عن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قاتل الله اليهود! حرمت عليهم الشحوم, فجملوها فباعوها " " قاتل الله اليهود " أي: عاداهم, وقيل: قتلهم, فأخرج في صورة المغالبة للمبالغة, أو عبر عنه بما هو مسبب عنه, فإنهم بما اخترعوا من الحيلة انتصبوا لمحاربة الله ومقاتلته, ومن قاتله قتله. " فجملوها " أي: أذابوها, والجميل: الشحم المذاب. ... من الحسان: 595 – 2028 – عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك, فإن الصدق طمأنينة, وإن الكذب ريبة ". (من الحسان): " عن حسن بن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك, فإن الصدق طمأنينة, وإن الكذب ريبة " (الإرابة): الإيقاع في الريبة, وهي التهمة والشك, وأصلها: قلق

النفس, ومنها: (ريب الزمان) لـ (نوائبه) , فإنها تقلق النفوس. والمعنى: إن الصدق مما يطمئن له القلب ويسكن, والكذب مما يقلق له ويضطرب, فإذا ترددت في أمر فدعه إلى ما لا تسكن إليه نفسك وتستقر عنده, فإن التردد فيه أمارة كونه باطلا. وروي: " يريبك " بالفتح: من: راب, بمعنى: أراب. ... 596 – 2029 – عن وابصة بن معبد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا وابصة! جئت تسأل عن البر والإثم؟ , قلت: نعم, قال: فجمع أصابعه فضرب بها صدره وقال: " استفت نفسك واستفت قلبك, ثلاثا, البر ما اطمأنت إليه نفسك واطمأن إليه قلبك, والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس ". " عن وابصة بن معبد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا وابصة! جئت تسأل عن البر والإثم؟ قلت: نعم, قال: فجمع أصابعه, فضرب بها صدره, وقال: استفت نفسك, استفت قلبك, ثلاثا, البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب, والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر, وإن أفتاك الناس ". هذا الحديث من دلائل النبوة ومعجزات الرسول صلوات الله عليه, فإنه أخبر عما في ضمير وابصة قبل أن يتكلم به

والمعنى: أن من أشكل عليه الشيء والتبس ولم يتبين أنه من أي القبيلين هو, فليتأمل فيه إن كان من أهل الاجتهاد, وليسأل المجتهدين إن كان من المقلدين, فإن وجد ما تسكن إليه نفسه, ويطمئن به قلبه, وينشرح به صدره فليأخذ به وليختره, وإلا فليدعه وليأخذ بما لا شبهة فيه ولا ريبة, هذا طريقه الورع والاحتياط. وحاصله راجع إلى حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما, ولعله إنما عطف اطمأن القلب على اطمئنان النفس, للتقرير والتأكيد. فإن النفس إذا ترددت في أمر وتحيرت فيه وزال عنها القرار استتبع ذلك العلاقة التي بينها وبين القلب, الذي هو المتعلق الأول لها, فتنقل العلاقة إليه في تلك الهيئة أثرا, فيحدث فيه خفقان واضطراب, ثم ربما يسري هذا الأثر إلى سائر القوى, فيحصل بها انحلال وانخزال, فإذا زال ذلك عن النفس وحدث لها قرار وطمأنينة انعكس الأمر, وتبدلت الحال على ما لها من الفروع والأعضاء. وقيل: المعنى بهذا الأمر أرباب البصائر من أهل النظر, والفكرة المستقيمة, وأصحاب الفراسات من ذوي النفوس المرتاضة والقلوب السليمة, فإن نفوسهم بالطبع تصبو إلى الخير وتنبو عن الشر, فإن الشيء ينجذب إلى ما يلائمه وينفر عما يخالفه, ويكون ملهمة للصواب في أكثر الأحوال. ***

597 – 2034 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب, وكسب الزمارة. " وفي حديث أبي هريرة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب, وكسب الزمارة ". " الزمارة ": هي التي تزمر, وقيل: هي الزانية, واشتقاقها إما من: (زمرت فلانا بكذا): إذا أغربته, فإنها تغري الرجال بالفاحشة وتولعهم بالأقدام عليها, أو من: (زمر الظبي زمرانا): إذا نفر, فإن المسافحات يوصفن بالنزق, كما أن المحصنات يوصفهن بالرزانة, أو من: (زمر القربة): إذا ملأها, لأنها تملأ رحمها بنطف شتى, أو من: الزمرة, لأنها تعاشر زمرا من الناس ويتبعونها, أو من: زمر المزمار, كأنه كان من عادتهن, وقيل: هو المغنية, من: (زمر): إذا غنى, ويقال: غناء زمير, أي: حسن. ... 598 – 2035 – وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن, وثمنهن حرام, وفي مثل هذا أنزلت: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث}. ضعيف. " وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن, ولا تعلموهن, وثمنهن حرام ".

باب المساهلة في المعاملة

أراد بـ (القينات): المغنيات, و (القينة) في الأصل: الأمة, غنت أم لا, والذكر: قين, والنهي مقصور عن البيع والشراء لأجل التغني, وحرمة ثمنها دليل على فساد بيعها. والجمهور صححوا بيعها, والحديث - مع ما فيه من الضعف للطعن في راويه - مؤول بأن أخذ الثمن عليهن حرام, كأخذ ثمن العنب من النباذ, لأنه أعانه وتوسل إلى حصول محرم, لا لأن البيع غير صحيح. ... 2 - باب المساهلة في المعاملة من الصحاح: 599 - 2037 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رحم الله رجلا سمحا إذا باع, وإذا اشترى, وإذا اتقتضى ". (باب المساهلة في المعاملة) " عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله رجلا سمحا إذا باع, وإذا اشترى وإذا اقتضى ". (السمح): السهل, رتب الدعاء عليه ليدل على أن السهولة والتسامح في المعاملة سبب لاستحقاق الدعاء, ولكونه أهلا للرحمة,

و (الاقتضاء): التقاضي, وهو طلب قضاء الحق. ... 600 - 2038 - وقال: " إن رجلا كان فيمن قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه, فقيل له: هل عملت من خير؟ قال: ما أعلم شيئا, قيل له: انظر, قال: ما أعلم شيئا غير أني كنت أبايع الناس في الدنيا وأجازيهم, فأنظر الموسر وأتجاوز عن المعسر, فأدخله الله الجنة. وفي رواية: " قال الله: أنا أحق بذا منك, تجاوزوا عن عبدي ". وفي الحديث الذي يليه: " وأجازيهم, فأنظر الموسر وأتجاوز عن المعسر ". أي: يتقاضهم, تقول: جازيت فلانا وتجازيته: إذا تقاضيه, من: جزى دينه, أي: قضاه, و (الإنظار):الإمهال. ... 601 - 2039 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إياكم وكثرة الحلف في البيع, فإنه ينفق ويمحق ". " وعن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم وكثرة الحلف في البيع, فإنه ينفق ويمحق " " إياكم ": منصوب على التحذير, أي: اتقوا أنفسكم عن إكثار

الحلف, أو إكثار الحلف عن أنفسكم, فإنه يروج السلعة ويذهب البركة, و (التنفيق): الترويح, و (التمحيق): التنقيص والإفناء. ... 602 - 2041 - وعن أبي ذر صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم " قال أبو ذر: خابوا وخسروا, من هم يا رسول الله؟ قال: " المسبل إزاره, والمنان, والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ". " وفي حديث أبي ذر: المسبل, والمنان, والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ". " المسبل ": أي: يرخي إزاره ويرسل ثوبه [إلى] الأرض خيلاء, و" المنان ": الذي يكثر المنة بما يمنحه ويعطيه. ... من الحسان: 603 - 2044 - عن عبيد بن رفاعة, عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " التجار يحشرون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى وبر وصدق ". (من الحسان): " عن عبيد بن رفاعة, عن أبيه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التجار يحشرون

باب الخيار

يوم القيامة فجارا إلا من اتقى وبر صدق ". لما كان من ديدن التجار التدليس في المعاملات والتهالك عن ترويح السلع بما تيسر له من الأيمان الكاذبة ونحوها حكم عليهم بالفجور, واستثنى منهم " من اتقى " المحارم و" بر" في يمينه, و" صدق " في حديثه. ... 3 - باب الخيار من الصحاح: 604 - 2045 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار ". وفي رواية: " إذا تبايع المتبايعان فكل واحد منهما بالخيار من بيعه ما لم يتفرقا, أو يكون بيعهما عن الخيار, فإذا كان بيعهما عن خيار فقد وجب " وفي رواية: " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يختار". (باب الخيار) (من الصحاح): " عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المتبايعان كل واحد

بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا, إلا بيع الخيار ". المفهوم من التفرق هو التفرق بالأبدان: وعليه إطباق أهل اللغة, وإنما سمي الطلاق: تفرقا في قوله تعالى: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته} , لأنه يوجب تفرقهما بالأبدان, ومن نفى خيار المجلس أول التفرق بالتفرق بالأقوال, وهو الفراغ عن العقد, وحمل المتبايعين على المتساومين, لأنهما على صدد البيع فارتكب مخالفة الظاهر من وجهين بلا مانع يعوق عنه, مع أن هذا الحديث روى البخاري وغيره من أئمة الحديث, وأورده بعبارة تأبى قبول هذا التأويل, ومن ذلك: ما أورده في " الحسان". و" إلا بيع الخيار " استثناء عن مفهوم الغاية, والمعنى: المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا, فإذا تفرقا سقط الخيار ولزم العقد إلا بيع الخيار, أي: بيعا شرط فيه الخيار, فإن الجواز بعد باق إلى أن يمضي الأمد المضروب للخيار المشروط. وقيل: الاستثناء من أصل الحكم, والمعنى: أنهما بالخيار إلا في بع إسقاط الخيار ونفيه, أي: في بيع شرط فيه نفي الخيار, فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه, ومن هذين الوجهين نشأ الخلاف في صحة شرط نفي الخيار في المجلس فيما بين القائلين به, والأول أظهر, لقلة الإضمار, وإيلاء الاستثناء بالمتعلق به

وقيل: معناه: إلا بيعا جرى التخابر فيه, وهو أن يقول أحدهما لصاحبه: اختر فيقول: اخترت, فإن العقد يلزم به ويسقط الخيار فيه, وإن لم يتفرقا بعد. ... 605 - 2047 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رجل: يا رسول الله! إني أخدع في البيوع, فقال: " إذا تبايعت فقل لا خلابة " فكان الرجل يقوله. " عن ابن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني أخدع في البيوع, فقال: إذا بايعت فقل: لا خلابة "فكان الرجل يقوله. ذلك الرجل: حبان بن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني, وقد صرح به في بعض الروايات. و (الخلابة): الخدع, يقال: خلبت الرجل خلابة: إذا خدعته, والحديث دليل على أن الغبن لا يفسد البيع, ولا يثبت الخيار, لأنه لو أفسد البيع, أو أثبت الخيار لنبه الرسول - صلوات الله عليه - ولم يأمره بالشرط. وقال مالك: إذا لم يكن المشتري ذا بصيرة فله الخيار. وقال أبو ثور: إذا كان الغبن فاحشا لا يتغابن الناس بمثله فسج البيع, وإنه إذا ذكرت هذه الكلمة في العقد, ثم ظهرت فيه غبنته كان له الخيار, وكأنه شرط أن يكون غير زائد عن ثمن المثل, فيضاهي ما إذا اشترط وصفا مقصودا في المبيع فبان خلافه, وهو قول أحمد.

باب الربا

وذهب أكثر العلماء إلى أن مجرد هذه اللفظ لا يوجب الخيار بالغبن, فمنهم من خصص الحديث بحبان, منهم من قال: إنه - عليه الصلاة والسلام - أمره بشرط الخيار, وتصدير الشرط بهذه الكلمة تحريضا للمعامل على حفظ الأمانة والتحرز عن الخلابة, فإنه روي أنه قال له: " قل لا خلابة واشرط الخيار ثلاثة أيام " وعلى هذا لم يختص الخيار بظهور الغبن, بل للشرط فسخه في المدة المضروبة, سواء كان فيه غبن أو لم يكن, وليس له الفسخ بعد مضيها, وإن ظهر الغبن. ... 4 - باب الربا من الصحاح: 606 - 2050 - عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. (باب الربا) (من الصحاح): " عن جابر: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ".

" الربا " في الأصل: الزيادة, نقل إلى ما يؤخذ زائدا على ما بذل في المعاملات, وإلى العقد المشتمل عليه, والمراد به هاهنا: القدر الزائد, وبـ (آكله): آخذه فإنه يأخذه بعده لأكله, و"موكله ": معطيه, واستحقاقه للعن من حيث إنه راض به معين له عليه, وكذلك الكاتب والشاهد. ... 607 - 2051 - عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الذهب بالذهب, والفضة بالفضة, والبر بالبر, والشعير بالشعير, والتمر بالتمر, والملح بالملح, مثلا بمثل, سواء بسواء, يدا بيد, فإذا اختلفت هذه الأوصاف - وفي رواية: إذا اختلف النوعان - فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ". " وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب والفضة بالفضة, والبر بالبر, والشعير بالشعير, والتمر بالتمر, والملح بالملح, مثلا بمثل, سواء [بسواء] يدا بيد, فإذا اختلفت هذه الأجناس, فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ". هذا الحديث هو العمدة في هذا الباب, عدد أولا وصرح بأحكامها وشروطها على الوجوه التي يتعامل عليها, ونبه على ما هو العلة لكل واحد منها, ليتوسل به المجتهد إلى أن يستنبط منها حكم ما لم يذكر من أخواتها, فإنه ذكر النقدين والمطعومات الأربع, إشعارا بأن الربا فيما

يكون نقدا أو مطعوما, وأن العلة فيه النقد والطعم للمناسبة واقتران الحكم, وذكر من المطعومات الحبوب والثمار وما يقصد مطعوما لنفسه ولغيره, حتى يعلم أن الكل سواء في الحكم, ثم قسم التعامل على ثلاثة أوجه: أي: يباع شيء منها بما هو من جنسه, كبيع الحنطة بالحنطة, وبما ليس من جنسهن هذه الأجناس المشاركة له في علة الربا, كبيع الحنطة بالشعير, وبما ليس من جنسه ولا مما يشاركه في العلة, كبيع الحنطة بالذهب أو النحاس. وصرح بالقسمين الأولين: لأنهما المقصود بالبيان لمخالفتهما سائر العقود في الشروط, فشرط في الأول: التماثل في القدر, وأكده بقوله: " سواء بسواء ", لأن المماثلة أعم من أن تكون في القدر, بخلاف المساواة والحلول والتقابض في المجلس بقوله: " يدا بيد ", وفي الثاني: الحلول والتقابض دون التماثل, وسكت عن الثالث, إما لأنه جار على قياس سائر البياعات, فلا حاجة بها إلى البيان, أو لأن أمره معلوم مما ذكره, مدلول عليه على طريقة المفهوم, فإن تقييد اعتبار الحلول بالمشاركة في علة الربا بقوله: " فإذا اختلفت هذه الأجناس " واعتبار المماثلة بها - مع اتحاد الجنس - يدل على عدم اعتبارهما فيما ليس كذلك.

وانتصاب "مثلا بمثل ويدا بيد" على الحال, والعامل متعلق الجار, وصاحبها الضمير المستكن فيه, والمجرور, أي: الذهب يباع بالذهب متماثلين مقبوضين يدا بيد. ونظيره: مررت بزيد راكبين. ... 608 - 2055 - وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء, والورق بالورق ربا إلا هاء وهاء, والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء, والشعير بالشعير ربا هاء وهاء, والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء ". " عن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء " " هاء ": صوت معناه: خذ, يقصر ويمد, والمعنى: بيع الذهب بالورق ربا إلا أن يتقابضا, فيقول كل واحد من المتعاقدين للآخر: ها, فيسلم إليه عوضه. ... 609 - 2056 - وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على أهل خيبر, فجاءه بتمر جنيب, فقال: " أكل تمر خيبر هكذا؟ " قال: لا والله يا رسول الله, إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين, والصاعين بالثلاثة, فقال: " لا تفعل, بع الجمع بالدراهم, ثم ابتع بالدراهم جنيبا ". " وفي الحديث الذي بعده: فجاءه بتمر جنيب " وفيه: " بع الجمع بالدراهم ". " الجنيب ": نوع من أجود التمور, و" الجمع ": نوع من التمر رديء. ... من الحسان: 610 - 2061 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليأتين على الناس زمان لا يبقى أحد إلا آكل الربا, فإن لم يأكله أصابه من بخاره " ويروى:" من غباره ". (من الحسان): عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليأتين زمان على الناس لا يبقى أحد إلا أكل الربا, فإن لم يأكله أصابه من بخاره ". أي: يحيق به ويصل إليه من أثره, بأن يكون موكله أو متوسطا

فيه أو كاتبا أو شهيدا أو يعامل المربي, أو: من عامل معه وخلط ماله بماله. ... 611 - 2063 - عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن شراء التمر بالرطب, فقال: " أينقص الرطب إذا جف؟ " فقال: نعم, فنهاه عن ذلك. " وعن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ع شراء التمر بالرطب, فقال: أينقص الرطب إذا يبس؟ فقال: نعم, فنهاه عن ذلك ". ليس المراد من الاستفهام استعلام القضية فإنها جلية مستغنية عن الاستكشاف, بل التنبيه على أن الشرط تحقق المماثلة حال اليبوسة, فلا يكفي تماثل الرطب والتمر على رطوبته, ولا على فرض اليبوسة, لأنه تخمين وخرص لا يقين فيه, فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر, وبه قال أكثر أهل العلم, وجوز أبو حنيفة بيع الرطب بالتمر إذا تساويا كيلا, وحمل الحديث على البيع نسيئة, لما روي عن هذا الراوي: أنه

- عليه السلام - نهى عن بيع الرطب بالتمر نسيئة, هكذا بعض الشارحين, وضعفه بين, لأن النهي عن بيعه نسيئة لا يستدعي الإذن في بيعه يدا بيد إلا من طريق المفهوم, وهو عنده غير منظور إليه فضلا من أن يسلط على المنطوق, ليبطل إطلاقه, ثم إن هذا التقييد يفيد السؤال والجواب وترتيب النهي, ويلغيها بالكلية, فإن بيع الرطب بالتمر نسيئة غير صحيح, لأنه جرى نسيئة, لا لأن الرطب ينقص بالجفاف أو لا ينقص. والضمير المستكن في " فقال ", والبارز في " نهاه " للسائل المدلول عليه بقوله: " سئل ". ... 612 - 2066 - وعن عبيد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا فنفذت الإبل, فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة, فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة. " عن عبد الله بن عمر [و]: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا, فنفذت الإبل, فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة, فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة ". (القلائص) جمع: قلوص, وهو الفتي من الإبل, والمراد بأخذه عليها: أن يستدين بأن يؤدي منها.

باب المنهي عنها من البيوع

وقوله: " كان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة " أي: إلى أوان أخذها ووصولها - دليل على جواز بيع حيوان بحيوانين ولو من جنسه, وعليه اتفق أهل العلم, ولم نسمع أحدا خالف فيه, وعلى أنه لا يحرم النسيئة فيه, وإليه ذهب علي وابن عمر رضي الله عنهم, وبه قال ابن المسيب وابن سيرين والزهري والشافعي وإسحاق. وما روي عن سمرة: أنه - عليه الصلاة والسلام - نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة, طعن في اتصاله يحيى بن معين وغيره من المحدثين. ... 5 - باب المنهي عنها من البيوع من الصحاح: 613 - 2067 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلا بتمر كيلا, وإن كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا, وإن كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام, نهى عن ذلك كله. ويروى: المزابنة أن يباع ما في رؤوس النخل بتمر بكيل مسمى إن زاد فلي وإن نقص فعلي.

(باب المنهي عنها من البيوع) (من الصحاح): " عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلا بتمر كيلا, وإن كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا, أو كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام, نهى عن ذلك كله ". " المزابنة ": بيع الثمر على الشجر بجنسه موضوعا على وجه الأرض, هكذا فسر في حديث جابر, وهاهنا فسره بما هو أعم منه, وجعل المحاقلة – وهو بيع الزرع بحبه نقيا – من أنواعها, واشتقاقها من الزبن, وهو الدفع, لأن كل واحد من المتعاقدين يزبن صاحبه عن حقه بما يزداد منه, أو لأن كلا منهما إذا وقف على غبن فيما اشتراه أراد فسخه, وأراد الآخر إمضاءه, فيتزابنان, وإنما خص بهذا الاسم بيع الثمر على رأس الشجر, لأن تقديره لا يمكن إلا بخرص, فلا يخلو غالبا عن تفاوت وغبن, وفي الحديث: بيع الثمر والعنب, لأنهما غالب ثمارهم, أو لأن المعتاد جريان هذا العقد عليها, واشتقاق المحاقلة من: الحقل وهو الزرع إذا تشعب ورقه ولم يغلط بعد ساقه, وأصله القراح من الأرض الطيبة التربة الصالحة للزرع, منه: (حقل): إذا زرع, والمحقلة: المزرعة. ***

614 - 2069 – وعن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة والمعاومة وعن الثنيا, ورخص في العرايا. وعن جابر قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة والمعاومة, وعن الثنيا, ورخص في العرايا ". أما " المحاقلة " و"المزابنة" فقد مر تفسيرهما, وأما " المخابرة ": فهي المزارعة – بالنصب – وذلك بأن يستأجر الأرض بجزء ريعها, وفساد هذا العقد لجهالة الأجرة وقدرها, واشتقاقها من: الخبرة – بالضم -, وهو النصب, أو من: الخبر, وهو الزراعة, ومنه الخبير للنبات والأكار, والخبراء: الأرض اللينة. و" الثنيا " – بالضم –: أن يبيع الرجل ثمرة بستان ويستثني منها قدرا معينا, مأخوذ من: الاستثناء, والمقتضي للنهي فيه: إفضاؤه إلى جهالة قدر المبيع. ولهذا قال الفقهاء: لو قال: بعت منك هذه الصبرة إلا صاعا, وكانت مجهولة الصيعان, فسد العقد, لأنه خرج المبيع عن كونه معلوم القدر عيانا وتقديرا, أما لو باع واستثنى سهما شائعا معينا كالثلث أو الربع, صح, لحصول العلم بقدره على الإشاعة. وأما " المعاومة ": فهو أن يبيع الرجل تمرة بستانه سنتين فصاعدا, والداعي إلى النهي عنها عدم المعقود عليه.

وأما " العرايا ": فهي جمع: عرية, وهي أن يبيع ثمر نخلات معلومة بعد بدو الصلاح فيها, خرصا بالثمر الموضوع على وجه الرض كيلا وأصلها: النخلة التي يعريها الرجل غيره, أن يجعل له ثمرتها, سميت بها لأنها عريت بتجريد الثمار بالإعطاء وتعريتها منه, (فعيلة) بمعنى مفعول, فالتاء فيها لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية, فنقل منها إلى العقد الوارد عليها المتضمن لإعرائها, وقد رخص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم للحاجة, واستثناها من المزابنة في خمسة أوسق أو فيما دونها, لما روى مالك عن داود بن الحصين, عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد ... 615 – 2071 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا بخرصها من التمر فيما دون خمسة أوسق, أو في خمسة أوسق, شك داود ". " عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق, أو في خمسة أوسق, شك فيهما داود ". قال مالك: (العرية): أن يعري الرجل ثمرة نخلة أو نخلتين, فيعطيها غيره, ثم يتأذى بدخوله حائطه, فيشتريها بالتمر. وقال أبو حنيفة: العرية: أن يعري الرجل تمر نخلات من حائطه

أجنبيا ثم يبدو له فيبطلها, ويرجع فيها ويعطيه تمرا مكانه, ويرد هذا التفسير قوله: (ورخص في العرايا) لأن ما ذكره ليس من الرخص في شيء, وفي الحديث الآتي بعد هذا الحديث المروي. ... 616 – 2070 – وعن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر, إلا أنه رخص في العرية أن تباع بخرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا ". ويدل على ما قلنا أن الشافعي روى بإسناده: أنه قيل لبعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إما زيد بن ثابت, وإما غيره: (ما عراياكم هذه؟ فقال: - وسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم -:إن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه, وعندهم فضول قوتهم من التمر, فرخص لهم أن يبتاعوا للعرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونه رطبا ". ... 617 – 2074 – وعن جابر رضي الله عنه قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع

السنين, وأمر بوضع الجوائح ". " وعن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السنين, وأمر بوضع الجوائح ". " بيع السنين ": يريد به بيع ثمارها, وهي المعاومة, وقد سبق الكلام فيها, و" الجوائح ": جمع جائحة, وهي الآفة التي تصيب الثمرة, من الجوح وهو الاستئصال, ووضعها: أن يحط البائع من الثمن ما يوازي نقصان الجائحة بعد القبض, والأمر به أمر استحباب لا وجوب, لأن المبيع قد خرج عن عهدة البائع بالتسليم إلى المشتري, فلا يلزمه ضمان ما يعتريه بعده. ولما روى أبو سعيد الخدري: أن رجلا أصيب في ثمار ابتاعها, فكثر دينه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " تصدقوا عليه ". ولو كانت الجوائح موضوعة لم يصر مديونا بسببها, ولما أمرنا بالتصدق عليه لأدائه, ومنهم من قال: إنه للوجوب, والبيع ينفسخ فيما يتلف بالجائحة كما لو تلف قبل القبض , لأن التسليم لم يتم بالتخلية, وكذلك يجب على البائع سقيها إلى أن يدرك.

ويدل عليه قوله في حديث جابر المذكور عقب هذا:" فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا, بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ " وهو مذهب أحمد وقول قديم للشافعي, ومنهم من خصص الحديثين بما إذا كان المبيع لم يقبض بعد, ومنهم من قال: إن ذلك في الأراضي الخرابية التي أمرها إلى الإمام, أمره بوضع الخراج عنها إذا أصابتها الجوائح. ... 618 – 2079 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تلقوا الركبان لبيع, ولا يبع بعضكم على بيع بعض, ولا تناجشوا ولا يبع حاضر لباد, ولا تصروا الإبل والغنم, فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها, إن رضيها أمسكها, وإن سخطها ردها وصاعا من التمر " 619 – 2081 – وقال: " لا تلقوا الجلب, فمن تلقاه فاشترى منه, فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار " " وعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تلقوا الركبان لبيع, ولا يبع بعضكم على بيع بعض, ولا تناجشوا, ولا يبع حاضر لباد, ولا تصروا الإبل والغنم, فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين, بعد أن يحلبها, إن رضيها أمسكها, وإن سخطها ردها وصاعا من تمر ".

نهى عن استقبال الركبان, لابتياع ما يحملونه إلى البلد قبل أن يقدموا الأسواق ويعرفوا الأسعار, لم يتوقع فيه من التغرير وارتفاع الأسعار. وفي معناه: قوله في الحديث الآخر: " ولا تلقوا الجلب ". و" الجلب ": هم الذي يحلبون النعم من موضع إلى موضع للبيع, ولعله مصدر نعت به, ويتوسع فيه, فيطلق على من يجلب الأقوات إلى البلدان, وعن البيع على بيع غيره, وهو أن يدعو المشتري زمان الخيار إلى أن يفسخ البيع ويشتري منه, وقيل: هو أن يمنع طالب متاع الغير أن يشتريه, ليبتاع متاعه, وسمي البائع الأول أخاه ليدل على أنه أخوه في الدين, فلا يليق به إضراره وتفويت الربح عليه. وعن " التناجش ": وهو تفاعل من النجش, وهو أن يزيد الرجل في ثمن السلعة, وهو لا يريد شراءها, ليغتر به الراغب فيشتري بما ذكره, وأصله الإغراء والتحريض, وإنما نهى عنه لما فيه من التغرير, وإنما ذكر بصفة التفاعل, لأن التجار يتعارضون في ذلك فيفعل هذا لصاحبه على أن يكافئه بمثله, وعن بيع الحاضر للبادي, وهو أن يأخذ البلدي من البدوي ما حمله إلى البلد ليبيعه بسعر اليوم حتى يبيع له على التدريج بثمن أرفع.

والعلة فيه: تفويت الربح وتضييق الرزق على الناس, فعلى هذا لو كان المتاع كاسدا في البلد إما لكثرته أو لندور الحاجة إليه, لم يحرم ذلك, لفقد المعنى, فإن الحكم المنصوص كما يعم بعموم العلة يخص بخصوصها. وعن " التصرية ": وهي أن يشد أخلاف اللبون ويترك حلابها أياما ليجتمع البن في ضرعها, فيتخيل المشتري غزارة لبنه من قولهم: صريت الماء في الحوض إذا جمعته وحبسته, وأصل الصري: الجمع, أو ثبت بها الخيار للمشتري إذا اطلع عليها بقوله " فهو بخير النظرين ". وقال أبو حنيفة: لا خيار له بسبب التصرية, ولا الرد بعيب آخر بعد ما حلبها, والحديث حجة عليه في المسألتين, ولا يختص ثبوت الخيار بما بعد الحلب, بل لو اطلع عليها قبله كان له الرد, وإنما قيد به, لأن الغالب أنه لا يحصل العلم بها إلا بعد حلبها, وإنما أوجب رد صاع تمر معها بدلا عن الحليب الموجود في الضرع حالة العقد, وكان القياس رد عينه أو مثله, لكنه لم تعذر لاختلاط ما حدث بعد البيع في ملك المشتري بالموجود حال العقد وإفضائه إلى الجهل بقدره, هين الشارع له بدلا يناسبه قطعا للخصومة, ودفعا للتنازع في قدر الموجود عند العقد, وهذا الخيار كسائر خيار النقيصة على الفور عند الأكثر. وما روي أنه قال: " من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام, فإن ردها معها صاعا من طعام لا سمراء ".

إنما قاله بناء على الغالب, لأن الوقوف عليها قلما يكون في أقل من ثلاثة أيام, فإنه لا يظهر قبله نقصان بين, ولأن الذي يجده المشتري في المدة لعله يحمله على خلف اليد وتبدل الخيار, ولا أن الخيار يمتد ثلاثة أيام, وإن اطلع عليه المشتري. وقوله: " لا سمراء " أي: لا حنطة, قيل: أراد به أن التمر متعين للبدلية, ولا يجوز أن يعطى غيره إلا برضا البائع, فإن غالب طعام العرب التمر, فيكون المراد منه إذا أطلق. وقيل: أراد به أن يرد مع المصراة صاعا من الطعام, أي الطعام كان, وأن الحنطة غير واجب على التعيين, بل لو رد معها صاعا من تمر أو شعير أو غيرهما جاز, ولذلك اختلف العلماء في تعين التمر, ولعل الأظهر تعينه للتنصيص به فيما روا هـ الشيخان وغيرهما من الأئمة رحمهم الله. ... 620 – 2087 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر " " عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة,

وعن بيع الغرر". " بيع الحصاة ": من البياعات التي كانت يفعلها أهل الجاهلية, واختلف العلماء في تفسيره فقيل: هو أن يقول البائع للمشتري في العقد: إذا نبذت إليك الحصاة فقد أوجب البيع, والخلل فيه إثبات الخيار, وشرطه إلى أمد مجهول. وقيل: هو أن يعقد بأن يرمي بحصاة قطيع غنم, فأي شاة أصابتها كانت كالمبيع, والخلل فيه إثبات الخيار, وشرطها جهالة المعقود عليه. وقيل: هو أن يجعل الرمي بيعا, والخلل في نفس العقد وصورته, و" الغرر": ما خفي عليك أمره من الغرر, وبيع الغرر كل بيع كان المعقود عليه فيه مجهولا أو معجوزا عنه, ومن ذلك بيع ما لم يره, وبيع تراب المعدن وتراب الصاغة, لأن المقصود بالعقد ما فيه من النقد وهو مجهول. ... 621 – 2090 – وعن جابر رضي الله عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ضراب الجمل, وعن بيع الماء والأرض لتحرث ". " عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ضراب الجمل, وعن بيع الماء والأرض لتحرث ".

(ضراب الفحل الناقة ضرابا) ترى عليها ضرابه, أي: تأخذ به مالا وتقرر عليه, والعسب: الكرى المأخوذ عليه, يقال: عسبت الرجل عسبا: إذا أعطيته الكراء على ذلك, والموجب للنهي ما فيه من الغرر, لأن المقصود المكتري منه هو الإلقاح, والفحل قد يضرب وقد لا يضرب, وقد تلقح الأنثى وقد لا تلقح, أما لو أعار الفحل للإنزاء, فألزمخ المستعير بسء جاز قبوله, لما روي عن أنس بن مالك: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل فنهاه, فقال: يا رسول الله! إنا نطرق الفحل فنكرم, فرخص له في الكرامة " ورخص في الكراء للعسب الحسن وابن سيرين وعطاء, وبه قال مالك للمصلحة **** 622 - 2092 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ". " وعن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ ". اختلفت الروايات في هذا الديث, فروى البخاري رحمه الله: " لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا فضل الكلأ ". ومعناه: من كان له بئر في موات من الأرض لا يمنع ماشية غيره أن ترد فضل مائه الذي زاد على ما احتاج إليه ماشيته, ليمنعها بذلك عن فضل الكلأ, فإنه إذا منعهم

عن فضل مائه في أرض لا ماء بها سواه لم يكن لهم الرعي بها, فيصير الكلأ ممنوعا بمنع الماء. وروى السختياني: " لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ ". والمعنى: ما سبق, وروى مسلم: " لا يباع فضل الماء ليمنع به الكلأ " والمعنى: لا يباع فضل الماء, ليصير الكلأ ممنوعا بسبب الضنة على الماء, والمضايقة عليه. وروى الشيخ في هذا الكتاب: " لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ " والمعنى لا يباع فضل الماء ليصير البائع له كالبائع للكلأ, وإن من أراد الرعي في حمات مائه وحواليه إذا منعه من الورود عن مائه إلا بعوض اضطر إلى شرائه, فيكون بيعه الماء بيعا للكلأ. واختف العلماء في أن هذا المعنى للتحريم أو للتنزيه, وبنو ذلك على أن الماء يملك أم لا؟ والأولى حمله على الكراهة. ... 623 – 2096 – وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع

الكالئ بالكالئ " (من الحسان): عن ابن عمر [و]: " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ ". " الكالئ " – بالهمزة -: النسيئة, نهى عن بيع النسيئة بالنسيئة مثل أن يبيع الرجل دينه على آخر بدين للمشتري على ذلك المديون أو غيره, والمقتضي للنهي ما فيه من الغرر. ... 624 – 2097 – عن عمرو بن شعيب, عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: نهر سول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان " " عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان " أي: بيع يكون فيه عربان, وهو ما يدفع الرجل إلى الصناع ليصنع له شيئا, فإن ارتضاه كان ما دفعه إليه من الثمن, وإلا يكون منحة له, والخلل فيه تعليق العقد والتردد فيه إلى غير ذلك, وفيه لغات: عربان كـ (عقران) وعربون كـ (حمدون) وأربان وأربون – بالهمز بدل العين, وعربون بفتح الراء ***

625 – 2098 – وعن علي قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطرين وعن بيع الغرر" " وعن علي رضي الله عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطرين وعن بيع الغرر ". قيل: المراد بالمضطر المكره, وقيل: هو الذي يعرض متاعه على البيع, لضرورة لم يجد معها بدا من بيعها, فيعلم المشتري حاله فيما كسبه, ويناقشه إلى أن يضطره فيبيع منه بغبن فاحش, فالنهي على الأول للتحريم, والثاني للتنزيه. ... 626 - 2103 – وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة صفقة واحدة ". " وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة صفقة واحدة " صورة هذا العقد: أن يقول البائع: بعت منك هذا الثوب بعشرة نقدا أو بعشرين نسيئة إلى سنة, فخذ بأيهما شئت, وهو فاسد عند أكثر أهل العلم, لعدم تعين الثمن, وقيل: هي أن يبيع متابعه بشرط أن يبيع المشتري شيئا منه مثل أن يقول: بعتك جاريتي بعشرة على أن تبيعني فرسك.

وهذا أيضا فاسد, لأنه جعل المشروط جزءا, والثمن والوفاء به غير لازم فبطل بعض الثمن, وليس له قيمة معلومة حتى يفرض التوزيع عليه وعلى الباقي, فتصير ما يبقى من المبيع في مقابلة الباقي مجهولا, فيفسد العقد فيه أيضا لجهالته. ... 627 – 2104 – وقال: " لا يحل سلف وبيع, ولا شرطان في بيع, ولا ربح ما لم يضمن, ولا بيع ما ليس عندك " (صحيح) " وعنه: بهذا الإسناد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل بيع وسلف ولا شرطان في بيع, ولا ربح ما لم يضمن, ولا بيع ما ليس عندك " (السلف): يطلق على السلم والقرض, والمراد به هاهنا شرط القرض على حذف المضاف, أي: لا يحل بيع مع شرط سلف, مثل أن تقول: بعتك هذا الثوب بعشرة على أن تقرضني عشرة, بقي الحل اللازم للصحة, ليدل على الفساد من طريق الملازمة, والعلة فيه وفي كل عقد: تضمن شرط لا يثبت, ويتعلق به غرض, كما ما مر في الحديث السالف. وقيل: هو أن تقرضه قؤضا وتبيع منه شيئا بأكثر من قيمته فإنه حرام, لأن قرضه روج متاعه بهذا الثمن, وكل قرض جر نفعا فهو حرام. وقوله: " ولا شرطان في بيع ": فسر بالمعنى الذي ذكرناه أولا

للبيعتين في بيعة, وقيل: معناه: أن يبيع شيئا بشرطين, مثل أن يقول: بعت منك هذا الثوب بكذا على أن أقصره وأخيطه, وإليه ذهب أحمد, وبنى على مفهومه جواز الشرط الواحد وهو ضعيف, إذ لا فرق بين الشرط الواحد والشرطين في المعنى. ولأنه روي: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط, ولعل تخصيص الشرطين للعادة التي كانت لهم, وربح ما لم يضمن يريد به الربح الحاصل من بيع ما اشتراه قبل أن يقبضه وينتقل من ضمان البائع إلى ضمانه, فإن بيعه فاسد وبيع ما ليس عندك كبيع الآبق, والمغصوب, والمبيع قبل القبض, ومال الغير على توقع إجازته. والسلم خارج عن هذا الحكم, إما لأن البيع لا يتناوله لاختصاصه بالأعيان عرفا, أو لأن الدليل استثناه. ... 628 – 2105 – وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع بالدنانير فآخذ مكانها الدراهم, وأبيع بالدراهم وآخذ مكانها الدنانير, فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له, فقال: " لا بأس بأن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء " " وفي حديث ابن عمر: كنت أبيع الإبل بالنقيع " " النقيع " – بالنون – موضع بالمدينة يستنقع فيه الماء, ثم ينصب

فينبت فيه العشب. **** 629 – 2106 – عن العداء بن خالد بن هوذة, أخرج كتابا: هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم, اشترى منه هبدا أو أمة, لا دء ولا غائلة ولا خبثة, بيع المسلم المسلم. غريب. " وعن العداء بن خالد بن هوذة, أخرج كتابا: هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم, اشترى منع عبدا أو أمة, لا داء ولا غائلة ولا خبثة, بيع المسلم المسلم " هذا " العداء " من بني ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة, من أعراب البصرة, و" عبدا أو أمة ": شك من بعض الرواة, والمراد بـ (الداء): العيب الموجب للخيار, بـ (الغائلة): ما فيه اغتيال مال المشتري, مثل أن يكون العبد سارقا أو آبقا. وبالخبثة: أن يكون خبيث الأصل لا يطيب للملاك, أو محرما كالمسبي من أولاد المعاهدين, ومن لا يجوز سبيهم, فعبر عن الحرمة بالخبث كما عبر عن الحل بالطيب. " بيع المسلم المسلم ": نصب على المصدر, أي: باعه بيع المسلم من المسلم, أضاف إلى الفاعل ونصب به المفعول. ***

فصل

فصل من الصحاح: 630 - 2108 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع, ومن ابتاع عبدا وله مال, فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع " (فصل) (من الصحاح): " عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر, فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع, ومن ابتاع عبدا وله مال, فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع " (التأبير): تلقيح النحل, وهو أن يوضع شيء من طلع فحل النخل في طلع الأنثى إذا انشق, والمعنى: أن من باع نخلا مثمرة قد أبرت, فثمرتها تبقى له, إلا إذا شرط دخولها في العقد, وعليه أكثر أهل العلم, وكذا إن انشق ولم تؤبر بعد, لأن الموجب للإفراد هو الظهور المماثل لانفصال الجنين. ولعله عبر عن الظهور بالتأبير, لأنه لا يخلو عنه غالبا, أما لو باع قبل أوان الظهور, تبع الأصل, وانتقل إلى المشتري قياسا على

الجنين, وأخذا من مفهوم الحديث. وقال أبو حنيفة: تبقى الثمرة للبائع بكل حال. وقال ابن أبي ليلى: الثمرة تتبع الأصل, وتنتقل إلى المشتري بكل حال. وقوله: " وله مال ": يريد ما في يده, وحصل بكسبه وتصرفه, أضافه إليه لاختصاصه به إضافة السرج إلى الفرس, [و] الإكاف إلى الحمار, والغنم إلى الراعي, بدليل قوله: " فماله للبائع " لأن الشيء الواحد في الوقت الواحد لا يكون كله ملكا لاثنين. وقيل: أراد به ما يملكه السيد, فإنه يتملك بتمليكه كما هو مذهب مالك, وقول قديم للشافعي وهو لا يبيع العبد في مطلق بيعه, بل يعود إلى البائع الذي ملكه لضعفه ملكه, أما لو باعه مع العبد, فإن كان عينا معلومة صح العقد فيهما, وإن كان دينا, أو عينا مجهولة لم يصح العقد فيه, وفي العبد خلاف مذكور في تفريق الصفقة. وقال مالك: يصح فيه أيضا, لأنه بيع لرقبة العبد فلا يشترط فيه ما يشترط في المعقود عليه, كحمل الشاة ولبنها, وهو ضعيف, لأن المال مستقل معقود عليه بخلاف الحمل واللبن, فإنهما بمنزلة الثمن من الحيوان, ولذلك يدخلان في مطلق بيع الأصل. ... 631 - 2109 - وعن جابر رضي الله عنه أنه كان يسير على جمل له قد

أعيا, فمر النبي صلى الله عليه وسلم فضربه, فسار سيرا ليس يسير مثله, ثم قال: " بعنيه بوقية " قال: فبعته فاستثنيت حملانه إلى أهلي, فلما قدمت المدينة أتيته بالجمل ونقدني ثمنه, ويروى: فأعطاني ثمنه ورده علي, وروي: أنه قال لبلال: " اقضه وزده ", فأعطاه وزاده قيراطا. " عن جابر: أنه كان يسير على جمل له قد أعيا, فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فضربه فسار سيرا يسير مثله, ثم قال: بعنيه بوقية, قال: فبعته, فاستثنيت حملانه إلى أهلي, فلما قدمت المدينة أتيته بالجمل, ونقدني ثمنه, ورده علي ". " أعيا ": أصابه العياء, وصار ذا عياء, وحملانه: ركوبه, واختلف العلماء فيما إذا باع الرجل دابته واستثنى لنفسه ظهرها مدة معلومة فمنهم من صحح البيع والشرط أخذا بظاهر هذا الحديث, وهو قول الأوزاعي وابن شبرمة وأحمد وإسحاق, وبه قال مالك إذا كانت المدة قريبة. ومنهم من لم يصحح البيع رأسا, لما روى هذا الراوي عنه عليه السلام: أنه نهى عن الثنيا, وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي, وأولوا هذه القصة من وجهين: أحدهما: أنه لم يستثن في البيع, وما جرى شرط في العقد, ولكن استعار من الرسول صلوات الله عليه وأعاره, ويدل عليه: أن الشعبي روى الحديث عن جابر وقال: قال: بعت من النبي جملا, وأفقرني

ظهره إلى المدينة. و (الإفقار): إعارة الظهر للركوب, وإنما عبر عن الاستعارة بالاستثناء على سبيل الاستعارة, لأنها شابهت الشرط من حيث إنها اقترنت بالقبول والإجابة. وثانيهما: أنه ما جرى بينهما بيع شرعي, بل تقرير ووعد, وما قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم شراء الجمل, وإنما أراد أن ينفعه بمنحه, فاتخذ ذلك ذريعة, ويدل عليه ما روي أنه عليه السلام قال له حين أعطاه الثمن: " ما كنت لآخذ جملك, فخذ جملك وهو مالك ". فإن قلنا: إنه ما جرى بينهما بيع شرعي, فالحديث دليل على جواز هبة المبيع قبل القبض. ... 632 - 2110 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت بريرة فقالت: إني كاتبت على تسع أواق في كل عام وقية فأعينيني, فقالت عائشة: إن أحب أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك فعلت ويكون ولاؤك لي: فذهبت إلى أهلها, فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خذيها وأعتقيها ". ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أما بعد, فما بال رجال

يشترطون شروطا ليست في كتاب الله, ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط, فقضاء الله أحق, وشرط الله أوثق, وإنما الولاء لمن أعتق ". " وعن عائشة قالت: جاءت بريرة, فقالت: إني كاتبت على تسع أواق في كل عام وقية, فأعينيني, فقلت: إن أحب أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك فعلت, ويكون ولاؤك لي, فذهبت إلى أهلها, فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم, فقال صلى الله عليه وسلم: خذيها وأعتقيها, ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس, فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: أما بعد: فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله, ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل, وإن كان مئة شرط, فقضاء الله أحق, وشرط الله أوثق, وإنما الولاء لمن أعتق ". ظاهر مقدمة هذا الحديث تدل على جواز بيع رقبة المكاتب, وإليه ذهب النخعي ومالك وأحمد, وقالوا: يصح بيعه, ولكن لا تنفسخ كتابته, حتى لو أدى النجوم إلى المشتري عتق, وولاؤه للبائع الذي كاتبه, وأول الشافعي الحديث بأنه جرى برضاها, فكان ذلك فسخا للكتابة منها. ويحتمل أن يقال: إنها كانت عاجزة عن الأداء, فلعل السادة عجزوها وباعوها, واختلف في جواز بيع نجوم الكتابة, فمنعه أبو حنيفة أيضا, والشافعي جوزه ومالك.

وأول قوم حديث بريرة عليه, لقول عائشة:" أعدها لهم ", والضمير لتسع أواق التي وقعت عليها الكتابة, ربما جاء في بعض الروايات: فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك. ويرده عتق عائشة إياها, وما روي ابن شهاب عن عروة عن عائشة: أنه عليه السلام قال: " ابتاعي وأعتقي ", وفي رواية أخرى أنه قال: " اشتريها وأعتقيها ". وأما ما احتجوا به فدليل عليهم, لأن مشتري النجوم لا يعدها ولا يؤديها, وإنما يعطي بدلها, وأما مشتري الرقبة إذا اشتراها بمثل ما انعقدت به الكتابة, فإنه يعده. وفحوى الحديث يدل على جواز بيع الرقبة بشرط العتق, لأنه يدل على أنهم شرطوا الولاء لأنفسهم, وسرط الولاء لا يتصور إلا بشرط العتق, لأن الرسول - صلوات الله عليه - أذن لعائشة في إجابتهم بالشراء بهذا الشرط, ولو كان العقد فاسدا لم يأذن فيه ولم يقرر العقد, وإليه ذهب النخعي والشافعي وابن أبي ليلى وأبو ثور, وذهب أصحاب الرأي إلى فساده, والقائلون بصحة هذا العقد اختلفوا في الشرط, فمنهم من صححه, وبه قال الشافعي في الجديد, لأنه - عليه السلام - أذن فيه, ولأنه لو فسد لأفسد العقد, لأنه شرط يتعلق به غرض, ولم يثبت, فيفسد العقد للنص والمعنى المذكورين. قيل: ومنهم من ألغاه كابن أبي ليلى وأبي ثور, ويدل أيضا على

صحة البيع بشرط الولاء وفساده الشرط, لأنه - عليه السلام - قرر العقد وأنفذه, وحكم ببطلان الشرط, وقال: " إنما الولاء لمن أعتق ", وبه قال ابن أبي ليلى, وأبو ثور, والشافعي في القديم. والأكثرون على فساد العقد, لما سبق من النص والمعنى, قالوا: ما جرى الشرط في بيع بريرة, ولكن القوم ذكروا ذلك طمعا, في ولائها, جاهلين بأن الولاء لا يكون إلا للمعتق. وما روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أنه - عليه السلام - قال: " خذيها واشترطيها " = زيادة تفرد بها. والتاركون لها كابن شهاب عن عروة, وعمرة عن عائشة, والقاسم ابن محمد عنهما, أكثر عددا وأشد اعتبارا, فلا يسمع, لأن السهو على واحد أجوز منه على جماعة. قال الشافعي: كيف يجوز في صفة الرسول - صلوات الله عليه - ومكانه من الله أن ينكر على الناس شرطا باطلا, ويأمر أهله بإجابتهم إلى الباطل, وهو على أهله في الله أشد وأغلظ؟ أقول: وعلى هذا التقدير والاحتمال ينهدم ما ذكرنا من الاستدلال, ولا يكون فيه ما يدل على جواز شرط العتق في العقد وصحته. وقوله: " ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ": يريد أنها ليست في حكم الله, وليست على مقتضى حكم كتاب الله, ولم يرد أنها ليست منصوصة في كتاب الله, فإن كون الولاء للمعتق

أيضا غير منصوص في القرآن, ولكن الكتاب أمر بطاعة الرسول, وأتباع حكمه, وهو قد حكم بأن الولاء لمن أعتق. ... من الحسان: 633 - 2112 - عن مخلد بن خفاف قال: ابتعت غلاما فاستغللته, ثم ظهرت منه على عيب, فقضى علي عمر بن عبد العزيز برد غلته, فراح إليه عروة فأخبره أن عائشة رضي الله عنها أخبرتني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في مثل هذا أن الخراج بالضمان, فقضى لي أن آخذ الخراج. (من الحسان): " عن مخلد بن خفاف قال: ابتعت غلاما فاستغللته, ثم ظهرت منه على عيب, فقضى علي عمر بن عبد العزيز برد غلته, فراح إليه عروة فأخبره أن عائشة أخبرتني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في مثل هذا: أن الخراج بالضمان, فقضى لي أن آخذ الخراج ". استغللته: أخذت غلته, أي: كراه, والخراج في الأصل: اسم ما يخرج من الأرض, ثم استعمل في منافع الأملاك كأجرة الأراضي وريعها, وكذا الحيوانات, وغلة العبيد. ومعنى قوله: " الخراج بالضمان ": أن النافع بإزاء الضمان, وكما أن المبيع لو تلف أو انتقص في يد المشتري, فهو في عهدته وقد تلف

باب السلم والرهن

ما تلف في ملكه, ليس على البائع شيء, فكذا لو زاد وحصل منه نفع, فهو لاحق للبائع فيه, فإذا فسخ العقد بعيب ورد المبيع إلى بائعه سلم ذلك المشتري, ولا فرق عندنا بين الزوائد المتولدة من نفس المبيع كالنتاج والثمار وغيرها كالغلة, فإن جميعها يسلم للمشتري. وقال أبو حنيفة: إن حدثت الزوائد قبل القبض تبعت الأصل, وإن حدثت بعده, فإن كانت من عين المبيع كالولد والثمر منعت الرد, وإلا سلمت للمشتري. ... 6 - باب السلم والرهن من الصحاح: 634 - 2119 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا, ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا, وعلى الذي يركب ويشرب النفقة ". (باب السلم والرهن) (من الصحاح): " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الظهر يركب بنفقته إذا

كان مرهونا, ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا, وعلى الذي يركب ويشرب النفقة ". " الظهر ": يريد به ظهر الدابة, وقيل: الظهر: الإبل القوي, يستوي فيه الواحد والجمع, ولعله سمي بذلك, لأنه يقصد لركوب ظهره. وظاهر الحديث: أن المرهون لا يهمل, ومنافعه لا تعطل, بل ينبغي أن ينتفع به, وينفق عليه, وليس فيه دلالة على من له غنمه, وعليه غرمه. والعلماء اختلفوا في ذلك, فذهب الأكثرون: إلى أن منفعى الرهن للراهن مطلقا, ونفقته عليه, لأن الأصل له, والفروع تتبع الأصول, والغرم بالغنم. ولأنه روى ابن المسيب عن أبي هريرة: أنه - عليه السلام - قال: " لا يغلق الرهن من صاحبه الذي يرهنه, له عنمه وعليه غرمه ". وقال أحمد وإسحاق: للمرتهن أن ينتفع من المرهون بحلب وركوب دون غيرهما بقدر يقدر بقدر النفقة, واحتجا بهذا الحديث, ووجه التمسك به: أن يقال: دل الحديث بمنطوفه على إباحة الانتفاع في مقابلة الإنفاق, وانتفاع الراهن ليس كذلك, لأن إباحته مستفادة له من تملك الرقبة لا من الانفاق, وبمفهومه على أن جواز الانتفاع مقصور على هذين النوعين من المنفعة, وجواز انتفاع الراهن غير مقصور عليهما, فإذا المراد به أن للمرتهن أن ينتفع بالركوب والحلب من المرهون بالنفقة, وأنه إذا فعل ذلك لزمه النفقة. وأجيب عن ذلك: بأنه منسوخ بآية الربا, فإنه يؤدي إلى انتفاع

المرتهن بمنافع المرهون بدينه, وكل قرض جر نفعا فهو ربا. والأولى أن يجاب بأن الباء في (بنفقته) ليست للبدلية, بل للمعية, فالمعنى: أن الظهر يركب وينفق عليه, فلا يمنع الرهن الراهن من الانتفاع بالمرهون, ولا يسقط عنه الإنفاق, كما صرح به في الحديث الآخر وقال: " لا يغلق الراهن الرهن من صاحبه ". أي: لا يمنع الرهن المرهون من مالكه الذي رهنه, لنتفع به, له غنمه فوائده ونماؤه, وعليه غرمه: نفقته ومؤناته, فإنه إذا تلف تلف عليه, ومن ماله لا يسقط به شيء من حق الراهن. وقيل: معنى لا يغلق الراهن الرهن: أن الرهن لا يخرج المرهون عن ملك الراهن, ولا ينقله منه إلى المرتهن, من: غلق الرهن غلوقا: إذا بقي في يد المرتهن لا يقدر على تخليصه. قال زهير: وفارقتك برهن لا فكاك له ... يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا وعن النخعي: أنه سئل عن غلق الرهن فقال: هو أن يقول الراهن: إن لم أفتكه إلى غد فهو لك, كان ذلك من أفاعيل الجاهلية, فأنكره الرسول صلوات الله عليه. ... 635 - 2121 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المكيال

باب الاحتكار

مكيال أهل المدينة, والميزان ميزان أهل مكة ". " عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المكيال مكيال أهل المدينة, والميزان ميزان أهل مكة ". أي " " المكيال " المعتبر مكيال أهل المدينة, لأنهم أصحاب زراعات, فهم أعلم بأحوال المكاييل. و" الميزان " المعتبر ميزان أهل مكة, لأنهم أهل التجارات فعهدهم بالموازين, وعلمهم بالأوزان أكثر. ... 7 - باب الاحتكار من الصحاح: 636 - 2123 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من احتكر فهو خاطيء". (باب المحتكر) (من الصحاح): عن معمر بن عبد الله بن نضلة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من احتكر فهو خاطئ ".

(الاحتكار): جمع الطعام وحبسه تربصا به الغلاء. " فهو خاطئ ": أي: آثم, من الخطأ وهو الذنب, قال الله تعالى: {إن قتلتم كان خطئا كبيرا} [الإسراء: 31] أي: ذنبا كبيرا, والاسم منه الخطيئة, واختلف في حرمته, فمنهم من حرم مطلقا كمالك والثوري, ومنهم من حرم حيث يؤدي إلى تضييق على الناس. قال أحمد: يحرم الاحتكار في مثل مكة والمدينة, وحيث يكون فيه ضيق, هذا فيما اشتراه من السوق, فلو أدخل الطعام من صنيعه المحرز وحبسه لم يحرم ذلك. ... من الحسان: 637 - 2126 - عن أنس رضي الله عنه قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا: يا رسول الله! سعر لنا, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق, وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة بدم ولا مال ". (من الحسان): " عن أنس قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! سعر لنا, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله هو المسعر الرازق,

باب الإفلاس والإنظار

القابض الباسط, فإني لأرجو أن ألقى ربي, وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة, بدم ولا مال ". "السعر": القيمة التي يشيع البيع بها في الأسواق, قيل: سميت بذلك لأنها ترتفع, والتركيب لما له ارتفاع, والتسعير تقديرها. وقوله: " إني لأرجو ": إشارة إلى أن المانع له من التسعير مخافة أن يظلم الناس في أموالهم, فإن التسعير تصرف فيها بغير إذن أهلها, فيكون ظلمت, ومن مفاسد التسعير,: تحريك الرغبات, والحمل على الامتناع من البيع, وكثيرا ما يؤدي إلى القحط. ... 8 - باب الإفلاس والإنظار من الصحاح: 638 - 2127 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أيما رجل مات أو أفلس, فأدرك رجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره ". (باب الإفلاس والإنظار) (من الصحاح): عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أيما رجل أفلس, فأدرك

رجل ماله بعينه, فهو أحق به من غيره ". الحديث دل على أن من اشترى شيئا وأفلس بثمنه ووجد البائع عين ماله, كان له أن يفسخ العقد, ويأخذ عين ماله. وبه قضى عثمان وعلي رضي الله عنهما, ولم ينكر عليهم أحد من الصحابة, وهو مذهب الأوزاعي ومالك, والشافعي وأحمد وإسحاق, ومنعه النخعي وابن شبرمة وأصحاب الرأي وقالوا: هو وسائر الغرماء سواء فيه فيضاربهم. ... 639 - 2133 - عن أبي رافع رضي الله عنه قال: استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا, فجاءته إبل من الصدقة, قال أبو رافع: فأمرني أن أقضي الرجل بكره, فقلت: لا أجد إلا جملا خيارا رباعيا, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعطه إياه, فإن خير الناس أحسنهم قضاء ". " وعن أبي رافع قال: استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا, فجاءته إبل من الصدقة, فأمرني أن أقضي الرجل بكره, فقلت: لا أجد إلا جملا خيارا رباعيا, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطه إياه, فإن خير الناس أحسنهم قضاء " " استسلف ": استقرض, و"البكر ": الفتى من الإبل. قال الخطابي: البكر في الإبل بمنزلة الغلام في الإنسان, والقلوص: بمنزلة الجارية, والرباعي - بتخفيف الياء -: الجمل الذي

أتت عليه ست سنين, ودخل في السنة السابعة, سمي بذلك لأن رباعيته تطلع حينئذ, والأنثى رباعية. والحديث دليل على جواز استسلاف الإمام للمحاويج إذا رأى حاجتهم, والأداء من الصدقات, وعلى جواز استقراض الحيوان, وهو قول أكثر أهل العلم, واستثنى الشافعي الجارية التي يحل للمستقرض وطؤها حذرا عن وقوع الوطء من غير ثبوت الملك - إن قلنا: القرض يملك بالتصرف - أو في ملك ضعيف, إن قلنا: يملك بالقبض - لأن المقرض مسلط على استرداده, فربما يستردها بعد الوطء فيصير القرض كالإعارة للوطء. وعلى من استقرض شيئا يرد مثله سواء كان مثليا أو متقوما, لأنه - عليه السلام - رد الحيوان وهو من ذوات القيم, بخلاف من أتلف متقوما أو غصبه, فتلف في يده, فإن الواجب عليه قيمته, وعليه أنه لو رد أحسن مما أخذه, أو أكثر من غير اشتراط في العقد, فقد أحسن وحل للمقرض أخذه, ولم يكن من الربا في شيء. ... 640 - 2135 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مطل الغني ظلم, فإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع ". " وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مطل الغني ظلم, فإذا

أتبع أحدكم على مليء فليتبع ". " أتبع " فلان بفلان: إذا أحيل عليه, كأن المحيل يتبع المحال عليه, فليتبع, أي: فليحتل, وليقبل الحوالة, والمليء: الواجد الموثوق عليه. ... 641 - 2136 - عن كعب بن مالك رضي الله عنه: " أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا له عليه, فارتفعت أصواتهما, فخرج إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ونادى كعب بن مالك رضي الله عنه, فأشار بيده أن ضع الشطر من دينك, قال: قد فعلت, فقال: " قم فاقضه ". " وعن كعب بن مالك: أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا له عليه في المسجد, فارتفعت أصواتهما, فخرج إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم, ونادى كعب بن مالك, فأشار بيده أن ضع الشطر من دينك, قال: قد فعلت, فقال: قم فاقضه ". التقضي والاقتضاء بمعنى: وهو طلب قضاء الدين, وابن [أبي] حدرد اسمه: عبد الله الأسلمي, واسم أبيه سلامة, وقيل: عبد, وقيل: عبيد, وهو أيضا كان صحابيا. والحديث دليل على جواز التقاضي والقضاء في المسجد, وأنه يجوز للقاضي أن يصلح بين الخصمين, وأن صلح الحطيطة جائز. ***

642 - 2137 - عن سلمة بن الأكوع: أنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجنازة فقالوا: صل عليها, فقال: " هل عليه دين " قالوا: لا فصلى عليها, ثم أتي بجنازة أخرى, فقال: " هل عليه دين " قيل: نعم, قال: " فهل ترك شيئا؟ " قالوا: ثلاثة دنانير, فصلى عليها, ثم أتي بالثالثة, فقال: " هل عليه دين؟ " قالوا: ثلاثة دنانير, قال: " هل ترك شيئا؟ " قالوا: لا, قال: " صلوا على صاحبكم ". قال أبو قتادة: صل عليه يا رسول الله وعلى دينه, فصلى عليه. " وفي حديث سلمة بن الأكوع: ثم أتي بالثالثة فقال: هل عليه دين؟ قالوا: ثلاثة دنانير, قال: هل ترك شيئا؟ قالوا: لا, قال: صلوا على صاحبكم, قال أبو قتادة, صل عليه يا رسول الله, وعلى دينه, فصلى عليه ". لعله امتنع عن الصلاة على المديون الذي لم يدع وفاء تحذيرا عن الدين, وزجرا عن المماطلة والتقصير في الأداء, أو كراهة أن يوقف دعاؤه, ويعاق عن الإجابة بسبب ما عليه من حقوق الناس ومظالمهم. وفيه دليل على جواز الضمان بغير رضا المضمون عنه, ودون رضا المضمون له, ومعرفته, وأنه يصح عن الميت المفلس الذي لا وفاء له, وخالفنا أبو حنيفة فيه. ***

من الحسان: 643 - 2145 - وروي أن معاذا كان يدان, فأتى غرماؤه إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فباع النبي صلى الله عليه وسلم ماله كله في دينه حتى قام معاذ رضي الله عنه بغير شيء, مرسل. (من الحسان): روي أن معاذا: " كان يدان, فأتى غرماؤه إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فباع النبي صلى الله عليه وسلم ماله كله في دينه, حتى قام معاذ بغير شيء ". " يدان " بتشديد الدال: يفتعل, من دان يدين دينا فهو دائن: إذا استقرض وصار عليه دين. والمعنى: أنه كان يستدين, وفيه دليل على أن للقاضي أن تبيع مال المفلس بعد الحجر عليه, بطلب الغرماء. وقال أبو حنيفة: ليس له بيعه, ولكن يحبسه حتى يبيع, والحديث وإن كان مرسلا لا احتجاج به عندنا, لكنه ملزم به, لأنه يقبل المراسيل. ... 644 - 2146 - عن عمرو بن الشريد رضي الله عنه, عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لي الواجد يحل عرضه وعقوبته ". " عن عمرو بن الشريد بن سويد الثقفي عن أبيه قال: قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم: لي الواجد يحل عرضه وعقوبته ". (اللي (: المطل, يقال: لويت دينه ألويه ليا, و" الواجد ": الغني يريد أن المديون إذا أيسر بدينه, ووجد وفاؤه, فمطل وأبى الأداء حل عرضه وعقوبته, أي: ذمة المخل بعرضه, والحبس, ثم الضرب حتى يؤدي. ... 645 - 2147 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: " أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة ليصلي عليها, قال: هل على صاحبكم دين؟ قالوا: نعم, قال: هل ترك وفاء؟ قالوا: لا قال: صلوا على صاحبكم, قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: علي دينه, فتقدم فصلى عليه, وقال: فك الله رهانك من النار كما فككت رهان أخيك المسلم, ليس من عبد مسلم يقضي عن أخيه دينه إلا فك الله رهانه يوم القيامة ". " وفي حديث أبي هريرة وقال - أي - لعلي -: فك الله رهانتك من النار كما فككت رهان أخيك المسلم ". (فك الرهن): تخليصه, و (الرهان): جمع الرهن, وفكه رهان أخيه: تخليص نفسه عن تعلق الدين, فإن نفس المديون مرهونة بدينه

باب الشركة والوكالة

بعد الموت, مأخوذ به, كما كانت في الدنيا مطالبة محبوسة عليه, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " صاحب الدين مأسور بدينه " أي: مأخوذ, " يشكو إلى الله " أي: الوحدة, أي: لا يرى أحدا يقضي عنه ويخلصه. (وفك الله رهانه من النار): أن يعتق رقبته من العذاب ويعفو عنه, ويتجاوز عن سيئاته التي يحبس بها ويعذب. ... 9 - باب الشركة والوكالة من الصحاح: 646 - 2152 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل, قال: " لا, تكفوننا المؤونة ونشرككم في الثمرة, قالوا: سمعنا وأطعنا. (باب الشركة والوكالة) (من الصحاح): " عن أبي هريرة قال: قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل, قال: لا, تكفوننا المؤونة, ونشرككم في الثمرة, قالوا: سمعنا وأطعنا ".

لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المهاجرون المدينة بوأهم الأنصار في دورهم وشركوهم في ضياعهم, وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم النخيل بينهم وبين إخوانهم يعني المهاجرين, فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك استبقاء عليهم رقبة نخيلهم التي عليها قوام أمرهم, وأخرج الكلام على وجه يخيل لهم أنه يريد به التخفيف عن نفسه وعن أصحابه, لا الشفقة والإرفاق بهم, تلطفا وكرما وحسن مخالفة. واختار الشريك في الثمار, لأنه أيسر وأرفق بالقبلتين. وقوله: " تكفوننا ": خبر في معنى الأمر, والمؤونة بالهمز: فعولة, ويدل عليه قولهم: مأنتهم أمأنهم مأنا: إذا احتلمت مؤونتهم. وقيل: من الأون وهو الخرج, لأنه ثقل على الإنسان, والمعنى: اكفونا تعب القيام بتأبير النخل وسقيها, وما يتوقف عليه صلاحها. ... من الحسان: 647 - 2155 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أد الأمانة إلى من ائتمنك, ولا تخن من خانتك ". (من الحسان): عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أد الأمانة إلى من ائتمنك,

باب الغصب والعارية

ولا تخن من خانك ". أي: لا تعامل الخائن بمعاملته, ولا تقابل خيانته بالخيانة ' فتكون مثله, ولا يدخل فيه أن يأخذ الرجل مثل حقه من مال الجاحد, فإنه استيفاء, وليس بعدوان, والخيانة عدوان. ... 10 - باب الغصب والعارية من الصحاح: 648 - 2157 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أخذ شبرا من الأرض ظلما فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين ". (باب الغصب والعارية) (من الصحاح): " عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أخذ شبرا من الأرض ظلما, فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين ".

أي: يطوق ما يكون ثقله المغصوب من سبع أرضين, وقيل: معناه: أنه يخسف به الأرض, فتصير البقعة المغصوبة في عنقه كالطوق, ويدل عليه ما روى سالم عن أبيه: أنه – عليه السلام – قال: " من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه, خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين ". وقيل: معناه: يطوق حملها يوم القيامة, من (طوقه): إذا كلفه. ... 649 – 2158 – وقال: " لا يحلبن أحد ماشية امرئ بغير إذنه, أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته, فينتقل طعامه؟ فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم ". " وفي حديث ابن عمر وهو الآتي إثر هذا الحديث: أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته ". (المشربة) – بفتح الراء وضمها -: الغرفة, وجمعها: مشارب ومشربات. ... 650 – 2159 – عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه, فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام, فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت, فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام, ويقول: " غارت أمكم " ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها,

فدفع إلى التي كسرت صحفتها وأمسك المكسورة في بيت التي كسرتها. وفي حديث أنس: " غارت أمكم " أي: غرتها الغيرة, وحملتها على أن ردت الطعام, وضربت يد الخادمة, حتى سقطت الصحفة من يدها واندلقت, أي: انكسرت. والمخاطب: من حضر من المؤمنين, والضاربة: قيل: إنها عائشة وسماها أمهم, لأن زوجاته أمهات المؤمنين. ووجه إيراد هذا الحديث في هذا الباب: أنه – عليه الصلاة والسلام – غرم الضاربة ببدل الصحفة, لأنها انكسرت بسبب ضربها يد الخادمة عدوانا, ومن أنواع الغصب: إتلاف مال الغير مباشرة, أو تسببا على وجه العدوان. ... 651 – 2161 – وعن جابر رضي الله عنه قال: انكسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فصلى بالناس ست ركعات بأربع سجدات, فانصرف وقد آضت الشمس, وقال: " ما من شيء توعدونه إلا وقد رأيته في صلاتي هذه, لقد جيء بالنار وذلك حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها, وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجر قصبه في النار, وكان يسرق الحاج بمحجنه, فإن فطن له قال: إنما تعلق بمحجني

وإن غفل عنه ذهب به, وحتى رأيت فيها صاحبة الهرة التي ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعا, ثم جيء بالجنة وذلك حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي, ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه ثم بدا لي أن لا أفعل ". وفي حديث جابر: " حتى رأيت صاحب المحجن يجر قصبه في النار ". المحجن: خشبة في رأسها اعوجاج كالصولجان, يجذب به الشيء, من الحجن بالتحريك, وهو الاعوجاج, وصاحب المحجن يريد به عمرو بن لحي, كان يسرق الحاج بمحجنه, والقصب – بضم القاف وسكون الصاد – المعي, لما كان يجر أمتهة الناس عذب بجر معاه في النار. ... 652 – 2162 – وقال أنس رضي الله عنه: كان فزع بالمدينة فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسا من أبي طلحة, فركب, فلما رجع قال: " ما رأينا من شيء وإن وجدناه لبحرا ". وفي حديث أنس: " وإن وجدناه لبحرا ". " إن": هي المخففة من المثقلة, واللام هي الفاصلة بينها وبين

النافية, و (البحر): للفرس الواسع الجري, شبه بالبحر في سعة جريه. ... من الحسان: 653 – 2163 - عن سعيد بن زيد, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أحيا أرضا ميتة فهي له, وليس لعرق ظالم حق ". مرسل. (من الحسان): " عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أحيا أرضا ميتة فهي له, وليس لعرق ظالم حق ". (الأرض الميتة): الخراب التي لا عمارة بها, وإحياؤها عمارتها, شبهت عمارة الأرض بحياة الأبدان, وتعطلها وخلوها عن العمارة بفقد الحياة وزوالها عنها, وترتيب الملك على مجرد الإحياء, وإثباته لمن أحيا على العموم دليل على أن مجرد الإحياء كاف في التملك, ولا يشترط فيه إذن السلطان. وقال أبو حنيفة: لا بد منه. " وليس لعرق ظالم ": روي بالإضافة والصفة, والمعنى: أن من غرس أرض غيره, أو زرعها بغير إذنه, فليس لغرسه وزرعه حق إبقاء, بل لمالك الأرض أن يقلعه مجانا. وقيل: معناه: أن من غرس أرضا أحياها غيره أو زرعها, لم يستحق

به الأرض, وهو أوفق للحكم السابق. و" الظالم " إن أضيف إليه فالمراد به الغارس, سماه ظالما لأنه تصرف من ملك الغير بغير إذنه, وإن وصف به فالمغروس, سمي به لأنه ظالم, أو لأن الظلم حصل به. والعجب: أنه أسند الحديث إلى سعيد بن زيد وهو من العشرة, وجعله مرسلا, ولعله وقع من الناسخ, فإن هذا الحديث أورده الترمذي مرويا عن عروة مرسلا, عنه عن سعيد مسندا, فلعل الشيخ أثبت أحدهما في المتن, وأثبت هو أو غيره الآخر في الحاشية, فالتبس على الناسخ, وظن أنها من المتن فأثبتهما فيه. ... 654 – 2165 – وعن عمران بن حصين رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام, ومن انتهب نهبة فليس منا ". " عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا جلب, ولا جنب, ولا شغار في الإسلام, ومن انتهب نهبة فليس منا ". " لا جلب ولا جنب ": حمل على نفي الجلب والجنب في الصدقة, وقد مر تفسيرهما في (كتاب الزكاة) أو في (السياق) , والمعنى: الجلب: فيه أن يتبع فرسه رجلا يجلب عليه ويزجره, والجنب: أن يجنب إلى فرسه فرسا عريا, فإذا فتر المركوب تحول إليه.

و (الشغار): أن يتشاغر الرجل, وهو أن تزوجه أختك على أن يزوجك أخته, ولا مهر إلا هذا, من شغر البلد إذا خلا من الناس, لأنه عقد خال عن المهر, أو من شغرت بني فلان من البلد إذا أخرجتهم وفرقتهم, وقولهم: تفرقوا شغر بغر, لأنهما إذا تبادلا بأختيهما, فقد أخرج كل منهما أخته إلى صاحبه, وفارق بها إليه. والحديث يدل على فساد هذا العقد, لأنه لو صح لكان في الإسلام, وهو قول أكثر أهل العلم, والمقتضي لفساده الاشتراك في البضع بجعله صداقا. وقال أبو حنيفة والثوري: يصح العقد, ولكل منهما مهر المثل. ... 655 - 2166 – وعن السائب بن يزيد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يأخذ أحدكم عصا أخيه لاعبا جادا, فمن أخذ عصا أخيه فليردها إليه ". " وعن السائب بن يزيد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يأخذ أحدكم عصا أخيه لاعبا جادا ". أي: يأخذه ملاعبة, وقصده: أن يذهب به, فيكون لاعبا على ما يظهره, جادا على ما يسره, وإنما قدر الكلام في العصا, ليدل على ما فوقه بالطريق الأولى. ***

656 - 2170 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الرجل جبار ". 657 – 2171 – وقال: " النار جبار ". " وعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الرجل جبار, والنار جبار ". أي: ما تطؤه الدابة, وتضربه برجلها في الطريق, فهو هدر لا ضمان, وكذا ما أحرقه شرار نار وقدت غير عدوان, والجبار: الهدر. ... 658 – 2173 – وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من دخل حائطا فليأكل ولا يتخذ خبنة " غريب. " وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من دخل حائطا فليأكل ولا يتخذ خبنة ". (الحائط): البستان, و (الخبنة): في الأصل الحجزة تتخذها في إزارك, تجعل فيه الخبيء وغيره, من قولهم: خبنت الثوب إذا عطفته, وكذلك الثبنة. وقد يروى:" ولا تتخذوا ثبانا " وهو جمع ثبنة, والمعنى بها هاهنا: ما يوضع في حجر أو جيب, ويحمل فيه.

واختلف أهل العلم فيمن دخل بستانا, أو أدرك ماشية, ولم يكن ثم صاحبها, فهل له أن يأكل من ثماره, أو يحلب لبنها فيشربه؟ والأكثر: على أنه ليس له إلا لضرورة مجاعة, وحينئذ يأكل بالضمان, لتعاضد الأدلة على امتناع التصرف في مال الغير, وحرمة تناوله بغير إذنه, وأن من تصرف فيه ضامن. وأولوا هذا الحديث وأمثاله بحالة الاضطرار. وفسر قوله عليه السلام في حديث عمرو بن شعيب – وهو التالي لهذا -:" من أصاب بفيه من ذي حاجة = بالمضطر, فإن (من) بيان (من) , والحاجة: الضرورة وقوله: " فلا شيء عليه ": بأنه لا إثم عليه, ولا عقاب, لا أنه لا ضمان عليه, ورخص قوم للمضطر بلا ضمان, لحديث عمرو. وذهب أحمد وإسحاق إلى إباحته لغير المضطر أيضا, لظاهر هذا الحديث ونظائره, وهي لا تعارض النصوص الواردة على تحريم مال المسلم, والتصرف فيه عموما وخصوصا في هذه المسألة, كحديث عبد الله بن عمر المار ذكره في " الصحاح " فإنه رواه الشيخان بإسنادهما عن مالك عن نافع عن ابن عمر, واتفق على صحته ... 659 – 2176 – عن أمية بن صفوان عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم

استعار منه أدراعه يوم حنين فقال: أغصبا يا محمد؟ قال: " لا, بل عارية مضمونة ". " عن أمية بن صفوان, عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه أدراعه يوم حنين, فقال: أغصبا يا محمد؟ قال: بل عارية مضمونة ". هذا الحديث دليل على أن العارية مضمونة على المستعير, فلو تلفت في يده لزمه الضمان, وبه قال ابن عباس وأبو هريرة, وإليه ذهب عطاء والشافعي وأحمد. وذهب شريح والحسن والنخعي وأبو حنيفة والثوري: إلى أنها أمانة في يده, لا تضمن إلا بالتعدي. وروي ذلك عن علي وابن مسعود, وأول قوله: " مضمونة " بضمان الرد, وهو ضعيف, لأنها لا تستعمل فيه. ألا ترى أنه يقال: الوديعة مردودة, ولا يقال: إنها مضمونة, وإن صح استعماله فيه, فحمل اللفظ هاهنا عليه عدول عن الظاهر بلا دليل. وقال مالك: إن خفي تلفه ضمن وإلا فلا, والعارية - مشددة الياء - مأخوذ من العار, منسوبة إليه, فإنهم يرون الاستعارة عارا وعيبا. وقيل: إنها من التعاور, هو التداول. ***

باب الشفعة

11 - باب الشفعة من الصحاح: 660 - 1278 - عن جابر رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الشفعة فيما لم يقسم, فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة ". (باب الشفعة) (من الصحاح): " عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشفعة فيما لم يقسم, فإذا وقعت الحدود, وصرفت الطرق, فلا شفعة ". هذا الحديث مذكور في " مسند الإمام أبي عبد الله محمد الشافعي رضي الله عنه " وفي " صحيح الإمام محمد بن إسماعيل البخاري " وبينهما تفاوت في العبارة دون المعنى. أما " مسند الشافعي ": فعبارته: " الشفعة فيما لم يقسم, فإذا وقعت الحدود فلا شفعة " وأما " الصحيح " فعبارته:: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم إلى آخره. فاختر الشيخ عبارته, إلا أنه بدل قوله: " قضى بالشفعة فيما لم يقسم " بقوله: " قال: الشفعة فيما لم يقسم " لما لم يجد بينهما مزيد تفاوت في المعنى, وقد صحت الرواية بهذه العبارة, وبه اندفع اعتراض

من شنع عليه, وقال: أورد هذا الحديث في " الصحاح ", ولم يذكره بهذا الوجه أحد من الشيخين. فإن قلت: كيف سويت بين العبارتين, وما ذكره الشيخ يقتضي الحصر عرفا, وما أورده البخاري لا يقتضيه لجواز أن يكون حكاية حال واقعة. وقضاء في قضية مخصوصة. قلت: كفى لدفع هذا الاحتمال ما ذكر عقيبه, ورتب عليه بحرف التعقيب, ولا يصح أن يقال: إنه ليس من الحديث, بل شيء رآه الراوي فأوصله بما حكاه, لأن ذلك يكون تلبيسا وتدليسا, ومنصب هذا الراوي والأئمة الذين دونوه, وساقوا الرواية بهذا العبارة إليه = أعلى من أن يتصور في شأنهم أمثال ذلك. والحديث كما ترى يدل بمنطوقه صريحا على أن الشفعة في مشتر مشاع لم يقسم بعد, فإذا قسم, وتميزت الحقوق, ووقعت الحدود, وصرفت الطرق بأن تعددت, وحصل النصيب لكل طريق مخصوص, لم يبق للشفعة مجال, فعلى هذا يكون الشفعة للشريك دون الجار, هو مذهب أكثر أهل العلم كعمر وعثمان, وابن المسيب وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز والزهري, ويحيى بن سعيد الأنصاري, وربيعة بن أبي عبد الرحمن من التابعين, والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وأبي ثور وإسحاق ومن بعدهم. وقوم نزر من الصحابة ومن بعدهم مالوا إلى ثبوتها للجار, وهو

قول الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي, غير أنهم قالوا: الشريك أولى وأقدم على الجار, واحتجوا بما روي البخاري: عن أبي رافع: أنه عليه الصلاة والسلام قال: " الجار أحق بسقبه " أي: بما يقربه ويليه. والسقب - بالتحريك - الجانب القريب, وأصله: القرب, وكذلك الصقب, وليس فيه ذكر الشفعة, ولا ما يدل على أن المراد هو الأحقية بها, بل يحتمل أن يكون المراد أنه أحق بالبر والمعونة, وإن كان المراد منه الشفعة, فالمراد من الجار والشريك, لأنه يساكنه, وجوار المساكن أقوى, ومن هذا تسمى المرأة جارة, فتدل عليه الأحاديث الصحاح الدالة على اختصاص الشفعة بالشريك, وأنه لو حمل على غير الشريك, للزم أن يكون المجاور أحق من الشريك بالشفعة, وهو خلاف الإجماع. واحتجوا أيضا بما أورده الشيخ في " الحسان " مرويا عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الجار أحق بشفعته, ينتظر بها إن كان غائبا, إذا كان طريقهما واحدا ". وهو وإن سلم عن الطعن, فلا يعارض ما ذكرناه فضلا أن يرجح ومع هذا فهؤلاء لا يقولون بما هو مقتضى هذا الحديث كما سبق. وقد يفهم من قوله: " الشفعة فيما لم يقسم " أن ما لا يقبل القسمة هو منتف فيه, وإليه ذهب مالك والشافعي. وقال أبو حنيفة والثوري وابن شريح: المعنى في إثبات الشفعة للشريك سوء المشاركة, وضرره فيما لم يقسم أقوى وأدوم, كان

باب المساقاة والمزارعة

بإثبات الشفعة أجدر. ... 12 - باب المساقاة والمزارعة من الصحاح: 661 - 2187 - عن عبيد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ثمرها. ويروى: على أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها. (باب المساقاة والمزارعة) (من الصحاح): " عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم, ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ثمرها, ويروى: على أن يعتملوها, ويزرعوها, ولهم شطر ما يخرج منها " (المساقاة): هي أن يدفع الرجل أشجاره إلى غيره ليعمل فيها بما هو صلاحها وصلاح ثمارها على سهم معين, كنصف أو ثلث من ثمارها حسبما يتشارطان.

ولم أر أحدا من أهل العلم منع عنها مطلقا غير أبي حنيفة, والدليل على جوازها في الجملة: أنه صح عن الرسول - صلوات الله عليه - وشاع منه حتى تواتر أو كاد أن يتواتر أنه ساقي أهل خيبر بنخليهما على الشطر كما دل عليه الحديث. وتأويله بأنه عليه الصلاة والسلام إنما استعملهم بذلك بدل الجزية, وأن الشطر الذي دفع إليهم كان منحة منه, ومعونة لهم على ما كلفهم به من العمل = بعيد كما ترى. وأن (المزارعة) وهي: أن يسلم الأرض إلى زارع ليزرعه ببذر المالك, على أن يكون الريع بينهما مساهمة, وهي عندنا جائزة تبعا للمساقاة, إذا كان البياض خلال النخيل بحيث لا يمكن, أو يعسر إفرادها بالعمل كما في خيبر, لهذا الحديث, ولا يجوز إفرادها, لما روي عن ابن عمر أنه قال: " ما كنا نرى بالمزارعة بأسا, حتى سمعت رافع بن خديج يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ". ومنع عنها مالك وأبو حنيفة مطلقا. وذهب أكثر أهل العلم من الصحابة كعمر وعلي وابن عباس وابن مسعود وسعد بن مالك, ومن التابعين كابن المسيب والقاسم بن محمد, ومحمد بن سيرين وطاووس, وغيرهم كالزهري وعمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وأحمد, وإسحق وأبي يوسف ومحمد بن الحسن إلى جوازها

مطلقا لظاهر هذا الحديث, ويؤيده: القياس على المساقاة والمضاربة. ... 662 - 2189 - عن حنظلة بن قيس عن رافع بن خديج رضي الله عنهما قال: أخبرني عماي أنهم كانوا يكرون الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ينبت على الأربعاء, أو شيء يستثنيه صاحب الأرض, فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك, فقلت لرافع: فكيف هي بالدراهم والدنانير؟ فقال: ليس بها بأس, فكان الذي نهى من ذلك ما لو نظر فيه ذو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه لما فيه من المخاطرة. " عن رافع بن خديج قال: أخبرني عماي أنهم كانوا يكرون الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ينبت على الأربعاء, أو شيء يستثنيه صاحب الأرض, فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ". " الأربعاء ": جمع ربيع, وهو النهر الصغير الذي يسقي المزارع, يقال: ربيع وأربعاء وأربعة: كـ (أنصباء وأنصبة). معنى الحديث: أنهم يكرون الأرض على أن يزرعه العامل ببذره, ويكون ما ينبت على أطراف الجداول والسواقي للمكري أجرة لأرضه, وما عدا ذلك يكون للمكتري في مقابلة بذره وعمله, أو ما ينبت في هذه القطعة بعينها فهو للمكري, وما ينبت في غيرها فهو للمكتري, فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك, ولعل المقتضي للنهي ما فيه من الخطر والغرر, إذ ربما تنبت القطعة المسماة لأحدهما دون الأخرى فيفوز صاحبها

بكل ما حصل, ويضيع حق الآخر بالكلية, فيكون كما لو شرط ثمار بعض النخيل لنفسه, وبعضها للعامل في المساقاة. وإلى هذا أشار بما ذكر في آخر الحديث, وهو قوله: " وكان الذي نهى من ذلك ما لو نظر فيه ذوو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه, لما فيه من المخاطرة " والظاهر من سياق الكلام: أنه من كلام رافع. ... 663 - 2194 - عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته " غريب. (من الحسان): " عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء, وله نفقته ". هذا الحديث غريب, لأنه تفرد به الشريك عن أبي إسحاق عن عطاء عن رافع. وطعن فيه أحمد والبخاري بأن عطاء لم يسمع من رافع بن خديج شيئا, فلو صح ذلك عن عطاء كان الحديث منقطعا, فلا يصح الاحتجاج به, وعامة العلماء أجمعوا على خلافه, وحمله على التغليظ تأويل بعيد. ***

باب الإجارة

13 - باب الإجارة من الصحاح: 664 - 2196 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره, واستعط. (باب الإجارة) (من الصحاح): " عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره واستعط ". الحديث يدل على حل أجرة الحجام, وجواز أخذها, وما روي من كراهة إنفاقها على نفسه, فلأنها حصلت من مخامرة النجاسة, وعلى جواز التداوي بالاحتجام والدواء, و (الاستعاط): صب شيء في الأنف, والسعوط - بفتح -: ما يصب فيه. ... 665 - 2197 - عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم, فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: " نعم, كنت أرعى على قراريط لأهل مكة ". " وفي حديث أبي هريرة: كنت أرعة على قراريط لأهل مكة ".

(القراريط): جمع قيراط على الأصل, لأنه كان قراطا, فأبدلت الياء من أحد حرفي التضعيف, وهو نصف دانق. ... 666 - 2198 - وقال: " قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر, ورجل باع حرا فأكل ثمنه, ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره ". " وعنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر, ورجل باع حرا فأكل ثمنه, ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه, ولم يعط أجرا ". (الخصم) في الأصل: مصدر خصمته أخصمه, نعت به للمبالغة, كالعدل والصوم. وقوله: " أعطى بي " أي: عهد باسمي, وحلف بي, أو أعطى الأمان باسمي, أو بما شرعته من ديني. وقوله: " فاستوفى منه " أي: عمله, وما استأجره لأجله. ... 667 - 2199 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ, فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال: هل

فيكم من راق؟ إن في الماء رجلا لديغا, فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ, فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرا, حتى قدموا المدينة فقالوا: يا رسول الله! أخذ على كتاب الله أجرا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ". وفي رواية: " أصبتم, اقسموا واضربوا لي معكم سهما ". " وفي حديث ابن عباس: أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ ". يريد بالماء أهل الماء, يعني: الحي النازلين عليه, والضمير للمضاف المحذوف, و (اللديغ): الملدوغ, وأكثر ما يستعمل فإنما يستعمل فيمن لدغة العقرب, والسليم: فيمن لسعته الحية. والمقصود من الحديث في هذا الباب: أنهم قرؤوا فاتحة الكتاب على شيء, فإنه يدل على جواز الاستئجار لقراءة القرآن والرقية به, وجواز أخذ الأجرة عليه, ومنه تعلم إباحة أجرة الطبيب والمعالج. وقوله عليه السلام في آخر هذا الحديث: " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " دليل على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن. وذهب قوم إلى تحريمه, وهو قول الزهري وأبي حنيفة وإسحاق, واحتجوا بما روي عن عبادة بن الصامت أنه قال: قلت: يا رسول الله! رجل أهدى إلي قواسا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن, وليست بمال,

فأرمي عليها في سبيل الله؟ قال: " إن كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها ". وأول بأنه كان متبرعا بالتعليم, ناويا للاحتساب فيه, فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضيع أجره, وتبطل حسنته بما يأخذه هدية, فحذره منه, وذلك لا يمنع أن يقصد به الأجرة ابتداء, ويشترط عليه, كما أن من رد ضالة الإنسان احتسابا لم يكن له أن يأخذ عليه أجرا, ولو شرط عليه أول الأمر أجرا جاز. ... من الحسان: 668 - 2200 - عن خارجة بن الصلت عن عمه أنه مر بقوم فقالوا: إنك جئت من عند هذا الرجل بخير, فارق لنا هذا الرجل, وأتوه برجل مجنون في القيود, فرقاه بأم القرآن ثلاثة أيام غدوة وعشية, كلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل, فكأنما أنشط من عقال, فأعطوه مئة شاة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم: فذكر له فقال: " كل فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق ". (من الحسان): " في حديث خارجة بن الصلت: فكانما أنشط من عقال ". أي: أطلق, وحل العقال عنه يقال: نشطت الحبل أنشطه نشطا:

باب إحياء الموات والشرب

عقدته, وأنشطته: حللته. ... 669 - 2202 - : " وأعطوا السائل وإن جاء على فرس ", مرسل. " وفي الحديث الآخر: وأعطوا السائل, وإن جاء على فرس ". أي: لا تردوا السائل وإن جاءكم على حال يدل على غناه, وأحسب أنه لو لم يكن له خلة دعته إلى السائل, لما بذل لك وجهه. وقيل: معناه: لا تردوه وإن جاءكم على فرس يلتمس منكم طعامه وعلف دابته. ... 14 - باب إحياء الموات والشرب من الصحاح: 670 - 2203 - عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها ". (باب إحياء الموات والشرب) (من الصحاح): عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق "

هكذا مكتوب في نسخ "المصابيح", والشيخ أيضا أورده في "شرح السنة" مرويا عن الإمام محمد بن إسماعيل البخاري بهذه الصيغة, ونسخ البخاري مختلفة, ففي بعضها: (أعمر) , وفي بعضها: (عمر). وقد زيف ما في الكتاب بأن (أعمرت الأرض) معناه: وجدتها عامرة وما جاء بمعنى (عمر) , وجوابه: أنه قد جاء أعمر الله بك منزلك بمعنى عمر, وذلك كان في جواز استعمال أعمرت الأرض بمعنى عمرتها, إذ الأصل في الاستعمال الحقيقة, وفي الحقائق اطردها, ومنطوق الحديث يدل على أن العمارة كافية في التمليك, لا تفتقر إلى إذن السلطان, ومفهومه دليل على أن مجرد التحجر والإعلام لا يملك, بل لا بد من العمارة, وهي تختلف باختلاف المقاصد بالمواضع. ... 671 - 2204 - وقال: ط لا حمى إلا لله ورسوله ". " وعن صعب بن جثامة: أنه - عليه السلام - قال: لا حمى إلا لله ولرسوله ". كانت رؤساء الأحياء في الجاهلية, يحمون المكان الخصيب, لخيلهم وإبلهم وسائر مواشيهم, فأبطله رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومنع أن يحمى إلا لله ولرسوله, بأن يحمى لمواشي الفيء والصدقة ونحوهما, كما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم البقيع, وعمر رضي الله عنه الشرف والربذة, ولم ينكر عليه, وذلك يدل على جوازه للأئمة, وهو اختيار الشافعي وكثير من أهل العلم,

فإن حماهم لذلك حمى لله ورسوله, فهو مندرج تحت المستثنى. ... 672 - 2205 - وعن عروة قال: خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شريج من الحرة, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك " فقال الأنصاري: أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجهه ثم قال: " اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر, ثم أرسل الماء إلى جارك " فاستوعى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري, وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة. " وعن عروة قال: خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شريج من الحرة, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اسق يا زبير, ثم أرسل الماء إلى جارك, فقال الأنصاري: أن كان ابن عمتك, فتلون وجهه, ثم قال: اسق يا زبير, ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ثم أرسل الماء إلى جارك, فاستوعى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم, حين أحفظه الأنصاري, وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة ". (الشريج) - بالجيم -: مسيل الماء من الوادي, و" الحرة ": موضع بأقصى المدينة سميت بذلك, لما فيها من الأحجار السود, وكان النزاع في ماء المد الذي كان يجري في مسيل الحرة, وحق الشرب في أمثال ذلك للأول فالأول أنه أسبق إليه, وله أن يسقي إلى الكعب, وكان الماء يصل أولا إلى الزبير, فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا: بمواساة الجار

والرفق, ثم لما راى الشغب من خصمه, صرح بالحكم, وأمر الزبير بأن يستوفي حقه, وقدر له ما يستحقه. و" الجدر" - بفتح الجيم وسكون الدال غير المعجمة - المسناة التي تحول بين المشارب, وهي للأرضين كالجدار للدار. وقيل: هو أصل الجدار, وروي - بالذال المعجمة -, فإن صح فالمراد به, مبلغ تمام الشرب ' مأخوذ من جذر الحساب. و" أن كان ابن عمتك " بالفتح, قدر (بأن) أو (لأن) , وحرف الجر يحذف معها للتخفيف كثيرا, فإن فيها مع صلتها طولا, ومعناه: أن هذا التقديم والترجيح لأنه ابن عمتك أو بسببه, ولهذا المقال نسب الرجل إلى النفاق, وهو مردود بما روى البخاري بإسناده عن عروة: " أن الزبير كان يحدث أنه خاصم رجلا من الأنصار, شهد بدرا "وأهل بدر أرفع وأعلى من أن يظن بهم النفاق, بل الأولى أن يقال: إنه شيء أزله الشيطان فيه حينما استولى عليه الضجرة والغضب, ول يدر ما يقول, لا قول صدر عن روية واعتقاد. وعدم تعزير الرسول صلى الله عليه وسلم إياه لسوء أدبه: دليل على جواز عفو التعزير. وقوله: " فتلون وجهه " أي: تغير من الغضب, واحمر منه, حكمه حال غضبه مع نهيه عن أن يحكم القاضي وهو غضبان, لأنه ما اشتد غضبه بحيث يشوش فكره, أو لأنه معصوم من أن يقول في حالتي سخطه ورضاه إلا ما كان حقا.

وقوله: " فاستوعى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه " أي: استوفاه كله, مأخوذ من الوعي, ولعل الكلام من هاهنا إلى آخر الحديث من كلام عروة ذكره شرحا وبيانا للحديث. وقيل: إنه من كلام الزهري الراوي عنه هذا الحديث, فإنه يعتاد ذلك. وقوله: " حين أحفظ " أي: أغضبه, يقال: أحفظته فاحتفظ, أي: أغضبته فغضب, والحفيظة والحفظة - بالكسر - الغضب. ... من الحسان: 673 - 2211 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع للزبير حضر فرسه, فأجرى فرسه حتى قام, ثم رمى بسوطه فقال: " أعطوه من حيث بلغ السوط ". (من الحسان): " عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع للزبير حضر فرسه, فأجرى فرسه حتى قام, ثم رمى بسوطه, فقال: أعطوه من حيث بلغ السوط ". (الإقطاع): تعيين قطعة من الأرض لغيره, يقال: أقطعته قطيعة, أي: طائفة من أرض الخراج, والإقطاع على نوعين: إقطاع تمليك: وهو أن يقطعه الإمام مواتا ليحييها, فيملكها

بالإحياء, والإقطاع يجعله أولى بالإحياء. وإقطاع إرفاق: وهو أن يقطعه من مقاعد السوق مقعدا يقعد فيه للمعاملة ونحوه, فيكون أولى به, وبما حواليه قدر ما يضع فيه المتاع للبيع, ويقف فيه المعامل, ولا يصير ملكه بحال. وكان إقطاع الزبير من القسم الأول, أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدار حضر فرسه, فأجرى فرسه, فلما وقف رمى بسوطه, فأقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الموضع الذي وقع فيه سوطه, فأحياه, وتصرف فيه إلى أن خلف على ورثته. والحضر: العدو, يقال: أحضر الفرس إحضارا واحتضر إذا عدا, وأراد به هاهنا: قدر ما يعدو عدوة واحدة. وما روته أسماء في الحديث السابق: أنه - عليه الصلاة والسلام - أقطع للزبير نخيلا, فليس من قبيل هذا الإقطاع, بل هو تمتيع بنخيل مما تركه الأنصار للمهاجرين, وأباحوا لهم ثمارها, وقيل: إنها كانت من خمس الفيء, منحها رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه. ... 674 - 2213 - وعن أبيض بن حمال المأربي: أنه وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقطعه الملح الذي بمأرب فأقطعه إياه, فلما ولى قال رجل: يا رسول الله! إنما أقطعت له الماء العد, قال: " فرجعه منه " قال: وسأل ماذا يحنى من الأراك؟ قال: " ما لم تنله أخفاف الإبل ".

" وعن أبيض بن حمال المأربي: أنه وفد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقطعه الملح الذي بمأرب, فأقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه فلما ولى, قال رجل: يا رسول الله! إنما أقطعت له الماء العد, قال: فرجعه منه, قال: وسأله: ماذا يحمى من الأراك؟ قال: ما لم تنله أخفاف الإبل ". (المأرب) - بالهمز - موضع باليمن, نسب إليه أبيض لنزوله به. ويقال: إنه أروى, وكان اسمه: أسود, فبدل به رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض, وهذا الموضع مملحة يقال لها: ملح شذا, ظنا بأن القطيعة معدن يحصل منه الملح بعمل وكد, ثم لما تبين له أنه مثل الماء العد, أي: الدائم الذي لا ينقطع, رجع فيه, ومن ذلك علم: أن إقطاع المعادن إنما يجوز إذا كانت باطنة لا ينال منها شيء إلا بتعب ومؤنة, وما كانت ظاهرة يحصل المقصود منها من غير كد وصنعة لا يجوز إقطاعها, بل الناس فيها شركاء كالكلأ ومياه الأودية, وإن الحاكم إذا حكم, ثك ظهر أن الحق في خلافه ينقص حكمه, ويرجع عنه. والرجل الذي قال: " إنما أقطعت له الماء العد ": هو الأقرع بن حابس التيمي. قوله: " وماذا يحمى من الأراك ": على البناء للمفعول, وإسناده إلى ما استكن فيه من الضمير العائد إلى ذا ' عود الضمير العائد من الصلة إلى موصولها, أو من الخبر إلى المبتدأ, وجوابه: ما لم تنله أخفاف الإبل, أي: ما كان بمعزل من المراعي والعمارات.

وقيل: يحتمل أن يكون المراد به: لا يحمي منه شيء, لأنه لا يحمى ما تناله الأخفاف, ولا شيء منها إلا وتناله الأخفاف, وقيل: المراد من الأخفاف: مسان الإبل. قال الأصمعي: الخف: الجمل المسن. والمعنى: أن ما قرب من المرعى لا يحمى, بل يترك لمسان الإبل وما في معناها من الضعاف التي لا تقوى على الإمعان في طلب المرعى. ... 675 - 2214 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء, والكلأ, والنار ". " وعن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء, والكلأ, والنار ". لما كانت الأسماء الثلاثة في جميع الجمع أنثها بهذا الاعتبار, وقال: " في ثلاث " والمراد بـ (الماء): المياه التي لم تحدث باستنباط أحد وسعيه, كماء القنى والآبار, ولم يحرز في إناء, أو بركة, أو جدول مأخوذ من النهر. وبـ (الكلأ): ما ينبت في الموات. والمراد من الاشتراك في النار: أنه لا يمنع من الاستصباح منها, والاستضاءة بضوئها, لكن للمستوقد أن يمنع أخذ جذوة منها, لأنه

بنقصها, ويؤدي إلى إطفائها. وقيل: المراد بالنار: الحجارة التي توري النار, لا يمنع أخذ شيء منها, إذا كانت في موات. ... 676 - 2216 - وروي عن طاوس مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أحيا مواتا من الأرض فهو له, وعادي الأرض لله ولرسوله, ثم هي لكم مني ". " وفي حديث طاوس: وعادي الأرض لله ولرسوله, ثم هي لكم مني ". المراد (بعادي الأرض): الأبنية والضياع القديمة, التي لا يعرف لها مالك, نسبت إلى عاد قوم هود عليه الصلاة والسلام, لتقدم زمانهم للمبالغة. وقوله: " لله ولرسوله ": معناه: فإنه فيء يتصرف فيه الرسول صلوات الله عليه على ما يراه ويستصوبه. ... 677 - 2217 - وروي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع لعبد الله بن مسعود الدور, وهي بين ظهراني عمارة الأنصار من المنازل والنخل, فقال بنو عبد بن زهرة: نكب عنا ابن أم عبد, فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم"

" فلم ابتعثني الله إذا؟ إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه ". " وروي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع لعبد الله بن مسعود الدور, وهي بين ظهراني عمارة الأنصار من المنازل والنخل, فقال بنو عبد بن زهرة: نكب عنا أم عبد, فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلم ابتعثني الله إذا؟ إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه ". يريد بـ (الدور): المنازل والعرصة التي أقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم له ليبني فيها. وقد جاء في حديث آخر: أنه - عليه الصلاة والسلام - أقطع للمهاجرين الدور بالمدينة, وتأول بهذا, والعرب تسمي المنزل دارا, وإن لم يبن فيها بعد. وقيل: معناه: أنه أقطعها له عارية, وكذا إقطاعه عليه الصلاة والسلام لسائر المهاجرين نساؤهم, وهو ضعيف, لأنه - عليه السلام - أمر أن يورث دور المهاجرين نساؤهم, وأن زينب زوجة ابن مسعود ورثت داره بالمدينة, ولم يكن له دار سواها, والعارية: لا تورث. وقوله: " هي بين ظهراني عمارة الأنصار " أي: بينها ووسطها, يقال: أنزل فلان بين ظهراني القوم وظهرانيهم, أي: بينهم, ومعنى التثنية فيه: أنه مستظهر بهم مستند إليهم قداما ووراء, والجمع: أنه محاط بهم, مكنوف من جميع الجوانب والجهات.

وفيه دليل على أن الموات المحفوفة بالعمارات يجوز إقطاعها للإحياء, وقوله: " نكب عنا " معناه: اصرفه واعدل به عنا, قال تعالى: {عن الصراط لناكبون} [المؤمنون: 74] أي: عادلون عن القصد, و" بنو عبد زهرة " حي من قريش, كان منهم أم الرسول صلوات الله عليه. وقوله: " فلم ابتعثني الله إذا " أي: إنما بعثني الله لإقامة العدل, والتسوية بين القوي والضعيف, فإذا كان قومي يذبون الضعيف عن حقه, ويمنعونه, فما الفائدة في ابتعاثي؟!. وقوله: " لا يقدس أمة " أي: لا يظهرها, ولا يزكيها. ... 678 - 2219 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في سيل المهزور, أن يمسك حتى يبلغ الكعبين, ثم يرسل الأعلى على الأسفل ". " وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في السيل المهزور أن يمسك حتى يبلغ الكعبين, ثم يرسل الأعلى على الأسفل ". المهزور بالزاي المعجمة -: وادي بني قريظة بالحجاز, ومهزور, وفي بعضها: " سيل المهزور " بالإضافة فيهما, على أن مهزورا علم للوادي لكنه لما كان علما منقولا من صفة مشتقة من هزره إذا غمزه,

جاز إدخال اللام فيه تارة, وتجريده عنه أخرى, وفي بعضها:" السيل المهزور " على أنه صفة للسيل, يريد به السيل الجاري, فإنه مغمور معصور بعضه ببعض, وفي بعضها: " السيل المهزور" بالعجم فيهما, أي: المجري, من هزه: إذا حركه والمقصود من الحديث: أن النهر الجاري بنفسه من غير عمل ومؤنة يسقي منه الأعلى إلى الكعبين, ثم يرسله على من هو أسفل منه, نص عليه مطلقا, أو في صورة معينة رفع النزاع فيه ليقاس عليه أمثاله. ... 679 - 2220 - عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار, ومع الرجل أهله, وكان سمرة رضي الله عنه يدخل عليه فيتأذى به, فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له, فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم ليبيعه فأبى, فطلب أن يناقله فأبى, قال: " فهبه له ولك كذا " أمرا قد رغبه فيه فأبى, فقال: أنت مضار, فقال: للأنصاري:" اذهب فاقطع نخله ". وفي حديث سمرة: " كانت له عضد من نخل ". بالتحريك: قيل: معناه: طريقة من نخل, أي: أعداد منها مصطفة, وإفراد الضمير في (ليبيعه) و (يناقله) لإفراد اللفظ. ومعنى: " أن يناقله ": يبادله بنخيل من موضع آخر, وقيل:

باب العطايا

صوابه: عضيد من نخل, يقال: للنخلة إذا صار لها جذع يتناوله منه: عضيد, وجمعها: عضدان, كقفيز وقفزان, ولعله إنما أمر الأنصاري بقطع نخله لما تبين له أن سمرة يضاره لما علم أن غرسها كانت بالعارية. ... 15 - باب العطايا من الصحاح: 680 - 2222 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " العمرى جائزة ". (باب العطايا) (من الصحاح): " عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العمرى جائزة ". " العمرى ": اسم من أعمرتك الشيء, أي: جعلته لك مدة عمرك, وهي جائزة باتفاق, مملكة بالقبض كسائر الهبات, ويورث العمر من المعمر له كسائر أمواله, سواء أطلق, أو أردف بأنه لعقبك, أو ورثتك بعدك, وهو مذهب أكثر أهل العلم, لما روي عن جابر: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: " إن العمرى ميراث لأهلها " أي: للمعمر له, فإنه أطلق ولم يقيد

وذهب جمع: إلى أنه لو أطلق ولم يقل: " هي لعقبك من بعدك " لم يورث منه, بل يعود بموته إلى المعمر, ويكون تمليكا للمنفعة له مدة عمره دون الرقبة, وهو قول الزهري ومالك, احتجوا بما روي ثانيا عن جابر: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: " أيما رجل أعمر عمرى له فإنها للذي أعطيها, لا ترجع إلى الذي أعطاها, لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث ". قال: فإن مفهوم الشرط الذي يضمنه (أيما) , والتعليل يدل على أن من لم يعمر له كذلك لم تورث منه العمرى, بل يرجع إلى المعطي. ... 681 - 2225 - وعن جابر رضي الله عنه قال: " إنما العمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: هي لك ولعقبك, فأما إذا قال: هي لك ما عشت, فإنها ترجع إلى صاحبها ". وبما روي عنه ثالثا أنه قال: " إنما العمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: هي لك ولعقبك, فأما إذا قال: هي لك ما عشت, فإنها ترجع إلى صاحبها ". والأول مبني على المفهوم, والقل بعمومه, وجواز تخصيص المنطوق به, والخلاف ماض في الكل, والثاني: تأويل وقول صدر عن رأي واجتهاد, فلا احتجاج فيه. ***

من الحسان: 682 - 2226 - عن جابر رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تعمروا ولا ترقبوا, فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو سيبل الميراث ". (من الحسان): " عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو سبيل الميراث ". (أرقب) الرجل إذا قال لغيره: وهبت منك كذا على إن مت قبلك استقر عليك, وإن مت قبلي عاد إلي. والاسم منه الرقبى, وأصلها المراقبة, فإن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه. واختلف في جوازها, فذهب جمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جوازها كالعمرى, وأنه لو مات الموهوب منه أولا يورث منه ويلغو شرط الرجوع, وهو قول أحمد وإسحاق وظاهر مذهب الشافعي. ويدل عليه قوله: " فهو سبيل الميراث " أي: فسبيل ما فعله سبيل الميراث, ولذلك نهى عنه إرشادا, لأنها تقع على خلاف ما قصده المتعاطي لها, فينبغي ألا تفعل, وذهب قوم إلى المنع منها, وعدم صحتها, للنهي عنها, وكونها مقيدة بما ينافي الملك, وهو قول قديم للشافعي, وذهب آخرون إلى صحة العقد والشرط, وهو قول بعض

فصل

أصحابنا, وكذا الخلاف فيما لو أعمر وشرط الرجوع. ... 683 - 2227 - وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العمرى جائزة لأهلها, والرقبى جائزة لأهلها " وعنه: أنه - عليه السلام -[قال]: " العمرى جائزة لأهلها ". أي: نافذة ماضية لمن أعمر له, وقيل: معنى الجائزة فيه,: العطية. ... فصل من الصحاح: 684 - 2230 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه, ليس لنا مثل السوء ". (فصل) (من الصحاح): " عن ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه, ليس لنا مثل السوء ". أي: لا ينبغي لنا - ريد به نفسه والمؤمنين - أن نتصف بصفة ذميمة

يساهمنا فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها, وقد يطلق المثل في الصفة الغريبة العجيبة الشأن, سواء أكان صفة مدح أو ذم, قال الله تعالى: {للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى} [النحل: 60] , واستدل به على جواز الرجوع في الموهوب بعد ما أقبض المتهب. ... 685 - 2231 - عن النعمان بن بشير: أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما, فقال: " أكل ولدك نحلت مثله؟ قال: لا قال: " فارجعه ", وروي أنه قال: " أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ قال: بلى قال: " فلا إذا " ويروى أنه قال: " فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ". ويروى أنه قال: " لا أشهد على جور ". " عن النعمان بن بشير: أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما, فقال: أكل ولدك نحلت مثله؟ قال: لا, قال: فارجعه ". الحديث يدل على أن الوالد ينبغي أن يسوي بين أولاده في العطية, واختلف في أنه واجب أو مستحب, فذهب قوم إلى وجوبه, وأنه لو فضل بعضهم على بعض لم تنقذ هبته, وهو قول شريح وطاوس والثوري وأحمد وإسحاق وداود, واحتجوا بما جاء في بعض رواياته أنه قال: " فاتقوا الله, واعدلوا بين أولادكم " وفي بعضها: " فلا تشهدني

إذا, فإني لا أشهد على جور ", والجور هو الظلم. وذهب الأكثرون: إلى أنه مستحب, والتفضيل مكروه من حيث إنه ترك للأولى, لكنه لو فعل نفذ, وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي. ويدل أنه - عليه السلام - قال: " فارجعه ", ولو لم يكن نافذا لما احتاج إلى الرجوع, وما صح في بعض الروايات أنه قال: " فأشهد على هذا غيري " فإنه لو كان باطلا لما جاز إشهاد الغير عليه, فلم يأمر به. وقد روي: أن أبا بكر فضل عائشة بجداد عشرين وسقا نحلها, وعمرر فضل عاصما بشيء أعطاه إياه, وفضل عبد الرحمن بن عوف ولد أم كلثوم وقرر ذلك, ولم ينكر عليهم, وفيه دليل على أن للوالد أن يرجع فيما وهب لولده, وسيأتي الكلام فيه. ... من الحسان: 686 - 2232 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لواهب أن يرجع فيما وهب إلا الوالد من ولده ". (من الحسان): " عن ابن عمر وابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لواهب أن يرجع فيما وهب إلا الوالد من ولده ".

الحديث كما ترى نص صريح على أن جواز الرجوع مقصور على ما وهب الوالد من ولده, وإليه ذهب الشافعي, وعكس الثوري وأصحاب الرأي, وقالوا: لا رجوع للواهب فيما وهب لولده, أو لأحد من محارمه, ولا لأحد الزوجين فيما وهب للآخر, وله الرجوع فيما وهب للأجانب, وجوز مالك الرجوع مطلقا إلا به في هبة أحد الزوجين من الآخر. وأول بعض الحنفية هذا الحديث بأن قوله: " لا يحل " معناه: التحذير عن الرجوع لا نفي الجواز عنه, كما في قولك: لا يحل للواجد رد السائل. وقوله: " إلا الوالد لولده " معناه: أن له أن يأخذ ما وهب لولده, ويصرف في نفقته, وسائر ما يجب له عليه وقت حاجته, كسائر أمواله, استيفاء لحقه من ماله, لا استرجاعا لما وهب, ونقضا للهبة, وهو مع بعده عدول عن الظاهر بلا دليل, وما تمسكوا به من قول عمر: (من وهب وهبة لذي رحم جازت, ومن وهب هبة لغير ذي رحم فهو أحق بها, ما لم يثب منها) مع أنه ليس بدليل أقبل تأويلا وأولى بأن يؤول, مع أن الظاهر منه بيان الفرق بين الهبة من المحارم والأجانب في اقتضاء الثواب أصلا, وأن من وهب لأجنبي طمعا في ثواب, فلم يثبه, كان له الرجوع, وقد روي ذلك عنه صريحا, وللشافعي قول قديم يقرب منه, وأبو حنيفة لا يرى لزوم الثواب أصلا, فكيف يحتج به؟.

687 - 2234 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن أعرابيا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بكرة, فعوضه منها ست بكرات فتسخط, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " إن فلانا أهدى إلى ناقة, فعوضته منها ست بكرات فظل ساخطا! لقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قرشي, أو أنصاري, أو ثقفي, أو دوسي ". " وفي حديث أبي هريرة: لقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قرشي, أو أنصاري, أو ثقفي, أو دوسي ". لما أعطى ست بكرات في مقابلة ناقة, ووجد المهدي بعد ساخطا, علم أن الباعث له على الإهداء محض الطمع, فكره قبول هدية إلا من هؤلاء, لعلمه بكرمهم, وصدق نيتهم, وسخاوة أنفسهم. ... 688 - 2237 - وقال: " من لم يشكر الناس لم يشكر الله ". " وعنه: أنه - عليه السلام - قال: من لم يشكر الناس لم يشكر الله ". هذا إما لأن شكره تعالى إنما يتم بمطاوعته وامتثال أمره, وأن مما أمر به شكر الناس الذين هم وسائط في إيصال نعم الله إليه, فمن لم يطاوعه فيه لم يكن مؤدبا شكر أنعمه, أو لأن من أخل بشكر من أسدى إليه نعمة من الناس مع ما يرى من حرصه على حث الثناء, والشكر

على النعماء, وتأذيه بالإعراض والكفران, كان أولى أن يتهاون في شكر من يستوي عليه الشكر والكفران. ... 689 - 2238 - وعن أنس رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه المهاجرون فقالوا: يا رسول الله! ما رأينا قوما أبذل من كثير, ولا أحسن مواساة من قليل, من قوم نزلنا بين أظهرهم, لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنإ, حتى لقد أن يذهبوا بالآخر كله, فقال: " لا, ما دعوتهم الله لهم, وأثنيتهم عليهم ", صحيح. " وفي حديث أنس: لقد كفونا المؤنة, وأشركونا في المهنأ". يريد به ما أشركوهم فيه من زروعهم وثمارهم, من قولهم: هنأني الطعام يهنأني بالضم والكسر, أي: أعطانيه, والاسم منه: الهنو بالكسر, وهو العطاء. ... 690 - 2240 - عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر, ولا تحقرن جارة لجارتها ولو بشق فرسين شاة ". " وعن أبي هريرة عنه أنه - عليه الصلاة والسلام -[قال]: تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر, ولا تحقرن جارة لجارتها ولو

باب اللقطة

بشق فرسن شاة " " وحر " الصدر: هو الغل, يقال: وحر صدره على وحرا - بالتحريك -: إذا وغر و (الفرسن) من الشاة والبعير بمنزلة الحافر من الدابة. روي بحرف الجر وتقديره: ولو بفقدها بفرسن شاة, وبدونها منصوبا, على معنى: لا تحتقرن جارة هدية جارتها, ولو كانت فرسن شاة ". ... 16 - باب اللقطة من الصحاح: 691 - 2243 - عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة؟ فقال: " اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة, فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها " قال: فضالة الغنم؟ قال: " هي لك أو لأخيك أو للذئب " قال: فضالة الإبل؟ " قال: مالك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها, ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها ". وفي رواية: " ثم استنفق, فإن جاء ربها فأدها إليه ".

(باب اللقطة) (من الصحاح): " عن زيد بن خالد الجهني: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة, فقال: اعرف عفاصها ووكاءها, ثم عرفها سنة, فإن جاء صاحبها, وإلا فشأنك بها, قال: فضالة الغنم؟ قال: هي لك أو لأخيك أو للذئب, قال: فضالة الإبل؟ قال: ما لك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها, ترد الماء, وتأكل الشجر, حتى يلقاها ربها ". " اللقطة " - بفتح القاف -: ما يوجد ضائعا فليلتقط, من اللقط, وهو أخذ الشيء من الأرض, ولذلك التقط. وقال الخليل: اللقطة - بتحريك القاف -: الأخذ, وبسكونها: المأخوذ, كالضحكة والضحكة. وقال الأزهري: هذا الذي قاله قياس, لكن السماع من العرب والنقل من أئمة اللغة على خلافه. و (العفاص): الوعاء الذي يوضع فيه الزاد من جلد أو خرقة أو غيره, يريد به الوعاء الذي يكون فيه اللقطة, والأصل فيه: صمام القارورة, وهو الجلد الذي يلبس رأسها, فيكون كالوعاء, والوكاء: الخيط الذي يشد به العفاص. قوله: " وإلا فشأنك بها ": يدل على أن من التقط لقطة, وعرفها سنة, ولم يظهر صاحبها, كان له تمليكا وسواء كان غنيا أو فقيرا,

وإليه ذهب كثير من الصحابة, منهم عمر وعائشة رضي الله عنهما, وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق. وروي عن ابن عباس أنه قال: يتصدق به, للغني, ولا ينتفع بها, ولا يتملكها, وبه قال الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي. ويؤيد ظاهر الحديث: ما روي عن أبي كعب أنه قال: وجدت صرة فيها مئة دينار, فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " عرفها حولا " فعرفتها فلم أجد من يعرفها, ثم أتيته, فقال: " عرفها حولا " فعرفتها, ثم أتيته فقلت: لم أجد من يعرفها, قال: " احفظ عددها ووكاءها ووعاءها, فإن جاء صاحبها, وإلا فاستمتع بها ". وكان أبي من مياسر الأنصار, ونصبه على المصدر, أي: وإلا فالشأن شأنك, يقال: شأنت شأنك, أي: قصدت قصدك, والمعنى: فاعمل به ما تحسنه, وتزيد به. قوله: " فضالة الغنم؟ أي: ما أفعل بها؟ قوله: "هي لك أو لأخيك أو للذئب "أي: (هي لك) أي: أخذتها وعرفتها, وإن لم تجد صاحبها, فإن لك أن تملكها, (أو لأخيك) يريد به صاحبها, إن أخذتها فظهر, أو تركتها, فاتفق أن صادقها, وقيل: معناه: إن لم تلتقطها يلتقط غيرك. (أو للذئب): أي: إن تركتها ولم يتفق أن يأخذ غيرك يأكله الذئب غالبا, نبه بذلك على جواز التقاطها وتملكها, وعلى ما هو العلة لها,

وهي كونها معرضة للضياع, ليدل على اطراد هذا الحكم في كل حيوان يعجز عن الرعية بغير راع, والتحفظ عن صغار السباع. قولك: " ما لك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها " أي: ما لك وأخذها, والحال أنها مستقلة بأسباب تعيشها, يؤمن عليها من أن تموت عطشا لاصطبارها على الظمأ, واقتدارها على السير إلى المراعي والموارد, نزل صبرها على الظمأ, وقوتها على الورود, أو شربها مرة ما يكفيه أياما كثيرة, فإنها ترد الماء يوم العشرين من ورودها = منزلة استصحاب السقاء. و (الحذاء): ما يطأ به البعير من خفه, والفرس من حافره, كنى به عن القوة على السعي إلى المرعى والمورد, أشار بهذا التقييد أن المانع من التقاطها, والفارق بينها وبين الغنم ونحوها: استقلالها بالتعيش, وذلك إنما يتحقق فيما يوجد في الصحراء, فأما ما يوجد في القرى والأمصار فيجوز التقاطها, لعدم المانع ووجود الوجب, وهو كونها معرضة للتلف, مطمحة للأطماع. وذهب قوم إلى أنها لا فرق في الإبل ونحوها من الحيوان الكبار بين أن يوجد في صحراء أو في عمران لإطلاق المنع. ... 692 - 2245 - عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي رضي الله عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لقطة الحاج ".

" عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لقطة الحاج ". هذا الحديث يحتمل أن يكون المراد به النهي عن أخذ لقطتهم في الحرم. وقد جاء في الحديث ما يدل على الفرق بين لقطة الحرم وغيرها, وأن يكون المراد النهي عن أخذها مطلقا لتترك بمكانها, ويعرف بالنداء عليها, لأن ذلك أقرب طريقا إلى ظهور صاحبها, لأن الحاج لا يلبثون مجتمعين إلا أياما معدودة, ثم يتفرقون, ويصدرون مصادر شتى, فلا يكون للتعريف بعد تفرقهم جدوى, وهذا الراوي هو ابن أخي طلحة بن عبد الله, ويسمى شارب الذهب. ... 693 - 2246 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن الثمر المعلق, فقال: " من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه, ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة, ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين, فبلغ ثمن المجن فعليه القطع " وذكر في ضالة الإبل والغنم كما ذكر غيره - قال: " وسئل عن اللقطة فقال: " ما كان منها في الطريق الميتاء والقرية الجامعة فعرفها سنة, فإن جاء صاحبها فادفعها إليه, وإن لم يأت فهو لك, وما كان في الخراب العادي ففيه وفي الركاز الخمس "

(من الحسان): " عن عمرو بن شعيب بن عبد الله بن عمرو عن أبيه, عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الثمر المعلق, قال: من أصاب بفيه من ذي حاجة, غير متخذ خبنة, فلا شيء عليه, ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة, ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين, فبلغ ثمن المجن فعليه القطع ", وذكر في ضالة الإبل والغنم كما ذكره غيره. " وقال: وسئل عن اللقطة, فقال: ما كان منها في طريق الميتاء والقرية الجامعة فعرفها سنة, فإن جاء صاحبها فادفعها إليه, وإن لم يأت فهو لك, وما كان في الخراب العادي ففيه وفي الركاز الخمس ". مقدمة الحديث قد سبق شرحها في (باب الغصب). وقوله: " من خرج منه شيئا فعليه غرامة مثليه والعقوبة ": إيجاب الغرامة والتعزير فيما يخرجه, لأنه ليس من باب الضرورة المرخص فيه, ولأن الملاك لا يتسامحون بذلك, بخلاف القدر اليسير الذي يؤكل, ولعل تضعيف الغرامة للمبالغة في الزجر, أو لأنه كان كذلك تغليظا في أوائل الإسلام نسخ, وإنما لم يوجب القطع فيه, أوجب فيما يوجد مما جمع في البيدر, لأن نخيل المدينة لم تكن محوطة محرزة. و" الجرين ": جزر للثمار, كما أن المراح حرز للشياه, فإن حرز الأشياء على حسب عادات الناس فيها, والمراد بثمن المجن

ثلاثة دراهم ". ويشهد ما روى ابن عمر رضي الله عنهما أنه عليه السلام قطع في مجن ثلاثة دراهم ". و" الميتاء ": الطريق العام والجادة التي تسلكها السابلة, مفعال من أتى يأتي إيتاء وإتيانا, أي: يأتيه الناس ويسلكه, وإضافة الطريق إليه على طريقة مسجد الجامع وجانب الغربي, جعل ما يوجد في العمران وما يأتيه الناس غالبا من المسالك لقطة يجب تعريفها, إذ الغالب أنه ملك مسلم وأعطى ما يوجد في الخربة والأراضي العادية التي لم يجر عليها عمارة إسلامية, ولم يدخل في ملك مسلم حكم الركاز, إذ الظاهر أنه لا مالك له. ... 694 - 2248 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ضالة المسلم حرق النار ". " عن مطرف بن عبد الله عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضالة المسلم حرق النار ". حرق النار بفتح الراء لهبها, يريد به أنها حرق النار لمن أداها ولم يعرفها, وقصد الخيانة فيها. ***

باب الفرائض

17 - باب الفرائض من الصحاح: 695 - 2252 - عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم, فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء فعلينا قضاؤه, ومن ترك مالا فلورثته ". وفي رواية: " من ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه ". وفي رواية: " من ترك مالا فلورثته, ومن ترك كلا فإلينا ". " وفي حديث أبي هريرة: من ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه ". " ضياعا " بالفتح: يريد به العيال, العالة: مصدر أطلق مقام اسم الفاعل للمبالغة كالعدل والصوم, وروي بالكسر على أنه جمع ضائع كجياع في جمع جائع, وفي معناه قوله في الرواية الأخرى: " ومن ترك كلا فإلينا " فإن الكل هو الثقل, قال تعالى: {وهو كل على مولاه} , وجمعه كلول وهو يشمل الدين والعيال, قوله: " فإلينا " أي: فإلينا مرجعه ومأواه. ... من الحسان: 696 - 2264 - وقال: " أنا مولى من لا مولى له, أرث ماله

وأعقل له وأفك عانه, والخال وارث من لا وارث له, يرث ماله ويعقل عنه ويفك عانه ". (من الحسان): " عن المقداد بن معدي كرب الكندي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا مولى من لا مولى له, أرث ماله, وأعقل له, وأفك عانيه, والخال وارث من لا وارث له, يرث ماله, ويعقل عنه, ويفك عانيه ". " أرث ماله ": أي: مال من لا وارث له, يريد به صرف ماله إلى بيت مال المسلمين, فإنه لله ولرسوله. وقوله: " وأعقل له " أي: أعطي له وأقضي عنه ما يلزمه بسبب الجنايات التي سبيلها أن يتحملها العاقلة, " وأفك عانيه " أي: أخلص أسيره بالفداء عنه, وروي عانه بحذف الياء تخفيفا, حذفها في يد. وقوله " والخال وارث من لا وارث له, يرث ماله ": يستدل به على إرث ذوي الأرحام, وأول من لم يورثهم قوله: الخال وارث من لا وارث له بمثل قولهم: الجوع زاد من لا زاد له, وحملوا قوله: يرث ماله على أنه أولى بأن يصرف إليه ما خلفه على بيت المال من سائر المسلمين, كما أن قوله: " ويعقل عنه " محمول على مثل ذلك فإن الخال ليس من العاقلة عند عدم العصبات. وعن واثلة بن الأسقع أنه عليه السلام قال: المرأة تحرز ثلاث

مواريث: عتيقها, ولقيطها, وولدها الذي لاعنت عنه. هذا الحديث لم يثبت عند أئمة النقل وإن صح, فحيازة الملتقطة ميراث لقيطها محمولة على أنها أولى بأن يصرف إليها ما خلفه من غيرها صرف مال بيت المال إلى آحاد المسلمين, فإن تركته لهم لا أنها ترثه وارثة المعتقة من معتقها, والمراد من " تحرز " أو (تحوز) على خلاف الروايتين: القدر المشترك بين الأمرين, وعليه عامة أهل العلم, ونقل عن إسحاق أنه قال بجعل ولاء اللقيط لملتقطه. وأما الولد المنفي باللعان فالأم ترثه وفاقا, إنما الخلاف في قدر ما ترثه, فذهب النخعي والشعبي ومكحول إلى أنها ترث الجميع كما يدل عليه ظاهر الحديث, وبه قال الثوري وروي عن ابن مسعود وابن عمر أن الأم عصبة من لا عصبة له, وعن ابن عباس أنها ترث منه ما ترث من غيره, والباقي لعصبتها, ووافقه الحسن, وبه قال أحمد, وعن زيد بن ثابت أن لها فرضها , والباقي لمواليها إن كانت معتقة, وإلا فلبيت المال كالمملوك أبوه, إليه ذهب سليمان بن يسار وعروة ابن الزبير, وبه قال الزهري ومالك والشافعي, وعلى هذا يؤول قوله: (المرأة تحرز) بأنها تأخذ وتستحق لا أنها تستوعب المال وتستغرقه, وحكم ولد الزنا حكم المنفي بلا فرق. ... 697 - 2267 - عن عائشة رضي الله عنها: أن مولى للنبي صلى الله عليه وسلم مات ولم يدع ولدا ولا حميما, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أعطوا ميراثه رجلا

من أهل قريته ". " وعن عائشة أن مولى للنبي صلى الله عليه وسلم مات ولم يدع ولدا ولا حميما فقال عليه الصلاة والسلام: أعطوا ميراثه رجلا من أهل قريته " إنما أمر أن يعطي رجلا من أهل قريته تصدقا منه, أو ترفعا, أو لأنه كان لبيت المال, ومصرفه مصالح المسلمين وسد حاجاتهم, فإن الأنبياء كما لا يورث عنهم لا يرثون عن غيرهم. ... 698 - 2269 - وعن علي رضي الله عنه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات, الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه, دون أخيه لأبيه ". " عن علي رضي الله عنه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات, الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه دون أخيه ". الأعيان من الإخوة من أب وأم, ويسمي هذه الأخوة معاينة, وبنو العلات: أولاد رجل واحد من أمهات شتى, سمين علات, لأن الزوج قد عل من المتأخرة بعد ما نهل من الأولى, وقد يسمى الإخوة أيضا علات على حذف المضاف. والمعنى: أن إخوة الأب والأم إذا اجتمعوا مع إخوة للأب, فالميراث للذي من الأبوين, لقوة القرابة, وازدواج الوصلة. ***

باب الوصايا

18 - باب الوصايا من الصحاح: 699 - 2280 - عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: مرضت عام الفتح مرضا أشفيت على الموت, فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني فقلت: يا رسول الله إن لي مالا كثيرا, وليس يرثني إلا ابنتي, فأوصي بمالي كله؟ قال: لا " قلت: فثلثي مالي؟ قال: لا " قلت: فالشطر؟ قال " لا " قلت: فالثلث؟ قال: " الثلث, والثلث كثير, إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس, وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها, حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك ". (باب الوصايا) (من الصحاح): " وفي حديث سعد: إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ". أي: فقراء يسألون الناس, و (العالة) في الأصل: بمعنى: العيلة, وهي الفقر, والتكفف مد الكف إلى غيره للسؤال. ***

من الحسان: 700 - 2282 - عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع: " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث الولد للفراش, وللعاهر الحجر, وحسابهم على الله ". (من الحسان): " في حديث أبي أمامة: الولد للفراش, وللعاهر الحجر ". أي الولد منسوب إلى صاحب الفراش من زوج أو سيد, وليس للزاني في نسبه حظ, إنما الذي جعل له من فعله استحقاق الحد, والعهر - بالسكون والفتح -: الزنا, والاسم منه: العهر بكسر العين وسكون الهاء. ***

(12) كتاب النكاح

كتاب النكاح

(12) كتاب النكاح من الصحاح: 701 - 2285 - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج, فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج, ومن لم بستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ". (كتاب النكاح) (من الصحاح): " عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج, فإنه أغض للبصر, وأحصن للفرج, ومن لم يستطع فعليه بالصوم, فإنه له وجاء ". " الشباب " هاهنا: جمع شاب, لعله مصدر وصف به, فإن الشباب أيضا: الشبيبة, وهي الحداثة, والباء و" الباءة " الجماع, وسمي بذلك لأن الرجل يتبوأ من أهله, أي: يتمكن منها, أو لأن الماء يصب به, ثم

يعود, من البوء بمعنى الرجوع, والمراد به هاهنا: التزوج, أطلقها عليه كما يطلق النكاح, أي: من استطاع منكم التزوج بأن يجد أهبته, وقدر على تحمل مؤنته فليتزوج, فإنه أغض للبصر من النظر بالحرام, وأحفظ للفرج من السفاح. والوجاء - بالكسر والمد -: رض عروق بيضتي الفحل, لتكسر شهوته, وتحبسه عن الضراب, فيكون كالخصاء, وأصل التركيب يدل على الضرب والدق, والمعنى: أن الصوم له يقع موقع الوجاء في كسر الشهوة, وتسكين الشبق. ... 702 - 2287 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تنكح المرأة لأربع: لمالها, ولحسبها وجمالها ولدينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك ". " وعن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك ". من عادة الناس أن يرغبوا في النساء, ويختارونها لإحدى أربع خصال عدها, واللائق بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون, سيما فيما يدوم أمره, ويعظم خطره, فلذلك اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم, وحرض عليه بآكد وجه وأبلغه, فأمر بالظفر الذي هو غاية البغية, ومنتهى الاختيار, والطلب الدال على تضمن المطلوب لنعمة عظيمة, وفائدة جليلة.

