تحرير الفتاوى

ولي الدين بن العراقي

تحرير الفتاوى على «التنبيه» و «المنهاج» و «الحاوي» المسمى النكت على المختصرات الثلاث تأليف الإمام الحافظ الفقيه الأصولي ولي الدين أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي الكردي المهراني القاهري الشافعي - رحمه الله تعالى - (762 هـ - 826 هـ) تحقيق عبد الرحمن فهمي محمد الزّواوي [المجلد الأول]

دَارُ المِنْهَاجِ لبنان - بيروت - فاكس: 786230 الطَبعَة الأولَى 1432 هـ - 2011 م جميع الحقوق محفوظة للناشر دَارُ المِنْهَاجِ لِلنَّشْرِ وَالتَّوْزِيع لِصَاحِبهَا عُمَرْ سَالِمْ بَاجْخَيفْ وَفَّقَهُ الله تَعَالى المملكة العربية السعودية - جدة حي الكندرة - شارع أبها تقاطع شارع ابن زيدون هاتف رئيسي: 6326666 - الإدارة: 6300655 المكتبة: 6322471 - فاكس: 6320392 ص. ب: 22943 - جدة: 21416 لا يسمح بإعادة نشر هذا الكتاب أو أي جزء منه, وبأيِّ شكل من الأشكال, أو نسخه, أو حفظه في أي نظام إلكتروني أو ميكانيكي يمكن من استرجاع الكتاب أو أي جزء منه, وكذلك لا يسمح بالاقتباس منه أو ترجمته إلى أي لغة أخرى دون الحصول على إذن خطي مسبقاً من الناشر www.alminhaj.com E-Mail: [email protected]

تَحْرِيرُ الفَتَاوِي عَلى «التَّنبيهِ» وَ «المِنْهَاجِ» وَ «الحَاِوي» [1]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

بين يدي الكتاب

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} بقلم الدكتور محمد عبد الرحمن شميلة الأهدل جامعة الطائف الحمد لله رب العالمين، حمداً لا انقطاع له على الدوام، حمداً يوافي نعمه، ويدافع نقمه، ويكافئ مزيده، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، من رفع أهل الذكر إلى المحل الأسمى، وصيَّرهم مرجع الأمة إذا ادلهمت سحب المشكلات، وأمر بسؤالهم إذا جَدَّت معضلة من المعضلات، فقال جل وعلا: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. وحض سبحانه على الرحلة من أجل التفقه في الدين، فقال جل وعزَّ: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}. والصلاة والسلام على البشير النذير، السراج المنير، محمد بن عبد الله، خاتم رسل الله، وصاحب الحوض المورود، والمقام المحمود، والشفاعة والجود، الذي جعل التفقه في الدين من إرادة الله لصاحبه الخير؛ فقال: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" (¬1)، وعلى آله الأطهار، وصحابته أسد الغابة الأبرار، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين". أما بعد: فإن من أجلِّ الطاعات، وأشرف القربات: الاشتغال بعلم الفقه؛ تعلماً وتعليماً، وتفهماً وتفهيمًا، فمن أخذ به .. فقد أخذ بحظ وافر؛ لأنه زبدة المصدَرَين النيرين، وخلاصة أفكار الأئمة المجتهدين، وطريق السلف الصالح في كل عصر ومصر، ويرحم الله ابن الوردي إذ قال (¬2): (من الرمل) اُطْلُب العلمَ ولا تكسَلْ فما ... أَبعدَ الخيرَ على أهل الكَسَل واحتفِل للفقه في الدين ولا ... تشتغِل عنهُ بمال وخَوَلْ لا تقُلْ قد ذهَبتْ أربابُهُ ... كل من سارَ على الدرب وَصل ولقد قيض الله تعالى لحفظ الشريعة الغراء أعلاماً موهوبين، وأفذاذًا مخبتين موفقين، وعلماء مخلصين، فأقام بهم معالم الدين، وأنفقوا أعمارهم في سبيل تشييد قواعده، وتثبيت دعائمه. ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (71)، وصحيح مسلم (1037) عن سيدنا معاوية رضي الله عنه. (¬2) شرح لامية ابن الوردي (ص 34).

أعملوا أفكارهم في كتاب ربهم، واستناروا بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وفهم سلفهم الأئمة الأجلاء. وعكفوا على الاستنباط والغوص على المقاصد الشرعية، وصاروا من الراسخين في العلم، والسابقين إلى الفهم، فحينئذ نصبوا أنفسهم لهداية الخلق إلى الحق، ودونوا الكتب النافعة، والتصانيف البارعة، حوت من نفائس العلوم أعلاها، ومن دقائق المسائل أجلها، وعكفوا على هذه التصانيف لتحقيقها، والتأكد من سلامة محتواها. وهكذا سارت قافلة الفقه على هذه الوتيرة، فإن الأوائل المصنفين خلفهم جهابذة شرحوا المعمى، وفصلوا المجمل، ووضحوا المشكل، وخدموا الفقه خدمة ما وراءها مرمى، حتى آض مكيناً، متين البنيان، مشيد الأركان، يغدو ويروح في حلل التحقيق والتدقيق. (ب) ولقد كان لفقه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى النصيب الأوفر، والحظ الأكبر من عناية العلماء به، وضبطه واستجلاء معارفه، ونصب قبابه، حتى صار المذهب منقحاً محرراً، مضبوطاً بقواعده وأصوله، وجادت أقلام أصحابه بآلاف المصنفات، ومئاتٍ من التحريرات والتعقبات، والاستدراكات والترجيحات، ومن هذه التحريرات هذا الكتاب المبارك، الموسوم بـ "تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي" (¬1) تأليف الإمام أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي (ت 826 هـ). والمقصود بتحرير الفتاوي: تخليصها على وجه محمود، وتنقيحها وإصلاح ما خامرها من سقط، وهذا مستمد من المعنى اللغوي في قولهم: (تحرير الكتاب)، والمقصود: تقويمه وتخليصه، بإقامة حروفه، وتحسينه بإصلاح سقطه، والتحرير أيضاً: بيان المعنى بالكتابة (¬2). والفتاوي: جمع فتوى، وعلم الفتاوى: (هو علم تروى فيه الأحكام الصادرة عن الفقهاء في الواقعات الجزئية؛ ليسهل الأمر على القاصرين من بعدهم) (¬3). أما الفتوى ذاتها .. (فهي الحكم الشرعي الذي يبينه الفقيه لمن سأله عنه) (¬4). ¬

_ (¬1) وقد قامت الدكتورة الموفقة هدى أبو بكر سالم باجبير بتحقيق جزء الطهارة إلي آخر كتاب الجنائز، وقدمت للكتاب بمقدمة ضافية، ضمنتها نفائس مهمة، وفوائد جمة، وتراجم لأعلام وأئمة، فشكر الله لها هذا الصنيع، حيث قدمت هذا العمل أطروحة دكتوراه في جامعة أم القرى. وكتابها مطبوع بدار المنهاج. (¬2) تاج العروس (10/ 588)، لسان العرب (4/ 181) مادة (حرر). (¬3) أبجد العلوم (ص 454). (¬4) معجم الفقهاء (ص 339).

وبناء على هذا: فمعنى قوله: "تحرير الفتاوي أنه يُعنَى بذكر القول الراجح، الذي يلزم الفتيا به في المذهب، لقوة دليله، ووضوح تعليله، إضافة إلى عنايته بتبيين وتقويم وإصلاح ما أبهم في عبارات الكتب الثلاثة، والتعليق على ما يحتاج إلى تعليق منها، والتنبيه إلى دقائق العبارات، والغوص على لطيف الإشارات، وغير ذلك مما يظهر ملكة هذا الإمام الفقهية، والتمكن من قواعده، والتعريف بالراجح من الأقوال إذا احتدم الخلاف، وغير ذلك من الفوائد العزيزة، التي قيدتها يراعة هذا الإمام. (ج) أما الكتب الثلاثة التي عينها .. فأولها: "التنبيه"، وهو كتاب ألفه الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي الفيروزآبادي المولود سنة (393 هـ)، والمتوفى سنة (476 هـ)، وهو إمام الشافعية في عصره بلا منازع، قال فيه الإمام النووي رحمه الله تعالى: (هو الإمام المحقق، المتقن المدقق، ذو الفنون من العلوم المتكاثرات، والتصانيف النافعة المستجادات، الزاهد العابد الورع ... ) إلى آخر التحلية المذهبة (¬1). ولكتاب "التنبيه" أهميته الخاصة، ومميزاته الفريدة، فهو أحد الكتب الخمسة المعتمدة المتداولة في المذهب، كما ذكر النووي رحمه الله تعالى (¬2). وهذا الإمام النووي رحمه الله تعالى على جلالة قدره، وعلو كعبه، وحسن مصنفاته، يقول في "التنبيه": (هو من الكتب المشهورات النافعات المباركات، فينبغي لمريد نصح المسترشدين، وهداية الطالبين: أن يعتني بتقريبه وتحريره وتهذيبه) إلى أن قال: (فإذا علم ما ذكرته .. حصل منه أن مذهب الشافعي رضي الله عنه العمل بما تضمنه "التنبيه" مع هذه الكراسة - يعني تصحيحه) (¬3). وقد اهتم الشافعية بهذا الكتاب اهتماماً كبيراً، وأولوه عناية فائقة؛ فمن بين شارح ومختصر ومصحح، ومخرج لأحاديثه، ومبين لغريبه، وكأن الإمام أبا زرعة العراقي استجاب لطلب الإمام النووي حين دعا علماء الشافعية إلى العناية بتحريره وتهذيبه. أما الكتاب الثاني .. فهو "المنهاج" وإذا أطلق .. فالمراد به "منهاج" الإمام الرباني، والعلامة ¬

_ (¬1) تهذيب الأسماء واللغات (2/ 370). (¬2) الكتب الخمسة هي: "التنبيه"، و"مختصر المزني"، و"المهذب"، و"الوسيط"، و"الوجيز". انظر "تهذيب الأسماء واللغات" (1/ 52)، وبمشيئة الله تعالى سوف تطبع قريباً دار المنهاج "الوجيز" طبعة محققة مضبوطة. (¬3) تصحيح التنبيه للنووي (1/ 61 - 63).

المحقق يحيى بن شرف شيخ الإسلام محيي الدين أبي زكريا النووي نسبة إلى نوى من قرى دمشق، المولود سنة (631 هـ)، والمتوفى سنة (676 هـ)، ذي المؤلفات الجليلة في علوم الدين، ومن احتل المرتبة السامية في قلوب المسلمين، وهو من العلماء الراسخين المحررين للمذهب، البارعين في التصنيف. وكتابه "المنهاج" أشهر من نار على علم، فقد احتل منزلة عظيمة عند الشافعية، فأكبوا عليه حفظاً وفهماً، وشرحاً وتحشيةً ونظماً، وتفانوا في خدمته، والثناء عليه. قال العلامة ابن العطار رحمه الله تعالى: (وقال لي العلامة جمال الدين بن مالك: "والله لو استقبلت من أمري ما استدبرت لحفظته"، وأثنى على حسن اختصاره، وعذوبة ألفاظه) (¬1). وقال الإمام السيوطي رحمه الله تعالى وصدق: (وهو الآن عمدة الطالبين والمدرسين والمفتين) (¬2). وقال الإمام السخاوي رحمه الله تعالى: (إن من وفور جلالته وجلالة مؤلفه انتساب جماعة ممن حفظه إليه، فيقال له: المنهاجي، وهذه خصوصية لا أعلمها الآن لغيره من الكتب) (¬3). وأما الكتاب الثالث .. فهو: "الحاوي الصغير" تأليف الشيخ الإمام نجم الدين عبد الغفار بن عبد الكريم القزويني، المولود سنة (585 هـ) تقريباً، والمتوفى سنة (665 هـ). قال الإمام السبكي رحمه الله تعالى عنه: (له اليد الطولى في الفقه والحساب وحسن الاختصار) (¬4). وكتابه "الحاوي" من الكتب المعتبرة في المذهب، ولا سيما وهو قد اختصره من كتاب الإمام الرافعي المسمي "فتح العزيز"، ووصفه صاحب "كشف الظنون" بقوله: (وجيز اللفظ، بسيط المعاني، محرر المقاصد، مهذب المباني، حسن التأليف والترتيب، جيد التفصيل والتبويب؛ ولذلك عكفوا عليه بالشرح والنظم) (¬5). وهذا العلامة ابن المقري رحمه الله تعالى يمدحه قائلاً: (لم يكن في المذهب مصنف أوجز ولا أعجز من "الحاوي" فإنه كتاب لا ينكر فضله، ولا يختلف اثنان في أنه ما صنف قبله مثله، ولقد أبدع الشيخ في تصنيفه وترصيعه) (¬6). ¬

_ (¬1) تحفة الطالبين (ص 12). (¬2) المنهاج السوي (1/ 65). (¬3) حياة الإمام النووي (ص 29). (¬4) طبقات الشافعية (8/ 277). (¬5) كشف الظنون (1/ 625). (¬6) مقدمة إخلاص الناوي (1/ 27).

(د) فهذه هي الكتب الثلاثة، وها هي قيمتها العلمية عند الشافعية، فإذا عرفت أن هذه الكتب الثلاثة هي عين أعيان المصنفات، وإنسان عيون المؤلفات .. أدركت أن الكتاب الذي يقوم بتحريرها وتقويمها وتتميمها لهو كتاب من الأهمية بمكان، وعلى طالب العلم أن يتلقفه فرحاً مستبشراً، فإن هذا المصنّف يجعل المفتي والمستفتي، والمدرس والطالب في اطمئنان وركون إلى ما يقيد من نفائس الاستدراكات. وكل الشافعية بمختلف طبقاتهم محتاجون إلى هذا الكتاب؛ لمعرفة الصحيح الراجح، وتمييز مقابله، ومعرفة مرتبته، وهذا مسلك أولي التحقيق والتدقيق. (هـ) وها هي دار المنهاج تقوم بنشر هذا السفر النفيس لأول مرة، بعد أن كان مطموراً في زوايا الدهاليز، يتلألأ حُسناً وجمالاً في ثوبه الجذاب القشيب، وها هي طلعة محياه تبهج الخاطر، وتسعد الناظر، ولا سيما وهو محلى بتلك التخريجات المفيدة، والإفادات النفيسة، التي ما تفتأ دار المنهاج تتحف بها قرّاءها الكرام، وتوجت الدار هذه الأعمال بالإشارات الفنية، والطباعة المضبوطة، والشكل الفني، والإخراج الممتاز؛ خدمة للعلم، وتقريباً للمعارف، وتيسيراً للوصول إلى مطالب هذا الكتاب الرائع. فشكر الله تعالى لصاحب الدار الشيخ أبي سعيد عمر بن سالم باجخيف، الذي سخر جميع إمكانياته المادية والفكرية لإخراج هذه الكنوز من معادنها، وإبراز هذا التراث بهذا الشكل المرضي. نفع الله تعالى به المسلمين أينما حلوا، وبارك في هذه الدار وصاحبها، وجزاه خير ما يجزي الصالحين. آمين. والحمد ربّ العالين

[مقدمة التحقيق]

تمهيد إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله .. فلا مضل له، ومن يضلل .. فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}. أما بعد: فإن الاشتغال بعلوم الدين من أهم الفضائل والأعمال التي يقوم بها الإنسان؛ ولذا تواترت النصوص والأخبار في الحث على طلبها وتعلمها وتعليمها، ومن ذلك علم الفقه. قال ابن الجوزي: (أعظم دليل على فضيلة الشيء النظر إلى ثمرته، ومن تأمل ثمرة الفقه .. علم أنه أفضل العلوم؛ فإن أرباب المذاهب فاقوا بالفقه على الخلائق أبداً وإن كان في زمن أحدهم من هو أعلم منه بالقرآن أو بالحديث أو باللغة). ولما أدرك سلف هذه الأمة ما للفقه في الدين من الفضل عند الله تعالي .. اشتغلوا به تعلماً وتعليماً وتأليفاً. ولا شك في أن تراثنا الفقهي تراث عظيم، وما طُبع منه يدل على ذلك، وبعض هذا التراث يتميز بخصائص معينة تزيد من هذه الأهمية؛ فبعض كتب الفقه في تراثنا تعد علامة بارزة في تاريخ التصنيف الفقهي؛ إما لأنها حلقة وسيطة في تاريخ التصنيف، ونقلة بين ما قبلها وما بعدها من كتب الفقه، وإما لروعة التصنيف ودقة التحليل والتعليل، أو لغير ذلك من خصائص التميز، ولا يزال هذا التراث بحاجة إلى مزيد من الجهود الجادة لاستخراج بقيَّة من درره المخطوطة، التي لا زالت حبيسة مكتبات العالم. وتحقيق المخطوط وإبرازه هو من نشر العلم الذي هو من أفضل الأعمال؛ ولذلك وقع اختياري على كتاب "تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي" للحافظ الإمام الفقيه الأصولي المفنن أبي زرعة أحمد بن الحافظ الكبير أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين، المعروف بابن العراقي. قال الحافظ ابن حجر: (تلقى الطلبة هذا الكتاب بالقبول ونسخوه وقرؤوه عليه).

وسبب تحقيقي لهذا الكتاب: أولاً: عِظَم شأن مؤلفه، وسيتبين ذلك من خلال الترجمة المفصلة له فيما سيأتي. ثانياً: قوة مادة الكتاب؛ فقد جمع ولي الدين العراقي فيه بين ثلاثة مختصرات تعد العمدة في الفقه الشافعي، وهي: "التنبيه في فروع الشافعية" لأبي إسحاق، إبراهيم بن علي الشيرازي، المتوفى سنة (476 هـ). "الحاوي الصغير" للإمام نجم الدين، عبد الغفار بن عبد الكريم القزويني، المتوفى سنة (665 هـ). "منهاج الطالبين" للإمام محيي الدين، أبي زكريا، يحيى بن شرف النووي، المتوفى سنة (676 هـ). ولم يقتصر أبو زرعة في كتابه على عبارات الكتب الثلاثة، وإنما أضاف إليها فوائد وزيادات وتعليقات من بعض المصنفات البارزة في الفقه الشافعي منها: - "نكت النبيه على أحكام التنبيه" لأحمد بن عمر النشائي، المتوفى سنة (758 هـ). - "السراج على نكت المنهاج" لشهاب الدين، أحمد بن لؤلؤ بن عبد الله بن النقيب، المتوفى سنة (769 هـ). - "توشيح التصحيح" لتاج الدين، عبد الوهاب بن علي السبكي، المتوفى سنة (771 هـ). -"تصحيح الحاوي" لسراج الدين، عمر بن علي بن أحمد بن الملقن، المتوفى سنة (804 هـ). - "تصحيح المنهاج" لسراج الدين، عمر بن رسلان البلقيني، المتوفى سنة (805 هـ). وغير ذلك الكثير مما سيتضح للقارئ في الكتاب. ومما سبق تتبين أهمية الكتاب ومدى الحاجة الداعية إلى تحقيقه، والوقوف على محتواه الفقهي الزاخر بالفوائد الجمة المختلفة، فالحمد لله الذي أعانني على تحقيق هذا الكتاب وإخراجه إلى النور. وبما أن الكتاب يدور حول الكتب الثلاثة "التنبيه" و"المنهاج" و"الحاوي" .. قدمت بين يدي الكتاب بمقدمة بينت فيها ما يلي: - ترجمة الإمام الشيرازي، وبيان عناية العلماء بكتاب "التنبيه". - ترجمة الإمام القزويني، وبيان عناية العلماء بكتاب "الحاوي الصغير". - ترجمة الإمام النووي، وبيان عناية العلماء بكتاب "منهاج الطالبين". - ترجمة المؤلف ولي الدين العراقي.

- التعريف بكتاب "تحرير الفتاوي" ويشتمل على: 1 - توثيق نسبة الكتاب للمؤلف. ب- منهج المؤلف في "تحرير الفتاوي". ج- مصطلحات الكتاب. - التعريف بنسخ الكتاب المخطوطة. - منهج تحقيق الكتاب. * * *

ترجمة الإمام المجتهد المناظر, شيخ الشافعية إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزاباذي الشافعي أبو إسحاق الشيرازي صاحب "التنبيه" رحمه الله تعالى (399 - 476 هـ)

ترجمة الإمام المجتهد المناظر, شيخ الشافعيّة إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزاباذيّ الشّافعيّ أبو إسحاق الشيرازي صاحب "التنبيه" رَحِمَهُ الله تعَالى (399 - 476 هـ) اسمه ونسبه هو الشيخ الإمام، القدوة المجتهد، شيخ الإسلام، أبو إسحاق، إبراهيم بن علي بن يوسف بن عبد الله الشيرازي الفِيرُوزاباذي. مولده ونشأته ولد سنة ثلاث وتسعين وثلاث مئة بـ (فِيروزاباذ) بُليدة بفارس، ونشأ بها. طلبه للعلم وشيوخه ارتحل الشيرازي إلى شيراز، وهناك قرأ على أبي عبد الله البيضاوي، وابن رامين صاحبي الداركي، ثم دخل البصرة، وقرأ الفقه بها على الخرزي، ثم ارتحل إلى بغداد، وفيها قرأ على القاضي أبي الطيب، وقرأ الأصول على أبي حاتم القزويني، وسمع الحديث من أبي بكر الباقلاني، وأبي علي بن شاذان، وغيرهم. قال ابن النجار: قرأ الفقه بشيراز على أبي القاسم الداركي، وعلى أبي الطيب صاحب الماسرجسي، وعلى الزجاج صاحب ابن القاص، وقرأ الكلام على أبي حاتم القزويني صاحب ابن الباقلاني، وخطه في غاية الرداءة. تلاميذه ومناصبه حدَّث عنه: الخطيب، وأبو الوليد الباجي، والحميدي، وإسماعيل بن السمرقندي، وأبو البدر الكرخي، والزاهد يوسف بن أيوب، وأبو نصر أحمد بن محمد الطوسي، وأبو الحسن بن عبد السلام، وأحمد بن نصر بن حمان الهمذاني.

مكانته وثناء العلماء عليه

قال السمعاني: لما خرج أبو إسحاق إلى نيسابور .. خرج معه جماعة من تلامذته كأبي بكر الشاشي، وأبي عبد الله الطبري، وأبي معاذ الأندلسي، والقاضي علي الميانجي، وقاضي البصرة ابن فتيان، وأبي الحسن الآمدي، وأبي القاسم الزنجاني، وأبي علي الفارقي، وأبي العباس بن الرُّطَبي. ودرس الشيخ في مسجد بباب المراتب إلى أن بنى له الوزير نظام الملك المدرسة، فانتقل إليها، وهو أول مدرس بها سنة (459 هـ)، وكانت الطلبة ترتحل إليه من الشرق والغرب، وقال الشيخ أبو إسحاق رحمه الله: (لما خرجت في رسالة الخليفة إلى خراسان .. لم أدخل بلداً ولا قرية إلا وجدت قاضيها وخطيبها أو مفتيها من تلاميذي). مكانته وثناء العلماء عليه قال السمعاني: هو إمام الشافعية، ومدرس النظامية، وشيخ العصر، رحل الناس إليه من البلاد وقصدوه، وتفرد بالعلم الوافر مع السيرة الجميلة، والطريقة المرضية، صنف في الأصول والفروع، والخلاف والمذهب، وكان زاهداً ورعاً، متواضعاً ظريفاً، كريماً جواداً، طلق الوجه، دائم البِشر، مليح المحاورة. وقال شجاع الذهلي: إمام أصحاب الشافعي، والمقدم عليهم في وقته ببغداد، كان ثقة ورعاً، صالحاً عالماً بالخلاف علماً لا يشاركه فيه أحد. وقال محمد بن عبد الملك الهمذاني: حكى أبي قال: حضرت مع قاضي القضاة أبي الحسن الماوردي عزاء، فتكلم الشيخ أبو إسحاق واجلاً، فلما خرجنا .. قال الماوردي: ما رأيت كأبي إسحاق، لو رآه الشافعي .. لتجمل به. مصنفاته " المهذب"، "التنبيه"، "اللمع في أصول الفقه وشرحها"، "النكت في الخلاف"، "المعونة في الجدل"، "طبقات الفقهاء". وفاته توفي ليلة الحادي والعشرين من جمادى الآخرة، سنة ست وسبعين وأربع مئة ببغداد، وأُحضر إلى دار أمير المؤمنين المقتدي بالله، فصلى عليه صاحبه أبو عبد الله الطبري، ودفن بمقبرة باب أبرز.

عناية العلماء بكتاب "التنبيه"

عناية العلماء بكتاب "التنبيه" يُعد كتاب "التنبيه" أحد الكتب الخمسة المعتمدة في المذهب الشافعي، وقد بيّن النووي مكانة "التنبيه" في مقدمة "تصحيحه" عليه فقال: ("التنبيه" من الكتب المشهورات النافعات المباركات، فينبغي لمريد نصح المسترشدين، وهداية الطالبين أن يعتني بتقريبه وتحريره وتهذيبه). وخير شاهد على مكانة الكتاب عناية العلماء به؛ فتناولوه بالشرح والاختصار والتصحيح، وعنوا ببيان غريب ألفاظه، حتى بلغت هذه المؤلفات ما يزيد على المئة ما بين شرح واختصار، ونظم وتعليق، وتصحيح وتنكيت. ولبعضهم في مدحه: (من الكامل) يا كوكباً ملأ البصائر نوره ... من ذا رأى لك في الأنام شبيهاً كانت خواطرنا نياماً برهة ... فرزقن من تنبيهه تنبيهاً وله شروح كثيرة منها: شرح صائن الدين، عبد العزيز بن عبد الكريم الجيلي المعروف "بالمعيد". وشرح أبي طاهر الكرخي الشافعي، وهو كبير في أربع مجلدات. وشرح الإمام أبي الحسن، محمد بن مبارك، المعروف بابن الخل الشافعي، المتوفى سنة (552 هـ) وهو مجلد سماه "توجيه التنبيه"، وهو أول من تكلم على "التنبيه"، وليس في شرحه تصوير المسألة، لكنه عللها بعبارة مختصرة. وشرح الإمام أبي العباس، أحمد بن الإمام موسى ابن يونس الموصلي، المتوفى سنة (622 هـ). وشرح الإمام تاج الدين، عبد الرحمن بن إبراهيم المعروف بالفركاح الشافعي، المتوفى سنة (690 هـ). وشرح ولده برهان الدين، إبراهيم بن الفركاح، المتوفى سنة (729 هـ). وشرح شمس الدين، محمد بن عبد الرحمن الحضرمي، المتوفى سنة (613 هـ)، سماه "الإكمال لما وقع في التنبيه من الإشكال والإجمال". وشرح موفق الدين، حمزة بن يوسف الحموي الشافعي، المتوفى سنة (670 هـ)، أجاب فيه عن الإشكالات الواردة عليه، وسماه "المبهت". وشرح الشيخ نجم الدين، محمد بن عقيل البالسي، المتوفى سنة (729 هـ). وشرح الإمام علم الدين، عبد الكريم بن علي العراقي الشافعي، المتوفى سنة (704 هـ).

وشرح شمس الدين، محمد بن أبي منصور المعروف بابن السبتي، فرغ من تأليفه سنة (706 هـ). وشرح شهاب الدين، أحمد بن العامري اليمني الشافعي، المتوفى سنة (721 هـ). وشرح كمال الدين، أحمد بن عيسى بن رضوان العسقلاني، المعروف بابن القليوبي، المتوفى سنة (689 هـ). وشرح الشيخ علي بن أبي الحزم القرشي، المعروف بابن النفيس المتطبب الشافعي، المتوفى سنة (687 هـ). وشرح علاء الدين، علي بن عبد الكافي السبكي، المتوفى سنة (747 هـ). وشرح جلال الدين، أحمد بن عبد الرحمن الكندي، المتوفى سنة (677 هـ). وشرح الدزماري، المتوفى سنة (643 هـ) وهو في مجلد سماه "رفع التمويه عن مشكل التنبيه". وشرح الحافظ زكي الدين، عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المنذري الشافعي، المتوفى سنة (656 هـ). وشرح الإمام محيي الدين، يحيى بن شرف بن مري بن الحسن النووي الشافعي، المتوفى سنة (676 هـ) وهو شرح غريب سماه "التحرير". وشرح الشيخ مجد الدين، أبي بكر بن إسماعيل بن عبد العزيز السنكلومي الشافعي، المتوفى سنة (740 هـ) وهو شرح كبير حسن، لخصه من الرافعي وابن الرفعة، وسماه "تحفة النبيه في شرح التنبيه". "وشرح القاضي جمال الدين، محمد بن عبد الله الرَّيمي اليمني الشافعي، المتوفى سنة (791 هـ). وشرح ضياء الدين، محمد بن إبراهيم المناوي، المتوفى سنة (746 هـ). وشرح قطب الدين، محمد بن عبد الصمد بن عبد القادر السنباطي، المتوفى سنة (722 هـ) وله شرح آخر ليس بتام، ونكت أيضًا. وشرح بدر الدين، محمد بهادر بن عبد الله الزركشي، المتوفى سنة (794 هـ). وشرح نجم الدين، محمد بن علي البالسي الشافعي المتوفى سنة (804 هـ). وشرح شرف الدين، عبد الله بن محمد الفهري التلمساني المتوفى سنة (644 هـ). وشرح نجم الدين، أحمد بن محمد بن علي، المعروف بابن الرفعة الشافعي، المتوفى سنة (716 هـ) سماه "كفاية النبيه".

وشرح أحمد بن عيسى العسقلاني سماه "الإشراق في شرح تنبيه أبي إسحاق". وشرح الإمام محب الدين، أحمد بن عبد الله الطبري المكي، المتوفى سنة (694 هـ) وله نكت على "التنبيه" كبرى، وصغرى، وله "مختصر التنبيه"، سماه "مسلك النبيه في تلخيص التنبيه" هو كبير، وله مختصر آخر وهو صغير، سماه "تحرير التنبيه لكل طالب نبيه". وشرح تقي الدين، أبي بكر بن محمد الحصني الشافعي، المتوفى سنة (829 هـ). وشرح الإمام أبي حفص، عمر بن علي بن الملقن الشافعي، المتوفى سنة (804 هـ) وهو كبير، سماه "الكفاية"، وله "أمنية النبيه فيما يرد على التصحيح والتنبيه"، وله شرح آخر سماه "غنية الفقيه"، وشرح آخر سماه "هادي النبيه" في مجلد، واختصره في جزء للحفظ سماه "إرشاد النبيه إلى تصحيح التنبيه". و"تصحيح التنبيه" لجمال الدين، محمد بن الحسين الإسنوي الشافعي، المتوفى سنة (777 هـ) سماه "تذكرة النبيه". وشرح القاضي تقي الدين، أبي بكر بن أحمد، المعروف بابن قاضي شهبة الشافعي الدمشقي، المتوفى سنة (851 هـ) وله نكت على "التنبيه" أيضاً. وشرح الإمام العلامة موفق الدين، علي بن أبي بكر الأزرق اليمني، المتوفى سنة (809 هـ)، سماه "التحقيق الوافي بالإيضاح الشافي"، شرح التنبيه. وشرح قطب الدين، محمد بن محمد الخيضري الشافعي، المتوفى سنة (894 هـ) سماه "مجمع العشاق على توضح تنبيه الشيخ أبي إسحاق". وشرح الشيخ جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، المتوفى سنة (911 هـ). وعلى "التنبيه" تعليقة لبرهان الدين الفزاري سماها "الإقليد". و"للتنبيه" مختصرات منها: مختصر تاج الدين، عبد الرحيم بن محمد الموصلي، المتوفى سنة (671 هـ) سماه "النبيه في اختصار التنبيه"، وله "التنويه في فضل التنبيه". ومختصر الشيخ جلال الدين، محمد بن أحمد المحلي الشافعي، المتوفى سنة (864 هـ). ومختصر أبي الفرج، مفضل بن مسعود التنوخي سماه "اللباب". ومختصر شرف الدين، أبي القاسم هبة الله بن عبد الرحيم البارزي الحموي الشافعي، المتوفى سنة (738 هـ). و"للتنبيه" منظومات منها: نظم أبي عبد الله، محمد بن عبد الله الشيباني اليمني، المتوفى سنة (675 هـ).

ونظم جعفر بن أحمد السراج، المتوفى سنة (500 هـ). ونظم سعيد الدين، عبد العزيز بن أحمد الديري، المتوفى سنة (697 هـ). ونظم ضياء الدين، علي بن سليم الأذرعي، المتوفى سنة (730 هـ) في ستة عشر ألف بيت. ونظم الشيخ الإمام حسين بن عبد العزيز بن الحسين السباعي، خطيب حمص. ونظم الشهاب أحمد بن سيف الدين بيلبك الظاهري، المتوفى سنة (753 هـ) سماه "الروض النزيه في نظم التنبيه". وعلى "التنبيه" نكات منها: نكت كمال الدين، أحمد بن عمر بن أحمد النشائي القاهري، المتوفى سنة (757 هـ). ونكت ابن أبي الصيف اليمني، المتوفى سنة (609 هـ). رحم الله الإمام الشيرازي, ونفع المسلمين به وبعلومه .. آمين

ترجمة الإمام الفقيه البارع، شيخ الشافعية عبد الغفار بن عبد الكريم بن عبد الغفار الشافعي نجم الدين القزويني صاحب "الحاوي الصغير" رحمه الله تعالى ( ... -665 هـ)

ترجمة الإمام الفقيه البارع، شيخ الشّافعيّة عبد الغفّار بن عبد الكريم بن عبد الغفّار الشافعيّ نجم الدّين القزوينيّ صاحب "الحاوي الصغير" رَحِمَهُ الله تعَالى ( ... -665 هـ) اسمه ونسبه هو الإمام نجم الدين، عبد الغفار بن عبد الكريم بن عبد الغفار القزويني الشافعي. مولده لم أقف فيما بحثت عنه في كتب التراجم على تاريخ مولده ولا مكان ولادته، وذكرت كتب التراجم أنه مات وقد قارب الثمانين، وأنه توفي سنة (665 هـ) فيمكن تقدير مولده سنة (585 هـ). شيوخه - الشيخة عفيفة بنت أحمد بن عبد الله الأصبهانية الفارفانية (ت 606 هـ). - الإمام عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل القزويني، أبو القاسم الرافعي، صاحب الشرح الكبير (ت 623 هـ). تلاميذه - عز الدين، أحمد بن إبراهيم بن عمر الفرج الواسطي الفاروثي (ت 694 هـ). - ولده الشيخ جلال الدين، محمد بن عبد الغفار بن عبد الكريم بن عبد الغفار القزويني (ت 709 هـ). - صدر الدين، إبراهيم بن محمد بن المؤيد بن حَقُوَيه الجويني (ت 722 هـ). - سعد الدين بيله الجيلي. مصنفاته " الحاوي الصغير"، "اللباب"، "العجاب شرح اللباب"، "جامع المختصرات ومختصر الجوامع"، وكتاب في الحساب.

ثناء العلماء عليه

ثناء العلماء عليه قال الذهبي: العلامة الأوحد ... كان أحد الأئمة الأعلام. وقال اليافعي: الفقيه الإمام، العلامة البارع المجيد، الذي ألين له الفقه كما ألين لداوود الحديد ... أحد الأئمة الأعلام، وفقهاء الإسلام. وقال السبكي: الشيخ الإمام نجم الدين ... كان أحد الأئمة الأعلام، له اليد الطولى في الفقه والحساب، وحسن الاختصار ... وكان من الصالحين. وقال ابن الملقن: العلامة شيخ الشافعية، نجم الدين، كان من كبار علماء قزوين. وقال ابن العماد: العلامة المجيد ... أحد الأئمة الأعلام، وفقهاء الإسلام. وفاته توفي رحمه الله في شهر المحرم سنة خمس وستين وست مئة من الهجرة. عناية العلماء بكتاب "الحاوي الصغير" يعد "الحاوي الصغير" في الفروع للشيخ نجم الدين، عبد الغفار بن عبد الكريم القزويني الشافعي من الكتب المعتبرة بين الشافعية، وقيل: إنه اختصار لكتاب "فتح العزيز شرح الوجيز" للرافعي، وممن ذهب إلى هذا القول الذهبي واليافعي وابن حجر، وقيل: إن أصل كتاب "الحاوي" هو كتاب "اللباب" للمصنف نجم الدين عبد الغفار القزويني، وممن ذهب إلى هذا القول زكريا الأنصاري، وهو كتاب وجيز اللفظ، بسيط المعاني، محرر المقاصد، مهذب المباني، حسن التأليف والترتيب، جيد التفصيل والتبويب؛ ولذلك عكفوا عليه بالشرح والنظم، فمن شروحه: شرح قطب الدين، أحمد بن الحسن بن أحمد الغالي الشافعي، المتوفى سنة (779 هـ) وسماه "توضيح الحاوي"، وعليه حاشية للشيخ بدر الدين، حسن بن عمر بن حبيب الحلبي الشافعي، المتوفى سنة (779 هـ) وسماها "التوشيح"، أورد فيها زوائد مفيدة من إظهار الفتاوي، وكشف بعض أسرار "الحاوي". ومنها شرح أبي عبد الله، محمد بن سبط المصنف، سماه "الحاوي" أيضاً. وشرح الإمام أبي عبد الله، محمد الناشري اليمني الشافعي، المتوفى سنة (874 هـ) وسماه "إيضاح الفتاوي في النكت المتعلقة بالحاوي".

وشرح الشيخ علاء الدين، علي بن إسماعيل القونوي، المتوفى سنة (729 هـ) ذكر فيه من شروحه شرح الشيخ علاء الدين الطاووسي، يحيى بن عبد اللطيف القزويني الشافعي مدرس المستنصرية ببغداد، وشرح الشيخ الإمام ضياء الدين، عبد العزيز بن محمد الطوسي الشافعي، المتوفى سنة (706 هـ) المسمى بـ"المصباح" فأخذ القونوي ما فيهما، فزاد على تعليقة علاء الدين، وأسقط أكثر ما في "المصباح" فصار شرحاً وسيطاً. وشرح أبي البقاء، محمد بن عبد البر القفطي السبكي الشافعي المتوفى سنة (777 هـ). وشرح سراج الدين، عمر بن علي بن الملقن، المتوفى سنة (804 هـ) في مجلدين ضخمين، ولم يوضع عليه مثله سماه" خلاصة الفتاوي في تسهيل أسرار الحاوي"، وله "تصحيح الحاوي". وشرح بهاء الدين، أحمد بن علي بن السبكي الشافعي، المتوفى سنة (773 هـ) شرع في قطعة طويلة، ولم يكمله. وشرح الشيخ فخر الدين، أحمد بن الحسن الجاربردي، المتوفى سنة (746 هـ) ولم يكمله أيضاً، وهو كبير ممزوج، وسماه "الهادي". وشرح قطب الدين، محمد بن محمود التحتاني الرازي، المتوفى سنة (766 هـ) ولم يكمله، وعليه حاشية لتاج الدين، علي بن عبد الله التبريزي، المتوفى سنة (746 هـ). وشرح عثمان بن عبد الملك الكردي المصري الشافعي، المتوفى سنة (738 هـ). وشرح شرف الدين، هبة الله بن عبد الرحيم بن البارزي الحموي الشافعي، المتوفى سنة (738 هـ)، سماه "مفتاح الحاوي"، وله "توضيح الحاوي" أيضاً، وله كتاب آخر على "الحاوي" سماه "تيسير الفتاوي في تحرير الحاوي"، ذكر فيه أنه ذكر مسائل "الحاوي" وأوضحها ببسط عبارته المشكلة، وتفصيل ألفاظه المجملة، فيكون كالشرح إلا أنه غير ممتاز عن المتن. وشرح السيد ركن الدين، حسن بن محمد الإستراباذي الشافعي، المتوفى سنة (717 هـ). وشرح القاضي شهاب الدين، أحمد بن إسماعيل بن الحسباني الشافعي، المتوفى سنة (816 هـ). وشرح شهاب الدين، أحمد بن عبيد الله الغزي العمري الشافعي، المتوفى سنة (822 هـ). وشرح القاضي زين الدين، زكريا بن محمد الأنصاري، المتوفى سنة (910 هـ) وسماه "بهجة الحاوي". و"تصحيح الحاوي" لشهاب الدين، أحمد بن محمد بن الصاحب، المتوفى سنة (788 هـ).

و"تصحيح الحاوي" أيضًا للشيخ شهاب الدين، أحمد بن حسين بن حسن بن أرسلان الرملي القدسي الشافعي، المتوفى سنة (844 هـ). وعلى "الحاوي" نكت للقاضي جلال الدين، عبد الرحمن بن عمر البلقيني الشافعي، المتوفى سنة (824 هـ). و"مختصر الحاوي" لشرف الدين، إسماعيل بن أبي بكر بن المقري اليمني، المتوفى سنة (836 هـ) وسماه "الإرشاد"، و"مختصره" أيضاً لشهاب الدين، أحمد بن حمدان الأذرعي، المتوفى سنة (783 هـ). وللحاوي منظومات منها: نظم الملك المؤيد، إسماعيل بن علي الأيوبي، المعروف بصاحب حماة، المتوفى سنة (732 هـ) وشرح هذا المنظوم للقاضي شرف الدين، هبة الله بن عبد الرحيم بن البارزي الحموي، المتوفى سنة (738 هـ). ونظم زين الدين، علي بن حسين بن قاسم، المعروف بابن شيخ العوينة، الموصلي الشافعي، المتوفى سنة (755 هـ). ونظم زين الدين، عمر بن مظفر الوردي الشافعي، المتوفى سنة (749 هـ) سماه "البهجة الوردية"، وهي خمسة آلاف بيت، ولها شروح منها: شرح الشيخ شهاب الدين، أحمد بن الحسين بن أرسلان الرملي الشافعي، المتوفى سنة (844 هـ) كتب قطعة منه، ولم يكمله. وشرح الفاضل أبي زرعة، أحمد بن عبد الرحيم العراقي، المتوفى سنة (826 هـ). وشرح القاضي زكريا بن محمد الأنصاري، المتوفى سنة (910 هـ) وسماه "الغرر البهية"، وله حاشية على شرح أبي زرعة، وحاشية عليه أيضاً للقاضي يحيى بن المناوي. رحم الله الإمام القزويني, وأعاد عليه من شآبيب رحمته ... آمين

ترجمة شيخ الإسلام, إمام الأئمة الأعلام أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حزام محيي الدين النووي صاحب "المنهاج" رحمه الله تعالى (631 - 676 هـ)

ترجمة شيخ الإسلام, إمام الأئمّة الأعلام أبو زكريّا يحيى بن شرف بن مري بن حزام محيي الدّين النَّوويّ صاحب "المنهاج" رَحِمَهُ الله تعَالى (631 - 676 هـ) اسمه وكنيته ولقبه اسمه: يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام، الحزامي الحوراني، الدمشقي الشافعي. وكنيته: أبو زكريا، جرياً على العادة فيمن كان اسمه يحيى؛ ولم يكن له ولد أصلاً؛ لأنه لم يتزوج. ولقبه: محيي الدين، وقد كان رحمه الله يكره أن يلقب به. مولده وصفته اتفق المؤرخون على تحديد شهر محرم من عام واحد وثلاثين وست مئة للهجرة لزمن ولادته. وصفته: قال الذهبي: كان أسمر، كث اللحية، ربعة مهيباً، قليل الضحك، عديم اللعب، بل جد صرف، يقول الحق وإن كان مراً، لا يخاف في الله لومة لائم. نشأته وطلبه للعلم عاش الإمام النَّووي صباه في نشأة مميّزة عن غيره ممَّن هو في سنَه من الصّبيان، يكشف لنا ملامح طفولته موقفٌ حكاه من تفرَّس فيه النَّجابة حين رآه في مقتبل نشأته؛ إذ يقول الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي رحمه الله: (رأيت الشَّيخ مُحْيِي الدّين، وهو ابن عشر سنين بنَوى والصَّبيان يكرهونه على اللّعب معهم، وهو يهرب منهم، ويبكي لإكراههم، ويقرأ القرآن في هذه الحالة، فوقع في قلبي محبته، وجعله أبوه في دكان فجعل لا يشتغل بالبيع والشِّراء عن القرآن، قال: فأتيت الذي يقرئه القرآن فوصَّيته به، وقلت له: هذا الصَّبي يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم، وينتفع الناس به، فقال لي: أمنجم أنت؛ ! فقلت: لا، وإنما أنطقني الله بذلك)،

ثناء العلماء عليه

واجتمع الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي بأبيه شرف، ووصَّاه به، وحرَّضه على حفظ القرآن والعلم فحرص عليه؛ ولذا فقد قرأ القرآن ببلده، وختمه وقد ناهز الاحتلام. وقال صاحب "الطبقات الوسطى": فلما كان ابن تسع عشرة سنة .. قدم به والده إلى دمشق، فسكن بالمدرسة الرواحية، وحفظ "التنبيه" في نحو أربعة أشهر ونصف، وحفظ ربع "المهذب"، ولازم الشيخ كمال الدين إسحاق بن أحمد المغربي، ثم حج مع والده ثم عاد، وكان يقرأ كل يوم اثني عشر درساً على المشايخ، شرحاً وتصحيحاً، فقهاً وحديثاً وأصولاً، ونحواً ولغة إلى أن برع، وبارك الله له في العمر اليسير، ووهبه العلم الكثير. ثناء العلماء عليه قال الشيخ قطب الدين موسى اليونيني الحنبلي: المحدث الزاهد، العابد الورع، المفتخر في العلوم، صاحب التصانيف المفيدة، كان أوحد زمانه في الورع والعبادة، والتقلل من الدنيا، والإكباب على الإفادة، والتصنيف مع شدة التواضع، وخشونة الملبس والمأكل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وقال الحافظ الذهبي: الشيخ الإمام القدوة، الحافظ الزاهد، العابد الفقيه، المجتهد الرباني، شيخ الإسلام، حسنة الآنام، محيي الدين، صاحب التصانيف التي سارت بها الركبان، واشتهرت بأقصى البلدان. وقال اليافعي: شيخ الإسلام، مفتي الآنام، المحدث المتقن، المدقق النجيب، الحبر المفيد القريب والبعيد، محرر المذهب وضابطه ومرتبه، أحد العباد الورعين الزهاد، العالم العامل، المحقق الفاضل، الولي الكبير، السيد الشهير، ذو المحاسن العديدة، والسير الحميدة، والتصانيف المفيدة، الذي فاق جميع الأقران، وسارت بمحاسنه الركبان، واشتهرت فضائله في سائر البلدان، وشوهدت له الكرامات، وارتقى في أعلى المقامات، ناصر السنة، ومعتمد الفتاوى، ذو الورع الذي لم يبلغنا مثله عن أحد في زمانه ولا قبله. وقال الحافظ ابن كثير: الشيخ الإمام، العالم العلامة، شيخ المذهب، وكبير الفقهاء في زمانه، ومن حاز قصب السبق دون أقرانه، وكان من الزهادة والعبادة، والتحري والورع، والانجماح عن الناس، والتخلي لطلب العلم، والتحلي به على جانب لا يقدر عليه غيره، ولا يضيع شيئاً من أوقاته. وقال تاج الدين السبكي رحمه الله: كان يحيى رحمه الله سيداً وحصوراً، وليثاً على النفس هصوراً، وزاهداً لم يبال بخراب الدنيا إذا صير دينه ربعاً معموراً، له الزهد والقناعة، ومتابعة

شيوخه

السالفين من أهل السنة والجماعة، والمصابرة على أنواع الخير، لا يصرف ساعة في غير طاعة، هذا مع التفنن في أصناف العلوم فقهاً، ومتون أحاديث، وأسماء رجال. ولغة وتصوفاً، وغير ذلك. شيوخه في الفقه: تاج الدين الفزاري المعروف بالفركاح، والكمال إسحاق المغربي، وعبد الرحمن بن نوح، ثم عمر بن أسعد الإربلي، وأبو الحسن سلار بن الحسن الإربلي. في الحديث: إبراهيم بن عيسى المرادي الأندلسي ثم المصري ثم الدمشقي، وأبو إسحاق إبراهيم بن أبي حفص عمر بن مضر الواسطي، وزين الدين أبو البقاء خالد بن يوسف بن سعد، والرضي بن البرهان، وعبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الأنصاري. في علم الأصول: القاضي أبو الفتح عمر بن بندار بن عمر بن علي بن محمد التفليسي الشافعي. في النحو واللغة: أحمد بن سالم المصري، وابن مالك، والفخر المالكي. تلاميذه قال تلميذه ابن العطار: وسمع منه خلق كثير من العلماء والحفاظ، والصدور والرؤساء، وتخرج به خلق كثير من الفقهاء، وسار علمه وفتاويه في الآفاق ... إلخ. وممن أخذ عنه: الصدر الرئيس الفاضل، أبو العباس، أحمد بن إبراهيم بن مصعب، والشمس محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن النقيب، والبدر محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة، والشهاب محمد بن عبد الخالق بن عثمان بن مزهر الأنصاري الدمشقي المقري، وشهاب الدين، أحمد بن محمد بن عباس بن جعوان، والفقيه المقرئ أبو العباس، أحمد الضرير الواسطي الملقب بالجلال. والنجم إسماعيل بن إبراهيم بن سالم بن الخباز. مصنفاته مؤلفاته في الحديث: "شرح مسلم"، "رياض الصالحين", "الأربعين النووية"، "خلاصة الأحكام من مهمات السنن وقواعد الإسلام"، "شرح البخاري" كتب منه جزءاً يسيراً، ولم يستكمله، الأذكار المسمى بـ"حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار". وفي علوم الحديث: "الإرشاد"، "التقريب"، "الإشارات إلى بيان الأسماء المبهمات". وفي الفقه: "روضة الطالبين"، "المجموع شرح المهذب" ولم يستكمله، وقد أكمله السبكي والمطيعي، "المنهاج"، "الإيضاح"، "التحقيق".

وفاته

وفي التربية والسلوك: "التبيان في آداب حملة القرآن"، "بستان العارفين". وفي التراجم والسير: "تهذيب الأسماء واللغات" ,"طبقات الفقهاء". وفي اللغة: القسم الثاني من "تهذيب الأسماء واللغات"، "تحرير التنبيه". وفاته قال ابن العطار: بلغني مرضه، فتوجهت من دمشق لعيادته، فَسُرّ بذلك، ثم أمرني بالرجوع إلى أهلي، فودعته بعد ما أشرف على العافية في يوم السبت العشرين من رجب، فلما كانت ليلة الثلاثاء في الرابع والعشرين منه سنة ست وسبعين وست مئة للهجرة .. انتقل إلى جوار ربه رحمه الله تعالى. عناية العلماء بكتاب "المنهاج" " منهاج الطالبين" مختصر "المحرر" في فروع الشافعية للإمام محيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الشافعي المتوفى سنة (676 هـ). وهو كتاب مشهور متداول بينهم، اعتنى بشأنه جماعة من الشافعية، فشرحه الشيخ تقي الدين، علي بن عبد الكافي السبكي، ولم يكمله، بل وصل إلى الطلاق، وسماه "الابتهاج" وتوفي سنة (756 هـ) وكمله ابنه بهاء الدين أحمد، المتوفى سنة (773 هـ). وشرحه محمد بن علي العاياتي، المتوفى سنة (850 هـ). والشيخ جلال الدين، محمد بن أحمد المحلي، المتوفى سنة (864 هـ) سماه "كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين". وشرحه شهاب الدين، أحمد بن حمدان الأذرعي، المتوفى سنة (783 هـ) شرحين، اسم أحدهما "قوت المحتاج"، وقد اختصره شمس الدين، محمد بن محمد الغزي، المتوفى سنة (808 هـ) وله "سلاح الاحتياج في الذب عن المنهاج"، والآخر "الغنية". وعليه نكت لشهاب الدين بن النقيب. وشرحه الشيخ مجد الدين، أبو بكر بن إسماعيل السنكلومي، المتوفى سنة (740 هـ). وسراج الدين، عمر بن علي بن الملقن الشافعي، المتوفى سنة (804 هـ) وسماه "الإشارات إلى ما وقع في المنهاج من الأسماء والمعاني واللغات"، ثم اختصره وسماه "العجالة"، وله "تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج". وأحمد بن العماد الأقفهسي، المتوفى سنة (808 هـ).

وشرحه الشيخ جمال الدين، عبد الرحيم بن حسن الإسنوي، بلغ فيه إلى المساقاة، وسماه "الفروق"، وتوفي سنة (772 هـ). وأكمل الشيخ بدر الدين، محمد بن عبد الله الزركشي ذلك الشرح، وتوفي سنة (794 هـ). وشرح قطعة منه نور الدين، فرج بن محمد الأردبيلي، المتوفى سنة (749 هـ) شرحاً حافلاً، وصل فيه إلى أثناء ربع البيوع في ستة مجلدات، قال ابن حجر في " "الدرر": ماله نظير في التحقيق. انتهى. وشرحه سراج الدين، عمر بن رسلان البلقيني، وسماه "تصحيح المنهاج"، وتوفي سنة (805 هـ). ولولده جلال الدين، عبد الرحمن نكت على الأصل ولم تتم، وتوفي سنة (824 هـ). وشرحه الشيخ شرف بن عثمان الغزي شرحاً بسيطاً في نحو عشرة مجلدات، ومتوسطاً، وصغيراً في مجلدين، وتوفي سنة (779 هـ). وعلق الشيخ جلال الدين، محمد بن عمر النصيبيني شرحاً في أربعة مجلدات سماه "الإبهاج"، وتوفي سنة (921 هـ). والشيخ بدر الدين، أبو البركات، محمد بن محمد، المعروف بابن رضي الدين الغزي، شرحه شرحين: أحدهما: سماه "ابتهاج المحتاج". وشرحه الشيخ جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، وسماه "درة التاج في إعراب مشكل المنهاج"، وتوفي سنة (911 هـ) ونظمه أيضاً، وسماه "الابتهاج"، ولم يتم. وشرحه القاضي زكريا بن محمد الأنصاري، المتوفى سنة (928 هـ). واختصره الشيخ أثير الدين، أبو حيان، محمد بن يوسف الأندلسي، وسماه "الوهاج في اختصار المنهاج"، وتوفي سنة (745 هـ). وشرحه الشيخ الإمام، محمد بن فخر الدين الأبار المارديني، وسماه "البحر المواج". وشرح قطعة منه الشيخ تاج الدين، أبو نصر، عبد الوهاب بن محمد الحسيني، المتوفى سنة (875 هـ). وشرحه تقي الدين، أبو بكر بن محمد الحصني، المتوفى سنة (829 هـ). ونظم "المنهاج" شهاب الدين، أحمد بن محمد الطوخي، المتوفى سنة (893 هـ). وممن شرحه الشيخ كمال الدين، محمد بن موسى الدميري الشافعي، المتوفى سنة (808 هـ) سماه "النجم الوهاج"، وقد صدر محققاً لأول مرة من دار المنهاج. ومن شروح "المنهاج" شرحان كبيران: أحدهما: "إرشاد المحتاج إلى توجيه المنهاج"،

والآخر "بداية المحتاج" كلاهما للشيخ بدر الدين، أبي الفضل، محمد بن أبي بكر، المعروف بابن شهبة الأسدي الفقيه الشافعي، المتوفى سنة (874 هـ)، وقد صدر "بداية المحتاج" عن دار المنهاخ لأول مرة. وشرحه نجم الدين، أبو الفضل، محمد بن عبد الله بن قاضي عجلون، المتوفى سنة (876 هـ) وسماه "هادي الراغبين إلى منهاج الطالبين"، وله "تصحيح المنهاج" أولاً في مطول عمل عليه توضيحاً، ومتوسطاً، ومختصراً سماه "التاج في زوائد الروضة على المنهاج". وشرحه الشيخ تقي الدين، أبو بكر، أحمد بن قاضي شهبة، وهو ولد المذكور آنفاً، المتوفى سنة (851 هـ). والإمام أبو الفتح، محمد بن أبي بكر المراغي المدني الشافعي، المتوفى سنة (859 هـ) سماه "المشرع الروي في شرح منهاج النووي". وشرحه أبو الفضل، أحمد بن علي بن حجر الهيتمي المكي، المتوفى سنة (974 هـ) وسماه "تحفة المحتاج بشرح المنهاج". وشرحه أيضًا العلامة شمس الدين، محمد بن أحمد بن حمزة الرملي، المتوفى سنة (1004 هـ) وسماه "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج". وشرحه العلامة شمس الدين، محمد بن محمد الشربيني، المعروف بالخطيب الشربيني، المتوفى سنة (977 هـ) وسماه "مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج". وشرحه الإمام العلامة إبراهيم بن أبي القاسم المكي المعروف بابن مطير الحكمي المتوفى سنة (958 هـ)، سماه "الديباج شرح المنهاج"، وسوف يصدر عن دار المنهاج بعون الله لأول مرة. رحم الله الإمام النوويّ، وروّى ثراه برحمته الواسعة ... آمين

ترجمة الإمام الحافظ المحدث، الأصولي الفقيه أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين الشافعي ولي الدين، أبو زرعة، ابن العراقي رحمه الله تعالى (762 - 826 هـ)

ترجمة الإمام الحافظ المحدّث، الأصوليّ الفقيه أحمد بن عبد الرّحيم بن الحسين الشافعيّ وليّ الدين، أبو زرعة، ابن العراقي رحمه الله تعالى (762 - 826 هـ) اسمه ونسبه هو وليّ الدين، أبو زُرعة، أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن أبي بكر بن إبراهيم، الكرديُّ الأصل، المهرانيُّ القاهريُّ الشافعي، المعروف بابن العراقيِّ. مولده ولد في سحر يوم الاثنين، الثالث من ذي الحجَّة، سنة اثنتين وستِّين وسبع مئة بالقاهرة. أسرته ولد وليّ الدين في بيت عرف بالعلم والمعرفة، وتميز فيه غير واحد من أفراده، فقد كان جدُّه الحسين بن عبد الرحمن ممَّن صحب الشيخ تقيّ الدين القنائيّ، واختص بخدمته، وأحضر ولده عبد الرحيم عليه، وتوفي سنة (728 هـ). ووالده الحافظ المتقن، العلامة زين الدين، أبو الفضل، عبد الرحيم، فريد دهره، ووحيد عصره، شهد له بالتفرد في فنه أئمة عصره وأوانه، سمع الكثير، وأخذ عنه الجم الغفير، ولد بمنشأة المهرانيِّ ونشأ بها، وسمع مشايخها، ورحل إلى الشام والحجاز، فاستفاد وأفاد، وأخذ عنه الكثير، وله مصنفات في الحديث وغريب القرآن والأصول، وولي قضاء المدينة الشريفة، وتوفي سنة (806 هـ). ووالدته أم أحمد، عائشة بنت طغاي العلائيِّ، كانت خيِّرة صالحة، رحلت مع زوجها عبد الرحيم إلى الشام سنة (765 هـ) وسمعت معه من الشيوخ، وجاورت مع زوجها بالحرمين الشريفين، وتوفيت سنة (783 هـ). وأما إخوانه وأخواته .. فقد كان له أخ شقيق يسمى بمحمد، ويكنى بأبي حاتم، ولد سنة (770 هـ)

نشأته

كما ذكر الولي في "الذيل على العبر"، وفي وفيات (784 هـ) وفاة أخيه أبي الوفاء، إبراهيم بن عبد الرحيم عن قريب من أربع سنوات، وحزن والده عليه. ومن أخواته كبراهن، وتدعى خديجة، تزوجها الحافظ نور الدين الهيثمي. وكان ولي الدين ضيق الحال. كثير العيال. وكان متزوجاً من أخت يحيى بن محمد، شرف الدين المناوي. وأما أولاده .. فجاء ذكرهم في كتب التراجم؛ ومنهم: - أبو الوفاء، عبد الوهاب بن أحمد تاج الدين، يعرف كأبيه بابن العراقي، أسمعه أبوه على أبيه وغيره، وناب في القضاء، وأجاز له خلق من أماكن شتى، ومات في حياة والده (818 هـ). - أم أيمن بركة، ولدت في شوال سنة (793 هـ) وأحضرت على جدها ورفيقه الحافظ الهيثمي، وأجاز لها أبو هريرة بن الذهب، وأبو الخير بن العلائي وآخرون، وحدثت، وتزوجها ناصر الدين بن النيدي، وتوفيت سنة (841 هـ). نشأته هكذا قيض الله تعالى لوليّ الدين أسرة كريمة، وجّهته نحو طلب العلم، وكان والده شيخه الأول الذي سمع منه، وأول ما بصرت عينه من شيوخ الدرس والتعليم. وتوسم الوالد في ولده حبَّ العلم ورغبته فيه، فبكر به يصحبه معه إلى مجالس العلماء على عادة أهل عصره، فأحضره مجالس العلماء قبل الثالثة من عمره، فأحضره على المسند أبي الحرم محمد القلانسي، ومحب الدين أحمد الخِلاطي، وناصر الدين التونُسيِّ، والشِّهاب ابن العَطَار، والعِزِّ ابن جَمَاعة، والجَمَال ابن نُباتَة، وغيرهم كثير. رحلاته وشيوخه ولَمَّا بلغ وليُّ الدّين الثَّالثة من عُمُره؛ أعني: سنة (765 هـ) .. رحل به أبوه إلى الشام، وهي أوَّل رحلة لوليّ الدّين، فأحضره بها على عدد من علمائها البارعين، وحُفَّاظها المتميِّزين، منهم: الحافظان شمس الدّين الحُسَينيُّ، وتقيّ الدِّين ابن رافع، والمُحَدِّث أبو الثناء المَنْبجيُّ، وأبو حَفْص الشَّحْطُبِيُّ، والشَّرف ابن يعقوب الحريريُّ، والعماد ابن الشِّيْرَجِيّ، والمُسَنِد ابن أُمَيلَة، وابن الهَبَل، وابن السُّوقيّ، وسِتُّ العرَب بنت ابن البُخَاري، وغيرهم. ثُمَّ واصل والده رحلته إلى بيت المَقْدِس، فأحضر ولده على الإمام المُسنِد بُرهان الدِّين الزَّيتاويِّ، ومحمَّد بن حامد وغيرهما.

وكان والده قد استحصل له إجازة عدد من العلماء الشَّاميين في وقته، منهم: علاء الدّين العُرْضيّ، وابن الجُوخيِّ، وابن شيخ الدَّولة وآخرون. ولما عاد من هذه الرحلة برفقة والده إلى القاهرة .. سارع إلى حفظ القرآن الكريم، وحفظ عدداً من المختصرات والمتون في فنون شَتَّى، ثُمَ بادر فطلب بنفسه واجتهد في استيفاء شيوخ الديار المصريَّة، وأخذ عمَّن دبَّ ودَرَج، وكان من أبرز شيوخه: أبو البقاء السُّبكيُّ، والبهاء ابن خليل، والحَرَاويُّ، والبهاء ابن المُفَسِّر، وجُوَيرية، والباحي، وغيرهم. ولمَّا دخلت سنة ثمان وستِّين وسبع مئة .. رحل إلى مكَّة المُكَرَّمة والمدينة المُنورة مع أبيه، وكان قد رافقهما في هذه الرحلة الإمام الشَّيخ شهاب الدين أحمد بن لُؤلُؤ ابن النَّقيب، فخرجوا من القاهرة إلى المدينة النَّبويَّة، فسمع بها وليّ الدين على البَدْر ابن فَرْحُون، وأقاموا بها مدَّة، ثمَّ واصلوا السَّير إلى مَكَّة المُكَرَّمة، فسَمِعَ بها على أبي الفَضْل النُّويريِّ، ومحمد بن عبد المُعْطي، وأحمد بن سالم بن ياقوت، وأم الحسَن فاطمة بنت أحمد الحَرَازيّ، والعفيف النشاوري، والكمال محمد بن حبيب، والبهاء ابن عقيل النحويِّ، وخلق سواهم. ثم عاود الرحلة إلى الشام ثانياً، وذلك بعد سنة ثمانين وسبع مئة بصحبة رفيق والده، وصديقه الحميم الحافظ نور الدّين الهَيثميِّ، وعند وصولهما الشَّام كانت تلك الطبقة من العلماء التي سمع عليها أوَّل مرَّة -أعني سنة (765 هـ) - قد اختارهم الله تعالى إلى جواره، فأخذ عن الموجودين من علماء دمشق، منهم: الحافظ أبو بكر ابن المُحبّ، وناصر الدين ابن حمزة، وغيرهما. وفي سنة اثنتين وعشرين وثمان مئة رحل وليُّ الدّين إلى مكة المكرمة؛ لأداء فريضة الحج؛ ولكنه كان في هذه الرحلة أستاذاً لا طالباً، كما هو شأنه في الرّحلات السَّابقة، فقد كان في قِمَّة نُضُوجه الفكري والعلمي، فأملى في مكة المكرمة والمدينة النبويَّة عِدة مجالس، حضرها جمع كبير من العلماء والطَّلبة. وفي الحقيقة: إن الإمام وليَّ الدين من العلماء الذين عُرفوا بكثرة السَّماع والشُّيوخ، والاختلاف إلى دور العلم وحلقات الدُّروس، وما أصدق ما وصفه به السَّخَاويّ حين قال: (وأخذ عمَّن دَبَّ ودَرَج) من حيث كثرة المسموعات والشيوخ، إلا أنه في الوقت نفسه لازم عدداً من العلماء المُتَميّزين في فنون شتى مُدة طويلة، حَتَّى عُرِفَ بملازمته لهم، وتخرُّجه بهم، منهم: - والده الحافظ زين الدين، عبد الرحيم العراقي (ت 806 هـ). - الفقيه شهاب الدين، أحمد بن لُؤلُؤ ابن النَّقيب (ت 769 هـ). - جمال الدين، عبد الرحيم بن الحسن الإسنَويُّ (ت 772 هـ). - جمال الدين، محمد بن أحمد بن عبد المُعطي المكي (ت 776 هـ).

تلاميذه

- شيخ النُّحاة، أحمد بن عبد الرحيم التُّونسيُّ (ت 778 هـ). - ضياء الدين، عُبيد الله العَفيفيُّ القَزوينيُّ (ت 780 هـ). - بُرهان الدين، إبراهيم بن موسى الأَبْناسِيُّ (ت 802 هـ). - سِراج الدين، عُمَر بن عليّ الأَنصاريُّ ابن المُلقّن (ت 804 هـ) - سِراج الدين، عُمَر بن رسلان بن نصير البُلْقِينيُّ (ت 805 هـ). - الحافظ نور الدين، عليّ بن أبي بكر الهَيثميُّ (ت 807 هـ). وكان لهذه الملازمة أثرها في نفس ولي الدين، فمال إلى الحديث والفقه وأصوله وصَنَّف الكثير فيها، وشارك أيضاً مشاركة حسنة في علوم أخرى. تلاميذه لما اشتهر الحافظ وليُّ الدين وذاع صيته بين الناس، وبلغت سمعته أرجاء البلاد المصرية، فأصبح ملحوظاً من طلبة العلم ورواد المعرفة .. سارعوا بالرحلة إليه، والأخذ عنه، والسماع عليه. قال السخاوي: (وقد كثرت تلامذته والآخذون عنه؛ بحيث إنه قل من فضلاء سائر المذاهب من لم يأخذ عنه). ومنهم: - شرف الدين، يعقوب المغربي المالكي (ت 783 هـ). - تقي الدين، أبو الطيب، محمد بن أحمد بن علي الحسني الفاسي المكي (ت 832 هـ). - شمس الدين، محمد بن محمد بن أحمد المناوي الجوهري الشافعي (ت 840 هـ). - القاضي شمس الدين، أبو عبد الله، محمد بن علي بن محمد بن يعقوب القاياتي المصري (ت 850 هـ). - زين الدين، أبو النعيم، رضوان بن محمد بن يوسف بن سلامة العقبي (ت 852 هـ). - القاضي بدر الدين، أبو الإخلاص، محمد بن أحمد بن محمد القرشي الإسكندري، المعروف بابن التنسي (ت 853 هـ). - زين الدين، عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن يحيى السندبيسي النحوي (ت 856 هـ). - كمال الدين، محمد بن محمد بن عثمان بن محمد الجهني الأنصاري الحموي (ت 856 هـ). - القاضي بدر الدين، أبو المحاسن، محمد بن محمد بن عبد المنعم البغدادي القاهري الحنبلي (ت 857 هـ).

مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- عز الدين، عبد السلام بن أحمد بن عبد المنعم القيلوي البغدادي الحنفي (ت 859 هـ). - القاضي وليّ الدين، أبو البقاء، محمد بن محمد بن عبد اللطيف السنباطي القاهري المالكي (ت 861 هـ). - كمال الدين، محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود السيواسي الإسكندري، ابن الهمام (ت 861 هـ). - علم الدين، أبو التقى، الصالح بن عمر بن رسلان بن نصير الكناني العسقلاني البلقيني (ت 868 هـ). - الحافظ تقي الدين، أبو الفضل، محمد بن محمد بن محمد بن فهد القرشي الهاشمي المكي (ت 871 هـ). - شرف الدين، أبو زكريا، يحيى بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن مخلوف المناوي المصري الشافعي (ت 871 هـ). - تقي الدين، أبو العباس، أحمد بن محمد بن محمد بن علي الشمني القسطنطيني الحنفي (ت 872 هـ). - القاضي حسام الدين، أبو عبد الله، محمد بن أبي بكر بن حريز الحسيني المنفلوطي، المعروف بابن حريز (ت 873 هـ). - القاضي صلاح الدين، أحمد بن محمد بن بركوت، الحبشي الأصل المكيني (ت 881 هـ). - القاضي شهاب الدين، محمد بن أحمد بن حسن بن إسماعيل الكحكاوي العينتابي الحنفي (ت 885 هـ). - القاضي عز الدين، أبو البركات، أحمد بن إبراهيم بن نصر الله بن أحمد الكناني العسقلاني (ت 886 هـ). - القاضي وليّ الدين، أحمد بن أحمد بن عبد الخالق بن عبد المحيي الأسيوطي الشافعي (ت 891 هـ). مكانته العلمية وثناء العلماء عليه حظي ولي الدين بحافظة قوية، ونبوغ مبكر، وذكاء شديد، كما وجدنا عناية كبيرة به من والده، حيث ارتحل به إلى الشام والحجاز أكثر من مرة، فأخذ عن كبار العلماء، فكان لذلك نتيجة طيبة جعلته يتصف بالعلم الغزير، والاطلاع الواسع، فعلا شأنه، وارتفعت مكانته العلمية. وقد تضافرت أقوال العلماء من معاصريه ومن بعدهم على الاعتراف بعلمه وفضله، إلى جانب

المناصب التي شغلها

تواضعه وحسن خلقه، فقد وصفه تلميذه تقي الدين الفاسي، فقال: (هو أكثر فقهاء عصرنا هذا حفظاً للفقه، وتعليقًا له وتخريجاً، وفتاويه على كثرتها مستحسنة، ومعرفته للتفسير والعربية والأصول متقنة، وأما الحديث .. فأوتي فيه حسن الرواية، وعظيم الدراية في فنونه). وأشاد السخاوي بعلمه وفضله وتواضعه، فقال: (برع في الحديث والفقه وأصوله، والعربية والمعاني والبيان، وشارك في غيرها من الفضائل، وأذن له في غير واحد من شيوخه بالإفتاء والتدريس، واستمر يترقى لمزيد ذكائه، حتى ساد وظهرت نجابته ونباهته، واشتهر فضله وبهر عقله مع حسن خُلُقه وخَلْقه، ونور خطه، ومتين ضبطه وشرف نفسه وتواضعه، وشدة انجماعه وصيانته وديانته وأمانته وعفته). وقال البرهان الحلبي: (وكان بعد موت الجلال البلقيني أوحد فقهاء مصر والقاهرة، وعليه المعتمد في الفتيا). وقال ابن تغري بردي: (كان إماماً فقيهاً عالما، حافظاً محدثاً أصولياً، محققاً واسع الفضل، غزير العلم، كثير الاشتغال). وقال الحافظ ابن حجر: (واستيعاب فضائله يطول، وكان من خير أهل عصره بشاشة وصلابة في الحكم، وقياماً في الحق، وطلاقة وجه، وحسن خلق، وطيب عشرة). وقال الداوودي: (وبرع في الفنون، وكان إماماً محدثاً، حافظاً فقيهاً محققاً، أصولياً صالحا، له الخبرة التامة بالتفسير والعربية). وقال بدر الدين العيني: (كان عالماً فاضلاً، له تصانيف في الأصول والفروع، وفي شرح الأحاديث، ويد طولى في الإفتاء، وكان آخر الأئمة الشافعية بالديار المصرية). وقال ابن هداية: (كان أعجوبة أهل زمانه، قوي الفكر، موجه الاعتراض، حلاَّل الألفاظ الموهمة، ومفصل العبارات المجملة). وقال السيوطي: (كان إماماً محدثا، حافظا محققا، أصوليا صالحا). إلى غير ذلك من النصوص التي وردت في مصادر ترجمته، والتي تبين ثناء العلماء عليه، وتقديرهم له، وتشير إلى نبوغه في أكثر من ميدان. المناصب التي شغلها تولى ولي الدين التدريس وهو شاب في حياة أبيه وشيوخه، وكان لما عُرف عنه من سعة علم، وذكاء مفرط، أثره الجلي في تأهله لتولي تلك المناصب حتى قال أبوه ممتدحاً دروسه: [من البسيط] دروس أحمد خير من دروس أبه ... وذاك عند أبيه منتهى أربه

مصنفاته

ووصفها تلميذه الحافظ ابن فهد بقوله: (دروسه من محاسن الدروس، يجري فيها من غير تلعثم ولا تحريف). وتولى التدريس في عدد من مدارس القاهرة ودور العلم، ومن الأماكن التي درس فيها الحديث: المدرسة الظاهرية البيبرسية، والمدرسة القانبيهية، والمدرسة القراسنقرية، وجامع ابن طولون، والمدرسة الفاضلية، والمدرسة الجمالية الناصرية، وتولى مشيخة التصوف فيها، ومسجد علم دار. كما كان له مجالس للإملاء، ومجالس للتحديث في أماكن كثيرة ومختلفة، داخل القاهرة وخارجها، وقد بلغت مجالسه التي أملاها أكثر من ست مئة مجلس. أما دار الحديث الكاملية .. فعندما تولى والده قضاء المدينة عهد بها إلى ابنه، ولكن وثب عليه شيخه السراج ابن الملقن فانتزعها منه. كما عمل ولي الدين في القضاء، فناب في القضاء العماد أحمد بن عيسى الكركي في سنه نيف وتسعين وسبع مئة فمن بعده، وأضيف إليه في بعض الأوقات قضاء منوف وعملها وغير ذلك، وسار فيه سيرة حسنة، واستمر في النيابة نحو عشرين سنة، ثم تَرَفّع عن ذلك، وفرَّغ نفسه للإفتاء والتدريس والتصنيف، إلى أن اختاره الملك الظاهر ططر إلى قضاء الديار المصرية في منتصف شوال سنة أربع وعشرين وثمان مئة، وذلك عقب موت الجلال البلقيني، فسار فيه أحسن سيرة بعفة ونزاهة، وحرمة وصرامة، وشهامة ومعرفة، وكانت مدة ولايته سنة وأقل من شهرين، ففي يوم السبت سادس ذي الحجة سنة خمس وعشرين وثمان مئة، وفي عهد الملك الصالح محمد بن الظاهر ططر صُرف ولي الدين عن القضاء؛ وذلك لإقامته العدل، وعدم محاباته لأحد، وتصميمه على أمور لا يحتملها أهل الدولة، حتى شق على كثيرين، وتمالؤوا عليه. مصنفاته ذكرت مصادر ترجمته عدداً من آثاره النفيسة، وقد رتبتها على نسق حروف المعجم، وهي: - الأجوبة المرضية عن الأسئلة المكية، الواردة عليه من ابن فهد. - أخبار المدلسين. - الأربعون في الجهاد. - الإطراف بأوهام الأطراف للمزّيّ. - إكمال شرح الأحكام لوالده. - إكمال شرح والده على ترتيب المسانيد وتقريب الأسانيد.

- الأمالي في الحديث. - البيان والتوضيح لمن أخرج له في الصحيح وقد مس بضرب من التجريح. - تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي، وهو كتابنا هذا. - التحرير لما في منهاج الأصول من المعقول والمنقول. - تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل. - تحفة الوارد بترجمة الوالد. - التذكرة المفيدة. - تراجم رجال منهاج الأصول. - التعقيبات على الرافعي. - تنقيح اللباب للمحاملي، وهو اختصار لـ"لباب" المحاملي. - جمع حواشي البلقيني على الروضة. - جمع طرق حديث المهدي. - الجواهر البهية شرح الأربعين النووية. - حاشية على الكشاف للزمخشري. - الحكم بالصحة والحكم بالموجب. - حل الرموز وكشف الكنوز. - الدليل القويم على صحة جمع التقديم. - الذيل على ذيل والده على العبر للذهبي. - الذيل على ذيل والده على وفيات أبي الحسين بن أيبك الدمياطي. - الذيل على الكاشف في أسماء رجال الكتب الستة للذهبي. - شرح أبيات من ألفية والده في الحديث. - شرح سنن أبي داوود، ولم يكمله، وصل إلى أثناء سجود السهو في سبع مجلدات، وجزء الحج والصيام. - شرح الصدر بذكر ليلة القدر. - شرح قطعة من كتاب الدقائق في الرقائق. - شرح متن منهاج الأصول. - شرح منظومة الوضوء لوالده. - شرح النجم الوهاج في نظم المنهاج لوالده.

وفاته

- شرح نظم الاقتراح في الاصطلاح لوالده. - شرح نكت أبي إسحاق الشيرازي في علم الجدل. - طرح التثريب في شرح التقريب. - فتاوى، رتبها على الأبواب الفقهية. - فضل الخيل وما فيها من الخير والنيل. - فهرست مروياته على وجه الاختصار. - كتاب في الأحكام. - كتاب ما ضعف من أحاديث الصحيحين. - مختصر الكشاف للزمخشري. - مختصر المنسك الكبير لابن جماعة. - مختصر المهمات في الفقه. - المستفاد من مبهمات المتن والإسناد. - المعين على فهم أرجوزة ابن الياسمين في الجبر والمقابلة. - النكت على الإيضاح في المناسك للنووي. - النهجة المرضية شرح البهجة الوردية. - الغيث الهامع شرح جمع الجوامع. وفاته مرض بالطحال فتداوى بشرب الخل كل يوم، فعوفي وحج، ولما عُزِل .. عاد إليه وجعٌ فظنه الطحال. فتداوى بالخل فإذا به وجع الكبد، فحمي كبده، وعالجه الأطباء أزيد من شهرين، ثم عرض له وعك، وحمى عظيمة إلى أن آل أمره إلى الإسهال. ثم مات مبطوناً شهيدًا آخر يوم الخميس السابع والعشرين من شهر شعبان سنة ست وعشرين وثمان مئة، وصلي عليه صبيحة يوم الجمعة بالأزهر في مشهد حافل شهده خلق من الأمراء والقضاة، والعلماء والطلبة، ودفن إلى جانب والده بتربة طشتمر من الصحراء، وتأسف الخيرون على فقده. رحمه الله وإيانا, وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ... آمين

التعريف بكتاب "تحرير الفتاوي"

التعريف بكتاب "تحرير الفتاوي" أ - توثيق نسبة الكتاب للمؤلف أجمعت المصادر كلها على صحة نسبة كتاب "تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي" لولي الدين أبي زرعة العراقي. فقال السخاوي في ترجمته عند عدّ مصنفاته: (والنكت على المختصرات الثلاثة، جمع فيها بين نكت ابن النقيب على "المنهاج"، ونكت النشائي على "التنبيه"، و"تصحيح الحاوي" لابن الملقن، و"التوشيح" للتاج السبكي مع زيادات من كلام البلقيني وغيره، سماها "تحرير الفتاوي"). واتفقت فهارس المخطوطات -كالفهرس الشامل، وفهارس الأزهرية، ودار الكتب المصرية، وكذا كتب البيبلوجرافيا- على نسبة الكتاب لأبي زرعة العراقي. وثبت في غلات النسخ الخطية اسم الكتاب منسوباً لأبي زرعة العراقي. ونقل بعض العلماء نصوصًا من "تحرير الفتاوي" مع نسبة الكتاب لأبي زرعة العراقي، منها: قال في "الفتاوى الفقهية الكبرى": قول أبي زرعة في الكتابة في "تحريره": قوله -يعني: "المنهاج"-: (ولو قال: "كاتبتك وأنا مجنون أو محجور عليّ") أي: بسفه طارئ أو بفلس، فلو كان لصبى أو سفه مقارن للبلوغ .. لم يحتج لقوله: (إن عرف سبق ما ادعاه). وهذه مسألة (6533) بتمامها في كتاب "تحرير الفتاوي". وقال أيضاً في "الفتاوى الفقهية الكبرى": قال الولي أبو زرعة في "تحريره": صح عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام وابن دقيق العيد، وهما سيدا المتأخرين علماً وورعاً، وجاء ذكر هذا الكلام تحت مسألة (6118). وقال في "حاشية الرملي": قال ابن العراقي في "تحريره": ولذلك أفتيت في وصيين على يتيمين شرط عليهما الاجتماع على التصرف بصحة بيع عقار أحد الطفلين للطفل الآخر بشرط مباشرة أحد الوصيين الإيجاب والآخر القبول؛ فإن ذلك صادر عن رأيهما. انتهى. وجاء ذكر هذا الكلام تحت مسألة (3313). وقال في "نهاية المحتاج" تعقيباً على كلام ذكره للبلقيني: قال تلميذه العراقي في "تحريره": ومقتضاه أنه يأخذ مع الحاجة؛ إما قدر النفقة له كما رجحه الرافعي ثمَّ، أو الأقل من نفقته وأجرة مثله كما رجحه النووي، وجاء ذكر هذا الكلام تحت مسألة (3022).

ب- منهج المؤلف في "تحرير الفتاوي"

ب- منهج المؤلف في "تحرير الفتاوي" بيّن المؤلف منهجه في تأليف الكتاب فقال في مقدمته: (فهذا تعليق على "التنبيه" و"المنهاج" و"الحاوي"، محكم لتحرير الفتاوي، أذكر فيه ما يرد على العبارة، وما يجاب به عنها، وحيث أقول: (قولهم) .. فالمراد: أصحاب الكتب الثلاثة المذكورة، وإذا قلت: (قولهما) .. فمرادي: "التنبيه" و"المنهاج" إلا أن يكون ذلك بعد تنكيت على "المنهاج" و"الحاوي"، أو على "التنبيه" و"الحاوي"، وأقول: (قولهما) .. فمرادي: الكتابان المتقدم ذكرهما قبل ذلك، لا "التنبيه" و"المنهاج"، وإذا اتفقت عباراتهم في المعنى .. اكتفيت بعبارة واحد منهم، وإن تفاوتت في المعنى .. بينت التفاوت بينها، وأتبع ترتيب "المنهاج" في الأبواب والمسائل). والتزم المؤلف في كتابه بمنهجه المذكور، وكان دقيقاً في نقله لعبارات الكتب الثلاثة، ولا يذكر عبارات الكتب الثلاثة كاملة، وإنما يذكر فقط ما يريد التعليق عليه، ولا يكتفي في تنكيته بالمقارنة بين عبارة الكتب الثلاثة؛ بل يرجح مع التعليل مبيناً الأولى والأصح والأسلم من الاعتراض، وبعد أن يذكر عبارة أحد المختصرات؛ يشرع في ذكر ما يرد عليها من اعتراضات، ويجيب عنها، كما يهتم بذكر ما يدخل تحت العبارة، وما يخرج منها، وما يستثنى. واتبع في ترتيب الكتاب كما نص في مقدمته على ترتيب كتاب "منهاج الطالبين" من حيث تقسيم الكتاب إلى كتب وأبواب وفصول، والتزم فيما ذكره من عنوان الكتاب بمثل ما جاء في "المنهاج"، إلا في موضعين: أحدهما: كتاب الجراح، سماه (كتاب الجنايات)، وقال: (كذا عبر به "التنبيه" و"الروضة"، وهو أحسن من تعبير "المنهاج" و"المحرر" بالجراح؛ لأن الجناية قد تكون بغير جراح؛ كالمثقل والتجويع ونحوهما، لكن الجراح أغلب طرقها؛ فلذلك عبر به "المنهاج"). ثانيهما: كتاب الجزية، سماه (باب عقد الذمة وضرب الجزية)، وقال: (كذا في "التنبيه"، وحذف ابن يونس في "النبيه" ضرب الجزية؛ لأنها من موجبات عقد الذمة، فلا يترجم بها بابه، واقتصر "المنهاج" على الجزية). وقد يشير إلى اختلاف العناوين في "التنبيه" و"الحاوي"، ويقارنه بما أثبته هو من عنوان مطابق لـ "المنهاج"، ثم يذكر الأحسن معللاً ما رجحه. واتبع أيضاً في ترتيب المسائل داخل الكتاب أو الباب أو الفصل ترتيب "المنهاج"، والمسائل التي انفرد بها "التنبيه" أو "الحاوي" ولا توجد في "المنهاج" .. يرجئها إلى آخر الباب،

ج- مصطلحات الكتاب

ولا يذكر جميع مسائل الكتب الثلاثة؛ بل يتخير منها ما يحتاج إلى تعليق، أو تحرير، أو بيان راجح، أو تقييد مطلق، أو تفصيل مجمل. وحوى الكتاب كثيراً من المناقشات والحوارات العلمية التي جرت بينه وبين شيوخه وعلماء عصره؛ كوالده، وشيخه البلقيني، وكذا نقولات كثيرة من كتب الفتاوى، وكثيراً ما ينقل نصوصاً كاملة دون تصريح أو إشارة إلن مصدر نقله، وقد يكون نقله حرفياً؛ وبخاصة في نقله من "السراج على نكت المنهاج" لشيخه شهاب الدين ابن النقيب، وإذا كان التنكيت على "التنبيه" .. فكثيراً ما ينقل عن "نكت النبيه على أحكام التنبيه" للنشائي، ويمكن القول: إن الكتاب جامع للمختصرات الثلاثة ونكتها وتصحيحها وشروحها. وقد يرى الناظر في الكتاب لأول وهلة أن المصنف مجرد جامع لأقوال أئمة المذهب، إلا أن الدارس للكتاب والمستقرئ لمسائله يتضح له منهجية المصنف في اختياراته، وذلك بالانتقاء من آراء العلماء ونقولاتهم ما يفيد أنه الراجح عنده وإن لم يصرح به. ويعد الكتاب مرجعا لمعرفة الراجح من المذهب الشافعي؛ فقد اهتم المؤلف بذكر رأي الشيخين: الرافعي والنووي وترجيحاتهما، مضيفاً إليهما اختيارات السبكي، وهذا الذي استقر عليه المتأخرون. ومن اهتمام المؤلف بذكر رأي الرافعي والنووي أنه يعقد أحياناً مقارنة بين أقوال الرافعي في كتبه والنووي في كتبه، فيذكر كلام الرافعي مثلاً في"الشرح الكبير" ويقارنه بما في "الشرح الصغير" و"المحرر" و"التذنيب"، وكذلك في كلام النووي يعقد مقارنة بين كلامه في "التحقيق" و"شرح المهذب" و"الروضة" و"المنهاج" و"الأذكار" و"شرح مسلم". ولم يستدل المصنف بالآيات القرآنية ولا الأحاديث والآثار إلا قليلاً؛ لأن موضوع الكتاب: الجمع بين المختصرات الثلاثة، والتنكيت والتعليق عليها، وتحرير الراجح المفتى به؛ فنزّل المصنف أقوال أئمة المذهب منزلة الأدلة، وعليها يعلق، وبها يستشهد. ج- مصطلحات الكتاب وتنقسم إلى: مصطلحات خاصة بكتب الشافعية، ومصطلحات خاصة بالمؤلف في كتابه "تحرير الفتاوي". أولًا: مصطلحات كتب الشافعية: - الأقوال: هي اجتهادات الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، سواء كانت قديمة أو جديدة. - القول القديم: هو ما قاله الإمام الشافعي قبل انتقاله إلى مصر تصنيفاً أو إفتاء، سواء أكان رجع عنه -وهو الأكثر- أم لم يرجع عنه، ويسمى أيضًا بالمذهب القديم.

وأبرز رواته الزعفراني والكرابيسي وأبو ثور. - القول الجديد: هو ما قاله الشافعي بمصر تصنيفا أو إفتاء، ويسمى بالمذهب الجديد. وأبرز رواته: البويطي والمزني والربيع المرادي. - الأظهر: هو الرأي الراجح من القولين أو الأقوال للإمام الشافعي، وذلك إذا كان الاختلاف بين القولين قويا، بالنظر إلى قوة دليل كل منهما، وترجح أحدهما على الآخر، فالراجح من أقوال الإمام الشافعي حينئذ هو الأظهر. ويقابله الظاهر الذي يشاركه في الظهور، لكن الأظهر أشد منه ظهوراً في الرجحان. - المشهور: هو الرأي الراجح من القولين أو الأقوال للإمام الشافعي، وذلك إذا كان الاختلاف بين القولين ضعيفاً، فالراجح من أقوال الإمام الشافعي حينئذ هو المشهور. ويقابله الغريب الذي ضعف دليله. - الأصحاب: هم فقهاء الشافعية الذين بلغوا في العلم مبلغاً عظيمًا حتى كانت لهم اجتهاداتهم الفقهية الخاصة، التي خرّجوها على أصول الإمام الشافعي واستنبطوها من خلال تطبيق قواعده؛ وهم في ذلك منسوبون إلى الإمام الشافعي ومذهبه، ويسمون أصحاب الوجوه. - الوجوه (الأوجه): هي اجتهادات الأصحاب المنتسبين إلى الإمام الشافعي ومذهبه، التي استنبطوها على ضوء الأصول العامة للمذهب، والقواعد التي رسمها الإمام الشافعي، وهي لا تخرج عن نطاق المذهب. - الطرق: يطلق هذا الاصطلاح على اختلاف الأصحاب في حكاية المذهب. كأن يقول بعضهم: في المسألة قولان، ويقول آخرون: لا يجوز إلا قول واحد أو وجه واحد. أو يقول أحدهم: في المسألة تفصيل، ويقول الآخر: فيها خلاف مطلق. ونحو ذلك من الاختلاف. - المذهب: يطلق على الرأي الراجح في حكاية المذهب، وذلك عند اختلاف الأصحاب في حكايته بذكرهم طريقين أو أكثر، فيختار المصنف ما هو الراجح منها ويقول: على المذهب ... - الأصح: هو الرأي الراجح من الوجهين أو الوجوه لأصحاب الإمام الشافعي، وذلك إذا كان الاختلاف بين الوجهين قوياً، بالنظر إلى قوة دليل كل منهما، وترجّح أحدهما على الآخر، فالراجح من الوجوه حينئذ هو الأصح. ويقابله الصحيح الذي يشاركه في الصحة، لكن الأصح أقوى منه في قوة دليله فترجّح عليه لذلك.

- الصحيح: هو الرأي الراجح من الوجهين أو الوجوه لأصحاب الإمام الشافعي، وذلك إذا كان الاختلاف بين الوجهين ضعيفًا، بأن كان دليل المرجوح منهما في غاية الضعف، فالراجح من الوجوه حينئذ هو الصحيح. ويقابله الضعيف أو الفاسد، ويعبّر عنه بقولهم: وفي وجه كذا ... - النص: هو القول المنصوص عليه في كتاب الإمام الشافعي، وسمي نصا؛ لأنه مرفوع القدر بتنصيص الإمام عليه، ويقابله القول المخرّج. - التخريج: هو أن يجيب الشافعي بحكمين مختلفين في صورتين متشابهتين ولم يظهر ما يصلح للفرق بينهما، فينقل الأصحاب جوابه في كل صورة إلى الأخرى، فيحصل في كل صورة منهما قولان: منصوص ومخرج، المنصوص في هذه هو المخرج في تلك، والمنصوص في تلك هو المخرج في هذه، فيقال فيهما قولان بالنقل والتخريج. والغالب في مثل هذا عدم إطباق الأصحاب على التخريج، بل منهم من يخرّج، ومنهم من يبدي فرقا بين الصورتين، والأصح أن القول المخرج لا ينسب للشافعي؛ لأنه ربما روجع فيه، فذكر فرقاً. - الأشبه: هو الحكم الأقوى شبها بالعلة، وذلك فيما لو كان للمسألة حكمان مبنيان على قياسين، لكن العلة في أحدهما أقوى من الآخر. - الاختيار والمختار: ما استنبطه المجتهد باجتهاده من الأدلة الأصولية. - التفريع: هو أن يثبت لمتعلق أمر حكم بعد إثباته لمتعلق له آخر على وجه يشعر بالتفريع والتعقيب. - العراقيون: هم الطائفة الكبرى في الاهتمام بفقه الشافعي ونقل أقواله، ويقال لهم أيضًا: البغداديون؛ لأن معظمهم سكن بغداد وما حولها. ومدار طريقة العراقيين وكتبهم أو جماهيرهم مع جماعات من الخراسانيين على الشيخ أبي حامد الإسفراييني (ت 406 هـ) و"تعليقته"؛ وهو شيخ طريقة العراقيين، وعنه انتشر فقههم، انتهت إليه رياسة المذهب الشافعي ببغداد، واشتهرت طريقتهم في تدوين الفروع بطريقة العراقيين، وتمتاز طريقة العراقيين بأنها أتقن في نقل نصوص الشافعي، وقواعد مذهبه، ووجوه متقدمي الأصحاب، وأثبت من نقل الخراسانيين غالبًا. - الخراسانيون: هم الطائفة الكبرى بعد العراقيين في الاهتمام بفقه الشافعي ونقل أقواله، ويقال لهم أيضاً: المراوزة؛ لأن شيخهم ومعظم أتباعهم مراوزة؛ فتارة يقال لهم: الخراسانيون، وتارة: المراوزة، وهما عبارتان بمعنى واحد، ومدار طريقة الخراسانيين على القفال الصغير، وهو عبد الله بن أحمد المروزي (ت 417 هـ)، المتكرر ذكره في كتب متأخري الخراسانيين؛ لأنه

الأشهر في نقل المذهب؛ فهو شيخ طريقة الخراسانيين، الذي انتهت إليه رياسة المذهب في عصره، فسلك طريقة أخرى في تدوين الفروع، واشتهرت طريقتهم في تدوين الفروع بطريقة الخراسانيين، وكان اشتهارها في القرن الرابع والخامس الهجريين، وتمتاز طريقة الخراسانيين بأنها أحسن تصرفاً وبحثاً وتفريعاً غالباً. - صيغ التضعيف: يستعمل فقهاء الشافعية في مصنفاتهم عدداً من المصطلحات الخاصة ببيان ضعف الاجتهادات الفقهية، أو ضعف أدلتها، ومن أبرزها: قولهم: زعم فلان ... : فهو بمعنى قال. إلا أنه أكثر ما يستعمل فيما يشك فيه. قولهم: إن قيل، أو قيل كذا، أو قيل فيه ... : فهي لإشارة إلى ضعف الرأي المنقول، أو ضعف دليله. قولهم: وهو محتمل: فإن ضبطوها بفتح الميم الثانية (محتمَل) .. فهو مُشعر بالترجيح؛ لأنه بمعنى قريب. وإن ضبطوها بكسر الميم الثانية (محتمِل) .. فلا يُشعر بالترجيح؛ لأنه بمعنى ذي احتمال؛ أي قابل للتأويل. قولهم: وقع لفلان كذا: فإن صرحوا بعده بتضعيف أو ترجيح -وهو الأكثر- .. فهو كما قالوا، وإن لم يصرِّحوا .. كان رأياً ضعيفاً. قولهم: (إن صح هذا .. فكذا): فهو عند عدم ارتضاء الرأي. - صيغ التوضيح: يستعمل فقهاء الشافعية بعض التعبيرات بقصد توضيح مرادهم، أو التنبيه على أمور دقيقة، ومن أبرز هذه التعبيرات: قولهم: محصل الكلام: هو إجمال بعد تفصيل في عرض المسألة. قولهم: حاصل الكلام: هو تفصيل بعد إجمال في عرض المسألة. قولهم: تحريره أو تنقيحه: يستعملها أصحاب الحواشي والشروح للإشارة إلى قصور في الأصل، أو إلى اشتماله على الحشو، وأحياناً يستعملونها لزيادة توضيح. قولهم في ختام الكلام: تأمل: فهو إشارة إلى دقة المقام أو إلى خدش فيه، والسياق هو الذي يبين أي المعنيين قصده المصنف. قولهم: اعلم: لبيان شدة الاعتناء بما بعده من تفصيل للآراء وأدلتها. قولهم: لو قيل كذا .. لم يَبعُد، وليس ببعيد، أو لكان قريباً، أو هو أقرب: فهذه كلها من صيغ الترجيح. وقول الرافعي والنووي: وعليه العمل؛ فهي صيغة ترجيح أيضاً.

ثانيا: المصطلحات الخاصة بالمؤلف في كتابه "تحرير الفتاوي"

قولهم: اتفقوا، وهذا مجزوم به، وهذا لا خلاف فيه: كلها تعني اتفاق فقهاء المذهب الشافعي، دون غيرهم من المذاهب الفقهية. أما قولهم: هذا مجمعٌ عليه: فيستعملونها في الدلالة على مواطن الإجماع بوصفه المصدر الثالث للتشريع الإسلامي، كما عرّفه علماء أصول الفقه؛ أي اتفاق أئمة الفقه عموما في حكم مسألة. قولهم: ينبغي: يستعملونها للدلالة على الوجوب تارة، وعلى الندب تارة أخرى، والسياق هو الذي يبين أي المعنيين قصد المصنف. وكذا قولهم: لا ينبغي: فتستعمل للتحريم وللكراهة. ثانياً: المصطلحات الخاصة بالمؤلف في كتابه "تحرير الفتاوي": - قولهم: المراد: أصحاب الكتب الثلاثة "التنبيه"، و"المنهاج"، و"الحاوي". - قولهما: أي "التنبيه" و"المنهاج"، إلا أن يكون بعد تنكيت على "المنهاج" و "الحاوي" أو على "التنبيه" و"الحاوي" .. فيعود إليهما. - قوله: يعود على ما سبق ذكره من الكتب الثلاثة؛ أي "التنبيه" أو "المنهاج" أو "الحاوي". - فيه أمور: يذكرها المصنف بعد عبارة الكتب الثلاثة، ثم يذكر بعدها ما ظهر له من استدراك أو تعليق. - الشيخ: المراد به: الشيرازي في "التنبيه". - المصنف: المراد به: النووي في "المنهاج". - قلت، عندي: يصدر بها المصنف عادة ترجيحاته، وهي تختم عادة بقوله: والله أعلم. - شيخنا: المراد: شيخه سراج الدين البلقيني. - شهاب الدين: المراد: شهاب الدين بن النقيب. * * *

وصف النسخ الخطية

وصف النسخ الخطية يسر الله لنا الحصول على خمس نسخ خطية للكتاب، وبيانها كالآتي: النسخة الأولى: نسخة المكتبة الأزهرية في مجلدين، ناقصة الآخر. الرقم الخاص (816)، والرقم العام (6021) فقه شافعي. ناسخها: لم يذكر. تاريخ نسخها: (822 هـ) أي في حياة المصنف. نوع الخط: خط نسخ معتاد قديم. عدد الأوراق: يقع المجلد الأول في (302) ورقة، والمجلد الثاني في (271) ورقة، ينتهي بنهاية النفقات. عدد الأسطر في كل صفحة: (31) سطراً. متوسط عدد الكلمات في كل سطر: (15) كلمة تقريباً. وكتب على غلافها: "تعليق على التنبيه والمنهاج والحاوي"، وكتب على الغلاف أيضاً: من عهدة الشنواني، وعليه ختم المكتبة الأزهرية. وجاء في خاتمة المجلد الأول: (تم الجزء الأول بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، يتلوه أول الجزء الثاني كتاب النكاح، ووافق الفراغ من تعليقه في الثامن والعشرين من شهر ذي القعدة من شهور سنة اثنين وعشرين وثمان مئة). ومما يميز هذه النسخة أنها نسخت في حياة المؤلف، وكتب في حاشيتها في أكثر من موضع بخط المؤلف: (تم بلغ سماع بحث ومقابلة بالأصل. كتبه مؤلفه)، والذي أكد لي أنه خط المؤلف أنني وقفت على نسخة الظاهرية لكتاب "مختصر المهمات" للمؤلف، وكتبت في حياة المؤلف أيضاً، ووجدت في حاشيتها نفس العبارة المتقدمة بنفس الخط. ورمزت لهذه النسخة بالرمز (أ). * * * النسخة الثانية: نسخة المكتبة الأزهرية، وهي نسخة كاملة. الرقم الخاص (1044)، والرقم العام (9926) فقه شافعي.

ناسخها: عبيد بن محمد بن إبراهيم الهيني الشافعي. تاريخ نسخها: (880 هـ). نوع الخط: خط نسخ معتاد قديم. عدد الأوراق: (433) ورقة. عدد الأسطر في كل صفحة: مسطرته مختلفة، ما بين (33) إلى (38)، قد يزيد أو ينقص. متوسط عدد الكلمات في كل سطر: (19) كلمة تقريباً. وكتب على غلافها: كتاب "تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي" تأليف الإمام العالم العلامة، العمدة الفهامة، المتقن الورع الزاهد، ولي الدين أبي زرعة أحمد ابن الشيخ الإمام العلامة زين الدين أبي الفضل عبد الرحيم العراقي الشافعي تغمده الله برحمته ورضوانه، آمين. وكتب على الغلاف أيضاً: من عهدة الدمنهوري. وعليه ختم المكتبة الأزهرية، وختم آخر غير واضح. وكتب على ورقة بين الجزء الأول والجزء الثاني: وقف هذا الكتاب شيخ الإسلام الشيخ أحمد الدمنهوري، وجعل مقره بخزانته الكائنة بالمقصورة بالأزهر. وجاء في خاتمة هذه النسخة: هذا آخر ما جمعه سيدنا ومولانا شيخ الإسلام، وبقية المجتهدين الأعلام، ولي الدين، أبو زرعة، أحمد بن العراقي الشافعي من "تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي" شكر الله الكريم سعيه على جمع هذه العلوم الباهرة، والمحاسن الظاهرة، والخيرات المتكاثرة، أمتعنا الله بعلومه في الدنيا والآخرة، وجمعنا عليه بدار الكرامة في الآخرة. وكان الفراغ من كتابته في السادس عشر من جماد الأول سنة ثمانين وثمان مئة، علقه لنفسه فقير رحمة ربه العبد المعترف بالتقصير، الراجي من عفو ربه الكريم وشفاعة سيد المرسلين ما يعين على العفو والمسامحة (؟ ) برضا الكريم بشفاعة الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً: عبيد بن محمد بن إبراهيم بن (؟ ) بن عبد المحسن بن الفقي محمد، الهيني مولداً، الشافعي مذهباً، الشبني نسباً، غفر الله له ولوالديه ولأولاده ولإخوانه وأخواته ولمشايخه ولمشايخ مشايخه ولأقرانهم ولطلبتهم ولجميع المسلمين. آمين آمين آمين. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وحسبنا الله ونعم الوكيل. ورمزت لهذه النسخة بالرمز (ب). * * *

النسخة الثالثة

النسخة الثالثة: نسخة المكتبة الأزهرية، وهي نسخة كاملة. الرقم الخاص (2825) إمبابي، والرقم العام (48304) فقه شافعي. ناسخها: لم يذكر. تاريخ نسخها: لم يذكر. نوع الخط: خط نسخ معتاد. عدد الأوراق: (482) ورقة. عدد الأسطر في كل صفحة: (40) سطراً. متوسط عدد الكلمات في كل سطر: (18) كلمة تقريباً. وكتب على غلافها: كتاب "تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي" تأليف ولي الدين، أبي زرعة، أحمد ابن الشيخ الإمام العلامة زين الدين، أبي الفضل، عبد الرحيم العراقي الشافعي، تغمده الله تعالى برحمته. وعليه ختم المكتبة الأزهرية. وجاء في الحاشية في أكثر من موضع أنه تم مقابلته بأصل مؤلفه رحمه الله تعالى. وجاء في خاتمة هذه النسخة: هذا آخر ما تيسر تعليقه على هذه المؤلفات النافعة، نفع الله به جامعه ومطالعه، وجعله جُنة للعذاب دافعة، ونختم بما بدأنا به من الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وصحبه أجمعين. وفيت هذه النسخة من نسخة الشيخ الخفاجي بآخر المحرم، والله أعلم. ورمزت لهذه النسخة بالرمز (ج). * * * النسخة الرابعة: نسخة دار الكتب المصرية، وهي نسخة كاملة. الرقم الخاص (60)، والرقم العام (2770) فقه شافعي، فيلم رقم (6864). ناسخها: محمد بن محمد أبي بكر بن خالد البلبيسي. تاريخ نسخها: (881 هـ). نوع الخط: خط نسخ معتاد. عدد الأوراق: (488) ورقة. عدد الأسطر في كل صفحة: (35) سطراً.

النسخة الخامسة

متوسط عدد الكلمات في كل سطر: (20) كلمة تقريباً. وكتب على غلافها: "تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي" للشيخ العراقي الشافعي. وعليها ختم غير واضح. وجاء في خاتمة هذه النسخة: هذا آخر ما تيسر تعليقه على هذه المؤلفات النافعة، نفع الله به جامعه ومطالعه، وجعله جُنة للعذاب دافعة، ونختم بما بدأنا به من الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وصحبه أجمعين. وكان الفراغ من كتابته عشية الجمعة الثامن من شوال سنة سبع عشرة وثماني مئة، بيد مؤلفه الفقير إلى رحمة ربه أحمد بن عبد الرحيم بن العراقي الشافعي، لطف الله به وبوالديه ومشايخه آمين، كذا في الأصل المنقول منه هذه النسخة إلا أوائلها وبعض مواضع منها في أثنائها. وكان الفراغ منها في عاشر شهر شعبان الكريم سنة أحد وثمانين وثماني مئة على يد كاتبها الفقير إلى الله تعالى محمد بن محمد أبي بكر بن خالد البلبيسي والده شهرة، غفر الله له ولمن كتبت له ولوالديهما ولمن دعا لهم بالمغفرة والمسلمين. آمين. ورمزت لهذه النسخة بالرمز (د). * * * النسخة الخامسة: نسخة المكتبة الملكية الدانمركية ناسخها: لم يذكر. تاريخ نسخها: لم يذكر. نوع الخط: خط نسخ جميل. عدد الأوراق: (250) ورقة. عدد الأسطر في كل صفحة: (29) سطراً. متوسط عدد الكلمات في كل سطر: (15) كلمة تقريباً. وكتب على غلافها: النصف الأول من كتاب "تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي" للشيخ الإمام العالم العلامة، الحبر البحر الفهامة، نووي عصره، ولوذعي دهره، الشيخ المحاملي الشافعي نفعنا الله به وبعلومه وبخلواته وجلواته نحن وإخواننا المسلمين أجمعين. آمين آمين آمين. وكتب على الغلاف أيضاً: آل بالشراء الشرعي لمالكه المفتقر إلي عفو مولاه محمد بن المرحوم

الشيخ عمر بن الشيخ أبي بكر، المكنى بابن البلاط العمري، ثم الشافعي، غفر الله له ولوالديه والمسلمين أجمعين. آمين. سنة (1198 هـ). وكتب على الحاشية ما يفيد أن هذه النسخة مقابلة على نسخة أخرى؛ فجاء في أكثر من موضع قوله: (بلغ مقابلة حسب الطاقة). وجاء في خاتمة هذه النسخة: نجز الجزء الأول من "تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي" ولله الحمد والمنة على كل حال. ويتلوه في الجزء الثاني إن شاء الله تعالى كتاب الإقرار. ورمزت لهذه النسخة بالرمز (هـ). * * *

منهج العمل في الكتاب

منهج العمل في الكتاب - نسخ المخطوط، وكتابته على حسب القواعد الإملائية، والهدف المرجو من التحقيق هو تقديم المخطوطة صحيحة سليمة؛ لهذا فقد بذلت كل ما في وسعي من جهد، وقدمت كل ما لدي من طاقة لإعادة النص إلى طبيعته الأولى التي أرادها المؤلف، واضعاً في اعتباري الأمانة والدقة والحذر في كل ما أقوم به من عمل لإخراجه، والمعروف أن إعادة النص إلى أصله أصعب من إنشاء أصل جديد، يقول الجاحظ في ذلك: (لربما أراد مؤلف كتاب أن يصلح تصنيفاً أو كلمة ساقطة، فيكون إنشاء عشر ورقات من جمال اللفظ وشريف المعاني أيسر عليه من إتمام ذلك النص، حتى يرده إلى موضعه من اتصال الكلام) (¬1). - مقابلة ما تمت كتابته على النسخ المخطوطة، وعدم الإشارة إلى فروق النسخ والسقط الحاصل في بعضها، مع اعتماد الكلمة الأصح في أيّ النسخ كانت، دون تعليق إلا إذا كان ضرورياً. - وضع علامات الترقيم على المنهج المتبع في الدار. - وضع نصوص الكتب الثلاثة بين قوسين وتسويدها؛ لتمييزها عن تعليق المصنف، وأقوال من يستدل المصنف بأقوالهم. - ترقيم مسائل الكتاب. - وضع قوسين صغيرين: " " لأسماء الكتب المذكورة في المتن، أو في المصادر التي رجعنا إليها في التحقيق. - ضبط ما يحتاج لضبط من الكلمات بالقدر الذي يزيل اللبس، ويدفع الإبهام. - تفسير بعض الألفاظ الصعبة الواردة في الكتاب باختصار، حتى لا يثقل الكتاب بالهوامش، وبيان بعض المصطلحات الفقهية. - تخريج الآيات القرآنية. - تخريج الأحاديث النبوية. - توثيق النقول والأقوال من مصادرها الأصلية المطبوعة، مع توثيق أقوال النشائي من مخطوط "نكت النبيه على أحكام التنبيه" نسخة المكتبة الأزهرية. هذا؛ وما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء. ¬

_ (¬1) الحيوان (1/ 79).

وفي الختام

وفي الختام: أسأل الله أن يتم علينا نعمه، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين كَتَبَهُ! أبو محمّد عبد الرّحمن بن فهمي الزَّواويّ عفا الله عنه ... آمين

صور المخطوطات المستعان بها

راموز ورقة العنوان لِلنّسخة (أ) راموز الورقة الأولى لِلنّسخة (أ)

راموز الورقة الأخيرة لِلنّسخة (أ) راموز ورقة العنوان للنّسخة (ب)

راموز الورقة الأولى للنّسخة (ب) راموز الورقة الأخيرة للنّسخة (ب)

راموز ورقة العنوان للنّسخة (ج) راموز الورقة الأولى للنّسخة (ج)

راموز الورقة الأخيرة للنّسخة (ج) راموز ورقة العنوان للنّسخة (د)

راموز الورقة الأولى للنّسخة (د) راموز الورقة الأخيرة للنّسخة (د)

راموز ورقة العنوان للنّسخة (هـ) راموز الورقة الأولى للنّسخة (هـ)

راموز الورقة الأخيرة للنّسخة (هـ)

تحرير الفتاوي على «التنبيه» و «المنهاج» و «الحاوي» المسمى النكت على المختصرات الثلاث تأليف الإمام الحافظ الفقيه الأصولي ولي الدين أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي الكردي المهراني القاهري الشافعي - رحمه الله تعالى - (762 هـ - 826 هـ)

[خطبة الكتاب]

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم ربِّ تَمّمِ وأعن [خُطبَةُ الكِتَاب] قال الشيخ الإمام العالم العلامة بقية الحفاظ وشيخ المحدثين ورحلة الطالبين شيخ الإسلام ولي الدين أبو زرعة أحمد ابن الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام زين الدين أبي الفضل عبد الرحيم العراقي الشافعي، نفع الله به في الدنيا والآخرة، آمين. أما بعد: حمداً لله على التنبيه على المنهاج، والصلاة والسلام على النبي العربي والآل والصحب والأزواج، فهذا تعليق على "التنبيه" و"المنهاج" و"الحاوي"، محكم لتحرير الفتاوي، أذكر فيه ما يرد على العبارة، وما يجاب به عنها، وحيث أقول: (قولهم) .. فالمراد: أصحاب الكتب الثلاثة المذكورة، وإذا قلت: (قولهما) .. فمرادي: "التنبيه" و"المنهاج"، إلا أن يكون ذلك بعد تنكيت على "المنهاج" و"الحاوي"، أو على "التنبيه" و"الحاوي"، وأقول: (قولهما) .. فمرادي: الكتابان المتقدم ذكرهما قبل ذلك، لا "التنبيه" و "المنهاج"، وإذا اتفقت عباراتهم في المعنى .. اكتفيت بعبارة واحد منهم، وإن تفاوتت في المعنى .. بينت التفاوت بينها، وأتبع ترتيب "المنهاج" في الأبواب والمسائل، وأتوسل إلى الله تعالى في القبول بأحسن الوسائل. وسميته: "تحرير الفتاوي على التّنبيه والمنهاج والحاوي"

كتاب الطهارة

كتابُ الطهارة 1 - قول "المنهاج" [ص 67]: (يشترط لرفع الحدث والنجس: ماء مطلق) فيه أمور: أحدها: أنه عدل عن قول "المحرر": (لا يجوز) (¬1) وهي عبارة "التنبيه" (¬2)؛ لأنه لا يلزم من عدم الجواز الاشتراط، قاله في "الدقائق" (¬3)، لكنه أجاب عنه في "شرح المهذب": بأن الجواز يصلح للحل وللصحة ولهما، وهو هنا لهما. انتهى (¬4). وهو مبني على استعمال المشترك في معنييه، وحينئذ فعبارة "المحرر" و"التنبيه" أولى؛ لدلالتها عليهما بالمنطوق. ثانيها: يرد على مفهوم قوله: (لرفع الحدث) طهارة دائم الحدث، والوضوء المجدد، والأغسال المسنونة، والمضمضة، والاستنشاق، والتثليث، وغسل الميت، وغسل الذمية والمجنونة؛ لتحل للزوج؛ فإنها طهارات لا ترفع الحدث، ويشترط لها الماء، فلو قال: (ونحوه) .. لتناول هذه الأمور، لكن يرد عليه: التيمم، وهو أخف إيراداً، وهذا وارد أيضاً على قول "التنبيه" [ص 13]: (ولا يجوز رفع حدث) وعلى قول "الحاوي" [ص 115]: (كالحدث الخبث). ثالثها: لو قال: (وإزالة النجس) كما فعل في "التنبيه" (¬5) .. لكان أولى؛ لأن النجس لا يوصف بالرفع في الاصطلاح، لكن سهله تقدم الحدث عليه. 2 - قول "الحاوي" [ص 115]: (رافعه ماء طاهر) يتناول ما إذا أغلى ماء فرشح بخاره، وهو ما نقله في "الروضة" عن اختيار صاحب "البحر" (¬6)، وصححه في "شرح المهذب" (¬7)، لكن نقل الرافعي في "الشرح الصغير" عن عامة الأصحاب: أنه غير طهور. 3 - قول "التنبيه" في تفسير المطلق [ص 13]: (على أي صفة كان من أصل الخلقة)، قال في "شرح المهذب" وغيره: إنه فاسد، وصحح أنه ما يقع عليه اسم ماء بلا قيد (¬8)، وعليه مشى ¬

_ (¬1) المحرر (ص 7). (¬2) التنبيه (ص 13). (¬3) الدقائق (ص 31). (¬4) المجموع (1/ 79). (¬5) التنبيه (ص 13). (¬6) الروضة (1/ 12، 13)، وانظر "بحر المذهب" (1/ 54). (¬7) المجموع (1/ 98). (¬8) المجموع (1/ 80).

"المنهاج" تبعاً "للمحرر" (¬1)، ولا حاجة لتقييد القيد بكونه لازماً، كما في "الروضة" حيث قال: (هو العاري عن الإضافة اللازمة) (¬2) لأن القيد الذي ليس بلازم؛ كماء البئر مثلاً .. ينطلق اسم الماء بدونه، فلا حاجة للاحتراز عنه، وإنما يحتاج إلى القيد في جانب الإثبات؛ كقولنا: (غير المطلق هو: المقيد بقيد لازم). 4 - قول "التنبيه" [ص 13]: (وإذا تغير الماء بمخالطة طاهر يستغني الماء عنه؛ كالزعفران، والأشنان .. لم تجز الطهارة به) فيه أمران: أحدهما: دخل فيه التغير اليسير، والأصح: خلافه، فلا بد من تقييده بكونه يمنع إطلاق اسم الماء، كما فعل في "المنهاج" (¬3). نعم؛ لو وقع في ماء غير متغير، وتغير به .. ضر، كما قاله ابن أبي الصيف في "نكته" لأنه تغير بما يمكن الاحتراز عنه، وهو الخلط، وفيه نظر. ثانيهما: يستثنى من كلامه وكلام "المنهاج": المتغير بأوراق الشجر المتناثرة، وبالملح المائي على الأصح فيهما، ولا يرد عليهما المتغير بالتراب؛ لخروجه بقول "التنبيه" [ص 13]: (طاهر) فإنه طهور، وصرح به في "المنهاج" (¬4). 5 - قول "التنبيه" [ص 13]: (وإن تغير بما لا يختلط به .. جازت الطهارة به في أحد القولين) هو الأصح. 6 - قول "المنهاج" [ص 67]: (وطحلب وما في مقره، وممره) أي: من زرنيخ (¬5) ونحوه، يشترط: اتصاله به، فلو أخرج منه الطحلب والزرنيخ ونحوهما، ودق ناعماً، وألقي فيه، فغيره .. فالأصح في "شرح المهذب" وغيره: أنه يضر (¬6). 7 - قولهما في المجاور (¬7): (كعود ودهن) (¬8) كذا أطلق الرافعي وغيره (¬9)، وقيدهما جماعة ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 67)، وانظر "المحرر" (ص 7). (¬2) الروضة (1/ 7). (¬3) المنهاج (ص 67). (¬4) المنهاج (ص 67). (¬5) الزرنيخ: أعجمي فارسي معرب، وهو عنصر شبيه بالفلزات، له بريق الصلب ولونه، ومركباته سامة، ويستخدم في الطب وقتل الحشرات. انظر "المصباح" مادة (ز ر ن خ). (¬6) المجموع (1/ 103). (¬7) المجاور: هو ما يمكن فصله، أو ما يتميز في رأي العين، وعكسه المخالط. انظر "حاشية قليوبي وعميرة على كنز الراغبين" (1/ 22). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 13)، و "المنهاج" (ص 67). (¬9) انظر "فتح العزيز" (1/ 18).

تبعاً "للأم" بالمطيبين (¬1)، وأطلق في "المهذب" العود وقيد الدهن (¬2)، وعكس غيره. 8 - قول "المنهاج" [ص 67] و"الحاوي" [ص 115]: (أو بتراب طرح) لم يقيداه بالقصد، وقيده بذلك في "الروضة" و"شرح المهذب" (¬3)، تبعا للرافعي في "شرحيه" (¬4)، قيل: والأول أولى، حتى لو طرحه شخص بلا قصد، أو قصد طرحه على الشط، فوقع في الماء، أو طرحه من لا تمييز له .. كان كذلك. 9 - قول "المنهاج" في المسألة [ص 67]: (في الأظهر) فيه أمران: أحدهما: تبع "المحرر" في جعل الخلاف قولين (¬5)، والمرجح في "الشرح" و"الروضة": كونهما وجهين (¬6). ثانيهما: محل الخلاف: في غير النجاسة الكلبية؛ فإنه لا بد فيها من تكرير إحدى الغسلات به، فلو أزال طهوريته .. لم يستعمل فيه لذلك. 10 - قول "الحاوي" [ص 115]: (وتراب وإن طرح، وملح ماء) قد يفهم أن الملح المائي يضر مع الطرح، فلو أخر قوله: (وإن طرح) حتى يعود إليهما .. لكان أحسن، وكأنه إنما صرح به في التراب فقط؛ لاختصاصه بالخلاف، على أن شيخنا الإمام جمال الدين قال في "المهمات": (إن المتجه: ما اقتضته عبارة "الحاوي" لأن حمل التراب بإثارة الريح كثير، بخلاف الملح). 11 - قول "التنبيه" [ص 13]: (وتكره الطهارة بما قصد إلى تشميسه) فيه أمور: أحدها: أنه ظاهر في اعتبار القصد، وهو وجه، الأصح: خلافه، ويمكن تأويله على أن المراد: ما يمكن قصد تشميسه عادة -كماء الجرة ونحوها- وإن لم يقصد؛ لتخرج الأنهار والبرك. ثانيها: أن الكراهة لا تختص بالطهارة، بل تعم ملاقاة البدن في طهارة حدث، وخبث، وتنظف، وتبرد، وشرب، وغير ذلك، صرح به الماوردي والروياني وغيرهما (¬7). ثالثها: أنه شامل لإزالة النجاسة ولو في الثوب، مع أن الكراهة مختصة بالبدن. ويرد على إطلاقهما كراهة المشمس أمور: أحدها: الأصح: اختصاص الكراهة بالبلاد الحارة، والأواني المنطبعة، وإليه الإشارة بقول ¬

_ (¬1) الأم (1/ 7). (¬2) المهذب (1/ 5). (¬3) الروضة (1/ 11)، المجموع (1/ 102). (¬4) فتح العزيز (1/ 24). (¬5) المحرر (ص 7). (¬6) فتح العزيز (1/ 24)، الروضة (1/ 11). (¬7) الحاوي الكبير (1/ 43)، بحر المذهب (1/ 52).

"الحاوي" [ص 116]: (منطبع بقطر حار) لكن يستثنى من المنطبع: إناء الذهب والفضة، فلا يكره المشمس فيه، كما نقله الرافعي عن بعضهم (¬1)، وجزم به في "الروضة" (¬2)، ونقله ابن الصلاح في "مشكل الوسيط" عن الصيدلاني (¬3)، ونقل عن الجويني: أن حكمهما كغيرهما (¬4). ثانيها: أن عبارتهما تقتضي أنه لو تشمس بنفسه .. لم يكره؛ لأن التشميس يستدعي شخصاً مشمِّساً، مع أن الكراهة ثابتة سواء تشمس بنفسه أو بتشميس غيره له (¬5)؛ ولذلك عبر في "الحاوي" بقوله [ص 115]: (متشمس) بزيادة تاء. ثالثها: أن عبارتهما شاملة لباقي الحرارة وزائلها، وهو المصحح في "الشرح الصغير"، لكن صحح في "الروضة": زوال الكراهة عند زوالها (¬6)، وهذا وارد على "الحاوي" أيضاً. رابعها: اختار النووي من جهة الدليل عدم الكراهة مطلقاً، وقال: (ليس للكراهة دليل يعتمد) (¬7)، ونقله صاحب "الإقليد" عن نص الشافعي. 12 - قول "المنهاج" [ص 67]: (والمستعمل في فرض الطهارة -قيل: ونفلها- غير طهور في الجديد) فيه أمور: أحدها: في قوله: (فرض الطهارة) نظر؛ فإن الوضوء المجدد، والغسل المسنون طهارتان لكل منهما فرض وسنة، فيصدق على المرة الأولى منهما أنها فرض الطهارة، وليست محل جزم على الجديد، بل هي من محال الوجهين فيما أدى به عبادة غير مفروضة، فالأولى أن يقال: (في رفع الحدث أو النجس) كما في "الروضة" (¬8)، أو (المستعمل في فرض الطهارة المفروضة). ثانيها: قوله: (قيل: ونفلها) قال الشيخ برهان الدين بن الفركاح في "حواشيه": (هذه عبارة قاصرة؛ فإنه إن أراد حكاية وجه في أن المستعمل في النفل غير طهور كالمستعمل في الفرض .. كان كلامه مشتملاً به على نقل شيئين: أحدهما: أن المستعمل في الفرض غير طهور، لا غير. والثاني: أن المستعمل في أيهما كان غير طهور؛ أي: سواء استعمل في فرض أو نفل، ويلزم ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (1/ 21). (¬2) الروضة (1/ 11). (¬3) مشكل الوسيط (1/ 132، 133). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (1/ 19). (¬5) قال ابن هشام: (قد أولع الفقهاء وغيرهم بأن يقولوا: سواء كان كذا أو كذا، وهو نظير قولهم: يجب أقل الأمرين من كذا أو كذا، والصواب: العطف في الأول بأم وفي الثاني بالواو). انظر "مغني اللبيب" (ص 63). (¬6) الروضة (1/ 11). (¬7) الروضة (1/ 11)، وانظر "المجموع" (1/ 130، 131). (¬8) الروضة (1/ 7).

منه أن المستعمل في غسل الذمية لتحل للمسلم: غير طهور قطعاً، أما على الراجح: فلكونه مستعملاً في فرض، وأما على الثاني: فلوجود أحد الأمرين وهو: الاستعمال في فرض، وإن أراد معنى آخر .. فلا بد من بيانه. ولو قال: "وقيل: في عبادتها" .. لحصل الغرض؛ فإنه يحصل منه شيئان: أحدهما: أن المستعمل في فرض الطهارة غير طهور، لا غير. والثاني: أن المستعمل في عبادة الطهارة غير طهور، لا غير. فعلى الأول: المستعمل في غسل الذمية غير طهور؛ لأنه مستعمل في فرض الطهارة. وعلى الثاني: هو طهور؛ لأنه لم يستعمل في عبادة. وعبارة "المحرر": "والمستعمل ليس بطهور على الجديد إن كان مستعملاً في فرض الطهارة، وقيل: إن المستعمل في عبادة الطهارة في معناه! ، فذكر العبادة دون النفل، وهي أيضاً قاصرة) انتهى (¬1). قلت: المتبادر إلى الفهم من عبارة "المنهاج" في تقرير الوجه الضعيف: أنه لا بد من اجتماع الاستعمال في الفرض والنفل، ولو أراد ما فهمه عنه ابن الفركاح .. لقال: (أو في نفلها) وكلاهما معترض. ثالثها: مشى على طريقة القولين، وصححها في "شرح المهذب"، لكنه صحح فيه عند الكلام على المستعمل في النجاسة طريقة القطع بالجديد (¬2)، وكذا فعل في "الروضة" حيث قال: (غير طهور على المذهب، وقيل: طهور على القديم) (¬3) فضعف الطريقة الحاكية للقديم. وأطلقا الكلام في المستعمل، وهو مقيد بحالة القلة، كما دل عليه قولهما بعد ذلك: (فإن جمع قلتين) (¬4). 3 ا- قول "التنبيه" [ص 13]: (وما تطهر به من حدث) احترز به عن الخبث، فسيأتي، قاله في "الكفاية". قال النشائي: (لكن ما أخره هو الخلاف في أنه طاهر أو نجس، فيقتضي أنه ليس بطهور جزماً، والخلاف فيه أيضاً كما نقله في "الكفاية"، بل لم يحك الرافعي إطلاق كونه طاهراً) (¬5). قلت: كأن الشيخ أراد هناك بالطاهر: الطهور، كما سيأتي. ¬

_ (¬1) بيان غرض المحتاج إلى أدلة المنهاج" (ق 2)، وانظر "المحرر" (ص 8). (¬2) المجموع (1/ 80، 81). (¬3) الروضة (1/ 7). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 13)، و "المنهاج" (ص 67). (¬5) "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 4)، وانظر "فتح العزيز" (1/ 8).

14 - قول "الحاوي" [ص 115]: (لغير ذلك الفرض، وله إذا انفصل) يقتضي أن الجنب لو انغمس في ماء قليل، ونوى رفع الجنابة ثم مس ذكره مثلًا، وهو في الماء .. أنه لا يكون له الوضوء بذلك الماء؛ لأنه فرض آخر، وهو موافق لبحث الرافعي حيث قال: (ومقتضي كلام الأصحاب أن الماء لا يصير مستعملًا بالنسبة إلى المنغمس حتى يخرج منه، وهو مشكل، وينبغي أن يصير؛ لارتفاع الحدث به) انتهى (¬1). والمعتمد: إطلاق الأصحاب؛ فقد صرح الخوارزمي بمقتضاه، وهو أنه لو أحدث حدثاً آخر في حال انغماسه .. جاز ارتفاعه به. وجواب إشكال الرافعي: ما ذكره النووي في "شرح الوسيط" أن صورة الاستعمال باقية (¬2). 15 - قولهم -والعبارة لـ "التنبيه"-: (وإن كان الماء قلتين، ولم يتغير .. فهو طاهر) (¬3) أطلقوا الماء، وهو مقيد بالماء المحض، فلو وقع في الماء مائع يوافقه في صفاته، وفرضناه مخالفاً، فلم يغيره، فحكمنا بطهوريته، وكان الماء الصرف ينقص عن قلتين بقدر المائع الواقع فيه، فصار به قلتين، ووقعت فيه بعد صيرورته قلتين نجاسة .. فإنه ينجس بمجرد ملاقاتها، وإنما يدفع النجاسة قلتان من محض الماء. واستشكل على هذا: تصحيحهم استعمال جميع ذلك الماء وإن كان وحده غير كاف للطهارة، فنزلوا المائع المستهلك فيه منزلة الماء من وجه دون وجه. 16 - قولهما: (وإن تغير .. فهو نجس) (¬4) فيه أمران: أحدهما: أورد صاحب "الكفاية"، والنووي والإسنوي في "تصحيحيهما" (¬5): أنه يُفهم أنه لو لم يتغير؛ لموافقة أوصافه له .. أنه باق على طهوريته. وليس كذلك، والجواب: أن التغير شامل للحسي والتقديري، كما أوّل الرافعي عليه كلام "الوجيز" (¬6)، فلا إيراد. ثانيهما: قال في "الكفاية": (إنه يقتضي عدم الفرق بين ما تغير كله أو بعضه، وهو ما صرح به في "المهذب" وغيره، وقال الرافعي: إنه ظاهر المذهب) انتهى (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (1/ 17). (¬2) شرح الوسيط (1/ 126). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 13)، و "الحاوي" (ص 116)، و"المنهاج" (ص 68). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 13)، و "المنهاج" (ص 68). (¬5) "تصحيح التنبيه" (1/ 69)، "تذكرة النبيه" (2/ 402). (¬6) انظر "فتح العزيز" (1/ 45)، و"الوجيز" (1/ 112). (¬7) انظر "فتح العزيز" (1/ 46)، و"المهذب" (1/ 5).

وصحح النووي: أن المتغير نجس، وأما الباقي: فإن كان قلتين .. لم ينجس، وإلا .. فهو نجس؛ فإن هذا المتغير بالنجاسة لا يزيد على عين النجاسة. انتهى (¬1). ويمكن موافقة كلامهما له، فإن قولهما: (تغيَّر) صفة للكثير، وذلك يتناول الكل؛ فإنه يصح عند تغير البعض أن يقال: ما تغير هذا، إنما تغير بعضه، فماطلاق التغير عليه مجاز. 17 - قولهم -والعبارة لـ "التنبيه"-: (وإن زال التغير بنفسه، أو بماء .. طهر) (¬2) أي: بماء زيد عليه أو أخذ منه، كما صرح به في "التهذيب" (¬3)، وقال في "شرح المهذب": (لا خلاف فيه، وصوره بأن يكون مختنقاً لا يدخله الريح، فإذا نقص .. دخلته وقصرته) (¬4). 18 - قول "المنهاج" [ص 68]: (أو بمسك وزعفران .. فلا) اعترض عليه في هذا التعبير، بأن العلة في عدم عود الطهورية: احتمال أن التغير استتر، ولم يزل، فكيف يعطفه على ما جزم فيه بزوال التغير وذلك تهافت؟ وعبارة "المحرر" سالمة من هذا حيث قال: (إن زال بنفسه أو بماء .. طهر، وإن طرح فيه مسك أو زعفران فلم يوجد التغير .. لم يطهر) انتهى (¬5). والجواب عنه: أن المراد: زواله ظاهراً، وإن أمكن استتاره باطناً، والله أعلم. 19 - قوله: (وكذا تراب وجص في الأظهر) (¬6) فيه أمور: أحدها: فيه ما سبق من التجوز في التغير في المسك والزعفران. ثانيها: أنه أطلق القولين، ومحلهما: في حال الكدورة، فإن صفا، ولا تغير به .. طهر قطعاً؛ كما في "شرح المهذب" (¬7). ثالثها: نقل الرافعي عن بعضهم: أنه خصص القولين بما إذا كان التغير بالرائحة، فأما اللون والطعم .. فلا يطهر بالتراب قطعاً، قال: والأصول المعتمدة ساكتة عن هذا التفصيل (¬8). قال النووي: (بل مصرحة بخلافه، ففرضها المحاملي والفوراني في التغير بأحد الأوصاف الثلاثة، وفرضها المتولي في اللون والرائحة) (¬9). رابعها: في الجص ونحوه مما ليس له صفة غالبة ولا طهورية طريقة قاطعة بأنه لا يطهر؛ فكان ¬

_ (¬1) انظر "الروضة" (1/ 20)، و "المجموع" (1/ 163، 164). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 13)، و"الحاوي" (ص 117)، و"المنهاج" (ص 68). (¬3) التهذيب (1/ 158). (¬4) المجموع (1/ 191). (¬5) المحرر (ص 8). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 68). (¬7) المجموع (1/ 134). (¬8) انظر "فتح العزيز" (1/ 46). (¬9) انظر "المجموع" (1/ 134).

ينبغي أن يقول: (وكذا بتراب في الأظهر، وجص على المذهب). وقول "التنبيه" [ص 13]: (وإن زال بالتراب .. ففيه قولان، أصحهما: أنه يطهر) خصص القولين بالتراب، فهو اختيار لهذه الطريقة المرجوحة، فيرد عليه هذه الإيرادات الأربعة، لكن الإيراد الرابع من وجه غير الوجه الذي أورد على "المنهاج"، إلا أن يقال: إنه ذكره على سبيل التمثيل، لا لتخصيص الحكم به، ويختص "التنبيه" بإيراد خامس، وهو أن الأظهر: أنه لا يطهر، خلاف ما صححه. 20 - قولهم -والعبارة لـ "المنهاج"-: (ودونهما ينجس بالملاقاة) (¬1) فيه أمور: أحدها: استثنى في "التنبيه" و"المنهاج": ما لا دم له يسيل، وما لا يدركه الطرف، واقتصر في "الحاوي" على الأولى؛ لأن الأظهر في الثانية عند الرافعي: التنجيس (¬2)، خلافاً للنووي (¬3). ويستثنى مع هاتين المسالتين مسائل: الأولى: الشعر النجس اليسير في العرف يعفى عنه من الآدمي قطعا، ومن غيره على الأصح. الثانبة: الحيوان المتنجس المنفذ على الأصح. الثالثة: غبار السرجين. الرابعة: الهرة إذا أكلت نجاسة ثم غابت بحيث يمكن ولوغها في ماء كثير، ثم ولغت في ماء قليل، أو مائع .. فلا تنجسه على الأصح، وفي "فتاوى ابن الصلاح": أن أفواه الصبيان كذلك (¬4). وفي استثناء هذه الصورة نظر، وإن كان قد استثناها في "الروضة" (¬5)؛ لأن العفو فيه؛ لاحتمال أن فمها طاهر، ولو تحققت نجاسته .. لم يعف عنه، بخلاف ما نحن فيه؛ فإن العفو فيه ورد على محقق النجاسة. الخامسة: قليل دخان النجاسة إذا حكمنا بتنجيسه. ثانيها: محل ذلك: إذا وردت النجاسة عليه، أما إذا ورد عليها لإرادة غسلها .. ففيه خلاف وتفصيل يأتي في إزالة النجاسة إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 13)، و "الحاوي" (ص 116)، و "المنهاج" (ص 68). (¬2) انظر "فتح العزيز" (1/ 48). (¬3) انظر "المجموع" (1/ 184، 185)، و "الروضة" (1/ 20). (¬4) فتاوى ابن الصلاح (1/ 163). (¬5) الروضة (1/ 33).

ثالثها: يرد على ظاهر عبارتهم: ما إذا صب ماء نجس على مطلق ينقص عن القلتين بقدره فبلغا قلتين .. فإنه لا ينجس المطلق، بل يطهر النجس. 21 - قول "المنهاج" [ص 68]: (فلو كوثر بإيراد طهور فلم يبلغهما .. لم يطهر، وقيل: طاهر لا طهور) هذه القيود -وهي: كون المصبوب وارداً، وكونه طهوراً، وكونه أكثر من المورود- شروط للقول بالطهارة، لا للقول بعدمها، فكان الأحسن أن يقول: (فلو لم يبلغهما .. لم يطهر، وقيل: إن كوثر بإيراد طهور .. فهو طاهر غير طهور). 22 - قولهم: (إن الميتة التي لا دم لها سائل، لا تنجس الماء القليل) (¬1) محله: إذا لم تغيره، فإن غيرته .. نجسته على الأصح، ويزداد "التنبيه" و" المنهاج لما إيرادين آخرين: أحدهما: أنهما أطلقا القولين، ومحلهما: فيما ليس نشؤه منه، أما العلق، ودود الخل، والفاكهة، والجبن إذا مات فيما نشأ منه .. لا ينجسه قطعاً، وقد يفهم من قول "التنبيه" [ص 13]: (وقع). ثانيهما: أن محل العفو: ما لم يطرح، فإن طرح قصداً .. لم يعف عنه، كما جزم به في "الشرح" و"الحاوي" الصغيرين، وسنتكلم عليه. وعلى "التنبيه" إيراد رابع، وهو: أنه لم يبين الأظهر من القولين، وهو: العفو. وعلى "المنهاج" إيرادان آخران: أحدهما: أن قوله: (فلا تنجس مائعاً) (¬2) أعم من قول "المحرر" [ص 8]: (فلا ينجس الماء)، ومن قول "التنبيه" [ص 13]: (وإن وقع فيما دون القلتين منه) أي: من الماء المطلق، وهو أحسن؛ فإن الحكم غير مختص بالماء، بل يعم الدهن، والمرق وغيرهما. ومع حسنها أورد بعضهم عليها: أن المائع في عرف الفقهاء قسيم للماء الطهور، فقد يُفهم أن الخلاف مختص بغير الماء، وأن الماء يجزم فيه بالطهارة؛ لقوته على الدفع. لكن جواب هذا الإيراد: أن هذا الاستثناء عائد إلى قوله: (ودونهما ينجس بالملاقاة) أي: دون القلتين من الماء، فانتفى أن يكون المراد: المائع الذي هو قسيم الماء الطهور، بل المراد: المائع الذي هو أعم منه. نعم؛ قال بعضهم (¬3): لو قال: (رطباً) .. لكان أشمل؛ ليعم الإناء، والثوب الرطبين، وكذا الفاكهة الرطبة، وهو حسن. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 13)، و "الحاوي" (ص 116)، و "المنهاج" (ص 68). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 68). (¬3) في (ج): (هو الشيخ جمال الدين، وتبعه الشيخ شهاب الدين)، وانظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 54).

ثانيهما: أنه عبر بقوله: (على المشهور) وعبر في "الروضة" و"التحقيق" بـ (الأظهر) (¬1) وبينهما في اصطلاحه تنافٍ. ويختص "الحاوي" بإيراد، وهو: أنه قال: (ما لم يطرح) (¬2) وتبع في ذلك " الشرح الصغير" كما تقدم، لكن قال في "الكبير": (فيما نشؤه منه، فلو طرح فيه من خارج .. عاد القولان) (¬3). ومقتضاه ترجيح العفو، لكن مال شيخنا جمال الدين في "المهمات" إلى أنهما مسألتان: التي في "الصغير" إذا لم يكن منه، والتي في "الكبير" إذا كان منه، واختار السبكي والإسنوي في أصل المسألة وجهاً ثالثاً، وهو: التفرقة بين ما يعم؛ كالذباب ونحوه فيعفى عنه، ولا يعفى عن غيره. 23 - قول "التنبيه" [ص 13]: (وإن وقع فيما دون القلتين منه نجاسة لا يدركها الطرف .. لم تنجسه، وقيل: تنجسه، وقيل: فيه قولان) فيه أمران: أحدهما: ظاهره: ترجيح طريقة القطع بعدم التنجيس، وهي التي صححها النووي في "شرح الوسيط" (¬4)، لكنه صحح في "التحقيق": طريقة القولين (¬5)، وكذا صححها الرافعي في "الشرح الصغير"، ومشى عليها في "المنهاج" (¬6). ثانيهما: قال في "الكفاية": (أفهم بقوله: "منه" -أي: من الماء-: أن ما عداه من المائعات ينجس بما لا يدركه الطرف قولاً واحداً، قال: وقد قاله بعض الشارحين، واعتقادي عدم صحته؛ لأن القاضي حسين حكى نفي التنجيس بوقوع الحيوان النجس المنفذ في الدهن، وقد سوى الأصحاب بينهما في الميت الذي لا يسيل دمه) انتهى. وهو ظاهر عبارة "المنهاج" (¬7)، حيث عطفه على عدم تنجيس المائع به. * * * ¬

_ (¬1) الروضة (1/ 14)، التحقيق (ص 40، 41). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 116). (¬3) فتح العزيز (1/ 32). (¬4) شرح الوسيط (1/ 167). (¬5) التحقيق (ص 41). (¬6) المنهاج (ص 68). (¬7) المنهاج (ص 68).

باب الاجتهاد

بابُ الاجتهاد 24 - قولهما -والعبارة لـ"المنهاج"-: (ولو اشتبه ماء طاهر بنجس .. اجتهد وتطهر بما ظن طهارته) (¬1) فيه أمور: أحدها: أن الثياب والأطعمة والتراب وغيرها .. كالماء، فلذلك عبر "الحاوي" بعبارة شاملة، فلو أسقط "المنهاج" لفظة (ماء) .. لكان أشمل، وكان العذر له عن ذلك: أن كلامه في المياه، وكذا: لو اشتبه طهور بمستعمل في الأصح، وقد ذكره "الحاوي" (¬2). ثانيها: اعترض الشيخ برهان الدين بن الفركاح على قوله: (اجتهد): بأنه إن أراد: وجوب الاجتهاد .. شمل ما إذا قدر على طاهر بيقين، ولا يجب إذ ذاك، بل قيل: لا يجوز. أو الاستحباب .. اقتضى فيما إذا لم يقدر على المتيقن .. أنه يستحب، وهو إذ ذاك واجب. أو الجواز .. لم يفهم منه الوجوب عند عدم المتيقن، وهو أهم ما يُنَبَّه عليه. انتهى (¬3). وقال بعضهم: المراد: أنه يجب أن يجتهد إن لم يجد غيرهما، ويجوز إن وجد (¬4). قلت: لا حاجة لذلك، بل هو محمول على الوجوب مطلقاً، ووجود متيقن لا يمنع وجوب الاجتهاد في هذين، لأن كلًا من خصال المخيَّر يصدق عليه أنه واجب، والله أعلم (¬5). ثالثها: كان ينبغي "للمنهاج" أن يقول من زيادته: (ما داما باقيين) فإنه صحح فيما إذا تلف أحدهما .. أنه لا يجتهد في الباقي، كما سيأتي. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 14)، و"المنهاج" (ص 68). (¬2) الحاوي (ص 120). (¬3) انظر "بيان غرض المحتاج إلى كتاب المنهاج" (ق 2). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 60). (¬5) قال في "مغني المحتاج" (1/ 26): (وفيما قاله كما قال الجلال البكري نظر، وإن كنت جريت عليه في "شرح التنبيه" لأنه مع وجود الطاهر بيقين اختلف في جواز الاجتهاد فيه كما سيأتي فضلاً عن وجوبه، والأفضل عدم الاجتهاد؛ فمطلوب الترك كيف يوصف بوجوبه، فإن قيل: لابس الخف الأفضل له الغسل مع أن الواجب عليه أحد الأمرين. قلت: لم يختلف هناك في جواز المسح مع القدرة على الغسل بخلافه هنا). وقال في"نهاية المحتاج" (1/ 89): (فيرد بأن الفرق بين ما هنا وخصال الواجب المجر واضح، وهو أنه خوطب لكل منها لزوماً لكن على وجه البدل، فصدق على كل أنه واجب، وأما هنا فلم يخاطبه بتحصيل الطهور أو الطاهر إلا عند فقده بعد دخول الوقت، وأما قبله أو مع وجود ذلك .. فليس بمخاطب بالتحصيل؛ إذ لا معنى لوجوبه قبل الوقت، ويمكن توجيه كلامه بأنه واجب عند إرادة استعمال أحد المشتبهين؛ إذ استعمال أحدهما قبله غير جائز لبطلان طهارته، فيكون متلبساً بعبادة فاسدة، وحينئذ .. فلا تنافي بين من عبر بالجواز والوجوب؛ لأن الجواز من حيث إن له الإعراض عنهما والوجوب من حيث قصده إرادة استعمال أحدهما، لا يقال: لابس الخف الأفضل في حقه الغسل مع أن الواجب عليه أحد الأمرين، فلم لم يقل به هنا؟ لأنا نقول: لم يختلف هناك في جواز المسح مع القدرة على الغسل بخلافه هنا).

رابعها: قول "المنهاج": (وتطهر) أعم من قول "التنبيه": (وتوضأ). 25 - قول "المنهاج" [ص 68]: (وقيل: إن قدر على طاهر بيقين .. فلا) أحسن من قول "التنبيه" [ص 14]: (وقيل: إن كان معه ماء بتيقن طهارته .. لم يتحر) لأنه قد لا يكون معه ماء يتيقن طهارته لكنه قادر على تحصيله بشراء، أو بأن يكون في كل إناء قُلّة غير متغيرة وأمكن خلطهما، ومثله: قول "الحاوي" [ص 120]: (ووجد متيقنا) لأنه غير واجد حقيقة، وقد يقال: القادر على التحصيل واجد. 26 - قول "المنهاج" [ص 68]: (والأعمى كبصير في الأظهر) ليس مثله من كل وجه؛ فإنه لو تحيّر .. قلد في الأصح، بخلاف البصير، فلو قال: (والأعمى يجتهد في الأظهر) .. لكان أحسن، كما فعل في "التنبيه" [ص 14] حيث صرح بأن الخلاف في التحري، لكنه لم يبين الأصح من القولين، وقد عرفْتَه. 27 - قول "الحاوي" [ص 120]: (ومحرم) أي: بأجنبية أو بأجنبيات؛ حيث يحرم النكاح لفقد العلامة، وإنما يحرم .. إذا كن محصورات، وإلا .. فيجوز نكاح واحدة من غير اجتهاد، كما سيأتي في بابه. 28 - قوله: (وإن تلف غيره) (¬1) كذا جزم به الرافعي (¬2)، وصحح النووي فيما إذا تلف أحدهما .. أنه لا يجتهد، بل يتيمم ويصلي ولا يعيد وإن لم يرقه (¬3). 29 - قول "التنبيه" [ص 14]: (وإن اشتبه عليه ماء وبول .. أراقهما وتيمم) وفي "المنهاج" [ص 68]: (بل يخلطان ثم يتيمم) وهو أحسن؛ لتصريحه بتقديم الخلط على التيمم، ولم يتعرض في "الشرح" و"الروضة" لخلط ولا إراقة. وقال السبكي: (إن ذلك مستحب على قول الجمهور). وقوى شيخنا الإمام جمال الدين: عدم الاحتياج إلى ذلك، ثم تنزل وقال: (ينبغي أن يُكتفى بإراقة أحدهما) وهو ظاهر. واختار شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني: جواز الاجتهاد بين الماء والبول، وقال: (إنه مقتضى كلام المتولي). وقال الإمام: (إنه القياس) (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 120). (¬2) انظر "فتح العزيز" (1/ 73). (¬3) انظر "المجموع" (1/ 243). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (1/ 277).

30 - قول "المنهاج" [ص 69]: (أو وماء ورد .. توضأ بكلٍّ مرة) استشكل بعدم جزم النية في كل منهما؛ لشكه في طهوريته. وأجيب عنه: بأنه يمكنه أن يضع في كف من هذا وفي كف من هذا، ويغسل خده الأيمن بيمناه والأيسر بيسراه دفعة من غير خلط مقترناً بالنية، ثم يعيد غسل وجهه، ويكمل وضوءه بأحدهما، ثم يتوضأ بالآخر .. فيصح وضوءه وجزمه بالنية، فهذا تصوير المسألة، وهو تصوير صحيح، فلا يفهم كلام "المنهاج" على الإطلاق، لكن مال شيخنا جمال الدين في "المهمات": إلى أنه لا يكلف الوضوء بماء الورد؛ لما فيه من إضاعة المال، بل يتيمم. انتهى. ويمكن أن يقال: إن كان ثمن ماء الورد المنقطع الرائحة كثمن الماء المطلق لو وجده .. كلف استعماله. 31 - قوله: (وإذا استعمل ما ظنه .. أراق الآخر) (¬1) أي: ندبًا، كما صرح به في "الحاوي" (¬2)، ومحله: إذا لم يحتج إليه لعطش ونحوه، ومقتضاه: تقديم الاستعمال على الإراقة، ونقله في "الكفاية" عن النص (¬3)، لكن في "شرح المهذب" و"التحقيق" تقديم الإراقة، ونقله عن الماوردي وغيره (¬4)، وهو ظاهر نص " المختصر" (¬5)، وهو موافق لتعليلهم ذلك باحتمال أن يغلط فيتطهر بالنجس، أو يلتبس ثانياً قبل الاستعمال. 32 - قوله: (فإن تركه وتغير ظنه .. لم يعمل بالثاني على النص، بل يتيمم بلا إعادة في الأصح) (¬6) أي: إن لم يبق من الأول شيء؛ كما هو صورة مسألة الكتاب، وذلك مأخوذ من قوله: (وإذا استعمل ما ظنه) فإن حقيقته: أن يستعمل جميعه، أما لو بقي شيء من الأول .. فإن الإعادة تجب في الأصح. 33 - قوله: (وبَيَّنَ السبب، أو كان فقيهاً موافقاً .. اعتمده) (¬7) هو مراد "الحاوي" بقوله [ص 120]: (لا يجازف) وعبارة "المنهاج" أحسن؛ لأن تلك مبهمة لا يفهم المراد منها إلا بتوقيف، ويحتاج إلى الفرق بين هذا وبين الشهادة على الردة؛ حيث صححوا قبولها مطلقة من الموافق وغيره مع الاختلاف في أسبابها. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 69). (¬2) الحاوي (ص 120). (¬3) انظر "الأم" (1/ 10). (¬4) المجموع (1/ 244)، التحقيق (ص 43)، وانظر "الحاوي الكبير" (1/ 344). (¬5) مختصر المزني (ص 9). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 69). (¬7) انظر "المنهاج " (ص 69).

34 - قول "الحاوي" [ص 120]: (ولو بخبر عدل .. لا يجازف، ومستعمل) قد يفهم من هذه العبارة: أن خبر عدل بالاستعمال ليس كخبره بالنجاسة، بل لا تأثير له، وليس كذلك، فكان ينبغي تأخير قوله: (ولو بخبر عدل) عن قوله: (ومستعمل) ليرجع إلى النجاسة والاستعمال. 35 - قوله: (لا ما بال فيه ظبي، فشك في سبب تَغَيُّره) (¬1) يدخل فيه: ما إذا وجده عقب البول غير متغير ثم تغير بعد ذلك، والذي في "شرح المهذب" عن الأصحاب: عدم الحكم بالنجاسة، خلافا للدارمي؛ فحكم بالنجاسة مطلقاً، وفيه نظر، كما قال في "شرح المهذب" (¬2). * * * ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 120). (¬2) المجموع (1/ 226).

باب الآنية

بابُ الآنية 36 - قولهم -والعبارة لـ"المنهاج"-: (يحل استعمال كل إناء طاهر) (¬1) أورد على منطوقه: المغصوب، وجلد الآدمي المحترم؛ فإنهما طاهران حرامان. وأجيب: بندور الثاني، وأن تحريم المغصوب لأمر خارج، وهو: تحريم ملك الغير. واعتُرض على الجواب: بأنه حينئذ لا يحتاج إلى التقييد بالطهارة، فإن تحريم النجس؛ لتنجس المظروف لا لذاته. وأورد على مفهومه: الإناء النجس إذا كان فيه قلتان فأكثر، ولم نوجب التباعد .. فإنه نجس، ويحل استعماله. وأجيب عنه: بأن في استعمال النجس تفصيلاً، وهو: الكراهة في الجاف. والتحريم في الرطب، والمائع وإن كثر، والماء القليل. والجواز في الماء الكثير، فقد خالف حكمه حكم الإناء الطاهر، وهو إطلاق الحل. وتعبير "المنهاج" و"الحاوي" بالاستعمال أعم من تعبير "التنبيه" بالطهارة. 37 - قول "التنبيه" [ص 14]: (وهل يجوز اتخاذه؟ فيه وجهان) الأصح: التحريم، ويوافقه في حكاية الخلاف وجهين تعبير "المنهاج": بالأصح (¬2). وقال في "الكفاية": حكاهما جماعة قولين، والمراد بالاتخاذ: الاقتناء من غير استعمال، وجوز بعضهم أن يراد به: الاصطناع، وابتداء العمل، ثم قال: الأولى أن يقال: إن قصد عند صنعته استعماله .. حرم قطعاً، أو اقتناؤه .. فالوجهان (¬3). 38 - قول "المنهاج" [ص 69]: (ويحل المموه في الأصح) وهو مفهوم "الحاوي" حيث خص التحريم بما إذا كان الإناء كله، أو بعضه، أو ضبته ذهباً أو فضة (¬4)، وفيه أمران: أحدهما: أن محل الوجهين: إذا لم يحصل منه شيء بالنار، فإن حصل .. حرم قطعًا. ثانيهما: تبعا في الحل "المحرر" و"الشرح الصغير" و"الروضة"، وكذا في " شرح المهذب" هنا (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 14)، و"الحاوي" (ص 121)، و"المنهاج" (ص 69). (¬2) المنهاج (ص 69). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 68). (¬4) الحاوي (ص 121). (¬5) المحرر (ص 9)، الروضة (1/ 45)، المجموع (1/ 322).

لكن صحح في (الزكاة) و (باب ما يكره لبسه): التحريم (¬1). وكذا صححه السبكي في "تنزل السكينة على قناديل المدينة" وهو الذي جزم به في "التنبيه" في (باب ما يكره لبسه) (¬2) فإما أن يكون موافقاً لهذا التصحيح، وإما أن يحمل على ما إذا حصل منه شيء بالنار، ثم إنه خصه بالمموه بالذهب، فقد يُتَخيل أنه يفرق بينه وبين المموه بالفضة، والذي في كتب الرافعي والنووي: عدم الفرق (¬3)، وأيضاً: قيده (¬4) بما إذا لم يصدأ (¬5). وصحح الرافعي والنووي: أنه يحرم تحلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب والفضة (¬6)، وخالفهما السبكي، فصحح: الحل، وفاقاً للقاضي حسين، وقال: (المنع -لا سيما في الكعبة- بعيد شاذ غريب في المذاهب كلها، قلَّ من ذكره، ولا وجه له، ولا دليل يعضده، قال: وهذا في التحلية بصفائح الذهب والفضة ونحوهما، أما التمويه: فلا أمنع من جريان الخلاف فيه؛ لأن فيه إفساداً للمالية) انتهى. فالتمويه عنده أشد من التحلية، وقال في "شرح المهذب" في (الزكاة): (إن تمويه سقف البيت أو الجدار حرام بالاتفاق، حصل منه شيء أم لا، وكذا استدامة تمويهه إن حصل منه شيء) (¬7). 39 - قول "المنهاج" [ص 69]: (والنفيس -كياقوت- في الأظهر) أي: النفيس في ذاته؛ كما مثله، أما النفيس بالصنعة: فلم يطرد فيه الجمهور الخلاف، ومثل في "التنبيه" مع الياقوت بالبلور (¬8)، وامتنع بعضهم من إجراء الخلاف فيه، لكن الجمهور طردوا فيه الخلاف (¬9). 40 - قول "التنبيه" [ص 14]: (وما ضبب بالفضة) خرج به ضبة الذهب، فتحرم مطلقاً، كما صححه النووي (¬10)، وصحح الرافعي: التسوية (¬11)، وعليه مشى في "الحاوي" (¬12)، ومحل ¬

_ (¬1) انظر "المجموع" (4/ 383)، (6/ 1، 32). (¬2) التنبيه (ص 43). (¬3) انظر "المحرر" (ص 9)، و "فتح العزيز" (3/ 98)، و"الروضة" (1/ 46)، و"المجموع" (4/ 383). (¬4) في النسخ: (فقيده)، ولعل الصواب ما أثبت. (¬5) انظر "التنبيه" (ص 43). (¬6) انظر "فتح العزيز" (3/ 102)، و"المجموع" (3864)، (6/ 35). (¬7) المجموع (6/ 36). (¬8) التنبيه (ص 14). (¬9) انظر "المجموع" (1/ 313). (¬10) انظر "الروضة" (1/ 46)، و"المجموع" (1/ 317). (¬11) انظر "فتح العزيز" (1/ 94). (¬12) الحاوي (ص 121).

التفصيل: إذا لم يعم التضبيب الإناء، فإن عم .. حرم قطعاً، ذكره الماوردي (¬1)، ومراده: على الجديد في تحريم الأواني. 41 - قولهما -والعبارة لـ "المنهاج"-: (ضبة كبيرة لزينة .. حرم) (¬2) عبارة "المحرر": (فوق قدر الحاجة) (¬3) فيؤخذ منه: تحريم كبيرةٍ بعضها لحاجة وبعضها لزينة، ولا يؤخذ ذلك من عبارتهما. 42 - قول "المنهاج" [ص 69]: (أو صغيرة بقدر الحاجة .. فلا) أي: فلا يحرم، وكان ينبغي أن يقول: (أبيح) فإنه كما لا يحرم لا يكره أيضاً، وقد صرح بذلك في "التنبيه" (¬4). 43 - قول "المنهاج" [ص 69]: (أو صغيرة لزينة، أو كبيرة لحاجة .. جاز في الأصح) أي: مع الكراهة، كما صرح به "التنبيه" و"الحاوي" (¬5)، فكان ينبغي أن يقول: (يكره، وقيل: يحرم). 44 - قول "التنبيه" [ص 14]: (وقيل: إن كان في موضع الشرب .. حرم، وإن كان في غيره .. لم يحرم) كذا حكى هذا الوجه في "الروضة" و"شرح المهذب" (¬6)، وعبر في "المنهاج" بقوله [ص 69]: (وضبة موضع الاستعمال كغيره في الأصح). ومقتضى هذه العبارة: أن هذا الوجه الضعيف قائل بأنها إن كانت في موضع الاستعمال .. حرم، وإن كانت في غيره .. ففيها التفصيل؛ لأنه إنما حكاه في ضبة موضع الاستعمال، فدل على أنه لا يغاير الأصح في ضبة غير موضع الاستعمال، وهو مقتضى عبارة "المحرر" و"الشرح" (¬7). * * * ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (1/ 78). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 14)، و "المنهاج" (ص 69). (¬3) المحرر (ص 10). (¬4) التنبيه (ص 14). (¬5) التنبيه (ص 14)، الحاوي (ص 122). (¬6) الروضة (1/ 45)، المجموع (1/ 320). (¬7) المحرر (ص 10)، فتح العزيز (921، 93).

باب أسباب الحدث

باب أسباب الحَدَث 45 - هذه عبارة "المنهاج" (¬1)، وهي أولى من قول "التنبيه" [ص 17]: (ما ينقض الوضوء) لأن الأصح: أن الحدث لا يبطل الوضوء، بل ينتهي الوضوء بوجوده؛ كانتهاء الصوم بالغروب، لكن سيأتي التعبير بالنقض في قوله: (فخرج المعتاد .. نقض) (¬2). 46 - قولهما: (هي أربعة) (¬3) ضم إليها المحاملي: شفاء دائم الحدث (¬4)، ويؤيده قول النووي في "شرح المهذب": (مرادهم بلزوم الوضوء: ما إذا خرج منه شيء في أثناء الوضوء أو بعده، وإلا .. فلا يلزمه وضوء، بل يصلي بوضوئه الأول بلا خلاف، صرح به الغزالي في "البسيط" وغيره) انتهى (¬5). فقد صرح بأن الخارج بعد الوضوء وفي أثنائه إنما يبطل بحصول الشفاء. وأجيب عنه: بأن حدثه مستمر، فلم يطرأ له سبب، وأيضاً: فإن وضوء دائم الحدث لا يرفع الحدث، فكيف يصح عدّ الشفاء سبباً للحدث مع أنه لم يزل؟ ذكره السبكي. وألحق شيخنا في "التدريب" بشفاء دائم الحدث: انقطاع حدثه انقطاعاً طويلاً بحيث يسع الوضوء والصلاة، إلا إذا كان الانقطاع في الصلاة. ويرد على الحصر أيضاً: الردة -في وجه-، وظهور رجل الماسح، أو انقضاء مدته -في قول-، ومس بدن الميت -في قول قديم-، وأكل لحم الإبل -في قديم-، اختاره النووي -تبعاً لابن المنذر وغيره- دليلاً (¬6)، وإن كان المذهب خلاف ذلك في جميعها. 47 - قول "المنهاج" [ص 70] و"الحاوي" [ص 130]: (خروج) كذا عبر في "المحرر" و"الشرح" (¬7)، وعبر في "التنبيه" [ص 17] بـ (الخارج)، وكذا في "الروضة" (¬8)، وهو ظاهر كلام "المختصر" (¬9)، وكل من الخروج والخارج يسمى حدثاً، فكلا التعبيرين صحيح. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 70). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 70). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 17)، و"المنهاج" (ص 70). (¬4) انظر "اللباب" (ص 64). (¬5) المجموع (2/ 498). (¬6) انظر "الإشراف على مذاهب العلماء" (1/ 71: 73)، و"الأوسط" (1/ 138: 141)، و"المجموع" (2/ 69، 70). (¬7) المحرر (ص 10)، فتح العزيز (1/ 154). (¬8) الروضة (1/ 72). (¬9) مختصر المزني (ص 3).

48 - قول "التنبيه" [ص 17]: (أحدها: الخارج من السبيلين) فيه أمران: أحدهما: أن المراد: الخروج منهما على سبيل البدل، وليس المراد: أن النقض لا يحصل إلا بالخروج منهما، فعبارة "المنهاج" و"الحاوي" (¬1) أوضح. ثانيهما: مقتضاه النقض بخروج المني، وهو الذي صححه في "الكفاية" -وفاقاً للقاضي أبي الطيب- مستدلاً بالاتفاق في الحيض، وأوّل كلام غيره: بأنه أراد: الاندراج في الغسل، ونقل عن الرافعي تصحيحه في كتابه "المحمود"، ونقل ابن المنذر الإجماع عليه (¬2)، لكن الذي صححه الرافعي والنووي: أنه لا ينقض الوضوء (¬3)؛ ولذلك استثناه في "المنهاج" و"الحاوي"، لكن يرد على قول "المنهاج" [ص 70]: (من قبله أو دبره): قبلا المشكل؛ فإنه لا ينقض إلا الخروج منهما في الأصح. وقد يرد على قول "التنبيه" [ص 17]: (من السبيلين) لأن المراد: أحدهما، كما تقدم. وقد يجاب عنه: بأنه لا يُتَحقق كون الخارج من السبيل إلا بالخروج منهما؛ لأن كل واحد منهما لا ندري هل هو سبيل أم لا؟ فلا يرد على "التنبيه"، وقد يُدعى مثل ذلك في عبارة "المنهاج" أيضاً. فان قلت: يستثنى من كلامهم دائم الحدث؛ فإنه لا يترتب على خروج حدثه حكم في بعض الأحوال. قلت: ينتقض وضوءه على كل حال، ولكن يعفى عنه للضرورة. فإن قلت: محل النقض في الحي، أما الميت: فإنه إذا خرج من فرجه نجاسة .. غسل ذلك المحل فقط في الأصح. قلت: لا تكليف على ميت، والكلام في الأحياء. 49 - قولهم: (ولو انسد مخرجه ... إلى آخره) (¬4) محل هذا التفصيل والخلاف: في الانسداد العارض، أما الخلقي: فينتقض بالخروج منه جزماً فوق المعدة وتحتها مطلقاً، صرح به الماوردي (¬5). وفي "شرح المهذب": (لم أر لغيره تصريحاً بموافقته ولا مخالفته) انتهى (¬6). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 130)، المنهاج (ص 70). (¬2) انظر "الإجماع" (ص 31). (¬3) انظر "فتح العزيز" (1/ 155)، و"المجموع" (2/ 5). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 17)، و "الحاوي" (ص 130)، و"المنهاج" (ص 70). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (1/ 177). (¬6) المجموع (2/ 11).

وهو مفهوم من تعبيرهم بالانسداد، كما أشار إليه النووي في "نكت التنبيه". 50 - قولهم -والعبارة لـ "التنبيه"-: (المخرج المعتاد) (¬1) هل المراد: القبل والدبر معاً حتى إذا بقي أحدهما منفتحاً .. لا تكون مسألة الانسداد؟ أم يكفي انسداد أحدهما إذا كان الخارج من التي انفتحت يناسبه؛ كما إذا انسد القبل فخرج من الثقبة المنفتحة بول، أو انسد الدبر فخرج منها غائط .. تكون مسألة الانسداد؟ فيه نظر. قال شيخنا شهاب الدين بن النقيب: (الثاني عندي أقوى، لكن يشكل بما إذا كان الخارج ليس معتاداً لواحد منهما؟ كالقيح مثلاً) (¬2). قلت: يعتبر بما خرج منه من قبل أو دبر. 51 - قول "المنهاج" [ص 70]: (فخرج المعتاد .. نقض) قد عرفت ما فيه من التجوز الذي احترز عنه في التبويب. 52 - قوله: (أو فوقها) (¬3) كذا في نسخة المصنف وأكثر النسخ؛ أي: فوق المعدة، وفي بعض النسخ: (أو فوقه) أي: فوق تحت المعدة ليشمل الانفتاح في نفس المعدة؛ فإنه كفوقها، وهذا هو الذي حمل النووي على أن قال في "الروضة": (مرادهم بتحت المعدة: ما تحت السرة، وبفوقها: السرة ومحاذيها وما فوقها) انتهى (¬4). فلما كان حكم نفس المعدة حكم ما فوقها .. سماه باسم ما فوقها مجازاً لأن المقصود: بيان الأمر الشرعي لا الطبي، وبهذا يندفع قول من قال: إنه يقتضي أن لا معدة ألبتة. وقال في "الكفاية": (المعدة: ما بين فوق السرة والموضع المنخفض تحت الصدر). وقريب منه قول صحاب "الإقليد": (المعدة: من السرة إلى ما تحت الصدر، فتحت السرة: تحتها وما يلاقي الصدر، وفوقه: فوقها). وعبارة "المنهاج" أولاً تدل على أن المعدة هي: السرة، ويوافقه قول "شرح المهذب": (مرادهم بتحتها: ما تحت السرة، وبفوقها: ما فوق السرة) (¬5). 53 - قول "التنبيه" [ص 17]: (وإن انفتح فوق المعدة .. ففيه قولان)، وقوله [ص 17] فيما إذا لم ينسد ... : (وفيما تحتها قولان) (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 17)، و "الحاوي" (ص 130)، و "المنهاج" (ص 70). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 76). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 70). (¬4) الروضة (1/ 73). (¬5) المجموع (2/ 10). (¬6) الذي في "التنبيه": (وجهان)، فليعلم.

الأصح في كلا الصورتين: عدم الانتقاض؛ فالانتقاض مختص بما إذا انسد المعتاد وكان المنفتح تحت المعدة. 54 - قولهم: (الثاني: زوال العقل، إلا النوم) (¬1) فيه أمران: أحدهما: أنه يقتضي أن النوم يزيل العقل، وفي "الكفاية" ما يقتضي ذلك، وقال بعضهم: إنه لا يزيله؛ فعلى هذا كان الأحسن: التعبير بالغلبة على العقل؛ ليصح استثناء النوم منه (¬2). ثانيهما: أن مقتضى تعبير "التنبيه" بالإفضاء بمحل الحدث إلى الأرض، وتعبير "المنهاج" و"الحاوي" بتمكين المقعدة: أنه لا فرق في ذلك بين السمين والهزيل، وقال الروياني: (ينتقض وضوء مفرط الهزال) (¬3) نقله عنه في "الشرح الصغير" وأقره، وادعى بعضهم أن عبارة هذه الكتب توافقه، وعدَّه في "الكفاية" وجهاً مرجوحاً، والأصح في "الروضة" في المحتبي يقتضي خلافه (¬4). ويستثنى من انتقاض الوضوء بالنوم: النبي صلى الله عليه وسلم. 55 - قول "التنبيه" [ص 17] و"الحاوي" [ص 130]: (إلى الأرض) قد يخرج التمكن من السفينة وظهر الدابة؛ ولذلك أطلق في "المنهاج" تمكين المقعدة، ولم يقيده بتمكينها بالأرض، وقد نص الشافعي على أنهما كالأرض، فقال في "الأم" ومنه نفلت: (وسواء الراكب للسفينة والبعير والدابة والمستوي على الأرض) (¬5). 56 - قول "المنهاج" [ص 70]: (التقاء بشرتي الرجل والمرأة) ويوافقه قول "التنبيه" [ص 17]: (على بشرة امرأة) وعبر في "المحرر" و"الحاوي" بالذكورة والأنوثة (¬6)، وهو أولى؛ فإن الصبي والصبية إذا بلغا حد الشهوة عرفاً .. نقضا وانتقضا، ولعل عدول "المنهاج" عن ذلك؛ لأنه يشمل لمس الرجل أنثى غير آدمية، ولمس المرأة ذكراً غير آدمي، والرجل يطلق لغة: على الصبى أيضاً، نحو: قولهم: الرجل خير من المرأة، فهو شامل للصبي، فإن أطلق في مقابلة الصبي .. اختص بالبالغ، والاستعمالان معروفان في اللغة. 57 - قول "التنبيه" [ص 17]: (فإن وقع على بشرة ذات رحم محرم .. ففيه قولان) فيه أمران: أحدهما: الأصح: عدم النقض. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 17)، و"الحاوي" (ص 130)، و"المنهاج" (ص 70). (¬2) انظر"السراج على نكت المنهاج" (1/ 79). (¬3) انظر "بحر المذهب" (1/ 170). (¬4) الروضة (1/ 74). (¬5) الأم (1/ 14). (¬6) المحرر (ص 10)، الحاوي (ص 130).

