تحصين المجتمع المسلم ضد الغزو الفكري

حمود الرحيلي

مقدمة

المقدّمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى تركنا على المحجة البيضاء ليلها ونهارها سواء، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: فإن الحرب بين الإسلام وأعدائه لم تضع أوزارها بعد، وإنما الحق أن أعداء الإسلام يضعون لحربه كل يوم وسيلة، ويحشدون للوقوف في وجهه كل يوم قوة، وليس خطر الغزو الفكري بأقل من خطر السلاح في المعركة التي يشنها أعداء الإسلام وأهله. إنهم الآن يشنون حرباً ضروساً هي أشد وأقسى على المسلمين من حرب السلاح، إنهم يشنون حرباً ضد القرآن والسنة، وضد شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، وضد منهج الإسلام وتاريخه، وضد رجاله ولغة قرآنه، إنهم يحاربون المسلمين في عقيدتهم، وأخلاقهم، ومبادئهم، وأزيائهم، وعاداتهم، وبالجملة فهناك مخططات ضخمة إلى نقل الفكر البشري من مجال أصالة الفطرة، وطريق التوحيد، وطابع الإيمان بالله تعالى، ومنطق العقل السليم إلى الوثنية والإلحاد، والإباحية، وتفسخ الأخلاق، والعادات السيئة، والمبادئ الفاسدة. وهي دعوات تستمد أصولها من مخططات التلمود، وبروتوكولات حكماء صهيون، ووقف اليهود والنصارى والشيوعيون يؤيد بعضهم بعضاً في حرب الإسلام والمسلمين.

وإنه لشدة شراسة هجوم الغزو الفكري على الأمة الإسلامية في العصر الحديث، ولاختراقه لبعض صفوفها، في التقليد والمحاكاة، وما أحدثه هذا الغزو من تفكك وتمزق بين صفوفها. ونظراً لهذه الأهمية التي أشرت إليها فقد شجعني ما اطلعت عليه من قرار "مجلس مجمع الفقه الإسلامي رقم 71 /7/7 المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7 إلى 12 ذو القعدة 1412هـ، الموافق 14 مايو 1992م، حيث ورد في القرار "إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي … بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع "الغزو الفكري" والتي بينت بداية هذا الغزو وخطورته وأبعاده، وما حققه من نتائج في بلاد العرب والمسلمين، واستعرضت صوراً مما أثار من شبه ومطاعن، ونفذ من مخطط وممارسات، استهدفت زعزعة المجتمع المسلم، ووقف انتشار الدعوة الإسلامية، كما بينت هذه البحوث الدور الذي قام به الإسلام في حفظ الأمة وثباتها في وجه الغزو، وكيف أحبط كثيراً من خططه ومؤامراته. وقد اهتمت هذه البحوث ببيان سبل مواجهة هذا الغزو وحماية الأمة من آثاره في جميع المجالات وعلى كل الأصعدة، ثم أوصى المجلس بعدة توصيات لمقاومة الغزو الفكري، ثم ختم قراره بما يلي: "كما يوصي المجلس أيضاً الأمانة العامة للمجمع باستمرار الاهتمام بطرح أهم قضايا هذا الموضوع في لقاءات المجمع وندواته القادمة، نظراً لأهمية موضوع الغزو الفكري، وضرورة وضع استراتيجية متكاملة لمجابهة مظاهره ومستجداته"1.

_ 1نقلاً عن مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، السنة الرابعة، العدد الخامس عشر، عام 1413?، 208، أثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية ضد الأفكار الهدامة، د. عبد الله الجربوع، ص6-7.

هذا ونظراً لكوني قد قمت بتدريس مادة (الغزو الفكري" لطلاب السنة الرابعة من كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، فقد حاولت جمع وصياغة ما يتعلق بمواجهة الغزو الفكري، وسميته: "تحصين المجتمع المسلم ضد الغزو الفكري"، وذلك تقديراً لحاجة المسلمين، وإسهاماً مني في محاربة هذا الغزو البغيض. خطة البحث وقد جعلت البحث في مقدمة وفصلين وخاتمة. وقد اشتملت المقدمة على أهمية الموضوع، وسبب الاختيار، والخطة، ومنهجي في البحث. ثم تمهيد عن الصراع بين الحق والباطل. وأما الفصل الأول: فعن مفهوم الغزو الفكري، وأهدافه، ووسائله. وقد اشتمل على سبعة مباحث: المبحث الأول: تعريف الغزو الفكري في اللغة والاصطلاح. المبحث الثاني: أهمية دراسته. المبحث الثالث: مظاهره واتجاهاته. المبحث الرابع: أنواعه. المبحث الخامس: أهدافه. المبحث السادس: أساليبه ووسائله. المبحث السابع: آثاره. وأما الفصل الثاني: فعن طرق تحصين المجتمع المسلم ضد الغزو الفكري، ويشتمل على عشرة مباحث:

المبحث الأول: ضرورة التمسك بالعقيدة الصحيحة ونشرها في المجتمعات الإسلامية. المبحث الثاني: أثر الإيمان والتقوى في تحصين المجتمع المسلم. 1) أثر الإيمان في تحصين المجتمع المسلم. 2) أثر التقوى في تحصين المجتمع المسلم. المبحث الثالث: أثر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تحصين المجتمع المسلم. المبحث الرابع: دور المنزل والمدرسة والمسجد والمجتمع في التوجيه والدعوة إلى الله تعالى. المبحث الخامس: دور وسائل الإعلام والإنترنت. المبحث السادس: إقامة الندوات والمحاضرات والدروس والمؤتمرات المفيدة. المبحث السابع: أهمية المحافظة على الوحدة العقدية. المبحث الثامن: الاهتمام بإصلاح المرأة المسلمة. المبحث التاسع:. الاهتمام بالاقتصاد الإسلامي. المبحث العاشر: ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية، وإقامة الحدود. وأما الخاتمة فقد أوجزت فيها أهم النتائج والتوصيات. منهج البحث: عزوت الآيات الكريمة إلى السور. خرجت الأحاديث مبيناً الجزء والصفحة، فالكتاب والباب، ورقم الحديث، وإذا لم يكن الحديث في الصحيحين أو أحدهما فإني أحاول ذكر درجته معتمداً على الكتب التي تعتني بذلك.

شرحت معاني الكلمات الغريبة في نظري، وكذلك أهم الفرق والمذاهب التي وردت في البحث. عزوت ما تناولته في البحث إلى المصادر والمراجع التي رجعت إليها في هذا الشأن مبيناً الكتاب والصفحة، فالمؤلف. وقد توخيت في ذلك السهولة، وإيضاح النقاط التي تناولتها بإيجاز، غير مخل ما أمكن. ثم ألحقت بهذا فهرساً للمصادر والمراجع مرتبة حسب حروف الهجاء، وآخر للموضوعات. ولا أدعي أن هذا البحث قد حوى الغاية، وإنما هو محاولة مني في المشاركة في البحث والدعوة إلى تعالى على قدر الجهد والطاقة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وأرجو ممن وقف على شئ في هذا البحث أن يبادرني النصيحة، واسأل الله تعالى أن يتقبل مني هذا الجهد، وأن يجعله عملاً نافعاً للإسلام والمسلمين، ولوجهه خالصاً، ولا يجعل فيه لأحد شيئاً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تمهيد

تمهيد: عن الصراع بين الحق والباطل الصراع بين الحق والباطل قديم قدم البشرية، وسنة من سنن الله في الحياة، ولقد كان العالم قبل الإسلام يموج بدعوات وتيارات فكرية هدامة، ولما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام وفيه البيان الشافي لكل ما يحتاجه البشر لتحقيق وظيفتهم على الأرض، وهي عبودية الله تعالى، وتحصيل أسباب السعادة في الدنيا والآخرة، فكانت رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رحمة من الله للناس لتخليصهم من تلك الجاهليات التي جثت على قلوبهم ولوثت أفكارهم دهراً طويلاً، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} 1. ولم ينتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه إلا وقد تحول الإسلام بكل ما فيه من عقائد وتعاليم وأخلاق إلى واقع حي، تظهر مظاهره وثماره في الأفكار والقلوب والسلوك، وبعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم، رسخ الخلفاء الراشدون هذا الواقع ووسعوا دائرته بالفتوحات الإسلامية، سعياً لتخليص البشر من الجاهليات وما نتج عنها من ظلم وشقاء، وما هي إلا سنوات قليلة حتى دخل كثير من الناس في دين الله أفواجاً فحلَّ الأمن والعدل مكان الخوف والظلم، ونتج عن ذلك أعظم حضارة عرفتها البشرية. إلا أن الانتصار السريع في المجال العسكري لم يكن نهائياً فقد كان أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس والمشركين ومن يتعاون معهم من المنافقين وغيرهم، يخططون لجولة ثانية من الحرب اتخذت من الفكر ميداناً لها بعد أن أدرك قادتها قوة تأثير الأفكار على السلوك، وأن الحرب الفكرية هي

_ 1 سورة الأنبياء، الآية 107.