وأما قوله: " تربت يداك ": فقد سبق غير مرة أن هذا وأمثاله وإن كان دعاء في أصله, إلا أن العرب تستعملها لمعان أخر, كالمعاتبة والإنكار, والتعجب, وتعظيم الأمر, والحث على الشيء, وهو المراد هاهنا. ... 703 - 2289 - وقال:" خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش, أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده ". " وعنه أنه عليه الصلاة والسلام: خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش , أحناه على ولد في صغره, وأرعاه على زوج في ذات يده ". يريد: خير نساء العرب, لأنهن يركبن الإبل, وذكر لفظ " صالح " إجراء على لفظ (خير) وأحناه: أشفقه, من: حنا يحنو حنوا إذا عطف, وتذكير الضمير على تأويل: أحنى هذا الصنف, أو من يركب الإبل, أو يتزوج, أو نحوها. " وأرعاه على زوج في ذات يده " أي: أحفظ من يتزوجن على زوجها. " فيما في يده " أي: أمواله التي في يدها, وذكر الضمير إجراء على لفظ (أرعى) , أو في الأموال التي في ملك يد الزوج وتصرفه. ***

704 - 2292 - وقال: " الشؤم في المرأة, والدار, والفرس " وفي رواية:" الشؤم في ثلاث: في المرأة, والمسكن, والدابة ". " وعن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام قال: الشؤم في المرأة والدار والفرس " " الشؤم " نقيض اليمن, أي: يوجد الشؤم إن وجد في هذه الأشياء الثلاثة, لما روى سعد بن أبي وقاص: أنه عليه الصلاة والسلام قال: " وإن تكن الطيرة في شيء, ففي المرأة والفرس والدار " والمخصص لها بذلك: أن ضررها أبلغ من ضرر غيرها. وقد قيل: شؤم المرأة سوء خلقها, وعدم عفتها, وشؤم الفرس: حرانها وشماسها, وشؤم الدار: ضيق عطنها, وسوء جارها,. ... 705 - 2293 - وقال جابر رضي الله عنه: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة, فلما قفلنا كنا قريبا من المدينة, قلت: يا رسول الله! إني حديث عهد بعرس, قال: " تزوجت؟ " قلت: نعم, قال: " أبكر أم ثيب؟ " قلت: بل ثيب, قال: " فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك؟ " فلما قدمنا ذهبنا لندخل فقال: " أمهلوا حتى ندخل ليلا - أي عشاء - لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة ".

" وفي حديث جابر: فلما قدمنا ذهبنا لندخل فقال: أمهلوا حتى ندخل ليلا, لكي تمتشط الشعثة, وتستحد المغيبة ". " ندخل ليلا " أي: عشاء. " لكي تمتشط " أي: لأن تتهيأ وتتزين لزوجها بامتشاط الشعر. وتنظيف البدن بالحلق ونحوه, والاستحداد في الأصل: استفعال, من الحديد, ومعناه: استعماله. و" الشعثة ": المنتشرة الشعر, من (شعث) إذا انتشر, والمغيبة: التي غاب عنها زوجها, يقال: أغابت المرأة فهي مغيبة. فإن قلت: كيف أمر هاهنا بالدخول ليلا, وقد نهى أن يطرق الرجل أهله, وهو: أن يأتيهم ليلا؟! قلت المراد من النهي أن لا يفاجئ الرجل أهله, لما ذكر في هذا الحديث, أما إذا قدم ليلا بعد إعلام ولبث كما كان في مقدمهم هذا فلا نهي عنه, لانتفاء ما هو المقتضي له. ... من الحسان: 706 - 2297 - عن عبد الرحمن بن عويم: أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليكم بالأبكار, فإنهن أعذب أفواها, وأنتق أرحاما, وأرضى باليسير ", مرسل.

باب النظر إلى المخطوبة وبيان العورات

(من الحسان): " عن عبد الرحمن بن عويم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالأبكار, فإنهن أعذب أفواها, وأنتق أرحاما, وأرضى باليسير ". " عويم " هذا: عويم بن ساعدة الأنصاري, من أهل العقبة, وابنه عبد الرحمن, ولد في زمان الرسول [رسول] الله صلى الله عليه وسلم, لكنه لم يره, ولا روى عنه, ولذلك عد الحديث مرسلا. وقوله:" عليكم ": حث وإغراء على تزويج الأبكار, وإضافة العذوبة في الأفواه لاحتوائها على الريق, وقد يقال للريق والخمر: الأعذبان " وأنتق أرحاما " أي: أكثر أولادا, أي: أرحامهن أكثر نتقا بالولد, وهو الفتق, ويقال: امرأة منتاق, أي: كثيرة الولد, وزيد ناتق, أي: ولد. ... 2 - باب النظر إلى المخطوبة وبيان العورات من الصحاح: 707 - 2298 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار, قال: " فانظر إليها, فإن في أعين الأنصار شيئا".

(باب النظر إلى المخطوبة وبيان العورات) (من الصحاح): " عن أبي هريرة قال: جاء رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار, قال: فانظر إليها, فإن في أعين الأنصار شيئا ". لعل المراد بقوله: " تزوجت ": خطبت, ليفيد الأمر بالنظر إليها, وللعلماء خلاف في جواز النظر إلى المرأة التي يريد أن يتزوجها, فجوزه الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق مطلقا, أذنت المرأة أو لم تأذن, لحديثي جابر والمغيرة المذكورين أول " الحسان " وجوز مالك بإذنها ووروي عنه المنع مطلقا. وقوله: " في أعين الأنصار شيئا ": يعني: شيئا ينفر عنه بالطبع, ولا يستحسنه, وإنما عرف الرسول ذلك إما لأنه رآه في أعين رجالهم, فقاس بهم النساء, لأنهن شقائقهم, ولذلك أطلق الأنصار, أو لتحدث الناس به. ... 708 - 2301 - وقال: " ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ثيب إلا أن يكون ناكحا أو ذا رحم محرم ". " وعنه: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ثيب إلا أن يكون ناكحا أو ذا محرم ".

المراد النهي عن البيتوتة في مسكن [و] ثم ثيب, وتخصيص الثيب, لأن البكر تكون أعصى, وأخوف على نفسها. ... 709 - 2302 - وقال: " إياكم والدخول على النساء " فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت الحمو؟ قال: " الحمو الموت ". " وعن عقبة بن عامر: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: إياكم والدخول على النساء, فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت الحمو؟ فقال: الحمو الموت ". " الحمو ": قريب الزوج, كابنه وأخيه, وفيه لغات: (حما) كـ (عصا) و (حمو) على الأصل, و (حمو) بضم الميم, و (حم) كت (أب) و (حمء) بالهمز وسكون الميم, والجمع: أحماء. وقوله " " الحمو الموت ": قال أبو عبيدة معناه: فليمت, ولا يفعل ذلك. وقال ابن الأعرابي: هذه كلمة تقولها العرب للتشبيه في الشدة والفظاعة, فيقال: الأسد الموت, أي: لقاؤه مثل الموت, والسلطان النار, أي: قربه مثل قرب النار ز وقال الشيخ في " شرح السنة " ما معناه: إن الحمو كالموت, تحذر منه المرأة, كما تحذر من الموت.

وهذه الوجوه إنما تصح إذا فسر الحمو بأخ الزوج ومن أشبهه من أقاربه كعمه وابن أخيه, ومن فسره بأبي الزوج حمله على المبالغة فإن رؤيته - وهو محرم - إذا كانت بهذه المثابة, فكيف بغيره؟ أو أول الدخول بالخلوة. وقيل: لما ذكر السائل لفظا مجملا محتملا للمحرم وغيره, رد عليه سؤاله - لتعميته - رد المغضب المنكر عليه. ... 710 - 2307 - عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: خطبت امرأة فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " هل نظرت إليها؟ " فقلت: لا, فقال: " فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ". (من الحسان): " في حديث المغيرة قال: فانظر إليها, فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ". أي: يجمع بينكما, وتحصل الألفة والمحبة, يقال: أدم الله بينهما أدما, وآدم إيداما,: جمع, ومنه: الإدام, لأنه يجمع بينه وبين الخبز. ... 711 - 2309 - عن عبد الله رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: " المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان ". " عن عبد الله بن مسعود, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المرأة عورة, فإذا

خرجت استشرفها الشيطان ". (العورة): السوءة, وكل ما يستحيى من إظهاره, وأصلها: من العار, وهي المذمة, وسميت المرأة عورة لأن من حقها أن تستر, والمعنى: أن المرأة عورة يستقبح تبرزها وظهورها للرجال, فإذا خرجت من خدرها " استشرفها الشيطان " أي: رفع البصر إليها, ووكل النظر عليها, ليغويها أو يغوي بها غيرها, فيوقع أحدهما, أي: كليهما في الفتنة. يحتمل أن يكون المراد من (الشيطان): أهل الفسوق, وسماهم به على التشبيه بمعنى: أنهم إذا رأوها بارزة استشرفوها, وطمحوا بأبصارهم نحوها, وأن يكون الاستشراف فعلهم, ولكنه أسند إلى الشيطان, لما أشربوا في قلوبهم الفسوق, وتجاري بهم الفجور, ففعلوا ما فعلوا, بإغواء الشيطان وتسويله. ... 712 - 2316 - وعن أم سلمة رضي الله عنها: أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة, إذ أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " احتجبا منه " فقلت: يا رسول الله! أليس هو أعمى لا يبصرنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفعمياوان أنتما, ألستما تبصرانه؟ ". " عن أم سلمة: أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة إذ أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه, فقال رسول الله: احتجبا منه, فقلت: يا رسول الله! أليس هو أعمى, لا يبصر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفعمياوان

باب الولي في النكاح واستئذان المرأة

أنتما؟! ألستما تبصرانه! " " ميمونة " تروى مرفوعة عطفا على الضمير في " كانت " وإنما جاز لوقوع الفصل بينهما, ومجرورة عطفا على (رسول الله صلى الله عليه وسلم). والحديث بظاهر يدل على أنه ليس للمرأة النظر إلى الأجانب مطلقا, كما ليس لهم أن ينظروا إليها, ومنهم من خصص التحريم بحال يخاف فيها الفتنة, توفيقا بينه وبين ما روي عن عائشة في حديثها المشهور أنها قالت: كنت أنظر إلى الحبشة, وهم يلعبون بحرابهم في المسجد. ومن أطلق التحريم أول ذلك بأنها ما كانت يومئذ بالغة. وفيه نظر, لأنها وإن لم تكن بالغة كانت مراهقة, فكان من حقها أن تمنع. ... 3 - باب الولي في النكاح واستئذان المرأة من الصحاح: 713 - 2321 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تنكح الثيب حتى تستأمر, ولا تنكح البكر حتى تستأذن, وإذنها الصموت ".

(باب الولي في النكاح واستئذان المرأة) (من الصحاح): " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنكح الثيب حتى تستأمر, ولا تنكح البكر حتى تستأذن, وإذنها الصموت ". (الاستئمار): طلب الأمر, و (الاستئذان): الإعلام, وقيل: طلب الإذن, لقوله: " إذنها الصموت ". وقيل: المراد بالاستئمار المشاورة, وزيف بأن الاستئذان أبلغ من المشاورة, فلو حملوا الاستئمار عليها ينعكس الأمر, وليس كذلك فإن المشاورة تستدعي أن يكون للمستشار رأيا ومقالا فيما يشاور فيه, ولا كذلك الاستئذان. وظاهر الحديث يدل على أنه ليس للولي أن يزوج موليته من غير استئذان ومراجعة ووقوف واطلاع على أنها راضية, بصريح إذن, أو سكوت من البكر, لأن الغالب من حالها: أن لا تظهر إرادة النكاح حياء ". هنا للعلماء في هذا المقام تفصيل واختلاف, فذهبوا جميعا إلى أنه لا يجوز تزويج الثيب البالغة العاقلة دون إذنها, ويجوز للأب والجد تزويج البكر الصغيرة, وخصصوا هذا الحديث فيه بما صح: أن أبا بكر زوج عائشة رضي الله عنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولم تكن بعد بالغة. واختلفوا في غيرهما, فمنع الشافعي تزويج الثيب الصغيرة مطلقا, لأنه - عليه الصلاة والسلام - أمر باستئمار الثيب مطلقا, ولا معنى

لاستئمارها قبل البلوغ, إذ لا عبرة بقولها, وتزويج البكر الصغيرة لغير الأب والجد, والبالغة لغيرهما من غير إذن, لعموم قوله: " البكر تستأذن " وجوز لهما تزويج البكر البالغة بغير إذن, كما يجوز لهما تزويجها صغيرة, وخصص قوله: " لا تنكح البكر حتى تستأذن " بمفهوم قوله - عليه الصلاة والسلام -: " الثيب أحق بنفسها من وليها " وقوله فيما روى أبو هريرة: " اليتيمة تستأمر في نفسها "فإن معناه: لا تنكح اليتيمة حتى تبلغ فتستأمر, أو المراد باليتيمة: التي تكون قريبة العهد بالبلوغ. وأبو حنيفة ذهب إلى خلاف ذلك كله. واختلف أيضا في أن السكوت من البكر يقوم مقام الإذن في حق جميع الأولياء, أو في حق الأب والجد دون غيرهما, وإلى الأول ذهب الأكثر لظاهر الحديث. ... 714 - 2322 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الأيم أحق بنفسها من وليها, والبكر تستأذن في نفسها, وإذنها صماتها ". ويروى: " الثيب أحق بنفسها من وليها, والبكر تستأمر ". ويروى: " البكر يستأذنها أبوها, وإذنها صماتها ". " وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأيم أحق بنفسها من وليها, والبكر تستأذن في نفسها, وإذنها صماتها ".

"الأيم" في الأصل: الذي لا زوج له, ذكرا كان أو أنثى, ولكن يغلب استعماله في النساء, وكذلك لا يقال: أيمة, كما لا يقال: حائضة, والمراد به هاهنا: الثيب, إذ صح في بعض طرق هذا الحديث من غير وجه لفظ " الثيب " بدله, ولأنه ذكر في مقابلة البكر, والمعنى: أن الثيب أحق بنفسها في الرغبة والزهد في الزواج, واختيار الأزواج, لا في العقد, فإن مباشرته إلى وليها, لقوله - عليه الصلاة والسلام -: " لا نكاح إلا بولي ". وتخصيصه بنكاح الصغيرة والمجنونة والأمة بعيد. وكذا تأويل قوله: " لا نكاح " على نفي كماله, لكونه في صدد فسخ الأولياء, لعدم الكفاءة, لأنه عدول عن الظاهر من غير دليل, وحمل الكلام على ما بعد اللفظ بالنسبة إليه كاللغز. ... 715 - 2326 - عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل, فنكاحها باطل, فنكاحها باطل, فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها, فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ". (من الحسان): " عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة نكحت بغير إذن

وليها فنكاحها باطل, فنكاحها باطل, فنكاحها باطل, فإن دخل بها: فلها المهر بما استحل من فرجها, فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ". الحديث صريح في المنع عن استقلال المرأة بالتزويج, وأنها لو زوجت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل, وقد اضطرب فيه الحنفية, فتارة يتجاسرون بالطعن, ويقولون: إن الحديث رواه الشافعي, عن سعيد بن سالم, عن ابن جريج, ع سليمان بن موسى, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة, وقد روي عن ابن جريج: أنه قال: سألت الزهري عنه فلم يعرفـ[هـ] ,ولم يعرفوا أن هذا الحديث قد رواه عن ابن جريج جمع كثير من أكابر الأئمة وأعيان النقلة, كيحيى بن سعيد الأنصاري, ويحيى بن أيوب, وسفيان الثوري, وسفيان بن عيينة, وعن الزهري غير سعيد من الأثبات, كالحجاج بن أرطأة, وجعفر بن ربيعة, مع أن سعيدا من الأكابر الرواة, ووجوه الثقات. وروى هشام بن عروة عن أبيه مثل ذلك. على أن قوله: " فلم يعرفه " - إن صح - لم يقدح, لأنه ليس فيه صريح إنكار. وتارة مالوا إلى المعارضة والترجيح, وقالوا: يعارضه حديث ابن عباس, وهو من الصحاح, وقد عرفت ما هو المراد من حديثه, وأن

قوله: " الأيم أحق من وليها " ليس فيه تنصيص على استقلالها بالعقد. ومرة جنحوا إلى التأويل, فقوم خصصوا " أيما امرأة " بالأمة والصغيرة والمكاتبة والمجنونة, فأبطلوا به ظهور قصد التعميم بتمهيد أصل, فإنه صدر الكلام بـ (أي) الشرطية, وأكد بـ (ما) الإبهامية, ورتب الحكم على وصف الاستقلال ترتيب الجزاء على الشرط المقتضي له, مع أن الصغيرة لا تسمى امرأة في عرف أهل اللسان. ثم إنه - عليه السلام - بت الحكم ببطلانه ثلاثا, وعقد الصبية ليس بباطل عندهم, بل هو موقوف على إجازة الولي. والأمة ليس لها مهر, وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: " فإن مسها فلها المهر, بما استحل من فرجها ". والمكاتبة نادرة بالنسبة إلى جنس النساء, فلا يصح قصر العام عليها. وقوم أولوا قوله: " باطل " بأنه على صدد البطلان, ومصيره إليه بتقدير اعتراض الأولياء عليها إذا زوجت نفسها من غير كفؤ, وذلك مع ما فيه من إبطال قصد التعميم مزيف من وجوه أخر: أحدها: أنه لا يناسب هذا التأكيد والمبالغة. وثانيها: أن المتعارف المنقول في تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه تسمية ما يكون المآل إليه قطعا, كما في قوله تعالى: {إنك ميت

وإنهم ميتون} [الزمر: 30] , أو غالبا كما في قوله: {إني أراني أعصر خمرا} [يوسف: 36] , وثالثها: أنه لو كان كذلك, لاستحق المهر بالعقد, لا بالوطء, ولذلك قالوا: يتقرر المسمى بالوطء, ويتشطر بالطلاق قبل الوطء, وقد علق رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستحقاق على الوطء, وجعل الاستحلال علة لثبوته, وذلك يدل على أن وطء الشبهة يوجب مهر المثل. ولم أجد أحدا غيرهم من أهل العلم رخص للمرأة تزويج نفسها مطلقا, وجوز مالك الدنية دون الشريفة. وقال أبو ثور: إن زوجت نفسها بإذن الولي صح, وإن زوجت نفسها بغير إذنه لم يصح, لتخصيص الحكم بالتزويج بغير إذن, وهو ضعيف, لاتفاق القائلين بالمفهوم على أن محل النطق إذا خصص بالحكم, لخروجه مخرج الأعم الأغلب, لم يكن له مفهوم, كقوله تعالى {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} [النساء: 23] وقوله: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229] , إذ الظاهر أن الموجب لتخصيص الحكم بمحل النطق في ذلك كونه غالبا, ف يدل على قصر الحكم عليه. وقوله: " فإن اشتجروا " أي: اختلفوا وتشاجروا, ومنه قوله تعالى: {فيما شجر بينهم} [النساء: 65] , أي: فيما وقع خلافا بينهم, يريد به: مشاجرة العضل, ولذلك فوض الأمر إلى السلطان وجعلهم كالمعدومين, وهو ما يؤيد منع المرأة عن مباشرة العقد, إذ

باب إعلان النكاح والخطبة والشرط

لو صلحت عبارتها للعقد, لأطلق لها ذلك عند عضل الأولياء واختلافهم, ولما فوض إلى السلطان. ... 4 - باب إعلان النكاح والخطبة والشرط من الصحاح: 716 - 2332 - وقالت عائشة رضي الله عنها: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال, وبنى بي في شوال, فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده مني؟ ". (باب إعلان النكاح والخطبة والشرط) (من الصحاح): " قالت عائشة: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال, وبنى بي في شوال, فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده مني؟. كانت العرب في جاهليتهم يتطيرون ببناء الرجل على امرأة في أشهر الحج, ولا يرون يمنا في التزوج والعرس فيهما, فردت عليهم بذلك معتقدهم. وقولها: " بنى بي " صوابه: (علي) عند أهل اللغة, لأنه مأخوذ من قولهم: بنى عليه القبة, كما عرفت, ولكن العامة تقول: بنى بي

فلعل ذلك من تغيير بعض الرواة. ... 717 - 2333 - وقال صلى الله عليه وسلم: " أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ". " وعن عقبة بن عامر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ". المراد به بالشرط هاهنا: المهر, لأنه المشروط في مقابلة البضع. وقيل: جميع ما تستحقه المرأة بمقتضى الزوجية من المهر والنفقة وحسن المعاشرة, فإن الزوج التزمها بالعقد, فكأنها شرطت فيه. وقيل: كل ما شرط الزوج ترغيبا للمرأة في النكاح, ما لم يكن محظورا. ... 718 - 2335 - وقال: " لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح, فإن لها ما قدر لها ". " وعن أبي هريرة أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: لا تسأل المرأة طلاق أختها, لتستفرغ صحفتها, ولتنكح, فإن لها ما قدر لها ". نهى المخطوبة عن أن تسأل الخاطب طلاق التي في نكاحها وسماها (أختا): لأنها أختها في الدين, لتميل إليها, وتتحنن عليها,

واستقباحا للخصلة المنهي عنها. قوله: " لتستفرغ صحفتها " أي: تجعلها فارغة, لتفوز بحظها, فإن ما قدر لها منه لا يزيد بذلك. ... 719 - 2339 - وعن سلمة بن الأكوع قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها " " وعن سلمة بن الأكوع قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا, ثم نهى عنها " أوطاس: واد من ديار هوازن, قسم بها رسول الله غنائم حنين, وكان بعد الفتح في عامها. والمعنى: أنه رخص فيها, ثم لما مضى على ذلك ثلاثة أيام نهى عنها. و" المتعة " نكاح كان يفعله أهل الجاهلية, فلما جاء الله بالإسلام تركهم عليها مدة, ثم نهى عنها, والإجماع منعقد على تحريمها, واختلاف الرواة في وقت النهي, لتفاوتهم في بلوغ الخبر إليهم. إنما الإشكال في التوفيق بين هذا الخبر وبين ما روي عن محمد ابن علي عن أبيه: أنه - عليه الصلاة والسلام - نهى عنها يوم خيبر "و وقيل: فيه أنه رخص عام أوطاس بعدما نهى, لضرورة دعت

إليها, ثم نهى عنها ثانيا, ويدل عليه قوله: رخص في المتعة ثلاثا ". ... من الحسان: 720 - 2341 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء " غريب. وفي رواية:" كل كلام لا يبدأ فيه بـ (الحمد لله) فهو أجذم ". (من الحسان): " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء ". (التشهد): هو الإتيان بكلمتي الشهادة, وسمي تشهد الصلاة تشهدا, لتضمنه إياهما, ثم اتسع فيه, فاستعمل في الثناء على الله تعالى, والحمد له, والمعنى: أن كل خطبة لم يؤت فيها بالحمد والثناء على الله تعالى, " فهي كاليد الجذماء " أي: المقطوعة. ... 721 - 2345 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت عندي جارية من الأنصار زوجتها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة! ألا تغنين فإن هذا الحي من الأنصار يحبون الغناء ".

باب المحرمات

" وعن عائشة قالت: كانت عندي جارية من الأنصار زوجتها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة! ألا تغنين ". " ألا " هي للتخضيض, و" تغنين ": من (غنى) إذا تغنى, يحتمل الإفراد والجمع, فلعله ناداها, وخاطب الجماعة, لأنها لا تغني بنفسها, فإن الحرائر منهن يستنكفن عن ذلك. ويؤيده ما في حديثها الآخر: " ألا أرسلتم معهم من يقول: أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم ". ... 5 - باب المحرمات من الصحاح: 722 - 2351 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحرم الرضعة والرضعتان ". 723 - 2353 - "ولا تحرم الإملاجة والإملاجتان ". (باب المحرمات) (من الصحاح): " عن أم الفضل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تحرم الرضعة أو الرضعتان, ولا تحرم الإملاجة والإملاجتان ".

(المَلْج): تناول الصبي الثدي ومصه, يقال: أملجت المرأة صبيها فملج, و" الإملاجة " المرة الواحدة. واختلف العلماء في قدر ما يحرم من الرضاع, فذهب أكثر أهل العلم إلى أن قليل الرضاع وكثيره سواء في التحريم, ومنهم: ابن عمر وابن عباس وابن المسيب, وعروة بن الزبير والزهري والثوري ومالك والأوزاعي وابن المبارك ووكيع وأصحاب الرأي, لعموم قوله تعالى: {وأمهاكتم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} [النساء: 23]. وفرق غيرهم بين القليل والكثير, لهذا الحديث وأمثاله, فقالت عائشة وغيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وابن الزبير: لا يثبت التحريم بأقل من خمس رضعات, وإليه ذهب الشافعي وإسحاق, لما روي عن عائشة أنها قالت: كان فما أنزل من القرآن: عشررضعات معلومات يحرمن, ثم نسخن بخمس معلومات, فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن. وذهب أبو عبيد وأبو ثور وداود: إلى أنه لا يحرم أقل من ثلاث رضعات, لمفهوم قوله تعالى: " لا تحرم الرضعة أو الرضعتان " ومفهوم العدد ضعيف. وللفارق أن يجيب عن الآية بأن الحرمة فيها مرتبة على الأمومة والأخوة من جهة الرضاع, وليس فيها ما يدل على أنهما تحصلان

بالرضعة الواحدة. ... 724 – 2354 – وقالت عائشة رضي الله عنها: كان فيما أنزل من القرآن: (عشر رضعات معلومات يحرمن) , ثم نسخن بـ (خمس معلومات) , فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن ". " وقول عائشة – رضي الله عنها -: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن ". مؤول بأنه كان يقرأه من لم يبلغه النسخ, حتى بلغه فترك, لأن القرآن محفوظ من الزيادة والنقصان, وهذا من جملة ما نسخ لفظه ومعناه. ... 725 – 2355 – وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل فكأنه كره ذلك فقالت: إنه أخي, فقال: " انظرن ما إخوانكن, فإنما الرضاعة من المجاعة ". " وفي حديثها الآخر: فإنما الرضاعة من المجاعة " معناه: أن الرضاع المؤثر في التحريم المعتد به شرعا: ما يسد الجوعة, ويقوم من الرضيع مقام الطعام، وذلك إنما يكون في الصغر, فدل على أنه لا يؤثر في الكبر. واختلف في تحديد مدتها, فقيل: إلى الحولين, وهو المأثور

عن عمر وابن مسعود وأبي هريرة وأم سلمة, ومذهب سفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق, لقوله تعالى: {والولدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} [البقرة: 233] الآية. وقال أبو حنيفة: مدة الرضاع: ثلاثون شهرا, لقوله تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} [الأحقاف: 15] , جعله مدة كل واحد من الحمل والفصال, والأكثرون على أنه للمجموع, يعني: مجموع أقل مدة الحمل وأكثر مدة الرضاع, لئلا يخالف الآية الأخرى. وقيل: مدته ثلاث سنين. ... 726 – 2355 / م – وعن عقبة بن الحارث: أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز, فأتت امرأة فقالت: قد أرضعت عقبة والتي تزوج بها, فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني! فأرسل إلى آل إهاب فسألهم, فقالوا: ما علمنا أرضعت صاحبتنا! فركب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف وقد قيل؟ ففارقها ونكحت زوجا غيره. " وفي حديث عقبة بن عامر: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف وقد قيل؟!. محمول عند الأكثر على الأخذ بالاحتياط, والحث على التورع من مظان الشبه, لا الحكم بثبوت الرضاع, وفساد النكاح بمجرد

شهادة المرضعة, إذ لم يجر بحضرته ترافع وأداء شهادة, بل كان ذلك مجرد إخبار واستفسار, وهو كسائر ما تقبل فيه شهادة النساء الخلص, لا يثبت إلا بشهادة أربع. وقال مالك وابن أبي ليلى وابن شبرمة: إنه يثبت بشهادة امرأتين. وعن ابن عباس: أنه يثبت بشهادة المرضعة وحلفها, وبه قال الحسن وأحمد وإسحاق. ... 727 – 2358 – وعن البراء بن عازب قال: مر بي خالي ومعه لواء فقلت: أين تذهب؟ قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه آتيه برأسه. وفي رواية: فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله. " عن البراء بن عازب: مر بي علي رضي الله عنهما ومعه لواء, فقلت: أين تذهب؟ قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه, آتيه برأسه ". هكذا في نسخ " المصابيح ", وأورد بعض الشارحين له: أن الصواب: " مر علي خالي " وخاله أبو بردة بن نيار, وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن المتزوج كان مستحلا له على ما كان يعتقده في الجاهلية, فلذلك أمر بقتله. وفيه دليل على جواز المثلة للنكاية, أو لمزيد النكال. ***

728 – 2359 – وعن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي, وكان قبل الفطام ". " وعن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء, وكان قبل الفطام ". (الفتق): الشق, والمراد منه: ما شق الأمعاء شق الطعام إياها إذا نزل إليها, ويقع موقع الغذاء. وهو أيضا يدل على أنه لا يؤثر في الكبر, وقد صرح به بقوله: " وكان قبل الفطام ". ... 729 – 2360 – وعن حجاج بن حجاج الأسلمي, عن أبيه: أنه قال: يا رسول الله! ما يذهب عني مذمة الرضاع؟ فقال: " غرة, عبد أو أمة ". " عن حجاج بن حجاج الأسلمي, عن أبيه أنه قال: يا رسول الله! ما يذهب عني مذمة الرضاع؟ فقال: غرة, عبد أو أمة ". " مذمة الرضاع " بكسر الذال: عهده من الذمام, يريد: حقه والمعنى: أي: شيء يسقط عني حق الإرضاع حتى أكون بأدائه مؤدبا حق المرضعة بكماله؟ وكان العرب يستحبون أن يرضخوا للظئر عند فصال الصبي بشيء سوى الأجرة, وهو المسؤول عنه.

و (الغرة): المملوك, وأصلها: البياض في جبهة الفرس, ثم استعير لأكرم كل شيء, لقولهم: (غرة القوم) لسيدهم, ولما كان المملوك خير ما يملك سميت غرة, ولما كانت الظئر أخدمت له نفسها, جعل جزاء حقها من جنس فعلها, فأمر بأن يعطيها مملوكا يخدمها, ويقوم بحقوقها. وقيل: الغرة لا تطلق إلا للأبيض من الرقيق. ... 730 – 2366 - وروي أن جماعة من النساء ردهن النبي صلى الله عليه وسلم بالنكاح الأول على أزواجهن, عند اجتماع الإسلامين في العدة بعد اختلاف الدين والدار, منهن: بنت الوليد بن المغيرة, كانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح, فهرب زوجها من الإسلام , فبعث إليه ابن عمه وهب بن عمير برداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانا لصفوان, فلما قدم جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم تسيير أربعة أشهر حتى أسلم, فاستقرت عنده, وأسلمت أم حكيم بنت الحارث بن هشام, امرأة عكرمة بن أبي جهل يوم الفتح بمكة, وهرب زوجها من الإسلام حتى قدم اليمن, فارتحلت أم حكيم حتى قدمت عليه اليمن, فدعته إلى الإسلام فأسلم, فثبتا على نكاحهما. " وفي حديث صفوان بن أمية: جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم تسيير أربعة أشهر ".

باب المباشرة

أي: مكنه من السير في الأرض آمنا أربعة أشهر, أضاف المصدر إلى الظرف على الاتساع, وأصل التسيير: الإخراج من بلدة إلى أخرى, ... 6 - باب المباشرة من الصحاح: 731 - 2370 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا فاشتهينا النساء وأحببنا العزل, فكنا نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا قبل أن نسأله, فسألناه عن ذلك؟ فقال: " ما عليكم أن لا تفعلوا, ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة ". (باب المباشرة) (من الصحاح): " في حديث أبي سعيد الخدري: فقلنا نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا قبل أن نسأله؟! فسألناه عن ذلك فقال: ما عليكم إن لا تفعلوا فما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة ".

الحديث مما أخرجه الشيخان. وقوله: " ما عليكم " وروي بـ (ما) و (لا) , معناه: لا بأس عليكم إن تفعلوا, و (لا) مزيدة. ومن لم يجوز العزل قال: (لا) نفي لما سألوه, و" عليكم أن لا تفعلوه " كلام مستأنف مؤكد له, وعلى هذا ينبغي أن تكون (أن) مفتوحة, والرواية بالكسر. صرح بالتجويز في حديث جابر, حيث قال: " اعزل عنها إن شئت ". وللعلماء فيه خلاف, واختيار الشافعي جوازه عن الأمة مطلقا, وعن الحرة بإذنها. وقوله: " فما من نسمة كائنة " إلى آخره: يدل على أن العزل لا يمنع الإيلاد, فلو استفرش أمة, وعزل عنها, فأتت بولد ولحقه, إلا أن يدعي الاستبراء. ... 732 - 2373 - وعن جدامة بنت وهب رضي الله عنها قالت: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس وهو يقول: " لقد هممت أن أنهى عن الغيلة, فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم, فلا يضر أولادهم, ثم سألوه عن العزل, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذلك الوأد الخفي ".

" عن جدامة بنت وهب قالت: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس وهو يقول: لقد هممت أن أنهى عن الغيلة, فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم, فلا يضر أولادهم, ثم سألوه عن العزل, فقال عليه السلام: ذلك الوأد الخفي ". " الغيلة " بالكسر, و (الغيل): أن تأتي الرجل امرأته وهي حامل أو مرضع, وأغالت وأغيلت المرأة, إذا حبلت وهي مرضعة, ويسمى الولد المرتضع حينئذ مغيلا, و (الغيل) بالفتح: ذلك اللبن. وأصل الغيلة: الاغتيال, وهو أن يخدع الرجل حتى يأمن منه, فينتهز منه فرصة فيقتله. وكان العرب يحترزون عنها, ويزعمون أنها تضر بالولد, وكان ذلك من المشهورات الذائعة عندهم, فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى عنها لذلك, فرأى أن فارس والروم يفعلون ذلك, ولا يبالون به, ثم إنه لا يعود على أولادهم بضر, فلم ينه. وإنما جعل العزل وأدا خفيا, لأنه في إضاعة النطفة التي هيأها الله تعالى لأن تكون ولدا شبه إهلاك الولد, ودفنه حيا, لكن لا شك في أنه دونه, فلذلك جعله خفيا, واستدل به من حرم العزل, وهو ضعيف, إذ لا يلزم من حرمة الوأد الحقيقي حرمة ما يضاهيه بوجه, ولا يشاركه فيما هو علة الحرمة, وهي إزهاق الروح, وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, ولكنه يدل على الكراهة. ***

باب الصداق

من الحسان: 733 - 2380 - عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تقتلوا أولادكم سرا فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره ". (من الحسان): " عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقتلوا أولادكم سرا, فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره ". (الدعثرة) في الأصل: السقوط والانهدام, و (يدعثره) أي: يصرعه ويسقطه, والمعنى: أن المرضع إذا غشيت فحبلت, يفسد لبنها, ويضعف الولد إذا اغتذى به, ويتغير مزاجه, فإذا كبر, وركب الفرس وركض, ربما أدركه ضعف بسبب ما عراه من فساد المزاج, فيزل عن متنه, فيسقط ويموت, فيكون موته هذا مسببا عن تلك الغيلة, فهي كالقتل له, غير أنه سر لا يظهر. ... 7 - باب الصداق من الصحاح: 734 - 2385 - عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته

امرأة فقالت: يا رسول الله! إني وهبت نفسي لك فقامت طويلا, فقام رجل فقال: يا رسول الله! زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة, فقال: " هل عندك من شيء تصدقها؟ " قال: ما عندي إلا إزاري هذا, قال: " فالتمس ولو خاتما من حديد " فالتمس فلم يجد شيئا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل معك من القرآن شيء؟ " قال: نعم, سورة كذا وسورة كذا, فقال: " قد زوجتكها بما معك من القرآن " ويروى: " قد زوجتكها, فعلمها ". (باب الصداق) (من الصحاح): " عن سهل بن سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله! إني وهبت نفسي لك, فقامت طويلا, فقام رجل فقال: يا رسول الله! زوجنيها إن لم تكن لك فيها حاجة, فقال: هل عندك من شيء تصدقها؟ فقال: ما عندي إلا إزاري هذا, قال: فالتمس ولو خاتما من حديد, فالتمس فلم يجد شيئا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم, سورة كذا وسورة كذا, فقال: قد زوجتكها بما معك من القرآن لهذا الحديث فوائد: منها: أن أقل الصداق غير مقدر, وأنه يصح بأقل ما يتمول, لقوله: " فالتمس ولو خاتما من حديد " وقال أبو حنيفة ومالك: لا يصح الإصداق بأقل من نصاب

السرقة, وهو ثلاثة دراهم عند مالك, وعشرة دراهم عند أبي حنيفة. ومنها: جواز لبسه, وإلا لما التمسه للإصداق به, وقد كرهه بعض أهل العلم, لما روي في حديث غريب: " أنه من حلية أهل النار". ومنها: أنه يجوز أن يجعل تعليم القرآن صداقا, وإليه ذهب الشافعي, ولم يجوزه أبو حنيفة ومالك وأحمد. ومنها: الدلالة من طريق القياس على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن, وجعل منفعة الحر صداقا, ولم يجوزه أصحاب الرأي, وأولوا الحديث: " بما معك " بأني زوجتها منك بسبب ما معك من القرآن, والمرأة لعلها وهبت المهر له, كما وهبت نفسها للنبي, وهو تأويل لا يناسب سياق الحديث, بل المعنى: زوجتكها بأن تعلمها ما معك من القرآن, يعني: سورة التي عدها. ... من الحسان: 735 - 2387 - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ألا لا تغالوا صدقة النساء, فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله, لكان أولاكم بها نبي الله صلى الله عليه وسلم, ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئا من نسائه ولا أنكح شيئا من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية ".

(من الحسان): " قال عمر رضي الله عنه: ألا لا تغالوا صدقة النساء, فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله, لكان أولاكم بها نبي الله, ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئا من نسائه, ولا أنكح شيئا من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية ". (المغالاة): التكثير و (الصدقة): الصداق, والضمير للمصدر الذي عليه (تغالوا) و (اثنتا عشرة أوقية): أربع مئة وثمانون درهما. فإن قلت: كيف يصح هذا الحصر, وقد صح: أن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كان مهرها أربعة آلاف درهم, وأن عائشة قالت: كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشا, وفسرت النش بنصف أوقية, كما أورده الشيخ في " الصحاح "؟! قلت: أما صداق أم حبيبة, فلم يكن بتعيين الرسول - صلوات الله عليه - وإصداقه, وإنما أصدقها النجاشي به عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه, وأما ما روته عائشة, فلم يتجاوز عدد الأواقي التي ذكرها عمر, ولعله أراد عدد الأوقية, ول يلتفت إلى الكسور. مع أنه نفى الزيادة في علمه, فلعله لم يبلغ إليه صداق أم حبيبة ولا الزيادة التي في حديث عائشة رضي الله عنها. ***

باب الوليمة

8 - باب الوليمة من الصحاح: 736 - 2391 - عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة فقال: ماهذا؟ قال: إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب, قال: " بارك الله لك, أولم ولو بشاة ". (باب الوليمة) (من الصحاح): " عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة, فقال: ما هذا؟ قال: إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب, قال: بارك الله لك, أولم ولو بشاة ". " ما هذا " يريد السؤال عن سببه, فلذلك أجاب بما أجاب به, ويحتمل أن يكون المراد به الإنكار, فإنه كان نهى عن التضمخ بالخلوق, فأجاب عنه بأنه ليس من تضمخه, بل شيء عبق به من أثر مخالطة العروس. و (النواة): اسم لخمسة دراهم, كما أن النش: اسم لعشرين درهما وزنا من الذهب, والأوقية: اسم لأربعين. وقوله: " على وزن نواة من ذهب " أي: مقدار خمسة دراهم

[وزنا من الذهب, يعني: ثلاثة مثاقيل ونصفا. وقيل: معناه: على ذهب تساوي قيمته خمسة دراهم وهو] لا يساعده اللفظ. وقيل: المراد بالنواة: نواة التمر. وقوله: " أولم ولو بشاة " أي: اتخذ وليمة, وهي: طعام العرس, ومن ذهب إلى إيجابها أخذ بظاهر الأمر, وهو محمول على الندب عند الأكثر. ... 737 - 2394 - وعن أنس رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوجها, وجعل عتقها صداقها, وأولم عليها بحيس ". " وعن أنس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوجها, وجعل عتقها صداقها, وأولم عليها بحيس ". جعل العتق صداقا من خواصه عليه السلام, ولعله أراد أنه تزوجها بلا مهر. و (الحيس): طعام يتخذ من التمر, والسويق, والسمن. ***

738 - 2399 - وقال: " شر الطعام طعام الوليمة, يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء, ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله ". " وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء, ويترك الفقراء, ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله ". يريد: من شر الطعام, فإن من الكعام ما يكون شرا منه, ونظيره: شر الناس من أكل وحده, وإنما سماه شرا لما ذكره عقيبه, فإنه الغالب فيها, وكأنه قال: شر الطعام طعام الوليمة التي من شأنها هذا, فاللفظ - وإن أطلق - فالمراد به التقييد بما ذكر عقيبه, وكيف يريد به الإطلاق, وقد أمر باتخاذ الوليمة, وإجابة الداعي إليها, وترتب العصيان على تركها؟! ولذلك قيل بوجوب الإجابة. ... من الحسان: 739 - 2402 - وعن سفينة: أن رجلا ضاف علي بن أبي طالب رضي الله عنه فصنع له طعاما, فقالت فاطمة رضي الله عنها: لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا, فدعوه, فجاء فوضع يديه على عضادتي الباب فرأى القرام قد ضرب في ناحية البيت فرجع, قالت فاطمة رضي الله عنها: فتبعته, فقلت: يا رسول الله! ما ردك؟ قال: " إنه ليس لي أو لنبي أن يدخل بيتا مزوقا ".

(من الحسان) " في حديث سفينة: فجاء فوضع يديه على عضاتي الباب, فرأى القرام قد ضرب في ناحية البيت ". (عضادتا الباب): خشبتان منصوبتان على جنبتيه و" القرام": ثوب صفيق من صوف, فيه ألوان من العهون ورقوم ونقوش, يتخذ سترا وتغطى به الأقمشة والهوادج. وفيه: " ليس لي أو لنبي أن يدخل بيتا مزوقا " يريد: المزين بالنقوش, وأصل التزويق: التمويه, مأخوذ من الزاووق, وهو الزيبق, لأن التمويه أكثر ما يفعل إنما يفعل به. ... 740 2405 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " طعام أول يوم حق, وطعام اليوم الثاني سنة, وطعام اليوم الثالث سمعة, ومن سمع سمع الله به ". وفي حديث ابن مسعود: " ومن سمع سمع الله به " التسمعة: أن يسمع الناس عمله, وينوه به على سبيل الرياء, وإنما سمي فعل المرائي سمعة ورياء, لأنه فعله ليسمع به ويرى.

باب القسم

قوله: " سمع الله به " ومعناه: أنه ينوه بريائه, ويقرع به أسماع خلقه, ليشتهر بأنه مراء, فيفتضح بين الناس. ... 741 - 2406 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتبارين أن يؤكل. " وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتبارين أن يؤكل ". أي: المتفاخرين, و (المباراة): المفاخرة ويريد به: أن يتعارض الأصهار والأحماء في اتخاذ الولائم, ويسعى كل واحد أن يكون طعامه أكثر وآنق رياء ومباهاة. ... 9 - باب القسم من الصحاح: 742 - 2407 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض عن تسع نسوة, فكان يقسم منهن لثمان.

(باب القسم) (من الصحاح): " عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض عن تسع نسوة, وكان يقسم منهن لثمان ". إنما كان كذلك, لأن التاسعة كانت سودة, وقد وهبت نوبتها لعائشة, وكان القسم في الحقيقة لتسع, لأنه - عليه الصلاة والسلام - كان يبيت عند عائشة نوبتها ونوبة سودة, كما جاء في الحديث الثاني له عن, عائشة, لكن المبيت عندها كانت ثماني زوجات. ... 743 - 2411 - عن أبي قلابة, عن أنس رضي الله عنه قال: من السنة إذا تزوج البكر على امرأته أقام عندها سبعا ثم قسم, وإذا تزوج الثيب أقام عنده ثلاثا ثم قسم, قال أبو قلابة: ولو شئت لقلت: إن أنسا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. " وفي آخر حديث أبي قلابة: قال أبو قلابة: لو شئت لقلت: إن أنسا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ". لعله قال ذلك, لما فهم من قوله:" من السنة " أنه علم ذلك من فعل الرسول أو قوله, وذكر ذلك على قصد الرواية عنه. ***

744 - 2412 - عن أبي بكر بن عبد الرحمن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة وأصبحت عنده قال لها: " ليس بك على أهلك هوان, إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن, وإن شئت ثلثت عندك ودرت ", قالت: ثلث. ويروى أنه قال لها: " للبكر سبع وللثيب ثلاث ". " وعن أبي بكر بن عبد الرحمن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة, وأصبحت عنده, قال لها: ليس بك على أهلك هوان, وإن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن, وإن شئت ثلثت عندك ودرت, قالت: ثلث " من السنة أن تفضل الجديدة بأيام, ليحصل بينهما ألفة ومؤانسة, فالبكر بسبع, والثيب بثلاث, كما دل عليه حديث أبي قلابة. وقوله: " ليس بك على أهلك هوان ": تمهيد للعذر في الاقتصار على التثليث لها, أي: ليس بسببك على أهلك هوان, إذ ليس اقتصاري بالثلاث لإعراض عنك, وعدم رغبة في مصاحبتك, ليكون ذلك سببا للإهانة على أهلك, فإن الإعراض عن النساء, وعدم الالتفات إليهن, يدل على عدم المبالات بأهلها, بل لأن حقك مقصور عليه. وفيه دليل على جواز التسبيع بطلب الثيب, ولكن بشرط القضاء, وكان طلبها لما هو أكثر من حقها, أسقط اختصاصها بما

باب عشرة النساء وما لكل واحدة من الحقوق

كان حقا مخصوصا بها. ... من الحسان:745 - 2413 - روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: " اللهم هذا قسمي فيما أملك, فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ". (من الحسان): " عن عائشة قالت: كان رسول الله يقسم بين نسائه, فيعدل ويقول: هذا قسمي فيما أملك, فلا تلمني فيما تملك, ولا أملك ". ذلك - أعني: ما لا أملك - يريد به: ميل النفس وزيادة المحبة لواحدة منهن, فإنه بحكم الطبع ومقتضى الشهوة, لا باختياره وقصده إلى الميز بينهن, والله أعلم. ... 10 - باب عشرة النساء وما لكل واحدة من الحقوق من الصحاح: 746 - 2415 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع, وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه, فإن ذهبت تقيمه كسرته, وإن تركته لم يزل أعوج ".

(باب عشرة النساء) (من الصحاح): " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: استوصوا بالنساء خيرا, فإنهن خلقن من ضلع, وإن أعوج الشيء في الضلع أعلاه, فإن ذهبت تقيمه كسرته, وإن تركته لم يزل أعوج ". (الاسيصاء): قبول الوصية, والمعنى: أوصيكم بهن خيرا, فاقبلوا وصيتي فيهن. " فإنهن خلقن من ضلع " أي: خلقن خلقا فيه اعوجاج, فكأنهن خلقن من أصل معوج, فلا يتهيأ الانتفاع بها إلا بمداراتها, والصبر على اعوجاجها. و (الضلع) بكسر الضاد وفتح اللام: واحد (الأضلاع) , استعير للمعوج صورة ومعنى. وقيل: أراد به: أن أول النساء خلقت من ضلع, فإن حواء خلقت من ضلع من أضلاع آدم. ... 747 - 2417 - وقال: " لا يفرك مؤمن مؤمنة, إن كره منها خلقا رضي منهت آخر". 748 - 2417 - وقال: " لا يفرك مؤمن مؤمنة, إن كره منها

خلقا رضي منها آخر " " وعن أبي هريرة أنه قال: لا يفرك مؤمن مؤمنة, إن كره منها خلقا, رضي منه آخر ". (الفرك) بالكسر: بغض أحد الزوجين الآخر, وقوله: " لا يفرك " نفي في معنى النهي, أي: لا ينبغي للرجل أن يبغضها, لما يرى منها فيكرهه, لأنه إن استكره منها خلقا, فلعله استحسن منها غيره, فليعارض هذا بذلك. ... 749 - 2418 - وقال صلى الله عليه وسلم: " لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم, ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر ". " وعنه: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم, ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر " (خنز اللحم) بالكسر: تغير وأنتن, والمعنى: لولا أن بني إسرائيل سنوا ادخار اللحم حتى خنز لما ادخر, فلم يخنز, ولولا أن حواء خانت آدم في إغرائه, وتحريضه على مخالفة الأمر بتناول الشجرة, وسنت هذه السنة, لما سلكتها أنثى مع زوجها, فإن البادئ بالشيء كالسبب الحامل لغيره على الإتيان به, والاقتداء عليه. وقيل: لم يكن اللحم يخنز حتى منع بنو إسرائيل عن ادخاره

فلم ينتهوا عنه, فأسرع الخنز إلى ما ادخروا, عقوبة لهم. ... 750 - 2420 - وقالت عائشة رضي الله عنها: كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم, وكان لي صواحب يلعبن معي, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن منه فيسربهن إلى فيلعبن معي. " وقالت عائشة: كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم, وكانت لي صواحب يلعبن معي, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن منه, فيسربهن إلى, فيلعبن معي " " البنات ": جمع (بنت) , تريد بها: اللعب التي تلعب بها الصبية. وقولها: " ينقمعن منه " أي: يستترن منه, ويتغيبن عنه, والانقماع: الدخول في كن. " فيسربهن إلى " أي: يرسلهن ويسرحهن إلى, من (سرب):إذا ذهب, قال تعالى: {وسارب بالنهار} [الرعد: 10] , أو من (السرب) وهي جماعة النساء, أي: يرسلهن إلي سربا سربا. ... 751 - 2425 - وعن أسماء: أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن لي ضرة فهل علي جناح إن تشعبت من زوجي غير الذي يعطيني؟ فقال " " المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ".

" وعن أسماء: أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن لي ضرة, فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني؟ فقال: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" (التشبع) في الأصل يستعمل بمعنى التكلف في الأكل, والتجاوز عن الشبع, حتى يمتلئ ويتضلع, وبمعنى التشبه بالشبعان, ومن هذا المعنى الأخير استعير للتحلي بفضيلة أو زينة لم ترزق. فقولها: " تشبعت من زوجي " أي: تزينت وتكثرت بأكثر مما عندي من أجل زوجي. وقوله: " كلابس ثوبي زور " أي: كمن يزور على الناس, فيلبس لباس ذوي التقشف, ويتزيا بزي أهل الصلاح, وأضاف الثوبين إلى الزور, لأنهما لبسا لأجله, وثنى باعتبار الرداء والإزار, يريد: أن المتحلى بما ليس له كمن لبس ثوبين من الزور, ارتدى بأحدهما, وتأزر بالآخر. ونظيره قول الشاعر: إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا ... 752 - 2426 - وقال أنس رضي الله عنه: آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه

شهرا, وكانت انفكت رجله فأقام في مشربة تسعا وعشرين ليلة ثم نزل, فقالوا: يا رسول الله! آليت شهرا فقال: " إن الشهر يكون تسعا وعشرين ". " وعن أنس قال: آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه, وكانت انفكت رجله, فأقام في مشربة تسعا وعشرين ليلة, ثم نزل, فقالوا: يا نبي الله! آليت شهرا؟! فقال: إن الشهر يكون تسعا وعشرين ". (الإيلاء) في الأصل: الحلف, من (الألية) وهو اليمين, وكذلك (التألي) و (الائتلاء) , فخض في عرف الشرع بالحلف المانع من غشيان الزوجة, وله شرائط وأحكام مخصوصة, ذكرت مفصلة مشروحة في الكتب الفقهية. " وكانت انفكت رجله " أي: كانت منخلعة, والانخلاع: زوال رأس العظم عن محله, وأصل الانفكاك: الزوال والانفتاح. و (المشربة): الغرفة. لعل ذاك الشهر كان تسعا وعشرين فلذلك اقتصر عليه, ونزل بعده. ... من الحسان: 753 - 2430 - عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خيركم خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلي, وإذا مات صاحبكم فدعوه ". (من الحسان): " عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ص: خيركم خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلي, وإذا مات صاحبكم, فدعوه ". قيل: أراد بـ (الصاحب): نفسه, وعنى بفوله: " فدعوه ": أن يترك التحسر والتلهف عليه, فإن في الله خلفا عن كل فائت, وكأنه لما قال: " وأنا خيركم لأهلي " دعاهم إلى التأسف بفقده, فأزاح ذلك, وخفف عنهم بهذا الكلام. وقيل: معناه: إذا مت فدعوني, ولا تؤذوني بإيذاء عترتي وأهل بيتي. ... 754 - 2434 - وعن طلق بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته, وإن كانت على التنور ". وفي حديث طلق بن علي: " فلتأته, وإن كانت على التنور ". أي: فلتجب دعوة الزوج, وإن كانت مشتغلة بالخبز, مع أنه شغل شاغل لا يتفرغ منها إلى غيره. ***

755 - 2436 - عن حكيم بن معاوية القشيري, عن أبيه قال: قلت: يارسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: " أن تطعمها إذا طعمت, وتكسوها إذا اكتسيت, ولا تضرب الوجه, ولا تقبح, ولا تهجر إلا في البيت " " وفي حديث [حكيم بن] معاوية القشيري: ولا تقبح ". أي: لا تشتمها, ولا تقل لها: قبحا, ولا تقل لها: قبح الله وجهك, ونحوه, أو لا تنيبها إلى القبح, أو لا تعد قبائحها ومعايبها. ... 756 - 2437 - وعن لقيط بن صبرة قال: قلت يا سول الله! إن لي امرأة في لسانها شيء - يعني البذاء - قال: " طلقها " قلت: إن لي منها ولدا ولها صحبة, قال: " فمرها - يقول عظها - فإن يك فيها خير فستقبل, ولا تضربن ظعينتك ضربك أميتك ". " وفي حديث لقيط بن صبرة: ولا تضربن ظعينتك ضربك أميتك ". (الظعينة): الزوجة, من (الظعن) بمعنى: الذهاب, لأنها تظعن إلى بيت زوجها. وقيل: الظعينة المرأة التي تكون في الهودج, ثم كني بها عن الكريمة.

والمعنى: لا تضربوا الحرائر الكرائم من النساء ضرب الإماء الائي هن أخس النساء عندكم. وصغر الأمة للمبالغة. ... 757 - 2438 - وعن إياس بن عبد الله: أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تضربوا إماء الله " فأتاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله! ذئر النساء على أزواجهن, فأذن في ضربهن, فأطاف بآل محمد نساء كثير كلهن يشتكين أزواجهن, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لقد أطاف بآل محمد سبعون امرأة كلهن يشتكين أزواجهن, ولا تجدون أولئك خياركم ". " وفي حديث إياس بن عبد الله: فأتاه عمر, فقال: يا رسول الله! ذئر النساء على أزواجهن ". أي: اجترأن عليهم, ونشزن, و (امرأة ذائر) أي: ناشز. ... 758 - 2439 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبدا على سيده " أي: يفسد. " وفي حديث أبي هريرة: ليس منا من خبب امرأة على زوجها " أي: خدعها , وأفسدها عليه. ***

باب الخلع والطلاق

11 - باب الخلع والطلاق من الصحاح: 759 - 2443 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة بن قيس أنت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين, ولكن أكره الكفر في الإسلام, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتردين عليه حديقته؟ " قالت: نعم, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ". (باب الخلع والطلاق) (من الصحاح): " عن ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله! ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين, ولكن أكره الكفر في الإسلام, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة, وطلقها تطليقة ". (زوجة ثابت هذه) قيل: إنها كانت جميلة بنت أبي, أخت عبد الله بن أبي بن سلول, وقيل: إنها حبيبة بنت سهل الأنصاري. وقولها: " ما أعتب عليه في خلق ولا دين " أي: لا أغضب عليه, ولا أريد مفارقته, لسوء خلقه, ولا لنقصان في دينه, ولكن

أكرهه طبعا, فأخاف على نفسي في الإسلام ما ينافي حكمه في فرك ونشوز وغير ذلك, مما يتوقع من الشابة المبغضة لزوجها, فسمت ما ينافي مقتضى الإسلام باسم ما ينافيه نفسه. وقوله لثابت: " اقبل الحديقة وطلقها تطليقة " أمر استصلاح وإرشاد إلى ما هو الأصوب, لا إيجاب إلزام بالطلاق. وفيه دليل على أن الأولى للمطلق أن يقتصر على طلقة واحدة, ليتأتى له العود إليها إن اتفاق بدا. وأن الخلع جائز في الحيض وطهر جامع فيه, وإن لم يجز الطلاق, لأنه – عليه السلام – لم يبحث عن حالها, والعلة فيه مساس الحاجة إليه. ... 760 – 2444 – عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: " أنه طلق امرأة له وهي حائض, فذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: " ليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر, ثم تحيض فتطهر, فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها, فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء " وفي رواية: " مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا ".

" عن عبد الله بن عمر: أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ليراجعها, ثم يمسكها حتى تطهر, ثم تحيض, فتطهر, فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها, فتلك العدة التي أمر اله أن يطلق لها النساء " لهذا الحديث فوائد: منها: حرمة الطلاق في الحيض, لتغيظه – عليه الصلاة والسلام – فيه, وهو لا يتغيظ إلا في حرام. ومنها: التنبيه على أن علة الحرمة تطويل العدة عليها, فإنه طلقها في زمان لا يحسب من عدتها, فإن العدة بالأطهار دون الحيض, والمراد بقوله تعالى: لآ ثلاثة قروء} [البقرة: 228] , ثلاثة أطهار, لقوله: " فليطلقها طاهرا ... " إلى آخره ومنها: أن تدراكه بالمراجعة, إذ التطويل يزول بها. ومنها: أن المراجع ينبغي أن ر يكون قصده بالمراجعة تطليقها, لأنه أمر بإمساكها في الطهر الأول ’ وتطليقها في الطهر الثاني برأي مستأنف وقصد مجدد يبدو له بعد أن تطهر ثانيا. ومنها: الدلالة بمفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: " فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها ": أن الطلاق لا يحل أيضا في طهر جامعها فيه, لأن الأمر المقيد بالمنطوق أمر إباحة, فيكون الثابت في المسكوت عنه

نفيها وإلا لم يفد التخصيص. ... 761 - 2445 – وقالت عائشة رضي الله عنها: خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنا الله ورسوله, فلم يعد ذلك علينا شيئا ". " وقالت عائشة: خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنا الله ورسوله, فلم يعد ذلك علينا شيئا. كان علي – كرم الله وجهه – يقول: إذا خير الزوج زوجته فاختارت نفسها, بانت بواحدة, وإن اختارت زوجها, طلقت بتخيره إياها طلقة رجعية, وكان زيد بن ثابت يقول في الصورة الأولى: طلقت ثلاثا, وفي الثانية: واحدة بائنة, فأنكرت عائشة قولهما بذلك, أي: (لم يعد علينا شيئا) لا ثلاثا, لا واحدة ولا بائنة ولا رجعية. ... 762 – 2446 – وقال ابن عباس رضي الله عنهما في الحرام: يكفر, {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}. " وقال ابن عباس في الحرام: يكفر, {لقد كان لكم في رسول الله

أسوة حسنة} [الأحزاب:21]. اختلف الصحابة والتابعون في مسألة الحرام, وهوأن يقول الرجل لامرأته: أنت علي حرام, فقال أبو بكر رضي الله عنه: هو يمين, وتجب به الكفارة, فكأنه إيلاء عنده, وبه قال أبو حنيفة إذا لم ينو به طلاقا ولا ظهارا. وقال عمر رضي الله عنه: تقع به طلقة رجعية, وبه قال الزهري. وقال عثمان رضي الله عنه: هو الظهار, وبه قال أحمد. وقال علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما: يكون طلاقا ثلاثا, وبه قال مالك. وقال ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم في إحدى الروايتين عنه: أنه ليس بيمين, ولكنه تجب به كفارة اليمين, وبه قال الشافعي. وأشار ابن عباس في هذا الأثر إلى ما يدل عليه, وهو أنه تعالى أوجب فيه على رسوله تحلة اليمين – وهي كفارتها – بقوله تعالى: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} [التحريم: 2] , فيجب علينا اتباعا له, لقوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب: 21]. والأسوة: الحالة التي تكون للإنسان من اتباع غيره, حسنا كان أو قبحا, ولذلك وصفها بالحسنة. وقال أبو هريرة وأبو سلمة بن عبد الرحمن ومسروق: إنه لغو, لا أثر له.

وقال حماد بن سليمان: تقع به طلقة بائنة. ... 763 – 2447 – وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش, وشرب عندها عسلا, فتواصيت أنا وحفصة: أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل: إني أجد منك ربح مغافير, أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما فقالت له ذلك, فقال: " لا بأس, شربت عسلا عند زينب بنت جحش فلن أعود له وقد حلفت, لا تخبري بذلك أحدا! " يبتغي مرضات أزواجه, فنزلت: {ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك}. " وفي حديث عائشة: إني أجد منك ريح مغافير ". هو جمع (مغفور) بضم الميم, وهو شيء ينضحه العرفط, شجر من العضاه, حلو كالناطف, وله ريح منكرة. وقيل: واحده: (مغفر) بكسر الميم. فعلى الأول يقال: خرج القوم يتمغفرون: إذا خرجوا يجتنبونه من شجره, لقلة (مفعول) , وعلى الثاني: يتغفرونه. والمغاثير مثله: لفظا ومعنى. ... من الحسان: 764 – 2448 – عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة

سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة ". (من الحسان): " عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة ". (البأس): الشدة, و" ما " مزيدة, أي: غير حال شدة تلجئها, وتدعوها إلى المفارقة. وقوله: " فحرام عليها " أي: ممنوع عنها, لا تجد رائحة الجنة أول ما يجدها المحسنون, لأنها لا تجد أصلا, وهذا من المبالغة في التهديد, ونظير ذلك كثير. ... 765 – 2450 – وعن علي رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: " لا طلاق قبل نكاح, ولا عتاق إلا بعد ملك, ولا وصال في صيام, ولا يتم بعد احتلام, ولا رضاع بعد فطام, ولا صمت يوم إلى الليل ". " وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا طلاق قبل نكاح, ولا عتاق إلا بعد ملك, ولا وصال في صيام, ولا يتم بعد احتلام, ولا رضاع بعد فطام, ولا صمت يوم إلى الليل ". (الطلاق): رفع قيد النكاح باختيار الزوج ورؤيته, فحيث

لا نكاح فلا طلاق, فظاهر يدل على أن الطلاق قبل النكاح لغو لا أثر له, كالعتاق قبل الملك, وبه قال أصحابنا وغيرهم من أهل العلم, وقال الزهري وأبو حنيفة: يعتبر الطلاق قبل النكاح إذا أضيف إليه, عم أو خص, مثل: إن كل امرأة أتزوجها فهي طالق, أو: إن تزوجت هندا فهي طالق. وقال النخعي والشعبي وربيعة ومالك والأوزاعي وابن أبي ليلى: إن خص الطلاق بامرأة معينة, أو قبيلة بعينها, وأضاف إلى النكاح = عقد وإلا لغا, وأولوا الحديث بما إذا خاطب أجنبية بالطلاق, ولم يضفه إلى النكاح, وهو تقييد وتخصيص للنص, ومخالفة للقياس بلا دليل يوجب ذلك, وما روي: أن ابن مسعود يرى ذلك, فليس بحجة. وقوله: " لا وصال في الصيام ", أي: لا جواز له ولا حل, " ولا رضاع بعد فطام " أي: لا أثر له, ولا حكم بعد أوان الفطام, يعني: أن الرضاع بعد الحولين لا يوجب الحرمة, وتدل عليه أحاديث أخر ذكرناها في (باب المحرمات) وقوله: " ولا صمت يوم إلى الليل " أي: لا عبرة به, ولا فضيلة له, وليس هو مشروعا عندنا شرعه في الأمم الذين قبلنا. وقيل: يريد به النهي عنه, لما فيه من التشبيه بالنصرانية. ***

766 – 2452 – عن ركانة بن عبد يزيد: أنه طلق امرأته سهيمة البتة, ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني طلقت امرأتي البتة, ووالله ما أردت إلا واحدة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والله ما أردت إلا واحدا؟ " فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة, فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فطلقها الثانية في زمان عمر, والثالثة في زمان عثمان. " عن ركانة بن عبد يزيد: أنه طلق امرأته سهيمة البتة, ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني طلقت امرأتي البتة, [و] والله ما أردت إلا واحدة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة, فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فطلقها الثانية في زمان عمر, والثالثة في زمان عثمان. " ركانة ": هو سبط هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف, صارع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم, ونزل المدينة, ومات بها. والمراد بـ (البتة): الطلقة المنجزة, يقال: يمين باتة وبتة, أي: منقطعة عن علائق التعليق. ومن فوائد هذا الحديث: الدلالة على أن الزوج مصدق باليمين فيما يدعيه, مل لم يكذبه ظاهر اللفظ. وأن النية مؤثرة في عدد الطلاق, إذ لو لم يكن كذلك لما حلفه بأنه لم يرد إلا واحدة. وأن من توجه عليه يمين, فحلف قبل أن يحلفه الحاكم, لم

يعتبر حلفه, إذ لو اعتبر لاقتصر على حلفه الأول, ولم يحلفه ثانيا, وأن ما فيه احتساب للحاكم أن يحكم فيه من غير مدع. وقوله: " فردها عليه " أي: بالرجعة, أو مكنها من أن يراجعها. ... 767 – 2454 – وعن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا طلاق ولا عتاق في إغلاق ". قيل " معنى الإغلاق: الإكراه. " وعن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا طلاق ولا عتاق في إغلاق. فسر " الإغلاق " بالإكراه, إذ الغالب أن المكره يغلق عليه الباب, ويضيق عليه حتى يأتي بالمكره به, وعلى هذا يدل الحديث على أن طلاق المكره وعتقه غير نافذ, وإليه ذهب عمر وعلي وابن عمر رضي الله عنهم, وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز ومالك والشافعي وأحمد. وقال النخعي والشعبي وأبو حنيفة والثوري: يصح طلاقه دون إقراره, لأنه قد وجد اللفظ المعتبر من أهله مصادفا لمحله, ولكن لم يوجد الرضا بثبوت حكمه, وهو غير معتبر, كما في طلاق الهازل وعتقه.

باب المطلقة ثلاثا

وهو ضعيف, لأن القصد إلى اللفظ معتبر بدليل عدم اعتبار طلاق من سبق لسانه, وهاهنا القصد إلى اللفظ من نتيجة الإكراه, فيكون كالمعدوم بالنسبة إلى المكره. وفسر بعض الناصرين لهذا المذهب (الإغلاق) بالغضب, لما فيه من التضييق, وحمل النفي على النهي, وقال: المراد منه النهي عن الطلاق حال الغضب, فإنه لعله لا يحتاط فيوقعه بدعيا, أو يبادر فيبت بالثلاث من غير نظر وروية, ثم يندم عليه, وعن العتق فيها, فإنه حينئذ لا يكون صادرا عن قصد صحيح, ونية صادقة يتوخى بها وجه الله تعالى, وهو كما ترى. ... 12 - باب المطلقة ثلاثا من الصحاح: 768 - 2458 - عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي, فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير, وما معه إلا مثل هدبة الثوب فقال: " أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا, حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ".

(باب المطلقة ثلاثا) (من الصحاح): " عن عائشة قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني كنت عند رفاعة, فطلقني, فبت طلاقي, فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير, وما معه إلا مثل هدبة الثوب, فقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا, حتى تذوقي عسيلته, ويذوق عسيلتك ". (رفاعة): هو رفاعة بن سموأل القرظي, وهو الذي نزلت فيه وفي عشرة من أصحابه: {ولقد وصلنا لهم القول} [القصص: 51] , الآيتان. و (امرأته): تميمة بنت وهب, وقيل: بنت أبي عبد الله, ولعل أباعبد الله كنية وهب. و" عبد الرحمن بن الزبير " روي بفتح الزاي وكسر الباء. " وما معه إلا مثل هدبة الثوب ": كناية عن عنته, وضعف آلته. و (عسيلة): تصغير: عسلة, وهي القطعة من العسل, يريد بها: لذة الجماع, شبهها بحلاوة العسل. وقيل: النطفة, ولذلك أنثها. وفيه دليل على أن التحليل لا يحصل إلا بالوقاع مع انتشار الآلة. ***

من الحسان: 769 - 2459 - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له. (من الحسان): " عن ابن مسعود قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له "ز " المحلل " الذي تزوج مطلقة الغير ثلاثا على قصد أن يطلقها بعد الوطء, ليحل على المطلق نكاحها, وكأنه يحله على الزوج الأول بالنكاح والوطء, والمحلل له هو الزوج الأول, وإنما لعنهما لما في ذلك من هتك المروءة, وقلة الحمية, والدلالة على خسة النفس وسقوطها, أما بالنسبة إلى المحلل له فظاهر, وأما بالنسبة إلى المحلل, فلأنه يهين نفسه بالوطء لغرض الغير, فإنه إنما يطؤها, ليعرضها لوطء المحلل له, ولذلك مثله - عليه الصلاة والسلام - بالتيس المستعار. وليس في الحديث ما يدل على بطلان العقد كما قيل, بل لو استدل به على صحته من حيث إنه سمي العاقد محللا, وذلك إنما

يكون إذا كان العقد صحيحا, فإن الفاسد لا يحلل = كان أولى. هذا إذا أطلق العقد, فإن شرط فيه الطلاق بعد الدخول, ففيه خلاف, والأظهر بطلانه. ... 770 - 2460 - قال سليمان بن يسار: أدركت بضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يقول: يوقف المولي. " قال سليمان بن يسار: أدركت بضعة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يقول: يوقف المولي ". أي: يحبس المؤلي بعد انقضاء مدة الإيلاء, ليفي أو يطلق, وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد, ويدل عليه أنه تعالى ردد الأمر بينهما بعد التربص, فقال: {فإن فاءوا فإن الله غفوررحيم * وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} [البقرة: 226 - 227] , وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي: إذا مضت المدة ولم يفء فيهما, وقعت بمضيها طلقة ثانية ز وإنما أورد هذا الحديث والذي بعده في هذا الباب, لما بين الإيلاء والظهار وبين الطلاق من المناسبة. ***

فصل

فصل من الصحاح: 771 - 2463 - عن معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله! إن جارية لي كانت ترعى غنما لي, ففقدت شاة من الغنم فسألتها, فقالت: أكلها الذئب, فأسفت عليها, وكنت من بني آدم فلطمت وجهها, وعلى رقبة, أفأعتقها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أين الله؟ فقالت: في السماء, قال: " من أنا؟ قالت: أنت رسول الله, قال: " أعتقها فإنها مؤمنة ". (فصل) (من الصحاح): " عن معاوية بن الحكم قال: قلت: يا رسول الله! إن جارية لي كانت ترعى غنما لي, ففقدت شاة من الغنم, فسألتها, فقالت: أكلها الذئب, فأسفت عليها, وكنت من بني آدم, فلطمت وجهها, وعلي رقبة أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ فقالت: في السماء, قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله, قال: أعتقها, فإنها مؤمنة ". (الأسف): الغضب. " وكنت من بني آدم ": عذر لغضبه عليها, ولطمها وجهها, فإن الإنسان مجبول على نحو ذلك.

وقوله لها:" أين الله؟ وفي رواية: " أين ربك؟ " لم يرد به السؤال عن مكانه, فإنه منزه عنه, والرسول أعلى من أن يسأل أمثال ذلك, بل أراد به أن يتعرف أنها موحدة أو مشركة, لأن كفار العرب كانوا يعبدون الأصنام, وكان لكل قوم منهم صنم مخصوص, يكون فيما بينهم, يعبدونه ويعظمونه, ولعل سفاءهم وجهلتهم كانوا لا يعرفون معبودا غيره, فأراد أن يتعرف أنها ما تعبد, فلما قالت: في السماء, وفي رواية: أشارت إلى السماء فهم منها أنها موحدة, تريد بذلك نفي الآلهة الأرضية التي هي الأصنام, لا إثبات السماء مكانا له, تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. أو لأنه لما كان مأمورا بأن يكلم الناس على قدر عقولهم, ويهديهم إلى الحق على حسب فهمهم, ووجدها تعتقد أن المستحق للعبودية إله يدبر الأمر من السماء إلى الأرض, لا الآلهة التي يعبدها المشركون, قنع منها بذلك, ولم يكلفها اعتقاد ما هو صرف التوحيد, وحقيقة التنزيه. واستفسار الرسول عن إيمانها عقيب استئذانه عن إعتقادها من الرقبة الواجبة عليه, وترتيب الإذن على قوله: " إنها مؤمنة " بالفاء = يدلان على أن الرقبة المحررة عن الكفارات لابد وأن تكون مؤمنة. ***

باب اللعان

13 - باب اللعان من الصحاح: 772 - 2464 - عن سهل بن سعد الساعدي قال: إن عويمرا العجلاني قال: يا رسول الله! أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه, أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله: " قد أنزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها ", قال سهل: فتلاعنا في المسجد وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما فرغا قال عويمر: كذبت عليها يا رسول اله إن أمسكتها, فطلقها ثلاثا, ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انظروا! فإن جاءت به أسحم أدعج العينين, عظيم الأليتين, خدلج الساقين, فلا أحسب عويمرا إلا قد كذب عليها " فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر, فكان بعد ينسب إلى أمه. (باب اللعان) (من الصحاح): " عن سهل بن سعد الساعدي قال: إن عويمرا العجلاني قال: يا رسول الله! أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه؟ أم

كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أنزل فيك وفي صاحبتك, فاذهب, فأت بها, قال سهل: فتلاعنا في المسجد, وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما فرغا قال عويمر: كذبت عليها إن أمسكتها, فطلقها ثلاثا, ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظروا فإن جاءت به أسحم, أدعج العينين, عظيم الإلتين, خدلج الساقين, فلا أحسب عويمرا إلا قد صدق عليها, وإن جاءت به أحيمر, كأنه وحرة, فلا أحسب عويمرا إلا قد كذب عليها, فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر, فكان بعد ينسب إلى أمه ". (عويمر هذا): عويمر بن أبيض, أنصاري من يني عمرو بن عوف. وكيفية التلاعن مذكورة في القرآن, مشروحة في الكتب الفقية, ولها أحكام, ومن جملتها: حصول الفرقة بينهما على التأبيد عند عامة أهل العلم, لكنهم اختلفوا في أن الموجب للفرقة لعان الرجل وحده, أو لعانهما معا, من غير افتقار إلى حكم الحاكم, أو معه, والأول مذهب الشافعي, والثاني مذهب مالك وداود وزفر وإحدى الروايتين عن أحمد, والثالث مذهب أبي حنيفة والرواية الأخرى عن أحمد. وحكى عن أبي حنيفة أنه قال: يرتفع التحريم بأن يكذب الرجل نفسه, وعلى هذا لا يكون التحريم مؤبدا. وعن عثمان البتي أنه قال: لا يتعلق التحريم به أصلا, واحتج بأن عويمرا طلقها ثلاثا بعد التلاعن, ولو كانت الفرقة حاصلة بمجرد

الملاعنة, لم يحتج إلى التطليق. ولأبي حنيفة أيضا أن يحتج به. وجوابه: أن عويمرا لعله لم يكن يعلم أن الفرقة تحصل بمجرد اللعان, وأن الرسول - صلوات الله عليه - لما لم يجد في ذلك خللا, لم ينكر عليه. و" أسحم ": أسود, من (السحمة) , وهي السواد. و" أدعج العينين ": الذي يكون عيناه شديد السواد, من (الدعج) وهو: شدة سواد العين مع سعتها. و" خدلج الساقين " بتشديد اللام: عظيمها. و" الوحرة " بفتح الحاء: دويبة حمراء تلصق [بالأرض]. ولعله - عليه السلام - عرف ذلك من الوحي, ويحتمل أنه ذكر ذلك على سبيل القيافة, والله أعلم. ... 773 - 2467 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " البينة أو حد في ظهرك " فقال هللا: والذي بعثك بالحق إني لصادق فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد, فنزل جبريل عليه السلام وأنزل عليه

{والذين يرمون أزواجهم} - فقرأ حتى بلغ - {إن كان من الصادقين}. فجاء هلال فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله يعلم أن أحدكما كاذب, فهل منكما نائب؟ " ثم قامت فشهدت, فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا: إنها موجبة! قال ابن عباس رضي الله عنهما: فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع, ثم قالت: لا أفصح قومي سائر اليوم, فمضت, وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أبصروها! فإن جاءت به أكحل العينين, سابغ الأليتين, خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء ", فجاءت به كذلك, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ". " وعن ابن عباس في حديث هلال بن أمية: فلما كانت عند الخامسة وقفوها, وقالوا: إنها موجبة, قال ابن عباس: فتلكأت, ونكصت, حتى ظننا أنها ترجع, ثم قالت: لا أفصح قومي سائر اليوم, فمضت, وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبصروها, فإن جاءت به أكحل العينين, سابغ الإليتين, خدلج الساقين, فهو لشريك بن سحماء, فجاءت به كذلك, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ". " فلما كانت عند الخامسة " من شهادتها حبسوها, ومنعوها عن المضي فيها وهددوا, وقالوا لها: إنها موجبة. وقيل: معنى " وقفوها ": أطلعوها على حكم الخامسة, وهو: أن اللعان إنما يتم به, وتترتب عليه آثاره, وأنها موجبة للعن, مؤدية إلى

العذاب, إن كانت كاذبة. " فتلكأت " أي: توقفت, يقال: تلكأ في الأمر تلكؤ, إذا تباطأ عند, وتوقف فيه. " ونكصت " أي: رجعت, وتأخرت, وفي القرآن: {نكص على عقبيه} [الأنفال: 48]. " حتى ظننا أنها ترجع " عن مقالها في تكذيب الزوج, ودعوى البراءة عما رماها به. " لا أفضح قومي سائر اليوم " أي: جميع الأيام, وأبد الدهر, أو في مابقي من الأيام = بالإعراض عن اللعان, والرجوع إلى تصديق الزوج. وأريد باليوم: الجنس, ولذلك أجراه مجرى العام, و (السائر) كما يطلق للباقي يطلق للجميع. " فمضت " أي: في الخامسة وأتمتها. " وأكحل العينين ": الذي يعلو جفون عينيه سواد مثل الكحل من غير اكتحال, ويقال: عين كحيل, وامرأة كحلاء. " سابغ الإليتين ": كبيرهما, يقال للشيء إذا كان تاما وافيا وافرا: إنه سابغ. وفي إتيان الولد على الوصف الذي ذكره هاهنا, وفي قصة عويمر, بأحد الوصفين المذكورين, مع جواز أن يكون على خلاف

ذلك, معجزة وإخبار بالغيب. وقوله: " لولا ما مضى من كتاب الله " أي: من حكمه بدرء الحد عن المرأة بلعانها. " لكان لي ولها شأن " في إقامة الحد عليها, وفي ذكر الشأن وتنكيره تهويل وتفخيم لما كان يريد أن يفعل بها, أي: لفعلت بها - لتضاعف ذنبها - ما يكون عبرة للناظرين, وتذكرة للسامعين. وفي الحديث دليل على أن الحاكم لا يلتفت إلى المظنة والأمارات, وإنما يحكم بظاهر ما يقتضيه الحجج والأيمان. وأن لعان الرجل يقدم على لعان المرأة, لأنه مثبت, وهذا داريء, والدرء إنما يحتاج إليه بعد الإثبات. ... 774 - 2472 - عن أبي هريرة رضي الله عنه " أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي ولدت غلاما أسود, وإني أنكرته؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل لك من إبل؟ قال: نعم, قال: " فما ألوانها؟ " قال: حمر, قال: " هل فيها من أورق؟ " قال: إن فيها لورقا, قال: " فأنى ترى ذلك جاءها؟ " قال: عرق نزعها, قال: " ولعل هذا عرق نزعه ", ولم يرخص له في الانتفاء منه ". " وعن أبي هريرة: أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي

ولدت غلاما أسود, وإني أنكرته, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ قال: نعم, قال: فما ألوانها؟ قال: حمر, قال: هل فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقا, قال: فأنى ترى ذلك جاءها؟ قال: عرق نزعها, قال: فلعل هذا عرق نزعه! فلم يرخص في الانتفاء منه " قال الأصمعي: (الأورق) من الإبل: الذي في لونه بياض إلى سواد, وهو أطيب الإبل لحما, وليس بمحمود عندهم في سيره وعمله, من (الورقة) , وهو اللون الرمادي, ومنه قيل للحمامة والذئبة: ورقاء. وجمعه (ورق) كـ (حمر) جمع: أحمر. وقوله: " فأتى ترى ذلك جاءها؟ أي: فمن أين جاءها هذا اللون, وأبواها ليسا بهذا اللون؟ " قال: عرق نزعها " أي: قلعها, وأخرجها من ألوان فحلها ولقاحها, وفي المثل: (العرق نزاع) , والعرق: النجار والأصل, مأخوذ من (عرق الشجر). والمعنى: أن ورقتها إنما جاءت لأنه كان في أصولها البعيدة ما كان بهذا اللون, أو بألوان تحصل الورقة من اختلاطها, فإن أمزجة الأصول قد تورث, ولذلك تورث الأمراض, والألوان تتبعها. وفائدة الحديث: المنع عن نفي الولد لمجرد الأمارات الضعيفة, بل لا بد من تحقق وظهور دليل قوي, كأن لم يكن وطئها, أو أنت بولد قبل ستة أشهر من مبدأ وطئها. ***

775 - 2473 - وعن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص: أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك, فلما كان عام الفتح أخذه سعد فقال: إنه ابن أخي, وقال عبد بن زمعة: أخي, فتساوقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال سعد: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أخي كان عهد إلى فيه, وقال عبد بن زمعة: أخي, وابن وليدة أبي, ولد على فراشه , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هو لك يا عبد بن زمعة, الولد للفراش وللعاهر الحجر " ثم قال لسودة بنت زمعة: احتجبي منه, لما رأى من شبهه بعتية, فما رآها حتى لقي الله, ويروى:" هو أخوك يا عبد ". " وفي حديث عائشة: كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن وليدة زمعة مني, فاقبضه إليك ". (الوليدة): الأمة, وكانت العرب في جاهليتهم يتخذون الولائد, ويضربون عليهن الضرائب, فيكتسبن بالفجور, وكانت السادة أيضا لا يجتنبونهن, فيأتونهن, فإذا أتت وليدة بولد, وقد استفرشها السيد, وزنا بها غيره أيضا, فإن استلحقه أحدهما ألحق به, ونسب إليه, وإن استلحقه كل واحد منهما, وتنازعا فيه, عرض على القافة, وكان عتبة قد صنع هذا الصنيع في جاهليته بوليدة زمعة, وحسب أن الولد له. " فعهد إلى أخيه " أي: أوصى إليه بأن يضمه إلى نفسه, وينسبه إلى أخيه حينما احتضر, وكان كافرا, فلما كان عام الفتح أزمع سعد

على أن ينفذ وصيته وينتزعه, فأبى ذلك عبد بن زمعة, وترافعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فحكم أن الولد للسيد الذي ولد على فراشه, وليس للزاني من فعله سوى الوبال والنكال, وأبطل ما كانوا عليه في جاهليتهم من إثبات النسب بالزنا. وفي هذا الحديث: أن الدعوى تجري في النسب كما تجري في الأموال. وأن الأمة تصير فراشا بالوطء. وأن السيد إذا أقر بالوطء, ثم أتت بولد يمكن أن يكون منه, لحقه وإن وطئها غيره. وأن إقرار الوارث فيه كإقراره. ... 776 - 2474 - وقالت عائشة رضي الله عنها: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو مسرور فقال: " أي عائشة! ألم تري أن مجزرا [مجززا] المدلجي دخل فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة, قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما, فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض ". " وعن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو مسرور, فقال: أي عائشة! ألم تري أن مجززا المدلجي دخل فرأى أسامة وزيدا وعليهمت قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما, فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض؟ ".

كان زيد بن حارثة أبيض اللون, وجاء أسامة أسود اللون, فتعرض له المنافقون بالطعن في نسبه, ويتكلمون فيه بما يتأذى منه الرسول صلوات الله عليه, فلما سمع قول مجززا فيهما, فرح به, وسري عنه. وذلك يدل على اعتبار قول القائف في الأنساب, وأن له مدخلا في إثباتها, وإلا لما استبشر به, ولأنكر عليه, إذ لا يجوز أن يقال رجما بالغيب ما يحتمل أن يوافق الحق في بعض الصور وفاقا, وخصوصا ما يكون صوابه غير معتبر, وخطؤه قذف محصنة, ولا الاستدلال بما ليس بدليل, وإليه ذهب عمر وابن عباس وأنس بن مالك, وغيرهم من الصحابة. وبه قال عطاء ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد, وعامة أهل الحديث. وقالوا: إذا ادعى رجلان أو أكثر نسب مواود مجهول النسب, ولم يكن لهم بينة, واشتركوا في وطء امرأة بالشبهة, فأتت بولد يمكن أن يكون من كل واحد منهم, وتنازعوا فيه, حكم القائف, فبأيهم ألحقه لحقه. ولم يعتبره أصحاب الرأي, بل قالوا: يلحق الولد بهم جميعا, وقال أبو يوسف: يلحق برجلين وثلاثة, ولا يلحق بأكثر, ولا بامرأتين, وقال أبو حنيفة: يلحق بهما أيضا, وكل ذلك مكابرة للعقل.

و (مجزز) قيل: كان اسمه [....] فاتفق أن أخذ أسيرا, فجز ناصيته, فسمي مجززا. ... من الحسان: 777 - 2478 - ويروى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: جاء رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي امرأة لا ترد يد لامس, فقال النبي صلى الله عليه وسلم " طلقها " فقال: إني أحبها, قال: " فأمسكها إذا ". (من الحسان): " عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي امرأة لا ترد يد لامس, قال النبي صلى الله عليه وسلم: طلقها, فقال: إني أحبها, فقال: فأمسكها إذا ". " لا ترد يد لامس " قيل: إنه كناية عن فجورها, أي: أنها منقادة مطواعة لمن أرادها, وأخذ بيدها. وزيفه قوم, وقيل: لو أراد به ذلك لما أذنه الرسول في إمساكها, وهو ضعيف, لأن إمساك الفاجرة غير محرم حتى لا يؤذن فيه, سيما [إن] كان الرجل مولعا بها, فإنه ربما يخاف على نفسه أن لا يصطبر عنها لو طلقها, فيقع هو أيضا في الفجور, بل الواجب عليه أن

يؤدبها, ويجتهد في حفظها. وقيل: معناه: أنها سفيهة, لا تحفظ ما في البيت, ولا ترد يد من أراد أن يأخذ منه شيئا. ... 778 - 2479 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى: أن كل مستلحق بعد أبيه الذي يدعى له ادعه ورثته, فقضى: أن من كان من أمة يملكها يوم أصابها فقد لحق بمن استلحقه, وليس له مما قسم قبله من الميراث شيء, وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيبه, ولا يلحق إذا كان أبوه الذي يدعى له أنكره, فإن كان من أمة لم يملكها, أو من حرة عاهر بها فإنه لا يلحق ولا يرث, وإن كان الذي يدعى له هو ادعاه فهو ولد زنية, من حرة كان أو أمة. " عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن كل مستلحق استلحق بعد أبيه الذي يدعى له, ادعاه ورثته, فقضى: أن من كان من أمة يملكها يوم أصابها فقد لحق من استلحقه, وليس له مماقسم قبله من الميراث شيء, وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيب, ولا يلحق إذا كان أبوه الذي يدعى له أنكره, فإن كان من أمة لم يملكها, أو من حرة عاهر بها, فإنه لا يلحق, ولا يرث, وإن كان الذي يدعى هو ادعاه, فهو ولد زنية, من حرة كان أو أمة ".

باب العدة

قال الإمام الخطابي: هذه أحكام قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوائل الإسلام ومبادئ الشرع, وهي: أن الرجل إذا مات, واستلحق له ورثته ولدا, فإن كان الرجل الذي يدعى الولد له ورثته قد أنكر أنه منه, لم يلحق به, ولم يرث منه, وإن لم يكن أنكره, فإن كان من أمته لحقه, وورث منه ما لم يقسم بعد من ماله, ولم يرث ما قسم قبل الاستلحاق, وإن كان من أمة غيره كابن وليدة زمعة, أو من حرة زنا بها, لا يلحق به, ولا يرث, بل لو استلحقه الواطئ لم يلحق به, فإن الزنا لا يثبت النسب, والله أعلم. ... 14 - باب العدة من الصحاح: 779 - 2481 - عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس: أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب, فأرسل إليها وكيله بشعير, فتسخطته, فقال: والله ما لك علينا من شيء, فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له, فقال: " ليس لك نفقة " فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك, ثم قال: " تلك امرأة يغشاها أصحابي, اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى, تضعين ثبابك, فإذا حللت فآذنيني " قالت:

فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان, وأبا جهم خطباني؟ فقال: " أما أبوجهم: فلا يضع عصاه عن عاتقه, وأما معاوية: فصعلوك لا مال له, انكحي أسامة بن زيد " فكرهته ثم قال: " انكحي أسامة بن زيد " فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت ". وفي رواية: " فأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء " وروي: أن زوجها طلقها ثلاثا, فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا ". (باب العدة) (من الصحاح) " عن فاطمة بنت قيس: أن أبا عمرو بمن حفص طلقها البتة, وهو غائب, فأرسل إليها وكيله بشعير, فسخطته, فقال: والله ما لك علينا من شيء, فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له, فقال: ليس لك نفقة, فأمرها أتن تعتد في بيت أم شريك, ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي, اعتدي عند ابن أم مكتوم, فإنه رجل أعمى, تضعين ثيابك, فإذا حللت فآذنيني, قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية ابن أبي سفيان وأبا جهم خطباني, فقال: أم أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه, وأما معاوية فصعلوك لا مال له, انكحي أسامة بن زيد فكرهته, ثم قال: انكحي أسامة بن زيد, فنكحته, فجعل الله فيه خيرا, فاغتبطت ".

" فاطمة بنت قيس ": أخت ضحاك بن قيس بن خالد بن وهب بن ثعلبة الفهري, و (أبو عمرو): زوجها, اسمه أحمد, وقيل: عبد الحميد ابن حفص بن المغيرة المخزومي. " طلقها البتة " أي: الطلقات الثلاث, أو الطلقة الثالثة, فإنها بتة من حيث إنها قاطعة لعلاقة النكاح. " فأرسل إليها وكيله الشعير, فسخطته " أي: استقلته, يقال: سخط عطاءه, أي: استقله, ولم يرض به. وقوله: " ليس لك نفقة " يدل على أن المبتوتة لا نفقة لها إذا كانت حائلا, وبه قال ابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن وعطاء والشعبي, وإليه ذهب الزهري ومالك والأوزاعي وابن أبي ليلي والشافعي وأحمد وإسحاق. واختلفوا في السكنى, فذهب الحسن وعطاء والشعبي وأحمد وإسحاق, وروي عن ابن عباس: أنه لا سكنى لها أيضا, لأنه - عليه الصلاة والسلام - لم يجعل لها سكنى, وأمرها أن تعتد عند عبد الله بن أم مكتوم. وأجاب عنه ابن المسيب بأن فاطمة كانت بذيئة تتسلط على أحماتها, وتؤذيهم بطول لسانها, فلذلك أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنقل إلى بيت ابن أم مكتوم. وقوله: " تلك امرأة يغشاها أصحابي " أي: يترددون إليها,

ويدخلون منزلها. " تضعين ثيابك " أي: ثياب التبرز, يريد به الأمر بملازمة المسكن, والنهي عن الخروج عنه حتى تنقضي عدتها. وقوله: " إذا حللت فآذنيني " أي: إذا انقضت عدتك, وحللت منها, فأعلميني, وفيه تعريض للخطبة, ودليل على جوازه في عدة البائنة. و" أبو جهم ": هو ابن حذيفة العدوي, الذي وجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخميصته, وإحد [ى] إنبجانيته, أسلم يوم الفتح, وشهد فتح مصر. وقوله: " لا يضع عصاه عن عاتقه " كناية عن كونه ضرابا يكثر ضرب النساء. وقيل: عن كثرة الأسفار, يقال: رفع الرجل عصاه, إذا سافر وسار, ووضع عصاه إذا نزل وأقام. وفيه دليل على أنه يجوز للمستشار أن يذكر الخاطب ببعض ما فيه من العيوب عند المخطوبة على وجهه النصح لها, والإرشاد إلى ما فيه صلاحها. وقوله: " انكحي أسامة بن زيد " يدل على أن مراعاة الكفاءة ليست شرطا لصحة النكاح, بل هي حق للمرأة والأولياء, فإن رضوا بتركها جاز, خلافا للشيعة, فإنهم حرموا العلويات على غيرهم, لعدم الكفاءة, إذ لو كان كذلك لما أمر فاطمة - وهي قرشية - أن تنكح

أسامة, وهو مولى. وقولها: " واغتبطت " معناه: صرت ذات حظ منه, بحيث اغتبطتني النساء بسببه. ... 780 - 2482 - وقالت عائشة رضي الله عنها: إن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها, فلذلك رخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم, تعني في النقلة ". " وفي حديث عائشة: أن فاطمة كانت في مكان وحش ". بالسكون بمعنى: فقر, لأن خلو المكان والتفرد يورث الوحشة, ولذلك قيل للخلوة: الوحشة, ويقال: (وحش إصمت) لكل مكان قفر. ... 781 - 2487 - عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن ابنتي توفي عنها زوجها, وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا " مرتين أو ثلاثا, كل ذلك يقول: " لا " ثم قال: " إنما هي أربعة أشهر وعشر, وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول ". " وفي حديث أم سلمة: وقد كانت إحداكن ترمي بالبعرة

على رأس الحول. كانت من عادتهم في الجاهلية: أن المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت بيتا ضيقا, ولبست شر ثيابها, ولم تمس طيبا, ولا شيئا فيه زينة, حتى تمر عليها سنة, ثم يؤتى بدابة, حمار أو شاة أو طير, فتكسر بها ما كانت فيه من العدة, بأن تمسح بها قبلها, ثم تخرج, فتعطى بعرة, فترمي بها, وتنقطع بذلك عدتها. فأشار الرسول - صلوات الله عليه - بذلك إلى أن ما شرع في الإسلام للمتوفي عنها زوجها من التربص أربعة أشهر وعشرا في مسكنها, وترك التزين والتطيب في تلك المدة = يسير في جنب ما تكابده في الجاهلية. ... 782 - 2489 - وعن أم عطية رضي الله عنها, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا, ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب, ولا تكتحل, ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط, أو أظفار ". ويروى:" ولا تختضب ". " وعن أم عطية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا, ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب, ولا تكتحل, ولا تمس طيبا, إلا إذا طهرت نبذة

من قسط أو أظفار ". (الحداد): ترك المرأة الزينة للمصيبة, يقال: حدت المرأة تحد حدادا فهي حاد, وأحدت فهي محد. و (العصب) بالسكون: ثوب يمني يصبغ غزله, ثم ينسج. و (النبذة): القطعة اليسيرة التي ينبذ مثلها, ولا يلتفت إليها, لقلتها. و (القسط): قيل: إنه عود الهندي الذي يتبخر به, وقيل: من عقاقير البحر, له رائحة طيبة. و (الأظفار): جنس من النبات طيب الريح, لا واحد له, وقيل: واحده: ظفر, سمي بذلك, لأن القطعة منه تشبه الظفر. والمعنى: أن المعتدة للوفاة ليس لها أن تمس طبا إلا إذا طهرت من حيضها, فإن لها أن تزيل أثر الدم بنحو ذلك. ... من الحسان: 783 - 2491 - عن أم سلمة قالت: " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوسلمة وقد جعلت على عيني صبرا فقال: " ما هذا يا أم سلمة؟ " فقلت: إنما هو صبر ليس فيه طيب, فقال: " إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعيه بالنهار, ولا تمتشطي بالطيب, ولا باحناء فإنه خضاب " قلت: بأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال: " بالسدر تغفلين به رأسك ".

(من الحسان): " في حديث أم سلمة: أنه يشب الوجه ". أي: يلونه ويوقده, من (شببت النار) إذا أوقدتها, علل المنع به, لأن فيه تزيينا وتحسنا. وفيه: " بالسدر تغفلين به رأسك " أي: تتغفلين, من قولهم: تغلف الرجل بالغالية, وغلف بها لحيته, وأصله: غفلت القارورة , أي: جعلتها في الغلاف, وكأن الماسح به رأسه اتخذه غلافا له, وغلف به. ... 784 - 2492 - عن أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب, ولا الممشقة, ولا الحلي, ولا تختضب, ولا تكتحل ". " وفي حديثها الآخر: لا تلبس المعصفر من الثياب, ولا الممشقة ". " المعصفر ": المصبوغ بالعصفر. و" الممشقة ": الممنوعة بالمشق بكسر الميم, وهو الطين الأحمر الذي يسمى مغرة, والتأنيث على إرادة الحلة, أو الثياب. ***

باب الاستبراء

15 - باب الاستبراء من الصحاح: 785 - 2493 - عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة مجح فسأل عنها؟ فقالوا: أمة لفلان, قال: " أيلم بها؟ " قالوا: نعم, قال: " لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه في قبره, كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟ أم كيف يورثه وهو لا يحل له " (باب الاستبراء) (من الصحاح): " عن أبي الدرداء قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة مجح, فسأل عنها, فقالوا: أمة لفلان, قال: أيلم بها؟ قالوا: نعم, قال: لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه في قبره, كيف يستخدمه, وهو لا يحل له؟! أم كيف يورثه, وهو لا يحل له؟! (المجح) بالجيم قبل الحاء: الحامل المقرب التي دنت ولادتها, من (أجحت السبة) إذا عظم بطنها, ودنت ولادتها. و (الإلمام بالمرأة): من كنايات الوطء, وإنما هم بلعنه لتركه الاستبراء, فإنه إذا ألم بأمته التي يملكها, وهي حامل, كان تاركا للاستبراء.

باب النفقات وحق المملوك

وقوله: " كيف يستخدمه " إلى آخره: إشارة إلى ما في ترك الاستبراء من المعنى المقتضي للعن, والضمير المنصوب فيه للولد, وبيانه: أنه إذا لم يستبريء, وألم بها, فأتت بولد لزمان يمكن أن يكون منه, وأن يكون ممن ألم بها قبله, فإن استخدمه استخدام العبيد, فلعله كان منه, فيكون مستعبدا لولده, قاطعا لنسبه عن نفسه, فيستحق اللعن. وإن استلحقه, وادعاه لنفسه, فلعله لم يكن منه, فيكون مورثه, وليس له أن يورثه, فيستحق اللعن. ... 16 - باب النفقات وحق المملوك من الصحاح: 786 - 5201 - وقال: " إذا صنع لأحدكم خادمه طعامه ثم جاءه به, وقد ولي حره ودخانه فليقعده معه فليأكل, فإن كان الطعام مشفوها قليلا, فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين ". (باب النفقات) (من الصحاح): " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صنع لأحدكم خادمه

طعامه, ثم جاءه به وقد ولي حره ودخانه, فليقعده معه, فليأكل, فإن كان الطعام مشفوها قليلا, فلضع في يده أكلة أو أكلتين. " ولي " إما من (الولاية) بمعنى: تولى, أو من (التولي) وهو القرب, والمعنى: أنه قاسى كلفة اتخاذه, وحملها عنك, فينبغي أن تشاركه في الحظ منه. وقوله: " مشفوها " أي: كثيرا آكلوه, يقال: (طعام مشفوه) كثرت عليه الأيدي, و (ماء مشفوه): كثر نازلوه, ورجل مشفوه: كثير سائلوه, واشتقاقه من (الشفه). و (الأكلة) بالضم, ما يؤكل وهو اللقمة. ... من الحسان: 787 - 2510 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال: إن لي مالا وإن والدي يحتاج إلى مالي, فقال: " أنت ومالك لوالدك, إن أولادكم من أطيب كسبكم, كلوا من كسب أولادكم ". (من الحسان): " في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: إن أولادكم من أطيب كسبكم ".

" من أطيب كسبكم " أي: ما وجد بسببكم, وبتوسط سعيكم, أو اكتساب أولادكم من أطيب كسبكم, فحذف المضاف. وفي الحديث دليل وجوب نفقة الوالد على ولده, وأنه لو سرق شيئا من ماله أو ألم بأمته, فلا حد عليه لشبهة الملك. ... 788 - 2511 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني فقير وليس لي شيء, ولي يتيم, فقال: " كل من مال يتيمك غير مسرف, ولا مبادر, ولا متأثل ". " وبهذا الإسناد روي أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني فقير وليس لي شيء, ولي يتيم, فقال: كل من [مال يتيمك] غير مسرف ولا مبادر ولا متأثل ". أضاف اليتيم إلى نفسه, لأنه كان قيمه, ولذلك رخص له أن يأكل من ماله بالمعروف, فلا يسرف في الأكل, فيأكل منه أكثر مما يحتاج إليه, ولا يبذر, فيتخذ منه أطعمة لا تليق بالفقراء, ويعد ذلك تبذيرا منهم. وروي: " ولا مبادر " بالدال غير المعجمة, أي: من غير استعجال ومبادرة إلى أخذه قبل أن يفتقر إليه, مخافة أن يبلغ الصبي فينتزع ماله من يده.

" ولا متأثل " أي: جامع مالا من مال اليتيم, مثل أن يتخذ من ماله رأس مال, فيتجر فيه. ... 789 - 2512 - عن أم سلمة: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في مرضه: " الصلاة وما ملكت أيمانكم ". " وعن أم سلمة, عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقول في مرضه: الصلاة وما ملكت أيمانكم ". أي: احفظوها بالمواظبة عليها, واحفظوا ما ملكت أيمانكم بحسن الملكة, والقيام بما يحتاجون إليه من الكسوة والطعام. وفي حذف الفعل تفخيم للأمر, وتعظيم لشأنه ويجوز نصبها على تقدير: احذروا, أي: احذروا تضييعها, وخافوا ما رتب عليه من العذاب. وإضافة الملك إلى اليمين كإضافته إلى اليد, من حيث إنه يحصل بكسب اليد, أو أن المالك متمكن من التصرف فيه تمكنه مما في يده, بل هي أبلغ من حيث إن اليمين أقوى اليدين, وأقدرهما على العمل. ... 790 - 2514 - عن رافع بن مكيث رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

" حسن الملكة يمن, وسوء الخلق سؤم, والصدقة تمنع ميتة السوء, والبر زيادة للعمر " وعن رافع بن مكيث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حسن الملكة يمن, وسوء الخلق شؤم ". " الملكة " والملك واحد, غير أن الملكة يغلب استعماله في المماليك, وحسنها: رعاية المماليك, والقيام بحقوقهم, وحسن الصنيع بهم. و (اليمن): البركة, والمعنى: أنه يوجبه , إذ الغالب أنهم إذا راقبهم السيد, وأحسن إليهم, كانوا أشفق عليه, وأطوع له, وأسعى في حقه, وكل ذلك يؤدي إلى اليمن والبركة , وسوء الخلق يورث البغض والنفرة, ويثير اللجاج والعناد, وقصد الأنفس والأموال. ... 791 - 2522 - عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لاءمكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون, واكسوه مما تكتسون, ومن لم يلائمكم منهم فبيعوه, ولا تعذبوا خلق الله ". " وفي حديث أبي ذر: من لاءمكم من مملوكيكم " أي: وافقكم, من (الملائمة) وهي: الموافقة.

باب بلوغ الصغير وحضانته في الصغر

792 - 2523 - عن سهل بن الحنظلية قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال: " اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة, فاركبوها صالحة, وكلوها صالحة ". " وفي حديث سهل: اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة, فاركبوها صالحة, وكلوها صالحة. " المعجمة ": التي لا تقدر على النطق, فإنها لا تطيق أن تفصح عن حالها, وتتضرع إلى صاحبها من جوعها وعطشها. وفيه دليل على وجوب علف الدواب, فإن الحاكم يجبر المالك عليه. وقوله: " فاركبوها صالحة وكلوها صالحة " ترغيب إلى تعهدها, أي: تعهدوها بالعلف, لتكون مهيأة لائقة لما تريدون منها, فإن أردتم أن تركبوها, فاركبوها صالحة للركوب, قوية على المشي, وإن أردتم أن تنحروها وتأكلوها, وهي سمينة صالحة للأكل, والله أعلم. ... 17 - باب بلوغ الصغير وحضانته في الصغر من الحسان: 793 - 2526 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله

ابن عمرو: أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن ابني هذا كان بطني له وعاء, وثدي له سقاء, وحجري له حواء, وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنت أحق به ما لم تنكحي ". (باب بلوغ الصبي وحضانته) (من الصحاح): " في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن ابني هذا كان بطني له وعاء, وثدي له سقاء, وحجري له حواء " الحجر: بفتح الحاء وبكسرها, وحمعه: حجور. و (الحواء): المكان الذي يحوي فيه الشيء, فقدم الأم لحضانته, والصبي الذي في حديث أبي هريرة كان مميزا فخيره, والله أعلم. ***

(13) كتاب العتق

كتاب العتق

(13) كتاب العتق من الصحاح: 794 - 2530 - وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: " إيمان بالله وجهاد في سبيله ", قال: قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: " أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها " قلت: فإن لم أفعل؟ قال: " تعين صانعا, أو تصنع لأخرق " قلت: فإن لم أفعل؟ قال: " تدع الناس من الشر, فإنها صدقة تصدق بها على نفسك ". (كتاب العتق) (من الصحاح): "في حديث أبي ذر: فأي الرقاب أفضل؟ أي: عتقها. وفيه: " تعين صانعا أو تصنع لأخرق ". (الأخرق): الذي لا يحسن صنعة, ولا يهتدي إليها. وفيه: " تدع الناس من الشر " أي: تكف عنهم شرك.

" فإنها صدقة ": الضمير للمصدر الذي دل عليه الفعل, وأنثه لتأنيث الخبر. " تصدق بها على نفسك " أي: تتصدق بهذه الصدقة على نفسك من أنها محافظة لها عما يرديها, ويعود وباله إليها. ... من الحسان: 795 - 2531 - عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: علمني عملا يدخلني الجنة, قال: " لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت في المسألة, اعتق النسمة, وفك الرقبة " قال: أوليسا واحدا؟ قال: " لا عتق النسمة أن تفرد بعتقها, وفك الربقة أن تعين في ثمنها, والمنحة الوكوف, والفيء على ذي الرحم الظالم, فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع, واسق الظمآن, وأمر بالمعروف, وانه عن المنكر, فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير (من الحسان): " عن البراء بن عازب قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: علمني عملا يدخلني الجنة, قال: لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة, أعتق النسمة, وفك الرقبة, قال: أوليسا واحدا؟ قال: لا, عتق النسمة: أن تفرد بعتقها, وفك الرقبة: أن تعين في

ثمنها, والمنحة الوكوف, والفيء على ذي الرحم الظالم, فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع, واسق الظمآن, وأمر بالمعروف, وانه عن المنكر, فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير ". اللام موطئة للقسم. ومعنى الشرطية: أنك إن قصرت في العبارة فقد أطلت في الطلب, إذ سألت عن أمر ذي طول وعرض. ," النسمة ": النفس. ووجه الفرق المذكور: أن العتق إزالة الرق, وذلك لا يكون إلا من المالك الذي يعتق, وأما الفك, وهو السعي في التخليص, فيكون من غيره, كمن أدى النجم عن المكاتب أو أعانه فيه. و" المنحة ": العطية في الأصل, وغلب في لبون من ناقة أو شاة, يعطيها صاحبها بعض المحاويج, لينتفع بلبنها ما دامت تدر. و" الوكوف ": الغزيرة الدر من: وكف البيت وكفا ووكيفا, توكافا, إذا قطر. و" الفيء ": التعطف, والرجوع إليه بالبر. والرواية المشهورة فيهما النصب, على تقدير: وامنح المنحة, وآثر الفيء على ذي الرحم, ليحسن العطف على الجملة السابقة, وإن صحت الرواية بالرفع فيهما, فعلى الابتداء, والتقدير: ومما يدخل

باب إعتاق العبد المشترك وشراء القريب والعتق في المرض

الجنة المنحة والفيء, وباقي الحديث ظاهر. ... 2 - باب إعتاق العبد المشترك وشراء القريب والعتق في المرض من الصحاح: 796 - 2533 - عن ابن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أعتق شركا له من عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد, قوم العبد عليه قيمة عدل ' فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد, وإلا فقد عتق منه ما عتق ". (باب إعتاق العبد المشرك المشترك وشراء القريب والعتق في المرض) (من الصحاح): " عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أعتق شركا له في عبد, وكان له مال يبلغ ثمن العبد, قوم العبد عليه قيمة عدل, فأعطى شركاءه حصصهم, وعتق عليه العبد, وإلا فقد عتق منه ما أعتق ". يريد بـ (الشرك): النصيب, وهو في الأصل اسم لما يكون فيه الشركة.

ويدل الحديث على أن من له بعض عبد فأعتقه, وكان موسرا بقيمة الباقي عتق عليه, ولزمه قيمته, وإن لم يكن موسرا, عتق منه ما أعتق, ورق الباقي, وبه قال ابن أبي ليلى وابن شبرمة ومالك والشافعي وأحمد, غير أن مالكا وقف عتق حصة الشريك على أداء القيمة, وبه قال الشافعي في القديم. والباقون قالوا: يعتق بنفس العتق, ولا يتوقف على أداء القيمة, إذ لو لم يعتق قبله لما وجبت القيمة, فإنها لا تجب إلا بتقدير انتقال, أو فرض إتلاف. وقال الثوري وأبو يوسف ومحمد: يسري العتق في الحال بكل حال, فإن كان المعتق موسرا, غرمه الشريك, وإن كان معسرا استسعى العبد في قيمة نصيبه. واحتجوا بما روى قتادة عن أبي هريرة: أنه عليه الصلاة والسلام قال: " من أعتق شقصا في عبد, عتق كله إن كان له مال, وإلا استسعى غير مشقوق عليه ". وأجيب عنه بأن المراد بالاستسعاء: استخدام العبد لسيده الذي لم يعتق بقدر حصته, لأنه ملكه, فيكون ذلك تقريرا لبقاء الرقبة في حصته, مع أن هماما رواه عن قتادة, وجعل السعاية من كلامه, لا من الحديث. ويعضده: أن شعبة وهشاما رويا هذا الحديث عنه بغير هذه الزيادة وهما أثبت ممن رواها.

وقال:" غير مشقوق عليه " أي: غير مكلف بما يشقه ولا يطيقه. وقال أبو حنيفة: يتخير الشريك إن كان المعتق موسرا بين أن يضمن المعتق بقيمة نصيبه, وبين أن يعتق, أو يستسعى العبد, وبين الأمرين الأخيرين, إن كان معسرا. والحديث حجة عليهم. فإن أيسر المعتق ببعض قيمة الباقي دون بعض, فمفهوم قوله: " وكان له مال يبلغ ثمن العبد ", ومنطوق قوله: " وإلا فقد عتق منه ما أعتق " = يدل على أنه لا يسري, وبه قال بعض أصحابنا, ولعل المقتضي للمنع تضرر الشريك بالتبعيض, مع بقاء المحذور الناشئ عن تجزئ المعتق. ... 797 - 2536 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه ". " وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا جزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا, فيشتريه فيعتقه " ذهب بعض أهل الظاهر: إلى أن الأب لا يعتق على ولده إذا تملكه, وإلا لم يصح ترتيب الإعتاق على الشراء, والجمهور على أنه يعتق بمجرد التملك, من غير أن ينشئ فيه عتقا, وأن قوله: " فيعتقه "

معناه: فيعتقه بالشراء, لا بإنشاء عتق, والترتيب باعتبار الحكم دون الإنشاء. ... من الحسان: 798 - 2538 - عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ملك ذا رحم محرم فهو حر " (من الحسان): " عن الحسن عن سمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ملك ذا رحم محرم فهو حر ". روي عن عمر وابن مسعود: أنهما قالا بموجبه, وإليه ذهب الحسن وجابر بن زيد وعطاء والشعبي والزهري وغيرهم من التابعين, وأخذ به الثوري وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق. وقال أبو داود في " كتابه ": لم يحدث هذا الحديث مسندا إلا حماد بن سلمة, وقد شك فيه, ولهذا لم يقل به الشافعي, واقتصر على عتق الأصول والفروع. ... 799 - 2540 - عن جابر رضي الله عنه قال: بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر, فلما كان عمر نهانا عنه فانتهينا ".

" وعن جابر قال: بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وابي بكر, فلما كان عمر نهانا عنه فانتهينا " لعل بيعها كان مباحا في بدء الإسلام, ثم نسخ بما روى ابن عباس أو نحوه, ولم يظهر النهي لجابر, ولا لمن باع بعده إلى أن أشهر [هـ] عمر في زمانه. ولعل أبا بكر لم يعلم ببيع من باعها منهم في زمانه ولقصر مدته, واشتغاله بمعظمات الأمور, ومحابات أهل الردة. ... 800 - 2541 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أعتق عبدا وله مال فمال العبد له إلا أن يشترط السيد " " عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعتق عبدا, وله مال, فمال العبد له, إلا أن يشترط السيد " يريد بـ (مال العبد): ما في يده, وحصل بكسبه, وإضافته إلى العبد إضافة الاختصاص دون التملك. والضمير في " مال العبد " لمن أعتق. " إلا أن يشترط السيد " أي: للعبد, فيكون منحة منه وتصدقا. ***

801 - 2545 - عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان عند مكاتب إحداكن وفاء فلتحتجب منه " " وعن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان عند مكاتب إحداكن وفاء, فلتحتجب منه " هذا أمر محمول على التورع والاحتياط, لأنه بصدد أن يعتق بالأداء, لا أنه يعتق بمجرد أن يكون واجدا للنجم, فإنه لا يعتق ما لم يؤد الجميع, لقوله - عليه الصلاة والسلام -: " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم " ولعله قصد به منع المكاتب عن تأخير الأداء بعد التمكن, ليستبيح به النظر إلى السيدة, وسد هذا الباب عليه. ... 802 - 2547 - عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي قال: " إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث بحساب ما عتق منه " وقال: " يؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية حر, وما بقي دية عبد " ضعيف. " وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤدى المكاتب بحصة ما أدى دية حر, وما بقي دية عبد ".

باب الأيمان والنذور

" يودي ": تعطي ديته, وهو دليل على أن المكاتب يعتق بقدر ما يؤديه من النجم, وكذا الحديث الذي روي منه قبله, وبه قال النخعي وحده - ومع ما فيه من الطعن - تعارض بحديثي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. ... 3 - باب الأيمان والنذور من الصحاح: 803 - 2550 - وقال: " لا تحلفوا بالطواغي ولا بآبائكم ". (باب الأيمان والنذور) (من الصحاح): " عن عبد الرحمن بن سمرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: لا تحلفوا بالطواغي ولا بآبائكم ". " الطواغي ": جمع طاغية, وهي فاعلة من (الطغيان) , والمراد به: الأصنام, سميت بذلك, لأنه سبب الطغيان, فهي كالفاعلة له. وقيل: (الطاغية) مصدر كـ (العافية) , وسمي بها الصنم للمبالغة, ثم جمعت على (طواغ) , وكانت العرب في جاهليتهم يحلفون بها وبآبائهم, فنهوا عن ذلك, ليكونوا على تيقظ في محاوراتهم, حتى

لا يسبق به لسانهم جريا على ما تعودوه. فإن قلت: كبف نهى أن يحلف بالآباء, وقد روي عنه في حديث طلحة إذ جاء رجل من أهل نجد ثائر الرأس يسأل عن الإسلام: أنه قال: " أفلح الرجل وأبيه إن صدق " قلت: زعم قوم أنه تصحيف (والله) وقع من بعض الناسخين, وحمل آخرون على أنه من جملة ما يزاد في الكلام لمجرد التقرير والتأكيد, ولا يراد به القسم, كما تزاد صيغة النداء لمجرد الاختصاص, دون القصد إلى النداء. ... 804 - 2552 - وقال: " من حلف على ملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال, وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك, ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة, ومن لعن مؤمنا فهو كقتله, ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله, ومن ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها, لم يزده الله إلا قلة ". " عن ثابت بن ضحاك الخزرجي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حلف على ملة غير الإسلام كاذبا, فهو كما قال, وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك, ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة, ومن لعن مؤمنا فهو كقتله, ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله ".

(الحلف بغير الإسلام) مثل أن يقول الرجل: إن فعل كذا, فهو يهودي, أو بريء من الإسلام. وقوله: " فهو كما قال " ظاهره: أنه يختل بهذا الحلف إسلامه, ويصير كما قال, ويحتمل أن يعلق ذلك بالحنث ولما روى بريدة: أنه عليه الصلاة والسلام قال: " من قال: إني بريء من الإسلام, فإن كان كاذبا فهو كما قال, وإن كان صادقا فلن يرجع إلى الإسلام سالما ". ولعل المراد به التهديد, والمبالغة في الوعيد, لا الحكم بأنه صار يهوديا, أو بريئا عن الإسلام, فكأنه قال: فهو مستحق لمثل عذاب ما قال. ونظيره قوله عليه الصلاة والسلام: " من ترك صلاة فقد كفر " أي: استوجب عقوبة من كفر. وهذا النوع من الكلام هل يسمى في عرف الشرع يمينا؟ وهل تتعلق الكفارة بالحنث فيه؟ فذهب النخعي والأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق إلى أنه يمين, تجب الكفارة بالحنث فيها. وقال مالك والشافعي وأبو عبيد: أنه ليس بيمين, ولا كفارة فيه, لكن القائل به آثم, صدق فيه أو كذب, وهو قول أهل المدينة, ويدل عليه أنه - عليه الصلاة والسلام - رتب عليه الإثم مطلقا, ولم يتعرض للكفارة.

وقوله: " ليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك " معناه: أنه لو نذر عتق عبد لا يملكه, أو التضحي بشاة غيره, أو نحو ذلك, لم يلزمه الوفاء به, وإن دخل ذلك في ملكه وفي رواية: " ولا نذر فيما لا يملك " أي: لا صحة له, ولا عبرة. وقوله: " من لعن مؤمنا فهو كقتله " أي: في التحريم أو العقاب, والضمير للمصدر الذي دل عليه الفعل, أي: فلعنه كقتله. وكذا الضمير في قوله: " ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله " ووجه الشبه هاهنا أظهر, لأنه النسبة إلى الكفر الموجب للقتل, فالقاذف بالكفر تسبب إليه, والمتسبب إلى الشيء كفاعله. و (القذف) في الأصل: الرمي, ثم شاع عرفا في الرمي بالزنا, ثم استعير للرمي بكل ما يعاب به الإنسان, ويحيق به ضرر [هـ]. ... 805 - 2556 - وقال: " والله لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله, آثم عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه ". " وعن أبي هريرة: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: والله لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله, آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه ".

لججت ألج - بكسر الماضي وفتح المضارع, وبالعكس - لجا ولجاجة, يريد به: أن الرجل إذا حلف على شيء وأصر عليه لجاجا مع أهله, كان ذلك أدخل في الوزر, وأفضى إلى الإثم, من أن يحنث في يمينه, ويكفر عنها, لأنه جعل الله تعالى بذلك عرضة للامتناع عن البر المواساة مع الأهل, والإصرار على اللجاج, وقد نهى عن ذلك بقوله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} [البقرة: 224] الآية. و" آثم ": اسم تفضيل, أصله: أن يطلق للاج الآثم, فأطلقه للجاج الموجب للإثم على سبيل الاتساع, والمراد به: أنه يوجب مزيد إثم مطلقا, لا بالإضافة إلى ما نسب إليه, فإنه أمر مندوب على ما شهد به الأحاديث المتقدمة عليه, لا إثم فيه. وقيل: معناه: أنه كان يتحرج عن الحنث والتأثم فيه, ويرى ذلك فاللجاج آثم, أي: على زعمه وحسبانه. ... 806 - 2557 - وقال: " يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك ". " وعنه أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك "

أي: واقع عليه, لا تؤثر فيه التورية, ونظيره قوله: " اليمين على نية المستحلف " هذا إذا كان المستحلف مستحقا للتحليف, أما إذا لم يكن مستحقا فالعبرة بقصد الحالف, لما روي: أن سويد بن حنظلة قال: خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر, فأخذه عدو له, فتحرج القوم أن يحلفوا, وحلفت أنه أخي, فخلوا سبيله, فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم, فأخبرته, فقال: " صدقت, المسلم أخو المسلم ". ... من الحسان: 807 - 2562 - عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من حلف بالأمانة فليس منا " (من الحسان): " عن بريدة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من حلف بالأمانة فليس منا " أي: من ذوي أسوتنا, بل من المشتبهين بغيرنا, فإنه من ديدن أهل الكتاب, ولعله أراد به: الوعيد عليه, فإنه حلف بغير الله ولا تتعلق به الكفارة وفاقا. واختلف فيما إذا قال: وأمانة الله, فذهب الأكثرون إلى أنه لا كفارة فيه, وقال أبوحنيفة: إنه اليمين, تجب الكفارة بالحنث فيه,

فصل في النذور

كما لو قال: بقدرة الله أو علمه, لأنها من صفاته, إذ جاء في أسمائه: الأمين. ... 808 - 2565 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حلف, لا, وأستغفر الله ". " وعن أبي هريرة قال: كان يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حلف [يقول]: لا, وأستغفر الله ". أي: أستغفر الله إن كان الأمر على خلاف ذلك, وهو وإن لم يكن يمينا, لكنه شابهه من حيث إنه أكد الكلام وقرره, وأعرب عن تحرجه بالكذب فيه, وتحرزه عنه, فلذلك سماه يمينا. ... فصل في النذور من الصحاح: 809 - 2567 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئا, وإنما يستخرج به من البخيل ".