ثانيهما: تقييد محل القولين بذات الرحم المحرم يقتضي أنهما لا يجريان عند انفراد أحد الوصفين، وهو كذلك في الرحم غير المحرم، وكذا في المحرم غير الرحم على طريقة مرجوحة، والأصح: طرد القولين فيها أيضًا؟ فلذلك قال في "المنهاج" [ص 70]: (إلا مَحْرَماً في الأظهر). 58 - قوله: (وفي الملموس قولان) (¬1) الأصح: الانتقاض. 59 - قول "المنهاج" [ص 70]: (كلامس) اعتُرض عليه: بأنه لم يتقدم له حكم ليحيل عليه؛ فإن الالتقاء يشمل اللامس والملموس، فإن فرض الالتقاء منهما دفعة بفعلهما -فإنهما حينئذ لامسان- .. صح، ولكنها صورة نادرة لا شعور للفظه بها، فتبعد الإحالة عليها. 60 - قوله: (ولا تنقض صغيرة) (¬2) أي: لم تبلغ حد الشهوة. 61 - قوله: (وشعر وسن وظفر) (¬3) أي: متصل. 62 - قوله: (في الأصح) (¬4) كذا في "الروضة" حكاية الوجهين في الجميع (¬5)، لكنه صحح في "شرح المهذب": القطع بعدم النقض في الشعر والسن والظفر (¬6). 63 - قول "الحاوي" [ص 130]: (حي وميت) هذا هو المعروف، ووقع في "رؤوس المسائل" للنووي: تصحيح عدم النقض بلمس الميت والميتة. 64 - قولهم: (مس فرج الآدمي ببطن الكف) (¬7) فيه أمران: أحدهما: المراد: مس جزء من الفرج بجزء من بطن الكف. ثانيهما: المراد ببطن الكف: الراحة وبطون الأصابع، لكن قول "التنبيه" في (الديات) [ص 226]: (وفي الكفين مع الأصابع الدية) يقتضي أن باطن الكف لا يتناول بطون الأصابع؛ فلذلك أورده في "الكفاية". 65 - قول "المنهاج " [ص 70]: (وكذا -في الجديد- حلقة دبره) أي: دبر الآدمي. يفهم: أن حلقة دبر البهيمة لا ينقض في القديم، لكن قوله: (لا فرج بهيمة) (¬8) يشمل دبرها. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 17). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 70). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 70). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 70). (¬5) الروضة (1/ 74). (¬6) المجموع (2/ 34). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 17)، و"الحاوي" (ص 130) و"المنهاج" (ص 70). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 70).

قال في "شرح المهذب": (ظاهر إطلاقهم: شمول الخلاف قبلها ودبرها، وخصه الرافعي بقبلها، وقال: "لا ينقض دبرها قطعاً؛ لأن دبر الآدمي لا ينقض في القديم، فالبهيمة أولى"، قال: وكأنه بناه على أن النقض بقبلها قديم، تبعاً للغزالي، وليس بقديم؛ فإنه حُكِي عن حكاية ابن عبد الحكم وابن عبد الأعلى، وهما صحبا الشافعي بمصر دون العراق) انتهى (¬1). وعبارة "المنهاج" هنا تقتضي أنه قديم؛ فإنه جعل فيه القولين في الدبر مع اختلافهما في التصحيح، والله أعلم. 66 - قوله: (ومحل الجب) (¬2) أي: إذا قطع من أصله، فإن بقى شاخصاً .. نقض قطعاً. 67 - قوله: (والذكر الأشل) (¬3) لو قال: (وقبل أشل) ليشمل فرج المرأة .. لكان أولى؛ لأن الظاهر أنه لا فرق. 68 - قوله: (والذكر الأشل، وباليد الشلاء في الأصح) (¬4) فيه أمران: أحدهما: أن فيهما طريقة قاطعة بالنقض، صححها في "شرح المهذب" (¬5). ثانيهما: تعبيره بالأصح يقتضي قوة مقابله، وفي "الروضة" في فرج الصغير والميت: وجه ضعيف، وعبر في باقيها بالصحيح (¬6)، فيقتضي ضعف المقابل. 69 - قول "الحاوي" [ص 130]: (وعاملة كفين) كذا في "الشرح" و"الروضة" وغيرهما (¬7)، وفي "التحقيق" تصحيح النقض مطلقاً وإن لم تكن عاملة (¬8)، وعزاه في "شرح المهذب" لإطلاق الجمهور (¬9). 70 - قوله: (كذكرين) (¬10) أي: يأتي فيهما التفصيل في الكفين، ويستثنى من ذلك: إذا كان الذكران على سنن واحد؛ فإن الزائد كالإصبع الزائدة إذا كانت على سنن الباقي في النقض بها، كما نقله شيخنا في "المهمات" عن "العمد" للفوراني. ¬

_ (¬1) المجموع (2/ 49)، وانظر "الوجيز" (1/ 126)، و "فتح العزيز" (1/ 164). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 71). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 71). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 71). (¬5) المجموع (2/ 47). (¬6) الروضة (1/ 75). (¬7) فتح العزيز (1/ 164)، الروضة (1/ 75). (¬8) التحقيق (ص 77). (¬9) المجموع (2/ 49، 50). (¬10) انظر "الحاوي" (ص 130).

71 - قوله: (وبطن أصبع زائدة باستواء الأُخر) (¬1) أي: على سننها، كذا في "الشرح" و"الروضة" وغيرهما (¬2)، وحكى في "شرح المهذب" إطلاق النقض بها عن الجمهور، وقال: إنه المشهور (¬3). 72 - قوله: (وإن مس أحدهما وصلى الصبح، ثم الآخر وصلى الظهر، إن توضأ بينهما .. لا يعيد) (¬4) كذا أطلق الرافعي والنووي المسألة (¬5)، وصورتها: ما إذا توضأ لحدث آخر، أما لو توضأ لمس الفرج احتياطاً .. فلا يفيده شيئاً؛ إذ لا يرتفع حدثه على تقدير كون الأول فرجاً، وقد صورها بذلك القاضي حسين في "شرح التلخيص" والمحب الطبري، كما نقله في "المهمات". 73 - قول "التنبيه" [ص 17]: (ومس المصحف) يخرج: الخريطة والصندوق، والأصح: تحريم مسهما إذا كان المصحف فيهما، كما صرح به في "المنهاج" و"الحاوي" (¬6)، إلا أنه لم يقيده بكون المصحف فيه، وفي كلام الرافعي اشتراط كونه معداً له، حتى لو كان المصحف في جراب مثلاً .. لم يحرم مسه (¬7). ويخرج تقليب أوراقه بعود، وهو ما صححه النووي تبعا للعراقيين (¬8)، وصحح الرافعي: التحريم (¬9)، وعليه مشى في "الحاوي" (¬10). 74 - قوله: (وحمله) (¬11) أي: مقصوداً، فالأصح: جواز حمله في أمتعة، كما صرح به في "المنهاج" و"الحاوي" (¬12)، لكن شرطه: ألا يكون مقصوداً بالحمل، كما صرح به الرافعي وغيره (¬13)، وحذفه في "الروضة" (¬14)، وعبارة سليم في "المجرد": شرطه: أن يُقصد نقل المتاع لا غير. انتهى. ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 130). (¬2) فتح العزيز (1/ 164)، الروضة (1/ 75). (¬3) المجموع (2/ 49). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 130). (¬5) انظر "فتح العزيز" (1/ 167)، و"المجموع" (2/ 55). (¬6) الحاوي (ص 131)، المنهاج (ص 71). (¬7) انظر "فتح العزيز" (1/ 174). (¬8) انظر "المجموع" (2/ 85). (¬9) انظر "فتح العزيز" (1/ 175). (¬10) الحاوي (ص 131). (¬11) انظر "التنبيه" (ص 17). (¬12) الحاوي (ص 131)، المنهاج (ص 71). (¬13) انظر "فتح العزيز" (1/ 175). (¬14) الروضة (1/ 80).

ومقتضاها: أنه إذا قصد المصحف وغيره .. حرم. وهل يشترط كون الأمتعة ثلاثة أشياء فأكثر -محافظة على صيغة الجمع- أم يكفي أقل من ذلك؟ لم أر من تعرض لذلك، والظاهر: الثاني (¬1). وخرج بالمصحف: اللوح، والأصح: حرمته، كما صرح به في "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، لكن تعبير "المنهاج" فيه بالأصح يخالف تعبيره في "الروضة" بالصحيح (¬3)، ومقتضى إطلاق "التنبيه": تحريم المس، والحمل على الصبي أيضاً، والأصح: تمكينه منه، كما صرح به في "المنهاج" و"الحاوي" (¬4). وقال في "المهمات": (إن المفهوم من كلام الأصحاب: أن المنع في الحمل؛ لأجل الدراسة، فإن حمل لغير غرض أو لغرض آخر .. منع منه (¬5)، وهو ظاهر) انتهى. ويستثنى من تحريم حمله: ما إذا خاف عليه من غرق، أو حريق، أو نجاسة، أو كافر، ولم يتمكن من الطهارة .. فيجوز أخذه مع الحدث للضرورة. 75 - قول "المنهاج" [ص 71، و"الحاوي" [ص 131]: (وتفسير) يقتضي الحل وإن كان القرآن أكثر، وهو مقتضى كلام الرافعي (¬6). قال النووي: (وهو منكر) (¬7). بل الصواب: القطع بالتحريم، قاله الماوردي وآخرون (¬8)، ونقله صاحب "البحر" عن الأصحاب (¬9)، وقال في "شرح المهذب": (إنه لا خلاف فيه) (¬10). واعترضه في "المهمات" بموافقة الشاشي في "الحلية" للرافعي في ذلك (¬11)، ومقتضى عبارة "الروضة" و"شرح المهذب": الحل عند الاستواء، وهو نظير تصحيحهم في الجديد (¬12)، ¬

_ (¬1) في حاشية (أ): (الراجح: أنه لا يشترط كون الأمتعة ثلاثة، بل يكفي بأقل منها). (¬2) الحاوي (ص 131)، المنهاج (ص 71). (¬3) الروضة (1/ 80). (¬4) الحاوي (ص 131)، المنهاج (ص 71). (¬5) في "المهمات" (2/ 242)، و"مغني المحتاج" (1/ 73): (منع منه جزماً). (¬6) انظر "فتح العزيز" (1/ 176). (¬7) انظر "الروضة" (1/ 80). (¬8) انظر "الحاوي الكبير" (1/ 146). (¬9) بحر المذهب (1/ 136). (¬10) المجموع (2/ 87). (¬11) حلية العلماء (1/ 94). (¬12) الروضة (1/ 80)، المجموع (2/ 87).

ومقتضى عبارة "التحقيق": الجزم بتحريمه؛ فإنه فرض الخلاف فيما إذا كان القرآن أقل (¬1)، وفي عبارة "المنهاج" في قوله: [ص 71] (وتفسير) العطف على الضمير المجرور في قوله: (وحمله) بدون إعادة الجار، وكذا في قول "الحاوي" [ص 131]: (وجلده) عطفًا على الضمير في قوله: (ومسه)، وهو جائز عند بعضهم؛ لقوله تعالى: {تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} بالجر (¬2)، ومنعه الجمهور. 76 - قول "المنهاج" [ص 71]: (ودنانير)، وقول "الحاوي" [ص 131]: (لا الدرهم) شرط الماوردي في ذلك: أن يكون مما يتداول كثيراً في المعاملة، وإلا .. فيحرم (¬3)، والجمهور أطلقوا الوجهين، وتعبير "المنهاج" فيها بالأصح، بخلاف تعبيره في "الروضة" بالصحيح (¬4). 77 - قول "الحاوي" [ص 131]: (وكتبته) أي: بشرط انتفاء الحمل والمس؛ بأن يكون موضوعاً بين يديه، وهذا واضح بذكره تحريم المس والحمل أولاً. 78 - قولهما -والعبارة لـ "المنهاج"-: (ومن تيقن طهراً أو حدثاً وشك في ضده .. عمل بيقينه) (¬5) ووافقهما "الحاوي" على ذلك في يقين الطهر، وخالف في يقين الحدث، فقال: (إنه يرفع بالظن لا بالشك) (¬6) وتبع في ذلك الرافعي (¬7)، وهو غلط معدود من أفراده. قال ابن الرفعة: (لم أره لغيره). وقال في "المهمات" عن "الشامل": (إنما قلنا بنقض الوضوء بالنوم مضطجعاً؛ لأن الظاهر خروج الحدث، فَصَدَقَ أن يقال: رفعنا يقين الطهارة بظن الحدث، بخلاف عكسه) انتهى. فكأن الرافعي أراد: ما ذكره ابن الصباغ، فانعكس عليه، ولمجلي احتمال: فيما إذا ظن الحدث بأسباب عارضة في تخريجه على قولي الأصل والغالب. قال في "الدقائق": (المراد بالشك هنا وفي معظم أبواب الفقه: مطلق التردد، سواء أكان على السواء أو أحد طرفيه أرجح) (¬8). 79 - قولهما -والعبارة لـ "المنهاج"-: (فلو تيقنهما، وجهل السابق .. فَضِدُّ ما قبلهما في ¬

_ (¬1) التحقيق (ص 81). (¬2) وهي قراءة حمزة وحده، وقرأ الباقون: {وَالْأَرْحَامَ} نصباً. انظر "الحجة للقراء السبعة" لأبي علي الفارسي (3/ 121). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (1/ 145، 146). (¬4) المنهاج (ص 71)، الروضة (1/ 80). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 17)، و"المنهاج" (ص 71). (¬6) الحاوي (ص 130). (¬7) انظر "فتح العزيز" (1/ 170). (¬8) الدقائق (ص 33).

الأصح) (¬1) كذا أطلقه الجمهور، وقال المتولي والرافعي: (إنما يأخذ بالضد مطلقاً إذا كان قبلهما محدثاً، فإن كان قبلهما متطهراً .. فإنما يأخذ بالضد إذا كان ممن يعتاد تجديد الوضوء، وإلا .. فيأخذ بالمثل، فيكون الآن متطهراً) (¬2). وتبعهما في "الروضة" و"التحقيق" (¬3)، وعليه مشى في "الحاوي" حيث قال: (لا بضد الطهر من لا يعتاد تجديده) (¬4) لكن مقتضى عبارته: أن من ليست له عادة محققة .. يأخذ بالمثل، وذكر السبكي أنه يأخذ بالضد، فعلى هذا كان ينبغي أن يقول: (لا بضد الطهر من اعتاد عدم تجديده). وقال في "شرح المهذب": (الصحيح المختار: لزوم الوضوء بكل حال) (¬5) ونقله في "الروضة" عن تصحيح جماعات من محققي أصحابنا (¬6). * * * ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 17)، و"المنهاج" (ص 71). (¬2) انظر "فتح العزيز" (1/ 169). (¬3) الروضة (1/ 77)، التحقيق (ص 80). (¬4) الحاوي (ص 131). (¬5) المجموع (2/ 79، 80). (¬6) الروضة (1/ 77).

باب الاستنجاء

بابُ الاسْتِنْجاء 80 - قولهم -والعبارة لـ"المنهاج"-: (يقدم داخل الخلاء يساره، والخارج يمينه) (¬1) قد يفهم من لفظ الدخول والخروج: اختصاصه بالبنيان، وهو وجه، والأصح: اطراده في الصحراء، فيقدم يسراه إذا بلغ موضع جلوسه، وإذا فرغ .. قدم يمناه في انصرافه. ويجاب: بأن الدخول والخروج جرياً على الغالب، فلا مفهوم له. واستشكل ابن الرفعة تقديم يسراه إلى موضع جلوسه؛ لمساواته قبل قضاء الحاجة فيه غيره، بخلاف تقديم يمناه في انصرافه. وأجيب عنه: بأنه لما عينه للبول فيه .. انحطت رتبته، فهو كالخلاء الجديد قبل أن يقضي فيه أحد حاجته. 81 - قولهما -والعبارة لـ "المنهاج"-: (ولا يحمل ذكر الله تعالى) (¬2) قال في "شرح المهذب": (لم يتعرض الجمهور لغيره) (¬3)، وفي " الحاوي" [ص 128]: (نحى اسم الله ورسوله والقرآن)، وفي "الروضة" مثله (¬4)، وأَلْحق به الإمام: كل اسم معظم، نقله عنه في "الكفاية" (¬5). لكن لو نقش على خاتمه محمداً مثلاً مريداً به نفسه، أو اسماً من أسماء الله تعالى التي تطلق على غيره مريداً به غير الله .. لم يكره استصحابه، كما في "شرح الوسيط" للنووي (¬6)، ولو نسيه حتى قعد على الخلاء .. غيبه بضم كفه عليه، أو وضعه في عمامته، أو غير ذلك. وقال صاحب "الكفاية" في قول "التنبيه" [ص 17]: (إذا أراد قضاء الحاجة؛ فإن كان معه شيء فيه ذكر الله تعالى .. نحاه) أي: في البناء، بدليل قوله بعد: (وإن كان في صحراء)، وهو وجه، وهذا صريح في أن جميع الأحكام المتقدمة خاصة في كلام الشيخ بالأبنية، وليس كذلك، بل الأحكام المتقدمة شاملة لهما، والأحكام المذكورة بعد قوله: (وإن كان في صحراء) خاصة بالصحراء، وزعم بعضهم: أن تصدير "المنهاج" الباب بتقديم اليسرى دخولاً واليمنى خروجاً يفهم اختصاصه وما عطف عليه بالبنيان (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 17)، و"الحاوي" (ص 128)، و "المنهاج" (ص 71). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 17)، و"المنهاج" (ص 71). (¬3) المجموع (2/ 92). (¬4) الروضة (1/ 66). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (1/ 103). (¬6) شرح الوسيط (1/ 298). (¬7) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 90).

والحق: أن هذا الإفهام إنما هو في المسألة الأولي فقط، كما قدمنا إيراده والجواب عنه. 82 - قول "المنهاج" [ص 71]: (ويعتمد جالساً يساره)، وفي "المحرر": (يسراه) (¬1)، وهو أحسن. 83 - قول "التنبيه" [ص 18]: (ولا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها) زاد "المنهاج" [ص 71] و"الحاوي" [ص 128]: (تحريمه بالصحراء)، وقيده في "الروضة": بألاَّ يستتر بشيء (¬2). والمعتبر في الساتر: أن يكون ارتفاعه ثلثي ذراع فأكثر، وأن يكون بينه وبينه ثلاثة أذرع فأقل، ولو جلس في بنيان ولم يستتر على الوجه المذكور .. حرم، إلا في الأبنية المعدة لذلك، ذكره في "شرحي مسلم والمهذب" (¬3). فالتحريم على هذا دائر مع الستر وعدمه، لا مع البناء وعدمه. قال صاحبا "التهذيب" و"الكافي": (والمراد بالبنيان: ما أسقف، أو أمكن سقفه) (¬4) وحيث لا يحرم .. يكره، كما قاله الرفعي في "التذنيب" تبعاً للمتولي (¬5)، واختار النووي عدم كراهته (¬6). 84 - قول "التنبيه" [ص 18]: (ولا يستقبل الشمس والقمر) زاد "الحاوي" [ص 128]: ترك الاستدبار أيضاً؛ فإنه عبر بالمحاذاة، وهي شاملة للاستقبال والاستدبار، كما فعل في القبلة، وقد جزم به الرافعي في الاستقبال، وحكاه في الاستدبار عن الغزالي والصيمري والجرجاني، وقال: هو صحيح، وسكت عنه الجمهور، وجزم به في "التذنيب"، بل زاد الكراهة فيهما (¬7). وفي "شرح المهذب": الصحيح: عدم الكراهة (¬8)، وفي "التحقيق": لا أصل لها (¬9)، وفي "شرح الوسيط": لم يذكره الشافعي والأكثرون، والمختار: الإباحة (¬10). 85 - قول "المنهاج" [ص 71] و"الحاوي" [ص 128]: (ويبعد، ويستتر) أي: في الصحراء، كما قيده في "التنبيه" فيهما (¬11). ¬

_ (¬1) المحرر (ص 10). (¬2) الروضة (1/ 65). (¬3) شرح مسلم (3/ 155)، المجموع (2/ 97). (¬4) التهذيب (1/ 290). (¬5) التذنيب (ص 663). (¬6) انظر "المجموع" (2/ 98). (¬7) فتح العزيز (1/ 138)، التذنيب (ص 663). (¬8) المجموع (2/ 114). (¬9) التحقيق (ص 84). (¬10) شرح الوسيط (1/ 294). (¬11) التنبيه (ص 17).

86 - قول "المنهاج" [ص 71]: (ولا يبول في ماء راكد)، وفي "الحاوي" [ص 128]: (ولا يقضي في الماء الراكد) وهو أحسن؛ لشموله الغائط، إلا أنه مفهوم من عبارة "المنهاج" من طريق الأولى. وهو في الكثير: مكروه قطعاً، وقال النووي في "شرح مسلم": (لو قيل: يحرم .. لم يكن بعيداً) (¬1). وفي القليل: حرام على الصواب المختار في "شرح مسلم"، ومفهومه: أنه لا يتجنب ذلك في الجاري، وهو في الكثير المستبحر: مجمع عليه، وفي القلتين: متفق عليه عندنا، والأولي: اجتنابه، كما قال النووي (¬2). قلت: إلا إذا كان بالليل .. فإنه يكره ولو كان كثيراً جارياً، كما جزم به ابن الرفعة؛ لما يقال: أن الماء بالليل للجن. وفيما دون القلتين: حرام على المختار في "شرح مسلم" (¬3). 87 - قول "المنهاج" [ص 71] و"الحاوي" [ص 128]: (ولا يبول في الجحر) وهو: الخرق النازل المستدير، ويقال له: الثقب أيضاً، ومثله: السرب -بفتح السين والراء المهملتين- وهو: الشق المستطيل، وصرح بهما في "التنبيه"، فقال [ص 17، 18]: (ولا يبول في ثقب ولا سرب). 88 - قول "المنهاج" [ص 71] و"الحاوي" [ص 128]: (ومهب ريح) يشمل: استقبالها واستدبارها، ومقتضى تعليل الرافعي ذلك باحتمال عود الرشاش عليه: اختصاصه بالاستقبال (¬4)، لكن الاستدبار أيضاً فيه عود الرائحة الكريهة عليه، وهو الذي علل به الخطابي في "غريب الحديث" قوله عليه الصلاة والسلام: "استمخروا الريح" (¬5). فنأخذ بعموم لفظ الرافعي لا بخصوص علته، وظهر بذلك أن حمل كلام "المنهاج" على الاستقبال فقط ليس بجيد. 89 - قول "التنبيه" [ص 18]: (ولا في ظل) أي: في الصيف، وفي معناه: الشمس في الشتاء؛ فلهذا كان تعبير "المنهاج" [ص 72] بـ (المُتَحدَّث)، و"الحاوي" [ص 128] ب (النادي) أحسن؛ لعمومه. ¬

_ (¬1) شرح مسلم (3/ 187، 188). (¬2) شرح مسلم (3/ 187). (¬3) شرح مسلم (3/ 187). (¬4) انظر "فتح العزيز" (1/ 139). (¬5) غريب الحديث (2/ 559)، والحديث عزاه الحافظ في"التلخيص الحبير" (1/ 107) لابن أبي حاتم في "العلل"، وحكى عن أبيه: أن الأصح: وقفه.

90 - قول "المنهاج" [ص 72] و"الحاوي" [ص 128]: (وطريق) أعم من تعبير "التنبيه" و"الروضة" بـ (قارعة الطريق) (¬1) وعبارة "الحاوي" شاملة للغائط والبول، بخلاف عبارة "التنبيه" و"المنهاج" فإنها خاصة بالبول. وحكى الرافعي في (الشهادات) عن صاحب "العدة": أن التغوط في الطريق صغيرة (¬2)، ولم يعترضه هو ولا النووي، فمال شيخنا في "المهمات" على أن مقتضى هذا كراهة البول، وتحريم الغائط، قال: لكن في شرحي "المهذب" و"مسلم" ظاهر كلام الأصحاب أنه نهي تنزيه، وينبغي تحريمه، وإليه أشار الخطابي (¬3). 91 - قولهم -والعبارة لـ"المنهاج"-: (وتحت مثمرة) (¬4) أي: سواء كان عليها ذلك الوقت ثمرة أم لا، لكن الكراهة عند عدم الثمرة أخف، وأشار في "الشرح الصغير" إلى أنها في الغائط أخف؛ لأنها تُرَى فَتُجْتَنَبْ، أو تغسل. 92 - قولهم -والعبارة لهما-: (ولا يتكلم) (¬5) أي: يكره حتى رد السلام، وهذا في غير موضع الضرورة، فإن رأى أعمى يقع في بئر، أو حية تقصد إنساناً .. لم يكره إنذاره، بل يجب. وهذه المسألة من زيادة "المنهاج" على "المحرر" من غير تمييز، وقد نبه على زيادتها في "الدقائق" (¬6). 93 - قولهم -والعبارة لـ "المنهاج"-: (ولا يسننجي بالماء في مجلسه) (¬7) قال في "الروضة": (إلا في الأخلية المتخذة لذلك، فلا ينتقل فيها؛ للمشقة، ولبعد الهواء) انتهى (¬8). وهذا لا يرد على "التنبيه" لما بيناه من أن الأحكام التي ذكرها آخراً مختصة بالصحراء. 94 - قول "الحاوي" [ص 128]: (ويستبرئ) أي: من البول، كما صرح به "التنبيه" و"المنهاج" (¬9). 95 - قول "المنهاج" [ص 72]: (ويقول عند دخوله ... ثم قال: وعند خروجه) قد يوهم ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 18)، الروضة (1/ 66). (¬2) فتح العزيز (13/ 8). (¬3) المجموع (2/ 106)، شرح مسلم (3/ 162)، غريب الحديث للخطابي (1/ 107). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 18)، و"الحاوي" (ص 128)، و"المنهاج" (ص 72). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 17)، و"الحاوي" (ص 128)، و "المنهاج" (ص 72). (¬6) الدقائق (ص 33). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 18)، و"الحاوي" (ص 128)، و "المنهاج" (ص 72). (¬8) الروضة (1/ 65). (¬9) التنبيه (ص 18)، المنهاج (ص 72).

اختصاص ذلك بالبنيان، وليس كذلك، ولم يحكوا فيه الخلاف السابق في تقديم اليسرى، وتنحية ذكر الله. 96 - قول "التنبيه" [ص 17]: (ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض) الأحسن: أن يقال: (يرفع ثوبه شيئاً فشيئاً) كما عبر به في "الحاوي" (¬1)، وقد تحمل عبارة "التنبيه" عليه، بمعنى: أنه لا يستكمل الرفع حتى يدنو، لا أن المراد: أنه لا يبتدئ الرفع حتى يدنو، فلو رفعه دفعة واحدة .. لم يحرم بلا خلاف، كما صرح به في "شرح المهذب" (¬2)، لكنه في "نكت التنبيه" خرجه على كشف العورة في الخلوة، وكذا في "الكفاية" و" شرح المحب الطبري"، ومقتضاه: تصحيح تحريمه، وهو مردود؛ لأن الخلاف إنما هو في كشفها لغير حاجة؛ فإنهم أطبقوا على جواز الاغتسال عارياً مع إمكان الستر، ومراعاة رفع الثوب شيئاً فشيئاً أشق من التستر عند الاغتسال. 97 - قول "التنبيه" [ص 18]: (والاستنجاء واجب من البول والغائط) اعترض عليه: بأن التقييد بهما يخرج غيرهما من الرطوبات؛ ولهذا أطلق "المنهاج" وجوب الاستنجاء (¬3)، وقيده في "الحاوي" بالملوث (¬4). وأجاب عنه في "الكفاية": بأنها مفهومة من قوله: (وإن كان الخارج حصاة لا رطوبة معها .. لم يجب الاستنجاء في أحد القولين) (¬5) وهو أظهرهما، كما صرح به في "المنهاج" (¬6)، ومثّل في "المحرر" بـ (الحصاة) (¬7) كما فعل في "التنبيه"، فعدل عنه في "المنهاج" إلى البعرة؛ ليبين أن المعتاد إذا خرج بلا رطوبة .. لا استنجاء منه، وحكاية "التنبيه" و"المنهاج" للخلاف قولين، هو المشهور، ونقله الرافعي عن الأكثرين (¬8)، لكنه في "المحرر" و"الوجيز" -تبعاً للصيدلاني والجويني- وجهان (¬9). 98 - قولهما- والعبارة لـ"المنهاج"-: (أو حجر) (¬10) محله: في المخرج المعتاد، فلا ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 128). (¬2) المجموع (2/ 102). (¬3) المنهاج (ص 72). (¬4) الحاوي (ص 129). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 18). (¬6) المنهاج (ص 72). (¬7) المحرر (ص 10). (¬8) انظر"فتح العزيز" (1/ 143). (¬9) الوجيز (1/ 125)، المحرر (ص 10)، وانظر"نهاية المطلب" (1/ 105). (¬10) انظر "التنبيه" (ص 18)، و"المنهاج" (ص 72).

يجزئ الحجر في الثقبة المنفتحة في الأصح، وكذلك قُبُلا المشكل، وقد استثناهما في "الحاوي" بقوله [ص 129]: (عن المعتاد، لا قُبُل المشكل)، لكن يرد عليهم جميعاً: الثيب إذا تحققت نزول البول إلى مدخل الذكر؛ كما هو الغالب .. فإنه لا يجزئ الحجر، فإن لم ينزل، أو شكت .. كفى الحجر في الأصح كالبكر. ولم يذكر في "التنبيه" شروط الاستنجاء بالحجر، وهي: ألاَّ تجف النجاسة، ولا تنتقل عن موضعها، ولا تطرأ نجاسة أجنبية. وقد ذكر هذه الثلاثة في "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، وأهملا شرطاً رابعاً، وهو: ألاَّ يكون الحجر مبلولاً. ويجاب: بأن هذا مفهوم من الشرط الثالث؛ فإنه إذا كان الحجر مبلولاً .. تنجس بملاقاة المحل ونجس المحل. 99 - قولهم -والعبارة لـ"المنهاج": (وجمعهما أفضل) (¬2) مقتضاه: اطراد ذلك في الغائط والبول، وبه صرح سليم الرازي والغزالي وابن سراقة (¬3)، لكن قال القفال في "محاسن الشريعة": (إن هذا مختص بالغائط) (¬4)، وهو مقتضى تعليلهم استحباب الجمع: بأنه يستعمل الحجر أولاً لإزالة العين، ثم الماء لإزالة الأثر. 100 - قول "التنبيه" [ص 18]: (فإن اقتصر على الحجر .. أجزأه) زيادة إيضاح، فقد علم ذلك من قوله أولاً: (فإن أراد: الاقتصار على أحدهما .. فالماء أفضل) (¬5)، وظاهر عبارته: تَعَيُّن الحجر، وليس كذلك، بل يقوم مقامه كل جامد طاهر قالع غير محترم، كما صرح به في "المنهاج"، وهو مفهوم من كلام "الحاوي" (¬6)، ونَفْيُ "التنبيه" بعد ذلك الاستنجاء بالمطعوم والمحترم دال عليه. والتصريح بالجامد من زيادة "المنهاج" على "المحرر"، وأشار "الحاوي" إلى اشتراط كونه قالعاً بقوله [ص 129]: (لا قصب) لكنه لا يحتاج إلى ذكره؛ لفهمه من قوله أولاً: (قلع) مع ما في الاقتصار على القصب من إيهام عدم إلحاق الزجاج والحديد الأملس ونحوهما به. 101 - قول "الحاوي" [ص 129]: (وما كتِبَ عليه عِلمٌ) المراد: العلم المحترم، ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 129)، المنهاج (ص 72). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 18)، و "الحاوي" (ص 129)، و"المنهاج" (ص 72). (¬3) انظر "الوسيط" (1/ 302). (¬4) محاسن الشريعة (ص 60). (¬5) انظر"التنبيه" (ص 18). (¬6) الحاوي (ص 129)، المنهاج (ص 72).

لا كالطب والفلسفة، كما نبه عليه في "المهمات". ومفهومه: جوازه بجلد كتاب، ولا شك في منعه مع الاتصال، وأما بعد الفصل .. ففي "عنقود المختصر" للغزالي: منعه في جلد المصحف (¬1). 102 - قوله: (وجزئه المتصل به) (¬2) أي: فالمنفصل يصح الاستنجاء به إذا كان طاهراً، كذا قالوا، ومقتضاه صحته بيد الآدمي المنفصلة. قال في "المهمات": (والقياس: المنع). 103 - قول "المنهاج" [ص 72]: (وجلد دُبغ دون غيره في الأظهر) اعترض عليه: بأنه كان ينبغي تقديم المنع الذي هو من أمثلة المحترم، فيقول: (فيمتنع بجلد طاهر غير مدبوغ دون كل مدبوغ في الأظهر) فإنَّ كلامه الآن كالمفلت؛ لأنه إن كان ابتداء كلامه .. فلا خبر له، وإن كان معطوفاً على (كل) وقرئ بالرفع .. فيكون الجلد المدبوغ قسيماً لكل جامد طاهر قالع غير محترم، فيكون غيره، والفرض أنه بعض منه، وكذا إذا قرئ بالجر عطفاً على مجرور (كلٍّ)؛ وإذ قَدَّم الجواز .. فكان ينبغي أن يقول: (ومنه جلد دُبغ) أي: من أمثلة هذا الجامد: جلدٌ دُبغ دون جلد غير مدبوغ طاهر في الأظهر. 104 - قول "التنبيه" [ص 18]: (وإن كان الخارج دماً، أو قيحاً .. ففيه قولان، أحدهما: لا يجزئه إلا الماء، والثاني: يجزئه الحجر) الدم والقيح مثالان، فالقولان جاريان في كل نادر، كما صرح به في "المنهاج" (¬3)، وأظهرهما: إجزاء الحجر، وقد صرح به في "المنهاج"، وهو مفهوم من "الحاوي" (¬4) حيث اعتبر كونه خارجاً غير معتاد، لا كونه معتاداً، لكن صحح في "شرح مسلم": تعين الماء (¬5). ويستثنى من الدم: دم الحيض، فقال الرافعي: (إنه لا يمكن الاقتصار فيه على الحجر؛ فإن عليها غَسْلُ جميع بدنها) (¬6). فلا فائدة في الحجر، وإليه أشار في "الحاوي" بقوله [ص 129]: (أو يوجب الغسل)، لكن قال في "الروضة": (صرح الماوردي وغيره بجواز الاقتصار على الحجر في دم الحيض) (¬7). ¬

_ (¬1) الخلاصة (ص 68، 72). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 129). (¬3) المنهاج (ص 72). (¬4) الحاوي (ص 129)، المنهاج (ص 72). (¬5) شرح مسلم (3/ 213). (¬6) انظر "فتح العزيز" (1/ 141). (¬7) الروضة (1/ 67)، وانظر "الحاوي الكبير" (1/ 160).

وفائدته: فيمن انقطع حيضها، واستنجت، ثم تيممت لسفر أو مرض .. فإنها تصلي بلا إعادة، وجزم به في "التحقيق" (¬1)، وفي "الكفاية" عن الروياني، عن الشافعي: جوازه للبكر دون الثيب (¬2)، ووجَّهَهُ في "الكفاية": بأن الثيب يجب عليها الاستنجاء عما يبدو منها حال القعود، وإزالته بالحجر لا يمكن، بخلاف البكر لا يجب عليها الاستنجاء عما وراء العذرة، وإزالة النجاسة عن الظاهر بالحجر ممكنة. وبحث شيخنا في "المهمات": أن الثيب يمكنها الاستنجاء بالحجر عن البعض، وهو ما ظهر منها، فينبغي تخريجه على ما إذا قدر على إزالة بعض النجاسة، والأصح: وجوبه. 105 - قول "التنبيه" [ص 18]: (وإن انتشر الخارج إلى باطن الألية .. ففيه قولان، أصحهما: أنه يجزئه الحجر) محل القولين: في الانتشار الزائد على العادة، كما صرح به في "المنهاج" (¬3)، والمراد: عادة الناس، وقيل: عادته، ونقل المزني قولًا في مطلق الانتشار وإن لم يجاوز العادة (¬4)، فغلَّطَه فيه الجمهور. ومحل إجزاء الحجر: إذا لم يَتَقَطَّع، فإن تقطع .. تعين في المنفصل الماء وإن كان في باطن الألية، كما قيده في "الكفاية"، ونقله في "شرح المهذب" عن الصيدلاني (¬5)، ومقتضى كلامهم: أنه إذا (تجاوز) (¬6) الألية .. تعين الماء في الجميع، وكذا هو في "الشرح" و"الروضة" وغيرهما (¬7)، وفي "شرح المهذب" و"الكفاية" تقييده بغير المتقطع، فإن تقطع فصار بعضه باطن الألية وبعضه خارجها .. فلكل منهما حكمه (¬8)، وهذان واردان على عبارة "المنهاج" و"الحاوي" أيضًا. 106 - قول "التنبيه" [ص 18]: (وإن انتشر البول .. لم يجزئه إلا الماء، وقيل: فيه قولان، أحدهما: يجوز فيه الحجر ما لم يجاوز موضع القطع) الأظهر: طريقة القولين، والأظهر منهما: الإجزاء. 107 - قولهما -والعبارة لـ "المنهاج"-: (ولو بأطراف حجر) (¬9) قال في "الكفاية": (أفهم ¬

_ (¬1) التحقيق (ص 86). (¬2) انظر "بحر المذهب" (1/ 155، 156). (¬3) المنهاج (ص 72). (¬4) مختصر المزني (ص 3). (¬5) المجموع (2/ 143). (¬6) في (ج): (لم يجاوز)، والمثبت من باقي النسخ. (¬7) فتح العزيز (1/ 143)، الروضة (1/ 68). (¬8) المجموع (2/ 143). (¬9) انظر "التنبيه" (ص 18)، و"المنهاج" (ص 72).

نفي الإجزاء بحجر واحد استنجى به، ثم غسله ونشفه، واستعمله بعد ذلك، والأصح: الإجزاء). ويجاب عنه: بأن هذا خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له. 108 - قول "المنهاج" [ص 72]: (وكل حجر لكل محله) لو قال: (كل مسحة لكل محله) كما في "المحرر" (¬1) .. لكان أحسن. وظاهر كلام السبكي أن قوله: (وكل حجر) معطوف على قوله: (ثلاث مسحات) أي: يجب ذلك، ومال إليه شيخنا شهاب الدين بن النقيب؛ لئلا يلزم أن التعميم سنة، وهو واجب على الأصح، وجعله شيخنا جمال الدين معطوفًا على قوله: (إيتار)، فقال: تقديره: (ويسن الإيتار، وأن يكون كل حجر ... إلى آخره، قال: فنستفيد منه أن الخلاف في الاستحباب، ولا يستفاد ذلك من "المحرر") (¬2). 109 - قول "التنبيه" [ص 18]: (فإن استنجى بشيء من ذلك .. لم يجزئه) قد يفهم إجزاء الحجر بعده، وهو صحيح في غير الاستنجاء بالنجس إذا لم يَنْقُل النجاسة. قال الماوردي: (وماء زمزم له حرمة، تمنع الاستنجاء به، ثم لو استنجى به .. أجزأه بالإجماع) (¬3). 110 - قوله: (ولا يستنجي بيمينه) (¬4) عطفًا على قوله: (ولا بما له حرمة) (¬5) يوهم التحريم، ويؤيده قوله في "المهذب" وفاقًا لجماعة: إنه لا يجوز (¬6). والمشهور: الحل مع الكراهة. قال في "شرح المهذب": (ويمكن تأويله: بأنه ليس مباحًا مستوي الطرفين) (¬7) ولا يستفاد من عبارة "المنهاج" و"الحاوي" كراهته باليمين؛ فإنهما إنما ذكرا سنيَّتَه باليسار، وقول "الحاوي" [ص 129]: (باليسرى) أحسن من قول "المنهاج" [ص 72]: (باليسار). * * * ¬

_ (¬1) المحرر (ص 10). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 105)، وفي حاشية (أ): (عبارة شيخنا في شرحه لـ "البهجة": والخلاف في الاستحباب كما نقله الرافعي عن الأكثرين لا في الإيجاب؛ كما نقله صاحبا "التعليقة" و"المصباح" من كلام "الحاوي"). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (1/ 167). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 18). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 18). (¬6) المهذب (1/ 28). (¬7) المجموع (2/ 129).

باب الوضوء

بابُ الوضوء 111 - قول "التنبيه" [ص 15]: (نوى رفع الحدث) أُورِد عليه أمور: أحدها: أن الأصح: أن دائم الحدث لا يكفيه الاقتصار على نية رفع الحدث، أورده في "التصحيح" (¬1)، وقد يقال: هذا مفهوم من قوله في المتيمم: (وينوي استباحة الصلاة) (¬2)، وهذا لا يرد على "المنهاج" و"الحاوي" لتصريحهما بالمسألة بعد ذلك (¬3). ثانيها: قال في "الكفاية": (شمل كلامه ما لو اجتمع الحدثان أكبر والأصغر وقلنا بعدم الاندراج، والذي أورده الماوردي أنه لا يجزئ عن واحد منهما) (¬4). قال النشائي في "نكته": (وصححه النووي في "التحقيق"، فكان حقه استدراكه) (¬5). قلت: هذا استدراك على وجه ضعيف، وليس موضوع التصحيح ذلك. ثالثها: أنه يقتضي أنه لو نوى رفع الحدث أكبر .. لا يجزئه، والأصح: الإجزاء، كذا صححه في "الكفاية" تبعًا للماوردي (¬6)، لكن صحح صاحب "البيان": عدم الصحة (¬7)، والمتجه: الفرق بين العامد والغالط، كما قاله المحب الطبري، وهو الموافق لقولهم: إن نوى غير ما عليه .. صح مع الغلط لا مع العمد، وقد تورد هذه على "الحاوي"، وقد يُدّعى دخولها في قوله: (أو غيرها غلطًا) (¬8)، وقد يقال: تصحيح "الكفاية" لا ينافي كلام الشيخ؛ فإن تقييد الحدث بالأكبر لا ينافي إطلاقه. رابعها: أنه يخرج ما لو نوى من عليه أحداث رفع أحدها، والأصح: صحته؛ ولذلك عدل في "المنهاج" عن عبارة "المحرر" (¬9)، وهي مثل عبارة الشيخ إلى قوله: (رفع حدث) بالتنكير؛ ليتناول هذه الصورة كما نبه عليه في "الدقائق" (¬10)، وهو متناول للصورة قبلها، فلا ترد عليه إن وافق على تصحيح "الكفاية"، وإلا .. وردت عليه، وقد يقال: من نوى حديثًا معينًا .. فقد نوى ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (1/ 73). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 20). (¬3) انظر "الحاوي" (ص 124)، و"المنهاج" (ص 73). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (1/ 94). (¬5) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 5)، وانظر "التحقيق" (ص 54). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (1/ 94). (¬7) البيان (1/ 103). (¬8) انظر "الحاوي" (ص 123). (¬9) المنهاج (ص 73)، المحرر (ص 11). (¬10) الدقائق (ص 33).

رفع الحدث؛ لأن الحدث لا يتجزأ، وصرح بهذا الفرع في "الحاوي" (¬1). خامسها: أنه يخرج ما لو نوى غير ما عليه، والأصح: الصحة مع الغلط دون العمد، فترد على عبارة "التنبيه" صورة الغلط، وعلى عبارة "المنهاج" صورة العمد؛ لتناول لفظه لها مع عدم الصحة فيها، وصرح بالمسألة في "الحاوي" (¬2). سادسها: أنه يخرج ما لو نوى رفع الحدث والتبرد، والأصح: الصحة، كذا أورده في "الكفاية"، ولو ادعى تناوله .. لم يَبْعُد؛ فإنه لا ينافي المذكور؛ لحصوله مطلقًا. سابعها: أنه يخرج ما إذا فرق النية على الأعضاء فنوى عند كل عضو رفع الحدث عنه، والأصح: الصحة، كذا أورده في "الكفاية"، وصرح بهذه المسألة والتي قبلها في "المنهاج" و"الحاوي" (¬3)، ويصح أن يقال: (نوى رفع الحدث مطلقًا، ونوى رفع الحدث عن كل عضو عضو). أورد هذه الإيرادات الستة في "الكفاية". 112 - قول "المنهاج" [ص 73]: (أو استباحة مفتقر إلى طهر) لو قال: (إلى وضوء) كما في "الحاوي" (¬4) .. لكان أولى؛ لأن القراءة والمكث في المسجد مفتقران إلى طهر، وهو الغسل، مع أنه لا يصح الوضوء بنية استباحتهما, ولا يَرِدُ هذا على قول "التنبيه" [ص 15]: (أو الطهارة لأمر لا يستباح إلا بالطهارة؛ كمس المصحف) لأن تمثيله يخرج القراءة ونحوها، وأيضًا: تعريف الطهارة مشعر بالعهد، وهو الوضوء المعقود له الباب، بخلاف التعبير يطهر مُنَكَّر، ولا تمثيل معه بعينه للوضوء. 113 - قول "المنهاج" [ص 73]: (أو أداء فرض الوضوء) يكفي أيضًا: (أداء الوضوء) بإسقاط لفظة (فرض)، و: (فرض الوضوء) بإسقاط لفظة (أداء)، فلو أسقط أحدهما .. لكان أحسن، ويفهم الصحة مع جمعهما من طريق الأولى، وقد يقال: إسقاطة لفظة (فرض) أولى كما في "الحاوي" حيث قال [ص 124]: (أداء الوضوء) لأن الإتيان بلفظة (فرض) يخص قصد ما هو فرض، فلا يشمل مسنونات الوضوء؛ كالمضمضة والاستنشاق ونحوهما، وهذا الإشكال يتوجه أيضًا على نية رفع الحدث؛ فإنه لا يتوقف على السنن, فلم تشمله النية. وقد يجاب: بدخولها تبعًا؛ كنية فرض الظهر، على أن النووي صحح في "شرح المهذب" ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 123). (¬2) الحاوي (ص 123). (¬3) الحاوي (ص 124)، المنهاج (ص 73). (¬4) الحاوي (ص 124).

و"التحقيق": إجزاء نية الوضوء فقط (¬1)، فعلى هذا لو حذف "المنهاج" اللفظتين و"الحاوي" لفظة أداء .. لكان أولى، والله أعلم. 114 - قول "التنبيه" [ص 15]: (أو الطهارة للصلاة) وفي "الحاوي" [ص 124]: (الطهارة عن الحدث) ومقتضاهما: أنه لا يكفي نية الطهارة فقط، وهو ما صححه النووي (¬2)، وكلام الرافعي يقتضي الصحة؛ فإنه قال: (ينوي رفع الحدث أو الطهارة عنه، فإن أطلق .. كفى) انتهى (¬3). وأسقط من "الروضة" قوله: (فإن أطلق .. كفى) (¬4). 115 - قول "التنبيه" [ص 15]: (النية عند غسل الوجه) أي: أول غسل الوجه، فلو عزبت بعد ذلك .. لم يضره، وعبر "المنهاج" بقوله [ص 73]: (بأول الوجه) وفيه إضمار تقديره: بأول غسل الوجه أو بغسل أول الوجه، والأول هو الموافق لتعبير "الحاوي" بقوله [ص 123]: (بأوله) أي: بأول الغسل، وهو أولى من الثاني، إذ لا أول للوجه، وقال بعضهم في توجيه كونه أولى: لأن الثاني يقتضي تعين النية عند أول الوجه، وهو منابت شعر الرأس أو غيره من أطرافه، ولا شك أنه يكفي اقترانها بأول جزء مغسول منه ولو كان وسطه؛ كالأنف. قال شيخنا شهاب الدين بن النقيب: (ويخدش التعبيرين معًا أنه لو ابتدأ بغسله من أوله ثم نوى عند وصوله إلى وسطه .. فإنه لم ينو عند أول غسله ولا عند غسل أوله مع أن نيته صحيحة قطعًا، غايته: أنه يجب إعادة ما غسله منه قبل النية، فلا مخلص إلا أن يقول: ويجب قرنها بغسل جزء من الوجه، ثم يجب غسل باقيه) (¬5). قلت: الموضع الذي نوى عنده هو أول الغسل الشرعي، وما قبله ليس مغسولًا عن وضوء، بل يجب غسله مرة أخرى، فكأنه غير مغسول بالكلية؛ لأن الكلام في الغسل عن الوضوء، والله أعلم. ثم إن هؤلاء الثلاثة إنما تكلموا على وقتها الواجب، فلو قارنت أول الوجه .. لم يُثَب على ما قبله من السنن في الأصح، ولو اقترنت بسنة من سننه المتقدمة، ثم عزبت قبل الوجه .. لم يصح وضوءه في الأصح. قال النووي: (إلا أن ينغسل شيء من حمرة الشفة مع المضمضة إن قصد به غسل الوجه، وكذا إن لم يقصد في الأصح، ويحتاج إلى غسل ذلك الجزء في الأصح) (¬6). ¬

_ (¬1) المجموع (1/ 380)، التحقيق (ص 54). (¬2) انظر "المجموع" (1/ 384). (¬3) انظر "فتح العزيز" (1/ 99). (¬4) الروضة (1/ 48). (¬5) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 111). (¬6) انظر "المجموع" (1/ 381).

فالأكمل: أن ينوي عند أول السنن ويستصحبها ذكرًا إلى أول غسل الوجه. 116 - قول "التنبيه" [ص 15]: (وهو ما بين منابت شعر الرأس ومنتهى اللحيين والذقن طولًا) فيه أمور: أحدها: قال في "الكفاية": (أي: المعتادة؛ ليدخل الغمم ويخرج الصلع) ولهذا قال في "المنهاج" [ص 73]: (غالبًا)، وقال في "الإقليد" تبعًا للإمام: (إنما تلزم هذه الزيادة -يعني: قوله: "غالبًا"- لمن قال: من الشعر، أما من قال: من منابت شعر الرأس .. فلا؛ فإن منابت الرأس معلومة، أنبتت أم لم تنبت، جاوزها الشعر أو وقف عندها) انتهى. وهو الحق، فمنبت موضع النبات، كما أن الأرض منبت بمعنى الصلاحية إن لم يكن فيها نابت، وهذا شأن مَفْعِلْ، فقيد "المنهاج" غير محتاج إليه. ثانيها: أن مقتضاه: أن منتهى اللحيين ليس من الوجه، وليس كذلك، بل ما أقبل منهما من الوجه، إلا أن يريد بمنتهاهما: ما يليهما من جهة الحنك، كما قال الرافعي (¬1). ثالثها: أنه يشعر بمغايرة منتهى اللحيين للذقن مع أنهما شيء واحد، وعبر "المنهاج" بقوله [ص 73]: (ما بين منابت رأسه غالبًا ومنتهى لحييه)، ويرد عليه الإيراد الثاني على "التنبيه"، وأن قوله: (غالبًا) غير محتاج إليه كما تقدم، بل لا معنى له؛ فإن منابت شعر رأسه شيء موجود لا غالب فيه ولا نادر، وإنما يصح الإتيان بقوله: (غالبًا) لو عبر بالرأس من غير إضافة، كما فعل غيره. وعبر "الحاوي" بقوله [ص 123]: (ما بين الرأس ومنتهى الذقن واللحيين) فاستغنى عن التقييد بالغالب، بل استحال معه ذلك مع الاختصار، وورد عليه الإيرادان الأخيران على "التنبيه"، وهنا تنبيهات: أحدها: المراد بالغسل هنا: الانغسال، ولا يشترط أن يغسله المتوضئ، وكذا الحكم في باقي الأعضاء. ثانيها: المراد: ظاهر هذا المحدود؛ فإنه لا يجب غسل داخل العين والفم والأنف. ثالثها: لا بد مع ما ذكره من غسل ما يتحقق به استيعاب الوجه، وهو جزء من الرأس والرقبة وما تحت الذقن، كما في "الروضة" عن الأصحاب (¬2). 117 - قول "المنهاج" [ص 73]: (وكذا التحذيف في الأصح) كان ينبغي أن يقول: (في الأظهر) كما في "المحرر" (¬3) لأن الخلاف قولان: ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (1/ 105). (¬2) الروضة (1/ 52). (¬3) المحرر (ص 11).

نقل الإِمام عن النص: أنه من الوجه (¬1)، ونقل أبو إسحاق عن "الإملاء": أنه من الرأس (¬2). وقال في "شرح المهذب": (اتفق الأصحاب على حكايتهما وجهين وهما قولان) (¬3). ونقل الرافعي في "شرحيه" عن الأكثرين: أنه من الرأس، خلاف ما صححه في "المحرر" (¬4) ولذلك مشى عليه في "الحاوي" (¬5)، واستدركه في "المنهاج"، فقال [ص 73]: (قلت: صحح الجمهور: أن موضع التحذيف من الرأس، والله أعلم) (¬6). 118 - قول "المنهاج" [ص 73]: (لا النزعتان) وفي "المحرر": (لا الصلع والنزعتان) (¬7) فكان ينبغي ذكره؛ لأن الضابط كما أدخل الغمم أخرج الصلع، فلا وجه لذكر أحدهما دون الآخر، وقد ذكره في "الحاوي"، فقال [ص 123]: (والصلع وجانبيه) وهما النزعتان. 119 - قول "التنبيه" [ص 15]: (إلا الحاجب والشارب والعنفقة والعذارين؛ فإنه يجب غسل ما تحتها وإن كثف الشعر عليها) فيه أمور: أحدها: هذا الاستثناء من قوله: (وإن كان عليه شعر كثيف .. لم يلزمه غسل ما تحته) (¬8)، وفصل ما بين المستثنى والمستثنى منه بقوله: (ويستحب أن يخلل الشعور كلها) (¬9)، وقال المحب الطبري: الأظهر: أنه من قوله: (ويستحب أن يخلل الشعور) فهو استثناء متصل؛ لقربه، وفي بعض النسخ حذف (الشعور)، فإن أضمرناها .. فهو متصل، وإن أضمرنا اللحية الكثيفة .. فالظاهر: أنه متصل أيضًا؛ لأنها اسم للشَّعر، وقيل: منفصل؛ لأنها اسم لشعر مخصوص، وذكر ابن يونس في "التنويه": (أن الذي في غالب نسخ "التنبيه": "وتخليل اللحية إلا الحاجب ... إلى آخره"، قال: وحذفناه؛ لأنه استثناء منقطع؛ إذ ليس الحاجب وأخواته من اللحية، فهو كقولك: جاءني الناس إلا حمارًا) انتهى. وما حكاه من لفظ الشيخ لم نره في شيء من النسخ. ثانيها: أورد عليه في "التصحيح" شعورًا أُخَر بلفظ الصواب، فقال: (والصواب: وجوب غسل ما تحت الشعر الكثيف على الخد، وما تحت لحية المرأة والخنثى، والأهداب، ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (1/ 69). (¬2) انظر "بحر المذهب" (1/ 103). (¬3) المجموع (1/ 432). (¬4) فتح العزيز (1/ 106)، المحرر (ص 11). (¬5) الحاوي (ص 123). (¬6) موضع التحذيف: ما نزل عما بين طرف الأذن وزاوية الجبين. انظر "الدقائق" (ص 34). (¬7) المحرر (ص 11). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 15). (¬9) انظر "التنبيه" (ص 15).

وما عم الجبهة، وكذا بعضها في الصحيح) انتهى (¬1). قال شيخنا جمال الدين في "تصحيحه": (تعبيره بالصواب ممنوع؛ ففي "الروضة": فيهن وجهان) (¬2). وقال في "المهمات": (إن الإيجاب مشكل؛ لأنها وإن كانت نادرة لكنها دائمة، وقاعدتنا: أن النادر الدائم كالغالب، قال: وهذا البحث لا يأتي في لحية المرأة؛ لأنه يستحب لها حلقها) انتهى. وأيضًا: فهذه الأمور مفهومة مما ذكره الشيخ؛ لأنها في معناها في ندرة الكثافة، ذكره في "الكفاية". وذكر منها في "المنهاج" مع الأربعة المذكورة في "التنبيه": شعر الخد، والأهداب (¬3)، فبقى عليه: الغمم، ولحية المرأة والخنثى. والتصريح بالخد من زيادته على "المحرر" من غير تمييز، ونقل النشائي في "نكته" الخلاف في الغمم إذا عَمَّ عن "الكفاية" (¬4)، وهو قصور؛ فإنه في "الشرح" و"الروضة" كما تقدم (¬5). وقال شيخنا شهاب الدين بن النقيب: (كذا صرح بمسألة الغمم في "تصحيح التنبيه"، ولم أره في غيره إلا بالنسبة إلى أصل الغسل، وأما بالنسبة إلى غسل البشرة تحته وإن كثف .. فلم أره، ووجهه ظاهر؛ لأن أصل النبات نادر، فما ظنك بالكثافة؟ ) انتهى (¬6). ومراده: التصريح بذكره، وإلا .. فهو داخل في كلامهم؛ لأنهم قسموا الشعور الحاصلة في حد الوجه إلى نادرة الكثافة، وغيرها. قال في "الروضة": (فالنادرة؛ كالحاجبين والأهداب والشاربين والعذارين، فيجب غسل ظاهر هذه الشعور وباطنها مع البشرة تحتها وإن كثفت، ولنا وجه شاذ: أنه لا يجب غسل منبت كثيفها) (¬7). هذه عبارة "الروضة"، وهي شاملة للغمم في الفتوى وفي الوجه الشاذ، وهذه الأمور المذكورة أمثلة، وكان هذا عذر النسائي في نقل الخلاف عن "الكفاية" -أعني: عدم التصريح به ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (1/ 76). (¬2) تذكرة النبيه (2/ 410)، وانظر الروضة (1/ 51، 52). (¬3) المنهاج (ص 74). (¬4) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 6). (¬5) فتح العزيز (1/ 108)، الروضة (1/ 52). (¬6) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 116). (¬7) الروضة (1/ 51)

في "الروضة"- وليس بعذر؛ فإنه لم يصرح في "الروضة" بالخد أيضًا. ثالثها: ذكر الشارب مفردًا، وكذا فعل في "المنهاج" تبعًا للجمهور (¬1)، وفي "الشرح" و"الروضة" تبعًا للغزالي بالتثنية (¬2)، وكلاهما في "الأم" (¬3)، فقيل: أراد: شعر الشفتين، وقيل: ما على جانبي العليا؛ لأن ما على السفلى عنفقة. 120 - قول "المنهاج" [ص 74]: (شعرًا وبشرًا) أُورِد: أنه كان ينبغي إسقاط (شعرًا)، ويقول: (وبشرتها) أي: بشرة جميع ذلك، فقوله: (شعرًا) تكرار؛ فإن ما تقدم اسم لها لا لمنابتها، وقوله: (وبشرًا) غير صالح لتفسير ما تقدم. وأجيب: بأنه ذكر الخد أيضًا، فنص على شعره كما نص على بشرة ما ذكره من الشعر. 121 - قوله: (وقيل: لا يجب باطن عنفقة كثيفة) (¬4) أي: ولا بشرتها, ولو قال: (وقيل: عنفقة كلحية) .. لكان أشمل وأخصر، وقيل بطرده في الجميع، وقد تقدم. 122 - قوله: (واللحية إن خَفَّتْ كَهُدْبٍ، وإلا .. فليغسل ظاهرها) (¬5) فيه أمران: أحدهما: في معنى اللحية: العارضان، ولم يصرح به في "الحاوي". ثانيهما: المراد: لحية الرجل؛ لتخرج لحية المرأة والخنثى، كما تقدم بيانه، وعنه احترز في "الحاوي" بقوله [ص 123]: (لحية الرجل). 123 - قول "التنبيه" [ص 15]: (وفيما نزل من اللحية عن الذقن قولان، أحدهما: يجب إفاضة الماء على ظاهره، والثاني: لا يجب) فيه أمور: أحدها: الخلاف جار في الخارج عن حد الوجه من الشعور الخفيفة؛ كالعذار والعارض والسبال إذا طال، وهذا يرد أيضًا على قول "الحاوي" [ص 123]: (وظاهر اللحية النازلة). ثانيها: لم يبين أظهر القولين، وهو الوجوب. ثالثها: قوله: (على ظاهره) تأكيد؛ لأن الإفاضة: إمرار الماء على الظاهر، كما نقله الرافعي عن اصطلاح المتقدمين (¬6)، وقد سلم "المنهاج" من هذه الأمور؛ حيث قال [ص 74]: (وفي قول: لا يجب غسل خارج عن الوجه) لكنه متناول لظاهرها وباطنها، مع أن الخلاف إنما ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 74). (¬2) فتح العزيز (1/ 107)، الروضة (1/ 51)، وانظر "الوجيز" (1/ 122). (¬3) الأم (1/ 25). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 74). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 74). (¬6) انظر "فتح العزيز" (1/ 110).

هو في الظاهر فقط، ولا يجب غسل الباطن قطعًا، كما صرح به الرافعي (¬1)، فكان ينبغي أن يعبر بالإفاضة؛ كما فعل في "التنبيه"، أو بغسل الظاهر. رابعها: أن الإِمام وغيره ذكروا أن هذا الخلاف خاص بالكثيف، أما الخفيف: فالخلاف في ظاهره وباطنه (¬2)، وصوَّبه في "شرح المهذب"، قال: (وكلام الباقين -يعني من أطلق- محمول عليه) (¬3)، واستبعد قوله في "البسيط": هل تجب الإفاضة على ظاهره خفيفًا كان أو كثيفًا؟ قولان. وهذا وارد على "الحاوي" أيضًا، وأما "المنهاج": فإنه لم يقيد الخلاف في الخارج عن حد الوجه بظاهره كما تقدم، فتناول كلامه باطنه أيضًا، لكنه لا يستقيم مع الكثافة؛ فإن الخلاف في باطنه إنما هو مع الخفة كما تقرر، فالإيراد لازم له أيضًا. 124 - قول "التنبيه" [ص 15]: (فإن كان أقطع من فوق المرفق .. استُحِب أن يمس الموضع ماء) فيه أمران: أحدهما: قد يفهم من لفظ الإمساس: المسح، وبه صرح المحاملي في "لبابه" فعد المسحات تسعًا منها هذا (¬4)، لكن المراد به: الغسل، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في حديث التيمم: "فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ بَشَرَتَكَ" (¬5). ثانيهما: قد يفهم من التقييد بالأقطع: أنه لا يستحب لغيره التحجيل، وبه قال المزني (¬6)، لكنه مستحب مطلقًا؛ للأحاديث الصحيحة, والتقييد إنما هو لنفي وجوب الغسل. 125 - قول "المنهاج" [ص 74]: (أو من مرفقيه .. فرأس عظم العضد على المشهور) تبع "المحرر" و"الشرح الصغير" في طريقة القولين (¬7)، ورجح في "الروضة": طريقة قاطعة بالوجوب، أدرج ترجيحها في كلام الرافعي، وليس فيه ترجيحها (¬8). 126 - قول "الحاوي" [ص 124]: (وما يحاذيها من يد زائدة) قال الرافعي: (صار كثير من المعتبرين إلى أنه لا يجب غسل المحاذي) (¬9)، وقال في "الشرح الصغير": (وهو قوي). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (1/ 110). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (1/ 71، 72). (¬3) المجموع (1/ 441). (¬4) اللباب في الفقه (ص 84). (¬5) أخرجه أحمد (21342)، والدارقطني (1/ 187)، وعبد الرزاق (912)، وابن أبي شيبة (1/ 144)، والطبراني في "مسند الشاميين" (2743) من حديث سيدنا أبي ذر رضي الله عنه. (¬6) مختصر المزني (ص 2). (¬7) المحرر (ص 11). (¬8) الروضة (1/ 52)، وانظر "فتح العزيز" (1/ 111). (¬9) انظر "فتح العزيز" (1/ 112).

127 - قول "المنهاج" [ص 74]: (الرابع: مسمَّى مسح لبشرة رأسه، أو شعر في حده) قد يفهم من هذه العبارة: وجوب مسح جميع الرأس؛ فإن قوله: (بشرة رأسه) حقيقة في جميعها، ويكون المستفاد من قوله: (مسمَّى مسح): أن المعتبر: أن يكون وصول الماء إلى الرأس بطريق المسح لا بطريق غيره، وهذا ليس المراد بلا توقف، بل المراد: وجوب مسح أقل جزء من بشرة رأسه أو شعره، فلو قال: (مسمَّى مسح لبعض بشرة رأسه) .. لكان أحسن. 128 - قوله -عطفًا على (الأصح) -: (ووضع اليد بلا مَدٍّ) (¬1) عبر في "الروضة" بالصحيح (¬2)، وبينهما في اصطلاحه تفاوت، والمراد: وضعها مبلولة، فقول "الحاوي" [ص 124]: (أو بله) أحسن منه؛ لإفصاحه بالمراد، وقد ترد هذه المسألة على قول "التنبيه" في فروض الوضوء [ص 16]: (ومسح القليل من الرأس) لأن هذا البل ليس مسحًا، وقد يرد عليه أيضًا: غسل الرأس، وقد صرح بها في "المنهاج" و"الحاوي" (¬3). وقد يجاب عن الغسل: بأنه مسح وزيادة. 129 - قول "التنبيه" [ص 15]: (فيبدأ بمقدم رأسه، ويذهب بيديه إلى قفاه، ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه) هذا فيمن له شعر ينقلب، فلو لم يكن له على رأسه شعر، أو كان ولكنه لطوله لا ينقلب .. لم يسن العود، فلو عاد .. لم يحسب ثانية، كما ذكره البغوي (¬4)، وتبرك الشيخ بلفظ الخبر؛ ولأن الغالب وجود شعر ينقلب. 130 - قول "المنهاج" [ص 74]: (أو شعر في حده) هو معنى قول "الحاوي" [ص 124]: (لم يخرج بالمد عنه) والمراد: أنه لا يخرج بالمد عن حد الرأس من جهة النزول إلى الرقبة والمنكبين، لا من جهة العلو؛ فإن الجميع يخرج بذلك. 131 - قولهما: (وغسل الرجلين) (¬5) أي: لمن ليس لابس خف، كما صرح به في "الحاوي" (¬6). 132 - قول "التنبيه" [ص 16]: (والترتيب) زاد "الحاوي" [ص 126]: (أو إمكانه في غسل بنية رفع الحدث أو الجنابة)، وتبع في ذلك الرافعي في "شرحيه" و"محرره" (¬7)، وصححه ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 74). (¬2) الروضة (1/ 53). (¬3) الحاوي (ص 124)، المنهاج (ص 74). (¬4) انظر "التهذيب" (1/ 254). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 16)، و"المنهاج" (ص 74). (¬6) الحاوي (ص 124). (¬7) فتح العزيز (1/ 117، 118)، المحرر (ص 12).

السبكي، وصحح في "المنهاج": الصحة وإن لم يمكن الترتيب؛ بأن لم يمكث، وكذا فعل في "الروضة" وغيرها من كتبه (¬1)، وهنا أمور: أحدها: يستثنى من الخلاف: الوجه، فيرتفع الحدث عنه قطعًا أمكن الترتيب أم لم يمكن إذا قارنته النية. ثانيها: مقتضى كلام "الحاوي": ارتفاع الحدث بنية الجنابة سواء غلط أو تعمد، وهو مقتضى كلام الرافعي والنووي (¬2)، لكنه مخالف لما تقدم من أنه إذا نوى غير ما عليه عمدًا .. لا يصح، وقد صور المسألة بالنسيان القاضي حسين في "شرح فروع ابن الحداد" والبغوي (¬3)، ومقتضاه: عدم الصحة مع العمد، واختاره السبكي، فليحمل كلامهم عليه. ثالثها: أطلق "التنبيه" وجوب الترتيب، واستثنى منه في "المنهاج": صورة الغسل كما تقدم، وضم إليها "الحاوي": ما إذا انضم إلى الأصغر جنابة .. فيسقط الترتيب، والحق: عدم استثنائه؛ لأن الساقط هنا: الوضوء لا ترتيبه. وضم غيرهما إليهما صورًا: الأولى: إذا غسل جنب بدنه إلا رجليه ثم أحدث، وقلنا بالاندراج، وهو الأصح .. وجب غسل الرجلين عن الجنابة، والأعضاء الثلاثة عن الحدث، ويجب ترتيب الثلاثة، وله تقديم الرجلين على الأصح فيهما. الثانية: إذا شك هل الخارج من ذكره مني أو مذي؟ وقلنا: فرضه الوضوء .. ففي وجوب الترتيب وجهان، صحح الغزالي: وجوبه (¬4)، والجويني: مقابله (¬5). الثالثة: إذا أولج مشكل ذكره في دبر آدمي .. انتقض وضوء المولج فيه بالإخراج، وهل يلزمه ترتيب الوضوء؟ فيه وجهان، وكذا يلزم المولج غسل أعضاء الوضوء؛ لأنه إن كان امرأة .. فقد أحدث، أو رجلًا .. فقد أجنب، وفي الترتيب وجهان. رابعها: قول "المنهاج" [ص 74]: (فالأصح: أنه إن أمكن تقدير ترتيب) عبر عنه في "الروضة" بالصحيح (¬6). خامسها: عبر في "المحرر" بقوله: (وإن لم يمكن؛ بأن خرج في الحال أو غسل ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 74)، الروضة (1/ 55)، وانظر "المجموع" (1/ 505)، و"التحقيق" (ص 62). (¬2) انظر "فتح العزيز" (1/ 118، 119)، و"المجموع" (1/ 506). (¬3) انظر "التهذيب" (1/ 272). (¬4) انظر "الوجيز" (1/ 123)، و"الوسيط" (1/ 275). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (1/ 90، 91). (¬6) الروضة (1/ 55).

الأسافل قبل الأعالي .. فلا يجزئه) انتهى (¬1). وتقديم غسل الأسافل لا يفهم من عبارة "المنهاج" ولما استدركه عليه .. قال: (الأصح: الصحة بلا مكث) (¬2)، وذلك إنما يفهم مسألة الخروج في الحال، وظاهره: الموافقة على تصحيح المنع في الغسل منكوسًا، ونقل تصحيحه في "شرح المهذب" عن اتفاق الأصحاب، وصححه في "التحقيق" (¬3). 133 - قولهم: (السواك عرضًا) (¬4) يقتضي ألا تتأدى السنة به طولًا، ونقله الرافعي عن جماعة منهم المتولي، قال الرافعي: وعلى هذا هو متعين لتحصيل هذه السنة، ونقل عن الإِمام الغزالي: أنه يستاك طولًا وعرضًا، فإن اقتصر .. فالعرض أولى (¬5)، وعبارة "التحقيق" توافقه؛ فإنه قال: (وأفضله: بأراك وبيابس نُدّي، وعرضًا) انتهى (¬6). فظاهره: تأدي أصل السنة بالطول، ولكن العرض أولى، والمراد: عرض الأسنان في طول الفم. ويستثنى من ذلك: اللسان، فيستاك فيه طولًا، كما ذكره الشيخ تقي الدين في "شرح العمدة"، واستشهد له بحديث في سنن أبي داوود (¬7). 134 - قول "المنهاج" [ص 74]: (بكل خشن، إلا إصبعه في الأصح) فيه أمور: أحدها: أن هذه زيادة على "المحرر" من غير تمييز. ثانيها: أنه فرض الخلاف في إصبعه، ومقتضاه: الإجزاء بإصبع غيره قطعًا، وبه صرح في "الدقائق" و"شرح المهذب" (¬8)، لكنه في "الروضة" و"التحقيق" و"شرح مسلم" وغيرها أطلق الخلاف (¬9). ثالثها: مقابل الأصح وجهان: أحدهما: الجواز مطلقًا، واختاره النووي (¬10). ¬

_ (¬1) المحرر (ص 12). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 74). (¬3) المجموع (1/ 509)، التحقيق (ص 62). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 14)، و"الحاوي" (ص 126)، و"المنهاج" (ص 74). (¬5) انظر "فتح العزيز" (1/ 121)، و"الوسيط" (1/ 279). (¬6) التحقيق (ص 50). (¬7) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 70)، وانظر "سنن أبى داوود" (باب كيف يستاك؟ ) حديث (49)، و"مسند الإِمام أحمد" (19752). (¬8) الدقائق (ص 34)، المجموع (1/ 348). (¬9) الروضة (1/ 56)، التحقيق (ص 50)، شرح مسلم (3/ 143). (¬10) انظر "المجموع" (1/ 348).

تنبيه [يستحب السواك في جميع الحالات]

والثاني: الجواز إن لم يجد غيرها، وأطلق "الحاوي" السواك بخشن، ولم يستثن هذه الصورة (¬1). رابعها: يدخل في الخشن: المبرد، قال الشيخ تاج الدين بن الفركاح في "تعليقه على الوسيط": وقد نصوا على كراهية استعماله، قال: والجواب: أن قوله: (خشن) في الحقيقة احتراز عن المبرد؛ فإنه يزيد على قلع القلح .. قلع جزء من السن, فالمراد: مزيل القلح وحده. وقال بعضهم: قيد الوَحْدَة غير موجود في اللفظ، فالأولى: الجواب: بأن كراهة استعماله للأذى لا يوجب كون السواك لا يحصل به، بل نقول: المستاك بالمبرد مؤدّ سنة السواك مرتكب مكروها من جهة الأذى. وقد قالوا: آلَتُه: قضبان الأشجار، ومن جملتها قضبان الرمان والريحان، وقال العراقي في "شرح المهذب": (قيل: إنها مضرة، فإن صح .. كرهت للضرر). تَنْبيه [يستحب السواك في جميع الحالات] ذكر في "التنبيه" استحباب السواك للصلاة وتغيير الفم (¬2)، زاد "المنهاج" و"الحاوي": الوضوء (¬3)، وزاد "الحاوي": قراءة القرآن (¬4)، وبقي عليهم جميعًا: اصفرار الأسنان، صرح الأصحاب باستحباب السواك في جميع الحالات، وتأكده في هذه الحالات الخمسة، وزاد النووي: الاستيقاظ من النوم، ودخول المنزل (¬5)، وذكر أبو حامد العراقي في "الرونق": إرادة النوم، وليس في كلام هؤلاء الثلاثة استحبابه مطلقًا. واعترض في "الكفاية" على "التنبيه": بأن مفهومه أنه ليس سنة في غير الحالين، فكلامه مُنَزَّلٌ على تفسير السنة: بما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم، كما ذكره القاضي حسين والبغوي (¬6)، وقال غيره: إنما أراد: إيضاح مراد الشافعي فيما نقله المزني؛ حيث قال: (قال الشافعي: وأحب السواك للصلوات، وعند كل حال يتغير فيه الفم) (¬7) ففهم القاضي تخصيص ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 126). (¬2) التنبيه (ص 14). (¬3) الحاوي (ص 126)، المنهاج (ص 74). (¬4) الحاوي (ص 126). (¬5) انظر "المجموع" (1/ 338). (¬6) انظر "التهذيب" (1/ 215). (¬7) مختصر المزني (ص 2)، وانظر "الأم" (1/ 23).

الاستحباب باجتماع السببين، وقال: أحدهما كافٍ، فصرح الشيخ بإفراد السبب؛ دفعًا لتوهم غيره اجتماعهما في كلام الشافعي، لا لنفي ما عداهما؛ ولهذا قال البغوي في "التهذيب": (السواك مستحب في جميع الأحوال، وهو في حالتين أشد استحبابًا: عند القيام إلى الصلاة وإن لم يكن الفم متغيرًا، وعند تغير الفم وإن لم يرد الصلاة) انتهى (¬1). ويمكن إدراج اصفرار الأسنان في قول "التنبيه" [ص 14] و"المنهاج" [ص 74]: (تغير الفم) لأنه أعم من تغير الرائحة واللون، لكن لا يمكن إدراجه في كلام "الحاوي" لتعبيره بتغير النكهة. 135 - قول "التنبيه" [ص 14]: (ويكره للصائم بعد الزوال) لا يستفاد منه نفي الكراهة في غير هذه الحالة، بخلاف قول "المنهاج" [ص 74]: (ولا يكره إلا للصائم بعد الزوال) فإن قلت: فيستفاد من عبارة "المنهاج" استحبابه مطلقًا .. قلت: لا؛ فإنه لا يلزم من نفي الكراهة إثبات الاستحباب، واختار النووي: عدم الكراهة مطلقًا (¬2)، واختاره قبله ابن عبد السلام وأبو شامة، ونقله الترمذي في "جامعه" عن الشافعي (¬3). وذكر الماوردي: أن الشافعي لم يحد الكراهة بالزوال، وإنما ذكر العَشِيَّ، فحده الأصحاب بالزوال (¬4). قال أبو شامة: (ولو حدوه بالعصر .. لكان أولى؛ لما في "سنن الدارقطني": عن أبي عمر كيسان القصاب، عن يزيد بن بلال مولاه، عن علي قال: (إِذَا صُمْتُمْ .. فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ وَلا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ ... ) الأثر (¬5)، وفي "سنن البيهقي": عن عطاء، عن أبي هريرة: (لَكَ السِّوَاكُ إِلىَ الْعَصْرِ فَإذَا صَلَّيْتَ الْعَصْرَ .. فَأَلْقِهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ") (¬6). 136 - قول "التنبيه" [ص 14]: (ويكتحل وترًا) أي: في كل عين ثلاثًا، وقيل: وترًا في الكل؛ ثلاثًا في اليمين ومرتين في اليسار، وكان الشيخ أحال معرفة العدد على المعهود؛ فإن الوتر أعم من ذلك، ولعله تبرك على عادته بلفظ الحديث، وهو: "مَنِ اكْتَحَلَ .. فَلْيُوتِرْ" (¬7). ¬

_ (¬1) التهذيب (1/ 215). (¬2) انظر "المجموع" (1/ 338). (¬3) جامع الترمذي (كتاب الصيام) باب (ما جاء في السواك للصائم) تحت حديث (725). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (3/ 467). (¬5) سنن الدارقطني (2/ 204)، وانظر "المعجم الكبير" للطبراني (3696)، و"السنن الكبرى" للبيهقي (8120). (¬6) سنن البيهقي الكبرى (8122)، وانظر "سنن الدارقطني" (2/ 203). (¬7) أخرجه أبو داوود (35)، وابن ماجه (3498)، والدارمي (662)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (693)، والطبراني في "مسند الشاميين" (481) من حديث سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.

137 - قوله: (ويقلم الظفر، وينتف الإبط، ويحلق العانة) (¬1) يستثنى من ذلك: مريد التضحية إذا دخل عليه عشر ذي الحجة؛ فإن السنة: ألا يزيل شعره ولا ظفره حتى يضحي، كما ذكره في بابه، وحلق العانة إنما هو في حق الرجل، أما المرأة: فالمستحب لها: النتف، قال بعضهم: والظاهر: أن الخنثى مثلها. 138 - قول "المنهاج" [ص 75]: (والتسمية أوله) أي: أول الوضوء، مقتضاه: تقديمها على السواك أو مقارنتها له، وقد صرح جماعة بتقديم السواك عليها. قال المارودي في "الإقناع": (يبدأ بعد الاستنجاء والسواك، فيقول: بسم الله، ثم يغسل كفيه) (¬2). وقال الغزالي في "الإحياء": (إذا فرغ من الاستنجاء .. ابتدأ بالسواك، فإذا فرغ منه .. جلس للوضوء، فيقول: بسم الله الرحمن الرحيم) (¬3). وهو المفهوم من تقديم "المنهاج" السواك في الذكر على التسمية، وبه قال القفال الشاشي (¬4)، واختار ابن الصلاح: أن السواك عند المضمضة، وصرح الرافعي بأنه قبلها؛ فإنه قال: (فيما قبل المضمضة -كغسل اليدين والسواك والتسمية- هل هي من السنن أم لا؟ خلاف) (¬5). وذكر بعضهم: أن كلام ابن الصلاح لا ينافيه؛ لأن كونه عندها لا ينافي كونه قبلها ملاصقًا لها، قال: وإنما قال "المنهاج": (أوله) لأن المضمضة أول الوضوء، والتسمية عنده، والسواك ليس من الوضوء نفسه وإن كان من سننه، فلا يقتضي أنه يتأخر، فاندفع الإيهام. 139 - قول "الحاوي" [ص 126]: (وإن نسي .. ففي الوسط) فيه أمران: أحدهما: عبر -تبعًا للرافعي- بالنسيان، وهي عبارة الشافعي والجمهور (¬6)، ومقتضاها: أنه لو تعمد تركها أولًا .. لم يأت بها. وتردد فيه الرافعي، وقال: (فيه احتمال) (¬7)، وتعجب منه النووي، وقال: (صرح المحاملي والجرجاني وغيرهما بالتدارك مع العمد أيضًا) (¬8). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 14). (¬2) الإقناع (ص 20). (¬3) إحياء علوم الدين (1/ 133). (¬4) انظر "محاسن الشريعة" (ص 49). (¬5) انظر "فتح العزيز" (1/ 98). (¬6) انظر "الأم" (1/ 47)، و"فتح العزيز" (1/ 122). (¬7) انظر "فتح العزيز" (1/ 122). (¬8) انظر "المجموع" (1/ 407).

فلذلك عبر في "المنهاج" بقوله [ص 75]: (وإن ترك) ليتناول العمد أيضًا. ثانيهما: قد يفهم من قوله: (ففي الوسط) أنه لو تذكر بعد مضي أكثر الوضوء .. لا يتدارك، فتعبير "المنهاج" بقوله [ص 75]: (ففي أثنائه) أولى. 140 - قول "التنبيه" [ص 15]: (فإن كان قد قام من النوم .. كره له أن يغمس كفيه في الإناء قبل أن يغسلهما ثلاثًا) فيه أمور: أحدها: قال النووي في "التصحيح": (الصواب: أنه إذا تيقن طهارة يده .. لم يكره غمسها في الإناء) (¬1). وقال شيخنا الإِمام جمال الدين: (ليس كما ادعاه من نفي الخلاف؛ ففي "الشرحين" و"الروضة" وغيرهما: حكايته وجهين، ثم إن الخلاف قوي؛ لأنه عبر بالأصح) (¬2). وسبقه إلى هذا الاعتراض السبكي، لكن اعتُرِض عليه (¬3): بأن الأكثرين إنما حكوا الخلاف في الاستحباب، منهم الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والمحاملي والماوردي وابن الصباغ والإمام والبغوي والجرجاني والغزالي (¬4)، وعليه جرى النووي في "شرحي المهذب والوسيط"، وفي "التحقيق" (¬5)، وذكر المسألة بعدها في "التصحيح"، فقال: (ولا استحباب أيضًا في تقديم [غمسها على الغسل] (¬6) على الصحيح) (¬7)، وعليه جرى ابن الرفعة، فلعل النووي يرى أن الخلاف في الاستحباب فقط، فتعبيره في نفي الكراهة بالصواب على رأيه صواب. وقد قال السبكي: (إثبات الكراهة لكل متيقن سواء قام من النوم أم لا، لا وجه له، ولا أظنه يثبت نقله، قال: نعم؛ قد يقال بها في المستيقظ من النوم فقط، تمسكًا بعموم اللفظ) انتهى. وأجيب عن "التنبيه": بأنه تبرك بلفظ الحديث على عادته، وقد قال العلماء -ومنهم النووي في شرح المهذب-: ذكر النوم ليس على سبيل الاشتراط، وإنما ورد على سبب كما قال الشافعي، وهو: أن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالأحجار، فلم يأمن النائم منهم أن تطوف يده على محل النجو فتتنجس؛ لأن محل النجو إنما عفي عنه بالنسبة إلى الصلاة حتى لو انغمس المستجمر فيما ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (1/ 74). (¬2) انظر "تذكرة النبيه" (2/ 410، 411)، و"فتح العزيز" (1/ 122)، و "الروضة" (1/ 58). (¬3) المعترض هو ابن السبكي تاج الدين عبد الوهاب بن على بن عبد الكافي السبكي. انظر هامش "تذكرة النبيه" (2/ 411, 412). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (1/ 64، 65)، و"الحاوي الكبير" (1/ 101، 102)، و"الوسيط" (1/ 281، 282). (¬5) المجموع (1/ 412)، شرح الوسيط (1/ 282)، التحقيق (ص 56). (¬6) هكذا في جميع النسخ، وفي "التصحيح": (غسلها على الغمس). (¬7) تصحيح التنبيه (1/ 74).

دون قلتين .. نجسه، قال: أو يقول: أن النبي صلى الله عليه وسلم نبه به على ما في معناه من المشكوك فيه، فالضبط بالشك لا بالنوم، فمتى شك .. كره الغمس قبل الغسل. انتهى. وإذا كان كذلك .. فينبغي تأويل لفظ الشيخ كما أول لفظ الحديث، ولا يقضى عليه بالخطأ، كذا قيل، وهو غفلة؛ إذ ليس مقصود النووي تخطئة الشيخ، بل التنبيه على ما تكون الفتوى فيه مخالفة لظاهر لفظه. واعترض على "التصحيح" أيضًا: بأنه يشمل من شك فغسل مرة؛ فإنه عندنا يتيقن الطهارة، ولا تزول الكراهة إلا بغسل الثلاث، فالصواب: استثناء هذه الصورة من قوله: (والصواب: أنه إذا تيقن ... إلى آخره)، كذا اعترض، وهو عجيب؛ فإن النووي أقر الشيخ على أن الشاك يكره له الغمس قبل الغسل ثلاثًا، فلا يقال: إذا غسل مرة .. فقد تيقن، فتناولته عبارة "التصحيح" لأنه شاك عند ابتداء الغسل، فتناولته عبارة "التنبيه" التي أقره عليها "التصحيح"، ولو كان كذلك .. لاستدرك النووي عليه في قوله: (ثلاثًا) فإنه لا يبقى له حينئذ معنى؛ إذ كل من غسل مرة .. تيقن، ومن تيقن .. لا كراهة في حقه، فظهر بذلك أن العبرة بابتداء الغسل، وأن المتوضئ إذ ذاك إما شاك أو متيقن، وحكمهما ما تقدم. ثانيها: لا يختص ذلك بالقيام من النوم، فالمدار على الشك في طهارة يده، وذكر القيام من النوم مثال. وقد سلم من هذين الإيرادين "المنهاج" حيث قال [ص 75]: (فإن لم يتيقن طهرهما .. كره غمسهما في الإناء قبل غسلهما)، و"الحاوي" حيث قال [ص 126]: (وكره أن يدخل الظرف قبله إن شك طهارتهما)، وصاحب "التنبيه" تبرك بلفظ الحديث كما تقدم. ثالثها: محل هذه الكراهة: في الماء القليل وهو دون القلتين، وهذا وارد على "المنهاج" و"الحاوي" أيضًا، إلا أنه قد يفهم من تعبير "التنبيه" و"المنهاج" بـ (الإناء)، و"الحاوي" بـ (الظرف) لأن غالب آنية الوضوء كذلك، ولم يتعرض في "المنهاج" و"الحاوي" للتثليث، وكذا فعل في "الشرح" و"المحرر"، ولكن نقل في "الروضة" عن البويطي والأصحاب: بقاء الكراهة حتى يغسل ثلاثًا (¬1)، والحديث قال له، وعليه جرى في "التنبيه" كما تقدم. 141 - قول "التنبيه" [ص 15]: (يجمع بينهما في أحد القولين ... إلى آخره) الأصح عند الرافعى: تفضيل الفصل، وأنه بغرفتين (¬2)، وعليه مشى في "الحاوي" (¬3)، وعند ¬

_ (¬1) الروضة (1/ 58)، وانظر "مختصر البويطي" (ق 1). (¬2) انظر "فتح العزيز" (1/ 123). (¬3) الحاوي (ص 126).

النووي: تفضيل الجمع، وأنه بثلاث غرفات (¬1). 142 - قولهم: (والمضمضة والاستنشاق) (¬2) لو قالوا: (ثم المضمضة ثم الاستنشاق) .. لكان أحسن؛ لأن الأصح: أن تقديم المضمضة على الاستنشاق، وتقديم غسل الكفين على المضمضة شرط لتحصيل السنة، وقد عبر "التنبيه" بذلك في صفة الوضوء في الأولى، فقال بعد غسل الكفين: (ثم يتمضمض) (¬3) وعبر "المنهاج" بذلك في الثانية عند ذكر الفصل والجمع (¬4). 143 - قولهم والعبارة "للمنهاج": (ويبالغ فيهما غير الصائم) (¬5) يفهم أن المبالغة فيهما للصائم خلاف الأولى؛ فإنهم جعلوا استحباب المبالغة في حق غير الصائم، فالصائم لا يستحب له المبالغة، وبه صرح ابن الصباغ، لكن صرح النووي في "شرح المهذب" بكراهتها له (¬6)، وقال القاضي أبو الطيب: تحرم. 144 - قول "الحاوي" [ص 126]: (وتثليث كل) أي: من فرض وسنة وغسل ومسح، لكنه يتناول القول؛ كالتسمية أوله والتشهد آخره، ولم أر من صرح فيهما بالتكرار إلا الروياني، فإنه صرح بتثليث التشهد عقبه (¬7)، وقد رواه أحمد وابن ماجه (¬8). وقد أخرج "المنهاج" ذلك بقوله [ص 75]: (وتثليث الغسل والمسح)، فيحتمل أنه أراد: الاحتراز عن ذلك، ويحتمل أنه أراد: التنصيص على تثليث المسح لا الاحتراز عن شيء. وأما قول "التنبيه" [ص 16]: (والطهارة ثلاثًا ثلاثًا) فيحتمل دخول التسمية والتشهد فيه؛ لأنهما سنتان للوضوء، فهما من الطهارة، ويحتمل عدم دخولهما؛ لأن المراد: فعل الطهارة. ويستثنى من عبارتهم: مسح الخفين، فلا تكرار فيه، كما صرح به في "الحاوي" في بابه (¬9). 145 - قول "التنبيه" [ص 16]: (ومسح جميع الرأس)، و"المنهاج" [ص 75] و"الحاوي" [ص 126]: (كل الرأس) قد يرد على ذلك أحد تصحيحي النووي: أنه لو استوعب الرأس بالمسح .. وقع الكل فرضًا، فليس مسح جميعه سنة (¬10)، لكنا نقول: فعل ¬

_ (¬1) انظر "المجموع" (1/ 421، 422). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 15)، و"الحاوي" (ص 126)، و"المنهاج" (ص 75). (¬3) التنبيه (ص 15). (¬4) المنهاج (ص 75). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 15)، و"الحاوي" (ص 126)، و"المنهاج" (ص 75). (¬6) المجموع (1/ 420). (¬7) انظر "بحر المذهب" (1/ 120، 126). (¬8) مسند أحمد (13818)، سنن ابن ماجه (469). (¬9) الحاوي (ص 125). (¬10) انظر "المجموع" (1/ 460).

الاستيعاب مستحب، فإذا فعله .. وقع واجبًا. 146 - قول "الحاوي" [ص 126]: (ومسح كل الرأس من مُقَدّمِهِ) لو قال: (ومن مقدمه) .. لكان أولى؛ ليفهم أن الابتداء بمقدم الرأس سنة أخرى غير استيعابه. 147 - قول "المنهاج" و"الحاوي" -والعبارة له-: (فإن عَسُرَ .. كمَّل على العمامة) (¬1) كذا عبر بالعسر في "المحرر" و"الشرحين" (¬2)، وعبر في "الروضة" بقوله: (فلو لم يرد نزع ما على رأسه من عمامة أو غيرها ... ) (¬3). ومقتضاه: أنه لا فرق بين أن يعسر عليه تنحية ما على رأسه أم لا، وصرح بذلك في "شرح المهذب"، فقال: (سواء كان معذورًا أو غيره) (¬4). 148 - قولهم: (وتخليل اللحية الكثة) (¬5) أي: من الرجل دون المرأة والخنثى؛ فإنه واجب عليهما كما تقدم، والعارض كاللحية كما سبق. واستثنى صاحب "التتمة" في (كتاب الحج): المحرم، فقال: لا يخلل لحيته؛ لأنه يؤدي إلى تساقط شعرها. وقال السبكي في "الحلبيات": الذي يقرب عندي: أن الاستحباب باق بحاله، ولكنه أضعف من الاستحباب في غير حالة الإحرام، ثم مال في آخر كلامه إلى أن الأولى للمحرم: ترك التخليل احتياطًا للحج، مع تصريحه ببقاء الاستحباب (¬6). وجمع ابنه في "التوشيح" بين ترجيحه بقاء الاستحباب وإن ضعف، وميله إلى أن الأولى له تركه: بأن أولوية الترك لا تنافي بقاءه، غاية الأمر: أنهما محبوبان وأحدهما أولى. قلت: هذا إنما هو في الشيئين، أما الشيء الواحد: إذا كان الأولى تركه .. كان فعله خلاف الأولى، ولا يجتمع ذلك مع كونه مستحبًا، والله أعلم. 149 - قول "التنبيه" [ص 16]: (وتخليل أصابع الرجلين) كذا قيد بالرجلين تبعًا للجمهور. قال الرافعي: (سكت المعظم عن أصابع اليدين) (¬7). وقال ابن كج: (يستحب فيها)، واختاره النووي في "شرح الوسيط" (¬8) فلذلك أطلق ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 126)، المنهاج (ص 75). (¬2) المحرر (ص 13)، فتح العزيز (1/ 128). (¬3) الروضة (1/ 60). (¬4) المجموع (1/ 463). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 16)، و"الحاوي" (ص 126)، و"المنهاج" (ص 75). (¬6) قضاء الأرب في أسئلة حلب (ص 143 - 144) المسألة الخامسة. (¬7) انظر "فتح العزيز" (1/ 131). (¬8) شرح الوسيط (1/ 289).

"المنهاج" و"الحاوي" الأصابع (¬1) تبعًا "للمحرر"، وكذا في "التحقيق" (¬2)، وهو متناول لأصابع اليدين والرجلين. 150 - قول "الحاوي" [ص 126]: (وللرجل بخنصر اليسرى) كذا في "الشرح" و"الروضة" (¬3)، وفي "شرح المهذب" الراجح المختار تبعًا للإمام: أن خنصر اليسرى واليمنى سواء (¬4). 151 - قولهم: (والابتداء باليمين) (¬5) يستثنى: الكفان أول الوضوء، والخدان، فيغسلان معًا، وكذا الأذنان لغير الأقطع في الأصح. قال شيخنا شهاب الدين بن النقيب: (ورأيت لبعضهم أنه يمسح الخفين معًا، وفيه نظر؛ فإن الأفضل فيهما: مسح الأعلى والأسفل على هيئة تستعمل لها اليدين، فلا يمكن المعية فيهما. نعم، إن اقتصر على الأقل .. احتمل ما يقوله) (¬6). 152 - قول "الحاوي" [ص 127]: (وتطويل الغرة) لم يذكر التحجيل؛ إما لأن الغرة اسم جامع لهما، كما أطلقه الغزالي وغيره (¬7)، أو أنه من باب قوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} , وقد صرح في "المنهاج" بهما (¬8)، وهو أحسن. 153 - قوله: (وإن سقط الفرض) (¬9) اعترض عليه: بأن هذا لا يأتي في الغرة؛ لأنها بياض في الوجه، وقد قال الإِمام: (لو تعذر غسل الوجه لعلة .. لم يستحب غسل ما جاوزه من الرأس وصفحة العنق. نعم؛ يتأتى في التحجيل في سقوط اليد مما فوق المرفق، والرجل مما فوق الكعب، وقياسه: الاستحباب في الغرة أيضًا) (¬10). 154 - قولهما: (إن الموالاة -وهي التتابع- واجبة في القديم) (¬11) أي: بشرطين: ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 126)، المنهاج (ص 75). (¬2) المحرر (ص 13)، التحقيق (ص 63). (¬3) فتح العزيز (1/ 131)، الروضة (1/ 61). (¬4) المجموع (1/ 486)، وانظر "نهاية المطلب" (1/ 85). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 16)، و"الحاوي" (ص 127)، و"المنهاج" (ص 75). (¬6) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 130). (¬7) انظر "الوجيز" (1/ 124)، و"الوسيط" (1/ 287). (¬8) المنهاج (ص 75). (¬9) انظر "الحاوي" (ص 127). (¬10) انظر "نهاية المطلب" (1/ 75، 76). (¬11) انظر "التنبيه" (ص 16)، و"المنهاج" (ص 76).

أحدهما: طول التفريق، فاليسير لا يضر إجماعًا، بعذر وغيره. والثاني: عدم العذر، ولا يضر معه جزمًا، وقيل: يضر على القديم. 155 - قولهم: (وترك الاستعانة) (¬1) أي: بالصب عليه، وهي خلاف الأولى كما هو المفهوم من عبارة هذه الكتب، وقيل: مكروهة. أما الاستعانة في إحضار الماء .. فمباحة، أو في غسل الأعضاء .. فمكروهة بلا عذر، وتعبيرهم بالاستعانة يقتضي عدم ثبوت هذا إذا أعانه غيره وهو ساكت؛ لأن السين للطلب، ولكن دليلهم وتعليلهم يقتضي التعدي، وأن المراد: الاستقلال بالفعل. 156 - قولهما: (وترك النفض) (¬2) كذا في "المحرر" و"التحقيق" أن المستحب: ترك النفض (¬3)، ونقله ابن كج عن النص، وعليه الفتوى كما قال في "المهمات"، وجزم الرافعي في "شرحيه" بكراهة النفض (¬4)، ومشى عليه في "الحاوي" (¬5)، وصحح في "الروضة" و"شرح المهذب" إباحته (¬6)، وقال في "شرح الوسيط": (كونه مباحًا أصح دليلًا، وكونه خلاف الأولى أشهر) (¬7). واستثنى بعضهم: نفض اليد عند مسح الأذن والرقبة، وقال: إنه يُنْدَبُ إن أمن الترشيش. وَرُدَّ: بأن المستحب فيه إرسال اليد لا نفضها. 157 - قولهم: (وترك التنشيف) (¬8) فيه أمران: أحدهما: كذا في أكثر كتب الرافعي والنووي أنه خلاف المستحب (¬9)، واختار في "شرح المهذب": أنه إن احتاج إليه لحر أو برد أو التصاق نجاسة .. فليس خلاف المستحب (¬10)، وفي "شرح مسلم": أنه مباح مطلقًا (¬11). ثانيهما: الصواب: التعبير بالنشف على زنة الضرب؛ لأن فعله نَشِفَ بكسر الشين على ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 15)، و"الحاوي" (ص 126)، و"المنهاج" (ص 76). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 15)، و"المنهاج" (ص 76). (¬3) المحرر (ص 13)، التحقيق (ص 66). (¬4) فتح العزيز (1/ 134). (¬5) الحاوي (ص 126). (¬6) الروضة (1/ 63)، المجموع (1/ 519). (¬7) شرح الوسيط (1/ 291). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 15)، و"الحاوي" (ص 126)، و"المنهاج" (ص 76). (¬9) انظر "فتح العزيز" (1/ 133، 134)، و"الروضة" (1/ 63). (¬10) المجموع (1/ 522). (¬11) شرح مسلم (3/ 231).

الأشهر، كما ذكره أهل اللغة (¬1)، والتعبير بالتنشيف يقتضي أن المسنون ترك المبالغة فيه، وليس كذلك. 158 - قول "الحاوي" [ص 126]: (وترك التكلم) أي: إلا لضرورة. 159 - قول "التنبيه" [ص 15]: (ويستحب إذا فرغ من الوضوء أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمَّد عبده ورسوله) زاد في "المنهاج" [ص 76]: (اللهم؛ اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك). وقول "الحاوي" [ص 127]: (والذكر المأثور) شامل لهذا وللدعاء المقول عند غسل الأعضاء، وقد ذكره في "المحرر" (¬2)، وحذفه في "المنهاج" وقال [ص 76]: (لا أصل له)، وقال في "الروضة": (لم يذكره الشافعي والجمهور) (¬3). واعترض قوله: (لا أصل له): بأنه روى ابن حبان في "تاريخه" في ترجمة عباد بن صهيب من حديث أنس نحوه (¬4)، فلعله أراد: لا أصل له صحيحا. 160 - قول "التنبيه" [ص 15]: (ويستصحب النية إلى آخر الطهارة)، ومثله: قول "الحاوي" [ص 126]: (واستصحاب النية من أوله) والمراد: استصحابها ذكرًا، أما الحكمي، وهو: ألا يأتي بمناف لها .. فهو واجب، وقول "الحاوي": (من أوله) أي: من أول السنن, ولو قال: (ومن أوله) بزيادة واو .. لكان أحسن، كما قدمنا في قوله: (ومسح كل الرأس من مُقَدّمِهِ) (¬5). 161 - قول "الحاوي" [ص 127]: (والرقبة) كذا جزم الرافعي بأنه مستحب، وحكى وجهين في أنه سنة أو أدب (¬6)، وصحح في "الشرح الصغير" أنه سنة، وصوب النووي عدم استحبابه أصلًا؛ لأنه لم يثبت فيه شيء، قال: ولهذا لم يذكره الشافعي ومتقدموا الأصحاب (¬7)، وفي "شرح المهذب" أنه بدعة (¬8). ¬

_ (¬1) انظر "مشارق الأنوار" (2/ 29)، و"المصباح المنير" (2/ 606). (¬2) المحرر (ص 13). (¬3) الروضة (1/ 62). (¬4) انظر "المجروحين" لابن حبان (2/ 164، 165)، و"لسان الميزان" (3/ 230). (¬5) انظر "الحاوي" (ص 126). (¬6) انظر "فتح العزيز" (1/ 130). (¬7) انظر "الروضة" (1/ 61). (¬8) المجموع (1/ 524 - 526).

162 - قول "التنبيه" [ص 16]: (وسننه عشر) ظاهره: حصر السنن في عشر، وليس كذلك، فقد ذكر هو في صفة الوضوء سننًا أخرى، وهي: - استصحاب النية. - والجمع أو الفصل في المضمضة والاستنشاق. - والمبالغة فيهما لغير الصائم. - والتحجيل. - والكيفية المذكورة في مسح الرأس. - والقول عند فراغ الوضوء. - وترك النفض والتنشيف والاستعانة. وكذا عبر "المنهاج" بقوله [ص 74]: (وسننه) وذكر جميع السنن المتقدمة إلا: استصحاب النية، والكيفية المذكورة في مسح الرأس، فلم يذكرهما، وزاد: السواك. وزاد "الحاوي": الدلك، وترك التكلم، والكيفية في تخليل أصابع الرجلين، ومسح الرقبة، وكون الوضوء بمُد (¬1). وهذا قد ذكراه في صفة الغسل، وبقى عليهم جميعًا: التلفظ بالنية، والانتثار عقب الاستنشاق، واستقبال القبلة، والجلوس بحيث لا يناله رشاش، وجعل الإناء عن يساره، فإن غرف منه .. فعن يمينه، والبداءة بأعالي وجهه وأصابع يديه ورجليه، وترك لطم وجهه بالماء، وترك الإسراف، والشرب من فضل الوضوء بعد الفراغ منه من هيآته، ذكره العبادي في "زيادات الزيادات". وقد اعتذر في "الكفاية" عن "التنبيه" بأنه لعله قصد بالسنة: ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يثبت إدامة ما عداه. وقال غيره: الأحسن: أن يقال: ما ترك عده منهي وغيره، والمناهي كالنفض والاستعانة ونحوهما لا توصف بالسنة، فالمسنونات هي المأمورات، وهذا كما ذكروه في شروط الصلاة أن المبطلات لا يعد تركها شرطًا، كما أوضحه في "شرح المهذب" (¬2)، وأما غيره: فمنه المبالغة في المضمضة والاستنشاق، وهو مفهوم من ذكرهما، كما في قوله: (وفروض الصلاة: النية) (¬3) أي: وتفصيلها سبق، وكذلك في جميع الصور، فكأنه قال: المضمضة على ما بيناه، ولعل ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 126، 127). (¬2) المجموع (3/ 474). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 33).

استصحاب النية من هذا القبيل، وأما الذكر بعد الفراغ: فقد يعتذر عنه بأنه لا يعد من سننه لتمام الوضوء، كما لا يعد الذكر والدعاء بعد الصلاة من سننها وإن كان مستحبًا، لكن عده التسمية وغسل الكفين دون السواك .. لم أره لغيره، والمذكور في الرافعي وغيره وجهان مطلقان (¬1)، والأصح: عد الكل من سنن الوضوء. * * * ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (1/ 98).

باب المسح على الخفين

بابُ المَسْح على الخُفَّيْن 163 - وفي "المنهاج" [ص 77]: (مسح الخف) ولو قال: (الخفين) كما في "التنبيه" (¬1) .. لكان أحسن؛ فإنه لا يجوز مسحه من رجل وغسل أخرى، ولكن مراده: الجنس لا التوحيد. 164 - قولهما: (يجوز المسح) (¬2)، وقول "الحاوي" [ص 124]: (إنه مخير بين الغسل والمسح بشرطه) قد يورد عليه: أن ابن الرفعة قال فيما لو كان المحدث لابس خف بشرطه، ودخل الوقت ووجد ما يكفيه لو مسح الخف، ولا يكفيه لو غسل الرجل .. أن الذي يظهر: وجوب المسح؛ لقدرته على الطهارة الكاملة، فلو أرهق المتوضئ الحدث ومعه ما يكفيه إن مسح لا إن غسل .. فلا يجب لبس الخف ليمسح عليه إلا في احتمال، ذكره الإِمام على وجه مرجوح لشيخه، ورده (¬3). 165 - قولهما: (للمسافر: ثلاثة أيام ولياليهن) (¬4) أي: سفر القصر، كما صرح به في "الحاوي" (¬5) ليخرج السفر القصير وسفر المعصية. 166 - قولهم: (إن ابتداء المدة من الحدث) (¬6) وجَّهُوهُ: بأنها عبادة مؤقتة، فكان ابتداء وقتها: من حين جواز فعلها, لكن ذكر النووي في "شرح المهذب": أن لابس الخف له تجديد الطهارة والمسح على الخف قبل الحدث (¬7). قال السبكي: (فإن صح هذا .. فابتداء المدة من اللبس). واختار النووي -تبعًا لأبي ثور وابن المنذر- أن ابتداءها من المسح (¬8)، وحكى العلم العراقي في "شرحه" لأوائل "التنبيه" في ابتداء المدة ثلاثة أوجه: من اللبس، من الحدث، من المسح، وهو غريب (¬9). واعلم أن المراد: انقضاء الحدث لا ابتداؤه، كما قال المحب الطبري، ووجهه: أنه إنما يستفتح المسح بعد انقضاء الحدث، فيكون ذلك ابتداء المدة. ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 16). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 16)، و"المنهاج" (ص 77). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (1/ 205). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 16)، و"المنهاج" (ص 77). (¬5) الحاوي (ص 125). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 16)، و"الحاوي" (ص 125)، و"المنهاج" (ص 77). (¬7) المجموع (1/ 553). (¬8) انظر "الإشراف على مذاهب العلماء" (1/ 235، 236)، و"المجموع" (1/ 552). (¬9) في حاشية (أ): (أي: حكايته الأول وجهًا، وإلا .. فقد قال به ... ).

167 - قول "التنبيه" [ص 16]: (فإن مسح في الحضر ثم سافر، أو مسح في السفر ثم أقام .. أتم مسح مقيم) صورة الثانية: ما إذا مسح في السفر دون يوم وليلة ثم أقام .. فيتم ما بقى له من مدة المقيم، فلو مسح في السفر يومًا وليلة ثم أقام .. فلا يزيد شيئًا، ولو مسح يومين وليلتين مثلًا ثم أقام .. اقتصر على ما مسحه، وهو زائد على مدة المقيم. فعبارة "المنهاج" أحسن؛ حيث قال [ص 77]: (فإن مسح حضرًا ثم سافر أو عكس .. لم يستوف مدة سفر) لشموله الأقسام كلها. وقد ترد هذه الصورة على قول "الحاوي" [ص 125]: (وثلاثة في سفر القصر لا إن مسحهما في الحضر) فإنه اقتصر على استثناء الصورة الأولى، ولم يتعرض للثانية أصلًا. ومقتضى عبارة "المنهاج": أنه لو مسح في الحضر أحد خفيه ثم سافر ومسح الأخرى في السفر .. أنه يقتصر على مدة مقيم، وهو الذي صححه النووي في "الروضة" (¬1). ومقتضى عبارة "الحاوي": أنه يمسح مدة المسافر؛ لأنه إنما استثنى مسحهما، وهو الذي جزم به الرافعي (¬2). وعبارة "التنبيه" محتملة، الأظهر: أنها مثل عبارة "المنهاج" لإطلاقه المسح، وعليه مشى شراحه، وقد يدعى أنها مثل عبارة "الحاوي" لقوله أولًا: (يجوز المسح على الخفين) (¬3)، فيكون قوله: (فإن مسح) أي: الخفين. 168 - قول "التنبيه" [ص 16]: (ولا يجوز المسح إلا أن يلبس الخف على طهارة كاملة)، وقول "المنهاج" [ص 77]: (وشرطه: أن يلبس بعد كمال طهر) لو حذفا لفظ (الكمال) كما في "الحاوي" .. لما ضر؛ لأن حقيقة الطهر أن يكون كاملًا، ولكنهما ذكراه تأكيدًا لنفي مذهب المزني فيما إذا غسل رجلًا وأدخلها الخف، ثم الأخرى كذلك؛ لاحتمال توهم إرادة البعض، ولم يحترزا به عن دائم الحدث؛ لأن ضد الكامل الناقص، وطهارته ضعيفة لا ناقصة؛ ولأن حكم المحترز عنه يكون ضد المدعى، والأصح: جواز مسحه أيضًا إذا لم يكن التيمم لفقد الماء، لكن الأصح: أنه إنما يمسح لما يحل له لو بقي طهره، وهو فرض ونوافل. 169 - قول "التنبيه" [ص 16]: (ساتر للقدم) و"المنهاج" [ص 77]: (محل فرضه) أي: من الجوانب والأسفل، ولا يضر عدمه من الأعلى في الأصح؛ ولذلك قال في "الحاوي" [ص 124]: (لا من الأعلى)، وليس المراد هنا: ستر البشرة عن العيون كما في ستر العورة، بل: ستر يمنع ¬

_ (¬1) الروضة (1/ 131، 132). (¬2) انظر "فتح العزيز" (1/ 286). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 16).

نفوذ الماء، فلو لبس خفًا من زجاج وأمكنه متابعة المشي عليه .. جاز مسحه وإن رُؤِيَت البشرة تحته. 170 - قول "التنبيه" [ص 16]: (صحيح) قال في "الكفاية": (أورد المشقوق المشرّج، لكن الشيخ أخرج به ما لا يمسح مطلقًا، وما لا يمسح في الحال كالمشقوق، فشرطه: الشد؛ لئلا يظهر عند المشي، فلا يرد). 171 - قول "التنبيه" [ص 16]: (يمكن متابعة المشي عليه)، وقول "الحاوي" [ص 124]: (ممكن المشي) أوضحه "المنهاج" بقوله [ص 77]: (لتردد مسافر لحاجاته) أي: عند النزول والرحيل، لكن إن أريد بذلك: في منزلة واحدة .. فأدنى خف يحصل ذلك، وإن أريد: أكثر -وهو ظاهر عبارتهم- .. فلا بد له من ضابط، وقد ضبطه المحاملي وأبو حامد العراقي في "الرونق" بثلاثة أميال فصاعدًا، واقتصر عليه شيخنا الإِمام جمال الدين الإسنوي في "التنقيح"، لكنه في "المهمات" قال: (إن المعتمد: ما ضبطه به الشيخ أبو محمَّد، وهو مسافة القصر تقريبًا). وقال شيخنا الإِمام شهاب الدين بن النقيب: (لو ضُبطَ بمنازل ثلاثة أيام ولياليهن .. لم يَبْعُد، قال: وهل المراد المشي فيه بمداس أم لا؟ لم أر من ذكر) انتهى (¬1). 172 - قول "المنهاج" [ص 77] و"الحاوي" [ص 124]: (طاهر) أي: ليس بنجس العين؛ كالمتخذ من جلد كلب أو ميتة قبل الدبغ، ولا متنجس جميعه، كما في "شرح المهذب" (¬2) و"الذخائر"، فلو تنجس بعضه .. صح المسح عليه، واستفاد به مس المصحف وحمله، صرح به الشيخ أبو محمَّد في "التبصرة"، وهو مقتضى كلام الرافعي حيث قال: (لو كان أسفل الخف متنجسًا .. لا يمسحه) (¬3) يعني: الأسفل؛ لأن المسح يزيد النجاسة، فمفهومه: أنه يمسح غير الأسفل، وفي "شرح المهذب": (بل يقتصر على مسح أعلاه، وعقبه، وما لا نجاسة عليه) (¬4). 173 - قول "المنهاج" [ص 77] و"الحاوي" [ص 124]: (يمنع نفوذ الماء) أي: من غير مواضع الخرز، فلا يضر نفوذه منها، كما في "شرح المهذب" عن القاضي حسين وغيره (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 139). (¬2) المجموع (1/ 576). (¬3) انظر "فتح العزيز" (1/ 282). (¬4) المجموع (1/ 576). (¬5) المجموع (1/ 561).

تنبيه [في بقية شروط المسح على الخف]

تَنْبيه [في بقية شروط المسح على الخف] اعتبروا فيما يُمْسَح عليه: ستر محل الفرض، وإمكان متابعة المشي عليه، وزاد "التنبيه" و"الحاوي": كونه خفًا، وزاد "التنبيه": كونه صحيحًا، وزاد "المنهاج" و"الحاوي": كونه طاهرًا يمنع نفوذ الماء (¬1). 174 - قول "التنبيه" [ص 16]: (وفي المسح على الجرموقين قولان) أظهرهما -كما في "المنهاج"-: أنه لا يجوز (¬2). وصورة المسألة: أن يكون كل منهما صالحًا للمسح عليه، فإن لم يصلح واحد منهما للمسح عليه .. لم يصح قطعًا، وإن صلح الأعلى دون الأسفل .. صح المسح عليه والأسفل كلفافة، وإن صلح الأسفل دون الأعلى؛ فإن لم يصل البلل للأسفل .. لم يصح، وإن وصل إليه .. صح إن قصدهما بالمسح أو لم يقصد واحدًا منهما أو قصد الأسفل فقط، فإن قصد الأعلى فقط .. لم يصح، وإلى هذا التفصيل أشار "الحاوي" بقوله -عطفًا على المنفي-: (وجرموقًا فوق قوي، لا أن يصل البلل إليه، لا بقصد الجرموق فقط) (¬3). فقوله: (فوق قوي) يشمل كون الأعلى قويًا، وكونه ضعيفًا. وقوله: (لا أن يصل البلل إليه) أي: إلى الأسفل، فيصح. وقوله: (لا بقصد الجرموق فقط) فلا يصح، فعلم صحته في ثلاث صور. وخرج بقوله: (فوق قوي): أن يكونا ضعيفين، وأن يكون الأسفل ضعيفًا والأعلى قويًا، ولا يخفى البطلان في الأولى والصحة في الثانية. ومقتضى عبارة "الحاوي" فيما إذا كانا صالحين ومسح الأعلى فوصل البلل للأسفل: مجيء التفصيل المتقدم. وقال شيخنا شهاب الدين بن النقيب: (الذي يظهر منعه؛ لأن الفرض أنهما صالحان، وشرط الصالح: منع النفوذ، إلا إذا صورنا منع النفوذ بالمسح .. فيتصور بالصب) (¬4). 175 - قول "المنهاج" [ص 77]: (ويجزئ مشقوق قدم شُدَّ في الأصح)، وفي "الروضة": (في الصحيح) (¬5). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 16)، الحاوي (ص 124)، المنهاج (ص 77). (¬2) المنهاج (ص 77). (¬3) الحاوي (ص 125). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 140). (¬5) الروضة (1/ 125، 126).

176 - قول "التنبيه" [ص 16]: (والسنة: أن يمسح أعلى الخف وأسفله، فيضع يده اليمنى على موضع الأصابع واليسرى تحت عقبه، ثم يمر اليمنى إلى ساقه واليسرى إلى موضع الأصابع) فيه أمور: أحدها: ظاهره: استيعابه بالمسح، وهو الذي أطلقه الجمهور، كما في "شرح المهذب" (¬1)، والأصح: لا، كما صرح به "الحاوي" (¬2)، فيمسحه خطوطًا، كما في "المحرر" و"المنهاج" (¬3). ثانيها: خرج باقتصار "التنبيه" و"المنهاج" على الأعلى والأسفل: العقب، والأظهر: استحباب مسحه، وقد صرح به في "الحاوي" (¬4)، وفي "شرح الكفاية" للصيمري: يختار أن يمسح حول العقب، وفي "الحاوي" للماوردي: هل يمسح حول العقب؟ فيه وجهان (¬5). ثالثها: ليست اليد ولا اليمنى شرطًا في تأدية ذلك، ولكنه أكمل. 177 - قول "التنبيه" [ص 16]: (فإن اقتصر على مسح القليل من أعلاه .. أجزأه، وإن اقتصر على ذلك من أسفله .. لم يجزئه) فيه أمور: أحدها: عقبه وحرفه كأسفله، كما صرح به "المنهاج" (¬6). ثانيها: المراد: ظاهر الأعلى، فلو مسح باطن الأعلى .. لم يكف، وهذا وارد على "الحاوي" أيضًا. ثالثها: لو بل أو غسل .. أجزأه، مع كونه ليس مسحًا، كما تقدم في الرأس، وهذا وارد على "المنهاج" أيضًا. 178 - قوله: (وإن شك في وقت المسح أو في انقضاء مدة المسح .. بني الأمر على ما يوجب الغسل) (¬7) صور في "الكفاية": الأولى: بما إذا تيقن أنه مسح حضرًا أو سفرًا، وشك أن حدثه وقت الظهر أو العصر مثلًا. والثانية: بأن يتيقن أن حدثه وقت الظهر، وشك أن مسحه في الحضر أو السفر. ومنهم من عكس ذلك، قال ابن يونس: وهو الأشهر، وتبعه النووي في "نكته"، وقال ابن الرفعة: (إنه ليس بشيء). ¬

_ (¬1) المجموع (1/ 587). (¬2) الحاوي (ص 125). (¬3) المحرر (ص 14)، المنهاج (ص 77). (¬4) الحاوي (ص 125). (¬5) الحاوي الكبير (1/ 370). (¬6) المنهاج (ص 77). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 16).

ويلزم من الشك في الابتداء الشك في الانتهاء، ولا عكس؛ ولذلك اقتصر عليه "الحاوي" بقوله [ص 125]: (أو شك في الانقضاء)، وعبر "المنهاج" بقوله [ص 77]: (ولا مسح لشاك في بقاء المدة) وهو شامل للصورتين. 179 - قول "المنهاج" [ص 77]: (فإن أجنب .. وجب تجديد لبس) فيه أمران: أحدهما: في معناه: الحيض والنفاس وولادة جاف، فالضابط: وجوب الغسل؛ ولذلك عبر به "الحاوي" (¬1). ثانيهما: قوله: (وجب تجديد لبس) أي: إن أراد المسح. وسلم من ذلك "الحاوي" حيث قال في موانع إتمام المدة: (أو وجب الغسل) (¬2). 180 - قول "المنهاج" [ص 77]: (ومن نزع وهو يطهر المسح .. غسل قدميه) أحسن منه قول "التنبيه" [ص 16]: (وإن ظهرت الرجل أو انقضت مدة المسح) فزاد مسألة انقضاء المدة، وكان تعبيره بظهور الرجل أحسن من التعبير بالنزع؛ لأنه قد تظهر الرجل من غير نزع؛ بأن ينخرق الخف، وأحسن منهما قول "الحاوي" [ص 125]: (أو بدا بعض رجل) لتصريحه بأن حكم ظهور بعض الرجل كحكم ظهور كلها, لكنه لم يقيده بأن يكون على طهارة المسح، وكأنه تركه لوضوحه، ولم يذكر انقضاء المدة؛ لفهمه من طريق الأولى من ذكر الشك في الانقضاء، وظهور اللفافة أو بعضها كظهور الرجل. واعلم أن النووي اختار في "شرح المهذب" تبعًا لابن المنذر: أنه لا يجب غسل القدمين ما لم يحدث سواء أخلع الخف أم لا، وصرح الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني بحكايته وجهًا (¬3). * * * ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 125). (¬2) الحاوي (ص 125). (¬3) المجموع (1/ 592)، وانظر "الإشراف على مذاهب العلماء" (1/ 247، 248).

باب الغسل

بابُ الغُسل 181 - قول "المنهاج" [ص 78] و"الحاوي" [ص 133]: (موجبه: موت) أي: في حق غير الشهيد، كما سيأتي في (الجنائز)، ولم يعده في "التنبيه"، وأجاب عنه في "الكفاية": بأن كلامه فيما هو فرض عين على المغتسل، وذاك فرض كفاية على غيره، وعده الرافعي نقلًا، واستشكله؛ لأنه إن أريد: الغسل ولو مع الخُلُوّ عن النية .. فينبغي أن يعد منه نجاسة جميع البدن أو بعضه واشتبه، ولم يعدوه، وإن أريد: الغسل الذي تجب فيه النية، فإن كان المراد: نية من غسل بدنه .. خرج الميت، أو مطلقًا .. فالأصح: أن نية الغاسل لا تجب (¬1). 182 - قول "التنبيه" [ص 19]: (وقيل: يجب عليها أيضًا من خروج الولد، وقيل: لا يجب) فيه أمران: أحدهما: كلامه يقتضي أن الخلاف وجهان، ويوافقه تعبير "المنهاج" [ص 78] بـ (الأصح)، لكن قال ابن يونس في "التنويه": (الذي ذكره جمهور النقلة: حكايته الخلاف قولين). ثانيهما: الأصح: وجوبه، كما صرح به في "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). 183 - قول "التنبيه" [ص 19]: (ومن إيلاج الحشفة في الفرج) وكذا قدرها من مقطوعها، كما صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬3). قال في "الكفاية": (وقضية "التنبيه" خلافه، ونسب للنص، قال في "الروضة": "ورجحه كثير من العراقيين") انتهى (¬4). ويستثنى من هذا الموجب: الخنثى، فلا غسل بإيلاج حشفته، ولا بإيلاج في قبله، لا على المولج ولا على المولج فيه فيهما. 184 - قولهما -والعبارة لـ"المنهاج"-: (وبخروج مني) (¬5) أعم منه قول "الحاوي" [ص 133]: (وأصله) أي: أصل الولد؛ لشموله العلقة والمضغة، لكنهما قد يدخلان في مسمى الولد، وفي كلامهم معًا أمور: أحدها: أن المراد: مَنِيّ الشخص نفسه، فلو استدخل مَنِيّ غيره في ذكره، أو استدخلت مَنِيّ غيرها في فرجها وخرج .. لم يجب، بخلاف البول؛ فإنه يوجب الوضوء؛ لعموم نواقضه. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (1/ 177، 178). (¬2) الحاوي (ص 133)، المنهاج (ص 78). (¬3) الحاوي (ص 133)، المنهاج (ص 78). (¬4) الروضة (1/ 82). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 18)، و"المنهاج" (ص 78).

تنبيه [في حقيقة الموجب للغسل]

وبعد هذا التقييد أورد بعضهم: ما إذا جومعت في قبلها، فاغتسلت ثم خرج منها المني .. فإنه يجب إعادة الغسل على المذهب، قال: وليس الخارج منيها، وما يقال: إنما وجب؛ لأن الغالب اختلاط المنيين؛ فلذلك إنما يجب بشرط: أن تكون قضت شهوتها .. لا حاصل له؛ لأن قضاء شهوتها لا يستدعي خروج شيء من منيها، وإن تحقق لها مني .. فهو واجب خرج لها مني أم لم يخرج. انتهى. وقد صرح بهذه المسألة في "الحاوي" (¬1)، وهي مشكلة؛ لأن يقين الطهارة لا يرفع بظن الحدث، كما تقدم. ثانيها: إطلاق "التنبيه" و"الحاوي" يقتضي أنه لا فرق بين أن يخرج من طريقه المعتاد أو غيره، وصرح به "المنهاج" (¬2)، وكذا في "المحرر" و"الشرح الصغير" و"الروضة" (¬3)، وقال المتولي في الخارج من غير المعتاد؛ كثقبة في الصلب أو الخصية: فيه التفصيل والخلاف في النقض بخارج من منفتح. وجزم به في "التحقيق"، وصوبه في "شرح المهذب" (¬4)، والصلب هنا كالمعدة هناك، قاله في "أصل الروضة" جزمًا (¬5)، وذكره الرافعي بحثًا (¬6). ثالثها: ظاهر كلامهم: أن المعتبر في المرأة الخروج الكلي كالرجل، وهذا في البكر، أما الثيب: فيكفي خروجه إلى باطن فرجها؛ لأنه في الغسل كالظاهر، ذكره في "التحقيق" تبعًا للماوردي (¬7). تَنْبيه [في حقيقة الموجب للغسل] ظاهر كلامهم يقتضي أن الموجب للغسل هذه الأسباب، وهو وجه، وقيل: القيام للصلاة، وقيل: هذه الأسباب عند القيام للصلاة، وهو الأصح. وادعى بعضهم أن عدول صاحب "التنبيه" عن قوله: (يجب بشيئين، وبأربعة أشياء) إلى ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 133). (¬2) المنهاج (ص 78). (¬3) المحرر (ص 14)، الروضة (1/ 83). (¬4) التحقيق (ص 89)، المجموع (2/ 160). (¬5) الروضة (1/ 83). (¬6) انظر "فتح العزيز" (1/ 181). (¬7) التحقيق (ص 89)، وانظر "الحاوي الكبير" (1/ 213).

قوله: (من شيئين، ومن أربعة أشياء) (¬1) يدل عليه. 184/ 1 - قول "الحاوي" [ص 133]: (إن خواص المني ثلاثة) ظاهره: الطرد في حق المرأة أيضًا، وصرح به في "المنهاج" بقوله بعد ذلك [ص 78]: (والمرأة كرجل)، وهو الذي ذكره الأكثرون تصريحًا وتعريضًا، وأنكر ابن الصلاح التدفق في منيها (¬2)، وتبعه النووي في "شرح مسلم"، فاقتصر فيها على الأولى والأخيرة (¬3). قال شيخنا الإمام شهاب الدين بن النقيب: (وهو الذي يظهر؛ فإنه لا تزريق لمنيها ألبتة) انتهى (¬4). لكن نقل الماوردي عن الشافعي - رحمه الله -: تسمية منيها بالماء الدافق (¬5)، وهذا يدل على خروجه منها بتدفق. 185 - قول "التنبيه" [ص 19]: (وإن شك هل الخارج من ذكره مني أو مذي؟ فقد قيل: يلزمه الوضوء دون الغسل، ويحتمل عندي: أنه يلزمه الغسل) فيه أمور: أحدها: الأصح: وجه ثالث: أنه يخير بين الموجبين، ومهما اختاره .. ترتب عليه سائر أحكامه، وعليه مشى "الحاوي" (¬6)، ولم يتعرض للمسألة في "المنهاج". ثانيها: ذكر في "الكفاية" أن ظاهر كلام الشيخ في الوجه الذي صدر به كلامه: نفي وجوب غسل ما أصابه الخارج، والأصح: خلافه، وقال غيره (¬7): لو ادعى العكس .. كان أقوم؛ فإنه قضية كون الخارج موجبًا للوضوء. ثالثها: ما ذكره الشيخ احتمالًا وجهٌ معروف، ومعناه: أنه يلزمه الوضوء وغسل باقي البدن وما أصابه، ومعنى كلامه: (ويحتمل عندي: أنه يلزمه الغسل) الذي نفاه نقلًا بقوله: (دون الغسل)، ويبقى إيجاب الوضوء بحاله، ويوافقه عبارة "المهذب" (¬8)، وعبر عنه في "التحقيق" بقوله: (وقيل: يجبان) (¬9)، وقواه النووي في "شرح المهذب" (¬10)، وجعل في "الكفاية" ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 18). (¬2) انظر "مشكل الوسيط" (1/ 340). (¬3) شرح مسلم (3/ 223). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 147). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (1/ 214). (¬6) الحاوي (ص 133). (¬7) في حاشية (أ): (قول الشيخ: "وقال غيره" المراد به: النشائي). انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 10). (¬8) المهذب (1/ 29). (¬9) التحقيق (ص 90). (¬10) المجموع (2/ 162).

الاحتمال لمجرد الغسل، ولا قائل بلزومه عينًا. رابعها: ذكر الذكر مثال لا تقييد. 186 - قول "الحاوي" [ص 133]: (وهو في فرج امرأة أو دبرها .. أجنب المشكل) لو قال: (أو دبر) .. كان أعم وأخصر؛ لشموله دبر الرجل والخنثى المشكل، فلا فرق في ذلك بين دبرهما ودبر المرأة. 187 - قول "المنهاج" [ص 78]: (ويحرم بها) أي: بالجنابة الحاصلة من دخول الحشفة أو خروج المني، أما ما قبله: فمحرماته تأتي في (باب الحيض). 188 - قولهما: (واللبث في المسجد) (¬1) هو خاص بالمسلم، كما صرح به "الحاوي" (¬2)، وذكر "التنبيه" في (باب الجزية) الخلاف فيه (¬3)، وذكر صاحب "التلخيص" من الخصائص: دخول المسجد جنبًا، ومال إليه النووي (¬4)، ولم يذكره "الحاوي" في الخصائص. ثم تستثنى: الضرورة، فلو خاف من الخروج على نفس أو مال .. جاز له اللبث. قال الرافعي: (وليتيمم إن وجد غير تراب المسجد) (¬5)، وفهم النووي من لام الأمر: الوجوب، فقال في "أصل الروضة": (فيجب عليه التيمم) (¬6)، وصرح به القفال في "فتاويه" والأستاذ أبو منصور البغدادي في "شرح المفتاح" وصاحب "التتمة"، لكن الرافعي لم يرده، بدليل قوله في "الشرح الصغير": (ويحسن أن يتيمم)، ويوافقه قول القاضي أبي الطيب فيمن أحدث ومعه مصحف ولم يجد الماء وهو قادر على التراب .. أن له حمله من غير تيمم، وصرح القفال في "فتاويه" في هذه الصورة بأنه يتيمم. 189 - قول "المنهاج" [ص 78]: (لا عبوره) أي: فهو جائز لحاجة، وإلا .. فالأصح: الكراهة، وقيل: خلاف الأولى، وصححه في "شرح المهذب" (¬7)، وقيل: حرام، إلا ألاَّ يجد طريقًا سواه. 190 - قول "التنبيه" [ص 19]: (وقراءة القرآن) يستثنى من ذلك: إذا أتى بشيء من أذكاره؛ كقوله: (بسم الله، والحمد لله، وسبحان الذي سخر لنا هذا) بقصد الذكر أو بغير قصد، فإن ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 19)، و"المنهاج" (ص 78). (¬2) الحاوي (ص 131). (¬3) التنبيه (ص 239). (¬4) انظر "المجموع" (2/ 198). (¬5) انظر "فتح العزيز" (1/ 186). (¬6) الروضة (1/ 86). (¬7) المجموع (2/ 176، 181).

قصد القراءة فقط، أو مع الذكر .. حرم، وإليه أشار "الحاوي" بقوله [ص 131]: (القراءة بقصدها)، و"المنهاج" بقوله [ص 78]: (وتحل أذكاره لا بقصد قرآن). لكن التعبير بالأذكار يفهم أن قوله: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ}، {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} ليس كذلك؛ فإنها ليست أذكارًا، وهو مقتضى ما في كتاب "الأذكار" للنووي (¬1)، وسوَّى في "شرح المهذب" بين النوعين (¬2). ويستثنى من كلامهم: فاقد الطهورين؛ فإنه يقرأ الفاتحة في صلاته وجوبًا، كما صححه النووي (¬3)، وصحح الرافعي: المنع، وينتقل للذكر (¬4). ويلتحق بفاقد الطهورين: المتيمم في الحضر، كما في "المهمات" عن تعليق القاضي حسين و"الكافي" للخوارزمي. 191 - قول "الحاوي" [ص 131]: (ويزيد الحيض والنفاس القراءة بقصدها، ومكث المسجد كجنابة المسلم) يفهم: أن جنابة الكافر لا تحرّم شيئًا من ذلك، وهو كذلك في مكث المسجد، أما مس المصحف: فيمنع منه، كما في نواقض الوضوء من "شرح المهذب" (¬5)، وقياسه: عدم تمكينه من قراءته جنبًا إذا قرأ بنفسه أو أقرأه غيره، حيث جاز تعليمه؛ بأن رُجي إسلامه. 192 - قول "التنبيه" [ص 19]: (نوى الغسل من الجنابة أو الحيض) ومثله: قول "الحاوي" [ص 132]: (نية رفع الجنابة أو الحيض) أي: نوى الغسل من الجنابة إن كان جنبًا، أو الحيض إن كانت حائضًا، وليس للتخير، فلو نوى أحدهما غير ما عليه .. صح مع الغلط دون التعمد، قاله النووي في "شرح المهذب" في آخر نية الوضوء (¬6). وكذا قول "المنهاج" [ص 78]: (نية رفع الجنابة) محمول على الجنب، ومقتضى كلام "الكفاية": أنه لا يرتفع النفاس بنية الحيض وعكسه مع التعمد، ومقتضى تعليلهم إيجاب الغسل في النفاس بكونه دم حيض مجتمع: الصحة، كما بحثه شيخنا في "المهمات". قال شيخنا شهاب الدين بن النقيب: (ومن به سلس المني .. ينبغي ألَّا تكفيه نية الرفع على الصحيح، بل ينوي الاستباحة؛ كما في الوضوء) (¬7). ¬

_ (¬1) الأذكار (ص 8، 9). (¬2) المجموع (2/ 187). (¬3) انظر "المجموع" (2/ 185)، و"الأذكار" (ص 9). (¬4) انظر "فتح العزيز" (1/ 185). (¬5) المجموع (2/ 89). (¬6) المجموع (1/ 396). (¬7) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 149).

ومقتضى عبارة "التنبيه" و"المنهاج": أنه لا يكفي نية رفع الحدث؛ لكونهما قيدا نية الرفع بالجنابة، لكن الأصح: أنه يكفي، وذكره "الحاوي" (¬1). 193 - قول "المنهاج" [ص 78]: (أو أداء فرض الغسل) وكذا نية فرض الغسل؛ كما في الرافعي و"الروضة" (¬2)، وكذا نية أداء الغسل؛ كما في "الحاوي" (¬3)، ولم يصرح به الرافعي هنا، لكن حكم الغسل حكم الوضوء في هذا، وقد صرح به في الوضوء، فظهر أن الاقتصار على أحد اللفظين كاف. 194 - قول "المنهاج" [ص 78]: (مقرونة بأول فرض) أي: بأول ما يغسله من رأسه أو بدنه، وقد قال في (الوضوء): (وقيل: يكفي قرنها بسنة قبله) (¬4) ويجيء مثله هنا، كذا في "الروضة" (¬5)، وفيه نظر، وينبغي الجزم بالاكتفاء به؛ لأن السنن التي قبله محل للغسل الواجب، فإذا نوى عندها رفع الجنابة .. وقع فرضًا، بخلاف سنن الوضوء التي قبله من غسل كف ومضمضة؛ لأنه ليس محلًا للفرض الآن، فلم يكف؛ لعدم الوقوع عنه؛ ولهذا لو انغسل مع المضمضة التي قارنتها النية شيء من حمرة الشفة .. كفى على الأصح؛ ولذلك عبر "الحاوي" بقوله [ص 132]: (مقرونًا بأوله)، ولم يقيده بالفرض؛ لأنه لا فائدة له كما تقرر. 195 - قولهم -والعبارة لـ"المنهاج"-: (وتعميم شعره وبشره) (¬6) فيه أمور: أحدها: يستثنى من الشعر: ما نبت في العين والأنف، وكذا باطن عقده، وقيل: يجب قطعه. ثانيها: المراد بالبشرة: ما يشمل الأظفار، بخلاف نقض الوضوء. ثالثها: قال في "الكفاية": (أفهم أنه لا يجب إيصال الماء إلى باطن الفرج، وهو ما ذكره الإِمام ومن تبعه، والأصح: وجوبه فيما يبدو حالة قضاء الحاجة من الثيب، وكذا ما ظهر بجذع الأنف، ونتف شعرات لم يغسلها، صرح في "التحقيق" بتصحيحه فيه) (¬7). وقد يقال: ما ظهر من الثيب يصير من جملة البشرة، وكذا ما ظهر من أنف المجذوع. رابعها: غير المختون يجب غسل ما تحت جلدته على الأصح، ولم تتناوله عبارتهم؛ لأن البشرة ظاهر الجلد. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 132). (¬2) فتح العزيز (1/ 102)، الروضة (1/ 48). (¬3) الحاوي (ص 132). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 73). (¬5) الروضة (1/ 87). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 19)، و"الحاوي" (ص 132)، و"المنهاج" (ص 78). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (1/ 155)، و"التحقيق" (ص 92).

196 - قول "المنهاج" [ص 78]: (ولا تجب مضمضة واستنشاق) لك أن تقول: لم نص على نفي وجوبهما في الغسل ولم يفعل ذلك في الوضوء مع أن الخلاف بين العلماء فيهما؟ وقد يقال: لمَّا نص على تعميم الشعر والبشرة .. خشي دخولهما؛ فإن في الأنف شعرًا وفي الفم بشرة، وقيل: غير ذلك. 197 - قول "المنهاج" [ص 78]: (وأكمله: إزالة القذر) و"الحاوي" [ص 132]: (وسن رفع الأذى) أي: الطاهر؛ كوسخ، ومني، وكذا النجس إن اكتفى بغسله للحديث والنجس, كما صححه النووي خلافًا للرافعي (¬1)، والأولى: حمل كلامهما على الطاهر؛ لإفرادهما مسألة اجتماع النجاسة والحدث. 198 - قول "المنهاج" [ص 78]: (ثم الوضوء -وفي قول: يؤخر غسل قدميه-) الخلاف في الأفضل، فيحصل بكل منهما أصل سنة الوضوء. 199 - قولهما: (ثم يفيض الماء على رأسه ويخلله) (¬2) ليست الواو للترتيب؛ فإن تخليله قبل الإفاضة، فيدخل أصابعه العشرة في الماء، فيشرب بها أصول شعر رأسه. 200 - قول "التنبيه" [ص 19]: (ثم يفيض الماء على سائر جسده) ظاهره: أنه لا يقدم الشق الأيمن، ولا خلاف في استحبابه، وصرح به "المنهاج" (¬3)، وقد يندرج في قول "الحاوي" في ذكر سنن الغسل [ص 132]: (والترتيب) فيدخل فيه ترتيب الأيسر على الأيمن. 201 - قول "التنبيه" بعد ذكر إفاضة الماء على الرأس [ص 19]: (ثم الجسد، يفعل ذلك ثلاثًا) قال في "الكفاية": (ظاهره: أنه يفعل ذلك مرة ثم مرة ثم مرة، والخبر يقتضي تثليث التخليل ونحوه قبل إفاضة الماء على الجسد، وهو المنصوص في "المختصر"، وتابعه الأصحاب) (¬4). قال شيخنا جمال الدين في "الهداية": (مقتضى هذا الكلام: استحباب التثليث في الجسد، وذلك لم يرد في الحديث، ولم يقله الشافعي ولا الأصحاب). 202 - قولهما -والعبارة لـ"المنهاج"-: (وتتبع لحيض أثره مسكًا، وإلا .. فنحوه) (¬5) وعبارة "التنبيه" [ص 19]: (وإن لم تجد .. فطيبًا غيره) فيه أمور: أحدها: النفاس كالحيض. ثانيها: يستثنى من ذلك: المُحِدَّة؛ فإنها تطيب المحل بقليل من قسط أو أظفار؛ كما ذكره ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (1/ 190، 191)، و"المجموع" (2/ 211). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 19)، و"المنهاج" (ص 78). (¬3) المنهاج (ص 78). (¬4) مختصر المزني (ص 5). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 19)، و"المنهاج" (ص 78).

الرافعي في "العدد"، ويحتمل إلحاق المُحْرِمَة بها؛ لأن منع المعتدة من الطيب أشد؛ فإنه يحرم عليها استدامته، بخلاف المُحْرِمَة، ويحتمل منعها من الطيب مطلقًا، لقصر زمن الإحرام غالبًا. ثالثها: أن عبارتهما صريحة في أن الانتقال إلى غير المسك من أنواع الطيب إنما يكون عند فقد المسك، وهذا هو المعتمد، وعبارة "المحرر": (مسكًا ونحوه) (¬1) ولم يقيده بالفقد، فقول "المنهاج": (وإلا) من زوائده، ومشى "الحاوي" على ما في "المحرر"، فقال [ص 132]: (والتطيب في الحيض) فلم يفرق بين المسك وغيره. رابعها: قول "المنهاج" [ص 78]: (فنحوه) يحتمل أن المراد بـ (نحوه): طيب فيه حرارة؛ كالقسط والأظفار ونحوهما، بناء على أن العلة في المسك: سرعة الحمل، ويحتمل أن المراد: أيّ طيب كان، بناء على أن العلة: تطييب المحل، كما صححه النووي (¬2). خامسها: ذكر الرافعي والنووي في "شرح المهذب" بين الطيب والماء رتبة وهو: الطين (¬3)، ولم يذكره في "الروضة" و"المنهاج"، وقال شيخنا جمال الدين في "تصحيح التنبيه": (والصواب: تتبع الحائض أثر الدم بالمسك، فإن لم تجد .. فبالطين، فإن لم تجد .. فبالماء) (¬4). سادسها: قول "التنبيه" [ص 19]: (فإن لم تجد .. فالماء كاف) ذكره تأكيدًا، فقد عرف ذلك من قوله: (إن التطيب مستحب) (¬5). 203 - قول "المنهاج" [ص 78]: (ولا يسن تجديده) أي: الغسل، وكذا التيمم، وفيهما وجه. 204 - قوله: (بخلاف الوضوء) (¬6) أي: فيسن تجديده، لكن بشرط: أن يصلي بالوضوء الأول صلاة فرضًا أو نفلًا على الأصح، فالمراد: مخالفة الوضوء للغسل في استحباب تجديده في الجملة، لا أنه يستحب تجديده مطلقًا. 205 - قولهما -والعبارة لـ"المنهاج"-: (ويسن ألا ينقص ماء الوضوء عن مد، والغسل عن صاع) (¬7) وفي "الحاوي" [ص 127، 132]: (وسن بمد ... وبصاع) فيه أمور: ¬

_ (¬1) المحرر (ص 15). (¬2) انظر "المجموع" (2/ 217). (¬3) انظر "فتح العزيز" (1/ 194)، و"المجموع" (2/ 216، 217). (¬4) تذكرة النبيه (2/ 423). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 19). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 78). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 19)، و"المنهاج" (ص 78).

أحدها: أن هذا التقدير تقريب. ثانيها: حمله الشيخ عز الدين في "القواعد" على من هو معتدل الخلقة؛ كما كان النبي عليه الصلاة والسلام، فلو كان ضئيلًا أو متفاحش الطول والعرض .. فيستحب له أن يستعمل في الوضوء ما يكون نسبته إلى جسده كنسبة المد إلى جسد النبي عليه الصلاة والسلام، وكذا قياس الغسل (¬1)، وذكر في "الإقليد" نحوه، وقال: (فلو قيل: بتطهر غير مسرف ولا مقتر .. كان أضبط). ثالثها: مقتضى كلامهما: أنه لا يسن ترك الزيادة على المد والصاع، وهو خلاف مقتضى عبارة "الحاوي" فإنه ذكر من سنن الوضوء: أن يكون بمد، ومن سنن الغسل: أن يكون بصاع، فاقتضى ترك النقص والزيادة، وهو الذي قال في "الكفاية": إن كلام الأصحاب يدل عليه، لكن نازعه شيخنا جمال الدين في "الهداية". 206 - قول "الحاوي" [ص 132]: (بشرط رفع الخبث) فيه أمران: أحدهما: تبع في ذلك الرافعي (¬2)، وصحح النووي: أنه لا يشترط، فيكفي للخبث والحدث غسلة واحدة (¬3)، ونبه عليه في "المنهاج" (¬4)، لكنه جزم في "شرح مسلم" بأنه لا يكفي (¬5)، وأقر في (الجنائز) من "الروضة" و"المنهاج" الرافعي على قوله: (إن أقل الغسل: استيعاب بدنه بالماء بعد إزالة ما عليه من النجاسة) (¬6). وصححه السبكي، وكلام "التنبيه" يوافق ما صححه في "المنهاج" هنا؛ لأنه لم يعد تقديم غسل النجاسة في واجبات الغسل (¬7). وقد يجاب عن ذلك: بأن تقديم غسلها شرط لا ركن، كما صرح به الرافعي (¬8)، ويوافقه تعبير "الحاوي" بالاشتراط. ثانيهما: لم يقيد "الحاوي" و"المنهاج" تبعًا للرافعي و"الروضة" النجاسة، وقيدها في "شرح المهذب" في (باب نية الوضوء) بالنجاسة الحكمية (¬9)، وصور السبكي المسألة: بما إذا ¬

_ (¬1) قواعد الأحكام في إصلاح الأنام (2/ 342). (¬2) انظر "فتح العزيز" (1/ 190). (¬3) انظر "المجموع" (2/ 212). (¬4) المنهاج (ص 79). (¬5) شرح مسلم (3/ 229). (¬6) الروضة (2/ 99)، المنهاج (ص 148)، وانظر "فتح العزيز" (2/ 395). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 19). (¬8) انظر "فتح العزيز" (1/ 190). (¬9) انظر "المجموع" (1/ 395).

لم تحل النجاسة بين الماء والعضو، وكان الماء كثيرًا أو قليلًا، ولكنه يزيله بمجرد الملاقاة، فإن انتفى شرط منهما .. لم يكف قطعًا. 207 - قولهما -والعبارة لـ"التنبيه"-: (والواجب من ذلك: النية، وإيصال الماء إلى الشعر والبشرة) (¬1) يشترط فيه أيضًا: الإِسلام على المشهور. قال في "الكفاية": إن ذكر النية يقتضى اشتراطه، وهو ممنوع؛ ولهذا قال الرافعي: لعل التعليل بالعبادة أولى من التعليل بأنه لا تصح منه النية؛ لأن نية رفع الحدث مقصودة من الكافر، ويستثنى: غسل الذمية من الحيض للمسلم، فإنه يصح، والأصح: يشترط نية إباحة الاستمتاع، وكذا الناكح القاهر؛ لكون المنكوحة مجنونة أو ممتنعة، وإذا أسلمت .. تعيد في الأصح (¬2). ويشترط أيضًا: رفع الخبث قبله، كما صححه الرافعي (¬3)، وقد تقدم، وقد يقال: لا يرد الإِسلام ورفع الخبث عليهما؛ لأنهما شرطان، وإنما تكلما على الأركان، وقد ذكرهما "الحاوي" (¬4). 208 - قول "التنبيه" [ص 19]: (وسننه: الوضوء، والدلك، والتكرار) بقي عليه: التخليل، والتثليث، والتطيب في الحيض كما ذكرها من قبل، وألا ينقص ماء الغسل عن صاع كما ذكره بعد، وإزالة القذر، وتعهد المعطف، والترتيب؛ أي: بين إزالة القذر والوضوء وتعهد المعطف كما ذكرها "المنهاج" و"الحاوي" (¬5) والموالاة، والتسمية أوله، واستصحاب النية إلى آخره، والإتيان بالشهادتين بعده، وغير ذلك. 209 - قول "الحاوي" و"المنهاج" -والعبارة له-: (ومن اغتسل لجنابة وجمعة .. حصلا) (¬6) وكذا في "المحرر" و"الروضة" و"التحقيق" وغيرها (¬7)، وفي الرافعي: إن قلنا: لو اقتصر على نية الجنابة .. لم تحصل الجمعة -وهو المجزوم به في "المحرر" و"المنهاج"- فمقتضاه: عدم صحة الغسل؛ كما لو نوى بصلاته الفرض والنفل، وإن قلنا: يحصل .. فالأصح: الصحة؛ كنية التبرد. انتهى (¬8). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 19)، و"المنهاج" (ص 78). (¬2) انظر "فتح العزيز" (1/ 97). (¬3) انظر "فتح العزيز" (1/ 190). (¬4) الحاوي (ص 132). (¬5) الحاوي (ص 132)، المنهاج (ص 78). (¬6) الحاوي (ص 132)، المنهاج (ص 79). (¬7) المحرر (ص 15)، الروضة (1/ 49)، التحقيق (ص 93). (¬8) انظر "فتح العزيز" (1/ 102)، و"المحرر" (ص 15)، و"المنهاج" (ص 79).

وأورد شيخنا في "المهمات" على التفريع الأول: إذا نوى بصلاته الفرض والتحية .. فإنه يصح، وعلى الثاني: أن في نية التبرد التشريك بين عبادة وغيرها، وما نحن فيه عبادتان، ونقل عن نص الشافعي في "البويطي" حصولهما (¬1). وقال شيخنا شهاب الدين بن النقيب: (جزمُ "المحرر" بالحصول فيه نظر من وجهين: أحدهما: أنه فرضها في "الشرح" في الضرر لا في الحصول. والثاني: أنه فرعها على حصول الجمعة بنية الجنابة، وهو خلاف جزم "المحرر" بأنه إذا نوى أحدهما .. حصل فقط، وما في "الروضة" غير مطابق لأصلها فتأمله) (¬2). 210 - قول "التنبيه" [ص 19]: (ومن نوى الغسل من الجنابة .. لم يجزه عن الجمعة) وفي معناه قول "المنهاج" [ص 79]: (أو لأحدهما .. حصل فقط) وكذا في "المحرر" (¬3)، وصححه النووي في سائر كتبه، ونقله عن الأكثرين (¬4). لكن ذكر الرافعي في "الشرح" حصولهما (¬5)، وعليه مشى "الحاوي" (¬6)، وهذا إذا لم ينف غسل الجمعة، فإن نفاه .. ففي حصوله احتمال للإمام (¬7)، والظاهر: المنع، وتعبير "المنهاج" بـ (الحصول) أولى من تعبير "التنبيه" بقوله: (لم يجزه عن الجمعة) إذ ليس في عبارته التصريح بإجزائه عن الجنابة وإن كان هذا أمرًا واضحًا، وكذا قول "التنبيه" [ص 19]: (ومن نوى غسل الجمعة .. لم يجزه عن الجنابة) لا يستفاد منه صحة غسل الجمعة، ويستفاد ذلك من قول "المنهاج" [ص 79]: (أو لأحدهما .. حصل فقط)، ومن قول "الحاوي" [ص 132]: (أو للنفلين -أي: الجمعة، والعيد- أو أحدهما .. حصلا) يعني: العيد والجمعة. 211 - قول "المنهاج" [ص 79]: (ولو أحدث، ثم أجنب أو عكسه .. كفى الغسل على المذهب) ليس الخلاف في الصورة الأولى طرقًا حتى يعبر عنه بالمذهب، بل أوجهًا، الأصح: أنه يكفي الغسل بنيته، وهل يشترط نية الوضوء معه؟ وجهان: أصحهما: لا، وهل يشترط في الغسل ترتيب أعضاء الوضوء؟ وجهان: أصحهما: لا، ومقابل الأصح أولًا: أنه لا بد من وضوء ¬

_ (¬1) مختصر البويطي (ق 8). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 157)، و"المحرر" (ص 15)، و"فتح العزيز" (1/ 102)، و"الروضة" (1/ 49). (¬3) المحرر (ص 15). (¬4) انظر "الروضة" (1/ 49)، و"المجموع" (1/ 387)، و"التحقيق" (ص 93). (¬5) انظر "فتح العزيز" (1/ 102). (¬6) الحاوي (ص 132). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (1/ 308، 309).

وغسل يقدم ما شاء منهما، والأفضل: تقديم الوضوء، أما الصورة الثانية .. ففيها طرق: أصحها: طرد الخلاف المتقدم، وقيل: يكفي الغسل قطعًا؛ لتأثر جميع البدن بالأكبر، فلم يؤثر فيه الأصغر، وقيل: لا يندرج قطعًا؛ كما لا تندرج العمرة الداخلة على الحج فيه، بخلاف العكس، فكان ينبغي أن يقول: (ولو أحدث ثم أجنب .. كفى الغسل في الأصح، وكذا في عكسه على المذهب) وبقي: ما إذا وقعا معًا؛ بأن مس مع الإنزال، وحكمه كتقدم الحدث الأصغر، فلو قال: (ومن وجب عليه وضوء وغسل) كما فعل في "التنبيه" .. لتناول هذه الصورة، والله أعلم. 212 - قول "الحاوي" [ص 132]: (وإن نوى رفع الحدث الأصغر غلطًا .. ارتفعت عن أعضاء الوضوء سِوَى الرأس) أي: فلا يرتفع الحدث عنه ولو غسله؛ لأنه إنما نوى المسح لكونه فرضه والغسل بدل عنه، ولا يجزئ المسح عن الغسل. واستثنى الشيخ أبو على السنجي في "شرح الفروع": اللحية الكثيفة، فقال: لا ينبغي ارتفاع الحدث عن باطنها ولو أوصل الماء إليه؛ لأن إيصاله غير واجب في الوضوء، فلم تتضمنه نيته إلا أن يخرج على الوجهين فيما إذا توضأ بنية التجديد؛ لأن إيصال الماء إليه في الوضوء مستحب، نقله في "المهمات" وقال: إنه استدراك صحيح. 213 - قوله: (ونُدِبَ للجنب غسل الفرج ... إلى آخره) (¬1) الحائض إذا انقطع دمها كالجنب، كما حكاه في "الروضة" عن الأصحاب (¬2). 214 - قول "التنبيه" [ص 20]: (إن الأغسال المسنونة اثنا عثر غسلًا) أهمل أغسالًا أخر: - الغسل للأذان. - ولدخول المسجد، ذكرهما الرافعي (¬3). - ولحضور كل مجمع من مجامع الخير، نقله في "شرح المهذب" عن نص الشافعي واتفاق الأصحاب (¬4). - وللاعتكاف، نقله ابن خيران الصغير في "اللطيف" عن نص الشافعي، وقد يقال: هو مندرج في دخول المسجد. - ولدخول الكعبة؛ كما نقله الإِمام عن ابن القاص والقفال (¬5)، وتبعه في "الكفاية"، والذي ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 133). (¬2) الروضة (1/ 87). (¬3) انظر "فتح العزيز" (1/ 188، 189). (¬4) المجموع (2/ 233). (¬5) انظر "التلخيص" (ص 179)، و"نهاية المطلب" (2/ 530).

في "تلخيص ابن القاص": أن الشافعي -في القديم- استحبه لطواف الزيارة، وعبر عنه القفال شارحه بالغسل لزيارة البيت، وهو استعمال صحيح، فتوهم الإِمام منه ما ذكره، والله أعلم (¬1). - ولكل ليلة من رمضان، قاله الحليمي. - وللاستحداد. - وبلوغ الصبي. - ودخول الحمام، قالها الشيخ أبو حامد العراقي في "الرونق". * * * ¬

_ (¬1) لم يتوهم الإِمام، بل ما نقله عن ابن القاص صحيح؛ فإنه ذكر من الأغسال: دخول الكعبة، وذكر أيضًا: الغسل لزيارة البيت. انظر "التلخيص" لابن القاص (ص 179).

باب النجاسة

بابُ النّجاسة 215 - كذا في "المنهاج" (¬1)، وفي "التنبيه" [ص 23]: (إزالة النجاسة) والباب مشتمل على ذكر النجاسة وإزالتها، فكان الأولى ذكرهما في التبويب، وإن كان لا بد من الاقتصار على أحدهما .. فما فعله في "التنبيه" أحسن؛ لأنه اللائق بكتاب الطهارة، وإزالة النجاسة متوقفة على معرفة النجاسة، فتذكر تبعًا. وظاهر كلام الثلاثة: انحصار النجاسة فيما ذكروه، وليس كذلك، فكان ينبغي أن يذكر لها ضابط إجمالي، وهو كما قال المتولي: كل عين حرم تناولها على الإطلاق مع إمكان التناول، لا لحرمتها، زاد النووي: واستقذارها، وضررها في بدن أو عقل (¬2). فخرج بالإطلاق: ما يباح قليله دون كثيره (¬3)، كبعض النبات الذي هو سم. وبالإمكان: الحجر ونحوه من الأشياء الصلبة. قال السبكي: ولا يحتاج إليه؛ لأن ما لا يمكن تناوله لا يوصف بتحريم ولا تحليل. وبعدم الحرمة: الآدمي. وبالاستقذار: المخاط، والمني ونحوهما. وبضرر البدن والعقل: السم الطاهر الذي يضر قليله وكثيره، والتراب، والحشيش المسكر. وزاد السبكي بعد الإطلاق: في حالة الاختيار؛ ليدخل الميتة؛ فإنها لا تحرم في المخمصة مع نجاستها. قال شيخنا شهاب الدين بن النقيب: (وفي هذا الضابط تجوز؛ فإن النجاسة حكم شرعي، فكيف تفسر بالأعيان؟ بل ما ذكر حد للنجس, وقال صاحب "الإقليد": رسموها بحكمها الذي لا يعرف إلا بعد معرفتها؛ ككل عين حرمت لا لمضرتها, ولا لتعلق حق الغير بها، أو كل ما يبطل ملاقاته الصلاة) (¬4). 216 - قول "الحاوي" [ص 117]: (المسكر) يتناول: الخمر، والنبيذ المتخذ من التمر والزبيب ونحوهما؛ ولهذا لما عبر "التنبيه" بالخمر .. ذكر بعده النبيذ (¬5)، فإنه لا يسمى ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 80). (¬2) انظر "المجموع" (2/ 504). (¬3) في حاشية (أ): (حرم كثيره دون قليله). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 159). (¬5) التنبيه (ص 23).

خمرًا حقيقة عند الأكثرين، كما صرح به الرافعي (¬1). فعبارة "الحاوي" أخصر، وقيد "المنهاج" من زيادته المسكر بالمائع (¬2)، احتراز من الحشيش المسكر ونحوه؛ فإنه مع تحريمه طاهر. وفي "المصباح": الحشيشة نجسة إن ثبت أنها مسكرة. وفي "التعليقة على الحاوي": أن البنج مخدر غير مسكر. وفي "فوائد الرحلة" لابن الصلاح حكايته وجه عن صاحب "التقريب": أن ما كان من النبات سمًا قاتلًا يكون نجسًا، وأنه رد عليه بنص الشافعي. وأورد بعضهم على "المنهاج": الخمر إذا انعقدت وهي مسكرة؛ فإن حكم التنجيس باق. وأجيب: بأنه حكم بنجاستها وهي مائعة، ولم يحدث ما يطهرها. وأورد عليه أيضًا: إن دُرْديَّ الخمر؛ فإنه جامد مع نجاسته. 217 - قول "المنهاج" [ص 80]: (وفرعهما) أي: فرع كل منهما، وكذا قول "الحاوي" [ص 117]: (والفرع) وأوضح منهما قول "التنبيه" [ص 23]: (وما تولد منهما أو من أحدهما). 218 - قولهما والعبارة لـ"المنهاج": (وميتة غير الآدمي والسمك والجراد) (¬3) يستثنى أيضًا: الجنين يوجد ميتًا عند ذبح أمه. والصيد يموت قبل أن تدرك ذكاته، وكذا موته بضغطة الكلب في الأصح، وتناول هذه الصور قول "الحاوي" [ص 117]: (والمأكولة)، وعند التحقيق لا يحتاج لاستثنائها؛ لأن الشرع جعل ذكاتها بذلك، فليست ميتة. 219 - قول "التنبيه" [ص 23]: (والآدمي) قد يفهم من استثناء جملته: نجاسة جزئه المنفصل، وإليه ذهب العراقيون أو جمهورهم، كما في "شرح المهذب" (¬4)، والصحيح: الطهارة. 220 - قولهم: (والقيء) (¬5) أي: من آدمي وغيره سواء تغير أم لا، كما صححه في "شرح المهذب" (¬6)، وهو ظاهر ما في "الشرح الصغير"، وفيما إذا لم يتغير .. وجه: أنه متنجس لا نجس العين. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (1/ 28). (¬2) المنهاج (ص 80). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 23)، و"المنهاج" (ص 80). (¬4) المجموع (1/ 290). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 23)، و"الحاوي" (ص 117)، و"المنهاج" (ص 80). (¬6) المجموع (2/ 509).

ويشكل على الأول ما في "الروضة" وغيرها: أن البهيمة إذا ألقت الحب صحيحًا؛ فإن كانت صلابته باقية بحيث لو زرع لنبت .. فهو طاهر العين، فيغسل ويؤكل، هالا .. فهو نجس (¬1). 221 - قول "المنهاج" [ص 80]: (وروث) أحسن من تعبير "التنبيه": بـ (الغائط) (¬2)، و"المحرر": بـ (العذرة) (¬3) فإنهما مختصان بالآدمي، والروث أعم، وذكر في "الروضة" الروث، والعذرة معًا، ومثله: سرجين البهائم، وذرق الطير (¬4). نعم؛ إنفحة المأكول المذكى قبل أكل العلف طاهرة في الأصح، وقد ذكرها "الحاوي"، لكنه أطلق طهارتها بغير شرط (¬5). وأجيب عنه: بأنه لم يحتج لذكر التذكية؛ لتقريره بنجاسة الميتة، ولا لذكر أخذها قبل أكل العلف؛ لأنها متى أكلت غير اللبن .. لا تسمى إنفحة بل كرشًا، كما ذكره الجوهري وغيره (¬6). قال شيخنا الإِمام سراج الدين البلقيني: إن الإنفحة تطلق على كرش السخلة وعلى اللبن الذي فيها, ولا خلاف في طهارة عينها بالمعنى الأول، أما بالمعنى الثاني: فهي التي تعرض لها الرافعي والنووي، وصححا فيها الطهارة بالشرطين المذكورين (¬7)، والأرجح: نجاستها؛ لأنها فضلة مستحيلة غير منتفع بها، ويمكن الاستغناء عنها بالتجبين بنفس الجلدة، وتعبير "الحاوي": بـ (الفضلة) يشمل الجميع فهو أولى (¬8). ويستثنى من كلامهم أمران: أحدهما: فضلة رسول صلى الله عليه وسلم، فهي طاهرة مطلقًا، كما جزم به ابن القاص والبغوي، وصححه القاضي حسين، ونقله العمراني عن الخراسانيين، وصححه السبكي (¬9). قال شيخنا الإِمام سراج الدين البلقيني: (إن به الفتوى وإن حكى الرافعي والنووي عن الجمهور خلافه) (¬10). ثانيهما: الدم الباقي على اللحم وعظامه، نقله في "شرح المهذب" عن أبي إسحاق الثعلبي ¬

_ (¬1) الروضة (1/ 18). (¬2) التنبيه (ص 23). (¬3) المحرر (ص 15). (¬4) الروضة (1/ 16). (¬5) الحاوي (ص 118). (¬6) انظر "الصحاح" (1/ 413). (¬7) انظر "فتح العزيز" (1/ 39)، و"المجموع" (2/ 525، 526). (¬8) الحاوي (ص 117). (¬9) انظر "البيان" (1/ 77). (¬10) انظر "فتح العزيز" (1/ 3836)، و"المجموع" (1/ 291، 293).

المفسر من أصحابنا، وقال: (قَلَّ من تعرض له، وهو مهم؛ لمشقة الاحتراز منه؛ ولأن الله تعالى لم ينه عن كل دم، وإنما نهى عن المسفوح خاصة، وهو السائل) انتهى (¬1). وقد يقال: هو معفو عنه لا طاهر. ويستثنى أيضًا: ما لو أكلت بهيمة حبًا ثم ألقته صحيحًا وصلابته باقية، بحيث لو زُرع .. نبت؛ فإن عينه طاهرة، لكنه متنجس الظاهر فقط، وهو من جملة الروث. 222 - قول "الحاوي" [ص 117]: (وماء القروح والنفاطات) أي: إن لم تتغير رائحته، كذا صححه الرافعي (¬2)، وصحح النووي: الطهارة عند عدم التغير (¬3)، وادعى بعضهم أنه مفهوم من اقتصار "التنبيه" على القيح (¬4). 223 - قول "الحاوي" [ص 117]: (لا البلغم -وهو: النازل من الدماغ- والنخامة) وهي من الصدر، وأما الخارج من المعدة .. فنجس, وقال بعضهم: هو رطوبة، وليس ببلغم ولا نخامة. 224 - قوله: (وبيضه) (¬5) أي: بيض المأكول، أما بيض غيره: ففيه الوجهان في منيّه، صحح الرافعي: النجاسة (¬6)، وهو مفهوم "الحاوي"، وصحح النووي: الطهارة (¬7). 225 - قول "التنبيه" [ص 23]: (قيل: ومني غير الآدمي، وقيل: ومني ما لا يؤكل لحمه غير الآدمي) ضعف كلًا من الوجهين، ومقتضاه: تصحيح طهارة المني مطلقًا، وكذا صححه النووي (¬8). لكن يستثنى منه: مني الكلب والخنزير وفرع أحدهما. وصحح الرافعي: نجاسة مني غير الآدمي مطلقًا، وعليه مشى "الحاوي" (¬9). 226 - قولهما: (ولبن ما لا يؤكل غير الآدمي) (¬10) وقول "الحاوي" [ص 118]: (ولبن البشر) يشمل: الذكر والأنثى صغيرة كانت أو كبيرة، وهو موافق لتعبير ابن سراقة بـ (لبن بني آدم)، وفي "شرح الكفاية" للصيمري: ألبان الآدميين والآدميات لم يختلف المذهب في طهارتها وجواز بيعها. ¬

_ (¬1) المجموع (2/ 515)، وانظر "الكشف والبيان" (4/ 201). (¬2) انظر "فتح العزيز" (2/ 28، 29). (¬3) انظر "المجموع" (2/ 515). (¬4) التنبيه (ص 23). (¬5) انظر "الحاوي" (ص 118). (¬6) انظر "فتح العزيز" (1/ 41). (¬7) انظر "المجموع" (2/ 512). (¬8) انظر "المجموع" (2/ 512). (¬9) انظر "فتح العزيز" (1/ 41)، و"الحاوي" (ص 118). (¬10) انظر "التنبيه" (ص 23)، و"المنهاج" (ص 80).

وقال ابن يونس، وصاحب "البيان" في (الرضاع): لبن التي لم تستكمل تسع سنين نجس (¬1). وقال ابن الصباغ: لبن الرجل نجس. قال شيخنا الإِمام البلقيني: والأصح: طهارته، ونجاسة لبن الثور، ويتصور ذلك: بأن يكون خنثى، أو يخلق الله له أخلافًا، والفرق بينهما: زيادة الندور في لبن الثور بعدم الأخلاف. وقال صاحب "الاستقصاء" في (البيع): لا يجوز بيع لبن الرجل وإن قلنا بطهارته؛ لامتناع شربه. وقال ابن الصباغ وغيره: إن لبن الميتة نجس, وقال الروياني: هو طاهر يجوز شربه وبيعه، نقله عنه في (البيع) من "شرح المهذب" وأقره (¬2). 227 - قول "الحاوي" و"المنهاج" -والعبارة له-: (والجزء المنفصل من الحي كميتته، إلا شعر المأكول؛ فطاهر) (¬3) فيه أمران: أحدهما: يستثنى من ذلك: ما لو قطع عضو أو جناح من مأكول؛ فإن شعره وريشه نجس تبعًا للعضو، وهي واردة أيضًا على مفهوم قول "التنبيه" [ص 23]: (وشعر ما لا يؤكل لحمه إذا انفصل في حياته)، وعليه إيراد آخر، وهو: أنه يقتضي نجاسة شعر الآدمي ولو قلنا بطهارة جثته، وصححه الماوردي وابن الرفعة (¬4). لكن الأصح: خلافه، ولعل "التنبيه" اكتفى بتصحيح طهارة ميتته عن إعادته في أجزائه، وعنه جواب آخر، وهو: أن قوله بعد هذا: (غير الآدمي) (¬5) يعود إلى هذه المسألة أيضًا؛ لأن قاعدة الشافعي: عود المتعلقات المتعقبة مُجمل لجميعها. ثانيهما: المسك طاهر، وكذا فأرته (¬6) في الأصح، وقد استثناه في "الحاوي" (¬7) فهو وارد ¬

_ (¬1) البيان (11/ 139). (¬2) انظر "بحر المذهب" (6/ 230)، و"المجموع" (2/ 525). (¬3) الحاوي (ص 118)، و"المنهاج" (ص 80). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (1/ 67، 68). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 23). (¬6) فأرة المسك: نافجته، قال عمرو بن بحر: سألت رجلًا عطارًا من المعتزلة عن فأرة المسك، فقال: ليس بالفأرة وهو بالخشف أشبه، ثم قال: فأرة المسك تكون بناحية تبت، يصيدها الصياد فيعصب سرتها بعصاب شديد وسرتها مدلاة، فيجتمع فيها دمها، ثم تذبح، فإذا سكنت .. قور السرة المعصرة، ثم دفنها في الشعير حتى يستحيل الدم الجامد مسكًا ذكيًا بعد ما كان دمًا لا يرام نتنًا، قال: ولولا أن النبي قد تطيب بالمسك .. ما تطيبت به. انظر "لسان العرب" (5/ 42, 43). (¬7) الحاوي (ص 118).

على "المنهاج"، لكن شرط طهارتها: انفصالها حال حياة الظبية، وإنما ذكر "الحاوي" المسك مع الأجزاء مع أنه من الفضلات؛ ليفرق بينه وبين فأرته. 228 - قول "التنبيه" [ص 23]: (والعلقة في أحد الوجهين) الأصح: الطهارة، كما صرح به "المنهاج" (¬1)، قال شيخنا جمال الدين في "شرح المنهاج": (شرط طهارة العلقة والمضغة على قاعدة الرافعي: أن يكونا من الآدمي؛ فإن مني غيره نجس عنده (¬2)، والعلقة والمضغة أولى بالنجاسة من المني؛ ولهذا تردد في "المنهاج" في نجاستهما مع جزمه فيه بطهارة المني، وأما على تصحيح النووي طهارة المني المذكور .. ففيه نظر) (¬3). قال شيخنا شهاب الدين بن النقيب: (ولك أن تمنع كونهما أولى بالنجاسة من المني؛ فإنهما صارا أقرب إلى الحيوانية منه، وهو أقرب إلى الدموية منهما، قال: وأما جزمه بطهارة المني .. فهو في مني الآدمي، والشارح لم يفرض الكلام فيه، بل فرضه في غير الآدمي، والخلاف فيه، قال: وظاهر إطلاق الجمهور وتعليلهم يقتضي التعميم، إلا أنهم قاسوا الطهارة على المني، ولا يتمشى في غير الآدمية؛ فإن فيه خلافًا قويًا، صحح الرافعي: نجاسته، فكيف يقاس عليه؟ ) انتهى (¬4). ومفهوم "الحاوي": نجاسة مضغة غير الآدمي وعلقته؛ فإنه قال -عطفًا على الطاهرات-: (وأصله) (¬5) .. فاقتضى أن أصل غيره نجس, وذلك شامل للمني والعلقة والمضغة. وعبر "المنهاج" في المضغة بـ (الأصح) كما فعل في العلقة (¬6)، لكنه عبر في "الروضة" بـ (الصحيح) (¬7) وصحح في "شرح المهذب": القطع به (¬8)، فعلى هذا كان ينبغي التعبير بالمذهب، ويوافقه حكايته "التنبيه" الخلاف في العلقة، وسكوته عن المضغة (¬9). وقد تُرَجَّح طريقة الوجهين في المضغة: بأنها إما كميتة الآدمي، وفيها قولان. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 80). (¬2) أي: الرافعي. انظر "فتح العزيز" (1/ 41). (¬3) انظر "المجموع" (2/ 512). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 166)، و"فتح العزيز" (1/ 41). (¬5) انظر "الحاوي" (ص 118). (¬6) المنهاج (ص 80). (¬7) الروضة (1/ 18). (¬8) المجموع (2/ 516). (¬9) التنبيه (ص 23).