السبيل الوحيد المتاح لها في ذلك الوقت لمقاومة الإسلام، وتفريق أهله وإضلالهم. ولقد اختار الله هذه الأمة لحمل راية الإسلام، والوقوف في وجه الباطل، ودحض الشبهات، وكشف الزيوف. ولا ريب أن الإسلام بمفهومه الصحيح، مازال وسيظل –بإذن الله – صامداً أمام الأحداث، ومواجهاً لكل الأفكار الباطلة، والمذاهب المنحرفة، حتى يتضح وجه الحق، ويكشف زيف الباطل، وهذه الدعوات – المعادية للإسلام- إنما وجدت طريقها حين حُرِّف الدين في بيئات الغرب، وحين فُصل بين الدين والحياة، وضاعت مفاهيم الالتزام الأخلاقي. وقد فات الذين طرحوا هذه المذاهب والأفكار في البيئات الإسلامية أن هذه المذاهب إنما نشأت في بيئات خاصة بها، ومن خلال تحديات مختلفة … وأن العقيدة الإسلامية لها منزلتها وقيمتها الأصيلة، التي تعارض فصل الدين عن الحياة، والتي تنكر أن يكون الإنسان مادة فقط، والتي تفرق بين شريعة الله وقوانين البشر، وتنكر الوساطة بين الله تعالى وخلقه، أو إطلاق الحرية من جميع ضوابها، أو معارضة عالم الغيب والبعث والجزاء، وترى أن هذا كله إنما يراد بالبشرية لتحطيم الجدار القوي الذي تستند إليه في علاقتها بالله تعالى، ومن ثم السقوط في أحضان استعباد البشر، والعبودية للمخططات التلمودية المتطلعة إلى السيطرة على العالم الإسلامي بعد تحطيم قيمه، وأخلاقه ومقدراته، وتلك أخطر المخططات التي تجتاح البشرية اليوم، والتي طرحت في السنوات الأخيرة أنواعاً من الدعوات والمذاهب والفلسفات المضللة، بالأساليب والوسائل الساقطة، وكلها تقصد الإسلام، فهو القوة الوحيدة التي تستطيع أن تصمد في وجه

الإلحاد والمادية والوثنية، والإباحية، وغيرها من المذاهب الباطلة، والمسلمون مطالبون دائماً بإقامة دينهم، واليقظة تجاه أعدائهم، والتصدي لكل القوى التي تحاول أن تفت في عضدهم، أو تفسد مقوماتهم، أو تحطم معنوياتهم 1.

_ 1 انظر في هذا: صراع بين الحق والباطل، لسعد صدق محمد، والصراع بين الحق والباطل د. إبراهيم بن محمد أبو عباة، وأثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية، لعبد الله الجربوع، 59 وما بعدها.

الفصل الأول: مفهوم الغزو الفكري وأهدافه ووسائله

الفصل الأول: مفهوم الغزو الفكري وأهدافه ووسائله المبحث الأول: تعريف الغزو الفكري في اللغة والاصطلاح تعريف الغزو الفكري لغة: الغزو الفكري مصطلح مركب من كلمتين هما: 1-الغزو: يقال: غزاه غزواً: أراده وطلبه وقصده 1. وغزا العدو غزواً وغزواناً أي سار إلى قتالهم وانتهابهم في ديارهم. ويقال عرفت ما يغزى من هذا الكلام أي ما يُراد، وأغزاه جهزه للغزو2. يتبين من هذا أن معنى الغزو في اللغة: قصد الشئ وإرادته وطلبه. 2-الفكري: الفكر إعمال النظر أو إعمال الخاطر في الشيء، والتفكر التأمل3. والفكر: إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى معرفة مجهول، ويقال: في الأمر فكر أي نظر وروية، وجمعه أفكار4. والفكر: تردد القلب بالنظر والتدبر لطلب المعاني، ولي في الأمر فكر أي نظر وروية5. وفكر في الشيء أي أعمل الفكر فيه ليتوصل إلى حله أو إدراكه6.

_ 1 القاموس المحيط، للفيروزآبادي، 4/ 369. 2 المعجم الوسيط، 2/ 652، والقاموس العربي الشامل، 415. 3 اللسان لابن منظور، 5/65، والقاموس المحيط، 2/ 111. 4 المعجم الوسيط، 2/ 698. 5 المصباح المنير، لأحمد الفيومي، 182. 6 القاموس العربي الشامل، 439.

ومن هذا يتبين لنا أن معنى الغزو الفكري لغة: قصد الشئ وإرادته وطلبه مع تردد القلب وإعمال النظر بروية.

تعريف الغزو الفكري اصطلاحا

تعريف الغزو الفكري اصطلاحاً: عرف الباحثون الغزو الفكري بعدة تعريفات نختار منها ما يلي: 1- (الغزو الفكري: هو مصطلح حديث يعني مجموعة الجهود التي تقوم بها أمة من الأمم للاستيلاء على أمة أخرى أو التأثير عليها حتى تتجه وجهة معينة) 1. 2- (هو أن تتبنى أمة من الأمم ـ وبخاصة الأمة الإسلامية ـ معتقدات وأفكار الأمة الأخرى من الأمم الكبيرة ـ وهي غير إسلامية دائماً ـ دون نظر فاحص وتأمل دقيق لما يترتب على ذلك التبني من ضياع لحاضر الأمة الإسلامية في أي قطر من أقطارها وتبديد لمستقبلها، فضلاً عما فيه من صرفها عن منهجها وكتابها، وسنة رسولها، وما يترتب على هذا الصرف من ضياع أي ضياع …) 2. 3- (الغزو الفكري: هو أن تتخذ أمة من الأمم مناهج التربية والتعليم لدولة من هذه الدول الكبيرة، فتطبقها على أبنائها وأجيالها، فتشوه بذلك فكرهم وتمسخ عقولهم، وتخرج بهم إلى الحياة، وقد أجادوا بتطبيق هذه المناهج عليهم شيئاً واحداً هو تبعيتهم لأصحاب تلك المناهج الغازية أولاً، ثم يلبس الأمر عليهم بعد ذلك فيحسبون أنهم بذلك على الصواب، ثم يجادلون عما حسبوه صواباً، ويدعون إليه) 3.

_ 1 مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للعلامة الشيخ عبد العزيز بن باز (يرحمه الله) : 3/ 438. 2 الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام، د. علي محمود، 8-9. 3 المرجع السابق، 9.

4- (الغزو الفكري: يعني هجمات فكرية متلاحقة ذات صلة بتاريخ المسلمين وحاضرهم، تطرح شبهات وأفكاراً مزيفة مستوعبة تراث الإسلام، وأحوال المسلمين، وقد انطلقت من البلاد الأجنبية شرقية أو غربية على يد المنصرين وأقلام المستشرقين1 بعيدة عن العمل العسكري المسلح) 2. 5- (يقصد بالغزو الفكري الوسائل غير العسكرية التي اتخذها أعداء الإسلام لإزالة مظاهر الحياة الإسلامية وصرف المسلمين عن التمسك بالإسلام، مما يتعلق بالعقيدة وما يتصل بها من أفكار وتقاليد وأنماط وسلوك) 6- (الغزو الفكري واحد من شعب الجهد البشري المبذول ضد عدو ما لكسب معارك الحياة منه، ولتذليل قياده وتحويل مساره، وضمان استمرار هذا التحول حتى يصبح ذاتياً إذا أمكن، وهذا هو أقسى مراحل الغزو الفكري بالنسبة للمغلوب، وإن كان في نفس الوقت هو أقصى درجات نجاح الغزاة) 4. وبعد إيراد هذه التعريفات نستطيع القول بأن الغزو الفكري بوجه عام هو مجموعة الجهود التي تتخذها أمة من الأمم ضد أمة أخرى بهدف التأثير عليها لتوجيهها إلى وجهة معينة. وهو بوجه خاص: مجموعة الجهود التي اتخذها أعداء الإسلام ضد الأمة

_ 1 الاستشراق هو: ذلك التيار الفكري الذي تمثل في الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامي، والتي شملت حضارته وأديانه وآدابه ولغاته وثقافته، وقد أسهم هذا التيار في صياغة التصورات الغربية عن العالم الإسلامي، معبراً عن الخلفية الفكرية للصراع الحضاري بينهما. انظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، 33. 2 في الغزو الفكري، نذير حمدان، 6-7. 3 انظر واقعنا المعاصر، محمد قطب، 195. 4 الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام، عبد الستار فتح الله، 21.

