تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول
المرداوي
مقدمة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة لكتاب (تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول) الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فإن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر -وقد وفقها اللَّه لأن تضرب بسهم في نشر الكتب النافعة للأمة- لَتحمد اللَّه سبحانه وتعالى على أن ما أصدرته قد نال الرضا والقبول من أهل العلم. والمتابع لحركة النشر العلمي لا يخفى عليه جهود دولة قطر في خدمة العلوم الشرعية، ورفد المكتبة الإسلامية بنفائس الكتب القديمة والمعاصرة، وذلك منذ تسعة عقود، عندما وجه الشيخ عبد اللَّه بن قاسم آل ثاني حاكم قطر آنذاك بطباعة كتابي (الفروع) و (تصحيح الفروع)، سنة 1345 هـ، وكان المؤسس الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني رحمه اللَّه تعالى قد سن تلك السنة من قبل. وقد جاء مشروع إحياء التراث الإسلامي والنشر العلمي؛ الذي بدأته الوزارة في السنوات الأخيرة امتدادًا لتلك الجهود، وسيرًا على تلك المحجة التي عُرفت بها دولة قطر. ومنذ انطلاقة هذا المشروع المبارك يسَّر اللَّه جلَّ وعلا للوزارة إخراج مجموعة من أمهات كتب العلم والدراسات المعاصرة المتميزة في فنون مختلفة، تُطبع لأول مرة، نذكر منها:
* في التفسير وعلوم القرآن: أصدرت الوزارة عدة كتب، منها: (فتح الرحمن في تفسير القرآن) للعُليمي، و (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) لابن عطية في طبعته الثانية. وفي علم رسم المصحف أصدرت الوزارة: كتاب (مرسوم المصحف) للعُقيلي، و (الدرة الصقيلة في شرح أبيات العقيلة) لأبي بكر اللبيب. وفي علم القراءات أصدرت الوزارة كتاب: (البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة) لأبي حفص النشار، و (معانى الأحرف السبعة) لأبي الفضل الرازي. * وفي السنة النبوية وشروحها: أصدرت الوزارة عدة كتب، منها: (التقاسيم والأنواع) لابن حبان، و (مطالع الأنوار) لابن قرقول، (التوضيح شرح الجامع الصحيح) لابن الملقن، و (حاشية مسند الإمام أحمد) للسندي، وشرحين لموطأ الإمام مالك؛ لكُلٍّ من (القنازعي)، و (البوني)، و (المخلصيات) لأبي طاهر المخلص، و (شرح مسند الإمام الشافعي) للرافعي، و (نخب الأفكار شرح معاني الآثار) للعيني، و (مصابيح الجامع) للدَّمَاميني. ومما تشرفت الوزارة بإصداره في تحقيق جديد متقن: (صحيح ابن خزيمة)، و (السنن الكبرى) للإمام النسائي، والمحقَّق على عدة نسخ خطية، و (جامع الأصول في أحاديث الرسول)، و (النهاية في غريب الحديث) لابن الأثير. * وفي الفقه وما يتصل به: أصدرت الوزارة عدة كتب في المذاهب الأربعة، منها: كتاب: (الأصل) لمحمد بن الحسن الشيباني (ت 189 هـ) كاملًا محققًا على
أصول عدة، و (التبصرة) للخمي، و (نهاية المطلب في دراية المذهب) للإمام الجويني بتحقيقه المتقن للأستاذ الدكتور عبد العظيم الديب رحمه اللَّه تعالى عضو لجنة إحياء التراث الإسلامي، و (حاشية الخلوتي). كما أصدرت الوزارة: (الأوسط من السنن والإجماع والاختلاف) للإمام ابن المنذر بمراجعة دقيقة للشيخ الدكتور عبد اللَّه الفقيه عضو لجنة إحياء التراث الإسلامي، و (بغية المتتبع لحل ألفاظ روض المربع) للعوفي الصالحي، و (منحة السلوك في شرح تحفة الملوك) للعيني. * وفي السيرة النبوية: أصدرت الوزارة الموسوعة الإسنادية: (جامع الآثار في السير ومولد المختار) لابن ناصر الدين الدمشقي، وغيرها. * وفي العقيدة والتوحيد: أصدرت الوزارة كتابًا نفيسًا لطيفًا هو: (الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد) لابن العطار تلميذ الإمام النووي رحمهما اللَّه تعالى، كما أعادت نشر كتاب (الرد على الجهمية) للإمام أحمد رحمه اللَّه تعالى، وغيرها من كتب عقيدة أهل السنة والجماعة. * وفي مجال الدراسات المعاصرة المتميزة: أصدرت: (القيمة الاقتصادية للزمن)، و (نوازل الإنجاب)، و (مجموعة القره داغي الاقتصادية)، و (التعامل مع غير المسلمين في العهد النبوي)، و (صكوك الإجارة)، و (الأحكام الفقهية المتعلقة بالتدخين)، و (التورق المصرفي)، و (حاجة العلوم الإسلامية إلى اللغة العربية)، و (روايات الجامع الصحيح ونسخه دراسة نظرية تطبيقية)، وغيرها. كما قامت الوزارة بشراء وتوزيع بعض الكتب المطبوعة لما لها من أهمية، منها: (مسند الإمام أحمد)، و (صحيح الإمام مسلم)، و (الجامع
لأحكام القرآن) للقرطبي، و (الجامع لشعب الإيمان) للبيهقي، و (تاريخ الخلفاء) للسيوطي، و (التاريخ الأندلسي) لعبد الرحمن علي الحجي، و (الإقناع في مسائل الإجماع) لابن القطان الفاسي، و (شرح العقيدة الطحاوية) لابن أبي العز الحنفي، و (قواعد الأحكام في إصلاح الأنام) للعز ابن عبد السلام، و (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) لأبي الحسن الندوي، و (الرسالة المحمدية) لسليمان الندوي وغيرها. ويسرنا اليوم أن نقدم لإصدار جديد، هو كتاب (تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول) للقاضي علاء الدين علي بن سليمان المرداوي (المتوفى سنة 885 هـ) رحمه اللَّه تعالى، شيخ المذهب الحنبلي في عصره، والمجتهد في تصحيحه وتنقيحه. وهذا الكتاب جليل القدر، عظيم المنزلة، حيث إنه شمل أهم مسائل الأصول في المذهب الحنبلي خصوصًا، والمذاهب الأربعة عمومًا، وذلك بأسلوب واضح ومختصر، مع النقل عن الكثير من مؤلفات الحنابلة وغيرهم، كما امتازت طبعة الكتاب الجديدة بكونها كتبت من نسخة كاملة مكتوبة من أصل المؤلف، وقابلها كاتبها على المؤلف نفسه مرارًا، وخطها واضح، وحالتها جيدة. وتتشرف الوزارةُ بإخراج هذه الطبعة المتميزة، خدمة للمشتغلين بأصول الفقه خاصة، وطلبة العلم عامة. والحمد للَّه على توفيقه، ونسأله المزيد من فضله. وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. إدارة الشؤون الإسلامية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عبد اللَّه بن عبد العزيز بن عقيل العقيل. . . التاريخ 30/ 10/ 1430 الحمد للَّه رب العالمين، وأصلي واسلم على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه. وبعد: فقد عرض علي الأستاذان عبد اللَّه هاشم عبد اللَّه، وهشام يسري العربي مشروع إعادة طبع كتاب: (تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول) للإمام الفقيه الأصولي المحدث منقح المذهب الشيخ علي بن سليمان المرداوي، فرحبت بهذه الفكرة وشكرتهما علي هذه الهمة المباركة؛ لأن هذا الكتاب لم يعط حظه من النشر ولأن طبعته الأولى لا تخلو من ملاحظات ولأنه كما وصفه مؤلفه: جامع لمعظم أحكامه، حاو لقواعده وضوابطه وأقسامه، مشتمل على مذاهب الأئمة الأربعة وآرائهم وغيرهم، اجتهد مؤلفه في تحرير نقوله وتهذيب أصوله. وحسبك بمؤلفه العلامة الأصولي الذي خدم المذهب خدمة لم يقم به أحد غيره وذلك في كتابه الإنصاف الذي أصبح موسوعة فقهية للعلماء والطلاب. وأما كتاب التحرير فقد جمع معظم بحوث هذا الفن بعبارات رشيقة وإشارات لطيفة، أضاف إلى وجازة اللفظ غزارة المعنى، وقد قام الشيخان بتحقيق المتن خير قيام، ووضعا له مقدمة مهمة بالتعريف بالكتاب وبمؤلفه ومنهج التحقيق، مع وضع فهارس تخدمه وتسهل على القارئ الوصول إلى بغيته بأيسر طريق، فشكرت لهما هذه الهمة العالية، ودعوت اللَّه أن ينفع بجهودهما. وإني أوصي إخواني وأبنائي بالاعتناء بهذا الكتاب والاستفادة منه، إذ هو كما تقدم من أهم المصنفات في علم أصول فقه الحنابلة، وباللَّه التوفيق. وكتبه الفقير إلى اللَّه: عبد اللَّه بن عبد العزيز بن عقيل رئيس الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى سابقا، حامدا للَّه، مصليا مسلما على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
مقدمة التحقيق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وآله، ومَن والاه وبعد: فهذه هي الطبعة الثانية من كتاب "تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول" للإمام علاء الدين المَرْدَاوي؛ نقدِّمها للقارئ الكريم مشتملة على مزيد عناية بعد أن نفدت الطبعة الأولى. وكتاب "تحرير المنقول" يُعَدُّ من المتون التي تَعكِس جهود علماء الحنابلة في التأليف الأصولي؛ وذلك لما يتميز به من جودة في السبك؛ تُقرِّبه من التقعيد، وسهولة في العرض؛ تُبعده عن التعقيد. فهو مرْجِع أصليٌّ مفيدٌ لمن رام إعادة عرض مسائل الأصول على هيئة قواعد متماسكة البنية، قليلة الألفاظ، غزيرة المعاني. ومفيدٌ في قاعة الدرس لمن رام الإمساك بالقواعد الأصولية والإحاطة بها حفظًا وفهما. وقد اهتم المَرْدَاوي -رحمه اللَّه- في هذا الكتاب ببيان أقوال الأئمة الأربعة وأتباعهم، في المسائل الأصولية، وعُنِيَ عناية خاصة بإبراز مذهب الإمام أحمد وأقوال أصحابه. مع تحرير ذلك كُلِّه، وعزو الأقوال والآراء إلى قائليها. ومع ذلك فلم يَنَلْ الكتاب حَظَّه من النشر، ولم يتبوَّأ مكانه في المكتبة الأصولية، فلا زال حبيسَ دورِ المخطوطاتِ حتى وفَّقَنا اللَّه تعالى للعناية به وطباعته. والمَرْدَاوي -كما سيرى القارئ الكريم- واحد من أعلام المذهب الحنبلي الذين يُمَثِّلون علامات مميزة في تاريخ المذهب، وقد حباه اللَّه سبحانه بدِينٍ متينٍ، وذكاءٍ
وافرٍ، واطلاعٍ واسعٍ، ودَأْبٍ (¬1) في تحصيل العلم والاشتغال به، وقد انعكس ذلك على مؤلَّفاته كلِّها، وسيجد المطالع لهذا الكتاب نموذجًا واضحًا لتلك الصفات في قراءته لهذا الكتاب. وقد قدمنا للكتاب بمقدمة نرى أنه لابد منها، كما أتبعناه بمجموعة من الفهارس التي تخدمه وتسهِّل على قارئه ومطالعه الحصول على بغيته في أقصر وقت ممكن، ودون معاناة. وكان كلُّ اهتمامنا وانشغالنا منصبًا على ضبط نص الكتاب، ومحاولة إخراجه أقرب ما يكون لما أراد له مؤلفه رحمه اللَّه، مستعينين باللَّه تعالى، ومتبعين في ذلك القواعد المرعية في تحقيق التراث، ولم نُرِد إثقالَ الكتاب وتضخيمَه بالحواشي والتعليقات الكثيرة؛ لأننا نؤمن أن الغرض الأساسي من تحقيق التراث هو إخراجه على النحو الذي أراده له مؤلفوه، وليس تذييله بالحواشي والتعليقات التي لا نهاية لها. وقد اشتملت هذه المقدمة على النقاط التالية: أولا: التعريف بالكتاب وذلك من خلال ما يلي: • تحقيق عنوان الكتاب ونسبته إلى مؤلفه. • أهمية الكتاب ومدى اهتمام العلماء به. • عرض عام للكتاب. • سبب تأليف الكتاب. ¬
• منهج المؤلف في الكتاب. • مصادر الكتاب. ثانيًا: التعريف بالمؤلف وذلك ببيان: • نسبه ولقبه وكنيته. • مولده ونشأته. • طلبه للعلم ورحلاته. • شيوخه وتلاميذه. • مؤلفاته وآثاره العلمية. • مكانته العلمية وثناء العلماء عليه. • وفاته ودفنه. ثالثًا: منهج التحقيق ويشمل: • مخطوطات الكتاب. • المنهج المتبع في التحقيق. • صور من الأصل المخطوط. وهذا أوان الشروع في المقصود:
أولا: التعريف بالكتاب
أولا: التعريف بالكتاب تحقيق عنوان الكتاب ونسبته إلى مؤلفه: اتفق المؤرخون للقرن التاسع الهجري ممن ترجم للإمام علاء الدين المرداوي على نسبة كتاب "تحرير المنقول" له، وأنه هو الذي ألفه وحرره، فلا يوجد شك في نسبته إليه، كما اتفقوا أيضًا على أن كتاب "التحرير" هذا كتاب في أصول الفقه. كذلك من يطالع مخطوطة الكتاب المحفوظة بدار الكتب المصرية (¬1) -حرسها اللَّه- يجد أن نسبته إلى مؤلفه واضحة على طُرَّة الكتاب؛ فقد كتب عليه: "تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول، تأليف شيخنا الإمام العلامة البحر الحبر الفهامة ذي الدين الشامخ والعلم الراسخ علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان بن أحمد بن محمد المرداوي الحنبلي المقدسي متع اللَّه تعالى المسلمين ببقائه، وختم له بخير العزية". كما ذكره أيضًا الذين عُنوا بذكر كتب السادة الحنابلة في أصول الفقه (¬2)؛ فهي نسبة صحيحة تواتر جميع المؤرخين عليها. ولكن عنوان الكتاب قد اختلفت فيه الأقوال اختلافًا يسيرًا؛ فبعضهم ذكره بعنوان: (تحرير المنقول في تهذيب -أو تمهيد- علم الأصول) (¬3)، وبعضهم سماه: ¬
(تحرير المنقول في تهذيب -أو تمهيد- الأصول) (¬1)، وبعضهم قال: (تحرير المنقول في تهذيب علم الأصول) (¬2)، وبعضهم: (تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول) (¬3)، أو: (تحرير المنقول وتهذيب الأصول) (¬4)، أو: (تحرير المنقول في تمهيد علم الأصول) (¬5)، أو: (تحرير المنقول وتمهيد علم الأصول) (¬6)، أو: (تحرير المنقول في علم الأصول) (¬7)، واكتفى البعض بتسميته: (تحرير المنقول) (¬8)، أو: (التحرير في أصول الفقه) (¬9). . . . . . . . ¬
وربما: (التحرير في الأصول) (¬1). وهذا الاختلاف غير مؤثر؛ فهم متفقون على أصل العنوان، وهو (تحرير المنقول)، أما اختلافهم فيما عداه فلا يضر، ويبدو لنا أنه من باب حكاية عنوان الكتاب بالمعنى، طالما أنهم متفقون على أصل عنوانه. وقد أرجع محققو كتاب "التحبير في شرح التحرير" للمرداوي -وهو شرح من المؤلف لكتابه هذا- الاختلاف في عنوان الكتاب إلى أن مؤلفه وإن كان قد فرغ من تأليف كتابه هذا في الرابع عشر من شهر شوال سنة (877 هـ) (¬2)، إلا أنه ظل يراجعه ويحرره حتى قبيل وفاته، ويدل على ذلك أن الكتاب قوبل عليه في الحادي عشر من شهر رجب سنة (884 هـ) (¬3). قالوا: "وقد تسبَّب هذا الأمر في اختلاف المترجمين للمرداوي في تسمية هذا المتن المشهور، تبعًا لاختلاف ما اطلعوا عليه من نُسَخِه". (¬4) ولكن هذا لو صدق على بعض التسميات؛ فلا يصدق عليها كلها؛ فمثلا إطلاق: (تحرير المنقول)، و (التحرير في أصول الفقه)، و (التحرير في الأصول) على ¬
الكتاب لا يمكن اعتباره مبنيًا على اختلاف النسخ، وإنما واضح أنه من باب الاختصار وحكاية عنوان الكتاب بالمعنى لشهرته. وأيًّا ما كان سبب هذا الاختلاف اليسير في عنوان الكتاب؛ فإننا نرجح تسميته بـ (تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول) حيث إن هذا الاسم هو الموجود على نسخة دار الكتب المصرية التي هي أصح نسخة للكتاب -كما سيأتي، كما أنها نُسخت سنة (886 هـ) أي بعد وفاة المؤلف بحوالي العام. وقد جاء في آخرها: "وكتبت هذه النسخة من نسخة كُتبت من أصل المصنف -تغمده اللَّه تعالى برحمته- وقابلها كاتبها على المصنف مرارًا، آخرها في حادي عشر شهر رجب الفرد سنة أربع وثمانين وثمانمائة، وهي المعتمدة، وللَّه الحمد والشكر على كل حال، والحمد للَّه وحده" اهـ (¬1). ولعل هذه التسمية أيضًا متفقة مع ما قالدالمرداوي نفسه عن كتابه؛ حيث قال في مقدمته: "أما بعد فهذا مختصرٌ في أصول الفقه، جامعٌ لمعظم أحكامه، حاوٍ لقواعده وضوابطه وأقسامه، مشتملٌ على مذاهب الأئمة الأربعة الأعلام وأتباعهم وغيرهم، ولكن على سبيل الإعلام، اجتهدتُ في تحرير نُقوله وتهذيب أصوله" (¬2). وقد فرغ المرداوي من تأليف هذا الكتاب -كما سبقت الإشارة - في الرابع عشر من شهر شوال سنة سبع وسبعين وثمانمائة (877 هـ) (¬3)، إلا أنه ظل يراجعه ويحرره ويهذبه -كما هي عادته كما سيتضح من ترجمته- حتى قبل وفاته بقليل (شهر رجب سنة أربع وثمانين وثمانمائة 884 هـ)، وكانت وفاته في شهر جمادى الأولى سنة خمس وثمانين وثمانمائة (885 هـ). ¬
أهمية الكتاب ومدى اهتمام العلماء به
أهمية الكتاب ومدى اهتمام العلماء به: يعتبر كتاب "تحرير المنقول" للمرداوي من أهم الكتب التي ألفت في أصول الفقه، لاسيما في المذهب الحنبلي، وذلك لأن مؤلفه (المرداوي) من أعلام الحنابلة المطلعين على أصول المذهب وفروعه، بل هو محقق المذهب ومنقحه، وشيخ الحنابلة في وقته، ولازال الحنابلة من وقته حتى الآن يرجعون إلى كتبه ويستقون منها. وأيضًا فإنه ممن لهم نصيب وافر من الذكاء وسعة الاطلاع والقدرة على التحرير والتدقيق، وهذا واضح في كل مؤلفاته، وليس كتاب "التحرير" فحسب. كذلك فإن كتابه هذا قد جمع أقوال الأئمة الأربعة وأتباعهم وغيرهم من الأصوليين، وعني عناية خاصة بإبراز مذهب الإمام أحمد وأقوال أصحابه، مع تحرير كل ذلك، فهو -على اختصاره وصغر حجمه- قد حوى علم أصول الفقه وآراء العلماء فيه على اختلاف مشاربهم ونزعاتهم (¬1). كذلك من الدلائل على أهمية هذا الكتاب ما نجده من اهتمام العلماء به، وتناولهم له شرحًا واختصارًا: • فقد شرحه مؤلفه في مجلدين أجاد فيهما وأفاد، كما يقول ابن بدران (¬2)، وسمى هذا الشرح "التحبير في شرح التحرير". وقد حُقِّق في ثلاث رسائل جامعية، تقدَّم بها السادة الأساتذة: عبد الرحمن بن عبد اللَّه الجبرين، وعوض بن محمد القرني، وأحمد بن محمد السراح، لنيل درجة الدكتوراه من قسم أصول الفقه بكلية الشريعة بالرياض، بإشراف الأستاذ الدكتور/ أحمد بن علي سير المباركي، وقد نوقشت هذه الرسائل عام 1416 - 1417 هـ، ¬
وطبع في تسعة مجلدات بالفهارس، في مكتبة الرشد بالرياض، الطبعة الأولى سنة 1421 هـ /2000 م. • كما شرحه الشيخ أبو الفضل أحمد بن علي بن زهرة الحنبلي (من علماء القرن التاسع)، وهو شرح ملخص من شرح المؤلف، وعنوانه: "شرح التحرير ملخص كتاب التحبير". وتوجد منه نسخة في مكتبة الحرم المكي برقم (147)، ومنها صورة في جامعة أم القرى برقم (3) (¬1). • وأيضًا فقد اختصره العلامة الفقيه الأصولي محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي، الشهير بابن النجار، صاحب "منتهى الإرادات"، وعرف مختصره هذا بـ "مختصر التحرير"، ويسمى أيضًا "الكوكب المنير باختصار التحرير"، ثم شرح مختصره في كتاب "شرح الكوكب المنير"، ويسمى "المختبر المبتكر شرح المختصر" (¬2). وقد ذكر الفتوحي في شرح مختصره أنه اختار كتاب التحرير للمرداوي لاختصاره دون بقية كتب هذا الفن؛ لأنه جامع لأكثر أحكامه، حاوٍ لقواعده وضوابطه وأقسامه (¬3). كما شرح هذا المختصر أيضًا الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد اللَّه البعلي الحلبي (المتوفى سنة 1189 هـ) بشرح سماه "الذخر الحرير في شرح مختصر التحرير" (¬4). ¬
وذكر الدكتور/ بكر أبو زيد أن له شرحًا آخر بالعنوان نفسه "الذخر الحرير في شرح مختصر التحرير" لمحمد بن عبد الرحمن بن عفالق الأحسائي (المتوفى سنة 1163 هـ) (¬1)، فهو سابق على شرح الشهاب البعلي. كما أن هناك حاشيةً على شرح الكوكب المنير لابن النجار، وهي المسماة بـ "مشكاة التنوير"، لعبد الرحمن بن محمد الدوسري (المتوفى سنة 1399 هـ). (¬2) ونستطيع أن نجمل القول في أهمية هذا الكتاب في أنه من أهم متون أصول الفقه التي أُلفت في المذهب الحنبلي واعتمد عليها المتأخرون من علماء الأصول. * * * ¬
عرض عام للكتاب
عرض عام للكتاب: الكتاب الذي بين أيدينا -كما سبقت الإشارة- هو كتاب في أصول الفقه، وبخاصة على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي اللَّه عنه؛ حيث إن مؤلفه حنبلي -بل شيخ الحنابلة في عصره- وقد عُني بإبراز مذهب الإمام أحمد في كل ما عرض له في كتابه، كما صرَّح في مقدمته. والكتاب متن جامع محرر، حوى معظم مسائل الأصول. وقد بدأ المرداوي كتابه بمقدمة، تحدَّث فيها عن موضوع علم أصول الفقه، فعرَّف (أصول الفقه) باعتباره مركبًا إضافيًّا، وباعتباره عَلَمًا على هذا العلم المعروف، وذكر الغاية منه، وحكم معرفته، والعلوم التي يستمد منها. ثم عقد فصلا لبيان معنى الدليل، وتكلم عن العلم وحدِّه، والعقل وتعريفه، والحدِّ ومعناه. وعرض للغة وسببها، وتقسيمها إلى مفرد ومركب، وما يراد بالكلمة، وبيَّن المقصود بالدلالة، وتعرَّض للمشترك، والمترادف، والحقيقة والمجاز، وآراء العلماء في وقوع المجاز، وعرَّف الكناية والتعريض في غضون ذلك. وبيَّن معنى الاشتقاق وشرطه، وتعرَّض لمسألة ثبوت اللغة بالقياس. وعقد فصلا عن الحروف، وآخر عن مبدأ اللغات، وختمه ببيان طريق معرفة اللغة. ثم عقد فصلا عن الأحكام، فتحدث عن الحسن والقبح، وعن شكر المنعم، والفرق بين الشكر والمعرفة، وعن مسألة تعليل أفعال اللَّه تعالى، ثم تحدَّث عن الأعيان المنتفع بها قبل الشرع، وعرَّف الإلهام، وبيَّن هل هو طريق شرعي.
ثم عقد فصلا عن الحكم الشرعي، وتعريفه، وهل الوقف يعد مذهبًا أم لا، وآخر عن الواجب: تعريفه، وأنواعه، والفرق بينه وبين الفرض، وصيغ كل منهما. وتحدَّث عن العبادة وأوصافها من أداء وقضاء وإعادة، وفرض العين والكفاية، وتعرَّض لسنة الكفاية، وبعض القواعد الأصولية المتعلقة بالواجب، ثم عرَّف الحرام وبيَّن مسمياته، وتحدَّث عن المندوب، والمكروه، والمباح. ثم بيَّن معنى خطاب الوضع وأقسامه، وتحدَّث عن الصحة والفساد والبطلان، والإجزاء والقبول، والعزيمة والرخصة. وعقد فصلا عن التكليف، وبيَّن رأيه في مسألة تكليف الكفار بفروع الشريعة، وذكر شروط التكليف. ثم تحدَّث عن مصادر التشريع الأساسية، فعقد بابًا للكتاب، فعرَّفه، وتحدَّث عن إعجاز القرآن، والقراءات السبع، والمحكم والمتشابه، وتفسير القرآن بالرأي والاجتهاد بلا أصل، وبمقتضى اللغة. وعقد بابًا للسنة، بيَّن فيه معناها، وتكلم عن عصمة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأفعاله الجبلِّية وغيرها، ودلالة سكوته -صلى اللَّه عليه وسلم- عن إنكار فعل أو قول بحضرته، وتحدَّث عن مسألة تعارض فعله وقوله عليه الصلاة والسلام، وبيَّن كون فعل الصحابي مذهبًا له. وعقد بابًا للإجماع، عرَّفه، وتحدَّث عن الخلاف في ثبوته وحجيته، ومن يعتبر قوله في الإجماع، وتحدَّث عن إجماع الصحابة، وأهل المدينة، والخلفاء الأربعة، وأهل البيت، والإجماع السكوتي، ومسألة انقراض العصر، ودليل الإجماع، وغير ذلك من المباحث المتعلقة بالإجماع.
ثم عقد فصلا فيما يشترك فيه الكتاب والسنة والإجماع، فبيَّن المقصود بكل من السند والمتن، والخبر والإنشاء، وتقسيم الخبر إلى متواتر وآحاد، وما يتعلق بكل منهما، وشروط الراوي، ومن تقبل روايته، وما لا يعتبر في الراوي من الأوصاف، ورواية المجهول، والجرح والتعديل، ومراتبهما، وحكم العمل بالحديث الضعيف، والتدليس وحكمه، والإسناد المعنعن وما يشترط فيه، وعدالة الصحابة، ومستند الصحابي، ومستند غير الصحابي، وطرق التحمل ومراتبها، ومسألة رواية الحديث بالمعنى، وحمل الصحابي ما رواه على أحد محمليه، وخبر الواحد المخالف للقياس. كما تحدَّث عن المرسل، والمنقطع والموقوف. ثم عقد بابًا للأمر، فبيَّن حقيقته، وصيغه، ودلالته، وغير ذلك مما يتعلق به من مباحث. وبابًا للنهي، فتكلَّم عن صيغه، ودلالته. ثم تحدَّث عن العام، وأنواعه، وصيغه، ومدلوله، وما يتعلق به، والتخصيص، ومعناه، والاستثناء، وأدواته، وشروطه، وأنواع التخصيص. وعقد بابًا للمطلق، وبيَّن متى يحمل على المقيد، وبابًا للمجمل، فبيَّن معناه وحكمه، وآخر للمبين، وما يتعلق به. وعقد بابًا للظاهر، وبين معنى التأويل وأنواعه. وتحدَّث عن المنطوق والمفهوم، ومعنى كل منهما، وأقسام المنطوق، ودلالته، ومفهوم الموافقة وأنواعه، ومفهوم المخالفة وأقسامه، وما يتعلق بكل منها. ثم عقد بابًا للنسخ، فبيَّن معناه، ومدى جوازه، ووقوعه، واختلاف العلماء فيه، وأنواعه، وحكم كل منها.
سبب تأليف الكتاب
كما عقد بابًا للقياس، فعرَّفه وبيَّن أركانه وشروطه، وتحدَّث عن العلة ومسالكها، وتقسيم القياس إلى جلي وخفي، وحكمه، وما لا يدخله القياس، وتحدَّث عن الاعتراضات وقوادح العلة. وعقد بابًا للاستدلال، وفصلا عن الاستصحاب، وآخر عن شرع من قبلنا، وثالث عن الاستقراء، ورابع عن مذهب الصحابي، والتابعي، ومثله للاستحسان، وسد الذرائع، والمصالح المرسلة، وبعض أدلة الفقه. وعقد بابًا للاجتهاد، فبيَّن معناه وشروطه، وتكلَّم عن تجزئه، وحكم تغيُّرِه، والتقليد وما يجوز فيه وما لا يجوز، ومن الذي يستفتيه العامي، وشروط المفتي وآداب الإفتاء، وحكم التمذهب بمذهب معين، وحكم تتبع الرخص، ومتى يلزم العمل بالفتوى، وآداب المستفتي. وأخيرًا عقد بابًا لترتيب الأدلة والترجيح، فبيَّن المرجحات بأنواعها، وتحدَّث عن تعارض المعقولين وطرق الترجيح بينهما، وبيَّن ترجيح المقاصد الضرورية الخمسة على غيرها، وكيفية الترجيح بين المنقول والقياس. سبب تأليف الكتاب: ذكر المرداوي في مقدمته سبب تأليفه لهذا الكتاب، فذكر أنه ألفه ليكون مختصرًا في أصول الفقه جامعًا لمعظم أحكامه، حاويًا لقواعده وضوابطه وأقسامه، مشتملًا على مذاهب الأئمة الأربعة وأتباعهم وغيرهم، مع تقديم الصحيح من مذهب الإمام أحمد وأقوال أصحابه (¬1). ¬
منهج المؤلف في الكتاب
منهج (¬1) المؤلف في الكتاب: حدَّد (¬2) المرداوي في مقدمة كتابه المنهجَ الذي سار عليه فيه، فقال: "أما بعد فهذا مختصر في أصول الفقه، جامعٌ لمعظم أحكامه، حاوٍ لقواعده وضوابطه وأقسامه، مشتملٌ على مذاهب الأئمة الأربعة الأعلام وأتباعِهم وغيرِهم، ولكن على سبيل الإِعلام، اجتهدتُ في تحرير نُقوله وتهذيب أصوله، واللَّهُ المسئولُ لبلوغ المأمول، وأقدِّم الصحيح من مذهب الإمام أحمد -رحمه اللَّه تعالى- وأقوال أصحابه، ومرادي بالقاضي: أبو يعلى (¬3)، وبأبي الفرج: المقدسي (¬4)، وبالفخر: إسماعيل أبو محمد ¬
البغدادي (¬1)، ورتبتُه على مقدمة وأبواب، مشتملة على فصول وفوائد وتنابيه (¬2) " (¬3). فقد بيَّن المرداوي هنا أن موضوع كتابه هو أصول الفقه، وحدد معالم منهجه فيما يلي: 1 - الاختصار. 2 - الجامعية. ¬
مصادر الكتاب
3 - الالتزام بذكر المذاهب الأربعة. 4 - تقديم الصحيح من مذهب الحنابلة. 5 - التجرد عن ذكر الدليل والتعليل. فهو لا يتعرض لذكر الأدلة والاعتراضات ومناقشتها، وإنما يقتصر على ذكر أقوال الأئمة في المسألة، وينص على مذهب أحمد فيها. 6 - التعريف ببعض المصطلحات، كالقاضي والفخر. 7 - ذكر طريقة ترتيب الكتاب وأنه قسمه إلى مقدمة وأبواب، تشتمل على فصول، ويتخللها فوائد وتنبيهات. وقد رتَّب المؤلف موضوعات كتابه ترتيبًا منطقيًا متسلسلا، جاريًا على ما عليه غالب الأصوليين. كما اهتم في بداية كل باب بذكر التعريف اللغوي، والاصطلاحي لما يتناوله، مع ذكر محترزات التعريف، كما أنه يرد ما لا يرتضيه من الحدود. ويورد موضوعات كل باب في فصول، ويذيل كثيرًا من الفصول بفوائد وتنبيهات، وقد يقتصر على إحداها، أو لا يذكر شيئًا منها، وربما أورد تنبيهات فقط أو فوائد فقط دون فصول. مصادر الكتاب: استمد المرداوي مادة كتابه من غالب كتب هذا الفن (¬1)، وقد ذكرها في آخر كتابه (¬2)، وكان أغلب استمداده من كتاب شمس الدين بن مفلح في الأصول، المعروف بأصول ابن مفلح. قال المرداوي: "وهو أصل كتابنا هذا؛ فإن غالب ¬
استمدادنا منه" (¬1)، وهذا واضح لمن يطالع الكتابين؛ فقد نقل المرداوي جملًا وعباراتٍ كاملةً نصًّا من كتابِ ابنِ مفلح. كما أنه تأثَّر به تأثرًا واضحًا، لا يخطئه المطالع للكتابين (¬2). ومن الجدير بالذكر أن ابن مفلح قد حاكى في كتابه ابنَ الحاجب في مختصره الشهير، المعروف بـ "مختصر منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل" (¬3)، حاكاه في منهجه عرضًا للمسائل، وتوثيقًا للأقوال والآراء. وقد انتقلت تلك المحاكاة بالتبع إلى كتاب المرداوي "التحرير"؛ بل إن من يُطالع كتاب المرداوي يُدرك بجلاء أن الشبه بين المختصرين "التحرير" و"المنتهى" أقوى منه بين ابن مفلح وابن الحاجب. ومن أهم مظاهر ذلك التأثر: 1 - تصدير المسألة بالقول المختار عند المرداوي. 2 - عزو النقول والآراء إلى قائليها. 3 - الإيجاز لدرجة طَيِّ (¬4) الأقوال. ¬
4 - إحكام الصياغة مع إيفاء المعنى. أيضًا فقد أكثر المرداوي من النقل عن القاضي أبي يعلى، وتلميذيه أبي الخطاب، وابن عقيل، وكذلك عن مجد الدين بن تيمية، وحفيده تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، الملقب بشيخ الإسلام، ويطلق عليه المرداوي "الشيخ"، ونقل أيضًا عن الحلواني، وابن حمدان، وابن قاضي الجبل، وغيرهم من أصوليي الحنابلة. بالإضافة إلى أعلام الأصوليين من غير الحنابلة، كإمام الحرمين، والغزالي، والرازي، والآمدي، وابن الحاجب، وغيرهم. * * *
ثانيا: التعريف بالمؤلف
ثانيًا: التعريف بالمؤلف نسبه ولقبه وكنيته: هو علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد بن محمد المرداوي السعدي، ثم الصالحي الحنبلي (¬1). ويطلق عليه المتأخرون كصاحب "الإقناع"، و"المنتهى"، ومن بعدهما: "القاضي"، وكذلك يلقبونه بـ "المنقِّح"؛ لأنه نقَّح "المقنع" في كتابه "التنقيح المشبع" -كما سيأتي، كما يسمونه "المجتهد في تصحيح المذهب" (¬2). مولده ونشأته: ولد المرداوي سنة (817 هـ/ 1414 م) بمَرْدا -وهي قرية صغيرة قرب نابلس بفلسطين (¬3). ¬
طلبه للعلم ورحلاته
وذكر السخاوي في "الضوء اللامع" أنه ولد سنة (820 هـ) تقريبًا (¬1). وتبعه في ذلك الشوكاني في "البدر الطالع" (¬2). ونشأ بها، وحفظ القرآن الكريم، واشتغل بطلب العلوم الشرعية على مشايخ بلده، فتعلم الفقه والعربية والحساب والفرائض والأصول والتفسير وعلوم الحديث، ولازم المشايخ (¬3). ولم تحدثنا المراجع التي ترجمت له عن أسرته أو تفاصيل نشأته، وغير ذلك من جوانب حياته. وقد وصف هيئته تلميذُه جمال الدين يوسف بن عبد الهادي (المتوفى سنة 909 هـ) فذكر أنه كان طويل القامة، ليس بالرقيق ولا بالغليظ، يميل إلى سُمرة، وصوته حسن (¬4). طلبه للعلم ورحلاته: بدأ المرداوي بتحصيل العلوم الشرعية من مشايخ بلده "مَرْدا" فأخذ الفقه عن فقيهها الشهاب أحمد بن يوسف المرداوي، ثم خرج من بلده وهو شاب، فأقام بمدينة "الخليل" بزاوية الشيخ عمر المجرَّد رحمه اللَّه، وقرأ بها القرآن، ثم قدم إلى "دمشق" ونزل بمدرسة الشيخ أبي عمر بالصالحية -التي كانت مأوى العلماء وموطن الصلحاء في ذلك العهد- وذلك قرابة سنة (838 هـ)، وجوَّد القرآن، ويقال: إنه قرأه بالروايات. وقرأ "المقنع" تصحيحًا على أبي الفرج عبد الرحمن بن ¬
إبراهيم الطرابلسي وحفظه وغيره، كالألفية. وأدمن الاشتغال بالعلم وتجرع فاقةً وتقللا، واجتمع بالمشايخ وجدَّ في الاشتغال. وتفقه على الشيخ تقي الدين بن قندس البعلي شيخ الحنابلة في وقته (المتوفى سنة 861 هـ)، ولازمه في الفقه وأصوله والعربية وغيرها، وكان مما قرأه عليه بحثًا وتحقيقًا "المقنع" في الفقه، و"مختصر الطوفي" في الأصول، و"ألفية ابن مالك". وكذا أخذ الفقه والنحو عن الزين عبد الرحمن أبي شَعَر (المتوفى سنة 844 هـ)، بل سمع منه التفسير للبغوي مرارًا، وقرأ عليه سنة (838 هـ) من شرح ألفية العراقي إلى الشاذ، وأخذ علوم الحديث أيضًا عن ابن ناصر الدين الدمشقي (المتوفى سنة 842 هـ)، وسمع عليه منظومته وشرحها بقراءة شيخه التقي. وأخذ الأصول أيضًا عن أبي القاسم الفويري حين لقيه بمكة، فقرأ عليه قطعة من كتاب ابن مفلح فيه، بل وسمع في العضد عليه، والفرائض والحساب والوصايا عن الشمس محمد بن إبراهيم السيلي خازن الضيائية، وانتفع به في ذلك جدًّا، ولازمه في ذلك أكثر من عشر سنين، بل وقرأ عليه "المقنع" في الفقه بتمامه بحثًا، والعربية والصرف وغيرهما عن أبي الروح عيسى البغدادي الحنفي نزيل دمشق، والحسن بن إبراهيم الصفدي ثم الدمشقي الحنبلي الخياط (المتوفى سنة 858 هـ) وغيرهما، وقرأ "البخاري" وغيره على أبي عبد اللَّه محمد بن أحمد الكركي الحنبلي، وسمع زين الدين بن الطحان (المتوفى سنة 845 هـ)، وشهاب الدين بن عبد الهادي، وغيرهما. وحج مرتين وجاور فيهما، وسمع هناك على أبي الفتح المراغي (المتوفى سنة 859 هـ)، وحضر دروس برهان الدين بن مفلح (المتوفى سنة 884 هـ) وناب عنه. وكذا قدم بأخرة القاهرة، وأذن له قاضيها عز الدين الكناني (المتوفى سنة 876 هـ) في سماع الدعوى مدة إقامته بالقاهرة، وأكرمه وأخذ عنه فضلاء أصحابه بإشارته، بل وحضهم على تحصيل كتابه "الإنصاف" وغيره من تصانيفه، وأذن لمن شاء اللَّه منهم، واجتمع عليه الطلبة والفقهاء، وانتفعوا به.
وقرأ هو حينئذ على تقي الدين الشمني (المتوفى سنة 872 هـ)، وتقي الدين الحصني (المتوفى سنة 881 هـ) المختصر الأصولي بتمامه، والفرائض والحساب يسيرًا على شهاب الدين السِّجيني (المتوفى سنة 885 هـ)، وحضر دروس القاضي، ونقل عنه في بعض تصانيفه. وتصدَّى قبل ذلك وبعده للإقراء والإفتاء والتأليف ببلده وغيرها، فانتفع به الطلبة، وصار في جماعته في الشام فضلا. وممن أخذ عنه في مجاورته الثانية بمكة قاضي الحرمين محيي الدين الحسني الفاسي (¬1). وقد برع وفضل في فنون من العلوم، وانتهت إليه رياسة المذهب، وباشر نيابة الحكم دهرًا طويلا، فحسنت سيرته وعظم أمره (¬2). وكان حريصًا على جمع الكتب -التي هي عدة طالب العلم والمشتغل به، يقول تلميذه ابن عبد الهادي: "وحصَّل كتبًا كثيرة، وتحت يده خزانة كتب الوقف بمدرسة شيخ الإسلام" (¬3)، يعني: مدرسة الشيخ أبي عمر بالصالحية. ويقول السخاوي: "وأعانه على تصانيفه في المذهب ما اجتمع عنده من الكتب مما لعله انفرد به ملكًا ووقفًا" (¬4). ¬
شيوخه وتلاميذه
شيوخه وتلاميذه: أولا: شيوخ المرداوي: من خلال استعراض ما وقفنا عليه من أخبار المرداوي ورحلاته في طلب العلم يمكننا إجمال أسماء شيوخه فيما يلي: 1 - ابن عروة الحنبلي (المتوفى سنة 837 هـ). 2 - ابن ناصر الدين الدمشقي (المتوفى سنة 842 هـ). 3 - عبد الرحمن بن سليمان أبو شَعَر المقدسي الحنبلي (المتوفى سنة 844 هـ). 4 - زين الدين بن الطحان (المتوفى سنة 845 هـ). 5 - شهاب الدين أحمد بن يوسف المرداوي (المتوفى سنة 850 هـ). 6 - أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد الكركي الدمشقي الحنبلي (المتوفى سنة 851 هـ). 7 - شهاب الدين أحمد بن حسن بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي (المتوفى سنة 856 هـ). 8 - أبو القاسم النويري القاهري ثم المكي المالكي (المتوفى سنة 857 هـ). 9 - حسن بن إبراهيم الصَّفَدي الحنبلي، المعروف بالخياط (المتوفى سنة 858 هـ). 10 - أبو الفتح محمد بن أبي بكر المراغي الشافعي (المتوفى سنة 859 هـ). 11 - الشيخ تقي الدين بن قندس البعلي الدمشقي الحنبلي (المتوفى سنة 861 هـ). 12 - أبو الفرج عبد الرحمن بن إبراهيم بن الحبال الطرابلسي الحنبلي (المتوفى سنة 866 هـ). 13 - تقي الدين الشُّمُنِّي الحنفي (المتوفى سنة 872 هـ). 14 - عز الدين الكِنَاني الحنبلي (المتوفى سنة 876 هـ).
ثانيا: تلاميذ المرداوي
15 - محمد بن إبراهيم السِّيلي (¬1)، خازن كتب الضيائية. 16 - تقي الدين الحِصْني الشافعي (المتوفى سنة 881 هـ). 17 - برهان الدين إبراهيم بن محمد بن مفلح (المتوفى سنة 884 هـ). 18 - شهاب الدين السِّجيني (المتوفى سنة 885 هـ). 19 - أبو الروح عيسى البغدادي الفَلُّوجي الحنفي. ثانيًا: تلاميذ المرداوي: قلنا: إن المرداوي قد انتهت إليه رئاسة المذهب الحنبلي في عصره، وقد اشتغل بالتدريس، والإفتاء، كما اشتغل بالقضاء مدة طويلة، وقد أتاح هذا لكثير من أبناء عصره أن يتتلمذوا عليه، ويأخذوا عنه. ومن هؤلاء: 1 - محمد بن أحمد الموصلي الدمشقي، المعروف بابن جُناق (المتوفى سنة 872 هـ) (¬2). 2 - محمد بن محمد الجعفري، قاضي القدس والرملة، المعروف بابن قاضي نابلس (المتوفى سنة 889 هـ) (¬3). 3 - يوسف بن محمد الكَفَرسَبي الصالحي الحنبلي (المتوفى سنة 892 هـ) (¬4). 4 - محمد بن أحمد بن عبد العزيز المرداوي الحنبلي (المتوفى سنة 894 هـ) (¬5). ¬
5 - محيي الدين عبد القادر بن عبد اللطيف الفاسي، قاضي الحرمين (المتوفى سنة 898 هـ) (¬1). 6 - تقي الدين أبو بكر بن محمد العجلوني الصالحى، الشهير بابن البيدق (المتوفى سنة 899 هـ) (¬2). 7 - عبد الكريم بن ظهيرة المكي (المتوفى سنة 899 هـ) (¬3). 8 - قاضي القضاة بدر الدين السعدي قاضى الديار المصرية (المتوفى سنة 902 هـ) (¬4). 9 - جمال الدين يوسف بن عبد الهادي، المعروف بابن المبرد (المتوفى سنة 909 هـ) (¬5). 10 - شهاب الدين العسكري، مفتي الحنابلة بدمشق (المتوفى سنة 910 هـ) (¬6). 11 - حسن بن علي بن عبيد المرداوي الحنبلي (المتوفى سنة 910 هـ) (¬7). 12 - أحمد بن علي الشيشيني ثم القاهري الحنبلي (المتوفى سنة 919 هـ) (¬8). ¬
مؤلفاته وآثاره العلمية
13 - عبد الوهاب بن محمد الطرابلسي الدمشقي الحنبلي، قاضي طرابلس (المتوفى سنة 921 هـ) (¬1). 14 - موسى بن أحمد الكناني المقدسي الحنبلي (المتوفى سنة 926 هـ) (¬2). 15 - عبد اللَّه بن محمد الأخصاصي (المتوفى سنة 931 هـ) (¬3). 16 - أحمد بن يحيى بن عطوة بن زيد التميمي النجدي، فقيه نجد (المتوفى سنة 948 هـ) (¬4). 17 - سليمان بن صدقة المرداوي (¬5). كما تتلمذ عليه غالب من في المملكة من الفقهاء والعلماء وقضاة الإسلام في عصره (¬6). مؤلفاته وآثاره العلمية: صنف المرداوي مصنفات كثيرة، وأجاد فيها، وشهد له أهل العلم بالإتقان والجودة. ومن أهم تصانيفه: كتاب "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل" عمله تصحيحًا وشرحًا لكتاب "المقنع" لابن قدامة، وتوسع فيه حتى صار أربع مجلدات كبار (¬7)، تعب فيه. وهو من كتب الإسلام فإنه ¬
سلك فيه مسلكًا لم يسبق إليه، بيَّن فيه الصحيح من المذهب، وأطال فيه الكلام، وذكر في كل مسألة ما نقل فيها من الأقوال، مع عزوه إلى الكتب التي ذكر فيها من كتب الحنابلة، وكلام الأصحاب، فهو دليل على تبحر مصنفه وسعة علمه وقوة فهمه وكثرة اطلاعه (¬1). ولما فرغ من تصنيفه في سلخ ربيع الآخر من سنة (867 هـ) توجه به إلى القاهرة في أيام قاضي القضاة عز الدين الكناني، وعرضه عليه، فأثنى عليه وأمر جماعة الحنابلة بمصر بكتابته ونشره في الديار المصرية (¬2) (¬3). ثم عاد إلى دمشق، واختصر "الإنصاف" في مجلد سماه " التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع"، وسلك فيه أيضًا مسلكًا لم يسبق إليه، وفرغ من تأليفه في سادس عشر شوال سنة (872 هـ)، ثم غيره مرارًا، ولم يزل يحرره، ويزيد فيه وينقص إلى أن توفي رحمه اللَّه (¬4). وكتاب "التنقيح" هذا هو الذي جمعه مع أصله (المقنع) ابنُ النجار الفتوحي في كتابه الذي صار عمدة المتأخرين "منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات" (¬5). ومن تآليف المرداوي أيضًا: "الدر المنتقى والجوهر المجموع في معرفة الراجح من الخلاف المطلق في الفروع" لابن مفلح في مجلد ضخم، وهو المعروف ¬
بـ "تصحيح الفروع" (¬1)، بل اختصر الفروع مع زيادة عليها في مجلد كبير. و"تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول" في أصول الفقه في مجلد لطيف، ذكر فيه مذاهب الأئمة الأربعة، وقدَّم الصحيح من مذهب الإمام أحمد، وفرغ منه في رابع عشر شوال سنة (877 هـ)، وهو كتابنا هذا. وشرحه بشرح سماه "التحبير في شرح التحرير" في مجلدين (¬2). كما شرح قطعة من "مختصر الطوفي" أيضًا. وكذا له "فهرسة القواعد الأصولية" في كراسة. وصنف جزءًا في الأدعية والأوراد اليومية سماه "الكنوز (أو: الحصون) المعدة الواقية من كل شدة"، وقال: إنه جمع منها فوق مائة حديث (¬3). و"المنهل العذب الغزير في مولد الهادي البشير النذير" (¬4). ومن تصانيفه أيضًا "شرح الآداب" (¬5). ¬
مكانته العلمية وثناء العلماء عليه
وأعانه على تصانيفه في المذهب ما اجتمع عنده من الكتب مما لعله انفرد به ملكًا ووقفًا (¬1). وانتفع الناس بمصنفاته وانتشرت في حياته وبعد وفاته بحسن نيته وإخلاصه وقصده الجميل، وكانت كتابته على الفتوى نهاية، وخطه حسن، وعليه النورانية، وتنزَّه عن مباشرة القضاء في أواخر عمره، وصار قوله حجة في المذهب يعمل به ويعوَّل عليه في الفتوى والأحكام في جميع مملكة الإسلام (¬2). مكانته العلمية وثناء العلماء عليه: قضى المرداوي حياته بين الدرس والتدريس، والإفتاء والقضاء، والتأليف، وتنقل بين الأمصار الإسلامية، وصار قبلةً للحنابلة، يقصدونه للاستفتاء والقراءة عليه، وكان يقرئ بالروايات بمدرسة شيخ الإسلام، وكان عالمًا باللغة والتصريف والمنطق والمعاني وغير ذلك (¬3). وكان قبل كل ذلك صالحًا ديِّنًا ورعًا. يقول عنه تلميذه ابن عبد الهادي: له حظ من العبادة والدين والورع (¬4). وكان كثير الصدقة، وتفقد الإخوان، مليح المعاشرة، بشوش الوجه، فتح اللَّه له بالعلم والعمل، والدين والآخرة (¬5). وقد سبق أن أشرنا إلى أن المتأخرين أطلقوا عليه لقب "القاضي"، كما أطلقوا ¬
عليه لقب "المنقِّح"، و"المجتهد في تصحيح المذهب"، وما ذلك إلا لجهوده المتضافرة في خدمة مذهب الإمام أحمد رضي اللَّه عنه أصولا وفروعًا. كما أطلق عليه "شيخ المذهب"، وقد مر بنا أيضًا أنه انتهت إليه رياسة المذهب في عصره، خاصة بعد وفاة برهان الدين بن مفلح، والجرَّاعي (¬1). وقد أثنى عليه كلُّ من ترجم له، أو تعرض لذكر بعض مؤلفاته، فقال السخاوي: "كان فقيهًا حافظًا لفروع المذهب، مشاركًا في الأصول، بارعًا في الكتابة بالنسبة لغيرها، متأخرًا في المناظرة والمباحثة، ووفور الذكاء والتفنن عن رفيقه الجراعي، مديمًا للاشتغال والأشغال، مذكورًا بتعفف وورع وإيثار في الأحيان للطلبة متنزهًا عن الدخول في كثير من القضايا، بل ربما يروم الترك أصلا فلا يمكّنه القاضي، متواضعًا متعففًا لا يأنف ممن يبين له الصواب" (¬2). وقد علَّق صاحب "السحب الوابلة" على كلام السخاوي قائلا: "ولا يخفى ما فيه من قوله: (مشاركًا في الأصول)، وقوله: (متأخرًا في المناظرة. . .)، وكان في نفسه منه شيء خفي، وإلا فالمترجَم -يعني المرداوي- مؤلف في علم الأصول محقق وافر الذكاء مشهور بذلك" (¬3). ووصفه تلميذه ابن عبد الهادي بالشيخ الإمام العلامة أقضى القضاة مفتى الفرق (¬4). ووصفه أيضًا بالإمام الفقيه الأصولي النحوي الفَرَضي المحدث المقرئ (¬5). ¬
وقال: وكان معظمًا عند الجماعة (¬1)، أي جماعة الحنابلة. وقال أيضًا: "شيخ المذهب، وإمامه، ومصححه، ومنقحه" (¬2). وقال العُليمي: "الشيخ الإمام، العالم العامل، العلامة المحقق المتفنن، أعجوبة الدهر، شيخ المذهب وإمامه، ومصححه ومنقحه، شيخ الإسلام على الإطلاق، ومحرر العلوم بالاتفاق، فقيه عصرنا وعمدته: علاء الدين أبو الحسن، ذو الدين الشامخ، والعلم الراسخ، صاحب التصانيف الفائقة" (¬3). وقال أيضًا: "وما صحبه أحد إلا وحصل له النفع والخير، وكان رحمه اللَّه تعالى من أهل العلم والدين والورع والتواضع، وكان لا يتردد إلى أحد من أهل الدنيا، ولا يتكلم إلا فيما يعنيه، وكان الأكابر والأعيان والأماثل يقصدونه لزيارته والاستفادة منه والاستفتاء في الأمور المهمة والوقائع المشكلة، وحج إلى بيت اللَّه الحرام، وزار بيت المقدس مرارًا، ومحاسنه أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، وهو أعظم من أن ينبه مثلي على فضله" (¬4). وقال ابن العماد: "الشيخ الإمام العلامة المحقق المفنن أعجوبة الدهر شيخ المذهب وإمامه ومصححه ومنقحه، بل شيخ الإسلام على الإطلاق، ومحرر العلوم بالاتفاق" (¬5). وقال الشوكاني: "وهو عالم متقن، محقق لكثير من الفنون، منصف منقاد إلى الحق، متعفف ورع" (¬6). ¬
وفاته ودفنه
وقال عنه صاحب هدية العارفين: "شيخ الحنابلة بدمشق" (¬1). وقال عبد اللَّه بن حميد: "شيخ المذهب ومنقحه ومحرره" (¬2). ووصفه العلامة محمد جميل الشطي بالشيخ الإمام العلامة المحقق المفنن أعجوبة الدهر شيخ المذهب وإمامه ومصححه ومنقحه، شيخ الإسلام، محرر العلوم، ذي الدين الشامخ والعلم الراسخ، صاحب التصانيف الفائقة والتآليف الرائقة (¬3). وقال عنه أيضًا: "وصار قوله حجة في المذهب، يعمل به، ويعوَّل عليه في الفتوى والأحكام في جميع مملكة الإسلام" (¬4). وقال عمر رضا كحالة: "فقيه محدث أصولي" (¬5). وفاته ودفنه: توفي المرداوي -رضي اللَّه عنه- بصالحية دمشق يوم الجمعة سادس جمادى الأولى سنة (885 هـ / 1480 م)، بمنزله بالصالحية، وصلي عليه بجامع الحنابلة، المعروف بالجامع المظفَّري بعد صلاة الظهر، ودفن بسفح قاسيون قرب الرَّوضة، في أرض اشتراها بماله (¬6). * * * ¬
ثالثا: منهج التحقيق
ثالثا: منهج التحقيق مخطوطات الكتاب: لكتاب "التحرير" نسخ مخطوطة عديدة، حتى قال محققو كتاب "التحبير" إنه لا تكاد تخلو مكتبة من المكتبات التي فيها أقسام للمخطوطات من نسخة أو أكثر، وبخاصة مكتبات المملكة العربية السعودية (¬1). وأهم هذه النسح: نسخة دار الكتب المصرية: وهي توجد تحت رقم (302 - أصول فقه)، وهي من أوثق النسخ الموجودة للكتاب؛ لأنها كتبت من نسخة كتبت من أصل المؤلف، وقابلها كاتبها على المؤلف مرارًا، آخرها في الحادي عشر من شهر رجب سنة أربع وثمانين وثمانمائة، وهي المعتمدة كما ذكر ذلك الناسخ في آخرها. وعدد أوراقها (79) ورقة، وعدد أسطر الورقة (19) سطرًا، ومقاس الورقة 22 في 16 سم. وناسخها هو محمد بن محمد بن محمد بن عبد القادر بن محمد بن عبد القادر الجعفري المقدسي الحنبلي. وخطها نسخي واضح، وتاريخ نسخها: 20 صفر سنة (886 هـ). حالتها جيدة، وهي نسخة كاملة، وعليها تعليقات في كثير من أوراقها. (¬2) ¬
وبآخرها ملحقٌ بأسماء أصحاب الإمام أحمد الذين ذُكروا في الكتاب، وأسماء كتبهم التي ذُكرت فيه، وأسماء كتب غير الأصحاب من أتباع الأئمة الأربعة التي اطلع عليها المؤلف ونقل منها (¬1). وتوجد صورة منها في جامعة أم القرى برقم (258) (¬2). نسخة مكتبة مكة المكرمة: وتوجد تحت رقم (13) أصول الفقه، بمكتبة مكة المكرمة التابعة لوزارة الشئون الإسلامية والأوقاف. وتأتي هذه النسخة في المرتبة الثانية بعد نسخة دار الكتب المصرية من حيث الصحة والدقة. وعدد أوراقها (50) ورقة، وعدد الأسطر في الورقة (29) سطرًا، ومقاس الورقة 20 في 15 سم. وتاريخ نسخها: 25 صفر سنة (1083 هـ)، ولا يعرف ناسخها، لكن خطها نسخي واضح أيضًا. وحالتها جيدة، وسليمة من الآفات، وهي مقابلة على نسخة معتمدة في 30 ربيع الثاني سنة (1083 هـ)، قابلها الزين بن رجب الشامي (¬3). ¬
نسخة مكتبة شستربتى: كما توجد نسخة ثالثة لهذا الكتاب في مكتبة "شسستربتي" بأيرلندا - دبلن برقم (5242)، وهي تقع في (40) ورقة، بمقاس 33 في 22 سم، وفي كل ورقة (23) سطرًا. وخطها نسخي قديم، وقد نسخت سنة (876 هـ)، بخط المؤلف نفسه، لكنها ناقصة من أولها بما يقرب من ثلث الكتاب، وعليها آثار بلل، وبعض السطور مشطوبة، وفي أغلب الأحيان لا يعجم المؤلف الحروف، كما لا يفرق بين اللام والكاف. وتوجد صورة منها في جامعة أم القرى بمكة المكرمة برقم (65) أصول الفقه (¬1). وذكر بروكلمان أن للكتاب نسخًا أخرى في كل من: مكتبة ليبزج رقم (347)، والمكتبة الخالدية بالقدس رقم (15)، والمكتبة الوطنية بباريس رقم (6185) (¬2). وقد حقق الكتاب الدكتور/ أبو بكر عبد اللَّه دكوري في رسالة قدمها إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة (1403 هـ / 1983 م) لنيل درجة الدكتوراه (¬3)، لكنها لم تطبع حتى الآن -على حد علمنا- ولم يذكرها الدكتور/ بكر أبو زيد وإن كان قد أشار إليهما ضمن ما طبع من كتب الأصول عند الحنابلة (¬4). ¬
المنهج المتبع في التحقيق
المنهج المتبع في التحقيق: يتلخص المنهج الذي اتبعناه في تحقيق الكتاب في النقاط التالية: 1 - اعتمدنا في إخراج الكتاب على نسخة دار الكتب المصرية؛ وذلك لأنها أوثق نسخ الكتاب وأفضلها؛ حيث إنها نسخة كاملة ولا يوجد بها نقص، كما أنها مكتوبة من نسخة كُتبت من أصل المؤلف، وقابلها كاتبها على المؤلف مرارًا، آخرها في الحادي عشر من شهر رجب سنة (884 هـ)، أي قبل وفاة المؤلف بقليل، وقد ذكرنا من قبل أن المرداوي وإن كان قد فرغ من تأليف الكتاب في الرابع عشر من شهر شوال سنة (877 هـ)، إلا أنه كان يراجعه بصفة مستمرة ويحرره، وقد ذكر ناسخها أن هذه النسخة هي المعتمدة. كما أن عليها تعليقات وتوضيحات، وقد اتضح لنا من مراجعة كتاب "التحبير شرح التحرير" أن أغلب هذه التعليقات الهامشية موجودة في الشرح (التحبير)؛ مما يدل على أنها للمرداوي، كتبها أثناء مراجعاته المتكررة للكتاب. وقد رُوجعت هذه النسخة مرارًا على المؤلف، وآخرها في شهر رجب سنة (884 هـ)، أي قبل وفاة المؤلف بتسعة أشهر فقط؛ فهي تمثل الصورة النهائية للكتاب بعد مراجعته وتحريره. أما نسخة مكتبة شستربتي فهي وإن كانت بخط المؤلف؛ إلا أنها ناقصة من أولها بما يقرب من الثلث كما سبق، وعليها آثار بلل، وبعض السطور مشطوبة، وغير معجمة الحروف في كثير من الأحيان؛ فلا تصلح للاعتماد عليها. وأيضا فإن تاريخ نسخها سنة (876 هـ) أي قبل تاريخ فراغ المؤلف من كتابه (سنة 877 هـ) بعام كامل؛ فهي تمثل مرحلة من مراحل تأليف
الكتاب قبل تمامه، ويمكن اعتبارها مسودة للكتاب. أما نسخة مكتبة مكة المكرمة فهي منسوخة سنة (1083 هـ)، ولا يُعرف ناسخها؛ فلا ترقى لمستوى دقة نسخة دار الكتب المصرية، التي تعتبر الأصل الحقيقي لهذا الكتاب، ولا يمكن تجاوزها إلى غيرها. ومن ثم اكتفينا بنسخة دار الكتب عن غيرها؛ فلم نرهق الكتاب بذكر فروق النسخ -لاسيما وأن كثيرًا منها تقديم وتأخير في بعض العبارات- وما إلى ذلك، وقد رجعنا إلى الأصل الموثوق به، والمقدَّم بلا شك على ما عداه. ونرى أن اعتماد الدكتور/ دكوري في تحقيقه للكتاب على نسخة مكتبة شستربتي يعتبر من المآخذ عليه، والتي دعتنا إلى إعادة تحقيق الكتاب معتمدين على النسخة الأصلية له، بالإضافة إلى السبب الرئيس في ذلك، وهو عدم طبع الكتاب أو نشره؛ فقد اكتفى المحقق بتقديمه إلى الجامعة لنيل الدرجة العلمية، وظل الكتاب حتى الآن حبيس المكتبات الجامعية التي أودعها نسخة منه، ولم ير النور، أو يأخذ مكانه في المكتبة الأصولية، كما هو الغرض من تحقيق التراث. 2 - قمنا بنسخ المخطوط من نسخة دار الكتب المصرية التي اعتمدنا عليها، ومقابلته. 3 - أثبتنا أرقام لوحات المخطوط؛ تسهيلا على من أراد الرجوع إلى أصل الكتاب بنفسه، ووضعنا رقم اللوحة في أولها، وهو أحد منهجين في إثبات أرقام اللوحات، فبعض المحققين يجعل رقم اللوحة في آخرها، وبعضهم يجعله في أولها، وهو ما نراه الأَوْلى والأَوْفق.