(باب في النذور) (من الصحاح): " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنذروا, فإن النذر لايغني من القدر شيئا, وإنما يستخرج به من البخيل " من عادة الناس تعليق النذور على حصول المنافع ودفع المضار, فنهى عنه, فإن ذلك فعل البخلاء, إذ السخي إذا أراد أن يتقرب إلى الله تعالى استعجل فيه, وأتى به في الحال, والبخيل لا تطاوعه نفسه بإخراج الشيء من يده إلا في مقابلة عوض يستوفيه أولا, فليتزمه في مقابلة ما سيحصل له, ويعلقه على جلب نفع أو دفع ضر. وذلك (لا يغني عن القدر شيئا) أي: نذره لا يسوق إليه خيرا لم يقدر له, ولا يرد عنه شرا قضي عليه, ولكن النذر قد يوافق القدر, فيخرج من البخيل ما لولاه لم يكن يريد أن يخرجه. ولهذا النهي كرهه بعض أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم, ومن لم ير ذلك, علل النهي بالحذر عن عدم الوفاء والتهاون فيه, فيكون ذلك تأكيدا لأمره, ومبالغة في وجوب الإتيان بمقتضاه, أو أوله بأن المعنى به: النهي عن النذر لهذا الغرض, لا النذر مطلقا. ... 810 – 2571 – وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم

يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه؟ فقالوا: أبوإسرائيل, نذر أن يقوم ولا يقعد, ولا يستظل, ولا يتكلم, ويصوم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " مره فليتكلم وليستظل وليقعد, وليتم صومه " " وعن ابن عباس قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذ هو برجل قائم, فسأل عنه, فقالوا: أبو إسرائيل, نذر أن يقوم, ولا يقعد, ولا يستظل, ولا يتكلم, ويصوم, فقال عليه الصلاة والسلام: مروه فليتكلم, وليستظل, وليقعد, وليتم صومه ". الظاهر من اللفظ أن المسؤول عنه هو اسمه, ولذلك أجيب بذكر اسمه, وأن ما بعده زيادة في الجواب, ويحتمل أن يكون المسؤول عنه حاله, فيكون الأمر بالعكس, ولعل السؤال لما كان محتملا لكل واحد من الأمرين أجابوا بهما جميعا. و" أبو إسرائيل " هذا: رجل من بني عامر بن لؤي, من بطون قريش. وأمره – عليه الصلاة والسلام – بالوفاء في الصوم, والمخالفة فيما سواه = يدل على أن النذر لا يصح إلا فيما فيه قربة, وما لا قربة فيه فنذره لغو لا عبرة به, وبه قال ابن عمر وغيره من الصحابة, وهو مذهب مالك والشافعي. وقيل: إن كان المنذور مباحا يجب الإتيان به, لما روي: أن امرأة قالت: يا رسول الله! إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف,

قال: " أوفي بنذرك ". وإن كان محرما تجب كفارة اليمين, لما روت عائشة: أنه – عليه الصلاة والسلام – قال:" لا نذر في معصية, وكفارته كفارة اليمين ", ولما روي عن عقبة: أنه – عليه الصلاة والسلام – قال: " كفارة النذر كفارة اليمين " والجواب عن الأول: أنها لما قصدت بذلك إظهار الفرح بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم, والمسرة بنصر الله للمؤمنين, وكانت فيه مساءة الكفار والمنافقين, التحق بالقربات, مع الغالب في أمثال هذا الأمر: أن يراد به الإذن دون الوجوب. عن الثاني: أنه حديث غريب, لم يثبت عند الثقات. وعن الثالث: أنه ليس من هذا الباب, إذ الرواية الصحيحة عنه: أنه – عليه الصلاة والسلام – قال: " كفارة النذر إن لم يسم كفارة اليمين ". وذلك مثل أن يقول: لله علي نذر, ولم يسم شيئا. وقال أصحاب الرأي: لو نذر صوم العيد لزمه صوم يوم آخر, ولو نذر نحر ولده لزمه ذبح شاة, ولو نذر ذبح والده اتفقوا على أنه لا يلزمه ذلك, ولعل الفرق أن ذبح الولد كان قبل الإسلام ينذرونه ويعدونه قربة, بخلاف ذبح الوالد. ***

811 - 2574 – وعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله: إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمسك بعض مالك فهو خير لك " قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر " " وعن كعب بن مالك قال: قلت: يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله " " إن من توبتي " أي: من تمامها, " أن أنخلع " أي: أتجرد " من مالي " وأخرجه " صدقة " وروي: " أتخلع " من التخلع وهو التفكك. ... من الحسان: 812 – 2577 – عن ثابت بن الضحاك: أنه قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة قال: " أكان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا, قال: " فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا, قال: " أوف بنذرك فإنه لا نذر في معصية الله, ولا فيما لا يملك ابن آدم " (من الحسان) " في حديث ثابت بن الضحاك الأنصاري: أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم

فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة " " بوانة " بضم الباء: اسم موضع في أسفل مكة دون يلملم, والرجل السائل قيل: هو كردم بن سفيان الثقفي. وقوله عليه الصلاة والسلام: " أوف بنذرك " يدل على أن من نذر أن يضحي في مكان, أو يتصدق على أهل بلد: صح نذره, ولزمه ذلك. ... 813 – 2581 – وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أخت عقبة ابن عامر نذرت أن تحج ماشية فسئل النبي صلى الله عليه وسلم – وقيل إنها لا تطيق ذلك, فقال: " إن الله لغني عن مشي أختك, فلتركب ولتهد بدنة " وفي رواية: " فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تركب وتهدي هديا " وفي رواية: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا, فلتحج راكبة وتكفر يمينها " " عن ابن عباس: أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تحج ماشية, فسئل النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: إنها لا تطيق ذلك؟ فقال: إن الله تعالى لغني عن مشي أختك, فلتركب ولتهد بدنة " لما كان المشي في الحج في عداد القربات وجب بالنذر,

والتحق بسائر أعماله التي لا يجوز تركها إلا لمن عجز, ويتعلق بتركه الفدية. واختلف في الواجب, فقال علي كرم الله وجهه: يجب بدنة, لقوله عليه الصلاة والسلام: " ولتهد بدنة " وقال بعضهم: يجب دم شاة كما في مجاوزة الميقات, وحملوا الأمر بالبدنة على الاستحباب دون الوجوب. ... 814 – 2583 – وعن سعيد بن المسيب: أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث فسأل أحدهما صاحبه القسمة فقال: إن عدت تسألني القسمة فكل مالي في رتاج الكعبة, فقال له عمر رضي الله عنه: إن الكعبة غنية عن مالك, كفر عن يمينك وكلم أخاك, فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يمين عليك, ولا نذر في معصية الرب, ولا في قطيعة رحم, ولا فيما لا يملك " " وفي حديث سعيد بن المسيب: إن عدت تسألني القسمة فكل مالي في رتاج الكعبة " أي: فكل مالي للكعبة, مصروف في مصالحها. و (الرتاج): الباب المغلق, من الرتج وهو الغلق والاحتباس,

وتوجيه النذر واليمين إلى الباب, لأنه وجهه والسبيل إليه وإلى الارتفاق به, أو لأنهم كانوا يدخلون ما يجعلونه للكعبة, ويضعونه في داخلها, ويغلقون الباب عليها. وهذا النوع من النذر تسميه الفقهاء: يمين لجاج, لأن المعلق قصد به المنع عن الفعل, كما أن الحالف يقصد بيمينه ذلك, واختلف فيما يتعلق به, فذهب أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين إلى أنه لو حصل الفعل المعلق به لزمه كفارة اليمين, وهو قول أحمد وإسحاق, وأصح أقوال الشافعي. ويدل عليه هذا الحديث وغيره. وقيل: يجب عليه الوفاء بما التزمه قياسا على سائر النذور, وهو قول مالك, والمشهور من قول أصحاب الرأي. ***

(14) كتاب القصاص

كتاب القصاص

(14) كتاب القصاص من الصحاح: 815 - 2584 - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس, والثيب الزاني, والترك لدينه المفارق للجماعة ". (كتاب القصاص) (من الصحاح): " عن ابن مسعود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امري مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس, والثيب الزاني, والمارق لدينه التارك للجماعة " " مسلم " صفة مقيدة لـ (امرئ) , و" يشهد " مع ما هو متعلق به صفة ثانية جاءت للتوضيح والبيان, ليعلم أن المراد بالمسلم هو الآتي بالشهادتين, وأن الإتيان بهما كاف للعصمة.

" إلا بإحدى ثلاث " أي: خصال ثلاث: قتل النفس بغير حق, وزنى المحصن, والارتداد, وفصل ذلك بتعداد المتصفين به, المستوجبين القتل لأجله, فقال: " النفس بالنفس " أي: يحل قتل النفس قصاصا بالنفس الذي قتله عدوانا, وهو مخصوص بولي الدم, لا يحل قتله لأحد سواه, حتى لو قتله غيره لزمه القصاص. " والثيب الزاني " يريد به: الزاني المحصن, وهو المكلف الحر الذي أصاب في نكاح صحيح, ثم زنى, فإن للإمام رجمه, وليس لآحاد الناس ذلك, لكن لو قتله مسلم, ففي وجوب القصاص عليه خلاف. والأظهر عندنا: أنه لا يجب, لأن إباحة دمه لمحافظة أنساب المسلمين, وكان له حقا فيه, أما لو قتله ذمي اقتص منه, لأنه لا تسلط له على المسلم بحال. " والمارق لدينه ": يريد به التارك الخارج عنه, من المروق: وهو الخروج, ومنه: المرق, وهو الماء الذي يخرج من اللحم عند الطبخ, وهو مهدر في حق المسلمين, لا قصاص على من قتله, وفيما إذا قتله ذمي خلاف. و" التارك للجماعة ": صفة مؤكدة لـ (المارق) أي: الذي ترك جماعة المسلمين, وخرج من زمرتهم, وانفرد عن جملتهم.

وفي الحديث دليل لمن زعم أنه لا يقتل أحد دخل في الإسلام بشيء سوى ماعدد كترك الصلاة. ... 816 - 2588 - عن المقداد بن الأسود: أنه قال: يا رسول الله! أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة, فقال: أسلمت لله, أأقتله بعد أن قالها؟ قال: " لا تقتله " فقال: يا رسول الله! إنه قطع إحدى يدي! فقال رسول الله: " لا تقتله, فإن قتلته فإنه بمنزلك قبل أن تقتله, وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قالها ". " وعن المقداد بن الأسود أنه قال: يا رسول الله! أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار, فاقتتلنا, فضرب إحدى يدي بالسيف, ثم لاذ مني بشجرة, فقال: أسلمت لله, أأقتله بعد أن قالها؟ قال: لا تقتله, فقال: يا نبي الله! إنه قطع إحدى يدي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاتقتله, فإن قتلته فإنه بمنزلك قبل أن تقتله, وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قالها " (اللياذ): العياذ. وقوله: " لا تقتله " يستلزم الحكم بإسلامه, ويستفاد منه صحة إسلام المكره, وأن الكافر إذا قال: أسلمت, أو: أنا مسلم, حكم بإسلامه.

ومن نهيه عن القتل, وللتعرض له ثانيا بعد ما كرر أنه قطع إحدى يديه: أن الحربي إذا جنى على مسلم, ثم أسلم, لو يؤاخذ بالقصاص, إذا لو وجب لرخص له في قطع إحدى يديه قصاصا. وقوله: " فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله ": لأنه صار مسلما معصوم الدم, كما كنت معصوما قبل أن فعلت فعلتك التي أباحت دمك قصاصا. " وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال ": لأنك صرت مباح الدم, كما كان هو مباح الدم قبل الإسلام, ولكن السبب مختلف, فإن إباحة دم القاتل بحق القصاص, وإباحة دم الكافر بحق الإسلام. وقد تمسك به الخوارج على تكفير المسلم بارتكاب الكبائر, وحسبوا أن المعني به المماثلة في الكفر, وهو خطأ, لأنه تعالى عد القاتل عمدا من عداد المؤمنين, بل المراد ما ذكرناه. ... 817 - 2589 - وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أناس من جهينة, فأتيت على رجل منهم فذهبت أطعنه فقال: لا إله إلا الله فطعنته فقتلته, فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: " أقتلته وقد شهد أن لا إله إلا الله؟ " قلت: يا رسول الله! إنما فعل ذلك تعوذا, قال: " فهلا شققت عن قلبه ". " عن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ناس من جهينة,

فأتيت على رجل منهم, فذهبت أطعنه, فقال: لا إله إلا الله, فطعنته فقتلته, فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فأخبرته, فقال: أقتلته وقد شهد أن لا إله إلا الله؟ فقلت: يا رسول الله! إنما فعل ذلك تعوذا, فقال: فهلا شققت عن قلبه ". قيل: هذا المقتول هو مرداس بن نهيك الفزاري, وقيل: هو مرداس بن عمرو الفدكي, وعلى القولين لم يكن من جهينة, لكن لما وجدوه بأرضهم وكان مقيما فيما بينهم عد منهم, وإنما اجترأ أسامة على قتله لأنه رأى أنه يقول ما يقول تعوذا عن السيف, لا عن صميم قلبه, وظن أن إيمان الرجل في مثل هذه الحالة لا ينفعه, كما لا ينفع المحتضر. ثم لما حكى الحال للرسول صلى الله عليه وسلم أنكر صنيعه, وبين له أنه أخطأ في اجتهاده, بقوله: " فهلا شققت عن قلبه " أي: اطلعت على ما في قلبه, فعلمت أنه إنما يقوله تعوذا لا إخلاصا. غاية ما في الباب: أن الأمرين محتمل, وأحدهما أظهر, لكن إبقاء ألف كافر أهون عند الله من إهلاك مسلم, والرجل وإن لم يكن محكوما بإسلامه بما قال حتى يضم إليه الإقرار بالنبوة, لكنه لما أتى بما هو العمدة والمقصود بالذات, كان من حقه أن يمسك عنه, حتى يتعرف حاله. ***

818 - 2591 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة, وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين خريفا " " وعن أبي هريرة: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة, فإن ريحها توجد من مسيرة أربعين خريفا " يريد بالمعاهد: من له مع المسلمين عهد شرعي, سواء كان بعقد جزية, أو هدنة من سلطان, أو أمان من مسلم. وقوله: " لم يرح " فيه روايات ثلاث: يرح - بفتح الراء - من راح يراح, وبكسره من راح يريح, وبكسره وضم الياء من أراح يريح. والمعنى واحد, وهو أنه لم يشم رائحة الجنة, ولم يجد ريحها, ولم يرد به أنه لا يجد أصلا, بل أول ما يجدها سائر المسلمين الذين لم يقترفوا الكبائر, وتوفيقا بينه وبين ما تعاضدت من الدلائل النقلية والعقلية على أن صاحب الكبيرة إذا كان موحدا محكوما بإسلامه لا يخلد في النار, ولا يحرم من الجنة. وقوله:" أربعين خريفا " أي: عاما, وقد سبق تفسيره. ... 819 - 2592 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا, ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا

مخلدا فيها أبدا, ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ". " وعنه: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: من تردى من جبل فقتل نفسه فهو نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا, ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا, ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا " (التردي) في الأصل: التعرض للهلاك, من الردى, وشاع في التدهور لإفضائه إلى الهلكة, والمراد به هاهنا: أن يتهور الإنسان فيرمي نفسه من جبل. و (التحسي) والحسو واحد, غير أن فيه تكلفا. و" يجأ" على وزن: يجع, من الوجاء, وهو الإجافة بالسكين ونحوه, والضمير في " بها " للحديدة. وفي تعذيب الفساق بما هو من جنس أفعالهم حكم لا تخفى على المتفكرين من أولي الألباب. والظاهر: أن المراد من هؤلاء: الذين فعلوا ذلك مستحلين له, وإن أريد منه العموم, فالمراد من الخلود والتأبيد: المكث الطويل المشترك بين دوام لا انقطاع له, واستمرار مديد ينقطع بعد حين بعيد, لاستعمالهما في المعنيين, فيقال: وقف وقفا مخلدا مؤبدا, أو:

أدخل فلان حبس الأبد, والإشتراك والمجاز خلاف الأصل, فيجب جعلهما للقدر المشرك بينهما, وللتوفيق بينه وبين ما ذكرنا من الدلائل. فإن قلت: فما تصنع بالحديث الذي يتلوه مروبا عن جندب بن عبد الله البجلي, فإن قوله عليه الصلاة والسلام: " قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه, فحرمت عليه الجنة " صريح في أن قاتل نفسه محروم عن الجنة, ممنوع عنها؟ قلت: هو حكاية حال, فلا عموم فيها, إذ يحتمل أن الرجل كان كافرا, أو ارتد من شدة الجراحة, أو قتل نفسه مستبيحا, مع أن قوله: " فحرمت عليه الجنة " ليس فيه ما يدل ظنا على الدوام والإقناط الكلي, فضلا عن القطع. ... 820 2594 - عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع, فأخذ سكينا فخز بها يده فما رقأ الدم حتى مات, قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه فحرمت عليه الجنة ". وفي هذا الحديث: " فما رقأ الدم حتى مات " أي: ما انقطع, يقال: رقأ الدم والدمع رقأ: إذا انقطعا, ومنه قولهم: لا تسبوا الإبل فإن فيها رقوء الدم, أي: إنها تدفع في الدية, فيرقأ به دم من يراد منه القود. ***

821 - 2595 - عن جابر رضي الله عنه: أن الطفيل بن عمرو الدوسي لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة, هاجر إليه وهاجر معه رجل من قومه فمرض فجزع, فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات, فرآه الطفيل بن عمرو رضي الله عنه في منامه وهيئته حسنة, ورآه مغطيا يديه, فقال له: ما صنع بك وبك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي أراك مغطيا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت, فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم وليديه فاغفر " في حديث جابر:" أن الطفيل بن عمرو الدوسي, وهاجر معه رجل من قومه, فمرض فجزع, فأخذ مشاقص له, فقطع بها براجمه, فشخبت يداه حتى مات " (المشاقص): جمع مشقص, وهو من النصال: ما طال وعرض, والبراجم: مفاصل الأصابع التي هي بين الرواجب - وهي المفاصل التي تلي الأنامل - وبين الأشاجع التي تلي الكف. " فشخبت يده " أي: سالت دما, وأصل الشخب: امتداد اللبن في الحلب, والشخب: ما يخرج من تحت يد الحالب عند كل غمزة. ... 822 - 2596 - عن أبي شريح الكعبي, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أنه قال: " ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقله, من قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا, وإن أحبوا أخذوا العقل " " عن أبي شريح الكعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل, وأنا والله عاقله, من قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين, إن أحبوا أخذوا العقل " هذا من تتمة خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح, ومقدمتها مذكورة في (صحاح باب حرم مكة) من (كتاب الحج) وكانت خزاعة قتلت عام الفتح في تلك الأيام بمكة رجلا من بني ليث من هذيل, يقال له: ابن الأكوع بقتيل لهم في الجاهلية, وأدى رسول الله عنهم ديته. قوله: " أنا والله عاقله " أي: مؤدي ديته, من العقل وهو الدية, سميت به لأن إبلها تعقل بفناء ولي الدم, أو لأنها تعقل دم القاتل عن السفك. وقوله: " فأهله بين خيرتين " يدل على أن ولي الدم مخير بينهما, فلو عفا عن القصاص على الدية أخذ بها القاتل وهو المروي عن ابن عباس, وقول سعيد بن المسيب والشعبي وابن سيرين وقتادة, وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق.

وقيل: لا تثبت الدية إلا برضا القاتل, وهو قول الحسن والنخعي, وإليه ذهب مالك وأصحاب الرأي. ... 823 - 2597 - عن أنس رضي الله عنه: أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين فقيل لها: من فعل بك هذا أفلان؟ أفلان؟ حتى سمي اليهودي فأومأت برأسها, فجيء باليهودي فاعترف, فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرض رأسه بالحجارة ". " عن أنس: أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين, فقيل لها: من فعل بك هذا؟ أفلان؟ أفلان؟ حتى سمي اليهودي فأومت برأسها, فجيء باليهودي, فاعترف فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض رأسه بالحجارة ". هذا الحديث يدل على أحكام: منها: أن القتل بالمثقل يوجب القصاص, وهو قول أكثر أهل العلم, وبه قال مالك والشافعي, وخالفهم فيه أصحاب الرأي. زمنه: أن الرجل يقتل بالمرأة, وهو قول عامة أهل العلم من الصحابة, ومن بعدهم, وقد حكي خلافه عن الحسن وعطاء. ومنها: أن ولي الدم يستحق أن يقتص من القاتل بمثل فعله, وإليه ذهب الشعبي وعمر بن عبد العزيز, وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق.

وقيل: ليس له أن يقتص منه إلا بالسيف, وهو قول عطاء والثوري وأصحاب الرأي ... 824 - 2598 - عن أنس رضي الله عنه: أنه قال: كسرت الربيع, وهي عمة أنس بن مالك, ثنية جارية من الأنصار فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بالقصاص, فقال أنس بن المضر, عم أنس بن مالك رضي الله عنه: لا والله لا تكسر ثنيتها يا رسول الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أنس كتاب الله القصاص, فرضي القوم وقبلوا الأرش, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ". " وعنه قال: كسرت الربيع وهي عمة أنس بن مالك - ثنية جارية من الأنصار, فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بالقصاص, فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك: لا والله, لا تكسر ثنيتها يا رسول الله, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أنس! كتاب الله القصاص, فرضي القوم, وقبلوا الأرش, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله لو أقسم على الله لأبره " (الثنية) واحدة الثنايا, والحديث يدل على ثبوت القصاص في الأسنان. وقول أنس: " لا والله لا تكسر ثنيتها " لم يرد به الرد على الرسول والإنكار لحكمه, وإنما قاله توقعا ورجاء من فضله تعالى أن يرضي خصمها, ويلقي في قلبه أن يعفو عنها, ابتغاء مرضاته, ولذلك قال

النبي صلى الله عليه وسلم حين رضي القوم بالأرش ما قال. قوله: " كتاب الله القصاص " أي: حكمه, أو: حكم الكتاب على حذف المضاف, ويكون إشارة إلى نحو قوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194] وقوله: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} [النحل:126] , وقوله: {والجروح قصاص} [المائدة: 45]. أو إلى قوله: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} الآية [المائدة: 45] إن قلنا بأنا متعبدون بشرع من قبلنا ما لم يرد له نسخ في شرعنا. ... 825 - 2599 - وعن أبي جحيفة قال: سألت عليا هل عندكم شيء ليس في القرآن؟ فقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عندنا إلا ما في القرآن, إلا فهما يعطى رجل في كتابه, وما في الصحيفة! قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل, وفكاك الأسير, وأن لا يقتل مسلم بكافر " " عن ابي جحيفة قال: سألت عليا رضي الله عنه: هل عندكم شيء ليس في القرآن؟ فقال: والذي فلق الحبة, وبرأ النسمة, ما عندنا إلا ما في القرآن, إلا فهما يعطى رجل في كتابه, وما في الصحيفة, قلت: وما في الصحيفة, قال: العقل, وفكاك الأسير, وأن لا يقتل مسلم بكافر " إنما سأله ذلك, لأن الشيعة كانوا يزعمون أنه - عليه الصلاة

والسلام - خص أهل بيته - لاسيما عليا - بأسرار من علم الوحي لم يذكرها لغيره, أو لأنه كان يرى منه علما وتحقيقا لا يجده عند غيره, فحلف أنه ليس عنده شيء من ذلك سوى القرآن, وأنه - عليه الصلاة والسلام - لم يخص بالتبليغ والإرشاد قوما دون قوما, وإنما وقع التفاوت من قبل الفهم, واستعداد الاستنباط, فمن رزق فهما وإدراكا ووفق للتأمل في آياته, والتدبر في معانيه, فتح عليه أبواب العلوم, واستثنى ما في الصحيفة احتياطا, لاحتمال أن يكون فيها ما لا يكون عند غيره, فيكون منفردا بالعلم به. والظاهر: أن " ما في الصحيفة " عطف على " ما في القرآن " و" إلا فهما " استثناء منقطع, وقع استدراكا عن مقتضى الحصر المفهوم من قوله: " ما عندنا إلا ما في القرآن" فإنه إذا لم يكن عنده إلا ما في القرآن, والقرآن كما هو عنده فهو عند غيره, فيكون ما عنده من العلوم يكون عند غيره, لكن التفاوت واقع غير منكر ولا مدافع, فبين أنه جاء من قبل الفهم, والقدرة على الاستنباط واستخراج المعاني وإدراك اللطائف والرموز. قيل: الصحيفة صحيفة كانت في علاقة سيفه, وكان فيها من الأحكام غير ما ذكر في الحديث, ولعله لم يذكر جملة ما فيها إذ التفصيل لم يكن مقصودا, أو ذكر ولم يحفظه الراوي. و" فلق الحبة ": شقها بإخراج النبات عنها. و" برأ النسمة ": خلقها, وهي تقع على كل ذي روح.

و" العقل ": الدية, يريد به أن فيها ذكر ما يجب كدية النفس والأعضاء من الإبل, وذكر أسنانها وعددها وسائر أحكامها. و" فكاك الأسير " أي: فيها حكمه والترغيب فيه, وأنه من أنواع البر الذي ينبغي أن يهتم به. و" لا يقتل مسلم بكافر " عام يدل على أن المؤمن لا يقتل بكافر قصاصا, سواء الحربي والذمي, وهو قول عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت رضي الله عنهم, وبه قال عطاء وعكرمة والحسن وعمر بن عبد العزيز, وإليه ذهب الثوري وابن شبرمة والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقيل: يقتل بالذمي, والحديث مخصوص بغيره, وهو قول الشعبي والنخعي, وإليه ذهب أصحاب الرأي, لما روى عبد الرحمن ابن البيلماني: أن رجلا من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة, فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " أنا أحق من أوفى بذمته " ثم أمر به فقتل. وأجيب عنه بأنه منقطع لا احتجاج به, ثم إنه خطأ, إذ قيل: إن القاتل كان عمرو بن أمية الضمري, وقد عاش بعد الرسول سنين, ومتروك بالإجماع, لأنه روي أن الكافر كان رسولا, فيكون مستأمنا, والمستأمن لا يقتل به المسلم وفاقا, وإن صح فهو منسوخ, لأنه روي أنه كان قبل الفتح, وقد قال صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في خطبة خطبها على درج البيت:" ولا يقتل مؤمن بكافر, ولا ذو عهد في عهده "

من الحسان: 826 - 2602 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: " يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دما يقول: يا رب قتلني حتى يدنيه من العرش ". (من الحسان): " وفي حديث ابن عباس: وأوداجه تشخب دما " أي: ودجاه تسيل دماؤها, عرقان على صفحتي العنق, عبر عن المثنى بصيغة الجمع للأمن عن الإلباس, كقوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما} [التحريم:4]. ... 827 - 2604 - عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزال المؤمن معنقا صالحا ما لم يصب دما حراما, فإذا أصاب دما حراما بلح ". " عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال المؤمن معنقا صالحا ما لم يصب دما حراما [فإذا أصاب دما حراما] بلح ". (المعنق) بكسر الميم وفتح النون: المسرع في المشي, من العنق: وهو الإسراع والخطؤ الفسيح, وجمعه: معانيق, والتبلح: الإعياء.

والمعنى: أن المؤمن لا يزال موفقا للخيرات, مسارعا إليها, ما لم يصب دما حراما, فإذا أصاب ذلك أعيى وانقطع عنه ذلك, لشؤم ما ارتكب من الإثم. ... 828 - 2607 - عن أبي رمثة رضي الله عنه قال: دخلت مع أبي على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فرأى أبي الذي بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: دعني أعالج الذي بظهرك فإني طبيب, فقال: " أنت رفيق, والله الطبيب " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من هذا معك؟ قال: ابني فاشهد به, فقال: " أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه" " عن أبي رمثة قال: دخلت مع أبي على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فرأى أبي الذي بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: دعني أعالج الذي بظهرك فإني طبيب, فقال: أنت رفيق, والله الطبيب, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذا معك؟ قال: ابني فاشهد به, فقال: لا يجني عليك ولا تجني عليه " " أبو رمثة ": تميمي اسمه حبيب بن يثربي, وقيل: حبيب بن حيان, وقيل: رفاعة بن يثربي, وقيل: حيان بن وهب. وأراد بـ (الذي بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم " خاتم النبوة, وكان ناتئا, وظن أبوه أنه سلعة تولدت من فضلات البدن, فلذلك قال: " دعني

أعالج الذي بظهرك " فرد الرسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه بأن أخرجه مدرجا منه إلى غيره, فقال: " أنت الرفيق " أي: الذي يرفق بالعلاج, " والله الطبيب " أي: المداوي الحقيقي بالدواء الشافي عن الداء. وقوله: " أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه ": رد لما فهمه صلى الله عليه وسلم من قوله: " فاشهد بأنه ابني " من التزام ضمان الجنايات عنه, على ما كانوا عليه في جاهليتهم من مؤاخذة كل واحد من المتوالدين بجناية الآخر. وقيل: اللفظ لفظ الخبر, ومعناه: النهي عن جناية أحدهما بالآخر, وأن يجني أحدهما ما يؤخذ به الآخر, على ما سبق تقريره في قوله: " ألا لا يجني جان على ولده ". وهذا المعنى لا يناسب ما قبله من الكلام, ولا الباب الذي أثبته فيها أئمة الحديث. ... 829 - 2609 - عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل عبده قتلناه, ومن جدع عبده جدعناه, ومن أخصى عبده أخصيناه ". " عن الحسن عن سمرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قتل عبده قتلناه,

ومن جدع عبده جدعناه, ومن أخصى عبده أخصيناه ". تمسك به من راى أن الحر يقتل بالعبد مطلقا, كالنخعي والثوري. والمروي عن الشيخين وابن الزبير: أن الحر لا يقتل بالعبد, سواء كان عبده أو عبد غيره, وبه قال الحسن وعطاء وعكرمة وعمر بن عبد العزيز, وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق, ويدل عليه مفهوم قوله تعالى: {الحر بالحر والعبد بالعبد} [البقرة: 178]. وفرق ابن المسيب والشعبي وقتادة بين عبده وعبد غيره, وإليه ذهب أصحاب الرأي وأجيب عن الحديث: بأنه بين أمرين: إما الحمل على الزجر والتهديد, أو الحكم بأنه منسوخ بالآية أو غيرها, فإنه كما يدل على ثبوت القصاص في النفس يدل على ثبوته في الطرف, وهو غير ثابت بالإجماع. و" الجدع ": قطع الأنف أو الأذن. ... 830 - 2610 - عن علي رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المسلمون تتكافأ دماؤهم, ويسعى بذمتهم أدناهم, ويرد عليهم أقصاهم, وهم يد على من سواهم, ألا لا يقتل مسلم بكافر, ولا ذو عهد في عهده ".

" وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم, ويرد عليهم أقصاهم, وهم يد على من سواهم, لا يقتل مسلم بكافر, ولا ذو عهد في عهده ". قيل: هذا الحديث من جملة ما كان في الصحيفة التي كانت في قراب سيفه, و (التكافؤ): التماثل, من الكفؤ, وهو المثل: أي: دماؤهم سواسية, لا مزية لأحد من المسلمين على آخر منهم, بل هم متساوية الأقدم في حكم القصاص والدية, لا فضل فيها لشريف على وضيع. " يسعى بذمتهم أدناهم " أي: يعطي أمانهم ويسعى به أدنى أحد منهم, فإنه أعطى لم يكن للباقين إخفاؤه. " ويرد عليهم أقصاهم " أي: إذا دخل العسكر دار الحرب, فوجه الإمام سرية منهم, فما غنمت يرد على العسكر الذين خلفهم, لأنهم كانوا ردء السرايا. " وهم يد على من سواهم " أي: هم في التوافق والاجماع والتناصر على الملل المحاربة " ولا ذو عهد في عهده " أي: لا يقتل لكفره ما دام معاهدا غير ناقض. وقالت الحنفية: معناه: ولا يقتل ذو عهد في عهده بكافر قصاصا, ولا شك أن الكافر الذي لا يقتل به المعاهد هو الحربي دون الذمي, فينبغي أن يكون المراد بالكافر الذي لا يقتل به المسلم هو الحربي,

تسوية بين المعطوف والمعطوف عليه. وهو ضعيف, لأنه إضمار من غير حاجة, ولا دليل يقتضيه, وأن التسوية بين المعطوف والمعطوف عليه غير لازم. ثم إنه يفضي إلى أن يؤول قوله: " لا يقتل مؤمن بكافر " إلى أنه لا يقتل مؤمن بحربي, فيكون لغوا لا فائدة فيه. ... 831 - 2612 - عن طاوس عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قتل في عمية, في رمي يكون بينهم بالحجارة أو جلد بالسياط أو ضرب بعصا, فهو خطأ, وعقله عقل الخطإ [الخطأ] , ومن قتل عمدا فهو قود, ومن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبة, لا يقبل منه صرف ولا عدل " " وعن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل في عمية, في رمي يكون بينهم بالحجارة, أو جلد بالسياط, أو ضرب بعصا, فهو خطأ, وعقله عقل الخطأ, ومن قتل عمدا فهو قود, ومن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه " " في عمية " أي: حال تعمى أمره, فلا يتبين قاتله, ولا حال

قتله, يقال: فلان في عميته, أي: جهله. وقيل: العمية: أن يضرب الإنسان بما لا يقصد به القتل, كحجر صغير, وعصا خفيف, فأفضى إلى القتل, من التعمية وهو التلبيس, والقتل بمثل ذلك يسميه الفقاء: شبه العمد. وروي: " في عميا " - بكسر العين والميم وتشديد الياء - فعيلا من العمى والمعنى واحد. وقوله: " ومن قتل عمدا فهو قود " أي: بصدد أن يقاد منه, ومستوجب له, أطلق المصدر على المفعول, واستعمله باعتبار ما يؤول إليه للمبالغة. " ومن حال دونه " أي: منع المستحق عن القصاص فعليه ما عليه. ... 832 - 2613 - وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا أعفي من قتل بعد أخذ الدية " " وعن جابر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أعفي من قتل بعد أخذ الدية " أي: لا أدع القاتل بعد أخذ الدية, فيعفى عنه, ويرضى عنه بالدية, لعظم جرمه, والمراد منه التغليظ عليه والتفظيع لما ارتكبه. ***

باب الديات

2 - باب الديات من الصحاح: 833 - 2616 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان بغرة: عبد أو أمة, ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت, فقضى بأن ميراثها لبنيها وزوجها, والعقل على عصبتها. 834 - 2616 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها, فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غرة: عبد أو وليدة, وقضى بدية المرأة على عاقلتها, وورثها ولدها ومن معهم ". (باب الديات) (من الصحاح): " عن أبي هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل, فرمت إحداهما الأخرى بحجر, فقتلتها وما في بطنها, فقضى رسول الله صصصص أن دية جنينها غرة: عبد أو وليدة, وقضى بدية المرأة على عاقلتها, وورثها ولدها ومن معهم ". " اقتتلت " أي: تحاربت وتقاتلت, و (الوليدة) الأمة, وهو دليل

على أن دية الجنين هي الغرة, وهي على العاقلة بكل حال, فإن قتل الجنين لا يكون عمدا محضا. " وقوله في الحديث الذي قبله: في جنين امرأة من بني لحيان, ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة ". يريد به: التي قضى على عاقلتها بسبب جنايتها, فجعل المقضي بسبب فعلها مالمقضي عليها, ويدل عليه: أنها لو وجبت عليها لما قضى بها على العاقلة بموتها, كدية العمد وقد قيل: هذا الحديث وذاك واحد, وبنو لحيان بطن من هذيل, والضاربة: أم عفيف بنت مسروح [زوج حمل] بن النابغة, والمضروبة: مليكة بنت عويمر. وقوله: " وقضى بدية المرأة على عاقلتها " استدل به أبو حنيفة ومن رأى رأيه في المثقل, ولا حجة لهم فيه, لأنه حكاية حال مخصوص, فلعل الحجر المرمي إليها كان صغيرا لا يقصد به القتل غالبا, فيكون القتل به شبه عمد, بخلاف ما إذا كان كبيرا فإنه ملحق بالمحدد في إيجاب القصاص, على ما مر. قوله: " وورثها ولدها ومن معهم " إن كان الحديثان واحدا, فالضميران المتقدمان للمرأة الجانية التي ماتت بعد الجناية, ويكون معناه بعينه معنى قوله في ذلك الحديث: " ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت, فقضى بأن ميراثها لبنيها وزوجها " فأراد بـ (ولدها) بنيها, وإنما شاع ذلك, لأنه اسم جنس أضيف إلى الضمير فيعم, وبـ (من

معهم الزوج, وجمع الضمير العائد إلى ولدها, ليدل على أنه في معنى الجمع. وإن كانا مختلفين احتمل أن يكون الضمير الأول للدية والثاني للمراة المجني عليها, و (من معهم) سائر الورثة, أي: قسم ديتها على أولادها وسائر ورثتها, وورث الدية إياهم كما ورثهم سائر تركتها. وعلى الأول يدل على أن الولد والزوج ليسوا من العاقلة, وعلى الثاني: أن الدية تورث كغيرها من الأموال, وذلك يستلزم أن يكون القصاص أيضا كذلك. ... من الحسان: 835 - 2620 - عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم, عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن, وكان في كتابه: أن من اعتبط مؤمنا قتلا فإنه قود يده, إلا أن يرضى أولياء المقتول, وفيه: أن الرجل يقتل بالمرأة, وفيه: في النفس الدية, مائة من الإبل وعلى أهل الذهب ألف دينار, وفي الألف إذا أوعب جدعه الدية مائة من افبل, وفي الأسنان الدية, وفي الشفتين الدية, وفي البيضتين الدية, وفي الذكر الدية, وفي الصلب الدية, وفي العينين الدية, وفي الرجل الواحدة نصف الدية, وفي المأمومة ثلث

الدية, وفي الجائفة ثلث الدية, وف المنقلة خمس عشرة من الإبل, وفي كل إصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل, وفي السن خمس من الإبل, وفي رواية: وفي العين خمسون, وفي اليد خمسون, وفي الرجل خمسون, وفي الموضحة خمس " (من الحسان): " عن عمرو بن حزم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن, وكان في كتابه: إن من اعتبط مؤمنا قتلا, فإنه قود يده إلا أن يرضى أولياء المقتول " عمرو بن حزم أنصاري من الخزرج, استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على نجران وهو ابن سبع عشرة سنة - ليعلمهم القرآن, ويفقههم في الدين, ويأخذ صدقات أموالهم - في السنة العاشرة, وكتب له كتابا فيه الفرائض والسنن والصدقات والديات, وغير ذلك من الأحكام. وقوله " من اعتبط مؤمنا " أي: قتله من غير جناية, من قولهم: عبطت الناقة واعتبطتها: إذا قتلتها وليست به علة، ويقال: مات فلان عبطة, أي: شابا من غير هرم ومرض اقتص منه. " إلا أن يرضى أولياء المقتول " أي: يعفوا ويرمى القصاص عنه وأصل القود: الانقياد, ثم سمي به الاقتصاص, لما فيه من انقياد

الجاني له بما جناه. وفيه: " وفي الأنف إذا أوعب جدعه الدية: مئة من الإبل " أي: استوعب جدعه واستؤصل بحيث لا يبقى منه شيء, و" مئة من الإبل " بدل عن " الدية " وفيه: " وفي المأمومة ثلث الدية, وفي الجائفة ثلث الدية وفي المنقلة خمسة عشر من الإبل " " المأمومة ": التي تصل إلى جلدة فوق الدماغ تسمى أم الدماغ, واشتقاق المأمومة منه, و" الجائفة ": الطعنة التي تصل إلى جوف من الأجواف و" المنقلة " بالكسر: الشجة التي تنقل العظم, أي: تكسره فتخرجه عن محله. وفيه: " وفي الموضحة خمس " أي: الجراحة التي ترفع اللحم من العظم وتوضحه. وأمثال هذه التقديرات تعبد محض, لا طريق إلى معرفته إلا بالتوقف. ... 836 - 2624 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح ثم قال: " أيها الناس إنه لا حلف في الإسلام, وما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لا يزيده إلا

شدة, المؤمنون يد على من سواهم, يجير عليهم أدناهم, ويرد عليهم أقصاهم, ويرد سراياهم على قعيدتهم, لا يقتل مؤمن بكافر, دية الكافر نصف دية المسلم, ولا جلب ولا جنب, ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم, ويروى: " دية المعاهد نصف دية الحر". " وعن عبد الله بن عمرو قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح, ثم قال: " أيها الناس! إنه لا حلف في الإسلام, وما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لا يزيده إلا بشدة, المؤمنون يد على من سواهم, يجير عليهم أدناهم, ويرد عليهم أقصاهم, وسراياهم قعيدتهم, لا يقتل مؤمن بكافر, ودية الكافر نصف دية المسلم, لا جلب ولا جنب, ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم ". (الحلف) بالكسر: العهد, وكان أهل الجاهلية يتعاهدون, فيعاقد الرجل الرجل, ويقول له: دمي دمك, وهدمي هدمك, وثأري ثأرك, وحربي حربك, وسلمي سلمك, ترثني وأرثك, وتطلب بي وأطلب بك, وتعقل عني وأعقل عنك, فيعدون الحليف من القوم الذين دخل في حلفهم, ويقررون له وعليه مقتضى الحلف والمعاقدة غنما وغرما. فلما جاء الإسلام قررهم على ذلك, لاشتماله على مصالح: من حقن الدماء, والنصر على الأعداء, وحفظ العهود, والتآلف بين الناس, حتى كان يوم الفتح, فنفى ما أحدث في الإسلام, لما في رابطة

الدين من الحث على التعاضد والتعاون ما يغنيهم عن المحالفة, وقرر ما صدر عنهم في أيام الجاهلية وفاء بالعهود, وحفظا للحقوق, لكن نسخ من أحكامه التوارث, وتحمل الجنايات, بالنصوص الدالة على اختصاص ذلك بأشخاص مخصوصة, وارتباطه بأسباب معينة معدودة. " يجبر عليهم " أي: يؤمن عليهم, ويعطي أمانهم, من أجاره: إذا أمنه, ومعناه: يعينه, معنى قوله في حديث علي رضي الله عنه: " يسعى بذمتهم أدناهم ". و (السرايا): جمع سرية, وهي قطعة من العسكر تفرد لمهم. و (القعيدة): الفئة المتأخرة عن القتال المثبطة عنه. و" دية الكافر نصف دية المسلم " يريد به الكتابي الذي له ذمة وأمان, وهو مذهب عروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز, وقول مالك وابن شبرمة مطلقا, وأحمد: إن كان القتل خطأ, وإن عمدا فديته دية المسلم. وقال الشعبي والنخعي ومجاهد: ديته دية المسلم, عمدا كان القتل أو خطأ, وإليه ذهب الثوري وأصحاب الرأي. وعن عمر وعثمان رضي الله عنهما أنهما قالا: دية الكتابي ثلث دية المسلم, وإليه ذهب ابن المسيب والحسن وعكرمة, وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق. ويدل عليه: ما روي عن عبادة بن الصامت مرفوعا: " إن دية

الكتابي أربعة آلاف درهم, وهو باعتبار القيمة ثلث دية المسلم. وباقي الحديث مشروح في (كتاب الزكاة). ... 837 - 2629 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم دية الخطأ على أهل القرى أربع مئة دينار إلى ثمان مئة دينار, أو عدلها من الورق, ويقومها على أثمان الإبل, فإذا غلت رفع في قيمتها, وإذا هاجت برخص نقص من قيمتها, وبلغت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين أربع مئة دينار إلى ثمان مئة دينار, أو عدلها من الورق ثمانية آلاف درهم, قال: وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل البقر مائتي بقرة, وعلى أهل الشاء ألفي شاة, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العقل ميراث بين ورثة القتيل, وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن عقل المرأة بين عصبتها ولا يرث القاتل شيئا " وفي حديث عمرو بن شعيب: وإذا هاجت رخص نقص " أي: ظهرت, من هاج: إذا ثار, والتأنيث باعتبار القيمة, لأن الرخص رخصها, وهو يدل على أن الأصل في الدية هو الإبل, وإن أعوزت وجبت قيمتها بالغة ما بلغت, كما قاله الشافعي في الجديد. وأول ما روي من تقدير دراهم أو دنانير بأنه تقويم وتعديل

باب ما لا يضمن من الجنايات

باعتبار ما كان في ذاك الزمان لا مطلقا. ... 838 - 2634 - عن عمران بن حصين: أن غلاما لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء, فأتى أهله النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا أناس فقراء, فلم يجعل عليهم شيئا " " عن عمران بن حصين: أن غلاما لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء, فأتى أهله النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ناس فقراء, فلم يجعل عليه شيئا " الظاهر أنه ما أراد بالغلام الجاني المملوك, فإنه يباع في الجناية, ولا يؤثر فيه فقراء أهله, وإنما لم يجعل عليه شيئا إنظارا له إلى مسيرته, لا لأن الجناية لم توجب شيئا, فإن القطع إن كان عمدا فقد استقرت الدية في ذمته, وإن كان خطأ فالدية على العاقلة, ثم بيت المال, وحيث لا عاقلة أولا يشاركهم, ولم يكن له في بيت المال وفاء, فعليه أيضا, والله أعلم. ... 3 - باب ما لا يضمن من الجنايات من الصحاح: 839 - 2636 - وعن يعلى بن أمية قال: عزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

جيش العسرة وكان لي أجير, فقاتل إنسانا فعض أحدهما يد الآخر, فانتزع المعضوض يده من في العاض فأنذر ثنيته فسقطت, فانطلق؟ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأهدر ثنيته وقال: " أيدع يده في فيك تقضمها كالفحل؟ ". (باب ما لا يضمن من الجنايات) (من الصحاح): " عن يعلى بن أمية قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش العسرة, وكان لي أجير, فقاتل إنسانا, فعض أحدهما يد الآخر, فانتزع المعضوض يده من في العاض, فأنذر ثنيته, فسقطت, فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأهدر ثنيته, وقال: أيدع يده في فيك تقضمها كالفحل ". يريد بجيش العسرة: غزوة تبوك, سميت به العسرة حالهم, وشدة الأمر عليهم فيها, فإنهم كانوا في عسرة من الزاد, وعسرة من الماء, وشدة من حماء القيظ. و" أندر ثنيته ": أسقطها, يقال: أندرت سنه فندر, أي: أسقطته فسقط. وقوله: أيدع يده " إلى آخره: إشارة إلى علة الإهدار, وهو أن ما يدفع به الصائل المختار إذا تعين طريقا إلى دفعه مهدر, لأن الدافع مضطر إليه, ألجأه الصائل إلى دفعه, فهو نتيجة فعله, ومسبب من جنايته, فكأنه الذي فعله وجنى به على نفسه.

و (القضم): الأكل بأطراف الأسنان, يقال: قضمت الناقة شعيرها - بالكسر - تقضمه قضما. ... 840 - 2639 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه, سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لو اطلع في بيتك أحد ولم تأذن له, وخذفته بحصاة ففقأت عينه, ما كان عليك من جناح " " وفي حديث أبي هريرة: حذفته بحصاة " أي: رميته, و (الحذف): الرمي برأس الأصابع, " ففقأت عينه " أي: أعمته. ... 841 - 2640 - وعن سهل بن سعد: أن رجلا اطلع في جحر من باب رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدري يحك به رأسه فقال: " لو أعلم أنك تنظرني لطعنت به في عينك, إنما جعل الاستئذان من أجل البصر " " وفي حديث سهل بن سعد: ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدري يحك به رأسه ".

(المِدْرى): شيء يتخذ من الخشب كالمسلة يحك به الرأس, وتصلح به المشاطة قرون النساء. ... 842 - 2643 - وقال: " لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح, فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار " " وعن أبي هريرة: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح, فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار ". يريد النهي عن الملاعبة بالسلاح, فلعل الشيطان ينزع بين المتلاعنين, فيصير الهزل جدا, واللعاب حرابا, فيضرب أحدهما الآخر فيقتله, فيدخل النار بقتله. وقوله: " وينزع في يده " بغير عجم ومعناه: أنه يرمي به كأنه في يده, أي: يرفع يده لتتحقق الإشارة بالضرب, وبعجم ومعناه: يغريه, فيحمله على الطعن, أو يطعن, يقال: نزغه ونسغه

وندغه: إذا طعنه, ويكون إشارة إلى الشيطان بإسناد الفعل إلى مسببه. ... 843 - 2648 - وقال صلى الله عليه وسلم: " صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس, ونساء كاسيات عاريات, مميلات مائلات, رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة, لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها, وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا ". " وفي حديثه الآخر: ونساء كاسيات عاريات, مميلات مائلات, رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة, لا يدخلن الجنة, ولا يجدن ريحها " " نساء " عطف على " قوم معهم سياط " ثاني الصنفين المعدودين من أهل النار. " كاسيات ": من كسا يكسو: إذا لبس, أو من كسى يكسي: إذا صار ذا كسوة. ومعنى " كاسيات عاريات ": أنهن يلبسن للزينة أثوابا الرقيق الشفاف, فيبدو عنه أجسامهن, فهن - وإن كن كاسيات للثياب - عاريات في الحقيقة, إذ لم يسترن أبدانهن, أو أنهن يلبسن للزينة أثوابا غير سابغات, فيبدو منهن ما يجب ستره منهن. و (المميلات): اللائي يملن قلوب الرجال إلى أنفسهن, أو

مميلي المقانع عن رؤوسهن لتظهر وجوههن ورؤوسهن, أو يملن أكتافهن وأعطافهن, أو يمشطن رؤوسهن المشطة الميلاء, وهي مشطة البغايا, ولذلك نهي عنها, وكأنهن يملن فيها العفائص, أو المميلات غيرهن في مثل فعلهن. و" المائلات ": اللائي يملن خيلاء, والزائغات عن العفاف واستعمال الطاعة, أو المائلات إلى الهوى والفجور. " رؤوسهن كأسنمة البخت " معناه: أنهن يعظمن رؤوسهن بالخمر والعصائب, ويملنه حتى يشبه أسنمة البخت المائلة. " لا يدخلن الجنة ": صفة أخرى أجريت عليهن لتؤكد الحكم السابق, ومعناه: أنهن لا يدخلنها, ولا يجدن ريحها حينما يدخلنها, ويجد ريحها العفائف المتورعات, لا أنهن لا يدخلن أبدا, لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي ذر:" وإن زنى وإن سرق " ثلاثا. ... 844 - 2649 - وقال صلى الله عليه وسلم: " إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه, فإن الله تعالى خلق آدم على صورته " " وعن أبي هريرة أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه, فإن الله خلق آدم على صورته " قيل: الضمير لآدم, ومعناه على هذا أمران:

أحدهما: أنه خلق على صورته التي كان عليها من مبدأ فطرته إلى منقرض عمره لم تتفاوت قامته, ولم تتغير هيئتة, بخلاف سائر الناس, فإن كل واحد منهم يكون أولا نطفة, ثم علقة, ثم مضغة, ثم عظاما وأعصابا عارية, ثم عظاما وأعصابا مكسوة لحما, ثم حيوانا مجتنا في الرحم, لا يأكل ولا يشرب, بل يتغذى من عرق كالنبات, ثم يكون مولودا رضيعا, ثم طفلا مترعرعا, ثم مراهقا, ثم شابا, ثم كهلا, ثم شيخا. وثانيهما: أنه خلق على صورة حال يختص به, لا يشاركه نوع آخر من المخلوقات, فإنه يوصف مرة بالعلم, وأخرى بالجهل, وتارة بالغواية والعصيان, وأخرى بالهداية والاستغفار, فلحظة يقرن بالشيطان في استحقاق اسم العصيان والإخراج من الجنان, ولحظة يتسم بسمة الاجتباء, ويتوج بتاج الخلافة والاصطفاء, وبرهة يستعمل بتدبير الأرضيين, وساعة يصعد بروحه إلى أعلى عليين, وطورا يشارك البهائم في مأكله ومشربه ومنكحه, وطورا يسابق الكروبيين في فكره وذكره وتسبيحه وتهليله. وكل من المعنيين سديد مستقيم في تأويل ما روي عن هذا الراوي: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: " خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا " من غير هذه المقدمة, فأما معها فلأنه ناسب, لأن سياقها سياق التعليل للمنع عن ضرب الوجه ووجوب الاجتناب عنه. بل إن صحت الرواية في هذا الحديث بأنه قال: " فإن الله خلق

آدم على صورة الرحمن " تعين أن يكون الضمير لله, ويكون المعنى: خلق آدم على صورة اجتباها جعلها نسخة من جميع مخلوقاته, إذ ما من موجود إلا وله مثال في صورته, ولذلك قيل: الإنسان عالم صغير. ثم إن مجمع محاسنه ومظهر لطائف الصنع فيه هو الوجه, فبالحري أن يحافظ عليه, وتحرز عما يشوشه, فلا يناسب أن يجرح ويفتح, وإن لم يصح احتمل ذلك, فاحتمل أن يكون الضمير للقرن الذي دل عليه المقاتلة, أو الوجه, أي: فليجتنب الوجه, فإنه تعالى كرمه وشرفه بأحسن صورة, وخلق آدم - عليه الصلاة والسلام - على تلك الصورة, فلا يضربه تكريما لصورة آدم عليه الصلاة والسلام. ونظيره: ما روى أنس: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: " تسمون أولادكم محمدا فتلعنونهم ", أنكر اللعن إجلالا لاسمه, كما منع الضرب من الوجه تعظيما لصورة آدم عليه الصلاة والسلام. ... من الحسان: 845 - 2654 - وعن الحسن, عن سمرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقد السير بين أصبعين " (من الحسان): " عن سمرة: أنه - عليه الصلاة والسلام - نهى أن يقد السير بين أصبعين ".

باب القسامة

(القد): قطع الشيء طولا كالشق, و" السير ": ما يقد من الجلد, نهى عنه حذرا من أن يخطئ القاد فيجرح إصبعه. ... 4 - باب القسامة من الصحاح: 846 - 2657 - عن رافع بن خديج, وسهل بن أبي حثمة: أنهما حدثا: أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود أتيا خيبر فتفرقا في النخل, فقتل عبد الله بن سهل, فجاء عبد الرحمن بن سهل رضي الله عنه, وحويصة ومحيصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فتكلموا في أمر صاحبهم, فبدأ عبد الرحمن, وكان أصغر القوم, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " كبر كبر " - يعني ليلي الكلام الأكبر منكم - فتكلموا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " استحقوا قتيلكم - أو قال: صاحبكم - بأيمان خمسين منكم ", قالوا: يا رسول الله! أمر لم نره قال: " فتبرئكم يهود في أيمان خمسين منهم " قالوا: يا رسول الله! قوم كفار, فقداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبله ". وفي وراية: " تحلفون خمسين يمينا وتستحقون قاتلكم - أو صاحبكم - " فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده بمئة ناقة ".

(باب القسامة) (من الصحاح): " في حديث رافع بن خديج وسهل بن حثمة: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: استحقوا قتيلكم بأيمان خمسين منكم, قالوا: يا رسول الله! أمر لم نره؟ قال: فيبرئكم يهود في أيمان خمسين, قالوا: يا رسول الله! قوم كفار, فقداهم رسول الله من قبله. يريد باستحقاق القتيل استحقاق ديته, ويدل عليه: ماروى مالك بإسناده عن سهل بن حثمة: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: " إما أن تدوا صاحبكم, وإما أن تؤذنوا بحرب من الله وسوله ". وفيه دليل على أنه إذا وجد قتيل, وادعى وليه على واحد أو جماعة, وكان عليهم لوث ظاهر, وهو ما يغلب ظن صدق المدعي, كأن وجد في محلتهم, وكان بينهم وبين القتيل عداوة, كقتيل خيبر, فيحلف المدعي خمسين, ويستحق دية قتيله دون القصاص, لضعف الحجة فإن اليمين ابتداء دخل في الإثبات. وروي عن ابن الزبير أنه قال: يجب القصاص, وبه قال عمر بن عبد العزيز, وإليه ذهب مالك وأحمد, لما روي في بعض طرق هذا الحديث أنه قال: " تحلفون وتستحقون دم صاحبكم " ومن اقتصر على إيجاب الدية كابن عباس والحسن والنخعي والثوري والشافعي في الجديد وإسحاق أول قوله: " تستحقون دم

صاحبكم بالدية, توفيقا بين الروايات " وقال أصحاب الرأي: لا يبدأ بيمين المدعي, بل يختار الإمام خمسين رجلا من صلحاء أهل المحلة التي وجد فيها القتيل, وحصل اللوث في حقهم, ويحلفهم على أنهم ما قتلوه, ولا عرفوا له قاتلا, ثم يأخذ الدية من أرباب الخطة, فإن لم يعرف فمن سكانها وهويخالف الحديث من وجهين: الأول: أن الروايات الصحيحة كلها متطابقة على أنه - عليه الصلاة والسلام - بدأ بالمدعين, وجعل يمين الرد على يهود. والثاني: أنه قال " فيبرئكم يهود في أيمان خمسين " فإيجاب الدية معها يخالف النص والقياس أيضا, إذ ليس في شيء من الأصول اليمين مع الغرامة, بل إنما شرعت للبراءة أو الاستحقاق. وما روي عن أبي سلمة وسليمان بن يسار عن رجال من الأنصار: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال ليهود: " إنه يحلف منكم خمسون " وبدأ بهم, فلا يعادل ما ذكرنا من الروايات في الصحة, والاعتبار فيه أن من توجه عليه الحلف أولا فلم يحلف رد الحلف على الآخر, وأن من توجه عليه اليمين حلف وإن كان كافرا. وقال مالك: لا تقبل أيمان الكفرة على المسلمين, كما لا تقبل

باب قتل أهل الردة والسعاة بالفساد

شهادتهم, وإنما ودي رسول الله صلى الله عليه وسلم صمن قبله - أي: من عند نفسه - لأنه كره إبطال الدم إهداره, ولم يرغب اليمين على اليهود, ولم يكن القوم راضين بأيمانهم واثقين عليها. ... 5 - باب قتل أهل الردة والسعاة بالفساد من الصحاح: 847 - 2658 - عن عكرمة قال: أتي علي بزنادقة فأحرقهم, فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعذبوا بعذاب الله " ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من بدل دينه فاقتلوه " (باب قتل أهل الردة والسعاة بالفساد) (من الصحاح): " عن عكرمة قال: أي علي بزنادقة فأحرقهم " (الزنديق): قوم من المجوس, يقال لهم: الثنوية, يقولون: بمبدأين:

أحدهما: النور وهو مبدأ الخيرات. والثاني: الظلمة وهو مبدأ الشرور. ويقال: إنه معرب مأخوذ من الزند, وهو كتاب بالفهلوية كان لزرادشت المجوسي, ثم استعمل لكل ملحد في الدين. وجمعه: الزنادقة, والهاء فيه بدل من الياء المحذوفة, فإن أصله: زناديق. والمراد به: قوم ارتدوا عن الإسلام, لما أورده أبو داود في " كتابه " أن عليا – كرم الله وجهه – أحرق ناسا ارتدوا عن الإسلام. وقيل: قوم من السبائية أصحاب عبد الله بن سبأ, أظهر الإسلام ابتغاء للفتنة وتضليل الأمة, فسعى أولا في إثارة الفتنة على عثمان, حتى جرى عليه ما جرى, ثم انطوى إلى الشيعة, وأخذ في تضليل جهالهم, حتى اعتقدوا أن عليا هو المعبود, فعلم بذلك علي رضي الله عنه, فأخذهم واستتابهم, فلم يتوبوا, فحفر لهم حفرا وأشعل النار فيها, ثم أمر بأن يرمى بهم فيها. والإحراق بالنار وإن نهي عنه كما ذكره ابن عباس, لكن جوز للتشديد بالكفار, والمبالغة في النكاية والنكال, كالمثلة. ... 848 – 2665 – عن أنس رضي الله عنه قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم نفر من عكل فأسلموا, فاجتووا المدينة فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا

من أبوالها وألبانها, ففعلوا فصحوا, فارتدوا وقتلوا رعاتها واستاقوا الإبل, فبعث في آثارهم فأتي بهم, فقطع أيديهم وأرجلهم, وسمل أعينهم, ثم لم يحسمهم حتى ماتوا, ويروى: " فسمروا أعينهم " ويروى: فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها, وطرحهم بالحرة يستسقون فما يسقون حتى ماتوا. " عن أنس قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم نفر من عكل فأسلموا, فاجتووا المدينة, فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها, ففعلوا وصحوا, فارتدوا وقتلوا رعاتها واستاقوا الإبل, فبعث في آثارهم فأتي بهم, فقطع أيديهم وأرجلهم, وسمل أعينهم, ثم لم يحسمهم حتى ماتوا " (النفر) بالتحريك " قوم ثلاثة إلى عشرة, وقد قيل: إنهم كانوا ثمانية. و" عكل ": اسم قبيلة وبلدة, والمراد به القيبلة هاهنا. " فاجتووا المدينة " أي: كرهوا هواء المدينة واستوخموها, ولم يوافقهم المقام بها. وقوله: " فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها " يدل على أن التداوي بالنجاسات والمحرمات جائز, واحتج به أحمد على طهارة بول ما يؤكل لحمه, وهو ضعيف, إذ لا يلزم من الإذن في تناول الشيء حال الضرورة ومساس الحاجة إليه الإذن في تناوله

مطلقا, حتى يلزمه الحكم بالطهارة. وإنما مثل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهيه عن المثلة, إما لعظم جرمهم, أو لأنهم فعلوا ذلك بالرعاة, فاقتص منهم بمثل صنيعهم. و (السمل): فقء العين, يقال: سملت عينه: إذا فقأتها بحديدة محماة أو نحوها. وقوله: " لم يحسمهم " أي: لم يقطع دماءهم بالكي ونحوه حتى ماتوا. ... من الحسان: 849 – 2667 – عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته, فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها, فجاءت الحمرة فجعلت تفرش, فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " من فجع هذه بولدها " ردوا ولدها إليها " ورأى قرية نما قد حرقناها قال: " من حرق هذه؟ " فقلنا: نحن, قال: " إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار". (من الحسان): " عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: كنا مع

رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر, فانطلق لحاجته, فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها, فجاءت الحمرة فجعلت تفرش, فجاء النبي صلى الله عليه وسلم قال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا عليها ولدها, ورأى قرية نما قد حرقناها, قال: من حرق هذه؟ فقلنا: نحن, قال: إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار " (الحمرة): نوع من الطائر يعظم العصفور, ويكون دهشا, وهي التي يكون لها غبرة تضرب إلى الحمرة كلون الرمل, وكدراء ورقشاء, والواحد: حمر – بالتشديد – وقد يخفف فيقال: حمر وحمرة. و" تفرش " روي بفتح التاء وضم الراء, من فرش: إذا بسط وبفتحها وتشديد الراء, على أن أصله: تتفرش, فحذفت إحدى التاءين, وتفرش من التفريش, والمعنى: أنها تقرب من الأرض, فترفرف على الفرخين بجناحيها. وروي: " تعرش " من التعريش, أي: ترتفع فوقهما وتظلل عليهما. والأصح منا المطابق لاستعمالهم " (تفرش) , إذ المتعارف بهذا المعنى في كلامهم هو التفرش. قال أبو دؤاد: فأتانا يسعى تفرش أم الـ ... بيض شدا وقد تعالى النهار

و" قرية النمل " مجتمعها, وإنما منع التعذيب, بالنار لأنه أشد العذاب, ولذلك أوعد بها الكفار. ... 850 – 2668 – عن أبي سعيد الخدري, وأنس بن مالك رضي الله عنهما, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سيكون في أمتي اختلاف وفرقة, قوم يحسنون القيل ويسيؤون الفعل, يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم, يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية, لا يرجعون حتى يرتد السهم على فوقه, هم شر الخلق والخليقة, طوبى لمن قتلهم وقتلوه, يدعون إلى كتاب الله وليسوا منا في شيء, من قاتلهم كان أولى بالله منهم, قالوا: يا رسول الله ما سيماهم؟ قال: التحليق " " عن أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سيكون في أمتي اختلاف وفرقة, يحسنون القيل, ويسيؤون الفعل, يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم, يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية, لا يرجعون حتى يرتد على فوقه, هم شر الخلق والخليقة, طوبى لمن قتلهم وقتلوه, يدعون إلى كتاب الله وليسوا منا في شيء, من قاتلهم كان أولى بالله منهم, قالوا: يا رسول الله! ما سيماهم؟ قال: التحليق "

" سيكون في أمتي اختلاف ": يحتمل أن يكون المراد به: أهل اختلاف وفرقة, ويكون المعنى بهم: قوم صفتهم وحالهم ما ذكر, ويكون (قوم) بدل منه, وأن يكون المراد به نفس الاختلاف, أي: سيحدث فيهم اختلاف وتفرق, ويكون من فرقهم فرقة هذا شأنهم. و" القيل " والقال والقول واحد. وقوله: " لا يجاوز تراقيهم " أي: لا يجاوز أثر قراءتهم عن مخارج الحروف والأصوات, ولا يتعدى إلى القلوب والجوارح, فلا يعتقدون وفق ما يقتضي اعتقادا ولا يعلمون بما يوجب عملا. " يمرقون من الدين " أي: يخرجون منه خروج السهم من الرمية, وهي الصيد الذي ترميه, فعيلة بمعنى مفعول, والتاء فيه لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية, شبه دخولهم في الدين وخروجهم منه من غير توقف وتمسك بشيء من علائقه بمروق السهم فيما يرمى به من غير حاجز يحجزه وحائل يتشبث به. " لا يرجعون حتى يرتد على فوقه " أي: لا يرجعون إلى الدين حتى يرتد السهم إلى جانب رأسه, و (الفوق): المشقوق من رأس السهم, الذي يوضع فيه الوتر, علق رجوعهم إلى الدين بما يعد من المستحيلات, مبالغة في إصرارهم على ما هم عليه, وحسما للمع في رجوعهم إلى الدين, كما قال تعالى: {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل

في سم الخياط} [الأعراف: 40]. " هم شر الخلق " لأنهم جمعوا بين الكفر والمراءاة, فاستبطنوا الكفر, وزعموا أنهم أعرق الناس في الإيمان, وأشدهم تمسكا بالقرآن, فضلوا وأضلوا, و (الخلق): مصدر يعبر به عن المفعول للمبالغة, والخليقة واحد الخلائق, جمع بينهما للمبالغة والتوكيد. " طوبى لمن قتلهم ": فإنه غاز, " وقتلوه " فإنه شهيد " قالوا: يا رسول الله! ما سيماهم؟ قال: التحليق: لا يدل على أن الحلق مذموم, فإن الشيم والحلى المحمودة قد يتزيا بها الخبيث تسليا وترويجا لخبثه وفساده على الناس ... 851 – 2671 – عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أخذ أرضا بجزيتها فقد استقال هجرته, ومن نزع صغار كافر من عنقه فجعله في عنقه فقد ولى الإسلام ظهره " " عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أخذ أرضا بجزيتها, فقد استقال هجرته, ومن نزع صغار كافر من عنقه فجعله في عنقه فقد ولى الإسلام ظهره " (الجزية) في الأصل: ما يؤخذ من أهل الذمة ويضرب عليهم كل سنة من جزى الدين: إذا قضاه, فإنها طائفة مما عليهم أن يجزوه, أو

من الجزاء بمعنى المكافأة, لأنهم يجزون بها من من عليهم بالإعفاء عن القتل والإذن في إقامة دار الإسلام, والمراد بها هاهنا: ما يضرب على أراضيهم باسم العشور بدل الجزية. و" الاستقالة ": طلب الإقالة والسعي فيها. و" الصغار " بالفتح: الذل, وقد يطلق على الجزية, لاستلزامها الذل. والمعنى: أن من أخذ منهم أرضا بخراجها المقنن عليها ليتحمله عنهم, وكأنه استقال هجرته, لأنه فعل ما يناقض مقتضى الهجرة, وينافي موجبها, لأن الهجرة توجب استحقاق أخذ الخراج والمطالبة, فإذا أقام المهاجر نفسه مقام الذمي, والتزم أداء ما كان عليه, ينعكس أمره, فيصير كالمستقيل من هجرته, ومن تكفل جزية كافر وتحمل عنه صغاره, فكأنه ولى الإسلام من حيث إنه بدل إعزاز الدين بالتزام ذل الكفر وتحمل صغاره. وللعلماء في صحة ضمان المسلم عن الذمي بالجزية خلاف, ولمن منع أن يتمسك بهذا الحديث. ... 852 – 2672 – عن جرير بن عبد الله قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى خثعم, فاعتصم ناس منهم بالسجود, فأسرع فيهم القتل فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف العقل, وقال: " أنا بريء من كل

مسلم مقيم بين أظهر المشركين " قالوا: يا رسول الله! قال: " لا تتراءى ناراهما " " وفي حديث جرير بن عبد الله البجلي: أنه – عليه الصلاة والسلام – قال: لا تتراءى ناراهما ". أي: ينبغي أن لا يسكن مسلم حيث سكن كافر, ولا يدنو منه بحيث تتقابل ناراهما, وتقرب إحداهما من الأخرى حتى يرى كل منهما نار الآخر, فنزل رؤية الموقد منزلة رؤيتها إن كان لها, أو أطلق الترائي بمعنى التقابل والتقارب, لأنه مستلزم لهما. ونظيره قولهم: دور متناظرة. والمراد به: المنع عن مساكنة الكفار, والإقامة في بلادهم. وقيل: أراد بالنار نار الحرب, أي: هما على طرفين متباعدين, فإن المسلم يحارب لله ورسوله مع الشيطان وحزبه, ويدعو إلى الله بحربه, والكافر يحارب الله ورسوله, ويدعو إلى الشيطان, فكيف يتفقان ويصلح أن يجتمعا؟ ويحتمل أن يكون الضمير للإسلام والكفر, والمعنى: أنهما متضادان متنافيان, لا يمكن أن يتقاربا فضلا عن أن يجتمعا, فينبغي لأهلهما أن يتباعدا ولا يتقاربا. ***

853 – 2673 – عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الإيمان قيد الفتك, لا يفتك مؤمن " " عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: الإيمان قيد الفتك, لا يفتك مؤمن " (القيد): الحبس, و (الفتك): أن يأتي الرجل صاحبه وهو غار غافل, حتى يشد عليه ويقتله. والمعنى: أن الإيمان منع ذلك وحرمه, فلا ينبغي للمؤمن أن يفعله, لأن المقصود به إن كان مسلما فظاهر, وإن كان كافرا فلا بد من تقديم نذير واستتابة, إذ ليس المقصود بالذات قتله, بل الاستكمال والحمل على الإسلام على ما يمكن, هذا إذا لم يدع إليه داع ديني, فإن كان, كما إذا علم منه أنه مصر على كفره, حريص على قتل المسلمين, منتهز للفرص منهم, فإن دفعه لا يتيسر إلا بهذا, فلا حرج فيه, فإنه – عليه الصلاة والسلام – بعث محمد بن مسلمة الخزرجي في نفر من الخزرج إلى كعب بن الأشرف فقتلوه, وبعث عبد الله بن أنيس الجهني إلى سفيان بن خالد فقتله. ... 854 – 2676 – عن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حد الساحر ضربة بالسيف".

" عن جندب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حد الساحر ضربة بالسيف " هذا إذا اعتقد الساحر أن لسحره تأثيرا بغير القدر, أو كان سحره لا يتم إلا بدعوة كواكب, أو شيء يوجب الكفر, والله أعلم. ***

(15) كتاب الحدود

كتاب الحدود

(15) كتاب الحدود من الصحاح: 855 - 2677 - عن أبي هريرة وزيد بن خالد: أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله, وقال الآخر: أجل يا رسول الله, فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي أن أتكلم, قال:" تكلم ", قال: إن ابني كان عسيفا على هذا, فزنى بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم, فافتديت منه بمئة شاة وبجارية لي, ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مئة وتغريب عام, وإنما الرجم على امرأته, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله تعالى, أما غنمك وجاريتك فرد عليك, وأما ابنك فعليه جلد مئة وتغريب عام, وأما أنت ي أنيس فاغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " فاعترفت فرجمها. (كتاب الحدود) (من الصحاح): " في حديث أبي هريرة وزيد بن خالد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما والذي

نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله " أي: بحكمه, إذ ليس في القرآن الرجم, قال تعالى: {لولا كتاب من الله سبق} [الأنفال:68] , أي: الحكم بأن لا يؤاخذ على جهالة, أو لا يعذبهم بذلك, أو بغيرهما, على ما ذكر في التفاسير. ويحتمل أن يكون المراد به: القرآن, وكان ذلك قبل أن تنسخ آية الرجم لفظا, وإنما سأل المترافعان أن يحكم بينهما بحكم الله, وعما يعلمان أنه لا يحكم إلا بحكم الله, ليفصل ما بينهم بالحكم الصرف, لا بالتصالح والترغيب فيما هو الأرفق بينهما, إذ للحاكم أن يفعل ذلك, ولكن برضى الخصمين. والحديث يدل على جواز الفتيا في زمانه, فإن أبا الزاني قال: سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مئة وتغريب عام, وإنما الرجم على امرأته, والرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه أن حد البكر جلد مئة وتغريب عام. وقال أبو حنيفة: الحد هو الجلد, والتغريب تعزير. وأن حد الثيب الرجم وحده, إذ لم يأمر في حق المرأة بغيره, وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وقد روي عن علي وابن مسعود وأبي رضي الله عنهم: أنه يجلد مئة ثم

يرجم, وبه قال الحسن, وإليه ذهب إسحاق وداود, محتجين بما روى عبادة: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: " الثيب بالثيب جلد مئة والرجم " وأجيب عنه بأنه منسوخ بهذا الحديث, وبما روي أنه عليه الصلاة والسلام رجم ماعزا والغامدية واليهوديين, ولم يأمر بجلد واحد منهم, فإن حديث عبادة أقدم ما روي في الرجم بل في الحد. ويدل عليه صدر الحديث وهو: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: " خذوا عني, خذوا عني, قد جعل الله لهن سبيلا, البكر بالبكر جلد مئة وتغريب عام, والثيب بالثيب جلد مئة والرجم " وأن الزنا يثبت بالإقرار ولو مرة واحدة, وبه قال الحسن وحماد, وإليه ذهب مالك والشافعي وأبو ثور. وقال ابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق: لا يجب الحد إلا إذا أقر به أربع مرات في مجلس أو مجالس. وقال أصحاب الرأي: لا يجب إلا إذا أقر به أربع مرات في أربع مجالس. وأن حضور الإمام ليس بشرط في إقامتها, فإنه عليه الصلاة والسلام بعث أنيس بن الضحاك الأسلمي لها, وأن الاستنابة فيها جائزة. ... 856 - 2683 - وقال جابر رضي الله عنه: فأمر به فرجم بالمصلى, فلما

أذلقته الحجارة فر فأدرك فرجم حتى مات, فقال النبي صلى الله عليه وسلم خيرا, وصلى عليه. " وفي حديث جابر: فلما أذلقته الحجارة " أي: أتلفته وأصابته شدتها, و (الذلق) بالتحريك: القلق. أو: مسته بحدة طرفها وجرحته, من قولهم: سنان ذلق ومذلق أي: محدد. ... 857 - 2685 - عن بريدة قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! طهرني, فقال: " ويحك, ارجع فاستغفر الله وتب إليه " قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول الله! طهرني, فقال: النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك, حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فمم أظهرك؟ قال: من الزنا, فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أبه جنون؟ " فأخبر أنه ليس بمجنون, فقال: " أشرب خمرا؟ " فقام رجل فاستنكهه فلم يجد من ريح خمر, فقال: " أزنيت؟ " قال: نعم, فأمر به فرجم, فلبثوا يومين أو ثلاثة ثم جاء رسول الله فقال: " استغفروا لماعز بن مالك, لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم " ثم جارته امرأة من غامد من الأزد فقالت: يا رسول الله! طهرني, فقال: " ويحك! ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه " فقالت: تريد أن ترددني كما رددت ماعز

ابن مالك, إنها حبلى من الزنا! فقال: " أنت"؟ " قالت: نعم, قال لها: " حتى تضعي ما في بطنك " قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت, فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضعت الغامدية, فقال: " إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من ترضعه ", فقام رجل من الأنصار فقال: إلي رضاعه يا نبي الله, قال: فرجمها, ويروى أنه قال لها: " اذهبي حتى تلدي ", فلما ولدت قال: " اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه " فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز فقالت: هذا يا نبي الله! قد فطمته وقد أكل الطعام, فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين, ثم أمرها بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها, فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها, فتنضح الدم على وجه خالد فسبها, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " مهلا يا خالد! فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له " ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت " " وفي حديث بريدة: فكفلها رجل من الأنصار " أي: تقبل حفظها, وتكفل القيام بمصالحها. وفيه: " فيقبل خالد بن الوليد " بصيغة المضارع على أنه حكاية حال, أي: فرأيت خالد بن الوليد يقبل عليها بحجر, " فرمى رأسها, فتنضح الدم على وجه خالد: أي: رش عليه, ووصلت رشاشته إليه. وفي بعض النسخ: " فيقبل " بالتاء على صيغة الماضي, من التقبل:

وهو التتبع, أي: تبعها بحجر. وقوله عليه الصلاة والسلام: " مهلا يا خالد, فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له " أي: أمهلها, وتأن بها, ولا تعنف عليها, فإنها مغفورة مرحومة, و (مهلا) بالسكون: اسم فعل بمعنى أمهل. و (صاحب المكس): العشار, والمكس: ما أخذه, وهذا يدل على عظم جرمه. ويعضده: ما روي أنه - عليه السلام - قال: " لا يدخل الجنة صاحب مكس ". ... 858 - 2686 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال, سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها, ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب, ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر " " وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها " (التثريب): التأنيب والتعيير, كان تأديب الزناة قبل شرع الحد هو التثريب وحده, فأمرهم بالجلد, ونهى عن الاقتصار بالتثريب.

وقيل: المراد به النهي عن التثريب بعد الجلد, فإنه كفارة لما ارتكبته. وفي الحديث دليل على أن للسيد إقامة الحد على مملوكه استصلاحا لملكه, خلافا لأصحاب الرأي, وله أن يتفحص عن جرمه, ويسمع البينة عليه, ومن منع ذلك حمل قوله: " فتبين " على التبين عنده بمشاهدة, أو إقرار, أو عند الحاكم ببينة. وأن حد العبد هو الجلد وحده, سواء أكان بكرا أو ثيبا, لأنه أطلق الحكم, وعمم المحكوم عليه بلا تفصيل, ولم يذكر التغريب. وللشافعي: قوله: إنه يغرب ستة أشهر, وهو اختيار المزني, ولعله إنما أسقط التغريب عن الممليك نظرا للسادة, وصيانة لحقوقهم. ... من الحسان: 859 - 2693 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود " (من الحسان): " عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود " (الهيئة) في الأصل: صورة أو حالة تعرض لأشياء متعددة, فتصير

بسببها مقولا عليها إنها واحدة, ثم أطلق على الخصلة, فيقال: لفلان هيئات, أي: خصال. والمراد بذوي الهيئات: أصحاب المروءات والخصال الحميدة. وقيل: ذوو الوجوه بين الناس. وبالعثرات: صغائر الذنوب, وما يندر عنهم من الخطايا, ويكون الاستثناء منقطعا, أو الذنوب مطلقا, وبالحدود ما يوجبها, فيكون متصلا, والخطاب مع الأئمة وغيرهم ممن يستحق المؤاخذة بها, والتأديب عليها. ... 860 2696 - عن علقمة بن وائل عن أبيه: أن امرأة خرجت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تريد الصلاة, فتلقاها رجل فتجللها فقضى حاجته منها, فصاحت وانطلق, ومرت عصابة من المهاجرين فقالت: إن ذلك فعل بي كذا وكذا, فأخذوا الرجل فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: " اذهبي فقد غفر الله لك " وقال للرجل الذي وقع عليها: " ارجموه " وقال: " لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم ". " وفي حديث وائل بن حجر: فتلقاها رجل فتجللها " أي: غشيها وجامعها, من الجلال, كنى به عن الوطء, كما كنى عنه بالغشيان. ***

861 - 2698 - عن سعيد بن سعد بن عبادة: أن سعد بن عبادة أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل كان في الحي مخدج سقيم, فوجد على أمة من إمائهم يخبث بها فقال: " خذوا له عثكالا فيه مئة شمراخ فاضربوه به ضربة " " عن سعيد بن سعد بن عبادة: أن أباه أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل كان في الحي مخدج سقيم, فوجد على أمة من إمائهم يخبث بها, فقال له: خذوا لع عثكالا فيه مئة شمراخ فاضربوه ضربة " (المخدج): الناقص الخلق, و (العثكال): الغصن الكبير الذي يكون عليه أغصان صغار, وكل واحد من تلك الأغصان يسمى شمراخا. وفيه دليل على أن الإمام ينبغي أن يراقب المجلود, ويحافظ على حياته, وأن حد المريض لا يؤخر إلا إذا كان له أمد مرجو كالحبل, لحديث علي رضي الله عنه. وقال مالك وأصحاب الرأي: يؤخر الحد إلى أن يبرأ. وقد عد الحديث من المراسيل, فإن سعيدا لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم, ولم يذكر أنه سمعه من أبيه أو غيره, وهو وإن كان كذلك فهم محجوجون به, إذ المراسيل مقبولة عندهم. ... 862 - 2703 - عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أنه قالت: لما نزل عذري قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فذكر ذلك, فلما نزل

باب قطع السرقة

أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدهم " " وفي حديث عائشة: لما نزل عذري, قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر, فلما نزل أمر الرجلين والمرأة فضربوا حدهم " المراد بالعذر: الآية الدالة على براءتها, شبها بالعذر الذي يبرئ المعذور من الجرم. وبالرجلين: حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة والمرأة: حمنة بنت جحش. " فضربوا حدهم " تريد به حد المفترين. 2 - باب قطع السرقة من الصحاح: 863 - 2704 - عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا " (باب قطع السرقة) (من الصحاح): " عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقطع السارق إلا في ربع دينار فصاعدا ".

الحديث صريح في الدلالة على أن نصاب السرقة ربع دينار فلا تقطع إلا إذا سرق ربع دينار فصاعدا, أو ما يبلغه قيمته, وقد روي ذلك عن الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة, وبه قال عمر بن عبد العزيز, وإليه ذهب الأوزاعي والشافعي. وقال مالك: نصاب السرقة ثلاثة دراهم, لحديث ابن عمر, وهو: أنه عليه الصلاة والسلام قطع سارقا في مجن ثمنه ثلاثة دراهم. ولا دلالة عليه, إذ ليس فيه ما يدل على المنع من القطع بما دونه, ولا تعيين هذا القدر من الشارع, فإنه تقويم من الراوي. ولعله - عليه السلام - أمر بالقطع, لأن المجن كان مساويا لربع دينار, فإن ثلاثة دراهم في عهدهم كان مساويا لربع دينار. ويدل عليه: ما روي عن عثمان رضي الله عنه: أنه قطع سارقا في أترجة قومت ثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما بدينار. وقال أحمد: إن كان المسروق ذهبا فنصابه ربع دينار, وإن كان ورقا فنصابه ثلاثة دراهم, وإن كان متاعا فنصابه أن تبلغ قيمته ربع دينار أوثلاثة دراهم, جمعا بين الخبرين. وقد عرفت أن الجمع وإعمال كل واحد من الخبرين في بعض موارده, إنما يصار إليه إذا تحققت المعارضة بينهما, وقد بينا عدمها. وروي عن ابن مسعود أنه قال: لا يقطع في أقل من دينار أو عشرة دراهم, أو ما يساوي أحدهما, وبه قال الثوري وأصحاب الرأي,

واحتجوا بما روي عن ابن عباس: أن قيمة المجن المقطوع كانت فيه عشرة دراهم. وعن أيمن بن عبيد الحبشي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أدنى ما يقطع فيه السارق ثمن المجن " وكان يقوم يومئذ دينارا. والأول إن صح فلا حجة فيه لما عرفته, والثاني بعد ثبوته عن هذا الراوي لا تقاوم روايته رواية عائشة وابن عمر, ولا تقويمه تقدير الشارع, ولا لما لم يتعرض له الشيخان ما اتفقا على صحته, ولا الواحد المتعدد. وعن أبي هريرة وأبي سعيد: لا يقطع إلا في خمسة دراهم, وبه قال ابن أبي ليلى وابن شبرمة. ... من الحسان: 864 - 2706 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لعن الله السارق يسرق فتقطع يده, ويسرق الحبل فتقطع يده ".

(من الحسان): " عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده, ويسرق الحبل فتقطع يده " قيل: المراد بالبيضة: بيضة الحديد, والحبل يكون منها ما يساوي دراهم. وقيل: كان هذا في الابتداء, كان يقطع السارق بالقليل والكثير, ثم نسخ بحديث عائشة. وقيل: معناه: يتبع نفسه أولا في أخذ أمثال هذه المحقرات, حتى يعتاد السرقة فيفضى به إلى أن يأخذ ما يقطع فيه. ... 865 - 2707 - عن رافع بن خديج, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا قطع في ثمر ولا كثر ". " عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا قطع في ثمر ولا كثر " (الكثر) بالتحريك: جمار النخل, وهو شحمه الذي يخرج منه الكافور, وهو وعاء الطلع من جوفه, سمي جمارا وكثرا, لأنه أصل الكوافير, والمحل الذي يجتمع ويكثر فيه. ***

866 - 2709 - وقال: " لا قطع في ثمر معلق, ولا في حريسة جبل, فإذا آواه المراح والجرين, فالقطع فيما بلغ ثمن المجن " " وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: لا قطع في ثمر معلق, ولا في حريسة جبل, فإذا آواه المراح أو الجرين, فالقطع فيما بلغ ثمن المجن " يريد بالثمر المعلق: الذي يكون على رأس الشجر, وإنما نفى القطع فيه, لأن نخيل المدينة وأشجارها لم تكن محوطة ولا محرزة, فأما الذي يكون في حائط ويكون محرزا قطع فيه, وهو قول الثوري ومالك والشافعي. وقال أبو حنيفة: لا قطع في الفواكه الرطبة محرزة كانت أو غير محرزة, أخذا بظاهر الحديث وقاس عليها ما يضاهيها من الأطعمة, كالألبان واللحوم والأشربة والخبوز. و" حريسة الجبل ": الشاة التي تحرس في الجبل, وجمعها: الحرائس, ثم اشتق منه: احترس: إذا سرق الحريسة. وقيل: هي الشاة التي يدركها الليل في مرعاها بالحبل قبل أويها إلى مأواها. وقيل: هي المسروقة من المرعى, من حرس يحرس حرسا: إذا سرق, وهذا أيضا من الحراسة, لأن السارق مترقب يحرس ما يريد أن

يسرقه, حتى يمكن منه فيختطفه, وعدم القطع فيها أيضا لكونها غير محرزة, بخلاف ما آواه المراح. ... 867 - 2713 - عن بسر بن أرطأة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقطع الأيدي في الغزو ". " وعن بسر بن أرطأة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقطع الأيدي في الغزو " روي عن يحيى بن معين أنه قال: لا يصح لبسر بن أرطأة صحبة, وكان يطعن فيه, فإن صح الحديث فلعله - عليه الصلاة والسلام - أراد به المنع من القطع فيما يؤخذ من المغانم. ... 868 2715 - وروي عن جابر رضي الله عنه قال: جيء بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " اقطعوه فقطع, ثم جيء به الثانية فقال: " اقطعوه فقطع, ثم جيء به الثالثة فقال: " اقطعوه " فقطع, ثم جيء به الرابعة فقال: " اقطعوه فقطع, فأتي به الخامسة فقال: " اقتلوه, فانطلقنا به فقتلناه, ثم اجتررناه فألقيناه في بئر ورمينا عليه الحجارة " " وفي حديث جابر: فأتي به في الخامسة, فقال: اقتلوه ".

باب الشفاعة في الحدود

هذا إن صح فمنسوخ بما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث " الحديث, أو بمثله, ولم أر أحدا من أهل العلم ذهب إليه, ولهم خلاف في القطع في المرة الثانية والثالثة والرابعة. والحديث دليل لمن أوجب القطع فيها كمالك والشافعي وإسحاق. ... 3 - باب الشفاعة في الحدود من الصحاح: 869 - 2719 - عن عائشة رضي الله عنها: أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكلمه أسامة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتشفع في حد من حدود الله!؟ " ثم قام فاختطب ثم قال:" إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه, وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد, وايم الله, لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ". وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت امرأة مخزومية

تستعير المتاع وتجحد, فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها, فأتى أهلها أسامة فكلموه, فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها, فذكر نحوه. (باب الشفاعة في الحدود) (من الصحاح): " عن عائشة قالت: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحد, فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها " إنما قطع يدها لأنها سرقت كما يدل عليه الحديث السابق, لا لأنها كانت تجحد, وإنما ذكرت الاستعارة والجحود للتعريف, وكان اسمها فاطمة. ... من الحسان: 870 - 2720 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من حالت شفاعته دون حد من حدود الله تعالى فقد ضاد الله, ومن خاصم في باطل هو يعلمه لم يزل في سخط الله تعالى حتى ينزع, ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال ". ويروى: " ومن أعان على خصومة لا يدري أحق هو أم باطل, فهو في سخط الله حتى ينزع "

(من الحسان): في حديث ابن عمر: " ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال " " ردغة الخبال " وطينته واحدة, وهي عصارة أهل النار وصديدهم, وأصل الردغ: الماء والطين, والخبال: الفساد, وخروجه مما قال أن يتوب عنه ويستحل من المقول فيه. ... 871 - 2721 - عن أبي رمثة المخزومي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص قد اعترف اعترافا ولم يوجد معه متاع, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما إخالك سرقت؟ " قال: بلى, فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا, فأمر به فقطع وجيء به فقال: " استغفر الله وتب إليه " فقال: أستغفر الله وأتوب إليه, فقال: " اللهم تب عليه " ثلاثا. " وفي حديث أبي رمثة المخزومي: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما إخالك سرقت. (إخال) من خال يخال: إذا ظن, والعرب يكسرون الهمزة فيه, غير بني أسد فإنهم يفتحونها على القياس, وبهذا الحديث يستشهد على أن للإمام أن يعرض للسارق بالرجوع, وأنه إن يرجع بعد الاعتراف قبل لإسقاط الحد, كما في الزنا, وهو أصح القولين المحكيين عن الشافعي.

باب حد الخمر

ولمن زعم أن السرقة لا تثبت بالإقرار مرة واحدة كأحمد وأبي يوسف وزفر أن يتمسك به أيضا, لأنه لو ثبت بإقراره الأول لوجب عليه إقامة الحد, ولحرم تلقينه بالرجوع, لقوله عليه الصلاة والسلام - في حديث عبد الله بن عمر: " تعافوا الحدود فيما بينكم, فما بلغني من حد فقد وجب ". وجوابه: أنه - عليه الصلاة والسلام - إنما لقنه لما رأى أنه له مخرجا عنه بالرجوع, وقد قال عليه الصلاة والسلام -: " ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم, فإن كان له مخرج فخلوا سبيله " وإنما يجب حيث لم يكن له مخرج, والله أعلم. ... 4 - باب حد الخمر من الصحاح: 872 - 2723 - عن السائب بن يزيد قال: " كان يؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمرة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر, فنقوم فيه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا, حتى كان آخر إمرة عمر رضي الله عنه فجلد أربعين, حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين ".

(باب حد الخمر) (من الصحاح): " عن السائب بن يزيد قال: كان يؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمرة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر فنقوم فيه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا, حتى كان آخر إمرة عمر, فجلد أربعين, حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين ". يريد بـ (إمرة أبي بكر " زمان إمارته," وصدرا من خلافة عمر ", أي: شيئا من أوائل عهده, " حتى إذا عتوا " أي: فسدوا وانهمكوا في العصيان. واختلف العلماء في حد الشارب فذهب الشافعي إلى أنه أربعون وللإمام أن يزيد عليه إلى ثمانين باجتهاده, لحديث أنس, ولما روي: أنه أتى عثمان بن عفان بالوليد بن عقبة, وأثبت عليه الشرب, فأشار إلى علي رضي الله عنه بإقامة الحد, فقال علي لعبد الله بن جعفر: أقم عليه الحد, فأخذ السوط فجلده, وعلي يعد, فلما بلغ ثمانين, قال: حسبك جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين, وجلد أبو بكر أربعين, وعمر ثمانين, وكل سنة, وهذا أحب إلي " ولا يعارض بما روي أنه قال لعمر رضي الله عنه حين استشاره فيه: نرى يا أمير المؤمنين ثمانين جلدة, لأن الزيادة تعزير موكول إلى رأى افمام فلعله يرى في وقت دون وقت, ولشخص دون شخص.

وذهب مالك وأصحاب الرأى إلى أنه ثمانون, للاتفاق عليه في أيام عمر. وجوابه: منع الإجماع على أنه حد مقدر لا يجزئ ما دونه, كما في حد القذف, وإنما كان استشارتهم ومقاولتهم في تجويز الزيادة على ما كان في عهد الرسول صلوات الله عليه وإمرة أبي بكر رضي الله عنه. ... 873 - 2725 - وعن عبد الرحمن بن الأزهر رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتي برجل قد شرب الخمر, فقال للناس: " اضربوه " فمنهم من ضربه بالنعال, ومنهم من ضربه بالعصا, ومنهم من ضربه بالمنيخة, ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ترابا من الأرض فرمى به في وجهه. (من الحسان): " وروي في حديث عبد الرحمن بن الأزهر: ومنهم من ضربه بالمتيخة " وروي بكسر الميم وسكون التاء على وزن الملعقة, وهي العصا, وقيل: الدرة, اشتقاقه من تاخ يتوخ: إذا ساخ, قال الخليل في " كتابه ": تاخت الإصبع في الشيء الرخو.

وقال صاحب " المقاييس ": ليس لهذا التركيب أصل, وما ذكره الخليل أظن أنه تصحيف: ثاخ. وقال صاحب " الفائق ": لو كانت من تاخ يتوخ لصحت فيه الواو كما صحت في مسورة ومحورة, ولكنها من طيخه العذاب: إذا ألح عليه, أو ديخه: إذا ذلله, لأن التاء أخت الدال والطاء. أقول: وهذا إن صح فيكون من الاشتقاقات الكبرى. وروي: " ميتخة " على وزن ميثرة, و" متيخة " بتشديد التاء على مثال: سكينة, من متخ الله رقبته, ومتخه بالسهم: إذا ضربه. ... 874 - 2726 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر فقال: " اضربوه " فمنا الضارب بيده, والضارب بثوبه, والضارب بنعله, ثم قال: " بكتوه " فأقبلوا عليه يقولون: ما اتقيت الله؟ ما خشيت الله؟ وما استحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعض القوم: أخزاك الله, قال: " لا تقولوا هكذا, لا تعينوا عليه الشيطان, ولكن قولوا: اللهم اغفر له اللهم ارحمه " " وفي حديث أبي هريرة: ثم قال: بكتوه " أي: عيروه بنحو ما قالوا.

" وفيه: لا تعينوا عليه الشيطان " أي: بنحو هذا الدعاء, فإنه تعالى إذا أخزاه استحوذ عليه الشيطان, أو لأنه إذا سمع منكم ذلك أيس من رحمة الله, وانهمك في المعاصي, أو حمله اللجاج والغضب على الإصرار, فيصير الدعاء وصلة ومعونة في إغوائه وتسويله. ... 874 / م - 2727 - عن ابن عباس قال: شرب رجل فسكر, فلقي يميل في الفج, فانطلق به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما حاذى دار العباس انفلت فدخل على العباس فالتزمه, فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك وقال: " أفعلها؟ " ولم يأمر فيه بشيء. " وفي حديث ابن عباس: شرب رجل فسكر, فلقي يميل في الفج " قال:" الفج ": الطريق الواسع بين جبلين, وإنما لم يأمر فيه بالحد لأن شربه لم يكن ثابتا عنده بإقرار ولا بينة, لا لأنه دخل دار عباس ولاذ به, والله أعلم بالحقائق. ***

باب لا يدعى على المحدود

5 - باب لا يدعى على المحدود من الصحاح: 875 - 2728 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إن رجلا اسمه عبد الله يلقب حمارا, كان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم, وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب, فأتى به يوما فأمر به فجلد, فقال رجل من القوم: اللهم العنه, ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تلعنوه, فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله ". (باب ما لا يدعى على المحدود) (من الصحاح): في حديث عمر رضي الله عنه: " فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله " أي: الذي علمت منه. ... 876 - 2730 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء الأسلمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حراما, أربع مرات, كل ذلك يعرض عنه, فأقبل في الخامسة فقال: " أنكتها "؟ " قال: نعم, قال: " حتى غاب ذلك منك في ذلك منها " قال: نعم, قال: " كما يغيب

باب التعزير

المرود في المكحلة, والرشاء في البئر " قال: نعم, قال: " هل تدري ما الزنا؟ " قال: نعم, أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من أهله حلالا, فأمر به فرجم, فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه, فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب, فسكت عنهما, ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله, فقال: " أين فلان وفلان؟ " فقالا: نحن ذان يا رسول الله فقال: " انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار " فقالا: يا نبي الله! من يأكل من هذا؟ قال: " فما نلتما من عرض أخيكما آنفا أشد من أكل منه, والذي نفسي بيده إنه, الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها " (من الحسان): " في حديث أبي هريرة: حتى مر بجيفة حمار شائل برجله " أي: رافع رجله, من شال البعير بذنبه: إذا رفع. ... 6 - باب التعزير من الصحاح: 877 - 2733 - عن أبي بردة بن نيار رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

" لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله " (باب التعزير) (من الصحاح): " عن أبي بردة بن نيار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله " ذهب أحمد وإسحاق إلى ظاهر الحديث, وقالا: لا يتجاوز المعزر عن هذا الحد. وقال الشعبي: التعزير ما بين سوط إلى ثلاثين. وقال الشافعي: ينبغي أن ينقص من أقل حد وهو حد الشرب, وإليه ذهب أبو حنيفة. وقال أبو يوسف: ينقص من ثمانين, وهو أقل الحد عنده. وقال مالك: يختلف التعزير بحسب الجرم, فإن كان جرما أعظم من القذف جلد مئة وأكثر على ما يراه الإمام, ويدل عليه ما روى عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده: أن رجلا قتل غلامه فجلده النبي صلى الله عليه وسلم مئة, ونفاه عاما " وعلى هذا فحديث أبي بردة مؤول بما إذا ضرب الوالد ولده, أو السيد عبده, وبكون الحدود عامة فيما يقصد به تعظيم الشرع, والزجر عن المعاصي, سواء كان حدا أو تعزيرا, ويدل على جواز الزيادة على العشر ما روى ابن عباس: أنه عليه السلام قال: " إذا قال الرجل للرجل:

باب بيان الخمر ووعيد شاربها

يا يهودي, فاضربوه عشرين, وإذا قال: يا مخنث, فاضربوه عشرين, وإن وقع على ذات محرم فاقتلوه " تأويل هذا الأخير تخصيصه بمن فعل ذلك مستحلا فإنه يباح دمه لاستحلاله. ... 878 - 2736 - عن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا وجدتم الرجل قد غل في سبيل الله فأحرقوه متاعه واضربوه " غريب. " وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا وجدتم الرجل قد غل في سبيل الله فأحرقوا متاعه واضربوه " قيل: إن إحراق المتاع كان في أول الأمر بالمدينة, ثم نسخ, وفي بعض النسخ: " إذا وجدتم الرجل " فيكون المفعول محذوفا, التقدير: إذا وجدتم شيئا أو متاعا للرجل قد غله, فحذف لدلالة المعنى عليه, والله أعلم. ... 7 - باب بيان الخمر ووعيد شاربها من الصحاح: 879 - 2738 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خطب عمر على منبر

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد نزل تحريم الخمر, وهي من خمسة أشياء: العنب, والتمر, والحنطة, والشعير, والعسل, والخمر: ما خامر العقل. (باب بيان الخمر ووعيد شاربها) (من الصحاح): " في حديث ابن عمر: والخمر [ما] خامر العقل. هذا يدل على أن لفظ الخمر مشتق من خمر: إذا ستر, لكل ما خامر العقل, سواء كان من عنب أو غيره, معتصرا أو منبوذا, فيكون النص الدال على تحريم الخمر دالا على حرمة كل ما أسكر بالتنصيص. ... 880 – 2743 – عن أبي قتادة: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن خليط التمر والبسر, وعن خليط الزبيب والتمر, وعن خليط الزهو والرطب, وقال: " انتبذوا كل واحد على حدة ". " وعن أبي قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن خليط التمر والبسر " لعله – عليه الصلاة والسلام – إنما نهى عن الخلط, وجوز إنباذ كل واحد وحده, لأنه ربما أسرع التغير إلى أحد الجنسين, فيفسد الآخر, وربما لم يظهر فيتناوله محرما. ***

881 - 2745 – وعن وائل بن حجر الحضرمي: أن طارق بن سويد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه, فقال: إنما أصنعها للدواء, فقال: " إنه ليس بدواء, ولكنه داء " " وفي حديث وائل الحضرمي: فقال: إنه ليس بدواء, ولكنه داء ". يحتمل أنه أراد به العموم, وأنه أراد به الخصوص, فلعله علم المرض الذي كان يداوى به, وعلم أن الخمر يزيد فيه ولا يبرئ عنه, ومن أجل ذلك اختلف أهل العلم في جواز التداوي بالخمر الصرف, والأكثر على المنع منه. ... 882 - 2748 – وعن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ما أسكر الفرق, فملء الكف منه حرام " (من الحسان): " عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ماأسكر الفرق فملء الكف منه حرام " " الفرق ": إناء يأخذ ستة عشر رطلا, وفيه لغتان: تحريك الراء وتسكينها, والأول أفصح, والحديث يدل على أن ما أسكر كثيره فقليله حرام, كما رواه جابر, وإليه ذهب أكثر أهل العلم. وقال أبو حنيفة: الأشربة المسكرة على أربعة أضرب:

الأول: الخمر, وهي المعتصر من العنب إذا اشتد وغلا وقذف بالزبد, وهو حرام قليله وكثيره. والثاني: المثلث, وهو عصير العنب إذا طبخ بحيث يذهب ثلثاه, وهو حلال, إلا قدر ما أسكر منه, وإن ذهب منه أقل من ذلك فهو كالخمر. والثالث: نقيع الزبيب والتمر إذا اشتد, وهو حرام ما لم يطبخ, فإن يطبخ حل إلا المسكر منه, ولم يعتبر فيه ذهاب الثلثين. والرابع: ما يتخذ من غيرهما كالحنطة والعسل, والقدر المسكر منه حرام دون ما دونه, سواء طبخ أو لم يطبخ. ***

(16) كتاب الإمارة والقضاء

كتاب الإمارة والقضاء

(16) كتاب الإمارة والقضاء من الصحاح: 883 - 2752 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أطاعني فقد أطاع الله, ومن عصاني فقد عصى الله, ومن يطع الأمير فقد أطاعني, ومن يعص الأمير فقد عصاني, وإنما الإمام جنة, يقاتل من ورائه ويتقى به, فإن أمر بتقوى الله وعدل فإن له بذلك أجرا, فإن قال بغيره فإن عليه منه " (كتاب الإمارة والقضاء) (من الصحاح): " وفي حديث أبي هريرة المصدر به الكتاب: وإن قال بغيره فإن عليه منة " أي: وإن أمر بما ليس فيه تقوى ولا عدل, بدليل أنه جعل قسيم " فإن أمر بتقوى الله وعدل " ويحتمل أن يكون المراد به القول المطلق, أو أعم منه, وهو ما يراه ويؤثره, من قولهم: فلان يقول بالقدر, أي: وإن رأى غير ذلك وآثره قولا كان أو فعلا, ليكون مقابلا لقسيمه

بقطريه, وسدا لطريق المخالفة المؤدية إلى هيج الفتن. " فإن عليه منة " أي: وزرا وثقلا, وهي في الأصل مشترك بين القوة والضعف, وقيل: هي تصحيف, والصواب: " منه " بحرف الجر والضمير, أي: فإن عليه الوزر والوبال, من قوله: " لا يتخطاه إليكم ما لم ترضوا به " ... 884 - 2753 - وقال: " إن أمر عليكم عبد مجدع يقودكم بكتاب الله, فاسمعوا له وأطيعوا " " عن أم الحصين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمر عليكم عبد مجدع, يقودكم بكتاب الله, فاسمعوا إليه, وأطيعوا ". (المجدع): المقطوع الأنف, " يقودكم ": يسوقكم بالأمر والنهي على ما هو مقتضى كتاب الله وحكمه, هذا وأمثال ذلك حث على المداراة والموافقة, والتحرز عما يثير الفتن, ويؤدي إلى اختلاف الكلمة. ... 885 - 2757 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة, في العسر واليسر, والمنشط والمكره, وعلى أثره علينا, وعلى أن لا ننازع الأمر أهله, وعلى أن

نقول بالحق أينما كنا, لا نخاف في الله لومة لائم. وفي رواية: وعلى أن لا ننازع الأمر أهله, إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان. " عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا, على أن لا ننازع الأمر أهله, وعلى أن نقول بالحق أينما كنا, لا نخاف في الله لومة لائم " " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي: عاهدناه بالتزام السمع والطاعة في حالتي الشدة والرخاء, وتارتي الضراء والسراء, وإنما عبر عنه بصيغة المفاعلة للمبالغة, أو الإيذان بأنه التزم لهم أيضا بالأجر والثواب والشفاعة يوم الحساب على القيام بما التزموا. " والمنشط والمكره ": مفعلان من النشاط والكراهة للمحل, أي: فيما فيه نشاطهم وكراهتم, أو الزمان, أي: في زماني انشراح صدورهم وطيب قلوبهم, وما يضاد ذلك. وقوله: " وعلى أثرة علينا " أي: ذي فضل, والأثرة بالتحريك: اسم من آثره: إذا فضله, قال تعالى: {لقد آثرك الله علينا} [يوسف: 91] أي: فضلك الله علينا, وقيل: هو اسم من استأثره: إذا اختار لنفسه واستبد به, وهو عطف على " السمع والطاعة ", وقوله:

" على أن لا ننازع الأمر أهله " بدل عليه بدل الاشتمال, ويدل عليه حذف المبدل في بعض الروايات, والمعنى: بايعناه على أن نراعي حق أهل الفضل علينا, ولا ننازعهم فيما يستحقونه ويستأهلونه. في بعض الروايات: " وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان " أي: كفرا جهارا لا خفاء به ولا تأويل له - من باح بالشيء وأباحه: إذا جهر به - يكون عندكم من الله ما يدل قطعا على أنه كفر, وهو يدل على أن الإمام لا ينعزل بطريان الفسق, وللعلماء فيه خلاف, لكن لو أمكن تبديله بغير حرب وإثارة فتنة بدل. ... 886 - 2760 - وقال صلى الله عليه وسلم: " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات, مات ميتة جاهلية, ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبية, أو يدعو لعصبية, أو ينصر عصبية فقتل, فقتله جاهلية, ومن خرج على أمتي بسيفه يضرب برها وفاجرها, ولا يتحاشى من مؤمنها, ولا يفي لذي عهد عهده, فليس مني ولست منه " " وعن أبي هريرة أنخ - عليه الصلاة والسلام - قال: من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات, مات ميتة جاهلية, ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبية, أو يدعو لعصبية, أو ينصر عصبية, فقتل فقتلة جاهلية ".

(الميتة) و (القتلة) بالكسر: الحالة التي يكون عليها الإنسان من الموت والقتل, والمعنى: أن من خرج عن طاعة الإمام, وفارق جماعة الإسلام, وشذ عنهم, وخالف إجماعهم, ومات على ذلك, فقد مات على هيئة كانت يموت عليها أهل الجاهلية, لأنهم ما كانوا يرجعون إلى طاعة أمير, ولا يتبعون هدي إمام, بل كانوا مستنكفين عنها, مستبدين في الأمور, لا يجتمعون في شيء, ولا يتفقون على رأي. " ومن قاتل تحت راية عمية " أي: مجهولة, لا يعرف أنها رفعت لإعلاء الحق وإظهار الدين, أو لأن الأمريخالف ذلك, ولم يكن له في ذلك غرض وى داع سوى العصبية, فاتفق أن قتل, فقتله على حالة كانت يقتل عليها أهل الجاهلية, فإن تقاتلهم لم يكن إلا كذلك, ولا ينبغي للمؤمن أن يقاتل, ولا أن يخاصم, إلا لإعلاء كلمة الله, وإظهار دينه, و" قتلة " خبر مبتدأ محذوف, والجملة خبر (من) , والفاء فيه لتضمن المبتدأ معنى الشرط. ... 887 - 2762 - عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يكون عليكم أمراء تعرفون وتنكرون, فمن أنكر فقد بريء, ومن كره فقد سلم, ولكن من رضي وتابع " وقالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: " لا, ما صلوا, لا, ما, صلوا " يعني: من كره بقلبه وأنكر بقلبه ".

" عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون عليكم أمراء تعرفون وتنكرون, فمن أنكر فقد بريء, ومن كره فقد سلم, ولكن من رضي وتابع! قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا ". " تعرفون وتنكرون " صفتان لـ (أمراء) والراجع فيهما محذوف, أي: تعرفون بعض أفعالهم, وتنكرون بعضها, يريد أن أفعالهم يكون بعضا حسنا وبعضها قبيحا, فمن قدر أن ينكر عليهم قبائح أعمالهم وسماجة حالهم, وأنكر فقد برئ عن المداهنة والنفاق, ومن لم يقدر [على] ذلك ولكن أنكر بقلبه, وكره ذلك, فقد سلم من مشاركتهم في الوزر والوبال, ولكن من رضي بفعلهم بالقلب, وتابعهم في العمل, فهو الذي شاركهم في العصيان, واندرج معهم تحت اسم الطغيان, حذف الخبر لدلالة الحال وسياق الكلام على أن حكم هذا القسم ضد ما أثبته لقسيمه, وإنما منع عن مقاتلتهم ما داموا يقيمون الصلاة التي هي عماد الدين, وعنوان الإسلام, والفاروق بين الكفر والإيمان, حذرا من هيج الفتن واختلاف الكلمة, وغير ذلك مما يكون أشد نكاية من احتمال نكرهم والمصابرة على ما ينكرون منهم. 888 - 2763 - عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها " قالوا: فما تامرنا يا رسول الله؟ قال: " أدوا إليهم حقهم, وسلوا الله حقكم ".

وفي حديث ابن مسعود: " إنكم سترون بعدي أثرة, أمورا تنكرونها " أي: ما يستأثر به من أمور الدنيا, فيفضل غيركم عليكم بلا استحقاق في الفيء ونحوه, و"أمورا " بدل عنها, وروي: " أثرة " بضم الهمزة وسكون الثاء, و"أمورا " بالعاطف على أن المراد بها أشياء أخر لا تستحسنونها, ويؤيد الأول قوله - عليه الصلاة والسلام - في جواب " فما تأمرنا ": " أدوا إليهم حقهم, واسألوا الله حقكم " أي: لا تكافئوا استئثارهم باستئثاركم, ولا تقاتلوهم لاستيفاء حقكم, بل وفروا عليهم حقهم واسألوا الله من فضله أن يوصل إليكم حقكم, وكلوا إليه أمركم " ... 889 - 2765 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسو الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له, ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " " وفي حديث ابن عمر: " من خلع يدا من طاعة لقي الله تعالى يوم القيامة لا حجة له " يريد: من نقض العهد وخلع نفسه عن بيعة الإمام, لقي الله

تعالى آثما لا عذر له, ولما كان وضع اليد كناية عن إنشاء البيعة, وتجري العادة على وضع اليد على اليد حال المعاهدة, كنى عن النقض بخلع اليد ونزعها. ... 890 - 2766 - عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي, وإنه لا نبي بعدي, وسيكون خلفاء فيكثرون " قالوا: فما تأمرنا؟ قال: " فوا بيعة الأول فالأول, أعطوهم حقهم, فإن الله تعالى سائلهم عما استرعاهم " " وفي حديث أبي هريرة: كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء " أي: كان سواسهم ورؤساؤهم الذين يقومون بسياستهم وإصلاح أمرهم الأنبياء. ... 891 - 2767 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا بويع لخليفتين, فاقتلوا الآخر منهما " " وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما " قيل: أراد بالقتل المقاتلة, لأنها تودي إليه من حيث إنه غايتها, وقيل: أراد به إبطال بيعته وتوهين أمره, من قولهم: قتلت الشراب:

إذا مزجته, وكسرت سورته بالماء. ... 892 - 2768 - وقال: " إنه سيكون هنات وهنات, فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع, فاضربوه بالسيف كائنا من كان " وفيه أنه " ستكون هنات وهنات " أي: أشياء قبيحة مستنكرة, واحدها: هنة, وهي كناية عما لا تريد أن تصرح به لشناعته. ... 893 - 2772 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة, فنعمت المرضعة, وبئست الفاطمة " " وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنكم ستحرصون على الإمارة, وستكون ندامة يوم القيامة, فنعمت المرضعة, وبئست الفاطمة " شبه الولاية بالمرضعة, وانقطاعها بالموت أو العزل بالفاطمة, أي: نعمت المرضعة الولاية, فإنها تدر عليك المنافع واللذات العاجلة, وبئست الفاطمة المنية, فإنها تقطع عنك تلك اللذات والمنافع وتبقي عليك الحسرة والتبعة, فلا ينبغي للعاقل أن يلم بلذة تتبعها حسرات. ***

984 - 2778 - وقال: " ما من عبد يسترعيه الله رعية, فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة " " وقال - عليه الصلاة والسلام -: ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة [الجنة] ". " يسترعيه الله " أي: يجعله راعيا, بأن ينصبه للقيام بمصالحهم, ويعطيه زمام أمورهم, والراعي: الحافظ المؤتمن على ما يليه, من الرعاية وهي الحفظ. " فلم يحطها " أي: يحفظها, يقال: حاطه يحوطه حوطا وحيطة وحياطة: إذا كلأه ورعاه, والمراد بالنصيحة إرادة الخير والصلاح, ومنه سمي الخياط ناصحا, لأنه يصلح. ... 895 - 2779 - وقال: " إن شر الرعاء الحطمة " عن عائشة أنه عليه الصلاة والسلام قال: " إن شر الرعاء الحطمة " (رعاء) بالكسر: جمع راع, كتجار في جمع تاجر, والمراد بـ (الحطمة): الفظ القاسي, الذي يظلم الرعية ولا يرحمهم, من الحطم: وهو الكسر, وقيل: الأكول الحريص, الذي يأكل ما يرى ويقضمه, فإن من هذا دأبه يكون دنيء النفس, ظالما بالطبع, شديد الطمع فيما في أيدي الناس. ***

896 - 2781 - وقال: " إن المقسطين عند الله على منابر من نور يمين الرحمن, وكلتا يديه يمين, الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا " " وعن عائشة عنه قال عليه الصلاة والسلام: إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن, وكلتا يديه يمين, الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا " (المقسط): العادل, وبإزائه: القاسط, وكلاهما مأخوذان من القسط, الذي هو النصب, فكأن القسوط أخذ قسط الغير, والإقساط إزالة القسوط وسلبه, شبههم في دنوهم من الحق ومكانتهم عند الله بمن يجلس على الكراسي والسرر عن يمين السلطان, فإنه يكون أعظم الناس قدرا, وأرفعهم لديه منزلة. " وكاتا يديه ": دفع لتوهم من يتوهم أن له يمينا من جنس أيماننا التي تقابلها يسار, أو أن من سبق إلى التقرب إليه حتى فاز بالوصول إلى مرتبة من مراتب الزلفى من الله عاق غيره عن أن يفوز بمثله, كالسابق إلى محل من مجلس السلطان, بل جهاته وجوانبه التي يتقرب إليها العباد سواء. وقوله: " الذين يعدلون ... " إلى آخره, بيان للمقسطين, وكشف لأحوالهم, والراجع إلى الموصول في " ما ولوا " محذوف, أي: ما ولوه, يريد به ما في ولايتهم وتحت أمرهم. ***

897 - 2783 - وقال أنس رضي الله عنه: كان قيس بن سعد رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير. " وعن أنس: كان قيس بن سعد من النبي عليه السلام بمنزلة صاحب الشرط من الأمير ". هو قيس بن سعد بن عبادة رئيس الخزرج وابن رئيسهم, وكان من الدهاة المشهود له بالرأي الصائب, والمشار إليه في الشجاعة والسخاوة. " وصاحب الشرط ": هو الذي يتقدم بين يدي الأمير لتنفيذ أوامره, وينوب منابه في إقامة الأمور السياسية, ويكون زعيم الشرط وقائدهم, وهم قواد الأمير وحراسه, ويقال للواحد منهم: شرطة وشرطي, سموا بذلك لأنهم جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها, من الشرط وهو العلامة. ... من الحسان: 898 - 2785 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " آمركم بخمس: بالجماعة, والسمع, والطاعة, والهجرة, والجهاد في سبيل الله, فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر, فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه, إلا أن يراجع, ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثاء جهنم, وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ".

(من الحسان): " عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمركم بخمس, بالجماعة, والسمع, والطاعة, والهجرة, والجهاد, وإنه من خرج من الجماعة قيد الشبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع, ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثاء جهنم, وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم " المراد بـ (الجماعة): موافقتهم والانخراط فيهم وبـ (السمع) أن يصفوا إلى الأوامر والنواهي فيفهموها, وبـ (الطاعة) أن يمتثلوها. و" قيد الشبر ": قدره, يريد به أي قدر خالف وانحرف عن الجماعة, وخرج عن موافقتهم. و (الربق): بالكسر: حبل فيه عدة عرى, يشد به البهم الواحدة من تلك العرى: ربقة, شبه ذمة الاسلام وعهده بالربقة التي تجعل في أعناق البهائم, من حيث إنه يقيده, فيمنعه أن يتخطى حدود الله, ويرتع مراتع حرماته. والمعنى: إن من فارق الجماعة بترك السنة وارتكاب البدعة, ولو بشيء يسير, نقض عهد الإسلام, ونزع يده عن الطاعة. و (الدعوى): اسم يطلق للإدعاء وللدعاء أيضا هو النداء, والمعنى: من نادى في الإسلام بنداء الجاهلية, وهو أن الرجل منهم إذا غلب عليه خصمه نادى بأعلى صوته قومه, فيبتدرون إلى نصره

ظالما كان أو مظلوما, جهلا منهم وعصبية. " فهو من جثاء جهنم " أي: من جماعاتها, وهو جمع جثوة, وهي في الأصل: ما جمع من تراب أو غيره, فاستعير للجماعة. وروي: " جثي " بكسر الثاء وتشديد الياء: وهو جمع جاث, من الجثو أو الجثي, وهو الجلوس على الركبتين, قال تعالى: {ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا} [مريم: 68] , ويحتمل أن يكون المراد بدعوى الجاهلية: سننها على الإطلاق, لأنها تدعو إليها. ... 899 - 2789 - وقال: " ويل للأمراء, ويل للعرفاء, ويل للأمناء, ليتمنين أقوام يوم القيامة أن نواصيهم معلقة بالثريا, يتجلجلون بين السماء والأرض وأنهم لم يلوا عملا ". " وعن أبي هريرة أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: ويل للأمراء, ويل للعرفاء, ويل للأمناء, ليتمنين أقوام يوم القيامة أن نواصيهم معلقة بالثريا, يتجلجلون بين السماء والأرض, وأنهم لم يلوا عملا " " العرفاء ": جمع عريف, وهو القيم بأمر قبيلة أو محلة, يلي أمرهم, ويتعرف الأمير منه أحوالهم, من: عرف يعرف عرافة, بمثل: كتب يكتب كتابة, إذا عمل ذلك, وعرف - بالضم - عرافة - بالفتح - إذا صار عريفا.

والمراد بالأمناء: من ائتمنه الإمام على الصدقات والخراج وسائر أموال المسلمين, ويدل عليه عطفه على الأمراء والعرفاء, قوله: " وأنهم لم يلوا عملا " أو كل من ائتمنه غيره على مال أو غيره. والمعنى: أن هذه الأمور وإن كانت مهمة لا ينتظم صلاح الناس ولا يتم معاشهم دونها - ولذلك قال في الحديث الذي بعده: " إن العرافة حق " أي: أمر ينبغي أن يكون - لكنها خطر, والقيام بحقوقها عسير, فلا ينبغي للعاقل أن يقتحم عليها, ويميل بطبعه إليها, فإن من زلت قدمه فيها عن متن الصواب قد يندفع إلى فتن تودي به إلى عذاب يؤثر عليه أن تكون نواصيه معلقة بالثريا (يتجلجل) بالجيم: أي: يتردد ويتحرك بين السماء والأرض, ويتمنى أن يكون حاله كذلك, ولم يل ما تولاه من عمله الذي أفضى به إلى هذا العذاب, وهو المراد بقوله في الحديث الآخر: " ولكن العرفاء في النار " لا كل عريف, فإن من قام بها حق القيام, وتجنب فيها عن الظلم والحيف, استحق به الثواب, وصار ذا حظ القيام مما وعد به ذو سلطان عادل, لكن لما كان الغالب عليهم خلاف ذلك, أجرى الغالب مجرى الكل, وأتى بصيغة العموم. ... 900 - 2792 - عن ابن عباس رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من سكن البادية جفا, ومن اتبع الصيد غفل, ومن أتى السلطان افتتن ". ويروى: " من لزم السلطان افتتن, وما ازداد عبد من السلطان

باب ما على الولاة من التيسير

دنوا إلا ازداد من الله بعدا " " عن ابن عباس, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سكن البادية جفا, ومن اتبع الصيد غفل, ومن أتى السلطان افتتن " " جفا " الرجل: إذا غلط قلبه وقسا, ولم يرق لبر وصلة رحم, وهو الغالب على سكان البوادي, لبعدهم عن أهل العلم, وقلة اختلاطهم بالناس, فصارت طباعهم كطباع الوحوش, وأصل التركيب للنبو عن الشيء. وغفلة التابع للصيد: إما لحرصه الملهي, أو لشبهه بالسباع, وانجذابه عن الترحم والرقة. وافتتان المتقرب إلى السلطان ليس مما يخفى, فإنه إن وافقه فيما يأتيه ويذره فقد خاطر على دينه , وإن خالفه فقد خاطر على روحه. ... 2 - باب ما على الولاة من التيسير من الصحاح: 901 - 2805 - وقال: " لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به " وقال: " لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة, ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة "

(باب ما على الولاة من التيسير) (من الصحاح): " عن أبي سعيد الخدري أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة, ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير العامة " الغدر في الأصل: ترك الوفاء, وهو شائع في أن يغتال الرجل من عهده وأمنه, والمعنى: أن الغادر ينصب وراءه لواء يوم القيامة تشهيرا له بالغدر, وإخزاء وتفضيحا على رؤوس الأشهاد. وإنما قال: " عند استه " استخفافا بذكره, واستهانة لأمره , أو لأنه لما كان أمارة الوفاء وحسن العهد رواء الوجه وبهاؤه ناسب أن تكون علامة الغدر ولواؤه فيما هو كالمقابل له وضده. يريد بـ (أمير العامة): من قدمه العوام وسفلات الناس, ولم يكن له استحقاق, ولا لأهل الحل والعقد من خواص الناس عليه اتفاق, وإنما عظم غدره وفضله على سائر أنواع الغدر, لأنه نقض عهد الله ورسوله بتولي ما لا يستعده, ومنعه عمن يستحقه , وعهود المسلمين بالخروج على إمامهم والتغلب على نفوسهم وأموالهم. ... من الحسان: 902 - 2807 - عن عمرو بن مرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

من ولاه الله شيئا من أمر المسلمين, فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم, احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره " وفي رواية: " أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته " (من الحسان): " عن عمرو بن مرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين, فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم, احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره " المراد باحتجاب الوالي: أن يمنع أرباب الحوائج والمهمات أن يلجوا عليه فيعرضوها, ويعسر عليهم إنهائها , واحتجاب الله تعالى: أن لا يجيب دعوته, ويخيب آماله. والفرق بين الحاجة والخلة والفقر: أن الحاجة: ما يهتم به الإنسان, وأن يبلغ حد الضرورة, بحيث لو لم يحصل لاختل به أمره. و (الخلة): ما كان كذلك, مأخوذة من الخلل , ولكن ربما لم يبلغ حد الاضطرار, بحيث لو لم يوجد لامتنع التعيش. و (الفقر): وهو الاضطرار إلى ما لا يمكن التعيش دونه, مأخوذ من الفقار, كأنه كسر فقاره, ولذلك فسر الفقير بالذي لا شيء له

باب العمل في القضاء والخوف منه

أصلا, واستعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفقر. ... 3 - باب العمل في القضاء والخوف منه من الحسان: 903 - 2810 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين " (باب العمل في القضاء والخوف منه) (من الحسان): " عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين " يريد به القتل بغيره, كالخنق والتغريق والإحراق والحبس عن الطعام والشراب, فإنه أصعب وأشد من القتل بالسكين, لما فيه من مزيد التعذيب وامتداد مدته, شبه به التولية, لما في الحكومة من الخطر والصعوبة, ويحتمل أن يكون المراد: أن التولية إهلاك, ولكن لا بآلته المحسوسة, فينبغي ألا يتشوف به ولا يحرص عليه. ***

904 - 2813 - وقال: " من طلب قضاء المسلمين حتى يناله, ثم غلب عدله جوره فله الجنة, ومن غلب جوره عدله فله النار " " وعنه أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: من طلب قضاء المسلمين حتى يناله, ثم غلب عدله جوره فله الجنة, ومن غلب جوره عدله فله النار " الإنسان خلق في بدو فطرته بحيث يقوى على الخير والشر والعدل والجور, ثم إنه يعرض له دواعي داخلة وأسباب خارجة تتعارض وتتصاعد, فيجذبه هؤلاء مرة, وهؤلاء أخرى, حتى يفضي التطارد بينهما إلى أن يغلب أحد الحزبين ويقهر الآخر, فينقاد له بالكلية, ويستقر على ما يدعوه إليه. فالحاكم إن وفق حتى غلب له أسباب العدل, وتمكن فيه دواعيه صار بشراشره مائلا إلى العدل مشغوفا به, متحاشيا عما ينافيه, نال به الجنة, وإن خذل بأن كان حاله على خلاف ذلك جار بين الناس ونال بشؤمه النار, وقيل: معناه: من كان الغالب على أقضيته العدل والتسوية بين المترافعين فله الجنة, ومن غلب في أحكامه الجور والميل إلى أحدهما فله النار, فلعل الله تعالى يتجاوز عما يندر من الجور ببركة العدل الغالب, والله أعلم. ***

باب رزق الولاة وهداياهم

4 - باب رزق الولاة وهداياهم من الصحاح: 905 - 2819 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما استخلف أبو بكر قال: لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤونة أهلي, وشغلت بأمر المسلمين, سيأكل آل أبي بكر من هذا المال, ويحترف للمسلمين فيه " (باب رزق الولاة وهداياهم) (من الصحاح): " عن عائشة قالت: لما استخلف أبو بكر قال: لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤونة أهلي, وشغلت بأمر المسلمين, فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال, ويحترف للمسلمين فيه " لعله أراد بـ (قومي) قريشا, و (حرفته) التي كان يتغنى بها من الكسب وهي التجارة. " لم تكن تعدز عن مؤونة أهلي " أي: لم تكن تقصر عن مؤنتهم, وفيه: تنبيه على لما تقلد العمل لم يقبله لفاقة عيال وطمع في مال. و" أل أبي بكر ": أهله, عدل عن التكلم إلى الغيبة على طريقة الالتفات, وقيل: نفسه, و (آل) مقحم, لقوله: " ويحترف " وليس

بشيء, بل المعنى: أني كنت أكسب لهم فيأكلونه, والآن أكسب للمسلمين بالتصرف في أموالهم والسعي في مصالحهم ونظم أحوالهم, فيأكلون من مالهم المعد لمصالحهم, وهو مال بيت المال. وقوله هذا لمحضر من الصحابة مع عدم إنكارهم عليه دليل على أن للحاكم أن يأخذ من بيت المال ما يكفيه, ولا أرى أحدا من الأئمة منع عن ذلك, غير أنه حكي عن ابن مسعود: أنه كان يكرهه, وهو ظاهر إذا كان مستغنيا عن ذلك. ... من الحسان: 906 - 2821 - وقال عمر رضي الله عنه: عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني " (من الحسان): " قال عمر: عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني. أي: أعطاني عمالتي, وهي أجرة العمل. ... 907 - 2823 - عن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم

يقول: " من كان لنا عاملا فليكتسب زوجة, فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادما, فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنا " ويروى: " من اتخذ غير ذلك فهو غال " " عن المستورد بن شداد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان عاملا فليكتسب زوجة, فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادما, فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنا " قيل: أراد به أن العامل أن يأخذ مؤونة زوجه, ويتخذ خادما ومسكنا إن لم يكن له ذلك, ليتفرغ للعمل, وقيل: معناه: أنه يباح له اكتساب ذلك من عمالته, التي هي أجرة مثل عمله. ... 908 - 2825 - عن عبد الله بن عمرو قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي ". " عن عبد الله بن عمر قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي " يريد: المعطي والآخذ وإنما سمي منحة الحكام رشوة بالفتح والضم, لأنها وصلة إلى المقصود بنوع من الشفيع, مأخوذ من: الرشاء, وهو الحبل الذي يتوصل به إلى نزح الماء. ***

باب الأقضية والشهادات

909 - 2826 - وعن عمرو بن العاص قال: أرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن اجمع عليك سلاحك وثيابك ثم ائتني, قال: فأتيته وهو يتوضأ فقال: " يا عمرو, إني أرسلت إليك لأبعثك في وجه يسلمك الله ويغنمك, وأزعب لك زعبة من المال " فقلت: يا رسول الله! ما كانت هجرتي للمال, ما كانت إلا لله ولرسوله, فقال:: نعما بالمال الصالح للرجل الصالح " " وفي حديث عمرو بن العاص: وأزعب ذلك زعبة من المال " أي: أجعل لك قطعة من المال, يقال: زعبت له زعبة من المال: إذا قطعت له دفعة, والزعبة - بفتح الزاي وضمها: الدفعة من المال, قال في " الفائق ": الزعبة بالفتح: بناء المرة, وبالضم: المدفوع. ... 5 - باب الأقضية والشهادات من الصحاح: 910 - 2828 - وقال: " من حلف على يمين صبر, وهو فيها فاجر, يقتطع بها مال امرئ مسلم, لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان "

(باب الأقضية والشهادات) (من الصحاح): " عن ابن مسعود أنه – عليه الصلاة والسلام – قال: من حلف على يمين صبر, وهو فيها فاجر بها مال امرئ مسلم, لقي الله تعالى يوم القيامة وهو عليه غضبان " يريد بـ" يمين صبر ": اليمين اللازمة لصاحبها من جهة الحكم, فيصبر لأجلها, أي: يحبس, والمعنى: أن من توجه عليه الحلف, وألزمه الحاكم بعد الترافع, فحلف كاذبا, ليذهب بطائفة من مال امرئ مسلم لقي الله تعالى يوم القيامة, وهو يريد عذابه. وإنما قال) على يمين) تنزيلا للحلف منزلة المحلوف عليه على الاتساع, وأقام الفجور مقام الكذب, ليدل على أنه من أنواعه. و (اقتطاع الشيء): فصل قطعة منه وأخذها. ... 911 – 2830 – وقال: " إنما أنا بشر, وإنكم تختصمون إلي, ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض, فأقضي له على نحو ما أسمع منه, فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه, فإنما أقطع له قطعة من النار " " وفي حديث أم سلمة: إنما أنا بشر, وإنكم تختصمون إلي,

ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض, فأقضي له على نحو ما أسمع منه " أي: أفطن بها, من: اللحن – بفتح الحاء -, يقال: لحن الرجل يلحن لحنا فهو لاحن: إذا فطن لما لا يفطن له غيره, وأصله: الميل وإنما صدر الكلام بقوله: " إنما أنا بشر " تأسيسا لجواز أن لا يطابق حكمه ما في الواقع, لأنه بشر لا يعلم الغيوب, ولا يطلع على ما في الضمائر والنفوس, وإنما يحكم على حسب ما يسمعه من المترافعين, فلعل أحدهما أفطن بحجته وأقدر على تقريرها, فيقررها على وجه يظن أن الحق معه, فيحكم له, كما قال – عليه الصلاة والسلام -:" أنا أحكم بالظاهر " وكان الواقع أن الحق لخصمه, ولكن لم يتفطن لحجته, ولم يقدر على معارضته, وتمهيدا لعذره فيما عسى يصدر عنه من أمثال ذلك, ولو نادرا, وليس هذا من قيبل الخطأ في الحكم, فإن الحاكم مأمور مكلف بأن يحكم بما يسمع من كلام الخصمين وبما تقتضيه البينة, لا بما في نفس الأمر, حتى إن المبطل في الدعوى إذا أتى بشاهدي زور, فظن القاضي عدالتهما, فحكم له فهو محق في الحكم, وإن لم يكن المحكوم به ثابتا, وإن المحق إن أتى ببينة غير مرضية في ظاهر الشرع, فحكم بها فهو مبطل في الحكم, وإن كان المحكوم به ثابتا في الواقع. ***

912 – 2831 – وقال: " إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم " " وعن عائشة أنه – عليه الصلاة والسلام – قال: إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم " " الألد ": الشديد الخصومة, و" الخصم ": كثيرها, بحيث تصير الخصومة عادته وشأنه. ... 913 – 2835 – وقال: " ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها ". " عن زيد بن خالد أنه – عليه السلام – قال: أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها ". ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يحكم بالشهادة في حقوق الناس قبل الاستشهاد, كما لا يجب اليمين قبل الاستحلاف. ويدل عليه ما ورى عمران بن حصين أنه – عليه الصلاة والسلام – قال: " خير الناس قرني, ثم الذين يلونهم, ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون, ويحلفون ولا يستحلفون ", وخصصوا الحديث بشهادة الحسبة, وهي فيما يكون حق الله تعالى, كالزكاة والكفارات ورؤية هلال رمضان وموجب الكفر, أو له فيه حق مؤكد كالطلاق والعتاق.