أو كجزئه المنفصل، وفيه طريقان: طرد الخلاف، أو القطع بالنجاسة، فكيف يقطع فيها بالطهارة؟ . 229 - قول "التنبيه" [ص 23]: (ورطوبة فرج المرأة في ظاهر المذهب) فيه أمور: أحدها: الأصح: الطهارة، كما في "المنهاج" (¬1)، وكان ينبغي له التعبير بـ (الأظهر) على اصطلاحه؛ لأن الخلاف في الرطوبة قولان منصوصان. ثانيها: لا يتقيد الحكم بفرج المرأة؛ فغيرها من الحيوان الطاهر مثلها في الخلاف وتصحيح الطهارة؟ ولهذا أطلق "المنهاج" ذكر الفرج (¬2)، لكنه قيده بفرج المرأة في "الروضة" (¬3) كما في "التنبيه" و "المحرر" (¬4). ثالثها: رطوبة الفرج: ماء أبيض متردد بين المذي والعرق، قاله في "شرح المهذب"، قال: (وأما الرطوبة الخارجة من باطن فرج المرأة: فإنها نجسة) (¬5) , وكذا قاله الرافعي في "الشرح الصغير". وقال الإمام: لا شك في نجاستها (¬6). وإنما قلنا بطهارة ذكر المجامع ونحوه على ذلك القول؛ لأنا لا نقطع بخروجها. قال في "الكفاية": (وفي ذلك ما يوضح الفرق بين رطوبة فرج المرأة ورطوبة باطن الذكر؛ لأنها لزجة لا تنفصل بنفسها ولا تمازج؛ كسائر رطوبات البدن، فلا حكم لها). 230 - قول "التنبيه" [ص 23]: (ولا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلا شيئان) كقول "المنهاج" [ص 80]: (ولا يطهر نجس العين إلا خمر ... إلى آخره)، وأهملا ثالثًا وهو: ما صار حيوانًا بعد كونه جمادًا نجسًا؛ كالمضغة المحكوم بنجاستها؛ إذ صارت حيوانًا. وقد ذكره "الحاوي" (¬7)، وأورده في "الكفاية" مع دم الظبية إذا استحال مسكًا، وأجاب عنه: بأنه باطن لا حكم له، ويخدش الجواب: منع البيع والحمل في الصلاة، فالأولى: الجواب: بأن المراد بالاستحالة: تغير صفة الشيء مع بقائه بحاله، ولا يوجد في غير المذكورين وما عداهما تطور من حال إلى حال. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 80). (¬2) المنهاج (ص 80). (¬3) الروضة (1/ 18). (¬4) التنبيه (ص 23)، المحرر (ص 15). (¬5) المجموع (2/ 526). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (1/ 149). (¬7) الحاوي (ص 118).

وأجاب بعضهم عن إهمال "الحاوي" المسك: بأنه قد قرر طهارته أولًا. وأجاب بعضهم عن العلقة والمضغة: بأن القول بنجاستها ضعيف. 231 - قولهم: (الخمر) (¬1) يخرج: النبيذ المتخذ من التمر والزبيب؛ فإنه لا يسمى خمرًا كما تقدم، وقد صرح القاضي أبو الطيب في (كتاب الرهن): بأنه لا يطهر بالتخلل، وأقره عليه في "المطلب"، لكن قال السبكي: المختار: خلافه. 232 - قولهم: (إن الخمر إذا انقلبت بنفسها خلًا .. طهرت) (¬2) يستثنى منه: ما إذا لاقاها حال الخمرية نجس مجاور وانفصل وهي خمر ثم صارت خلًا بنفسها .. فإنها لا تطهر، كما ذكره النووي في "فتاويه" (¬3). 233 - قول "التنبيه" [ص 23]: (وإن خللت .. لم تطهر) يستثنى: ما إذا خللت بنقلها من شمس إلى ظل، أو عكسه، أو فتح رأسها للهواء .. فالأصح: أنها تطهر، وقد ذكره "المنهاج" (¬4)، وهو مفهوم من قول "الحاوي" [ص 118]: (تخللت بلا عين). 234 - قول "المنهاج" [ص 80]: (فإن خللت بطرح شيء .. فلا) يرد عليه: ما لو وقع فيها شيء بغير طرح؛ كإلقاء الريح ونحوها .. فالأصح: أنها لا تطهر، فلو قال: (بوقوع شيء) .. لتناول هذه؛ لأن الطرح يستدعي فعلًا. 235 - قول "التنبيه" في جلد الميتة [ص 23]: (إذا دُبغ .. فإنه يطهر) أي: عينه، وهو كثوب متنجس, ذكره "المنهاج" و "الحاوي" (¬5). 236 - قوله: (ويحل بيعه في أحد القولين) (¬6) هو الأصح. 237 - قوله: (وإذا ولغ الكلب) (¬7) لا يختص الحكم بالولوغ، بل سائر أجزائه كذلك، وقد قيل: إنه أولى بالحكم؛ لأن فيه أطيب ما فيه، ولنا وجه: أنه يختص بالولوغ، فيكفي في غيره مرة كسائر النجاسات، قال في "الروضة": إنه شاذ (¬8)، وفي "شرح المهذب": إنه قوي دليلًا (¬9). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 23)، و "الحاوي" (ص 118)، و "المنهاج" (ص 80). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 23)، و "الحاوي" (ص 118)، و "المنهاج" (ص 80). (¬3) فتاوى النووي (ص 44). (¬4) المنهاج (ص 80). (¬5) الحاوي (ص 118)، المنهاج (ص 80). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 23). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 23). (¬8) الروضة (1/ 32) (¬9) المجموع (2/ 538).

ثم قد يلغ، ولا يثبت هذا الحكم، لكونه ولغ في ماء كثير ولم يصب شيء منه شيئا من الإناء؛ ولهذا عبر "المنهاج" بقوله [ص 81]: (وما نجس بملاقاة شيء من كلب) ليحترز عن هذه الصورة، وعن الملاقاة مع الجفاف من الطرفين، ومع ذلك فأورد على تعبيره بالملاقاة: ما إذا وقع شيء من روثه أو دمه في ماء كثير وتغير به .. فإنه ينجس, لا بالملاقاة بل بالتغير. وأجيب عنه: بأن الكلام في الإناء وقد تنجس بملاقاة المتغير بدم الكلب. ولا يرد شيء من ذلك على عبارة "الحاوي" لأنه أطلق النجاسة بالكلب والخنزير ولم يقيدها بولوغ ولا ملاقاة (¬1)، والمراد في كلامهم: جنس الكلب، فلو ولغ كلاب .. فالحكم كذلك في الأصح. 238 - قولهم: (والخنزير) (¬2) زاد "المنهاج" [ص 81]: (في الأظهر) ورجح النووي من حيث الدليل: الاكتفاء فيه بمرة واحدة، بل قال: (إن القوي من جهة الدليل طهارته) (¬3). 239 - قول "الحاوي" [ص 119]: (وفرعه) أي: فرع أحدهما، وأوضح منه قول "التنبيه" [ص 23]: (وما تولد منهما أو من أحدهما) ولم يتعرض لذلك في "المنهاج" اكتفاء بما تقدم في نجاسة الكلب والخنزير ومنيهما. 245 - قول "التنبيه" [ص 23]: (في إناء) مثال، فغيره كذلك. 241 - قولهم -والعبارة لـ "التنبيه" -: (لم يطهر حتى يغسل سبع مرات) (¬4) فيه أمران: أحدهما: مقتضاه الاكتفاء بالسبع في نجاسة الكلب العينية، وهو الأصح في "الشرح الصغير"، لكن الأصح في "الروضة" وغيرها: أن الغسلات المزيلة للعين تعد مرة واحدة (¬5). ثانيهما: يقوم مقام غسله سبعًا وضعه في ماء جار وجريانه عليه سبعاً، كما جزم به في "الشرح الصغير "، وتحريكه في الماء الراكد سبعاً، كما ذكره البغوي وغيره (¬6). 242 - قول "المنهاج" [ص 81]: (إحداها: بتراب) وفي "المحرر" و "التنبيه": (إحداهن) (¬7) وهو أولى؛ لموافقته للحديث، وهو أفصح، كما في قولهم: الأجذاع انكسرن، وأطلق "التنبيه" ذكر التراب، واعتبر "الحاوي" كونه طاهرًا (¬8)، وقال في "المنهاج" بعد ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 119). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 23)، و "الحاوي" (ص 119)، و "المنهاج" (ص 81). (¬3) انظر "المجموع" (2/ 538). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 23)، و "الحاوي" (ص 119)، و "المنهاج" (ص 81). (¬5) الروضة (1/ 32، 33). (¬6) انظر "التهذيب" (1/ 193). (¬7) التنبيه (ص 23)، المحرر (ص 16). (¬8) الحاوي (ص 119).

ذلك [ص 81]: (ولا يكفي تراب نجس في الأصح). ومقتضى كلامهما: أنه يكفي المستعمل، وفي "شرح المهذب" في تعليل عدم إجزاء النجس؛ لأنه غير طهور. انتهى (¬1). وهو يقتضي عدم إجزاء المستعمل، ولم يتعرضوا للتصريح بذلك. وقال السبكي في "شرح مختصر التبريزي": ينبغي أن يجوز. ولم أر من صرح به، ويرد على إطلاق "التنبيه" و "المنهاج": ما إذا تنجست الأرض الترابية .. فلا يجب فيها التتريب، وأشار لذلك "الحاوي" بقوله [ص 119]: (لا الأرض) لكنه يوهم نفي الغسل مطلقًا، وإنما أراد: نفي التتريب، وبعضهم يقول: يكتفى بترابها، وهو على هذا مستثنى من اشتراط طهارة التراب لا من اشتراط أصل التراب، والله أعلم. وصريح كلامهم: أنه لا يتعين للتراب غسلة، وهو المشهور، لكن الأُولى أَوْلى، وظاهر عبارة الشافعي في "البويطي": تعين الأولى أو الأخرى (¬2)، وعليه جرى المرعشي في كتابه "ترتيب الأقسام"، وذكره السبكي بحثًا. 243 - قول "التنبيه" [ص 23]: (فإن غسل بدل التراب بالجص والأشنان .. ففيه قولان، أصحهما: أنه يطهر) الأظهر: أنه لا يطهر، وقد ذكره "المنهاج" (¬3). 244 - قول "التنبيه" [ص 23]: (وإن غسل بالماء وحده .. ففيه وجهان) أي: زاد ثامنة بدل التراب؛ فإنه محل الخلاف، والأصح: أنه لا يطهر، وليس المراد: أنه غسل سبعًا بغير تتريب؛ فإن ذلك لا يكفي بلا خلاف، وعبارة "النبيه" (¬4) مختصر الكتاب: (ولو أبدل التراب بغسلة) وهي أوضح، لكن فيها نظر؛ لأن الباء تدخل على المتروك، فمقتضاها: أنه ترك الغسل وأتى بالتراب، وهو خلاف المراد. 245 - قول "التنبيه" -والعبارة له - و "الحاوي": (ويجري في بول الغلام الذي لم يطعم) (¬5) زاد "المنهاج" [ص 81]: (غير لبن) وهي موافقة لعبارة الرافعي وغيره (¬6). قال ابن يونس وابن الرفعة: (لم يطعم ما يستقل به؛ كالخبز ونحوه). وفي العبارة الأولى إفراط؛ لأن الصغير لابد له عادة من تلعيق العسل ونحوه، وفي الثانية ¬

_ (¬1) المجموع (2/ 538). (¬2) مختصر البويطي (ق 9). (¬3) المنهاج (ص 81). (¬4) في النسخ: (التنبيه)، ولعل الصواب ما أثبت والمراد "النبيه مختصر التنبيه" لابن يونس، والله أعلم. (¬5) التنبيه (ص 23)، الحاوي (ص 119). (¬6) انظر "فتح العزيز" (1/ 64).

تفريط؛ لأنه قد لا يستقل بالخبز ونحوه، ومع ذلك فيشتمل جوفه على ما يستحيل استحالة مكروهة. والتوسط في ذلك قول النووي في "شرح المهذب": (لم يأكل غير اللبن من الطعام؛ للتغذي) (¬1) ونحوه: قوله في "شرح مسلم": (فإن أكل الطعام على جهة التغذي .. غُسِل قطعًا) (¬2). وهي عبارة التبريزي في "مختصره" حيث قال: (الذي لم يتغذ بالطعام) واختارها السبكي، ونقل الشيخ زين الدين البلِفْيَائِيُّ عن "شرح الوسيط" لوالده: أن الشافعي نص على أن الرضاع بعد الحولين بمنزلة الطعام (¬3). وعبر "التنبيه" و "المنهاج" بالنضح (¬4)، أي: بالحاء المهملة، وقيل بالمعجمة أيضًا، وعبر "الحاوي" بالرش (¬5)، والمراد بهما: استيعاب المحل بالماء، ويشترط: المغالبة والمكاثرة في الأصح، لا جريان الماء وتقاطره؛ فإنه لا يشترط قطعًا وهو الغسل، كذا ذكر الرافعي والنووي (¬6). ونقل ابن الصلاح عن الجويني والقاضي حسين والبغوي: أن النضح إنما يفارق الغسل من جهة أنه لا يشترط فيه العصر قطعًا، وفي الغسل وجهان، وكيف كان فلا يكفي الرش المبقع (¬7)، إلا أن شيخنا الإِمام سراج الدين البلقيني اختار الاكتفاء به، وقال: إن كلام الشافعي يدل عليه. 246 - قول "التنبيه" [ص 23]: (ويجزئ في غسل سائر النجاسات) أي: باقيها، وعبارة "الحاوي" نحوها (¬8). محل ما ذكراه: إذا كان المتنجس جامدًا، فأما المائع: فلا يمكن تطهيره، إلا الدهن على وجه ضعيف، وهو مفهوم من تفرقة "التنبيه" في (البيع) بين الزيت النجس؛ حيث عده مع الكلب، وبين الثوب النجس؛ حيث جوز بيعه (¬9)، وصرح بالمسألة في "المنهاج" (¬10). 247 - قول "المنهاج" [ص 81]: (إن لم تكن عين .. كفى جري الماء) أراد: النجاسة ¬

_ (¬1) المجموع (2/ 540). (¬2) شرح مسلم (3/ 195). (¬3) انظر "طبقات الشافعية الكبرى" (9/ 153). (¬4) التنبيه (ص 23)، المنهاج (ص 81). (¬5) الحاوي (ص 119). (¬6) انظر "فتح العزيز" (1/ 66)، و"المجموع" (2/ 541). (¬7) انظر "مشكل الوسيط" (1/ 203)، و "التهذيب" (1/ 205). (¬8) الحاوي (ص 119). (¬9) التنبيه (ص 88). (¬10) المنهاج (ص 81).

فائدة [ضابط اللون المعفو عنه في النجاسة]

الحكمية، وهي: ما يتيقن وجودها ولا يدرك لها طعم ولا لون ولا ريح، ولو قال: (إن لم تكن عينية) .. لكان أقرب إلى مراده؛ فإنه لا يلزم من نفي العين نفي الأثر، وهو معنى قول "الحاوي" [ص 119]: (كجامد نجس بالغسل) أي: طهره بالغسل. ودل على إرادته الحكمية قوله بعد ذلك: (مع زوال العينية وصفاتها) (¬1) ولم يتعرض للنجاسة الحكمية في "التنبيه"، فهي واردة عليه، وقد يخرج بقوله: (إلى أن يذهب أثره) (¬2) فإن الحكمية لا أثر لها. وقول "المنهاج" [ص 81]: (جري الماء) أحسن من قول "المحرر": (إجراء الماء) (¬3) لأن جريه بنفسه بمطر أو بسيل مطهر. ويستثنى من اعتبار الماء: طهارة الدن إذا تخللت الخمر؛ فإنه يطهر للضرورة من غير غسل، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 119]: (بالدن وإن غلت). 248 - قول "المنهاج" [ص 81]: (وفي الريح قول) يفهم الجزم بالطهارة في اللون العسر، وفيه وجه. قال الرافعي: إنه القياس، وإنما صدَّ عنه الخبر (¬4)، وجعله في "الروضة" شاذًا (¬5) , وهو مستفاد من عبارة "المحرر" حيث قال: (ولا بأس ببقاء اللون أو الرائحة إذا عسرت الإزالة على الأصح) (¬6). بل جعل القاضي حسين اللون أولى بجريان الخلاف، فقال: إن ضر الريح .. فاللون أولى، وإلا .. احتمل في اللون وجهين؛ لأنه جزء لطيف من العين لا ينفك عنها، والخمر قد تذهب وتبقى ريحها، وظاهر كلامهم: أن اللون أولى بالعفو. فائدة [ضابط اللون المعفو عنه في النجاسة] ضبط الإِمام اللون المعفو عنه، فقال: (ما دامت الغسالة متغيرة .. فهو نجس, فإذا صفت مع الإمعان .. عفي عن الأثر الباقي، ثم استشكله بالصبغ النجس؛ فإن غسالته متغيرة أبدًا، قال: ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 119). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 23). (¬3) المحرر (ص 16). (¬4) انظر "فتح العزيز" (1/ 59). (¬5) الروضة (1/ 28). (¬6) المحرر (ص 16).

فيظهر عندي اجتنابه، وما ذكروه من العفو أراه إذا لم يقدّر له وزن ويعلم أنه لون بلا عين) انتهى (¬1). 249 - قول "الحاوي" [ص 119]: (لا اللون العَسِر أو الرائحة) أي: العسرة، فلو أخر الوصف عنهما؛ يقول "المنهاج" [ص 81]: (ولا يضر بقاء لون أو ريح عَسُر زواله) .. لكان أحسن. 250 - قول "التنبيه" [ص 23]: (وما لا يزول أثره بالغسل؛ كالدم وغيره، إذا غُسل وبقي أثره .. لم يضره) محمول على التفصيل الذي في "المنهاج" و "الحاوي" وهو: أنه يضر بقاء الطعم وحده، واللون مع الرائحة، ولا يضر بقاء أحدهما (¬2). وقال في "الكفاية": (ظاهر تمثيله بالدم ونحوه يفهم أن مراده: اللون، ولم أر للعراقيين كلامًا في بقاء الأثر إلا في الأرض، فقالوا: يضر اللون قطعًا؛ لأنه عرض لا يبقى بنفسه، وفي الرائحة قولان؛ لتعديها محلها، فكانت أخف، والماوردي قال في الأرض كالعراقيين، وفي الثوب: لا يعفى عن الرائحة قطعًا، والإناء قيل: كالأرض، وقيل: يطهر قطعًا، قال: وحاصل ما نقلته: المنع في اللون في الكل، وأن قضية كلام الشيخ خلاف المنقول) انتهى (¬3). وقول "التنبيه" [ص 23]: (إذا غسل) قد يفهم: أنه لو افتقر زوال الأثر لأشنان ونحوه .. لا يجب، وفي "التحقيق" للنووي -تبعًا للقاضي والمتولي-: وجوبه (¬4). 251 - قولهما: (لم يضر) (¬5) قد يفهم: أن المحل لم يطهر ولكنه معفو عنه، وبالعفو عبر الغزالي، وهو احتمال للرافعي (¬6) تعرض لمثله في "التتمة" في الرائحة، وأطلق الأكثرون القول بالطهارة، وصرح بها القاضي حسين، فقال: لو كان نجسًا معفوًا عنه .. لتنجس إذا أصابه بلل، وليس كذلك. 252 - قول "التنبيه" [ص 23]: (المكاثرة بالماء) يعتبر عند قلة الماء كونه واردًا على المتنجس في الأصح، وقد يفهم هذا من قوله في (الوضوء): (فإن كان قد قام من النوم ... ) المسألة (¬7) فإنه فرق بين الوارد والمورود، وقد ذكر المسألة في "المنهاج"، فقال [ص 81]: (ويشترط: ورود الماء) وهو أحسن من قول "المحرر": (ينبغي) (¬8) لكنهما لم يبينا أن محل ذلك: في الماء ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (2/ 302، 303). (¬2) الحاوي (ص 119)، المنهاج (ص 81). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (1/ 313). (¬4) التحقيق (ص 154). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 23)، و "المنهاج" (ص 81). (¬6) انظر "الوجيز" (1/ 116)، و "فتح العزيز" (1/ 59). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 15). (¬8) المحرر (ص 16).

القليل، وقد ذكره "الحاوي" وبين محله، فقال [ص 119]: (لا بإيراده القليل) والضمير عائد على النجس مع أن في عبارته نظرًا؛ لأنها تحتمل عوده على المورود، فيصير المعنى: لا بإيراده الماء القليل على النجاسة، وهو خلاف المراد؛ فقول ابن الوردي ناظم "الحاوي": (وما قَلَّ وَرَدْ) (¬1) أحسن. 253 - قول "التنبيه" [ص 23]: (والأفضل: أن يغسل ثلاثًا) و "الحاوي" [ص 119]: (ونُدِبَ التثليث) أحسن منهما قول ابن الوردي: (وَغَسْلَتَيْنِ أنْدُبْ إذا الطُّهْرُ يَتِمْ) (¬2) فإن الغسلات المزيلة للعين تُعدُّ واحدة. 254 - قول "المنهاج" [ص 81]: (لا العصر في الأصح) بناهما في "المحرر" وغيره على الخلاف في طهارة الغسالة (¬3)، واستشكله ابن الصلاح: بأنها قبل الانفصال طاهرة قطعًا، كما صرحوا به، وإن نقل الإِمام خلافه (¬4)، وقال الإِمام ما معناه: (أنه لا يجب بعد العصر الجفاف، وفيه اختلاف له، قال: ولم يصر إليه أحد) (¬5). فإن أوجبنا العصر فلم يعصره .. كفى الجفاف في الأصح. وقول "المنهاج": (في الأصح) يعود للعصر فقط، وإن كان الخلاف في الورود أيضًا إلا أنه ضعيف لا يعبر عنه بالأصح، وأيضًا: لم يحكه في "المحرر". 255 - قول "الحاوي" [ص 119]: (ولو غسل بعضًا ثم آخر بِمُجَاوِرِهِ) أي: فإن لم يغسل مجاوره .. طهر الثوب إلا المكان المنتصف، هذا هو المشهور. وفي "شرح المهذب" للنووي: حمل هذا على ما إذا غسله بالصب عليه، فإن غسل بعضه في جفنة .. لم يطهر إلا بغسل جميعه دفعة واحدة؛ لأن الرطوبة تسري (¬6)، ثم قد يفهم من ذكر "الحاوي" لهذه المسألة بين النجاسة المغلظة والمخففة: اختصاصها بالنجاسة المغلظة، وليس كذلك؛ فسائر النجاسات فيها سواء، فلو ذكرها بعد استيفاء أقسام النجاسة .. لكان أحسن. 256 - قول "التنبيه" [ص 23]: (وما غسل به النجاسة ولم يتغير .. فهو طاهر، وقيل: هو نجس, وقيل: إن انفصل وقد طهر المحل .. فهو طاهر، وإن انفصل ولم يطهر المحل .. فهو نجس) فيه أمور: ¬

_ (¬1) انظر "البهجة الوردية" (ص 4). (¬2) انظر "البهجة الوردية" (ص 4). (¬3) المحرر (ص 16). (¬4) انظر "مشكل الوسيط" (1/ 192، 193). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (2/ 320). (¬6) انظر "المجموع" (2/ 546، 547).

أحدها: محل الخلاف: فيما بعد الانفصال، فأما قبل الانفصال .. فهي طاهرة قطعًا، كما قدمناه عن ابن الصلاح (¬1)، وقد قيده بذلك "المنهاج" و "الحرر" و "شرح المهذب" (¬2)، ولم يذكره "الحاوي"، تبعًا لـ "الشرحين"، ولا "الروضة"، وقد يفهم من قول "التنبيه": (وقيل: إن انفصل ... إلى آخره). ثانيها: المراد بغسالة النجاسة: ما استعمل في واجب الإزالة، فالأصح: طهورية المستعمل في مندوبها؛ كالتثليث، وهذا ينبه عليه في عبارة "المنهاج" و "الحاوي" أيضًا؛ لأنهما أطلقا غسالة النجاسة (¬3)، أما ما غسل به نجاسة يندب غسلها ولا يجب؛ كقليل الدم .. فقال شيخنا شهاب الدين بن النقيب: (يظهر أنه كغسالة الواجب؛ لأنه أزال النجاسة، بخلاف ما جدد به وضوء؛ فإنه لم يرفع حدثًا) (¬4). ثالثها: اقتصر "التنبيه" و "المنهاج" على شرط واحد لمحل الخلاف، وهو: عدم التغير، وبقي عليهما شرط ثانٍ (¬5) ذكره "الحاوي"، وهو: ألا يزيد وزنه، ولا بد من اعتبار ما تَشَرَّبه الثوب من الماء، نبه عليه شيخنا جمال الدين في "المهمات"، وهو واضح، وأشار ابن الرفعة في "المطلب" إلى ترجيح طهارة الغسالة ولو زاد وزنها، ورجحه السبكي، وشرط ثالث لم يذكروه، وهو: ألا يبلغ قلتين، فإن بلغهما بلا تغير .. فطهور مطلقًا. رابعها: قول "التنبيه": (فهو طاهر) يفهم أنه ليس بطهور، وليس كذلك، فهو طهور أيضًا على هذا القول. نعم؛ اختار السبكي في الغسالة أنها طاهرة ليست طهورًا، وهو اختيار لنفسه ليس في القديم ولا في الجديد، كما صرح هو به. خامسها: الأظهر: القول الثالث، وهو: التفصيل بين أن ينفصل قبل طهارة المحل أو بعده، كما صرح به "المنهاج" حيث قال [ص 81]: (والأظهر: طهارة غسالة تنفصل بلا تغير وقد طهر المحل) وأحسن منه قول "الحاوي" [ص 119]: (وغسالة كل مرة إن لم تتغير ولم تزد وزنًا؛ كمغسولها) لأنه يفهم منه مسألة، وهي: ما لو أصاب شيء من أولى غسلات الكلب ثوبًا .. فلا يغسل على القديم، ويغسل ستًا على الأظهر، وسبعًا على الآخر، ولايفهم ذلك من عبارة "المنهاج". * * * ¬

_ (¬1) انظر "مشكل الوسيط" (1/ 192، 193). (¬2) المحرر (ص 16)، المنهاج (ص 81)، المجموع (2/ 551). (¬3) الحاوي (ص 119)، المنهاج (ص 81). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 178). (¬5) في النسخ: (ثاني)، ولعل الصواب ما أثبت.

باب التيمم

بابُ التّيَمُّم 257 - قول "المنهاج" [ص 82]: (يتيمم محدث وجنب) كذا حائض ونفساء وذات ولد جاف إذا ألزمناها الغسل؛ فلذلك عبر "التنبيه" و "الحاوي" بـ (الأحداث) (¬1) فشمل الجميع، فلو حذف "المنهاج" (الجنب) .. لشمل المحدث الجميع. وقد يقال: ذكره الجنب بعد المحدث من عطف الأخص على الأعم، ومع ذلك فيرد عليهم: التيمم عوضًا عن الأغسال المسنونة؛ فإن تقيدهم بالحدث يخرجه. 258 - قول "المنهاج" [ص 82]: (لأسباب) لو قال: (لواحد من أسباب) .. لكان أحسن، وكذا قول "الحاوي" [ص 134]: (بفقد ماء)، ثم قال [ص 136]: (وببرد، ومرض) لو أتى بـ (أو) بدل الواو .. لكان أحسن، وعبارة "التنبيه" حسنة؛ حيث قال [ص 20]: (إذا عجز عن استعمال الماء) فإن المبيح للتيمم شيء واحد، وهو: العجز عن استعمال الماء، وللعجز أسباب. 259 - قولهم والعبارة لـ "المنهاج": (فَقْدُ ماء) (¬2) في معنى فقده: بُعْدُه، وخوف طريقه، والاحتياج إليه أو إلى ثمنه، أو زيادة ثمنه، كما سيأتي ذلك. 260 - قول "التنبيه" [ص 21]: (لزمه طلبه) أي: بنفسه أو مأذونه، ويشترط: وقوع الطلب في الوقت، كما صرح بهما "الحاوي" (¬3)، ولم يتعرض لهما "المنهاج"، ومحل ذلك: إذا لم يتيقن فقده، فإن تيقن فقده .. لم يلزمه طلبه، كما صرح به "المنهاج" (¬4)، لكن قوله: (فإن تيقن المسافر فقده) (¬5) مثال لا قيد؛ فالمقيم قد تيقن فقده أيضًا، فكأنه جرى على الغالب، وهو مفهوم من قول "الحاوي" [ص 134، 135]: (في حد الغوث إن توهمه، وحد القرب إن تيقنه) فدل على أن لا طلب عند عدم توهمه. 261 - قول "التنبيه" [ص 21]: (فيما قرب منه) محله: إذا توهم الماء، بدليل قوله بعد [ص 21]: (وإن دُلَّ على ماء) وهو الذي أشار إليه "الحاوي" بقوله [ص 134]: (في حد الغوث إن توهمه). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 20)، الحاوي (ص 134). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 20)، و "الحاوي" (ص 134)، و "المنهاج" (ص 82). (¬3) الحاوي (ص 134). (¬4) المنهاج (ص 82). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 82).

وضبطه الإِمام: بتردده إلى حد لو استغاث بالرفقة .. لأغاثوه، مع ما هم عليه من التشاغل (¬1). قال الرافعي: (ولا يُلفى هذا الضبط لغيره، وتابعه عليه من بعده، وليس في الطرق ما يخالفه) (¬2)، وجزم به في "الروضة" (¬3). قال في "الكفاية": (بل عبارة الماوردي توافقه) (¬4). وقال النووي في "شرح المهذب": (بل خالفوه؛ فإنهم قالوا: إن كان بمستوٍ .. نظر حواليه ولا يلزمه المشي أصلًا، وإن كان بقربه جبل .. صعده ونظر حواليه إن أمن) (¬5)، ويوافقه قول "المنهاج" [ص 82]: (وإن توهمه .. طلبه من رحله ورفقته، ونظر حواليه إن كان بمستوٍ، فإن احتاج إن تردُّدٍ .. تردَّدَ قدر نظره) وعبارة "التحقيق" نحوها (¬6). وقال بعضهم: إن عبارة "التنبيه" إليها أوفق (¬7). واختار السبكي مقالة الإِمام، وحمل إطلاقهم على المستوي، قال: فقول المصنف: (قدر نظره) إن أراد: سواء لحقه غوث أم لا .. خالف كل الأصحاب، وإن أراد: ضبط حد الغوث الذي قاله الإِمام .. فهو كذلك غالبًا، فليصعد من الجبل أو ينزل من الوهدة بقدر نظره، فلو فرض قصور نظره عن حد الغوث، أو زيادته عليه في المستوي وغيره .. فالمعتبر: حد الغوث وإن لم يصرحوا به. انتهى (¬8). وظاهر عبارة "المنهاج" عود الضمير في قوله: (وإن توهمه) على الفقد؛ لأنه أقرب مذكور، وليس كذلك، بل هو عائد على الماء؛ كما دلت عليه عبارة "المحرر" وغيره (¬9)، ولم يشترط "التنبيه" و "المنهاج" في هذه الحالة: عدم الخوف، لكنه مفهوم من اشتراطه حالة تيقن الماء؛ فإن الخوف إذا أباح ترك الطلب عند تيقن الماء .. فعند توهمه أولى، كذا قال الرافعي (¬10). قال بعضهم: وقد يعكس ذلك؛ فإن التردد في التيقن أبعد مسافة، فيشترط فيه: الأمن, ولا يشترط هنا؛ لسرعة لحوق الغوث؛ فلذلك لم يذكره في "الروضة" عند التيقن، وذكر ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (1/ 186). (¬2) انظر "فتح العزيز" (1/ 197). (¬3) الروضة (1/ 92). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (1/ 263). (¬5) المجموع (2/ 279). (¬6) التحقيق (ص 100). (¬7) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 13). (¬8) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 183)، و "نهاية المطلب" (1/ 186). (¬9) المحرر (ص 17). (¬10) انظر "فتح العزيز" (1/ 197).

هاهنا؛ ليفهم منه ذاك من طريق الأولى (¬1). ويمكن عود الاشتراط الذي في "التنبيه" و "المنهاج" إلى الحالين، وهو بعيد، وصرح "الحاوي" باشتراطه في الحالين. 262 - قول "المنهاج" [ص 82]: (طلبه من رحله) أي: إن لم يتحقق العلم فيه. 263 - قوله: (ورفقته) (¬2) أي: يستوعبهم إلا أن يخشى فوت الوقت، بألاَّ يبقى منه ما يسع الصلاة في الأصح، ويكفي أن ينادي فيهم بطلب الماء من غير أن يخص كل واحد بالسؤال. 264 - قوله: (ونظر حواليه إن كان بمستوٍ، فإن احتاج إلى تردُّدٍ .. تردَّدَ) (¬3) كأنه أراد بحالة الاحتياج إلى التردد: ما إذا لم يستو مكانه، فلو قال: (وإلا) .. كان أخصر وأحسن. 265 - قوله: (قدر نظره) (¬4) عبارة "المحرر": (قدر ما كان ينظر إليه) (¬5) فيحتمل أن يريد: بحسب ما كان ينظر إليه لو كان مستويًا. وعبارة السبكي المتقدمة تقتضي تعلق قوله: (قدر نظره) بحالتي الاستواء وعدمه. 266 - قول "المنهاج" [ص 82]: (فلو مكث موضعه .. فالأصح: وجوب الطلب لما يطرأ) فيه أمور: أحدها: أن هذا الشرط -وهو: مكثه في موضعه- من زيادته على "المحرر"، واحترز بذلك: عما إذا انتقل إلى موضع آخر .. فإنه يجب الطلب قطعًا. ثانيها: بقي عليه شرط ثان، وهو: ألا يحدث ما يوهم حصول الماء ولو على بُعد؛ كإطباق غمامة، وطلوع ركب، فإن حدث .. وجب الطلب قطعًا. ثالثها: محل ما ذكره: ما إذا لم يتيقن بالطلب الأول عدم الماء، فإن تيقنه ووجد الشرطان المتقدمان .. لم يجب الطلب على الأصح، فيظهر بذلك: أنه يجزم بوجوب الطلب في صورتين هما: إذا انتقل عن موضعه، أو حدثت مخيلة ماء، سواء أفاد الطلب الأول بتيقن العلم أم لا. ويجري الخلاف في صورتين، والتصحيح فيهما مختلف، وهما: إذا مكث موضعه ولم تحدث مخيلة ماء، فإن تيقن العلم بالطلب الأول .. فالأصح: أنه لا يجب الطلب، وإن لم يتيقنه .. فالأصح: وجوبه. فقول "الحاوي" [ص 135]: (وجدد للتيمم الثاني) يستثنى منه: ما إذا تيقن العلم بالطلب ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 182). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 82). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 82). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 82). (¬5) المحرر (ص 17).

الأول، ولم ينتقل عن موضعه، ولا حدثت مخيلة ماء .. فلا يجب حينئذ تجديد الطلب، وحيث أوجبنا تجديد الطلب .. قالوا: يكون الطلب الثاني أخف من الأول، واستشكله بعض شيوخنا: بأنه يؤدي إلى تركه إذا تكرر مرارًا (¬1). 267 - قول "التنبيه" [ص 21]: (وإن دل على ماء بقربه .. لزمه طلبه) هو ما أشار إليه "الحاوي" بقوله [ص 135]: (وحد القرب إن تيقنه) وأوضحه "المنهاج" بقوله [ص 82]: (فلو علم ماء يصله المسافر لحاجته) أي: كالاحتطاب والاحتشاش ونحوهما، وهي فوق حد الغوث. وعن محمَّد بن يحيى: لعله يقرب من نصف فرسخ، وشرطه: ألا يخرج الوقت، فإن خاف خروجه .. تيمم بلا قضاء على الصحيح عند النووي (¬2)، بخلاف ما بحثه الرافعي (¬3)، وهذا بخلاف من معه ماء ولو توضأ به لخرج الوقت .. فإنه يتوضأ ولا يتيمم؛ لأنه واجد، وفيه وجه. 268 - قول "التنبيه" [ص 21]: (ما لم يخش الضرر في نفسه أو ماله) موافق لعبارة الرافعي و "الروضة" و "المحرر" (¬4)، وفيه نظر؛ لأنه لو خاف على أهله الذين يخلفهم أو أحد من رفقته أو على مال يلزمه حفظه .. كان كخوفه على نفسه وماله. فلذلك أطلق "المنهاج" و "الحاوي" ذكر النفس والمال، ولم يقيداهما بإضافتهما إلى المتيمم (¬5)، واقتصر "التنبيه" و "المنهاج" على النفس والمال (¬6)، وزاد "الحاوي": خوف الانقطاع عن الرفقة (¬7)، أي: إن تضرر بالانقطاع عنهم، وكذا إن لم يتضرر في الأصح، واعتذر بعضهم عن "التنبيه" و "المنهاج": بأنه من جملة الخوف على نفسه وماله، وفيه نظر في حالة عدم التضرر. ويرد عليهم جميعًا: ما إذا خاف خروج الوقت .. فلا يطلب كما تقدم، وقد ذكره النووي في "التصحيح" (¬8). وإطلاقهم المال متناول للقدر الذي يجب بذله لتحصيل الماء ثمنا أو أجرة، وهو ما في "شرح المهذب" في موضع، وفي موضع آخر منه: أن الخوف على هذا القدر لا يمنع وجوب الطلب (¬9). ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 184). (¬2) انظر "المجموع" (2/ 285)، و "الروضة" (1/ 93). (¬3) انظر "فتح العزيز" (1/ 199). (¬4) فتح العزيز (1/ 197، 209)، المحرر (ص 17)، الروضة (1/ 94). (¬5) الحاوي (ص 134)، المنهاج (ص 82). (¬6) التنبيه (ص 21)، المنهاج (ص 82). (¬7) الحاوي (ص 134). (¬8) تصحيح التنبيه (1/ 91). (¬9) المجموع (2/ 286).

وقال شيخنا جمال الدين في "المهمات": إن الأول مقتضى إطلاق الأكثرين والقياس؛ لأنه يأخذه من لا يستحقه، وخرج بالمال: ما إذا خاف على غير مال من المنتفع به؛ ككلب وسرجين، لكن قال شيخنا في "المهمات": المتجه: عدم وجوب الطلب. نعم؛ يتجه على القول بأن مقدار ما يجب بذله لا يمنع الطلب أن يكون السرجين ونحوه كذلك؛ لأنه دون المال وإن قل، كما قالوا في الوصية بالكلب ونحوه: أنه يصح حيث خلف مالًا وإن قل. 269 - قولهم -والعبارة لـ "المنهاج"-: (ولو تيقنه آخر الوقت .. فانتظاره أفضل) (¬1) كذا أطلقه الجمهور (¬2)، وقيده الماوردي: بما إذا تيقن وجوده في غير منزله، فإن تيقنه آخر الوقت في منزله الذي هو فيه أول الوقت .. وجب التأخير (¬3). وفي وجه ضعيف: التقديم أفضل، وبه جزم في "الإحياء" خوفًا من الموت (¬4). 275 - قول "التنبيه" [ص 21]: (وإن كان يرجو .. ففيه قولان، أصحهما: أن التقديم أفضل) يوهم جريان الخلاف فيما إذا توهمه؛ لأنه حينئذ راجٍ، وليس كذلك، فالتقديم هنا أفضل قطعًا، ولو استوى الاحتمالان .. فالمعروف الجزم أيضًا بأن التقديم أفضل. قال الرافعي: (وربما في كلام بعضهم نقل القولين، ولا وثوق به) (¬5). قال النووي: (صرح بجريانهما أبو حامد والمحاملي والماوردي وآخرون) انتهى (¬6). والمشهور: اختصاصهما بحالة الظن؛ فلذلك عبر به "المنهاج" (¬7)، ومحلهما - كما قال الرافعي وغيره -: إذا أراد الاقتصار على صلاة واحدة، فإن صلى بتيمم أوله وبوضوء آخره .. فهو النهاية في الفضيلة (¬8)، واستشكله ابن الرفعة إذا قلنا: فرضه الأولى؛ فإنه أوقع الفرض بتيمم لا بوضوء. 271 - قول "التنبيه" [ص 21]: (وإن كان على إياس من وجوده .. فالأفضل: أن يقدمه) هو عين قوله [ص 26]: (والأفضل: تقديم الصلاة في أول الوقت) وإنما ذكره لضرورة التقسيم. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 21)، و "الحاوي" (ص 135)، و "المنهاج" (ص 82). (¬2) انظر "المجموع" (2/ 288). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (1/ 285، 286). (¬4) إحياء علوم الدين (2/ 259). (¬5) انظر "فتح العزيز" (1/ 204). (¬6) انظر "المجموع" (2/ 289)، و "الحاوي الكبير" (1/ 286). (¬7) المنهاج (ص 82). (¬8) انظر "فتح العزيز" (1/ 203).

272 - قول "التنبيه" [ص 21]: (وإن وجد بعض ما يكفيه .. استعمله ثم تيمم للباقي في أحد القولين، ويقتصر على التيمم في القول الآخر) فيه أمور: أحدها: الأظهر: وجوب استعماله، كما صرح به "المنهاج" (¬1)، ويوجد في بعض نسخ "التنبيه". ثانيها: محل القولين: فيما يصلح للغسل، فإن وجد ثلجًا أو بردًا لا يذوب .. فالأصح: القطع بأنه لا يجب مسح الرأس به، وقيل: فيه القولان، وقواها في "شرح المهذب" دليلًا (¬2)، وادعى في "الكفاية" خروجه باعتبار الشيخ البداءة باستعمال الماء؛ فإن المتعين للمسح يبدأ بالتيمم قبله، وهذا بناء على أن عبارة الشيخ: (ثم يتيمم) وفي بعض النسخ: (ويتيمم) بالواو، فلا يكون فيه التصريح بالبداءة باستعمال الماء، وأخرجه "الحاوي" بقوله [ص 134]: (ما يصلح للغسل) وقول "المنهاج" [ص 82]: (ولو وجد ماءً لا يكفيه) إن جعلت (ما) موصولة .. ورد عليه. وإن قرأته (ماءً) منونًا منكرًا .. لم يرد؛ فإنه ليس بماء، ولا يصح هذا الاحتمال الثاني في عبارة "التنبيه" لانعكاس المسألة. ومحل القولين أيضًا: إذا وجد ترابًا، فإن لم يجده .. استعمل الناقص، وقيل: القولان. ثالثها: قول "التنبيه" في التعبير عن الأصح [ص 21]: (استعمله) أي: وجب استعماله، وقوله في مقابله [ص 21]: (ويقتصر على التيمم) أي: لا يجب استعمال الماء مع أنه يستحب على هذا القول، فالخلاف في وجوب الاستعمال، كما صرح به "المنهاج" (¬3). رابعها: قد تفهم عبارة "التنبيه" جريان الخلاف في التيمم أيضًا، وليس كذلك، فيتيمم قطعًا، وهو واضح من عبارته لمن تأمله، وقول "المنهاج" في المسألة [ص 82]: (ويكون قبل التيمم) أحسن من قول "المحرر": (وجب استعماله قبل التيمم في أصح القولين) (¬4) لإيهامه عود الخلاف إلى التقديم، ولا خلاف فيه؛ ففي قول "المنهاج" [ص 82]: (ويكون) فصل ذلك عن الخلاف. 273 - قول "التنبيه" [ص 21]: (فيما إذا بيع منه الماء بثمن المثل .. لزمه شراؤه) فيه أمر أن: أحدهما: أورد عليه في "الكفاية": إذا بيع منه إلى أجل بزيادة على ثمن المثل .. فإنه يلزمه ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 82). (¬2) المجموع (2/ 296). (¬3) المنهاج (ص 82). (¬4) المحرر (ص 17).

شراؤه أيضًا على الأصح، لكن بشروط: أن تكون الزيادة لائقة بذلك الأجل، وأن يكون غنيًا في بلده قادرًا على الأداء، وأن يكون الأجل ممتدًا إلى وصول وطنه؛ ولذلك أشار "الحاوي" بقوله [ص 135]: (ونسيئة بزيادة لائقة للموسر) فأهمل الشرط الثالث، وهذا وارد على "المنهاج" أيضًا؛ فإنه لم يذكر هذه المسألة. وأجيب عنهما: بأن كلامهما متناول لها؛ لأنه بالزيادة اللائقة ثمن المثل. ثانيهما: محله: إذا كان الثمن فاضلًا عن دينه ومؤنة سفره ونفقة حيوان محترم معه؛ كما صرح به "المنهاج" و "الحاوي" (¬1)، لكن تقييد "المنهاج" - تبعًا لـ "المحرر" - الدين بالمستغرق لا يحتاج إليه؛ لأن ما يفصّل عن الدين غير محتاج إليه فيه، وأيضًا: فتنكيره الدين قد يتناول دين غيره (¬2). وسلم "الحاوي" منهما حيث قال [ص 135]: (دينه) وقيد الرافعي الدين بكونه في ذمته (¬3)، وهو مخرج للدين المتعلق بعين من أمواله؛ كما إذا ضمن دينًا في عين من أعيان أمواله أو أعارها لشخص ليرهنها بدين؛ فلذلك حذفه في "الروضة" (¬4). وصوب شيخنا في "المهمات" حذفه، وتناول إطلاقهما: الدين الحال والمؤجل، وبه صرح في "الكفاية". وقول "المنهاج" [ص 82]: (أو نفقة حيوان محترم) يقتضي أنه لا فرق بين أن يكون الحيوان له أو لغيره؛ كما في العطش، وقيده "الحاوي" بكونه معه، وكذا في "الروضة" وأصلها (¬5)، ومقتضاه: أنه إذا لم يكن معه .. لا يعتبر حاجته إلى ثمن الماء وإن كان مع بعض رفقته في الركب. وفي "شرح المهذب": (من تلزمه نفقته) (¬6) وهو أخص، ويعتبر أيضًا: أن يكون فاضلًا عن خادمه ومسكنه المحتاج إليهما، كما قال شيخنا في "المهمات": (إنه المتجه)، وقول "الحاوي" [ص 135]: (ثم حينئذ) أشار به إلى أن المعتبر في ثمن المثل: ما يباع به في ذلك المكان والزمان، وهو الذي نقله الإِمام عن الأكثرين، وجرى عليه الرافعي والنووي (¬7). ونقل شيخنا في "المهمات" عن الأكثرين: (اعتبار ثمنه في ذلك المكان في غالب الأحوال لا في ذلك الزمان بعينه). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 135)، المنهاج (ص 82). (¬2) المحرر (ص 17)، المنهاج (ص 82). (¬3) انظر "فتح العزيز" (1/ 210). (¬4) الروضة (1/ 99). (¬5) الحاوي (ص 135)، الروضة (1/ 99). (¬6) المجموع (2/ 283). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (1/ 221)، و "فتح العزيز" (1/ 210)، و "المجموع" (2/ 282).

274 - قوله: (واستئجاره) (¬1) أي: المذكور من الثوب والدلو، وعبارته تُوهم عود ذلك لأقرب مذكور، وهو: الدلو. 275 - قوله: (بعوض المثل) (¬2) يشمل: الثمن والأجرة، فلو زادت أجرة الدلو على أجرة المثل .. لم يجب، هذا هو المنقول. وقال الرافعي: (لو قيل: يجب ما لم تجاوز الزيادة ثمن مثل الماء .. كان حسنًا) (¬3). 276 - قول "المنهاج" [ص 83]: (ولو وُهِبَ له ماء أو أُعِيرَ دلوًا .. وجب القبول في الأصح) فيه أمور: أحدها: أنه يفهم أنه إذا لم يوهب ولم يُعَرْ .. لا يجب عليه أن يسأل ذلك، وكذا قول "التنبيه" [ص 21]: (وإن بُذل له)، وقول "الحاوي" [ص 135]: (وقبول قرضه وهبته) والأصح: وجوب الاستيهاب والاستعارة. ثانيها: لو قال: (بُذل له) كما في "التنبيه" .. لكان أحسن؛ ليشمل ما لو أُقرِضَ الماء .. فإنه يجب عليه القبول في الأصح، وقد صرح به "الحاوي" (¬4). ثالثها: أنه جمع بين هبة الماء وإعارة الدلو، فأوهم أن الوجه المقابل للأصح فيهما واحد، وليس كذلك، بل مقابل الأصح في هبة الماء: أنه لا يجب مطلقًا، وفي إعارة الدلو: أنه لا يجب إن زادت قيمة المستعار على ثمن الماء، كذا في "الشرح" و "الروضة" (¬5). لكن في "شرح المهذب" وجهين، ثم قال: (وانفرد الماوردي بتخصيصهما بما إذا زادت قيمته على ثمن الماء، وإلا .. وجب) انتهى (¬6). ومقتضاه: إجراء وجه مطلقًا. رابعها: أن تعبيره في المسألتين بالأصح مخالف لما في "الروضة" فإنه عبر فيها في مسألة الهبة بالصحيح، وقال في الإعارة: وجب القبول قطعًا، وقيل: إن زادت قيمة المستعار على ثمن الماء .. لم يجب (¬7). خامسها: أن محل وجوب القبول: إذا دخل الوقت؛ لأنه وقت الوجوب، ولم يتعرض له "المنهاج" و "الحاوي" أيضًا. ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 135). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 135). (¬3) انظر "فتح العزيز" (1/ 211). (¬4) الحاوي (ص 135). (¬5) فتح العزيز (1/ 209)، الروضة (1/ 99). (¬6) المجموع (2/ 282)، وانظر "الحاوي الكبير" (1/ 290). (¬7) الروضة (1/ 99).

277 - قول "الحاوي" [ص 135]: (وتبطل هبته وبيعه في الوقت دون حاجة) هذا هو المنقول، ويشكل عليه: أنه لو وجبت عليه كفارة وهو يملك عبدًا فوهبه، أو طولب بديون فوهب ما يملكه .. صحت الهبة، كما جزم به في "شرح المهذب" (¬1). ويمكن أن يفرق بينه وبين الكفارة: بأنها ليست على الفور، بخلاف الصلاة؛ فإن وقتها محدود الطرفين. وبينه وبين الدين: بأن متعلقه الذمة، وقد رضي من له الدين بها، فلم يكن له حجر في العين، والله أعلم. 278 - قول "التنبيه" [ص 21]: (وإن تيمم وصلى ثم علم أن في رحله ماء أو حيث يلزمه طلبه .. أعاد في ظاهر المذهب) فيه أمور: أحدها: أنه قد يشمل: ما إذا أدرج في رحله ولم يشعر، والمذهب: لا إعادة، وأخرجها "المنهاج" بقوله [ص 83]: (ولو نسيه في رحله) لأن نسيان الشيء يستدعي سبق العلم به، وصرح بها "الحاوي" (¬2). ثانيها: أنه خرج بقوله: (ثم علم) ما لو تيمم عالمًا .. فإنه لا يصح قطعًا، إلا إن أضل رحله في الرحال، وأمعن في الطلب .. فله التيمم، ولا إعادة على المذهب. وقد صرح بها "المنهاج" و "الحاوي" (¬3) إلا أنهما لم يذكرا الإمعان في الطلب، وقد يفهم من قول "التنبيه" [ص 20]: (وإعواز الماء). ثالثها: أنه قد يخرج بقوله: (ماء): ثمن الماء، وكذا قول "المنهاج" [ص 83]: (ولو نسيه) أي: الماء، وهو احتمال لابن كج، والأصح: لا فرق، وقد صرح به "الحاوي" (¬4). رابعها: قوله: (أو حيث يلزمه طلبه) محمول على ما إذا علم به ثم نسيه، فإن لم يعلم به أصلًا .. فلا إعادة، كما تقدم في الإدراج، وهو مفهوم من قول "الحاوي" [ص 141]: (ونسيان الماء) ومحل ذلك: إذا كانت البئر خفية الآثار, وإلا .. فتجب الإعادة، ذكره في "شرح المهذب" (¬5). وقول "المنهاج" في المسألة [ص 83]: (قضى في الأظهر) يعود لمسألة النسيان والإضلال، ¬

_ (¬1) المجموع (2/ 331). (¬2) الحاوي (ص 141). (¬3) الحاوي (ص 141)، المنهاج (ص 83). (¬4) الحاوي (ص 141). (¬5) المجموع (2/ 292).

تنبيهان [فيما يراد بحاجة العطش، وفي محترز المحترم]

وفي التعبير في مسألة النسيان نظر؛ لأن مقابله قديم ضعيف أنكره بعضهم، وعبر عنه في "الروضة" بالجديد المشهور (¬1). وعلى "المنهاج" إيراد آخر وهو: أنه كان الأحسن: ذكر هذه المسألة آخر الباب عند ذكر ما يقضى من الصلوات، كما فعل "الحاوي" (¬2) فإن الكلام هنا في الأسباب المبيحة، وأما القضاء: فشيء آخر، كذا أشار إليه الرافعي في بحث مع الغزالي (¬3). 279 - قول "التنبيه" [ص 20، 21]: (أو وجده وهو محتاج إليه للعطش) يخرج به: ما إذا احتاجه للعطش غيره من الحيوانات المحترمة، سواء كان معه أم لا، مع أن حكمهما واحد؛ ولهذا عبر "المنهاج" بقوله [ص 83]: (أن يحتاج (إليه) لعطش محترم) وينبغي أن يقرأ مبنيًا للمفعول، والضمير في (إليه) للماء في قوله: (فقد ماء) (¬4) و "الحاوي" بقوله (¬5) [ص 134]: (فضل عن عطش محترم)، وقال في "الكفاية": (إن الضمير في قول "التنبيه": "وهو" للماء، حتى يعم كل حيوان محترم، فلا إيراد). تَنبيهَان [فيما يراد بحاجة العطش، وفي محتَرَز المحترم] أحدهما: المراد بحاجة العطش: أن يتضرر بترك الشرب بنحو المرض المبيح للتيمم. ثانيهما: خرج بالمحترم: المرتد، والحربي، والخنزير، والكلب العقور، كذا قالوا هنا، ومقتضاه: أن غير العقور محترم يمتنع قتله، وبه صرح الرافعي في (كتاب الأطعمة) (¬6)، لكنه قال في (الحج): إن غير العقور يكره قتله، ومراده: كراهة التنزيه، كما قاله النووي في "الروضة"، ويدل عليه: قرنه به الخنافس والجعلان والسرطان ونحوها (¬7). ونقل في (الغصب) عن الإِمام: أنه غير محترم، وأقره، وجزم به في "الشرح الصغير"، والنووي في "شرح المهذب" هنا (¬8)، وصحح في (الحج) منه: أنه محترم (¬9)، وقال ¬

_ (¬1) الروضة (1/ 102). (¬2) الحاوي (ص 141). (¬3) انظر "فتح العزيز" (1/ 215، 216). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 82). (¬5) معطوف على قوله: (ولهذا عبر "المنهاج" بقوله ... ) أي: ولهذا عبر "الحاوي" بقوله .... (¬6) انظر "فتح العزيز" (12/ 135). (¬7) انظر "فتح العزيز" (3/ 494)، و "الروضة" (3/ 147). (¬8) انظر "نهاية المطلب" (7/ 275)، و "فتح العزيز" (5/ 467)، و "المجموع" (2/ 274). (¬9) انظر "المجموع" (7/ 285).

في (البيع): إنه لا خلاف فيه (¬1). 285 - قول "التنبيه" [ص 20]: (أو الخوف من استعماله) أي: خوف تلف النفس أو العضو أو منفعته قطعا، أو بطء البُرْء، أو زيادة المرض، أو شين فاحش على عضو ظاهر في الأظهر. ولم يذكر "المنهاج" تلف النفس والعضو؛ لأنهما مفهومان بطريق الأولى من منفعة عضو، ولا زيادة المرض؛ لفهمه من بطء البُرْء. واقتصر "الحاوي" على بطء البُرْء، والشين الفاحش في عضو ظاهر (¬2)، لفهم الأمور الأربعة الأخرى بطريق الأولى، ولاندراجها تحت المحذور الذي جعله ضابطًا. وتقييد "المنهاج" و "الحاوي" العضو بالظاهر (¬3)، وليس في "المحرر"، ولا بد منه، والمراد به: ما يبدو حال المهنة؛ كالوجه واليدين، وقيد "المنهاج" و "الحاوي" الخوف المذكور: بأن يكون ناشئًا عن مرض أو برد (¬4)، جريًا على الغالب أن الخوف المذكور يحصل مع أحدهما، لكنه لا يشترط، بل الضابط: حصول الخوف من استعماله، فإطلاق "التنبيه" له أصوب. 281 - قول "الحاوي" [ص 136]: (يقول طبيب مقبول الرواية) قد يفهم: أنه لا يكتفي بمعرفة نفسه، وليس كذلك إن كان عارفًا بالطب، فإن لم يعرف الطب .. فهل يتيمم إن خاف أو شك ولم يجد طبيبًا؟ قال أبو على السنجي: لا، بل يتوضأ، وفي "شرح المهذب": (لم أر لغيره موافقته ولا مخالفته) (¬5). قلت: قد خالفه البغوي، فجزم في "فتاويه" بالتيمم، وهو المختار، ويؤيده: أن الشافعي نص على أن المضطر إذا خاف من الطعام الذي أحضره له غيره أنه مسموم .. جاز له تركه والانتقال إلى الميتة، نقله في "شرح المهذب" في (الأطعمة) (¬6)، وعليه يدل قول "التنبيه" [ص 20]: (أو الخوف من استعماله) فإنه يشمل: خوف نفسه، عرف الطب أم لا، وكذا قول "المنهاج" [ص 83]: (يخاف معه) إن قرأته مبنيًا للمفعول، وهو الأظهر، وإن قرأته مبنيًا للفاعل .. لم يتناول غير المتيمم أصلًا. ¬

_ (¬1) انظر "المجموع" (9/ 222). (¬2) الحاوي (ص 136). (¬3) الحاوي (ص 136)، المنهاج (ص 83). (¬4) الحاوي (ص 136)، المنهاج (ص 83). (¬5) المجموع (2/ 311). (¬6) المجموع (9/ 45)، وانظر "الأم" (2/ 253).

282 - قول "التنبيه" [ص 20]: (وإعواز الماء، أو الخوف من استعماله) عطفًا على دخول الوقت في قوله: (ولا يجوز التيمم لمكتوبة إلا بعد دخول الوقت) (¬1)، ومقتضاه: كون قيد المكتوبة معتبرًا فيهما؛ حتى لا يشترط الإعواز، أو الخوف في غيرها, وليس كذلك قطعًا. وأجاب عنه ابن الرفعة: بأن مجموع ذلك شرط في المكتوبة، واعترض عليه: بأنه يفهم أن المجموع ليس شرطًا في غيرها، وليس كذلك. 283 - قول "المنهاج" [ص 83]: (وإذا امتنع استعماله في عضو)، وقول "التنبيه" [ص 21]: (وإن كان في بعض بدنه قرح يمنع من استعمال الماء) أي؛ لأنه يخشى من استعماله أحد الأمور الستة المتقدم ذكرها في المرض. وقال بعضهم: المراد بالامتناع هنا: امتناع وجوب الاستعمال، قال: ويحتمل أن يحرم استعماله عند الخوف، فالامتناع على بابه (¬2). 284 - قول "المنهاج" [ص 83]: (إن لم يكن عليه ساتر .. وجب التيمم) أي: جزمًا، وحكاية الرافعي فيه خلافًا .. وَهْمٌ (¬3). قال في "الدقائق": (قوله في "المحرر": "إن لم يكن عليه ساتر على الصحيح، والصحيح: أنه يتيمم مع ذلك" معكوس، والصواب: ما في "المنهاج" فإن التيمم لا خلاف فيه) (¬4). 285 - قول "التنبيه" [ص 21]: (ويتيمم عن الجريح في الوجه واليدين) ذكره إيضاحًا؛ لينفي توهم إمرار التراب على الجرح فقط. قال في "الكفاية": (وهي عبارة الماوردي وابن الصباغ والفوراني) (¬5). وادعى في "الكفاية" أنه يفهم: أنه لا ترتيب بين الماء والتراب، والأصح: وجوبه في الوضوء، وقد صرح به "المنهاج"، لكن تعبيره بالأصح مخالف لتعبيره في "الروضة" فيه بالصحيح (¬6). 286 - وقول "المنهاج" [ص 83]: (ولا ترتيب بينهما للجنب) لو قال: (لمغتسل) .. كان أحسن وأشمل، وفي "الكفاية" عن النص: أنه يبدأ بالتيمم -أي: ندبًا- ليغسله الماء. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 20). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 195). (¬3) انظر "فتح العزيز" (1/ 264، 265). (¬4) الدقائق (ص 39)، وانظر "المحرر" (ص 18). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (1/ 273). (¬6) المنهاج (ص 83)، الروضة (1/ 107).

287 - وقوله: (فإن جُرِحَ عضواه .. فَتَيَمُّمَانِ) (¬1) أي: حتمًا، إلا في اليدين أو الرجلين .. فيتعدد ندبًا. 288 - قول "التنبيه" [ص 21]: (وإذا وضع الكسير الجبائر على غير طهر وخاف من نزعها التلف) أي: تلف النفس، أو العضو، أو منفعته، وفي معناه: بقية المحذورات المتقدم ذكرها في المرض وغيره، وهو معنى قول "المنهاج" [ص 84]: (كجبيرة لا يمكن نزعها) أي: لخوفه محذورًا مما تقدم بيانه. 289 - قول "التنبيه" [ص 21]: (مسح عليها) أي: جميعها على الأصح، وقد صرح به "المنهاج"، فقال [ص 84]: (مسح كل جبيرته) و "الحاوي" بقوله [ص 136]: (مسح مستوعب) والمراد: مسحها بالماء، كما صرح به "المنهاج" و "الحاوي". 290 - قول "المنهاج" [ص 84]: (غَسَلَ الصحيح وتيمم كما سبق) قد يفهم: الجزم بوجوب التيمم كالمسألة قبلها, وليس كذلك، ففيه قولان مشهوران صرح بحكايتهما "التنبيه"، أظهرهما: أنه يتيمم، ولم يذكر "التنبيه" غسل الصحيح هنا اكتفاءً بما تقدم (¬2). وقد تفهم عبارتهما: أنه إذا كانت الجبيرة في موضع التيمم .. يمسح عليها بالتراب، والأصح: خلافه، وقد يفهم ذلك من قول "المنهاج" و "الحاوي": (بالماء) (¬3). 291 - قول "الحاوي" [ص 136]: (ويعيد لكل فرض مع ما يترتب عليه) كذا صححه الرافعي (¬4)، وصحح النووي: أنه لا يعيد ما ترتب عليه (¬5)، وذكر "المنهاج" التصحيحين (¬6)، وقال السبكي: "إن ما صححه الرافعي أصح نقلًا ودليلًا). 292 - قول "الحاوي" [ص 136]: (وقُدِّمَ في ماءٍ أُمِرَ به للأَوْلى: العطشان، ثم الميت الأول، فإن ماتا معًا، أو وجد الماء بعدهما .. فالأفضل) يلتحق بموتهما معًا: ما إذا لم يُعلم هل ماتا معًا أو على الترتيب؟ أو عُلم الترتيب وجهل السابق، أو نُسي، كما قال شيخنا في "المهمات": إنه القياس. وقال شيخنا في "المهمات" أيضًا: (إن الأقرب: أن المعتبر في الأفضلية: غلبة الظن؛ لكونه أقرب إلى الرحمة، فلا يُقدَّم بالحرية والنسب؛ كما ذكره في تقديم الأفضل من الجنائز للإمام). ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 83). (¬2) التنبيه (ص 21). (¬3) الحاوي (ص 136)، المنهاج (ص 84). (¬4) انظر "فتح العزيز" (1/ 265). (¬5) انظر "المجموع" (2/ 345). (¬6) المنهاج (ص 84).

293 - قوله: (ثم من تنجس, ثم الحائض، ثم الجنب) (¬1) فيه أمران: أحدهما: لو عبر بذات الدم، كما عبر ناظمه ابن الوردي (¬2) .. لكان أعم؛ لشموله النفساء. ثانيهما: كذا أطلق - تبعًا للجمهور - تقديم المتنجس على الجنب، وحمله القاضي أبو الطيب على المسافر، أما الحاضر: فيتخير؛ لأنه لا بد له من الإعادة، وجزم به في "التحقيق" (¬3)، وصرح البغوي في "فتاويه": بتقديم النجاسة في الحضر؛ كما اقتضاه إطلاق الجمهور. وقال شيخنا في "المهمات": (وهو الظاهر، فليُعمل به). 294 - قول "التنبيه" [ص 20]: (ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر) يشترط مع طهارته: كونه غير مستعمل في الأصح، كما صرح به في "المنهاج" و "الحاوي" (¬4)، فلو عبروا بـ (الطهور) .. لكان أحسن، وقد يفهم من الكيفية في (التيمم) فإن فيها التحرز عن الاستعمال. ولما صحح الرافعي منع التيمم بالمستعمل .. قال: (بشرط انفصاله، وإعراض المتيمم عنه) انتهى (¬5). ومقتضاه: صحة التيمم به لو بادر إلى أخذه من الهواء، وتناول كلامهم: المغصوب. وقال في "الكفاية": (إن قلنا: التيمم عزيمة .. صح، أو رخصة؛ أي: وهو الأصح .. فوجهان). وجزم النووي في (باب النية) و (مسح الخف) من "شرح المهذب" بالصحة (¬6). 295 - قول "المنهاج" [ص 84]: (حتى ما يُدَاوَى به) أي: حتى ما يؤكل تداويًا، وهو الإرمني بكسر الهمزة والميم، ولو قال: (حتى المأكول) ليشمل المأكول سفهًا وهو الخراساني .. لكان أحسن، مع أن اسم التراب شامل له. 296 - قول "الحاوي" [ص 138]: (خالصًا) أحسن من قول "التنبيه" [ص 20]: (فإن خالطه جص أو رمل .. لم يجز التيمم به) ومن قول "المنهاج" [ص 84]: (ومختلط بدقيق ونحوه) لتقييدهما المختلط بنوع مخصوص، مع أنه لا يجزئ المختلط بأي شيء كان. 297 - قول "التنبيه" [ص 20]: (له غبار) يخرج به: الندي والمعجون، وقوله: (يعلق بالوجه واليدين) (¬7) إيضاح، لو حذفه .. لاستغنى عنه، ولم يعتبر "المنهاج" في التراب أن يكون ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 136). (¬2) انظر "البهجة الوردية" (ص 11). (¬3) التحقيق (ص 105). (¬4) الحاوي (ص 138)، المنهاج (ص 84). (¬5) انظر "فتح العزيز" (1/ 244). (¬6) المجموع (1/ 312). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 20).

له غبار، لكنه ذكر ذلك في الرمل، فيقاس به التراب، ويمكن أن يكون الضمير في قوله: (فيه غبار) (¬1) عائدًا لكل من التراب والرمل؛ أي: في المذكور. وقول "الحاوي" [ص 138]: (ترابًا طاهرًا خالصًا ولو غبار رمل) يقتضي دخول غبار الرمل تحت اسم التراب، وليس كذلك. 298 - قول "التنبيه" [ص 20]: (فإن خالطه جص أو رمل .. لم يجز التيمم به) يقتضي منع التيمم بالرمل؛ لأنه إذا امتنع التيمم به مختلطًا بالتراب .. فخالصًا أولى، مع أنه يصح التيمم به إذا كان له غبار؛ كما صرح به "المنهاج" و "الحاوي" (¬2)، فيحمل كلام "التنبيه": على ما إذا لم يكن له غبار؛ فإنه يمتنع التيمم به خالصًا ومختلطًا بالتراب؛ لأنه يمنع التراب من الوصول إلى العضو، واعترض النووي في "التصحيح"، فقال: (والأصح: جوازه بما خالطه رمل خشن) (¬3) أي: ولو منعنا التيمم بالرمل الخالص؛ لأن الخشن لا يمنع وصول التراب للعضو، واعترض عليه بأمرين: أحدهما: لا حاجه لهذا الاستدراك؛ فإن الرمل الخشن متميز لخشونته، فهو مجاور لا مخالط، وقد خرج يقول الشيخ: (فإن خالطه). ثانيهما: أنه يقتضي منع التيمم بتراب مخلوط برمل ناعم، وكذا في "شرح المهذب" (¬4)، وليس كذلك؛ فإنه يصح التيمم بالرمل الناعم خالصًا كما تقدم، فمختلطًا أولى، كذا أورد عليه. وفيه نظر؛ فإنه إنما يصح التيمم بالرمل الناعم .. إذا كان له غبار، فيحمل كلامه في "التصحيح" و "شرح المهذب" على ما إذا لم يكن له غبار، والذي تحرر من ذلك: أنه يصح التيمم بالرمل الخالص إن كان له غبار، وإلا .. فلا، ويصح التيمم بالتراب المختلط بالرمل إن كان للرمل غبار، أو لم يكن ولكنه خشن، فإن كان الرمل ناعمًا ولا غبار له .. لم يصح. وفهم الشيخان كمال الدين بن النشائي وشهاب الدين بن النقيب: أن النووي في "التصحيح" إنما صحح التيمم بالتراب الذي يخالطه رمل خشن؛ لأن الغبار الذي في الرمل الخشن يكفي، فقال ابن النشائي: (أورد في "التصحيح" الرمل الخشن؛ فإن المذهب: أنه يكفي الغبار الذي فيه) (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 84). (¬2) الحاوي (ص 138)، المنهاج (ص 84). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 90). (¬4) المجموع (2/ 247). (¬5) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 11)، و "تصحيح التنبيه" (1/ 90).

وقال ابن النقيب: (ولم أر التقييد بالخشن في غيره، وإنما الضابط: الغبار) (¬1). 299 - قول "الحاوي" [ص 138]: (وشُوِيَ) كذا في "الشرح" و "الروضة" وغيرهما (¬2)، وفي "شرح الوسيط" للنووي عن الأكثرين: المنع، وعن تصحيح المحققين: الجواز (¬3). 300 - قول "المنهاج" [ص 84]: (وكذا ما تناثر في الأصح)، وقول "الحاوي" [ص 138]: (ومتناثرًا) كذا أطلقه في "الروضة" وغيرها (¬4)، وقسمه في "شرح المهذب" قسمين: أحدهما: ما أصاب العضو ثم تناثر عنه، وصحح أنه مستعمل. والثاني: ما لم يمس العضو ألبتة، بل لاقى ما لصق بالعضو، قال: والمشهور: أنه ليس مستعملًا كالباقي بالأرض، وحكى الروياني فيه وجهين، قال: ولا معنى له (¬5). تنبيه: محمد في "الروضة" التراب ركنًا (¬6)، وقال الرافعي: (الأولى: ألا يعد ركنًا، وإلا .. لعد الماء ركنًا في الوضوء) (¬7). ولم يجعله هؤلاء الثلاثة ركنًا، والله أعلم. 301 - قول "المنهاج" [ص 84]: (ويشترط قصده) عبارة "المحرر": (والقصد إلى التراب لا بد منه) (¬8)، وفي "الشرح": (معتبر) (¬9) وهو محتمل للاشتراط والركنية، وعدَّه الغزالي ركنًا (¬10)، وتبعه في "الروضة" و "شرح المهذب" (¬11)، وقال السبكي: (إن القصد أولى بِعَدِّهِ ركنًا من النقل) بعكس ما في "المنهاج" لأن القصد مدلول التيمم، وأما النقل: فلازم، ولم يذكر "الحاوي" القصد بالكلية؛ لما ذكره الرافعي من كون القصد مندرجًا في النقل؛ فإنه إذا نقله مع النية .. حصل القصد، وقال السبكي معترضًا على "المنهاج": (لو حذف ذكر القصد .. كفاه ذكر النقل؛ فإنه يلزم منه القصد) انتهى. وفيه نظر؛ لانفكاك القصد عن النقل فيما إذا وقف في مهب ريح بنية تحصيل التراب عليه، فلما ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 200). (¬2) فتح العزيز (1/ 234)، الروضة (1/ 109). (¬3) شرح الوسيط (1/ 376). (¬4) الروضة (1/ 109). (¬5) المجموع (2/ 249، 250)، وانظر "بحر المذهب" (1/ 218). (¬6) الروضة (1/ 108). (¬7) انظر "فتح العزيز" (1/ 245). (¬8) المحرر (ص 19). (¬9) فتح العزيز (1/ 234). (¬10) انظر "الوجيز" (1/ 135)، و "الوسيط" (1/ 377). (¬11) الروضة (1/ 110)، المجموع (2/ 264).

حصل .. نوى وردده؛ فإنه في هذه الصوره قصد ولم ينقل، ولما صحح الرافعي في هذه الصورة: عدم الصحة .. علله بعدم القصد (¬1)، والأولى: أن يعلل بعدم النقل. 301 - قول "المنهاج" [ص 84]: (نقل التراب) أي: بنفسه أو مأذونه، كما صرح به " الحاوي " (¬2)، وقد ذكره "المنهاج" في نفس التيمم لا في النقل، وشرطه: أن ينوي الميمَّم -بفتح الميم - عند ضرب الميمِّم - بكسرها - على التراب، وإلا .. لم يصح قطعًا. 302 - قول "المنهاج" [ص 84]: (فلو نقل من وجه إلى يد أو عكس .. كفى في الأصح) صورة الأولى: أن يزيل ما مسح به وجهه ثم يطرأ عليه تراب فينقله إلى اليد، وإلا .. كان المنقول مستعملًا لا يجزئ على الصحيح. واقتصر "الحاوي" على الثانية (¬3)، ولم يصرح "التنبيه" بذكر نقل ولا قصد، إلا أنه يفهم من قوله: (ثم يضرب بيديه على التراب) (¬4). 303 - قولهما: (وينوي استباحة الصلاة) (¬5) لو قالا: (استباحة مفتقر إلى التيمم) كما في "الحاوي" (¬6) وكما قالا في الوضوء .. لكان أحسن وأعم. ولو نوى ما يُنْدَبُ له الطهارة .. فينبغي أن يجيء فيه الخلاف في الوضوء، وأولى بالمنع، وقال ابن الرفعة: (قضيته: التسوية بين من عليه حدث أصغر وأكبر، حتى لو عين أحدهما خطأ .. لا يضر) هذا كلامه في "الكفاية" هنا، وفرّق في أول صفة الغسل - لمَّا ذكر أن الصحيح: أن المغتسل إذا نوى غير ما عليه؛ كمن عليها حيض فنوت رفع الجنابة .. أنه لا يصح - بين ذلك والتيمم؛ بأن المتيمم إذا استباح الصلاة من الجنابة وحدثه الأصغر .. فإنه يجزئه؛ لأن المحدثين بالنسبة إلى المتيمم على حد واحد؛ لأنه لا يختلف الواجب منه بسببهما. وأشار لهذا الفرق في "الروضة"، فقال: (ولو تيمم بنية الاستباحة ظانًا أن حدثه أصغر فبان أكبر وعكسه .. صح قطعًا؛ لأن موجبهما واحد، وإن تعمد .. لم يصح في الأصح، ذكره المتولي) انتهى (¬7). لكن كلام صاحب "الكفاية" في صفة الغسل يقتضي الإجزاء مع العمد أيضًا؛ لأن حالة العمد ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (1/ 234). (¬2) الحاوي (ص 138). (¬3) الحاوي (ص 138). (¬4) التنبيه (ص 20). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 20)، و "المنهاج" (ص 84). (¬6) الحاوي (ص 138). (¬7) الروضة (1/ 111).

هي التي يبطل فيها الغسل، وهذا الفرق ينتقض بالوضوء؛ فإن موجب إحداثه واحد، ولو تعمد نية غير ما عليه .. لم يصح في الأصح، وقد نوزع في دعوى "الروضة" القطع في صورة الغلط؛ لما حكي من مخالفة البويطي والربيع (¬1). 304 - قول "الحاوي" و "المنهاج" - والعبارة له -: (وبجب قرنها بالنقل) (¬2) المراد به: الضرب، كما في "شرح المهذب" (¬3) و "الكفاية"، أو فصل اليد عن الضرب مغبرة، كما ذكره السبكي ورجحه شيخنا شهاب الدين بن النقيب؛ لأن النقل: التحويل، وبه يحصل، قال: والأول أشبه بالقصد لا بالنقل، فمن يعد القصد ركنًا .. يوجب النية عند الضرب؛ ليقرنها به لا بالنقل (¬4). 305 - قول المذكورين: (وكذا استدامتها إلى مسح شيء من الوجه) (¬5) هذا هو المنقول في كتب الرافعي والنووي (¬6)، وقال شيخنا في "المهمات": المتجه: الاكتفاء باستحضارها عند النقل والمسح ولو عزبت بينهما، واستشهد يقول أبي خلف الطبري في "شرح المفتاح": وقت النية في التيمم: أن ينوي عند القصد إلى التراب، ويكون ذاكرًا للنية عند مسح الوجه، وصحح شيخنا الإِمام سراج الدين البلقيني: الاكتفاء بالنية عند مسح الوجه، وقال: إنه لا سلف للبغوي في وجوب قرنها بالنقل وإدامتها إلى مسح الوجه، والذي في "تعليق شيخه القاضي حسين": حكايته وجهين: أحدهما: الاكتفاء بها عند النقل. والثاني: عند المسح. وعبر "المنهاج" هنا بالصحيح (¬7)، وعبر في "الروضة" بالأصح (¬8)، وقال في "الكفاية": (أفهم الشيخ بتقديم لفظ الضرب على النية: الاكتفاء بمقارنتها أول المسح، وصرح به في "المرشد"، والذي أورده الرافعي والنووي خلافه) (¬9). قلت: ما ذكره من الإفهام ممنوع؛ لأن الواو لا تدل على ترتيب ولا معية. ¬

_ (¬1) انظر "مختصر البويطي" (ق 10). (¬2) الحاوي (ص 138)، المنهاج (ص 84). (¬3) المجموع (2/ 259، 260). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 206). (¬5) انظر "الحاوي" (ص 138)، و "المنهاج" (ص 84). (¬6) انظر "فتح العزيز" (1/ 245)، و "الروضة" (1/ 112)، و "المجموع" (2/ 259، 260). (¬7) المنهاج (ص 84). (¬8) الروضة (1/ 112). (¬9) انظر "فتح العزيز" (1/ 245)، و "الروضة" (1/ 112)، و "المجموع" (2/ 259، 260).

306 - قولهم: (إن من تيمم للفرض .. صلى به النفل) (¬1)، قال الروياني في "الفروق": (يستثنى: ما إذا تيمم الجنب وصلى فرضًا ثم أحدث ووجد ما يكفي الوضوء فقط، وقلنا: لا يجب استعمال الناقص .. فإنه يتيمم للفرض، ولا يصلي به النفل، ولا يصح تيمم لفرض دون نفل إلا في هذه الصورة) انتهى. وفيه نظر. 307 - قول "المنهاج" في المسألة [ص 84، 85]: (على المذهب) في إطلاقه نظر؛ لأن محل تصحيح القطع بالجواز: في النافلة التي بعد الفرض، أما التي قبله: ففيها قولان، أصحهما: الصحة. 308 - قوله: (أو نفلًا أو الصلاة .. تَنَفَّلَ لا الفرض على المذهب) (¬2) فيه أمور: أحدها: أنه سوى بين الصورتين، وليسا سواء؛ فإن في نية الصلاة وجهين: أحدهما: كَنِيَّتِهما، وأصحهما: كَنِيَّة النفل. الثاني: أن طريقة الخلاف في النفل أصح، وتصحيحها لا يفهم من إطلاق المذهب. الثالث: أن جواز التنفل من زيادته على "المحرر"، والخلاف جار فيه أيضًا، فيعاد قوله: (على المذهب) إليهما. 309 - قول "التنبيه" [ص 20]: (ومسح الوجه) أي: كما في الوضوء، فيتناول مسترسل اللحية على الأظهر؛ كالوضوء، ويرد عليه: أنه لا يجب إيصال التراب إلى منبت الشعر وإن خف، وقد ذكره "المنهاج" و "الحاوي" (¬3). 310 - قولهم: (مع المرفقين) (¬4) هو المذهب الجديد، وفي القديم: إلى الكوعين فقط، واختاره النووي دليلًا؛ لصحة حديث عمار فيه (¬5)، وأحاديث الجديد متكلم فيها. 311 - قول "الحاوي" [ص 139]: (والترتيب بين المسحتين) أي: لا بين النقلين، وصرح به في "المنهاج" فقال [ص 85]: (ولا ترتيب في نقله في الأصح) وأورد عليه: أنه إن قرئ بالرفع والتنوين .. أوهم عود الخلاف إلى الإيصال إلى المنبت أيضًا، ولا يحسن؛ لضعف مقابله؛ ولأنه ليس في "المحرر"، وإن قرئ بالفتح .. أوهم عدم مشروعيته بالكلية، ولا تردد في أنه مطلوب للخروج من الخلاف. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 21)، و "الحاوي" (ص 140)، و "المنهاج" (ص 84). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 85). (¬3) الحاوي (ص 139)، المنهاج (ص 85). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 20)، و "الحاوي" (ص 139)، و "المنهاج" (ص 85). (¬5) انظر "المجموع" (2/ 241 - 244).

312 - قول "التنبيه" [ص 20]: (والواجب من ذلك: النية، ومسح الوجه واليدين بضربتين فصاعدًا) كذا صححه النووي (¬1)، وصحح الرافعي: الاكتفاء بضربة (¬2). قال السبكي: (الأول أصح مذهبًا، والثاني أصح دليلًا). 313 - قول "التنبيه" عند ذكر الضربة الأولى [ص 20]: (ويفرق أصابعه) موافق لقول "المنهاج" [ص 85]: (ويندب تفريق أصابعه أولًا). قال السبكي: (إنما قيد بالأولى؛ لأن الخلاف فيها، والتفريق في الثانية مندوب قطعًا، فإن لم يفرق ومسح بما بين الأصابع مما أخذه أولًا .. صح على الأصح، وقيل: لا، فعلى هذا يكون التفريق في الثانية واجبًا إذا كان قد فرق في الأولى) انتهى. وقال في "الكفاية": (هو متفق على وجوبه في الثانية؛ أي: وهو في الأولين مستحب في الأصح ... ) وبسط المسألة ثم قال: فتلخص أن التفريق في الثانية لا بد منه، وفي الأولى مستحب، أو لا يجوز، أو مباح، أو وجه) انتهى. وهو غريب، وكلام الرافعي والنووي ظاهر في استحبابه في الثانية (¬3)، وجزم به في "التحقيق" (¬4)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 139]: (والتفريج فيهما)، ويحتمل أن قول "المنهاج" [ص 85]: (أولًا) أي: أول ضربه فيهما، وأن "التنبيه" سكت عن ذكره في الثانية؛ لأنه فُهِمَ من ذكره في الأولى، وعكس ابن يونس في "النبيه مختصر التنبيه"، فذكر التفريق في الثانية فقط، وعلله في "التنويه": بأنه في الأولى يحصل بين الأصابع ترابًا مستعملًا لا يصلح للتيمم به يمنع وصول تراب آخر في الضربة الثانية، وذلك يفسد التيمم، كما قطع به المتولي وغيره من المحققين. انتهى. ولعل صاحب "الكفاية" أراد حكايته الاتفاق على وجوب إيصال التراب لما بين الأصابع في الثانية، وهو يحصل بالتفريق وغيره. 314 - قول "الحاوي" [ص 139]: (بنزع الخاتم، والتفريج فيهما) يعود للمسألتين، وفي "المنهاج": أنه يجب نزع خاتمه في الثانية (¬5)، ونقله في "الروضة" عن صاحب "العدة" وغيره (¬6)، وجزم به في "الشرح الصغير". ¬

_ (¬1) انظر "الروضة" (1/ 112). (¬2) انظر "فتح العزيز" (1/ 242). (¬3) انظر "فتح العزيز" (1/ 242)، و "الروضة" (1/ 112)، و "المجموع" (2/ 242). (¬4) التحقيق (ص 98). (¬5) المنهاج (ص 85). (¬6) الروضة (1/ 114).

تنبيه [في عدد أركان التيمم]

315 - قول "التنبيه" [ص 20]: (ويضرب بيديه) لا يتعين الضرب ولا كونه باليد، فيقوم مقامها خشبة ونحوها، والشيخ تيمَّن بلفظ الخبر كعادته. 316 - قوله: (فيضع بطون أصابع يده اليسرى على ظهور أصابع يده اليمنى ... إلى آخر الكيفية) (¬1) فيه أمور: أحدها: أن هذه الكيفية قد ذكرها في "المحرر" (¬2) فحذفها "المنهاج"، وكذلك حذفها ابن يونس من "النبيه"، وعلله في "التنويه": بأنه غير مساعد على استحبابها؛ إذ قال الأكثرون: لا تستحب، وإنما ذكرها الشافعي ردًا لقول مالك: (لا يمكن مسح الوجه واليدين بضربتين) (¬3) لكن ذكر الرافعي والنووي في "الروضة": أنها مستحبة (¬4). ثانيها: أن قوله: (فيضع بطون أصابع يده اليسرى) أي: سوى الإبهام، (على ظهور أصابع يده اليمنى) أي: غير الإبهام، كذا هو في كلام من ذكر هذه الكيفية. ثالثها: أن ذكر اليسرى واليمنى ليس لكونه شرطًا في تحصيل أفضلية هذه الكيفية، فلو عكس .. حصلت هذه الكيفية، وفاتت سنة تقديم اليمنى. رابعها: أن قوله: (على ظهور) يقتضي استحباب جعل الماسحة فوق الممسوحة، وفي "الكفاية" عن نصه في "الأم": أنه يعكس (¬5)، بأن يجعل بطن راحتيه معًا إلى فوق، ثم يمر الماسحة وهي من تحت؛ لأنه أحفظ للتراب، ورجح بعضهم ما ذكره في "التنبيه": بأن اليسرى هي الماسحة، فكانت بالوضع أولى. تنبيه [في عدد أركان التيمم] ذكر "التنبيه" أركان التيمم خمسة: النية، ومسح الوجه، واليدين، وكونه بضربتين، وترتيب اليد على الوجه (¬6)، وذكر "المنهاج" الثلاثة الأولى، وحكى الخلاف في الرابع، وفهم الخامس من قوله: (ولا ترتيب في نقله في الأصح) (¬7)، وذكرها "الحاوي" سوى كونه بضربتين؛ فإنه يرى ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 20). (¬2) المحرر (ص 20). (¬3) انظر "المدونة" (1/ 42)، و "الاستذكار" (1/ 311). (¬4) فتح العزيز (1/ 242)، الروضة (1/ 112). (¬5) الأم (1/ 49). (¬6) التنبيه (ص 20). (¬7) المنهاج (ص 85).

تنبيه آخر [في عدد سنن التيمم]

استحبابه لا إيجابه (¬1)، تبعًا للرافعي كما تقدم (¬2)، وزاد "المنهاج" و "الحاوي" ركنًا سادسًا وهو: النقل (¬3)، وزاد في "الروضة" وغيره سابعًا وهو: القصد (¬4)، وزاد في "الروضة" ثامنًا وهو: التراب (¬5). تنبيه آخَر [في عدد سنن التيمم] قال في "التنبيه" [ص 20]: (وسننه: التسمية، وتقديم اليمنى على اليسرى) وذكر قبل ذلك: (تفريق الأصابع، والكيفية المتقدمة، ومسح إحدى الراحتين على الأخرى، والتخليل بين أصابعهما) (¬6)، وقال بعضهم: لعل مراده: حصر السنن المتفق عليها؛ فإن تفريق الأصابع في الأولين مختلف في جوازه وندبه، وفي الثانية واجب قطعًا، كما في "الكفاية"، والكيفية في مسح اليدين محبوبة لتخفيف التراب، وليست سنة، ومسح إحدى الراحتين والتخليل [مختلف] (¬7) في وجوبهما (¬8). وذكر "المنهاج": التسمية، وتقديم اليمنى وأعلى وجهه، وتخفيف الغبار، ومولاة التيمم، وتفريق أصابعه أولًا (¬9). وذكر "الحاوي": التسمية، وتقديم اليمنى، ونزع الخاتم، والتفريج فيهما، وتخفيف التراب، والولاء (¬10). وبقى مما لم يذكروه: إمرار التراب على العضد، وألا يكرر المسح، ولا يرفع يده عنه حتى يتم مسحه، واستقبال القبلة، كما نقله النووي، وقال: (ينبغي استحباب الشهادتين بعده كالوضوء والغسل) (¬11). 317 - قول "التنبيه" [ص 21]: (وإن تيمم ثم رأى الماء قبل الدخول في الصلاة .. بطل تيممه) فيه أمور: ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 139). (¬2) انظر "فتح العزيز" (1/ 242). (¬3) الحاوي (ص 139)، المنهاج (ص 84). (¬4) الروضة (1/ 110). (¬5) الروضة (1/ 110). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 20). (¬7) في (أ): (متفق)، والمثبت من باقي النسخ وهو الصواب. (¬8) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 12). (¬9) المنهاج (ص 85). (¬10) الحاوي (ص 139). (¬11) انظر "الروضة" (1/ 114).

أحدها: صورة المسألة فيمن تيمم لفقد الماء، أما المتيمم للعجز عن استعماله بمرض ونحوه: فإنما يبطل تيممه بالقدرة عليه. ثانيها: لا يتوقف البطلان على رؤيته، فتوهمه في هذه الصورة مبطل أيضًا. ثالثها: شرطه: كون الماء يجب استعماله، فلو قارنه مانع؛ كسبع أو حاجة عطش ونحوه .. لم يبطل، وقد سلم "المنهاج" من الإيراد الأول والأخير؛ حيث قال [ص 85]: (ومن تيمم لفقد ماء فوجده؛ إن لم يكن في صلاة .. بطل إن لم يقترن بمانع كعطش)، وسلم "الحاوي" من الثلاثة بقوله [ص 139]: (وقبل الشروع بوهم الماء بلا مانع). فإن قلت: أين يوجد الأول، وهو تصوير المسألة من كلامه؟ قلنا: من قوله بعده: (وقدرة استعماله) (¬1) فعلم أن الكلام أولًا في الفاقد، وثانيًا في العاجز. 318 - قول "التنبيه" [ص 21]: (وإن رأى الماء في أثنائها .. أتمها إن كانت الصلاة مما يسقط فرضها بالتيمم) فيه أمور: أحدها: أنه يتناول ما إذا رأى الماء وهو في تكبيرة الإحرام، وكذا تتناول هذه الصورة قول "المنهاج" [ص 85]: (أو في صلاة)، وقول "الحاوي" [ص 139]: (ولو فيها)، وقد قال الروياني في هذه الصورة: (أنه تبطل صلاته، وتيممه) (¬2)، وجرى عليه النووي في "التحقيق"، واستحسنه في "شرح المهذب"، وقال: (لم أجد لغيره موافقته ولا مخالفته) انتهى (¬3). وقد وافقه الرافعي، فقال في كلامه على استصحاب نية التحرم: (ألا ترى أنه لو رأى الماء قبل تمام التكبير .. يبطل تيممه) (¬4). قال السبكي: (وفيه نظر). ثانيها: قال ابن الرفعة: (قوله: "أتمها" يفهم لزوم الإتمام، وهو وجه، ويجوز أن يحمل على الاستحباب، وهو وجه) انتهى. واعترض: بأن إرادة اللزوم عند ضيق الوقت لا يفهمها اللفظ، ومطلقًا لا يتأتى إلا على وجه مرجوح، والاستحباب عند اتساع الوقت وجه مرجوح؛ فإن الأصح: أن الخروج أفضل، وأما عند ضيقه: فكلام النووي مصرح بأنه لا خلاف في حُرمة قطعها (¬5)، وقد يقال: مراده: الإجزاء، ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 139). (¬2) انظر "بحر المذهب" (1/ 230). (¬3) التحقيق (ص 111)، المجموع (2/ 333). (¬4) انظر "فتح العزيز" (1/ 463). (¬5) انظر "المجموع" (2/ 333، 334).

بدليل قوله قبل ذلك: (أجزأته)، وقوله بعده: (وتبطل إن لم يسقط فرضها بالتيمم) انتهى (¬1). وقال بعضهم: (أراد: اللزوم في صورتي الضيق والاتساع، ثم هو في صورة ضيق الوقت جارٍ على المذهب، وعند اتساعه على وجه) انتهى. وفي "المنهاج": أن الصلاة لا تبطل في هذه الصورة (¬2)، وفي "الحاوي" بالمفهوم: أن التيمم لا يبطل (¬3)، وهو أحسن، ثم قال في "المنهاج" [ص 85]: (والأصح: أن قطعها ليتوضأ أفضل) ومثله قول "الحاوي" [ص 140]: (والخروج أولى). ويستثنى من كلامهما: ما إذا ضاق الوقت .. فإنه يحرم الخروج بالاتفاق، كما في "التحقيق" (¬4)، لكن جعله في "الشرح" و "الروضة" وجهًا ضعيفًا (¬5)، فالذي في "المنهاج و "الحاوي" موافق لما في "الشرح" و "الروضة" (¬6). ثالثها: أنه قد يرد على ظاهره: ما إذا رآه المسافر في أثناء صلاته ثم نوى الإقامة وإتمام المقصورة .. فإنها تبطل في الأصح، وكذا قد يرد على قول "المنهاج" [ص 85]: (وإن أسقطها .. فلا)، وصرح بالمسألتين في "الحاوي" (¬7). 319 - قول "الحاوي" [ص 140]: (أو إذا سلم غير عالم بفواته) فيه أمران أفهمهما كلامه: أحدهما: أن تيممه لا يبطل إذا علم بفواته وهو بعد في الصلاة، وأقره عليه البارزي، لكن الأصح في "الروضة": البطلان (¬8). ثانيهما: أن مراده: إذا سلم التسليمة الأولى؛ لأن الغاية تحمل على أول المتماثلين، كما لو أسلم إلى ربيع أو جمادى أو العيد، ومقتضاه: أنه لا يسلم التسليمة الثانية، وهو ما حكاه الروياني عن والده (¬9)، لكن قال في "الروضة": (فيه نظر، وينبغي أن يسلم الثانية؛ لأنها من جملة الصلاة) (¬10). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 21). (¬2) المنهاج (ص 85). (¬3) الحاوي (ص 139). (¬4) التحقيق (ص 111). (¬5) في حاشية (أ): (وفي "شرح المهذب" قال: وهذا الذي قاله الإِمام متعين، ولا أعلم أحدًا يخالفه. انتهى)، انظر "المجموع" (2/ 334). (¬6) فتح العزيز (1/ 248)، الروضة (1/ 116). (¬7) الحاوي (ص 139). (¬8) الروضة (1/ 116). (¬9) انظر "بحر المذهب" (1/ 232). (¬10) الروضة (1/ 116).

320 - قول "المنهاج" عطفًا على الأصح [ص 85]: (وأن المتنفل لا يجاوز ركعتين) يستثنى من ذلك: ما إذا وجد الماء بعد قيامه إلى ثالثة .. فإنه يتمها، كما صرح به القاضي أبو الطيب والروياني (¬1). وقال في "المهمات": (إنه متجه، وكلام "شرح المهذب" و "الكفاية" يدل عليه) (¬2). 321 - قوله: (إلا من نوى عددًا .. فيتمُّهُ) (¬3) كان الأحسن أن يقول: (إلا من نوى شيئًا) ليدخل فيه من أحرم بركعة؛ فإنه لا يزيد عليها، وكلامه يقتضي إتمامها ركعتين؛ فإنه استثنى العدد، والواحد ليس عددًا، وقد سلم "الحاوي" من ذلك حيث قال [ص 140]: (ولا يزيد على ما انعقد). 322 - قول "التنبيه" [ص 21]: (وتبطل إن لم يسقط فرضها بالتيمم) ومثله قول "المنهاج" [ص 85]: (أو في صلاة لا تسقط به .. بطلت على المشهور) فوجَّها البطلان إلى الصلاة، ولو وجَّهاه إلى التيمم كما في "الحاوي" (¬4) .. لكان أحسن؛ فإنه يلزم منه بطلان الصلاة من غير عكس، مع أن الفصل معقود لذلك لا لبطلان الصلاة، ويختص "المنهاج" بأن تعبيره بـ (المشهور) يقتضي أن الخلاف قولان، وفي "الروضة": (على الصحيح) (¬5) فهما وجهان. 323 - قولهما -والعبارة لـ "التنبيه"-: (ولا يصلي بتيمم واحد أكثر من فريضة) (¬6) لو قالا: (ولا يفعل) .. لكان أحسن؛ ليعم الطوافين، والصلاة والطواف، وكذا الجمعة وخطبتها في الأصح، لكن قد يقال: الطواف صلاة، وقد عبر بذلك "الحاوي" فقال [ص 140]: (ويجمع (¬7) ولو صبيًا فرضًا، صلاةً أو طوافًا) لكن يرد على إطلاقه الفرض: تمكينها الزوج، فالأصح في (باب الحيض) من "شرح المهذب": جواز تكرره والجمع بينه وبين فرض بتيمم واحد (¬8). ويختص "التنبيه": بأنه ترد عليه صلاة الجنازة، فالأصح: إلحاقها بالنوافل، فيجمع بين صلوات جنائز وبين جنازة ومكتوبة بتيمم، لكنها عنده - تبعًا للشيخ أبي حامد - كالفرائض، وقد ذكرها "الحاوي" و "المنهاج" (¬9)، لكنه عبر عنها بالأصح، ولو عبر بالمذهب .. لكان أولى؛ فإن فيها طرقًا. ¬

_ (¬1) انظر "بحر المذهب" (1/ 234). (¬2) المجموع (2/ 335). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 85). (¬4) الحاوي (ص 140). (¬5) الروضة (1/ 115). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 21)، و "المنهاج" (ص 85). (¬7) كذا في النسخ و "الحاوي"، ولعل الصواب: (ولا يجمع) بإثبات (لا)، انظر "روضة الطالبين" (1/ 117)، و "تحفة المحتاج" (1/ 371)، و "نهاية المحتاج" (1/ 310)، و "مغني المحتاج" (1/ 163). (¬8) المجموع (2/ 368). (¬9) الحاوي (ص 140)، المنهاج (ص 85).

فائدة [فيما لو تذكر الصلاة المنسية]

ويستثنى من كلامهم جميعًا: مسألة محكية عن صاحب "الحاوي الصغير" في غير كتابه: أن من تجردت جنابته عن الحدث وعجز عن استعمال الماء بسبب وتيمم .. فله أن يصلي بتيممه ما لم يحدث ولم يقدر على استعمال الماء؛ لأنه يصلي بالوضوء وتيممه عن الجنابة، وقاسه على الحائض إذا تيممت لاستباحة الصلاة أو الوطء ثم أحدثت .. فإنه يجوز وطئها ومكثها في المسجد ما لم تجد الماء أو يعود حيضها، وفيما قاله نظر. 324 - قول "المنهاج" و "الحاوي": (إن النذر كفرض) (¬1) قد يرد ما قاله الروياني فيمن قال: لله عليّ إتمام كل صلاة أدخل فيها .. أن له أن يشرع في نفل بعد أداء فريضة بتيمم؛ لأن ابتداءها نفل، وقال القاضي حسين: إن قاله على وجه اللجاج؛ أي: لا أشرع فيها .. فموجبُهُ مُوجب اللجاج، حكاهما السبكي في الصيام (¬2). وقول "المنهاج" في المسألة [ص 85]: (في الأظهر) يقتضي قوة مقابله، وقد صرح بضعفه في "الروضة" (¬3). 325 - قول "المنهاج" [ص 85]: (وأن من نَسِيَ إحدى الخمس .. كفاه تيمم لهن) قال السبكي: لو قال: كفاه لهن تيمم .. كان أحسن؛ لئلا يوهم أنه ينوي التيمم للخمس، والمراد: أنه يتيمم تيممًا واحدًا للمنسية ويصلي به الخمس. 326 - قوله في المسألة: (وصلى بالأول أربعًا ولاءً) (¬4) تبع فيه "المحرر" (¬5)، وليس ذلك بشرط، ولم يذكره الرافعي في غيره. فائدة [فيما لو تذكر الصلاة المنسية] لو تذكر المنسية بعد ذلك .. لم تجب إعادتها، صرح به الروياني (¬6)، ورجحه في "شرح المهذب" من احتمالين: ثانيهما: تخريجه على ما لو ظن حديثًا فتوضأ له ثم تيقنه .. فالأصح: وجوب الإعادة (¬7)، ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 140)، المنهاج (ص 85). (¬2) انظر "بحر المذهب" (1/ 236). (¬3) الروضة (1/ 117). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 85، 86). (¬5) المحرر (ص 21). (¬6) انظر "بحر المذهب" (1/ 241). (¬7) المجموع (1/ 393، 394).

وجزم به ابن الصلاح في هذه الصورة (¬1). 327 - قول "التنبيه" [ص 20]: (ولا يجوز التيمم لمكتوبة إلا بعد دخول الوقت) فيه أمور: أحدها: لا يختص ذلك بالمكتوبة، فكل مؤقتة لا يتيمم لها إلا بعد وقتها حتى النفل المؤقت في الأصح، وقد عبر "الحاوي" بالمؤقتة (¬2)، فيتناول الجميع، وذكر "المنهاج" الفرض، وهو أعم من المكتوبة عرفًا؛ فإنه يتناول المنذورة المتعلقة بوقت معين بخلاف المكتوبة، وقد صرح المتولي بأن المنذورة المتعلقة بوقت معين كالفرض. قال في "الكفاية": (ويظهر تخريجه على القاعدة المعروفة) ثم قال "المنهاج" [ص 86]: (وكذا النفل المؤقت في الأصح) ولو عبر بالمذهب .. لكان أولى؛ لأن الأصح في "الروضة": الجزم به (¬3). ويدخل وقت صلاة الجنازة بتغسيل الميت، ووقت صلاة الاستسقاء باجتماع الناس لها. ثانيها: قال في "الكفاية": (أنه يفهم أنه يجوز للفائتة في أي وقت شاء؛ لأن وقتها قد دخل؛ أي: وليس كذلك، وإنما يتيمم لها بتذكرها حتى لو تيمم لها شاكًا فيها ثم تذكرها .. لم يصح به في الأصح). وجوابه: أن وقتها: تذكرها، كما جاء في الحديث، فقد دخلت في إطلاق الشيخ، وقد صرح بها "الحاوي" فقال [ص 134]: (كتذكر الفائتة). ثالثها: قد يرد عليه: الصلاة المجموعة تقديمًا؛ فإنه يجوز التيمم لها قبل وقتها في وقت المجموعة معها، وقد أشار إليها "المنهاج" بقوله [ص 86]: (قبل دخول وقت فعله) و "الحاوي" بقوله [ص 134]: (وقتها أو متبوعها). ويجاب عنه: بأنه وقت لها في هذه الحالة. رابعها: قد يورد عليه وعلى "المنهاج" و "الحاوي": من تيمم لفائتة ضحوة فلم يصلها به فزالت الشمس .. فإنه يصلي به الظهر في الأصح. وجوابه: أنه لم يتيمم لها قبل وقتها، غايته: أنه يصلي بالتيمم غير التي تيمم لها بدلها، ومثله: لو تيمم لحاضرة في وقتها ثم تذكر فائتة .. فله أن يصليها به في الأصح. تنبيه: مفهوم "المنهاج" و "الحاوي" و "التصحيح": جواز التيمم للنفل المطلق أيّ وقت شاء، ويستثنى منه: أوقات الكراهة، فلا يصح فيه على الأصح (¬4)، ولك أن تقول: أيّ وقت ¬

_ (¬1) انظر "مشكل الوسيط" (1/ 251). (¬2) الحاوي (ص 134). (¬3) الروضة (1/ 117). (¬4) الحاوي (ص 134)، المنهاج (ص 86)، تذكرة النبيه (2/ 432).

شاءه .. فهو وقت المطلقة، فساوت المؤقتة؛ إذ لم يتيمم لها أيضًا إلا في وقتها. 328 - قولهم -والعبارة لـ "التنبيه"-: (ومن لم يجد ماءً ولا ترابًا .. صلى الفريضه وحدها) (¬1) قد يفهم: أن الجنب تجب عليه قراءة (الفاتحة) فيها، وهو الأصح عند النووي (¬2)، وصحح الرافعي: المنع من قراءتها (¬3)، وقد يفهم هذا من قول "التنبيه": (وحدها) فإنه قياس منع النفل، لكن قد يفهم من عبارتهم: أن واجد التراب إذا أجنب وتيمم في الحضر .. أنه يقرأ مطلقًا، وسوَّى في "الكفاية" بينه وبين فاقد الطهورين في الخلاف إذا قلنا: يعيد. 329 - قول "التنبيه" [ص 21]: (وأعاد إذا قدر على أحدهما) يستثنى منه: إذا قدر على التراب في موضع لا يسقط القضاء؛ كالحضر .. فإنه لا يعيد، كما ذكره النووي في "فتاويه"، وحكاه في "شرح المهذب" عن الأصحاب (¬4)، وعبر عنه شيخنا الإسنوي في "تصحيحه": بالصواب (¬5)، وفيه نظر؛ ففيه احتمال في "فتاوى البغوي"، وجزم به النووي في "نكت التنبيه" بالإعادة مطلقًا، فظهر الخلاف. وأطلق "المنهاج" و "الحاوي" الإعادة ولم يبينا وقتها، فلا إيراد عليهما، وفي قول: لا تجب الإعادة مطلقًا، واختاره النووي في "شرح المهذب" (¬6). ولم تدخل في عبارتهم الجمعة؛ لأنها لا تُقْضَى، مع أنها كذلك في أن فاقد الطهورين يصليها لحرمة الوقت ويقضي الظهر بعد ذلك. 330 - قولهم -والعبارة لـ "المنهاج"-: (ويقضي المقيم المتيمم لفقد الماء، لا المسافر) (¬7) جار على الغالب في وجدان الماء في الإقامة وفقده في السفر، فلو انعكس الحال .. انعكس الحكم في الأصح، فإذا أقام حيث يغلب فقده كالمفازة .. لم يعد في الأصح، ولو مر مسافر في طريقه بقرية وعدم الماء .. أعاد في الأصح، وقد يقال: لا ترد الصورة الأولى على "التنبيه" لتعبيره بالحاضر، وهو: المقيم بالحاضرة، وليست المفازة حاضرة. ويستثنى من كلام "التنبيه": العاصي بسفره؛ فإنه يعيد على الأصح، وقد ذكره "المنهاج" و "الحاوي". ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 21)، و "الحاوي" (ص 140)، و "المنهاج" (ص 86). (¬2) انظر "الروضة" (1/ 85، 86). (¬3) انظر "فتح العزيز" (1/ 185). (¬4) فتاوى النووي (ص 41)، المجموع (2/ 304). (¬5) تذكرة النبيه (2/ 435). (¬6) المجموع (2/ 303, 304). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 21)، و "الحاوي" (ص 140)، و "المنهاج" (ص 86).

واستشكله السبكي، وقال: ينبغي إسقاط الإعادة تفريعًا على الأصح في أن السفر لا عبرة به، وإنما المعتبر: موضع الندور حضرًا كان أو سفر، فليس ذلك من رخص السفر حتى يستثنى منه المعصية. وأجاب عنه: بأن تيمم العاصي بسفره إعانة له على السفر، وكذلك لا يحل له أكل الميتة على الأصح وإن جوزناه للعاصي المقيم. وفي الجواب نظر. 331 - قول "التنبيه" في المتيمم للبرد [ص 21]: (أعاد إن كان حاضرًا، أو إن كان مسافرًا .. أعاد في أحد القولين) هو الأصح، وقول "المنهاج" [ص 86]: (قضى في الأظهر) يقضي إجراء القولين في الحاضر، والأصح فيه: القطع بوجوب الإعادة. 332 - قول "التنبيه" [ص 21]: (إن الجريح لا إعادة عليه)، قال في "المنهاج" [ص 86]: (إلا أن يكون بجرحه دم كثير) وأطلق "الحاوي" الإعادة على دامي الجرح ولم يقيده بالكثرة (¬1)، والتقييد بها من زيادة "المنهاج" على "المحرر" من غير تمييز، لكنه رجح في (شروط الصلاة) أنه كالبثرات، ومقتضاه: العفو عن الكثير، والأول أرجح، وقد يقال: لا حاجة إلى استثناء الدم الكثير من مسألة الجراحة؛ فإنه لا اختصاص لهذا بالتيمم، بل متى كان في بدنه جرح عليه دم كثير .. لزمه القضاء. 333 - قول "التنبيه" فيما إذا وضع الجبائر على طهر [ص 21]: (وفي الإعادة قولان) الأصح: أنه لا تجب الإعادة، وقد صرح به في "المنهاج" (¬2). ويرد عليهما: أن محل الخلاف: إذا لم تكن الجبيرة على محل التيمم، فإن كانت .. أعاد بلا خلاف، كذا في "الروضة" (¬3)، ونقله الرافعي عن المتولي وابن الصباغ (¬4)، وحكاه في "شرح المهذب" عن أبي الطيب والروياني أيضًا، قال: (وإطلاق الجمهور يقتضي عدم الفرق) انتهى (¬5). وهذا يرد أيضًا على مفهوم قول "الحاوي" في أمثلة القضاء [ص 140]: (وساتره بلا طهر) لكن قال شيخنا الإِمام سراج الدين: إنما ذكر ابن الصباغ والمتولي ذلك تفريعًا على إيجاب التيمم، ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 140). (¬2) المنهاج (ص 86). (¬3) الروضة (1/ 122). (¬4) انظر "فتح العزيز" (1/ 265). (¬5) المجموع (2/ 345)، وانظر "بحر المذهب" (1/ 259).

فإن لم نوجبه واكتفينا بالمسح .. فالقولان، وأصحهما: لا إعادة، قال شيخنا: والصواب: إثبات الخلاف مطلقًا أوجبنا التيمم أم لم نوجبه، ونصه في "الأم" يدل لذلك (¬1)، وكذلك كلام الشيخ أبي حامد وغيره. انتهى. 334 - قول "المنهاج" [ص 86]: (فإن وُضِع على حدث .. وجب نزعه، فإن تعذر .. قضى على المشهور) فيه أمران: أحدهما: أنه لا اختصاص لوجوب النزع بالوضع على حدث، بل متى أمكن النزع .. وجب، سواء وضع على طهر أو حدث، وإنما يفترق الحال عند تعذر النزع في القضاء وعدمه. ثانيهما: كان ينبغي أن يقول: (على المذهب) فإن الأصح: القطع بالقضاء. 335 - قول "الحاوي" [ص 140]: (وقَضَى المختلة دون عذر دائم كالجنون) لا يستقيم التمثيل بالجنون؛ فإنه لا صلاة على المجنون حتى توصف بالخلل، ومثّله في "التعليقة": بالإغماء، وتبعه الميمي، وهو فاسد أيضًا؛ لعدم الوجوب. * * * ¬

_ (¬1) الأم (1/ 43، 44).

باب الحيض

بابُ الحَيْض 336 - قول "التنبيه" [ص 21]: (أقل سن تحيض فيه المرأة: تسع سنين) أورد عليه في "الكفاية": أنه جعل التسع ظرفًا للحيض، ولا قائل بأن كلها ظرف له، قال: ولعل مراده: التاسعة. انتهى. وجوابه: أن حقيقة التسع إنما يتحقق بكمالها، وهو المظروف، وغايته: أن يقع الحيض في آخر التاسعة، وهو منطبق على ضابط التقريب، وهو: أن ترى الدم قبله بزمن لا يسع حيضًا وطهرًا. وفي "المنهاج" [ص 87]: (أقل سنه: تسع سنين) وهي مثل عبارة "التنبيه"، وفي "الحاوي" [ص 142]: (دم ترى بعد تسع) فسلم مما اعترض به عليهما. لكن يرد عليه: أنها على الأصح تقريب، فلو رأته قبل استكمالها بزمن لا يسع حيضًا وطهرًا .. فهو حيض مع أنه ليس بعد التسع بل قبلها. وقال الماوردي: (لو ظهر الدم قبل التسع بيوم أو يومين .. كان حيضًا) (¬1). ويوافقه اعتبار شيخنا الإِمام البلقيني في "التدريب" العرف في ذلك. 337 - قول "الحاوي" [ص 142]: (ولم يتقدم عليه حيض أو نفاس دون خمسة عشر) يقتضي أنه إذا تقدم عليه نفاس كامل وكان بينهما دون خمسة عشر .. أنه لا يكون حيضًا، وهو خلاف ما صححه النووي في "شرح المهذب" في الكلام على دم الحامل (¬2)، وهو مقتضى دولهما: (وأقل طهر فاصل بين الحيضتين: خمسة عشر يومًا) (¬3) فإنَّ ذكر الحيضتين للاحتراز عن حيض ونفاس سواء تقدم الحيض على النفاس أو تأخر عنه (¬4). 338 - قول "التنبيه" [ص 22]: (وقيل: يحرم العبور فيه، وقيل: لا يحرم)، قال النووي وشيخنا جمال الدين في "تصحيحهما": (الأصح: جواز عبورها في المسجد إذا أمنت التلويث) (¬5). واعترض عليهما: بأن التقييد بأمن التلويث لا حاجه إليه؛ فإن الكلام في خاصية الحيض، ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (1/ 389). (¬2) المجموع (2/ 378). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 22)، و "المنهاج" (ص 87). (¬4) انظر "تصحيح الحاوي" (ق 10). (¬5) تصحيح التنبيه (1/ 99)، تذكرة النبيه (2/ 438).

وخوف التلويث لا يختص به، بل المستحاضة، وسلس البول، ومن به جراحة نضاخة يخشى من مرور التلويث، كذلك ذكره الرافعي وغيره (¬1). وفي "المنهاج" [ص 87]: (وعبور المسجد إن خافت تلويثه) ولا بد له من هذا القيد؛ لأنه جزم بالتحريم، ولو أمنت التلويث .. لم يكن التحريم مجزومًا به، بل ولا مرجحًا، وإنما هو وجه مرجوح، فلا يقال فيه: لا حاجة فيه لهذا القيد، وإنما يقال: لا حاجة لذكره هذا الحكم، وهو: تحريم العبور في هذه الصورة؛ لأنه ليس من خاصية الحيض كما تقدم؛ ولذلك لم يذكره "الحاوي". ثم اعلم أن النووي نبه في "نكته" على أن مسألة العبور ليست في نسخة المصنف، وفي إثباتها إشكال؛ لأنه سيقول بعد هذا: (وتبقى سائر المحرمات إلى أن تغتسل) (¬2) ومعلوم أن تحريم العبور عند من يحرمه يرتفع بانقطاع الدم ويصير كالجنب، قال: فحذف هذه الزيادة هو الصواب. انتهى. لكنه في "التصحيح" مشى على إثباتها، وبيّن الصحيح فيها كما قدمته (¬3). 339 - قول "التنبيه" [ص 22]: (ويسقط عنها فرضها) تعبيره بالسقوط يوهم الوجوب، وليس كذلك. نعم؛ هو وجه في الصوم، فقول "المنهاج" في الصوم [ص 87]: (ويجب قضاؤه بخلاف الصلاة) أحسن منه، بل يزاد على كونه لا يجب قضاء الصلاة: أنه يحرم، فلو قالت: أنا أتبرع بقضاء الصلاة .. قلنا: لا يجوز لك ذلك، قاله القاضي أبو بكر البيضاوي في "تعليل مسائل التبصرة". ويستثنى من كلامهما: ركعتا الطواف؛ كما ذكره الروياني في "الفروق"، ونقله النووي في "شرح مسلم" عن الأصحاب (¬4)، وفي "شرح المهذب" عن صاحبي "التلخيص" و "المعاياة"، ثم قال: (وأنكره الشيخ أبو على، وهو الصواب) (¬5). 340 - قولهم: (إنه يحرم الاستمتاع بما بين سرتها وركبتها) (¬6) يفهم جواز الاستمتاع بنفس السرة والركبة. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (1/ 293). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 22). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 99). (¬4) شرح مسلم (4/ 26). (¬5) المجموع (2/ 356)، وانظر "التلخيص" (ص 135). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 22)، و "الحاوي" (ص 131)، و "المنهاج" (ص 87).

قال في "شرح المهذب": (ولم أر فيه نقلًا، والمختار: الجزم بالحل، ويحتمل أن يخرج على الخلاف في كونهما عورة) (¬1). قال في "التصحيح": (والمختار: أنه لا يحرم من الحائض غير الفرج) انتهى (¬2). وهو اختيار الماوردي في "الإقناع" (¬3) والروياني في "الحلية"، وإذا قلنا: لا يحرم .. فهو مكروه. واستحسن في "شرح المهذب" وجهًا ثالثًا: أنه إن وثق المباشر تحت الإزار بترك الوطء لورع أو قلة شهوة .. جاز، وإلا .. فلا (¬4). 341 - قول "التنبيه" [ص 22]: (وإذا انقطع الدم .. ارتفع تحريم الصوم، وتبقى سائر المحرمات إلى أن تغتسل) فيه أمران: أحدهما: أنه أورد عليه: أنه كان ينبغي أن يستثنى: الطلاق أيضًا؛ فإن تحريمه يزول بمجرد الانقطاع، وقد استثناه في "المنهاج" (¬5). وأجاب عنه ابن الرفعة: بأنه لم يذكره في المحرمات؛ فإنه يحرم على الزوج لا عليها. قال النسائي: (وقد يعتذر بالاكتفاء بذكره في الطلاق) (¬6). وأورد عليه: أن هذا يحسن اعتذارًا عن إهمال الشيخ مسألة الطلاق هنا، لا عن إتيانه بصيغة دالة على بقاء تحريمه الذي هو حرف السؤال. واستثنى في "التصحيح" من كلام "التنبيه" أيضًا: عبور المسجد، فقال: (وأنه إذا قلنا بتحريمه فانقطع دمها .. جاز قبل الغسل) انتهى (¬7). وقد عرفت أن مجرد العبور لا يحرم في الأصح، والاستثناء إنما هو على وجه؛ ولذلك قال: (إذا قلنا بتحريمه). وقول ابن الرفعة: (رجحه في "الروضة") (¬8) يريد: تفريعًا على التحريم، ولا يرد هذا على "المنهاج" لأنه إنما ذكر تحريم العبور مع خوف التلويث، وإذا انقطع الدم .. أمن التلويث. ¬

_ (¬1) المجموع (2/ 366، 367). (¬2) تصحيح التنبيه (1/ 98). (¬3) الإقناع (ص 29). (¬4) المجموع (2/ 366). (¬5) المنهاج (ص 87). (¬6) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 15). (¬7) تصحيح التنبيه (1/ 99). (¬8) الروضة (1/ 137).

واستثنى بعضهم: الغسل؛ فإنه قبل الانقطاع بنية التعبد حرام، وسقوط قضاء الصلاة، ولم يذكر "الحاوي" في المحرمات: الطلاق، وتحريم العبور، ولما ذكر تحريم الصوم .. ذكر استمراره إلى الطهر، ولم يذكر ذلك في غيره من المحرمات. ثانيهما: لو قال: (إلى أن تطهر) .. لكان أحسن؛ ليشمل التيمم بشرطه، وقد عبر به "الحاوي" فقال [ص 131]: (والصوم إلى الطهر) وعبر "المنهاج" و "الحاوي" بالغسل كـ "التنبيه"، على أنه يرد على التعبير بالتطهر: الصلاة إذا فقدت الطهورين؛ فإنها تجب عليها، إلا أن يقال: إنها صورة صلاة لا صلاة. 342 - قولهم في المستحاضة: (وتعصبه) (¬1) فيه أمران: أحدهما: أن محل وجوب التعصيب: إذا لم تتأذ باجتماع الدم، فإن تأذت به .. فلا تعصب، وتصلي مع السيلان. ثانيهما: أن التعصيب إنما هو بعد حشو الفرج بقطنة أو نحوها إذا لم يندفع الدم بالحشو، كذا في "الشرح" و "الروضة" (¬2)، وفي "الكفاية" عكسه؛ أي: إن لم يندفع بالعصابة .. حشته، ويستثنى من الحشو: إذا كانت صائمة .. فلا تحشوه نهارًا، قاله الرافعي (¬3). قال في "الكفاية": (وينبغي تخريجه على مسألة الخيط إذا أصبح وبعضه مبتلع). وجعل بعضهم الحشو عند الاحتياج إليه من كمال التعصيب، فلا إيراد. 343 - قول "التنبيه" [ص 22، 23]: (وتتوضأ لكل فريضة) يشترط: كون الوضوء في الوقت، وقد صرح به "الحاوي"، فقال [ص 148]: (وتتوضأ لكل فرض في الوقت) وهو معنى قول "المنهاج" [ص 87]: (وتتوضأ وقت الصلاة) ولا يقال: يندرج في كلامه: النوافل المؤقتة، فيقتضي الوضوء لكل نافلة مؤقتة، وليس كذلك؛ لأن المراد: الصلاة المعهودة، وهي الفريضة, وقد قال بعد ذلك: (ويجب الوضوء لكل فرض) (¬4). ولو قالوا: (فتتوضأ) بالفاء .. لكان أحسن؛ لأن الأصح في "شرح مسلم" والمجزوم به في "التحقيق": اشتراط تعقيب الوضوء غسل الفرج وتعصيبه (¬5). 344 - قول "التنبيه" [ص 23]: (ولا تؤخر بعد الطهارة الاشتغال بأسباب الصلاة والدخول فيها، فإن أخرت ودمها يجري .. استأنفت الطهارة) يستثنى: ما لو كان التأخير لمصلحة الصلاة؛ ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 22)، و "الحاوي" (ص 148)، و "المنهاج" (ص 87). (¬2) فتح العزيز (1/ 299)، الروضة (1/ 137). (¬3) انظر "فتح العزيز" (1/ 299). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 87). (¬5) شرح مسلم (4/ 18)، التحقيق (ص 144).

كانتظار الجماعة .. فالذي أورده الرافعي وهو المذهب في "شرح المهذب": أنها لا تجدد (¬1)، وقول الرافعي: (إن لها التأخير لهذا بلا خلاف) (¬2) فيه نظر؛ ففي "الحاوي" حكايته وجه: أنه لا يجوز (¬3)، والمشهور في "الكفاية": التفريق بين ما هو سببها وسبب كمالها؛ كالجماعة، وقد صرح "المنهاج" بهذا، فقال [ص 87]: (فلو أخرت لمصلحة الصلاة؛ كستر، وانتظار جماعة) و "الحاوي"، فقال [ق 7]: (فإن اشتغلت بما لا يتعلق بالصلاة). 345 - قول "التنبيه" [ص 23]: (وإن انقطع دمها في الصلاة) كذلك لو انقطع قبل الصلاة، وقول "الحاوي" [ص 148]: (أو انقطع قبلها) كذلك إذا انقطع فيها (¬4)، فكلا العبارتين ناقصة، وأحسن منهما قول "المنهاج" [ص 87]: (ولو انقطع دمها بعد الوضوء) فإنه شامل لانقطاعه قبل الصلاة ولو عقب الوضوء متصلًا به، ولانقطاعه في أثناء الصلاة، فهو متناول لصورتي "التنبيه" و "الحاوي"، وينبغي أن يحمل قول "المنهاج": (بعد الوضوء) أي: بعد الشروع فيه؛ ليشمل ما إذا وجد الانقطاع في أثنائه، على أن صاحب "المصباح" قال: (إن "الحاوي" لم يرد بقوله: "قبلها": قبل الشروع فيها، وإنما أراد: قبل الفراغ منها). ويمكن أن يقال: إنه لم يحترز عن الانقطاع فيها، بل أشار به إن وجوب المبادرة للتجديد قبل الصلاة، فلو صلت بغير تجديد .. قضت ولو عاد قبل مضي قدر وضوء وصلاة؛ لترددها في النية أولًا. 346 - قول "التنبيه" [ص 23]: (استأنفت الطهارة والصلاة) محله كما في "المنهاج" [ص 87]: (إذا لم تعتد انقطاعه وعوده، أو اعتادت ووسع زمن الانقطاع وضوءًا والصلاة) ومع ذلك فلو عاد قبل إمكان الطهارة والصلاة .. فالأصح: بقاء وضوئها, لكن تعيد ما صلته به في الأصح؛ لتردد النية كما قدمته، أما إذا اعتادت انقطاعًا لا يسعهما .. لم تبطل طهارتها. لكن قول "المنهاج" [ص 87]: (وجب الوضوء) تبع فيه "المحرر" (¬5)، ولو عبر بالطهارة؛ كما في "التنبيه" ليشمل غسل الفرج عن النجاسة .. لكان أحسن. ثم إنه يرد على مفهومه: ما إذا طال زمن هذا الانقطاع على خلاف عادتها .. فإن الأصح: أنا نتبين البطلان. ويرد عليه أيضًا: ما إذا لم تعتد الانقطاع وأخبرها عارف بأنه لا يعود إلا بعد ما يسعهما، أو ¬

_ (¬1) فتح العزيز (1/ 299)، المجموع (2/ 496). (¬2) انظر "فتح العزيز" (1/ 299). (¬3) الحاوي (ص 148). (¬4) انظر "تصحيح الحاوي" (ق 10). (¬5) المحرر (ص 23).

يعود قريبًا .. فكاعتياد ذلك، وقد استوفى ذلك "الحاوي" بقوله [ص 148]: (جددت، لا إن علمت قرب العود، فإن دام .. قضت) فلا يرد عليه شيء مما تقدم، إلا أنه قد يتخيل ورود الأخيرة عليه، وهي: ما إذا أخبرها عارف بعوده قريبًا، مع أنها لا ترد عليه؛ لدخولها في قوله: (علمت) فإن علمها بذلك إما باعتياد وإما بإخبار عارف به، فهي عبارة مختصرة شاملة في غاية الحسن. 347 - قول "المنهاج" [ص 88]: (رأت لسن الحيض أقله) أي: فأكثر؛ فإن أقله لا يمكن أن يعبر أكثره، وكذا قول "الحاوي" [ص 142]: (يومًا وليلة) أي: فما زاد. 348 - قول "المنهاج" [ص 88]: (والصفرة والكدرة حيض في الأصح) عبر في "الروضة" بالصحيح، ومحل هذا الخلاف: إذا رأته في غير أيام العادة، فإن رأته في العادة .. فحيض جزمًا، قاله في "الروضة" (¬1). لكن في "التتمة": لا بد من قوي معه، وقيل: يجب تقدم القوي، فيحسن حينئذ إطلاق الخلاف. 349 - قول "التنبيه" [ص 22]: (فإن كانت مميزة، وهي: التي ترى في بعض الأيام دمًا أسود وفي بعضها دمًا أحمر .. كان حيضها أيام الأسود) فيه أمور: أحدها: أنه يقتضي حصر المميزة فيما ذكر، ولا قائل به، بل الأصحاب متفقون على أنها التي انقسم دمها إلى قوي وضعيف، وإنما اختلفوا فيما به الاعتبار في القوة والضعف، فقيل: اللون فقط، والأصح: أنه لا يختص به، بل الرائحة والثخانة كذلك، فالدم الأقوى هو: الذي صفاته من الثخن والنتن والسواد أكثر، فإن لم يكن سواد .. فالحمرة، فإن لم تكن .. فالشقرة، فإن لم تكن .. فالصفرة، فإن اجتمعت في دم دون غيره، أو وُجد منها فيه اثنان وفي غيره واحد، أو وُجد منها فيه واحد وانتفت في غيره .. فهو الحيض، فإن تكافأت الدماء في وجود الثلاثة، أو انتفائها، أو وجود اثنين منها، أو واحد .. فالسابق هو الأقوى، كما نقله الرافعي عن صاحب "التتمة"، وقال: (هو موضع التأمل) (¬2)، وجزم به في "التحقيق" (¬3)، وقد جمع "الحاوي" ذلك كله بقوله [ص 143]: (وما صفاته من ثخن، ونتن، وسواد، ثم حمرة، ثم شقرة، ثم صفرة أكثر، ثم ما سبق أقوى)، وأشار إليه "المنهاج" إجمالًا بقوله [ص 88]: (بأن ترى قويًا وضعيفًا). ثانيها: قد يفهم كلامه: أنه إذا اجتمع السواد والحمرة والصفرة .. أن حيضها الأسود فقط، ¬

_ (¬1) الروضة (1/ 152). (¬2) انظر "فتح العزيز" (1/ 306). (¬3) التحقيق (ص 122).

وهو كذلك عند تقدم الحمرة، فإن تقدم السواد وأمكن الجمع .. فكلاهما حيض في الأصح، وقد ذكر "الحاوي" هذه الصورة بقوله [ص 143]: (ولا حقٍ نسبيّ إن أمكن الجمع). ولا ترد على "المنهاج" لأنه قال [ص 88]: (فالضعيف استحاضة، والقوي حيض) فإن الأحمر إن جعل (ضعيفًا) (¬1) بالنسبة إلى السواد قبله .. فهو قوي بالنسبة إلى الصفرة بعده. ثالثها: لاعتبار التمييز ثلاثة شروط: - ألاَّ ينقص القوي عن أقل الحيض. - ولا يزيد على أكثره. - ولا ينقص الضعيف عن أقل الطهر. وقد صرح بها "المنهاج" (¬2) وأشار إليها "الحاوي" بقوله [ص 142]: (بالشروط) وقد تفهم مما قدمه "التنبيه" في مقدار ذلك. 350 - قول "التنبيه" [ص 22]: (وإن لم تكن مميزة ولا عادة لها وهي المبتدأة .. ففيها قولان، أحدهما: أنها تحيض أقل الحيض) هذا هو الأصح، وكلامه يقتضي أنه لا يصدق عليها اسم المبتدأة إلا مع فقد التمييز، وليس كذلك، فالمبتدأة مميزة وغير مميزة، وكلام "المنهاج" مصرح بذلك (¬3). لكن اعترض قوله: (أو مبتدأة لا مميزة) (¬4) بأن من فقدت شرط التمييز .. مميزة، لكن تمييزها غير معتبر. وأجيب عنه: بأن قوله بعده: (أو فقدت شرط تمييز) (¬5) معطوف على قوله: (لا مميزة) وتقديره: أو مبتدأة لا مميزة، أو مبتدأة مميزة فقدت شرط التمييز. 351 - قولهم في المبتدأة: (إن حيضها: يوم وليلة) (¬6) محله: إذا عرفت وقت ابتداء الدم، وإلا .. فهي كالمتحيرة. 352 - قول "المنهاج" [ص 88]: (وطهرها تسع وعشرون) يحتمل عود (الأظهر) إليه أيضًا؛ أي: الأظهر: أن حيضها الأقل، لا الغالب، والأظهر أيضًا: أن طهرها تسع وعشرون، لا الغالب، وحينئذ .. فيقرأ: (وطهرها) بالنصب، ويحتمل أنه مفرع على القول الأول، فيقرأ ¬

_ (¬1) في (أ): (قويًا)، والمثبت من باقي النسخ. (¬2) المنهاج (ص 88). (¬3) المنهاج (ص 88). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 88). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 88). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 22)، و "الحاوي" (ص 142)، و "المنهاج" (ص 88).

بالرفع، والأول أقرب إلى عبارة "المحرر" (¬1). 353 - قولهما: (إن المعتادة تُرَدّ لعادتها) (¬2) محله: ما إذا كانت العادة متفقة أو مختلفة متسقة، فإن كانت مختلفة غير متسقة أو مختلفة متسقة ونسيت النوبة التي استحيضت عقبها .. اغتسلت في آخر منوبة، وقد ذكره "الحاوي" (¬3). 354 - قول "المنهاج" [ص 88]: (وتثبت بمرة في الأصح) هذا في العادة المتفقة، أما المختلفة: فإنما تثبت بمرتين في الأصح، وقد ذكره "الحاوي" (¬4)، ومحل الخلاف: في عادة الحيض، أما الاستحاضة: فتثبت بمرة قطعًا. 355 - قول "الحاوي" [ص 144]: (وتثبت العادة بالتمييز) أي: كما إذا رأت خمسة سوادًا وباقي الشهر حمرة مرارًا ثم أطبق السواد أو الحمرة .. فحيضها خمسة من أول الدور لما استقر من عادتها، كذا ذكره الرافعي هنا، وقال في المستحاضة الأولى: لو رأت خمسة سوادًا ثم حمرة مستمرة .. فلا حيض لها في الأشهر التي استمرت فيها الحمرة، خلافًا لما دل عليه كلام الغزالي (¬5)، فما ذكره هنا مخالف لما تقدم فيما إذا أطبقت الحمرة لا السواد. 356 - قول "التنبيه" في المتحيرة [ص 22]: (لا يطؤها الزوج) لو قال كـ "المنهاج" [ص 88]: (فيحرم الوطء) .. لكان أولى؛ ليتناول وطء السيد، ومع ذلك فيفهم من كلامهما: الجزم بإباحة الاستمتاع بما بين سرتها وركبتها, وليس كذلك، بل هي في ذلك كالحائض، وقد تناوله قول "الحاوي" [ص 145]: (فهي كالحائض). 357 - قولهما: (وتغتسل لكل فرض) (¬6) يستثنى منه: ذات التقطع في النقاء؛ فإنه لا غسل عليها، وقد استثناه "الحاوي" (¬7). ويرد عليهم جميعًا: أن محل الغسل لكل فرض: إذا لم تعلم وقتًا لانقطاع دمها، فإن علمت؛ كعند الغروب مثلًا دائمًا .. لم تغتسل إلا للمغرب فقط في كل يوم وليلة، قاله النووي في "التحقيق" (¬8) وابن الرفعة في "الكفاية"، وسكوتهما عن قضاء الصلاة بعد فعلها في الوقت مشعر ¬

_ (¬1) المحرر (ص 23). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 22)، و "المنهاج" (ص 88). (¬3) الحاوي (ص 145). (¬4) الحاوي (ص 144). (¬5) انظر "الوجيز" (1/ 142)، و "الوسيط" (1/ 424)، و "فتح العزيز" (1/ 320، 321). (¬6) انظر "التنبيه" ص (22)، و "المنهاج" (ص 88). (¬7) الحاوي (ص 145). (¬8) التحقيق (ص 129, 130).

بعدم وجوبه، وهو الذي حكاه الدارمي والماوردي والشيخ نصر وآخرون عن جمهور أصحابنا (¬1)، ونص عليه الشافعي كما نقله الروياني في "البحر" (¬2)، وقال شيخنا في "المهمات": (إنه المفتى به). لكن الذي رجحه الرافعي والنووي: وجوب القضاء (¬3)، وقد ذكره "الحاوي" (¬4)، لكن قوله: (أو تقضي لكل ستة عشر يومًا الخمس) (¬5) مخالف لما ذكره الرافعي والنووي: من أنها تقضي الخمس لكل خمسة عشر يومًا (¬6)، لكن صوب شيخنا في "المهمات" ما قاله "الحاوي" لأن القضاء إنما يجب لاحتمال الانقطاع، ولا يتصور في الستة عشر إلا مرة، والله أعلم. 358 - قول "التنبيه" [ص 22]: (وتصوم رمضان ثم تصوم شهرًا آخر، فيصح لها من ذلك ثمانية وعشرون يومًا) قيده "المنهاج" بأن يكونا كاملين (¬7)، فإن الناقص لا يحصل منه إلا ثلاثة عشر يومًا، ولم يقيد "المحرر" و "الحاوي" رمضان بالكمال (¬8)، وهو أحسن؛ فإنه متى نقص وكان الثاني كاملًا .. لا يجب سوى قضاء يومين أيضًا؛ لأن المفروض تسعة وعشرون يومًا، وقد حصلت منها سبعة وعشرين يومًا، وتقييد "المنهاج" صحيح بالنسبة إلى حصول أربعة عشر من كل منهما، فإنه عبر بقوله: (فيحصل من كل أربعة عشر) (¬9) فظهر أنه إن كان المحكوم به بقاء يومين .. فلا حاجة لتقييد رمضان بالكمال؛ فإنه متى كمل الثاني .. لا تقضي سوى يومين كمل رمضان أو نقص، وإن كان المحكوم به حصول أربعة عشر منه .. فلا بد من تقييده بالكمال؛ فإنه متى لم يكمل .. لا يصح منه سوى ثلاثة عشر وإن كان لا يجب سوى قضاء يومين إذا كمل الثاني. 359 - قولهما في قضاء يومين: (ثم تصوم ستة أيام من ثمانية عشر يومًا، ثلاثة في أولها، وثلالة في آخرها) (¬10) صحيح، لكنه غير متعين، وضابط هذه الطريقة - وهي طريقة الجمهور -: أن تضعف ما عليها وتزيد يومين، فتصوم ما عليها وتصوم مثله من سابع عشر صومها الأول، وتصوم يومين بينهما كيفما كان متصلين بالصوم الأول أو بالصوم الثاني أو أحدهما متصلًا بالأول ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (1/ 417). (¬2) بحر المذهب (1/ 395)، وانظر "الأم" (1/ 68). (¬3) انظر "فتح العزيز" (1/ 328)، و "المجموع" (2/ 427)، و "الروضة" (1/ 154). (¬4) الحاوي (ص 145). (¬5) انظر "الحاوي" (ق 145). (¬6) انظر "فتح العزيز" (1/ 328)، و "المجموع" (2/ 427)، و"الروضة" (1/ 154). (¬7) المنهاج (ص 88). (¬8) المحرر (ص 24)، الحاوي (ص 145). (¬9) انظر "المنهاج" (ص 88). (¬10) انظر "التنبيه" (ص 22)، و "المنهاج" (ص 88).

والآخر بالأخير، وهي صورة "التنبيه" و "المنهاج"، أو ليسا متصلين بواحد منهما، بل في وسط المدة مجتمعين أو متفرقين، وهذه الطريقة تأتي في أربعة عشر يومًا وما دونها، وقد ذكرها "الحاوي" بقوله [ص 146]: (أو تصوم مثل الفائت ولاءً، ثم مرة من السابع عشر وتصوم يومين بينهما، هذا في أربعة عشر ودونها). 360 - قول "المنهاج" [ص 88]: (ويمكن قضاء يوم بصوم يوم ثم الثالث والسابع عشر) صحيح أيضًا، لكنه يوهم أنه لا يمكن قضاء يومين بأقل من ستة أيام؛ فإنه في معرض بيان الأقل، وليس كذلك، بل يمكن بخمسة على هذه الطريقة، وهي طريقة الدارمي، واستحسنها النووي في "شرح المهذب" (¬1)، وهي تأتي من يوم سبعة، وضابطها: أن تأتي بما عليها مع زيادة صوم يوم مفرقًا في خمسة عشر يومًا؛ أي: على أيّ وجه شاءت، ثم تأتي به مرة أخرى بدون زيادة يوم، بحيث يقع كل يوم في المرة الثانية سابع عشر ما يناظره من المرة الأولى إلى خامس عشر ثاني ما يناظره من الأولى، وقد ذكرها "الحاوي" بقوله [ص 146]: (وتأتي بفائت الصوم مرة بزيادة واحد في خمسة عشر متفرقًا، ومرة سابع عشر كل إلى خامس عشر ثانيه، هذا في سبعة ودونها، فلقضاء يومين .. تصوم يومًا، وثالثه، وخامسه، وسابع عشره، وتاسع عشره). ويمكن أن يجاب عن "المنهاج": بأنه نبه بمجموع كلامه على الطريقتين، وهذه الطريقة ترد على "التنبيه" فإنه لم يتعرض لها أصلًا، وأفهم كلامه: أنه لا يحصل صوم يومين بدون ستة، وقد عرفت أنه بهذه الطريقة تحصل بخمسة، والله أعلم. 361 - قولهم -والعبارة لـ "الحاوي"-: (ولو حفظت الوقت أو القدر) (¬2) إنما يخرج عن التحير المطلق بحفظ القدر إذا علمت قدر الدور وأوله. نعم؛ يصح لها من صوم رمضان إذا كان كاملًا أربعة وعشرون يومًا إذا كان حيضها خمسة من ثلاثين، ذكره النووي في "شرح المهذب" (¬3). 362 - قولهما: (إن الأظهر: أن دم الحامل حيض) (¬4) فيه أمران: أحدهما: يستثنى منه: الدم الخارج عند الطلق أو مع الولد، فالأصح: أنه ليس بحيض ولا نفاس، وقد استثناه "الحاوي" فقال [ص 142]: (لا عند الطلق). ثانيهما: ظاهر كلامهما: أنه يثبت فيه سائر أحكام الحيض، ويستثنى من ذلك: أنه لا يحرم ¬

_ (¬1) المجموع (2/ 432، 435). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 22)، و "الحاوي" (ص 147)، و "المنهاج" (ص 88). (¬3) المجموع (2/ 452). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 22)، و "المنهاج" (ص 89).

فيه الطلاق، ولا تنقضي به عدة صاحب الحمل إلا إن وطئها بشبهة وهي حامل .. فتنقضي به عدة ذلك الوطء في الأصح، وتنقضي به عدة غيره، كما ذكره القاضي حسين. لكن في "أصل الروضة": إنه ضعيف (¬1)، وضعفه الإِمام والغزالي (¬2)، وهذا يرد على "الحاوي" أيضًا. 363 - قول "التنبيه" [ص 22]: (وإذا رأت المرأة يومًا طهرًا ويومًا دمًا .. ففيه قولان، أحدهما: تضم الطهر إلى الطهر والدم إلى الدم، والثاني: لا تضم، بل الجميع حيض) فيه أمور: أحدها: لا فرق بين التقطع بيوم وفوقه ودونه، فذكر اليوم على سبيل المثال، أو المراد به: الوقت؛ كما قيل في قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} ولعله ذكره ليُستغنى عن التصريح باشتراط: ألاَّ ينقص مجموع الدماء في المدة المذكورة عن أقل الحيض، وهو: يوم وليلة. ثانيها: كيف يسميه أولًا طهرًا مع أن هذا موضع الخلاف؟ وكان ينبغي التعبير بالنقاء. ثالثها: محل الخلاف: في النقاء الذي بين الدمين، أما النقاء المتقدم على الدم: فليس حيضًا قطعًا، ولم يقيد موضع الخلاف، بل أوهم جريانه في هذه الصورة بتقديم ذكر الطهر في اللفظ. رابعها: الأصح: الثاني، وهو أن الجميع حيض. خامسها: صورة المسألة: في النقاء الزائد على الفترات المعتادة بين دفعات الدم، فأما الفترات: فحيض قطعًا، ولا يرد شيء من ذلك على قول "الحاوي" [ص 142، 143]: (بنقاء تخلل) ويرد الأخير فقط على قول "المنهاج" [ص 89]: (والأظهر: أن النقاء بين الدمين حيض). وقوله: (بين الدمين) قال الشيخ برهان الدين بن الفركاح: (كذا هو في عدة نسخ، وقيل: إنه كان هكذا في نسخة المصنف، وإنه أُصْلِحَ بعده بقوله: "بين أقل الحيض" لأن الراجح: أن محل القولين ذلك) انتهى (¬3). وهي النسخة التي شرح عليها الشيخ تقي الدين السبكي. قال شيخنا شهاب الدين بن النقيب: (وقد رأيت نسخة المصنف التي بخطه، وقد أُصْلِحَت - كما قال - بغير خطه) انتهى (¬4). ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 388). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (1/ 443، 444)، و "الوسيط" (1/ 478). (¬3) انظر "بيان غرض المحتاج إلى كتاب المنهاج" (ق 3). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 232).

364 - قول "المنهاج" [ص 89] و"الحاوي" [ص 147]: (وأقل النفاس: لحظة) وفي "التنبيه" [ص 22]: (مجة) وفي "الشرح" و" الروضة ": (لا حد لأقله، بل يثبت حكمه لما وجدته وإن قلّ) (¬1). 365 - قول "التنبيه" [ص 22]: (ويسقط عنها ما يسقط عن الحائض) يستثنى منه: أقل النفاس؛ فإنه لا يسقط قضاء الصلاة، كما نقله ابن الرفعة عن البندنيجي وأقره؛ وذلك لأن أقل النفاس لا يمكن أن يستغرق وقت الصلاة، بخلاف أقل الحيض. 366 - قوله: (وإذا عبر الدم الأكثر .. فهو كالحيض في الرد إلى التمييز والعادة والأقل والغالب) (¬2) قال في " الكفاية ": (أفهم: أن المتحيرة لا تكون في النفاس، وليس كذلك في ذاكرة العدد أو الوقت، بخلاف المتحيرة بناء على المذهب في أن التي عادتها عدم النفاس إذا ولدت ورأت الدم وعبر الأكثر .. تكون مبتدأة؛ لانتفاء التحير بعلم الابتداء) انتهى. وأطلق " المنهاج " أنه كعبور الحيض أكثره (¬3). ¬

_ (¬1) فتح العزيز (1/ 356)، الروضة (1/ 174). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 22). (¬3) المنهاج (ص 89).

كتاب الصلاة

كتابُ الصَّلاة 367 - كان ينبغي لـ" المنهاج " أن يقول عقبه: (باب مواقيت الصلاة) كما فعل " التنبيه ". 368 - قول " التنبيه " في وقت الظهر [ص 24]: (وآخره: إذا صار ظل كل شيء مثله) أي: سوى ظل استواء الشمس، كما صرح به " المنهاج " (¬1)، وهو مفهوم من قول " الحاوي " [ص 149]: (وقت الظهر: بين الزوال وزيادة الظل مثله) فإنه يدل على أن المعتبر: الظل الزائد على ظل الاستواء، فلا عبرة بظل الاستواء، ولم يذكروا للظهر وقت اختيار، وهو: ما بعد الفضيلة إلى آخر الوقت. وقال القاضي: وقته: إذا صار الظل مثل نصفه. 369 - قول " التنبيه " [ص 24]: (والعصر، وأول وقته: إذا صار ظل كل شيء مثله وزاد عليه أدنى زيادة) قال في " الكفاية ": (ظاهره مع ما تقدم: أن هذه الزيادة فاصلة بين الوقتين، وهو وجه) انتهى. وهذا الوجه يرد على قول " الروضة ": (وأما العصر: فيدخل وقتها بخروج وقت الظهر بلا خلاف) انتهى (¬2). وعبارة الشافعي -رضي الله عنه- كعبارة الشيخ (¬3)، فقيل: هذه الزيادة فاصلة بين الوقتين، وقيل: هي من وقت الظهر. وحمل النص على أن وقتها لا يكاد يعرف انقضاؤه إلا بها، وقيل: إنها من وقت العصر، وهو الأصح؛ ولذلك لم يذكر هذه الزيادة " المنهاج " و" الحاوي ". 370 - قول " التنبيه " [ص 24]: (وآخره: إذا صار ظل كل شئ مثليه، ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الجواز إلى الغروب) يوهم السامع أولاً أنه لا يمتد إلى الغروب، وكذا كلامه في وقت العشاء والصبح، فلو ذكر وقت الجواز أولاً ثم الوقت المختار .. لزال هذا التوهم؛ كما قال " المنهاج " [ص 90]: (ويبقى حتى تغرب، والاختيار: ألا تؤخر عن مصير الظل مثلين)، وبنحوه عبر " الحاوي " (¬4)، وقد أطلقوا أن من مصير الظل مثليه إلى الغروب وقت جواز، وهو قسمان: جواز بلا كراهة إلى الاصفرار، وبكراهة إلى الغروب. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 90). (¬2) الروضة (1/ 180). (¬3) انظر " الأم " (1/ 73). (¬4) الحاوي (ص 149).

371 - قول " التنبيه " في المغرب [ص 24، 26]: (ولا وقت لها إلا وقت واحد في أظهر القولين، وهو بمقدار ما يتوضأ ويستر العورة ويؤذن ويقيم) فيه أمور: أحدها: ما صححه من تضييق وقت المغرب مشى عليه " الحاوي " (¬1)، وحكاه النووي في " شرح المهذب " عن الجمهور، لكنه رجح مقابله، وهو: امتداده إلى مغيب الشفق الأحمر، فقال فيه: إنه الصحيح (¬2)، وفي " الروضة ": إنه الصواب (¬3)، وفي " التحقيق " و" التصحيح ": إنه المختار (¬4)، وفي " المنهاج " [ص 90]: (إنه أظهر)، لكنه جعله قديماً مع أنه ليس قديماً محضاً؛ لأن الشافعي في " الإملاء " -وهو من الجديد- علق القول به على ثبوت الحديث، وقد ثبتت فيه أحاديث عديدة (¬5). ثانيها: التعبير بالوضوء عبر به " المنهاج " و" الحاوي " أيضاً (¬6)، وفي " النهاية " و" شرح المهذب " التعبير بالطهارة (¬7)، وهو شامل للغسل والتيمم وإزالة النجاسة. ثالثها: التعبير بستر العورة عبر به " المنهاج " أيضاً (¬8)، وفي " الحاوي " [ص 149]: (وستر) ولم يقيد ذلك بالعورة، فالظاهر: أنه محمول على عبارتهما، وقد يقال: أراد: ستر البدن مطلقاً؛ فإنه مطلوب في الصلاة، وقد عبر الماوردي في " الإقناع " وسليم في " المجرد " والشيخ نصر في " المقصود " بلبس الثياب (¬9)، واستحسنه شيخنا في " المهمات " لتناوله التعمم والتقمص والارتداء ونحوها؛ فإنه مستحب للصلاة. رابعها: اعتبر "المنهاج " و" الحاوي " مع ذلك قدر خمس ركعات (¬10)؛ أي: الفرض وركعتان بعده، وقد صحح النووي: استحباب ركعتين قبل المغرب (¬11)، فينبغي اعتبار سبع لا خمس. خامسها: يعتبر مع ما ذكروه: أكل لقم يكسر بها حدة الجوع، قاله الرافعي (¬12)، وقال النووي ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 149). (¬2) المجموع (3/ 33). (¬3) الروضة (1/ 181). (¬4) التحقيق (ص 161)، التصحيح (1/ 110). (¬5) منها ما رواه مسلم في " صحيحه " (612): عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " وقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق ". (¬6) الحاوي (ص 149)، المنهاج (ص 90). (¬7) نهاية المطلب (2/ 16)، المجموع (3/ 35). (¬8) المنهاج (ص 90). (¬9) الإقناع (ص 34). (¬10) الحاوي (ص 149)، المنهاج (ص 90). (¬11) انظر " المجموع " (3/ 35). (¬12) انظر " فتح العزيز " (1/ 371).

في " شرح المهذب ": (الصواب: أنه لا ينحصر الجواز في أكل لقم؛ ففي " الصحيحين ": " إذا قدم العشاء .. فابدأوا به قبل صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم ") (¬1). وقال شيخنا في " المهمات ": (المتجه: اعتبار الاجتهاد في القبلة، لكونه شرطاً، قال: وفي اعتبار مدة المضي للجماعة نظر). سادسها: المعتبر في الركعات: الوسط المعتدل، قاله الرافعي (¬2)، وقال القفال: يعتبر في حق كل إنسان الوسط من فعل نفسه، واستحسنه في " المهمات "، وقال: إنه يصلح أن يكون شرحاً لكلام الرافعي، فليحمل عليه. سابعها: قوى في " شرح المهذب ": الأخذ بالعرف في خروج وقت المغرب (¬3). 372 - قولهما: (وله أن يستديمها إلى أن يغيب الشفق) (¬4) هذا شيء اختصت به المغرب، فلها وقت ابتداء ووقت استدامة، فله المد ولو حكمنا بخروج الوقت، ولا يتخرج على الخلاف في الإتيان ببعض الصلاة في الوقت وبعضها خارجه، ولو مد إلى ما بعد مغيب الشفق .. خرج على الخلاف فيما لو مد غيرها حتى خرج الوقت، فيجوز على الأصح بلا كراهة. 372 - قولهم: (إن وقت العشاء: بمغيب الشفق) (¬5) يستثنى: بلاد لا يغيب فيها الشفق؛ لقصر الليل فيها، فوقت عشائهم: أن يمضي بعد الغروب زمن يغيب فيه شفق أقرب البلاد إليهم. 373 - قول " التنبيه " [ص 26]: (وآخره: إذا ذهب ثلث الليل في أحد القولين، ونصفه في الآخر) الأول هو الأصح في " المنهاج " وسائر كتب الرافعي والنووي (¬6)، إلا في " شرح مسلم " فإنه صحح: امتداده إلى النصف (¬7). 374 - قولهم: (إن وقت الجواز إلى الفجر) (¬8) أي: مع كراهة، كما صرح به الروياني في "البحر" (¬9). 375 - قول " المنهاج " [ص 90]: (والصبح: بالفجر الصادق) تقييده هنا بالصادق وإهماله في ¬

_ (¬1) المجموع (3/ 35)، وانظر " البخاري " (641)، و" مسلم " (557). (¬2) انظر " فتح العزيز " (1/ 371). (¬3) المجموع (3/ 35). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 26)، و" المنهاج " (ص 90). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 26)، و" الحاوي " (ص 149)، و" المنهاج " (ص 90). (¬6) المنهاج (ص 90)، وانظر " فتح العزيز " (1/ 372)، و" المحرر " (ص 25)، و" المجموع " (3/ 41)، و" الروضة " (1/ 182)، و" التحقيق " (ص 162). (¬7) شرح مسلم (5/ 116). (¬8) انظر " التنبيه " (ص 26)، و" الحاوي " (ص 149)، و" المنهاج " (ص 90). (¬9) بحر المذهب (2/ 22).

خروج وقت العشاء قد يفهم أنه لا يعتبر هذا الوصف هناك، وليس كذلك، بل وقت العشاء إنما يخرج بالصادق الذي يدخل به وقت الصبح، فلو عكس فوصفه به أولاً وأطلقه ثانياً بلام العهد ليعود إليه .. لكان أولى، وقد وصفه به " الحاوي " أولاً (¬1)، وقال " التنبيه " في الموضعين [ص 26]: (الفجر الثاني). 376 - قولهم: (إن وقت الجواز إلى طلوع الشمس) (¬2) أي: بلا كراهة إلى الحمرة، وبكراهة إلى الطلوع. 377 - قولهما: (يكره أن يقال للعشاء: عتمة) (¬3) كذا جزم بكراهته أيضاً في زيادة " الروضة " و" التحقيق " (¬4)، وحكى في " شرح المهذب " عن المحققين: أنه خلاف المستحب (¬5). 378 - قول " المنهاج " [ص 91]: (يكره الحديث بعدها) أي: بعد فعلها، وذلك يشمل: ما إذا جمعها تقديمًا مع المغرب. قال شيخنا شهاب الدين بن النقيب: (ولم أره مصرحاً به نقلاً، قال: ومفهومه: أنه لا يكره قبل فعلها وإن كثر، وفيه نظر، ولو قيل: إنه بالكراهة أولى؛ لزيادة المحذور بتأخير العشاء على القول بأفضلية التقديم .. لكان له وجه ظاهر) انتهى. 379 - قوله: (إلا في خير) (¬6) ويستثنى أيضاً: الحاجة، ذكره في " الروضة " (¬7). 380 - قولهم: (إن الأفضل: تقديم الصلاة في أول الوقت، إلا في الإبراد بالظهر بشروطه) (¬8) يستثنى مع ذلك مسائل أخر: الأولى: المقيم بمنى يندب له تأخير الظهر وتقديم الرمي عليه، حكاه في " شرح المهذب " في بابه عن نص الشافعي واتفاق الأصحاب (¬9). الثانية: المسافر إذا كان سائراً وقت الأولى، فإن تأخيرها إلى الثانية أفضل، وقد ذكرها " التنبيه " و" المنهاج " في بابها (¬10). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 149). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 26)، و" الحاوي " (ص 149)، و" المنهاج " (ص 90). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 26)، و" المنهاج " (ص 91). (¬4) الروضة (1/ 182)، التحقيق (ص 162). (¬5) المجموع (3/ 43). (¬6) انظر " المنهاج " (ص 91). (¬7) الروضة (1/ 182). (¬8) انظر " التنبيه " (ص 26)، و" الحاوي " (ص 149، 150)، و" المنهاج " (ص 91). (¬9) المجموع (8/ 169). (¬10) التنبيه (ص 41)، المنهاج (ص 130).

الثالثة: من يدافعه الحدث، أو حضره طعام يتوق إليه، وغير ذلك من الأعذار المذكورة في الجماعة .. فالأفضل: التأخير؛ ليزول العذر. الرابعة: إذا تيقن الماء آخر الوقت. الخامسة: إذا تيقن السترة آخره، وقد ذكرهما " الحاوي " في التيمم (¬1)، وذكر " التنبيه " و" المنهاج " مسألة الماء فقط (¬2). السادسة: المريض الذي لا يقدر على القيام أول الوقت ويعلم قدرته عليه آخره. السابعة: المستحاضة ذات التقطع ترجو انقطاعه آخر الوقت. الثامنة: المنفرد الذي يعلم حضور الجماعة آخر الوقت إذا قلنا باستحباب التأخير له. التاسعة: إذا كان يوم غيم .. فيستحب له أن يؤخر الصلاة حتى يتيقن الوقت، أو لا يبقى إلا وقت لو أخر عنه أمكن خروج الوقت، كما حكاه النووي في " شرح المهذب " عن الأصحاب (¬3). العاشرة: الواقف بعرفة يستحب له تأخير المغرب؛ ليجمعها مع العشاء وإن كان وقت الأولى نازلاً. الحادية عشر: المعذور في ترك الجمعة يستحب له تأخير الظهر إلى اليأس من الجمعة إذا أمكن زوال عذره، وقد ذكرها الثلاثة في بابها (¬4)، وأورد في " الكفاية " على " التنبيه ": أن ظاهره: أنه لو شرع فيها أوله واستدام حتى سلم في آخره .. لم يكن مستحباً، قال القاضي: ولا خلاف أنه مستحب، ومثله: قول " المنهاج " [ص 91]: (ويسن تعجيل الصلاة لأول الوقت) وكلامهما محمول على أن المراد: تقديم ابتدائها والتعجيل به، لا جميعها، ولا يرد ذلك على " الحاوي " لأنه بين أن التعجيل الذي استحبه هو: أن يشتغل بأسباب الصلاة كما دخل الوقت (¬5). 381 - قول " الحاوي " [ص 149]: (بأن يشتغل بأسباب الصلاة كما دخل الوقت)، قال صاحب " الذخائر ": وكذا لو اشتغل بالأسباب قبل الوقت وأخر الصلاة بعده بقدر الأسباب .. فإنه ينال الفضيلة أيضاً. 382 - قول " التنبيه " [ص 26]: (إلا الظهر في الحر لمن يمضي إلى جماعة) المعتبر: شدة الحر، كما عبر به " المنهاج " و" الحاوي " (¬6)، وقد عبر به في " المهذب " (¬7)، وعبر عنه شيخنا ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 136). (¬2) التنبيه (ص 21)، المنهاج (ص 82). (¬3) المجموع (3/ 61). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 43)، و" الحاوي " (ص 191)، و" المنهاج " (ص 132). (¬5) انظر " الحاوي " (ص 148). (¬6) الحاوي (ص 150)، المنهاج (ص 91). (¬7) المهذب (1/ 53).

الإسنوي في " تصحيحه ": بالصواب (¬1)، فاقتضى أنه لا خلاف فيه، قال في " المنهاج " [ص 91]: (والأصح: اختصاصه ببلد حار، وجماعة مسجد يقصدونه من بُعْدٍ) وكذا قال " الحاوي " [ص 150]: (بقطر حار لطالب الجماعة في المسجد يأتي الناس من بُعْدٍ) فزاد: اشتراط بلد حار، والقصد من بُعْدٍ. ولفظ المسجد في كلامهما خرج مخرج الغالب، والمراد: موضع الاجتماع للصلاة، فتعبير " التنبيه " بالمضي إلى جماعة أحسن؛ لعمومه. وأفهم بقوله: (يمضي) نفي استحبابه لمن يصلي في بيته ولو في جماعة، وكذا أفهمه قول " المنهاج ": (وجماعة مسجد)، وقول " الحاوي ": الطالب الجماعة في مسجد). ويشترط أيضاً: ألا يكون له كنّ يمشي فيه، وقد أهمله " المنهاج " و" الحاوي " أيضاً. وأجيب: بأنه يفهم من اعتبار شدة الحر، ورجح السبكي: عدم اختصاصه بالبلد الحار، وقال: شدة الحر كافية، وعبارة " الروضة ": (ولو قربت منازلهم من المسجد أو حضر جماعة في موضع لا يأتيهم غيرهم .. لا يبردون على الأظهر) (¬2) فجعل الخلاف في هذه قولين. 383 - قول " المنهاج " [ص 91]: (ومن جهل الوقت .. اجتهد بِوِرْدٍ ونحوه)، وقول " الحاوي " [ص 150]: (وتحرى الوقت) محل الاجتهاد: ما إذا لم يخبره ثقة عن علم، فإن أخبره عن علم بمشاهدة؛ كقوله: رأيت الفجر طالعاً أو الشمس غاربة .. لزمه قبوله ولا يجتهد، وقد صرح به " التنبيه "، فقال [ص 26]: (ومن شك في دخول الوقت فأخبره ثقة عن علم .. عمل بقوله ولم يجتهد) وقد يقال: لا يرد ذلك على " المنهاج " لأنه متى أخبره ثقة عن علم .. فهو غير جاهل بالوقت، ومقتضى كلام " التنبيه " العمل بقول المخبر عن علم ولو أمكنه هو العلم، وهذا مقتضى كلام " شرح المهذب " فإن فيه: أنه لو كان في ظلمة وأمكنه الخروج ورؤية الشمس .. فالصحيح: جواز الاجتهاد (¬3)، لكن صرحوا في القبلة بأنه لا يعتمد الخبر عن علم إلا إذا تعذر علمه (¬4)، فيحتاج إلى الفرق بينهما، وقد يفرق بتكرر الأوقات فيعسر العلم كل وقت، بخلاف القبلة؛ فإنه إذا علم عينها مرة واحدة .. اكتفى به بقية عمره ما دام مقيماً بمكة، فلا عسر. وفي " الكفاية " عن الماوردي: أنه متى أمكنه العلم .. لا يعمل بقول المخبر عن علم (¬5). ومقتضى كلام " المنهاج ": تحتم الاجتهاد ومنع التقليد. ¬

_ (¬1) تذكرة النبيه (2/ 450). (¬2) الروضة (1/ 184) (¬3) المجموع (79/ 3). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 29)، و" الحاوي " (ص 157)، و" المنهاج " (ص 95). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (2/ 87).

وصرح به " التنبيه " بقوله [ص 26]: (وإن أخبره عن اجتهاد .. لم يقلده) ويستثنى من ذلك: الأعمى، والبصير العاجز عن الاجتهاد، فلهما تقليد من أخبرهما عن اجتهاد، وقد استدركه في " التصحيح "، فقال: (والأصح: أن للأعمى والبصير العاجز عن الاجتهاد في الوقت تقليد من أخبر عنه باجتهاد) (¬1) أي: للأعمى وإن أمكنه الاجتهاد، والبصير بشرط العجز. وقد صرح " الحاوي " بمسألة الأعمى، فقال [ص 150]: (والأعمى تحرى أو قلد) وترد عليه مسألة البصير العاجز كما ترد على " التنبيه " و" المنهاج ". وأجيب عنهم: بأنها مفهومة من قولهم: (يجتهد) (¬2) فإنه لا يجتهد إلا القادر، وإذا لم يجتهد .. لم يبقى إلا التقليد، ويرد عليهم جميعاً: ما صححه النووي: من أن للبصير تقليد المؤذن الثقة البصير العارف بالوقت صحواً وغيماً (¬3)، وصحح الرافعي: أنه يقلده في الصحو دون الغيم (¬4)، ولا شك أنه يوم الصحو مشاهد، فهو مخبر عن علم، والأخذ بقوله ليس تقليداً، فلا إيراد عليهم على تصحيح الرافعي، وذكر القاضي حسين والمتولي: أنه يجوز أن يعتمد على صياح الديك المجرب إصابته. 384 - قول " المنهاج " [ص 91]: (فإن تيقن صلاته قبل الوقت .. قضى في الأظهر) محلهما: إذا لم يعلم إلا بعد خروج الوقت، أما إذا أدرك الوقت .. صلاها فيه أداء جزماً، وقوله: (في الأظهر) كذا في " التحقيق " (¬5)، وعبر في " الروضة " بالمشهور (¬6). 385 - قول " المنهاج " [ص 91]: (ويبادر بالفائت) أي: ندباً على الصحيح إن فاتت بعذر، وحتماً على الأصح إن فاتت بغير عذر، ولذلك قال " الحاوي " في تارك الصلاة بنوم أو نسيان [ص 200]: (قضى موسعاً)، وقول " التنبيه " [ص 26]: (وقيل: إن فاتت بغير عذر .. لزمه قضاؤها على الفور) هو الأصح. 386 - قولهما- والعبارة ل " التنبيه "-: (والأولى: أن يقضيهما مرتباً، إلا أن يخشى فوات الحاضرة .. فيلزمه البداة بها) (¬7) كذا عبر الرافعي أيضاً بالفوات (¬8)، وظاهره: أنه لو كان إذا قدم ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (1/ 112). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 26)، و" الحاوي " (ص 156)، و" المنهاج " (ص 91). (¬3) انظر " المجموع " (3/ 79). (¬4) انظر " فتح العزيز " (1/ 382). (¬5) التحقيق (ص 165). (¬6) الروضة (1/ 186). (¬7) انظر " التنبيه " (ص 26)، و" المنهاج " (ص 91). (¬8) انظر " فتح العزيز " (1/ 544).

الفائتة أدرك من الحاضرة ركعة في الوقت، وقلنا بالأصح: إن الكل أداء .. يقدم الفائتة، وقد صرح به ابن الرفعة، وفيه نظر؛ لأنهم: قالوا يحرم إخراج جزء من الصلاة عن الوقت على المذهب وإن كان الكل أداء، واعتبر في " الروضة " ضيق وقت الحاضرة لا خشية فواتها (¬1)، وهو أحسن؛ فإنه متى كان لو قدم الفائتة خرج جزء من الحاضرة عن الوقت وإن قل .. فقد ضاق وقت الحاضرة، واستثنى ابن يونس في " النبيه " من تقديم الأولى: أن تقام الحاضرة جماعة فيقدمها على الأولى، وسبقه إلى ذلك البغوي في " فتاويه "، والغزالي في " الإحياء " (¬2)، ونقله الروياني عن والده، وأنه قال: يستحب له إعادة الحاضرة خروجاً من الخلاف (¬3)، وذكر في " الروضة " من زيادته: أنه يرتب أيضاً، ويصليها منفرداً، وعلله: بأن الترتيب مختلف فيه، والقضاء قبل الأداء مختلف في جوازه .. فاستحب الخروج من الخلاف (¬4). 387 - قولهم: (وتكره الصلاة في الأوقات المعروفة) (¬5) هي كراهة تحريم، كما نص عليه الشافعي في " الرسالة " (¬6)، نقله في " المهمات "، وهو الأصح في " الروضة "، و" شرحي المهذب والوسيط " (¬7)، وصحح في " التحقيق ": أنها كراهة تنزيه، وكذا في (الطهارة) من " شرح المهذب " (¬8)، وذكر في " الحاوي ": أنها تبطل؛ أي: لا تنعقد (¬9). وظاهره: عدم انعقادها ولو قيل بكراهة التنزيه، وهو الذي في " شرح الوسيط " تبعاً لابن الصلاح (¬10)، واستشكله شيخنا في " المهمات " وغيره: بأنه كيف يباح الإقدام على ما لا ينعقد؟ وهو تلاعب، ولا إشكال فيه؛ لأن نهي التنزيه إذا رجع إلى نفس الصلاة .. يضاد الصحة؛ كنهي التحريم، كما هو مقرر في الأصول. وحاصله: أن المكروه لا يدخل تحت مطلق الأمر، وإلا .. يلزم كون الشيء مطلوباً منهياً، ولا يصح إلا ما كان مطلوباً. وقد عد " المنهاج " الأوقات ثلاثة: عند الاستواء، وبعد الصبح حتى ترتفع الشمس، وبعد ¬

_ (¬1) الروضة (1/ 269). (¬2) إحياء علوم الدين (1/ 190). (¬3) انظر " بحر المذهب " (2/ 116). (¬4) الروضة (1/ 270). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 37)، و" الحاوي " (ص 151)، و" المنهاج " (ص 91). (¬6) الرسالة (ص 318). (¬7) الروضة (1/ 194)، المجموع (4/ 159)، شرح الوسيط (2/ 33). (¬8) التحقيق (ص 255)، المجموع (1/ 134). (¬9) الحاوي (ق 8). (¬10) شرح الوسيط (2/ 39)، وانظر " مشكل الوسيط " (2/ 40).

العصر حتى تغرب (¬1)، وعدها في " التنبيه " و" الحاوي " خمسة، وعليه مشى الأكثرون ومنهم الرافعي حتى في " المحرر ": بعد الصبح، وبعد العصر، وعند الطلوع إلى الارتفاع، والاصفرار إلى الغروب، والاستواء (¬2). وقال في " شرح المهذب ": (إن عدها خمسة أجود؛ لأن من لم يصل الصبحَ حتى طلعت الشمس، أو العصرَ حتى غربت (¬3) .. يكره له التنفل) (¬4). وهذا لا يفهم من عدها ثلاثة، وعدها الدارمي سبعة، فزاد اثنين فيهما وجهان، وهما: بعد طلوع الفجر إلى صلاته، وبعد الغروب إلى صلاتها. 388 - قول " المنهاج " [ص 91]: (وبعد الصبح والعصر) أحسن منه قول " التنبيه " [ص 37]: (بعد صلاة الصبح وصلاة العصر) وأحسن منهما قول " الحاوي " [ص 152]: (بعد فرض الصبح والعصر) وهذا مرادهما، وحينئذ .. فقد تناول إطلاقهم ما إذا صلى العصر في وقت الظهر جمعًا .. فإنه يكره النفل بعدها، كما حكاه البندنيجي عن نص الشافعي والأصحاب، كما في " الكفاية " في (باب صلاة المسافر)، ولا اعتبار بفتيا العماد ابن يونس: أن له التنفل في هذه الصورة، والظن به أنه لو رأى هذا النقل .. لم يُفْتِ بذلك. 389 - قولهما: (ولا يكره فيها ما له سبب) (¬5) أي: متقدم أو مقارن، فإن تأخر؛ كالإحرام، والاستخارة .. فيكره في الأصح. ومقابله قوي، كما في " شرح المهذب " (¬6)، وقد صرح في " الحاوي " بمسألة الإحرام، فقال [ص 151]: (وتكره صلاة لا سبب لها؛ كالإحرام) فمثل بها لما لا سبب له، وكأن مراده: لا سبب لها موجود؛ فإن ركعتي الإحرام لهما سبب ولكن لم يوجد إلى الآن. 390 - قول " المنهاج " في أمثلة ما له سبب [ص 91]: (وتحية) أي: إن دخل لا يقصدها، فإن دخل ليصلي التحية فقط .. فالأصح: المنع، قال الرافعي: (كما لو تعمد تأخير الفائتة ليقضيها في هذه الأوقات) انتهى (¬7). فيستثنى هذا من الفوائت أيضاً، وهاتان الصورتان تردان أيضاً على إطلاق " التنبيه " ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 91). (¬2) التنبيه (ص 37)، الحاوي (ص 151)، فتح العزيز (1/ 395)، المحرر (ص 27). (¬3) كذا في النسخ، والذي في " المجموع ": (حتى اصفرت)، ولعله الصواب، والله أعلم. (¬4) المجموع (4/ 151). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 37)، و" المنهاج " (ص 91). (¬6) المجموع (4/ 153، 154). (¬7) انظر " فتح العزيز " (1/ 397).