4 - استعنا بنسخة مكتبة مكة المكرمة في مواضع قليلة دعت الحاجة إليها، ونبهنا على ذلك في موضعه في الحاشية. 5 - التزمنا نص المؤلف، فلم نغيِّر شيئًا إلا إذا تيقنا من خطئه، وفي هذه الحالة نثبت الصواب في متن الكتاب، ونشير في الهامش إلى الخطأ الذي تبيناه. 6 - اتبعنا الرسم الإملائي الحديث الذي استقرت عليه المجامع اللغوية. 7 - قمنا بنقل الآيات القرآنية من المصحف العثماني، مع عزوها إلى سورها بأرقامها. 8 - قمنا بتخريج الأحاديث والآثار تخريجًا لا إطالة فيه، فإذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفينا بالعزو إليهما، وإن لم يكن فيهما أو في أحدهما خرَّجناه من السنن الأربعة ومسند الإمام أحمد، فإن لم يكن في أحدها خرَّجناه من غيرها من دواوين السنة، كموطأ الإمام مالك، والسنن الكبرى للنسائي، والسنن الكبرى للبيهقي، ومعاجم الطبراني الثلاثة، وغيرها. 9 - ترجمنا للأعلام الواردة في الكتاب ترجمة مختصرة، ولم نترجم للمشاهير منهم؛ فلم نترجم -مثلا- لأبي بكر، وعمر، وعثمان، ونحوهم من كبار الصحابة، ولم نترجم للأئمة الأربعة الأعلام، ونحوهم من المشاهير. 10 - أثبتنا ما في المخطوط من تعليقات هامشية أو تنبيهات، قد توضِّح غامضًا أو تزيل إشكالًا، ووضعناها في الهامش، ونبهنا عليها. 11 - لم نرد أن نثقل الكتاب بالحواشي والهوامش الكثيرة، لا سيما وهو متن، والأنسب للمتون أن تكون صغيرة الحجم، فلم نرهقه بعزو النقول إلى مصادرها -لا سيما وهي كثيرة جدًّا- وذلك باستثناء كتاب "أصول الفقه" لابن مفلح، فقد تتبعناه بالعزو، حتى إنه لا تكاد تخلو فقرة من
فقرات الكتاب من العزو إليه؛ وذلك لأن المرداوي قد اعتمد عليه اعتمادًا كبيرًا، وقد صرَّح بهذا في نهاية كتابه، فقال: "وهو أصل كتابنا هذا؛ فإن غالب استمدادنا منه" ولذلك عزونا كلَّ نقلٍ منه إلى موضعه. ولعل مما زهدنا في عزو سائر النقول إلى مصادرها أن شرحه "التحبير" للمؤلف نفسه قد طبع منذ سنوات، وقد بذل فيه محققوه جهدًا كبيرًا في عزو النقول والنصوص إلى مصادرها، فأغنى عن إثقال هذا المتن بها. وقد التزمنا فيما عزوناه إذا كان النقل بالنص، أو بعبارةٍ قريبةٍ منه أن نصدره بقولنا: (انظر)، أما إذا كان النقل بالمعنى فنصدره بقولنا: (راجع) تنبيهًا على ذلك. 12 - قمنا بالتعليق على بعض المواضع مما رأيناه يحتاج إلى تعليق من مسائل الكتاب، وذلك في بضعة مواضع قليلة، ولم نتوسع في ذلك؛ لئلا نثقل الكتاب بالتعليقات الكثيرة والمطوَّلة. 13 - قمنا بعمل فهارس تفصيلية للكتاب، وثَبَتٍ بالمصادر والمراجع التي رجعنا إليها في تحقيقنا. وبعد، فهذا جهد ضئيل أردنا به خدمة هذا الكتاب الجليل، وإخراجه إلى جماهير الدارسين والباحثين؛ ليعم به النفع، ويأخذ مكانه اللائق به في المكتبة الأصولية، لاسيما في المذهب الحنبلي؛ فكان وُفِّقنا فبنعمة اللَّه وفضله وكرمه، وهذا ما نرجوه، وإن أخطأنا وأسأنا فهذا عمل بشري، والخطأ وارد فيه، بل مرتبط به، وأبى اللَّه أن يَتِمَّ كتابٌ سوى كتابه العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وحسبنا أننا اجتهدنا فيه، ولم ندخر وسعًا في سبيل إخراجه في أحسن
صورةٍ وأبهى حُلَّةٍ، ونسألُ كلَّ من رأى فيه شيئًا أن يردَّه علينا ردًّا جميلًا، ويقوم بواجب النصح؛ فالعلمُ رحمٌ بين أهله، ونسألُ اللَّهَ عز وجل أن يحشرنا في زمرتهم؛ إنه بكل جميلٍ كفيلٌ، وهو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد للَّه رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارِكْ على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. المحققان عبد اللَّه هاشم عبد اللَّه د. هشام يسري العربي جدة في يوم الجمعة 24 من جمادى الآخرة 1432 هـ الموافق لـ 27/ 12/ 2011 م.
صور من أصل المخطوط صورة طُرَّة الكتاب، وهي اللوحة الأولى
صورة الورقة الأولى من اللوحة الثانية وهي أول الكتاب
صورة الورقة الأولى من اللوحة رقم (77) وهي آخر الكتاب
صورة الورقة الثانية من اللوجة رقم (77) وهي أول ملحق الأسماء في آخر الكتاب
صورة الورقة الثانية من اللوحة رقم (79) وهي آخر الملحق الذي في آخر الكتاب
تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول للإمام علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي (المتوفى سنة 885 هـ)
مقدمة الكتاب
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وما توفيقي إلا باللَّه الحمد للَّه الذي وفَّق فعلَّم، وأنعم فألهم وفهَّم، والصلاة والسلام على أفضل خلق اللَّه وأعلم، وعلى آله وأصحابه أُولي العلوم والحكم. أما بعد: فهذا مختصرٌ في أصول الفقه، جامعٌ لمعظم أحكامه، حاوٍ لقواعده وضوابطه وأقسامه، مشتملٌ على مذاهب الأئمة الأربعة الأعلام وأتباعهم، وغيرهم، ولكن على سبيل الإعلام، اجتهدتُ في تحرير نقوله وتهذيب أصوله، واللَّهُ المسئولُ لبلوغ المأمول. وأقدِّم الصّحيح من مذهب الإمام أحمد رحمه اللَّه تعالى وأقوالِ أصحابه. ومرادي بالقاضي: أبو يعلى، وبأبي الفرج: المقدسيُّ، وبالفخر: إسماعيلُ أبو محمد البغدادي. ورتبته على مقدمة وأبواب، مشتملةٍ على فصول وفوائد وتنابيه. الكلام على المقدمة: أقولُ ومن اللَّه أستمدُ المعونة: موضوعُ كلِّ علم ما يُبحث فيه عن عوارضه الذاتية، فموضوع أصول الفقه الأدلةُ الموصِّلةُ إلى الفقه (¬1). ولابد لكل من طلب علمًا أن يتصوره بوجه ما، ويعرف غايته وما يُستمد منه. ¬
تعريف الأصل في لغة واصطلاحا
فالأصول: جمع أصل، وهو لغة: ما يُبنَى عليه غيرُه، قاله القاضي، وأبو الخَطَّاب (¬1)، وابنُ عَقِيل (¬2)، والأكثر (¬3). وقال جمعٌ: ما منه الشيء. واصطلاحًا: ما له فرع، ويطلق على الدليل غالبًا، وهو المراد هنا، وعلى الرجحان، والقاعدة المستمرة، والمقيس عليه. والفقه لغة: الفهمُ عند الأكثر، وهو إدراك معنى الكلام. وفي العُدَّة: وحُكي عن الأصحاب: العلم، وقال ابن الصَّيْقَل، وصاحبُ روضةِ فقهنا (¬4)، والغزالي (¬5)، ¬
والآمدي (¬1): هما. وفي الكفاية: معرفةُ قصد المتكلم. وفي التمهيد: الكلُّ. وقال الشيرازي (¬2) وغيره: فهم ما يدِق. قال ابن هُبَيْرة (¬3): استخراجُ الغوامضِ والاطلاعُ عليها. وهو أظهر. ¬
تعريف الفقيه
وشرعًا: قال أكثرُ أصحابنا: معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بالفعل أو القوة القريبة (¬1). وابنُ حمدان (¬2) وغيرُه: معرفة كثير منها عرفًا. وقيل: الأحكام الشرعية الفرعية (¬3)، وهو أظهر. وقيل: العلم بها عن أدلتها التفصيلية بالاستدلال. والفقيه: من عرف (¬4) جملة غالبة منها كذلك (¬5). وأبدل المجد (¬6)، وابن حمدان: غالبةً بكثيرةٍ، ويأتي. ¬
تعريف أصول الفقه باعتباره علما
فخرج بالأدلة: علمُ اللَّهِ ورسلِه غيرُ المجتهد فيه (¬1)، وقيل: علم اللَّه عنها (¬2) (¬3)، وقيل: بالاستدلال (¬4) (¬5)، وقيل: استدلالي، وقيل: إِلا علم اللَّه. وبالأدلة التفصيلية: الأدلةُ الإجماليةُ، كعلم الخلاف، والمقلدُ في الأصح. فأصول الفقه علمًا: القواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية، وقيل: العلم بها (¬6)، وقيل: معرفةُ دلائله إجمالًا، وكيفيةُ الاستفادة منها، وحالُ المستفيد. وأَوْلى منها: مجموع طرق الفقه إلى آخره. (¬7) والأصولي: من عرفها. (¬8) (¬9) وغايتها: معرفة أحكام اللَّه تعالى والعمل بها (¬10). فيجب تقديم معرفتها على الفروع عند ابن عَقِيل، وابن البَنَّاء (¬11)، وجمع. وهو ¬
ظاهر كلام أبي بكر (¬1)، وابن أبي موسى (¬2)، وأبي البقاء (¬3). وعَكَسَ القاضي، وابن حمْدان، وجَمْعٌ (¬4). ¬
حكم معرفة أصول الفقه
وحكى ابنُ حمدان، والشيخُ (¬1)، وابنُ قاضي الجبل (¬2) الخلافَ في الأولويَّة، وهو أَوْلى، أو يحمل الأول عليه. ومعرفتها: فرض كفاية كالفقه (¬3)، وقيل (¬4): فرض عين أي للاجتهاد، قاله ابن الصقال، وابن حمدان، والشيخ، والعالمي (¬5)؛ فهي لفظية. وتُستمد من أصول الدين؛ فلهذا أذكر منها بعض المتعلِّق بها، والعربيةِ، وتصورِ الأحكام (¬6). ¬
المستدل
فصل الدَّالُّ: الناصب للدليل، قاله أحمد، وأبو الخَطَّاب، والشيرازي، وصاحب روضة فقهنا. وقال كثير: الدليل. والدليل لغة: المرشد، وما به الإرشاد. (¬1) وشرعًا: ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري (¬2) عند أصحابنا وغيرهم (¬3). وقيل: وجزم به في الواضح: إلى العلم به (¬4). وقيل: قولان فصاعدا، عنه قول آخر. وقيل: يستلزم لنفسه. فتخرج الأمارة، وقياس المساواة (¬5). وقيل: المراد بالقول تصور المعنى (¬6). ويحصل المطلوب عقبه عادة مكتسبًا، وقيل: ضرورة. والمستدِلُّ: الطالب للدليل من سائل ومسئول، قاله في العُدَّة، والتمهيد، والواضح. ¬
المستدل به، والمستدل عليه، والمستدل له
قال الإمام أحمد رحمه اللَّه: "الدال اللَّه، والدليل القرآن، والمبين الرسول، والمستدل أولو العلم، هذه قواعد الإسلام" (¬1). والمستدَلُّ به: ما يوجب الحكم، والمستدَلُّ عليه: الحكم في أصحها، والمستدَلُّ له: الخصم، وقيل: الحكم (¬2). وتأتي الدلالة والاستدلال والمدلول. والنظر هنا: فكر يُطلب به علم أو ظن. والإدراكُ بلا حكمٍ تصورٌ، وبحكمٍ تصديقٌ. فصل العلم يُحَدُّ عند أصحابنا والأكثر (¬3)؛ ففي الإرشاد: معرفةُ الشيء، وفي العُدَّة، والتمهيد، والبَاقِلَّاني (¬4): معرفةُ المعلوم، وفي الواضح: إدراكُ الأمور بحقائقها، وأصحُّها ما في المقنع وغيره: صفةٌ يميَّز المتصف بها تمييزًا جازمًا مطابقًا، فلا يدخل إدراك الحواس، خلافًا للأشعري (¬5)، وجمع. ¬
تنبيه: إطلاقات العلم
وقيل: لا يسمى علمًا (¬1)، وقيل: لا يُحدُّ، قال أبو المعالي (¬2) (¬3)، والغزالي: لعسره، ويميَّز ببحث وتقسيم. والرازي (¬4): لأنه ضروري، ثم حدَّه فناقض، وقيل: الأول لمجرد الإدراك، والثاني لليقيني، وهو أولى. تنبيه: يطلق العلم أيضًا على مجرد الإدراك فيشمل الأربعة {مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} (¬5)، ¬
فوائد
وعلى التصديق فيختص القطعي والظني، فيأتي العلم بمعنى الظن: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} (¬1)، وعكسِه: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} (¬2)، وبمعنى المعرفة: {لَا تَعْلَمُهُمْ} (¬3)، وعكسه: {مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ} (¬4). فوائد: الأولى: أحمد، والشيخ، والأكثر: العلم يتفاوت كالإيمان، وعنه: تفاوته بكثرة المتعلقات. الثانية: علم اللَّه تعالى قديم، ليس ضروريًّا ولا نظريًا، ولا يوصف بأنه عارف، خلافًا للكرَّامية، وعلم المخلوق محدَث ضروري، وهو ما يعلم من غير نظر، ونظري: عكسه، قاله في العُدَّة، والتمهيد، وجمع (¬5). وقال الأكثر: الضروري ما لا يتقدمه تصديق يتوقف عليه، والنظري بخلافه. الثالثة: المعرفة أخص من العلم من حيث إنها علم مستحدث أو انكشاف بعد لبس، وأعم من حيث إنها يقين وظن، وقال القاضي: مرادفته. وتطلق على مجرد التصور فتقابل العلم. فصل ما عنه الذِّكْرُ الحُكْمِيُّ إما أن يَحتمِلَ مُتَعَلَّقُه النقيضَ بوجه أو لا، والثاني: العلم، ¬
فائدة: الجهل وأنواعه
والأول إما أن يحتمل النقيضَ عند الذاكر لو قدَّره أو لا، والثاني: الاعتقاد، فإن طابق فصحيح، والا ففاسد، والأول: الراجح منه ظن، والمرجوح وهم، والمساوي شك، وعُلم بذلك حدودها (¬1). فائدة: الاعتقاد الفاسد: الجهل المركب، وهو تصور الشيء على غير هيئته. والجهل البسيط: عدم العلم، ومنه سهو وغفلة ونسيان بمعنى واحد، وهي ذهول القلب عن معلوم. قاله في التمهيد في السهو، وقيل: لا يسمى نسيانًا إِلا إذا طال. فصل العقل: ما يحصل به المَيْز، وهو بعض العلوم الضرورية عند أصحابنا والأكثر، وغريزة نصًّا (¬2). الْبَرْبَهَاري (¬3): "ليس بجوهر ولا عرض ولا اكتساب، وإنما هو فضل من اللَّه تعالى". وظاهرهما أنه القوة المدركة، لا الإدراك. ¬
التميمي (¬1)، وابن حمدان: نور في القلب كالعلم. أبو الفرج: قوة يفصل بها بين حقائق المعلومات. الأشعري، وجمع: العلم. الفلاسفة: اكتساب. المتكلمون: كل العلوم الضرورية، وبعضهم: جوهر بسيط، وبعضهم: مادة وطبيعة، وبعضهم: عَرَض يخالف سائر الأعراض والعلوم (¬2). ومحله القلب عند أصحابنا والشافعية والأطباء، وله اتصال بالدماغ، قاله التميمي وغيره. والمشهور عن أحمد في الدماغ، وقاله الطُّوفي (¬3)، والحنفية، والفلاسفة (¬4). ¬
فائدة: الإحساس وما يدرك بالحواس
وقيل: إن قلنا جوهر، وإلا في القلب، وقيل: في كل البدن. قال الأصحاب: العقل يختلف؛ فعقل بعض النَّاس أكثر (¬1)، خلافًا لابن عَقِيل، والأشعرية، والمعتزلة. وقاله الماوردي (¬2) في الغريزي لا التجربي، وحمل الطُّوفي الخلاف على ذلك. فائدة: قال القاضي: الإحساس وما يدرك بالحواس لا يختلف، وقال الشيخ: يختلف. فصل الحد لغة: المنع (¬3)، واصطلاحًا: الوصف المحيط بمعناه المميز له عن غيره، وهو أصل كل علم (¬4)، قاله الفخر. ¬
فصل: سبب اللغة ومعناها
شرطه: أن يكون مُطَّرِدًا، وهو المانع؛ كلما وجد الحد وجد المحدود، مُنْعَكِسًا، وهو الجامع؛ كلما وجد المحدود وجد الحد (¬1)، ويلزمه كلما انتفى الحد انتفى المحدود. وقيل: ولو مجازًا أو مشتركًا بقرينة. وعكس القرافي (¬2) وغيره. وهو حقيقي تام إن أنبأ عن ذاتيات المحدود الكلية المركَّبة، له حدٌّ واحدٌ، وناقصٌ إن كان بفصل قريب فقط، أو معه جنس بعيد. ورسميٌّ: إن أنبأ عنه بلازمٍ تامٌّ وناقصٌ، ولفظيٌّ: إن أنبأ عنه بمرادف أظهر، ويرد عليه النقض والمعارضة لا المنع في الأصح (¬3). فصل سبب اللغة: حاجةُ الناس (¬4)، ولخفتها وكثرة فائدتها. وهي: ألفاظ وضعت لمعان؛ فبها احتاجه الناس لم تَخْلُ من لفظ له. والظاهر عدمُ خلوها مما كثرت حاجته، وعكسه فيهما يجوز خلوها. ¬
الصوت واللفظ والقول
فالصوتُ: عَرَضٌ مسموع. واللفظ: صوت معتمِد على بعض مخارج الحروف. والقول: لفظ وضع لمعنى ذهني. وقال الشيرازي وابن مالك: لخارجي، والسبكي (¬1): للمعنى من حيث هو. والوضع: خاص، وهو جعل اللّفظ دليلًا على المعنى، ولو مجازًا. وعام، وهو تخصيص شيء بشيء يدل عليه كالمقادير. والاستعمال: إطلاق اللفظ وإرادة المعنى، والحمل: اعتقادُ السامعِ مرادَ المتكلم من لفظه. وهي مفرد ومركب. فالمفرد: كلمة واحدة، وقيل: ما وضع لمعنى ولا جزء له. أو له ولا يدل فيه (¬2). والمركب: بخلافه فيهما، فـ "عبد اللَّه" -علما- مركب على الأول لا الثاني، و"يضرب" عكسه (¬3). ¬
المفرد والمركب وأنواعهما
ثم المفرد مهمل ومستعمل، فإن استقل بمعناه ودلَّ بهيئته على أحد الأزمنة الثلاثة فالفعل. وهو ماض كـ"قام"، ويعرض له الاستقبال بالشرط، و"لم يضرب" عكسه (¬1)، ومضارع: كـ "يقوم"، وأمر: كـ "قم". وتجرده عن الزمان عارض للإنشاء، وقد يلزمه كـ "عسى"، وقد لا كـ "نعم" و"بئس"، وإلا فالاسم. وإن لم يستقل فالحرف، وهو: ما دل على معنى في غيره، وقيل: لا يحتاج إلى حد، وسكت جمع عن حده. والمركَّب: مهمل موجود، خلافًا للرازي وغيره، ولم تضعه العرب قطعًا. ومستعمل وضعته العرب، خلافًا للرازي، وابنِ مالك (¬2) وجمعٍ. ومثله المثنى والجمع. وهو جملة، وهي: ما وضع لإفادة نسبة. وهو الكلام، ولا يتألف إلا من اسمين، ¬
الكلمة، والكلام، والكلم، ومسمى الكلام والقول
أو اسم وفعل من متكلم واحد، قاله البَاقِلَّاني، والغزالي، وابن مفلح (¬1)، وغيرهم، وخالف جمع. و"حيوان ناطق"، و"كاتب" في "زيد كاتب" لم يفد نسبة. وغيرُ جملة بخلافه. ويسمى مفردًا أيضًا. فيطلق المفرد على مقابل الجملة، ومقابل المثنى والجمع، ومقابل المركب. ويراد بالكَلِمة: الكلامُ. وبالكلامِ: الكَلِمةُ، والكَلِمُ الذي لم يُفِد. قال الشيخ: الكلام والقول عند الإطلاق يتناول اللفظ والمعنى جميعًا، كتناول "الإنسان" للروح والبدن، عند السلف والفقهاء والأكثر (¬2). وقال كثير من أهل الكلام: مسماه اللفظ. والمعنى مدلوله. وقاله النحاة؛ لتعلق صناعتهم باللفظ (¬3). وقال ابن كُلَّاب (¬4) وأتباعه: مسماه المعنى. وبعض أصحابه: مشترك بينهما. وعن الأشعري وغيره: مجاز في كلام اللَّه تعالى (¬5). ¬
فصل: الدلالة: تعريفها، وأنواعها
فصل الدَّلالة (¬1): مصدر دلَّ، وهي ما يلزم من فهمه فهم شيءآخر. فاللفظية: طبعية وعقلية ووضعية، وهي كون اللفظ إذا أُطلِق فهم المعنى الذي له بالوضع. فدلالته الوضعية على مسماه: مطابقة، وعلى جزئه: تضمن، وعلى لازمه الخارج، وقيل: الذهني: التزام (¬2). وهي عقلية (¬3)، وقال الرازي وغيره: والتضمن أيضًا، وقيل: الثلاثة لفظية. والمطابقة أعم، ويوجد معها تضمن بلا التزام، وعكسه، وقال الرازي: الالتزام لازم لها، وهما أعم من التضمن (¬4). وغير اللفظية: وضعية وعقلية. والدلالة باللفظ: استعماله في الحقيقة والمجاز. والملازمة: عقلية وشرعية وعادية، وتكون قطعية وضعيفة جدًّا، وكليَّة وجزئيَّة. ¬
فصل: الكلي والجزئي
فصل إذا اتحد اللفظ ومدلوله واشترك في مفهومه كثير ولو بالقوة فكُلِّيٌّ (¬1)، وهو ذاتي وعرضي. فإن تفاوت فمُشكِّك، وإلا فمتواطئ، وإن لم يشترك فجزئي، كمُضْمَر في الأصح، ويسمى النوع جزئيًا إضافيًا (¬2). وإن تعددا فمتباينة تفاصلت أو تواصلت. وإن اتحد اللفظ وتعدد المعنى إن كان حقيقة للمتعدد فمُشْتَرَكٌ مطلقًا، وإلا فحقيقة ومجاز. وعكسه مترادفة، وكلها مشتق وغير مشتق، صفة وغير صفة (¬3). ويكون اللفظ الواحد متواطئًا ومشتركًا. ومتباينًا ومترادفًا باعتبارات. فائدة: العَلَم: اسم يعين مسماه مطلقًا، فإن كان التعيين خارجيًّا فعلم شخص، وإلا فعلم جنس، والموضوع للماهية من حيث هي اسم جنس. فصل أصحابنا والحنفية والشّافعيّة: المشترك واقع لغة (¬4) جوازا تباينًا أو تواصلًا بكونه جزءًا لآخر، أو لازمه. ¬
ومنع ثعلب (¬1)، والبَاقِلَّاني (¬2)، والأبْهَري (¬3)، والبَلْخي (¬4) وردوه إلى المتواطئ أو الحقيقة والمجاز. والرازي: بين النقيضين فقط. والمُبرِّد (¬5)،. . . . . . . . ¬
فصل: المترادف
وابن القيم (¬1): من واضع واحد. وقوم: في القرآن (¬2)، وقوم: وفي الحديث. وقيل: واجب الوقوع. فصل أصحابنا والحنفية والشافعية: المترادف واقع (¬3)، ومنع ثعلب، والمُبرِّد، وابن فارس (¬4)، والزَّجَّاج (¬5) مطلقًا، والرازي: في الشرعية. وقيل: لم يقع. ¬
فصل: الحقيقة والمجاز
والحد غير اللفظي، والمحدود، ونحو "شَذَرَ مَذَرَ" غير مترادفة في الأصح (¬1). وأفاد التابع التقوية خلافًا للآمدي، وابن حمدان وجمع، وهو على زنة المتبوع (¬2). والتأكيدُ يقوِّي وينفي احتمال المجاز، وأنكرته الملاحدة (¬3). ويقوم كل مترادف مقام الآخر في التركيب خلافًا للرازي مطلقًا، وللبيضاوي والِهنْدي (¬4) وجمعٍ إن كانا من لغتين. فصل الحقيقة: قول مستعمل في وضع أول، وفي المقنع: استعمال اللفظ، وفي العُدَّة: لفظ مستعمل في موضوعه، وفي التمهيد: اللفظ الباقي على موضوعه. وقد تصير مجازًا وبالعكس، ذكره أصحابنا وغيرهم (¬5). وهي لُغويَّةٌ كأسد، وعُرْفيَّةٌ: ما خُص عرفا ببعض مسمياته، عامة كدابَّة للفرس، وخاصة كمبتدأ ونحوه، وشَرْعيَّةٌ: ما استعمله الشرع، كصلاة للأقوال والأفعال (¬6). ¬
والمجاز: قول مستعمل بوضع ثان لعلاقة، ولا يعتبر اللزوم الذهني بين المعنيين خلافًا لقوم (¬1). ويُتَجَوَّزُ بسبب قابلي، وصوري، وفاعلي، وغائي عن مسبَّب، وبعلة عن معلول، ولازم عن ملزوم، وأثر عن مؤثر، ومحل عن حال، وبما بالقوة على ما بالفعل، وبكل عن بعض ومتعلَّق عن متعلِّق، وبالعكس في الكل، وباعتبار وصف زائل، فـ {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ} (¬2) ونحوُه مجازٌ خلافًا للشيخ، بشرط أن لا يكون متلبسًا الآن (¬3) بضده، أو آيل قطعًا (¬4)، أو ظنًّا (¬5)، بفعل (¬6)، أو قوة، (¬7) وزيادة، ونقص، وشكل، وصفة ظاهرة، واسم ضد، ومجاورة، ونحوه. ولا يشترط النقل في الآحاد، بل في النوع في الأصح. وهو لُغَوِيٌّ كأسد لشجاع، وعُرْفيٌّ عَامٌّ كدابَّة لمطلق ما دَبَّ، وخَاصٌّ كجوهر لنفيس، وشَرْعِيٌّ كصلاة لدعاء. ¬
تنبيه: يصار إلى المجاز لبلاغته، أو لثقل الحقيقة
ويعرف بصحة النفي، وقيل: دَوْر (¬1)، وبتبادُر غيره لولا القرينة (¬2)، وعدم وجوب اطراده، قيل: وجمعه على خلاف جمع الحقيقة، وقيل: لا يجمع، وبالتزام تقييده كـ {جَنَاحَ الذُّلِّ} (¬3) ونحوه، وتوقفه على مقابله، وإضافته إلى غير قابل كـ {وسْئَلِ الْقَرْيَةَ} (¬4)، وعدم الاشتقاق منه بلا منع عند البَاقِلَّاني، والغزالي، والمُوَفَّق (¬5)، والطُّوفي، وابْن مفلح، وابن قاضي الجبل، وأجازه الأكثر (¬6). وفي الفنون وغيره: المجاز لا يؤكَّد (¬7). تنبيه: إنما صبر إليه لبلاغته أو ثقلها ونحوهما. فصل الأربعةُ وغيرُهم: الحقيقةُ لا تستلزم المجازَ، والمجازُ يستلزمها، خلافًا للآمدي، وجمعٍ. (¬8) ¬
ما يكون فيه المجاز
ولفظهما حقيقتان عرفًا، مجازان لغة، وهما من عوارض الألفاظ في الأشهر. واللفظ قبل استعماله ليس حقيقةً ولا مجازًا. زاد ابن حمدان والشيخُ: إن قلنا اللغة اصطلاح. وكذا العَلَم المتجدد، وقال ابن عقيل: حقيقة. وقيل: فيه مجاز. والغزالي: في مُتَلَمَّح الصِّفَة. ويكون في مفرد، وفي إسناد، خلافًا لقوم. وفيهما معًا. وفي فعل، ومشتق، وحرف وفاقًا للنقشواني (¬1)، وابن عبد السلام (¬2). ومنع الرازي الحرفَ بالأصالة، والفعلَ والمشتقَ إِلا بالتبع. ويحتج به، ذكره القاضي، وابن عَقِيل، وابن الزَّاغُوني (¬3)،. . . . . . ¬
فصل: الخلاف في وقوع المجاز
وحُكِي إجماعًا (¬1). ولا يقاس عليه، فلا يقال: سَلِ البساط ونحوه، ذكره ابن عَقِيل، وابن الزَّاغُوني، وحكي إجماعًا. ولنا وجه: يجوز. فصل الأربعةُ وغيرُهم: المجاز واقع (¬2). وخالف الأستاذ (¬3)، والشيخ وجمع، وردوه إلى المتواطئ. وعلى الأول ليس المجاز بأغلب في الأصح. وهو في القرآن عند أحمد، وأكثر أصحابه، والأكثر. وعنه: لا. اختاره ابن حامد (¬4)، ¬
ليس في القرآن لفظ غير عربي، والخلاف في المسألة
والتميمي، والخَرَزِي (¬1)، وجمع (¬2). وقيل: ولا في الحديث أيضًا. وليس فيه إِلا عربي عند الأكثر (¬3) من أصحابنا، وغيرهم (¬4). وعن ابن عباس وغيره: فيه من غيره (¬5). قال ابن الزَّاغُوني، والمُوَفَّق، وابن بَرْهان (¬6): فيه المعرَّب (¬7). وهو ما استعملته العرب في معنًى وضع له في غير لغتهم. ومحل الخلاف في مفرد غير علم. فصل أبو يوسف، والقرافي، وابن حمدان، وابن قاضي الجبل: مجاز راجح أولى من حقيقة مرجوحة. وأبو حنيفة، وابن الحاجب (¬8)، وابن مفلح: هي ما لم ¬
تُهْجَر (¬1). والرازي، والبيضاوي (¬2): مجمل. والأصفهاني (¬3): محله إن مُنِعَ حمله على حقيقته ومجازه معًا. وابن الرِّفعة (¬4): محله في إثبات، وفي نفي يعمل بالمجاز قطعًا، ولو لم ¬
فائدة: في الكناية والتعريض
ينتظم الكلام إِلَّا بارتكاب مجازِ زيادةٍ أو نقصانٍ، فالنقصان أولى. فائدة: الكناية حقيقة إن استُعمل اللفظ في معناه وأريد لازم المعنى. ومجاز إن لم يُرَد المعنى، وإنما عُبِّر بالملزوم عن اللازم. وعند الأكثر: حقيقة مطلقًا. وقيل: عكسه. وقيل: بنفيهما. والتعريض حقيقة. وهو: لفظ مستعمل في معناه مع التلويح بغيره. فصل الأربعةُ والأكثُر: الحقيقة الشرعية واقعة منقولة (¬1) والمعتزلة: واقعة بلا نقل. والدينية عندهم: ما تعلق بأصول الدين في الأصح. وقوم: وقعت إِلا الدينية. وقيل: إِلا الإيمان. والقاضي، وأبو الفرج، والمجد، والبَاقِلَّاني: اللغوية باقية، وزيدت شروطًا، فهي حقيقة لغوية ومجاز شرعي (¬2). والآمدي وَقَفَ. والشيخُ وغيرُه: لم تُنْقَل ولم يُزَد فيها، بل الشارع استعملها على وجه اختص بمراده. ¬
فائدة: الإيمان لغة وشرعا
فائدة: الإيمان لغة: التصديق (¬1) بما غاب. وشرعًا: عَقْدٌ بالجنان، ونُطْقٌ باللسان، وعمل بالأركان عند الأئمة الثلاثة والسلف. فدخل كُلُّ الطاعات. وقال الأشعري وأكثر أصحابه: هو لغة وشرعًا: التصديق. والأفعال من شرائُعه. ولا يدخل فيه عمل القلب. ويجوز الاستثناء (¬2). وأبو حنيفة، والمرجئة، وابن كُلَّاب وغيرهم: تصديق بالقلب، وعمل باللسان. ويُدْخِل بعضُ المرجئة عملَ القلب فيه (¬3). ¬
فصل: الاشتقاق
والجَهْمية وغيرهم: المعرفة. والكَرَّامية: قول باللسان فقط (¬1). والمعتزلة: فعل الواجبات (¬2). وعند أبي حنيفة وأصحابه وغيرهم: لا يزيد ولا ينقص، ولا استثناء فيه. وقاله أبو المعالي في الأولى. فصل الاشتقاق: ردُّ فرع إلى أصل لمعنى جمعهما خاص في أصل الوضع بالأصل. قاله ابن الخشاب (¬3). وأولى منه: رد لفظ إلى آخر لموافقته له في الحروف الأصلية ومناسبته في المعنى. ولا بد من تغيير ولو تقديرًا. والمشتق: فرع وافق أصلًا بحروفه الأصول ومعناه (¬4). والأصغر منه: اتفاق اللفظين في الحروف والترتيب. كنَصَر من النصْر وهو المحدود. والأوسط: في الحروف فقط (¬5)، كجَبَذ من الجذب، والأكبر: في المخرج كحروف الحلق والشفة، كنَعَق وثَلَم من النَّهِيقِ والثَّلْبِ (¬6)، ولم يثبته الأكثر. ¬
صفات الله قديمة، وحقيقة
ويَطَّرِدُ كاسم فاعل ونحوه. وقد يختص كالقارورة. وإطلاقه قبل وجود الصِّفَة المشتق منها مجاز. وحُكي إجماعًا إن أريد الفعل. فإن أريدت الصفة كـ "سيفٌ قَطُوعٌ" ونحوه فحقيقة. قاله القاضي وغيره. وقيل: مجاز (¬1). فأما صفات اللَّه تعالى فقديمة. وهي حقيقة عند أحمد، وأصحابه، وأكثر أهل السنة (¬2). ومذهبُ المعتزلةِ: حدوثها. والأشعريةِ: حدوثُ صفات الفعل. وحالَ وجودِ الصِّفَةِ حقيقةٌ إجماعًا. وبعد انقضائها مجازٌ عند القاضي، وابن عَقِيل، والحنفية، والرازي وأتباعه. وعند ابن حمدان وغيره، وحكي عن الأكثر: حقيقة، واختاره أبو الطَّيِّبِ (¬3) عَقِبَ الفعل (¬4). ¬
فصل: شرط المشتق
وقال القاضي أيضًا، وأبو الخَطَّاب، وجمعٌ: إن لم يمكن بقاءُ المعنى كالمصادر السيَّالة (¬1) كالكلام ونحوه فحقيقةٌ. وإلا فمجازٌ كالقيامِ ونحوه (¬2). لكن لو طرأ على المحلّ وصفٌ وجوديٌّ (¬3) يناقض الأول فمجاز إجماعًا، ولو كان متعلَّقَ الحكم فحقيقة (¬4) مطلقًا (¬5) اتفاقًا. قاله القرافي، ورُدَّ. ولو منع مانع (¬6) من الخارج من إطلاقه فلا حقيقة ولا مجاز. فصل شَرْطُ المشتَّقِ صدق أصله، خلافًّا للجُبَّائية؛ لإطلاقهم العالِم على اللَّه تعالى، وإنكار حصول العلم له (¬7). وكلُّ اسمِ معنًى قائمٌ بمحلٍ يجب أن يُشْتَقَّ لمحله منه اسمُ فاعل. خلافًا للمعتزلة؛ فسموا اللَّه تعالى متكلمًا بكلام خلقه في جسم، ولم يسموا الجسم متكلمًا (¬8). والمشتق كأبيض ونحوه، يدل على ذات متصفة بالبياض، لا على خصوصيتها. ¬
فائدة: الخلق غير المخلوق
فائدة: أكثر أصحابنا، والقاضي أخيرًا، والحنفيةُ، وأئمةُ الشافعية، والسلفُ: الخلقُ غير المخلوق. وهو فعل الرب تعالى القائم به مغاير لصفة القدرة. والقاضي، وابنُ عقيل، وابنُ الزاغوني، والأشعريةُ، وأكثرُ المعتزلة: هو هو (¬1). فصل أكثر أصحابنا، وابنُ سُرَيج (¬2)، والشيرازي، والرازي، وغيرهم: تثبتُ اللغةُ قياسًا فيما وضع لمعنى دار معه وجودًا وعدمًا، كخمر لنبيذ ونحوه. والسَّمْعانيُّ (¬3): في الأسماء الشرعية. ونفاه أبو الخَطَّاب، والصَّيْرفي (¬4)، والبَاقِلَّانيُّ، وأبو المعالي، ¬
فصل: الحروف
والغزاليُّ، والآمديُّ، وأكثرُ الحنفية، وغيرُهم. وللنحاة قولان: اجتهادًا فلا حجة (¬1) (¬2)، وقيل: لم يقع. والإجماع على مَنْعِه في عَلَم ولَقَب وصفة. قاله ابنُ عَقِيل، وغيرُه. وكذا مثل: إنسانٍ، ورَجُلٍ، ورفعِ فاعل. فصل الحروف (¬3) الواو العاطفة: لمطلق الجمع عند الأربعة وغيرِهم، وقيل: للمعية. وكلام أصحابنا يدل عليه، وحُكِي إجماع أهل اللغة (¬4). وقال ثعلبُ، وغلامُه (¬5)، والحَلْوانيُّ (¬6)، وبعضُ الشافعية، وجمعٌ: للترتيب. وقاله أبو بكر إن كان كُلٌّ من المعطوف والمعطوف عليه شرطًا في صحة الآخر، كآية الوضوء (¬7). والفرَّاءُ إن تعذر الجمع. ¬
معاني "الفاء"
وتأتي بمعنى "مع"، و"أو"، وللقسم، و"رُبَّ"، والاستئناف، والحال. والفاء العاطفة: للترتيب والتعقيب عند الأربعة وغيرِهم (¬1). كلٌّ بحسبه عرفًا. وفي الواضح: لا تعقيب في {كُنْ فَيَكُونُ} (¬2). وقيل: كـ "ثم"، وقيل: لا ترتيب. وتأتي سببية، ورابطة. وقيل: وزائدة. و"ثُمَّ": للتشريك في الأصح، وللترتيب بمهلة عند الأربعة وغيرهم (¬3). وقيل: كالواو. وفي التمهيد: تأتي كالواو، وقيل: كالفاء. و"حتَّى": العاطفة للغاية لا ترتيب فيها. وقيل: كالفاء. وقيل: كـ "ثم"، وقيل: بينهما (¬4). ويشترط كون معطوفها جزءًا من متبوعه (¬5)، أو كجزئه. وتأتي لتعليلٍ، وقَلَّ لاستثناءٍ منقطعٍ. و"مِنْ": لابتداء الغاية حقيقةً عند أصحابنا، وأكثرِ النحاة. وقيل: في التبعيض، اختاره ابن عَقِيل. وقيل: في التببين. ولها معان (¬6). و"إلى": لانتهاء الغاية (¬7)، قال أبو الخَطَّاب، وابنُ عَقِيل، والمُوَفَّق، والكوفيون، وغيرُهم: وبمعنى "مع". ¬
معاني "على"
وابتداء الغاية داخلٌ عند الأربعة وغيرِهم، لا انتهاؤها في الأصح، كالمالكية، والشافعية (¬1). وعن أبي بكر: إن كانت الغاية من جنس المحدود كالمَرافِق دخلَت، وإلا فلا. وحُكي عن أهل اللغة. وعند الحنفية إن قامت الغاية بنفسها لم تدخل كـ "بِعْتُك من هنا إلى هنا"، وإن تناوله صدرُ الكلام فالغاية لإخراج ما وراءه كالمَرافِق، والغايةِ في الخيار (¬2). ومنع أبو حنيفة دخول العاشر في قوله: من درهم إلى عشرة ونحوه، وأدخله صاحباه (¬3)، ويأتي. و"على": للاستعلاء. وهي للإيجاب (¬4) عند الأصحاب وغيرهم. ولها معان. و"في": للظرف. قال أبو البقاء: حتى في {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ الْنَّخْلِ} (¬5) كأكثر البَصْريين، وأكثر الأصحاب بمعنى "على" كالكوفيين (¬6). فتأتي لاستعلاء، وتعليل، وسببية، ومصاحبة، وتوكيد، وتعويض، وبمعنى "الباء"، و"إلى"، و"مِن". و"اللام": لها معان. وفي التمهيد: حقيقة في الملك، لا يُعْدَل عنه إِلا بدليل. و"بل": لعطفٍ وإضرابٍ إن وَليَها مفرد في إثباتٍ فتعطي حكم ما قبلها لما بعدها. ونَفْيٍ: فتُقرِّرُ ما قبلها، وضدَّه لما بعدها في الأصح. ولابتداءٍ في الأصح، وإضرابٍ إن وليها جملةٌ لإبطال وانتقال. ¬
معاني "أو"
و"أو": لِشَكٍّ، وإبهامٍ، وإباحةٍ، وتخييرٍ، ومطلقِ جمعٍ، وتقسيمٍ، وبمعنى "إلى"، و"إلا"، وإضرابٍ كـ "بل"، وقيل: ولتقريب. و"لكن": لعطفٍ، واستدراكٍ إن وليها مفرد في نفي ونهي. ولابتداءٍ في الأصح إن وليها جملة مطلقًا. و"الباء": لإلصاقٍ حقيقةً ومجازًا. ولها معان كثيرة، وقيل: ولتبعيض. و"إذا": لمفاجأةٍ حَرْفًا. وقال جمعٌ: ظرف مكان. وجمع: ظرف زمان. ولمستقبلٍ ظرفًا متضمنة معنى الشرط غالبًا. ومنع الأكثرُ مجيئَها لماضٍ وحالٍ. و"إِذْ": اسمٌ لماضٍ ظَرْفًا. ومفعولًا به. وبدلًا من مفعول. ومضافًا إليها اسم زمانٍ. ولمستقبلٍ، ومنعه الأكثر. ولتعليلٍ حَرْفًا، وقيل: ظرفًا. ولمفاجأةٍ. و"لو": حرف شرط في الأصح لماضٍ، فتَصْرِفُ المضارعَ إليه. عكس "إن". وتأتي لمستقبلٍ في الأصح قليلًا، فتصرف الماضيَ إليه. وأما معناها فقال سيبويه (¬1): حَرْفٌ لمِا كان سيقع لوقوع غيره. وقال الأكثر: حرفُ امتناعٍ لامتناع. والشَّلَوْبينُ (¬2): لمجرد الربط. وفي التسهيل، وغيرِه: امتناعَ ما ¬
معاني "لولا"
يليه واستلزامَه لتاليه. قلت: في الماضي، فينتفي الجواب إن ناسب ولم يخلف الأولَ غيرُه، وإن ناسب وخلفه غيره ثبت الجواب، كما لو لم يناسب بالأولى أو المساوي أو الأدون. وتأتي لتَمَنٍّ، وعَرْضٍ، وتحضيضٍ، وتقليلٍ، ومصدريٍّ. و"لولا": حرفٌ يقتضي في جملةٍ اسميةٍ امتناعَ جوابه لوجود شرطه، وفي مضارعة: التحضيض، وفي ماضيَّةٍ: التوبيخ والعَرْض، وقيل: ولنفي. فصل لا مناسبة ذاتية بين اللفظ ومدلوله، وخالف عبَّاد المعتزلي (¬1) (¬2)، فقال المحققون: بمعنى أنها حاملة على الوضع، والرازي: كافية في دلالة اللفظ على المعنى. فائدة: يجب حمل اللفظ على حقيقته دون مجازه، وعمومه دون تخصيصه، وإفراده دون اشتر اللَّه، واستقلاله دون إضماره، وإطلاقه دون تقييده، وتأصيله دون زيادته، وتقديمه دون تأخيره، وتأسيسه دون توكيده، وتباينه دون ترادفه، وبقائه دون نسخه، إِلَّا لدليل راجح، ويحمل اللفظ على عرف المتكلم مطلقًا، وتأتي تتمته. ¬
فصل: في مبدأ اللغات
فصل مبدأُ اللغات توقيفٌ من اللَّه تعالى بإلهامٍ، أو وحي، أو كلامٍ عند أبي الفرج، والمُوَفَّق، والطُّوفي، وابن قاضي الجبل، والظاهرية، والأشعرية، قال في المقنع: وهو الظاهر عندنا (¬1). أبو هاشم (¬2)، وجمع: اصطلاحية، وَضَعَها واحد أو جماعة، وعرف الباقون بإشارة وتكرار (¬3). الأستاذ: ما يُحتاج إليه توقيفي، وغيره محتمل، أو اصطلاح (¬4). وقيل: عكسه. ابن عَقِيل، وجمع: بعضها توقيف وبعضها اصطلاح، وعنده الاصطلاح بعد خطابه تعالى. القاضي، وأبو الخَطَّاب، والبَاقِلَّاني، وأبو المعالي، وابن بَرْهان، وجمع: الكل ممكن، ووقف قوم (¬5). ¬
فائدتان
فائدتان: إحداهما: يجوز تسمية الشيء بغير التوقيف ما لم يحرمه اللَّه تعالى، فيبقى له اسمان. ذكره القاضي، والشيخ، والبَاقِلَّاني، وغيرهم. وخالف الظاهريةُ، وغيرُهم (¬1). الثانية: أحمد، والأكثر: أسماء اللَّه تعالى توقيفية، لا تثبت بقياس. وعنه، وقاله القاضي وغيره، والمعتزلة، والكَرَّامية: بلى. والبَاقِلَّاني، والغز الي، والرازي: في الصفات لا الأسماء. ومحله إذا لم يوهم نقصًا. خاتمة: طريق معرفة اللغة النقل تواترًا فيما لا يقبل تشكيكًا (¬2)، وآحادًا في غيره. والمركب منه (¬3) ومن العقل، وقال ابن جني (¬4): والقرائن أيضًا. قال الشيخ وغيره: والأدلة القولية قد تفيد اليقين، وعند السلف لا يُعَارِضُ القرآنَ غيرُه بحال. وحَدَث ما قيل: أمور قطعية عقلية تخالف القرآن (¬5). ¬
فصل: في الأحكام
فصل في الأحكام الحُسْنُ والقُبْحُ بمعنى ملائمة الطبع ومنافرته، وكونه صفة كمال ونقص: عقلي. وبمعنى المدح والثواب، والذم والعقاب: شرعي؛ فلا حاكم إِلا اللَّه تعالى. فالعقل لا يُحسِّن ولا يُقبِّح. ولا يُوجِب ولا يحرِّم عند أحمد، وأكثر أصحابه (¬1)، والأشعرية. قال ابن عَقِيل: وأهل السنة، والفقهاء. وخالف التميمي، وأبو الخَطَّاب، والشيخ، وابن القيم، والحنفية، والمعتزلة، والكَرَّامية. وللمالكية، والشافعية، وأهل الحديث قولان (¬2). فقدماء المعتزلة: لذاته. وقيل: بصفة لازمة. وقيل: به في القبيح. والجُبَّائية بصفة عارضة (¬3). فائدة: قال ابن عَقِيل: لا يرد الشرع بما يخالف العقل اتفاقًا. وقاله التميمي إِلا بشرط منفعة تزيد (¬4) في العقل على ذلك الحكم. وقاله القاضي، وأبو الخَطَّاب، والحَلْواني، ¬
فصل: في شكر المنعم
فيما يعرف ببدائه (¬1) (¬2) العقول وضروراتها؛ وإلا فلا يمتنع أن يرد بذلك. وقيل: يرد بما يُحيِّره إذا كان لا يُحيله (¬3). فصل شُكْرُ المُنْعِم من قال بالأول (¬4) أوجبه شرعًا، وبالثّاني (¬5) أوجبه عقلًا، وقيل: لا (¬6). ويتعلق بها مسألتان: الأولى: معرفة اللَّه تعالى، ومذهب أحمد، وأصحابه، وأهل الأثر، والأشعرية أما وجبت شرعًا. فلا تجب قبله مع القدرة عليها بالدليل، والمعتزلة: عقلًا، وقيل: بهما (¬7). وهي أولُ واجب لنفسه عند الأكثر. وقال الأستاذ، والقاضي، وابن حمدان، وابن مفلح، وجمع: يجب قبلها النظر، فهو أول واجب لغيره (¬8). ¬
تنبيه: الفرق بين الشكر ومعرفة الله
وابن عبد السلام: إن شك. وأبو هاشم: الشك. والبَاقِلَّاني: أول النظر. والتميمي، وا بن فُورك (¬1)، وأبو المعالي: قصده. ولا يقعان ضرورة، وقيل: بلى. تنبيه: قال الرازي: لا فرق بين الشكر، ومعرفة اللَّه تعالى عقلًا، والأُرموي (¬2): متلازمان. والمعتزلة: هو فرعها. الثانية: مشيئته وإرادته تعالى هل هي محبته ورضاه، وسخطه وبغضه، أم لا؟ فالمعتزلة، والقدرية، والأشعري، وأكثر أصحابه، وغيرهم: الكل بمعنى واحد. والسلف، وعامة أئمة الفقهاء، والمحدِّثين، والصوفية، والنظّار: يحب ما أمر به فقط. وخَلق كل شيء بمشيئته لحكمةٍ؛ فيُحِبُّ تلك الحكمة، وإن كان قد لا يحبه. فوائد: الأولى: فعله تعالى وأمره لعلة وحكمة، أو بهما. ¬
الثانية: تعريف الحسن والقبيح
ينكره القاضي، وابن الزاغوني، وجمع منا، والأشعرية، والظاهرية، وبعض المالكية، والشافعية، ويثبته الحنفية، والمعتزلة، والكَرَّامية، وابن عَقِيل، وأبو الخَطَّاب، وأبو خازم (¬1)، والشيخ، والطُّوفي، وابن قاضي الجبل، وحكي إجماع السلف. وجَوَّز جمعٌ الأمرين. فعلى الأول: ترَجَّحَ بمجرد المشيئة (¬2)؛ لأن علل الشرع أمارات محضة، وقيل: بالمناسبة ثبت الحكم عندها لا بها. وقال الغزالي، وأبو الخَطَّاب، وابن المَنِّي (¬3)، والمُوَفَّق: بقول الشارع جُعِل الوصف المناسب موجبًا لحسن الفعل وقبحه. الثانية: الحُسْن شرعًا ما أُمِرَ به. وقيل: ما لم يُنْه عنه. والقبيح: ما نُهِيَ عنه. ¬
الثالثة: لا يوصف فعل غير مكلف بحسن ولا قبح
وعُرْفًا: ما لفاعله فعلُه. أو: ما مُدِح فاعلُه. أو: ما وافق الغرضَ ولائمَ الطَّبع، والقبيحُ: عكسه فيهن. أقوال. الثالثة: لا يوصف فِعلُ غيرِ مُكَلَّفٍ بحُسْنٍ ولا قُبْحٍ. قاله في المقنع وغيره. فصل الأعيان المنتفع بها قبل الشرع مباحة عند التَّمِيمي، وأبي الفرج، وأبي الخَطَّاب، والحنفية، والظاهرية، وابن سُرَيج. وعند ابن حامد، والحَلْواني، وبعضِ الشافعية محرَّمة. وللقاضي القولان (¬1). فعليه: يباح ما يحتاج إليه في الأصح. وحكي إجماعًا. كتنفس وسَدِّ رَمَق (¬2)، وعند الخَرَزِي، وابن عَقِيل، والمُوَفَّق، والمجد، والصَّيْرفي، وأبي علي الطبري (¬3)، والأشعرية: لا حكم لها (¬4). فعليه: لا إثم بالتناول. ولا يفتى به في الأصح؛ اختاره ابن عَقِيل، وابن حمدان، وجمع. ¬
تنبيهات
وقيل: لها حكم لا نعلمه. وفَرَض ابنُ عَقِيل المسألةَ في الأفعال والأقوال قبل السمع (¬1). وعند المعتزلة: يُباح ما يُحتاج إليه، وما حَكم العقلُ فيه بشيء اتُّبع (¬2)، ومعناه للتميمي. فإن لم يحكم فثالثُها (¬3) لهم: الوقف عن الحظر والإباحة. تنبيهات: الأول: قال الخَرَزِي وجمع: لا فائدة لها؛ لأنه لم يخل وقت من شرع. قال القاضي: وهو ظاهر كلام أحمد، قال: ويتصور فيمن خُلق بِبَرِّيَّةٍ لم يَعْرِفْ شرعًا، وعنده فواكه. وقاله أبو الخَطَّاب، وقال أيضًا: لو قدَّرنا خلو شرع عن حكمِها ما حكمُها؟ (¬4) وقال القاضي، وأبو الخَطَّاب أيضًا، وابن عَقِيل، والمُوَفَّق، والطُّوفي، وغيرهم: يفيد أن من حرَّم شيئًا أو أباحه كفاه استصحاب حالِ أصله (¬5). الثاني: قال الحَلْوانيُّ وغيرُه: عَرَفْنا الإباحةَ والحظرَ بالإلهام، وهو ما يحركُ القلب بعلم، ويطْمَئِنُّ به، ويدعو إلى العمل به. ¬
الثالث: العقود ونحوها كالأعيان
وحكى القاضي: هل الإلهام طريق شرعي؟ قولين. وقيل: دلَّنا الدليلُ على حظره فيما سلف. الثالث: العقود ونحوها كالأعيان (¬1). بل دخلت في كلام الأكثر، قاله ابن قاضي الجبل. فصل الحكم الشرعي: نص أحمد أنه خطاب الشرع؛ أي مدلوله. وقيل: خطابه المتعلِّق بفعل المكلَّف (¬2) -وقيل: الناس- باقتضاء أو تخيير. وقال الرازي: أو وضع. وقال الآمدي: خطابه بفائدة شرعية تختص به؛ أي: لا تُعْرَف إِلَّا منه (¬3). والخطاب: قول يَفْهَمُ منه مَنْ سمعه شيئًا مُفِيدًا. وقيل: مَع قَصْد إفهامه. زاد بعضهم: مَنْ هو متهيء للفهم (¬4). ويُخَرَّجُ عليهما: هل يُسمى الكلام في الأزل خطابًا؟ (¬5) فالأشعري، والقشيري (¬6): يُسمى. والبَاقِلَّانيُّ، والآمديُّ: لا. ¬
فائدة: المشكوك، والوقف هل هما مذهبان، أم لا؟
وعند المعتزلة: الحكم صفة للفعل المحكوم بأنه حلال أو حرام أو واجب. وقال الشيخ: الحكم الشرعي يتناول الخطابَ وصفةَ الفعل. قال: وهو قول السلف والأكثر، فيتناول وصف المحكوم عليه، وهو الفعل، والعبد، والأعيان، التي أُمِرَ بتعظيمها أو إهانتها (¬1). وفي المقنع: استصحابُ براءة الذِّمَّة، والعرفُ والعادةُ حكم شرعي بلا خطاب. ثم الخطاب إن ورد بطلب فعل مع الجزم: فإيجاب. أو لا مع الجزم: فندب. أو بطلب ترك مع الجزم: فتحريم. أو لا مع الجزم: فكراهة. أو بتخيير: فإباحة. وإلا فوضعي (¬2). فائدة: المشكوك: ليس بحكم، وقيل: بلى. والوقف مذهب. وقيل: لا (¬3). ¬
فصل: الواجب: تعريفه لغة وشرعا، وبيان أن منه ما لا يثاب على فعله
فصل الواجبُ لغة: الساقط والثابت. وشرعًا: ما ذُمَّ تاركه قصدًا مطلقًا. ولم يقل الطُّوفي: قصدًا. وقال ابنُ عَقِيل: إلزام الشرع. ومنه ما لا يُثاب على فعله؛ كنفقة واجبة، وردِّ وديعة، وغصبٍ، ونحوه إذا فعله مع غفلة. ومن المحرَّم ما لا يُثاب على تركه؛ كتركه غافلا. قاله القرافي، وابن حمدان، وابن قاضي الجبل، وهو في كلام القاضي وغيره. والفرض لغة: التقدير والتأثير، والإلزام والعطية. قال ابنُ عَقِيل: والإنزالُ والإباحةُ؛ بهذا قال هو وغيره: الواجِب آكد. وخالف المُوَفَّق وغيره. وهما مترادفان شرعًا. كالشافعية. وعنه: الفرض آكد. كالحنفية، وابن شَاقْلا (¬1)، والحَلْواني، والبَاقِلَّاني، وحكي عن الأصحاب. وللقاضي القولان. وهو لفظي (¬2). ¬
فائدة: في صيغ الفرض والوجوب
فعليها: الفرض ما ثبت بدليل قطعي. وقيل: ما لا يسقط في عمد ولا سهو، وعنه: ما لزم بالقرآن (¬1). وعليها (¬2): يجوز أن يُقال: بَعْضُ الواجِبات آكد من بعض. ذكره القاضي، والحَلْواني، وجمعٌ. وفائدته: كثرة ثوابه (¬3). وعلى الأول: سواء. ولابن عَقِيل قولان. فائدة: صيغة الفرض والوجوب نص في الوجوب. وعند القاضي وجمع: ظاهرة فيه. ويحتمل توكيد الاستحباب. وفي كلام أبي الفرج، وأبي الخَطَّاب: الأمران أيضًا. وإطلاق الوعيد نص فيه (¬4). وقال القاضي، والحَلْواني، وابنُ عَقِيل: يقبل التأويل. و {وَكُتِبَ عَلَيكُمُ} نص فيه. ذكره القاضي. وفي الحاوي وغيره: حتم ولازم كواجب. فصل العبادة إن لم يكن لها وقت معين لم توصف بأداء ولا قضاء ولا إعادة. وإلا فما وقتها غير محدود؛ كحج، وزكاة مال، وكفارة؛ توصف بالأداء. ولنا وجه: وبالقضاء (¬5). ¬
وإطلاق القضاء في الحجِّ الفاسد لشَبَهه بالمقضيِّ (¬1). وفعل الصلاة بعد تأخير قضائها لا يُسمى قضاء القضاء. وما وقته محدودٌ يوصف بذلك (¬2)؛ سوى الجمعة. فالأداء: ما فُعِل في وقته المقدر له أولًا شرعًا. والقضاء: ما فُعل بعد وقت الأداء؛ ولو لِعُذْرٍ تَمَكَّنَ منه؛ كسفر ومرض. أو لا لمانع شرعي؛ كحيض. أو عقليٍّ كنومٍ، لوجوبه عليهم عند أحمد وأصحابه، وغيرهم، وحُكي عن الفقهاء (¬3). وقيل: على مسافر ومريض، وقيل: على مسافر، وقيل: لا يجب، وحكي عن الحنفية؛ فليس بقضاء (¬4). وعن الأشعرية (¬5)، وأهل العراق: يلزمه أحدُ الشهرين. وهو لفظي في الأصح (¬6). وعبادة صغير لا تسمى قضاءً إجماعًا. قال ابن حمدان: ولا أداءً. ¬
فصل: فرض العين وسنة العين، وفرض الكفاية وسنة الكفاية
والإعادة: ما فُعِل في وقته المقدَّرِ ثانيًا. زاد الرازي، والبيضاوي، وابن الحاجب، والطُّوفي، وجمعٌ: لخلل. وبعضهم: لعذر (¬1). وفي مذهب مالك: لا يختص بالوقت. وهو ظاهر الروضة (¬2). فصل العبادةُ إن طُلِب فِعْلُها من كل واحد بالذات، كالخمس والنوافل، أو من واحد معين كالخصائص ففرضُ عين، وسنة عين. وإن طلب الفعل فقط ففرض كفاية، وسنة كفاية. قاله أصحابنا وغيرهم، كالسلام ونحوه. وهُما (¬3): مُهِمٌّ يُقْصد حصولُه من غير نَظَرٍ بالذات إلى فاعله. والأول واجب على الجميع عند الأربعة وغيرهم. قال أصحابنا: ومن ظن أن غيره لا يقوم به وجب عليه، فإن فعله الجميع معًا كان فرضًا إجماعًا. ويسقط بفعل من يَكفِي ظنًّا؛ كسقوط الإثم إجماعًا. وقال ابن عقيل، والشافعية: الثاني فرض أيضًا؛ فلا يجزئ بنية النافلة. ولا فرق بينه وبين فرض العين ابتداءً. قاله المُوَفَّق وغيره. وفَرْضُ العين أفضل منه، ويلزم بالشروع في الأظهر فيهما؛ كفرض عين، ولو مُوسَّعًا؛ كصلاةٍ، وقضاء رمضان عند الأربعة. ¬
تنبيه: لا يجب أكثر من واحدة من خصال الكفارة