الإسلامية بقصد التأثير عليها في جميع الميادين التعليمية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية،.. باستخدام الوسائل والأساليب التي يراها مناسبة من أجل صرف المسلمين عن التمسك بعقيدتهم، وأخلاقهم، وسيرسلف الأمة الصالح. والدافع إلى استخدام الغزو الفكري في الحروب الصليبية المعاصرة هو الحصيلة المرة التي خرج بها الصليبيون من حروبهم الأولى مع المسلمين في القرنين الخامس والسادس الهجريين، (الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين) ، والتي انتهت بالهزيمة الساحقة وعدم تحقيق شئ مما خرج الصليبيون من بلادهم لتحقيقه وبذلوا فيه الأموال والدماء والنفوس. وفي تلك الحروب الأولى وقع لويس التاسع ملك فرنسا1 في الأسر بعد هزيمة حملته الصليبية، وبقي سجيناً في المنصورة فترة من الوقت حتى افتداه قومه وفُك أسره. وفي أثناء سجنه أخذ يتفكر فيما حل به وبقومه، ثم عاد يقول لقومه: (إذا أردتم أن تهزموا المسلمين فلا تقاتلوهم بالسلاح وحده ـ فقد هُزمتم أمامهم في معركة السلاح ـ ولكن حاربوهم في عقيدتهم فهي مكمن القوة فيهم) 2.

_ 1 لويس التاسع ملك فرنسا من سنة 1226م-1270م قاد الحملة الصليبية السابعة عام 1249م، التي توجهت إلى مصر والتي باءت بالفشل، وأُسر فيها لويس، وسُجن في المنصورة بمصر، وأٌطلق سراحه بفدية كبيرة، ثم قاد في آخر حكمه حملة أخرى سنة 1270م، توجهت إلى تونس حيث فشلت أيضاً ومات فيها لويس. انظر أوربا العصور الوسطى، التاريخ السياسي، د. سعيد عبد الفتاح عاشور، 1/260-265، مكتبة الانجلو المصرية، مصر، ط السادسة، 1975م. 2 واقعنا المعاصر / محمد قطب، 196.

ويرجع كثير من الباحثين أنَّ ملك فرنسا لويس التاسع ـ المذكور ـ وضع خيوط المؤامرة الفكرية الجديدة على الإسلام، ولخصها في الأمور التالية 1: 1- تحويل الحملات الصليبية العسكرية إلى حملات صليبية سلمية تستهدف ذات الغرض، لا فرق بين الحملتين إلا من حيث نوع السلاح الذي يُستخدم في المعركة. 2- تجنيد المبشرين2 الغربيين في معركة سلمية لمحاربة الإسلام ووقف إنتشاره، ثم القضاء عليه معنوياً، واعتبار هؤلاء المبشرين جنوداً للغرب. 3- العمل على استخدام مسيحي الشرق في تنفيذ سياسة الغرب. 4- العمل على إنشاء قاعدة للغرب في قلب الشرق الإسلامي يتخذها الغرب نقطة ارتكاز لقواته الحربية، ولدعوته السياسية والدينية، وقد اقترح لويس لهذه القاعدة الأماكن الساحلية في لبنان وفلسطين3.

_ 1 انظر في هذا معركة المصحف لمحمد الغزالي، ص 162، واحذروا الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام، د. سعد الدين السيد صالح، ص37-38، وأساليب الغزو الفكري الحديث، لعلي جريشة، ومحمد الزيبق، ص19. وأثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية ضد الأفكار الهدامة، للشيخ عبد الله الجربوع، ص 111-112. 2 مفهوم التبشير المزعوم هو الدعوة إلى النصرانية، إلا أنه في الحقيقة يتقنع بالدين، والأعمال الخيرية لتحقيق الغرض الحقيقي، وهو زعزعة عقائد غير النصارى عامة، والمسلمين خاصة، ثم تهيئتهم بشتى الوسائل لقبول النفوذ الغربي، والاستكانة للاستعمار وبسط السيطرة الغربية عليهم ثقافياً، ودينياً، وسياسياً. انظر التبشير والاستعمار في البلاد العربية، د. مصطفى خالدي، د. عمر فروخ، 5، واحذروا الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام، 39. 3 انظر أساليب الغزو الفكري د/ علي جريشة ومحمد الزيبن، 19، واحذروا الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام، د/ سعد الدين السيد صالح، 37-38.

ولعل هذا الذي ذكره الباحثون من التوقعات أو بغير الأسلوب الأصلي. وقد سار الأوربيون بالفعل في طريق تنفيذ وصية لويس حيث أعدوا جيوشاً من المستشرقين والمنصرين الذين قاموا بحركة تشويه للإسلام بهدف تشكيك المسلمين فيه، كما قاموا بإنشاء قاعدة نصرانية لهم في لبنان، ويهودية في فلسطين، بالاضافة إلى ما قاموا به من تمزيق وحدة العالم الإسلامي عن طريق إشاعة النعرات العصبية في العالم الإسلامي1. هذا هو الأسلوب الجديد في مواجهة الإسلام، وهو أسلوب الغزو الفكري الذي يفوق بعشرات المراحل أسلوب الغزو العسكري، ذلك أنه يمتاز بما يأتي: 1- الخداع: فالعدو من خلال هذا الغزو لا يقف أمامك عياناً بياناً بل هو متخفي يأتيك من وراء حجاب ويداهمك بدون شعور منك، قد يأتيك في صورة مقال جذاب، أو كتاب بغلاف براق، أو برنامج إذاعي أو تلفزوني، أو فيلم2، أو مسلسل، بل إنه قد يأتيك من خلال واحد من أبناء جلدتك ووطنك، بل ودينك أحياناً. 2- الخطورة: الغزو الفكري أخطر بكثير من الغزو العسكري، لأنه عميق التأثير في الشعوب المغزوة، إذ يمتد تأثيره عشرات بل مئات السنين أحياناً، والشعب الذي يُحارب بالغزو الفكري يتصرف بمحض اقتناعه هو كما يريد الغازي. 3- عدم وجود المشقة: فالغزو الفكري سهل وبسيط، وأقل تكلفة من الغزو العسكري الذي يكلف كثيراً من الدماء والطاقات3.

_ 1 انظر احذروا الأساليب الحديثة، 38. 2 الفيلم، شريط تصويري أو تسجيلي (ج) أفلام. انظر المعجم الوسيط، 2/702. 3 احذروا الأساليب الحديثة، 39.

المبحث الثاني: أهمية دراسته

المبحث الثاني: أهمية دراسته إن معرفة ودراسة الغزو الفكري لها أهمية كبيرة فهي تهدف إلى: 1- إمداد المسلم أو طالب العلم بمعلومات موضوعية تقفه على أساليب ووسائل الأفكار المناوئة والمعادية للإسلام، ليكون على وعي باخطارها ودراية بطرق معالجتها بأسلوب يتسم بالحصانة والحكمة وبعد النظر. 2- تبصير المسلم بأن أعداء الإسلام تقوم خططهم على اختلاف مذاهبهم على أساس واحد هو الكيد للإسلام، فهم يركزون على تشويه الأصول قبل الفروع، يتصدون للقرآن الكريم، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والسيرة النبوية، ويحاربون اللغة العربية، ويعملون على إفساد الأخلاق، ونشر الرذيلة والفساد بين المجتمعات، وفصل المسلمين عن تاريخهم، وسير سلف أمتهم الصالح. 3- دعوة الأجيال التي تأثرت بتلك المذاهب والاتجاهات وجعلها أجيالاً إسلامية واعية تحيا بالإسلام، وتعمل من أجله، وتستطيع أن تجابه تلك الاتجاهات الفاسدة المفسدة. 4- بيان أن اتباع المذاهب والأفكار المعادية للإسلام يسبب الخلاف والنزاع والفرقة بين المسلمين، والله تعالى أمر بالاعتصام بكتابه، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} 1. 5- تحذير المسلمين عامة والشباب على وجه الخصوص من الاغترار والانخداع بالأفكار والأساليب التي يروج لها أعداء الإسلام والمسلمين،

_ 1 سورة آل عمران، الآية 103.

وتربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة، القائمة على الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح، حتى لا يقعوا فريسة سهلة لأفكار ومبادئ أعداء الإسلام. 6- العمل على محاربة الدعوات والأفكار المشبوهة، وبيان ما تنطوي عليه من أخطار، ومنع نشاطها بجميع الوسائل والأساليب. 7- إن معرفة الأفكار المنحرفة والهدامة تجعل المسلم يميز بين الحق والباطل، وذلك كما قال عمر ين الخطاب ـ رضي الله عنه ـ "إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية"1.

_ 1 لم أجده في كتب المسانيد، وقد ذكره ابن تيمية في منهاج السنة، 2/398، 4/590، ودرء تعارض العقل والنقل، 5/259، ومجموع الفتاوى، 10/301، وذكره ابن القيم في مدارج السالكين، 1/373، وفي كتاب الفوائد، 202، تحت عنوان قاعدة جليلة، وفي هامش تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، 286-287، مكتبة التراث الإسلامي، 1416?، وورد في مسند الإمام أحمد مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، 4/232.