فصل [لا يجب قضاء الصلاة على الكافر بعد إسلامه]

و" الحاوي " أن له أن يفعل فيها ما له سبب، ولو نذر صلاة .. فله فعلها في هذه الأوقات، ولو نذر الصلاة في هذه الأوقات .. انعقد نذره إن قلنا: تنعقد صلاته، ثم الأولى أن يصلي في وقت آخر، كذا في " الشرح " و" الروضة " (¬1)، وفي " الحاوي " في هذه الثانية أوجه: أحدها: يبطل نذره، والثاني: يصح ويصلي؛ لأنها بالنذر صارت ذات سبب، والثالث: يصح ويصلي في وقت آخر (¬2). 391 - قول " المنهاج " [ص 91]: (وسجدة شكر) أي: وتلاوة، كما في " المحرر " (¬3)، واقتصر في " التنبيه " على سجود التلاوة (¬4). قال الروياني: (ولو قرأ آية السجدة في وقت جواز الصلاة، ثم سجد في الوقت المنهي عنه .. لم يجز) (¬5). 392 - قول " التنبيه " [ص 37]: (ولا يكره شيء من هذه الصلاة في هذه الساعات بمكة) لا يختص ذلك بها، بل سائر الحرم كذلك على الأصح، وقد صرح به " المنهاج " فقال [ص 91]: (وإلا في حرم مكة)، و" الحاوي " فقال [ص 151]: (لا بالحرم)، ثم الاستثناء في حق من يطوف، أما غيره: ففيه وجهان في " الاستذكار " للدارمي. انتهى. وهما كالوجهين فيمن لم يحضر الجمعة يوم الجمعة، وذكر المحاملي في " المقنع ": أن الصلاة في هذه الأوقات بحرم مكة .. خلاف الأولى، حكاه عنه في " المهمات ". فصْلٌ [لا يجب قضاء الصلاة على الكافر بعد إسلامه] 393 - قول " التنبيه " [ص 24]: (وأما الكافر إن كان أصلياً .. فلا تجب عليه) كيف يجتمع هذا مع قول أصحابنا في الأصول: إن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؟ (¬6) وجوابه: أن المراد: نفي وجوب القضاء بعد الإسلام، بدليل قوله بعده: (وإن كان مرتداً .. وجبت عليه) (¬7) والمراد: القضاء، فقول " المنهاج " [ص 91]: (ولا قضاء على الكافر) ¬

_ (¬1) فتح العزيز (1/ 401)، الروضة (1/ 194). (¬2) الحاوي الكبير (15/ 501). (¬3) المحرر (ص 27). (¬4) التنبيه (ص 37). (¬5) انظر " بحر المذهب " (2/ 273). (¬6) انظر " التبصرة " للشيرازي (ص 80)، و" المنخول " (ص 31)، و" التحبير شرح التحرير " (3/ 1144). (¬7) انظر " التنبيه " (ص 24).

أحسن، لتصريحه بالمراد من غير إيهام. 394 - قولهما: (إنه يجب القضاء على المرتد) (¬1) يستثنى منه: زمن الحيض، فلا تقضي المرتدة زمن الحيض، بخلاف زمن الجنون؛ لأن ترك الصلاة في الحيض عزيمة، وفي الجنون رخصة، وقد صرح به في " الحاوي " فقال [ص 151]: (وقضى المرتد مع زمن الجنون لا الحيض). 395 - قولهما: (ويؤمر الصبي بالصلاة لسبع، ويضرب على تركها لعشر) (¬2) فيه أمور: أحدها: قال النووي في " شرح المهذب " معترضاً على اقتصاره في " المهذب " أيضاً على الصبي: لو قال: (الصبي والصبية) .. لكان أولى؛ لأنه لا فرق بينهما بلا خلاف. انتهى (¬3). ولذلك عبر في " الحاوي " بالطفل (¬4)، وهو شامل لهما، لكن نقل ابن حزم في أوائل " المحلى ": أن لفظ الصبي في اللغة يتناول الذكر والأنثى (¬5)، فلا اعتراض إذًا، وفي قول النووي: (إنه لا فرق بينهما بلا خلاف) نظر؛ فإن في " الكفاية " خلافا في علة الضرب، فقيل: لأنه سن يحتمل الضرب، فلا فرق بينهما، وقيل: يحتمل البلوغ، فعلى هذا تضرب الصبية لتسع، وبه صرح الماوردي في " الحاوي " (¬6). ثانيها: لا بد مع السبع من التمييز، ذكره في " شرح المهذب " و" التحقيق " (¬7)، وهو ظاهر، وقال ابن الفركاح في " الإقليد ": إن المناط التمييز، وإن التقدير في الحديث بالسبع .. إنما هو لوقوع التمييز في هذا السن غالبًا، وإن من ميز .. يؤمر ويضرب، وقد حكى القاضي أبو الطيب هذا عن بعض الأصحاب، قال في " المهمات ": (وأحسن ما قيل في التمييز هنا: أن يصير الطفل بحيث يأكل ويشرب ويستنجي وحده). ثالثها: المراد: استكمال السبع والعشر، كما صرح به الشيخ نصر المقدسي في " المقصود ". رابعها: الآمر له بذلك الولي أباً، أو جداً، أو وصياً، أو قيماً من جهة الحاكم، قاله في " شرح المهذب " (¬8)، قال في " المهمات ": (وفي معناه: الملتقط، ومالك الرقيق، وكذا ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 24)، و" المنهاج " (ص 91). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 24)، و" المنهاج " (ص 91). (¬3) المجموع (3/ 11). (¬4) الحاوي (ص 151). (¬5) المحلى (1/ 88). (¬6) الحاوي الكبير (2/ 313). (¬7) المجموع (3/ 11)، التحقيق (ص 158). (¬8) المجموع (3/ 11).

المودع، والمستعير، ونحوهما فيما يظهر). خامسها: قال المحب الطبري: (لا يقتصر في الأمر على مجرد صيغته، بل لا بد معه من التهديد). وهذه التنبيهات التي بعد الأول تأتي في كلام " الحاوي " أيضاً. 396 - قول " المنهاج " [ص 91]: (إنه لا قضاء على ذي جنون، أو إغماء) وكذا نحوهما؛ كالمبرسم والمعتوه، فقول " التنبيه " [ص 24]: (ومن زال عقله بجنون أو مرض) أعم، ويستثنى من كلامهما: من جن في الردة؛ فانه يقضي زمن جنونه أيضاً، وقد صرح به " الحاوي " كما تقدم (¬1)، وهو داخل في قولهما: (إنه يجب القضاء على المرتد) (¬2)، واقتصارهما على هذين الوصفين يفهم خطاب النائم بالصلاة، ويؤيده قول " التنبيه " بعده [ص 24]: (ولا يعذر أحد من أهل فرض الصلاة في تأخيرها عن الوقت إلا نائم)، لكن في " الذخائر ": أن من زال عقله بالنوم وطبق الوقت .. فهو غير مخاطب بتلك الصلاة، وصار بعض الفقهاء إلى تكليف النائم في بعض الأحكام، ثم قال: فإن قيل: فلم أوجبتم القضاء عليه؟ قلنا: للأمر الجديد. انتهى. وفهم من اقتصارهما أيضاً على هذين الوصفين: الوجوب على من شرب ما ظنه مسكراً فزال عقله، وإليه أشار في " المهذب " (¬3)، وصرح به في " التتمة "، وأورد في " الكفاية " على قول " التنبيه ": (ومن زال عقله بجنون): أنه يفهم أنه إذا حصل بتسببه .. لا يجب، وذكره القاضي احتمالاً، ورجحه الإمام (¬4)، والذي في الرافعي: الوجوب (¬5)، بمعنى القضاء بعد الإفاقة، وقد يدعى خروج هذه الصورة من كلامه؛ كما أن السكر خارج من كلامه، فأي فرق بين العاصي بالسكر والعاصي بالدواء حتى يخرج الأول فقط؛ وعبارة " المنهاج " في ذلك مثل " التنبيه ". 397 - قول " المنهاج " [ص 91]: (إنه يجب القضاء على السكران) أي: مختاراً بلا حاجة إذا علم كونه مسكراً، أو إن ظن أن ذلك القدر لا يسكر لقلته، فمان شرب دواءً مسكراً للحاجة أو لم يعلم أنه مسكر .. فكالجنون. ويستثنى من السكر: زمن الحيض، فلا يجب قضاؤه، وهو داخل في قوله: (إنه لا يجب القضاء على الحائض) (¬6)، ولو طرأ على السكر جنون .. لم يقض إلا ما ينتهي إليه السكر غالباً في ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 151). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 24)، و" المنهاج " (ص 91). (¬3) المهذب (1/ 51). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (2/ 464). (¬5) انظر " فح العزيز " (1/ 394). (¬6) انظر " المنهاج " (ص 91).

الأصح، وقد استثناهما في " الحاوي " بقوله [ص 151]: (والسكران غيرهما) أي: غير زمن الجنون والحيض. 398 - قول " التنبيه " [ص 24]: (ولا يعذر أحد من أهل فرض الصلاة في تأخيرها عن الوقت إلا نائم، أو ناس، أو معذور بسفر، أو مطر؛ فإنه يؤخرها بنية الجمع، أومن أكره على تأخيرها) فيه أمور: أحدها: المراد بالنائم: من استغرق الوقت بالنوم، أو نام غلبة، أو ظن أنه يستيقظ قبل خروج الوقت، فإن دخل عليه الوقت وظن أنه لا يستيقظ قبل خروجه .. حرم النوم، وكذا إن استوى الأمران، كما أفتى به ابن الصلاح والسبكي (¬1)، ومن ظن قبل دخول الوقت أنه إن نام استغرق الوقت .. فالمنقول: أنه لا يحرم، وفيه نظر. ثانيها: الأصح: امتناع التأخير بالمطر. ثالثها: تصوير التأخير بالإكراه مشكل؛ فإن كل حالة تنتقل لما دونها إلى إمرار الأفعال على القلب، وهو شيء لا يمكن الإكراه على تأخيره، وهو بفعله غير مؤخر، وحمله في " شرح المهذب " على الإكراه على التلبس بمناف (¬2)، وكان القاضي الإمام زين الدين البلفيائي يقول: المراد: أكره على أن يأتي بها على غير الوجه المجزي من الطهارة ونحوها، ولا يكون الإكراه عذراً في الإجزاء؛ لندوره كالتيمم في الحضر، أو يكره المحدث على تأخيرها عن وقتها ويمنعه من الوضوء في الوقت، فيكون في معنى من لا ينتهي إليه النوبة في البئر إلا بعد خروج الوقت؛ فإنه يكون عذراً في التأخير على النص، وقال شيخنا تاج الدين السبكي في " التوشيح ": قد يقال: المكره قد يدهش حتى عن الإيماء بالطرف ويكون مؤخراً معذوراً، كالمكره على الطلاق لا تلزمه التورية إذا اندهش قطعاً، وإن لم يندهش على الأصح، بخلاف من أُلقي في الماء وهو يحسن السباحة فتركها، ولا مانع .. فلا قصاص ولا دية على الأصح، فإن قلت: المكلف لا يترك الصلاة ما دام عقله ثابتاً .. قلت: الدهشة مانعة من ثبوت عقله في تلك الحالة. انتهى. رابعها: قال في " التصحيح ": (الصواب: أنه يُعْذَر في تأخير الصلاة عن وقتها من جهل وجوبها من غير تفريط في التعلم؛ كمن أسلم بدار الحرب وتعذرت هجرته، أو نشأ منفرداً ببادية ونحوها) انتهى (¬3). ويعذر أيضاً: فيما إذا أخر لخوف فوات الوقوف بعرفة، كما صححه في " الروضة " خلافاً ¬

_ (¬1) انظر " فتاوى ابن الصلاح " (1/ 228، 229) مسألة (74). (¬2) المجموع (3/ 69). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 109).

للرافعي (¬1)، وصحح ابن عبد السلام: أنه يصلي صلاة شدة الخوف (¬2). ويعذر أيضاً: العاري إذا كان بينه وبين العراة نوبة وعلم أنها لا تنتهي إليه إلا بعد خروج الوقت على قولي، الأصح خلافه. ويرد أيضاً: تأخير المغرب للجمع بالنسك على رأي. وأجاب عنه في " الكفاية ": بأنه ليس في طريق العراقيين، وهو حاكيها. وعن المسألتين قبله: بأن التأخير فيهما واجب عند من رآه، وليس مما نحن فيه. ويعذر أيضاً: في التأخير للاشتغال بإنقاذ الغريق، ودفع الصائل على نفس أو مال، والصلاة على ميت خيف انفجاره، ذكره القاضي صدر الدين موهوب الجزري. 399 - قول " التنبيه " في زوال العذر [ص 26]: (وإن كان بدون ركلعة .. ففيه قولان) الأصح: اللزوم أيضاً، لكنه أطلق دون الركعة، والخلاف إنما هو فى التكبيرة فما فوقها؛ ولذلك عبر " المنهاج " و" الحاوي " بالتكبيرة (¬3). نعم؛ للجويني احتمال في بعضها (¬4). 400 - قول " التنبيه " [ص 26]: (وفي الظهر والمغرب قولان، أحدهما: يلزم بما يلزم به العصر والعشاء) هذا هو الأصح. 401 - قوله: (والثاني: يلزم بقدر خمس ركعات) (¬5) أي: أو أربع وتكبيرة على الأصح، فجزمه هنا في صلاتي الجمع باعتبار ركعة، وحكاية الخلاف فيما سبق لا نعلم له موافقاً عليه؛ لأن الخلاف في الجميع. واعلم أنه يشترط في الوجوب بإدراك ركعة أو تكبيرة: استمرار السلامة حتى يمضى زمن الطهارة وتلك الصلاة، ولم يتعرض له في " التنبيه " و" المنهاج "، وذكره في " الحاوي " بقوله [ص 150]: (وخلا من الموانع ما يسعه والطهارة) وهو شامل لما عليه من وضوء، أو غسل، أو إزالة نجاسة. قال في " المهمات ": (والقياس: اعتبار وقت الستر، ولو قيل باعتبار زمن التحري في القبلة .. لكان متجهاً) انتهى. 402 - قولهما -والعبارة لـ" التنبيه "-: (ومن أدرك من وقت الصلاة قدر ما يؤدي فيه الفرض ثم ¬

_ (¬1) الروضة (1/ 183)، وانظر " فتح العزيز " (1/ 376). (¬2) انظر " قواعد الأحكام في إصلاح الأنام " (1/ 98). (¬3) الحاوي (ص 150)، المنهاج (ص 92). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (2/ 31). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 26).

فصل [في بيان الأذان والإقامة]

جن، أو كانت امرأة فحاضت .. وجب عليهما القضاء) (¬1) يشترط مع ذلك: أن يدرك قدر الطهارة إن لم يمكن تقديمها كالتيمم وطهارة دائم الحدث، وإلا .. فلا، وقد صرح به " الحاوي " فقال [ص 151]: (بالطهارة إن لم يمكن تقديمها) والمعتبر: أخف ما يمكن حتى قصراً للمسافر، وقد ذكره في " الحاوي " فقال [ص 151]: (أخف فرضه) وعبارة " التنبيه " هذه أحسن من قول " المنهاج " [ص 92]: (ولو حاضت أو جن أول الوقت) فإن وجود ذلك في أثنائه كذلك، واعلم أن الأولى من صلاتي الجمع تلزم بإدراك أول وقت الثانية كما سبق في آخره، فلو حذف " المنهاج " لفظ (الآخر) في قوله [ص 92]: (والأظهر: وجوب الظهر بإدراك تكبيرة آخر العصر) .. لدل على هذه، وإلا .. فقد يتوهم من قوله هنا: (وجبت تلك) (¬2) أن الوجوب يختص بها مطلقًا، وإنما المراد: بالنسبة إلى الثانية، نبه عليه السبكي، وقد ذكر في " الحاوي " هذه الصورة بقوله [ص 150]: (كأن خلا من وقت الأخيرة ما يسعهما) أي: يسع الفرضين، فإنهما يجبان. قال البارزي: هذا هو المفهوم من النقل، وينبغي أن يكفي ما يسع أحد الفرضين والطهارة، ويؤول قوله: (ما يسعهما) على ما يسع الفرض والطهارة، وقال في " توضيحه الكبير ": ينبغي أن يعتبر هنا أيضاً لوجوبهما قدر الطهارة إن لم يمكن تقديمها؛ كما يعتبر فيما إذا خلا من وقت الأخيرة بقدر تكبيرة ولا يكفي فيها قدر فرض واحد، بل لا بد من زمان يسع الفرضين، والمفهوم من الكتاب والرافعي: التفرقة (¬3)، ولا يظهر اتجاهه، قال: والأولى: أن يعتبر فيها قدر ما يسع الفرضين مع الطهارة، وقال القونوي: لك أن تقول: لم يعتبر هناك قدر الطهارة من الوقت، بل خلو زمن بعده يسع الفرض والطهارة. انتهى. فصلٌ [في بيان الأذان والإقامة] 403 - قولهم: (الأذان والإقامة سنة) (¬4) أي: سنة كفاية تحصل بفعل البعض؛ كابتداء السلام. 404 - قولهما: (في الصلوات المكتوبة) (¬5) أحسن من تعبير " الحاوي " بـ (الفرض) (¬6) لأنه ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 26)، و" المنهاج " (ص 92). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 92). (¬3) انظر " فتح العزيز " (1/ 391). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 26)، و" الحاوي " (ص 153)، و" المنهاج " (ص 92). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 26)، و" المنهاج " (ص 92). (¬6) الحاوي (ص 155).

قد يتناول المنذورة وصلاة الجنازة، مع أنه لا يؤذن لهما ولا يقام وإن كان هذا هو مراده. 405 - قول " المنهاج " [ص 92]: (ويقال في العيد ونحوه: الصلاة جامعة) المراد بنحوه: كل نفل تشرع له الجماعة، وقد صرح به في " الحاوي " فقال [ص 155]: (ولنفل فيه الجماعة: الصلاة جامعة). 406 - قول " المنهاج " [ص 92]: (والجديد: ندبه للمنفرد) كذا في " المحرر " (¬1)، وظاهره: أنه لا يكون فرض كفاية في حقه، وأطلق في " الشرح " و" الروضة " مشروعيته، ولم يتعرضا لتقييدها بالندب (¬2)، وظاهر إطلاقه -تبعاً لـ" المحرر "-: [مشروعية] (¬3) أذان المنفرد وإن بلغه أذان غيره، وصرح بتصحيحه في " التحقيق " و" شرح الوسيط " (¬4)، لكن صحح في " شرح مسلم ": أنه لا يؤذن إن سمع أذان غيره (¬5)، ومسألة أذان المنفرد مأخوذة من إطلاق " التنبيه " و" الحاوي ". 407 - قول " المنهاج " -والعبارة له- و" الحاوي ": (ويرفع صوته إلا بمسجد وقعت فيه جماعة) (¬6) يندرج تحته: المنفرد، وبه صرح الإمام (¬7)، لكن المشهور في الرافعي في المنفرد: إسماع نفسه (¬8)، ويحتمل في عبارة " المنهاج " عوده للمنفرد فقط، بل هو أقرب فيها، فيكون الإيراد عليها أشد. 408 - قول " التنبيه " [ص 27]: (ومن فاتته صلوات أو جمع بين صلاتين .. أذن وأقام للأولى وحدها، وأقام للتي بعدها في أصح الأقوال) فيه أمران: أحدهما: قوله: (في أصح الأقوال) يريد: أن مجموع ما ذكره أصح الأقوال؛ فإنه لا خلاف في الإقامة للكل، ولا في نفي الأذان لما بعد الأولى، والخلاف إنما هو في الأذان للأولى، فالقديم: أنه يؤذن لها، وصححه الشيخ (¬9) والنووي، فقال في " المنهاج " [ص 92]: (إنه أظهر، والجديد: لا يؤذن لها) وصححه الرافعي (¬10)، وعليه مشى " الحاوي "، فقيد سنية الأذان ¬

_ (¬1) المحرر (ص 27). (¬2) فتح العزيز (1/ 405)، الروضة (1/ 195، 196). (¬3) ما بين معقوفين زيادة من " مغني المحتاج " (1/ 208)، ولا بد منها لإصلاح المعنى. (¬4) التحقيق (ص 168)، شرح الوسيط (2/ 44). (¬5) شرح مسلم (5/ 15). (¬6) انظر " الحاوي " (ص 153)، و" المنهاج " (ص 92). (¬7) انظر " نهاية المطلب " (2/ 45). (¬8) انظر " فتح العزيز " (1/ 405، 406). (¬9) المقصود بالشيخ: الشيرازي صاحب كتاب " التنبيه ". (¬10) انظر " فتح العزيز " (1/ 405).

بالأداء (¬1)، والثالث: إن رجى جماعة .. أذن، وإلا .. فلا، وقولنا: إنه لا خلاف في نفي الأذان لما بعد الأولى .. محله: فيما إذا قضاها على الولاء، فأما إذا فرقها .. ففي الأذان لكل منهما الأقوال، وعلى ذلك يحمل قول " المنهاج " [ص 92]: (وإن كلان فوائت .. لم يؤذن لغير الأولى). 408/ 1 - قول " الحاوي " [ص 153]: (لا إن قدم فائتة) أي: على الحاضرة، فلا يؤذن للحاضرة، قال في " الروضة " عن الأصحاب: إلا أن يؤخرها إلى زمن طويل .. فيؤذن لها (¬2)، وهذه الصورة ترد على فرض " التنبيه " و" المنهاج " المسألة في الفوائت؛ فقد عرف أنها تأتي في فائتة وحاضرة إذا قدم الفائتة. ثانيهما: صورة الجمع بين صلاتين: أن يجمع بينهما جمع تأخير ويقدم الأولى، فيقيم لكل منهما ولا يؤذن للثانية جزماً، وفي الأذان للأولى الأقوال، فإن قدم الثانية .. فالمذهب: أنه يؤذن لها دون الأولى، كما صححه في " التحقيق " (¬3)، وقد ذكرها في " الحاوي " بقوله [ص 153]: (وللأخرى في التأخير إن قدمها) وعبارة الرافعي: إذا أخر الأولى إلى وقت الثانية .. أقام لكل واحدة ولا يؤذن للثانية، وفي الأذان للأولى الأقوال في الفائتة. انتهى (¬4). فحملها صاحب " الحاوي " على ما إذا قدم الأولى؛ فلذلك قال فيما إذا قدم الثانية: (أنه يؤذن لها) (¬5)، والله أعلم. 409 - قول " التنبيه " [ص 27]: (وتقيم المرأة، ولا تؤذن) أحسن من قول " المنهاج " [ص 92]: (ويندب لجماعة النساء الإقامة، لا الأذان) فإنه يفهم أن المرأة المنفردة لا تقيم، وليس كذلك، وقد تفهم عبارة " التنبيه " صحة إقامة المرأة للرجال، وليس كذلك، بخلاف عبارة " المنهاج " لقوله: (لجماعة النساء) فهي من هذه الجهة أحسن، والمفهوم من كلام " الحاوي " مثل " التنبيه " فإنه اعتبر الرجل في الأذان دون الإقامة (¬6). 410 - قول " المنهاج " [ص 93] و" الحاوي " [ص 153]: (إن الأذان مثنى) أي: معظمه؛ فإن (لا إله إلا الله) في آخره مرة، والتكبير في أوله أربع. 411 - قول " الحاوي " [ص 155]: (إن الإقامة فرادى) زاد في " المنهاج " [ص 93]: (إلا لفظ ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 153). (¬2) الروضة (1/ 198). (¬3) التحقيق (ص 168). (¬4) انظر " فتح العزيز " (1/ 409). (¬5) الحاوي (ص 153). (¬6) الحاوي (ص 153).

الإقامة) أي: فإنه مثنى، ويستثنى أيضاً: التكبير أولها وآخرها؛ فإنه مثنى، لكن لما كان على نصف لفظه في الأذان .. فكأنه مفرد، وكل تكبيرتين في الأذان يأتي بهما المؤذن بنفس واحد، بخلاف بقية ألفاظه؛ فإنه يأتي بكل كلمة بنفس. 412 - قول " التنبيه " [ص 27]: (يخفض صوته بالشهادتين) قال في " الكفاية ": ظاهره: ركنية ذلك، وهو وجه أو قول، والصحيح: خلافه، وصرح في " المنهاج " و" الحاوي " باستحبابه (¬1)، وعبارة " المنهاج ": (ويسن الترجيع فيه)، وقال في " التحرير " و" شرح المهذب ": هو أن يأتي بالشهادتين سراً (¬2)، وعكسه الماوردي وغيره، وهو المذكور في " شرح مسلم " (¬3)، وجعله الرافعي: مجموع الإتيان بهما سراً وجهراً، وتبعه في " الروضة " (¬4). 413 - قول " المنهاج " [ص 93] و" الحاوي " [ص 154]: (والتثويب في الصبح) هو كما في " التنبيه ": أن يقول بعد الحيعلة: (الصلاة خير من النوم) مرتين (¬5)، وصحح في " الروضة ": القطع بسنيته (¬6)، وهو المنصوص في القديم و" البويطي " و" الإملاء " (¬7)، واقتصر الرافعي على حكايته عن القديم، وجعل المسألة مما يفتى فيها على القديم، ونص في الجديد على كراهته، وعلَّلَه: بأن أبا محذورة لم يحكه، وقد صح أنه حكاه (¬8)، كما صححه ابن حبان، فصار مذهبه (¬9)، وإطلاقهم شامل لأذاني الصبح، وصححه في " التحقيق " (¬10)، وقال البغوي في " التهذيب ": (إن ثوب في الأول .. لا يثوب في الثاني على الأصح) (¬11). وأقره في " الروضة " تبعاً للرافعي (¬12)، وشامل لأذان الثانية إذا قلنا به، وبه صرح ابن عجيل اليمني نظراً إلى أصله. 414 - قول "المنهاج " [ص 93] و" الحاوي " [ص 154]: (إنه يسن أن يؤذن قائماً للقبلة) يقتضي ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 153)، المنهاج (ص 93). (¬2) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 52)، المجموع (3/ 100). (¬3) انظر " الحاوي الكبير " (2/ 46)، و" شرح مسلم " (4/ 81). (¬4) انظر " فتح العزيز " (1/ 412)، و" الروضة " (1/ 199). (¬5) التنبيه (ص 27). (¬6) الروضة (1/ 199). (¬7) مختصر البويطي (ق 12). (¬8) انظر " فتح العزيز " (1/ 413). (¬9) صحيح ابن حبان (1682). (¬10) التحقيق (ص 169). (¬11) التهذيب (2/ 42). (¬12) فتح العزيز (1/ 414)، الروضة (1/ 199).

أن الإقامة ليست كذلك، وهو مردود، وقد صرح في " التنبيه " باستقبال القبلة في الإقامة، فقال [ص 27]: (وأن يؤذن ويقيم على طهارة، ويستقبل القبلة)، وأطلق في " المنهاج " استقبال القبلة، ومحله: في غير الحيعلتين، أما فيهما: فإنه يلتفت يميناً وشمالاً، كما صرح به في " التنبيه " و" الحاوي " (¬1)، لكن قول " التنبيه " [ص 27]: (فإذا بلغ الحيعلة .. التفت يميناً وشمالاً) يحتمل أن يريد: في كل حيعلة، وأن يريد: كون حيعلة الصلاة يميناً وحيعلة الفلاح شمالاً، وهو الأصح، وصرح به في " الحاوي " فقال [ص 27]: (ملتفتاً يمينه في حي على الصلاة، ويساره في الفلاح). 415 - قول " التنبيه " -والعبارة له- و" الحاوي ": (وأن يؤذن على موضع عال) (¬2) يخرج: الإقامة، ويستثنى منه: إذا كان المسجد كبيراً تدعو الحاجة فيه إلى الإعلام. 416 - قول " التنبيه " [ص 27]: (وأن يجعل إصبعيه في صماخي أذنيه) لو لم يضف الصماخ إلى الأذن .. لما ضره، فإن الصماخ لا يكون لغيره كما أن السن لا يكون إلا في الفم؛ ولذلك قال في " الحاوي " [ص 27]: (إصبعاه في صماخيه)، واقتضى كلامهما: أنه لا يستحب ذلك في الإقامة، وبه صرح الروياني (¬3)، وليست هذه المسألة ولا التي قبلها في " المنهاج ". 417 - قول " التنبيه " عطفاً على المستحبات: (وألاَّ يقطع الأذان بكلام ولا غيره) يشمل ما لو طال الفصل، وهو طريقة العراقيين، لكن الأصح: البطلان، وصرح به في " المنهاج " فقال [ص 93]: (ويشترط ترتيبه، وموالاته، وفي قول: لا يضر كلام وسكوت طويلان) فيه أمور: أحدها: أن محل القولين: في الطويل، أما السكوت اليسير .. فلا يضر جزماً، بل ولا يندب الاستئناف، وكذا إن تكلم يسيراً .. لا يضر كما جزموا به، وتردد فيه الجويني عند رفع الصوت به (¬4). ثانيها: ومحلهما أيضاً: ألا يفحش، فإن فحش بحيث لا يعد مع الأول أذانًا .. بطل. ثالثها: الإقامة كالأذان في ذلك، وهذا يرد على " التنبيه " هنا، وعلى قوله بعد ذلك: (ولا يجوز الأذان إلا مرتباً) (¬5)، بل قال في " الأم ": (إن الكلام فيها أشد من الكلام في الأذان، قال: فإن تكلم فيهما أو سكت فيهما سكوتاً طويلاً .. أحببت أن يستأنف، ولم أوجبه) (¬6)، وفي ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 27)، الحاوي (ص 154). (¬2) التنبيه (ص 27)، الحاوي (ص 154). (¬3) نظر " بحر المذهب " (2/ 40، 41). (¬4) نظر " نهاية المطلب " (2/ 50). (¬5) نظر " التنجيه " (ص 27). (¬6) الأم (1/ 85، 86).

" التحقيق ": (لو تكلم يسيراً في الإقامة .. ندب استئنافها) (¬1)، وتردد بعضهم في جريان هذا القول في الإقامة؛ أي: بل يُقطع فيها بالبطلان مع الطول، وذكر في " الحاوي " الترتيب والموالاة في الأذان، ولم يذكرهما في الإقامة (¬2)، وقد عرفت أنه لا فرق في ذلك بينهما. 418 - قول " التنبيه " عطفاً على المستحبات [ص 27]: (وأن يكون ثقة) قال في " الكفاية ": أفهم أن غير الثقة يصح أذانه، ويشمل الكافر، ولا خلاف في منعه، وقد صرح في " المنهاج " و" الحاوي " باشتراط الإسلام، والتمييز، والذكورة (¬3)، وأهملا رابعاً، وهو: كونه عالماً بالمواقيت إن كان راتباً، ذكره في " شرح المهذب " (¬4)، وقد يعتذر عن " التنبيه ": بأنه أفهم اشتراط الإسلام بقوله [ص 26، 27]: (إن الأذان سنة أو فرض كفاية) لاختصاصهما بالمسلم. 419 - قول " التنبيه " [ص 27]: (وأن يؤذن ويقيم على طهارة) قال في " الكفاية ": (ظاهره: الكراهة للمتيمم وإن أباح تيممه الصلاة؛ لأنه على غير طهر عند الشافعي) انتهى. وفيه نظر؛ لأن التيمم طهارة وإن لم يرفع الحدث، وفي أوائل الرافعي: ألا ترى إلى قول الشافعي: طهارتان؟ فأنى يفترقان، انتهى (¬5). إلا أن يدعى أن المفهوم من إطلاق الطهارة: الوضوء. نعم؛ قول " المنهاج " [ص 93] و" الحاوي " [ص 155]: (وبكره للمحدث) يتناول المتيمم ودائم الحدث؛ فإنهما محدثان وإن استباحا الصلاة، لكن التعليل: بأن المصلي إذا حضر لا يجد أحداً .. يدفع ذلك. 420 - قول " التنبيه " [ص 27]: (وهو أفضل من الإمامة) كذا صححه النووي في " المنهاج " وغيره، وعزاه للأكثرين، وحكى عن الشافعي: كراهة الإمامة (¬6)، واعترض عليه: بأن الشافعي عقب نصه على كراهة الإمامة، قال: وإذا أم .. انبغى أن يتقي ويؤدي ما عليه في الإمامة، فإن فعل .. رجوت أن يكون أحسن حالاً من غيره. انتهى (¬7). وهو يدل على أفضلية الإمامة إذا قام بحقوقها، وصحح الرافعي: أن الإمامة أفضل (¬8)، ومشى ¬

_ (¬1) التحقيق (ص 170). (¬2) الحاوي (ص 153). (¬3) الحاوي (ص 153)، المنهاج (ص 93). (¬4) المجموع (3/ 110). (¬5) انظر " فتح العزيز " (1/ 7)، و" مختصر المزني " (ص 2). (¬6) المنهاج (ص 93)، وانظر " المجموع " (3/ 86)، و" الروضة " (1/ 204)، و" الأم " (1/ 159). (¬7) انظر " الأم " (1/ 159). (¬8) انظر " فتح العزيز " (1/ 421، 422)، و" المحرر " (ص 28).

عليه في " الحاوي " (¬1)، ورجحه السبكي، واستشكل بعضهم تصحيح النووي أفضلية الأذان مع موافقته الرافعي على تصحيح أنه سنة، وتصحيحه فرضية الجماعة، فكيف يفضل سنة على فرض؟ (¬2) وقال بعضهم: الخلاف في تفضيل مجموع الأذان والإقامة على الإمامة، فلا يلزم تفضيل الأذان وحده عليها، وهذا ظاهر كلام " الكفاية "، لكن كلام الجمهور يقتضي أن النظر بين الأذان وحده وبين الإمامة. 421 - قول " التنبيه " [ص 27]: (ولا يجوز قبل دخول الوقت إلا الصبح؛ فإنه يؤذن لها بعد نصف الليل) فيه أمور: أحدها: تعبيره بالجواز يقتضي تحريم الأذان قبل دخول الوقت لغير الصبح، وليس صريحاً في أنه لو وقع .. غير معتد به، إلا أن يقال: الأصل فيما وجب في العبادة: أن يكون شرطًا فيها، وقول " المنهاج " [ص 93]: (وشرطه الوقت) يقتضي أنه لو وقع قبل الوقت .. لا يعتد به، وليس فيه تحريمه. ثانيها: ما ذكره من الأذان لها بعد نصف الليل، صححه النووي في كتبه (¬3)، وصحح الرافعي في " شرحيه ": أنه يدخل وقت الأذان لها في الشتاء لسُبع يبقى من الليل، وفي الصيف لنصف سُبع (¬4)، ومشى عليه " الحاوي " (¬5)، وضعفه النووي، وقال: إن قائله اعتمد حديثا باطلاً محرفاً، قال: وهو على خلاف عادته في التحقيق (¬6)، واعتمد في " التهذيب " السبع، ولم يفرق بين صيف وشتاء (¬7)، وقال في " المحرر ": في آخر الليل (¬8)، فعدل عنه في " المنهاج " إلى قوله [ص 93]: (من نصف الليل) وتوهم أنه بمعناه، فقال في " الدقائق ": (قول " المنهاج ": " إنه يصح الأذان للصبح من نصف الليل " أوضح من قول غيره: " آخر الليل ") انتهى (¬9). وتوهم غيره أن مراد الرافعي في " المحرر ": التفصيل الذي ذكره في " شرحيه "، والحق: أنه ليس موافقاً لواحد منهما، وإنما مقتضاه: الأذان لها وقت السحر قبيل طلوع الفجر، وهو الذي ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 155). (¬2) انظر " السراج على نكت المنهاج " (1/ 248). (¬3) انظر " المجموع " (3/ 96)، و" الروضة " (1/ 208). (¬4) فتح العزيز (1/ 375). (¬5) الحاوي (ص 154). (¬6) الضمير يعود على الرافعي. انظر " المجموع " (3/ 96)، و" الروضة " (1/ 208). (¬7) التهذيب (2/ 22). (¬8) المحرر (ص 28). (¬9) الدقائق (ص 42)، وانظر " المنهاج " (ص 93)، و" المحرر " (ص 28).

صححه القاضي حسين والمتولي، وقطع به البغوي (¬1)، وصححه السبكي، وقال: إن ما عداه ضعيف. ثالثها: قال في " الكفاية ": إن كلامه يفهم أنه إذا أذن لها قبله .. لا يؤذن بعده، وليس كذلك، وفيما ذكره نظر؛ فإن الاستثناء إنما هو من الجواز، ولا يلزم منه أنه إذا جاز قبله .. لا يشرع بعده. 422 - قول " المنهاج " [ص 93]: (ويسن مؤذنان للمسجد؛ يؤذن واحد قبل الفجر، وآخر بعده) فيه أمور: أحدها: أنه يقتضي أنه لا تسن الزيادة عليهما، وهو كذلك، لكن لا نقول: إنه يسن عدم الزيادة، إلا أن الرافعي قال: يستحب ألاَّ يزيد على أربعة (¬2)، قال النووي: كذا قاله أبو على الطبري، وأنكره كثيرون، وقالوا: ضابطه: الحاجة والمصلحة، فإن كانت في الزيادة على الأربعة .. زاد، وإن رأى الاقتصار على اثنين .. لم يزد، وهو الأصح المنصوص (¬3). ثانيها: أنه يفهم أنهما لا يؤذنان دفعة واحدة، بل واحد بعد واحد، وهو كذلك، فإذا كان للمسجد مؤذنان أو مؤذنون: فإن اتسع الوقت .. ترتبوا بالرضى أو بالقرعة، وإلا .. أذنوا متفرقين في أقطاره إن اتسع، وإلا .. أذنوا مجتمعين إن لم يُهوّشوا، وإلا .. أذن واحد بالرضى أو بالقرعة، وقد أشار في " الحاوي " لبعض ذلك بقوله [ص 155]: (وترتب المؤذنون إن وسع الوقت). ثالثها: فإن لم يكن للمسجد إلا مؤذن واحد .. أذن قبل الوقت وأعاد فيه، فلو اقتصر على أذان واحد .. فالأفضل: أن يؤذن بعد الفجر، قاله الرافعي والنووي (¬4)، وقال ابن الصباغ: قبله. 423 - قولهم -والعبارة لـ " التنبيه "-: (ويستحب لمن سمعه أن يقول كما يقول المؤذن، إلا في الحيعلة .. فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله) (¬5) فيه أمور: أحدها: زاد في " المنهاج " [ص 93]: (وإلا في التثويب، فيقول: صدقت وبررت)، قال في " الكفاية ": لحديث ورد فيه، ولم يذكره، ولم يقف عليه (¬6). ¬

_ (¬1) انظر " التهذيب " (2/ 21). (¬2) انظر " فتح العزيز " (1/ 425). (¬3) انظر " المجموع " (3/ 130). (¬4) انظر " فتح العزيز " (1/ 376)، و" المجموع " (3/ 97). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 27)، و" الحاوي " (ص 154، 155)، و" المنهاج " (ص 93). (¬6) قال القاري: قولهم عند قول المؤذن: (الصلاة خير من النوم): (صدقت وبررت وبالحق نطقت) استحبه الشافعية، قال الدميري: وادعى ابن الرفعة أن خبراً ورد فيه لا يعرف قائله. انتهى وقال ابن الملقن في " تخريج أحاديث الرافعي ": لم أقف عليه في كتب الحديث. وقال الحافظ ابن حجر: لا أصل له. انتهى وقال ابن حجر المكي في "التحفة": وقول ابن الرفعة: لخبر فيه، رد بأنه لا أصل له، وقيل: يقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى وأجاب الشمس=

ثانيها: زاد في " التنبيه " [ص 27]: (ويقول في كلمة الإقامة: أقامها الله وأدامها ما دامت السماوات والأرض) وقد رواه أبو داوود في! سننه " بدون قوله: (ما دامت السماوات والأرض) (¬1)، وادعى بعضهم أن ظاهر عبارة " المنهاج " يقتضي أنه لا تشرع الإجابة في الإقامة مطلقاً، وليس كذلك، وفيما ادعاه نظر. ثالثها: يستثنى أيضاً: قول المؤذن: ألا صلوا في رحالكم، فذكر في " المهمات ": أن القياس: أن يجيبه: بلا حول ولا قوة إلا بالله. رابعها: تناول كلامهم من هو في صلاة، والأصح: أنه لا يستحب له الإجابة، بل تكره، وفي " قواعد ابن عبد السلام ": لا يجيب وهو في (الفاتحة)، وفي غيرها قولان (¬2)، وفي الرافعي: لو أجاب في خلال (الفاتحة) .. استأنفها (¬3). خامسها: وتناول كلامهم أيضاً: المجامع، وقاضي الحاجة، وإنما يجيبان بعد فراغهما، وهذا يفهم من قولهم في (الاستطابة): (ولا يتكلم ((¬4). سادسها: وتناول كلامهم أيضاً: الجنب، والحائض، وبه جزم الرافعي والنووي (¬5)، وخالفهما السبكي، فقال: إنهما لا يجيبان، لحديث: " كرهت أن أذكر الله إلا على طهر " (¬6)، وحديث: (كان يذكر الله على كل أحيانه) (¬7)، إلا الجنابة، قال ابنه في " التوشيح ": ويمكن أن يتوسط فيقال: تجيب الحائض لطول أمدها، فيلزم لو منعت خلو كثير من الأزمنة عن الذكر، ولو منعت .. لمنعت المستحاضة، والغالب دوام الاستحاضة، وذلك حرج عظيم؛ ولذلك لنا قول: أن الحائض تقرأ القرآن، ولا كذلك الجنب؛ ولأن الحائض لا سبيل لها إلى التطهر ما لم ينقطع الدم، بخلاف الجنب، إذ يمكنه إزالة المانع، والحديثان لا يدلان على غير الجنابة، وليس الحيض في معناها؛ لما ذكرت. انتهى. ¬

_ = الرملي عن اعتراض الدميري على ابن الرفعة: بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ. انتهى، وفيه إشارة إلى اختياره استحبابه فتأمل وقال النجم في (صدقت وبررت): لا أصل لذلك في الأثر، قال: وكذلك قول كثير من العوام للمؤذن مطلقاً: صدقت يا ذاكر الله في كل وقت .. لا أصل له فاعرفه. انظر " التلخيص الحبير " (1/ 211)، و" نهاية المحتاج " (1/ 422)، و" كشف الخفاء " (28/ 2/ 1592). (¬1) سنن أبي داوود (528). (¬2) قواعد الأحكام في إصلاح الأنام (1/ 124). (¬3) انظر " فتح العزيز " (1/ 427). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 17)، و" الحاوي " (ص 128)، و" المنهاج " (ص 72). (¬5) انظر " فتح العزيز " (1/ 427)، و" المجموع " (3/ 125). (¬6) أخرجه أبو داوود (17)، وأحمد (19056)، وابن خزيمة (206)، وابن حبان (803)، والحاكم (592)، والبيهقي في " السنن الكبرى " (430) من حديث سيدنا المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه. (¬7) أخرجه مسلم (373) من حديث سيدتنا عائشة رضي الله عنها.

سابعها: وتناول كلامهم أيضاً: من سمع مؤذنا بعد أن أجاب مؤذنا قبله، قال النووي: ولم أر فيه نقلاً لأصحابنا، وفيه خلاف للسلف، واختار أن أصل الفضيلة: لا يختص بالأول، ولكنه آكد (¬1)، ووافقه ابن عبد السلام في غير أذاني الصبح والجمعة، وقال فيهما: يجيب على السواء، وقال الرافعي في كتاب " الإيجاز في أخطار الحجاز ": خطر لي أنه إن كان صلى في جماعة .. فلا يجيب ثانياً؛ لأنه غير مدعو بهذا الأذان. ثامنها: وتناول كلامهم أيضاً: الترجيع، ولا نقل فيه، وللنووي فيه احتمالان: واختار: أنه يجيب فيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " فقولوا مثل ما يقول " ولم يقل: مثل ما سمعتم (¬2)، وأفتى القاضي شرف الدين بن البارزي: بأنه مستحب إن سمعه. تاسعها: ظاهره: أنه يأتي عقب كل حيعلة بحولقة، فيكون أربعاً، وهو ظاهر إطلاقهم، وهو الذي في " شرح المهذب "، ونقله عن " حلية الروياني " وغيرها، وقال: إنه أصح الوجهين (¬3)، وحكى في " الكفاية " عن " تلخيص الروياني " احتمالين، فاختلف النقل عنه. 424 - قول " التنبيه " [ص 27]: (وأن يقول بعد الفراغ منه: اللهم، رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، والدرجة الرفيعة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته) فيه أمور: أحدها: مقتضاه: اختصاص هذا الذكر بالمؤذن، وليس كذلك، بل يشاركه فيه السامع؛ ولهذا قال في " المنهاج " [ص 93]: (ولكلٍّ) أي: من المؤذن والسامع. ثانيها: يستحب أن يقدم على هذا الذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد صرح به في " المنهاج " (¬4)، وينبغي أن يضم إليه السلام أيضاً. ثالثها: قوله: (والدرجة الرفيعة) ذكرها في " الشرح " و" الروضة " و" المحرر " (¬5)، وليست في كتب الحديث، وأنكرها في " الإقليد " فلذلك حذفها في " المنهاج "، وكان ينبغي حذفها من " الروضة " أيضاً، وليست في بعض نسخ " التنبيه ". رابعها: قوله: (وابعثه المقام المحمود) كذا ذكره في " الشرح " و" المحرر " (¬6)، فعدل عنه ¬

_ (¬1) انظر " المجموع " (3/ 126). (¬2) انظر " المجموع " (3/ 126، 127)، والحديث أخرجه مسلم (384) من حديث سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. (¬3) المجموع (3/ 125). (¬4) المنهاج (ص 93). (¬5) فتح العزيز (1/ 427)، المحرر (ص 28)، الروضة (1/ 203). (¬6) فتح العزيز (1/ 427)، المحرر (ص 28).

فصل [من شروط الصلاة استقبال الكعبة]

في " الروضة " و" المنهاج " إلى قوله: (مقاماً محموداً) بالتنكير؛ لأنه ثبت كذا في الصحيح، وموافقة لقوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}، قاله في " الدقائق " (¬1). ولا شك أنه بالتنكير أشهر، وهو الذي في " صحيح البخاري " (¬2)، لكن رواية المقام المحمود بالتعريف رواها ابن حبان في " صحيحه " عن شيخه ابن خزيمة (¬3). 425 - قول " التنبيه " [ص 27]: (وإذا لم يوجد من يتطوع بالأذان .. رزق الإمام من يقوم به) فيه أمران: أحدهما: يستثنى منه صورتان: أحدهما: إذا كان المتطوع فاسقاً .. فالصحيح: أن للإمام أن يرزق أميناً. الثانية: إذا كان غير المتطوع أحسن صوتاً منه .. فالأصح: جواز رزقه إذا رآه. ثانيهما: أنه يفهم أنه إذا أمكن جمع أهل البلد في مسجد من مساجدها .. أن الإمام يخص من يؤذن فيه بالرزق؛ لأنه تقوم به الكفاية، والأصح في " الروضة ": أنه يعمها؛ لئلا تتعطل (¬4). 426 - قوله: (فإن استأجر عليه .. جاز) (¬5) أي: إذا لم يجد متطوعاً كما سبق، ويفهم منه: اعتبار بيان المدة كما في سائر الإجارات، والأصح: خلافه إن كان من بيت المال، فإن استأجر الإمام من ماله أو آحاد الناس .. فالأصح: اشتراطه. فصْلٌ [من شروط الصلاة استقبال الكعبة] 427 - قولهما: (استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة) (¬6) لو عبَّرا بالكعبة كما فعل في " الحاوي " (¬7) .. لكان أحسن؛ لأن فيه بيان القبلة المأمور بها، وقيد " المنهاج " ذلك بصلاة القادر؛ ليحترز به عن العاجز؛ كمريض عجز عمن يوجهه إلى القبلة، ومربوط على خشبة، وغريق على لوح يخاف من استقباله الغرق، ومن خاف من نزوله عن دابته على نفسه أو ماله أو ¬

_ (¬1) دقائق المنهاج (ص 42)، وانظر الروضة (1/ 203)، والمنهاج (ص 94). (¬2) صحيح البخاري (589)، (4442). (¬3) صحيح ابن خزيمة (420)، صحيح ابن حبان (1689). (¬4) الروضة (1/ 205). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 27). (¬6) انظر " التنبيه " (ص 29)، و" المنهاج " (ص 94). (¬7) الحاوي (ص 156).

انقطاعاً عن رفقته .. فيصلي على حسب حاله ويعيد. قال في " الكفاية ": وجوب الإعادة دليل الاشتراط؛ أي: فلا يحتاج إلى التقييد بالقادر؛ فإنها شرط للعاجز أيضاً، بدليل القضاء؛ ولذلك لم يذكره في " التنبيه " و" الحاوي "، لكن قال السبكي: لو كان شرطاً .. لما صحت الصلاة بدونه، ووجوب القضاء لا دليل فيه. 428 - قولهما: (إلا في شدة الخوف، وفي النافلة في السفر) (¬1) عبر في " الحاوي " عن الأول بقوله [ص 156]: (شُرِط لصلاة الأمن) وليس وافياً بالمقصود؛ لأن ضد الأمن الخوف، وليس ترك الاستقبال جائزاً في كل خوف، وإنما هو في شدة الخوف فقط، فتعبيرهما أولى، ويستثنى من شدة الخوف: ما إذا أمن وهو راكب؛ فإنه لا يستدبر القبلة، فإن استدبرها .. بطلت صلاته بالاتفاق، كما قاله في " الروضة " (¬2)، ولم يحتج في " الحاوي " إلى ذكر نافلة السفر هنا؛ لكونه ذكرها بعد ذلك. ويرد عليهما: أنهما أطلقا ذكر السفر، والمراد به: المباح ذو المقصد المعين، وقد ذكر في " الحاوي " الثاني، فقال [ص 157]: (من له مقصد معين) ويرد عليه الأول، ويختص " التنبيه " بأن محل ذلك: إذا لم يمكنه الاستقبال، فإن أمكنه؛ بأن صلى في هودج أو سفينة .. وجب عليه الاستقبال، وقد ذكره " المنهاج " بقوله [ص 94]: (فإن أمكن استقبال الراكب في مرقد، وإتمام ركوعه وسجوده .. لزمه)، و" الحاوي " بقوله [ص 157]: (لا في سفينة وهودج) ويستثنى من كلامه: ملاح السفينة الذي يسيرها؛ فإنه يتنفل إلى جهة مقصده، كما صرح به أصحاب " العدة " و" الحاوي " و" البحر " (¬3)، وقال في " الروضة ": لا بد منه، وجزم به في " التحقيق " (¬4)، وصحح في " الشرح الصغير ": أنه كغيره، ولم يصرح في " المنهاج " بمسألة السفينة حتى تستثنى هذه الصورة من كلامه، لكنها -أعني: السفينة- في معنى ما ذكره من المرقد، ويشترط أيضاً: ترك الفعل الكثير بلا حاجة؛ كالركض والعدو بلا عذر، ولم يذكراه، وقد ذكره " الحاوي " بقوله [ص 158]: (أو عدى أو أعدى بغير عذر). 429 - قول " التنبيه " [ص 29]: (فإن كان ماشياً أو على دابة يمكن توجيهها إلى القبلة .. لم يجز حتى يستقبل القبلة في الإحرام والركوع والسجود) فيه أمران: أحدهما: لفظ الإمكان لا يستلزم السهولة، والعبرة بها وباستقبال الراكب لا بتوجيهه الدابة؛ ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 29)، و" المنهاج " (ص 94). (¬2) الروضة (2/ 64). (¬3) الحاوي الكبير (2/ 74)، بحر المذهب (2/ 86). (¬4) الروضة (1/ 210)، التحقيق (ص 187).

ولهذا عبر في " المنهاج " و" الحاوي " بسهولة الاستقبال (¬1). ثانيهما: قال النووي في " تصحيحه ": (والصواب: أنه لا يشترط في المتنفل راكبًا الاستقبال في الركوع والسجود) (¬2). قال شيخنا جمال الدين في " تصحيحه ": (وتعبيره بالصواب ممنوع؛ فإن في " الكفاية " و" شرح المهذب " وجهين) (¬3). قلت: وجه الاشتراط حكاه القاضي أبو الطيب، وذكره الروياني والبندنيجي أيضاً (¬4)، لكن النووي لما حكاه في " شرح المهذب " قال: إنه باطل لا أصل له (¬5)، فإذا كان عنده غير ثابت .. استقام لفظ الصواب على رأيه. 430 - قول " التنبيه " [ص 29]: (فإنه يصليها حيث توجه) قد يقتضي أنه لا يجوز له الانحراف عن جهة توجهه ولو إلى القبلة، وكذا قول " الحاوي " [ص 157]: (إنَّ صوب السفر بدل في النفل) إلا أن يقال: إن قوله: (إنه بدل) يفهم أنه لو استقبل الأصل، وهو القبلة .. جاز، وقد صرح به في " المنهاج " فقال [ص 94]: (ويحرم انحرافه عن طريقه إلا إلى القبلة)، وفي " فتاوى القاضي حسين ": إذا ركب الحمار معكوسًا فصلى إلى القبلة .. يحتمل وجهين: أحدهما: يجوز؛ لأنه استقبل، والثاني: لا؛ لأن قبلته وجه دابته وطريقه، والعادة لم تجر بركوب الحمار معكوساً. انتهى. وهذا الاحتمال الثاني غريب، ويستثنى من كلام " التنبيه " و" المنهاج ": من انحرف زمناً يسيراً ناسيًا، أو خطأً، أو لجماح الدابة، أو عروض الريح للسفينة، وقد صرح به في " الحاوي " فقال [ص 157، 158]: (وإن استدبر ناسياً، أو خطأً، أو للجماح .. سجد للسهو إن قَصُر) ولو عبر بالانحراف .. لكان أعم من الاستدبار، وقد حمل البارزي في " توضيحه الكبير " قول " الحاوي ": (سجد للسهو) على الأخيرة فقط، وهي صورة الجماح، لكنه في صورة النسيان قد صححه الرافعي في " الشرح الصغير "، ونص عليه الشافعي كما نقله الخوارزمي في " الكافي " (¬6)، وهو الظاهر من كلامهم في صورة الخطأ أيضاً، فالأولى: حمل كلامه على الثلاثة، وإنما حمل البارزي كلامه على صورة الجماح فقط؛ لأن المنصوص -كما حكاه في ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 157)، المنهاج (ص 95). (¬2) تصحيح التنبيه (1/ 120). (¬3) تذكرة النبيه (2/ 459)، وانظر " المجموع " (3/ 208، 209). (¬4) انظر " بحر المذهب " (2/ 86). (¬5) المجموع (3/ 209). (¬6) انظر " الأم " (1/ 98).

" الشرح " و" الروضة "- في صورة النسيان: أنه لا يسجد (¬1)، وصرح بتصحيحه في " شرح المهذب " (¬2)، خلاف ما تقدم تصحيحه عن " الشرح الصغير ". وقول " الحاوي " في المسألة [ص 158]: (لا إن كثرت) أي: لا تبطل صلاته فيما إذا وطئ على نجاسة إذا كثرت النجاسة في طريقه، ولا بد من تقييده بكونها يابسة، ومع ذلك فالذي ذكره " الحاوي " احتمال للإمام، حكاه عنه الرافعي، ولم يحك غيره (¬3)، لكن قال في " التحقيق ": (ولا يكلف ماش الاحتياط في التصون، فإن تعمدها .. بطلت، وفيما إذا كانت يابسة لا معدل عنها احتمال) (¬4). 431 - قول " المنهاج " [ص 94] و" الحاوي " [ص 158]: (إنه لو صلى فرضاً على دابة وهي واقفة .. جاز) قال في " المحرر ": (وهي واقفة معقولة) (¬5)، قال في " الدقائق ": (الصواب: حذفه) (¬6)، ولم يقيد به في " الشرح " و" الروضة " (¬7)، وقولهما: (أو سائرة .. فلا) (¬8) يستثنى منه: ما لو خاف من النزول انقطاعاً عن الرفقة، أو على نفسه، أو ماله .. فإنه يصلي عليها الفرض بالإيماء كما تقدم ويعيد. 432 - قول " التنبيه " [ص 29]: (ومن صلى في الكعبة أو على ظهرها وبين يديه سترة متصلة .. جازت صلاته) أحسن من قول " المنهاج " [ص 95]: (أو على سطحها مستقبلاً من بنائها ما سبق .. جاز) لأنه يخرج بالبناء إذا استقبل شجرة فيها، أو جمع شيئاً من ترابها، أو حفر حفرة فنزل فيها، وكل ذلك داخل في قول " التنبيه " [ص 29]: (وبين يديه سترة متصلة)، وكذا في قول " الحاوي " [ص 156]: (وجزئها) بل قد يقال: إنه أحسن؛ لأن العصا المغروزة تدخل في السترة المتصلة ولا تدخل في جزئها، مع أنها لا تكفي، لكن قيل: إن المتصلة هي المثبتة أو المسمرة، فلا يتناول حينئذ المغروزة. وقدر السترة: ثلثا ذراع؛ كما صرح به في " المنهاج " و" الحاوي " (¬9). ¬

_ (¬1) فتح العزيز (1/ 436، 437)، الروضة (1/ 212). (¬2) المجموع (3/ 210). (¬3) انظر " نهاية المطلب " (2/ 84، 85)، و " فتح العزيز " (1/ 440). (¬4) التحقيق (ص 188). (¬5) المحرر (ص 29). (¬6) الدقائق (ص 42). (¬7) فتح العزيز (1/ 431، 432)، الروضة (1/ 210). (¬8) انظر " الحاوي " (ص 158)، و " المنهاج " (ص 94). (¬9) الحاوي (ص 156)، المنهاج (ص 95).

433 - قول " التنبيه " [ص 29]: (والفرض في القبلة: إصابة العين، فمن قرب منها .. لزمه ذلك بيقين) وهو معنى قول " المنهاج " [ص 95]: (ومن أمكنه علم القبلة .. حرم عليه التقليد والاجتهاد)، وكذا قال " الحاوي " [ص 156]: (يقيناً)، ويستثنى من كلامهم: من هو بمكة إذا حال بينه وبين الكعبة حائل أصلي؛ كالجبل .. فله الاجتهاد، ولا يكلف الرقي فوقه ليرى الكعبة، وكذا إن كان الحائل حادثاً؛ كالأبنية في الأصح، كذا في " الشرح " و" الروضة " (¬1)، لكن نص في " البويطي " على الإعادة (¬2)، وأقل مراتبه: حمله على الحائل الحادث، وفي " النهاية " عن العراقيين: لو بنى حائلاً مغ المشاهدة بلا حاجة .. لم تصح صلاته بالاجتهاد؛ لتفريطه (¬3)، وحمل في " الكفاية " القرب في كلام " التنبيه " على داخل المسجد، والبعد على خارجه، وليس في اللفظ ما يدل عليه. 434 - قول "التنبيه" [ص 29]: (ومن بعد عنها .. لزمه ذلك بالظن في أحد القولين) هو الأصح، والظن إما بالخبر، أو الاجتهاد، أو التقليد، وتخصيصه في " الكفاية " بالاجتهاد ليس بجيد. 435 - قول " الحاوي " [ص 156]: (ثم بقول عدل) أي: يخبر عن علم، كما صرح به في " التنبيه " و" المنهاج " (¬4) كأن يقول: أنا أشاهد الكعبة وهي هنا، والمراد: عدالة الرواية، حتى يكفي خبر العبد والمرأة، وعبر في " التنبيه " و" المنهاج " بالثقة (¬5). 436 - قول " التنبيه " [ص 29]: (وإن رأى محاريب المسلمين في بلد .. صلى إليها ولم يجتهد) فيه أمور: أحدها: خرج بالبلد: القرية الصغيرة، لكن إن نشأ بها قرون من المسلمين، وسلم محرابها من الطعن .. فهي كالبلد، كما ذكره في " النهاية " (¬6)، وكذلك يعتمد المحراب إذا كان في طريق مطروق، كما ذكره البغوي (¬7). ثانيها: لعل المراد بالرؤية: العلم؛ حتى يعتمده الأعمى، ومن في ظلمة بالمس، قال في " الكفاية ": وكذا إذا أخبر عدل أنه رأى جماعة من المسلمين اتفقوا على هذه الجهة، وإخبار صاحب المنزل .. فيعتمده ولا يجتهد. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (1/ 448)، الروضة (1/ 216). (¬2) مختصر البويطي (ق 33). (¬3) نهاية المطلب (2/ 91). (¬4) التنبيه (ص 29)، المنهاج (ص 95). (¬5) التنبيه (ص 29)، المنهاج (ص 95). (¬6) نهاية المطلب (2/ 92). (¬7) انظر " التهذيب " (2/ 66).

ثالثها: ظاهره: أنه لا يجتهد فيها بالتيامن والتياسر، وهو وجه، والأصح: جوازه، وللسبكي احتمالان في وجوبه، ذكرهما في مصنف له في هذه المسألة، ومال إلى الوجوب، قال: ثم إذا اجتهد وجوباً أو جوازاً وظهر له الحق قطعأ أو ظناً .. فلا يسوغ له التقليد أصلاً. انتهى. نعم؛ كلامه على إطلاقه في محراب النبي صلى الله عليه وسلم؛ ويعني بمحرابه: مكان صلاته؛ فإنه لم يكن في زمنه عليه الصلاة والسلام محراب؛ أي: طاق، وكذلك قال النووي في " التحقيق ": (وكل موضع صلى فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وضبط موقفه تعيّن، ولا يجتهد فيه بتيامن ولا تياسر) (¬1)، وقال في " الحاوي " [ص 156، 157]: (لا في محراب الرسول عليه السلام يمنة ويسرة، وفي محراب المسلمين جهة) ويرد عليه: القرية الصغيرة إذا لم تنشأ بها قرون من المسلمين؛ فإنه لا يعتمد محرابها كما تقدم مع أنها داخلة في قوله: (محراب المسلمين). رابعها: لم يتعرض في " المنهاج " لذكر المحاريب، وهو في معنى خبر الثقة الذي ذكره، قال في " الروضة ": (قد يكون الخبر صريح لفظ، وقد يكون دلالة؛ كالمحراب المعتمد) انتهى (¬2). وفي كلام بعض الأصحاب تسميته تقليداً، وتردد في ذلك السبكي فقال: يحتمل أن يكون تقليداً، ويحتمل أن يقال: إنه بمنزلة الخبر .. فلا يجتهد فيه، قال: ويظهر أثر الاحتمالين في العارف بأدلة القبلة، هل يجوز له الاجتهاد فيها أو لا؟ إن قلنا: بمنزلة الخبر .. لم يجز، وإن قلنا: إنه تقليد .. جاز، قال: بل قد يقال بوجوبه؛ لأن المجتهد لا يقلد مجتهداً، قال: والأظهر: توسط، وهو: أنه في الجهة بمنزلة الخبر؛ ولهذا اتفقوا على أنه لا يجوز الاجتهاد في الجهة، ولا كذلك في التيامن والتياسر؛ فلذلك نوجبه فيه. انتهى. 437 - قول " المنهاج " [ص 95]: (فإن فقد وأمكن الاجتهاد .. حرم التقليد) وفي معناه قول " التنبيه " [ص 29]: (وإن كان في برية واشتبهت عليه القبلة .. اجتهد في طلبها بالدلائل) وقول " الحاوي " [ص 156]: (ثم للبصير باجتهاد) ويستثنى من كلامهم: ما إذا ضاق الوقت عن الاجتهاد، فالأصح: أنه لا يجتهد، بل يصلي على حسب حاله ويعيد. 438 - قول " التنبيه " [ص 29]: (ومن صلى بالاجتهاد .. أعاد الاجتهاد للصلاة الأخرى) وقول " المنهاج " [ص 95]: (ويجب تجديد الاجتهاد لكل صلاة تحضر على الصحيح)، وعبر في " الروضة " بالأصح (¬3)، هو في الفرض، أما النفل: فله صلاته بالأول قطعاً؛ ولذلك قال في ¬

_ (¬1) التحقيق (ص 191). (¬2) الروضة (1/ 217). (¬3) الروضة (1/ 221).

" الحاوي " [ص 156]: (لكل فرض) وقد يقال: إنه مفهوم من ذكر " التنبيه " الصلاة معرفة، قال في " الكفاية ": وحيث يُقَلِّدُ .. فإعادة التقليد كإعادة الاجتهاد. 439 - قول " التنبيه " [ص 29]: (فإن لم يعرف الدلائل أو كان أعمى .. قلد بصيراً يعرف) فيه أمران: أحدهما: أن كلامه يشمل ما إذا قدر على التعلم، والأصح في هذه الصورة: أنه لا يقلد بناء على وجوب التعلم كما سأذكره، فلعل المراد: العجز عن تعلم الأدلة، وقد عبر به في " المنهاج " و" الحاوي " (¬1). ثانيهما: لا بد في البصير الذي يقلده من أن يكون ثقة، كما صرح به في " المنهاج " (¬2)، واعتبر في " الحاوي " أن يكون مكلفاً عدلاً (¬3)، ولم يذكر في " المنهاج " التكليف؛ لأن لفظ الثقة يشمله؛ إذ لا وثوق بقول صبي ولا مجنون، واعتذر في " الكفاية " عن كون " التنبيه " لم يذكر كونه ثقة: بأنه يعرف من اعتباره في الإخبار من باب أولى. 440 - قول " المنهاج " [ص 95]: (وإن قدر .. فالأصح: وجوب النعلم فيحرم التقليد) وهو مفهوم من اشتراط " الحاوي " في التقليد العجز عن التعلم، وتبعا في ذلك الرافعي (¬4)، ومقابله وجهان: أحدهما: أن التعلم فرض كفاية. والثاني: التفرقة بين أن يريد سفراً أم لا، واختاره النووي في " الروضة " (¬5)، وصححه في " شرح المهذب " و" التحقيق " (¬6). قال السبكي: وينبغي أن يكون مراده: سفرأيغلب فيه ذلك، أما الركب الكبير كالحجيج .. فهو كالبلد؛ لكثرة العارفين فيه. 441 - قولهما -والعبارة لـ" المنهاج "-: (ومن صلى بالاجتهاد فتيقن الخطأ .. قضى في الأظهر) (¬7) فيه أمور: أحدها: صورة المسألة: أن يتيقن الخطأ معيناً، كما في " الحاوي " (¬8)، أما إذا لم تتعين ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 157)، المنهاج (ص 95). (¬2) المنهاج (ص 95). (¬3) الحاوي (ص 157). (¬4) انظر " فتح العزيز " (1/ 449). (¬5) الروضة (1/ 218). (¬6) المجموع (3/ 199)، التحقيق (ص 191). (¬7) انظر " التنبيه " (ص 29)، و" المنهاج " (ص 95). (¬8) الحاوي (ص 158).

الصلاة التي أخطأ فيها؛ كأن صلى أربع صلوات إلى أربع جهات، فإنه يتيقن الخطأ في بعضها لكن لا يعينها .. فلا إعادة، وهو مفهوم من قول " المنهاج " بعد ذلك [ص 95]: (حتى لو صلى أربع ركعات لأربع جهات بالاجتهاد .. فلا قضاء). ثانيها: دخل في كلامهما: تيقن الخطأ في الجهة، وفي التيامن أو التياسر دون الجهة، وصرح به في " الحاوي " (¬1)، وهو الذي حكاه الروياني (¬2)، وخصه الماوردي بالخطأ من جهة إلى جهة، وقال: إنه إذا أخطأ العين إلى الجهة .. لا قضاء، ونص عليه في " الأم " (¬3). ثالثها: زاد في " الحاوي " [ص 158]: (أو تيقنه مخبر المقلد) وهو داخل في تعبير " التنبيه " و"المنهاج " بالاجتهاد؛ لأنه شامل لاجتهاد نفسه إن كان مجتهداً، واجتهاد مقلَّده إن لم يكن مجتهداً. رابعها: تناول كلامهما وكلام " الحاوي ": ما إذا لم يتيقن معه الصواب، وهو الأصح، ورجح في " الكفاية ": المنع، وحكاه عن جماعة. خامسها: المراد باليقين هنا: ما يمتنع معه الاجتهاد، فيدخل فيه خبر الثقة عن معاينه. 442 - قولهم -والعبارة لـ" المنهاج "-: (وإن تغير اجتهاده .. عمل بالثاني ولا قضاء) (¬4)، قال في " الكفاية ": عن القاضي: أن محله: إذا كان أقوى من الأول، فإن كان أضعف .. فكالعدم، أو مثله .. فكالمتحير يصلي إلى ما شاء منهما ويقضي الثانية فقط. انتهى. ولا يحتاج إلى هذا التقييد؛ لأن الظن لا يتغير إلا بالأوضح والأقوى، وقد ذكر الرافعي في " الشرح " هذا القيد فيما إذا تغير اجتهاده قبل الصلاة، وأطلق ذلك في تغيره بعدها، ونقل عن البغوي: التقييد به فيما إذا تغير في أثنائها، وأنه قال فيما إذا استويا: أتم صلاته إلى الجهة الأولى ولا إعادة، وناقشه الرافعي: بأن الأضعف لا يتغير به الاجتهاد، وقضية المساوي التوقف، فلا يكون الصواب ظاهراً له. انتهى (¬5). وهو بحث صحيح، لكنه يرد عليه في تقييده التغير قبلها بذلك، وحذف في " الروضة " بحث الرافعي هذا، وقال في " شرح المهذب ": المشهور: إطلاق الوجهين (¬6). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 158). (¬2) انظر " بحر المذهب " (2/ 100، 101). (¬3) انظر " الحاوي الكبير " (2/ 71)، و" الأم " (1/ 95). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 29)، و" الحاوي" (ص 158)، و" المنهاج " (ص 95). (¬5) فتح العزيز (1/ 453، 454)، وانظر " التهذيب " (2/ 69). (¬6) المجموع (3/ 201).

باب صفة الصلاة

بابُ صفة الصّلاة 443 - قول " المنهاج " [ص 96]: (أركانها ثلاثة عشر) كذا في " المحرر " (¬1)، وجعلها في " التنبيه " ثمانية عشر، فزاد: الطمأنينة في الركوع، والاعتدال، والسجود، والجلوس بين السجدتين، ونية الخروج من الصلاة (¬2)، وجعلها في " الروضة " و" التحقيق " سبعة عشر (¬3)؛ لأن الأصح: أن نية الخروج لا تجب، وجعلها في " الحاوي " أربعة عشر، فزاد: الطمأنينة، إلا أنه جعلها في الأركان الأربعة ركناً واحداً (¬4)، والخلاف بينهم لفظي، فمن لم يعد الطمأنينة ركناً .. جعلها في كل ركن كالجزء منه وكالهيئة التابعة له، ومن عدها أركاناً .. فذلك لاستقلالها وصدق اسم السجود ونحوه بدونها، وجعلها أركاناً؛ لتغايرها باختلاف محلها، ومن جعلها ركناً واحداً .. فلكونها جنسا واحداً. 444 - قول " المنهاج " [ص 96]: (فإن صلى فرضاً .. وجب قصد فعله) الضمير في قوله: (فعله) يعود إلى الصلاة لا إلى الفرض؛ لأن من قصد فعل الفرض .. فقد قصد الفرضية بلا شك، فلا يحسن قوله بعد ذلك: (والأصح: وجوب نية الفرضية) (¬5)، وقد سلم من هذا الإيهام " التنبيه " بقوله [ص 30]: (وينوي الصلاة) و" الحاوي " بقوله [ص 159]: (ركن الصلاة: نية فعلها) لكن فات " التنبيه " أن يذكر أن الأصح: وجوب نية الفرضية؛ ولعل مختاره: عدم الوجوب، فقد صححه الروياني (¬6)، واختاره في " المرشد ". 445 - قول " المنهاج " [ص 96] و" الحاوي " [ص 159]: (إنه تجب نية الفرضية في الفرض) يقتضي أنه لا فرق في ذلك بين البالغ والصبي، وهو الذي في " الشرح " و" الروضة " (¬7)، لكن في " شرح المهذب ": أن الصواب: أن الصبي لا يشترط في حقه نية الفرضية، وصححه في " التحقيق " (¬8)، ورجحه السبكي والإسنوي، ودخل في الفرض: فرض الكفاية؛ كصلاة الجنازة، وبه صرح الرافعي في (الجنائز) (¬9)، والمنذورة، وقد نقله في " الكفاية " عن بعضهم. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 30). (¬2) التنبيه (ص 33). (¬3) الروضة (1/ 223)، التحقيق (ص 222)، والذي ورد في " التحقيق ": (أربعة عشر). (¬4) الحاوي (ص 162). (¬5) انظر " المنهاج " (ص 96). (¬6) انظر " بحر المذهب " (2/ 108). (¬7) فتح العزيز (1/ 468)، الروضة (1/ 226). (¬8) المجموع (3/ 235)، التحقيق (ص 196). (¬9) فتح العزيز (2/ 434).

446 - قول " المنهاج " [ص 96]: (دون إضافة إلى الله) استشكل تصويره؛ لأن فعل الفرضية لا يكون إلا لله، فلا ينفك قصد الفرضية عن نية الإضافة إلى الله تعالى (¬1). 447 - قوله: (وأنه يصح الأداء بنية القضاء وعكسه) (¬2) وقول " الحاوي " [ص 159]: (وإن خالف الأداء والقضاء) استشكله الرافعي؛ لأنه إن قصد حقيقته .. فتلاعب، وإلا .. فيصح جزماً (¬3). قال النووي: وهو إلزام صحيح، ومرادهم بالصحة: إذا كان معذوراً بغيم ونحوه (¬4)، أي: فظن بقاء الوقت فنوى الأداء أو خروجه فنوى القضاء فبان خلافه، أما مع العلم بالحال .. فلا يصح قطعاً. 448 - قول " التنبيه " [ص 30]: (فإن كانت نافلة غير راتبة .. أجزأته نية الصلاة) اعترضه النووي في " تصحيحه " فقال: (والصواب: أن النافلة التي ليست راتبة ولها سبب؛ كالكسوف، والاستسقاء، وصلاة الطواف -إذا قلنا: هي سنة- وغيرها .. لا تصح إلا بتعيين النية) وتبعه شيخنا الإسنوي في " تصحيحه " (¬5). وأجيب عنه: بأن اصطلاح المتقدمين أن الراتبة: ما لها وقت سواء توابع الفرائض وغيرها، كما ذكره الرافعي في صلاة التطوع، وقال في (التيمم): من المؤقتة: صلاة الكسوف والاستسقاء، فذات السبب على هذا راتبة (¬6). وهي داخلة في قول " التنبيه " [ص 30]: (وينوي الصلاة بعينها إن كانت الصلاة مكتوبة أو سنة راتبة) فلا ترد على قوله: (فإن كانت نافلة غير راتبة) وكذلك قال في " الكفاية ": عبر الشيخ عن السنن المقيدة بالراتبة. فإن قلت: قد قال في (صلاة التطوع): (ومن فاته من هذه السنن الراتبة شيء .. قضاه) (¬7) وما له سبب .. لا يقضي، فدل على أنه ليس من الراتبة عنده. قلت: بل هذا يبين أن الراتبة عنده كل مؤقتة؛ للإشارة بـ (هذه)، فإنه أخرج باسم الإشارة الكسوف والاستسقاء المتقدم ذكرهما، وإلا .. لقال: من السنن الراتبة ولم يذكر الإشارة، ومشى ¬

_ (¬1) انظر " السراج على نكت المنهاج " (1/ 261). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 96). (¬3) انظر " فح العزيز " (1/ 468، 469). (¬4) انظر " المجموع " (3/ 235). (¬5) تصحيح التنبيه (1/ 122)، تذكرة النبيه (2/ 461). (¬6) انظر " فتح العزيز " (1/ 259)، و" نكت النبيه على أحكام التنبيه " (ق 24). (¬7) انظر " التنبيه " (ص 34).

في " المنهاج " على أن ذات السبب ليست من المؤقتة، فقال [ص 96]: (والنفل ذو الوقت أو السبب كالفرض فيما سبق) أي: من إيجاب نية الفعل والتعيين، ويحتمل أن ذات السبب عنده من المؤقتة، ولكنه عطفها عليها إيضاحاً، وعبر " الحاوي " بعبارة تشملهما فقال [ص 159]: (مع التعيين في المعين) ويستثنى من إيجاب التعيين في ذات السبب: تحية المسجد، وسنة الوضوء، فيكفي فيهما نية الفعل كما في " الكفاية " في الأولى، وفي " الإحياء " في الثانية (¬1). قال النشائي: (وينبغي طرده في ركعتي الإحرام والطواف إذا لم نوجبهما، لحصول المقصود بكل صلاة) انتهى (¬2). وقد عرفت تصريح النووي في ركعتي الطواف باشتراط التعيين، وذكر في " الحاوي " من أمثلة المعين: الأضحى (¬3)، ومنه يفهم أنه لا تكفي نية العيد؛ لاشتراكه بين الأضحى والفطر، وبحث الشيخ عز الدين بن عبد السلام الاكتفاء بذلك فيهما، لاستوائهما في الصفات كالكفارة (¬4). 449 - قول " المنهاج " [ص 96]: (وفي نية النفلية الوجهان) كذا في " المحرر " و" الروضة " بالتعريف (¬5)، أي: الوجهان في اشتراط نية الفرضية في الفرض، وكشط المصنف في نسخته من " المنهاج " الألف واللام، وصحح عليه؛ لأن فيهما إيهام تصحيح اشتراطهما، وقد صحح من زيادته خلافه، وصوب في " الروضة " و" شرح المهذب ": الجزم به (¬6). 450 - قوله: (ويكفي في النفل المطلق نية فعل الصلاة) (¬7) يقتضي أن نية النفلية لا تشترط هنا جزماً، وكذا قال الرافعي: لم يذكروا فيه الخلاف المتقدم، ثم بحث مجيئه (¬8)، لكن حكى في " المهمات " عن صاحب " التقريب ": أن الصلاة لا تصح إلا مع التعرض للفرض أو النفل. 451 - قول " التنبيه " [ص 30]: (والتكبير أن يقول: " الله أكبر "، أو " الله الأكبر "، لا يجزئه غير ذلك) يرد عليه: أن الأصح: أنه يجزئ أيضاً: (الله الجليل أكبر)، وقد صرح به في " المنهاج " (¬9)، وفي معناه: (عز وجل)، وغير ذلك من الصفات التي لا يطول بها الفصل، ¬

_ (¬1) إحياء علوم الدين (1/ 207). (¬2) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه " (ق 25)، وفي هامش (أ): (في " الكفاية ": أن الأصحاب صرحوا في ركعتي الإحرام والطواف اشتراط التعيين). (¬3) الحاوي (ص 159). (¬4) انظر " قواعد الأحكام في إصلاح الأنام " (1/ 313). (¬5) المحرر (ص 31)، الروضة (1/ 227). (¬6) الروضة (1/ 227)، المجموع (3/ 236). (¬7) انظر " المنهاج " (ص 96). (¬8) انظر " فتح العزيز " (1/ 469). (¬9) المنهاج (ص 96).

ولذلك عبر " الحاوي " بقوله [ص 159]: (وإن تخلل يسير ذكر، أو وقفة) فعبارته أعم وأحسن، ومثَّل الماوردي الفصل اليسير بقوله: (الله لا إله إلا هو أكبر) مع أن الفاصل أربع كلمات (¬1)، وقال الشاشي: لا اعتبار عندي بطول الفصل وقصره، بل بالانتظام، فمتى أفاد التكبير بأن يكون أكبر خبراً عنه .. انعقد. انتهى (¬2). وهو غريب، وما ذكره " الحاوي " من أنه لا يضر تخلل الوقفة اليسيرة .. مخالف لإطلاق الرافعي أنه تضر الوقفة (¬3)، وكذا قال في " شرح المهذب " (¬4)، ثم قال: نعم؛ قال العجلي: يجوز بقدر ما يتنفس فقط. 452 - قول " التنبيه " [ص 30]: (ومن لا يحسن التكبير بالعربية .. كبر بلسانه) قد يفهم تعين لسانه؛ أي: لغته، والأصح: أن جميع اللغات إذا عجز عن العربية سواء، فيخير بينها، وقد سلم من ذلك " المنهاج " بقوله [ص 96]: (ومن عجز .. ترجم) و" الحاوي " بقوله [ص 160]: (والترجمة للعاجز)، لكن الظاهر: أن المراد بلسانه: ما يحسنه، فلا إيراد، وقد يفهم من عبارة " التنبيه " و" المنهاج " أنه لا يؤخر الصلاة؛ ليتعلم التكبير عند اتساع الوقت، وليس كذلك، وقد صرح به " الحاوي " فقال [ص 160]: (ويؤخر له)، وقد يقال: قول " المنهاج " [ص 96]: (ومن عجز) أي: عن التكبير بالعربية والتعلم الآن. 453 - قول " التنبيه " [ص 30]: (فإذا انقضى التكبير .. حط يديه) يقتضي أنه يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير، وينهيه مع انتهائه، وهو الذي صححه في " شرح المهذب "، ونقله عن نصه في " الأم " (¬5)، لكن صحح في " الروضة " تبعاً للرافعي: أنه لا استحباب في الانتهاء (¬6)، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 96]: (والأصح: رفعه مع ابتدائه) وكذا في " الحاوي " [ص 163]: (وسن رفع اليدين مع التحرم) ولم يتعرضا للانتهاء، وصحح البغوي: أنه يرفع غير مكبر، ثم يكبر وهما قارتان، ثم يرسلهما بعد فراغه، واختاره السبكي (¬7). 454 - قول "التنبيه" في رفع اليدين [ص 30]: (ويفرق أصابعه) قيده الرافعي فقال: تفريقاً وسطاً (¬8)، ¬

_ (¬1) انظر " الحاوي الكبير " (2/ 95). (¬2) انظر " حلية العلماء " (1/ 180). (¬3) انظر " فتح العزيز " (1/ 473). (¬4) المجموع (3/ 243). (¬5) المجموع (3/ 254)، وانظر " الأم " (1/ 104). (¬6) الروضة (1/ 231)، وانظر "فتح العزيز" (1/ 477). (¬7) انظر " التهذيب " (2/ 89). (¬8) انظر " فتح العزيز" (1/ 479).

والمشهور في " شرح المهذب "، وصححه في " التحقيق ": خلافه (¬1). 455 - قوله: (حط يديه) (¬2) ظاهره: الحط الكلي، والأصح في " الروضة ": إرسالهما إلى الصدر (¬3). 456 - قوله: (وتكون النية مقارنة للتكبير) (¬4)، وقول " المنهاج " [ص 96]: (ويجب قرن النية بالتكبير) حقيقة المقارنة: انطباق كل طرف على طرف، وهو وجه بعيد؛ لأن النية عرض لا تنقسم، فلا أول لها ولا آخر، والأصح: أنه توجد النية مع أول التكبير وتستمر إلى آخره، ثم قيل: الاستمرار: استحضارها، وقيل: توالي أمثالها؛ ولذلك عبر في " الحاوي " بقوله [ص 159]: (مقرونة بكل التكبير) فاعتبر مقارنة مجموع النية لكل التكبير، وصحح الرافعي في (الطلاق): الاكتفاء بمقارنة النية لأول التكبير (¬5)، واختار النووي في " شرح المهذب " تبعاً للإمام والغزالي في " الإحياء ": الاكتفاء بالمقارنة العرفية عند العوام، بحيث يعد مستحضراً للصلاة (¬6)، وقال السبكي: هو الصواب، وعليه نزل بعضهم كلام الشافعي رضي الله عنه. 457 - قول " التنبيه " في (صفة الصلاة) [ص 30]: (إذا أراد الصلاة .. قام إليها) إنما يتعين القيام في صلاة الفرض، وفي حق القادر عليه، كما أوضحه في (باب صلاة المريض) (¬7)، وصرح به " المنهاج " هنا فقال [ص 96]: (الثالث: القيام في فرض القادر)، وأطلق " الحاوي " ركنية القيام، ولم يقيد ذلك بالفرض (¬8)، لكنه علم من ذكره حكم النفل بعد ذلك. وقال بعضهم في عبارة " التنبيه ": لعل مراده بالقيام: التوجه؛ ليشمل العاجز (¬9)، وحكى الروياني في " البحر " وجهين في أنه هل تجوز صلاة الصبي قاعداً مع القدرة على القيام -يعني: في الفرض-؟ وصحح: المنع (¬10)، فعلى مقابله يعتبر لتعين القيام شرط ثالث، وهو: كونه في صلاة البالغ، وأورد بعضهم على عبارة " المنهاج ": من يحتاج في مداواته إلى استلقاء يستغرق وقت صلاته فأكثر؛ لنزول الماء في عينه أو غير ذلك وهو يقدر على القيام؛ فإن الأصح: جواز ¬

_ (¬1) المجموع (3/ 254)، التحقيق (ص 199). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 30). (¬3) الروضة (1/ 232). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 30). (¬5) انظر " فتح العزيز " (8/ 526). (¬6) المجموع (3/ 233)، وانظر " نهاية المطلب " (2/ 117)، و" إحياء علوم الدين " (1/ 191). (¬7) انظر " التنبيه " (ص 40). (¬8) الحاوي (ص 160). (¬9) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه " (ق 24). (¬10) بحر المذهب (2/ 261).

فائدة [فيما لو استطاع الصلاة قائما منفردا، أو مع الجماعة قاعدا]

تركه (¬1)، وقد ذكره " التنبيه "، فقال [ص 140]: (وإن كان به وجع العين، فقيل: إن صليت مستلقياً .. أمكن مداواتك، وهو قادر على القيام .. احتمل أن يجوز له ترك القيام، واحتمل ألَّا يجوز)، والأصح: الجواز كما تقدم، وهذان الاحتمالان وجهان مشهوران للأصحاب، وقد حكاهما في " المهذب " وجهين (¬2)، وعبر " الحاوي " بقوله [ص 160]: (ولرمد يبرأ به) وتعبير " التنبيه " بوجع العين أولى؛ لأن أهل الصناعة لا يسمون نزول الماء في العين رمداً، وسواء عبر بوجع العين أو الرمد .. فالحكم لا يختص به، فلو كانت به جراحة يمكن علاجها مع إدامة الاستلقاء دون غيره .. كان الحكم كذلك، وحكى النووي في " نكته ": أن الذي في نسخة المصنف من " التنبيه ": (وجع) بدون ذكر العين، فتناولت عبارته هذه الصورة. وأجيب عن " المنهاج ": بأن هذا عاجز؛ لأجل العذر؛ لضرورة التداوي (¬3)، فتناوله كلامه، وقد يفهم من كلام " التنبيه " أنه لو قيل له: إن صليت قاعداً أمكنت مداواتك .. جاز القعود قطعاً، وكذا قال إمام الحرمين (¬4)، لكن قال الرافعي: مفهوم كلام غيره أنه على الوجهين (¬5). فائدة [فيما لو استطاع الصلاة قائماً منفرداً، أو مع الجماعة قاعداً] في " الروضة " من زيادته عن الشافعي والأصحاب: أنه لو قدر أن يصلي قائماً منفرداً، وإذا صلى مع الجماعة احتاج أن يصلي بعضها من قعود .. فالأفضل: الانفراد، فإن صلى مع الجماعة وقعد في بعضها .. صحت. انتهى (¬6). وقال أبو الخير المقدسي في " شرح المفتاح ": يتعين الانفراد، ولا يجوز له ترك القيام؛ لأن القيام فرض والصلاة في الجماعة نافلة، والفرض أولى من النافلة. 458 - قول " التنبيه " [ص 40]: (إذا عجز عن القيام .. صلى قاعداً) يرد عليه: ما إذا قدر على حد الراكعين فقط، فالصحيح: أنه يقف كذلك، ولا يصلي قاعداً، وقد ذكره " المنهاج " و" الحاوي " (¬7)، وقد يقال: هو قيامه فلا يرد عليه، وقال في " الكفاية ": أفهم بتعبيره بالعجز: ¬

_ (¬1) انظر " السراج على نكت المنهاج " (1/ 266). (¬2) المهذب (1/ 101). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (1/ 266). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (2/ 221، 222). (¬5) انظر " فتح العزيز " (1/ 486). (¬6) الروضة (1/ 236). (¬7) الحاوي (ص 160)، المنهاج (ص 97).

نفي تمكنه مطلقاً، وليس كذلك، قال في " شرح المهذب ": قال أصحابنا: والمعتبر: المشقة الظاهرة (¬1)، وهذا يرد على " المنهاج " أيضاً في تعبيره بالعجز، وعبر " الحاوي " بقوله [ص 160]: (ثم انحنى ولو كالراكع، ثم قعد) ولم يبين السبب المجوز للانتقال للانحناء والقعود. 459 - قول " التنبيه " [ص 40]: (ويقعد متربعاً في أحد القولين، ومفترشاً في الآخر) الخلاف في الأفضل، والأصح: أنه يقعد مفترشاً، وقد صرح " المنهاج " بالأمرين فقال [ص 97]: (قعد كيف شاء، وافتراشه أفضل من تربعه في الأظهر) وخص الماوردي ذلك بالرجل، وقال: إن الأولى للمرأة: التربع في قعودها؛ لأنه أستر لها (¬2). 460 - قول " الحاوي " [ص 164]: (وكره الإقعاء) فسره في " المنهاج " بقوله [ص 97]: (بأن يجلس على وركيه ناصباً ركبتيه) وهذا تفسير أبي عبيدة، وحكي عنه: أنه زاد فيه: وضع يديه بالأرض، وهذا الإقعاء مكروه في جميع الصلاة. وأنكر بعضهم قوله: (على وركيه) لتوهمه أن الورك هو الفخذ، وليس كما توهم، بل الورك أصل الفخذ، فمعنى الجلوس على وركيه ونصب ركبتيه: أن يلصق أليته بالأرض وينصب فخذيه وساقيه وركبتيه، كذا حرره السبكي من كتب اللغة. ومن الإقعاء نوع يستحب بين السجدتين عند ابن الصلاح والنووي، وهو: أن يفرش رجليه ويضع أليتيه على عقبيه، وجعله الرافعي أحد الأوجه في تفسير الإقعاء المكروه، وفسر البيهقي المستحب: بأن يضع أطراف أصابعه بالأرض وأليتيه على عقبيه، وفي " البويطي " نحوه، وظاهره: نصب قدميه، لا قوسهما (¬3). 461 - قولهما: (وإن عجز عن القعود .. صلى مضطجعاً لجنبه الأيمن) (¬4) كون الاضطجاع على الجنب الأيمن مستحب، فلو صلى مضطجعاً لجنبه الأيسر .. جاز؛ ولذلك أطلق " الحاوي " ذكر الجنب ولم يقيده بالأيمن (¬5). 462 - قول " التنبيه " [ص 40]: (ويومئ بالركوع والسجود، ويكون سجوده أخفض من ركوعه) لا يكفي مجرد كونه أخفض، بل لا بد من الانحناء غاية الممكن؛ لأنه أقرب إلى الواجب ¬

_ (¬1) المجموع (4/ 266). (¬2) انظر " الحاوي الكبير " (2/ 197). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (1/ 268)، و" مشكل الوسيط " لابن الصلاح (2/ 102)، و" شرح الوسيط " للنووي (2/ 102)، و" فتح العزيز " (1/ 481)، و" سنن البيهقي الكبرى " (2568)، و" مختصر البويطي " (ق 14). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 40)، و" المنهاج " (ص 97). (¬5) الحاوي (ص 160).

الأصلي، وقد صرح به " الحاوي " (¬1)، ولم يتعرض " المنهاج " لذكر الإيماء بالكلية. 463 - قول " التنبيه " [ص 40]: (فإن عجز عن ذلك .. أومأ بطرفه ونوى بقلبه) فيه أمران: أحدهما: أنه يوهم ترك الاستلقاء إذا قدر عليه، وليس كذلك، وقد ذكره " المنهاج " بقوله [ص 97]: (فإن عجز .. فمستلقياً) وهو من زيادته على " المحرر " من غير تمييز، و" الحاوي " بقوله [ص 160]: (ثم يستلقي). ثانيهما: أنه قد يوهم أنه إذا عجز عن الإيماء .. لا يجب عليه إمرار الأركان على قلبه، وهو وجه، والأصح: الوجوب؛ ولذلك قال في " الحاوي " [ص 160]: (ثم بطَرْفِهِ، ثم يجري الأركان على قلبه) ولم يتعرض في " المنهاج " بعد الاستلقاء لذكر الإيماء بالطرف، ولا النية بالقلب. 464 - قول " التنبيه " [ص 40]: (فإن قدر على القيام في أثناء الصلاة، أو القعود .. انتقل إليه) يستثنى منه: ما لو قدر على القيام بعد الرفع من الركوع والفراغ من الطمأنينة؛ فإنه لا يلزمه الانتقال إليه ليسجد في الأصح؛ لئلا يطول الاعتدال، وهو ركن قصير. وما لو قدر في ركوعه قبل الطمأنينة .. فإنه يرتفع إلى حده ولا ينتصب؛ لما فيه من زيادة الركوع، وفي " الحاوي " [ص 160]: (فإن خف في الركوع قبل الطمأنينة .. يرتفع إلى حده)، وأورد عليه: أن اقتصاره على الركوع يوهم أنه إذا خف في الاعتدال قبل الطمأنينة .. لا يلزمه الانتصاب، وليس كذلك؛ فإنما لا ينتقل إذا كانت القدرة بعد الطمأنينة كما تقدم، وقد ذكرها " الحاوي " بعد ذلك بقوله [ص 161]: (وقام ليركع ويقنت، لا ليسجد)، وإنما قصد " الحاوي " بذكر مسألة القدرة في الركوع قبل الطمأنينة: أنه يرتفع إلى حد الراكعين فقط، ولا ينتصب، بخلاف القدرة في الاعتدال قبل الطمأنينة؛ فإنه ينتصب، فلا إيراد عليه. 465 - قولهم: (إنه يسن بعد التحرم دعاء الاستفتاح) (¬2) يستثنى منه: المسبوق إذا أدرك الإمام في غير القيام ولو في الاعتدال، أو أدركه في القيام وخاف فوت (الفاتحة) .. فإنه لا يأتي به، فلو سلم الإمام عقب تحرمه قبل أن يقعد .. أتى به، وينبغي أن يقال: (كل مُصَلٍّ إذا خاف خروج الوقت لو أتى بدعاء الاستفتاح .. لا يأتي به)، ولم أر من تعرض له، ولم يبين " المنهاج " و" الحاوي " بماذا يستفتح، وبينه في " التنبيه "، وهو: (وجهت وجهي) إلى (وأنا من ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 160). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 33)، و" الحاوي " (ص 163)، و"المنهاج" (ص 97).

المسلمين) (¬1)، وفي " الرافعي " و" الروضة ": أن الإمام لا يزيد على هذا إذا لم يعلم رضا المأمومين بالزيادة، فإن علم رضاهم، أو كان المصلي منفرداً .. استحب أن يقول بعده: (اللهم؛ أنت الملك لا اله إلا أنت ... ) إلى آخره (¬2). ولم يبينا حكم المأموم في الزيادة، وفي " شرح المهذب " عن " التبصرة " للشيخ أبي محمد، وأقره: أنه يستحب للمأموم في الجهرية الاقتصار على الأول، ويسرع به أيضاً؛ ليشتغل بسماع قراءة الإمام (¬3)، وظاهر كلام الأصحاب: أنه لا فرق في التعبير بقوله: (حنيفاً)، وبقوله: (من المشركين)، وبقوله: (من المسلمين) بين الرجل والمرأة، ويدل له ما رواه الحاكم في " مستدركه ": (أنه عليه الصلاة والسلام علَّم ابنته فاطمة أن تقول عند الأضحية ذكراً آخره: " وأنا من المسلمين ") (¬4). 466 - قول " الحاوي " في (سنن الصلاة) [ص 163]: (والتعوذ) لو قال: (ثم التعوذ) كما في " المنهاج " و" التنبيه " (¬5) .. لكان أحسن؛ ليفهم منه الترتيب، ويستثنى من كلامهم مسائل: إحداها: إذا أدرك الإمام في غير القيام، أو فيه وخاف فوت الفاتحة، كما تقدم في الاستفتاح. الثانية: المأموم إذا قلنا: لا يقرأ في الجهرية .. فإنه لا يتعوذ في الأصح. الثالثة: إذا أتى بالذكر لعجزه عن القراءة .. فقال في " المهمات ": المتجه: أنه لا يستحب له التعوذ في هذه الصورة، وإن كان كلام الرافعي والنووي يقتضي استحبابه؛ فإنهما قالا: يشترط ألاَّ يقصد بالذكر المأتي به شيئاً آخر سوى البدلية؛ كما إذا استفتح، أو تعوذ على قصد إقامة سنتهما (¬6). 467 - قول " التنبيه " [ص 32]: (ثم يصلي الركعة الثانية مثل الأولى، إلا في النية، والاستفتاح، والتعوذ) ما ذكره في التعوذ قول، والأصح: أنه يتعوذ في كل ركعة؛ كما صرح به في " المنهاج " و" الحاوي " (¬7). نعم؛ الأُولى آكد، كما صرح به في " المنهاج " (¬8)، ومحل الخلاف: ما إذا تعوذ في الأولى، ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 30). (¬2) فتح العزيز (1/ 489)، الروضة (1/ 239). (¬3) المجموع (3/ 265). (¬4) مستدرك الحاكم (1716). (¬5) التنبيه (ص 99)، المنهاج (ص 97). (¬6) انظر " فتح العزيز " (1/ 503)، و " المجموع " (3/ 329). (¬7) الحاوي (ص 163)، المنهاج (ص 97). (¬8) المنهاج (ص 97).

فرع [في النطق بالقاف مترددة بينها وبين الكاف]

فإن تركه عمداً، أو سهواً .. تعوذ في الثانية قطعاً. 468 - قول " التنبيه " [ص 30]: (ويقرأ " فاتحة الكتاب ") يستثنى منه: المسبوق، ففي " المنهاج " -والعبارة له- و" الحاوي ": (وتتعين " الفاتحة " في كل ركعة، إلا ركعة مسبوق) (¬1) لكن الأصح: أنها وجبت على المسبوق وتحملها الإمام، وفائدته: أنه لا تحسب له الركعة فيما إذا أدرك إمامه محدثاً، أو في خامسة؛ لأنه ليس أهلاً للتحمل. قال شيخنا في " المهمات ": (وما ذكروه من حصر الاستثناء في المسبوق ليس كذلك، بل تسقط أيضاً الفاتحة في الركعات كلها حيث حصل له عذر تخلف بسببه عن الإمام بأربعة أركان طويلة وزال عذره والإمام راكع، وذلك في صور، منها: لو كان المأموم بطيء القراءة، ومنها: لو نسي أنه في الصلاة، ومنها: ما لو امتنع من السجود بسبب الزحمة، ومن الأعذار أيضاً: ما إذا شك بعد ركوع إمامه في قراءة " الفاتحة "، وقد أوضحوا ذلك في الجمعة والجماعة، وحينئذ .. فيتصور خلو الصلاة كلها عن القراءة) انتهى. 469 - قول " المنهاج " [ص 97]: (ولو أبدل " ضاداً " ب " ظاء " .. لم تصح في الأصح) صوابه: أبدل ظاءً بضاد، كما عبر به " الحاوي " فقال [ص 161]: (فلا يبدل الظاء بالضاد) وذلك؛ لأن الباء تدخل على المتروك، فإذا ترك الظاء إلى الضاد .. فهو الصواب، فيصح جزماً، والممتنع في الأصح: ترك الضاد إلى الظاء، لكن حكى الواحدي: عن ثعلب، عن الفراء في قوله تعالى: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} بدلت الخاتم بالحلقة إذا سويته حلقة، وبدلت الحلقة بالخاتم إذا سويتها خاتماً (¬2)، فإن صح ذلك عن العرب .. صحت عبارة " المنهاج "، وإلا .. فتكفيه موافقة عبارة الفراء من غير اعتراض من ثعلب، وجوز في " المهمات " في إقامة الدال المهملة مقام المعجمة من (الذين): أن يتخرج على الوجهين بعد أن ذكر أن مقتضى كلامهم القطع فيه بالبطلان. فرعٌ [في النطق بالقاف مترددة بينها وبين الكاف] لو نطق بالقاف مترددة بينها وبين الكاف كما تنطق بها العرب .. لم يضر، كما في " الكفاية "، وسبقه إليه البندنيجي والروياني، فجزما بالصحة مع الكراهة، ومال المحب الطبري إلى البطلان، وقال في " شرح المهذب ": فيه نظر (¬3). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 163)، المنهاج (ص 97). (¬2) انظر " شعب الإيمان " للبيهقي (392)، و" تهذيب اللغة " (14/ 93). (¬3) المجموع (4/ 235).

470 - قول " التنبيه " [ص 30]: (أو فرقها .. لزمه إعادتها) يستثنى من ذلك: - ما إذا كان التفريق بذكر يتعلق بالصلاة؛ كتأمينه لقراءة إمامه وفتحه عليه، وسؤال الرحمة، والتعوذ لقراءة الإمام، والسجود معه، فكل ذلك لا يقطع الموالاة في الأصح، وقد ذكره " المنهاج " و" الحاوي " (¬1). - وما إذا فرق بذكر لا يتعلق بالصلاة، أو بسكوت كثير ناسياً في الصورتين .. فالصحيح المنصوص فيهما: أنه لا يقطع، وقد ذكرهما " الحاوي " (¬2)، وعبر في " التصحيح " بلفظ الصواب؛ لاقتصار الرافعي على نسبة مقابله لرأي الإمام، وهو وجه في " الكفاية " (¬3). - وما إذا فرق بسكوت يسير لم يقصد به قطع القراءة .. فلا تنقطع الموالاة، وقد ذكره " المنهاج " و" الحاوي " (¬4)، ويمكن أن تندرج هذه الصورة الأخيرة في عبارة " التنبيه " لأن السكوت اليسير لا يعد في العرف تفريقاً؛ لأنهم فسروه بالمعتاد؛ كتنفس واستراحة، وحينئذ .. فيرد عليه ما إذا قصد به قطع القراءة؛ فإن مقتضى كلامه على هذا أنه لا يعد تفريقاً مع أن المولاة تنقطع به كما تقدم، فالإيراد لازم لعبارته على كل حال. 471 - قول " الحاوي " [ص 161]: (ثم سبع آي متوالية ثم متفرقة) تبع فيه الرافعي (¬5)، واستدرك عليه في " المنهاج " فقال [ص 98]: (الأصح المنصوص: جواز المتفرقة مع حفظه متوالية)، ويوافقه قول " التنبيه " [ص 30]: (قرأ بقدرها من غيرها) فإنه لم يفصل بين أن يحفظ متوالية أم لا، ومال في " المهمات " إلى ما ذكره الرافعي، قال الإمام: فإن لم تفد المتفرقة معنى منظوماً .. لم تجز، وينتقل للذكر (¬6)، قال في " شرح المهذب ": والمختار: ما أطلقوه (¬7). 472 - قول " التنبيه " [ص 30]: (وإن كان يحسن آية .. ففيه قولان، أحدهما: يقرؤها ثم يضيف إليها من الذكر ما يتم به قدر الفاتحة، والثانى: أنه يكرر ذلك سبعًا) فيه أمور: أحدها: أنه فرض الخلاف فيما إذا كان يحسن آية، واقتضى كلام ابن الرفعة اختصاص الخلاف بالآية الواحدة؛ فإنه قال بعد ذلك: قال الإمام: وإن كان يحسن آيتين مثلاً .. فمحل نظر (¬8)، ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 161)، المنهاج (ص 97). (¬2) الحاوي (ص 161). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 122، 123)، وانظر " نهاية المطلب " (2/ 140، 141)، و" فتح العزيز " (1/ 498). (¬4) الحاوي (ص 161)، المنهاج (ص 98). (¬5) انظر " فتح العزيز " (1/ 501، 502). (¬6) انظر " نهاية المطلب " (2/ 145). (¬7) المجموع (3/ 326). (¬8) انظر " نهاية المطلب " (2/ 146).

وقال في " شرح المهذب ": أو آيتين، أو ثلاث آيات (¬1)، وعبارة " التحقيق ": دون سبع (¬2)، وعبارة الرافعي: دون السبع " كآية، أو آيتين (¬3)، فعلم بذلك أن ذكر الآية في " التنبيه " مثال. ثانيها: مفهومه: أنه إذا لم يحسن إلا بعض آية .. فليس من موضع الخلاف، وبه صرح ابن الرفعة، وقال: إنه ينتقل للبدل بلا خلاف، وعلله: بأنه لا إعجاز فيه، وكلام الرافعي يقتضي جريان الخلاف فيه أيضاً، فإنه استدل للوجه الأول المصحح بأنه عليه الصلاة والسلام أمر ذلك السائل بالكلمات الخمس، ومنها: (الحمد لله) (¬4)، قال: وهذه الكلمة من جملة (الفاتحة)، ولم يأمره بتكرارها. ثالثها: حكايته الخلاف قولين عزاها البندنيجي لى " الأم " (¬5)، لكنه حكاه في " المهذب " وجهين، وكذا الرافعي (¬6)، قال في " شرح المهذب ": وكذا حكاه المحققون في الطريقين (¬7). رابعها: الأصح: هو الأول. خامسها: أن ظاهره: أنه يقدم الآية على الذكر وإن كانت مؤخرة في (الفاتحة)، والأصح: رعاية الأصل، فإن حفظ أولها .. قرأه، ثم البدل، وإن انعكس .. فعكسه. سادسها: أن محل الخلاف: فيما إذا أحسن للباقي بدلاً، فإن لم يحسن له بدلاً .. وجب تكرار ما يحسنه قطعاً، ولم يتعرض في " المنهاج " لهذه المسألة، وهى واردة على ظاهر قوله: (فإن عجز .. أتى بالذكر) (¬8)، فيحمل على ما إذا عجز عن الفاتحة بجملتها، فإن أحسن بعضها .. فقد عرفت حكمه، وكذلك لم يتعرض لها " الحاوي ". 473 - قول " التنبيه " [ص 30، 31]: (فإن لم يحسن شيئاً من القرآن .. لزمه أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويضيف إليها كلمتين من الذكر، وقيل: يجوز هذا وغيره) فيه أمور: أحدها: قال النووي في " التصحيح ": الأصح: أن الذكر لا يتعين (¬9)، ولم يزد على ذلك، لكن الأصح: أنه يشترط ألاَّ ينقص حروف المأتي به عن حروف (الفاتحة)، ثم قال الإمام: ¬

_ (¬1) المجموع (3/ 327). (¬2) التحقيق (ص 204). (¬3) انظر " فتح العزيز " (1/ 502). (¬4) أخرجه أبو داوود (832)، والنسائي (924)، وأحمد (19161) من حديث عبد الله بن أبي أوفى. (¬5) الأم (1/ 102). (¬6) المهذب (1/ 73)، وانظر " فتح العزيز " (1/ 502). (¬7) المجموع (3/ 327). (¬8) انظر " المنهاج " (ص 98). (¬9) تصحيح التنبيه (1/ 124).

لا يراعي إلا الحروف (¬1)، وقال البغوي: يجب سبعة أنواع من الذكر يقام كل نوع مقام آية (¬2)، قال الرافعي: وهذا أقرب (¬3). ثانيها: إذا فرعنا على ما رجحه الشيخ من تعين هذه الكلمات .. فالأصح في " التحقيق " و" الكفاية ": أنه لا يتعين أن يضيف إليها كلمتين من الذكر (¬4). ثالثها: قوله: (وقيل: يجوز هذا وغيره) أي: من الذكر، وذكر في " التحقيق " تبعاً للإمام والغزالي: أن الأقوى: إجزاء دعاء محض يتعلق بالآخرة (¬5)، واختار السبكي: أن الدعاء لا يقوم مقام الذكر، وقال في " المهمات ": نص الشافعي على أنه لا يجزئ غير الذكر (¬6). 474 - قولهم -والعبارة لـ" المنهاج "-: (فإن لم يحسن شيئاً .. وقف قدر " الفاتحة ") (¬7) أي: ولم يمكنه التعلم، قال شيخنا شهاب الدين بن النقيب: وهل يندب أن يزيد في القيام قدر سورة؟ لم أر من ذكره، وفيه نظر (¬8). 475 - قول " المنهاج " [ص 98]: (ويسن عقب " الفاتحة ": " آمين ") ليس المراد بالتعقيب هنا: أن يصل التأمين بها، فإنه يسن بين الفاتحة والتأمين سكتة لطيفة جداً، ليميز القراءة عن التأمين، فإن أخره .. لم يفت إلا بالشروع في السورة، أو بالركوع (¬9). 476 - قوله: (ويجهر به في الأظهر) (¬10)، وكذا قول " الحاوي " [ص 163]: (والتأمين جهراً) أي: في الجهرية، كما صرح به " التنبيه " (¬11)، والخلاف إنما هو في المأموم، أما الإمام والمنفرد: فيجهران قطعاً، ولم يصرح في " المنهاج " عند حكاية الخلاف بذلك، لكنه مفهوم من قوله قبله: (ويؤمن مع تأمين إمامه) (¬12)، ورجح في " الروضة ": طريقة القطع بجهر المأموم به أيضاً، والخلاف فيما إذا أمن الإمام (¬13)، فإن لم يؤمن .. استحب الجهر به للماموم قطعاً، ليسمعه ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (2/ 144). (¬2) انظر " التهذيب " (2/ 104). (¬3) انظر " فتح العزيز " (1/ 503). (¬4) التحقيق (ص 205). (¬5) التحقيق (ص 205)، وانظر " نهاية المطلب " (2/ 145، 146)، و" الوسيط " (2/ 118). (¬6) انظر " الأم " (1/ 102). (¬7) انظر " التنبيه " (ص 31)، و" الحاوي " (ص 161)، و" المنهاج " (ص 98). (¬8) انظر " السراج على نكت المنهاج " (1/ 275). (¬9) انظر " السراج على نكت المنهاج " (1/ 275). (¬10) انظر " المنهاج " (ص 98). (¬11) التنبيه (ص 30). (¬12) المنهاج (ص 98). (¬13) الروضة (1/ 247).

الإمام، فيأتي به، ذكره في " شرح المهذب " (¬1)، وجزم في " التنبيه " بجهر الإمام به، وحكى القولين في المأموم وسكت عن المنفرد (¬2)، وهو كالإمام كما تقدم. 477 - قولهم -والعبارة لـ " المنهاج "-: (وتسن سورة بعد " الفاتحة ") (¬3) فيه أمور: أحدها: تتأدى السنة بقراءة شيء من القرآن بعد (الفاتحة)، ولكن سورة كاملة وإن قصرت .. أولى من بعض سورة وإن كان ذلك البعض أطول من القصيرة؛ كما اقتضاه كلام الرافعي في " شرحه الكبير " (¬4)، وصرح به في " شرحه الصغير "، وسبقه إليه البغوي والمتولي (¬5)، وفي " الروضة " و" التحقيق ": أن القصيرة أفضل من قدرها من طويلة (¬6)، ويمكن أن يقال: الأطول أفضل من حيث الطول، والسورة أفضل من حيث أنها سورة كاملة، فلكل منهما ترجيح من وجه. ثانيها: يستثنى من استحباب السورة: فاقد الطهورين إذا كان جنباً، فلا يجوز له قراءتها. ثالثها: خرج بقوله: (بعد " الفاتحة "): ما إذا كرر (الفاتحة)، فإن المرة الثانية لا تحسب عن السورة؛ كما في " شرح المهذب " عن المتولي وغيره، وقال: إنه لا خلاف فيه (¬7)، لكن ذكر صاحب " التعجيز " في شرحه له: أنها تحسب، ونقل خلافه عن المتولي خاصة، قال في " المهمات ": والذي قاله ظاهر. 478 - قول " التنبيه " [ص 32]: (ثم يصلي ما بقي من صلاته مثل الثانية، إلا أنه لا يقرأ السورة في أحد القولين) هو الأصح؛ كما ذكره " المنهاج " و" الحاوي " (¬8)، وهذا في غير المسبوق، قال في " المنهاج " من زيادته [ص 98]: (فإن سُبِقَ بهما .. قرأها فيهما على النص)، [وذكره في " الحاوي " في آخر (صلاة الجماعة) (¬9)] (¬10)، ولو كان الإمام بطيء القراءة فقرأ المأموم السورة فيما أدرك .. فالذي يظهر: أنه لا يعيدها، إلا إذا قلنا: يقرأ في كل ركعة، قاله السبكي. وأورد على عبارة " التنبيه ": أنها تقتضي أموراً: منها: مساواة الأخيرة والأخيرتين للأوليين على القول الآخر، ولا خلاف أنه هنا أقصر. ¬

_ (¬1) المجموع (3/ 323). (¬2) التنبيه (ص 30). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 30)، و"الحاوي" (ص 163)، و" المنهاج " (ص 98). (¬4) فتح العزيز (1/ 557). (¬5) انظر " التهذيب " (2/ 102). (¬6) الروضة (1/ 247)، التحقيق (ص 206). (¬7) المجموع (4/ 102). (¬8) الحاوي (ص 163)، المنهاج (ص 98). (¬9) الحاوي (ص 183). (¬10) في (أ)، (د): (ولم يذكر ذلك في " الحاوي " فيرد عليه)، والمثبت من باقي النسخ.

ومنها: كون الأخيرتين في القراءة سواء، وفيه الخلاف في الأوليين، وحكى الماضي أبو الطيب الاتفاق على تسويتهما، كذا نقل عنه النووي (¬1)، وحكى عنه في " الكفاية " عكسه. ومنها: أنه لا يرفع اليدين في القيام للثالثة، وهو المذهب، قال النووي: والمختار: نعم (¬2)، لكنه ذكره في " التصحيح " في غير محله من كلام الشيخ (¬3). ومنها أورده بعضهم: الجهر بالقراءة، قال في " الكفاية ": وبيان الشيخ محل الجهر قبله يغني عن استثنائه. 479 - قول " التنبيه " [ص 30]: (فإن كان مأموماً في صلاة يجهر فيها .. لم يقرأ السورة) فيه أمران: أحدهما: أنه يشمل ما لو لم يسمعها، والأصح في هذه الصورة: أنه يقرأ، وقد ذكره في " المنهاج " بقوله [ص 98]: (فإن بَعُدَ أو كانت سِرِّيَّةً .. قرأ في الأصح) و" الحاوي " بقوله [ص 163]: (لا للمأموم إن سمع)، وهي أحسن من عبارة " المنهاج " لشمولها ما إذا لم يسمع لصمم، ولا تتناول عبارة " المنهاج " هذه الصورة. ثانيهما: لو جهر الإمام في السرية أو عكس .. فالأصح في " الشرح الصغير ": اعتبار المشروع، ويوافقه قول " المنهاج " [ص 98]: (أو كانت سرية)، والأصح في " أصل الروضة " و" شرح المهذب ": اعتبار فعله (¬4)، ويوافقه قول " الحاوي " [ص 163]: (إن سمع)، وأما قول " التنبيه " [ص 30]: (يجهر) فإن قرئ بضم الياء .. وافق التصحيح الأول، وإن قرئ بفتحها .. وافق الثاني. 480 - قوله: (وفي " الفاتحة " قولان، أصحهما: أنه يقرأها (¬5) محل هذا الخلاف: في الأوليين من المغرب والعشاء وصلاة الصبح، أما ما يسر فيه من الجهرية .. فيلزمه فيه (الفاتحة) قولاً واحداً، كذا قاله في " الكفاية "، لكن في الرافعي و" التحقيق " وجه: أنه لا يجب في هذه الحالة أيضاً (¬6)، وهذا التقييد لا يحتاج إليه؛ لأن كلامه إنما هو في الركعة الأولى، بدليل قوله بعد: (ثم يصلي الركعة الثانية مثل الأولى) (¬7). ¬

_ (¬1) انظر " المجموع " (3/ 341)، و" الروضة " (1/ 248). (¬2) انظر " المجموع " (3/ 409)، و" الروضة " (1/ 266). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 128). (¬4) الروضة (1/ 241)، المجموع (3/ 311). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 30). (¬6) فتح العزيز (1/ 495)، التحقيق (ص 203). (¬7) انظر " التنبيه " (ص 32).

481 - قولهما: (ويسن للصبح والظهر طوال المُفَصَّل) (¬1) قد يفهم تساويهما، والذي في الرافعي و" الروضة ": أن الظهر أقل من الصبح (¬2)، ومحل استحباب الطوال والأوساط: إذا رضي المأمومون المحصورون، ذكره النووي في " التحقيق " و" شرحي مسلم والمهذب " (¬3)، وقال في " الكفاية ": إن طواله وأوساطه أكمل للإمام، فلا يزيد إن لم يؤثروا التطويل، ولا يندب له النقص عن ذلك، وهو مفهوم قول " التنبيه " في (باب صلاة الجماعة) [ص 38]: (ويستحب للإمام أن يخفف في الأذكار)، لكنه زاد في " المهذب ": (والقراءة) (¬4)، ثم يستثنى: المسافر في الصبح؛ فالمستحب له في الأولى: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثانية: (سورة الإخلاص)، قاله الغزالي في " الخلاصة " و" الإحياء " (¬5). 482 - قول " التنبيه " [ص 30]: (ويجهر الإمام والمنفرد بالقراءة في الصبح، والأوليين من المغرب والعشاء) ظاهره: أن القضاء فيه كالأداء، وبه صرح " الحاوي " فقال [ص 163]: (والجهر في الصبح وأولى العشاءين، والإسرار في غير قضاء وأداء)، لكن الأصح: أن العبرة بوقت القضاء، فيسر في المغرب إذا قضاها بالنهار، ويجهر في الظهر إذا قضاها بالليل، وأورد في " الكفاية ": الجمعة، والعيد، والخسوف، والاستسقاء، وفي معناها: التراويح، والإيراد على " الحاوي " أظهر؛ لقوله [ص 163]: (والإسرار في غير). وأجيب عنهما: بأن الكلام في الصلوات الخمس، ويتوسط في نوافل الليل بين الجهر والإسرار، وتسر المرأة قراءتها بحضرة الرجال الأجانب، وتجهر فيما سواه، والخنثى مثلها؛ كما في " الروضة " (¬6)، وقال في " شرح المهذب ": الصواب: أنه يسرُّ بحضرة الرجال والنساء الأجانب (¬7)، وفيه نظر. ووقع في أواخر نقض الوضوء من "شرح المهذب ": أن المرأة تسر مطلقاً (¬8)، والصواب ما تقدم. 483 - قول " المنهاج " [ص 98]: (وأقله: قدر بلوغ راحتيه ركبتيه) فيه أمور: أحدها: أن هذا في ركوع القائم، أما القاعد .. فقد ذكره قبل ذلك، وكذا أطلق " الحاوي " ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 30)، و" المنهاج " (ص 98). (¬2) فتح العزيز (1/ 507)، الروضة (1/ 248). (¬3) التحقيق (ص 206)، شرح مسلم (4/ 183)، المجموع (3/ 339). (¬4) المهذب (1/ 95). (¬5) الخلاصة (ص 100)، إحياء علوم الدين (1/ 247). (¬6) الروضة (1/ 248). (¬7) المجموع (3/ 345). (¬8) المجموع (2/ 63).

هنا؛ لذكره ركوع القاعد قبل ذلك، ولم يتعرض له " التنبيه " في بابه. ثانيها: أن هذا مع القدرة، فإن عجز .. انحنى مقدوره وأومأ بطرفه. ثالثها: أن هذا في معتدل اليدين والركبتين في الطول، وهذان يقيد بهما كلام " التنبيه " و" الحاوي " أيضاً، وقال شيخنا جمال الدين في " تصحيحه ": (والصواب: عدم اعتبار بلوغ يديه إلى ركبتيه في حد أدنى الركوع، إنما العبرة بِيَدَيْ معتدل الخلقة). انتهى (¬1). وفي هذه العبارة خلل؛ لأن كون العبرة بيدي معتدل الخلقة لا ينافي اعتبار بلوغ يديه ركبتيه في حد أدنى الركوع، فكيف يقال: إن الصواب عدمه؟ ! مع أن اعتباره متعين، إلا أن العبرة ليست بكل يد، بل باليد المعتدلة، والله أعلم. رابعها: يشترط أن يكون بلوغ راحتيه ركبتيه بالانحناء الصرف، فلو كان بالانخناس، أو بهما .. لم يكف؛ ولذلك قال في " التنبيه " [ص 31]: (وأدنى الركوع: أن ينحني حتى تبلغ يداه ركبتيه)، وقال في " الحاوي " [ص 161]: (أن تنال راحتاه ركبتيه بالانحناء). خامسها: تعبيره بالراحة -وهي: بطن الكف- يقتضي عدم الاكتفاء بالأصابع، وكذا عبر " الحاوي "، لكن قول " التنبيه " [ص 31]: (حتى تبلغ يداه ركبتيه) قد يقتضي الاكتفاء بها، وقد يقال: إنما أراد: اليد بمجموعها، ولا يصدق ذلك إلا بالراحة، فهو موافق لعبارة " المنهاج " و" الحاوي " في أن العبرة بها. 484 - قول " المنهاج " [ص 99]: (وأكمله: تسوية ظهره وعنقه) قد يقال: في " الحاوي " [ص 163]: (مد الظهر والعنق) وكذا في " التنبيه " [ص 31]: (ويمد ظهره وعنقه). وجوابه: أن تسوية الظهر والعنق ومدهما سنتان، ذكر " المنهاج " إحداهما، وذكر " التنبيه " و" الحاوي " الأخرى؛ ولذلك جمع بينهما في " الروضة " فقال: (بحيث يستوي ظهره وعنقه، ويمدهما كالصفحة) (¬2) ويحتمل أن يكون المراد: أنه يمد ظهره وعنقه حتى يستويا، فيكون استواءهما غاية المد. 485 - قول " المنهاج " [ص 99]: (ونصب ساقيه) قال في " الروضة " وغيرها: إلى الحقو (¬3)، فكان ينبغي أن يقول: (وفخذيه) فإن الساق إلى الركبة فقط، وذلك مفهوم من قول " الحاوي " [ص 163]: (ووضع الكف على الركبة المنصوبة) فإن الركبة لا تكون منصوبة إلا مع نصب الساق والفخذ. ¬

_ (¬1) تذكرة النبيه (2/ 468). (¬2) الروضة (1/ 250). (¬3) الروضة (1/ 250).

486 - قول " المنهاج " [ص 99]: (وتفرقة أصابعه للقبلة) كذا في " الروضة " أيضاً عبر بقوله: (ويفرق بين أصابعه، ويوجهها نحو القبلة) (¬1). قال شيخنا شهاب الدين بن النقيب: (ولم أفهم معناه) (¬2). قلت: احترز بذلك عن أن يوجه أصابعه إلى غير جهة القبلة من يمنة أو يسرة. 487 - قولهما: (ويقول: " سبحان ربي العظيم " ثلاثاً) (¬3) قد يفهم أنه لا تتأدى السنة بمرة، لكن في " الروضة " عن الأصحاب: أن أقل ما يحصل به الذكر في الركوع: تسبيحة واحدة. انتهى (¬4). وذلك يدل على أن أدنى الكمال واحدة، لا ثلاث. 488 - قول " التنبيه " [ص 31]: (فإن قال مع ذلك: " اللهم؛ لك ركعت ... " إلى آخره .. كان أكمل) محل استحباب هذه الزيادة: في المنفرد؛ ولذلك قال في " المنهاج " [ص 99]: (ولا يزيد الإمام، ويزيد المنفرد: " اللهم؛ لك ركعت ... " إلى آخره) لكن يرد عليه: أن الإمام يأتي بهذه الزيادة أيضاً إذا رضي المأمومون المحصورون، وكذا يرد هذا أيضاً على قول شيخنا الإسنوي في " تصحيحه ": (والأصح: استحباب اقتصار الإمام في أذكار الركوع وغيره على أدنى الكمال) (¬5). وقد ذكره " التنبيه " في صلاة الجماعة، فقال [ص 38]: (ويستحب للإمام أن يخفف الأذكار، إلا أن يعلم من حال المأمومين أنهم يؤثرون التطويل)، وعبارة " التحقيق ": (أقله: " سبحان الله "، أو " سبحان ربي "، وأدنى الكمال: " سبحان ربي العظيم وبحمده " ثلاثاً، ويزيد غير الإمام وهو إذا رضي المحصورون خامسة، وسابعة، وتاسعة، وحادية عشر) انتهى (¬6). وبين عبارتي " التنبيه " و" المنهاج " في هذا الذكر تفاوت يعرف بمراجعتهما، وقول " المنهاج " في هذا الذكر [ص 99]: (ومخي) ليس في " المحرر "، وهو في " الشرح " و" الروضة " (¬7)، وفي " الشرح " و" المحرر ": (ولك خشعت) بعد (ركعت) (¬8)، وأسقطه من " الروضة " و" المنهاج " لغرابته. ¬

_ (¬1) الروضة (1/ 250). (¬2) انظر " السراج على نكت المنهاج " (1/ 278). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 31)، و" المنهاج " (ص 99). (¬4) الروضة (1/ 251). (¬5) تذكرة النبيه (2/ 468). (¬6) التحقق (ص 208). (¬7) فتح العزيز (1/ 512)، الروضة (1/ 251). (¬8) فتح العزيز (1/ 512)، المحرر (ص 34).

489 - قول " التنبيه " [ص 31]: (فإذا استوى قائماً .. قال: " ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد "، وذلك أدنى الكمال، فإن قال معه: " أهل الثناء والمجد ... إلى آخره " .. كان أكمل) إنما تستحب هذه الزيادة، وهي قوله: (أهل الثناء والمجد) للمنفرد وللإمام عند رضى المأمومين المحصورين، ولذلك قال " المنهاج " [ص 99]: (ويزيد المنفرد: " أهل الثناء "). ويستثنى مع المنفرد: إذا انحصر المأمومون ورضوا كما ذكرناه، وهذا الذي ذكرناه من زيادة الإمام - ولو لم ينحصر مأموموه ولم يرضوا - على (ربنا لك الحمد) إلى (بعد) هو الذي في " الروضة " تبعاً للرافعي في كتبه (¬1)، والذي في " شرح المهذب ": أن الإمام يقتصر على: (ربنا لك الحمد) وإنما يزيد: (ملء السماوات ... إلى آخره) المنفرد والإمام إذا رضي به المحصورون (¬2). وذكر في " التحقيق " مثل ما في " الروضة "، وزاد عليه: (حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه) عقب قوله: (ربنا لك الحمد) (¬3)، وهو غريب. 490 - قول " التنبيه " في هذا الذكر [ص 31]: (حق ما قال العبد: كلنا لك عبد) قال النووي في " الروضة " من زوائده: (كذا يقوله أصحابنا في كتب المذهب: " حق ما قال العبد كلنا "، والذي في " صحيح مسلم " وغيره من كتب الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " أحق ما قال العبد: وكلنا " بزيادة ألف في أحق، وواو في كلنا، وكلاهما حسن، لكن ما ثبت في الحديث أولى) (¬4)، وقال في بقية كتبه: الصواب: الذي رواه مسلم وسائر المحدثين إثباتهما (¬5)، ولذلك مشى عليه في " المنهاج " فذكرهما (¬6)، لكن إنكاره باطل؛ ففي رواية النسائي في " سننه الكبرى " إسقاطهما (¬7). 491 - قول " المنهاج " [ص 99]: (ويسن القنوت في اعتدال ثانية الصبح) أحسن من قول " التنبيه " [ص 33]: (بعد الرفع من الركوع) لأنه لا يلزم من الرفع منه الاعتدال، وقد علم أن محل القنوت إنما هو: الاعتدال، وقد يقال: لا تفاوت بين العبارتين؛ لأنه إنما يتم الرفع إذا اعتدل، ¬

_ (¬1) الروضة (1/ 252)، وانظر " المحرر " (ص 34)، و" فتح العزيز " (1/ 514). (¬2) المجموع (3/ 376). (¬3) التحقيق (ص 209). (¬4) الروضة (1/ 252)، صحيح مسلم (477). (¬5) المجموع (3/ 374). (¬6) المنهاج (ص 99). (¬7) سنن النسائي الكبرى (655).

وظاهر كلامهما: أنه لا يأتي بالذكر الراتب، وقال ابن الرفعة: بعد الرفع والذكر الراتب، قال: وهو (سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد)، كما قال الماوردي. انتهى (¬1). وحكاه الشيخ تاج الدين في " الإقليد " عن ظاهر كلام الشافعي، قال: فإنه قال: وإذا رفع رأسه من الركعة الثانية في الصبح وفرغ من قوله: (سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد) .. قال وهو قائم: (اللهم؛ اهدنا فيمن هديت)، وفي " التهذيب " للبغوي: ذهب الشافعي إلى أنه يقنت في صلاة الصبح بعدما يرفع رأسه من الركوع في الركعة الثانية ويفرغ من قوله: (ربنا لك الحمد ... إلى آخره) انتهى (¬2). فقوله: (إلى آخره) يقتضي أنه يأتي به إلى قوله: (بعد) قبل القنوت، ويوافقه قول الشاشي في " الحلية ": (قنت) بعد قوله: (ربنا لك الحمد) بتمامه (¬3). 492 - قول " المنهاج " [ص 99]: (وهو: " اللهم، اهدني " ... إلى آخره) كقول " التنبيه " [ص 33]: (فيقول: " اللهم ... " إلى آخره) وظاهرهما: تعين هذه الكلمات، والأصح: أنها لا تتعين، فلو قنت بـ (اللهم؛ إنا نستعينك ... إلى آخره) .. فحسن، ولو قرأ آية ناوياً بها القنوت وهي دعاء أو تشبه الدعاء، كآخر (البقرة) .. أجزأه من القنوت، وإن لم تشبه الدعاء، كسورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} .. فوجهان. ويرد على " التنبيه ": أنه إنما يأتي بالإفراد المنفرد والمأموم، أما الإمام .. فيأتي بلفظ الجمع، فيقول: اهدنا، وقد ذكره المنهاج " بقوله [ص 99]: (والإمام بلفظ الجمع). 493 - قول " التنبيه " في بعض نسخه في القنوت [ص 33]: (وعلى آله) لم يذكره في " الكفاية " لأنه ليس في أكثر نسخ " التنبيه "، ولم يذكره غير النووي في " الأذكار " (¬4)، وقال الشيخ تاج الدين الفركاح: إنه لا أصل له. 494 - قوله: (ويؤمن المأموم على الدعاء) (¬5) محله: إذا سمعه، فإن لم يسمعه .. قنت في الأصح، وقد ذكره " المنهاج " و" الحاوي " (¬6). 495 - قوله: (ويشاركه في الثناء) (¬7) كقول " المنهاج " [ص 100]: (ويقول الثناء) وظاهره: ¬

_ (¬1) الحاوي الكبير (2/ 150). (¬2) التهذيب (2/ 144)، وانظر " مختصر المزني " (ص 15). (¬3) حلية العلماء (1/ 196، 197). (¬4) الأذكار (ص 50). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 33). (¬6) الحاوي (ص 163)، المنهاج (ص 100). (¬7) انظر " التنبيه " (ص 33).

أن المشاركة مندوبة عيناً، والمنقول وجهان: أحدهما: أن المأموم يؤمن في الثناء كالدعاء، والأصح: أنه إما أن يشارك أو يسكت. 496 - قول " التنبيه " [ص 33]: (فإن نزل بالمسلمين نازلة .. قنتوا في جميع الصلوات) فيه أمور: أحدها: أن قوله: (قنتوا) يحتمل أن يكون المراد: جوازه، وهو الذي صححه الرافعي (¬1)، ومشى عليه " الحاوي " (¬2)، ويحتمل أن يكون المراد: استحبابه، وهو الذي صححه النووي (¬3)، وهو المفهوم من قول " المنهاج " [ص 100]: (ويُشْرَعُ)، فيكون المراد: ويستحب، وقد ذكر في " الروضة " في صلاة الجماعة: أن معنى قولهم: (لا يشرع): لا يستحب (¬4). ثانيها: أن قوله: (في جميع الصلوات) يتناول النوافل مع أنه لا يشرع فيها القنوت؛ ولذلك عبر " المنهاج " بالمكتوبات (¬5)، وهذا يرد أيضاً على قول " الحاوي " [ص 163]: (وجاز في غَيْرٍ) أي: غير الصبح، ووتر نصف رمضان الآخر؛ فإن هذه العبارة تتناول النوافل أيضاً، وفي " شرح المهذب " عن النص: أنه إن قنت في عيد أو استسفاء لنازلة .. لم يكره، وإلا .. كره (¬6). ثالثها: تعبيره بالمسلمين يفهم أن المصيبة المختصة ببعضهم؛ كالأسر ونحوه .. لا يشرع فيها القنوت له ولا لغيره، وهو الذي يفهمه كلام الأصحاب، وأطلق " المنهاج " و" الحاوي " النازلة (¬7)، وقال في " المهمات ": (قد يقال بالمشروعية، ويتجه أن يقال: إن كان ضرره متعدياً؛ كأسر العالم والشجاع ونحوهما .. قنتوا، وإلا .. فلا) انتهى. 497 - قول " التنبيه " [ص 31]: (ثم يكبر ويهوي ساجداً) قال في " الكفاية ": مقتضاه: مد التكبير إلى السجود، وهو الجديد، قال النشائي: (وما ادعاه خلاف الحقيقة وظاهر اللفظ) (¬8). 498 - قوله: (وأدنى السجود: أن يباشر بجبهته المصلى) (¬9) يفهم كل الجبهة، والأصح: الاكتفاء ببعضها، وقد صرح به " المنهاج " و" الحاوي " (¬10)، ثم في كلامهم شيئان: ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (1/ 518). (¬2) الحاوي (ص 163). (¬3) انظر " المجموع " (3/ 458). (¬4) الروضة (1/ 340). (¬5) المنهاج (ص 100). (¬6) المجموع (3/ 459)، وانظر " الأم " (1/ 238). (¬7) الحاوي (ص 163)، المنهاج (ص 100). (¬8) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه " (ق 26). (¬9) انظر " التنبيه " (ص 31). (¬10) الحاوي (ص 163)، المنهاج (ص 100).

أحدهما: أنه يستثنى من وجوب المباشرة: ما إذا عصب جبهته لجراحة عَمَّتْها، أو مرض يشقُّ معه إزالتها .. فلا تجب الإعادة على الصحيح. ثانيهما: أن كلامهم يفهم أنه لو نبت على جبهته شعر فسجد عليه .. لم يكف، ويجب عليه حلقه، قال في " المهمات ": (ويحتمل الإجزاء مطلقاً، بدليل أنه لا يجب على المتيمم أن ينزعه ويمسح على البشرة، وهو متجه، وأوجه منه: أن يقال: إن استوعب الجبهة .. كفى، وإلا .. وجب أن يسجد على الموضع الخالي منه؛ لقدرته على الأصل) انتهى. والصواب عندي: إجزاء السجود عليه مطلقاً، وأنه يتنزل منزلة نفس الجبهة، وأنه ليس في عبارتهم ما يفهم خلافه، وقد نقل عن " فتاوى البغوي ": أنه لا يضر ذلك؛ لأن ما ينبت على الجبهة مثل بشرته، والله أعلم. 499 - قول " المنهاج " [ص 100]: (فإن سجد على متصل به .. جاز إن لم يتحرك بحركته) يستثنى منه: ما لو كان بيده عود أو نحوه فسجد عليه .. فإنه يجوز، كما في " شرح المهذب " في نواقض الوضوء (¬1)، ذكره في " المهمات "، وعبر " الحاوي " عن ذلك بقوله [ص 161, 162]: (لا على محموله إن تحرك بحركته) ولا ترد عليه هذه الصورة؛ لأنه وإن كان متصلاً به فليس محمولاً له، مع أن في ورودها على " المنهاج " نظراً، والله أعلم. 500 - قول " التنبيه " [ص 31]: (وفي وضع اليدين والركبتين والقدمين قولان) الأصح عند النووي: وجوبه (¬2)، وقد استدركه في " المنهاج " على الرافعي؛ لأنه صحح عدم وجوبه (¬3)، وعليه مشى في " الحاوي " (¬4)، ولم يعتبر " التنبيه " في أدنى السجود سوى مباشرة المصلى بالجبهة، ووضع هذه الأعضاء في قول، والأصح: وجوب أمور أخرى: أحدها: رفع أسافله على أعاليه، وقد ذكره " المنهاج " و" الحاوي " (¬5)، وعبر عنه بالتنكيس، وقال: (فإن تعذر .. لا يجب على الوسادة) (¬6) أي: ويكفي إيماء الرأس إلى الحد الممكن، قال الرافعي في " شرحه الكبير ": (وهذا أشبه بكلام الأكثرين) (¬7)، وقال في " الشرح الصغير ": (الأظهر: الوجوب). ¬

_ (¬1) المجموع (2/ 85). (¬2) انظر " المجموع " (3/ 387). (¬3) المنهاج (ص 100)، وانظر " المحرر " (ص 35). (¬4) الحاوي (ص 163). (¬5) الحاوي (ص 162)، المنهاج (ص 100). (¬6) الحاوي (ص 162). (¬7) فتح العزيز (1/ 522).

الثاني: أن يتحامل على مسجده بثقل رأسه بحيث لو كان تحته قطن .. لاَنْدَكَّ، وقد ذكره " المنهاج " (¬1)، وقال الإمام: يكفي عندي أن يرخي رأسه ولا يقله، فلا حاجة إلى التحامل (¬2)، وقال في " المهمات ": (إنه الظاهر) انتهى. ولعله الراجح عند صاحب " التنبيه " و" الحاوي " فإنهما لم يذكراه أيضاً، وقد استدرك النووي في " تصحيحه " هذين الأمرين (¬3). الثالث: ألاَّ يهوي لغيره، وقد ذكره " المنهاج " (¬4)، وذكره " الحاوي " في سائر الأركان، فقال [ص 162]: (بعدم الصارف في الكل)، وقول " المنهاج " [ص 100]: (فلو سقط لوجهه .. وجب العود إلى الاعتدال) محله: إذا كان ذلك قبل قصد الهَوِيِّ، فإن كان بعده .. صح إن لم يقصد بوضع الجبهة الاعتماد. 501 - قولهم: (يضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه) (¬5) يقتضي أنه يضع الجبهة والأنف دفعة واحدة، وبه صرح الرافعي في " المحرر " (¬6)، ونقله النووي في " شرح المهذب " عن البندنيجي وغيره، ونقل في موضع آخر منه عن الشيخ أبي حامد: أنه يقدم أيهما شاء (¬7)، وحكى في " المهمات " عن " التبصرة " لأبي بكر البيضاوي: أنه يقدم الجبهة على الأنف. 502 - قول " التنبيه " [ص 31]: (ويقول: " سبحان ربي الأعلى " ثلاثاً، وذلك أدنى الكمال، فإن قال معه: " اللهم؛ لك سجدت ... إلى آخره " .. كان أكمل) إنما تستحب هذه الزيادة للمنفرد وللإمام عند رضى المأمومين المحصورين؛ ولذلك قال في " المنهاج " [ص 100]: (ويزيد المنفرد) ويستثنى مع المنفرد: الإمام إذا انحصر المأمومون ورضوا كما ذكرناه. 503 - قول " التنبيه " [ص 31]: (وتضم المرأة بعضها إلى بعض) الخنثى كذلك، وقد صرح به في " المنهاج " (¬8)، وليس في " المحرر "، ودل عليه قول " الحاوي " [ص 163]: (والتخوية في الركوع والسجود للرجل) فأخرج المرأة والخنثى. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 100). (¬2) انظر " نهاية المطلب " (2/ 165). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 125). (¬4) المنهاج (ص 100). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 31)، و" الحاوي " (ص 163)، و" المنهاج " (ص 100). (¬6) المحرر (ص 35). (¬7) المجموع (3/ 382، 384). (¬8) المنهاج (ص 100).

تنبيه [على حسن عبارة " التنبيه "]

تَنْبِيه [على حُسْن عبارة " التنبيه "] قدم " المنهاج " ذكر الذكر المستحب في السجود على ذكر الكيفيات المستحبة فيه، وعكس " التنبيه "، وهو أحسن. 504 - قول " المنهاج " [ص 100]: (ويجب: ألا يُطَوِّلَهُ ولا الاعتدال) يقتضي بطلان الصلاة بتطويلهما، وبه صرح " الحاوي " فقال في (مبطلات الصلاة) [ص 168]: (وبتطويل الاعتدال والقعود بين السجدتين) وهما تابعان في ذلك للرافعي، وكذا صححه النووي في أكثر كتبه (¬1)، لكنه صحح في " التحقيق ": أن القعود بين السجدتين ركن طويل (¬2)، وعزاه في " الروضة " و" شرح المهذب " للأكثرين (¬3)، وسبقه إلى ذلك الإمام، فحكاه عن الجمهور (¬4)، واختار النووي في كتبه سوى " المنهاج ": جواز إطالة الاعتدال بالذكر (¬5)، ويستثنى من إطلاق البطلان بتطويل الاعتدال: ما إذا طوله بالقنوت أو صلاة التسبيح، كما في " الروضة " تبعاً للشرح (¬6)، لكنه اختار في " التحقيق " و" شرح المهذب ": عدم استحباب صلاة التسبيح؛ لأن حديثها ضعيف، وفيها تغيير لكيفية الصلاة ومقدار التطويل (¬7)، كما نقله الخوارزمي في " الكافي " عن الأصحاب: أن يلحق الاعتدال بالقيام، والجلوس بين السجدتين بالجلوس للتشهد. 505 - قول " المنهاج " [ص 100]: (والمشهور: سَنُّ جلسة خفيفة بعد السجدة الثانية في كل ركعة يقوم عنها) فيه أمران: أحدهما: أنه قد يفهم من قوله: (خفيفة): أنها أقصر من الجلسة التي بين السجدتين، وقد قال في " التتمة ": يستحب أن تكون بقدرها، ويكره أن يزيد على ذلك. ثانيهما: هل المراد بقوله: (في كل ركعة يقوم عنها): فعلاً أو مشروعية؟ صرح البغوي في " فتاويه " بالأول، فقال: (إذا صلى أربع ركعات بتشهد .. فإنه يجلس للاستراحة في كل ركعة منها؛ لأنها إذا ثبتت في الأوتار .. ففي محل التشهد أولى) وكلام " التنبيه " يوافق الثاني؛ فإنه ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (1/ 526)، و" المجموع " (3/ 398)، و" الروضة " (1/ 260). (¬2) التحقيق (ص 246)، وقال النووي في موضع آخر من " التحقيق " (ص 264): (الأصح: أن الاعتدال من الركوع والجلوس بين السجدتين ركن قصير). (¬3) المجموع (3/ 133)، الروضة (1/ 299). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (2/ 267). (¬5) انظر " المجموع " (3/ 133)، و" الروضة " (1/ 299). (¬6) الروضة (1/ 299)، وانظر " فتح العزيز " (2/ 63). (¬7) التحقيق (ص 23)، المجموع (4/ 59).

ذكرها بعد الركعة الأولى، ثم ذكر أنه في الصلاة الثلاثية والرباعية يصلي ما بقي من صلاته مثل الثانية، إلا فيما استثناه، فلم يذكرها بعد الركعة الثانية في حالة من الأحوال (¬1)، ولم يفصح في " الحاوي " عن محلها. 506 - قول " التنبيه " [ص 38]: (فإن كان في صلاة هي ركعتان .. جلس بعد الركعتين متوركاً) يستثنى: من عليه سجود السهو، فالأصح: أنه يجلس في التشهد الأخير مفترشاً، وقد ذكره " الحاوي " فقال [ص 164]: (والتورك في تشهده الآخر إن لم يسجد للسهو) وقد استفدنا من تعبيره مسألة حسنة، وهي: أن من عليه سجود سهو إذا لم يقصد الإتيان به .. فالأفضل له: التورك؟ لأنه ذكر أن الأفضل له: التورك إذا لم يسجد للسهو، وهو في هذه الصورة لم يسجد للسهو، وقد ذكر في " المهمات " أن هذا متجه، وقد استثنى " المنهاج " هذه الصورة مع أخرى، فقال [ص 100]: (والأصح: يفترش المسبوق والساهي) ويرد على تعبيره بالساهي: من ترك بعضاً عمداً وقلنا: يسجد؛ فإنه لا تتناوله عبارته مع أنه داخل في قولنا: من عليه سجود سهو، وهي عبارة " المحرر " و" الروضة " (¬2)، ومسألة المسبوق لا يحتاج إلى استثنائها؛ فإنه -أعني " المنهاج "- عبر بقوله [ص 100]: (وفي الآخر التورك)، وليس هذا التشهد آخر صلاة المسبوق؛ إذ لا معنى للآخر إلا ما يعقبه السلام، وكذا قال في " الحاوي " [ص 164]: (والتورك في تشهده الآخر)، ومراد " التنبيه " بما بعد الركعتين: آخر الصلاة، بدليل قوله في آخر الباب [ص 32]: (ويجلس في آخر الصلاة متوركاً) وفي (باب فروض الصلاة وسننها) [ص 33]: (والتورك في آخر الصلاة) ولهذا لم يذكرها " الحاوي "، ولم يستثنها النووي والإسنوي في " تصحيحهما ". 507 - قول " الحاوي " [ص 164]: (ووضع اليد قرب الركبة منشورة بتفريج قصد) أي: وسط، تبع فيه الرافعي (¬3)، وخالفه النووي، فقال: (الأصح: الضم) (¬4). 508 - قول " المنهاج " [ص 101]: (والأظهر: ضم الإبهام إليها كعاقد ثلاثة وخمسين) و" الحاوي " [ص 164]: (عاقداً ثلاثة وخمسين) كذا في كتب الرافعي والنووى (¬5)، لكن اعترضه النووي في " شرح مسلم " و" الدقائق ": بأن شرطها عندهم: وضع طرف الخنصر على البنصر، ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 31، 32). (¬2) المحرر (ص 36)، الروضة (1/ 261). (¬3) انظر " فتح العزيز " (1/ 531). (¬4) انظر " المجموع " (3/ 416)، و" المنهاج " (ص 101). (¬5) انظر " فتح العزيز " (1/ 531)، و" المحرر " (ص 37)، و" المجموع " (3/ 416)، و" الروضة " (1/ 262)، و" التحقيق " (ص 214).

والكيفية المشروعة ليست كذلك؛ فهي كعقد تسعة وخمسين (¬1)، وأجاب عنه الشيخ تاج الدين في " الإقليد ": بأن اشتراط ذلك طريقة القِبْط، وقال في " الكفاية ": عدم الاشتراط طريقة المتقدمين. 509 - قول " المنهاج " [ص 102]: (وتسن الصلاة على الآل في التشهد الأخير، وقيل: تجب) يقتضي أن الخلاف وجهان، وصوبه في " شرح المهذب " (¬2)، ورجح في " الروضة " وأصلها: كونه قولين (¬3). 510 - قول " التنبيه " في أقل التشهد [ص 32]: (وأشهد أن محمداً رسول الله) وكذا في أكثر نسخ " المحرر " (¬4)، واستدرك عليه " المنهاج " فقال [ص 102]: (الأصح: " وأن محمداً رسول الله ") وكذا في " الحاوي " بإسقاط: (أشهد) تبعاً لما في الرافعي عن نقل العراقيين، والروياني عن نص الشافعي وأكثر الأصحاب (¬5)، ووقع في " الروضة " في نقل العراقيين والروياني عن النص والأكثر: (وأن محمداً رسوله) (¬6) ووهموه فيه، والذي في الرافعي: (رسول الله) كما تقدم، لكن مشى عليه شيخنا الإسنوي في " تصحيحه "، فقال عطفاً على (الأصح): (وجواز الإتيان باسم الله هنا ضميراً حتى يجزئ: وأن محمداً رسوله) (¬7). وذكره السبكي بحثاً، فقال: ينبغي أن يكون الأصح: أنه يجزئ: (وأن محمداً رسوله) لأنه ثبت هكذا في " صحيح مسلم "، ونقل عن العراقيين. قلت: الذي في " صحيح مسلم " في حديث أبي موسى: (وأن محمداً عبده ورسوله) (¬8) فأتى مع رسوله بعبده، وأما النقل عن العراقيين .. فإنه اعتمد فيه كلام " الروضة "، وقد وهم فيه كما تقدم، واعترض شيخنا في " المهمات " على قول " المنهاج " [ص 102]: (وثبت في " صحيح مسلم "): بأن الثابت في ذلك ثلاث كيفيات: (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) رواه الشيخان من حديث ابن مسعود (¬9)، (وأشهد أن محمداً رسول الله) رواه مسلم من حديث ابن عباس (¬10)، ¬

_ (¬1) شرح مسلم (5/ 82)، الدقائق (ص 44). (¬2) المجموع (3/ 430). (¬3) الروضة (1/ 263). (¬4) المحرر (ص 37). (¬5) الحاوي (ص 162)، وانظر " فتح العزيز " (1/ 535)، و " بحر المذهب " (2/ 183). (¬6) الروضة (1/ 264). (¬7) تذكرة النبيه (2/ 471). (¬8) صحيح مسلم (404). (¬9) البخاري (797)، (800)، مسلم (402). (¬10) مسلم (403).

تنبيه [على السلام على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة بصيغة الخطاب]

(وأن محمداً عبده ورسوله) بإسقاط (أشهد) رواه مسلم أيضاً من حديث أبي موسى (¬1)، وليس ما قاله واحداً من الثلاثة؛ لأن الإسقاط إنما ورد مع زيادة العبد. انتهى. ونبه شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني على أن تصحيحه هنا في أقل التشهد لفظة: (وبركاته) مخالف لقوله: أنه لو تشهد بتشهد ابن مسعود أو عمر .. جاز؛ فإنه ليس في تشهد عمر: (وبركاته). وجوابه: أن المراد: أنه لو تشهد بتشهد عمر بكماله .. أجزأه، فأما كونه يحذف بعض تشهد عمر اعتماداً على أنه ليس في تشهد غيره، ويحذف (وبركاته) لأنها ليست في تشهد عمر .. فقد لا يكفي؛ لأنه لم يأت بالتشهد على واحدة من الكيفيات المروية، وفيه بعد ذلك نظر، والله أعلم. تَنْبِيهٌ [على السلام على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة بصيغة الخطاب] في " البخاري " عن ابن مسعود: (كنا نقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم: السلام عليك أيها النبي، فلما قبض .. قلنا: السلام على النبي) (¬2) قال في " المهمات ": ومقتضاه: أن الخطاب اليوم غير واجب، وبه صرح عمر بن أبي العباس بن سريج في كتابه " تذكرة العالم ". 511 - قولهما في أقل الصلاة: (اللهم؛ صلِّ على محمد) (¬3) لا يتعين هذا اللفظ، فلو قال: (صلى الله على محمد، أو صلى الله على رسوله) .. أجزأه، وكذا (على النبي) دون (أحمد) على الأصح فيهما في " التحقيق " و" الأذكار " للنووي (¬4)، ولذلك أطلق " الحاوي " ذكر الصلاة على النبي، ولم يعين له لفظاً (¬5). 512 - قول " التنبيه " [ص 32]: (ويدعو بما يجوز من أمر الدين والدنيا) قال في " التوشيح ": لا يؤخذ منه جواز الدعاء بجارية حسناء؛ لأنا لا ندري هل هو جائز في الصلاة عند الشيخ، فيدخل في عموم قوله: (بما يجوز)، أو لا؟ نعم؛ منقول المذهب جواز الدعاء بأمر الدنيا مطلقاً، وفي الرافعي: عن الإمام عن شيخه تردد في جواز مثل: (اللهم؛ ارزقني جارية صفتها كذا)، وميله إلى منعه، وأنه مبطل للصلاة. انتهى (¬6). ¬

_ (¬1) مسلم (404). (¬2) البخاري (5910). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 32)، و" المنهاج " (ص 102). (¬4) التحقيق (ص 216)، الأذكار (ص 56). (¬5) الحاوي (ص 162). (¬6) فتح العزيز (1/ 538)، وانظر " نهاية المطلب " (2/ 227).

وهو عجيب، وليس مراد الشيخ بقوله: (بما يجوز من أمر الدين والدنيا) أي: في الصلاة؛ لأنه يصير الكلام حينئذ لا فائدة فيه، وإنما معناه: ثم يدعوا في الصلاة بما يجوز خارج الصلاة من أمر الدين والدنيا، ولا شك أن هذا المثال الذي ذكره وحكى فيه التردد عن الشيخ أبي محمد يجوز الدعاء به خارج الصلاة. 512/ 1 - قول " المنهاج " [ص 102]: (ويسن ألا يزيد على قدر التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) كذا في " المحرر " (¬1)، وفي " الروضة " وأصلها: الأفضل: أن ينقص عنهما، فإن زاد .. لم يضر، إلا أن يكون إماماً .. فيكره له التطويل (¬2). وهي موافقة للنص الذي سنحكيه، ثم إن مقتضى كلام الرافعي والنووي: أنه لا فرق في استحباب النقص عنهما، أو عدم الزيادة عليهما بين الإمام والمنفرد، وليس كذلك؛ فهذا إنما هو للإمام، أما المنفرد: فيطول ما شاء ما لم يوقعه ذلك في السهو؛ كما نص عليه الشافعي في " الأم "، فقال: (أحب لكل مُصَلٍّ أن يزيد على التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: ذكر الله عز وجل، وتحميده، ودعاءه في الركعتين الأخيرتين، وأرى أن تكون زيادته ذلك إن كان إماماً أقل من قدر التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه قليلاً؛ للتخفيف عمن خلفه، وأرى أن يكون جلوسه إن كان وحده أكثر من ذلك، ولا أكره ما أطال ما لم يخرجه ذلك إلى سهو، أو يخاف به سهواً، فإن لم يزد على التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .. كرهت ذلك). انتهى (¬3). وذكر في " المهمات ": أن هذا هو الذي في كتب المذهب، وأنه جزم به خلائق لا يحصون. 513 - قول " الحاوي " [ص 162]: (أو سلام عليكم) تبع فيه الرافعي؛ فإنه صحح جوازه (¬4)، وخالفه النووى (¬5)، ولذلك قال في " المنهاج " [ص 103]: (الأصح المنصوص: لا يجزئه) وصورة المسألة: أن يأتي به منوناً، فلو قاله بغير تنوين .. فمقتضى كلام الرافعي في تعليله القطع بعدم الإجزاء، وأسقط في " الروضة " هذا التعليل، ولم يذكر مسألة ترك التنوين في " شرح المهذب "، وقد ذكرها القاضي حسين في " تعليقه " وحكى فيها خلافاً، وعلل الإجزاء بأن ترك التنوين لا يغير المعنى. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 37). (¬2) الروضة (1/ 265). (¬3) الأم (1/ 121). (¬4) انظر " فتح العزيز " (1/ 540). (¬5) انظر " المجموع " (3/ 439).

514 - قول " التنبيه " في (فروض الصلاة) [ص 33]: (ونية الخروج من الصلاة، وقيل: لا يجب) الثاني هو الأصح، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " (¬1). 515 - قول " المنهاج " [ص 103] و" الحاوي " [ص 164]: (وأكمله: " السلام عليكم ورحمة الله ") يقتضي أنه لا يزيد فيه: وبركاته، وهو المشهور. والثاني: يستحب زيادتها. والثالث: يستحب في التسليمة الأولى دون الثانية، حكى هذه الأوجه السبكي في تصنيف له في ذلك، واختار الثاني. 516 - قول " المنهاج " [ص 103]: (ناوياً السلام على مَنْ عَنْ يمينه ويساره من ملائكة وإنس وجن) فيه أمور: أحدها: أنه يخرج بذكر يساره ويمينه: المحاذي له خلفه، وهو داخل في تعبير " التنبيه " و" الحاوي " بالحاضرين (¬2). ثانيها: قوله: (وإنس وجن) أي: مؤمنين، وهذا وارد أيضاً على إطلاق " التنبيه " و" الحاوي " الحاضرين (¬3). ثالثها: مراده: أن ينوي بالتسليمة الأولى السلام على من عن يمينه، وبالثانية السلام على من عن يساره، وذلك لا يفهم من تعبير " التنبيه " و" الحاوي " بالحاضرين، وإن كانت عبارة " المنهاج " ليست صريحة في الدلالة على ذلك، لكنها للدلالة على ذلك أقرب من عبارتهما، وأما المحاذي له خلفه: فقياس ما سيأتي في المأموم: أن الإمام ينوي السلام عليه بما شاء منهما، واقتصار " التنبيه " على قوله [ص 32]: (ينوي السلام على الحاضرين) قد يقتضي أنه لا ينوي الرد، وقد ذكر " المنهاج " و" الحاوي " أن المأموم ينوي الرد على الإمام (¬4)، قال الأصحاب: فإن كان عن يمينه .. نوى الرد عليه بالثانية، أو عن شماله .. فبالأولى، وإن حاذاه .. فبأيهما شاء، وبالأولى أفضل (¬5). واستشكل كون الذي عن شماله ينوي الرد عليه بالأولى؛ لأن الرد إنما يكون بعد السلام، والإمام إنما ينوي السلام على من عن يساره بالثانية، فكيف يرد عليه قبل أن يسلم؟ وجوابه: أن هذا مبني على أن المأموم إنما يسلم الأولى بعد فراغ الإمام من التسليمتين، وهو ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 164)، المنهاج (ص 103). (¬2) التنبيه (ص 32)، الحاوي (ص 164). (¬3) التنبيه (ص 32)، الحاوي (ص 164). (¬4) الحاوي (ص 164)، المنهاج (ص 103). (¬5) انظر " السراج على نكت المنهاج " (1/ 295).

الأصح في " التحقيق " (¬1)، ونص الشافعي في " البويطي " على أن المأموم ينوي بالثانية الرد على الإمام، وظاهره: أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون على يساره أو يمينه أو محاذياً له، حكاه شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني. وفي " المهمات " عن تعليق القاضي حسين عكسه، وهو أنه ينوي الرد على إمامه بالأولى مطلقاً سواء كان عن يمينه أو يساره أو محاذياً له. 517 - قولهم في عد أركان الصلاة: (وترتيب الأركان) (¬2) فيه أمور: أحدها: أن النووي في " شرح الوسيط " عد الترتيب من الشرائط (¬3)، ولكن الأول هو المشهور. ثانيها: يستثنى من ذلك: النية؛ فإنها تقارن التكبير، لكن قول " المنهاج " كما ذكرنا يخرجها؛ فإنه صرح قبل ذلك بأنه يجب قرن النية بالتكبير، وكذا قول " التنبيه " على ما ذكرناه؛ أي: في الباب المتقدم، وهو: (باب صفة الصلاة) أما الباب الذي قال فيه هذا الكلام، وهو: (باب فروض الصلاة وسننها) .. فإنه لم يذكر فيه ذلك، بل مقتضى كلامه فيه تقديم النية؛ فإنه قدمها بالذكر، ثم قال: (والترتيب على ما ذكرناه) (¬4) فاحتجنا إلى حمله على الباب المتقدم، وأما " الحاوي ". فإنه لم يقل: (كما ذكرنا)، لكنه ذكر قبل ذلك وجوب مقارنة النية للتكبير. ويستثنى أيضاً: نية الخروج إن أوجبناها؛ فإنها تقارن السلام. ويستثنى أيضاً: القيام؛ فإنه يقارن التحرم، والقراءة. والجلوس الأخير؛ فإنه يقارن التشهد والسلام. ثالثها: مقتضى كلامهم: وجوب الترتيب بين التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه؛ لأنهما ركنان، وهو ما في " شرح المهذب " تبعاً لـ " فتاوى البغوي " (¬5)، لكن في " شرح مسند الشافعي " للرافعي: الجزم بأنه كبعض التشهد، فيكون الأصح عنده: عدم وجوب الترتيب. رابعها: خرج بذلك: ترتيب السنن بعضها على بعض؛ كالاستفتاح، والتعوذ، والتشهد الأول، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه، وترتيبها على الفرائض؛ كـ (الفاتحة)، والسورة، والدعاء في التشهد الأخير، وهو شرط في الاعتداد بها سنة لا في صحة الصلاة. فإن قلت: عبارة " الحاوي " تتناول السنن؛ لأنه أطلق الترتيب ولم يقيده بالأركان .. قلت: ¬

_ (¬1) التحقيق (ص 218). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 33)، و" الحاوي " (ص 162)، و" المنهاج " (ص 103). (¬3) شرح الوسيط (2/ 155). (¬4) التنبيه (ص 33). (¬5) المجموع (3/ 431).

ما أراد إلا ترتيب الأركان؛ لأنه ذكره عقب ذكرها قبل أن يذكر السنن. خامسها: لم يتعرضوا لعد الموالاة، وهي ركن، كما في " الشرح " و" الروضة " (¬1)، وصحح النووي في " شرح الوسيط ": أنها شرط (¬2)، وهو ما حكاه في " النهاية " عن الأصحاب (¬3)، والمراد بها: عدم تطويل الركن القصير؛ كما ذكره الرافعي تبعاً للإمام (¬4)، وصور ابن الصلاح في نكت له على " المهذب " فَقْد الموالاة: بما إذا سلم وطال الفصل .. فإن صلاته تبطل؛ للتفريق، وفسر بعضهم فقدها بطول السكوت في الركن الطويل، فعلى هذا ليست ركناً ولا شرطاً. 518 - قول " المنهاج " [ص 103]: (فإن تركه عمداً بأن سجد قبل ركوعه .. بطلت صلاته) محله: في الأركان الفعلية كما مثله، أما تقديم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على التشهد .. فلا تبطل، لكنه لا يعتد بالمقدم، وهذا وارد على مفهوم قول " التنبيه " [ص 34]: (فإن ترك فرضاً ناسياً) و" الحاوي " [ص 162]: (وإن سها .. طرح غير المنظوم) فإن مفهومهما البطلان مع العمد مطلقاً. 519 - قول " التنبيه " [ص 34]: (فإن ترك فرضاً ناسياً) وكذا لو شك في تركه، فالشك في ترك الركن كتيقن تركه، وقد صرح بذلك " الحاوي " بقوله [ص 162]: (وإن تذكر ترك ركن، أو شك فيه) وقد يؤخذ من قول " المنهاج " [ص 103]: (وكذا إن شك فيهما)، ولو شك في النية أو في تكبيرة الإحرام .. استأنف قطعاً، ولا يردان على عبارة " التنبيه " لقوله [ص 34]: (وهو في الصلاة). 520 - قول " التنبيه " [ص 34]: (وهو في الصلاة) أي: تذكره وهو في الصلاة، بدليل قوله بعد ذلك [ص 34]: (وإن ذكر ذلك بعد السلام)، ولم يصرح " الحاوي " بهذا القيد. 521 - قول " التنبيه " [ص 34]: (لم يعتد بما فعله بعد المتروك حتى يأتي بما تركه) وكذا يقوم مثله مقامه، فيقوم جلوس الاستراحة مقام الجلوس بين السجدتين ولو نوى به جلسة الاستراحة في الأصح، وقد صرح به " الحاوي " بقوله [ص 162]: (ويقوم مثله مقامه ولو بقصد النفل) و" المنهاج " بقوله [ص 103]: (فإن كان جلس بعد سجدته .. سجد، وقيل: إن جلس بنية الاستراحة .. لم يكفه). نعم؛ لا يقوم سجود التلاوة مقام سجدة نفس الصلاة على الأصح، وهذه قد ترد على قول ¬

_ (¬1) فتح العزيز (1/ 461)، الروضة (1/ 223). (¬2) شرح الوسيط (2/ 155). (¬3) نهاية المطلب (2/ 140: 143). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (2/ 143)، و" فتح العزيز " (1/ 500).

" الحاوي " [ص 162]: (ويقوم مثله مقامه)، ولو ترك الركوع ثم تذكره في السجود .. وجب الرجوع إلى القيام؛ ليركع منه، ولا يكفيه أن يقوم راكعاً على الأصح، وهذه ترد على قول " التنبيه " [ص 34]: (حتى يأتي بما تركه) و" المنهاج " [ص 103]: (فإن تذكر قبل بلوغ مثله .. فعله) و" الحاوي " [ص 162]: (وإن تذكر ترك ركن، أو شك فيه .. أتى به) فإن صريح كلامهم الاقتصار على فعل المتروك، وفي هذه الصورة زيادة على المتروك. 522 - قولهم فيما إذا ترك ثلاث سجدات جهل موضعها: (إنه يجب ركعتان) (¬1) قال شيخنا الإسنوي في " تصحيحه ": (الصواب: أنه يلزمه ركعتان وسجدة؛ فإن أسوأ الأحوال أن يكون المتروك هو السجدة الأولى من الركعة الأولى، والثانية من الثانية، وواحدة من الرابعة) انتهى (¬2). وإيضاحه: أنه لما قدر ترك السجدة الأولى من الركعة الأولى .. لم يحسب الجلوس بعدها؛ إذ ليس قبله سجدة، فيبقى عليه من الركعة الأولى الجلوس بين السجدتين، والسجدة الثانية، ولما قدر ترك السجدة الثانية من الركعة الثانية .. لم يعتد بالأولى منها؛ لفقد الجلوس بينهما، ويعتد بالجلسة بعدها، فحصل من الركعتين ركعة إلا سجدة، فكملت بالثالثة، ومعه في الرابعة ركعة إلا سجدة، فيسجد ثم يأتي بركعتين، وقد اعتمد الشيخ نجم الدين الأصفوني في " مختصر الروضة " هذا الإيراد، وذكر أن الصواب: لزوم سجدة مع الركعتين، وقال الشيخ كمال الدين النشائي في " نكته ": (هذا خلاف التصوير؛ فإنهم حصروا المتروك في ثلاث سجدات، وهذا يستدعي ترك فرض آخر، واتفاقهم على أن المتروك من الأولى واحدة يبطل هذا الخيال؛ فإنه على ذلك لم يأت من الأولى بشيء، ومثل ذلك لا يخفى على بعض أذكياء العوام، فكيف يدق على جميع حذاق الإسلام؟ ويوضح ذلك تصويرهم ترك الجلسات مع بعض السجدات) انتهى (¬3). وحكى في " التوشيح ": أن والده وقف على رجزٍ له في الفقه، وفيه اعتماد هذا الإيراد، فكتب على الحاشية: [من الرجز] لكنه مع حسنه لا يردُ ... إذ الكلام في الذي لا يفقدُ إلا السجود فإذا ما انضمَّ لهْ ... ترك الجلوس فليعامل عملَهْ وإنما السجدة للجلوسِ ... وذاك مثل الواضح المحسوسِ وأجاب في " المهمات " عن هذا فقال: إنه خيال باطل؛ فإن المعدود تركه إنما هو المتروك حساً، وأما المأتي به في الحس ولكن بطل شرعاً؛ لبطلان ما قبله ولزومه من سلوك أسوأ ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 34)، و" الحاوي " (ص 162)، و" المنهاج " (ص 103، 104). (¬2) تذكرة النبيه (2/ 473). (¬3) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 29).

التقادير .. فلا يحسب في ترجمة المسألة؛ إذ لو قلنا بهذا .. لَلَزِمَ في كل صورة، وحينئذ .. فيستحيل قولنا: ترك ثلاث سجدات فقط أو أربع؛ لأنا إذا جعلنا المتروك من الركعة الأولى هو السجدة الثانية، كما قاله الأصحاب .. فيكون قيام الثانية وركوعها وغير ذلك مما أتى به فيها باطلاً إلا السجود، وهكذا في الثالثة مع الرابعة، فليس المتروك السجود فقط، بل أنواعاً أخرى من الأركان، قال: وهذا واضح، واعتمد الشيخ شهاب الدين في " نكته " هذا الإيراد، وقال: إن جواب الشيخ جمال الدين ظاهر، والاستدراك صحيح، قال: لكن قوى الاعتراض عندي موافقة الشيخ عليه في " الشرح ". انتهى. قال في " التوشيح ": (وقد رأيت المسألة مصرحاً بها في " الاستذكار " للدارمي، قال: وهذا إذا لم يترك من كل ركعة إلا سجدة، فإن كان قد ترك الجلوس بين السجدات .. فمنهم من قال: هي كما مضى، وهو على الوجه الذي يقول: ليس الجلوس مقصوداً، ومنهم من قال: لا يصح إلا الركعة الأولى بسجدة؛ لأنه لم يجلس في شيء من الركعات) انتهى. وهو صريح في الاكتفاء بالركعتين وإن ترك الجلوس بين السجدتين. انتهى. قلت: إنما هو صريح في ذلك على الوجه الضعيف الذي يكتفي بالقيام وغيره من الأركان عن الجلوس بين السجدتين، وقد قال على مقابله وهو الأصح: أنه لا يصح إلا الركعة الأولى، وهذا عين ما استدركه الشيخ جمال الدين وغيره، فظهر صحة الاستدراك وأنه منقول، لكن في تعبير الشيخ في " تصحيحه " عنه بالصواب نظر؛ لوجود الخلاف في ذلك، والله أعلم. 523 - قولهم في ترك أربع سجدات: (إنه تجب سجدة وركعتان) (¬1) قال الشيخ شهاب الدين: (الحق: وجوب سجدتين ثم ركعتين؛ لما قدمناه في الثلاث، وهو تقدير ترك الأولى من الأولى، والثانية من الثانية، وثنتين من الرابعة، فيحصل من الثلاث ركعة، ولا سجود في الرابعة، قال: والعجب من الشيخ جمال الدين وغيره الاستدراك في الثلاث دون الأربع، والعمل واحد) (¬2). قلت: قد استدركه في " المهمات "، واعلم: أنا إذا قدرنا الثنتين من الثالثة .. يلزم ثلاث ركعات؛ فإن الأولى تنجبر بجلسة من الثانية وسجدة من الرابعة، ويبطل ما عدا ذلك، فيبقى عليه ثلاث ركعات، وهذا استدراك قوي على الأصحاب وعلى المستدرك عليه. 524 - قول " التنبيه " [ص 34]: (فإن ذكر ذلك بعد السلام .. ففيه قولان، أحدهما: أنه يبني على صلاته ما لم يتطاول الفصل، والثاني: أنه يبني ما لم يقم من المجلس) الأصح هو الأول، ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 34)، و" الحاوي " (ص 162)، و" المنهاج " (ص 104). (¬2) انظر " السراج على نكت المنهاج " (1/ 297)، و" تذكرة النبيه " (2/ 473).

وقال في " شرح المهذب ": بأنَّ الثاني غلط نقلاً ودليلاً (¬1)، وقال في " الكفاية ": لا يوجد في الكتب المشهورة، فلعل الشيخ أخذه من سجود السهو، فعلى هذا تعبير " التصحيح " بأن الأول أصح (¬2) .. ليس بجيد، بل ينبغي التعبير عنه بالصواب على مقتضى اصطلاحه. وهذه المسألة تورد على " المنهاج " في قوله [ص 103]: (فلو تيقن في آخر صلاته ترك سجدة)، وفي قوله: (وإن علم في آخر رباعية) (¬3) فيقال: كذلك لو علم بعد السلام وقبل طول الفصل، ولم يذكر " الحاوي " هذا التفصيل، وإنما قال [ص 162]: (وإن تذكر ترك ركن، أو شك فيه ... ) إلى آخر كلامه، ومحله: إذا تذكره قبل السلام، أو بعده قبل طول الفصل، فإن طال الفصل .. استأنف. 525 - قول " التنبيه " [ص 34]: (وإن ترك سنة: فإن ذكر قبل التلبس بفرض .. عاد إليه) فيه أمران: أحدهما: أن مقتضاه: العود بعد التلبس بسنة أخرى، والأصح: أنه إذا تعوذ ثم تذكر دعاء الاستفتاح .. لم يعد إليه، وقد يفهم من قوله: (لم يعد) (¬4) فإن نفي العود إنما يحسن عند الإمكان، وإنما يمكن إذا بقي محله، والاستفتاح محله: أول الصلاة، قال في " شرح المهذب ": (واتفقوا على أنه لو ترك تكبيرات العيد حتى تعوذ ولم يشرع في " الفاتحة " .. يأتي بهن؛ لأن محلهن قبل القراءة، وتقديمهن على التعوذ سنة لا شرط) (¬5). ثانيهما: محل ذلك: ما إذا لم يفت محل السنة المتروكة، فإن فات محلها؛ كما إذا تذكر أنه ترك رفع اليدين في تكبيرة الإحرام بعد فراغها .. فإنه لا يعود. 526 - قولهم -والعبارة لـ" المنهاج "-: (يسن إدامة نظره إلى موضع سجوده) (¬6) يستثنى منه: حالة التشهد؛ فإن السنة: ألا يجاوز بصره إشارته، ذكره النووي في " شرح المهذب " (¬7)، وفيه حديث صحيح في سنن أبي داوود (¬8). 527 - قول " المنهاج " [ص 104]: (قيل: يكره تغميض عينيه) قاله العبدري، وفيه ¬

_ (¬1) المجموع (4/ 122). (¬2) تذكرة النبيه (2/ 475). (¬3) انظر " المنهاج " (ص 103). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 34). (¬5) المجموع (5/ 24). (¬6) انظر " التنبيه " (ص 33)، و" الحاوي " (ص 163)، و" المنهاج " (ص 104). (¬7) المجموع (3/ 417). (¬8) سنن أبي داوود (990) من حديث عبد الله بن الزبير.