وقيل: يلزم بعضًا مبهمًا، وقيل: مُعَيَّنًا عند اللَّه تعالى، وقيل: من قام به. وإن طُلِب واحدٌ من أشياء؛ كخصال الكفارة ونحوِها؛ فالواجب واحدٌ، لا بعينه عند الأكثر. فالقاضي، وابن عَقِيل: يتعين بالفعل، وحكي عن الفقهاء، والأشعرية. وقيل: بالاختيار. وقال أبو الخَطَّاب: مُعَيّن عند اللَّه تعالى علم أنه لا يفعل غيره. وقيل: بالوقف. وعن المعتزلة كالقاضي. وبعضهم: معين، ويسقط بغيره. وبعضهم: كلها واجب على التخيير، بمعنى أن كل واحد منها مراد. فالخلاف معنوي عند أبي الطِّيب، والآمديِّ، وجمعٍ. وعند الأكثر: لفظي (¬1). تنبيه: لا يجب أكثر من واحدة إجماعًا، وإن كفَّر بها مُرَتَّبةً فالواجب الأول إجماعًا، أو معًا لا يُثاب ثوابَ الواجب على كل واحد إجماعًا؛ بل على أعلاها، وإن ترك الكل لم يأثم عليه (¬2) إجماعًا؛ بل على أدناها. وقال القاضي، وأبو الطيب: بقدر عقابِ أدناها، لا أنه نفسه، وقال أبو الخَطَّاب، وابن عَقِيل: يثاب على واحد ويأثم به (¬3). ¬
فصل: وقت العبادة مضيق وموسع
فصل وقت العبادة إما بَقَدْر فِعلها؛ وهو المضيَّق كالصوم. أو أقلَّ فمن المحال. أو أكثر وهو الموسَّع كالصلاة المؤقتة؛ فيتعلّق بجميعه مُوسَّعًا أداءً عندنا، وعند المالكية، والشافعية، والأكثر (¬1). وأوجب أكثرُ أصحابنا، والمالكيةُ العزمَ إذا أخر، ويتعين آخره. ولم يوجبه أبو الخَطَّاب، والمجد، وجمع، ومال إليه في الكفاية. وقال قوم: أوله؛ فإن أخر فقضاء. وقال أكثر الحنفية: آخره. وزاد الكَرْخي (¬2): أو بالدخول فيها، فإن قدم فتعجيل. وقيل: نفل يُسْقِط الفرض (¬3). وأكثرهم: إن بقي مُكَلَّفًا فما قَدَّمه واجب. وإلا فلا وجوب. وقيل: يتعلق بوقت غير معيَّن، اختاره ابن عَقِيل، وابن حمدان، والرازي، والمجد، وقال: يجب حمل مراد أصحابنا عليه. ورُدَّ (¬4). ¬
فائدة: يستقر الوجوب عندنا بأول الوقت
فائدة: يستقر الوجوب عندنا بأول الوقت. وعنه: بإمكان الأداء، كالشافعي. وقال مالك، والشيخ: بِضِيقِه. فصل من أخر الواجب الموسع مع ظن مانع موت أو غيره أثم إجماعًا، وفي المقنع: يأثم مع عدم ظن البقاء إجماعًا، ثم إن بقي ففعله في وقته فأداء عند الأكثر (¬1)، وخالف القاضيان (¬2). ومن له تأخيرها ومات لم يعص في الأصح، كالأربعة (¬3)، ويسقط بموته عندهم، ويأثم بالحج في الأصح للشافعية، وخصه الغزالي، وحكي عن الشافعي بالشيخ. فصل ما لا يتم الوجوب إِلا به ليس بواجب مطلقًا (¬4) إجماعًا. وما لا يتم الواجب المطلق إِلا به وهو مقدور للمكلف فواجب عندنا، وعند الشافعية، والأكثر. وقيل: إن كان سببًا. ¬
تنبيه: الخلاف في حكم من ترك ما لا يتم الواجب إلا به على القول بوجوبه
وقال أبو المعالي، وابنُ بَرْهان، وابن الحاجب، وابن حمدان، والطُّوفي: أو شرطًا شرعيًّا. وعن المعتزلة: ليس بواجب (¬1). قال ابن الجوزي (¬2): لا يجب إمساك جزء من الليل في الأصح (¬3). وغير المقدور من المحال. تنبيه: ظاهر من أوجبه يعاقب بتركه، وقاله القاضي، والآمدي وجمع، كثوابه بفعله. وفي الروضة: لا يعاقب، وذكره الشيخ. وقال أيضًا: وجوبه عقلًا وعادة لا يُنكر، والواجب العقابي لا يقوله فقيه، والواجب الطلبي محل النزاع، وفيه نظر (¬4). فائدة: يجوز النهي عن واحد لا بعينه؛ كمِلْكه أختين ووطئهما. ¬
فصل: لو كنى الشارع عن عبادة ببعض ما فيها
وله فعل أحدها عند الأصحاب، والأكثر. وعند أبي البقاء، والجُرْجَاني (¬1)، والقرافي، والمعتزلة: يمنع من الجميع (¬2). وفي المقنع أيضًا: التخيير يقتضي منع الجميع. وفي التمهيد أيضًا: يكون النهي للجمع وللتخيير. ولو اشتبه محُرَّم بمباح وجب الكف، ولا يحرم المباح. وقال المُوَفَّق، والطُّوفي، والغزالي: حرما إلى التبيُّن. فصل لو كنى الشارع عن عبادة ببعض ما فيها، نحو: {وَقُرْءَانَ الفَجْرِ} (¬3)، و {محُلِّقِنَ رُءُوسَكُم} (¬4) دل على فرضه. قطع به القاضي، وابن عَقِيل (¬5). فصل الحرام ضد الواجب، وهو: ما ذُمَّ فاعلُه ولو قولا وعملَ قلب شرعًا. ويسمى محظورًا، وممنوعًا، ومزجورًا، ومعصية، وذنبًا، وقبيحًا، وسيئة، وفاحشة، وإثمًا. ¬
فصل: الثواب والعقاب في الشخص الواحد، والوجوب والحرمة في الفعل الواحد
فصل في الشخص الواحد ثواب وعقاب؛ خلافًا للمعتزلة في تخليد أهل الكبائر. والفعل الواحد بالنوع منه واجب وحرام؛ كسجوده للَّه ولغيره؛ خلافًا لأبي هاشم. وبالشخص له جهة واحدة فيستحيل كونه واجبًا حرامًا، وشَذَّ بعضهم (¬1). وله جهتان كالصلاة في مغصوب: فأحمد، وأكثرُ أصحابه، والظاهريةُ، والزيديةُ، والجُبَّائيةُ: لا تصح ولا يسقط الطلب بها، وكذا عندها؛ خلافًا للباقلاني، والرازي. وعنه: تحرم وتصح، كمالك، والشافعيِّ، والخلَّالِ (¬2)، وابن عَقِيل، والطُّوفي، والأكثر؛ فلا ثواب. وقيل: بلى. وقيل: تكره، كالحنفية (¬3). فائدة: تصح توبة خارج منه فيه، ولم يعص بخروجه عند ابن عَقِيل، وغيره، والمعظم. وخالف أبو هاشم، وأبو الخَطَّاب، وقال: يفعله لدفع أعلى المفسدتين بأدناهما. وقال الشيخ: حق اللَّه يزول بالتوبة، وحق الآدمي يزول بزوال أثر الظلم. وعن أبي المعالي: حكم المعصية باق، وخروجه غير منهي عنه. وعنه: هو طاعة معصية باعتبارين (¬4). ¬
تتمة: حكم الواقع على جريح
تتمة: الواقع على جريح إن بقيَ قتله، ومثله إن انتقل؛ يضمن، وتصح توبته إذن في الأصح. قال ابن عَقِيل، وغيره: ويحرم انتقاله. وابن المُنيِّر (¬1): ينتقل. وابن عبد السلام: إلى كافر معصوم. وأبو المعالي: لا حكم. وقاله الغزالي مرة، وخيَّره أخرى، ويلزم الأدنى قطعًا. فصل المندوبُ لغة: المدعو لمهم؛ من الندب، وهو الدعاء (¬2). وشرعًا: ما أُثِيب فاعله، ولو قولًا وعملَ قلب، ولم يُعاقَب تاركه مطلقًا. ويسمى سنة، ومستحبًا، وفي المقنع: وتطوعًا، وطاعةً، ونفلًا، وقُرْبةً، إجماعًا. قال ابْن قاضي الجبل: ومُرَغَّبًا فيه، وإحسانًا. وفي الحاوي: أعلاه سُنَّة، ثم فضيلة، ثم نافلة. وفي المستوعب: السنة أعلى من الفضيلة. وهو مأمور به حقيقة عند أحمد، والشافعي، وأكثر أصحابهما. وعند أبي الخَطَّاب، والحَلْواني، والحنفية، وبعض الشافعية: مجاز. ¬
فرع: الزائد على قدر الواجب
قال الشيخ: المرغب فيه من غير أمر هل يسمى طاعة وأمرًا حقيقةً؟ ثالثها: طاعة فقط (¬1). فعلى الأول: يكون للفور؛ قاله القاضي، وأبو الخَطَّاب. قال ابن عَقِيل: وتكراره كواجب. وهو تكليف؛ قاله ابن عَقِيل، والمُوَفَّق، والطُّوفي، والأستاذ، والبَاقِلَّاني. ومنعه ابن حمدان، والأكثر، وهي لفظية (¬2). ولا يلزم غيرَ حَجٍّ وعمرة بالشروع. خلافًا لأبي حنيفة، ومالك، ولزومهما به لوجوب المضى في فاسدهما؛ قاله الشافعي، ولمساواته الفرض نيّة، وكفارة، وغيرهما. فرع: الزائد على قدرٍ واجبٍ في قيامٍ ونحوه نفل عند الأربعة، وغيرهم. وواجب عند بعض الشافعية، والكَرْخي. وللقاضي القولان. وعند الثلاثة إن أدرك الركوع أدركها. وما لك مع الطمأنينة (¬3). فائدة: أصحابنا، والمالكية، والشافعية: العبادة الطاعة، والحنفية: بشرط النية. والطاعة: موافقة الأمر، والمعصية: مخالفته عند الفقهاء. وعند المعتزلة: مخالفة الإرادة. وكل قربة طاعة، ولا عكس. ¬
فصل: المكروه: تعريفه، وما يطلق عليه
فصل المكروه: ضد المندوب. وهو ما مُدِح تاركه ولم يُذَمَّ فاعله. وهل يثاب بفعله؟ ثالثها: لا إن كره لذاته. وفي كونه منهيًا عنه حقيقةً وتكليفًا كالمندوب. ويطلق على الحرام، وعلى ترك الأَولى (¬1)، وهو ترك ما فِعْلُه راجح أو عكسه، ولو لم يُنْه عنه، كترك مندوب. ولنا وجه: أنه حرام، كمحمد بن الحسن (¬2)، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف: هو إلى الحرام أقرب (¬3)، وهو في عرف المتأخرين للتنزيه. ويقال لفاعله: مخالف، وغير ممتثل، ومسيء نصًّا، وقيل: يختص الحرام. وقال القاضي، وابن عَقِيل: يأثم بترك السنن أكثر عمره، قال الإمام أحمد: "مَنْ ترك الوِتْرَ فَرَجُلُ سُوءٍ" (¬4). ¬
فائدة: مطلق الأمر لا يتناول المكروه
فائدة: الأربعةُ وغيرُهم: مطلق الأمر لا يتناول المكروه. وخالف أبو بكر الرازي (¬1) (¬2). فصل المباح لغة: المعلن والمأذون (¬3). وشرعًا: ما خلا من مدح وذَمٍّ لذاته. وليس منه فعل غير مكلف، قاله القاضي وغيره. ويسمى طِلْقًا، وحَلالًا، ويطلق هو والحلال على غير الحرام. وليس جِنسًا للواجب في الأصح؛ بل هما نوعان للحكم ولا مأمورًا به عند الأربعة وأتباعهم، وخالف الكَعْبي (¬4) وأصحابه. والخُلْف فيهما لفظي. وعلى الأول: إن أريد بالأمر الإباحة فمجاز عند الأربعة وغيرهم. وقال أبو الفرج، وبعض الشافعية: حقيقة، وللقاضي القولان (¬5). ¬
أنواع الإباحة
والإباحة شرعية إن أريد بها خطاب الشرع، وإلا عقلية. وتسمى شرعية بمعنى [التقرير] (¬1)، وبمعنى الإذن، إِلا أن نقول: العقل مبيح. وفي الرَّوضَة: ما لم يرد فيه سمع يحتمل التخيير، ويحتمل لا حكم (¬2). وليست بتكليف عند الأربعة وغيرِهم، وخالف الأستاذ وجمع (¬3). وفي الروضة كالأول، وعدَّها في أحكام التكليف. وقال المجد: "هي تكليف بمعنى اختصاصها بالمكلَّف" (¬4). فائدتان: الأولى: الجائز لغة: العابر. واصطلاحًا: يطلق على المباح، وعلى ما لا يَمْتنع شرعًا فيعم غير الحرام (¬5)، أو عقلا فيعم الواجبَ، والراجحَ، والمساوي، والمرجوح. وعلى ما استوى فيه الأمران شرعًا؛ كمباح. أو عقلا؛ كفعل صغير. وعلى مشكوك فيه فيهما بالاعتبارين. الثانية: الممكن ما جاز وقوعه حِسًّا، أو وهمًا، أو شرعًا. ¬
فصل: لو نسخ الوجوب بقي الجواز، والخلاف في ذلك
فصل لو نُسخ الوجوبُ بقي الجواز. فالمجد والأكثر، وحكي عن الأصحاب: مشترك بين الندب والإباحة. والقاضي، وأبو الخطاب، وابن عقيل، وابن حمدان: الندب. ومنع في الروضة أن الوجوب ندب وزيادة. وقيل: الإباحة. وعنه: يعود إلى ما كان، كأكثر الحنفية، والتميمي (¬1)، والغزالي (¬2). فائدة: نظيرها قول الفقهاء: لو بطل الخصوص بقي العموم. لو صُرِف النهي عن التّحريم بقيت الكراهة حقيقة، قاله ابن عَقِيل، وغيره. فصل خطاب الوضع: ما استفيد من نصب الشارع علَمًا مُعَرِّفًا لحكمه. فهو خبر لا يُشترط له تكليف، ولا كونه من كسبه، ولا عِلْم ولا قدرة، إِلا سبب عقوبة، وسببًا ناقلًا للملك. ¬
أقسام خطاب الوضع
وهو أقسام: أحدها: العلة، وهي في الأصل العَرَض الموجِب لخروج البدن الحيواني عن الاعتدال الطبيعي. ثم استعيرت عقلًا لما أوجبَ الحكمَ العقلي لذاته، كالكسر للانكسار، ونحوه. ثم شرعًا لمعان: أحدها: ما أوجب الحكمَ الشرعيَّ لا محالة، وهو المجموع المركب من مقتضي الحكم، وشرطه، ومحله، وأهله. الثاني: مُقتَضِي الحكم، وإن تخلف لفوات شرط أو وجود مانع. الثالث: الحكمة، وهي المعنى المناسبُ الذي يَنشأ عنه الحكم؛ كمشقة السفر للقصر والفطر، والدينِ لمنع الزكاة، والأبوةِ لمنع القصاص. القسم الثاني: السببُ، وهو لغةً ما تُوصِّل به إلى غيره (¬1). وشرعًا: ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم لذاته. فيوجد الحكم عنده لا به. واستعير شرعًا لمعان: أحدها: ما يقابل المباشرةَ؛ كحفر البئر مع التَّرْدِيَة. فالأول سبب، والثاني علة. الثاني: علة العلة؛ كالرمي هو سبب للقتل، وهو علة الإصابة التي هي علة الزهوق. الثالث: العلة بدون شرطها؛ كالنصاب بدون الحول. ¬
القسم الثالث: الشرط: معناه، وأقسامه
الرابع: العلة الشرعية كاملة، وهو وقتي كالزوال للظهر، ومعنوي يستلزم حكمه باعثة كالإسكار للتحريم، ونحوه. القسم الثالث: الشرط، وهو لغة: العلامة، وشرعًا: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته. فإن أخلَّ عدمُه بحكمة السبب فَشَرْطُ السببِ؛ كالقدرة على تسليم المبيع. وإن استلزم عدمُه حكمةً تقتضي نقيضَ الحكم فشرطُ الحكم؛ كالطهارة للصلاة (¬1). وهو عقليٌّ؛ كالحياة للعلم. وشرعيٌّ؛ كالطهارة للصلاة. ولغويٌّ: كأنت طالق إن قمتِ، وهذا كالسبب. وعاديٌّ؛ كالغذاء للحيوان كذلك. وما جُعِل قيدًا في شيء لمعنًى؛ كشرط في عقدٍ فكالشرعي، لا اللغوي في الأصح. واللغويُّ أغلبُ استعماله في السببية العقلية والشرعية. واستُعمِل لغة في شرط لم يبق للمسبَّب شرط سواه. القسم الرابع: المانع، وهو يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته. وهو إما للحكم؛ كالأبوة في القصاص مع القتل العمد. أو لسببِ الحكم؛ كالدين في الزكاة مع ملك نصاب. ونصب هذه الأشياء مفيدةً مقتضياتِها حكمٌ شرعيٌّ. والصحة والفساد منه عندنا، وقيل: معنى الصحة الإباحة، والبطلان الحرمة. وقال ابنُ الحاجب وجمع: هما أمر عقلي (¬2). ¬
الإجزاء والقبول
فالصحة في العبادة: سقوط القضاء بالفعل عند الفقهاء. وعند المتكلمين وغيرهم: موافقة الأمر، فصلاة من ظن الطهارة صحيحة على الثاني فقط. والقضاء واجب عليهما عند الأكثر، فالخلاف لفظي. وفي المعاملة: ترتب أحكامها المقصودة بها عليها. ويجمعهما ترتب الأثر المطلوب من الفعل عليه. فبصحة العقد يترتب أثره من مِلْكٍ وغيرِه، وبصحة العبادة يترتب إجزاؤها، وهو الكفاية في إسقاط التعبد، فَفِعْلُ المأمور به بشروطه يستلزمه إجماعًا، وإن فُسِّر بإسقاط القضاء استلزمه عند أصحابنا والأكثر. وخالف عبد الجبار (¬1)، وجمع؛ فلابد من دليل آخر. فالإجزاء يختص بالعبادة، وقيل: بواجبها. والقبول كالصحة مطلقا (¬2). وقيل: توجد صحة بلا قبول، فأثر القبول الثّواب، وأثر الصحة عدم القضاء، ونفي الإجزاء كنفي القبول. وقيل: بل أولى بالفساد. ¬
فائدتان
فائدتان: الأولى: الصحة عقلية؛ كإمكان الشيء وجودًا وعدمًا. وعاديَّة؛ كالمشي ونحوه. وشرعيَّةٌ؛ كالمذكور هنا. الثانية: النفوذ تصرف لا يقدر فاعله على رفعه، وقيل: كالصحة. والبطلان والفساد مترادفان يقابلان الصحة عند أصحابنا (¬1)، والشافعية؛ مع تفريقهما في الفقه بينهما في مسائل. وعند الحنفية: الفاسد ما شُرع بأصله لا بوصفه كالربا. والباطل: ما لم يشرع بهما، كالملاقيح. والعزيمة لغة: القصد المؤكَّد (¬2)، وشرعًا: قال المُوَفَّق، والطُّوفي، وجمعٌ: الحكم الثابت بدليل شرعي خالٍ عن معارض. فيشمل الأحكام الخمسة، وأسقط الرازي الحرام. والقرافي: طلب فعل لم يَشتِهر فيه منع شرعي. فيختص الواجبَ والمندوبَ. والغزالي، والآمدي، وابن حمدان، وابن مفلح: ما لزم بإلزام اللَّه تعالى من غير مخالفة دليل شرعي، فيختص الواجبَ (¬3). والرخصة لغة: السهولة، وشرعًا: ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح. فمنها واجبٌ كأكل مضطرٍ ميتةً، ومندوبٌ كقصرٍ، ومباحٌ كجمعٍ. وهما وصفان للحكم الوضعي. وقيل: التكليفي. وقال الرازي وغيره: للفعل. ¬
فصل: التكليف: معناه، والخلاف في التكليف بالمحال
فصل التكليف لغة: إلزام ما فيه مشقة. وشرعًا: إلزام مقتضى خطاب الشرع. والمحكوم فيه: الأفعال؛ شرطها الإمكان، فيصح التكليف بالمحال لغيره إجماعًا. وهل خلاف المعلوم أو وفقه لا يطاق؟ ثالثها: الفرق. وأما المحال لذاته، كجمع بين ضدين. أو عادة، كالطيران؛ فالأكثر على منعه. وأكثر الأشعرية، والطُّوفي على جوازه. والآمدي وجمع في المحال عادة. فعلى الجواز: لم يقع، وحُكِي عن الأكثر. قال ابن الزَّاغُوني، والمجد: المحال لذاته ممتنع سمعًا إجماعًا. وقال أبو بكر، وابن شَاقْلا، وجمع: بلى، وقيل: الممتنع عادة. فصل الكفار مخاطبون بالفروع عند أحمد، والشافعي، وأكثر أصحابهما، والأشعرية، وأبي بكر الرازي، والكَرْخي، كالإيمان إجماعًا (¬1). وعنه: بالنواهي، كالجرجاني، وابن حامد، والقاضي في المُجرَّد. قال الأستاذ: هو وفاق. وقيل: بغير الجهاد. ¬
تنبيه: فائدة الخلاف في ذلك، وهل يجازى الكافر بعمله في دنياه، أو يخفف عنه في عقباه؟
وقيل: المرتد فقط. وعنه: لا مطلقًا، كأكثر الحنفية، وأبي حامد. ولمالك هذا والأول (¬1). وقيل: بالوقف، وحكي عن الأشعري، وبعض أصحابه. وملتزمهم في إتلاف وجناية وترتب أثر عقد، كغيرهم إجماعًا. تنبيه: فائدته عند أصحابنا والأكثر في الآخرة بكثرة العقاب وقلته (¬2) ولنا وجهان: هل يجازَى الكافر بعمله في دنياه، أو يخفف عنه في عقباه؟ وقال ابن الصيرفي (¬3) وجمع: وفي الدنيا من وجوه. فصل لا تكليف إِلَّا بفعل، ومتعلَّقه في النهي: كَفُّ النفس عند الأكثر (¬4). وقيل: ضد المنهي عنه. ¬
فصل: التكليف بالفعل قبل حدوثه حقيقة
وقيل: مع قصد الترك. وعن أبي هاشم وجمع: العدم الأصلي. فصل أصحابنا والأكثر: يصح التكليف بالفعل قبل حدوثه حقيقةً عند ابن عَقِيل، والأكثر. وقيل: إعلامًا، وقيل: عند المباشرة. ويستمر حال حدوث الفعل عند الأشعري والأكثر. وقالت المعتزلة، وأبو المعالي، والغزالي، والرازي، والطوفي، وغيرهم: ينقطع. ولا يصح أمر بموجود عند أصحابنا والأكثر، وصححه الشيخ وغيره. وقال ابن عَقِيل: يصح أن يقارِن الأمرُ الفعلَ حال وجوده، ونقله عن عامة السلف والفقهاء. خلافًا للمعتزلة؛ فبعضهم جوزه بوقت، وأكثرهم بأوقات. زاد بعضهم: للمصلحة (¬1). تنبيه: يشترط علم المكلف بكونه معلوم الحقيقة ومأمورًا به، ومن اللَّه تعالى، ولا يكفي مجرد الفعل. فصل المحكوم عليه شرطه فهم الخطاب عند العلماء، إِلا من شذَّ، فلا يُكلَّف مراهق. وعنه: بلى. اختاره ابن عَقِيل (¬2). وعنه: ومميَّز. ¬
تكليف السكران، والمكره
ووجوب زكاة ونفقة وضمان من ربط الحكم بالسبب (¬1). ويُكلَّف سكران يُمَيِّز قطعًا، وكذا من لا يميز عند أحمد، والشافعي، وأكثر أصحابهما، والحنفية. وخالف ابن عَقِيل، والمُوَفَّق، والطُّوفي، وأكثر المتكلمين، كمعذور به، وآكل بنج نصًّا، ومغمًى عليه، ونائم، وناسٍ، وفي المقنع: ومخطٍ في الأصح فيهن. والمكرَه المحمول كالآلة غيرُ مكلَّف عند أصحابنا والأكثر (¬2). خلافًا للحنفية. ولنا وجه؛ يحنث في اليمين (¬3). وبالتهديد والضرب مكلَّف عندنا (¬4) وعند الأكثر. خلافًا للمعتزلة والطُّوفي. ويبيح الإكراه ما قبح ابتداءً، خلافًا للمعتزلة (¬5). والمكره بحق مكلف عند الأربعة وغيرهم (¬6). ¬
فائدة: لا يجب على الله شيء
فائدة: أحمد، والأكثر: لا يجب على اللَّه شيء، قال ابن عَقِيل وغيره: لا عقلًا ولا شرعًا. وقال ابن الجوزي، وجمع من أصحابنا، وغيرهم: يجب عليه شرعًا بفضله وكرمه. وحكي عن أهل السنة. وقال الشيخ: أكثر الناس يثبت استحقاقًا زائدًا على مجرد الوعد (¬1). وعند المعتزلة يجب عليه رعاية الأصلح. فصل لا يكلف معدوم حال عدمه إجماعًا، ويعمُّه الخطابُ إذا كُلِّف كغيره عند أصحابنا، والأشعرية، وبعض الشافعية. وقالت المعتزلة، وجمع، وحكي عن أبي الخَطَّاب: لا، إِلا بدليل. وليس الخلاف لفظيًا خلافًا للجُرْجَاني. وقيل: يشمله تبعًا لموجود. وقيل: إعلامًا لا إلزامًا (¬2). فصل الأمر بما عَلِم الآمر انتفاء شرط وقوعه صحيح عندنا وعند الأكثر. وخالف أبو المعالي، والمعتزلة. ويصح مع جهل الآمر اتفاقًا. لا إن عَلِمَا (¬3). قطع به الأكثر. وقال المجد: ينبغي أن يصح، ونبَّه عليه ابنُ عَقِيل. ¬
فائدة: يصح تعليق الأمر باختيار المكلف في الوجوب وعدمه
فائدة: يصح تعليق الأمر باختيار المكلف في الوجوب وعدمه. ذكره القاضي، وابن عَقِيل، وابن حمدان، وغيرهم. وقيل: لا. تنبيه: الأدلة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس؛ فهو منها. خلافًا لأبي المعالي وغيره. ويأتي غيرها. فالأصل الكتاب، والسنة مخبرة عن حكم اللَّه، والإجماع مستند إليهما وإلى القياس، والقياس مستنبط منها (¬1). * * * ¬
باب: الكتاب
باب الكتاب: القرآن، وهو كلام مُنَزَّل على محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- مُعْجِز مُتَعَبَّد بتلاوته. والكلام عند الأشعرية: مشترك بين الحروف المسموعة والمعنى النفسي، وهو نسبة بين مفردين قائمة بالمتكلم. وعند أحمد، وأصحابه، والبخاري، وغيرهم: لا اشتراك. قال الإمام أحمد، وابن المبارك (¬1)، والبخاري، وأئمة الحديث: لم يزل اللَّه تعالى متكلمًا إذا شاء وكيف شاء بلا كيف. قال القاضي: إذا شاء أن يُسْمِعَنا. وقال أحمد أيضًا: لم يزل يأمر بما شاء ويحكم. وقال أيضًا: القرآن معجز بنفسه. قال جمع: مقتضاه أنه مُعْجِز في لفظه ونظمه ومعناه، كالحنفية وغيرهم. وخالف القاضي في المعنى. قال ابن حامد: الأظهر من جواب أحمد أن الإعجاز في الحروف المقطعة باقٍ خلافًا للأشعرية، وفي بعض آية إعجاز، ذكره القاضي وغيره. ¬
فصل: في القراءات السبع
وقال أبو الخَطَّاب، والحنفية، وغيرهم: لا. زاد بعضهم: ولا في آية. وفي الواضح: لا إعجاز ولا تحدِّي بآيتين. قال القاضي، وابن عَقِيل، وجمع: في بعضه إعجاز أكثر من بعض. فصل القراءات السبع متواترة عند [الأئمة] (¬1). قال ابن الحاجب وجمع: لا من قبيل صفة (¬2) الأداء. وقال أبو شامة (¬3) وغيرُه: ولا صفة الألفاظ المختلَف فيها بين القراء، وهو ظاهر كلام أحمد وجمع. وقيل: لا. وقيل: مشهورة، ومال إليه الطُّوفي. وما لم يتواتر فليس بقرآن. ¬
الكلام على البسملة
والبسملة بعض آية من النمل إجماعًا، وقرآن عند الأئمة الثلاثة (¬1)، آية فاصلة بين كل سورتين، سوى براءة. وخالف مالك، وأصحابه، وبعض الحنفية، وروي عن أحمد. وليست من الفاتحة على الأصح (¬2)، ولا تكفير من الجانبين. وتُكرَه قراءة ما صحَّ منه (¬3)؛ نَصًّا (¬4). ولا تصح الصلاة به عند الأربعة وغيرهم. وعنه: تصح (¬5)، وحكي عن مالك، واختاره ابن الجوزي، والشيخ، وقاله النووي (¬6) في الروضة إن بقي المعنى والصفة. وعنه: يحرم، وقاله جمع، وحكي إجماعًا، وقيل: إن غَيَّر المعنى. وهو (¬7): ما خالف مصحف عثمان رضي اللَّه عنه عند أصحابنا وغيرهم؛ فتصح الصلاة بما وافقه، وصح، وإن لم يكن من العشرة نصًّا. وقيل: ما وراء السبعة. ¬
فصل: المحكم والمتشابه
وقال البغوي (¬1)، وجمع: ما وراء العشرة، وهو أصح. قال الشيخ: قال أئمة السلف: مصحف عثمان أحد الحروف السبعة (¬2). وهو حجة عند أحمد، وأبي حنيفة، والشافعي، وأكثر أصحابهم. وعنه: لا. اختاره الآمدي وجمع، وحكي عن مالك، والشافعي. فصل الأصح أن المُحْكَم: ما اتضح معناه. والمتشابِه: عكسه؛ لاشتراكٍ، أو إجمالٍ، أو ظهور تشبيه (¬3). وليس فيه ما لا معنى له، ولا عبرة بمن شَذَّ (¬4)، ولا ما لا يُعنَى به غير ظاهره إِلا بدليل، خلافًا للمرجئة. وفيه ما لا يفهم معناه إِلا اللَّه تعالى عند أصحابنا، وأبي الطِّيب، والرازي، والأكثر (¬5). قال ابن بَرْهان: يجوز عندنا. وقال أبو المعالي، والقشيري: ما فيه تكليف يمتنع دوام إجماله، وإلا فلا، وهو مراد غيره. ¬
يحرم تفسير القرآن برأي واجتهاد بلا أصل
قال المجد؛ وبَحْث أصحابنا يقتصي فهمه إجمالًا لا تفصيلًا. والأصح الوقف على {إِلَّا اللَّهُ} (¬1)، لا {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} خلافًا للآمدي وجماعة، وهو ظاهر اختيار أبي البقاء (¬2). وقال الشيرازي، والسُهَيْلي (¬3): الوقف على {إِلَّا اللَّهُ} ويعلمه الراسخون، وقيل: بالوقف. ويحرم تفسيره برأي واجتهاد بلا أصل. ويجوز بمقتضى اللغة عند أحمد، وأكثر أصحابه، وغيرهم. وعنه: لا (¬4)، اختاره القاضي أبو الحسين (¬5)، وأُوِّلَتْ. ¬
باب: السنة
باب السنة لغة: الطريقة، وشرعًا اصطلاحًا: قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- غير القرآن ولو بكتابةٍ، وفعلُه ولو بإشارةٍ. وزيد: الهمُّ، وإقرارُه. وهو حجة للعصمة (¬1)، وهي: سلب القدرة على المعصية. وقيل: يَقْدِر ولكن يُصْرَف عنها. وعند الأشعرية: توفيق عام. والمعتزلة: خلق ألطاف تقرب إلى الطاعة، والجوزي (¬2): حفظ المحل بالتأثيم أو التضمين (¬3). فامتناع المعصية منه -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل البعثة عقلًا مبني على التقبيح العقلي، فمن أثبته كالراوفض منعها، وقاله المعتزلة في الكبائر. ومن لا فلا (¬4). وبعدها معصوم من تَعمُّد ما يُخِل بصدْقِه فيما دلت المعجزة على صدقه من رسالة وتبليغ إجماعًا، ولا تقع غلطًا وسهوًا عند الأكثر، وجوَّزه القاضي، والبَاقِلَّاني، والآمدي، وغيرهم (¬5). ¬
قال عِيَاض (¬1)، ومعناه لابن عَقِيل وغيره: لا يقع في الأقوال البلاغية إجماعًا، ثم لا يُقَرُّ عليه إجماعًا، فيُعلم به، قال الأكثر: على الفور، وأبو المعالي وغيره: مدة حياته (¬2). وما لا يخل بصدقه فمعصوم من كبيرة (¬3)، ومما يوجب خِسَّةً أو إسقاط مروءة عمدًا إجماعًا، وجَوَّز القاضي والأكثر وقوعها سهوًا، ومنعه ابن أبي موسى، وجَوَّز الهمة (¬4). وتجوز صغيرة عمدًا عند القاضي، وابن عَقِيل، وابن الزَّاغُوني، والأشعرية (¬5)، وقيل: لا. وعند الحنفية: معصوم من معصية مقصودة، لا زَلَّة (¬6)، وتجوز سهوًا عند الأكثر. ومنع الأستاذ وجمع من محققي أصحابنا وغيرهم مطلقًا، وهو أنزه المذاهب. ¬
فصل: أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم -
فصل ما كان من أفعاله -صلى اللَّه عليه وسلم- مختصًّا به فواضح. أو جبليًّا فمباح (¬1)، قطع به الأكثر، وقيل: مندوب، وقيل: ممتنع. وإن احتمل الجبليَّ وغيرَه؛ كجلسة الاستراحة، وركوبه في الحجِّ، ودخوله مكة من كَداء (¬2)، ولبسه السّبتي (¬3) والخاتم، وذهابه ورجوعه في العيد ونحوه؛ فمباح. وحُكِيَ عن الأكثر. وقيل: بالوقف. وقيل: مندوب، وهو أظهر. وهو ظاهر فعل أحمد؛ فإنه تسرَّى (¬4)، واختفى ثلاثًا، وقال: "ما بلغني حديث إِلا عملت به"، حتى أعطى الحجام دينارًا (¬5)، وورد عن الشافعي. ¬
فائدة: فيما تعلم به صفة فعله - صلى الله عليه وسلم -
وما كان بيانًا بقول؛ كـ "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" (¬1)، أو فعل عند الحاجة؛ كقطع من كوع، وغسل مرفق؛ فواجب عليه اتفاقًا. وما علمت صفته من وجوب أو غيره فأصحابنا والأكثر: أمته مثله. والقاضي وغيره في العبادات، وبعض أصحابنا وقف (¬2). والبَاقِلَّاني: كالذي لم تعلم صفته. والشيخ: يمكن وجوبه علينا لا عليه. فائدة: تُعْلَم الصفة بنصه وتسويته بفعل قد عُلمت جهته أو بقرينة تُبَيِّنُ صفةَ أحد الثلاثة (¬3). ووقوعه بيانًا لجمل، أو امتثالًا لنصٍّ يدل على حكم. وما لم تعلم صفته وقُصِد به القربة فواجب علينا وعليه عند أحمد، ومالك، وأكثر أصحابهما. وعنه: مندوب. إختاره التميمي، والقاضي، وحُكِي عن الشافعي، والحنفية، والفخر. وقيل: مباح. اختاره الفخر في جَدَلِه، والجصاص، وحُكِي عن مالك (¬4). ¬
فائدتان
وعن أحمد: الوقف، اختاره أبو الخَطَّاب، وحكي عن التميمي، والأشعرية. وللشافعية الأربعة. وغيره مباح عندنا وعند الأكثر. وقال جمع: واجب. وجمع: مندوب. والآمدي: مشترك بينهما فيما قُصِد به القُرْبة، وإلا بينهما وبين المباح، وما اختص به أحدهما فمشكوك فيه (¬1). فائدتان: الأولى: التأسِّي: فعلُك كما فَعَلَ لأجل أنه فَعَلَ، وكذا الترك (¬2). وفي القول: امتثاله على الوجه الذي اقتضاه، وإلا فموافقة لا متابعة. الثانية: لا يفعل -صلى اللَّه عليه وسلم- المكروه ليُبَيِّن به الجواز؛ بل فِعْله ينفي الكراهة، قاله القاضي وغيره. والمراد: ولا معارض له، وإلا فقد يفعل شيئًا ثم يفعل خلافه لبيان الجواز، وهو كثير عندنا، كتركه الوضوء مع جنابة لنوم، وأكل، ومعاودة وطء (¬3). وتشبيكه بعد سهوه (¬4) لا ينفي الكراهة؛ لأنه نادر (¬5). وحَمَل الحنفيةُ وضوءَه بسؤر الِهرِّ، ونحوه على الجواز مع الكراهة (¬6). ¬
فصل: سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إنكار أمر بحضرته أو زمنه
فصل إذا سكت -صلى اللَّه عليه وسلم- عن إنكار أمر بحضرته أو زمنه عالمًا به دلَّ على جوازه، حتى لغيره في الأصح. وإن سبق تحريمه فَنَسْخٌ إِلا من كافر (¬1). وقيل: ومن يغريه الإنكار. وقيل: ومنافق. فصل فعلاه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولو اختلفا وأمكن اجتماعهما؛ كصوم وصلاة، أو لا، لكن لا يتناقض حكماهما؛ فلا تعارض. وكذا إن تناقض كصومه في وقت وأكله في مثله. لكن إن دل دليل على وجوب تكرر الأول له أو لأمته، أو أقرَّ من أكل في مثله؛ فَنَسْخٌ (¬2). وقيل في فعليه المختلفين: الثاني ناسِخٌ، وإلا تعارضا، ومال إليه الشافعي. وقال البَاقِلَّاني، وأبو المعالي بجوازهما لما لم يتضمن أحدهما حظرًا، وهو ظاهر كلام أحمد في مسائل، وآخرهما أفضل (¬3). ¬
فصل: في تعارض فعله وقوله - صلى الله عليه وسلم -
فصل إذا تعارض فعله وقوله، ولا دليل على تكررٍ ولا تأسٍ، والقول خاص به وتأخر؛ فلا تعارض. وإن تقدَّم فالفعل ناسخ قبل التمكن عندنا. وإن جُهِل فكالجهل الآتي (¬1). وإن اختص القول بنا فلا تعارض مطلقًا. أو عمَّ، وتقدَّم الفعل فلا تعارض أيضًا. وإن تقدم القول فكالقول الخاص به، ولا تعارض في حقنا (¬2). فإن كان العامُّ ظاهرًا فيه فالفعل تخصيص. وإن دل عليهما والقول خاص به فلا تعارض فينا مطلقًا. وفيه المتأخر ناسخ. فإن جهل فلا تعارض فينا، وفيه اختار أبو الخطاب، وابن حمدان: يعمل بالقول. وقيل: بالفعل. وابن حمدان: الوقف. وفي التمهيد: إن ورد خبر يخالف فعلَه إن لم يعمه فلا تعارض. وإلا تعارضا فالتخصيص، ثم المتواتر، ثم الترجيح، ثم الوقف (¬3). ¬
فائدة: في كون فعل الصحابي مذهبا له في الأصح
وإن اختص القول بنا فلا تعارض فيه، وفينا المتأخر ناسخ، فإن جُهِل فثالثها. ابن الحاجب، وابن قاضي الجبل: يُعمل بالقول. وأبو الخطاب: إن تعارضا من كل وجه فالمتأخر ناسخ، فإن جهل عمل بالقول (¬1). وإن عَمَّ القول فالمتأخر ناسخ، فإن جهل فالثلاثة. وإن اقتضى القول التكرارَ فالفعل ناسخ له، وإلا فلا تعارض. وإن دل على تكرر لا تأس، والقول خاص بنا فلا تعارض، أو به، أو عمَّ فلا تعارض فينا، وفيه المتأخر ناسخ، فإن جهل فالثلاثة (¬2). وإن دل على عكسه والقول خاص به وتأخر فلا تعارض مطلقا، وإن تقدم فالفعل ناسخ في حقه، فإن جهل فالثلاثة (¬3). وإن عَمَّ وتقدم الفعل فلا تعارض فيه، وفينا القول ناسخ. وإن تقدم القول فالفعل ناسخ. وبعد التمكن من [القول] (¬4) لا تعارض، إِلا أن يقتضي القول التكرارَ فالفعل ناسخ له، فإن جهل فالثلاثة (¬5). فائدة: فعل صحابي مذهب له في الأصح (¬6). ¬
باب: الإجماع
باب الإجماع لغة: العزم والاتفاق. واصطلاحًا: اتفاق مجتهدي الأمة في عصر على أمر، ولو فعلًا بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. وفي العُدَّة، والتمهيد: علماء العصر على حكم حادثة. وفي الواضح: فقهاء العصر. وفي المقنع: على حكم شرعي، وفي الروضة وغيرها: على أمر ديني (¬1). وأنكره النَّظَّام (¬2)، وبعض الرافضة. وروي عن أحمد؛ وحُمِل على الورع، أو على غير عالم بالخلاف، أو على تعذر معرفة الكل، أو على العامِّ النُّطقي، أو بعده، أو غير الصحابة (¬3). وهو حجة قاطعة عند الأربعة وغيرهم، وخالف النَّظَّام وقوم (¬4). وقال الآمدي، والرازي: ظنية. وقيل: في السكوتي ونحوه، بالشرع. ¬
فائدة: في إجماع الأمم الماضية
وقيل: والعقل. وشرطت الرافضة فيه قولَ معصوم. فائدة: ليس إجماع الأمم الماضية حجة عند المجد والأكثر. وخالف الأستاذ، وجمع، وقاله أبو المعالي إن كان سندهم قطعيًا، وإلا الوقف. والطوفي إن كان سند إجماعنا عقليًّا، وإلا الوقف. ووقف الباقلاني مطلقًا. فصل المعظم: لا يعتبر فيه قول العامة. وقيل: بلى، وقيل: في المسائل المشهورة، وقيل: بمعنى أن الأمة أجمعت، لا افتقار الحجة إليهم، ومن عرف الحديث أو اللغة أو الكلام ونحوه، وكذا من عرف الفقه أو أصوله عند أحمد، وأصحابه، والأكثر، وقيل: بلى، والباقلاني، وأبي المعالي: الأصولي، وقيل: الفروعي، وكذا من فاته بعض شروط الاجتهاد، ومعناه لابن عَقِيل وغيره (¬1). قال الطُّوفي: ونَحْويٍّ فيما بُني على النحو. والأشبه: يعتبر هو والأصولي، وبنى الخلاف على تجزؤ الاجتهاد، وقال هو وجمع: يعتبر في إجماع كل فن أهله (¬2). ولا كافر، ولو ببدعة عند المكفِّر. ¬
فصل: لا يختص الإجماع بالصحابة
ولا فاسق مطلقًا عند القاضي، وابن عَقِيل، والأكثر. وعند أبي الخَطَّاب، والشيرازي، والغزالي: بلى. وقيل: إن ذكر مستندًا صالحًا، وقيل: يعتبر في نفسه، اختاره أبو المعالي (¬1). فموافقته حجة على الكل، ومخالفته حجة عليه فقط. وقال البَاقِلَّاني، وأبو بكر الرازي: ولا بقول الظاهرية، وابنُ الصلاح (¬2): إن لم يسغ فيه اجتهاد، والبَاقِلَّاني، وأبو المعالي: ولا بقول منكر القياس، وهما والغزالي: ولا بقول الأصمّ (¬3). فصل الأربعة وغيرهم: لا يختص الإجماع بالصحابة (¬4)، وعنه: بلى كالظاهرية. ¬
فصل: لا إجماع مع مخالفة واحد أو اثنين
فصل أحمد، وأصحابه، والأكثر: لا إجماع مع مخالفة واحد أو اثنين، وقيل: اثنين، وعنه: ينعقد، اختاره ابن جرير (¬1)، وأبو بكر الرازي، وابن حمدان، وجمع، وقيل: في غير أصول الدين، وابن الحاجب وقوم: حجة، والجُرْجَاني: إن لم يسوغوا اجتهاد المخالف، كالمتعة انعقد، وإلا فلا كالعَوْل، وقيل: الخلاف في الأقل، وقيل: إن بلغ عدد التواتر منع (¬2). ولا إجماع للصحابة مع مخالفة تابعي مجتهد عند أحمد، وأبي الخَطَّاب، وابن عَقِيل، والمُوَفَّق، والطُّوفي، والأكثر، وعنه: بلى، اختاره الجلَّال، والحَلْواني، وللقاضي القولان (¬3). وإن صار مجتهدًا بعده فعلى انقراض العصر، ونفاه المُوَفَّق وغيره، كإسلامه بعده، ولا يعتبر موافقته خلافًا لأبي الخَطَّاب، وابن عَقِيل، والآمدي، ولعل المراد عدم مخالفته (¬4). ¬
فائدة: تابع التابعي مع التابعي كهو مع الصحابي
فائدة: تابع التابعي مع التابعي كهو مع الصحابي، قاله القاضي وغيره (¬1). فصل إجماع أهل المدينة ليس بحجة، خلافًا لمالك، فقال أكثر أصحابه بظاهره، فبعضهم زمن الصحابة، وقيل: والتابعين، وقيل: ومن يليهم، والباجي (¬2) فيما طريقه النقل، كابن عَقِيل، وقيل: في المنقولات المستمرة كأذان وإقامة (¬3). وقيل: من أهل الحرمين، وقيل: والمصرَيْن (¬4)، وقيل: وأحدهما. فصل أحمد، والأكثر: قول الخلفاء الأربعة ليس بإجماع ولا حجة مع مخالفة مجتهد، وعنه: بلى، اختاره ابن البَنَّاء، وأبو خازم، وعنه: حجة، وعنه: وقول الشيخين، وعنه: منهما إجماع. وعنه: تحرم مخالفة أحدهم، اختاره البَرْمَكِي (¬5)، وبعض الشافعية (¬6). ¬
قول أهل البيت ليس إجماعا ولا حجة
وما عقده أحدهم كصلاة بني تغلب وخراج وجزية لا يجوز نقضه، وخالف ابن عَقِيل (¬1). ولا قول أهل البيت عند الأربعة، وغيرهم (¬2)، وهم: عليٌّ، وفاطمة، ونجلاها (¬3) رضيَ اللَّه عَنْهُم في الأصح. وقال القاضي في المُعتمَد، وبعض العلماء، والشيعة: إجماع، واختاره الشيخ، وقال: ومثله إجماع أهل المدينة زمن الخلفاء وإجماع أهل السنة (¬4). فصل أصحابنا والأكثر: لا يشترط فيه عدد التواتر (¬5)، خلافًا لأبي المعالي وغيره. ولو بقي واحد فإجماع في ظاهر كلام أصحابنا، كالأستاذ، وابن سُرَيج، وابن عَقِيل (¬6)، وحكي عن الأكثر، وقاله الغزالي إن وافقه العوام، واعتبر قولهم، وقيل: حجة، وقيل: لا مطلقًا. فصل أحمد، وأكثر أصحاب الأربعة: لو قال مجتهد قولًا في مسألة اجتهادية تكليفية في الأصح، وانتشر ومضى مدة ينظر فيها، وتجرد عن قرينة رضى وسخط، ولم ينكر قبل استقرار المذاهب فإجماع ظني في الأصح (¬7). ¬
فصل: انقراض العصر، والخلاف في اعتباره
وابن عَقِيل أيضًا، والبَاقِلَّاني، وأبو المعالي: لا (¬1)، وبعض الحنفية، والصَّيْرفي، والآمدي، وابن الحاجب في الكبير: حجة، والثلاثة للشافعي، وابن أبي هريرة (¬2) في الفتيا لا الحكم، والمروزي (¬3) عكسه، وقيل: إجماع فيما يفوت استدراكه، وأبو المعالي أيضًا فيما يدوم ويتكرر وقوعه، وقيل: من صحابي، وقيل: إن كان الساكت أقل، وأبو الخَطَّاب، وابن حمدان: إن انقرض العصر. وإن لم ينتشر من غير صحابي فلا إجماع، وقيل: بلى، وقيل: حجة، ويأتي الصحابي. فصل أحمد، وأكثر أصحابه، وابن فُورَك، وسُليم (¬4)، وحكي عن الأشعري، والمعتزلة: ¬
فصل: لا إجماع إلا عن دليل
يعتبر انقراض العصر، والثلاثة، والأكثر: لا، منهم الطُّوفي، وأبو الخَطَّاب، وقال: أومأ إليه (¬1)، وقيل: للسكوتي، كالآمدي وغيره، وقيل: للقياسي، وقيل: لما فيه مهلة، وقيل: إن بقي عدد التواتر، وقيل: في إجماع الصحابة. وحيث اعتبر الانقراض، وهو موت من اعتبر فيه؛ ساغ لهم ولبعضهم الرجوع لدليل، ولو عقب الإجماع، وحيث لا يعتبر لا يعتبر تمادي الزمن، واشترطه أبو المعالي، والغزالي في المنخول (¬2) في الظني، مع تكرر الواقعة. فصل الأربعة وغيرهم: لا إجماع إِلا عن دليل، وخالف قوم، وقال الآمدي: "إن وقع فحق"، ويجوز عن اجتهاد وقياس، ووقع، وتحرم مخالفته عند الأربعة وغيرهم (¬3). وخالف ابن جرير، والظاهرية، والشيعة في الجواز، وقوم في القياس الخفي، وقوم في الوقوع، وقوم في تحريم مخالفته (¬4). فصل أحمد، والشافعي، والأكثر: إذا اختلفوا على قولين حَرُم إحداث ثالث، والآمدي، والرازي، والطُّوفي، وجمع: إن رفع المجمع عليه. وأبو الخَطَّاب، وبعض الحنفية، وغيرهم، وهو ظاهر كلام أحمد: لا مطلقًا (¬5). ¬
إن اختلفوا في مسألتين على قولين إثباتا ونفيا
وإن اختلفوا في مسألتين على قولين إثباتًا ونفيًا فلمن بعدهم التفصيل عند القاضي وغيره، وحكي عن الأكثر، ومنع جمع (¬1). وفي الكفاية: إن صرحوا بالتسوية لم يجز، وإلا فوجهان، وفي التمهيد وغيره: إن صرحوا بالتسوية لم يجز، وإلا فإن اختلف طريق الحكم فيهما جاز، وإلا فلا، وهو ظاهر كلام أحمد (¬2). وقال الحَلْواني، والمُوَفَّق: إن صرحوا بالتسوية لم يجز، وإلا جاز، ونقل عن الأكثر (¬3). فصل أصحابنا والأكثر: يجوز إحداث دليل آخر، زاد القاضي: من غير أن يقصد بيان الحكم به بعد ثبوته، وإحداث علة، ذكره أبو الخَطَّاب، والمُوَفَّق، والطُّوفي، وغيرهم، وقيل: لا فيهما، وكذا إحداث تأويل، وحكي عن الأكثر ما لم يكن فيه إبطال الأول، ومنع عبد الوهاب (¬4) وغيره (¬5). قال الشيخ: "لا يحتمل مذهبنا غيره، وعليه الأكثر"، ومراده دفع التأويل المنكر عند السلف (¬6). ¬
فصل: اتفاق العصر الثاني على أحد قولي الأول
فصل أحمد، والشافعي، وأكثر أصحابهما، والأشعري، وغيرهم: اتفاق العصر الثاني على أحد قولي الأول، وقد استقر خلافهم لا يرفع الخلاف. وأبو الخَطَّاب، وأكثر الحنفية، وأبو الطِّيب، والرازي، وجمع: يجوز، فيصير إجماعًا (¬1)، وقيل: ظني، وقيل: حجة، وقيل: لا. وقبل استقراره إجماع قطعًا. تنبيه: لو مات أرباب أحد القولين لم يصر قول الباقي إجماعًا، ذكره القاضي محلَ وفاق، وخالف الرازي، وأتباعه. واتفاق مجتهدي عصر بعد اختلافهم إجماع وحجة في الأصح فيهما، وكذا بعد استقراره عندنا وعند الأكثر، وقيل: إن كان المستند قطعيًّا، وخالف البَاقِلَّاني، والآمدي، وأبو المعالي، وقال: إن طال زمنه، وقيل: حجة، ومنع الصَّيْرفي الاتفاق بعد الاختلاف، ومن شَرَطَ انقراضَ العصر جوزه قطعًا (¬2). فصل إذا اقتضى دليل حكمًا لا دليل له غيره امتنع عدم علم الأمة به، وإن كان له دليل راجح عمل على وفقه جاز، وهو ظاهر كلام أصحابنا، واختاره الآمدي، وقيل: لا (¬3). ¬
فصل: ارتداد الأمة جائز عقلا
فصل ارتداد الأمة جائز عقلًا قطعًا، لا سمعًا في ظاهر كلام أصحابنا، وصرح به الطُّوفي وغيره، وخالف ابن عَقِيل وغيره (¬1). ويجوز اتفاقها على جهل ما لم تكلف به في الأصح، لا انقسامها فرقتين كل فرقة مخطئة في مسألة مخالفة للأخرى عند الأكثر. ولا إجماع يضاد إجماعًا سابقًا خلافًا للبصري (¬2). فصل الأخذ بأقل ما قيل، كدية الكتابي الثلث ليس بإجماع؛ للخلاف في الزائد، خلافًا لمن ظنه (¬3). وتمسك الشافعي ومن تبعه به للإجماع والبراءة الأصلية إن كان جزءًا منه، ولم يجد دليلًا للزائد، وقيل: يأخذ بالأكثر. فصل ابن حامد، وجمع: يكفر منكر حكم إجماع قطعي، والقاضي، وأبو الخَطَّاب، وجمع: لا، كظني، ويفسق (¬4). ¬
فصل: لا يصح التمسك بالإجماع فيما يتوقف صحة الإجماع عليه
والطوفي، والآمدي، ومن تبعه: يكفر بنحو العبادات الخمس، وهو معنى كلام أصحابنا في الفقه (¬1). والحق أن منكر المجمع الضروري والمشهور المنصوص عليه كافر قطعًا، وكذا المشهور فقط، لا الخفي في الأصح فيهما. فصل لا يصح التمسك بالإجماع فيما يتوقف صحة الإجماع عليه اتفاقًا، كوجود الباري، وصحة الرسالة، ودلالة المعجزة، ويصح فيما لا يتوقف، وهو ديني كالرؤية، ونفي الشريك، ووجوب العبادات، أو عقلي كحدث العالم، خلافًا لأبي المعالي مطلقًا، وللشيرازي في كليات أصول الدين، كحدث العالم، وإثبات النبوة، أو دنيوي كرأي في حرب ونحوه في ظاهر كلام القاضي، وأبي الخَطَّاب، وابن عَقِيل، وغيرهم، واختاره الآمدي، ومن تبعه، وهو أظهر (¬2). وقيل: بعد استقرار الرأي. وقيل: ليس بحجة، وهو ظاهر الروضة، والمقنع، والطوفي. أو لغوي، وقيل: إن تعلق بالدين. تنبيه: أصحابنا والأكثر: يثبت بخبر الواحد. وأبو الخَطَّاب، والغزالي: لا، والآمدي وغيره: سنده ظني، ومتنه قطعي (¬3). ¬
فصل: فيما يشترك فيه الكتاب والسنة والإجماع
فصل يشترك الكتاب والسنة والإجماع في السند -ويقال: الإسناد- والمتن. فالسند: إخبار عن طريق المتن، والمتن: المخبر به. والخبر يطلق مجازًا على الدلالة المعنوية، والإشارة الحالية، وحقيقة على الصيغة، وتدل بمجردها عليه عند القاضي وغيره (¬1). وقال ابن عَقِيل: الصيغة الخبر، والمعتزلة: لا صيغة له، ويدل عليه اللفظ بقرينة. والأشعرية: هو المعنى النفسي، والآمدي: يطلق على الصيغة وعلى المعنى. والأشبه لغة: حقيقة في الصيغة (¬2). ويحد عند أصحابنا والأكثر، فأبو الخَطَّاب، وابن عَقِيل، وابن البَنَّا، وغيرهم: ما يدخله الصدق والكذب، والقاضي وغيره بأو. والطُّوفي وغيره: التصديق والتكذيب، والمُوَفَّق وغيره بأو (¬3). وأبو الحسين (¬4): كلام يفيد بنفسه نسبة، وجماعة: كلام محكوم فيه بنسبة خارجية (¬5). ¬
الإنشاء وأنواعه
وقيل: لا يحد، كا لوجود والعدم لعسره، أو لأنه ضروري (¬1). وغير الخبر: إنشاء وتنبيه، ومنه أمر، ونهي، واستفهام، وتمن، وترج، وقسم، ونداء، وقيل: التنبيه غيره. وصيغة عقد وفسخ ونحوها إنشاء عندنا وعند الأكثر. وعند أبي حنيفة إخبار، وقاله القاضي في عقد (¬2). ولنا وجه: "طلقتك" (¬3) كناية، ولو قاله لرجعية طلقت في الأصح، ولو ادعى طلاقًا ماضيًا توجه لنا خلاف (¬4). وأشهد: إنشاء تَضَمَّن إخبارًا، وقيل: إخبار، وقيل: إنشاء. وقيل: غير الخبر: طلب وإنشاء، فإن طلب بالوضع تحصيل فعل أو ترك فأمر أو نهي، أو إعلام فاستفهام، وغيره إنشاء. وقيل: غير الخبر طلب فقط. ¬
فائدة: عشر حقائق تتعلق بمعدوم مستقبل
فائدة: عشر حقائق تتعلق بمعدوم مستقبل، وهي أمر، ونهي، ودعاء، وشرط، وجزاء، ووعد، ووعيد، وتمنٍّ، وترجٍّ، وإباحة، قلت: وعَرْضٌ وتحضيض. فصل الأكثر: الخبر صدق، وهو المطابق، وغيره كذب. والجاحظ (¬1): إن اعتقد وطابق فصدق، وغير المطابق مع اعتقاد عدمها كذب، وغيرهما واسطة (¬2)، وقيل: إن اعتقد فصدق، وإلا فكذب، وهو لفظي. ومنه معلوم صدقه وكذبه، ومحتمل. فالأول: ضروري بنفسه، كمتواتر، وبغيره كموافق لضروري، ونظري، كخبر اللَّه تعالى ورسوله والإجماع، وخبر من ثبت بخبر أحدها صدقُه، وخبر من وافق أحدها. والثاني: المخالف لما عُلم صدقه. والثالث: ما ظُن صدقه كعدل، وكذبه ككذاب، وشُك فيه كمجهول، وقول قوم: كل خبر لم يعلم صدقه كذب باطل. ¬
فائدتان
فائدتان: الأولى: مدلول الخبر الحكم بالنسبة، لا ثبوتها، خلافًا للقرافي. قال البَيَانيُّون: مورد الصدق والكذب النسبة التي تضمنها. الثانية: أحمد، وابن عقيل، وابن الجوزي، والموفق، وغيرهم: يكون الكذب في مستقبل كماضٍ، وقيل: لا. فصل التواتر لغة: التتابع بمهلة، واصطلاحًا: خبر جمع مفيد للعلم (¬1)، ويتفاوت المعلوم عند أحمد والمحققين، وعنه: لا، واختاره ابن عبد السلام، وحكي عن البَراهِمة: لا يفيده، واكتفوا بالعقل، وحصر السُمَنِيَّة (¬2) العلّمَ في الحواس الخمس، وقيل: يفيد بالموجود، لا الماضي، وهو عناد. وأنكرت الملاحدة والرافضة العلم بالعقل (¬3). وهو لفظي كحديث "مَنْ كذَبَ عَلَيَّ" (¬4)، ومعنوي: وهو تغاير الألفاظ مع الاشتراك في معنًى كلي كحديث ¬
فصل: العلم الحاصل بالتواتر ضروري، والخلاف في ذلك
الحوض (¬1)، وسخاء حاتم (¬2). فصل أصحابنا والأكثر: العلم الحاصل به ضروري (¬3)، وأبو الخَطَّاب، وأبو المعالي، والدَقَّاق (¬4): نظري، وللقاضي القولان. والغزالي: ضروري بمعنى، ونظري بمعنى، والطُّوفي وغيره: لفظية. وتوقف الآمدي، والمرتضى (¬5) (¬6). ¬