المبحث الثالث: مظاهره واتجاهاته

المبحث الثالث: مظاهره واتجاهاته اتخذ الغزو الفكري للإسلام والمسلمين في العصر الحديث مظاهر عديدة، واتجهت تياراته في مجاري عمقها صانعوها وزادوا في طولها وعرضها، حتى طافت بالعالم الإسلامي، حاملة إليه السم في العسل، أو الموت فيما يزعمون أنه الدواء. ونستطيع أن نتعرف على تلك المظاهر للغزو الفكري وتياراته في حملات التشويه الموجهة ضد الإسلام في الأمور الآتية1: حملات موجهة لتشويه القرآن الكريم. حملات موجهة لتشويه السنة النبوية. حملات موجهة لتشويه شخص الرسول صلى الله عليه وسلم. حملات موجهة لتشويه التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية. حملات موجهة لتشويه التراث الإسلامي والحضارة الإسلامية. كما نستطيع أن ندرك مظاهر هذا الغزو في حملات التغريب2 للحضارة الإسلامية وللمسلمين أنفسهم، كتغريب التعليم والثقافة والنظم الإجتماعية والسياسية والإقتصادية، وتغريب الأخلاق والآداب، ثم تكون قمة التغريب

_ 1 انظر الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام، د. علي عبد الحليم، 23 بتصرف. 2 التغريب: مصدر تفعيل من غرّب يغرب تغريباً، وهو مشتق من الغرب، أي الدول الغربية الأوربية والأمريكية، ومن في حكمها. ويراد بالتغريب: تغيير قيم الأمة ومثلها، أي تغيير عقيدتها وثقافتها وأخلاقها، وإبعاد المسلمين عن دينهم باسم المدنية والتطور والتقدم، وإحلال ما يقابل ذلك في الحضارة الغربية. انظر حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصره، د. جميل المصري، 165 بتصرف.

بتغريب اللسان لقطعة من لغة القرآن اللغة العربية الفصحى. ويشمل الخطط الاستعمارية للدول الغربية والشرقية المتقدمة صناعياً، كما يشمل المذاهب والاتجاهات الفكرية المعادية للإسلام من صليبية تتمثل في الإرساليات التبشيرية، والدراسات الاستشراقية الموجهة، ويهودية تسعى للسيطرة على العالم بخططها الصهيونية1، وجمعياتها السرية، كالماسونية2 ونوادي الروتاري3 وغيرها.

_ 1 الصهيونية: هي حركة يهودية سياسية عنصرية دينية متطرفة تهدف إلى جمع الملايين من يهود العالم في كيان يهودي قومي في فلسطين استناداً إلى مزاعم تاريخية ودينية، واتخاذ فلسطين نقطة انطلاق لدولة كبيرة تمتد من الفرات إلى النيل، ومن ثم تكوين امبراطورية صهيونية عالمية تكون وريثة للحضارة الغربية. انظر حاضر العالم الإسلامي، د. جميل المصري، 1/84، والموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، 331، الصهيونية وخطرها على البشرية، د. حمود الرحيلي11-14. 2 منظمة يهودية سرية إرهابية غامضة محكمة التنظيم تهدف إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم، وتدعو إلى الإلحاد والإباحية والفساد، وجل أعضائها من الشخصيات المرموقة في العالم، يوثقهم عهد بحفظ الأسرار، ويقومون بما يسمى بالمحافل للتجمع والتخطيط والتكليف بالمهام. انظر اليهودية، لأحمد شلبي، 325-330، والموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، 449-453، والماسونية وموقف الإسلام منها، د. حمود الرحيلي، 11 وما بعدها. 3 الروتاري منظمة ماسونية تسيطر عليها اليهودية العالمية، تعرف باسم نادي الروتاري … وقد جاء هذا الاسم من التناوب.. تلك العبارة التي صاحبت الاجتماعات الأولى لأعضاء النادي الذين كانوا يعقدونها في مكاتبهم بشكل متناوب. انظر الموسوعة الميسرة، 243.

كما تشمل الديمقراطية1، والرأسمالية2، والشيوعية3، وكافة المذاهب الاشتراكية، والدعوة إلى العصبيات القومية4، الممزقة للأمة الواحدة.

_ 1 الديمقراطية: كلمة من أصل يوناني معناها حكم الشعب، وتنصرف إلى كل نظام سياسي يكون الشعب فيه مصدر السلطة وصاحب السيادة. انظر الموسوعة الثقافية، 466، القاموس السياسي، لأحمد عطية الله، 547-548، الديمقراطية في الميزان، لسعيد عبد العظيم، 31. 2 الرأسمالية: نظام اقتصادي ذو فلسفة اجتماعية وسياسية، يقوم على أساس إطلاق الحرية الشخصية للفرد فيما يعمل وفيما يكسب، وفيما يملك، وفيما ينفق، دون حدود أو قيود، ومن غير مراعاة لدين أو خلق. انظر الموسوعة الميسرة، 231، الاتجاهات الفكرية المعاصرة، د. جمعة الخولي، 157، الرأسمالية وموقف الإسلام منها، د. حمود الرحيلي، 15. 3 الشيوعية: مذهب فكري يقوم على الإلحاد، وأن المادة هي أساس كل شئ، ويفسر التاريخ بصراع الطبقات، وبالعامل الاقتصادي، ظهرت في ألمانيا على يد ماركس وانجلز، وتجسدت في الثورة البلشفية التي ظهرت في روسيا سنة 1917م، بتخطيط من اليهود، وتوسعت على حساب غيرها بالحديد والنار، وقد تضرر المسلمون منها كثيراً … انظر الموسوعة الميسرة، 309. 4 القومية: هي فكرة تقوم على التقاء كل شعب على الروابط المشتركة بين افراده، كالجنس، أو اللغة، أو التاريخ، أو الأرض والوطن، أو الظروف المعيشية والاقتصادية، أو عليها جميعاً، وأستثني من ذلك الدين، وقد اختلفت وجهات النظر في تحديد العنصر الأهم والمقوم الأساسي لهذه الفكرة، وحقيقة القومية التي دعا إليها الاستعمار هي دعوة كل جنس من شعوب العالم الإسلامي إلى التلاحم والتآخي على أساس اللغة والدم وغيرها من الروابط، دون اعتبار للدين، كما استبعد التاريخ الإسلامي من الروابط المشتركة. انظر نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع، ضمن مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز (يرحمه الله) 1/187-188، والاتجاهات الفكرية المعاصرة وموقف الإسلام منها، د. جمعة الخولي، 115-116، المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام، لمحمد محمود الصواف، 23-28، فكرة القومية العربية على ضوء الإسلام، د. صالح العبود، 21 وما بعدها.

كما تشتمل على الفلسفات الهدامة كالوجودية1، والعلمانية2، وغيرها من المذاهب التي ابتدعها أعداء الإسلام، لتخريب المجتمعات البشرية، وهدم الأخلاق والآداب بمختلف الوسائل كدور اليهود، والجمعيات الهدامة، والاستغلال السئ لوسائل الإعلام الحديثة.

_ 1 الوجودية: تيار فلسفي يعلي من قيمة الإنسان، ويؤكد على تفرده، وأنه صاحب تفكير وحرية وإرادة واختيار، ولا يحتاج إلى موجه، وهو جملة من الاتجاهات والأفكار المتباينة، وليس نظرية فلسفية واضحة المعالم، ونظراً لهذا الاضطراب والتذبذب لم تستطع إلى الآن أن تأخذ مكانها بين العقائد والأفكار. انظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، 543. 2 العلمانية: ترجمة مضللة لمصطلح أجنبي وترجمته: اللادينية أو الدنيوية، وهي دعوة إلى إقامة الحياة على غير الدين، أو الفصل الكامل بين الدين والحياة، ولا صلة لها بالعلم. انظر الاتجاهات الفكرية المعاصرة. د. جمعة الخولي، 91، والموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، 367.

المبحث الرابع: أنواعه

المبحث الرابع: أنواعه يتعرض المسلمون عامة ومنهم العرب وغيرهم … لغزو فكري عظيم، تداعت به عليهم أمم الكفر من الشرق والغرب، ومن أشد ذلك وأخطره: الغزو النصراني الصليبي. الغزو الصهيوني. الغزو الشيوعي الإلحادي. أما الغزو النصراني الصليبي فهو اليوم قائم على أشده ومنذ أن انتصر صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين الغازين، لبلاد المسلمين بالقوة والسلاح، أدرك النصارى أن حربهم هذه وإن حققت انتصارات فهي وقتية لا تدوم، ولذا فكروا في البديل الأنكى، وتوصلوا بعد دراسات واجتماعات إلى ما هو أخطر من الحروب العسكرية، وهو أن تقوم الأمم النصرانية فرادى وجماعات بالغزو الفكري، لناشئة المسلمين لأن الإستيلاء على الفكر والقلب أمكن من الإستيلاء على الأرض، فالمسلم الذي لم يلوث فكره لا يطيق أن يرى الكافر له الأمر والنهي في بلده، ولهذا يعمل بكل قوته على إخراجه وإبعاده، ولو دفع في سبيل ذلك حياته وأغلى ثمن لديه، وهذا ما حصل بعد الانتصارات الكبيرة للجيوش الصليبية الغازية … وقد استغنى النصارىبالغزو الفكري عن الغزو المادي، لأنه أقوى وأثبت، وأي حاجة لهم في بعث الجيوش وإنفاق الأموال مع وجود من يقوم بما يريدون من أبناء الإسلام عن قصد أو عن غير قصد، وبثمن أو بلا ثمن، ولذلك لا يلجأون إلى محاربة المسلمين علانية بالسلاح والقوة إلا في الحالات النادرة التي تستدعي العجل …1

_ 1 مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، 3/ 439-440.