وقيل: المراد بإتيان الشهادة قبل السؤال: إعلام المشهود له إذا لم يكن يعلم أنه شاهد على ما يدعيه. ... 914 – 2836 – وقال: " خير الناس قرني, ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم, ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه, ويمينه شهادته ". " وفي حديث ابن مسعود التالي لهذا الحديث: ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه, ويمينه شهادته " ومعناه: أنه يكون في القرن الرابع قوم حراص على الشهادة مشغوف برويجها, يحلفون على ما يشهدون به, فتارة يحلفون قبل أن يأتوا بالشهادة, وتارة يعكسون. ... 915 – 2837 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض على قوم اليمين فأسرعوا, فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف " " وعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض اليمين على قوم, فأسرعوا, فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف ". يمكن تصوير هذه القضية بأحد وجهين:

أحدهما: أن القوم تنازعوا في مال ليس في أيديهم, فعرض اليمين عليهم, لعل بعضهم يحلف وبعضهم ينكل, فيحكم للحالف على الناكل, فلما رأى أنهم يسرعون إلى اليمين " أمر أن يسهم بينهم " أي: أن يقرع بينهم, ويحلف من خرجت له القرعة ويستحق, وعلى هذا فهو عين ما روي أبو رافع, عن أبي هريرة: أن رجلين اختصما في دابة, وليس لهما بينة, فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستهما على اليمين, ونظيره, وبه قال علي رضي الله عنه. وثانيهما: أنهم أقاموا البينة, فعرض عليهم الحلف إما لأن بينتهم قد تعارضت وتهاترت, وكأن لا بينة لهم, أو لأنه ربما يحلف بعض دون بعض, فترجح بينته بيمينه, فلما أسرعوا إليها ولم يتقاعد أحد عنها أقرع, وحلف من خرجت له القرعة, لتترجح بينته فيستحق وهو قول الشافعي رضي الله عنه ... من الحسان: 916 – 2847 – عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة – ولو على سواك أخضر – إلا تبوأ مقعده من النار, أو وجبت له النار " (من الحسان): " عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحلف أحد عند منبري

هذا على يمين آثمة, ولو على سواك أخضر إلا يتبوأ مقعده من النار " تقييد الحلف بأن يكون عند المنبر يدل على أن للأمكنة تأثيرا في تغليظ اليمين, ومن لم يرد لك أوله بالمحكمة, لأن المحكمة كانت ثمة, ويقال: إن قضاة المدينة يجلسون ثمة للحكومة. و (اليمين الآثمة): هي الكاذبة, سميت آثمة كما سميت فاجرة على الاتساع. ... 917 – 2849 – عن عائشة رضي الله عنها ترفعه قالت: لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا مجلود حدا, ولا ذي غمر على أخيه, ولا ظنين في ولاء, ولا قرابة, ولا القانع لأهل البيت. ضعيف. " عن عائشة ترفعه: لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة, ولا مجلود حدا, ولا ذي غمر على أخيه, ولا ظنين في ولاء ولا قرابة, ولا القانع مع أهل البيت ". " ترفعه " أي: إلى الرسول – صلوات [الله] وسلامه عليه. و (الخائن): الذي يخون فيما ائتمنه عليه الناس, ويحتمل لأن يكون المراد به الأعم منه, وهو الذي يخون فيما ائتمن عليه, سواء ما ائتمنه الله عليه من احكام الدين, أو الناس من الأموال, قال الله تعالى:

{يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم} [الأنفال: 27] , ويكون إفراد " المجلود حدا " وعطفه عليه, لعظم خيانته, وهو يتناول الزاني الغير المحصن والقاذف والشارب. " ولا ذي غمر " أي: حقد وعداوة وإنما قال: " على أخيه " تلبينا لقلبه, وتقبيحا لصنيعه. و (الظنين): المتهم من: الظنة التي هي التهمة, قيل: أراد به الذي أضاف نفسه إلى غير مواليه, أو ينسب إلى غير أصوله وأقاربه, وإنما رد شهادته, لأن نفى الوثوق به عن نفسه, واحتمل أن يكون المراد به: المتهم بسبب ولاء أو قرابة. وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا تقبل شهادة أحد المتوالدين للآخر, وتقبل شهادة غيرهم من الأقارب. وقال الثوري: لا تقبل شهادة كل ذي رحم محرم من النسب, ولم نجد منهم أحدا رد شهادة المعتق لمعتقه أو بالعكس, وفي الجملة فالحديث ضعيف, مطعون الرواة, لا احتياج به. و" القانع لأهل البيت ": هو الخادم والتابع لهم, وأصله: السائل فأطلق عليه لمشاركته إياه في الحاجة, وإنما رد شهادته إما لأنه لا يكون لأمثاله مروءة غالبا, أو لاتهامه بجر نفع فيها.

وقولها: (ورد شهادة القانع) حكاية حال, فلا عموم فيه. ... 918 – 2851 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية ". " وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية ". ذهب إليه مالك ورد شهادة البدوي على القروي, وأوله الباقون وقالوا: معنى " لا تجوز " أنه لا يحسن, إما لعدم ضبطه وتفطنه لما يحيل الشهادة عن وجهها, وإما لحصول التهمة ببعد ما بينهما, وإما لأن شهادته قلما تنفع, فإنه يعسر طلبه عند الحاجة إلى إقامة الشهادة. ... 919 – 2852 – عن عوف بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين, فقال المقضي عليه لما أدبر: حسبي الله ونعم الوكيل, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله يلوم على العجز, ولكن عليك بالكيس , فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل " " وعن عوف بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين الرجلين, فقال المقضي عليه لما أدبر: حسبي الله ونعم الوكيل, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن

الله تعالى يلوم على العجز, ولكن عليك بالكيس, فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل. لما عرض المقتضي عليه بقوله: " حسبي الله ونعم الوكيل " أنه مظلوم أجابه النبي صلى الله عليه وسلم, فإنه ملوم من الله تعالى, مأخوذ بعجزه وتركه التدبير بالإشهاد وإقامة الحجة, وغير ذلك مما يوجب له الغلبة وثبوت الحق, وليس من التوكل ترك الأسباب وإغفال الحزم في الأمور, بل على العاقلة أن يتكيس في الأمور, بأن يتيقظ فيها, ويطلب ما يعن له بالتوجه إلى أسباب جرت عادة الله على ارتباط تلك المطالب بها, ويدخل عليها من أبوابها, ثم إن غلبه أمر, وعسر عليه مطلوب, ولم يتيسر له طريق, كان معذورا فيه, فليقل حينئذ: (حسبي الله ونعم الوكيل) , والله تعالى أعلم. ***

(17) كتاب الجهاد

كتاب الجهاد

(17) كتاب الجهاد من الصحاح: 920 2854 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من آمن بالله وبرسوله, وأقام الصلاة, وصام رمضان, كان حقا على الله أن يدخله الجنة, جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها " قالوا: أفلا نبشر الناس؟ قال: " إن في الجنة مئة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله, ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض, فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس, فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة, وفوقه عرش الرحمن, ومنه تفجر أنهار الجنة " (كتاب الجهاد) (من الصحاح): " وفي حديث أبي هريرة - وهو المصدر به الكتاب -: فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس, فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة ".

أي: خير طبقات الجنة وأعلاها, مأخوذ من: الوسط, الذي هو أبعد من الخلل والآفات من الأطراف. ... 921 - 2856 - وقال: " انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي, وتصديق برسلي, أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة, أو أدخله الجنة " " وعنه أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة وأدخله الجنة " " انتدب الله " أي: تكفل وضمن, وأصله: الاستجابة, يقال: ندبته فانتدب, وكأن المجاهد في سبيل الله الذي لا غرض له في جهاده سوى التقرب إلى الله تعالى والإيمان والتصديق برسله فيما أخبروه به أنه قربة إلى الله ووصلة ينال بها الدرجات العلى, تعرض بجهاده لطلب النصر والمغفرة, فأجاب الله تعالى بغيته, ووعد له إحدى الحسنيين, إما السلامة والرجوع بالأجر والغنيمة, وإما الوصول إلى الجنة والفوز بمرتبة الشهادة. ***

922 - 2860 - وقال: " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه, وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله, وأجري عليه رزقه, وأمن الفتان " " وعن سلمان الخير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه, وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله, وأجري عليه رزقه, وأمن الفتان " (الرباط): المرابطة, وهو أن يربط هؤلاء خيولهم في ثغرهم, هؤلاء خيولهم في ثغرهم, ويكون كل منهم معدا لصاحبه, متربصا لقصده, ثم اتسع فيها, فأطلقت على ربط الخيل واستعدادها لغزو العدو حيث كان وكيف كان, وقد يتجوز به للمقام بأرض والتوقف فيها, وهو في الحديث يحتمل كل واحد من المعنيين. قوله: " وإن مات " أي: المرابط, أضمره وإن لم يجر ذكره, لدلالة (الرباط) عليه. " جرى عليه عمله الذي كان يعمل " أي: لا ينقطع أجره وثوابه, كما روى فضالة بن عبيد: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: " كل ميت يختم على عمله, إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله, فإنه ينمي له عمله إلى يوم القيامة, ويأمن فتنة القبر ".

وهو معنى قوله في هذا الحديث: " وأمن الفتان" أي: عذاب القبر, أو الذي يفتن المقبور فيغلبه, وقيل: أراد به الدجال, وقيل: الشيطان, فإنه يفتن الناس بخدعه إياهم, وتزيين المعاصي لهم. ... 923 - 2863 - وقال: " من خير معاش الناس لهم, رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه, كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل والموت مظانة, أو رجل في غنيمة في رأس شعفة من هذه الشعف أو بطن واد من هذه الأودية يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين, ليس من الناس إلا في خير " " وعن أبي هريرة أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه, كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل والموت مظانه, أو رجل في غنيمة في رأس شعفة من هذه الشعف أو بطن واد من هذه الأوية, يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين, ليس من الناس إلا في خير ".

(المعاش): التعيش, يقال: عاش الرجل معاشا ومعيشا, وما يعاش به فيقال له: معاش ومعيش, كـ (معاب ومعيب) , و (ممال ومميل) , وفي الحديث يصح تفسيره بهما. و" رجل " رفع بالابتداء على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه, أي: معاش رجل هذا شأنه من خير معاش الناس لهم. " يطير على متنه " أي: يسرع راكبا على ظهره, مستعار من طيران الطائر. و" الهيعة ": الصيحو التي يفزع منها ويجبن, من: (هاع يهيع هيعا): إذا جبن, و (الفزعة) هاهنا فسر بالاستعاثة, من: (فزع): إذا استغاث وأصل الفزع: شدة الخوف. " فينبغي القتل أو الموت مظانه " أي: لا يبالي ولا يتحرز منه, بل يطلبه حيث يظن أنه يكون, و (مظان) جمع: مظنة, وهي الموضع الذي يعهد فيه الشيء ويظن أنه فيه. ووحد الضمير في (مظانه) إما لأن الحاصل والمقصود منهما واحد, أو لأنه اكتفى بإعادة الضمير إلى الأقرب, كما اكتفى به في قوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها} [التوبة: 34] , " أو رجل في غنيمة " أي: معاشه, والظرف متعلق به إن جعل مصدرا, أو بمحذوف هو صفة لـ (رجل) , و (غنيمة) تصغير: غنم وهو مؤنث سماعي, ولذلك صغرت بالتاء.

و (الشعفة): رأس الجبل " من هذه الشعف " يريد به الجنس لا العهد. و" اليقين ": الموت, سمي به لتحقق وقوعه. وقوله: " ليس من الناس إلا في خير " أي: ليس في شيء من أمور الناس إلا في خير, يسلم الناس منه, ويسلم هو منهم, أو: ليس هو في حال من أحوالهم إلا في خير, أو ليس معدودا منهم إلا في عداد الخير. ... 924 - 2864 - وقال: " من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا, ومن خلف غازيا في أهله فقد غزا " " وفي حديث زيد بن خالد الجهني: ومن خلف غازيا في أهله فقد غزا " يقال: خلفه في أهله: إذا قام مقامه في إصلاح حالهم ومحافظة أمرهم, أي: من تولى أمر الغازي وناب منابه في مراعاة أمره زمان غيبته شاركه في الثواب, لأن لإفراغ الغازي له واشتغاله بسبب قيامه بأمر عياله وكأنه مسبب من فعله. ... 925 - 2869 - وقال: " لا يكلم أحد في سبيل الله - والله أعلم بمن يكلم في سبيله - إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دما, اللون

لون الدم والريح ريح المسك " وفي حديث أبي هريرة: " وجرحه يثعب " أي: ينفجر منه الدم, يقال: ثعبت الماء فانثعب: إذا فجرته فانفجر, أسند الفعل إلى (الجرح) لأنه السبب فيه. ... 926 - 2871 - وسئل عبد الله بن مسعود عن هذه الآية: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقزن} قال: إنا قد سألنا عن ذلك فقال: " أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش, تسرح من الجنة حيث شاءت , ثم تأوي إلى تلك القناديل, فاطلع عليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا! ففعل ذلك بهم ثلاث مرات, فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا, قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسامنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى, فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا " " وسئل عبد الله بن مسعود عن هذه الآية: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم} قال: إنا قد سألنا عن ذلك, فقال: أرواحهم في جوف طير خضر, لها قناديل معلقة بالعرش, تسرح من الجنة حيث شاءت, ثم تأوي إلى تلك القناديل, فاطلع إليهم ربهم

اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أي شيء نشتهي؟ ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ففعل بهم ثلاث مرات, فلما رأوا أنهم لم يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب! نريد أن ترد أرواحنا في أجسامنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى, فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا " المسؤول والمجيب هو الرسول صلوات الله وسلامه عليه, وفي " قال " ضمير له, وتدل عليه قرينة الحال, فإن ظاهر حال الصحابي أن يكون سؤاله واستكشافه عن الرسول صلى الله عليه وسلم, لاسيما في تأويل آية هي من المتشابهات, وما هو من أحوال المعاد, فإنها غيب صرف لا يمكن معرفته إلا بالوحي, ولكونه بهذه المثابة من التعين أضمر من غير أن يسبق ذكره. وقوله: " أرواحهم في أجواف طير خضر " أي: يخلق لأرواحهم بعد ما فارقت أبدانهم هياكل على تلك الهيئة تتعلق بها, وتكون خلفا عن أبدانهم, فيتوسلون بها إلى نيل ما يشتهون من لذائذ الجنة. و" اطلاع الله عليهم, واستفهامه عما يشتهونه مرة بعد أخرى): مجاز عن مزيد تلطفه بهم, وتضاعف فضله عليهم.

وإنما قال: " اطلاعة " ليدل على أنه ليس من جنس اطلاعنا على الأشياء, وعداه بـ (إلى) , وحقه أن يعدي بـ (على) لتضمنه معنى الانتهاء. والمراد بقوله: " فلما رأوا أنهم لم يتركوا ... " إلى آخره: أنه لا يبقى لهم متمنى ولا مطلوب أصلا غير أن يرجعوا إلى الدنيا, فيستشهدوا ثانيا, لما رأوا بسببه من الشرف والكرامة. هذا وإن الحديث تمثيل وتخييل لحالهم وما هم عليه من البهجة والسعادة, شبه لطافتهم وبهاءهم, وتمكنهم من التلذذ بأنواع المشتهيات, والتبوء من الجنة حيث شاؤوا, وقربهم من الله تعالى, وانخراطهم في غمار الملأ الأعلى الذين هم حول عرش الرحمن = بما إذا كانوا في أجواف طير خضر, تسرح إلى الجنة حيث شاءت, وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش, وشبه حالهم في استجماع اللذائذ وحصول جميع المطالب بحال من يبالغ ويشدد عليه ربه المتفضل المشفق عليه غاية التفضل والإشفاق, القادر على جميع الأشياء, يسأل منه مطلوبا, ويكرر مرة بعد أخرى, بحيث لا يرى بدا من السؤال, فلم ير شيئا ليس له أن يسأله إلا أن يرد إلى الدنيا, فيقتل في سبيل الله مرة أخرى, والعلم عند الله تعالى. ... 927 - 2874 - وقال: " يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة, يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله

على القاتل فيستشهد " " وفي حديث أبي هريرة: يضحك الله إلى رجلين " أي: يرضى ويلطف كالمنبسط إليهما المستعجب لحالهما, مأخوذ من قولهم: ضحكت إلى فلان: إذا انبسطت إليه, وتوجهت إليه توجه طلق. ... 928 - 2876 - عن أنس رضي الله عنه: أن الربيع بنت البراء - وهي أم حارثة بن سراقة - أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله! ألا تحدثني عن حارثة, وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب, فإن كان في الجنة صبرت, وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء, قال: " يا أم حارثة! إنها جنان في الجنة, وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى " " وفي حديث أنس: أصابه سهم غرب " أي: لا يدرى راميه, فقال: " أصابه سهم غرب " و" سهم غرب " بالصفة والإضافة, وبسكون الراء وفتحها بمعنى, وقيل: إذا أضيف فمعناه: أنه رمى به غيره فأصابه, وأصل التركب للغيبة والخفاء. ... 929 - 2877 - عن أنس رضي الله عنه قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر, وجاء المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قوموا إلى الجنة عرضها السماوات والأرض, قال عمير بن الحمام: بخ بخ, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما يحملك على قولك: بخ بخ؟ " قال: لا والله يا رسول الله! إلا رجاء أن أكون من أهلها, قال: " فإنك من أهلها ", قال: فأخرج تمرات فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي إنها لحياة طويلة, قال: فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل " " وفي حديثه الآخر: فاخترج تمرات " أي: أخرجها, يقال: اخترجه الأمير من السجن: إذا أخرجه منه. ... 930 - 2878 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله من قتل في سبيل الله, قال: إن شهداء أمتي إذا لقليل! من قتل في سبيل الله فهو شهيد, ومن مات في سبيل الله فهو شهيد, ومن مات في الطاعون فهو شهيد, ومن مات في البطن فهو شهيد ". " وفي حديث أبي هريرة: ما تعدون الشهيد فيكم؟ " استفهم عن " الشهيد " بـ" ما " وكان من حقه أن يستفهم عنه بـ (من) كما أجيب به, ولكن لما كان السؤال عن الحال التي ينال بها المؤمن رتبة

الشهادة, ويستأهل بها أن يقال: إنه شهيد, لا عن ذاته استفهم عنها بـ (ما) و (الشهيد): فعيل من: الشهود, بمعنى: مفعول, لأن الملائكة تحضره, وتشهد له بالفوز والكرامة, أو بمعنى: فاعل, لأنه يلقى ربه ويحضر عنده, كما قال تعالى: {والشهداء عند ربهم} [الحديد: 19] , أو من: الشهادة, فإنه بين صدقه في الإيمان والإخلاص في الطاعة ببذل النفس في سبيل الله, أو يكون تلو الرسل في الشهادة على الأمم يوم القيامة. ومن مات بالطاعون, أو بوجع في بطن ملحق بمن قتل في سبيل الله, لمشاركته إياه في بعض ما ينال من الكرامة, بسبب ما كابده من الشدة, لا في جملة الأحكام والفضائل ... 931 - 2879 - وقال: " ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم, وما من غازية أو سرية تخفق وتصاب إلا تم أجورهم " " عن عبد الله بن عمرو: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم, وتسلم إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم, وما من غازية أو سرية تخفق وتصاب إلا تم أجورهم " أنث " غازية " على تأويل الجماعة أو الفئة, والغزو في الأصل:

القصد, وفي العرف: الخروج إلى محاربة العدو, وفي الشرع: الخروج إلى محاربة الكفار. و (السرية): القطعة من الجيش, و"أو" إن كان من لفظ الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - فمعناه: أن الحكم المذكور شامل للجنس بأسره وللبعض منه, وإن كان من الراوي فلشكه في العبارة. و" تخفق " من: أخفق الجيش: إذا لم يصب غنيمته, وحقيقته: وجدت الغنيمة خافقة غير ثابتة, فهو من باب (أجبنته وأبخلته) والمعنى: أن من غزا الكفار, فرجع سالما غانما فقد تعجل واستوفى ثلثي أجره, وهما السلامة والغنيمة في الدنيا, وبقي له ثلث الأجر يناله في الآخرة, بسبب ما قصد بغزو, ومحاربة أعداء الله ونصر دينه, ومن غزا, فأصيب في نفسه بقتل أو جرح, ولم يصادف غنيمة فأجره باق بكماله, لم يستوف منه شيئا, فيوفى عليه بكماله في الآخرة. ... 932 - 2883 - عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد, فقال: " أحي والدك؟ " قال: نعم, قال: ففيهما فجاهد " وفي رواية: " فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما ".

" وفي حديث الآخر: ففيهما فجاهد " أي: المجاهدة والسعي في خدمة الوالدين أهم لك من الجهاد, فإنها فرض عين عليك, والجهاد ليس كذلك, فجاهد في أمرهما, وفيه: دليل على أن للوالدين منع الولد من الجهاد, وهذا إذا لم يتعين, وكانا مسلمين. ... 933 - 2884 - وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح: " لا هجرة بعد الفتح, ولكن جهاد ونية, وإذا استنفرتم فانفروا " " وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح: لا هجرة بعد الفتح الظاهر أنه أراد به نفي الهجرة من مكة, لأن الهجرة عنها إنما كانت مأمورا لأنها كانت دار كفر، فلما فتحت وصارت دار إسلام لم يبق للهجرة عنها أثر شرعا, لا نفيها مطلقا, لما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة " ولقيام المعنى الداعي إليها بالنسبة إلى بلاد الكفار من أهل الحرب. ... 934 - 2885 - عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم,

حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال " (من الحسان): " وفي حديث عمران بن حصين: يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم " أي: غالبين على من خاصمهم وعاداهم, و (المناوأة): المعاداة, من: النوء, فإن كلا من المتعاديين ينهض إلى قتال صاحبه. ... 935 - 2886 - عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من لم يغز ولم يجهز غازيا, أو يخلف غازيا في أهله بخير, أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة " " وفي حديث أبي أمامة: أصابه الله بقارعة " أي: شدة من الشدائد, يقرعه, أي: يدقه, ولذلك سميت القيامة: قارعة. ... 936 - 2888 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفشوا السلام, وأطعموا الطعام, واضربوا الهام, تورثوا الجنان " غريب. " وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفشوا السلام, وأطعموا

الطعام, واضربوا السهام تورثوا الجنان " (إفشاء السلام): إظهاره ورفع الصوت به, أو: إشاعته بأن تسلم على من تراه عرفته أو لم تعرفه, والمراد بـ (ضرب الهام): الجهاد, ولما كانت أفعالهم هذه تخلف عليهم الجنان فكأنهم ورثوها منها. ... 937 - 2890 - وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من قاتل في سبيل اله فواق ناقة, فقد وجبت له الجنة, ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة, فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت, لونها الزعفران وريحها المسك, ومن خرج به خراج في سبيل الله فإن عليه طابع الشهداء " " وفي حديث معاذ بن جبل: من قاتل في سبيل الله فواق ناقة " أي: قدره, وهو - بالفتح والضم - زمان ما بين الحلبتين, فإن النوق تحلب, ثم تترك سويعة يرتضعها الفصيل لتدر, ثم تحلب مرة ثانية. وفيه: " من خرج به خراج في سبيل الله " أي: ما يخرج من البدن كسلعة أو دمل, فإن عليه طابع الشهداء, أي: ختمهم, يريد به علامة الشهداء وأمارتهم. ***

938 - 2895 - عن أبي هريرة قال: مر رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعب فيه عيينة من ماء عذبة فأعجبته, فقال: لو اعتزلت الناس فأقمت في هذا الشعب, فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تفعل! فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما, ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة, اغزوا في سبيل الله, من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة " " وفي حديث أبي هريرة: مر رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بشعب فيه عيينة من ماء عذبة " " عيينة " تصغير: (عين) , و (عذبة): صفة لها, وفي أكثر النسخ: " غيضة من ماء " فإن صحت الرواية بها فالمعنى: غيضة كائنة من ماء, وهي الأجمة, من: غاض الماء: إذا نضب, فإنها مغيض ماء يجتمع فيه الشجر, والجمع: غياض وأغياض. ... 939 - 2898 - عن عبد الله بن حبشي: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي: الأعمال أفضل؟ قال: " إيمان لا شك فيه, وجهاد لا غلول فيه, وحجة مبرورة " قيل: فأي الصلاة أفضل؟ قال: " طول القيام " ؤقيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: " جهد المقل ", قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: " من هجر ما حرم الله عليه " قيل: فأي الجهاد أفضل؟

قال: " من جاهد المشركين بماله ونفسه ", قيل: فأي القتل أشرف؟ قال: " من أهريق دمه وعقر جواده ". " وفي حديث عبد الله بن حبشي قال: جهد المقل " أي: بذل الفقير, لأنه يكون بجهد ومشقة لقلة ماله, وإنما يجوز له الإنفاق إذا قدر على الصبر, ولم يكن له عيال تضيع بإنفاقه. وفيه: " عقر جواده " أي: هلك. ... 940 - 2902 - وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين: قطرة دمع من خشية الله, وقطرة دم يهراق في سبيل الله, وأما الأثران: فأثر في سبيل الله, وأثر في فريضة من فرائض الله تعالى "غريب " وفي حديث أبي أمامة: وأما الأثران: فأثر في سبيل الله, وأثر في فريضة من فرائض الله تعالى ". (الأثر) - بفتحتين -: ما بقي من الشيء دالا عليه, والمراد بـ (الأثرين): آثار خطى الماشي في سبيل الله, والساعي في فريضة من فرائض الله, أو ما يبقى على المجاهد من أثر الجراحات, وعلى

الساعي المتعب في أداء الفرائض والقيام بها والكد فيها من علامات ما أصابه فيها, كاحتراق الجبهة من حر الرمضاء التي يسجد عليها, وانفطار الأقدام من برد الماء الذي يتوضأ به. ... 941 - 2903 - عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تركب البحر إلا حاجا أو معتمرا أو غازيا في سبيل الله, فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا " " وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تركب البحر إلا حاجا أو معتمرا أو غازيا في سبيل الله, فإن تحت البحرنارا وتحت النار بحرا " يريد أن العاقل ينبغي ألا يلقي نفسه إلى المهالك, ويوقعها مواقع الأخطار إلا لأمر ديني يتقرب إلى الله تعالى, أو يحسن بذل النفس فيه وإيثاره على الحياة. وقوله: " فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا ": يريد به تهويل شأن البحر, وتعظيم الخطر في ركوبه, فإن راكبه متعرض للآفات والمهالك المتراكمة بعضها فوق بعض, لا يؤمن من الهلاك عليه, ولا يرجى خلاصه, فإن أخطأته ورطة منها جذبته أخرى بمخالبها, وكان الغرق رديف الحرق, والحرق رديف الغرق. ***

942 - 2904 - عن أم حرام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد, والغريق له أجر شهيدين " " وفي حديث أم حرام: المائد في البحر الذي يصيبه القيء " " المائد " أي: المائل, يقال: ما الرجل يميد: إذا مال, وفي القرآن: {أن تميد} [النحل: 15] , ... 945 - 2905 - عن أبي مالك الأشعري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من فصل في سبيل الله فمات, أو قتل، أو وقصه فرسه أو بعيره, أو لدغته هامة, أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله فإنه شهيد, وإن له الجنة" وفي حديث أبي مالك الأشعري: أو وقصه فرسه " أي: رماه من ظهره فأهلكه, وأصل الوقص: كسر العنق. " أو لدغته هامة " أي: دويبة مؤذية. " أو مات على فراشه بأي حتف " أي: بأي نوع من أنواع الموت, يقال: مات فلان حتف أنفه: إذا مات من غير قتل بجارح أو مثقل, لأنهم يتوهمون أن من مات كذلك زهقت نفسه من أنفه. ***

944 - 2906 - عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قفلة كغزوة " " وعن عبد الله بن عمر [و] رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قفلة كغزوة " أي: يثاب الغازي بقفوله ورجوعه إلى أهله كما يثاب بغزوه وخروجه إلى العدو, لأن حركات القفول من توابع الغزو ومقتضياته, فيكون كحركات الغزو في استدعاء الأجر وإيجاب الثواب, وقيل: أراد بالقفلة الكرة على العدو بعد ما انفصل عنه فرارا أو لغيره. ... 945 - 2907 - وقال: " للغازي أجره, وللجاعل أجره وأجر الغازي " " وعنه أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: للغازي أجره, وللجاعل أجره وأجر الغازي " يريد بـ (الجاعل): من شرط للغازي جعلا, فله أجر بذل المال الذي جعله جعلا, وأجر الغازي المجعول له, فإنه حصل بسببه. وفيه: ترغيب للجاعل ورخصة للمجعول له, وللعلماء في جواز أخذ الجعل على الجهاد خلاف, ترخص فيه الزهري ومالك وأصحاب الرأي, ومنعه الشافعي.

ويدل عليه الحديث الذي بعده وهو: ... 946 - 2908 - عن أبي أيوب سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ستفتح عليكم الأمصار, وستكون جنود مجندة, يقطع عليكم فيها بعوث, فيكره الرجل البعث فيتخلص من قومه, ثم يتصفح القبائل يعرض نفسه عليهم: من أكفيه بعث كذا, ألا وذلك الأجير إلى آخر قطرة من دمه " " ما روى أبو أيوب أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: ستفتح عليكم الأمصار, وستكون جنود مجندة, يقطع عليكم فيها بعوث, فيكره الرجل البعث, فيتخلص من قومه, ثم يتصفح القبائل, يعرض نفسه عليهم: من أكفه بعث كذا, ألا وذلك الأجير إلى آخر قطرة من دمه " فإنه يدل على أن الآخذ له أجير, وليس بغاز,,وإن قتل في الواقعة, لأن ظاهر حاله أن الطنع في هذا الجعل أخرجه, ولم يكن قصده به إعلاء كلمة الله وامتثال أمره, وعلى هذا فتأويل الحديث: أن يحمل الجاعل على الكجهز للغازي والمعين له ببذل ما يحتاج إليه, ويتمكن به من الغزو, من غير استئجار وشرط. قوله في حديث أبي ايوب: " ستكون جنود مجندة " أي: مجموعة من جند العسكر إذا جمعه.

" تقطع عليكم فيها بعوث " أي: تقدر عليكم في تلك الجنود بعوث, أي: جيوش, بمعنى: يلزمون أن يخرجوا بعوثا تنبعث من كل قوم إلى الجهاد. " فيتخلص " أي: يخرج منهم طالبا لخلاصه من أن يبعث. " ثم يتصفح القبائل " أي: يتفحص عنها ويتأمل فيها. " من أكفه كذا " أي: من يعطيني, أو يشرط لي شيئا فأنبعث بدله وأكفيه البعث. " ألا وذلك الأجير إلى آخر قطرة من دمه " أي: إلى أن يموت فينقطع دمه, والمراد بذكر هذه الغاية: المبالغة في نفي الغزو عنه, والإقناط الكلي عن أن يكون من عداد الغزاة, ويستحق من أجورهم شئا. ... 947 - 2911 - وعن معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الغزو غزوان: فأما من ابتغى وجه الله, وأطاع الإمام, وأنفق الكريمة, وياسر الشريك, واجتنب الفساد, فإن نومه ونبهه أجر كله, وأما من غزا فخرا ورياء وسمعة, وعصى الإمام وأفسد في الأرض, فإنه لم يرجع بالكفاف " " وعن معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الغزو غزوان: فأما من

ابتغي وجه الله, وأطاع الإمام, أنفق الكريمة, وياسر الشريك, واجتنب الفساد, فإن نومه ونبهه أجر كله, وأما من غزا فخرا ورياء وسمعة, وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنه يرجع بالكفاف " " الغزو غزوان " غزو على ما ينبغي, وغزو على ما لا ينبغي, فاقتصر الكلام, واستغنى بذكر الغزاة وعد أصنافها, وشرح حالهم وبيان أحكامهم, عن ذكر القسمين وشرح كا واحد منهما مفصلا. قوله: " وأطاع الإمام " أي: في غزوه, فأتى به على نحو ما أمره. و" أنفق الكريمة " أي: المختار من ماله, وقيل: نفسه. " وياسر الشريك " أي: ساهل الرفيق واستعمل اليسر معه, نفعا بالمعونة, وكفاية للمؤونة. " واجتنب الفساد " أي: لم يتجاوز المشروع في القتل والنهب والتخريب. " فإن نومه ونبهه " أي: يقظته. " أجر كله " أي: ذو أجر وثواب. والمعنى: أن من كان هذا شأنه كان جميع حالاته من الحركة والسكون والاستراحة والانتباه مقتضية للأجر, جالبة للثواب, وأن من حاله على خلاف ذلك " لم يرجع بالكفاف " أي: الثواب, مأخوذ من: كفاف الشيء وهو خياره, أو من: الرزق, أي: لم يرجع بخير أو بثواب يعينه يوم القيامة. ***

باب إعداد آلة الجهاد

2 - باب إعداد آلة الجهاد من الصحاح: 948 - 2915 - وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ستفتح عليكم الروم, ويكفيكم الله, فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه " (باب إعداد آلة الجهاد) (من الصحاح): " وفي حديث عقبة بن عامر: فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه " أي: له أن يلعب بها, وليس ممنوعا عنه. ... 949 - 2917 - وعن سلمة بن الأكوع قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق فقال: " ارموا بني إسماعيل! فإن أباكم كان راميا, وأنا مع بني فلان, " لأحد الفريقين, فأمسكوا بأيديهم فقال: مالكم؟ قالوا: وكيف نرمي وأنت مع بني فلان؟ قال: أنا معكم كلكم " " وعن سلمة بن الأكوع قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق "

" التناضل ": الترامي للسبق, و" السوق " جمع: ساق, استعمله للأسهم على سبيل الاستعارة. ... 950 - 2921 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ص: " من احتبس فرسا في سبيل الله إيمان بالله وتصديقا بوعده, فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة " " وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: من احتبس فرسا في سبيل الله " أي: ربطه وحبسه على نفسه, إعدادا لما عسى يحدث من غزو أو ثلمة في ثغر. ... 951 - 2923 - عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي أضمرت من الحفياء, وأمها ثنية الوداع, وبينهما ستة أميال, وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق وبينهما ميل. " عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي أضمرت من الحفياء, وأمدها ثنية الوداع, وبينهما ستة أميال " (إضمار الفرس وتضميره): أن يربط الفرس ويزيد في علفه حتى يسمن, ثم يرده إلى القوت, ويشد عليه السرج ويجلل بالجل حتى

يعرق تحته, فيذهب رهله ويشتد لحمه, فيصير أخف وأمكن من العدو, مأخوذ من: الضمر, وهو الهزال, و" الحفياء " بالفتح وسكون الفاء قصرا ومدا: موضع بمكة " وأمدها " أي: غاية المسابقة ومنتهاها. " ثنية الوداع " وهي موضع به أيضا, وسميت بذلك لأنها موضع التوديع. ... 952 - 2924 - عن أنس رضي الله عنه قال: كانت ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى العضباء, وكانت لا تسبق, فجاء أعرابي على قعود له فسبقها, فاشتد ذلك على المسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن حقا على الله لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه " " وفي حديث أنس: فجاء أعرابي على قعود له " (القعود من الإبل): الذلول الذي يقعد.

من الحسان: 953 - 2925 - عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به, ومنبله، وارموا واركبوا, وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا, كل شيء يلهو به الرجل باطل, إلا رميه بقوسه, وتأديبه فرسه, وملاعبته امرأته, فإنهن من الحق, ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه, فإنه نعمة تركها أو قال: كفرها " (من الحسان): " وفي حديث عقبة: والرامي به ومنبله " (المنبل): الذي يلتقط السهم بعد الرمي, يدفعه إلى الرامي, ونظم الكلام يقتضي أن يكون الضمير للسهم, ويحتمل أن يكون للرامي. ... 954 - 2926 - عن أبي نجيح السلمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من بلغ بسهم في سبي الله فهو له درجة في الجنة, ومن رمى بسهم في سبيل الله فهو له عدل محرر, ومن شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة " " وفي حديث أبي نجيح السلمي: ومن رمة بسهم في سبيل الله

فهو له عدل محرر" أي: فذلك السهم مثل عبد حرره, يعني: يستحق برميه من الثواب مثل ما يستحق الرجل بتحرير رقبة. ... 955 - 2927 - وعن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر " " وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر " (السبق) بالتحريك: المال الذي يشترط للسابق, وبالسكون: مصدر (سبقت) والمعنى: لا يجوز المسابقة بالمال ولا يحل أخذه بالسبق إلا في هذه الأجناس الثلاث. والمراد بـ (النصل): السهم وما في معناه: وبـ (الخف والحافر) الإبل والفرس, أي: ذي خف وذي حافر. ... 956 - 2929 - وقال: " لا جلب ولا جنب " يعني: في الرهان " وفي حديث عبد الله بن عمرو: لا جلب ولا جنب " قد مر تفسيره في (باب الزكاة)

957 - 2930 - وعن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم, قم الأقرح المحجل طلق اليمين, فإن لم يكن أدهم فكميت على هذه الشية " " وعن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم, ثم القرح المحجل طلق اليمين, فإن لم يكن أدهم فكميت على هذه الشية " (الأدهم): الأسود المشتد سواه، و (الأقرح): الذي في وجهه القرحة - بالضم - وهي بياض دون بياض الغرة، و (الأرثم): الذي في شفته العليا بياض وتسمى هذه الشية: رثمة ورثما, مأخوذ من قولهم: رثمت المرأة أنفها بالطيب,:إذا طلته, و (المحجل): الذي قوائمه بيض, و (طلق اليمين): الذي تكون يمناه بلون البدن, وباقي قوائمه أبيض بياضا يتجاوز الأرساغ ولا يتجاوز الركبة, و (الكميت) من الفرس: الأحمر الذي يخالط حمرته قترة, يستوي فيه المذكر والمؤنث, والفرق بينه وبين (الأشقر) بالذنب والعرف, فإن كانا أحمرين فأشقر, وإن كانا أسودين فكميت قال الخليل: إنه تصغير (كمت) وإنما صغر للدلالة على أن

حُمرته غير خالصة, و" الشية " في الفرس: الذي لونه يخالف معظم لونه, فإنه علامة وحلية تميزه عن أخواته. ... 958 - 2933 - عن شيخ من بني سليم, عن عتبة بن عبد الله السلمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تقصوا نواصي الخيل, ولا معارفها ولا أذنابها, فإن أذنابها مذابها, ومعارفها دفاؤها, ونواصيها معقود فيها الخير " " وفي حديث عتبة بن عبد السلمي: ولا معارفها " أي: شعور عنقها, جمع: (عرف) عللا غير قياس, وقيل: هي جمع: (معرفة) والمحل الذي ينبت عليها العرف, فأطلقت على الأعراف مجازا. " ولا أذنابها فإن أذنابها مذابها " أي: مراوحها, تذب بها الهوام عن أنفسها. " ومعارفها دفؤها " أي: كساؤها الذي تدفأ به. ... 959 - 2935 - عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا مأمورا, ما اختصنا دون الناس بشيء إلا بثلاث: أمرنا أن نسبغ الوضوء, وأن لا نأكل الصدقة, وأن لا ننزي حمارا على فرس "

" وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا مأمورا, ما اختصنا بشيء دون الناس إلا بثلاث: أمرنا أن نسبغ الوضوء, وأن لا نأكل الصدقة, وأن ل ننزي حمارا على فرس " " عبدا مأمورا " أي: مطواعا غير مستبد في الحكم ولا حاكم بمقتضى ميله وتشهيه, حتى يخص من شاء بما شاء من الأحكام. " ما اختصنا " يريد به نفسه وسائر أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. " دون الناس بشيء " أي: اختصنا بحكم لم يحكم به على سائر أمته ولم يأمرنا بشيء لم يأمرهم به. " إلا بثلاث " خصال, والظاهر أن قوله: (أمرنا ...) إلى آخره تفصيل لها, وعلى هذا ينبغي أن يكون الأمر أمر إيجاب, وإلا لم يكن فيه اختصاص, فإن إسباغ الوضوء مندوبة على غيرهم, وإنزاء الحمار على الفرس مكروه مطلقا. ... 960 - 2936 - عن علي رضي الله عنه قال: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة فركبها, فقال علي: لو حملنا الحمير على الخيل لكانت لنا مثل هذه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون " لقوله - عليه الصلاة والسلام - في حديث علي رضي الله عنه: " إنما يفعل

ذلك الذين لا يعلمون " والسبب فيه قطع النسل, واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير, فإن البغلة لا تصلح للكر والفر, ولذلك لا سهم لها في الغنيمة, ولا سبق فيها على وجه, ولأنه علق بـ (أن لا يأكل الصدقة) وهو واجب فينبغي أن تكون قرينه أيضا كذلك, وإلا لزم استعمال اللفظ الواحد في معنيين مختلفين, اللهم إلا أن تفسر الصدقة بالتطوع, أو الأمر بالمشترك بين الإيجاب والندب, ويحتمل أن يكون المراد به: أنه - عليه الصلاة والسلام - ما اختصنا بشيء إلا بمزيد الحث والمبالغة في ذلك ... 961 - 2937 - وقال أنس رضي الله عنه: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة " " وقال أنس: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة " (قبيعة السيف) وقوبعه: ماعلى رأس القائم الذي هو مقبضه من ذهب أو فضة أو غيرهما. وفيه: دليل على جواز تحلية آلات الحرب بالفضة.

962 - 2939 - عن السائب بن يزيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عليه يوم أحد درعان قد ظاهر بينهما " " وعن السائب بن يزيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عليه يوم أحد درعان, قد ظاهر بينهما " أي: لبس أحدهما فوق الآخر, فحصل المظاهرة بينهما. ... 963 - 2940 - عن ابن عباس قال: كانت راية النبي صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض " " وعن ابن عباس قال: كان راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض " (الراية والبند): العلم الكبير, ينصب عند الأمير ويدار معه, و (اللواء): العلم الصغير يتولاها صاحب الحرب ويقاتل عليها. ... 964 - 2941 - وسئل البراء بن عازب عن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كانت سوداء مربعة من نمرة. " وفي حديث البراء بن عازب: كانت سوداء مربعة من نمرة " أراد بـ (السوداء): ما غالب لونه سواد بحيث يرى من البعد

أسود لا ما لونه سواد خالص, لأنه قال: " من نمرة ", وهي بردة من صوف يلبسها الأعراب, فيها تخطيط من سواد وبياض, ولذلك سميت: نمرة, تشبيها بالنمر, ويقال لها: العباء أيضا. ***

تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة للإمام البغوي (3)

تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة للإمام البغوي تأليف القاضي البيضاوي ناصر الدين عبد الله بن عمر بن محمد البيضاوي الشيرازي الشافعي المتوفى بتبريز سنة 685 هجرية صاحب التفسير المشهور رحمه الله تعالى تحقيق ودراسة لجنة مختصة من المحققين بإشراف نور الدين طالب المجلد الثالث

بسم الله الرحمن الرحيم

باب آداب السفر

تابع (17) كتاب الجهاد 3 - باب آداب السفر من الصحاح: 965 - 2943 - عن كعب بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الخميس في غزوة تبوك, وكان يحب أن يخرج يوم الخميس " (باب آداب السفر) (من الصحاح): "عن كعب بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الخميس في غزوة تبوك, وكان يحب أن يخرج يوم الخميس " "تبوك": من أدنى أرض الشام إلى الحجاز, قيل: سميت بذلك, لأن النبي صلى الله عليه وسلم وجدهم يبوكون القدح في العين, أي: يحركونه ليملأ من الماء, فقال: "مازلتم تبوكونها", فسميت بذلك, واشتقاقه من:

البوك, وهو الجماع, واختيار الخميس إما لأنه يوم مبارك, بورك فيه ولأمته, ولأنه ترفع فيه أعمال الأسبوع, ولذلك سن الصوم فيه, ولأنه أتم أيام الأسبوع, أو لتفاؤله بالخميس على أنه ظفر, على الخميس الذي هو الجيش, ويتمكن عليهم, أو أنه تعالى يحفظ جيشه ويحيط بهم, وإنما سموا خميسا, لأنهم يحزبون خمسة أحزاب, المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة. ... 966 - 2947 - عن أبي بشير الأنصاري: أنه كان مع رسول الله في بعض أسفاره فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا: "لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر, أو قلادة إلا قطعت". "وفي حديث أبي بشير الأنصاري: لا يبقين في رقبة بعير قلادة". قيل: إنما أمر بقطعها لأن الأجراس كانت معلقة بها, وهي من مزامير الشيطان ومانعة لمصاحبة الملائكة للرفقة التي هي فيها, أو لئلا يتشبث به العدو فيمنعها عن الركض. ... 967 - 2948 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض, وإذا سافرتم في السنة فأسرعوا عليها السير, وإذا عرستم بالليل فاجتنبوا الطريق, فإنها طرق الدواب

ومأوى الهوام بالليل". وفي رواية: "وإذا سافرتم في السنة فبادروها بها نقيها". "وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حقها من الأرض". أي: حظها من نباتها, يعني: دعوها ساعة فساعة ترعى. و (حقها من الأرض):رعيها فيها. "وفيه: وإذا سافرتم في السنة فأسرعوا عليها السير"أي: إذا كان الزمان زمان قحط فأسرعوا السير عليها, ولا تتوقفوا في الطريق, لتبلغكم المنزل قبل أن تضعف. وقد صرح بهذا في الرواية الأخرى, وهي: "إذا سافرتم في السنة فبادروها بها نقيها", أي: أسرعوا عليها السير ما دامت قوية باقية النقي, وهو المخ. "وفيه: وإذا أعرستم بالليل فاجتنبوا الطريق" أي: إذا نزلتم آخر الليل فانحرفوا عن الطريق, ولا تنزلوا فيه, لأنه متردد الدواب ومأوى الهوام. و (الإعراس والتعريس): هو النزول آخر الليل. ... 968 - 2950 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "السفر قطعة من العذاب,

يمنع أحدكم نومه وطعامه, فإذا قضى نهمته من وجهه فليعجل إلى أهله". "وفي حديث أبي هريرة: فإذا قضى نهمته من وجهه فليعجل إلى أهله". أي: إذا قضى حاجته وحصل مقصوده من"وجهه", أي: من الجانب الذي توجه إليه"فليعجل" في المراجعة"إلى أهله". و (النهمة): بلوغ الهمة في الشيء, يقال: نهم بكذا فهو منهوم: إذا كان مولعا به حريصا. ... 969 - 2954 - وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلا". "وفي حديث جابر: فلا يطرق أهله". أي: لا يأتيه بالليل. ... 970 2955 - وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا دخلتم ليلا فلا تدخل على أهلك, حتى تستحد المغيبة, وتمشط الشعثة". "وفي حديثه الآخر: حتى تستحد المغيبة وتمشط الشعثة".

(الاستحداد): استعمال الحديد, والمراد به, ما تتعهده النساء من التنظيف بالحلق وغيره. و"المغيبة": التي غاب عنها زوجها. و"الشعثة": المتفرقة الشعر, وقد سبق شرح هذا الحديث. ... من الحسان: 971 - 2960 - عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالدلجة, فإن الأرض تطوى الليل" (من الحسان): "عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالدلجة, فإن الأرض تطوى بالليل" "الدلجة" السير بالليل, وقد سبق ذكرها في (باب الاعتصام) وقوله: "فإن الأرض تطوى بالليل" أي: تقطع بالسير في الليل ما لا تقطع بالسير في مثل ذلك الزمان من النهار. ... 972 - 2961 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الراكب شيطان, والراكبان شيطانان, والثلاثة ركب".

"عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الراكب شيطان, والراكبان شيطانان, والثالث ركب" سمى الواحد والاثنين (شيطانا) , لمخالفة النهي عن التوحيد في السفر, والتعرض للآفات التي لا تندفع إلا بكثرة, ولأن المتوحد بالسفر تفوت عنه الجماعة ويعسر عليه التعيش. ولعل الموت يدركه فلم يجد من يوصي إليه ديون الناس وأماناتهم وسائر ما يجب أو يسن على المحتضر أن يوصي به, ولم يكن ثم من يقوم بتجهيزه ودفنه. و (الركب) جمع: راكب, كصاحب وصحب, وقيل: اسم عشيرة من أصحاب الإبل فما فوقها, والجمع: (أركب) , والذي في الحديث لا يصح حمله عليه, إلا أن يجعل اسم كل جمع منهم. ... 973 - 2964 - عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلف في السير, فيزجي الضعيف, ويردف لهم. "وفي حديث جابر: فنزجي الضعيف, أي: نسوقه. ... 974 - 2966 - وعن عبد الله بن مسعود قال: كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير, فكان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم,

قال: وكانت إذا جاءت عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا: نحن نمشي عنك, قال: "ما أنتما بأقوى مني, وما أنا بأغنى عن الأجر منكما" "في حديث ابن مسعود: فكان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي: رديفيه, يكونان معه على الزاملة, وهي البعير الذي يستظهر به الرجل يحمل طعامه ومتاعه عليه. والمعنى: أن ثلاثتهم يتعاقبون بالركوب على بعير واحد. "قال: وكانت إذا جاءت عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم, أي: تمت نوبة ركوبه عقيب ركوبهما, أو أتت نوبة نزوله, لقوله: "قالا: نحن نمشي عنك". ... 975 - 2970 - عن سعيد بن أبي هند, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكون إبل للشياطين, وبيوت للشياطين, فأما إبل الشياطين فقد رأيتها, يخرج أحدكم بنجيبات معه قد أسمنها فلا يعلو بعير منها, ويمر بأخيه قد انقطع به فلا يحمله, وأم بيوت الشياطين فلم أرها" كان سعيد يقول: لا أراها إلا هذه الأقفاص التي تستر الناس بالديباج. " عن سعيد بن أبي هند, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

تكون إبل الشياطين وبيوت الشياطين". يريد بها ما تكون معدة للتفاخر والتكاثر, ولم يقصد بها أمرا مشروعا, ولم يستعمل فيها يكون فيه قربة, فعين الصحابي من أصناف هذا النوع من الإبل صنفا, وهو حسان سمان يسوقها الرجل معه في سفره فلا يركبها, أو لا يحتاج إليها في حمل متاعها, ثم إنه يمر بأخيه المسلم قد انقطع به من الضعف والعجز فلا يحمله, وعين التابعي صنفا من البيوت, وهو الأقفاص المجللة بالديباج, يريد بها: المحامل التي يتخذها المترفون في الأسفار. ... 976 - 2972 - عن جابر, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحسن ما دخل الجل على أهله إذا قدم من سفر أول الليل". "عن جابر, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أحسن ما دخل الرجل أهله إذا قدم من سفره أول الليل" "ما":موصولة, والراجع إليه محذوف والمراد به: الوقت الذي يدخل فيه الرجل على أهله, و"أهله": منصوب بنزع الخافض, واتصال الفعل إليه على سبيل الاتساع. ويحتمل أن تكون مصدرية على تقدير مضاف, أي: إن أحسن دخول الرجل أهله دخول أول الليل, والتوفيق بينه وبين ما رواه: أنه

باب الكتاب إلى الكفار ودعائهم إلى الإسلام

- عليه الصلاة والسلام - قال: "إذا طال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلا": أن يحمل على الخلو بها وقضاء الوطر منها, لا القدوم عليها ليلا, وإنما اختار ذلك أول الليل, لأن المسافر لبعده عن أهله يغلب عليه الشبق, ويكون ممتلئا تواقا, فإذا مضى شهوته أول الليل خف بدنه وسكن نفسه وطاب نومه. ... 4 - باب الكتاب إلى الكفار ودعائهم إلى الإسلام من الصحاح: 977 - 2973 - عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام, وبعث بكتابه إليه مع دحية الكلبي, وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصري ليدفعه إلى قيصر, فإذا فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم, سلام على من اتبع الهدى, أما بعد: فإني أدعوك بداعية الإسلام, أسلم تسلم, وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين, فإن توليت فعليك إثم الأريسيين, و {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا

نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} " ويروى: "بدعاية الإسلام". (باب الكتاب إلى الكفار ودعائهم إلى الإسلام) (من الصحاح): "في حديث ابن عباس: وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى" يريد به زعيمهم وحاكمهم الذي يعظمونه, و"بصرى": اسم موضع بالشام ينسب إليه السيوف. "وفيه: أدعوك بداعية الإسلام" أي: بدعوته وبالكلمة التي يدعى بها إلى الإسلام, ويدخل بها فيه من دعا إلى كذا, وهو في الأصل مصدر كـ (العافية) , وكذلك (الدعاية) بوزن الشكاية, يقال: دعا يدعو دعاء ودعوى وداعية ودعاية. "أسلم تسلم" أي: من عقاب الله, و"أسلم يؤتك الله أجرك مرتين" أي: أجرالنصرانية والإسلام, أجر الإيمان بعيسى وبمحمد, كما سبق في (كتاب الإيمان). وكان (قيصر) نصرانيا, وكان اسمه: هرقل. "وإن توليت فعليك إثم الأريسيين", أي: الأتباع والخول وعامة الرعايا الذين يتبعونك في كفرك, ويتأسون بك في دينك, فإنك قد صددتهم عن الإسلام بإعراضك عنه, فعليك وزرك ووزر من تبعك في

التأبي عن الحق والإصرار على الباطل, واستغنى بالثاني عن ذكر الأول, لأنه أولى بالثبوت, وهو بالتخفيف جمع: أريس, وهو الأكار, يقال: أرس يأرس أرسا, أي: صار أريسا, وقد يشد الراء وتكسر الهمزة للمبالغة, وحينئذ يشدد الفعل أيضا, فيقال: أرس تأريسا. وفي بعض الروايات: "الأريسييون" بناء النسبة على أن المراد بهم: أتباع عبد الله بن أريس, رجل مشهور بين النصارى بعث الله نبينا في زمانه, فخالفه هو وأصحابه فقتلوه. وفي بعضها: "اليريسين" على إبدال الهمزة ياء. قال ابن المسيب: فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق, أي: دعا على ملوك الفرس أن يفرقوا كل تفريق, بحيث لا يلتئم أمرهم كأن الذي مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبرويز بن أنوشروان, فسلط الله عليه ابنه شيرويه فقتله بعد ستة أشهر مع أكثر أقاربه وأولاده, فوقع أمرهم في الانحطاط والإدبار حتى آل إلى ما آل, على ما أثبت في كتب التواريخ. ... 978 - 2978 - عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا بنا قوما لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر, فإن سمع أذانا كف عنهم وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم, قال: فخرجنا إلى خيبر فانتهينا إليهم ليلا, فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب وركبت خلف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: فخرجوا إلينا بمكاتلهم ومساحيهم, فلما

رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: محمد والله, محمد والجيش, فلجأوا إلى الحصن, فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الله أكبر, الله أكبر, خربت خيبر, إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين" "وفي حديث أنس: لم يكن يغز بنا حتى يصبح". أي: لم يرسلنا إليه ولم يحملنا عليه, والإغزاء وإن كان مشهورا في تجهيز الجيش للغزو فلا يبعد استعماله في الحمل والحث عليه. وقيل: صوابه: (يغزو بنا) فسقط الواو عن قلم الكاتب فصحف. "وينظر, فإن سمع أذانا كف عنهم" أي: كان يتثبت فيه ويحتاط في الإغارة, حذرا عن أن يكون فيهم مؤمن فيغير عليه غافلا عنه جاهلا بحاله. ... 979 - 2979 - وعن النعمان بن مقرن قال: شهدت القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكان إذا لم يقاتل أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلاة. "عن نعمان بن مقرن قال: شهدت القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكان إذا لم يقاتل أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلاة. "الأرواح" جمع: روح, والمراد به: الرياح, وبـ (الصلاة): صلاة الظهر, لما روي عنه في "الحسان": أنه قال: "حتى تزول الشمس, فإذا

باب القتال في الجهاد

زالت الشمس قاتل حتى العصر" قصد بهذا الانتظار: أن يطيب الوقت ويؤدي المؤمنون الصلاة ويدعو لجيوشهم, فينزل الله النصر ببركة صلاتهم ودعائهم. ... 5 - باب القتال في الجهاد من الصحاح: 980 - 2984 - قال كعب بن مالك: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها, حتى كانت تلك الغزوة- يعني: غزوة تبوك- غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد, واستقبل سفرا بعيدا ومفازا, وعدوا كثيرا, فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم, فأخبرهم بوجهه الذي يريد. (باب القتال في الجهاد) (من الصحاح): "قال كعب بن مالك: لم يكن رسول الله يريد غزوة إلا ورى بغيرها. أي: ألبس الغزوة المقصودة بغيرها, بأن أخفاها وأوهم أنه يريد غيرها, لما فيه من الحزم والإغفال للعدو, فإن "الحرب خدعة", كما

قال في جابر, وروي: "خدعة" بضم الخاء وفتح الدال, يعني: أنها خداعة للإنسان تعده وتمنيه, ثم إذا لابسها وجد الأمر على خلاف ما خيلت إليه. ... 981 - 2990 - عن الصعب بن جثامة قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي أهل الدار يبيتون من المشركين, فيصاب من نسائهم وذراريهم, فقال: " هم منهم". وفي رواية:"هم من آبائهم". "عن صعب بن جثامة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل الدار: يبيتون من المشركين, فيصاب من نسائهم وذراريهم؟ قال: هم منهم" أراد به تجويز سبيهم واسترقاقهم, كما لو أتوا أهلها نهارا وحاربوهم جهارا, أو أن من قتل منهم في ظلمة الليل اتفاقا من غير قصد وتوجه إلى قتله لا حرج في قتله, لأنهم أيضا كفارا, وإنما يجب التحرز عن قتلهم حيث تيسر, ولذلك لو تترسوا بنسائهم وذراريهم لم نبال بهم. ... 982 - 2991 - وعن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا من الأنصار إلى أبي رافع, فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته

ليلا فقتله وهو نائم. "وعن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا من الأنصار إلى أبي رافع, فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلا, فقتله وهو نائم". (الرهط): اسم جمع دون العشرة. و (أبو رافع) هذا هو ابن الحقيق اليهودي من نبي النضير, وكان قد عاهد النبي صلى الله عليه وسلم فنقض العهد, وكان يؤذيه ويحرش عليه, ولذلك بعثهم ليفتكوا به. و"عبد الله بن عتيك": أنصاري أوسي من بني مالك بن معاوية, روي: أنه لما فرغ من أمره أخذ في النزول عن أعلى داره, فوقع من الدرجة وانكسر ساقه, فأدركه رفقاؤه, فحملوه إلى المدينة, فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم ساقه, فبرأت بإذن الله تعالى. ... 982/م - 2992 - عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحرق, ولها يقول حسان رضي الله عنه: وهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير وفي ذلك نزلت: {ما قطعتم من لينة أوتركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين} " وفي حديث ابن عمر في شعر حسان: " بالبويرة مستطير"

(البويرة): اسم موضع من مواضع بني النضير. وفي الآية: {ما قطعتم من لينة} [الحشر:5] , (اللينة):شجرة النخل والجمع: لين. ... 983 - 2993 - عن عبد الله بن عون: أن نافعا كتب إليه يخبره, أن ابن عمرأخبره: أن النبي صلى الله عليه وسلم أغارعلى بني المصطلق غازين في نعمهم بالمريسيع, فقتل المقاتلة وسبي الذرية. "وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: أغار على بني المصطلق غازين في نعمهم بالمريسيع, فقتل المقاتلة وسبي الذرية" (بنو المصطلق): حي من خزاعة. "غازين" أي: غافلين, من الغزة, و"المريسيع": اسم ماء لهم بالمعصب, وهو من نواحي قديد. ... 984 - 2994 - وعن أبي أسيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنا يوم بدر حين صففنا لقريش وصفوا لنا: "إذا أكثبوكم فعليكم بالنبل" وفي رواية"إذا أكثبوبكم فارموهم, واستبقوا نبلكم" "وفي حديث أبي أسيد الساعدي: إذا أكثبوكم فعليكم بالنبل"

أي: إذا قاربوكم فارموهم, والكثب: القرب. وروي: (كثبوكم) بغير ألف, أي: قربوا منكم. ... 985 - 2996 - عن أبي الدرداء, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ابغوني في ضعفائكم فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم" (من الحسان): "عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ابغوني في ضعفائكم" أي: اطلبوني وتقربوا إلى في التقرب إليهم, وتفقد حالهم, وحفظ حقوقهم. ... 986 - 2997 - قال عبد الرحمن بن عوف: عبأنا النبي صلى الله عليه وسلم ببدر ليلا" "وقال عبد الرحمن بن عوف: عبأنا النبي صلى الله عليه وسلم ببدرليلا" روي: " عبأنا" مهموزا ومنقوصا, أي: هيأنا. يقال: عبأت الجيش وعبيتهم: إذا هيأتهم في المواضع وعددتهم وألبستهم السلاح.

987 - 2998 - وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن بيتكم العدو فليكن شعاركم: (حم لا ينصرون) ". "ويروى: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: إن بيتكم العدو فليكن شعاركم: {حم} لاينصرون"أي: علامتكم التي تعرفون بها أصحابكم هذا الكلام, و (الشعار) في الأصل: العلامة التي تنصب ليعرف الرجل بها رفقته. و" {حم} لا ينصرون"معناه: بفضل السور المفتتحة بـ {حم} ومنزلتها من الله لا ينصرون, وقيل: إن الحواميم السبع سور لها شأن, فنبه صلى الله عليه وسلم على أن ذكرها لعظم شأنها وشرف منزلتها عند الله تعالى مما يستظهر به المسلمون على استنزال النصر عليهم والخذلان على عدوهم, فأمرهم أن يقولوا: {حم} , ثم استأنف وقال: (لا ينصرون) جوابا لسائل عسى أن يقول: ماذا يكون إذا قيلت هذه الكلمة؟ فقال: (لا ينصرون) , وقيل: {حم} من أسماء الله تعالى, والمعنى: اللهم لا ينصرون, وفيه نظر, لأن {حم} لم يثبت في أسمائه تعالى, ولأن جميع أسمائه مصفحة عن ثناء وتمجيد, و {حم} ليس إلا اسمي حرفين من حروف المعجم, ولا معنى تحته يصلح لأن يكون بهذه المثابة, ولأنه لو كان اسما كسائر الأسماء لأعرب كما أعربه الشاعر حيث جعله اسما للسورة فقال: يذكرني حاميم والرمح شاجر ... فهلا تلا حاميم قبل التقدم ومنعه الصرف للعلمية والتأنيث, وقد نسب هذا الوجه إلى ابن

عباس رضي الله عنهما, فإن صح عنه فتوجه أن يقال: أراد بـ {حم} منزل {حم} , وهو اله تعالى, فلما حذف المضاف وأقام {حم} مقامه وأجرى على الحكاية صار {حم} كالمطلق على الله تعالى والمستعمل فيه, فعُد من أسمائه بهذا التأويل. ... 988 - 3002 - عن الحسن, عن سمرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اقتلوا شيوخ المشركين, واستحيوا شرخهم"أي: صبيانهم. "عن سمرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم" أراد بـ (الشيوخ): المسان والذين هم أهل نجدة وبأس, لا الهرمي الذين لم يبق لهم قوة, ولا رأي, لقوله - عليه الصلاة والسلام - في حديث أنس في هذا الباب, "لا تقتلوا شيخا فانيا" وبـ (الاستحياء): الاستبقاء, وبـ (الشرخ): المراهقين الذين لم يبلغوا الحلم, وهو جمع: شارخ, كـ (صحب) و (شرب) , أو مصدر نعت به, ومعناه: بدو الشباب, فيستوي فيه الواحد والجمع كـ (الصوم) و (العدل). ***

989 - 3008 - عن ابن عمر قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية, فحاص الناس حيصة, فأتينا المدينة فاختفينا بها, وقلنا: هلكنا, ثم أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله! نحن الفرارون؟ قال: "بل أنتم العكارون, وأنا فئتكم" وفي رواية قال: " لا, بل أنتم العكارون" قال: فدنونا فقبلنا يده فقال: "أنا فئة المسلمين" "وفي حديث ابن عمر: فحاص الناس حيصة" أي: فمالوا ميلة, من: الحيص, وهو الميل, فإن أراد بـ (الناس) أعداءهم فالمراد بها الحملة, أي: حملوا علينا حملة وجالوا جولة, فانهزمنا عنهم وأتينا المدينة. وإن أراد به السرية فمعناها الفرار والرجعة أي: مالوا عن العدو ملتجئين إلى المدينة, ومنه قوله تعالى: {ولا يجدون عنها محيصا} [النساء:121] , أي: محيدا ومهربا. "وفيه: بل أنتم العكارون, وأنا فئتكم" أي: لستم (الفرارون) من القتال حين رجعتم إلى للإستظهار والعضد, بل أنتم المتحيزون إلى فيه لتستظهروا بهم, ثم تكروا وتعتكروا عليهم, وأنا فيكم قد تحيرتم إلى, فلا حرج عليكم في هذا الرجوع, والعكر: العطف والكرور. ***

باب حكم الأسارى

6 - باب حكم الأسارى من الصحاح: 990 - 3010 - عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر, فجلس عند أصحابه يتحدث, ثم انفتل, فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اطلبوه واقتلوه", فقتلته, فنفلني سلبه. (باب حكم الأسرى) (من الصحاح): "عن سلمة بن الأكوع قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين, فجلس عند أصحابه يتحدث, ثم انفتل, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اطلبوه وقتلوه, فقتلته, فنفلني سلبه". (العين): الجاسوس, سمي به لأنه عمله بالعين, أو لشدة اهتمامه بالرؤية واستغراقه فيها, كأن جميع بدنه صار عينا. "ثم انفتل" أي: انصرف, يقال: فتلته فانفتل. "فنفلني" أي: أعطاني نفلا, وهو ما يخص به الرجل من الغنيمة, ويزاد على سهمه, ويريد بـ"سلبه": ما كان عليه من الثياب والسلاح, سمي به لأنه سلب. وفيه: دليل على من دخل الإسلام بغير أمان حل قتله,

وأن من قتل محاربا جهارا فله سلبه. ... 991 - 3009 - عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل". وفي رواية:"يقادون إلى الجنة بالسلاسل" "عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل". قد سبق غير مرة أن صفات العباد إذا أطلقت على الله تعالى أريد بها غاياتها, فغاية التعجب والاستبشار بالشيء: الرضا به واستعظام شأنه. والمعنى: عظم الله شأن قوم يؤخذون عنوة في السلاسل, فيدخلون في الإسلام, فيصيرون من أهل الجنة, ورضي عنهم وأحلهم محل ما يتعجب منه, وقيل: أراد بـ"السلاسل": ما يرادون به من قتل الأنفس وسبي الأزواج والأولاد وتخريب الديار, وسائر ما يلجئهم إلى الدخول في الإسلام, الذي هو سبب دخول الجنة, فأقام المسبب مقام السبب. ويحتمل أن يكون المراد بها: جذبات الحق التي يجذب بها خالصة عباده من الضلالة إلى الهدى, ومن الهبوط في مهاوي الطبيعة

إلى العروج بالدرجات العلى, إلى جنة المأوى. ... 992 - 3011 - وعن سلمة بن الأكوع قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن: فبينا نحن نتضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه, وجعل ينظر, وفينا ضعفة ورقة من الظهر, وبعضنا مشاة, إذ خرج يشتد فأتى جمله فأثاره, فاشتد به الجمل, وخرجت أشتد حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته, فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي فضربت رأس الرجل, ثم جئت بالجمل أقوده وعليه رحله وسلاحه, فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس فقال: "من قتل الرجل؟ " قالوا: ابن الأكوع, قال: " له سلبه أجمع". "وفي الحديث الثاني لسلمة: فاشتد به الجمل" أي: عدا وأسرع به, "ثم اخترطت سيفي" أي: سللته, وأصل هذا التركيب لانسلال الشيء ومضيه. ... 993 - 3012 - عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد بن عبادة, بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء على حمار فلما دنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قوموا على سيدكم" فجاء فجلس, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن هؤلاء نزلوا على حكمك" قال: فإني أحدكم أن

تقتل المقاتلة وأن تسبي الذرية, قال: "لقد حكمت فيهم بحكم الملك" ويروى: "بحكم الله" "وفي حديث أبي سعيد: لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد بن معاذ". إنما نزلوا بحكمه بعد ما حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وعشرين يوما وجهدهم الحصاد وتمكن الرعب في قلوبهم, لأنهم كانوا حلفاء الأوس, فحسبوا أنه يراقبهم ويتعصب لهم, فأبى إسلامه وقوة دينه أن يحكم فيهم بغير ما حكم الله فيهم, وكان ذلك في السنة الخامسة من الهجرة في شوالها حين نقضوا عهد الرسول - صلوات الله وسلامه عليه- ووافقوا الأحزاب. روي: أنهم لما انكشفوا عن المدينة وكفى الله المؤمنين شرهم أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم في ظهر اليوم الذي تفرقوا في ليلته فقال: وضعتم السلاح, والملائكة لم يضعوه, وإن الله تعالى أمركم بالسير إلى بني قريظة, فائتهم عصره. ... 994 - 3013 - وعن أبي هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة, فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ماذا عندك يا ثمامة؟ " قال: عندي يا محمد! خير, إن تقتل تقتل ذا دم, وإن تنعم تنعم على شاكر, وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت, فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان الغد فقال له: " ما عندك يا ثمامة؟ " قال: عندي ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر, وإن تقتل تقتل ذا دم, وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت, فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان بعد الغد فقال: " ما عندك يا ثمامة؟ " قال: عندي ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر, وإن تقتل تقتل ذا دم, وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أطلقوا ثمامة" فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, يا محمد! والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك, فقد أصبح وجهك أحب إلى الوجوه كلها إلي, والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إلي, والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك, فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي, وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر, فلما قدم مكة قال له قائل: صبأت؟! فقال: لا, ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. "وفي حديث أبي هريرة: وإن تقتل تقتل ذا دم".

أي: ذا دم يطلب ثأره ولا يطل دمه, لشرفه في قومه أو: ذا دم أراقه وتوجه عليه القتل بما أصابه من الدم. ... 995 - 3014 - عن جبير بن مطعم رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أسارى بدر: "لوكان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له" "وعن جبير بن مطعم: أنه- عليه الصلاة والسلام - قال في أسارى بدر: لو كان المطعم بن عدي حيا, ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له". هو المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ابن عم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان له يد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, إذ أجاره حين رجع عن الطائف وذب المشركين عنه, فأحب أنه كان حيا فكافأه عليها بذلك. ويحتمل أنه أراد به تطييب قلب ابنه جبير وتأليفه على الإسلام. وفيه تعريض بالتعظيم لشأن الرسول صلوات الله عليه, وتحقير حال هؤلاء الكفرة من حيث إنه لا يبالي بهم ويتركهم لمشرك كانت له عنده يد. و (نتنى) جمع: نتن بالتحريك, بمعنى منتن, كـ (هرمى) و (زمنى) , وإنما سماهم: (نتنى) , إما لرجسهم الحاصل من كفرهم على التمثيل, أو لأن المشار إليه أبدانهم وجيفهم الملقاة في قليب بدر. ***

996 - 3015 - عن أنس: أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على سول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم متسلحين, يريدون غرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, فأخذهم سلما فاستحياهم - ويروى: فأعتقهم - فأنزل الله تعالى: {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة}. "وفي حديث أنس: فأخذهم سلما فاستحياهم" أي: أخذهم أسرى فاستبقاهم ولم يقنلهم. يقالك (رجل سلم) و (رجال سلم) بالتحريك, وهو في الأصل مصدر بمعنى: الاستسلام. ... 997 - 3016 - عن أبي طلحة: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش, فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث, وكان ذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال, فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى, واتبعه أصحابه, حتى قام على شفة الركي, فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم:" يا فلان بن فلان, ويا فلان بن فلان, أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله! فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا, فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ "قال عمر: يا رسول الله! ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟ قال

النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفس بيده, ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" وفي رواية:"ما أنتم بأسمع منهم, ولكن لا يجيبون" "وعن أبي طلحة: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث". (الصناديد) جمع: صنديد, وهو السيد الشجاع, وقد يقال للداهية والغيث العظيم القطر. و (الطوي): البئر المطوية, (فعيل) بمعنى (مفعول) , وإنما وصفها بـ (الخبيث المخبث) , للجيف الملقاة فيها, أو لأنها كانت تلقى فيها الجيف والنجاسات, و (المخبث): ذو الخبث, وفي الحديث: "أعوذ بك من الخبث المخبث" أي: الذي أعوانه خبثاء. ولا ينافيه ما روي: "فألقوا في قليب" لأن أبا عبيد فسر القليب بالبئر العادية, وهي أعم من أن تكون مطوية أو غيرها, مع احتمال أن يكون هؤلاء غيرهم, فإن المسلمين قتلوا يومئذ سبعين منهم, فقذف بعضهم في الطوي, وبعضهم في القليب. ويؤيده قوله: "حتى قام على شفة الركي" وهو جمع: ركبة, وهي البئر. ... 998 - 3018 - عن عمران بن حصين قال: كان ثقيف حليفا لبني عقيل, فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأسر

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني عقيل, فأوثقوه فطرحوا في الحرة, فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فناداه: يا محمد! يا محمد! فيم أخذت؟ قال: " بجريرة حلفائكم ثقيف" فتركه ومضى, فناداه: يا محمد! يا محمد! فرحمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع فقال: "ما شأنك؟ " فقال: إني مسلم, فقال: " لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح", فقال: ففداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف. "وفي حديث عمران بن حصين: وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من عقيل وأوثقوه وطرحوه في الحرة, فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم, فناداه: يا محمد! فيم أخذت؟ قال: بجريرة حلفائكم ثقيف. "عقيل" على صيغة المصغر: قبيلة كانوا حلفاء ثقيف. و"الحرة": يريد بها حرة المدينة, وهي أرض ذات حجارة سود, وكل أرض تكون كذلك تسمى: حرة, لشدة حرها. و (الجريرة): الجناية, فإنها تجر العقوبة. وقوله: "بجريرة حلفائكم"أي: أخذت بسبب جنايتهم لندفعك إليهم فداء من أسروه من المسلمين, أو بسبب جريرتهم التي نقضوا عهدكم على أنهم كانوا عاهدوا ألا يتعرضوا للمسلمين ولا أحد من حلفائهم. "وفيه: فقال: إني مسلم, فقال: لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح": وهو يدل على أن الأسير إن ادعى أنه كان قد

أسلم قبل الأسر لم يقبل إلا ببينة, وأنه إن أسلم بعد الأسر لم يوجب إطلاقه. ... من الحسان: 999 - 3019 - عن عائشة قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسرائهم, بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال, وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص, فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة, وقال: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها, وتردوا عليها الذي لها؟ ", فقالوا: نعم, وكان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ عليه أن يخلي سبيل زينب إليه, وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار فقال: " كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا بها" (من الحسان): "في حديث عائشة: وكان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ عليه أن يخلي سبيل زينب إليه, وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلا من الأنصار, فقال: كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا بها".

"أخذ عليه": يريد به العهد بتخلية سبيلها أن يرسلها إليه, و"زينب" هذه ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة, وكانت تحت أبي العاص زوجها منه قبل المبعث. و"بطن يأجج": من بطون الأودية التي حول الحرم, والبطن: المنخفض من الأرض. ... 1000 - 3024 - عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: خرج عبدان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, يعني يوم الحديبية قبل الصلح, فكتب مواليهم قالوا: يا محمد! والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك, وإنما خرجوا هربا من الرق, فقال ناس: صدقوا يا رسول الله! ردهم إليهم, فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "ما أراكم تنتهون يا معشر قريش! حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا, وأبى أن يردهم وقال: هم عتقاء الله" "وفي حديث علي رضي الله عنه: خرج عبدان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبة" "عبدان": - بكسر العين وضمها بسكون الباء وبكسرهما مع تشديد الدال- جمع: عبد, كـ (جحش وجحشان) و (تمر وتمران). وقد روي في الحديث بالصفتين الأوليين.

باب الأمان

7 - باب الأمان من الحسان: 1001 - 3029 - وعن سليم بن عامر قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد, فكان يسير نحو بلادهم حتى انقضى العهد أغار عليهم, فجاء رجل على فرس أو برذون وهو يقول: الله أكبر, الله أكبر, وفاء لا غدر, فنظروا فإذا هو عمرو بن عبسة, فسأله معاوية عن ذلك, فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عهدا ولا يشدنه حتى يمضي أمده أو ينبذ إليهم على سواء, قال: فرجع معاوية بالناس. (باب الأمان): (من الحسان): "في حديث سليم بن عامر قال- يعني عمرو بن عبسة-: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عهدا ولا يشدنه حتى يمضي أمده أو ينبذ إليهم عهدهم على سواء". أراد بالنهي عن حل العهد وشدة النهي عن تغيير والتعرض له بالنقض حتى ينقضي أمده وينتهي آخره, أو ينبذ العهد إليهم على سواء,

أي: إلى من عاهده, بحيث يستوي ذلك في علم النابذ والمنبوذ إليه حتى يكونا من استعمال الحذر والاحتياط على سواء. ... 1002 - 3030 - عن أبي رافع قال: بعثتني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقي في قلبي الإسلام, فقلت: يا رسول الله! إني والله أرجع إليهم أبدا, قال: "إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد, ولكن ارجع فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع, قال: فذهبت ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت. "وفي حديث أبي رافع: إني لا أخيس بالعهد, ولا أحبس البرد". إني لا أنكث العهد, ولا أحبس الرسل, يقال: خاس به يخيس ويخوس خيسا: إذا غدر به, وأصل الخيس: تروح الجيفة, ومنه: خاس الطعام والبيع: إذا فسد. و"البرد": جمع: يريد, وهو الرسول, ومنه يقال للدابة المعدة له: بريد, ولكل أربعة فراسخ: بريد أيضا, لأن ملوك العجم كانوا يقيمون لورود الكتب عليهم, وإنهاء الأخبار إليهم بسرعة واستعجال على رأس كل أربعة فراسخ بريدا, يبلغ الأول إلى الثاني, والثاني إلى الثالث, وهلم جرا, إلى أن يبلغ الملك فسمي باسمه مسافة حركته,

وإنما لم يتعرض للرسل, لأن قصد الرسالة أمنه, ولأنه في حكم المستجير, ولما في أمانهم من المصالح العامة. ... 1003 - 3031 - عن نعيم بن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجلين جاءا من عند مسيلمة: " أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما" "وفي حديث نعيم بن مسعود: والله لولا أن ترسل لا تقتل لضربت أعناقكما" قيل: إنما قال لهما ذلك لأنهما قالا بحضرته: نشهد أن مسيلمة رسول الله, وكان أحد الرجلين عبد الله بن النواحة, والآخر رجل يقال له: ابن أثال, وابن النواحة دخل غمار المسلمين بعد مقتل مسيلمة, فأرسل في زمن يؤذنون في مسجدهم بمسيلمة ويشهدون بعد بنبوته ويتدارسونه الفرية التي اختلقها مسيلمة, وكان أبو موسى أمير الكوفة, وابن مسعود وزيرا ومعلما, فأحضروا عندهما, فاستتابا منهم فتابوا, فقبلا توبتهم وألحقوا بالشام غيره, فإن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لولا أنك رسول لقتلتك, والآن لست برسول فأمر قريظة بن كعب فضرب عنقه في السوق". ***

باب قسمة الغنائم والغلول فيها

8 - باب قسمة الغنائم والغلول فيها من الصحاح: 1004 - 3034 - عن أبي قتادة قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين, فلما التقينا كانت للمسلمين جولة, فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين, فضربت من ورائه على حبل عاتقه بالسيف, فقطعت الذرع, وأقبل على فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت, ثم أدركه الموت فأرسلني, فلحقت عمر فقلت: ما بال الناس؟ قال: أمر الله, ثم رجعوا وجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه" فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست, فقال النبي مثله, فقمت فقال: "ما لك يا أبا قتادة؟ " فأخبرته, فقال رجل: صدق, وسلبه عندي فأرضه مني, فقال أبو بكر: لا ها الله, إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه! فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" صدق فأعطه " فأعطانيه, فابتعث به مخرفا في بني سلمة, فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام. (باب قسمة الغنائم والغلول فيها) (من الصحاح): "في حديث قتادة: فلما التقينا كانت للمسلمين جولة"

أي: هزيمة, عبر عنها بـ (الجولة) تنبيها على الاضطراب وعدم الاستقرار, وإيماء بأنه كان لهم بعدها كرة. "وفيه: فضربت من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع" (حبل العاتق): عصب به يتصل العنق بالكاهل متصل بحبل الوريد, وهو عرق في باطن العنق. "وفيه: فقال أبو بكر: لاها الله! إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه. المقول له والمخاطب بهذا الكلام: الرجل الذي صدقه واعترف بأن سلبه عنده وسأل الرسول أن يرضيه عنه, وما قاله الصديق رد له فيما سأله. وقوله: "لاها الله إذا": قال الخطابي: صوابه: لا ها الله إذا, ومعناه: لا, والله لا يكون ذا, وحرف التنبيه بدل من واو القسم, والأصل فيه: والله لا والأمر هذا أو يكون هذا, فحذفت واو القسم وقدمت (ها) فصارت عوضا من الواو, وحذف الأمر الذي هو المبتدأ والفعل لكثرة الاستعمال, وصدر حرف النفي, ليؤذن في أول أمره بأن المقصود هو النفي. وقال الخليل: أصله: لا والله لا الأمر ذا, فحذف الأمر لكثرة الاستعمال. وقال الأخفش: (ذا): مبتدأ, خبره محذوف, والجملة تأكيد القسم, وتقدير الكلام: لا والله ذا قسمي, والجواب محذوف إن لم

يذكر بعده ما يليق به, ويدل عليه أنهم يقولون (لاها الله ذا لقد كان كذا) وكلاهما ضعيف, لأنهم لا يستعملون هذا التركيب إلا إذا كان المقسم عليه منفيا على ما شهد به الاستقرار, وما ذكره الأخفش عنهم إن صح فبتقدير قسم آخر, وكأنه قال: والله لا الأمر كذلك, ولكن والله لقد كان كذا, لئلا يلزم حذف الجواب في أكثر استعمالاتها, والضمير المستكن في "يعمد" و"يعطيك" للرسول صلى الله عليه وسلم. والمراد بـ (الأسد): أبو قتادة, أي: لا يقصد إليه فيعطيك سلبه ويأمره بالإعراض عنه. "وفيه: فابتعث به مخرفا في بني سلمة" أي: بستانا في ديارهم, من: اخترفت الثمرة: إذا اجتنيتها, فإن البستان يخترف الثمار منه, ومنه: (المخرف) – بالكسر-: للوعاء الذي يخترف فيه, و (الخريف): للفصل الذي هو أوان اختراف الثمار. "فإنه لأول ما [ل] تأثلته في الإسلام"أي: جمعته واقتنيته. ... 1005 – 3037 – وعن سلمة بن الأكوع قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأنا معه, فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقمت على أكمة فاستقبلت المدينة فناديت ثلاثا: يا صباحاه, ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل, وأرتجز أقول:

أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع فما زالت أرميهم وأعقر بهم, حتى ما خلق الله من بعير من الظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري, ثم اتبعتهم أرميهم, حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا يستخفون, ولا يطرحون شيئا إلا جعلت عليه آراما من الحجارة يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأصحابه, حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحق أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن فقتله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير فرساننا اليوم أبو قتادة, وخير رجالتنا سلمة", قال: ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين, سهم الفارس وسهم الراجل, فجمعهما لي جميعا, ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء, راجعين إلى المدينة. "وعن سلمة بن الأكوع قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رباح – غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم – وأنا معه, فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم, قمت على أكمة فاستقبلت المدينة, فناديت ثلاثا: يا صباحاه. أراد بـ (الظهر): سرج الإبل, يقال: لفلان ظهر, أي: إبل جياد الظهر تصلح للحمل والركوب, و (الأكمة): التل, و"يا صباحاه" كلمة استعانة عند الغارة, ويوم الصباح: يوم الغارة.

"وفيه: اليوم يوم الرضع" أي: اليوم يوم قتل اللئام, من قولهم: (لئيم راضع): إذا كان في غاية الخسة والبخل, ويقال: أصله: أن رجلا كان يرضع إبله وغنمه, ولا يحلبها حذرا من أن يسمع صوت حلبه, فيسأل منه, فاتصف به, ثم اتسع فيه فاستعمل لكل لئيم متجاوز في البخل. "وفيه: ولا يطرحون شيئا إلا جعلت عليه آراما من الحجارة" (الآرام) جمع: إرم, وهي الحجارة تنصب علما في المفاوز, وتجمع أيضا على: أرؤم وأروم, مثل ضلع وأضلاع وأضلع وضلوع. ... 1006 - 3045 – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فذكر الغلول, فعظمه وعظم أمره ثم قال: "لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء, يقول: يا رسول الله أغثني! فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول: يا رسول الله أغثني! فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول: يا رسول الله أغثني! فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح فيقول: يا رسول الله أغثني! فأقول: لا أملك لك شيئا

قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول: يا رسول الله! فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول: يا رسول الله أغثني! فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك". "وفي حديث أبي هريرة: لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس له صياح" أراد به المملوك الذي يغله من السبي, نهى نفسه عن لقائهم على هذه الحالة, وأراد به نهيهم عما يؤدي إلى أن يلقاهم كذلك. وفيه: "رقاع تخفق" أي: أبواب تضطرب, من: خفقت الراية تخفق –بالضم والكسر- خفقا وخفقانا. ... 1007 – 3046 – عن أبي هريرة قال: أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما يقال له: مدعم, فبينما مدعم يحط رحلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سهم عائر فقتله, فقال الناس: هنيئا له الجنة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلا! والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا" فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ’ فقال: "شراك من نار, أو شراكان من نار".

"وفي حديثه الآخر: بينما مدعم يحط رحلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سهم عائر, فقتله" أي: إذا سهم لا يدري راميه أصابه فقتله. من قولهم: تمرة عائرة, أي: ساقطة لا يعرف مالكها ومسقطها, وأصل التركيب للتردد وعدم الانضباط. ... 1008 – 3047 – عن عبد الله بن عمرو قال: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له: كركرة, فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو في النار" فذهبوا ينظرون, فوجدوا عباءة قد غلها" "وفي حديث ابن عمرو: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له: كركرة. (الثقل) بفتحتين: متاع المسافر, و (الكركرة): بكسر الكافين, وهي في اللغة: الجماعة من الناس, ورحى زور البعير, وهو ما يقع على الأرض من أعلى صدره إذا استناخ. و (الكركرة) بفتحها: تصريف الريح السحاب, وجمعها إياه بعد تفريق.

من الحسان: 1009 – 3054 – عن عمير مولى آبي اللحم قال: شهدت خيبر مع سادتي, فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلموه أني مملوك, فأمرني فقلدت سيفا فإذا أنا أجره, فأمر لي بشيء من خرثي المتاع, وعرضت عليه رقية كنت أرقي بها المجانين, فأمرني بطرح بعضها وحبس بعضها. (من الحسان): "وفي حديث عمير: فأمر لي بشيء من خرثي" (الخرثي): أثاث البيت وأسقاطه. ... 1010 – 3055 - عن مجمع بن جارية قال: قسمت خيبر على أهل الحديبية, قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سهما, وكان الجيش ألفا وخمس مئة, قال الشيخ رضي الله عنه: فيهم ثلاث مئة فارس! وهذا وهم, إنما كانوا مئتي فارس. "وعن مجمع بن جارية قال: قسمت خيبر على أهل الحديبية, قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سهما, ألفا وخمس

مئة, فيهم ثلاث مئة فارس. هذا الحديث مشعر بأنه قسمها ثمانية عشر سهما, فأعطى ستة أسهم منها الفرسان, على أن يكون لكل مئة منهم سهمان, وأعطى الباقي وهو اثنا عشر سهما لرجاله, وهم كانوا ألفا ومئتين, فيكون لكل مئة, فيكون للراجل سهم, وللفارس سهمان. وإليه ذهب أبو حنيفة ولم يساعده في ذلك أحد من مشاهير الأئمة حتى القاضي أبو يوسف ومحمد, لأنه صح عن ابن عمر: أنه عليه الصلاة والسلام- أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم, سهما له, وسهمين لفرسه, فإنه حديث متفق على صحته مصرح بأنه أسهم للفارس ثلاثة أسهم, وليس في هذا الحديث ما يدل صريحا, بل ظاهر على أن للفارس سهمين, فإن ما ذكرناه شيء يقتضيه الحساب والتخمين, مع أن أبا داود السجستاني هو الذي أورده في كتابه وأثبته في ديوانه, وهو قال: وهذا وهم, إنما كانوا مئتي فارس, فعلى هذا يكون مجموع الغانمين ألفا وأربع مئة نفر. ويؤيد ذلك قوله: (قسمت خيبر على أهل الحديبية) , وهم كانوا ألفا وأربع مئة على ما صح عن جابر والبراء بن عازب وسلمة بن الأكوع وغيرهم, فيكون للراجل سهم, وللفارس ثلاثة أسهم على ما يقتضيه الحساب. وأما ما روي عن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر ابن الخطاب, عن نافع, عن ابن عمر: أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"للفارس سهمان, وللراجل سهم" لا يعارض ما رويناه,, فإنه يرويه أخوه عبيد الله بن عمر بن حفص عن نافع, عن ابن عمر, وهو أحفظ وأثبت باتفاق أهل الحديث كلهم, ولذلك أثبته الشيخان في "جامعيهما" ورويا عنه, ولم يلتفتا إلى رواية عبد الله. ... 1011 – 3057 – وعن حبيب بن مسلمة الفهري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل الربع بعد الخمس, والثلث بعد الخمس إذا قفل" "وعن حبيب بن مسلمة الفهري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل الربع بعد الخمس, والثلث بعد الخمس إذا قفل" (النفل): اسم لزيادة يخص بها الإمام بعض الجيش على ما يعانيه من المشقة لمزيد سعي واقتحام خطر, والتنفيل: إعطاء النفل. "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفل الربع"أي: في البداءة, كما صرح به في حديثه الآخر, وهي ابتداء سفر الغزو, وكان إذا نهضت سرية من جملة العسكر وابتدروا إلى العدو وأوقعوا بطائفة منهم فما غنموا كان يعطيهم منها الربع, ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة أرباعه, وكان ينفل الثلث في الرجعة, وهي قفول الجيش من الغزو, فإذا قفلوا رجعت طائفة منهم فأوقعوا بالعدو مرة ثانية كان يعطيهم مما غنموا الثلث, لأن نهوضهم بعد القفل أشق والخطر فيه أعظم.

وحكي عن مالك: أنه كان يكره التنفيل. وقوله: "بعد الخمس" يدل على أنه يعطي من الأخماس الأربعة التي هي للغانمين, وإليه ذهب أحمد وإسحاق. وقال سعيد بن المسيب والشافعي وأبو عبيد: إنما يعطي النفل من خمس الخمس سهم النبي صلى الله عليه وسلم, وقالوا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم من ذلك, وعلى هذا فقوله: (بعد الخمس) وهم من الراوي, أو زيادة من بعض الرواة, ويؤيد ذلك عدمها في حديثه الآخر المساوي له في المعنى. وقال أبو ثور: يعطي النفل من أصل الغنيمة كالسلب. ... 1012 – 3058 – عن أبي الجويرية الجرمي قال: أصبت بأرض الروم جرة حمراء فيها دنانير في إمرة معاوية, وعلينا رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: معن بن يزيد, فأتيته بها فقسمها بين المسلمين وأعطاني منها مثل ما أعطى رجلا منهم, ثم قال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا نفل إلا بعد الخمس" لأعطيك. "وفي حديث أبي جويرية الجرمي: ثم قال- يعني معن بن يزيد ابن الأخنس السلمي -: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نفل إلا بعد الخمس لأعطيك".

ظاهر هذا الكلام يدل على أنه إنما لم ينفل أبا جويرية من الدنانير التي وجدها لسماعه قوله عليه الصلاة والسلام: "لا نفل إلا بعد الخمس" وأنه المانع لتنفيله, ووجهه: أن ذلك يدل على أن النفل إنما يكون من الأخماس الأربعة التي هي للغانمين كما دل عليه الحديث السابق, ولعل التي وجدها كانت من عداد الفيء فلذلك لم يعط النفل منه. ... 1013 – 3059 – عن أبي موسى الأشعري قال: قدمنا فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا- أو قال: فأعطانا منها – وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه إلا أصحاب سفينتنا جعفرا وأصحابه أسهم لهم معهم. "عن أبي موسى الأشعري قال: قدمنا فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر, فأسهم لنا" "وافقنا"أي\: صادفنا, وإنما أسهم لهم, لأنهم وردوا عليه قبل حيازة الغنيمة, ولذلك قال الشافعي في أحد قوليه: من حضر بعد انقضاء القتال وحيازة الغنيمة شارك فيها الغانمين, ومن لم يرد ذلك حمله على أنه أسهم لهم بعد استئذان أهل الحديبية ورضائهم.

1014 – 3065 – عن أبي أمامة, عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى أن تباع السهام حتى تقسم" "وعن أبي أمامة: أنه – عليه الصلاة والسلام – نهى عن أن تباع السهام حتى تقسم". المقتضي للنهي عدم استقرار الملك عند من يرى أن الملك يحصل بالقسمة, والجهل بعين المبيع وصفته إذا كان في المغنم أجناس مختلفة. ... 1015 – 3067 – عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر, وهو الذي رأى فيها الرؤيا يوم أحد. "وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر, وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد" أي: أخذه زيادة لنفسه وجعله صفية المغنم, وإنما سمي ذا الفقار, لأنه كان فيه حفر متساوية, و (الرؤيا التي رأى فيه): أنه رأى في منامه يوم أحد أنه هز ذا الفقار فانقطع من وسطه, ثم هز هزة أخرى فعاد أحسن ما كان. ... 1016 – 3071 – عن القاسم مولى عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنا نأكل الجزور في الغزو ولا نقسمه, حتى

باب الجزية

إن كنا لنرجع إلى رحالنا وأخرجتنا منه مملوءة" "وفي حديث القاسم مولى عبد الرحمن, عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: وأخرجتنا مملوءة منه" (الأخرجة) جمع: الخراج, وهو الإتاوة, وكذلك الخرج, ويجمع أيضا على أخراج وأخاريج, والله أعلم. ... 9 - باب الجزية من الصحاح: 1017 - 3077 - عن بجالة قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية عم الأحنف, فأتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة أن فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس, ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر" (باب الجزية) (من الصحاح): "في حديث بجالة: ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى

شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر" هو بلدة من اليمن تلي البحرين, بينهما عشر مراحل, واستعماله على التذكير والصرف, والنسبة إليه: (هاجري) على خلاف القياس. ... من الحسان: 1018 - 3078 - عن معاذ رضي الله عنه قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن, فأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافر. (من الحسان): "عن معاذ قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم على اليمن, فأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافر" (الحالم): البالغ, و (العدل): المثل. و"معافر": علم قبيلة من همدان, منقول عن الجمع, ولذلك لا ينصرف معرفة ونكرة, وإليهم تنسب الثياب المعافرية, وأراد به هاهنا: ثياب معافر, فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه, وهي نوع ثياب يكون باليمن. وهو دليل على أن أقل الجزية دينار, ويستوي فيه الغني والفقير, لأنه - عليه الصلاة والسلام - عمم الحكم ولم يفصل, وهو ظاهر مذهب الشافعي رضي الله عنه.

وقال أبو حنيفة: يؤخذ من الموسر أربعة دنانير, ومن المتوسط ديناران, ومن المعسر دينار. وقوله: "من كل حالم" يدل من طريق المفهوم على أن الجزية لا تؤخذ إلا من الرجل البالغ. ... 1019 - 3079 - عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تصلح قبلتان في أرض واحدة, وليس على المسلم جزية" "وعن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تصلح قبلتان في أرض واحدة, وليس على المسلم جزية" أي: لا يستقيم دينان, ولا يكون لهما ظهور وغلبة في أرض واحدة, لما بينهما من التضاد والتخالف فحيث ظهر فيه الكفر واستعلى فعلى المسلم أن يهاجر عنه, ولا يصلح له أن يقيم ثمة, وحيث ظهر فيه الإسلام واستولى عليه المسلمون فينبغي أن يطهر من الكفر, ولا يمكن سائر أرباب الملل أن يشيعوا فيه دينهم ويظهروا شعائرهم. وقيل: هو إشارة إلى إجلاء اليهود والنصارى عن جزيرة العرب. وقوله: "ليس على المسلم جزية": يريد أن من أسلم من أهل الذمة في أثناء المدة تسقط عنه الجزية, ولا يجب عليه شيء.

باب الصلح

1020 - 3080 - عن أنس قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة فأخذوا فأتوه به, فحقن له دمه وصالحه على الجزية. "وعن أنس قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة فأخذوه, فأتوا به, فحقن له دمه وصالحه على الجزية". "أكيدر" بن عبدالملك الكندي صاحب "دومة" بضم الدال, وهي قلعة من الشام قريب تبوك, أضيف إليهما كما أضيف زيد إلى الخيل, ومضر إلى الحمراء, وكان نصرانيا, ولذلك صالحه على الجزية, ثم إنه أسلم وحسن إسلامه. ... 10 - باب الصلح من الصحاح: 1021 - 3083 - عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية في بضع عشرة مئة من أصحابه, فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة, وسار حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته, فقال الناس:

حل حل خلأت القصواء خلأت القصواء, فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق, ولكن حبسها حابس الفيل" ثم قال: "والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها". ثم زجرها فوثبت, فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضأ, فلم يلبثه الناس حتى نزحوه وشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش, فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه, فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه, فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة, ثم أتاه عروة بن مسعود وساق الحديث إلى أن قال: إذ جاء سهيل بن عمرو, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم " فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك, ولكن اكتب محمد بن عبد الله, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والله إني لرسول الله وإن كذبتموني, اكتب محمد بن عبد الله " فقال: سهيل: وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته علينا, فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "قوموا فانحروا ثم احلقوا" ثم جاء نسوة مؤمنات, فأنزل الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ...} الآية. فنهاهم الله - عز وجل - أن يردوهن وأمرهم أن يردوا الصداق. ثم رجع إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فأرسلوا في

طلبه رجلين, فدفعه إلى الرجلين, فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة نزلوا يأكلون من تمر لهم. فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا, فأرني أنظر إليه, فأمكنه منه, فضربه حتى برد, وفر الآخر حتى أتى المدينة, فدخل المسجد يعدو, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد رأى هذا ذعرا". فقال: قتل والله صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد". فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم, فخرج حتى أتى سيف البحر, قال: وتفلت أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير, فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير, حتى اجتمعت منهم عصابة, فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها, فقتلوهم وأخذوا أموالهم, فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم لما أرسل, فمن أتاه فهو آمن, فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم. (باب الصلح) (من الصحاح): "في حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم: خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية" إنما أضاف العام إليها وهو اسم أحد أطراف الحل, لنزوله - عليه السلام - فيه حين صد عن البيت في بضع عشرة مئة من أصحابه, أي:

مع ألف ومئات, وقد سبقت الرواية عن جمع من أكابر الصحابة بأنهم كانوا ألفا وأربع مئة رجل, وعن مجمع بن جارية بأنهم كانوا ألفا وخمس مئة. "وفيه: فقال الناس حل حل خلأت القصواء" "حل حل" بالسكون: زجر للناقة كما أن حوب للبعير, وقد ينون في الوصل, ومنه حلحلت للناقة إذا قلت لها: حل حل, وتحلحلت عن مكانها: إذا زالت. و (خلأت الناقة): خلأ وخلاء - بالكسر والمد - إذا حرنت وبركت من غير علة, ونظيره: (ألح) في الجمل, و (حرن) في الفرس, و"القصواء": اسم لناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما خلأت القصواء, وما ذاك لها بخلق"أي: عادة, "ولكن حبسها حابس الفيل"أي: الله تعالى. روي أن أبرهة لما هم بتخريب الكعبة واستباحة أهلها توجه إليها في عسكر جم, وكان معه اثنا عشر فيلا, فلما وصل إلى ذي المجاز امتنعت الفيلة من التوجه نحو الكعبة, وإذا صرفت عنها إلى غيرها أسرعت مشيا, ثم قال: والذي نفس بيده! لا يسألوني خطة" أي: خصلة "يعظمون فيها حرمات الله" أي: يريدون بها تعظيم ما عظمه الله تعالى, وحرم هتك حرمته "إلا أعطيتهم إياها" أي: أسعفهم إلى الخصلة التي يسألونها, عبر عن المستقبل بالماضي للمبالغة, وصح ذلك لأن الكلام في معنى الشرط والجزاء.

"ثم زجرها فوثبت"أي: طفرت. "فعدل عنهم" أي: مال عنهم وتوجه غير جانبهم"حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء" (الثمد): الماء القليل الذي لا مادة له, وأثمد الرجل: إذا ورد الثمد, وسمي قوم صالح ثمود لنزولهم على ثمد. والظاهر: أنه أراد به محله على سبيل المجاز ليحسن وصفه بقليل الماء. "يتبرضه الناس تبرضأ" أي: يأخذونه قليلا قليلا, من: البرض, وهو القليل من الشيء, والتبرض: التقليل والتبلغ بالقليل, ويقال: برض الماء من المعين يبرض: إذا نبع, وهو قليل. "فانتزع سهما من كنانته"أي: جعبته "ثم أمرهم أن يجعلوه فيه, فوالله ما زال يجيش لهم"أي: يفور ويمتد لهم, من قولهم: جاشت القدر: إذا غلت, ويقال: جاش الوادي: إذا زخر وامتد "بالري"أي: بما يرويهم, أو بالماء الكثير, من قولهم: عين رية, أي: كثيرة الماء. "وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب: هذا ما قاضى به محمد رسول الله "أي: فصل به أمر المصالحة, من قولهم: قضى الحاكم: إذا فصل الحكومة, فأنما أتى به على زنة فاعل, لأن فصل القضية كان من الجانبين. "وفيه: فضربه حتى برد" أي: مات, ويقال: برده فلان: إذا قتله

على سبيل الكناية, فإن البرودة من توابع الموت ولوازمه, ومنه: السيوف البوارد. "وفيه: لقد رأى هذا ذعرا"أي: خوفا وفزعا, يقال: ذعر الرجل فهو مذعور. "وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويل أمه! مسعر حرب لو كان له أحد" (ويل أمه) يقال: للتعجب, هاهنا استعمله للتعجب من حسن نهضته للحرب ومعالجته لها, و (المسعر) بكسر الميم: ما تسعر به الناروتلهب, وكذا المسعار, لما شبه الحرب بالنار مثل الذي يهيجه بمسعر التنور, (لو كان له أحد) أي: أحد ينصره ويعينه. "فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم" إنما عرف ذلك من قوله:"مسعر حرب لو كان له أحد" فإنه يشعر بأنه لا يؤويه ولا يعينه, وإنما خلاصه عنهم بأن يستظهر لمن يعينه على محاربتهم. "فخرج حتى أتى سيف البحر" أي: ساحله, سمي به لامتداده معه, فإن هذا التركيب للامتداد في شيء. "وفيه: فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم لما أرسلت, فمن أتاه فهو آمن" أي: أرسلوا إليه يذكرونه الله والرحم بالحلف ويقسمون عليه ألا يعاملهم بشيء إلا بإرساله إلى أبي بصير وأشياعه, ويؤمنهم ويدعوهم إلى المدينة ليسلموا من

تعرضهم في السبيل. ... 1022 - 3084 - عن البراء بن عازب قال: صالح النبي صلى الله عليه وسلم المشركين يوم الحديبية على ثلاثة أشياء: على أن من أتاه من المشركين رده إليهم, ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه, وعلى أن يدخلها من قابل ويقيم بها ثلاثة أيام, ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح: السيف والقوس ونحوه, فجاء أبو جندل يحجل في قيوده فرده إليهم. "وعن البراء بن عازب قال: صالح النبي صلى الله عليه وسلم المشركين يوم [الحديبية على ثلاثة أشياء: على أن من أتاه من المشركين] رده إليهم, ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه, وعلى أن من يدخلها من قابل ويقيم بها ثلاثة أيام ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح": السيف والقوس ونحوه. "فجاء أبو جندل يحجل في قيوده, فرده إليهم" شرط رد المسلم إلى الكفار فاسد يفسد الصلح, إلا إذا كان بالمسلمين جور وعجز ظاهر, ولذلك شرطه - عليه الصلاة والسلام - في صلح الحديبية. و (الجلبان): جراب من الأدم يوضع فيه السلاح, وقد يقال لغاشية السرج: الجلبان, ولما كان من ديدن العرب ألا يفارقوا السلاح في السلم والحرب شرطوا عليهم ألا يجرد السلاح ولا يدخلها كاشف السلاح متأهبا للحرب.

(فأتاه أبو جندل): هو ابن سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود, أسلم بمكة فقيده المشركون. "يحجل في قيوده" أي: يمشي على وثبه كما يمشي الغراب, والحجل: مشي الغراب. "فرده إليهم" محافظة للعهد ومراعاة للشرط. ... 1023 - 3087 - عن المسور ومروان: أنهم اصطلحوا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيهن الناس, وعلى أن بيننا عيبة مكفوفة, وأنه لا إسلال ولا إغلال. (من الحسان): "عن المسور ومروان: أنهم اصطلحوا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيهن الناس, وعلى أن بيننا عيبة مكفوفة, وأنه لا إسلال ولا إغلال" إنما هادنهم عشر سنين لضعف المسلمين, وهي أقصى مدة المهادنة عند الشافعي, فلا يجوز الزيادة عليها, لأنه تعالى أمر بقتال الكفار في عموم الأحوال والأوقات, فلا يستثنى منها إلا القدرالذي استثناه الرسول صلوات الله عليه. وقيل: لا يجوز أكثر من ثلاث سنين, إذ الصلح لم يبق فيهم أكثر من ذلك, فإن المشركين نقضوا العهد في السنة الرابعة, فغزاهم

رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الفتح, وضعفه ظاهر, وقيل: لا حد لها, وإن تقدير مدتها موكول إلى رأي الإمام واقتضاء الحال, هذا إذا كان ضعف, وأما في حال القوة فيجوز الصلح إلى أربعة أشهر, لقوله تعالى: {فسيحوا في الأرض أربعة أشهر} [التوبة:2] , ولأنه -عليه الصلاة والسلام - جعل لصفوان بعد فتح مكة سير أربعة أشهر, ولا يجوز أن يهادنهم سنة بلا جزية, وفيما بينهما خلاف, والأصح المنع. وقوله: "أن بيننا عيبة مكفوفة" أي: صدرا نقيا عن الغل والخداع, مطويا على حسن العهد والوفاء. و (العيبة): تستعار للقلوب والصدور من حيث إنها مستودع الأسرار كما أن العياب مستودع الثياب والمتاع, وقيل: معناه: أن يكون بيننا موادعة ومصادقة تكون بين المتصادقين المتشاورين في الأمور, فيكون كل منا صاحب مشورة الآخر وعيبة سره. ونظيره قوله عليه الصلاة والسلام: "الأنصار كرشي وعيبتي", وقيل: معناه: على أن يكون ما سلف منا في عيبة مكفوفة, أي: مشروحة مشدودة, لا يظهره أحد منا ولا يذكره قال الله تعالى: {عفا الله عما سلف} [المائدة:95]. وقيل: على أن يكون بيننا كتاب الصلح يحفظه ولا يضيعه, كالشيء المضبوط في العيبة المشدودة.

باب الجلاء: إخراج اليهود من جزيرة العرب

و (الإسلال): السرقة, وكذلك السلة, و (الإغلال): الخيانة. ... 1024 - 3088 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه, أو كلفه فوق طاقته, أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس, فأنا حجيجه يوم القيامة" "وفي الحديث الذي يليه: فأنا حجيجه يوم القيامة, أي: خصيمه, من حاجه: إذا خاصمه. ... 11 - باب الجلاء: إخراج اليهود من جزيرة العرب من الصحاح: 1025 - 3090 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينا نحن في المسجد, خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: انطلقوا إلى يهود فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدارس, فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا معشر يهود! أسلموا تسلموا, واعلموا أن الأرض لله ولرسوله, وإني أريد أجليكم من هذه الأرض, فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه"

(باب) (من الصحاح): عقد هذا الباب على ما جاء في إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب, وأنهم لا يقررون فيها, ولما كان ذلك من ذنابة الصلح والمهادنة أفرده بباب ولم يترجمه بشيء. "وفي حديث أبي هريرة: فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدارس, " المدارس" مفعال من الدراسة إما للمبالغة كالمكثار والمعطاء., والمراد به صاحب دراسة كتبهم الذي يدارسها الناس, وإما بمعنى المدرس, والمراد به الموضع الذي يذكر فيه أهل الكتاب كتبهم ويدرسونها فيه, وإضافة البيت إليه كإضافة المسجد إلى الجامع. ويدل على المعنى الثاني أن بعض روايات الصحاح: (حتى أتى المدارس) وفيه: "إني أريد أن أجليكم): أي: أخرجكم من منازلكم هذه, والخطاب مع من بقي في المدينة, وحوماتها بعد قتل قريظة, وإجلاء بني النضير كان في السنة الرابعة من الهجرة. وقتل قريظة في خامستها, وإسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة فيكون, ما ذكر بعد ذلك بسنين. ... 1026 - 3091 - عن ابن عمر قال: قام عمر خطيبا فقال: إن

رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أموالهم وقال: نقركم على ما أقركم الله, وقد رأيت إجلاءهم, فلما أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق فقال: يا أمير المؤمنين! أتخرجنا وقد أقرنا محمد وعاملنا على الأموال؟ فقال عمر: أظننت أني نسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة, فقال: هذه كانت هزيلة من أبي القاسم. فقال: كذبت يا عدو الله, فأجلاهم عمر, وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالا وإبلا وعروضا من أقتاب وحيال وفير ذلك. "وفي حديث ابن عمر: فلما أجمع عمر على ذلك" أي: صمم العزم واتفق آراؤه على إجلاء يهود خيبر, والإجماع والإزماع تصميم العزم. "وفيه: كانت هذه هزيلة من أبي القاسم": هزيلة: تصغير هزلة, وهي المرة من الهزل الذي هو نقيض الجد. ... 1027 - 3092 - عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاثة قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب, وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم, قال ابن عباس: وسكت عن الثالثة, أو قال: فأنسيتها. "وفي حديث ابن عباس: وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم"

باب الفيء

أي: أقيموا للرسل مدة إقامتهم ما يحتاجون إليه كفاءة ما كنت أعطيهم من الجائزة وهي العطاء, وتخصيص ذلك بالوصية لما فيه من المصلحة العظيمة, لأن الوافد إذا لم يقم ولم يكرم رجع إلى قومه بما يفتر رغبتهم عن الإسلام ويحرش صدورهم. ... 12 - باب الفيء من الصحاح: 1028 - 3096 - عن مالك بن أوس بن الحدثان, عن عمر قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب, فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة, ينفق على أهله منها نفقة سنته, ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله - عز وجل - (باب الفيء) (من الصحاح): "عن عمر قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب, وكانت لرسول الله خاصة ينفق على أهله منها نفقة سنته, ثم يجعل ما بقي في السلاح

والكراع عدة في سبيل الله" "مما أفاء الله على رسوله" أي: مما جعله له فيئا, وأنعم به عليه خاصة, و (الفيء): ما يجعل للمسلمين وفاء إليهم من أموال الكفار بغير قتال وإيجاف خيل وركاب, وكما قال: "مما لم يوجف المسلمون عليه" أي: لم يسرعوا إليه, من الوجيف, وهو السير السريع, ولم يتعبوا على تحصيله وتغنيمه خيلا ولا ركابا, وهي الإبل التي يسافر عليها, لا واحد لها من لفظها, بل يقال لواحدها: راحلة ويجمع على ركب ككتاب وكتب. وقوله: "فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة": اختلف أهل العلم فيه, فذهب أكثرهم إلى أن جميع مال الفيء كان له بأسره ينفق منه على أهله نفقة سنته, ثم يصرف الباقي في السلاح والكراع, أي: الخيل وسائر ما فيه صلاح المسلمين على ما دل عليه ظاهره وبعده لجميع المسلمين, يصرفه الإمام في مصالحهم. وذهب الشافعي في الجديد إلى أن خمسه يخمس على خمسة أقسام كخمس الغنيمة, لقوله تعالى: {ما أفاء الله على رسوله} [الحشر:7] , الآية, فإنه تعالى أثبت لهؤلاء المذكورين فيه حقا كما أثبت لهم في الغنيمة, فيستحقون منه ما يستحقون من الغنيمة. وذكر الله في أول الآية لتعظيم شأن المذكورين بعده وتيمنا بالافتتاح باسمه كما في آية الغنيمة. والأخماس الأربعة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مدة حياته يصرفها كيف

يشاء, وبعده فيها ثلاثة أقوال: أحدها: أنه مردود إلى المصالح كخمس الخمس المضاف إليه من الفيء والغنيمة. والثاني: أنه يقسم على الجهات كما يقسم الخمس, فعلى هذا تكون جملة مال الفيء مقسومة على المذكورين في الآية على ما دل عليه ظاهرها. والثالث وهو الأظهر: أنه للمرتزقة المترصدين للقتال كما أن [أربعة أخماس] الغنيمة للحاضرين فيه, لأنه - عليه الصلاة والسلام - كان يأخذها بما أن تملك الأموال تحصل من الكفار لحذرهم منه وخوفهم, والآن تحصل لحذرهم من جنود المسلمين. وقوله: "خاصة": أراد بها أنه ليس لأحد من الأئمة بعده أن يتصرفوا فيها تصرفه, بل عليهم أن يصرفوها إلى المصالح أو غيرها من المصارف المذكورة. ... من الحسان: 1029 - 3097 - عن عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه الفيء قسمه في يومه فأعطى الآهل حظين وأعطى الأعزب حظا, فدعيت فأعطاني حظين, وكان لي أهل, ثم دعي بعدي عمار بن ياسر فأعطي حظا واحدا.

(من الحسان): "وفي حديث عوف بن مالك: فأعطى الآهل حظين وأعطى الأعرب حظا" "الآهل": الذي له أهل, و"الأعزب": الذي لا أهل له, والأول اسم فاعل من أهل يأهل ويأهل - بالكسر والضم - أهولا إذا تزوج. والثاني (أفعل) من العزوبة, وما رأيته مستعملا بهذا المعنى إلا في هذا الحديث, وإنما المستعمل له العزب, ولعله أخرج العزوبة مخرج العيوب, فاشتق منه أعزب. ... 1030 3099 - وعن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بظبية فيها خرز فقسمها للحرة والأمة, وقالت عائشة: كان أبي يقسم للحر والعبد. "وفي حديث عائشة: أتى بظبية فيها خرز" "الظبية" جراب صغير عليه شعر, والظبية أيضا جهاز المرأة. ... 1031 - 3100 - عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: ذكر عمر ابن الخطاب يوما الفيء فقال: ما أنا أحق بهذا الفيء منكم, وما أحد منا بأحق به من أحد, إلا أنا على منازلنا من كتاب الله - عز وجل - , وقسم

رسول الله صلى الله عليه وسلم, والرجل وقدمه, والرجل وبلاؤه, والرجل وعياله, والرجل وحاجته. "وعن مالك بن أوس بن الحدثان قال: ذكر عمر بن الخطاب يوما الفيء, قال: ما أنا أحق بهذا الفيء منكم, وما أحد منا بأحق به من أحد إلا على منازلنا من كتاب الله - عز وجل - وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم, والرجل وقدمه, والرجل وبلاؤه,, والرجل وعياله, والرجل وحاجته" كان رأي عمر أن الفيء لا يخمس, وأن جملته لعامة المسلمين تصرف في مصالحهم, لا مزية لأحد منهم على آخر في أصل الاستحقاق, وإنما التفاوت في التفاضل بحسب اختلاف المراتب والمنازل, وذلك إما بتنصيص الله تعالى على استحقاقهم كالمذكورين في الآية. وخصوصا منهم من كان من المهاجرين والأنصار لقوله تعالى: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم} [الحشر:8] الآيتان, ولقوله: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} [التوبة:100] , أو بتقديم الرسول صلوات الله عليه وتفضيله, إما لسبق إسلامه وثبات قدمه في الدين, وإما لحسن بلائه, أي: سعيه وغنائه في سبيل الله وإما لشدة احتياجه وكثرة عياله. وقوله: "والرجل وقدمه": روي بكسر القاف وفتحها, وهو نظير قولهم: كل رجل وضيعته, أي: الرجل وقدمه يعتبران في الاستحقاق واقتضاء التفاضل.

1032 - 3101 - وقال: قرأ عمر بن الخطاب {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} حتى بلغ {عليم حكيم} فقال: هذه لهؤلاء, ثم قرأ {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} حتى بلغ {وابن سبيل} , ثم قال: هذه هؤلاء, ثم قرأ {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى} حتى بلغ {للفقراء} ثم قرأ {والذين جاءو من بعدهم} ثم قال: هذه استوعبت المسلمين عامة, فلئن عشت فليأتين الراعي وهو بسرو حمير نصيبه منها, لم يغرق فيها جبينه. وفي رواية: "لئن عشت إن شاء الله لأخرجن اليهود والنصارى" "وفي آخر هذا الحديث: فلئن عشت فليأتين الراعي وهو بسرو حمير نصيبه. "السرو": اسم موضع من نواحي اليمن أضيف إلى حمير لأنه محلهم, وخصه بالذكر لبعده عن المدينة وخص الراعي لأنه قلما يعرف أو يعلم أن له حقا في ذلك فيطلب مبالغة في التعميم واتصال القسم إلى من يطلب, وإلى من لا يطلب من القريب والبعيد. ... 1033 - 3102 - عن مالك بن أوس عن عمر قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا: بنو النضير وخيبر وفدك, فأما بنو النضير فكانت حبسا لنوائبه, وأما فدك فكانت حبسا لأبناء السبيل,

وأما خيبر فجزأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء: جزءين بين المسلمين, وجزءا نفقة لأهله, فما فضل عن نفقة أهله جعله بين الفقراء المهاجرين. "وفي حديثه الآخر: وكانت حبسا لنوائبه" "الحبس": - بالضم - ما حبس ووقف, وبالكسر: خشب أو حجر يوضع في مجرى الماء ليحبسه فيشرب منه الناس والدواب وكان الأول للمفعول, والثاني للفاعل والذي في الحديث مضموم. "وفيه: وأما خيبر فجزأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء: جزأين بين المسلمين, وجزءا نفقة لأهله, فما فضل عن نفقة أهله جعله بين فقراء المهاجرين" إنما فعل ذلك لأن خيبر كانت قرى كثيرة فتح بعضها عنوة, وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الخمس, وفتح بعضها صلحا من غير قتال وإيجاف خيل وركاب, فكان فيئا حاصلا له على ما سبق بيانه فاقتضت القسمة والتعديل أن يكون جميعها بينه وبين الجيش أثلاثا. وقد روي عن سهل بن أبي حثمة أنه عليه الصلاة والسلام قسم خيبر نصفين: نصفها لنوائبه ولحاجته, ونصفها قسم بين المسلمين. وقد روى بشير بن يسار عن رجال من الصحابة مثله, وهو الأصح, وكان من قسمه الكتيبة والوطيحة والسلاليم وتوابعها.

(18) كتاب الصيد والذبائح

كتاب الصيد والذبائح

(18) كتاب الصيد والذبائح 1 - باب من الصحاح: 1034 - 3103/م - وروي عن عدي قال: قلت: يا رسول الله! إنا نرسل الكلاب المعلمة, قال: "كل ما أمسكن عليك" قلت: وإن قتلن؟ قال: "وإن قتلن" قلت: إنا نرمي بالمعراض, قال:" كل ما خرق, وما أصاب بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل" (كتاب الصيد والذبائح) (من الصحاح): "وفي حديث عدي بن حاتم قلتك إنا نرمي بالمعراض قال: كل ما خزق, وما أصاب بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل" (المعراض): السهم الثقيل الذي لا ريش له, وأكثر ما يصل الشيء ويصيبه فإنما يصيبه بعرضه, ولذلك سمي معراضا. وقوله: "كل ما خزق" بالخاء والزاي المنقوطتين: أي: ما أصابه

بحده ونفذ فيه, والخزق: الطعن, والخازق من السهام: ما يثبت في القرطاس. "وما أصاب بعرضه قتل فإنه وقيذ" أي: الذي أصابه المعراض بعرضه فقتله: موقوذ, وهو المضروب بخشب, أو حجر ضربا شديدا يموت منه. وقد نص الله تعالى على تحريمه لقوله: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة} [المائدة: 3]. ... 1035 – 3105 – وقال: "إذا رميت بسهمك فغاب عنك فأدركته فكل ما لم ينتن" "وفي حديث أبي ثعلبة الخشني أنه عليه الصلاة والسلام قال: إذا رميت سهمك, فغاب عنك, فأدركته فكل ما لم ينتن" روي بضم الياء وفتحها, من: أنتن الشيء ونتن إذا صار ذا نتن, ولعله أراد بهذا التحديد أنه لو وجده على القرب بعد ما تحقق له أنه أصابه سهمه حل, وإن وجده بعد أيام لم يأكل, لجواز أنه مات بسبب آخر, وإليه ذهب مالك, قال: إن وجده من يومه فهو حلال, وإن بات فلا. وقيل: أراد به المنع عن أكل ما أنتن على سبيل التنزيه دون التحريم, إما لاستقذار الطبع له, وإما لاحتمال أن يغيره كان من هامة نهسته.

وللشافعي فيما رماه فغاب عنه, ثم أدركه ميتا قولان. ... 1036 – 3108 – وسئل علي رضي الله عنه: أخصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ فقال: ما خصنا بشيء لم يعم به الناس إلا ما في قراب سيفي هذا, فأخرج صحيفة فيها: لعن الله من ذبح لغير الله, ولعن الله من سرق منار الأرض – ويروى: من غير منار الأرض – ولعن الله من لعن والديه, ولعن الله من آوى محدثا. "وفي حديث علي رضي الله عنه: لعن الله من سرق منار الأرض" وهو ما تعرف به الأراضي وتتميز به حدودها وأطرافها, يريد بسرقته أن يسوي ويغير ليستبيح به ما ليس له من حق الجار. "وفيه: لعن الله من آوى محدثا" أي: مبتدعا, وقيل: جانيا, وإيواؤه إجارته والمنع من إجراء ما يحق أن يفعل به من العقوبة حدا أو قصاصا. وروي: (أوى) بغير مد, فإنه جاء لازما ومتعديا. ... 1037 – 3109 – عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: قلت: يا رسول الله! إنا لاقو العدو غدا وليست معنا مدى, أفنذبح بالقصب؟ قال: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل, ليس السن والظفر,

وسأحدثك عنه: أما السن فعظم, وأما الظفر فمدى الحبش" وأصبنا نهب إبل وغنم فند منها بعير فرماه رجل بسهم فحبسه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش, فإذا غلبكم منها شيء فافعلوا به هكذا" "وعن رافع بن خديج قال: قلت: يا رسول الله! إنا لاقو العدو غدا, وليست معنا مدى, أفنذبح بالقصب؟ قال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله, فكل, ليس السن والظفر وسأحدثك عنها أما السن فعظم, وأما الظفر فمدى الحبشة" (المدى): جمع مدية. "وأنهر الدم" أي: أساله, وسمي النهر نهرا لسيلانه, والمراد بالظفر: ظفر الإنسان, وإنما قال: وأما الظفر فمدى الحبشة لأنهم يذبحون بها ما يمكن ذبحه بها, وإنما استثناها ومنع الذبح بهما لأنه تعذيب وخنق. وقوله: "أما السن فعظم" قياس حذف عنه المقدمة الثانية لتقررها وظهورها عنهم, وهو أن كل عظم لا يحل الذبح به, وذكره دليلا على استثناء السن, وإليه ذهب الشافعي, وفرق أبو حنيفة بين الثابتة دليلا على الإنسان وغيرها. وقال مالك: إن ذكى بالعظم فمرمرا أجزأه, وحمل النهي على الغالب, فإنه لا يقطع المذبح ولا يمور فيه مور الحديد غالبا.