فائدة: خبر التواتر لا يولد العلم
فائدة: خبر التواتر لا يولد العلم، ويقع عنده بفعل اللَّه تعالى عند الفقهاء وغيرهم، وخالف قوم. وشرطه: بلوغهم عددًا يمتنع معه التواطؤ على الكذب لكثرتهم، وعن القاضي وغيره: أو دينهم، مستندين إلى الحس في الأصح، مستوين في طرفي الخبر ووسطه إن وجد، وإلا فقد يكون طرف وطرفان بلا واسطة، زاد المُوَفَّق، والآمدي، وابن حمدان: عالمين، وفي التمهيد: إن قلنا نظري، وعدم علم السامع به (¬1). فصل أصحابنا والمحققون: لا ينحصر في عدد، بل ما حصل العلم عنده، فيعلم إذن حصول العدد، ولا دور. وعلى هذا يمتنع الاستدلال بالتواتر على من لم يحصل له العلم به (¬2). ويختلف باختلاف القرائن في أصحها، وقيل: بلى، فقيل: اثنان وأربعة، ومنعه القاضي وجمع محققون، وحكي إجماعًا، وخمسة، وعشرة، واثنا عشر، وعشرون، وأربعون، وسبعون، وثلاثمائة ونيف، وخمسمائة وألف، وأربعمائة. وقول أبي الحسين، والبَاقِلَّاني: من حصل بخبره علم بواقعة لشخص حصل بمثله بغيرها لشخص آخر صحيح إن تساويا من كل وجه، وهو بعيد عادة. ¬
فصل: أخبار الآحاد
وشرط بعض الشافعية: الإسلام والعدالة، وبعضهم: طول الزمن، وجمع: أن لا يحويهم بلد، ولا يحصيهم عدد، وقوم: اختلاف النسب والدين والوطن، والشيعة: المعصوم فيهم، وقوم: إخبارهم طوعًا، والمرتضى: أن لا يعتقد خلافه (¬1). فصل ابن البنا، والموفق، والطوفي، وجمع: الآحاد ما عدا التواتر، وقيل: ما أفاد الظن، والآمدي، والجوزي، وابن حمدان، والشيخ، وابن قاضي الجبل، ونسبه إلى الأصحاب وغيرهم: منه مستفيض مشهور، وقاله الأستاذ، وابن فُورَك، وأنه يفيد العلم نظرًا، والتواتر ضرورة (¬2). وأقل نقلته أربعة، وقيل: ثلاثة، وقيل: اثنان، وقيل: ما عده الناس شائعًا. وقال الجوزي: ما ارتفع عن ضعف الآحاد، ولم يلتحق بقوة التواتر. فصل أحمد والأكثر: خبر الواحد العدل يفيد الظن فقط، وعنه: والعلم، اختاره ابن أبي موسى، وجمع من الأصحاب، وغيرهم (¬3). وظاهر الأول ولو مع قرينة، وعليه الأكثر. وقال المُوَفَّق، وأبو المعالي، والغزالي، والآمدي، والرازي، وابن حمدان، والطُّوفي: يفيد العلم بها، وهو أظهر. وقال المحققون: لو نقله آحاد الأئمة المتفق عليهم من طرق متساوية وتلقي بالقبول أفاد العلم، منهم القاضي، وقال: هو المذهب، وأبو الخَطَّاب، ¬
فصل: فيما يفيده خبر الواحد
وقال: هو ظاهر كلام أصحابنا، وابن الزَّاغُوني، وابن الصلاح، والشيخ، وزاد: أو عملت بموجبه لأجله عند أكثر علماء المذاهب الأربعة، وأنهم اختلفوا: هل يشترط علمهم بصحته قبل العمل؛ على قولين. والأستاذ: يفيده عملًا لا قولًا. فائدة: أحمد، وأكثر أصحابه، وغيرهم، وحكي إجماعًا: يعمل به في الأصول، والقاضي: فيما تلقته، وأبو الخَطَّاب، وابن عَقِيل، وجمع: لا، وفي كفر منكره خلاف. فصل إذا أخبر واحد بحضرته -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم ينكر دل على صدقه ظنًا، في ظاهر كلام أصحابنا، كالآمدي وغيره، وقيل: قطعًا. وكذا لو أخبر واحد بحضرة جمع عظيم ولم يكذبوه، وقيل: إن علم أنه لو كان لعلموه، ولا داعي إلى السكوت عُلم صدقه. قال الشيخ: ومنه ما تلقاه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالقبول، كإخباره عن تميم الداري (¬1)، ومنه إخبار شخصين عن قضية يتعذر عادة تواطؤهما عليها، أو على كذب وخطأ. ¬
يمتنع كتمان أهل التواتر ما يحتاج إلى نقله
ويمتنع كتمان أهل التواتر ما يحتاج إلى نقله، كامتناع الكذب على عدد التواتر عادة. ولو انفرد مخبر فيما تتوفر الدواعي على نقله، وقد شاركه خلق كثير فكاذب قطعًا، خلافًا للشيعة فيهن. فصل يعمل به في فتوى وحكم وشهادة وأمر دنيوي إجماعًا، ويعمل به عقلًا، خلافًا لقوم (¬1). لكن هل في الشرع ما يمنعه أو ليس فيه ما يوجبه؟ قولان (¬2)، ولا يجب خلافًا للقا ضي، وأبي الخَطَّاب، والصَّيْرفي، وابن سُرَيج، والقفَّال (¬3). ويجب سمعًا في ديني عندنا، وعند الأكثر (¬4)، واعتبر الجُبَّائي (¬5) لقبوله رواية اثنين في جميع طبقاته، أو يُعضَّد. وعنه (¬6)، وقاله عبد الجبار: أربعة في الزنا، ومنعه ¬
حكم خبر الواحد وشروطه
قوم، والرافضة، وناقضوا فأثبتوا تصدُّقَ عليٍّ رضيَ اللَّه عَنْهُ بخاتمه في الصلاة، ونكاح المتعة، والنقض بلحم الإبل. والكَرْخي في الحدود، وقوم في ابتداء النُّصُب (¬1)، وجمع فيما عمل الأكثر بخلافه، والمالكية: أهل المدينة، وأكثر الحنفية فيما تعم به البلوى، أو خالفه راويه، أو عارض القياس. والقاضي أيضًا وغيره إن كان للعلم طريق، وإلا عمل به. وعن أبي الخَطَّاب أيضًا: إن أمكنه سؤاله -صلى اللَّه عليه وسلم- فكاجتهاده (¬2). فصل للراوي شروط منها: الإسلام والعقل إجماعًا، والبلوغ عند الأربعة وغيرهم، وخُرِّج قبول مميز (¬3). فائدة: لو تحمل صغيرًا عاقلًا ضابطًا، وروى كبيرًا قُبِل عند أحمد، والأكثر، كتحمله كافرًا أو فاسقًا، ويروي مسلمًا عدلًا (¬4). ومنها: الضبط، فإن جهل حاله لم يُقْبِل، ذكره المُوَفَّق وغيره (¬5). ¬
تعريف العدالة
ومنها: العدالة إجماعًا، ظاهرًا وباطنًا عند أحمد، والشافعي، وغيرهما. وعند القاضي، وابن البنا، وغيرهما: ظاهرًا (¬1). وهي: هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، وترك الكبائر والرذائل، بلا بدعة مغلظة. وقال أصحابنا: إن قَذَف بلفظ الشّهادة قُبِلت روايته فقط؛ لروايتهم عن أبي بكرة. وعند الحنفية، والمالكية، وابن مفلح: لا تقبل، لكن إن حُدَّ لم تقبله الحنفية، وإن تاب. ويحد عند الأربعة، وعن أحمد، والشافعي: لا، فتبقى عدالته عند الشافعية، وجمع، وأنه ليس من الجرح. وصرح القاضي بعدالة من أتى كبيرة، وعن أحمد فيمن أكل الرِّبَا إن أكثر لم يُصَلِّ خلفه. وفي المغني: إن أخذ صدقةً محرَّمةً، وتكرر رُدَّت. والصغائر إن كُفِّرت باجتناب الكبائر، قال ابن عَقِيل: أو بمصائب الدنيا -وتكفَّر بهما في الأصح- لم تقدح، وإلا قدحت عند أكثر أصحابنا إن تكررت منه تكررًا يخل الثقة بصدقه، وفي الروضة: إن غَلَبت الطاعات لم تقدح، وقيل: يقدح تكرارها، وابن حمدان: ثلاثًا، وفي الترغيب وغيره: يقدح كثرتها وإدمان واحدة. وترد بالكذب، ولو تدين في الحديث عند أحمد، ومالك، وغيرهما. وخالف قوم، وعنه: وبواحدة، اختاره ابن عَقِيل وغيره. وقيس عليها بقية الصغائر. وأُخِذ منها أنها كبيرة، كغِيبة ونميمة في الأصح (¬2). ¬
حكم كتابة الحديث عمن يشترط أخذ الأجرة، والخلاف فيه
والواحدة في الحديث تقدح مطلقًا، ولو تاب، قاله أحمد، والقاضي، وجمع (¬1). وقيل: تقبل في غيره، وقبلها الدَّامَغَاني (¬2) فيه (¬3)، ولم يفرق أصحابنا وغيرهم بين الصغائر، وقال الآمدي وغيره: صغائر الخسة كالكبائر. قال أحمد، وإسحاق، وأبو حاتم (¬4): إن اشترط أخذ الأجرة لم يكتب عنه الحديث، وحمله ابن عَقِيل على أنه فرض كفاية، فإن قطعه عن شغله، فكنسخ حديث ومقابلته، خلافًا للحنفية (¬5). فائدة: نفى الأستاذ، والبَاقِلَّاني، وابن فُوْرَك، والقُشِيري، والسُبْكي الصغائر، وجعلوها كبائر. ¬
تعريف الكبيرة، والخلاف فيه
والكبيرة عند أحمد، ونقل عن ابن عباس: ما فيه حد في الدنيا، أو وعيد خاص في الآخرة (¬1)، زاد الشيخ: أو لعنة، أو غضب، أو نفي إيمان. وقيل: ما نص الكتاب على تحريمه، أو وجب في جنسه حد. وقال الثوري (¬2): ما تعلق بحق آدمي، وأبو المعالي: كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين، ورقة الديانة، وفي معتمد القاضي: لا يعلمان إِلا بتوقيف (¬3). فصل أحمد، وأكثر أصحابه، والمعظم: لا تقبل رواية مبتدع داعية، وفي غيره روايات: القبول، كأبي الخَطَّاب وغيره، ولم يفسقه ابن عَقِيل وغيره، وقاله القاضي في المقلد (¬4). وعدمه، كمالك، والقاضي، والبَاقِلَّاني، والآمدي، وغيرهم، كتديُّنه بالكذب كالخطابية من الرافضة (¬5). والقبول مع بدعة مُفَسِّقة، وهو الصحيح، كالشافعي، وأكثر الفقهاء، وبعض الحنفية. ولم يفرقوا بين المكفِّر وغيره (¬6). ¬
فائدة: تعريف المبتدعة
قال أحمد: يُكتب عن القَدَرية، وهم كفار عنده، واختاره بعض الشافعية، وقيل: من كفره فكالكافر عنده، وإن الخلاف في قبوله مع بدعة واضحة، وإلا قُبِل (¬1). قال الشيخ: كلام أحمد يفرق بين أنواع البدع، وبين الحاجة (¬2) وعدمها (¬3). فائدة: المبتدعة: أهل الأهواء، وليس الفقهاء منهم (¬4) عند المعظم، وخالف القاضي، وابن البَنَّا، وجمع، فمن شرب نبيذًا مختلفًا فيه حُدَّ عندنا ولم يفسق، كالشافعي، وفيه نظر. وعنه: يفسق، اختاره في الإرشاد، والمبهج، كمالك. وعنه: نفيهما، كأبي ثور (¬5)، والشيخ (¬6). وخُرِّج: فسق من لعب بشِطْرَنج، وتسمَّع غناء بلا آلة. وعنه: ومن أخر الحج قادرًا. وعنه: والزكاة. ¬
تنبيه: محل الفسق في مجتهد أو مقلد
تنبيه: محله في مجتهد أو مقلد، وإلا فيحرم القدوم على ما لا يعلم جوازه إجماعًا. وفسقه القاضي في قول، كالبَاقِلَّاني، وفَسَّق ابن عَقِيل عاميًّا شرب نبيذًا (¬1). فصل تقبل رواية قنٍّ، وأنثى، وقريب، وضرير، وعدو، ولا تعتبر كثرة سماع الحديث، ولا معرفة نسبة كعدمه، ورؤيتُه وعلمُه بفقه وعربيّة ومعنى الحديث، واعتبر مالك الفقه، ونقل عن أبي حنيفة، وعنه أيضًا: إن خالف القياس (¬2). ولا تقبل رواية متساهل في الرواية، كنوم في سماع، وقبول تلقين، ونحوه (¬3). فصل الأئمة الثلاثة والأكثر: لا تقبل رواية مجهول العدالة، وعنه: بلى (¬4)، كأبي حنيفة، وأكثر أصحابه، وابن فُورك، وسُليم، والمحب الطبري (¬5)، والطُّوفي، كعقب إسلامه. ¬
فائدة: لا تقبل رواية مجهول العين، وتزول بواحد
وعن القاضي: وإن لم تقبل شهادته، وفي الكفاية: تقبل في زمن لم تكثر فيه الخيانة (¬1) وقال أبو المعالي: يوقف ويحتاط. وابن عبد البر (¬2): كل من اعتنى بالعلم عدل (¬3). فائدة: لا تقبل رواية مجهول العين، وتزول بواحد في الأصح فيهما. فصل الأربعة، والأكثر: يكفي جرح واحد وتعديله، واعتبر قوم العدد فيهما، كالشهادة عندنا وعند المالكية والشافعية. وعنه: هي كالرواية، كالحنفية، وأبي بكر، والبَاقِلَّاني (¬4). واعتبر قوم العدد في الجرح فيهما. ويشترط ذكر سبب جرح لا تعديل عند أحمد، وأصحابه، والأكثر، وقيل: عكسه، واشترطه ابن حمدان وغيره فيهما. وعنه: عكسه، كالبَاقِلَّاني، وجمع (¬5). وقال أبو المعالي، والرازي، والآمدي، وذكره عن البَاقِلَّاني: إن كان عالمًا بذلك قُبِل، كمالك، والشيخ في الجرح، ولا أثر لمن عادته التساهل في التعديل أو المبالغة (¬6). ¬
الخلاف في اشتراط ذكر سبب الجرح والتعديل
وإذا لم يقبل الجرح المطلق لم يلزم التوقف حتى يتبين سببه، وقيل: بلى. ومن اشتبه اسمه بمجروح وُقف خبرُه (¬1). ومن أطلق تضعيف (¬2) خبر فكجرح مطلق عندنا، ولا يؤثر عند الشافعية، خلافًا للحنفية (¬3). أو تصحيحه فكتعديل مطلق، ولا شيء للجرح بالاستقراء، وله الجرح باستفاضة، وقيل: لا كتزكية، وخالف فيها بعض أصحابنا، واحتج بعضهم بمن شاعت إمامته وعدالته من الأئمة (¬4). قلت: هذا المذهب، وهو معنى قول أحمد وجماعة، قال ابن الصلاح: هو صحيح مذهب الشافعي. فصل الأربعة، والأكثر: يقدَّم جرح، وابن حمدان: إن كثروا. وقيل: تعديل، وقيل: إن كثروا، واختاره المجد مع جرح مطلق إن قبلناه، وقيل: الترجيح كإثبات معين ونفيه يقينًا (¬5). ¬
تنبيه: فيما يكون به التعديل، وبيان مراتبه
تنبيه: يُعدَّل بقول وحُكْم وعمل ورواية، فأعلى القول: هو عدل رضًى، مع ذكر سببه، ثم عدل رضًى فقط. وحكم مشترط العدالة بها تعديل اتفاقًا (¬1)، وهو أقوى من القولي بالسبب، قاله المُوَفَّق، وقال الآمدي وغيره: سواء (¬2). وعمله بروايته تعديل إن عُلِم أن لا مستند له غيره، وإلا فلا عند القاضي، والأكثر، وقاله المُوَفَّق، وأبو المعالي، إِلا فيما العمل به احتياطًا. وفرق المجد بين من يرى قبول مستور الحال أو لا، أو يجهل مذهبه فيه (¬3). فعلى الأول قال المُوَفَّق: هو كتعديله بلا سبب، ومعناه للآمدي، وقيل: كحكمه به (¬4). وليس ترك العمل بها وبالشهادة جرحًا، ورواية العدل تعديل إن كانت عادته لا يروي إِلا عن عدل عند أحمد، والمُوَفَّق، والشيخ، والطُّوفي، وأبي المعالي، والآمدي، وجمع. وعنه: لا مطلقًا، كالأكثر (¬5). وقيل: عكسه، كالحنفية، والقاضي، وأبي الخَطَّاب، وقيل: إن سماه فلا تعديل، وإلا فتعديل (¬6). ¬
فائدة: حكم العمل بالحديث الضعيف
فائدة: أحمد، والمُوَفَّق، والأكثر: يعمل بالحديث الضعيف في الفضائل (¬1)، والشيخ في ترغيب وترهيب، لا في إثبات مستحب وغيره، وعنه: لا، وقيل: لا في شعار (¬2). وكان أحمد يكتب حديثَ الرجل الضعيف للاعتبار والاستدلال به مع غيره. وفي الجامع (¬3): لا يحتج بحديث ضعيف في المأثم (¬4)، وقال الخَلَّال: مذهبه القول بالحديث الضعيف أو المضطرب إذا لم يكن له معارض (¬5). ولا يقبل تعديل مبهم، كحدثني ثقة، أو عدل، أو مَنْ لا أتهمه عند بعض أصحابنا، وأكثر الشافعية (¬6). وذكره القاضي، وأبو الخَطَّاب، وابن عَقِيل من المرسل، وكذا أبو المعالي، واختار قبوله، وأن الشافعي أشار إليه، وقبله المجد وإن لم يُقبل المرسلُ والمجهولُ (¬7). فائدتان: الأولى: الجرح: نسبة ما يرد لأجله القول إلى الشخص، والتعديل: خلافه. الثانية: الإخبار عن عام لا يختص بمعين، ولا تَرَافُعَ فيه ممكن عند الحكام، وهو الرواية، وعكسه: الشهادة، قاله المَازِري (¬8)، ومعناه للشافعي. ¬
فصل: حكم التدليس
فصل تدليس المتن عمدًا محرَّم، وجرح وغيره مكروه مطلقًا عند الأكثر، منهم أحمد، وقال أيضًا: لا يعجبني هو من أهل الريبة، وقال: التدليس عيب، وحرَّمه الشيخ. ومن فعله متأولًا قُبِل عند أحمد، وأصحابه، والأكثر، ولم يفسق. ورد أحمد قول شعبه (¬1): هو كذب، وقال ابن حمدان وجمع: تدليس الأسماء ليس بجرح، ومن عرف به عن الضعفاء لم تقبل روايته حتى يبين السماع عند المحدثين، وغيرهم، وقال المجد: "من أكثر منه التدليس لم تقبل عنعنته" (¬2). والإسناد المعنعن بلا تدليس بأي لفظ كان متصل عند أحمد، والأكثر، وخالف قوم، وعنه: "أنَّ فلانًا" ليس متصلا (¬3). ويكفي إمكان اللقيّ عند مسلم، وحكاه عن أهل العلم بالأخبار، ومعناه لأصحابنا (¬4). ¬
فصل: الصحابة عدول
وشرط ابن المَدِيني (¬1)، والبخاري، وجمع العلمَ باللقي، وهو أظهر. وأحمد، والشافعي، وأبو زرعة (¬2)، وأبو حاتم: وثبوتَ السماع، والداني (¬3): العلمَ بالرواية عنه، والسَّمْعاني: طولَ الصحبة (¬4). وظاهر الأول: لو روى عمن يعرف بصحبته والرواية عنه قُبلت مطلقًا، كالحنفية، وابن بَرْهان، ولم تقبله الشافعية، وظاهر كلام أحمد وغيره مختلف (¬5). وليس ترك الإنكار شرطا في قبول الخبر عندنا، وأومأ إليه أحمد، خلافًا للحنفية (¬6). فصل أصحابنا، والمعظم: الصحابة عدول، ومرادهم مَنْ لم يعرف بقدح، وقيل: إلى الفتن، والمعتزلة: إِلا من قاتل عليًّا، وقيل: كغيرهم (¬7). ¬
تعريف الصحابي، وما يعتبر فيه
وهم: من لقي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أو رآه يقظة حيًّا عند أحمد، وأصحابه، والبخاري، والأكثر، مسلمًا، ولو ارتد ثم أسلم ولم يره، ومات عليه، ولو جنيًّا في الأظهر. وقيل: مَنْ طالت صحبته عُرفًا، وحكي عن الأكثر، وقيل: سنة، أو غزا، وقيل: وروى عنه. فائدتان: الأولى: قال ابن الصلاح، والنووي، وجمع: في التابعي مع الصحابي الخلاف. وشرط ابن حِبَّان (¬1) كونه في سن يحفظ عنه، والخطيب (¬2) وجمع: الصحبة. ولا يعتبر العلم في ثبوت الصحبة عند الأربعة وغيرهم، خلافًا لقوم، فلو قال معاصر عدل: أنا صحابي؛ قُبل عند أصحابنا والأكثر، وقال جمع -ومال إليه الطُّوفي: لا (¬3). الثانية: لو قال تابعي عدل: فلان صحابي لم يقبل في الأصح، ولو قال: أنا تابعي فالظاهر كصحابي. ¬
فصل: في مستند الصحابي
فصل مستند الصحابي المختلف فيه قوله: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كذا، ونحوه يحمل على السماع عند أصحابنا والأكثر، وخالف أبو الخَطَّاب، وجمع، فيبنى على عدالة الصحابة، وإلا كمرسل تابعي (¬1). وأمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بكذا أو نهى، أو أمرنا أو نهانا ونحوه حجة عند أحمد والأكثر، وخالف قوم (¬2). وأمرنا ونهينا، أو رخص لنا أو حُرِّم علينا ونحوه حجة عندنا، وعند الشافعي، والأكثر، وخالف الصَّيْرفي، والبَاقِلَّاني، وأبو بكر الرازي، والكرخي، وجمع (¬3). ومثله من السنة، واختار الصَّيْرفي، والكَرْخِي، والقُشَيْري، وأبو المعالي: لا يقتضي سنته -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4)، وقيل: موقوف. وكنا نفعل ونحوه على عهده -صلى اللَّه عليه وسلم- حجة، أطلقه أبو الخَطَّاب، والمُوَفَّق، والطُّوفي، وذكره أبو الطِّيب ظاهر مذهبهم، وخالف الحنفية، وقال المجد: "إن كان مما يشيع مثله فحجة، كالشافعي" (¬5). ¬
فائدة: لم يذكروا أنه حجة لتقرير الله تعالى
فائدة: لم يذكروا أنه حجة لتقرير اللَّه تعالى، وذكره الشيخ لقول جابر (¬1): "كنا نعزل والقرآن ينزل" (¬2). وكانوا يفعلون كذا حجة عندنا، وعند الحنفية، والأكثر، وخالف قوم، وحكي وقفه عن الأكثر. وقال القاضي، وأبو الخَطَّاب: إجماع أو حجة، وسوَّى الآمدي، وابن حمدان، والطُّوفي بين "كنا" و"كانوا" (¬3). فائدتان: الأولى: قول غير صحابي: عنه يرفعه، أو ينميه، أو يبلغ به، أو رواية كمرفوع صريحًا. الثانية: أصحابنا: قول تابعي: أمرنا، أو نهينا، أو من السنة كصحابي، لكنه كمرسل (¬4). وقوله: كانوا، كصحابي، ذكره القاضي، وأبو الخَطَّاب، وابن عَقِيل، وخالف الشيخ (¬5). ¬
فصل: في مستند غير الصحابي، ومراتب صيغ التحمل والأداء
فصل مستند غير الصحابب أعلاه: قراءة الشيخ عند الأكثر، ثم قراءته عليه، وعن أبي حنيفة وغيره: هذه، وحكي اتفاقًا، وعن مالك مثله، والأشهر عنه: سواء، وعليه أشياخه، وأصحابه، وغيرهم. ثم إن قصد إسماعه وحده، أو مع غيره قال: حدثنا، وأخبرنا، وقال، وسمعت، وأنبأنا ونبأنا قليل. وإن لم يقصد قال: حدث، وأخبر، وقال، وسمعته، وأنبأ ونبأ (¬1). ثم سماعه وهو صحيح عند الأربعة، والمعظم، وقيل: إن أمسك أصل، وقيل: لا. وأرفعها "سمعت"، فـ"حدثنا" و"حدثني"، فـ"أخبرنا"، فـ"أنبأنا" و"نبَّأنا". وله إذا سمع مع غيره قول "حدثني"، وعنه: أحب أن يقول: "حدثنا"، ووحده: "حدثنا" إتفاقًا (¬2). و"قال لي" ونحوه، كـ "حدثني"، وغالب استعماله مذاكرة. وسكوته عند القراءة عليه بلا عارض، وقوله: "نعم"، كإقراره عند أصحابنا، والأكثر، ويقول فيهما: "حدثنا" و"أَخْبَرَنَا قراءة عليه"، ويجوز الإطلاق عند الأئمة الثلاثة، والخلال، وصاحبه (¬3)، والقاضي، وغيرهم، وحكي عن الشافعية. وعنه: لا، كابن مَنْده (¬4)، وغيره، كـ "سمعت" عند الأكثر، وعنه: يجوز "أخبرنا" لا "حدثنا"، ¬
إذا منع الشيخ الراوي، أو خصص بعضهم بالرواية، أو رجح بلا قادح
كالشافعي، وأصحابه، وغيرهم، وعنه: جوازهما، وعنه: "أخبرنا" فيما أقرَّ به لفظًا لا حالًا (¬1). وقيل: يقول: "قرأتُ عليه" أو "قرئ عليه وهو يسمع" فقط، إن لم يقر نطقًا. ويحرم إبدال قول الشيخ: "حدثنا" بـ"أخبرنا" (¬2)، وعكسه، وعنه: لا، اختاره الخَلَّال (¬3)، وبناه على الرواية بالمعنى (¬4). ولا يؤثر منع الشيخ الراوي، ولا تخصيص بعضهم، ولا رجوعه بلا قادح، ولا يروي إِلا ما سمع من الشيخ، أو مستمليه، فلا يستفهمه ممن سمعه معه، ثم يرويه، وخالف هنا قوم (¬5). ومن شك في سماع حديث حرم روايته إجماعًا (¬6)، ولو اشتبه بغيره لم يرو شيئًا (¬7)، وإن ظن أنه واحد منها بعينه، أو أن هذا مسموعه عمل به (¬8) عند أحمد، وأصحابه، والأكثر (¬9). ¬
الإجازة: حكمها، وأنواعها، وصيغها
ومنها الإجازة، فيروي بها عند أحمد، والشافعي، والمعظم، ومنعها شعبة، وأبو زُرعة، والحربي (¬1)، وجمع، ونُقل عن مالك والشافعي (¬2). ويجب العمل به كمرسل، وعند أبي حنيفة ومحمد إن عَلِم المجيز ما في الكتاب، والمجاز له ضابط جاز، وإلا فلا (¬3). وهي خاص لخاص، وعام لخاص، ومنعه أبو المعالي، وعكسه، وعام لعام، ذكرهما القاضي، وقاله أبو بكر في جميع ما يرويه لمن أراده، وقال ابن مَنْدة، وغيره: يجوز لمن قال: لا إله إِلَّا اللَّه، وخالف جماعة (¬4). ولا يجوز لمعدوم تبعًا لموجود، وخالف ابن أبي داود (¬5)، وجمع، كطفل لا سماع له، ومجنون في الأصح، وغائب، وكافر، ووقعت زمن المِزِّي (¬6)،. . . . . . . ¬
المناولة: أنواعها، وحكمها، وصيغها
ولم ينكر (¬1). ولا لمعدوم أصلًا عند أصحابنا والأكثر، وأجازها القاضي، وابن عَمْروس (¬2)، والخطيب (¬3). ولا لمجهول ولا بمجهول. وجوز القاضي، وابن عَمْروس: أجزت لمن يشاء فلان، ومنع أبو الطِّيب، وغيره. ويقول: أجاز لي فلان، ويجوز: "حدثنا، وأخبرنا إجازة" عندنا، وعند الأكثر. ومنعه قوم في "حدثنا"، وأجازه قوم مطلقًا (¬4). وتجوز إجازة المجاز به، لا ما لم يتحمله ليرويه عنه إذا تحمله في الأصح فيهما. والمناولة مع إجازة أو إذن أعلى من الإجازة في الأصح. فيجوز عند العلماء، وبمجردها لا تجوز عندنا وعند الأكثر، وقال الشيخ: "إنما نص أحمد في مناولة ما عرفه المحدث"، ولم ير الأئمة الثلاثة، والأكثر إطلاق "حدثنا" و"أخبرنا" فيها، وجوزه الزهري (¬5)، ومالك، وغيرهما. ويكفي اللفظ بلا مناولة (¬6). ¬
المكاتبة، وأنواعها
والمكاتبة مع الإجازة كالمناولة، وبدونها ظاهر كلام أحمد، والخَلَّال الجواز، كالأشهر للمحدثين، وقيل: لا. ويكفي معرفة خطه عندنا وعند الأكثر. ولا يجوز إطلاق "حدثنا" و"أخبرنا" خلافًا لقوم (¬1). ومجرد قول الشيخ: هذا سماعي أو روايتي لا يرويه عنه عندنا وعند الأكثر، وأجازه قوم، زاد الرَّامَهُرْمُزِي (¬2)، وعياض: ولو قال لا تروه عني (¬3). ولا يجوز بالوصية بكتبه في الأصح، ولو وجد شيئًا بخط الشيخ لم يروه عنه، لكن يقول: وجدت بخط فلان، وتسمى الوِجَادة (¬4). قال بعض أصحابنا: وكذا رؤية خط الشيخ "سمعت كذا"، ولو قال: هذا خطي (¬5). فائدة: يعمل بما ظن صحته من ذلك عند أصحابنا، والشافعية، وقيل: لا. ¬
من رأى سماعه ولم يذكره
ومن رأى سماعه ولم يذكره فله روايته والعمل به إذا عرف الخط عند أحمد، والشافعي، وأبي يوسف، ومحمد، خلافًا لأبي حنيفة، فأكثر أصحابنا وغيرهم: إذا ظنه، والمجد: إذا تحققه (¬1). فصل الأربعة، والأكثر: يجوز نقل الحديث بالمعنى للعارف (¬2)، وعنه: لا، واختاره جمع. وجوزه المَاورْدِي إن نسي اللفظ، وقيل: إن كان موجبه علمًا، وقيل: للصحابة، وقيل: في الطوال، وقيل: للاحتجاج لا التبليغ، وقيل: بلفظ مرادف. ومنع أبو الخَطَّاب إبداله بأظهر معنى أو أخفى، وفي الواضح: بالظاهر أولى. وقيل: يجوز بأظهر اتفاقًا (¬3). فعلى الجواز: ليس بكلام اللَّه تعالى، وهو وحي، وإلا فكلامه. هذا إن رُوي مطلقًا. وإن بَيَّن -صلى اللَّه عليه وسلم- أن اللَّه أمر أو نهى فكالقرآن. وقال ابن أبي موسى، وحفيد القاضي (¬4)، وجمع: ما كان خبرًا عن اللَّه تعالى أنه قاله فكالقرآن. ¬
تنبيه: بيان محل الخلاف في نقل الحديث بالمعنى
تنبيه: محل الخلاف في غير الكتب المصنفة لما فيه من تغيير تصنيفه، وقاله ابن الصلاح، وغيره. فائدة: له إبدال الرسول بالنبي، وعكسه عند أحمد، والقاضي، والشيخ، والنووي، وغيرهم. قال ابن مفلح: مبنية على التي قبلها، ومنعه ابن الصلاح، وجمع. فصل لو كَذَّب أصل فرعًا قال الباقلاني: أو غلطه، لم يعمل به عندنا وعند الأكثر، وحكي إجماعًا، وهما على عدالتهما. وقال جمع: بلى، ووقف أبو المعالي على مرجح. وإن لم يكذبه عمل به عند الأئمة الثلاثة، ومحمد، والأكثر. وعنه: لا، كأبي حنيفة، وأبي يوسف، والكرخي. فصل تقبل زيادة ثقة ضابط لفظًا أو معنى إن تعدد المجلس إجماعًا (¬1). وإن اتحد وفيه من لا يتصور غفلته عادة لم تقبل عند الأكثر، منهم: أبو الخطاب، وابن حمدان، وقيل: أو كانت تتوفر الدواعي على نقلها. وعنه: تقبل، اختاره القاضي، وغيره، وحكي عن أصحابنا. ¬
فصل: يسن نقل الحديث بكماله
وإن تصورت غفلتهم قبلت، قاله الأكثر، وقال أبو الخَطَّاب: يقدَّم قول الأكثر، ثم الأحفظ والأضبط، ثم المثبت، فإن استويا فروايتان. وفي العُدَّة: نصه الأخذ بالزائد، وهو مذهبنا، وأطلق، وحكي عن الشافعي، والأكثر، ومنعه جماعة، وروي عن أحمد، وأُوِّل (¬1). وإن جهل حال المجلس قُبِل، وظاهر كلام القاضي، وجمع كاتحاده، وقاله الشيخ، وقال أيضًا: كلام أحمد يختلف في الوقائع، وأهل الحديث أعلم به، وقيل: بالوقف مطلقًا (¬2). وإن خالفت الزيادة للمزيد عليه تعارضا فيرجح، ذكره القاضي وغيره، وأطلق جمع، وقطع في الواضح بردها. وعند أبي الحسين: إن غيَّرت المعنى، لا الإعراب قُبِلت، وإلا فلا (¬3). ولو رواها مرة، وتركها أخرى فكتعدد الرواة، ولو أسند وأرسله غيره، أو وصله وقطعه، أو رفعه ووقفه، فكالزيادة، ذكره القاضي وغيره، وقَبِله أبو الخطاب وغيره مطلقا، وعن المحدثين: الحكم لمن أرسله، ولو فعله راوٍ واحد قُبِل مطلقًا، قطع به في التمهيد وغيره، وحكي عن الشافعية خلافًا لبعض المحدثين (¬4). فصل يسن نقل الحديث بكماله، فإن ترك بعضه ولم يتعلق به جاز عند أحمد، ومالك، والشافعي، والأكثر، وإلا لم يجز إجماعًا (¬5). ¬
فصل: حكم العمل بحمل الصحابي والتابعي
فصل أصحابنا، والأكثر: يجب العمل بحمل صحابي، وعنه: أو تابعي، زاد جمع: أو بعض الأئمة- ما رواه على أحد محمليه المتنافيين، وخالف أبو بكر الرازي، وقيل: لا يجب؛ فيجتهد، فإن لم يظهر شيء وجب. قال بعض أصحابنا: المسألة فرع على أن قوله ليس بحجة (¬1). وغير المنافي كمشترك في الحمل، إِلا إن أجمعوا على أن المراد أحدهما، وجوزوا كلًّا منهما. قال الِهنْدي: أو قاله تفسيرًا فيعمل بحمله. وإن حمله على غير ظاهره عمل بالظاهر، ولو قلنا: قوله حجة، قاله أحمد، والشافعي، والأكثر، وعنه: بقوله، اختاره جماعة. واختار ابن عَقِيل، والآمدي الأول، إِلا أن يعلم مأخذه، ويكون صالحًا، وهو أظهر، ويأتي لو كان الظاهر عمومًا (¬2). وإن كان نصًا لا يحتمل تأويلًا وخالفه فعندنا لا يرد به الخبر، ولا ينسخ، كالشافعية، وعنه: لا يعمل به، كالحنفية. وإن عمل أكثر الأمة بخلاف الخبر عمل بالخبر، وحكي إجماعًا، واستثنى ابن الحاجب إجماع المدينة (¬3). ¬
فصل: خبر الواحد المخالف للقياس
فصل أحمد، والشافعي، وأصحابهما، والكَرْخي، والأكثر: خبر الواحد المخالف للقياس من كل وجه مُقَدَّم عليه. وقَدَّم المالكيةُ القياسَ، وقاله الحنفية إن خالف الأصول، أو معنى الأصول، لا قياس الأصول (¬1). وأجازوا الوضوء بالنبيذ سفرًا، وأبطلوه بالقهقهة داخل الصلاة، وتوقف البَاقِلَّاني (¬2). وقال أبو الحسين: إن كانت العلة بنص قطعي فالقياس، وإن كان الأصل مقطوعًا به فالاجتهاد والترجيح. والرازي يقدم الخبر ما لم توجب الضرورة تركه. والآمدي ومن تبعه (¬3) إن ثبتت العلة بنص راجح على الخبر، وهي قطعية في الفرع فالقياس، أو ظنية فالوقف، وإلا فالخبر (¬4). ويخص أعمهما بالآخر (¬5)، ويأتي. فصل المرسل: قول غير صحابي في سائر الأعصار: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عند أصحابنا، والكَرْخي، والجُرْجَاني، وبعض الشافعية، والمحدثين، وهو ظاهر كلام أحمد، وخصه أكثر المحدثين بالتابعي، وقوم بكبارهم، وإلا فمنقطع، فلو قاله تابع التابعي، أو سقط بين الراوايتين أكثر من واحد فمعضل (¬6). ¬
فائدة: لو انقطع في الإسناد واحد
ثم هو حجة عند الأئمة الثلاثة، وأتباعهم (¬1). وقال السَرْخَسي (¬2): في القرون الثلاثة، زاد ابن أَبان (¬3): من أئمة النقل (¬4). وعنه: لا، كأكثر المحدثين (¬5)، وقال الشافعي، وأتباعه: إن كان من كبار التابعين ولم يرسل إِلا عن عدل، وأسنده غيره، أو أرسله، وشيوخهما مختلفة، أو عضَّده عمل صحابي، أو الأكثر، أو قياس، أو انتشار، أو عمل العصر -قُبِل، وإلا فلا. وبناها الطُّوفي على قبول المجهول، وبعض أصحابنا على رواية العدل عن غيره، وهو أظهر. فائدة: القاضي، وجمع: لو انقطع في الإسناد واحد، كرواية تابع التابعي عن صحابي فمرسل، وأكثر المحدثين: منقطع. ومن روى عمن لم يلقه ووقفه عليه فمرسل أو منقطع، ويسمى موقوفًا (¬6). ¬
فصل: مرسل الصحابي
فصل أصحابنا، والمعظم: مرسل صحابي يصح سماعه حجة (¬1)، وخالف الأستاذ، إِلا أن يعلم أنه لا يروي إِلا عن صحابي وغيره كتابعي. * * * ¬
باب: الأمر
باب الأمر: حقيقة في القول المخصوص اتفاقًا، ونوع من الكلام (¬1)، وتقدم حكم الكلام النفسي. والكتابة كلام حقيقة، وقيل: لا، كالإشارة (¬2)، وهو أظهر. والأمر مجاز في الفعل عند أحمد، وأصحابه، والأكثر، وقيل: مشترك بينه وبين القول، وقيل: متواطئ. وفي الكفاية: مشترك بين القول والشأن والطريقة، ونحوه، واختاره ولد المجد، وابن بَرْهان، وأبو الطِّيب (¬3). وأمَّا حَدُّه: ففي العُدَّة، والواضح: اقتضاء فعل بقول ممن هو دونه (¬4). وفي التمهيد، والروضة: استدعاء فعل بقول، بجهة الاستعلاء، وحذف الفعل منه أولى (¬5) على أصلنا. والفخر، وابن حمدان: قول يطلب به الأعلى من الأدنى فعلًا أو غيره (¬6). وتعتبر إرادة النطق بالصيغة قطعًا. وأكثر المعتزلة: قوله لمن دونه افعل، ومعناه من غير عربي. وبعضهم: افعلْ مجردة عن القرائن الصارفة عن الأمر، وبعضهم باقتران إرادة وجود اللفظ، وإرادة دلالتها على الأمر، وإرادة الامتثال. وبعضهم: ¬
فائدة: اشتراط الاستعلاء والعلو في الأمر
إرادة الدلالة، وبعضهم: إرادة الفعل، وبعضهم: اقتضاء وطلب، وفي الواضح: هو قول حسن (¬1). والباقِلَّاني، وأبو المعالي، والغزالي، وغيرهم: القول المقتضي بنفسه طاعة المأمور بفعل المأمور به. والآمدي: على الكلام النفسي، طلب فعل على جهة الاستعلاء، وقيده ابن الحاجب بغير كف (¬2). فائدة: اعتبر أبو الخَطَّاب، والمُوَفَّق، والجوزي، والطُّوفي، وابن مفلح، وابن قاضي الجبل، وابن بَرْهان، والرازي، والآمدي -فيه الاستعلاء (¬3) (¬4). وأكثر الأصحاب، وأبو الطِّيب، والشيرازي، والمعتزلة: العلو (¬5)، فالمساوي التماس، والأدون سؤال. والقشيري وعبد الو هاب: هما، وأكثر الشافعية وغيرهم: نفيهما. فالاستعلاء: طلب بغلظة، والعلّو: كون الطالب أعلى رتبة. ¬
فصل: صيغة الأمر
فصل الأربعة، والأكثر: له صيغة تدل بمجردها عليه لغة (¬1)، وابن عَقِيل: الصيغة الأمر، وأكثر القائلين بكلام النفس له صيغة، وخالف الأشعري، وجمع، فقيل: مشتركة، وقيل: لا ندري، وقال أبو المعالي، والغزالي: لا خلاف في "أمرتك"، و"أنت مأمور"، و"أوجبتُ"، و"ندبتُ" (¬2). فائدتان: الأولى: لا يشترط فيه، ولا في الخبر إرادة، خلافًا للمعتزلة، كاللغة إجماعًا. الثانية: ترد صيغة "افعل" لوجوب: {أَقِمِ الْصَّلَاةَ} (¬3)، وندب: {فَكَاتِبُوهُمْ} (¬4)، وإباحة: {فَاصْطَادُوا} (¬5)، وإرشاد: {وَأَشْهِدُوا} (¬6)، وإذن، كقولك لمستأذن: ادخل، وتأديب: "كُلْ مِمَّا يَلِيك" (¬7)، وامتنان: {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} (¬8)، وإكرام: {اْدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ} (¬9)، وجزاء: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} (¬10)، ووعد: {وَأَبْشِرُوا} (¬11)، ¬
وتهديد: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} (¬1)، وإنذار: {قُلْ تَمَتَّعُوا} (¬2)، وتحسير: {قُلْ مُوتُوا بِغَيظِكُمْ} (¬3)، وتسخير: {كُونُواْ قِرَدَةً} (¬4)، وتعجيز: {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ} (¬5)، وإهانة: {ذُقْ} (¬6)، واحتقار: {بَلْ ألْقُوا} (¬7)، وتسوية: {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا} (¬8)، ودعاء: {اغْفِرْ لِي} (¬9)، وتمنٍّ: "أَلَا انْجَلِي" (¬10)، "وكن فلانًا"، وكمال القدرة: {كُنْ فَيَكُونُ} (¬11)، وخبر: {فَلْيَضْحَكُوا} (¬12)، وتفويض: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} (¬13)، وتكذيب: {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا} (¬14)، ومشورة: {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} (¬15)، ¬
فصل: الأمر المجرد عن قرينة حقيقة في الوجوب
واعتبار: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ} (¬1)، وتعجب: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ} (¬2) وإرادة امتثال أمر آخر: "كُنْ عَبْدَ اللَّهِ المَقْتُولَ" (¬3) (¬4). فصل أحمد، وأصحابه، والأكثر: الأمر المجرد عن قرينة حقيقة في الوجوب، فأبو المعالي، وابن حمدان: شرعًا، والشيرازي، ونقل عن الشافعي: لغة، وقيل: عقلا، ولا يحسن الاستفهام عند الأصحاب، وغيرهم (¬5). وقيل: للندب، كأبي هاشم، وغيره، وقيل: لأحدهما، لا بعينه، وقيل: مشترك فيهما، وقيل: متواطئ، كالماتريدي (¬6)، ووقف الأشعري، والبَاقِلَّاني، وجمع، وقيل: للإباحة، وقيل: مشترك فيهن، وقيل: متواطئ. الشيعة: مشترك فيهن، وفي التهديد، وقيل: وفي الإرشاد أيضًا، وقيل: في الأحكام الخمسة، وقيل: لأحدها، لا بعينه. الأَبْهَري: أمر اللَّه للوجوب، وأمر الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- المبتدأ للندب (¬7). ¬
فصل: الأمر بلا قرينة للتكرار حسب الإمكان
وسبق إذا نسخ الوجوب آخر الأحكام (¬1). فصل أحمد، وأكثر أصحابه، والأستاذ، وغيرهم: الأمر بلا قرينة للتكرار حسب الإمكان، وعنه: لا، كالأكثر، والموفَّق، والطوفي (¬2). وفعل المرة بالالتزام، وللقاضي القولان. وقيل: يقتضي فعل مرة، اختاره أبو الخطاب، وجماعة (¬3). فعليهما: يحتمل الزائد التكرار، كأكثر الشافعية، والآمدي، وغيرهم، وقيل: لا، ككثير من الحنفية، ووقف أبو المعالي، والوقف مطلقًا للبَاقِلَّاني، وجمع. ولو عُلِّق أمر بشرط أو صفة فإن كان علة ثابتة تكرر بتكررها اتفافا، وقيل: على الخلاف، وإلا فكالتي قبلها عند الأكثر. واختار القاضي، والمجد، وحفيده، وجمع: يفيد التكرار من اللفظ. والرازي، والبيضاوي بالقياس (¬4). قال ابن عَقِيل: الأمر المعلق بمستحيل بالقياس أمرًا. تنبيه: من قال بالتكرار قال بالفور، واختلف غيرهم؛ فأحمد، وأصحابه، والحنفية، والمالكية، وبعض الشافعية: للفور، وعنه: لا، كأكثر الشافعية، والآمدي، وغيرهم، فوجوب العزم للتأخير، كالمُوسَّع. وقيل: بالوقف لغة، فإن بادر امتثل، وقيل: لا (¬5). ويستثنى منه نحو دع، واترك، فهو كنهي. ¬
فصل: الأمر بشيء معين نهي عن ضده معنى، لا لفظا
فصل أصحابنا، والأئمة الثلاثة، وغيرهم: الأمر بشيء معين نهي عن ضدِّه معنى، لا لفظًا. وأكثر المعتزلة، والنووي، وغيره: ليس نهيًا عنه (¬1). وقالت الأشعرية: الأمر معنى في النفس، فالأشعري والأكثر: هو عين النهي عن ضدِّه الوجودي. وابن الصباغ، وأبو الطيب، والشيرازي: يستلزمه. ونفاهما (¬2) أبو المعالي، والغزالي، وإِلْكِيَا (¬3). وللبَاقِلَّاني الثلاثة، وبعض الحنفية: يستلزم كراهة ضده، والرازي يقتضى الكراهة (¬4). والنهي إن كان له ضد واحد فمأمور به قطعًا، وإلا فكالأمر، وعند الجُرْجَاني: ليس أمرًا به، والجَصَّاص وغيره: أمر بضد فقط. وأمر ندب كإيجاب عند القاضي، وغيره، والأكثر إن قيل: مأمور به حقيقة (¬5). وتقدم الإجزاء في خطاب الوضع (¬6). ¬
فائدتان
فائدتان: الأولى: المعلومات أربعة: نقيضان: لا يجتمعان ولا يرتفعان، كوجود وعدم، وخلافان: يجتمعان ويرتفعان، كحركة وبياض، وضدان: لا يجتمعان ويرتفعان لاختلاف الحقيقة، كسواد وبياض، ومثلان: لا يجتمعان ويرتفعان لتساوي الحقيقة، كبياض وبياض. الثانية: الحقائق أربع: متساويان: يلزم من وجود كل منهما وجود الآخر وعكسه، كرجم وزنا محصن. ومتباينان: لا يجتمعان في محل واحد، كإسلام وجزية، وأعم مطلقًا، وأخص مطلقًا: يوجد أحدهما مع وجود كل أفراد الآخر، بلا عكس، كغسل وإنزال. وأعم من وجه، وأخص من وجه: يوجد كل منهما مع الآخر وبدونه، كوضوء وتيمم. فصل أحمد، ومالك، وأصحابهما، والشافعي، والأكثر: الأمر بعد الحظر للإباحة. والقاضي أيضًا، وأبو الطيب، والشيرازي، والسمعاني، والرازي: كالأمر ابتداءً. وأبو المعالي، والغزالي، والآمدي وقفوا. والقاضي الحسين: للندب، والمزني، والشيخ، وجمع: كما قبل الحظر، وأنه المعروف عن السلف والأئمة (¬1). وقيل: للوجوب إن كان بلفظ "أمرتك"، أو "أنت مأمور". قال المجد: هذا عندي المذهب، قال ابن مفلح: "الصريح لا يحتمل تغيره بقرينة، ولا يختص في ظاهر كلام الأكثر" (¬2). ¬
فصل: الأمر المطلق ببيع، هل يتناوله ولو بغبن فاحش؟
والأمر بعد الاستئذان للإباحة، قاله القاضي، وابن عَقِيل، وقيل: للوجوب. ومثله الأمر بماهية مخصوصة بعد سؤال تعليم. والخبر بمعنى الأمر كالأمر، قاله الشيخ وغيره، وخالفه ابن الزَّمْلَكَانِي (¬1). قال بعض أصحابنا: لا يحتمل الندب. والنهي بعد الأمر: قال أكثر أصحابنا، وغيرهم: للتحريم. وأبو الفرج: للكراهة، وقيل: للإباحة، وابن عقيل: لإسقاط الوجوب، ووقف أبو المعالي. فصل الأمر بعبادة في وقت مقدر إذا فات عنه فالقضاء بالأمر الأول في الأشهر، وعليه أكثر الأصحاب، وغيرهم. واختار أبو الخَطَّاب، وابن عَقِيل، والمجد، والأكثر: بأمر جديد. وأوجب أكثر الحنفية قضاء المنذور بالقياس على المفروض. وإن لم يقيد بوقت وقلنا بالفورية فالقضاء بالأمر الأول عند أصحابنا، والأكثر. قال أبو المعالي: الإجماع أنه مؤدٍّ، لا قاض. وعند جماعة كالمؤقت (¬2). ¬
فصل: الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرا به
فصل الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرًا به عندنا وعند الأكثر، وقيل: بلى (¬1)، و {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (¬2) ليس أمرًا لهم بالإعطاء، وقال ابن حمدان: بلى. والأمر بالصفة أمر بالموصوف نصًا، ويأتي بقاء التكليف بلا غاية (¬3). فصل الأمر المطلق ببيع يتناوله، ولو بغبن فاحش، ويصح العقد، ويضمن النقص عند أصحابنا، وعنه: لا يصح، كالمالكية، والشافعية، وعن الحنفية: لا يعتبر ثمن المثل، واعتبروه في الشراء (¬4). وقال بعض أصحابنا، وغيره: الأمر بالماهية الكلية إذا أتى بمسماها امتثل، ولم يتناول اللفظ للجزئيات، ولم ينفها، فهي مما لا يتم الواجب إلا به، وجبت عقلًا لا قصدًا. والرازي: المطلوب بالأمر الماهية الكلية، فالأمر بالبيع ليس أمرًا بغبن فاحش، ولا ثمن المثل، وقيل: يبطل اتفاقًا، والآمدي، وغيره: المطلوب فعل ممكن مطابق للماهية المشتركة (¬5). ¬
فصل: الأمران المتعاقبان
فصل الأمران المتعاقبان بلا عطف إن اختلفا عمل بهما إجماعًا (¬1)، وإن تماثلا ولم يقبل تكرارًا أو قبله ومنعت العادة، أو الثاني معرَّف، أو بينهما عهد ذهني؛ فتأكيد (¬2). وإن لم تمنع ولم يتعرَّف، كـ "صُمْ صُمْ"، ونحوه فتأسيس عند القاضي، وابن عَقِيل، وجمع. قال المجد: وهو أشبه بمذهبنا، وحكي عن الفقهاء، كبعد الامتثال، وقال الموفق، وغيره: تأكيد، وحكي عن أحمد، ولأبي الخطاب القولان، وقيل: بالوقف (¬3). وإن كان الثاني معطوفًا فإن اختلفا عُمِل بهما، وإن تماثلا ولم يقبل تكرارًا فتأكيد، وإن قبله ولم تمنع منه عادة ولا الثاني معرَّف فالأقوال الثلاثة، وإن منعت عادةٌ تعارضا والأقوال الثلاثة. وجزم الشيخ بالتكرار (¬4). وإن عرَّف الثاني كـ "صَلِّ ركعتين، وصَلِّ الركعتين، أو الصلاة" فاختار القاضي، وأبو الفرج: التأكيد، والرازي: التغاير، والبَصْري، والآمدي: الوقف، وللرازي أيضًا: الوقف في عطف عام على خاص (¬5). * * * ¬
باب: النهي
باب النهي: يقابل الأمر في حَدِّه وصيغته ومسائله وغيرها (¬1). ويرد لتحريم: {وَلَا تَقْتُلُوا} (¬2)، وكراهة: "لَا يُمْسِكْ ذَكَرَه وَهُوَ يَبُولُ" (¬3)، وتحقير: {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} (¬4)، وبيان العاقبة: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا} (¬5)، ودعاء: {لَا تُؤَاخِذْنَا} (¬6)، ويأس: {لَا تَعْتَذِرُوا} (¬7)، وإرشاد: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} (¬8)، وأدب: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} (¬9)، وتهديد: "لا تمتثل أمري"، وإباحة الترك: كنهي بعد إيجاب على رأي، والتماس: كقولك لنظيرك: "لا تفعل"، وتصبُّر: {لَا تَحْزَنْ} (¬10)، وإيقاع الأمن: {لَا تَخَفْ} (¬11)، وتسوية: {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا} (¬12) (¬13). فإن تجردت فالتحريم، وقيل: الكراهة، وقيل: بينهما، وقيل: للقدر المشترك، وقيل: لأحدهما لا بعينه، وقيل: للإباحة، وقيل بالوقف، وتقدم نهي بعد أمر. ¬
فصل: هل النهي عن الشيء يقتضي فساده؟
فصل أصحابنا، والأكثر: مطلق النهي عن الشيء لعينه يقتضي فساده شرعًا، وقيل: لغة، وقيل: معنى. والغزالي، والرازي: في العبادات، وبعض الحنفية، والأشعرية: لا يقتضي فسادًا، ولا صحة. وقيل: يقتضيها (¬1). وكذا لوصفه عندنا، وعند الشافعية، وغيرهم، وقاله الطوفي في وصف لازم، وعند الحنفية، وأبي الخَطَّاب: يقتضي صحة الشيء وفساد وصفه (¬2). وقال بعض أصحابنا: النهي إن أوجب حظرًا أوجبه مع النهي عن السبب، كطلاق حائض، وظهار، ونَبَّه عليه أبو الخَطَّاب (¬3). وكذا لمعنى في غير المنهي عنه، كبيع بعد نداء الجمعة عند أحمد، وأكثر أصحابه، والمالكية، وخالف الطوفي، والأكثر (¬4). ولو كان عن غير عقد لحق آدمي، كتلق، ونَجْش، وسَوْم، وخِطْبة، وتدليس صح في الأصح عندنا وعند الأكثر (¬5). ويقتضي الفور والدوام عند أصحابنا، والأكثر، وخالف البَاقِلَّاني، والرازي. و"لا تفعله مرة" يقتضي تكرار الترك، وعند القاضي، والأكثر: يسقط بمرة (¬6). ويكون عن واحد ومتعدد جمعًا وفرقًا وجميعًا. ¬
باب: العام
باب العامُّ: لفظ دال على جميع أجزاء ماهية مدلوله. أبو الخَطَّاب، والرازي: لفظ مستغرق لما يصلح له. المُوَفَّق، والجوزي، والآمدي: لفظ واحد دال على شيئين فصاعدا مطلقًا. ابن المَنِّي، والفخر: ما دل على مسميات دلالة لا تنحصر في عدد، ويكون مجازًا في الأصح (¬1) (¬2). والخاص بخلافه، أي: ما دل، وليس بعام، فلا يرد المهمل. ثم لا أعم من المتصور، ولا أخص من علم الشخص، وعام وخاص نسبي، كحيوان (¬3). فصل العموم من عوارض الألفاظ حقيقة إجماعًا، بمعنى الشركة في المفهوم، لا في اللفظ، وكذا من عوارض المعاني عند القاضي، والشيخ، وابن الحاجب، وغيرهم. وعند الموفَّق، والجوزي، والأكثر: مجاز، وقيل: بنفيهما (¬4). وحكي عن أبي الخطاب، وقيل: من عوارض المعنى الذهني، وفي الروضة: المعنى الكلي إن سمي عامًّا، فلا بأس (¬5). ¬
فصل: للعموم صيغة خاصة به
فصل الأربعة، والأكثر: للعموم صيغة خاصة به، وابن عَقِيل: العموم صيغة، فهي حقيقة في العموم مجاز في الخصوص، وقيل: عكسه، وهو أقل الجمع، وقيل: مشتركة، والأشعرية وغيرهم: لا صيغة له (¬1)، ووقفوا، فقيل: لا ندري، وقيل: ندري، ونجهل أحقيقة أم مجاز؟ وقيل: الأمر والنهي للعموم، والوقف في الأخبار، وقيل: عكسه، وقيل: الجمع، واسم الجنس لثلاثة، وما زاد محتمل. فائدة: يقال للمعنى: أعم وأخص، وللفظ: عام وخاص. ومدلوله كلية، أي محكوم فيه على كل فرد مطابقة إثباتًا وسلبًا، لا كلي ولا كل. ودلالته على أصل المعنى قطعية وفاقًا، وعلى كل فرد بخصوصه بلا قرينة ظنية عند أكثر أصحابنا، والأكثر. وقال ابن عَقِيل، والفخر، وحكي عن أحمد، والشافعي، والحنفية: قطعية. فالعام في الأشخاص عام في الأحوال وغيرها عند أحمد، والأكثر، وعند السبكي، وجمع: بالالتزام، والقرافي، والشيخ، وجمع: مطلق. ¬
فصل: صيغ العموم
فصل صيغ (¬1) العموم: اسم شرط واستفهام، كـ "من" فيمن يعقل، و"ما" فيما لا يعقل. وقيل: "ما" لهما في خبر واستفهام، و"أين"، و"أنَّى"، و"حيث" للمكان، و"متى" للزمان المبهم، و"أي" للكل (¬2). وتعم "مَنْ" و"أي" المضافة إلى الشخص ضميرهما فاعلًا كان أو مفعولًا (¬3). وعنه: لا تعم "أي"، وقيل: الموصولة. وموصول، وكل، وجميع، ونحوهما، ومعشر، ومعاشر، وعامة، وكافة، وقاطبة، وجمع مطلقًا معرف بلام جنس، وقيل: لا يعمُّ، وقيل: لا يعمُّ غيره. واسم جنس معرف تعريف جنس، وقال الغزالي: إن تميز واحده عن جنسه بالتاء، وخلا عنها، أو لم يتميز بوصفه بالوحدة عمَّ، وإلا فلا. ولا يعمُّ مع قرينة اتفاقًا، ومع جهلها يعمُّ عندنا، وعند الأكثر. ووقف أبو المعالي (¬4). ¬