أما الغزو الصيهوني فهو كذلك، لأن اليهود لا يألون جهداً في إفساد المسلمين في أخلاقهم وعقائدهم، ولليهود مطامع في بلاد المسلمين وغيرها، ولهم مخططات أدركوا بعضها، ولا زالوا يعملون جاهدين لتحقيق ما تبقى، وهم وإن حاربوا المسلمين بالقوة والسلاح واستولوا على بعض الأرض فإنهم كذلك يحاربونهم في أفكارهم ومعتقداتهم، ولذلك ينشرون فيهم مبادئ ومذاهب ونحلاً باطلة كالماسونية والقاديانية1 والبابية والبهائية 2وغيرها، ويستعينون بالنصارى وغيرهم في تحقيق مآربهم وأغراضهم. أما الغزو الشيوعي الإلحادي ـ فقد كان ـ يسري في بلاد الإسلام سريان النار في الهشيم نتيجة للفراغ وضعف الإيمان في الأكثرية، وغلبة الجهل، وقلة التربية الصحيجة السليمة. فقد استطاعت الأحزاب الشيوعية في روسيا والصين وغيرها أن تتلقف كل حاقد وموتور3 من ضعفاء الإيمان أو معدومي الإيمان، وتجعلهم ركائز في بلادهم ينشرون الإلحاد والفكر الشيوعي الخبيث، وتعدهم

_ 1 القاديانية حركة أسسها مرزا غلام أحمد القادياني عام 1900م، في القارة الهندية بتخطيط من الاستعمار الإنجليزي، وتهدف إلى إبعاد المسلمين عن دينهم، وعن فريضة الجهاد بشكل خاص، حتى لا يواجهوا المستعمر. انظر الموسوعة الميسرة، 389-391، والمخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام، 354-359. 2 البابية والبهائية: حركة أسسها المرزا علي محمد رضا الشيرازي، عام 1260هـ، تحت رعاية الاستعمار الروسي واليهودية العالمية والاستعمار الإنجليزي، بهدف إفساد العقيدة، وتفكيك وحدة المسلمين وصرفهم عن قضاياهم المعاصرة. انظر اليهودية، لأحمد شلبي، 339-358، والموسوعة الميسرة، 63-65. 3 الموتور لغة: الطالب بالثار، والموتور المفعول. انظر اللسان 5/274، والنهاية لابن الأثير، 5/148.

وتمنيهم بأعلى المناصب والمراتب، فإذا وقعوا تحت سيطرتها أحكمت أمرها فيهم، وأدبت بعضهم ببعض، وسفكت دماء من عارض أو توقف حتى أوجدت قطعاناً من بني الإنسان حرباً على أممهم وأهليهم، وعذاباً على إخوانهم وبني قومهم، فمزقوا بهم أمة الإسلام، وجعلوهم جنوداً للشيطان، يعاونهم في ذلك النصارى واليهود والتوطئة أحياناً وبالمدد والعون أحياناً أخرى، ذلك أنهم وإن اختلفوا فيما بينهم فإنهم جميعاً يد واحدةعلى المسلمين، يرون أن الإسلام هو عدوهم اللدود، ولذا تراهم متعاونين متكاتفين بعضهم أولياء بعض ضد المسلمين 1. ومن خلال هذا الاستعراض الموجز يتبين لنا شدة عداوة النصارى الصليبيين، واليهود الصهاينة، والشيوعيين الملاحدة، لهذا الدين القويم، وسعيهم الخبيث ومكرهم المستمر في الكيد له بكل الطرق والأساليب، وتركيزهم على الحرب الفكرية، لإدراكهم لخطورتها، وأنها السبيل الأمثل لحرب الإسلام وتحطيم مثله وقيمه.

_ 1 انظر مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، 3/440- 441.

المبحث الخامس: أهدافه

المبحث الخامس: أهدافه للغزو الفكري أهداف كثيرة من أهمها: أولاً: اقتلاع العقيدة الإسلامية من قلوب المسلمين، وصرفهم عن التمسك بالإسلام1. ثانياً: منع الإسلام من الانتشار خارج ديار المسلمين، وذلك لئلا تتأثر الأقطار الأخرى بمبادئ الإسلام وأصوله السمحة، وهو الذي يتفق مع الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، والإسلام هو الدين الأكمل الذي يستطيع أن يجتاز بالإنسان مرحلة التناقض بين الفكر والسلوك، وحالة التذبذب بين العبادة والعمل، وحالة التمزق بين العمل للدنيا والعمل للآخرة، والإسلام وحده الذي حقق التوفيق بين هذه التناقضات التي تعيشها الديانات المحرفة. وهذه المميزات التي اختص بها ديننا الإسلامي العظيم هي نفسها التي تورق مضاجع هؤلاء الغزاة، لأنها تكشف باطلهم من ناحية، وتظهرهم أمام شعوبهم وأمام الأمم الأخرى التي يطمعون في الإستيلاء عليها بمظهرهم العدواني الحقيقي، ومن ثم تهدد مخططاتهم جميعاً أبلغ تهديد، ومن هنا كان الهدف الأول من استراتيجيتهم أن يعملوا بكل الطاقات لوقف إنتشاره خارج هذه الديار. وكانت لهم في ذلك وسائل متنوعة، تقوم أولاً وأخيراً على تشويه حقائق الإسلام وإظهار اتباعه في أسوأ صورة. ومن وسائلهم في محاصرة الإسلام: 1-تشوية صورة الإسلام، وذلك عن طريق نشر الأباطيل حول الإسلام

_ 1 واقعنا المعاصر، محمد قطب، 196.

…، والهدف من وراء ذلك واضح، وهو محاولة صرف أنظار أتباعهم من التاثر بهذا الدين أو حتى عن مجرد النظر فيه.. 2- تجسيم مظاهر الضعف في ديار المسلمين وحملها على الإسلام.. لكننا ننكر أشد الإنكار أن يكون الإسلام هو المسؤول عن ضعف المسلمين أو عن تخلفهم في أي مضمار، بل التبعية الكبرى تقع على المسلمين أنفسهم، لأنهم تخلوا عن دينهم فتخلى الله بنصره … ولكنه إذا عادوا إليه وتمسكوا به فسينصرهم الله وسيكون معهم {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} 1. 3- تصوير الإسلام على أنه دين العنف والدماء، وذلك بدليل قطع يد السارق، ورجم الزاني المحصن، وضرب عنق القاتل، وبدليل فريضة الجهاد في سبيل الله، وهذه الشبهةوالأباطيل ليس هنا مكان الرد عليها. 4- تصوير مزايا الإسلام على أنها عيوب، وذلك كموضوع الطلاق، وتعدد الزوجات الذي يعتبر ـ بكل ما يكتنفه من ضوابط ـ رحمة رحيمة من الحق سبحانه بعباده … إلا أن هؤلاء صوروه لأتباعهم وللعالم على أنه ضرب من الهمجية وفوضى الجنس يبيحها هذا الدين للمسلمين. 5- اتهام الإسلام بشل قوى الإبداع والعبقرية بين اتباعه، ومن أجل ذلك اتهموا الإسلام بمجموعة من الاتهامات الغريبة، أبرزها أنه يبعث على الخمول والكسل، وأنه يلغي فاعلية العقل، ويسلب أتباعه القدرة على التفكير المبدع، ويسمونه بالدين المحمدي، للإيحاء بأنه من صنع النبي، وليس ديناً ربانياً، وإنما هو مجموعة من العادات والتقاليد التي أصبحت ديناً مع مرور الزمن للمسلمين. .2

_ 1 سورة محمد، الآية 7. 2 انظر الغزو الفكري أهدافه ووسائله، د. عبد الصبور مرزوق، 25-39، ووسائل مقاومة الغزو الفكري للعالم الإسلامي، د. حسان محمد حسان، 50 وما بعدها، وأخطار الغزو الفكري على العالم الإسلامي، د. صابر طعيمة، 43-44.