وقوله بعد ذلك: {وأصبنا نهب إبل وغنم}: أي: منتهبهما, مصدر أطلق للمفعول. "فند منها بعير" أي: نفر. "فرماه رجل بسهم فحبسه" أي: أماته, "فقال عليه الصلاة والسلام": إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش" أي: من هذه الجنس أوابد, وهي التي تأبدت, أي: توحشت ونفرت من الإنس. "فإذا غلبكم منها شيء " أي: نفر عنكم وعجزتم عن إدراكها "فافعلوا به هكذا": يدل على أن الإنسي إذا توحش كان حكمه في الذبح حكم الوحشي. ... 1038 – 3110 – عن كعب بن مالك رضي الله عنه: أنه كانت له غنم ترعى بسلع فأبصرت جارية لنا بشاة من غنمنا موتا, فكسرت حجرا فذبحتها به, فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره بأكلها. "وفي حديث كعب بن مالك أنه كانت له غنم ترعى بسلع" (السلع) بسكون اللام: الشعب, وقيل: ربوة من الجبل. ... 1039 – 3111 - عن شداد بن أوس رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء, فإذا قتلتم فأحسنوا

القتلة, وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح, وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" "وفي حديث شداد بن أوس: فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة" "القتلة" بالكسر: الحالة التي يكون عليها القاتل, والإحسان فيها أن يؤثر أيسر الطرق وأقلها تعذيبا وإيلاما. "فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح, وليحد أحدكم شفرته" أي: سكينه. "وليرح ذبيحته" أي: ليتركه حتى يستريح ويبرد, من قولهم: أراح الرجل إذا رجعت إليه نفسه بعد الإعياء, والاسم الراحة. ... 1040 – 3117 – وعن أنس رضي الله عنه قال: غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أبي طلحة رضي الله عنه ليحنكه, فوافيته في يده الميسم يسم إبل الصدقة. "وعن أنس: غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أبي طلحة ليحنكه, فوافيته وفي يده الميسم يسم إبل الصدقة" (غدوت إليه): أي: مشيت إليه غدوة. (ليحنكه):أي: ليدلك رسول الله صلى الله عليه وسلم التمر في حنك عبد الله. وجاء في حديث آخر: (كان يحنك أولاد الأنصار): بالتخفيف

والتشديد, أي: كان يمضغ تمرة ويجعلها في فيهم, وذلك سنة في المولود, وفائدته تجلية سطح فمه ولسانه. و"الميسم": الحديدة التي يكون بها, والوسم الكي للعلامة. ... 1041 – 3118 – ويروى عن أنس رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مربد, فرأيته يسم شاة, حسبته قال: في آذانها. (المربد): الموضع الذي تحبس فيه الإبل, من قولهم: ربد بالمكان إذا أقام به, وقد يقال للبيدر في لغة أهل المدينة. ... من الحسان: 1042 – 3119 – عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! أرأيت أحدنا أصاب صيدا وليس معه سكين, أيذبح بالمروة وشقة العصا؟ فقال: "أمرر الدم بما شئت واذكر الله"

(من الحسان) "عن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله! أرأيت أحدنا أصاب صيدا وليس معه سكين أيذبح بالمروة وشقة العصا؟ فقال: أمرر الدم بما شئت, واذكر اسم الله" "المروة": الحجارة البيضاء, وبهما سميت مكة, و"شقة العصا": شظية تشظى منها. و (إمرارالدم): إسالته وإجراؤه, وروي: (أمر) بالإدغام, و (امر) من (مرى يمري) إذا مسح الضرع ليدر, والمعنى: استخرج الدم وسيله, وروي (أمر) بتحريك الميم وقطع الألف, من (أمار) الذي هو معدي, مار الدم يمور مورا إذا جرى, و"بما شئت": سبب مخصوص بما استثناه. ... 1043 – 3120 – عن أبي العشراء عن أبيه: أنه قال: يا رسول الله! أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة؟ فقال: "لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك" "وفي حديث رافع ونحوه: عن أبي العشراء عن أبيه أن قال: يا رسول الله! أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة فقال: لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك". هذا الحكم مخصوص بحال الضرورة كالبعير إذا ند وتوحش, أو

تردى في بئر منكوسا وتعذر قطع حلقه. و (أبو العشراء): هو أسامة بن مالك, وقيل: ابن قهطم, وقيل: هو يسار بن برز, ولم يعرف له عن أبيه سوى هذا الحديث, هكذا ذكره أبو عيسى. ... 1044 - 3125 – وعن قبيصة بن هلب, عن أبيه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن طعام النصارى – وفي رواية: سأله رجل فقال – إن من الطعام طعاما أتخرج منه, فقال: "لا يتخلجن في صدرك شيء ضارعت فيه النصرانية" "وعن قبيصة بن هلب بن يزيد الطائي, عن أبيه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن طعام النصارى فقال: لا يتخلجن في صدرك شيء ضارعت فيه النصرانية" (التخلج): التحرك من الخلجان, أي: لا يتحركن الشك في قلبك. وروي بالحاء المهملة أي: لا يدخلن قلبك منه شيء لأنه حلال طيب. و (المضارعة): المشابهة, ولعلها أخذت من الضرع لتشابه أخلاقها, والمعنى: لا تشوش قلبك ولا تتحرج عما لم تنه عنه,

فإنك إن فعلت ذلك ضارعت فيه النصرانية, فإنه من دأب النصارى وترهبهم. ... 1045 – 3127 – عن العرباض بن سارية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن كل ذي ناب من السباع, وعن كل ذي مخلب من الطير, وعن لحوم الحمرالأهلية, وعن المجثمة, وعن الخليسة, وأن توطأ الحبالى حتى يضعن ما في بطونهن, قيل: الخليسة ما يؤخذ من السبع فيموت قبل أن يذكى". "وفي حديث العرباض بن سارية: وعن المجثمة وعن الخليسة" أي: نهى عن" المجثمة" وهي التي أصابها سهم فجرحها, فتركت جاثمة بمكانها حتى تموت, فتكون مصبورة على الموت, من قولهم: جثم بالمكان: توقف فيه واحتبس. و"الخليسة": وهي ما تؤخذ من السبع فتموت قبل أن يذكى. ... 1046 – 3128 – عن ابن عباس رضي الله عنه: أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شريطة الشيطان, وهي التي تذبح فيقطع الجلد, ولا تفرى الأوداج, ثم تترك حتى تموت.

"وعن ابن عباس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شريطة الشيطان, وهي التي تذبح فيقطع الجلد ولا تفرى الأوداج, ثم تترك حتى تموت" إنما سمي ذلك "شريطة" لأنه من أفعال الجاهلية المؤدي إلى إزهاق الروح من غير حل. وقوله: "ولا تفرى" أي: لا تقطع, من الفري, و"الأوداج": جمع ودج, وهو عرق من العنق. ... 1047 – 3129 – عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ذكاة الجنين ذكاة أمه" "وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم [قال]: ذكاة الجنين ذكاة أمه". أي: ذكاتها كافية في تحليله, فإذا وجد جنين ميت في بطن المذكى حل أكله كما صرح به في الحديث الذي يليه لأبي سعيد, وإليه ذهب عامة العلماء غير أبي حنيفة, فإنه قال: لا يحل إلا إذا وجد حيا, فيذبح, وأول الحديث بأن ذكاته مثل ذكاتها, وهو به إضمار يرده حديث أبي سعيد,

باب

2 - باب من الصحاح: 1048 - 3133 - عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو ضار نقص من عمله كل يوم قيراطان" (باب) (من الصحاح): المقصود منه بيان ما يجوز اقتناؤه من الكلاب وما لا يجوز, فهو كالتتمة والرديف للباب السابق. "عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو صيد نقص من عمله كل يوم قيراطان" روي (ضار) بدل (صيد) أي: صائد, من قولهم: ضري الكلب بالصيد ضراوة إذا تعوده, وإضافة الكلب إليه على قصد الإبهام والتخصيص, فإن الكلب قد يكون ضاريا, وقد لا يكون. وقد روي منصوبا عطفا على المستثنى, وإنما نقص من عمل المقتني قيراطان, لأنه اقتنى النجاسة مع وجوب التجنب عنها بلا حاجة ومنفعة, وجعلها وصلة لرد السائل والضيف, فإن الكلب ينبح

باب ما يحل أكله وما يحرم

عليهما فيرجعان عنه فينقص خيره. ... 3 - باب ما يحل أكله وما يحرم من الصحاح: 1049 - 3144 - وعن أنس رضي الله عنه قال: أنفجنا أرنبا بمر الظهران, فأخذتها فأتيت بها أبا طلحة, فذبحها وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذيها فقبله. (باب ما يحل أكله ويحرم) (من الصحاح) "وفي حديث أنس: أنفجنا بمر الظهران" (نفج الأرنب) بالجيم: إذا ثار, وأنفجته: أثرته. و"مر الظهران" بفتح الميم والظاء: الموضع بين الحرمين. ... 1050 - 3146 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن خالد بن الوليد أخبره أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة, وهي خالته وخالة ابن عباس, فوجد عندها ضبا محنوذا, فقدمت الضب لرسول الله صلى الله عليه وسلم,

فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عن الضب, فقال خالد: أحرام الضب يا رسول الله! قال: "لا, ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه"قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلي " وفي حديث ابن عباس عن خالد بن الوليد: فوجد عندها ضبا محنوذا" أي: مشويا, من حنذت الشاة أحنذها حنذا إذا شويتها, وجعلت فوقها حجارة محماة لتنضجها. وفيه: "قال خالد فاجتررته فأكلته" أي: جررته, يقال: جر واجتر بمعنى. ... 1051 - 3148 - عن ابن أبي أوفى قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات كنا نأكل معه الجراد. "وعن [ابن] أبي أوفى قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات, كنا نأكل معه الجراد" جاء ف بعض الروايات (ست غزوات) , وفي بعضها الترديد بينهما. وفسر قوله: " كنا نأكل معه": أنهم أكلوه وهم معه لم ينكر عليهم, لا إنه أكل معهم, لما روى سلمان أنه - عليه الصلاة والسلام - سئل عن

الجراد فقال: "أكثر جنود الله, لا آكله ولا أحرمه:" ... 1052 - 3149 - عن جابر رضي الله عنه: أنه قال: غزونا جيش الخبط, وأمر علينا أبو عبيدة فجعنا جوعا شديدا, فألقى لنا البحر حوتا ميتا لم نر مثله يقال له العنبر, فأكلنا منه نصف شهر, فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه, فمر الراكب تحته, فلما قدمنا ذكرنا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كلوا رزقا أخرجه الله, أطعمونا إن كان معكم" قال: فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله" "وفي حديث جابر غزوت جيش الخبط" أي: معهم. و"الخبط" - بالتحريك -: المهشوش من ورق الأشجار, وبالسكون: المصدر, وهو الهش بضرب العصا. وسموا جيش الخبط لأنهم أكلوه من الجوع حتى قرحت أشداقهم, وكانوا ثلاثمئة بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الساحل وأمر عليهم أبا عبيدة الجراح. ... 1053 - 3152 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اقتلوا الحيات, واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر, فإنهما يطمسان البصر

ويستسقطان الحبل" وقال أبو لبابة: إنه نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت, وهن العوامر" "وعن ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اقتلوا الحيات, واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر, فإنهما يطمسان البصر ويسقطان الحبل" "ذو الطفيتين": نوع من الحيات, وهو الذي عليه خطان يشبهان ورق المقل, وهو الطفية. و"الأبتر": الذي يشبه مقطوع الذنب لقصر ذنبه. وقوله: "يطمسان البصر, ويسقطان الحبل" أي: يعميان البصر, ويسقطان الحبل عند النظر إليهما بالخاصية, جعل ما يفعلان بالخاصية كالذي يفعلانه بقصد وطلب, وفي خواص الحيوان عجائب لا تنكر, وقد ذكر في خواص الأفعى أن الحبل يسقط عند موافقة النظرين, وفي خواص بعض الحيات أن رؤيتها تعمي. ... 1054 - 3153 - وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لهذه البيوت عوامر, فإذا رأيتم شيئا منها فحرجوا عليها ثلاثا, فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر" "وعن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لهذه البيوت عوامر, فإذا رأيتم شيئا منها فحرجوا عليها ثلاثا, فإن ذهب, وإلا

فاقتلوه فإنه كافر" (العوامر): جمع عامرة, وهي الحية التي تكون في الدار عن عهد قديم. :فحرجوا عليها" أي: شددوا عليها ونفروها, فإن نفر وتوارى فذاك, "وإلا فاقتلوه" فإنه كالكافر في جراءته وصولته وقصده, وكونه مؤذيا. وقيل: أراد بعوامر البيت سكانها من الجن, أي: إنها جن يشكل بشكل الحيات, وبالتحريج: التشديد بالحلف عليه, كما جاء في الحديث أنه يقال لها: "أسألك بعهد نوح, وبعهد سليمان بن داود عليهم الصلاة والسلام أن لا تؤذينا" ... 1055 - 3154 - وعن أم شريك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ, وقال: "كان ينفخ على نار إبراهيم" "وعن أم شريك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ, وقال: كان ينفخ على إبراهيم" "الوزغ": دويبة تكون في الجبال والبوادي, تشبه سام أبرص, غير أن رأسها أكبر, وأرجلها أطول, والجمع: وزغان وأوزاغ, وإنما سمي وزغا لخفته وسرعة حركته.

"وكان ينفخ على إبراهيم":بيان لخبث هذا النوع وفساده, وأنه بلغ في ذلك مبلغا استعمله الشيطان, فحمله على أن ينفخ في النار التي ألقي فيها خليل الله صلوات الله عليه, وسعي في إشعالها, وهو في الجملة من ذوات السموم المؤذية. ... من الحسان: 1056 - 3159 - عن سفينة قال: أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حبارى" (من الحسان): "عن سفينة قال: أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم الحبارى" هو طائر له ألوان مختلفة, ولذلك سمي بهذا الاسم, ويقال له بالفارسية: جرز. ... 1057 - 3160 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها" ويروى: أنه نهى عن ركوب الجلالة. "عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها"

"الجلالة": التي تأكل النجاسة, من الجلة, وهو البعرة. ويقال: مضى الإماء يتجللن, أي: يلتقطن الجلة. وروي أنه - عليه الصلاة والسلام - نهى عن ركوب الجلالة, ولعله أراد بها البقرة اللبونة, فإنها تعتاد أكل الأرواث وتحرص عليها دون سائر الدواب, وفي سائر الأحوال فسماها بوصفها الخاص لها غالبا. ... 1058 - 3167 - وروي عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوه, وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه, والأكثرون على أنه موقوف على جابر. "وفي حديث جابر: ما ألقاه البحر أو جزر عنه الماء فكلوه" أي: قذفه البحر إلى الساحل, أو نقص عنه الماء وانكشف, من (الجزر) الذي هو نقيض المد, ومنه الجزيرة أيضا. ... 1059 - 3172 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما سالمناهم منذ حاربناهم, ومن ترك منهم شيئا خيفة فليس منا" "وعن أبي هريرة: ما سالمناهم منذ حاربناهم"

باب العقيقة

أي: المعاداة بين الإنسان والحية جبلية لا تقبل الزوال, فإن كل واحد منهما قاتل للآخر بالطبع, أو وقع الحرب بينهما من لدن آدم, ولم يرفعها بعد' وإنما ذكر الضمير الراجع إليها [إجراء لها] مجرى معاديهم. وقوله: "ومن ترك شيئا منهم خيفة فليس منا"أي: من المقتدين بنا, والتابعين لهدينا, فإن من زعمات الجاهلية أن الحية إذا قتلت طلب ثأرها من القاتل فاقتص منه. **** 4 - باب العقيقة من الصحاح: 1060 - 3179 - عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه: أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مع الغلام عقيقة, فأهريقوا عنه دما, وأميطوا عنه الأذى" (باب العقيقة) (من الصحاح): "عن سلمة بن عامر الضبي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما, وأميطوا عنه الأذى"

"مع الغلام عقيقة"أي: مع ولادته عقيقة مسنونة, وهي شاة تذبح عن المولود اليوم السابع من ولادته, سميت بذلك لأنها تذبح حين تحلق عقيقته, وهو الشعر الذي يكون على المولود حين يولد, من العق وهو القطع, لأنه يحلق ولا يترك, وأراد بإماطة الأذى عنه حلق شعره. وقيل: تطهيره عن الأوساخ والأوضار التي تلطخ بها عند الولادة, وقيل: الختان. ... 1061 - 3180 - عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم. "وفي حديث عائشة رضي الله عنها: كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم". أي: يدعو لهم بالبركة, ويقرأ عليهم الدعاء بالبركة. ... من الحسان: 1062 - 3182 - عن أم كرز: أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أقروا الطير على مكناتها", قالت: وسمعته يقول: "عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة, ولا يضركم ذكرانا كن أو إناثا", صحيح.

(من الحسان): "عن أم كرز الخزاعية قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أقروا الطير على مكناتها": أي: أقروها في أوكارها, ولا تنفروها, ولا تتعرضوا لها. و (المكنات) بفتح الميم وكسر الكاف: الأوكار, وقيل: هي في الأصل جمع مكنة, وهي بيضة الضب, ومنها يقال: مكنت الضب وأمكنت: إذا جمعت بيضها, ثم تجوز بها عن محلها, ثم شبه وكر الطير بحجر الضب فاستعيرت له. ويحتمل أن يكون المراد بها: البيض تشبيها لبيض الطير ببيض الضب, وأن يكون المراد بها أماكنها, من قولهم: الناس على مكناتهم, أي: مقاماتهم. وقيل: هي [جمع مكنة التي هي] بمعنى التمكن, كالطلبة بمعنى التطلب, أي: أقروها على تمكنها, واتركوها بحالها. وفي حديثها الآخر: "ولا يضركم ذكرانا كن أو إناثا" أي: الشياه التي يعق بها. ... 1063 - 3183 - وعن الحسن, عن سمرة: أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم السابع ويسمى ويخلق رأسه"

وروى بعضهم: "ويدمى" مكان "ويسمى" "وفي حديث سمرة: الغلام مرتهن بعقيقة, تذبح عنه يوم السابع. أي: هو كالشيء المرهون الذي لا يتم الانتفاع والاستماع به إلا بأداء المرهون به, فإن العقيقة فدية عنه, وقيام بشكر المنعم [به المقتضي] لدوام النعمة واستمرارها, فكأن سلامة المولود ونشوءه على الوجه المقصود, وكماله = رهينة بالعقيقة متوقفة عليها.

(19) كتاب الأطعمة

كتاب الأطعمة

(19) كتاب الأطعمة 1 - باب من الصحاح: 1064 - 3188 - قال عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكانت يدي تطيش في الصحفة, فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سم الله, وكل بيمينك, وكل مما يليك" (كتاب الأطعمة) (من الصحاح): "قال عمر بن أبي سلمة: كنت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكانت يدي تطيش في الصحفة" "عمر" هذا: هو ابن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: "وكانت يدي تطيش" أي: تضطرب وتدور في الصحفة, فيأخذ الطعام من جوانبها, وأصل الطيش: الاضطراب, ومنه طاش السهم: إذا عدل عن الهدف.

1065 – 3189 – وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يستحل الطعام أن يذكر اسم الله عليه" "وعن أبي حذيفة بن عتبة القرشي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يستحل الطعام إلا أن يذكر اسم الله عليه" (استحلال الطعام من الشيطان) مجاز عن إذهاب البركة, وصرفه فيما لا يرضاه الله, أي: لا يكون ممنوعا عن التصرف فيه إلا أن يذكر اسم الله عليه. ... 1066 – 3190 – وقال: "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء, وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت, وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء" "وفي حديث جابر: قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء" المخاطب به: أعوانه أي: لا حظ ولا فرصة لكم الليلة من أهل هذا البيت, فإنهم قد أحرزوا عنكم طعامهم وأنفسهم, وتحقيق ذلك أن انتهاز الشيطان فرصته من الإنسان إنما يكون حال الغفلة ونسيان الذكر, فإذا كان الرجل متيقظا ذاكرا لله في جملة حالاته لم يتمكن الشيطان من إغوائه وتسويله, وأيس عنه بالكلية.

1067 – 3192 – وقال: "لا يأكلن أحد منكم بشماله, ولا يشربن بها, فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها" "وفي الحديث الذي بعده وهو لابن عمر: فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها" أسند إليه ذلك لأنه فعل أوليائه, أو لأنه من قبائح الأفعال, لما فيه من مخالفة السنة والاستهانة بالنعمة. ... 1068 – 3196 – وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه, فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان, فإذا فرغ فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة" "وفي حديث جابر: فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى, ثم ليأكلها ولا يدعها الشيطان" جعل تركها والإعراض عنها إبقاء لها للشيطان, لأنه تضييع للنعمة وإزراء بها, وتخلق بأخلاق المتكبرين المترفهين. ***

1069 – 3199 – وقال أنس رضي الله عنه: ما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم رأى رغيفا مرققا حتى لحق بالله, ولا رأى شاة سميطا بعينه قط. "وفي حديث أنس: ولا أرى شاة سميطا بعينه" (السميط): المسموط وهو الذي أزيل شعره, ثم شوي, من السمط: وهو إزالة الشعر, وما شوي بعد السلخ فهو الخميط. ... 1070 – 3200 – وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله, وقال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منخلا من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله. قيل: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه فيطير ما طار, وما بقي ثريناه فأكلناه. "وعن سهل بن سعد قال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله" "النقي" الخبز الحواري, وهو ما نقي دقيقة من النخالة وما يعيبه. ... 1071 – 3202 – وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن يأكل في معي واحد, والكافر يأكل في سبعة أمعاء".

"وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن يأكل في معي واحد, والكافر يأكل في سبعة أمعاء" أراد به أن المؤمن يقل حرصه وشرهه على الطعام, وتبارك له في مأكله ومشربه فيشبع, والكافر يكون شديد الحرص, لا مطمح لبصره إلا إلى المطاعم والمشارب كالأنعام, فمثل ما بينهما من التفاوت في الشره بما بين من يأكل في معي واحد, ومن يأكل في سبعة أمعاء. وهذا باعتبار الأعم الأغلب, ولعلك إن وجدت مسلما أكولا فلو فحصت وجدت من الكفار من يفضل نهمته أضعافا مضاعفة. ... 1072 – 3206 – وعن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "التلبينة مجمة لفؤاد المريض, تذهب ببعض الحزن" "وعن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم التلبينة مجمة لفؤاد المريض, تذهب ببعض الحزن" "التلبينة": حسو رقيق يتخذ من الدقيق واللبن, وقيل: من الدقيق أو النخالة, يقال له بالفارسية: (سبو ساب) , وقد يجعل فيه العسل, سميت بذلك تشبيها باللبن لرقتها’ وقيل: هو ماء الشعير. وقوله: "مجمة" أي: مريحة من الجمام, وهو الراحة, ومنه فرس

جمام, أي: ذو جمام. ... 1073 - 3209 – عن عمرو بن أمية: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة في يده, فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين التي يحتز بها, ثم قام فصلى ولم يتوضأ. "وعن عمرو بن أمية: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة" أي: يقطعه, يقال: حز واحتز بمعنى. ... 1074 - 3212 – وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الكمأة من المن, وماؤها شفاء للعين" وفي رواية: "من المن الذي أنزل الله تعالى على موسى عليه السلام" "وعن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الكمأة من المن, وماؤها شفاء العين" "الكمأة": جمع كم, على خلاف القياس, وهو نبت يشبه جبنة تنشق عنه الأرض, وأصله من كمأت رجله إذا انشقت, و"المن": الترنجيين, وقيل: شيء يشبهه.

وقوله: (من المن): معناه أنه مما يشابهه ويشاكله من حيث إنه يحصل بغير تعب, أو في الطبع والنفع, وقيل: المراد بالمن: النعمة. "وماؤه شفاء العين": معناه أنه يستعمل في دوائها, فإنه يؤخذ ويخلط به أدوية العين لا أن ماءها يقطر وحده في العين. ... 1075 - 3214 - عن جابر رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران نجني الكبات, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالأسود منه فإنه أطيب" فقبل: أكنت ترعى الغنم؟ فقال: "نعم, وهل من نبي إلا رعاها" "وعن جابر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بمر الظهران نجني الكباث, فقال: عليكم بالأسود منه فإنه أطيب". "الكباث" بالفتح: النضج من ثمرة الأراك, وما لم يونع منه فهو برير وأيطب مقلوب أطيب. ... 1076 – 3215 – عن أنس رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مقعيا يأكل تمرا" وفي رواية: يأكل منه أكلا ذريعا. "وعن أنس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مقعيا يأكل تمرا" أي: جالسا على وركيه رافعا ركبتيه, من (الإقعاء): وهو الجلسة

المنهي عنها في الصلاة. ... 1077 – 3224 - وقالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبعنا من الأسودين" "وقالت عائشة: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبعنا من الأسودين": المراد بـ (الأسودين) التمر والماء, وإنما الأسود هو التمر, فغلب على الماء لغلبة المأكول على المشروب, ونعتا بنعت واحد كما غلب الشبع على الري, فعبر عنهما بالشبع. ... 1078 – 3230 – عن أبي أمامة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال: "الحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه, غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا" "وعن أبي أمامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه, غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا" "غير": مرفوع على أنه خبر مقدم, و"ربنا"مبتدؤه, والمعنى: ربنا غير محتاج إلى الطعام فيكفى ولا مودع أي: غير متروك فيعرض عنه [ولا مستغنى عنه] فلا يدعى ولا يطلب منه, وإن صحت الرواية

بنصب غير فهو صفة المصدر, أي: حمدا لا يكتفي به, بل يعود إليه كرة بعد أخرى, ولا يتركه ولا يستغني عنه. ... من الحسان: 1079 – 3234 – عن أمية بن محشي قال: كان رجل يأكل فلم يسم حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة, فلما رفعها إلى فيه قال: بسم الله أوله وآخره, فضحط النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: "ما زال الشيطان يأكل معه, فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه" (من الحسان): "عن أمية بن محشي: ما زال الشيطان يأكل معه, فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه" أي: صار ما كان له حظا من الطعام على الوجه الذي ذكرناه مستردا مستلبا عنه بالتسمية. ... 1080 – 3238 – عن سلمان قال: قرأت في التوراة أن بركة الطعام الوضوء بعده, فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده" "وفي حديث سلمان: بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده"

المراد بـ (الوضوء) هاهنا غسل اليدين وتنظيفها, لقوله في حديث ابن عباس: "إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة" ... 1081 - 3245 – عن أم المنذر قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي ولنا دوال معلقة, فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل وعلي معه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: "مه يا علي! فإنك ناقه". قالت: فجعلت لهم سلقا وشعيرا, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا علي من هذا فأصب فإنه أوفق لك" "عن أم المنذر قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي, ولنا دوال معلقة, فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل ومعه علي, فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: مه يا علي! فإنك ناقه". "أم المنذر" بنت قيس الأنصاري. و"الدوالي": عناقيد البسر تعلق حتى ترطب فتؤكل, واحدها دالية, و"مه": من أسماء الأفعال, ومعناه: اكفف. و (الناقة): الذي صح من المرض ولم يقو بعد, يقال: نقه من مرضه – بالكسر – نقها كـ (تعب تعبا) , ونقه نقوها مثل كلح كلوحا, فهو ناقه.

1082 – 3246 – عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الثفل" "عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الثفل " "الثفل" في الأصل: ما يرسب من كل شيء, والمراد به ما يلتصق بالقدر, وقيل: طعام فيه شيء من الحبوب, وقيل الدقيق. ... 1083 – 3247 – عن نبيشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل في قصعة فلحسها استغفرت له القصعة" غريب. "عن نبيشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أكل في صحفة فلحسها استغفرت له القصعة" "نبيشة" هذا: نبيشة الخير الهذلي, وهو ابن عبدالله بن عباد بن الحارث بن حصين بن [دابقة] بن [لحيان] بن هذيل بن مدركة. ومعنى الحديث: أن من أكل الطعام في قصعة ولحسها تواضعا واستكانة وتعظيما لما أنعم الله عليه من رزقه, وصيانة له عن التلف غفر له, ولما كانت تلك المغفرة بسبب لحس القصعة وبتوسطها جعلت القصعة كأنها تستغفر له, وتطلب المغفرة لأجله.

1084 - 3249 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الثريد من الخبز، والثريد من الحيس. "وفي حديث ابن عباس: والثريد من الحيس" وهو طعام يتخذ من التمر والدقيق والسمن، وأصله الخلط. ... 1085 – 3253 – عن سعد قال: مرضت مرضا فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني, فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها على فؤادي, وقال: "إنك رجل مفؤود, وائت الحارث بن كلدة أخا ثقيف فإنه رجل يتطبب فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة فليأهن بنواهن ثم ليلدك بهن". "وفي حديث سعد بن أبي وقاص: إنك رجل مفؤود, وائت الحارث بن كلدة أخا ثقيف, فإنه رجل يتطبب, فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة فليجأهن بنواهن, ثم ليلدك بهن" يقال: "رجل مفؤود" وفئيد: إذا أصاب فؤاده مرض وضعف. و (الفؤاد): هو القلب, وقيل: غشاؤه, وقيل: كان سعد مصدورا فكنى بالفؤاد عن الصدر لأنه محله, ولأن مرضه يؤثر فيه بسبب المجاورة, وإنما نعت له العلاج بعد ما أحاله إلى الطبيب لما رأى هذا النوع من العلاج أيسر وأنفع, أو ليثق على قول الطبيب إذا رآه

موافقا لما نعته. و (العجوة): ضرب من أجود التمر بالمدينة, ونخلها يسمى لينة, وتخصيص المدينة إما لما فيها من البركة التي جعلت فيها بدعائه, أو لأن تمردها أوفق لمزاجه وتعوده بها. وقوله: "فليجأهن" أي: فليكسرهن بالدق. "ومع نواهن ثم ليلدك" أي: ليسقيك من لذة الدواء إذا صبه في فمه, واللدود [ما يصب] من الأودية في أحد شقي الفم, وإنما أمر الطبيب بذلك لأنه يكون أعلم بإيجاد الدواء وكيفية استعماله, وبهذا الحديث استدل على جواز مشاورة الطبيب الكافر في التداوي, فإن الحارث بن كلدة الثقفي, مات في أوائل الإسلام ولم يصح إسلامه. ... 1086 – 3254 – وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل البطيخ بالرطب, ويقول: "يكسر حر هذا ببرد هذا, وبرد هذا بحرهذا"غريب. "وفي حديث عائشة: كان يأكل البطيخ بالرطب. قيل: إنه مقلوب البطيخ, وقيل: هو الهندي.

1087 – 3257 – وعن سلمان قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء؟ فقال: "الحلال ما أحل الله في كتابه, والحرام ما حرم الله في كتابه, وما سكت عنه فهو مما عفا عنه" غريب وموقوف على الأصح. "وفي حديث سلمان: سئل [رسول الله] صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء" "الجبن" والجبن والجبنة واحد, و"الفراء" – بالمد-: جمع الفرا وهو حمار الوحش, وقيل: هو هاهنا جمع الفرو الذي يلبس, ويشهد له أن بعض المحدثين أورده في باب مايلبس. ... 1088 – 3258 – وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وددت أن عندي خبزة بيضاء من برة سمراء ملبقة بسمن ولبن" فقام رجل من القوم فاتخذه فجاء به, فقال: "في أي شيء كان هذا؟ قال: في عكة ضب قال: "ارفعه" "عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وددت أن عندي خبزة بيضاء من برة سمراء ملبقة بسمن ولبن, فقام رجل من القوم فاتخذه, فجاء به فقال: في أي شيء كان هذا؟ قال: في عكة ضب" "وددت" أي: تمنيت, و (السمراء): من الصفات الغالبة, غلبت

على الحنطة فاستعملها هاهنا على الأصل. وقيل: هي نوع من الحنطة فيها سواد خفي, ولعله أحمد الأنواع عندهم, و (الملبقة) بالسمن: المبلولة المخلوطة به خلطا شديدا, يقال: ثريدة ملبقة إذا بلت وخلطت خلطا شديدا, من التلبيق, وهو التبليل. و (العكة): القربة الصغيرة, وإنما أمر برفعه لتنفر طبعه عن الضب كما دل عليه حديث خالد, لا لنجاسة جلده, وإلا لأمره بطرحه, ونهاه عن تناوله. ... 1089 – 3262 – عن عكراش بن ذؤيب أنه قال: أتينا بجفنة كثيرة الثريد والوذر, فخبطت بيدي في نواحيها, فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"كل من موضع واحد, فإنه طعام واحد" ثم أتينا بطبق فيه ألوان التمر, فجعلت آكل من بين يدي, وجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطبق, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عكراش كل من حيث شئت فإنه غير لون" غريب. "وفي حديث عكراش بن ذؤيب: أتينا بجفنة كثيرة الثريد والوذر" أي: قطع اللحم, واحدها وذرة. ... 1090 – 3263 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان

باب الضيافة

رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع, ثم أمرهم فحسوا منه, وكان يقول: "إنه ليرتو فؤاد الحزين ويسرو عن فؤاد السقيم كما تسرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها"صحيح. "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء " "الوعك": حرارة الحمى, و"الحساء" - بالضم - والحسو واحد, وهو طعام معروف. "وفيه: إنه ليرتو فؤاد الحزين, ويسرو عن فؤاد السقيمط أي: الحساء يقوي فؤاد المحزون ويشده, وهو من الأضداد, يقال: رتاه إذا أرخاه, ورتاه إذا شده. و (يسرو عن فؤاد السقيم) , أي: يكشف عنه الأذى وينقيه, والله أعلم. ... 2 - باب الضيافة من الصحاح: 1091 - 3266 - عن أبي شريح الكعبي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه, جائزته يوم وليلة, والضيافة ثلاثة أيام, فما بعد ذلك فهو صدقة, ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه" (باب الضيافة): (من الصحاح): "عن أبي شريح الكعبي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه, جائزته يوم وليلة, والضيافة ثلاثة أيام, فما بعد ذلك فهو صدقة, ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه" (الجائزة): العطاء. والمراد بها: ما يتكلف له من الصلات ونفائس الأطعمة. وقيل: المراد أن يزوده ما يجوز به مسافة يوم وليلة, والجائزة ما يجوز به المسافر من منهل إلى منهل. "ولا يحل له أن يثوي" أي: يقيم عنده ولا يتنقل. "حتى يحرجه":أي: يوقعه في حرج ومشقة. ... 1092 - 3269 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة, فإذا هو أبي بكر وعمر, فقال: "ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ " قالا: الجوع, قال: "أنا والذي نفسي بيده

لأخرجني الذي أخرجكما, قوموا" فقاموا معه, فأتى رجلا من الأنصار, فإذا هو ليس في بيته فلما رأته المرأة قالت: مرحبا وأهلا, فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين فلان؟ " قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء, إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه, ثم قال: "الحمد لله, ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني" قال: فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب, فقال: كلوا من هذه, وأخذ المدية,. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياك والحلوب" فذبح لهم, فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا, فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: "والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة, أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم" "وفي حديث أبي هريرة: فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب" أي: بعنقود تمر بعض حباته, وبقي بعضها بسرا ورطبا وهو بكسر العين. (والعذاق): - بالفتح -: النخلة بحملها. وفيه: "إياك والحلوب": وهو للتحذير, أي: اتق نفسك أن تتعرض للحلوب بذبح, والحلوب من أن تذبحها. ... من الحسان: 1093 - 3270 - عن المقدام بن معد يكرب سمع النبي صلى الله عليه وسلم

يقول: "أيما مسلم ضاف قوما فأصبح الضيف محروما كان حقا على كل مسلم نصره حتى يأخذ له بقراه من ماله وزرعه" وفي رواية: "أيما رجل ضاف قوما فلم يقروه كان له أن يعقبهم بمثل قراه" (من الحسان): "وفي حديث مقدام بن معد كرب: أيما رجل ضاف قوما فلم يقروه كان له أن يعقبهم بمثل قراه" "ضاف قوما" أي: نزل بهم ضيفا. "فلم يقروه" أي: لم يضيفوه, والقرى الضيافة. "وله أن يعقبهم": أي: يتبعهم ويؤاخذهم, وهذا في أهل الذمة من سكان البوادي إذا نزل بهم مسلم, ولعلي قد شرحت هذا الحديث في (باب الاعتصام بالكتاب والسنة) ... 1094 - 3273 - وعن أبي سعيد رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المؤمن ومثل الإيمان كمثل الفرس في آخيته يجول ثم يرجع إلى آخيته, فإن المؤمن يسهو ثم يرجع إلى الإيمان, فأطعموا طعامكم الأتقياء وأولوا معروفكم المؤمنين" "وفي حديث أبي سعيد الخدري: مثل المؤمن ومثل الإيمان كمثل الفرس في آخيته, يجول ثم يرجع إلى آخيته"

فصل

(الآخية) - بالمد والتشديد -: خشبة يدفن طرفاها في المعلف وتشد به الدابة, والمعنى: أن المؤمن مربوط بالإيمان من ملازمة الطاعة, لا انفصام له عنه, وإنه وإن اتفق أن يحوم حول المعاصي ويتباعد من قضية الإيمان من ملازمة الطاعة والاجتناب عن المعصية فإنه يعود بالآخرة إليها بالندم والتوبة وتلاقي ما فرط فيها. ... فصل من الحسان: 1095 - 3276 - عن الفجيع العامري: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما يحل لنا من الميتة؟ فقال: " ما طعامكم؟ " قلنا: نغتبق ونصطبح, قال: "ذلك - وأبى - الجوع". فأحل لهم الميتة على هذا الحال. فسروا قوله: نغتبق ونصطبح: أي قدح غدوة وقدح عشية" (فصل) (من الحسان): "عن الفجيع العامري أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما يحل لنا من الميتة؟ قال: ما طعامكم؟ قلنا: نغتبق ونصطبح, قال: ذاك وأبى الجوع, فأحل لهم الميتة على هذا الحال"

روى الطبراني في كتابه: (ما يحل لنا الميتة؟) وهو أوفق للجواب, لأنه يدل على الحال المبيحة لتناول الميتة دون القدر المباح تناوله. "نغتبق ونصطبح" أي: نشرب عشاء وغدوة, من الغبوق وهو الشرب في آخر النهار, والصبوح وهو الشرب في أوله. وفسره بعض الرواة, وعقبة بن وهب بن عقبة العامري يرويه عن أبيه عن الفجيع: بأنا نشرب قدحا من لبن بالعشي, وقدحا بالغداة. وهذا القدر يمسك الرمق ولا يشبع, فلما أباح لهم الميتة في هذا الحال دل ذلك على جواز تناول الميتة لمجرد دفع الجوع إذا لم يجد غيرها, حتى تأخذ النفس حاجتها من القوت وتشبع, وإليه ذهب مالك والشافعي في أحد قوليه. والقول الآخر له, ومذهب أبي حنيفة أنه لا يجوز أن تناول منه ما دام يجد مباحا يمسك رمقه, وإذا لم يجد لم يجز أن يتجاوز ما يسد الرمق للحديث الذي بعده. ... 1096 - 3277 - عن أبي واقد الليثي: أن رجلا قال: يا رسول الله! إنا نكون بالأرض فتصيبنا بها المخمصة, فمتى تحل لنا الميتة؟ قال: "ما لم تصطحبوا أو تغتبطوا أو تحتفئوا بها بقلا فشأنكم بها" معناه: إذا لم تجدوا صبوحا ولا غبوقا ولم تجدوا بقلة تأكلونها حلت لكم الميتة"

"وهو ما روي أبو واقد الليثي: أن رجلا قال: يا رسول الله! إنا نكون بالأرض فتصيبنا بها المخمصة, فمتى تحل لنا الميتة؟ قال: ما لم تصطحبوا أو تغتبقوا أو تحتفئوا". ووجه التوفيق بين الحديثين أن يقال: أراد الفجيع بقوله: (نغتبق ونصطبح) أن عامة ما يتعشى به ويتغدى في غالب الأحوال قدح في العشاء وقدح بالغداة, ويشعر به قوله: "ما طعامكم؟ " فإنه يدل عرفا على السؤال عما هو الغالب, والاقتصار على هذا القدر في أغلب الأوقات يفضي إلى مكابدة الجوع, وتحلل البدن, وتعطل الجوارح, ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: "وأبي الجوع"وألحقهم بالمضطرين, ورخص لهم تناول الميتة" وأراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في حديث أبي واقد: "ما لم يصطحبوا, أو يغتبقوا أو يختفئوا" في زمان المخمصة التي تصيبهم وقتا دون وقت, وحالا دون حال, أو بالاغتباق والاصطباح بتناول ما يشبعهم في هذين الوقتين, فإن ذلك يكفيهم ويحفظ قواهم. وقوله: "أو يحتفئوا" قيل: إنه من الحفاء, بالحاء المهملة والهمز, وهو أصل البردي الأبيض الرطب, أي: ما لم يقتلعوا هذا بعينه فيأكلوه, ولعل تعيينه لكثرته في أرضهم. وقيل: صوابه: (ما لم يحتفئوا) بغير همز, من قولهم: احتفاه, إذا أخذه من وجه الأرض بأطراف أصابعه, أي: ما لم يجدوا بقلا يأكلونه.

باب الأشربة

وقال الأصمعي: أراها تختفوا, بالخاؤ المعجمة, أي: تقلعونه من الأرض وتظهرونه, من قولهم: اختفيت الشيء, أي: أخرجته, ومنه سمي النباش: المختفي, لأنه يخرج الأكفان. وقيل: لعلها بالجيم, من الاجتفاء, وهو القلع, فصحف. ... 3 - باب الأشربة من الصحاح: 1097 - 3278 - عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفس في الشراب ثلاثا, ويقول: إنه أروأ وأبرأ وأمرأ. (باب الأشربة) (من الصحاح): "عن أنس قال: كان [رسول الله] صلى الله عليه وسلم يتنفس في الشرب ثلاثا, ويقول: إنه أروى وأبرأ وأمرأ" أي: يتنفس في أثناء الشرب ثلاثا, والمعنى: أنه كان يشرب بثلاث دفعات, وذلك لأنه أقمع للعطش, وأقوى على الهضم, وأقل أثرا في برد المعدة وضعف الأعصاب.

1098 - 3280 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية, يعني أن تكسر أفواهها فيشرب منها" "وفي حديث أبي سعيد: نهى رسول الله عن اختناث الأسقية" وفسر فيه بكسر أفواهها, وهو مأخوذ من: خنثت الإناء إذا قلبته. ... 1099 - 3281 - عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى أن يشرب الرجل قائما" "عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يشرب الرجل قائما" هذا النهي من قبيل التأديب والإرشاد إلى ما هو الأخلق والأولى, وليس نهي تحريم حتى يعارضه ما روي أنه فعل خلاف ذلك مرة أو مرتين, كما قال ابن عباس (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء زمزم, فشربه وهو قائم) ولعله إنما فعل ذلك لأنه لم يجد موضع قعود لابتلال المكان, أو لازدحام الناس. ... 1100 - 3285 - عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأنصار ومعه صاحب له, فسلم, فرد الرجل, وهو يحول الماء في حائط, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن كان عندك ماء بات في شنة وإلا كرعنا".

فقال: عندي ماء بات في شن, فانطلق إلى العريش فسكب في قدح ماء, ثم حلب عليه من داجن, فشرب النبي صلى الله عليه وسلم, ثم أعاد فشرب الرجل الذي جاء معه. "وعن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأنصار ومعه صاحب له, فسلم فرد الرجل وهو يحول الماء في حائط, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن كان عندك ماء بات في شنة وإلا كرعنا, فقال: عندي ماء بات في شن, فانطلق إلى العريش فسكب في قدح, ثم حلب عليه من داجن, فشرب النبي صلى الله عليه وسلم, ثم أعاد فشرب الرجل الذي جاء معه" "يحول الماء" أي: ينقله من عمق البئر إلى ظاهرها. و (الشنة): القربة البالية, وكانوا يبردون الماء من الليل في الشنان, وجواب الشرط محذوف, مثل: فأعطنا وإلا كرعنا, أي: شربنا من ماء الجدول. و (الكرع): أن يشرب من حوض أو نهر بفيه من غير اغتراف وتناول بإناء. و"العريش": المسقف من البستان بالأغصان, وأكثر ما يكون في الكروم, وأصله من (عرش) إذا بنى. "فسكب في قدح" أي: صب فيه, "ثم حلب عليه من داجن", أي: لبنا من حلوب داجن, وهي الشاة التي ألفت البيوت فاستأنست,

من قولهم: دجن بالمكان إذا أقام به. ... 1101 - 3286 - وعن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم" وفي رواية: "إن الذي يأكل ويشرب في آنية الفضة والذهب" "وفي حديث أم سلمة: إنما يجرجر في آنية الفضة والذهب" أي: يصوت ويصيح, من الجرجرة, وهو الصوت الذي يردده البعير في حنجرته, ويكون في شرب الماء أكثر, وقيل: معناه يحدر فيه ويصب, و (الجرجرة): صب الماء في الحلق, وعلى هذا ينصب (نار) على المفعولية, وقد جاءت الرواية فيه بالرفع والنصب. ... من الحسان: 1102 - 3293 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه. (من الحسان): "عن ابن عباس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء, أو ينفخ فيه".

باب النقيع والأنبذة

المقتضي لهذا النهي أن الأشربة لطيفة يسرع إليها التغير بالروائح الكريهة, لا سيما الماء, فلعل الشارب إذا تنفس في الإناء أو نفخ فيه يؤثر فيه خلوف فمه فيغير رائحته, فإنه ربما يقع فيه نتن من فيه فيورث استقذارا. ولذلك قال في حديث أبي سعيد: "فأبن القدح عن فيك, ثم تنفس", أي: بعده عن فيك لئلا تلفظ فيه. ... 4 - باب النقيع والأنبذة من الصحاح: 1103 - 3304 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنا ننبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء يوكأ أعلاه, وله عزلاء ننبذه غدوة فيشربه عشاء, وننبذه عشاء فيشربه غدوة. (باب النقيع والأنبذة) (من الصحاح): "عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنا ننبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء يوكأ أعلاه, وله عزلاء, ننبذه غدوة فيشربه عشاء, وننبذه عشاء فيشربه غدوة.

باب تغطية الأواني وغيرها

"يوكأ" أعلاه, أي: يشد, من الإيكاء, وهو الشد. والوكاء الشداد, وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغطية الأواني وشد أفواه الأسقية حذرا عن الهوام. (والعزلاء): فم المزادة الأسفل, وهو من السقاء حيث يخرج منه الماء, وجمعها عزالي بفتح اللام وكسرها, مثل: صحراء وصحاري بالكسر والفتح. ... 5 - باب تغطية الأواني وغيرها من الصحاح: 1104 - 3308 - عن جابر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم, فإن الشياطين تنتشر حينئذ, فإذا ذهب ساعة من الليل فحلوهم, وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله, فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا, وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله, وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله, ولو أن تعرضوا عليه شيئا وأطفئوا مصابيحكم" (باب تغطية الأواني وغيرها) (من الصحاح): "وفي حديث جابر: إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم"

"جنح الليل" - بالكسر والفتح -: طائفة منه, وقيل: ظله وظلامه, وجنح الليل: دخل, وأصله الميل. (وكفوا صبيانكم): أي: امنعوهم عن التردد, وفي رواية: (واكفوا صبيانكم) , أي: اجمعوهم وضموهم إلى أنفسكم. وفيه: "وأجيفوا الأبواب" أي: ردوها, وباب مجاف, أي: مردود, وأصله: القلب, يقال: جفوت القدر وأجفته إذا قلبته. ... 1105 - 3311 - وقال: "لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء, فإن الشيطان يبعث إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء" "وعنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: لا ترسلوا مواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء" روي: (فواشيكم) وهو من الفشو: يريد به المواشي أيضا, فإنها منتشرة. ويقال: أفشى الرجل إذا كثر فواشيه, وفحمة العشاء سواده وظلمته, وروي: (فوعة العشاء) وهو أول ظلامه, ويقال: فوعة النهار لأوله, وفوعة الطيب: أول رائحته, والله أعلم بالحقائق.

(20) كتاب اللباس

كتاب اللباس

(20) كتاب اللباس 1 - باب من الصحاح: 1106 - 3318 - عن أنس رضي الله عنه قال: كان أحب الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يلبسها الحبرة. (كتاب اللباس) (من الصحاح): "عن أنس قال: كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبسها الحبرة". "الحبرة": البرد اليمني, والجمع: حبر وحبرات. ... 1107 - 3319 - وقالت عائشة رضي الله عنها: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود. "وقالت عائشة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم غداة, وعليه مرط مرحل

من شعر أسود". (ذات الشيء): نفسه وحقيقته, والمراد به ما أضيف إليه. و (المرط): كساء من صوف أو خز يؤتزر به, وجمعه مروط. و (المرحل):- بالحاء المهملة -: الموشى بخطوط تشبه نقش الرحل, واشتقاقه منه. ... 1108 - 3321 - عن أبي بردة قال: أخرجت إلينا عائشة كساء ملبدا وإزرارا غليظا فقالت: قبض روح رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين. "وفي حديث أبي بردة: أخرجت إلينا عائشة كساء ملبدا" أي: مرقعا, يقال: لبدت الثوب وألبدته إذا رقعته. ... 1109 - 3324 - وقالت عائشة: بينا نحن جلوس في بيتنا في حر الظهيرة, قال: قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا متقنعا. "وفي حديث عائشة قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله مقبلا متقنعا" أي: مغطيا رأسه بالقناع, مستعار من قولهم: تقنعت المرأة إذا لبست القناع, وإنما فعل ذلك صلوات الله عليه لحر الظهيرة".

1110 - 3325 - وعن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: فراش للرجل, وفراش لامرأته, والثالث للضيف, والرابع للشيطان. "وعن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: فراش للرجل, وفراش للمرأة. والثالث للضيف, والرابع للشيطان". إنما جعل الرابع للشيطان, لأنه زائد على قدر الحاجة, واتخاذه تأثل لغرض الدنيا وزخرفها, وذلك مما يرتضيه الشيطان ويحثه عليه. ... 1111 - 3328 - وقال: "بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء, خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة" "وفي حديث ابن عمر: فهو يتجلجل في الأرض" أي: يتحرك ويضطرب فيها, و (الجلجلة): الحركة. وقيل: يسوخ, أي: لا يزال يدخل فيها إلى يوم القيامة. ... 1112 - 3330 - وعن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل الرجل بشماله, أو يمشي في نعل واحدة, وأن يشتمل الصماء, أو يحتبي في ثوب واحد كاشفا عن فرجه" "وفي حديث جابر: وأن يشتمل الصماء, أو يحتبي في ثوب واحد

كاشفا عن فرجه". (اشتمال الصماء) عند أهل اللغة: أن تجلل بدنك بثوب نحو شمله الأعراب بأكسيتهم, وهو أن يرد الكساء من قبل يمينه على اليد اليسرى والعانق الأيسر, ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن فيغطيها جميعا. وقال الفقهاء: هو أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره, ثم يرفعه من أحد الجانبين, فيضعه على منكبيه فيبدو منه فرجه, والمعنى: في النهى عنه بالتفسير الأول أنه يجعل اللابس كالمغلول, ولعله يبدو منه عورته وينكشف عنها إذا تحرك, وبالتفسير الثاني أنه لا يستر العورة بالكلية. و (الاحتباء): شد الإزار, والمنهي هو الاحتباء المقيد بالحال المذكور. ... 1113 - 3334 - وقال علي رضي الله عنه: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء فبعث بها إلى فلبستها, فعرفت الغضب في وجهه, فقال: "إني لم أبعث بها إليك لتلبسها, إنما بعثت بها إليك لتشققها خمرا بين النساء" "وفي حديث علي رضي الله عنه: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء"

يريد بها المضلعة بالحرير, وقيل: هي التي عليها الخطوط كالسيء, وهي الطرائق, ويقال لها: المسير أيضا. ... 1114 - 3336 - وروي عن عمر: أنه خطب بالجابية فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا في موضع إصبعين, أو ثلاث, أو أربع. "وفي حديث عمر: أنه خطب بالجابية" "الجابية": بلدة بالشام. ... 1115 - 3337 - وعن أسماء بنت أبي بكر: أنها أخرجت جبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج, وفرجيها مكفوفين بالديباج, وقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم, كانت عند عائشة رضي الله عنها, فلما قبضت, قبضتها, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها, فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها" "وفي حديث أسماء بنت أبي بكر أنها أخرجت جبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج, وفرجاها مكفوفان بالديباج, وقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

(الجبة): ثوبان مطارقان ويكون بينهما حشو, وقد يقال لما لا حشو له إذا كانت ظهارته من صوف. والرواية المشهورة إضافتها إلى الطيالسة, وفسرت بالخلق, فيكون اشتقاقها من الطلس, وهو الخلوقة, ثوب أطلس وطلس إذا كان خلقا مغبر اللون من الدرن, والجمع أطلاس, وكان حقه أن يقال: جبة أطلاس كقولهم: ثوب أخلاق, فلعله بني منه طيلسي, وجمع على طيالسة, كما بني صيرفي من الصرف, وجمع على صيارفة, وتكون الهاء للنسبة. وقيل: الطيالسة جمع الطيلسان, وكني بالإضافة إليها عن الخلق, لأن صاحبه يواري بطيلسانه ما خرق منه, وقيل: معناه جبة خيطت من الطيالسة. وروي: (طيلسانية) بالنصب على النعت, والمعنى واحد والكسروانية منسوبة إلى كسرى. و"لها لبنة ديباج": وهي ما يرقع به قب الثوب, ويقال لها: الجربان أيضا, وهي معرب كريبان. وروي: (فرجيها) أي: شقيها من خلف وقدام, (مكفوفين بالديباج) أي: خيط شقاها بالديباج. و (الكفة) - بالضم - عطف الثوب, فنصب (فرجيها) بإضمار فعل مثل: (ووجدت) والرواية الفاشية بالرفع.

والحديث يدل على جواز لبس المطرف بالديباج ونحوه للرجال. وما روي في الحسان "عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا أركب الأرجوان, ولا ألبس المعصفر, ولا ألبس القميص المكفف بالحرير = لا يعارضه, لأنه ربما لم يلبس القميص المكفف, لأنه فيه مزيد تجميل وترفه, ولبس الجبة المكففة والأرجوان. قيل: هو الميثرة الحمراء, وهي لبدة الفرس تتخذ من حرير أحمر. ... 1116 - 3339 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثوبين معصفرين فقال: "إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسهما" وفي رواية: "قلت: أغسلهما؟ قال: "أحرقهما" "وحديث عبد الله بن عمرو: قلت: أغسلهما؟ قال: أحرقهما" قيل: أراد بالاحتراق إفناء الثوبين ببيع أو هبة, ولعله استعار به عنه للمبالغة والتشديد في النكير, وإنما لم يأذن في الغسل, لأن المعصفر وإن كان مكروها للرجال فهو غير مكروه للنساء, فيكون غسله تضييعا وإتلافا للمال. ويدل على هذا التأويل ما روي: "إنه أتى أهله وهم يسجرون التنور فقذفها فيه, ثم لما كان من الغد أتاه فقال له: يا عبد الله ما فعلت؟ فأخبره, فقال: أفلا كسوتها بعض أهلك, فإنها لا بأس بها للنساء) , وإنما

فعل عبد الله ما فعل لما رأى من شدة كراهة الرسول, أو لفهمه الظاهر, أو لتوهمه عموم الكراهة. ... من الحسان: 1117 - 3343 - وعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه, لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين, ما أسفل من ذلك ففي النار" قال ذلك ثلاث مرات, "ولا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا" (من الحسان): "وفي حديث أبي سعيد: إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه. (الإزرة): الهيئة والحالة التي يقع بها الائتزار, أي: الهيئة التي ترتضى منه, ويحسن أن يتزر إلى أنصاف ساقيه. ... 1118 - 3345 - عن أبي كبشة رضي الله عنه قال: "كان كمام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بطحا" "عن أبي كبشة قال: كانت كمام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بطحا" قيل: "كمام": جمع كمة, وهي القلنسوة المدورة, سميت بها

لأنها تغطي الرأس. و"بطحا":- بسكون الطاء -: معناه أنها كانت مبسوطة لازقة برؤوسهم, غير مرتفعة عنها, وقيل: جمع كم, كقفاف جمع قف, لأنهم قل ما كانوا يلبسون القلنسوة, و (بطحا): معناه أنها كانت عريضة واسعة, وهي جمع أبطح, من قولهم للأرض المتسعة: البطحاء, وأبطح, وأصل البطح: البسط ... 1119 - 3355 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا عائشة! إن أردت اللحوق ب فليكفك من الدنيا كزاد الراكب, وإياك ومجالسة الأغنياء, ولا تستخلقي ثوبا حتى ترقعيه" غريب "وفي حديث عائشة: ولا تستخلقي ثوبا حتى ترقعيه" روي بالقاف أي: لا تعديه خلقا, من (استخلق) الذي هو نقيض (استجد) وبالفاءمن استخلفه إذا طلب له خلفا, أي: عوضا, واستعماله في الأصل بـ (من) لكنه اتسع فيه بحذفها كما اتسع في قوله تعالى: {واختر موسى قومه} [الأعراف:155] ... 1120 - 3356 - وقال: إن البذاذة من الإيمان"

"وعن أبي أمامة أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: إن البذاذة من الإيمان" "البذاذة": رثاثة الهيئة, والمعنى: أن الرثاثة في اللباس والتحرز عن التأنق في التزين من أخلاق أهل الإيمان. ... 1121 - 3357 - وقال: "من لبس ثوب شهرة في الدنيا, ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة" "وعنه: أنه عليه الصلاة والسلام قال: من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه ثوب مذلة يوم القيامة". (الشهرة): ظهور الشيء في شنعة بحيث يشتهر به صاحبه. والمراد بـ"ثوب شهرة": ما لا يحل لبسه, وإلا لما رتب الوعيد عليه, أو ما يقصد بلبسه التفاخر والتكبر على الفقراء, والإذلال بهم, وكسر قلوبهم, أو ما يتخذه المساخر ليجعل به نفسه ضحكة بين الناس, أو ما يرائي به من الأعمال, فكني بالثوب عن العمل, وهو شائع. ... 1122 - 3365 - وعن أبي ريحانة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عشر: عن الوشر, والوشم, والنتف, وعن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار, ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار, وأن يجعل الرجل في

أسفل ثيابه حريرا مثل الأعاجم, أو يجعل على منكبيه حريرا مثل الأعاجم, وعن النهبى, وركوب النمور, ولبوس الخاتم إلا لذي سلطان". "عن أبي ريحانة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عشر: عن الوشم, والوشر, والنتف, وعن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار, ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار, وأن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريرا مثل الأعاجم, أو يجعل على منكبيه حريرا مثل الأعاجم, وعن النهبى, وركوب النمور, ولبوس الخاتم إلا لذي سلطان" "الوشم": النقش, والمراد به ما يفعله الوفود من غرز الإبرة في الأعضاء وتسويدها بالنيلج. و"الوشر": تحديد طرف الأسنان تشبها بحديث السن, و"النتف": يريد به نتف الشيب, أو الشعر من اللحية, أو الحاجب للزينة, والمقتضي للنهي في هذه الثلاثة تغير الخلقة. و"المكامعة": المضاجعة, والكميع: الضجيع, والمكامعة: القبلة, من كعام البعير, وهو شد فمه إذا هاج, "بغير شعار"أي: ثوب يغطي به, فيحول بينهما. والمراد بـ (النمور): جلودها والمقتضي للنهي ما فيه من الزينة والخيلاء, أو نجاسة ما عليها من الشعور, فإنها لا تطهر بالدباغ. و"اللبوس": اللبس, ولعله - عليه الصلاة والسلام - كره التختم

لمن لا حاجة له إليه, ولا غرض له فيه سوى الزينة, والمراد بالنهي التنزيه, أو القدر المشترك بين التنزيه والتحريم, وقيل: إنه منسوخ, ويدل عليه أن الصحابة كانوا يتختمون في عصره وعصر خلفائه من غير إنكار. ... 1123 - 3366 - عن علي رضي الله عنه قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب, وعن لبس القسي والمياثر" وفي رواية: عن مياثر الأرجوان. "وعن علي رضي الله عنه قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب, وعن لبس القسي والمياثر" "القسي": نوع من الثياب فيها خطوط من الحرير, منسوب إلى قس بالفتح, وهو قرية بمصر على ساحل البحر. و"المياثر": جمع ميثرة, وكذلك المواثر, وهي لبدة الفرس, والمنهي عنها المياثر الأرجواني, أي: الحمر التي كانت من مراكب العجم, وكانت من ديباج أو حرير, وقد جاءت الرواية مقيدة. ... 1124 - 3367 - وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تركبوا الخز ولا النمار"

"وعن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تركبوا الخز ولا النمار" يريد به النمور, وقد سبق بيان المعنى في النهي قبل ذلك في حديث أبي ريحانة. وقيل: هي جمع نمرة, وهي الكساء المخطط, ولو صح أنه المراد منه فلعله كره ذلك لما فيه من الزينة. ... 1125 - 3369 - عن أبي رمثة التيمي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان أخضران, وله شعر قد علاه الشيب وشيبه أحمر" وفي رواية: وهو ذو وفرة, وبها ردع من حناء. "وفي حديث أبي رمثة التيمي: وهو ذو وفرة, وبها ردع من حناء" "الوفرة": الشعرة إلى شحمة الأذن, و"ردع من حناء" أي: لطخ منه وأثر, ويقال للدم ولكل مترشح يلطخ: ردع. ... 1126 - 3370 - وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شاكيا, فخرج يتوكأ على أسامة, وعليه ثوب قطري قد توشح به, فصلى بهم. "وفي حديث أنس: وعليه ثوب قطر قد توشح به" القطر- بالكسر القاف -: نوع من البرود اليمنية يتخذ من قطن,

ويكون فيه حمرة, يقال لها: القطرية أيضا. "توشح به": أي: جعل طرفيه على عنقه كالوشاح. ... 1127 - 3372 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: "رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ثوب مصبوغ بعصفر موردا فقال: "ما هذا؟ " فعرفت ما كره, فانطلقت فأحرقته, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما صنعت بثوبك؟ " فقلت: أحرقته, قال: "أفلا كسوته بعض أهلك, فإنه لا بأس به للنساء" "وفي حديث عبد الله بن عمرو: وعلى ثوب مصبوغ بعصفر موردا". أي: صبغا موردا, وهو ما كان بلون الورد. ... 1128 - 3376 - عن دحية بن خليفة رضي الله عنه قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقباطي فأعطاني منها قبطية فقال: "اصدعها صدعين, فاقطع أحدهما قميصا وأعط الآخر امرأتك تختمر به" فلما أدبر قال: "وأمر امرأتك أن تجعل تحته ثوبا لا يصفها" "وفي حديث دحية بن خليفة قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقباطي".

باب الخاتم

(القباطي) بالفتح: جمع قبطية, وهي ثياب بيض دقاق تتخذ بمصر من الكتان. وفيه: "فقال اصدعها صدعين": أي: شقها, والصدع بالكسر: الشق, وبالفتح: المصدر. ... 1129 - 3377 - عن أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تختمر فقال: "لية لا ليتين" "وفي حديث أم سلمة: لية, لا ليتين" أمرها بأن تجعل الخمار على رأسها وتحت حنكها عطفة واحدة لا عطفتين حذرا عن الإسراف, أو التشبه بالمتعممين, والله أعلم. ... 2 - باب الخاتم من الصحاح: 1130 - 3383 - وعن ابن شهاب, عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس خاتم فضة في يمينه, فيه فص حبشي, كان يجعل فصه مما يلي كفه.

(باب الخاتم) (من الصحاح): "عن ابن شهاب عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس خاتم فضة في يمينه" روي مثل ذلك عن عبد الله بن جعفر, وابن عمر, وابن عباس, وعائشة. ... 1131 - 3384 - عن ثابت, عن أنس رضي الله عنه قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه, وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى" "وقد روي ثابت عن أنس أنه قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه, وأشار إلى الخنصر في يده اليسرى" وروى نافع عن ابن عمر مثله, ولا تعارض بينهما لجواز أنه فعل الأمرين, وكان يتختم في اليمنى تارة, وفي اليسرى أخرى حيث ما اتفق, وليس في شيء منها ما يدل صريحا على المداومة والإصرار على واحد منهما. وقال الإمام محمد بن إسماعيل البخاري بعد ما روى بإسناده عن عبد الله بن جعفر أنه - عليه الصلاة والسلام - كان يتختم في يمينه: هذا أصح شيء روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب.

من الحسان: 1132 - 3389 - وعن معاوية رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ركوب النمور, وعن لبس الذهب إلا مقطعا" (من الحسان): "عن معاوية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ركوب النمور, وعن لبس الذهب إلا مقطعا" أي: إلا قطعا صغارا مثل الضبات على الأسلحة, والخواتيم الفضية, وأعلام الثياب. ... 1133 - 3391 - عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره عشر خلال: الصفرة, يعني الخلوق, وتغيير الشيب, وجر الإزار, والتختم بالذهب, والتبرج بالزينة لغير محلها, والضرب بالكعاب, والرقى إلا بالمعوذات, وعقد التمائم, وعزل الماء لغير محله, وفساد الصبي غير محرمه" "عن ابن مسعود قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره عشر خلال: الصفرة, يعني الخلوق وتغيير الشيب, وجر الإزار, والتختم بالذهب, والتبرج بالزينة بغير محلها, والضرب بالكعاب, والرقى إلا بالمعوذات, وعقد التمائم, وعزل الماء لغير محله, وفساد الصبي غير محرمه".

استعمال "الخلوق" مكروه للرجال دون النساء, ولعل الراوي أهمل التخصيص اعتمادا على شهرته. والمراد بـ"تغيير الشيب": التسويد دون الخضاب بالحناء وما يضاهيه, إذ ورد الأمر به, و"التبرج بالزينة": إظهار المرأة زينتها ومحاسنها للرجال "بغير محلها" أي: لغير زوجها, والمحل - بالكسر -: حيث يحل لها إظهار الزينة, وهو إذا كان عند الزوج كما قال تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} [النور:31]. و"الضرب بالكعاب": يريد به لعب النرد. و"المعوذات": هي المعوذتان وما في معناهما من الأدعية والتعوذ بأسمائه تعالى. والمراد بـ"التمائم": ما يحتوي على رقى الجاهلية. و"عزل الماء" لغير محله: صبه في غير المحل الذي يحل أن يصب فيه. و"فساد الصبي": أن يطأ المرضع, فإنها ربما تحبل فتخل بالرضيع. وقوله: "غير محرمة": منصوب على الحال من فاعل (يكره) , أي: يكرهه غير محرم إياه, والضمير المجرور لفساد الصبي, فإنه أقرب.

باب النعال

1134 - 3394 - وعن عبد الرحمن بن طرفة: أن جده عرفجة بن أسعد قطع أنفه يوم الكلاب, فاتخذ أنفا من ورق فأنتن عليه, فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفا من ذهب. "وفي حديث عبد الرحمن بن طرفة: أن جده عرفجة بن أسعد قطع أنفه يوم الكلاب" "الكلاب": - بالضم والتخفيف -: اسم ماء للعرب مشهور, ويومه يوم الوقعة التي كانت عليه. ... 3 - باب النعال من الصحاح: 1135 - 3399 - وقال أنس رضي الله عنه: إن نعل النبي صلى الله عليه وسلم كان لها قبالان" (باب النعال) (من الصحاح): "قال أنس: إن نعل النبي صلى الله عليه وسلم كان لها قبالان". القبال - بالكسر -: زمام النعل, وهو الشراك الذي يجعل بين الوسطى والذي يليها.

باب الترجيل

1136 - 3402 - وقال: "لا يمشي أحدكم في نعل واحدة, ليحفهما جميعا, أو لينعلهما جميعا" "عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يمشي أحدكم في نعل واحدة ليحفهما جميعا أو لينعلهما جميعا": إنما نهى عن ذلك لقة المروءة والاختلاف والخبط في المشي. وما روي عن عائشة أنها قالت: (ربما مشى النبي صلى الله عليه وسلم في نعل واحدة) إن صح فشيء نادر لعله اتفق في داره لسبب. و"ليحفهما"- بالفتح الياء والفاء -: من: (حفى يحفى) إذا مشى بلا خف ولا نعل. ... 4 - باب الترجيل من الصحاح: 1137 - 3410 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الفطرة خمس: الختان, والاستحداد, وقص الشارب, وتقليم الأظفار, ونتف الآباط"

(باب الترجيل) (من الصحاح): "عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: الفطرة خمس الختان, والاستحداد, وقص الشارب, وتقليم الأظفار, ونتف الآباط" فسرت الفطرة بالسنة القديمة التي اختارها الأنبياء واتفقت عليها الشرائع, وكأنها أمر جبلي فطروا عليه. والمراد بـ"الاستحداد": استعمال الحديد في حلق العانة, وبـ"نتف الآباط": نتف شعورها. ... 1138 - 3411 - وقال: "خالفوا المشركين: أوفروا اللحى, وأحفوا الشوارب" ويروى: "أنهكوا الشوارب, وأعفوا اللحى" "وعن ابن عمر: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: خالفوا المشركين, أوفروا اللحى وأحفوا الشوارب" أي: اتركوا اللحى حتى تكثر بحالها, أو لا تتعرضوا لها واتركوها لتكثر. وفي معناه: "وأعفوا اللحى وأحفوا الشوارب" قيل: أصل (الإحفاء): الاستقصاء في الكلام, ثم استعير

للاستقصاء في أخذ الشارب. وفي معناه: "أنهكوا الشوارب" في الرواية الأخرى, والإنهاك: المبالغة في الشيء, وقد يستعمل في الطعام والقتال والعقوبة والشتم. ... 1139 - 3414 - وعن جابر رضي الله عنه قال: أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة, ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غيروا هذا بشيء, واجتنبوا السواد" "وفي حديث جابر: أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا": "الثغامة"بالفتح: الشوكة البيضاء, وقيل: نبت يبيض إذا يبس, ويشبه به الشيب, وقيل: شجر أبيض الثمر أو الزهر, و"بياضا": تمييز عن النسبة التي هي التشبيه. ... 1140 - 3418 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال, والمترجلات من النساء, وقال: "أخرجوهم من بيوتكم " "وعن ابن عباس: لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء" المراد بـ"المترجلات": المتشبهات بالرجال.

ويدل عليه ذكرها في مقابلة"المخنثين" وأنه جاء في بعض طرق هذا الحديث: "والرجلة من النساء" بدل "المترجلات" ... 1141 - 3421 - عن عبد الله بن مسعود قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات, والمتنمصات, والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله, فجاءته امرأة فقالت: إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت؟ فقال: ما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومن هو في كتاب الله! فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين, فما وجدت فيه ما تقول؟ قال: لئن كنت قرأته لقد وجدته, وأما قرأت {وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} قالت: بلى, قال: فإنه قد نهى عنه. "وفي حديث ابن مسعود: لعن الله الواشمات والمتوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن" (المستوشمة): الطالبة للوشم, و (المتنمصة): التي تنتف الشعر من الوجه, والنمص النتف, والمنماص: المنقاش, و (المتفلجة): الفاتحة بين الأسنان, وهي الواشرة. "وفيه: لقد قرأت ما بين اللوحين ", أي: الدفتين. ... 1142 - 3422 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"العين حق", ونهى عن الوشم. "وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العين حق, ونهى عن الوشم" أي: الإصابة بالعين حق, ولها تأثير مقضي لا شبهة فيه, وللنفوس البشرية آثار عجيبة, وهي من جملتها. ... 1143 - 3426 - وقال نافع: كان ابن عمر إذا استجمر استجمر بألوة غير مطراة, وبكافور يطرحه مع الألوة ثم قال: هكذا كان يستجمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. "قال نافع: كان ابن عمر إذا استجمر, استجمر بألوة غير مطراة" "استجمر": استعمل المجمر, وحصل الجمر فيه للبخور. و (الألوة): بفتح الهمزة وضمها وضم اللام وتشديد الواو: العود الذي يتبخر به, و (المطراة) المرباة بما يزيد رائحته من الطيب, يقال: عود مطري ومطير, على القلب. ... من الحسان: 1144 - 3437 - وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته, ويكثر القناع, كأن ثوبه ثوب زيات"

(من الحسان): "عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه, وتسريح لحيته, ويكثر القناع, كأن ثوبه ثوب زيات" (الدهن) بالفتح: استعمال الدهن. و"تسريح اللحية": تمشيطها, و"القناع": خرقة تلقى على الرأس بعد استعمال الدهن, لئلا تتسخ العمامة, شبهت بقناع المرأة, والمعنى: يكثر اتخاذه أو استعماله بعد الدهن. ... 1145 - 3440 - عن عبد الله بن مغفل قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبا. "الترجل": أراد به التمشط,. و (الغب): أن يفعل يوما ويترك يوما. والمراد به: النهي عن المواظبة به والاهتمام عليه, لأنه مبالغة في التزين وتهالك به, ولذلك نهى في حديث فضالة "عن كثير من الإرفاه " وهو التدهين والترجيل كل يوم, وأصله: الرفه, وهو ورود الماء كل يوم. ... 1146 - 3445 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس

النعال السبتية, ويصفر لحيته بالورس والزعفران, وكان ابن عمر رضي الله عنه يفعل ذلك" "عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس النعال السبتية" (السبت) بالكسر: جلود البقر المدبوغة بالقرظ تتخذ منها النعال, ويقال أيضا لما لا شعر عليه, من: (سبت رأسه): إذا حلق. ... 1147 - 3443 - وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحسن ما غير به الشيب: الحناء والكنم" "عن أبي ذر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أحسن ما غير به الشيب الحناء والكتم" "الكتم" بالفتح: شيء مثل الحناء براق اللون كحواصل الحمام. ... 1148 - 3461 - عن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة, وأول من يدخل عليها فاطمة, فقدم من غزاة وقد علقت مسحا أو سترا على بابها, وحلت الحسن والحسين قلبين من فضة, فقدم فلم يدخل, فظنت أنما منعه أن يدخل ما رأى, فهتكت الستر وفكت القلبين عن الصبيين وقطعته منهما, فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكيان, فأخذه منهما وقال: "يا ثوبان! اذهب

بهذا إلى آل فلان, إن هؤلاء أهلي أكره أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا, يا ثوبان اشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج" "وفي حديث ثوبان: وحلت الحسن والحسين قلبين من فضة" (القلب) بضم القاف: السوار الذي يكون قلبا واحدا. "وفيه: يا ثوبان! اشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج": (العصب) بالسكون: سن حيوان بحري يتخذ منه الخرز, وقيل: العصب اسم الحيوان, وأراد به هاهنا سنه. و (العاج): عظم أنياب الفيل, واستدل به من زعم أن العظم لا ينجس بالموت, كأبي حنيفة. ونقل الخطابي عن الأصمعي أنه قال: هو الذبل, وهو عظم السلحفاة البحرية. ... 1149 - 3463 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي [نبي] الله صلى الله عليه وسلم يكتحل قبل أن ينام بالإثمد ثلاثا في كل عين, قال: وقال: "إن خير ما تداويتم به اللدود, والسعوط, والحجامة, والمشي, وخير ما اكتحلتم به الإثم, فإنه يجلو البصر وينبت الشعر, وإن خير ما تحتجمون فيه يوم سبع عشرة, ويوم تسع عشرة, ويوم إحدى

باب التصاوير

وعشرين, وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث عرج به ما مر على ملأ من الملائكة إلا قالوا: عليك بالحجامة. غريب. "وفي حديث ابن عباس: إن خير ما تداويتم به اللدود والسعوط والحجامة والمشي" "اللدود": ما يسقى المريض في أحد شقي فيه, وأصله: (اللديد) لجانب الوادي. و"السعوط": ما يصب منه في الألف. و"المشي"بالفتح: الدواء المسهل, يقال: (المشو) أيضا, فهما, فعيل وفعول من: المشي, وأصله الذهاب والإطلاق. ... 5 - باب التصاوير من الصحاح: 1150 - 3469 - عن ابن عباس رضي الله عنهما عن ميمونة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح يوما واجما وقال: إن جبريل كان وعدني أن يلقاني الليلة فلم يلقني! أما والله ما أخلفني" ثم وقع في نفسه جرو كلب تحت فسطاط, فأمر به فأخرج ثم أخذ بيده ماء فنضح مكانه, فلما أمسى لقيه جبريل, فقال له: "قد كنت وعدتني أن تلقاني

البارحة؟ "فقال: أجل, ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة, فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فأمر بقتل الكلاب, حتى إنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير, ويترك كلب الحائط الكبير. (باب التصاوير) (من الصحاح): "في حديث ميمونة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح يوما واجما" أي: حزينا, من: (وجم فلان): إذا أصابه ما يكرهه. "وفيه: أم والله ما أخلفني" أي: أما والله ما أخلفني جبريل في الوعد قبل ذلك قط, فحذف ألف (أما) للتخفيف, وقد سبق ذكر ما هو المانع لحضور الملك حيث فيه كلب أو صورة في (باب مخالطة الجنب) ... 1151 - 3470 - عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلا نقصه. "وعن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلا نقضه" (التصليب) في الأصل: صنع الصليب وتصويره, فأطلق على الصليب نفسه تسمية له بالمصدر, ثم جمع على: تصاليب, كما سميت

الصورة بـ (التصوير) , ثم جمع على: تصاوير. و (النقض): الإبطال وفك أجزاء البناء بعضها عن بعض. ... 1152 - 3472 - وعن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت قد اتخذت على سهوة لها سترا فيه تماثيل, فهتكه النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذت منه نمرقتين, فكانتا في البيت يجلس عليهما. "وعن عائشة: أنها كانت قد اتخذت على سهوة سترا فيه تماثيل فهتكه النبي صلى الله عليه وسلم, فاتخذت منه نمرقتين, فكانتا في البيت يجلس عليهما. (السهوة): كالصفة بين يدي البيت, وقيل: بيت صغير كالمخدغ, وقيل: البيت الواسع الكثير الكوى, وقيل: الكوة بين الدارين. و (النمرقة) بضم النون وكسرها: الوسادة الصغيرة. والحديث يدل على الفرق بين ما تكون الصورة على المفروش, وبين ما تكون على المنصوب, وذلك لأن ما على المفروش تعرض للإذلال بوطء الأقدام والجلوس عليه, بخلاف المنصوب. ... 1153 - 3473 - وروي عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في غزاة, فأخذت نمطا فسترته على الباب, فلما قدم فرأى النمط

فجذبه حتى هتكه, ثم قال: "إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين" "وفي حديثها الثال: فأخذت نمطا" أي: سترا, وهو في الأصل: اسم لضرب من البسط, فلعله أيضا يتخذ سترا, وجمعه: أنماط. ويقال أيضا للنسق والجماعة من الناس أمرهم واحد, وهو المراد من قوله عليه الصلاة والسلام: "خير هذه الأمة النمط الأوسط" ... 1154 - 3474 - عن عائشة رضي الله عنها, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله" "وفي حديثها الرابع: الذين يضاهون بخلق الله" أي: يشابهون, فيفعلون ما يضاهي خلق الله, أي: مخلوقه, أو يشبهون فعلهم بفعله, أي: في التصوير والتخليق. ... 1155 - 3478 - عن ابن عباس رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تحلم بحلم لم يره, كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل, ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون, أو يفرون منه, صب في أذنيه الآنك يوم القيامة, ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ"

"عن ابن عباس رضي الله عنهما: من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين, ولن يفعل" (الحلم) بضمتين - الرؤيا. و (حلم) بالفتح (يحلم) بالضم حلما: رأى الرؤيا, و"تحلم": إذا ادعى أنه رأى ولم ير. كلف أن يعقد بين شعيرتين", أي: عذب حتى يفعل ذلك, فيجمع بين ما لم يمكن أن يعقد, كما عقد بين ما سرده واختلقه من الرؤيا, ولم يكن يقدر أن يعقد بينهما. ونظيره قوله عليه الصلاة والسلام:"من صور صورة كلف أن ينفخ فيها, وليس بنافخ" وقيل: معناه: ليس أن ذلك عذابه وجزاؤه, بل أنه يجعل ذلك شعاره, ليعلم به أنه كان يزور الأحلام, ولفظة"كلف" تشعر بالمعنى الأول. ... 1156 - 3479 - وعن بريدة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه" "عن بريدة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم الخنزير ودمه"

"النردشير" يقال: وضعه شابور بن أردشير ثاني ملوك آل ساسان, ولأجله يقال له: النردشير, وشبه رقعته بالأرض وقسمها أربعة أقسام تشبيها بالفصول الأربعة. ... من الحسان: 1157 - 3485 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يتبع حمامة فقال: "شيطان يتبع شيطانة". "عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يتبع حمامة, فقال: شيطان يتبع شيطانا" "يتبع حمامة", أي: يقفو أثرها لاعبا بها, وإنما سماه شيطانا, لإعراضه عن العبادة واشتغاله بما لا يعنيه في الدارين, وسماها: شيطانا, لأنها أغفلته عن الحق وأشغلته عما يهمه من صلاح المنزلين, والله أعلم.

(21) كتاب الطب والرقى

كتاب الطب والرقى

(21) كتاب الطب والرقى 1 - باب من الصحاح: 1158 - 3489 - عن جابر قال: رمي أبي يوم الأحزاب على أكحله فكواه رسول الله صلى الله عليه وسلم. (كتاب الطب والرقى) (من الصحاح): "عن جابر قال: رمي أبي يوم الأحزاب على أكحله فكواه رسول الله صلى الله عليه وسلم. (المرمي) هو: أبي بن كعب, وأخطأ من صحف ظنا بأنه أبو جابر, لأنه استشهد بأحد قبل يوم الأحزاب بسنتين. و (الأكحل): عرق معروف في وسط, اليد يقال له: نهر البدن, وإنما كواه, لينسد موضع الشق, وينحسم منه الدم.

1159 – 3493 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اسقه عسلا فسقاه ثم جاءه فقال: سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا!؟ فقال له ثلاث مرات, ثم جاءه الرابعة فقال: "اسقه عسلا" فقال: لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا!؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صدق الله وكذب بطن أخيك" فسقاه فبرأ. "وفي حديث أبي سعيد: إن أخي استطلق بطنه, فقال رسول الله: اسقه عسلا" (استطلاق البطن): مشيه, وهو تواتر الإسهال, ولعله أمره بسقي العسل لأنه علم أنه سبب إسهاله اجتماع فضلات كثيرة بلغمية لزجة تدفعه الطبيعة, فاستصوب إمداد الطبيعة بما يقطعه ويجريه, فأمره بسقي العسل كرة بعد أخرى حتى يسهل ما بقي منها. ... 1160 – 3495 – وقال: "لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة, وعليكم بالقسط" "وعن أنس: أنه – عليه الصلاة والسلام – قال: لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة, وعليكم بالقسط" يريد به النهي عما تعتاد النساء من إدخال الإصبغ في حلق

المعذور لغمز داخله. وكذلك قوله في الحديث الذي بعده: "علام تدغرون أولادكن بهذا العلاق؟ " أي: علام تغمزن حلقهم؟! استفهام في معنى الإنكار له ولنفعه, و (الدغر): الدفع والغمز. و (العذرة): وجع الحلق, وهو يتولد تارة من هيجان الدم, وأخرى من البلغم, ولعل القسط ينفع من الضرب الثاني, وهو أكثر ما يعرض للصبيان, فإنه حار يابس. وقيل: إنهن يغمزن العذرة, لتنقبض وترتفع وتنفتح الطريق, والقسط إذا أخذ ماؤه, وأوصل إلى العذرة, أفاد ذلك, لما فيه من اليبس. و"العلاق": ما ترفع به العذرة من إصبع أو غيرها, وروي: "بهذا الإغلاق", وهو غمز العذرة ورفعها, وقيل: كن يفتلن خرقة ويدخلنها في أنف الصبي المعذور, ويغمز بها في موضع العذرة, وهو: ما بين آخر الأنف وأصل اللهاة, فينفجر منه دم أسود, وكانوا يسمون ذلك الطعن: الدغر, فعلى هذا يكون العلاق تلك الخرقة المفتولة. ... 1161 - 3498 – وعن أنس رضي الله عنه قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في

الرقية من العين, والحمة والنملة" "عن أنس قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من العين والحمة والنملة" الرقية المرخص فيها ما تعرى عن ألفاظ توهم الشرك. و"الحمة" بالتخفيف سم الهوام كالحية والعقرب والنمل. و"النملة" بثور صغار تكون مع روم يسير. ... 1162 - 3500 – وعن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة, تعني صفرة, فقال: "استرقوا لها, فإن بها النظرة من الجن" "وفي حديث أم سلمة: فإن بها النظرة" قيل: أراد به: أن بها عينا أصابتها من نظر الجن. ... 1163 – 3503 - عن ابن عباس رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العين حق, ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين, فإذا استغسلتم فاغسلوا" "وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العين حق فلو كان شيء سابق القدر سبقته العين, فإذا استغسلتم فاغسلوا"

معناه: أن إصابة العين لها تأثير, ولو أمكن أن يعاجل القدر شيء فيؤثر في فناء شيء وزواله قبل أوانه المقدر لسبقته العين, وكانوا يقولون: إذا غسل أطراف العائن وما تحت إزاره وصب تلك الغسالة على المعيون بريء, فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من استغسل بالإجابة, إذ ربما يبرئه التوهم, فإن له تأثيرا عجيبا, سيما إذا كان المرض أيضا من هذا القبيل, والله أعلم. ... من الحسان: 1164 – 3505 – عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب, فإن الله يطعمهم ويسقيهم" غريب. (من الحسان): "عن عقبة بن عامرقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكرهوا مرضاكم على الطعام, فإن الله يطعمهم ويسقيهم" أي: يحفظ قواهم, ويمدهم بما يفيد فائدة الطعام والشراب في حفظ الروح وتقويم البدن. ونظيره قوله – عليه الصلاة والسلام -: "أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني" وإن كان ما بين الإطعامين والطعامين بونا بعيدا.

1165 – 3506 - عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة. غريب. "وعن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة" (أسعد هذا): من الأنصار من بني النجار, وكان نقيب بني ساعدة, قتل يوم بدر. و"الشوكة": قرحة تعلو الوجه والجسد, يكون فيها خشونة وشدة, ويقال: شيك الرجل, فهو مشوك, إذا أصابه ذلك. ... 1166 - 3409 – عن أسماء بنت عميس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سألها: "بم تستمشين؟ " قالت: بالشبرم, قال: "إنه حار حار", قالت: ثم استمشيت بالسنا, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أن شيئا كان فيه الشفاء من الموت لكان في السنا" "عن أسماء بنت عميس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سألها: بم تستمشين؟ قالت: بالشبرم, قال: حار حار" (الاستمشاء): طلب مشي البطن, وهو إطلاقه بشرب دواء مسهل. ويقال للمسهل: مشي ومشو. و"الشبرم": حب يشبه الحمص, وهو من العقاقير المسهلة. وروي: "حار حار" على الإتباع, و"حار حار" بالجيم في الثاني,

وهو أيضا كذلك. وقوله: "ثم استمشيت بالسنا" وهو جمع: سناة, وهو نبت معروف كثير النفع. ... 1167 – 3515 – وعن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم على وركه من وثء كان به" "وعن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم على وركه من وثي كان به" (الوثي): ينبغي أن يكون بالهمز, وهو ما يعرض للعضو من خدر واسترخاء, وقيل: وجع يصيبه من غير كسر. ... 1168 – 3517 – عن عبد الرحمن بن عثمان: أن طبيبا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء؟ فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها. "عن عبد الرحمن بن عثمان: أن طبيبا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء, فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها". (الضفدع) بكسر الدال, على مثال الخنصر, والعامة تفتحها. قال الخليل: ليس في كلام العرب (فعلل) إلا أربعة أحرف: درهم, وهجرع للطويل, وهبلع للأكول, وقلعم اسم رجل.

ولعله نهى عن قتلها, لأنه لم ير التداوي بها, إما لنجاستها وحرمتها, إذا لم نجوز التداوي بالمحرمات, أو لاستقذار الطبع وتنفره عنها, أو لأنه رأى فيها من المضرة أكثر مما رأى الطبيب فيها من المنفعة. ... 1169 – 3526 – عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود: أن عبد الله رأى في عنقي خيطا فقال: ما هذه؟ فقلت: خيط رقي لي فيه, فقالت: فأخذه فقطعه, ثم قال: أنتم آل عبد الله لأغنياء عن الشرك! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك" فقلت: لم تقول هكذا؟ لقد كانت عيني تقذف, فكنت أختلف إلى فلان اليهودي فإذا رقاها سكنت! فقال عبد الله: إنما ذلك عمل الشيطان, كان ينخسها بيده, فإذا رقي كف عنها, إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أذهب البأس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك, شفاء لا يغادر سقما" "وفي حديث عبد الله بن مسعود: إن الرقى والتمائم والتولة شرك" "التمائم": جمع: تميمة, وهي التعويذة التي تعلق على الصبي. و"التولة": بكسر التاء وضمها: نوع من السحر. قال الأصمعي: هي ما تحبب به المرأة إلى زوجها.

وإنما أطلق الشرك عليها إما لأن المتعارف منها في عهده ما كان معهودا في الجاهلية, وكان مشتملا على ما يتضمن الشرك, أو لأن إيجادها يدل على اعتقاد تأثيرها, وهو يفضي إلى الشرك. وفيه: " وكانت عيني تقذف" على البناء للمفعول, أي: ترمى بما يهيج وجعها, وإن كانت الرواية على البناء للفاعل فمعناه: وإنها ترمي الرمض والماء من الوجع. "وكنت أختلف إلى فلان" أي: أتردد إليه. ... 1170 3527 – عن جابر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة, فقال: "هو من عمل الشيطان" "عن جابر قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة قال: هو عمل الشيطان" "النشرة"بالضم: نوع من الرقية يعالج به المصروع, سميت بها لزعمهم أن الجن تنشر بها عنه, أو الداء الذي يخامره. ... 1171 – 3533 – عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: رأى عامر ابن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل فقال: والله ما رأيت كاليوم, ولا جلد مخبأة! قال: فلبط سهل, فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: يا رسول الله! هل لك في سهل بن حنيف, والله ما يرفع رأسه! فقال: " هل تتهمون

له أحدا؟ "قالوا: نتهم عامر بن ربيعة, قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا فتغلظ عليه وقال: "علام يقتل أحدكم أخاه, ألا بركت؟ اغتسل له" فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخله إزاره في قدح ثم صب عليه, فراح مع الناس ليس به بأس. "وفي حديث أبي أمامة بن سهل: والله ما رأيت كاليوم, ولا جلد مخبأة! قال: فلبط سهل" أي: ما رأيت يوما مثل ما رأيته اليوم في البياض والنعومة. "ولا جلد مخبأة"- وهي المرأة المخدرة- يماثله. "فلبط" أي: صرع المعيون, وأسقط من قيام, وفي الحديث: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش ملبوط بهم, أي: سقوط بين يديه. ... 1172 – 3535 – قالت عائشة رضي الله عنها: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل رئي فيكم المغربون؟ " قلت: وما المغربون؟ قال: "الذين يشترك فيهم الجن", غريب. "قالت عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رئي فيكم المغربون؟ قلت: وما المغربون؟ قال: الذين يشترك فيهم الجن". "المغربون" بتشديد الراء وكسرها: المبتعدون عن ذكر الله تعالى عند الوقاع حتى شارك فيهم الشيطان, كما قال تعالى: {وشاركهم في

باب الفأل والطيرة

الأموال والأولاد} [الإسراء: 64] , سموا بذلك, لأنه دخل فيهم عرق غريب, ويحتمل أن يراد به: من كان له قرين من الجن يلقي إليه الأخبار وأصناف الكهانة. ... 2 - باب الفأل والطيرة من الصحاح: 1173 - 3537 - وقال: "لا عدوى, ولا طيرة, ولا هامة, ولا صفر, وفر من المجذوم كما تفر من الأسد" (باب الفأل والطيرة) (من الصحاح): "عن أبي هريرة: أنه -عليه الصلاة والسلام - قال: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر, وفر من المجذوم كما تفر من الأسد" يريد بالعدوى مجاوزة العلة من المعلول إلى غيره, والمعنى: أن مصاحبة المعلول ومواكلته لا توجب حصول تلك العلة, ولا تؤثر فيها, لتخلفها عن ذلك طردا وعكسا. أما الأول: فلأن كثيرا ما يصاحب الرجل من هو مجذوم أو أجرب ولا تتعدى إليه علته, وإليه أشار فيما روي جابر: أنه - عليه

الصلاة والسلام - أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة. وأما الثاني: فلأن أكثر ما يعرض هذه الأمراض إنما تتعرض حيث لا تكون ثم تعدية, وإليه أشار في الحديث الذي بعد هذا بقوله: "فمن أعدى الأول؟ " لكنها قد تكون من الأسباب المقدرة التي تعلقت المشيئة بترتيب تلك العلة عليها بالنسبة إلى بعض الأشخاص بإحداث الله تعالى, فعلى العاقل أن يتحرز عنها ما أمكن تحرزه عن الأطعمة المؤذية, والأشياء المخوفة, وإليه أشار بقوله: "وفر من المجذوم كما تفر من الأسد" وفي قوله للمجذوم في حديث جابر: "كل ثقة بالله, وتوكلا عليه". و"الطيرة": التفاؤل بالطير, وكانوا يتفاءلون بأسمائها وأصواتها وسنوحها وبروحها. و (الهامة): الصدى, وهو طائر كبير يضعف بصره بالنهار, ويطير بالليل, ويصوت فيه, ويقال له: بوم, والناس يتشاءمون بصوته, ومن زعمات العرب: أن روح القتيل الذي لا يدرك ثأره يصير هامة, فتزقوا وتقول: اسقوني اسقوني, فإذا أدرك ثأره طارت. و"لا صفر": أيضا نفي لما كانت العرب تزعم أنه حية في بطن الإنسان تعضه وتلدغه إذا جاع وخوى بطنه, ويسمونها صفرا.

وقيل: هو نفي لتأخيرهم المحرم إلى صفر, والمراد به: المنع عنه. ويحتمل أن يكون نفيا لما يتوهم أن شهر صفر تكثر فيه الدواهي والفتن. وفي رواية: "ولا نوء ولا صفر" (النوء): سقوط نجم من منازل القمر مع طلوع الصبح, وهي ثمانية وعشرون نجما, يسقط في كل ثلاثة عشرة ليلة نجم منها في المغرب مع طلوع الفجر, ويطلع آخر يقابله في المغرب من ساعته, وكانوا يزعمون: أنه لا بد وأن يحدث عند كل نوء منها مطر, أو ريح, أو غير ذلك, ويضيفون الحوادث إليه, فأنكر عليهم ذلك ونفاه. ... 1174 - 3540 - وعن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا عدوى, ولا صفر, ولا غول" "وفي حديث جابر: ولا غول" (الغول) أيضا من زعماتهم, يقولون: هو ضرب من الجن يتشخص لمن يمشي وحده في الفلاة, أو في الليلة الليلاء, ويمشي قدامه, فيظن الماشي خلفه: أنه إنسان, فيتبعه حتى يوقعه في مهلكة. وقوله: "لا غول"يحتمل أن يكون المراد به: نفيه رأسا, ويحتمل أن يكون المراد به: نفيه على الوجه الذي يزعمونه, ويدل عليه أنه جاء

في الأحاديث ما يدل على وجوده. ... من الحسان: 1175 - 3543 - عن قطن بن قبيصة, عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العيافة والطرق والطيرة من الجبت" (من الحسان): "عن قطن بن قبيصة, عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العيافة والطرق والطيرة من الجبت" (قبيصة) هذا: هو ابن مخارق بن عبد الله الهلالي, عداده في أهل البصرة. و"العيافة": الزجر, وهو التفاؤل بأسماء الطيور, وأصواتها, وألوانها, كما يتفاءل بالعقاب على العقوبة, والغراب على الغربة, وبالهدهد على الهدى, والفرق بينهما وبين الطيرة هي التشاؤم بها, وقد يستعمل في التشاؤم بغيرها. و"الطرق":الضرب بالحصا, وهو ضرب من الكهانة يعلمها النساء. و"الجبت" في الأصل: الجبس, وهو الفسل الذي لا خير فيه, وقيل: أصله: جبس, فبدلت التاء بالسين تنبيها على المبالغة في

الفسولة, كما بدلت في (النات) في قول الشاعر عمرو بن يربوع: شرار النات ثم استعير لما عبد من دون الله, وللساحر والسحر, لخساستها وعدم اعتبارهما. وقد فسر في الحديث على كل واحد منها, ولا بد من إضمار في الأولين مثل: إنه مما يماثل عبادة الجبت, أو من قبيلها, أو من أعمال الجبت, أي: الساحر. ... 1176 - 3544 - عن عبد الله بن مسعود, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الطيرة شرك, الطيرة شرك, قاله ثلاثا- ما منا إلا - ولكن الله يذهبه بالتوكل" قيل: قوله: "وما منا" قول ابن مسعود. "وعن ابن مسعود, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الطيرة شرك, الطيرة شرك قاله ثلاثا. وما منا ولكن الله يذهبه بالتوكل. إنما سماها شركا, لأنهم كانوا يرون ما يتشاءمون به سببا مؤثرا في حصول المكروه, وملاحظة الأسباب في الجملة شرك خفي, فكيف إذا انضم إليها جهالة وسوء اعتقاد؟! "وما منا " قيل: إنه قول ابن مسعود, والمعنى: ما منا إلا من يعرض له توهم بسبب الطيرة

لتعوذهم بها, فحذف المستثنى كراهة أن يتفوه به. ... 1177 - 3546 - وعن سعد بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا هامة, ولا عدوى, ولا طيرة, وإن تكن الطيرة في شيء ففي الدار والفرس والمرأة" "وفي حديث سعد: فإن تكن الطيرة في شيء ففي الدار والفرس والمرأة" أراد بالطيرة هاهنا: الشؤم, وقد روي بلفظه, وربط هذه الشرطية بالفاعل. قوله: "ولا طيرة"يدل على أن الشؤم أيضا منفي عنها, والمعنى: أن الشؤم لو كان له وجود في شيء لكان في هذه الأشياء, فإنها أقبل الأشياء له, لكن لا وجود له فيها, فلا وجود له أصلا. ... 1178 - 3550 - وروي عن فروة بن مسيك أنه قال: يا رسول الله! أرض عندنا هي أرض ريعنا وميرنا, وإن وباءها شديد؟ فقال: "دعها عنك فإن من القرف التلف" "وفي حديث فروة بن مسيك: أن من القرف التلف" "القرف": مداناة الوباء والمرض, وأصله: التهمة.

باب الكهانة

و"فروة": هو فروة بن مسيك بن الحارث بن سلمة بن الحارث المرادي. ... 3 - باب الكهانة من الصحاح: 1179 - 3551 - عن معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! أمورا كنا نصنعها في الجاهلية, كنا نأتي الكهان؟ قال: "فلا تأتوا الكهان"قال: قلت: كنا نتطير؟ قال: "ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم", قال: قلت: وما منا رجال يخطون؟ قال: "كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك" (باب الكهانة) (من الصحاح): حديث معاوية بن الحكم مشروح في (كتاب الصلاة) فمن أشكل عليه فليطلب منه. ... 1180 - 3552 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل الناس

رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليسوا بشيء", قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! فإنهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة, فيخلطون فيها أكثر من مئة كذبة" "وفي حديث عائشة: قالوا: يا رسول الله! فإنهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا, فقال: تلك الكلمة من الحق يحفظها الجني, فيقرها في أذن قر الزجاجة, فيخلطون فيها أكثر من مئة كذبة" من أسباب ما يحصل للناس من تقدمة المعرفة بالأمور التي ستحدث: لأن بعض الجواهر الأرضية الغائبة عن الأبصار التي يقال لها: الجن تتصل بالجواهر القدسية السماوية التي يقال لها: الملائكة اتصالا ما بسبب ما بينهما من التناسب, فينقش بما فيها من النقوش, ويستفيد بعض ما لها من العلوم بحسب الاستعداد, وهي معنى قوله: "يحفظها الجني" وقد صرح به بعض التصريح في رواية أخرى فقال: "الملائكة تحدث في العنان, فتسمع الشياطين الكلمة" ثم يلقي بعض ما يلفقه إلى نفوس بعض الأشخاص التي تناسبه, وهو معنى قوله: "فيقرها في أذن وليه قر الزجاجة" أي: يصبه في أذنه صب الزجاجة ما فيها دفعة, ومنه: قررت الكلام في أذنه, إذا

وضعت فاك على أذنه, فأسمعته كلامك, وروي: "قر الزجاجة", ويكون المعنى: يصوت بها في أذن صاحبه, من قولهم: قرت الدجاجة قرا وقريرا, إذا قطعت صوتها, والله أعلم.

(22) كتاب الرؤيا

كتاب الرؤيا

(22) كتاب الرؤيا من الصحاح: 1181 - 3564 - وقال: "الرؤيا الصالحة من الله, والحلم من الشيطان, فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب, وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثا, ولا يحدث بها أحدا فإنها لن تضره" "عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: الرؤيا الصالحة من الله, والحلم من الشيطان" "الرؤيا": ما يراه النائم, وكذلك الحلم, ويكثر استعماله فيما لا عبرة به, ولا أصل له, والرؤيا الصالحة إعلام وتنبيه من الله بتوسط الملك, ولذلك عدها في الحديث السابق من أجزاء النبوة, وتحقيقه: أن النفوس البشرية خلقت بحيث لها بالذات تعلق واتصال بالملك الموكل على عالمنا, هذا الموكل إليه تدبير أمره, وهو المسمى في هذا الباب بملك الرؤيا, لكنها ما دامت مستغرقة في أمر البدن وتدبير معاشها وتدبر أحوالها, كانت معوقة من ذلك, فإذا نام, وحصل لها

أدنى فراغ, اتصلت بطباعها, فينطبع فيها من المعاني والعلوم الحاصلة له من مطالعة اللوح المحفوظ, والإلهامات الفائضة عليه من جناب القدس= ما هو أليق بها من أحوالها وأحوال ما يقرب إليها من الأهل والولد والمال والبلد وغير ذلك, فتحاكيه القوة المتخيلة بصورة جزئية مناسبة إلى الحس المشترك, فتنطبع فيه, فتصير محسوسة مشاهدة, ثم إن كانت تلك المناسبة ظاهرة جلية, كانت الرؤيا غنية عن التعبير, وإلا كانت مفتقرة إليه, وهو تحليل تلك المناسبة بالرجوع قهقرى إلى المعنى المتلقي من الملك. وأما الرؤيا الكاذبة فسببه الأكثري تخيل فاسد تركبه القوة المتخيلة بسبب أفكار فاسدة اتفقت لها حال اليقظة, أو سوء مزاج أو امتلاء ونحو ذلك, فيلقيه على الحس المشترك, وقد يكون بسبب استعراض الحس, والتفاته إلى بعض المخزونات الخيالية المرتسمة في الخيال من مشاهدة المحسوسات حال اليقظة. ولما كان للشيطان مدخل في هذه الأقسام, لأنها تتولد من الاستغراق في أمر البدن, والانهماك في الشهوات, والإعراض الكلي عن عالم الملكوت والاعتناء بأمره, أضاف الحلم إلى الشيطان. ... 1182 - 3566 - وقال: "إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن, ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة, وما كان

من النبوة فإنه لا يكذب" رواه محمد بن سيرين, عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال محمد: وأنا أقول: الرؤيا ثلاث: حديث النفس, وتخويف الشيطان, وبشرى من الله, فمن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد, وليقم فليصل, قال: وكان يكره الغل في النوم ويعجبه القيد, ويقال: القيد ثبات في الدين, وأدرج بعضهم الكل في الحديث. "وعنه أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن" المراد باقتراب الزمان: دنو الساعة, ومجيء آخر الزمان, وقيل: تقارب الأيام والليالي, يريد: إذا كان فصل الربيع, فإنه حينئذ يكون المزاج مستقيما, والهواء معتدلا, والأول أصح, لأنه جاء في رواية أخرى: "إذا كان آخر الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن". واختلف في خبر (كاد) المنفي, والأظهر أنه يكون أيضا منفيا, لأن حرف النفي الداخل على (كاد) ينفي قرب حصوله, والنافي قرب حصول الشيء أدل على نفيه في نفسه, ويدل عليه قوله تعالى: {إذا أخرج يده لم يكد يراه} [النور:40]. ... 1183 - 3570 - وعن أبي موسى رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل, فذهب وهلي إلى أنها اليمامة, أو هجر, فإذا هي المدينة يثرب, ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا فانقطع صدره, فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد, ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان, فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين". "وفي حديث أبي موسى: فذهب وهلي إلى أنها اليمامة, أو هجر, فإذا هي المدينة" (الوهل) بالسكون: الوهم, وبالتحريك: الفزع, أي ذهب ظني إلى أن الأرض التي رأيت المهاجرة إليها يمامة أو هجر, وكانت المدينة. وفيه: "ثم هززته", أي: حركت السيف مرة أخرى. ... 1184 - 3571 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم, أتيت بخزائن الأرض, فوضع في كفي سواران من ذهب فكبرا علي, فأوحي إلي: أن أنفخهما, فنفختهما فذهبا, فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما: صاحب صنعاء, وصاحب اليمامة". وفي رواية: "يقال لأحدهما: مسيلمة صاحب اليمامة, والعنسي صاحب صنعاء" "عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم أتيت

بخزائن الأرض, فوضع في كفي سواران من ذهب, فكبرا على, فأوحي إلي أن انفخهما, فنفختهما, فذهبا, فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما, صاحب صنعاء, وصاحب اليمامة". "أن"هي المفسرة, وصح وقوعها بعد قوله: (أوحي) , لتضمنه معنى القول, وإنما أمر بنفخهما ليدل على سهولة أمرهما, وإنما يذهبان بأدنى سعي. ووجه تأويل السوارين بالكذابين- والعلم عند الله تعالى- أن السوار يشبه قيد اليد, والقيد فيها يمنعها عن البطش, ويكفها عن الاعتمال والتصرف على ما ينبغي, فيشابه من يقوم بمعارضته, ويأخذ بيده, فيصده عن أمره. و"صنعاء": بلدة باليمن, وصاحبها الأسود العنسي, تنبأ بها في آخر عهد الرسول صلى الله عليه وسلم, فقتله فيروز الديلمي في مرض وفاة الرسول صلوات الله عليه, فبلغه الخبر, فقال- عليه الصلاة والسلام-: "فاز فيروز" و"اليمامة": بلاد للعرب كان اسمها جوا, وكانت فيها امرأة يقال لها: اليمامة, وكانت مشهورة بأنها تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام, بحيث ضرب بها المثل, فقيل: أبصر من اليمامة, فأضيف إليها, وقيل: جو اليمامة, فلما كثرت تلك الإضافة تركت, وسميت باسمها, وصاحبها مسيلمة قتله الوحشي قاتل حمزة في خلافة الصديق رضي الله عنه.

1185 - 3573 - عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى أقبل علينا بوجهه فقال: "من رأى منكم الليلة رؤيا؟ قال: فإن رأى أحد قصها, فيقول: "ما شاء الله! " فسألنا يوما فقال: " هل رأى منكم أحد رؤيا؟ " قلنا: لا, قال: "لكني رأيت الليلة رجلين أتياني, فأخذا بيدي فأخرجاني إلى أرض مقدسة, فإذا رجل جالس, ورجل قائم بيده كلوب من حديد, يدخله في شدقه فيشقه حتى يبلغ قفاه, ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك, ويلتئم شدقه فيشقه هذا, فيعود فيصنع مثله, قلت: ما هذا؟ قالا: انطلق, فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه, ورجل قائم على رأسه بفهر أو صخرة يشدخ به رأسه, فإذا ضربه تدهده الحجر, فانطلق إليه ليأخذه, فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه, وعاد رأسه كما كان, فعاد إليه فضربه, فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق, فانطلقنا حتى أتينا إلى نقب مثل التنور, أعلاه ضيق وأسفله واسع, تتوقد تحته نار, فإذا اتقدت ارتفعوا حتى يكادوا يخرجون منها, فإذا خمدت رجعوا فيها, وفيها رجال ونساء عراة, فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق, فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم, فيه رجل قائم, وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة, فأقبل الرجل الذي في النهر, فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه, فرده حيث كان, فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان, فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق, فانطلقنا حتى

انتهينا إلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة, وفي أصلها شيخ وصبيان, وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها, فصعدا بي الشجرة فأدخلاني دارا أوسط الشجرة لم أر قط أحسن منها, فيها رجال شيوخ وشبان ونساء وصبيان, ثم أخرجاني منها فصعدا بي الشجرة, فأدخلاني دارا هي أفضل وأحسن, فيها شيوخ وشبان, فقلت لهما: إنكما قد طوفتماني الليلة فأخبراني عما رأيت, قالا: نعم, أما الذي رأيته يشق شدقه فكذاب يحدث بالكذبة فتحتمل عنه حتى تبلغ الآفاق, فيصنع به ما ترى إلى يوم القيامة, والذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علمه الله القرآن, فنام عنه بالليل ولم يعمل بما فيه بالنهار, يفعل به ما رأيت إلى يوم القيامة, والذي رأيته في النقب فهم الزناة, والذي رأيته في النهر آكل الربا, والشيخ الذي رأيته في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام والصبيان حوله فأولاد الناس, والذي يوقد النار مالك خازن النار, والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين, وأما هذه الدار فدار الشهداء, وأنا جبريل, وهذا ميكائيل, فارفع رأسك, فرفعت رأسي فإذا فوقي مثل السحاب -وفي رواية: مثل الربابة البيضاء- قالا: ذاك منزلك, قلت: دعاني أدخل منزلي, قالا: إنه بقي لك عمر لم تستكمله فلو استكملته أتيت منزلك". "وفي حديث سمرة بن جندب: ورجل قائم بيده كلوب من حديد"

(الكلوب) والكلاب: ما يتعلق بالشيء مع شدة, فيجذب به. "وفيه: رجل قائم على رأسه بفهر أو صخرة, يشدخ به رأسه, فإذا ضربه تدهده الحجر" (الفهر): حجر ملء الكف, يذكر ويؤنث, والجمع: أفهار. و (الصخرة): الحجرالعظيم. و (التدهده): التدحرج. ... من الحسان: 1186 - 3574 - عن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة, وهي على رجل طائر ما لم يحدث بها, فإذا حدث بها وقعت -وأحسبه قال:- لا يحدث إلا حبيبا أو لبيبا" وفي رواية: "الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر, فإذا عبرت وقعت,-أحسبه قال: -ولا تقصها إلا على واد أو ذي رأي" "وفي حديث أبي رزين العقيلي: وهي على رجل طائر ما لم يحدث بها, فإذا حدث بها وقعت" الضمائر للرؤيا, والمعنى: أنها كالشيء المعلق برجل الطائر, لا استقرار لها ما لم يتكلم بها أو بتعبيرها, وتدل عليه الرواية الأخرى,

ولعله أراد به: المنع عن التحدث بما يكره, والتوهم لنزوله, إذ الغالب أنه من أضغاث الأحلام, أو حث المعبر على أن يعبرها تعبيرا حسنا, فإن الوهم يفعل ما لا تفعل الرؤيا, ولذلك قال: "لا تقصها إلا على واد أو ذي رأي" أي: على حبيب لا يقع في قلبه لك إلا خير, أو عاقل لبيب, لا يقول إلا بفكر بليغ ونظر صحيح, ولا يواجهك إلا بخير, والله أعلم.

(23) كتاب الأدب

كتاب الأدب

(23) كتاب الأدب من الصحاح: 1187 - 3579 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام, وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" "في حديث ابن عمر: أي الإسلام خير؟ " أي: أي خصال أهل الإسلام وآدابهم أفضل؟ يدل عليه الجواب بالإطعام والسلام على من عرف أو لم يعرف, ولعل تخصيصهما لعلمه بأنهما يناسبان حال السائل, ولذلك أسندهما إليه, فقال: "تطعم الطعام وتقرأ السلام" ... 1188 - 3587 - وقال: "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم" "وعن أنس: أنه -عليه الصلاة والسلام - قال: إذا سلم عليكم أهل

الكتاب فقولوا: وعليكم" هذا الجواب إذا لم يتوهم منه تعريض بالدعاء علينا, كان دعاء لهم بالإسلام, فإنه مناط السلامة في الدارين. وإذا توهم مثل إنهم كانوا يقولون: السام عليكم, فيلوون به ألسنتهم, بحيث يلتبس بالسلام, كان تقديره: وأقول: عليكم ما تريدون بنا أو تستحقونه, ولا يكون (عليكم) عطفا على (عليكم) في كلامهم, وإلا لتضمن ذلك تقرير دعائهم, ولذلك كان في الحديث الذي قبله: "فقل: عليك"بغير واو, وقد روي ذلك بالواو أيضا, وتأويله ما قلناه. ... من الحسان: 1189 - 3595 - عن أبي جري الهجيمي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: عليك السلام يا رسول الله! فقال: "لا تقل عليك السلام, فإن عليك السلام, تحية الموتى". "في حديث أبي جري الهجيمي: عليك السلام تحية الموتى" كان من عادتهم تقديم السلام في تحية الأحياء, ليكون أول ما يقرع السمع لفظ السلام, ليأمن منه صاحبه, ويسكن روعه, وتأخيره في تحية الأموات تفرقة بين التحتين, وقد جاء التقديم فيهما على الأصل, كما سبق ذكره في (كتاب الجنائز).

باب الاستئذان

2 - باب الاستئذان من الصحاح: 1190 - 3612 - وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "إذنك على أن ترفع الحجاب وأن تسمع سوادي حتى أنهاك". "في حديث عبد الله بن مسعود: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: إذنك علي أن يرفع الحجاب, وأن تسمع سوادي حتى أنهاك". "سوادي", أي: سراري, يريد به: الإسرار, وإنما سمي السرار سواده, لأنه يتقارب له سواد المتناجين, وهو كل شخص مظل, وجمعه: أسوده, وجمع الجمع: أساود. ... من الحسان: 1191 - 3616 - وعن كلدة بن حنبل: أن صفوان بن أمية بعث بلبن وجداية وضغابيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم, والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي, قال: فدخلت عليه ولم أسلم ولم أستأذن, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ارجع فقل: السلام عليكم, أأدخل؟ "

باب المصافحة والمعانقة

"في حديث كلدة بن حنبل الأسلمي: أن صفوان بن أمية بعث بلبن وجداية وضغابيس". (الجداية) بالكسر: ولد الظبي, بمنزلة الجدي من الغنم, وقد تفتح. و (الضغابيس): جمع ضغبوس, وهو القثاء الصغير, وقد يشبه به الرجل الضعيف. و"كلدة": أخو صفوان من الأم. ... 3 - باب المصافحة والمعانقة من الصحاح: 1192 - 3620 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى جناب فاطمة فقال: أثم لكع؟ -يعني حسنا- فلم يلبث أن جاء يسعى حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه" "وفي حديث أبي هريرة: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى جناب فاطمة, فقال: أثم لكع؟ يعني: حسنا" (الجناب) بالفتح: مقدم الباب.

و (اللكع): الصغير, وقد يستعمل للعبد واللئيم والأحمق على الاستعارة, لصغر قدرهم, وقلة عقولهم. ... من الحسان: 1193 - 3626 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم زيد بن حارثة رضي الله عنه المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي, فأتاه فقرع الباب, فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه, والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده, فاعتنقه وقبله. "عن عائشة قالت: قدم زيد بن حارثة المدينة, ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي, فأتاه, فقرع الباب, فقام إليه عريانا, يجر ثوبه, والله ما رأيت عريانا قبله ولا بعده, فاعتنقه وقبله" أرادت: عريانا استقبل رجلا واعتنقه, فاختصرت الكلام, لدلالة الحال. ... 1194 - 3629 - عن أسيد بن حضير رجل من الأنصار قال: بينما هو يحدث القوم وكان فيه مزاح, بينما يضحكهم فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود, فقال: أصبرني, فقال: "اصطبر", قال: إن عليك قميصا وليس علي قميص, فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه, فاحتضنه وجعل

يقبل كشحه, قال: إنما أردت هذا يا رسول الله!. "وفي حديث أسيد بن حضير: فقال: أصبرني ... اصطبر" "أصبرني" أي: مكني من القصاص, حتى أطعن خاصرتك كما طعنت خاصرتي, "قال" أي: الرسول, "اصطبر" أي: اقتص, يقال أصبره القاضي فاصطبر, أي: مكنه من القصاص, وحكم له به, فاقتص, واستوفى القصاص. وفيه: "فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه, فاحتضنه, وجعل يقبل كشحه" "احتضنه": اعتنقه, وأخذه في حضنه, وهو ما دون الإبط إلى الكشح, وهو ما بين الخاصرة إلى الضلع. ... 1195 - 3633 - وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما رأيت أحدا كان أشبه سمتا وهديا ودلا-وفي رواية - حديثا وكلاما برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة, كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه, وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلتها وأجلسته في مجلسها. "وفي حديث عائشة رضي الله عنها: ما رأيت أحدا كان أشبه سمتا وهديا ودلا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة عليها السلام"

باب القيام

(السمت) في الأصل: القصد, والمراد به: طريقة أهل الخير وسمتهم. و (الهدى) و (الدل) المراد به: المشي على هيئة ووقار, والله أعلم. ... 4 - باب القيام من الصحاح: 1196 - 3636 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قريبا منه, فجاء على حمار فلما دنا من المسجد قال رسول اله صلى الله عليه وسلم للأنصار: "قوموا إلى سيدكم". "في حديث أبي سعيد: فلما دنا من المسجد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار: قوموا إلى سيدكم" قيل: أمرهم بالقيام إلى سعد بن معاذ, لتعظيمه, وقيل: إنما أمرهم, ليعينوه في النزول من الحمار, إذ كان به مرض وأثر جرح أصاب أكحله يوم الأحزاب.

من الحسان: 1197 - 3642 - عن سعيد بن أبي الحسن قال: جاءنا أبو بكرة في شهادة, فقام له رجل من مجلسه فأبى أن يجلس فيه وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذا, ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسح الرجل يده بثوب من لم يكسه. "في حديث سعيد بن أبي الحسن قال: جاءنا أبو بكرة في شهادة, فقام له رجل من مجلسه, فأبى أن يجلس فيه, وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذا, ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسح الرجل يده بثوب من لم يكسه" "في شهادة" أي: جمع حاضرين ونحن فيهم, وإنما نهى عن القيام, لئلا يتمكن في النفوس حب الجاه والمفاخرة, ولأنه كان من عادة العجم يقومون لعتاتهم وجبابرتهم, فكره ذلك, أما إن قام لأخيه المسلم استكانة لنفسه وتعظيما لدينه, فقد أحسن, ويدل عليه ظاهر الحديث أبي سعيد. والنهي الثاني أراد به: المنع عن التصرف في مال الغير, والتحكم على من لا ولاية له عليه, والله أعلم.

باب الجلوس والنوم والمشي

5 - باب الجلوس والنوم والمشي من الصحاح: 1198 - 3647 - عن عباد بن تميم, عن عمه أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد, مستلقيا واضعا إحدى قدميه على الأخرى. "عن عباد بن تميم عن عمه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد مستلقيا واضعا إحدى قدميه على الأخرى" "عمه": عبد الله بن زيد بن عاصم المازني. والتوفيق بين هذا الحديث وبين ما روى جابر: أنه قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا يستلقين أحدكم, ثم يضع إحدى رجليه على الأخرى": أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم لما فعل ذلك كان متسرولا, والنهي مخصوص بالمتزرين, وإنما أطلق اللفظ, لأن الغالب فيهم الاتزار. ... 1199 - 3650 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل يتبختر في بردين وقد أعجبته نفسه, خسف به الأرض, فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة" "وفي حديث أبي هريرة: فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة"

أي: يتحرك ويغوص فيها, وقد سبق ذكره مرة أخرى. ... من الحسان: 1200 - 3653 - وعن قيلة بنت مخرمة: أنها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وهو قاعد القرفصاء, قالت: فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخشع أرعدت من الفرق. "عن قيلة بنت مخرمة الغنوية: أنها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وهو قاعد القرفصاء, قالت: فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخشع أرعدت من الفرق" بضم الفاء مدا وقصرا: جلسة المحتبي, على أن الاحتباء بالثوب, والقرفصاء باليد, مأخوذ من (القرفصة) , وهو: أن يجمع الإنسان ويضم إحدى يديه بالأخرى تحت الركبة. و"المتخشع": صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا يجوز أن يجعل ثاني مفعولي (رأيت) لأنه هاهنا بمعنى: أبصرت. و"أرعدت من الفرق" جواب (لما) والمعنى: أنه- عليه الصلاة والسلام- مع اشتهاره بالتخشع لما رأيته هبته بحيث أرعدت من الفرق, وهذا غاية في المهابة, ودليل على أن مهابته أمر سماوي ليس بالتصنع.

1201 - 3654 - وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر, تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء. "عن جابر بن سمرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء" قيل: الصواب (حسنا) على المصدر, أي: طلوعا حسنا, معناه: أنه كان يجلس متربعا في مجلسه إلى أن ترتفع الشمس, وفي أكثر النسخ: "حسناء" فعلى هذا يحتمل أن يكون صفة لمصدر محذوف, والمعنى ما سبق, أو حالا والمعنى: حتى تطلع الشمس نقية بيضاء زائلة عنها الصفرة التي تتخيل فيها عند الطلوع بسبب ما يعترض دونها على الأفق من الأبخرة والأدخنة. ... 1202 - 3659 - عن علي بن شيبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بات على ظهر بيت ليس عليه حجاب فقد برئت منه الذمة" "عن علي بن شيبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بات على ظهر بيت ليس عليه حجارة فقد برئت منه الذمة" معناه: من بات على سطح لا سترة له فقد تصدى للهلاك, وأزال العصمة عن نفسه, وصار كالمهدر الذي لا ذمة له, فلعله ينقلب في نومه, فيسقط مهدرا, وأيضا فلأن لكل من الناس عهد

من الله تعالى الحفظ والكلاءة, فإذا ألقى بيده إلى التهلكة انقطع عنه. و"علي" هذا: حنفي يمامي. ... 1203 - 3662 - عن حذيفة رضي الله عنه قال: ملعون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم من قعد وسط الحلقة. "وعن حذيفة قال: ملعون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم من قعد وسط الحلقة" أراد بالملعون: المذموم, أو بالقاعد: من قعد وسطها للسخرية, وجعل نفسه ضحكة لأهلها. ... 1203/ م - 3663 - وعن جابر بن سمرة قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه جلوس فقال: "مالي أراكم عزين" "وفي حديث جابر: مالي أراكم عزين" أي: جماعات متفرقة, وقد سبق ذكره. ... 1204 - 3665 - وعن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحدكم في الفيء فقلص عنه, فصار بعضه في الشمس فليقم, فإنه مجلس

الشيطان, ويروى مرفوعا. "وفي حديث أبي هريرة: إذا كان أحدكم في الفيء فقلص عنه" أي: ارتفع بحيث يخلو عنه بعضه, ويكون في الشمس, من قولهم: قلص الثوب, إذا ارتفعت أذياله. ... 1205 - 3666 - وعن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى تكفأ تكفؤا كأنما ينحط من صبب" ويروى: كان إذا مشى تقلع. "وعن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم [إذا مشى] تكفأ تكفؤا, كأنما ينحط من صبب" (التكفؤ) بالهمز: الميل تارة إلى اليمين, وتارة إلى الشمال في المشي, من قولهم: تكفأت الميزان, إذا رجحت إحدى كفتيه, ومال إليها, وقيل: معنى قوله: (تكفأ) اعتمد إلى القدام, من قولهم: كفأت الإناء, إذا قلبته, ويؤيده قوله: "كأنما ينحط من صبب" أي: منحدر من الأرض, سمي بذلك لأن الشيء ينصب عنه, وجمعه: أصباب. وقوله في الرواية الأخرى: إذا مشى تقلع, أي: رفع رجليه رفعا بائنا متداركا إحداهما بالأخرى, كما هو عادة أهل الجلادة, وقيل: معناه يسوي في المشي, يقال: كفأه فتكفأ, أي: سواه فتسوى

1206 - 3667 - وعن أبي هريرة قال: ما رأيت أحدا أسرع في مشيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم, كأنما الأرض تطوى له, إنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث. "وفي حديث أبي هريرة: إنا لنجهد أنفسنا, وإنه لغير مكترث" يجوز فيه فتح النون وضمها, يقال: جهدت الدابة وأجهدتها, إذا حملت عليها في السير فوق طاقتها. و"إنه لغير مكترث" أي: مسرع في المشي, مبال به, متعب نفسه فيه, يقال: اكترث بالأمر, إذا بالى به. ... 1207 - 3668 - عن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج المسجد, فاختلط الرجال مع النساء في الطريق, فقال للنساء: " استأخرن, فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق, عليكن بحافات الطريق" فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليعلق بالجدار" "وفي حديث أبي أسيد الأنصاري: فقال للنساء: استأخرن, فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق" أي: يسلكن حقه, وحق الشيء وحاقه: وسطه. و (الحافات) بالتخفيف: الجوانب, وجمع: حافة.

باب العطاس والتثاؤب

6 - باب العطاس والتثاؤب من الصحاح: 1208 - 3671 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب, فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله, فأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان, فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع, فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان" وفي رواية: "فإن أحدكم إذا قال: ها, ضحك الشيطان" "عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يحب العطاس, ويكره التثاؤب" "التثاؤب" بالهمز: التنفس الذي ينفتح منه الفم, وهو إنما ينشأ من الامتلاء وثقل النفس وكدورة الحواس, وذلك يورث الغفلة والكسل وسوء الفهم, ولذلك كرهه الله تعالى, وأحبه الشيطان, وضحك منه. و"العطاس" لما كان سببا لخفة الدماغ, واستفراغ الفضلات عنه, وصفاء الروح النفساني, وتقوية الحواس, كان أمره بالعكس.