وإن عارض الاستغراق احتمال تعريف جنس وعُرف، كـ (عليَّ الطلاق) ونحوه لم يعمّ على الأصح (¬1). ومفرد محلى بلام غير عهدية عندنا وعند الأكثر، كالرجل والسارق لفظًا عند الأكثر، وقال السَّمْعاني: معنى، وقال الرازي وغيره: لا يعم، وقيل: مجمل. وجمع مضاف، ومفرد مضاف لمعرفة، كعبدي وامرأتي عند أحمد، وأصحابه، ومالك، وبعض أصحابه، تبعًا لعلي، وابن عباس، وحكي عن الأكثر. وخالف الحنفية، والشافعية. ونكرة في نفي وضعًا، وقيل: لزومًا نصًا وظاهرًا، وعند أبي البقاء وغيره: لا تعم إلا مع "مَنْ" ظاهرة أو مقدرة، وحكي إجماع، ومع "من" العموم قطعي، فلا مجاز. وفي إثبات لامتنان واستفهام إنكاري. وفي نهي، وقيل: وأمر، قال أبو المعالي، والشيخ، وغيرهما: وشرط (¬2). قال الشيخ: هل تفيده لفظًا أو معنى؟ فيه نظر. وفي المغني ما يدل على أنها لا تعم. وجمع منكر غير مضاف لا يعمُّ عند أحمد، وأصحابه، والأكثر، ويحمل على أقل الجمع، وقال أبو ثور، وجمع: يعمُّ (¬3). ¬
فائدتان
فائدتان: الأولى: الأكثر: سائر بمعنى باق. وفي الصحاح وغيرها: جملة الشيء، وهو في كلام الخِرَقِي (¬1)، والمُوَفَّق، وجمع (¬2). الثانية: معيار العموم صحة الاستثناء من غير عدد. فصل الأربعة، وغيرهم: أقل الجمع ثلاثة حقيقة، والأستاذ، والبَاقِلَّاني، والغزالي، وبعض أصحابنا، والمالكية، وغيرهم: اثنان حقيقة (¬3). ثم عند أصحابنا، وأبي المعالي: يصح في الاثنين والواحد مجازًا، وقيل: في الاثنين، وقيل: لا يصح (¬4). تنبيه: محل الخلاف في غير لفظ "جمع"، و"نحن"، و"قلنا"، و"قلوبكما" مما في الإنسان منه شيء واحد؛ فإنه وفاق (¬5). ¬
أقل الجماعة في غير الصلاة
وأقل الجماعة في غير صلاة ثلاثة، وقال ابن الجوزي، وصاحب البُلْغَة: اثنان. وقيل: جمع قلة: من ثلاثة إلى عشرة حقيقة، وجمع كثرة: ما زاد على عشرة حقيقة، وحكي عن أهل اللغة (¬1). فصل الأكثر، منهم القاضي، وابن عَقِيل، وابن حمدان، والطوفي، وابن قاضي الجبل، وحكي عن الأصحاب: العام بعد التخصيص حقيقة. أبو بكر الرازي: إن كان الباقي غير منحصر. الكَرْخي، والرازي: إن خص بشرط أو صفة أو استثناء أو غاية. البَاقِلَّاني: بشرط أو استثناء، عبد الجبار: بشرط أو صفة، وقيل: بدليل لفظي. الموفق وغيره: إن كان الباقي جمعًا. أكثر الأشعرية، وأبو الخَطَّاب، وغيره: مجاز. أبو المعالي: حقيقة في تناوله، مجاز في الاقتصار عليه. قال الشيخ: هذا معنى كونه مجازًا (¬2). وهو حجة عند أحمد، وأصحابه، والأكثر، وقيل: في أقل الجمع، وقيل: في واحد، البلخي: إن خص بمتصل، البَصْري (¬3): إن كان العموم منبئًا عنه قبل التخصيص، وإلا فلا. عبد الجبار: إن كان قبله غير مفتقر (¬4) إلى بيان، وإلا فلا. أبو ثور، وجمع: ليس بحجة مطلقًا؛ فيكون مجملا. والمراد: إلا في استثناء بمعلوم فاتفاق. قاله القاضي، والمجد، وغيرهما، وفهم الآمدي وغيره الإطلاق، وقيل بالوقف (¬5). ¬
فائدتان
ولو خص بمجهول لم يكن حجة كـ "اقتلوا المشركين إلا بعضَهم" اتفاقًا، قاله جمع، وقطع به في التمهيد، والواضح. وقال الرازي وغيره: حجة، وأشار إليه في التمهيد، فيقف على البيان، وقيل: يسقط ويعتبر العموم (¬1). فائدتان: الأولى: العام المخصوص عمومه مراد تناولًا لا حكمًا، وقرينته لفظية قد تنفك عنه، والعام الذي أريد به الخصوص ليس مرادًا، بل كليةٌ استعملت في جزئية؛ ومن ثَمَّ كان مجازًا قطعًا، وقرينته عقلية لا تنفك عنه، والأول أعم منه. الثانية: قيل: ما في القرآن عام لم يخص، إلا قوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ} (¬2)، {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (¬3). فصل الجواب غير المستقل تابع للسؤال في عمومه اتفاقًا، وكذا في خصوصه عند أبي الخَطَّاب، وأبي المعالي، والآمدي، وغيرهم. وقال الأصحاب بالتعميم، وهو ظاهر كلام أحمد، والشافعي في قوله: "ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال يُنزَّل منزلة العموم في المقال، ويحسن بها الاستدلال"، وعنه أيضًا: "حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب إجمال، وسقط [بها] (¬4) الاستدلال"، ¬
إن استقل الجواب وساوى السؤال تابعه في عمومه وخصوصه
فقيل: له قولان (¬1). وقال الأصفهاني: يُحمل الأول على قول يحال عليه العموم، والثاني على فعل؛ لأنه لا عموم له، واختاره البُلْقِيني (¬2). وقال القرافي: الأول مع بُعد الاحتمال، والثاني مع قربه، أو الأول في محل الحكم، والثاني في دليله، ورُدَّ. وإن استقل الجواب وساوى السؤال تابعه في عمومه وخصوصه (¬3). قال الغزالي: هذا مراد الشافعي بالأول. ¬
إن كان أخص من السؤال اختص بالجواب، وإن كان أعم أو ورد عام على سبب خاص بغير سؤال اعتبر عمومه
وإن كان أخص من السؤال اختص بالجواب، وإن كان أعم أو ورد عام على سبب خاص بغير سؤال اعتبر عمومه عند أحمد، والشافعي، وأكثر أصحابهما، والحنفية، والمالكية، والأشعرية. وقال كثير: ونُقل عن الأربعة: يقصر على سببه، وصورة السبب قطعية الدخول، خلافًا للسبكي، فلا تخص بالاجتهاد (¬1). فصل أكثر أصحابنا، والأكثر: يصح إطلاق المشترك على معنييه أو معانيه معًا، والحقيقة والمجاز الراجح بلفظ واحد مجازًا، وقيل: حقيقة في المشترك، وقيل: يصح بقرينة متصلة، وقيل: في نفي لا إثبات، وقيل: في غير مفرد، وقيل: إن تعلق أحد المعنيين بالآخر (¬2). وبعض أصحابنا، والغزالي: يصح إرادةً، لا لغة. والقاضي، وأبو الخطاب، وابن القيم، والرازي، وبعض الحنفية: لا يصح مطلقًا. والباقلاني: في الحقيقة والمجاز، ووقف الآمدي (¬3). فعلى الجواز: هو ظاهر فيهما، مع عدم قرينة؛ فيجب الحمل عليهما، قاله الشافعي، والقاضي، وابن عقيل، والحلواني، والمجد، وغيرهم، كالعام في الأصح. وقيل: على الحقيقة فقط، وقيل: مجمل، صرح به أيضًا القاضي، وابن عقيل، والشيخ، وغيرهم. وقيل بالوقف (¬4). وإن تنافيا امتنع مطلقًا، كـ "افعل" أمرًا، وتهديدًا. ¬
فائدتان
فائدتان: الأولى: ألحق جمع المجازين المتساويين بذلك. الثانية: جمع المشترك باعتبار معانيه مبني على جواز استعمال المفرد في معانيه، وقيل: لا يصح مطلقًا، وقيل: بلى، وقيل: إن اتفقا في المعنى. فصل أصحابنا، والشافعية: نفي المساواة للعموم، والحنفية، وغيرهم: يكفي نفيها في شيء واحد (¬1). ودلالة الاقتضاء والإضمار عامة عند أصحابنا، وأكثر المالكية (¬2)، والنووي. وعند القاضي أيضًا، والغزالي، والرازي، والآمدي، وغيرهم: مجملة. وعند أكثر الحنفية، والشافعية، وابن حمدان: هي لنفي الإثم (¬3). فصل مثل: (لا آكل، وإن أكلت فعبدي حر) يعم مفعولاته، فيُقبل تخصيصه، فلو نوى مأكولًا معينًا قُبل باطنًا عند أصحابنا، والمالكية، والشافعية. وعند ابن البَنَّا، والحنفية: لا. ويُقبل أيضًا حكمًا عند أحمد، ومالك، وأبي يوسف، ومحمد. وعنه: لا، كالشافعية (¬4). ويعم المكان والزمان عندنا، وعند المالكية. وعند الشافعية، والآمدي: لا، فلو ¬
تنبيه: العام في شيء عام في متعلقاته
زاد لحمًا، ونوى معيَّنًا قُبل عندنا وعند الحنفية، وحكي اتفاقًا. وخُرِّج: لا يُقبل باطنًا (¬1). تنبيه: عُلم من ذلك أن العام في شيء عام في متَعلَّقاته، وقاله العلماء إلا من شذَّ (¬2). فصل فعله -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يعم أقسامه وجهاته، وكان -صلى اللَّه عليه وسلم- يجمع بين الصلاتين في السفر، لا يعم وقتيهما، ولا سفر النسك وغيره (¬3). وتكرر الجمع منه مبني على "كان" (¬4)، فالقاضي، وأصحابه، والموفق، والباقلاني، وأبو الطيب، والآمدي، وغيرهم: هي لدوام الفعل وتكراره. وعبد الجبار، والهِنْدي: عرفًا. والرازي، والنووي، وجمع: لا مطلقًا (¬5). وأما الأمة فلم تدخل بفعله -صلى اللَّه عليه وسلم- بل بدليل آخر (¬6). فصل أصحابنا، وغيرهم: نحو قول صحابي: نهي عن بيع الغرر يعم كل غرر، والأكثر: لا (¬7)، ويأتي هل يعم الحكم المعلق على علة في القياس؟ ¬
فصل: عموم المفهوم فيما سوى المنطوق
فصل أكثر أصحابنا، وغيرهم: المفهوم مطلقًا عام فيما سوى المنطوق، ويخصص كالعام، ورفع كله تخصيص أيضًا (¬1). وابن عَقِيل، والمُوَفَّق، والشيخ، والغزالي، وابن دقيق العيد (¬2): لا يعم، وتكفي المخالفة في صورة ما. والآمدي، والرازي: لا يتحقق الخلاف (¬3). فصل لا يلزم من إضمار شيء في المعطوف أن يُضْمَر في المعطوف عليه، قاله أبو الخَطَّاب، وابن حمدان، وابن قاضي الجبل، والمالكية، والشافعية، وغيرهم (¬4). وخالف الحنفية، والقاضي، والسَّمْعاني، وابن الحاجب، وغيرهم. وقيل بالوقف، ولأبي الخَطَّاب أيضًا إن قيد بغير قيد المعطوف عليه لم يضمر فيه، وإن أطلق أضمر (¬5). ¬
وقيل: إنما يخصص المعطوف عليه بما في المعطوف من الخصوص إذا كان بخصوص المادة كالحديث (¬1)، وقيل: الجملة الثانية في الحديث، كلام تام لا يقدَّر فيه شيء. ¬
فصل: القران بين شيئين لفظا لا يقتضي التسوية بينهما في غير المذكور، إلا بدليل
فصل القِرانُ بين شيئين لفظًا لا يقتضي التسوية بينهما في غير (¬1) المذكور، إلا بدليل عند أكثر أصحابنا، والحنفية، والشافعية (¬2). وخالف أبو يوسف، والمُزَنِي (¬3)، والحَلْواني، والقاضي أيضًا (¬4). فصل أحمد، وأكثر أصحابه، والحنفية، والمالكية: الخطاب الخاص بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كـ {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)} (¬5) ونحوه عام للأمة، إلا بدليل يخصه. والتميمي، وأبو الخَطَّاب، وأكثر الشافعية، والأشعرية: لا يعمهم إلا بدليل. ووقف أبو المعالي. ¬
خطاب الله تعالى للصحابة: هل يعمه - صلى الله عليه وسلم -؟
وكذا خطاب اللَّه تعالى للصحابة: هل يعمه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ (¬1) وفي الواضح: النفي هنا عن الأكثر. وكذا خطابه -صلى اللَّه عليه وسلم- لواحد من الأمة: هل يعم غيره؟ (¬2) ولأبي الخَطَّاب: إن وقع جوابًا عمَّ، وإلا فلا. وعند الشافعي، والحنفية، والأكثر: لا يعم. واختار أبو المعالي: يعم هنا، وأنه قول الواقفية في الفعل. وتعدي فعله -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى أمته يُخرَّج على الخطاب المتوجه إليه عند الأكثر. واختار أبو المعالي وغيره تعديته هنا (¬3). فصل لفظ "الرجال" و"الرهط" لا يعم النساء، ولا العكس قطعًا، ويعم "الناس" ونحوه الكل إجماعًا، و"القوم" للرجال في الأصح، ولهن تبعًا، ونحو "المسلمين" و"فعلوا" يعم النساء تبعًا عند أكثر أصحابنا، والحنفية، وبعض الشافعية، وهو ظاهر كلام أحمد. وعنه: لا، كأكثر الشافعية، والأشعرية، وأبي الخطاب، والطوفي، وغيرهم (¬4). وفي الواضح: لا يقع "مؤمن" على أنثى، فالتكفير بالرقبة في قتلها قياسًا. وخص اللَّه الحجبَ بالإخوة، فعُدِّي إلى الأخوات بالمعنى، والمذهب أن الإخوة والعمومة يعمهما (¬5). ¬
فصل: "من" الشرطية تعم المؤنث
فصل الأربعة، وغيرهم: "مَنْ" الشرطية تعم المؤنث، وبعض الحنفية: لا. ويعم "الناس"، و"المؤمنون" ونحوهما العبيد عند أحمد، وأصحابه، وأكثر أتباع الأئمة، وقيل: بدليل، وقيل: إن تضمن تعبدًا، اختاره أبو بكر الرازي، وغيره (¬1). وأما المبعَّض: فالظاهر دخوله، واختار السَّمْعاني دخول الكفار في {الَّذِينَ آمَنُوا} (¬2)، ويدخلون في "الناس"، ونحوه في الأصح من غير قرينة، وإلا عمل بها. و {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ} (¬3) لا يشمل الأمة عند المُعْظم، وقال المجد: "يشملهم إن شركوهم في المعنى". ويعم {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} (¬4)، و {الَّذِينَ آمَنُوا} (¬5)، و {يَاعِبَادِيَ} (¬6) الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند الأكثر، حيث لا قرينة، وقيل: في خطاب القرآن، وقيل: لا، واختاره الصَّيْرفي، والحَلِيمي (¬7) إن اقترن بـ "قُل" (¬8). ¬
فصل: المتكلم داخل في عموم كلامه
قال أصحابنا، وغيرهم: ويعم الغائب والمعدوم إذا وُجد وكُلِّف لغة، وقيل: بدليل، وتقدم. فصل أكثر أصحابنا، وبعض الشافعية، وغيرهم: المتكلم داخل في عموم كلامه مطلقًا إن صلح، وعنه: بدليل، وقيل: لا، وأبو الخَطَّاب، والأكثر: لا في الأمر، وهو أكثر كلام القاضي، وهو أظهر. وفي الروضة: يمكن أن بناء المسألة على أن ما ثبت في حقهم يشاركهم. ويأتي آخر البيان: هل يجب اعتقاد العموم وغيره قبل البحث؟ فصل مثل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (¬1) يقتضي أخذها من كل نوع من المال، في ظاهر كلام أبي الفرج، وقاله ابن حمدان، والأكثر، وقال الكَرْخِي، والآمدي، وابن الحاجب: يكفي من نوع (¬2). وإذا تضمن العام مدحًا أو ذمًا كالأبرار والفجار لم يمنع عمومه عند الأربعة. وقيل: بلى، ونقل عن الشافعي، وقيل: إن عارضه عام آخر (¬3) (¬4). * * * ¬
باب: التخصيص
باب التخصيص: قصر العام على بعض أجزائه، ويطلق على قصر لفظ غير عام على بعض مسمَّاه، كما يطلق عام على غير لفظ عام (¬1). وأجازه الأربعة، والمعظم مطلقًا، ولو لمؤكد في الأصح، ومنع قوم في الخبر، وقوم: وفي الأمر. ولا تخصيص إلا فيما له شمول حسًّا أو حكمًا (¬2). فصل أكثر أصحابنا، وغيرهم: يجوز تخصيصه إلى أن يبقى واحد. ومنع المجد، وغيره، وأبو بكر الرازي: من أقل الجمع، والقَفَّال، وغيره: إن كان لفظه جمعًا، والقاضي، وولد المجد، وجمع: لا بد أن تبقى كثرة، وإن لم تُقَدَّر، والمجد، وابن حمدان، وطائفة: كثرة تقرب من مدلول اللفظ. وجوَّزه ابن الحاجب باستثناء، وبدل إلى واحد، وبمتصل كصفة، ومنفصل في محصور قليل إلى اثنين، وغير المحصور، والعدد الكثير، كالمجد (¬3). والمخصِّص: المُخرِج، وهو إرادة المتكلم، ويطلق على الدليل مجازًا (¬4)، وهو المراد هنا. وهو متصل ومنفصل (¬5)، وخصه الشيخ وغيره بالمنفصل، وقال: لا يدخل في ¬
فصل: الاستثناء المتصل
التخصيص المطلق، فالمتصل استثناء متصل، وشرط وصفة وغاية، زاد الآمدي ومن تبعه: بدل البعض (¬1). فصل الاستثناء المتصل: كلام ذو صيغ محصورة تدل على أن المذكور فيه لم يُرَدْ بالقول الأول، قاله القاضي، وابن عَقِيل، والغزالي، والأصح إخراج بإلا أو أحد أخواتها من متكلم واحد، وقيل: مطلقًا- ما لولاه لوجب دخوله لغة عند أصحابنا وغيرهم، فلا يصح من نكرة، لا ما جاز دخوله، خلافًا لقوم فيصح منها، وسلَّمه القاضي، وابن عَقِيل، وقاله ابن مالك إن وُصفت. والمراد بعشرة من قولك: "عشرة إلا ثلاثة" سبعة، و"إلا" قرينة مخصصة عندنا وعند الأكثر. وقال البَاقِلَّاني ذلك بإزاء اسمين: مركب ومفرد، فلا تخصيص، ومعناه في الروضة، وابن الحاجب: المراد مجموع آحاد العشرة، ثم أخرجت ثلاثة، ثم أسند، فالمسند إليه سبعة، فالتخصيص محتمل. فصل أحمد، وأصحابه، ومحمد، وزفر (¬2)، وحكي عن الأكثر: لا يصح استثناء من غير الجنس (¬3). ¬
فائدة: الاستثناء المنقطع
وعنه: يصح نقد من آخر، اختاره الخِرَقِي، وجمع. ففي روضة فقهنا على أنهما جنس، وفي العُدَّة، والواضح: لأنهما كالجنس في أشياء، وفي المُغْنِي: يمكن حملها على ما إذا كان أحدهما يعبر به عن الآخر، أو يعلم قدره منه. وقال الطُّوفي: يصح استحسانًا، وقال بعض أصحابنا: يلزم منها صحة استثناء نوع من آخر، وأبو الخَطَّاب: يلزم صحة استثناء ثوب وغيره، كأكثر الشافعية، والمالكية، والبَاقِلَّاني، وغيرهم. والأشهر عن أبي حنيفة: صحته في مكيل وموزون من أحدهما فقط (¬1). فائدة: الاستثناء المنقطع (¬2) مجاز، وقيل: حقيقة؛ فعليه: هو والمتصل مشترك، وقيل: متواطئ، وقيل بالوقف. ويشترط لصحته (¬3) مخالفة في نفي الحكم، أو في أن المستثنى حكم آخر له مخالفة بوجه. ¬
فصل: شرط الاستثناء اتصال معتاد لفظا أو حكما
وحده على التواطؤ: ما دل على مخالفة بـ "إلا" غير الصفة وأخواتها. وعلى الاشتراك والمجاز لا يجتمعان في حد، فيزاد فيه من غير إخراج، وجمعهما في التسهيل بقوله: المخرِج تحقيقًا أو تقديرًا من مذكور أو متروك بـ "إلا" ونحوها. فصل الأربعة وغيرهم: شرطه اتصال معتاد لفظًا أو حكمًا، كبقية التوابع. وعن ابن عباس: يصح ولو بعد سنة، ومعناه لطاوس (¬1)، ومجاهد (¬2). وعنه: إلى شهر، وأبدًا، وحمله أحمد وجمع (¬3) على نسيان قول: "إن شاء اللَّه"، والآمدي: على اتصاله بالنية، وبعضهم في القرآن خاصة، وقيل: رجع عنه، وعن ابن جبير (¬4): أربعة أشهر. ¬
متى تشترط نية الاستثناء
وقال بعض المالكية: يصح اتصاله بالنية وانقطاعه لفظًا، فيدين. وعن أحمد في اليمين يصح منفصلًا في زمن يسير، ولم يختلط كلامه بغيره. وعنه: وفي المجلس، واختاره الشيخ، وروي عن الحسن (¬1)، وعطاء (¬2)، وقيل: ما لم يأخذ في كلام آخر. وفي المبهج: ولو تكلم. وقيل: في القرآن خاصة. وقال الشيخ: يجب إجراء روايتي اليمين في جميع صِلات الكلام المغيرة له من تخصيص، وتقييد. وجَوَّزه في الجزاء مع الشرط، والخبر مع المبتدأ بزمن يسير. وتشترط نية الاستثناء قبل تمام المستثنى منه عند أكثر أصحابنا، والأكثر، وقطع أبو الفرج، والمُوَفَّق، والسَّامُرِّي (¬3). وبعده قبل فراغه، زاد الشيخ: لا يضر فصل يسير بنية واستثناء. وقيل: من أول الكلام. ¬
فصل: لا يصح استثناء إلا نطقا، إلا في يمين خائف بنطقه
فصل الأربعة، وغيرهم: لا يصح استثناء إلا نطقًا، إلا في يمين خائف بنطقه. وقيل: قياس مذهب مالك صحته بالنية، ويجوز تقديمه عند الكل (¬1). فصل استثناء الكل باطل، وشذَّ بعضهم، وكذا الأكثر من عدد مسمى عند أحمد، وأصحابه، وأبي يوسف، وابن المَاجِشُون (¬2)، وأكثر النحاة، وحكي عن أهل اللغة. وعند الأئمة الثلاثة، والخَلَّال (¬3)، وغيرهم: يصح (¬4). تنبيهان: الأول: قال الشيخ: لا خلاف في جوازه إذا كانت الكثرة من دليل خارج، لا من اللفظ (¬5). وجوَّز أبو الخَطَّاب، وأبو يعلى الصغير (¬6) , وجمع استثناء الكل من الجُمُوع غير ذوات العدد. ¬
الثاني: حيث بطل الاستثناء، واستثني منه رجع إلى ما قبله
قال ابن مفلح وغيره: يستثنى بالصفة مجهولًا من معلوم، ومن مجهول، والجميع أيضًا، كـ "اقتل من في الدار إلا بني تميم، أو البيض"، وكلهم بنو تميم، أو بيض، لم يقتلوا (¬1). الثاني: حيث بطل الاستثناء، واستثني منه رجع إلى ما قبله، وقيل: يبطل الكل، وقيل: يعتبر ما تئول إليه الاستثناءات. ويصح استثناء النصف في الأصح عندنا، كالكوفيين، وبعض البَصْريين، ومنع أكثرهم (¬2)، والناظم (¬3)، والطُّوفي، وحكي عن أحمد (¬4). وقيل: لا يصح مطلقًا في عدد، وقيل: في عقد، كنحو عشرة من مائة (¬5). فصل الأئمة الثلاثة، وأصحابهم: إذا تعقب الاستثناءُ جملًا بواو عطف، وصَلَحَ عوده إلى كل واحدة فللجميع، إلا لمانع، كبعد مفردات. وأبو حنيفة، وأصحابه، والرازي، والمجد: للأخيرة، وقيل: ومعناه في الكفاية، إن تبين إضرابٌ عن الأولى فللأخيرة، وإلا فللكل (¬6). ¬
تنبيهان
والإضراب: أن يختلفا نوعًا أو اسمًا مطلقًا، أو حكمًا اشتركت الجملتان في غرض، أو لا، والغرض الحمل (¬1). ووقف جمع (¬2)، وقال المرتضى بالاشتراك. والآمدي: إن ظهر أن الواو للابتداء فللأخيرة، أو عاطفة فللجميع، وإن أمكنا فالوقف. وقيل: إن كان بينهما تعلق، وإلا فللأخيرة (¬3). تنبيهان: الأول: ألحق جمع، والشيخ، وقال: هو موجب قول أصحابنا، وغيرهم ما في معنى الواو بها. الثاني: مثل بني تميم وربيعة أكرمهم، إلا الطوال للكل، وقال بعض أصحابنا: لو قال: أدخل بني تميم، ثم بني المطلب، ثم سائر قريش، فأكرمهم؛ فالضمير للكل (¬4). فصل أصحابنا، والمالكية، والشافعية: الاستثناء من النفي إثبات، وبالعكس، خلافًا للحنفية في الأولى، ولبعضهم فيهما (¬5). واستثنى القرافي من الأول الشرط كـ "لَا صَلاةَ إِلَّا بِطُهُور" (¬6). ¬
فصل: إذا عطف استثناء على استثناء
فصل إذا عطف استثناء على استثناء أضيف إلى الأول، وإلا فاستثناء من استثناء يصح إجماعًا (¬1). تنبيه: تقدم الشرط، وتحص اللغوي منه عرفًا بكونه مخصصًا، وهو مُخرِج ما لولاه لدخل. ويتحد ويتعدد على الجمع والبدل، والجزاء كذلك، تكمل تسعة (¬2). وله صدر الكلام، يتقدم على الجزاء لفظًا لتقدمه عليه في الوجود طبعًا، فإن أُخِّر لفظًا فأكثر النحاة أن ما تقدم ليس بجزاء بل قام مقامه ودل عليه، وهو محذوف (¬3). ¬
فائدة: في حصول المعلق على شرط
وهو كاستثناء في اتصاله بالمشروط، وإن تعقَّب جملًا متعاطفة؛ فللكل عند الأربعة، وغيرهم، وحكي إجماعًا. وقيل: تختص بالتي تليه، ولو مؤخرة (¬1). ووقف الرازي. ويجوز إخراج الأكثر به. فائدة: يحصل المُعلَّق على شرط والعقد عقبهما، وقال أكثر المتكلمين، وابن عبد السلام: معهما والتخصيص بصفة كاستثناء في اتصال، وعود، ولو تقدمت. وقيل: تخصيص بما وليته إن توسطت. وبغاية كاستثناء في اتصال، وعود. ويخرج الأكثر بها بعد جمل. وما بعدها مخالف على الأصح، وقال البَاقِلَّاني: نُطْقًا، وقيل: من غير الجنس، وقيل: إن كان معه "من"، والرازي: إن تميز عما قبله بالحس لم يدخل، وإلا دخل، وقيل: إن كان المُغَيَّا عينًا أو وقتًا لم يدخل، وإلا دخل، والآمدي: لا يدل على شيء، وتقدم. ومحله في غاية تقدمها عموم يشملها، لو لم تأت بخلاف {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (¬2)، و"قطعت أصابعه كلها من الخنصر إلى الإبهام"؛ فالغاية في الأول خارجة قطعًا، وفي الثاني داخلة قطعًا. والغاية والمغيَّا، أي: القيد بها يتحدان ويتعددان تسعة أقسام (¬3). ¬
فائدة: التوابع المخصصة كاستثناء
فائدة: قال الشيخ: التوابع المخصصة، كبدل، وعطف بيان، وتوكيد، ونحوه، كاستثناء، والشروط المعنوية (¬1) بحرف الجر، أو بحرف العطف كالشرط (¬2). وتتعلق حروف الجر المتأخرة بالفعل المتقدم (¬3). انتهى. والإشارة بـ "ذلك" بعد جمل تعود إلى الكل، ذكره القاضي، وحفيده، وابن عَقِيل، وأبو البقاء (¬4). والتمييز بعد جمل: مقتضى كلام النحاة، وبعض الأصوليين عوده إلى الجميع، ولنا في الفروع خلاف. فصل التخصيص بالمنفصل: منه الحس، والعقل أيضًا، وشذ بعضهم، ومنع الشافعي من تسميته تخصيصًا، وهو لفظي في الأصح. فصل أصحابنا، والأكثر: إذا ورد عام وخاص مقترنين قُدِّم الخاص، وقيل: تعارضا في قدره، وإن لم يقترنا قُدِّم الخاص مطلقًا عند أصحابنا، والشافعي، وأصحابه، وغيرهم، وهو ظاهر كلام أحمد (¬5). ¬
فصل: تخصيص السنة بالكتاب
وعنه، وقاله أكثر الحنفية، والبَاقِلَّاني، وأبو المعالي: المتأخر ناسخ، فإن جهل فالوقف. وقال الموفق: تعارضا، وقال أحمد: يؤخذ بهما حتى يعلم الأخير. وقدَّم قوم الخاص (¬1). وإن كان كل منهما عامًّا من وجه خاصًّا من وجه تعارضا، وطُلِب المُرجِّح. وعند الحنفية: المتأخر ناسخ، وقيل (¬2): لا يخصص الكتاب به (¬3)، ولا السنة بها (¬4). فصل أحمد، وأصحابه، والأكثر: تُخَصَّص السنة بالكتاب. وعنه: لا، اختاره الشيخ، وغيره (¬5). ويُخَصَّص الكتاب بالمتواترة إجماعًا، وبخبر الواحد عند الثلاثة، وأصحابهم، وبعض الحنفية. وعنه: المنع، اختاره الفخر، وغيره. وقيل: إن كان خُصَّ بقاطع جاز. الكَرْخي: إن خُصَّ بمنفصل جاز. ووقف الباقلاني، وقيل: لم يقع (¬6). وخص السَّمْعاني الخلاف بخبر لم يُجمع على العمل به. ومثله تخصيص متواترة بآحاد. ¬
فصل: التخصيص بالمفهوم، وبالإجماع، وبفعله - صلى الله عليه وسلم -، وبإقراره - صلى الله عليه وسلم -، وبمذهب الصحابي، وبقضايا الأعيان، وبالقياس
فصل يُخَصَّ العام بمفهوم الموافقة اتفاقًا، وبالمخالفة عند القائل به، وخالف القاضي (¬1)، وأبو الخَطَّاب أيضًا، والمالكية، وابن حزم (¬2) (¬3). وبالإجماع، أي: دليله عند أصحابنا، والأكثر، ولو عمل أهل الإجماع بخلاف نص خاص تضمن ناسخًا (¬4)، وبفعله -صلى اللَّه عليه وسلم- عند الأربعة، وغيرهم إن شمله العموم. ومنعه قوم، ووقف عبد الجبار (¬5). أما إن ثبت وجوب اتباع الأمة له بدليل خاص؛ فالدليل ناسخ للعام (¬6). وبإقراره -صلى اللَّه عليه وسلم- على فعل، عند أصحابنا، والأكثر، وهو أقرب من نسخه مطلقًا، أو عن فاعله، وقيل: نسخ إن نسخ بالقياس (¬7). وبمذهب الصحابي إن قيل: هو حجة، وإلا فلا عند الأربعة، وغيرهم. ومنعه بعض الشافعية مطلقًا، وقال الشيخ: يَخُصُّه إن سَمِع العام وخالفه، وإلا فمحتمل (¬8). ¬
تنبيه: هذه المسألة ونحوها ظنية
وبقضايا الأعيان، قاله المجد، وغيره، قال: ويحتمل منعه، وكلام أحمد يحتمله في الحرير لحكة (¬1). وبالقياس عند الأربعة، والأشعري، والأكثر. وعند ابن سُرَيج، والطُّوفي: إن كان جليًّا. وابن أَبَان: إن خُصَّ، والحنفية: بمُجْمَعٍ عليه، والكَرْخي: بمنفصل، والآمدي: إن ثبتت العلة بنص أو إجماع، زاد ابن الحاجب: أو كان الأصل مُخصَّصًا، أو ظهر ترجيح خاص للقياس (¬2). ومنعه ابن حامد، والجوزي، وجمع مطلقًا (¬3)، وقوم: في القرآن. ولابن شَاقْلا: المنع والجواز إن كان المقيس عليه مخرجًا من عام. والباقلاني، وأبو المعالي وقفا. والغزالي: إن تفاوتا في إفادة الظن رجح الأقوى، وإلا وقفنا. وكذا صرف ظاهرٍ غير عام إلى احتمال مرجوح بقياس (¬4). تنبيه: هذه المسألة ونحوها ظنية، وعند الباقلاني قطعية. فائدة: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ العَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَة" (¬5)، ففِعْلُ الفريقين يرجع إلى تخصيص العموم بالقياس وعدمه، فرجح ابنُ حزم العموم، والشيخُ تخصيصَه. ¬
فصل: العادة لا تخص العموم، ولا تقيد المطلق
فصل أصحابنا، والشافعية، والأكثر: العادة لا تَخُصُّ العموم، ولا تُقَيِّد المطلق. والحنفية، والمالكية، والقاضي، والشيخ: بلى، كالعادة القولية (¬1). ولا يخص العام بمقصوده عند أصحابنا، والأكثر. وخالف عبد الوهاب، والمجد، وحفيده (¬2). وإذا وافق خاصٌّ عامًّا لم يخصصه عند الأربعة، وغيرهم، وخالف أبو ثور (¬3). ورجوع الضمير إلى بعض العام لا يُخصِّصُه عند أكثر أصحابنا، والشافعية. وعنه: بلى، كأكثر الحنفية، والقاضي. وفي الواضح: هو المذهب. ووقف أبو المعالي، والرازي (¬4). * * * ¬
باب: المطلق
باب المطلق: ما تناول واحدًا غير معين باعتبار حقيقة شاملة لجنسه. وقال الآمدي، والجوزي، وابن حمدان: نكرة في إثبات (¬1). والمقيد: ما تناول معينًا أو موصوفًا بزائد على حقيقة جنسه. وقد يجتمعان في لفظ واحد بالجهتين، وهما كالعام والخاص، لكن إن ورد مطلق ومقيد، واختلف حكمهما فلا حمل اتفاقًا مطلقًا، وإن لم يختلف فإن اتحد سببهما وكانا مثبتين، كـ "أعتق في الظهار رقبة"، ثم قال: "أعتق رقبة مؤمنة"؛ حمل المطلق على المقيد عند الأربعة، وغيرهم. وعنه: لا (¬2). ثم إن كان المقيد آحادًا والمطلق تواترًا انبنى على الزيادة: هل هي نسخ؟ وعلى نسخ التواتر بالآحاد، والمنع للحنفية، والأصح أن المقيد بيان للمطلق. وقيل: نسخ إن تأخر المقيد، وقيل: عن وقت العمل بالمطلق (¬3). وإن كانا نهيين؛ فالمقيد دل بالمفهوم. قال أبو الخطاب: فمن لا يراه حجة، وقال المجد: أو لا يخص العموم؛ يعمل بمقتضى الإطلاق، وإلا بالمقيد (¬4). واختار القاضي العمل بالمطلق، والآمدي: بالمقيد (¬5). وقيل: هما من العام والخاص. ¬
تنبيه: يحمل الأصل في الأصح، كالوصف
قال الشيخ: والإباحة والكراهة كالنهي، وفي الندب نظر (¬1). وإن كان أحدهما أمرًا والآخر نهيًا فالمطلق مقيد بضد الصفة. وإن اختلف سببهما، كالرقبة في الظهار، والقتل حمل عليه قياسًا بجامع عند أحمد، والشافعي، وأكثر أصحابهما، والمالكية وغيرهم. وعنه: لغةً، كالقاضي، وجمع، وحكي عن مالك، والشافعي. ووقف أبو المعالي. وعنه: لا حمل، كأبي حنيفة، وأصحابه، وابن شاقلا، وابن عَقِيل (¬2). وإن ورد مقيدان متنافيان ومطلق، واختلف السبب، كتتابم صوم الظهار، وتفريق صوم المتعة، وقضاء رمضان مطلق؛ فلا حمل لغة، بل قياسًا بجامع في الأصح. وعن أبي الخَطَّاب: إلحاق قضاء رمضان بالمتتابع أولى (¬3). وإن اتحد السبب وتساويا سقطا، كمحل تراب في غسل نجاسة كلب. تنبيه: يحمل الأصل في الأصح، كالوصف، ومحله إذا لم يستلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، فإن استلزمه حُمِلَ على إطلاقه عند بعض محققي أصحابنا، كمسألة عدم قطع الخف. وقال بعض محققيهم، وغيرهم: المطلق من الأسماء يتناول الكامل من المسميات في إثبات لا نفي (¬4). ¬
خاتمة: المطلق ظاهر الدلالة على الماهية
قال بعض أصحابنا: الواجبات المطلقة تقتضي السلامة من العيب في عرف الشارع. وصرح القاضي، وابن عَقِيل، وجمع أن إطلاق الرقبة في الكفارة تقتضي الصحة (¬1). خاتمة: المطلق ظاهر الدلالة على الماهية، كالعام، لكن على سبيل البدل. وعند الحنفية قطعي. * * * ¬
باب: المجمل
باب المجمل: لغة: المجموع، أو المبهم، أو المحصَّل. واصطلاحًا: ما تردد بين محتملين فأكثر على السواء. وفي التمهيد: ما أفاد جملة من الأشياء. وفي العُدَّة: ما لا يُعرف معناه من لفظه. وفي الروضة: ما لا يُفهم منه عند الإطلاق معنًى، أي: معين. والجوزي: ما لا يُفهم منه مراد المتكلم (¬1). وحكمه: التوقف على البيان الخارجي. ويكون في الكتاب والسنة في الأصح، وفي مفرد كقُرْء وعَيْن ومُخْتار، ونحوها، ومُرَكَّب كـ {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} (¬2)، وفي مرجع ضمير، وصفة، كـ "زيد طبيب ماهر"، وفي تعدد مجاز عند تعذر حقيقة، وعام خص بمجهول، ومستثنى، وصفة مجهولين، والواو، و"مِنْ" (¬3). فصل لا إجمال في إضافة التحريم إلى العين، كـ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (¬4) و {أُمَّهَاتُكُمْ} (¬5)، خلافًا للقاضي، وأبي الفرج، وأكثر الحنفية (¬6). ¬
وهو عام عند القاضي، وابن عَقِيل، والحَلْواني، والفخر، وغيرهم. وعند أبي الخَطَّاب، والمُوَفَّق، والطُّوفي، والمالكية: ينصرف إطلاقه في كل عين إلى المقصود اللائق بها (¬1). وعند أكثر المتكلمين: لا عموم له. وقال التميمي، والشافعية: وصف العين بالحل والحرمة مجاز. ولا في {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} (¬2) عند أحمد، ومالك، وأصحابهما، وغيرهم (¬3). ولا في "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ" (¬4) (¬5)، ولا في آية السرقة (¬6)، خلافًا لبعض الحنفية فيهن. ولا في {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (¬7)، خلافًا للحلواني، وبعض الشافعية، والشافعي، وقال: بيَّنَتْها السنة، وعنه: الكتاب، وعنه: عامة خصصتها السنة، وعنه: الكتاب. وللقاضي القولان (¬8). ¬
فصل: اللفظ لمعنى تارة، ولمعنيين أخرى
ولا في "لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ" (¬1)، ونحوه، خلافًا للباقلاني، وجمع (¬2). ويقتضي نفي الصحة عند أحمد، ومالك، والشافعي، وأصحابهم (¬3). وعمومه من الإضمار، وقيل: عام في نفي الوجود، والحكم خص الوجود بالعقل، وقيل: عام في نفي الصحة والكمال، وهو في كلام القاضي، وابن عَقِيل (¬4). ومثلها: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَاتِ" (¬5) (¬6)، وتقدم نفي القبول والإجزاء (¬7). فصل اللفظ لمعنًى تارة، ولمعنيين أخرى، ولا ظهور مجمل في ظاهر كلام أصحابنا، وقاله الغزالي، وابن الحاجب، وجمع. وقال الآمدي: ظاهر في المعنيين، وحكاه عن الأكثر (¬8). وقيل: المعنيان غير الأول، فإن كان أحدهما عمل به ووقف الآخر. ¬
وما له محمل لغة، وشرعًا، كالطواف بالبيت صلاة؛ فأصحابنا والأكثر للشرعي، والغزالي: مجمل (¬1). وما له حقيقة لغة وشرعًا، كالصلاة، فأبو الخَطَّاب، والمُوَفَّق، والطوفي، والأكثر للشرعي، وأبو حنيفة للغوي، والحلواني، وجمع: مجمل. وبعض الشافعية: لهما. والغزالي، والآمدي: في إثبات، ولو أمرًا للشرعي، وفي نفي ونهي، الغزالي: مجمل، والآمدي: للغوي. وبناه القاضي تارة على إثبات الحقيقة الشرعية، كابن عَقِيل، وتارة مجمل ولو أثبتها (¬2)، ونفاها في جامعه الكبير، وجعله للشرعي. وقاله ابن عَقِيل، وقال أيضًا: مجمل قبل البيان، مُفسَّر بعده (¬3). فعلى الأولى: لو تعذر شرعي فعرفي فلغوي فمجاز. * * * ¬
تعريف المبين، وما يطلق عليه البيان
باب المُبيَّن يقابل المجمل، ويكون في مفرد ومركب وفعل (¬1)، سبق إجمال أم لا. والبيان: يطلق على التبيين، وهو فعل المُبيِّن، وعلى ما حصل به التبيين، وهو الدليل، وعلى متعلَّق التبيين وهو المدلول (¬2). فبالنظر إلى الأول: قال في العُدَّة: إظهار المعنى للمخاطَب، وفي التمهيد: إظهار المعلوم للمخاطب وإيضاحه، ومعناه في الواضح، ولم يقل للمخاطَب (¬3). وأبو بكر، وأبو الفرج، وابن عَقِيل أيضًا، والصَّيْرفي: إخراج المعنى من حيِّز الإشكال إلى حيِّز التجلي. وإلى الثاني: قال أكثر الأشعرية، والتميمي، وغيرهم: هو الدليل (¬4). وإلى الثالث: قال البَصْري (¬5)، وغيره: العلم عن دليل (¬6). وقال الشافعي: اسم جامع لمعانٍ مجتمعة الأصول متشعبة الفروع (¬7). ويجب لمن أريد فهمه اتفاقًا. ويحصل بقول وفعل، ولو باشارة أو كتابة، خلافًا للكرخي وغيره فيه، وهو أقوى من القولي، وإقرار على فعل. وكل مقيد من الشرع بيان. ¬
فصل: الفعل والقول بعد المجمل
فصل الفعل والقول بعد المُجْمَل إن صَلَحا واتفقا وعرف أسبقهما فهو البيان، والثاني تأكيد، وإن جُهِل فأحدهما. وقدَّم الآمدي المرجوح، وابن عَقِيل: القول، وقيل: الفعل. وإن لم يتفقا، كما لو طاف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد آية الحج قارنًا طوافين، وأمر القارن بطواف واحد، فقوله: بيان، وفعله ندب أو واجب نحتص به. وعند البَصْري (¬1): المقدَّم بيان (¬2). فصل أصحابنا، والأكثر: يجوز كون البيان أضعف دلالة، واعتبر الكَرْخي المساواة، والآمدي، وابن الحاجب: كونه أقوى (¬3). ولا تعتبر مساواة البيان للمبيَّن في الحكم، قاله في التمهيد، وغيره، خلافًا لقوم (¬4). فصل لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة، إلا على تكليف المحال (¬5). قال الشيخ: وتأخيره لمصلحة هو البيان الواجب والمستحب، كتأخيره المسيء في الصلاة إلى ثالث مرة. ¬
ويجوز إلى وقت الحاجة عند أحمد، والشافعي، والأشعري، وأكثر أصحابهم، وبعض الحنفية، والمالكية (¬1). وعنه: لا، اختاره أبو بكر، والتميمي، وبعض الحنفية، وأجازه أكثرهم في المجمل فقط. وأبو زيد (¬2): إن لم يكن تبديلًا ولا تغييرًا. وقوم: في الخبر. وبعض المعتزلة: عكسه، والجُبَّائي، وابنه، وعبد الجبار: في النسخ، وأبو الحسين: فيما ليس له ظاهر، كالمشترك، وبعضهم في العموم (¬3). فعلى المنع: قال أصحابنا، والأكثر: يجوز تأخير إسماع المخصِّص الموجود، ومنعه الجُبَّائي، وأبو الهذيل (¬4)، ووافقا على المخصِّص العقلي (¬5). وعليه أيضًا: قال القاضي، والأكثر: يجوز تأخير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تبليغ الحكم إلى وقت الحاجة، ومنعه عبد الجبار في القرآن، وأبو الخَطَّاب، وابن عَقِيل مطلقًا (¬6). ¬
فصل: يجب اعتقاد العموم والعمل به في الحال
وعلى الجواز: قال أصحابنا، والمحققون: يجوز التدريج في البيان (¬1)، وقيل: في المجمل، وقيل: إن تُوقِّع بيان، وقيل: لا. فصل أحمد، وأكثر أصحابه، والمالكية، والصيرفي، والسرخسي: يجب اعتقاد العموم والعمل به في الحال. والجُرْجَاني: إن سمعه من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على طريق تعليم الحكم. وقيل: مع ضيق الوقت. وعنه: لا مطلقًا، حتى يبحث، كأكثر الشافعية، وأبي الخطاب، والحلواني، ومال إليه الشيخ. قال الأستاذ، وغيره: محله بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2). وظاهر كلام الأصحاب، وقاله الأكثر: يكفي في البحث الظن. والبَاقِلَّاني، وجمع: القطع، وقوم: اعتقاد جازم (¬3). وكذا كل دليل مع معارضه، وهو ظاهر كلام أحمد، وقيل: لا في حقيقة ومجاز. * * * ¬
باب: الظاهر
باب الظاهر: لغة: الواضح، واصطلاحًا: ما دل دلالة ظنية وضعًا، كأسد، وعرفًا، كغائط (¬1). والتأويل: لغة: الرجوع، واصطلاحًا: حمل ظاهر على محتمل مرجوح، وزِد للصحيح بدليل يُصَيُّره راجحًا. المُوَفَّق، والغزالي: احتمال يعضده دليل يصيره أرجح من الظاهر (¬2). الجوزي: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى المرجوح لاعتضاده بدليل. فإن قرب التأويل ترجح بأدنى مرجح، وإن بعد افتقر إلى أقوى، وان تعذر رد (¬3). فمن البعيد: تأويل الحنفية قولَه -صلى اللَّه عليه وسلم- لغيلان بن سلمة (¬4)، وقد أسلم على عشر نسوة: "اخْتَرْ -وفي لفظ: أَمْسِكْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا، وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ" (¬5)، على ابتداء النكاح، أو إمساك الأوائل (¬6). ¬
وأبعد منه: تأويلهم قولَه -صلى اللَّه عليه وسلم- لفيروز الديلمي (¬1)، وقد أسلم على أختين: "اخْتَرْ أَيَّتَهِمَا شِئْتَ" (¬2) على أحد الأمرين (¬3). وتأويلهم: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} (¬4) على إطعام طعام ستين (¬5). وأبعد منه: "في أربعين شاةً شاةٌ" (¬6) على قيمتها (¬7). وتأويلهم: "أَيُّمَا امرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْر إِذْنِ وَليِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ" (¬8) على الصغيرة والأمة والمكاتبة (¬9). ¬
ومنه: "لا صِيَامَ لمِنْ لَمْ يُبَيِّت الصِّيَامَ من اللَّيْلِ" (¬1) على القضاء والنذر المطلق (¬2). ومنه: "ذكاة الجنين ذكاة أمه" (¬3) على التشبيه. ومنه: {وَلِذِي الْقُرْبَى} (¬4) على الفقراء منهم (¬5). وتأويل المالكية، والشافعية: "مَنْ ملك ذا رَحِمٍ مُحَرَّمٍ فهو حُرٌّ" (¬6) على عمودي نسبه (¬7). ¬
باب المنطوق والمفهوم
باب المنطوق والمفهوم الدلالة: منطوق: إن دل عليه اللفظ في محل النطق، وهو صريح: إن وضع اللفظ له، وغيره: ما يلزم عنه (¬1). فإن قصد وتوقف الصدق عليه، كـ "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأ" (¬2)، أو الصحة عقلًا، كـ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (¬3)، أو شرعًا، كـ "أَعْتِق عبدك عني"، فدلالة اقتضاء، وإن لم يقصد فدلالة إشارة. وإن لم يتوقف واقترن بحكم لو لم يكن لتعليله كان بعيدًا؛ فتنبيه وإيماء (¬4)، يأتي. وسمَّى في العُدَّة الإضمارَ مفهوم الخطاب وفحواه ولَحْنه، وسماه في التمهيد لَحْن الخطاب (¬5)، قال: ومعنى الخطاب القياس. وسمَّى الموفق ما فهم منه التعليل إيماءً ¬
فائدتان
وإشارة وفحوى الكلام ولحنه (¬1). فائدتان: الأولى: قال أكثر أصحابنا: النص الصريح، زاد القاضي، وابن البناء: وإن احتمل غيره، والمجد: ما أفاد الحكم يقينًا أو ظاهرًا، ونقل عن أحمد، والشافعي، وقيل: يقينًا. والموفق: ما أفاد بنفسه بلا احتمال، أو احتمال لا دليل عليه، ويطلق على الظاهر، ولا مانع منه (¬2). ¬
الثانية: تعريف المقطوع به
الثانية: قال الجوزي وغيره: المقطوع به: ما دل دلالة لا تحتمل التأويل. ومفهوم: إن دلَّ عليه لا في محل النطق، فإن وافق فمفهوم موافقة، ويسمى فحوى الخطاب ولَحْنه، زاد في العُدَّة، والتمهيد: ومفهومه، وسمى جمع المساوي لحنه، والأولى فحواه، كتحريم الضَّرْب من قوله: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} (¬1)، وكتأدية ما دون القنطار من قوله: {يُؤَدِّهِ} (¬2)، وهذا تنبيه بالأعلى على الأدنى، وما قبله عكسه (¬3). وشَرْطه: فهم المعنى في محل النطق، وأنه أولى أو مساو، وقيل: لا يكون مساويًا، وهو لفظي. وهو حجة عند العلماء (¬4). ودلالته لفظية عند أحمد، والقاضي، وابن حمدان، والشيخ، وابن عَقِيل، وحكاه عن أصحابنا، والحنفية، والمالكية، وغيرهم (¬5). قال الغزالي، والآمدي: فهمت من السياق، والقرائن. وقيل: مجازية من إطلاق الأخص على الأعم، وقيل: اللفظ لها عرفًا. وعند الشافعي، وأكثر أصحابه، وابن أبي موسى، والخَرَزِي، وأبي الخَطَّاب، والحَلْواني، والفخر، والطوفي: قياس جلي (¬6). ¬
مفهوم المخالفة وشرطه
وقال المجد: إن قصد الأدنى فقياس، وإن قصد التنبيه فلا (¬1). وهو قطعي، كرَهْن مصحف عند ذمي، وظني، كشفعة ذمي. ونفى الفخر القطعي (¬2). وإذا ردت شهادة فاسق؛ فكافر أولى، فظني، وقيل: فاسد. وكذا إيجاب كفارة في قتل عمد، ويمين غموس. وإذا جاز السلم مؤجلًا فحال أولى؛ لبعده من الغرر، وهو المانع: فاسد؛ إذ الحكم لا يثبت لانتفاء مانعه، بل لوجود مقتضيه، وهو الارتفاق بالأجل (¬3). وإن خالف فمفهوم مخالفة، ويسمى دليل الخطاب. وشرطه: أن لا تظهر أولوية ولا مساواة في المسكوت، ولا خرج مخرج الغالب (¬4). وقال أبو المعالي: له مفهوم. والمجد: هو من مسالك التأويل (¬5). فعلى الأول: لا يعم، خلافًا لابن المَنِّي، ولا خرج جوابًا لسؤال، وللقاضي احتمالان -زاد الشيخ: أو حاجة إلى بيان- ولا مخرج التفخيم، ولا لزيادة امتنان، ولا لحادثة، ولا لتقدير جهل المخاطب، ولا لرفع خوف، ونحوه، ولا عُلِّق حكم على صفة غير مقصودة، ذكره القاضي وغيره. ¬
أقسام مفهوم المخالفة
وهو أقسام: أحدها الصفة: أن يقترن بعام صفة خاصة، كـ "في الغنم السائمة الزكاة" (¬1)، وهو حجة (¬2) عند الثلاثة والأكثر لغة، وقال أبو الخطاب، وأبو الفرج، وحكاه إجماع أهل اللغة عقلا، وفي المعالم: عرفًا، وقيل: شرعًا. ويحسن الاستفهام، جزم به في الواضح، وقيل: لا. ثم مفهومه عند المعظم: لا زكاة في معلوفة الغنم؛ فالغنم والسَّوْم علة. وظاهر كلام أحمد، واختاره ابن عَقِيل، وأبو حامد، والرازي: لا زكاة في معلوفة كل حيوان؛ فالسوم علة (¬3). وهو في البحث عما يعارضه كالعام، ذكره في التمهيد وغيره، وقال الآمدي: لا يعتبر (¬4). ومنها العلة، والظرف، والحال. ونفاه أبو حنيفة، وأصحابه، والتميمي، وبعض المالكية، والشافعية، وروي عن أحمد (¬5). وأثبته البَصْري إن كان للبيان، كالسائمة، أو التعليم، كتحالف المتبايعين، أو دخل ما عدا الصفة تحتها، كالحكم بالشاهدين (¬6). ¬
الثاني: التقسيم
فائدة: الصفة المجردة، كـ "في السائمة الزكاة" (¬1)، و"الثيب أحق بنفسها" (¬2) كالأول عند أصحابنا، وغيرهم. والأول أقوى دلالة، وقيل: سواء، وقال به أبو المعالي مع مناسبة الصفة للحكم، وإلا فلا، وحكي عن القاضي. الثاني: التقسيم، كـ"الثيب أحق بنفسها، والبكر تستأذن"، كالأول، ذكره الموفق وغيره (¬3). الثالث: الشرط، نحو {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ} (¬4)، وهو أقوى من الصفة (¬5)، وترد لتعليل كـ"أطعني إن كنت ابني"، {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (¬6). الرابع: الغاية، كـ {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (¬7)، وهو أقوى من الشرط (¬8). ومنعهما التميمي، وأكثر الحنفية هنا، وقالوا: هو من الإشارة (¬9). وقال ابن عقيل، والمجد: ليس لها مفهوم موافقة. ¬
الرابع: الغاية
الخامس: العدد لغير مبالغة، كـ {ثَمَانِينَ جَلْدَةً} (¬1)، قال به أحمد، وأكثر أصحابه، ومالك، وبعض الشافعية، وحكي عن الشافعي (¬2). ونفاه ابن شاقلا، والقاضي، والحنفية، والأشعرية، وأكثر الشافعية، وجعله أبو المعالي، وأبو الطِّيب، وجمع من قسم الصفات. ونفى السبكي مفهوم المعدود (¬3). السادس: اللقب، وهو تخصيص اسم بحكم. حجة عند أحمد، وأكثر أصحابه، ومالك، وداود (¬4)، والصيرفي، والدَّقَّاق، وابن فورك، وابن خويز منداد، وابن القصار (¬5). ونفاه القاضي، وابن عَقِيل، والأكثر، والمُوَفَّق، وقال: ولو مشتقًا كالطعام، وخالفه بعض الأصحاب فيه، وقال أبو الطِّيب، والمجد: حجة إن سبق ما يعمه. وجعله الشيخ حجة في اسم جنس لا اسم عين، ونفي قوم المفهوم مطلقًا في الخبر، والسبكي في غير الشرع (¬6). ¬
فصل: إذا خص نوع بالذكر بمدح أو ذم أو غيره مما لا يصلح للمسكوت فله مفهوم