حديث ضعيف وقال به بعض التابعين (¬1). 528 - قوله: (وعندي: لا يكره) (¬2) عبر في " الروضة " بالمختار (¬3). 529 - وقوله: (إن لم يخف ضرراً) (¬4) أي: إن خاف من التغميض ضرراً .. كره. قال شيخنا شهاب الدين بن النقيب: (وينبغي أن يحرم في بعض صوره) (¬5). 530 - قوله: (وجعل يديه تحت صدره آخذاً بيمينه يساره) (¬6) ليس فيه بيان ما يأخذه من اليسار ولا ما يأخذ به من اليمين، وبيَّن ذلك " التنبيه " بقوله [ص 30]: (وأخذ كوعه الأيسر بكفه الأيمن)، وبيَّن " الحاوي " الأول فقط بقوله [ص 163]: (ووضع اليمنى على كوع اليسرى). 531 - قول " الحاوي " [ص 163]: (ووضع اليد كالعاجن للقيام) هو بالنون؛ أي: عاجن الخمير، كما قال الرافعي (¬7)، ومقتضى ذلك: قبض يده، وبه صرح الغزالي في درسه (¬8)، ورده ابن الصلاح والنووي (¬9)، وفي " شرح المهذب ": (لا خلاف في بسطها) انتهى (¬10). والمراد بالعاجز: الرجل المسن الذي يعتمد على الأرض عند قيامه. 532 - قول " المنهاج " [ص 104]: (وتطويل قراءة الأولى على الثانية في الأصح) عبر في " التصحيح " و" التحقيق " بالمختار (¬11)، ومقتضاه: أن المصحح في المذهب: أنه لا يطولها عليها، وهو الذي صححه الرافعي (¬12)، وهو مقتضى قول " التنبيه " [ص 32]: (ثم يصلي الركعة الثانية مثل الأولى إلا في النية، والاستفتاح، والتعوذ) قال في " الروضة ": (وهو الراجح عند جماهير الأصحاب، لكن الأصح: التفضيل؛ فقد صح فيه الحديث) انتهى (¬13). ويستثنى من ذلك: ما شرعت فيه القراءة بشيء مخصوص سواء اقتضى تطويل الأولى؛ كصلاة ¬

_ (¬1) انظر "المعجم الكبير" للطبراني (10956)، و"المعجم الأوسط" (2218)، و"المعجم الصغير" (24)، و"مصنف عبد الرزاق" (3329). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 104). (¬3) الروضة (1/ 269). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 104). (¬5) انظر " السراج على نكت المنهاج " (1/ 298) (¬6) انظر " المنهاج " (ص 104). (¬7) انظر " فتح العزيز " (1/ 528). (¬8) انظر " الوسيط " (2/ 143). (¬9) انظر " مشكل الوسيط " (2/ 134)، و" شرح الوسيط " (2/ 134). (¬10) المجموع (3/ 404). (¬11) تصحيح التنبيه (1/ 127)، التحقيق (ص 206). (¬12) انظر " فتح العزيز " (1/ 507). (¬13) الروضة (1/ 248).

الكسوف، والقراءة بـ (السجدة)، و {هَلْ أَتَى} في صبح الجمعة، أو تطويل الثانية؛ كـ {سَبِّحِ} و {هَلْ أَتَاكَ} في العيد، قاله في " المهمات ". 533 - قول " المنهاج " [ص 104]: (وأن ينتقل للنفل من موضع فرضه، وأفضله: إلى بيته) علله الأصحاب؛ بشهادة المواضع له، والعلة مطردة في النوافل التي قبل الفرائض وبعدها، وتعبيرهم بقولهم: (أن ينتقل عقب الفريضة) يخرج ما قبلها. قال في " المهمات ": (وهو المتجه؛ إذ هو مأمور بمبادرة الصف الأول، وفي الانتقال بعد استقرار الصفوف مشقة خصوصاً مع كثرة المصلين؛ كالجمعة) انتهى. وقال في " شرح المهذب ": (فإن لم ينتقل .. فليفصل بكلام إنسان) (¬1). 534 - قوله: (وإذا صلى وراءهم نساء .. مكثوا حتى ينصرفن) (¬2) قال شيخنا شهاب الدين: (كذلك الخناثى فيما يظهر وإن لم يتعرضوا له) (¬3). قلت: قد يُستغنى عن ذلك بنفرة الطبع عن الخنثى. 535 - قوله: (وتنقضي القدوة بسلام الإمام، فللمأموم أن يشتغل بدعاء ونحوه ثم يسلم) (¬4) هذا في غير المسبوق، أما هو: فإن لم يكن موضع جلوسه .. قام على الفور، فإن قعد متعمداً .. بطلت صلاته، أو ساهياً .. سجد للسهو، وله في موضع جلوسه - وهو التشهد الأول - القعود طويلاً مع الكراهة. ¬

_ (¬1) المجموع (3/ 455). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 104). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (1/ 300). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 104).

باب شروط الصلاة

بابُ شروط الصّلاة 536 - قول " المنهاج " [ص 104]: (شروط الصلاة خمسة) يقتضي أن ترك المناهي ليس شرطاً، وهو الأصح؛ ولذلك أفرد لها فصلاً، والرافعي في " المحرر " و" الشرح " عده شرطاً، فزاد: الإمساك عن الكلام والأفعال والأكل (¬1)، وأصلح ذلك في " الروضة " بقوله: (الباب الخامس في شروط الصلاة والمنهي عنه فيها) (¬2)، ولكنه سماها بعد ذلك شروطاً، فقال: (الشرط السادس: السكوت عن الكلام ... )، وهكذا إلى آخرها (¬3)، وحكى من زيادته قبل هذا التبويب عن البغوي: أن شروطها قبل الشروع فيها خمسة، وجعل طهارة الحدث والخبث واحداً، وجعل الخامس: معرفة أعمالها والعلم بفرضية ما دخل فيه، وكذا تمييز فرضها من سننها (¬4)، وعد في " التحقيق " هذا من شروط الصلاة (¬5)، وجمع " الحاوي " الكل في فصل، ومجموعها في كلامه خمسة عشر: (طهارة الحدث والخبث، وستر العورة، والإمساك عن الكلام والأفعال والأكل، وترك القراءة والذكر - بقصد التفهيم فقط - وزيادة ركن فعلي عمداً إلا زيادة قعود قصير، وتعمد قطع الركن الفعلي؛ لأجل النفل، وتطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين، ومضي ركن قولي أو فعلي مع الشك في نية التحرم، أو طول زمان الشك في الصلاة وإن لم يمض ركن، ونية قطع الصلاة، والتردد في أنه هل يقطعها أم لا؟ وتعليق قطع الصلاة بشيءٍ) (¬6)، ولم يذكر: معرفة الوقت، واستقبال القبلة، ومعرفة أعمالها والعلم بفرضية ما دخل فيه، فتكون بانضمام هذه الثلاثة ثمانية عشر. 537 - قول " التنبيه " [ص 28]: (ويجب ستر العورة عن العيون) يفهم أنه لا يجب سترها في الخلوة، مع أن الأصح: وجوبه فيها، وبه صرح " الحاوي " بقوله [ص 167]: (ويجب خارج الصلاة ولو في خلوة) كذا استدركه في " التصحيح " (¬7)، لكن في " الكفاية ": إن لفظ العيون يشمل عيون الجن والملائكة، فيؤخذ منه حينئذ ستر العورة في الخلوة، ويدل له قوله: (وهو شرط في صحة الصلاة) (¬8)، لكن يستثنى: عين نفسه؛ فإن نظره إليها مكروه وإن شمله لفظ العيون. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 42، 43)، فتح العزيز (2/ 43، 51، 59). (¬2) الروضة (1/ 271). (¬3) الروضة (1/ 289). (¬4) الروضة (1/ 270)، وانظر " التهذيب " (2/ 149). (¬5) التحقيق (ص 221). (¬6) الحاوي (ص 165 - 168). (¬7) تصحيح التنبيه (1/ 117). (¬8) انظر " التنبيه " (ص 28).

538 - قولهما: (وعورة الرجل: ما بين سرته وركبته) (¬1) قد يفهم اختصاص هذا بالبالغ مع أن الصبي كذلك، كما في " شرح المهذب " (¬2)، لكن في " البيان " عن الصيمري: أن عورة الصبي والصبية قبل سبع سنين هي القبل والدبر فقط، ثم تتغلظ بعد السبع، ثم تكون بعد العشر كعورة البالغين؛ لأنه زمان يمكن فيه البلوغ، ولم يبين الصيمري مراده بالتغليظ الذي بعد السبع (¬3). وقال الماوردي في " الحاوي ": إن الذكور والإناث من الأطفال لا حكم لعوراتهم قبل السبع، وحكمهم كالبالغين بعد إمكان البلوغ، وفيما بينهما يحرم النظر إلى الفرج خاصة (¬4). ومقتضى إطلاق النووي: عدم الفرق بين المميز وغيره، وفائدته في غير المميز فيما يجب ستره في الطواف إذا أحرم عنه الولي. والجواب عن عبارتهما: أن المراد بالرجل: خلاف المرأة، فيتناول الصبي، وعبارة " الحاوي " لا إيراد عليها، فإنه قال [ص 167]: (وبعدم ستر ما بين السرة والركبة، وللحرة غير الوجه والكفين) فتناول كلامه أولاً البالغ، والصبي، والأمة. 539 - قولهم: (إن عورة الأمة: ما بين السرة والركبة) (¬5) قد يخرج المبعضة، وقد صحح الماوردي: أنها كالحرة (¬6)، لكن الأصح: أنها كالأمة. 540 - قولهم: (إن عورة الحرة: ما سوى الوجه والكفين) (¬7) فيه أمران: أحدهما: أنه يتناول الصغيرة، وهو كذلك، وقد تقدم كلام الصيمري والماوردي في ذلك، وحكى الروياني عن والده: جواز صلاة الصغيرة بغير خمار، قال: وهو ظاهر الخبر، وعندي: المذهب: أنه لا يجوز. انتهى (¬8). ثانيهما: مقتضى ما ذكروه هنا مع تصحيحهم وجوب ستر العورة في الخلوة: أنه يحرم على الحرة في الخلوة كشف غير الوجه والكفين، وليس كذلك، بل عورتها في الخلوة وبحضرة المحارم كالرجال؛ كما صرح به ابن سراقة والإمام وغيرهما (¬9)، وكلام الرافعي والنووي في (النكاح) يدل عليه (¬10)، وحينئذ .. فالمذكور هنا عورتها في الصلاة. ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 28)، و" المنهاج " (ص 105). (¬2) المجموع (3/ 171). (¬3) البيان (2/ 120). (¬4) الحاوي الكبير (2/ 174، 175). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 28)، و" الحاوي " (ص 167)، و" المنهاج " (ص 105). (¬6) انظر " الحاوي الكبير " (2/ 174). (¬7) انظر " التنبيه " (ص 28)، و" الحاوي " (ص 167)، و" المنهاج " (ص 105). (¬8) انظر " بحر المذهب " (3/ 26). (¬9) انظر " نهاية المطلب " (2/ 191). (¬10) انظر " فتح العزيز " (7/ 470: 472)، و" الروضة " (7/ 21).

فرع [عورة الخنثى الحر كالمرأة الحرة]

فَرْعٌ [عورة الخنثى الحر كالمرأة الحرة] الخنثى الحر كالمرأة الحرة، فلو اقتصر على ستر ما بين سرته وركبته .. لم تصح صلاته على الأصح في " الروضة " (¬1)، وصحح في " التحقيق " عكسه (¬2). 541 - قول " التنبيه " [ص 28]: (بما لا يصف البشرة) و" المنهاج " و" الحاوي ": (بمانع إدراك لون البشرة) (¬3) يشمل الخابية الضيقة في صلاة الجنازة، وهو الأصح في " الروضة " (¬4)، لكن الأشبه في " الشرح الصغير ": المنع. 542 - قول " المنهاج " [ص 105] و" الحاوي " [ص 167]: (كماء كدر) يفهم أن الصافي ليس كذلك، لكن الذي غلبت عليه الخضرة كالكدر، وهو داخل فيما يمنع إدراك لون البشرة، وهو المذكور أولاً، والماء الكدر مثال. 543 - قولهما أيضاً: (إنه يجب التطين على فاقد الثوب) (¬5) كذا ما في معناه من ورق وجلد. 544 - قولهما أيضاً: (وله ستر بعضها بيده) (¬6) يكفي بيد غيره وإن حرم. 545 - قول " الحاوي " [ص 167]: (والنجس، لا الحرير كالعدم) فيه أمور: أحدها: قوله في النجس: (إنه كالعدم) أي: في الصلاة، وإلا .. فالستر به خارجها واجب ولو في الخلوة. ثانيها: ومحله أيضاً: إذا لم يجد ما يغسله به؛ كما قيده الرافعي والنووي (¬7)، فإن وجد .. غسله ولو خرج الوقت بغسله، وصلى خارج الوقت، ولا يصلي في الوقت عارياً؛ كما نقل القاضي أبو الطيب الاتفاق عليه (¬8). ثالثها: حمل في " المهمات " المذكور في الحرير على ما إذا كان قدر العورة، فإن زاد عليها .. قال: فيتجه لزوم قطع الزائد إن لم ينقص أكثر من أجرة الثوب. رابعها: استشكل في " المهمات " الفرق بين النجس والحرير، مع أن لبس النجس يباح ¬

_ (¬1) الروضة (1/ 283). (¬2) التحقيق (ص 183). (¬3) الحاوي (ص 167)، المنهاج (ص 105). (¬4) الروضة (1/ 284). (¬5) انظر " الحاوي " (ص 167)، و" المنهاج " (ص 105). (¬6) انظر " الحاوي " (ص 167)، و" المنهاج " (ص 105). (¬7) انظر " فتح العزيز " (2/ 42)، و" المجموع " (3/ 147، 148). (¬8) انظر " المجموع " (2/ 276).

للحاجة، بل دونها في غير الصلاة، فإن قيل: إن الحرير يباح في الصلاة للحاجة؛ كالحكة ودفع القمل، بخلاف النجس .. قلنا: ممنوع؛ فإن النجس يباح أيضاً في الصلاة لشدة الحر والبرد. انتهى. وجوابه: أن اجتناب النجاسة شرط في صحة الصلاة، بخلاف اجتناب الحرير، والله أعلم. 546 - قول " التنبيه " [ص 28]: (ويستحب أن يصلي الرجل في ثوبين؛ قميص، ورداء) قد يفهم أن الرداء في هذه الحالة أولى من الإزار أو السراويل، والمنقول: أن الثلاثة سواء، وفي " الكفاية ": لا شك أن الرداء أكملها. وقال النشائي: إنما قاله من عند نفسه (¬1). قلت: وقد يقال: إن الإزار والسراويل أولى؛ لأنه أستر. 547 - قوله: (فإن اقتصر على ستر العورة .. جاز) (¬2) مفهوم من قوله: (ويستحب أن يصلي في ثوبين) (¬3) وإنما ذكره؛ ليفهم أن النهي عن الصلاة في ثوب واحد ليس على عاتقه شيء منه .. ليس للاشتراط، قاله في " الكفاية "، وفيه نظر؛ لأن غاية ما دل عليه ذلك اللفظ: جواز الاقتصار على ثوب واحد، أما الاقتصار على ستر العورة .. فلا يفهم منه. 548 - فوله: (إلا أن المستحب: أن يطرح على عاتقه شيئاً) (¬4) اختار السبكي وجوبه، وحكاه عن نص الشافعى (¬5). 549 - قوله: (ويستحب للمرأة أن تصلي في ثلاثة أثواب؛ درع، وقميص، وسراويل) (¬6) لم يذكر الأصحاب السراويل هنا، بل ذكروا بدله الجلباب (¬7). 550 - قوله: (وإن بُذِلَ له سترة .. لزمه قبولها) (¬8) أي: على وجه العارية، فلو بُذلت له هبة .. لم يلزمه القبول في الأصح. قال في " المهمات ": (المتجه -وهو قياس التيمم-: وجوب قبول الطين والتراب ونحوهما مما يستر وقيمته قليلة غالباً، والتقييد بالثوب يُفْهِمُ ذلك) انتهى. وفي وجه حكاه الدارمي في " الاستذكار ": أنه يجب قبول الهبة دون العارية، عكس ¬

_ (¬1) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه " (ق 21) (¬2) انظر " التنبيه " (ص 28). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 28). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 28). (¬5) انظر " الأم " (1/ 89). (¬6) انظر " التنبيه " (ص 28). (¬7) انظر " المجموع " (3/ 174). (¬8) انظر " التنبيه " (ص 28).

المشهور، وهو غريب جداً، وقد يفهم كلام " التنبيه " أنه لا يلزمه طلب إعارتها. قال في " الكفاية ": والظاهر من كلام الأصحاب: وجوبه، وقد يفهم من قوله بعد: (وإن لم يجد) (¬1) اعتبار الطلب فيه؛ كما في نظيره من التيمم (¬2). 551 - قوله: (وإن وجد السترة في أثناء الصلاة وهي بقربه .. ستر وبنى) (¬3) قال في " الكفاية ": يشمل بظاهره ما لو استدبر القبلة في الستر، وهو وجه في " ابن يونس "، وفي " الروضة ": الجزم بالبطلان (¬4). قوله: (وإن كانت بالبعد منه .. ستر واستأنف) (¬5) كذا جزم به، وحكى في سبق الحدث قولين، وذلك يقتضي ترجيح طريقة القطع هنا، وكذا في " شرح المهذب " (¬6)، والذي في " الشرح " و" الروضة ": إجراء القولين هنا أيضاً (¬7). 552 - قول " التنبيه " [ص 35]: (وإن سبقه الحدث .. ففيه قولان، أحدهما: لا تبطل؛ فيتوضأ ويبني على صلاته، والثاني: تبطل) الثاني هو الأصح، ولو قال في القول الأول: (فيتطهر) .. لكان أعم؛ إذ لا فرق بين الحدث الأصغر والاكبر. 553 - قول " المنهاج " [ص 105]: (وفي القديم: يبني) حكاه في " الكفاية " عن " الإملاء "، وهو من الجديد، وقولهما: (سبقه) (¬8) يخرج: تعمد إخراج باقيه، لكن حكى العراقيون وغيرهم عن النص: أنه لا يضر؛ لأن طهارته قد بطلت، وعلى هذا فلو أحدث حدثاً آخر .. فالحكم كذلك، وكذا صححه في " شرح المهذب " تفريعاً على هذا القول (¬9)، لكن صحح في " التحقيق ": بطلان الصلاة بالحدث الآخر على هذا القول (¬10). 554 - قول " المنهاج " [105]: (وإن قصر بأن فرغت مدة خف فيها .. بطلت) أي: قطعاً، وحمله السبكي على ما إذا دخل ظاناً بقاء المدة إلى فراغه، فإن قطع بأن المدة تنقضي فيها .. قال: فيتجه: عدم انعقادها. ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 28). (¬2) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه " (ق 22). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 28). (¬4) الروضة (1/ 287). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 28). (¬6) المجموع (3/ 185). (¬7) فتح العزيز (2/ 41)، الروضة (1/ 287). (¬8) انظر " التنبيه " (ص 35)، و" المنهاج " (ص 105). (¬9) المجموع (3/ 185). (¬10) التحقيق (ص 238).

فائدة [فيمن أحدث بغير اختياره]

فَائِدَة [فيمن أحدث بغير اختياره] عبر الرافعي بقوله: (وإن أحدث بغير اختياره؛ كما لو سبقه الحدث) (¬1)، فدخل في عبارته: المكره على الحدث، وقد صرح في " البيان " بأنه على القولين (¬2)، ولا تتناوله عبارة " الروضة "؛ لقوله: (بأن سبقه الحدث) (¬3)، فجعله قيداً، فانظر التفاوت بين العبارتين مع تقاربهما ظاهراً. 555 - قول " التنبيه " [ص 35]: (وإن كشفها الريح .. لم تبطل) أي: إن ستر في الحال، كما صرح به " المنهاج " (¬4). 556 - قول " التنبيه " [ص 35]: (واجتناب النجاسة شرط في صحة الصلاة)، قال في " الكفاية ": سكوته عنه خارجها مع ذكره وجوب الستر يفهم أنه لا يجب خارجها. قال النشائي: ويجاب: بأنه لا يجب اجتناب النجاسة مطلقاً، بل فيه تفصيل في (باب ما يكره لبسه) وقد أرشد إليه بقوله: (ويجوز أن يلبس دابته الجلد النجس). انتهى (¬5). وصحح النووي في " التحقيق ": تحريم التضمخ بالنجاسة لغير حاجة في البدن دون الثوب (¬6)، وصحح في " الروضة " و" شرح المهذب " تبعاً للرافعي: التحريم فيهما (¬7). ولا يرد ذلك على " المنهاج " و" الحاوي " لأنهما لم يصرحا بوجوب ستر العورة خارج الصلاة، فليس فيهما الإفهام الذي في " التنبيه ". 557 - قوله: (وإن خفي عليه موضع النجاسة من الثوب .. غسله كله) (¬8) قال في " الكفاية ": أفهم أنه لو غسل نصفه مرة ثم نصفه الآخر .. لا يجزئه، وهو وجه يعني به: اعتبار غسله دفعة، والأصح: أنه إن غسل مع الثاني المنتصف .. طهر الجميع، وإلا .. فغير المنتصف، وقد صرح بذلك " المنهاج "، لكنه عبر فيه بالصحيح (¬9)، وفي " الروضة " بالأصح (¬10)، وصحح في " شرح المهذب ": أن ذلك إنما هو فيما إذا كان الغسل المفرق بصب الماء عليه وهو في غير إناء، فإن كان ¬

_ (¬1) انظر " المحرر " (ص 39)، و" فتح العزيز " (2/ 3). (¬2) البيان (2/ 129). (¬3) الروضة (1/ 271). (¬4) المنهاج (ص 105) (¬5) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه " (ق 22، 43). (¬6) التحقيق (ص 181). (¬7) الروضة (1/ 275)، المجموع (3/ 143)، وانظر " فتح العزيز " (2/ 11). (¬8) انظر " التنبيه " (ص 29). (¬9) المنهاج (ص 106). (¬10) الروضة (1/ 273).

في جفنة ونحوها .. لم يطهر حتى يغسل دفعة واحدة (¬1). قال النشائي: (ولا يخفى أن قول الشيخ: " غسله " ليس فيه ما يقتضي كونه مرة أو مرتين بالشرط المذكور، فإلزامه الوجه المرجوح لم يتعين) (¬2). وقال أبو عبد الله البيضاوي شيخ صاحب " التنبيه ": إنما يغسله كله إذا أصاب الثوب نجاسة لم يرها، أما إذا رآها ثم خفيت عليه .. فإنما يجب غسل ما رآه من الثوب؛ لأن النجاسة لم تتحقق إلا فيما رأى، فالاشتباه لا يتعداه. 558 - قول " التنبيه " [ص 28]: (فإن حمل نجاسة في صلاته أو لاقاها ببدنه أو ثيابه .. لم تصح صلاته) كذا لو حمل طاهراً متصلاً بنجاسة، أو متصلاً بطاهر وذلك الطاهر متصل بنجاسة، كما لو ربط في وسطه حبلاً، أو قبضه بيده وطرف ذلك الحبل في عنق كلب أو في ساجور، والساجور في عنق كلب .. فإن صلاته تبطل في الأصح، مع أنه لم يحمل نجاسة ولا لاقاها ببدنه ولا ثيابه، وقد صرح بذلك " المنهاج " بقوله [ص 106]: (ولا تصح صلاة ملاق بعض لباسه نجاسة وإن لم يتحرك بحركته، ولا قابض طرف شيءٍ على نجس إن تحرك، وكذا إن لم يتحرك في الأصح) ولم يذكر ملاقاة بدنه نجاسة؛ لأنه مفهوم من طريق الأولى، وعبر " الحاوي " بقوله [ص 166]: (في البدن ومحموله وملاقيهما)، وتعبيره بالمحمول أعم من تعبير " المنهاج " باللباس، وهو أعم من تعبير " التنبيه " بالثياب، لدخول الخف ونحوه في اللباس دون الثياب، ومقتضى كلام " الحاوي " في إمساك طرف حبل طرفه الآخر في ساجور كلب: الصحة؛ فإن النجاسة لم تلاق محموله، وإنما لاقت ما لاقاه، وقد صرح به بعد ذلك بقوله: (لا ساجور كلب) (¬3) وهو الذي تقتضيه عبارة " المنهاج " أيضاً، وكذا رجحه الرافعي في " الشرح الصغير "، ولم يصرح في " الكبير " بترجيح، وصحح في " أصل الروضة ": البطلان (¬4). 559 - قول " التنبيه " [ص 35]: (وهي غير معفو عنها) يستثنى منه: ما لو حمل مستجمراً، فإن أثر الاستجمار معفو عنه، ومع ذلك .. فتبطل صلاة الحامل له في الأصح، وقد صرح بذلك " المنهاج " و" الحاوي " (¬5)، وفي معناه: حمل من على ثوبه نجاسة معفو عنها، وقياسه: البطلان أيضاً فيما لو حمل ماء قليلاً أو مائعاً فيه ميتة لا نفس لها سائلة، وقلنا: لا ينجس الماء، كما هو الأصح وإن لم يصرِّحوا به. ¬

_ (¬1) المجموع (2/ 547). (¬2) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه " (ق 23). (¬3) انظر " الحاوى " (ص 166). (¬4) الروضة (1/ 274، 275). (¬5) الحاوى (ص 166)، المنهاج (ص 106).

560 - قول " المنهاج " [ص 106]: (ولا يضر نجس يحاذي صدره في الركوع والسجود) و" الحاوي " [ص 166]: (ولا ما يحاذي صدره) قال في " الروضة ": (أو بطنه، أو شيئاً من بدنه في سجوده، أو غيره) (¬1). قال شيخنا شهاب الدين: (وعمومه يتناول السقف والجدران في جميع الصلاة، ولا يقول به أحد) انتهى (¬2). وكأن مراده: أن عبارة " الروضة " بعمومها تتناول ما لو كانت النجاسة في السقف أو الجدران، وهو محاذٍ لها ببعض بدنه؛ أي: مقابل، ولا يمكن أن يجري في هذه وجه بالبطلان؛ فإن فرض المسألة أنه لم يلاقها ببدنه ولا ثيابه. وقول " المنهاج " [ص 106]: (على الصحيح) عبر في " الروضة " بالأصح (¬3)، وكان ينبغي أن يقول: (على النص) لأن الماوردي وغيره نقلوه عن نص الشافعي (¬4). 561 - قول " المنهاج " [ص 106]: (ولو وصل عظمه بنجس لفقد الطاهر .. فمعذور، وإلا .. وجب نزعه إن لم يخف ضرراً ظاهراً، فإن مات .. لم ينزع على الصحيح) مثل قول " الحاوي " [ص 167]: (وإن لم يتعدَّ بوصل عظمه بنجس، أو خاف ضرراً ظاهراً، أو مات .. لم ينزع) وفيهما شيئان: أحدهما: أن محل الجواز: عند الاحتياج إليه لكسر ونحوه، ولم يصرح في " المنهاج " بذلك، وقد يفهم ذلك من قول " الحاوي ": (وإن لم يتعد) لأن وصله بنجس بلا حاجة تعد، لكنه ليس صريحاً فيه، وهو صريح في قول " التنبيه " [ص 28]: (وإن جبر عظمه) لأن الجبر إنما يكون لكسر. ثانيهما: أنهما جعلا التفصيل بين خوف الضرر وعدمه إنما هو فيما إذا وجد عظماً طاهراً، وأطلقا فيما إذا فقده .. أنه لا يجب النزع سواء خاف الضرر أم لا، وكذا هو في بقية كتب الرافعي والنووى (¬5)، وطرد الإمام والمتولي وغيرهما هذا التفصيل بين أن يخاف ضرراً أم لا: فيما إذا لم يجد عظماً طاهراً أيضاً (¬6)، وهو مقتضى قول " التنبيه " [ص 28]: (وإن جبر عظمه بعظم نجس وخاف التلف من نزعه وصلى فيه .. أجزأته صلاته) فإنه لم يفصل بين أن يجد غيره أم لا، وعليه ¬

_ (¬1) الروضة (1/ 277). (¬2) انظر " السراج على نكت المنهاج " (1/ 307). (¬3) الروضة (1/ 277). (¬4) انظر " الحاوي الكبير " (2/ 264). (¬5) انظر " فتح العزيز " (2/ 12)، و" المجموع " (3/ 143). (¬6) انظر " نهاية المطلب " (2/ 315).

مشى ابن الرفعة، وهو أظهر في المعنى، ويرد على " التنبيه ": أنه اقتصر على خوف التلف، والأصح: أنه يلحق به كل ما يبيح التيمم، وهو المراد بتعبير " المنهاج " و" الحاوي " بالضرر الظاهر، وقول " المنهاج " و" الحاوي " في مسألة الموت: (لم ينزع) أي: لم يجب النزع على الصحيح، وقيل: يحرم النزع. واعلم: أنه يلحق بالوصل بعظم نجس مداواة الجرح بدواء نجس وخياطته بخيط نجس، وكذلك الوشم، وشق موضع من بدنه، وجعل دم فيه. 562 - قول " الحاوي " [ص 166]: (إنه يعفى عن قليل طين الشارع) أي: المتيقن نجاسته، وفي " المنهاج " [ص 106]: (يعفى عما يتعذر الاحتراز مثه غالباً) أي: وضابطه: ما لا ينسب صاحبه إلى سقطةٍ أو قلة تحفظٍ، وقد يكون الذي يتعذر الاحتراز منه غالباً كثيراً؛ لغلبة الطين، فضبط " المنهاج " في ذلك أولى من ضبط " الحاوي " بالقليل. 563 - قول " الحاوي " [ص 165]: (إنه يعفى عن قليل دم البرغوث) يقتضي أنه لا يعفى عن الكثير، وكذا قال الرافعي: إنه أحسن الوجهين (¬1)، وينبغي أن يقيد القليل بما إذا لم ينتشر بعرق؛ فإنه متى انتشر بعرق .. فهو كالكثير، ففيه اختلاف التصحيح، وقول " التنبيه " [ص 28]: (وإن صلى وفي ثوبه دم البراغيث .. جازت صلاته) يقتضي العفو عن الكثير أيضاً، وكذا صححه في " أصل الروضة " لكون الرافعي حكاه عن العراقيين والروياني وغيرهم، ولم ينقل مقابله إلا عن الإمام والغزالي (¬2)، فلا يحسن قوله في " شرح المهذب ": إنه الأصح باتفاق الأصحاب (¬3)، وفي " المنهاج " [ص 106]: (الأصح عند المحققين: العفو مطلقاً) وتناولت عبارته الكثير والقليل المنتشر بعرق، بل تناولت أيضاً الكثير المنتشر بعرق، وإن كانت عبارة الرافعي تقتضي عدم العفو في هذه الصورة قطعاً، وقال السبكي: لم يتعرضوا لاجتماع الكثرة والانتشار بالعرق. انتهى. وكأنه أراد: لم يتعرضوا لها صريحاً بالمنطوق، وإلا .. فهي داخلة في عموم " المنهاج " ومفهوم الرافعي كما تقدم، ومحل العفو مطلقاً: في الملبوس إذا أصابه من غير تعمد، فإن لم يلبسه بل حمله في كمه أو فرشه وصلى عليه، أو لبسه ولكن كانت الإصابة بفعله؛ كقتل برغوث ونحوه .. عفي عنه مع القلة في الأصح دون الكثرة قطعاً، كما في " التحقيق " تبعاً للمتولي (¬4)، وكلام الرافعي في (الصيام) يقتضيه (¬5). ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (2/ 25). (¬2) الروضة (1/ 280)، وانظر " فتح العزيز " (2/ 25)، و" نهاية المطلب " (2/ 292)، و" بحر المذهب " (2/ 324). (¬3) المجموع (3/ 140). (¬4) التحقيق (ص 177). (¬5) انظر " فتح العزيز " (3/ 196).

وقال القاضي حسين: لو كان الثوب الملبوس زائداً على عام لباس بدنه .. لم تصح صلاته؛ لأنه غير مضطر إليه. قال في " المهمات ": ومقتضاه منع زيادة الكم على الأصابع ولبس ثوب آخر، لا لغرض من تجمل ونحوه، وقول " التنبيه " [ص 28]: (وفي ثوبه) يفهم كما قال في " الكفاية ": أن البدن ليس كذلك، قال: وفيه تفصيل، وهو: إن صادفه ابتداء .. فكالثوب، أو وصل للبدن منه .. فعلى الخلاف فيما لو انتشر بعرق. انتهى. وفي " التحرير " وجه فارق بين الثوب والبدن، كما يفهمه كلام الشيخ، وفرق بأن تكرار الغسل في الثوب يبليه، فعفي عنه فيه، بخلاف البدن، قال في " الكفاية ": وأفهم أن دم القمل والبعوض وسائر ما لا يسيل دمه ليس كالبراغيث، وليس كذلك. قال النشائي: (وفيه نظر؛ فإن العلة توجب التسوية، فاكتفى الشيخ بفهمه). انتهى (¬1). وصرح في " المنهاج " بالتسوية بين دم البرغوث وونيم الذباب (¬2)، وذكر في " الحاوي " مع دم البرغوث: دم القمل والبعوض وبول الخفاش وونيم الذباب (¬3). 564 - قول " المنهاج " [ص 106]: (ودم البثرات كبراغيث، وقيل: إن عصره .. فلا) قال في " شرح المهذب ": (محل الوجهين في العصر: في القليل، وهما كالوجهين في قتل القملة في ثوبه) (¬4). قال شيخنا شهاب الدين: (ومجموع كلامه يقتضي أن الخارج بالعصر يضر كثيره جزماً؛ فإن دم القمل المقتول كذلك، وحينئذ .. يكون دم البثرات كدم البراغيث بلا نزاع، والعصر كالقتل، فإذا انتفيا وكان قليلاً .. عفي جزماً فيهما، وكذا إن كثر في الأصح، وفي العصر أو القتل إن كثر .. ضر، وإن قل .. فلا في الأصح، قال: وعبارة " المنهاج " عند التأمل تقتضي خلاف ذلك) انتهى (¬5). وعبارة " الحاوي " عطفاً على المعفو عنه مع القلة [ص 165، 166]: (وبثرته وإن عصر) وهو في التقييد بالقلة تابع للرافعي كما تقدم، والأصح: العفو مع الكثرة كما عرفت، لكن عند عدم العصر، واحترز بإضافة البثرة إليه عن بثرة غيره. 565 - قول " الحاوي " عطفاً على المعفو عنه مع القلة [ص 165]: (والقرح والدمل والفصد ¬

_ (¬1) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه " (ق 22). (¬2) المنهاج (ص 106). (¬3) الحاوي (ص 165، 166). (¬4) المجموع (3/ 141). (¬5) انظر " السراج على نكت المنهاج " (1/ 310).

والحجامة) كذا صحح النووي في " الروضة " و" المنهاج " أنها كالبثرات (¬1)، أي: فيعفى عنها مع القلة، وفي حالة الكثرة اختلاف الترجيحين، وفي الرافعي: إنه قضية كلام الأكثرين (¬2)، والأولى في " المحرر " و" الشرحين ": أنه إن دام مثله غالباً .. فكدم الاستحاضة في الاحتياط الممكن والعفو، وإلا .. فكدم الأجنبي (¬3)، وسيأتي حكمه، وصحح في " شرح المهذب " و" التحقيق ": أنه كدم الأجنبي (¬4)، وجزم " المنهاج " في آخر (التيمم) بعدم العفو في قوله [ص 86]: (إلا أن يكون بجرحه دم كثير) والجرح هو القرح، وقول " المنهاج " في المسألة [ص 107]: (قيل: كبثرات) كذا في نسخة المصنف تبعاً لـ" المحرر " (¬5)، ويوافقه قوله بعد ذلك: (قلت: الأصح: أنها كالبثرات) (¬6) وفي بعض النسخ: (قيل: كبراغيث)، والمعنى لا يختلف، وقوله: (والأصح: إن كان مثله يدوم غالباً .. فكالاستحاضة) (¬7) يقتضي جريان الخلاف فيما يدوم غالباً، وليس كذلك، بل هو كالاستحاضة جزماً، صرح به في " التحقيق " و"شرح المهذب " (¬8). 566 - قول " التنبيه " [ص 28]: (أو اليسير من سائر الدماء) يعم دمه ودم غيره، وهو في دمه متفق عليه، وفي دم غيره صححه الأكثرون، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 107]: (الأظهر: العفو عن قليل دم الأجنبي)، وقال الرافعي في كتبه: (الأحسن: عدم العفو عنه) (¬9)، وعليه يدل كلام " الحاوي " لكونه لم يذكره في المعفو عنه، ويستثنى من دم الأجنبي: دم الكلب والخنزير وفرع أحدهما، فلا يعفى عن شيء منها قطعاً، حكاه في " شرح المهذب " عن " البيان "، وقال: لم أرَ لغيره موافقته ولا مخالفته (¬10)، ونقل في " المهمات " عن " المقصود " للشيخ نصر المقدسي موافقته، وتعبير النووي بـ (الأظهر) يدل على أن الخلاف قولان، وقال أولاً: (وقيل: يعفى عن قليله) (¬11) ليبين أن الرافعي حكى الخلاف وجهين. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 107)، الروضة (1/ 281). (¬2) فتح العزيز (2/ 28). (¬3) المحرر (ص 41)، فتح العزيز (2/ 28). (¬4) المجموع (3/ 141)، التحقيق (ص 177). (¬5) المحرر (ص 41). (¬6) انظر " المنهاج " (ص 107). (¬7) انظر " المنهاج " (ص 107). (¬8) المجموع (3/ 141)، التحقيق (ص 177). (¬9) انظر " المحرر " (ص 41)، و" فتح العزيز " (2/ 27، 28). (¬10) المجموع (3/ 141، 142)، البيان (2/ 92). (¬11) انظر " المنهاج " (ص 107).

567 - قول " التنبيه " [ص 28]: (أو سلس البول، أو دم الاستحاضة) هما بالرفع عطفاً على ما تقدم، فيعفى عنهما ولو مع الكثرة، وذكر في " التحرير " أنهما بالجر (¬1)، وذلك بأن يكونا معطوفين على سائر الدماء من قوله: (أو اليسير من سائر الدماء) (¬2)، ومقتضى ذلك اختصاص العفو بالقلة، وليس كذلك. قال النشائي: (ووهم في " الكفاية " بأنّ عطفه على اليسير يقتضي الفرق بين القليل والكثير، وهو غلط) (¬3). 568 - قوله: (وقال في القديم: إن صلى ثم رأى في ثوبه نجاسة كانت في الصلاة ولم يعلم بها قبل الدخول في الصلاة .. أجزأته صلاته) (¬4) لا يختص ذلك بالثوب، بل بدنه وموضع صلاته كذلك، وقد شمل ذلك قول " المنهاج " [ص 107]: (ولو صلى بنجس لم يعلمه .. وجب القضاء في الجديد) ثم إنما يُجْزَم على الجديد بوجوب القضاء إذا لم يشك في زوال تلك النجاسة، فلو صلى ملابساً لثوب، فلما فرغ تذكر أن النجاسة أصابته وشك في زوالها .. ففي لزوم الإعادة احتمال وجهين لوالد الرويانى (¬5)، واختار في " شرح المهذب " في أصل المسألة: عدم الإعادة مطلقاً (¬6). 569 - قول " التنبيه " [ص 28]: (وإن أصاب أسفل الخف نجاسة فمسحه على الأرض وصلى فيه .. ففيه قولان، أحدهما: يجزئه، والثاني: لا يجزئه) الثاني هو الأصح، ومحل الخلاف: في مسحه وقت الجفاف، وألاَّ يكون لها جرم، وألاَّ يتعمدها؛ كما ذكره الرافعي والنووي في الثلاثة (¬7)، وألاَّ تصيبه وهو مطروح، فمان أصابته وهو مطروح .. فمقتضى كلام " الكفاية ": أنه لا يكفي الدلك قطعاً؛ لندوره، ثم الخلاف في العفو، والخفُّ باق على نجاسته قطعاً؛ كما قاله الرافعي وابن الرفعة في " الكفاية " (¬8)، لكن فيه قول حكاه الجرجاني في " الشافي ". 570 - قوله: (وإن أصاب الأرض نجاسة فذهب أثرها بالشمس والريح وصلى عليها .. ففيه قولان، أحدهما: يجزئه، والثاني: لا يجزئه) (¬9) الثاني هو الأصح، وخرج بالشمس والريح: ¬

_ (¬1) تحرير التنبيه (ص 58). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 28). (¬3) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه " (ق 23). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 28). (¬5) انظر " بحر المذهب " (2/ 326). (¬6) المجموع (3/ 159). (¬7) انظر " فتح العزيز " (2/ 24)، و" المجموع " (2/ 550). (¬8) انظر " فتح العزيز " (2/ 24). (¬9) انظر " التنبيه " (ص 28).

فصل [في ضابط الكلام المبطل للصلاة]

الظل؛ فإنه لا يُطَهِّر قطعاً، كما قاله العراقيون، وقال الخراسانيون: فيه خلاف مرتب (¬1)، وخرج بالأثر: ما إذا كان للنجاسة جرم كالعذرة؛ فإن الأرض لا تطهر بالشمس والريح قطعاً. 571 - قوله: (وإن كان على ثوبه أو بدنه نجاسة مما لا يدركها الطرف من غير الدماء .. فقد قيل: تصح، وقيل: لا تصح، وقيل: فيه قولان) (¬2) تقدم نظير هذا الخلاف في الماء، واختلاف التصحيح فيه في بابه (¬3)، صحح النووي: العفو (¬4)، والرافعي: عدم العفو (¬5). 572 - قوله: (ولا تحل الصلاة في ثوب حرير) (¬6) هذا في حق الرجل والخنثى المشكل، ومع ذلك فالأصح: أنه يصلي فيه إذا لم يجد ساتراً غيره. 573 - قول " الحاوي " في أمثلة ما لا يعفى عنه [ص 166]: (وبيض فيه دم) هذا تفريع على نجاسته، وهو الأصح، ووقع في " شرح الوسيط " للنووي طهارته (¬7). فَصْلٌ [في ضابط الكلام المبطل للصلاة] 574 - قول " التنبيه " [ص 36]: (وإن تكلم عامداً .. بطلت صلاته) المراد: كلام البشر بحرفين أو حرف مفهم كـ (قِ) من وقى، وكذا حرف ممدود في الأصح، وقد صرح " الحاوي " بالأمرين بقوله [ص 167]: (وبكلام البشر حرفين وحرف مفهم أو ممدود)، وصرح " المنهاج " بالأمر الثاني بقوله [ص 107]: (تبطل بالنطق بحرفين أو حرف مفهم، وكذا مَدَّةٌ بعد حرف في الأصح)، وفاته التقييد بكلام البشر. وقد استثنوا بعد ذلك من إبطال الكلام الصلاة: اليسير لنسيان، أو سبق لسان، أو جهل مع قرب العهد بالإسلام. ويستثنى أيضاً: ما لو أجاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد ناداه في حياته .. فالأصح: لا تبطل، وفي إجابة أحد الوالدين أوجه: - تلزم الإجابة ولا تبطل الصلاة. ¬

_ (¬1) انظر " المجموع " (2/ 548). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 28، 29). (¬3) انظر مسألة رقم (23). (¬4) انظر " المجموع " (1/ 185)، (2/ 527). (¬5) انظر " فتح العزيز " (1/ 48، 49). (¬6) انظر " التنبيه " (ص 29). (¬7) شرح الوسيط (2/ 160).

- تلزم ولكن تبطل. - لا تلزم، وصححه الروياني في " البحر " (¬1)، وقال السبكي في كتاب " بر الوالدين ": المختار: القطع بأنه لا يجيبهما إن كانت الصلاة فرضاً وقد ضاق الوقت، وكذا إن لم يضق؛ لأنها تلزم بالشروع، خلافاً لإمام الحرمين، وإن كانت نفلاً .. وجبت الإجابة إن علم تأذيهما بتركها، ولكن تبطل، وفي " المطلب ": إنه لم ير فيها نقلاً، وقد عرفت النقل فيها. ويستثنى أيضاً: تلفظه بالنذر، فلا تبطل به الصلاة على الأصح في " شرح المهذب " لأنه مناجاة (¬2)، قال في " المهمات ": (وقياسه: التعدي إلى الإعتاق والوصية والصدقة وسائر القرب المنجزة) انتهى. وقول المصلي لإبليس (¬3): ألعنك بلعنة الله؛ كما قاله شيخنا الإمام البلقيني، وإنذار مشرف على الهلاك؛ كما صححه في " التحقيق " (¬4)، لكن الأصح في " الشرح " و" الروضة " وغيرهما: البطلان مع وجوبه (¬5)، وتكلمه بكلام لم يسمع لعارض صياح ونحوه على أحد وجهين لوالد الروياني، لكن الأصح: البطلان، وذكرت الفرع؛ لاستغرابه. وإذا تكلم عامداً بعد سلامه ناسياً .. فلا تبطل الصلاة، كما ذكره الرافعي في (الصيام) (¬6)، وقد تدخل هذه الصورة في الجهل بالتحريم. 575 - قول " الحاوي " [ص 167]: (وضحك وبكاء وأنين وتنحنح) ظاهر عبارته: بطلان الصلاة بقليل هذه الأشياء وكثيرها، وليس كذلك، بل هي كالكلام؛ إن ظهر حرفان .. بطلت، وإلا .. فلا، وذكر المتكلمون على " الحاوي " أنها من الكلام، فيأتي فيها ما فيه، وليس في عبارته ما يدل على ذلك، وقد صرح بذلك " التنبيه " في النفخ والنحنحة مع تركه له في الكلام والقهقهة، فقال [ص 36]: (وإن نفخ أو تنحنح ولم يبن منه حرفان .. لم تبطل صلاته) وفي " المنهاج " [ص 107]: (الأصح: أن التنحنح والضحك والبكاء والأنين والنفخ إن ظهر به حرفان .. بطلت، وإلا .. فلا) وهو صريح في جريان الخلاف في الكل، وكذا في " المحرر " و" شرحي الرافعي " (¬7)، لكن في " الروضة " و" التحقيق " و" شرح المهذب ": تخصيص الخلاف ¬

_ (¬1) بحر المذهب (3/ 37). (¬2) المجموع (4/ 94). (¬3) أي: ومما يستثنى أيضاً: قول المصلي لإبليس ... إلخ. (¬4) التحقيق (ص 240). (¬5) فتح العزيز (2/ 49)، الروضة (1/ 291). (¬6) انظر " فتح العزيز " (3/ 231). (¬7) المحرر (ص 42)، فتح العزيز (2/ 44).

بالتنحنح، والجزم في المذكورات معه بذلك (¬1)، ولا معنى له، وقد صرح في " التتمة " بجريان الخلاف في الكل، إلا أنه حكاه قولين. 576 - قول " التنبيه " بعد الكلام والقهقهة [ص 36]: (وإن كان ذلك ناسياً، أو جاهلاً بالتحريم، أو مغلوباً عليه، ولم يطل .. لم تبطل، وإن أطال .. فقد قيل: تبطل، وقيل: لا تبطل) الأصح: البطلان، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " (¬2)، لكن صحح السبكي تبعاً للمتولي: أن الكلام الكثير ناسياً لا يبطل، وأيضاً: فكان ينبغي تأخير هذا الفرع عن النفخ والنحنحة؛ ليعود للكل؛ كما فعل " المنهاج " و" الحاوي "، ومراد " التنبيه " بالغلبة عليه هو مرادهما بسبق اللسان، لكن التعبير بالغلبة أعم؛ لأنه يأتي في التنحنح ونحوه، بخلاف سبق اللسان، ثم إن " التنبيه " أطلق أن جهل التحريم عذر، وذلك إنما هو في حق قريب العهد بالإسلام؛ كما ذكره " المنهاج " و" الحاوي " (¬3)، وفي معناه: الناشئ في بادية بعيدة، كما في نظائره وإن لم يصرحوا به، بل حكى المحب الطبري وجهاً: أنه يعذر من لم يخالط العلماء. 577 - قول " المنهاج " [ص 107] و" الحاوي " [ص 167]: (إنه يعذر في التنحنح للغلبة) محله: إذا كان قليلاً، فإن كثر .. أبطل؛ كما صرح به الرافعي في الضحك (¬4)، والباقي في معناه، وقول " المنهاج " [ص 107]: (وفي تنحنح ونحوه) قالوا: أراد بنحوه: ما ذكر بعده، وهو: الضحك والبكاء والأنين والنفخ، وهذا إن تأتى في الغلبة .. فلا يتأتى في المذكور بعده، وهو: تعذر القراءة. 578 - قولهما أيضاً: (إنه يعذر في التنحنح أيضاً؛ لتعذر القراءة بدونه) (¬5) محله: في القراءة الواجبة، وهي: (الفاتحة) وبدلها، وقد قيده به في " التحقيق " و" شرح المهذب " (¬6). قال شيخنا شهاب الدين: (وكذا التشهد الأخير والتسليمة الأولى فيما يظهر) (¬7). ولم يذكر " التنبيه " العذر في التنحنح بتعذر القراءة. 579 - قول " المنهاج " [ص 107]: (لا الجهر في الأصح) المتبادر إلى الفهم منه: أنه أراد به: الجهر بالقراءة، وذكر في " المهمات ": أنه يتناول كل جهر مأمور به، فيتناول الجهر بالقنوت ¬

_ (¬1) الروضة (1/ 290)، التحقيق (ص 239)، المجموع (4/ 89). (¬2) الحاوي (ص 167)، المنهاج (ص 107). (¬3) الحاوي (ص 167)، المنهاج (ص 107). (¬4) انظر " فتح العزيز " (2/ 45). (¬5) انظر " الحاوي " (ص 167)، و" المنهاج " (ص 107). (¬6) التحقيق (ص 239)، المجموع (4/ 89). (¬7) انظر " السراج على نكت المنهاج " (1/ 314).

وبتكبير الانتقالات؛ حيث احتيج إليه في إسماع المأمومين، قال: إلا أن المتجه في القسم الأخير: أنه عذر، وفيما إذا حصل في أثناء السورة .. الجزم بأنه ليس عذراً؛ لحصول إقامة الشعار بالبعض. 580 - قول " المنهاج " [ص 107]: (ولو نطق بنظم القرآن بقصد التفهيم؛ كـ {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} إن قصد معه قراءة .. لم تبطل، وإلا .. بطلت) قال في " الدقائق ": (يفهم منه أربع مسائل، إحداها: إذا قصد القراءة، والثانية: إذا قصد القراءة والإعلام، والثالثة: إذا قصد الإعلام، والرابعة: ألاَّ يقصد شيئاً، فالأولى والثانية لا تبطل الصلاة فيهما، والثالثة والرابعة تبطل الصلاة فيهما، وتفهم الرابعة من قوله: " وإلا .. فلا " (¬1)، كما تفهم الثالثة منها، وهذه الرابعة لم يذكرها " المحرر "، وهي نفيسة لا يستغنى عن بيانها، وسبق مثلها في قول " المنهاج " [ص 78]: " وتحل أذكار القرآن لا بقصد قرآن ") انتهى (¬2). وما ذكره من البطلان فيما إذا لم يقصد شيئاً ذكره كذلك في " التحقيق " (¬3)، وقال في " شرح المهذب ": (إنه ظاهر كلام " المهذب " وغيره، وينبغي أن يفرق بين أن يكون انتهى في قراءته إليها .. فلا تبطل، وإلا .. فتبطل، قال: ودليل البطلان إذا لم يقصد شيئاً: أنه يشبه كلام الآدمي، وقد سبق عن الإمام وغيره في تحريم قراءة الجنب أن مثل هذا النظم لا يكون قرآناً إلا بالقصد، فإذا أطلق .. لم يحرم) انتهى (¬4). وقال ابن الرفعة: (كلام " المهذب " منصرف إلى حالة الإعلام لا إلى حالة الإطلاق؛ لأنه قال: إن قصد التلاوة والإعلام .. لم تبطل، ثم عقبه بقوله: " وإن لم يقصد القرآن " أي: مع قصد الإعلام .. بطلت، قال: وما ذكره عن الإمام في الجنب صحيح، ولكن الفرق بينه وبين المصلي: أن كونه في الصلاة قرينة تصرف ذلك إلى القرآن) انتهى. ومفهوم قول الحاوي [ص 167]: (وبالقراءة والذكر بمجرد التفهيم): عدم البطلان فيما إذا لم يقصد شيئاً، وبه صرح الحموي شارح " الوسيط " والبارزي والقونوي، وهو الظاهر، وكيف يفهم فيها البطلان من عبارة " المنهاج " مع قوله أولاً: (بقصد التفهيم) (¬5) ثم ذكر ما إذا قصد مع التفهيم قراءة، وما إذا لم يقصد؟ فإذا كان مورد القسمة قصد التفهيم .. فكيف تتناول عبارته ما إذا لم ¬

_ (¬1) كذا في النسخ و" دقائق المنهاج "، ولعل الصواب: (وإلا .. بطلت) كما هي عبارة " المنهاج " المذكورة أول المسألة، وانظر " السراج على نكت المنهاج " (1/ 315). (¬2) الدقائق (ص 45). (¬3) التحقيق (ص 240). (¬4) المجموع (4/ 93)، وانظر " نهاية المطلب " (1/ 99). (¬5) المنهاج (ص 108).

يقصد شيئاً بالكلية؟ وقد سوى في " الحاوي " بين القراءة والذكر في ذلك، ولم يذكر " المنهاج " الذكر مع القرآن، لكنه عقبه بقوله: (ولا تبطل بالذكر والدعاء، إلا أن يخاطب) انتهى (¬1). وقد يفهم من هذه العبارة: أن التفصيل المتقدم في القرآن لا يأتي في الذكر، والظاهر: أنه لم يرد هذا، وإنما هذه المسألة مستقلة. 581 - قول " المنهاج " [ص 108]: (ولو سكت طويلاً بلا غرض .. لم تبطل في الأصح) يستثنى منه: ما إذا كان في اعتدال الركوع أو السجود بناءً على أنهما قصيران .. فتبطل الصلاة بتطويلهما بسكوت وغيره، واحترز بقوله: (بلا غرض) عن السكوت ناسياً، ولتذكر شيء نسيه، فالأصح فيهما: القطع بعدم البطلان. 582 - قول " المنهاج " [ص 108] و" الحاوي " [ص 167]: (ويسن لمن نابه شيء: أن يسبح، وتصفق المرأة) فيه أمور: أحدها: أن التنبيه يكون واجباً؛ كإنذار الأعمى، ومستحباً؛ كتنبيه إمامه إذا هم بترك مستحب؛ كالتشهد الأول، ومباحاً؛ كإذنه لداخل، وقد مثل " المنهاج " للثلاثة، فقال [ص 108]: (كتنبيه إمامه، وإذنه لداخل، وإنذاره أعمى) فيرد الواجب والمباح على تعبيرهما بالسنة، وجوابه: أنهما إنما أرادا: التفرقة بين حكم الرجال والنساء بالنسبة إلى التسبيح والتصفيق، ولم يريدا بيان حكم التنبيه. ثانيها: أن ظاهر كلامهما: تخصيص التصفيق بالمرأة، وليس كذلك، فيسن للخنثى التصفيق أيضاً؛ كما ذكره أبو الفتوح بن أبي عقامة، وقد سلم " التنبيه " من الأمرين؛ لقوله [ص 36]: (سبح إن كان رجلاً، وصفق إن كانت امرأة) فلم يصرح بحكم التسبيح والتصفيق، ولم يعمم التسبيح، ويخص التصفيق بالمرأة، بل جعل التسبيح للرجال والتصفيق للنساء، فبقي الخنثى مسكوتاً عنه، وقوله: (وإن كلَّمه إنسان أو استأذن عليه) مثال، والضابط: أن ينوبه شيء؛ كما في " المنهاج " و" الحاوي " (¬2). ثالثها: محل التسبيح: إذا قصد الذكر والإعلام، أو الذكر فقط كما سبق بيانه. رابعها: قد يفهم منع الرجل من التصفيق والمرأة من التسبيح، وليس كذلك، فيجوز لكل منهما ما يندب للآخر، وفي " الكفاية " وجه في تصفيق الرجل: أن عمدهُ مبطل. خامسها: قال في " المهمات ": (لك أن تقول: سبق أن المرأة تجهر خالية وبحضرة النساء والمحارم، فلم لا تسبح في هذه الحالة؟ فإن صح ذلك في المرأة .. لزم مثله في الخنثى) انتهى ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 108). (¬2) الحاوي (ص 167)، المنهاج (ص 108).

وهذه الثلاثة ينكت بها على " التنبيه " أيضاً. 583 - قول " المنهاج " [ص 108]: (بضرب اليمين على ظهر اليسار) يشمل الضرب ببطن اليمين على ظهر اليسار، وبظهر اليمين على ظهر اليسار؛ لأنه لم يقيِّد بالظهر إلا في اليسار، وفي " الشرح " و" الروضة ": الاقتصار على الأولى (¬1)، وعبر في " التحقيق " بقوله: (تصفق بظهر كف على بطن أخرى ونحوه، لا بطن على بطن) (¬2) فتناول كلامه أولاً الضرب بظهر اليمنى على بطن اليسرى وبظهر اليسرى على بطن اليمنى، وقوله: (ونحوه) عكسهما، وهو: الضرب ببطن اليمنى على ظهر اليسرى، وببطن اليسرى على ظهر اليمنى، فهذه أربع صور، والممتنع واحدة، وهي: الضرب ببطن إحداهما على بطن الأخرى، وقال الرافعي في هذه الصورة: لا ينبغي؛ فإنه لعب، ولو فعلته لعباً .. بطلت صلاتها وإن كان قليلاً، فإن اللعب ينافي الصلاة (¬3). وقال في " شرح المهذب ": (قال أصحابنا: لا تضرب بالبطنين، وإن فعلته على وجه اللعب .. بطلت) (¬4). وذكر الماوردي أن ظاهر المذهب: التصفيق كيف شاءت ولو ببطن على بطن، خلافاً للإصطخري؛ حيث قال: لا يجوز ذلك (¬5)، وهو ظاهر إطلاق " التنبيه " و" الحاوي " التصفيق، إلا أن " الحاوي " ذكر قبل ذلك بطلان الصلاة إذا كان على وجه اللعب، فمثَّل الفعل الفاحش بما إذا كان للعب؛ كضرب الراحتين. وذكر النشائي أن قول " التنبيه ": (وصفقت) يشمل التصفيق بباطن الكفين (¬6). وفيه نظر؛ إذ لا عموم في لفظه حتى يشمل هذه الصورة، وإنما هو مطلق، فظاهر إطلاقه يقتضي ذلك كما قدمته. 584 - قول " المنهاج " [ص 108]: (ولو فعل في صلاته غيرها -أي: غير أفعالها- إن كان من جنسها .. بطلت، إلا أن ينسى) فيه أمران: أحدهما: أنه يستثنى من ذلك: تكرير (الفاتحة) أو التشهد عمداً، فإنه لا يضر على النص، وقد ذكره " التنبيه " (¬7)، وقد يؤخذ من تعبير " المنهاج " بالفعل؛ لأنهما قول. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (2/ 49)، الروضة (1/ 291). (¬2) التحقيق (ص 240). (¬3) انظر " فتح العزيز " (2/ 49)، (¬4) المجموع (4/ 92). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (2/ 164). (¬6) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه " (ق 31). (¬7) التنبيه (ص 36).

ثانيهما: أنه يستثنى منه أيضاً: ما لو جلس قبل سجوده جلسة خفيفة؛ أي: لا تزيد على قدر جلسة الاستراحة، فلا تبطل صلاته، قاله الرافعي في سجود السهو (¬1)، ومثله: إذا جلس للاستراحة بعد سجود التلاوة، ولو ركع أو سجد قبل الإمام .. فله العود ثانياً، كما سيأتي في (صلاة الجماعة)، فصدق أنه زاد ركوعاً، ولم تبطل. ولو نزل من قيامه لحد الراكع لقتل حية ونحوها .. لم يضر، قاله الخوارزمي في " كافيه "، ولو سجد على خشن فرفع رأسه لئلا تنجرح جبهته ثم سجد ثانياً .. فهل تبطل صلاته؟ أو يفصل بين أن يكون تحامل على الخشن بثقل رأسه .. فتبطل بالعود، وإلا .. فلا؟ احتمالان للقاضي حسين يجريان فيما لو سجد على يده ثم رفعها وسجد على الأرض، وكل ذلك وارد على قول " التنبيه " [ص 36]: (وإن زاد ركوعاً، أو سجوداً، أو قياماً، أو قعوداً عامداً .. بطلت صلاته) ولا يردان على " الحاوي "؛ لقوله [ص 168]: (وتعمد زيادة ركن فعلي، لا قعود قصير). نعم؛ يرد عليه ما ذكرناه من الركوع والسجود، وأيضاً: فليس كل قعود قصير يغتفر، فلو قعد من قيام ثم قام .. بطلت صلاته، لكنها إنما بطلت؛ لكونه قطع القيام ثم عاد إليه، فكأنه أتى بقومتين، قاله الإمام (¬2). 585 - قول " التنبيه " [ص 36]: (وإن خطا ثلاث خطوات متواليات، أو ضرب ثلاث ضربات متواليات .. بطلت صلاته) كذلك الخطوة الواحدة إذا كانت وثبة فاحشة، وقد صرح بها " المنهاج " و" الحاوي " (¬3)، وكذا الفعل الذي هو على جهة اللعب؛ كضرب الراحتين، وقد صرح به " الحاوي " (¬4)، وأغفله " المنهاج " أيضاً، وظاهر إطلاق " التنبيه ": أن السهو في ذلك كالعمد، وبه صرح " الحاوي " و" المنهاج "، وقال [ص 108]: (في الأصح)، وفي " الروضة ": إنه المذهب، وقطع به الجمهور (¬5)، واختار في " التحقيق " خلافه (¬6). ويستثنى من كلامهم جميعاً: شدة الخوف، وهو مذكور في بابه. 586 - قول " المنهاج " [ص 108]: (لا الحركات الخفيفة المتوالية؛ كتحريك أصابعه في سُبْحَةٍ أو حك في الأصح) مثل قول " الحاوي " [ص 167]: (لا كتحريك إصبع لسُبْحَة أو حكة) إن حمل الأصبع على الجنس، وإنْ حمل على التوحيد .. فمقتضاه: أن ذلك إنما هو إذا اقتصر على الحك ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (2/ 71). (¬2) انظر " نهاية المطلب " (2/ 273). (¬3) الحاوي (ص 167)، المنهاج (ص 108). (¬4) الحاوي (ص 167). (¬5) الروضة (1/ 294). (¬6) التحقيق (ص 242).

بأصبع واحد، فلو حك بأكثر منها .. ضر، وهذا بعيد، والتعبير بتحريك الأصابع يقتضي أن ذلك مع إقرار الكف، فلو حرك كفه في الحك ثلاثاً .. بطل، إلا أن يكون به جرب لا يقدر معه على الصبر، قاله الخوارزمي في " الكافي ". 587 - قول " التنبيه " [ص 36]: (وإن أكل عامداً .. بطلت صلاته، وإن كان ناسياً .. لم تبطل) فيه أمران: أحدهما: محل عدم البطلان في النسيان: إذا قل الأكل، فإن كثر .. فالأصح: البطلان، وكذا في الصوم عند الرافعي (¬1)، لكن خالفه النووي فصحح: عدم بطلان الصوم بالأكل الكثير ناسياً (¬2)، وكأنَّ الفرق: أن للصلاة نظاماً يختل بالأكل، بخلاف الصوم؛ فإنه ليس بعبادة ذات نظام، وإنما هو انفكاك عن أمور معروفة، ومنع بعض شارحي " الوسيط " هذا الفرق، وقال: الصوم أيضاً ذو نظام، وهو: الإمساك من أول اليوم إلى آخره ينخرم بالأكل والشرب، قال في " المطلب ": ويقوي هذا تسوية الفوراني بين الوجهين في الصوم والصلاة، ولم يَبْنِ الصوم على الصلاة كما فعل غيره. ثانيهما: كذلك العامد إذا جهل التحريم. وقد سلم " المنهاج " من الأمرين، فقال [ص 108]: (وتبطل بقليل الأكل. قلت: إلا أن يكون ناسياً أو جاهلاً تحريمه) ولا بد من تقييد جاهل التحريم بكونه قريب الإسلام أو نشأ في بادية بعيدة، فقد ذكره الرافعي في نظير المسألة، وهو: الأكل في الصوم جاهلاً بتحريمه (¬3)، وصرح به في " الكفاية " هنا. ويرد على عبارتهما: أن الشرب في ذلك كالأكل، وكأنهما تركاه لوضوحه، وسلم " الحاوي " من هذه الإيرادات كلها؛ لقوله في مبطلات الصلاة [ص 168]: (وبالمفطر) لكن يرد عليه على طريقة النووي: أن الأكل الكثير ناسياً لا يفطر مع إبطاله الصلاة، وجوابه: أنه أحال المسألة على الصيام، وقد ذكر هناك تبعاً للرافعي أن الأكل الكثير ناسياً يفطر. 588 - قول " المنهاج " [ص 108]: (فلو كان بفمه سُكَّرَةٌ فبلع ذَوْبَهَا .. بطلت في الأصح) لا يرد على ذلك: أن الأصح في (الأيمان): أنه ليس أكلاً؛ لبنائها على العرف، وقد دخلت هذه الصورة في قول " الحاوي " [ص 168]: (وبالمفطر). 589 - قول " المنهاج " [ص 109]: (ويسن للمصلي إلى جدار، أو سارية، أو عصاً مغروزة، ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (2/ 47). (¬2) انظر " المجموع " (6/ 334). (¬3) انظر " فتح العزيز " (3/ 203).

أو بسط مُصَلًّى، أو خَطَّ قُباَلَتَهُ دفعُ المار، والصحيح: تحريم المرور حينئذ) فيه أمور: أحدها: أنه لم يذكر حكم الصلاة إلى ما ذكره من جدار وما بعده، وكذلك لم يذكره " الحاوي "، وإنما قال [ص 167]: (ونُدب دفع المار إن نصب علامة) ولا شك في استحبابه، فكان ينبغي أن يقال: (تسن الصلاة إلى كذا وكذا، ودفع المار بينه وبينها). ثانيها: اقتصر في " الروضة " على أن له الدفع (¬1)، وذلك يشعر بإباحته، وبحث في " المهمات " وجوبه؛ لأن المرور محرم وهو قادر على إزالته، وإزالة المنكر واجبة، قال: ولا يخرج على الخلاف في دفع الصائل؛ لأن وجه عدم الوجوب هناك حديث: " كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل " (¬2). ثالثها: قال في " المهمات ": (المتجه: إلحاق غير المصلي بالمصلي في الدفع، وعبروا بالمصلي نظراً إلى الغالب) انتهى. وهذا لا تنافيه عبارة " الحاوي " لأنه إنما قال [ص 167]: (ونُدب دفع المار) ولم يقل: إن المصلي هو الدافع. رابعها: أورد عليه: أن كلامه يقتضي التخيير بين هذه الأمور الخمسة، وأنها في مرتبة واحدة، وليس كذلك، والذي في " الشرح " و" الروضة ": يستحب للمصلي أن يكون بين يديه سترة من جدار، أو سارية، أو غيرهما، ولو كان في صحراء .. فينبغي أن يغرز عصاً، أو نحوها، أو يجمع شيئاً من رحله ومتاعه، فإن لم يجد شاخصاً .. خط خطاً أو بسط مصلى (¬3). قال في " المهمات ": وما اقتضاه كلامه من أنَّ شرط الخشبة المغروزة والمتاع الموضوع: فقد الشاخص .. لم يرد به حقيقته، وإنما جرى على الغالب من حال المسافرين في عدم الجدار ونحوه. انتهى. فيكون الجدار والسارية والعصى في مرتبة واحدة، والمصلى والخط في مرتبة، وفي " التحقيق ": فإن عجز عن سترة .. بسط مصلى، فإن عجز .. خط خطاً، فرتب الخط على المصلى (¬4). قال في " المهمات ": (والحق: أنهما في مرتبة؛ لأن المصلى إنما قيل به قياساً على الخط، فكيف يكون مقدماً عليه؟ ) انتهى. وعلى ذلك مشى " الحاوي "، فقال بعد الشاخص [ص 167]: (ثم مصلى، أو خطاً) انتهى. ¬

_ (¬1) الروضة (1/ 295). (¬2) أخرجة أحمد (21101)، والطبراني في " المعجم الكبير " (3629) من حديث سيدنا خباب بن الأرت رضي الله عنه. (¬3) فتح العزيز (2/ 56)، الروضة (1/ 294). (¬4) التحقيق (ص 193).

وعندي أن هذا لا يرد على " المنهاج " لأنه لم يتصد لبيان حكم الصلاة إلى هذه الأمور، وإنما ذكر دفع المصلي المار بينه وبينها، والكل سواء في تمكنه من الدفع إذا صلى إليه. خامسها: لم يبين القدر الذي يكون بين المصلي والسترة، وهو: ثلاثة أذرع فما دونها، كما صرح به " الحاوي " (¬1)، وإطلاق " المنهاج " يقتضي الدفع ولو زادت المسافة على ذلك. سادسها: لم يبين قدر السترة، ولا " الحاوي "، وهو: ثلثا ذراع، قال في " المهمات ": وسكتوا عن قدر المصلى والخط، والقياس: أنهما كالشاخص. سابعها: يرد على إطلاقه تحريم المرور: ما إذا كان في الصف المقدم فرجة .. فله المرور بين يدي من خلفه ليسدها، وقد صرح به " الحاوي " بقوله [ص 167]: (لا إن وجد فرجة في الصف السابق) ومقتضى تعليلهم بتقصير أهل الصف بتخلية تلك الفرجة: أنه لو لم يقع منهم تقصير؛ بأن جاء واحد بعد تكميل الصف الأول فجذب واحداً ليصطف معه .. أنه ليس لأحد المرور بين يديهما؛ إذ لا تقصير منهما، وهو محتمل. ثامنها: مفهوم قوله وقول " الحاوي ": (ويحرم المرور حينئذ) (¬2) أنه إذا لم ينصب سترة ولا ما في معناها، أو تباعد عنها فوق ثلاثة أذرع .. لم يحرم المرور، ولكنه مكروه كما في " التحقيق " (¬3)، أو خلاف الأولى كما في " الروضة " (¬4)، وقال الخوارزمي في " الكافي ": إنه يحرم المرور في حريمه، وهو قدر إمكان السجود، فإن صح ذلك .. تقيد به إطلاقهما. تاسعها: ومفهومهما: أنه لا يُندب دفع المار في هذه الصورة، وظاهر عبارة الرافعي: عدم جوازه (¬5)، ولا يلزم من كونه لا يستحب أنه لا يجوز، وقال في " المهمات ": وقياس قول الخوارزمي بتحريم المرور في حريمه: جواز الدفع في حريمه. عاشرها: ظاهر عبارته وعبارة " الحاوي ": الاكتفاء بالخط على أيّ صفة كان، والمختار في " الروضة ": كونه طولاً إلى جهة القبلة (¬6)، وعبارة " التنبيه " [ص 36]: (وإن مر بين يديه مار وبينهما سترة، أو عصاً بقدر عظم الذراع .. لم يكره، وكذلك إن لم يكن عصاً وخط بين يديه خطاً على ثلاثة أذرع .. لم يكره، وإن لم يكن شيء من ذلك .. كره وأجزأته صلاته)، فلم يذكر حكم الصلاة إلى السترة ولا دفع المار، وإنما ذكر كراهة المرور في صورتين: ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 167). (¬2) الحاوي (ص 167)، وانظر " المنهاج " (ص 109). (¬3) التحقيق (ص 194). (¬4) الروضة (1/ 295). (¬5) انظر " فتح العزيز " (2/ 56، 57). (¬6) الروضة (1/ 295).

إحداهما: إذا مر بينه وبين السترة أو في الخط، وهذه من مفهومه، وهي كراهة تحريم على الصحيح، ويستثنى: ما إذا كان المرور لفرجة في الصف السابق كما تقدم. الثانية: إذا لم تكن سترة ولا خط، وهو موافق لما قدمناه عن " التحقيق "، ويقيد بكلام الخوارزمي في تحريم المرور في الحريم إن صح، وذكره العصا بعد السترة يحتمل أن يكون من عطف الخاص على العام، ويحتمل أن يريد بالسترة: ما يستر جميع البدن، وعظم الذراع الذي ذكره هو ثلثا ذراع الذي ذكرناه، ولم يعتبر في السترة أن يكون بينه وبينها ثلاثة أذرع اكتفاءً بما ذكره في الخط، وفي معنى الخط: بسط المصلَّى كما تقدم، والله أعلم 590 - قول " التنبيه " [ص 36]: (إنه يكره الالتفات في الصلاة) أي: لغير حاجة، فمع الحاجة .. لا كراهة، كما صرح به " المنهاج " (¬1)، وحد الالتفات: ألاَّ يحول صدره عن القبلة، فإن فعل .. بطلت، وقال المتولي: إن الالتفات حرام. 591 - قول " المنهاج " [ص 109]: (والقيام على رجل) أي: لغير حاجة أيضاً. 592 - قول " التنبيه " [ص 36]: (ولا يصلي وهو يدافع الأخبثين) المراد: مدافعة أحدهما، ولا يشترط اجتماعهما، وقد أوضح " المنهاج " ذلك بقوله [ص 109]: (والصلاة حاقناً أو حاقباً) وفي معناهما: الريح. 593 - وقوله: (ولا يدخل فيها وقد حضر العشاء ونفسه تتوق إليه) (¬2) مثل قول " المنهاج " [ص 109]: (أو بحضرة طعام يتوق إليه) لكن تعبيره بالطعام أعم من تعبير " التنبيه " بالعشاء، ويرد عليهما: أن الشرب كالأكل، وأن توقان النفس في غيبة الطعام كحضوره، كما قاله في " الكفاية " في (صلاة الجماعة)، وأن محل ذلك في الأخبثين وفي الطعام: إذا اتسع الوقت، فإن ضاق .. فالأصح: الصلاة معه لحرمة الوقت، وتعبيرهما بتوقان النفس يفهم أنه إنما يأكل ما ينكسر به التوقان ولا يستكمل الأكل، وهو ما حكاه الرافعي عن الأئمة (¬3)، والذي قاله النووي في وقت المغرب: أن استكمال العَشَاء هو الصواب (¬4)، وقال ابن عبد السلام في " القواعد ": ينبغي أن تُؤَخَّرَ الصلاة بكل مُشَوِّشٍ يؤخِّرُ الحاكمُ الحُكْمَ بمثله (¬5). 594 - قول " المنهاج " في المكروهات [ص 109]: (وأن يبصق قِبَلَ وجهه أو عن يمينه) أي: ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 109). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 36). (¬3) انظر " فتح العزيز " (2/ 152). (¬4) انظر " المجموع " (3/ 35). (¬5) قواعد الأحكام في إصلاح الأنام (1/ 54).

بل يبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى، كما قاله في " التنبيه " (¬1)، ومحل ذلك: إذا لم يكن في المسجد، فإن كان في المسجد .. فلا يبصق فيه بحال، وقد صرح بذلك " التنبيه " بقوله [ص 36]: (وإن بدره البصاق وهو في المسجد .. بصق في ثوبه وحك بعضه ببعض، وإن كان في غير المسجد .. بصق عن يساره أو تحت قدمه) أي: اليسرى، وفي " الروضة ": إن البصاق في المسجد خطيئة (¬2)، وفي " التحقيق " و" شرح المهذب ": حرام (¬3)، وقال المحاملي وسليم الرازي والجرجاني والروياني وصاحب " البيان ": إنه مكروه (¬4)، وقال في " الكفاية ": كلام " التنبيه " عام، والحكم خاص بالمصلِّي؛ فإن غيره يخرج من المسجد ولا يبصق في ثيابه، وفيه نظر؛ فإن الضمير في قوله: (بدره) للمصلي، وكذا سائر الأحكام، قال: وقوله: (في غير المسجد) ليس على التخيير؛ ففي الخبر: " عن تلقاء يساره إن كان فارغاً، أو تحت قدمه اليسرى " (¬5). 595 - قول " المنهاج " [ص 109]: (والمبالغة في خفض الرأس في ركوعه) قال السبكي: تقييده بالمبالغة يدل على عدم الكراهة عند عدمها، وهو خلاف ما دل عليه الحديث وكلام الشافعي والأصحاب. 596 - قولهم: (تكره الصلاة في الحمام) (¬6) هي كراهة تنزيه، ووقع في " شرح المهذب " في (باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها) أنه لما صحح أن الصلاة في تلك الأوقات على التحريم .. علله بثبوت الأحاديث في النهي، فال: وأصل النهي للتحريم؛ كالصلاة في أعطان الإبل والحمام. انتهى (¬7). قال في " المهمات ": وهو سهو، وأجاب عنه في " التوشيح ": بأن معناه: أن أصل النهي للتحريم ما لم يصرفه صارف، لا أن الصلاة في الحمام حرام. انتهى. والأصح: أن علة الكراهة كونها مأوى الشياطين، فتكره في المسلخ أيضاً، وصرح به " الحاوي " (¬8)، وفي مكان تحقق طهارته من الحمام، وحكى القمولي وجهين في كراهة الصلاة في ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 36). (¬2) الروضة (1/ 297). (¬3) التحقيق (ص 243)، المجموع (4/ 111). (¬4) البيان (2/ 320)، وانظر " بحر المذهب " (2/ 219). (¬5) أخرجه أبو داوود (478)، والنسائي (726)، وأحمد (27264)، وابن خزيمة (876) من حديث سيدنا طارق بن عبد الله المحاربي رضي الله عنه. (¬6) انظر " التنبيه " (ص 29)، و " الحاوي " (ص 152)، و" المنهاج " (ص 109). (¬7) المجموع (4/ 159). (¬8) الحاوي (ص 152).

الحمام إذا كانت في داره، وكأن مدرك عدم الكراهة .. أنه ليس فيها داخلون يسلبون خشوعه. 597 - قول " التنبيه " [ص 29]: (وقارعة الطريق) هي: أعلاه، وقيل: صدره، وقيل: ما برز منه، والكل محل كراهة؛ فلذلك أطلق " المنهاج " و" الحاوي " الطريق، ولم يقيداه بقارعته (¬1)، وتبرك الشيخ بلفظ الخبر، وكلامهم يشمل البرية أيضاً، وصححه في " الكفاية "، لكن صحح في " التحقيق ": أن الكراهة في البنيان دون البرية (¬2). 598 - قول " المنهاج " [ص 109] و" الحاوي " [ص 151]: (والمزبلة) أي: مع بسط طاهر عليها. 599 - قول " الحاوي " [ص 152]: (والعطن) أي: عطن الإبل، كما صرح به " التنبيه " و" المنهاج " (¬3)، وكأنه توهم أن العطن مختص بالإبل، وليس كذلك؛ فإنه يستعمل في غيرها أيضاً، ويرد عليهم: أن مأواها ليلاً كعطنها إلا أنه أخف منه. 600 - وقول " التنبيه " [ص 29]: (ولا تكره في مراح الغنم) وكذا عطنها، وسكت عن البقر، وهي كالغنم؛ كما قاله ابن المنذر في " الإشراف " والمحب الطبري في " الأحكام " (¬4). 601 - قول " الحاوي " [ص 151]: (والمقبرة) أي: الطاهرة، كما صرح به " المنهاج " (¬5)، وكذا النجسة إذا فُرش عليها طاهر، فإن صلى فيها بلا حائل .. لم تصح، وعليه يحمل قول " التنبيه " [ص 28]: (وإن صلى في مقبرة منبوشة .. لم تصح صلاته). قال في " المهمات ": والكراهة للنجاسة التي تحته، أو لحرمة الميت، فتختص بما إذا حاذاه، فلو وقف بين الموتى .. لم يكره، لكن ابن الرفعة طرد الكراهة في الصلاة بجانب القبر وإليه، قال: وفيه نظر، ويحتاج إلى نقل، إلا أن يعلل بكونه موضع الشياطين. انتهى. ولم أر كونها موضع الشياطين لغيره، وقال في " التوشيح ": ويستثنى: مقبرة الأنبياء عليهم السلام، فإذا كانت أرض ليس فيها إلا نبي مدفون أو أنبياء .. فلا تكره الصلاة فيها، بل يجوز، أفتى به الأخ الشيخ بهاء الدين أبو حامد (¬6)، وعلله: بأن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم، وأنهم أحياء في قبورهم يصلون، وعرض على والده فصوبه. 602 - قول " الحاوي " [ص 152]: (والوادي) كذا أطلقه الرافعي، تبعاً للإمام والغزالي، وقال ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 151)، المنهاج (ص 109). (¬2) التحقيق (ص 182). (¬3) التنبيه (ص 29)، المنهاج (ص 29). (¬4) الإشراف (1/ 347)، غاية الإحكام في أحاديث الأحكام (2/ 144). (¬5) المنهاج (ص 109). (¬6) أحمد بن تقي الدين السبكي.

بعد تعليله بخوف السيل السالب للخشوع: فإن لم يتوقع السيل .. فيجوز أن يقال: لا كراهة، ويحتمل الكراهة لمطلق النهي (¬1)، وقال في " الروضة ": والصواب: ما ذكره الشافعي، وهو اختصاص الكراهة بواد خاص، وهو الذي نام فيه صلى الله عليه وسلم ومن معه حتى فاتت الصبح، وقال: " اخرجوا بنا من هذا الوادي "، وصلى خارجه (¬2). 603 - قول " التنبيه " [ص 36]: (أو ترك فرضاً من فروضها) أي: فروض الصلاة، وليس عائداً للنية كما قرره ابن الرفعة، وذلك يفهم بطلانها إذا صلاها قاعداً من غير عذر، وفي انعقادها نفلاً وجهان في " الاستذكار " للدارمي. ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (2/ 334)، و" الوسيط " (2/ 171)، و" فتح العزيز " (2/ 18). (¬2) الروضة (1/ 278)، والحديث أخرجه مالك في " الموطأ " (26).

باب سجود السهو

بابُ سجود السَّهو 604 - قول " المنهاج " [ص 110]: (سجود السهو سنة عند ترك مأمور به، أو فعل منهي عنه) أي: على ما يفصله بعد ذلك، لا كل مأمور ومنهي، فكان ينبغي أن يقول هنا: (على ما سيأتي، أو بشرطه) وبقي ثالث، وهو: فعل فرض متردداً في تأديته، وقد ذكره بعد ذلك. 605 - قوله: (وقد يشرع السجود كزيادة حصلت بتدارك ركن كما سبق في الترتيب) (¬1) أي: في الركن المعقود له، ومراده بـ (ما سبق): بيان الزيادة، لا السجود؛ فإنه لم يسبق، وذلك من قوله: (وإن سها .. فما بعد المتروك لغو ... إلى آخر المسألة) (¬2) ففي تلك الصور كلها إذا تدارك .. سجد للسهو. 606 - قوله: (إن الأبعاض: القنوت، وقيامه، والتشهد الأول، وقعوده، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه، والصلاة على الآل حيث سنَنَّاها) (¬3) أي: وهو في التشهد الأخير على الأصح، وفي الأول على وجه، فهذه ستة، وأهمل سابعاً، وهو: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت، واقتصر " الحاوي " على خمسة، فلم يذكر القيام للقنوت، ولا الصلاة فيه (¬4)، واقتصر " التنبيه " على ثلاثة، وهي: التشهد الأول، والصلاة فيه، والقنوت (¬5). وفي كلامهم بعد ذلك أمور: أحدها: أن المراد: القنوت في الصبح ووتر النصف الأخير من رمضان، فأما قنوت النازلة: فإنه لا يشرع السجود لتركه ولو قلنا باستحبابه، كما صححه في " التحقيق "، وحكاه في " الروضة " عن تصحيح الروياني (¬6). وأجيب: بأن قنوت النازلة سنة في الصلاة لا سنة منها؛ أي: بعضها، والكلام في القنوت الذي هو أحد الأبعاض، ولا شك أن الإيراد على اللفظ صحيح. ثانيها: في تصوير السجود لترك القيام للقنوت، أو القعود للتشهد دونهما عسر، وصورته: أن يسقط استحباب القنوت عنه لكونه لا يحسنه، فيبقى استحباب القيام للقدرة عليه، فإن تركه .. سجد، وكذا القول في القعود للتشهد، قاله في " الكفاية "، لكن قال في " الإقليد ": التحقيق: ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 110). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 103). (¬3) انظر " المنهاج " (ص 110). (¬4) الحاوي (ص 169). (¬5) التنبيه (ص 37). (¬6) التحقيق (ص 254)، الروضة (1/ 318)، وانظر " بحر المذهب " (2/ 202).

أن القيام للقنوت لا يعد في هذه الجملة؛ لأن القنوت يشرع في قيام مشروع لغيره، وهو: ذكر الاعتدال؛ ولهذا لا يقف من لا يعرف القنوت بقدره، والتشهد شرع جلوسه مقصوداً في نفسه؛ ولهذا يجلس من لا يعرف التشهد. انتهى. ثالثها: وكذلك في تصوير السجود لترك الصلاة على الآل في التشهد الأخير عسر؛ لأنه إن تذكره قبل السلام .. فليفعله؛ فلم يفت محله، وإن سلم .. فات محل السجود، وصورته: أن يتيقن ترك إمامه له بعد أن سلم إمامه وقبل أن يسلم هو، وذكر له في " المهمات " تصويرين آخرين في كل منهما نظر. رابعها: المراد من التشهد الأول: اللفظ الواجب في التشهد الأخير دون ما هو سنة فيه، فلا يسجد لتركه، قاله المحب الطبري. خامسها: ترك كلمة من القنوت كترك كله على خلاف ما يوهمه كلامهم، قاله المحب الطبري أيضاً، قال: وحَكى عن " فتاوى الإمام " احتمالاً أنه إذا أتى بأكثره .. لا سجود، وقياسه: المجيء في كلمة من التشهد، بل هو أولى بذلك. انتهى. سادسها: يستثنى من ذلك: ما إذا تركه إمامه لاعتقاد عدم سنيّته، كحنفي ترك قنوت الصبح .. فلا يسجد المؤتم به، قاله القفال في " فتاويه "، وهو على أصله في اعتبار نية الإمام، لكن الأصح: مقالة الشيخ أبي حامد والأكثرين: أن العبرة بنية المقتدي، ومقتضى ذلك أن يسجد، وهو الظاهر. سابعها: يستثنى من التشهد الأول: ما إذا نوى أربعاً وأطلق، أو قصد أن يتشهد تشهدين؛ فإنه إذا ترك الأول منهما عامداً .. لم يسجد، وكذا ساهياً على الأظهر في " الذخائر " في الكلام على النفل المطلق. 607 - قول " المنهاج " [ص 110]: (ولا تجبر سائر السنن) وهو مفهوم من كلام " التنبيه " و" الحاوي " (¬1). مقتضى ذلك: البطلان لو سجد لزيادته في الصلاة، وهو كذلك، لكن استثنى البغوي في " فتاويه ": ما إذا كان قريب العهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، وفيه نظر؛ لأن من هو كذلك .. لا يعرف مشروعية سجود السهو، ومن عرفه .. عرف محله غالباً، والله أعلم. 608 - قولهما: (إن ما لا يبطل عمده الصلاة .. لا يسجد لسهوه) (¬2)، وهو مفهوم قول " الحاوي " [ص 169]: (وسهو مبطل العمد) يستثنى منه مسائل: ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 37)، الحاوي (ص 169). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 36، 37)، و" المنهاج " (ص 110).

الأولى: لو نقل ركناً قولياً؛ كـ (فاتحة) في ركوع، أو تشهد .. فإن الصلاة لا تبطل بعمده في الأصح، ويسجد لسهوه في الأصح. وقد صرح " المنهاج " باستثنائها (¬1)، وذكرها " الحاوي " معطوفة على السهو المبطل العمد بقوله [ص 169]: (وبنقل ركن ذِكريّ)، وذكرها " التنبيه " في قوله [ص 36]: (أو قرأ في غير موضع القراءة)، لكنه لم يصرح باستثنائها من هذه القاعدة، ثم إن ذلك لا يختص بالقراءة كما عرفته، لكن تعبير " المنهاج " و" الحاوي " يقتضي اختصاص هذا الحكم بنقل الركن بكماله، وليس كذلك، فلو قرأ بعض (الفاتحة) أو بعض التشهد .. كان الحكم كذلك. وتعبير " التنبيه " يتناول قراءة بعض (الفاتحة)، وأيضاً: فمقتضى كلامه: السجود ولو لم يكن المقروء ركناً؛ كـ (سورة الإخلاص) مثلاً، وبه صرح في " شرح المهذب " (¬2)، وهذه الصورة ترد على تعبير " المنهاج " و" الحاوي " بالركن (¬3)، ويصح عدها صورة ثانية مستثناة. ومقتضى إطلاقهما في نقل الركن: أنه لا فرق بين أن يفعله عمداً أو سهواً، وقال في " المصباح ": إنه أصح الوجهين، ودخل في عبارتهما التكبير، قال شيخنا شهاب الدين: وفي البطلان بنقله نظر (¬4). الثالثة: القنوت قبل الركوع لا يبطل عمده الصلاة، ويسجد لسهوه على الأصح المنصوص؛ كما في زيادات " الروضة " (¬5) أي: بشرط أن يأتي به على نية القنوت، وإلا فلا .. سجود، قاله الخوارزمي في " الكافي " والمعافى الموصلي. الرابعة: إذا ترك التشهد الأول ناسياً، وتذكره بعدما صار إلى القيام أقرب، فعاد للتشهد .. فإنه يسجد للسهو؛ كما صرح به " المنهاج " (¬6)، وصححه الرافعي في " المحرر " و" الشرح الصغير " (¬7)، وصحح في " تصحيح التنبيه " و" التحقيق ": أنه يسجد (¬8)، وقال في " شرح المهذب ": صححه الجمهور (¬9)، وأطلق " التنبيه " الخلاف في ذلك فقال [ص 37]: (وإن نهض للقيام في موضع القعود ولم ينتصب قائماً وعاد إلى القعود .. ففيه قولان، أحدهما: يسجد، ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 110). (¬2) المجموع (4/ 133). (¬3) الحاوي (ص 169)، المنهاج (110). (¬4) انظر " السراج على نكت المنهاج " (1/ 325). (¬5) الروضة (1/ 255)، وانظر " الأم " (1/ 143). (¬6) المنهاج (ص 110). (¬7) المحرر (ص 44). (¬8) تصحيح التنبيه (1/ 139)، التحقيق (ص 248). (¬9) المجموع (4/ 136).

والثاني: لا يسجد) ومحله: في السهو، وقد عرفت أن الذي في " المنهاج " السجود إن كان إلى القيام أقرب، وفي " التصحيح " وغيره: عدمه مطلقاً، فلو كان عامداً .. بطلت صلاته إن كان أقرب للقيام، كما في " المنهاج " و" الحاوي " (¬1) ولم يقيده في " المحرر " بكونه إلى القيام أقرب (¬2). الخامسة: إذا زاد القاصر على ركعتين سهواً .. فإنه يسجد مع أنه يجوز له زيادتهما، استثناها ابن الصباغ وابن أبي الصيف، واستشكله مجلّي؛ لأن عمد الزيادة لا بنية الإتمام مبطل. وذكر في " المهمات " صورة سادسة، وهي: تطويل الركن القصير سهواً مع القول بأن عمده لا يبطل .. يسجد لسهوه على الصحيح، وهذه على وجه. وسابعة، وهي: إذا فرقهم في الخوف أربع فرق وصلى بكل فرقة ركعة، أو فرقتين وصلى بإحداهما ثلاثاً .. فإنه يجوز على المشهور، لكنه يكره ويسجد للسهو؛ للمخالفة بالانتظار في غير موضعه، حكاه في " الروضة " في بابه عن النص (¬3)، وفي استثنائها نظر؛ لأنهم لم يخصوا السجود بحالة السهو، بل العمد كذلك أيضاً، والله أعلم. 609 - قول " المنهاج " [ص 110] و" الحاوي " [ص 169]: (ما أبطل عمده .. سجد لسهوه إن لم يبطل سهوه أيضاً) وهو مفهوم من قول " التنبيه " [ص 36، 37]: (وإن فعل ما لا يبطل عمده الصلاة .. لم يسجد) يستثنى منه: ما إذا تنفَّل على دابة فحوّلها عن صوب مقصده ناسياً مع العود على الفور .. فلا يسجد، كما اقتضاه كلام " الروضة "، وصرح به في " التحقيق " و" شرح المهذب " (¬4)، مع أن عمده يبطل، لكن صحح في " الشرح الصغير ": أنه يسجد [وعزاه في " التوشيح " لـ" الحاوي الصغير "، وقد عرفت أنه لم يصرح به، بل هو كغيره من المختصرات في اندراج هذه المسألة تحت القاعدة التي ذكرها] (¬5)، وقول " المنهاج " [ص 110]: (ككلام كثير في الأصح) إنما يعود الخلاف والتصحيح إلى المثال، لا إلى أصل المسألة. 610 - قول " المنهاج " [ص 110]: (وتطويل الركن القصير يبطل عمده في الأصح) كقول " الحاوي " [ص 168]: (وبتطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين) والمراد: حيث لم يرد الشرع بتطويله، فالوارد بتطويله؛ كالقنوت المشروع، وصلاة التسبيح .. ليس من ذلك، واختار ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 169)، المنهاج (ص 111). (¬2) المحرر (ص 44). (¬3) الروضة (2/ 56، 57). (¬4) الروضة (1/ 212)، المجموع (3/ 210)، التحقيق (ص 188). (¬5) هكذا في جميع النسخ، إلا في (د) .. فسقطت هذه الجملة، وجاء مكانها (ومشى عليه في " الحاوي " في استقبال القبلة). انظر " الحاوي " (ص 157).

النووي من حيث الدليل: جواز إطالة الاعتدال مطلقاً (¬1)، ويلزمه ذلك في الجلوس بين السجدتين؛ لصحة الحديث فيهما (¬2)، وقول " المنهاج " [ص 110]: (فيسجد لسهوه) أي: قطعاً إن قيل بالأصح، وإن قيل بمقابله .. فمفهومه المنع، لكن الأصح: السجود أيضاً، وقد تقدم، وقوله: (وكذا الجلوس بين السجدتين في الأصح) (¬3) كذا في " الروضة " هنا (¬4)، وفي " التحقيق " و" شرح المهذب " في (الجماعة)، لكن صحح فيهما هنا: أنه طويل (¬5). 611 - قوله فيما لو نسي التشهد الأول وذكره بعد انتصابه: (فإن عاد عالماً بتحريمه .. بطلت، أو ناسياً .. فلا) (¬6) كان ينبغي أن يقول: (عامداً عالماً بتحريمه) كما في " المحرر " (¬7) لأن النسيان ليس مقابل العلم بالتحريم، وإنما هو مقابل العمد. 612 - قوله: (الأصح: وجوبه) (¬8) يعني: العود لمتابعة إمامه، محله كما قال في " شرح المهذب " و" التحقيق ": إذا قام ساهياً (¬9)، فإن قام عمداً .. فالعود مستحب لا واجب (¬10)، كذا أورد شيخنا شهاب الدين (¬11)، وهو غير وارد؛ لأن كلامه إنما هو في القيام سهواً، وقد ذكر القيام عمداً بعد ذلك، ويشكل على المذكور هنا تصريحهم في (صلاة الجماعة) بأن المأموم إذا تقدم بركن عمداً أو سهواً .. يندب له العود ولا يجب، إلا أن يفرق بفحش التقدم هنا. 613 - قوله: (ولو نسي قنوتاً فذكره في سجوده .. لم يعد له، أو قبله .. عاد، وسجد للسهو إن بلغ حد الراكع) (¬12) بلوغ حد الراكع قيدٌ في السجود للسهو لا في العود، وقد يفهم من عبارته عوده لهما. ¬

_ (¬1) انظر " المجموع " (4/ 132). (¬2) انظر " صحيح مسلم " (772). (¬3) انظر " المنهاج " (ص 110). (¬4) الروضة (1/ 306). (¬5) المجموع (4/ 133)، التحقيق (ص 246). (¬6) انظر " المنهاج " (ص 110، 111). (¬7) المحرر (ص 44). (¬8) انظر " المنهاج " (ص 111). (¬9) المجموع (3/ 447)، التحقيق (ص 247). (¬10) في حاشية (ج): (فإن قيل: ما الفرق بين ما إذا ترك التشهد ناسياً حيث قالوا: يجب عليه العود، وبين ما إذا تركه عامداً حيث قالوا: يستحب؟ قلنا: الفرق أنه في السهو فعل فعلاً غير معتد به، فوجب عليه العود، بخلاف العمد، قاله بمعناه الزركشي في " الخادم "). (¬11) انظر " السراج على نكت المنهاج " (1/ 326). (¬12) انظر " المنهاج " (ص 111).

614 - قوله: (ولو شك في ترك بعض .. سجد) (¬1) أي: في ترك بعض معين، فلو شك في أنَّه ترك بعضًا لا بعينه أم لا .. لم يسجد، وقد صرح بذلك "الحاوي" بقوله [ص 169]: (وبشك مفصل فيه). 615 - قول "التنبيه" [ص 36]: (إذا شك في عدد الركعات وهو في الصلاة .. بنى على اليقين وهو الأقل، ويأتي بما بقي ويسجد للسهو) يستثنى من السجود للسهو: ما إذا زال الشك قبل فعل ما منه بد بتقدير، وقد صرح بذلك "الحاوي" بقوله [ص 170]: (ويسجد وإن زال الشك إن فعل ما منه بد بتقدير) و"المنهاج" وقال [ص 111]: (مثاله: شك في الثالثة: أثالثة هي أم رابعة؟ فتذكر فيها .. لم يسجد، أو في الرابعة .. سجد). واعترض عليه: بأنه بعد فرضها ثالثة كيف يشك أثالثة هي أم رابعة؟ فكان ينبغي أن يقول: (شك في ركعة)، وكذا قوله: (أو في الرابعة) كان ينبغي أن يقول: (أو في التي بعدها) إذ من الجائز أن يتذكر أنَّها خامسة .. فلا يحسن فرضها رابعة. 616 - قول "التنبيه" [ص 36]: (وكذلك إذا شك في فرض من فروضها .. بنى الأمر على اليقين، وهو أنَّه لم يفعل، فيأتي به ويسجد للسهو) استثنى في "الكفاية": النية والتكبير، ولا حاجة إليه؛ لقوله أولًا: (وهو في الصلاة) ومن شك في النية أو التكبير .. فليس في صلاة، ولو شك في السلام .. أتى به ولا سجود، قاله البغوي في "فتاويه"، وعلله: بفوات محله، قال في "الكفاية": فإن قيل: أفهم بقوله: (فرض) أنَّه لو شك في سنة؛ كالتشهد الأول ونحوه .. لا يكون الحكم كذلك. قلت: المأمور به في الفرض شيئان، وفي السنة أحدهما؛ فإنه إن شك فيه في محله .. أتى به ولا سجود، أو بعد فواته .. سجد ولم يأت به. انتهى. قال النشائي: ولا يخفى على المتأمل قوة الإيراد وضعف الجواب (¬2). وقد سلم من ذلك "الحاوي" بقوله [ص 169]: (والمشكوك كالمعدوم). 617 - قول "المنهاج" [ص 111]: (ولو شك بعد السلام في ترك فرض .. لم يؤثر) مثل قول "الحاوي" [ص 169]: (لا الركن بعد السلام) ويستثنى من ذلك: النية، فإذا شك فيها بعد السلام .. بطلت صلاته، كما في "المهمات" عن "فتاوى البغوي"، وقول "المنهاج" [ص 111]: (على المشهور) ترجيح لطريقة الخلاف، وفي "الروضة": على المذهب (¬3)، وهو ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 111). (¬2) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 32). (¬3) الروضة (1/ 316).

ترجيح لطريقة القطع، والذي ذكره الرافعي ترجيح طريقة الخلاف مع قصر الفصل، وطريقة القطع مع طوله (¬1)، وخرج بتعبيرهم بالفرض: الشروط؛ كالطهارة وغيرها، فإذا شك فيها ولو بعد السلام .. بطلت صلاته على المذهب في "شرح المهذب" (¬2). 618 - قول "التنبيه" [ص 37]: (وإن سها خلف الإمام .. لم يسجد)، قال في "الكفاية": احترز به عن القدوة الحكمية فيما إذا سهت الفرقة الثانية في صلاة ذات الرقاع، والمزحوم في تخلفه عن الإمام، لكن الأصح: تحمل الإمام سهوه، وقد صرح به "الحاوي" بقوله [ص 170]: (لا لسهوه حال القدوة ولو تخلف) والظاهر: أن الشيخ إنما أراد بكونه خلفه: مطلق القدوة، لا قدرًا خاصا منها، وحينئذ .. فهو كقول "المنهاج" [ص 111]: (وسهوه حال قدوته يحمله إمامه) ويستثنى من كلامهما: ما إذا تبين كون الإمام محدثًا؛ فإن المأموم يسجد لسهو نفسه ولا يحمله عنه الإمام، وقد صرح بذلك "الحاوي" بقوله [ص 170]: (لا إن بان محدثًا فيهما) أي: في كونه لا يسجد لسهو نفسه وفي كونه يسجد لسهو إمامه، واستشكل من جهة أن الصلاة خلف المحدث صلاة جماعة على الصحيح. 619 - قول "المنهاج" [ص 111]: (ولو ذكر في تشهده ترك ركنٍ غير النية والتكبير -أي: تركه بعد القدوة- .. صلى بعد سلام إمامه ركعة ولا يسجد) بقي عليه: إذا شك في ذلك .. فإنه يتداركه بعد سلام الإمام كما لو تيقنه، لكن هل يسجد؟ قال القاضي الحسين: كنت أقول: إنه يسجد؛ لأن ما يأتي به بعد سلام الإمام زيادة في أحد الاحتمالين؛ إذ من الجائز أنَّه لم يتركها، ثم رجعت وقلت: لا سجود عليه؛ لأن المأتي به بعد السلام صدر عن شك حالة القدوة، فلم يسجد اعتبارًا بتلك الحال. انتهى. والسجود أظهر، ويوافقه ما في "الروضة" عن "فتاوى الغزالي": أن المسبوق إذا شك في إدراك ركوع الإمام، فتدارك تلك الركعة بعد سلام إمامه .. أنَّه يسجد كما لو شك في عدد الركعات، قال النووي: وهو ظاهر، ولا يقال: يتحمله عنه الإمام؛ لأنه شاك في العدد بعد سلام إمامه، وجزم به في "التحقيق" (¬3)، ويوافقه أيضًا ما ذكره الروياني في "البحر" فيما لو شك المأموم في الجمعة هل صلى ركعة أو ركعتين؟ فقام بعد سلام الإمام ليكمل .. أن القياس: أنَّه يسجد، قال: والشك وإن كان خلف الإمام فإنما تعلق السجود بفعل الركعات بعده (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (2/ 86). (¬2) المجموع (1/ 560). (¬3) فتاوى الغزالي (ص 26) مسألة (12)، الروضة (1/ 309)، التحقيق (ص 247)، وانظر "المجموع" (4/ 134). (¬4) بحر المذهب (3/ 17).

620 - قولهم -والعبارة لـ"المنهاج"-: (ويلحقه سهو إمامه) (¬1) يستثنى منه مسألتان: إحدالما: إذا تبين كون إمامه محدثًا، وقد استثناها "الحاوي" كما تقدم (¬2). الثانية: إذا علم سبب سجود الإمام وتيقن غلطه في ظنه؛ كما إذا ظن الإمام أنَّه ترك بعضًا والمأموم يتيقن عدم تركه له .. فلا يوافقه إذا سجد، والمسألة مشكلة تصويرًا وحكمًا، أما التصوير: فكيف للمأموم العلم بأن سبب سجود الإمام ظنه ترك ذلك البعض بعينه؟ وأما الحكم: فالأصح: أنَّه إذا ظن سهوًا فسجد ثم تبين عدمه .. سجد ثانيًا لسهوه بالسجود، فإن كان الإمام لم يسه .. فسجوده يقتضي السجود، وقد يقال: لا ترد هذه الصورة على عبارتهم؛ لأنهم علقوا سجود المأموم بسهو الإمام، ولا سهو من الإمام بمقتضى ظن المأموم. 621 - قول "التنبيه" [ص 37]: (وإن سبقه الإمام بركعة فسجد معه) قال في "الكفاية": احترز به عما إذا لم يسجد معه؛ فإنه يسجد قطعًا، وصورته: إذا نوى المسبوق المفارقة قبله، أو تخلفت الطائفة الثانية في صلاة الخوف وسجد للسهو ثم عادت القدوة، وإلَّا .. فتبطل بالتخلف عنه. 622 - قولهما -والعبارة لـ"التنبيه" -: (وإن سها سهوين أو أكثر .. كفاه للجميع سجدتان) لا يرد على ذلك إعادة سجود السهو في صور؛ لأنه لم يتعدد حكمًا، بل صورة فقط؛ إذ العبرة بالمفعول آخر الصلاة، وقد أشار "الحاوي" لتلك الصور بقوله [ص 171]: (ويعيد إن تمم القصر والجمعة ظهرًا، أو ظن سهوًا فبان، وخليفة الساهي السابق) وهي أربع: الأولى: أن يسهو القاصر فيسجد ثم ينوي الإتمام، أو يصل إلى وطنه قبل السلام فيتمها أربعًا ويسجد آخر صلاته. الثانية: أن يسهوا في الجمعة فيسجدوا ثم يتبين خروج الوقت .. فيتمونها ظهرًا ويسجدون آخرها. الثالثة: إذا ظن سهوًا فسجد له ثم بان عدمه .. سجد ثانيًا؛ لسهوه بالسجود. الرابعة: خليفة الإمام الساهي إذا كان مسبوقًا .. يمشي على نظم صلاة إمامه ويسجد موضع سجوده ثم يعيد السجود آخر صلاة نفسه، وكذا المسبوق الذي ليس خليفة يسجد مع الإمام ويعيده آخر صلاته، وقد ذكر "المنهاج" الصورة الثانية والثالثة (¬3). 623 - قولهم -والعبارة لـ"المنهاج" -: (والجديد: أن محله بين تشهده وسلامه) (¬4) هذا إذا ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 37)، و"الحاوي" (ص 170)، و"المنهاج" (ص 112). (¬2) الحاوي (ص 170). (¬3) المنهاج (ص 112). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 37)، و"الحاوي" (ص 169)، و"المنهاج" (ص 112).

كان منفردًا أو مقتديًا بمن يعتقد ذلك، فإن اقتدى بمن يراه بعد السلام .. قال الدارمي: فإن سبقه ببعضها .. أخرج نفسه وتمم لنفسه وسجد، وإلَّا .. فأوجه: أحدها: يخرج نفسه ويسجد. والثاني: يتبعه في السجود بعد السلام. والثالث: لا يسلم إذا سلم الإمام، بل يصبر، فإذا سجد .. سجد معه ثم سلم. قلت؛ والظاهر وجه رابع، وهو: أنَّه إذا سلم الإمام .. سجد هو منفردًا قبل السلام، وهو مقتضى قولهم -والعبارة لـ"التنبيه" -: (وإن ترك الإمام .. سجد المأموم) (¬1). ويرد على "المنهاج" في تعبيره بالجديد: أن هذا القول هو المنصوص عليه في القديم أيضًا، كما حكاه الشيخ أَبو حامد وصاحب "جمع الجوامع"، والقولان المقابلان له: أحدهما: إن سها بزيادة .. فبعد السلام، أو بنقص .. فقبله، وهو محكي عن اختلاف الحديث، وهو من الجديد. والآخر: التخيير بينهما، وليس في القديم أيضًا، كما قاله شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني أبقاه الله تعالى، والمصنِّف تابع للرافعي؛ فإنه قال: إن الأول هو الجديد، وإن مقابليه قديمان، ثم هذا الخلاف في الإجزاء على المذهب، وقيل: في الأفضل، هذه عبارة "الروضة" (¬2)، لكن قال الماوردي: إنه لا خلاف بين الفقهاء أنَّه يجوز قبل السلام وبعده، وإنَّما الخلاف في الأَوْلَى (¬3)، وقال في "التتمة": من قال بأنه قبله .. لم يصححه بعده، بخلاف العكس. 624 - قول "التنبيه" [ص 37]: (فإن لم يسجد حتَّى سلم ولم يطل الفصل .. سجد) محله: إذا كان ناسيا، فلو سلم عامدًا عالمًا بالسهو .. لم يسجد، وقد صرح بذلك "المنهاج" بقوله [ص 112]: (فإن سلم عمدًا .. فات في الأصح) وكان ينبغي أن يقول أيضًا: (عالمًا بالسهو)، وهما مفهومان من قول "الحاوي" [ص 169]: (وإن تذكر عقيبه وأراد أن يسجد .. سجد). 625 - قول "المنهاج" [ص 112]: (وإذا سجد .. صار عائدًا إلى الصلاة في الأصح) مقابله: أنَّه لا يصير عائدًا؛ لأن التحلل حصل بالسلام، وصححه صاحب "التهذيب" (¬4)، وفي "النهاية" وجه ثالث: أنَّه يسلم مرة أخرى، ولا يعتد بذلك السلام (¬5)، قال السبكي: والقياس: إما هذا ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 37)، و"الحاوي" (ص 170)، و"المنهاج" (ص 112). (¬2) الروضة (1/ 315، 316)، وانظر "فتح العزيز" (2/ 98). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (2/ 214). (¬4) التهذيب (2/ 195). (¬5) نهاية المطلب (2/ 242).

الوجه، وإما ما قاله صاحب "التهذيب"، أما الحكم بالعود إذا سجد دون ما إذا لم يسجد كما صححه المصنِّف .. ففيه إشكال. انتهى. ويحرم العود إليهما إن ضاق الوقت، صرح به البغوي في "فتاويه" في المجمع والقاصر. 626 - قول "المنهاج" - والعبارة له - و"الحاوي": (ولو ظن سهوًا فسجد فبان عدمه .. سجد في الأصح) (¬1) هي عبارة الغزالي (¬2)، قال في "المطلب": وهي تقتضي أن ظن السهو يجوِّز السجود، وليس كذلك. نعم؛ إن اعتقد أنَّه يُجوِّزهُ ففعله .. لم يبعد أن يأتي فيه الخلاف المذكور، وصورها الإمام بما إذا اعتقد أنَّه سها فسجد (¬3)، وهذا واضح. 627 - قول "التنبيه" [ص 36]: (وإن زاد في صلاته ركوعًا، أو سجودًا، أو قيامًا، أو قعودًا على وجه السهو .. سجد للسهو) يستثنى منه: القعود القصير؛ فإن عمده لا يبطل الصلاة كما تقدم، فلا يسجد لسهوه. 628 - قوله فيما إذا تكلم ناسيًا: (أنَّه يسجد للسهو) (¬4) محله: في اليسير، فإن كان كثيرًا .. فإنه يبطل الصلاة في الأصح كما تقدم، فلا سجود. 629 - قوله: (وإن ترك إمامه فرضًا .. نوى مفارقته) (¬5) يقتضي منع انتظاره، وليس كذلك. 630 - قوله: (وإن ترك فعلًا مسنونًا .. تابعه ولم يشتغل بفعله) (¬6) هذا إذا كان فاحش المخالفة، فإن خف؛ كجلسة الاستراحة والقنوت .. فعله ولحق الإمام، ولا يرد ترك الإمام التسليمة الثانية؛ لانقطاع المتابعة، قاله في "الكفاية". * * * ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 170)، المنهاج (ص 112). (¬2) انظر "الوسيط" (2/ 197). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (2/ 276). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 36). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 37). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 37).

باب سجود التلاوة

باب سجود التِّلاوة 631 - قول "الحاوي" [ص 171]: (لا في "ص") أي: ليست من العزائم، فلا يسجد فيها في الصلاة، ويستحب السجود فيها في غير الصلاة، وقد صرح به "المنهاج" (¬1)، وهو مفهوم قول "التنبيه" [ص 35]: (فإن قرأها في صلاة .. لم يسجد، وقيل: يسجد)، وقال في "التصحيح": (الأصح: بطلان صلاة من سجد في صلاته لقراءة "ص") (¬2) فأفهم أن هذا استدراك عليه، وليس كذلك، بل هو فرع مرتب على ما ذكره، فبطلان الصلاة بالسجود فيها يترتب على منعه، وعدم البطلان يترتب على جوازه، وكذلك "المنهاج" لم يتعرض للبطلان، وإنَّما ذكر التحريم فقط، فقال: (وتحرم فيها في الأصح) (¬3)، فهي كعبارة "التنبيه". 632 - قولهم: (تسن للقارئ والمستمع) (¬4) فيه أمور: أحدها: أنَّه يدخل فيه مستمع قراءة الجنب والسكران، وفي "فتاوى القاضي الحسين": أنَّه لا يسجد لسماع قراءتهما خلافًا لأبي حنيفة، وقال في "الروضة": تسن للمستمع إلى قراءة المحدث والصبي والكافر على الأصح (¬5). ثانيها: أنَّه يدخل فيه القارئ أو السامع أول دخوله المسجد قبل أن يصلي التحية، قال السبكي: ولم أرها منقولة، والأقرب: أنَّه يسجد، لكن هل يكون ذلك عذرًا في عدم فوات التحية حتَّى يصليها بعد السجود أو تفوت؟ فيه نظر. انتهى. ثاللها: أن لفظ المستمع يخرج السامع، والأصح: استحبابها له، وقد صرح به "المنهاج" (¬6)، لكن في "الروضة": لا يتأكد له تأكدها للمستمع (¬7). رابعها: يستثنى من كلامهم: ما لو قرأها المصلي في غير محل القراءة؛ كالركوع والسجود .. فلا يسجد. خامسها: ويستثنى أيضًا: ما لو قرأ آية أو آيتين فيهما سجدة لغرض السجود فقط، وكان ذلك في الصلاة أو في وقت الكراهة .. فقال النووي: مقتضى مذهبنا: أن فيه الوجهين فيمن دخل ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 113). (¬2) تصحيح التنبيه (1/ 135). (¬3) المنهاج (ص 113). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 35)، و"الحاوي" (ص 171)، و"المنهاج" (ص 113). (¬5) الروضة (1/ 319). (¬6) المنهاج (ص 113). (¬7) الروضة (1/ 320).

المسجد في هذه الأوقات لا لغرض سوى صلاة التحية، والأصح: أنَّه يكره له الصلاة (¬1)، ونازعه شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني فيما إذا كان في الصلاة، وقال: لا نهي في قارئ السجدة في الصلاة ليسجد. انتهى. وقال القاضي حسين: لا يستحب له جمع آيات السجود وقراءتها دفعة واحدة من أجل السجود. انتهى. وذلك يقتضي جوازه، ومنعه الشيخ عَزَّ الدين بنُ عبدِ السلام، وأفتى ببطلان الصلاة. ويختص "التنبيه" بأنه يستثنى من قوله: (المستمع): المأموم إذا لم يسجد إمامه، والمصلي إذا استمع قارئًا خارج الصلاة، ولا يرد على "المنهاج" لتصريحه به بقوله [ص 113]: (وإن قرأ في الصلاة .. سجد الإمام والمنفرد لقراءته فقط، والمأموم لسجدة إمامه) ولا "الحاوي" لقوله [ص 171]: (لغير المأموم لقراءته) وغير المأموم هو الإمام والمنفرد، وفهم منه أن المأموم لا يسجد لقراءة نفسه، وقد علم من خارج أنَّه يسجد لسجود إمامه. 633 - قول "المنهاج" [ص 113]: (فإن سجد إمامه فتخلف، أو انعكس .. بطلت صلاته) هذا مع استمراره مأمومًا، فإن أخرج نفسه من الجماعة لأجل السجدة .. فهل هي مفارقة بعذر أم بغيره؟ مقتضى ما في "شرح المهذب": أنَّها بعذر (¬2). 634 - قوله: (وتكبيرة الإحرام شرط على الصحيح) (¬3) فيه أمور: أحدها: أنَّه عبر في "الروضة" بالأصح (¬4). ثانيها: أن تعبيره بالشرط تساهل، وإنما هي ركن. ثالثها: أنَّه لم يذكر مع ذلك النية مع قوله أولًا: (نوى) فلو عبر بـ (التحرم) كما فعل "الحاوي" .. لتناولهما، ولم يذكر "التنبيه" النية بالكلية. 635 - قول "التنبيه" [ص 35]: (وقيل: يتشهد ويسلم، وقيل: يسلم ولا يتشهد، والمنصوص: أنَّه لا يتشهد ولا يسلم) والأصح: أنَّه يسلم ولا يتشهد، وقد ذكر "المنهاج" و"الحاوي" وجوب السلام (¬5)، وفهم عدم التشهد من سكوتهما عنه. 636 - قول "الحاوي" [ص 171]: (ونُدب تكبير الهويِّ) وكذا تكبير الرفع، وقد صرح به "التنبيه" و"المنهاج" (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "الروضة" (1/ 324). (¬2) المجموع (4/ 69). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 113). (¬4) الروضة (1/ 321). (¬5) الحاوي (ص 171)، المنهاج (ص 113). (¬6) التنبيه (ص 35)، المنهاج (ص 113).

637 - قول "الحاوي" [ص 171]: (ورفع اليدين) أي: في تكبيرة الإحرام فقط، وقد صرحا به (¬1)، ويستثنى من إطلاقهم سجود التلاوة في الصلاة: صلاة الجنازة؛ فإنه إذا قرأ فيها آية سجدة .. لا يسجد فيها قطعًا، ولا بعدها في الأصح. 638 - قول "المنهاج" [ص 113]: (ويقول: "سجد وجهي للذي خلقه ... " إلى آخره) قال في "الروضة": ولو قال ما يقوله في سجوده .. جاز (¬2)، وقال في "شرح المهذب": كان حسنًا (¬3)، وقد يفهم ذلك من كون "التنبيه" و"الحاوي" لم يذكرا لها ذكرًا مخصوصًا. 639 - قول "المنهاج" [ص 114]: (ولو كرر آية في مجلسين .. سجد لكل، وكذا المجلس في الأصح) محله: إذا سجد للأولى ثم كرر الآية .. فيسجد ثانيًا، فلو كررها قبل السجود .. اقتصر على سجدة واحدة قطعًا، وقد يرد ذلك على قول "الحاوي" أيضًا [ص 171]: (ويُكَرِّرُ إن تَكَرَّرَ). 640 - قول "المنهاج" [ص 114] و"الحاوي" [ص 171]: (وتسن سجدة الشكر لهجوم نعمة، أو اندفاع نقمة) وزاد في "المحرر": (من حيث لا يحتسب) (¬4)، وكذا في "الشرح" و"الروضة" (¬5)، وهو مفهوم من لفظ الهجوم فَذِكْرُهُ تأكيدٌ وإيضاح، وفي "التنبيه" [ص 35]: (ومن تجددت عنده نعمة ظاهرة، أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة) فذكر بدل الهجوم الظهور، والظاهر: أنهما بمعنى واحد، والمقصود: الاحتراز من النعم المستمرة؛ كالعافية والإسلام والغنى عن الناس ونحوها، وبنى في "المهمات" على أن الظهور ليس بمعنى الهجوم، وقال: الصواب: عدم التقييد بالظهور؛ فإن عدم ظهور ذلك للناس لا أثر له فيما نحن فيه، وقوله: (استحب له أن يسجد شكرا لله تعالى) (¬6) زيادة إيضاح توهم وجوب الإضافة لله تعالى، وإلَّا .. فما الفرق بينها وبين كل ما سبق؟ 641 - قول "المنهاج" [ص 114] و"الحاوي" [ص 171]: (أو رؤية مبتلًى أو عاصٍ. ويظهرها للعاصي لا للمبتلى) فيه أمور: أحدها: أنَّه يفهم أن رؤية المبتلى والعاصي لا تدخل في هجوم اندفاع النقمة، وهو الظاهر، وقد يدعى أن عبارة "التنبيه" تقتضي دخولها فيه؛ لكونه لم يفردها بالذكر. ثانيها: لو شاركه في ذلك البلاء أو العصيان .. فهل يسجد؟ لم أر من تعرض له، وظاهر ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 35)، المنهاج (ص 113). (¬2) الروضة (1/ 322). (¬3) المجموع (4/ 74). (¬4) المحرر (ص 47). (¬5) فتح العزيز (2/ 114)، الروضة (1/ 324). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 35).

إطلاقهم يقتضي السجود، والمعنى يقتضي عدمه، فيستثنى حينئذ. ثالثها: تعبير "الحاوي" بالفاسق أولى من تعبير "المنهاج" بالعاصي؛ لإطلاق المعصية على الصغيرة من غير إصرار، ولا يسجد عند رؤية مرتكبها. رابعها: قيد في "الكفاية" الفاسق بالمتظاهر ناقلًا له عن الأصحاب، وهو ظاهر. خامسها: في معنى الفاسق: الكافر، وبه صرح الروياني في "البحر" (¬1)، بل هو أولى بذلك. سادسها: إنما يظهرها للفاسق إذا لم يخف ضررًا، فإن خاف .. أخفى، قاله في "شرح المهذب" (¬2). سابعها: ذكر القاضي الحسين والفوراني وابن يونس في "شرح التعجيز" أنَّه يظهر للمبتلى إذا كان غير معذور؛ كالمقطوع في السرقة، وبحث في "المهمات" أن المقطوع إن تاب فالسجود على البلية الحاضرة .. فلا يظهر، وإن لم يتب .. سجد وأظهر. ثامنها: هل يظهرها للفاسق المجاهر المبتلى فى بدنه بما هو معذور فيه؟ يحتمل الاظهار؛ لأنه أحق بالزجر، والإخفاء؛ لئلا يفهم أنَّه على الابتلاء، فينكسر قلبه، ويحتمل أنَّه يظهر ويبين له السبب، وهو الفسق، ولم أر فى ذلك نقلًا. تاسعها: يرد على التعبير بالرؤية: أنَّه لو حضر المبتلى، أو العاصي في ظلمة، أو عند أعمى، أو سمع سامع صوتهما ولم يحضرا عنده .. فالمتجه كما قال في "المهمات": استحباب السجود أيضًا. عاشرها: لم يذكر الإظهار في السجود لهجوم نعمة، أو اندفاع نقمة، وفي "الشرح" و"الروضة": إظهارها إذا لم تتعلق النعمة أو البلية بالغير (¬3)، وقال ابن يونس في "شرح التعجيز": عندي أنَّه لا يظهر السجود لتجدد الثروة بحضور الفقير؛ لما فيه من الانكسار، واستحسنه في "المهمات"، وهو موافق لما تقدم. 642 - قول "التنبيه" [ص 35]: (وحكم سجود التلاوة حكم صلاة النفل في استقبال القبلة وسائر الشروط) كذلك سجود الشكر، ولم يذكر "الحاوي" ذلك أيضًا في سجود الشكر، وصرح به "المنهال" فيهما (¬4). ¬

_ (¬1) بحر المذهب (2/ 306، 307). (¬2) المجموع (4/ 77). (¬3) فتح العزيز (2/ 114)، الروضة (3241). (¬4) المنهاج (ص 114).

باب صلاة التطوع

بابُ صلاة التَّطوّع 643 - قول "التنبيه" [ص 34]: (أفضل عبادات البدن الصلاة) قال النشائي: (لا شك أن محله: فيمن يتصور منه العبادات، فلا ترد الشهادتان) انتهى (¬1). ووقع في أوائل "وسائل الحاجات" للغزالي أن الدعاء أفضل العبادات، وكأن مراده: من أفضلها، وفي "سنن أبي داوود والتِّرمِذي" وصححه من حديث النعمان بنُ بشير مرفوعًا: "الدعاء هو العبادة" (¬2). 644 - قوله: (وتطوعها أفضل التطوع) (¬3) لا يرد على ذلك قول الشَّافعي - رحمه الله -: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة (¬4)؛ لأن طلب العلم فرض كفاية. 645 - قول "المنهاج" [ص 115]: (صلاة النفل قسمان: قسم لا يسن جماعة) لو قال: (يسن فرادى) .. كان أحسن؛ فإن السنة: ألاَّ تكون في جماعة وإن جاز بالجماعة بلا كراهة. 646 - قول "التنبيه" في الراتبة [ص 34]: (وأربع قبل الظهر) الأصح: أن راتبتها قبلها ركعتان فقط. 647 - وقوله: (وأربع قبل العصر) (¬5) الأصح: أنَّه لا راتبة لها قبلها، والخلاف إنما هو في الراتب المؤكد مع أن الجميع سنة، كما أوضحه "المنهاج" (¬6). وقال في "التصحيح": الأصح: استحباب ركعتين قبل المغرب (¬7). وأورد عليه: أن كلام "التنبيه" في الراتب المؤكد، وليست الركعتان قبل المغرب من ذلك كما صرح به الرافعي (¬8)، ولذلك لم يذكرهما "الحاوي"، فلا وجه للاستدراك، وفاته أن يستدرك أن راتبة الظهر قبلها ركعتان فقط، وأنه لا راتبة للعصر قبلها كما تقدم، وقد استدرك هذين الأمرين شيخنا الإسنوي في "تصحيحه"، لكنه استدرك مع ذلك الركعتين قبل المغرب (¬9)، فتوجه الاعتراض عليه سواء أقلنا: إن كلام "التنبيه" في مطلق السنة أو في الراتبة المؤكدة خاصة، ¬

_ (¬1) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 29). (¬2) سنن أبي داوود (1479)، سنن التِّرمِذي (2969). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 34). (¬4) انظر "مسند الشَّافعي" (1225). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 34). (¬6) المنهاج (ص 115). (¬7) تصحيح التنبيه (1/ 134). (¬8) انظر "فتح العزيز" (2/ 117). (¬9) تذكرة النبيه (2/ 478، 480).

وكذلك يتوجه الاعتراض على "تصحيح النووي" على كل حال؛ لأنه إن كان كلام "التنبيه" في مطلق السنة .. فينبغي أن يذكر استحباب أربع بعد الظهر؛ لأن "التنبيه" لم يذكر بعدها سوى ركعتين، وفي "المنهاج" من زيادته [ص 115]: (هما - يعني: الركعتين قبل المغرب - سنة على الصحيح؛ ففي "صحيح البخاري" الأمر بهما)، وقال في "التحقيق": (إنه المختار) (¬1). وذلك بمقتضى اصطلاحه يقتضي أن الراجح في المذهب خلافه، ثم إن الذي في "صحيح البخاري": "صلوا قبل المغرب"، قال في الثالثة: "لمن شاء" كراهية أن يتخذها الناس سنة (¬2)، أي: طريقة لازمة، وليس في روايته التصريح بالأمر بركعتين. نعم؛ في "سنن أبي داوود": "صلوا قبل المغرب ركعتين" (¬3)، والمفهوم من لفظ "المنهاج" أنهما عند من استحبهما ليستا من الرواتب كما تقدم عن الرافعي (¬4)، لكونه أخرهما عن تمام الكلام في الرواتب، وقد يقال: عطفهما على أمثلة الرواتب يفهم أنهما منها، ويلزم "الحاوي" ذكرهما عند قوله [ص 173]: (ونُدب زيادة ركعتين قبل الظهر وأربع قبل العصر) وأن يذكر زيادة ركعتين بعد الظهر أيضًا، وفي "شرح المهذب": إنه يستحب ركعتان قبل العشاء (¬5). 648 - قول "المنهاج" [ص 115]: (وبعد الجمعة أربع، وقبلها ما قبل الظهر) مخالف لقوله في "الروضة": قبلها أربع وبعدها أربع، كذا قاله بنُ القاص وآخرون (¬6)، ويحصل أيضًا بركعتين قبلها وركعتين بعدها، وفي "التحقيق": إنها كالظهر. انتهى (¬7). ونص الشَّافعي في "الأم" في اختلاف على وابن مسعود: على أن بعدها أربعًا، وحكى عنه التِّرمِذي في "جامعه": أن بعدها ركعتين (¬8)، وفي "الكافي" للخوارزمي: أن السنة بعدها كهي بعد الظهر ركعتان، ثم ذكر أنَّه روي: (أنَّه عليه الصلاة والسلام كان يصلي بعدها ركعتين)، وروي: (أربعًا)، وروي: (ستًا)، قال: والأفضل: أن يصلي بعدها ستًا آخذًا بالأكثر، ركعتين ثم أربعًا بسلام واحدٍ. انتهى. 649 - قوله: (ومنه الوتر) (¬9) أي: من النفل الذي لا يسن جماعة، فهو قسيم الراتبة لا قسم ¬

_ (¬1) التحقيق (ص 224). (¬2) صحيح البخاري (1128)، (6934). (¬3) سنن أبي داوود (1281). (¬4) انظر " فتح العزيز" (2/ 117). (¬5) المجموع (4/ 11). (¬6) الروضة (1/ 333). (¬7) التحقيق (ص 225). (¬8) الأم (1/ 139)، جامع التِّرمِذي (2/ 399) (521). (¬9) انظر "المنهاج" (ص 115).

منها؛ إذ لو كان منها .. لقال: ومنها، وذلك يقتضي تفسير الرواتب بالسنن التابعة للفرائض، وهو الأصح، وعبارة "التنبيه" تقتضي تفسيرها بالسنن المؤقتة؛ حيث قال [ص 34]: (والسنة: أن يواظب على السنن الراتبة مع الفرائض) فإنه دال على صدق اسم الراتبة وإن لم تكن مع الفرائض، وهذا اصطلاح المتقدمين من الأصحاب، وفي عبارته شيء آخر، وهو: أن المواظبة على كل مسنون سنة، فما وجه تخصيص ذلك بالراتبة؟ ومراده: تأكدها على غيرها. 650 - قولهم: (أكثر الوتر: إحدى عشرة ركعة) (¬1) هو المشهور، وصحح الرافعي في "شرح مسند الشَّافعي": أن أكثره ثلاث عشرة ركعة، قال السبكي: أنا أقطع بأن من أوتر بثلاث عشرة .. جاز وصح وتره، ولكني أحب الاقتصار على إحدى عشرة فما دونها؛ لأن ذلك غالب أحوال النبي صلى الله عليه وسلم. 651 - قول "التنبيه" [ص 34]: (ويسلم من كل ركعتين) أي: هو الأفضل، وهو معنى قول "المنهاج" [ص 115] و"الحاوي" [ص 172]: (إن الفصل أفضل) لكن الفصل فيما إذا أوتر بثلاث آكد منه فيما إذا أوتر بأكثر من ذلك؛ فإن السبكي قال: إن الوصل في الثلاث مكروه؛ لأن الدَّارَقُطني روى بإسناد رجاله ثقات: "ولا تشبهوا بصلاة المغرب" (¬2)، وفيما عدا الثلاث خلاف الأولى. 652 - قول "المنهاج" [ص 115] و"الحاوي" [ص 172]: (وله الوصل بتشهد، أو تشهدين في الآخرتين) قد يفهم استواءهما، وهو وجه، قال الرافعي: إنه مقتضى كلام كثيرين (¬3)، لكن صحح في "التحقيق": أن الأفضل: تشهد واحد، وقيل: الأفضل: تشهدان (¬4). 653 - قولهما أيضًا: (ووقته بين صلاة العشاء وطلوع الفجر) (¬5) وقع في "تعليق القاضي أبي الطيب" أن وقته المختار إلى نصف الليل، أو ثلثه كالفرض، وهذا مناف لقولهم: (إنه يسن جعله آخر صلاة الليل) (¬6) وقد علم أن التهجد في النصف الثاني أفضل، فكيف يكون تأخيره مستحبًا، ويكون وقته المختار إلى النصف أو الثلث؟ قال شيخنا الإمام سراج الدين: والأقرب حمل ذلك على من لا يريد التهجد. قلت: ولو حمل على ذلك .. فهو بعيد أيضًا، والله أعلم. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 34)، و"الحاوي" (ص 172)، "المنهاج" (ص 115). (¬2) سنن الدَّارَقُطني (2/ 24، 26). (¬3) انظر "فتح العزيز" (2/ 122). (¬4) التحقيق (ص 225). (¬5) انظر "الحاوي" (ص 172)، و"المنهاج" (ص 115). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 34)، و"الحاوي" (ص 172)، و"المنهاج" (ص 116).

654 - قولهما أيضًا: (ويسن جعله آخر صلاة الليل) (¬1) يقتضي أنَّه إذا لم يكن له تهجد .. فالأفضل تقديمه، وكذا هو في "الروضة" وأصلها (¬2)، ويوافقه قول "التنبيه" [ص 34]: (ويوتر بعدها -أي: بعد التراويح- في الجماعة، إلَّا أن يكون له تهجد .. فيجعل الوتر بعده)، وقيده في "شرح المهذب" بما إذا لم يثق بالاستيقاظ آخر الليل، فإن وثق به .. فتأخيره أفضل مطلقًا (¬3). 655 - قولهم - وهو في "الحاوي" في (صفة الصلاة) -: (ويُندب القنوت آخر وتره في النصف الثاني من رمضان) (¬4) زاد "المنهاج" [ص 116]: (وقيل: كُل السَّنَةِ" واختاره في "التحقيق" (¬5)، وقال في "شرح المهذب": إنه قوي في الدليل؛ لحديث الحسن بنُ على رضي الله عنهما: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر) (¬6). وقال السبكي: وليس فيه تصريح بأنه في كل السنة. قلت: هو ظاهر في ذلك، والظهور كاف، والله أعلم. وظاهر النص كراهته في غير النصف الأخير من شهر رمضان، والأشبه في "الشرح الصغير": عدمها. 656 - قول "المنهاج" [ص 116]: (وهو كقنوت الصبح، ويقول قبله - ثم صحح أنَّه بعده -: "اللهم؛ إنا نستعينك ونستغفرك ... " إلى آخره) محل الجمع بينهما: إذا كان منفردًا، أو إمامًا لمحصورين رضوا بالتطويل بهما، هالا .. اقتصر على قنوت الصبح، قاله في "شرح المهذب" في (صفة الصلاة) (¬7). 657 - قوله: (وأن الجماعة تندب في الوتر عقب التراويح جماعة) (¬8) معطوف على المصحح، فيكون فيه خلاف، ولم يتعرض له الشارحون، وعبارة "الروضة" تقتضيه (¬9)، لكن خص في "التحقيق" الخلاف بغير رمضان (¬10)، وعبارة "الروضة": إذا استحببنا الجماعة في التراويح .. ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 172)، و"المنهاج" (ص 116). (¬2) الروضة (1/ 329). (¬3) المجموع (4/ 19). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 34)، و"الحاوي" (ص 163)، و"المنهاج" (ص 116). (¬5) التحقيق (ص 226). (¬6) المجموع (4/ 21)، والحديث أخرجه أَبو داوود (1425)، والتِّرمِذي (464)، والنَّسائي (1745)، وأحمد (1735). (¬7) المجموع (3/ 267). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 116). (¬9) الروضة (3301). (¬10) التحقيق (ص 226).

فتستحب الجماعة في الوتر بعدها (¬1)، ولم يقل الرافعي بعدها، بل قال: تستحب في الوتر أيضًا؛ أي: في رمضان، أما في غيره .. فلا تستحب فيه الجماعة (¬2)، وعبارة "المنهاج" تفهم أنَّه لو صلى التراويح فرادى .. لا يندب الجماعة في الوتر، وكذلك يفهمه قول "التنبيه" [ص 34]: (ويوتر بعدها في الجماعة) لكن عبارة الرافعي المتقدمة تقتضي استحباب الجماعة فيه إذا قلنا باستحبابها في التراويح وإن صلي التراويح فرادى. 658 - قول "التنبيه" [ص 34]: (إن أكثر الضحى: ثمان ركعات) مخالف لقول "المنهاج" [ص 116] و"الحاوي" [ص 172]: (إن أكثره: ثنتا عشرة ركعة) وبالأول قال الجمهور كما حكاه في "شرح المهذب" (¬3)، وبالثاني قال الروياني، وضعفه في "التحقيق" جدًا (¬4)، وفي "الروضة": أفضلها: ثمان، وأكثرها: ثنتا عشرة (¬5)، والرافعي إنما حكاه عن الروياني فقط (¬6)، والحجة على الثمان حديث أم هانئ: (أنَّه عليه الصلاة والسلام يوم الفتح صلى ثمان ركعات وذلك ضحًا) (¬7)، قال السبكي: وليس فيه دليل على أن ذلك أكثرها. قلت: لكن الأصل في العبادات التوقيف، ولم تصح الزِّيادة على ذلك، وحديث: "وإن صليتها ثنتي عشرة ركعة .. بنى الله لك بيتًا في الجنَّةَ" ضعفه البيهقي (¬8)، وقال الروياني في "الحلية": أكثرها اثنا عشر، وكلما زاد .. كان أفضل، وقال الحليمي: الأمر في مقدارها إلى المصلي كسائر التطوع، وهما غريبان. 659 - قول "الحاوي" [ص 172، 173]: (بين ارتفاع الشمس والاستواء) تبع فيه الرافعي (¬9)، وكذا في "التحقيق" و"شرح المهذب" و"الكفاية" (¬10)، وذهب إليه السبكي، وحكى النووي في "الروضة" عن الأصحاب: أنَّه يدخل وقتها بطلوع الشمس ويستحب تأخيرها إلى ارتفاعها (¬11)، ولم يذكر "التنبيه" و"المنهاج" وقتها؛ كأنهما اكتفيا بلفظها دليلًا على وقتها، ¬

_ (¬1) الروضة (1/ 330). (¬2) انظر "فتح العزيز" (2/ 132). (¬3) المجموع (4/ 41). (¬4) التحقيق (ص 228). (¬5) الروضة (1/ 332). (¬6) انظر "فتح العزيز" (2/ 130). (¬7) أخرجه البخاري (1052)، ومسلم (336). (¬8) انظر "سنن البيهقي الكبرى" (4685). (¬9) انظر "فتح العزيز" (2/ 130). (¬10) التحقيق (ص 228)، المجموع (4/ 41). (¬11) الروضة (1/ 332).

تنبيه [على سقوط استحباب تحية المسجد]

وذكر الماوردي أن وقتها المختار: إذا مضى ربع النهار (¬1)، وجزم به في "التحقيق" (¬2)، وعلله الغزالي: بأن لا يخلو كل ربع من النهار عن عبادة (¬3). 660 - قولهم: (إن تحية المسجد سنة) (¬4)، قال في "التنبيه" [ص 35]: (إلَّا أن يدخل وقد حضرت الجماعة .. فالفريضة أولى) والمراد: إذا خشي من التشاغل بها فوات فضيلة تكبيرة الإحرام؛ كما ذكره الرافعي في الجمعة (¬5)، وحكى في "الروضة" عن المحاملي أن التحية تكره في حالين: أحدهما: إذا دخل والإمام في المكتوبة. وقد عرفت أن الكراهة لا تختص بكونه دخل فى المكتوبة، بل لو قرب وقتها بحيث تفوته تكبيرة الإحرام لو اشتغل بالتحية .. كرهت أيضًا كما تقدم، ولا يختص ذلك بالمكتوبة، وقد ذكر أَبو حامد العراقي في "الرونق": أنَّها تكره أيضًا عند خوف فوات السنة الراتبة، والمراد: كراهة اقتصاره على نية التحية، فأما إذا نوى الراتبة، أو أطلق .. فإنهما يحصلان كما سيأتي، وفي "المهمات" عن كتاب "الوسائل" لأبي الخير سلامة بنُ إسماعيل بنُ جماعة: أنَّه إذا دخل المسجد والإمام يصلي جماعة في نافلة؛ كالعيد .. ففي استحباب ركعتي التحية وجهان، قال: والفرق أن فعل الفريضة في الجماعة أفضل من صلاة النافلة. قال في "المهمات": وما قالوه في المكتوبة يظهر اختصاصه بما إذا لم يكن الداخل قد صلى، فإن صلى جماعة .. لم تكره التحية، أو فرادى .. فالمتجه: الكراهة. قال: الثاني: إذا دخل المسجد الحرام .. فلا يشتغل بها عن الطواف. انتهى (¬6). ويستثنى أيضًا: الخطيب إذا دخل يوم الجمعة للخطبة .. فلا تستحب له التحية في الأصح، وحكى في "المهمات" عن "المقصود" للشيخ نصر المقدسي: تقييد الاستحباب بمن أراد الجلوس، وهو مقتضى الحديث. تَنْبِيْهٌ [على سقوط استحباب تحية المسجد] يسقط استحبابها بالجلوس عمدًا أو نسيانًا مع طول الفصل، فإن جلس ناسيًا وقصر الفصل .. ¬

_ (¬1) انظر" الحاوي الكبير" (2/ 287). (¬2) التحقيق (ص 228). (¬3) انظر "إحياء علوم الدين" (1/ 197، 349). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 35)، و"الحاوي" (ص 173)، و"المنهاج" (ص 116). (¬5) انظر "فتح العزيز" (2/ 292). (¬6) الروضة (1/ 333).

صلاها، كما حكاه في "الروضة" عن ابن عبدان، واستغربه، وجزم به في "التحقيق" (¬1)، وذكر في "شرحي المهذب ومسلم" أن كلام الأصحاب محمول عليه. انتهى (¬2). 661 - قولهم: (إنها ركعتان) (¬3) يقتضي منع الزِّيادة عليهما، لكن في "شرح المهذب" جواز الزِّيادة إذا أتى بسلام واحد (¬4). قال في "المهمات": فإن فصل .. فمقتضى كلامه المنع، والجواز محتمل. انتهى. 662 - قول "الحاوي" [ص 173]: (وتأدت بالفرض والنفل) يستثنى من" طلاق النفل: الركعة الواحدة، فلا تحصل بها التحية في الأصح، وكذا الجنازة، وسجدة التلاوة والشكر، وقد صرح بذلك كله "المنهاج" (¬5). 663 - قول "المنهاج" [ص 116]: (وتحصل بفرض أو نفل آخر) أي: سواء نواها أم لا، كما صرح به "الحاوي" (¬6)، وبحث الرافعي تخريجه عند الإطلاق على الخلاف في حصول الجمعة بغسل الجنابة (¬7)، وابن الصلاح عند نيتهما على نية الجنابة والجمعة معًا (¬8)، ورده النووي عليهما؛ بأن غسل الجمعة سنة مقصودة، وأما التحية: فالمقصود منها شغل المكان (¬9). قال في "المهمات": (والفرق غير واضح، ولو قيل بسقوط الأمر لا بحصول التحية .. لاتَّجَه) انتهى. 664 - قول "الحاوي" [ص 173]: (والراتبة المقدمة تؤخر أداءً) لا يفهم منه أمد تأخيرها، فعبارة "المنهاج" أوضح؛ حيث قال [ص 116]: (ويخرج النوعان بخروج وقت الفرض). واعلم: أنَّه بفعل الفرض يخرج وقت الاختيار للراتبة المقدمة ويبقى وقت الجواز. 665 - قول "التنبيه" [ص 34]: (ومن فاته من هذه السنن الراتبة شيء .. قضاه في أصح القولين) الإشارة بهذه لما عدا العيد والكسوف والاستسقاء، وقد تعرض في (باب صلاة العيد) لقضائها، وقال في الكسوف: لا يقضي، وفي الاستسقاء: صلوا شكرًا؛ أي: ولا يكون قضاء، واستشكل في "المهمات" الاستسقاء؛ لأن القضاء فرع الفوات، وقد ذكروا في (باب الاستسقاء) ¬

_ (¬1) الروضة (1/ 333)، التحقيق (ص 231). (¬2) المجموع (4/ 57)، شرح مسلم (5/ 226). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 35)، و"الحاوي" (ص 173)، و"المنهاج" (ص 116). (¬4) المجموع (4/ 18). (¬5) المنهاج (ص 116). (¬6) الحاوي (ص 173). (¬7) انظر "فتح العزيز" (2/ 130). (¬8) انظر "مشكل الوسيط" (1/ 253، 254). (¬9) انظر "المجموع" (4/ 56، 57).

أنهم إذا سقوا قبل الصلاة .. صلوا على المشهور، وأن الخلاف يجري فيما لو لم ينقطع الغيث وأرادوا الصلاة للاستزادة. انتهى. وقال في "التوشيح": ويستثنى: من نذر أن يستسقي فسقي .. قال الدارمي في "الاستذكار": عليه أن يستسقي لنفسه، فإن لم يفعل .. فعليه القضاء، وليس عليه الخروج بالناس؛ لأنه لا يملكهم، ويستحب أن يخرج بمن أطاعه منهم ومن ولي له. انتهى (¬1). وإناطة "المنهاج" و"الحاوي" القضاء بالنفل المؤقت .. حسن حاضر (¬2). 666 - قول "التنبيه" [ص 34]: (وأفضل التطوع: ما شرع له الجماعة) أورد عليه: أن لفظ (شرع) كما يحتمل المندوب يحتمل كل جائز، والمراد: الأول، ويستثنى: التراويح؛ فالأصح: أن الرواتب أفضل منها مع مشروعية الجماعة فيها، وقد صرح بذلك "المنهاج" و"الحاوي" (¬3)، فإن قيل: قد بين مراده بقوله: (وهو العيد والكسوف والاستسقاء) (¬4) فلا يرد التراويح .. قلنا: كيف يصح هذا الحصر مع قوله بعد ذلك: (ويقوم رمضان بعشرين ركعة في الجماعة) (¬5)؟ وأفضلها: العيد، ثم الكسوف، ثم الاستسقاء كما ذكره "الحاوي" (¬6)، وكسوف الشمس أفضل من كسوف القمر، حكاه في "الروضة" عن الماوردي وغيره (¬7). 667 - قول "التنبيه" [ص 34]: (وفي الوتر وركعتي الفجر قولان، أصحهما: أن الوتر أفضل) يقتضي أن ركعتي الفجر تلو الوتر في الفضيلة، وبه صرح "الحاوي" (¬8)، وهو الصحيح الذي عليه الجمهور، لكن قال أَبو إسحاق: إن صلاة الليل أفضل من سنة الفجر، وفي "الروضة": إنه قوي؛ لحديث: "أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل" رواه مسلم (¬9)، فلذلك قال شيخنا الإسنوي في "تصحيحه": إنه المختار (¬10). ¬

_ (¬1) في "الأم" (2/ 542): (وأحب أن يخرج بمن أطاعه منهم؛ من ولده وغيرهم). (¬2) الحاوي (ص 173)، المنهاج (ص 116)، وقوله: (حسن حاضر) كذا هو في النسخ، ولعل الصواب: (حسن ظاهر)، والله أعلم. (¬3) الحاوي (ص 172)، المنهال (ص 116). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 34). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 34). (¬6) الحاوي (ص 172). (¬7) الروضة (1/ 332).، وانظر" الحاوي الكبير" (2/ 283). (¬8) الحاوي (ص 172). (¬9) الروضة (1/ 334)، صحيح مسلم (1163) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (¬10) تذكرة النبيه (2/ 476).

668 - قول "التنبيه" [ص 34] و"الحاوي" [ص 172]: (إنه يقوم رمضان بعشرين ركعة)، قال الحليمي: ومن اقتدى بأهل المدينة فقام بست وثلاثين .. فحسن، قال: والاقتصار على عشرين مع القراءة فيها بما يقرؤه غيره في ست وثلاثين أفضل؛ لفضل طول القيام. 669 - قول "الحاوي" [ص 173]: (ولا حصر للنفل المطلق، فَتَشَهَّد في كل ركعتين أو كل ركعةٍ) تبع فيه الرافعي؛ فإنه جزم به في "المحرر" مع قوله في "الشرح": لم أره إلَّا في "النهاية" وكتب الغزالي (¬1)، وهو ظاهر إطلاق "التنبيه" في قوله [ص 35]: (فإن جمع بين ركعات بتسليمة .. جاز) لأنه لم يفصل في ذلك بين أن يتشهد في كل ركعة أم لا، وقال في "المنهاج" [ص 117]: (الصحيح: منعه في كل ركعة) وكذا يجوز في كل ثلاث أو كل أربع، قاله في "التحقيق" (¬2)، وهو مفهوم من طريق الأولى، وفي وجه: لا يزيد على تشهدين، وقواه في "شرح المهذب" (¬3)، واختاره السبكي. 670 - قول "المنهاج" [ص 117] و"الحاوي" [ص 174]: (ولو نوى عددًا .. فله أن يزيد وينقص بشرط تغيير النية قبلهما) كذا إذا نوى واحدة .. فله أن يزيد بالنية وإن لم تكن الواحدة عددًا. 671 - قول "التنبيه" [ص 35] و"المنهاج" [ص 117]؛ (والثلث الأوسط أفضل من الأول والأخير) أي: إذا قسمه أثلاثًا، وأفضل منه - كما ذكره النووي في كتبه - السدس الرابع والخامس، وهو صلاة داوود عليه السلام (¬4). 672 - قول "التنبيه" [ص 35]: (وفعله في البيت أفضل من فعله في المسجد) يستثنى منه بعد ما هو مشهور كالعيد ونحوه مسائل: إحداها: النافلة يوم الجمعة كما نص عليه في "الأم" (¬5)، حكاه شيخنا الإمام سراج الدين أمتع الله به، وفي "المهمات" أن الجرجاني في "الشافي" حكاه عن الأصحاب، وعلله بفضيلة البكور. ثانيها: ركعتا الإحرام، فإذا كان في الميقات مسجد .. فَفِعْلهما فيه أفضل، حكاه في "الروضة" في (الحج) عن الأصحاب (¬6). ¬

_ (¬1) المحرر (ص 49)، فتح العزيز (2/ 135)، وانظر "نهاية المطلب" (2/ 350)، و"الوسيط" (2/ 217)، و"الوجيز" (1/ 181). (¬2) التحقيق (ص 230). (¬3) المجموع (4/ 55). (¬4) انظر "الروضة" (1/ 338)، و"المجموع" (4/ 47)، و"التحقيق" (ص 228). (¬5) الأم (1/ 234). (¬6) الروضة (3/ 72).

ثالثها: ركعتا الطواف، فيستحب فعلهما في المسجد كما هو مصرح به في بابه، وكلام القاضي أبي الطيب يدل على أن الرواتب في المسجد أفضل، لكن في "شرح مسلم" للنووي: لا خلاف عندنا في استحباب الراتبة في البيت (¬1)، وفي المنذورة وجهان في "الكفاية". 673 - قوله: (ويجوز فعل النافلة قاعدًا مع القدرة على القيام) (¬2) وكذا مضطجعًا، لا مستلقيًا على الأصح فيهما. * * * ¬

_ (¬1) شرح سلم (6/ 67). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 35).

باب صلاة الجماعة

بابُ صلاة الجماعة 674 - قول "التنبيه" [ص 37]: (الجماعة سنة في الصلوات الخمس، وقيل: هي فرض على الكفاية) صحح الرافعي الأول (¬1)، وعليه مشى "الحاوي" (¬2)، وصحح النووي الثاني (¬3)، وبين "المنهاج" التصحيحين (¬4)، ويرد على عبارة "التنبيه" و"المنهاج" أمور: أحدها: أن محل الخلاف: في المؤداة، فليست الجماعة في المقضية فرض كفاية قطعًا، كذا في زيادة "الروضة" (¬5)، ونازع فيه شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني، وقال: إنه ممنوع، وفيما قاله نظر، وهل هي سنة فيهما؟ حكى الرافعي عن القاضي حسين: أنَّه لا يشرع لها الجماعة (¬6)، وقد تقرر أن معنى قولهم: (لا يشرع): لا يستحب، وقال النووي: إن الجماعة سنة في الفائتة إن لم يصلها خلف مؤداة، فالانفراد أفضل من صلاة المقضية خلف المؤداة، وبالعكس؛ للخروج من الخلاف (¬7)، وفي معنى فعلها خلف مؤداة: فعلها خلف مقضية غيرها؛ لاختلاف النية، واقتضى إطلاق "الحاوي": استحباب الجماعة فيها مطلقًا (¬8)، وهو مخالف لإطلاق الرافعي وتفصيل النووي. ثانيها: ومحل الخلاف أيضًا: في غير العراة؛ فالخلاف في حقهم في الاستحباب، صحح الرافعي: الاستحباب (¬9)، وعليه إطلاق "الحاوي" (¬10)، وصحح النووي: أن الجماعة والانفراد لهم سيان (¬11). ثالثها: ومحل الخلاف أيضًا: في غير صلاة المسافر، فقال الإمام: ولا شك أن المسافرين لا يتعرضون لهذا الفرض (¬12)، وجزم به النووي في "التحقيق" (¬13)، لكن قال السبكي: نص ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (2/ 141). (¬2) الحاوي (ص 175). (¬3) انظر "المجموع" (4/ 161). (¬4) المنهاج (ص 118). (¬5) الروضة (1/ 340). (¬6) انظر "فتح العزيز" (2/ 200). (¬7) انظر "المجموع" (4/ 183). (¬8) الحاوي (ص 175). (¬9) انظر "فتح العزيز" (2/ 39). (¬10) الحاوي (ص 176). (¬11) انظر "المجموع" (3/ 186). (¬12) انظر "نهاية المطلب" (2/ 366). (¬13) التحقيق (ص 257).

الشَّافعي في "الأم" يرد عليهما؛ فإنه قال: حتَّى لا يخلو جماعةٌ مقيمون ولا مسافرون من أن يصلى فيهم صلاةُ جماعةٍ (¬1). رابعها: ومحل الخلاف أيضًا: في الأحرار، فليست فرضًا على العبد قطعًا، ذكره في "الكفاية"، وقال شيخنا الإمام جمال الدين في "تصحيحه": إنه الصواب (¬2)، وقال القاضي حسين: للسيد منعه من حضورها، إلَّا ألاَّ يكون له شغل ويقصد تفويت الفضيلة عليه. ويختص "التنبيه" بأمرين: أحدهما: أنَّه أطلق قول فرض الكفاية، ومحله: في الرجال، كما صرح به "المنهاج" (¬3)، فالجماعة في حق النساء سنة قطعًا، ومع ذلك فلا تتأكد في حقهن كتأكدها في حق الرجال على الأصح، وقد صرح به في "المنهاج"، لكنه أطلق أولًا أنَّها سنة مؤكدة (¬4)، وتعبيره بالرجال يوهم أن الخناثى يتعرضون لهذا الفرض. قال في "المهمات": والقواعد تاباه، وكلامهم في (الجمعة) يدل عليه؛ فإن الجماعة شرط فيها، وقد صرحوا بعدم وجوبها عليهم. انتهى. ثانيهما: أنَّه أطلق الخلاف في أن الجماعة سنة أو فرض كفاية، ومحله: في غير الجمعة، وكذا يرد على "الحاوي" إطلاقه أن الجماعة سنة في أفضل من الراتبة (¬5)، وكأنهما إنما تركا ذلك لوضوحه وتقرره في بابه، وقد صرح به "المنهاج"، ويختص "المنهاج" بأنه أطلق ذكر الفرائض، فدخل في عبارته المنذورة مع أنَّه لا يشرع فيها الجماعة؛ كما صرح به الرافعي في (الأذان) (¬6)، وهذا وارد على إطلاق "الحاوي" أن الجماعة سنة في أفضل من الراتبة (¬7)؛ فإن المنذورة أفضل من الراتبة، ومعنى عدم المشروعية: عدم الاستحباب كما تقدم؛ ولذلك قيد "التنبيه" و"المحرر" الفرائض بالخمس، فخرجت المنذورة (¬8). 675 - قول "المنهاج" تفريعًا على أن الجماعة فرض كفاية [ص 118]: (فتجب بحيث يظهر الشعار في القرية) قد يخرج البادية، وفى تعرض أهلها الساكنين بها لهذا الفرض احتمالان للإمام، اختيار النووي منهما: نعم، وقطع الإمام بعدم الفرضية فيما لو قل عدد ساكني قرية، ¬

_ (¬1) الأم (1/ 153). (¬2) تذكرة النبيه (2/ 491). (¬3) المنهاج (ص 118). (¬4) المنهاج (ص 118). (¬5) الحاوي (ص 175). (¬6) انظر "فتح العزيز" (1/ 410). (¬7) الحاوي (ص 175). (¬8) التنبيه (ص 37)، المحرر (ص 49).

وأقره في "الروضة"، لكنه اختار في "شرح المهذب" خلافه (¬1). تنبيه: قولهم: (الجماعة سنة) (¬2) يفهم صحة الصلاة بالمتابعة دونها، والأصح: أنَّه إن تابع بدونها، أو مع الشك فيها، وطال انتظاره .. بطلت، ذكره في "الكفاية"، لكنهم قد ذكروا اشتراط نية المتابعة بعد هذا. 676 - قول "التنبيه" [ص 37]: (وفعلها فيما كثر فيه الجمع من المساجد أفضل) فيه أمور: أحدها: يستثنى من تفضيل كثرة الجماعة مسألتان: إحداهما: ذكرها عقب ذلك بقوله: (وإن كان في جواره مسجد ليس فيه جماعة .. كان فعلها في مسجد الجوار أفضل) (¬3) لكن عبارته تفهم أن الانفراد في مسجد الجوار أفضل، وليس كذلك بلا خلاف كما في "شرح المهذب" (¬4)، وقال القاضي حسين والبغوي: الأَوْلى: أن يصلي فيه منفردًا لم يدرك مسجد الجماعة ليصلي معهم فيحوز الفضيلتين (¬5)، وقد ذكرها "المنهاج" و"الحاوي" على الصواب، فاستثنياها من تفضيل ما كثر جمعه (¬6)، فيحمل كلام "التنبيه" على أن معناه: وبصلاته فيه تحصل جماعة قليلة، ويمكن عود الضمير في قوله: (فعلها) على الجماعة. الثانية: أن يكون إمام المسجد الكثير الجماعة مبتدعا، وقد ذكره "المنهاج" بقوله [ص 118]: (إلَّا لبدعة إمامه). قال المحاملي وغيره: وكذا لو كان حنفيًا، ونقل في "الكفاية" الاتفاق عليه، وصرح به في "الحاوي" (¬7)، وهو مثال، فالتعليل بأنه لا يعتقد وجوب بعض الأركان يقتضي إلحاق المالكي وغيره من المخالفين به، وقد صرح في "شرح المهذب" بذلك، وبأن الفاسق كالمبتدع (¬8). الأمر الثاني: يستثنى من تفضيل جماعة المسجد على جماعة البيت: المرأة، فجماعة البيت لها أفضل، وقد صرح به "المنهاج" بقوله [ص 118]: (وفي المسجد لغير المرأة أفضل) و"الحاوي" بقوله [ص 175]: (وفي المسجد له) أي: للرجل أفضل، ومقتضى عبارة "المنهاج": أن المسجد للصبي أفضل، وكذا هو مقتضى عبارة "الحاوي" إن فسرنا الرجل هنا بأنه خلاف المرأة، ¬

_ (¬1) الروضة (1/ 339، 340)، المجموع (4/ 162)، وانظر "نهاية المطلب" (2/ 366). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 37)، و"الحاوي" (ص 175)، و"المنهاج" (ص 118). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 37). (¬4) المجموع (4/ 170). (¬5) انظر "التهذيب" (2/ 249). (¬6) الحاوي (ص 175)، المنهاج (ص 118). (¬7) الحاوي (ص 175). (¬8) المجموع (4/ 170).

فإن فسرناه بأنه البالغ .. اقتضى كلامه أن الأفضل للصبي: البيت، ولم أر ذلك مصرحًا به؛ ولعله فيمن يخشى الفتنة به لجماله. الأمر الثالث: قد يفهم من تقييده أفضلية كثرة الجمع بكونه في المساجد: أنَّه لو كانت جماعة المسجد أقل من جماعة بيته .. فالمسجد أولى، وبه صرح الماوردي (¬1)، وهو مقتضى إطلاق الرافعي (¬2)، وقال القاضي أَبو الطيب: بيته أولى، ولا يفهم من عبارة "المنهاج" و"الحاوي" في ذلك شيء؛ لأنهما ذكرا أفضلية المسجد وأفضلية كثرة الجمع وسكتا عن تعارضهما، ويستثنى من هذا الخلاف: ما لو كانت الجماعة القليلة في أحد المساجد الثلاثة، بل الانفراد فيها أفضل من الجماعة في غيرها كما صرح به المتولي، ونظير تعارض كثرة الجماعة والمسجد: إذا كان لو صلى منفردًا .. خشع، ولو صلى في جماعة .. لم يخشع، فأفتى الغزالي بأن الانفراد أفضل (¬3)، فتستثنى هذه الصورة من كلامهم إن صح ذلك، أما لو كان إذا صلى في بيته صلى جماعة وإذا صلى في المسجد صلى وحده .. ففي بيته أولى. 677 - قول "التنبيه" [ص 38]: (فإن كان للمسجد إمام راتب .. كره لغيره إقامة الجماعة فيه) فيه أمران: أحدهما: أن هذا في غير المسجد المطروق. ثانيهما: ويستثنى من غير المطروق: ما إذا لم يحضر الإمام وخيف من انتظاره فوات أول الوقت ولم يخش فتنة، فإن خيف فتنة .. صلوا فرادى، ويستحب لهم الإعادة معه إن حضر بعد ذلك، كذا في زيادة "الروضة" (¬4)، قال في "المهمات": وخالف في "شرح المهذب"، فحكى عن الشَّافعي والأصحاب في خوف الفتنة أنَّه إذا طال الانتظار وخافوا فوت الوقت كله .. صلوا جماعة (¬5). قلت: لا مُخَالَفَةُ بينهما؛ لأن كلام "الروضة" فيما إذا خيف فوت أول الوقت، وكلام "شرح المهذب" فيما إذا خيف فوت الوقت كله، وهذا واضح، والله أعلم. 678 - قول "المنهاج" في فضيلة تكبيرة الإحرام [ص 118]: (وإنَّما تحصل بالاشتغال بالتحرم عقب تحرم إمامه) وهو مثل قول "الحاوي" [ص 176]: (وفضل التحرم بشهوده والاتباع) وفي "شرح المهذب": لو أخر لوسوسة .. حصلت الفضيلة (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (2/ 303). (¬2) انظر "فتح العزيز" (2/ 143). (¬3) انظر "الوجيز" (1/ 74). (¬4) الروضة (1/ 357). (¬5) المجموع (4/ 180). (¬6) المجموع (4/ 179).

واستشكل: بأن الوسوسة ليست عذرًا في التخلف عن الإمام بتمام ركنين فعليين، كما في "شرح المهذب"، فيحتاج إلى الفرق؛ ولعل المذكور هنا محمول على ما إذا لم يطل الزمن في الوسوسة، بدليل قوله في "شرح المهذب": (من غير وسوسة ظاهرة)، ويكون طول الزمن هو المراد بالظهور، فهو قيد فيه، والتخلف بتمام ركنين فعليين طويل، فاستويا (¬1). 679 - قول "المنهاج" [ص 118]: (وقيل: بإدراك بعض القيام، وقيل: بأول ركوع) محلهما: فيمن لم يحضر إحرام الإمام، أما من حضر وأخر .. فلا، حكاه في زيادة "الروضة" عن "البسيط" (¬2). 680 - قول "الحاوي" [ص 176]: (وتحصل -أي: فضيلة الجماعة - بإدراك جزءٍ) قد يفهم أنَّه لو أدرك جزءًا من التسليم .. حصلت؛ لأنه من الصلاة، وليس كذلك، فتعبير "التنبيه" و"المنهاج" بإدراك ما قبل التسليم أحسن (¬3)، وهو متناول لما إذا سلم الإمام قبل قعوده، وهو كذلك، لكن تعبير "المنهاج" عن ذلك بالصحيح يقتضي ضعف مقابله، وهو موافق لكون الرافعي والنووي لم ينقلاه إلَّا عن الغزالي (¬4)، وفي "الروضة": إنه شاذ ضعيف (¬5)، وليس كذلك، فهو محكي عن الفوراني والمحاملي (¬6)، وحكاه القاضي حسين عن عامة أصحابنا، والجيلي عن المراوزة، والكلام في غير الجمعة كما هو في بابها، وصرح به "الحاوي" هنا فقال [ص 176]: (والجمعة بركعة). 681 - قول "التنبيه" [ص 38]: (ويستحب للإمام أن يخفف الأذكار) قد يخرج القراءة، وبه صرح في "الكفاية" فقال: إن التخفيف فيها غير مستحب، وحكاه عن القاضي حسين، لكن في "المهذب": استحباب تخفيف القراءة أيضًا، ونقله في "شرح المهذب" عن الشَّافعي والأصحاب (¬7)، وهو ظاهر. 682 - قول "المنهاج" [ص 118]: (وليخفف الإمام مع فعل الأبعاض والهيئات) لكن لا يفهم من عبارتهما كراهة التطويل، وقد نص عليها في "الأم" (¬8)، وقول "المنهاج" [ص 118]: (إلَّا أن ¬

_ (¬1) المجموع (4/ 179). (¬2) الروضة (1/ 342). (¬3) التنبيه (ص 38)، المنهاج (ص 118). (¬4) انظر "فتح العزيز" (2/ 144)، و"المجموع" (4/ 191). (¬5) الروضة (1/ 341). (¬6) انظر "اللباب" (ص 163). (¬7) المجموع (4/ 199)، وانظر "الأم" (1/ 161). (¬8) الأم (7/ 228).

يرضى بتطويله محصورون) مراده: إلَّا أن يكون المأمومون كلهم راضين محصورين، وعبارته لا تعطي ذلك، بل تعطي أنَّه متى رضي محصورون وإن كانوا بعض المأمومين .. ندب التطويل، وعبارة "المحرر": (إلَّا أن يرضى الجميع بالتطويل، وهم محصورون) (¬1)، وكذلك قول "التنبيه" [ص 38]: (إلَّا أن يعلم من حال المأمومين أنهم يؤثرون التطويل)، وكلاهما وافٍ بالغرض وإن كانت الأولى أصرح، وفي "فتاوى ابن الصلاح": لو آثروا التطويل إلَّا واحدًا أو اثنين: فإن قل حضوره .. خفف، وإن كثر .. طول؛ لئلا يفوت حقهم لواحد (¬2)، قال النووي: وهو حسن متعين (¬3)، وخالفهما السبكي. واعلم: أنهما استثنيا حالة رضى المأمومين من استحباب التخفيف، فمفهومه: أنهم إذا رضوا .. لا يستحب التخفيف، ولا يلزم من ذلك استحباب التطويل، بل يصدق باستواء الطرفين، ويوافق ذلك تعبير "الروضة" بأنه لا بأس بالتطويل (¬4)، لكن ذكر السبكي والإسنوي وغيرهما أنَّه مستحب، وهذا هو الحق، وغايته: أن عدم رضى المأمومين المحصورين مانع من التطويل، فإذا رضوا .. زال ذلك المانع وعاد الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك، وهو الاستحباب، وإنَّما سكتا عن التصريح بحكم هذا المستثنى؛ لوضوحه وتقريره قبل ذلك، ومن الغريب أن الدارمي حكى في "الاستذكار" وجهين في استحباب التطويل عند رضى المحصورين، وفي المنفرد أيضًا. 683 - قول "المنهاج" [ص 118]: (ويكره التطويل ليلحق آخرون) استشكله السبكي: بأن المختار: تطويل الركعة الأولى؛ لحديث أبي قَتَادة في "الصحيحين": (أنَّه عليه الصلاة والسلام كان يفعله) (¬5)، وعلل بإدراك القاصدين لها، وجاء التعليل مصرحًا به في رواية صحيحة: (كي يُدْرِكَ الناس) (¬6)، وفي رواية ضعيفة: (يقوم حتَّى لا يُسْمَعَ وَقْعُ قَدَمٍ) (¬7) فإذن انتظارهم قائمًا ليأتوا أفواجًا أفواجًا غير مكروه، إلَّا إذا آذى الحاضرين .. فيكره، ثم جزمهم بالكراهة هنا ليس منافيا للخلاف في المسألة عقبها؛ فإن تلك فيمن دخل المسجد وعرف به الإمام، وهذه بخلافها. 684 - قول "التنبيه" [ص 38]: (وإذا أحس الإمام بداخل وهو راكع .. استحب له أن ينتظره في أصح القولين، ويكره في القول الآخر) فيه أمور: ¬

_ (¬1) المحرر (ص 50). (¬2) فتاوى ابن الصلاح (1/ 234). (¬3) انظر "المجموع" (4/ 199). (¬4) الروضة (1/ 342). (¬5) البخاري (725)، مسلم (451). (¬6) أخرجه أَبو داوود (800)، وعبد الرزاق (2675)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2316) من حديث أبي قَتَادة. (¬7) أخرجه أَبو داوود (802)، وأحمد (19169)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2317) من حديث عبد الله بنُ أبي أوفى.

أحدها: اقتصاره على الركوع يخرج التشهد الأخير، والمذهب: التسوية، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬1). ثانيها: هذه الطريقة هي المصححة في "شرح المهذب" (¬2)، والذي حكاه الرافعي عن معظم الأصحاب: أنَّه ليس الخلاف في الاستحباب، وإنَّما هو في الكراهة، فأحد القولين: يكره، والثاني: لا يكره (¬3)، وقال في "المهمات": والمعروف ما قاله الرافعي، ومشى على هذه الطريقة في "المحرر"، فرجح عدم الكراهة (¬4)، وكذا "الحاوي" فجزم بعدم الكراهة (¬5)، لكن استدرك في "المنهاج" فقال [ص 118]: (المذهب: استحباب انتظاره) فجنح إلى طريقة "التنبيه"، واختار السبكي: أن الانتظار مكروه، وحكاه في "المهمات" عن أبي إسحاق المروزي والشيخ أبي حامد والبندنيجي والمحاملي والماوردي والإمام والغزالي وصاحب "الفروع"، قال: وحكاه في "البيان" عن الأكثرين، وحكاه الرافعي عن تصحيح الإمام وآخرين، ولم يحك تصحيح عدم الكراهة إلَّا عن الروياني (¬6). ثالثها: أهمل لذلك شرطين ذكرهما "المنهاج" و"الحاوي"، وهما: عدم المبالغة، والتفريقِ بين الداخلين (¬7)، وفهم من تعبيرهم بالدخول شرط ثالث، وهو: أن يكون دخل المسجد أو مكان الصلاة، فلو لم يشرع في الدخول بعد .. لم ينتظره قطعًا، وفي "الكفاية": لو قيل: محله: إذا لم يدخل، فإن دخل فلا ينتظر قطعا .. لاتَّجَه؛ لتمكنه حينئذ من الإحرام، وقال المحب الطَّبري: علة ما قالوه التطويل، قال: لكنه منتقض بالخارج القريب؛ لصغر المسجد، والبعيد (¬8)، لسعته، والوجه: مراعاة هذا التفصيل. انتهى. رابعها: لو أحس المنفرد بداخل وهو في الركوع أو التشهد الأخير .. فالمتجه: أنَّه في ذلك كالإمام، بل أولى؛ لاحتياجه إلى تحصيل الجماعة، ولم أر من تعرض لذلك، وتعبير "التنبيه" بـ (الإمام) يخرجه، وفي "المنهاج" [ص 118]: (ولو أحس في الركوع) فإن أعدنا الضمير على ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 176)، المنهاج (ص 118). (¬2) المجموع (4/ 200). (¬3) انظر "فتح العزيز" (2/ 146). (¬4) المحرر (ص 50). (¬5) الحاوي (ص 176). (¬6) انظر" الحاوي الكبير" (2/ 320)، و"نهاية المطلب" (2/ 377)، و"بحر المذهب" (9/ 402، 410)، و"الوسيط" (2/ 222)، و"البيان" (2/ 384)، و"فتح العزيز" (2/ 146). (¬7) الحاوي (ص 176)، المنهاج (ص 118). (¬8) كذا في النسخ، ولعل التعبير بـ (الداخل البعيد) أوضح، كما هي عبارة "نهاية المحتاج" (2/ 148) إذ قال: ( ... وداخل بعيد ... ).