باب الضحك

1209 - 3674 - وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه, وإن لم يحمد الله فلا تشمتوه" "وعن أبي موسى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا عطس أحدكم, فحمد الله فشمتوه" (تشميت العاطس): أن يقال: يرحمك الله, وكأن أصله إزالة الشماتة, فاستعمل للدعاء بالخير, لتضمنه ذلك, وقد يقال بالسين الغير المعجمة, لأنه تسمية الله على الشيء, وذلك إنما يستحقه إذا عرف نعمة الله عليه, وعلم أنه الذي يدفع عنه الأذى ويعافيه, فحمده. ... 7 - باب الضحك من الصحاح: 1210 - 3683 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته, إنما كان يتبسم" "عن عائشة قالت: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته, إنما كان يتبسم" "مستجمعا ضاحكا" أي: مستجمعا في الضحك, بمعنى:

باب الأسامي

يضحك تاما, مقبلا بكله على الضحك. و (اللهوات): جمعك لهاة. والله أعلم. ... 8 - باب الأسامي من الصحاح: 1211 - 3688 - عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سموا باسمي, ولا تكتنوا بكنيتي, فإني إنما جعلت قاسما أقسم بينكم" "عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سموا باسمي, ولا تكتنوا بكنيتي, فإني إنما جعلت قاسما بينكم" الكنى تطلق تارة على قصد التعظيم والتوصيف كأبي المعالي وأبي الفضائل, وللنسبة إلى الأولاد كأبي سلمة وأبي شريح, وإلى ما يلابسه كأبي هريرة, فإنه -عليه الصلاة والسلام- رآه ومعه هرة, فكناه بذلك, وللعلمية الصرفة كأبي عمرو وأبي بكر, ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنى أبا القاسم, لأنه يقسم بين الناس من قبل اله تعالى ما يوحي إليه وينزل عليه, وينزلهم منازلهم التي يستحقوها في الشرف والفضل وقسم الغنائم, ولم يكن أحد منهم يشاركه في هذا المعنى = منع أن يكنى به غيره بهذا المعنى, أما لو كنى به أحد للنسبة إلى ابن له اسمه قاسم, أو

للعلمية المجردة = جاز, ويدلك عليه التعليل المذكور للنهي. وقيل: النهي مخصوص بحال حياته, لئلا يلبس خطابه بخطاب غيره, ويدل عليه نهيه عنه في حديث أنس عقيب ما سمع رجلا يقول: يا أبا القاسم! فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: إنما دعوت هذا. وما روي في (الحسان) عن علي رضي الله عنه: أنه قال: يا رسول الله! إن ولد لي بعدك ولد أأسميه محمدا وأكنيه بكنيتك؟ قال: "نعم" وقيل: مخصوص بما إذا سمي باسمه, ونظيره قولهم: اشرب اللبن ولا تأكل السمك, أي: حين شربته, فيكون النهي عن الجمع بينهما, ويدل عليه ما روي في (الحسان) عن أبي هريرة: أن النبي صلوات الله وسلامه عليه نهى أن يجمع بين اسمه وكنيته, ويسمى محمدا أبا القاسم" ... من الحسان: 1212 - 3706 - وعن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سميتم باسمي فلا تكتنوا بكنيتي", غريب. وفي رواية: "من تسمى باسمي فلا يكتن بكنيتي, ومن اكتنى بكنيتي فلا يتسم باسمي"

"وعن جابر: من تسمى باسمي فلا يكتن بكنيتي, ومن اكتنى بكنيتي فلا يسم باسمي" ولعل ذاك أيضا كان مخصوصا بأيام حياته, لحديث علي رضي الله عنه, إلا أن يجعل ذلك مخصوصا به. ... 1213 - 3716 - عن عائشة: قالت امرأة: يارسول الله! إني ولدت غلاما فسميته: محمدا وكنيته: أبا القاسم, فذكر لي أنك تكره ذلك, قال: "ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي؟ ", أو: "ما الذي حرم كنيتي وأحل اسمي؟ " غريب "وحديث عائشة في (الحسان) , وهو: أن امرأة قالت: يا رسول الله! إني ولدت غلاما, فسميته محمدا, وكنيته أبا القاسم, فذكر لي أنه يكره ذلك, قال: ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي؟! يدل على جواز الجمع أيضا في حال حياته, وهو [و] إن لم يعارض هذه الأحاديث, لكنه لا يبعد تأييد التأويل الأول به, ويحتمل أن يقال: إنما لم ينه عنه في هذه الحديث, لأنه علم أنه لا يبلغ في زمانه السن الذي يدخل به غمار من يصحبه, وينادى بحضرته, والله أعلم. ... 1214 - 3692 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخني الأسماء يوم

القيامة عند الله رجل تسمى: ملك الأملاك" "وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخنى الأسماء يوم القيامة عند الله رجل تسمى: ملك الأملاك" "أخنى": أسوأ وأقبح, من (الخنا) , وهو القبح, وروي: "أخنع الأسماء" أي: أذلها وأوضعها, من: خنع يخنع -بالفتح فيهما- خنوعا, إذا خضع. ... 1215 - 3693 - وقال: "أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه رجل كان يسمى: ملك الأملاك, لا ملك إلا الله" وفي حديثه الذي بعده: "أغيظ رجل عند الله يوم القيامة" أي: أكثر من يغضب عليه يوم القيامة غضبا, اسم تفضيل بني للمفعول كـ (ألوم) , أضافه إلى المفرد على إرادة الجنس. ... 1216 - 3699 - وقال: "لا تقولوا: الكرم, فإن الكرم قلب المؤمن" ويروى: "لا تقولوا: الكرم, ولكن قولوا: العنب, والحبلة" وعنه: أنه - عليه الصلاة والسلام- قال: لا تقولوا: الكرم, فإن

الكرم قلب المؤمن" قيل: إنما هي تسمية للعنب بالكرم, لأنهم سموه به ذهابا إلى أنه يتخذ منه الخمر, وشربها يولد الكرم. وعلى هذا كان قوله: "فإن الكرم قلب المؤمن" إشارة وبيانا لما هو المقتضي للنهي والمانع عن إطلاق هذا اللفظ عليه, وتقريره: أنه لو اشتق (الكرم) من (الكرم) لشيء باعتبار كونه سببا ومبدأ له, لكان المستحق لهذا الاسم هو قلب المؤمن, الحامل عليه قضية للعقل القويم والدين المستقيم, لا الخمر المؤدي إلى اختلال العقل, وفساد الرأي, وإتلاف المال, وصرفه لا على وجه الصواب. وفي رواية: "ولا تقولوا: الكرم, ولكن قولوا: العنب, والحبلة" "العنب": يطلق على الثمر والشجر, وهاهنا الشجر. و"الحبلة": هي للأصل من العنب, يخفف ويثقل. ... 1217 - 3703 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم: خبثت نفسي, ولكن ليقل: لقست نفسي" وعن عائشة قالت: [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم]: "لا يقولن أحدكم: خبثت نفسي, ولكن ليقل: لقست نفسي" "خبثت نفسي" و"لقست" بالكسر: إذا غثت, ولما كان الخبث

يطلق على الغثيان, وعلى خباثة النفس, وسوء الخلق = كره إطلاقه, ولذلك أطلق على من لم يقم لصلاة الليل كسلا وتهاونا حيث, قال: "أصبح خبيث النفس كسلان" ذما وزجرا له, ووعيدا على ما فعله. ... من الحسان: 1218 - 3712 - وعن أبي مسعود الأنصاري قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في: زعموا: "بئس مطية الرجل! " "عن أبي مسعود الأنصاري قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (زعموا) بئس مطية الرجل" أراد المنع عن التحدث بكل ما يسمعه الرجل من غير استيقان وتحقق واستكشاف, أو عن النميمة, ويحتمل أنه أراد به المنع عن تصدير الكلام به, فإنه من عادة الكذابين, كما قيل: زعموا مطية الكذب, وأكثر ما يرد في القرآن فهو في معرض الذم, وإنما صح الإسناد إليه, والفعل لا يسند إليه, لأن المراد منه هو المعنى دون اللفظ.

باب البيان والشعر

9 - باب البيان والشعر من الصحاح: 1219 - 3719 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان لسحرا" 1220 - 3720 - وقال: "إن من الشعر حكمة" "عن ابن عمر قال: قدم رجلان من المشرق, فخطبا, فعجب الناس لبيانهما, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من البيان لسحر" وقال: "إن من الشعر لحكمة" "البيان": جمع الفصاحة في اللفظ, والبلاغة باعتبار المعنى, و (السحر) في الأصل: الصرف, قال تعالى: {فأنى تسحرون} [المؤمنون:89] , أي: تصرفون, وسمي السحر سحرا, لأنه مصروف عن جهته, والمراد به هاهنا: أن من البيان ما يصرف قلوب السامعين إلى قبول الباطل, ويروجه عليهم, ويحيل لهم ما ليس بحق حقا, ويشغلهم بتمويه اللفظ عن تدبر المعنى, فيكون صفة ذم, ويؤيده ما ورد صريحا في مذمته, ويكون المقصود من الكلام منع الحاضرين عن استعجابه والاغترار به, وحثهم على أن يكون مجامع نظرهم في الاستحسان

والاستقباح إلى جانب المعنى, فإن جنس البيان –وإن كان محمودا في الجملة- فإن فيه ما هو مذموم, لكونه معربا عن باطل, وجنس الشعر-وإن كان مذموما في الجملة- لكنه قد يكون منه ما هو محمود, لاشتماله على حكمة, أو أن منه ما يستغرب, ويقضى له بالعجب, ويقصر عنه العامة, كالسحر الذي لا يقدر عليه كل أحد, فيكون صفة مدح, ولذلك قال فيه عمر بن عبد العزيز: هذا هو السحر الحلال, وجمعه الرسول صلوات الله عليه بما هو مدح. ... 1221 – 3723 - وعن عمرو بن الشريد, عن أبيه, قال: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: "هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ " قلت: نعم, قال: "هيه", فأنشدته بيتا, فقال: "هيه" ثم أنشدته بيتا, فقال: "هيه" حتى أنشدته مئة بيت. "وفي حديث شريد بن سويد الثقفي: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت؟ قلت: نعم, قال: هيه, فأنشدت بيتا. "أمية بن [أبي] الصلت" ثقفي, من شعراء الجاهلية, أدرك مبادىء الإسلام, وبلغه خبر المبعث, لكنه لم يوفق للإيمان بالرسول صلوات الله عليه, وكان رجلا مترهبا, غواصا في المعاني, معتنيا بالحقائق, مضمنا لها في أشعاره, ولذلك استنشده شعره, وقال فيه:

"أسلم شعره, وكفر قلبه" و"هيه":اسم فعل, ومعناه: طلب الحديث واستزادته, وقد يطلق في استزادة الفعل أيضا, و (إيه) بمعناه. ... 1222 – 3724 - وعن جندب: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بعض المشاهد وقد دميت إصبعه فقال: "هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت" "عن جندب بن سفيان البجلي: أنه – عليه الصلاة والسلام – كان في بعض المشاهد, وقد دميت أصبعه, فقال: هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت" اعترض عليه وعلى أمثاله بأنها تدل على أنه- عليه لصلاة والسلام – أمشأ الشعر, وقد نفى الحق سبحانه عنه أن يكون شاعرا في مواضع كثيرة من كتابه العزيز, وأجيب عنه بوجوه: الأول: أن المروي عنه من باب الرجز, وهو ليس بشعر. والثاني: أن قوله تعالى: {وما علمناه الشعر} [يس:69] , {وما هو بقول شاعر} [الحاقة:41] , ونظائرهما = مسوقة لتكذيب الكفار فيما بهتوه, ولا يقال لمن تفوه ببيت واحد علة ندور: إنه شاعر. والثالث: أنه لم يقصد بذلك الشعر, ولا عمد إلى مراعاة الوزن,

لكنه اتفق أن جرى ذلك على لسانه موزونا, وأمثال ذلك كثيرة في القرآن وفي منثورات الفصحاء, لكن لما لم يكن للقائل بها قصد إلى وزن, ولا التفات إليه, لم يعد شعرا, ولا القائل به شاعرا, ثم إن منها ما أنشده, والإنشاد لغيره, كما رواه البراء عنه يوم الخندق, وأوله: والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فإنه من كلمات ابن رواحة. ... 1223 - 3727 – وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اهجوا قريشا, فإنه أشد عليهم من رشق النبل" وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: "إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله" وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هجاهم حسان فشقى واشفى" "وعن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: "إن روح القدس لا يزال يؤيده ما نافحت عن الله ورسوله" "روح القدس": جبريل, سمي بالروح لأنه يأتي بما فيه حياة القلوب, فهو كالمبدأ لحياة القلب, كما أن الروح مبدأ حياة الجسد, وأضيف إلى القدس لأنه مجبول على الطهارة والنزاهة عن العيوب.

في (تأييده له): إمداده بالجواب, وإلهامه لما هو الحق والصواب. و (المنافحة): المدافعة, والاجتهاد في الذب عن الشيء. وفي حديثها الآخر: "هجاهم حسان فشفى واستشفى" أي: فشفى المسلمين من الغيظ, واستشفى نفسه, وقيل: معناهما واحد كـ (حجم) و (احتجم) , والجمع بينهما للتأكيد. ... 1224 – 3730 – وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يمتلئ جوف رجل قيحا يريه خير من أن يمتلئ شعرا" "وعن أبي هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يمتلئ جوف رجل قيحا يريه خير من أن يمتلئ شعرا" "يريه" أي: يفسده, والضمير للجوف, يقال: ورى يرى وريا, إذا فسد. والمراد بـ (الشعر): ما تضمن نسبيا أو هجاء أو مفاخرة, كما هو الغالب في أشعار الجاهلين. ... من الحسان: 1225 – 3731 – عن كعب بن مالك رضي الله عنه: أنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن

الله تعالى قد أنزل في الشعر ما أنزل, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه, والذي نفسي بيده, لكأنما ترمونهم به نضح النبل" "في حديث كعب بن مالك: والذي نفسي بيده لكأنما ترمونهم به نضح النبل" الضمير في"به" للشعر. و"نضح النبل": رميه, مستعار من نضح الماء, والمعنى: أن هجاءهم أثر فيهم تأثير النبل, وقام مقام الرمي في النكاية بهم. ... 1226 – 3732 - عن أبي أمامة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الحياء والعي شعبتان من الإيمان, والبذاء والبيان شعبتان من النفاق" "وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم: الحياء والعي شعبتان من الإيمان, والبذاء والبيان شعبتان من النفاق" لما كان الإيمان باعثا على الحياء والتحفظ في الكلام والاحتياط فيه عدا من الإيمان, وما يخالفهما من النفاق. وعلى هذا يكون المراد بـ (العي): ما يكون بسبب التأمل في المقال, والتحرز عن الوبال, لا لخلل في اللسان, و (البيان): ما يكون سببه الاجتراء وعدم المبالاة بالطغيان, والتحرز عن الزور والبهتان.

و"البذاء": فحش الكلام. ... 1227 – 3733 – عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحبكم إلي وأقربكم مني يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا, وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مساوئكم أخلاقا, الثرثارون المتشدقون المتفيهقون" "وعن أبي ثعلبة الخشني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أحبكم إلي وأقربكم مني يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا, وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مساوئكم أخلاقا, الثرثارون المتشدقون المتفيهقون" (أفعل) التفضيل إذا أضيف على معنى أن المراد به زائد على المضاف إليهم في الخصلة التي هو وهم مشاركون فيها = جاز فيه الإفراد والتذكير في الحالات كلها, وتطبيقها لما هو وصف له, لفظا أو معنى, وقد جمع الوجهان في الحديث, فأفرد (أحب) و (أبغض) , وجمع (أحاسن) و (أساوئ) في رواية من روى (أساوئكم) بدل "مساوئكم", وهو جمع: مسوأ, كـ (محاسن) في جمع (محسن) , وهو إما مصدر ميمي نعت به, ثم جمع, أو اسم مكان بمعنى: الأمر الذي فيه السوء, فأطلق على المنعوت به مجازا. و"أخلاقا" نصب على التمييز

و (الثرثار): كثير الكلام, والمراد به: من كثر كلامه زورا ورياء وخروجا عن الحق. و (المتشدق): المتكلف في الكلام, فيلوي به شدقه, وقيل: المستهزئ بالناس الذي يلوي بهم وعليهم شدقه. و (المتفيهق): الذي يتوسع في الكلام, يملأ فاه من التكبر والرعونة, من (الفهق) , وهو الامتلاء, يقال: فهق الحوض فهقا, وأفهقته, إذا ملأته. ... 1228 – 3734 – عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر بألسنتها" "عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون بألسنتهم, كما تأكل البقر بألسنتها" "يأكلون بألسنتهم" أي: يتوسلون بألسنتهم إلى تحصيل ما يأكلون, كما تتوسل البقرة بها في الاحتشاش, و [سمى] التوسل إلى تحصيل المأكولات والمشروبات أكلا. ويحتمل أنه جعل أكلهم ما حصلوه بكلامهم الذي هو من نتائج ألسنتهم وحصائدهم أكلا باللسان, ثم مثله بأكل البقرة باللسان, وهذا باب من أبواب البلاغة, ونظيره قول أبي تمام:

ويصعد حتى يظن الجهول ... بأن له حاجة في السماء ... 1229 – 3735 – عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يبغض البليغ من الرجال, الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل الباقرة بلسانها"غريب وفي معناه قوله في حديث ابن عمر: "الذي يتجلجل بلسانه كما تتجلجل الباقرة بلسانها" إن صح أنه بالجيم, فيكون تشبيها له في تكلمه بالهجر وفحش الكلام بالجلالة في تناول النجاسة, والمشهور: (يتخلخل) بالخاء المعجمة, فيكون تشبيها لإدارة لسانه حول الأسنان والفم حال التكلم تفاصحا بما تفعل البقرة بلسانها, و"الباقرة": جماعة البقر, واستعماله بالتاء قليل. ... 1230 – 3737 – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعلم صرف الكلام ليسبي به قلوب الرجال –أو: الناس- لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا" "وفي حديث أبي هريرة: من تعلم صرف الكلام" أي: الزيادة من القول, والتصرف فيه كيف شاء.

1231 – 3738 – عن عمرو بن العاص: أنه قال يوما –وقام رجل فأكثر القول- قال عمرو: لو قصد في قوله لكان خيرا له, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لقد رأيت –أو: أمرت- أن أتجوز في القول, فإن الجواز هو خير" "وفي حديث عمرو: وأمرت أن أتجوز في الكلام" (التجوز" في القول, والجواز فيه: الاختصار, لأنه إسراع وانتقال من التكلم إلى السكوت. ... 1232 – 3739 – عن صخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه, عن جده رضي الله عنه, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن من البيان سحرا, وإن من العلم جهلا, وإن من الشعر حكما, وإن من القول عيالا" "وفي حديث بريدة: وإن من العلم جهلا" إن بعض العلوم ما يستغنى عنه الرجل, فيشتغل به, فيشغله عن تعلم ما يفتقر إليه, فيصير علمه بما لا يعنيه جهلا بما يعنيه.

باب حفظ اللسان والغيبة والشتم

10 - باب حفظ اللسان والغيبة والشتم من الصحاح: 1233 - 3750 - وقال: "إذا قال الرجل: هلك الناس, فهو أهلكهم" "عن أبي هريرة: أنه-عليه الصلاة والسلام- قال: إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم" "أهلكهم"بضم الكاف, ولعله الصواب, والمعنى: أنه أحقهم بالهلاك, وأقربهم إليه, وهذا إذا قاله تعجبا بنفسه, واستخفافا بغيره, أو ذهابا إلى خلود المذنبين في النار, ويأسا بهم من رحمة الله تعالى وغفرانه وعفوه. وروي بالفتح: والمعنى: أنهم ليسوا هالكين إلا من قبله, ومن جهة نسبته الهلاك إليهم, فظاهر أن ذلك لا يؤثر فيهم, ولا يقتضي هلاكهم. ... 1234 - 3755 - وقال: "إذا رأيتم المداحين فاحشوا في وجوههم التراب" "عن المقداد: أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: إذا رأيتم

المداحين فاحثوا في وجوههم التراب" الظاهر أن المراد به: زجر المادح, والحث على منعه منه, وذلك إذا أطرى, أو اتخذ مكسبا, وجعله وصلة إلى ما يتوقع من الممدوح, وقيل: المراد بهك أن يخيب المادح, ولا يعطى شيئا على مدحه, وقيل: معناه: أعطوهم عطاء قليلا, فشبهه لقلته بالتراب. و (أعطاه بالحثي) على سبيل الترشيح, أو للمبالغة في تقليل العطاء والاستهانة بهم. ... 1235 - 3758 - عن عائشة رضي الله عنها: أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ائذنوا له, فبئس أخو العشيرة هو", فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه, وانبسط إليه, فلما انطلق الرجل قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله! قلت له: كذا وكذا, ثم تطلقت في وجهه, وانبسطت إليه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "متى عهدتي فحاشا؟ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره" ويروى: "اتقاء فحشه" "وفي حديث عائشة: أن رجلا استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ائذنوا له, فبئس أخو العشيرة, فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه, وانبسط إليه"

علق (على) بـ (استأذن) لتضمنه معنى الدخول, أي: استأذن في الدخول عليه. وقوله: "فبئس أخو العشيرة" تعريف له بسوء الفعل, وخبث النفس, وذلك يدل على جواز ذكر مساوىء الخبيث, ليتحرز منه, ويتوقى شره. وقولها: "تطلق" أي: أظهر له الطلاقة والانشراح, من دأب الكريم أن يكون بشاشا, طلق الوجه, منبسطا إلى كل من يقبل عليه, ويتوجه إليه, وإن كان خبيثا مخبثا, أو عدوا مكاشحا, ويدل على ذلك تمام الحديث. ... 1236 - 3759 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين, فإن من المجاهرة: أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان! عملت البارحة كذا وكذا, وقد بات يستره ربه, ويصبح يكشف ستر الله عنه" "وعن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرون وإن من المجانة أن يعمل الرجل بالليل عملا, ثم يصبح وقد ستره الله, فيقول: يا فلان! عملت البارحة كذا وكذا" "معافى": اسم مفعول من (عافاه الله) إذا أعفاه.

و (المجاهرون) يريد بهم: الذين يجاهرون بالمعاصي, ويكشفون ما ستره الله عليهم, كما شرحه في باقي الحديث. و"المجانة": أن لا يبالي الإنسان بما يفعل, يقال: مجن بالفتح, يمجن بالضم, مجونا ومجانة, فهو ماجن, والجمع: مجان. ... من الحسان: 1237 - 3768 - عن أبي سعيد رفعه, قال: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول: اتق الله فينا, فإنما نحن بك, فإن استقمت استقمنا, وإن اعوججت اعوججنا" "وفي حديث أبي سعيد: إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها يكفر اللسان" أي: يتواضع لها, من قولهم: كفر اليهودي, إذا خضع مطأطئا رأسه, وانحنى لتعظيم صاحبه, مأخوذ من (الكافرة) , وهي الكاذبة التي هي أصل الفخذ, فإنه ينثني عليها. ... 1238 - 3781 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا, تعني: قصيرة, فقال: "لقد

باب الوعد

قلت كلمة لو مزج بها البحر لمزجته" صح. "وقالت عائشة: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية أنها كذا, تعني: قصيرة, فقال: لقد قلت لو مزج بها ماء البحر لمزجته" عبارة هذا الحديث في النسخ مختلفة, والأصوب ما ذكرناه. و"كذا" إشارة إلى شبرها, و (المزج): الخلط والتغيير بضم غيره إليه, والمعنى: أن هذه الغيبة لو كانت مما يمزج بالبحر لغيرته عن حاله مع كثرته وغزارته, فكيف بأعمال نزر [ة] خلطت بها. ... 11 - باب الوعد من الحسان: 1239 - 3789 - عن عبد الله بن أبي الحسماء أنه قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث, وبقيت له بقية, فوعدته أن آتية بها في مكانه فنسيت, فذكرت بعد ثلاث, فإذا هو في مكانه, فقال: "لقد شققت علي, أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك"

باب المزاح

"في حديث عبد الله بن أبي الحمساء: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث" أي: عاملته بيعا. وفيه: "لقد شققت علي" أي: حملت المشقة علي, وأوصلتها إلي. ... 12 - باب المزاح من الصحاح: 1240 - 3792 - عن أنس رضي الله عنه قال: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: "يا أبا عمير! ما فعل النغير؟ " كان له نغير يلعب به فمات. "وفي حديث أنس: "ما فعل النغير؟ " هو تصغير (نغر) كـ (صرد) , وهو طائر يشبه العصفور, وله منقار أحمر, والجمع: نغران, كـ (صردان).

من الحسان: 1241 - 3797 - وعن أنس رضي الله عنه: أن رجلا من البادية اسمه: زاهر بن حرام كان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم من البادية فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن زاهرا باديتنا, ونحن حاضروه", وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه, وكان دميما, فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو يبيع متاعه, فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره, فقال: أرسلني, من هذا؟ فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم, فجعل لا يألو ما ألزق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه, وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من يشتري العبد؟ " فقال: يا رسول الله! إذا والله تجدني كاسدا, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لكن عند الله لست كاسدا" "وفي حديث أنس: وكان دميما" "دميما" أي: كريه اللقاء. وفيه: "فاحتضنه من خلفه" أي: أخذه من حضنه, وهو دون الإبط إلى الكشح. ... 1242 - 3799 - عن النعمان بن بشير أنه قال: استأذن أبو بكر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم, فسمع صوت عائشة رضي الله عنها عاليا, فلما دخل تناولها ليلطمها, وقال: لا أراك ترفعين صوتك على

باب المفاخرة والعصبية

رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحجزه, وخرج أبو بكر مغضبا, فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج أبو بكر: "كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟ " قالت: فمكث أبو بكر أياما, ثم استأذن فوجدهما قد اضطجعا, فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد فعلنا, قد فعلنا" "وفي حديث النعمان بن بشير: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يحجزه" أي: يمنعه. ... 13 - باب المفاخرة والعصبية من الصحاح: 1243 - 3803 - عن البراء بن عازب: أنه قال في يوم حنين: كان أبو سفيان بن الحارث آخذا بعنان بغلته -يعني: بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم - فلما غشيه المشركون نزل فجعل يقول: "أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب" قال: فما رئي من الناس يومئذ أشد منه.

"في حديث البراء بن عازب: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب" قيل: انتسب إلى عبد المطلب للتعريف دون المفاخرة, وإنما ذكره ولم يذكر عبد الله, لأنه لم يره, وكان عبد المطلب هو الذي رباه, وقيل: كان عبد المطلب رأى في المنام شجرة عظيمة خرجت من صلبه, وتفرقت أغصانها في الشرق والغرب, وارتفعت فروعها إلى السماء, فقصها على الكهنة, فعبروها بأنه نبي آخر الزمان, يخرج من صلبك, فأشار بهذا إلى أني هو الولد الذي رآه في المنام, وعبر به رؤياه. وهذا وأمثاله مقول على وجه الشكر والتحدث بالنعم وتبكيت الخصم الألد دون المفاخرة, ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" ... من الحسان: 1244 - 3807 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا, إنما هم فحم من جهنم, أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخرء بأنفه, إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء, إنما هو مؤمن تقي, أو فاجر شقي, الناس كلهم بنوآدم, وآدم من تراب"

"عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم: لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا, إنما هم فحم من جهنم, أو ليكونن أهون عند الله من الجعل الذي يدهده الخراء بأنفه, إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية" "أو" هاهنا للتخيير والتسوية, والمعنى: أن الأمرين سواء في أن يكون حال آبائهم الذين يفتخرون بهم, وأنت مخير في توصيفهم بأيهما شئت. و (الدهدهة): الدحرجة. و (الخراء):العذرة. و"عبية الجاهلية": الكبر والتفاخر بالآباء, وقيل: المراد بها ما كان لهم من عادات المكروهة, يقال: فلان فيه عبية بضم العين وكسرها, إذا كان فيه نخوة وتجبر, والضم أشهر, وهي إما أن تكون (فعلية) من (عباب الماء) , وهو زخيره وارتفاعه, أو (فعولة) منه -كـ (العمية) من (العمم) , وهو الطول -إلا أن اللام فيها قلبت ياء- كما قلبت في: تقضي البازي, أو من (عباه) , إذا هيأه, لأن المتكبر ذو تصنع وتعبية, بخلاف من يكون مسترسلا على سجيته, ونظيرها صيغة ومعنى (الأبية) , وهي إما من (الإياب) بمعنى: العباب, أو (الإباء) بمعنى: الامتناع.

وقوله: "إنما هو مؤمن تقي" ... إلى آخره إشارة إلى علة المنع من التفاخر, ومعناه: أن الناس سواء باعتبار النسب والأصل, فإن أباهم آدم, ومادتهم الأصلية التي خلقوا منها هي التراب, وإنما التفاوت فيما بينهم باعتبار ما هم عليه من الإيمان والكفر والصلاح والفسق. ... 1245 - 3816 - وعن مطرف قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا, فقال: "السيد الله", فقلنا: وأفضلنا فضلا, وأعظمنا طولا, فقال: "قولوا قولكم, أو بعض قولكم, ولا يستجرينكم الشيطان" "وفي حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير العامري, عن أبيه: "قولوا قولكم, ولا يستجرينكم الشيطان" أي: دعوا المدح, وذروا التكلف, وقولوا القول الذي جئتم لأجله, أو قولكم المعتاد المسترسل فيه على السجية دون المتعمد للإطراء, والتزيد في البناء. و"لا يستجرينكم الشيطان" أي: لا يتخذنكم كالأجرياء في طاعتكم له, واتباعكم خطواته, يقال: استجريت جريا وتجريته, أي: اتخذت وكيلا, مأخوذ من (الجري) , لأنه يجري مجرى موكله.

1246 - 3809 - وعن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: سمعت سول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا" "وعن أبي بن كعب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه, ولا تكنوا" "تعزى": من العزو, و (العزاء): النسب, و"أعضوه" أي: قولوا له: عضضت هن أبيك, أي: ذكره, "ولا تكنوا" أي: صرحوا له, ولا تكنوا بذكر الهن ونحوه, تنكيلا له واستهانة به. ... 1247 - 3811 - عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي تردى, فهو ينزع بذنبه" "وعن ابن مسعود: أنه عليه الصلاة والسلام [قال]: من نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي ردى فهو ينزع بذنبه" "ردى" في البئر, وتردى إذا سقط فيها, والمعنى: أنه أوقع نفسه في الهلكة بتلك النصرة الباطلة.

باب البر والصلة

14 - باب البر والصلة من الصحاح: 1248 - 3820 - وعن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش, فقلت: يا رسول الله! إن أمي قدمت علي وهي راغبة, أفأصلها؟ قال: "نعم, صليها" "وفي حديث أسماءك إن أمي قدمت علي, وهي راغبة" أي: طالبة لبري, وطامعة فيه, وأصل الرغبة: الحرص على الشيء, من (الرغب) , وهو سعة الجوف, وفي الحديث: "الرغب شؤم" يريد به: الشره والحرص, ويقال: رجل رغيب البطن, إذا كان أكولا. ... 1249 - 3820 /م - وعن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء, إنما وليي الله وصالح المؤمنين, ولكن لهم رحم أبلها ببلالها" "وفي حديث عمرو بن العاص: ولكن لهم رحم أبلها ببلا [لـ] ها" أي: أنديها بما يجب أن تندى بها, وأصلها بما ينبغي أن توصل

به, ويقال: الوصل بلل يقتضي الالتصاق والاتصال, والهجر يبس يفضي إلى التفتت والانفصال. ... 1250 - 3825 - وقال: "خلق الله الخلق, فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقوي الرحمن, فقال: مه؟ قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة, قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى, يا رب! قال: فذاك لك" "وفي حديث أبي هريرة: قامت الرحم فأخذت بحقوي الرحمن, فقال: مه, قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة" لما كان من عادة المستجير أن يأخذ بذيل المستجار به أو بطرف إزاره, وربما يأخذ بحقو إزاره, وهو معقده, تفظيعا للأمر, ومبالغة وتوكيدا في الاستجارة, فكأنه يشير به إلى أن المطلوب أن يحرسه ويذب عنه ما يؤذيه, كما يحرس ما تحت إزاره, ويذب عنه, وأنه لاصق به, لا ينفك عنه, فاستعير ذلك للرحم, واستعاذتها بالله من القطيعة, وهي أيضا مجاز أدنى للمعنى المعقول إلى المثال المحسوس المعتاد بينهم, ليكون أقرب إلى فهمهم, وأمكن في نفوسهم. ... 1251 - 3826 - وقال: "الرحم شجنة من الرحمن, قال الله

تعالى: من وصلك وصلته, ومن قطعك قطعته" "وعنه: أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: الرحم شجنة من الرحمن" أي: مشتقة منه, أو مشتبكة به اشتباك العروق, يقال بيني وبينه: شجنة رحم, أي: قرابة مشتبكة, و (الشجنة): عروق الشجر المشتبكة. ... 1252 - 3830 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا قال: يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني, وأحسن إليهم ويسيؤون إلي, وأحلم عنهم ويجهلون علي, فقال: "لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل, ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك" "وفي حديثه الآخر: فكأنما تسفهم المل" أي: تلقي في أفواههم من السفوف. و"المل": الجمر, وقيل: الرماد الحار, وقال الأزهري: أصل الملة: التربة المحماة, يدفن فيها الخبز, والمعنى: أنهم إن ما يشكروك برك وصلتك, فعطاؤك إياهم حرام عليهم, ونار بطونهم.

من الحسان: 1253 - 3834 - عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الوالد أوسط أبواب الجنة, فإن شئت فحافظ على الباب أو ضيع" "في حديث أبي الدرداء: الوالد أوسط أبواب الجنة" أي: خير الأبواب وأعلاها, والمعنى: أن أحسن ما يتوسل به إلى دخول الجنة, ويتوصل به إلى الوصول إليها = مطاوعة الوالد ومراعاة جانبه. ... 1254 - 3840 - وقال: "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم, فإن صلة الرحم محبة في الأهل, مثراة في المال, منسأة في الأثر" غريب "وفي حديث الآخر: فإن صلة الرحم محبة في الأهل, مثراة في المال, منسأة في الأثر" أي: ثروة في المال, وتأخير في الأجل, وقيل: دوام واستمرار في النسل, والمعنى: أن يمن الصلة يفضي إلى ذلك.

باب الشفقة والرحمة على الخلق

15 - باب الشفقة والرحمة على الخلق من الصحاح: 1255 - 3857 - وقال: "أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق, ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم, وعفيف متعفف ذو عيال, وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له, الذين هم فيكم تبع, لا يبغون أهلا ولا مالا, والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه, ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك", وذكر البخل والكذب, "والشظير الفحاش" "عن عياض بن حمار المجاشعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق, ورجل رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم وعفيف متعفف ذو عيال, وأهل النار [خمسة: الضعيف الذي لا زبر له, الذين هم فيكم تبعا, لا يبغون أهلا ولا مالا, والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانة, ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك, ومالك, وذكر البخل والكذب والشظير والفحاش"

(المقسط): العادل, والمراد بـ (الموفق): الذي هيئ له أسباب الخير, وفتح له أبواب البر. "رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم" أي: يرق قلبه, ويترحم لكل من بينه وبينه لحمه القرابة أو وصلة الإسلام. و (العفيف المتعفف): المجتنب عن المحارم, المتحاشي عن السؤال, المتوكل على الله تعالى في أمره وأمر عياله. وإذا استقريت أحوال العباد على اختلافها فلعلك لم تجد أحدا يستأهل أن يدخل الجنة, ويحق له أن يكون من أهلها, إلا وهو مندرج تحت هذه الأقسام, غير خارج عنها. و"الذي لا زبر له": الأبله الذي لا رأى له, ولا عقل يعتد به العقلاء, ويحتفل به, و (الزبر): العقل, وقيل: هو الذي لا تماسك له, فلا يرتدع عن الفواحش, ولا يتورع عن المحارم. و"الذين هم فيكم تبعا" يريد به: الخدم الذي لا مطمح لهم ولا مطمع إلا ما يملؤون به بطونهم من أي وجه كان, ولا يتخطى همهم إلى ما وراء ذلك من أمر ديني أو دنيوي. و"الخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه" أي: لا يخفى عليه شيء ما يمكن أن يطمع فيه -وإن دق بحيث لا يكاد يدرك- إلا وهو يسعى في التفحص عنه والتطلع عليه, حتى يجده فيخونه, وهذا هو الإغراق في الوصف بالخيانة, ويحتمل أن يكون (خفي) من الأضداد, والمعنى: لا يظهر له شيء يطمع فيه إلا خانه

و (الطمع) مصدر بمعنى المفعول. و"ذكر البخل والكذب" أي: البخيل والكذاب, أقام المصدر مقام اسم الفاعل. و"الشظير": الفحاش السيئ الخلق, المكثر للفحش. ... من الحسان: 1256 - 3875 - عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة -وأومأ الراوي بالسبابة والوسطى- امرأة آمت من زوجها ذات منصب وجمال, حبست نفسها على يتاماها حتى بانوا أو ماتوا" "عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة" "سفعاء الخدين" أي: متغيرة لون الخدين, لما يكابدها من المشقة والضنك, وسفعة الوجه: سواد في خدي المرأة الشاحبة, وهي في الأصل: سواد مشرب حمرة. وقوله بعد ذلك: (امرأة آمت من زوجها, ذات منصب وجمال, حبست نفسها على يتاماها حتى بانوا أو ماتوا) بدل يجري مجرى البيان والتفسير, وآمت المرأة أيمة وأيوما, إذا صارت بلا زوج.

باب الحب في الله والبغض في الله

وقوله: "حتى بانوا" أي: استقلوا بأمرهم, وانفصلوا عليها. ... 16 - باب الحب في الله والبغض في الله من الصحاح: 1257 - 3889 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأرواح جنود مجندة, فما تعارف منها ائتلف, وما تناكر منها اختلف" "عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأرواح جنود مجندة, فما تعارف منها ائتلف, وما تناكر منها اختلف" مبدأ المحبة الحقيقية ما بين المتحابين من المناسبة والمجانسة, فإن الجنسية علة الضم, والمعتبر منها ما يكون بين النفوس, فإن أكثر أحوال البدن, سيما ما يتوقف على الإدراك = تابعة لأحوال النفس, فائضة عنها على البدن, ثم إن الأرواح البشرية التي هي النفوس الناطقة مجبولة على ضرايب مختلفة وشواكل متباينة, ويدل عليه ما يشاهده من تباعد أقدامهم في الرحمة والقساوة, والذكاء والبلادة, والعفة والفجور, والبخل والجود, إلى غير ذلك من الخواص والكيفيات النفسانية, وكل منها ينزع ويميل في عالم الخلق إلى ما يشاكله ويماثله في عالم الأمر, وينفر ويناوئ في هذا العالم ما يخالفه وينافيه في ذلك

العالم, فالمراد بالتعارف: ما بينها من التشابه والتناسب, وبالتذكير: ما بينها من التنافي والتباين, والله أعلم. وقوله: "مجندة" أي: مجموعة, كقولهم: ألف مؤلفة. ... 1258 - 3892 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى, فأرصد الله له على مدرجته ملكا قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية, قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا, غير أني أحببته في الله, قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه" "وفي حديث أبي هريرة: فأرصد الله له على مدرجته" أي: أقعد له على طريقه. وفيه: "قال: هل لك عليه من نعمة تربها": أي: تصلحها بالقيام على شكرها, من قولهم: رب الضيعة, إذا أصلحها. ... من الحسان: 1259 - 3897 - عن أبي مالك الأشعري قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: "إن لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء, يغبطهم النبيون

والشهداء بقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامة" فقال أعرابي: حدثنا يا رسول الله! من هم؟ فقال: "هم عباد من عباد الله من بلدان شتى وقبائل شتى, لم يكن بينهم أرحام يتواصلون بها, ولا دنيا يتباذلون بها, يتحابون بروح الله, يجعل الله وجوههم نورا, وتجعل لهم منابر من نور قدام عرش الرحمن, يفزع الناس ولا يفزعون, ويخاف الناس ولا يخافون" "عن أبي مالك الأشعري قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله عبادا ليسوا بأنبياء, ولا شهداء, يغبطهم النبيون والشهداء بقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامة, فقال أعرابي: حدثنا يا رسول الله من هم؟ فقال: هم عباد من عباد الله, من بلدان شتى وقبائل شتى, لم يكن بينهم أرحام يتواصلون بها, ولا دنيا يتباذلون بها, يتحابون بروح الله, يجعل الله وجوههم نورا, وتجعل لهم منابر من نور قدام الرحمن, يفزع الناس, ور يفزعون, ولا يخاف الناس, ولا يخافون" لكل ما يتحلى به الإنسان ويتعاطاه من علم وعمل فإن له عند الله منزلة, لا يشارك فيه صاحبه من لم يتصف بذلك, وإن كان له من نوع آخر ما هو أرفع قدرا وأعز ذخرا, فيغبطه بأن يتمنى ويحب أن يكون له مثل ذلك, مضمونا إلى ما له من المراتب الرفيعة والمنازل الشريفة, وذلك معنى قوله: "يغبطهم النبيون والشهداء" فإن الأنبياء قد استغرقوا فيما هو أعلى من ذلك, من دعوة الخلق, وإظهار الحق, وإعلاء الدين, وإرشاد العامة, وتكميل الخاصة, إلى غير ذلك من كليات أشغلتهم

عن العكوف على مثل هذه الجزئيات, والقيام بحقوقها, والشهداء وإن نالوا رتبة الشهادة, وفازوا بالفوز الأكبر, فلعلهم لم يعاملوا مع الله معاملة هؤلاء فإذا رأوهم يوم القيامة في منازلهم, وشاهدوا قربهم وكرامتهم عند الله تعالى, ودوا أن كانوا ضامين خصالهم إلى خصالهم, فيكونوا جامعين بين الحسنيين, فائزين بالمرتبتين. هذا والظاهر: أنه لم يقصد في ذلك إلى إثبات الغبطة لهم على حال هؤلاء, بل بيان فضلهم, وعلو شأنهم, وارتفاع مكانهم, وتقريرها على آكد وجه وأبلغه, والمعنىك أن حالهم عند الله يوم القيامة بمثابة لو غبط النبيون والشهداء يومئذ مع جلالة قدرهم ونباهة أمرهم حال غيرهم لغبطوهم. "بروح الله", أي: بالقرآن, لقوله تعالى {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} [الشورى:52] , سمي بذلك لأنه يحيى به القلب, كما يحيى بالروح البدن, والمعنى: أنهم يتحابون بداعية الإسلام, ومتابعة القرآن فيما حثهم عليه من موالاة المسلمين ومصادقتهم. ولعل قوله: "تجعل لهم منابر من نور قدام الرحمن" تمثيل لمنزلتهم ومحلهم, مثلها بما هو أعلى ما يجلس عليه في المجالس والمحافل على أعز الأوضاع وأشرافها, من جنس ما هو أبهى وأحسن ما يشاهد, ليدل على أن رتبتهم في الغاية القصوى من العلا والشرف والبهاء, والله أعلم.

باب ما ينهى من التهاجر والتقاطع واتباع العورات

1260 - 3898 - عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "يا أبا ذر! أي عرا الإيمان أوثق؟ " قال: الله ورسوله أعلم! قال: "الموالاة في الله, والحب في الله, والبغض في الله" "عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: يا أبا ذر! أي عرى الإيمان أوثق" "عرى" جمع: عروة, وهو في الأصل يقال لما يتعلق به من طرف الدلو والكوز ونحوهما, ولشجرة تخضر في الشتاء والصيف, فاستعير في الحديث من المعنى الأول لما يتمسك به في أمر الدين, ويتعلق به من شعب الإسلام ونواحيه, أو من المعنى الثاني لما ينفع في المنزلين, ويبقى أثرها في الدارين. ... 17 - باب ما ينهى من التهاجر والتقاطع واتباع العورات من الصحاح: 1261 - 3906 - وقال: "إياكم والظن! فإن الظن أكذب الحديث, ولا تحسسوا, ولا تجسسوا, ولا تناجشوا, ولا تحاسدوا, ولا تباغضوا, ولا تدابروا, وكونوا عباد الله إخوانا"

ويروى: "ولا تنافسوا" "عن أبي هريرة: أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: إياكم والظن, فإن الظن أكذب الحديث, ولا تحسسوا, ولا تجسسوا, ولا تناجشوا, ولا تحاسدوا, ولا تباغضوا, ولا تدابروا, وكونوا عباد الله إخوانا" التحذير عن الظن فيما يجب فيه القطع, أو التحدث به مع الاستغناء عنه, أو عما يظن كذبه. و (التجسس) بالجيم: تعرف الخبر بتلطف, ومنه الجاسوس, وبالحاء: تطلب الشيء بحاسة كاستراق السمع, وإبصار الشيء خفية, وقيل: الأول التفحص عن عورات الناس وبواطن أمورهم بنفسه أو غيره, والثاني أن يتولى ذلك بنفسه, وقيل: الأول مخصوص بالشر, والثاني يعم بالخير والشر. و (التناجش): أن يزيد هذا على ذلك وذاك على هذا في البيع, و (النجش): رفع الثمن, وقيل: المراد في الحديث النهي عن إغراء بعضهم بعضا على الشر والخصومة. و (التدابر): التقاطع, مأخوذ من (الدبر) , فإن كل واحد من المتقاطعين يولي دبره صاحبه. و (التحاسد) و (التنافس) واحد في المعنى, وإن اختلفا في الأصل,

1262 - 3908 - وقال: تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين, يوم الاثنين ويوم الخميس, فيغفر لكل عبد مؤمن, إلا عبدا بينه وبين أخيه شحناء, فيقال: اتركوا هذين حتى يفيئا" "وعن أبي هريرة: أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين, يوم الاثنين ويوم الخميس, فيغفر لكل عبد مؤمن, إلا عبد بينه وبين أخيه شحناء, فيقال: اتركوا هذين حتى يفيئا" أراد بـ (الجمعة): الأسبوع, عبر عن الشيء بآخره وما يتم به ويوجد عنده. والمعروض عليه هو الله تعالى, أو ملك وكله الله على جميع صحف الأعمال وضبطها. و (الشحناء): العداوة والبغضاء. "حتى يفيئا" أي: يرجعا مما كانا عليه. ... 1263 - 3910 - وعن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيرا وينمي خيرا" قالت: ولم أسمعه -تعني النبي صلى الله عليه وسلم - يرخص في شيء مما يقول الناس كذبا, إلا في ثلاث: "الحرب, والإصلاح بين الناس, وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها"

"وفي حديث أم كلثوم بنت عقبة: وينمي خيرا" أي: يبلغ خير ما سمعه, ويدع شره, يقال: نميت الحديث -مخففا- في الإصلاح, ونميته -مثقلا- في الفساد, وكأن الأول من (النماء) , لأنه رفع لما يبلغه, والثاني من (النميمة) , وإنما نفى عن المصلح كونه كذا باعتبار قصده دون قوله, ولذلك نفى النعت دون الفعل. ... من الحسان: 1264 - 3913 - وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث, فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار" "عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث, فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار" هذا إذا كان السبب أمرا دنيويا, فإن كان الغرض أمرا دينيا فلا حجر فيه, ولا هذا الحد له, لأنه -عليه الصلاة والسلام- هجر الثلاثة الذين خلفوا, وهم: كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع, فلم يكلمهم خمسين يوما, وأمر الناس بهجرانهم. والمراد بـ"أخاه": أخوه في الإسلام دون القرابة, لقوله في

حديث عائشة: "أن يهجر مسلما" وقوله: "فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار" لأنه مات عاصيا غير تائب, وذلك يستدعي ظاهر أن يكون من أهل النار. وقوله في حديث عائشة: "فقد باء بإثمه" يحتمل أن يكون الضمير المجرور فيه للباييء, فيكون المعنى: أن المسلم خرج من الهجرة, ونفي من الوزر, وبقي الإثم الذي لم يرد السلام, ويحتمل أن يكون للمسلم, والمعنى: أنه ضم إثم هجران المسلم إلى إثم هجرانه, وباء بهما, لأن التهاجر يعد منه وبسببه. ... 1265 - 3916 - عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة؟ " قال: قلنا: بلى, قال: "إصلاح ذات البين, وإفساد ذات البين هي الحالقة" صحيح. "وفي حديث أبي الدرداء: وفساد ذات البين هي الحالقة" يريد بـ (ذات البين": الخصلة التي تكون وصلة بين القوم من قرابة ومودة ونحوهما. و"الحالقة": المهلكة, يقال: حلق بعضهم بعضا, أي: قتل, مأخوذ من (حلق الشعر).

1266 - 3917 - وقال: "دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء, هي الحالقة, لا أقول: تحلق الشعر, ولكن تحلق الدين" "وفي الحديث: دب إليكم دأب الأمم قبلكم البغضاء والحالقة" أي: سرى وانتقل إليكم ما أفسد عليهم دينهم, وأذهب دولتهم, فاجتاحهم, وأهلكهم, كما الحلق في الشعر, وهو البغضاء وقطيعة الرحم. ... 1267 - 3918 - عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والحسد! فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب" "وعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والحسد, فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب". تمسك به من يرى إحباط الطاعات بالمعاصي كالمعتزلة, وأجيب عنه بأن المعنى: أن الحسد يذهب حسناته, ويتلفها عليه, بأن يحمله على أن يفعل بالمحسود من إتلاف مال وهتك عرض وقصد نفس ما يقتضي صرف تلك الحسنات بأسرها في عوضه, كما روي في صحاح (باب الظلم) عن أبي هريرة: أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: "إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وقيام,

ويأتي قد شتم هذا, وقذف هذا, وأكل مال هذا, وسفك دم هذا, وضرب هذا, فيعطى هذا من حسناته, وهذا من حسناته, فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم, فطرحت عليه, ثم طرح في النار" ولا إحباط للطاعات بالمعاصي, وإلا لم تكن تبقى لهذا الآتي المتعاطي لتلك الكبائر حسنة يقضي بها حق خصمه. ... 1268 - 3923 - عن سعيد بن زيد, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أربى الاستطالة في عرض المسلم بغير حق" "عن سعيد بن زيد, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق" "الاستطالة في عرض المسلم": أن يتناول منه أكثر مما يستحقه على ما قيل له, أو أكثر مما رخص له فيه, ولذلك مثله بالربا, وعده من عداده, ثم فضله على سائر أفراده, لأنه أكثر مضرة, وأشد فسادا, فإن العرض شرعا وعقلا أعز على النفس من المال, وأعظم منه خطرا, ولذلك أوجب الشارع بالمجاهرة بهتك الأعراض مل لم يوجب بنهب الأموال. ... 1269 - 3925 - وعن أنس, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حمى مؤمنا من منافق يعيبه, بعث الله ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار

جهنم, ومن قفا مسلما بشيء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال" "وفي حديث أنس: ومن قفى مسلما بشيء يريد شينه" أي: ومن أتبع مسلما قبيحا بأن يقذفه ويرميه بسوء, أو أتبعه من يستكشف عوراته, وأصل (القفو): الاتباع, يقال: قفوت أثره, إذا تبعته, وقفيته فلانا: أتبعته, مأخوذ من (القفا). ... 1270 - 3927 - عن المستورد بن شداد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها من جهنم, ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم, ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإن الله يقيمه مقام سمعة ورياء يوم القيامة" "عن المستورد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها من جهنم, ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم, ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم له مقام سمعة ورياء يوم القيامة" "من أكل برجل مسلم" أي: بسبب أن يقذف مسلما, أو يقع في عرضه, ويتعرض له بالأذية, والمعنى: أن من آذى مسلما, وطعن فيه, لينال من عدوه مطعوما أو ملبوسا, أو سخر من مسلم عند غني

باب الحذر والتأني في الأمور

لذلك, جعل له مثل ما ينال به من نار جهنم. "ومن قام برجل مقام سمعة ورياء" أي: قام ينسبه إلى ذلك, ويشهر به فيما بين الناس, فضحه الله وشهره بذلك على رؤوس الأشهاد يوم القيامة, وعذبه عذاب المرائين. و (الأكلة) بالضم: ما يؤكل دفعة, وهو اللقمة, وجمعها: أكلات, والله أعلم. ... 18 - باب الحذر والتأني في الأمور من الصحاح: 1271 - 3929 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين" "عن أبي هريرة: أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين" يريدك أن كمال عقل المؤمن يقتضي الحزم والتيقظ في الأمور, فمن شأن المؤمن الحازم أن يكون على حذر مما تضرر به مرة, فوجد منه مكروها, ولا يثق على من خدعه كرة, ونقض عهده تارة. قيل كان سبب وروده: أنه -عليه الصلاة والسلام- من على رجل

من مكة على أن لا يخلب, فلما عاد إلى مأمنه نقض العهد, ثم اتفق أن وقع في الأسر كرة أخرى, فأمر بقتله, فسأل عنه أن يمن عليه مرة ثانية, فقال عليه الصلاة والسلام ذلك. ... من الحسان: 1272 - 3934 - عن مصعب بن سعد, عن أبيه -قال الأعمش: لا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال: التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة" "قال الأعمش: لا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة" "التؤدة": التأني والسكون, فعلة من (الوئيد) , وهو المشي بثقل, والمعنى: أن التأني في كل شيء مستحسن إلا في أمر الآخرة. ... 1273 - 3935 - عن عبد الله بن سرجس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد, جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة" "عن عبد الله بن سرجس: أنه -عليه الصلاة والسلام- قال:

"السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربع وعشرين جزءا من النبوة. "السمت": الطريقة, و"الاقتصاد": التوسط في الأمور, والتحرز عن طرفي الإفراط والتفريط, والمعنى: أن هذه من أخلاق الأنبياء, ومما لا يتم أمر النبوة دونها, وأمثال هذه التقادير مما لا يهتدي إلى تعيينها إلا بنور الوحي, وكان الصواب أن يقول: (من أربعة) على التذكير, فلعل التغيير وقع من بعض الرواة جهلا بقواعد العربية, أي: على سبيل الغفلة, وإن كان في لفظ الشارع فلعله أنث على تأويل الخصلة, أو لاجراء الجزء مجرى الكل في التذكير والتأنيث. ... 1274 - 3936 - وعن ابن عباس: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الهدي الصالح, والسمت الصالح, والاقتصاد, جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة" "وقال -عليه الصلاة والسلام-: المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس: سفك دم حرام, أو فرج حرام, [أو اقتطاع] مال بغير حق" يريد أن المؤمن ينبغي إذا حضر مجلسا, ورأى أهله على منكر أن يستر عوراتهم, ولا يشيع ما رأى منهم, إلا أن يكون أحد هذه

باب الرفق والحياء وحسن الخلق

الثلاثة, فإنه فساد كبير, وإخفاؤه إضرار عظيم. ... 19 - باب الرفق والحياء وحسن الخلق من الصحاح: 1275 - 3941 - عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله رفيق يحب الرفق, ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف, وما لا يعطي على ما سواه" "عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله رفيق, يحب الرفق, ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف, وما لا يعطي على ما سواه" "الرفق": ضد العنف, وهو اللطف, وأخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرهاو ومعنى أن الله رفيق: أنه لطيف بعباده, يريد بهم اليسر, ولا يريد بهم العسر, والظاهر: أنه لا يجوز إطلاقه على الله تعالى اسما, لأنه لم يتواتر, ولم يستعمل هاهنا أيضا على قصد الإسمية, وإنما أخبر به عنه تمهيدا للحكم الذي بعده, وكأنه قال: إن يرفق عباده في أمورهم, فيعطيهم بالرفق ما لا يعطيهم على ما سواه. وإنما ذكر قوله: "وما لا يعطي على ما سواه" بعد قوله:

"ما لا يعطي على العنف" ليدل على أن الرفق أنجح الأسباب كلها, وأنفعها بأسرها. ... 1276 - 3946 - وقال: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت" "وعن ابن مسعود, عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "إنما مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت" أي: مما أبلغ الناس من كلام الأنبياء المتقدمين: أن الحياء هو المانع عن اقتراف القبائح, والاشتغال بمنهيات الشرع, ومستهجنات العقل, فمن لا يستحي من الله ولا من الخلق كان مطلقا خليع العذار, لا وازع له, ولا مانع من أن يفعل ما يشاء, شبه حاله في استجماع الدواعي وارتفاع الموانع بحال المأمور المطالب بالفعل, وقيل: الأمر هاهنا بمعنى الخبر, أي: صنعت ما شئت, أو للتهديد, كما في قوله تعالى: {اعملوا ما شئتم} [فصلت:40]. وإضافة الكلام إلى النبوة للإشعار بأنه من فضائل النبوة ونتائج الوحي. ... 1277 - 3947 - عن النواس بن سمعان قال: سألت

رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم, فقال: "البر حسن الخلق, والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس" "وفي حديث النواس بن سمعان: الإثم ما حاك في صدرك" أي: أثر فيه, بأن أقلقه, ولم يطمئن له, وهذا باعتبار المؤمن المعتقد الملهم بالحق, فلعله -عليه الصلاة والسلام- علم ذلك منه. ... من الحسان: 1278 - 3953 - عن حارثة بن وهب, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري" قال: الجواظ: الذي جمع ومنع, والجعظري: الغليظ الفظ. "عن عكرمة بن وهب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري" "الجواظ": المختال, من (جاظ جوظانا) , إذا اختال, وقيل: الجموع المنوع, من (جاظ) , إذا جمع ومنع, وقيل: هو السمين, وقيل: الصياح المهذار. و"الجعظري": الفظ الغليظ, وقيل: القصير المنتفخ بما ليس عنده, وقيل: العظيم الجسيم الأكول. والمانع لمن شأنه هذا أن يدخل الجنة حينما يدخلها الآخرون

عجبهم وسوء خلقهم, وشرههم على الطعام, وإفراطهم في الكلام. قيل: هذا الحديث مرسل, لأن عكرمة بن وهب لم يثبت في عداد الصحابة. ... 1279 - 3958 - عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن غر كريم, والفاجر خب لئيم" "وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن غر كريم, والفاجر خب لئيم" (الغر): الذي يكون سليم النفس, حسن الظن بالخلق, يغره الناس, وينخدع بأقوالهم وظواهر أحوالهم, و (الخب) ضده. ... 1280 - 3959 - وقال: "المؤمنون هينون لينون, كالجمل الأنف, إن قيد انقاد, وإن أنيخ على صخرة استناخ" مرسل. "وفي الحديث المرسل التالي له: المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف" "الأنف": الذي عقر الخشاش أنفه, يقال: أنف البعير, فهو أنف, بوزن: حذر. قال أبو سعيد الضرير: رواه أبو عبيد: "كالجمل الآنف"بوزن

باب الغضب والكبر

(فاعل) , والصحيح: (الأنف) على فعل, كالفقر والظهر, وأقول: إن صحت الرواية فلعله أراد نعته بالبناء الذي على مطلق الحدوث دون الثبات والمبالغة. والكاف في محل الرفع على أنه خبر ثالث على معنى: أن كلا منهم مثل الجمل الآنف, أو النصب على أنها صفة مصدر محذوف تقديره: لينون مثل لين الجمل الأنف, والله أعلم. ... 20 - باب الغضب والكبر من الصحاح: 1281 - 3962 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني, قال: "لا تغضب", فردد مرارا, قال: "لا تغضب" "عن أبي هريرة: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني, قال: لا تغضب, فردد مرارا, قال: لا تغضب" لعله -عليه الصلاة والسلام- علم من حاله أن اختلال أمره من الغضب واستيلائه عليه, فأجابه بذلك لكل مرة, أو اختصر على جواب موجز جامع, فإن جميع المفاسد العملية التي تعرض الإنسان

وتعتريه إنما تعرض له من فرط شهوته واستيلاء غضبه, ثم إن ما يعتوره من القوة الشهوانية مكثور بالنسبة إلى ما يقتضيه الغضب, غير ملتفت إليه, فلما سأله الرجل أن يشير إليه بما يتوسل به إلى التجنب عن القبائح, والتحرز عن مظانها = نهاه عن الغضب الداعي إلى ما هو أعظم ضرا وأكثر وزرا, فإن ارتفاع السبب يوجب ارتفاع مسبباته لا محالة. ... 1282 - 3963 - وقال: "ليس الشديد بالصرعة, إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" "عن أبي هريرة: أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: ليس الشديد بالصرعة, إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" "الصرعة" كالخدعة واللعبة: الذي يغلب كل من يصارعه, والمعنى: أن القوي في الحقيقة ليس من يصارع الرجال ويغلب عليهم, بل القوي من يقاوم نفسه, ويغلب عليها, بحيث يملكها حينما تكون أكثر تمردا وأشد تفرعنا, وذلك عند الغضب. ... 1283 - 3964 - وقال: "ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف, لو أقسم على الله لأبره, ألا أخبركم بأهل النار؟ كل

عتل جواظ مستكبر" "وفي حديث حارثة بن وهب في الرواية الثانية: "جياظ زنيم" ["الجياظ": بمعنى: الجواظ. و"الزنيم": المنتسب المنتمي إلى قوم ليس هو منهم, مأخوذ من (الزنمتين) , وهما الزائدتان المتدليتان من حلق [الشاة] أو أذنها, فإنه أيضا زائد في القوم, وقيل: هو الذي تكون له علامة في الشر يعرف بها, ويتميز بها عن أشباهه, كالشاة المتميزة بزنمتيها]. ... 1284 - 3966 - وقال: "لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة من كبر" فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا, ونعله حسنا؟ قال: إن الله جميل يحب الجمال, الكبر: بطر الحق وغمط الناس" "وفي حديث ابن مسعود: الكبر بطر الحق, وغمط الناس" (البطر): الحيرة, والمعنى: التحير في الحق, والتردد فيه, وعدم الميز بينه وبين الباطل, وقيل: معناه التكبر عن الحق, وعدم الالتفات إليه, وقيل: معناه إبطاله وتضييعه, من قولهم: ذهب دم فلان بطرا, أي: هدرا.

و"غمط الناس": احتقارهم, والتهاون بحقوقهم, وقد روي: "غمص الناس", والمعنى واحد. ... من الحسان:1285 - 3970 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يحشر المتكبرون أمثال يوم القيامة في صورة الرجال, يغشاهم الذل من كل مكان, يساقون إلى سجن في جهنم يسمى: بولس, تعلوهم نار الأنيار, يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال" "عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم "يحشر المتكبرون أمثال الذر يوم القيامة في صورة الرجال, يغشاهم الذل من كل مكان, يساقون إلى سجن في جهنم, يسمى بولس, تعلوهم نار الأنيار, يسقون من عصارة أهل النار, طينة الخبال" مثل المتكبرين في ذلهم وحقارتهم بالذر في صغر قدرها وحقارة جرمها, بحيث لا يحس بها ما لم تشرق الشمس عليها, ويدل عليه قوله: "يغشاهم الذل من كل مكان" أي: يتضاعف ذلهم, ويتوجه إليهم من كل جهة جزاء بمثل ما عملوا بالناس, وعلى هذه جرت السنة الإلهية.

و"بولس": فوعل من (الإبلاس) بمعنى: اليأس, ولعل هذا السجن إنما سمي به, لأن الداخل فيه أيس من الخلاص عما قريب, وإن صحت الرواية فيه بضم الباء وكسر اللام أو فتحها, فلعله أعجمي, إذ ليس في الأسماء مثاله. "تعلوهم نار الأنيار" أي: تغشاهم وتحيط, كالماء يعلو الغريق, و (أنيار) جمع: نار, كـ (أنياب) جمع: ناب, وإضافة النار إليها للمبالغة, كأن هذه النار لفرط إحراقها وشدة حرها تفعل بسائر النيران ما تفعل النار بغيرها. "وطينة الخبال": سبق شرحها في (باب حد الخمر) ... 1286 - 3973 - عن أسماء بنت عميس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بئس العبد عبد تخيل واختال, ونسي الكبير المتعال, بئس العبد عبد تجبر واعتدى, ونسي الجبار الأعلى, بئس العبد عبد سها ولها, ونسي المقابر والبلى, بئس العبد عبد عتا وطغى, ونسي المبتدأ والمنتهى, بئس العبد عبد يختل الدنيا بالدين, بئس العبد عبد يختل الدين بالشبهات, بئس العبد عبد طمع يقوده, بئس العبد عبد هوى يضله, بئس العبد عبد رغب يذله"غريبز "وفي حديث أسماء بنت عميس: بئس العبد عبد تخيل, واختال,

باب الظلم

ونسي الكبير المتعال" أي: تخيل في نفسه شرفا وفضلا على غيره, ثم خال ذلك, فاختال علي, أي: تكبر, ونسي أن الكبرياء والتعالي ليس إلا للواحد القهار. وفيه: "بئس العبد عبد يختل الدنيا بالدين, بئس العبد عبد يختل الدين بالشبهات" "يختل" أي: يطلب بخداع, كما يطلب الصائد الصيد, من قولهم: ختل الذئب الصيد, إذا تخفى له, وختل الصائد, إذا مشى للصيد قليلا قليلا لئلا يحس به, شبه فعل من يري ورعا ودينا, ليتوسل به إلى المطالب الدنيوية بختل الذئب الصائد. وفيه: "بئس العبد عبد رغب يذله" (الرغب): شره الطعام, وأصله: سعة الجوف, بمعنى: الرحب, وإضافة العبد إليه للإهانة, كقولهم: عبد البطن, ولأن مجامع همته واجتهاد مقصور عليه, وعائد إليه. ... 21 - باب الظلم من الصحاح: 1287 - 3977 - عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بالحجر

قال: "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين, أن يصيبكم مثل ما أصابهم" ثم قنع رأسه, وأسرع السير حتى اجتاز الوادي. "عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بالحجرقال: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين, أن يصيبكم ما أصابهم, ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى اجتاز الوادي" "الحجر": منازل ثمود, كان على مسيره إلى تبوك, فخاف عليهم أن يدخلوها ساهين غير متعظين ولا معتبرين بما أصابهم بذنوبهم, فلذلك استثنى عن النهي. "أن يصيبكم": نصب على المفعول لأجله, أي: مخافة أن يصيبكم" "ثم قنع رأسه" أي: أطلق, فلم يلتفت يمينا ولا شمالا, كالخائف الوجل عن الشيء بحيث لا يستطيع أن ينظر إليه. "حتى اجتاز الوادي" أي: قطع عرضه, وخرج عن جده. وقيل: "قنع رأسه" معناه: أنه ستره بقناع كالطيلسان, كيلا يقع بصره عليها. ... 1288 - 3980 - وقال: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء"

باب الأمر بالمعروف

"وفي حديث أبي هريرة: حتى تقاد الشاة الجلحاء من القرناء" "الجلحاء": التي لا قرن لها, و"القرناء": ضده. ... من الحسان: 1289 - 3981 - عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكونوا إمعة, تقولون: إن أحسن الناس أحسنا, وإن ظلموا ظلمنا, ولكن وطنوا أنفسكم: إن أحسن الناس أن تحسنوا, وإن أساؤوا فلا تظلموا" "في حديث حذيفة: لا تكونوا إمعة" أي: تابعا لغيره, لا رأي له, ولا تدبر, فيكون في مجامع لأمور مع متبوعه, أي: أحسن أو أساء, كما ذكره في باقي الحديث. ... 22 - باب الأمر بالمعروف من الصحاح: 1290 - 3985 - وقال: "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار, فيطحن فيها كطحن الحمار برحاه, فيجتمع أهل

النار عليه, فيقولون: أي فلان! ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهاه عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه, وأنهاكم عن المنكر وآتيه" "في حديث أبي سعيد: فتندلق أقتابه" أي: تخرج أمعاؤه خروجا سريعا, من قولهم: اندلق السيف من الغمد, إذا خرج من غير سل, و (الأقتاب): جمع: قتب, بوزن (حبر) , وهي المعي, وهي مؤنثة, ولذلك تصغر على (قتيبة). ... من الحسان: 1291 - 3992 - وقال: "لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم" "قال النبي صلى الله عليه وسلم: لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم" قيل: إنه من (أعذر فلان) , إذا كثر ذنبه, فكأنه سلب عذرة بكثرة اقتراف الذنوب, أو من (أعذر غيره) , إذا جعله معذورا, فكأنهم أعذروا من يعاقبهم بكثرة ذنوبهم, أو من (أعذر) أي: صار ذا عذر, والمعنى: حتى يذنبون, فيعذرون أنفسهم بتأويلات زائغة وأعذار فاسدة من قبلها, ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.

1292 - 3994 - وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما وقعت بنوإسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا, فجالسوهم في مجالسهم, وواكلوهم وشاربوهم, فضرب الله قلوب بعضهم ببعض, ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} " قال: فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئا فقال: "لا والذي نفسي بيده, حتى تأطرونهم أطرا" وفي رواية: "كلا والله, لتأمرن بالمعروف, ولتنهون عن المنكر, ولتأخذن على يدي الظالم, ولتأطرنه على الحق أطرا, أو لتقصرنه على الحق قصرا, أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض, ثم ليلعننكم كما لعنهم" "وفي حديث ابن مسعود: حتى تأطرونهم أطرا" أي: تعطفونهم على الحق عطفا, والله أعلم.

(24) كتاب الرقاق

كتاب الرقاق

(24) كتاب الرقاق الرقاق: الفقر, فعال من الرقة, لأنه يتضمن رقة الحال. من الصحاح: 1293 - 3999 - وعن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بجدي أسك ميت, فقال: "أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ " فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء, فقال: "فوالله, للدنيا أهون على الله من هذا عليكم" "عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بجدي أسك" (الأسك): صغير الأذن, ضيق الصماخ, والمصدر: السكك. ... 1294 - 4003 - وقال: "تعس عبد الدينار, وعبد الدرهم, وعبد الخميصة, إن أعطي رضي, وإن لم يعط سخط, تعس وانتكس, وإذا شيك فلا انتقش, طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه, مغبرة قدماه, إن كان في الحراسة كان في الحراسة, وإن كان في الساقة كان في الساقة, إن استأذن لم يؤذن له,

وإن شفع لم يشفع" "وفي حديث أبي هريرة: تعس عبد الدينار, وعبد الدرهم, وعبد الخميصة, إن أعطي رضي, وإن لم يعط سخط, تعس وانتكس, وإذا شيك فلا انتقش" "تعس" أي: سقط على وجهه, وقد يقال بمعنى: هلك. والمعنى: أنه خاب وخسر وتعرض للهلاك من استعبده المال وأخذ بمجامع قلبه. و"الخميصة": قيل: هي هاهنا بمعنى: المخمصة, وهي المجاعة. و"انتكس": انقلب, وصار أعلاه أسفله وأسفله أعلاه. و"إذا شيك" أي: أصابه شوك, من قولهم: شاكه الشوك إذا دخله. "فلا انتقش": على البناء للمفعول, من (الانتفاش) وهو استخراج الشوك من الأعضاء. ... 1295 - 4004 - عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها" فقال رجل: يا رسول الله! أو يأتي الخير بالشر؟ فسكت حتى ظننا أنه ينزل عليه, قال: فمسح عنه الرحضاء, وقال: "أين

السائل؟ " وكأنه حمده, فقال: "إنه لا يأتي الخير بالشر, وإن مما ينبت الربيع يقتل حبطا أو يلم, إلا آكلة الخضراء, أكلت حتى إذا امتدت خاصرتها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت, ثم عادت فأكلت, وإن هذا المال خضرة حلوة, فمن أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو, ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع, ويكون شهيدا عليه يوم القايمة" "وفي حديث أبي سعيد: فمسح عنه الرحضاء" كناية عن فراغه من تلقي الوحي, فإنه -عليه الصلاة والسلام- كان تأخذه الرحضاء, وهي: عرق الحمى, كأنها ترحض الجسد, أي: تغسله عند اشتداد برحاء الوحي, فإذا سري عنه مسحها. وفيه: "وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم, إلا آكلة الخضر, أكلت حتى امتدت خاصرتها, استقبلت عين الشمس, فثلطت, ثم عادت, ثم أكلت" "ما يقتل حبطا" أي: يهلك من كثرة تناوله. يقال: حبطت حبطا -بالفتح-: إذا أصابت مرعى طيبا, فأفرط في الأكل حتى انتفخ بطنه, فهلك. و (حبطا) نصب على التمييز. "أو يلم"أي: يكاد أن يقتل.

"إلا آكلة الخضر": (الخضر) بالكسر: الطري الغض من النبات, بمعنى: أخضر, كما يقال: أعور وعور بمعنى. وقيل: المراد به هاهنا: ضرب من الجنبة, وهي ما له أصل ثابت في الأرض غائص فيها, لا تستكثر منه النعم. , (الخضرة): البقلة الغضة. و (امتداد الخاصرتين): كناية عن الشبع, فإنهما يمتدان إذا امتلأ البطن. والمراد بـ (عين الشمس): ذاتها, أي: توجهت إلى مسقط ضوئها, واستراحت فيه. "فثلطت"أي: بالت وتغوطت, يقال: ثلطت الشاة إذا ألقت بعرها. و"آكلة": نصب على أنه مفعول (يقتل) , واستثناء مفرغ, والأصل: وإنما مما ينبت الربيع ما يقتل آكلة إلا آكلة الخضر على هذا الوجه. وإنما صح الاستثناء المفرغ من المثبت لقصد التعميم فيه, ونظيره: قرأت إلا يوم كذا. والمعنى: أن الدنيا مونقة تعجب الناظرين, فمنهم من يستكثرمنها فتهلكه, كالماشية إذا استكثرت من المرعى حتى انتفخ بطنها وحبطت, وذلك مثل المسرف.

ومنهم من يقنع بما يحتاج إليه منها, ويتحاشى عن الإفراط في تناولها, فيكون محمود العاقبة كآكلة الخضر, وذلك مثل المقتصد. ... من الحسان: 1296 - 4018 - عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما ينتظر أحدكم إلا غنى مطغيا, أو فقر منسيا, أو مرضا مفسدا, أو هرما مفندا, أو موتا مجهزا, أو الدجال, فالدجال شر غائب ينتظر, أو الساعة, {والساعة أدهى وأمر} ". "عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما ينتظر أحدكم إلا غنى مطغيا, أو فقرا منسيا, أو مرضا مفسدا, أو هرما مفندا, أو موتا مجهزا, أو الدجال, فالدجال شر غائب ينتظر, أو الساعة والساعة أدهى وأمر" (أطغاه المال): إذا جعله طاغيا من البطر والغرور به. و (الفقر المنسي): الذي يدهش صاحبه فيجعله ناسيا لما يهمه من أمر الدارين. و (المفند) بالسكون: من (أفنده الكبر) , إذا بلغ صاحبه إلى الفند, وهو الخرف, وأصله: الكذب, يقال: أفند الرجل, إذا تكلم بالفند, أي: الكذب, ثم استعمل للخرف, فإنه عبارة عن ضعف

الرأي, والتكلم بالمحرف من الكلام عن سنن الصحة ونهج الصواب, فهو من أسباب الكذب, أو ما يشابهه. و (الموت المجهز): المسرع, يريد به: الفجأة ونحوها مما لم يكن بسبب مرض أو كبر سن, كقتل وغرق وهدم. "الساعة أدهى"أي: أشد الدواهي وأقطعها, من قولهم: داهية الدهياء, وهو الأمر المنكر الذي لا يهتدي لدواته, و"أمر" من جميع ما يكابده الإنسان في الدنيا من الشدائد لمن غفل عن أمرها, ولم يعد لها قبل حلولها. ... 1297 - 4028 - عن عثمان رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس لابن آدم حق في سوي هذه الخصال: بيت يسكنه, وثوب يواري به عوراته, وجلف الخبز والماء" "وعن عثمان رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس لابن آدم حق سوى في هذه الخصال: بيت يسكنه, وثوب يواري به عورته, وجلف الخبز والماء" أراد بـ (الحق): ما يستحقه الإنسان لافتقاره إليه, وتوقف تعيشه عليه, وما هو المقصود الحقيقي من المال. وقيل: أراد به ما لم يكن له تبعة حساب إذا كان مكتسبا من وجه حلال.

والمراد بـ (الخصال) هاهنا: ما يحصل للرجل, ويسعى في تحصيله من الأموال, شبهه بما يخاطر عليه في السبق والرمي ونحوهما. "وجلف الخبز والماء": ظرفهما من جراب وركوة, ذكر الظرف, وأراد به المظروف, أي: كسرة خبز وشربه ماء. ... 1298 - 4031 - وعن أبي أمامة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ, ذو حظ من الصلاة, أحسن عبادة ربه وأطاعه في السر, وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع, وكان رزقه كفافا, فصبر على ذلك" ثم نقر بيده فقال: "عجلت منيته, وقلت بواكيه, وقل تراثه" "وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ, ذو حظ من الصلاة أحسن عبادة ربه, وأطاعه في السر, وكان غامضا في الناس, لا يشار إليه بالأصابع, وكان رزقه كفافا, فصبر على ذلك, ثم نقد بيده فقال: عجلت منيته, قلت بواكيه, قل تراثه" أي: أحق أحبائي وأنصاري بأن يغبط به, ويتمنى مثل حاله مؤمن بهذه الصفة. و"خفيف الحاذ": خفيف الحال, الذي يكون قليل المال والعيال. و (الغامض في الناس): الخامل الخافي الذي لا يعرف. "ثم نقده بيده" أي: ضرب إحدى أنملتيه على الأخرى أو على

الأرض, من نقدت الشيء بإصبعي, وبعضهم روى: (فنقر) بالراء, أي: صوت بإصبعه. و (البواكي): جمع: باكية. و (التراث): الميراث. ... 1299 - 4035 - وعن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يتجشأ فقال: "أقصر من جشأتك, فإن أطول الناس جوعا يوم القيامة أطولهم شبعا في الدنيا" "وفي حديث ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يتجشأ فقال: "أقصر من جشائك" قيل: (الرجل) هو: أبو جحيفة وهب بن عبد الله, قيل: ابن حامد السوائي, من بني عامر بن صعصعة. و (التجشؤ): كثرة الجشاء. و"أقصر": أمر من (الإقصار) , وهو: الكف عن الشيء, والمراد به: النهي عن إكثار الطعام, والإفراط فيه, المؤدي إلى الامتلاء المفسد للطعام, المقتضي لكثرة الجشاء. وقد روي: أن أبا جحيفة لم يأكل ملء بطنه حتى فارق الدنيا.

باب فضل الفقراء وما كان من عيش النبي صلى الله عليه وسلم

1300 - 4027 - عن أنس, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجاء بابن آدم يوم القيامة كأنه بذج, فيوقف بين يدي الله, فيقول له: أعطيك وخولتك وأنعمت عليك, فما صنعت؟ فيقول: رب! جمعته وثمرته فتركته أكثر ما كان, فارجعني آتك به كله, فيقول له: أرني ما قدمت, فيقول: رب! جمعته وثمرته فتركته أكثر ما كان, فارجعني آتك به كله, فإذا لم يقدم خيرا فيمضى به إلى النار", ضعيف. "وفي حديث أنس: يجاء بابن آدم يوم القيامة كأنه بذج" (البذج): ولد الضأن, وجمعه: البذجان, يريد بهذا التشبيه المبالغة في العجز والهوان. وفيه: "فيقول: رب جمعته وثمرته": نميته وكثرته, يقال: ثمر الله ماله, إذا أكثره. ... 2 - باب فضل الفقراء وما كان من عيش النبي صلى الله عليه وسلم من الصحاح: 1301 - 4040 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رب أشعث مدفوع

بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" "عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أسم على الله لأبره" (الأشعث): هو المغبر الرأس المتفرق الشعور, وأصل التركيب هو التفرق والانتشار. والصواب: "مدفوع" بالدال, أي: يدفع عند الدخول على الأعيان والحضور في المحافل, فلا يترك أن يلج الباب فضلا أن يحضر معهم, ويجلس فيما بينهم. و"لو أقسم على الله لأبره" أي: لو سأل من الله شيئا, وأقسم عليه أن يغفله, لفعله, ولم يخيب دعوته, فشبه إجابة المنشد المقسم على غيره بوفاء الحالف على يمينه, وبره فيها, معناه: لو حلف أن الله يفعله أو لا يفعله, صدقه في يمينه, وأبره فيها, بأن يأتي بما يوافقها. ... 1302 - 4042 - وقال: "قمت على باب الجنة, فكان عامة من دخلها المساكين, وأصحاب الجد محبوسون, غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار, وقمت على باب النار, فإذا عامة من دخلها النساء" "وفي حديث أبي هريرة: وأصحاب الجد محبوسون"

يريد بهم: الأغنياء, و"الجد"بالفتح: الغني. ... 1303 - 4048 - عن أنس: أنه مشى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخبز شعير وإهالة سنخة, ولقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعا بالمدينة عند يهودي وأخذ منه شعيرا لأهله, ولقد سمعته يقول: ما أمسى عند آل محمد صاع بر ولا صاع حب, وإن عنده لتسع نسوة" "وعن أنس: أنه مشى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخبز شعير وإهالة سنخة" (الإهالة): الدسم, وفي المثل: سرعان ذا هالة. و (السنخة): المتغيرة, يقال: سنخ الطعام وزنخ, إذا تغير. ... 1304 - 4049 - وقال عمر رضي الله عنه: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإذا هو مضطجع على رمال حصير, ليس بينه وبينه فراش, قد أثر الرمال بجنبه, متكئا على وسادة من أدم حشوها ليف, قلت: يا رسول الله! أدع الله فليوسع على أمتك, فإن فارس والروم قد وسع عليهم, وهم لا يعبدون الله, فقال::"أو في هذا أنت يا ابن الخطاب! أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا" وفي رواية: "أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة"

"وفي حديث عمر رضي الله عنه: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير" (الرمال): جمع: رمل, وهو النسجة من العود الذي ينسج منه الحصير, ويقال: رملت الحصير ترميلا, وأرملته, إذا سخفت نسجه, والتركيب يدل على رقة في شيء, وتضام بعضه إلى بعض. ... من الحسان: 1305 - 4057 - وروي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستفتح بصعاليك المهاجرين" "روي: أنه -عليه الصلاة والسلام- يستفتح بصعاليك المهاجرين" أي: يطلب النصرة بفقرائهم, ويتوسل بدعائهم, و (الصعاليك): جمع: صعلوك, وهو الفقير. ... 1306 - 4062 - عن عبد الله بن مغفل قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أحبك, قال: "أنظر ما تقول" فقال: والله إني لأحبك, ثلاث مرات, قال: "إن كنت صادقا فأعد للفقر تجفافا, للفقر أسرع إلى من يحبني من السبل إلى منتهاه" غريب.

باب الأمل والحرص

"وفي حديث عبد الله بن مغفل: إن كنت صادقا فأعد للفقر تجفافا" (التجفاف): لباس يوارى به الفرس في الحرب يقال له بالفارسية: بركستوان, والمراد به: تحمل الفاقة, والصبر على مضضها, والله أعلم. ... 3 - باب الأمل والحرص من الصحاح: 1307 - 4071 - وقال: "أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة" "عن أبي هريرة: أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: "أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة" أي: أفضى بعذره إليه فلم يبق له عذرا, ولم يترك له ما يتشبث به للاعتذار" ... من الحسان: 1308 - 4078 - عن عبد الله بن الشخير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

باب التوكل والصبر

"مثل ابن آدم وإلى جنبه تسع وتسعون منية, إن أخطأته المنايا وقع في الهرم" "عن عبد الله بن الشخير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل ابن آدم إلى جنبه تسعة وتسعون منية إن أخطأ به المنايا وقع في الهرم" "مثل ابن آدم" يريد به صفته وحاله العجيبة, وهو مبتدأ خبره الجملة التي بعده, أو الظرف و"تسعة وتسعون"مرتفع به, أي: حال ابن آدم أن له تسعة وتسعين منية إلى جانبه. وقيل: خبره محذوف, والتقدير: مثل ابن آدم مثل الذي يكون إلى جنبه تسعة وتسعون منية, ولعل الحذف من بعض الرواة. و (المنية): الموت فعيلة من منى يمنى: إذا قدر, فكأن الموت مقدر, والمراد بها هاهنا: ما يؤدي إليه من أسبابه, وذكر العدد المخصوص على طريقة الفرض والتمثيل. ... 5 - باب التوكل والصبر من الصحاح: 1309 - 4091 - وقال: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف, وفي كل خير, احرص على ما ينفعك, واستعن

بالله ولا تعجز, وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا, ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل, فإن لو تفتح عمل الشيطان" "في حديث أبي هريرة: وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا, ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل, فإن لو تفتح عمل الشيطان" أي: لو كان الأمر لي وكنت مستبدا بالفعل والترك كان كذا وكذا, فيه تأسف على الفائت, ومنازعة للقدر, وإيهام بأن ما كان يفعله باستبداده ومقتضى رأيه خير مما ساقه القدر إليه من حيث إن (لو) تدل على انتفاء الشيء لانتفاء غيره فيما مضى, ولذلك استكرهه وجعله مما بفتح عمل الشيطان. وقوله عليه الصلاة والسلام في حديث فسخ الحج إلى العمرة:"لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي": ليس من هذا القبيل, وإنما هو كلام قصد به تطييب قلوبهم, وتحريضهم على التحلل, وأعمال العمرة, والله أعلم.

باب الرياء والسمعة

6 - باب الرياء والسمعة من الصحاح: 1310 - 4102 - عن عبد الله بن عمرو: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سمع الناس بعمله سمع الله به أسامع خلقه وحقره وصغره" "عن عبد الله بن عمر: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سمع الناس بعمله سمع الله به أسامع خلقه" "أسامع": جمع أسمع, وهو جمع سمع, مفعول "سمع", أي: بلغ الله مسامع خلقه أنه مراء مزور, وأشهره بذلك فيما بين الناس. وروي: "سامع"بالرفع على أنه صفة للفاعل. ... 1311 - 4105 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين, يلبسون للناس جلود الضأن من اللبن, ألسنتهم أحلى من السكر, وقلوبهم قلوب الذئاب, يقول الله تعالى: أبي يغترون؟ أم علي يجترئون؟ فبي حلفت, لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم فيهم حيران"

"وفي حديث أبي هريرة: يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين" أي: يختالون في طلبها بملابسة الأمور الدينية, والتدرع بلباسها رياء وسمعة. ... 1312 - 4107 - عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لكل شيء شرة, ولكل شرة فترة, فإن كان صاحبها سدد وقارب فارجوه, وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه" وعنه أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: إن لكل شيء شرة, ولكل شرة فترة, فإن صاحبها سدد وقارب فارجوه, وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه. (الشرة): الحرص على الشيء, والنشاط فيه, و"صاحبها" فاعل فعل دل عليه ما بعده, ونظيره قوله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك} [التوبة:6] , والمعنى: أن من اقتصد في الأمور, وسلك الطريق المستقيم, واجتنب جانبي إفراط الشرة وتفريط الفترة, فارجوه ولا تلتفتوا إلى شهرته فيما بين الناس واعتقادهم فيه.

باب البكاء والخوف

7 - باب البكاء والخوف من الصحاح: 1313 - 4110 - وقال: "والله لا أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم" "قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أدري وأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يفعل بي ولا بكم" يريد به نفي علم الغيب عن نفسه, وأنه غير واقف وى مطلع على المقدر له ولغيره, والمكنون من أمره وأمر غيره, لا أنه متردد في أمره, غير متيقن بنجاته, لما صح من الأحاديث الدالة على خلاف ذلك" ... 1314 - 4111 - وقال: "عرضت على النار, فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها, ربطتها فلم تطعمها, ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعا, ورأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار, وكان أول من سيب السوائب" "وفي حديث أبي هريرة: ورأيت عمرو بن لحي الكعبي يجر قصبه في النار, وكان أول من سيب السوائب"

قيل: هو أول من سن عبادة الأصنام بمكة, وحمل أهلها بالتقرب إليها بتسييب السوائب, وهو أن تترك الدابة فتسيب حيث شاءت, فلا ترد عن حوض ولا علف ولا يتعرض له بركوب ولا حمل, وكانوا يسيبون العبيد أيضا بأن يعتقوها ولا يكون للمعتق ولاء, ولا على المعتق حجرفي ماله, فيضعه حيث شاء, ويقال له: إنه سائبة. ... 1315 - 4112 - عن زينب بنت جحش: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوما فزعا يقول: "لا إله إلا الله, ويل للعرب من شر قد اقترب, فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه", وحلق بإصبعيه, الإبهام والتي تليها, قالت زينب: فقلت: يا رسول الله! أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم, إذا كثر الخبث" "وفي حديث زينب بنت جحش: فقلت: يا رسول الله! أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث" يعني الفواحش والفسوق. ... 1316 - 4113 - وقال: "ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف, ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح

عليهم بسارحة لهم, يأتيهم رجل لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غدا, فيبيتهم الله, ويضع العلم, ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة" وعنه: أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: "ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف, ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غدا, فيبيتهم الله ويضع العلم, ويمسخ آخرين قردة وخنازير [إلى يوم القيامة] ". "الحر" بالحاء والراء المهملتين: اسم لفرج المرأة, وبعضهم يشد الراء, والأصوب تخفيفه, وأصله: حرح, لجمعه على أحراح, وقد يجمع بالواو والنون تعويضا عن العجز المحذوف كما جمع بهما باب ثنة ولدة. وفي بعض النسخ: "الخز"بالخاء والزاي المعجمتين, وهو تصحيف, إذ الخز ليس بحرام. و"المعازف"بالفتح: الملاهي, من العرف, وهو اللعب, وبالضم: الملاعب. والمراد بالعلم: الجبل, وفاعل "يروح"ساقط عن نسخ هذا الكتاب. وأورد مسلم بن الحجاج هذا الحديث في"جامعة", وذكر هكذا:

"يروح عليهم رجل بسارحة لهم" و (السارحة): الماشية السائمة. "فيبيتهم الله" أي: يهلكهم بعذاب يصيبهم بالليل, "ويضع العلم"أي: يضع الجبل فوقهم بحيث يواريهم, فلا يرى لهم أثر ولا يسمع لهم حس. ... من الحسان: 1317 - 4118 - وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أرى ما ترون, وأسمع ما لا تسمعون, أطت السماء, وحق لها أن تئط, والذي نفسي بيده, ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله, والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا, وما تلذذتم بالنساء على الفرشات, ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله", قال أبو ذر: يا ليتني كنت شجرة تعضد" "في حديث أبي ذر: أطت السماء وحق لها أن تئط" أي: صاحت من ثقل ما عليها, من الأطيط: وهو صوت الرحل والإبل من ثقل أحمالها, وهاهنا كناية عن ازدحام سكانها وكثرة الساجدين عليها.

"وفيه: لخرجتم إلى الصعدات تجأرون" "الصعدات": جمع صعد, وهو جمع صعيد, والمعنى: لو تعلمون ما أعلم لخرجتم من منازلكم إلى البوادي والصحارى متضرعين إلى الله تعالى, رافعين أصواتكم بالدعاء, كما يفعل المحزون الرجل من نزول البلاء" ... 1318 - 4123 - عن أبي سعيد قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة فرأى الناس كأنهم يكتشرون, فقال: "أما إنكم لو أكثرتم ذكر هادم اللذات لشغلكم عما أرى, فأكثروا ذكر هادم اللذات الموت, فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيقول: أنا بيت الغربة, وأنا بيت الوحدة, وأنا بيت التراب, وأنا بيت الدود, وإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر: مرحبا وأهلا, أما إن كنت لأحب من يمشي على ظهري إلي, فإذا وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك" قال: "فيتسع له بصره, ويفتح له باب إلى الجنة, وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر: لا مرحبا ولا أهلا, أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إلي, فإذ وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك, قال: فيلتئم عليه حتى تختلف أضلاعه, قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعه, فأدخل بعضها في جوف بعض, قال: "ويقيض له سبعون تنينا,

لو أن واحدا منها نفخ في الأرض ما أنبتت شيئا ما بقيت الدنيا, فينهشنه ويخدشنه حتى يفضى به إلى الحساب" قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما القبر روضة من رياض الجنة, أو حفرة من حفر النار" "وفي حديث أبي سعيد: خرج النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة فرأى الناس كأنهم يكشرون" أي: يضحكون, من الكشر: وهو إبداء الأسنان, يقال: كشر الرجل واكتشر: إذا افتر عن أسنانه, والأول أشتهر عند أهل اللغة. ... 1319 - 4124 - عن أبي جحيفة قال: قالوا: يا رسول الله! قد شبت, قال: "شيبتني هود وأخواتها" وفي رواية: "شيبتني هود, والواقعة, والمرسلات, {عم يتساءلون} , {وإذا الشمس كورت} ". "عن أبي جحيفة قالوا: يا رسول الله! قد شبت؟ قال: شيبتني هود وأخواتها. أي: شبت في غير أوانه لما عراني من الهم والحزن بسبب ما في هذه السورة وأخواتها من أهوال يوم القيامة, والحوادث النازلة بالأمم

باب تغير الناس

السالفة إشفاقا على أمتي وخوفا عليهم. ... 8 - باب تغير الناس من الصحاح: 1320 - 4127 - وقال: "يذهب الصالحون الأول فالأول, وتبقى حفالة كحفالة الشعير أو التمر, لا يباليهم الله بالة" "عن مرداس بن مالك الأسلمي: [أنه عليه الصلاة والسلام] قال: يذهب الصالحون الأول فالأول, ويبقى حفالة كحفالة الشعير والتمر, لا يباليهم الله بالة" (الحفالة): رذالة الشيء, وكذا الحثالة, والفاء والثاء يتعاقبان كثيرا. "لا يباليهم الله" أي: لا يرفع لهم قدرا, ولا يقيم لهم وزنا, وأصله أن يكون معدى بالباء. قال: باليت بالشيء مبالاة وبالية وبالة, وقد يعدى بنفسه.

من الحسان: 1321 - 4128 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مشت أمتي المطيطياء, وخدمتهم أبناء الملوك, أبناء فارس والروم, سلط الله شرارها على خيارها"غريب. "عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مشت أمتي المطيطياء, وخدمتهم أبناء الملوك أبناء فارس والروم, سلط الله شرارها على خيارها" "المطيطياء" بضم الميم وفتح الطاء مقصورة وممدودة: مشية فيها تبختر ومد يدين, من مطه يمطه: إذا مده, وكذلك التمطي, وهي من المصغرات التي لم يستعمل لها مكبر, كالمريطاء وهي ما بين الصدر إلى العانة, وقياس مكبرها ممدودة مطياء بوزن طرمساء, ومقصورة مطيا بوزن هربذى على أن أصلها مططا على فعلا, فأبدلت الطاء الثالثة ياء. وهذا الحديث من دلائل نبوته, لأنه -عليه الصلاة والسلام- أخبر عن الغيب, ووافق الواقع خبره, فإنهم لما فتحوا بلاد فارس والروم, وأخذوا أموالهم وتجملاتهم, وسبوا أولادهم فاستخدموهم [...]

1322 - 4130 - وقال: "لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع" "وعن حذيفة: أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع" (اللكع): الأحمق, وقيل: العبد, وهو معدول عن ألكع, يقال: لكع الوسخ عليه لكعا فهو لكع: إذا لصق به, للرجل اللئيم, كما عدلت لكاع للمرأة اللئيمة, ثم استعمل للأحمق والعبد والصبي والجحش. ... 1323 - 4134 - عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "توشك الأمم تتداعى عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها", فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذ كثير, ولكنكم غثاء كغثاء السيل, ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم, وليقذفن في قلوبكم الوهن", قال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت" "عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها, فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير, ولكنكم غثاء كغثاء السيل, ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم, وليقذفن في قلوبكم الوهن, قال قائل: وما الوهن؟

باب

قال: حب الدنيا, وكراهية الموت" يريد بالأمم: أرباب الملل المغايرة للإسلام, الضالين عن الهدى, يدعو عليكم بعضهم بعضا ليقاتلوكم, فيبدونكم ويكسرون شوكتكم, ويستردون عنكم ما فتح الله عليكم من الديار والأموال, كما تداعى أكلة الطعام بعضهم بعضا إلى الصحفة, فيتناولون ما فيها بلا وازع ولا مدافع. و (الغثاء) بالمد: ما يحمله السيل, وكذلك الغثاء بالتشديد, والجمع: الأغثاء, والمعنى: ولكنكم تكونون متفرقين, ضعيف الحال, خفيف العقل, دني القدر, كغثاء السيل. وأراد بـ (الوهن): ما يوجبه, ولذلك فسر بحب الدنيا وكراهة الموت, والله أعلم. ... 9 - باب من الصحاح: 1324 - 4135 - عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا, كل مال نحلته عبدا حلال, وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم, وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم,

وحرمت عليهم ما أحللت لهم, وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا, وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم, عربهم وعجمهم, إلا بقايا من أهل الكتاب, قال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك, وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء, تقرؤه نائما ويقظان, وإن الله أمرني أن أحرق قريشا, فقلت: رب! إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة, قال: استخرجهم كما أخرجوك, واغزهم نغزك, وأنفق فسننفق عليك, وابعث جيشا نبعث خمسة مثله, وقاتل بمن أطاعك من عصاك" "عن عياض بن حمار المجاشعي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا: كل مال نحلته عبدا حلال, وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم, وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم, وحرمت عليهم ما أحللت لهم,, وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا, وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم, عربهم وعجمهم, إلا بقايا من أهل الكتاب, وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك, وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء, تقرؤه نائما ويقظانا, وإن الله أمرني أن أحرق قريشا, فقلت: رب إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة, قال: استخرجهم كما استخرجوك, واغزهم نغزك, وأنفق فسننفق عليك, وابعث جيشا نبعث خمسة مثله, وقاتل بمن أطاعك من عصاك" "كل مال نحلته عبدا حلال" حكاية ما علمه الله تعالى, وأوحى إليه في يومه ذا

والمعنى: ما أعطيت عبدا من مال فهو حلال له ليس لأحد أن يحرم عليه ويمنعه عن التصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم. وليس لقائل أن يقول: هذا يقتضي أن لا يكون الحرام رزقا, لأن كل رزق ساقه الله إلى عبد فقد نحله وأعطاه, وكل ما نحله وأعطاه فهو حلال, فيكون كل رزق الله إياه فهو حلال, وذلك يستلزم أن يكون كل ما ليس بحلال ليس برزق. لأنا نقول: الرزق أعم من الإعطاء, لأن الإعطاء يتضمن التمليك, ولذلك قال الفقهاء: لو قال الرجل لامرأته إن أعطيتني ألفا فأنت طالق, فأعطته بانت, ودخل الأف في ملكه, ولا كذلك الرزق. "وإني خلقت عبادي حنفاء" أي: مستعدين لقبول الحق, والحنف عن الضلال, مبرئين عن الشرك والمعاصي, وهو في معنى قوله: "كل مولود يولد على الفطرة" "فاجتالتهم عن دينهم" أي: جالت الشياطين بهم وساقتهم إليها, افتعال من الجولان. "ما لم أنزل سلطانا": مفعول (يشركوا) يريد به الأصنام وسائر ما عبد من دون الله, أي: أمرتهم بالإشراك بالله بعبادة مل لم يأمر الله بعبادتهم, ولم ينصب دليلا على استحقاقه للعبادة. "ثم نظر إلى أهل الأرض" أي: رآهم ووجدهم متفقين على

الشرك, منهمكين في الضلالة, إلا بقايا من اليهود والنصارى, تبرؤوا عن الشرك, وعضوا على التوحيد والدين الحق. "فمقتهم": أي: أبغضهم لسوء اعتقادهم, وخبث صنيعهم. "لأبتليك وأبتلي بك" أي: لأمتحنك وأمتحن الناس بك. "وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء" أي: كتابا محفوظا في القلوب, لا يضمحل بغسل القراطيس, أو كتابا مستمرا متداولا بين الناس ما دامت السماوات والأرض, لا ينسخ ولا ينسى بالكلية, وعبر عن إبطال حكمه, وترك قراءته والإعراض عنه: بغسل أوراقه بالماء على سبيل الاستعارة, أو كتابا واضحا آياته, بينا معجزاته, لا يبطله جور جائر, ولا تدحضه شيهة مناظر, فمثل الإبطال معنى بالإبطال صورة. وقيل: كنى به عن غزارة معناه, وكثرة جدواه, من قولهم: مال فلان لا يفنيه الماء والنار. "تقرؤه نائما ويقظانا" أي: يصير لك ملكة بحيث يحضر في ذهنك وتلقت إليه نفسك في أغلب الأحوال, فلا تغفل عنه نائما ويقظانا, وقد يقال للقادر على الشيء الماهر به: يفعله نائما. "وإن الله أمرني أن أحرق قريشا" أي: أهلكهم, يريد به كفارهم. "إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة" أي: يشدخوه, فيتركوه بالشدح مصفحا كخبزة, و"نغزك" من أغزيته: إذا جهزته للغزو, وهيأت له أسبابه. "نبعث خمسة مثله" أي: نبعث من الملائكة خمسة أمثال

بعثتهم, كما فعل يوم بدر. ... 1325 - 4136 - عن ابن عباس قال: لما نزلت {وأنذر عشيرتك القربين} صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا, فجعل ينادي: "يا بني فهر! يا بني عدي! لبطون قريش, حتى اجتمعوا, فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم, أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم, ما جربنا عليك إلا صدقا, قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد" قال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم, ألهذا جمعتنا؟ فنزلت {تبت يدا أبي لهب وتب}. ويروى: "نادى: يا بني عبد مناف! إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو, فانطلق يربأ أهله, فخشي أن يسبقوه, فجعل يهتف: يا صباحاه! " "وفي حديث ابن عباس: فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم" (التب, والتباب): الخسران والهلاك, نصبه بعامل مضمر و"سائر اليوم" يريدك جميع الأيام "وفيه: فانطلق يربأ أهله": أي: يعلو موضعا عاليا فيترقب لأهله.

من الحسان: 1326 - 4140 - عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أول ما يكفأ -قال الراوي: يعني: الإسلام- كما يكفأ الإناء" يعني: الخمر, قيل: فكيف, يا رسول الله! وقد بين الله فيها ما بين؟ قال: "يسمونها بغير اسمها فيستحلونها" "في حديث عائشة: إن أول ما يكفأ- قال الراوي: يعني الإسلام- كما يكفأ الإناء يعني الخمر" "يكفأ": يقلب ويمال: كفأت القدر: إذا قلبتها لينصب عنها ما فيها, والمراد به الشرب هاهنا, فإن الشارب يكفأ القدح عند الشرب. وقول الراوي"يعني الإسلام": يريد به: في الإسلام, وسقط عنه والمعنى: إن أول ما يشرب من المحرمات, ويجترأ على شربه في الإسلام - كما يشرب الماء ويجترأ عليه- هو الخمر, ويؤولون في تحليلها بأن يسموها بغير اسمها, كالنبيذ والمثلث.

(25) كتاب الفتن

كتاب الفتن

(25) كتاب الفتن من الصحاح: 1327 - 4142 - وعن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تعرض الفتن على القلوب كالحصيرعودا عودا, فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء, وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء, حتى تصير على قلبين: أبيض مثل الصفا, فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض, والآخر أسود مربادا كالكوز, مجخيا لا يعرف معروفا, ولا ينكر منكرا, إلا ما أشرب من هواه" "عن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا, فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء, وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء, حتى يصير على قلبين: أبيض مثل الصفا, فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض, وآخر أسود مربدا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا, ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه"

"تعرض الفتن على القلوب كالحصير" أي: تعرض عليها وتصل إليها شيئا فشيئا, وواحدا بعد الواحد, كالحصير ينسج عودا فعودا, [وتظهر لها واحدا واحدا كما يظهر للناظر عيدانه بأسرها عودا عودا]. وقيل: معناه: يعرض عليها فيؤثر فيها واحدا واحدا كما تؤثر عيدان الحصير واحدا واحدا في جنب من نام عليه. وروي: "عود عود" بالرفع على خبر مبتدأ محذوف, أي: هو عود عود. وروي: "عودا" بفتح العين نصبا على المصدر, فإن عرض الفتن لما كان متكررا يضمن يعرض معنى: يعود. "فأي قلب أشربها": أي: جعل متأثرا بها, بحيث يتداخل فيه حبها كما يتداخل الصبغ الثوب. "حتى يصير": أي: جنس الإنس على قسمين: قسم ذو قلب أبيض كالصفا –وهي الحجارة الصافية الملساء- لم تؤثر فيه فتنة, ولم تضره, وقسم ذو قلب أسود. "مربدا" أي: مكدرا, من الربدة: وهو سواد يضرب إلى الغبرة, يقال: اربد الشيء اربدادا, واربادا اربيدادا: إذا تلون بلون الرماد. "كالكوز مجخيا": أي: مكبا منحنيا, يقال: جخى الشيخ: إذا

أحنى من الكبر. ... 1328 – 4143 – وقال حذيفة: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين: رأيت أحدهما, وأنا أنتظر الآخر, حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال, ثم علموا من القرآن, ثم علموا من السنة, وحدثنا عن رفعها قال: "ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه, فيظل أثرها مثل أثر الوكت, ثم ينام النومة فتقبض, فيبقى أثرها مثل أثر المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط, فتراه منتبرا وليس فيه شيء, ويصبح الناس يتبايعون ولا يكاد أحد يؤدي الأمانة, فيقال: إن في بني فلان رجلا أمينا, ويقال للرجل: ما أعقله, وما أظرفه, وما أجلده, وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان" "وفي حديثه الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال" أي: في أصل قلوبهم, وجذر كل شيء –بالفتح عن الأصمعي, والكسر عن أبي عمرو-: أصله. ... 1329 – 4143 – وقال حذيفة: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين,

رأيت أحدهما, وأنا أنتظر الآخر, حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال, ثم علموا من القرآن, ثم علموا من السنة, وحدثنا عن رفعها قال: "ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه, فيظل أثرها مثل أثر الوكت, ثم ينام النومة فتقبض, فيبقى أثرها مثل أثر المجل كجمر دحرجته على رجليك فنفط, فتراه منتبرا وليس فيه شيء, ويصبح الناس يتبايعون ولا يكاد أحد يؤدي الأمانة, فيقال: إن في بني فلان رجلا أمينا, ويقال للرجل: ما أعقله, وما أظرفه, وما أجلده, وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان" "وفيه: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه, فيظل أثرها مثل أثر الوكت, ثم ينام النومة فتقبض, فيبقى أثرها مثل أثر المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط, فتراه منتبرا, وليس فيه شيء" "الوكت": الأثر اليسير كالنقطة في الشيء, ومنه: وكتة العين, ويقال: وكتت البسرة توكيتا: إذا ظهر فيها الإرطاب وحدث فيها نقاطه. و"المجل": ما يشد من الجلد من غير نفخ لمزاولة الأعمال الشاقة وتواترها, والنقطة: ما يربومنه لحرقة, أو ضيق خف, أو خشونة آلة مقبوضة, ونحو ذلك: وتكون مجوفة مملوءة من الماء. و (المنتبر): المرتفع, من النبر: وهو الرفع, يقال: نبرته فانتبر: إذا رفعته. والمعنى: إن الأمانة تقبض منهم رأسا بحيث لا يبقى منها شيء

سوى أثر يسير لا يكون وراءه شيء, مثل هذه الآثار الضعيفة التي لا يعبأ بها, وإنما ذكر الضمير في "نفط فتراه منتبرا" على إرادة الموضع الذي دحرج عليه الجمر من رجله. 1330 – 4144 – وعن حذيفة قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير, وكنت أسأله عن الشرمخافة أن يدركني, فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر, فجاءنا الله بهذا الخير, فهل بعد هذا الخير من شر, قال: "نعم" قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم, وفيه دخن". قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال"نعم". قلت: وما دخن؟ قال: "قوم يستنون بغير سنتي, ويهدون بغير هديي, تعرف منهم وتنكر" قلت: فهل بعد ذلك الخير من الشر؟ قال:"نعم, دعاة على أبواب جهنم, من أجابهم إليها قذفوه فيها" قلت: يا رسول الله! صفهم لنا, قال: "هم من جلدتنا, ويتكلمون بألسنتنا" قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم", قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها, ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك" وفي رواية: "تكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي, وسيقوم فيهم رجال قلوبهم كقلوب الشياطين في جثمان إنس" قال حذيفة, قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟

قال: "تسمع وتطيع الأمير, وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك" "وفي حديثه الثالث: وفيه دخن" أي: غش وخيانة, مأخوذ من الدخان. ... 1331 – 4146 – وقال: "ستكون فتن القاعد فيها خير من النائم, والقائم فيها خير من الماشي, والماشي فيها خير من الساعي, من تشرف لها تستشرفه, فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به" وفي رواية: "النائم فيها خير من اليقظان", واليقظان خير من القائم" وفي رواية: "فإذا وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله, ومن كانت لع غنم فليلحق بغنمه, ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه" فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت من لم تكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: "يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر, ثم لينج إن استطاع النجاء, اللهم هل بلغت؟ " ثلاثا, فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين فضربني رجل بسيفه, أو يجيء سهم فيقتلني؟ قال: "يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار" "وفي حديث أبي هريرة: من تشرف لها تستشرفه" أي: من تطلع للفتن يقع فيها بحيث تعلوه, والتشرف: التطلع,

والاستشراف: الاستعلاء والعلو على الشيء. ... 1332 – 4148 – عن أسامة قال: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم من آطام المدينة فقال: "هل ترون ما أرى؟ قالوا: لا, قال: "فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع المطر" "وفي حديث أسامة: أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على آطم من آطام المدينة" أي: على شاهق جبل, و (الأطم) في الأصل: الحصن. ... 1333 – 4150 – وقال: "يتقارب الزمان, ويقبض العلم, وتظهر الفتن, ويلقى الشح, ويكثر الهرج". قالوا: وما الهرج؟ قال: "القتل" "وفي حديث أبي هريرة: يتقارب الزمان" أي: زمان الدنيا, وزمان الآخرة, فيكون المراد به اقتراب الساعة. وقيل: أراد به تقارب أهله في الشر, أو تقاربه في النوازل والفتن. ويحتمل أن يكون المراد به: أن تتسارع الدول إلى الانقضاء, والقرون إلى الانقراض, فيتقارب زمانهم, وتتداني أيامهم.

1334 – 4153 – وقال الزبير بن عدي: أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج, فقال: "اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده أشر منه حتى تلقوا ربكم". سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم. "وفي حديث أنس: لا يأتي عليكم زمان إلا والذي يأتي بعده أشر منه" أخير وأشر: أصلان متروكان لا يكادان يستعملان إلا نادرا, وإنما المتعارف في التفضيل: خير وشر. ... من الحسان: 1335 – 4157 – وعن حذيفة قال: قلت: يا رسول الله! أيكون بعد هذا الخير شر كما كان قبله شر؟ قال: "نعم". قلت: فما العصمة؟ قال:"السيف". قلت: وهل بعد السيف بقية؟ قال: "نعم, تكون إمارة على أقذاء وهدنة على دخن". قلت: ثم ماذا؟ قال: "ثم تنشأ دعاة الضلال, فإن كان لله في الأرض خليفة جلد ظهرك وأخذ مالك فأطعه, وإلا فمت وأنت عاض على جذل شجرة,. قلت: ثم ماذا؟ قال: "ثم يخرج الدجال بعد ذلك, معه نهر ونار, فمن وقع في ناره وجب أجره وحط وزره, ومن وقع في نهره وجب وزره وحط أجره". قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: "ثم ينتج المهر فلا يركب حتى تقوم الساعة" وفي رواية: "هدنة على دخن, وجماعة على أقذاء". قلت:

يا رسول الله! الهدنة على الدخن ما هي؟ قال: "لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه". قلت: بعد هذا الخير شر؟ قال: "فتنة عمياء صماء, عليها دعاة على أبواب النار, فإن مت يا حذيفة وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحدا منهم" "في حديث حذيفة: تكون إمارة على أقذاء, وهدنة على دخن" أي: إمارة مشوبة بشيء من البدع وارتكاب المناهي, وصلح مع خداع وخيانة ونفاق. "وفيه: وإلا فمت وأنت عاض على جذل شجرة" أي: إن لم يكن لله في الأرض خليفة, فعليك بالعزلة والصبر على مضض الزمان, والتحمل لمشاقه وشدائده. وعض جذل الشجر –وهو أصله- كناية عن مكابدة الشدائد, من قولهم: فلان يعض بالحجارة لشدة الألم, ويحتمل أن يكون المراد منه أن ينقطع عن الناس, ويتبوأ أجمة, ويلزم أصل شجرة, إلى أن يموت, أو ينقلب الأمر, من قولهم: عض الرجل بصاحبه: إذا لزمه ولصق به, ومنه: "عضوا عليها بالنواجذ" وقيل: هذه الجملة قسيم قوله: "فأطعه", ومعناه: إن لم تطعه أدتك المخالفة إلى ما لا يستطيع أن تصبر عليه. ويدل على المعنى الأول قوله في الرواية الأخرى: "فتنة عمياء

صماء, عليها دعاة على أبواب النار, فأن تمت يا حذيفة وأنت عاض على جذل, خير لك من أن تتبع أحدا منهم" والمراد بكونها "عمياء صماء": أن تكون بحيث لا يرى منها مخرجا, ولا يوجد دونها مستغاثا, أو أن يقع فيها الناس على غرة من غير بصيرة, فيعمون فيها, ويصمون عن تأمل الحق, واستماع النصح. ... 1336 – 4158 – عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كنت رديفا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على حمار, فلما جاوزنا بيوت المدينة قال: "كيف بك يا أبا ذر إذا كان في المدينة جوع تقوم عن فراشك فلا تبلغ مسجدك حتى يجهدك الجوع؟ " قال: قلت: الله وسوله أعلم, قال: "تعفف يا أبا ذر" ثم قال: "كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة موت يبلغ البيت العبد حتى أنه يباع القبر بالعبد؟ " قال: قلت: الله ورسوله أعلم, قال: "تصبر يا أبا ذر" قال: "كيف بك يا ابا ذر إذا كان بالمدينة قتل تغمر الدماء أحجار الزيت؟ " قال: قلت: الله وسوله أعلم, قال: "تأتي من أنت منه" قال: قلت: وألبس السلاح؟ قال: "شاركت القوم إذا" قلت: فكيف أصنع يا رسول الله؟ قال: "إن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق ناحية ثوبك على وجهك ليبوء بإثمك وإثمه"

"وفي حديث أبي ذر: كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة موت يبلغ البيت العبد, حتى إنه يباع القبر بالعبد" أراد بالبيت: القبر, والمعنى: أن يموت يكثر بحيث تبلغ قيمته قيمة عبد, فيباع به. "وفيه: كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة قتل تغمر الدماء أحجار الزيت" "أحجار الزيت": موضع بالمدينة قريب من الزوراء, وهو موضع صلاة الاستسقاء, وقد وقعت هذه الوقعة في أيام يزيد, توجه إليها مسلم بن عقيل المزني في عسكر, ونزل بالحرة الغربية من المدينة, فاستباح حرمتها وقتل أهلها ثلاثة أيام, وقيل: خمسا, ثم توجه إلى مكة, فمات في طريق. "وفيه: تأتي من أنت منه" أي: ترجع إلى من أنت جئت منه, وخرجت من عنده, يعني: أهلك وعشيرتك. ... 1337 – 4159 – وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس مرجت عهودهم وأماناتهم"

واختلفوا فكانوا هكذا؟ " وشبك بين أصابعه, قال: فبم تأمرني؟ قال: "عليك بما تعرف, ودع ما تنكر, وعليك بخاصة نفسك, وإياك وعوامهم" وفي رواية: "الزم بيتك, واملك عليك, لسانك, وخذ ما تعرف, ودع ما تنكر, وعليك بأمر خاصة نفسك, ودع أمر العامة", صحيح. "وفي حديث عبد الله بن عمرو: كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس مزجت عهودهم وأماناتهم" (الحثالة): ما يسقط من قشر الشعير ونحوه, والمراد بها: أرذل الناس وسقاطهم. و (المزج): الخلط, أي: اختلطت عهودهم, وفسدت نياتهم., واختلت أماناتهم. ... 1338 – 4160 – عن أبي موسى, عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم, يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا, ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا, القاعد فيها خير من القائم, والماشي خير من الساعي, فكسروا فيها قسيكم, وقطعوا فيها أوتاركم واضربوا سيوفكم بالحجارة, والزموا فيها أجواف بيوتكم, فإن

دخل على أحد منكم فليكن كخير ابني آدم", صحيح. ويروي: أنهم قالوا: فما تأمرنا؟ قال: "كونوا أحلاس بيوتكم" "وفي حديث أبي موسى: كونوا أحلاس بيوتكم" أي: ملازميها, من حلس البعير, وهو ما يلقى تحت البردعة من الأكسية. ... 1339 – 4162 – عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ستكون فتنة تستنظف العرب قتلاها في النار اللسان فيها أشد من وقع السيف" "وفي حديث عبد الله بن عمرو: ستكون فتنة تستنظف العرب, قتلاها في النار" "تستنظف العرب" أي: تعمها تستوعبها, من قولهم: استنظفت الخراج: إذا أخذته كله, والمراد بقتلاها: من قتل في تلك الفتنة, وإنما هم من أهل النار, لأنهم ما قصدوا بتلك المقاتلة والخروج إليها إعلاء دين, أو دفع ظالم, أو إعانة محق, وإنما كان قصدهم التباغي والتناجز طمعا في المال والملك.

1340 – 4164 – عن عبد الله بن عمر قال: كنا قعودا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الفتن, فأكثر حتى ذكر فتنة الأحلاس, فقال قائل: وما فتنة الأحلاس؟ قال: "هي هرب وحرب, ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي, يزعم أنه مني وليس مني, وإنما أوليائي المتقون, ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع, ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحدا من هذه الأمة إلا لطمته لطمة, فإذا قيل: انقضت تمادت, يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا, حتى يصير الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه, وفسطاط نفاق لا إيمان فيه, فإذا كان ذلكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده" "وفي حديث ابن عمر: كنا قعودا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الفتن, فأكثر حتى ذكر فتنة الأحلاس قال: هي هرب وحرب ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي, يزعم أنه مني, وليس مني, إنما أوليائي المتقون, ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع" لما شابهت تلك الفتنة الأحلاس للزومها ودوامها, أضاف إليها بهذه المناسبة, ثم لما سئل عنها ميزها بأماراتها وما يحدث فيها. و"السراء": الواسعة, من قولهم: قناة سراء: إذا كانت وسيعة, وإضافة الفتنة إليها على تأويل: فتنة الحادثة السراء, أو: النعمة, وإضافة الفتنة إليها, لأنها مسببة عنها, فإن وقوعهم فيها وابتلاءهم بها من البطر وأشر النعمة.

و"دخنها": ثورانها وهيجانها, شبهه بالدخان كما تشبه الحرب بالنار. "ثم يصطلح الناس على رجل" أي: يتفقون ويجمعون على بيعته, وشبهه بورك على ساق, لقلة ثباته وعدم لياقته لجهله وخفة عقله. "وفيه: ثم فتنة الدهيماء" قيل: أراد بها السوداء, وصغرها للذم, وقيل: أصلها دهيم, اسم للداهية, فألحق بها ألف التأنيث, وكان في الأصل اسم ناقة غزا عليها سبعة إخوة معاقبين, فقتلوا جميعا وحملوا عليها, فصارت مثلا في الشؤم, ثم استعيرت لكل داهية. ... 1341 – 4168 – عن عبد الله بن مسعود, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين, أو ست وثلاثين, أو سبع وثلاثين, فإن يهلكوا فسبيل من هلك, وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما, قلت: أمما بقي أو مما مضى؟ قال: "مما مضى" صحيح. "عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين, أو لست وثلاثين, أو لسبع وثلاثين, فإن يهلكوا

فسبيل من هلك, وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما, قلت: أمما بقي, أو مما مضى؟ قال: مما مضى" دوران رحى الشيء مجاز عن دوامه واستمرار أمره, والمعنى: إن أمر الإسلام يستقر ويدور على ما ينبغي من غير اختلال وفتور تلك المدة المذكورة, وكان الأمر على ذلك إلى أن قتل عثمان رضي الله عنه, وكان في سنة خمس وثلاثين من الهجرة. قوله: "فإن يهلكوا فسبيل من هلك" أي: إن اختلفوا بعد ذلك واستهانوا بالدين, واقترفوا المعاصي وهتكوا الحرمات, فسبيلهم سبيل من هلك قبلهم من الأمم السالفة في تجرئهم واختلافهم وزيغهم عن الحق, ووهنهم في الدين, سمي أسباب الهلاك والانشغال بما يؤدي إليه هلاكا. "وإن يقم لهم دينهم" أي: مضت تلك المدد ولم يتفق فيهم اختلاف وجور في الدين, وضعف في التقوى, تتمادى لهم قوة الدين واستقامة أمره سبعين سنة, وقد وقع المحذور في الوعد الأول, فلم يزل ذلك كذلك إلى الآن. وقوله: "مما مضى": مبدأ المدد المذكور كلها, والمعنى: مما مضى من الهجرة, فإنها أول دولة الإسلام, ومبدأ ظهوره, ويحتمل أن يكون السؤال والجواب متعلقين بقوله: "يقم لهم سبعين عاما"

باب الملاحم

2 - باب الملاحم من الصحاح: الملاحم: جمع ملحمة, وهي الوقعة العظيمة التي تجمع الناس ويلتحمون عليها. 1342 - 4169 - عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان, يكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة, وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين, كلهم يزعم أنه رسول الله, وحتى يقبض العلم, وتكثر الزلازل, ويتقارب الزمان, وتظهر الفتن, ويكثر الهرج وهو القتل, وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته, وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به, وحتى يتطاول الناس في البنيان, وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه, وحتى تطلع الشمس من مغربها, فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون, فذلك حين {لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن ءامنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا} , ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه, ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه, ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه, ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها"

"في حديث أبي هريرة: ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته ولا يطعمه, ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه" (اللقحة): اللبون من النوق, وليط الحوض: تطيينه, وأصله: اللزق, والمعنى: أن الساعة تأخذ الناس بغتة, تأتيهم وهم في أشغالهم, فلا تمهلهم أن يتموها. ... 1343 - 4170 - وقال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر, وحتى تقاتلوا الترك صغار الأعين حمر الوجوه ذلف الأنوف, كأن وجوههم المجان المطرقة" "وفي حديثه الآخر: وحتى تقاتلوا الترك صغار الأعين, حمر الوجوه, ذلف الأنوف, كأن وجوههم المجان المطرقة" "ذلف": جمع أذلف, وهو الذي يكون أنفه صغيرا, ويكون في طرفه غلظ, والمجان: جمع مجن, وهو الترس, والمطرق: الذي أطرق, أي: جعل [على] ظهره طراق, وهو جلد يقطع على مقدار الترس, ملصق على ظهره, شبه وجوههم بالترس لبسطتها وتدويرها وبالمطرق لغلظتها وكثرة لحمها.

1344 - 4171 - وقال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا وكرمان من الأعاجم, حمر الوجوه فطس الأنوف صغار الأعين, كأن وجوههم المجان المطرقة نعالهم الشعر" ويروى "عراض الوجوه" وقد ورد ذلك في الحديث الذي بعده صفة لخوز وكرمان, ولو لم يكن ذلك من خيط بعض الرواة, فلعل المراد بهما صنفان من الترك كان أحد أصول أحدهما من خوز, وأحد أصول الآخر من كرمان, فسماهم الرسول صلى الله عليه وسلم باسمه, وإن لم يشتهر ذلك عندنا, كما نسبهم إلى قنطوراء وهي أمة كانت لإبراهيم صلوات الله عليه. وفيه: "فطس الأنوف" بدل قوله: "ذلف الأنوف", وهو جمع أفطس, من الفطس وهو تطامن قصبه الأنف وانتشارها. ولعل المراد بالموعود في الحديث: ما وقع في هذا العصر بين المسلمين والترك. 1345 - 4172 - وقال: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود, فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر, فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي, فتعال فاقتله, إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود"

"وفي حديث أبي هريرة: إلا الغرقد" هو شجر العوسج, وجمعه: غراقد. ... 1346 - 4175 - وقال: "ليفتتحن عصابة من المسلمين كنز آل كسرى الذي في الأبيض" "وفي حديث جابر بن سمرة: ليفتحن عصابة من المسلمين كنز آل كسرى الذي في الأبيض" "الأبيض": قصر حصين كان بالمدائن, وكانت الفرس تسمية: سفيد كوشك, والآن بني مكانه مسجد مدائن, وقد أخرج كنزه في أيام عمر رضي الله عنه. وقيل: الحصن الذي بهمدان, بناه دارا بن دارا. ... 1347 - 4178 - عن عوف بن مالك قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال: "أعدد ستا بين يدي الساعة: موتي, ثم فتح بيت المقدس, ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم, ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مئة دينار فيظل ساخطا, ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته, ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية, تحت كل غاية اثنا عشر ألفا"

"وفي حديث عوف بن مالك: ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم" (الموتان) -بالضم - يريد به الوباء, وهو في الأصل: موت عام يقع في المواشي, والقعاص: داء يأخذ في صدر الغنم, فلا يلبث أن يموت سريعا, قيل: كان ذلك في أيام عمر رضي الله عنه حدث طاعون بعمواس, وهي قرية من قرى بيت المقدس, وكان بها معسكر المسلمين, فمات منه سبعون ألفا في ثلاثة أيام. ... 1348 - 4179 - وقال: "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق, فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ, فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم, فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا, فيقاتلونهم, فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا, ويقتل ثلث هم أفضل الشهداء عند الله, ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا, فيفتتحون قسطنطينية , فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم, فيخرجون, وذلك باطل, فإذا جاؤوا الشام خرج, فبينما هم يعدون للقتال ويسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة, فينزل عيسى بن مريم فأمهم, فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء, فلو تركه لانذاب حتى

يهلك, ولكن يقتله الله بيده, فيريهم دمه في حربته" "وفي حديث أبي هريرة: لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق أو بدابق" "الأعماق": موضع من أطراف المدينة, و"دابق" بفتح الباء: موضع سوق فيها. ... 1349 - 4180 - عن عبد الله بن مسعود قال: إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة, ثم قال: عدو يجمعون لأهل الشام ويجتمع لهم أهل الإسلام, يعني الروم, فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة, فيقتتلون حتى يمسوا, فيفيء هؤلاء وهؤلاء, كل غير غالب, وتفنى الشرطة, فإذا كان اليوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام, فيجعل الله الدبرة عليهم فيقتتلون مقتلة لم ير مثلها, حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتا, فيتعاد بنو الأب كانوا مئة فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد, فبأي غنيمة يفرح؟ أو أي ميراث يقسم؟ فبينا هم كذلك إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك, فجاءهم الصريخ أن الدجال قد خلفهم في ذراريهم فيرفضون ما في أيديهم ويقبلون, فيبعثون عشرة

فوارس طليعة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم, وألوان خيولهم هم خير فوارس, أو من خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ" "وفي حديث ابن مسعود: فيتشرط المسلمون شرطة للموت, ولا ترجع إلا غالبة" (الشرطة) بضم الشين وسكون الراء: أول طائفة من الجيش تشهد الوقعة, وتلقى العدو, سموا بذلك لأنهم كالعلامة للجيش, والمقدمة التي يتوقف عليها حضورهم, ومنه سمي الشرطين لتقدمها أول الربيع. والتشرط والإشراط والاشتراط: تقدم الشيء لأمر, والمعنى: أن المسلمين يبعثون مقدمتهم على أن لا ينهزموا بحال, بل يتوقفوا ويثبتوا إلى أن يقتلوا أو يغلبوا. "وفيه: فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب, وتفنى الشرطة" أي: إذا جنحهم الليل يرجع معظم الجيش وأصحاب الرايات من الطرفين, ولم يكن لأحدهما غلبة على الآخر, وذلك يقتضي أن يكون شرطة الكفار أيضا مقتولة كما قتلت شرطة المسلمين, وإلا كان ذلك غلبة للكفارعليهم. "وفيه: فإذا كان يوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام,

فيجعل الله الدبرة عليهم, فيقتلون مقتلة لم ير مثلها, حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتا" نهد إلى العدو ينهد -بالفتح فيهما- نهدا: إذا نهض, وأصله: الارتفاع, و"الدبرة" بفتح الباء: الهزيمة "عليهم", أي: الروم والذين حاربوا أهل الإسلام, والخرور: السقوط. "وفيه: فجاءهم الصريخ" أيك المستغيث فعيل من الصراخ. ... من الحسان: 1350 - 4186 - وعن ابن عمر: "يوشك المسلمون أن يحاصروا إلى المدينة حتى يكون أبعد مسالحهم سلاح" وسلاح: قريب من خيبر. عن ابن عمر رضي الله عنهما: "يوشك المسلمون أن يحاصروا إلى المدينة, حتى يكون أبعد مسالحهم سلاح" (المسالح): جمع مسلحة, والمراد بها: الثغور التي تعد فيها الكراع والسلاح, وتكون الحاجز بينهم وبين العدو. و"سلاح": اسم موضع قريب من خيبر, مبنى على الكسر في حجاز, غير مصروف في تميم.

1351 - 4188 - عن عبد الله بن عمرو, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اتركوا الحبشة ما تركوكم, فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقيتين من الحبشة" "وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة" (السويقة): تصغير الساق, يريد به رجلا حبشيا دقيق الساق. ... 1352 - 4190 - عن بريدة, عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث: "يقاتلوكم قوم صغار الأعين -يعني الترك- قال: تسوقونهم ثلاث مرات حتى تلحقوهم بجزيرة العرب, فأما في الساقة الأولى فينجو من هرب منهم, وأما في الثانية فينجو بعض ويهلك بعض, وأما في الثالثة فيصطلمون", أو كما قال. "وفي حديث بريدة: وأما في الثالثة: فيصطلمون" أي: يحصدون بالسيف, والاصطلام: القطع. ... 1353 - 4191 - عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل أناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة عند نهر يقال له دجلة يكون عليه

جسر يكثر أهلها, وتكون من أمصار المسلمين, فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطوراء عراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلوا على شط النهر فيتفرق أهلها ثلاث فرق: فرقة يأخذون أذناب البقر والبرية وهلكوا, وفرقة يأخذون لأنفسهم وهلكوا, وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلونهم وهم الشهداء" "وفي حديث أبي بكرة: فرقة يأخذون بأذناب البقر" أي: يعرضون عن المقاتلة, ويشتغلون بالزراعة, ويتبعون البقرة للحرث. ... 1354 - 4192 - عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أنس أن الناس يمصرون أمصارا, وإن مصرا منها يقال له: البصرة, فإن أنت مررت بها أو دخلتها فإياك وسباخها وكلاءها وسوقها وباب أمرائها, وعليك بضواحيها, فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف, وقوم يبيتون ثم يصبحون قردة وخنازير" "وفي حديث أنس: وعليك بضواحيها, فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف" (الضواحي): جمع ضاحية, وهي الناحية البارزة, "خسف": يريد به الخسف في الأرض, والغيبوبة فيها, "قذف": يريد به رمي

أهلها بالحجارة بأن تمطر عليهم, و (الرجف): الزلزلة. ... 1355 - 4193 - عن صالح بن درهم يقول: انطلقنا حاجبين, فإذا رجل فقال لنا: إلى جنبكم قرية يقال لها الأبلة, قلنا: نعم, قال: من يضمن لي منكم أن يصلي في مسجد العشار ركعتين أو أربعا, ويقول: هذا لأبي هريرة؟ سمعت خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله تعالى يبعث من مسجد العشار يوم القيامة لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم" قال أبو داود رحمه الله: هذا المسجد مما يلي النهر. "وفي حديث أبي هريرة: سمعت خليلي أبا القاسم محمدا صلى الله عليه وسلم ". إن صح هذا منه فلعله ذكره من فرط المحبة, وصدق الوداد معه, وهو إن لم يناف قوله عليه الصلاة والسلام: "لو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا" لأن الخلة لا تلزم أن تكون من الجانبين, لكنه خارج على طريقة الأدب.