فصل إذا خُصَّ نوع بالذكر بمدح أو ذم أو غيره مما لا يصلح للمسكوت فله مفهوم، وإذا اقتضى الحال أو اللفظ عموم الحكم لو عم فتخصيص بعض بالذكر له مفهوم، ذكره الشيخ وغيره (¬1). وفعله -صلى اللَّه عليه وسلم- له دليل كدليل الخطاب عند أكثر أصحابنا. ومنعه ابن عَقِيل وغيره (¬2). فائدة: دلالة المفهوم كله بالالتزام. فصل " إنما" بالكسر: تفيد الحصر نطقًا عند أبي الخَطَّاب، وابن المَنِّي، والمُوَفَّق، والفخر، وبعض الحنفية، والشافعية (¬3). وعند القاضي، وابن عَقِيل، والحَلْواني، والأكثر: فهمًا. وعند أكثر الحنفية، والآمدي، والطوفي، وغيرهم: لا تفيده، بل تؤكد الإثبات (¬4). وترد لتحقيق المنصوص، لا لنفي غيره، نحو: "إنما الكريم يوسف". والأصح أن المفتوحة كالمكسورة. ¬
وقوله: "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم" (¬1)، و"العالم زيد"، و"صديقي زيد"، ولا قرينة عهد تفيد الحصر نطقًا عند القاضي، والمُوَفَّق، والمجد، والمحققين، وقيل: فهمًا، وعند أكثر الحنفية، والبَاقِلَّاني، والآمدي: لا تفيده (¬2). ومثله: حصر بنفي ونحوه، واستثناء تام ومفرغ، وفصل البتدأ من الخبر بضمير الفصل، وتقديم المعمول وهو يفيد الاختصاص، خلافًا لابن الحاجب، وأبي حيان (¬3). وهو (¬4) الحصر، خلافًا للسبكي. * * * ¬
باب: النسخ
باب النسخ: لغة: الرفعُ والإزالةُ "نَسَخَت الشمسُ الظلَّ"، والنقلُ "نسختُ الكتابَ"، فأصحابنا والأكثر: حقيقة في الأول، مجاز في الثاني. والقَفَّال عكسه. والبَاقِلَّاني، والغزالي، وجمع: مشترك، وابن المنير: متواطئ (¬1). وشرعًا: رفع حكم شرعي بدليل شرعي متراخٍ، زاد أبو الخَطَّاب: رفع مثل الحكم. ابن حمدان: منع استمرار حكم خطاب شرعي بخطاب شرعي متراخٍ (¬2). القاضي: إخراج ما لم يُرَد باللفظ العام في الأزمان مع تراخيه. البَاقِلَّاني، وابن عَقِيل، والغزالي: خطاب دال على ارتفاع حكم ثابت بخطاب متقدم على وجهٍ لولاه لكان ثابتًا مع تراخيه. الأستاذ، والقاضي أيضًا، وأبو المعالي، وجمع: بيان انتهاء مدة الحكم الشرعي، مع التأخر عن زمنه. المعتزلة: خطاب دال على أن مثل الحكم الثابت بالنص المتقدم زائل على وجهٍ لولاه لكان ثابتًا (¬3). والمنسوخ: الحكم المرتفع بالناسخ. فائدتان: الأولى: لا نسخ مع إمكان الجمع. الثانية: أصحابنا، والأشعرية: الناسخ حقيقة هو اللَّه تعالى (¬4). والمعتزلة: هو طريق معرفته من نص أو غيره، وهو لفظي. ¬
فصل: أهل الشرائع على جوازه عقلا، ووقوعه شرعا
فصل أهل الشرائع على جوازه عقلًا، ووقوعه شرعًا، وخالف أكثر اليهود في الجواز، وأبو مُسْلِم (¬1) (¬2) في الوقوع (¬3)، وسماه تخصيصًا، قال جمع: أراد في القرآن، والسبكي: الخلاف لفظي. ولا يجوز البَدَاء على اللَّه تعالى، وهو تجدد العلم خلافًا للرافضة، وهو كفر (¬4). فصل أكثر أصحابنا، والأكثر: بيان الغاية المجهولة، كـ {حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} (¬5) ليس بنسخ (¬6). وابن عقيل وغيره: بلى، فالناسخ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} (¬7) الآية، وللقاضي القولان. ¬
فصل: النسخ قبل الفعل
فصل يجوز النسخ قبل الفعل بعد دخول الوقت إجماعًا، وقبل وقت الفعل عند أصحابنا، والأشعرية، وأكثر الشافعية، وغيرهم، ومنعه أكثر الحنفية، والمعتزلة، وللتميمي القولان (¬1). ولا نسخ قبل علم المكلف به، وجوزه الآمدي (¬2). ويجوز في السماء، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هناك. فصل ينسخ الإنشاء، والأصح ولو بلفظ القضاء، أو الخبر، أو قيد بالتأبيد، أو الحتم. ويجوز نسخ إيقاع الخبر مطلقًا، ونسخه بنقيضه، خلافًا للمعتزلة، لا نسخ مدلول خبر لا يتغير، كصفات اللَّه تعالى، وخبر ما كان ويكون إجماعًا، ولا خبر يتغير كإيمان زيد وكفره عند ابن الأنباري (¬3)، وابن الجوزي، والموفق، والأكثر. وجوزه القاضي، والرازي، والشيخ. وقال ابن عقيل، والخطابي (¬4)، وابن القطان (¬5)، وسُليم، والبيضاوي: ¬
فصل: النسخ بلا بدل
إن تعلق بمستقبل (¬1). وإن كان الخبر عن حكم جاز قطعًا. ولو قيدنا الخبر بالتأبيد لم يجز، خلافًا للآمدي، ومال إليه في التمهيد (¬2). وجواز تأبيد التكليف بلا غاية مبني على وجوب الجزاء، وجَوَّزه ابن عَقِيل وغيره، وأنه قول الفقهاء، والأشعرية، وخالف بعض أصحابنا، والمعتزلة (¬3). فصل الأكثر: على جواز النسخ بلا بدل، ومنعه جمع، وجمع في العبادة (¬4) فعلى الأول: وقع عند الأكثر، وخالف الشافعي، وأُوِّل. ويجوز بأثقل عند الأكثر. وخالف قوم مطلقًا، وقوم شرعًا، وقوم عقلًا، واختاره ابن عقيل (¬5). ¬
فائدة: يتفاضل القرآن وثوابه
فائدة تتعلق بها: يتفاضل القرآن وثوابه للنصوص عند ابن راهويه (¬1)، وابن عَقِيل، والشيخ، والحلِيمي، والبيهقي (¬2)، وابن العربي (¬3)، وابن الحَصَّار (¬4)، والقرطبي (¬5)، والنووي، ¬
تنبيه: لم تنسخ إباحة إلى إيجاب، ولا إلى كراهة
والقاضي، وقال أيضًا هو وجمع: لا؛ لأنه صفة للَّه تعالى (¬1). تنبيه: لم تُنسخ إباحة إلى إيجاب، ولا إلى كراهة. فصل الأربعة، وغيرهم: يجوز نسخ التلاوة دون الحكم، وعكسه، وهما خلافًا للمعتزلة (¬2)، ونسخ قرآن وسنة متواترة بمثلهما، وآحاد بمثله وبمتواتر، ومتواترة بآحاد عقلًا اتفاقًا، لا شرعًا، وحكي إجماعًا (¬3). وجَوَّزه الظاهرية، والطُّوفي، وهو ظاهر كلام القاضي، وابن عَقِيل، واختاره الباجي زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومنعه بعده إجماعًا (¬4). ولا ينسخ قرآن بخبر آحاد، وجوزه القاضي، وقال: نَصَّ عليه. قال: ويجب العمل به، وقاله ابن عَقِيل، وأنه مذهب أحمد (¬5). فصل الأربعة والأكثر: تنسخ سنة بقرآن، وعن أحمد، والشافعي، وغيرهما: لا (¬6). ¬
فصل: ما يعلم به النسخ
ويجوز عقلًا نسخ قرآن بخبر متواتر، قاله القاضي وغيره، وظاهر كلام أحمد: لا (¬1). ولا يجوز شرعًا عند أحمد، وابن أبي موسى، والقاضي، والمُوَفَّق، والشافعي، وأكثر أصحابه، وغيرهم. وعنه: بلى، اختاره أبو الخَطَّاب، وابن عَقِيل، والطُّوفي، والأكثر، فقال ابن عَقِيل، وابن حمدان، وحكي عن الأصحاب: وقع. وأبو الخَطَّاب: لا (¬2). فصل يعلم النسخ بتأخره يقينًا، وفي المقنع وغيره: أو ظنًّا (¬3). وبقوله [] (¬4) -صلى اللَّه عليه وسلم- وفعله في ظاهر كلامه، واختاره القاضي، وأبو الخَطَّاب، وبعض الشافعية، وخالف التميمي، وابن عَقِيل، والمجد. وقول الراوي: رخص في كذا، ثم نهى عنه، ونحوه، ولا يقبل قوله: هذه الآية منسوخة، حتى يبين الناسخ. أومأ إليه أحمد، كالحنفية، والشافعية. وعنه: بلى، كالكرخي، وأبي الخَطَّاب، وقاله المجد إن كان هناك نص يخالفها، كقوله: "نزلت هذه بعد هذه"، ذكره القاضي وغيره، ومنعه الآمدي، وتردد بعضهم، وقيل: إن ذكر الناسخ لم يقع به نسخ، وإلا وقع. و"هذا الخبر منسوخ" كالآية، وقال القاضي: يُقبل عند مَنْ جوَّز رواية الخبر بالمعنى، وإلا فلا. ¬
فصل: نسخ الإجماع والقياس، والنسخ بهما
و"كان كذا ونُسِخ" يقبل في قياس المذهب، قاله المجد، والحنفية. وقال ابن بَرْهان: لا يقبل عندنا، وجزم به الآمدي. ولا يثبت بقَبْلِيَّتِهِ في المصحف، ولا بصغر صحابي، أو تأخر إسلامه، خلافًا للموفق، والرازي فيه، ولا بموافقة الأصل، ولا بعقل، وقياس، ويأتي إذا لم يعلم. فصل أصحابنا، والأكثر: الإجماع لا يَنْسَخ، ولا يُنْسَخ به، ولا بالقياس. وجوّزَّه به جمع إن نص على علته، وجمع بقياس جليٍّ، وقوم في زمنه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وطائفة: ما خَصَّ نسخ، ونُقض (¬1) أما القياس فلا يُنْسَخ، ذكره القاضي، وحكي عن الأصحاب، وقاله أبو الخطاب، وابن عقيل، وابن بَرهان، إلا إن ثبت في زمنه -صلى اللَّه عليه وسلم- بنصه على العلة، أو تنبيهه؛ فيجوز. والموفق: ما ثبت بقياس نص على علته ينسخ وينسخ به، وإلا فلا. وقيل: يجوز. والآمدي، وجمع: بقياس أمارته أقوى. وقوم: يكون تخصيصًا للعلة (¬2). ولو نسخ حكم الأصل تبعه حكم الفرع عند أصحابنا، والشافعية. وخالف القاضي، والحنفية، واختار المجد إن نص على العلة لم يتبعه الفرع، إلا أن يعلل في نسخه بعلة، فيثبت النسخ. ¬
لو ثبت حكم مفهوم المخالفة جاز نسخه
فصل الأربعة، والمعظم: يُنسخ بالفحوى، وقيل: لا. ويجوز نسخ أصل الفحوي، كالتأفيف دونه كالضرب عند القاضي، وابن عقيل، والفخر، وغيرهم. ومنعه الموفق، والطوفي، والأكثر (¬1). ويجوز عكسه في ظاهر كلام أصحابنا، ومنعه المجد، وابن مفلح، وابن قاضي الجبل، وابن الحاجب، وغيرهم. وقيل: نسخ أحدهما يستلزم الآخر. وقيل: هنا (¬2). ولو ثبت حكم مفهوم المخالفة جاز نسخه، وإلا فلا، ويبطل بنسخ أصله عند القاضي، والموفق، والطوفي، وغيرهم. وقيل: لا، ولا ينسخ به في الأصح (¬3). فصل لا حكم للناسخ مع جبريل عليه السلام اتفاقًا، فإذا بلَّغه لم يثبت حكمه في حق من لم يبلغه عند أصحابنا، وأكثر، وهو ظاهر كلام أحمد (¬4). وقيل: يثبت في الذمة، كأبي الطيب، وابن بَرْهان. والخلف معنوي في الأصح، وخرّجه أبو الخَطَّاب من عزل الوكيل قبل علمه، وليس بدَور، خلافًا للطوفي (¬5). ¬
فصل: زيادة عبادة مستقلة من غير الجنس ليست نسخا
فصل زيادة عبادة مستقلة من غير الجنس ليست نسْخًا إجماعًا، وكذا من الجنس عند الأربعة، والمعظم. وقيل: صلاة سادسة نسخ (¬1). وزيادة جزء مشترط أو شرط، أو زيادة ترفع مفهوم المخالفة ليست نسخًا عند أصحابنا، والمالكية، والشافعية. وعند الحنفية: نسخ. وفي معالم الرازي في الثالث، الكرخي: إن غيرت حكم المزيد عليه في المستقبل، كتغريب على حدٍّ، وزيادة عدد جلد؛ فنسخ، وإلا فلا (¬2). عبد الجبار: إن غيرته حتى صار وجوده كعدمه شرعًا، كركعة في الفجر، وزيادة عدد جلد، وتخيير في ثالث بعد اثنين؛ فنسخ، وإلا فلا. الغزالي: إن غيرته حتى ارتفع التعدد بينهما، كركعة في الفجر؛ فنسخ، وإلا فلا. الآمدي، وجمع: إن رفعت حكمًا شرعيًّا بعد ثبوته بدليل شرعي؛ فنسخ، وإلا فلا. ومعناه لأصحابنا (¬3). ويتفرع عليه مسائل. فصل أصحابنا، وأكثر الشافعية، وغيرهم: نسخ جزء عبادة، أو شرطها نسخ له فقط. والغزالي وغيره: للكل، وعبد الجبار: ينسخ الجزء، والمجد: الخلاف في شرط متصل كالتوجه، والمنفصل كوضوء ليس نسخًا لها إجماعًا. وقاله الآمدي فيهما (¬4). ¬
فصل: يستحيل تحريم معرفة الله تعالى، إلا على تكليف المحال
فصل يستحيل تحريم معرفة اللَّه تعالى، إلا على تكليف المحال (¬1). وما حَسُن أو قَبُح لذاته كمعرفته، والكفر، ونحوه يجوز نسخ وجوبه وتحريمه عند من نفى الحُسْنَ والقُبْحَ ورعاية الحكمة في أفعاله، ومن أثبته منعه، ذكره الآمدي وغيره (¬2). وقالوا: يجوز نسخ جميع التكاليف، ومنعه الغزالي، وابن حمدان، ولم يقعا إجماعًا. وقال المجد: يجوز نسخها كلها سوى معرفة اللَّه تعالى على أصل أصحابنا، وأهل الحديث، خلافًا للقدريَّة (¬3). * * * ¬
باب: القياس
باب القياس: لغةً: التقدير والمساواة، وشرعًا: تسوية فرع بأصل في حكم، من باب تخصيص الشيء ببعض مسمياته. واصطلاحًا: قال القاضي، وأبو الخطاب، وابن البناء: ردُّ فرع إلى أصل في حكم بعلة جامعة (¬1). والموفق، والطوفي: حمل فرع على أصل في حكم بجامع (¬2). وابن المَنِّي، وابن حمدان: مساواة معلوم لمعلوم في معلوم ثالث، يلزم من مساواة الثاني للأول فيه مساواته في حكمه (¬3). والبَاقِلَّاني ومن تبعه: حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما من إثبات حكم أو صفة أو نفيهما (¬4). والآمدي: استواء فرع وأصل في علة مستنبطة من حكم الأصل. فيحتاج "أو غيرها". ومن صوَّب كل مجتهد زاد: "في نظر المجتهد" (¬5). تنبيه: لم يُرَدْ بالحد قياس الدلالة، وهو الجمع بين أصل وفرع بدليل العلة، كالجمع بين الخمر والنبيذ بالرائحة الدالة على الشدة المطربة (¬6). ¬
تعريف القياس
وقياس العكس، وهو تحصيل نقيض حكم المعلوم في غيره لافتراقهما في علة الحكم، مثل: لما وجب الصوم في الاعتكاف بالنذر وجب بغير نذر، عكسه الصلاة لما لم تجب فيه بالنذر لم تجب بغير نذر، وقيل: بلى، وقيل: ليسا بقياس (¬1). فصل أركانه: أصل، وفرع، وعلة، وحكم (¬2). فالأصل: محل الحكم المشبه به عند الفقهاء، وعند المتكلمين: دليله، وعند الرازي: حكم المحل، وهو لفظي. وقال الشيخ: يقع على الجميع، وابن عقيل: هو الحكم والعلة (¬3). والفرع: المحل المشبَّه عند الفقهاء، وعند المتكلمين، وابن قاضي الجبل: حكمه (¬4). والعلة: فرعٌ للأصل، أصلٌ للفرع. قال ابن عَقِيل: والمعلل: الحكم، لا المحكوم فيه (¬5). فصل شرط حكم الأصل كونه شرعيًّا إن استلحق شرعيًّا، وغير منسوخ، ولا شاملًا لحكم الفرع، ولا معدولًا به عن سَنن القياس، كعدد الركعات، أو لا نظير له، له معنى ظاهر، كرخص السفر للمشقة، أو لا، كالقسامة (¬6). ¬
وما خص من القياس يجوز القياس عليه، وقياسه على غيره عند أصحابنا، والشافعية، وبعض الحنفية، والمالكية، ومنعه أكثرهما، إلا أن يكون معللًا أو مجمعًا على قياسه، كوجهٍ لنا. وقال القاضي: لا يقاس على غيره في إسقاط حكم النص ويقاس غيره عليه (¬1). وكونه غير فرع، في ظاهر كلام أحمد، واختاره القاضي، وقال: يجوز أن يستنبط من الفرع المتوسط علة ليست في الأصل، ويقاس عليه. وقال أيضًا: يجوز كون الشيء أصلا لغيره في حكم، وفرعًا لغيره في حكم آخر (¬2). وجوزه الفخر، وأبو الخطاب، ومنعه أيضًا، وقال أيضًا هو، وابن عقيل، والبصري، وبعض الشافعية: يقاس عليه بغير العلة التي ثبت بها، وحكي عن أصحابنا (¬3). ومنعه الموفق، والمجد، والطوفي، وغيرهم مطلقًا، إلا باتفاق الخصمين، والشيخ في قياس العلة فقط (¬4). فإن خالف المستدل حكم الأصل، كقول حنفي في صوم رمضان بنية نفل: أتى بما أمر به، فصح كحج ففاسد (¬5). وكونه متفقًا عليه بين الخصمين. قال الآمدي: مع اختلاف الأمة، وقيل: بين الأمة. وسموا ما اتفقا عليه قياسًا مركبًا، فإن كان لعلتين مختلفتين فمركب الأصل، كعبد؛ فلا يقتل به حرٌّ، كالمكاتب، فيقول الحنفي: العلة جهالة المستحق من ¬
فصل: شروط علة الأصل
السيد والورثة، فإن صحت بطل قياسُك، وإن بطلت منعتَ حكم الأصل (¬1). أو العلة يمنع وجودها في الأصل فمركب الوصف، كتعليق طلاق فلا يصح قبل النكاح، كـ "فلانة التي أتزوجها طالق"، فيقول الحنفي: العلة تعليق، وفي الأصل تنجيز، فإن صح هذا بطل قياسُك، وإن بطل منعتَ حكم الأصل (¬2). وليس بحجة عندنا، وعند الأكثر، وجَوَّزه الأستاذ، والقاضي، وابن عقيل، وجمع، وقال جمع: لو سلم العلة فأثبت المستدلُ وجودَها، أو سلَّمه انتهض الدليل. ولو لم يتفقا فأثبت المستدل حكمه بنص، ثم أثبت العلة قُبِل في الأصح (¬3). ويقاس على عام خُصَّ، كلائط، ومن أتى بهيمة على زانٍ في الأصح (¬4). فصل تقدمت العلة، وهي العلامة والمعرِّف عند أصحابنا والأكثر، لا المؤثر فيه. وقالت المعتزلة: المؤثر بذاته، والغزالي، وسُليم، والِهنْدي: بإذن اللَّه، والرازي: بالعرف، والآمدي ومن تبعه: الباعث. ولها شروط، منها: أن تكون مشتملة على حكمة مقصودة للشارع عند الأكثر، وقال معظم الأصحاب: هي مجرد أمارة وعلامة نصبها الشارع دليلًا على الحكم. زاد ابن عَقِيل وغيره: مع أنها موجبة لمصالح دافعة لمفاسد، ليست من جنس الأمارة الساذجة (¬5). ¬
وبنى عليها الأصحاب صحة التعليل باللقب، ونص عليه، وقاله الأكثر، كالمشتق اتفاقًا. ومنعه الرازي وغيره، كوجهٍ لنا (¬1). وقد تكون دافعة، أو رافعة، أو فاعلة للأمرين وصفًا حقيقيًّا ظاهرًا منضبطًا، أو عرفيًّا مطردًا، أو لغويًّا في الأصح. فلا يصح التعليل بحكمة مجردة عن وصف ضابط لها عند ابن حمدان، وابن قاضي الجبل، والأكثر. وقال بعض أصحابنا، والرازي، والبيضاوي: يصح، وبعض أصحابنا، والمالكية، والآمدي، وغيرهم: يصح بحكمة ظاهرة منضبطة، وإلا فلا (¬2). ويعلل الثبوتي بالعدم عند أصحابنا، وغيرهم، وقاله الشيخ في قياس الدلالة، ومنعه الحنفية، والآمدي، وغيرهم (¬3). ومنها: أن لا يكون محل الحكم ولا جزءه الخاص عند الأكثر (¬4). وجوَّزه قوم، ومنع الآمدي المحل (¬5). ولا قاصرة مستنبطة عند أكثر أصحابنا، والحنفية. وعنه: يصح، كمالك، والشافعي، وأكثر أصحابهما، وأبي الخَطَّاب، والمجد، وابن قاضي الجبل، وغيرهم، كالثابتة بنص أو إجماع في الأصح (¬6). ¬
فصل: النقض
وفائدتها: معرفة المناسبة، ومنع الإلحاق، وتقوية النص، قال السبكي: وزيادة الأجر عند قصد الامتثال لأجلها. فصل النقض: وجود العلة بلا حكم، وسماه الحنفية تخصيص العلة (¬1). فالقاضي، وأبو الخَطَّاب، وأكثر الحنفية، والمالكية، وحكى عن أكثر أصحابنا: لا قدح مطلقًا، ويكون حجة في غير ما خُصَّ (¬2). والشافعي، وأكثر أصحابه، وا بن حامد، والخَرَزِي، والقاضي أيضًا، والماتريدي: يقدح مطلقًا (¬3). والموفق: في مستنبطة فقط، إلا لمانع، أو فوات شرط. وقوم: عكسه. وابن الحاجب: في منصوصة إلا بظاهر عام، وفي مستنبطة إلا أن تخلف لمانع، أو انتفاء شرط. والفخر: إلا في منصوصة، أو ما استثني من القواعد، كالمُصَرَّاة، والعاقلة (¬4). والرازي: إلا أن يرد على سبيل الاستثناء. والبيضاوي، والهندي: إلا لمانع، أو فقد شرط. وبعض المعتزلة: في علة حظر. والآمدي: إلا لمانع، أو فقد شرط، أو في معرض الاستثناء، أو في منصوصة لا تقبل التأويل. وليس الخلاف لفظيًّا، خلافًا لأبي المعالي، وابن الحاجب، وتأتي أحكام النقض. ¬
فصل: الكسر
ثم العلة عند من لا يخصصها إن كانت لجنس الحكم اعتبر طردها وعكسها، وإن كانت لعينه فإن كانت لإلحاقه انتقضت بأعيان المسائل، وإن كانت لإثبات حكم مجمل لم تنتقض إلا بنفي مجمل، ولإثبات مفصَّل تنتقض بنفي مجمل، ولنفي مجمل بإثبات مجمل أو مفصَّل، ولنفي مفصَّل بإثبات مجمل (¬1). والتعليل لجواز الحكم لا ينتقض بأعيان المسائل، كالصبي حر مسلم فجاز أن تجب زكاةُ ماله، كبالغ فلا ينتقض بغير الزكوي (¬2). والتعليل بنوع الحكم لا ينتقض بعين مسألة، كالنقض بلحم الإبل نوعُ عبادة تفسد بالحدث فتفسد بالأكل، كالصلاة فلا ينتقض بالطواف؛ لأنه بعض النوع (¬3). فصل الكسر: وجود الحكمة بلا حكم، لا يُبطل العلةَ عند أصحابنا، والأكثر، كقول حنفي في عاصٍ بسفره: مسافر؛ فيترخص كغير العاصي، ثم يبين مناسبة السفر بالمشقة، فيُعترض بمَن صنعته شاقة حضرًا لا يترخص إجماعًا (¬4). وقال القاضي: سؤال الكسر صحيح، وجوابه بالتسوية يصح اتفاقًا. قال أبو الخَطَّاب، وغيره: فإن التزم المعللُ الكسرَ لزمه أن يجيب عنه بفرق تضمنته علته نطقًا أو معنى، كجواب النقض، وقال الشيخ، وغيره: يكفيه ولو لم تتضمنه (¬5). ¬
العكس
النقض المكسور: نقض بعض الأوصاف، لا يُبطلها عندنا، وعند الأكثر، كمبيع مجهول الصفة عند العاقد؛ فلا يصح، كبِعتك عبدًا فيُعترض بما لو تزوج امرأةً لم يرها (¬1). العكس: عدم الحكم لعدم العلة، اشتراطه مبني على تعليل الحكم بعلتين، فمن منعه اشترطه، ومن لا فلا (¬2). هذا إن كان التعليل لنوع الحكم، فأما لجنسه فالعكس شرط (¬3). فصل يجوز تعليل الحكم بعلل، كل صورة بعلة اتفاقًا، وفي صورة واحدة بعلتين أو علل مستقلة عند أصحابنا، والأكثر، ويقتضيه كلام أحمد، وقيل: في التعاقب، ومنعه بعض المالكية، والأشعرية مطلقًا، والمُوَفَّق، وابن فُورَك، والغزالي، والرازي: في المستنبطة، وقيل: في المنصوصة. وأبو المعالي: شرعًا مطلقًا (¬4). فعلى الجواز: كل واحدة علة عند الأكثر، وعند ابن عقيل: جزء علة، وقيل: واحدة لا بعينها (¬5). ويجوز تعليل حكمين بعلة بمعنى الأمارة اتفاقًا، وبمعني الباعث إثباتًا ونفيًّا، وثالثها إن لم يتضادَّا (¬6). ¬
فائدة: ما حكم به الشارع مطلقا، أو في عين، أو فعله أو أقره لا يعلل بعلة مختصة بذلك الوقت
ومنها: أن لا تتأخر علة الأصل عن حكمه في الأصح. وأن لا ترجع عليه بالإبطال، وإن عادت عليه بالتخصيص فالخلاف (¬1). فائدة: ما حَكَمَ به الشارعُ مطلقًا، أو في عين، أو فَعَلَه أو أقرَّه لا يعلل بعلة مختصة بذلك الوقت، بحيث يزول الحكم مطلقًا عند أصحابنا، والشافعية. وجَوَّزه الحنفية، والمالكية، وقال الشيخ، وغيره: قد تزول العلة ويبقي الحكم، كالرَّمَل (¬2). أما تعليله بعلة زالت لكن إذا عادت عاد ففيه نظر، وعكسه تعليل الناسخ بعلة نحتصة بذلك الزمن، بحيث إذا زالت زال، ويقع الفقهاء فيه كثيرًا (¬3)، ووقوعه في خطاب عام فيه نظر. وفي الواضح: ألحق الحنفية النسخ بزوال العلة (¬4). ومنها: أن لا يكون للمستنبطة معارض في الأصل، وقيل: راجح، وقيل: ولا في الفرع (¬5). وقيَّد الآمديُ المعارضَ بكونه راجحًا عند من جَوَّز تخصيص العلة، قال: ويكفي الظن في نفي معارض في أصل وفرع. ¬
بقية شروط علة الأصل
وأن لا تخالف نصًّا، ولا إجماعًا، ولا تتضمن زيادةً على النص. وقال الآمدي: إن نافت مقتضاه (¬1). وأن يكون دليلها شرعيًّا، ولا يعم دليلها حكم الفرع بعمومه أو خصوصه (¬2). وأن تتعين في الأصح. ولا تكون وصفًا مقدرًا خلافًا لقوم. وتكون حكمًا شرعيًّا عند ابن عَقِيل، والأكثر، وحكي عن أصحابنا (¬3). ومنع جماعة، وحكي عن ابن عَقِيل، وابن المَنِّي، واختار الآمدي الجواز بمعني الأمارة في غير أصل القياس (¬4). وتكون صفة الاتفاق والاختلاف علة عند أصحابنا، والأكثر، ومنعه القاضي وغيره (¬5). ويتعدد الوصف ويقع عندنا، وعند الأكثر (¬6) , وعند الجرجاني إلي خمسة, وحكي سبعة، وقيل: لا. ¬
فصل: لا يشترط القطع بحكم الأصل، ولا بوجودها في الفرع
فصل لا يشترط القطع بحكم الأصل، ولا بوجودها في الفرع، ولا انتفاء مخالفة مذهب صحابي إن لم يكن حجة في الأصح فيهن، ولا النص عليها، أو الإجماع على تعليله، خلافًا للمَرِيسِي (¬1) (¬2). وإذا كانت علة انتفاء الحكم وجودَ مانعٍ أو عدمَ شرطٍ لزم وجود المقتضي عند الأكثر. وقال الرازي، وأتباعه: لا (¬3). وصحح ابن عقيل، وجمع كون العلة صورة المسألة، نحو: "يصح رهن مشاع، كرهنه من شريكه"، ومنعه قوم (¬4). تنبيه: أصحابنا، والحنفية: حكم الأصل ثابت بالنص. والشافعية: بالعلة، وهي المعرف. والخلف لفظي، وقيل: لا (¬5). فصل شرط الفرع أن توجد فيه العلة بتمامها فيما يُقصد من عين العلة أو جنسها، فإن كانت قطعية فقطعي، وهو قياس الأَوْلَى، والمساواة، أو ظنية فظني، وهو قياس الأَدْوَن. ¬
وعن بعض الحنفية: يكفي مجرد الشبه. وأن تؤثر في أصلها المقيس عليه عند أصحابنا، والحنفية، والشافعية، واكتفى الحَلْواني، وأبو الطيب بتأثيرها في أصل ما، وقيل: في أصلها وغيره، وتأتي المعارضة فيه. وأن يساوي حكمُه حكمَ الأصل فيما يقصد كونه وسيلة للحكمة من عين الحكم، أو جنسه (¬1)، ويأتي في الاعتراضات. وأن لا يكون منصوصًا على حكمه بموافق، خلافًا للغزالي، والآمدي، وجمع (¬2). قال الحنفية، والآمدي، وابن الحاجب، وابن حمدان: ولا متقدِّمًا على حكم الأصل. زاد الآمدي: إلا أن يذكره إلزامًا لخصم، وقال الرازي: يجوز عند دليل آخر. والمُوَفَّق، والمجد، والطوفي: يشترط لقياس العلة، لا لقياس الدلالة. ولا يشترط ثبوت حكمه بنص جملة، خلافًا لأبي زيد، وأبي هاشم (¬3). * * * ¬
مسالك العلة
مسالك العلة (¬1) الأول: الإجماع، كالصغر للولاية في المال، فيلحق به الولاية في النكاح. الثاني: النص، فمنه صريح مثل: لعلة كذا، أو لسبب كذا، أو لأجل، أو من أجل، أو كي، أو إذن، وظاهر، كاللام ظاهرة ومقدرة، والباء، قاله جمع (¬2). وجعلها ابن الحاجب، والموفق، والطوفي من الصريح، وزادا: المفعول له. أما إنها رجس ونحوه، فالقاضي، وأبو الخَطَّاب، والآمدي، وابن الحاجب: صريح، وإن لحقته الفاء فآكد. والبيضاوي وغيره: ظاهرٌ. وابن البناء: إيماءٌ. وابن المَنِّي، والفخر، والجوزي: توكيدٌ، وسبق بعض حروف للتعليل (¬3). وعند الأصحاب، وغيرهم: إن قام دليل أنه لم يقصد التعليل فمجاز، نحو: "لم فعلت؟ " فتقول: "لأني أردت" (¬4). وإيماء وتنبيه، وهو أنواع، منها: ترتب حكم عقب وصف بالفاء من كلام الشارع وغيره؛ فإنها للتعقيب ظاهرًا، ويلزم منه السببية، نحو: {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا} (¬5)، ¬
تنقيح المناط
و"سَهَا فَسَجَدَ" (¬1). وقال ابن الحاجب: صريح، وقوم: ظاهر (¬2). ومنها: ترتيب حكم على وصف بصيغة الجزاء، نحو: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (¬3)، أي: لتقواه. ومنها: اقتران وصف بحكم لو لم يكن هو أو نظيره علةً للحكم كان اقترانه بعيدًا شرعًا ولغةً، فالأول كقول الأعرابي: "وقعتُ على أهلي في رمضان، فقال: أعتق رقبة" (¬4) (¬5). فإن حذف بعض الأوصاف ككونه أعرابيًّا، وتلك المرأة، والشهر؛ فتنقيح المناط (¬6). أقَرَّ به أكثر منكري القياس، حتى أبو حنيفة في الكفارة. وقيل: إنه أحد مسالك العلة بأن يبين إلغاء الفارق (¬7). ¬
والثاني: كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- للسائلة: "أرأيتِ لو كَانَ عَلَى أمِّكِ دينٌ أكنتِ قاضيتَه؟ قالت: نعم، قال: اقضوا اللَّه؟ فاللَّه أحق بالوفاء" (¬1) (¬2). ومنها: أن يقدر الشارع وصفًا لو لم يكن للتعليل كان بعيدًا لا فائدة فيه، كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لما سُئل عن بيع الرطب بالتمر: "أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم؟ فنهى عنه" (¬3) (¬4). ومنها: أن يفرق -صلى اللَّه عليه وسلم- بين حكمين بصفة مع ذكرهما، نحو: "للراجل سهم، وللفارس سهمان" (¬5)، أو مع ذكر أحدهما، نحو: "القاتل لا يرث" (¬6)، أو بشرط ¬
وجزاء: "فإذا اختلفت هذه الأوصاف فبيعوا" (¬1)، أو بغاية: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} (¬2)، أو استثناء: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} (¬3)، أو استدراك: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} (¬4) (¬5). ومنها: تعقيب الكلام أو تضمينه ما لو لم يعلل به لم ينتظم، نحو: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (¬6)، "لا يقضي القاضي وهو غضبان" (¬7). ومنها: اقتران حكم بوصف مناسب، كـ "أكرم العلماء، وأهن الجهال". فإن ذكر الوصف صريحًا والحكم مستنبط منه كـ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (¬8)، صحته مستنبطة من حِلِّهِ فمومَى إليه في الأصح، وعكسه بعكسه، كحرمت الخمر، الوصف مستنبط من تحريمه (¬9). ولا يشترط مناسبة الوصف المومَى إليه عند ابن المنِّي، والأكثر (¬10). ¬
فصل: الثالث: السبر والتقسيم
وعند الغزالي، والجوزي: بلى، واختاره الآمدى، وابن الحاجب إن فهم التعليل من المناسبة، ومعناه للموفق، والفخر (¬1). فصل الثالث: السَبْرُ والتقسيمُ: حصرُ الأوصافِ وإبطالُ ما لا يصلح؛ فيتعين الباقي علةً (¬2). ويكفي المناظر "بحثْتُ فلم أجد غيره"، أو: "الأصلُ عَدَمُه"، فإن بَيَّن المعترضُ وصفًا آخرَ لزم إبطاله، ولا يلزم المعترضَ بيانُ صلاحيتِه للتعليل، ولا ينقطع المستدلُ في الأصح إلا بعجزه عن إبطاله، والمجتهدُ يعمل بظنه (¬3). ومتى كان الحصرُ والإبطالُ قطعيًّا فالتعليلُ قطعىٌّ، وإلَّا فظنىٌّ (¬4). ومن طرق الحذف: الإلغاءُ، ؤهو إثبات الحكم بالباقي فقط في صورة، ولم يثبت دونه فيظهر استقلاله وحده، وقال الآمدي: لا يكفي في استقلاله بدون طريق من طرق إثبات العلة (¬5). ويشبه الإلغاءَ نفيُ العكس، وليس هو (¬6). ومنها: طردُ المحذوفِ مطلقًا، كطول وقصر، أو بالنسبة إلى ذلك الحكم، كالذكورية في العتق (¬7). ¬
ومنها: عدمُ ظهور مناسبة (¬1). ويكفي المناظر "بحثْتُ"، فلو قال المعترض: الباقي كذلك بعد تسليم مناسبته لم يُقْبَل، وإلا فَسَبْرُ المستدل أرجح، وليس له بيان المناسبة (¬2). واختار المُوَفَّقُ: ليس منها لمعارضة خصمه له بمثله، ولا يكفيه نقضه (¬3). والسَبْرُ الظني حجةٌ مطلقًا في ظاهر كلام القاضي وغيره، وقاله ابن عَقِيل، والأكثر. وخالف الحنفية. قال أبو الخَطَّاب، والموفَّق، والطوفي: لا يصح؛ لجواز التعبد (¬4). وأبو المعالي: حجة إن أُجمع على تعليل الحكم. وقيل: للناظر دون المناظر. ولو أفسد حنبلي علة شافعي لم يدل على صحة علته، لكنه طريق لإبطال مذهب خصمه، وإلزام له صحة علته. وقيل: لا تثبت علة الأصل باستنباط، وأومأ إليه أحمد (¬5). وقيل: لا يقبل سَبْرٌ في ظَنِّيٍّ، وقيل: ولا في التعليل، إلا الإيماء، وما عُلِمَ بغير نظر كبوله في إناء ثم صبه في ماء (¬6). ¬
فائدة: لكل حكم علة عند الفقهاء
فائدة: لكل حكم علة عند الفقهاء تَفَضُّلًا، وعند المعتزلة وجوبًا. قال أبو الخَطَّاب: كلها معللة وتخفى نادرًا، قال القاضي: هي الأصل وترك نادرًا، ويجب العمل بالظن فيها إجماعًا. وقيل: الأصل عدمها، قال ابن عَقِيل: أكثر الأحكام غير معللة (¬1). فصل الرابع: المناسبة والإخالة، واستخراجها يسمى تخريج المناط، وهو تعيين علة الأصل بإبداء المناسبة من ذات الوصف لا بنص وغيره، كالإسكار (¬2). والمناسبة لغوية؛ فلا دَوْرَ (¬3)، ويتحقق الاستقلال بعدم ما سواه بالسَبْر. والمناسب: ما تقع المصلحة عقبه، قاله المُوَفَّق، والطُّوفي، وزاد: لرابط عقلي. وقيل: الملائم لأفعال العقلاء عادةً، والبيضاوي وغيره: ما يجلب نفعًا أو يدفع ضررًا. وأبو زيد: ما لو عُرِضَ على العقول لتلقته بالقبول (¬4). والآمدي ومن تبعه: وصف ظاهر منضبط يلزم من ترتب الحكم عليه ما يصلح كونه مقصودًا من شرع الحكم من حصول مصلحة أو دفع مفسدة، فإن كان الوصف خفيًّا أو غير منضبط اعتبر الملازمة، وهي المظنة (¬5). والمقصود من شرع الحكم قد يُعْلَمُ حصولُه كبيع، ويُظَنُّ كقصاص، ويُشَكُّ فيه كحد خمر، ويُتَوَهَّمُ كنكاح آيسة للتوالد (¬6). ¬
مقاصد تشريع الأحكام
وقيل: لا يعلل بهذين، والأظهر: بلى اتفاقًا إن ظهر المقصود في غالب صور الجنس، وإلا فلا. وكذا قول ابن عَقِيل وغيره: السفر مشقته عامة، ويختلف قدرها (¬1). ولو فات يقينًا، كلحوق نسب مشرقي بمغربية ونحوه، لم يعلل به، خلافًا للحنفية (¬2). والمناسب دنيوي ضروري أصلًا، وهو أعلى مراتبها، وهي الخمسة التي روعيت في كل ملة: حفظ الدين، فالنفس، فالعقل، فالنسل، فالمال، والعِرْض. ومكمله كحفظ العقل بالحد بقليل مسكر (¬3). وحاجي، كبيع ونحوه، وبعضها أبلغ، وقد يكون ضروريًّا، كشراء ولي ما يحتاجه طفل ونحوه. ومكمله، كرعاية كفاءة، ومهر مثل، في تزويج صغيرة (¬4). وتحسيني، غير معارض القواعد، كتحريم النجاسة، وسلب المرأة عبارة عقد النكاح، لا العبد أهلية الشهادة على أصلنا. أو معارض، كالكتابة (¬5). وكون حفظ العقل ضروريًّا في كل ملة فيه نظر؛ فإن الكتابي لا يحد عندنا على الأصح، ولا عندهم (¬6). ¬
فصل: إذا اشتمل وصف على مصلحة ومفسدة
وليست هذه المصلحة بحجة، خلافًا لمالك وبعض الشافعية (¬1). وأخروي، كتزكية النفس ورياضتها وتهذيب الأخلاق، وقد يتعلق بهما، كإيجاب الكفارة. وإقناعي، ينتفي ظن مناسبته بتأمله (¬2). فصل إذا اشتمل وصف على مصلحة ومفسدة راجحة، أو مساوية لم تنخرم مناسبته عند الموفق، والفخر، والمجد، والجوزي، والرازي، والبيضاوي (¬3). وعند الآمدي وأتباعه، وابن قاضي الجبل: بلى (¬4). وللمعلل ترجيح وصفه بطريق تفصيلي يختلف باختلاف المسائل، وإجمالي، وهو لو لم يقدر رجحان المصلحة ثبت الحكم تعبدًا (¬5). فصل المناسب إن اعتبر بنص، كتعليل الحدث بمس الذكر، أو إجماع، كتعليل ولاية المال بالصغر فالمؤثر، وإن اعتبر بترتب الحكم على الوصف فقط إن ثبت بنص أو إجماع اعتبار عينه في جنس الحكم أو بالعكس أو جنسه في جنس الحكم فالملائم، وهو حجة عند المعظم، وإلا فالغريب، وهو حجة، ومنعه أبو الخطاب، والحنفية، ¬
فائدة: في مراتب الجنسية
وإن اعتبر الشارع جنسه البعيد في جنس الحكم فمرسل ملائم، وإلا فمرسل غريب، منعه الجمهور، أو مرسل ثبت إلغاؤه، كإيجاب الصوم على واطئ قادر في رمضان، مردود اتفاقًا (¬1). المناسب المرسل ليس بحجة عند الأكثر، وقيل: في العبادات، وقال مالك: حجة، وأنكره أصحابه، وقاله الغزالي بشرط كون المصلحة ضرورية قطعية كلية، كتترس كفار بمسلم، وليس هذا منه؛ لاعتباره فهو حق قطعًا (¬2). ومعني كلام المُوَفَّق، والفخر، والطوفي أن غير الملغي حجة (¬3). وقيل: لا يشترط في المؤثر كونه مناسبًا (¬4). فائدة: أعم الجنسية في الوصف: كونه وصفًا، ثم مناطًا، ثم مصلحة خاصة، وفي الحكم: كونه حكمًا، ثم واجبًا، ونحوه، ثم عبادة، ثم صلاة، ثم ظهرًا. وتأثير الأخص في الأخص أقوى، وتاثير الأعم في الأعم يقابله، والأخص في الأعم، وعكسه واسطتان. ¬
فصل: الخامس: إثبات العلة بالشبه
فصل الخامس: إثبات العلة بالشبه: وهو تردد فرع بين أصلين، شبهه بأحدهما في الأوصاف أكثر عند القاضي، وابن عَقِيل، والقاضي يعقوب (¬1)، وابن حمدان، والطُّوفي، وجمع (¬2). وقيل: منزلة بين المناسب والطردي، وقال البَاقِلَّاني: قياس الدلالة، وجمع: ما يوهم المناسبة (¬3). والاعتبار بالشبه حكمًا لا حقيقةً، خلافا لابن عُلَيَّة (¬4)، ولا يصار إليه مع قياس العلة إجماعًا، فإن عُدِمَ فحجة عندنا وعند الشافعية، وقيل: إن اعتبر عينه في عين الحكم فقط (¬5)، وخالف الحنفية، والقاضي، والصيرفي، والباقلاني، وجمع. ولأحمد، والشافعي قولان. فصل السادس: الدَّوَرَان: ترتُّبُ حكم على وصف وجودًا وعدمًا، يفيد العلة ظنًّا عند أكثر أصحابنا، والمالكية، والشافعية، وبعض الحنفية، وقيل: قطعًا، ولنا وجه - ¬
فوائد
وأومأ إليه أحمد: لا يفيدها، كأكثر الحنفية، والآمدي، وغيره (¬1). ولا يلزم المستدل نفي ما هو أولى منه، فإن أبدى المعترض وصفا آخر ترجح جانب المستدل بالتعدية، وإن كان متعديًّا إلى الفرع ضر عند مانع علتين، أو إلى فرع آخر طلب الترجيح. والطرد: مقارنة الحكم للوصف بلا مناسبة. وليس وحده دليلا عند الأربعة وغيرهم، وقيل: بلى، وجوَّزه الكَرْخي جدلًا لا عملًا أو فتوى، وقال الرازي وغيره: إن قارنه فيما عدا صورة النزاع أفاد. وقيل: تكفي مقارنته في صورة (¬2). قال الشيخ وغيره: تنقسم العلة العقلية والشرعية إلى ما تؤثر في معلولها، كوجود علة الأصل في الفرع، وإلى ما يؤثر فيها معلولها، كالدوران (¬3). فوائد: الأولى: المناط متعلق الحكم سبق تنقيحه في الإيماء، وتخريجه في المناسبة، وتحقيقه: إثبات العلة في آحاد صورها. فإن علمت العلة بنص كجهة القبلة مناط وجوب استقبالها ومعرفتها عند الاشتباه مظنون، أو إجماع كالعدالة مناط قبول الشهادة، ومظنونة في الشخص المُعيَّن، وكالمثل في جزاء الصيد (¬4). ¬
الثانية: مدار الحكم ولازمه وملزومه
احتج به الأكثر، وقيل: لا يقبل منه إلا قسمان، وزاد أبو هاشم ثالثًا (¬1). الثانية: مدار الحكم: موجبه أو متعلقه، ولازم الحكم: ما لا يثبت الحكم مع عدمه، وملزوم الحكم: ما يستلزم وجوده وجود الحكم. الثالثة: القياس جلي، وهو ما قطع فيه بنفي الفارق، كالأمة على العبد في السراية، أو علته منصوصة، أو مجمع عليها، وخفي، كالمثقَّل على المحدَّد (¬2). وباعتبار علته: قياس علة، بأن صرح فيه بها، وقياس دلالة، بأن جمع فيه بما يلازم العلة، أو جمع بأحد موجبي العلة في الأصل لملازمة الآخر، وقياس في معني الأصل، بأن جمع بنفي الفارق، كالأمة في العتق (¬3). فصل الأربعة، وغيرهم: يجوز التعبد به عقلًا، وقيل: لا، فقيل: لعدم معرفة الحكم منه، وقيل: لوجوب الحكم المتضاد، وقيل: لأنه أدون البيانين مع القدرة على أعلاهما (¬4). وأوجبه القاضي، وأبو الخَطَّاب، والقَفَّال، وجمع (¬5). فعلى الجواز: وقع شرعًا عندنا وعند المعظم، ومنعه داود، وبعض أصحابنا، وجمع، وعن أحمد مثله، فأثبتها أبو الخطاب، وحملها القاضي، وابن عقيل على قياس خالف ¬
فصل: النص على علة حكم الأصل يكفي في التعدي
نصًّا، وابن رجب (¬1) على من لم يبحث عن الدليل، أو لم يحصِّل شروطه. فعليه: قيل: منع الشرع منه، وقيل: لم يأت دليل بجوازه. وعلى الأول: وقوعه بدليل السمع، لا العقل عند أكثر أصحابنا، والأكثر قطعي، لاظني في الأصح. وهو حجة في الأمور الدنيوية اتفاقًا. وفي غيرها أيضًا عند أكثر القائل به، ومنع الباقلاني في قياس العكس، وابن عبدان ما لم يضطر إليه، وقومٌ في أصول العبادات، وجمعٌ: الجزئي الحاجي إذا لم يرد نص على وفقه، وأبو حنيفة، وأصحابه: في حدٍّ، وكفارة، وبدل، ورُخَص، ومُقدَّرٍ، مع تقدير هم الجمعة بأربعة، وخرق الخف بثلاث أصابع قياسًا. وجمعٌ: في سبب وشرط ومانع. وفي المغني: لا يجري في المظان، وإنما يتعدى الحكم بتعدي سببه. وطائفة: في العقليات. وقال الطوفي: فيه قياس قطعي بحسب مطلوبه. وقوم: في العادات والحقائق. فصل أصحابنا، والأكثر، وأشار إليه أحمد: النص على علة حكم الأصل يكفي في التعدي (¬2). ¬
الحكم المتعدي إلى الفرع بعلة منصوصة مراد بالنص
وأبو الخطاب، والموفق، وأكثر الشافعية، والسرخسي، والآمدي: إن ورد التعبد بالقياس كفى، وإلا فلا (¬1). والبَصْري: يكفي في علة التحريم، لا غيرها (¬2). قال الشيخ: هو قياس مذهبنا. وسمى ابنُ عَقِيل المنصوصةَ استدلالًا، وقال: مذهبنا ليس بقياس. وقاله بعضُ الفقهاء (¬3). والحكم المتعدي إلى الفرع بعلة منصوصة مراد بالنص، كعلة مجتهد فيها فرعها مراد بالاجتهاد، وقيل: لا (¬4). ويجوز ثبوت كل الأحكام كلها بنص من الشارع، لا بالقياس عند أصحابنا، والأكثر (¬5). فائدتان: الأولى: معرفته فرض كفاية، ويكون فرض عين على بعض المجتهدين، وهو من الدين، خلافًا للقاضي، وأبي الهذيل. وقال الجبائي: الواجب منه. الثانية: النفي: أصلي، يجري فيه قياس الدلالة، فيؤكد به الاستصحاب (¬6)، وطارئ، كبراءة الذمة، يجري فيه هو وقياس العلة. ¬
فصل: القوادح
فصل القوادح ترجع إلى المنع في المقدمات، أو المعارضة في الحكم عند المعظم، وقيل: إلى المنع وحده. ومقدِّمها الاستفسار: وهو طلب معنى لفظ المستدل لإجماله أو غرابته، وبيانهما على المعترض في الأصح باحتماله أو بجهة الغرابة بطريقة، ولا يلزمه بيان تساوي الاحتمالات، ولو قال: الأصل عدم مرجِّح صح، وقيل: لا (¬1). وجواب المستدل بمنع احتماله، أو بيان ظهوره في مقصوده بنقل أو عرف أو قرينة أو تفسيره إن تعذر إبطال غرابته، ولو قال: يلزم ظهورُه في أحدهما دفعًا للإجمال، أو فيما قصد به لعدم ظهوره في الآخر اتفاقًا كفى في الأصح؛ بناءً على أن المجاز أولى، ولا يُعتدُّ بتفسيره بما لايحتمله لغة (¬2). فساد الاعتبار: مخالفة القياس نصًّا أو إجماعًا، وجوابه بضعفه، أو منع ظهوره، أو تأويله، أو القول بموجبه، أو معارضته بمثله (¬3). وهو أعم من فساد الوضع، وفسره ابن المَنِّي بتوجيه المنازعة في دلالة القياس. فساد الوضع: بأن يكون الجامع ثبت اعتباره بنص أو إجماع في نقيض الحكم، كقول شافعي في مسح الرأس: مسحٌ؛ فسُنَّ تكراره، كالاستجمار، فيعترض بكراهة تكرار مسح الخف (¬4). ¬
4 - منع حكم الأصل
ومنه أن لا يكون الدليل على الهيئة الصالحة لاعتباره في ترتيب الحكم، كتلقي التخفيف من التغليظ، كقول حنفي: القتل جناية عظيمة؛ فلا تجب فيه الكفارة، كبقية الكبائر، فجناية عظيمة تناسب التغليظ. أو التوسيع من التضييق، كقوله في الزكاة: مال وجب إرفاقًا لدفع الحاجة؛ فكان على التراخي، كالدية على العاقلة، فدفع الحاجة يقتضي الفور. أو الإثبات من النفي، كالمعاطاة في اليسير بيع لم يوجد فيه سوى الرضا؛ فوجب أن يَبْطُل كغيره، فالرضا يناسب الانعقاد. وجوابهما بتقرير كونهما كذلك، وفسره ابن المنِّي، والفخر بجعله القياس دليلا على منكره فيمنعه. منع حكم الأصل: يسمع في الأصح، فلا ينقطع بمجرده عند أصحابنا، والأكثر، فيدل عليه كمنع العلة أو وجودها، وقيل: بلى، واختاره الأستاذ مع ظهور المنع، واختار الغزالي اتباع عرف المكان (¬1). وفي الواضح: إن اعترض على حكم الأصل بأني لا أعرف مذهبي فيه؛ فإن أمكن المستدل بيانه، وإلا دل على إثباته (¬2). ثم الأصح لا ينقطع المعترض بدلالة المستدل، فله الاعتراض، وليس بخارج عن المقصود (¬3)؛ فيتوجه له سبع مُنُوع مترتبة. قال أصحابنا، والشافعية، وغيرهم: للمستدل أن يستدل بدليل عنده ¬
5 - التقسيم
فقط، كمفهوم وقياس، فإن منعه خصمه دل عليه ولم ينقطع، خلافًا لأبي علي إن كان الأصل خفيًّا، وأطلق قوم المنع (¬1). وليس للمعترض أن يلزمه ما يعتقده هو، ولا أن يقول: إن سلمت وإلا دلَّلتُ عليه، خلافًا للكِيَا، وقال الشيخ: لم ينقطع واحد منهما (¬2). التقسيم: احتمال لفظ المستدل لأمرين فأكثر على السواء، بعضها ممنوع، وهو وارد عندنا، وعند الأكثر. وبيانه على المعترض كالصحيح في الحضر وجد السبب بتعذر الماء فجاز التيمم، فيقول: السبب تعذره مطلقًا، أو في سفر أو مرضٍ، الأول ممنوع، فهو منع بعد تقسيم، وجوابه كالاستفسار (¬3). منع وجود المدّعى علة في الأصل، كالكلب حيوان يغسل من ولوغه سبعًا؛ فلا يطهر بدبغ كخنزير؛ فيُمنع، وجوابه ببيانه بدليل من عقل أو حس أو شرع بحسب حال الوصف، وله تفسير لفظه بمحتمل (¬4). منع كونه علة أعظم الأسئلة، ويقبل عندنا، وعند الأكثر، وجوابه ببيانه بأحد مسالك العلة (¬5). عدم التأثير بأن الوصف لا مناسبة له لا يؤثر في قياس الدلالة في الأصح. وفي الانتصار: لا يرد على قياس نافٍ للحكم (¬6). ¬
أقسام عدم التأثير
وقُسِّم أربعة أقسام: عدم التأثير في الوصف كصلاة لا تُقْصَر؛ فلا يُقدَّم أذانُها على وقتها، كالمغرب، فعدم القصر هنا طردي؛ فيرجع إلى سؤال المطالبة (¬1). وعدمه في الأصل، كمبيع غير مرئي؛ فبطل، كالطير في الهواء، فالعجز عن التسليم مستقل، وهو مبني على تعليل الحكم بعلتين، ولم يقبله الفخر، وقبله المُوَفَّق وغيره، وهو معارضة في الأصل (¬2). وعدمه في الحكم، وهو أنواع: أن لا يكون لذكره فائدة، كالمرتد مشرك أتلف مالًا في دار حرب؛ فلا ضمان، كحربي، فدار الحرب طردي؛ إذ من أوجب الضمان أو نفاه أطلق. أو له فائدة ضرورية، كقول معتبر: عدد الأحجار في الاستجمار عبادة متعلقة بالأحجار، لم تتقدمها معصية فاعتبر فيها العدد كالجمار، فقوله: لم تتقدمها معصية لا أثر له، لكنه مضطر إلى ذكره لئلا ينتقض بالرجم. أو غير ضرورية، كالجمعة صلاة مفروضة؛ فلم تفتقر إلى إذن كغيرها، فمفروضة حشو؛ إذ لو حذف لم ينتقض شيء، وقيل: لا للتنبيه على أن غير المفروض أولى أن لا يفتقر. الرابع: عدمه في الفرع، كزوجت نفسها فلا يصح، كما لو زُوِّجَتْ بغير كفء، وهو كالثاني (¬3)، وقيل: كالثالث. ¬
فائدة: معنى الفرض، والتقدير، ومحل النزاع
وهذا مبني على جواز الفرض في بعض صور المسألة، من جوَّزه رده، ومن منعه قبله، فالجواز للموفق، والمجد، والأكثر، والجواز بشرط بناء ما خرج عن محل الفرض عليه لقوم، والمنع لابن فُورَك، والمنع إن كان الوصف طردًا لابن الحاجب. فعلى الجواز: يكفي قوله: ثبت الحكم في بعض الصور؛ فلزم ثبوته في الباقي، وقيل: لا؛ فلابد من ردِّ ما خرج عن محل الفرض إليه بجامع، وقيل: إن كان الفرض في صورة السؤال لم يحتج إليه، وإلا احتيج. واختار الفخر جواز الفرض من غير بناء، ومطابقة الجواب السؤال، ويجوز أعم (¬1). وعندنا وعند الأكثر: إن أتى بما لا أثر له في الأصل لدفع النقض لم يجز، وقيل: بلى، وقيل: إن صححت العلة بالطرد. وفي التمهيد ما يقتضي منع الإتيان به تأكيدًا (¬2). وقال ابن عَقِيل: له ذكره تأكيدًا، أو لتأكيد العلة، فيتأكد الحكم، وللبيان، ولتقريبه من الأصل. وقال: إن جعل الوصف مخصِّصا لحكم العلة لم يصح في الأصح (¬3). فائدة: الفرض: أن يسأل عامًّا فيجيب خاصًّا، أو يفتي عامًّا ويدل خاصًّا، وقيل: تخصيص بعض صور النزاع بالدليل. والتقدير: إعطاء الموجود حكم المعدوم، وعكسه. ¬
9 - القدح في مناسبة الوصف بما يلزم من مفسدة
ومحل النزاع: الحكم المفتى به في المسألة المختلف فيها. القدح في مناسبة الوصف بما يلزم من مفسدة راجحة أو مساوية، وجوابه بالترجيح (¬1). والقدح في إفضاء الحكم إلى المقصود، كتعليل حرمة المصاهرة أبدًا بالحاجة إلى رفع الحجاب، فإذا تأَبَّد انسد باب الطمع، فيقال: سده يفضي إلى الفجور، وجوابه: أن التأبيد يمنع عادة، فيصير طبيعيًّا كرحم محرم (¬2). كون الوصف خفيًّا، كتعليله صحة النكاح بالرضا، فيقال: خفي، والخفيُّ لا يُعرِّف الخفيَّ، وجوابه ضبطه بما يدل عليه من صيغة، كإيجاب وقبول، أو فعل (¬3). كونه غير منضبط، كتعليله بالحِكَم والمقاصد، كرخص السفر بالمشقة، فيعترض باختلافها بالأشخاص والأزمان والأحوال، وجوابه بأنه منضبط بنفسه، أو بضابط للحكمة (¬4). النقض: سبق، كالحُلِيِّ مال غير نام؛ فلا زكاة فيه، كثياب البذلة، فيعترض بالحُلِيِّ المحرَّم (¬5). وجوابه: منع وجود العلة في صورة النقض، أو منع الحكم فيها، وليس للمعترض الدلالة على وجود العلة فيها، قاله الموفق، والطوفي. وقاله القاضي، وأبو الطيب، إلا أن يبيِّن مذهب المانع، وقيل: بلى، واختاره الآمدي إن تعذر الاعتراض بغيره، ¬