الإمام لتقدم ذكره .. فهو كـ "التنبيه" في ذلك، وإن أعدناه على المصلي للعلم به .. تناول المنفرد، وقول "الحاوي" [ص 176]: (ولا يكره انتظار الداخل) يتناول المنفرد جزمًا، وخطر لي أنا إن أثبتنا ذلك للمنفرد .. لم يشترط فيه عدم التطويل؛ إذ ليس وراءه من يتضرر بتطويله، وفيه احتمال، ويستثنى من إطلاقهم الركوع: الركوع الثاني من الخسوف، فلا انتظار فيه؛ إذ لا يحصل بإدراكه الركعة على الأصح. 685 - قول "التنبيه" [ص 38]: (ومن صلى منفردًا ثم أدرك جماعة يصلون .. استحب له أن يصليها معهم) يقتضي أن المصلي في جماعة ليس كذلك، وهو وجه، الأصح: خلافه، وقد صرح به "المنهاج" (¬1)، وهو مقتضى إطلاق "الحاوي" (¬2)، لكن قيل: إن قوله: (منفردًا) ليس في نسخة المصنِّف، فلا إيراد، ثم في كلامهم أمور: أحدها: أنَّه لو أدرك منفردًا يصلي .. استحب له الصلاة معه ولو كان صلى أولًا في جماعة؛ ليحصل له فضيلة الجماعة، كما جزم به في زيادة "الروضة" (¬3)، وحكى في "الكفاية" الاتفاق عليه، وقد يقال: لا ترد هذه الصورة على عبارة "الحاوي" لأن قوله [ص 175]: (كإعادة الفرض بالجماعة) يتناول هذه الصورة؛ فإنه لم يعدها إلَّا بجماعة، فإنها انعقدت به وبإمامه، بخلاف قول "التنبيه" [ص 38]: (ثم أدرك جماعة)، وقول "المنهاج" [ص 119]: (إعادتها مع جماعة). ثانيها: يستثنى من كلامهم: صلاة الجنازة؛ فإنه لا يستحب إعادتها على الصحيح كما سيأتي في بابه، وكذلك صلاة الجمعة لا يجوز إعادتها؛ لأن الجمعة لا تقام بعد أخرى، قال في "المهمات": فإن فرض الجواز لعسر الاجتماع .. فالقياس: أنَّها كغيرها. ثالثها: قال في "المهمات" أيضًا: (تصويرهم يشعر بأن الإعادة إنما تستحب إذا حضر في الثانية من لم يحضر في الأولى، وهو ظاهر، وإلا .. لزم استغراق ذلك الوقت، وقد يقال بالمشروعية إذا اختلفت الأئمة) انتهى. رابعها: ظاهر إطلاق "التنبيه" و"المنهاج" يتناول ما يستحب فيه الجماعة من النوافل، وهو القياس كما في "المهمات"، قال: وتعليل الرافعي بحصول فضيلة الجماعة يدل عليه، لكنه فرض المسألة أولًا فيمن انفرد بصلاة من الصلوات الخمس، وكذا في "الروضة"، وكذا قيد "الحاوي" بالفرض، فقال [ص 175]: (كإعادة الفرض) (¬4). ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 119). (¬2) الحاوي (ص 175). (¬3) الروضة (1/ 344). (¬4) انظر "فتح العزيز" (2/ 148)، و"الروضة" (1/ 344).

خامسها: هذا إذا كان الوقت باقيًا، فأما بعد فواته .. فلا يستحب قطعًا، قاله صاحب "المعين" اليمني، قال بعضهم: ويلزم عليه أنَّه لا يستحب إعادة المغرب تفريعًا على الجديد، وهو ضيق وقتها، وهذا مردود؛ لاتساع وقتها لإيقاعها مرتين ولو قلنا بالتضييق لاعتبار قدر الطهارة وستر العورة والأذان والإقامة وفعل خمس ركعات أو سبع وتناول لقم أو الشبع كما هو مقرر في موضعه. ويرد على تعبير "المنهاج" و"الحاوي" بالإعادة: أنَّه مخالف لتعريفها بالعبادة الواقعة في الوقت إذا كانت مسبوقة بأداء مختل، وهو ما فقد فيه ركن أو شرط، وهو المذكور في الأصول؛ ولذلك لم يعبر بها "التنبيه"، والمراد عند من عبر بها: معناها اللغوي دون الاصطلاحي. 686 - قول "المنهاج" [ص 119]: (والأصح: أنَّه ينوي بالئانية الفرض) ظاهره يقثضي جريان الوجهين، على الجديد: أن الفرض الأولى، وعلى مقابله، وكذا في "المحرر" (¬1)، لكن في "الروضة": إن قلنا بغير الجديد .. نوى الفرض، وإن قلنا بالجديد .. فالأصح الذي قاله الأكثرون: ينوي بها الفرض أيضًا، والثاني اختاره الإمام: ينوي الظهر أو العصر، ولا يتعرض للفرض، زاد النووي: أن الراجح: اختيار الإمام (¬2). وقال السبكي: يحتمل أن يريد الأكثرون: أنَّه ينوي إعادة الصلاة المفروضة حتَّى لا يكون نفلًا مبتدأ، لا أن إعادتها فرض. 687 - قول "المنهاج" و"الحاوي" في (أعذار الجماعة): (كمطر) (¬3) شرطه: حصول المشقة بالخروج معه، صرح به الرافعي في الكلام على المرض (¬4)، ولذلك قال في "التنبيه" هنا [ص 38]: (ومن يتأذى بالمطر) وفي (الجمعة) [ص 41]: (من تبتل ثيابه بالمطر) وهو معنى تقييد الماوردي بالمطر الشديد (¬5)، فعلى هذا لا يعذر بالخفيف، ولا بالشديد إذا كان يمشي في كن. 688 - قول "التنبيه" [ص 38]: (والريح الباردة في الليلة المظلمة) ليست الظلمة شرطًا، بل الليل كاف؛ ولذلك أطلقه "المنهاج" و"الحاوي" (¬6)، قال الرافعي: (وليس وصف بعضهم الليلة بالمظلمة للاشتراط) انتهى (¬7). ¬

_ (¬1) المحرر (ص 50). (¬2) الروضة (1/ 344)، وانظر "نهاية المطلب" (2/ 213). (¬3) الحاوي (ص 176)، المنهاج (ص 119). (¬4) انظر "فتح العزيز" (2/ 151). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (2/ 304). (¬6) الحاوي (ص 176)، المنهاج (ص 119). (¬7) انظر "فتح العزيز" (2/ 151).

قال المحب الطَّبري: والمختار: أن شدة الظلمة وحدها عذر، وقيد "التنبيه" الريح بكونها باردة، وتبعه في "شرح المهذب" (¬1)، وقيدها "المنهاج" بكونها عاصفة (¬2)، و"الحاوي" بكونها شديدة (¬3)، والعاصفة هي الشديدة، وقال في "المهمات": والظاهر: أن الريح الشديدة وحدها عذر بالليل، والتعبير بالباردة لكونه الغالب، وقال المحب الطَّبري: المختار: أن كلًا من الظلمة والبرد والريح الشديدة عذر بالليل، ويدل له: أن شدة البرد عذر ليلًا ونهاراً، وتعبيرهم بالليل يخرج صلاة الصبح، والمتجه في "المهمات": إلحاقها بالليل في ذلك، ويختص "الحاوي" بأنه عد شدة الريح بالليل عذرًا في الجماعة والجمعة، ومن المعلوم عدم تأتي ذلك في الجمعة؛ إذ لا تكون ليلًا. 689 - قول "التنبيه" [ص 38]: (والوحل) لا يتخيل أنَّه مطلق، بل هو معطوف على المطر المقيد بالتأذي به، والخفيف لا يحصل التأذي به، وكذلك قيد في "المنهاج" فقال [ص 119]: (وكذا وَحَلٌ شديدٌ)، وكذا هو في "الحاوي" مجرور عطفًا على الريح في قوله [ص 176]: (وشدة الريح). نعم؛ أطلقه في "التحقيق" و"شرح المهذب" (¬4). 690 - قول "التنبيه" [ص 38] و"الحاوي" [ص 176]: (والمرض) قيده "المنهاج" بكونه شديدًا (¬5)، والمراد: المرض الذي يشق الخروج معه كمشقة المطر، ولا يشترط كونه مجوزًا للقعود في الصلاة، وهذا القدر خفيف من وجه وشديد من وجه. 691 - قول "المنهاج" في الأعذار الخاصة [ص 119]: (وحرٍّ وبرب شديدينِ) مخالف لكلام "الروضة" وأصلها في عدهما من الأعذار العامة، وهو أظهر، ثم إن الذي في الرافعي و"الروضة": تقييد شدة الحر بكونها في الظهر (¬6). 692 - قوله: (وجوعٍ وعطشٍ ظاهرين) (¬7) هو معنى تقييد "الحاوي" بشدتهما (¬8)، ولا يشترط مع ذلك حفور الطَّعام والشراب، خلافًا لما وقع في "الشرح" و"الروضة" من تقييده بالحضور ¬

_ (¬1) المجموع (4/ 176). (¬2) المنهال (ص 119). (¬3) الحاوي (ص 176). (¬4) التحقيق (ص 259)، المجموع (4/ 176). (¬5) المنهال (ص 119). (¬6) فتح العزيز (2/ 153)، الروضة (1/ 345). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 119). (¬8) الحاوي (ص 176).

والتوقان (¬1)، وهو عجيب، فالحضور والتوقان عذر وإن لم ينضم إليهما جوع ولا عطش، وقد صرح بذلك "التنبيه" هنا فقال [ص 38]: (ومن حضره الطَّعام ونفسه تتوق إليه) وذكره "المنهاج" في كراهة الدخول في الصلاة معه فقال [ص 109]: (أو بحضرة طعام يتوق إليه) ومتى كرهت الصلاة معه .. كان التأخير له عذرًا، فإنهم رخصوا بما لم ينته إلى الكراهة، فما انتهى إليها أولى، بل في "الكفاية" تبعًا لابن يونس: أن توقان النفس إلى الشيء عذر وإن لم يحضر. 693 - قول "التنبيه" [ص 38]: (أو يدافع الأخبثين) المراد: مدافعة أحدهما، ولا يشترط اجتماعهما، وفي معناه: مدافعة الريح، وقول "الحاوي" [ص 176]: (والحقن) إنما هو حقيقة في مدافعة البول، فقول "المنهاج" [ص 119]: (ومدافعة حدثٍ) أعم منهما وأحسن، وقيد "الحاوي" الحقن بسعة الوقت، أي: فإن ضاق الوقت .. صلى مع الحقن، ولا معنى لهذا التقييد هنا، إنما ينبغي ذكره في كراهة الصلاة معه، والكلام هنا في عذر الجماعة. 694 - قول "المنهاج" [ص 119] و"الحاوي" [ص 176]: (وخوف ظالم) زاد "المنهاج" [ص 119]: (على نفس أو مال) لا يتناول ما إذا كان خبزه في التنور، أو قِدْرُه على النار، وليس هناك متعهد، وإن كان في "الروضة" تبعًا لأصله أن ذلك يدخل في الخوف على المال (¬2)، لكن التقييد بظالم يخرجه. نعم؛ يتناوله قول "التنبيه" [ص 38]: (أو يخاف ضررًا في نفسه أو ماله) فهو من هذه الجهة أحسن، لكن لا يتناول خوف الضرر في نفس غيره ومال غيره مما يجب الذب عنه، فعبارتهما من جهة هذا أحسن. 695 - قول "المنهاج" [ص 119]: (وملازمة غريم معسرٍ) هو بغير تنوين مضاف إلى معسر؛ أي: ملازمة غريمه له وهو معسر، وفهم هذا من عبارته قلق، فقول "الحاوي" [ص 176]: (والغريم للمعسر) أوضح، ومحل هذا: إذا عسر عليه إثبات إعساره، وإلَّا .. لم يعذر كما في "البسيط". 696 - قول "الحاوي" [ص 176]: (ورجاء عفو العقوبة) أحسن من قول "المنهاج" [ص 119]: (وعقوبةٍ يُرْجَى تركها إن تَغَيَّبَ أيامًا) لأنه لا يلزم من ترك المطالبة العفو، واستشكله الإمام؛ لأن موجب القصاص من الكبائر فكيف يخفف عليه بجواز التغييب عن المستحق؟ ثم أجاب عنه: بأن المستحق مندوب للعفو، والتغييب طريق إليه (¬3). ¬

_ (¬1) فتح العزيز (2/ 152)، الروضة (1/ 345، 346). (¬2) الروضة (1/ 345). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (2/ 368).

وخرج برجاء العفو ما لا يقبل العفو؛ كحد السرقة والزنا، وقيده في "شرح المهذب" ببلوغ الإمام (¬1)، فأفهم جواز تغييبه عن الشهود حتَّى لا يرفعوا أمره للإمام. 697 - قول "المنهاج" [ص 119] و"الحاوي" [ص 176]: (والعُرْي) أي: بألَّا يجد ثوبا يليق به سواء وجد ساتر العورة أم لا، فيؤخذ منه أن من اعتاد الخروج مع ساتر العورة فقط .. لم تسقط عنه الجماعة عند فقد الزائد عليه، وأن ما لا يليق به؛ كالقباء في حق الفقيه .. كالمعدوم، وبه صرح بعضهم. 698 - قول "المنهاج" [ص 119]: (ولكل ذي ريح كريهٍ) قيده في "المحرر" و"الحاوي" بكونه نيئًا (¬2)؛ ليخرج المطبوخ، وحذفه "المنهاج" اعتمادًا على أن الطبخ يزيل رائحته، وذكره أحسن، فلا بد فيه من رائحة كريهة، لكنها اغتفرت؛ لقلتها، وشرط في "الروضة" تبعًا لأصله: ألَّا يمكنه إزالة الرائحة بغسل ومعالجة (¬3)، قال في "المهمات": ومقتضاه: أن الإزالة إذا أمكنت بمشقة شديدة .. يؤمر بها ولا يعذر في التخلف، والقياس الموافق للقواعد خلافه، قال: ويؤخذ منه سقوطها بالبخر والصنان المستحكم بطريق الأولى، قال: وفي الجذام والبرص نظر، والظاهر عدم السقوط. 699 - قول "المنهاج" [ص 119]: (وحضور قريب محتضر أو مريض بلا متعهد أو يأنس به) فيه أمور: أحدها: الاحتضار هو مراد "الحاوي" بالإشراف و"التنبيه" بخوف الموت (¬4)، ولا فرق في ذلك بين أن يكون له متعهد أم لا، ويلحق بالاحتضار مجرد الاستئناس به، وهو وارد على "التنبيه" و"الحاوي" فلم يذكراه، وقد ذكره "المنهاج"، لكن في عبارته إشكال؛ لأن قوله: (مريض) إن عطف على (محتضر) على أنَّه صفة لقريب .. خرج تمريض الأجنبي، وهو عذر، وهو مقتضى إطلاق "التنبيه" و"الحاوي"، وإن عطف على (قريب) أي: وحضور مريض ليشمل الأجنبي كما هو الصواب .. شمله في مسألة الأنس أيضًا، وهي لا تشمله، بل هي خاصة بالقريب، وعبارة "المحرر" واضحة في المراد؛ حيث قال: (وإنما يكون التمريض عذرًا إذا لم يكن للمريض متعهد، فإن كان له متعهد: فإن كان قريبًا مشرفًا على الوفاة أو كان يستأنس به .. فهو معذور، وإلا .. فلا) (¬5) وظهر بذلك أن قوله: (أو يأنس به) معطوف على (محتضر) على أنَّه صفة ¬

_ (¬1) المجموع (4/ 178). (¬2) المحرر (ص 52)، الحاوي (ص 176). (¬3) الروضة (1/ 346). (¬4) التنبيه (ص 38)، الحاوي (ص 176). (¬5) المحرر (ص 52).

تنبيهان [على بقية الأعذار المرخصة في ترك الجماعة، ومعنى كلونها مرخصة]

لقريب، وفصل بينهما بقوله: (أو مريض بلا متعهد) فلو قدم وأخر فقال: (وحضور قريب محتضر أو يأنس به أو مريض بلا متعهد) .. لاتضح واستقام. ثانيها: اقتصر في "التنبيه" أيضًا على القريب (¬1)، وفي معناه: الزوجة والمملوك، وقد ذكرهما "الحاوي" (¬2)، والصهر والصديق كما في "الروضة" تبعًا لأصله (¬3). ثالثها: قوله: (بلا متعهد) لا يرد عليه ما إذا كان له متعهد مشغول في ذلك الوقت بشراء حوائجه؛ لأنه الآن خال عن متعهد، وقد دخلت هذه الصورة وهي غيبة المتعهد في قول "التنبيه" [ص 38]: (ومن له مريض يخاف ضياعه) وقول "الحاوي" [ص 176]: (والتمريض). تَنْبِيْهَان [على بقية الأعذار المرخصة في ترك الجماعة، ومعنى كلونها مرخصة] أحدهما: بقي من الأعذار: أن يكون ناشد ضالة يرجو الظفر إن ترك الجماعة، أو وجد من غصب ماله وأراد استرداده منه، وغلبة النوم، ذكرهما في "الروضة" تبعًا لأصله (¬4)، والمراد: غلبة النوم إن انتظر الجماعة كما في "شرح المهذب" (¬5)، والثلج إن بل الثوب، والزلزلة كما في "الحاوي" للماوردي، ذكرهما في "الروضة" من زيادته (¬6)، وكونه مهتمًا، ذكره في "الذخائر"، والسمن المفرط، ذكره ابن حبان في "صحيحه" لحديث أَنس: أن رجلًا من الأنصار كان ضخمًا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لا أستطيع الصلاة معك، فلو أتيت منزلي فَصَلَّيْتَ فيه فَأَقْتَدِي بك، فصنع الرجل له طعاما ودعاه إلى بيته، فَبَسَطَ له طَرَفَ حصيرٍ لهم فصلى عليه ركعتين) رواه البخاري (¬7)، وذكروا في (القَسْم) أنَّه لا يخرج ليلًا من عند الزوجة لصلاة الجماعة وسائر أفعال البر؛ لأنها مندوبات وحقها واجب. ثانيهما: المراد بكون هذه الأعذار مرخصة في الجماعة: إسقاط الإثم على قول الفرض، والكراهة على قول السنة، قال في "شرح المهذب": ولا يحصل له فضيلة الجماعة بلا شك (¬8)، ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 38). (¬2) الحاوي (ص 176). (¬3) الروضة (2/ 36). (¬4) الروضة (1/ 346). (¬5) المجموع (4/ 178). (¬6) الحاوي الكبير (2/ 304)، الروضة (1/ 346). (¬7) البخاري (639)، (1125)، صحيح ابن حبان (2070). (¬8) المجموع (4/ 173).

وفي "الكفاية": حصول فضلية الجماعة وإن صلى منفردًا إذا كان قصده الجماعة لولا العذر، وحكاه عن الروياني في "تلخيصه"، قال في "المهمات": (ونقله في "البحر" عن القفال وارتضاه، وجزم به الماوردي في "الحاوي" والغزالي في "الخلاصة"، وهو الحق) انتهى (¬1). ويحرم الحضور في بعض هذه الصور، صرح ابن المنذر بتحريم الحضور على من أكل ما له ريح كريه (¬2). * * * ¬

_ (¬1) الحاوي الكبير (2/ 300)، بحر المذهب (2/ 400)، الخلاصة (ص 121). (¬2) انظر "الإشراف على مذاهب العلماء" (2/ 127).

باب صفة الأئمة

بابُ صفة الأئمّة 700 - قول "التنبيه" [ص 39]: (ولا تجوز الصلاة خلف كافر ولا مجنون ولا محدث ولا نجس) فيه أمران: أحدهما: أن ذكر الجنون مع الحدث لا حاجة إليه؛ لدخوله فيه، فكل مجنون محدث، وقيل: إنه ليس في نسخة المصنِّف. ثانيهما: أنَّه يرد عليه صحة الصلاة خلف المتيمم الذي لا تجب عليه الإعادة مع أنَّه محدث، وخلف من عليه نجاسة معفو عنها كأثر الاستجمار ونحوه، ذكره في "الكفاية". فقول "المنهاج" [ص 119]: (لا يصح اقتداؤه بمن يعلم بطلان صلاته) أخصر مع السلامة من الاعتراض بهذا، ولم يذكر "الحاوي" مسألة العلم ببطلان صلاته؛ لفهمها من مسألة اعتقاد بطلان صلاته من طريق الأولى. 701 - قول "المنهاج" [ص 119، 120]: (ولو اقتدى شافعي بحنفي مس فرجه أو افتصد .. فالأصح: الصحة في الفصد دون المس؛ اعتبارا بنية المقتدي) فيه أمور: أحدهما: ذكر المس مثال، والمدار على ترك شرط أو ركن في اعتقاد المقتدي، فقول "الحاوي" [ص 177]: (كحنفي علمه ترك واجبًا) أحسن، وأيضًا: فقد يمس ويتوضأ. ثانيها: صحح شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني رأي القفال، وهو عكس المصحح هنا، وقال: إنه المذهب المعتمد، ورجحه السبكي مذهبا، واختار لنفسه دليلًا أنَّه لا يصح في مسألة الفصد والمس، أما المس: فظاهر، وأما الفصد: فلأن الإمام يعتقد بطلان صلاة نفسه، فنيته مترددة، فالمأموم يعتقد بطلانها من هذه الجهة لا من جهة الفصد، قال: ولم يقل أحد من الأصحاب فيما أعلم بصحة القدوة مطلقًا سواء ترك واجبًا في اعتقاد الإمام أم المأموم، حتى أنَّه إذا مس ولم يفتصد أو افتصد ولم يمس .. تصح صلاته وإن كان مقتضى إطلاق "الروضة" وغيرها وبعض كلام الرافعي يوهمه، لكن كلامهم في تفصيل مأخذ الخلاف ينفيه، أما لو جمع بينهما .. فيستحيل القول بالصحة؛ لأن صلاته حينئذ تكون باطلة في اعتقاد الإمام والمأموم معًا بعلتين مختلفتين. انتهى (¬1). ثالثها: قوله: (اعتبارًا بنية المقتدي) من زيادة "المنهاج" على "المحرر". 702 - قول "المنهاج" [ص 120]: (ولا تصح قدوة بمقتد) وكذا لو شك في أنَّه مأموم أم لا، وقد ذكره "الحاوي" (¬2). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (2/ 154، 155)، و"الروضة" (1/ 347). (¬2) الحاوي (ص 177).

753 - قول "المنهاج" - والعبارة له - و"الحاوي": (ولا بمن تلزمه إعادةٌ كمقيم تيمم) (¬1) يشمل: ما إذا اقتدى به مثله، وهو الأصح في "الروضة" (¬2)، وقال شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني: مسألة المقيم المتيمم إذا اقتدى به مثله لم يصرح بها أحد من الأصحاب، والأصح فيها: الجواز، بل الأصح في فاقد الطهورين بمثله: الجواز، والرافعي لم يصحح فيها المنع، وإنَّما قال: إنه أوفق لإطلاق أكثرين؛ حيث منعوا الاقتداء به ولم يفصلوا. انتهى (¬3). 754 - قول "التنبيه" [ص 39]: (ولا تجوز صلاة قارئ خلف أمي ولا أخرس ولا أرت ولا ألثغ في أحد القولين) (¬4) فيه أمور: أحدها: أن الأصح: البطلان، وهو مفهوم من حكاية "المنهاج" له عن الجديد، وعليه مشى "الحاوي" (¬5). ثانيها: اقتضى كلامه أن هؤلاء غير داخلين في الأمي لعطفهم عليه، وصرح "المنهاج" بدخولهم فيه، فقال في الأمي [ص 120]: (وهو من يُخِلّ بحرف أو تشديدة من "الفاتحة")، ومن المعلوم أن الأخرس كذلك، ثم قال [ص 120]: (ومنه: أرت وألثغ)، وعلى ذلك يحمل قول "الحاوي" [ص 177]: (كالأرت والألثغ) فهو تمثيل لا تنظير. ثالثها: محل الخلاف: فيمن عصاه لسانه أو طاوعه ولم يمض زمن يمكن التعلم فيه، فإن مضى وقَصَّر بترك التعلم .. فلا يصح الاقتداء به قطعًا، قاله الرافعي والنووي (¬6)، وقد ذكر "المنهاج" نظيره في اللاحن (¬7)، وهذا وارد على "المنهاج" أيضًا، لكن في "الكفاية" عن ابن يونس طريقة طاردة للخلاف، وهي أيضًا في "التهذيب" (¬8). قال في "المهمات": (إلَّا أن هذا الخلاف خاص بقسمين من أقسام الأمي، وهما الأرت ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 177)، المنهاج (ص 120). (¬2) الروضة (1/ 349). (¬3) انظر "فتح العزيز" (2/ 158). (¬4) الرتة بالضم: حبسة في اللسان، وعن المبرد: هي كالريح تمنع الكلام، فإذا جاء شيء منه .. اتصل، قال: وهي غريزة تكثر في الأشراف، وقيل: إذا عرضت للشخص .. تتردد كلمته ويسبقه نفسه، وقيل: يدغم في غير موضع الإدغام، يقال منه: (رت) (رتتًا) من باب تعب فهو (أرت) وبه سمي، والمرأة (رتاء)، والجمع (رت) مثل أحمر وحمراء وحمر. واللثنة: حبسة في اللسان حتَّى تصير الراء لامًا أو غينًا، أو السين ثاء ونحو ذلك، قال الأزهري: اللثغة: أن يعدل بحرف إلى حرف، و (لثغ) (لثغًا) من باب تعب فهو (ألثغ)، والمرأة (لثغاء) مثل أحمر وحمراء. انظر "المصباح المنير" (1/ 218)، (2/ 549). (¬5) الحاوي (ص 177)، المنهاج (ص 120). (¬6) انظر "فتح العزيز" (2/ 159)، و"المجموع" (4/ 235). (¬7) المنهال (ص 120). (¬8) التهذيب (2/ 266، 267).

والألثغ، أما من لم يحفظ بالكلية .. فلا، فَتَفَطَّن له؛ فإن كلام ابن الرفعة هنا فيه خلل) انتهى. ويرد على قول "المنهاج" [ص 120]: (ولا قارئ بأمي في الجديد) أن مقتضاه: أن مقابله: الصحة مطلقًا، وصرح به في "المهذب" (¬1)، وجرى عليه ابن يونس، وهو مخرج، والمشهور المنصوص في القديم: منعه في الجهرية خاصة، فإن قلت: يرد ذلك على "التنبيه" أيضًا .. قلت: لا يرد عليه؛ لأنه إنما قال: إن عدم الجواز أحد القولين؛ ففهم أن مقابله: الجواز مطلقًا، وهو قول ثابت بلا شك؛ فإن القول المخرَّج يطلق عليه قول، وأما "المنهاج": فإنه لما قال: إن البطلان هو الجديد .. اقتضى أن الصحة مطلقًا هو القديم، وليس كذلك عند الجمهور، وأيضًا: فإنه مختصر لـ "المحرر"، والذي في "المحرر": هو الصحة في السرية خاصة، لا مطلقًا (¬2). وقولهم بصحة اقتداء الأمي بمثله يتناول الجمعة فيما لو أم فيها أمي بأربعين أميين، قال في "البحر": وهو الأشبه بإطلاق الأصحاب، وحكى معه وجهًا بالمنع، وعلله: بأنها فرض على الأعيان ولا يفعل مرتين، فاعتبر أن يكون إمامها كاملًا، وهو فرع غريب (¬3). 705 - قول "المنهاج" [ص 120] و"الحاوي" [ص 184]: (وتكره إمامة التّمْتَام والفَأفَاء) (¬4) وكذا الوأواء، وهو الذي يكرر الواو، قاله في "البيان" (¬5)، قال في "المهمات": وكذا في تكرار سائر الحروف. 706 - قوله: (وتكره باللاحن، فإن غَيَّرَ معنى؛ كـ "أنعمتُ" بضمٍّ أو كسرٍ .. أبطل صلاة من أمكنه التعلم، فإن عجز لسانه، أو لم يمض زمن إمكان تعلمه: فإن كان في "الفاتحة" .. فكأُمَّيٍّ، وإلَّا .. فتصح صلاته والقدوة به) (¬6) فيه أمور: أحدها: أن تفصيله فيمن عجز لسانه، أو لم يمض زمن إمكان تعلمه بين (الفاتحة) وغيرها .. يقتضي أن بطلان الصلاة فيمن أمكنه التعلم لا فرق فيه بين (الفاتحة) وغيرها، وليس كذلك؛ فغير الفاتحة لا تبطل الصلاة باللحن فيه؛ كقوله: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} بجر اللام، إلَّا إن كان عالمًا به وتعمده، فمع الجهل والنسيان لا يضر كما قاله الإمام وغيره (¬7)، وذكر مثل ذلك في ¬

_ (¬1) المهذب (1/ 98). (¬2) المحرر (ص 53). (¬3) بحر المذهب (3/ 22، 23). (¬4) التمتام: هو الذي يكرر التاء، فيقول: (إياك نستتعين)، الفأفاء: هو الذي يكرر الفاء، فيقول: (ففلله). انظر "البيان" (2/ 414). (¬5) البيان (2/ 414). (¬6) انظر "المنهاج" (120). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (2/ 380).

"الروضة" تبعًا لأصله، وزاد حكمين آخرين، وهما: وجوب التعلم والقضاء عند ضيق الوقت عنه (¬1)، وهذا باطل في غير (الفاتحة)، ذكره في "المهمات". ثانيها: مضي زمن إمكان التعلم معتبر من إسلام المصلي إن طرأ عليه الإسلام، ذكره البغوي وغيره (¬2)، فإن كان مسلمًا أصليًا .. فالمتجه كما في "المهمات": اعتباره من سن التمييز؛ لكون الأركان والشروط لا فرق فيها بين البالغ والصبي، قال: وحينئذ .. فلا تصح صلاة المميز إذا أمكنه التعلم ولا يصح الاقتداء به. ثالثها: قوله: (وإلَّا .. فتصح) قال إمام الحرمين: ولو قيل: ليس لهذا اللاحن قراءة غير (الفاتحة) مما يلحن فيه .. لم يكن بعيدًا؛ لأنه يتكلم بما ليس بقرآن بلا ضرورة (¬3)، واختاره السبكي، وقال: ومقتضاه: البطلان في القادر والعاجز. 707 - قولهما -والعبارة لـ"المنهاج" -: (ولا تصح قدوة رجل ولا خنثى بامرأةٍ ولا خنثى) (¬4) لو عبرا بـ (الذكر) ليكون صريحًا في تناول الصبي وبـ (المشكل) ليخرج الخنثى الواضح. . لكان أولى، وقد فعل ذلك "الحاوي" في الثاني فعبر بالمشكل، لكنه عبر بالرجل (¬5)، وأرادوا: خلاف المرأة، فتناول الصبي. 708 - قول "المنهاج" [ص 120]: (وتصح للمتوضئ بالمتيمم) أي: الذي لا تلزمه الإعادة؛ لقوله قبل ذلك [ص 120]: (ولا بمن تلزمه إعادة كمقيمٍ تيمم). 709 - قوله: (والمضطجع) (¬6) أي: ولو كان مومئًا كما صرح به المتولي. 710 - قوله: (والكامل بالصبي والعبد) (¬7) أي: مع كون الكامل - وهو البالغ الحر - أولى، وقد صرح بذلك "التنبيه" فقال [ص 39]: (والبالغ أولى من الصبي، والحر أولى من العبد) لكن لو ترجح العبد بالفقه .. فالأصح في "شرح المهذب": أنهما سواء (¬8). 711 - قول "التنبيه" [ص 39]: (والحاضر أولى من المسافر) محله: إذا لم يكن سلطانًا ولا إمامًا، فإن كان .. فهو أولى. ¬

_ (¬1) الروضة (1/ 350). (¬2) انظر "التهذيب" (2/ 267). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (2/ 380). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 39)، و"المنهاج" (ص 120)، (¬5) الحاوي (ص 177، 178). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 120). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 120). (¬8) المجموع (4/ 248).

712 - قوله: (والبصير عندي أولى من الأعمى، وقيل: هو والأعمى سواء) (¬1) الثاني هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" وعزاه للنص (¬2)، وقال النووي في "مختصر التذنيب": الأقوى: أن الأعمى أولى، قال الماوردي: ولو اجتمع حر ضرير وعبد بصير .. فالأول أولى (¬3). 713 - قوله: (ويكره أن يؤم الرجل قومًا وأكثرهم له كارهون) (¬4) المراد: أن يكرهوه لأمر مذموم في الشرع، وإلَّا .. فالعتب عليهم، ولعل هذه الكراهة للتحريم، فقد نص عليه الشَّافعي فقال: ولا يحل لرجل أن يؤم قومًا وهم يكرهونه (¬5)، وعده صاحب "العدة" في الصغائر، وأقره في "الروضة" تبعًا لأصله في (الشهادات) (¬6). 714 - قوله: (ولا طاهرة خلف المستحاضة) (¬7) الأصح: خلافه، إلَّا أن تكون متحيرة وقلنا بوجوب القضاء عليها، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 120]: (وطاهرة بالمستحاضة غير المتحيرة) ومنه يؤخذ أن المتحيرة تقضي ما صلّته أولًا وإن لم يصرح به "المنهاج" في موضعه؛ إذ لا معنى لمنع الاقتداء بها إلَّا ذلك، أما إذا قلنا: إنها لا تقضي .. فالظاهر: جواز اقتداء الطاهرة بها وإن لم يصرحوا به، وفهم من عبارتهما صحة اقتداء المستحاضة بمثلها، لكن الأصح: منع اقتداء المتحيرة بمتحيرة، ذكره في "الروضة" في (الحيض) (¬8)، وقال شيخنا الإمام شهاب الدين بنُ النقيب: عبارة "المنهاج" تفهم جواز اقتداء كل منهما بمثلها، وهو قياس ما تقدم في الأمي بمثله (¬9). قلت: ليس اقتداء المتحيرة بمثلها كاقتداء الأمي بمثله؛ لوجوب القضاء على المتحيرة دون الأمي، وقد عرفت أن النقل منع اقتداء المتحيرة بمثلها، فما ذكره شيخنا ممنوع نقلًا وبحثًا، والله أعلم. 715 - قول "التنبيه" [ص 39]: (ولا تجوز صلاة الجمعة خلف من يصلي الظهر، وفي جوازها خلف صبي أو متنفل قولان) الأصح في الكل: الصحة، والصورة: أن يتم العدد بغيره، لكن جزمه بالمنع من الجمعة خلف الظهر مع حكاية الخلاف في المتنفل خلاف المنقول في الرافعي ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 39). (¬2) المنهاج (ص 120). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (2/ 322). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 39). (¬5) انظر "الأم" (1/ 160). (¬6) الروضة (1/ 378). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 39). (¬8) الروضة (1/ 159، 160). (¬9) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 371).

وغيره (¬1)؛ فإن فيه طريقين: التسوية، والقطع بصحة الجمعة خلف الظهر، ولا فرق بين أن يصلي الظهر تامة أو مقصورة، والظهر مثال، فالصبح وغيرها كذلك. 716 - قوله: (فإن صلى أحد هؤلاء خلف أحد هؤلاء ولم يعلم ثم علم .. أعاد، إلَّا من صلى خلف المحدث؛ فإنه لا إعادة عليه في غير الجمعة وتجب في الجمعة) (¬2) فيه أمور: أحدها: لفظ (المحدث) يشمل الجنب، فذكره كما في "التنبيه" و"الحاوي" أولى من ذكر "المنهاج" (الجنب) (¬3) لعمومه، لكن إذا لم تجب الإعادة في الصلاة خلف الجنب .. فخلف المحدث أولى، فذكره أولى من جهة أخرى، وجمع بينهما في "المحرر" (¬4). ثانيها: يستثنى من كلام "التنبيه" و"المنهاج": ما إذا عرف حدثه ثم صلى خلفه ناسيًا .. فإنه تجب الإعادة، وقد ذكره "الحاوي" (¬5). ثالثها: محل إيجاب الإعادة في الجمعة: إذا كان أحد الأربعين، فإن تم العدد بغيره .. لم تجب الإعادة في الأصح، وعليه قول "الحاوي" [ص 178]: (ولو جمعة) أي: إن تم العدد بغيره، فإن كان أحد الأربعين .. وجبت الإعادة، فإطلاق كل منهما مدخول، وإطلاق "المنهاج" عدم الإعادة فيما إذا كان جنبًا محمول في الجمعة على ما إذا تم العدد بغيره، فإطلاقه مقيد كتصريح "الحاوي". رابعها: يستثنى مع المحدث: ما إذا تبين أن عليه نجاسة غير معفو عنها، وفي "تصحيح" النووي وشيخنا الإسنوي: التعبير عن ذلك بالصواب (¬6)، قال النشائي: وفيه نظر؛ فإنه لو كان الإمام عالما بالحدث .. ففي الإعادة قول في "شرح المهذب"، وقد سووا بينهما. انتهى (¬7). قلت: إنما أراد: أن استثناء ذي النجاسة في الجملة متفق عليه وإن اختلف في بعض تفاصيله، والقول إنما هو في حالة العلم خاصة، وقيد "المنهاج" و"الحاوي" و"التصحيح"النجاسة بكونها خفية (¬8)، فاقتضى أن الظاهرة تجب معها الإعادة، وكذا في "الكفاية" عن القاضي حسين، لكن في "الروضة": قطع صاحب "التتمة" و" التهذيب" وغيرهما بأن النجاسة كالحدث، ولم ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (2/ 271). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 39). (¬3) المنهاج (ص 120). (¬4) المحرر (ص 54). (¬5) الحاوي (ص 175). (¬6) تصحيح التنبيه (1/ 149)، تذكرة النبيه (2/ 503). (¬7) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 36)، و"المجموع" (4/ 224). (¬8) الحاوي (ص 178)، المنهاج (ص 120)، تصحيح التنبيه (1/ 149).

يفرقوا بين الخفية وغيرها، ومشى على ذلك في "التحقيق" (¬1)، واعتمده شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" فقال: (والأصح: عدم وجوبها أيضًا إذا كانت ظاهرة، عكس ما أفهمه كلام "التصحيح" و"المنهال" (¬2). خامسها: استثنى "الحاوي" أيضًا: ما إذا تبين كونه كافرًا يخفي كفره، وعبر عنه بالزنديق (¬3)، فهو عنده مرادف للمنافق، والمشهور: أن الزنديق من لا يعتقد شيئًا، ومشى في "المحرر" على استثناء مُخفي الكفر (¬4)، فاستدرك عليه في "المنهاج" وقال [ص 120]: (الأصح المنصوص وقول الجمهور: أن مُخْفِي الكفر هنا كمعلنه)، لكنه في "الروضة" قال: (إن الأقوى دليلًا استثناؤه) (¬5) فلذلك قال شيخنا الإسنوي في "تصحيحه": (إنه المختار) (¬6)، وصححه في "أصل الروضة" مع كون الرافعي إنما حكى تصحيحه عن البغوي وجماعة (¬7)، لكنه صححه في "الشرح الصغير". سادسها: استثنى "الحاوي" أيضًا: ما إذا تبين قيامه إلى ركعة زائدة ساهيًا وتابعه المأموم فيها جاهلًا .. فلا قضاء عليه وتحسب له الركعة، فقال: (أو قائمًا بزيادة) (¬8) ولا بد من تقييده بالسهو. سابعها: قال النشائي في "نكته": (كلام الشيخ يشمل المجنون، وشرطه: أن يكون مطبقًا، فلو اختلف حاله جنونًا وإفاقة وإسلامًا وردةً .. فلا، ذكره في "الروضة") (¬9). قلت: مقتضى هذا الكلام: أنَّه لو اختلف حاله وتبين أنَّه صلى خلفه حالة الجنون .. لم تجب الإعادة، وليس كذلك، وعدم الإعادة إنما هو إذا لم يدر هل اقتدى به حالة الجنون أو الإفاقة؟ وكذا هو في "الروضة" (¬10). ثامنها: يستثنى أيضًا: المستحاضة تفريعًا على مرَّةً الاقتداء بها؛ ففي "الكفاية" عن الماوردي: أنَّها كالحدث (¬11)؛ لأن الاستحاضة مما يخفى، وهذا وارد على "المنهاج" أيضًا؛ ¬

_ (¬1) التهذيب (2/ 266)، الروضة (1/ 353)، التحقيق (ص 270). (¬2) تذكرة النبيه (2/ 503). (¬3) الحاوي (ص 178). (¬4) المحرر (ص 54). (¬5) الروضة (1/ 352). (¬6) تذكرة النبيه (2/ 501). (¬7) الروضة (1/ 352)، وانظر "التهذيب" (2/ 268، 269)، و"فتح العزيز" (2/ 164). (¬8) انظر "الحاوي" (ص 178). (¬9) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 36)، وانظر الروضة (1/ 353). (¬10) الروضة (1/ 353). (¬11) انظر "الحاوي الكبير" (1/ 176)، وقوله: (كالحدث) كذا في النسخ، ولعل الصواب: (كالمحدث).

لمنعه الاقتداء بالمتحيرة، ثم لم يستثنها هنا، ولا يقال: دخلت في الحدث؛ لأن الاقتداء بها لم يبطل لأجل الحدث، بدليل صحة الاقتداء بالمستحاضة غير المتحيرة، وإنَّما هو لوجوب القضاء عليها. تاسعها: وتناول كلام "التنبيه" المخالفة في الأفعال الظاهرة؛ بأن اقتدى به في القيام الثاني من الركعة الثانية ولم يدر أنَّه في صلاة كسوف وأتم المأموم ثم علم بالحال، لكن قال في "الكفاية": الذي يظهر لي: صحة القدوة؛ فإن علة المنع المخالفة، ولا مُخَالَفَةُ، ويؤيده أن من منع قدوة المغرب بالظهر .. جوزه بعد ركعة منه. انتهى. والمسألة منقولة ذكرها الروياني في "البحر" في فروع متفرقة بعد (باب إمامة المرأة) وفرضها فيمن افتتح صلاة الصبح مثلًا خلف من يصلي على جنازة ولم يعلم، ثم علم ونوى مفارقته في الحال قبل التكبيرة الثانية .. قال: هل تصح صلاته؟ وجهان، أحدهما: نعم؛ كالصلاة خلف الجنب، والثاني: لا؛ كالصلاة خلف الكافر؛ لأن العلامة ظاهرة في الغالب، وجعل الثاني أوضح (¬1)، وهو مقتضى كلام "التنبيه". عاشرها: وتناول أيضًا: ما لو بأن إمام الجمعة متنفلًا، أو يصليها ظهرًا مقصورة بناءً على المنع، قال في "الكفاية": ويشبه إلحاقه بالمحدث. 717 - قول "المنهاج" [ص 121]: (ولو اقتدى بخنثى فبان رجلًا .. لم يسقط القضاء في الأظهر) وكذا لو اقتدى خنثى بامرأة، أو خنثى بخنثى فبان المقتدي امرأة والإمام رجلًا، أو بانا رجلين، أو امرأتين، وقول "الحاوي" [ص 177، 178]: (وبالمرأة وبالمشكل الرجل والمشكل وإن بأن أن لا خلل) يشمل هذه المسائل، وفي "البحر" فيما إذا اقتدى خنثى بامرأة معتقدًا أنَّها رجلٌ ثم بان أن الخنثى أنثى .. عن والده احتمالان: أحدهما: الصحة؛ لاعتقاده جواز الاقتداء وقد بأن في المآل جوازه. والثاني: عدم الصحة؛ لتفريطه حيث لم يعلم كونها امرأة، قال: وهذا أصح، قال: وعلى هذا لو حكم الحاكم في الحدود بشهادة الخنثى وهو يعتقده رجلًا ثم بأن كذلك .. فالحكم صحيح على الأول دون الثاني. انتهى (¬2). 718 - قولهما: (والعَدْلُ أولن من الفاسق) (¬3) قد يفهم أنَّه لا تكره إمامته، وليس كذلك، فهي مكر وهة قطعًا، وقد ذكره "الحاوي" (¬4). ¬

_ (¬1) بحر المذهب (3/ 19). (¬2) بحر المذهب (3/ 16). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 39)، و"المنهاج" (ص 121). (¬4) الحاوي (ص 182).

719 - قول "الحاوي" [ص 182]: (وكره إمامة المبتدع) أي: إن لم يكفر ببدعته، لكن صحح النووي: عدم التكفير بالبدعة، إلَّا أنَّه في "شرح المهذب" جزم بتكفير المجسمة ومنكري العلم بالجزئيات، وجعل من عداهم مبتدعة (¬1)، واختار شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني القول بتكفير القائل بخلق القرآن، وعزاه للنص، ولم يؤوله، وبسط ذلك في "تصحيح المنهاج" في "الشهادات". 720 - قول "المنهاج" [ص 121]: (الأصح: أن الأفقه أولى من الأقرأ والأورع) فيه أمور: أحدها: أن الرافعي نقل في (صلاة الجنازة) ما يقتضي أنَّه نص الشَّافعي هنا (¬2)، فكان ينبغي التعبير عنه بالنص. ثانيها: مقابل الأصح مختلف؛ ففي الأقرأ قيل: يساويه، وقيل: يقدم عليه، وفي الأورع قيل: يقدم عليهما. ثالثها: لم يبين مرتبة الأورع؛ فإنه ذكر تقديم الأفقه عليه، ولم يبين حكمه مع الأقرأ، ثم ذكر تقديم الأفقه والأقرأ على الأسن النسيب، ولم يتعرض مع ذلك للأورع، وقد نقل في "الروضة" تبعا لأصله عن الجمهور: تقديم الأقرأ عليه، وصححه (¬3)، وجعله في "التنبيه" مؤخرًا عن السن والنسب والهجرة، وأقره عليه في "التصحيح" (¬4)، وهو ظاهر ما في "الشامل" وغيره، وصرح به الروياني في "الحلية"، لكن عبارة "التحقيق" تقتضي تقديمه على الهجرة وما بعدها، فقال: (فإن استوى الفقه والقراءة والورع .. قدمت الهجرة ... إلى آخره) (¬5)، وعلى ذلك مشى "الحاوي" فقال [ص 181]: (ثم الأقرأ ثم الأورع ثم الأسن) وعبارة "المنهاج" تفهم ذلك؛ فإنه إنما تكلم على السن والنسب بعد نصب الخلاف في الفقه والورع، ثم قال بعد الأسن [ص 121]: (والنسيب. فإن استويا .. فنظافة الثوب ... إلى آخره) فلو كان الأورع مؤخرًا عن الأسن والنسيب .. لزم تأخيره عن نظافة الثوب وما بعده، ولا قائل به، فتعين تقديمه عليهما، وهو الراجح، وقال السبكي: إذا اجتمع شخص يحفظ القرآن كله من غير فقه؛ أين الدليل على تقديمه على الأسن الأورع الذي يحفظ بعض القرآن ويساويه في الفقه، أو في الخلو منه؟ قلت: الدليل على ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله" (¬6). ¬

_ (¬1) المجموع (4/ 222). (¬2) انظر "فتح العزيز" (2/ 430). (¬3) الروضة (1/ 355). (¬4) التنبيه (ص 39)، تصحيح التنبيه (1/ 144). (¬5) التحقيق (ص 273). (¬6) أخرجه مسلم (673) من حديث أبي مسعود الأنصاري.

تنبيه [أما هو المراد بالأفقه والأقرأ ونحوها في باب الصلاة]

رابعها: لم يذكر "المنهاج" وكذا "الحاوي" قدم الهجرة أصلًا، وذكره في "التنبيه" مؤخرًا عن السن والنسب ومقدمًا على الورع، وأقره في "التصحيح" (¬1)، لكن صحح في "التحقيق" واختار في "شرح المهذب": تقديم الهجرة على السن والنسب (¬2)، فيكون المقدم الأفقه ثم الأقرأ ثم الأورع ثم الأقدم هجرة ثم الأسن ثم النسيب. خامسها: يستثنى من تقديم الأفقه: ما إذا اجتمع عبد فقيه وحر غير فقيه .. فالأصح في "شرح المهذب": أنهما سواء (¬3) ويستثنى أيضًا: الصبي؛ فإن البالغ أولى منه وإن كان الصبي أفقه، وهذان الفرعان يردان على "التنبيه" و"الحاوي" أيضًا. 721 - قول "التنبيه" [ص 39]: (فإن استويا في ذلك .. قدم أشرفهما -أي: نسبًا - وأسنهما) يفهم التسوية بين الوصفين، والمنقول قولان، الجديد: تقديم الأسن، وفي القديم: قولان، وقد ذكره "المنهاج" بقوله [ص 121]: (والجديد: تقديم الأسن على النسيب) ومشى عليه "الحاوي" (¬4). 722 - قول "التنبيه" بعد ذكر الصفات الستة [ص 39]: (فإن استويا في ذلك .. أقرع بينهما) قبل الإقراع صفات مرجحة باتفاق ذكرها "المنهاج" بقوله [ص 121]: (فإن استويا .. فنظافة الثوب والبدن، وحسن الصوت، وطيب الصنعة ونحوها) ولم يذكر بينها ترتيبًا، وفي "الحاوي" [ص 181]: (ثم نظيف الثوب، ثم حسن الصوت، ثم الصورة) وكذا رتب هذه الثلاثة في "الشرح الصغير"، وحكاه في "الكبير" عن "التتمة" (¬5)، وفي "شرح المهذب": (المختار: تقديم أحسنهم ذكرًا، ثم صوتًا، ثم هيئة) (¬6)، وفي "التحقيق": (حسن الذكر، ثم نظافة الثوب والبدن، وطيب الصنعة والصوت، ثم حسن الوجه) (¬7)، واقتصر "الحاوي" على نظافة الثوب، ولم يذكر البدن كما في "المنهاج"، ولو عبرب (الملبوس) .. لكان أعم من الثوب، ولم يذكر الإقراع أصلًا (¬8). تَنْبِيْهٌ [أما هو المراد بالأفقه والأقرأ ونحوها في باب الصلاة] المراد: الأفقه في باب الصلاة، لا مطلق الفقه، والمراد بالأقرأ: الأكثر قراءة، أو الأحفظ ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 39)، تصحيح التنبيه (1/ 144). (¬2) التحقيق (ص 273)، المجموع (4/ 245). (¬3) المجموع (4/ 248). (¬4) الحاوي (ص 181). (¬5) فتح العزيز (2/ 170). (¬6) المجموع (4/ 245). (¬7) التحقيق (ص 273). (¬8) انظر "الحاوي" (ص 181).

كما اقتضاه كلام الشَّافعي، حكاه الرافعي، أو الأصح قراءة كما حكاه ابن الرفعة عن بعضهم، واختاره السبكي، والمراد بالورع: العفة وحسن السيرة كما ذكروه هنا، والمتجه: أنَّه اجتناب الشبهات كما في كتب التصوف و"التحقيق" و"شرح المهذب" (¬1)، وورد في حديث مرفوع رواه الطبراني في "معجمه الكبير" عن واثلة بنُ الأسقع: أنَّه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: مَن الوَرِعِ؟ قال: "الذي يَقِفُ عِنْدَ الشُّبْهَةِ" (¬2). ولم يقدموا بالزهد، والمتجه: التقديم به، وهو أعلى من الورع؛ إذ هو في الحلال، والورع في الشبهة كما تقدم، والمعتبر: السن الماضي في الإسلام، حتَّى يقدم شاب نشأ في الإسلام على شيخ أسلم عن قرب، ولا نظر إلى الشيخوخة، لكن في "المهمات" تبعا للمحب الطَّبري: المتجه: أنهما إذا أسلما معًا واستويا في الصفات .. أنَّه يقدم بالشيخوخة، والمراد بالنسب: المقدم به في الكفاءة، والمراد بقدم الهجرة: أن تسبق هجرته من بلد الكفر لبلد الإسلام، فلم تنقطع الهجرة بهذا المعنى، أو تسبق هجرة أحد أجداده للنبي صلى الله عليه وسلم. 723 - قول "التنبيه" [ص 39]: (وصاحب البيت أحق من غيره) قال في "الكفاية": المراد به: مستحق منافعه بملك، أو إجارة، أو إعارة، وحينئذ .. يستثنى العبد الساكن؛ فسيده أحق، إلَّا أن يكون العبد مكاتبًا ويستثنى: المعير، فالأصح: أنَّه أولى من المستعير، وقد ذكرهما "المنهاج" و"الحاوي" (¬3)، واختار السبكي تبعا للبغوي تقديم المستعير (¬4). 724 - قول "الحاوي" [ص 182]: (متخلفًا قليلًا) أي: على جهة الندب، كما صرح به "المنهاج" بقوله [ص 121]: (ويُنْدَبُ تَخَلُّفُهُ قليلًا) قال: (ولا تضر مساواته) لكن في "شرح المهذب": إنها مكروهة (¬5). 725 - قول "المنهاج" [ص 121]: (والاعتبار بالعَقِبِ)، قال في "المهمات": (بثلاثة شروط: أحدها: أن يصلي قائمًا، فإن صلى قاعدًا .. فالاعتبار بمحل القعود، وهو الألية، حتَّى لو مد رجليه وقدمهما على الإمام .. لم يضر، أو مضطجعًا .. فالاعتبار بالجنب، ذكره البغوي في "فتاويه"، وهو ظاهر. ¬

_ (¬1) التحقيق (ص 273)، المجموع (4/ 244)، وانظر "الورع" لابن أبي الدنيا (ص 60)، و"إحياء علوم الدين" (1/ 18). (¬2) المعجم الكبير (78/ 22) (193). (¬3) الحاوي (ص 181)، المنهال (ص 121). (¬4) انظر "التهذيب" (2/ 287). (¬5) المجموع (4/ 257).

ثانيها: أن تكون رجله موضوعة على الأرض، فلو قدمها على رجل الإمام وهي مرتفعة عن الأرض .. لم يضر إذا كانت الأخرى - وهي التي يعتمد عليها - غير متقدمة كما أوضحوه في "الاعتكاف" و"الأيمان"، فلو لم يعتمد على شيء من رجليه بل جعل تحت إبطيه خشبتين، أو تعلق بحبل .. فالظاهر: أن الاعتبار في الأولى بالجَنْب وفي الثانية بالمنكب؛ لأنه في الاعتماد لهذا الشخص كالجنب للمضطجع. ثالثها: أن يعتمد على رجله، فإن لم يعتمد عليها .. لم يضر تقدمه بها، بدليل ما قالوه في "الأيمان"، قال: ويأتي الاعتماد أيضًا فيما إذا وضع رجليه معًا على الأرض وتأخر العقب وتقدمت رؤوس الأصابع، فإن اعتمد على العقب .. صح، أو على رؤوس الأصابع .. فلا) انتهى كلامه. 726 - قول "التنبيه" [ص 39]: (السنة أن يقف الرجل الواحد عن يمين الإمام) لو عبر بـ (الذكر) كما فعل "المنهاج" و"الحاوي" (¬1) .. لكان صريحًا في تناول الصبي، فليحمل الرجل في كلامه على خلاف المرأة؛ ليتناول الصبي، لكن يبعده قوله بعد ذلك: (وإن حضر رجلان، أو رجل وصبي .. اصطفا خلفه) (¬2) فإنه يدل على أنَّه أطلق الرجل في مقابلة الصبي. 727 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ولو حضر آخر .. أحرم عن يساره) (¬3) بحث السبكي في أن الآخر هل يحرم عن يساره أو خلفه؟ . 728 - قولهما: (ثم يتقدم الإمام، أو يتأخر المأمومان) (¬4) أي: إذا أمكن (كلٌّ) منهما، فإن لم يمكن إلَّا أحدهما؛ لضيق إحدى الجهتين .. تعين، زاد "المنهاج" [ص 122]: (وهو أفضل) أي: تأخرهما، وكذا في "الحاوي"، وزاد أيضًا [ص 182]: (أن ذلك إنما يكون في القيام) أي: فلو كان الإمام في التشهد، أو السجود وأحرم معه .. فلا تقدم ولا تأخر حتَّى يقوموا، كذا في "الروضة" تبعا لأصله (¬5)، وقوله: (حتَّى يقوموا) يقتضي أن مراده: التشهد الأول، قال السبكي: وينبغي إلحاق التشهد الأخير بالقيام، وقال في "المهمات": صرح القاضي أَبو الطيب أنَّه لا فرق بين التشهدين، وعلله بأنه عمل طويل، وجزم به في "الكفاية" أيضًا حكمًا وتعليلًا. 729 - قول "المنهاج" [ص 122]: (ويقف خلفه الرجال ثم الصبيان ثم النساء) أهمل ذكر ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 182)، المنهاج (ص 122). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 39). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 39)، و"الحاوي" (182)، و"المنهاج" (ص 122). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 39)، و"المنهاج" (ص 122). (¬5) الروضة (1/ 359).

الخناثى بين الصبيان والنساء، وصرح به كذلك "التنبيه" و"الحاوي" (¬1)، وقال الدارمي في "الاستذكار": إنما يتقدم الرجال على الصبيان إذا كانوا أفضل، أو تساووا، فإن كان الصبيان أفضل .. قدموا، وعندي: أن هذا وجه لا قيد في المسألة، فالراجح: ما أطلقه الجمهور. 730 - قوله: (وتقف إمَامَتُهُنَّ وَسْطَهُنَّ) (¬2) كذا إمام العراة، وقد صرح به "التنبيه" و"الحاوي" (¬3)، ومحله: إذا كانوا ناظرين، فإن كانوا عميانًا، أو في ظلمة .. تقدم إمامهم عليهم، كما في زوائد "الروضة" في ستر العورة (¬4). 731 - قول "التنبيه" [ص 39]: (ومن حضر ولم يجد في الصف فرجة .. جذب واحدًا ثم اصطف معه) فيه أمران: أحدهما: اقتصر على ذكر الفرجة، وكذا في "الحاوي" (¬5)، وفي "المنهاج" [ص 122]: (إن وجد سعة)، وفي "الروضة" تبعًا لأصله: إن وجد فرجة، أوسعة، وكتب بخطه على الحاشية: الفرجة: خلاء ظاهر، والسعة: ألاَّ يكون خلاء، ويكون بحيث لو دخل بينهما .. لوسعه. انتهى (¬6). وظهر به أن الاقتصار على السعة أولى من الاقتصار على الفرجة؛ لأنه يفهم من السعة الفرجة، ولا عكس. ثانيهما: جذب واحدٍ إنما يكون بعد إحرامه؛ كما في "المنهاج" و"الحاوي" (¬7)، وصرح في "الكفاية" بأنه لا يجوز قبله. 732 - قولهم -والعبارة لـ"المنهاج" -: (وإذا جمعهما مسجد .. صح الاقتداء وإن بعدت المسافة وحالت الأبنية) (¬8) فيه أمور: أحدها: يشترط أن تكون أَبوابها نافذة إليه سواء أكان الباب بينهما مفتوحًا أو مغلقًا، وإلَّا .. فلا تعد مسجدًا واحدًا، كذا في "الروضة" تبعًا لأصله (¬9)، وقال شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني: هذا لم يقله أحد من الأصحاب، وإطلاق النص في "الأم" و"المختصر " يخالفه، وكذلك كلام ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 39)، الحاوي (ص 182). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 122). (¬3) التنبيه (ص 39)، الحاوي (ص 182). (¬4) الروضة (1/ 285). (¬5) الحاوي (ص 182). (¬6) الروضة (1/ 360). (¬7) الحاوي (ص 182)، المنهاج (ص 122). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 40)، و"الحاوي" (ق 13)، و"المنهاج" (ص 122). (¬9) الروضة (1/ 360، 361).

الأصحاب (¬1)، وقد حكى المصنِّف في الزَحْبَة عن الأكثرين أنَّها معدودة من المسجد، ولم يذكروا فرقًا بين أن يكون بينها وبين المسجد طريق أم لا. ثانيها: حكم المساجد المتلاصقة المتنافذة حكم المسجد الواحد كما صوبه في "الروضة" (¬2)، وقولهم: (جَمَعَهُمَا مسجد) قد يخالفه. ثالثها: قد يفهم أن الرحبة المنفصلة عن المسجد كآخر، ولا سيما زيادة تأكيد "التنبيه" بقوله في آخر المسألة: (بعد أن يكونا في المسجد)، وبه قال ابن كج، وقال في "الشرح الصغير": إنه حسن، لكن الأكثرون على خلافه، وقال في "شرح المهذب": إنه المذهب (¬3). 733 - قول "التنبيه" فيما إذا صلى به خارج المسجد وانقطعت الصفوف ولم يكن دونه حائل [ص 40]: (جازت صلاته إذا لم يزد ما بينه وبين آخر صف على ثلاث مئة ذراع) فيه أمران: أحدهما: ذكر في "الكفاية" أن مقتضاه: أنَّها تحديد، والأصح: أنَّها تقريب، وقد صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، والتفاوت بين الوجهين قريب؛ فإن قائل التحديد هو أَبو إسحاق، وقد حكى عنه الدارمي في "الاستذكار" أنَّه لا يضر زيادة ذراعين ونحوهما، وفي "الشافي": لا يضر على التقريب أيضًا زيادة ذراعين، وفي "التهذيب" و"البحر": لا يضر على التقريب زيادة ثلاثة أذرع (¬5)، وعليه يدل قول "شرح المهذب": أذرع يسيرة (¬6)، لكن قال الدارمي: يرجع فيه إلى العرف. ثانيهما: ظاهر إطلاقه: أنَّه لا فرق في ذلك بين أن يكونا في فضاء أو بناءين، وهو طريق العراقيين، وصححه النووي (¬7)، ورجح الرافعي فيما إذا كانا بناءين: أنَّه إن كان بناء المأموم يمينًا أو شمالًا .. وجب اتصال صف من أحد البنائين بالآخر، ولا تضر فرجة لا تسع واقفًا في الأصح، وإن كان خلف بناء الإمام .. فالصحيح: صحة القدوة، بشرط ألا يكون بين الصفين أكثر من ثلاثة أذرع (¬8)، وعليه مشى "الحاوي" (¬9)، وبَيَّن "المنهاج" التصحيحين (¬10)، لكن قوله في الطريقة ¬

_ (¬1) الأم (1/ 172)، مختصر المزني (ص 23). (¬2) الروضة (1/ 361). (¬3) المجموع (4/ 260). (¬4) الحاوي (ص 178)، المنهاج (ص 122). (¬5) التهذيب (2/ 282)، بحر المذهب (2/ 433). (¬6) المجموع (4/ 261). (¬7) انظر "المجموع" (4/ 261، 262). (¬8) انظر "فتح العزيز" (2/ 180). (¬9) الحاوي (ص 178). (¬10) المنهاج (ص 122، 123).

الثانية [ص 123]: (أو حال بابٌ نافذ) معترض، فإن النافذ ليس بحائل، وصوابه: (أو كان باب نافذ). 734 - قول "التنبيه" [ص 40]: (وإن منع الاستطراق دون المشاهدة؛ بأن يكون بينهما شباك .. فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز) وكذا قول "المنهاج" [ص 123]: (وإن حال ما يمنع مرورًا لا رؤية .. فوجهان) الأصح: عدم الجواز، صححه في "شرح المهذب" و"التصحيح" وأدرج تصحيحه في "الروضة" في كلام الرافعي (¬1)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 179]: (بلا تخلل مشبّك أو باب مردود). لكن اعترض عليه: بأنه ذكر ذلك في الصحراء ولا شباك فيها ولا باب. وأجيب عنه: بأن مراده بالمنبسط: المتسع وإن كان مسقفًا أو محوطًا عليه كالبيوت الواسعة؛ فإن حكمها كما ذكرناه كما صرح به الرافعي (¬2)، أو أنَّه ذكر الباب والشباك ليذكر مغايرة حكم الشارع والنهر لهما مع كون الشارع والنهر يكونان في الصحراء، وقد ذكر "المنهاج" التصحيح في نظير المسألة، وهو: ما إذا وقف في موات وإمامه في المسجد، مع زيادة مسألة الباب المردود فقال عطفًا على البطلان: (وكذا الباب المردود والشباك في الأصح) (¬3) وكأنه لذلك أهمل التصحيح في تلك الحالة؛ لفهمه مما سيأتي، ولم يقع له ذكر خلاف بلا ترجيح سوى هذا، وقوله في (النفقات): (والوارثان يستويان أم يُوَزَّعُ بحسبه؛ فيه وجهان) (¬4) ولا ثالث لهما فيه، إلَّا ما كان مفرعًا على ضعيف، كالأقوال المفرعة على استعمال البينتين المتعارضتين هل يقرع أم يوقف أم يقسم؟ أقوال لا ترجيح فيها. قال في "الكفاية": وأفهم قول "التنبيه" بأن نفي الخلاف في النهر المُحْوِج إلى سباحة، وفيه وجهان، أصحهما: لا يضر، وقد ذكره "المنهاج" بقوله [ص 122]: (ولا يضر الشارع المطروق والنهر المُحْوِجُ إلى سباحةٍ على الصحيح) وعبارة "الحاوي" [ص 179]: (لا شارع، أو نهر كبير) فلم يقيد الشارع بكونه مطروقًا، وكان مراد "المنهاج" بكونه مطروقًا: كثرة طروقه، وإلَّا .. فكل شارع مطروق، فما لا يكثر طروقه .. لا يضر قطعًا كما دل عليه كلام الإمام (¬5). 735 - قول "المنهاج" - واللفظ له - و"الحاوي": (ولو وقف في العلو وإمامه في السفل أو ¬

_ (¬1) المجموع (4/ 262)، تصحيح التنبيه (1/ 150)، الروضة (1/ 363)، وانظر "فتح العزيز" (2/ 183، 184). (¬2) انظر "فتح العزيز" (2/ 180). (¬3) المنهاج (ص 123). (¬4) المنهاج (ص 464). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (2/ 406).

عَكْسِهِ .. شُرِطَ مُحَاذَاةُ بَعْضِ بَدَنِهِ بَعْضَ بَدَنِهِ) (¬1) أي: مع تقدير اعتدال قامة الأسفل حتَّى لو كان قصيرًا، لكنه لو كان معتدلًا لحصلت المحاذاة .. صح الاقتداء، وهنا تنبيهان: أحدهما: أن عبارة "الروضة" تبعا لأصلها: (في مكان عال من سطح، أو طرف صُفة مرتفعة) (¬2)، وما كنت أفهم إلَّا أن هذا مثال حتَّى رأيت شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني قال: إن هذا التقييد يدل على أن حكم الجبل مع السهل مغاير لذلك، وبه صرح الشيخ أَبو محمد في تصنيف له صغير سماه "احتياط الصلاة بالتمام من مواقف المأموم والإمام"، فقال: إذا وقف الإمام على السهل والمأموم على الجبل .. نظر: إن كان الجبل بحيث يمكن صعوده .. صح اقتداؤه به إذا كان مكان الارتقاء في الجهة التي فيها الإمام، وإن كان بخلاف ذلك .. كان الحكم بخلافه، ثم حكى عن الشَّافعي أنَّه قال: من صلى على أبي قبيس بصلاة الإمام في المسجد .. فصلاته باطلة، قال: ولا بد لهذه المسألة من تأويل مستقيم؛ لأنه لا يتعذر، فمن مشايخنا من قال: إنما منع الاقتداء؛ لبعد المسافة وزيادتها على ثلاث مئة ذراع، ومنهم من قال: للمساكن المبنية هناك؛ فإنها حائلة بين الإمام والمأموم. انتهى. وعندي أن الصورة التي تكلم عليها الشيخ أَبو محمد ليست مما نحن فيه؛ لأن صورته في الفضاء وكلامنا في البناء، فلا تلاقي بين الكلامين، وظهر به أن قول "الروضة": (من سطح ... إلى آخره) مثال، ولو صح قيدًا كما أشار إليه شيخنا .. لورد ذلك على إطلاق "المنهاج" و"الحاوي"، لكنه عندي مثال ولا إيراد، والله أعلم. ثانيهما: أن كلام "المنهاج" يفهم أن اشتراط المحاذاة تأتي على الطريقين معًا؛ فإنه ذكره مجزومًا به بعد استيفاء ذكر الطريقين، وعندي أن هذا إنما هو على طريقة اشتراط الاتصال في البناء بخلاف الفضاء، و"الروضة" تبعًا لأصله وإن ذكره بعد استيفاء الطريقين، لكن عبارته: (أما إذا وقف الإمام في صحن الدار والمأموم في مكان عال من سطح، أو طرف صُفة مرتفعة، أو بالعكس .. فبماذا يحصل الاتصال؟ وجهان) (¬3) وساق الكلام على ذلك، وهو صريح في أن هذا مفرع على طريقة من يشترط الاتصال، فأما من لا يشترطه .. فإنه لا يعتبر ذلك، فلو ذكر "المنهاج" هذا الفرع في أثناء ذكر الطريقة الأولى .. لاستراح من هذا الإيهام، ولو أنَّه قال بدل قوله: (شُرِطَ محاذاة بعض بدنه): (حصل الاتصال بمحاذاة بعض بدنه) .. لطابق عبارة "الروضة" وسلم من هذا الإيهام أيضًا، والله أعلم. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 179)، المنهاج (ص 123). (¬2) الروضة (1/ 363). (¬3) الروضة (1/ 363).

736 - قول "التنبيه" [ص 39]: (والمستحب: ألا يكون موضع الإمام أعلى من موضع المأمومين، إلَّا أن يريد تعليمهم أفعال الصلاة) لا يلزم منه أن يكون ارتفاعه مكروهًا، وصرح "المنهاج" بالكراهة، فقال [ص 123]: (يكره ارتفاع المأموم على الإمام، وَعَكْسُهُ إلَّا لحاجه .. فيستحب)، وعبارة "التنبيه" موافقة لنص الشَّافعي، وأهمل "التنبيه" ارتفاع المأموم، وكأنه مفهوم من طريق الأولى. 737 - قولهما -والعبارة لـ"التنبيه"، والمسألة عنده في أول (صفة الصلاة) -: (إذا أراد الصلاة .. قام إليها بعد فراغ المؤذن من الإقامة) (¬1) فيه أمور: أحدها: قال في "الكفاية": هذا في حق القادر، أما العاجز: فيقعد، ونحو ذلك، ولعل المراد بالقيام: التوجه إليها؛ ليشمل العاجز عن القيام وعن القعود، ومنه قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}. ثانيها: استثنى الماوردي والروياني: البطيء النهضة، فقالا: إنه يقوم عند: (قد قامت الصلاة) (¬2). وقال الشيخ مجد الدين السنكلومي: ينبغي على هذا أن يقوم البطيء النهضة في الحالة التي يعلم أنَّه ينتصب عند الافتتاح سواء (قد قامت الصلاة) وغيرها. وقال شيخنا الإمام شهاب الدين بنُ النقيب: (الجالس بعيدًا بحيث يحتاج إلى مشي حتَّى يصل إلى الصف .. ينبغي أن يلحق بالبطيء النهضة) (¬3). وقال الحليمي في "منهاجه": (إن أقام الإمام بنفسه .. قاموا عند قوله: "قد قامت الصلاة"، وإن أقام غيره .. لم يقوموا حتَّى يروه قد خرج)، وصحح في "الكافي": القيام عند قوله: (قد قامت الصلاة) مطلقًا. ثالثها: لو حذفا لفظ (المؤذن)، فقالا: (بعد الفراغ من الإقامة) .. لكان أولى، وكأنهما جريا على الغالب في أن الذي يقيم هو المؤذن. رابعها: يستثنى: المنفرد، ومقيم الصلاة للجماعة؛ فإنه يقوم قبل أن يقيم ليقيم قائمًا؛ فإنه من سننها، نبه عليه المحب الطَّبري، وهو واضح. خامسها: قد يفهم كلامهما: أن الداخل والمؤذن في الإقامة يجلس ليقوم إليها، وبه قال الشيخ أَبو حامد، لكن الأصح في "شرح المهذب": خلافه (¬4)، فيحمل القيام المأمور به بعد فراغ ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 30)، "المنهاج" (ص 123). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (2/ 59)، و"بحر المذهب" (2/ 64). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 384). (¬4) المجموع (3/ 227).

الإقامة على الابتداء دون الدوام، والله أعلم. 738 - قول "التنبيه" [ص 38]: (وإن حضر وقد أقيمت الصلاة .. لم يشتغل عنها بنافلة) المراد بالإقامة: الشروع فيها، وقد أوضحه "المنهاج" بقوله [ص 123]: (ولا يبتدئ نفلاً بعد شروعه فيها) أي: بعد شروع المؤذن في الإقامة، وفي معنى الشروع: قربها. 739 - قولهما: (وإن أقيمت وهو في النافلة ولم يخش فوات الجماعة .. أتمها) (¬1) ظاهره: أنه متى أمكن إدراكه تكبيرة قبل سلامه -بناء على الصحيح في حصول الجماعة- .. أتم النافلة، وبه صرح الشيخ أبو حامد وآخرون، وعندي: فيه توقف، والله أعلم. 740 - قول "المنهاج" [ص 124]: (شرط القدوة: أن ينوي المأموم مع التكبير الاقتداء أو الجماعة) فيه أمور: أحدها: اعترض بأن نية القدوة لا يشترط مقارنتها للتكبير، فسيأتي أن من أحرم منفرداً ثم نوى القدوة في خلال صلاته .. جاز في الأظهر؛ ولهذا عبر في "الروضة" بقوله: (وينبغي أن يقرن هذه النية بالتكبير) (¬2). وأجيب: بأنه ذكر ذلك لأمرين، أحدهما: توطئة لما بعده؛ فإنه إذا لم يقرنها بالتكبير .. انعقدت فرادى، فإن تابعه في أفعاله .. بطلت صلاته، والثاني: للخروج من الخلاف الآتي فيما إذا اقتدى في أثناء الصلاة، وحاصله: أنه لا يتابعه إلا إذا نوى الاقتداء به، إما مع التكبير قطعاً، أو بعده في الأصح. ثانيها: في معنى نية الاقتداء: نية الائتمام، ولم يذكرها الحاوي أيضاً. ثالثها: ذكر "الحاوي" نية الجماعة أيضاً، واستشكل الرافعي في "الشرح الصغير" الا كتفاء بها؛ إذ ليس فيها ربط فعله بفعل غيره؛ لأنها مشتركة بين الإمام والمأموم، فلو نوى كل من الرجلين الجماعة من غير تعيين إمام ولا مأموم .. لم تصح صلاتهما. قال السبكي: (وكان مرادهم بنية الجماعة هنا: الحاضرة التي هي مع الإمام، فيرجع ذلك إلى نية الاقتداء، وذكر في "الإقليد" شيئاً منه) انتهى. 741 - قوله: (فلو ترك هذه النية وتابع في الأفعال .. بطلت صلاته على الصحيح) (¬3) فيه أمور: أحدها: عبر في "الروضة" بالأصح (¬4)، وبينهما في اصطلاحه فرق. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 38)، و"المنهاج" (ص 123). (¬2) الروضة (1/ 365). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 124). (¬4) الروضة (1/ 365).

ثانيها: أطلق "الحاوي" المتابعة ولم يقيدها بالأفعال كما فعل المصنف، ولا فرق بين العبارتين في المعنى (¬1). ثالثها: وكذا لو تابع مع الشك في نية القدوة، وقد ذكره "الحاوي" (¬2)، وفهم منه أنه إن تذكر قبل أن يحدث فعلاً على متابعة الإمام .. لم تبطل صلاته. قال الرافعي: (وهو مقيس بما إذا شك في أصل النية) (¬3). قال في "المهمات": (ويؤخذ من ذلك البطلان أيضاً إذا لم يحدث ركناً، ولكن طال زمن الشك؛ فإن الرافعي صرح به هناك). قال الرافعي أيضاً: (وقياس ما ذكره في "الوجيز" في تلك المسألة: أن يفرق بين أن يمضي مع الشك ركن لا يزاد مثله في الصلاة وبين أن يمضي غيره) (¬4). قال في "المهمات": (أشار بالركن الذي يزاد إلى القولي؛ فإن تكراره لا يضر على المشهور، وإذا أتى به في حال الشك .. لم يضر إذا لم يطل؛ كما قد قالوا به هناك). قلت: أي: على وجه مرجوح؛ فإن الأصح المنصوص الذي قطع به العراقيون هناك: التسوية بين الركن القولي والفعلي، والله أعلم. 742 - قول "الحاوي" [ص 179]: (أو تابع فيما سها) أي: فإنه يقضي أيضاً، ولا يخفى تقييده بكونه عالماً بسهو إمامه، وكون عمده مبطلاً؛ كترك ركن أو زيادته، لا ترك بعض. 743 - قول "المنهاج"- واللفظ له- و"الحاوي": (ولا يجب تعيين الإمام، فإن عينه وأخطأ .. بطلت صلاته) (¬5) محله: إذا اقتصر على التعيين، فإن ضم إليه الإشارة فقال: نويت الاقتداء بزيد هذا فكان عمراً .. فالأصح كما ذكره النووي: صحة الاقتداء (¬6)، وقال السبكي في صورة الخطأ بدون إشارة: (ينبغي بطلان الاقتداء وصحة الصلاة على الانفراد إن لم تحصل متابعة، وإن حصلت متابعة .. خرجت صحتها على الخلاف في متابعة من ليس بإمام) انتهى. وكذا ذُكر هذا البحث في "المهمات"، وقد يقال: فرض المسألة حصول المتابعة، فإن ذلك شأن من ينوي الاقتداء، والأصح في متابعة من ليس بإمام: البطلان، وغايته: أن يكون هذا الحكم مفرعاً على الأصح. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 179). (¬2) الحاوي (ص 179). (¬3) انظر "فتح العزيز" (2/ 185). (¬4) انظر "فتح العزيز" (2/ 185). (¬5) الحاوي (ص 179، 180)، المنهاج (ص 124). (¬6) انظر "المجموع" (4/ 175).

وقال السبكي في صورة الإشارة: الوجهان فيها من تخريج الإمام على الوجهين فيما إذا قال: بعتك هذا الفرس مشيراً إلى حمار، والعقود يلحظ فيها الإشارة والعبارة، بخلاف النية؛ فإن المعتبر فيها القلب فقط، فإذا نوى الاقتداء بالحاضر معتقداً أنه زيد وهو عمرو .. فنيته صحيحة حصل معها ظن خطأ لا يؤثر، قال: ولو صح التخريج .. لكان ينبغي أن يكون الأصح: البطلان؛ لأنه الأصح في البيع. انتهى (¬1). ونية الاقتداء بالحاضر مع اعتقاد أنه زيد وهو عمرو، ذكرها الروياني في "البحر"، وقال فيها: صح اقتداؤه قطعاً (¬2)، وذكر في "المهمات" أن هذا التخريج إنما ذكره الإمام على سبيل الاحتمال مع جزمه أولاً بالصحة، قال: فالمنقول هو البطلان، والظاهر عند الإمام: الصحة. 744 - قول "المنهاج" [ص 124]: (ولا يشترط للإمام نية الإمامة) محله: في غير الجمعة، أما الجمعة: فيلزمه فيها أن ينوي الإمامة في الأصح، وقد ذكره "الحاوي" (¬3). 745 - قول "المنهاج" في صلاة الظهر خلف الصبح والمغرب [ص 124]: (وهو كالمسبوق، ولا تضر متابعة الإمام في القنوت، والجلوس الآخر في المغرب، وله فراقه إذا اشتغل بهما) لم يذكر أيهما أفضل، وقد ذكر السبكي أن المتابعة أفضل، وهو قياس تفضيل الانتظار فيما إذا صلى الصبح خلف الظهر، وعبارة "الروضة" تقتضيه؛ حيث قال: ويتابع الإمام في القنوت ولو أراد مفارقته عند اشتغاله به .. جاز (¬4). 746 - قوله: (ويجوز الصبح خلف الظهر في الأظهر) (¬5) عبارة "الروضة": فالمذهب: جوازه، وقيل: قولان، فرجح طريقة القطع (¬6). 747 - قول "الحاوي" [ص 180]: (وفي الصبح بالظهر .. فارق عند الثالثة، أو انتظر) لم يبين الأفضل منهما، وفي "المنهاج" [ص 124]: (انتظاره أفضل) وذكر الصبح خلف الظهر مثال، فالمغرب خلف الظهر كذلك، وضابطه: أن تكون صلاة الإمام أطول، لكن في المغرب بالظهر إذا قام الإمام إلى الرابعة .. لا ينتظره كما صححه النووي (¬7)؛ لأنه يحدث تشهداً وجلوساً لم يفعله الإمام، بخلاف الصورة المتقدمة. ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (2/ 387). (¬2) بحر المذهب (2/ 408). (¬3) الحاوي (ص 182). (¬4) الروضة (1/ 368). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 124). (¬6) الروضة (1/ 368). (¬7) انظر "المجموع" (4/ 236).

748 - قول "المنهاج" [ص 124]: (فإن اختلف فعلهما؛ كمكتوبةٍ وكسوفٍ أو جنازةٍ .. لم يصح على الصحيح) كذا في "الروضة" (¬1)، وصحح في "شرح المهذب": طريقة القطع به (¬2)؛ فلذلك عبر في "التحقيق" بالمذهب (¬3)، وعبارة "التنبيه" [ص 39]: (ولا تجوز الصلاة خلف من يصلي صلاة تخالفها في الأفعال الظاهرة) فقيد الفعل الذي تقع فيه المخالفة بكونه ظاهراً، وقال في "المهمات": ينبغي الصحة إلى أن ينتهي إلى فعل مخالف، فإن فارقه .. استمرت الصحة، وإلا .. بطلت؛ كالمصلي في ثوب ترى منه عورته إذا ركع؛ فإن الأصح فيه: الصحة، وله نظائر. 749 - قول "المنهاج" [ص 124، 125]: (تجب متابعة الإمام في أفعال الصلاة؛ بأن يتأخر ابتداء فعله عن ابتدائه، ويتقدم على فراغه منه، فإن قارنه .. لم يضر إلا في تكبيرة الإحرام) فيه أمور: أحدها: اعترض عليه: بأن قوله: (فإن قارنه .. لم يضر) يناقض قوله أولاً: (تجب المتابعة) بالتفسير الذي ذكره، فإن قيل: معنى قوله: (لم يضر): لم تبطل، مع أنه ترك واجباً .. قلنا: في "الروضة" وأصلها: الجزم بكراهة المقارنة (¬4)، فدل على أن فاعلها لم يترك واجباً. وجوابه: أن قوله: (بأن يتأخر ... إلى آخره) إنما أراد به: بيان المتابعة الكاملة، فإن قلت: قد ذكر هذا عقب قوله: (تجب متابعة الإمام) وذلك يقتضي أنه أراد: تفسير المتابعة الواجبة .. قلت: هذا كقولنا: تجب الصلاة بأن يفعل كذا وكذا، فيطلق أولاً وجوبها، ثم يفسر كمالها. ثانيها: قد عرفت أن مراده بعدم الضرر: عدم الإثم، لكن مع الكراهة وفوات فضيلة الجماعة، وقد يفهم من قول "التنبيه" [ص 38]: (ويكره أن يسبق الإمام بركن): نفي كراهة المقارنة، لكن حملت الكراهة في كلامه على التحريم كما سيأتي، واستشكل السبكي كون فضيلة الجماعة لا تحصل مع المقارنة، وقال: تصريحهم بعدم فسادها يقتضي أنها صلاة جماعة، وإلا .. لزم الفساد بمتابعة من ليس بإمام، ومع الحكم بالجماعة كيف يقال: إن فضيلتها لا تحصل؟ وتابعه في "المهمات" على ذلك، فقال: مقتضى ذلك ما نقله الرافعي من فوات الجماعة بالمعية أن يصير كالمنفرد، ويلزم أن يكون مبطلاً للجمعة؛ لأن الجماعة شرط فيها، وربما تطرق هذا البحث ¬

_ (¬1) الروضة (1/ 367). (¬2) المجموع (4/ 237). (¬3) التحقيق (ص 273). (¬4) الروضة (1/ 369).

إلى امتناع المتابعة؛ لأنه ليس بإمام، فإن التزموا أنها جماعة .. لزمهم حصول الفضيلة للأدلة. انتهى (¬1) .. قلت: لم ينقل الرافعي فوات الجماعة، وإنما نقل فوات فضيلتها، فهي جماعة صحيحة، ولكن لا يحصل فيها ثواب الجماعة، فإن قلت: فما فائدة صحتها مع انتفاء الثواب فيها؟ قلت: سقوط الإثم على القول بوجوبها إما على العين أو الكفاية، والكراهة على القول بأنها سنة مؤكدة؛ لقيام الشعار ظاهراً، والله أعلم. ثالثها: قوله: (إلا في تكبيرة الإحرام) أي: فلا تنعقد الصلاة إذا قارنه ولو في جزء منها، ولا يخفى أن هذا فيمن أنشأ صلاته على القدوة، فسيأتي أن من أحرم منفرداً ثم اقتدى .. صح في الأصح وإن تقدم تكبيره على تكبير الإمام. رابعها: قد يفهم توقف البطلان على تحقق المقارنة، وليس كذلك، بل لو شك هل قارنه في تكبيرة الإحرام أم لا؟ بطلت صلاته أيضاً، وقد صرح به "الحاوي" (¬2)، لكن استثنى في "المهمات": ما إذا زال الشك عن قرب؛ كما ذكروه في الشك في أصل النية وفي نية الاقتداء. 750 - قول "المنهاج" [ص 125]: (والصحيح: يُتِمُّها ويسعى خلفه ما لم يُسْبَقْ بأكثر من ثلاثة أركانٍ مقصودةٍ وهي الطويلة) كذا في "الروضة" تبعاً لأصله في مواضع أن الركن القصير ليس مقصوداً، وحكى هنا عن الأكثرين أنه مقصود أيضاً (¬3)، وصححه في "الشرح الصغير"، ويوافق "المنهاج" في ذلك قول "الحاوي" [ص 180]: (وبأربعة طويلة) لكنه أحسن منه من جهة أن قول "المنهاج": (أكثر من ثلاثة) يتناول ثلاثة أركان وبعض ركن، وعبارة "الحاوي" لا تصدق حقيقة إلا على أربعة أركان تامة. 751 - قول "التنبيه" [ص 38]: (ومن أدركه قائماً فقرأ معه بعض الفاتحة ثم ركع الإمام .. فقد قيل: يقرأ ثم يركع، وقيل: يركع ولا يقرأ) الأصح: وجه ثالث، وهو أنه إن لم يشتغل بافتتاح وتعوذ .. ترك قراءته وركع وهو مدرك للركعة، وإلا .. لزمه قراءة بقدره، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬4). 752 - قول "التنبيه" [ص 38]: (ويكره أن يسبق الإمام بركن) هي عبارة الشافعي، وفي "الشامل": ذكر في "الأم" والقديم أن المستحب للمأموم أن يتابع إمامه، ولا يتقدم في ركوعه ولا سجوده (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (2/ 187). (¬2) الحاوي (ص 180). (¬3) الروضة (1/ 238، 251، 370). (¬4) الحاوي (ص 181)، المنهاج (ص 125). (¬5) الأم (1/ 206).

قال في "شرح المهذب": ونقل غيره عن النص تحريمه، وبه جزم النووي في "التحقيق" و"شرحي مسلم والمهذب" مع تقريره في "التصحيح" على الكراهة (¬1). ولا يقال: أراد بها: كراهة التحريم؛ لقوله عقبه: (ولا يجوز أن يسبقه بركنين) (¬2) وقد يفهم التحريم من قول "المنهاج" أول الفصل [ص 124، 125]: (تجب متابعة الإمام في أفعال الصلاة؛ بأن يتأخر ابتداء فعله عن ابتدائه) لكن قدمت أن المراد: بيان كمال المتابعة، ولما فصل ذلك .. ذكر أن السبق بركنين مبطل، ولم يتعرض للسبق بركن إلا ما اقتضاه مفهومه من عدم البطلان به، وعلى ذلك عبارة "الحاوي" (¬3)، وعبر شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" عن تحريم السبق بركن بـ (الصواب) (¬4)، وفيه نظر، ولا يخفى أن المراد: الركن الفعلي. 753 - قول "التنبيه" [ص 38]: (فإن سبقه بركن .. عاد إلى متابعته) قد يفهم وجوب العود، وعليه مشى في "الكفاية"، لكن الأكثرون على الاستحباب، وصححه في "شرح المهذب" (¬5)، قال في "الكفاية": وشمل السلام، ومتى تعمده .. فلا عود. 754 - قول "التنبيه" [ص 38]: (فإن سبقه بركنين؛ بأن ركع قبله، فلما أراد أن يركع .. رفع، فلما أراد أن يرفع .. سجد) كذا مثّله العراقيون، وقياس ما ذكره الأصحاب في التخلف بركنين: تمثيله بأن يفرغ من الاعتدال والإمام في القيام، فيجوز تقدير مثل ما ذكروه في التخلف، ويجوز تخصيصه بالتقدم؛ إذ المخالفة فيه أفحش، ذكره الرافعي (¬6)، وأطلق "المنهاج" و"الحاوي" إبطال السبق بركنين فعليين (¬7)، ولا بد من تقييده بكونه عامداً عالماً بالتحريم، فلا تبطل مع السهو والجهل، لكن لا يعتد بتلك الركعة، وقد ذكره "التنبيه" (¬8). 755 - قول "المنهاج" [ص 126]: (إذا خرج الإمام من صلاته .. انقطعت القدوة) هذا هو المعروف، لكن في "الاستذكار" للدارمي: إذا سلم الإمام فبقي المأموم يطيل التشهد .. كره ولم تبطل ما لم يطل. انتهى. وهو صريح في البطلان إذا أطال، وظاهر في عدم انقطاع القدوة، ذكرته استغراباً، ¬

_ (¬1) المجموع (4/ 203)، التحقيق (ص 263)، شرح مسلم (4/ 150). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 38). (¬3) الحاوي (ص 180). (¬4) تذكرة النبيه (2/ 498). (¬5) المجموع (4/ 206). (¬6) انظر "فتح العزيز" (2/ 196). (¬7) الحاوي (ص 180)، المنهاج (ص 126). (¬8) التنبيه (ص 38).

لا لاستدراكه، ولعله محمول على المسبوق إذا لم يكن موضع جلوسه، واغتفر المكث اليسير مع الكراهة، والله أعلم. 756 - قولهم -والعبارة لـ"المنهاج"-: (فإن لم يخرج وقطعها المأموم .. جاز، وفي قول: لا يجوز الا بعذر يُرَخِّصُ في ترك الجماعة) (¬1) فيه أمران: أحدهما: عللوا الراجح: بأن الجماعة سنة، والسنن لا تلزم بالشروع، ومقتضى هذا التعليل: أن من يرى أنها فرض كفاية كالنووي .. لا يُجَوِّز القطع؛ للزوم الفرائض بالشروع ولو كانت فرض كفاية (¬2). ثانيهما: استثنى في "الكفاية": الجمعة، فلا يجوز فيها قطع الجماعة ولو في الركعة الثانية، والذي في "الروضة": أنه في الثانية على هذا الخلاف، وأنه إن جاز هنا .. أتم الجمعة، وقال في "شرح المهذب": بلا خلاف. انتهى (¬3). واعلم: أن قطعها بلا عذر مكروه. 757 - قول "المنهاج" [ص 126]: (ومن العذر: تطويل الإمام) أي: والمأموم لا يصبر على التطويل؛ لضعف أو شغل. 758 - قول "التنبيه" [ص 38]: (ومن أحرم منفرداً ثم نوى متابعة الإمام .. جاز في أحد القولين) هو الأظهر كما ذكره "المنهاج"، ومشى عليه "الحاوي" (¬4)، لكن مع الكراهة، وخرج بالإحرام منفرداً: ما إذا افتتحها في جماعة فنقلها لأخرى .. فيجوز قطعاً، كما في "التحقيق"، وحكاه في "شرح المهذب" عن جماعة كثيرة (¬5). 759 - قول "المنهاج" في المسألة فيما إذا فرغ المأموم أولاً [ص 126]: (فإن شاء .. فارقه، وإن شاء .. انتظره ليسلم معه) لم يذكروا هنا الأفضل منهما، وقياس ما تقدم: تفضيل الانتظار. 760 - قول "التنبيه" [ص 38]: (ومن أدركه راكعاً .. فقد أدرك الركعة) أهمل لذلك شرطين: أحدهما: أن يطمئن قبل ارتفاع الإمام عن أقل الركوع، زاده "المنهاج" تبعاً لصاحب "البيان" (¬6). قال الرافعي: وبه أشعر كلام كثير من النقلة، وهو الوجه، وإن كان الأكثرون لم يتعرضوا ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 38)، و"الحاوي" (ص 180)، و"المنهاج" (ص 126). (¬2) انظر "المجموع" (4/ 161). (¬3) الروضة (2/ 17)، المجموع (4/ 390). (¬4) الحاوي (ص 181)، المنهاج (ص 126). (¬5) التحقيق (ص 261)، المجموع (4/ 183). (¬6) البيان (2/ 377)، المنهاج (ص 126).

له (¬1)، وقال في "الكفاية": ظاهر كلام الأئمة: أنه لا يشترط. انتهى. ولم يذكره "الحاوي" أيضاً. ثانيهما: أن يكون ذلك الركوع محسوباً للإمام، لا ركوع خامسة، ولا ركوع إمام تبين حدثه، وقد ذكره "الحاوي"، وذكره "المنهاج" في (الجمعة) (¬2)، وفي "الروضة" تبعاً لأصله في (صلاة المسافر): رجحوا الإدراك (¬3)، وهو مخالف للمصحح هنا، والمعتبر في صلاة الخسوف: إدراك الركوع الأول دون الثاني، وقد ذكره "الحاوي" هنا و"المنهاج" في بابه (¬4). واعلم: أن السبكي اختار تبعاً لابن خزيمة والصِّبغي وابن أبي هريرة: أنه لا تدرك الركعة بإدراك الركوع، وإن كان في "الروضة" أنه شاذ منكر (¬5)، ووالدي -أبقاه الله- يميل إليه، ويعمل به، ويحكى عن البخاري رحمه الله أنه قال: إن القائلين بإدراك الركعة بالركوع هم الذين لا يشترطون القراءة خلف الإمام، فمن اشترطها .. لم ير الإدراك، وفي "الكفاية" عن بعض شارحي "المهذب": إن قصر في التكبير حتى ركع الإمام .. لا يكون مدركاً. قال في "التوشيح": ورأيته في "الكامل" للمعافى الموصلي منسوباً لابن خزيمة، والمشهور عند ابن خزيمة: إطلاق عدم الإدراك. قلت: وهذا التفصيل عندي حسن، والله أعلم. 761 - قول "المنهاج" [ص 126]: (ولو شك في إدراك حَدِّ الإجزاء .. لم تحسب ركعته في الأظهر) يقتضى أنهما قولان، ورجح في "الروضة" أنهما وجهان، وصوبه في "شرح المهذب" (¬6). 762 - قوله: (ويكبر للإحرام ثم للركوع، فإن نواهما بتكبيرةٍ .. لم تنعقد) (¬7) قال في "التتمة": إطلاق عدم الانعقاد ليس بصحيح، بل إن تم التكبير في قيامه .. انعقدت صلاته وقد ترك تكبيرة الركوع، ذكره في الكلام على نية الوضوء والتبرد، وقال شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني لما حكاه عنه: هو خلاف المعروف من كلام غيره. 763 - قوله: (وإن لم ينو بها شيئاً .. لم تنعقد على الصحيح) (¬8)، قال في "المهمات": ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (2/ 203). (¬2) الحاوي (ص 181)، المنهاج (ص 134). (¬3) الروضة (1/ 391). (¬4) الحاوي (ص 181)، المنهاج (ص 144). (¬5) الروضة (1/ 376). (¬6) الروضة (1/ 377)، المجموع (4/ 187). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 126). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 126).

هذا في غاية الإشكال؛ فإنه إذا أتى بالنية المعتبرة مقارنة للتكبير .. لم يفته إلا كون التكبير للتحرم، وقصد الأركان لا يشترط اتفاقاً، وعبارة "الحاوي" في هذه الحالة والتي قبلها كـ "المنهاج" حيث قال [ص 181]: (ولو بتكبير إن قصد التحرم فقط). 764 - قوله: (وأن من أدركه في سجدة .. لم يُكَبِّر للانتقال إليها) (¬1) كذا في تشهد، وضابطه: أن يدركه فيما لا يحسب له، وهو مأخوذ من قول "الحاوي" [ص 183]: (ويكبر المسبوق للمحسوب) فهو أعم. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 127).

باب صلاة المسافر

بابُ صلاة المسُافر 765 - قولهما (¬1) -والعبارة لـ"المنهاج"-: (لا فائتة حضر) (¬2) أي: لا تقصر إذا قضاها في السفر، وكذا إذا شك هل فاتته في الحضر أو السفر؟ وقد ذكره "الحاوي" (¬3)، ولا يرد عليهما؛ لاشتراطهما السفر الطويل، والشرط لا بد من تحققه، وكذا لا يرد عليهم أن مقتضى عبارتهم قصر فائتة السفر إذا قضاها في الحضر؛ لاشتراطهم السفر الطويل؛ فإنه دال على أنه لا يقصر في الحضر مطلقاً ولو فاتته في السفر. 766 - قول "التنبيه" [ص 41]: (وإن فاتته في السفر فقضاها في السفر أو الحضر .. ففيه قولان، أصحهما: أنه يتم) الأظهر: قصرها إذا قضاها في السفر، وقد ذكره "المنهاج" (¬4)، ولو تخلل بينهما إقامة، وهو مفهوم من قول "الحاوي" [ص 184]: (لا فائت الحضر والمشكوك فيه). 767 - قول "التنبيه" [ص 40]: (إذا فارق بنيان البلد) فيه أمور: أحدها: أطلق ذلك، ومحله: إذا لم يكن للبلد سور، فإن كان لها سور .. فالحكم كذلك أيضاً كما رجحه في "المحرر" (¬5)، وصحح النووي: الاكتفاء بمفارقة السور (¬6)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 184]: (إذا عبر السور والعمران) أي: إن لم يكون سور، وإلا .. فلا فائدة في ذكر السور أولاً. وكذا صححه في "العجاب"، لكن وافق النووي الرافعي في الصوم على اعتبار العمران فيما إذا نوى المقيم ليلاً ثم سافر وفارق العمران قبل الفجر .. فإنه يفطر، وإلا .. فلا (¬7). وأطلق "المنهاج" و"الحاوي" السور (¬8)، وهو محمول على سور مختص بالبلد، لا السور الذي يجمع قرى متفرقة، فلا يشترط مجاوزته، وكذا لو قدر ذلك في بلدتين متقاربتين. ثانيها: مقتضى تعبيره بالبنيان و"الحاوي" بالعمران: أنه لا يشترط مجاوزة البساتين، وبه ¬

_ (¬1) كذا في النسخ، ولعل الصواب: (قولهم) لأن القول في "الحاوي" أيضاً. (¬2) انظر "التنبيه" (ص 41)، و"الحاوي" (ص 184)، و"المنهاج" (ص 128). (¬3) الحاوي (ص 184). (¬4) المنهاج (ص 128). (¬5) المحرر (ص 61). (¬6) انظر "المجموع" (4/ 288). (¬7) انظر "فتح العزيز" (3/ 218)، و"المجموع" (6/ 260). (¬8) الحاوي (ص 184)، المنهاج (ص 128).

صرح "المنهاج" (¬1)، ويستثنى من ذلك: ما إذا كان فيها قصور تسكن في بعض فصول السنة .. فيشترط مجاوزتها كما في "الشرح" و"الروضة" (¬2). وقال في "شرح المهذب": (الظاهر: عدم اشتراطه، ولم يذكره الجمهور) انتهى (¬3). وقال في "المهمات": إن به الفتوى، والمَزَارِع أولى؛ لعدم اشتراط مجاوزتها من البساتين؛ ولذلك أهملها "المنهاج" وإن ذكرها "المحرر" (¬4). ثالثها: قد يفهم من تعبيره بالبنيان اشتراط مجاوزة الخراب، وكذا صححه في "شرح المهذب" (¬5)، لكن تعبير "الحاوي" بالعمران يخرجه، وقد صرح به "المنهاج" فقال [ص 128]: (لا الخراب) ومحل ذلك: إذا كانت بقايا الحيطان قائمة ولم يتخذوا الخراب مزارع ولا هجروه بالتحويط على العامر، وإلا .. لم تجب قطعاً. رابعها: قد يفهم من تعبيره بالبلد مخالفة حكم القرية لها، وبه قال الغزالي (¬6)، فاعتبر في القرية مجاوزة بساتينها ومزارعها المحوطة، وشرط الإمام ذلك في البساتين المحوطة فقط (¬7)، والمعروف أن حكمهما سواء؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 128]: (والقرية كبلدةٍ) وهو مفهوم من إطلاق "الحاوي" العمران. 768 - قول "التنبيه" [ص 40]: (أو خيام قومه إن كان من أهل الخيام) يشترط أيضاً: مفارقة مرافقها؛ كمطرح الرماد، وملعب الصبيان، والنادي؛ ولذلك عبر "المنهاج" و"الحاوي" بالحِلَّة (¬8)؛ لاعتقادهما دخول هذه الأمور في مسمى الحلة، وفيه عندي نظر. ولا بد مع ذلك أيضاً من قطع عرض الوادي إن سافر في عرضه، والهبوط إن كان في ربوة، والصعود إن كان في وهدة، ولم يذكره "المنهاج" أيضاً، وذكره "الحاوي" (¬9)، وهو مقيد بما إذا لم يفرط اتساعها، فإن أفرط .. اكتفى بمجاوزة الحلة عُرفاً. 769 - قول "المنهاج" [ص 128]: (وإذا رجع .. انتهى سَفَرُهُ بِبُلُوغِهِ ما شُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ ابتداءً) ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 128). (¬2) فتح العزيز (2/ 209)، الروضة (1/ 381). (¬3) المجموع (4/ 288). (¬4) المحرر (ص 61). (¬5) المجموع (4/ 288). (¬6) انظر "الوسيط" (2/ 243، 244). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (2/ 426). (¬8) الحاوي (ص 184)، المنهاج (ص 128)، والحلة: هي المنازل المجتمعة أو المتفرقة بحيث يجتمعون للسهر في ناد واحد ويستعير بعضهم من بعض. انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 402). (¬9) الحاوي (ص 184).

قيده في "المحرر" بالعود إلى الوطن (¬1)، وأسقطه "المنهاج" ليصير أشمل. قال شيخنا شهاب الدين بن النقيب: (وكلاهما يحتاج إلى التقييد) (¬2) أي: بأن يحمل على ما إذا كان بين الموضع الذي رجع منه والموضع الذي أنشأ السفر منه مسافة القصر، أو كان بينهما دون مسافة القصر، لكن لم يكن الموضع الذي أنشأ السفر منه وطنه ولا نوى الإقامة به، هكذا قال. وعندي لا يحتاج إلى هذا؛ لأن مقصوده بيان ما ينتهي به السفر فيما إذا وصل إلى وطنه أو بلد نوى بها الإقامة، ولا يتقيد ذلك بأن يكون رجع إلى المكان الذي خرج منه، وإنما المراد برجوعه: انتهاء سفره ولو ذلك السفر الذي بُيِّن ابتداؤه، وإنما توهم شيخنا ذلك من تعبير "المنهاج" بالرجوع، وكيف يحتاج إلى بيان أن بين الموضعين مسافة القصر وذلك مقرر في كل سفر؟ ! وقد أشار إليه بقوله بعد ذلك [ص 129]: (فإن سار .. فسفرٌ جديدٌ). 770 - قولهم -والعبارة لـ"المنهاج"-: (ولو نوى إقامة أربعة أيام بموضعٍ .. انقطع سفره بوصوله) (¬3) فيه أمران: أحدهما: أن ذلك في المستقل بنفسه، فغير المستقل؛ كالعبد والزوجة والجندي لو نوى إقامة أربعة دون متبوعه .. فيه وجهان، أقواهما في "الروضة": جواز القصر (¬4)، وهو مشكل مع ما سيأتي من اعتبار نية الجندي للسفر الطويل حتى يقصر، فينبغي التسوية بينهما. ثانيهما: إنما تؤثر هذه النية إذا نوى وهو ماكث، فلو نوى وهو سائر .. لم يؤثر قطعاً؛ كما ذكره النووي في "شرح المهذب" (¬5)، لكن في "التهذيب" خلافه (¬6). 771 - قول "المنهاج" [ص 128]: (ولا يحسب منها يوما دخوله وخروجه على الصحيح) فيه أمران: أحدهما: قال في "شرح المهذب": وبهذا قطع الجمهور (¬7)، فينبغي على هذا التعبير بالمذهب، لكنه في "الروضة" عبر بالأصح (¬8)، فاقتضى قوة الخلاف. ثانيهما: قد يفهم من عبارته أن مقابل الصحيح: أنهما يحسبان يومين، وليس كذلك، بل ¬

_ (¬1) المحرر (ص 61). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 403). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 41)، و"الحاوي" (ص 185)، و"المنهاج" (ص 128). (¬4) الروضة (1/ 386). (¬5) المجموع (4/ 280). (¬6) التهذيب (2/ 302، 303). (¬7) المجموع (4/ 301). (¬8) الروضة (1/ 384).

يحسبان بالتلفيق، فلو دخل زوال السبت ليخرج زوال الأربعاء .. أتم، أو قبله .. قصر. 772 - قول "التنبيه" [ص 41]: (وإن أقام في بلد لقضاء حاجة ولم ينو الإقامة .. قصر إلى ثمانية عشر يوماً في أحد القولين، ويقصر أبداً في القول الآخر) فيه أمور: أحدها: تعبيره بالبلد يقتضي أن غيرها من القرية والبدو ليس كذلك، وكذا عبر "المنهاج" بـ (البلد) (¬1)، وفي "الروضة": في بلدة أو قرية (¬2)، والحق: أن البدو كذلك، فلا وجه للتقييد؛ ولذلك أطلق "الحاوي" (¬3)، مع أن الأصح عند الجمهور: انقطاع السفر بنية إقامة أربعة أيام في موضع لا يصلح للإقامة. ثانيها: يستثنى من ذلك: ما إذا علم أن حاجته لا تنقضي في أقل من أربعة أيام كاملة .. فلا قصر، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬4). ثالثها: أصح القولين: القصر إلى ثمانية عشر يوماً، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬5)، لكن اختار السبكي قولاً ثالثاً، وهو: القصر تسعة عشر يوماً -عشرين إلا واحداً- لأنه الثابت في "صحيح البخاري" في إقامته عليه الصلاة والسلام بمكة يقصر الصلاة، وقال البيهقي: هي أصح الروايات (¬6)، وأما رواية ثمانية عشر: فهي عند أبي داوود وسكت عليها (¬7)، وحكى الترمذي الإجماع على القصر أبداً (¬8). 773 - قول "المنهاج" [ص 128]: (وقيل: أربعة) يقتضي أنه وجه، والذي في "الروضة" تبعاً للرافعي حكايته قولاً (¬9). 774 - قوله: (ولو علم بقاءها مدة طويلة .. فلا قصر على المذهب) ظاهره: أنه لا فرق بين المحارب وغيره، وليس كذلك؛ فالمعروف في غير المحارب الجزم بالمنع، وحكاية الخلاف فيه غلط كما قال في "الروضة" (¬10)، وقال الرافعي: إن الإمام أشار إليه واستنكره (¬11). ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 128). (¬2) الروضة (1/ 385). (¬3) الحاوي (ص 185). (¬4) الحاوي (ص 185)، المنهاج (ص 128). (¬5) الحاوي (ص 185)، المنهاج (ص 128). (¬6) صحيح البخاري (1030)، (4047)، (4048)، وانظر "السنن الكبرى" للبيهقي (5254). (¬7) انظر "سنن أبي داوود" (1229). (¬8) انظر "جامع الترمذي" (548). (¬9) الروضة (1/ 385)، وانظر "فتح العزيز" (2/ 215). (¬10) الروضة (1/ 385). (¬11) انظر "نهاية المطلب" (2/ 435)، و "فتح العزيز" (2/ 217).

775 - قولهما -والعبارة لـ"التنبيه"-: (إذا سافر في غير معصية سفرًا يبلغ مسيرة ثمانية وأربعين ميلاً بالهاشمي) (¬1) المعتبر بلوغ الذهاب هذه المسافة، لا بانضمام الإياب إليه، وقد ذكره "الحاوي" (¬2). 776 - قول "المنهاج" [ص 129]: (ويشترط: قصد موضع معين أولاً، فلا قصر للهائم) يقتضي أن الهائم مسافر، وهو الظاهر. وإنما امتنع قصره؛ لأنه لا يدري أسفره طويل أم لا، وبهذا علل الرافعي (¬3)، لكن جعل الغزالي قيد السفر مخرجاً للهائم فقال: (المراد بالسفر: ربط القصد بمقصد معلوم، فلا يترخص الهائم) (¬4)، وفي "النهاية" عن الصيدلاني: أن الهائم عاص (¬5)، فعلى هذا يخرج الهائم بقيد المباح. وقال ابن الصباغ: من جوز الترخص للهائم .. اعتل بأنه مباح، ومن منع .. لم يسلم ذلك. 777 - قول "التنبيه" [ص 40، 41]: (وإن كان للبلد الذي يقصده طريقان يقصر في أحدهما ولا يقصر في الآخر، فسلك الأبعد لغير غرض .. لم يقصر في أحد القولين) هو الأظهر، وقد ذكره "المنهاج" (¬6). لكن تعبير "التنبيه" بالقصر وعدمه أحسن من تعبيره بالطويل والقصير؛ فإنه لو كان كل منهما مسافة القصر وأحدهما أطول .. قصر مطلقاً قطعاً، لكنه قد بين قبل ذلك أن الطويل مسافة القصر. 778 - قول "المنهاج" [ص 129]: (ولو تبع العبد أو الزوجة أو الجندي مالك أمره في السفر ولا يعرف مقصده .. فلا قصر) حمله في "شرح المهذب" على ما إذا لم يجاوزوا مرحلتين، فإن جاوزوهما .. قصروا وإن لم يعرفوا المقصد، وأخذ ذلك من النص في مسألة الأسير أنه يترخص إذا جاوز معهم مرحلتين وإن جهل المقصد، وقال: إنه يتعين حمل إطلاق البغوي والرافعي على هذا (¬7)، وحكاه في "المهمات" عن "التتمة". 779 - قوله: (فلو نووا مسافة القصر .. قصر الجندي دونهما) (¬8) يتجه حمله على غير جندي ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 40)، و"المنهاج" (ص 129). (¬2) الحاوي (ص 184). (¬3) انظر "فتح العزيز" (2/ 207). (¬4) انظر "الوسيط" (2/ 243). (¬5) نهاية المطلب (2/ 463). (¬6) المنهاج (ص 129). (¬7) المجموع (4/ 280)، وانظر "التهذيب" (2/ 302، 303)، و"فتح العزيز" (2/ 221). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 129).

بعثه الإمام مع أمير للقتال؛ فإن طاعته حينئذ واجبة، لكن ينافي ذلك قول "المنهاج" [ص 129]: (مالك أمره) فإن الأمير ليس مالك أمر المتطوع. 780 - قول "المنهاج"- والعبارة له- و"الحاوي": (ولو اقتدى بمُتِمٍّ لحظةً .. لزمه الإتمام) (¬1) أحسن من قول "التنبيه" [ص 41]: (ولو اقتدى بمقيم) ليشمل المسافر المتم، قاله النووي (¬2). قال ابن الرفعة: لكنه يخرج الظهر خلف مقيم يصلي الجمعة؛ فإنه يصح ولا يقال له: متم، وفيه نظر، فما المانع من أن يقال له: متم وقد أتى بصلاة تامة؟ وهذا "الحاوي" قد عبر بقوله [ص 186]: "ولو اقتدى بمتم ولو في صبح وجمعة) فذكر مع لفظ الإتمام الصبح والجمعة اللتين لا قصر فيهما، واعترض ابن الرفعة أيضاً بأن المقيم المحدث لا توصف صلاته بالتمام لفسادها وهو مقيم، ولك أن تقول: المعنى: تمام الركعات عدداً، وهو مقيم بهذا المعنى. 781 - قول "المنهاج" [ص 130]: (ولو شك فيها فقال: إن قصر قصرت، وإلا أتممت .. قصر في الأصح) وكذا قول "الحاوي" [ص 185]: (أو تعليقه بنية الإمام) شرطه: أن يظهر ما يدل على القصر، فلو فسدت صلاة الإمام واستمر التردد .. فالأصح: أنه يتم. 782 - قول "التنبيه" [ص 41]: (وإن أحرم في الحضر ثم سافر .. لزمه أن يتم) قال في "شرح المهذب " و"الكفاية": تصويرها مشكل؛ فإنه إذا أحرم في الإقامة ثم سارت به السفينة وكان نوى القصر .. لم يصح، وإلا .. لزم الإتمام؛ لفوات نية القصر، لا لأنه جمع فيها بين السفر والحضر، وأجاب عنه: بأن التصوير إذا أطلق .. فيجب الإتمام لعلتين: فقد نية القصر، واجتماع الحضر والسفر (¬3). وهذا الجواب ضعيف؛ ولهذا قال الإمام: ليس لذكر هذه المسألة كبير فائدة (¬4). 783 - قول "المنهاج" [ص 130]: (والتَّحَرُّزُ عن مُنَافيها) فسره بقوله بعده [ص 130]: (ولو أحرم قاصراً ثم نردد ... إلى آخره) كذا هو في نسخة المصنف بالواو، والإتيان بالفاء أحسن كما في "المحرر" (¬5)، وهو مراد "الحاوي" بدوام جزم النية (¬6)، أي: انفكاك الصلاة عما يخالف الجزم بنية القصر، وليس المراد: استحضارها من أول الصلاة إلى آخرها كما قد يوهمه تعبيره. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 186)، المنهاج (ص 129). (¬2) انظر "المجموع" (4/ 294). (¬3) المجموع (4/ 292). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (2/ 450). (¬5) المحرر (ص 63). (¬6) الحاوي (ص 185).

784 - قولهم: (والقصر أفضل من الإتمام إذا بلغ ثلاث مراحل) (¬1) يستثنى من ذلك: من يدوم سفره في البحر بأهله؛ كالملاح .. فالإتمام له أفضل كما نص عليه، وكذا مديم السفر في البر لغرض صحيح؛ كما في "الروضة" عن صاحب "الفروع"، وفهم منه أن الأفضل: الإتمام إذا كان السفر دون ثلاث مراحل، وبه صرح "التنبيه" (¬2)، وهو كذلك إلا في حق من وجد في نفسه كراهة القصر .. فيقصر حتى تزول، وقول "المنهاج" [ص 130]: (على المشهور) يخالفه تعبير "الروضة" بالأظهر، وصحح في "شرح المهذب": طريقة القطع به (¬3). 785 - قولهم: (يجوز الجمع بين الظهر والعصر تقديماً وتأخيراً، والمغرب والعشاء كذلك) (¬4) يستثنى من جمع التقديم: المتحيرة كما في "الروضة" في بابها (¬5). 786 - قول "التنبيه" [ص 41]: (وفي السفر القصير قولان) أظهرهما: المنع. 787 - قوله في شروط جمع التقديم: (وأن ينوي الجمع عند الإحرام بالأولى في أحد القولين، ويجوز في الآخر قبل الفراغ من الأولى) (¬6) الأظهر: الثاني، لكن مقتضى عبارته: أنه لا تكفي النية مع السلام؛ لأنها مع الفراغ لا قبله، والأصح: الإجزاء، وهو داخل في قول "المنهاج" [ص 131]: (وتجوز في أثنائها) و"الحاوي" [ص 186]: (النية في الأولى) وقد يدعى أنه لا يدخل في قول "المنهاج": (في أثنائها). 788 - قول "التنبيه" [ص 41]: (وألاَّ يفرق بينهما) أي: تفريقاً طويلاً؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 131]: (بألا يطول بينهما فصلٌ) و"الحاوي" [ص 186]: (والولاء وإن أقام وتيمم) وقد يفهم من اقتصاره على التيمم أنه يضر التفريق بطلب الماء، وفي "المنهاج" [ص 131]: (ولا يضر تخلل طلبِ خفيفٍ). 789 - قول "المنهاج" [ص 131]: (ولو جمع ثم علم ترك ركن من الأولى .. بطلتا) هذه مكررة تقدمت في قوله: (فلو صلاهما فبان فسادها .. فسدت الثانية) (¬7) والعذر عنه أنه ذكرها أولاً لبيان الترتيب، وثانياً لبيان الموالاة؛ توطئة لقوله عقبه: (أو من الثانية) (¬8). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 40)، و "الحاوي" (ص 187)، و"المنهاج" (ص 130). (¬2) التنبيه (ص 41)، الروضة (1/ 403). (¬3) الروضة (1/ 403)، المجموع (4/ 283). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 41)، و"الحاوي" (ص 184)، و"المنهاج" (ص 130). (¬5) الروضة (1/ 160). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 41). (¬7) المنهاج (ص 130). (¬8) المنهاج (ص 131).

790 - قول "الحاوي" في جمع التأخير [ص 187]: (إنه يشترط نية الجمع في الصلاة الأولى) تبع فيه "المحرر" (¬1)، وصحح النووي: عدم اشتراطه، وعليه مشى"التنبيه" و"المنهاج" (¬2)، وهو موافق لـ "شرحي" الرافعي؛ حيث نقل فيهما عن "النهاية" بناءه على اشتراط الموالاة (¬3)، والصحيح: عدم اشتراطها، وقال في "الدقائق": لم يقل بما في "المحرر" أحد (¬4). 791 - قول "التنبيه" [ص 41]: (وإن أراد الجمع في وقت الثانية .. كفاه نية الجمع قبل خروج وقت الأولى بقدر ما يصلي فرض الوقت) كذا في "شرحي المهذب ومسلم" للنووي، وقال: إذا لم يبق ما يسع الفرض .. عصى وصارت الأولى قضاء، فيمتنع قصرها إذا منعنا قصر المقضية في السفر (¬5)، لكن الذي في "الروضة" تبعاً لأصلها: الاكتفاء بالنية قبل خروج الأولى بقدر ما تكون فيه أداء؛ وذلك بأن يبقى منه قدر ركعة في الأصح، وعليه مشى "الحاوي" (¬6)، واقتصر "المنهاج" على قوله [ص 131]: (ويجب أن يكون التأخير بنية الجمع) ولم يذكر وقتها، وأوّل بعضهم كلام "التنبيه" بأن مراده: بقدر الفرض أداء (¬7). واستشكل بعضهم ما في "الروضة" لأن المصحح: تحريم التأخير حتى يبقى قدر ركعة مع كونها أداء (¬8). فالحق: أنه إذا أخر النية حتى بقى من الأولى قدر ركعة .. لا يفوت الجمع، لكن يأثم. 792 - قول "التنبيه" [ص 41]: (يجوز الجمع في السفر) يقتضي أنه يعتبر دوامُهُ إلى فراغ الثانية، والأصح: الاكتفاء به إلى عقدها، وعليه مشى "الحاوي" (¬9)، وفي "المنهاج" [ص 131]: (وفي الثانية وبعدها لا يبطل في الأصح) وكان ينبغي التعبير فيما بعدها بالمذهب؛ لأنها مرتَّبة على الإقامة في الثانية؛ إن قلنا: لا تبطل في الأثناء .. فبعدها أولى، وإلا .. فوجهان، أصحهما: لا تبطل أيضاً. 793 - قول "المنهاج" [ص 131]: (أو تأخيراً، فأقام بعد فراغهما .. لم يؤثر، وقبله .. يجعل الأولى قضاء) أي: قبل فراغهما ولو في أثناء الثانية، كذا في "الروضة" تبعاً لأصله (¬10)، وعليه ¬

_ (¬1) المحرر (ص 64). (¬2) التنبيه (ص 41)، المنهاج (ص 131)، وانظر "المجموع" (4/ 313، 314). (¬3) نهاية المطلب (2/ 471)، فتح العزيز (2/ 243). (¬4) الدقائق (ص 47). (¬5) المجموع (4/ 315)، شرح مسلم (5/ 106). (¬6) الحاوي (ص 187)، الروضة (1/ 398). (¬7) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 37). (¬8) انظر "السراج على نكت المنهاج" (1/ 415). (¬9) الحاوي (ص 186). (¬10) الروضة (1/ 398).

مشى "الحاوي" بقوله [ص 187]: (ودوام العذر إلى تمامها) وهو مقتضى عبارة "التنبيه" (¬1)، وعلله الرافعي بأن الأولى في جمع التأخير تبعٌ للثانية، فاعتبر وجود سبب الجمع في جميعها (¬2). قال السبكي: وهذا التعليل منطبق على تقديم الأولى، فلو عكس وأقام في أثناء الظهر .. فقد وجد السبب في جميع المتبوعة وأول التابعة، فقياس ما سبق في جمع التقديم: أنها أداء في الأصح، وحينئذ .. ترد هذه الصورة على لفظ "المنهاج" و"الرافعى". انتهى. وفي "شرح المهذب": أنه إذا أقام في أثناء الثانية .. ينبغىِ أن تكون الأولى أداء بلا خلاف (¬3)، ولم يذكر فيها نقلاً يخالفه وذكر شيخنا الإمام البلقيني: أنه متى أقام بعد فراغ الأولى .. فهي أداء سواء شرع في الثانية أم لا، بل قال فيما إذا أقام قبل فراغ الأولى: ينبغي أنه إن فعل ركعة منها .. كانت أداء، وإن كان دون ركعة .. ففيه الخلاف المعروف. 794 - قول "التنبيه" [ص 41]: (ويجوز للمقيم الجمع في المطر في وقت الأولى منهما إن كان يصلي في موضع يصيبه المطر وتبتل ثيابه)، قال في "المنهاج" [ص 131]: (والأظهر: تخصيص الرخصة بمصلٍّ جماعةً بمسجدٍ بعيدٍ يتأذى بالمطر في طريقه) ورجح في "الروضة": أن الخلاف وجهان، فقال: على الأصح، وقيل: الأظهر، وذكر "الحاوي" هذه الشروط أيضاً (¬4). 795 - قول "التنبيه" [ص 41]: (وفي جواز الجمع في وقت الثانية قولان) الجديد: منعه، كما في "المنهاج"، وعليه مشى "الحاوي" (¬5). 796 - قول "الحاوي" [ص 187]: (ويقدم سُنة العصرين عليهما) تبع فيه الرافعي (¬6)، قال النووي: وهو شاذ ضعيف، والصواب الذي قاله المحققون: أنه يصلي سنة الظهر التي قبلها ثم يصلي الظهر ثم العصر ثم سنة الظهر التي بعدها ثم سنة العصر، وكيف تصح سنة الظهر التي بعدها قبل فعلها وقد تقدم أن وقتها يدخل بفعل الظهر؟ ! وكذا سنة العصر لا يدخل وقتها إلا بدخول وقت العصر، ولا يدخل وقت العصر، المجموعة إلى الظهر إلا بفعل الظهر الصحيحة. انتهى (¬7). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 41). (¬2) انظر "فتح العزيز" (2/ 244). (¬3) المجموع (4/ 316). (¬4) الحاوي (ص 186)، الروضة (1/ 399). (¬5) الحاوي (ص 186)، المنهاج (ص 131). (¬6) انظر "فتح العزيز" (2/ 247). (¬7) انظر "الروضة" (1/ 402).

باب صلاة الجمعة

بابُ صلاة الجُمعة 797 - قول "التنبيه" [ص 43]: (من لزمه فرض الظهر .. لزمه الجمعة إلا العبد والمرأة) قد يفهم وجوبها على المكاتب والمبعض والخنثى، وليس كذلك؛ فتعبير "المنهاج" و"الحاوي" بالذكورة والحرية أولى (¬1)، لكن قول "المنهاج" [ص 132]: (وكذا مَنْ بَعْضُهُ رقيقٌ على الصحيح) يفهم أن مقابله: اللزوم مطلقاً، وليس كذلك، وإنما هو اللزوم إن كان بينهما مُهَايأة ووقعت الجمعة في نوبته، وقول "التصحيح": (الصواب: أن الخنثى لا جمعة عليه) (¬2) يقتضي عدم الخلاف فيه، وليس كذلك؛ ففيه وجهان في "الكفاية". 798 - قولهم: (إنه لا جمعة على مسافر) (¬3) أي: سفراً مباحاً، وسواء أكان طويلاً أم قصيراً. 799 - قول "التنبيه" فيمن لا يلزمه الجمعة [ص 43]: (والمريض، والمقيم لمريض يخاف ضياعه، ومن له قريب يخاف موته، ومن تبتل ثيابه بالمطر في طريقه، ومن يخاف من ظالم) شرط المرض: حصول مشقة بالخروج؛ كمشقة المطر، قاله الإمام (¬4)، وذكره في "التحقيق" في (الجماعة) (¬5)، ويلتحق بالقريب: المملوك والزوجة والصهر والصديق، وفي معنى خوف موته: تأنسه به، ومن يخاف استيفاء العقوبة القابلة للعفو -وهي القصاص- وحد القذف معذور مع أنه لم يخف من ظالم، وكذلك خوف المسافر الانقطاع عن الرفقة وإن أمن على نفسه وماله، والأعمى إذا لم يجد قائداً، والزمن والشيخ الهرم إذا لم يجد مركباً، وغير ذلك. وتعبير "التصحيح" بالصواب في مسألة حد القذف مردود؛ ففيها وجهان في "الكفاية"، فلو ضبطه بأعذار الجماعة .. لكان أخصر وأحصر، كما فعل "المنهاج" فقال [ص 132]: (فلا جمعة على معذور بمرخص في ترك الجماعة)، وفى "الحاوي" [ص 190]: (لا معذوراً) ولم يصرح بأعذار الجماعة، لكنه صرح في (الجماعة) بذكر الجمعة. ويستثنى: الريح العاصف؛ لعدم تأتيه في الجمعة؛ فإنه لا يكون عذراً في الجماعة إلا ليلاً. قال السبكي: (وفي النفس من الاكتفاء في الجمعة بأعذار الجماعة شيء، وكيف يلحق فرض العين بما هو سنة أو فرض كفاية؟ ! بل ينبغي أن كل ما ساوت مشقته مشقة المرض يكون عذراً قياساً على المرض المنصوص، وما لا .. فلا إلا بدليل) انتهى. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 188)، المنهاج (ص 132). (¬2) تصحيح التنبيه (1/ 162). (¬3) انظر! "التنبيه" (ص 43)، و"الحاوي" (ص 190)، و"المنهاج" (ص 132). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (2/ 518). (¬5) التحقيق (ص 259).

800 - قول "التنبيه" [ص 43]: (فلا جمعة عليهم إلا المريض ومن في طريقه مطر؛ فإنهما إذا حضرا .. لزمتهما الجمعة) كذلك جميع المعذورين؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 190]: (لا معذوراً لم يحضر) وهذا ما أطلقه الأكثرون، وقال الإمام: (إن حضر المريض قبل الوقت .. فله الانصراف، وإن أقيمت الصلاة .. فلا، وبينهما إن لم يلحقه مزيد مشقة في الانتظار .. لزمه، وإن لحقه .. فلا) (¬1). قال الرافعي: (وهذا تفصيل فقيه، فلا يبعد تنزيل كلام المطلقين عليه، ولا يبعد أن يكون أصحاب الأعذار الملحقة بالمرض على هذا التفصيل؛ إن لم يزد ضررهم .. لزمتهم، وإن زاد .. فلا، وذلك كالخائف على ماله؛ فإن احتمال الضياع مع طول الغيبة أقرب، وكذلك الممرض يزيد ضرره بالانتظار (¬2)، وجزم بذلك في "المحرر" و"المنهاج" فقال: (وله أن ينصرف من الجامع، إلا المريض ونحوه فيحرم انصرافه إن دخل الوقت إلا أن يزيد ضرره بانتظاره) (¬3)، وفاته أن يستثني: ما إذا أقيمت الصلاة؛ فإنه لا يجوز الانصراف على هذه الطريقة وإن زاد ضرره، وقال السبكى: ولك أن تقول: إذا لم يشق عليه .. فيمتنع الانصراف وإن كان قبل الوقت كما يجب على غير المعذور السعي قبل الوقت، وإن شق .. فينبغي أن يجوز بعد الإقامة وقبل الإحرام. انتهى. ولو وافق العيد يوم جمعة فحضر أهل القرى إلى العصر للعيد وهم من أهل الجمعة لبلوغ النداء إليهم .. فلهم الانصراف وترك الجمعة على الصحيح. 801 - قول "التنبيه" فيمن لا يلزمه الجمعة [ص 43]: (والمقيم في موضع لا يسمع فيه النداء من الموضع الذي تصح فيه الجمعة) فيه أمران: أحدهما: محله: إذا لم يكن في ذلك الموضع جمع تصح به الجمعة، وقد صرح به "المنهاج" (¬4)، وإليه أشار "الحاوي" بقوله [ص 190]: (إن أقام حيث تقام). ثانيهما: المعتبر في لزوم الجمعة بسماع النداء: بلوغ صوت عالٍ في هدوء من طرف يليهم لبلد الجمعة، وقد صرح به "المنهاج" بهذه العبارة (¬5)، و"الحاوي" بقوله [ص 190]: (أو بلغه نداء صيّت من طرفه الأقرب بسكون الريح والصوت) وفاتهما أمر آخر، وهو: كون السامع معتدل السمع، ويعتبر أيضاً: كون النداء بمستو من الأرض، فلو ارتفعت قرية فسمعت ولو ساوت لم تسمع، أو انخفضت فلم تسمع ولو ساوت لسمعت .. فالأصح: لزوم الثانية دون الأولى اعتباراً ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (2/ 515، 516). (¬2) انظر "فتح العزيز" (2/ 298). (¬3) المحرر (ص 65)، المنهاج (ص 132). (¬4) المنهاج (ص 132). (¬5) المنهاج (ص 132).

بالاستواء، لا نفس السماع، لكن صحيح في "الشرح الصغير": عكسه، وقد يفهم من قول "المنهاج" [ص 132]: (بلغهم)، وقول "الحاوي" [ص 190]: (بلغه) أنه لا تجب عليه الجمعة إلا إن سمع هو النداء، وليس كذلك، بل إذا سمع بعض أهل القرية بالشروط المتقدمة .. وجب على أهلها، فينبغي أن يقرأ قول "التنبيه" [ص 43]: (لا يُسمع فيه النداء) بضم أوله على البناء للمفعول. 802 - قول "الحاوي" [ص 191]: (وبعد الفجر حُرم السفر المباح إن لم تمكن الجمعة ولم يلحقه ضرر) فيه أمور: أحدها: أنه يقتضي جواز سفر الطاعة ولو كان بعد الزوال وهو مقتضى قول "المحرر": (يحرم إنشاؤه بعد الزوال إن كان مباحاً، دون ما إذا كان واجباً أو مندوباً) (¬1) لكنه غلط خارج عن مذهبنا؛ فقد قال الرافعي في "الشرح": وهل كون السفر طاعة عذر في إنشائه بعد الزوال؟ المفهوم من كلام الأصحاب: أنه ليس بعذر، ورووا عن أحمد أنه عذر (¬2)، وعبارة "الروضة": أما الطاعة: فلا يجوز بعد الزوال (¬3)، ولذلك أطلق "المنهاج" تحريم السفر بعد الزوال، ولم يفصل فيه بين سفر الطاعة والمباح (¬4). ثانيها: تبع في تجويز سفر الطاعة قبل الزوال الرافعي (¬5)، لكن صحيح النووي: أن الطاعة كالمباح (¬6)، وذكر "المنهاج" التصحيحين، لكنه عبر بالأصح، وفي "الروضة" بالأظهر (¬7)، وكذا لم يفصل "التنبيه" فقال [ص 43]: (وهل يجوز قبل الزوال؟ فيه قولان) أي: والأصح: المنع. ثالثها: التعبير بالإمكان في "المنهاج" أيضاً (¬8)، وهو غير مستقيم؛ لصدقه مع غلبة الظن بعدم الإدراك ولا شك في التحريم، ومع التردد على السواء، والمتجه: التحريم أيضاً؛ احتياطاً للعبادة، والمعتبر: غلبة الظن بالإدراك؛ ولذلك عبر في "الشرح الصغير" بالتمكن فقال: (إن تمكن منها .. جاز)، وفي "شرح المهذب": يشترط العلم بالإدراك (¬9)، وفيه نظر، فالظن كافٍ ¬

_ (¬1) المحرر (ص 65). (¬2) فتح العزيز (2/ 305). (¬3) الروضة (2/ 38). (¬4) المنهاج (ص 132). (¬5) انظر "فتح العزيز" (2/ 304). (¬6) انظر "المجموع" (4/ 286). (¬7) المنهاج (ص 132)، الروضة (2/ 38). (¬8) المنهاج (ص 132). (¬9) المجموع (4/ 414).

كما تقدم، وعبارة "التنبيه" [ص 43]: (لم يجز له أن يسافر سفراً لا يصلي فيه الجمعة) أي: ظناً، هذا المتبادر إلى الفهم منه، والله أعلم. رابعها: قوله: (ولم يلحقه ضرر) أي: بتخلفه عن رفقته، كما في "المنهاج" (¬1)، ومقتضاه: أن خوف التخلف عنهم بلا ضرر .. لا يبيح السفر، وكذا في "المحرر" و"شرح المهذب" وغيرهما (¬2)، لكن في "الكفاية": إنه عذر، وصوبه في "المهمات" للاستيحاش، ويوافقه كلامهم في (التيمم)، ولم يتعرض "التنبيه" لذلك أصلاً. 803 - قول "التنبيه" [ص 43] و"الحاوي" [ص 190]: (ومن لا جمعة عليه .. غير بين الظهر والجمعة) فيه أمران: أحدهما: أن هذا التخيير محله: قبل الشروع، أما بعده .. فلا تخيير ولو في العبد والمرأة على الأصح؛ لأنها انعقدت عن فرضيهما .. فتعين إتمامها. ثانيهما: قد يفهم من التخيير استواؤهما في حقه، وليس كذلك، فالجمعة أفضل في حق العبد إذا أذن له سيده، وكذا إن خلا شغله فيما يظهر، وأشار إليه القاضي وغيره، وفي حق العجوز بإذن الزوج دون الشابة، وفي المسافر، وفي المريض، قاله البندنيجي، وفيمن لا يسمع النداء فيما يظهر، وقد ترجح الظهر في نحو: الخائف على نفسه أو ماله أو ضياع مريضه، وحينئذ .. فالتخيير فيما يسقط به الفرض. 804 - قول "المنهاج" [ص 132]: (ومن لا جمعة عليهم .. تسن الجماعة في ظُهْرِهِمْ في الأصح) محل الوجهين: إذا كانوا في البلد، فإن كانوا في غيرها .. استحبت الجماعة لهم إجماعاً، قاله في "شرح المهذب" (¬3). 805 - قول "التنبيه" [ص 43]: (والأفضل: ألا يصلي الظهر قبل فراغ الإمام من الجمعة) فيه أمران: أحدهما: أن التعبير بالفراغ يقتضي ألاَّ يصليها إلا بعد سلام الإمام؛ لأنه حينئذ يفرغ، ويوافقه تعبير الشافعي -رضي الله عنه- بقوله: حتى ينصرف الإمام أو يتأخى انصرافه (¬4)، لكنه عبر في "المهذب" بالفوات، وكذا عبر "الحاوي" (¬5)، ومقتضى ذلك فعلها إذا رفع الإمام من ركوع ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 132). (¬2) المحرر (ص 65)، المجموع (4/ 417). (¬3) المجموع (4/ 414). (¬4) الأم (1/ 190). (¬5) المهذب (1/ 110)، الحاوي (ص 191).

الثانية؛ لأنها حينئذ تفوت، وعبر عنه شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" بـ (الصواب) (¬1)، ويوافقه تعبير "المنهاج" بـ (اليأس من الجمعة) (¬2)، وقد يُدعى موافقتها لوجه محكي أنه يراعى تصور الإدراك في حق كل واحد، فمن بَعُد منزله ولو سعى لم يدرك .. فهو آيس وإن لم يرفع الإمام رأسه. وللسبكي هنا بحثان: أحدهما: أنهم لم يفرقوا في إمكان زوال العذر بين النادر وغيره، وقياس ذلك: أن يقال: لا يحصل اليأس إلا بالفراغ منها؛ لأنه يحتمل أن تفسد ويعيدونها .. فيحصل الإدراك، ويؤيده ما سيأتي في غير المعذور، قال: والوجه: أن يقال في غير المعذور: بمراعاة الاحتمال وإن بعد، وفي المعذور: بالاحتمال القريب دون البعيد. البحث الثاني: قال السبكي: لم يخرجوه على ما إذا تعارض فضيلة أول الوقت مع الجماعة أو مع الوضوء، ولو قيد به .. لم يبعد. الأمر الثاني: لم يفرق العراقيون بين من يرجو زوال عذره وغيره، قال في "الكفاية": وهو ظاهر النص، ونسبه القاضي للأصحاب، وقال الخراسانيون: هذا فيمن يرجو زوال عذره، فأما غيره؛ كالزمن والمرأة .. فالتعجيل له أفضل وجزم به الرافعى، وصححه النووي (¬3)، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، ثم قال في "الروضة": والاختيار: التوسط؛ فإن جزم بأنه لا يحضر الجمعة وإن تمكن منها .. ندب التقديم، وإلا .. فالتأخير (¬5). 806 - قول "الحاوي" فيمن يلزمه الجمعة [ص 190]: (ولا يصح ظهره ما لم يعتدل الإمام في الثانية) يخالفه قول "التنبيه" [ص 43]: (ومن لزمه فرض الجمعة .. لا يصلي الظهر قبل فراغ الإمام من الجمعة) وهذا هو المعتمد؛ فقد قال ابن الصباغ فيما إذا أحرم بالظهر بعد فوات الجمعة وقبل سلام الإمام: إن ظاهر كلام الشافعي -يعني: في الجديد- بطلانها، وقال في "شرح المهذب": إنه الأصح؛ لأنه لم يتحقق فواتها لجواز بطلانها (¬6)، وقال السبكى: ما اعتمده صاحب "الحاوي" في ذلك ليس هو الصحيح، والرافعي لم يذكر ذلك إلا في مسألة غير المعذور. انتهى. ¬

_ (¬1) تذكرة النبيه (2/ 519). (¬2) المنهاج (ص 132). (¬3) انظر "فتح العزيز" (2/ 2/ 305)، و"المجموع" (4/ 414). (¬4) الحاوي (ص 191)، المنهاج (ص 132). (¬5) الروضة (2/ 39، 40). (¬6) المجموع (4/ 416).

والفرق بينهما أن غير المعذور لما وجبت عليه .. لم يرفع هذا الوجوب إلا باليقين احتياطاً، لكن قد يوافقه قول "التنبيه" عقبه [ص 43]: (فإن صلاها قبل فوات الجمعة .. لم تصح في أصح القولين) لكنه مؤول ليوافق أول كلامه. 807 - قوله: (الرابع: أن يكون وقت الظهر باقياً) (¬1) لا يلزم منه رعاية الوقت ابتداءً، ولا كون الخطبة فيه؛ فإن الشروط المذكورة إنما ساقها في الصلاة، وقد سلم "المنهاج" من ذلك بكونه عدَّ في شروطها: (وقت الظهر) (¬2)، وذكر بعد ذلك في شروط الخطبة: (كونها بعد الزوال) (¬3)، و"الحاوي" بقوله [ص 188]: (شرط الجمعة: وقوع كلها بالخطبة وقت الظهر). 808 - قول "التنبيه" [ص 44]: (فإن فاتهم الوقت وهم في الصلاة .. أتموها ظهراً) هو معنى قول "المنهاج" [ص 133]: (ولو خرج وهم فيها) فالمراد بفوات الوقت: خروجه بالكلية، وقال شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني: لم أر فيه خلافاً، وينبغي أن يقال: إذا قلنا: من أدرك ركعة من الصلاة في وقتها تكون أداء ويقصرها المسافر بشرطه .. أن يتموها جمعة بإدراك ركعة، ووجدت في "الأم" في آخر ترجمة وقت الجمعة ما يشهد له. انتهى (¬4). وقوله: (وجب الظهر بناءً، وفي قولٍ: استئنافاً) (¬5) صحيح في "شرح المهذب": طريقة القطع بالبناء (¬6)، ولو شرع في الجمعة والوقت طويل فمد الركعة الأولى حتى تحقق أنه لم يبق ما يسع فرض الثانية .. فهل تنقلب ظهراً الآن، أو إلى دخول وقت العصر؟ وجهان، حكاهما في "البحر"، ورجح: أنها تفسير ظهراً الآن (¬7)، ونظيره: ما لو حلف ليأكلن الرغيف غداً، فأكله في اليوم، هل يحنث اليوم؟ . 809 - قول "التنبيه" [ص 43] (أحدها: أن تقام في أبنية مجتمعة) قد يرد على ذلك ما لو كان في وسط الأبنية فضاءٌ فأقاموها فيه .. فإنه يصح وليست في أبنية، ولا يرد ذلك على تعبير "المنهاج" بـ (خِطةِ أبنية) (¬8) و"الحاوي" بـ (خطبة بلدةٍ أو قريةٍ) (¬9). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 44). (¬2) المنهاج (ص 133). (¬3) المنهاج (ص 134). (¬4) الأم (1/ 194). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 133). (¬6) المجموع (4/ 432). (¬7) بحر المذهب (3/ 21، 22). (¬8) المنهاج (ص 133). (¬9) الحاوي (ص 188).

نعم؛ قد يرد عليهم جميعاً ما لو انهدمت وأقاموا بقصد أن يعمروا، ولا خلاف أنهم يجمعون كما في "شرح المهذب" (¬1). قال القاضي أبو الطيب: ولا تنعقد عند الشافعي في غير الأبنية إلا في هذه المسألة، وكلامهم يفهم أيضاً: عدم صحتها خارج البلد في كُنٍّ أو ساحة، وكذا أطلقه الأصحاب، وحمله السبكي على ما إذا لم يُعَد الكُنُّ من القرية، قال: أما إذا عُدّ منها عرفاً .. فينبغي صحة إقامة الجمعة فيه وإن انفصل عن بقية عمرانها، وعليه يدل نص الشافعي. انتهى (¬2). 810 - قول "المنهاج" [ص 133]: (ولو لازم أهل الخيام الصحراء أبداً .. فلا جمعة في الأظهر) أي: لا تجب عليهم الجمعة، كذا في "الشرح" و"المحرر" (¬3)، أو فلا تصح منهم الجمعة كما في "الروضة" (¬4)، والحكمان صحيحان؛ لا تجب عليهم الجمعة، ولا تصح منهم، وصرح به في "شرح المهذب" (¬5). 811 - قول "التنبيه" [ص 44]: (الخامس: ألاَّ يكون قبلها ولا معها جمعة أخرى) يستثنى من ذلك: ما إذا كبرت البلد وعسر اجتماعهم في مكان كما صححه الرافعي والنووي (¬6)، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬7)، لكن ظاهر نص الشافعي يقتضي الامتناع مطلقاً، وهو المختار. وقال السبكي: إنه الصحيح مذهباً ودليلاً. 812 - قول "التنبيه" [ص 44]: (فإن كان الإمام مع الثانية .. ففيه قولان، أحدهما: أن الجمعة جمعة الإمام، والثاني: أن الجمعة هي السابقة) الأصح: الثاني، وصححه "المنهاج"، وعبر في القول الضعيف بالسلطان (¬8)، وهو مراد "التنبيه" بـ (الإمام). قال السبكي: يظهر أن كل خطيب ولاه السلطان .. فهو كالسلطان في ذلك، وأنه مراد الأصحاب. انتهى. وقال الجيلي: المراد به: الإمام الأعظم، أو خليفته في الإمامة، أو الراتب من جهته. وقال ابن يونس في "التنويه": أبدلنا الإمام بالوالي؛ لأنه أعم. ¬

_ (¬1) المجموع (4/ 420). (¬2) انظر "الأم" (1/ 191). (¬3) المحرر (ص 66)، فتح العزيز (2/ 251). (¬4) الروضة (2/ 4). (¬5) المجموع (4/ 420). (¬6) انظر "فتح العزيز" (2/ 252، 253)، و"المجموع" (4/ 492) .. (¬7) الحاوي (ص 188)، المنهاج (ص 133). (¬8) المنهاج (ص 133).

813 - قول "الحاوي" [ص 188]: (وإن لم يعلم .. استؤنفت) يشمل ما إذا لم يعلم هل اقترنتا أو سبقت إحداهما؟ وما إذا سبقت إحداهما ولم يتعين وهو في الثانية، موافق لما رجحه في "الوسيط" (¬1)، لكن المرجح في "المحرر" و"الشرح الصغير" -وفي "الكبير" عن الأصحاب: أنه القياس (¬2) - وصححه النووي، وعزاه للأكثرين: استئنافُ الكل ظهراً (¬3)، وأدرج صاحب "المصباح" هذه الصورة في قوله قبل ذلك: (وإن التبس السابق .. صلوا الظهر) (¬4) وأعاد الضمير في قوله: (وإن لم يعلم) (¬5) على السبق دون السابق، فيوافق الأصح حينئذ. لكن اعترضه القونوي: بأن الالتباس إنما يكون بعد العلم بالتعيين، وقد ينازع في ذلك ويقال: قد يكون الالتباس من الأول، وعبارة "المنهاج" [ص 133]: (وإن سبقث إحداهما ولم تتعين، أو تعينت ونسيت .. صلوا ظهراً، وفي قول: جمعةً)، وكان ينبغي التعبير في الثانية بالمذهب؛ لأن المرجح فيها: القطع بالظهر، وطريقة القولين فيها ضعيفة. وفي "التنبيه" فيما إذا لم يعلم السابق منهما [ص 44]: (فهما باطلتان)، وحمله شراحه على ما إذا لم يُعلم هل اقترنتا أم سبقت إحداهما؟ وفيه نظر؛ فإن المفهوم منه ما إذا كان هناك سابق لكنه لم يتعين، فيكون موافقاً لما أفهمته عبارة "الحاوي"، ورجحه في "الوسيط" فإنَّ الحكم ببطلانهما يقتضي الإعادة جمعة إذ لم تسبق جمعة صحيحة، والله أعلم. 814 - قول "التنبيه" [ص 43]: (الثالث: أن تقام بأربعين نفساً) كان ينبغي أن يقول: (ذكراً) كما في "المنهاج" و"الحاوي" (¬6). 815 - قوله: (من أول الصلاة إلى أن تقام الجمعة) (¬7)، قال النووي: هذا هو الثابت -يعني: لفظ الصلاة- لا الخطبة (¬8)، وحينئذ .. فالمراد بقوله: (إلى أن تقام الجمعة): الفراغ منها. 816 - قول "المنهاج" -والعبارة له- و"الحاوي": (مستوطناً لا يظعن شتاءً ولا صيفاً إلا لحاجة) (¬9) هو معنى قول "التنبيه" [ص 43]: (مقيمين في موضع لا يظعنون عنه شتاءً ولا صيفاً إلا ظعن حاجة) لكن عدم الظعن إلا لحاجة في عبارة "التنبيه" قيد في الإقامة، وفي عبارة الآخرين ¬

_ (¬1) الوسيط (2/ 265). (¬2) المحرر (ص 67)، فتح العزيز (2/ 254، 255). (¬3) انظر "المجموع" (4/ 494، 495). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 188). (¬5) انظر "الحاوي" (ص 188). (¬6) الحاوي (ص 188)، المنهاج (ص 133). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 43، 44). (¬8) انظر "المجموع" (4/ 423). (¬9) الحاوى (ص 188، 189)، المنهاج (ص 133).

شرح للاستيطان وبيان له، لا قيد فيه، وذلك يدل على أن المقيم غير المستوطن لا تنعقد به وإن وجبت عليه، وهو الأصح، ولكن توقف فيه السبكي وقال: لم يتضح عندي دليل عليه، ومال إلى قول ابن أبي هريرة: أنها تنعقد به؛ لوجوبها عليه قطعاً، قال: ولو أنا فرضنا أربعين مقيمين في بلد ليس فيها غيرهم ولم يستوطنوها: فإن لم نوجب عليهم الجمعة .. كان تخصيصاً للحديث الدال على إيجابها على المقيم، وإن أوجبناها عليهم .. وجب انعقادها بهم. 817 - قول "المنهاج" [ص 134]: (والصحيح: انعقادها بمرضى) عبر في "الروضة" بالمشهور (¬1)، فاقتضى أن الخلاف قولان. 818 - قوله: (ولو انفض الأربعون أو بعضهم في الخطبة .. لم يحسب المفعول في غيبتهم) (¬2) إنما يجب إسماع الخطبة تسعة وثلاثين على الأصح، كما ذكره في قوله: (وأن الإمام لا يُشْتَرط كونه فوق الأربعين) (¬3)، فعلى هذا: لو كان معه أربعون غيره فانفض منهم واحد .. فقد انفض بعض الأربعين، وهذا لا يضر في الأصح. فإن حمل كلامه على الأربعين المعهودين الذين أحدهم الإمام .. أشكل عليه أن هؤلاء لا يتصور انفضاض كلهم إلا والإمام معهم، ولا يرد ذلك على "الحاوي" لتعبيره بعد ذكر الأربعين بقوله [ص 189]: (وإن نقصوا)، ولم يذكر "التنبيه" الانفضاض في الخطبة. 819 - قول "المنهاج" [ص 134]: (وإن انفضوا في الصلاة .. بطلت) هو معنى قول "التنبيه" [ص 44]: (وإن نقصوا عن الأربعين .. أتمها ظهراً في أصح الأقوال). فعنى قول "المنهاج": (بطلت) أي: الجمعة، لا أصل الصلاة، والمراد: انفضاض مسمى العدد المعتبر، لا الذين حضروا الخطبة، فلو أحرم بأربعين ثم لحق أربعون لم يسمعوا الخطبة ثم انفض الأولون .. لم تبطل، ولو أحرم أربعون عقب انفضاض الأولين على الاتصال .. كفى إن كان اللاحقون سمعوا الخطبة، وإلا .. فلا. وقد ذكر "الحاوي" الصورتين (¬4)، قال في "المهمات": (سيأتي أن المفارقة هنا في الركعة الثانية على القولين في المفارقة في سائر الصلوات؛ لأن الجمعة تدرك بركعة، والأصح: الجواز، فالانفضاض لا بد أن يفصل فيه: هل هو بإبطال الصلاة أو بالانفراد؟ ) انتهى. 820 - قول "المنهاج" [ص 134]: (وتصح خلف العبد والصبي والمسافر في الأظهر إذا تم العدد ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 7). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 134). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 134). (¬4) الحاوي (ص 189).

بغيره) صحيح في "الروضة" في العبد والمسافر: طريقة القطع بالصحة (¬1)، وكان ينبغي أن يقول: (إذا تم العدد بغيرهم) لأن العطف إذا كان بالواو .. لا يفرد الضمير. 821 - قوله: (ومن لحق الإمامَ المُحْدِثَ راكعاً .. لم تحسب ركعته على الصحيح) (¬2) وعبر في "الروضة" بالأصح (¬3)، والمسألة غير مختصة بالجمعة، وقد تقدم ذكرها في موضعها. 822 - قول "المنهاج" [ص 134]: (وأركانها خمسة: حمدُ الله تعالى، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولفظهما متعينٌ) إن أراد: تعين الحمد والصلاة دون لفظ (الله)، و (رسول الله) .. ورد عليه أن لفظ الجلالة متعين، فلو قال: (الحمد للرحمن، أو الرحيم) .. لم يكف كما نقله الرافعي عن مقتضى كلام الغزالي، وقال: لم أره مسطوراً، وليس ببعيد كما في التكبير (¬4)، وجزم به في "شرح المهذب" (¬5)، ومشى عليه "الحاوي" فقال [ص 190]: (بلفظ الله والحمد)، وإن أراد: تعين المذكور بجملته .. ورد عليه أنه لا يتعين لفظ (رسول الله)، فلو قال: (على النبي، أو محمد) .. كفى. وقول "الحاوي" [ص 190]: (ثم لفظ الصلاة على النبي) قد يُوهم تعين لفظ (النبي)، وليس كذلك كما عرفته. 823 - قولهما: (والوصية بالتقوى) (¬6) زاد "المنهاج" [ص 134]: (ولا يتعين لفظها على الصحيح) يحتمل أن مراده: لا يتعين لفظ الوصية، وهو عبارة "الروضة" (¬7)، فيكون لفظ التقوى لا بد منه، وهذا أقرب إلى لفظه، ويحتمل أن مراده: لا يتعين واحد من اللفظين؛ لا الوصية ولا التقوى، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 190]: (ثم الوصية ولو أطيعوا الله) والاكتفاء بـ (أطيعوا الله) قاله الإمام، وحكاه عنه في "الروضة" تبعاً لأصلها ساكتاً عليه (¬8). 824 - قول "التنبيه" [ص 44]: (ويقرأ في الأولى شيئاً من القرآن) فيه أمران: أحدهما: قد يفهم الاكتفاء ببعض آية. ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 10). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 134). (¬3) الروضة (2/ 12). (¬4) انظر "فتح العزيز" (2/ 286). (¬5) المجموع (4/ 438). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 44)، و"المنهاج" (ص 134). (¬7) الروضة (2/ 25). (¬8) الروضة (2/ 25)، وانظر "نهاية المطلب" (2/ 540).

ثانيهما: الأصح: وجوب القراءة في إحدى الخطبتين لا بعينها، وقد عبر "المنهاج" و"الحاوي" بقراءة آية في إحداهما (¬1). وقال الإمام: لا يبعد الاكتفاء بشطر آية طويلة، وقال: ولو قال: {ثُمَّ نَظَرَ} .. لم يكف بلا شك وإن عُدّت آية، بل يشترط أن تُفْهِم (¬2). 825 - قول "المنهاج" [ص 134]: (وقيل: لا يجب) رجح في "الروضة": أنه قول، فقال: قراءة القرآن ركن على المشهور، وقيل: الصحيح (¬3). 826 - قول "التنبيه" في السنن [ص 44]: (وأن يدعو للمسلمين) فيه أمران: أحدهما: الأصح: وجوبه في الخطبة الثانية، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬4). ثانيهما: كلامه يفهم استيعاب المسلمين، ويوافقه قول "المنهاج" [ص 134]: (ما يقع عليه اسم دعاءٍ للمؤمنين)، لكن قال الإمام: لا بأس بتخصيصه بالسامعين؛ بأن يقول: رحمكم الله (¬5)، وتبعه في "الحاوي" فقال [ص 190]: (والدعاء ولو رحمكم الله). 827 - قول "المنهاج" -والعبارة له- و"الحاوي": (ويشترط كونها عربية) (¬6) يستثنى منه: ما إذا لم يكن فيهم من يحسن العربية .. فيخطب واحد منهم بالعجمية، والتعلم فرض كفاية عليهم، فإن أخروا مع الإمكان .. عصوا ولا جمعة، ومشى "الحاوي" على اشتراط الترتيب بين الحمد والصلاة والوصية بالتقوى، وتبع في ذلك "المحرر" (¬7)، وصحح "المنهاج" خلافه (¬8)، ولذلك لم يذكره "التنبيه". 828 - قول "التنبيه" في شروط الخطبتين [ص 44]: (والقيام) أي: للقادر، كما صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬9)، فلو خطب قاعداً مع العجز .. صح. 828/ 1 - قولهما: (والجلوس بينهما) (¬10) قد يفهم الاكتفاء بمطلق الجلوس مع أن الطمأنينة ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 190)، المنهاج (ص 134). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (2/ 541). (¬3) الروضة (2/ 25). (¬4) الحاوي (ص 190)، المنهاج (ص 134). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (2/ 542). (¬6) الحاوي (ص 190)، المنهاج (ص 134). (¬7) المحرر (ص 69)، الحاوي (ص 190). (¬8) المنهاج (ص 135). (¬9) الحاوي (ص 190)، المنهاج (ص 134). (¬10) انظر "التنبيه" (ص 44)، و"المنهاج" (ص 134).

فيه شرط كما صرح به "الحاوي" (¬1)، ولو خطب جالساً .. لم يفصل بينهما بالاضطجاع، بل بسكتة، وهي واجبة في الأصح. 829 - قول "المنهاج" [ص 134] و"الحاوي" [ص 190]: (وإسماع أربعين كاملين) فيه تساهل، فالواجب: إسماع تسعة وثلاثين؛ لأن الأصح: أن الإمام من الأربعين، ويحتمل أنهم أرادوا: إسماع نفسه أيضاً، فلا يجوز كونه أصم إذا كانوا أربعين فقط، لكن هذا بعيد؛ فإنه يعلم ما يقوله وإن لم يسمعه، ولا معنى لأمره بالإنصات لنفسه، وقد سلم "التنبيه" من هذا؛ لقوله [ص 44]: (والعدد الذي تنعقد به الجمعة) لكن ليس في عبارته ما يدل على إسماع الخطبة أحداً. 830 - قولهما -والعبارة لـ"المنهاج"-: (والجديد: أنه لا يحرم عليهم الكلام، ويُسَنُّ الإنصات) (¬2) يستثنى من محل الخلاف: الخطيب في المذهب، وهو مفهوم من فرض "التنبيه" الخلاف في الحاضر المستمع، و"المنهاج" فيمن يسمعهم الإمام (¬3). ويستثنى: حال الجلوس بينهما في ترجيح جماعة، وهو مفهوم من قول "التنبيه" [ص 45]: (والإمام يخطب). ويستثنى: المهم الناجز؛ كما لو أنذر أعمى، أو من دبت عليه عقرب. ويستثنى: الداخل قبل أن يأخذ لنفسه مكاناً. ثم طريقة الرافعي والنووي طرد الخلاف في الحاضرين كلهم (¬4)، وطريقة الغزالي تبعاً للإمام أن القولين فيمن عدا الأربعين، أما الأربعون: فيحرم عليهم الكلام جزماً (¬5)، وقال الشيخ تقي الدين في "شرح العمدة": هذه الطريقة هي المختارة عندنا (¬6)، وقال السبكي: هو الوجه، فليخصص الخلاف بغيرهم. 831 - قول "التنبيه" [ص 44]: (ومن شرط صحتهما: الطهارة والستارة في أحد القولين) هو الأظهر، وقد ذكره "المنهاج" (¬7)، وقال في "الكفاية": الخلاف في الستر وجهان، ولم أر أحداً قال: قولان. انتهى. وهو مفهوم من قول الرافعي بعد ذكر القولين في الطهارة: وطردوهما في السترة. انتهى (¬8). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص، 190). (¬2) انظر في "التنبيه" (ص 45)، و"المنهاج" (ص 135). (¬3) التنبيه (ص 45)، المنهاج (ص 134). (¬4) انظر "فتح العزيز" (2/ 292، 293)، و"المجموع" (4/ 441، 442). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (2/ 548)، و"الوجيز" (1/ 190، 191). (¬6) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (2/ 114). (¬7) المنهاج (ص 135). (¬8) انظر "فتح العزيز" (2/ 288).

تنبيه [فيما أهمل من شروط الخطبتين]

وظاهر كلامهما طرد القولين في الحدثين، وصححه النووي تبعاً للمتولي (¬1)، وخصهما البغوي بالأصغر، وقال: لا يصح من الجنب قطعاً؛ لأن القراءة لا تحسب منه، قال الرافعي: وهذا أوضح (¬2). ولم يذكر "المحرر" و"الحاوي" الستر، وقد ذكره "المنهاج" كما تقدم. تَنْبِيهٌ [فيما أهمل من شروط الخطبتين] أهمل "التنبيه" من شروط الخطبتين: كونهما بالعربية، وإسماعهما أربعين كاملين أو تسعة وثلاثين، وكونهما بعد الزوال، والموالاة بين الأولى والثانية، وبين الثانية والصلاة، وترتيب الأركان، وهو على رأي الرافعي كما تقدم، وقد ذكر ذلك "الحاوي"، وكذا "المنهاج" إلا أنه لم يصرح بالموالاة بين الثانية والصلاة، بل أطلق اشتراط الموالاة (¬3). 832 - قول "الحاوي" [ص 190]: (وتصير ظهراً إن فات شرط) أي: من الشروط التي ذكرها هنا، وهي الخاصة بها، أما الشروط المشتركة بينها وبين غيرها .. فتبطل بفواتها، وهذا واضح. 833 - قول "التنبيه" في السنن [ص 44]: (وأن يسلم على الناس إذا أقبل عليهم) وكذا يسلم على من عند المنبر قبل الصعود، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، وكذا يسلم عند دخول المسجد كما في "شرح المهذب" (¬5)، ومقتضى هذا أنه لا يسلم على كل فوج يتخطاهم في طريقه إلى المنبر، فيستثنى ذلك من إفشاء السلام إن صح، والله أعلم. 834 - قول "التنبيه" -والعبارة له- و"الحاوي": (وأن يجلس إلى أن يؤذن المؤذن) (¬6) أحسن من قول "المنهاج" [ص 135]: (ويجلس، ثم يُؤَذَّن) لأنه قد يُقرأ بكسر الذال .. فيوهم أنه هو الذي يؤذن، فينبغي أن يُقرأ بفتحها، ومع ذلك ففي عبارتهما زيادة فائدة، وهي: اقتضاؤها كون المؤذن بين يديه واحداً، وقد نقل في "البيان" عن صاحب "الإفصاح" والمحاملي استحبابه، نقله الرافعي (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "المجموع " (4/ 435). (¬2) انظر "التهذيب" (2/ 341)، و"فتح العزيز" (2/ 288). (¬3) الحاوي (ص 190)، المنهاج (ص 135). (¬4) الحاوي (ص 191)، المنهاج (ص 135). (¬5) المجموع (4/ 447). (¬6) التنبيه (ص 44)، الحاوي (ص 192). (¬7) البيان (2/ 577)، وانظر "فتح العزيز" (2/ 294).

ونص في "الأم" على كراهة الزيادة عليه في هذا المحل (¬1)، حكاه في "المهمات"، وعبارة "المحرر": (ويشتغل المؤذن بالأذان كما جلس) (¬2)، وتعبير "المنهاج" لا يدل على هذا التعقيب، وإنما لم يستعمل هذه العبارة؛ لما ذكره في "الدقائق": أن قوله: (كما جلس) ليست عربية، ويطلقها فقهاء المعجم بمعنى: عند (¬3). 835 - قولهما: (وأن تكون الخطبة قصيرة) (¬4) عبر "الحاوي "بأن تكون قصداً (¬5)، أي: متوسطة بين الطول والقصر، وهو الموافق لـ"الروضة" وأصلها (¬6). 836 - قول "التنبيه" [ص 44]: (ويعتمد على سيفٍ أو قوسٍ أو عصاً) أحسن من قول "المنهاج" [ص 135]: (ويعتمد على سيفٍ أو عصاً ونحوه) لتصريحه بالقوس الذي أبهمه "المنهاج" بقوله: (ونحوه) ففي الحديث: (أنه عليه الصلاة والسلام كان يتوكأ على قوس أو عصا) (¬7)، وعبارة "الحاوي" [ص 192]: (ويشغل يداً بنحو سيفٍ وأخرى بالمنبر) ولم يبين التي يشغلها بالسيف، وهي اليسرى، كما صرح به القاضي حسين والبغوي والخوارزمي، ولم يتعرض له الأكثرون (¬8). 837 - قول "الحاوي" [ص 192]: (وإن نَسِيَ بـ "المنافقين" في الثانية) أي: إن نَسِيَ قراءة (الجمعة) في الأولى .. قرأها مع (المنافقين) في الثانية، فالباء في قوله: (بالمنافقين) للمصاحبة، قال في "الروضة": ومعنى النسيان: تركها سواء كان ناسياً أو عامداً أو جاهلاً (¬9). 838 - قول "التنبيه" [ص 44]: (والسنة لمن أراد الجمعة: أن يغتسل لها عند الرواح) فيه أمران: أحدهما: قد يفهم أنه لا يتيمم لها عند العجز؛ لأن الغرض بالغسل التنظيف، والأصح: أنه يتيمم، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬10). ¬

_ (¬1) الأم (1/ 195). (¬2) المحرر (ص 70). (¬3) الدقائق (ص 47). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 44)، و"المنهاج" (ص 135). (¬5) الحاوي (ص 192). (¬6) الروضة (2/ 32). (¬7) أخرجه أحمد (17889)، وابن خزيمة (1452)، والطبراني في "الكبير" (3165) من حديث شعيب بن زريق الطائي عن الحكم بن حزن الكلفي. (¬8) انظر "التهذيب" (2/ 342). (¬9) الروضة (2/ 45). (¬10) الحاوي (ص 191)، المنهاج (ص 135).

ثانيهما: قد يفهم من تعبيره وتعبير "الحاوي" بالرواح أن الأفضل: تأخيره إلى بعد الزوال، فالأحسن: قول "المنهاج" [ص 135]: (وتقريبه من ذهابه أفضل). 839 - قول "التنبيه" في (باب الغسل المسنون) [ص 20]: (وهو اثنا عشر غسلاً) يرد عليه أغسال أخرى، منها: الغسل من الحجامة، والخروج من الحمام؛ كما اختار النووي الجزم به، وحكى عن النص: أُحِبُّ الغسل من الحجامة، والحمام، وكل أمر غَيَّر الجسد، قال: فأشار الشافعي إلى حكمته أن ذلك يغير الجسد ويضعفه، والغسل يشده وينعشه (¬1). ومنها: الغسل لكل اجتماع، وفي كل حال يغير رائحة البدن، حكاه في "الروضة" عن الأصحاب (¬2). ومنها: الغسل للاعتكاف، نص عليه كما في "اللطيف" لأبي الحسن بن خيران، ولكل ليلة من رمضان، قاله الحليمي، ولحلق العانة، قاله المحاملي وأبو حامد العراقي في "الرونق"، وللوادي عند سيلانه كما ذكروه في (الاستسقاء)، ولدخول الكعبة، حكاه في "النهاية" عن صاحب "التلخيص"، وهو غلط (¬3)، ولدخول الحرم والمدينة كما سنذكره، ولا يرد ذلك على "المنهاج" إذ ليس في عبارته ما يدل على الحصر. 840 - قول "التنبيه" [ص 20]: (وغسل المجنون إذا أفاق) كذلك المغمى عليه، وقد ذكره "المنهاج" (¬4). 841 - قولهما: (والكافر إذا أسلم) (¬5) أي: إن لم يجنب في كفره، فإن أجنب .. فالأصح: وجوب الغسل ولو اغتسل في زمن الكفر. 842 - قول "التنبيه" [ص 20]: (والغسل لدخول مكة) كذا لدخول الحرم، ولدخول المدينة، كما ذكره فيهما أبو بكر الخفاف في كتاب "الأقسام والخصال"، وذكره النووي في "مناسكه" لدخول المدينة (¬6). 843 - قوله: (وغسل الرمي) (¬7) أي: أيام التشريق كل يوم غسلاً، ولا يستحب لرمي جمرة العقبة، واستحبه الخفاف، وهو غريب. ¬

_ (¬1) انظر "الروضة" (2/ 44). (¬2) الروضة (2/ 44). (¬3) التلخيص (ص 179)، نهاية المطلب (2/ 530)، وقد تقدم ذكر ذلك في (باب الغسل) مسألة (214). (¬4) المنهاج (ص 135). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 20)، و"المنهاج" (ص 135). (¬6) الإيضاح في المناسك (ص 157). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 20).

844 - قوله: (وغسل الطواف) (¬1) أي: طواف الركن كما قيده في "الكفاية"، وهو موافق لاقتصار "التنبيه" عليه في (الحج)، وهو قديم جزم به النووي في "مناسكه الكبرى"، والجديد الصحيح: المنع، واستحبه القديم لطواف الوداع، وجزم به النووي في "مناسكه" أيضاً (¬2)، وأجرى القاضي أبو الطيب القديم في طواف القدوم أيضاً، والمشهور خلافه. 845 - قوله: (وغسل الوقوف بعرفة) (¬3) كذلك بمزدلفة بالمشعر الحرام، لا للمبيت بها، وفي "المنهاج" [ص 135]: (وأغسال الحج) وأحال تفصيلها على بابها. 846 - قول "المنهاج" [ص 135]: (وليس للجديد -أي: في ترجيح غسل غاسل الميت- حديث صحيح) فيه نظر؛ فقد صحيح الترمذي وابن حبان وابن السكن حديث أبي هريرة في ذلك (¬4)، وصحح ابن خزيمة والحاكم والبيهقي حديث عائشة فيه (¬5). 847 - قول "التنبيه" [ص 44]: (وأن يبكر بعد طلوع الشمس) الأصح: استحبابه من طلوع الفجر، وهو مفهوم من عبارة "الحاوي" لعطفه على الأحكام المرتبة على الفجر (¬6)، وأطلق "المنهاج" التبكير، ولم يذكر وقته (¬7)، ويستثنى من التبكير: الإمام، فيحضر وقت الصلاة، قاله الماوردي (¬8). 848 - قول "التنبيه" [ص 44]: (وأن يتنظف بسواك) أي: لتغير الفم، لا للصلاة؛ لأن سواك الصلاة مستحب وإن لم يحصل به تنظف، مع أنه قد سبق السواك عند تغير الفم في بابه، وكأن المذكور هنا استحبابه لخصوص تغير الفم يوم الجمعة، تعظيماً لشأن الجمعة، واستحبابه خاصاً غير استحبابه عاماً. 849 - قوله: (وإن حضر والإمام يخطب .. لم يتخط رقاب الناس) (¬9) فيه أمور: أحدها: أنه يفهم أنه لا بأس بالتخطي قبل الخطبة كمذهب مالك رضي الله عنه (¬10)، وليس كذلك؛ ولذلك لم يقيده به "المنهاج" و"الحاوي" (¬11). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 20). (¬2) الإيضاح في المناسك (ص 38). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 20). (¬4) سنن الترمذي (993)، صحيح ابن حبان (1161). (¬5) صحيح ابن خزيمة (256)، مستدرك الحاكم (582)، سنن البيهقي الكبرى (1328). (¬6) الحاوي (ص 191). (¬7) المنهاج (ص 136). (¬8) انظر "الحاوي الكبير" (2/ 452). (¬9) انظر "التنبيه" (ص 45). (¬10) انظر "المدونة" (1/ 159). (¬11) الحاوي (ص 192)، المنهاج (ص 136).