باب أشراط الساعة

3 - باب أشراط الساعة من الصحاح: 1356 - 4196 - عن أبي هريرة قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يحدث إذ جاء أعرابي قال: متى الساعة؟ قال: "فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة" قال: كيف إضاعتها؟ قال: "إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" "عن أبي هريرة: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يحدث جاء أعرابي قال: متى الساعة؟ قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة, قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله, فانتظر الساعة" أخرج الجوابين مخرج الاستئناف للتأكيد, ولأن السؤال الأول لما لم يكن مما يمكن أن يجيب عنه بجواب حقيقي يطابقه, فإن تأقيت الساعة غيب لا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل, عدل عن الجواب إلى ذكر ما يدل على المسؤول عنه دلالة ما من أمارتها, وسلك في الجواب الثاني مسلك الأول, ليتسق الكلام. و (التوسيد) في الأصل: أن يجعل للرجل وسادة ويسنده إليها, ثم استعمل في تفويض الأمر وإسناده إلى غيره, وإنما دل ذلك على دنو الساعة, لإفضائه إلى اختلال الأمر, ووهن الدين, وضعف الإسلام.

1357 - 4198 - وقال: "تبلغ المساكن إهاب أو يهاب" "وفي حديثه الآخر: تبلغ المساكن إهاب أو يهاب" "إهاب" بكسر الهمز, و"يهاب" بكسر الياء: اسمان لموضع بقرب المدينة على أميال منها, شك الراوي في أيهما سمع, والمعنى: أن سواد المدينة يزيد بكثرة أهلها, وزيادة عماراتها, حتى تتصل مساكنهم بهذا الموضع. وقد روي: "نهاب" بالنون, ولعله صحف. ... 1358 - 4202 - وقال: "تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة, فيجيء القاتل فيقول: في هذا قتلت, ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي, ويجيء السارق فيقول: في هذا قطعت يدي, ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا" "وفي حديث آخر له: تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة" معناه: أن الأرض تلقي من بطنها ما فيه من الكنوز, وقيل: ما رسخ فيها من العروق المعدنية, ويدل عليه قوله: "أمثال الأسطوانة",

وشبهها بالأكباد جنسا, لأنها أحب ما هو مجني فيها, كما أن الكبد أطيب ما في بطن الجزور وأحبه إلى العرب, وبأفلاذها هيئة وشكلا, فإنها قطع الكبد المقطوعة طولا. وقد حكي عن ابن الأعرابي أنه قال: الفلذة لا تكون إلا البعير. ... 1359 - 4204 - وقال: "لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى" "وعنه: أنه -عليه الصلاة [والسلام]-قال: لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى" تعلو النار وتضيء الجو, بحيث يصل ضوؤها بصرى, ويظهر بها أعناق الإبل في سواد الليل. و"بصرى"بضم الباء: مدينة حوران من الشام, وقيل: مدينة البصرة ولعل ذلك إشارة إلى ما حدث في أيامنا, فإنه قد شاع في البلاد وتواتر ممن شاهد الحال: أن نارا خرجت من الحجاز بقرب المدينة, فسطعت واشتعلت حتى أحرقت أكثر بنيان المدينة, ولبثت نحوا من خمسين يوما تتقد وترمي بالأحجار المحماة المحمرة كالجمر من بطن الأرض, وكان ذلك في رمضان سنة أربع وخمسين وست

مئة, وقد بقيت أثارها في تلك الصحارى. ... 1360 - 4205 - وقال: "أول أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب" فإن قلت: كيف يصح أن يحمل عليها, وقد روى أبو هريرة في الحديث الذي يليه أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: "أول أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب" وهي لم تحدث بعد؟ قلت: لعله لم يرد بذلك أول الأشراط مطلقا, بل الأشراط المتصلة بالساعة الدالة على أنها تقوم عما قريب, فإن من الأشراط بعثة النبي صلى الله عليه وسلم, ولم تتقدمها تلك النار, أو أراد بالنار نار الحرب والفتن كفتنة الترك, فإنها سارت من المشرق إلى المغرب. ... من الحسان: 1361 - 4206 - عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان, فتكون السنة كالشهر, والشهر كالجمعة, وتكون الجمعة كاليوم, ويكون اليوم كالساعة, وتكون الساعة كالضرمة بالنار"

"في حديث أنس: لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر" معناه: أنه تذهب بركة الزمان, فلا يتأتى للرجل في سنة ما كان يتأتى له في شهر, أو يكثر اشتغال الناس واهتمامهم بما يدهشهم من النوازل, ويغفلهم عن مر الزمان, بحيث لا يدرون كيف تنقضي أيامهم ولياليهم, لشدة ما هم فيه. "وتكون الساعة كالضرمة بالنار":أي: كزمان إيقاد الضرمة, وهي ما يوقد به النار أولا كالقصب والكبريت. ... 1362 - 4207 - عن عبد الله بن حوالة قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنغنم على أقدامنا, فرجعنا فلم نغنم شيئا, وعرف الجهد في وجوهنا, فقام فينا فقال: "اللهم لا تكلهم إلى فأضعف عنهم, ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها, ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم". ثم وضع يده على رأسي ثم قال: "يا ابن حوالة! إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة, فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام, والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه إلى رأسك" "وفي حديث عبد الله بن حوالة الأزدي: إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل"

"البلابل": جمع بلبال, وهو هم القلب, وهو ما يؤدي إليه من الشدائد. ... 1363 - 4208 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اتخذ الفيء دولا, والأمانة مغنما, والزكاة مغرما, وتعلم لغير دين, وأطاع الرجل امرأته, وعق أمه, وأدنى صديقه, وأقصى أباه, وظهرت الأصوات في المساجد, وساد القبيلة فاسقهم, وكان زعيم القوم أرذلهم, وأكرم الرجل مخافة شره, وظهرت القينات والمعازف, وشربت الخمور, ولعن آخر هذه الأمة أولها, فارتقبوا عند ذلك ريحا حمراء, وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا, وآيات تتابع كنظام قطع سلكه فتتابع" "وفي حديث أبي هريرة: إذا اتخذوا الفيء دولا, والأمانة مغنما, والزكاة مغرما" (الدول): جمع دولة, وهي اسم لما يتداول, و (المغنم): الغنيمة, و (المغرم): الغرامة. والمعنى: أنه إذا كان الأغنياء وأرباب المناصب يتداولون بأموال الفيء ويستأثرون بحقوق العجزة والفقراء منها, ويمنعونها عن المستحقين لها قهرا وغلبة, والناس يذهبون بودائع الناس وأماناتهم, فيتخذونها مغانم يغنمونها, ويعدون الزكاة غرامة تؤخذ منهم, فيشق

عليهم أداؤها, وسائر ما عدد من أنواع المفاسد وأصناف المناهي والملاهي, فارتقبوا تلك النوازل والحوادث. ... 1364 - 4212 - عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المهدي مني, أجلى الجبهة أقنى الأنف, يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا, يملك سبع سنين" "وفي حديث أبي سعيد: المهدي مني, أجلى الجبهة, أقنى الأنف" أي: المهدي يكون من نسلي وذريتي, واسع الجبهة وضاحا, لا شعر عليها, "أقنى الأنف", أي: مرتفعة. ... 1365 - 4214 - عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يكون اختلاف عند موت خليفة, فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة, فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره, قيبايعونه بين الركن والمقام, ويبعث إليه بعث من الشام, فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة, فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام وعصائب أهل العراق فيبايعونه, ثم ينشأ رجل من قريش, أخواله كلب, فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم, وذلك بعث كلب, ويعمل في الناس بسنة نبيهم,

ويلقي الإسلام إلى الأرض, فيلبث سبع سنين, ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون" "وفي حديث أم سلمة: ويبعث بعث من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة, فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال أهل الشام وعصائب أهل العراق فيبايعونه" هذا البيداء أرض ملساء بين الحرمين, وكل مفازة لا شيء بها تسمى: بيداء, وجمعها: بيد. و"أبدال أهل الشام": صلحاؤهم وخيارهم, سموا بذلك لأن الأرض لا تخلوا عنهم, إذا مات أحدهم أبدال الله مكانه آخر, "وعصائب أهل العراق": جماعاتهم, وقيل: خيارهم, من قولهم: فلان من عصب القوم, وعصبهم, أي: خيارهم. ... 1366 - 4217 - عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده, لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس, وحتى تكلم الرجل عذبة سوطه, وشراك نعله, وتخبره فخذه بما أحدث أهله بعده"

باب العلامات بين يدي الساعة وذكر الدجال

"وفي حديث أبي سعيد المختتم به الباب: وحتى تكلم الرجل وعذبة سوطه" أي: القد الذي في طرفه, وعذبة كل شيء طرفه. ... 4 - باب العلامات بين يدي الساعة وذكر الدجال من الصحاح: 1367 - 4219 - وقال: "بادروا بالأعمال ستا: الدخان, والدجال, ودابة الأرض, وطلوع الشمس من مغربها, وأمر العامة, وخويصة أحدكم" (باب العلامات بين يدي الساعة) "قال النبي صلى الله عليه وسلم: بادروا الأعمال ستا: الدخان, والدجال, ودابة الأرض, وطلوع الشمس من مغربها, وأمر العامة, وخويصة أحدكم" أمرهم أن يبادروا بالأعمال قبل نزول هذه الآيات, فإنها إذا نزلت

دهشتهم وأشغلتهم عن الأعمال, أو سدت عليهم باب التوبة, وقبول العمل, "وأمر العامة": يريد به الفتنة التي تعم الناس, أو الأمر الذي يستبد به العوام ويكون من قبلهم. و"خويصة": تصغير خاصة, أي: الوقعة التي تخص أحدكم, يريد الموت, أو ما يقلق الإنسان في نفسه وأهله وماله فيشغله عن غيره, والله أعلم. ... 1368 – 4226 – وقال: "إن الله لا يخفى عليكم, إن الله ليس بأعور, وإن المسيح الدجال أعورعين اليمنى, كأن عينه عنبة طافية" "وفي حديث ابن عمر: وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية" سمي مسيحا, لأنه ممسوح العين, أو لأن الخير مسح عنه, أو لأنه يمسح الأرض في أيام نعدودة, ودجالا, لأنه خداع ملبس [أو] لأنه يغطي الأرض بأتباعه, من الدجل: وهو الخلط والتغطية, ومنه قولهم: مدجل, أي: مهنوء بالقطران, ودجلة النهر ببغداد فإنها

غطت الأرض بمائها, أو لأنه مطموس العين, من قولهم: دجل الأثر: إذا عفا ودرس, أو لأنه كذاب فيكون أيضا من الدجل بمعنى الخلط, فإن الكذاب ملبس مخلط" و (العنبة الطافية): هي الناتئة عن حد أخواتها, من الطفو: وهو أن يعلو الماء ما وقع فيه, وهذا لا يناقض ما روي في صفة عينه: "إنها ليست بناتئة ولا حجراء" أي: [لا] طافية مرتفعة, ولا غائرة متحجرة –لإمكان اجتماع الوصفين بحسب اختلاف العينين" ... 1369 – 4229 – عن حذيفة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدجال يخرج وإن معه ماء ونار, فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق, وأما الذي يراه الناس نارا فماء بارد عذب, فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه نارا, فإنه ماء عذب طيب, وإن الدجال ممسوح العين, عليها ظفرة غليظة, مكتوب بين عينيه: كافر, يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب" "وفي حديث حذيفة: وإن الدجال ممسوح العين عليها ظفرة غليظة" أي: ممسوح إحدى عينيه, للحديث السابق ونظائره, و"الظفرة"

بالتحريك: لحمة تنبت عند المآقي من كثرة البكاء أو الماء. وقيل: جلدة تخرج في العين من الجانب الذي يلي الأنف, وهي يحتمل أن تكون في العين الممسوحة, وأن تكون في العين الأخرى. ولا تواري الحدقة بأسرها لتعميها. ... 1370 – 4230 – وعن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدجال أعور العين اليسرى, جفال الشعر, معه جنته وناره, فناره جنة, وجنته نار" "وفي حديثه الآخر: الدجال أعور العين اليسرى جفال الشعر" لو لم يكن الاختلاف بين هذا الحديث وحديث ابن عمر من سهو الراوي, فلعله –عليه الصلاة والسلام- أراد بالعور في إحدى العينين: ذهابها, وفي الأخرى: تعيبها. و"جفال الشعر": كثيره. ... 1371 – 4231 – عن النواس بن سمعان قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال فقال: "إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم, وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه, والله خليفتي على كل مسلم, إنه شاب قطط عينه طافئة, كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن, فمن أدركه منكم

فليقرأ عليه فواتح سورة الطهف" وفي رواية: "فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف فإنها جوازكم من فتنته –إنه خارج من خلة بين الشام والعراق- فعاث يمينا وعاث شمالا, يا عباد الله فاثبتوا" قلنا: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال: "أربعون يوما, يوم كسنة, ويوم كشهر, ويوم كجمعة, وسائر أيامه كأيامكم" قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "لا, اقدروا له قدره" قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض؟ قال: "كالغيث استدبرته الريح, فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به, فيأمر السماء فتمطر, ولأرض فتنبت, فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى, وأسبغه ضروعا,, وأمده خواصر, ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله, فينصرف عنهم, فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم, ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النخل, ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا, فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض, ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك, فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم, فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين, إذا طأطأ رأسه قطر, وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان كاللؤلؤ, فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات, ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه, فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله, ثم يأتي عيس قوم قد

عصمهم الله منه, فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة, فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور, ويبعث الله يأجوج ومأجوج {وهم من كل حدب ينسلون} فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية, فيشربون ما فيها, ويمر آخرهم فيقول: لقد كان بهذه مرة ماء, ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر, وهو جبل بيت المقدس, فيقولون: لقد قتلما من في الأرض, هلم فلنقتل من في السماء, فيرمون بنشابهم إلى السماء, فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما, ويحصر نبي الله وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مئة دينار لأحدكم اليوم, فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله, فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم, فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة, ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض, فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم, فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله, فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله –ويروى: فتطرحهم بالمهبل, ويستوقد المسلمون من قسيهم ونشابهم وجعابهم سبع سنين –ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر, فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة, ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك وردي بركتك, فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها, ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من

الناس, واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس, واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس, فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم, فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم, ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر, فعليهم تقوم الساعة" "وفي حديث النواس بن سمعان الكلابي الأنصاري: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال فقال: إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم" يريد بذلك تخويفهم من فتنته, وحثهم على الاستعاذة إلى الله تعالى من شره, لينالوا ثواب شحهم ومحافظتهم على الدين, وتحرزهم واتقائهم عن المضلين, لا تجويز خروجه في عهده, إذ صح عنه ما ينافي ذلك من أنه يخرج بعد خروج المهدي, وأن عيسى –عليه الصلاة والسلام- يقتله, وغير ذلك مما يدل على أنه لا يخرج في عهده. و (الحجيج): المخاصم بالحجة, يقال: حججته حجا فهو حجيج. "وفيه: إنه شاب قطط" أي: شديد الجعودة. "وفيه: إنه خارج [من] خلة بين الشام والعراق" أي: من سبيل بينهما, والخل: الطريق في الرمل, تذكر وتؤنث

"وفيه: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوما, يوم كسنة, ويوم كجمعة, وسائر أيامه كأيامكم" لعل تفاوت هذه الأيام لا يكون تفاوتا حقيقا راجعا إلى أمر داخل فيها, وإنما يكون شيئا يتخيله الناس: إما بسبب ما يكابدون فيها من صنوف الشدائد وأنواع البلايا على اختلاف أحوالها. وإما بسبب شعبذة الدجال وتمويه عليهم, فيضرب بأبصارهم حتى يغفلوا عن تعاقب الظلمة والضياء, واختلاف الليل والنهار, فيخيل إليهم أن الزمان مستمر على حاله, وأن اليوم الذي كانوا فيه باق على قراره. وهذا التأويل أقرب إلى قوله عقيب ذلك: "قلنا: يا نبي الله! فذلك اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم, قال: لا, اقدروا له قدره" أي: قدروا لوقت الصلاة قدره الذي كان له في سائر الأيام كمحبوس اشتبه عليه الوقت. "وفيه: فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى, وأسبغه ضروعا, وأمده خواصر" (السارحة): السائمة, من: سرحت الشاة بنفسها سروحا, و (الذرى): جمع ذروة, وهو أعلى شيء, و (الخواصر): جمع خاصرة, ومدها كناية عن الامتلاء, وكثرة الأكل.

"وفيه: فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين" أي: أصحاب قحط, من: أمحل, أي: صار ذا محل, وهو الجدب. "وفيه: فيمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك, فتنبعه كنوزها كيعاسيب النحل, ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا, فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض, ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك" (النبوع) حقيقة في خروج الماء من تحت الأرض, واستعير هاهنا لخروج الكنوز من جوفها. و (اليعاسيب): جمع يعسوب, وهو فحل النحل ورئيسه, شبه الكنوز في نبوغها باليعاسيب, لأنها تعلو مسرعة صاعدة لا تميل إلى جانب, أو لأنها إذا خرجت من كنوزها تبعها النحل بأجمعها فلم يبق فيه شيء" و (الممتلئ شبابا): وهو الذي يكون في غاية الشباب ونضرة مائه. و (الجزلة): القطعة, أي: يقطعه قطعتين قطعا كرمية الغرض في السرعة والنفوذ, أوالبعد بأن يكون بين القطعتين ما يكون بين الرامي والهدف. "وفيه: إذ بعث الله المسيح بن مريم, فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين" (المهرودة) بالدال والذال: الشقة المصبوغة بالورس والزعفران,

من هردت الثوب: إذا شققته. وقيل: من الهرد –بالضم- وهو صبغ يقال له: العروق. "وفيه: فيطلبه حتى يدركه بباب لد" "لد"بضم اللام: جبل الشام, أي: يدرك المسيح –عليه الصلاة والسلام- الدجال ثمة فيقتله. "وفيه: إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور" (اليد) مجاز عن القوة والطاقة, أي: لا يقوى أحد على مقاتلتهم, يعني: ياجوج ومأجوج, والتحريز: التحصين, أي: اجعل عبادي محرزين عن بأسهم بالضم إلى الطور واللجأ إليه. "وفيه: ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون" أي: من كل مرتفع من الأرض يسرعون. "وفيه: فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه, فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم, فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة" أي: يرغبون إلى الله تعالى في هلاكهم وإنجائهم عن مكابدة بلائهم, ويتضرعون إليه, فيستجيب الله لهم, فيهلكهم بالنغف وهو دود يكون في أنوف الإبل والغنم.

و (الفرسى): جمع فريس, كقتلى وقتيل, من فرس الذئب الشاة: إذا قتلها, أي: فيهلكهم دفعة واحدة, فيموتون في آن واحد موت نفس واحدة, بأدنى سبب. "وفيه: فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم " (الزهم) بالتحريك: مصدر زهمت يدي –بالكسر- فهي زهمة: إذا دسمت, والزهزمة: نتن يكون من الدسومة واللحوم المتغيرة. وروي: "زهمهم"بالضم الزاي وفتح الهاء: وهو جمع زهمة, وهي الريح المنتنة. "وفيه: فتطرحهم بالنهبل" النهبل: اسم موضع من أرضي بيت المقدس. "وفيه: ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر, فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة" أي: لا يحول بينه وبين مكان ما حائل, بل يعم الأماكن كلها فيغسلها, و"الزلفة"روي بالفاء والقاف, بتحريك اللام وضم الزاي فيهما, وفسرها ابن عباس بالمرآة, وبه قال ثعلب وأبو زيد. وقال آخرون: هو بالفاء المحازة, وهي المصانع الممتلئة ماء,

وقيل: الإجانة البيضاء, وقيل: الخضراء, وقيل: الصحفة. "وفيه: فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة, ويستظلون بقحفها, ويبارك في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس" (القحف) في الأصل: العظم المستدير فوق الدماغ, يسمى: قصعة الدماغ, شبه به النصف الأعلى من قشرة الرمان. و"الرسل" اللبن, و"اللقحة"الناقة الحلوبة, وقد تطلق لحلوبة الأنعام ناقة أو غيرها. و"الفئام": الجماعات والقبائل, لا واحد له من لفظه, وهو مهموز من أفأمت الرحل: إذا أوسعته, والعامة يقلبونها ياء, والمراد به هاهنا: أكثر من القبيلة, كما أن القبيلة أكثر من الفخذ. "وفيه: ويبقى شرار الناس يتهارجون" أي: يتخالطون ويتفاسدون, من الهرج: وهو الفتنه والاختلاط. ... 1372 – 4232 – عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين, فتلقاه المسالح, مسالح الدجال, فيقولون له: أين تعمد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج, قال فيقولون له: أو ما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء, فيقولون:

اقتلوه, فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدا دونه, فينطلقون به إلى الدجال, فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فيأمر الدجال الناس به فيشبح, فيقول: خذوه وشجوه, فيوسع ظهره وبطنه ضربا, قال فيقول: أما تؤمن بي؟ قال فيقول: أنت المسيح الدجال الكذاب, قال: فيؤمر به فيؤشر بالمئشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه, قال: ثم يمشي الدجال بين القطعتين, ثم يقول له: قم, فيستوي قائما, ثم يقول: يا أيها الناس إنه لا يفعل هذا بعدي بأحد من الناس, قال: فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا, فلا يستطيع إليه سبيلا, قال: فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به, فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار, وإنما ألقي في الجنة". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين". "وفي حديث أبي سعيد: يخرج الدجال, فيتوجه قبله رجل من المؤمنين, فتلقاه المسالح مسالح الدجال" "المسالح": جمع مسلحة: وهي قوم ذو سلاح, ولعل المراد به هاهنا مقدمة جيشه, وأصلها: موضع السلاح, ثم استعمل للثغر, فإنه تعد فيه الأسلحة, ثم للجند المترصدين, ثم لمقدمة الجيش, فإنهم من الجيش كأصحاب الثغور ممن وراءهم من المسلمين.

"وفيه: فيؤمر به فيوشر بالميشار" أي: كشق الخشبة بالميشار –من غير همز- إذا نشرتها بالمنشار. ... 1373 – 4235 – وقال: "يأتي الدجال, وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة, فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة, فيخرج إليه رجل, وهو خير الناس, أو من خيار الناس, فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه, فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا, فيقتله ثم يحييه, فيقول: والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم, فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه" "وفي حديث أنس: يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة" (النقاب): جمع نقب, وهو الطريق بين الجبلين" ... 1374 – 4238 – عن فاطمة بنت قيس قالت: سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة, فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما قضى صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال: "ليلزم كل إنسان مصلاه" ثم قال: "هل تدرون لم جمعتكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: "إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة

ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا, فجاء وأسلم, وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم به عن المسيح الدجال, حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام, فلعب بهم الموج شهرا في البحر, فأرفؤوا إلى جزيرة حين تغرب الشمس, فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة, فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر, لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر, قالوا: ويلك ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة, انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق, قال: لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة, قال: فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير, فإذا فيه أعظم إنسان ما رأيناه قط خلقا, وأشده وثاقا, مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبته إلى كعبه بالحديد, قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فلعب بنا البحر شهرا فدخلنا الجزيرة, فلقيتنا دابة أهلب فقالت: أنا الجساسة, اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير, فأقبلنا إليك سراعا, فقال: أخبروني عن نخل بيسان هل تثمر؟ قلنا: نعم, ثم قال: أما إنها يوشك أن لا تثمر, قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية هل فيها ماء؟ قلنا: هي كثيرة الماء, قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب, قال: أخبروني عن عين زغر هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا: نعم, هي كثيرة الماء, وأهلها يزرعون من مائها, قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب, قال: أقاتله العرب؟ قلنا

نعم, قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه, قال: أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه, وإني مخبركم عني, إني أنا المسيح, وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة, هما محرمتان على كلتاهما, كلما أردت أن أدخل واحدة منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها, وإن علي كل نقب منها ملائكة يحرسونها", قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, وطعن بمحضرته في المنبر: "هذه طيبة, هذه طيبة, هذه طيبة", يعني: المدينة, "ألا هل كنت حدثتكم؟ "فقال الناس: نعم, قال: "ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن, لا بل من قبل المشرق ما هو", وأومأ بيده إلى المشرق. "وفي حديث فاطمة بنت قيس القرشية: حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام, فلعب بهم الموج شهرا في البحر, فأرؤوا إلى جزيرة حين مغرب الشمس, فجلسوا في أقرب السفينة, فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب, كثير الشعر" المحدث هو تميم الداري, والمحدث له هو الرسول صلوات الله عليه, و"لخم"بالخاء المعجمة و"جذام"بالجيم: قبيلتان. واللعب في الأصل: ما لا فائدة فيه من فعل أو قول, فاستعير لصد الأمواج السفن عن صوب المقصد, وتحويلها يمينا وشمالا.

وإرفاء السفينة تقريبها من الشط, والمرفأ –بالهمز-: الموضع الذي تقرب إليه السفينة لتوقف عنده. و"أقرب"بضم الراء: جمع قارب –بفتح الراء وكسرها- وهو السفينة الصغيرة التي يستصحبها أصحاب البحر لحوائجهم, فيتحولون إليها إذا قربوا من الساحل. والأهلب: غليظ شعر الذنب والأطراف, من الهلبة: وهي ما غلظ, من شعرها. وقوله: "كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر": كالتفسير والتأكيد له. "وفيه: أنا الجساسة" أي: المتجسسة المتفحصة للأحوال. "انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق" أي: شديد الشغف بما عندكم من الخبر, وكأن له أشواقا إليه يهيم بها. "وفيه: قال: قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم" أي: تمكنتم من خبري, فإني لا أحبسه عنكم, فأحدث لكم عن حالي, فأخبروني عن حالكم وما أسأله عنكم أولا. "وفيه: أخبروني عن نخل بيسان هل يثمر"

"بيسان"بفتح الباء: قرية بالشام. "وفيه: أخبروني عن عين زغر" على وزن: زفر, وهو أيضا موضع بالشام. "وفيه: استقبلني ملك بيده بالسيف صلتا. أي: مصلتا مسلولا من غمده. "وفيه: وطعن بمخصرته في المنبر" أي: طعن الرسول صلى الله عليه وسلم عصاه في المنبر, والمخصرةك ما يمسكه الرجل من عصا ونحوها, فيضع تحت خاصرته ويتكئ عليها. "وفيه: ألا إنه في بحر الشام, أو بحر اليمن, لا, بل من [قبل] المشرق ما هو" لما قص عليهم حديث الداري لم ير أن يبين لهم موضعه, فردد ولم يعين, ويحتمل أن يكون المراد بالبحرين ما يلي جانب الشام واليمن, من البحر الممتد على ساحل العرب. ثم أضرب عن القولين وقال: "لا بل من قبل المشرق ما هو" أي: من قبل المشرق هو, و"ما" صلة, ويجوز أن يكون بمعنى الذي, أي: من قبل المشرق ما هو فيه.

من الحسان: 1375 – 4241 - عن عبادة بن الصامت, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا, إن المسيح الدجال رجل قصير, أفحج, جعد, أعور, مطموس العين, ليست بناتئة ولا حجراء, فإن ألبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور" "في حديث عبادة بن الصامت: رجل قصير أفحج" أي: متدان صدور قدميه, متباعد العقبين والساقين, خلاف الأروح. ... 1376 - 4246 – عن أبي سعيد الخدري قالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يتبع الدجال من أمتي سبعون ألفا عليهم السيجان" "وفي حديث أبي سعيد: يتبع الدجال من أمتي سبعون ألفا عليهم السيجان" "السيجان": جمع ساج, وهو الطيلسان الأخضر. ... 1377 – 4247 – عن أسماء بنت يزيد قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي, فذكر الدجال فقال: "إن بين يديه ثلاث سنين, سنة تمسك

السماء فيها ثلث قطرها والأرض ثلث نباتها, والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها والأرض ثلثي بناتها, والثالثة تمسك السماء قطرها كله والأرض بناتها كله, فلا يبقى ذات ظلف ولا ذات ضرس من البهائم إلا هلك, وإن أشد أنه يأتي الأعرابي فيقول: أرأيت إن أحييت لك إبلك ألست تعلم أني ربك؟ فيقول: بلى, فيمثل له نحو إبله كأحسن ما يكون ضروعا وأعظمه أسنمة" قال: "ويأتي الرجل قد مات أخوه, مات أبوه, فيقول: أرأيت إن أحييت لك أباك وأخاك ألست تعلم أني ربك؟ فيقول: بلى, فيمثل له الشياطين نحو أبيه ونحو أخيه, قالت: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته, ثم رجع والقوم في اهتمام وغم مما حدثهم, قالت: فأخذ بلجمتي الباب فقال: "مهيم أسماء؟ "قلت: يا رسول الله! لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال, قال: "إن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه, وإلا فإن ربي خليفتي على كل مؤمن"فقلت: يا رسول الله! والله إنا لنعجن عجيننا, فما نخبزه حتى نجوع, فكيف بالمؤمنين يومئذ؟ قال: "يجزيهم ما يجزي أهل السماء من التسبيح والتقديس" "وفي حديث أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية: فأخذ بلحمتي الباب فقال: مهيم أسماء"؟ (لحمنا الباب): جانباه, يريد بها عضادتيه, وقد قيل: الصحيح: "بلجفتي الباب" من قولهم: ألجاف البئر, لجوانبها.

باب قصة ابن الصياد

و"مهيم": كلمة يمانية, ومعناه: ما الحال والخبر؟ و"أسماء": منادى حذف عنه حرف النداء, والله أعلم. ... 5 - باب قصة ابن الصياد من الصحاح: 1378 - 4248 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: أن عمر بن الخطاب انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من أصحابه قبل ابن صياد حتى وجدوه يلعب مع الصبيان في أطم بني مغالة, وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم, فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بيده قال: "أتشهد أني رسول الله! فنظر إليه فقال: أشهد أنك رسول الأميين, ثم قال ابن صياد: أتشهد أني رسول الله! فرضه النبي صلى الله عليه وسلم, ثم قال: "آمنت بالله ورسوله", ثم قال لابن صياد: "ماذا ترى؟ " قال: يأتيني صادق وكاذب, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلط عليك الأمر", قال رسول الله: "إني خبأت لك خبيئا", وخبأ له {يوم تأتي السماء بدخان مبين} , فقال: هو الدخ, قال: "اخسأ, فلن تعدو قدرك", قال عمر: يا رسول الله! أتأذن لي فيه أضرب عنقه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لك يكن هو فلا تسلط عليه, وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله" قال ابن عمر: انطلق بعد ذلك

رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب الأنصاري يؤمان النخل التي فيها ابن صياد, فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقي بجدوع النخل, وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه, وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها زمزمة, فرأت أم ابن صياد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتقي بجدوع النخل فقالت: أي صاف! وهو اسمه, هذا محمد, فتناهى ابن صياد, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو تركته بين" قال عبد الله بن عمر: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله, ثم ذكر الدجال فقال: "إني أنذركموه, وما من نبي إلا وقد أنذره قومه, لقد أنذره نوح قومه, ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه: تعلمون أنه أعور, وأن الله ليس بأعور" "وفي حديث عمر: أشهد أنك رسول الأميين" يريد بهم العرب, لأن أكثرهم كانوا لا يقرؤون ولا يكتبون, وما ذكره وإن كان حقا من قبل المنطوق, لكنه يشعر بباطل من حيث المفهوم, وهو أنه مخصوص بالعرب غير مبعوث إلى العجم, كما زعمه بعض اليهود, وهو إن قصد به ذلك, فهو من جملة ما يلقي إليه الكتاب الذي يأتيه وهو شيطانه. "وفيه: فرصه الرسول صلى الله عليه وسلم " بالصاد الغير المعجمة, أي: ضم بعضه إلى بعض, وعصره عصرا شديدا.

"وفيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني خبأت خبيئا, وخبأ له: {يوم تأتي السماء بدخان مبين} [الدخان:10] قال: هو الدخ, قال: اخسأ فلن تعدو قدرك" "خبأت لك" أي: أضمرت لك في نفسي شيئا لتخبرني به. و"خبيئا": فعيل بمعنى مفعول. و"الدخ" بالضم: الدخان. و"اخسأ": معناه: ابعد, من الخسء وهو زجر الكلب. "فلن تعدو قدرك": يحتمل أن يكون دعاء, وأن يكون إخبارا بأن الكاهن وإن أصاب في كهانته فلن يرفع قدره, ولا تعلو مكانته. "وفيه: إن لم يكن هو لا تسلط عليه, وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله" "إن لم يكن هو"الضمير للدجال, ويدل عليه ما روي أنه -عليه السلام- قال: "إن لم يكن هو فلست صاحبه, إنما صاحبه عيسى بن مريم [عليه الصلاة والسلام] , وإلا يكن هو فليس لك أن تقتل رجلا من أهل العهد" فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مشفقا أنه الدجال. و"هو"خب كان, واسمه مستكن فيه, وكان حقه: إن يكنه, فوضع المرفوع المنفصل موضع المنصوب المتصل, عكس قولهم: لولاه. ويحتمل أن يكون تأكيدا للمستكن والخبر محذوف, على تقدير: إن يكن هو هذا

فإن قلت: كيف منع من قتله على التقدير الثاني, قال: "لا خير لك في قتله", وعلله بكونه معاهدا في الرواية الأخرى المذكورة [في] آخر الحسان وقد ادعى النبوة؟! قلت: لم يدع النبوة صريحا, فإن قوله: "أتشهد أني رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "استفهام لا تصريح فيه على دعاء الرسالة, مع أنه لم يكن بالغا حينئذ. "وفيه: وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه, وابن الصياد مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها رمرمة" "يختل": يرتاد معافصته, من الختل: وهو طلب الشيء بحيلة. و"القطيفة": اللحاف الصغير. و (الرمرمة): صوت لا يفهم منه شيء, وهي في الأصل صوت الرعد. ... 1379 - 4250 - عن أبي سعيد الخدري: أن ابن صياد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تربة الجنة, فقال: "درمكة بيضاء مسك خالص"

"وعن أبي سعيد: أن ابن الصياد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تربة الجنة فقال: "درمكة بيضاء مسك خالص" (الدرمك): دقيق الحواري, شبه تربة الجنة بالدقيق في بياضها ونعومتها, وبالمسك في طيب رائحتها. ... 1380 - 4253 - وقال ابن عمر: لقيته وقد نفرت عينه, فقلت: متى فعلت عينك ما أرى؟ قال: لا أدري, قلت: لا تدري وهي في رأسك؟ قال: إن شاء الله خلقها في عصاك, قال: فنخر كأشد نخير حمار سمعت. "وفي حديث ابن عمر: لقيته وقد نفرت عينه" أي: ورمت. وقول ابن الصياد: "إن شاء الله خلقها في عصاك" في جواب قوله: "لا تدري وهي في رأسك": إشارة إلى أنه يمكن أن تكون العين لجماد لا يكون له شعور بحالها, فلم لا يجوز أن تكون لإنسان مستغرق في أفكاره بحيث تشغله عن الإحساس بها, والتذكر لأحوالها؟ ... 1381 - 4254 - عن محمد بن المنكدر رضي الله عنه قال: رأيت جابر ابن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال, قلت: تحلف بالله؟

قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم, فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم. "وفي حديث جابر: سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره" لعل عمر أراد بذلك أن ابن الصياد من الدجالين الذين يخرجون فيدعون النبوة, أو يضلون الناس ويلبسون الأمر عليهم, لا أنه المسيح الدجال. ... من الحسان: 1382 - 4257 - عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمكث أبوا الدجال ثلاثين عاما لا يولد لهما ولد, ثم يولد لهما غلام أعور أضرس, وأقله منفعة, تنام عيناه ولاينام قلبه", ثم نعت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: "أبوه طوال ضرب اللحم, كأن أنفه منقار, وأمه امرأة فرضاخية طويلة اليدين, فقال أبو بكر رضي الله عنه: فسمعنا بمولود في اليهود بالمدينة, فذهبت أنا والزبير بن العوام حتى دخلنا على أبويه, فإذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهاما, فقلنا: هل لكما ولد؟ فقالا: مكثنا ثلاثين عاما لا يولد لنا ولد, ثم ولد غلام أعور أضرس وأقله منفعة, تنام عيناه ولا ينام قلبه, قال: فخرجنا من عندهما فإذا هو منجدل في الشمس في قطيفة وله همهمة, فكشف عن رأسه فقال: ما قلتما؟ قلنا:

باب نزول عيسى عليه السلام

وهل سمعت ما قلناه؟ قال: "نعم, تنام عيناي ولا ينام قلبي" "في حديث أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمكث أبوا الدجال ثلاثين عاما لا يولد لهما ولد, ثم يولد لهما غلام أعور أضرس, وأقله منفعة, تنام عيناه ولا ينام قلبه, ثم نعت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: أبوه طوال ضرب اللحم كأن أنفه منقار, وأمه امرأة فرضاخية طويلة اليدين" "أضرس": عظيم السن. "أقله", أي: أقل غلام منفعة, وروي: "أضر شيء وأقله منفعة" فيكون الضمير للشيء, أي: هو أقل الأشياء منفعة, وأكثرها مضرة. "ولا ينام قلبه": أي: لا تنقطع أفكاره الفاسدة عند النوم لكثرة وساوسه وتخيلاته, وتواتر ما يلقي الشيطان إليه, كما لم يكن ينام قلب النبي صلى الله عليه وسلم من كثرة أفكاره الصالحة بسبب ما تواتر عليه من الوحي والإلهام. و"طوال"بالضم والتخفيف: مبالغة طويل, والمشدد أكثر مبالغة. و (الفرضاخية) بكسر الفاء وتشديد الياء: الضخمة العظيمة. ... 6 - باب نزول عيسى عليه السلام من الصحاح: 1383 - 4259 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"والذي نفسي بيده, ليوشكن أن ينزل فيكم ابن حزم حكما عدلا, فيكسر الصليب, ويقتل الخنزير, ويضع الجزية, ويفيض المال حتى لا يقبله أحد, حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها", ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: واقرؤوا إن شئتم: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} الآية. "وفي حديث أبي هريرة: تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها" ومعناه: أنه يكثر المال, ويزهد الناس في الدنيا, ويرغبون فيما يقربهم إلى الله تعالى, حتى تكون السجدة الواحدة أحب إليهم من الدنيا وما فيها. ... 1384 - 4262 - وقال: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة". قال: "فينزل عيسى بن مريم, فيقول أميرهم: تعال صل لنا, فيقول: لا, إن بعضكم على بعض أمراء, تكرمة الله هذه الأمة" "وفي الحديث المختتم به الباب: فنزل عيسى بن مريم, فيقول أميرهم: تعال صل لنا, فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمراء, تكرمة

باب قرب الساعة وأن من مات فقد قامت قيامته

الله تعالى هذه الأمة" "تكرمة الله": نصب على المفعول لأجله, والعامل محذوف, والمعنى: شرع الله أن يكون إمام المسلمين منهم, وأميرهم من عدادهم تكرمة لهم وتفخيما لشأنهم, أو على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة التي قبله. ... 7 - باب قرب الساعة وأن من مات فقد قامت قيامته من الصحاح: 1385 - 4263 - عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين". قال قتادة في قصصه: كفضل إحداهما على الأخرى. (باب [قرب] الساعة وأن من مات فقد قامت قيامته) "عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعثت أنا والساعة كهاتين" يريد أن دينه وملته, متصل يقيام الساعة لا يفصله عنه دين

آخر, ولا يفرق بينهما دعوة أخرى, كما لا يفصل شيء بين السبابة والوسطى. وقيل: معناه: أن نسبة تقدم بعثته على قيام الساعة كنسبة فضل إحدى الإصبعين على الأخرى, وهو الشيخ الذي رواه عن قتادة. ... 1386 - 4226 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رجال من الأعراب جفاة يأتون النبي صلى الله عليه وسلم ويسألونه عن الساعة, فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول: "إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم" "وفي حديث عائشة: إن يعش هذا لا يدركه الهرم, حتى تقوم عليكم ساعتكم" أراد بالساعة انقراض القرن الذين هم من عدادهم, ولذلك أضاف إليهم. ... من الحسان: 1387 - 4267 - عن المستورد بن شداد رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بعثت في نفس الساعة, فسبقتها كما سبقت هذه هذه, وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى.

باب لا تقوم الساعة إلا على الشرار

"في حديث المستورد بن شداد: قال النبي صلى الله عليه وسلم: بعثت في نفس الساعة" بالتحريك, أي: حين تنفست وظهرت أشراطها ومباديها, وبعثته -عليه الصلاة والسلام- أول أشراطها, والله أعلم. ... 8 - باب لا تقوم الساعة إلا على الشرار من الصحاح: 1388 - 4272 - وقال: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب آليات نساء دوس حول ذي الخلصة -وذو الخلصة: طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية" (باب لا تقوم الساعة إلا على الأشرا) "عن أبي هريرة: أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: لا تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس حول ذي الخلصة" "إليات"جمع إلية, وهي في الأصل: اللحمة التي تكون في أصل عضو, وقد جاء في الحديث: "فتفل في عين علي رضي الله عنه ومسحها بإلية

إبهامه"فشاعت في اللحمة التي تكشف مخرج الحيوان. و"الخلصة"بفتح الخاء واللام: بيت صنم كان ببلاد دوس, و"ذو الخلصة"الصنم الذي كان فيه. وقيل: الخلصة الكعبة اليمانية التي أنفذ إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير ابن عبد الله فخربها. والمعنى: أن الساعة لا تقوم حتى ترتد دوس عن الإسلام, فتطوف نساؤهم حول ذي الخلصة مضطربة إلياتهن كما كانت عادتهن في الجاهلية. ... 1389 - 4274 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج الدجال فيمكث أربعين -لاأدري أربعين يوما أو شهرا أو عاما- فيبعث الله عيسى بن مريم عليهما السلام كأنه عروة بن مسعود رضي الله عنه فيطلبه فيهلكه, ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة, ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام, فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إ لاقبضته, حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه", قال: "فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع, لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا, فيمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستحيون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان, وهم في ذلك دار رزقهم, حسن عيشهم, ثم

ينفخ في الصور, فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا", وقال: "وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله, فيصعق ويصعق الناس, ثم يرسل الله مطرا كأنه الطل فينبت منه أجساد الناس, ثم ينفخ فيه أخرى {فإذا هم قيام ينظرون} , ثم يقال: يا أيها الناس! هلم إلى ربكم: {وقفوهم إنهم ينظرون} , ثم يقال: أخرجوا بعث النار, فيقال: من كم؟ فيقال: من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعين, قال: فذاك يوم {يجعل الولدان شيبا} , وذلك {يوم يكشف عن ساق} " "وفي حديث عبد الله بن عمرو: حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه, قال: فيبقى شرار الناس في حفة الطير وأحلام السباع" (كبد الشيء): وسطه, مستعار من كبد الحيوان, ومنه: كبد السماء. والمراد بـ"خفة الطير": اضطرابها وتنفرها بأدنى توهم, شبه حال الأشرار في تهتكهم, وعدم وقارهم وثباتهم, واختلال رأيهم, وميلهم إلى الفجور والفساد, بحال الطير والسباع. "وفيه: ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا" (الليت): صفحة العنق, أي: أمال صفحة عنقه خوفا ودهشة كمن يصعق وتسقط قواه.

باب النفخ في الصور

"وفيه: وذلك يوم يكشف عن ساق" أي: عن أمر عظيم, وهول شديد, وكان أصله: أن الولد يموت في بطن الناقة, فيدخل المذمر يده في رحمها فيأخذ ساقه فيخرج, فجعل لكل أمر فظيع وخطب شديد. ... 1 - باب النفخ في الصور 1390 - 4376 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بين النفختين أربعون", قالوا: يا أبا هريرة! أربعون يوما؟ قال: أبيت, قلوا: أربعون شهرا؟ قال: أبيت, قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت, "ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل" قال: "وليس من الإنسان شيء لا يبلى إلا عظما واحدا, وهو عجب الذنب, ومنه يركب الخلق يوم القيامة" وفي رواية: "كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب, منه خلق وفيه يركب" (باب النفخ في الصور) "وفي حديث أبي هريرة: قالواك "يا أبا هريرة أربعون يوما, قال: أبيت"

أي: لا أدري أن الأربعين الفاصل بين نفختين أي شيء: أيام أو شهور أو أعوام, وأمتنع عن الكذب عن الرسول, والإخبار عما لا أعلم. ... 1391 - 4277 - وقال: "يقبض الله الأرض يوم القيامة, ويطوي السماء بيمينه, ثم يقول: أنا الملك, أين ملوك الأرض" "وفي حديث آخر له: يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه" عبر عن إفناء الله تعالى هذه المظلة والمقلة ورفعهما من البين وإخراهما من أن تكون مأوى ومنزلا لبني آدم بقدرته الباهرة التي يهون عليها الأفعال العظام, التي تتضاءل دونها القوى والقدر, وتتحير فيها الأفهام والفكر = على طريق التمثيل والتخييل, وأضاف في الحديث الذي ييه طي السماوات وقبضها إلى اليمين, وطي الأرض إلى الشمال, تنبيها وتخييلا لما بين المقبوضين من التفاوت والتفاضل, وعلى هذا النحو حديث ابن مسعود, وهو نظير قولهم: فلان يدير أمر المملكة ويدبرها برأس إصبعه, إذا كان هينا عليه, لا يتعبه الاستبداد به كما لا يتعبه التفرد بأدنى شيء, والاستقلال بتناوله والتصرف فيه. ... 1392 - 4281 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشمس والقمر مكوران يوم القيامة"

"وعن أبي هريرة: أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: الشمس والقمر مكوران يوم القيامة" "مكوران": مجموعان, لقوله تعالى: {وجمع الشمس والقمر} [القيامة:9] من التكوير: وهو اللف والضم. وقيل: ملفوف ضوؤهما فلا ينبسط في الآفاق. وقيل: مرفوعان, فإن الثياب إذا طويت رفعت. وقيل: ملقيان من فلكيهما, لقوله تعالى: {وإذا الكواكب انتثرت} [الانفطار:2] من قولهم: طعنه فكوره: إذا ألقاه. ... من الحسان: 1393 - 4282 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنعم وصاحب الصور قد التقمه, وأصغى سمعه, وحتى جبهته متى يؤمر بالنفخ؟ ". قالوا: يا رسول الله! وما تأمرنا؟ قال: "قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل" "في حديث أبي سعيد: قال النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أنعم وصاحب الصور قد التقمه, وأصغى سمعه, وحنى جبهته, ينتظر متى يؤمر بالنفخ" معناه: كيف يطيب عيشي وقد قرب أن ينفخ في الصور, فكنى عن ذلك بأن صاحب الصور وضع رأس الصور في فمه, وهو مترصد

باب الحشر

مترقب لأن يؤمر فينفخ فيه, والله أعلم. ... 2 - باب الحشر من الصحاح: 1394 - 4284 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي, ليس فيها علم لأحد" (باب الحشر) "عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء, كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد" (الأعفر الأبيض): الذي لا يخلص بياضه, ولا يشتد, والعفرة: لون الأرض. وقوله: "كقرصة النقي": تشبيه بها في اللون والشكل دون القرص, و (النقي): الدقيق المنخول المنظف الذي يتخذ منه الحواري. "ليس فيها علم لأحد" أي: علامة, يريد به الأبنية. معناه: أنها تكون قاعا لا بناء فيها.

1395 - 4285 - وقال: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة, يتكفؤها الجبار بيده, نزلا لأهل الجنة" وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة بيضاء يتكفؤها الجبار بيده نزلا لأهل الجنة" لعله -عليه الصلاة والسلام- لم يرد بذلك أن جرم الأرض ينقلب خبزة في الشكل والطبع, وإنما أراد به أنها تكون حينئذ بالنسبة إلى ما أعد الله لأهل الجنة كقرصة النقي, يستعجل المضيف بها نزلا للضيف. ... 1396 - 4286 - وقال: "يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين راهبين, واثنان على بعير, وثلاثة على بعير, وأربعة على بعير, وعشرة على بعير, وتحشر بقيتهم النار, تقبل معهم حيث قالوا, وتبيت معهم حيث باتوا, وتصبح معهم حيث أصبحوا, وتمسي معهم حيث أمسوا" "عن أبي هريرة: أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: "يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق: راغبين راهبين, واثنان على بعير, وثلاثة على بعير, وأربعة على بعير, وعشرة على بعير, وتحشر بقيتهم النار" اراد بذلك حشرا يكون للناس في حياتهم الدنيا إلى الشام, وأما الحشر بعد البعث فالناس فيه حفاة, على ما دل عليه الحديث التالي له. والظاهر من سياق الحديث: أن المراد به الحشر بعد البعث من

المنشر إلى المحشر, ويدل عليه ما روى أبو هريرة في الحسان: أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: "يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: صنفا مشاة, وصنفا ركبانا, وصنفا على وجوههم" الصنف المشاة: المؤمنون الذين خلطوا صالح أعمالهم بسيئها, ويكونون مترددين بين الخوف والرجاء, ويرجون رحمة الله لإيمانهم, ويخافون عذابه لسوء أعمالهم, ولعلهم أصحاب اليمين. والصنف الركبان: هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات, ويجتنبون عن السيئات, يسرعون إلى ما أعد لهم في الجنان إسراع الركبان, ولعلهم السابقون المعنى بقوله تعالى: {والسابقون السابقون* أولئك المقربون} [الواقعة:10 - 11]. وقوله: "واثنان على بعير, وثلاثة على بعير": تفصيل لمراتبهم ومنازلهم في السبق وعلو الدرجة على سبيل الكناية والتمثيل, وأن تفاوتهم في المراكب بحسب تفاوت نفوسهم, واختلاف أقدامهم في العلم والعمل, فمن كان أعلى رتبة كان أقل شركة, وأشد سرعة وأكثر سياقا. ... 1397 - 4287 - وقال: "إنكم محشورون حفاة عراة غرلا, ثم قرأ: {كما بدأنا أول خلق نعيده, وعد علينا إنا كنا فاعلين} , "وأول من يكسي يوم القيامة إبراهيم, وإن ناسا من أصحابي يؤخذ بهم

ذات الشمال فأقول: أصحابي, أصحابي, فيقول: إنهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم مذ فارقتهم, فأقول كما قال العبد الصالح: {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم} , إلى قوله: {العزيز الحكيم}. "وفي حديث ابن عباس: إنكم محشورون حفاة عراة غرلا, ثم قرأ: {كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا} " (الحفاة): جمع حاف, وهو الذي لا نعل له. و (الغرل): جمع أغرل, وهو الأقلف, وكذلك الأرغل. قيل: تخصيصه بهذه الكرامة لأنه أول من عري في سبيل الله للإهلاك من النبيين, وذلك حين أريد إلقاؤه في النار" وقوله: "وإن ناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال": يريد بهم من ارتد من الأعراب الذين أسلموا في أيامه كأصحاب مسيلمة والأسود وأضرابهم, فإن أصحابه وإن شاع عرفا فيمن يلازمه من المهاجرين والأنصار, شاع استعماله لغة في كل من تبعه وأدرك حضرته, ووفد عليه ولو مرة. وقيل: أراد بالارتداد: إساءة السيرة, والرجوع عما كانوا عليه من الإخلاص وصدق النية, والإعراض عن الدنيا.

وتنكير الناس, وتصغير الأصحاب للدلالة على تقليلهم. والمراد بالعبد الصالح: عيسى عليه السلام, والآية حكاية قوله عليه السلام. ... 1398 - 4290 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يلقى إبراهيم أباه يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة, فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك: لا تعصني؟ فيقول له أبوه: فاليوم لا أعصيك, فيقول إبراهيم: يا رب! إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون, فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله - عز وجل -: إني حرمت الجنة على الكافرين, ثم يقال لإبراهيم: ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو بذيخ متلطخ, فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار" "وفي حديث أبي هريرة: فإذا هو بذيخ متلطخ, فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار" (الذيخ): ذكر الضيع, و (المتلطخ): يريد به الملطوخ بالدم, وقيل: المعيوب.

1399 - 4294 - وقال: صلى الله عليه وسلم "يكشف ربنا عن ساقه, فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة, ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة, فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا" "وعن أبي سعيد: أنه -عليه السلام- قال: يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة, ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة, فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا" "يكشف ربنا عن ساقه" أي: يكشف عن أمر عظيم, وخطب خطير لا يجليه لوقته إلا هو. وكشف الساق: مثل في صعوبة الأمر وشدته, واستعماله فيه شائع, ومن ذلك قول الشاعر: عجبت من نفسي ومن إشفاقها ... ومن طرادي الطير عن أرزاقها في سنة قد كشفت عن ساقها وقوله: "فيعود ظهره طبقا واحدا" أي: يصير عظما واحدا بلا مفصل, لا ينثني, فلا يقدر أن يسجد. ... من الحسان: 1400 - 4298 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: صنفا مشاة, وصنفا ركبانا,

باب الحساب والقصاص والميزان

وصنفا على وجوههم" قيل: يا رسول الله! وكيف يمشون على وجوههم؟ قال: "إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم, أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك" "في حديث أبي هريرة: أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك" يريد به بيان هوانهم واضطرارهم إلى حد جعلوا وجوههم مكان الأيدى والأرجل في التوقي عن مؤذيات الطرق, والمشي إلى المقصد, لما لم يجعلوها ساجدة لمن خلقها وصورها. ... 3 - باب الحساب والقصاص والميزان من الصحاح: 1401 - 4301 - عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس أحد يجاسب يوم القيامة إلا هلك" قلت: أو ليس بقول الله: {فسوف يحاسب حسابا يسيرا} فقال: "إنما ذلك العرض, ولكن من نوقش في الحساب يهلك" (باب الحساب والقصاص والميزان) "في حديث عائشة: ولكن من نوقش في الحساب يهلك"

المناقشة في الحساب: التشدد والاستقصاء فيه, فلا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. ... 1401 /م- 4303 - وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم, أي رب! حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك قال: سترتها عليك في الدنيا, وأنا أغفرها لك اليوم, فيعطى كتاب حسناته, وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق: {هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين} ". "وفي حديث ابن عمر: إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه" "كنفه": حفظه وستره عن أهل الموقف, وصونه عن الخزي, مستعار من كنف الطائر: وهو جناحه, يصون به نفسه, ويستر به بيضه فيحفظه, وأصله: الجانب, ويقال: كنفت الرجل: إذا صنته. "وفيه: حتى قرره بذنوبه" أي: جعله مقرا بأن أظهر له ذنوبه, وألجأه على الإقرار بها. ... 1402 - 4304 - وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول: هذا فكاكك من النار" "عن أبي بردة: أنه -عليه السلام- قال: إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا, قيقول: هذا فكاكك من النار" لما كان لكل مكلف مقعد من الجنة ومقعد من النار, فمن آمن حق الإيمان بدل مقعده بالنار بمقعد من الجنة, ومن لم يؤمن فبالعكس = كانت

الكفرة كالخلف للمؤمنين في مقاعدهم من النار, والنائب منابهم منها. وأيضا لما سبق القسم الإلهي بامتلاء جهنم, كان إملاؤها من الكفار خلاصا للمؤمنين, ونجاة لهم من النار, فهم في ذلك للمؤمنين كالفداء والفكاك, وهو في الأصل ما يخلص به الرهن, ويفك به. ولعل تخصيص اليهود والنصارى بالذكر, لا شتهارهما بمضارة المسلمين, ومقابلتهما إياه في تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم المقتضي لنجاته. ... 1403 - 4307 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: يارسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: "هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة؟ " قالوا: لا, قال: "فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر في سحابة, قالوا: لا, قال: "فوالذي نفسي بيده, لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما, قال: "فيلقى العبد فيقول: أي فل! ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى" قال: "فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا, فيقول: فإني قد أنساك كما نسيتني, ثم يلقى الثاني, فذكر مثله, ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك, فيقول: يا رب! آمنت بك وبكتابك وبرسلك, وصليت وصمت وتصدقت, ويثني بخير ما استطاع, فيقول: هاهنا إذا, ثم يقال: الآن نبعث شاهدا عليك, ويتفكر في نفسه: من ذا الذي يشهد علي؟ فيختم على فيه, ويقال لفخذه: انطقي, فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله, وذلك ليعذر من نفسه, وذلك المنافق وذلك الذي سخط الله عليه"

"وفي حديث أبي هريرة: والذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما" "لا تضارون"بالتشديد والتخفيف: من الضرر والضير, أي: تكون رؤيته تعالى رؤية جلية بينة, لا تقبل مراء ولا مرية فيخالف فيها بعضكم بعضا ويكذبه, كما لا يشك "في رؤية أحدهما" يعني الشمس والقمر, ولا ينازع فيها, فالتشبيه إنما وقع في الرؤية باعتبار جلائها وظهورها بحيث لا يرتاب فيها, لا في سائر كيفياتها, ولا في المرئي, فإنه سبحانه وتعالى منزه عن الجسمية, وعما يؤدي إليها. وروي من طريق آخر: "لا تضامون"بالتشديد من الضم, أي: لا ينضم بعضكم إلى بعض في طلب رؤيته لإشكاله وخفائه كما يفعلون في الهلال, أو لا يضمكم شيء دون رؤيته فيحول بينكم وبينها. وبالتخفيف من الضيم, أي: لا ينالكم ضيم في رؤيته فيراه بعض دون بعض, بل تستوون فيها, وأصله: تضيمون, فنقلت فتحة الياء إلى الضاد, فصارت ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها, وكذلك "تضارون" بالتخفيف. وأما المشدد: فيحتمل أن يكون مبينا للفاعل على معنى: لا تضايرون بعضكم بالمخالفة والمجادلة في صحة الرؤية, فسكنت الراء الأولى وأدغمت في الثانية, وأن يكون مبنيا للمفعول على معنى: لا تضارون, أي: لا تنازعون في رؤيته. "وفيه: فيلقى العبد فيقول: أي فل"

"أي": أحد حروف النداء, و"فل" أصله: فلان, رخم للنداء. "وفيه: أذرك ترأس وتربع" أي: ألم أذرك ولم أمكنك على قومك, فتصير رئيسهم, وتأخذ مرباعهم, وهو ربع الغنيمة, وكان ملوك الجاهلية يأخذونه. "وفيه: فيختم على فيه, ويقال لفخذه: انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله, وذلك ليعذر من نفسه" أي: ليزال عذره من قبل نفسه بشهادة أعضائه على كثرة ذنوبه. ... من الحسان: 1404 - 4308 - عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب, مع كل ألف سبعون ألفا, وثلاث حثيات من حثيات ربي" "عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب, مع كل ألف سبعون ألفا, وثلاث حثيات من حثيات ربي " (الحثية) و (الحثوة): ما يحثيه الإنسان بيديه من ماء أو تراب أو غيرهما, ويستعمل فيما يعطيه الإنسان بكفيه دفعة من غير وزن وتقدير,

ثم يستعار لما يعطى من غير تقدير, والمعنى: أنه سبحانه وتعالى وعدني أن يعطيني من أمتي بعد هذا العدد المعين مرات ما يخفى على العادين قدره, ويدخلهم الجنة بغير حساب, وإضافة الحثيات إلى ربه تعالى للمبالغة في الكثرة. ... 1405 - 4310 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يستخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة, فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا, كل سجل مثل مد البصر, ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا, يارب! فيقول: أفلك عذر؟ قال: لا, يا رب! فيقول: بلى, إن لك عندنا حسنة, وإنه لا ظلم عليك اليوم, فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله, فيقول: احضر وزنك, فقول: يا رب! ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تظلم, قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة, فطاشت السجلات وثقلت البطاقة, فلا يثقل مع اسم الله شيء" "وفي حديث ابن مسعود: فتوضع السجلات في كفة, والبطاقة في كفة" "البطاقة": الصحيفة الصغيرة, وهي في الأصل: اسم رقيعة يرقم فيها قيمة الثوب, سميت بذلك, لأنهه تشد بطاقة من هدب الثوب.

باب الحوض والشفاعة

4 - باب الحوض والشفاعة من الصحاح: 1406 - 4312 - قال رسو الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف, قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك, فإذا طينه مسك أذفر" (باب الحوض والشفاعة) "وفي رواية أنس: فإذا طينه مسك أذفر" أي: كثير الرائحة ذكيها, والذفر: كل رائحة ذكية. ... 1407 - 4314 - وقال: "إن حوضي أبعد من أيلة من عدن, لهو أشد بياضا من الثلج, وأحلى من العسل باللبن, ولآنيته أكثر من عدد النجوم, وإني لأصد الناس عنه كما يصد الرجل إبل الناس عن حوضه" قالوا: يا رسول الله! أتعرفنا يومئذ؟ قال: نعم, لكم سيما ليست لأحد من الأمم, تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء" ويروى: "ترى فيه أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء"

ويروى: "يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة, أحدهما من ذهب, والآخر من ورق" "وفي حديث: حوضي أبعد من إيلة من عدن" "أيلة": بلدة من الساحل مما يلي بحر اليمن, و"عدن"آخر بلاد اليمن مما يلي بحر الهند, والمعنى: أن بعد ما بين طرفي الحوض أزيد من بعد مبتدأ من أيلة من عدن, أي: من بعد ما بينهما, واختلاف الأحاديث في مقدار الحوض, لأنه -عليه السلام- قدره على سبيل التمثيل والتخمين لكل أحد على حسب ما رآه, وعرفه. وفيه: "يغت ميزابان" أي: يدفق دفقا متتابعا دائما بقوة, فكأنه من ضغط الماء, لكثرته عند خروجه, وأصل الغت: الضغط. ... 1408 - 4316 - عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهموا بذلك, فيقولون: أنت آدم, أبو الناس, خلقك الله بيده, وأسكنك جنته, وأسجد لك ملائكته, وعلمك أسماء كل شيء, اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا, فيقول: لست هناكم, ويذكر خطيئة التي أصاب, أكله من الشجرة وقد نهي عنها, ولكن ائتوا نوحا أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض, فيأتون نوحا

فيقول: لست هناكم, ويذكر خطيئته التي أصاب, سؤاله ربه بغير علم, ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن". قال: "فيأتون إبراهيم فيقول: إني لست هناكم, ويذكر ثلاث كذبات كذبهن, ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه الله التوراة وكلمه وقربه نجيا, قال: فيأتون موسى فيقول: إني لست هناكم, ويذكر خطيئته التي أصاب, قتله النفس, ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته, قال: فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم, ولكن ائتوا محمدا عبد الله غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر". قال: "فيأتونني, فاستأذن على ربي في داره, فيؤذن لي عليه, فإذا رأيته وقعت ساجدا, فيدعني ما شاء الله أن يدعني, فيقول: ارفع محمد! وقل تسمع, واشفع تشفع, وسل تعطه, قال: "فأرفع رأسي, فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه, ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج, فأخرجهم من النار فأدخلهم الجنة, ثم أعود فاستأذن على ربي في داره, فيؤذن لي عليه, فإذا رأيته وقعت ساجدا, فيدعني ما شاء الله أن يدعني, ثم يقول: ارفع محمد! وقل تسمع, واشفع تشفع, وسل تعطه, قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه, ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج, فأدخلهم الجنة, ثم أعود الثالثة, فأستأذن على ربي في داره, فيؤذن لي عليه, فإذا رأيته وفعت ساجدا, فيدعني ما شاء الله أن يدعني, ثم يقول: ارفع محمد! وقل تسمع, واشفع تشفع, وسل تعطه, قال: فأرفع رأسي, فأثنى على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه, ثم أشفع, فيحد لي حدا فأخرج, فأدخلهم

الجنة, حتى ما يبقى في النار إلا من قد حبسه القرآن" أي: وجب عليه الخلود, ثم تلا هذه الآية: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} وقال: "وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم صلى الله عليه وسلم " "وفي حديث أنس: حتى يهموا بذلك" روي على البناء للمجهول من (أهمه) , إذا أحزنه, أي: يهمهم الحبس بسبب الذنوب. "وفيه: لو استشفعنا إلى ربنا, فيريحنا من مكاننا" أي: يخلصنا منه, ويزيل همنا, مأخوذ من (الراحة) , ونصبه بـ (أن) المقدرة بعد الفاء الواقعة جوابا للواو المتضمنة معنى التمنى والطلب. "وفيه: فيقول: لست هناكم" أي: يقول لهم آدم عليه السلام: لست في المكان والمنزل الذي تحسبونني فيه, يريد: مقام الشفاعة. وقوله: "يذكر خطيئته التي أصاب"وهي "أكله من الشجرة"اعتذار عن التقاعد والتأني عن الشفاعة, والراجع إلى الموصول محذوف, أي: التي أصابها, و"أكله": بدل من "خطيئته. وقوله: "وائتوا نوحا أول نبي بعثه الله إلى الأرض" يمكن أن يستدل به على أن آدم لم يكن نبيا. و (سؤال نوح ربه بغير علم) قوله: {إن ابني من أهلي وإن

وعدك الحق} [هود:45]. "وفيه: ويذكر ثلاث كذبات" إحدى الكذبات المنسوبة إلى إبراهيم عليه السلام: {إني سقيم} [الصافات:89] , وثانيها: قوله: {بل فعله كبيرهم هذا} [الأنبياء:63] , وثالثها: قوله لسارة: هي أختي. والحق أنها معاريض, ولكن لما كانت صورتها صورة الكذب سماها أكاذيب, واستنقص من نفسه لها, فإن من كان أعرف بالله وأقرب منه منزلة كان أعظم خطرا, وأشد خشية. وعلى هذا القياس سائر ما أضيف إلى الأنبياء من الخطايا. "وفيه: فأستأذن على ربي في داره" يريد به: الجنة, وأضافها إلى الله تعالى للشرف والكرامة, وبالاستئذان عليه: أن يدخل مكانا لا يقف فيه داع إلا استجيب, ولا يقوم به سائل إلا أجيب, ولم يكن بين الواقف فيه وبين ربه حجاب. وقوله: "فيحد لي حدا" أي: يبين لي في الشفاعة حدا لا أتخطاه, مثل أن يبين له أنه مرخص في الشفاعة مشفع فيما دون الكفر من المعاصي التي لم تكن من حقوق العباد, كالجنايات والمظالم, أو أن شفاعته مقبولة في حق كل موحد في قلبه أدنى إيمان دون غيره.

1409 - 4317 - وعن أنس رضي الله عنه قال: إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض, فيأتون آدم, فيقولون: اشفع لنا إلى ربك, فيقول: لست لها, ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن, فيأتون إبراهيم فيقول: لست لها, ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله, فيأتون موسى فيقول: لست لها, ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته, فيأتون عيسى فيقول: لست لها, ولكن عليكم بمحمد, فيأتونني فأقول: أنا لها, فاستأذن على ربي فيؤذن لي, ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضلاني الآن, فأحمده بتلك المحامد, ثم أخر له ساجدا فيقال: يا محمد! ارفع رأسك, وقل تسمع, وسل تعطه, واشفع تشفع, فأقول: يا رب! أمتي, أمتي, فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان, فأنطلق فأفعل, ثم أعود فأحمده بتلك المحامد, ثم أخر له ساجدا, فيقال: يا محمد! ارفع رأسك, وقل تسمع, وسل تعطه, واشفع تشفع, فأقول: يا رب! أمتي, أمتي, فيقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان, فأنطلق فأفعل, ثم أعود فأحمده بتلك المحامد, ثم أخر له ساجدا, فيقال: يا محمد! ارفع رأسك, وقل تسمع, وسل تعطه, واشفع تشفع, فاقول: يا رب! أمتي, أمتي, فيقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردلة من إيمان فأخرجه من النار, فأنطلق فأفعل, ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد, ثم أخر له

ساجدا, فيقال: يا محمد! ارفع رأسك, وقل تسمع, وسل تعطه, واشفع تشفع, فأقول: يا رب! ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله, قال: ليس ذلك لك, ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي, لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله" "كما روى أنس في حديثه: فأقول: أمتي أمتي, فيقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى حبة خردلة من إيمان, فأخرجه من النار, فأنطلق فأقعل, ثم أعود الرابعة, فأحمده بتلك المحامد, ثم أخر له ساجدا, فيقال: يا محمد! ارفع رأسك, وقل تسمع, وسل تعطه, واشفع تشفع, فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله, قال: ليس ذلك إليك" أي: ليس هذا لك, وإنما أفعل ذلك تعظيما لاسمي, وإجلالا لتوحيدي. ... 1410 - 4318 - عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه -أو: - نفسه" وهو مخصص لهموم قوله في حديث أبي هريرة: "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه"

ويحتمل أن يجري على عمومه, ويحمل على حال ومقام آخر, و"أسعد"ههنا بمعنى: السعيد, إذ لا يسعد بشفاعته من لم يكن من أهل التوحيد, والمراد بـ (من قال": من لم يكن له عمل يستحق به الرحمة, ويستوجب به الخلاص من النار, فإن احتياجه إلى الشفاعة أكثر, وانتفاعه بها أوفر. ... 1411 - 4322 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناسا قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم, هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب, وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟ " قالوا: قالوا: لا يا رسول الله, قال: "ما تضارون في رؤية الله يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما, إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن: ليتبع كل أمة كا كانت تعبد, فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار, حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر أتاهم رب العالمين قال: فماذا تنتظرون؟ يتبع كل أمة ما كانت تعبد, قالوا: يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم" وفي رواية أبي هريرة رضي الله عنه: "فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا, فإذا جاء ربنا عرفناه"

وفي رواية أبي سعيد رضي الله عنه: "فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: نعم, فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن له بالسجود, ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة, كلما أراد أن يسجد خر على قفاه, ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة, ويقولون: اللهم سلم سلم, فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب, فناج مسلم, ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم, حتى إذا خلص المؤمنون من النار, فوالذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة في الحق, وقد تبين لكم, من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار, يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا, ويصلون معنا, ويحجون معنا, فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم, فتحرم صورهم على النار, فيخرجون خلقا كثيرا, ثم يقولون: ربنا ما يبقى فيها أحد ممن أمرتنا به, فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه, فيخرجون خلقا كثيرا, ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينارمن خير فأخرجوه, فيخرجون خلقا كقيرا, ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه, فيخرجون خلقا كثيرا, ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرا, فيقول الله شفعت الكلائكة, وشفع النبيون, وشفع المؤمنون, ولم يبق إلا أرحم الراحمين, فيقبض قبضة من النار, فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما, فيليقهم في نهر في أفواه الجنة يقال

له: نهر الحياة, فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل, فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم, فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن, أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه, ولا خير قدموه, فيقال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه" "وفي حديث أبي سعيد: أتاهم رب العالمين" أي: أمره. "وفيه: فناج مسلم, ومخدوش مرسل, ومكدوس في نار جهنم" قسم المارة على الصراط ثلاث فرق على اختلاف مراتبهم بحسب العقيدة والعمل" و (المخدوش): يريد به الذي يخدش بالكلوب, فيرسل إلى النار من عصاة أهل الإيمان. و (المكدوس): المجموع, يريد به: المغلول, فإنه مجموع الأعضاء في الغل, قيل: مطروح في نار جهنم. و (التكديس): طرح الشيء على الشيء. وروي بالشين المعجمة, من (كدشه) , إذا قطعه بأسنانه قطعا, وقيل: من (كدشه) , إذا ساقه سوقا شديدا. ... 1412 - 4324 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن الناس قالوا: يا رسول الله!

هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فذكر معنى حديث أبي سعيد رضي الله عنه غير كشف الساق, وقال: "ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم, فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته, ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل, وكلام الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم, وفي جهنم كلاليب من شوك السعدان لا يعلم قدر عظمها إلا الله, تخطف الناس بأعمالهم, فمنهم من يوبق بعمله, ومنهم من يخردل ثم ينجو, حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده, وأراد أن يخرج من النارمن أراد أن يخرجه ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله, أمر الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله, فيخرجونهم, ويعرفونهم بآثار السجود, وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود, فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود, فيخرجون من النار قد امتحشوا, فيصب عليهم ماء الحياة, فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل, ويبقى رجل بين الجنة والنار, وهو آخر أهل النار دخولا الجنة, مقبل بوجهه قبل النار, فيقول: يا رب اصرف وجهي عن النار, قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها, فيقول: لا وعزتك, فيعطي الله ما شاء من عهد وميثاق, فيصرف الله وجهه عن النار, فإذا أقبل به إلى الجنة رأى بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت, ثم قال: يا رب قدمني عند باب الجنة, فيقول الله تبارك وتعالى: أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت؟ فيقول: يا رب لا أكون أشقى خلقك,

فيقول: فما عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غيره, فيقول: لا وعزتك لا أسألك غير ذلك, فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق, فيقدمه إلى باب الجنة, فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور, فسكت ما شاء الله أن يسكت, فيقول: يا رب أدخلني الجنة, فيقول الله تبارك وتعالى: ويلك يا ابن آدم ما أغدرك! أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت؟ فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك, فلا يزال يدعو حتى يضحك الله منه, فإذا ضحك أذن له في دخول الجنة, فيقول: تمن, فيتمنى حتى إذا انقطع أمنيته قال الله تعالى: تمن كذا وكذا, أقبل يذكره ربه, حتى إذا انتهت به الأماني قال الله تعالى: لك ذلك ومثله معه" وقال أبو سعيد رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: لك ذلك وعشرة أمثاله" ويؤيد المعنى الأول: قوله في حديث أبي هريرة: "ومنهم من يخردل" أي: يجزأ قطعا كالخردلة. "وفيه: فيخرجون قد امتحشوا" أي: احترقوا, يقال: امتحش غضبا, أي: احترق. "وفي حديث أبي هريرة: فيقول: يا رب! اصرف وجهي عن النار, قد قشبني ريحها, وأحرقني ذكاؤها" أي: أفسدني ولوحني, يقال: قشبه الدخان, إذا لوحه, وقيل:

سمني وأهلكني, من (القشيب) , وهو السم المهلك, والذكاء: اللهب. ... 1413 - 4325 - عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة, فإذا جاوزها التفت إليها فقال: تبارك الذي نجاني منك لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين, فترفع له شجرة فيقول: أي رب أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها, وأشرب من مائها, فيقول الله: يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكها سألني غيرها, فيقول: لا يا رب, ويعاهده أن لا يسأله غيرها, فيدنيه منها, فيستظل بظلها, ويشرب من مائها ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى, فيقول: أي رب أدنني من هذه الشجرة لأشرب من مائها, وأستظل بظلها, فيقول: لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها, فيعاهده أن لا يسأله غيرها, فيدنيه منها فيستظل بظلها, ويشرب من مائها, ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين فيقول: أي رب أدنني من هذه فلأستظل بظلها وأشرب من مائها, فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بل يا رب هذه لا أسألك غيرها, وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه, فيدنيه منها, فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنة فيقول: أي رب أدخلنيها, فيقول: يا ابن آدم ما يصريني منك؟ أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال: أي

رب أتستهزئ مني وأنت رب العالمين". فضحك ابن مسعود فقالوا: مم تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ قال: "من ضحك رب العالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزئ منك, ولكني على ما أشاء قدير" "وفي حديث ابن مسعود: ما يصريني منك" هكذا في كتاب"المصابيح", وكثير من نسخ"الصحاح", والصحيح رواية ومعنى. (ما يصريك مني): أي: ما يقطعك مني, ويفصل بيني وبينك, فيقطع مسألتك عني, من قولهم: اختصمنا إلى الحاكم فصرى بيننا, أي: قطع ما بيننا وفصل, وأصل الصري: المنع, ومنه التصرية. "وفيه: أي رب! أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فضحك ابن مسعود إلى آخره. (الاستهزاء بالشيء إذا أسند إلى الله تعالى): يراد إنزاله الهوان عليه, وإحلاله إياه محل الاستهزاء به. و (الضحك من الله تعالى): مجاز عن كمال الرضا. وإنما ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم استعجابا وسرورا بما رأى من كمال رحمة الله تعالى ولطفه على عبده المذنب, وكمال الرضا عنه.

1414 - 4334 - وقال: "إذا صار أهل الجنة إلى الجنة, وأهل النار على النار جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار, ثم يذبح, ثم ينادى مناد: يا أهل الجنة لا موت, ويا أهل النار لا موت, فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم, ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم" "وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صار أهل الجنة إلى الجنة, وأهل النار [إلى] النار, جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار, ثم يذبح" لعل الموت تمثل للناس على صورة حيوان, كما روي في غير هذه الرواية, "يؤتى بالموت بكبش أغبر" ليتيقنوا غاية اليقين أن لا موت بعد ذلك, فيزداد فرح أهل الجنة, وحزن أهل النار, فإن العيان أعلى مراتب اليقين والعرفان, والله أعلم. ... من الحسان: 1415 - 4335 - عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "حوضي من عدن إلى عمان البلقاء, ماؤه أشد بياضا من اللبن, وأحلى من العسل, وأكوابه عدد نجوم السماء, من شرب منه شربه لم يظمأ بعدها أبدا, أول الناس ورودا فقراء المهاجرين, الشعث رؤوسا الدنس ثيابا, الذين لا ينكحون المتنعمات, ولا يفتح لهم السدد", غريب.

"في حديث ثوبان: ولا يفتح لهم السدد" أي: الأبواب الواحد: شدة, سمي بذلك, لأن المدخل يسد به. ... 1416 - 4337 - عن الحسن, عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل نبي حوضا, وإنهم ليتباهون أيهم أكثر واردة, وإني أرجو أن أكون أكثرهم واردة", غريب. "وفي حديث سمرة: وإنهم ليتباهون أيهم أكثر واردة" (التباهي): التفاخر, و (المباهاة): المفاخرة. ... 1417 - 4340 - عن ابن مسعود رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قيل: له: وما المقام المحمود؟ قال: "ذاك يوم ينزل الله تعالى على كرسيه فيئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه به, وهو يسعه ما بين السماء والأرض, ويجاء بكم حفاة عراة غرلا, فيكون أول من يكسي إبراهيم صلوات الله عليه, يقول الله تعالى: اكسوا خليلي, فيؤتى بريطتين بيضاوين من رياط الجنة, ثم أكسى على أثره, ثم أقوم عن يمين الله مقاما يغبطني الأولون والآخرون" "وعن ابن مسعود, عن النبي صلى الله عليه وسلم: قيل له: ما المقام المحمود؟

قال: ذلك يوم القيامة, ينزل الله على كرسيه فيئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه, وهو يسعه ما بين السماء والأرض, ويجاء بكم حفاة عراة غرلا, فيكون أول من يكسى إبراهيم صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: اكسوا خليلي, فيؤتى بريطتين بيضاوين من رياط الجنة, ثم أكسى على أثره, ثم أقوم على يمين الله مقاما يغبطني الأولون والآخرون" مثل التجلي لعباده بنعت العظمة والكبرياء, والإقبال عليهم للعدل والقضاء, وإدناء المقربين منهم على مراتبهم, وكشف الحجاب فيما بينه وبينهم بنزول السلطان من غرف القصر إلى صدر الدار, وجلوسه على كرسي الملك للحكومة والفصل, وإقامة خواصه وأهل كرامته حواليه قداما ووراء ويمينا وشمالا على تفاوت مراتبهم لديه. وقوله: "يئط كما يئط الرحل": مبالغة وتصوير لعظمة التجلي على طريقة الترشيح. و (الريطة): الملاءة الرقيقة من الكتان التي لا تكون لفقين, يؤتى بها من الشام, وجمعها: رياط, ولما كانت الحكاية المسرودة مشتملة على شرح المقام المحمود, وهو المقام الذي يكون عن يمين الرحمن يوم العرض والجزاء, وكان أمره لا يتضح إلا بذكرها, حسن وقوعها جوابا عن السؤال عنه.

باب صفة الجنة وأهلها

5 - باب صفة الجنة وأهلها من الصحاح: 1418 - 4352 - وقال: "إن المؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا, في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون, يطوف عليهم المؤمنون, وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما, وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما, وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن" (باب صفة الجنة وأهلها) "في حديث ابن مسعود: وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا حجاب الكبرياء على وجهه في جنات عدن" المعنى: أن العبد إذا دخل الجنة, فتبوأ جنة عدن, وهي دار الإقامة والثبات, من قولهم: عدن بالمكان, إذا استقر, ومنه (المعدن) لمستقر الجواهر= رفع ما بينه وبين ربه من الموانع والحجب التي منشؤها كدورة الجسمية, ونقصان البشرية, والانهماك في المحسوسات الحادثة, والاشتغال بالمتغيرات الفانية, ولم يبق ما يحجزه عن النظر إلى ربه, ويصده عن رؤيته إلا عظمة [الـ] ألوهية, وأبهة الكبرياء.

1419 – 4353 – وقال: "إن في الجنة مئة درجة, ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض, والفردوس أعلاها درجة, منها تفجر أنهار الجنة الأربعة, ومن فوقها يكون العرش, فإذا سألتم الله فسألوه الفردوس" "وفي حديث عبادة بن الصامت, وهو الحديث التالي لهذا الحديث: والفردوس أعلاها درجة, منها تفجر الأنهار الأربعة" "الفردوس": حديقة في الجنة, وهو في الأصل اسم البستان, يقال لروضة دون اليمامة: فردوس, وجمعه: فراديس. و"الأنهار الأربعة": هي الأربعة المذكورة بقوله تعالى: {فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى} [محمد:15] ... 1420 – 4357 – وقال: "من يدخل الجنة بنعم ولا يبأس ولا تبلى ثيابه, ولا يفنى شبابه" "وعن أبي هريرة: أنه –عليه السلام- قال: من يدخل الجنة ينعم لا يبأس" معناه: أن الجنة دار الثبات والقرار, وأن يتغير لا يتطرق إليها, فلا يشوب نعيمها بؤس, ولا يعتريه فساد ولا يتغير فإنها ليست دار

الأضداد. ومحل الكون والفساد. ... 1421 - 4359 – وقال: "إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق والمغرب لتفاضل ما بينهم" قالوا: يا رسول الله! تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم, قال: "بلى والذي نفسي بيده, رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين" "وفي حديث أبي سعيد: إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق والمغرب" المعنى: أن تباعد ما بين أهل الغرف وأصحاب الجنة تباعد ما بين محل الكوكب من السماوات ومستقر الناس من الأرضين, وأنهم يضيئون لأهل الجنة إضاءة الكوكب الدري. و"الدري": بضم الدال: منسوب إلى الدر, لصفاء لونه, وخلوص جوهره. و"الغابر": الباقي, يريد به الباقي في الأفق بعد انتشار ضوء الفجر, فإنما يستر الكوكب المضيء في ذلك الوقت, وروي: "الغائر" بالهمز, من (الغور) , وهو الانحطاط, وهو لا يناسب قوله: "من

المشرق" ولعله تصحيف. ... 1422 – 4360 – وقال: "يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير" "وفي حديثه الآخر: يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير" يعني: أن قلوبهم في الدقة والرقة واللين, أو في التوكل كقلوب الطير, تغدو خماصا, وتروح بطانا" ... 1423 – 4363 – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيحان وجيحان والفرات والنيل, كل من أنهار الجنة" "وفي حديث آخر له: أنه –عليه السلام- قال: سيحان, وجيحان, والفرات, والنيل, كل من أنهار الجنة" "سيحان وجيحان": نهران بالشام, وأما سيحون فنهر في السند, وجيحون: نهر ببلخ, جعل الأنهار الأربعة لعذوبة مائها وكثرة منافعها كأنهار من أنهار الجنة, وسماها بأسامي الأنهار الأربعة

التي هي أعظم أنهار الدنيا وأشهرها وأعذبها وأفيدها عند العرب على سبيل التشبيه والتمثيل, ليعلم أنها في الجنة بمثابتها, وأن ما في الدنيا من أنواع المنافع والنعائم فنموذجات لما يكون في الآخرة, وكذا ما فيها من المضار المردية, والمستكرهات المؤذية. ... من الحسان: 1424 – 4369 – وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم: "في قوله: {وفرش مرفوعة} قال: ارتفاعها لكما بين السماء والأرض مسيرة خمس مئة سنة"غريب "وعن أبي سعيد, عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وفرش مرفوعة} [الواقعة:34] قال: ارتفاعها لكما بين السماء والأرض مسيرة خمس مئة سنة" الظاهر: أن ارتفاعها هذا القدر ارتفاع الدرجة المفروشة هي فيها, ويدل عليه ما روي أنه –عليه السلام- قال: "إن للجنة مئة درجة ما بين كل درجتين ما بين السماء والأرض" ... 1425 – 4372 – وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن ما يقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرفت له ما بين خوافق

السماوات والأرض, ولو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدا أساوره لطمس ضوءه ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم" غريب "وفي حديث سعد بن أبي وقاص: لو أن ما يقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرفت ما بين خوافق السماوات والأرض" "ما يقل ظفر": أي: قدر ما يستقل بحمله ظفر, ويحمل عليها. "لتزخرفت": أي: تزينت. و (الخوافق): جمع: خافقة, وهي الجانب, وهي في الأصل: الجانب التي تخرج منها الرياح من الخفقان, ويقال: (الخافقان) للمشرق والمغرب, ولمنتهى الأرض والسماء. ... 1426 – 4377 – عن سليمان بن بريدة عن أبيه: أن رجلا قال: يا رسول الله! هل في الجنة من خيل؟ قال: "إن الله أدخلك الجنة, فلا تشاء أن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت إلا فعلت ". وسأله رجل فقال: يا رسول الله! هل في الجنة من إبل؟ فقال: "إن يدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك" وفي وراية: "إن أدخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوتة له جناحان

فحملت عليه طار بك حيث شئت" "عن سليمان بن بريدة الأسلمي, عن أبيه: أن رجلا قال: يا نبي الله! هل في الجنة من خيل؟ قال: إن الله أدخلك الجنة, فر تشاء أن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء تطير بك في الجنة حيث شئت" "الله"مرفوع بفعل يفسره ما بعده, ولا يجوز رفعه على الابتداء لوقوعه بعد حرف الشرط. وقوله: "فلا تشاء .... "إلى آخره جواب للشرط, وفيه حذف واختصار, وتقدير الكلام: إن أدخلك الله الجنة, فلا تشاء تحمل على فرس كذلك إلا حملت عليه, والمعنى: أن ما من شيء تشتهيه النفس إلا وتجده في الجنة كيف شاءت, حتى لو اشتهى أأن يركب فرسا على هذه الصفة لوجده, وتمكن منه. ويحتمل أن يكون المراد: إن أدخلك الله الجنة, فلا تشاء أن يكون لك مركبا من ياقوتة حمراء تطير بك حيث شئت, ولا ترضى به, فتطلب فرسا من جنس ما تجده في الدنيا حقيقة وصفة, والمعنى: فيكون لك من المراكب ما يغنيك من الفرس المعهود, ويدل على هذا المعنى ما جاء في الرواية الأخرى, وهو: "إن أدخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوتة له جناحان, فحملت عليه, طار بك حيث شئت" ولعله –عليه السلام- لما أراد أن يبين الفرق بين مراكب الجنة ومراكب الدنيا, وما بينهما من التفاوت على سبيل التصوير والتمثيل,

مثل فرس الجنة في جوهره بما هو عندنا أثبت الجواهر, وأدومها وجوادا, وأنصعها لونا, وأصفاها جوهرا, وفي شدة حركته انتقاله بالطيران, وأكد ذلك في الرواية الأخرى بأن أثبت له جناحان, وعلى هذا قياس ما ورد في صفة آنية الجنة, ورياضها, وأنهارها ... إلى غير ذلك, والعلم بحقائقها عند الله تعالى. ... 1427 – 4380 – عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لسوقا ما فيها شراء ولا بيع إلا الصور من الرجال والنساء, فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها", غريب. "وعن علي رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن في الجنة لسوقا ما فيها شراء ولا بيع, إلا الصورة من الرجال والنساء, فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها" ذكر لهذا الحديث معنيان: أحدهما: أنه أراد بالصورة الهيئة التي يختار الإنسان أن يكون عليها من التلبس والتزين. وثانيهما: أنه أراد به: الصورة التي تكون للشخص في نفسه من الصور المستحسنة, فإذا اشتهى المرء صورة منها صوره الله بها, وبدلها بصورته, فتتغير الهيئة, والذات كما كان. وأقول: ظاهر هذا الكلام يستدعي أن الصور تباع وتشترى في

ذلك السوق, لأن تقدير الكلام: إلا بيع الصور وشراؤها, وإلا لما صح الاستثناء, فلا بد لها من عوض يشتري به, وهو الإيمان, والعمل الصالح, على ما دلت عليه النصوص من الآيات والأحاديث الدالة على أن تفاوت الهيئات والحلي في الآخرة بحسب الأعمال والطاعات, فجعل اختيار العبد لما يوجب صورة من الصور البهية التي تكون لأهل الجنة اختيار لها, وإتيانه به ابتياعا لها, وجعله كالمتملك لها, المتمكن منها متى شاء, والله أعلم. ... 1428 – 4382 - عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم, واثنتان وسبعون زوجة, وينصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية إلى صنعاء" وبه قال: "من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون بني ثلاثين في الجنة, لا يزيدون عليها أبدا, وكذلك أهل النار" وبه قال: "إن عليهم التيجان, أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب" غريب "وفي حديث أبي سعيد: وينصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت, كما بين الجابية إلى صنعاء"

باب رؤية الله تعالى

يريد: أن القبة معمولة منها, أو مكللة بها, وأن فسحتها وبعد ما بين طرفين, كما بين الموضعين, جابية الشام, وصنعاء اليمن. ... 6 - باب رؤية الله تعالى من الصحاح: 1429 - 4387 - وقال جرير بن عبد الله: "كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر, لا تضامون في رؤيته, فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا. ثم قرأ {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها} " (باب رؤية الله تعالى) "قال جرير بن عبد الله البجلي: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فنظر إلى القمر ليلة البدر, فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر, لا تضامون في رؤيته, فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها, فافعلوا, ثم قرأ {وسبح بحمد ربك قبل

باب صفة النار وأهلها

طلوع الشمس وقبل غروبها} [طه:130]. "فتضامون": روي بالتخفيف والتشديد, وقد مر ذكره في 0باب الحساب). وترتب قوله: "إن استطعتم أن لا تغلبوا"على قوله: "سترون"بالفاء يدل على أن المواظب على إقامة الصلاة والمحافظ عليها خليق بأن يرى ربه. وقوله: "لا تغلبوا": معناه: لا تصيروا مغلوبين بالاشتغال عن صلاتي الصبح والعصر, وإنما خصهما بالحث, لما في الصبح من ميل النفس إلى الاستراحة والنوم, والعصر من قيام الأسواق واشتغال الناس بالمعاملات, فمن لم تلحقه فترة في الصلاتين مع ما لهما من قوة المانع, فبالحري أن لا تلحقه في غيرهما. ... 7 - باب صفة النار وأهلها من الصحاح: 1430 - 4391 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم" قيل: يا رسول الله! إن كانت لكافية, قال: "فإنها فضلت عليهن بتسعة وستين جزءا, كلهن مثل حرها"

(باب صفة النار) "في حديث أبي هريرة: أنه - عليه السلام- قال: ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم قيل: يا رسول الله! إن كانت لكافية" معناه: أن النار التي نجدها في الدنيا بالنسبة إلى نار جهنم في حرها وغايتها وسرعة اشتعالها, كالواحد من السبعين, وكأنها فضلت على ما عندنا بتسعة وستين جزءا من الشدة والحرارة, ولذلك تتقد فيما لا تتقد فيها نيران الدنيا كالناس والحجارة. و"إن"في "إن كانت"هي المخففة من الثقيلة, واللام في "لكافية"هي الفاصلة ... من الحسان: 1431 - 4402 - وقال صلى الله عليه وسلم: "ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد, وفخذه مثل البيضاء, ومقعده من النار مسيرة ثلاث مثل الربذة" "في حديث أبي هريرة: وفخذه مثل البيضاء, ومقعده من النار مسيرة ثلاثة أيام مثل الربذة" قيل: "البيضاء": جبل الشام, و"الربذة": موضع على ثلاث

مراحل من المدينة قريب من ذات عرق, أي: يزاد في مقدار أعضاء الكافر زيادة في تعذيبه بسبب زيادة المماسة للنار. ... 1432 - 4407 - وقال: "إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الحميم حتى يخلص إلى جوفه, فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه, وهو الصهر, ثم يعاد كما كان" "وعنه صلى الله عليه وسلم: إن الحميم ليصب على رؤوسهم, فينفذ الحميم حتى يخلص إلى جوفه, فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه, وهو الصهر, ثم يعاد كما كان" "يخلص إلى جوفه"أي: يصل إليه. "فيسلت"أي: يذهب ويمر. "حتى يمرق"أي: يخرج, من (مرق السهم) , إذا نفذ في الغرض, وخرج منه. و"الصهر": الإذابة, واللام فيه إشارة إلى قوله تعالى: {يصهر به ما في بطونهم} [الحج:20]. ... 1433 - 4410 - وبه قال: "لو أن دلوا من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا"

"وعن أبي سعيد: أنه -عليه السلام- قال: لو أن دلوا من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا" (الغساق): عرق أهل النار وصديدهم, وقيل: دموعهم يسقونها مع الحميم, من (غسقت عينه) , إذا سالت. و (أنتن الشيء): إذا تغير, وصار ذا نتن. ... 1434 - 4414 - عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يلقى على أهل النار الجوع فيعدل ما هم فيه من العذاب, فيستغيثون, فيغاثون بطعام {ومن ضريع*لا يسمن ولا يغني من جوع} , فيستغيثون بالطعام, فيغاثون بطعام ذي {غصة} فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغصص في الدنيا بالشراب, فيستغيثون بالشراب, فيرفع إليهم {الحميم} بكلاليب الحديد, فإذا دنت من وجوههم شوت وجوههم, فإذا دخلت بطونهم قطعت ما في بطونهم, فيقولون: ادعوا خزنة جهنم, فيقولون: {أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا ...} قال: فيقولون: ادعوا مالكا, فيقولون: {يا مالك ليقض علينا ربك} قال: فيجيبهم {إنكم ماكثون} "؟ قال الأعمش: نبئت أن بين دعائهم وإجابة مالك إياهم ألف عام.

قال: "فيقولون: ادعوا ربكم فلا أحد خير من ربكم, فيقولون: {قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون} قال: فيجيبهم {اخسؤا فيها ولا تكلمون} قال: فعند ذلك بئسوا من كل خير, وعند ذلك يأخذون في الزفير والحسرة والويل" ويروى هذا موقوفا على أبي الدرداء. "وفي حديث أبي الدرداء: فيغاثون بطعام من ضريع" أي: شبرق, وهو نبت ذو شوك, وقيل: الحجارة المحماة. ... 1435 - 4417 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن رضراضة مثل هذه, وأشار إلى مثل الجمجمة, أرسلت من السماء إلى الأرض في مسيرة خمس مئة سنة لبلغت الأرض قبل الليل, ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفا الليل والنهار قبل أن تبلغ أصلها أو قعرها" "وفي حديث عبد الله بن عمرو: لو أن رضراضة [مثل هذه, -وأشارإلى مثل خمخمة- أرسلت من السماء إلى الأرض" الرضراضة: الحجارة المدقوقة, وكذلك الرضراض, من (الرض) وهو الكسر, والمنقول عن الترمذي: "رصاصة", وهي القطعة من الرصاص.

باب خلق الجنة والنار

و (الخمخمة) بالخاء المعجمة: ضرب من الأكل. ... 1436 - 4416 - عن أبي برذة عن أبيه رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن في جهنم واديا يقال له: هبهب, يسكنه كل جبار" "وعن أبي بردة: أنه -عليه السلام- قال: إن في جهنم واديا يقال له: هبهب يسكنه كل جبار" سمي بذلك إما للمعانة من شده اضطرام النار والتهابه, من (هبهب السراب) , إذا لمع, أو لسرعة اتقاد ناره بالعصاة واشتعالها فيهم, من (الهبهب) الذي هو السريع, أو لشدة أجيج النار فيه, من (الهبهاب) , وهو الصياح. ... 8 - باب خلق الجنة والنار من الصحاح: 1437 - 4419 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحاجت الجنة والنار, فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين,

وقالت الجنة: فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغرتهم؟ فقال الله للجنة: إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي, وقال للنارك إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي, ولكل واحدة منكما ملؤها, فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله رجله فيها, وتقول: قط قط قط, فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض فلا يظلم الله من خلقه أحدا, وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا" (باب خلق الجنة والنار) "في حديث أبي هريرة: فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله رجله تقول: قط, قط, قط, فهنالك تمتليء" روي هذا الحديث بعبارات مختلفة, فروي: "حتى يضع الجبار قدمه" وروي: "فيضع الرب قدمه" وروي: "حتى يضع الله رجله", واختلف في معناه: فمن قائل: إن الرواية الصحيحة هي الأولى, والمراد من (الجبار): أحد الجبابرة الذين خلقهم الله تعالى لها تنتظر النار وروده, وتلتمس دخوله, فإذا وضع هو قدمه فيها سكنت, وامتلأت به, لعظم جرمه, وفرط عتوه. والروايتان الأخريتان لعلهما أخطأ بهما الراوي, لنقله الحديث بالمعنى حسب ما فهمه. ومن قائل قال: المراد بـ (الجبار): هو الله تعالى, للروايتين الأخيرتين.

1438 - 4420 - وعن أنس رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: {هل من مزيد} حتى يضع رب العزة فيها قدمه, فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط قط بعزتك وكرمك, ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة" "ولما روي في حديث أنس: حتى يضع رب العزة فيها قدمه" والمراد بـ (القدم): قوم قدمهم للنار, أو تقدم في سابق حكمه: أنه سيخلقهم لها. ومن روى: أراد به: جماعته التي خلقهم لها, شبههم بجماعة الجراد, لتكاثفهم, وازدحامهم, وحقارة شأنهم, فإن (الرجل) جماعة الجراد, وأخطأ في نقله بالمعنى. ومن قائل قال: إن معناه: يقهرها ويدفع شرها بقدرته, حتى تسكن, من قولهم: وطئنا بني فلان, أي: قهرناهم ذلا. ويؤيده قوله بعد ذلك: "وينزوي بعضها إلى بعض" أي: ينضم. و"قط"معناه: كفى, يقال: قطك هذا الشيء بمعنى: كفاك, والله تعالى أعلم

باب بدء الخلق, وذكر الأنبياء عليهم السلام

9 - باب بدء الخلق, وذكر الأنبياء عليهم السلام من الصحاح: 1439 - 4422 - عن عمران بن حصين رضي الله عنه: أنه قال: إني كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه قوم من بني تميم, فقال: "اقبلوا البشرى يا بني تميم". قالوا: بشرتنا فأعطنا, فدخل ناس من أهل اليمن, فقال: "اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم,. قالوا: قبلنا, جئناك لنتفقه في الدين, ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان؟ قال: كان الله ولم يكن شيء قبله, وكان عرشه على الماء, ثم خلق السماوات والأرض, وكتب في الذكر كل شيء". ثم أتاني رجل فقال: يا عمران! أدرك ناقتك فقد ذهبت, فانطلقت أطلبها, وايم الله لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم". (باب بدء الخلق وذكر الأنبياء عليهم السلام) "في حديث عمران بن حصين: كان الله ولم يكن شيء قبله, وكان عرشه على الماء, ثم خلق السماوات والأرض" معناه: أنه تعالى الأول الذي هو قبل كل شيء, ولا شيء قبله, وأن أول ما أبدعه من أجسام هذا العالم: العرش والماء, وسائر

الأجسام متأخرة عنهما في الحدوث والوجود, وقد سبق في (باب الإيمان بالقدر) مزيد تقرير وشرح لهذا الكلام. ... 1440 – 4426 – وعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما صور الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه, فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو, فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقا لا يتمالك" "وعن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما صور الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه, فجعل إبليس يطيف به, وينظر ما هو, فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقا لا يتمالك" الأخبار متظاهرة على أنه تعالى خلق آدم من تراب قبض من وجه الأرض, وخمر حتى صار طينا, ثم تركه حتى صار صلصالا, وكان ملقى بين مكة وطائف ببطن نعمان, ولكن ذلك لا ينافي تصويره في الجنة, لجواز أن تكون طينته لما خمرت في الأرض, ونزلت فيها حتى مضت عليه الأطوار, واستعدت لقبول الصورة الإنسانية = حملت إلى الجنة, فصورت, ونفخ فيها الروح. وقوله تعالى: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} [البقرة:35] لا دلالة له أصلا على أنه أدخل الجنة بعدما نفخ فيه الروح, إذ المراد بالسكون: الاستقرار والتمكن, والأمر به لا يوجب أن يكون قبل الحصول في الجنة, كيف وقد تظافرت الروايات على أن حواء خلقت من آدم في

الجنة, وهي أحد المأمورين به؟! ولعل آدم –عليه السلام- لما كانت مادته التي هي البدن من العالم السفلي, وصورته التي بها يتميز عن سائر الحيوانات ويضاهي به الملائكة من العالم العلوي= أضاف الرسول –صلوات الله عليه- تكون مادته إلى الأرض, لأنها نشأت فيها, وأضاف حصول صورته إلى الجنة, لأنها منها, والله أعلم. وقوله: "لا يتمالك", أي: لا يكون له قوة وثبات, بل يكون متزلزل الأمر, متغير الحال, معرضا للآفات. ... 1441 – 4428 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اختتن إبراهيم النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم" "وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اختتن إبراهيم –صلوات الله عليه- وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم" "القدوم"بالتخفيف: قرية بالشام, وهي المراد به في الحديث. ... 1442 - 4429 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات: ثنتين منهن في كتاب الله تعالى: قوله: {إني سقيم} , وقوله: {بل فعله كبيرهم هذا}.

وقال: بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار من الجبابرة, فقيل له: إن ها هنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس, فأرسل إليه فسأله عنها: من هذه؟ قال: أختي. فأتى سارة فقال لها: إن هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك, فإن سألك فأخبريه أنك أختي, فإنك أختي في الإسلام, ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك, فأرسل إليها فأتى بها, وقام إبراهيم يصلي, فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ –ويروى فغط حتى ركض برجله- فقال: ادعي الله لي ولا أضرك, فدعت الله فأطلق, ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد, فقال: ادعي الله لي ولا أضرك, فدعت الله فأطلق, فدعا بعض حجبته فقال: إنك لم تأنني بإنسان إنما أتيتني بشيطان, فأخدمها هاجر, فأتته وهو قائم يصلي, فأومأ بيده مهيم؟ قالت: رد الله كيد الكافر في نحره وأخدم هاجر". قال أبو هريرة: تلك أمكم يا بني ماء السماء. "وفي حديثه الآخر: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات, ثنتين منهن في ذات الله تعالى, قوله: {إني سقيم} [الصافات:89] , قوله: {بل فعله كبيرهم هذا} [الأنبياء: 63] " قد بينا: أن ما ذكره –عليه السلام- من المعاريض, ولكن لما كانت صورته الكذب سمي كذبا. وقوله: "في ذات الله"أي: في أمره, وما يختص به, ولم يكن

فيه غرض لنفسه, لأنه قصد بالأولى أن يتخلف عن القوم بهذا العذر, فيفعل بالأصنام التي يعبدونها ما فعل, وبالثانية إلزام الحجة عليهم بأنهم ضلال سفهاء في عبادة ما لا يضر, ولا ينفع. "وفيه: فأتى سارة فقال لها: إن هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك, فإن سألك فأخبريه: أنك أختي". كان من ديدن هذا الجبار أو من دينه أن لا يتعرض إلا لذوات الأزواج, فلذلك قال: "إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك" ويحتمل أن يكون المراد منه: أنه إن علم ذلك ألزمني بالطلاق, أو قصد قتلى حرصا عليك" "وفيه: فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده, فأخذ –ويروى: فغط- حتى ركض برجله". (الغط): الضغط وحبس النفس, والمراد به: الخنق هاهنا, أي: أخذ بمجاري نفسه حتى سمع له غطيط. "ركض برجله" أي: ضرب, وأصل الركض: الدفع. "وفيه: فأومئ يده مهيم" هي كلمة يستفهم بها, ومعناها: ما حالك؟ وما شأنك؟ جعلت مفسرة للإيماء, أي: أومأ بيده إيماء يفهم منه معناها. "وفيه: فتلك أمكم يا بني ماء السماء" قيل: أراد بهم العرب, سموا بذلك, لأنهم يتبعون المطر,

ويتعيشون به, والعرب وإن لم يكونوا بأجمعهم من بطن هاجر, لكن غلب أولاد إسماعيل على غيرهم. وقيل: أراد بهم الأنصار, لأنهم أولاد عامر بن حارثة الأزدي جد نعمان بن المنذر, وهو كان ملقبا بماء السماء, لأنه كان يستمطر به. ويحتمل أنه أراد بهم بني إسماعيل, وسماهم بذلك لطهارة بسبهم, وشرف أصولهم. ... 1443 - 4432 – وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: {رب أرني كيف تحي الموتى} , ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد, ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي" "وفي حديث أبي هريرة: نحن أحق من إبراهيم إذ قال: {رب أرني كيف تحي الموتى} [البقرة:260] ". معناه: نحن أحق منه بالسؤال الذي سأله, يريد به تعظيم أمره, وتفخيم شأنه, وأن سؤاله هذا لم يكن لنقصان في عقيدته, بل لكمال فكرته, وعلو همته, الطالبة لحصول الاطمئنان بالوصول إلى درجة العيان والترقي من علم اليقين إلى عين اليقين. وفي بعض الروايات: "نحن أحق بالشك من إبراهيم " ومعناه

ما ذكرناه, أي: لم يكن صدور هذا السؤال منه, لشك اختلج في صدره, إذ لو كان الشك يعتريه فنحن أحق بالشك منه, ولكنا لا نشك, فكيف يجوز أن يشك هو فيه؟! وقوله بعد ذلك: "ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد"استعظام لما قاله, واستغرب لما بدر منه حينما أجهده قومه, فقال: {أو ءاوي إلى ركن شديد} [هود: 80] , إذ لا يكن أشد وأمنع من الركن الذي كان يأوي إليه, وهو عصمة الله وحفظه. ... 1444 – 4433 – وقال: "إن موسى صلوات الله عليه كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء, فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يتستر هذا التستر إلا من عيب بجلده: إما برص أو أدرة, وإن الله أراد أن يبرئه, فخلا يوما وحده ليغتسل, فوضع ثوبه على حجر, ففر الحجر بثوبه, فجمح موسى في إثره يقول: ثوبي يا حجر, ثوبي يا حجر, حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله, وقالوا: والله ما بموسى من بأس, وأخذ ثوبه وطفق بالحجر ضربا, فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه"ثلاثا أو أربعا أو خمسا. "وفي حديثه الذي بعد هذا الحديث: فجمح موسى في إثره"

أي: أسرع في السير, وفي القرآن: {وهم يجمحون} [التوبة:57] , أي: يسرعون. "وفيه: فوالله إن بالحجر لندبا " بالتحريك. أي: أثرا, وهو في الأصل: أثر الجرح. ... 1445 – 4434 – وقال: "بينا أيوب يغتسل عريانا فخر عليه جراد من ذهب, فجعل أيوب يحتثي في ثوبه, فناداه ربه: يا أيوب ألم أكن أغنيك عما ترى؟ قال: بلى وعزتك, ولكن لا غنى بي عن بركتك" "وفيه: فخر عليه جراد من ذهب, فجعل أيوب يحثي في ثوبه" أي: يصبه فيه. ... 1446 – 4435 – عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود, فقال المسلم: والذي اصطفى محمدا على العالمين, فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين, فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم وجه اليهودي, فذهب اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان من أمره وأمر

المسلم, فدعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلم فسأله عن ذلك, فأخبره, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تخيروني على موسى, فإن الناس يصعقون بوم القيامة فأصعق معهم فأكون أول من يفيق, فإذا موسى باطش بجانب العرش, فلا أدري كان فيمن صعق فأفاق قبلي, أو كان ممن استثنى الله" وفي رواية: "فلا أدري أحوسب بصعقة يوم الطور أو بعث قبلي, ولا أقول إن أحدا أفضل من يونس بن متى" وفي وراية: "لا تخيروا بين الأنبياء" وفي رواية: "لا تفضلوا بين أنبياء الله" "وفي حديث آخر لهك لا تخيروني على موسى" أي: لا تجعلوني خيرا منه, بمعنى: لا تفضلوني عليه, وإنما نهى عنه لأدائه إلى العصبية, وإفضائه إلى الإفراط فيه. واختصاص موسى بأن لا يصعق عند نفخة الفزع, أو يفيق قبل سائر الناس, وإن دل علة فضله, وعلو شأنه, فلا يدل على تفضيله على جميع الأنبياء مطلقا, لإمكان اختصاص بعضهم بما يفضل ذلك. ... 1447 – 4438 – وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا, ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا" "وفي حديث أبي: لو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا" أي: حملهما على أمر شديد, أو ضلال وكفر, أو ألحق بهما شرا وبلاء وطغيانا وكفرا, ليعمهما بعقوقه, وسوء صنيعه, أو قرن بإيمانهما طغيانه وكفره. ... 1448 – 4439 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء, فإذا هي تهتز من خلقه خضراء" "وفي حديث أبي هريرة: إنما سمي الخضر, لأنه جلس على فروة خضراء, فإذا هي تهتز من خلقه خضراء" المراد بـ (الفروة): الهشيم اليابس, شبهه بالفروة. و"خضراء": روي على زنة (فعلاء) , و (خضرا) -بالتنوين- يريد به: نباتا أخضر ناعما. ... 1449 – 4440 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ملك

الموت إلى موسى فقال له: أجب ربك, قال: فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها, قال: فرجع الملك إلى الله تعالى فقال: إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني, قال: فرد الله إليه عينه, وقال: ارجع إلى عبدي فقل: الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة, فضع يدك على متن ثور, فما وارت يدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة, قال: ثم مه؟ قال: ثم تموت, قال: فالآن من قريب, رب! أدنني من الأرض المقدسة رمية بحجر, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لو أني عنده, لأريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر" "وفي حديثه الآخرك فما توارت يدك من شعرة" هكذا مذكور في"صحيح مسلم", ولعل الصوابك "فما وارت يدك"بالرفع, وأخطأ بعض الرواة, ويدل عليه ما روى البخاري في "صحيحه"ك "فله غطت يده بكل شعرة سنة" ويحتمل أن يكون (يدك) منصوبا بنزع الخافض, وفي (توارت) ضمير لـ (ما) , أنثه لكونه فسره بالشعرة.

1450 – 4442 - وعن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عرض علي الأنبياء, فإذا موسى ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة, ورأيت عيسى بن مريم فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود, ورأيت إبراهيم فإذا أقرب من رأيت به شبها صاحبكم –يعني: نفسه-, ورأيت جبريل فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية بن خليقة" "وفي حديث جابر: عرض علي الأنبياء, فإذا موسى ضرب من الرجال, كأنه من رجال شنوءة" أرواحهم مثل بهذه الصورة, ولعل صورهم كانت كذلك, أو صورة ابدانهم كوشفت له في نوم أو يقظة. و (الضرب): الرجل الخفيف. و"شنوءة": قبيلة من اليمن, يقال لهم: أزد شنوءة, وهي في اللغة: التباعد عن الأدناس, لعلهم لقبوا بذلك لطهارة نسبهم, وحسن سيرهم وأفعالهم. ... 1451 – 4443 – عن ابن عباس رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت ليلة أسري بي موسى رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنوءة, ورأيت عيسى رجلا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس, ورأيت مالكا خازن النار, والدجال في آيات أراهن الله إياه {فلا تكن في مرية من لقائه} ".

"وفي حديث ابن عباس: في آيات أراهن الله إياه, {فلا تكن في مرية من لقائه} [السجدة:23] ". هذا من قول الراوي, ألحقه بالحديث دفعا لاستبعاد السامعين, وإماطة لما عسى يختلج في صدورهم. ... 1452 - 4444 – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليلة أسري بي لقيت موسى –فنعته- فإذا رجل مضطرب رجل الشعر, كأنه من رجال شنوءة, ولقيت عيسى ربعة أحمر, كأنما خرج من ديماس –يعني: الحمام- ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه, وأنا أشبه ولده به, قال: وأتيت بإناءين أحدهما لبن والآخر فيه خمر, فقيل لي: خذ أيهما شئت, فأخذت اللبن فشربته, فقيل لي: هديت الفطرة, أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك". "وفي حديث أبي هريرة: ليلة أسرى بي لقيت موسى, فنعته, فإذا هو رجل مضطرب". يريد به: أنه كان مستقيم القد حادا, فإن الحاد يكون قلقا متحركا, كأن فيه اضطرابا, ولذلك يقال رمح مضطرب, إذا كان طويلا مستقيما, وقيل: معناه: أنه كان مضطربا من خشية الله, وهذا صفة النبيين والصديقين, كما روي: أنه –عليه السلام- كان يصلي

ولقلبه أزيز كأزيز المرجل من البكاء, وأن إبراهيم –عليه السلام- كان يسمع وجيب قلبه في الصلاة على ميلين. "وفيه: فقيل لي: هديت الفطرة" أي: الفطرة الأصلية التي فطر الناس عليها, فإن منها الإعراض عما فيه غائلة وفساد, كالخمر المخل بالعقل الداعي إلى الخير, الوازع عن الشر, المؤدي إلى صلاح الدارين, وخير المنزلتين, والميل إلى ما فيه نفع خال عن مضرة دنيوية, ومعرة دينية, كشرب اللبن, فإنه من أصلح الأغذية, وأول ما به حصلت التربية. ... 1453 – 4445 – عن ابن عباس قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة, فمررنا بواد فقال: "أي واد هذا؟ "فقالوا وادي الأزرق, قال: "كأني أنظر إلى موسى, فذكر من لونه وشعره شيئا, واضعا أصبعيه في أذنيه, له جوار إلى الله بالتلبية مارا بهذا الوادي" قال: ثم سرنا حتى أتينا على ثنية فقال: "أي ثنية هذه؟ " قالوا: هرشى أو: لفت, فقال: "كأني أنظر إلى يونس على ناقة حمراء, عليه جبة صوف, خطام ناقته خلبة مارا بهذا الوادي ملبيا" "وفي حديث ابن عباس: خطام ناقته خلبة" أي: ليفة, و (الخلب): ليف النخيل.

1454 – 4446 – عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خفف على داود القرآن, فكان يأمر بدوابه فتسرج, فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه, ولا يأكل إلا من عمل يده" "وفي حديث أبي هريرة: خفف على داود القرآن, فكان يأمر بدوابه فتسرج, فيقرأ القرآن قبل أن يسرج". "القرآن"الأول يحتمل القراءة والمقروء, والثاني متعين في المقروء, والمراد به: الزبور, ولعله سماه قرآنا, لما كان في قراءته من الإعجاز, كما سمي القرآن, لما في لفظه من الإعجاز. ... 1455 - 4450 – وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الأولى والآخرة, الأنبياء إخوة من علات, وأمهاتهم شتى, ودينهم واحد, وليس بيننا نبي" "وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة, الأنبياء إخوة من علات, وأمهاتهم شتى, ودينهم واحد, ليس بيننا نبي" الموجب لكونه أولى الناس بعيسى: أنه كان أقرب المرسلين إليه, وأن دينه متصل بدينه, ليس بينهما نبي, وأن عيسى كان مبشرا به, ممهدا لقواعد دينه, داعيا للخلق إلى تصديقه.

و (العلة): الضرة, مأخوذ من (العلل) , وهو: الشربة الثانية بعد الأولى, فكأن الزوج عل منها بعدما كان ناهلا من الأخرى. و (أولاد العلات): أولاد الضرات من رجل واحد, والمعنى: أن حاصل أمر النبوة والغاية القصوى من البعثة التي بعثوا جميعا لأجلها = دعوة الخلق إلى معرفة الحق, وإرشادهم إلى ما به ينتظم معاشهم, ويحسن معادهم, فم متفقون في هذا الأصل, وإن اختلفوا في تفاريع الشرع التي هي كالوصلة المؤدية والأوعية الحافظة له, فعبرعما هو الأصل المشترك بين الكل بالأب, ونسبهم إليه, وعبرعما يختلفون فيه من الأحكام والشرائع المتفاوتة بالصورة المتقاربة في الغرض بالأمهات, وهو معنى قوله: "أمهاتهم شتى, ودينهم واحد" وأنه وإن تباينت أعصارهم, وتباعدت أيامهم, فالأصل الذي هو السبب في إخراجهم وإبرازهم كلا في عصره = أمر واحد, وهو الدين الحق الذي فطر الناس مستعدين لقبوله, متمكنين من الوقوف عليه, والتمسك به. فعلى هذا المراد بالأمهات: الأزمنة التي اشتملت عليهم, وانكشفت عنهم. ويحتمل تقرير هذه الأخوة من وجه آخر, وهو أن أرواح الأنبياء

لما بينها من التشابه والاتصال, كالشيء الواحد المباين بالنوع لسائر الأرواح, فهم كأنهم متحدون بالنفس التي هي بمنزلة الصورة المشبهة بالآباء, مختلفون بالأبدان التي هي بمنزلة المواد المشبهة بالأمهات. وقوله: "الأنبياء إخوة من علات" إلى آخره استئناف فيه دليل على الحكم السابق عليه, فكأن سائلا سأل عما هو المقتضي لكونه أولى الناس به, فأجاب بأن بين الأنبياء أخوة ليست بينهم وبين سائر الناس, ثم بينهما من قرب الزمان واتصال الدعوة ما ليس بين عيسى وغيره من الأنبياء, وهو معنى قوله: "ليس بيننا نبي" أي: بيني وبين عيسى, والله أعلم. ... من الحسان: 1456 – 4453 – عن أبي رزين قال: قلت: يا رسول الله! أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: "كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء, وخلق عرشه على الماء" وقال يزيد بن هارون: العماء, أي: ليس معه شيء. "عن أبي رزين العقيلي قالك قلت: يا رسول الله! أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: كان في عماء, ما تحته هواء, وما فوقه هواء, وخلق عرشه على الماء" (العماء): روي ممدودا ومقصورا, وهو من (العمى) , والمراد

باب فضائل سيد المرسلين صلوات الله عليه

به: ما لا يقبله الأوهام, ولا تدركه الفطن والأفهام, عبر عن عدم المكان بما لا يدرك, ولا يتوهم, وعن عدم ما يحويه ويحيط به بالهواء, فإنه يطلق ويراد به الخلاء الذي هو عبارة عن عدم الجسم, ليكون أقرب إلى فهم السامع. ويدل عليه: أن السؤال كان عما قبل أن يخلق خلقه, فلو كان العماء والهواء أمرين موجودين, لكانا مخلوقين, إذ ما من شيء سواه إلا وهو مخلوق خلقه وأبدعه, فلم يكن الجواب طبق السؤال, والله أعلم. ... 1 - باب فضائل سيد المرسلين صلوات الله عليه من الصحاح: 1457 - 4469 - وقال: "ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر, وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إلي, فأرجو أن يكون أكثرهم تابعا يوم القيامة". (باب فضائل سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم) "عن أبي هريرة: أنه -عليه السلام- قال: ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر, وإنما كان الذي أوتيت

وحيا أوحى الله إلي, فأرجو أن يكون أكثرهم تبعا يوم القيامة" "الآيات": المعجزات. و"مثله"مبتدأ, و"آمن عليه البشر"خبره, والجملة صلة (ما). والمعنى: أن كل نبي قد أعطي له معجزة تدعو الإنسان إلى التصديق والإيمان. والجار يحتمل أن يكون متعلقا بـ (آمن) , لتضمنه معنى الاطلاع, أو بحال محذوف تقديره: آمن البشر واقفا أو مطلعا عليه, والمفعول محذوف. "إنما كان الذي أوتيت وحيا", أي: معظم الذي أوتيت وأفيده, إذ كان له غير ذلك معجزات. والمراد بالوحي: القرآن البالغ أقصى غاية الإعجاز في النظم والمعنى, وهو أكثر فائدة وأعم منفعة من سائر المعجزات, فإنه يشتمل على الدعوة والحجة, ويستمر على مر الدهور والأعصار, ينتفع به الحاضرون عند الوحي المشاهدون له, والغائبون عنه والموجودون بعده إلى يوم القيامة على السواء, ولذلك رتب عليه قوله: "فأرجو أن يكون أكثرهم تبعا يوم القيامة" ... 1458 - 4472 - وقال: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها, وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها, وأعطيت

الكنزين الأحمر والأبيض, وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة, وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم, وإن ربي قال: يا محمد! إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد, وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة, وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم, ولو اجتمع عليهم من بأقطارها, حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا" "وفي حديث آخر له: إن الله زوى لي الأرض" أي: جمعها وطواها وقرب أطرافها حتى رأيت مشارقها ومغاربها, وهذا على سبيل التخييل والتمثيل. "وفيه: وأعطيت الكنزين, الأحمروالأبيض" يريد بالكنز الأحمر: خزائن كسرى, فإن الغالب على نقود ممالك كسرى الذهب, وبالكنز الأبيض: خزائن قيصر, فإن الغالب نقود الروم الدراهم. ... 1459 - 4474 - عن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة, قال: أجل, والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} , وحرزا للأميين, أنت عبدي ورسولي, سميتك المتوكل, ليس بفظ ولا غليظ

ولا سخاب في الأسواق, ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر, ولن يقبضه حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله, وتفتح بها أعين عمي, وآذان صم, وقلوب غلف, ورواه عطاء بن ابن سلام. "وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: حرزا للأميين" أي: حصنا وموئلا للعرب, يتحصنون به عن غوائل الشيطان, أو عن سطوة العجم وتغلبهم. وإنما سموا أميين, لأن أغلبهم لا يقرؤون ولا يكتبون. "وفيه: ليس بفظ, ولا غليظ, ولا سخاب في الأسواق" يريد بـ (الفظ): غليظ القلب, سيئ الخلق, وبـ (الغليظ): الضخم الكريه الخلق, و (السخاب): الصخاب, وهو الذي يكثر الصياح. "وفيه: حتى يقيم الملة العوجاء" يريد به: ملة إبراهيم صلوات الله عليه, فإنها قد اعوجت في أيام الفترة, فزيدت ونقصت, وبدلت وغيرت, وما زالت كذلك حتى قام الرسول عليه السلام فأقامها. ... من الحسان: 1460 - 4476 - عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أجاركم من ثلاث خلال: أن لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعا, وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق, وأن لا تجتمعوا على ضلالة" "عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله صلى الله عليه وسلم أجاركم من ثلاث خلال: أن لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا, وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق, وأن لا تجتمعوا على ضلالة" (أجار الله): أبعده ووقاه. والمراد بـ (الظهور): الظفر المؤدي إلى قمع الحق وإبطاله بالكلية, ولعله أراد بذلك: أن أهل الكفر والإيمان إذا تحاربوا على الدين, ولم يكن لهم غرض سواه, لم يكن للكفار على المؤمنين ظفر. ... 1461 - 4477 - وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يجمع الله على هذه الأمة سيفين, سيفا منها, وسيفا من عدوها" معناه: أن سيوفهم وسيوف أعدائهم لا يجتمعان عليهم, فيؤديان إلى استئصالهم, بل إذا جعلوا بأسهم بينهم, سلط الله عليهم العدو,

فيشغلهم به عن أنفسهم, ويكف عنها بأسهم. ... 1462 - 4481 - عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر, وبيدي لواء الحمد ولا فخر, وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي, وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر" "وفي حديث أبي سعيد: وبيدي لواء الحمد ولا فخر" في العرصات مقامات لأهل الخير والشر, يرفع في كل مقام لمن كان أسوة لأهله لواء يعرف به, وأعلى تلك المقامات مقام الحمد, وهو مقام نبينا عليه السلام, وإليه أشار بقوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [الإسراء:79]. وإنما سمي ذلك, لأن صاحبه كان أحمد الخلائق, أو كان يحمد ربه في السراء والضراء, فاستحق بهذه هذا المقام, أو لأنه يكون محمود العاقبة, أو تفتح له في ذلك المقام محامد لم تفتح مثلها على أحد من العالمين, أو يعطى ما يرضى به ويحمده, قال تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} [الضحى:5]. "ولا فخر", أي: لا أقول ذلك افتخارا به ومباهاة, وإنما أذكره محدثا بنعمة الله تعالى, وإظهار لفضله.

باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته

2 - باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته من الصحاح: 1463 - 4494 - وعن أبي موسى الأشعري قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء, فقال: أنا محمد وأحمد والمقفي والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة" (باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته) "في حديث أبي موسى الأشعري: أنا محمد, وأنا أحمد, والمقفي" "المقفي": المتبع, من (قفا أثره) , إذا اتبعه, يعني: أنه آخر الأنبياء الآتي أثرهم, لا نبي بعده, وقيل: معناه: المتبع لآثارهم, امتثالا لقوله تعالى: {فبهداهم اقتده} [الأنعام:90]. ... 1464 - 4498 - عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزا ولحما -أو قال: ثريدا- ثم درت خلفه, فنظرت إلي خاتم النبوة بين كتفيه عند ناغص كتفه اليسرى, جمعا, عليه خيلان كأمثال الثآليل. "وفي حديث عبد الله بن سرجس: فنظرت إلى خاتم النبوة بين

كتفيه عند ناغض كتفه اليسرى جمعا, عليه خيلان كأمثال الثآليل" (الناغض): ما ارتفع من الكتف. "جمعا", أي: مجتمعا. و"خيلان": جمع: خال, وهي بثرة تضرب إلى السواد. و"الثآليل": جمع: ثؤلول, وهو خراج صلب يخرج على الجسد, وأكثر ما يكون إنما يكون على الأطراف. ... 1465 - 4501 - عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل ولا بالقصير, وليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم, وليس بالجعد القطط ولا بالسبط, بعثه الله على رأس أربعين سنة, فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين, وتوفاه الله على رأس ستين سنة, وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء" "وفي حديث أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن, ولا بالقصير, ولا بالأبيض الأمهق, ولا بالآدم الأسمر, وليس بالجعد القطط" "البائن": الباعد عن حد الاعتدال, أو الظاهر البين طوله, من (بان) إذا بعد وظهر. و"الأبيض الأمهق": الذي بياضه خالص لا تشوبه حمرة ولا غيرها, كلون الثلج.