واختاره بعضهم إن لم يكن طريق أولى بالقدح، ومنعه بعضهم في الحكم الشرعي (¬1). قال أهل الجدل، وقوم: لو دل المستدل على وجود العلة بدليل موجود في صورة النقض فقال المعترض: ينتقض دليلك؛ فقد انتقل من نقض العلة إلى نقض دليلها، فلا يقبل. وفي الروضة: انتقل، ويكفي المستدل دليل يليق بأصله (¬2). ولو قال المعترض ابتداءً: "يلزمك انتقاض علتك أو دليلها" قُبِلَ (¬3). ولو منع المستدل تخلف الحكم في صورة النقض؛ ففي تمكين المعترض من الدلالة الخلاف في تمكينه ليدل على وجود العلة فيها (¬4). وقال ابن بَرْهان: إن منع الحكم انقطع الناقض، وإن منع الوصف فلا. وحكي عن أبي الخَطَّاب، وابن عَقِيل (¬5). ويكفي المستدل: لا أعرف الرواية فيها عند الأصحاب، وقيل: لا (¬6). وفي التمهيد: إن قال: أنا أحملها على مقتضى القياس وأقول فيها كمسألة الخلاف، فإن كان إمامُه يرى تخصيص العلة لم يجز، وإلا الأظهر المنع أيضًا (¬7). وفي الواضح: ليس له إلا أن ينقل عنه أنه علل بها فيجريها. ¬
وإن فسر المستدل لفظه بما يدفع النقض بخلاف ظاهره، كتفسير عامٍّ بخاصٍّ لم يقبل في الأصح (¬1). ولو أجاب بالتسوية بين الأصل والفرع لدفع النقض قُبِلَ عند أكثر أصحابنا، والحنفية. وخالف ابن عَقِيل، والشافعية. وأجازه أبو الخَطَّاب إن جاز تخصيص العلة (¬2). ولا يُلْزَمُ المستدِّل بما لا يقول به المعترض، كمفهوم، وقياس، وقول صحابي إلا النقض والكسر على قول من التزمهما، قاله أصحابنا، والشافعية، وغيرهم. وجوَّز بعضهم معارضته بعلة منتقضة على أصل المعترض، وقاله الشيخ إن قصد إبطال دليل المستدل، لا إثبات مذهبه. وقال ابن عَقِيل: إن احتج بما لا يراه، كحنفي لخبر واحد فيما تعم به البلوى، فقال: أنت لا تقول به، أجاب: أنت تقول به فيلزمك، فهذا قد استمر عليه أكثر الفقهاء، وعندي لا يحسن (¬3). وإن نقض أحدهما علة الآخر بأصل نفسه لم يجز عند أصحابنا، والشافعية، وقيل: بلى. وقال الشيخ: هو كقياسه على أصل نفسه (¬4). ولو زاد المستدل وصفًا معهودًا معروفًا في العلة لم يجز، ذكره أبو الخطاب، وابن عقيل، وقيل: بلى (¬5). ¬
14 - الكسر
ولا يُقْبَلُ النقض بمنسوخ، ولا بخاصٍّ بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الأصح، ولا برخصة ثابتة على خلاف مقتضى الدليل، ولا بموضع استحسان عند أصحابنا، والشافعية. وعند الشيخ: تنتقض المستنبطة إن لم يبين مانعًا (¬1). ويجب احتراز المستدل في دليله عن النقض عند ابن عَقِيل، والمُوَفَّق، والطُّوفي، والفخر، وذكره عن معظم الجدليين. وقيل: إلا في المستثنيات. واختار ابن الحاجب وغيره: لا (¬2). وإن احترز عن النقض بشرط ذكره في الحكم فالأصح يصح، اختاره أبو الخَطَّاب، وقال: إن احترز بحذف الحكم لم يصح (¬3). الكسر: نقض المعنى، وسبق. وهو كالنقض (¬4). المعارضة في الأصل، بمعنى آخر مستقل، كمعارضة علة الطُّعْم بالكيل، أو القوت، أو غير مستقل، كمعارضة القتل العمد العدوان بوصف الجارح، فالثاني مقبول عندنا، وعند الأكثر، وخالف قوم (¬5). ولا يلزم المعترض بيان نفي وصف المعارضة عن الفرع، وقيل: بلى، واختاره الآمدي إن قصد الفرق، وإلا فلا، وقيل: إن صرح بنفيه لزمه (¬6). ¬
ولا يحتاج وصف المعارضة إلى أصل عند أصحابنا، والأكثر (¬1). وجوابها بمنع وجود الوصف أو الطالبة بتأثيره إن كان مثبتًا بمناسبة أو بشَبَه، لا بسبر، أو بخفائه، أو ليس منضبطًا، أو منع ظهوره، أو انضباطه، أو بيان أنه عدم معارض في الفرع، أو ملغي، أو أن ما عداه مستقل في صورة بظاهر نص أو إجماع (¬2). واكتفى الموفَّق وغيره في استقلاله بإثبات الحكم في صورة دونه، وقيل: لا، قطع به ابن الحاجب وغيره (¬3). فلو أبدى وصفًا آخر يقوم مقام ما ألغاه المستدل بثبوت الحكم دونه فسد الإلغاء، ويسمى تعدد الوضع لتعدد أصليهما. وجواب إفساد الإلغاءِ الإلغاءُ إلى أن يقف أحدهما (¬4). ولا يفيد الإلغاء لضعف المظنة بعد تسليمها (¬5). ولا يكفي المستدل رجحان وصفة، خلافًا للآمدي (¬6). أما إن اتفقا على كون الحكم معللا بأحدهما قدم الراجح، ولا يكفيه كونه متعديًّا (¬7). ¬
16 - تعدد أصول المستدل
ويجوز تعدد أصول المستدل في الأصح؛ فيجوز اقتصار المعارضة على أصل واحد، وقيل: لا، وجزم به الواضح؛ فيجب اتحاد المعارض في الجميع، وقيل: لا؛ فللمستدل الاقتصار في جوابه على أصل واحد، وقيل: لا (¬1). التركيب: سبق، كالبالغة أنثى، فلا تزوج نفسها، كبنت خمس عشرة، فالخصم يعتقد لصغرها، وهو صحيح في الأصح (¬2). وقال الفخر: يرجع إلى منع الحكم في الأصل أو العلة، ثم هو غير صحيح (¬3). التعدية: معارضة وصف المستدل بوصف آخر متعدٍ، كقوله في بكر بالغ: بكر فأجبرت، كبكر صغيرة، فيعترض بالصغر، وتعدِّيه إلى ثيِّب صغيرة. ويرجع إلى المعارضة في الأصل. وقال الآمدي: لا يخرج عنها، ولا أثر لزيادة التسوية في التعدية، خلافا للدَارَكي (¬4) (¬5). منع وجود وصف المستدل في الفرع، كأمانِ عبدٍ أمانٌ صدر من أهله كالمأذون، فيمنع الأهلية، فيجيبه بوجود ما عناه بالأهلية في الفرع، كجواب منعه في الأصل، والأصح منع المعترض من تقرير نفي الوصف عن الفرع (¬6). ¬
20 - المعارضة في الفرع بما يقتضي نقيض حكم المستدل
المعارضة في الفرع بما يقتضى نقيضَ حكم المستدل بأحد طرق العلة يُقْبَلُ عندنا، وعند الأكثر. وجواب المستدل بما يعترض به المعترض ابتداءً، ويُقْبَلُ الترجيح بوجه ترجيح عند أصحابنا، وغيرهم؛ فيتعين العمل به، وهو المقصود، ولا يلزم المستدل الإيماءُ إلى الترجيح في دليله، خلافًا لقوم فيهما (¬1). الفرق: راجع إلى المعارضة في الأصل أو الفرع، وقيل: بل إليهما معًا؛ فلهذا لا يقبل، وقيل: بلى، فهما سؤالان جاز الجمع بينهما. وقيل: واحد. وقال ابن عَقِيل: يحتاج الفرق القادح في الجمع إلى دلالة وأصل، كالجمع، وإلا فدعوى بلا دليل، خلافا لقوم، وإن أحب إسقاطه عنه طالب المستدل بصحة الجمع (¬2). اختلاف الضابط في الأصل والفرع، كتسبَّبوا بالشهادة، فوجب القَوَد، كالمكره فيقال (¬3): ضابط الفرعِ الشهادةُ، والأصلِ الإكراهُ، فلا يتحقق تساويهما، وجوابه بيان أن الجامع التسبب المشترك بينهما، وهو مضبوط عرفًا، أو بأن إفضاءه في الفرع مثله أو أرجح (¬4). ¬
23 - مخالفة حكم الفرع لحكم الأصل
ومنه: أولج في فرجٍ مشتهًى طبعًا محرَّمٍ شرعًا فحُدَّ كزانٍ، فيقال: حكمة الفرع الصيانة عن رذيلة اللواط، وحكمة الأصل دفع محذور اشتباه الأنساب، وقد يتفاوتان في نظر الشرع، وحاصله: معارضة في الأصل، وجوابه بحذفه عن الاعتبار (¬1). مخالفة حكم الفرع لحكم الأصل، وجوابه: ببيان اتحاد الحكم عينًا، كصحة البيع على النكاح، والاختلاف عائد إلى المحل، واختلافه شرط فيه، أو جنسًا، كقطع الأيدي باليد، كالأنفس بالنفس (¬2). وتعتبر مماثلة التعدية، ذكره القاضي، والموفق، وغيرهما. واختار أبو الخطاب، والحنفية: لا، وحكي عن القاضي (¬3). وإن اختلف الحكم جنسًا ونوعًا، كوجوب على تحريم، ونفي على إثبات، وبالعكس فباطل (¬4). القلب: تعليق نقيض الحكم أو لازمه على العلة إلحاقًا بالأصل، فهو نوع معارضة عند أصحابنا، وبعض الشافعية، وحكي عن الأكثر. وقيل: إفساد، وقيل: تسليم للصحة، اختاره الآمدي وغيره (¬5). فمنه: قلب لتصحيح مذهبه، مع إبطال مذهب المستدل صريحًا، كبيع فضولي عقد في حق الغير بلا ولاية؛ فلا يصح كالشراء، فيقال: عقد؛ فيصح كالشراء. ¬
أو غيره، كالاعتكاف لبث محض، فلا يكون قربة بنفسه، كالوقوف بعرفة، فيقال: فلا يعتبر فيه الصوم، كالوقوف. وقلب لإبطال مذهب المستدل فقط صريحًا، كالرأس (¬1) ممسوح، فلا يجب استيعابُه كالخف، فيقال: فلا يتقدَّر بالربع كالخف. أو لزومًا، كبيع غائب عقد معاوضة، فيصح مع جهل المعوَّض كالنكاح، فيقال: فلا يعتبر فيه خيار رؤية (¬2)، كالنكاح، فإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم. وقلب المساواة، خلافًا للبَاقِلَّاني، والسَّمْعاني، كالخل مائع طاهر (¬3) مزيل كالماء، فيقال: يستوي فيه الحدث والخبث كالماء. ومنه: قول أبي الخطاب، والشيخ، وغيرهما: يصح جعل المعلول علة، وعكسه، كمن صح طلاقُه صح ظهارُه، وعكسه، فالسابق علة الآخر لا يفسد العلة عند أصحابنا، وأكثر الشافعية. وخالف الحنفية، وغيرهم. وزِيدَ قلب الدعوى مع إضمار الدليل فيها، ككل موجود مرئي، فيقال: كل ما ليس في جهة ليس مرئيًّا، فدليل الرؤية الوجود، وكونه لا في جهة دليل منعها، أو مع عدمه، كشكر المنعم واجب لذاته، فيقلبه (¬4). ¬
25 - القول بالموجب
وقلب الاستبعاد، كالإلحاق تحكيم الولد فيه تحكم بلا دليل، فيقال: تحكيم القائف تحكم بلا دليل (¬1). وقلب الدليل على وجه يكون ما ذكره المستدل يدل عليه لا له، كـ "الخال وارث من لا وارث له" (¬2)، فيقال: يدل على أنه لا يرث بطريق أبلغ؛ لأنه نفي عام، مثل: الجوع (¬3) زاد من لا زاد له (¬4)، وفيه نظر. القول بالموجَب (¬5): تسليم مقتضى الدليل مع بقاء النزاع. وهو ثلاثة أنواع: ¬
أنواع القول بالموجب
الأول: أن يستنتج المستدل ما يتوهمه محل النزاع، أو لازمه، كالقتل بالمثقَّل قتل بما يقتل غالبًا، فلا ينافي القود كالمُحدَّد، فيقال: عدم المنافاة ليس محل النزاع ولا لازمه (¬1). الثاني: أن يستنتج إبطال ما يتوهمه مأخذ الخصم، كالتفاوت في الوسيلة لا يمنع القود، كالمتوسَّل إليه، فيقال: لا يلزم من إبطال مانع عدم كل مانع ووجود الشروط والمقتضي، ويصدق المعترض في قوله: ليس هذا مأخذي، وقيل: لا، وأجازه جمع من أصحابنا، منهم الفخر، وقال: فإن أبطله المستدل، وإلا انقطع (¬2). الثالث: أن يسكت في دليله عن صغرى قياسه، وليست مشهورة، كـ "كل قُربة شرطها النية"، ويسكت عن "والوضوء قربة"، فيقول المعترض: أقول بموجبه، ولا ينتج، ولو ذكرها لم يرد إلا منعها (¬3). وجواب الأول: بأنه محل النزاع أو لازمه، والثاني: أنه المأخذ لشهرته، والثالث: بجواز الحذف، ويجاب في الجميع بقرينة أو عهد، ونحوه (¬4). وفي الإثبات، كالخيل حيوان يسابق عليه ففيه الزكاة، كالإبل، فيقال بموجبه في زكاة التجارة، فيجاب بلام العهد، والسؤال عن زكاة السوم لا يصح عند أبي الخطاب، وابن عقيل. وصححه الموفق وغيره (¬5). ¬
فائدة: ما ترد عليه الأسئلة من أنواع القياس
فائدة: ترد الأسئلة على قياس الدلالة، إلا ما تعلق بمناسبة الجامع، وكذا قياس في معنى الأصل، ولا يرد عليه ما تعلق بنفس الجامع (¬1). خاتمة تتعدد الاعتراضات من جنس اتفاقًا، وكذا من أجناس، إلا عند أهل سمرقند، ومنع الأكثر المرتَّبة، ويكفي جواب آخرها، قاله القاضي، وجمع. وجوَّزه الأستاذ، والفخر، والآمدي، وابن الحاجب، فيقدَّم الاستفسار، ثم فساد الاعتبار، ثم الوضع، ثم ما تعلق بالأصل، ثم العلة، ثم الفرع، ويقدَّم النقض على المعارضة (¬2). وأوجب ابن المَنِّي، والفخر ترتيب الأسئلة، فاختارا فساد الوضع، ثم الاعتبار، ثم الاستفسار، ثم المنع، ثم المطالبة، وهو منع العلة في الأصل، ثم الفرق، ثم النقض، ثم القول بالموجَب، ثم القلب، ورَدَّا التقسيمَ إلى الاستفسار، أو الفرق (¬3). وعن ابن عَقِيل، وابن البَنَّا، وابن المَنِّي، وأكثر الجدليين: لا يطالبه بطرد دليل، إلا بعد تسليم ما ادعاه من دلالته، فلا ينقضه حتى يسلمه، فلا يقبل المنع إلا بعد التسليم (¬4). وعن ابن عقيل: الجواب إذا زاد أو نقص لم يطابق، ويجيب قوم بمثله ويعدونه جوابًا، ولو سئل عن المذهب فذكر دليله فليس بجواب محقق، كما لا يخلط السؤال عن المذهب بالسؤال عن دليله، والصحيح خلاف هذا، وعليه الأكثر (¬5). ¬
فائدة: تعريف الجدل وحكمه
فائدة: الجدل: فتل الخصم عن قصده لطلب صحة قوله وإبطال غيره. وهو مأمور به على وجه الإنصاف وإظهار الحق، دلَّ عليه القرآن، وفعله الصحابة والسلف، وحكي إجماعًا. قال البربهاري: الستر شد كلِّمْه وأَرْشِدْه، والمناظر احذروه؛ فإن في المناظرة المراء والجدال والغلبة والخصومة والغضب، وهو يزيل عن طريق الحق. ولم يبلغنا عن أحد من علمائنا أنه فعله، وفيه غلق باب الفائدة، والمجالسة للمناصحة فتح باب الفائدة (¬1). وقال بعض المحققين: إذا كانت مجالس النظر مشحونة بالمحاباة لأرباب المناصب تقرُّبًا، وللعوام تخوُّنًا، وللنظراء تعمُّلًا وتجملًا، ثم إذا لاح دليل خونتم اللائح وأطفأتم مصباح الحق الواضح، هذا واللَّه الإياس من الخير، مصيبة عمت العقلاء في أديانهم، ما ذاك إلا أنهم لم يَشَمُّوا رائحة اليقين (¬2). وفي الواضح: لولا ما يلزم من إنكار الباطل، واستنقاذ الهالك بالاجتهاد في ردِّه عن ضلالته لما حسنت المجادلة للإيحاش فيها غالبًا، ولكن فيها أعظم النفعة إذا قصد بها نصرة الحق أو التَقَوِّي على الاجتهاد، ونعوذ باللَّه من قصد المغالبة، وبيان الفراهة (¬3). وقال ابن الجوزي: طلب الرئاسة والتقدم بالعلم يهلك (¬4). ¬
آداب الجدل والمناظرة
وقال ابن هُبَيْرة: الجدل الذي يقع بين أرباب المذاهب أوفق ما يحمل الأمر فيه بأن يخرج مخرج الإعادة والدرس، فأما اجتماع جمع متجادلين في مسألة مع أن كلا منهم لا يطمع أن يرجع إن ظهرت حجة، ولا فيه مؤانسة ومودة وتوطئة القلوب لوعي حق، بل هو على الضد فمحدث مذموم (¬1). انتهى. فلو بان له سوء قصد خصمه توجه تحريم مجادلته (¬2). وقال قوم: يجوز أن يطلب المذهب، لا وضع مذهب، ويطلب له دليلا (¬3). قال ابن عَقِيل: ويبدأ كل منهما بحمد اللَّه والثناء عليه، قال: وللسائل إلجاؤه إلى الجواب، فيجيب أو يبين عجزه، وليس له الجواب تعريضًا لمن أفصح به، وعليه أن يجيبه فيما بينه وبينه فيه خلاف لتظهر حجته، والكلام في هذا الشأن إنما يُعوَّل فيه على الحجة لتظهر، والشبهة لتبطل، وإلا فهدر، وهو الذي رفعت بشؤمه ليلة القدر، وإليه انصرف النهي عن "قيل وقال" (¬4). وللسائل أن يقول: لم ذاك؟ فإن قال: لأنه لا فرق، قال: دعواك لعدم الفرق كدعواك للجمع ونخالفك فيهما، فإن قال: لا أجد فرقًا، قال: ليس كل ما لم تجده يكون باطلا (¬5). وقال الفخر، والجوزي: يشترط الانتماء إلى مذهب ذي مذهب للضبط. زاد الفخر: وإن كان الأليق بحاله التجرد عن المذاهب، وأن لا يسأل عن أمر جليٍّ فيكون معاندًا، ¬
قال: ويكره اصطلاحًا تأخير الجواب عن السؤال كثيرًا، وقيل: ينقطع. ويعزو الحديث إلى أهله (¬1). ويعرف انقطاع السائل بعجزه عن بيان السؤال، وطلب الدليل، وطلب وجه الدليل، وطعنه في دليل المستدل ومعارضته، وانتقاله إلى دليل آخر، أو مسألة أخرى قبل تمام الأول. قال أبو الخطاب: ومن الانتقال ما ليس انقطاعًا، كمن سئل عن رد اليمين فبناه على الحكم بالنكول، أو عن قضاء صوم نفل فبناه على لزوم إتمامه (¬2). وإن طالبه السائل بدليل على ما سأله فانقطاع منه لبناء بعض الأصول على بعض، وليس لكلها دليل يخصه (¬3). وانقطاع المسئول بعجزه عن الجواب، وإقامة الدليل، وتقوية وجه الدليل، ودفع اعتراضه (¬4). وانقطاعهما بجحد ما عرف من مذهبه، أو ثبت بنص أو إجماع، وليس مذهبه خلاف النص، وعجزه عن تمام ما شرع فيه، وخط كلامه على وجه لا يفهم، وسكوته سكوت حيرة بلا عذر، وتشاغله بما لا يتعلق بالنظر، وغضبه أو قيامه في غير مكانه، وسفهه على خصمه (¬5). وظهر من ذلك القطع بالشغب بالإيهام بلا شبهة، وقاله ابن عَقِيل وغيره، وقال: إن تمادى أعرض عنه، وهو الأولى بذي الرأي والعقل، ولاسيما إن أوهم الحاضرين ¬
من آداب الجدل
أنه سالك طريق الحجة، وبالاستفسار عما لا يستفهم عن مثله (¬1). وفي الفصول: لا ينبغي أن يصيح على الخصم في غير موضعه (¬2). وفي الواضح: احذر الكلام في مجالس الخوف، والتي لا إنصاف فيها، وكلام من تخافه أو تبغضه أو لا يفهم عنك، واستصغار الخصم، ولا ينبغي كلام من عادته ظلم خصمه، والهزء والتشفي لعداوته، والمترصد للمساوئ والتحريف والتزيد والبهت. وكل جدل وقع فيه ظلم الخصم اختل فينبغي أن يحترز منه. عليك بالصبر والحلم، ولا تنقص بالحلم إلا عند جاهل، ولا بالصبر على شغب المسائل إلا عند غبي، وترتفع في نفوس العلماء، وتنبل عند أهل الجدل. ومن خاض في الشغب تعوده، ومن تعوده حرم الإصابة، واستروح إليه، ومن عُرِفَ به سقط سقوط الذرَّة. ومن عرف لرئيس فضله، وغفر زلة نظير، ورفع نفسه عن دنيٍّ سلم من الغضب، وفاز بالظفر. ولا رأي لغضبان، ومع هذا فلا يسلم أحد من الانقطاع إلا من عصمه اللَّه (¬3). وليس حد العالم كونه حاذقًا بالجدل فإنه صناعة، والعلم صناعة، وهو مادة الجدل، والمجادل يحتاج إلى العالم، ولا عكس، وينبغي أن يحترز في كل جدل من حيلة الخصم (¬4). وأدب الجدل يزين صاحبه وتركه يشينه، ولا ينبغي أن ينظر لما اتفق لبعض من تركه من الحظوة في الدنيا، فإنه إن كان رفيعًا عند الجهال فهو ساقط عند ذوي الألباب (¬5). ¬
ما لا يعتبر انقطاعا في الجدل
ولا تغتر بخطأ الخصم في مذهب؛ فإنه لا يدل على الخطأ في غيره، وإن صدَّ عن الجدل آفة، كتقبيحه، وعدم النفع والتقليد، والإلف والعادة، ومحبة الرئاسة، والميل إلى الدنيا، والمفاخرة أزالها (¬1). ويجب لكل منهما الإجمالُ في خطابه، وإقباله عليه، وتأمله لما يأتي به، وترك قطع كلامه، والصياح في وجهه، والحدة والضجر عليه, والإخراج له عما عليه، والاستصغار له، وإذا نفرت النفوس عميت القلوب، وخمدت الخواطر، وانسدت أبواب الفوائد (¬2). ورياضة الأدون واجبة على العلماء، وتركه سدًى مضرة له؛ فإن عُوِّد لترك ما يستحقه الأعلى أخلد إلى خطئه، ولم يزعه عن الغلط وازع، ومقام التعلم والتأدب تارة بالعنف، وتارة باللطف؛ لئلا يفوت أحدهما (¬3). وانتقال السائل (¬4) انقطاع عند الأكثر، وخالف الشيخ، والشاشي (¬5)، وقال: لو ¬
ظننته لازمًا فمكنوني من سؤال آخر؛ فخلاف. قال: والأصح يمكن من أدنى، وفي أعلى قولان (¬1). قال: وترك المسئول الدليل لعجز فهم السائل ليس انقطاعًا؛ لقصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام. وقيل: بلى. قال ابن عَقِيل: لما قابل نمرود (¬2) قول الخليل عليه الصلاة والسلام في الحياة الحقيقية بالحياة المجازية انتقل إلى دليل لا يمكنه يقابل الحقيقة فيه بالمجاز، ومن انتقل من دليل غامض إلى واضح؛ فليس انقطاعًا (¬3). وقال أيضًا: انتقل إلى دليل أوضح في تعجيزه (¬4). وقال ابن الجوزي: رأى ضعف فهمه لمعارضته اللفظ بمثله مع اختلاف الفعلين فانتقل إلى حجة أخرى قصدًا لقطعه، لا عجزًا (¬5). وقال ابن التِّلِمْساني (¬6): قد يستفاد بالفرض تضييق مجاري الاعتراض على الخصم؛ ¬
ولهذا عدل الخليل عليه الصلاة والسلام في تقرير الاستدلال بالأثر على المؤثر إلى الأوضح عنده. قال الشيخ: حاصله جواز الانتقال لمصلحة، وليس انقطاعًا (¬1). قال ابن عَقِيل: الانتقال عن السؤال هو الخروج عما يوجبه أوله من ملازمة السنن فيه (¬2). * * * ¬
باب: الاستدلال
باب الاستدلال (¬1): لغة: طلب الدليل، وهو هنا: إقامة دليل ليس بنص ولا إجماع ولا قياس، وقيل: ولا قياس علة؛ فدخل نفي الفارق، وقياس الدلالة. أما نحو: وُجِدَ السبب فثبت الحكم، ووجد المانع، أو فات الشرط فانتفى الحكم، فالأكثر على أنه دعوى دليل، وابن حمدان: دليل، واستدلال أيضًا، وقيل: إن أثبت بغير الثلاثة (¬2)، وقيل: هو القياس الاقتراني والاستثنائي، ونفي الحكم لنفي مداركه، ووجود المانع أو فوات الشرط أو ثبت الحكم لوجود السبب، اختاره ابن حمدان، وغيره، والفخر، وزاد: التلازم بين حكمين بلا تعيين علة، والاستصحاب، وقول القائل: لا فارق بين محل النزاع، والإجماع، إلا هذا، ولا أثر له، والأصل في المنافع الإذن، وفي المضار المنع شرعًا لا عقلًا. واختار ابن الحاجب أنه التلازم والاستصحاب وشرع من قبلنا. الأول: تلازم بين ثبوتين: من صح طلاقه صح ظهاره، أو عكسه: لو صح وضوء بلا نية صح تيمم. أو ثبوت ونفي: ما يكون مباحًا لا يكون حرامًا، أو عكسه: ما لا يكون جائزًا يكون حرامًا. والمتلازمان طردًا وعكسًا: كالجسم والتأليف يلزم من وجود كلٍّ وجودُ الآخر، ومن نفيِه نفيُه. وطردًا، كالجسم والحدوث يجري فيهما تلازم ثبوتين طردًا، ونفيين عكسًا، فيلزم من وجود الجسم الحدوث، ومن نفيِه نفيُه، بلا عكس فيهما. ¬
فصل: الاستصحاب
والمتنافيان طردًا وعكسًا، كالحدوث ووجوب البقاء يلزم من ثبوت كلٍّ نفيُ الآخر، ومن نفيِه ثبوتُه. وإثباتًا، كالتأليف والقِدَم يجري فيهما تلازم ثبوت ونفي طردًا وعكسًا، فيلزم من ثبوت كلٍّ نفيُ الآخر. ونفيًا، كالأساس والخلل يجري فيهما تلازم نفي وثبوت طردًا وعكسًا، فيلزم من نفي كل ثبوتُ الآخر. فصل الاستصحاب: التمسك بدليل عقلي أو شرعي لم يظهر عنه ناقل مطلقًا. وهو دليل عند أصحابنا، والشافعية، والأكثر، خلافًا لأبي الخَطَّاب، وجمع، وحكي عن أكثر الحنفية (¬1). وعنهم: حجة في الدفع دون الرفع، ثم منهم من جوَّز به الترجيح. وقيل: بشرط أن لا يعارضه ظاهر، وقيل: ظاهر غالب. قلت: لنا مسائل كثيرة يقدَّم فيها الظاهر على الأصل، ومسائل فيها خلاف. وليس استصحابُ حكم الإجماع في محل الخلاف حجةً عند الأكثر من أصحابنا، وغيرهم. وخالف ابن شاقلا، وابن حامد، وجمع (¬2). فصل شرع من قبلنا: يجوز تعبد نبي بشريعة نبي قبله عقلًا، ومنعه قوم (¬3). ¬
وكان نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل البعثة متعبدًا في الفروع بشرع من قبله مطلقًا عند القاضي، والحَلْواني، وغيرهما، وأومأ إليه أحمد، وقيل: معين، فقيل: آدم، أو نوح، أو إبراهيم، اختاره ابن عَقِيل، والمجد، والبَغَوِي، وابن كثير (¬1)، وجمع. أو موسى، أو عيسى (¬2). ومنع الحنفية، والمالكية، والبَاقِلَّاني، وغيرهم؛ لاستحالته عقلا عند المعتزلة، وشرعًا عند البَاقِلَّاني، والرازي، والآمدي. ولأحمد القولان، وتوقف أبو الخَطَّاب، والغزالي، والآمدي، وأبو المعالي، وقال هو وجمع: لفظية (¬3). وعن المعتزلة: تعبد بشريعة العقل (¬4). وابن حمدان: بوضع شريعة اختارها. والطُّوفي: بالإلهام. ولم يكن -صلى اللَّه عليه وسلم- على ما كان عليه قومه عند الأئمة، قال الإمام أحمد: "من زعمه فقول سوء" (¬5). وبعدها تُعُبِّدَ بشرع من قبله عند أحمد، والشافعي، وأكثر أصحابهما، والحنفية، والمالكية (¬6). ¬
فصل: الاستقراء بالجزئي على الكلي
ثم منهم من خصه بشرع كما سبق، ولم يخصه أصحابنا، والمالكية. فهو شرع لنا ما لم ينسخ عند أكثر أصحابنا، وغيرهم (¬1). قال القاضي وغيره: بمعنى أنه موافق، لا تابع، وقال أيضًا هو والفخر: إنه شرع لم ينسخ، فيعمنا لفظًا، وقال الشيخ: أو عقلا، فيعمنا حكمًا (¬2). ثم اعتبر القاضي، وابن عَقِيل، وغيرهما ثبوته قطعًا، والشيخ وغيره: وآحادًا (¬3). وعن أحمد: لم يتعبد، وليس بشرعٍ لنا، اختاره أبو الخَطَّاب، والأشعرية (¬4)، وقيل: بالوقف. فصل الاستقراء بالجزئي على الكلي إن كان تامًّا، أي: بالكل، إلا صورة النزاع، فقطعي عند الأكثر، وهو حجة بلا نزاع. أو ناقصًا، أي: بأكثر الجزئيات، فظني، ويسمى إلحاق الفرد بالأعم الأغلب، وهو حجة عند بعض أصحابنا، والأكثر، كالوتر يفعل راكبًا، فليس واجبًا لاستقراء الواجبات. فصل قول صحابي غير الخلفاء على صحابي غير حجة اتفاقًا، فإن انتشر ولم ¬
يُنْكَر فسبق (¬1)، وإن لم ينتشر فحجة مقدَّم على القياس عند الأربعة، وأكثر أصحابنا، والحنفية (¬2). فعليه: إن اختلف صحابيان فكدليلين (¬3). وقيل: إن انضم إليه قياس تقريب، وقيل: حجة دون القياس (¬4)، وقيل: إجماع. وعنه (¬5): ليس بحجة، كأبي حنيفة، والشافعي في الجديد أيضًا، وأكثر أصحابه، والأشعرية، وأبي الخَطَّاب، وابن عَقِيل، والفخر، وجمع (¬6). وقوله فيما يخالف القياس يحمل على التوقيف عند أحمد، وأكثر أصحابه، والشافعي، والحنفية، وابن الصَّبَّاغ (¬7)، والرازي (¬8). ¬
فصل: مذهب التابعي
وخالف أبو الخَطَّاب، وابن عَقِيل، وأكثر الشافعية (¬1). فعلى الأول: يكون حجة حتى على صحابي عندنا، وقاله أبو المعالي، ويعمل به وإن عارض خبرًا متصلًا، قاله أبو الخَطَّاب (¬2). فصل ومذهب التابعي ليس بحجة عند الأربعة، وغيرهم. وعنه: بلى، فيخص به العموم ويفسر به (¬3). وكذا لو خالف القياس، وذكره ابن عَقِيل محل وفاق (¬4)، وعند المجد: كصحابي. فصل الاستحسان: قال به الحنفية، وأحمد في مواضع، وكتب أصحاب مالك مملوءة منه، ولم ينص عليه، وأنكره الشافعي، وأصحابه، وروي عن أحمد. قال أبو الخَطَّاب: أنكر ما لا دليل له (¬5). وهو لغة: اعتقاد الشيء حسنًا، وعرفًا: العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل شرعي. وقيل: دليل ينقدح في نفس المجتهد يعجز عن التعبير عنه. وقال الكرخي، والقاضي في العدة، والقاضي يعقوب: ترك حكم لحكم أولى منه، والقاضي أيضًا، والحلواني: القول بأقوى الدليلين. وكلام أحمد يقتضي أنه عدول عن موجَب قياس ¬
فائدة: سد الذرائع
لدليل أقوى، واختاره في الواضح. وقيل: العدول عن حكم الدليل إلى العادة لمصلحة الناس (¬1). ولا نزاع فيه معنوي. وعند الحنفية: يثبت بالأثر كَسَلَمٍ، وإجارة، وبقاء صوم ناسٍ، وبالإجماع، وبالضرورة، وسموا ما ضعف أثره قياسًا، والقوي استحسانًا (¬2). فائدة: سَدَّ أحمد، ومالك الذرائع، وهو ما ظاهره مباح، ويُتوصل به إلى محُرَّم، وأباحه أبو حنيفة، والشافعي. فصل المصالح المرسلة: سبقت في المسلك الرابع (¬3)، وذكر أبو الخَطَّاب أن الاستنباط قياس واستدلال بأمارة، أو علة بشهادة الأصل، قال الشيخ: هذا هو المصالح (¬4). فائدة: من أدلة الفقه: لا يُرْفَعُ يقينٌ بشك، والضرر يُزال، ولا يُزال به، ويُبيح المحظور، والمشقة تجلب اليُسْر، ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح، ودفع أعلاها بأدناها، وتحكيم العادة، وجعل المعدوم كالموجود احتياطًا. * * * ¬
باب: الاجتهاد
باب الاجتهاد: لغة: استفراغ الوسع لتحصيل أمر شاق، واصطلاحًا: استفراغ الفقيه وسعه لدرك حكم شرعي (¬1). وشرط المجتهد -وهو الفقيه: العلم بأصول الفقه، وما يستمد منه، والأدلة السمعية مفصلة، واختلاف مراتبها، فمن الكتاب والسنة ما يتعلق بالأحكام، بحيث يمكنه استحضاره للاحتجاج به، لا حفظه. وأوجب (¬2) في الواضح معرفة جميع أصول الفقه وأدلة الأحكام، وأوجب جمع، ونقل عن الشافعي: [حفظ جميع القرآن] (¬3)، ومال إليه الشيخ. ومعرفة صحة الحديث وضعفه، ولو تقليدًا، كنقله من كتاب صحيح، والناسخ والمنسوخ منهما، ومن النحو واللغة ما يكفيه فيما يتعلق بهما من نص وظاهر، ومجمل ومبيَّن، وحقيقة ومجاز، وأمر ونهي، وعام وخاص، ومستثنى ومستثنى منه، ومطلق ومقيد، ودليل الخطاب ونحوه، والمجمع عليه والمختلف فيه، ولم يذكره في التمهيد، وفي المقنع وغيره: وأسباب النزول، وفي التمهيد، والواضح، والمقنع وغيرهم: ومعرفة اللَّه تعالى بصفاته الواجبة، وما يجوز عليه أو يمتنع، لا تفاريع الفقه وعلم الكلام، ولا معرفة أكثر الفقه في الأشهر. ¬
المجتهد في مذهب إمامه
والمجتهد في مذهب إمامه: العارف بمداركه، القادر على تقرير قواعده، والجمع والفرق، قاله في المقنع، وفي آداب المفتي: له أربع صفات. فصل أصحابنا، والأكثر: الاجتهاد يتجزأ، وثالثها: في باب لا مسألة (¬1)، ورابعها: في الفرائض. فصل يجوز اجتهاده -صلى اللَّه عليه وسلم- في أمر الدنيا، ووقع إجماعًا (¬2). ويجوز في أمر الشرع عقلًا عند أصحابنا، والأكثر (¬3). ويجوز شرعًا، ووقع عند أحمد، وأكثر أصحابه، والحنفية، والشافعية. ومنعه أكثر الأشعرية، وأبو حفص (¬4)، وابن حامد، وقال: هو قول أهل الحق. وهو ظاهر كلام أحمد، وجوَّزه الشافعي في رسالته من غير قطع، وأبو المعالي وغيره، وجوَّزه القاضي أيضًا للحرب، وقيل: بالوقف (¬5). فعلى الجواز: لا يقر على خطأ إجماعًا، ومنع القاضي، وأبو الخطاب، وبعض الشافعية من الخطأ. ¬
فصل: حكم الاجتهاد لمن عاصره - صلى الله عليه وسلم -
فصل يجوز الاجتهاد لمن عاصره -صلى اللَّه عليه وسلم- عقلًا عند الأكثر، وخالف أبو الخطاب، وغيره (¬1). ويجوز شرعًا، ووقع، ذكره في العدة، والواضح، والطوفي، وأكثر الشافعية. ومنعه في المجرد، وأبو الفرج، وقوم مع القدرة، وقوم مطلقًا، وابن حامد، وجمع لمن بحضرته، وقيل: أو قريبًا منه، وتوقف عبد الجبار فيمن حضر، وبعضهم مطلقًا، وجوَّزه في الروضة للغائب وللحاضر بإذنه كالحنفية، وجوَّزه في التمهيد للغائب وبإذنه أو يسمع حكمه فيقره لحاضر، أو يمكنه سؤاله قبل ضيق وقت الحادثة، وقيل: للولاة (¬2). فصل من جهل وجود الرب، أو علم وجوده وفعل فعلًا، أو قال قولًا لا يصدر إلا من كافر إجماعًا فكافر (¬3)، ولا يكفر مبتدع وغيره في رواية اختارها القاضي، وابن عقيل، وابن الجوزي، والموفق، والأشعري، وأصحابه، كمقلد في الأصح عند أحمد، وأصحابه، وغيرهم. ولا يفسقان، قاله ابن عقيل وغيره، وعنه: يكفر، والأشهر عن أحمد، وأصحابه: يكفر الداعية (¬4). ولا يكفر من لم يُكفِّر من كفرناه على الأصح، زاد المجد: ولا يفسق (¬5). ¬
فصل: المصيب في العقليات واحد
فصل المصيب في العقليات واحد إجماعًا، ونافي الإسلام مخطئ آثم كافر مطلقًا عند أئمة الإسلام. وحكي أقوال تخالف الكتاب والسنة والإجماع تنكبنا عنها. فصل الأئمة الثلاثة، والأكثر: المسألة الظنية الحق فيها واحد عند اللَّه تعالى، وعليه دليل، وعلى المجتهد طلبه فمن أصاب فمصيب، وإلا فمخطئ مثاب، زاد في التمهيد: يطلبه حتى يظن أنه وصله، وثوابه على قصده واجتهاده، لا على الخطأ. وقاله ابن عقيل، وبعض الشافعية. وبعضهم: على قصده. وفي العُدة وغيرها: مخطئ عند اللَّه تعالى، وحكمًا، وقال أيضًا: مصيب في اجتهاده، مخطئ في تركه للزيادة. وعنه: مصيب حكمًا، كابن عقيل، وقال الشيخ: من لم يحتج بنص فمخطئ عنده، وإلا فلا، نص عليه. وقيل: لا دليل عليه، كدفين يُصاب (¬1). والأستاذ، وأبو الطيب، وجمع، وحكي عن الشافعي، وأومأ إليه أحمد: الدليل قطعي، ونقطع بخطأ مخالفنا (¬2). وأبو حنيفة، وأصحابه، والمزني، وابن سريج: كل مجتهد مصيب، والحق واحد عند اللَّه، وهو الأشبه الذي لو نص على الحكم لنص عليه، وعليه دليل، ولم يكلف المجتهد إصابته (¬3). ¬
تنبيه: الجزئية التي فيها نص قاطع المصيب فيها واحد وفاقا
وقال بعض أصحابه، وحكي عن الشافعي: مصيب في الطلب، مخطئ في المطلوب. والمعتزلة: كل مجتهد مصيب، فقيل: كالحنفية، وقيل: حكم اللَّه تابع للظن، لا دليل عليه، ولم يكلف غير اجتهاده، وحكي عن أبي حنيفة، والأشعري، والباقلاني. ونقل التصويب والتخطئة عن الأربعة، والأشعري (¬1). تنبيه: الجزئية التي فيها نص قاطع المصيب فيها واحد وفاقًا، وقيل: على الخلاف. ولا يأثم مجتهد في حكم شرعي اجتهادي، ويثاب عند الأربعة، وغيرهم، وخالف الظاهرية، وجمع. ولا يفسق عندهم، وقيل: بلى، ولا يأثم من بذل وسعه، ولو خالف قاطعًا، وإلا أثم لتقصيره (¬2). فصل ليس لمجتهد أن يقول في مسألة في وقت واحد قولين متضادين عند العلماء. وفعله الشافعي في سبع عشرة مسألة، فقيل: للعلماء، وقيل: معناهما التخيير، أو الشك، ورُدَّا، وقيل: على سبيل التجويز والاحتمال. قال ابن حامد: فعله دليل علو شأنه، ودينا، ولا قول له فيهما في الأصح، وفائدته: حصر الحق فيهما (¬3). فإن قاله في وقتين وجُهل أسبقهما فمذهبه أقرجمهما من الأدلة، أو قواعده عند الأصحاب. وفي الروضة أيضًا: هما كخبرين تعارضا. ومنع الآمدي من العمل بأحدهما (¬4). ¬
فصل: مذهب أحمد ونحوه: ما قاله، أو جرى مجراه من تنبيه وغيره، وكذا فعله، ومفهوم كلامه
وإن عُلم فالثاني مذهبه، وهو ناسخ عند الأكثر. وقال ابن حامد وغيره: والأول، وقيل: ولو رجع، قال المجد: هو مقتضى كلامهم (¬1). فصل مذهب أحمد ونحوه: ما قاله، أو جرى مجراه من تنبيه، وغيره، وكذا فعله، ومفهوم كلامه في الأصح، فلو قال في مسألة بخلافه بطل، وقيل: لا، فإن علله بعلة فقوله: ما وجدت فيه، ولو قلنا بتخصيص العلة في الأصح (¬2). وكذا المقيس على كلامه في الأصح. فلو أفتى في مسألتين متشابهتين بحكمين نحتلفين في وقتين لم يجز نقله في كلٍّ منهما إلى الأخرى على الأصح (¬3). ولو نص على حكم مسألة، ثم قال: لو قال قائل بكذا، أو ذهب ذاهب إليه لم يكن مذهبًا له في الأصح (¬4). فصل الأربعة، وغيرهم: لا ينقض حكم في مسألة اجتهادية، إلا ما سبق أن المصيب واحد (¬5)، وينقض بمخالفة نص كتاب، أو سنة، ولو آحادًا، خلافًا لقول للقاضي، أو إجماع قطعي لا ظني في الأصح، ولا قياس ولو جليًّا، خلافا لمالك، والشافعي، ¬
وابن حمدان فيه، زاد مالك: والقواعد الشرعية، وينقض مطلقًا، وقطع في المجرد، والمغني بطلب ربه، وعن داود، وأبي ثور: ينقض ما بان خطأ، وجوَّز ابن القاسم نقض ما بان غيره أصوب. وحكمه بخلاف اجتهاده باطل، ولو قلد غيره عند الأربعة، وغيرهم، وفي الإرشاد: لا، ويأثم، وينبغي هذا فيمن قضى بخلاف رأيه ناسيًا، ولا إثم، وينفذ كأبي حنيفة، وعند أبي يوسف: يرجع عنه، وينقضه كالمالكية، والشافعية (¬1). وإن حكم مقلد بخلاف إمامه فإن صح حكم المقلد انبنى نقضه على منع تقليد غيره، قاله الآمدي، وابن حمدان، وقال ابن حمدان أيضًا: مخالفة المفتي نص إمامه كمخالفة نص الشارع. وقال ابن هبيرة: عمله بقول الأكثر أولى (¬2). ولو اجتهد فتزوج بلا ولي، ثم تغير اجتهاده حرمت في الأصح، وقاله القاضي، والموفق، وابن حمدان، والطوفي والآمدي إن لم يكن حكم به (¬3). ولا يحرم على مقلد بتغير اجتهاد إمامه، قاله أبو الخطاب، والموفق، والطوفي، كحكم (¬4) (¬5). ¬
فصل: لا ينقض حكم في مسألة اجتهادية
وعند الشافعية، وابن حمدان: يحرم، وهو متجه، كالتقليد في القبلة (¬1). وإن لم يعمل بفتواه لزم المفتي إعلامه، فلو مات قبله استمر في الأصح (¬2). وله تقليد ميت، كحاكم وشاهد، وقيل: إن فقد الحي، وقال الرازي وغيره: لا، مطلقًا، واختاره في التمهيد في بحثه (¬3). وإن عمل بفتياه في إتلاف، فبان خطأه قطغا ضمنه، وكذا إن لم يكن أهلًا، خلافًا للأستاذ، وجمع (¬4). فصل لو أدَّاه اجتهاده إلى حكم حرم التقليد إجماعًا، وإن لم يجتهد فأحمد، ومالك، والشافعي، والأكثر: كذلك، وقيل: فيما لا يخصه، وأبو الفرج، وحكي عن أحمد، والثوري، وإسحاق: يجوز مطلقًا، وقيل: لحاكم، وابن حمدان، وبعض المالكية: لعذر، وابن سريج: لضيق الوقت، ومحمد: لأعلم منه، وقديم الشافعي، وابن البناء، وابن حمدان أيضًا، وجمع: لصحابي أرجح. ولا إنكار منهم، فإن استووا تخيَّر، وقاله بعض المتكلمين قبل الفرقة، واختلف قول الشافعي في اعتبار انتشاره، وقيل: وتابعي، وعنه: لصحابي، وعمر بن عبد العزيز (¬5) فقط (¬6). ¬
فصل: لو أداه اجتهاده إلى حكم حرم التقليد إجماعا
وله أن يجتهد ويدع غيره إجماعًا، ولو توقف في مسألة نحوية، أو في حديث على أهله فعامي فيه عند أبي الخطاب، والموفق، والآمدي، وغيرهم (¬1). فصل يجوز أن يقال لنبي ومجتهد: احكم بما شئت فهو صواب، ويكون مَدْرَكا شرعيًّا، ويسمى التفويض عند الأكثر. وتردد الشافعي في الرسالة، فقال أبو المعالي: في الجواز، والأكثر: في الوقوع، وقال السمعاني، وابن حمدان: للنبي فقط، ومنعه فيهما السرخسي، وأبو الخطاب، وقال: هو أشبه بالمذهب (¬2). فعلى الأول: لم يقع في الأصح. ويجوز لعامي عقلًا، وفي التمهيد وغيره: لا، إجماعًا، وقال القاضي: لا يمتنع في مجتهد بلا اجتهاد، وفي التمهيد: يمنع إجماعًا (¬3). وقال القاضي، وابن عَقِيل: لا يمتنع قوله: "أخبِر فإنك لا تخبر إلا بصواب"، ومنعه أبو الخطاب (¬4). فصل أصحابنا، والشافعية، والأكثر: نافي الحكم عليه الدليل، كمثبته، وقيل: لا، كضروري، وقال قوم: عليه في حكم عقلي، لا شرعي، وعكسه عنهم في الروضة (¬5). ¬
فصل: إذا حدثت مسألة لا قول فيها ساغ الاجتهاد فيها
فصل إذا حدثت مسألة لا قول فيها ساغ الاجتهاد فيها، وهو أفضل، وقيل: التوقف، وقيل: في الأصول، اختاره ابن حمدان، والشيخ، وصاحب الحاوي (¬1). وقال ابن القيم: قد يسن أو يجب عند الحاجة. وحكى ابن حمدان وغيره الخلاف في الجواز وعدمه، وأومأ أحمد إلى المنع، وفي الإرشاد وغيره: لابد من جواب (¬2). * * * ¬
باب: التقليد
باب التقليد: لغةً: وضع الشيء في العنق محيطًا به، وعرفًا: أخذ مذهب الغير بلا معرفة دليله، وقيل: بلا حجة ملزمة، فالرجوع إلى قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإلى المفتي، والإجماع، والقاضي إلى العدول ليس بتقليد، ولو سُمي تقليدًا ساغ، وفي المقنع: المشهور أن أخذه بقول المفتي تقليد (¬1)، وهو أظهر، وقدمه في آداب المفتي في الإجماع أيضًا، وقيل: والقاضي. فصل يحرم التقليد في معرفة اللَّه تعالى، والتوحيد، والرسالة عند أحمد، وأصحابه، والأكثر. وأجازه جمع، قال بعضهم: ولو بطريق فاسد (¬2). وقيل: يجب التقليد فيما لم يُعلم بالحس، وحكي عن أحمد، وبعض أصحابه، وظاهر خطبة الإرشاد جوازه، وفي شرح المنهاج لمؤلفه (¬3) عن الفقهاء: يجوز مطلقًا، وأطلق الحَلْواني وغيره منع التقليد في أصول الدين (¬4)، وقاله البَصْري، والقَرَافي في أصول الفقه أيضًا. ويحرم التقليد أيضًا في أركان الإسلام الخمس ونحوها مما تواتر واشتهر، وحكي إجماعًا، واختار الآمدي وغيره: يلزمه (¬5). ¬
فصل: فيمن يستفتيه العامي
ويلزم غير مجتهد التقليد في غيره عندنا، وعند الشافعية، والأكثر. ومنعه بعضهم ما لم يتبين له صحة اجتهاده بدليله، وبعضهم فيما لا يسوغ فيه اجتهاد، وبعضهم في المسائل الظاهرة (¬1). فصل له استفتاء من عرفه عالمًا عدلًا، ولو عبدًا وأنثى وأخرس بإشارة مفهومة، وكتابة، أو رآه منتصبًا معظمًا (¬2). وقال ابن عقيل، والموفق، وجمع: يكفيه قول عدل خبير، والباقلاني: عدلين. وقيل: يُعتمد على قوله: أنا أهل لها (¬3). واعتبر الشيخ، وابن الصلاح الاستفاضة، لا مجرد اعتزائه إلي العلم، ولو بمنصب تدريس، أو غيره (¬4). والطوفي: يقلد من علمه أو ظنه أهلًا بطريق ما اتفاقًا (¬5). ويمنع عندنا، وعند الأكثر من لم يعرف بعلم، أو جُهِلَ حاله، ويلزم وليَ الأمر منعُه (¬6). قال ربيعة (¬7): "بعض من يفتي أحق بالسجن من السُّرَّاق" (¬8). ¬
شروط المفتي وآداب الإفتاء
ويفتي فاسق نفسه عند أصحابنا، والشافعية، وغيرهم (¬1). واختار ابن القيم: ولغيره، ما لم يكن معلنًا أو داعيةً. ولا يصح من مستور الحال عند أكثر أصحابنا، وغيرهم، وقيل: بلى، وهو أظهر. وقال المَاوَرْدي: لا يفتي على عدوه، كالحكم عليه. ويفتي حاكم، وثالثها: فيما لا يتعلق بالحكم، وكرهه ابن المنذر (¬2) فيه (¬3). ولا يفتي في حال لا يحكم فيها، كغضب ونحوه، وظاهره يحرم، كالحكم. وفي الرعاية: إن أصاب صح، وكره، وقيل: لا يصح (¬4). وله أخذ رزق من بيت المال، وإن تعين أن يفتي، وله كفاية لم يأخذ، وقيل: بلى، كعادمها في الأصح، ومن أخذ منه لم يأخذ، وإلا أخذ أجرة خطِّه، وقيل: لا، وإن جعل له أهل بلد رزقًا ليتفرغ لهم جاز في الأصح (¬5). وله قبول هدية، وعنه: لا، إلا أن يكافئ (¬6). قال أحمد: لا ينبغي أن يفتي حتى تكون له نية ووقار وسكينة، قويًّا على ما هو فيه ¬
من عدم مفتيا فله حكم ما قبل الشرع
ومعرفته، والكفاية، وإلا مضغه الناس، ومعرفة الناس، قال ابن عَقِيل: هذه الخصال مستحبة (¬1). ومن عدم مفتيًا فله حكم ما قبل الشرع (¬2). ويلزم المفتي تكرير النظر عند تكرر الواقعة في الأصح، ولزوم السؤال ثانيًا على الخلاف. وعند أبي الخَطَّاب، والآمدي إن ظن طريق الاجتهاد لم يلزمه، وإلا لزمه (¬3). فصل أصحابنا، وعبد الوهاب، وجمع، وأومأ إليه أبو المعالي، وابن برهان: لا يجوز خلو عصر عن مجتهد، واختاره ابن دقيق العيد ما لم يتداع الزمان بنقض القواعد، وقال الأكثر: يجوز. قال ابن مفلح: يتوجه أن قول أصحابنا مع بقاء العلماء؛ فلا اختلاف إذن (¬4). واختار التاج السبكي (¬5) أنه لم يقع. وقال ابن حمدان، والنووي: عُدِم المجتهد المطلق من زمن طويل (¬6). ¬
فصل: لا يفتي إلا مجتهد
فصل أكثر أصحابنا، وغيرهم: لا يفتي إلا مجتهد، ومعناه عن أحمد، وجوَّزه في الترغيب، والتلخيص لمجتهد في مذهب إمامه ضرورة، والأكثر: بلى، إن كان مُطَّلِعًا على المأخذ أهلًا للنظر، والقفال: من حفظ مذهب إمام أفتى، والجويني: يفتي المتبحر فيه، وابن حمدان: عند عدم مجتهد، وظاهر كلام أحمد جواز تقليد أهل الحديث، ولعله للحاجة. وظاهر كلام ابن شَاقْلا الجواز، وقاله ابن بَشَّار (¬1)، واختاره في الإيضاح، والرعاية، والحاوي، كالحنفية. ورجح في هذه الأزمنة، فيكون مخبرًا لا مفتيًا، ذكره أبو الخطاب، وابن عقيل، والموفق، وغيرهم، فيخبر عن معين، ويعمل بخبره، لا بفتياه (¬2). وقال الماوردي: لو عرف حكم حادثة بدليلها لم يفت في الأصح، وقيل: بلى، إن كان من كتاب أو سنة (¬3). وله تقليد مفضول عند اكثر أصحابنا، والأكثر، وقيل: إن اعتقد فاضلًا أو مساويًا، وعند ابن عقيل، وابن سريج، والقفال، والسمعاني: يلزمه الاجتهاد، فيقدم الأرجح، ومعناه للخِرَقي وغيره، ولأحمد روايتان (¬4). ¬
لا يلزم التمذهب بمذهب، والأخذ برخصه وعزائمه
أما لو بان له الأرجح لزمه تقليده، وتقديم أعلم على أورع في الأصح فيهما (¬1). وفي الرعاية: لا يكفيه من لا تسكن نفسه إليه (¬2). فإن استووا تَخيَّر عند أكثر أصحابنا، وغيرهم (¬3). ولا يلزم التمذهب بمذهب، والأخذ برُخَصِه وعزائمه، والامتناع من الانتقال عند الأكثر، فيتخيَّر، وقيل: بلى. وفي الرعاية: هو الأشهر، فلا يقلد غير أهله، وقاله القُدُوري (¬4) إذا ظنه أقوى، وفي آداب المفتي: يجتهد في أصح المذاهب يتبعه (¬5). ولا يجوز للعامي تتبع الرخص، وحكي إجماعًا (¬6)، وخالف ابن أبي هريرة. ويفسق عند أحمد وغيره، وحكي عنه: لا، وحمل القاضي الأول على غير متناول أو مقلد، والحنفية كالقاضي، إلا أن يتمذهب بمذهب فيأخذ به في الأصح (¬7). فصل يجب أن يعمل المفتي بموجب اعتقاده فيما له وعليه إجماعًا، ولو أفتاه واحد وعمل به لزمه قطعًا، وإن لم يعمل لزمه بالتزامه. وفي الرعاية: مع ظنه أنه ¬
إن اختلف على العامي فتيا اثنين
حق، وقيل: وبالظن وحده، كالسَّمْعاني، وابن حمدان أيضًا، وقيل: بالشروع، وابن البنا: بالإفتاء، كما لو لم يجد غيره، أو حكم عليه به (¬1). وإن اختلف عليه فُتيا اثنين تخيَّر عند القاضي، والمجد، وأبي الخطاب، وذكره ظاهر كلام أحمد، وقيل: يأخذ بالأفضل علمًا ودينًا، فإن استويا تخيَّر، اختاره الموفق وغيره، وقيل: بالأغلظ، وقيل: بالأخف، وقيل: بأرجحهما دليلا، وقيل: يسأل آخر (¬2). فصل له رد الفتيا، وفى البلد غيره أهلٌ لها شرعًا، خلافًا للحَلِيمي، وإلا لزمه، ولا يلزم جواب ما لم يقع وما لا يحتمله السائل وما لا ينفعه (¬3). وقال ابن عَقِيل: يحرم إلقاء علم لا يحتمله، وقال ابن الجوزي: لا ينبغي (¬4). تنبيه: ينبغي أن يحفظ الأدب مع المفتي، ويجله؛ فلا يقول ولا يفعل ما جرت عادة العوام به، وإن علم غرض السائل في شيء لم يجز أن يكتب غيره، ولا يطالبه بالحجة، وقال السمعاني: لا يمنع منه، ويلزمه ذكر دليل قطعي، وإلا فلا. وفي المنثور وغيره: من أراد كتابة في فتيا أو شهادة لم يجز أن يكبر خطه. وفي عيون المسائل: لا يجوز توسيع الأسطر، ولا يكثر إن أمكنه الاختصار (¬5). وقال ابن عقيل: لا يجوز إطلاق الفتيا في اسم مشترك إجماعًا (¬6). ¬
فائدة: كلام الإمام أحمد في إحالة الفتوى
فائدة: قيل للإمام أحمد: الرجل يسأل عن المسألة فأدلُّه على إنسان، هل عليَّ شيء؟ قال: إن كان رجلا متبعًا فلا بأس، ولا يعجبني رأي أحد (¬1). وفي الواضح: يُسن إعلامه إن كان أهلًا للرخصة، كالتخلص من الربا، والخلع بعدم الوقوع، وذكر غيره: يحرم الخلع حيلة (¬2). تذنيب: كان السلف يهابون الفتيا، ويشددون فيها، ويتدافعونها، وأنكر أحمد وغيره على من يهجم في الجواب، وقال: لا ينبغي أن يجيب في كل ما يُستفتى فيه، وقال أصحابنا، وغيرهم: يحرم تساهل المفتي، وتقليد معروف به (¬3). قال الباجي، وبعض الشافعية: من اكتفى في فتياه بقول أو وجه في المسألة من غير نظر في ترجيح، ولا يقيد به فقد خرق الإجماع. * * * ¬