ثانيها: لم يبين حكم التخطي، والمشهور: كراهته، وعبارة "المنهاج" تقتضي أنه خلاف الأولى؛ لعده في السنن: ألاَّ يتخطى (¬1)، واختار في (الشهادات) من "الروضة" تحريمه (¬2)، وعليه نص الشافعي كما نقله الشيخ أبو حامد، وهو مفهوم قول "الحاوي" [ص 192]: (وللإمام ومن بين يديه فرجة تخطي الرقاب) فإنه يقتضي أن غيرهما ليس له ذلك. ثالثها: يستثنى من كراهة التخطي وتحريمه شيئان: أحدهما: الإمام، فله التخطي في مضيه للمنبر والمحراب إذا لم يجد طريقاً سواه، ولا ترد هذه على "التنبيه" لفرضه المسألة فيمن عدا الإمام بقوله [ص 45]: (حضر والإمام يخطب) والحاضر والإمام يخطب غير الإمام قطعاً. الثاني: غير الإمام إذا وجد في الصفوف التي بين يديه فرجة .. فله التخطي إليها بشرط أن يكون التخطي بصف أو صفين، فإن زاد .. فالكراهة باقية، قاله الشيخ أبو حامد وغيره، ونص عليه في "الأم" (¬3)، وقال في "شرح المهذب" فيما إذا كان بينه وبينها أكثر من صفين: إن رجا أن يتقدموا إليها إذا صلوا .. لم يتخط، وإلا .. تخطى إليها، وهذا كله في الاستحباب، ولا يكره التخطي في حالة من هذه الأحوال سواء كانت الفرجة قريبة أم بعيدة. انتهى (¬4). وهو خلاف النص كما تقدم، وهاتان الصورتان واردتان على "المنهاج"، وقد ذكرهما "الحاوي" كما تقدمت عبارته، لكن يستثنى من إطلاقه تخطي الرقاب لمن بين يديه فرجة: ما إذا زادت على صفين كما تقدم، والله أعلم. 850 - قول "المنهاج" [ص 136]: (وأن يتزين بأحسن ثيابه) قد يفهم ترجيح غير الأبيض على الأبيض إذا كان أحسن، وليس كذلك؛ ولذلك عقبه "التنبيه" بقوله [ص 44]: (وأفضلها البياض)، وكذا قال "الحاوي" [ص 191]: (ولبس البيض). 851 - قول "التنبيه" [ص 45]: (والمستحب أن يقرأ "سورة الكهف" يوم الجمعة) زاد "المنهاج" [ص 136]: (وليلتها)، وأكثر الكتب ساكتة عن تعيين وقت قراءتها من اليوم، وحَكى في "الذخائر" خلافاً في أنه قبل طلوع الشمس أو بعد العصر، ولا شك أن هذا الخلاف في الأولوية، وفي "الشامل الصغير": عند الرواح إلى الجمعة. 852 - قول "المنهاج" [ص 136]: (ويحرم على ذي الجمعة التشاغل بالبيع وغيره بعد الشروع ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 136). (¬2) الروضة (11/ 224). (¬3) الأم (1/ 198). (¬4) المجموع (4/ 466).

في الأذان) المراد بذي الجمعة: من تلزمه، ومفهومه: أنه لو كان أحد المتبايعين لا تلزمه .. لا تحرم عليه، وليس كذلك كما جزم به الرافعى والنووي (¬1)، لكن في "المهمات": المعروف أنه لا يأثم إلا من تلزمه الجمعة، وحكاه عن النص وجماعة، ومحل التحريم: إذا سمع النداء فتشاغل بالبيع مستقراً سواء أكان مفوتاً للجمعة أم لا، أما لو بادر وبايع في طريقه ماشياً أو في المسجد .. لم يحرم، قاله المتولي، وارتضاه النووي (¬2). 853 - قول "التنبيه" فيمن حضر والإمام يخطب [ص 45]: (ولا يزيد على تحية المسجد بركعتين يتجوز فيهما) فيه أمران: أحدهما: أنه يفهم أن من حضر قبل الخطبة .. له الزيادة على التحية، ويستثنى منه: ما بعد جلوسه على المنبر، قال في "شرح المهذب": المشهور: منع الصلاة مطلقاً سواء وجب الإنصات أم لا، وسواء قرب الإمام أو بعد (¬3). ثانيهما: يستثنى من فعل التحية: ما لو دخل في آخر الخطبة .. فلا يصليها خشية فوات أول الجمعة مع الإمام، كذا في "الروضة" تبعاً لأصلها (¬4)، وفي "شرح المهذب": حمل ذلك على ما إذا ظن فوات تكبيرة الإحرام مع الإمام، وإلا .. صلاها، قال: وإطلاق من أطلق محمول على هذا، ويستحب للإمام أن يزيد في الخطبة قدراً يمكنه الإتيان بالركعتين فيه، نص عليه في "الأم"، وأطبق عليه الأصحاب كما في "شرح المهذب" (¬5). وعبارة "الحاوي" في المندوبات [ص 191]: (وفي الخطبة ترك غير التحية) فيرد عليه هذان الأمران، ويرد عليه أمران آخران: أحدهما: كونه جعل ترك غير التحية مندوباً، وقد حكى الأصحاب الإجماع على الامتناع، وهو يقتضي التحريم. ثانيهما: قد يفهم كلامه جواز التحية في هذه الصورة بأكثر من ركعتين؛ فإن النووي في "شرح المهذب" جوز الزيادة في التحية على ركعتين إذا أتي بسلام واحد (¬6)، وأخرج ذلك "التنبيه" بقوله: (بركعتين) وإن صح كلام النووي .. فينبغي أن يستثنى منه هذه الصورة، وما إذا دخل وقت الكراهة. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (2/ 316)، و"المجموع" (4/ 419). (¬2) انظر "المجموع" (4/ 419). (¬3) المجموع (4/ 472). (¬4) الروضة (2/ 30). (¬5) الأم (1/ 198)، المجموع (4/ 472، 473). (¬6) المجموع (4/ 56).

854 - قول "الحاوي" في المندوبات [ص 191]: (ورد السلام) كما صححه في "الشرح الصغير"، وفي "الكبير" تصحيح الوجوب عن البغوي، وأقره، وتبعه في "الروضة"، وعزاه في "شرح المهذب" للبغوي وآخرين، وصححه، وقال: إنه ظاهر نص "المختصر" (¬1). 855 - قوله: (وللعجائز الحضور) (¬2) له ثلاث شروط: أن يأذن زوجها، وألاَّ تلبس لباساً ذا شهرة وزينة، وألاَّ تتطيب، وقد تفهم عبارته عطفه على المندوبات مع أنه جائز فقط، لكن استحبوا في العيدين الخروج لهن. 856 - قول "التنبيه" في (صلاة الجماعة) [ص 38]: (وإن أحدث الإمام فاستخلف مأموماً .. جاز في أصح القولين، إلا أنه لا يستخلف إلا من لا يخالفه في ترتيب الصلاة) فيه أمور: أحدها: لو عبر بقوله: (وإن بطلت صلاة الإمام) كما فعل "الحاوي" (¬3)، أو بقوله: (وإذا خرج الإمام من الصلاة بحدث أو غيره) كما فعل "المنهاج" (¬4) .. لكان أولى؛ ليشمل الحدث وغيره، فالمسألة أعم والحدث مثال. ثانيها: قوله: (فاستخلف) قد يفهم أنه لا يجوز للمأمومين الاستخلاف، وليس كذلك؛ ولهذا عبر "المنهاج" بقوله [ص 136]: (جاز الاستخلاف في الأظهر)، وهو أعم من استخلاف الإمام واستخلاف المقتدين، وأعم منهما قول "الحاوي" [ص 181]: (فتقدم واحد .. جاز) لأنه يشمل سورة ثالثة، وهي: تقدمه بنفسه. ثالثها: قوله: (مأموماً) يقتضي أنه لا يجوز له استخلاف غير المأمومين، وليس كذلك، بل يجوز استخلاف غير المأمومين إلا في الجمعة كما قاله الأكثرون؛ ولذلك أطلق "المنهاج" جواز الاستخلاف، ثم قال [ص 136]: (ولا يستخلف للجمعة إلا مقتدياً به قبل حدثه)، ولم يقيد "الحاوي" ذلك بالمأموم هنا (¬5)، وقيده به في الجمعة فقال [ص 189]: (فيقدم من اقتدى به) (¬6). رابعها: قوله: (إلا أنه لا يستخلف إلا من لا يخالفه في ترتيب الصلاة) لا يجتمع ظاهره مع قوله: (فاستخلف مأموماً) فإن المأموم يوافق إمامه في ترتيب الصلاة، وحمله في "الكفاية" على أن المراد: معرفته بنظم صلاة الإمام؛ فإنه متى لم يعرف نظم صلاة الإمام .. لم يجز استخلافه، ¬

_ (¬1) فتح العزيز (2/ 291)، الروضة (2/ 29)، المجموع (4/ 442)، وانظر "مختصر المزني" (ص 27، 28)، و"التهذيب" (2/ 341). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 192). (¬3) الحاوي (ص 181). (¬4) المنهاج (ص 136). (¬5) أي: في صلاة الجماعة. (¬6) في (ب): (لكنه لم يستثن الجمعة؛ وكأن ذلك لما قرره في أول "الجمعة" أن شرطها: ألاَّ يتقدمها جمعة أخرى).

كما قال في "الروضة": إنه الأرجح دليلاً، وقال في "شرح المهذب": إنه الأقيس، لكن صحح الشيخ أبو على: الجواز، وصححه في "التحقيق" (¬1)، وهو مقتضى إطلاق "المنهاج" و"الحاوي". ويرد على "المنهاج" أمران: أحدهما: أنه أطلق جواز استخلاف غير المقتدي به في غير الجمعة، وإنما يجوز استخلاف غير المقتدي إذا لم يخالف ترتيب صلاة الإمام، فإن خالف؛ بأن يكون في الركعة الثانية أو الرابعة أو الثالثة في المغرب .. لم يجز إلا مع تجديد نية القوم، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 181]: (لا في الثانية والرابعة وثالثة المغرب غير المقتدي بلا تجديد النية). ثانيهما: في قوله: (ولا يشترط كونه حضر الخطبة ولا الركعة الأولى في الأصح فيهما) (¬2) فإن الذي في "الروضة" تبعاً لأصلها فيما إذا لم يحضر الركعة الأولى .. قال الإمام: إن منعنا إذا لم يحضر الخطبة .. فكذا هنا، وإن جوزناه .. فهنا قولان، أظهرهما وبه قطع الأكثرون: الجواز. انتهى (¬3). وذلك يقتضي التعبير في المسألة الثانية بالأظهر أو المذهب. 857 - قول "التنبيه" [ص 45]: (وإن زُحِمَ عن السجود وأمكنه أن يسجد على ظهر إنسان .. فعل) أي: مع مراعاة التنكيس، ولو عبر بقوله: (على شيء) .. لكان أعم، وقد عبر "المنهاج" بقوله [ص 137]: (على إنسان) فحذف لفظ: (الظَّهر) ليتناول القدم وغيره من الأعضاء، لكن وقع فيما أورده على "التنبيه" حيث قال في "التحرير": لو حذف لفظ (إنسان) .. لعم (¬4). 858 - قوله: (وإن لم يزل الزحام حتى ركع الإمام في الثانية .. ففيه قولان، أحدهما: يقضي ما عليه، والثاني: أنه يتبع الإمام) (¬5) الأصح: الثاني، وعليه مشى "المنهاج بقوله [ص 137]: (والأظهر: أنه يركع). 859 - قول "المنهاج" [ص 137]: (فلو سجد على ترتيب نفسه عالماً بأن واجبه المتابعة .. بطلت صلاته) أي: إن لم ينو المفارقة، فإن نوى المفارقة .. فهي بغير عذر، والأصح: جوازها، لكن لا تصح جمعته. ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 14)، المجموع (4/ 212)، التحقيق (ص 267). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 136). (¬3) الروضة (2/ 15)، وانظر "نهاية المطلب" (2/ 508، 509). (¬4) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 87). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 45).

860 - قوله: (وإن نَسِيَ أو جَهِلَ .. لم يُحْسَب سجودُهُ الأول، فإذا سجد ثانياً .. حُسِبَ) (¬1) المراد بسجوده ثانياً: أنه لما فرغ من سجدتيه .. قام فقرأ وركع وسجد، وما ذكره من حسبان السجود الثاني .. قال في "المحرر": إنه المنقول عن الصيدلاني وغيره (¬2)، لكن في "الروضة" تبعاً لأصلها: إن المفهوم من كلام الأكثرين أنه لا يعتد له بشيء مما يأتي به على غير المتابعة، وإذا سلم الإمام .. سجد سجدتين لتمام الركعة، وفاتته الجمعة؛ لأنا على هذا القول نأمره بالمتابعة بكل حال، فكما لا يحسب له السجود والإمام راكع لأجل المتابعة .. لم يحتسب به وهو في ركن بعده. انتهى (¬3). وفي "شرح المهذب" عن الجمهور: أنهم قطعوا بعدم الاحتساب. انتهى (¬4). وذلك يفهم أنهم صرحوا به، لا أنه مفهوم من كلامهم، واختار السبكي ما في "المنهاج"، وقال: إنما لم يحسب سجوده والإمام راكع؛ لأنه يمكنه بعد ذلك أن يتابعه فيه فيدرك الجمعة، وأما بعده .. فينبغي أن يحسب له، وإلا .. فتفوته الركعة، ولا نسلم وجوب المتابعة حينئذ، وإطلاقهم محمول على ما إذا تأتى له إدراك [الركعة] (¬5) ثم استشهد لذلك، ثم قال: فثبت أن ما في "المنهاج" هو الأصح من جهة الفقه، قال: وصورة المسألة ما إذا لم يزل نسيانه، أو جهله حتى أتى بالسجود الثاني، فإن زال قبله .. فعلى المفهوم من كلام الأكثرين: تجب متابعة الإمام فيما هو فيه. انتهى. وقول "التنبيه" [ص 45]: (فإن أدرك الإمام قبل السلام -أي: بعد فعل ما عليه- .. أتم الجمعة) يشمل ما إذا تابع الإمام، وما إذا مشى على ترتيب نفسه، وقد عرفت ما في مشيه على ترتيب نفسه من التفصيل بين العلم والجهل، وقوله: (إن لم يدرك السلام .. أتم الظهر) صورته: أن تكون الزحمة عن السجود في الركعة الأولى أو في الثانية ولم يكن أدرك مع الإمام الأولى، فأما إذا كان في الثانية وقد أدرك الأولى .. حصلت له الجمعة، وقوله بعده: (وإن لم يزل الزحام حتى ركع الإمام في الثانية) (¬6) يقتضي أن صورة المسألة: أن الزحمة في الأولى. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 137). (¬2) المحرر (ص 72). (¬3) الروضة (2/ 20). (¬4) المجموع (4/ 484). (¬5) في (أ) و (ب): (الجمعة)، والمثبت من باقي النسخ. (¬6) انظر "التنبيه" (ص 45).

باب صلاة الخوف

بابُ صلاة الخوف 861 - قول "المنهاج" [ص 138] و"الحاوي" [ص 193]: (أن يكون العدو في جهة القبلة) له شرطان: أحدهما: مشاهدة العدو في الصلاة؛ بأن يكون بمكان عال أو أرض مستوية ولا تحول دونهم سترة. ثانيهما: أن يكون في المسلمين كثرة بحيث يحتملون كونهم فرقتين، وقد ذكر ذلك "التنبيه" بقوله [ص 42]: (يشاهدون في الصلاة وفي المسلمين كثرة). 862 - قول "التنبيه" في الصورة المذكورة [ص 42]: (وسجد معه الصف الذي يليه) هذه الكيفية هي المنصوصة في الحديث (¬1)، لكن الذي ذكره الشافعي: أنه يسجد معه في الأولى الصف المؤخر، ويحرس الصف الذي يليه؛ لأنه أمكن في الحراسة، وكلاهما جائز على الصحيح، وقد ذكر الشافعي الحديث كما ثبت في الصحيح، ثم ذكر الكيفية المشهورة وأشار إلى جوازها (¬2). وقد ذكروا على كيفية "التنبيه" تقدم الصف الثاني في الركعة الثانية وتأخر الأول بشرط عدم الزيادة على خطوتين متواليتين، فتكون الحراسة من الثاني أبداً، ولا ينافي ذلك قول "التنبيه" [ص 42]: (فإذا سجد في الثانية .. حرس الصف الذي سجد في الأولى) لأن ذلك صادق مع التقدم والتأخر، ومع ملازمة مكان واحد، وجوزوا على كيفية الشافعي التقدم والتأخر أيضاً بالشرط المتقدم، ولفظ الشافعي أدل على تفضيل الملازمة، وبه قال العراقيون، وقال آخرون: التقدم أفضل، فهذه أربع كيفيات، وقد تناولها قول "المنهاج" [ص 138]: (سجد معه صَفٌّ سَجْدَتَيْهِ وحرس صَفّ)، وقول "الحاوي" [ص 193]: (حرست فرقة)، فعبارتهما أعم. 863 - قول "التنبيه" [ص 42]: (فإذا سجد في الثانية .. حرس الصف الذي سجد في الأولى) يقتضي أنه لو حرس في الركعتين فرقة واحدة .. لم يجز، والأصح: جوازه، وقد صرح به في "المنهاج" (¬3)، وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 193]: (حرست فرقة). 864 - قولهما فيما إذا كان العدو في غير جهة القبلة: (فرّق الإمام الناس فرقتين) (¬4) شرطه: أن يكون فيهم كثرة بحيث تقاوم كل فرقة العدو، وقد فهم ذلك من ذكر "التنبيه" له فيما إذا كان العدو في جهة القبلة (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "صحيح مسلم" (840). (¬2) انظر "الأم" (1/ 215، 216). (¬3) المنهاج (ص 138). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 41)، و"المنهاج" (ص 138). (¬5) التنبيه (ص 42).

865 - قولهما: (فإذا قام إلى الثانية .. فارقته) (¬1) بيان للأفضل، وإلا .. فالمفارقة بعد رفع الإمام رأسه من السجدة الثانية جائز. 866 - قولهما: (وأتمت الركعة الثانية لنفسها) (¬2) مخرج لكيفية رواية ابن عمر، وهي ذهابها إلى وجه العدو مصلية ساكتة، وتجيء تلك فتصلي معه ركعة، ويسلم الإمام، ثم يقضي هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة (¬3)، وهي جائزة لنا في الأصح، لكنها مفضولة. 867 - قول "التنبيه" [ص 42]: (وهل يقرأ الإمام في حال الانتظار ويتشهد أم لا؟ فيه قولان، وقيل: يتشهد قولاً واحداً) الأصح: نعم، وتخصيص الخلاف بالقراءة والقطع بالتشهد، وقد ذكره "المنهاج"، لكنه صحح في التشهد: طريقة القولين أيضاً (¬4)، وقد عرفت تصحيح القطع بالتشهد. 868 - قول "التنبيه" [ص 42]: (وإن كانت الصلاة مغرباً .. صلى بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعة واحدة في أحد القولين، وفي القول الآخر: يصلي بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين) الخلاف في الأولوية، والأصح: الأول؛ ولذلك ذكر "المنهاج" و"الحاوي" جوازهما، ورجحا الأول (¬5). 869 - قول "المنهاج" [ص 138]: (وينتظر في تشهده، أو قيام الثالثة وهو أفضل في الأصح) تبع "المحرر" في أن هذا الخلاف وجهان (¬6)، لكن الذي في "الروضة" تبعاً لأصلها: أنه قولان، وكذا في "شرح المهذب" (¬7). 870 - قولهما: (فإن فرقهم أربع فرق فصلى بكل فرقة ركعة) (¬8) شرطه: أن تمس الحاجة إليه كما ذكره الإمام، قال: فإن لم تكن حاجة .. فهو كفعله في حال الأمن (¬9)، وتبعه في "المحرر" و"الحاوي" (¬10)، لكن صحح في "شرح المهذب": عدم اشتراط الحاجة (¬11)؛ فلذلك حذفه "المنهاج". ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 41)، و"المنهاج" (ص 138). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 41)، و"المنهاج" (ص 138). (¬3) انظر "صحيح مسلم" (839). (¬4) المنهاج" (ص 138). (¬5) الحاوي (ص 193)، المنهاج (ص 138). (¬6) المحرر (ص 73). (¬7) الروضة (2/ 55)، المجموع (4/ 359). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 42)، و "المنهاج" (ص 138). (¬9) انظر "نهاية المطلب" (2/ 579). (¬10) المحرر (ص 73)، الحاوي (ص 193). (¬11) المجموع (4/ 360).

871 - قول "التنبيه" [ص 42]: (وفي صلاة المأمومين قولان، أحدهما: أنها تصح، والثاني: تصح صلاة الطائفة الأخيرة وتبطل صلاة الباقين) الأصح: الأول. قال النشائي: (ولا حاجة هنا لذكر الصحيح في "التصحيح" فإن القولين هما القولان في الانفراد، وقد ذكره الشيخ في بابه) انتهى (¬1). وحاصل كلام "التنبيه" على القول بصحة صلاة الإمام: القطع بالصحة للأخيرة، والقولان في غيرها، وقوله: (والقول الثاني: أن صلاة الإمام باطلة) (¬2) مراده: أنها تبطل بالانتظار الثاني، بدليل تفريعه، وهو تخصيص البطلان بالأخيرتين، لكن شرط البطلان لهما: أن يعلما بطلان صلاة الإمام، وقد أشار "المنهاج" لما فصله "التنبيه" بقوله [ص 138، 139]: (صحت صلاة الجميع في الأظهر)، وعليه مشى "الحاوي" (¬3). 872 - قول "التنبيه" [ص 42]: (ويستحب أن يحمل السلاح في صلاة الخوف في أحد القولين، ويجب في الآخر) الأصح: الأول، وقد ذكره "المنهاج"، وقيّد بقوله: (في هذه الأنواع) (¬4) ليخرج حالة شدة الخوف، وذلك مفهوم من ذكر "التنبيه" هذه المسألة قبل ذكر صلاة شدة الخوف، وعبارة "الحاوي" [ص 193]: (والأولى: حمل السلاح إن ظهرت السلامة) فأخرج بذلك ما إذا كان الخطر ظاهرًا؛ فإنه يجب حمله. وشرط استحباب حمله: كونه طاهراً غير مانع من صحة الصلاة، فإن كان نجساً؛ كمتلطخ بدم غير معفو عنه، أو مريش بريش نجس، أو مانعاً من صحة الصلاة؛ كخوذة تمنع مباشرة الجبهة المصلى .. حرم حمله. وفي "المهمات": ينبغي جوازه عند خوف الهلاك بلا قضاء ولو اختل السجود، وقد جعلوا اللصوق للدواء جائزاً بلا قضاء، فهذا أولى. انتهى. وكونه غير مؤذٍ غيره، فإن آذى؛ كرمح .. كره في وسط الصف دون حاشيته، قال في "المهمات": والقياس: التحريم، وهو ظاهر. انتهى (¬5). وتعبيرهم بحمل السلاح يخرج وضعه بين يديه، لكن قال الإمام: ليس الحمل متعيناً، بل وضعه بين يديه بحيث يسهل مد اليد إليه في معنى الحمل (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 38). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 42). (¬3) الحاوي (ص 193). (¬4) المنهاج (ص 139). (¬5) في حاشية (أ): (أي: إن تحقق ذلك، أو غلب على ظنه، كذا في شرحه). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (2/ 589).

873 - قول "المنهاج" [ص 139]: (الرابع: أن يلتحم القتال أو يشتد الخوف) أحسن من قول "التنبيه" [ص 42]: (فإن اشتد الخوف والتحم القتال) فإنه قد يشتد الخوف بدون التحام القتال بحيث لا يأمنون أن يركبوهم إن تفرقوا .. فلهم هذه الصلاة، فأحد الأمرين كافٍ، فالتعبير بـ (أو) متعين، وعبر "الحاوي" [ص 194]: (بما إذا لم يمكن ترك القتال للبعض)، وهو شامل للصورتين. 874 - قول "التنبيه" [ص 42]: (فإن اضطروا إلى الضرب المتتابع .. ضربوا ولا إعادة عليهم) عبارة "المنهاج" [ص 139]: (وكذا أعمال كثيرة لحاجةٍ في الأصح) والضرورة فوق الحاجة، فعبارة "التنبيه" أضيق، ولم يذكر "الحاوي" واحداً منهما، بل اقتصر على قوله: (وكثرة الأفعال) (¬1)، والمراد: الأفعال المتعلقة بالقتال؛ كالضربات والطعنات. 875 - قول "المنهاج" [ص 139]: (ويلقي سلاحاً دَمِيَ) في معنى إلقائه: جعله في قرابه تحت ركابه. 876 - قوله: (فإن عجز .. أمسكه، ولا قضاء في الأظهر) (¬2) عبارة "الحاوي" [ص 194]: (وإمساك السلاح الملطخ للحاجة) والعجز عن إلقاء السلاح أشد من الاحتياج إلى إمساكه؛ فقد يحتاج إلى إمساكه ولو أراد إلقاءه .. لم يعجز عن ذلك، وعدم القضاء هو الأقيس في "المحرر"، وجزم به في "الروضة" و"الشرحين" في (بابي التيمم وشروط الصلاة) (¬3)، لكن نقل الإمام هنا عن الأصحاب وجوبه؛ لندور عذره، ثم رده بأنه عذر عام في حق المقاتل؛ كنجاسة المستحاضة، ثم جعله على قولين مرتبين على القولين فيمن صلى في موضع نجس وأولى بعدم القضاء، وقال في "شرح المهذب": ظاهر كلام الأصحاب: القطع بالوجوب، ثم ذكر أن الإمام حكاه عنه، ثم رده ... إلى آخره (¬4). ومقتضى ذلك: أن ما في "المنهاج" و"الحاوي" بحث للإمام، والمنقول خلافه، وقول "المحرر": (الأقيس) لا يدل على التصحيح، والله أعلم. 877 - قول "المنهاج" [ص 139]: (وغريم عند الإعسار وخوف حبس) عبارة "الروضة": المديون المعسر العاجز عن بيّنة الإعسار ولا يصدقه المستحق، ولو ظفر به حبسه .. فله أن يصليها هارباً على المذهب. انتهى (¬5). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 194). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 139). (¬3) المحرر (ص 74)، فتح العزيز (1/ 266)، الروضة (2/ 61). (¬4) المجموع (4/ 371)، وانظر "نهاية المطلب" (2/ 593، 594). (¬5) الروضة (2/ 62).

فصرح باشتراط العجز عن بينة الإعسار وانتفاء تصديق المستحق، وكان ذلك هو مراد "المنهاج" بخوف الحبس. 878 - قوله: (والأصح: منعه لمحرمٍ خاف فوت الحج) (¬1) أحسن من قول "الحاوي" [ص 194]: (ويتم وإن فاته وقوف عرفة) لتصريح "المنهاج" بأن الخلاف في حق المحرم، ومقتضاه: أن العازم على الإحرام لا يلتحق به، ثم رجح الرافعي: صلاته مستقراً وإن فاته الوقوف (¬2)، وصحح النووي: أنه يذهب إلى عرفة وإن فاتته صلاة العشاء (¬3)، وصحح الشيخ عز الدين بن عبد السلام في "القواعد": أنه يصلي صلاة شدة الخوف (¬4). 879 - قول "التنبيه" [ص 42]: (وإن رأوا سواداً فظنوهم عدواً فصلوا صلاة شدة الخوف ثم بأن أنه لم يكن عدواً .. أجزأتهم الصلاة في أصح القولين) الأظهر: وجوب القضاء كما صححه "المنهاج" (¬5). 880 - قول "التنبيه" [ص 42]: (وإن رأوا عدواً فخافوهم فصلوا صلاة شدة الخوف ثم بأن أنه كان بينهم خندق .. أعادوا، وقيل: فيه قولان) الأصح: طريقة القولين، والأصح منهما: الإعادة، ومحل الخلاف في الصورتين: ما إذا كان العدو زائداً على الضعف، حتى يجوز لهم الهرب، وإلا .. فتجب الإعادة قطعاً، نبه عليه صاحب "المعين"، وهو واضح غير محتاج إليه. 881 - قوله: (فإن أمن وهو راكب فنزل .. بنى) (¬6) أي: بشرط ألا يستدبر القبلة في نزوله. 882 - قوله: (وإن كان راجلاً فركب .. استأنف على المنصوص، وقيل: إن اضطر إلى الركوب فركب .. لم يستأنف) (¬7) هذا الثاني هو الأصح. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 139). (¬2) انظر "فتح العزيز" (2/ 341، 342). (¬3) انظر "المجموع" (4/ 372). (¬4) قواعد الأحكام في إصلاح الأنام (1/ 98). (¬5) المنهاج (ص 139). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 42). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 42).

باب ما يكره لبسه وما لا يكره

بابُ ما يُكْرَه لُبْسه وما لا يُكْرَه 883 - كذا ترجم "التنبيه" (¬1)، والمراد بالكراهة: التحريم، وفي التعبير باللبس نقص؛ لأن الكلام في الاستعمال وهو أعم. 884 - قولهما: (يحرم على الرجل استعمال الحرير) (¬2) وعبارة "التنبيه": (الإبريسم) فيه أمور: أحدها: قد يفهم إباحته للخنثى، والمنقول في "البيان": أنه كالرجل (¬3)، قال الرافعي: ويجوز أن ينازع فيه (¬4)، ولا يرد ذلك على "الحاوي" لكونه قرر تحريم الحرير (¬5)، واستثنى من ذلك: المرأة، فعلم أنه حرام في حق من عداها. ثانيها: قال في "الكفاية": احترز بالرجل عن الصبي. انتهى. فيكون أراد به: البالغ، كما في قوله: (وإن حضر رجلان أو رجل وصبي) (¬6)، (ويحضرها الرجال والنساء والصبيان)، (وإن أَسَرَ منهم رجلاً .. حبسه إلى أن تنقضي الحرب ثم يخليه، وإن أسر امرأة أو صبياً .. فلا) لكن الأكثر في كلامه إطلاقه بمعنى الذكر، كما في قوله: (ويجب الغسل على الرجل) (¬7)، (ويكره أن يؤم الرجل) (¬8)، (وعورة الرجل) (¬9)، (والمستحب أن يصلي الرجل) (¬10)، (سبح إن كان رجلًا) (¬11)، (ولا صلاة رجل خلف خنثى) (¬12)، (ويقف الإمام عند رأس الرجل) (¬13) وهذا موافق لقول أهل اللغة: الرجل خلاف المرأة (¬14)، لكن ذكر بعضهم أنه يراد به في اللغة أيضاً: البالغ (¬15)، والأصح عند النووي: أن للولي إلباس الصبي ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 43). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 43)، و"المنهاج" (ص 139). (¬3) البيان (2/ 534). (¬4) انظر "فتح العزيز" (2/ 355). (¬5) الحاوي (ص 195). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 39). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 18). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 39). (¬9) انظر "التنبيه" (ص 28). (¬10) انظر "التنبيه" (ص 28). (¬11) انظر "التنبيه" (ص 36). (¬12) انظر "التنبيه" (ص 39). (¬13) انظر "التنبيه" (ص 51). (¬14) انظر "لسان العرب" (11/ 265)، و "المغرب في ترتيب المعرب" (1/ 323). (¬15) انظر "المعجم الوسيط" (1/ 332).

الحرير (¬1)، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي"، وصححه الرافعي في "المحرر" و"شرح المسند" (¬2)، لكن صحح في "شرحيه": تحريمه بعد السبع (¬3)، وفي "شرح المهذب": لو ضبط بالتمييز على هذا .. كان حسناً (¬4)، وصحح ابن الصلاح: التحريم مطلقاً (¬5)، ومحل الخلاف: في غير يوم العيد، أما فيه: فيباح قطعاً كما في "شرح المهذب" وكذا بالذهب والفضة. ثالثها: خرج بالرجل المرأة، وتناول إطلاقه الافتراش لها، وصححه النووي (¬6)، لكن صحيح الرا فعي: تحريم الافتراش عليها، وعليه مشى "الحاوي" (¬7)، وذكر "المنهاج" التصحيحين (¬8). رابعها: قد يفهم الاقتصار على الحرير أو الإبرسيم إباحته القز، والأصح: تحريمه؛ ولذلك ذكره "الحاوي" (¬9)، وقد يقال: هو نوع من الحرير، وذكر "الحاوي" له من عطف الخاص على العام. 885 - قول "الحاوي" [ص 195]: (وتطريف وتطريز) أطلقه، وهو مقيد بقدر العادة كما في "المنهاج" (¬10)، وفي الرافعي عن البغوي في "التطريز": أن شرط جوازه: ألاَّ يجاوز أربع أصابع، وأقره على ذلك، واقتصر في التطريف على العادة (¬11)، قال السبكي: ولا معنى له، بل الصحيح: ضبطهما بالأربع؛ للحديث. قلت: قد يفرق بأن التطريف محل حاجة، وقد تمس الحاجة للزيادة على أربع أصابع، بخلاف التطريز؛ فإنه مجرد زينة، فتقيد بالأربع، وذكر السبكي أن المراد بالتطريز: أن يجعل له طراز -وهو العَلَم الذي كله وبر- ويركب على الثوب، قال: أما ما يطرز في الثوب بالإبرة .. فلم أر فيه نقلاً، قال: والأقرب أنه كالمنسوج فيه؛ أي: ليكون كالمركب من حرير وغيره. 886 - قول "المنهاج" [ص 140]: (ولبس الثوب النجس في غير صلاة ونحوها) أي: ¬

_ (¬1) انظر "المجموع" (4/ 377، 378). (¬2) المحرر (ص 74)، الحاوي (ص 195)، المنهاج (ص 139). (¬3) فتح العزيز (2/ 357). (¬4) المجموع (4/ 378). (¬5) انظر "مشكل الوسيط" (2/ 321). (¬6) انظر "المجموع" (4/ 384). (¬7) انظر "فتح العزيز" (2/ 357) و"الحاوي" (ص 195). (¬8) المنهاج (ص 139). (¬9) الحاوي (ص 195). (¬10) المنهاج (ص 140). (¬11) انظر "التهذيب" (2/ 368)، و"فتح العزيز" (2/ 356).

المتنجس، بدليل قوله بعده عطفاً على المحرم: (وكذا جلد ميتة في الأصح) (¬1)، وقد عبر "الحاوي" بالمتنجس، إلا أنه لم يستثن حالة الصلاة ونحوها (¬2)، وكان ذلك لوضوحها، فكانت عبارة كل منهما أحسن من وجهٍ. 887 - قول "التنبيه" [ص 43]: (ويجوز أن يُلبس دابته الجلد النجس سوى جلد الكلب والخنزير) أورد عليه: أنه يجوز أن يلبس الكلب والخنزير جلد أحدهما. وجوابه: أن الممنوع إلباس جلد كلب أو خنزير لدابته وليس واحد منهما دابته، وفي الجواب نظر في الكلب؛ لأنه يقتنى بشرطه، فهو دابته؛ ولذلك اقتصر "الحاوي" على ذكر إباحة تجليل الكلب (¬3)، ولم يذكر الخنزير؛ لإشكال تصويره؛ فإنه يمتنع اقتناؤه، والملبس له مقتن بإلباسه. وجوابه: منع كونه مقتنياً بالإلباس، ولو سُلم .. فيأثم بالاقتناء دون الإلباس، وقال في "شرح المهذب": كذا أطلقوه، ولعل مرادهم: كلب يُقتنى وخنزير لا يجب قتله؛ فإن فيه خلافاً وتفصيلاً. انتهى (¬4). ومسائل الحلي نذكرها حيث ذكرها "المنهاج" في (زكاة النقد). ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 140). (¬2) الحاوي (ص 194). (¬3) الحاوي (ص 194). (¬4) المجموع (4/ 388).

باب صلاة العيدين

بابُ صلاة العِيدَيْن 888 - قولهم: (هي سنة) (¬1) يستثنى منه: الحاج بمنى كما في "شرح المهذب" في (الأضحية) عن العبدري (¬2)، وحكاه الماوردي في (الحج) عن النص (¬3). 889 - قول "التنبيه" [ص 45]: (ووقتها: ما بين أن ترتفع الشمس إلى الزوال) هو اختيار السبكي، لكن الأصح: دخول وقتها بطلوع الشمس، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬4). قال في "الكفاية": وقوله: (إلى الزوال) يقتضي الفوات إذا شهدوا بالرؤية بعد الزوال يوم الثلاثين وعدّلوا بعد الغروب وقلنا: العبرة بالتعديل، وهو الأصح، وليس كذلك، بل تصلَّى من الغد أداءً، وعبارة "المنهاج" و"الحاوي" في ذلك كـ"التنبيه"، لكن ذكر "الحاوي" بعد ذلك هذ المسألة (¬5). 890 - قول "التنبيه" [ص 45 - 46]: (يكبر في الأولى بعد دعاء الاستفتاح وقبل التعوذ سبع تكبيرات) قد يفهم عدم الفصل بينها بذكر كما هو في تكبير الخطبة، وليس كذلك، بل يكره كما نص عليه، ذكره في "شرح المهذب" (¬6)، وفي "المنهاج" [ص 141]: (يقف بين كل ثنتين كآيةٍ معتدلةٍ ... إلى آخره)، وفي "الحاوي" [ص 196]: (ويقول بين كل تكبيرتين: سبحان الله ... إلى آخره). 891 - قولهما: (ويكبر في الثانية خمساً قبل القراءة) (¬7) ينبغي أن يقال: (قبل التعوذ) لأن الأصح: استحباب التعوذ في كل ركعة، ولفظ (السبع والخمس) قد يفهم أنه لو كان إمامه يراها ستاً أو ثلاثاً .. لا يتابعه، والأصح: متابعته، وقد ذكره "الحاوي" (¬8). 892 - قول "المنهاج" [ص 141]: (ويسن بعدها خطبتان) أحسن من قول "التنبيه" [ص 46]: (ويخطب بهم خطبتين) إذ ليس في عبارته ما يقتضي تأخر الخطبتين عن الصلاة، فقد يفهم صحة تقديمها عليها، وكذلك تعبير "الحاوي" بـ (ثم) حسن (¬9). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 45)، و "الحاوي" (ص 196)، و"المنهاج" (ص 141). (¬2) المجموع (8/ 276). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (4/ 170). (¬4) الحاوي (ص 196)، المنهاج (ص 141). (¬5) الحاوي (ص 197). (¬6) المجموع (5/ 23)، وانظر "الأم" (1/ 236). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 46)، و"المنهاج" (ص 141). (¬8) الحاوي (ص 196). (¬9) الحاوي (ص 196).

نعم؛ يُفهم من قول "التنبيه": (بهم) أنه لا يخطب المنفرد، وبه صرح "الحاوي" (¬1)، وليس في عبارة "المنهاج" ما يدل على ذلك. 893 - قول "التنبيه" [ص 46]: (كخطبتي الجمعة) ظاهره: في الأركان والشروط، لكن يستثنى من ذلك: القيام؛ لقوله بعده: (ويجوز أن يخطب قاعداً) (¬2)، والجلوس بين الخطبتين؛ فإنه مستحب كما ذكره في "شرح المهذب" (¬3)، وعبارة "المنهاج" [ص 141]: (أركانهما كالجمعة) ولم يتعرض للشروط، وكذا في "الروضة" (¬4)، وقال في "التتمة": صفتهما في الشروط كخطبتي الجمعة إلا في القيام. انتهى. فذكر الشروط دون الأركان. 894 - قولهم: (يفتتح الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبع) (¬5) قد يوهم أنها من الخطبة، وليس كذلك، بل هي مقدمة لها كما نص عليه، فليحمل كلامهم عليه؛ لأن افتتاح الشيء قد يكون بمقدمته التي ليست منه، قال في "الروضة": فاحفظه؛ فإنه مهم خفي (¬6). 895 - قول "التنبيه" [ص 45]: (ويغتسل لها بعد الفجر) أي: للصلاة، صريح في أن الغسل ليس لليوم، ولا نعلم أحداً قاله، وقد أنكر النووي قوله في "المهذب": (لحضورها) لأن استحبابه للقاعد والخارج بلا خلاف (¬7)، ولذلك قال "الحاوي" [ص 196]: (للقاعد والخارج). 896 - قول "التنبيه" [ص 45]: (فإن اغتسل لها قبل الفجر .. أجزأه في أحد القولين) هو الأصح، لكن إطلاق حكايته يقتضي جميع الليل، وهو ما حكاه الإمام (¬8)، لكن الذي في "المهذب" تبعاً للقاضي أبي الطيب: تقييده بنصف الليل، وهو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬9). 897 - قول "المنهاج" [ص 14]: (وطيب وتزيّن كالجمعة) يقتضي اختصاصه بحاضرها، وليس كذلك، بل هو مستحب لكل أحد سواء حضر أم لم يحضر أو كان مسافراً؛ لأن اليوم يوم سرور وزينة؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 196]: (والتطيب والتزين للقاعد والخارج) لكن يستثنى ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 196). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 46). (¬3) المجموع (5/ 28). (¬4) الروضة (2/ 73). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 46)، و"الحاوي" (ص 196)، و"المنهاج" (ص 141). (¬6) الروضة (2/ 74). (¬7) المهذب (1/ 119)، المجموع (5/ 10). (¬8) انظر "نهاية المطلب" (2/ 612، 613). (¬9) المهذب (1/ 119)، الحاوي (ص 196)، المنهاج (ص 141).

من كلامه: المرأة إذا خرجت للصلاة؛ فإنها تتنظف بالماء فقط من غير طيب ولا زينة، وقد أورد النشائي على قول "التنبيه" [ص 45]: (ويظهرون الزينة) أنه شامل للنساء إذا خرجن، وليس كذلك (¬1)، فإن قوله: (يظهرون) يختص بالذكور، فإن قيل: يشمل النساء بالتغليب .. قلنا: مجاز. 898 - قول "التنبيه" [ص 45]: (ويحضرها الرجال والنساء) يستثنى منهن: ذات الهيئة؛ فيكره حضورها، وعبر عن ذلك شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" بالصواب (¬2)، وفيه وجه في "الكفاية". 899 - قول "المنهاج" [ص 141]: (وفعلها بالمسجد أفضل) أي: إن وسعهم كما في "الحاوي" (¬3)، فإن ضاق عنهم .. صلوا في الصحراء، صرح به "التنبيه" (¬4)، ومحله: إذا لم يكن عذر من مطر ونحوه، وإلا .. فالمسجد أولى. 900 - قولهما: (ويستخلف من يصلي في الجامع بضعفة الناس) (¬5) لا حاجة لقولهما: (بضعفة الناس) فقد يصلي في الجامع بعض الأقوياء؛ ولذلك لم يذكره "الحاوي"، وكأنه خرج مخرج الغالب، وتعبيرهم بقولهم: (من يصلي) يقتضي أن الخليفة لا تشرع له الخطبة، وبه صرح الجيلي شارح "التنبيه"، معللاً بالافتيات على الإمام، قال في "المهمات": وفيه نظر؛ لأن الإمام هو الذي استخلف، فلا افتيات، وفي "نكت" شيخنا ابن النقيب: ويأمره أن يخطب لهم، فإن لم يأمره .. لم يخطب (¬6)، وفي "نكت" النشائي عن "الأم": إذا صلوها في مساجد الجماعات في العصر .. فلا أحب أن يخطب أحد في العصر إذا كان به إمام؛ خوف الفتنة (¬7). 901 - قولهم: (ويذهب في طريق ويرجع في أخرى) (¬8) أي: يذهب في البُعدى ويرجع في القربى، والإطلاق لا يدل على ذلك. 902 - قول "المنهاج" [ص 141] و"الحاوي" [ص 196]: (ويبكر الناس) أي: بعد الصبح كما في "التنبيه" (¬9). ¬

_ (¬1) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 41). (¬2) تذكرة النبيه (2/ 525). (¬3) الحاوي (ص 196). (¬4) التنبيه (ص 45). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 45)، و"المنهاج" (ص 141). (¬6) السراج على نكت المنهاج (1/ 461). (¬7) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 42). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 45)، و "الحاوي" (ص 196)، و "المنهاج" (ص 141). (¬9) التنبيه (ص 45).

903 - قولهم: (ويذهب ماشياً) (¬1) يقتضي أنه لا استحباب في الرجوع، بل هو مخير بين المشي والركوب، وبه صرح في "الكفاية"، لكن هذا إذا لم تضق الطريق، فإن ضاقت .. كره الركوب خوف الزحمة، قاله البندنيجي. واستثنى في "شرح المهذب": حالة التضرر لزحمة وغيرها عن الأصحاب ولم يفرضه في ضيق الطريق (¬2). 904 - قول "التنبيه" [ص 46]: (والسنة: أن يبتدئ في عيد الفطر بالتكبير بعد الغروب من ليلة الفطر خلف الصلوات وفي غيرها من الاْحوال، وخاصة عند ازدحام الناس إلى أن يحرم بصلاة العيد) فيه أمور: أحدها: أنه يفهم نفي التكبير المرسل ليلة النحر؛ فإنه لم يذكره، ولا خلاف في استحبابه لغير الحاج، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬3). ثانيها: قوله: (خلف الصلوات) يقتضي التكبير خلف المغرب والعشاء والصبح، وهو قول أو وجه جزم به النووي في "الأذكار" (¬4)، والأصح: خلافه؛ ولذلك لم يذكره "الحاوي"، وعليه مشى "المنهاج" بقوله [ص 142]: (ولا يسن ليلة الفطر عقب الصلوات في الأصح) إلا أن تعبيره بليلة الفطر لا يتناول صلاة الصبح، فكان التعبير بعبارة شاملة لها أولى. ثالثها: قوله: (إلى أن يحرم الإمام بصلاة العيد) يقتضي أنه يكبر خلف الصلوات المقضية بعد الصبح، لكن الذي في "الروضة" وأصلها و"الكفاية" على هذا الوجه: أنه يكبر خلف العشاءين والصبح (¬5)، وقول الرافعي و"شرح المهذب": وحكم الفوائت والنوافل في هذه المدة ظاهر في الانقضاء بفعل الصبح وتكبيره (¬6)، ولا يرد ذلك على قول "المنهاج" [ص 142]: (حتى يحرم الإمام بصلاة العيد) و"الحاوي" [ص 196]: (إلى التحرم) لأنهما إنما ذكرا التكبير المرسل دون المقيد بأعقاب الصلوات كما تقدم، والله أعلم. 905 - قول "التنبيه" [ص 46]: (وفي عيد الأضحى يتبدئ يوم النحر بعد صلاة الظهر إلى أن يصلي الصبح من آخر أيام التشريق في أصح الأقوال) فيه أمران: ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 45)، و"الحاوي" (ص 196)، و "المنهاج" (ص 141). (¬2) المجموع (5/ 15). (¬3) الحاوي (ص 197)، المنهاج (ص 142). (¬4) الأذ كار (ص 136). (¬5) الروضة (2/ 80). (¬6) فتح العزيز (2/ 352)، المجموع (5/ 38).

أحدهما: صحح "المنهاج" مثل ذلك، وعليه مشى "الحاوي" (¬1)، لكن اختار النووي القول الثالث، وهو: التكبير من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق (¬2)، وقال "المنهاج" [ص 142]: (والعمل على هذا) أي: في الأمصار، وقال في "الروضة": هو الأظهر عند المحققين؛ للحديث (¬3). ثانيهما: الخلاف في غير الحاج، أما الحاج: فيقطع فيه بالقول الأول، وعليه مشى "المنهاج" (¬4). 906 - قول "المنهاج" [ص 142]: (والأظهر: أنه يكبر في هذه الأيام للفائتة والراتبة والنافلة) وكذا لصلاة الجنازة على المذهب في "الروضة" وغيرها (¬5)، قال الإمام: والمنذورة كالنوافل قطعاً (¬6). وذلك كله داخل في قول "التنبيه" [ص 46]: (خلف الصلوات) وإن كان لم يذكره إلا في ليلة عيد الفطر، لكنه أحال عليه تكبير عيد الأضحى. 907 - قول "المنهاج" [ص 142]: (ويستحب أن يزيد: "كبيراً") لم يبين محلها، والظاهر: أنها تتصل بالتكبيرة الثالثة، أو يزيد لها تكبيرة رابعة، وهو الذي في "الروضة" عن "الأم"، فقال: واستحسن في "الأم" أن يزيد: (الله أكبر كبيراً ... إلى آخره) (¬7). 908 - قوله: (ولو شهدوا يوم الثلاثين قبل الزوال برؤية الهلال الليلة الماضية .. أفطرنا وصلينا العيد) (¬8) أي: إذا بقي من الوقت ما يسع جمع الناس وإقامة الصلاة، وإلا .. فكما لو شهدوا بعد الزوال وقبل الغروب. 909 - قوله - والعبارة له - و"الحاوي": (وإن شهدوا بعد الغروب .. لم تقبل الشهادة) (¬9) أي: بالنسبة إلى صلاة العيد، فتصلى من الغد أداء، أما الآجال والتعليقات وغيرهما .. فتقبل شهادتهما بالنسبة إليها كما بحثه الرافعي (¬10)، وقال النووي: إنه مرادهم قطعاً (¬11). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 196)، المنهاج (ص 142). (¬2) انظر "المجموع" (5/ 37). (¬3) الروضة (2/ 80). (¬4) المنهاج (ص 142). (¬5) الروضة (2/ 80). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (2/ 626). (¬7) الأم (1/ 241)، الروضة (2/ 81). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 142). (¬9) انظر "الحاوي" (ص 197)، و"المنهاج" (ص 142). (¬10) انظر "فتح العزيز" (2/ 368، 369). (¬11) انظر "المجموع" (5/ 33).

وقال ابن الرفعة: الوجه حمله على العموم؛ فإن التشاغل بذلك ولا فائدة محققة في الحال .. عبثٌ، والحاكم يشتغل بالمهمات. نعم؛ إن كان موجوداً .. فالوجه ما قاله. انتهى. قال في "المهمات": وهو مردود. 910 - قول "المنهاج" [ص: 142]: (أو بين الزوال والغروب .. أفطرنا وفاتت الصلاة) يفهم أن الحكم كذلك وإن لم تعدَّل البينة إلا بعد الغروب، وليس كذلك، فالعبرة بالتعديل كما صرح به "الحاوي" (¬1)، فتصلى في هذه الصورة من الغد أداء. 911 - قول "الحاوي" [ص 197]: (والقضاء باقي اليوم أولى) أي: إن سهل جمع الناس، وإلا .. كان الأفضل تأخيرها إلى الغد، كذا في الرافعي و"الروضة" (¬2)، واستشكله في "المهمات"، قال: بل ينبغي فعلها عاجلاً مع من تيسر ومنفرداً إن لم يجد، ثم يفعلها من الغد مع الإمام. وجوابه: أن كلامهما إنما هو في صلاة الإمام بالناس، لا في صلاة الآحاد. * * * ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 197). (¬2) فتح العزيز (2/ 368)، الروضة (2/ 78).

باب صلاة الكسوفين

باب صلاة الكسوفين 912 - قولهم - والعبارة لـ "التنبيه" -: (وهي ركعتان، في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان) (¬1) يقتضي أنه لا تتأدى السنة بأقل من ذلك، وتأكد ذلك بقول "المنهاج" بعده [ص 143]: (ولا نَقْصُهُ للانجلاء في الأصح)، وعليه مشى في "شرح المهذب" في أول كلامه، ثم حكى في مذاهب العلماء عن الأصحاب أنهم أجابوا عن دليل أبي حنيفة في صلاة ركعتين على المعتاد: بأن أحاديثنا أشهر وأصح، ونحملها على الاستحباب، والحديثين الأولين على بيان الجواز، قال النووي: وفيه تصريح بأنه لو صلاها ركعتين كسنة الظهر .. صحت للكسوف وكان تاركاً للأفضل. انتهى (¬2). ويمكن أن يقال: الركعتان بهذه الكيفية أدنى الكمال المأتي فيه بخاصية صلاة الكسوف، والركعتان لا بهذه الكيفية تؤدي أصل سنة الكسوف فقط. 913 - قول "التنبيه" [ص 46]: (ويستحب أن يقرأ في القيام الأول بعد الفاتحة سورة طويلة كـ "البقرة") يجوز أن تكون الكاف زائدة، وأن يراد بالسورة: القطعة من القرآن؛ فإن حمله على ظاهره متعذر؛ إذ ليس في القرآن سورة كـ (البقرة) في الطول. 914 - قوله في الركوع الثاني من الركعة الأولى: (ويدعو بقدر تسعين آية) (¬3) الأصح: بقدر ثمانين، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬4). 915 - قول "المنهاج" في القيام الثاني من الركعة الأولى: (ثم يرفع) وفي الانتصاب الذي بعد الركوع الثاني: (ثم يعتدل) (¬5) فسمى الانتصاب بعد الركوع الأول رفعاً، وبعد الثاني اعتدالاً، وهو يقتضي أنه لا يقول في الرفع الأول: (سمع الله لمن حمده)، بل: (الله أكبر) لأنه ليس اعتدالاً، وهو مفهوم من قول "التنبيه" [ص 46، و"الحاوي" [ص 198]: (في كل ركعة قيامان) حيث سمياه قياماً، وعلى هذا فقول الرافعي: ويقول في الاعتدال عن كل ركوع: (سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد) (¬6) يختص بالاعتدال الذي هو الانتصاب الثاني، ويؤيد هذا أن الماوردي ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 46)، و"الحاوي" (ص 198)، و" المنهاج" (ص 143). (¬2) المجموع (5/ 65). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 46). (¬4) الحاوي (ص 198)، المنهاج (ص 143). (¬5) المنهاج (ص 143). (¬6) انظر "فتح العزيز" (2/ 374).

صرح بأنه يرفع رأسه من الركوع الأول مكبراً، ومن الثاني قائلاً: (سمع الله لمن حمده) (¬1). 916 - قول "التنبيه" [ص 46]: (ثم يسجد كما يسجد في غيرها) و"الحاوي" [ص 198]: (ولا يطول السجدة) وكذا في "المحرر" (¬2)، وقال "المنهاج" [ص 143]: (الصحيح: تطويلها ثبت في "الصحيحين"، ونص في "البويطي": أنه يطولها نحو الركوع الذي قبلها) (¬3)، وقال في "الروضة": المختار ما قاله صاحب "التهذيب": أن السجود الأول كالركوع الأول، والسجود الثاني كالركوع الثاني، ثم حكى نص "البويطي" الذي اقتصر عليه "المنهاج" (¬4)، وقال ابن الصلاح: إن مقالة البغوي أحسن من إطلاق "البويطي" (¬5). وعبارة "المنهاج" في ذلك تقتضي أن الخلاف وجهان، والمعروف أنه قولان، كذا في "الروضة" وغيرها (¬6). 917 - قولهما: (ثم يخطب خطبتين) (¬7) وكذا قول "الحاوي" [ص 198]: (ثم خطب كما للجمعة) هذا هو الأفضل، وتكفي واحدة كما حكاه البندنيجي عن نصه في "البويطي"، ثم إن الخطبة لغير المنفرد، وبه صرح "الحاوي" (¬8)، وهو واضح، وقول "المنهاج" [ص 143]: (بأركانهما في الجمعة) قد يخرج الشرائط، وقول "الحاوي" [ص 198]: (كما للجمعة) يتناولها، لكن يستثنى منها: القيام فيما يظهر كما تقدم في خطبة العيد. 918 - قول "المنهاج" [ص 144]: (ومن أدرك الإمام في ركوع أول .. أدرك الركعة، أو في ثانٍ، أو قيامٍ ثانٍ .. فلا في الأظهر) إطلاقه يُفهم أن مقابل الأظهر: إدراك الركعة بكمالها، وليس كذلك، وعبارة "الروضة": حكى صاحب "التقريب" قولاً: أنه بإدراك الثاني .. يدرك القومة التي قبله، فعلى هذا: إن أدرك الثاني من الأولى .. قام بعد سلام الإمام وقرأ وركع واعتدل وجلس وتشهد وسلم ولا يسجد. انتهى (¬9). وأيضاً: فعبر في "الروضة" بالمذهب (¬10). ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير " (2/ 507). (¬2) المحرر (ص 78). (¬3) صحيح البخاري (1010)، صحيح مسلم (912)، مخصر البويطي (ق 21). (¬4) التهذيب (2/ 388)، الروضة (2/ 84). (¬5) انظر "مشكل الوسيط" (2/ 343). (¬6) الروضة (2/ 84). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 46)، و"المنهاج" (ص 143). (¬8) الحاوي (ص 198). (¬9) الروضة (2/ 86). (¬10) الروضة (2/ 86).

919 - قول "التنبيه" [ص 46]: (ووقتها: من حين الكسوف إلى حين التجلي) في معنى التجلي: غيبوبة الشمس كاسفة، وطلوع الشمس مع استمرار خسوف القمر، بخلاف غيبوبة القمر خاسفاً قبل طلوع الشمس، وقد ذكره بعد ذلك كما فعل غيره، فلم يكن لذكر ذلك هنا فائدة مع قوله بعد ذلك هناك: (فإن لم يصل حتى تجلت .. لم يصل) (¬1). 920 - قوله: (وإن اجتمع صلاتان مختلفتان .. بدأ بأخوفهما فوتاً، ثم يصلي الأخرى، ثم يخطب كالمكتوبة والكسوف في أول الوقت يبدأ بالكسوف، ثم يصلي المكتوبة، ثم يخطب) (¬2) يستثنى من تأخير الخطبة عن المكتوبة: ما إذا كانت المكتوبة جمعة؛ فإنه يقدم الخطبة عليها كما صرح به "المنهاج" (¬3)، وهو واضح. 921 - قوله: (فإن استويا في الفوات .. بدأ بآكدهما كالوتر والكسوف، يبدأ بالكسوف) (¬4) استشكل تصويره؛ لأن وقت الكسوف يمتد لطلوع الشمس على الصحيح، والوتر ينتهي وقته بالفجر على الصحيح، فالوتر أسرع فوتاً، فلم يستويا في الفوات. وجوابه: أن صورة المسألة: إذا شرع الكسوف في الانجلاء ولم يبق منه إلا القليل وقارب طلوع الفجر إذ ذاك .. فقد استويا في الفوات. 922 - قول "المنهاج" [ص 144]: (ولو اجتمع عيدٌ أو كسوفٌ وجنازةٌ .. قدمت الجنازة) قد يفهم أنه إذا اجتمع مع الجنازة فرض .. قدم الفرض، وليس كذلك، بل تقدم الجنازة أيضاً ولو في الجمعة، لكن بشرط اتساع وقت الفرض، فإن ضاق وقته .. قدم، وعمل الناس في اجتماع الفرض والجنازة مع اتساع الوقت على خلافه، وهو خطأ يجب اجتنابه. نعم؛ شرط تقديم الجنازة: حضور الولي، فإن لم يحضر .. أفرد الإمام جماعة ينتظرونها واشتغل بغيرها بالباقين. 923 - قول "الحاوي" [ص 198]: (وقدم الفريضة ثم الجنازة ثم العيد) المراد بالفريضة هنا: المنذورة؛ إذ لا تجتمع المكتوبة والعيد، وقد يحمل على المكتوبة المقضية. * * * ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 46، 47). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 47). (¬3) المنهاج (ص 144). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 47).

باب الاستسقاء

باب الاستسقاء 924 - هو أنواع، اقتصر "المنهاج" على أفضلها، وهو: الاستسقاء بخطبتين وركعتين على وجه مخصوص (¬1)، وذكر "التنبيه" مع ذلك: الدعاء خلف الصلوات (¬2)، وفي معناه: الدعاء في خطبة الجمعة، وأدناها: الدعاء مطلقاً، وذكر "الحاوي" الأنواع كلها، فقال [ص 199]: (سُنَّ للاستسقاء الدعاء وخلف الصلاة وفي خطبة الجمعة) ثم ذكر الأفضل، وأطلقوا الصلاة، وقيدها في "شرح مسلم" بالمفروضة (¬3)، وقال ابن الوردي ناظم "الحاوي": (وبعد ما صلى ولو تطوعاً) (¬4)، وهو في كلام البارزي أيضاً. 925 - قول "التنبيه" [ص 47]: (إذا أجدبت الأرض وانقطع الغيث وانقطع ماء العين) أي: في وقت الحاجة إليه، ولذلك قال "المنهاج" [ص 145]: (هي سنة عند الحاجة) وهو مفهوم من قول "التنبيه": (أجدبت الأرض) وكلامهما يفهم أنه لا يُستسقى بالصلاة لاستزادة النعمة في الخصب، والأصح: خلافه، وقول "الحاوي" [ص 199]: (والأفضل أن يصلي المحتاج وغيره) يحتمل أن يريد به: الصلاة لاستزادة النعمة بلا حاجة، ويحتمل أن يريد به: أن غير المحتاج يسن له الاستسقاء للمحتاج، فإذا بلغ أهل بلدة أن غيرهم في قحط .. سن لهم أن يستسقوا لهم، ولا يلزم من كون المستسقي غير محتاج ألا يكون هناك حاجة، فالحاجة موجودة ولكن لغيره، وقول "التنبيه" [ص 48]: (ويستحب لأهل الخصب أن يدعوا لأهل الجدب) يفهم أنه لا يستحب أن يستسقوا لهم بالصلاة، وليس كذلك. 926 - قولهما: (وتُعَادُ ثانياً وثالثاً إن لم يُسْقَوْا) (¬5) يفهم أنه لا يزاد على ثلاث، لكن في "شرح المهذب" تبعاً للماوردي وغيره: أنه لا يتقيد بالثلاث (¬6)، وهو مفهوم من قول "الروضة": حتى يسقيهم الله تعالى وإن كان قد عبر بقوله: (ثانياً وثالثاً) (¬7) ولذلك قال "الحاوي" [ص 199]: (وكرر إن تأخر) ولم يقيد التكرير بثلاث. 927 - قولهم: (ويأمرهم الإمام بصيام ثلاثة أيام) (¬8) هي في الحقيقة أربعة؛ لأنه يستحب ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 145). (¬2) التنبيه (ص 48). (¬3) شرح مسلم (6/ 188). (¬4) انظر "البهجة الوردية" (ص 39). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 48)، و"المنهاج" (ص 145). (¬6) المجموع (5/ 82، 83)، وانظر "الحاوي الكبير" (2/ 520). (¬7) الروضة (2/ 90). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 47)، و"الحاوي" (ص 199)، و"المنهاج" (ص 145).

خروجهم في اليوم الرابع صياماً كما صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، ولم يتعرض في "التنبيه" لصوم الرابع، ويصير صوم هذه الأيام واجباً بأمر الإمام كما ذكره النووي في "فتاويه" (¬2)، وهل يختص ذلك بالصوم أم يتعدى إلى كل ما يأمرهم به من الصدقة وغيرها؛ فيه نظر، قاله في "المهمات". 928 - قول "المنهاج" [ص 145]: (والتوبة) ثم قال [ص 145]: (والخروج من المظالم) من ذكر الخاص بعد العام؛ لدخولها في اسم التوبة، وقول "التنبيه" [ص 47]: (وأمرهم بالخروج من المظالم، والتوبة من المعاصي) من ذكر العام بعد الخاص، وذكر "الحاوي" رد المظالم بعد ذكره البر من ذلك أيضاً (¬3)؛ لأن البر اسم جامع للخير، وكل ذلك للاهتمام بمظالم العباد. 929 - قول "التنبيه" [ص 47]: (ومصالحة الأعداء) أي: من المسلمين إذا لم يرجع لأمر في الدين. 930 - قول "المنهاج" [ص 145]: (ويخرجون إلى الصحراء) و"التنبيه" [ص 47]: (إلى المصلى) وهو مفهوم من قول "الحاوي" [ص 199]: (وخرجوا) هو في غير مكة، فأما في مكة: فيستسقي في المسجد الحرام، صرح به الخفاف في كتاب "الخصال"، وهو من قدماء أصحابنا، وهو حسن. 931 - قول "التنبيه" [ص 47]: (فإن أخرجوا البهائم .. لم يكره (الأصح: استحباب إخراجها كما في "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، وقال في"المهمات": نص في "الأم" وغيرها على أنه لا يستحب إخراجها، وذهب إليه جمهور الأصحاب ما بين مقتصر على عدم الاستحباب ومبالغ يقول بالكراهة (¬5). 932 - قولهم: (ويصلي بهم ركعتين كصلاة العيد) (¬6) يفهم أن وقتها كالعيد، وبه قال الشيخ أبو حامد وجماعة، لكن الأصح: أن كل وقت وقتها حتى وقت الكراهة؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 145]: (ولا يختص بوقت العيد في الأصح)، وفي "الروضة": إنه الصحيح الذي نص عليه الشافعي وقطع به الأكثرون (¬7). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 199)، المنهاج (ص 145). (¬2) فتاوى النووي (ص 64). (¬3) الحاوي (ص 199). (¬4) الحاوي (ص 199)، المنهاج (ص 145). (¬5) الأم (1/ 248). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 47)، و"الحاوي" (ص 199)، و"المنهاج" (ص 145). (¬7) الروضة (2/ 93).

933 - قول "التنبيه" [ص 47]: (ويستحب أن يقرأ فيها "سورة نوح") جعله في "المنهاج" وجهاً ضعيفاً فقال [ص 145]: (لكن قيل: يقرأ في الثانية "إنا أرسلنا نوحاً") ولم يبين "التنبيه" محل قراءتها، وكلامه يُفهم أنه يقرؤها مع قراءة (ق)، و (اقتربت) لأن ذلك مفهوم من كونها كصلاة العيد، وعبارة "المنهاج" محتملة لأن يقرأها مع قراءتهما، ولأن يقرأها بدل (اقتربت) المستحبة في العيد في الثانية، وهو ظاهر "المحرر" (¬1)، قال في "شرح المهذب": والأصح باتفاق: الاقتصار على ما في العيد (¬2). 934 - قول "التنبيه" [ص 47]: (ويخطب خطبتين) وهو مفهوم من قول "المنهاج" [ص 145] و"الحاوي" [ص 199]: (كالعيد) هذا هو الأفضل، قال في "الكفاية": وتكفي واحدة، ذكره البندنيجي، وقول "التنبيه" [ص 47] و"المنهاج" [ص 145]: (ويخطب) بالواو لا يدل على تأخر الخطبة عن الصلاة، بخلاف قول "الحاوي" [ص 199]: (ثم خطب) لكن تأخير الخطبة إنما هو استحباب، فلو قدمها .. جاز كما صرح به "المنهاج" بعد ذلك (¬3)، وقول "التنبيه" [ص 47]: (يستغفر الله في افتتاح الأولى تسعاً، وفي الثانية سبعاً) لا يدل على أنه يأتي بالاستغفار بدل التكبير، بخلاف قول "المنهاج" [ص 145]: (لكن يستغفر الله بدل التكبير) و"الحاوي" [ص 199]: (وبدّل التكبير بالاستغفار) لكن صواب العبارة: (وبدل الاستغفار بالتكبير) لأن الباء شأنها الدخول على المتروك. 935 - قول "التنبيه" [ص 47]: (ويرفع يديه) قال الروياني في "البحر" في فروع متفرقة بعد (باب إمامة المرأة): يكره رفع اليد النجسة في الدعاء، ويحتمل أن يقال: لا يكره بحال. انتهى (¬4). وهو فرع غريب. 936 - قوله: (فيقول: اللهم؛ سقيا رحمة) إلى قوله: (حوالينا ولا علينا) (¬5) ذِكْره هذا في أدعية الاستسقاء مردود، وإنما يستحب هذا للاستصحاء، وهو إذا كثرت الأمطار وأضرت، ولا يشرع لذلك صلاة ولا خطبة، وقد صرح به "المنهاج" (¬6). 937 - قول "التنبيه" [ص 48] و"الحاوي" [ص 199]: (ويستقبل القبلة في أثناء الخطبة الثانية) ¬

_ (¬1) المحرر (ص 79). (¬2) المجموع (5/ 75). (¬3) المنهاج (ص 146). (¬4) بحر المذهب (3/ 25، 26). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 47). (¬6) المنهاج (ص 146).

و"المنهاج" [ص 146]: (بعد صدر الخطبة الثانية) قال في "الدقائق": أي: إذا مضى منها نحو الثلث، وحكاه في "شرح مسلم" عن الأصحاب (¬1)، وفي "المهمات" عن "الكافي" للزبيري: عند بلوغ النصف، وقال الروياني في "البحر": يكون عند الفراغ من الاستغفار (¬2)، وقد تفهم عبارتهم بقاء الاستقبال إلى فراغ الخطبة، والمنقول: أنه إذا فرغ يدعو .. أقبل على الناس وأتى ببقية الخطبة، وقولهم: (ويستقبل، ويحول) (¬3) يفهم أنه لا ترتيب بينهما، والذي في "الروضة" وأصلها: أنه إذا أراد: الاستقبال .. حول، كذا في "النكت" للنشائي، وعبارة "الروضة": ويستحب عند تحوله إلى القبلة أن يحول رداءه. انتهى (¬4). وظاهره: تقديم التحول للقبلة، خلاف ما نقل النشائي، وهو مثل قول "المنهاج" [ص 146]: (ويُحَوِّل رداءه عند استقباله). 938 - قولهم: (ويجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه) (¬5) هذا في الرداء المربع، فأما المقور والمثلث .. فليس فيه إلا التحويل (¬6). 939 - قول "المنهاج" [ص 146]: (ولو ترك الإمام الاستسقاء .. فعله الناس) كذا في زيادة "الروضة" عن الشافعي والأصحاب (¬7)، والذي في "شرح المهذب" عن "الأم": إذا خلت الأمصار عن الولاة .. قدموا أحدهم للجمعة والعيد والكسوف والاستسقاء. انتهى (¬8). ومفهومه: أنهم لا يفعلون مع وجود الوالي في المصر وإن ترك، قال في "المهمات": وهو متجه؛ للخوف من ثوران فتنة. انتهى. 940 - قول "التنبيه" [ص 48]: (ويستحب أن يقف في أول المطر ليصيبه) أوضحه "المنهاج" بقوله [ص 146]: (ويسن أن يَبْرُزَ لأول مطر السنة، ويكشف غير عورته ليصيبه) انتهى. فبيّن أن المراد: أول مطر السنة، لا أول كل مطر مطلقاً، وأن المطلوب إصابة المطر له غير عورته. 941 - قول "المنهاج" [ص 146]: (وأن يغتسل أو يتوضأ في السيل) كذا في "الروضة" بـ ¬

_ (¬1) الدقائق (ص 48)، شرح مسلم (6/ 188). (¬2) بحر المذهب (3/ 265). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 48)، و"الحاوي" (ص 199)، و"المنهاج" (ص 146). (¬4) الروضة (2/ 94)، نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 44). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 48)، و" الحاوي" (ص 199)، و"المنهاج" (ص 146). (¬6) انظر "الروضة" (2/ 94). (¬7) الروضة (2/ 95)، وانظر "الأم" (1/ 247). (¬8) المجموع (5/ 86)، وانظر الأم (1/ 247).

(أو) (¬1)، والذي في "شرح المهذب": يغتسل ويتوضأ (¬2)، فإن لم يجمعهما .. فليتوضا، وفي "المهمات": المتجه: الجمع، ثم الاقتصار على الغسل، ثم على الوضوء، وأنه لا نية فيه إذا لم يصادف وقت وضوء ولا غسل. انتهى. واقتصر "التنبيه" على الغسل (¬3). 942 - قول "المنهاج" [ص 146]: (ويكره: "مطرنا بنوء كذا") محله: عند اعتقاد أن النوء لا صنع له، بل أجرى الله تعالى العادة بإنزال المطر في هذا النوء بإرادته، فإن اعتقد - كالجاهلية - تأثير النوء في إنزال المطر وأنه فاعله حقيقة .. فهو كفر، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 95). (¬2) المجموع (5/ 84). (¬3) التنبيه (ص 48).

باب تارك الصلاة

باب تارك الصّلاة وهو في "التنبيه" في أول (كتاب الصلاة) (¬1)، وفي "الروضة" بعد (الجنائز) (¬2). 943 - قولهما: (إن ترك الصلاة جاحداً وجوبها .. كفر) (¬3) فيه أمور: أحدها: قال في "التصحيح": الصواب: أنه يعذر في تأخير الصلاة عن وقتها من جهل وجوبها من غير تفريط في التعلم، كمن أسلم بدار الحرب وتعذرت هجرته، أو نشأ منفرداً ببادية ونحوها. انتهى (¬4). وكذا أورده في "شرح المهذب"، ثم أجاب عنه: بأنه خارج بلفظ الجحود؛ فإن الجحد لغة: إنكار ما سبق الاعتراف به، فمن لم يعرف الوجوب .. لا يسمى جاحداً له (¬5). ثانيها: أن الجحد كافٍ في الحكم بكفره، حتى لو صلى ولكن قال: إنها غير واجبة عليه .. حكمنا بردته، ذكره في "المهمات"، وهو واضح. ثالثها: لا يختص هذا بجحود الصلاة، وأطلق الرافعي جريانه في جحود كل مجمع عليه (¬6)، وقيده النووي بأن يكون فيه نص وهو من أمور الإسلام الظاهرة التي يشترك في معرفتها الخواص والعوام (¬7). 944 - قول "التنبيه" [ص 24]: (ومن امتنع غير جاحد لوجوبها حتى خرج الوقت .. قتل في ظاهر المذهب) فيه أمور: أحدها: قال في "الكفاية": إنه يشمل ما لو أبدى للترك عذراً صحيحاً أو باطلاً وامتنع منها، قال: وهو ظاهر كلامهم، لكن في "التتمة": أن المذهب: المنع. قلت: وحكاه في "الروضة" عن "التتمة"، وأقره عليه، وصححه في "التحقيق" (¬8)، وكذا يرد على قول "الحاوي" [ص 200]: (وعمداً) لأن العذر لا يخرجه عن العمدية، ولا يرد ذلك على قول "المنهاج" [ص 714]: (أو كسلاً) فإنه يخرج ما لو أبدى عذراً. ويجاب عن "التنبيه" و"الحاوي": بأن كلامهما في المؤداة، وهذه الصورة في قضاء ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 24). (¬2) الروضة (2/ 146). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 24)، و"المنهاج" (ص 147). (¬4) تصحيح التنبيه (1/ 109). (¬5) المجموع (3/ 15). (¬6) انظر "فتح العزيز" (2/ 462). (¬7) انظر "المجموع" (3/ 15). (¬8) الروضة (2/ 148)، التحقيق (ص 160).

ما يبدي تاركه عذراً، وعدم القتل فيها واضح وإن قلنا: القضاء على الفور؛ لشبهة الخلاف فيه، بخلاف المؤداة، والله أعلم. ثانيها: أنه يقتضي اعتبار خروج وقت تلك الصلاة المتروكة، وذلك إنما هو إذا لم تُجمع مع ما بعدها، والمعتبر في المجموعة مع ما بعدها - وهي الظهر والمغرب - خروج وقت ما بعدها؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 147]: (بشرط إخراجها عن وقت الضرورة) و"الحاوي" [ص 200]: (عن وقت الجمع) وهما في المعنى سواء. ثالثها: اعتبارهم خروج الوقت يخالفه اعتبار النووي في "التحقيق" ضيق الوقت (¬1)، وهو الذي اختاره السبكي، وهو المذكور في "الروضة" أولاً، فقال: ومتى يقتل؟ فيه أوجه، الصحيح: بترك صلاة واحدة إذا ضاق وقتها، ثم قال في آخر كلامه: والاعتبار بإخراج الصلاة عن وقت الضرورة، فإذا ترك الظهر .. لم يقتل حتى تغرب الشمس، وإذا ترك المغرب .. لم يقتل حتى يطلع الفجر، حكاه الصيدلاني وتابعه الأئمة عليه. انتهى (¬2). وهو متناقض؛ فإن مقتضى اعتبار الضيق قتله بترك الظهر إذا بقي من وقت العصر مقدار يسعها فقط، ولا يتوقف على خروج الوقت، وقال في "الكفاية"؛ إذا ضاق وقت الصلاة بحيث يتحقق فواتها إذا لم يؤدها .. نوجب عليه القتل في تلك الحالة. انتهى. ومقتضاه: أنه لو بقي من الوقت ما لا يسع ركعة .. قتل حينئذ؛ لأنه قد تحقق فواتها، وهذا أمر ثالث غير خروج الوقت وضيقه، والله أعلم. رابعها: في "الكفاية" عن بعضهم: أن مقابل ظاهر المذهب: مذهب المزني أنه يحبس ويؤدب، وأن بدل الواو فاء؛ أي: فيقتل بترك الرابعة تفريعاً على القتل، والأصح: اعتبار ضيق وقت الثانية كما تقدم، وفيه نظر؛ لأن تفرد المزني لا يعد من المذهب، وقيل: إن مقابل ظاهر المذهب: الوجه القائل: بأنه ينخس أو يضرب بخشبة حتى يصلي أو يموت، ولا يقتل صبراً. خامسها: يستثنى من ذلك: فاقد الطهورين إذا ترك الصلاة متعمداً؛ فإنه لا يقتل؛ لأنه مختلف فيه، ذكره القفال في "فتاويه". 945 - قولهما: (ويستتاب) (¬3) زاد "التنبيه" [ص 24]: (كما يستتاب المرتد) وهو يقتضي وجوب الاستتابة، لكن صحح في "التحقيق": استحبابها (¬4)، ولذلك لم يذكرها "الحاوي"، وكأن الفرق شدة الردة؛ لاقتضائها الخلود في النار، بخلاف ترك الصلاة، لكن الرافعي عكس ذلك ¬

_ (¬1) التحقيق (ص 160). (¬2) الروضة (2/ 146، 147). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 24)، و"المنهاج" (ص 147). (¬4) التحقيق (ص 160).

فائدة [تعليل الوجه القائل بنخس تارك الصلاة بحديدة]

فقال: لا بد من الاستتابة قبل القتل؛ فإنه ليس أشد حالاً من المرتد، والمرتد يستتاب (¬1). 946 - قول "التنبيه" [ص 24]: (ثم يقتل) أوضح منه قول "المنهاج" [ص 147]: (ثم تضرب عنقه) و"الحاوي" [ص 200]: (قتل بالسيف) ومرادهم: إن لم يتب، فإن تاب .. لم يقثل، واستشكله في"المهمات" لأنه يقتل حداً، والحدود لا تسقط بالتوبة، والقتل على التأخير عن الوقت عمداً، وقد وُجد، فكيف تنفع فيه التوبة؟ وهذا كمن سرق نصاباً ثم رده؛ فإن القطع لا يسقط. 947 - قول "الحاوي" [ص 200]: (لا الجمعة) أي: لا يقتل إذا ترك الجمعة وصلى الظهر، كما أفتى به الغزالي، وأقره الرافعي (¬2)، وأفتى الشاشي وابن الصباغ: بأنه يقتل، واختاره ابن الصلاح (¬3)، وقال في "التحقيق": إنه الأقوى (¬4)، وقد يُدعى دخول الجمعة في عبارتهما، بناء على أنها بدل الظهر؛ فهي إحدى الخمس، وخروجها على أنها صلاة بحيالها. 948 - قولهما: (ويدفن في مقابر المسلمين) (¬5) هو المشهور، وقال ابن أبي الدم في "شرح الوسيط": غالب ظني أني وجدت للأصحاب أنه يدفن في مقبرة منفردة تعرف بهم، لا في مقابر المسلمين، ولا في مقابر أهل الذمة؛ لتأكد انزجارهم، قال: وهو متجه. فائدة [تعليل الوجه القائل بنخس تارك الصلاة بحديدة] قال الرافعي في تعليل وجه النخس بحديدة: حتى يصلي أو يموت، كما يعاقب الممتنع من سائر الحقوق ويقاتل (¬6)، فاستنبط السبكي من هذا التعليل ومن كلام الشافعي [ما] (¬7) حكاه في "شرح المنهاج": أن كل من توجه عليه حق واجب وامتنع منه مع القدرة عليه ولا طريق لنا إلى التوصل إليه .. أنه يعاقب حتى يدفعه أو يموت، قال ولده في "التوشيح": وكنت أسمعه يقول: لا خلاف في المذهب في هذا، ونصوص الشافعي دالة عليه. انتهى. ولما حكى في "المهمات" تعليل الرافعي هذا .. قال": وهو كلام عجيب مخالف للمذكور في التعزير وغيره. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (2/ 463). (¬2) انظر "فتاوى الغزالي" (ص 28) مسألة (15)، و"فتح العزيز" (2/ 464). (¬3) انظر "فتاوى ابن الصلاح" (1/ 253). (¬4) التحقيق (ص 160). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 24)، و"المنهاج" (ص 147). (¬6) انظر "فتح العزيز" (2/ 463). (¬7) ما بين معقوفين زيادة، ليستقيم المعنى.

كتاب الجنائز باب ما يفعل بالميت

كتاب الجنائز باب ما يفعل بالميت كذا بوب "التنبيه" (¬1)، وضمن الباب ما يفعل قبل الموت كالمقدمة له. 949 - قول "المنهاج" [ص 148] و"الحاوي" [ص 201]: (ليكثر ذكر الموت، ويستعد له بالتوبة ورد المظالم) الأول مستحب، والثاني واجب، والجمع بينهما قد يوهم خلاف ذلك، وعطف رد المظالم على التوبة من عطف الخاص على العام، كما تقدم في (الاستسقاء). 950 - قول "التنبيه" [ص 49]: (وأن يعود المريض) أي: المسلم، أو الكافر لقرابة أو جوار، فالكافر إذا لم يكن قريباً ولا جاراً .. لا يستحب عيادته. نعم؛ تجوز، ومقتضى كون العيادة قربة: استحباب الوضوء لها، وفيه حديث (¬2)، لكن في "شرح المهذب" في (الطهارة) عن البغوي: أنه لا يستحب الوضوء لها، وأقره (¬3)، ومقتضى إطلاقه: العيادة من الرمد، وهو كذلك، ولم يصح ما يخالفه، واستحبابها لكل وقت ولو في اليوم الأول من المرض، وقول الغزالي: (إنما يعاد بعد ثلاث) يحتاج إلى دليل، وفي "رحلة ابن الصلاح" عن أبي عبد الله الفراوي: أنه تستحب العيادة في الشتاء ليلاً وفي الصيف نهاراً باكراً، وهي تفرقة غريبة. 951 - قوله: (فإن رجاه .. دعا له وانصرف) (¬4) قال في "شرح المهذب": كذلك إذا احتمل .. فالعبارة الحسنة أن يقال: إذا طمع في حياته (¬5). 952 - قوله: (وإن رآه منزولاً به .. وجهه للقبلة ولقنه قول: "لا إله إلا الله") (¬6) فيه أمور: أحدها: أنه يقتضي أن الموجه والملقن هو العائد، وليس كذلك، بل غير الوارث، وكذا غير ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 49). (¬2) ذكره أبو داوود في "سننه" (3097)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (9441) من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ، من توضأ فأحسن الوضوء، وعاد أخاه المسلم محتسباً .. بُوعِدَ من جهنم مسيرة سبعين خريفاً". (¬3) المجموع (1/ 385)، وانظر "التهذيب" (1/ 225). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 49). (¬5) المجموع (5/ 103). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 49).

الحاسد والعدو، كما في "شرح المهذب" (¬1)، فإن لم يوجد غير الورثة .. فالأولى: أن يتولى ذلك أشفقهم وأحبهم إليه؛ ولذلك ذكر "المنهاج" و"الحاوي" التوجيه والتلقين مبنيين للمفعول (¬2). ثانيها: قد يفهم التخيير في التوجيه للقبلة بين الإلقاء على القفا والإضجاع على الجنب، وليس كذلك، بل إن تعذَّر على الجنب .. تعين الأول، وإلا .. فقيل: يلقى على قفاه، وبه قال الغزالي (¬3)، وعليه عمل الناس، والصحيح: أنه يضجع لجنبه الأيمن إلى القبلة، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، وكلامهما يقتضي أنه إذا تعذر الإضجاع على الأيمن .. تعين الإلقاء على القفا، لكن في "شرح المهذب": إذا تعذر الوضع على الأيمن .. وضع على الأيسر، فإن تعذر .. فعلى قفاه (¬5). ثالثها: قد يفهم تقديم التوجيه على التلقين وإن كانت الواو لا تدل على الترتيب، وكذا عبارة "المنهاج" و"الحاوي" (¬6)، لكن صرح الماوردي بأن التلقين قبل التوجيه (¬7)، وقال الشيخ تاج الدين الفركاح: إن أمكن الجمع .. فُعِلا معاً، وإلا .. بُدِئ بالتلقين. رابعها: عبارته صريحة في الاقتصار على تلقين (لا إله إلا الله)، وهو معنى قول "المنهاج" [ص 148] و"الحاوي" [ص 201]: (الشهادة)، وهو الأصح، وبه قال الجمهور، وقال بعضهم: يضم إليها (محمد رسول الله) (¬8) واستحسن بعض المتأخرين أن يلقنه الشهادتين أولاً ثم يقتصر بعد ذلك على (لا إله إلا الله). 953 - قول "المنهاج" [ص 148] و"الحاوي" [ص 201]: (ويقرأ عنده "يس") كذا في "الروضة" تبعاً لأصلها عن الأصحاب (¬9)، لكن في "الكفاية" بدلها (الرعد)، وأن تلاوة (يس) بعد الموت، وقيل: عند القبر. 954 - قول "التنبيه" [ص 49]: (ويبادر إلى تجهيزه إلا أن يكون قد مات فجأة .. فيترك ليتيقن ¬

_ (¬1) المجموع (5/ 105). (¬2) الحاوي (ص 201)، المنهاج (ص 148). (¬3) انظر "الوسيط" (2/ 362). (¬4) الحاوي (ص 201)، المنهاج (ص 148). (¬5) المجموع (5/ 105). (¬6) الحاوي (ص 201)، والمنهاج (ص 148). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (3/ 4). (¬8) انظر "السراج على نكت المنهاج" (2/ 5). (¬9) الروضة (2/ 97).

موته) المراد واضح، والتعبير عنه مشكل؛ فإنه إذا حكم بأنه مات فجأة كيف يترك ليتيقن موته؛ والمعنى: إذا كان الأمر المشكوك فيه الذي ظننَّاه موتاً فجأة؛ ولذلك عبر "المنهاج" بقوله [ص 148]: (ويبادر بغسله إذا تُيُقّشنَ موته)، قال في "شرح المهذب": وتركه للتيقن واجب (¬1)، وقال البيهقي: كان الشافعي يستحب ذلك (¬2). * * * ¬

_ (¬1) المجموع (5/ 110). (¬2) انظر "سنن البيهقي الكبرى" (3/ 386) (6412).

باب غسل الميت

باب غسل الميت 955 - قولهم: (غُسْلُهُ وتكفينه والصلاة عليه ودفنه .. فرض كفاية) (¬1)، هذا في المسلم، أما الكافر .. فتحرم الصلاة عليه حربياً كان أو ذمياً، ويجوز غسله حربياً كان أو ذمياً، ويجب تكفين الذمي ودفنه دون الحربي والمرتد، وقد أوضحه "المنهاج" بعد ذلك (¬2)، وقيد "الحاوي" بعد ذلك الصلاة بالمسلم (¬3)، وظهر أن حمل كلامهم هنا على المسلم يرد عليه الذمي بالنسبة إلى التكفين والدفن. 956 - قول "المنهاج" [ص 148]: (وأقل الغسل: تعميم بدنه بعد إزالة النجس) كذا ذكره الرافعي (¬4)، ولم يستدركه النووي لا هنا ولا في "الروضة" مع أن الصحيح عنده: أنه يكفي للخبث والحدث غسلة واحدة، كما أوضحه في (باب الغسل) (¬5). 957 - قول "التنبيه" [ص 50]: (والفرض من ذلك النية) وجه، والأصح: أنها لا تجب، كما ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬6). 958 - قول "المنهاج" [ص 149] و"الحاوي" [ص 202]: (ويغسل بماء بارد)، قال "التنبيه" [ص 50]: (إلا أن يحتاج إلى المسخن) أي: لكثرة وسخ، أو شدة برد، فيغسل بمسخن تسخيناً يسيراً. 959 - قولهم - والعبارة لـ "التنبيه" -: (ويُستر الميت في الغسل عن العيون) (¬7) يستثنى: الولي؛ فله النظر إلى الميت في حال الغسل وإن لم يكن غاسلاً ولا معيناً. 960 - قول "المنهاج" [ص 149]: (ثم يغسل رأسه ثم لحيته) أحسن من عطف "المحرر" بالواو (¬8). 961 - قوله بعد ذكر صفة الغسل: (فهذه غَسْلَةٌ وتستحب ثانية وثالثة، وأن يستعان في الأولى بسدرٍ أو خِطْمِيٍّ ثم يصب ماءٌ قَرَاحٌ من فَرْقهِ إلى قدمه بعد زوال السدر) هذه الغسلة بالماء القراح هي ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 49: 52)، و"الحاوي" (ص 201)، و"المنهاج" (ص 148). (¬2) المنهاج (ص 154). (¬3) الحاوي (ص 203). (¬4) انظر "فتح العزيز" (2/ 395). (¬5) الروضة (1/ 88) (¬6) الحاوي (ص 201)، المنهاج (ص 148) (¬7) انظر "التنبيه" (ص 49)، و"الحاوي" (ص 201)، و"المنهاج" ص 148). (¬8) المحرر (ص 82).

الأولى، ويُندب بعدها ثانية وثالثة إذا تقرر ذلك، فقال السبكي: قوله: (وأن يستعان في الأولى بسدر) ليس المراد: الأولى من الغسلات المغتسل بها، بل: مما يراد للتنظيف، وقوله قبله: (وتستحب ثانية وثالثة) إن أراد: فيما يراد للتنظيف .. فَحَسنٌ؛ موافقة للحديث: "اغسلنها ثلاثاً أو خمساً بماءٍ وسدر" (¬1)، لكنه مخالف لقوله: (وأن يستعان في الأولى بسدر)، وإن أراد: بعد أداء الواجب .. ففيه تقديم وتأخير، فكان ينبغي أن يقول": (ثم يصب ماء قراح من فرقه إلى قدمه بعد زوال السدر، فهذه غسلة. وتستحب ثانية وثالثة)، قال: وتخصيصه السدر بالأولى لا وجه له، بل يكرر الغسل به إلى الإنقاء، ثم يصب القراح، ثم تندب ثانية وثالثة، فإن استعمل القراح عقب كل غسلة من غسلات التنظيف .. كفاه عن استعماله بعد تمامها، وتكون كل مرة من التنظيف بعدها غسلة، وبالجملة فعبارة الكتاب قلقة. انتهى. وجعل في "المهمات" عبارة "المحرر" و"المنهاج" تقتضي الاعتداد من الثلاث بالغسلة المختلطة بالسدر؛ لقوله: (وتستحب ثانية وثالثة، وأن يستعان في الأولى بسدر أو خطمي) فيكون مناقضًا للمصحح في "الروضة" وأصلها: أن الغسلة التي بالماء والسدر والواقعة بعدها - وهي المزيلة لذلك - لا يحسبان من الثلاث (¬2). ولكن هذا الحمل لا يصح؛ لقوله بعده: (ثم يصب ماء قراح) فلو كان كما فهمه في "المهمات" .. لم يكن لهذه الجملة معنى، فدل على أن الخلل إنما هو في التعبير من جهة التقديم والتأخير أو غيره، وقد سلم من ذلك "الحاوي" لقوله [ص 202]: (ثم صب الماء بعد غسله بالسدر وإزالته وثلَّث، وإن لم يَنْقَ .. فخمس أو سبع)، وقول "التنبيه" بعد الغسل بالسدر [ص 50]: (ثم يفيض الماء على جميع بدنه، يفعل ذلك ثلاثاً) ظاهره: عود التثليث لإفاضة الماء الخالي عن السدر وإن كان يحتمل من حيث اللفظ خلافه، وهو الذي فهمه في "الكفاية"، فقال": إن مقتضى كلامه: أن غسلة السدر تحسب من الثلاث. انتهى. فعبارة "الحاوي" أصرح في المراد. 962 - قول "التنبيه" [ص 50]: (ويتعاهد في كل مرة إمرار اليد على البطن) ليس ذلك على السواء، بل كل مرة أخف مما قبلها. 963 - وقوله: (ويجعل في الأخيرة كافوراً) (¬3) لا يختص ذلك بالأخيرة، بل يستحب في كل مرة من الماء القراح، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي"، وقيد الكافور بكونه ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1195)، ومسلم (939) من حديث أم عطية. (¬2) الروضة (2/ 101). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 50).

قليلاً (¬1)، لكن فاتهما: أنه يكره تركه، كما نص عليه وحكاه في "المهمات". 964 - قول "التنبيه" [ص 50]: (فإن خرج منه بعد الغسل شيء .. أعيد غسله، وقيل: يُوَضَّأ، وقيل: يكفيه غسل المحل) فيه أمور: أحدها: الأصح: الثالث، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). ثانيها: شرط الوجهين الأولين: أن يكون الخارج من الفرج، فإن كان من غيره .. لم يجب غسل ولا وضوء قطعًا، وبه صرح "المنهاج" (¬3)، وهو من زيادته على "المحرر"، وقال في "الدقائق": هو مراد "المحرر" بإطلاقه. انتهى (¬4). وكأن "التنبيه" استغنى عنه لوضوحه. ثالثها: شرطهما أيضاً: أن يكون ذلك قبل إدراجه في الكفن، فإن كان بعده .. لم يَجْرِيَا، كما أشار إليه صاحب "العدة"، وحكاه عنه الرافعي (¬5)، قال في "الروضة": قد توافق صاحب "العدة" والمحاملي والقاضي أبو الطيب والسرخسي صاحب "الإملاء"، فجزموا بالاكتفاء بغسل النجاسة بعد الإدراج. انتهى (¬6). وفي "المهمات" عن "فتاوى البغوي": أنه لا يجب غسلها أيضاً إذا كان الخروج بعد التكفين، وهذا وارد على عبارة "المنهاج" أيضاً، وإن صح قول البغوي .. ورد على عبارة "الحاوي" أيضاً، والله أعلم. 965 - قول "المنهاج" [ص 150]: (ويُغَسِّل الرجل الرجل، والمرأة المرأة) هذا هو الأصل، وقد يغسل الرجل المرأة، وعكسه كما سيذكره بعد ذلك. 966 - قوله: (ويغسل أمته) (¬7) أي: ولو مستولدةً ومكاتبةً إن لم يكنّ مزوجاتٍ أو معتداتٍ، وقد صرح به "الحاوي" (¬8)، قال في "الروضة": والمستبرأة كالمعتدة في ذلك (¬9)، قال في "المهمات": وهو غير مستقيم، بل إن ملكها بالسبي .. فالأصح: جواز الاستمتاع بها إلا ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 202)، المنهاج (ص 149). (¬2) الحاوي (ص 202)، المنهاج (ص 149). (¬3) المنهاج (ص 149). (¬4) الدقائق (ص 49). (¬5) انظر "فتح العزيز" (2/ 403). (¬6) الروضة (2/ 103). (¬7) انظر المنهاج" (ص 150). (¬8) الحاوي (ص 202). (¬9) الروضة (2/ 104).

الوطء .. فالغسل أولى بالجواز، وإن ملكها بغيره .. لم تحرم عليه خلوة ولمس ونظر بلا شهوة، فالغسل كذلك. انتهى. 967 - قولهم: (ويُغسِّل زوجته، وهي زَوْجَهَا) (¬1) يستثنى منه: إذا كانت مطلقة رجعية، وقد ذكره "الحاوي" في الصورة الثانية (¬2). 968 - قول "المنهاج" [ص 150] و"الحاوي" [ص 202]: (ويلُفَّان خرقةً ولا مسَّ)، قال القاضي الحسين: فلو خالف .. صح الغسل، ولا ينبني على الخلاف في انتقاض طهر الملموس. نعم؛ ينتقض وضوء الغاسل. انتهى. 969 - قول "التنبيه" [ص 49]: (والأولى: أبوه، أو جده، أو ابنه، أو عَصَبَاتُه، ثم الرجال الأجانب، ثم الزوجة، ثم النساء الأقارب) فيه أمور: أحدها: أن الكلام فيما إذا كان الميت رجلاً، بدليل قوله بعده: (وإن كانت امرأة) (¬3). ثانيها: كان ينبغي أن يأتي بـ (ثم) في الكل، ويقول في العصبات: (على ترتيب الإرث، أو الولاية) كما فعل "المنهاج" و"الحاوي" (¬4). ثالثها: لا يحتاج لاستدراك المولى المعتق كما فعله بعضهم؛ لدخوله في العصبات. رابعها: أهمل ذوي الأرحام قبل الرجال الأجانب، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬5)، وهو في بعض نسخ "التنبيه". خامسها: مراده بالنساء الأقارب: المحارم، أما غيرهنّ؛ كبنت العم والخال ونحوهما .. فكالأجنبية. 970 - قوله: (إن كانت امرأة .. غسلها النساء الأقارب، ثم النساء الأجانب، ثم الزوج، ثم الرجال الأقارب) (¬6) فيه أمور: أحدها: أنه قد يفهم استواء الأقارب، وكذا عبارة "الحاوي" (¬7)، لكن في "المنهاج" [ص 150]: (وأَوْلاهُنَّ: ذات محرميةٍ)، قال في "المهمات": ومقتضاه: أن بنت العم البعيدة إذا كانت أُمًّا من الرضاع مثلاً .. تقدم على بنت العم القريبة، قال: وكلامهم يُشعر بخلافه، وبأن ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 49)، و"الحاوي" (ص 202)، و"المنهاج" (ص 150). (¬2) الحاوي (ص 202). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 49). (¬4) الحاوي (ص 202)، والمنهاج (ص 150). (¬5) الحاوي (ص 202)، والمنهاج (ص 150). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 49). (¬7) الحاوي (ص 202).

المراد بتحريمها: أن تكون من جهة الرحم؛ ولهذا لم يعتبروا هنا الرضاع بالكلية. انتهى. ثانيها: يرد عليه وعلى "الحاوي" و"المنهاج": ذات الولاء؛ فإنها مقدمة على النساء الأجانب، نص عليه، وجزم به في "شرح المهذب" (¬1)، ولم يذكروها. ثالثها: إطلاقه الرجال الأقارب يتناول غير المحارم؛ كابن العم مع أنه كالأجنبي؛ ولذلك عبر "الحاوي" برجال المحارم (¬2)، واستدرك "المنهاج" على قول "المحرر": (ثم رجال القرابة)، فقال: (إلا ابن العم ونحوه فكالأجنبي) (¬3)، وعبارة "المنهاج" [ص 150]: (ويقدمن - أي: القرابات - على زوج في الأصح، وأَوْلاهُن: ذات محرمية، ثم الأجنبية، ثم رجال القرابة) هذه عبارته، وليست مفصحة عن مرتبة الزوج، أَيُقَدَّم على الأجنبية أم تقدم عليه؟ بل يتبادر إلى الفهم منه تقديمه عليها؛ لكونه حكى الخلاف في تقديمه على القرابات، وذكره قبل ذكر الأجنبية، لكن المنقول: تقديم الأجنبيات على الزوج، وعليه مشى "التنبيه" و"الحاوي" (¬4)، وقول "المنهاج" [ص 150]: (ويقدم عليهم الزوج في الأصح) أي: على رجال القرابة، وهذا قد يفهم تأخره عن الأجنبيات، لكن ليس صريحاً فيه. 971 - قول "التنبيه" [ص 49]: (وذوو المحارم أحق من غيرهم) أي: مع اتحاد الجنس، وإلا .. فليس لابن العم تغسيل المرأة؛ فإنه كالأجنبي في المنع كما تقدم. ثم اعلم: أن للتقديم شرطين أهملهما الثلاثة: ألأَ يكون القريب قاتلاً قتلاً يمنع الإرث، وألاَّ يكون كافراً والميت مسلماً؛ فإنه كالعدم. 972 - قول "التنبيه" [ص 50]: (ويقلم أظفاره ويحف شاربه ويحلق عانته) فيه أمور: أحدها: أهمل أخذ شعر الإبط، وذكره "المنهاج" (¬5)، وعبارة "الحاوي" [ص 202]: (ويباح حلق وقلم وأخذ شارب) وتناول بعمومه حلق شعر الرأس مع أنه لا يُشرع فعله. ثانيها: كلامه يقتضي استحباب هذه الأمور، واقتصر "الحاوي" على إباحتها كما تقدم، وفي "المنهاج" [ص 150]: (الجديد أنه: لا يكره)، ثم استدرك أن (الأظهر: كراهته)، وحكاه في "الروضة" عن تصحيح جماعة، قال: وهو المختار، مع كونه لم يحكه إلا عن القديم (¬6)، لكن ¬

_ (¬1) المجموع (5/ 116). (¬2) الحاوي (ص 202). (¬3) المحرر (ص 82)، المنهاج (ص 150). (¬4) التنبيه (49)، الحاوي (ص 202). (¬5) المنهاج (ص 150). (¬6) الروضة (2/ 107).

البندنيجي حكاه عن نصه في عامة كتبه ومنها "الأم" (¬1)، وعبارة "التصحيح": (الأصح: أن الميت لا يزال ظفره وشواربه وعانته) (¬2)، وفي الرافعي: القولان في الكراهة، ولا تستحب بلا خلاف، كذا ذكره الروياني (¬3)، قال النووي: وقاله أيضاً أبو حامد والمحاملي، وصرح الأكثرون أو الكثيرون بخلافه، فقالوا: الجديد: يستحب، والقديم: يكره، ثم رجح القديم كما تقدم، والله أعلم (¬4). ثالثها: محله في غير المُحْرِمِ، كما تقرر، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬5). * * * ¬

_ (¬1) الأم (1/ 280). (¬2) تصحيح التنبيه (1/ 177). (¬3) فتح العزيز (408/ 2)، وانظر "بحر المذهب" (3/ 297). (¬4) انظر "الروضة" (2/ 107). (¬5) الحاوي (ص 202)، المنهاج (ص 150).

باب الكفن وحمل الجنازة

باب الكفن وحمل الجنازة 973 - قول "الحاوي" [ص 202]: (وأقله: ثوب لجميع البدن) تبع فيه الإمام والغزالي (¬1)، وصححه النووي في "مناسكه" (¬2)، لكن قال الرافعي في "شرحه الصغير": الأَوْلى للنص: وجوب ساتر العورة (¬3)، وصححه النووي في بقية كتبه، وعزاه للجمهور (¬4)، واستشكله في "المهمات" بقولهم في (النفقات): لا يحل الاقتصار في كسوة العبد على ستر العورة وإن لم يتأذَّ بحرٍّ أو برد؛ لأنه تحقير وإذلال، قال: فامتناعه في الميت الحر أولى من الحي الرقيق؛ لأن الأول أولى بعدم التحقير، وعلى المرجح: فيختلف الواجب بذكورة الميت وأنوثته، لا برقه وحريته كما اقتضاه كلامهم، وهو الظاهر في "الكفاية"، فيجب في المرأة: ما يستر بدنها إلا وجهها وكفيها حرة كانت أو أمة، وعلته: أن الرق يزول بالموت، كما في الرافعي في (الأيمان) (¬5) و"الكفاية" هنا، لكن في "المهمات" عن الشيخ أبي على خلافه، والله أعلم. ولا يخفى أن قول "الحاوي" [ص 202]: (لجميع البدن) يريد به: غير رأس المحرم ووجه المحرمة، لما قرره من بقاء أثر الإحرام، وأطلق "التنبيه" و"المنهاج" أن أقله: ثوب (¬6)، وهو محتمل لكلا الوجهين، ولم يرجح الرافعي في "شرحه الكبير" شيئاً (¬7). 974 - قول "التنبيه" [ص 50]: (ويستحب أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب: إزار ولفافتين) فيه أمور: أحدها: لو عبر بـ (الذكر) .. لكان أولى؛ لأن الصبي كذلك، وقد عبر "المنهاج" أيضاً بالرجل (¬8)، لكنه قال بعد ذلك: (والصبي كبالغٍ في تكفينه بأثوابٍ) (¬9)، ولا يرد ذلك على "الحاوي" لأنه أطلق أولاً استحباب ثلاث لفائف، ثم بيَّن حكم المرأة بعد ذلك (¬10)، فعُلم أن الأول حكم من عداها ولو صبياً، لكن مقتضاه: استحباب الاقتصار في الخنثى على ثلاثة، وليس ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (3/ 19)، و"الوسيط" (2/ 370). (¬2) الإيضاح في المناسك (ص 29). (¬3) انظر "الأم" (1/ 266). (¬4) انظر "المجموع" (5/ 148)، و"الروضة" (2/ 110)، و"شرح مسلم" (7/ 7). (¬5) فتح العزيز (12/ 278). (¬6) التنبيه (ص 50)، المنهاج (ص 150). (¬7) فتح العزيز (2/ 410، 411). (¬8) المنهاج (ص 150). (¬9) المنهاج (ص 157). (¬10) الحاوي (ص 203).

كذلك، بل هو كالمرأة في ذلك، والله أعلم. ثانيها: يستثنى من استحباب ثلاثة: ما إذا كفن من بيت المال حيث يجب .. فلا يزاد على واحد في الأصح، وقد ذكره "الحاوي" (¬1)، وما إذا كفن من مال المسلمين عند فقد بيت المال، كما ذكره القاضي حسين والبغوي (¬2)، قال ابن الصلاح في "فتاويه": وكذا وقف الأكفان (¬3)، قال ابن سُراقة في "التلقين": والمحرم لا يزاد على إزار ورداء. ثالثها: قال شيخنا الإسنوي في "تصحيحه": الصواب: عدم استحباب تكفين الرجل في إزار ولفافتين، بل المشهور: أن الثلاثة تعم البدن، وقيل: الأول يكون من سرته إلى ركبته وهو المسمى بالإزار، والثاني من عنقه إلى كعبه، والثالث يَعُمُّهُ. انتهى (¬4). وهو اعتماد على ما في "الروضة" تبعاً لأصلها (¬5)، لكن الذي في "التنبيه" نقله النووي في "شرح المهذب" عن الشافعي والأصحاب من غير زيادة عليه ولا استدراك (¬6)، فالتعبير عن مقابله بـ (الصواب) مشكل. نعم؛ الصحيح: أنها لفائف تعم البدن، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬7). 975 - قول "المنهاج" [ص 150]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 203]: (ويجوز رابع وخامس) يقتضي تحريم الزيادة على الخمسة، وبه صرح ابن يونس في "شرح التنبيه"، وذكره النووي بحثاً (¬8)، لكن المشهور: الكراهة، فيحمل الجواز على المستوي الطرفين لا على مطلق الإباحة. 976 - قول "التنبيه" [ص 50]: (ويجب ذلك في ماله مقدماً على الدَّيْن والوصية) و"المنهاج" [ص 151]: (ومحله: أصل التركة) أي: وكذا سائر مؤن التجهيز، قال في "التصحيح": والصواب: أنه إذا تعلق بعين المال حقٌ؛ كالزكاة، والجاني، والمرهون، والمبيع إذا مات المشتري مفلساً .. قدم على كفنه وسائر مؤن تجهيزه. انتهى (¬9). قال شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" بعد أن عبر في ذلك بالأصح: وتعبيره في "التصحيح" ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 203). (¬2) انظر "التهذيب" (2/ 420). (¬3) فتاوى ابن الصلاح (1/ 259). (¬4) تذكرة النبيه (2/ 539). (¬5) الروضة (2/ 112، 113). (¬6) المجموع (5/ 159، 160). (¬7) الحاوي (ص 202)، المنهاج (ص 150). (¬8) انظر "المجموع" (5/ 159). (¬9) تصحيح التنبيه (1/ 180).

بالصواب ممنوع؛ ففي "الكفاية" في (الفرائض) وجه أنه يقدم حق الميت على المجني عليه والمرتهن. وأما الزكاة: فإن الديون مقدمة عليها في قولٍ مشهورٍ وإن كان الزكوي باقياً، وحق الميت يقدم على الديون، والمُقَدَّمُ على المُقَدَّمِ مُقَدَّمٌ. انتهى (¬1). وقد ذكر هذا الاستثناء "المنهاج" و"الحاوي" في (الفرائض) (¬2)، وسنذكر هناك ما أهملاه من الصور. 977 - قول "المنهاج" [ص 151]: (فإن لم تكن .. فعلى من عليه نفقته من قريبٍ وسيدٍ، وكذا الزوج في الأصح) يقتضي أنه إنما يجب على الزوج إذا لم يكن لها مال، وكذا مقتضى عبارة "المحرر" و"الشرح الصغير" (¬3)، لكن الذي في "الروضة" وأصلها: وجوبه على الزوج، فإن لم يكن له مال .. وجب في مالها، وعليه مشى "التنبيه" و"الحاوي" (¬4)، وقال في "شرح المهذب": قيد الغزالي وجوب الكفن على الزوج بشرط إعسار المرأة، وأنكروه عليه. انتهى (¬5). وقال في "التوشيح": القول بأنه يجب في مالها، فإن لم يكن .. فعليه، لم أره لأحد، وتوجيه كلامه أنه يقال: قوله: (وكذا الزوج) معطوف على قوله: (ومحله: أصل التركة) لا على ما بعده. انتهى. وفي حكم الزوجة خادمتها، كما ذكره الرافعي في "النفقات" (¬6)، ويستثنى من وجوب مؤنة التجهيز على الزوج: ما إذا ماتت ناشزة على الأظهر عند الروياني من احتمالين حكاهما عن والده، والثاني: الوجوب؛ لزوال النشوز بالموت (¬7). 978 - قول "التنبيه" [ص 50]: (وإن كان محرماً .. لم يقرب الطيب، ولا يلبس المخيط، ولا يخمر رأسه) هذان الحكمان الأخيران إنما هما في حق الرجل؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 151]: (ولا يلبس المحرم الذكر مخيطاً، ولا يستر رأسه ولا وجه المحرمة)، وتعبير "الحاوي" بقوله [ص 202]: (وبقّى أثر الإحرام) أعم وأخصر، وأيضاً: فقد يرد على عبارتهما أنه لو مات المحرم بعد التحلل الأول وقبل الثاني .. لم يمتنع شيء من ذلك مع كونه محرماً، ولا يرد ذلك على "الحاوي" لأن هذه الأمور من الآثار التي انقطعت بالتحلل الأول، ووقع في "المحرر": أن ¬

_ (¬1) تذكرة النبيه (2/ 538). (¬2) الحاوي (ص 410)، المنهاج (ص 337). (¬3) المحرر (ص 83). (¬4) التنبيه (ص 50)، الحاوي (ص 203)، الروضة (2/ 111). (¬5) المجموع (5/ 146)، وانظر "الوسيط" (2/ 371). (¬6) انظر "فتح العزيز" (10/ 10). (¬7) انظر "بحر المذهب" (3/ 329).

المحرمة أيضاً لا تلبس المخيط (¬1)، وهو وهم. 979 - قول "المنهاج" [ص 151]: (وحمل الجنازة بين العمودين أفضل من التربيع في الأصح) عبر في "الروضة" بالصحيح (¬2)، وفي "التنبيه" [ص 52]: (الأفضل: أن يجمع في حمل الجنازة بين التربيع والحمل بين العمودين، فإن أراد أحدهما .. فالحمل بين العمودين أفضل) ومراده بالجمع بينهما: أن يحمل على هذه الهيئة تارة وعلى هذه الهيئة أخرى، وحكاه في "الروضة" وأصلها عن بعض الأصحاب (¬3). 980 - قولهم: (والمشي أمامها) (¬4) هو المشهور مطلقاً، وفي "شرح المسند" للرافعي: أنه يستحب أن يكون خلفها إن كان راكباً، وهو خلاف مذهب الشافعي، تبع فيه الخطابي. 981 - قولهما: (بقربها) (¬5) أهمله "الحاوي"، وهو من زيادة "المنهاج" على "المحرر"، وتناول كلامهم النساء مع أنه يكره لهنّ تشييع الجنازة إن لم يتضمن محرماً. 982 - قول "التنبيه" [ص 52، و"الحاوي" [ص 203]: (والإسراع بها)، قال "المنهاج" [ص 151]: (إن لم يخف تغيره). 983 - قول "الحاوي" [ص 203]: (والمكث إلى المواراة أولى) مبني على حصول القيراط الثاني بذلك، وهو الذي اختاره الإمام (¬6)، لكن المختار في "الروضة" والصحيح في "شرح المهذب": أنه لا يحصل إلا بالفراغ (¬7). * * * ¬

_ (¬1) المحرر (ص 83). (¬2) الروضة (2/ 115). (¬3) الروضة (2/ 115). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 52)، و"الحاوي" (ص 203)، و"المنهاج" (ص 151). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 52)، و"المنهاج" (ص 151). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (3/ 32). (¬7) الروضة (2/ 137)، المجموع (5/ 232).

باب الصلاة على الميت

باب الصّلاة على الميّت 984 - قول "المنهاج" [ص 152]: (ولا يجب تعيين الميت) استثنى منه ابن عجيل اليمني: الغائب، فقال: إنه لا بد في الصلاة عليه من تعيينه بالقلب، وعُزِيَ إلى "البسيط" أيضاً. 985 - قوله: (فإن عين وأخطأ .. بطلت) (¬1)، قال في "الروضة": هذا إذا لم يشر إلى المعين، فإن أشار .. صح في الأصح (¬2). 986 - قول "التنبيه" [ص 51]: (ويكبر أربع تكبيرات) قد يفهم البطلان بزيادة خامسة، وليس كذلك، كما ذكره "الحاوي" و"المنهاج" (¬3)، لكن أطلق محل الخلاف في قوله: (فإن خمس .. لم تبطل في الأصح) (¬4)، ومحله: مع العمد، فأما مع السهو .. فلا تبطل قطعاً، ومقتضى كلامهم: أن الخلاف لا يجري في السادسة وما بعدها، لكن أجراه الجيلي، وهو مقتضى تعليل الفوراني والإمام والغزالي الصحة: بأن التكبير ركن، وزيادة الركن لا تضر (¬5)، قال في "المهمات": هذا التعليل يقتضي أنه لا فرق بين الخامسة، وما زاد عليها. انتهى. 987 - قوله: (ولو خمّس إمامه .. لم يتابعه في الأصح) (¬6) عبر في "الروضة" بالأظهر، وتبع أصله في الموضعين (¬7)، ورجح في "شرح المهذب": طريقة القطع، وعزاها لكثيرين أو الأكثرين (¬8)، وقال في "المهمات": ليس هذا الخلاف في التحريم؛ لأن التفريع على جواز الزيادة، ويحتمل أن يكون في الوجوب لأجل المتابعة، وهو الظاهر، ويحتمل أن يكون في الاستحباب. انتهى. وقال السبكي: لعل الخلاف في الأولوية، وقال لي شيخنا الإمام البلقيني: عندي: أن الخلاف في الجواز؛ أي: هل تجوز متابعته أم لا؟ فقلت له: كيف يتجه تصحيح منعه من المتابعة، مع أن الصحيح: جواز زيادتها للإمام والمنفرد؟ فكيف تكون زيادتها جائزة للإمام ولا تجوز متابعته فيها؟ وليس هذا كزيادة ركعة خامسة؛ لأن تلك لا يجوز له زيادتها، فقال: ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 152). (¬2) الروضة (2/ 124). (¬3) الحاوي (ص 204)، المنهاج (ص 152). (¬4) المنهاج (ص 152). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (3/ 55)، و"الوسيط" (2/ 383). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 152). (¬7) الروضة (2/ 124). (¬8) المجموع (5/ 185).

الخلاف في المتأول؛ أي: إذا كان اعتقاد الإمام مشروعية خمس تكبيرات، والمأموم لا يعتقد ذلك، فجواز متابعته مبني على أن العبرة بنية المقتدي أو الإمام، إن قلنا بنية الإمام .. جازت متابعته، أو بنية المقتدي وهو الأصح .. لم تجز متابعته، وأخرج إليَّ التصريح ببناء الوجهين على هذا الأصل، وتصوير المسألة بما تقدم من "النهاية" لإمام الحرمين (¬1)، فقلت لشيخنا: إذا كان كذلك .. فينبغي القطع بالصحة؛ لأن اعتقاد المأموم موافق لاعتقاد الإمام في زيادة الخامسة، فتوقف في الجواب، فقلت: كأنَّ الإمام يرى مشروعية الخامسة، والمأموم يرى أنها غير مبطلة لا مشروعة، فاختلف اعتقاداهما من هذه الجهة، فأقره، وفيه نظر، وذكر شيخنا أيضاً: أن القطع محمول على ما إذا زاد الإمام تكبيرة خامسة متعمداً عابثاً معتقداً عدم جوازها، والخلاف في المتأول المعتقد عدم جوازها، فلم يجعل ذلك خلافاً، بل جعل موضع القطع غير موضع الخلاف، والله أعلم. 988 - قوله: (بل يسلم أو يننظره ليسلم معه) (¬2) وفي "الروضة" تبعاً لأصله خلاف في جواز الانتظار (¬3)، وفي كلام الإمام ما يقتضي أنا إذا قلنا: لا تبطل بالتخميس .. انتظره، وكذا إن قلنا بالبطلان وكان الإمام نواه ويراه وجوزنا الاقتداء بالمخالف، فإن منعناه .. وجب البدار بالسلام (¬4)، قال السبكي: وهذا البناء متعين، وقال في "المهمات": الخلاف في أنه يسلم أو ينتظر في الاستحباب، كما ذكره غير واحد منهم الغزالي في "الوسيط" (¬5). 989 - قول "الحاوي" [ص 204]: ("والفاتحة" بعد الأولى)، قال في "المنهاج" [ص 152]: (تجزئ "الفاتحة" بعد غير الأولى) ومقتضى إطلاقه: إجزاؤها بعد الثالثة والرابعة، وكذا في "شرح المهذب" (¬6)، لكن الذي في الرافعي: حكى الروياني وغيره عن نصه أنه لو أخر قراءتها إلى التكبيرة الثانية .. جاز. انتهى (¬7). وتبعه في "الروضة" (¬8)، وصحح النووي في "التبيان": تعين الأولى لقراءتها (¬9)، وقول "التنبيه" [ص 51]: (يقرأ في الأولى "الفاتحة") يقتضي تعيينها لذلك، لكن قوله بعد ذلك: ¬

_ (¬1) نهاية المطلب (3/ 61). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 152). (¬3) الروضة (2/ 124). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (3/ 61). (¬5) الوسيط (2/ 384). (¬6) المجموع (5/ 199). (¬7) فتح العزيز (2/ 435)، وانظر "بحر المذهب" (3/ 362). (¬8) الروضة (2/ 152). (¬9) التبيان في آداب حملة القرآن (ص 64).

(والواجب من ذلك: النية والتكبيرات وقراءة "الفاتحة") (¬1) قد يفهم أنه لا يتعين لها محل؛ فإنه لم يعين لها محلاً عند عدّ الواجبات، فدل على أن المحل المذكور أولاً إنما هو على طريق الاستحباب، وقد يقال: اكتفى بتعيين محلها أولاً عن إعادته ثانياً، وذكر في "شرح المهذب" أن الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم تجب أن تكون عقب الثانية، قال: ولا يجزئ الدعاء في غير الثالثة بلا خلاف. انتهى (¬2). وهو مقتضى عبارتهم، قال في "المهمات": ومقتضاه: أنه يجوز الجمع في الثانية بين القراءة والصلاة، وفي الثالثة بين القراءة والدعاء، وحاصله: جواز إخلاء الأولى عن ذكر، وترك الترتيب، والجمع بين ركنين في تكبيرة واحدة، وقال ابن الرفعة: قياس جواز تأخير القراءة للثانية: أنه إذا فعله .. تعين تأخير الصلاة للثالثة والدعاء للرابعة إن كان الترتيب بين هذه الأركان شرطاً. 990 - قول "التنبيه" [ص 51]: (والواجب من ذلك ... إلى آخره) لم يذكر القيام للقادر، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬3)، وأورد في "الكفاية" مع ذلك: كون الصلاة بعد الغسل على الأصح، وطهارة الحدث والخبث، وستر العورة، واستقبال القبلة، وهذه ليست أركانا، وإنما هي شروط، وتركها إحالة على ما قدم في الصلاة؛ لأنها صلاة، وذكرها "المنهاج" بقوله [ص 153]: (وتشترط شروط الصلاة). 991 - قول "التنبيه" [ص 51]: (وفي الثالثة يدعو للميت، فيقول: اللهم؛ هذا عبدك وابن عبديك ... إلى آخره) هذا خاص بالبالغ، أما الطفل: ففيه غير ذلك، وقد أوضحه "المنهاج" (¬4)، ثم التعبير بالعبد محله في الذكر، فإن كان أنثى .. عبر بالأمة كما في زوائد "الروضة" (¬5)، لكن ابن حزم ذكر أن لفظ العبد يعمهما لغة (¬6)، والمتجه في "المهمات": التعبير في الخنثى بالمملوك ونحوه، قال: والقياس: أن يقول في ولد الزنا: وابن أمتك. 992 - قول "الحاوي" [ص 205]: (وتبطل بتخلف تكبير) أي: بغير عذر، وقد أوضحه "المنهاج" بقوله [ص 153]: (ولو تخلف المقتدي بلا عذر فلم يكبر حتى كبر إمامه أخرى .. بطلت صلاته)، وهذا مراد "الحاوي"، إلا أنه اختصر ذلك بإجحاف، فلو لم يكبر الرابعة حتى سلم ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 51). (¬2) المجموع (5/ 191، 192). (¬3) الحاوي (ص 204)، المنهاج (ص 152). (¬4) المنهاج (ص 153). (¬5) الروضة (2/ 126). (¬6) انظر "الإحكام في أصول الأحكام" (7/ 440).

الإمام .. ففي بطلانها احتمال في "المهمات" لعدم وجوب الذكر فيها، فليست كركعة بخلاف ما قبلها. 993 - قول "المنهاج" - والعبارة له - و"الحاوي": (وإن كبّرها وهو في "الفاتحة" .. تركها وتابعه في الأصح) (¬1) أي: في التكبير، لكن هل يتم الفاتحة بعد التكبيرة الثانية مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فيه احتمالان لابن الصباغ، أصحهما: الثاني؛ لأن قراءته صارت منحصرة فيما قبل الثانية لإدراكه قراءة الإمام فيها، قال السبكي: وفيه نظر على قولنا: إن (الفاتحة) لا يتعين لها الأولى. انتهى. ونازع في "المهمات" في وجود هذين الاحتمالين في كلام ابن الصباغ، وردَّ ذلك إلى أنه توجيه للخلاف في أنه هل يتابعه في التكبير أم لا؟ قال: وكيف يتصور أن نوجب في أثناء الفاتحة ركناً، بل شيئاً قائماً مقام ركعة ولا يكون قاطعاً للموالاة فيها؟ وقد صرح الماوردي وغيره بأنا إذا أمرنا المأموم بالتكبير .. سقط عنه بقية (الفاتحة). انتهى (¬2). 994 - قول "التنبيه" في المسبوق [ص 51]: (فإذا سلم الإمام .. كبر ما بقي متوالياً) الأصح: أنه يأتي بالتكبيرات بأذكارها، وقد ذكره "المنهاج" (¬3)، وقوله: (وقيل: لا تشترط الأذكار) (¬4) يقتضي أن الخلاف وجهان، لكن في "الروضة" قولان (¬5). 995 - قول "المنهاج" [ص 153]: (ويسقط فرضها بواحد وقيل: يجب اثنان، وقيل: ثلاثة، وقيل: أربعة) يقتضي أنها أوجه، لكن الذي في "الروضة" قولان ووجهان، فالوجهان: اثنان وأربعة، والقولان: ثلاثة وواحد (¬6). 996 - قوله: (ولا يسقط بالنساء وهناك رجالٌ في الأصح) (¬7) لو كان هناك رجل واحد .. لم يسقط الفرض بالنساء أيضاً، فقول "الحاوي" [ص 205]: (ومع الرجل لا يُكْتفى بالنساء) أحسن، وعبر في "الروضة" بالصحيح (¬8). 997 - قول "التنبيه" [ص 51]: (فإن كان الميت غائباً عن البلد .. صُلِّيَ عليه بالنية) شرطه: ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 205)، المنهاج (ص 153). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (3/ 59). (¬3) المنهاج (ص 153). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 153). (¬5) الروضة (2/ 128). (¬6) الروضة (2/ 129). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 153). (¬8) الروضة (2/ 129).

أن يكون المصلى عليه من أهل الصلاة عليه عند الموت، كما في الصلاة على القبر، وقد أحسن "الحاوي" بجمعه بين المسألتين، واشتراطه ذلك فيهما، فقال [ص 205]: (وصلّى على الغائب والمدفون - لا إن كان في البلد - والرسول، من تميّز يوم موته)، وعبارة "المنهاج" محتملة لذلك؛ حيث قال بعد المسألتين: (والأصح: تخصيص الصحة بمن كان من أهل فرضها وقت الموت) (¬1)، فيحتمل عوده لهما، ويحتمل عوده للثانية منهما، وهي الصلاة على القبر. 998 - قول "التنبيه" [ص 51]: (ومن فاته جميع الصلاة .. صلى على القبر أبداً، وقيل: يصلي عليه من كان من أهل الصلاة عليه عند الموت) فيه أمور: أحدها: محله في غير الرسول صلى الله عليه وسلم، أما الرسول .. فلا يصلى على قبره بحال، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). ثانيها: الأصح: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬3). ثالثها: قوله: (من أهل الصلاة) يحتمل أن يكون المراد: من أهل فرضها، وعليه مشى "المنهاج" تبعاً لـ"المحرر" (¬4)، ويحتمل أن يكون المراد: من أهل صحتها؛ ليدخل المميز، وعليه مشى "الحاوي" تبعا لـ"الشرح الصغير" (¬5)، وفي "الروضة" تبعاً لأصله: الأولى أشهر، والثانية أصح عند الروياني (¬6)، وحكى في "شرح المهذب" الأولى عن الجمهور، فعلى الأولى يعتبر كونه عند موته بالغاً، وعلى الثانية يكفي التمييز (¬7). رابعها: قال في "المهمات": اعتبار الموت يقتضي أنه لو بلغ أو أفاق بعد الموت وقبل الغسل .. لم يعتبر ذلك، والصواب: خلافه؛ لأنه لو لم يكن هناك غيره .. لكان يلزمه الصلاة بالاتفاق، وكذا لو كان هناك غيره فترك الجميع .. فإنهم يأثمون، بل لو زال المانع بعد الغسل والصلاة وأدرك زمناً يمكن فيه فعل الصلاة .. لكان كذلك أيضاً. انتهى. 999 - قول "المنهاج" [ص 154]: (فرع) لم يظهر تعبيره بالفرع هنا؛ لأن الكلام في أربعة أطراف؛ كيفية الصلاة، ومن يصلِّي، ومن يُصَلَّى عليه، والشرائط، فالكلام فيمن يصلِّي أحد الأطراف المقصودة، وليس فرعاً لغيره. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 153). (¬2) الحاوي (ص 205)، المنهاج (ص 153). (¬3) الحاوي (ص 205)، المنهاج (ص 153). (¬4) المحرر" ص 86)، المنهاج (ص 153). (¬5) الحاوي (ص 204). (¬6) الروضة (2/ 130)، وانظر "بحر المذهب" (3/ 367، 368). (¬7) المجموع (5/ 203 , 204).

1000 - قولهما - والعبارة لـ"المنهاج": (الجديد: أن الولي أولى بإمامتها من الوالي) (¬1) المراد بالولي: القريب؛ ولذلك عبر"التنبيه" بـ (المناسب)، ومحل الخلاف: إذا لم يخف من الوالي فتنة، فإن خيف .. قدم قطعاً، كما أفهمه كلام "البيان" (¬2)، نبه عليه صاحب "المعين"، وهذا إن صح وارد أيضاً على جزم "الحاوي" بتقديم الأب ... إلى آخره (¬3). 1001 - قول "الحاوي" [ص 204]: (الأب، ثم أبوه) أحسن من قولهما: (ثم الجد) (¬4) لإيهامه تناول الجد أب الأم وإن كان تعبير "التنبيه" بترتيب العصبات، و"المنهاج" بترتيب الإرث يخرجه، فليس أبو الأم عصبة ولا وارثاً. 1002 - قول "المنهاج" [ص 154]: (والأظهر: تقديم الأخ للأبوين على الاخ للأب) الأصح: القطع به، فكان ينبغي التعبير بالمذهب. 1003 - قول "التنبيه" [ص 51]: (ثم ابن ابنه على ترتيب العصبات) فيه أمور: أحدها: كان ينبغي أن يقول كـ "المنهاج" [ص 154]: (ثم العصبة على ترتيب الأرث)، أو كـ "الحاوي" [ص 204]: (ثم العصبات بترتبب الولابة) ليعم جميعهم، فإنه لم يأت بلفظ يعمهم. ثانيها: قد يفهم من اقتصاره على ذلك أن ذوي الأرحام كالأجانب، وليس كذلك، ولذلك ذكرهم "المنهاج" و"الحاوي" (¬5). ثالثها: أورد عليه: أنه إن أراد: مجرد الترتيب .. لزم تقديم العبد القريب على الحر البعيد، والأصح: عكسه، وقد ذكره "المنهاج" (¬6)، وهو ظاهر إطلاق "الحاوي" تقديم الحر على الرقيق (¬7)، وإن أراد: بوصف الإرث .. لزم إلحاق الرقيق القريب بالحر الأجنبي، قال النشائي: ولا خلاف فيما رأيته في تقديم القريب، وإن اقتضى كلام الماوردي خلافه (¬8). 1004 - قول "التنبيه" [ص 51]: (فإن استوى اثنان في الدرجة .. قدم أسنهما) أي: إن كان عدلاً لا فاسقاً ومبتدعاً، كما ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬9)، والمعتبر: السن الحاصل في الإسلام، كما في إمامة الصلاة. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 51)، و"المنهاج" (ص 154). (¬2) البيان (3/ 57). (¬3) الحاوي (ص 204). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 51)، و"المنهاج" (ص 154). (¬5) الحاوي (ص 204)، المنهاج (ص 154). (¬6) المنهاج (ص 154). (¬7) الحاوي (ص 204). (¬8) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 46)، و"الحاوي الكبير" (3/ 45، 46). (¬9) الحاوي (ص 204)، المنهاج (ص 154).

1005 - قول "التنبيه" [ص 51]: (فإن استويا في ذلك .. أقرع بينهما)، قال في "التصحيح": والصواب: أنهما إذا استويا في السن المعتبر .. قدم الأفقه، والأقرأ، والأورع على الإقراع. انتهى (¬1). ومقتضاه: أنه لا يقدم هنا بنظافة الثوب والبدن، وحسن الوجه، وطيب الصنعة، والصوت ونحوها، وفي "شرح المهذب" التقديم بها، فقال: فإن اجتمع رجال أحرار .. قدم أحقهم بالإمامة في سائر الصلوات، على ما سبق تفصيله في بابه، فإن استويا .. أقرع. انتهى (¬2). وفي "الحاوي" بعد تقديم الأسن على الأفقه [ص 204]: (ثم بالقرعة أو التراضي)، وهو مشعر بتقديم الأفقه على الإقراع، ولم يتعرض لبقية الصفات، ولم يذكر "المنهاج" الإقراع، وعبارة "الروضة": ولو استووا في كل شيء؛ فإن رضوا بتقديم واحد، وإلا .. أقرع (¬3). 1006 - قول "الحاوي" [ص 204]: (ويقف الإمام عند الرأس وعجيزة المرأة) يقتضي وقوفه عند رأس الخنثى، وليس كذلك، بل إنما يقف عند عجيزته أيضاً، كما في "شرح المهذب" (¬4)، فتعبير "التنبيه" و"المنهاج" بالوقوف عند رأس الرجل أولى (¬5)؛ لأن غايته أن يكون الخنثى مسكوتاً عنه، والمفهومان فمِه متعارضان، بخلاف إطلاق "الحاوي" أن الوقوف عند الرأس، ثم أخرج من ذلك المرأة فقط. 1007 - قول "المنهاج" [ص 154]: (وتجوز على الجنائز صلاة) و"الحاوي" [ص 204]: (وتكفى واحدةٌ لجنائز) يفهم أن الأفضل إفراد كل جنازة بصلاة، وهو كذلك. 1008 - قول "التنبيه" [ص 51]: (وإن اجتمع جنائز .. قدم إلى الإمام أفضلهم) محله: عند حضور الجنائز معاً، فإن سبق بعضها .. قدم السابق بشرط اتحاد نوعه مع المتأخر بأن كانوا رجالاً أو نساءً أو صبياناً. نعم؛ الأصح: أن الصبي يقدم على الرجل بالسبق مع اختلاف النوع، وقد أشار لذلك "الحاوي" بقوله [ص 204]: (وليقرب من الإمام الرجل ثم الطفل ثم الخنثى ثم المرأة ثم بالقرعة أو التراضي والورع ونحوه، ولا يُنحّى السابق سوى المرأة للرجل) انتهى. ويرد عليه: ما لو كان الكل خناثى .. فلا يقدم واحد على آخر؛ لجواز كون المقدم امرأة والمؤخر رجلاً، بل يُصفون صفاً واحداً. ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (1/ 181). (¬2) المجموع (5/ 176). (¬3) الروضة (2/ 123). (¬4) المجموع (5/ 180). (¬5) التنبيه (ص 51)، المنهاج (ص 154).

1009 - قول "الحاوي" [ص 204]: (وغُسِّل العضو) فيه أمور: أحدها: كذا عبر "المنهاج" بالعضو أيضاً (¬1)، وهو مخرج للشعر والظفر، وبه قال الأكثرون كما في "شرح المهذب" (¬2)، لكن الأقرب إلى إطلاق الأكثرين، كما في "الشرحين" و"الروضة" أنهما كذلك (¬3)، لكن قال صاحب "العدة": ظاهر المذهب: أنه لا يصلى على الشعرة الواحدة. وقول "التنبيه" [ص 51]: (ومتى وجد بعض الميت) يتناول الظفر والشعر ولو شعرة واحدة. ثانيها: شرطه: أن يكون من ميت، فلو عُلم حياة صاحبه، أو جهل .. فلا؛ ولذلك عبر "التنبيه" بالميت (¬4)، و"المنهاج" بقوله [ص 154]: (عُلم موته). ثالثها: يشترط أيضاً: أن يكون من مسلم، كما صرح به "المنهاج" (¬5)، فلو عُلم كونه من كافر .. فلا، ولو جُهل حاله في الإسلام والكفر: فإن كان بدارنا .. صُلِّيَ عليه، وإلا .. فلا، ولم يذكر "التنبيه" أيضاً اشتراط كونه من مسلم. رابعها: اقتصر "الحاوي" على ذكر غسل العضو، و"المنهاج" على الصلاة عليه؛ أي: على جملة الميت، لا على ذلك العضو وحده، فهي في الحقيقة صلاة على غائب، وذكر "التنبيه" الأمرين والتكفين أيضاً، وحمل في "المهمات" التكفين على ما إذا كان العضو من العورة بناء على الأصح: أن الواجب في الكفن ستر العورة فقط، ونقل عن الماوردي بناء المسألة على الخلاف في ذلك (¬6). 1010 - قوله: (ويغسل السقط الذي نُفخ فيه الروح ولم يستهل، وبكفن، ولا يصلى عليه) (¬7) فيه أمور: أحدها: مفهومه أنه إذا استهل - أي: صرخ - .. صُلِّيَ عليه، وفي معناه: ما إذا بكى، وقد صرح به "المنهاج" (¬8). ثانيها: أورد عليه في "الكفاية": أنه يُفهم أن ظهور أمارة الحياة؛ كاختلاج ونحوه ليس ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 154). (¬2) المجموع (5/ 208). (¬3) فتح العزيز (2/ 418)، الروضة (2/ 117). (¬4) التنبيه (ص 51). (¬5) المنهاج (ص 154). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (3/ 32). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 52). (¬8) المنهاج (ص 154).

كالاستهلال، وليس كذلك في الأظهر، وقد صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، وصحح في "شرح المهذب": طريقة القطع به (¬2). ثالثها: عبر "المنهاج" و"الحاوي" بدل (نفخ الروح) بـ (بلوغه أربعة أشهر) (¬3)، وقال في "الكفاية": إنه أحسن؛ لأنه قد لا ينفخ فيه الروح حينئذ لأمر أراده الله تعالى. انتهى. ولو عبر "التنبيه" بـ (زمن نفخ الروح) .. لساواهما في التعبير؛ لأن زمن ذلك بمقتضى العادة هو أربعة أشهر، أما نفس النفخ .. فلا يتحقق، وقد يتخلف لعارض، لكن قد يمنع تخلفه عن الأربعة لإخبار الصادق بوقوعه، ويقال: الخفي إنما هو ظهور أثره. رابعها: القطع بعدم الصلاة عليه في هذه الصورة طريقة في "الكفاية"، لكن الذي في "الروضة" وأصلها: أن في الصلاة قولين (¬4) وعليه مشى "المنهاج"، وعبر بالأظهر (¬5)، ولو عبر بـ (الجديد) .. لكان أولى. 1011 - قولهم - والعبارة لـ"التنبيه" -: (ومن مات من المسلمين في حرب الكفار بسبب من أسباب قتالهم قبل انقضاء الحرب .. لم يغسل ولم يصلَّ عليه) (¬6) فيه أمران: أحدهما: كذلك من شك أنه مات بسبب القتال، أو بغيره؛ بأن وجد قتيلاً بين الصفين ولا أثر عليه. ثانيهما: وكذا لو مات بعد انقضائه إن لم يبق فيه قبل انقضائه حياة مستقرة. 1012 - قول "التنبيه" [ص 51، 52]: (ومن مات في حرب أهل البغي من أهل العدل .. غُسّل وصُلّي عليه في أصح القولين) أحسن من قول "المنهاج" [ص 155]: (في قتال البُغاة) فإنه قد يتناول ما إذا كان المقتول من أهل البغي مع أنه ليس بشهيد قطعاً. 1013 - قول "المنهاج" [ص 155]: (وأنه تُزَال نجاسته غير الدم) أي: غير دم الشهادة؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 204]: (وتزال نجاسة، لا بسبب الشهادة) لكن قد تتناول عبارته غائطاً نشأ خروجه عن القتل، والظاهر: إزالته، وأن الذي لا يُزال هو الدم خاصة؛ لأنه الذي ورد فيه الفضل، وهو الذي يوجد غالباً، وبه عبر المصنفون. 1014 - قول "المنهاج" [ص 155]: (ويكفن في ثيابه الملطخة بالدم) أي: غير ثياب القتال؛ ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 204)، المنهاج (ص 154). (¬2) المجموع (5/ 210). (¬3) الحاوي (ص 204)، المنهاج (ص 154). (¬4) الروضة (2/ 117). (¬5) المنهاج (ص 154). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 51)، و"الحاوي" (ص 203)، و"المنهاج" (ص 154).

فإنها تنزع، كما صرح به "التنبيه" و"الحاوي" (¬1)، ثم إن هذا مستحب، فلو أراد الوارث نزع ما عليه من الثياب وتكفينه في غيرها .. جاز. 1015 - قول "الحاوي" [ص 203]: (ثم يُصَلّى) يفهم أن شرط صحة الصلاة: تقدم الغسل، وهو كذلك، وتقدم التكفين، وليس كذلك، فسيأتي في "المنهاج" جواز الصلاة عليه قبل التكفين مع الكراهة (¬2). * * * ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 51)، الحاوي (ص 204). (¬2) المنهاج (ص 157).

باب الدفن

بابُ الدّفن 1016 - قول "التنبيه" [ص 52]: (ثم يدفن)، قال في "الكفاية": أفهم به بعد قوله: (وأن يكون الناس أمامها) أن ذلك مختص بما بعد الصلاة، ومفهوم كلامهم - وبه صرح القاضي أبو الطيب - التسوية، وفيما ذكره من إفهام كلام "التنبيه" ذلك نظر. 1017 - قول "الحاوي" [ص 205]: (وأقله: ما يكتم رائحته ويحرسه) قد يفهم الاكتفاء بوضعه على وجه الأرض مع وضع أحجار كثيرة ونحوها كاتمة للرائحة حارسة من السباع، لكن في "المهمات": الراجح على ما دل عليه كلام "الروضة" في السرقة: أنه لا يكفي إذا لم يتعذر الحفر؛ فإنه بعد أن نقل عن "فتاوى البغوي": أنه كالدفن حتى يجب القطع بسرقة الكفن، قال: ينبغي أن لا يقطع إلا أن يتعذر الحفر؛ لأنه ليس بدفن (¬1)، وعن ذلك احترز "المنهاج" بقوله: (حفرة)، فقال: (أقل القبر: حفرة تمنع الرائحة والسبع) (¬2)، قال الرافعي: والغرض من ذكرهما إن كانا متلازمين: بيان فائدة الدفن، وإلا .. فبيان وجوب رعايتهما، فلا يكفي أحدهما. انتهى (¬3). قلت: ليسا متلازمين؛ فالفَسَاقي المُعَدَّة لجمع الموتى لا تكتم الرائحة، مع كونها تمنع السبع، ومن ذلك يستفاد أنه لا يُكتفى بها في الدفن، وقد قال السبكي في الاكتفاء بها في الدفن: الواجب: نظرٌ من وجهين، أحدهما: أنها ليست على الدفن المعهود من الشرع، والثاني: أنها ليست مُعَدّة لكتم الرائحة، وقال السبكي أيضاً: قد أطلقوا تحريم إدخال ميت على ميت؛ لما فيه من هتك الأول وظهور رائحته، فيجب إنكار ذلك. انتهى. 1018 - وقول "التنبيه" [ص 52]: (ويعمق القبر قدر قامةٍ وبسطةٍ) بيان للأكمل، كما صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، والمراد: قامة رجل معتدل وبسط يده مرفوعة، وهو ثلاثة أذرع ونصف، كما قاله الرافعي (¬5)، وصوّب النووي: أنه أربعة أذرع ونصف، وحكاه عن الجمهور (¬6)، قال السبكي: وفيه نظر إذا نظرنا لقامة الناس اليوم وللذراع المعروف. 1019 - قول "الحاوي" [ص 205]: (واللحد أولى) أي: إن كانت الأرض صلبة، كما صرح ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 153). (¬2) المنهاج (ص 155). (¬3) انظر "فتح العزيز" (2/ 447). (¬4) الحاوي (ص 205)، المنهاج (ص 155). (¬5) انظر "فتح العزيز" (2/ 447). (¬6) انظر "المجموع" (5/ 246).

به "التنبيه" و"المنهاج" (¬1)، فإن كانت رخوة .. فالشق أولى. 1020 - قول "التنبيه" [ص 52]: (والأولى: أن يتولى ذلك من يتولَّى غسله) يتناول المرأة، ويقتضي أن النساء أحق بدفنها من الرجال، وليس كذلك، فالأولى: أن يتولى دفن الميتة الرجال، وعبر عنه النووي في "تصحيحه" بالصواب (¬2)، لكن في "الروضة" خلاف في نساء القرابة مع الرجال الأجانب (¬3)، وأحسن "المنهاج" في قوله [ص 155]: (وأولاهم: الأحق بالصلاة عليه. قلت: إلا أن تكون امرأة مزوجة فأولاهم الزوج) انتهى. ومع ذلك فيستثنى من عبارته: الأفقه؛ فإنه مقدم على الأسن هنا عكس المصحح في الصلاة، والمراد بالأفقه: الأعلم بإدخال الميت القبر، لا بأحكام الشرع، قاله الماوردي (¬4)، وفصل "الحاوي" ذلك بقوله [ص 205]: (ويضجع الرجل ولو امرأة الزوج ثم المحرم ثم عبدها ثم الخصي ثم العصبة ثم ذو الرحم ثم الأجانب). 1021 - قولهما: (وأن يكون عددهم وتراً) (¬5) أعم من قول "الحاوي" [ص 205): (وإن عجز واحد .. فثلاثة). 1022 - قولهما: (ويضجع على جنبه الأيمن مستقبل القبلة) (¬6) قد يفهم استواءهما في الحكم، مع أن استقبال القبلة واجب، فيُنبَش إن وضع مستديراً أو مستلقياً ليستقبل به، وكونه على الأيمن سنة، فلو وضع على الأيسر .. جاز، لكن في "النهاية": أنه حتم أيضاً (¬7)، وصوبه في "المهمات"، ثم الاستقبال إنما هو في الميت المسلم المنفصل عن الأم، أما الجنين: فإن كان محكوماً بإسلامه والأم كذلك، فإذا جعل وجهها للقبلة .. كان وجهه مستدبرها؛ لما ذكر أن وجهه لظهرها، وإن كانت كافرة .. جُعل ظهرها إلى القبلة؛ ليتوجه الجنين إلى القبلة لما ذكرناه. 1023 - قول "المنهاج" [ص 155]: (ويحثو من دنا ثلاث حثيات تراب) كذا عبارة "الحاوي" إلا أنه لم يصرح بكون الحثيات ثلاثاً (¬8)، وعبارة "الروضة" وأصلها: كل من دنا (¬9)، وقال في "الكفاية": إنه يستحب ذلك لكل من حضر الدفن، وهو شامل للبعيد أيضاً، وهو ظاهر. ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 52)، المنهاج (ص 155). (¬2) تصحيح التنبيه (1/ 185) (¬3) الروضة (2/ 133) (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (3/ 60). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 52)، و"المنهاج" (155). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 52)، و"المنهاج" (155). (¬7) نهاية المطلب (3/ 36). (¬8) الحاوي (ص 205). (¬9) الروضة (2/ 136).

1024 - قول "التنبيه" [ص 52]: (ويُحثى عليه) فأتى به مبنيا للمفعول، وينبغي أن يكون ذلك بيديه، كما صرح به الرافعي والنووي (¬1). 1025 - قول "التنبيه" [ص 52]: (وبوضع تحت رأسه لبنة) كذلك التراب المجموع. 1026 - قولهم: (وبرفع القبر عن الأرض قدر شبر) (¬2) استثنى في "التتمة": قبر المسلم ببلاد الكفار، فيخفى صيانةً عنهم، حكاه عنه في "الروضة"، وأقره (¬3)، وعبر عنه شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" بالصواب (¬4). قال بعضهم: ومثله: ما إذا خيف نبشه لسرقة كفنه. قلت: أو لعداوة ونحوها. 1027 - قول "التنبيه" [ص 52] (ولا يدفن اثنان في قبر إلا لضرورة) لم يبين هل هو حرام أو مكروه؟ وكذا في بعض نسخ "المنهاج" (¬5)، وفي بعضها: التصريح بالتحريم، وعبارة "الروضة" تبعاً لأصلها: المستحب في حال الاختيار: أن يدفن كل ميت في قبر، ولا يجمع بين الرجال والنساء إلا لتأكد الضرورة (¬6)، قال السبكي: والذي تحرر أنها ثلاث مسائل: إحداها: دفن اثنين من نوع واحد؛ كرجلين في الابتداء .. فيجوز، ولكن يكره، وممن صرح بالكراهة الماوردي في "الإقناع" (¬7)، وعبارة الشافعي وكثير من الأصحاب: لا يستحب، وعن السرخسي: لا يجوز، وتبعه النووي في "شرح المهذب"، والأصح: ما قلناه من الاقتصار على الكراهة، أو نفي الاستحباب، فإن حصلت حاجةٌ .. زالت الكراهة، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد (¬8). الثانية: أن يكونا من نوعين لا محرمية بينهما ولا زوجية؛ كرجل وامرأة أجنبية في الابتداء أيضاً، فالذي يظهر التحريم، وهو مقتضى كلام الفوراني، ودليله ظاهر كما في الحياة. الثالثة: أن يقع ذلك في الدوام؛ كإدخال ميت على ميت، فلا يجوز بحال حتى يبلى الأول لحماً وعظماً، فلو حفره فوجد فيه عظام ميت .. أعاد القبر ولم يتمم حفره، ولو فرغ من الحفر فظهر فيه شيء من العظام .. لم يمنع أن يُجعل في جنب القبر ويدفن الثاني معه، نقلوه عن ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (2/ 451)، و"المجموع" (5/ 253)، و"الروضة" (2/ 136). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 52)، و"الحاوي" (ص 205)، و"المنهاج" (ص 155). (¬3) الروضة (2/ 136). (¬4) تذكرة النبيه (2/ 542). (¬5) المنهاج (ص 155). (¬6) الروضة (2/ 138). (¬7) الإقناع (ص 60). (¬8) المجموع (5/ 242)، وانظر "الأم" (1/ 277).

نصه (¬1)، وفي "تعليق الشيخ أبي حامد": أن الظاهر أن الشافعي منع من دفن الثاني معه، إذا عرفت ذلك .. فإطلاق الرافعي (أن المستحب في حالة الاختيار ... إلى آخره) محمول على ما ذكرناه. انتهى (¬2). وقد ذكر الصورة الثانية في "شرح المهذب"، وجزم فيها بالتحريم، قال: حتى في الأم مع ولدها (¬3)، وهو قياس قوله بالتحريم مع اتحاد النوع، لكن ذكر صاحب "التعجيز" في شرحه له: أنه إذا كان بينهما زوجية أو محرمية .. فلا منع كحال الحياة، ونقله عن ابن الصباغ وغيره، وهو متجه، وفي "حلية" الروياني ما حاصله: الجواز مطلقاً، حكاه كله في "المهمات"، فقول "الحاوي" [ص 206]: (وجُمع لحاجة) أراد به: الصورة الأولى، وقوله: (ورجل وامرأة بشدتها) (¬4) أراد به: الصورة الثانية؛ أي: مع شدة الحاجة، وهي الضرورة، وأما الصورة الثالثة: فهي معلومة من تحريم النبش إلا فيما استثني، وقوله: (بحاجز من تراب) (¬5) يحتمل أن تختص بالصورة الثانية، ويحتمل أن يعمهما، وهو المنصوص، وبه قال العراقيون، وصححه النووي (¬6). 1028 - قول "المنهاج" [ص 155]: (فيقدم أفضلهما) أوضحه "الحاوي" بقوله [ص 206]: (إلى جدار اللحد)، وعبارة "التنبيه" [ص 52]: (ويقدم الأسن الأقرأ للقبلة) ويستثنى من تقديم الأفضل والأقرأ: الأب مع ابنه، والأم مع بنتها، فيقدمان عليهما مطلقاً ولو كان الأصل مفضولاً. 1029 - قول "المنهاج" [ص 155]: (ولا يُجلس على قبر، ولا يُوطأ) زاد "التنبيه" [ص 52]: (إلا لحاجة) ومثَّلُوه: بأن كان لا يصل إلى قبر قريبه إلا بدوسه، وظاهره: اختصاص الاستثناء بالأخيرة دون مسألة الجلوس، ثم المشهور: كراهة ذلك، ووقع في "شرح مسلم" عن الأصحاب: التحريم (¬7)، وهو ظاهر قول "المهذب" والمحاملي في "المقنع": لا يجوز (¬8)، والصيمري في "شرح الكفاية": لا يحل. 1030 - قول "التنبيه" [ص 52]: "وإن ماتت امرأة وفي جوفها ولد تُرجى حياته .. شق جوفها ¬

_ (¬1) انظر "الأم" (1/ 277). (¬2) انظر "فتح العزيز" (2/ 454). (¬3) المجموع (5/ 242). (¬4) انظر "الحاوي " (ص 206). (¬5) انظر "الحاوي" (ص 206). (¬6) انظر "المجموع" (5/ 242). (¬7) شرح مسلم (7/ 27). (¬8) المهذب (1/ 139)، وانظر "المجموع" (5/ 279).

وأخرج، وإن لم يرج .. ترك عليه شيء حتى يموت)، قال في "التصحيح": الأصح: أنه لا يوضع على جوفها شيء، بل ينتظر موته. انتهى (¬1) وأوّل بعضهم عبارة "التنبيه": بأن معناها: ترك عليه شيء من الزمان، وهو معنى انتظار موته، فيوافق الأصح، وليس معناه: تثقيل بطنها (¬2). * * * ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (1/ 186). (¬2) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 47).

باب التعزية والبكاء على الميت

باب التّعزية والبكاء على الميّت 1031 - قول "الحاوي" بعد قوله [ص 206]: (وجاز البكاء): (والتعزية) لا يقتضي استحبابها، مع أنها مستحبة، كما صرح به "التنبيه" و"المنهاج" (¬1)، ويستثنى: الشابة، فلا يعزيها من الرجال إلا محرم لها. 1032 - قولهما: (قبل الدفن وبعده إلى ثلاثة أيام) (¬2) صريح في أن ابتداء الثلاثة من الدفن، وهو المحكي في "شرح المهذب" عن الأصحاب (¬3)، لكن في "الكفاية" عن الماوردي: أنها من حين الموت (¬4)، وفي "المهمات" عن الخوارزمي: تصحيحه، وهو ظاهر عبارة "الحاوي" لأنه لم يذكر الدفن. ثم هذا إذا كان المُعزّي والمُعَزَّى حاضرين، فلو كان أحدهما غائباً .. فالأصح: امتدادها إلى قدومه، وهل تمتد بعد قدومه ثلاثة أيام، أو يكون على الفور؛ لا نقل فيها، والظاهر عند المحب الطبري: الأول. 1033 - قول "التنبيه" [ص 53]: (وفي تعزية المسلم بالكافر: "أعظم الله أجرك، وأحسن عَزاءكَ") في "المنهاج" بدل قوله: (وأحسن عزاءك): (وصبَّرك) (¬5) وهو قريب في المعنى. 1034 - قول "التنبيه" [ص 53]: (وفي تعزية الكافر بالمسلم: "أحسن الله عزاءك وغفر لميتك") في "المنهاج" و" الروضة" وأصليهما: تقديم الدعاء للميت (¬6)، لكن تقديم الدعاء للحى أوفق؛ لما جزم به الرافعي والنووي في تعزية المسلم بالمسلم (¬7). وقول "الحاوي" [ص 206]: (والكافر بالمسلم، والدعاء للمسلم) ينافي قولهما: (إنه يقال له: أحسن الله عزاءك) ولعله محمول على الدعاء بالمغفرة والأجر ونحوهما، لا على مطلق الدعاء. ثم الكافر الذي يعزى هو الذمّي دون الحربي، كما ذكره الجيلي، وهو مقتضى التعليل بتكثير الجزية، وهل تعزية الحربي مُحرَّمة أو مكروهة؛ الظاهر في "المهمات": الأول. ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 53)، المنهاج (ص 156). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 53)، و"المنهاج" (ص 156). (¬3) المجموع (5/ 270). (¬4) انظر " الحاوي الكبير" (3/ 65). (¬5) المنهاج (ص 156). (¬6) المنهاج (ص 156)، الروضة (2/ 145)، وانظر "المحرر" (ص 88)، و"فتح العزيز" (2/ 459). (¬7) انظر "فتح العزيز" (2/ 459)، و"المجموع" (5/ 270).

1035 - قول "التنبيه" [ص 53]: (وفي تعزية الكافر بالكافر: "أخلف الله عليك، ولا نقص عددك") المراد: تعزية الذمي بالذمي كما تقدم، ولم يذكر "المنهاج" و"الحاوي" تعزية الذمي بالذمي، واقتصر في "الروضة" وأصلها على جوازها (¬1)، واستشكل في "شرح المهذب" الإتيان بها من أصلها؛ لأنه دعاء ببقاء الكافر ودوام كفره، قال: والمختار: تركه (¬2)، وقال شيخنا شهاب الدين بن النقيب: لا نسلم ذلك، فليس فيه ما يقتضي البقاء على الكفر، ولا يحتاج إلى تأويله بتكثير الجزية. انتهى (¬3). 1036 - قول "التنبيه" [ص 53]: (ويجوز البكاء على الميت من غير ندب ولا نياحة) لا معنى لتقييد جواز البكاء بالخلو عن الندب والنياحة، فالبكاء جائز، والندب والنياحة محرمان، وعند الاقتران لكل حكمه، وعلى ذلك مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، وفي معنى الندب والنياحة: الجزع بضرب خد أو صدر، وشق ثوب، ونشر شعر، وظهر بما ذكرناه أن قول شيخنا الإسنوي في "تصحيحه": (والصواب: تحريم البكاء أيضاً عند شق الجيب، ونشر الشعر، وضرب الخد) (¬5) مردود، فالبكاء جائز مطلقاً، وهذه الأمور محرمة مطلقاً كما قررناه، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 145). (¬2) المجموع (5/ 270). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (2/ 35). (¬4) الحاوي (ص 206)، المنهاج (156). (¬5) تذكرة النبيه (2/ 547).

باب في مسائل منثورة من زيادة "المنهاج" على "المحرر"

بابٌ في مسائل منثورة من زيادة "المنهاج" على "المحرّر" 1037 - قوله: (ويجوز لأهل الميت ونحوهم تقبيل وجهه) (¬1)، قال السبكي: ينبغي أن يندب لهم، ويجوز لغيرهم، ولا يقصر الجواز عليهم، قال: وكلام المزني قد يفهم أنه لا يجوز لغير أهله تقبيله ولا نظره (¬2)، والمراد بنحوهم: الأخصاء والأصدقاء. 1038 - قوله: (ولا بأس بالإعلام بموته للصلاة وغيرها) (¬3) كذا في "الروضة" (¬4)، وليس فيه استحبابه، لكن في "شرح المهذب" الاستحباب فيما إذا قصد الإخبار لكثرة المصلين (¬5). وقوله: (بخلاف نعي الجاهلية) (¬6) ليس فيه تصريح بحكمه، وقد ذكر في "الروضة" أنه مكروه (¬7). 1039 - قول "التنبيه" [ص 49]: (ولا بنظر الغاسل إلا إلى ما لا بد له منه) و"الحاوي" [ص 202]: (بغض البصر بلا حاجة) محل ذلك: في غير العورة، كما صرح به "المنهاج" (¬8)، أما العورة: فنظرها حرام مطلقاً، وفي معنى الغاسل: مُعِينُه. 1040 - قول "المنهاج" [ص 157]: (ويكره الكفن المعصفر) قال شيخنا ابن النقيب: أي: للمرأة، أما الرجل: فيحرم عليه في الحياة؛ فبعد الموت أولى (¬9). قلت: تحريم المعصفر على الرجل، قاله الحليمي والبيهقي؛ لصحة الحديث فيه، وقالا: لو بلغت أحاديثه الشافعي .. لقال بها، لكن منصوص الشافعي: إباحته؛ ولذلك أطلق "المنهاج" كراهة التكفين به، والظاهر: أنه أراد: في حق الرجل أيضاً بناء على المنصوص؛ ولذلك قال شيخنا في "المهمات": مذهب الشافعي: أنه يجوز تكفينه بالمعصفر دون المزعفر. 1041 - قول "التنبيه" [ص 52]: (فإن اختلط من يصلَّى عليه بمن لا يصلَّى علبه) أعم من قول "المنهاج" [ص 157]: (ولو اختلط مسلمون بكفار) و"الحاوي" [ص 204]: (ولو اختلط موتى المسلمين بغير) لشموله اختلاط الشهداء بغيرهم، وفي زيادة "الروضة": واختلاط الشهداء ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 156). (¬2) انظر" مختصر المزني" (ص 35). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 156). (¬4) الروضة (2/ 98). (¬5) المجموع (5/ 170). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 156). (¬7) الروضة (2/ 98). (¬8) المنهاج (ص 156). (¬9) انظر "السراج على نكت المنهاج" (2/ 38).

بغيرهم كاختلاط الكفار (¬1)، وقال شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني: هذه عبارة منكرة وغير مسلمة في الدعاء؛ فإنه لا يقول المصلي: "اللهم؛ اغفر له إن كان غير شهيد"، بك يقول: "اللهم؛ اغفر له" من غير تقييد. انتهى. ولو عبر باختلاط مسلم بكفار .. لكان أولى من التعبير بالجمع؛ لأن اختلاط مسلم واحد بألف كافر حكمه كذلك. وذكر "المنهاج" طريقتين في الصلاة عليهم، اقتصر "التنبيه" على المفضولة منهما، وهي: الصلاة على كل واحد بنية الصلاة عليه إن كان مسلماً، وهو معنى قوله: (وينوي أنه هو الذي يصلي عليه) (¬2) وعبارته قلقة في الدلالة على ذلك، وقول "الحاوي" [ص 204]: (ومُيّز المسلم بالنية في الصلاة) يحتمل الكيفيتين معاً، والله أعلم. 1042 - قول "المنهاج" [ص 158]: (ومن صلى .. لا يعيد على الصحيح) فيه أمور: أحدها: تناول إطلاقه المصلي منفرداً وفي جماعة، وكذا في "شرح المهذب" (¬3)، لكن في "الروضة" تقييده بكونه منفرداً (¬4)، وهو يفهم أنَّ المصلي في جماعة لا يعيد قطعاً. ثانيها: عبر في "الروضة" بالأصح (¬5). ثالثها: قوله: (لا يعيد) معناه: لا يستحب أن يعيد، كما في "الروضة" (¬6)، أو يستحب ألا يعيد، كما في "شرح المهذب" (¬7)، والعبارة الثانية تدل على أن الإعادة خلاف الأولى، بخلاف العبارة الأولى؛ فإنها لا تدل على ذلك، فالثانية أولى وهي أقرب إلى لفظ "المنهاج". 1043 - قوله: (ولا تُوخّر لزيادة مصلين) (¬8) يتناول صورتين: إحداهما: إذا صلى عليه من يسقط به الفرض .. لا تُنتظر جماعةٌ أخرى ليصلوا صلاة أخرى، ويستثنى من ذلك: الولي؛ فإنه يُنتظر ما لم يخش تغيّر الميت. الثانية: إذا حضر جمع قليل قبل الصلاة .. لا يُنتظر غيرهم ليكثروا، وتوقف السبكي في هذه الثانية، وقال: ليس في كلام الشافعي والأصحاب ما يقتضيه؛ فينبغي إذا لم يخش تغيُّر الميت .. ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 118). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 52). (¬3) المجموع (5/ 202). (¬4) الروضة (2/ 130). (¬5) الروضة (2/ 130). (¬6) الروضة (2/ 130). (¬7) المجموع (5/ 203). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 158).

انتظار اجتماع مئة أو أربعين إن رجى حضورهم قريباً؛ للحديث، فقد ورد العددان في "صحيح مسلم". انتهى (¬1). 1044 - قوله: (ولو نوى الإمام صلاة غائب، والمأموم صلاة حاضر، أو عكس .. جاز) (¬2) وكذا لو نوى الإمام غائباً آخر، أو حاضراً آخر، فلو قال: (فلو نوى المأموم الصلاة على غير من نوى الإمام الصلاة عليه) .. لشمل ذلك. 1045 - قول "التنبيه" [ص 52]: (ويسجى بثوب عند إدخاله إلى القبر)، أحسن من قول "المنهاج" [ص 158]: (ويُندب ستر القبر بثوب) لأنه قد يفهم منه استحباب ستره بعد الفراغ منه، والمراد: ستر الميت عند إدخاله إليه، كما أفصح به "التنبيه"، وكذا قول "التنبيه" [ص 52]: (ويقول الذي يدخله القبر: "بسم الله وعلى ملة رسول الله") أحسن من قول "المنهاج" [ص 158]: (وأن يقول: " بسم الله ... إلى آخره") لأنه لم يبين القائل لذلك. 1046 - قول "المنهاج" [ص 158]: (ويجوز الدفن ليلاً) أي: بلا كراهة، قال في زيادة "الروضة": ولم يخالف إلا الحسن البصري. انتهى (¬3). وفي "الذخيرة" للبندنيجي: إن الداركي من أصحابنا وافقه، وقوله: (ووقت كراهة الصلاة إذا لم يتحرَّه) (¬4) يرجع إلى وقت كراهة الصلاة خاصة. 1047 - قولهما: (ويكره تجصيص القبر) (¬5) خرج به تطيينه؛ فلا يكره، كما صححه في "شرح المهذب" (¬6) ونقل الترمذي عن النص: أنه لا بأس به (¬7)، وذكر الإمام والغزالي: أنه مكروه أيضاً (¬8)، وعليه مشى "الحاوي" (¬9)، ولم يذكره الجمهور. 1048 - قولهما: (والبناء) (¬10) يقتضي كراهة البناء عليه، سواء أكان في ملكه أو في مقبرة مُسَبَّلَةٍ، وتأكد ذلك بقول "المنهاج" بعده [ص 158]: (ولو بُني في مقبرة مُسَبَّلَةٍ .. هُدِمَ) فالبناء عليه مكروه مطلقاً، والهدم يُفَصّل فيه بين المسبلة وغيرها، لكن جزم في "شرح المهذب" بتحريم ¬

_ (¬1) صحيح مسلم (947)، (948). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 157). (¬3) الروضة (2/ 142). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 158). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 52)، و"المنهاج" (ص 158). (¬6) المجموع (5/ 260). (¬7) انظر "جامع الترمذي" (3/ 368) (1052). (¬8) انظر "نهاية المطلب" (3/ 26)، و"الوسيط" (2/ 389). (¬9) الحاوي (ص 205). (¬10) انظر "التنبيه" (ص 52)، و"المنهاج" (ص 158).

البناء في المقبرة المسبلة (¬1)، قال في "المهمات": والمراد بالمسبلة: التي جرت عادة أهل البلد بالدفن فيها، وليس المراد: الموقوفة؛ فإن الموقوفة يحرم البناء فيها قطعاً. 1049 - قول "المنهاج" [ص 158]: (والكتابة عليه) يتناول كتابة اسم صاحبه في لوح كما جرت العادة به، وقال السبكي: سيأتي قريباً أن وضع شيء يعرف به القبر .. مستحب، فإذا كانت الكتابة طريقاً له .. فينبغي ألا تكره إذا كتب قدر الحاجة إلى الإعلام. 1050 - قول "التنبيه" [ص 52]: (ويستحب للرجال زيارة القبور) يقتضي أن النساء لا يستحب لهن، ولا يلزم من ذلك أن يكون مكروهاً، وقد صحح "المنهاج" الكراهة في حقهن (¬2)، قال في "المهمات": والظاهر: أن الخنثى كالمرأة، قال في "شرح المهذب": واختار صاحب "المستظهري": إن كانت لتجديد حزن وبكاء بنوح كعادتهن .. حرم، وعليه يحمل الحديث: "لعن الله زوارات القبور"، وإن كانت لغير ذلك .. كره، إلا لعجوز لا تشُتَهَى .. فلا يكره، قال النووي: وهو حسن. انتهى (¬3). ويستثنى من ذلك أيضاً: زيارتهن لقبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنها مستحبة في حقهن مطلقاً كالرجال، كما اقتضاه إطلاقهم في (الحج)، ولا شك فيه. 1051 - قول "المنهاج" [ص 158]: (وقيل: تباح) قال في "المهمات": لم أر أحد قال به. 1052 - قوله: (ويُسلِّم الزائر) (¬4) أوضحه "التنبيه" بقوله [ص 52]: (ويقول إذا زار: "سلام عليكم ... إلى آخره") وهذا هو المشهور، لكن في "تعليق القاضي حسين" في (صلاة الجمعة): المستحب: أن يقول: (عليكم السلام)، ولا يقول: (السلام عليكم)، فيفصل بين الأحياء والأموات، وقد ورد هكذا في الخبر. انتهى. وأشار بذلك إلى حديث أبي جُرَيِّ: قلت: (عليك السلام يا رسول الله)، قال: "لا تقل: عليك السلام؛ فإن عليك السلام تحية الموتى" رواه أبو داوود والترمذي (¬5). 1053 - قول "المنهاج" [ص 158]: (ويحرم نقل الميت إلى بلد آخر - وقيل: يكره - إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس نص عليه) فيه أمور: ¬

_ (¬1) المجموع (5/ 260). (¬2) المنهاج (ص 158). (¬3) المجموع (5/ 277)، وانظر المستظهري وهو "حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء" (1/ 296)، والحديث أخرجه الطيالسي في "مسنده" (2358)، وأبو يعلى في "مسنده" (5908)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6996) من حديث سيدِنا أبي هريرة رضي الله عنه بهذا اللفظ، وأخرجه الترمذي (1056)، وابن ماجه (1576)، وأحمد (8430) من حديث سيدِنا أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 158). (¬5) أبو داوود (5209)، الترمذي (2721)

أحدها: هذا في النقل قبل الدفن، أما بعده: فقد ذكره بعده في مسألة النبش. ثانيها: قال السبكي: ينبغي أن يقال: إن أوجب النقل تغيراً .. حرم ولو إلى الأماكن الثلاثة، وإن لم يوجب .. كره، إلا إلى الأماكن الثلاثة .. فيختار. ثالثها: قال شيخنا ابن النقيب: هذا الاستثناء يحتمل عوده إلى وجهي التحريم والكراهة؛ أي: إذا كان بقرب إحدى البلاد الثلاثة .. لا يحرم ولا يكره، ويحتمل عوده إلى وجه الكراهة فقط، ويؤيده قوله: (نص عليه) فإن المحكي عن النص ظاهر في ذلك؛ ففي "الروضة" و" وشرح المهذب" عن الماوردي: أن الشافعي قال: لا أحبه إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس؛ فنختار أن ينقل إليها، فظاهر قوله: (لا أحبه) الكراهة، ثم استثنى منها ذلك. انتهى (¬1). رابعها: عبارة النص صريحة في استحباب النقل لمن قرب من البلاد الثلاثة، وعبارة "المنهاج" إنما تقتضي عدم التحريم والكراهة. خامسها: قال شيخنا الإمام البلقيني في "حواشي الروضة": الذي رأيته في "الحاوي" ظاهره: أن الاستثناء من كلام الماوردي؛ فإنه أورد بعده أحاديث هي من سياقته لا من كلام الشافعي. 1054 - قولهم فيما إذا دفن من غير غسل: (إنه ينبش) (¬2) أي: يجب نبشه، ومحله: ما لم يتغير، وهذا القيد في بعض نسخ "التنبيه". 1055 - قول "المنهاج" [ص 159] و"الحاوي" [ص 206]: (إنه ينبش فيما إذا دفن في أرضٍ أو ثوبٍ مغصوبين) أي: لصاحبهما نبشه وإن تغير، ولكن الأولى: ألا يفعل. 1056 - قول "التنبيه" [ص 52]: (وإن وقع في القبر شيء له قيمة .. نبش وأخذ) مثل قول "المنهاج" [ص 159]: (أو وقع فيه مالٌ) قيد في "المهذب" وجوب النبش بمطالبة صاحبه، قال النووي: ولم يوافقوه عليه. انتهى (¬3). لكن وافقه عليه ابن أبي عصرون وصاحب "الكفاية". 1057 - قولهما: (إنه ينبش فيما إذا دفن لغير القبلة) (¬4) أي: يجب ذلك إن قلنا بوجوب القبلة، كما هو الأصح، ومحل ذلك: ما لم يتغير، كما قلنا في الدفن بلا غسل. ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 45)، و"الأم" (1/ 276)، و"الحاوي الكبير" (3/ 26)، و"المجموع" (5/ 265)، و"الروضة" (2/ 143). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 52)، و"الحاوي" (ص 206)، و"المنهاج" (ص 159). (¬3) المهذب (1/ 138)، وانظر "المجموع" (5/ 262). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 52)، "المنهاج" (ص 159).