و"الجعد القطط": الذي يكون شديد الجعودة, وكذلك (القطط). ... 1466 - 4504 - وقال: كان ضخم الرأس والقدمين, لم أر بعده ولا قبله مثله, وكان بسط الكفين" وفي رواية: كان شثن القدمين والكفين. "وفيه: وكان شثن القدمين والكفين" (الشثن) بالثاء: الغليظ الأطراف, يقال: شثن -بالضم والكسر- إذا غلظ. ... 1467 - 4508 - عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله, كان أبيض مليحا مقصدا. "وفي حديث أبي الطفيل عامر بن واثلة الليثي: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبيض مقصدا" (المقصد): يريد به المتوسط بين الطويل والقصير, والحاد والجسيم. ... 1468 - 4510 - وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر

اللون, كأن عرقه اللؤلؤ, إذا مشى تكفأ, وما مست ديباجة ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا شممت مسكا ولا عنبرا أطيب من رائحة النبي صلى الله عليه وسلم " "وفي حديث أنس: إذا مشى تكفأ" أي: يميل إلى القدام, من قولهم: (أكفأه وكفأه) , إذا أماله, تقول: كفأت الإناء, فانكفأ وتكفأ. ... 1469 - 4511 - عن أنس رضي الله عنه عن أم سليم رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها فيقبل عندها, فتبسط نطعا فيقيل عليه, وكان كثير العرق, فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أم سليم! ما هذا؟ "قالت: عرقك نجعله في طيبنا, وهو من أطيب الطيب" "وفي حديث عن أم سليم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها فيقيل عندها" قيل: إنما كان يأتيها ولا يتحاشى عن المقيل لديها, لأنها كانت من محارمه بنسب أو رضاع, ولو صح ذلك, فلعله من قبل جده عبد المطلب, فإنه ولد بالمدينة, وكانت أمه سلمى بنت عمرو شريف بني النجار, وأم سليم ابنة ملحان من بني النجار أيضا, فلا يبعد أن يكون

بينه وبين أحد من أصولها قرابة أو رضاع يوجب محرمية بينها وبين الرسول صلى الله عليه وسلم. من الحسان: 1470 - 4513 - عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل ولا بالقصير, ضخم الرأس واللحية, شثن الكفين والقدمين, مشربا حمرة, ضخم الكراديس, طويل المسربة, إذا مشى تكفأ تكفأ كأنما ينحط من صبب, لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم. صح. "وفي حديث علي رضي الله عنه: مشرب حمرة, ضخم الكراديس, طويل المسربة, إذا مشى تكفأ تكفأ تكفؤا, كأنما ينحط من صبب" "مشرب حمرة", أي: مخلوط لونه بالحمرة, والإشراب: خلط لون بآخر. و"الكراديس": جمع: كردوس, وهو كل عظمين التقيا في مفصل, كالمنكبين والركبتين والوركين, ويقال للقطعة العظيمة من الخيل. و"المسربة"بضم الراء: الشعر الآخذ من السرة إلى الركبة.

و (التكفؤ): الميل. و (الصبب): الحدور, وهو ما انحدر من الأرض أيضا, وجمعه: أصباب. يريد أنه كان يمشي مشيا قويا, يرفع رجليه من الأرض رفعا بائنا, لا كمن يمشي اختيالا. ... 1471 - 4514 - وعن علي رضي الله عنه, كان إذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم, قال: لم يكن بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد, كان ربعة من القوم, ولم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط, كان جعدا رجلا ولم يكن بالمطهم ولا بالمكلثم, وكان في وجهه تدوير, أبيض مشرب, أدعج العينين, أهدب الأشفار, جليل المشاش والكتد, أجرد ذو مسربة, شثن الكفين والقدمين, إذا مشى ينقلع كأنما يمشي في صبب, وإذا التفت التفت معا, بين كتفيه خاتم النبوة, وهو خاتم النبيين, أجود الناس كفا, وأرحبهم صدرا, وأصدق الناس لهجة, وألينهم عريكة, وأكرمهم عشيرة, من رآه بديهة هابه, ومن خالطه معرفة أحبه, يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم. "وفي حديثه الآخر: لم يكن بالطويل الممغط, ولا بالقصير المتردد" :الممغط"بالغين المعجمة: الذاهب طولا, من (المغط) , وهو

المد, كأن الطوال من طوله. "المتردد": الذي انضم بعضه إلى بعض من غاية القصر, فكأنه تردد بعضه على بعض, ودخل فيه. قوله: (ليس بالمطهم) أي: الضخم الفاحش السمن. و"ولا بالمكلثم", أي: المدور وجهه غاية التدوير, بل وجهه كان مائلا إلى التدوير, ولذلك قال: (وكان في الوجه تدوير) على التكثير. وفيه: "أدعج العينين" أيك شديد سواد العينين, شديد بياضهما. "أهدب الأشفار"أي: كثير أطراف الجفون, كثير الهدب عليها. "جليل المشاش والكتد": و (المشاش): الغضاريف المتصلة برؤوس العظام, واحدها: مشاشة, و (الكتد) بفتح التاء وكسرها: ما بين الكاهل والظهر. "أجرد" أيك دقيق شعر الأعضاء. و"ألينهم عريكة", أي: جانبا. "من رآه بديهة", أي: فجأة. "هابه", أي: خافه, وقارا وأبهة. ... 1472 - 4517 - وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: رأيت

رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان, فجعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى القمر وعليه حلة حمراء فإذا هو أحسن عندي من القمر" "وفي حديث جابر بن سمرة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان" يريد ليلة مضيئة لا غيم فيها, يقالك ليلة إضحيان وإضحيانة -بكسر الهمزة- وضحياء, [من (الضحو)] ... 1473 - 4518 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه, وما رأيت أحدا أسرع في مشيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما الأرض تطوى له, إنا لنجهد أنفسنا, وإنه لغير مكترث. "وفي حديث أبي هريرة: إنا لنجهد أنفسنا, وإنه لغير مكترث" (الجهد والإجهاد): الحمل على الشيء فوق طاقته, وروي: "لنجهد" بفتح النون وضمها, أي: لنحمل على أنفسنا من الإسراع عقيبه فوق طاقتها, وإنه لا يبالي به, فكأنه يمشي على هينة. و (الاكتراث): المبالاة بالشيء, من (كرثه الغم) , إذا اشتد عليه. ... 1474 - 4519 - عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كان في ساقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حموشة, وكان لا يضحك إلا تبسما, وكنت إذا نظرت

باب في أخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم

إليه قلت: أكحل العينين, وليس بأكحل" "وفي حديث جابر: كان في ساقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حموشة" حموشة الساق: دقتها, يقال: (حمشت قوائم الدابة) إذا دقت, وشفة حمشة: قليلة اللحم. ... 3 - باب في أخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم من الصحاح: 1475 - 4523 - عن أنس رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس, ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة, فانطلق الناس قبل الصوت, فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت, وهو يقول: لم تراعوا لم تراعوا, وهو على فرس لأبي طلحة عري ما عليه سرج في عنقه سيف, فقال: لقد وجدته بحرا" (باب أخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم) "وفي حديث أنس رضي الله عنه: وهو يقول: لم تراعوا لم تراعوا" (الروع): الفزع, والمعنى: لا خوف ولا فزع, وروي: "لن تراعوا" فيكون خبرا في معنى النهي. وفيه: "وفي عنقه سيف"

أي: كان في عنق الفرس الذي ركبه حبل من ليف السعف. وفيه: "لقد وجدته بحرا" أي: جوادا واسع الجري. ... 1476 - 4530 - وعن أنس رضي الله عنه قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا لعانا, ولا سبابا, كان يقول عند المعتبة: "ما له؟ ترب جبينه" "وفي حديث آخر له: كان يقول عند المعتبة: ما له ترب جبينه " أي: غاية ما يقول عند الغضب والمخاصمة هذه الكلمة, وهي أيضا ذات وجهين, إذ يحتمل أن يكون دعا على المقول له, بمعنى: رغم أنفك, وأن يكون دعا له, بمعنى: سجد الله وجهك. ... 1477 - 4533 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته, إنما كان يبتسم" "وفي حديث عائشة رضي الله عنها: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا قط ضاحكا"

أي: ضاحكا كل الضحك, مقبلا بكله عليه. ... من الحسان: 1478 - 4539 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا, ولا سخابا في الأسواق, ولا يجزي بالسيئة السيئة, ولكن يعفو ويصفح" "وفي حديث عائشة رضي الله عنها: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا, ولا متفحشا" نفت عنه تولي الفحش والتفوه به طبعا وتكلفا. ... 1479 - 4542 - وقالت: كان بشرا من البشر, يفلي ثوبه, ويحلب شاته, ويخدم نفسه. "وفي حديثها الآخر: يفلي ثوبه" أي: يلقط القمل منه. ... 1480 - 4547 - وعن جابر رضي الله عنه قال: كان في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم

باب المبعث وبدء الوحي

ترتيل وترسيل. "وعن جابر: كان في كلام رسول الله -عليه السلام- ترتيل وترسيل" (الترتيل في القراءة): التبيين, و (الترسيل): التؤدة فيها. ... 4 - باب المبعث وبدء الوحي من الصحاح: 1481 - 4556 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم, فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح, ثم حبب إليه الخلاء, وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه -وهو التعبد- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك, ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها, حتى جاءه الحق وهو في غار حراء, فجاءه الملك فقال: "اقرأ", قال: "ما أنا بقاريء", قال: "فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد, ثم أرسلني, فقال: اقرأ, فقلت: ما أنا بقاريء, فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد, ثم أرسلني, فقال: اقرأ, قلت: ما أنا بقاريء, فأخذني فغطني

الثالثة حتى بلغ مني الجهد, ثم أرسلني فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق *خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم تعلم} " فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده حتى ذهب عنه الروع, فقال لخديجة رضي الله عنها وأخبرها الخبر: "لقد خشيت على نفسي" فقالت خديجة: كلا والله لا يخزيك الله أبدا, إنك لتصل الرحم, وتصدق الحديث, وتحمل الكل, وتكسب المعدوم, وتقري الضيف, وتعين على نوائب الحق, ثم انطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل, ابن عم خديجة, فقالت له: يا ابن عم! اسمع من ابن أخيك, فقال له ورقة: يا ابن أخي! ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى, فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى, يا ليتني فيها جذعا, ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو مخرجي هم؟ ", قال: نعم, لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي, وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا, ثم لم ينشب ورقة أن توفي, وفتر الوحي حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم –فيما بلغنا- حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال, فكلما أوفى بذورة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل فقال: "يا محمد! إنك رسول الله حقا" فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه"

(باب المبعث وبدء الوحي) "في حديث عائشة رضي الله عنها: وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح" شبه ما جاءه في اليقظة ووجده في الخارج طبقا لما رآه في المنام بالصبح في إنارته ووضوحه, و (الفلق): الصبح, لكنه لما كان مستعملا في هذا المعنى وفي غيره, كالخلق كله في قوله تعالى: {قل أعوذ برب الفلق} [الفلق:1] , والمطمئن من الأرض الواقع بين الربوتين, ومقطرة السجان, وهي خشبة فيها حروف تدخل فيها رجل المحبوسين, والشق في الشيء باعتبار معنى الشق فيه = أضيف إليه للتخصيص والبيان إضافة العام إلى الخاص, كقولهم: عين الشيء, ونفسه. "وفيه: كان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه" "حراء" بالمد: اسم جبل بمكة, يذكر ويؤنث. و (التحنث): التعبد كأن المتعبد يتحرز عن الإثم, ويتحنث عنه بعبادته. "وفيه: حتى جاءه الحق" قيل: أراد به الوحي, وقيل: جبريل, على حذف المضاف, أي: رسول الحق. "وفيه: وتكسب المعدوم" أي: تكسب ما لا يكون موجودا ولا حاصلا لنفسك, وتقري به

الضيف, فيكون المجموع سببا لأن لا يخزيه الله, أو تكسبه غيرك بمعنى: تحصله, وتعطيه غيرك, يقال: كسبت مالا, وكسبته غيري. وقيل: أراد بالمعدوم: المعدم, وهو الفقير, سمي معدوما للمبالغة, كأنه صار من غاية فقره واحتياجه معدوما, والمتصدق عليه يكسبه, ويجعله موجودا. "وفيه: وتعين على نوائب الحق" أي: تعين الملهوفين على ما يحيق بهم من النوائب التي يحق أن يعان عليها, ويجتهد في إزاحتها, وسد خلتها. "وفيه: فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى يا ليتني فيها جذعا" "الناموس": يريد به جبريل عليه السلام سمي بذلك لأنه السفير بين الله ورسله, وصاحب السر بينه وبينهم, من (نامست الرجل) , إذا ساررته. والكناية في"فيها"للنبوة, دل عليها المعنى. و"جذعا"نصب على الحال, والعامل وصاحبها محذوفان, والتقدير: يا ليتني أدركها جذعا, أي: شابا حتى كان عمري مصروفا في الإسلام, لا في النصرانية. أو على أنه خبر (كان) محذوفة, كأنه قال: يا ليتني كنت في نبوته شابا أقوى على نصرته.

فعلى الأول المتمنى إدراك نبوته حال الشباب, وعلى الثاني كونه شابا في عهدها. وهو في الأصل اسم للفتى السن من الحيوان إذا كان ذا ضراوة وقوة, فاستعمل لكل حيوان يعرف سنه إذا كان على سن يكون فيه كذلك, فيقال للشاة إذا دخلت في السنة الثانية, وللبقر, والخيل, والبغال إذا دخلت في السنة الثالثة, وللإبل إذا دخلت في السنة الخامسة, ويقال: فلان في هذا الأمر جذع, إذا كان حديثا فيه. "وفيه: وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا, ثم لم ينشب ورقة أن توفي" "يومك"يريد به: الزمان الذي أظهر فيه الدعوة, أو عاداه قومه فيه, وقصدوا إيذاءه وإخراجه. و (المؤزر): البالغ في القوة, من (الأزر) , وهو القوة. و"لم ينشب", أي: لم يلبث, ولم يبرح, وأصله: أنه لم يتعلق بشيء, ولم يشتغل, فكنى به عن ذلك. وفي آخره: "فيسكن لذلك جأشه" أي: اضطراب قلبه وقلقه.

1482 – 4557 – عن جابر رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي قال: "فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء, فرفعت بصري, فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض, فجئت منه رعبا, حتى هويت إلى الأرض, فجئت أهلي فقلت: زملوني, زملوني, فزملوني, فأنزل الله تعالى: {يا أيها المدثر * قم فأنذر} -إلي قوله-: {فاهجر} , ثم حمي الوحي وتتابع". "وفي حديث جابر: فجئت منه رعبا" (جئت الرجل) –بالهمز- على بناء ما لم يسم فاعله, فهو مجؤوت, إذا فزع, وكذلك (جئف) , وأصلهما: القلع عن المكان, كأن الفزع قلع عن مكانه فزعا. و"رعبا": نصب على المفعول لأجله, فإن الفزع انقباض يعتري الإنسان بسبب خوف, أو إصابة مكروه. ... 1483 – 4558 – عن عائشة رضي الله عنها: أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس, وهو أشد علي, فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال, وأحيانا يتمثل

لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول", قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد, فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا" "وفي حديث عائشة: أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله! كيف يأتيك الوحي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أحيانا مثل صلصلة الجرس, وهو أشد علي, فيفصم عني وقد وعيت ما قال, وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني, فأعي ما يقول". (الصلصلة): صوت الحديد إذا حرك مرة بعد أخرى, وتداخل صوته, ولذلك قيل: هو أبلغ من الصليل. "فيفصم عني" أي: يقلع ويقطع, من (أفصم عنه المرض) , إذا ذهب. والمعنى: أن الوحي تارة يأتيه بأن يسمع صوتا مجردا فينتقش في النفس, ويفهم منه معنى, وتارة يستقل بحيث يتمثل له الملك, ويخاطبه خطاب الرجل الرجل, فتكون الحالة الأولى أشد على النفس وأهول, وحصول الاطلاع على الوحي والوقوف على ما هو المقصود فيها = أصعب وأعسر, فلذلك قال: "وهو أشد علي" وفي آخره: "وإن جبينه ليتفصد عرقا" أي: يسيل, ومنه: الفصد.

1484 - 4559 – عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي كرب لذلك وتربد وجهه. وفي رواية: نكس رأسه, ونكس أصحابه رؤوسهم, فلما سري عنه رفع رأسه. "وفي حديث عبادة: إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك وتربد وجهه" المستكن في (كرب) , إما للرسول, والمعنى: أنه كان لشدة اهتمامه بالوحي كمن أخذه غم, أو لخوف ما عسى يتضمنه الوحي من التشديد والوعيد, بمعنى: اشتد, فإن الأصل في الكرب الشدة. "وتربد وجهه", أي: تغير, يقال: تربد وجهه من الغضب, إذا تعبس وتغير, من (الربدة) , وهي لون يضرب إلى الغبرة. وفيه: "فلما أتلي عنه" أي: سري وكشف, قيل: هو من (أتليته) , إذا أحلته, لأن الملك إذا قضى إليه الوحي وأداه, فقد أحال عليه البلاغ بعد, ويدل عليه: أن في بعض النسخ: "أتلي عليه"

1485 – 4561 - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة, وجمع قريش في مجالسهم, إذ قال قائل: أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها, ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه؟ فانبعث أشقاهم, فلما سجد وضعه بين كتفيه, وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا, فضحكوا حتى مال بعضهم على بعض من الضحك, فانطلق منطلق إلى فاطمة رضي الله عنها فأخبرها, فأقبلت تسعى, وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا حتى ألقته عنه, وأقبلت عليهم تسبهم, فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: "اللهم عليك بقريش" ثلاثا –وكان إذا دعا دعا ثلاثا, وإذا سأل سأل ثلاثا –اللهم! عليك بعمرو بن هشام, وعتبة بن ربيعة, وشيبة بن ربيعة, والوليد بن عتبة, وأمية بن خلف, وعقبة بن أبي معيط, وعمارة بن الوليد" قال عبد الله: فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر, ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر, ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ", اتبع أصحاب القليب لعنة" "وفي حديث ابن مسعود: فيعمد إلى فرثها, ودمها, وسلاها" (الفرث): ماء الكرش. و (السلا) بالفتح: ما يكون فيه الولد, وجمعها: أسلاء.

1486 – 4562 - عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله! هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: "لقد لقيت من قومك, وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة, إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت, فانطلقت وأنا مهموم على وجهي, فلم أستفق إلا بقرن الثعالب, فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني, فنظرت فإذا فيها جبريل, فناداني فقال: إن الله سمع قول قومك وما ردوا عليك, وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم", قال: "فناداني ملك الجبال وسلم علي, ثم قال: يامحمد! إن الله قد سمع قول قومك, وأنا ملك الجبال, وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك, إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا" "وفي حديث عائشة: فلم أستفق إلا بقرن الثعالب" الاستفاقة والإفاقة بمعنى: غير أن الأول أبلغ. و"قرن الثعالب": جبل صغير بين مكة والطائف, و (القرن): الحبل الصغير, أي: لم أفق مما كنت فيه من الغنم والحيرة في الأمر إلا بما وجدت في هذا الموضع, وأوحي إلي فيه, فأقام الظرف مقام المظروف. "وفيه: إن شئت أطبق عليهم الأخشبين"

باب علامات النبوة

(الأخشبان): جبلان بين مكة ومنى, و (الأخشب): الجبل العظيم, وكل شيء جسيم. ... 1487 - 4563 - عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج في رأسه, فجعل يسلت الدم عنه ويقول: "كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته؟! ". "وفي حديث أنس: فجعل يسلت الدم عنه" أيك يزيله من رأسه, من (سلتت المرأة خضابها): إذا أزالته. ... 5 - باب علامات النبوة من الصحاح: 1488 - 4566 - قال أنس رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان, فأخذه فصرعه, فشق عن قلبه, فاستخرج منه علقة فقال: "هذا حظ الشيطان منك" ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم, ثم لأمه وأعاده في مكانه, وجاء الغلمان يسعون إلى أمه -يعني: ظئره- فقالوا: إن محمدا قد قتل, فاستقبلوه وهو منتقع اللون, قال أنس رضي الله عنه: فكنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره

(باب علامات النبوة) "في حديث أنس: ثم لأمه وأعاده في مكانه" أي: جمعه وسواه. "وفيه: فاستقبلوه وهو منتقع اللون" أي: متغيره, يقال: انتقع لونه وامتقع بمعنى. ... 1489 - 4573 - وقال: "ليفتتحن عصابة من المسلمين كنز آل كسرى الذي في الأبيض" "وعن أبي هريرة: أنه -عليه السلام- قال: ليفتتحن عصابة من المسلمين كنز آل كسرى الذي في الأبيض" يريد به: خزائنهم وأموالهم المضبوطة في قصر كان لهم في المدائن, يقال له: سفيذ كوشك. ... 1490 - 4575 - وقال أنس رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان, وكانت تحت عبادة بن الصامت رضي الله عنه, فدخل عليها يوما فأطعته, ثم جلست تفلي رأسه, فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم استيقظ وهو يضحك, قالت: فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: "ناس من أمتي عرضوا على غزاة في سبيل الله, يركبون ثبج هذا

البحر, ملوكا على الأسرة" -أو: "مثل الملوك على الأسرة" -, فقلت: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم, فدعا لها, ثم وضع رأسه فنام, ثم استيقظ وهو يضحك, فقلت: يا رسول الله! ما يضحكك؟ قال: "ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله " -كما قال في الأولى- فقلت: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم, قال: "أنت من الأولين" فركبت أم حرام البحر في زمن معاوية, فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت" "وفي حديث أنس: يركبون ثبج هذا البحر" (ثبج الشيء): وسطه, وثبج الرمل: معظمه. ... 1491 - 4576 - وقال ابن عباس رضي الله عنه: إن ضمادا قدم مكة, وكان من أزد شنوءة, وكان يرقي من هذه الريح, فسمع سفهاء أهل مكة يقولون: إن محمدا مجنون, فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي, قال: فلقيه فقال: يا محمد! إني أرقي من هذا الريح, فهل لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الحمد لله, نحمده ونستعينه, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله, وحده لا شريك له, وأن محمدا عبده وسوله, أما بعد" فقال: أعد على كلماتك هؤلاء, فأعادهن عليه

فصل في المعراج

رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات, فقال: لقد سمعت قول الكهنة, وقول السحرة وقول الشعراء, فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء, ولقد بلغن ناعوس البحر, هات يدك أبايعك على الإسلام, قال: فبايعه. "وفي حديث ابن عباس: ولقد بلغنا ناعوس البحر" أي: معظمه ولجته: التي يغاص فيه لإخراج اللآلي, من (نعس) , إذا نام, لأن الماء من كثرته ثم لا تظهر حركته, فكأنه نائم. وقيل: هو لحن وخطأ من بعض الرواة, والصواب: "قاموس البحر", وهو: معظمه, ووسطه, من (القمس) , وهو الغمس. المعنى: لقد وصلنا إلى لجة البحر, ومحل اللآلي والدرر, فيجب أن نقف عليه, ونغوص فيه استخراجا لفوائده, والتقاطا لفرائده. وروي: "بلغن"على معنى: كلماتك لقد بلغت في البلاغة والفصاحة الغاية, بحيث لم ير لأحد من الفصحاء مثله, وهذا أشد مناسبة لما قبله. ... فصل في المعراج من الصحاح: 1492 - 4577 - عن قتادة رضي الله عنه, عن أنس بن مالك رضي الله عنه, عن

مالك بن صعصعة رضي الله عنه: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به: "بينما أنا في الحطيم -وربما قال: في الحجر- مضطجعا, إذ أتاني آت فشق ما بين هذه إلى هذه -يعني: من ثغرة نخره إلى شعرته- فاستخرج قلبي, ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانا, فغسل قلبي, ثم حشي, ثم أعيد -وفي وراية: ثم غسل البطن بماء زمزم, ثم ملئ إيمانا وحكمة- ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض, يضع خطوه عند أقصى طرفه, فحملت عليه, فانطلق بي جبريل, حتى أتى السماء الدنيا, فاستفتح, قيل: من هذا؟ قال جبريل, قيل: ومن معك؟ قال: محمد, قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء, ففتح, فلما خلصت فإذا فيها آدم صلوات الله عليه, فقال: هذا أبوك آدم فسلم عليه, فسلمت عليه, فرد السلام ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح, ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية, فاستفتح, قيل: من هذا؟ قال: جبريل, قيل: ومن معك؟ قال: محمد, قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء, ففتح, فلما خلصت إذا يحيى وعيسى صلوات الله عليهما, وهما ابنا خالة, قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما, فسلمت, فردا ثم قالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح, ثم صعد بي إلى السماء الثالثة, فاستفتح, قيل: من هذا؟ قال: جبريل, قيل: ومن معك؟ قال: محمد, قيل: وقد أرسل

إليه, قال: نعم, قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء, ففتح, فلما خلصت إذا يوسف, قال: هذا يوسف فسلم عليه, فسلمت عليه, فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح, ثم صعد بي حتى أى السماء الرابعة, فاستفتح, قيل: من هذا؟ قال: جبريل, قيل: ومن معك؟ قال: محمد, قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء, ففتح, فلما خلصت فإذا إدريس, قال: هذا إدريس فسلم عليه, فسلمت عليه, فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح, ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة, فاستفتح, قيل: من هذا؟ قال: جبريل, قيل: ومن معك؟ قال: محمد, قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء, فلما خلصت فإذا هارون, قال: هذا هارون فسلم عليه, فسلمت عليه, فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح, ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة, فاستفتح, قيل: من هذا؟ قال: جبريل, قيل: ومن معك؟ قال: محمد؟ قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء, فلما خلصت فإذا موسى, قال: هذا موسى فسلم عليه, فسلمت عليه, فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح, فلما جاوزت بكى, قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي, ثم صعد بي إلى السماء السابعة,

فاستفتح جبريل, قيل: من هذا؟ قال: جبريل, قيل: ومن معك؟ قال: محمد, قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم, قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء, فلما خلصت فإذا إبراهيم, قال: هذا أبوك فسلم عليه, فسلمت عليه, فرد السلام ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح, ثم رفعت إلى سدرة المنتهى, فإذا نبقها مثل قلال هجر, وإذا ورقها مثل آذان الفيلة, قال: هذه سدرة المنتهى, فإذا أربعة أنهار: نهران باطنان, ونهران ظاهران, قلت: ما هذان يا جبري؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة, وأما الظاهران فالنيل والفرات, ثم رفع لي البيت المعمور, ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل, فأخذت اللبن, فقال: هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك, ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم, فرجعت فمررت على موسى, فقال: بم أمرت؟ قلت: أمرت بخمسين صلاة كل يوم, قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة في كل يوم, وإني والله قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة, فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك, فرجعت, فوضع عني عشرا, فرجعت إلى موسى فقال مثله, فرجعت فوضع عني عشرا, فرجعت إلى موسى فقال مثله, فرجعت فوضع عني عشرا, فرجعت إلى موسى فقال مثله, فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم, فرجعت إلى موسى فقال مثله, فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم, فرجعت إلى

موسى فقال: بم أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم, قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم, إني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة, فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك" قال: " سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى واسلم" قال: "قلما جاوزت نادى مناد: أمضيت فريضتي, وخففت عن عبادي" (فصل في المعراج) "عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصة: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به" الحديث. "الحطيم": قيل: هو الحجر, سمي حجرا, لأنه حجر عنه بحيطانه, وحطيما, لأنه حطم جداره عن مساواة الكعبة, وعليه ظاهر قوله: "بينما أنا في الحطيم", وربما قال: في الحجر" فلعله - عليه السلام- حكى لهم قصة المعراج مرات, فعبر بالحطيم تارة, وبالحجر أخرى. وقيل: الحطيم غير الحجر, وهو: ما بين المقام إلى الباب. وقيل: ما بين الركن والمقام والزمزم والحجر. والراوي شك في أنه سمع: "في الحطيم", أو::في الحجر"

1493 - 4579 - عن ابن شهاب, عن أنس رضي الله عنه قال: كلن أبو ذر يحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة, فنزل جبريل ففرج صدري, ثم غسله بماء زمزم, ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري, ثم أطبقه, ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء, فلما جئت إلى السماء الدنيا, فإذا رجل قاعد, على يمينه أسودة, وعلى يساره أسودة, إذا نظر قبل يمينه ضحك, وإذا نظر قبل شماله بكى, فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح, قلت لجبريل: من هذا؟ قال: هذا آدم, وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه, فأهل اليمين منهم أهل الجنة, والأسودة التي عن شماله أهل النار, فإذا نظر عن يمينه ضحك, وإذا نظر قبل شماله بكى" وقال ابن شهاب رضي الله عنه: فأخبرني ابن حزم: أن ابن عباس رضي الله عنه وأبا حية الأنصاري كانا يقولان: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم عرج بي حتى ظهرت بمستوى أسمع فيه صريف الأقلام" وقال ابن حزم وأنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ففرض الله على أمتي خمسين صلاة, فرجعت حتى مررت على موسى عليه السلام, فراجعني, فوضع شطرها, وقال في الآخر: "فراجعته, فقال: هي خمس, وهي خمسون, ما يبدل القول لدي, فرجعت إلى موسى

فقال: راجع ربك, فقلت: استحييت من ربي, ثم انطلق بي حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى, وغشيها ألوان لا أدري ما هي, ثم أدخلت الجنة, فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ, وإذا ترابها المسك" وقد روى أنس أيضا عن أبي ذر: أنه -عليه السلام- قال: "فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة" وسرد الحديث على ما يخالف هذا الحديث في أشياء, فقيل: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معراجان: أحدهما: حال اليقظة على ما رواه مالك. والثاني: في النوم, وهو ما رواه أبو ذر. ولعله -عليه السلام- أراد بـ"بيتي": بيت أم هانيء, إذ روي أيضا الإسراء منه, فأضافه إلى نفسه تارة, لأنه ساكنه, وإليها أخرى, لأنها صاحبته. وقوله: "من ثغرة نخره إلى شعرته" أي: من أعلى نحره إلى عانته, والثغرة: من النحر ما بين الترقوتين, والشعرة بالكسر: شعر الركب, وقيل: شعر ركب النساء, فاستعمل هاهنا على الاتساع. وقوله: "ثم أتيت بسطت من ذهب مملوء إيمانا": لعله من باب التمثيل, أو تمثل له المعاني كما تمثل له أرواح الأنبياء الدارجة بالصور التي كانوا عليها.

"وفيه: قيل: وقد أرسل إليه؟ ". أي: أرسل إليه للعروج؟ وقيل: معناه: أوحي إليه, وبعث نبيا؟ والأول أظهر, لأن أمر نبوته كان مشهورا في الملكوت لا يكاد يخفى على خزان السماوات وحراسها, وأوفق للاستفتاح والاستئذان, ولذلك تكرر معه, وتحت هذه الكلمة ونظائرها أسرار يتفطن لها من فتحت بصيرته, واشتعلت قريحته. وقيل: كان سؤالهم للاستعجاب بما أنعم الله عليه, أو للاستبشار بعروجه, إذ كان من البين عندهم أن أحدا من البشر لا يترقى إلى أسباب السماوات من غير أن يأذن الله له, ويأمر ملائكته بإصعاده, وأن جبريل لا يصعد بمن لم يرسل إليه, ولا يستفتح له أبواب السماء. "وفيه: فلما تجاوزت بكى" أي: لما تجاوزت عن موسى بكى تأسفا على أمته, وإشفاقا عليهم, فإنهم قصروا في الطاعة, ولم يتبعوه حق الاتباع مع طول مدته, وامتداد أيام دعوته, فلم ينتفعوا بع انتفاع هذه الأمة بمحمد صلى الله عليه وسلم مع قلة عمره, وقصر زمانه. وإلى ذلك أشار بقوله: "أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي" "وفيه: ثم رفعت لي سدرة المنتهى": أي: قربت إلي, وجعلت بحيث أنظر إليها, وأطلع عليها, وإضافتها إلى المنتهى, لأنها بمكان

تنتهي إليه أعمال العباد, وينقطع دونه علم الخلائق. وأما (الأنهار) فقد مر شرحها في (باب صفة الجنة وأهلها) , وأما (عرض الأواني) فمذكور في (باب بدء الخلق, وذكر الأنبياء). "وفي حديث ابن عباس, وأبي حية الأنصاري: ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام". (ظهرت له) , أي: علوته, قال تعالى: {ومعارج عليها يظهرون} [الزخرف:33]. و (المستوى): على صيغة المفعول اسم مكان من (الاستواء) , واللام إما للعلة بمعنى: علوت لاستعلائه, أو للاستواء عليه, أو بمعنى (إلى) كما في قوله تعالى: {بأن ربك أوحى لها} [الزلزلة:5]. و"صريف الأقلام": صريرها, وأصله: صوت البكرة عند الاستقاء. والمعنى: بلغت في الارتقاء إلى رتبة من العلياء اتصلت بمبادئ الكائنات, واطلعت على تصاريف الأحوال, وجري المقادير, فلذلك أخبر -صلوات الله عليه- عن حوادث مستقبلة, وأشياء مغيبة, فانكشفت الحال على ما قال. ... 1494 - 4580 - عن عبد الله رضي الله عنه قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم

انتهي به إلى سدرة المنتهى, وهي في السماء السادسة, إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها, وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها, قال: {إذ يغشى السدرة ما يغشى} , قال: فراش من ذهب, قال: فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا: أعطي الصلوات الخمس, وأعطي خواتيم سورة البقرة, وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات. "وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهي به إلى سدرة المنتهى, وهي في السماء السادسة". من المتعارف المشهور والمروي عن الجمهور: أن سدرة المنتهى في السماء السابعة, فلعل هذا غلط من بعض الرواة, ويدل عليه: أن الحديث روي عنه من طرق متعددة, ولم تذكر فيها السماء السادسة" "وفيه: إذ قال: {يغشى السدرة ما يغشى} [النجم: 16] , قال: فراش من ذهب" ذكر المفسرون في تفسير {ما يغشى} وجوها أخر, فقيل: يغشاها جم غفير من الملائكة, لقوله -عليه السلام-: "رأيت على كل ورقة من ورقاتها ملكا قائما يسبح الله" وقيل: رفرف من طير خضر, وقد روي ذلك مرفوعا. وفسر في هذا الحديث: بفراش من ذهب, وهو لا ينافي ذلك, لجواز أن يكون هذا أيضا مما غشيها, ولعله مثل ما يغشى الأنوار التي تنبعث منها وتتساقط على مواقعها بالفراش, وجعلها من الذهب

لصفائها, وإضاءتها في نفسها. "وفيه: وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات" يريد بـ"المقحمات": الذنوب العظيمة التي يستحق بها صاحبها أن يدخل النار. ... 1495 - 4581 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي, فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها, فكربت كربا ما كربت مثله, فرفعه الله لي أنظر إليه, ما يسألونني عن شيئ إلا أنبأتهم, ولقد رأيتني في جماعة من الأنبياء, فإذا موسى قائم يصلي, فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة, وإذا عيسى قائم يصلي, أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي, وإذا إبراهيم قائم يصلي, أشبه الناس به صاحبكم -يعني: نفسه- فحانت الصلاة فأممتهم, فلما فرغت من الصلاة قال لي قائل: يا محمد! هذا مالك خازن النار فسلم عليه فالتفت إليه, فبدأني بالسلام" "وفي حديث أبي هريرة: فكربت كربا ما كربت مثله" أي: حزنت حزنا شديدا, و (الكرب): الحزن يسد النفس بشدته.

فصل في المعجزات

فصل في المعجزات من الصحاح: 1496 - 4583 - وقال البراء بن عازب لأبي بكر: يا أبا بكر! حدثني كيف صنعتما حين سريت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: أسرينا ليلتنا ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة وخلا الطريق لا يمر فيه أحد, فرفعت لنا صخرة طويلة لها ظل لم تأت عليه الشمس, فنزلنا عنده, وسويت للنبي صلى الله عليه وسلم مكانا بيدي ينام عليه, وبسطت عليه فروة, وقلت: نم يا رسول الله! وأنا أنفض ما حولك, فنام, وخرجت أنفض ما حوله, فإذا أنا براع مقبل, قلت: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم, قلت: أفتحلب لي؟ قال: نعم, فأخذ شاة فحلب في قعب كثبة من لبن, ومعي إداوة حملتها للنبي صلى الله عليه وسلم يرتوي فيها, يشرب ويتوضأ, فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم, فكرهت أن أوقظه فوافقته حتى استيقظ, فصببت من الماء على اللبن حتى برد أسفله, فقلت: اشرب يا رسول الله! فشرب حتى رضيت, ثم قال: "ألم يأن للرحيل؟ "قلت: بلى, قال: فارتحلنا بعد ما مالت الشمس, واتبعنا سراقة بن مالك, فقلت: أتينا يا رسول الله! فقال: "لا تحزن, إن الله معنا" فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فارتطمت به فرسه إلى بطنها في جلد من الأرض, فقال: إني أراكما دعوتما علي فادعوا لي, فالله لكما أن أرد عنكما الطلب, فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فنجا,

فجعل لا يلقى أحدا إلا قال: كفيتم ما هنا, فلا يلقى أحدا, إلا رده" (فصل في المعجزات) "في حديث البراء, عن أبي بكر رضي الله عنهما: فرفعت لنا صخرة" أي: أظهرت, ومنه: رفع الحديث, وهو إذاعته وإظهاره. "وفيه: وأنا أنفض ما حولك" يريد: أتفحص عن العدو, وأتحسس عن الحال, وأرى هل هناك مؤذ من عدو أو غيره؟ ومنه: النفضة والنفيضة لجماعة تبعث للتجسس عن حال العدو. "وفيه: فحلب في قعب كثبة من لبن" (القعب): قدح كبير من خشب مقعر. و (الكثبة) من اللبن: قدر حلبة, وقيل: ملء القدح من اللبن. "وفيه: فوافقته حتى استيقظ" أي: وافقته في النوم, أو تأنيت به حتى استيقظ. وفي بعض نسخ"البخاري": فوافقته حين استيقظ" أي: وافق إتياني وقت استيقاظه, ويدل عليه: أم مسلم بن الحجاج ذكرفي بعض طرقه: "فوافقته وقد استيقظ" وفي بعضها: "فوافقته"بتقديم القاف, أي: توقفت إلى أن استيقظ.

"وفيه: فارتطمت به فرسه إلى بطنها في جلد من الأرض" أي: خسفت في الأرض, يقال: ارتطم في الوحل إذا وقع فيه بحيث لا يقدر على الخروج منه, وارتطم عليه الأمر: إذا انسد عليه طرقه. و (الجلد): الأرض الصلبة. ... 1497 – 4585 – وقال أنس رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاورنا حين بلغنا إقبال أبي سفيان, فقام سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله! والذي نفسي بيده, لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها, ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا, قال: فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس, فانطلقوا حتى نزلوا بدرا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا مصرع فلان" ويضع يده على الأرض هاهنا وهاهنا, قال: فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم. "وفي حديث أنس: فقام سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله! والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيض البحر لأخضناها, ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا" (الإخاضة): الإدخال في الماء, والكناية للخيل والإبل, وإن لم يجر ذكرهما, لقرينة الحال.

و (ضرب الأكباد): عبارة عن تكليف الدابة للسير بأبلغ ما يمكن. و"برك الغماد" بكسر الباء وفتحها, وضم الغين: موضع باليمن, وقيل: في أقاصي هجر, وقيل: مدينة من مدائن الحبسة. "وفيه: فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ". أي: فما بعد أحدهم عن مصرعه الذي عينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده, ومنه: (ماط في حكمه) , إذا جار وعدل عن الحق. ... 1498 – 4588 – وقال ابن عباس رضي الله عنه: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أملمه, إذ سمع ضربة بالسوط فوقه, وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم! إذ نظر إلى المشرك أمامه خر مستلقيا, فنظر إليه, فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط, فاخضر ذلك أجمع, فجاء الأنصاري فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: "صدقت, ذلك من مدد السماء الثالثة" "وفي حديث ابن عباس: أقدم حيزوم" "أقدم": أمر من (الإقدام) , يذكر زجرا للفرس. و"حيزوم": علم فرس جبريل, وهو في الأصل: اسم لوسط الصدر, فلعله سمي به لغاية قوته. "وفيه: فإذا هو قد خطم أنفه"

أي: كسر, وظهر فيه أثره, من (خطمت البعير) , إذا وسمته بالكي بخط من الأنف إلى أحد خديه. ... 1499 – 4590 – وعن البراء رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم رهطا إلى أبي رافع فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلا وهو نائم فقتله, فقال عبد الله بن عتيك: فوضعت السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره فعرفت أني قتلته, فجعلت أفتح الأبواب حتى انتهيت إلى درجة, فوضعت رجلي, فوقعت في ليلة مقمرة, فانكسرت ساقي, فعصبتها بعمامة, فانطلقت إلى أصحابي فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته فقال: "ابسط رجلك", فبسطت رجلي فمسحها, فكأنها لم أشتكها قط" "وفي حديث البراء: بعث النبي صلى الله عليه وسلم رهطا إلى أبي رافع" أبو رافع كنية أبي الحقيق اليهودي, أعدى عدو رسول الله صلى الله عليه وسلم, نبذ عهده, وتعرض له بالهجاء, وتحصن عنه بحصن كان له, فبعثهم إليه ليقتلوه, فدخل عليه عبد الله بن عتيك فقتله, كما دل عليه الحديث. ... 1500 – 4591 - وقال جابر: إنا يوم الخندق نحفر, فعرضت كدية شديدة, فجاءوا النبي صصصص فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق, فقال: "أنا نازل" ثم قام وبطنه معصوب بحجر, ولبثنا

ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا, فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب فعاد كثيبا أهيل, فانكفأت إلى امرأتي فقلت: هل عندك شيء؟ فإني رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا, فأخرجت جرابا فيه صاع من شعير, ولنا بهيمة داجن فذبحتها, وطحنت الشعير, حتى جعلنا اللحم في البرمة, ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم فساررته فقلت: يا رسول الله! ذبحنا بهيمة لنا, وطحنت صاعا من شعير, فتعال أنت ونفر معك, فصاح النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أهل الخندق! إن جابرا صنع سورا, فحي هلا بكم" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تنزلن برمتكم, ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء" وجاء فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك, ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك, ثم قال: "ادعي خابزة فلتخبز معك, واقدحي من برمتكم ولا تزلوها" وهم ألف, فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي, وإن عجيننا ليخبز كما هو" "وفي حديث جابر: فعرضت كدية شديدة" أي: قطعة من الأرض غليظة. "وفيه: فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول, فضرب فعاد كثيبا أهيل, فانكفأت إلى امرأتي فقلت: هل عندك شيء؟ فإني رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا" (الكثيب): التل من الرمل, و (الأهيل) والهيال: المصبوب السيال, والمعنى: أن الكدية التي عجزوا عن رضها صارت بضربة

واحدة ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم كتل من الرمل مصبوب سيال. و (الانكفاء): الانصراف. (الخمص) بسكون الميم: الجوع, سمي بذلك لأن البطن يضمر به. "وفيه: لنا بهيمة داجن" "بهيمة": تصغير بهمة, وهي الأنثى من ولد الشاة, وقيل: من ولد الضأن ذكرا كان أو أنثى. و (الداجن): الذي ألف البيت. "وفيه: واقدحي من برمتكم" أي: اغترفي, من قدحت المرق: إذا اغترفته, ومنه: المقدحة, وجه إليه الخطاب ولونه إلى الطباخة. "وفيه: وإن برمتنا لتغط" أي: تصوت, لشدة غليانه. ... 1501 – 4592 - وقال أبو قتادة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمار حين يحفر الخندق, فجعل يمسح رأسه ويقول: "بؤس ابن سمية, تقتلك الفئة الباغية"

"وفي حديث أبي قتادة يقول: بؤس ابن سمية تقتلك الفئة الباغية" (البؤس): الشدة, و"سمية" –بالضم- اسم أم عمار بن ياسر والمعنى: يا بؤس عمار وما يلقى من شدة حاله, نادى بؤسه وأراد نداءه, ولذلك خاطبه بقوله: "تقتلك الفئة الباغية"يريد به معاوية وقومه, فإنه قتل يوم الصفين. واتسع في حذف (يا) , وهي لا تحذف عن أسماء الأجناس, وقد روي معها. ... 1502 – 4598 – وقال عمران بن حصين رضي الله عنه: كنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فاشتكى إليه الناس من العطش, فنزل, فدعا فلانا ودعا عليا فقال: "اذهبا فابتغيا الماء" فانطلقا فلقيا امرأة بين مزادتين –أو سطيحتين- من ماء, فجاءا بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستنزلوها عن بعيرها, ودعا النبي صلى الله عليه وسلم بإناء ففرغ فيه من أفواه المزادتين, ونودي في الناس: اسقوا واستقوا, قال: فشربنا عطاشا أربعين رجلا حتى روينا, فملأنا كل قرية معنا وإداوة, وايم الله لقد أقلع عنها وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملأة منها حين ابتدأ. "وفي حديث عمران بن حصين: فلقيا امرأة بين مزادتين –أو

سطيحتين- من ماء". (المزادة): الرواية, وهي في الأصل اسم لما يوضع فيه الزاد. و (السطيحة): نوع من المزادة تكون من جلدين قوبل أحدهما بالآخر فسطح عليه. ... 1503 - 4599 - وقال جابر رضي الله عنه: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح, فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فلم ير شيئا يستتر به, وإذا شجرتان بشاطئ الوادي, فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال: "انقادي علي بإذن الله", فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى, فأخذ بغصن من أغصانها فقال: "انقادي علي بإذن الله", فانقادت معه كذلك, حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما قال: "التئما علي بإذن الله" فالتأمتا, فجلست أحدث نفسي, فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا, وإذا الشجرتان قد افترقتا, فقامت كل واحدة منهما على ساق" "وفي حديث جابر: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح" أي: واسعا يقال: دار فيحاء, من الفيح, إذا كانت واسعة.

"وفيه: فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده" أي: انقادت الشجرة, أو الغصنة, فنزلت معه إلى الأرض. "كالبعير المخشوش" أي: الذي جعل الخشاش في أنفه, وهو البرة. "الذي يصانع"أي: يطاوع وينقاد لقائده, وأصل المصانعة: أن تصنع لصاحبك شيئا, ليصنع لك شيئا. "وفيه: حتى إذا كان بالمنصف" أي: توسط ما بين الشجرتين, و"المنصف": نصف الطريق. "فحانت مني لفتة" أي: التفاتة ونظرة. ... 1504 - 4603 - وقال ابن عباس رضي الله عنه: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين, فلما التقى المسلمون والكفار ولي المسلمون مدبرين, فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها إرادة أن لا تسرع, وأبوسفيان بن الحارث رضي الله عنه أخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم فقال: "هذا حين حمي الوطيس! " ثم أخذ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: "انهزموا ورب محمد" فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته, فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا" "وفي حديث ابن عباس: هذا حين حمي الوطيس"

هذا مثل ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسبقه إليه أحد, ومعناه: اشتدت الحرب, و"الوطيس": التنور. ... 1505 – 4605 – قال البراء: كنا والله إذا احمر البأس نتقي به, وإن الشجاع منا للذي يحاذي به, يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم. "وفي حديث البراء: كنا والله إذا احمر البأس نتقي به" معناه: كنا إذا اشتدت الحرب واستولى علينا الرعب التجأنا إليه, ونجعله تقاة بين أيدينا, والحمرة تستعمل في الشدة, ومنه قولهم: موت أحمر, وسنة حمراء, وخصوصا في الحرب, فإن احمرار الحرب كناية عن إراقة الدماء. ... 1506 – 4607 – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ممن معهخ يدعي الإسلام: "هذا من أهل النار" فلما حضر القتال قاتل الرجل من أشد القتال وكثرت به الجراح, فجاء رجل فقال: يا رسول الله! أرأيت الذي تحدثت أنه من أهل النار, قد قاتل في سبيل الله من أشد القتال فكثرت به الجراح, فقال: "أما إنه من أهل النار, فكاد بعض المسلمين يرتاب, فبينما هم على ذلك إذ وجد الرجل ألم الجراح

فأهوى بيده إلى كنانته فانتزع سهما فانتحر به, فاشتد رجال من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! صدق الله حديثك, قد انتحر فلان وقتل نفسه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر, أشهد أني عبد الله ورسوله, يا بلال! قم فأذن: لا يدخل الجنة إلا مؤمن, وإن الله ليؤبد هذا الدين بالرجل الفاجر" "وفي حديث أبي هريرة: فانتزع سهما فانتحر بها, فاشتد رجال من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ". يقال: انتحر فلان: إذا نحر نفسه, والاشتداد: العدو. ... 1507 – 4608 – عن عائشة رضي الله عنها قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله, حتى كان ذات يوم عندي, دعا الله ودعاه, ثم قال: "أشعرت يا عائشة! أن الله قد أفتاني فيما استفتيته, جاءني رجلان: جلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي, ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب, قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي, قال: في ماذا؟ قال: في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر, قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذروان" فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر فقال: "هذه البئر التي أريتها, وكأن ماءها نقاعة الحناء, وكأن نخلها

رؤوس الشياطين" فاستخرجه. "وفي حديث عائشة: مطبوب" أي: مسحور, والطب: السحر, استعير له من الطب الذي هو بمعنى الفطانة, لما فيه من دقة وخفاء. "وفيه: في مشط ومشاطة, وجف طلعة ذكر" (المشط): ما يمشط به الشعر. و (المشاطة): ما نشب بالمشط من الشعر, وسقط منه عند الامتشاط. و (الجف): وعاء الطلع, والمراد بالذكر: فحل النخل. "وفيه: في بئر ذروان" هكذا في (كتاب البخاري) وفي (كتاب مسلم): "في بئر ذي أروان" وصوبه الأصمعي, وهي بئر في بني زريق, وذو أروان: اسم محلتهم, فيها بني مسجد الضرار, ولعله يقال لها: ذروان, على التخفيف. "وفيه: كأن ماءها نقاعة الحناء, وكأن نخلها رؤوس الشياطين" (النقاعة): ما يخرج من النقوع, والمراد بالنخل: طلعه, وأضاف إلى البئر لأنه كان مدفونا فيها, وتشبيهه برؤوس الشياطين لما وجد منه من الوحشة والنفرة, وقيل: المراد بالشياطين الحيات الخبيثة.

1508 – 4609 – عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما أتاه ذو الخويصرة, وهو رجل من بني تميم, فقال: يا رسول الله! اعدل, فقال: "ويلك! فمن يعدل إذا لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إذا لم أكن أعدل" فقال عمر: ائذن لي أن أضرب عنقه, فقال: "دعه, فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم, وصيامه مع صيامهم, يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم, يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية, ينظر إلى نصله, إلى رصافه, إلى نضيه –وهو: قدحه- إلى قذذه- فلا يوجد فيه شيء, قد سبق الفرث والدم, آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة, أو مثل البضعة تدردر, ويخرجون على حين فرقة من الناس" قال أبو سعيد: أشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتلهم وأنا معه, فأمر بذلك الرجل فالتمس, فأتي به حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته. وفي رواية: أقبل رجل غائر العينين, ناتئ الجبهة, كث اللحية, مشرف الوجنتين, محلوق الرأس, فقال: يا محمد! اتق الله, قال: "فمن يطيع الله إذا عصيته, فيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنوني؟ ", فسأل رجل قتله فمنعه, فلما ولى قال: "إن من ضئضئ هذا قوما يقرؤون القرآن لا يجاور حناجرهم, يمرقون من الإسلام مروق السهم

من الرمية, فيقتلون أهل الإسلام, ويدعون أهل الأوثان, لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" "وفي حديث أبي سعيد: أتاه ذو الخويصرة" هو رئيس الخوارج, واسمه: حرقوص بن زهير التميمي, وفيه نزل قوله تعالى: {ومنهم من يلمزك في الصدقات} الآية [التوبة:58] لهذه القصة. "وفيه: يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم" أي: لا تتجاوز قراءتهم عن ألسنتهم إلى قلوبهم, فلا تؤثر فيها, أو لا تتصاعد من مخرج الحرف وحير الصوت إلى محل القبول والإثابة. "وفيه: يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية, ينظر إلى نصله, إلى رصافه, إلى نضيه –وهو قدحه- إلى قذذه, فلا يوجد فيه شيء قد سبق الفرث والدم" أي: يخرجون من الدين ويمرقون عليه سريعا من غير حظ وانتفاع خروج السهم من الرمية –الصيد- ومروره بجميع أجزائه عليها. و (الرصاف) بالضم والكسر: عقب يلوي فوق مدخل النصل, و [واحدة] الرصافة والرصفة. و (نضي السهم): قدحه, وهو ما جاوز الريش إلى النصل, من النضو, سمي به لأنه بري حتى صار نضوا. و (القذذ): ريش السهم, واحده: قذة.

"وفيه: أو مثل البضعة تدردر" أي: تتحرك وترجرج. وفي رواية الأخرى: "إن من ضئضيء هذا"أي: من أصله, يريد به النسب الذي هو منه, أو المذهب الذي هو عليه. ... 1509 – 4610 – وقال أبو هريرة رضي الله عنه: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة, فدعوتها يوما, فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره, فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي قلت: يا رسول الله! ادع الله أن يهدي أم أبي هريرة, فقال: "اللهم! اهد أم أبي هريرة", فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم, فلما صرت إلى الباب, فإذا هو مجاف, فسمعت أمي خشف قدمي, فقالت: مكانك يا أبا هريرة! وسمعت خضخضة الماء, فاغتسلت, ولبست درعها, وعجلت عن خمارها, ففتحت الباب, ثم قالت: يا أبا هريرة! أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي من الفرح, فحمد الله وقال خيرا. "وفي حديث أبي هريرة: فلما صرت إلى الباب, فإذا هو مجاف, فسمعت أمي خشف قدمي" "صرت إلى الباب", أي: واصلا إليه, "فإذا هو مجاف" أي:

مردود, من أجفت الباب: إذا رددته. و (الخشف والخشفة): الصوت, و"خضخضة الماء": صوته. ... 1510 – 4616 – عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى قدمنا عسفان, فأقام بها ليالي, فقال الناس: ما نحن هاهنا في شيء, وإن عيالنا لخلوف ما نأمن عليهم, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "والذي نفسي بيده, ما من المدينة شعب ولا نقب إلا عليه ملكان يحرسانها حتى تقدموا إليها" ثم قال: "ارتحلوا", فارتحلنا, وأقبلنا إلى المدينة, فوالذي يحلف به, ما وضعنا رحالنا حين دخلنا المدينة حتى أغارعلينا بنو عبد الله بن غطفان, وما يهيجهم قبل ذلك شيء" "وفي حديث أبي سعيد: وإن عيالنا لخلوف" أي: غيب الرجال ليس عليهم قوام, من قولهم: وجدت الحي خلوفا, أي: نساء خلصا يخلفن عن الرجال. ... 1511 - 4617 – وقال أنس رضي الله عنه: أصابت الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم جمعة فقام أعرابي فقال: يا رسول الله! هلك المال, وجاع العيال, فادع الله لنا,

فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة, فوالذي نفسي بيده, ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال, ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته, فمطرنا يومنا ذلك, ومن الغد, ومن بعد الغد, حتى الجمعة الأخرى, فقام ذلك الأعرابي, أو غيره, فقال: يا رسول الله! تهدم البناء, وغرق المال, فادع الله لنا, فرفع يديه وقال: "اللهم! حوالينا ولا علينا" فما يشير إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت, وصارت المدينة مثل الجوية, وسال الوادي قناة شهرا, ولم يجيء أحد من ناحية إلا حدث بالجود. وفي رواية: قال: "اللهم! حوالينا ولا علينا, اللهم! على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر", قال: فأقلعت, وخرجنا نمشي في الشمس. "وفي حديث أنس: وصارت المدينة مثل الجوبة وسال الوادي قناة شهرا" "الجوبة"في الأصل: المكان المتسع الفارغ بين البيوت, والمراد بها: الفرجة في السحاب انقشعت الغمام عما يسامت المدينة, وأحاطت بما حولها بحيث صار جو المدينة مثل الجوبة. و"قناة": نصب على الحال, أو المصدر على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه, أي: مثل القناة, أو سيلان القناة في الدوام والاستمرار والقوة والمقدار.

"وفيه: على الآكام والظراب" "الآكام": جمع أكمة وهي التل, وتجمع أيضا على أكمات وأكم. و"الظراب": جمع ظرب –بكسر الراء- وهو الربوة الصغيرة. "وفيه: فأقلعت" أي: كفت السحابة عن المطر, والإقلاع: الكف عن الشيء. ... 1512 – 4619 – عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله, فقال: "كل بيمينك", قال: لا أستطيع, قال: "لا استطعت", ما منعه إلا الكبر, قال: فما رفعها إلى فيه. "وفي حديث سلمة بن الأكوع: أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله" قيل: هذا الرجل بشر بن راعي العير, وقيل: بسر, بالسين المهملة. ... 1513 - 4620 – عن أنس رضي الله عنه أن أهل المدينة فزعوا مرة, فركب النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة بطيئا فكان يقطف, فلما رجع قال: "وجدنا فرسكم هذا بحرا" فكان بعد ذلك لا يجاري. وفي رواية: فما سبق بعد ذلك اليوم.

"وفي حديث أنس: وكان يقطف" أي: تتقارب خطاه, يقال: قطفت الدابة: إذا مشت مشيا ضيقا, والفرس: إذا كان بطيئا قطوفا يقل سيره. ... 1514 - 4622 – وقال جابر: إن أم مالك كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنا, فيأتيها بنوها فيسألون الأدم وليس عندهم شيء, فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي صلى الله عليه وسلم فتجد فيه سمنا, فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرتها, فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "عصرتيها؟ " قالت: نعم, قال: "لوتركتيها ما زال قائما" "وفي حديث [جابر]: أن أم مالك كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنا" (العكة) بالضم: وعاء أصغر من القربة, وأم مالك هذه هي البهزية. ... 1515 - 4623 - وقال أنس رضي الله عنه: قال أبو طلحة لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع, فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم, فأخرجت أقراصا من شعير, ثم أخرجت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه, ثم دسته تحت يدي, ولاثتني ببعضه, ثم

أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فذهبت به, فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه ناس, فقمت فسلمت عليهم, فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسلك أبو طلحة؟ " قلت: نعم, قال: "بطعام؟ ", قلت: نعم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: "قوموا", فانطلق, وانطلقت بين أيديهم, حتى جئت أبا طلحة فأخبرته, فقال أبو طلحة: يا أم سليم! قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم, فقالت: الله ورسوله أعلم, فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هلمي يا أم سليم! ما عندك", فأتت بذلك الخبز, فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت, وعصرت أم سليم عكة, فأدمته, ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما شاء الله أن يقول, ثم قال: "ائذن لعشرة", فأذن لهم, فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا, ثم قال: "ائذن لعشرة, ثم لعشرة" فأكل القوم كلهم وشبعوا, والقوم سبعون أو ثمانون رجلا. ويروى أنه قال: "ائذن لعشرة", فدخلوا فقال: "كلوا, وسموا الله" فأكلوا حتى فعل ذلك بثمانين رجلا, ثم أكل النبي صلى الله عليه وسلم وأهل البيت وترك سؤرا. ويروى: فجعلت أنظر: هل نقص منها شيء؟! ويروى: ثم أخذ ما بقي فجمعه, ثم دعا فيه بالبركة, فعاد كما كان, فقال: "دونكم هذا".

"وفي حديث أنس: ثم أخرجت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه, ثم دسته تحت يدي, ولاثتني ببعضه" "دسته" أي: أخفته, "ولاثتني", أي: عممتني أو لفت بي, من اللوث, وهو لف الشيء بالشيء وإدارته عليه, ومنه: لاث به الناس: إذا استداروا حوله. ... 1516 – 4624 – وقال أنس رضي الله عنه: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بإناء وهو بالزوراء, فوضع يده في الإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه, فتوضأ القوم, قال قتادة رضي الله عنه: قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاث مئة, أو زهاء ثلاث مئة. "وفي قوله في حديث آخر له: ثلاث مئة أو زهاء ثلاث مئة" أي: قدر ذلك أو قريبا منه. ... 1517 – 4626 – قال أبو قتادة رضي الله عنه: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم, وتأتون الماء إن شاء الله غدا" فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد, قال أبو قتادة رضي الله عنه: فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حتى ابهار الليل, فمال عن الطريق, فوضع رأسه ثم قال: "احفظوا علينا صلاتنا" وكان أول من استيقظ

رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس في ظهره, ثم قال: "اركبوا", فركبنا, فسرنا, حتى إذا ارتفعت الشمس نزل, ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شيء من ماء, فتوضأ منها وضوءا دون وضوء, قال: وبقي فيها شيء من ماء, ثم قال: "احفظ علينا ميضأتك فسيكون لها نبأ" ثم أذن بلال بالصلاة, فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين, ثم صلى الغداة, وركب وركبنا معه, فانتهينا إلى الناس حين امتد النهار وحمي كل شيء وهم يقولون: يا رسول الله! هلكنا عطشا, فقال: "لا هلك عليكم", ودعا بالميضأة, فجعل يصب وأبو قتادة يسقيهم, قلم يعد أن رأى الناس ماء في الميضأة فتكابوا عليها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحسنوا الملأ, كلكم سيروى", قال: ففعلوا, فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب ويسقيهم, حتى ما بقي غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم صب فقال لي: "اشرب", فقلت: لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله! قال: "إن ساقي القوم آخرهم شربا", قال: فشربت وشرب, قال: فأتى الناس الماء جامين رواء. "وفي حديث أبي قتادة الأنصاري: لا يلوي أحد على أحد" أي: لا يعرج ولا يعطف عليه, ولا يصرف همه إليه, لشدة اهتمامه بالماء. "وفيه: حتى ابهار الليل" بالباء, أي: انتصف وذهب معظمه, وبهرة كل شيء: وسطه.

"وفيه: تكابوا عليها" أي: ازدحموا على الميضأة –وهي ما يوضأ منه- ووقع بعضهم على بعض, من الكب. "وفيه: أحسنوا الملأ" أي: الخلق. "وفيه: فأتى الناس الماء جامين رواء" "جامين"ك مجتمعين, من الجم, أو: مستريحين, من الجمام وهو الراحة وزوال الأعباء, يقال: جم القوم, أي: استراحوا, أو: ممتلئين ماء, من جمام المكوك وهو امتلاؤه. و"رواء"بالكسر: جمع راو وهو الذي روي من الماء. ... 1518 – 4631 – وقال أبو ذر, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط, فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحما –أو قال ذمة وصهرا- فإذا رأيتم رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها, قال: فرأيت عبد الرحمن ابن شرحبيل بن حسنة وأخاه ربيعة يختصمان في موضع لبنة فخرجت منها"

"وفي حديث أبي ذر: إنكم ستفتحون [مصر, وهي أرض يسمى فيها القيراط] ". "وهي أرض يسمى فيها القيراط" أي: يكثر أهلها ذكر القراريط في معاملتهم لتشددهم فيها, وقلة مروءتهم. وقيل: القراريط كلمة يذكرها أهلها في المسابة. ومعنى الحديث: إن القوم لهم دناءة وخسة, وفي لسانهم إيذاء وفحش فإذا استوليتم عليهم وتمكنتم منهم فأحسنوا عليهم بالصفح والعفو عما تنكرون, لا يحملنكم سوء أفعالهم وأقوالهم على الإساءة, فإن لهم ذمة ورحما, وذلك لأن هاجر أم إسماعيل –عليه السلام- ومارية أم إبراهيم ابن النبي –صلى الله عليه وسلم – كانتا من القبط. "وفيه: فإذا رأيتم رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها" لعله – عليه السلام- علم من طريق الوحي والمكاشفة أنه ستحدث هذه الحادثة في مصر, وفتن وشرور, لخروج المصريين على عثمان رضي الله عنه, وقتلهم محمد بن أبي بكر ثانيا, فجعل ذلك علامة وأمارة لتلك الفتن, وأمره بالخروج منها حسبما رآه, وعلم أن في طباع سكانها وحشة ومماكسة, كما دل عليه صدر الحديث, فإذا أفضت الحال إلى أن يتخاصموا في مثل هذا المحقر, فينبغي أن يتحرز

عن مخالطتهم, ويجتنب عن مساكنتهم. ... 1519 – 4632 – عن حذيفة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في أصحابي –وفي رواية: في أمتي- اثنا عشر منافقا, لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل في سم الخياط, ثمانية منهم تكفيهم الدبيلة: سراج من النار تظهر في أكتافهم حتى تنجم في صدورهم" "وفي حديث حذيفة: ثمانية تكفيهم الدبيلة: سراج من النار يظهر في أكتافهم حتى تنجم من صدورهم" "الدبيلة"في الأصل: تصغير دبل وهي الداهية, فأطلقت على قرحة رديئة تحدث في باطن الإنسان ويقال لها: الدبلة –بالفتح والضم-, وفسرها في الحديث بنار تخرج في أكتافهم حتى تنجم من صدورهم, أي: تظهر منها, من نجم ينجم –بالضم-: إذا ظهر وطلع, ولعله أراد بها: ورما حارا يحدث في أكتافهم بحيث يظهر أثر تلك الحرارة وشدة لهبها في صدورهم, فمثله بسراج من نار, وهو شعلة المصباح. وقد روي عن حذيفة أنه –عليه السلام- عرفه آباءهم وأنهم هلكوا كما أخبره الرسول صلوات الله عليه ***

1520 – 4633 - عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يصعد الثنية ثنية المرار فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل", فكان أول من صعدها خيلنا خيل بني الخزرج, ثم تتام الناس, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وكلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر", فأتيناه فقال له: تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: والله لأن أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم, وكان رجلا ينشد ضالة له" "وفي حديث جابر: من يصعد الثنية ثنية المرار" "يصعد"بالرفع على أن"من"استفهامية, وبالجزم على أنها شرطية. و"ثنية المرار"بضم الميم: ثنية بقرب مكة. "وفيه: ثم تنام الناس" أي: تتابع الناس وصعدوا جميعا, تفاعل من التمام. ... من الحسان: 1521 – 4636 – عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق ليلة أسري به ملجما مسرجا, فاستصعب عليه, فقال له جبريل: "أبمحمد

تفعل هذا؟ فما ركبك أحد أكرم على الله منه" قال: فارفض عرقا. غريب "وفي حديث أنس: فاستصعب عليه" أي: استعصى البراق عليه, ولم يمكنه من الركوب" "وفيه: فارفض عرقا" أي: انصب, وارفضاض الدمع: ترشيشها وانصبابها, وأصل الرفض: التفريق والترك. ... 1522 – 4638 – عن يعلي بن مرة الثقفي قال: ثلاثة أشياء رأيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا نحن نسير معه إذ مررنا ببعير يسنى عليه, فلما رآه البعير جرجر, فوضع جرانه, فوقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أين صاحب هذا البعير؟ " فجاءه, فقال: "بعنيه" فقال: بل نهبه لك يا رسول الله! وإنه لأهل بيت ما لهم معيشة غيره, فقال: "أما إذ ذكرت هذا من أمره فإنه شكا كثرة العمل وقلة العلف, فأحسنوا إليه" ثم سررنا حتى نزلنا منزلا, فنام النبي صلى الله عليه وسلم, فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته, ثم رجعت إلى مكانها, فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له, فقال: "هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأذن لها", قال: ثم سرنا, فمررنا

بماء, فأتته امرأة بابن لها به جنة, فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنخره, ثم قال: "اخرج, إني محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ", ثم سرنا, فلما رجعنا مررنا بذلك الماء, فسألها عن الصبي, فقالت: والذي بعثك بالحق, ما رأينا منه ريبا بعدك" "وفي حديث يعلى بن مرة الثقفي: مررنا ببعير يسنى عليه, فلما رآه البعير جرجر, فوضع جرانه" "يسنى عليه"أي: يستسقى عليه, من سنت الناقة الأرض تسنو: إذا سقتها. و (الجرجرة): صوت تردد البعير في حلقه. و (الجران): مقدم العنق, وجمعه: جرن. "وفيه: ما رأينا منه ريبا بعدك" أي: شيئا نكرهه, فيريبنا, أي يقلقنا ويضجرنا. ... 1523 – 4639 – وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن امرأة جاءت بابن لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن ابني به جنون, وإنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا, فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا, فثع ثعة, وخرج من جوفه مثل الجرو الأسود يسعى" "وفي حديث ابن عباس: فثع ثعة"

أي: قاء قيئة, والثع: القيء, وأنثع القيء بنفسه إنثاعا: إذا ذرع. ... 1524 – 4641 – وقال ابن عمر رضي الله عنه: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر, فأقبل أعرابي, فلما دنا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمدا رسول الله صلى الله عبده ورسوله؟ " قال: ومن يشهد على ما تقول؟ قال: "هذه السلمة", فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بشاطيء الوادي, فأقبلت تخد الأرض حتى قامت بين يديه, فاستشهدها ثلاثا, فشهدت ثلاثا أنه كما قال, ثم رجعت إلى منبتها" "وفي حديث ابن عمر: هذه السلمة" هي شجرة من البادية, يقال لها: السلم والسلامان والسلام, للجلد المدبوغ بهك المسلوم. ... 1525 - 4647 – وعن جابر رضي الله عنه: أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية, ثم أهدتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع فأكل منها, وأكل رهط من أصحابه معه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارفعوا أيديكم", وأرسل إلى اليهودية, فدعاها فقال: "سممت هذه

الشاة؟ " فقالت: من أخبرك؟ فقال: "أخبرني هذه في يدي" يعني: الذراع, قالت: نعم, قلت: إن كان نبيا فلن يضره, وإن لم يكن نبيا استرحنا منه, فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبا" "وفي حديث جابر: أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية" (المصلية): المشوية, يقال: صلت اللحم وأصليته: إذا شويته. "وفيه: فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبها" كان هذا في أول الأمر, فلما مات بشر بن البراء بن معرور من لقمة تناولها منها, أمر رسول الله بقتلها, فقتلت مكانه. ... 1526 – 4648 – عن سهل بن الحنظلية: أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين, فأطنبوا السير حتى كان عشية, فجاء فارس فقال: ي رسول الله! إني طلعت على جبل كذا وكذا, فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم, اجتمعوا إلى حنين, فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله", ثم قال: "من يحرسنا الليلة؟ ", قال أنس بن أبي مرثد الغنوي: أنا يا رسول الله! قال: "اركب", فركب فرسا له فقال: "استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه", فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصلاه فركع ركعتين ثم قال: "هل حسستم فارسكم؟ " فقال رجل:

ما أحسسنا, فثوب بالصلاة, فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي يلتفت إلى الشعب, حتى إذا قضى الصلاة قال: "أبشروا فقد جاء فارسكم", فجعلنا ننظر إلى خلال الشجرفي الشعب, وإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما أصبحت طلعت الشعبين كليهما فلم أر أحدا, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل نزلت الليلة؟ ", قال: لا, إلا مصليا أو قاضي حاجة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلا عليك أن لا تعمل بعدها" "وفي حديث سهل بن الحنظلية: فجاء فارس فقال: يا رسول الله! إني طلعت على جبل كذا, فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم اجتمعوا إلى حنين" يقال: جاؤوا على بكرة أبيهم, أي: جاءوا بأجمعهم بحيث لم يبق منهم أحد, و"على" هاهنا بمعنى مع بكرة, وهو مثل يضربه العرب, وكان السبب فيه أن جمعا من العرب عرض لهم انزعاج, فارتحلوا جميعا ولم يخلفوا شيئا حتى إن بكرة كانت لأبيهم أخذوها معهم, فقال من وراءهم: جاؤوا على بكرة أبيهم, فصار ذلك مثلا في قوم جاؤوا بأجمعهم, وإن لم يكن معهم بكرة.

باب الكرامات

6 - باب الكرامات من الصحاح: 1527 - 4653 - وقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما: إن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء, وإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث, ومن كان عنده طعام أربعة, فليذهب بخامس, أو سادس", وإن أبا بكر جاء بثلاثة, وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة, وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم, ثم لبث حتى صليت العشاء, ثم رجع فلبث حتى تعشى النبي صلى الله عليه وسلم فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله, قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك؟ قال: أو ما عشييتيهم؟ قالت: أبوا حتى تجيء, فغضب وقال: والله لا أطعمه أبدا, فحلفت المرأة أن لا تطعمه, وحلف الأضياف أن لا يطعموه, قال أبو بكر رضي الله عنه: كان هذا من الشيطان, فدعا بالطعام فأكل وأكلوا, فجعلوا لا يرفعون لقمة إلا ربت من أسفلها أكثر منها, فقال لامرأته: يا أخت بني فراس! ما هذا؟ قالت: وقرة عيني, إنها الآن لأكثر منها قبل ذلك بثلاث مرار, فأكلوا, وبعث بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فذكر أنه أكل منها" (باب الكرامات) "وفي حديث عبد الرحمن بن أبي بكر: فقال لامرأته: يا أخت بني فراس"

باب

امرأة أبي بكر هذه أم رومان, والدة عبد الرحمن وعائشة, وكانت من بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة" ... من الحسان: 1528 - 4656 - عن ابن المنكدر: أن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطأ الجيش بأرض الروم, أو أسر, فانطلق هاربا يلتمس الجيش فإذا هو بالأسد, فقال: يا أبا الحارث! أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان من أمري كيت وكيت, فأقبل الأسد, له بصبصة, حتى قام إلى جنبه, كلما سمع صوتا أهوى إليه, ثم أقبل يمشي إلى جنبه حتى بلغ الجيش, ثم رجع الأسد" "وفي خبر ابن المنكدر: فأقبل الأسد له" (البصبصة): تحريك الذنب, ويفعله الكلب عند التذلل إلى صاحبه. ... 7 - باب من الصحاح: 1529 - 4663 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إن من

نعم الله على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي, وفي يومي, وبين سحري ونحري, وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته, دخل علي عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده سواك, وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فرأيته ينظر إليه, فعرفت أنه يحب السواك, فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم, فتناولته, فاشتد عليه فقلت: ألينه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم, فلينته, فأمره على أسنانه, وبين يديه ركوة فيها ماء, فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ويقول: "لا إله إلا الله, إن للموت سكرات, ثم نصب يده فجعل يقول: "في الرفيق الأعلى" حتى قبض ومالت يده" (باب) "عن عائشة قالت: إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي, وفي يومي, وبين سحري ونحري" السحر: ما لصق بالحلقوم من أعلى البطن, وقد جاء فيه الحركات الثلاث, وقيل: هو الرئة, والمراد به: ما حاذى الرئة من جسدها. ... من الحسان: 1530 - 4668 - وقال: لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء, فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل

باب في مناقب قريش وذكر القبائل

شيء, وما نفضنا أيدينا من التراب وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا" "في حديث أنس: وما نفضنا أيدينا عن التراب, وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا" أي: تغيرت حالها بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم, ولم يبق على ما كانت من الرقة والصفاء, لانقطاع الوحي وبركة الصحبة. ... 1 - باب في مناقب قريش وذكر القبائل من الصحاح: 1531 - 4676 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الناس تبع لقريش في هذا الشأن, مسلمهم تبع لمسلمهم, وكافرهم تبع لكافرهم" (باب مناقب قريش وذكر القبائل) "عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الناس تبع لقريش في هذا الشأن, مسلمهم تبع لمسلمهم, وكافرهم تبع لكافرهم" المراد بـ"هذا الشأن": الدين, والمعنى: أن مسلمي قريش قدوة غيرهم من المسلمين, لأنهم المتقدمون في التصديق السابقون بالإيمان,

وكافرهم قدوة غيرهم من الكفار, فإنهم أول من رد الدعوة, وكفر بالرسول صلى الله عليه وسلم, وأعرض عن الآيات. وقيل: أراد به الإمارة والرئاسة. ... من الحسان: 1532 - 4688 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأزد أزد الله في الأرض, يريد الناس أن يضعوهم ويأبى الله إلا أن يرفعهم, وليأتين على الناس زمان يقول الرجل: يا ليت أبي كان أزديا, ويا ليت أمي كانت أزدية", غريب. "في حديث أنس: الأزد أزد الله" يريد بالأزد: أزد شنوءة, وهو حي من اليمن أولاد أزد بن الغوث ابن نبت بن مالك بن كهلان بن سبأ, وأضافهم إلى الله تعالى من حيث إنهم حزبه وأهل نصرة رسوله" ... 1533 - 4691 - وروى مسلم في الصحيح: حين قتل الحجاج عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قالت أسماء له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا: أن في ثقيف كذابا ومبيرا, فأما الكذاب فرأيناه, وأما المبير فلا أخالك إلا إياه.

باب مناقب الصحابة رضي الله عنهم

"وفي حديث أسماء: إن في ثقيف كذابا ومبيرا" قيل: أشار بالكذاب إلى المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي, قام بعد وقعة الحسين ودعا الناس إلى طلب ثأره, وكان غرضه في ذلك أن يصرف إلى نفسه وجوه الناس, ويتوصل به إلى تحصيل الإمارة, وكان طالبا للدنيا, مدلسا في تحصيلها, وإياه عنت أسماء بقولها: "فأما الكذاب فرأيناه" "وأما المبير"فالحجاج, وهو من البوار بمعنى الهلاك. ... 2 - باب مناقب الصحابة رضي الله عنهم من الصحاح: 1534 - 4699 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي, فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" (باب مناقب الصحابة رضي الله عنهم) "عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"

(النصيف): النصف, أي: نصف مد, وقيل: هو مكيال دون المد, والمعنى: إنه لا ينال أحدكم بإنفاق مثل أحد ذهبا من الفضيلة والأجر مل ينال أحدهم بإنفاق مد طعام أو نصفه, لما يقارنه من مزيد الإخلاص, وصدق النية, وكمال النفس. ... 1535 - 4702 - وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي قرني, ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم, ثم إن بعدهم قوما يشهدون ولا يستشهدون, ويخونون ولا يؤمنون, وينذرون ولا يفون, ويظهر فيهم السمن" وفي رواية: "ويحلفون ولا يستحلفون" ويروى: "ثم يخلف قوم يحبون السمانة" "وفي حديث عمران بن حصينك ويظهر فيهم السمن" كنى بذلك عن ميلهم إلى الدعة, والتنعم, والشره على الطعام, والإعراض عن الرياضة, وتكميل النفس, والسمن والسمانة واحد. ... من الحسان: 1536 - 4705 - عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

باب مناقب أبي بكر الصديق رضي الله عنه

"الله الله في أصحابي, الله الله في أصحابي, لا تتخذوهم غرضا من بعدي, فمن أحبهم فبحبي أحبهم, ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم, ومن آذاهم فقد آذاني, ومن آذاني فقد أذى الله, ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه" غريب. "وفي حديث عبد الله بن مغفل: الله الله في أصحابي, لا تتخذوهم غرضا" المعنى: أذكرهم وأنشدكم به في أمر أصحابي, فعظموهم ولا تتخذوهم هدفا تقدحون في عرضهم, وتذكرون منهم ما يبدو لكم من السوء, وتهتكون حرمتهم. ... 3 - باب مناقب أبي بكر الصديق رضي الله عنه من الصحاح: 1537 - 4709 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبي بكر, ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر, ولكن أخوة الإسلام ومودته, لا يبقى في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر" وفي رواية: "لو كانت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر"

(باب مناقب أبي بكر رضي الله عنه) "وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه: إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبي بكر, ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر, ولكن أخوة الإسلام ومودته, لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر" "أمن": صيغة تفضيل من من يمن عليه منا: إذا بدل, لا من من عليه منة, فإن الامتنان من الناس سيما على الرسول -صلوات الله عليه- مذموم. و (الخليل): الصاحب الواد الذي يفتقر إليه, ويعتمد في الأمور عليه, فإن أصل التركيب للحاجة. والمعنى: لو كنت متخذا من الخلق خليلا أراجع إليه في الحاجات وأعتمد عليه في المهمات لاتخذت أبا بكر, ولكن الذي ألجأ إليه وأعتمد عليه في جملة الأمور ومجامع الأحوال هو الله تعالى. وإنما سمي إبراهيم عليه السلام خليلا من الخلة -بالفتح- التي هي الخصلة, فإنه تخلق بخلال حسنة اختصت به, أو من التخلل, فإن الحب تخلل شغاف قلبه, واستولى عليه, أو من الخلة من حيث إنه -عليه السلام- ما كان يفتقر حال الافتقار إلا إليه, وما كان يتوكل إلا عليه, فيكون فعيلا بمعنى فاعل, وفي الحديث بمعنى مفعول. وقوله: "ولكن أخوة الإسلام": استدراك عن مضمون الجملة

الشرطية وفحواها, كأنه قال: ليس بيني وبينه خلة ولكن أخوة في الإسلام, نفى الخلة المبينة عن الحاجة, وأثبت الإخاء المقتضي للمساواة. و (الخوخة): الكوة التي يكون في الجدار للضوء, أمر بأن تسد كل كوة في جدران المسجد إلا كوة أبي بكر, إجلالا وتكريما له. ... 1538 - 4713 - وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل, قال: فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة", قلت: من الرجال؟ قال: "أبوها", قلت: ثم من؟ قال: "عمر", فعد رجالا, فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم. "وفي حديث عمرو بن العاص: بعثه على جيش ذات السلاسل" "السلاسل": رمل ينعقد بعضه ببعض, وسمي الجيش بذلك, لأنهم كانوا مبعوثين إلى أرض بها رمل كذلك. ... 1539 - 4713 - وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا, ثم عمر, ثم عثمان, ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا تفاضل بينهم"

باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه

وفي رواية: كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي: أفضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان. "وفي حديث ابن عمر: كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا, ثم عمر, ثم عثمان" أي: في استحقاق التقدم, واستعداد الرئاسة, أو من رؤسائهم ومشايخهم, وإلا لم يصح قوله بعد ذلك: "ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا تفاضل بينهم" فإنهم كانوا يفضلون علماء الصحابة على عامتهم, والمتبتلين منهم على المستعلين بأمر المعاش, وأهل بدر وبيعة الرضوان على غيرهم. ... 4 - باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الصحاح: 1540 - 4724 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد كان فيما قبلكم من الأمم محثون, فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر" (باب مناقب عمر رضي الله عنه) "عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد كان فيما قبلكم من الأمم

محدثون, فإن يك في أمتي أحد, فإنه عمر" (المحث): الملهم الذي إذا رأى رأيا أو ظن ظنا أصاب, كأنه حدث به, فألقي في روعه من عالم الملكوت. ونظير هذا التعليق في الدلالة على الاختصاص والتأكيد قولك: إن كان لي صديق فهو زيد, فإنك لا تريد به الشك في صداقته, والتردد في أنه هل لك صديق, بل المبالغة في أن الصداقة مختصة به لا تتخطاه إلى غيره. ... 1541 - 4725 - وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه, عالية أصواتهن, فلما استأذن عمر قمن فبادرن الحجاب, فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال: أضحك الله سنك يا رسول الله! مم تضحك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي, فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب" قال عمر: يا عدوات أنفسهن! أتهبنني ولا تهبن رسول الله؟ فقلن: نعم, أنت أفظ وأغلظ, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إيه يا ابن الخطاب! والذي نفسي بيده, ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك"

"وفي حديث سعد بن أبي وقاص: فقلن: نعم, أنت أفظ وأغلظ". لم يردن بذلك إثبات مزيد الفظاظة والغلظة لعمرعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإنه كان حليما مواسيا, رقيق القلب في الغاية, بل المبالغة في فظاظة عمر مطلقا. ... 1542 - 4729 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو, فنزعت منها ما شاء الله, ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبا أو ذنوبين, وفي نزعه ضعف والله يغفر له ضعفه, ثم استحالت غربا, فأخذها ابن الخطاب, فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر, حتى ضرب الناس بعطن" "وعن أبي هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو, فنزعت ما شاء الله, ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين, وفي نزعه ضعف, والله يغفر له ضعفه, ثم استحالت غربا, فأخذها ابن الخطاب, فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن" لعل القليب إشارة إلى الدين الذي هو منبع ما به تحيا النفوس, ويتم أمر المعاش, ونزع الماء منها للناس إشارة إلى إشاعة أمره,

وإجراء حكمه والقيام بمراسمه وسياساته, وتناوبهم في ذلك إشارة إلى أن هذا الأمر ينتهي من الرسول- صلوات الله عليه- إلى أبي بكر, ومنه [إلى] عمر. "ونزع أبو بكر ذنوبا أو ذنوبين", أي: إشارة إلى قصر مدة خلافته, وأن الأمر إنما يكون بيده سنة أو سنتين, ثم ينتقل إلى عمر, وكان مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر, وضعفه فيه إشارة إلى ما كان في أيامه من الاضطراب والارتداد واختلاف الكلمة, أو إلى ما كان له من لين الجانب, وقلة السياسة, والمداراة مع الناس, ويدل على هذا قوله: "وغفر الله ضعفه"وهو اعتراض ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم, ليعلم أن ذلك موضوع مغفور عنه, غير قادح في منصبه. ومصير الدلو في نوبة عمر غربا -وهو الدلو الكبير الذي يستقي به البعير- إشارة إلى ما كان في أيامه من تعظم الدين, وإعلاء كلمته, وتوسع خططه وقوته. وجده في النزع إشارة إلى ما اجتهد في إعلاء أمر الدين وإفشائه في مشارق الأرض ومغاربها, اجتهادا لم يتفق لأحد قبله ولا بعده. و (العبقري): القوي, قيل: العبقر اسم واد تزعم العرب أن الجن تسكنه, فنسبوا إليه كل من تعجبوا منه أمرا كقوة أو غيرها, فكأنهم وجدوا منه خارجا عن وسع الإنسان, فحسبوا أنه جن من نسل العبقر, ثم قالوا لكل شيء نفيس.

وقوله: "حتى ضرب الناس بعطن": أي: حتى رووا إبلهم, فأبركوها, وضربوا لها عطنا, وهو منزل الإبل. ... 1543 - 4730 - ورواه ابن عمر, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "ثم أخذها ابن الخطاب من يد أبي بكر فاستحالت في يده غربا, فلم أر عبقريا يفري فريه, حتى روي الناس وضربوا بعطن" "وفي رواية ابن عمر: فلم أر عبقريا يفري فريه" أي: يأتي بالأفعال العجيبة البالغة, يقال: فلان يفري الفري, أي: يعمل العمل البالغ, ومنه: {لقد جئت سيئا فريا} [مريم:27] , أي: عظيما. ... من الحسان: 1544 - 4732 - وقال علي رضي الله عنه: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسانه عمر. "قال علي: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر" قيل: السكينة ملك يسكن قلب المؤمن ويؤنسه, ويلهمه ما تطمئن به النفس وتسكن إليه, أي: ما نبعد أنه ملهم من الملك, إذ كان

ما يقوله حقا وصوابا. ... 1545 - 4737 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في المسجد, فسمعنا لغطا وصوت صبيان, فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حبشية تزفن والصبيان حولها, فقال: "يا عائشة! تعالى فانظري", فجئت فوضعت لحيي على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه, فقال لي: "أما سمعت؟ أما شبعت؟ " فجعلت أقول: لا, لأنظر منزلتي عنده, إذ طلع عمر, فارفض الناس عنها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر" قالت: فرجعت. صحيح غريب. "وفي حديث عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فسمعنا لغطا" (اللفظ): الصوت الشديد الذي لا يفهم. "وفيه: فإذا حبشية تزفن" أي: ترقص, والزفن: الرقص. "وفيه: إذ طلع عمر فارفض الناس عنها" أي: تفرق النظارة الذين كانوا حول الحبشية الراقصة عنها, لمهابة عرم, والخوف من انكاره عليهم. ***

باب مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

5 - باب مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من الصحاح: 1546 - 4738 - عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يسوق بقرة إذ أعيا فركبها, فقالت: إنا لم نخلق لهذا, إنما خلقنا لحراثة الأرض, فقال الناس: سبحان الله! بقرة تتكلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإني أومن به أنا, وأبو بكر, وعمر", وما هما ثم, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل في غنم له إذ عدا الذئب على شاة منها فأخذها, فأدركها صاحبها فاستنقذها, فقال له الذئب: فمن لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري؟ ", فقال الناس: سبحان الله! ذئب يتكلم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فأنا أومن به, وأبو بكر, وعمر", وما هما ثم. (باب مناقب الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما) "وفي حديث أبي هريرة: فمن لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري" روي"السبع"بضم الباء وسكونها كعضد وعضد, والمراد بيوم السبع: حين يموت الناس ويبقى الوحوش, أو يوم الإهمال من قولهم: سبع الذئب الغنم: إذا افترقها وأكلها.

وقيل: يوم السبع عيد كان لأهل الجاهلية يجتمعون فيه على اللهو, ويهملون مواشيهم فيأكلها السبع. وقيل: السبع الموضع الذي عنده المحشر, يريد بيومه: يوم القيامة, وهو ضعيف لا يناسب ما بعده. ... 1547 - 4738 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إني لواقف في قوم فدعوا الله لعمر, وقد وضع على سريره, إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي يقول: يرحمك الله, إني لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك, لأني كثيرا ما كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كنت وأبو بكر وعمر, وفعلت وأبو بكر وعمر, وانطلقت وأبي بكر وعمر, ودخلت وأبو بكر وعمر, وخرجت وأبو بكر وعمر" فالتفت فإذا علي بن أبي طالب, رضي الله عنهم أجمعين. ... من الحسان: 1548 - 4739 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة ليتراءون أهل عليين, كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء, وإن أبا بكر وعمر لمنهم, وأنعما" "وفي حديث أبي سعيد الخدري: وإن أبا بكر وعمر لمنهم وأنعما".

أي: زادا في الرتبة, وتجاوزا عن تلك المنزلة, وقد رواه الترمذي بغير لام. ... 1549 - 4745 - عن عبد الله بن حنطب: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أبا بكر وعمر فقال: "هذان السمع والبصر", مرسل. "وعن عبد الله بن حنطب: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أبا بكر وعمر فقال: هذان السمع والبص" أي: هما في المسلمين بمنزلة السمع والبصر في الأعضاء, أو: منزلتهما في الدين منزلة السمع والبصر في الأعضاء, أو: منزلتهما في الدين منزلة السمع والبصر في الجسد, أو هما مني في مقام العزة كالسمع والبصر. ويحتمل أنه -عليه السلام- سماهما بذلك, لشدة حرصهما على استماع الحق واتباعه, وتهالكهما على النظر في الآيات المنبثة في الأنفس والآفاق, والتأمل فيها, والاعتبار بها. والحديث مرسل, لأن هذا الراوي لم ير الرسول صلوات الله عليه. ***

باب مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه

6 - باب مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه من الصحاح: 1550 - 4748 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه أو ساقيه, فاستأذن أبو بكر فأذن له, وهوعلى تلك الحال, فتحدث, ثم استأذن عمر فأذن ل وهو كذلك, فتحدث, ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه, فلما خرج قالت عائشة رضي الله عنها: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله, ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله, ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابكّ فقال: "ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة" (باب مناقب عثمان) "وفي حديث عائشة: فلم تهتش له" أي: لم تستبشر بمجيئه, ولم تظهر المسرة, من الهش, والاسم منه: الهشاشة. ... من الحسان: 1551 - 4751 - عن عبد الرحمن بن خباب رضي الله عنه قال: شهدت

النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة, فقام عثمان فقال: يا رسول الله! على مئة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله! ثم حض على الجيش, فقام عثمان فقال: على مئتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله! ثم حض على الجيش, فقام عثمان فقال: علي ثلاث مئة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله, فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عن المنبر وهو يقول: "ما على عثمان ما عمل بعد هذه, ما على عثمان ما عمل بعد هذه" "وفي حديث عبد الرحمن: وهو يحث على جيش العسرة" يريد به الجيش الذين توجهوا إلى تبوك, سموا بذلك لما أصابهم في تلك الغزوة من الشدة والعطش. ... 1552 - 4753 /م - عن ثمامة بن حزن القشيري قال: شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان فقال: أنشدكم الله والإسلام, هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال: "من يشتري بئر رومة يجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟ " فاشتريتها من صلب مالي, فأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر! فقالوا: اللهم! نعم, قال: أنشدكم الله والإسلام, هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله فقال

باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة" فاشتريتها من صلب مالي, فأنتم اليوم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين؟ قالوا: اللهم! نعم, قال أنشدكم الله والإسلام, هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي؟ قالوا: اللهم! نعم, قال: أنشدكم الله والإسلام, هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة ومعه أبو بكر وعمر وأنا, فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض, فركضه برجله وقال: "اسكن ثبير, فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان؟ " قالوا: اللهم! نعم, قال: الله أكبر, شهدوا ورب الكعبة أني شهيد, ثلاثا. "وفي ثمامة بن حزن القشيري: هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة" هي بئر في العقيق الأصغر, اشتراها عثمان رضي الله عنه للمسلمين بمئة ألف درهم, وفي المدينة عقيقان سميا بذلك, لأنهما عقا عن حرة المدينة, بمعنى: قطع. ... 8 - باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه من الصحاح: 1553 - 4762 - عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى, إلا أنه لا نبي بعدي" (باب مناقب علي كرم الله وجهه) "عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت مني بمنزلة هارون من موسى, إلا أنه لا نبي بعدي" يريد أنه بمنزلة هارون في الأخوة وقرب المرتبة, والمظاهرة به في أمر الدين والدنيا, غير أن هارون كان يشارك موسى -عليهما السلام- في النبوة, وعليا لم يكن كذلك, فإن محمدا -عليه السلام- خاتم النبيين لا نبي بعده في عصره ولا بعد موته. وإنما ذكر ذلك حينما توجه وخلف عليا في أهله, فلم يلبث وأخذ السلاح, ومشى على أثره حتى أتاه عليه السلام, فأراد رده. ... 1554 - 4764 - عن سهل بن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: "لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه, يحب الله ورسوله, ويحبه الله ورسوله", فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم, كلهم يرجون أن يعطاها, فقال: "أين علي بن أبي طالب؟ ", فقالوا: هو يا رسول الله! يشتكي عينيه, قال: "فأرسلوا إليه, فأتي به, فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه, فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع, فأعطاه الراية, فقال علي: يا رسول الله! أقاتلهم حتى

يكونوا مثلنا؟ فقال: "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم, ثم ادعهم إلى الإسلام, وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه, فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن تكون لك حمر النعم" "وفي حديث سهل بن سعد: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم" أي: امض على رفق وسكون حتى تبلغ فناءهم. ... من الحسان: 1555 - 4767 - عن زيد بن أرقم, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه" "عن زيد بن أرقم عليه السلام قال: من كنت مولاه فعلي مولاه" المولى يطلق على معان: على ابن العم, ومن له حق الولاء, والمعتق وعصياته, والمعتق, والصديق, والناصر, والمتصرف. وفي الحديث بالمعنى الثاني: لما روي أن أسامة بن زيد قال لعلي: لست مولاي, إنما مولاي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: فقال ذلك ردا عليه.

وقالت الشيعة: المتصرف, وقالوا: معنى الحديث: أن عليا رضي الله عنه يستحق التصرف في كل ما كان يستحق الرسول -صلوات الله عليه- التصرف فيه, ومن ذلك أمور المؤمنين, فيكون إمامهم. ... 1556 - 4773 - عن جابر رضي الله عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا يوم الطائف فانتجاه, فقال الناس: لقد طال نجواه مع ابن عمه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما انتجيته, ولكن الله انتجاه" "وفي حديث جابر: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فانتجاه" أي: شاروه سرا, أو اتخذه نجيا. ... 1557 - 4774 - عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: "يا علي! لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك؟ قال ضرار بن صرد: معناه: لا يحل لأحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك". هذا حديث غريب. "وفي حديث أبي سعيد: يا علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك. ذكر في شرحه: أنه لا يحل لأحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك.

باب مناقب العشرة رضي الله عنهم

وهذا إنما يستقيم إذا جعل"يجنب" صفة لـ"أحد", ومتعلق الجار محذوفا, فيكون تقدير الكلام: لا يحل لأحد تصيبه الجنابة يمر في هذا المسجد, غيري وغيرك, وكان ممر دارهما خاصة في المسجد. ... 9 - باب مناقب العشرة رضي الله عنهم من الحسان: 1558 - 4788 - عن الزبير قال: "كان على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعان فنهض إلى الصخرة, فلم يستطع, فقعد طلحة تحته حتى استوى على الصخرة, فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أوجب طلحة" (باب مناقب العشرة رضي الله عنهم) "في حديث الزبير: أوجب طلحة" معناه: أوجب طلحة لنفسه الجنة بفعله هذا, أو بما فعل في ذلك اليوم, خاطر بنفسه يوم أحد, وفدى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وجعلها وقاية له, حتى طعن دونه, وجرح جميع جسده, وأصيب ببضع وثمانين جراحة" ***

1559 - 4789 - وقال جابر: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طلحة بن عبيد الله وقال: "من أحب أن ينظر إلى رجل يمشي على وجه الأرض وقد قضى نحبه فلينظر إلى هذا" وفي وراية قال: "من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله". ولعل قوله -عليه السلام- في حديث جابر: "من أحب أن ينظر إلى رجل يمشي على وجه الأرض وقد قضى نحبه, فلينظر إلى طلحة ابن عبيد الله" وفي رواية أخرى: "من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض, فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله" = يتوجه إلى هذا, فإنه بذل نفسه في سبيل الله, وخاطر بها حتى لم يبق بينه وبين الهلاك شيء, فهو كمن قتل: وذاق الموت في سبيل الله, وإن كان حيا يمشي على وجه الأرض. يقال: "قضى نحبه": إذا مات, بمعنى: قضى أجله, واستوفى مدته, والنحب: المدة, ويقال للنذر أيضا. 1560 - 4793 - عن علي رضي الله عنه قال: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أباه وأمه إلا لسعد, قال له يوم أحد, "ارم فداك أبي وأمي", وقال له: "ارم أيها الغلام الحزور! ".

باب مناقب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم

"وفي حديث علي: ارم أيها الغلام الحزور" المخاطب به: سعد بن أبي وقاص, واسم أبيه مالك, و"الحزور": ولد الأسد. ... 10 - باب مناقب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحاح: 1561 - 4796 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود, فجاء الحسن بن علي فأدخله, ثم جاء الحسين فدخل معه, ثم جاءت فاطمة فأدخلها, ثم جاء علي فأدخله, ثم قال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} ". (باب مناقب أهل البيت) "وفي حديث عائشة رضي الله عنها: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل" (المرط المرحل): الكساء الذي يكون من خز وصوف, ويكون معلما, وقد سبق شرحه في (كتاب اللباس)

1562 - 4797 - وقال البراء: لما توفي إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن له مرضعا في الجنة" "وفي حديث البراء: إن له مرضعا في الجنة" روي بضم الميم وفتحها, والمفتوح بمعنى الرضاع أو محله, والمضموم بمعنى ذات الرضاع, أي: التي ترضع. والمعنى: إن له في الجنة من مطاعمها ولذاتها ما يقوم مقام الرضاع, ويقع موقعه, فإن إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم مات رضيعا, ولم يستكمل مدة الرضاعة, أو أن له من تقوم مقام المرضعة في المحافظة والأنس. ... 1563 - 4799 - عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فاطمة بضعة مني, فمن أغضبها أغضبني" وفي رواية: "يريبني ما أرابها, ويؤذيني ما آذاها" "وفي حديث المسور بن المخرمة: يريبني ما أرابها" أي: يقلقني ويزيل القرار والطمأنينة ما يفعل بها ذلك.

1564 - 4800 - عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا بماء يدعى خما, بين مكة والمدينة, فحمد الله وأثنى عليه, ووعظ وذكر ثم قال: "أما بعد, أيها الناس! إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب, وأنا تارك فيكم الثقلين, أولهما: كتاب الله, فيه الهدى والنور, فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به, وأهل بيتي, أذكركم الله في أهل بيتي, أذكركم الله في أهل بيتي, أذكركم الله في أهل بيتي" وفي رواية: "كتاب الله, هو حبل الله, من اتبعه كان على الهدى, ومن تركه كان على ضلالة" "وفي حديث زيد بن أرقم: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة" (خم) بتشديد الميم: موضع بذي الحليفة فيه ماء داجن. "وفيه: وأنا تارك فيكم الثقلين" سمي كتاب الله وأهل بيته بذلك, لعظم قدرهما, أو لشدة الأخذ بهما والكلفة في القيام بحقوقهما. ... 1565 - 4802 - وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سلم على ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين!

"وفي حديث ابن عمر: إذا سلم على ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين" لما رأى جعفر في الجنة يطير مع الملائكة لقبه بذي الجناحين, فلذلك سمي طيارا أيضا. ... 1566 - 4804 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من النهار حتى أتى خباء فاطمة فقال: "أثم لكع؟ أثم لكع؟ " يعني حسنا, فلم يلبث أن جاء يسعى, حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم! إني أحبه, فأحبه وأحب من يحبه" "وفي حديث أبي هريرة: أثم لكع؟ يعني حسنا" (اللكع): الصغير, معدول من اللكع -بكسر الكاف-, يقال: لكع الرجل يلكع لكعا فهو لكيع: إذا خس, أي: صار خسيسا, غالب الاستعمال في الصغير الذكر, ويقال للأنثى: لكاع مبنية, والمراد بهذا الاساصغار الرحمة والشفقة كالتصغير في: "يا حميراء" ***

من الحسان: 1567 - 4815 - عن جابر رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة, وهو على ناقته القصواء يخطب, فسمعته يقول: "يا أيها الناس! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا, كتاب الله وعترتي أهل بيتي" "وفي جابر: وعترتي أهل بيتي" (عترة الرجل): نسله ورهطه الأدنون, ويدل عليه تفسيره بـ"أهل بيتي", وقيل: قبيلته, وقيل: بنو عمه, من العتر: وهو الأصل. ... 1568 - 4819 - وعن عبد المطلب بن ربيعة رضي الله عنه: أن العباس رضي الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا وأنا عنده فقال: "ماأغضبك؟ , قال: يا رسول الله! ما لنا ولقريش؟ إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مستبشرة, وإذا لقونا لقونا بغير ذلك. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمر وجهه, ثم قال: "والذي نفسي بيده, لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله" ثم قال: "ايها الناس! من آذى عمي فقد آذاني, فإنما عم الرجل صنو أبيه" "وفي حديث عبد المطلب بن ربيعة: تلاقوا بوجوه مستبشرة"

أي: بوجوه ظهر فيها أثر البشر. "وفيه: عم الرجل صنو أبيه" أي: مثله, وقد سبق ذكره في (باب الزكاة) ... 1569 - 4825 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت جعفرا يطير في الجنة مع الملائكة " غريب "وفي حديث أبي هريرة: رأيت جعفرا يطير في الجنة مع الملائكة" لما بذل جعفر نفسه في سبيل الله, وحارب أعداءه حتى قطعت يداه ورجلاه, أعطاه الله تعالى بدلها أجنحة روحانية يطير بها مع الملائكة. ولعله -عليه السلام - رآه في المنام, أو في بعض مكاشفاته. ... 1570 - 4833 - عن يعلى بن مرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حسين مني وأنا من حسين, أحب الله من أحب حسينا, حسين سبط من الأسباط" "عن يعلى بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسين مني وأنا من حسين, أحب الله من أحب حسينا, حسين سبط من الأسباط".

كأنه صلى الله عليه وسلم علم بنور الوحي ما سيحدث بينه وبين القوم, فخصه بالذكر, وبين أنهما كالشيء الواحد في وجوب المحبة, وحرمة التعرض والمحاربة, وأكد ذلك بقوله: "أحب الله من أحب حسينا" فإن محبته محبة الرسول, ومحبة الرسول محبة الله. و (السبط) , ولد الولد, أي: هو من أولاد أولادي, أكد به العصبية وقررها, ويقال: للقبيلة, قال الله تعالى: {وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما} [الأعراف:160] , أي: قبائل, ويحتمل أن يكون المراد هاهنا, على معنى أنه يتشعب منه قبيلة, ويكون من نسله خلق كثير, فيكون إشارة إلى أن نسله يكون أكثر وأبقى, وكان الأمر كذلك. ... 1571 - 4839 - عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هبطت وهبط الناس المدينة, فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصمت فلم يتكلم, فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يديه على ويرفعهما, فأعرف أنه يدعو لي" غريب. "وفي حديث أسامة: هبطت وهبط الناس المدينة" المدينة في غائط من الأرض, وأطرافه ونواحيه من الجوانب كلها مستعلية عليها, فمن أي جانب توجهت إليها كنت منحدرا إليها. "وقد أصمت", أي: اعتقل لسانه.

1572 - 4841 - وعن أسامة قال: كنت جالسا إذ جاء علي والعباس يستأذنان, فقالا لأسامة: استأذن لنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم, قلت: يا رسول الله! علي والعباس يستأذنان, فقال: "أتدري ما جاء بهما؟ قلت: لا, فقال: "لكني أدري, ائذن لهما" فدخلا فقالا: يا رسول الله! جئناك نسألك: أي أهلك أحب إليك؟ قال: "فاطمة بنت محمد" قالا: ما جئناك نسألك عن أهلك, قال: أحب أهلي إلي من قد أنعم الله عليه وأنعمت عليه: أسامة بن زيد " قالا: ثم من؟ قال: "علي بن أبي طالب" فقال العباس: يا رسول الله! جعلت عمك آخرهم! فقال: "إن عليا قد سبقك بالهجرة" "وفي حديث أسامة: أحب أهلي من قد أنعم الله عليه, وأنعمت عليه, أسامة بن زيد" قيل: هذا إشارة إلى ما تضمنه قوله تعالى: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه} [الأحزاب:37] , وهو وإن نزل في حق زيد, لكنه لا يبعد أن يجعل تابعا لأبيه في هاتين النعمتين. وفي الجملة: المراد بنعمة الله عليه وعلى أبيه: الهداية والكرامة, وبنعمة الرسول: نعمة الإعتاق, والتبني والتربية.

باب مناقب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

11 - باب مناقب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من الصحاح: 1573 - 4842 - عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خير نسائها مريم بنت عمران, وخير نسائها خديجة بنت خويلد", وأشار وكيع إلى السماء والأرض. (باب مناقب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) "عن علي كرم الله وجهه: خير نسائها مريم بنت عمران, وخير نسائها خديجة بنت خويلد" قيل: الكناية الأولى راجعة إلى الأمة التي كانت مريم منهم, والثانية إلى هذه الأمة. وروي عن وكيع -الذي هو من رواة هذا الحديث- أنه أشار إلى السماء والأرض, يريد به أنهما خير نساء العالم اللاتي فوق الأرض وتحت السماء, كل منهما في زمانها. وإنما وحد الضمير, لأنه أراد جملة طبقات السماء وأقطار الأرض, وأن مريم خير من صعد بروح إلى السماء, وخديجة خير

نسائهن على وجه الأرض, والحديث ورد في أيام حياتها. ... 1574 - 4843 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هذه خديجة, قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام, فإذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني, وبشرها ببيت في الجنة من قصب, لا صخب فيه ولا نصب" "وفي حديث أبي هريرة: وبشرها ببيت في الجنة من قصب, لا صخب فيه ولا نصب" قيل: أراد بـ (القصب) هاهنا: اللؤلؤ المجوف الواسع كالقصر المنيف, و (الصخب): الصياح, و (النصب): التعب, أي: لا يكون لها ثمة شاغل يشغلها عن لذائذ الجنة, [ولا تعب ينغصها]. ... 1575 - 4847 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أريتك في المنام ثلاث ليال يجيء بك الملك في سرقة من حريرفقال لي: هذه امرأتك, فكشفت عن وجهك الثوب فإذا أنت هي, فقلت: إن يكن هذا من عند الله يمضه"

باب جامع المناقب

"وفي حديث عائشة: في سرقة من حرير" (السرقة) على وزن المرقة: الشقة الجيدة من الحرير, قال أبو عبيد: أحسبها معربة: سرة. ... 12 - باب جامع المناقب من الصحاح: 1576 - 4855 - عن حذيفة رضي الله عنه قال: إن أشبه الناس دلا وسمتا وهديا برسول الله صلى الله عليه وسلم لابن أم عبد, من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه, لا ندري ما يصنع في أهله إذا خلا" (باب جامع المناقب) "في حديث أبي حذيفة: إن أشبه الناس دلا وسمتا وهديا برسول الله صلى الله عليه وسلم لابن أم عبد" (الدل) قريب من الهدي, والمراد: السكينة والوقار, وما يدل على كمال صاحبه من ظواهر أحواله وحسن مقاله. و (السمت): القصد في الأمور, وبالهدي: حسن السيرة, وسلوك الطريقة المرضية.

و"ابن أم عبد": عبد الله بن مسعود. ... 1577 - 4858 - عن علقمة قال: قدمت الشام فصليت ركعتين ثم قلت: الله! يسر لي جليسا صالحا, فأتيت قوما فجلست إليهم, فإذا بشيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي, قلت: من هذا؟ قالوا: أبو الدرداء, قلت: إني دعوت الله أن ييسر لي جليسا صالحا فيسرك لي, فقال: من أنت؟ قلت: من أهل الكوفة قال: أوليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوسادة والمطهرة, وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه؟ -يعني: عمارا- أوليس فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره؟ -يعني: حذيفة-. "وفي حديث أبو الدرداء: أوليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوسادة والمطهرة" يريد: أنه كان يخدم الرسول صلى الله عليه وسلم ويلازمه في الحالات كلها, فيصاحبه في المجالس, ويأخذ نعله ويضعها إذا جلس, وحين نهض, ويكون معه في الخلوات فيسوي مضجعه, ويضع وسادته إذا أراد أن ينام, ويهييء له طهوره, ويحمل معه المطهرة إذا قام إلى الوضوء. "وفيه: أوليس فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره" يعني: حذيفة, قيل: من تلك الأسرار أسماء المنافقين

وأنسابهم, أسر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما دل عليه حديثه المذكور في (باب [المعجزات]). ... 1578 - 4859 - وعن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أريت الجنة, فرأيت امرأة أبي طلحة, وسمعت خشخشة أمامي فإذا بلال" "وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أريت الجنة فرأيت امرأة أبي طلحة وسمغت خشخشة أمامي, فإذا بلال" امرأة أبي طلحة: هي أم سليم والدة أنس, ويقال لها: الرميصاء. و (الخشخشة): صوت يحدث من تحرك الأشياء اليابسة واصطكاكها كالسلاح والثوب والنعل, كما أن الخضخضة: صوا يحدث من تحرك الأشياء الرطبة وتموجها. ... 1579 - 4861 - ع أبي موسى رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "يا أبا موسى! لقد أعطيت مزمارا من مزامير آل داود". "وفي حديث أبي موسى: لقد أعطيت مزمارا من مزامير آل داود" (المزمار) هاهنا مستعار للصوت الحسن, والنغمة الطيبة, أي:

أعطيت حسن صوت يشبه بعض الحسن الذي لصوت داود. والمراد بـ"آل داود"نفسه, و"آل"مقحم, إذ لم يكن له آل مشهور بحسن الصوت, بل المشهود له به هو نفسه. ... 1580 - 4862 - عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن", قال: آلله سماني؟! قال: نعم", فبكى. ويروى: أنه قرأ عليه: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب}. "وفي حديث أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن" أمره بأن يلقي عليه القرآن من فلق فيه, ويقرأ عليه قراءة المعلم على المتعلم تعليما له, ليعلمه تجويد اللفظ, والتلفظ بكل حرف من مخرجه, والترتيل في القراءة, والإدراج والوقف في موضعهما, إلى غير ذلك, ولأن الرواية بالسماع عن الأصل أقوى من القراءة عليه, لأنه أبعد من الغلط, واحتمال الخطأ. ... 1581 - 4863 - عن أنس رضي الله عنه قال: جمع القرآن على عهد

رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة: أبي بن كعب, ومعاذ بن جبل, وزيد بن ثابت, وأبوزيد, قيل لأنس: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي. "وفي حديثه الآخر: جمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة: أبي بن كعب, ومعاذ بن جبل, وزيد بن ثابت, وأبو زيد" لعله جمع من الأنصار: أو من الخزرجيين الذين هم رهط أنس هؤلاء الأربعة, إذ روي: أن جمعا من المهاجرين أيضا جمعوا القرآن. ... 1582 - 4864 - عن خباب بن الأرت قال: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله فوقع أجرنا على الله, فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا, منهم مصعب بن عمير, قتل يوم أحد فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا نمرة, فكنا إذا غطينا رأسه خرجت رجلاه, وإذا غطينا رجليه خرج رأسه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "غطوا بها رأسه, واجعلوا على رجليه من الإذخر" ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهديها. "وفي حديث خباب بن الأرت: ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهديها" (أينعت الثمرة) إيناعا, وينع يينع- بالفتح والكسر- ينعا وينعا وينوعا: إذا نضجت وبلغت أوان الجداد. و"يهديها"بالكسر: يجتنيها.

1583 - 4865 - عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اهتز العرش لموت سعد بن معاذ" وفي رواية: "اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ" "وفي حديث جابر: اهتز العرش لموت سعد بن معاذ" يحتمل أن يكون ذلك كناية عن السرور والاستبشار بانتقاله إلى جوار العرش وإيوائه إليه, كما جاء في حديث: "إن أرواح الشهداء في قناديل معلقة تحت العرش" أو عن التفجع به, والاستعظام لوقعته, ويؤيد ذلك مفهوم قوله تعالى: {فما بكت عليهم السماء والأرض} [الدخان:29]. ... 1584 - 4867 - وعن أم سليم أنها قالت: يا رسول الله! أنس خادمك, ادع الله له, قال: "اللهم! أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته, قال أنس: فوالله إن مالي لكثير, وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المئة اليوم" "وفي حديث أنس: وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المئة اليوم" أي: يتجاوز عددهم هذا المبلغ, يقال: إنهم ليتعادون على عشرة آلاف, أي: يزيدون عليها في العدد

1585 - 4869 - وقال عبد الله بن سلام: رأيت كأني في روضة, وذكر من سعتها وخضرتها, وسطها عمود من حديد, أسفله في الأرض وأعلاه في السماء, في أعلاه عروة, فقيل لي: ارقه, فقلت: لا أستطيع, فأتاني منصف فرفع ثيابي من خلفي, فرقيت حتى كنت في أعلاها فأخذت بالعروة, فاستيقظت وإنها لفي يدي, فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "تلك الروضة الإسلام, وذلك العمود عمود الإسلام, وتلك العروة الوثقى, فأنت على الإسلام حتى تموت" "وفي حديث عبد الله بن سلام: فأتاني منصف" (المنصف) -بالكسر- والناصف: الخادم, من نصف نصافة: إذا خدم. ... 1586 - 4877 - وقال: "لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار, ولو سلك الناس واديا أو شعبا وسلكت الأنصار واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها, الأنصار شعار والناس دثار, إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" "وفي حديث أنس: لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار" أراد بذلك" أن فضل الأنصار وميل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم بلغ مبلغا

أحب أن يكون منهم, ولولا أنه من جملة من هاجر من مكة لعد من الأنصار, لفرط اتصاله بهم, واتحاده معهم. "وفيه: الأنصار شعار, والناس دثار" و (الشعار): الثوب الذي يلي الجسد, سمي لمماسته شعر البدن, و (الدثار): الذي يلي الظاهر, ويكون فوق الشعار. والمعنى: إنهم أقرب الناس إلي وأدناهم مني منزلة. "وفيه: سترون بعدي أثرة" (الأثرة): أن تؤثر صاحبك بالشيء على غيره, والمعنى: يستأثر غيركم بحقكم في المغانم والفيء, فاصبروا على ذلك حتى تلقوني. ... 1587 - 4878 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فقال: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن, ومن ألقى السلاح فهو آمن" فقالت الأنصار: أما الرجل فقد أخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته, ونزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قلتم: أما الرجل أخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته, قال: كلا! إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم, المحيا محياكم, والممات مماتكم" قالوا: والله ما قلنا إلا ضنا بالله ورسوله, قال: "فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم"

"وفي حديث أبي هريرة: إلا ضنا بالله ورسوله" أي: ما قلنا ذلك إلا شحا وضنة بما أنعم الله علينا من شرف الجوار, وخشية أن تميل إلى أهلك وتختار الإقامة بينهم والمراجعة إليهم, فتنتقل إلى مكة, فيفوت عنا ما لا مزيد عليه من الشرف والكرامة التي آتانا الله. ... 1588 - 4880 - عن أنس قال: مر أبو بكر والعباس رضي الله عنهما بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم منا, فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك, فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عصب على رأسه حاشية برد, فصعد المنبرولم يصعد بعد ذلك اليوم, فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أوصيكم بالأنصار, فإنهم كرشي ووعيبتي, وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم, فاقبلوا من محسنهم, وتجاوزوا عن مسيئهم" "وفي حديث أنس: أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي" (الكرش): لكل محتد بمنزلة المعدة للإنسان, و (العيبة): ما يوضع فيه الثياب, والمعنى: إنهم مستودع أسراري المخفية, وأموري الجلية, مخصوصين لي في الحالات كلها.

وقيل: المراد بالكرش: الجماعة, فإنه يطلق على الجماعة والعيال, وقد سبق الكلام فيه مرة أخرى. ... 1589 - 4881 - وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه حتى جلس على المنبر, فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد فإن الناس يكثرون, ويقل الأنصار حتى يكونوا في الناس بمنزلة الملح في الطعام, فمن ولي منكم شيئا يضر فيه قوما وينفع فيه آخرين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم" "وفي حديث ابن عباس: إن الناس يكثرون ويقل الأنصار" يريد: أن الأنصار هم الذين آووا رسول الله ونصروه وبذلوا له أنفسهم وأموالهم أوان الضعف والعسرة, فإذا مضى أحد منهم لسبيله مضى ولم يكن له بدل يخلفه ويقوم مقامه, فيقلوا ويكثر غيرهم. ... 1590 - 4483 - عن أبي أسيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير دور الأنصار بنو النجار, ثم بنو عبد الأشهل, ثم بنو الحارث بن الخزرج, ثم بنو ساعدة, وفي كل دور الأنصار خير" "وفي حديث أبي أسيد الساعدي: خير دور الأنصار بنو النجار"

يريد بالدور: البطون, فإن الدار يعبر بها عن المحلة, وبالمحلة عن أهلها, وإن أراد بها ظاهرها فقوله: "بنو النجار" على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه, وتكون خيريتها بسبب خيرية أهلها, وما يجري ويوجد فيها من الطاعات والمبرات. ... من الحسان: 1591 - 4889 - عن حذيفة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي, أب بكر وعمر, واهتدوا بهدي عمار, وتمسكوا بعهد ابن أم عبد" وفي وراية: "ما حدثكم ابن مسعود فصدقوه" "وفي حديث حذيفة: وتمسكوا بعهد ابن أم عبد" أراد بعهده: ما يعهد إليهم ويوصي إليهم, ومن ذلك استخلاف أبي بكر رضي الله عنه, فإنه كان أول من استصوبه, وقال: لا نؤخر من قدمه الرسول صلى الله عليه وسلم, ألا نرتضي لدنيانا من ارتضاه لديننا؟! ... 1592 - 4904 - وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسلم الناس, وآمن عمرو بن العاص " غريب

"وفي حديث عقبة بن عامر: أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص" هذا من العمومات التي تطلق ويراد بها المبالغة دون الاستغراق, والمعنى: أنه أسلم قبل الفتح بسنة أو سنتين, وهاجر إلى المدينة لطوع منه ورغبة, وكان أسلم ممن أسلم تحت السيف, أو استيلاء المسلمين على أهله ودياره. ... 1593 - 4910 - عن أنس رضي الله عنه, عن أبي طلحة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقريء قومك السلام, فإنهم ما علمت أعفة صبر" "وعن أبي طلحة قال: قال لي نبي الله صلى الله عليه وسلم: أقريء قومك السلام, فإنهم ما علمت أعفة صبر" "أعفة": جمع عفيف, مرفوع على أنه خبر "إن" و"ما"إما موصولة, أي: الذي علمت أنهم أعفاء صابرون, أو بمعنى حين, أي: ما كنت أعرفهم إنما أعرفهم بهذه الصفة, إنما يتعففون عن السؤال, ويصبرون على الشدة والفاقة.

باب ذكر اليمن والشام, وذكر أويس القرني رضي الله عنه

13 - باب ذكر اليمن والشام, وذكر أويس القرني رضي الله عنه من الصحاح: 1594 - 4916 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أتاكم أهل اليمن, هم أرق أفئدة وألين قلوبا, الإيمان يمان, والحكمة يمانية, والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل, والسكينة والوقار في أهل الغنم" (باب ذكر اليمن والشام) "عن أبي هريرة: أتاكم أهل اليمن, هم أرق أفئدة وألين قلوبا, [الإيمان يمان] , والحكمة يمانية, والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل, والسكينة والوقار في أهل الغنم" (الرقة): ضد الغلظ والصفاقة, و (اللبن) مقابل القساوة, فاستعيرت في أحوال القلب, فإذا نبا عن الحق, وأعرض عن قبوله, ولم يتأثر بالآيات والنذر, يوصف بالغلط, وكأن شغافه صفيق لا ينفذ فيه الحق, وجرمه صلب لا يؤثر فيه الوعظ, وإذا كان بعكس ذلك يوصف بالرقة واللين, وكأن حجابه رقيق لا يأبى نفوذ الحق, وجوهره [لين] يتأثر بالنصح. ويحتمل أن يكون المراد بالرقة جودة الفهم, وباللين قبول الحق,

فإن رقة العوام تعد لقبول الأشكال بسهولة, واللين يقتضي عدم الممانعة والانفعال عن المؤثر بيسر, ولعله لذلك أضاف الرقة إلى الفؤاد, واللين إلى القلب, فإنه وإن كان الفؤاد والقلب واحدا, لكن الفؤاد فيه معنى التفؤد, وهو التوقد, يقال: فأدت اللحم, أي: شويته, والقلب فيه معنى التقلب, يتقلب حاله حالا فحالا بسبب ما يعتريه. ثم لما وصفهم بذلك أتبعه ما هو كالنتيجة والغاية, فإن صفاء القلب ورقته ولين جوهره يؤدي به إلى عرفان الحق والتصديق به, وهو الإيمان والانقياد لما يوجبه ويقتضيه, والتيقظ والإتقان فيما يذره ويأتيه, وهو الحكمة, فتكون قلوبهم معادن الإيمان, وينابيع الحكمة, وهي قلوب منشؤها اليمن, نسب إليه الإيمان والحكمة تبعا لانتسابها إليه, تنويها بذكرها, وتعظيما لشأنها. و"يمان": منسوب إلى اليمن, والألف منه معوضة عن ياء النسبة على غير قياس. وقيل: معنى قوله: "الإيمان يمان"أنه مكي, لأنه بدأ من مكة ونشأ منها, وإنما أضاف إلى اليمن, لأن مكة يمانية, فإنها من تهامة, وتهامة من أرض اليمن. وقيل: أراد به النسبة إلى مكة والمدينة, وهما كانا من ناحية اليمن حيث قال ذلك, فإنه - عليه السلام- إنما قاله وهو بتبوك من ناحية الشام. وقيل: أراد به النسبة إلى الأنصار, فإنهم نصروا الحق وأظهروا الدين, وهم يمانية.

وتخصيص الخيلاء بأصحاب الإبل, والوقار بأهل الغنم, يدل على أن مخالطة الحيوان مما يؤثر في النفس, ويعدي إليها هيئات وأخلاقا تناسب طباعها, وتلائم أحوالها. ... 1595 - 4917 - وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأس الكفر نحو المشرق, والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين أهل الوبر, والسكينة في أهل الغنم" ويؤيد ذلك: ما زاد عليه في الحديث الآخر: فقال: "والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل" و"الفدادين"بالتخفيف, أي: البقور, جمع فدان-بالتشديد- كسراجين وسرحان, وروي بالتشديد على أنه جمع فداد, وهو الذي يعلو صوته ويشتد, فيكون عطفا على المضاف. ولعل التخفيف هاهنا أولى, لأنه أقرب إلى ما قبله, والتشديد في حديث أبي مسعود في قوله: "والجفاء وغلظ القلوب في الفدادين أهل الوبر" لئلا يلزم إضمار. ... من الحسان: 1596 - 4924 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنها ستكون هجرة بعد هجرة, فخيار الناس هجرة إلى مهاجر إبراهيم عليه السلام" "وفي حديث عبد الله بن عمر: وإنها ستكون هجرة بعد هجرة" أي: ستكون هجرة واجبة بعد الهجرة التي كانت من مكة إلى المدينة, لاستيلاء الكفار على بلاد الإسلام, واختلال أمر الدين فيها. "وفيه: خيار الناس هجرة إلى مهاجر وإبراهيم عليه السلام" أي: من يهاجر إلى مهاجره وهو الشام, لبقائها في ولاية المسلمين تحميها جنودهم منصورين على من يحاربهم ويتخطى خططهم, كما هو في هذا العصر, ولعل الحديث إشارة إليه. "وفيه: ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم, وتقذرهم نفس الله" أي: ينتقل من الأراضي التي يستولي عليها الكفرة خيار أهلها, ويبقى خساس تخلفوا عن المهاجرين جبنا عن القتال, وحرصا وتهالكا على ما كان لهم فيها من ضياع ومواشي ونحوهما من متاع الدنيا, فهم لخسة نفوسهم وضعف دينهم كالشيء المسترذل المستقذر عنه, وكأن الأرض تستنكف عنهم فتقذفهم, والله سبحانه يكرههم فيبعدهم من مظان رحمته ومحل كرامته, إبعاد من يستقذر الشيء وينفر عنه طبعه, فلذلك منعهم من الخروج, وثبطهم قعودا مع أعداء الدين.

وقوله: "وتقذرهم نفس الله"من التمثيلات المركبة التي لا يطلب لمفرداته ممثلا وممثلا به, مثل: شابت لمة الليل, وقامت الحرب على ساق. ... 1597 - 4925 - عن ابن حوالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيصير الأمر أن تكونوا جنودا مجندة, جند بالشام, وجند باليمن, وجند بالعراق, فقال ابن حوالة: خر لي يا رسول الله! إن أدركت ذلك, قال: "عليك بالشام, فإنها خيرة الله من أرضه, يجتبي إليها خيرته من عباده, فأما إن أبيتم فعليكم بيمينكم, واسقوا من غدركم, فإن الله - عز وجل - توكل بالشام وأهله" "وفي حديث ابن حوالة: واسقوا من غدركم" أي: ليسق كل من غديره, والمعنى: وليلازم كل حقه وما يخصه, ولا يزاحم غيره في حقه. "وفيه: فإن الله - عز وجل - توكل بالشام وأهله" أراد بالتوكل: التكفل, فإن من توكل في شيء تكفل القيام به

باب ثواب هذه الأمة

14 - باب ثواب هذه الأمة من الصحاح: 1598 - 4929 - وقال: "لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله, لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم, حتى بأتي أمر الله وهم على ذلك" (باب ثواب هذه الأمة) "وفي حديث أبي أمامة: لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله, لا يضرهم من خذلهم, ولا من خالفهم, حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" قيل: أراد بهم الفئة المقاتلة المرابطين بثغور الشام, إذ جاء في بعض طرقه: "وهم بالشام", ولعل المراد منه: إن شوكة أهل الإسلام لا تزال بالكلية, فإن ضعف أمره في قطر, قام وعلا في قطر آخر, وقام بإعلائه طائفة من المسلمين حتى يقاتل آخرهم الدجال. ... من الحسان: 1599 - 4931 - عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل

أمتي مثل المطر, لا يدري أوله خير أم آخره" "عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره" نفى تعلق العلم بتفاوت طبقات الأمة في الخيرية, وأراد به نفي التفاوت, كما قال تعالى: {قل أتنبؤون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض} [يونس:18] أي: بما ليس فيهن. كأنه قال: لو كان لعلم, لأنه أمر لا يخفى, ولكن لا يعلم, لاختصاص كل طبقة منهم بخاصية وفضيلة توجب خيريتها, كما أن كل نوبة من نوب المطر لها فائدة في النشوء والنماء لا تملك إنكارها والحكم بعدم نفعها. فإن [كان] الأولون آمنوا بما شاهدوا من المعجزات, وتلقوا دعوة الرسول -صلوات الله عليه- بالإجابة والإيمان, فالآخرون آمنوا بالغيب لما تواتر عندهم من الآيات, واتبعوا من قبلهم بالإحسان, وكما أن المتقدمين اجتهدوا في التأسيس والتمهيد, فالمتأخرون بذلوا وسعهم في التلخيص والتجريد, وصرفوا عمرهم في التقرير والتأكيد, فكل مغفور, وسعيهم مشكور, وأجرهم موفور.

والله الموفق والمعين, وصلى الله على النبي الأمي وآله وأصحابه وعترته الطيبين الطاهرين أجمعين وسلم تسليما كثيرا كثيرا.

§1/1