وهؤلاء الأعداء لا يستندون إلى أي دليل، لأن العمل في الإسلام هو المعيار الصحيح لتقويم الأشخاص والأعمال، والأدلة من الكتاب والسنة على حث الإسلام على العمل كثيرة جداً، ذكرنا بعضها في غير هذا البحث1. ثالثاً: ضرب الإسلام من الداخل، وهو يشبه في العمل العسكري تصفية قوات العدو بعد فرض الحصار عليها. وأهم وسائل الغزو الفكري التي أُتبعت في ضرب الإسلام من الداخل هي: 1- إثارة الخلافات والنزاعات وتضخيمها بين المسلمين. 2- محاولة إفساد المسلمين في عقيدتهم وأخلاقهم، وإغراقها في متاهات الشك، وقد وجدت الجذور لهذا الإفساد عندما دخل الإسلام من يريد هدمه، وتقويض أركانه من الداخل، ثم عندما ترجمت الكتب الفلسفية في العصر العباسي، وغزت الفكر الإسلامي بكثير من المنازع الفلسفية، والمذاهب الملحدة، في تفسيراتها للكون والمادة وما وراء الطبيعة، مما أدى إلى ظهور بعض المشككين الذين كانوا ينزعون في الشك منزع السوفسطائيين… 2 والحق أنه طالما كانت العقيدة صحيحة في النفوس، والحفاظ عليها موجوداً فإن جهود الغزاة سوف تمضي مع أدراج الرياح. 3-تجزئة المسلمين عن طريق إحياء العصبيات والقوميات الجاهلية.

_ 1 الشيوعية وموقف الإسلام منها، ص178، والرأسمالية وموقف الإسلام منها، ص46. 2 السوفسطائية: فرقة ينكرون الحساب والبديهات وغيرها، الواحد سوفسطائي. انظر المعجم الوسيط، 1/433.

4-نشر النظريات والأفكار المناهظة للدين. 5-دعم وتأسبس الحركات المعادية للإسلام كالبابية والبهائية، والقاديانية. والجدير بالذكر أن المستعمرين بتأسيسهم لهذه الحركات الهدامة، كانوا يصدرون عن القاعدة القديمة للتبشير بين المسلمين التي تقول "تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول من أنفسهم، ومن بين صفوفهم، لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أغصانها"1. رابعاً: إن هؤلاء الأعداء في غزوهم بثقافتهم وأفكارهم ومبادئهم للبلدان الإسلامية، إنما يهدفون إلى نهب خيرات الشعوب الإسلامية ومقدراتها، واغتصاب حقوقها، والاستفادة من أفرادها، وتسخيرهم في تحقيق أهدافهم2.

_ 1 انظر الغزو الفكري أهدافه ووسائله، د. عبد الصبور مرزوق، 45-79، والغارة على العالم الإسلامي، ترجمة محب الدين الخطيب وزميله، 38. 2 انظر في الغزو الفكري، نذير حمدان، 1/7، ووسائل مقاومة الغزو الفكري، د. حسان محمد حسان، 15.

المبحث السادس: أساليبه ووسائله

المبحث السادس: أساليبه ووسائله لقد درس قادة الدول الغربية وعلماؤها تاريخ الأمة الإسلامية، ووجدوا أن منابع القوة عند المسلمين تتمثل في العقيدة الإسلامية، المستقرة في القلوب، والشريعة الإسلامية التي تحكم الحياة، ووجدوا أن آباءهم الصليبيين هزموا قديماً بسبب تمسك المسلمين بهذا الدين، فوجهوا هممهم لزعزعة العقيدة الإسلامية، حتى يسهل عليهم اقتلاع عقيدة الإسلام، وتشويه صورته في نفوس المسلمين، وبذلك يسهل السيطرة عليهم1. أهم الأساليب والوسائل التي استخدمها الغرب الصليبي: وقد لخص هذه الأساليب صاحب كتاب "المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام"، فيما يلي2: فتح المدارس الأجنبية في ديار المسلمين وتكثيرها وتنويعها، وإرسال القسس والرهبان ليشرفوا على هذه المدارس، ويربوا أجيال المسلمين على أعينهم. ومنها إرسال البعوث، وتكثير الإرساليات التبشيرية لنشر مكامن التنصير في كل مكان، وتشكيك الشباب المسلم في دينه وعقيدته، وإحاطته بسياج من أوهامها وضلالاتها، ومن وسائلهم فتح المستشفيات والمستوصفات، ودور التمريض لنفس الغرض الخبيث. ومنها إرسال أكبر قدر ممكن من شباب المسلمين وأبنائهم إلى ديار

_ 1 انظر نحو ثقافة إسلامية أصيلة، د. عمر سليمان الأشقر، 60، بتصرف. 2 انظر المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام، محمد محمود الصواف، 17-21، وانظر مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، 3/441-444.

الغرب، لينهلوا من ثقافته المسمومة هناك، ويعودوا إلى ديارهم وقد ودّعوا هناك دينهم وخلقهم ومبادئهم … ومنها نشر الكتب المفسدة العابثة المضللة التي تشغل الشباب عن ثقافتهم الأصيلة، وتلهيهم بالعبث والخيال الماجن الذي سيجرهم إلى المجون والجنون. ومن هذه المخططات السيطرة قدر المستطاع على برامج التعليم في الديار الإسلامية، وتوجيه التعليم توجيهاً علمانياً لا يؤمن بدين، ولا يصدق برسول، وينطلق نحو الإلحاد والفساد. ومنها نشر المجلات الخليعة والسينمات المسمومة، والتلفزيون المشحون بما يثير غرائز الشباب ويشغلهم بالتفكير في إشباع غرائزهم عن التفكير في مصالح أمتهم ومستقبل دينهم وعقيدتهم، وحرية أوطانهم وأمتهم. ومنها العمل المتواصل لإفساد شبابنا ورجالنا بزجاجة الخمر، وفتاة الهوى، والصورة الخليعة والقصة الماجنة، وإرسال القينات1 والفاتنات أفواجاً أفواجاً إلى ديار المسلمين ليفسدن باسم الفن، ويهدمن باسم الحرية، ويخربن بسم الترفيه. ومنها فتح نوافذ للحضارة والثقافة الغربية وتمجيدها، والدعاية لها. . ومنها السيطرة الاقتصادية والتحكم في الأسواق، وامتصاص أكبر قدر ممكن من ثروة البلاد الإسلامية، وإشاعة الفقر والبطالة بين المسلمين … ومنها تمجيد وإحياء الحضارات القديمة … وتسليط الأضواء عليها لينبهر بها الشباب المسلم، وينسى حضارته الإسلامية الأصيلة. . ومنها العمل على إلغاء المحاكم الشرعية في ديار المسلمين … ونشر

_ 1 القينات: المغنيات.

القوانين الوضعية ودراستها … ومنها إضعاف سلطان الإسلام في نفوس المسلمين. . ومنها توجيه الأدب والأدباء والصحافة وجهة علمانية لا دينية، والسيطرة علىدور النشر والتوزيع … ومنها تشويه التاريخ الإسلامي والتشكيك فيه وحوادثه، وابراز الجوانب الضعيفة أو المؤسفة فيه … ومنها إنشاء المذاهب والمبادئ الهدامة.. وإشغال المسلمين بها، وإخراجهم من دينهم بواسطتها. . ومنها العمل على إفساد المرأة المسلمة ثم إخراجها باسم الثقافة والحرية والديمقراطية سافرة متبرجة، وجعلها أحبولة الفساد في المجتمعات الإسلامية، ومن ثم تعطيل الأسرة وهدم كيان المجتمع الإسلامي. ومنها محاربة اللغة العربية الأصيلة، والدعوة إلى العامية، أو الدعوة إلى الكتابة بالحروف اللاتينية، لقطع الصلة بين ماضي المسلمين وحاضرهم، وضياع كنوزهم العلمية التي تركها سلفهم الصالح وكانوا بها خير أمة أخرجت للناس. اتفاق الاستعمار على مكافحة الإسلام، ووضع قدم للإستعمار في فلسطين قلب البلاد الإسلامية بواسطة اليهود … ومن هذه المخططات وأهمها وأخطرها إحياء العاطفة القومية، وإثارة النعرات القومية بين المسلمين. يقول الدكتور / عبد الستار فتح الله سعيد: وقد برعت هذه الحضارة الغازية في أساليب الغزو الفكري وتأصيل المناهج الضالة، وعرضها عرضاً مغرياً، واستخدام كل تجاربها العلمية وطرائقها

الحضارية في بهرجة ذلك وتدعيمه، حتى لتعد وسائل الأمم والحضارات السابقة فنوناً ساذجة إذا قيست بما استخدمته- ولا تزال تستخدمه- الجاهلية المعاصرة من فنون المكر والخداع والتضليل، والتي تقف وراءها أجهزة مدربة عاتية لتأصيلها، وفلسفتها، والتخطيط لها، وإعداد برامجها ومناهجها، ومتابعتها بالتنفيذ والرصد والتعديل، والاحصاء والمقارنة والتحليل، حتى ليصدق عليهم تماماً ما وصف به الشاعر حافظ إبراهيم الاحتلال الإنجليزي: لقد كان فينا الظلمُ فوضى فهُذبت ... حواشيه حتى بات ظُلماً منظما 1 وهذا الغزو المنظم المدروس يستخدم القصة، والتمثيلية، والمسرح، والسينما، والإذاعات بأنواعها، والكتب والمجلات، والصورة، والمقالة، حتى الطرائف والملح الشائعة لا يتأخر في استعمالها لكسب قضاياه، وتحقيق أهدافه، والوصول إلى ما يسمونه هم أنفسهم بعملية (غسيل المخ) ، و (زرع ذاكرة) جديدة في رؤوس الأجيال، لتنشأ على ولاء فكري ونفسي للغرب ومثله وحضارته2. أهم المخططات اليهودية: وقد لخص هذه المخططات صاحب كتاب (الإسلام والدعوات الهدامة) 3 وإليك أهم ماله صلة بكيد اليهود ضد الإسلام خاصة فمن ذلك: - محاربة الأديان بصورة عامة، وبث روح الإلحاد والإباحية بين الشعوب. - تدمير القوى البشرية ومعنويات الأمم، واستذلالها واستعبادها.