باب ترتيب الأدلة والتعادل والتعارض والترجيح
باب ترتيب الأدلة والتعادل والتعارض والترجيح الترتيب: جعل كل واحد من شيئين فأكثر في رتبته التي يستحقها، فالإجماع مقدَّم، ثم السابق منهما، وأعلاه متواتر نطقي، فآحاد، فسكوتي، كذلك فالكتاب ومتواتر السنة، فالآحاد على مراتبها، فقول صحابي، فالقياس، والتصرف في الأدلة سبق. والترجيح: فرع التعارض، وهو تقوية إحدى الأمارتين على الأخرى لدليل. ومنعه الباقلاني، وجمع، كالشهادة. قال الطوفي: التزامه فيها متجه، ثم هي آكد (¬1). ولا ترجيح في المذاهب الخالية عن دليل، وقيل: بلى (¬2). وفي التمهيد وغيره: ولا بين علتين، إلا أن تكون كل منهما طريقًا للحكم منفردة. قال الشيخ: يقع إن أمكن كونه طريقًا قبل ثبوته (¬3). ورجحان الدليل: كون الظن المستفاد منه أقوى. والتعادل: التساوي، لكن تعادل قطعيين محال اتفاقًا، فلا ترجيح، والمتأخر ناسخ، ولو آحادًا في الأصح. ومثله قطعي وظني، ويعمل بالقطعي، وكذا ظنيان عند أحمد، وأكثر أصحابه، والكرخي، وبعض الشافعية، فيجمع بينهما، فإن تعذر وعلم التاريخ فالثاني ناسخ إن قبله، وإن اقترنا خُيِّر، وإن جهل وقبل النسخ رجع إلى غيرهما، وإلا اجتهد في الترجيح، ويقف إلى أن يعلمه. وقال الشيخ: يقلد عالمًا، وقال القاضي، وابن عقيل، والأكثر: يجوز تعادلهما، كما في نظر المجتهد اتفاقًا، وحكي عن أحمد. ¬
معنى التعارض
فعليه: يتخيَّر، وقيل: في واجب، ويسقط غيره، لكن لا يعمل، ولا يفتي إلا بقول واحد في الأصح. وفي الخلاف، والروضة: يسقطان، وقيل: بالوقف، وللقاضي أيضًا: يجب تقليد غيره. التعارض: تقابل الدليلين على سبيل الممانعة (¬1)، ويجوز تعارض عامَّين، ويستعملان إن أمكن في الأصح فيهما. ويجب تقديم الراجح إجماعًا. ويكون بين منقولين، ومعقولين، ومنقول ومعقول (¬2): الأول: في السند والمتن ومدلول اللفظ وخارج (¬3). السند: الأربعة والأكثر: يرجح بالأكثر رواة، كالأكثر أدلة في الأصح، وابن برهان، والمجد: بالأوثق، وخالف الكَرْخي وغيره، كالشهادة والفتيا. وعند مالك، وقول لنا: الشهادة كالرواية. وقال أبو الخَطَّاب: لو رُجِّح بكثرة المفتين لجاز. وبزيادة ثقة، وفطنة، وورع، وعلم، وضبط، ولغة، ونحو، وباشتهاره بأحدها، أو أحسن سياقًا، وباعتماده على حفظه، أو ذكره، وبعمله بروايته، أو لا يرسل إلا عن عدل، أو مباشرًا، أو صاحب القصة، خلافًا للجُرْجَاني، أو مشافهًا، أو أقرب عند سماعه، أو من أكابر الصحابة على الأصح، فتقدَّم الخلفاء الأربعة، وأحدهم، وذكرهما الفخر، والطوفي فيهم، زاد الطوفي: فإن رَجَّحت رَجَّحت رواية الأكابر. أو متقدم الإسلام، وقال ¬
القاضي، والمجد، والطوفي: سواء، وابن عقيل، والأكثر: المتأخر. وبالأكثر صحبةً، زاد أبو الخَطَّاب: أو قدمت هجرته (¬1). قال الآمدي، وابن حمدان وجمع: أو مشهور النسب، زاد الامدي ومن تبعه: أو غير متلبس بضعيف، وَرُدَّ، أو سمع بالغًا، قال ابن عَقِيل: وأهل الحرمين (¬2). قيل: وبالحرية والذكورية، والأصح: سواء، وقيل: هي في أحكام النساء. وبكثرة مزكين، وأعدليتهم، وأوثقيتهم (¬3)، وسبق تعديله بقول وحكم وعمل. ومُسْنَد على مُرْسَل عند أحمد، وأصحابه، والأكثر، زاد ابن حمدان، والطُّوفي: إلا مرسل صحابي. وعند الجُرْجَاني، وأبي الخطاب: المرسل. ومرسل تابعي على غيره، وبالأعلى إسنادًا. وقال القاضي: سواء (¬4). ومعنعن على إسنادِه إلى كتاب محدث، وعلى مشهور بلا نكير، والكتاب على مشهور، والشيخان على غيرهما (¬5)، وقيل: الستة، فالبخاري، فمسلم، فشرطهما، فشرط البخاري، فمسلم، فما صحح، ومرفوع ومتصل على موقوف ومنقطع. ومتفق على رفعه أو وصله على مختلف فيه، وسبق قراءة الشيخ وغيرها (¬6). ورواية متفقة على مختلفة مضطربة، وقيل: سواء، وقيل: فيما اتفقا ويسقط غيره، ¬
وقيل: يسقطان، ويعمل بما لم يختلف. وقدَّم الفخر، والطُّوفي ما ورد بألفاظ مختلفة متفقة المعنى (¬1). وما سمع منه -صلى اللَّه عليه وسلم- على كتابه، قاله الجُرْجَاني، وابن عَقِيل، والمجد، والآمدي. وقال أحمد: سواء، فيحتمل في الحجة، ويحتمل لا ترجيح، كالقاضي، وابن البنا (¬2). وما سمع منه على ما سكت عنه مع حضوره، وهو على غيبته، إلا ما خطر السكوت عنه أعظم. وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- على فعله، وثالثها: سواء. وما لا تعم به البلوى في الآحاد، وما لم ينكره المروي عنه، وما أنكره نسيانًا على غيره فيهن (¬3). المتن: يرجح نهي على أمر، وأمر على مبيح. وعَكَسَ الآمدي، وابن حمدان، والِهنْدي (¬4). فعلى الأول: يرجح نهيٌ عليه، وعلى الثاني: عكسه. والخبر على الثلاثة. ومتواطئ على مشترك، ومشترك قلَّ مدلوله على ما كَثُر (¬5). قال ابن عَقِيل، وابن البَنَّاء: وبظهور أحد المعنيين استعمالا، وابن حمدان: ومشترك بين علمين، أو علم ومعنى على معنيين، والبيضاوي: وعلمين على علم ومعنى. ومجاز على مجاز بشهرة علاقته وبقوتها، وبقرب جهته، وبرجحان دليله، وبشهرة استعماله، ¬
ومجاز على مشترك في الأصح، وتخصيص على مجاز، وهما على إضمار، وفي المقنع: هو، وقيل: هو ومجاز سواء، جزم به بعض أصحابنا، والثلاثة على نَقل، وهو على مشترك. قطع به في المقنع وغيره (¬1). وحقيقة متفق عليها، والأشهر منها ومن مجاز على عكسه، وسبق مجاز راجح وحقيقة مرجوحه (¬2). ولغوي مستعمل شرعًا في لغوي على منقول شرعي، ويرجح منفرد وما قل مجازه، أو تعددت جهة دلالته، أو تأكدت، أو كانت مطابقة، وفي اقتضاء بضرورة صدق المتكلم على ضرورة وقوعه شرعًا أو عقلًا، وعقلًا على شرعًا، وفي إيماء بما لولاه لكان في الكلام عبث أو حشو على غيره (¬3). ومفهوم موافقة على مخالفة، وعكس الِهنْدي، واقتضاء على إشارة، وإيماء ومفهوم، قال الآمدي: وإيماء على مفهوم، وقال بعض أصحابنا: التنبيه كنص أو أقوى (¬4). وتخصيص عام على تأويل خاص لكثرته، وخاص ولو من وجه فكذا ما قرب منه (¬5). وعام لم يخصَّص، أو قل تخصيصه على عكسه، ومقيَّد ومطلق كعام وخاص، وعام شرطي كـ"مَنْ"، و"ما" على غيره، ورجح الهندي النكرة المنفية، وظاهر كلام أبي المعالي سواء، ويرجح جمع واسمه معرفان بـ"اللام" و"مَنْ" و"ما" على الجنس ¬
المرجحات التي تعود إلى مدلول اللفظ
باللام، وقيل: يُرجَّح مُنَكَّر على مُعَرَّف. قال البيضاوي وغيره: وفصيح لا أفصح، ولم يذكره الأكثر (¬1). المدلول: أحمد، وأصحابه، والكَرْخي، والرازي، وغيرهم: يرجح حظر على إباحة، وابن حمدان: عكس، والغزالي وغيره: سواء، وعلى كراهة، وندب، ووجوب، وندب على إباحة، ووجوب وكراهة على ندب، ومثبت على نافٍ عند أحمد، والشافعي، وأصحابهما، وغيرهم، وفى الكفاية، وأبو الحسين: سواء، والمراد ما قاله الفخر، والطُّوفي: إن استند النفي إلى علم بالعدم، وفي الخلاف، والانتصار، والآمدي: النفي، وقيل: إن وافق نفيًا أصليًّا، وكذا العلتان (¬2). وناقل (¬3) عن الأصل، وعند الرازي، والبيضاوي، والطوفي: المقرِّر. ودارئ حدٍّ، وفي الكفاية، والواضح، وابن البنا، وقال: هو المذهب المثبت، وفي العُدَّة: سواء، كالغزالي، والموفق، وموجب عتق وطلاق، وقيل: نافيهما (¬4)، وظاهر الروضة سواء، كعبد الجبار (¬5). وفي تكليفي ووضعي ثالثها سواء، في ظاهر كلامهم (¬6). وأخف على أثقل، وعكس القاضي، وظاهر الروضة سواء (¬7). ¬
المرجحات التي تعود إلى خارج
الخارج: يُرَجَّح ما وافق دليلا آخر، فيُقَدَّم الخبر على الأقيسة، وقيل: لا، إن تعدد أصلها، وإلا فمتحدة. فإن تعارض قرآن وسنة وأمكن بناء كل منهما على الآخر، كخنزير الماء، قُدِّم ظاهر السنة في ظاهر كلامه، ويحتمل عكسه، وبنى القاضي عليها خبرين مع أحدهما ظاهر قرآن، والآخر ظاهر سنة، وذكر الفخر فيه روايتين، وكذا ابن عَقِيل، وبنى الأولى عليها (¬1). وبعمل أهل المدينة عند أحمد، والشافعية، وأبى الخَطَّاب، وخالف القاضي، وابن عَقِيل، والفخر، والمجد، والطُّوفي (¬2). ورجح الحنفية بعمل أهل الكوفة إلى زمن أبي حنيفة قبل ظهور البدع، والجرجاني، وأبو الخطاب: بما أقام به الصحابة إلى ظهور البدع (¬3). وبعمل الخلفاء الأربعة عند أحمد، وأصحابه، وقيل: وبأبي بكر وعمر، وقيل: وبأحدهما، وعنه: والصحابة، وعنه: لا مطلقًا، وقال الآمدي، وابن حمدان: أو بعض الأمة، أو أعلم، أو أكثر في الأصح (¬4). وإن كانا مؤوَّلين ودليل أحدهما أرجح قُدِّم، ويُقَدَّم ما عُلِّل أو رجحت علته (¬5). وعام ورد على سبب خاص في السبب، والعام عليه في غيره، ومثله الخِطَاب شفاهًا مع العام، ويقدم ما لم يقبل نسخًا، أو أقرب إلى الاحتياط، ولا يستلزم نقض ¬
التعارض بين معقولين
صحابي خبرًا، كقهقهة في صلاة، قال ابن عَقِيل، وابن البناء: أو إصابته -صلى اللَّه عليه وسلم- ظاهرًا وباطنًا، كامتناعه من الصلاة، حتى قال عليٌّ: "هما عليَّ" (¬1)، وأنه ابتداء ضمان (¬2). وقال القاضي، وابن عَقِيل، وجمع: وعام عمل به، وعكس الآمدي (¬3). والعام بأنه أَمَسّ بالمقصود، وما فسّره راوٍ بفعله أو قوله، أو ذكر سببه، أو أحسن سياقًا، وبقرائن تأخره، كتأخير إسلام، أو تاريخ مضيق، أو تشديده (¬4). المعقولان: قياسان أو استدلالان، فالأول يعود إلى أصله وفرعه ومدلوله وأمر خارج (¬5). الأصل: بقطع حكمه، وبقوة دليله، وبأنه لم ينسخ، وعلى سَنن القياس، وبدليل خاص بتعليله، وقدم الأرموي، والبيضاوي بالنص فالإجماع، وبالقطع بالعلة أو دليلها، أو بظن غالب فيهما، وسبر فمناسبة فدوران، وقدم البيضاوي المناسبة فالدوران فالسبر، وقيل: الدوران فالمناسب، وبالقطع بنفي الفارق، أو ظن غالب، ووصف ¬
حقيقي وثبوتي وباعث على غيرها، ورجح أبو الخطاب، والسمعاني، والشيرازي الحكمية، وسوَّى الشيخ بين حسية وحكمية وثبوتية، وعكسها (¬1). وظاهرة ومنضبطة ومطردة ومنعكسة ومتعدية وأكثر تعدية على غيرها، وقَدَّم الأستاذ القاصرة، والباقلاني، والسمعاني، والفخر، والطوفي: سواء (¬2). وإن تقابلت علتان في أصل فما قَلَّ أوصافها أولى، وقال الفخر: سواء، وإن كانتا من أصلين فما كثر أوصافها أولى، وقال أكثر الشافعية: القليلة، وأبو الخطاب، والحنفية، وغيرهم: سواء، وبناهما الطوفي على المتعدية والقاصرة، وقدَّم الآمدي وغيره، وفي الواضح: المتحدة وقليلة الأوصاف أولى، وإذا صحتا فما كثر فروعها أو استويا سواء، واعتبر قوم لصحتها تساوي الفروع، والبيضاوي: العدمي للعدمي (¬3). وأعمهما، قاله في الكفاية، والتمهيد، وجمع، وخالف في العُدَّة، والحنفية، وغيرهم، كعمومين (¬4). ومطردة فقط، على منعكسة فقط (¬5). وقال الطوفي: تقدَّم المطردة إن قيل بصحتها، والمنعكسة إن اشترط العكس (¬6). ومناسبة على شبهية، والمقاصد الضرورية الخمسة على غيرها، ومُكَمِّلها على الحاجية، وهى على التحسينية، وحفظ الدين على الأربعة، وقيل: الأربعة، ثم مصلحة النفس، ¬
فالنسب، فالعقل، فالمال (¬1). وما موجب نقض علته مانع، أو فوات شرط على ما موجبه ضعيف، وما موجب نقضها محققا على محتمل، وبانتفاء مزاحمها في أصلها، وبرجحاخها عليه، والمقتضية للثبوت عند القاضي، وأصحابه، والموفق. وعند الآمدي وغيره: النافية (¬2). وفي التمهيد: في المقتضية لنفي حد، وثبوته احتمالات المثبتة، كعبد الجبار. وفي الكفاية: هو أشبه بأصلنا، والنافية كالبصري، وسواء، كالحلواني، وبعض الشافعية، وظاهر اختيار الموفق (¬3). وبقوة المناسبة، والعامة للمكلفين على الخاصة، وفي الواضح: يستدل بكل من علتين مستقلتين، وقدم الكرخي، وأكثر الشافعية: الخاصة (¬4). وما أصلها من جنس فرعها، والموجبة للحرية عند القاضي وغيره، وقيل: عكسه، وأبو الخطاب: سواء (¬5). والحاظرة أولى عند القاضي، وأبي الخطاب، وابن عقيل، والكرخي، وقيل: سواء، كظاهر الروضة. وما لم يخص أصلها، ذكره أبو الخَطَّاب، وابن عَقِيل، كالطعم على الكيل عند من يجيز التفاضل في القليل (¬6). ¬
التعارض بين المنقول والقياس، وطرق الترجيح بينهما
وما وجد حكمها معها على ما قبلها، وما وصفت بموجود في الحال على ما يجوز وجوده في الثاني، وما عمَّت معلولها على ما خصته، ومفسَّرة على مجملة عند أصحابنا فيهن (¬1). والفرع: يقوي الظن بالمشاركة في الأخص، والبعد عن الخلاف فيقدم عين الحكم وعين العلة على الثلاثة، وعين أحدهما على الجنسين، وعين العلة على عين الحكم، وبالقطع بها فيه، وبتأخر الفرع، وبثبوته بنصٍّ جملةً (¬2). المدلول وأمر خارج: نظير ما سبق في المنقولين (¬3). وترجح علة وافقها قول صحابي، ذكره ابن عَقِيل، وأبو الخَطَّاب، وقال: من لم يجعله حجة يرجح به. قال أبو الطِّيب: أو مرسل، وفي العدة: لا يُرَجَّح بما لا يثبت به حكم، والقولان لابن عَقِيل (¬4). المنقول والقياس: يرجح خاص دلَّ بنطقه، وإلا فمنه ضعيف وقوي ومتوسط، فالترجيح فيه بحسب ما يقع للناظر (¬5). فائدة: يقع الترجيح بين حدود سمعية ظنية مفيدة لمعان مفردة تصورية، فيرجَّح بكونه صريحًا، وأعرف، وذاتيًّا، فحقيقي تام فناقص، فرسمي كذلك، فلفظي، ¬
خاتمة الكتاب للناسخ
وبأعم، وقيل: عكسه (¬1). وبموافقة نقلٍ سمعي، أو لغوي، أو قربه منهما، أو عمل المدينة، أو الخلفاء، أو عالم، وبكون طريق تحصيله أسهل، أو أظهر، وبتقرير حكم حظر، أو نفي، أو درء حدٍّ، أو ثبوت عتق، أو طلاق ونحوه (¬2). والمرجحات لا تنحصر، فمتى اقترن بأحد الطرفين أمر نقلي أو اصطلاحي، عام أو خاص، أو قرينة عقلية أو لفظية أو حالية، وأفاد زيادة ظن رُجِّح به، واللَّه أعلم (¬3). والحمد للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا دائمًا إلى يوم الدين، وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل. ووافق الفراغ من تعليق هذه النسخة المباركة في صبيحة نهار الجمعة المبارك، العشرين من شهر صفر الأغر من شهور عام ستة وثمانين وثمانمائة، أخر اللَّه تعالى ختامها عنه وكرمه، على يد الفقير إلى رحمة ربه الكريم العلي: محمد بن محمد بن محمد ابن عبد القادر بن محمد بن عبد القادر الجعفري المقدسي الحنبلي، غفر اللَّه تعالى له ولوالديه ولمشايخه وللمسلمين. وكتبت هذه النسخة من نسخة كتبت من أصل المصنف، تغمده اللَّه تعالى برحمته، وقابلها كاتبه على المصنف مرارًا، آخرها في حادي عشر شهر رجب الفرد سنة أربع وثمانين وثمانمائة، وهي المعتمدة، وللَّه الحمد والشكر على كل حال، والحمد للَّه وحده. * * * ¬
ملحق بأسماء أصحاب الإمام أحمد الذين ذكروا في الكتاب، وأسماء كتبهم التي ذكرت فيه، وأسماء كتب غير الأصحاب من أتباع الأئمة الأربعة التي اطلع عليها المؤلف ونقل منها
الحمد للَّه رب العالمين. قال المؤلف -نفع اللَّه بعلومه: أسماء أصحاب الإمام أحمد -رحمه اللَّه، ورضي عنه- الذين ذُكروا في هذا الكتاب المبارك إن شاء اللَّه تعالى، أعني الذي في أصول الفقه، وأسماء كتبهم التي ذُكِرَتْ فيه، وأسماء كتب غير الأصحاب من أتباع الأئمة الأربعة، رضي اللَّه عنهم أجمعين التي اطلعتُ عليها ونقلتُ منها: فأما الأصحاب: فإبراهيم الحربي، وأبو بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال، وابن بشار: محمد بن بشار، والبربهاري: الحسن بن علي، وأبو بكر بن أبي داود صاحب السنن، وأبو بكر الأنباري، وأبو بكر عبد العزيز بن جعفر غلام الخلال، والخرقي: عمر بن الحسين، وابن شاقلا: إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان، وأبو حفص عمر بن إبراهيم، وابن شهاب (¬1) الحسن بن شهاب، وابن بطة (¬2): عبيد اللَّه بن محمد بن محمد، العكبريون، وابن حامد: الحسن، وأبو جعفر البرمكي (¬3)، وابن أبي موسى: محمد بن محمد بن أبي موسى الهاشمي، وأبو الحسن عبد العزيز بن أسد بن الحارث، ¬
وأبو محمد رزق اللَّه بن عبد الوهاب، التميميان، وأبو الحسن الخرزي، والقاضي أبو يعلى: محمد بن محمد بن الفراء، وابن منده، والقاضي يعقوب بن إبراهيم، وأبو الفرج المقدسي: عبد الواحد بن محمد بن علي، وأبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن الحسن، وابن عقيل: علي بن عقيل، وابن الزاغوني: علي بن عبيد اللَّه بن نصر، وابن البنا: علي (¬1) ابن البنا، والحلواني: عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن الحسين (¬2)، والقاضي أبو الحسين: محمد بن محمد بن محمد بن الفراء (¬3)، وابن الخشاب، وابن المنِّي، وأبو البقاء عبد اللَّه ابن الحسين، وابن هبيرة: يحيى بن محمد بن هبيرة، وابن الجوزي: عبد الرحمن ابن علي بن محمد بن علي الجوزي، وولده أبو محمد، وأبو المحاسن يوسف الجوزي، وهو المراد بقولنا: الجوزي، والسامُرِّي: محمد بن عبد اللَّه بن الحسين، والموفَّق: عبد اللَّه بن أحمد بن محمد بن قدامة، وفخر الدين: محمد ابن الخضر بن عبد اللَّه بن تيميه (¬4)، والفخر: أبو محمد إسماعيل بن علي البغدادي، والمجد: عبد السلام بن ¬
عبد اللَّه بن أبي القاسم بن تيمية، وولده عبد الحليم (¬1)، وحفيده الشيخ تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، وهو المراد بقولنا: الشيخ، وابن حمدان: أحمد بن حمدان، والطوفي: سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم، وابن مفلح: محمد ابن مفلح المقدسي، وابن قاضي الجبل: أحمد بن الحسن من أولاد الشيخ أبي عمر، وغيرُهم، ولكل واحد من هؤلاء في أصول الفقه الكتاب أو الكتابان، أو أكثر، واللَّه أعلم. وابن الصيرفي الحراني. وأما أسماء كتبهم التي نقلتُ منها وعنها: فـ"الكفاية"، و"المعتمد"، و"العدة في الأصول"، و"الخلاف"، و"المجرد"، و"إبطال التأويلات"، وكتاب "الروايتين"، و"المختصر"، كل ذلك للقاضي أبي يعلى، و"التمهيد في الأصول" مجلد كبير، و"الانتصار" لأبي الخطاب، و"الواضح في الأصول" ثلاث مجلدات، و"الإرشاد في أصول الدين"، و"المنثور"، و"المناظرات"، و"الفنون"، و"الفصول في الفقه" لابن عقيل، قال المجد في "المسودة": "للَّه در الواضح لابن عقيل من كتاب، ما أغزر فوائده، وأكثر فرائده، وأربى مسائله، وأزيد فضائله، من نقل مذهب، وتحرير حقيقة مسألة، وتحقيق ذلك" انتهى. و"الروضة في الأصول"، و"المغني في الفقه" للشيخ موفق الدين، و"المسودة" لبني تيمية، وهم: الشيخ مجد الدين، وولده الشيخ عبد الحليم، وحفيده الشيخ تقي الدين، وهو مرادي بقولي في المتن: "الشيخ"، و"مختصر الروضة" و"شرحه" ثلاث مجلدات ¬
للطوفي، و"شرحه" أيضًا لعلاء الدين الكناني العسقلاني (¬1)، مجلد، و"المقنع في الأصول"، و"الرعاية في الفقه"، و"آداب المفتي"، و"نهاية المبتدئين في أصول الدين" لابن حمدان، و"الإيضاح في الجدل" للشيخ أبي محمد يوسف بن الجوزي، وهو المراد بقولي في المتن: "الجوزي"، ومجلد كبير في الأصول للشيخ شمس الدين ابن مفلح، وهو أصل كتابنا هذا، فإن غالب استمدادنا منه، ومجلد كبير جليل في الأصول لابن قاضي الجبل الحنبلي، و"الإرشاد في الفقه" لابن أبي موسى، و"المبهج في الفقه"، و"التبصرة في أصول الدين" لأبي الفرج المقدسي، و"الواضح في الفقه" لابن الزاغوني، و"التلخيص"، و"الترغيب"، و"البلغة في الفقه" للشيخ فخر الدين ابن تيمية، و"الروضة في الفقه" لا نعلم مصنفها، و"الحاوي في الفقه" للشيخ عبد الرحمن بن عمر بن أبي القاسم (¬2) مدرس المستنصرية، ثلاث مجلدات، و"مختصر المقنع" في الأصول، و"شرحه" لأبي عبد اللَّه محمد ابن أحمد الحراني (¬3)، وكتاب في الأصول للشيخ صفي الدين عبد المؤمن (¬4)، و"التذكرة ¬
في الأصول" لابن الحافظ عبد الغني (¬1)، وكتاب في الأصول للشيخ علاء الدين بن اللحام البعلي (¬2)، والخرقي. وأما أسماء الكتب التي لغير الأصحاب التي اطلعتُ عليها ونقلتُ منها: فـ "المحصول"، و"منتخبه"، و"المعالم" للفخر الرازي، و"الإحكام"، و"منتهى السول والأمل" للسيف الآمدي، و"المنهاج" للبيضاوي، و"شرحه" للإسنوي (¬3)، و"شرحه" ¬
لابن الملقن (¬1)، و"شرحه" للخنجي (¬2)، و"شرحه" للأصفهاني (¬3)، و"شرحه" للجاربردي (¬4)، و"شرحه" للتستري (¬5)، و"شرحه" للتاج السبكي، مجلدان، و"مختصر ابن الحاجب"، و"شرحه" للقطب الشيرازي (¬6)، و"شرحه" للأصفهاني، ¬
و"شرحه" للقاضي عضد الدين (¬1)، و"شرحه" لابن المطهر الرافضي (¬2)، و"جمع الجوامع" لسبكي، و"شرحه" للزركشي (¬3)، و"شرحه" لابن العراقي (¬4)، "شرحه" للمحلِّي (¬5)،. . . . . ¬
و"شرحه" [للكوراني] (¬1)، و" [حواشي] (¬2) العضد" للأبهري (¬3)، و"حواشيه" للتفتازاني (¬4)، و"منظومة البرماوي (¬5) "، و" [شرحها] (¬6) " له، مجلدان كبار، و"الورقات" لإمام الحرمين، و"شرحها" لابن الفركاح (¬7)، و"شرحها" أيضًا ¬
[لغيره] (¬1)، والبزدوي (¬2)، وشمس الأئمة (¬3)، والمنار (¬4)، و [الأخسيكثي] (¬5)، "الوافي" (¬6) شرحه، و"التنقيح" للقرافي، و"شرحه" له، و"شرح المحصول" له، و"شرحه" للأصفهاني، و"التوقيف على المعالم"، و"المستصفى"، و"شفاء الغليل" للغزالي، و"الحاصل" للأرموي، و"اللمع" لأبي إسحاق الشيرازي الشافعي، وهو المراد بقولي: "الشيرازي"، و"شرح المحصَّل" للكاتبي (¬7)، و"نهاية الوصول إلى علم ¬
الأصول" للصفي الهندي، أربع مجلدات، و"التحرير" لابن الهمام (¬1)، و"شرح مختصر ابن الحاجب" أيضًا للسيد ركن الدين (¬2). وفي الكتاب: أبو عبد اللَّه البصري، حنفي المذهب، قاله ابن عقيل في "الواضح"، وفي "المسودة"، وقاله ابن مفلح في "أصوله"، معتزلي. وأبو الحسين البصري (¬3)، معتزلي، له "المعتمد". والعنبري: هو عبيد اللَّه بن الحسن (¬4)، قال بعض أصحابنا: إمام مشهور، وقال الآمدي: معتزلي. والنظَّام والجاحظ من المعتزلة، فالنظَّام اسمه: إبراهيم بن سيار، بصري، شيخ المعتزلة، وإليه تنسب النظامية، إحدى فرق المعتزلة، تنسب إليه عظائم، كإنكار الإجماع والقياس والخبر المتواتر وغيره؛ مما جعل به زنديقًا، وسُمِّيَ النظَّام؛ لأنه كان ¬
ينظم الخرز في سوق البصرة، وقال بعض المعتزلة: لكونه كان ينظم الكلام، وسقط وهو سكران فمات، في بضع وعشرين ومائتين، [] (¬1). والبَلْخِي: هو أبو القاسم، المعروف بالكَعْبِي، من المعتزلة [] (¬2) في أول الأخبار. * * * ¬
خاتمة التحقيق
خاتمة التحقيق وبعد، فهذا آخر ما يسر اللَّه عز وجل به من تحقيقنا لكتاب "تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول" للإمام أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي السعدي الحنبلي رحمه اللَّه، ولم نرد أن نطيل التعليقات، أو أن نتوخَّى عزو جميع النقول -وما أكثرها- لئلا نثقل الكتاب، وحسبنا أننا اجتهدنا قدر الطاقة -ولم ندخر وسعًا- في ضبط نصوص الكتاب، وإخراجه في أقرب صورة لما أراده مؤلفه رحمه اللَّه. ورحم اللَّه من نظر في الكتاب ووجد فيه نقصًا أو عيبًا فأهداه إلينا، ورده ردًا جميلًا، واللَّه سبحانه وتعالى المسئول أن يتقبله منا، وأن ينفعنا به في الدنيا والآخرة، إنه هو ولي ذلك والقادر عليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل. والحمد للَّه رب العالمين، وصلَّى اللَّه وسلَّم وبارك على سيدنا محمد، وآله الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. عبد اللَّه هاشم عبد اللَّه هشام يسري العربي
مراجع التحقيق
مراجع التحقيق 1 - أبو بكر الخلال وأثره في الفقه الحنبلي، لهشام يسري العربي، ط. دار البصائر بالقاهرة، الطبعة الأولى سنة 1426 هـ/ 2006 م، (وأصله رسالة ماجستير بعنوان "أثر أبي بكر الخلال في الفقه الحنبلي" بكلية دار العلوم - جامعة القاهرة سنة 2005 م). 2 - الإحكام في أصول الأحكام، لسيف الدين الآمدي (ت 631 هـ)، ط. دار الكتاب العربي - بيروت، بتحقيق الدكتور/ سيد الجميلي، الطبعة الأولى سنة 1404 هـ. 3 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ليوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر النمري (ت 463 هـ)، ط. دار الجيل - بيروت، الطبعة الأولى 1412 هـ، بتحقيق علي محمد البجاوي. 4 - إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، لمحمد بن علي الشوكاني (ت 1250 هـ)، تحقيق الدكتور/ شعبان محمد إسماعيل، ط. دار الكتبي، الطبعة الأولى سنة 1413 هـ. 5 - أصول الفقه، لشمس الدين محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي (ت 763 هـ)، بتحقيق الدكتور/ فهد بن محمد السَّدحان، ط. مكتبة العبيكان بالرياض، الطبعة الأولى 1420 هـ/ 1999 م. 6 - الأعلام، لخير الدين الزركلي (ت 1396 هـ)، ط. دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة السابعة 1986 م. 7 - الإيضاح لقوانين الاصطلاح، في الجدل والمناظرة، لمحيي الدين يوسف بن عبد الرحمن بن الجوزي، تحقيق محمود بن محمد السيد الدغيم - رسالة ماجستير سنة 1991 م، ط. مكتبة مدبولي بالقاهرة، الطبعة الأولى 1415 هـ/ 1995 م.
8 - البداية والنهاية، لعماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت 774 هـ)، تحقيق محمد عبد العزيز النجار، ط. دار الغد العربي - القاهرة، الطبعة الثانية 1411 هـ/ 1990 م. 9 - البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، لمحمد بن علي الشوكاني (ت 1255 هـ)، ط. مطبعة السعادة بمصر، الطبعة الأولى سنة 1348 هـ. 10 - تاج العروس، لمحمد مرتضى الحسيني الزبيدي، ط. دار الهداية. 11 - تاريخ الأدب العربي، لكارل بروكلمان: القسم السادس (10 - 11)، ترجمة د/ محمود فهمي حجازي، د/ حسن محمود إسماعيل، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة سنة 1995 م، بإشراف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بجامعة الدول العربية. 12 - تاريخ بغداد، لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت 463 هـ)، ط. دار الكتب العلمية - بيروت، بدون تاريخ. 13 - تاريخ الطبري (المسمى: تاريخ الأمم والملوك)، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ)، ط. دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1407 هـ. 14 - تاريخ مختصر الدول، لغريغويوس المعروف بابن العبري (ت 685 هـ)، ط. دار المسيرة - بيروت. 15 - التحبير شرح التحرير في أصول الفقه، لعلاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي (ت 885 هـ)، دراسة وتحقيق الدكاترة/ عبد الرحمن بن عبد اللَّه الجبرين، عوض بن محمد القرني، أحمد بن محمد السراح، ط. مكتبة الرشد بالرياض، الطبعة الأولى 1421 هـ/ 2000 م.
16 - تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول، لعلاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي (ت 885 هـ)، تحقيق الدكتور/ أبو بكر عبد اللَّه دكوري، رسالة دكتوراه بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة (1403 هـ/ 1983 م) بإشراف الدكتور/ عمر عبد العزيز محمد. 17 - تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول، لعلاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي (ت 885 هـ)، مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (302 - أصول فقه)، ونسخة أخرى بمكتبة مكة المكرمة التابعة لوزارة الشئون الإسلامية والأوقاف بالسعودية برقم (13) أصول الفقه. 18 - تحفة المسئول في شرح مختصر منتهى السول، لأبي زكريا يحيى بن موسى الرهوني (ت 773 هـ)، دراسة وتحقيق يوسف الأخضر القيم، ط. دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث - دبي، الطبعة الأولى سنة 1422 هـ/ 2001 م. 19 - الترغيب والترهيب، لعبد العظيم بن عبد القوي المنذري (ت 656 هـ)، تحقيق إبراهيم شمس الدين، ط. دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى سنة 1417 هـ. 20 - تشنيف المسامع بجمع الجوامع، لبدر الدين محمد بن بهادر بن عبد اللَّه الزركشي (ت 794 هـ)، دراسة وتحقيق الدكتور/ عبد اللَّه ربيع، والدكتور/ سيد عبد العزيز، ط. مؤسسة قرطبة - القاهرة، الطبعة الثالثة سنة 1419 هـ. 21 - التقرير والتحبير في شرح التحرير، لمحمد بن محمد بن محمد، المعروف بابن أمير حاج (ت 879 هـ)، ط. دار الفكر - بيروت، الطبعة الأولى سنة 1996 م. 22 - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، ط. مؤسسة قرطبة - القاهرة، بدون تاريخ.
23 - الجواهر المضية في طبقات الحنفية، لعبد القادر بن محمد بن نصر القرشي (ت 775 هـ)، ط. مير محمد كتب خانه - كراتشي، بدون تاريخ. 24 - الجوهر المحصل في مناقب الإمام أحمد بن حنبل، لمحمد بن محمد بن أبي بكر السعدي الحنبلي (ت 900 هـ)، تحقيق الدكتور/ عبد اللَّه التركي، ط. هجر سنة 1407 هـ/ 1987 م. 25 - الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب أحمد، لجمال الدين يوسف بن عبد الهادي الحنبلي المعروف بابن المِبْرَد (ت 909 هـ)، تحقيق د/ عبد الرحمن ابن سليمان العثيمين، ط. مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الأولى سنة 1407 هـ/ 1987 م. 26 - حاشية البناني على شرح جلال الدين المحلي على جمع الجوامع، ط. مصطفى الحلبي بالقاهرة، الطبعة الثانية 1356 هـ/ 1937 م. 27 - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، تحقيق د/ محمد عبد المعيد خان، ط. مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد الهند، الطبعة الثانية سنة 1972 م. 28 - الدر المنضد في أسماء كتب مذهب الإمام أحمد، لمفتي الحنابلة عبد اللَّه بن علي ابن حميد السبيعي المكي الحنبلي (1292 - 1346 هـ)، تحقيق جاسم بن سليمان المهيد الدوسري، ط. دار البشائر الإسلامية بيروت، الطبعة الأولى 1410 هـ/ 1990 م. 29 - الديباج المُذْهَب فيم معرفة أعيان علماء المذهب، لإبراهيم بن علي بن محمد ابن فرحون اليعمري المالكي (ت 799 هـ)، ط. دار الكتب العلمية - بيروت، بدون تاريخ.
30 - ديوان امرئ القيس مع شرحه لأبي سعيد السكري، ط. مركز زايد للتراث والتاريخ، بتحقيق د/ أنور عليان أبو سويلم، ود/ محمد علي الشوابكة، الطبعة الأولى سنة 1421 هـ/ 2000 م. 31 - ذيل طبقات الحنابلة، لزين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين أحمد البغدادي الدمشقي الحنبلي، المعروف بابن رجب (ت 795 هـ)، مطبوع مع طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى، ط. دار المعرفة - بيروت، بدون تاريخ. 32 - سبل الاستنباط من الكتاب والسنة، للدكتور/ محمود توفيق محمد سعد، ط. مطبعة الأمانة بالقاهرة سنة 1413 هـ. 33 - السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، لمحمد بن عبد اللَّه بن حميد النجدي الحنبلي (ت 1295 هـ)، ط. مكتبة الإمام أحمد، الطبعة الأولى سنة 1409 هـ/ 1989 م. 34 - سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (ت 275 هـ)، ط. دار الفكر، بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، بدون تاريخ. 35 - سنن الترمذي (الجامع الصحيح)، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة (ت 279 هـ)، بتحقيق وشرح أحمد محمد شاكر، ط. المكتبة الثقافية - بيروت، بدون تاريخ. 36 - سنن الدارقطني، لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي (ت 385 هـ)، ط. دار المعرفة - بيروت 1386 هـ/ 1966 م، بتحقيق السيد عبد اللَّه هاشم يماني. 37 - السنن الكبرى، لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت 458 هـ)، ط. مكتبة دار الباز - مكة المكرمة 1414 هـ/ 1994 م، بتحقيق محمد عبد القادر عطا.
38 - السنن الكبرى، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي (ت 303 هـ)، تحقيق د/ عبد الغفار سليمان البنداري، وسيد كسروي حسن، ط. دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى سنة 1411 هـ/ 1991 م. 39 - سنن ابن ماجه، أبي عبد اللَّه محمد بن يزيد القزويني (ت 275 هـ)، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية - القاهرة 1373 هـ/ 1954 م. 40 - سنن النسائي، المعروف بالمجتبى، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي (ت 303 هـ)، ط. مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب، الطبعة الثانية 1406 هـ/ 1986 م، بتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبي غدة. 41 - سير أعلام النبلاء، لشمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 هـ)، تحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرين، ط. مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة التاسعة 1413 هـ. 42 - شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، للشيخ محمد بن محمد مخلوف (ت 1360 هـ)، مصورة عن الطبعة الأولى سنة 1349 م. 43 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لأبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي (ت 1089 هـ)، ط. دار الكتب العلمية - بيروت، بدون تاريخ. 44 - شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول من الأصول، لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي الصنهاجي (ت 684 هـ)، تحقيق طه عبد الرءوف سعد، ط. مكتبة الكليات الأزهرية، الطبعة الأولى سنة 1393 هـ. 45 - شرح العضد الإيجي على مختصر ابن الحاجب، لعضد الدين عبد الرحمن ابن أحمد الإيجي الشافعي (ت 756 هـ)، ط. دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الثانية 1403 هـ/ 1983 م، مصورة عن الطبعة الأولى بالمطبعة الأميرية ببولاق - القاهرة سنة 1316 هـ.
46 - شرح الكوكب المنير (المسمى بالمختبر المبتكر شرح المختصر، وهو مختصر التحرير)، لمحمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي، المعروف بابن النجار (ت 972 هـ)، تحقيق الدكتور/ محمد الزحيلي، والدكتور/ نزيه حماد، ط. مكتبة العبيكان بالرياض، الطبعة الثانية 1418 هـ/ 1997 م. 47 - الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية، لطاش كبرى زاده، ط. دار الكتاب العربي - بيروت سنة 1395 هـ. 48 - صحيح البخاري، لأبي عبد اللَّه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري الجعفي (ت 256 هـ)، ط. دار طوق النجاة - بيروت، الطبعة الأولى 1422 هـ، بعناية: محمد زهير بن ناصر الناصر. 49 - صحيح مسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت 261 هـ)، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية - القاهرة 1374 هـ/ 1954 م. 50 - الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع، لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902 هـ)، ط. منشورات دار مكتبة الحياة - بيروت، بدون تاريخ. 51 - طبقات الحفاظ، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ)، روجع بإشراف الناشر، ط. دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1403 هـ/ 1983 م. 52 - طبقات الحنابلة، للقاضي أبي الحسين محمد بن محمد بن الحسين الفراء الحنبلي، الشهير بابن أبي يعلى (ت 526 هـ)، ط. دار المعرفة - بيروت، بدون تاريخ. 53 - طبقات الشافعية، لأبي بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن قاضي شهبة (ت 851 هـ)، ط. عالم الكتب - بيروت، الطبعة الأولى 1407 هـ، بتحقيق د/ الحافظ عبد العليم خان.
54 - طبقات الشافعية الكبرى، لأبي نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي (ت 771 هـ)، ط. هجر للطباعة والنشر والتوزيع بالقاهرة، الطبعة الثانية 1992 م، بتحقيق د/ عبد الفتاح محمد الحلو، د/ محمود محمد الطناحي. 55 - طبقات الفقهاء، لأبي إسحاق الشيرازي (ت 476 هـ)، ويليه: طبقات الشافعية لأبي بكر بن هداية اللَّه الحسيني (ت 1014 هـ)، تصحيح ومراجعة الشيخ خليل الميس "مدير أزهر لبنان"، ط. دار القلم - بيروت، بدون تاريخ. 56 - الطبقات الكبرى، لأبي عبد اللَّه محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري (ت 230 هـ)، ط. دار صادر - بيروت. 57 - الفائق في غريب الحديث، لجار اللَّه، أبي القاسم، محمود بن عمر الزمخشري (ت 538 هـ)، تحقيق علي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، ط. دار المعرفة - بيروت، الطبعة الثانية. 58 - الفتح المبين في طبقات الأصوليين، للشيخ عبد اللَّه مصطفى المراغي، ط. محمد أمين دمج وشركاه - بيروت، الطبعة الثانية 1394 هـ/ 1974 م. 59 - الفروع، لشمس الدين أبي عبد اللَّه محمد بن مفلح المقدسي (ت 763 هـ)، ومعه: تصحيح الفروع، للمرداوي، راجعه عبد الستار أحمد فراج، قدم له عبد اللطيف محمد السبكي، الطبعة الرابعة 1405 هـ/ 1985 م، عالم الكتب - بيروت. 60 - الفهرست، لأبي الفرج محمد بن إسحاق الورَّاق، المعروف بابن النديم (ت 380 هـ)، ط. الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة سنة 2006 م، بتحقيق د/ محمد عوني عبد الرءوف، د/ إيمان السعيد جلال. 61 - فهرس المخطوطات المصورة بمعهد المخطوطات العربية، التابع لجامعة الدول العربية، لفؤاد سيد، ط. جامعة الدول العربية.
62 - فوات الوفيات، لمحمد بن شاكر الكتبي (ت 764 هـ)، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ط. مطبعة السعادة بالقاهرة سنة 1371 هـ. 63 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لمصطفى بن عبد اللَّه القسطنطيني الرومي الحنفي، البثمهير بالملا كاتب الجَلَبي، والمعروف بحاجي خليفة (ت 1067 هـ)، ط. دار الكتب العلمية - بيروت، سنة 1413 هـ/ 1992 م. 64 - الكليات، لأبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي (ت 1094 هـ)، ط. مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الثانية 1413 هـ. 65 - لسان العرب، لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري (ت 711 هـ)، ط. دار صادر - بيروت، الطبعة الأولى. 66 - لسان الميزان، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، ط. مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت، الطبعة الثالثة 1406 هـ/ 1986 م بعناية دائرة المعارف النظامية بالهند. 67 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لعلي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807 هـ)، ط. دار الكتاب العربي - بيروت، دار الريان للتراث - القاهرة 1407 هـ. 68 - المحصول في علم الأصول، للإمام فخر الدين الرازي (ت 606 هـ)، دراسة وتحقيق الدكتور/ طه جابر فياض العلواني، ط. مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الثانية 1412 هـ. 69 - مختصر طبقات الحنابلة، لمحمد جميل الشطي، بعناية فوَّاز الزمرلي، ط. دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الأولى 1406 هـ/ 1986 م. 70 - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، للشيخ عبد القادر بن بدران الدمشقي (ت 1346 هـ/ 1927 م)، تحقيق د. عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، الطبعة الثالثة 1405 هـ/ 1985 م، مؤسسة الرسالة - بيروت.
71 - المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل وتخريجات الأصحاب، للدكتور/ بكر عبد اللَّه أبي زيد، ط. دار العاصمة - الرياض، الطبعة الأولى 1417 هـ/ 1997 م. 72 - المذهب الحنبلي: دراسة في تاريخه وسماته، وأشهر أعلامه ومؤلفاته، للدكتور/ عبد اللَّه بن عبد المحسن التركي، ط. مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الأولى 1423 هـ/ 2002 م. 73 - المستدرك على الصحيحين، لأبي عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الحاكم النيسابوري (ت 405 هـ)، ط. دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1411 هـ/ 1990 م، بتحقيق مصطفى عبد القادر عطا. 74 - مسند الإمام أحمد بن حنبل (ت 241 هـ)، ط. مؤسسة قرطبة بالهرم - القاهرة، بدون تاريخ. 75 - مسند أبي يعلى الموصلي (ت 307 هـ)، تحقيق حسين سليم أسد، ط. دار المأمون للتراث - دمشق، الطبعة الأولى 1404 هـ/ 1984 م. 76 - المسودة في أصول الفقه، لعبد السلام وعبد الحليم وأحمد آل تيمية، ط. المدني بالقاهرة، بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. 77 - معجم الأدباء، لشهاب الدين أبي عبد اللَّه ياقوت بن عبد اللَّه الحموي الرومي البغدادي (ت 626 هـ)، ط. دار الفكر - بيروت، الطبعة الثالثة 1400 هـ/ 1980 م. 78 - معجم البلدان، لشهاب الدين أبي عبد اللَّه ياقوت بن عبد اللَّه الحموي الرومي البغدادي (ت 626 هـ)، ط. دار الفكر - بيروت، بدون تاريخ. 79 - المعجم الكبير، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360 هـ)، ط. مكتبة العلوم والحكم - الموصل، الطبعة الثانية 1404 هـ/ 1983 م، بتحقيق حمدي عبد المجيد السلفي.
80 - معجم الكتب، لجمال الدين يوسف بن حسن بن أحمد بن حسن بن عبد الهادي الدمشقي الصالحي، الشهير بابن المبرد (ت 909 هـ)، أتمه: عبد اللَّه بن داود الزبيري الحنبلي (ت 1225 هـ)، تحقيق يسري عبد الغني البشري، ط. مكتبة ابن سينا - القاهرة 1409 هـ/ 1989 م. 81 - معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، ط. مكتبة المثنى - بيروت، دار إحياء التراث العربي - بيروت، بدون تاريخ. 82 - المعجم الوسيط، لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، الطبعة الثالثة، بدون تاريخ. 83 - مفاتيح الفقه الحنبلي، للدكتور/ سالم علي الثقفي، الطبعة الثانية 1402 هـ/ 1982 م. 84 - مقدمة ابن خلدون (وهي الجزء الأول من تاريخه المسمى: العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر)، لعبد الرحمن بن خلدون (ت 808 هـ)، ط. الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة سنة 2007 م، مصورة عن الطبعة الأولى بالمطبعة الكبرى ببولاق القاهرة سنة (1284 هـ). 85 - المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد، لبرهان الدين إبراهيم بن محمد ابن عبد اللَّه بن محمد بن مفلح (ت 884 هـ)، تحقيق د. عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، ط. مكتبة الرشد - الرياض، الطبعة الأولى 1415 هـ/ 1990 م. 86 - المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد، لمجير الدين أبي اليمن عبد الرحمن ابن محمد بن عبد الرحمن العُلَيمي (ت 928 هـ)، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، حسن إسماعيل مروة، ط. دار صادر - بيروت، الطبعة الأولى 1997 م. 87 - منهج البحث في الفقه الإسلامي: خصائصه ونقائصه، للدكتور/ عبد الوهاب أبو سليمان، ط. المكتبة المكية -مكة، دار ابن حزم- بيروت، الطبعة الأولى 1416 هـ/ 1996 م.
88 - الموطأ، للإمام مالك بن أنس الأصبحي (ت 179 هـ)، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية - القاهرة 1951 م. 89 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لجمال الدين أبي المحاسن يوسف ابن تغري بردي الأتابكي (ت 874 هـ)، ط. المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، بدون تاريخ. 90 - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية، لجمال الدين عبد اللَّه بن يوسف الزيلعي (ت 762 هـ)، ط. دار الحديث، الطبعة الأولى 1415 هـ/ 1995 م. 91 - نهاية السول شرح منهاج الوصول، للإمام جمال الدين الإسنوي (ت 772 هـ)، ط. مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح بالقاهرة. 92 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، لمحمد بن علي الشوكاني (ت 1255 هـ)، بتحقيق الدكتور/ نصر فريد واصل - مفتي الديار المصرية سابقًا، ط. المكتبة التوفيقية بالقاهرة، بدون تاريخ. 93 - هدية العارفين بأسماء المؤلفين وآثار المصنفين، لإسماعيل باشا البغدادي، مطبوع مع كشف الظنون بدار الفكر - بيروت 1402 هـ/ 1982 م. 94 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لشمس الدين أبي العباس أحمد بن محمد ابن أبي بكر بن خلكان (ت 681 هـ)، تحقيق د/ إحسان عباس، ط. دار الثقافة - بيروت، سنة 1968 م. * * *