_ 1 ديوان حافظ إبراهيم، 2/25. 2 انظر الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام، 39-40. 3 انظر الإسلام والدعوات الهدامة، أنور الجندي، 104 –111، بتصرف.

- السيطرة على الشباب والأطفال من أول الغايات، والاستعانة على ذلك بالأندية الرياضية والموسيقية والفن. - إشعال الثورات والفتن والاضطرابات، وإنفاق الأموال الطائلة في سبيل الأغراض الهدامة. - إيجاد جيل من العلمانيين في العالم لمعالجة القضايا على أساس مادي، وإبعاد الآثار العقائدية والدينية عن مخططات السياسة والاجتماع. - التركيز على المذاهب والفلسفات، وبث الدعاية للمبادئ المستقاة منها. - التركيز على المرأة والدعوة إلى تحريرها ونزعها من الدين والأسرة، واجتذابها إلى المراقص والمحافل. - الدعوة إلى التعليم العلماني اللاديني الذي يفسد قلوب الشباب ويفرض مقومات الرذيلة، واقتلاع العفة من عقول الفتيات. - التحريض على الفساد عن طريق الثقافة، والصحافة، وذلك بنشر الروايات والصور الخليعة، والأغاني البذيئة، ونشر الخرافات. - إحياء النحل والوثنيات القديمة. - الترويج للفلسفات المادية وبناء جميع العلوم على أساسها. - السيطرة قدر الإمكان على الإعلام والتعليم ودور النشر ووكالات الأنباء، واستخدامها في إثارة الرأي العام، وإفساد الأخلاق، وتحطيم الأسرة، لتشييد عبادة المال والشهوات. وقد استخدم اليهود لتنفيذ هذه المخططات عدة أساليب منها: احتكار المال والصناعات الحساسة … وعن طريق المنظمات السرية والعلنية، ومن أشهرها وأخطرها الماسونية.. وعن طريق وسائل الإعلام خططت

الصهيونية للسيطرة على مشارب الفكر البشري … والعمل على تدمير الأخلاق والاجتماع، وتشويه صورة الإسلام على وجه الخصوص. وقد التقت مصالح اليهود مع مصالح الغرب الصليبي في حرب الإسلام والسعي إلى السيطرة العالمية، وتحويل العالم كله إلى الأنماط الغربية وحضارته. وقد ساعد نجاح أعداء الإسلام من الصليبيين الحاقدين، واليهود المفسدين عدة عوامل أهمها: - ضعف الأمة الإسلامية في وقت المجابهة الفكرية الحديثة نتيجة الانحراف الخطير في مفهوم الإيمان، وسوء المعتقد، وانتشار الفرق المخالفة والبدع. - قوة التخطيط ودقته وشموله، وتظافر جهود الأعداء من اليهود والنصارى والشيوعيين والمنافقين على تنفيذه. - وقوع كثير من الشعوب الإسلامية تحت مظلة الاستعمار الصليبي أو الشيوعي، حيث فرضت عليه الأفكار الهدامة فرضاً، وأبعد الإسلام عن نواحي الحياة، وشنت عليه الحرب في كل الميادين. - تقدم وسائل الإعلام وامتلاك قوى الشر لزمامها. ومما تقدم يتبين لنا نتائج هامة: شدة عداوة اليهود والنصارى والشيوعيين والمشركين لهذا الدين، وسعيهم ومكرهم المستمر الذي لا يفتر في مقاومته بكل الأساليب. تركيزهم على الحرب الفكرية لإدراكهم خطورتها، وأنها السبيل الأمثل لحرب الإسلام وتحطيم قيم الإيمان. لكن مع هذا الكيد الماكر الشديد الوطأة، ومع هذا النجاح الكبير لأعداء الله، ومع الضعف والفرقة والانحراف في مجتمعات المسلمين، مع هذا كله

فالإسلام باق ـ ولله الحمد والمنة ـ فهو محفوظ بحفظ الله تعالى له، قال عز وجل {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} 1. وما زالت طائفة من أهل الحق تلتزم به علماً وعملاً، ودعوة وجهاداً، والأمل قبل ذلك منوط بعناية الله تعالى ورعايته لهذه الأمة، فالدين دينه، والمؤمنون أولياؤه.. والناس خلقه وعبيده، والأمر بيده، وليس مكر الماكرين غائباً عن رب العالمين {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} 2 {وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} 3. ومكر الأعداء وكيدهم الجديد وما عندهم من القوة والعدة والوسائل، لا يساوي شيئاً إزاء قدرة الله عز وجل4. فإذا قام العباد بفعل أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه مع الأخلاص له وصدق المتابعة، والعمل على مقاومة الباطل مع الاستعانة بالله تعالى والتوكل عليه، وإحسان الظن به، فإن الله سبحانه ناصر دينه، ومعليٌ كلمته قال تعالى {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} 5 وقال سبحانه {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} 6.

_ 1 سورة الحجر، الآية 9. 2 سورة الأنفال، الآية 30. 3 سورة إبراهيم، الآية 46. 4 انظر أثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية، لعبد الله الجربوع، 137 –138، بتصرف. 5 سورة النحل، الآية 128. 6 سورة محمد، الآية 7.

المبحث السابع: آثاره

المبحث السابع: آثاره إن الغزو الفكري الحديث أحدث انقلاباً جذرياً في حياة المسلمين في معظم البلاد الإسلامية وابتعد بكثير منهم عن الطريق المستقيم، وأصبحت كثير من الدول رهينة للغزو الفكري، عدا هذه البلاد- المملكة العربية السعودية – فقد حفظها الله من آثار الغزو الفكري، وذلك بسبب عقيدة التوحيد ونشرها التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأنصاره من آل سعود وعلماء هذه البلاد في دوريها الأول والثاني، إلى أن قام بتأييدها ونشرها مؤسس هذا الكيان الشامخ الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله، وسار على ذلك أبناؤه الميامين، إلا أنَّ خطر الغزو الفكري ما يزال يزحف ويشتد، والمكر يتعاظم ويتنامى. وقى الله المسلمين كيد الكفار، وشر الأشرار. قال تعالى: {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} 1. وكان من أبرز آثاره: إفساد العقيدة وتحطيم مظلة الأعراف الأخلاقية في المجتمعات الإسلامية، فانطلقت تسري في أوصالها كل موبقات الحضارة الأوربية حتى وصلت في ظل الاحتلال إلى مرحلة الشيوع والاستعلان، ثم إلى مرتبة الاستقرار والاستحسان، ثم وصلت إلى درجة أصبحت فيها تحت حماية القوانين الوافدة، ودخل في روع المغلوبين أن الانحلال والفساد من ضروريات التحضر والمدنية في جوانبها الصحيحة، وقد ظهر هذا الانحلال في البداية في السلوك الفردي، فانحرف الناس عن نهج الدين واستهوتهم مظاهر الحياة الغربية، فأقبل كثير منهم على الخمور والفجور والقمار والربا ونحو ذلك، ثم دب دبيب

_ 1 سورة الأنفال، الآية 30.

التهاون في الدين فتناول العبادات والعقائد وغيرها من أنواع الانحلال، فتكاسل الناس عن أداء العبادات، وانتشرت في الجو ضروب من الفلسفة والمذاهب الضالة، واستمالة الشباب وغيرهم، وصارت العلاقة الجنسية والنزعة الاباحية الشغل الشاغل للسينما وكثير من المجلات والصحف ابتغاء وفرة الربح والدخل، فانحرف الشباب وفسدت روابط الأسرة ثم عمَّ السيل وطمَّ ـ إلا من رحم ربك ـ فانهارت الفضائل الاقتصادية والاجتماعية عندما شهد العالم الإسلامي تغييراً اجتماعياً استجابة لدعوات التغريب على يد المستعمرين ومؤسساتهم التبشيرية والاستشراقية … ولكنه وفق الأسلوب الجديد أصبح يتم على أيدي المسلمين أنفسهم من تلاميذ المستشرقين والمبتعثين، يساندهم في تنفيذ هذا المخطط بعض الحكام المسلمين. كما أثمرت جهود المنصرين عن تنصير كثير من أبناء المسلمين الذين درسوا في مدارسهم، أو ألجأتهم الحاجة أو الإعجاب إلى إتباع دين النصارى، كما اعتقد كثير من المنتسبين إلى الإسلام الأفكار الكافرة، كالفكرة الشيوعية، أو القومية البعثية1، أو العلمانية، أو غير ذلك من الفلسفات الضالة2. وكثمرة لتشجيع المستعمرين ازدهرت المظاهر الوثنية في كثير من البلاد الإسلامية من عبادة القبور، والتبرك بها، والحج إلى المشاهد، والطرق الصوفية الضالة، التي استحوذت على كل من فيه نزعة إلى التدين.

_ 1 حزب البعث: حرب قومي علماني، يدعو إلى الانقلاب الشامل في المفاهيم والقيم العربية، لصهرها وتحويلها إلى التوجه الاشتراكي، شعاره المعلن (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) ، وهي رسالة الحزب، أما أهدافه فتتمثل في الوحدة والحرية والاشتراكية، انظر الموسوعة الميسرة، 79. 2 انظر حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة، د. جميل المصري، 165-166.

أما الاقتصاد: فقد وجه الاستعمار موارد البلاد الإسلامية إلى مصالحه الخاصة.. واحتكر التجارة الخارجية للبلاد الإسلامية، ومعظم التجارة الداخلية، وعمد إلى توطين الأوربيين في البلاد الإسلامية عن طريق التجارة … واتجه الاستعمار إلى محاربة الصناعة الوطنية في العالم الإسلامي … وربط عملات العالم الإسلامي بعملته1، بالاضافة إلى تأسيس اقتصاد العالم الإسلامي على الربا، وعلى نظريات ونُظم الغرب الرأسمالي، أو الشرق الاشتراكي الشيوعي، وأصبح موجهاً ومرتبطاً بالدول الإستعمارية، أو المنظمات الاقتصادية العالمية إلا ما شاء ربك. وأما الناحية السياسية فقد وزع المستعمرون العالم الإسلامي إلى دويلات ومناطق نفوذ، اقتسمتها الدول الاستعمارية الغربية أو الشرقية، وأسفرت هذه الآثار عن إقصاء الشريعة الإسلامية عن ميدان الحكم في العالم الإسلامي ـ إلا من رحمه الله ـ وحوربت العقيدة محاربة شديدة، كما حوربت اللغة العربية، وشوه التاريخ الإسلامي، وعمل الاستعمار على نشر لغته، وتاريخه، وعاداته … وأصبح الخلاف والخصام سمة مميزة للدول الإسلامية في علاقاتها فيما بينها. وفقد المسلمون الكثير من بلادهم، وحول الكثير منها إلى دول نصرانية أو شيوعية، وأعطيت فلسطين إلى شرار الخلق من اليهود الصهاينة 2. (وكان من أخبث آثار الهجوم الفكري هو قيام مدرسة فكرية جديدة بين المسلمين، ترمي إلى تقريب الشقة بين تعاليم الإسلام، وبين ما جاءت به حضارة الغرب من أفكار ونتائج ونظريات في ميادين الحياة.

_ 1 انظر المرجع السابق، 199-204، بتصرف. 2 انظر المرجع السابق، 191-193، بتصرف.

وكان عماد هذا العمل هو تفسير الإسلام تفسيراً عصرياً، يلائم الفكر السائد، ومحاولة إيجاد نقط التقاء بين الخطين على تباينهما، أو على الأقل تباعدهما. وقد ألجأ الهجوم الفكري هذه المدارس إلى مواقف دفاعية غريبة عن الإسلام، إذ جردته من كثير من أحكامه الصريحة) 1. أقول: لكن كل هذا الكيد الماكر، ومع هذا النجاح الذي يتحقق لأعداء الإسلام، ومع هذا الضعف والفرقة والانحراف في المجتمعات الإسلامية، مع هذا كله، فإن الإسلام باق بحمد الله تعالى قال سبحانه {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} 2وقال عز وجل {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} 3.

_ 1 انظر الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام، د. عبد الستار فتح الله، 98-99. 2 سورة الحجر، الآية 9. 3 سورة الأنفال، الآية 30.

الفصل الثاني: طرق تحصين المجتمع المسلم ضد الغزو الفكري

الفصل الثاني: طرق تحصين المجتمع المسلم ضد الغزو الفكري المبحث الأول: ضرورة التمسك بالعقيدة الصحيحة ونشرها في المجتمعات الإسلامية يدور معنى العقيدة في اللغة على اللزوم والاستيثاق والتصميم، قال تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} 1 وتعقيد الأيمان توكيدها بالقصد والغرض الصحيح، وتعقيدها: المبالغة في توكيدها 2. والعقد: نقيض الحل،. .وعاقدته أو عقدت عليه فتأويله أنك ألزمته ذلك باستيثاق … 3. واعتقدت كذا: عقدت عليه القلب والضمير، حتى قيل: العقيدة: ما يدين الإنسان به، وله عقيدة حسنة سالمة من الشك 4. والعقيدة هي الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده 5. والاعتقاد: الحكم الذهني الجازم فإن طابق الواقع فصحيح وإلا ففاسد6.

_ 1 سورة المائدة، الآية 89. 2 تفسير المراغي، 7/ 14. 3 لسان العرب، 3/296-297. 4 المصباح المنير، للفيومي، ص 421. 5 المعجم الوسيط، لإبراهيم أنيس وآخرين، 2/ 614. 6 شرح لمعة الاعتقاد، للشيخ محمد بن عثيمين، 29.

والعقيدة في الاصطلاح: هي الأمور التي يجب على المسلم الإيمان بها، إيماناً صادقاً، ويقيناً راسخاً، تطمئن بها نفسه، لا يخالطها شك ولا شبهة1. والعقيدة الصحيحة تتلخص في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، فهذه الأمور الستة هي أصول العقيدة الصحيحة التي نزل بها كتاب الله العزيز، وبعث الله بها رسوله محمداً عليه الصلاة والسلام، ويتفرع عن هذه الأصول كل ما يجب الإيمان به من أمور الغيب، وجميع ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم 2. والعقيدة الصحيحة تقوم على التوحيد الخالص الذي بعث الله من أجله الرسل، وأنزل الكتب، وخلق الثقلين، وجميع الأحكام تابعة له، قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} 3 وقد مكث النبي صلوات الله وسلامه عليه بمكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى التوحيد، ويحذر من الشرك، ويصحح للناس عقائدهم، قبل أن تفرض عليهم الصلاة والزكاة وغيرهما من العبادات، اللهم ما كان يأمر به من معالي الأخلاق كصلة الرحم، والصدق، وحسن الجوار وغير ذلك، فأمضى حياته صلى الله عليه وسلم كلها في الدعوة إلى التوحيد والتحذير مما يضاده، حتى لما هاجر إلى المدينة كان هذا منطلق دعوته وأساسها، واستمر على ذلك طيلة حياته صلوات الله وسلامه عليه.

_ 1 مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة د/ ناصر العقل ص 9، نحو ثقافة إسلامية أصيلة، د/ عمر الأشقر، 82 بتصرف. 2 العقيدة الصحيحة ونواقض الإسلام، للعلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، ص 3-4. 3 سورة الذاريات، الآية 56.

ولا يخفى أن أول واجب على الخلق، وأول ما يُدعون إليه، التوحيد الخالص الذي هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، والشهادة لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وقد بين هذا النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله تعالى قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله تعالى قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم …" الحديث1. وإن كل دارس لأحوال المسلمين يرى العجب إذ يرى فيهم اختلافاً كثيراً، يختلفون فيما يعتقدون نحو ربهم وخالقهم، ويختلفون في عبادته في أسمائه وصفاته، ويختلفون في سلوكهم وسيرهم إلى الله، ويختلفون في القرآن الذي نزل لهدايتهم، رحمة ونوراً، بل إنهم يختلفون في تصور دينهم وإسلامهم أحياناً. فما أشد حاجة الناس إلى تصحيح عقائدهم من كل شائبة وبدعة، ليرجع المسلمون إلى دينهم، وليقيموا حياة إسلامية، فيها السعادة والهناء، حياة تقوم على التوحيد الخالص، والعبادة لله وحده، وعلى العدالة والحق، والإخوة في الله والمحبة فيه، حياة تكون على علم ومعرفة، تسودها المحبة والتعاون والتآزر بين الأمة الإسلامية، فينعم فيها الإنسان بالأنس بربه ومولاه وولي نعمه، ويسعد في الدنيا

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح، (3/357) كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء، وترد في الفقراء حيث كانوا، رقم (1496) ، ومسلم (1/50) ، كتاب الإيمان باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم (19) .

§1/1