تنبيه [في الصور التي ينبش الميت لها]

1058 - قول "التنبيه" [ص 52]: (وإن بَلِعَ الميت مالاً لغيره .. شق جوفه وأخرج) وكذا إن ابتلع مال نفسه، كما صححه الجرجاني وغيره، لكن الأصح من زيادة "الروضة": عدمه (¬1)، وهذا إذا طلب صاحبه الرد، قال صاحب "العدة": إلا أن يضمن الورثة مثله أو قيمته .. فلا ينبش في الأصح، قال في "شرح المهذب": والمشهور: إطلاق الرد (¬2). تنبيه [في الصور التي ينبش الميت لها] ذكر الثلاثة: (النبش في الدفن بلا غسل) (¬3)، و"التنبيه" و"المنهاج": (الدفن إلى غير القبلة، وما إذا وقع في القبر مال) (¬4)، و"المنهاج" و"الحاوي": (ما إذا دفن في أرض أو ثوب مغصوبين) (¬5)، و"الحاوي": (ما إذا انمحق) (¬6) أي: بَلِيَ وصار تراباً، وقد يقال: النبش إنما يصدق إذا كان الميت في القبر ولو عظامه، فإذا بَليَ .. فلا نبش؛ فلا استثناء، و"التنبيه": (ما إذا بَلِعَ الميت مالاً لغيره، وما إذا ماتت امرأة وفي جوفها ولد تُرجى حياته) (¬7) فإن قلت: ليس في ذلك نبش .. قلت: هو مقتضى إطلاقه؛ لأنه لم يفصل في شق الجوف بين أن يكون دفن أم لا، فمقتضى إطلاقه: أنه إذا دفن .. نُبِش؛ ليُشَق جوفه، وشق الجوف أبلغ من هتك الحرمة من النبش، فهذه سبع صور، وبقيت صور أخرى: إحداها: أن يقول: إن ولدت ذكراً .. فأنت طالق طلقة، أو أنثى .. فطلقتين، فولدت ما لم يُعلم حاله ودفن، فالأصح من زوائد "الروضة" في (الطلاق): نبشه (¬8). الثانية: أن يلحقه سيل أو نداوة، فينبش لينقل على الأصح في "شرح المهذب" (¬9). الثالثة: أن يشهد على من يعرف صورته لا نسبه، ثم يموت ويدفن، فينبش ليعرفه إذا عظمت الواقعة واشتدت الحاجة ولم تتغير الصورة، ذكره الغزالي (¬10). ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 141) (¬2) المجموع (5/ 263) (¬3) انظر "التنبيه" (ص 52)، و"الحاوي" (ص 206)، و "المنهاج" (ص 159). (¬4) التنبيه (ص 52)، والمنهاج (ص 159). (¬5) الحاوي (ص 206)، والمنهاج (ص 159). (¬6) الحاوي (ص 206). (¬7) التنبيه (ص 52). (¬8) الروضة (8/ 151). (¬9) المجموع (5/ 265). (¬10) انظر "الوسيط" (7/ 371).

الرابعة: إذا كفن في ثوب حرير .. فقال الرافعي: إنه على الخلاف فيما إذا دفن في ثوب معصوب (¬1)، ومقتضاه: ترجيح النبش، لكن رجح النووي: أنه لا ينبش، وقال: ينبغي القطع به (¬2). الخامسة: إذا دفن الكافر في الحرم .. فينبش ويخرج. السادسة: إذا دفنه بعض الورثة في بيته مع امتناع الباقين؛ لأن الملك انتقل إلى الورثة .. فللمنتع نقله، وذكر المغصوبة يغني عنها. 1059 - قول "التنبيه" [ص 53]: (ويستحب لأقرباء الميت وجيرانه أن يصلحوا طعاماً لأهل الميت) قال النووي: الأحسن أن يقول: (وجيران أهله) ليشمل ما لو كانوا في غير بلد الميت (¬3)، وكذا عبر "المنهاج" وزاد: (يشبعهم يومهم وليلتهم، ويلح عليهم في الأكل، ويحرم تهيئته لنائحات) (¬4). * * * ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (2/ 457). (¬2) انظر "المجموع" (5/ 262) (¬3) انظر "المجموع" (5/ 282). (¬4) المنهاج (ص 159).

كتاب الزكاة

كتاب الزّكاة باب زكاة الحيوان 1060 - قول "المنهاج" [ص 160]: (إنَّما تجب منه في النَّعَم وهي: الإبل والبقر والغنم) كذا فسّر الفقهاء النَّعَم، ولم يجعله أهل اللُّغة شاملاً للبقر، إمَّا للإبل فقط، أو للإبل والغنم (¬1)، فلو اقتصر على قوله: (إنَّما تجب في إبل وبقر وغنم) .. لكان أحسن وأخصر؛ فإن الأدلة قائمة على هذه الأسماء لا على لفظ النعم. 1061 - قوله: (لا المتولد من الغنم والظباء) (¬2) خرج به المتولد بين زكويين؛ كالإبل والبقر، أو البقر والغنم، فالظاهر: وجوب الزكاة فيه، لكن يُشكل بأيّ أصليه يلحق في كيفية زكاته، ولم أرَ من تعرض لذلك. 1062 - قولهما: (وفي مئة وإحدى وعشرين: ثلاث بنات لبونٍ، ثم في كل أربعين: بنت لبونٍ، وفي كل خمسين: حِقَّة) (¬3) يقتضي أن استقامة الحساب بذلك يكون بعد مئة وإحدى وعشرين، وليس كذلك، بل يتغير الواجب بزيادة تسع، ثم بزيادة عشرٍ عشرٍ، ففي مئة وثلاثين: بنتا لبون وحِقَّة، وفي مئة وأربعين: حقتان وبنت لبون، وفي مئة وخمسين: ثلاث حقاق، وهكذا أبداً؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 208]: (وبعد تسعٍ، ثم كل عشر يتغير الواجب، في كل أربعين: بنت لبونٍ، وفي كل خمسين: حِقَّة). 1063 - قول "التَّنبيه" [ص 56]: (ويجزئ في شاتها: الجذع من الضأن، وهو الذي له ستة أشهر، والثني من المعز، وهو الذي له سنة) الأصح: أن جذع الضأن: ما له سنة، وأن ثني المعز: ما له سنتان، وعليه مشى "المنهاج" و "الحاوي" (¬4)، لكن قوله: (كما في الغنم) (¬5) أي: بالنسبة إلى السن لا بالنسبة إلى الأنوثة، وفي الرافعي في (الأضحية) عن أبي الحسن العبادي: أنَّه لو أجذع قبل تمام السنة .. كان مجزياً، كما لو تمت السنة قبل الجذع، ونزل ذلك منزلة البلوغ بالسن أو الاحتلام، قال: وهذا ما أورده صاحب "التهذيب"، وقال: الجذعة: ¬

_ (¬1) انظر "لسان العرب" (12/ 585). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 160). (¬3) انظر "التَّنبيه" (ص 56)، و "المنهاج" (ص 160). (¬4) الحاوي (ص 207)، المنهاج (ص 160). (¬5) انظر "الحاوي" (ص 207).

هي التي استكملت سنة وطعنت في الثَّانية، أو أجذعت سنها من قبل ذلك. انتهى (¬1). وظاهر كلام "التَّنبيه" و "الحاوي" التخيير بينهما، وبه صرح "المنهاج" فقال [ص 161]: (والأصح: أنَّه غير بينهما، ولا يتعين غالب غنم البلد) وعبر في "الروضة" بالصحيح (¬2)، وإذا قلنا به فاختار نوعاً منهما .. وجب من غنم البلد؛ أي: من صنف هو في البلد من ذلك النوع، وتحقيق هذا أنَّه إن كان النوعان في بلده واختار الضأن مثلًا .. وجب من صنف ضأن البلد، فإن كان بمكة .. وجب ضأنية مكية، أو ببغداد .. فضأنية بغدادية، فإن أخرج بمكة ضأنية بغداديةً أو عكسه .. لم يجزئ على المذهب إلَّا أن يكون مثل صنف البلد في القيمة أو خيراً منه، فعلى هذا ليس التخيير على إطلاقه. 1064 - قوله "التَّنبيه" [ص 56]: (فإن أخرج منها بعيراً .. قبل منه) أي: بشرط كونه مجزئاً في الزكاة؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 161]: (وكذا بعير الزكاة) والتقييد بذلك من زيادته على "المحرر"، وهو حسن، لكنَّه عطف ذلك على الأصح، وهو يفهم أن مقابله وجه: أن البعير لا يجزئ مطلقًا، وليس كذلك، بل مقابله ثلاثة أوجه، قيل: إنَّه يعتبر أن يكون قيمة البعير المخرج عن خمس قيمة شاة، وعن عشر قيمة شاتين ... وهكذا نظرًا إلى أن الشياة أصل، وقيل: يجزئ ناقص القيمة عن المراض والمعيبة فقط، وقيل: لا يجزئ في عشر إلَّا حيوانان؛ شاتان، أو بعيران، أو بعير وشاة، ولا في خمسة عشر إلَّا ثلاث، ولا في عشرين إلَّا أربع، وعبارة "الحاوي" [ص 207]: (يجب فيما دون خمس وعشرين إبلاً إبلٌ)، وتعبيره في الواجب بقوله: (إبل) فاسد؛ لأنَّه اسم جمع لا ينطلق على الواحد، وأيضًا: ففاته التّقييد بالإجزاء في الزكاة. 1065 - قول "التَّنبيه" [ص 56]: (فإن لم يكن في إبله بنت مخاض .. قبل منه ابن لبون ذكر) فيه أمور: أحدها: المراد: إذا لم يكن في إبله بصفة الإجزاء، فالمعيبة كالمعدومة كما صرح به "المنهاج" و "الحاوي" (¬3). ثانيها: يرد عليه: ما لو ملك بنت مخاض مغصوبة أو مرهونة .. فإن له إخراج ابن لبون كما في "شرح المهذب" عن الدَّارميُّ وغيره (¬4)، مع أنَّها في إبله حكمًا، لكن ليست فيها حسًّا، فقد لا ترد لذلك، وكذا قوله "المنهاج" [ص 161]: (فإن عدم بنت المخاض) محتمل؛ لأنَّه عادم حسًّا واجد ملكًا. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (12/ 63)، التهذيب (8/ 39). (¬2) الروضة (2/ 151). (¬3) الحاوي (ص 207، 208)، المنهاج (ص 161). (¬4) المجموع (5/ 355)

نعم؛ ترد على قول "الحاوي" [ص 207]: (فإن لم تكن له سليمة) لأنَّها له، وقد يقال: المراد بكينونتها له: تمكنه منها، فلا ترد عليه أيضاً. ثالثها: يرد عليه أيضاً: ما لو أخرج خنثى من أولاد اللبون .. فالأصح: الإجزاء، وهذا وارد على "المنهاج" أيضاً؛ لأنَّه ليس ابن لبون، لكن "التَّنبيه" زاد عليه بالتأكيد بقوله: (ذكر) فكان الإيراد عليه أظهر، وقد تناوله قول "الحاوي" [ص 207، 208]: (فولد لبون)، وقال ابن المسلم: إنْ عدَّه أهل المواشي عيبًا والإبل سليمة .. ينبغي أن لا يجزئ. رابعها: قد يفهم أنَّه لا يقبل منه الحِقّ، وليس كذلك كما صرح به "المنهاج" و "الحاوي" (¬1). خامسها: عبارة الثلاثة تفهم أنَّه لا يجزئ ابن المخاض، وبه قال ابن الصباغ، لكن جزم الشَّيخ أبو حامد بالجواز، وقال القاضي حسين: إنَّه الظاهر من المذهب، حكاه شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه". 1066 - قول "المنهاج" [ص 161]: (لا لبون في الأصح) أي: لا يؤخذ الحِقّ عن بنت اللبون عند فقدها، وعبر في "الروضة" بالمذهب، قال: وبه قطع الجمهور (¬2). 1067 - قول "التَّنبيه" [ص 56]: (فإن اتفق فرضان في نصاب واحد؛ كالمئتين فيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون .. اختار الساعي أنفعهما للمساكين) محله: إذا وُجدا مسألة بصفة الإجزاء، كما أوضحه "المنهاج" و "الحاوي" (¬3). 1068 - قوله: (وقيل: فيه قولان، أحدهما: ما ذكرت، والثَّاني: أنَّه يجب الحقاق) (¬4) هذه الطريقة هي الصحيحة، كما في "الشَّرح الصَّغير" و "شرح المهذب" (¬5). وتعبير "المنهاج" بـ (المذهب) (¬6) قد يقتضي ترجيح طريقة القطع، وقد يقال: لا دلالة له على ذلك، إنَّما يدل على أن في المسألة طريقين، وأن هذا هو المرجح في الجملة؛ إمَّا من طريقة القطع، وإما من طريقة القولين، وعليه مشى في "المهمات" فقال: إنَّه لا يؤخذ منه ترجيح لشيء من الطريقين. 1069 - قول "المنهاج" [ص 161]: (فإن وُجِدَ مسألة أحدهما) أي: تاماً - كما صرح به ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 208)، المنهاج (ص 161). (¬2) الروضة (2/ 157). (¬3) الحاوي (ص 208)، المنهاج (ص 161). (¬4) انظر "التَّنبيه" (ص 56). (¬5) المجموع (5/ 363). (¬6) المنهاج (ص 161).

"الحاوي" - مجزئاً لا معيباً، كما دل عليه كلامهما في فقد بنت المخاض، وقولهما: (أخذ) (¬1) أي: ولا يكلف تحصيل الآخر وإن كان أغبط كما في "الروضة" وغيرها (¬2)، ومقتضاه: أنَّه لو حَصَّل الآخر ودفعه .. أجزأه لا سيما إن كان أغبط، وعليه يدل كلام جماعة منهم الإمام والغزالي، وقاساه على الاكتفاء بابن لبون لفقد بنت مخاض (¬3)، لكن صرح جماعة بخلافه وأن الوجوب متعين فيه. 1070 - قول "المنهاج" [ص 161]: (وإلا - أي: وإن لم يوجد مسألة واحد منهما، أو وُجد معيبًا - .. فله تحصيل ما شاء) بقي عليه: أن له أيضاً أن ينزل عن بنات اللبون إلى خمس بنات مخاض ويدفع خمس جبرانات، أو يصعد عن الحقاق إلى أربع جذعات ويأخذ أربع جبرانات، ويمتنع العكس، وهو أن يصعد عن بنات اللبون إلى الجذاع ويأخذ عشر جبرانات، أو ينزل عن الحقاق إلى بنات مخاض ويعطي ثماني جبرانات، وقد ذكره "الحاوي" (¬4)، فلو جعل الحقاق أصلاً ونزل إلى أربع بنات لبون يحصلها ويدفَع أربع جبرانات، أو جعل بنات اللبون أصلًا، وأراد أن يصعد إلى الحقاق، فيدفع خمس حقاق ويأخذ خمس جبرانات .. لم يتعرضوا له. وقال شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه": الذي فرّعه في الحال: الرابع؛ أي: وهو أن يؤخذ بعض كل صنف، لا يبعُد عليه تجويز هذا، قال: ويحتمل جواز الصورة الأولى؛ لأنَّه لم يتكمل له من بنات اللبون جميع الواجب، دون الثَّانية؛ فإنَّه قد حصل الفرض، فليس له أن يعدل إلى الجبران، كما لو كان عليه بنت مخاض فلم يجدها وعنده ابن لبون .. فإنَّه لا يعدل إلى بنت اللبون ليأخذ الجبران على الأصح؛ لأنَّه بدل بنت المخاض بالنص، فكذلك لا ينبغي هنا بعد تحصيل الحقاق التي هي أحد الواجبين أن يدفعها بزيادة واحد ويأخذ الجبران. انتهى. 1071 - قول "المنهاج" [ص 161]: (فإن وجدهما) أي: بصفة الإجزاء. 1072 - قوله: (فالصحيح) (¬5) عبر في "الروضة" بالمذهب المنصوص وقول الجمهور (¬6). 1073 - قوله: (ولا يجزئ غيره) (¬7) الظاهر: سحبُ الصَّحيح عليه، فيكون أشار إلى الخلاف. ¬

_ (¬1) انظر "التَّنبيه" (ص 56)، و "المنهاج" (ص 161). (¬2) الروضة (2/ 157). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (3/ 97)، و "الوسيط" (2/ 409). (¬4) الحاوي (ص 209). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 161). (¬6) الروضة (2/ 158). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 161).

1074 - قوله: (إن دلس) (¬1) أي: المالك. 1075 - قوله: (وإلا .. فيجزى) (¬2) أي: يحسب من الزكاة، وليس المراد: أنَّه يكتفي بذلك؛ فقد قال بعده: (والأصح: وجوب قدر التفاوت) (¬3)، قال السبكي؛ والتفاوت المشار إليه إنَّما يجب إذا غلط الساعي في الاجتهاد دون ما إذا اقتضى رأيه موافقة ابن سريج في أخذ غير الأغبط، وكان مأذوناً له في ذلك من جهة الإمام، فلا ينبغي أن يجب التفاوت هنا، وفي وجه: إنَّه لا يجزئ بحال؛ لأنَّه غير المأمور به، قال السبكي: وهو القياس. 1076 - قوله: (ويجوز إخراجه دراهم، وقيل: يتعين تحصيل شقص به) (¬4) فيه أمران: أحدهما: قال الرافعي: إطلاق الأصحاب الدراهم في هذا الفصل يشبه أن يكون مرادهم: نقد البلد دراهم كان أو دنانير، كما صرح به الشَّيخ إبراهيم المروروذي (¬5)، قال في "الروضة": مرادهم: نقد البلد قطعاً، وصرح به جماعة منهم القاضي حسين وغيره، وعليه يحمل قول صاحب "الحاوي" وإمام الحرمين وغيرهما: دراهم أو دنانير؛ يعنيان: أيهما كان نقد البلد. انتهى (¬6). ثانيهما: أطلق الشقص، والأصح: أنَّه يتعين أن يكون من الأغبط؛ ولذلك عبر "الحاوي" بقوله [ص 209]: (وإن أخطأ .. جبر بالنقد أو بِشقصٍ من الأغبط). 1077 - قول "المنهاج" [ص 161]: (ومن لزمه بنت مخاض فعدمها وعنده بنت لبون .. دفعها وأخذ شاتين أو عشرين درهمًا) فيه أمور: أحدها: قوله: (فعدمها) قد يفهم أن المراد: العلم المطلق، وليس كذلك، وإنَّما المراد: عدمها في ملكه وإن أمكنه تحصيلها، وكذا تعبير "الحاوي" بـ (الفقد) (¬7)، فأحسن منهما قول "التَّنبيه" [ص 56]: (ولم يكن عنده). نعم؛ يرد عليهم: ما لو كانت عنده معيبة .. فهي كالمعدومة، أو كريمة .. فلا يمنع وجودها الصعود والنزول وإن كان وجود كريمة يمنع العدول إلى ابن لبون في الأصح. ثانيها: قوله: (وعنده بنت لبون) ليس ذلك شرطًا، فلو لم تكن عنده .. فله تحصيلها ودفعها، لكنَّه إذا حصّلها .. صدق حينئذ أنَّها عنده، فيدفعها، ولا يرد ذلك على "التَّنبيه" و "الحاوي". ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج " (ص 161). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 161). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 161). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 161). (¬5) انظر "فتح العزيز" (2/ 486). (¬6) الروضة (2/ 159)، وانظر "نهاية المطلب" (3/ 95)، و "الحاوي الكبير" (3/ 95). (¬7) الحاوي (ص 209).

ثالثها: يرد عليه وعلى "التَّنبيه": ما إذا وجد ابن لبون .. فليس له إخراج بنت اللبون وأخذ الجبران في الأصح، وقد ذكرها "الحاوي" (¬1). رابعها: وقع في "الروضة" تبعاً للرافعي في الكلام على اجتماع فرضين في نصاب: أنَّه لو لزمته بنت مخاض فلم يجدها ولا ابن لبون لا في ماله ولا بالثمن .. يعدل إلى القيمة. انتهى (¬2). ومقتضاه: أنَّه لا يتعين الانتقال إلى بنت اللبون، بل يجوز دفع قيمة بنت المخاض، ويطرد في سائر الصور، ولعلّه محمول على ما إذا فقد سائر أسنان الزكاة. خامسها: اقتصر "المنهاج" على فقد بنت المخاض وبنت اللبون، ولم يذكر فقد بقية أسنان الزكاة، فأعم منه قول "التَّنبيه" [ص 56]: (ومن وجب عليه من ولم يكن عنده) لكن أورد عليه: أنَّه إن أراد: من الزكاة وهو الظاهر .. اقتضى منع الجبران إذا أخرج ثنية بدل جذعة، وهو الذي حسنه الرافعي (¬3)، ومشى عليه "الحاوي" (¬4)، وحكاه صاحب "التقريب" عن الأكثرين كما في "المهمات"، لكن الأصح في "الروضة" و "المنهاج": خلافه، وحكاه عن الجمهور (¬5)، وإن أراد: مطلق السنن ورد الفصيل إذا أخرجه مع الجبران .. فلا قائل بقبوله، فأحسن منهما قول "الحاوي" [ص 209]: (إن فقد الواجب). 1078 - قول "التَّنبيه" [ص 56]: (والاختيار في الصعود والنزول إلى المصدق)، قال النووي في "التحرير" عن نسخة المصنف: إنَّه بتخفيف الصاد؛ أي: الساعي (¬6)، قال في "الكفاية": ونسب للإمام، ورجحه البندنيجي والماوردي. انتهى (¬7). لكن الأصح: أن الخيرة في ذلك للمالك، وعليه مشى "المنهاج" و "الحاوي" (¬8)، فيكون المصّدق بتشديد الصاد، وعبارة "المنهاج" [ص 161]: (وفي الصعود والنزول: للمالك في الأصح إلَّا أن تكون إبله معيبة) وفيها أمور: أحدها: محل الخلاف: إذا دفع غير الأغبط، فإن دفع الأغبط .. أجيب قطعاً. ثانيها: كلامه يفهم أنَّه إذا كانت الإبل معيبة .. لا خيرة للمالك مطلاً، وليس كذلك، فله الخيرة في النزول وفي الصعود إذا لم يأخذ جبراناً، والممتنع إنَّما هو في الصعود مع طلب الجبران. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 209). (¬2) الروضة (3/ 95)، وانظر "فتح العزيز" (2/ 484). (¬3) انظر "فتح العزيز" (2/ 489، 490). (¬4) الحاوي (ص 209). (¬5) الروضة (2/ 162)، المنهاج (ص 162). (¬6) تحرير ألفاظ التَّنبيه (ص 105). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (3/ 90)، و "الحاوي الكبير" (3/ 86). (¬8) الحاوي (ص 209)، المنهاج (ص 161)

ثالثها: يُضم إلى عيب الإبل: - ما إذا كانت مريضة، وقد ذكره "الحاوي" (¬1). - وما إذا كانت لا أثمان لها لِلُؤْمِهَا، نص عليه في "الأم" كما حكاه شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه" (¬2). - وما إذا جاوز الجذعة إلى الثنية، كما تقدم عن "الحاوي" خلافًا للجمهور (¬3). - وما إذا فقد بنت المخاض وعنده ابن لبون، فأراد إخراج بنت اللبون مع أخذ الجبران، وقد ذكرها "الحاوي" كما تقدم. فالممتنع في هذه الصور كلها: أخذ الجبران عند إرادة الصعود، وعبارة "الحاوي" [ص 209]: (وأخذ، لا إن مرض إبله، أو تعيَّب، أو جاوز الجذعة، أو إلى بنت لبون وله ابن لبون) فهذه الصور مستثناة من أخذ المالك الجبران، فلو تبرع صاحب الإبل المعيبة وصعد إلى سليمة ليأخذ الجبران .. قال شيخنا ابن النقيب: ففيه للنظر مجال (¬4). قلت: ينبغي الجزم بجوازه؛ فإن المدرك في الامتناع احتمال زيادة الجبران المأخوذ على المريض والمعيب المدفوع، وهذه العلة منتفية فيما إذا تبرع بالصعود إلى سليمة، والله أعلم. 1079 - قول "المنهاج" [ص 162]: (وله صعود درجتين وأخذ جبرانين، ونزول درجتين مع جبرانين بشرط تعذر درجة في الأصح) يقول "الحاوي" [ص 209]: (فإن فقد أو قنع بجبران .. فدرجتين) وفيه أمران: أحدهما: أن له الصعود والنزول بثلاث درجات أيضاً بشرط تعذر الدرجتين. ثانيهما: المراد: تعذر درجة في تلك الجهة، فلو لزمه بنت لبون ففقدها وفقد الحقة، فهل له الصعود إلى جذعة مع وجود بنت مخاض عنده؛ فيه وجهان مرتبان على هذين الوجهين، وأولى بالجواز، كذا في "الروضة" (¬5)، وصرح في "شرح المهذب" بتصحيح الجواز (¬6)، وأورد في "الكفاية" على اقتصار "التَّنبيه" على الشاتين والعشرين درهمًا: أنَّه شامل لما لو نزل أو صعد بدرجتين لفقد درجة، وليس كذلك، بل عليه أو له أربع شياه، أو أربعون درهماً، أو شاتان وعشرون درهماً. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 209). (¬2) الأم (2/ 7). (¬3) الحاوي (ص 209). (¬4) انظر "السِّرّج على نكت المنهاج" (2/ 55). (¬5) الروضة (2/ 163). (¬6) المجموع (5/ 359، 360).

1080 - قوله "المنهاج" [ص 162]: (ولا تجزئ شاة وعشرة دراهم) هو معنى قوله "الحاوي" [ص 210]: (لا بالنوعين)، ويستثنى منه: ما إذا كان الآخذ للجبران هو المالك، ورضي بذلك، وقد ذكره "الحاوي" (¬1)، وقد يفهم ذلك من التعبير بعدم الإجزاء؛ لأنَّ الإجزاء وعدمه إنَّما يضافان إلى المزكي. 1081 - قوله "التَّنبيه" [ص 56] و "الحاوي" [ص 210]: (وفي مئتين وواحدة: ثلاث شياه، ثم في كل مئة شاةٍ شاة) يقتضي أن في ثلاث مئة وواحدة: أربع شياه، وليس كذلك، ومرادهما: وفي مئتين وواحدة إلى ثلاث مئة: شاة، وهذا متَّفقٌ عليه؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 162]: (ومئتين وواحدة: ثلاث، وأربع مئة: أربع، ثم في كل مئةٍ: شاةٌ). 1082 - قوله "المنهاج" [ص 162]: (إن اتحد نوع الماشية .. أُخذ الفرض منه، فلو أخذ عن ضأن مَعْز أو عكسه .. جاز في الأصح (تصحيح أخذ الضأن عن المعز وبالعكس كالمستثنى مما تقدم أولاً، وعبارة "الروضة" وأصلها تقتضي تصحيح المنع؛ فإنَّه جزم به أولاً، فقال: إن اتحد نوعها .. أخذ منها، ثم حكى الخلاف عن "التهذيب" وأنَّه صحح الجواز (¬2). 1083 - قوله "التَّنبيه" [ص 56]: (وإن كانت المواشي أنواعاً؛ كالبخاتي والعراب والجواميس والبقر والضأن والمعز .. ففيه قولان، أحدهما: يؤخذ من الأكثر، والثَّاني: يجب في الجميع بالقسط) الثَّاني هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" و "الحاوي" (¬3)، وكان ينبغي أن يجعل بدل البقر العراب، فهي أحد نوعي البقر، وكيف يكون البقر أحد نوعي البقر؟ ! 1084 - قوله "التَّنبيه" [ص 56]: (فإن كانت كلها ذكوراً .. أخذ في فرضها الذكر، إلَّا الإبل؛ فإنَّه لا يؤخذ في فرضها إلَّا الإناث، وقيل: يؤخذ في فرضها الذكور) هذا الثَّاني هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" و "الحاوي" (¬4)، وفي "تصحيح" النووي، وشيخنا الإسنوي عطفاً على الأصح: وجواز أخذ ذَكَرٍ من الإبل والبقر الذُّكُورِ. انتهى (¬5). ولا حاجة لاستدراك البقر؛ لدخوله في كلام "التَّنبيه" فإنَّه لم يستثن سوى الإبل. 1085 - قوله: (فإن كانت الماشية إناثاً، أو ذكوراً وإناثًا .. لم يؤخذ في فرضها إلَّا الأنثى إلَّا في ثلاثين من البقر) (¬6) فيه أمران: ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 210). (¬2) الروضة (2/ 168)، التهذيب (3/ 33). (¬3) الحاوي (ص 210)، المنهاج (ص 162). (¬4) الحاوي (ص 210)، المنهاج (ص 162، 163). (¬5) تصحيح التَّنبيه (1/ 194)، تذكرة النبيه (3/ 9). (¬6) انظر "التَّنبيه" (ص 56).

أحدهما: قال في "الكفاية": لم يؤخذ في فرضها - أي: المتأَصّل - لتخرج شاة الإبل، وكذا ابن اللبون عن بنت المخاض، وكذا ينبَّه على ذلك في قول "المنهاج" [ص 162]: (ولا ذكرٌ إلَّا إذا وجب، وكذا لو تَمَحَّضَتْ ذكوراً في الأصح)، وفي قول "الحاوي" [ص 210]: (والذكر إن لم يكن له كامل في الأصح) وهو مفهوم من قولهم: (جذع، وثنى) (¬1)، قال في "الكفاية": وتحرَّزَ "التَّنبيه" بقوله: (في فرضها) عن إخراج ذَكَرٍ لما فوق فرضها؟ فإنَّه يجزئ في بعض الصور، وهو التبيعان عن المسنة. ثانيهما: أفهم قوله: (ذكورًا وإناثاً) أنَّه لو تعدد الواجب والإناث بعضه .. تعينت الأنوثة في كل الواجب، والأصح: أنَّه بقدر ما يجد، وكذلك يرد على قول "المنهاج" [ص 162]: (وكذا لو تَمَحَّضَتْ ذكوراً في الأصح) فإنَّه في هذه الصورة يخرج الذكور وإن لم تتمحّض ذكوراً، وذكر ذلك "الحاوي" بقوله [ص 210]: (وإن اختلف .. فالكامل بقدر ما يجد). 1086 - قول "التَّنبيه" [ص 57]: (وإن كانت صغاراً: فإن كانت من الغنم .. أخذ منها صغيرة، وإن كانت من الإبل والبقر .. أخذ منها كبيرة) هذا قول ابن سريج والقاضي أبي الطَّيِّب، واختاره السبكي، لكن الأصح: أنَّه يؤخذ صغيرة من صغار الإبل والبقر أيضاً بشرط أن يجتهد الساعي، ويحترز عن التسوية بين القليل والكثير؛ ولذلك أطلق "المنهاج" في قوله [ص 56]: (وفي الصغار: صغيرة في الجديد) و "الحاوي" في قوله [ص 210]: (والذكر إن لم يكن له كامل)، ورجح في "الروضة" وأصلها كون الخلاف وجهين (¬2). 1087 - قول "المنهاج" [ص 163]: (وحامل) أحسن من قول "التَّنبيه" [ص 57]: (ولا يؤخذ الماخض) لأنَّ المنقول من أهل اللُّغة أن الماخض: هي التي دنت ولادتها وأخذها المخاض وهو ألم الولادة (¬3)، والعامل إن بعدت ولادتها كذلك. 1088 - قول "المنهاج" [ص 163]: (وخيار) وقول "التنبيه" [ص 57]: (ولا حزرات المال) من ذكر العام بعد الخاص. نعم؛ لو كانت ماشية كلها سماناً .. طولب بسمينة، قاله في "الكفاية" وغيرها. 1089 - قول "التَّنبيه" [ص 57]: (وفحل الغنم) هذا حيث يجزئ الذكر. 1090 - قول "المنهاج" [ص 163]: (ولو اشترك أهل الزكاة في ماشية .. زكريا كرجل، وكذا لو خلطا مجاورةً) أهمل لذلك شروطاً: ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 56)، و "الحاوي" (ص 210)، و "المنهاج" (ص 160). (¬2) الروضة (2/ 167). (¬3) انظر "لسان العرب" (7/ 228).

أحدها: دوام الخلطة سنة إن كان المال حولياً، وإلى زهو الثمر، واشتداد الحب في النبات. ثانيها: كون مجموع المالين نصاباً فأكثر، وقد ذكرهما "التَّنبيه" و "الحاوي" (¬1)، إلَّا أن "التَّنبيه" لم يصرح بحكم زكاة النبات، ويرد على اعتبار النصاب: ما لو خلط خمسة عشر بمثلها غنمًا وانفرد بخمسين .. فمقتضاه: أنَّه لا زكاة على صاحب الخمسة عشر؛ لأنَّ المخلوط كله لا يبلغ نصاباً، وهذا تفريع على أضعف القولين أن الخلطة خلطة عين؛ أي: يقتصر حكمها على المخلوط، فأمَّا إذا فرعنا على الأصح: أن الخلطة خلطة ملك - أي: يثبت حكمها في كل ما في ملكه - .. فالأصح في "الروضة": تأثير الخلطة هنا، فيجب شاة منها على صاحب الخمسين ستة أثمان ونصف ثمن، والباقي على الآخر (¬2). ثالثها: كون المالين من جنس واحد لا غنم مع بقر، ذكره "الحاوي"، وتعبير "التَّنبيه" بالمشرب أوضح من تعبير "المنهاج" و "الحاوي" بالمشرع (¬3)، فكان المراد به: موضع الشرب. 1091 - قولهما: (والمسرح) (¬4) إن أراد به: مكان الرعي - وبه فسره النووي في "التحرير" وغيره (¬5) - .. وَرَدَ المكان الذي تجتمع فيه ثم تساق منه إلى المرعى، وقد اعتبره في "شرح المهذب" وغيره (¬6)، وإن أراد به: مكان اجتماعها لتساق إلى المرعى - وبه فسره في "الروضة" وأصلها (¬7) - .. وَرَدَ المرعى، وقد ذكر هما "الحاوي" فقال [ص 217]: (والمسرح، والمرعى) فدل على أنَّه أراد بالمسرح: مكان اجتماعها لتساق إلى المرعى، ويرد عليهم جميعاً شرطان آخران: أحدهما: اتحاد الطَّريق بين المسرح والمرعى، ذكره في "شرح المهذب" (¬8)، وهو أحد ما قيل في تفسير المسرح. ثانيهما: اتحاد المكان الذي توقف فيه عند إرادة سقيها، والذي تُنَحَّى إليه ليشرب غيرها، ذكره في "التتمة"، وهو نظير اشتراط اتحاد المسرح. 1092 - قول "التَّنبيه" [ص 57] و "الحاوي" [ص 217]: (والمحلب) - هو بفتح الميم - هو ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 57)، الحاوي (ص 216). (¬2) الروضة (2/ 184) (¬3) التنبيه (ص 57)، الحاوي (ص 217)، المنهاج (ص 163). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 57)، و "المنهاج" (ص 163). (¬5) تحرير ألفاظ التَّنبيه (ص 108). (¬6) المجموع (5/ 391). (¬7) الروضة (2/ 171). (¬8) المجموع (5/ 391).

موضع الحلب، كما عبر به "المنهاج" (¬1)، وفي الرافعي و "الروضة" الجزم باشتراط اتحاده (¬2)، وفي "التصحيح" والتحرير" التعبير فيه بالأصح (¬3)، وهو يقتضي خلافًا، وأشار في "الكفاية" إلى استدراكه عليه، لكن حكى الروياني في "البحر" الخلاف فيه (¬4)، والعجب من قول النووي في "تهذيب الأسماء واللغات": إنَّه لا يشترط الاتحاد فيه بلا خلاف، وهو سبق قلم (¬5)، أما المحلب - بكسر الميم - وهو الإناء الذي يحلب فيه .. فلا يشترط اتحاده في الأصح، وكذا الحالب. 1093 - قولهم: (والفحل) (¬6) محله: إذا اتحد نوع الماشية، فإن اختلف؛ كضأن ومعز .. فلا بد لكل نوع من فحل، ذكره في "شرح المهذب" (¬7)، وتعبير "المنهاج" في الفعل والراعي بالأصح فيه نظر؛ ففي "الروضة" في الفعل: إنَّه المذهب الذي قطع به الجمهور (¬8)، وفي "شرح المهذب" نقل طريقة القطع في اتحاد الراعي عن الأكثرين (¬9)، ويجوز تعدد الرعاة والفحول قطعًا، لكن يشترط ألاَّ تنفرد هذه عن هذه براعٍ ولا فحلٍ مع اتحاد النوع في الفعل كما تقدم. 1094 - قول "التَّنبيه" - والعبارة له - و "الحاوي": (فإن أخذ الساعي الفرض من نصيب أحدهما .. رجع على خليطه بالحصة) (¬10) فيه أمران: أحدهما: أنَّه شامل لما إذا كان ما أخذه من كل واحد واجبه؛ كأن خلط أربعين من البقر بثلاثين، فأخذ الساعي من صاحب الأربعين مسنة، ومن صاحب الثلاثين تبيعاً .. فيرجع صاحب المسنة بقيمة ثلاثة أسباعها، وصاحب التبيع بقيمة أربعة أسباعه، وكذا ذكره الرافعي تبعًا للإمام وغيره (¬11)، قال النووي: وأنكر عليهم بنص الشَّافعي على أنَّه لو استوت غنماهما وواجبها شاتان وأخذ من غنم كل شاة .. فلا تَراجُعَ، قال: وهو الظاهر في الدليل فليعتمد (¬12)، وذكر النسائي أن ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 163). (¬2) فتح العزيز (2/ 505)، الروضة (2/ 172). (¬3) تصحيح التَّنبيه (1/ 196)، تحرير ألفاظ التنبيه (ص 108). (¬4) بحر المذهب (4/ 62). (¬5) تهذيب الأسماء واللغات (3/ 65) طبعة دار الفكر، وفيها: (المحلب بفتح الميم: وهو موضع الحلب، وهذا يشترط الاتحاد فيه في ثبوت الخلطة بلا خلاف)، وانظر أيضاً "تهذيب الأسماء واللغات" (3/ 68) طبعة دار الكتب العلمية، ومن هنا يتبين أن النسخة التي كانت بين يدي المصنف فيها زيادة (لا)، وهي من الناسخ وليست من النووي، وإذا تبيّن ذلك .. بطل العجب الذي ادعاه المصنف. (¬6) انظر "التنبيه" (ص 57)، و "الحاوي" (ص 217)، و "المنهاج" (ص 163). (¬7) المجموع (5/ 392). (¬8) الروضة (2/ 171). (¬9) المجموع (5/ 391). (¬10) التَّنبيه (ص 57)، الحاوي (ص 217). (¬11) انظر "نهاية المطلب" (3/ 150، 151)، و "فتح العزيز" (2/ 510). (¬12) انظر "المجموع" (5/ 407)، و "الأم" (2/ 14، 15).

كلام "التَّنبيه" يفهم أنَّه لا تَرَاجُع في هذه الصورة (¬1)، والذي أفهمه ما قدمته. ثانيهما: هذا في خلطة الجوار، أما خلطة الشيوع: فإن كان المأخوذ من جنس النصاب .. فلا تراجع، كما ذكره الرافعي والنووي (¬2)، قال ابن الرفعة: وليس كذلك، بل يتصور فيما إذا كان بينهما أربعون من الغنم لأحدهما؛ في عشرين منها نصفها، وفي العشرين الأخرى نصفها وربعها. انتهى. وإن كان من غير جنسه؛ كالشاة الواجبة في الإبل .. ثبت التراجع. 1095 - قول "التَّنبيه" [ص 57]: (وإن كان بينهما نصاب من غير الماشية .. ففيه قولان، أصحهما: أنَّه كالماشية)، قال في "المنهاج" تبعاً لـ "المحرر": (بشرط ألا يتميز: الناطور، والجرين، والدكان، والحارس، ومكان الحفظ ... ونحوها) (¬3)، وذكر "الحاوي" [ص 217]: (الجرين، والحافظ، والدكان، ومكان الحفظ)، قال شيخنا ابن النقيب: ولم أر من صرح باشتراط شيء من ذلك، وإنَّما ذكروه في معرض التعليل، قال الرافعي؛ لأنهما كما يرتفقان بالخلطة في المواشي لخفة المؤنة .. كذلك يرتفقان بها في غيرها باتحاد الجرين ... إلى آخره، وأسقطه من "الروضة" بالجملة، فلم يذكره لا شرطاً ولا تعليلاً، ورأيت كلام كثير من الأصحاب بنحو كلام الرافعي. انتهى (¬4). وزاد في "شرح المهذب": اتحاد الجراب، والميزان، والوزّان، والكيّال، والحمّال، والمتعهد، وجَدَّاد النخل (¬5)، وصرح في "الكفاية" باللقاط، وكذا بالملقح وإن كان الملقح يدخل في المتعهد، وصرح أيضاً في أموال التجارة بالاتحاد في النَقّاد، والمنادي، والمطالب بالأثمان، ونقلة عن البندنيجي، وأشار "المنهاج" لذلك جميعه بقوله: (ونحوها)، ولم يُفَصّل "المنهاج" و "الحاوي" ذلك، والذي ينبغي أن يقال في ذلك: أنَّه يعتبر في المعشّرات: الجرين، والحارس، وفي زكاة التجارة: الحارس، والدكان، ونحوهما، وفي زكاة النقد: الحافظ، ومكان الحفظ؛ من صندوق وخزانة ونحوهما. 1096 - قول "التَّنبيه" [ص 56]: (وفي الأوقاص التي بين النُّصُب قولان، أحدهما: أنَّها عفو) هو الأصح، والأوقاص: ما بين الفريضتين، والشنق بمعناه، كذا في "الروضة" ¬

_ (¬1) انظر "نكت النبيه على أحكام التَّنبيه" (ق 50). (¬2) انظر "فتح العزيز" (2/ 511)، و "المجموع" (5/ 407). (¬3) المحرر (ص 3)، المنهاج (ص 163)، والناطور: حافظ الكرم، والجرين: موضع تجفيف التمر. انظر "مختار الصحاح" (ص 43، 277). (¬4) انظر "السَّرَّاج على نكت المنهاج" (2/ 65، 66)، و "فتح العزيز" (2/ 507). (¬5) المجموع (5/ 409).

وأصلها (¬1)، وفي "البويطي": إن الأوقاص: ما لم يبلغ ما تجب فيه الزكاة، والشنق: ما بين السنين من العدد. 1097 - قول "المنهاج" [ص 163]: (ولوجوب زكاة الماشية شرطان) فيه أمران: أحدهما: لو قال: (النعم) كما في "الروضة" (¬2) .. لكان أولى؛ لأنَّها هي الأخص المتكلِّم عليها. ثانيهما: قال في "الروضة": لها ستة شروط: كونه نعماً متمحضة، والنصاب، والحول، ودوام الملك جميع الحول، وكماله، والسوم. انتهى (¬3). والمختص بالنعم منها: الأول والأخير، وما عداهما فشرط في جميع الأنواع، ما عدا: الحول في المعشرات والمعدن والركاز؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 214]: (بزهو الثمر، واشتداد الحب، وحصول المعدن والركاز، وحول غير)، وذكر "المنهاج" النعم أول الباب كالأساس والأصل لا كالشرط (¬4)، واشتراط دوام الملك في ضمن اشتراط الحول (¬5)، واشتراط كماله في (باب من تلزمه الزكاة) (¬6)، والله أعلم. 1098 - قولهم - والعبارة لي "المنهاج" -: (مضي الحول) (¬7) قيده في "الكفاية" بالتوالي، وتركوا التصريح بذلك؛ لوضوحه، ويستثنى من هذا الشرط: مسألة تتعلق بالنقدين، وهي: ما لو ملك نصاباً من نقد ستة أشهر مثلًا، ثم أقرضه إنساناً .. فإن الحول لا ينقطع، فإذا كان مليًا أو عاد إليه .. أخرج الزكاة عند تمام الأشهر الباقية، حكاه شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه" عن الشَّيخ أبي حامد في "تعليقه". 1099 - قول "التَّنبيه" [ص 55]: (ولا تجب في الآخر حتَّى يتمكن من الأداء) ظاهره: أن الوجوب حال التمكن، وليس كذلك، وإنَّما المراد: أنَّه يتبين الوجوب عند تمام الحول، كما ذكره المتولي؛ ولهذا يحسب ابتداء الحول الثَّاني من انقضاء الأوَّل قبل الإمكان، قال في "شرح المهذب": بلا خلاف (¬8)، لكن في "الكفاية" وجه: أنَّه من التمكن؛ كمذهب مالك (¬9). ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 153). (¬2) الروضة (2/ 151). (¬3) الروضة (2/ 151). (¬4) المنهاج (ص 160). (¬5) المنهاج (ص 163). (¬6) المنهاج (ص 175). (¬7) انظر "التَّنبيه" (ص 55)، و "الحاوي" (ص 214)، و "المنهاج" (ص 163). (¬8) المجموع (5/ 331). (¬9) انظر "التاج والإكليل" (2/ 362، 363).

1100 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (لكن ما نُتجَ من نصابٍ يُزَكَّى بحوله) (¬1) يشترط كون النتاج ملكًا لمالك النصاب بالسبب الذي ملك به النصاب، فلو أوصى بحمل لشخص .. لم يضم النتاج لحول الوارث، وكذا لو أوصى الموصى له بالحمل به قبل انفصاله لمالك الأمهات، نقله في "الكفاية" عن صاحب "التتمة". ولا بد من كون النتاج في أثناء الحول، كما صرح به "التَّنبيه" (¬2)، وهو مفهوم من قوله "المنهاج" [ص 163]: (يُزَكَّى بحوله)، وقوله "الحاوي" [ص 215]: (وللنتاج حول الأصل) لأنَّ ذلك الحول قد انقضى. 1101 - قوله "المنهاج" [ص 163]: (فلو ادعى النِّتَاج بعد الحول .. صُدِّقَ، فإن إنّهم .. حُلِّفَ) أي: ندباً، فلو نكل .. ترك. 1102 - قوله "التَّنبيه" [ص 55]: (وإن باع النصاب في أثناء الحول .. انقطع الحول) أي: سواء قصد الفرار من الزكاة أم لا، لكنَّه مع قصد الفرار يكره، وقد ذكره "التَّنبيه" في آخر (زكاة النبات) و "الحاوي" (¬3)، وهي كراهة تنزيه على المشهور، واختار الغزالي في "الوجيز": أنَّها كراهة تحريم (¬4)، وقال في "الإحياء": إنَّه لا تبرأ الذمة في الباطن (¬5)، وقال ابن الصلاح: يأثم بقصده لا بفعله (¬6)، وتعبير "المنهاج" بـ (زوال الملك) (¬7)، و "الحاوي" بقوله [ص 215]: (وبالنصاب بعينه كل الحول)، أعم من تعبير "التَّنبيه" بـ (البيع) فالبيع مثال، وجميع مزيلات الملك كذلك. وتناول كلامهم: ما إذا باع النقد بعضه ببعض للتجارة كالصيارفة، وهو الأصح، ولا يختص ذلك بالنقد، بل لو كانت عنده سائمة نصاباً للتجارة، فبادل بها نصاباً من جنسها للتجارة .. كان كالمبادلة بالنقود، نقله شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه" عن مقتضى كلام الماوردي فيما إذا باع بشرط الخيار، وهو مقتضى إطلاق "الحاوي" (¬8). 1103 - قوله "التَّنبيه" [ص 55]: (فإذا ملك نصاباً من السائمة حولاً كاملاً .. وجبت فيه الزكاة) فيه أمور: ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 55)، و "الحاوي" (ص 21)، و "المنهاج" (ص 163). (¬2) التَّنبيه (ص 55). (¬3) التَّنبيه (ص 58)، "الحاوي" (ص 215). (¬4) الوجيز (1/ 219، 220). (¬5) إحياء علوم الدين (1/ 18). (¬6) انظر "مشكل الوسيط" (2/ 435). (¬7) المنهاج (ص 163). (¬8) انظر "الحاوي الكبير" (3/ 197)

أحدها: أن السائمة تخرج المعلوفة، والسوم والعلف هنا متقابلان، وأمَّا في (النفقات): فقد أطلقوا العلف على أعم من السوم، ومنه قول "التَّنبيه" فيمن ملك دابة [ص 210]: (وجب عليه القيام بعلفها)، ومراده: ما يغدوها من سوم أو علف. ثانيها: تناول كلامه: المستامة بنفسها، والتي أسامها الغاصب والمشتري شراءً فاسدًا، والأصح: أنَّه لا زكاة فيها، وعن ذلك احترز "الحاوي" بقوله [ص 218]: (وإسامة المالك الماشية؛ فلا تجب في سائمة ورثها وتم حولها ولم يعلم، ولا في دين الحيوان) واعترض الرافعي على مسألة الدين: بجواز كون الماشية المستقرة في الذمة موصوفة بكونها سائمة، كما قالوا في السلم في اللحم: يتعرض لكونه لحم راعية أو معلوفة (¬1)، وضعفه القونوي: بأن المدعى امتناع اتصافه بالسوم المحقق، وثبوتها في الذمة سائمة أمر تقديري، وذكر "المنهاج": المستامة بنفسها (¬2). ثالثها: تناول كلامه أيضاً: ما لو أسامها في كلأ مملوك له، وفيها وجهان، في زوائد "الروضة" عن "البيان" بلا ترجيح (¬3)، ورجح السبكي وجوبها إن لم تكن له قيمة، أو كانت يسيرة، وسقوطها إن كانت له قيمة يُعَدّ مثلها كُلفةً في مقابلة نمائها، وفي "فتاوى القفال": إن اشترى كلأ فَرَعَتْه في مكانها .. فسائمة، فلو جزَّه وأطعمها إياه في المرعى أو البلد .. فمعلوفة، ولو رعاها ورقاً تناثر .. فسائمة، فلو جُمع وقدم لها .. فمعلوفة، واستحسنه في "المهمات"، وقال: ينبغي الأخذ به، وهذا وارد على "المنهاج" و "الحاوي" أيضاً. رابعها: تناول كلامه أيضاً: السائمة العاملة في حرثٍ ونضح ونحوه، ولا زكاة فيها على الراجح، وقد ذكرها "الحاوي" و "المنهاج" (¬4)، لكن تعبيره فيها بالأصح يخالف قوله في "شرح المهذب": قطع الأكثرون بعدم الوجوب (¬5)، ورجح البغوي الوجوب فيها (¬6)، فلو كانت تعمل في بعض السنة .. ففي "تعليق" البندنيجي عن الشَّيخ أبي حامد أنَّه إذا استعملها القدر الذي لو علفها فيه سقطت الزكاة .. فإنَّه تسقط الزكاة هنا، قال: والصحيح عندي: أنَّه إنَّما تسقط الزكاة بالاستعمال والنية، حكاه شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه"، ولو كانت معدة لاستعمال محرم؛ كإغارة ونحوها .. فلا تجب الزكاة فيها أيضاً، كما صرح به الماوردي في (باب زكاة ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (2/ 542). (¬2) المنهاج (ص 163). (¬3) البيان (3/ 151)، الروضة (2/ 191). (¬4) الحاوي (ص 218)، المنهاج (ص 163) (¬5) المجموع (5/ 316). (¬6) انظر "التهذيب" (3/ 26).

النقدين) بخلاف نظيره من الحلي (¬1)، وهو داخل في إطلاق "الحاوي" [ص 218]: (العاملة) لكن أخرجه قول "المنهاج" [ص 163]: (في حرثٍ ونضحٍ ونحوه)، فإن صح ذلك .. فعبارة "الحاوي" أحسن، وإلا .. فعبارة "المنهاج". خامسها: قد يفهم كلامه اعتبار السوم كل الحول، والأصح في "المنهاج" [ص 163]: (أنَّها إن علفت قدراً تعيش بدونه بلا ضرر بيَّن .. وجبت، وإلا .. فلا) وعليه مشى "الحاوي" بقوله فيما لا زكاة فيه [ص 218]: (والمعتلفة قدراً لولاه لتضررت)، وقوله: (بلا ضرر بيّن .. وجبت، وإلا .. فلا) من كلام الإمام، قال: ولا يبعد أن يلحق الضرر البيّن بالهلاك في هذه الطريقة. انتهى (¬2). ورجح في "الشَّرح الصَّغير" وجهًا ثانياً: أنَّه إن عُلفت قدراً يُعَدُّ مؤنة بالإضافة إلى رفق السائمة .. فلا زكاة، وإلا .. وجبت، قال تبعاً للغزالي: إنَّه الأفقه (¬3)، وقال السبكي: إنَّه قوي في المعنى، قال الرافعي: وفسّر الرفق بالدر والنسل والصوف، قال: ويجوز أن يراد به: رفقها في المرعى؛ فإن مؤنته أخف، وإن كان العلف حقيراً بالإضافة إليه .. فلا عبرة به، ووراء ذلك وجهان آخران، ثم هذا الخلاف مطلق في "المنهاج" وأكثر الكتب، وقيده صاحب "العدَّة" وغيره بما إذا لم يقصد قطع السوم، فإن قصد .. انقطع لا محالة، وقال الرافعي: لعله الأقرب. قال السبكي: وكذا حكاه الروياني عن النَّصُّ، لكنَّه استغربه، وزعم أن البندنيجي قال: إنَّه المذهب، وذلك يقتضي إثبات خلاف فيه. انتهى (¬4). قلت: وبه صرح الجرجاني في "الشافي"، فقال: وإن علفها الحول أو بعضه، ولم ينو نقلها إلى العلف .. فلا حكم له، وإن نواه .. انقطع حولها في أصح الوجهين، حكاه في "المهمات". * * * ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (3/ 273). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (3/ 205). (¬3) انظر "الوجيز" (1/ 220). (¬4) انظر "الأم" (2/ 48)، و "بحر المذهب" (4/ 99).

باب زكاة النبات

بابُ زكاة النّبات المراد به: الزروع والثمار، وإن كان استعمال النبات في الثمار غير مألوف. 1104 - قول "التَّنبيه" [ص 57]: (ولا تجب الزكاة في شيء من الزروع إلَّا فيما يقتات منه مما ينبته الآدميون) أي: يزرعون جنسه وإن نبت بنفسه؛ بأن تناثر حبٌّ مملوك أو حمله ماءٌ أو هواءٌ. وقول "المنهاج" [ص 164]: (المقتات اختياراً) مثل قول "الحاوي" [ص 212]: (قوت الاختيار)، فإن قلت: قد أهملا إنبات الآدميين كما أهمل "التَّنبيه" تقييد الاقتيات بحالة الاختيار .. قلت: لا إيراد على العبارتين؛ فذكر أحدهما يُغني عن الآخر. قال الرافعي: ضبطه الأئمة بوصفين: أن يكون مقتاتاً، وأن يكون من جنس ما ينبته الآدميون، فإن فقدا أو أحدهما .. فلا زكاة، قال: وإنَّما يحتاج إلى الثَّاني من أطلق الاقتيات، أما من قيده بحالة الاختيار .. فلا؛ إذ ليس فيما لا يُستنبت ما يقتات اختيارًا. انتهى (¬1). فـ "المنهاج" و "الحاوي" لما قيدا الاقتيات بالاختيار .. استغنيا عن ذكر الاستنبات، و "التَّنبيه" لما لم يقيده به .. احتاج إلى ذكر الاستنبات، والله أعلم. 1105 - قول "التَّنبيه" [ص 57]: (والدخن والذرة) يقتضي أنَّه غيرُه، وقال ابن الصلاح: الدخن نوع من الذرة (¬2). 1106 - قوله: (وما أشبه ذلك) (¬3) كأنه أشار به للسُّلت بناء على أنَّه جنس آخر، وهو الأصح (¬4). 1107 - قوله في القِطْنيّة (¬5): (وهي ... إلى آخره) (¬6)، قال في "الكفاية": تبع في حصره القاضي أبا الطَّيِّب، وقال النووي في "تحريره": إن الدخن والأرز منها. انتهى (¬7). وقوله: (والأرز) (¬8) وهمٌ من صاحب "الكفاية"، وإنَّما ذكر النووي بدله الذرة (¬9)، وقال ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (3/ 55). (¬2) انظر "مشكل الوسيط" (2/ 461). (¬3) انظر "التَّنبيه" (ص 57). (¬4) السُّلت بالضم: ضرب من الشعير، وقيل: هو الشعير بعينه، وقيل: هو الشعير الحامض، وقال اللَّيث: شعير لا قشر له أجرد، زاد الجوهري: كأنه الحنطة يكون بالغور، والحجاز يتبردون بتسويقه في الصيف. انظر "لسان العرب" (2/ 45، 46). (¬5) القِطنية - بكسر القاف: سميت بذلك؛ لأنَّها تدّخر وتخزن، فهي تقطن البيوت مع ساكنيها. انظر "المصباح". (¬6) انظر "التَّنبيه" (ص 57). (¬7) تحرير ألفاظ التَّنبيه (ص 108). (¬8) انظر "التَّنبيه" (ص 57). (¬9) انظر "المجموع" (5/ 445).

الماوردي والقاضي حسين والإمام: إنَّها الحبوب المقتاتة ما عدا البر والشعير (¬1). 1108 - قول "التَّنبيه" [ص 57]: (وقال في القديم: تجب في الزيتون، والورس، والقرطم) (¬2)، زاد "المنهاج" [ص 164]: (الزعفران، والعسل)، لكن تعبيره يقتضي اعتبار النصاب في هذه الأشياء، والأصح: اعتباره في الزيتون، والعسل، والقرطم دون الورس، والزعفران، وقول "التَّنبيه" [ص 57]: (ولا يجب ذلك إلَّا على من انعقد في ملكه نصاب من الحبوب، أو بدا الصلاح في ملكه في نصاب من الثمار) يخرج: الورس، والزعفران، لكنَّه يخرج العسل أيضاً، وهو خلاف الأصح، وقال في "الكفاية": إن هذا تفريع على الجديد، وفيه نظر؛ لأنَّ لفظ الحبوب يعم ما نسبه للقديم غير الورس، وفي "الرونق" لأبي حامد العراقي قولان في وجوب الزكاة في اللوز والبلوط. 1109 - قولهما: (وهو ألف وست مئة رطل بالبغدادي) (¬3) هو معنى قول "الحاوي" [ص 212]: (ثمان مئة مَنّ) لأنَّ المَنّ رطلان، وهو تحديد على الأصح، خلافاً لما في "شرح مسلم" و (الطهارة) من "شرح المهذب" من أنَّه تقريب (¬4)، والأصح: اعتبار الكيل لا الوزن إذا اختلفا، وهو بالكيل المصري: ستة أرادب وربع. قول "المنهاج" [ص 164]: (وبالدمشقي: ثلاث مئةٍ وستةٌ وأربعون رطلاً وثلثان) لم يذكره الرافعي في "المحرر"، ولا في "الشَّرح"، وإنَّما ذكره النووي من عنده بناء على ما يختاره الرافعي من كون رطل بغداد مئة وثلاثين درهماً، فقوله: (قلت: الأصح: ثلاث مئة واثنان وأربعون وستة أسباع رطل) (¬5) استدراك على ما لم يصرح الرافعي بخلافه، وعبارة "الروضة" من زوائده: (ونصف رطل وثلث رطل وسبعا أوقية) (¬6)، وعبارة "المنهاج" أخصر، وهما بمعنىً. 1110 - قول "المنهاج" [ص 164]: (ويعتبر تمرًا أو زبيباً إن تَتَمَّرَ أو تَزَبَّبَ، وإلا .. فرطباً وعنباً) أي: يعتبر بلوغه النصاب جافاً، فإن كان لا يجف .. اعتبر بلوغه رطباً، وكذا إن كان يجف، إلَّا أن جافه رديء، وكذا إن احتيج إلى قطعه للخوف من العطش، وهذه غير مسألة "التَّنبيه" حيث قال [ص 58]: (فإن احتيج إلى قطعه للخوف من العطش، أو كان رطباً لا يجيء منه تمرًا، أو عنباً لا يجيء منه زبيب .. أخذ الزكاة من رطبه)، فكلام "المنهاج" في الحالة التي يعتبر ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (3/ 242)، و "نهاية المطلب" (3/ 260). (¬2) الورس: نبت أصفر يكون باليمن، يصبغ به. القرطم: حب العصفر. انظر "دقائق المنهاج" (ص 54). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 58)، و "المنهاج" (ص 164). (¬4) شرح مسلم (7/ 49)، المجموع (1/ 181). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 164). (¬6) الروضة (2/ 234).

بلوغه فيها نصاباً، وكلام "التَّنبيه" في الحالة التي يخرج منه فيها الزكاة، ويلحق بما ذكره: ما إذا كان يجيء منه رطب أو زبيب، إلَّا أنه رديء، وقد ذكر "الحاوي" المسألتين فقال في الأولى: (وما لم يجف .. فرطباً)، وقال في الثَّانية: (وإن تضرر الشجر بالثمر، أو لم يجف .. قُطع وسلَّم العُشر) (¬1)، وفي كيفية الأخذ من الرطب طريقان: أحدهما: يأخذ عشر قيمة الرطب المقطوع. والثَّاني: يسلم عشر الرطب مشاعاً إلى الساعي ليتعين حق الأصناف؛ وذلك بتسليم الجميع، وحينئذ .. فيبيع الساعي نصيب الأصناف للمالك أو غيره، أو يبيع هو والمالك ويقتسمان الثمن، ومقتضى عبارة "الحاوي": استقلال المالك بالقطع، وكذا صحَّحه الرافعي في "الشَّرح الصَّغير"، وصحح النووي: وجوب استئذان الإمام والساعي في ذلك (¬2). 1111 - قولهما: (إنَّه يجب إخراج الواجب من الحب مصفى) (¬3) يستثنى منه الْعَلَس (¬4)، فإن الشَّافعي قال: أُخيّره بين أن يعطي من كل عشرة أوسق وسقاً؛ لأنَّه في هذه العشرة أبقى له، وبين أن يصفيه منها، ويعطي من كل خمسة أوسق العشر (¬5). قال في "الكفاية": وينبغي أن يستثنى الأرز أيضاً حيث اعتبرنا في نصابه ما يعتبر في العلس. انتهى. وبه صرح الرافعي (¬6)، كذا استدرك، وعندي: أنَّه لا يحتاج إلى استدراكه؛ لأنهما قد ذكراً حكم الأرز والعلس، وأن نصابه عشرة أوسق، لا سيما وقد صرح "المنهاج" بأن المراد: التصفية من تِبْنِهِ، والمغتفر هنا بقاؤه في قشره، فلم يتوارد الاستثناء مع إطلاقهما، والله أعلم. 1112 - قول "المنهاج" [ص 164]: (وما ادُّخِرَ في قشره - كأرز وعلس - فعشرة أوسقٍ) يقتضي أنَّهما ذكراً مثالاً، وأنَّه بقي شيء من الحبوب غيرهما يدخر في قشره، وليس كذلك؛ ولهذا عبر "التَّنبيه" بقوله [ص 58]: (إلَّا الأرز والعلس)، وهو صنف من الحنطة يدخر في قشره، فنصابه عشرة أوسق، قال ابن الرفعة: ولو كان خالص دون العشرة من ذلك خمسة أوسق .. كان ذلك نصاباً. انتهى. وقال الشَّيخ أبو حامد في الأرز: إنَّه ينقُصُ الثلثَ، على خلاف في النقل عنه. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 212، 213). (¬2) انظر "المجموع" (5/ 434). (¬3) انظر "التَّنبيه" (ص 58)، و "المنهاج" (ص 164). (¬4) العلس بفتح اللام: صنف من الحنطة، حبتان في كمام. انظر "دقائق المنهاج" (ص 54، 55). (¬5) انظر "الأم" (2/ 35). (¬6) انظر "فتح العزيز" (3/ 61).

1113 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ويُضَمُّ ثمر العام بعضُهُ إلى بعضٍ وإن اختلف إدراكه) (¬1) فيه أمران: أحدهما: أنَّه يتناول ما إذا أطلع الثَّاني بعد جَدَادِ الأوَّل، وهو الأصح في "المحرر" و "المنهاج" تبعًا للعراقيين، وإليه يميل كلام "الشَّرح الكبير" وإن لم يكن فيه تصريح (¬2)، وصحح في "الشَّرح الصَّغير" تبعاً للمراوزة: عدم الضم، فلو أطلع بعد صلاح الأول وقبل جداده .. رُتّبَ على القسم قبله، وأولى بالضم، وعبارة "المنهاج" تقتضي الجزم به. ثانيهما: يستثنى من ذلك: ما لو كانت نخلة تثمر في العام مرتين .. فلا ضم، بل هما كثير عامين. 1114 - قول "التَّنبيه" [ص 58]: (وفي الزروع أربعة أقوال) الأصح: قول خامس: أنَّه يضم ما اتفق حصاده في عام واحد، كذا نقله الرافعي والنووي عن الأكثرين، وصححه "المحرر" و "المنهاج"، ومشى عليه "الحاوي" (¬3)، وقال شيخنا في "المهمات": لم أر من صحَّحه بعد التتبع فضلاً عن عزوه إلى الأكثرين، بل رجح كثيرون: اعتبار وقوع الزرعين في السنة، منهم البندنيجي وابن الصباغ، وصحح في "البحر": اعتبار الحَصَادَين، ولكن في فصل واحد لا في سنة واحدة. انتهى (¬4). وكذا قال شيخنا ابن النقيب: لم أر من صحَّحه في شيء مما وقفت عليه من الكتب وهي أكثر من خمسة عشر مصنفاً من المبسوطات، فليت شعري من الأكثرون غيرهم؟ ! انتهى (¬5). 1115 - قول "التَّنبيه" [ص 58]: (وما سُقِيَ بغير مؤنة؛ كماء السماء والسيح وما يشرب بالعروق .. يجب فيه: العشر) أحسن من قول "المنهاج" [ص 165]: (وواجب ما شرب بمطر أو عروقه لقربه من الماء من ثمر وزرع: العشر) لأمرين: أحدهما: زيادة السيح، وهو: الماء الجاري على الأرض بسبب سد النهر العظيم، حتَّى يصعد الماء على وجه الأرض فيسقيها. ثانيهما: كونه ذكر ضابطاً يشمل الصور كلها، وهو: سقيه بغير مؤنة، ودخل فيه أيضاً: الشرب بالقنوات، وقد ذكره "المنهاج" بعد ذلك فقال [ص 165]: (إنَّه كمطر على الصَّحيح) وتناول هذه الصور كلها تعبير "الحاوي" لإطلاقه وجوب العشر، ثم ذكر صوراً يجب فيها نصفُ العشر (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "التَّنبيه" (ص 58)، و "الحاوي" (ص 216)، و "المنهاج" (ص 165). (¬2) المحرر (ص 94)، فتح العزيز (3/ 65)، المنهاج (ص 165). (¬3) المحرر (ص 95)، الحاوي (ص 216)، المنهاج (ص 165)، وانظر "فتح العزيز" (3/ 68)، و "المجموع" (5/ 450). (¬4) بحر المذهب (4/ 135، 136). (¬5) انظر "السراج على نكت المنهاج" (2/ 80). (¬6) الحاوي (ص 212).

1116 - قول "المنهاج" [ص 165]: (وما سُقِيَ بنضحٍ أو دولابٍ أو بماءٍ اشتراه: نصفه) فيه أمور: أحدها: بقي عليه: ما سقي بناعور، وهو: ما يديره الماء بنفسه؛ ففيه: نصف العشر أيضاً، وقد ذكره "الحاوي" (¬1)، وما سقي بدالية، وهي: المَنْجَنُون تديرها البقرة، وقد ذكرها "التَّنبيه" (¬2). ثانيها: مسألة السقي بماء اشتراه، محكية في "الروضة" عن ابن كج فقط (¬3)، وعبارة "المحرر": (فقد ذُكِرَ أن الواجب: نصف العشر) (¬4) ففي جزم "المنهاج" بذلك نظر. ثالثها: في معناه: السقي بماء غصبه، كما حكاه الرافعي عن ابن كج، وعلله: بأنه مضمون، واستحسنه الرافعي (¬5)، وخرجه شيخنا الإمام جمال الدين على وجهين، حكاهما القاضي حسين في "أسرار الفقه" فيما لو علفها بعلف مغصوب، هل ينقطع السوم؟ ، وقول "الحاوي" [ص 212]: (وإن سُقِيَ بنضحٍ وناعورٍ ودولابٍ .. فنصفه) يرد عليه: السقي بماء مشترى أو مغصوب إن صح ذلك، وبالدالية، ولا يرد شيء من ذلك على قول "التَّنبيه" [ص 58]: (وما سقي بمؤنة؛ كالنواضح والدوالي .. يجب فيه: نصف العشر) لأنه ذكر ضابطاً يتناول جميع الصور، وذكر له مثالين، والله أعلم. 1117 - قول "التَّنبيه" [ص 58]: (فإن سقي نصفه بهذا ونصفه بذاك .. وجب فيه ثلاثة أرباع العشر)، قال في "الكفاية": ظاهره: أنَّه سُقِيَ نصف النابت بماء السماء، ونصفه الآخر بالنضح، ولم أره لغيره، والمنقول: أن في المسقي بماء السماء: العشر، وغيره: نصفه، وقد يزيد المجموع على ثلاثة أرباعه لزيادة ثمرة أحدهما، والمراد: ما لو سُقِيَ الكل بالماءين سواء. انتهى. ولذلك عبر "المنهاج" بقوله [ص 165]: (وما سُقِيَ بهما سواء: ثلاثة أرباعه)، وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 212]: (وإن سُقِيَ بهما .. قُسِّط) ويمكن ردّ كلام "التَّنبيه" إليهما؛ بأن يكون معناه: وإن سقي نصف السقي بهذا ونصفه بذاك، مسعود الضمير على السقي لا على الزرع، ويكون قوله: (نصفه) في الموضعين منصوباً نصب المصدر. 1118 - قول "التَّنبيه" [ص 58]: (فإن سقي بأحدهما أكثر .. ففيه قولان، أحدهما: يعتبر فيه حكم الأكثر، والثَّاني: يجب في الجميع بالقسط) الثَّاني هو الأصح، وقد يفهم كلامه أن النظر لعدد ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 212). (¬2) التَّنبيه (ص 58). (¬3) الروضة (2/ 245). (¬4) المحرر (ص 95). (¬5) انظر "فتح العزيز" (3/ 72).

تنبيه [لا يختص التضمين بالمالك]

السقيات، والأصح: أن العبرة بعيش الزرع أو الثمرة ونمائه، وعليه مشى "المنهاج" و "الحاوي" (¬1). 1119 - قولهم والعبارة لـ "المنهاج": (ويجب بِبُدُوِّ صلاح ثَمرٍ، واشتداد حبٍّ) (¬2) بدو الصلاح في بعض الثمر، واشتداد بعض الحب كالكل، والمراد: بدو اشتداده، ولا يشترط نهايته، ولا يجب الإخراج وقت البُدُو، بل ولا يجزئ، وإنَّما المراد بوجوبه: انعقاده سبباً لوجوب الإخراج إذا صار تمرًا أو زبيباً أو حباً يصفَّى، ولو اشترى أو ورث نخلاً مثمرة، وبدا الصلاح عنده .. فالزكاة عليه لا على من انتقل إليه منه. 1120 - قول "التَّنبيه" [ص 58]: (وإن أراد صاحب المال أن يتصرف في الثمرة قبل الجفاف .. خرص عليه) يوهم أن الإرادة المذكورة شرط للخرص، وليس كذلك، بل هو مستحب مطلقاً، وقيل: واجب؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 165]: (ويسن خَرْصُ ثمر بدا صلاحه على مالكه)، و "الحاوي" [ص 212]: (ونُدِبَ خرص ... إلى آخره)، لكن لم يقيده بحالة بدو الصلاح، واستثنى الماوردي من الخرص: نخيل البصرة، فقال: لا تخرص؛ لكثرتها، ولإباحة أهلها الأكل منها للمجتاز (¬3). 1121 - قول "التَّنبيه" [ص 58]: (فإن كان أجناساً .. خُرصَ نخلةً نخلة) المراد: الأنواع؛ كالمعقلي والبرني (¬4). 1122 - قول "المنهاج" [ص 165]: (وشرطه: عدالة، وكذا حرية وذكورة في الأصح) هو معنى قول "الحاوي" [ص 212]: (أهل للشهادات)، وبقي عليهما: أن يكون عالماً بالخرص. تنبيه [لا يختص التضمين بالمالك] ظاهر عبارتهم: اختصاص التضمين بالمالك، وليس كذلك، فلو خرص الساعي ثمرة بين مسلم ويهودي وضمن الزكاة الواجبة على المسلم من اليهودي .. جاز، كما ضمّن عبد الله بن رواحة اليهود الزكاة الواجبة على الغانمين، حكاه شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه" عن "تعليق" الشَّيخ أبي حامد، قال شيخنا: وإذا كان المالك صبيًا أو مجنونًا .. فالتضمين يقع للولي، فيتعلق به كما يتعلق به ثمن ما اشتراه له، والخطاب في الأصل متعلق بمال الصبي. انتهى. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 212)، المنهاج (ص 165). (¬2) انظر "التَّنبيه" (ص 57، 58)، و "الحاوي" (ص 214)، و "المنهاج" (ص 165). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (3/ 224). (¬4) التمر المعقلي بفتح الميم وإسكان العين المهملة: نوع من التمر معروف بالبصرة وغيرها منسوب إلى سيدنا معقل بن يسار الصحابي رضي الله عنه، والبرني - كما قال صاحب "المحكم" -: هو ضرب من التمر أصفر مدور واحدته برنية، وهو أجود التمر، فهما جنس واحد. انظر "مغني المحتاج" (2/ 23).

1123 - قول "التَّنبيه" [ص 58]: (فإن باع قبل أن يضمن نصيب الفقراء .. بطل البيع في أحد القولين، ولم يبطل في الآخر) فيه أمران: أحدهما: الأصح: قول ثالث، وهو: البطلان في قدر الزكاة دون ما عداه، وعليه مشى "المنهاج" و "الحاوي" (¬1). ثانيهما: لا تختص المسألة بالثمار، وضابطه: بيع المال الزكوي بعد الوجوب وقبل الإخراج، والمسألة في "المنهاج" في آخر (الزكاة) (¬2)، ويستثنى منه: التصرف في مال التجارة بالبيع بعد وجوب الزكاة .. فالأصح: جوازه؛ لأنَّ متعلقها المالية، وهي لا تفوت بالبيع، وهذا مستثنى من عبارة "المنهاج" و "الحاوي". 1124 - قول "الحاوي" [ص 213]: (وإن ادعاه - أي: تلف المخروص - بسبب خفي .. صُدّق) أي: بيمينه، وكذا لو ادعاه بسبب ظاهر عرف، وقد ذكره "المنهاج" (¬3)، والمراد: عرف وقوعُه فقط، فلو عُرِف وقوعه وعمومه .. صُدّق بلا يمين. وبقي عليهما: ما إذا لم يذكر له سببًا أصلًا .. فإنَّه يصدق بيمينه أيضاً، وحيث حلفناه .. فاليمين مستحبة في الأصح. 1125 - قول "المنهاج" [ص 166]: (ولو ادعى غلط الخارص بما يَبْعُدُ .. لم يُقبَل) أي: فيما يبعد، والأصح: حَط القدر المحتمل. 1126 - قوله: (أو بمحتملٍ .. قبل) (¬4)، مثل قول "الحاوي" [ص 213]: (غلطاً ممكنًا) والمراد: الاحتمال القريب والإمكان القريب، وقد ذكره "المنهاج" في مقابلة قوله: (بما يَبْعُد)، وقوله: (في الأصح) لمحل الخلاف شرطان: أحدهما: أنَّه فيما إذا كان المدعى به نقصاً يقع بين الكيلين، أما إذا ادعى شيئًا محتملاً، وهو فوق ذلك .. قبل جزمًا، ومثلوه: بخمسة أوسق في مئة، وفي "المهمات" عن البندنيجي: أن نقصان عشر الثمرة وسُدُسِها مما يحتمل أيضاً. ثانيهما: محلهما أيضًا: ما إذا كان المخروص تالفًا، فإن كان موجودًا .. أعيد كيله وعمل به، وهذا الثَّاني وارد على عبارة "الحاوي" أيضاً. * * * ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 21)، المنهاج (ص 165). (¬2) المنهاج (ص 177). (¬3) المنهاج (ص 166). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 166).

باب زكاة النقد

باب زكاة النّقد 1127 - كذا في "المنهاج" (¬1)، وعبر "التَّنبيه" بالناض (¬2) وكلاهما يختص بالمضروب، فالأحسن: التعبير بالذهب والفضة، كما في "الروضة" (¬3) ليشمل التبر والحلي، وقد يقال: النقد والناض ضد العَرض، فيشمل الكل. 1128 - قول "التَّنبيه" [ص 58]: (وهو من أهل الزكاة) معلوم مما أورده أول الكتاب، ولا اختصاص له بهذا الباب. 1129 - قول "المنهاج" [ص 167]: (نصاب الفضة مئتا درهم) أحسن من تعبير "التَّنبيه" بـ (الورق) (¬4) لاختصاصه بالمضروب عند أكثر اللغويين، كما قاله النووي (¬5)، وعبر "الحاوي" بالنقرة (¬6). 1130 - قول "المنهاج" [ص 167]: (ولو اختلط إناءٌ منهما وجُهِلَ أكثرهما .. زُكِّيَ الأكثر ذهباً وفضةً، أو مُيِّزَ) أي: بينهما بالنار، قال في "البسيط": ويحصل المقصود بسبك جزء يسير منه إن استوت أجزاؤه، وأشار إليه الإمام، وبقي طريق ثالث ذكره "الحاوي"، وهو: الامتحان بالماء (¬7)، بأن يوضع في الماء - فيما إذا كان من أحدهما ست مئة، ومن الآخر أربع مئة، واشتبه - ألف من الذَّهب، ويُعلّم على الموضع الذي ارتفع إليه الماء، ثم يخرج، ويوضع ألف من الفضة، ويُعلّم على موضع الارتفاع، ثم يخرج ويوضع المخلوط، وينظر إلى ارتفاع الماء به، فإن كان أقرب إلى علامة الذَّهب .. فهو الأكثر، أو إلى علامة الفضة .. فهي الأكثر. قال في "المهمات": وأسهل من هذه وأضبط أن يوضع في الماء ست مئة ذهباً، وأربع مئة فضة، ويُعلّم ارتفاعه، ثم يعكس ويُعلّم أيضاً عليه، ثم يوضع المشتبه، ويلحق بالذي وصل إليه، ونقل في "الكفاية" طريقاً آخر عن الإمام وغيره، يأتي أيضاً مع الجهل بمقدار منوع، وهو: أن يطرح المختلط - وهو ألف مثلًا في ماء - ويُعلّم موضع ارتفاعه، ثم يرفع ويطرح من خالص الذَّهب شيء بعد شيء حتَّى يرتفع الماء إلى تلك العلامة، ثم يرفع، ويعتبر وزنه، فإذا كان ألفًا ومئتين ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 167). (¬2) التَّنبيه (ص 58). (¬3) الروضة (2/ 256). (¬4) التَّنبيه (ص 59). (¬5) انظر "تحرير ألفاظ التنبيه" (ص 113). (¬6) الحاوي (ص 211). (¬7) الحاوي (ص 211).

مثلًا .. وضع في الماء من الفضة الخالصة شيء بعد شيء حتَّى يرتفع الماء إلى تلك العلامة، ثم ترفع ويعتبر وزنها، فإذا كانت ثمان مئة مثلًا .. علمنا أن نصف المختلط ذهب ونصفه فضة، وقس على ذلك (¬1). ويمكن إدراج الامتحان بالماء في قول "المنهاج" [ص 167]: (أو ميّز)، وهل له اعتماد ظنّه فيما إذا غلب على ظنه أن الأكثر ذهب أو فضة؟ قال العراقيون: إن كان يفرق بنفسه .. فله ذلك، وإن دفع إلى الساعي .. فليس إلَّا الاحتياط والتمييز، وقال الإمام: الذي قطع به أئمتنا أنَّه لا يجوز اعتماد ظنه، وصححه في "الشَّرح الصَّغير"، قال الإمام: ويحتمل أن يجوز له الأخذ بما شاء من التقديرين؛ لأنَّ اشتغال ذمته بغير ذلك مشكوك فيه (¬2). قال السبكي: ويقوي هذا الاحتمال فيما إذا تعذر التَّمييز، كما لو تلف الإناء بعد التمكن واستقرار الزكاة، ويعضده التخيير في مسألة المني والمذي، وفي "القواعد" لابن عبد السَّلام: أن من عليه زكاة، ولا يدري أهي بقرة، أم بعير، أم درهم، أم دينار؟ يأتي بالكل، ثم قال: وفيه نظر (¬3). وجزم الإمام بأن من عليه دين يشك في قدره .. يجب عليه إخراج المتيقن بغير زيادة، وكلام الإمام مع اتحاد الجنس، كما لو شك هل عليه خمسة دراهم أو عشرة مثلًا؟ فالواجب: خمسة؛ لأنَّ الأصل عدم الزائد، والله أعلم. 1131 - قول "المنهاج" [ص 167]: (ويُزكي المحرَّمَ) كذا المكروه عند الجمهور؛ كضبة صغيرة للزينة أو كبيرة للحاجة، وقد ذكره "التَّنبيه" (¬4)، وهو مقتضى إطلاق "الحاوي": إيجاب الزكاة في غير الحلي المباح (¬5). 1132 - قول "التَّنبيه" [ص 59]: (فإن ملك حلياً مُعَدّاً لاستعمال مباح .. لم تجب الزكاة فيه في أحد القولين) هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" و "الحاوي" (¬6)، وقد اسْتُثْني منه: ما لو مات عن حلي مباح، فمضى عليه حول قبل علم وارثه به .. قال في "البحر": لزمه زكاته؛ لأنَّه لم ينو إمساكه لقصد استعمال مباح، وذكر عن والده احتمال وجه فيه إقامةً لنية مورثه مقام نيته (¬7)، ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (3/ 277). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (3/ 277، 278). (¬3) قواعد الأحكام في إصلاح الأنام (2/ 26). (¬4) التَّنبيه (ص 59). (¬5) الحاوي (ص 211). (¬6) الحاوي (ص 211)، المنهاج (ص 167). (¬7) بحر المذهب (4/ 159).

ويوافقه ما صحَّحه "المنهاج" فيما لو اتخذ سواراً بلا قصد .. أنَّه لا زكاة فيه (¬1). 1133 - قوله: (فمن المُحَرَّم إناء) (¬2) أي: لرجل وامرأة. 1134 - قوله: (وسوار وخلخال لِلُبْسِ رجل) (¬3) وكذا خنثى على المذهب. 1135 - قول "المنهاج" [ص 167]: (فلو اتخذ سواراً بلا قصد .. فلا زكاة في الأصح) أحسن من قول "المحرر": (ولم يقصد استعمالاً مباحًا ولا محظورًا) (¬4) فإن مفهوم "المنهاج": وجوب الزكاة فيما إذا قصد القنية، وبه صرح "التَّنبيه" (¬5)، بخلاف "المحرر" فإن مفهومه في قصد الاستعمال خاصة لا في مطلق القصد، وأمَّا قول "الحاوي" [ص 211]: (ولو لم يقصد شيئًا)، فقد يقال: إنَّه مثل "المنهاج"، وقد يقال: بل عبارته تدل على أنَّه لا زكاة فيه؛ لأنَّه أطلق وجوب الزكاة في غير الحلي المباح، وهذا من الحلي المباح، وقد أوردت مسألة الخُلُوّ عن القصد على عبارة "التَّنبيه" لفرضه الكلام في المعد لاستعمال أو قنية، والحقُّ: أنَّها لا ترد، بل قد يقال: إن مفهومه عند انتفاء الإعداد انتفاء الزكاة، وهو المطلوب، وقد يقال: هو مسكوت عنه، أما أن يقال؛ إن مفهومه إيجاب الزكاة في هذه الصورة .. فبعيد، والله أعلم. 1136 - قول "الحاوي" [ص 211]: (أو قصد الإجارة) أي: لمن له استعماله، كما صرح به "المنهاج" (¬6). 1137 - قوله: (وكذا لو انكسر حلي وقصد إصلاحه) (¬7) أي: فلا زكاة في الأصح، والمراد: حلي مباح الاستعمال تفريعًا على أنَّه لا زكاة فيه، وقد ذكره "الحاوي" في فروع الحلي المباح (¬8)، ومفهومهما: وجوب الزكاة إذا لم يقصد شيئًا، وهو المصحح في "الشَّرح الصَّغير" و "أصل الروضة" (¬9)، لكن في "الشَّرح الكبير" في أول كلامه: تصحيح عدم الوجوب (¬10)، وقال في "المهمات": إنَّه الصواب، وقال (¬11) الماوردي: إنَّه المنصوص (¬12)، وفي "البيان": إنَّه ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 167). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 167). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 167). (¬4) المحرر (ص 96). (¬5) التَّنبيه (ص 59). (¬6) المنهاج (ص 167). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 167). (¬8) الحاوي (ص 211). (¬9) الروضة (2/ 261). (¬10) فتح العزيز (3/ 97). (¬11) في النسخ: (فقال)، ولعل الصواب ما أثبت. (¬12) انظر "الحاوي الكبير" (3/ 278).

الجديد (¬1)، وقال البندنيجي: إنَّه: مقتضى نصه في "الأم" (¬2). 1138 - قول "المنهاج" [ص 167]: (ويحرم على الرجل حلي الذَّهب) يتناول المموّه به؛ أي: المطلي به، وقد صرح به "التَّنبيه"، قال [ص 43]: (إلَّا أن يكون قد صدئ)، وهذا فيما إذا حصل منه شيء بالعرض على النَّار، فإن لم يحصل .. فوجهان، أصحهما: الحل، وقد ذكره "المنهاج" في الآتية (¬3)، و "الحاوي" هنا (¬4)، لكنهما أطلقا الإباحة، وقد عرفت محلها، فيحرم عند حصول شيء منه بالعرض على النَّار قطعاً، كما تقدم، فإطلاق كلٍ من الكتب الثلاثة في المموّه مدخول، والله أعلم. 1139 - قول "التَّنبيه" [ص 43]: (ويجوز شد السن بالذهب)، أورد في "الكفاية" أن نص الشَّافعي يدل على منع الشدّ؛ حيث قال: لو اضطربت سنّهُ فأثبتها بذهبٍ أو فضةٍ .. لم تصح صلاته؛ لأنَّها ميتة (¬5)، ثم أجاب: بحمله على ما إذا لم يبق لها ثبات بدونه، وحمل كلام "التَّنبيه" على ضعيفة يبقى ثباتها، قال النسائي: وفيما قاله نظر؛ لأنَّ الصَّحيح: طهارة الجزء المنفصل، وكان التأويل بأن النَّصُّ أحد القولين، والصحيح: خلافه أولى. انتهى (¬6). وقد يفهم من اقتصاره على شد السن منعُ جعل سن كاملة من ذهب، وليس كذلك، وقد صرح بتجويزها "المنهاج" و "الحاوي" (¬7). 1140 - قول "المنهاج" [ص 167]: (لا إصبع) استثناءٌ من الإباحة المستثناة من التحريم، فتحرم، وكما يحرم الإصبع من الذَّهب .. يحرم من الفضة، وعبارة "المنهاج" لا تعطيه. 1141 - قوله: (ويحرم سِنُّ خاتم على الصَّحيح) (¬8) عبارة "الروضة": قطع الأكثرون بتحريمه (¬9). 1142 - قوله: (ويحل له من الفضة خاتم) (¬10) قد يفهم أن المراد: التَّوحيد، فلا تجوز الزيادة ¬

_ (¬1) البيان (3/ 303). (¬2) الأم (2/ 42). (¬3) المنهاج (ص 69). (¬4) الحاوي (ص 211). (¬5) انظر "الأم" (1/ 54). (¬6) انظر "نكت النبيه على أحكام التَّنبيه" (ق 39). (¬7) الحاوي (ص 195)، المنهاج (ص 167). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 167). (¬9) الروضة (2/ 262). (¬10) انظر "المنهاج" (ص 167).

على خاتم واحد، وهو مقتضى قول الرافعي: لو اتخذ الرجل خواتم كثيرة ليلبس واحدًا بعد واحد .. فلا منع (¬1). وقال المحب الطبري: المتجه: أنَّه لا يجوز للرجل لبس الخاتمين سواء كانا في يدين أم في يد واحدة؛ لأنَّ الرخصة لم ترد بذلك، قال: ولم أقف فيه على نقل. قال في "المهمات": وقد صرح الدَّارميُّ في "الاستذكار" بما توقف فيه، وقال الخوارزمي في "الكافي": يجوز أن يلبس زوجاً في يدٍ وفرداً في الأخرى، فإن ليس في هذه زوجاً وفي الأخرى زوجاً .. فقال الصَّيدلانيُّ في "الفتاوى": لا يجوز. انتهى. وقول "الحاوي" [ص 195]: (والورق لتختم) لا يفهم التَّوحيد. 1143 - قول "المنهاج" [ص 167]: (لا ما لا يلبسه كسرج ولجام في الأصح) محله: في المقاتل، أما غيره: فلا يجوز له ذلك بلا خلاف، كما في "البحر"، وعبارته: حرام بلا إشكال (¬2)، ويستثنى أيضاً: البغلة والحمار، فلا يجوز ذلك فيهما بلا خلاف، كما في "الذخائر" لأنهما لا يصلحان للحرب، حكاهما في "المهمات". 1144 - قول "المنهاج" - والعبارة له - و "الحاوي": (وليس لامرأة تحلية آلة حرب) (¬3) كذا في "الشَّرح" عن الجمهور (¬4)، واعترض الشافعي صاحب "المعتمد" بأن المحاربة جائزة لهن في الجملة، وفي تجويزها استعمال آلاتها، وإذا جاز استعمالها، وهي غير محلاة .. جاز استعمالها محلاة؛ لأنَّ التحلي لهن أجوز منه للرجال، قال الرافعي: وهذا هو الحق (¬5)، ورده النووي بأن التشبه بالرجال حرام كما صح به الحديث (¬6). 1145 - قول "المنهاج" - والعبارة له - و "الحاوي": (ولها لبس أنواع حُليِّ الذَّهب والفضة) (¬7) واستثنى "الحاوي": الافتراش، تبعًا للرافعي (¬8)، وصحح النووي: جوازه (¬9)، ويستثنى مع ذلك أيضاً مسألتان: إحداهما: التاج؛ حيث لم تجر عادة النساء بلبسه فيحرم عليهن؛ لأنَّه لباس عظماء الفُرْسِ، ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (3/ 101). (¬2) بحر المذهب (4/ 155). (¬3) الحاوي (ص 195)، المنهاج (ص 168). (¬4) فتح العزيز (3/ 100). (¬5) انظر "فتح العزيز" (3/ 100). (¬6) انظر "المجموع" (4/ 385)، (6/ 1). (¬7) الحاوي (ص 195)، المنهاج (ص 168). (¬8) انظر "فتح العزيز" (1/ 91)، و "الحاوي" (195). (¬9) انظر "المجموع" (4/ 384).

كذا في "الروضة" وأصلها (¬1)، وقال في "شرح المهذب": الصواب: الجواز مطلقاً من غير ترديد؛ لعموم الحديث، ولدخوله في اسم الحلي (¬2). الثانية: الدراهم والدنانير التي تثقب وتجعل قلادة فيها وجهان، أصحهما: التحريم، كذا في "الروضة" (¬3)، وهو غلط، فلا خلاف في جوازها بلا كراهة، وإنَّما الخلاف في أنَّها هل تلتحق بالحلي المباح؟ فلا تجب الزكاة فيها، أو تجب؛ لبقاء النقدية فيها، وإنَّما يخرجها عن ذلك الصياغة. 1146 - قول "المنهاج" [ص 168]: (والأصح: تحريم المبالغة في السرف) في "الروضة": (الصَّحيح: الذي قطع به معظم العراقيين) (¬4)، وذلك يقتضي ضعف مقابله، وتقييد السرف بالمبالغة، تبع فيه "المحرر" (¬5) وفي "شرح المهذب": سرف ظاهر (¬6)، وعبارة "الحاوي" [ص 195]: (مَّا لم تسرف)، فلم يقيده بشيء، وكذا في "الروضة" وأصلها (¬7)، قال السبكي: وهو الأولى. انتهى. ويؤيده قول "المنهاج" عقبه [ص 168]: (وكذا إسرافه في آلة حرب) واقتصر "الحاوي" على ذكر ذلك في المرأة (¬8)، وفي معناه: إسراف الرجل في تحلية آلة الحرب، وقد ذكره "المنهاج". 1147 - قول "المنهاج" [ص 168] و "الحاوي" [ص 195]: (إنَّه يجوز تحلية المصحف بفضة) كذا غلافه المنفصل عنه. * * * ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 263). (¬2) المجموع (4/ 384). (¬3) الروضة (2/ 264). (¬4) الروضة (2/ 264). (¬5) المحرر (ص 97). (¬6) المجموع (4/ 384)، (6/ 1). (¬7) الروضة (2/ 264). (¬8) الحاوي (ص 195).

باب زكاة المعدن والركاز

بابُ زكاة المعدن والرّكاز 1148 - قول "التَّنبيه" [ص 60]: (إذا استخرج من معدن) إلى قوله: (في أصح القولين) فيه أمور: أحدها: قوله: (في أرض مباحة أو مملوكه له) (¬1) لا حاجة إليه، مع قوله أولاً: (تام الملك على ما تجب فيه) (¬2)، ومع ما ذكره في (إحياء الموات) من قوله: (ويملك المُحْيَا وما فيه من المعادن) (¬3) ولذلك لم يذكره "المنهاج" و "الحاوي". ثانيها: أنَّه قطع باعتبار النصاب، وحكى الخلاف في الحول، وهي طريقة رجحها في "شرح المهذب" (¬4)، والأصح: القطع فيهما؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 169]: (ويشترط نصاب لا حول على المذهب فيهما)، وعبارة "الروضة": المذهب: اشتراط النصاب دون الحول، وقيل: قولان فيهما (¬5)، وهو غير مطابق لما في الرافعي؛ فإن لفظه: إن أوجبنا ربع العشر .. فلا بد من النصاب، وفي الحول قولان، وإن أوجبنا الخمس .. فلا يعتبر الحول، وفي النصاب قولان (¬6). ثالثها: يرد على اشتراط كون المستخرج نصاباً: ما لو نال منه بعضه في آخر حول ما عنده، أو بعد تمامه من جنسه .. فإنَّه يضمه إليه ويخرج واجبه، وكذا في أثناء حول ما عنده في الأصح، وقد ذكره "المنهاج" بقوله [ص 169]: (كما يضمه إلى ما ملكه بغير المعدن في إكمال النصاب)، وهو مفهوم من قول "الحاوي" [ص 211]: (ولو من معدن). رابعها: قوله: (وهو من أهل الزكاة) (¬7) أخرج به المكاتب، والذمي، ونحوهما، ولو حذفه .. لكان أولى، كما تقدم في زكاة الناض؛ ولذلك لم يذكره "المنهاج" و "الحاوي". خامسها: قوله: (أو في أوقات متتابعة) (¬8) ظاهر في اعتبار التوالي في الاستخراج، وليس كذلك؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 169]: (ولا يشترط اتصال النَّيلِ على الجديد) لكنَّه أطلق القولين، ومحلهما: إذا طال زمن الانقطاع، فإن قصر .. ضُمَّ قطعاً. ¬

_ (¬1) انظر "التَّنبيه" (ص 60). (¬2) انظر "التَّنبيه" (ص 55). (¬3) انظر "التَّنبيه" (ص 130). (¬4) المجموع (6/ 56). (¬5) الروضة (2/ 286). (¬6) انظر "فتح العزيز" (3/ 130) (¬7) انظر "التَّنبيه" (ص 60). (¬8) انظر "التَّنبيه" (ص 60).

سادسها: قوله: (في الحال في أصح القولين) (¬1) ظاهر في حكايتهما سواء أوجبنا ربع العشر أو الخمس، وحُكي عن العراقيين، لكن الذي ذكره الرافعي تبعًا للخراسانيين: أنا إن أوجبنا الخمس .. لم نعتبر الحول قطعاً (¬2). نعم؛ مقتضى كلام "شرح المهذب" موافقة الأكثرين لكلام "التَّنبيه" في ذلك (¬3). 1149 - قوله: (وفي زكاته ثلاثة أقوال، أحدها: ربع العشر) (¬4) هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" و "الحاوي" (¬5). 1150 - قول "المنهاج" [ص 169]: (وفي الركاز الخمس يصرف مصرف الزكاة على المشهور) عبارة "الروضة": المذهب (¬6)، وحكى في "شرح المهذب" عن الجمهور القطع به (¬7). 1151 - قوله: (وشرطه النصاب والنقد) (¬8) مثل قول "التَّنبيه" [ص 60]: (وهو نصاب من الأثمان) وفيه أمران: أحدهما: لو عبرا بـ (الذَّهب والفضة) كما في "الروضة" (¬9) .. لكان أولى؛ ليتناول المضروب وغيره، بخلاف النقد والأثمان؛ فإنهما مختصان بالمضروب. ثانيهما: لو كان الموجود دون نصاب، لكنَّه يملك من جنسه ما يكمله .. ضم إليه، كما تقدم في المعدن، ولم يتعرض "الحاوي" لاعتبار كونه نصاباً أو ذهباً أو فضة، وكأنه اكتفى بذكره في زكاة النقد. 1152 - قول "التَّنبيه" [ص 60]: (وإن كان دون النصاب، أو قدر النصاب من غير الأثمان .. ففيه قولان) الأصح: أنَّه لا زكاة، وعبر في "المنهاج" بـ (المذهب) (¬10)، فيحتمل أن يكون من قولين، كما في "التَّنبيه"، وهو الذي رجحه الرافعي (¬11)، وأن يكون ترجيحًا لطريقة القطع، كما في "الروضة" (¬12). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 60). (¬2) انظر "فتح العزيز" (3/ 130). (¬3) المجموع (6/ 65). (¬4) انظر "التَّنبيه" (ص 60). (¬5) الحاوي (ص 211)، المنهاج (ص 169). (¬6) الروضة (2/ 285). (¬7) المجموع (6/ 65). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 169). (¬9) الروضة (2/ 286). (¬10) المنهاج (ص 169). (¬11) انظر "فتح العزيز" (3/ 133). (¬12) الروضة (2/ 285).

1153 - قول "التَّنبيه" [ص 60]: (وإن وجد ركازاً من دفن الجاهلية) أحسن من قول "الحاوي" [ص 211]: (بضرب الجاهلية) ففي "الروضة" وأصلها: لا يلزم من كونه على ضرب الجاهلية .. كونه دفن في الجاهلية؛ لاحتمال أنَّه وجده مسلم بكنز جاهلي، فكنزه ثانياً، والحكم مُدار على كونه من دفن الجاهلية، لا على كونه ضَرْب الجاهلية (¬1). وفي "شرح المهذب": إن هذا مفرع على الأصح، وهو أن ما لا علامة عليه يكون لقطة، أما إذا قلنا: إنه ركاز .. فالحكم منوط بضربهم (¬2). وقال السبكي: الحق: أنَّه لا يشترط العلم بكونه من دفنهم؛ فإنَّه لا سبيل إليه، وإنَّما يكتفى بعلامة تدل عليه من ضرب أو غيره. انتهى. وعبارة "المنهاج" [ص 169]: (وهو موجود جاهلي)، وإضافته إلى الجاهلية قد تكون بحسب الدفن، وقد تكون بحسب الضرب، ويدل على إرادته الثَّاني قوله بعد ذلك: (وكذا إن لم يُعْلَم مِنْ أيِّ الضربين هو) (¬3). 1154 - قول "التَّنبيه" [ص 60]: (في موات) كذا إذا وجده في ملك أحياه، وقد ذكره "المنهاج" و "الحاوي" (¬4)، أو في أرض موقوفة واليد له، قاله البغوي (¬5): أو في قبر جاهلي، أو قلعة عاديّة جاهلية. 1155 - قول "التَّنبيه" [ص 60]: (وإن كان في أرض مملوكة .. فهو لصاحب الأرض)، قال في "المنهاج" [ص 169]: (إن ادعاه) كذا في كتب الرافعي والنووي (¬6)، ولم يشترطه ابن الرفعة والسبكي، بل شرطاً ألَّا ينفيه كسائر ما في يده، وصوبه في "المهمات"، وحينئذ .. فقول "المنهاج" [ص 169]: (وإلا) أي: وإن لم يدّعه، بل نفاه، والحاصل: أنَّه له في حالة السكوت أيضاً. 1156 - قوله: (حتَّى ينتهي إلى المحيي) (¬7) أي: فيكون له وإن لم يدّعه، كما في "الروضة" وأصلها (¬8)، وقاله السبكي، لكن قياس ما تقدم عنه: أن يكون له وإن نفاه. ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 287). (¬2) المجموع (6/ 66). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 169). (¬4) الحاوي (ص 211)، المنهاج (ص 169). (¬5) انظر "التهذيب" (3/ 119). (¬6) انظر"فتح العزيز" (3/ 140)، و "المحرر" (ص 98)، و "المجموع" (6/ 56)، و "الروضة" (2/ 288). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 169). (¬8) الروضة (2/ 288).

1157 - قوله: (ولو تنازعه بائعٌ ومشترٍ، أو مُكْرٍ ومُكْترٍ، أو مُعِيرٌ ومُسْتعيرٌ .. صُدّق ذو اليد بيمينه) (¬1)، هذا إذا احتمل ما يدّعيه ولو على بُعد، فإن لم يحتمل لكون مثله لا يمكن دفنه في مدة يده .. فلا يصدق، ولو تنازعا بعد عود العين إلى المكري، أو المعير: فإن قال: دفنته بعد العود إليّ .. صُدّق إن أمكن، وإن قال: دفنته قبل خروجها من يدي .. فالأصح: تصديق المكتري والمستعير. * * * ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 169).

باب زكاة التجارة

بابُ زكاة التجارة كذا في "المنهاج" (¬1)، وهو أولى من تعبير "التَّنبيه" بالعروض (¬2)، لشموله التجارة في النقود. 1158 - قول "المنهاجِ" [ص 170]: (شرط زكاة التجارة الحول، والنصاب معتبراً بآخر الحول، وفي قول: بِطَرَفيْهِ، وفي قول: بجميعه)، تبع "المحرر" في أنَّها أقوال (¬3)، لكن في "الروضة" تصحيح أنها أوجه (¬4)، وحكاه الرافعي عن عبارة الأكثرين (¬5)، ومنشأ هذا الخلاف أن الأخيرين مخرجان، والمخرج يعبر عنه بالوجه تارة وبالقول أخرى، لكن الأوَّل منصوص في "الأم" (¬6)، فالتعبير بالأقوال أولى؛ لأنَّ المنصوص لا يعبر عنه بالوجه، والمخرج يصح التعبير عنه بالقول. 1159 - قوله: (فعلى الأظهر: لو ردَّ إلى النقد في خلال الحول، وهو دون النصاب، واشترى به سلعةَ .. فالأصح: أنَّه ينقطع الحول، ويبتدئ حولها من شرائها) (¬7) فيه أمور: أحدها: أفهم كلامه تخصيص ذلك بالتفريع على الأظهر، وكذا عبر الغزالي (¬8)، قال الرافعي: وهو جارٍ وإن قلنا بغيره (¬9)، وجوابه: أن ذلك يؤخذ من طريق الأولى. ثانيها: اعتمد في تصحيحه على قول الإمام: رأيت المتأخرين يميلون إليه (¬10)، وكذا في "المحرر" (¬11)، واقتصر في "الروضة" على نقل كلام الإمام (¬12)، ولم أر في ذلك ترجيحًا لغيره، ومشى عليه "الحاوي" بقوله [ص 215، 216]: (وفي التجارة آخره ما لم ينضّ كما مر ناقصًا) (¬13) ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 170). (¬2) التَّنبيه (ص 59). (¬3) المحرر (ص 98). (¬4) الروضة (2/ 267). (¬5) انظر "فتح العزيز" (3/ 106). (¬6) الأم (2/ 46). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 170). (¬8) انظر "الوجيز" (1/ 229). (¬9) انظر "فتح العزيز" (3/ 107). (¬10) انظر "نهاية المطلب" (3/ 298). (¬11) المحرر (ص 99). (¬12) الروضة (2/ 268). (¬13) أهل الحجاز يسمون الدراهم والدنانير: النض، والناض: إذا تحول عينًا بعد أن كان متاعاً. انظر "مختار الصحاح" (ص 277).

فائدة [تتعلق بنقص السعر أو زيادته عند الحلول]

ثالثها: المراد: الرد إلى النقد الذي يقوّم به، وهو رأس المال إن كان نقدًا، وغالب نقد البلد إن كان رأس المال عرضًا، قال في "الروضة": ولو باعها بالدراهم والحال تقتضي التقويم بالدنانير .. فهو كبيع السلعة بالسلعة. انتهى (¬1). وإلي ذلك أشار "الحاوي" بقوله: (كما مر). فائدة [تتعلق بنقص السعر أو زيادته عند الحلول] إذا فرعنا على الأظهر، فكان مال التجارة آخر الحول مغصوباً أو ديناً مؤجلًا، وكان السعر غالياً، ثم عند الحلول المقتضي للأخذ أو القبض في الغصب نقص السعر أو بالعكس .. فالعبرة بأقل القيمتين، فهو الذي دخل في يد المالك، كذا أفتى به شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني، ونقلته من خطه. 1160 - قول "التَّنبيه" [ص 59]: (وإن باع عرضًا للتجارة في أثناء الحول بعرض للتجارة .. لم ينقطع الحول) كذا إذا أطلق في الأصح، أما إذا نوى به القنية .. فإنَّه ينقطع. 1161 - قوله: (وإن باع الأثمان بعضها ببعض للتجارة .. فقد قيل: ينقطع الحول، وقيل: لا ينقطع) (¬2) الأوَّل هو الأصح، وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 215]: (فإن باع ورُد بعيب أوْ إقَالَةٍ .. يستأنف الحول)، وعن ابن سريج أنَّه كان يقول: بشروا الصيارفة أنَّه لا زكاة عليهم، وعن الإصطخري: أنَّه نسب ابن سريج في ذلك إلى خرق الإجماع؛ ولذلك اختار السبكي الثَّاني، وقال: هذا إذا كان النقد نصاباً، فإن لم يكن .. فلم أر فيه نقلًا، والأرجح: أنَّه كذلك، وكذا اختار في السائمة ببيع بعضها ببعض في أثناء الحول للتجارة: وجوب الزكاة كما اختار في النقد. 1162 - قول "المنهاج" [ص 170]: (ولو تم الحول وقيمة العرض دون نصاب .. فالأصح: أنَّه يبتدئ حول، ويبطل الأول) عبر "التَّنبيه" عن مقابله بقوله [ص 59]: (وقيل: إن زادت قيمته بعد ذلك بيوم أو شهر .. صار ذلك حوله، وتلزمه الزكاة، ويجعل الحول الثَّاني من ذلك الوقت)، قال في "شرح المهذب": كذا فرضه القاضي أبو الطَّيِّب ومن تبعه، وقال في "البيان": متى زادت القيمة قبل تمام الحول الثَّاني .. كان كذلك. انتهى (¬3). فقول "التَّنبيه": (بيوم أو شهر) مثال، وليس في "الروضة" وأصلها لذلك تقدير، بل ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 268). (¬2) انظر "التَّنبيه" (ص 59). (¬3) المجموع (6/ 50)، وانظر البيان (3/ 321).

صرحًا في زكاة المعدن بأن الشهر مثال (¬1). 1163 - قول "المنهاج" [ص 170]: (ويصير عرض التجارة للقنية بنيّتها) مثل قول "الحاوي" [ص 213]: (مَّا لم ينو للقنية)، هذا إذا نواه لقنية مباحة، فإن نواه لقنية محرمة؛ كسيوف التجارة ينوي قنيتها ليقطع بها الطَّريق، أو ثياب حرير نوى القنية ليلبسها وهي محرمة عليه .. فهل ينقطع الحول بذلك؟ فيه وجهان في "التتمة"، قال: وأصل ذلك إذا عزم الشخص على المعصية .. هل يأثم بمجرد العزم؟ حكاه شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه". 1164 - قول "التَّنبيه" [ص 59]: (إذا اشترى عرضًا للتجارة بنصاب من الأثمان .. بنى حوله على حول الثمن) فيه أمور: أحدها: أنَّه نبه بالشراء في صيرورته مال تجارة على ما في معناه، وهو كل معاوضة محضة؛ كالهبة بشرط الثواب، والصلح عن الدين، لكنَّه قد يخرج المعاوضة غير المحضة؛ كالمهر، وعوض الخلع، وصلح الدم، والأصح: أنَّها كالمحضة، وقد ذكره "المنهاج"، وكذلك أطلق "الحاوي" المعاوضة (¬2)، ويوافق عبارة "التنبيه" قول الشَّافعي في أثناء كلامه: أو أيَّ وجوه المِلْكِ مَلَكَها به إلَّا الشراء فحالت عليه أحوال .. فلا زكاة عليه فيه. انتهى (¬3). ويدخل في المعاوضة القرض، وفي "التتمة": إنَّه لا يصير للتجارة ولو نواها عند القبض؛ لأنَّه لا يملك إلَّا بالتصرف، فكيف ينعقد الحول والملك لم يحصل؟ قال: وعلى القول الآخر يملك بالقبض، ولكنه ليس من التجارة، بل طريقه طريق الإرفاق، حكاه شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه"، وقول "المنهاج" [ص 170]: (لا بهبة) أي: لا ثواب فيها. ثانيها: قد يخرج بقوله: (عرضًا) المنفعة بالإجارة للتجارة؛ كأن يستأجر المستغلات، ويؤجرها بقصد التجارة، والأصح: وجوب زكاة التجارة فيه، وهو داخل في إطلاق "المنهاج" و "الحاوي" المعاوضة (¬4). ثالثها: قوله: (بنصاب) أي: بعينه، فلو اشترى في الذمة، ونقده فيه .. انقطع حوله، ولا يبني، حكاه الرافعي عن البغوي (¬5)، وابن الرفعة عن القاضي حسين، وجزم به في "الروضة" (¬6)، وقال في "شرح المهذب": لا خلاف فيه (¬7). ¬

_ (¬1) فتح العزيز (3/ 134)، الروضة (2/ 284). (¬2) الحاوي (ص 214)، المنهاج (ص 170). (¬3) انظر "الأم" (2/ 46، 47). (¬4) الحاوي (ص 214)، المنهاج (ص 170). (¬5) انظر "التهذيب" (3/ 106)، و "فتح العزيز" (3/ 108). (¬6) الروضة (2/ 268). (¬7) المجموع (6/ 40).

وقال السبكي: إذا تأملت كلام الأصحاب .. وجدته يدل عليه؛ لأنَّ الثمن الذي ملك به العرض هو المعين في العقد أو المجلس، أما الذي نقده فيه بعد ذلك .. فلا، والذي ملكه به، هو ما في الذمة، ولا حول له. انتهى. وقال في "المهمات": في اشتراطه نظر ظاهر؛ ولهذا لم يعتبره صاحب "الحاوي الصَّغير". قلت: وكذا "المنهاج"، ومع ذلك فعبر عنه شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" بالصواب (¬1). رابعها: تعبيره بالأثمان وتعبير "المنهاج" و "الحاوي" بالنقد يخرج غير المضروب من الذَّهب والفضة، فالتعبير بالذهب والفضة أعم، لكنَّه يتناول الحلي المباح، مع أنَّه لابناء فيما إذا اشترى به تفريعاً على أنَّه لا زكاة فيه، بل حوله من الشراء، وهو مفهوم من قول "التَّنبيه" [ص 59]: (بنى حوله على حول الثمن) لأنَّ الحلي المباح لم ينعقد حوله حتَّى يبني عليه. ويجاب عن التعبير بالأثمان وبالنقد: بأن المراد: جنسها، وأيضًا: فالغالب الشراء بالأثمان، وما خرج مخرج الغالب لا مفهوم له. خامسها: لم يذكر نيَّة التجارة، وهي شرط، والأصح: اشتراط اقترانها بالكسب، وقد ذكره "المنهاج" بقوله [ص 170]: (إذا اقترنت نيتها بكسبه)، وعليه يدل قول "الحاوي" [ص 214]: (وإن لم يجدد القصد في كل معاوضةٍ) 1165 - قولهم - والعبارة لـ "التَّنبيه" -: (وإن اشتراه بعرض للقنية أو بما دون النصاب من الأثمان .. انعقد الحول عليه من يوم الشراء) (¬2) قيد في "الكفاية" مسألة الشراء بما دون النصاب بما إذا لم يملك من جنسه ما يتم به النصاب، وإلا .. بناه على حوله، وتناول عرض القنية ما تجب الزكاة في عينه؛ كنصاب السائمة، وهو الصَّحيح، وقد ذكره "التَّنبيه" و "المنهاج" بعد ذلك (¬3)، ولا يختص الخلاف بالسائمة، بل هو جارٍ في كل ما تجب الزكاة في عينه، غير النقد من ثمر وزرع، فذكر السائمة مثال. 1166 - قول "التَّنبيه" [ص 59]: (وإن اشترى عرضًا بمئتي درهم ونضَّ ثمنه وزاد على قدر رأس المال .. زكى الأصل حوله، وزكى الزيادة لحولها، وفي حول الزيادة وجهان، أحدهما: من حين الظهور، والثَّاني: من حين نض الثمن، وقيل: في المسألة قولان، أحدهما: يزكي الأصل لحوله والزيادة لحولها، والثَّاني: يزكي الجميع لحول الأصل) الأصح: طريقة القولين، والأصح ¬

_ (¬1) تذكرة النبيه (3/ 13). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 59)، و "الحاوي" (ص 216)، و "المنهاج" (ص 170). (¬3) التَّنبيه (ص 59)، المنهاج (ص 170).

منهما: الأوَّل، وأصح الوجهين: أن حول الربح من حين نضَّ، وقد ذكر ذلك "المنهاج" بقوله [ص 170]: (ويضم الربح إلى الأصل في الحول إن لم ينض، لا إن نض في الأظهر)، والمراد: إذا نض من جنس ما يقوم به، وهو رأس المال إن اشترى بنقد، ونقد البلد إن اشترى بعرض، فلو نض بغير جنس ما يقوم به؛ كعرض بمئتي درهم باعه بعشرين ديناراً .. بنى على حول الأصل، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 215]: (وللنتاج والربح ما لم يصر ما يقوم به حول الأصل). 1167 - قول "المنهاج" [ص 170]: (والأصح: أن ولد العَرْضِ وثمرته مال تجارة) محلهما: إذ لم تنقص قيمة الأم بالولادة، فإن نقصت به .. جبرنا النقص من قيمة الولد، قاله ابن سريج وغيره، وفيه احتمال للإمام، قال: مقتضى قولنا: إنَّه ليس مال تجارة: أن لا تجبر به الأم كالمستفاد بسبب آخر (¬1). 1168 - قوله: (وأن حوله حول الأصل) (¬2)، الأصح في "الروضة" وأصلها: طريقة قاطعة به (¬3)، فكان ينبغي التعبير بالمذهب. 1169 - قولهما - والعبارة لـ "التَّنبيه" -: (وقيل: إن كان رأس المال دون النصاب .. قُوِّمَ بنقد البلد) (¬4) محله: إذا لم يملك من جنس النقد تمام النصاب، فإن اشترى بمئة وعنده مئة .. قوم بما اشترى به بلا خلاف، كما قاله الرافعي (¬5)، ومراده: مع التفريع على التقويم برأس المال فيما إذا كان نصاباً، وهذا ما أجاب به القفال مرَّة، وتردد أخرى، حكاه في "الكفاية". 1170 - قول "المنهاج" - والعبارة له - و "الحاوي": (فإن بلغ بهما .. قُوّمَ بالأنفع للفقراء) (¬6) تبع فيه "المحرر" (¬7)، وصحح في "الروضة": أنَّه يتخير المالك بينهما، وأخذ ذلك من حكاية الرافعي له عن العراقيين والروياني (¬8)، وبه الفتوي كما في "المهمات". 1171 - قول "التَّنبيه" [ص 59]: (وإن اشترى للتجارة ما تجب الزكاة في عينه ... إلى آخره) فيه أمور: أحدها: هو مثل قول "الحاوي" [ص 214]: (وفي عين زكوية) وهو أعم وأحسن من قول ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (3/ 311). (¬2) انظر "المنهاج " (ص 170). (¬3) الروضة (2/ 272، 273). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 59)، و "المنهاج" (ص 170). (¬5) انظر "فتح العزيز" (3/ 117). (¬6) الحاوي (ص 213، 214)، المنهاج (ص 171). (¬7) المحرر (ص 100). (¬8) الروضة (2/ 275)، وانظر "بحر المذهب" (4/ 166)، و "فتح العزيز" (3/ 118).

"المنهاج" [ص 171]: (ولو كان العَرْضُ سائمةً) لشموله ما لو كان العرض نباتاً، قال شيخنا ابن النقيب: وكذا فيما يظهر إذا كان نقداً ورأس المال العرض؛ كما إذا اشترى دنانير للتجارة بحنطة مثلاً، أما إذا اشترى نقدًا بنقد، فإن لم يكن للتجارة .. انقطع الحول، وإن كان للتجارة .. فالأصح: انقطاعه أيضاً (¬1). ثانيها: صورة المسألة: أن يكمل نصابهما معًا، فإن كمل نصاب أحدهما فقط .. وجبت زكاته، صرح به "المنهاج" و "الحاوي" (¬2). ثالثها: جزم بتقديم ما سبق وقت وجوبه من زكاة العين والتجارة، وعلى ذلك مشى "الحاوي"، فقال [ص 214]: (غُلِّبَ ما تم نصابه أو تقدم حوله)، لكن الأصح: أن القولين في الأحوال كلها، وهي تقدم زكاة العين على التجارة، وعكسه، واتفاقهما، وعلى ذلك مشى "المنهاج" (¬3)، وكان الموجب لجريانهما على هذا المرجوح أنا إذا قدمنا زكاة العين مع تأخرها .. فالأصح: وجوب زكاة التجارة؛ لتمام حولها، ثم يفتتح حولاً لزكاة العين أبداً، وقد ذكره "المنهاج"، فلم نُحْبط ما مضى من حول التجارة. رابعها: لم يبين الأصح منهما، وهو: تقديم زكاة العين، وفي "المنهاج": إنَّه الجديد، وعليه مشى "الحاوي" (¬4). خامسها: إذا قدمنا زكاة العين - وهو الأصح - وتقدم وقت وجوبها، فأخرج زكاة الثمرة مثلًا .. لم تسقط زكاة التجارة عن الشجر والأرض؛ لأنَّه لم يخرج عنهما زكاة عين، وإطلاق تقديم زكاة العين قد يوهم خلافه، وقد ذكره "الحاوي" (¬5)، وهو وارد على "المنهاج" أيضاً؛ فإنَّه لم يذكره، فإن لم تبلغ قيمة الشجر والأرض نصاباً .. لم يضم المعشّر إليهما، كما صححه النووي (¬6). 1172 - قول "الحاوي" في زكاة مال القراض [ص 214]: (وتُحسَب من الربح) هذا إذا أخرجها من مال القراض، كما أوضحه "المنهاج" (¬7)، فإن أخرجها من غيره .. فلا تحسب من الربح، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (2/ 112). (¬2) الحاوي (ص 214)، المنهاج (ص 171). (¬3) المنهاج (ص 171). (¬4) الحاوي (ص 214)، المنهاج (ص 171). (¬5) الحاوي (ص 214). (¬6) انظر "المجموع" (6/ 40). (¬7) المنهاج (ص 171).

باب زكاة الفطر

بابُ زكاة الفطر 1173 - قول "المنهاج" [ص 172]: (تجب بأول ليلة العيد في الأظهر) مثل قول "الحاوي" [ص 223]: (تجب بغروب ليلة الفطر) وعبارة "التَّنبيه" [ص 60]: (إذا أدرك آخر جزء من رمضان وغربت الشَّمس)، وقال النسائي في "نكته": لم أفهم لاعتبار مجموع اللفظين معنى وإن تعرض في "الكفاية" له (¬1). وقال في "المهمات": إنَّه المعروف؛ أي: إدراك الوقتين، قال: كذا جزم به أبو على الطبري في "الإفصاح" والماوردي والقاضي أبو الطَّيِّب وابن الرفعة في "الكفاية"، ونقلوه عن نص الشَّافعي، وجزم به صاحب "التَّنبيه"، فحكى عبارته (¬2). قال النووي في "نكته": هذان شرطان للوجوب، وهو أن يدرك جزءًا من شهر رمضان، وجزءاً من أول شوال. قال في "المهمات"، وذكر في "التتمة" مثله، فقال: فمن أدرك جزءًا من الزمان قبل الغروب، وجزءاً بعد الغروب .. لزمته الفطرة، وحكى في "المهمات" عن ابن عبدان: اعتبار آخر جزء من رمضان، وعن الإمام والغزالي: اعتبار أول جزء من شوال، قال: ويظهر أثرها فيما إذا قال لعبده: أنت حر مع أول جزء من ليلة العيد، أو مع آخر جزء من رمضان، أو قاله لزوجته. انتهى (¬3). 1174 - قول "المنهاج" [ص 172]: (فيُخرج عمن مات بعد الغروب دون من وُلِدَ) فيه أمران: أحدهما: في معنى موت المؤذى عنه بعد الغروب: زوال الملك عن العبد، وطلاق الزوجة بائناً وهي غير حامل، واستغناء القريب، وفي معنى ولادة القريب بعد الغروب: تجدد ملك عبد، ونكاح امرأة. ثانيهما: محل الجزم: أن يكون موته بعد التمكن من الإخراج عنه، فلو مات بعد الغروب وقبل التمكن .. ففي "شرح المهذب" وجه بسقوط زكاته، لكنَّه صحح خلافه، بخلاف تلف المال المؤدى في الفطرة قبل التمكن من إخراجه؛ فإن الأصح في "شرح المهذب": السقوط؛ كزكاة المال (¬4). ¬

_ (¬1) نكت النبيه على أحكام التَّنبيه (ق 53). (¬2) انظر "الأم" (2/ 65)، و "الحاوي الكبير" (3/ 361، 362). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (3/ 382)، "الوسيط" (2/ 447). (¬4) المجموع (6/ 105).

1175 - قول "التَّنبيه" [ص 60]: (والأفضل: أن تُخْرَجَ قبل صلاة العيد) مثل قول "الحاوي" [ص 223]: (وقبل الصَّلاة أولى)، وهو أحسن من قول "المنهاج" [ص 172]: (ويسن ألا تؤخر عن صلاته) إذ ليس فيه تقديمها على الصَّلاة، بل هو صادق بإخراجها مع الصَّلاة، وقال السبكي: لو قيل بوجوب إخراجها قبل الصَّلاة .. لم يبعد. انتهى. وقد يوهم كلامهم تسوية ليلة العيد ويومه، وليس كذلك، بل يومه أولى، وهنا بحثان: أحدهما: الظاهر: أن المراد بإخراجها قبل الصَّلاة: تعجيلها، حتَّى لو آخر الصَّلاة إلى قريب الزَّوال، وأخرج قُبيْلها .. فاتته الفضيلة. ثانيهما: يمكن أن يقال باستحباب تأخيرها لانتظار قريبٍ أو جابى ما لم يخرج الوقت، على قياس زكاة المال. 1176 - قولهم - وهو في "المنهاج" في (باب من تلزمه الزكاة) -: (ويجوز إخراجها في جميع شهر رمضان) (¬1) استُثنِيَ منه: المحجور عليه، فلا يخرجها الولي من ماله إلى ليلة العيد، فلو عجلها الولي من مال نفسه .. جاز. 1177 - قول "المنهاج" [ص 172]: (ولا فطرة على كافر)، وقول "التَّنبيه" [ص 60]: (تجب على كل حر مسلم) فيه أمران: أحدهما: أن المراد: لا مطالبة في الدُّنيا، وأمَّا العقوبة في الآخرة: فعلى الخلاف في تكليفه بالفروع، قاله النووي (¬2)، وقال السبكي: يحتمل أن هذا التكليف الخاص لم يشملهم؛ لقوله في الحديث: "من المسلمين" (¬3). ثانيهما: هذا في الكافر الأصلي، أما المرتد: ففي "المهذب" وغيره أنَّها على أقوال ملكه (¬4)، وحكاه في "شرح المهذب" عن الأصحاب، ويرد على "التَّنبيه": وجوبها على الكافر لممونه المسلم بناءً على أن الوجوب يلاقي المؤدى عنه أولاً ثم يتحمله المؤدي، وهو الأصح، وهذا وارد على "التَّنبيه" في موضعين: أحدهما: اشتراطه الإسلام فيمن تجب عليه. ثانيهما: قوله: (ومن وجبت عليه فطرته .. وجبت عليه فطرة كل من تلزمه نفقته إذا كانوا ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 60، 61)، و "الحاوي" (ص 223)، و "المنهاج" (ص 176). (¬2) انظر "المجموع" (6/ 85). (¬3) أخرجه البُخاريّ (1432)، (1433)، ومسلم (984) من حديث سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج النَّاس إلى الصَّلاة). (¬4) المهذب (1/ 140)، المجموع (5/ 292).

مسلمين) (¬1)، فإن مفهومه: أن من لا تجب عليه فطرة نفسه .. لا تجب عليه فطرة ممونه المسلم، وهذا مفهوم من اشتراط "الحاوي" الإسلام في المؤدى عنه دون المؤدي (¬2)، وصرح به "المنهاج" في قوله [ص 172]: (إلَّا في عبده وقريبه المسلم في الأصح) وفيه أمران: أحدهما: صواب العبارة: أن يقول: (المسلمَيْن) - بالتثنية -، أو يعطف القريب بـ (أو). ثانيهما: يرد على الحصر: زوجته التي أسلمت وغربت الشَّمس، وهو متخلّف، وأوجبنا نفقة مدة التخلف، كما هو الأصح .. فإن الأصح: أنَّه يجب عليه فطرتها سواء أسلم أو أصر. ويرد على "التَّنبيه" أيضاً في اشتراطه الحرية: المبعض؛ فإنه يلزمه بقسط حريته، وقد صرح به "المنهاج" و "الحاوي" (¬3)، فإن كان بينهما مهايأةٌ .. فالأصح: لزوم جميعها لمن غربت الشّمس في نوبته بناء على دخول المؤن النادرة في المهايأة، وهو الأصح، وقد ذكره "الحاوي" (¬4). 1178 - قول "المنهاج" [ص 172]: (وفي المكاتب وجه) أي: تلزمه فطرة نفسه وزوجته وعبده في كسبه، وعلى الأصح فهل تلزم سيده؟ المذهب: لا، وفي القديم: تلزمه، وهذا في المكاتب كتابة صحيحة، أما المكاتب كتابة فاسدة .. ففطرته على سيده، كما جزم به الرافعي في (الكتابة) (¬5). 1179 - قول "التَّنبيه" [ص 60]: (فضل عن قوته وقوت من تلزمه نفقته ما يؤدي في الفطرة) فيه أمران: أحدهما: المراد: كونه فضل عن قوته وقوت ممونه ليلة العيد ويومه، وقد صرح به "المنهاج" و "الحاوي" (¬6)، وكلامهم يقتضي عدم وجوبها عليه بقدرته على كسبها، وبه صرح الرافعي في الكلام على الاستطاعة في الحج (¬7). ثانيهما: يشترط أيضاً: كونه فاضلاً عن مسكن وخادم يحتاج إليه في الأصح، وقد ذكره "المنهاج" و "الحاوي" (¬8)، ويعتبر كونهما لائقين به، فلو كانا نفيسين يمكن إبدالهما بلائق به، ¬

_ (¬1) انظر "التَّنبيه" (ص 60). (¬2) الحاوي (ص 223). (¬3) الحاوي (ص 223)، المنهاج (ص 172). (¬4) الحاوي (ص 223). (¬5) انظر "فتح العزيز" (13/ 480). (¬6) الحاوي (ص 223)، المنهاج (ص 172). (¬7) انظر "فتح العزيز" (3/ 287). (¬8) الحاوي (ص 223)، المنهاج (ص 172).

ويخرج التفاوت .. لزمه ذلك، كما ذكره الرافعي في (الحج)، قال: لكن في لزوم بيعهما إذا كانا مألوفين وجهان في الكفارة، أصحهما: لا يجب، ولا بد من جريانهما هنا (¬1). قال النووي: الفرق ظاهر؛ فإن للكفارة بدلًا (¬2)، وكذا فرق في "الشَّرح الصَّغير". ويشترط أيضاً كونه فاضلاً عن دَست ثوب يليق به، وقد ذكره "الحاوي" (¬3)، وفي "تصحيح" شيخنا الإسنوي: أنَّه في "المنهاج" أيضاً (¬4)، وليس كذلك. وعن دين إن كان عليه، كما نقل الإمام الاتفاق عليه، ومشى عليه "الحاوي" (¬5)، وحكاه النووي في "نكته" عن الأصحاب، لكن الأصح في "الشَّرح الصَّغير": أنَّه لا يشترط ذلك، وهو مقتضى كلامه في "الكبير". ويعتبر أيضاً كونه فاضلاً عن كسوة من تلزمه نفقتهم. 1180 - قول "التَّنبيه" [ص 60]: (ومن وجبت عليه فطرته .. وجبت عليه فطرة كل من تلزمه نفقته إذا كانوا مسلمين ووجد ما يؤدي عنهم) فيه أمور: أحدها: يستثنى منه مسائل: الأولى: زوجة الأب ومستولدته في الأصح، وقد ذكرهما "الحاوي" (¬6)، واقتصر "المنهاج" على زوجة الأب (¬7)، وصحح السبكي تبعًا للغزالي: وجوب فطرتهما على الابن (¬8)، وعلى الأوَّل .. فقال شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه": القياس: أنَّه لا تجب على الحرة فطرة نفسها، ولا على السيد فطرة المستولدة، قال: ولم أر تعرضاً لذلك. الثَّانية: عبد بيت المال تجب نفقته لا محالة، ولا تجب فطرته في الأصح. الثَّالثة: الموقوف على جهة أو معين على الأصح أيضاً، وهما واردان على "المنهاج" و "الحاوي". ثانيها: مفهومه ومفهوم "المنهاج" و "الحاوي": أن من لا تجب نفقته .. لا تجب فطرته، ويستثنى منه مسائل: الأولى: الموصى بمنفعته إذا قلنا: أن النفقة على مالك المنفعة .. ففي "الشَّرح الصَّغير" تبعاً ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (3/ 286). (¬2) انظر "الروضة" (3/ 6). (¬3) الحاوي (ص 223). (¬4) تذكرة النبيه (3/ 16). (¬5) الحاوي (ص 223)، وانظر "نهاية المطلب" (3/ 398). (¬6) الحاوي (ص 223). (¬7) المنهاج (ص 172) (¬8) انظر "الوسيط" (2/ 499)، و "الوجيز" (1/ 233).

للبغوي وغيره: أن الفطرة على مالك الرقبة (¬1)، لكن رجح النووي: أنَّها على الخلاف في (النفقة) (¬2). الثانية: المكاتب كتابة فاسدة تجب فطرته على سيده، كما تقدم عن الرافعي (¬3)، ولا تجب نفقته، كما حكاه الرافعي عن الإمام والغزالي، وأقرهما عليه (¬4). الثَّالثة: لو كان له طفل يملك قوت يومه وليلته فقط .. فلا نفقة له، وفي وجه: إن فطرته على الأب، لكن الأصح في "الشَّرح الصَّغير": المنع؛ كالنفقة. ثالثها: يرد عليه: وجوبها على الكافر لممونه المسلم، كما تقدم، وفات "المنهاج" أن يقول: (إذا وجد ما يؤدي عنه)، لكنَّه استغنى عنه باشتراطه اليسار فيما تقدم، وأفهم قول "التَّنبيه" [ص 60]: (ووجد ما يؤدي عنهم) أنَّه لا تجب عليه فطرة العبد الذِّي لا مال له غيره، والأصح: أنَّه يجب عليه بيع جزء منه لفطرته إن لم يحتج لخدمته، وقد ذكره "الحاوي" (¬5). 1181 - قول "التَّنبيه" [ص 60]: (وإن زوج أمته بعبد أو حر معسر، أو تزوجت موسرة بحر معسر .. ففيه قولان، أحدهما: تجب على السيد فطرة الأمة، وعلى الحرة فطرة نفسها، والثَّاني: لا تجب، وقيل: تجب على السيد ولا تجب على الحرة، وهو ظاهر المنصوص) صحح الرافعي: طريقة القولين، وصحح منهما: الوجوب عليهما (¬6)، وعليه مشى في "المحرر" و "الحاوي" (¬7)، وصحح النووي: طريقة القطع بالوجوب على سيد الأمة دون الحرة (¬8)، وعليه مشى "المنهاج" (¬9)، ولو عبر بـ (المذهب) .. لكان أولى من تعبيره بالأصح. 1182 - قول "المنهاج" [ص 172]: (ولو انقطع خبر عبد .. فالمذهب: وجوب إخراج فطرته في الحال) خرج بمنقطع الخبر: غائب لم ينقطع خبره، والمذهب: وجوب فطرته أيضاً، فلا معنى لهذا التّقييد؛ ولهذا أطلق "الحاوي" في قوله [ص 223]: (وعبد أبَقَ أو فُقِد) ومحل ذلك في منقطع الخبر: ما لم تنته غيبته إلى مدة يحكم فيها بموته، فإن كان كذلك .. لم تجب فطرته، صرح به الرافعي في (الفرائض) (¬10). ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (3/ 127). (¬2) انظر "المجموع" (6/ 96). (¬3) انظر "فتح العزيز" (13/ 480). (¬4) انظر "فتح العزيز" (13/ 479)، و "نهاية المطلب" (19/ 360)، و "الوجيز" (2/ 282). (¬5) الحاوي (ص 224). (¬6) انظر "فتح العزيز" (3/ 150). (¬7) المحرر (ص 102)، الحاوي (ص 224). (¬8) انظر "المجموع" (6/ 102). (¬9) المنهاج (ص 172). (¬10) انظر "فتح العزيز" (6/ 526).

فإن قلت: الأصح في جنس الفطرة: اعتبار بلد العبد، فإذا لم يعرف موضعه، كيف يخرج من جنس بلده؟ قلت: لعل هذه الصورة مستثناة من القاعدة، أو يخرج من قوت آخر بلد عُلم وصوله إليها، أو تُدفَع فطرته للقاضي ليخرجها؛ لأنَّ له نقل الزكاة. 1183 - قول "المنهاج" [ص 172]: (وفي قولٍ: لا شيء) كان الأحسن: أن يقول: (وقيل: قولان، ثانيهما: لا شيء)، وطريقة القولين هي التي في "المحرر" (¬1)، وصحح في "شرح المهذب": طريقة القطع (¬2)، وهي ظاهر عبارة "المنهاج". 1184 - قوله: (وقيل: إذا عاد) مقابل لقوله: (في الحال) (¬3)، وهو منصوص في "الإملاء"، فلا يحسن التعبير عنه بقيل. 1185 - قول "التَّنبيه" [ص 60]: (فإن فضل بعض ما يؤدي .. فقد قيل: يلزمه، وقيل: لا يلزمه) الأصح: اللزوم، وقد ذكره "المنهاج" و "الحاوي" (¬4). 1186 - قول "التَّنبيه" - والعبارة له - و "الحاوي": (فإن وجد ما يؤدي عن البعض .. بدأ بمن يبدأ بنفقته) (¬5) يقتضي أنَّه يبدأ بعد نفسِهِ بزوجته، ثم ولده الصَّغير، ثم أمه، ثم أبيه، ثم ولده الكبير، فهذا ترتيبهم في النفقة، لكن في "المنهاج" وأصله: تقديم الأب هنا على الأم (¬6)، وكأنه ذهول عما قدراه في النفقة، ويدل لذلك أن عبارة "الروضة" وأصلها هنا: والمذهب من الخلاف الذي ذكرناه والذي أخرناه إلى (كتاب النفقات): أنَّه يقدم نفسه، ثم زوجته، ثم ولده الصَّغير، ثم الأب، ثم الأم، ثم الولد الكبير. انتهى (¬7). وقد علم أن المذكور في (النفقات) تقديم الأم على الأب، ويوافق ذلك تصريح الشافعي هنا بتقديم الأم على الأب، لكن فرق في "شرح المهذب" بين النفقة والفطرة بمراعاة الحاجة في النفقة، والشرف في الفطرة، والأب أشرف من الأم وهي أحوج منه (¬8). وفيه نظر؛ لتقديمهم هنا الولد الصَّغير على الأبوين، وهما أشرف منه، فدل على اعتبارهم ¬

_ (¬1) المحرر (ص 102). (¬2) المجموع (6/ 102). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 172). (¬4) الحاوي (ص 224)، المنهاج (ص 173). (¬5) التنبيه (60)، الحاوي (ص 224). (¬6) المنهاج (ص 173)، وانظر "المحرر" (ص 102). (¬7) الروضة (2/ 301)، وانظر "فتح العزيز" (3/ 161). (¬8) المجموع (6/ 99).

الحاجة في البابين، لكن قال السبكي: لم أر أحداً صحح تقديم الأم هنا، مع أنَّه يوافق الحديث في البداءة بالأم. قلت: تقدم عن الشافعي التصريح بذلك، وأورد في "الكفاية" على قول "التَّنبيه" [ص 60]: (فإن وجد ما يؤدي عن البعض) أن ظاهره: أنَّه مع وجدان فطرة نفسه، ولا يلائم قوله: (وقيل: يقدم فطرة الزوجة على فطرة نفسه) (¬1) لاقتضائه أن الموجود صاع واحد؛ ولأن الشرط عنده في فطرة الغير: وجوب فطرة نفسه، وإذا وجب إخراج الصاع الواحد للزوجة .. فلا وجوب عليه لنفسه، وأجاب: بأن المراد: من صلح لوجوبه في حق نفسه في الجملة. 1187 - قول "الحاوي" [ص 224]: (ثم يتخير بغير توزيع) أي: إذا استوى جماعة في درجة؛ كزوجات وأولاد .. بدأ بمن شاء، ولا يوزع الصاع بينهم، كذا صحَّحه النووي (¬2)، ولم يصحح الرافعي شيئًا، بل أشعر كلامه بترجيح التوزيع؛ فإنَّه قال: ويتأيد وجه التقسيط بالنفقة؛ فإنَّها توزع في مثل هذه الحالة، قال: ولم يتعرضوا للإقراع هنا، وله مجال في نظائره (¬3). وفي "المهمات" عن منصور التميمي صاحب "الرَّبيع" أنَّه قال في (كتاب المسافر) بعد حكايته عن الشَّافعي تقديم من شاء: قال منصور: بل يقرع بينهم، فيبدأ بمن خرجت قرعته. 1188 - قول "التَّنبيه" [ص 61]: (وأمَّا الأقط: فقد قيل: يجوز، وقيل: فيه قولان) فيه أمور: أحدها: الأصح: طريقة القولين، وأصحهما: الإجزاء، وقد ذكره "المنهاج" و "الحاوي" (¬4)، وقال في "الروضة": ينبغي أن يقطع بجوازه؛ لصحة الحديث فيه من غير معارض (¬5). ثانيها: محل الخلاف: ألاَّ يكون مملحاً بملح يفسد جوهره، فإن كان كذلك .. لم يجز قطعاً، وهذا وارد على "المنهاج" و "الحاوي" أيضاً، لكنَّه مفهوم من قول "التَّنبيه" [ص 61]: (ولا يؤخذ في الفطرة حب معيب) و "المنهاج" [ص 173]: (الواجب: الحب السليم)، فإذا اشترطت السلامة في الحب .. ففي غيره أولى، وهذا عيب. ثالثها: قد يفهم من اقتصاره هو و "المنهاج" على الأقط: عدم إجزاء الجبن الذي لم ينزع زبده واللبن، والمذهب: إجزاؤهما، وقد ذكرهما "الحاوي"، لكنَّه لم يقيد الجبن بكونه غير منزوع ¬

_ (¬1) انظر "التَّنبيه" (ص 60). (¬2) انظر "المجموع" (6/ 99). (¬3) انظر "فتح العزيز" (3/ 161). (¬4) الحاوي (ص 224)، المنهاج (ص 173). (¬5) الروضة (2/ 302).

الزبد (¬1)، والخلاف جار فيمن قوته الأقط وفيمن قوته اللبن، كما في الرافعي عن البغوي (¬2)، لكن في "شرح المهذب" تخصيص الخلاف بمن قوته الأقط (¬3)، أي: فمن قوته اللبن .. له إخراجه قطعاً، تفريعاً على إجزاء الأقط، وصحح في " تصحيح التَّنبيه" في (الظهار): أنَّه لا يجزئ اللبن (¬4). 1189 - قول "التَّنبيه" [ص 61]: (وتجب الفطرة فيما يقتاته من هذه الأجناس، وقيل: من غالب قوت البلد) الثَّاني هو الأصح، وعليه مشى "الحاوي" و "المنهاج" (¬5)، لكنَّه لم يذكر الغلبة؛ فقوله بعد ذلك: (ولو كان في بلد أقوات لا غالب فيها .. تخيّر، والأفضل أشرفها) (¬6)، إنَّما كان يحسن لو بَيّن أولاً أن الإخراج من الغالب، وفي "الوسيط": المعتبر غالب قوت البلد وقت وجوب الفطرة لا في جميع السنة (¬7)، وفي "الوجيز": غالب قوت البلد يوم الفطر (¬8)، قال الرافعي: وهذا التّقييد لم أظفر به في كلام غيره (¬9)، قال في "شرح المهذب": وهو غريب كما قال، والصَّواب: أن المراد: قوت السنة، كما سنوضحه، ثم أوضحه؛ بأن حكى عن السرخسي فيما إذا اختلف القوت باختلاف الأوقات: أنَّه إن أخرج من الأعلى .. أجزأه، أو من الأدنى .. فأصح القولين: الإجزاء؛ أيضاً (¬10)، قال في "المهمات": وحاصله تصحيح اعتبار الغلبة في وقت من أوقات السنة، قال: وتقييد "الوسيط" ذكره في "الذخائر"، وهو القياس. انتهى. وقال السبكي فيما لو حصل جدب في بلد اقتضى اقتيات أهلها جميع سنتهم الشعير، وغالب قوتهم في غير تلك السنة القمح: إن الفقه ما يقتضيه أصل الغزالي، وأنَّه ينظر إلى الغالب وقت الوجوب؛ أي: فيخرج القمح في هذه الصورة، ومقتضى اعتبار قوت السنة: إخراج الشعير، والله أعلم. وإذا فرعنا على اعتبار قوته، فكان يليق به الشعير، فأكل القمح تنعماً، أو بالعكس .. فالأصح: وجوب ما يليق به، وعبارة "التَّنبيه" و "المنهاج" قد تفهم خلافه. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 224). (¬2) انظر "التهذيب" (3/ 128)، و "فتح العزيز" (3/ 163). (¬3) المجموع (6/ 109). (¬4) تصحيح التَّنبيه (2/ 88). (¬5) الحاوي (ص 224)، المنهاج (ص 173). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 173). (¬7) الوسيط (2/ 509). (¬8) الوجيز (1/ 235). (¬9) انظر "فتح العزيز" (3/ 169). (¬10) المجموع (6/ 113، 114).

1190 - قول "التَّنبيه" [ص 61]: (فإن عدل عن القوت الواجب إلى قوت أعلى منه .. جاز) الاعتبار في كونه أعلى بزيادة الاقتيات في الأصح، وقد ذكره "المنهاج" و "الحاوي" (¬1). 1191 - قوله: (إن عدل إلى ما دونه .. ففيه قولان) (¬2) مستشكل؛ فإن المقطوع به في الرافعي وغيره: أنَّه لا يجزئ ما دونه (¬3)، وقال النووي في "التصحيح": مراده: أنَّه هل يتخير بين الأقوات، ولا يتعين قوته، ولا قوت البلد؟ قال: ولكن عبارته بعيدة عن المراد. انتهى (¬4). ويؤيد هذا التأويل أن "التنبيه" لم يذكر وجه التخيير بين الأقوات أولاً، فنبه عليه آخراً، و "المنهاج" لما ذكره في الأوَّل .. جزم هنا بعدم إجزاء الأدنى (¬5)، وقال في "الكفاية": كذا روى القولين ابن الصباغ وغيره، وحكاهما البندنيجي كذلك، والواجب قوت البلد، وقال: حاصل القول الآخر: التخيير، قال في "الكفاية": وقد نقول بالإجزاء ولا تخيير، كما لو أخرج رديء النقد عن الجيد على رأي، ويؤيده صحة ظُهر من تلزمه الجمعة على قول. انتهى. وفي "الحاوي" في (باب الكفارة بالطعام) تفريعاً على وجوب الإخراج من قوت نفسه: أنَّه لو أخرج ما دونه .. ففي إجزائه وجهان، أصحهما: لا يجزئ، ثم جعل حكم الفطرة كالكفارة (¬6)، وهذا صريح في حكاية الخلاف الذي في "التنبيه"، إلَّا أنَّه حكى الخلاف وجهين، وهو في "التَّنبيه" قولان، وجعله مفرعًا على أن المعتبر قوت نفسه، وفي "التَّنبيه" أطلق. 1192 - قول "المنهاج" [ص 173] و "الحاوي" [ص 224]: (إن الشعير خير من التمر) تبعاً فيه "المحرر" و "الشَّرح الصَّغير"، وحكاه في "الكبير" عن ترجيح البغوي (¬7)، وصححه في "شرح المهذب" أيضاً (¬8)، وقدم الشَّيخ أبو محمَّد التمر على الشعير، وقطع به الروياني في "البحر" (¬9). 1193 - قول "الحاوي" [ص 224]: (من غالب طعام بلد المؤدَّى عنه) أعم وأحسن من قول "المنهاج" [ص 173]: (ولو كان عبده ببلد آخر .. فالأصح: أن الاعتبار بقوت بلد العبد). 1194 - قول "التَّنبيه" [ص 173]: (ولا حب معيب) يقول "المنهاج" [ص 173]: (الواجب الحب السليم)، واستثنى القاضي الحسين: ما إذا لم يكن له سواه، وهو يقتاته، حكاه عنه في ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 224)، المنهاج (ص 173). (¬2) انظر "التَّنبيه" (ص 61). (¬3) انظر "فتح العزيز" (3/ 166). (¬4) تصحيح التَّنبيه (1/ 207). (¬5) المنهاج (ص 173). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (10/ 517). (¬7) المحرر (ص 103)، وفتح العزيز (3/ 166)، وانظر "التهذيب" (3/ 128). (¬8) المجموع (6/ 113). (¬9) بحر المذهب (4/ 246).

"الكفاية"، وأقره، ثم قال: وعلى هذا ينبغي أن يخرج من المسوّس قدراً يتحقق أنَّه يملأ الصاع من اللب بقشره لو أخرجه. 1195 - قول "المنهاج" [ص 173]: (ولو أخرج من ماله فطرة ولده الصَّغير الغني .. جاز) الجد كالأب، والمجنون كالصغير، أما الوصي والقيم: فلا يجوز ذلك لهما إلَّا بإذن القاضي، كما قاله البغوي وغيره (¬1). 1196 - قوله: (بخلاف الكبير) (¬2) قيده في "شرح المهذب" بالرشيد؛ لأنَّه لا ولاية له عليه، فلا بد من إذنه (¬3). 1197 - قول "التَّنبيه" [ص 61]: (وإن كان عبدٌ بين نَفْسَيْن مختلفي القوت .. فقد قيل: يخرج كل واحد منهما نصف صاع من قوته، وقيل: يخرجان من أدنى القوتين، وقيل: يخرجان من قوت البلد الذي فيه العبد) الأصح: الثالث، وعليه يدل قول "الحاوي" [ص 224]: (بلد المؤدَّى عنه) لكن صحح في "المنهاج" و "التصحيح" و "أصل الروضة" الأوَّل (¬4)، قال شيخنا الإسنوي في "تصحيحه": وهو غير مستقيم؛ فإن المصحح في كتبه كلها أن العبرة ببلد المؤدَّى عنه. نعم؛ إذا اعتبرنا بلد المؤدي .. ففيه خلاف، والراجح: ما قال، وقد ذكره هو في "شرح المهذب" والرافعي في "الشرحين" على الصواب، ولكن حصل له في "الروضة" ذهول عن تفريع ذكره الرافعي في آخر كلامه، ثم أخذ من "الروضة" إلى "التصحيح" وإلى "المنهاج" من زياداته. انتهى (¬5). وذكر السبكي نحوه، قال: بل أقول: ولو فرعنا على أن المعتبر قوت الشخص في نفسه، وكان السيدان مختلفي القوت .. فالاعتبار بقوت العبد، وبه صرح صاحب "المرشد"، وقال: فإن كان قوت العبد مختلفاً كقوتهما .. أخرج كل واحد نصف صاع مما يقتاته، وهذه صورة حسنة يمكن تصحيح كلام المصنف بالحمل عليها، وفيها نظر؛ لأنَّه إذا اختلف قوته، ولم يكن غالب .. تخيّر، ومقتضاه: أن يتخير السيدان من غير تبعيض. انتهى. 1198 - قول "الحاوي" [ص 224]: (وللزوجة فطرتها دون إذنه) أي: يجوز لها ذلك ولو كان موسرًا، بناءً على أنَّها وجبت عليها ثم تحملها الزوج، وكذا كل من فطرته على غيره، لو تكلف ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (3/ 130). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 173). (¬3) المجموع (6/ 115). (¬4) المنهاج (ص 173)، تصحيح التَّنبيه (1/ 208)، الروضة (2/ 304). (¬5) تذكرة النبيه (3/ 19)، وانظر "فتح العزيز" (3/ 166، 167)، و "المجموع" (6/ 114، 115).

تحصيلها باستقراض ونحوه وإخراجها .. جاز، بناءً على ما ذكرناه، قال شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه": ويخرج من هذا أن الزوجة مستقلة بإخراج فطرة نفسها، وهي التي تنوي حينئذ، وقضية هذا أن الزوج يحتاج في إخراج فطرتها إلى إذنها، ولم نر من قال به، وهو قوي، ولا سيما فيما إذا كان الزوج كافراً أصلياً أو مرتداً، وكان بعد الدخول؛ فإن النفقة تجب لها في مدة العدة على المذهب، فإذا وجبت زكاة الفطر تبعاً للنفقة .. فإنه يقوي استقلالها؛ لأنها من أهل النية، وكذلك إذا كان القريب مسلمًا حيث تجب نفقته على الكافر. انتهى.

باب من تلزمه الزكاة، وما تجب فيه

باب من تلزمه الزّكاة، وما تجب فيه 1199 - قولهم: (شرط وجوب الزكاة: إسلام) (¬1) أي: شرط وجوب إخراجها، كما صرح به القاضي حسين والمتولي والعمراني وآخرون (¬2)، ولذلك قال الرافعي: الكافر الأصلي غير مُلزَم بالإخراج لا في الحال ولا بعد الإسلام. انتهى (¬3). وأما العقوبة في الآخرة: فعلى الخلاف في تكليفه بالفروع، والأصح: نعم، لكن يشكل على ذلك جمعهم الحرية مع الإسلام؛ فإن الحرية شرط في أصل الخطاب، واحترز "المنهاج" بتقييده بزكاة المال عن زكاة الفطر؛ فإنها قد تلزم الكافر إذا كانت عن غيره كما تقدم. 1200 - قول "التنبيه" [ص 55]: (وإن كان مرتداً .. ففيه ثلاثة أقوال، أحدها: تجب، والثاني: لا تجب، والثالث: إن رجع إلى الإسلام .. وجبت، وإن لم يرجع .. لم تجب) الأصح: الثالث، وعليه مشى "الحاوي" (¬4)، وأشار إليه "المنهاج" بقوله [ص 174]: (وتلزم مرتدًا إن أبقينا ملكه) وقد يفهم عدم اللزوم إن أزلنا ملكه أو وقفنا، وليس مراده، وإنما مراده: أنها موقوفة إن قلنا بوقف ملكه، وهو الصحيح فيهما، وأورد على "التنبيه": أنه تردد كلامه في الردة في إثبات قول زوال الملك، وجزم بإثباته هنا. 1201 - قول "التنبيه" [ص 55]: (لا تجب الزكاة إلا على حر) يرد عليه: المبعّض، فإذا ملك ببعضه الحر نصاباً .. وجبت زكاته في الأصح، وقد ذكره "الحاوي" و"المنهاج"، وعبر بالأصح (¬5)، وهو أولى من تعبير "الروضة" بالصحيح (¬6). فإن مقابله قد قطع به أكثر العراقيين، أو كثير منهم، وجماعة من الخراسانيين، كما في "شرح المهذب" (¬7). وأجيب عن "التنبيه": بأن الوجوب لم يلاق إلا البعض الحر، فلم تجب إلا على حر، ويؤيده قول "الحاوي" [ص 214]: (حر ولو بعضاً). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 55)، و "الحاوي" (ص 214)، و"المنهاج" (ص 174). (¬2) انظر "البيان" (3/ 134). (¬3) انظر "فتح العزيز" (2/ 561). (¬4) الحاوي (ص 214). (¬5) الحاوي (ص 214)، المنهاج (ص 174). (¬6) الروضة (2/ 150). (¬7) المجموع (5/ 291).

تنبيه [في اشتراط تمام الملك]

تنبيهٌ [في اشتراط تمام الملك] اقتصر "المنهاج" على اشتراطه الإسلام والحرية (¬1)، وزاد "التنبيه": تمام الملك، وقال بعد ذلك: (وما لم يتم ملكه عليه؛ كالدين الذي على المكاتب .. لا تجب الزكاة فيه) (¬2)، وقال النشائي: إذا تأملت ما أورده في "الكفاية" .. لم تجد لما أورده مثالاً مشاركاً مثله، وقد قال في أثناء كلامه: المتفق عليه ما مثل به الشيخ فقط. انتهى (¬3). وقد ذكره "المنهاج" بعد ذلك في قوله [ص 174]: (أو غير لازم كمال الكتابة)، وتعبير "التنبيه" بالدين الذي على المكاتب أعم من تعبير "المنهاج" بمال الكتابة، وضم "الحاوي" إلى الإسلام والحرية شرطين: أحدهما: كونه معينًا، فلا زكاة في الموقوف على جهة عامة، وتجب في الموقوف على معين. ثانيهما: كونه متيقن الوجود، فلا زكاة في مال الحمل (¬4). وفي "الكفاية": إن "التنبيه" أخرجه بقوله: (تام الملك)، بل صرح "التنبيه" في (الوقف) بأنه لا يملك بقوله: (وإن وقف على من لا يملك الغلة؛ كالعبد والحمل) (¬5)، ويمكن أن يحترز عنه "المنهاج" بقوله [ص 174]: (وتجب في مال صبي). 1202 - قول "التنبيه" [ص 55]: (وفي المال المغصوب والضال والدين الذي على مماطل قولان، أصحهما: أنه تجب فيه الزكاة) قال صاحب "المذاكرة": لعل المراد بالمماطل: الممتنع من إيفاء الدين ولم تكن عليه بينة ولا القاضي يعلم به. انتهى. فيكون المراد بالممطول به: المجحود، ويوافقه أن "المنهاج" ذكره بدله (¬6)، لكن عبارة "الروضة": إذا تعذر الاستيفاء لإعسار من عليه، أو جحوده ولا بينة، أو مطله، أو غيبته .. فهو كالمغصوب تجب الزكاة على المذهب. انتهى (¬7). فجعل المطل غير الجحود، وهو الظاهر المتعين، ويكون مرادهما: الدين المتعذر الاستيفاء، ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 174). (¬2) التنبيه (ص 55). (¬3) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 48). (¬4) الحاوي (ص 214). (¬5) التنبيه (ص 136). (¬6) المنهاج (ص 174). (¬7) الروضة (2/ 194).

فذكر "التنبيه" نوعاً منه، و"المنهاج" نوعا آخر، كل ذلك على سبيل المثال، وفي "نكت" النشائي: إن كلام "التنبيه" ظاهر في أن القولين في المماطل هما القولان في المغصوب، وليس كذلك؛ فإن العراقيين وغيرهم نسبوا الوجوب في المغصوب للجديد، وكذا في "شرح المهذب"، والمنع للقديم، وأما الدين .. فالقديم: منع الزكاة فيه مطلقاً. نعم؛ إذا قلنا بالجديد .. جاء في الدين على المماطل القولان. انتهى (¬1). وأسقط "المنهاج" مما في "المحرر" المسروق؛ كأنه رآه داخلًا في الضال، وفي معناه: ما إذا وقع في بحر، قال في "المنهاج" [ص 174]: (ولا يجب دفعها حتى يعود)، وصرح به "الحاوي" أيضًا (¬2). 1203 - قول "المنهاج" [ص 174]: (وتجب في الحال عن غائب إن قدر عليه) أي: إذا كان المال مستقراً في بلد، فإن كان سائراً .. قال في "العدة": لا يخرج زكاته حتى يصل إليه، فإذا وصل .. زكى الماضي بلا خلاف، قال في "شرح المهذب": وهو الصواب، وما وجدته بخلافه .. فَنَزِّله عليه. انتهى (¬3). وفي "الروضة" وأصلها في الكلام على تأخير الزكاة: إن المال الغائب لا نُوجب إخراج زكاته من موضع آخر (¬4)، وهو مخالف للمذكور هنا، وهما وجهان حكاهما القاضي والروياني (¬5)، قال في "المهمات": والقياس: عدم اللزوم إلا أن يمضي زمان يمكنه المضي إليه فيه. 1204 - قول "المنهاج" [ص 174] و"الحاوي" [ص 219]: (إنه لا زكاة في الدين إن كان ماشية) عللوه: بأن السوم شرط، وما في الذمة لا يوصف به، واستشكله الرافعي: بأن المسلِم في اللحم يذكر أنه من راعية أو معلوفة، فكما يثبتُ في الذمة لحمُ راعية .. فلتثبت الراعية نفسُها (¬6). وضعفه القونوي بأن المدعى امتناع اتصافه بالسوم المحقق، وثبوتها في الذمة سائمةً أمر تقديري. ويرد على اقتصارهما على الماشية: المعشّر في الذمة .. فلا زكاة فيه أيضًا؛ لأن شرطها الزهو في ملكه، ولم يوجد. ¬

_ (¬1) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 48)، وانظر "المجموع" (5/ 306). (¬2) الحاوي (ص 219). (¬3) المجموع (6/ 17). (¬4) الروضة (2/ 225). (¬5) انظر "بحر المذهب" (4/ 94). (¬6) انظر "فتح العزيز" (2/ 542).

1205 - قول "المنهاج" [ص 174]: (أو غير لازم كمال الكتابة) لو عبر بـ (الدين الذي على المكاتب) كما في "التنبيه" (¬1) .. لكان أعم، وقد تقدم، واقتصر "الحاوي" على اعتبار لزوم الدين، ولم يذكر مثالًا (¬2)، وألحق ابن الرفعة بمال الكتابة في الجزم بالمنع الثمن في الذمة في مدة خيار المجلس لهما أو للمشتري وحده، بسبب إجازة البائع إذا قلنا: الملك فيه للبائع؛ لأنه دين، ويقدر المشتري على إسقاطه، والبائع عاجز عن التصرف التام، قال: ويجوز أن يجب؛ لأنه يؤول إلى اللزوم. 1206 - قول "المنهاج" [ص 174]: (إنه تجب الزكاة في الدين إذا كان عرضاً في الجديد) وهو مفهوم من قول "التنبيه" [ص 55]: (كالدين الذي على المكاتب) ومن قول "الحاوي" [ص 218]: (ولا في دين الحيوان) وكذا في بقية كتب الرافعي والنووي، تبعاً للبغوي (¬3)، وسوى في "التتمة" بين العروض والماشية، فقال: إذا كان غير النقد من الثياب والطعام والنعم .. فلا خلاف أنه لا زكاة فيه؛ فإن الثياب تجب فيها الزكاة للتجارة، وما في الذمة لا يتصور فيه التجارة. 1207 - قول "المنهاج" في الدين المؤجل [ص 174]: (المذهب: أنه كمغصُوب) أي: فتجب زكاته في الأظهر، لكن لا يجب دفعها حتى يقبضه، كذا في كتب الرافعي والنووي (¬4)، ويوافقه قول "المنهاج" عقبه [ص 174]: (وقيل: يجب دفعها قبل قبضه)، وقال السبكي: ينبغي أن يكون المراد بقولهم: (قبل قبضه): قبل حلوله؛ فإن محل الخلاف: إذا كان على مليٍّ مقرٍ ولا مانع سوى الأجل، وحينئذ: متى حل .. وجب الإخراج قبض أو لم يقبض، وتبعه على ذلك شيخنا في "المهمات"، فقال: إن التعبير بالقبض غير مستقيم، والصواب: التعبير بالحلول. 1208 - قول "المنهاج" [ص 174]: (ولا يمنع الدين وجوبها في أظهر الأقوال) محل الخلاف: ما إذا لم يكن له من غير المال الزكوي ما يقضي به الدين، فإن كان .. لم يمنع قطعاً عند الجمهور، وتردد فيه الشيخ أبو محمد، ولا يدخل فيمن عليه دين الضامن؛ فإنه لم يثبت عليه للمضمون له مال، وإنما له عليه حق المطالبة والإبراء، ذكره الشيخ عز الدين في "القواعد" ثم قال: ويحتمل ثبوته في ذمته، ولكن لا تثبت له جميع أحكام الديون من وجوب الزكاة فيه وغيره (¬5). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 55). (¬2) الحاوي (ص 219). (¬3) انظر "التهذيب" (3/ 74)، و"فتح العزيز" (2/ 542، 543)، و"المجموع" (5/ 309)، و"الروضة" (2/ 194). (¬4) انظر "فتح العزيز" (2/ 543)، و"المجموع" (6/ 16)، و"الروضة" (2/ 194). (¬5) قواعد الأحكام في إصلاح الأنام (2/ 210).

1209 - قوله: (والثالث: يمنع في المال الباطن، وهو النقد والعرض) (¬1) أهمل من المال الباطن: الركاز، وقد ذكره "التنبيه" والجمهور (¬2)، ولم يذكره "المنهاج" هنا؛ لاندراجه في النقد، لكنه منتقض بالمعدن، وأهملا معاً زكاة الفطر، وهي من الباطنة أيضًا على الأصح. 1210 - قوله: (فعلى الأول: لو حجر عليه لدين، فحال الحول في الحجر .. فكمغصوب) (¬3) محله: ما إذا لم يعين الحاكم لكل غريم عيناً على ما يقتضيه التقسيط ويمكنه من أخذها، فإن عين لذلك، فحال الحول ولم يأخذوها .. فلا زكاة على المذهب، حكاه الرافعي هنا عن قطع المُعْظَم، وقال في (التفليس): إنه أظهر القولين (¬4)، وهو وارد على إطلاق "الحاوي" أيضاً أن الدين لا يمنع الزكاة (¬5)، لكن قال السبكي: ما نقل عن المعظم ظاهر إذا كان ماله من جنس الدين، وعزل لكل غريم قدر دينه، أما إذا كان من غيره: فكيف تمكنه من أخذه دون بيع أو تعويض؟ قال في "المهمات": وقد صورها بذلك الشيخ أبو محمد في "السلسلة". 1211 - قول "التنبيه" [ص 61]: (وإن كان هناك - أي: مع الزكاة - دين آدمي .. ففيه ثلاثة أقوال، أحدها: تقدم الزكاة)، هو الأظهر، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬6)، ثم هنا أمور: أحدها: أنه يدخل في الزكاة: زكاة الفطر، فحكمها كزكاة المال على الصحيح، بل الأقوال جارية في اجتماع حق الله تعالى مطلقًا مع الدين، فيدخل في ذلك الحج وجزاء الصيد والكفارة والنذر، كما صرح به في "شرح المهذب" (¬7). ثانيها: أن ظاهر كلامهم: جريان الأقوال وإن كان المال الزكوي باقياً، وهو الذي في "الروضة" وأصلها هنا، لكن في زكاة المعشرات والأيمان ترجيح القطع بتقديم الزكاة عند بقاء المال الزكوي (¬8)، وصوبه في "المهمات". ثالثها: يستثنى من هذه القاعدة: اجتماع الجزية والدين؛ فإن الأصح: استواؤهما، مع أن الجزية حق الله تعالى. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 174). (¬2) التنبيه (ص 55). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 174). (¬4) انظر "فتح العزيز" (2/ 547)، (5/ 9). (¬5) الحاوي (ص 219). (¬6) الحاوي (ص 219)، المنهاج (ص 174). (¬7) المجموع (5/ 309). (¬8) الروضة (2/ 197، 240).

رابعها: خرج بدين الآدمي: دين الله تعالى؛ كالكفارة ونحوها، قال السبكي: والوجه فيه أن يقال: إن كان النصاب موجوداً .. قدمت الزكاة، وإلا .. فيستويان. خامسها: خرج بتعبير "المنهاج" و"الحاوي" بالتركة: ما إذا اجتمعا على حي، وضاق ماله عنهما، وهو مفهوم من "التنبيه" أيضًا؛ فإنه صور المسألة بالموت، وحكمه: أنه إن كان محجوراً عليه .. قدم حق الآدمي قطعاً، ويؤخر حق الله تعالى ما دام حياً، وإن لم يكن محجوراً عليه .. قدمت الزكاة جزمًا، ذكر الرافعي حكم المحجور في (الأيمان)، وحكم غيره هنا؛ فإنه جعله أصلاً، وقاس عليه تقديم الزكاة هنا (¬1)، لكن صرح القاضي أبو الطيب في المحجور في حال الحياة بأقوال، ثالثها: تقديم السابق، وفي "المهمات" عن "شرح المختصر" لابن أبي هريرة تعليق أبي على الطبري عنه: الجزم بجريان الأقوال في الحياة، والتوقف في إجرائها بعد الموت، وهو غريب، وذكر شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه" في (الأيمان): أن المذكور هناك من القطع بتقديم حق الآدمي محله: فيما كان من حق الله على التراخي؛ ككفارة اليمين حيث لا تعدي يقتضي الفورية، وقطع بتقديم الزكاة ونحوها مما هو على الفور، واستشهد على ذلك بكلام الرافعي المذكور هنا، وحمله على المحجور، وتردد في غير المحجور في الحياة؛ هل يتخير أو يقدم الزكاة أو تجري الأقوال؟ والله أعلم. سادسها: هذه المسألة مفرعة على أن الدين لا يمنع الزكاة، كما في "الروضة" وأصلها (¬2)، لكن قال السبكي: لا يتعين ذلك، بل إذا حدث الدين بعد وجوب الزكاة .. جرت الأقوال. 1212 - قول "التنبيه" [ص 55]: (وفي الأجرة قبل استيفاء المنفعة قولان، أصحهما: أنه تجب فيها الزكاة) فيه أمران: أحدهما: كذا حكى الخلاف في نفس الوجوب، وهي طريقة طائفة من العراقيين، وقال الشيخ أبو حامد وأتباعه: الوجوب ثابت قطعًا، وإنما الكلام في كيفية الإخراج، قال الرافعي والنووي: وهذا مقتضى كلام الأكثرين (¬3). ثانيهما: لم يتعرض للإخراج والأداء، وذكره "الحاوي" فقال [ص 219]: (وتقرر الأجرة شرط لوجوب الأداء)، و"المنهاج" وأوضح المسألة بمثالها، فقال [ص 175]: (ولو أكرى داراً أربع سنين بثمانين ديناراً وقبضها .. فالأظهر: أنه لا يلزمه أن يخرج إلا زكاة ما استقر، فيخرج عند تمام السنة الأولى زكاة عشرين ... إلى آخره) وللرافعي على هذا استدراك صحيح نقله عن ¬

_ (¬1) انظر (فتح العزيز" (2/ 547)، (12/ 278). (¬2) الروضة (2/ 200). (¬3) انظر "فتح العزيز" (2/ 558)، و"الروضة" (2/ 203).

القاطعين بالوجوب، أسقطه من "الروضة"، تقريره: أن الزكاة تتعلق بالمال تعلق شركة على الصحيح، فانتقل للفقراء من العشرين التي لم يخرج زكاتها في السنة الأولى؛ لعدم استقرار الأجرة نصف دينار، فلم يحل الحول الثاني على عشرين كاملة، بل ناقصة نصف دينار، فتسقط حصة ذلك، وكذا قياس السنة الثالثة والرابعة، وقد ظهر بذلك أن هذا الحكم مفرع على ضعيف؛ فإن الأظهر: تعلق الشركة، ومحل ذلك أيضاً: إذا كان الإخراج من غيره، فإن كان من عينه .. نقص الواجب في السنة الثانية وما بعدها بقدر واجب ما أخرجه (¬1). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (2/ 557، 558).

باب أداء الزكاة

بابُ أداء الزّكاة 1213 - كذا ترجم في "الروضة" (¬1)، وهو أحسن من ترجمة "المنهاج" بقوله [ص 175]: (فصل) لأنه لا يظهر اندراج أحكامه في الباب المتقدم، وهو (باب من تلزمه الزكاة، وما تجب فيه) (¬2). 1214 - قول "المنهاج" [ص 175]: (تجب الزكاة على الفور إذا تمكن، وذلك بحضور المال والأصناف) هو معنى قول "التنبيه" في (قَسْم الصدقات) [ص 61]: (ومن وجبت عليه الزكاة وقدر على إخراجها .. لم يجز له تأخيرها، فإن أخرها .. أثم وضمن) ويستثنى من كلامهما مسائل: إحداها: أن له التأخير لانتظار قريب أو جار، لكن يضمن لو تلف المال على الأصح فيهما، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 219]: (ولو انتظر القريب والجار .. جاز وضمن) وفي معنى ذلك: ما لو انتظر الأحوج، أو الأصلح، أو أخر لطلب الأفضل؛ بأن وجد السلطان .. فأخر ليفرق بنفسه حيث جعلناه أفضل، أو عكسه حيث جعلناه أفضل، لكن قال الإمام: له شرطان: أحدهما: أن يظهر استحقاق الحاضرين، فإن تردد في استحقاقهم فأخر ليتروى .. جاز بلا خلاف. الثاني: ألاَّ يشتد ضرر الحاضرين وَفَاقَتُهم، فإن تضرروا بالجوع .. لم يجز التأخير للقريب وشبهه بلا خلاف (¬3). قال الرافعي: وفي هذا الشرط الثاني نظر؛ فإن إشباعهم لا يتعين على هذا الشخص، ولا من هذا المال، ولا من مال الزكاة (¬4). قال النووي: هذا النظر ضعيف أو باطل (¬5). الثانية: زكاة الفطر؛ فإنها تجب بغروب ليلة العيد، وله التأخير إلى غروب يومه. الثالثة: قد يستثنى المعدن، فتجب زكاته بوجوده في الأصح، وله التأخير إلى الطحن والتصفية. الرابعة: المعشر، فتجب زكاته بالزهو واشتداد الحب، وله التاخير إلى الجفاف والتصفية، وقد يجاب عن هاتين الصورتين: بأنه قبل التصفية والجفاف غير قادر؛ فإنها لا تجزئ حينئذ، إلا ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 204). (¬2) المنهاج (ص 174). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (3/ 105، 106). (¬4) انظر "فتح العزيز" (3/ 40). (¬5) انظر "الروضة" (2/ 225).

إن دفع من غيره جافًا وخالصًا، وتعبير "الحاوي" [ص 219] (بحضور المال والمصروف إليه) أحسن من تعبير "المنهاج" [ص 175] بـ (الأصناف) لتناول المصروف إليه: الإمام، والساعي؛ فهو أعم، وأهملا للتمكن شرطاً آخر، ذكره البغوي وغيره، وهو: ألَّا يكون مشتغلًا بأمر مهم ديني أو دنيوي؛ كالصلاة وأكل ونحوهما (¬1)، وتعبير "التنبيه" أحسن من تعبير "المنهاج" من وجه؛ إذ ليس في عبارة "المنهاج" الإفصاح عن كون اعتبار ذلك إنما هو بعد حولان الحول، وذلك مفهوم من قول "التنبيه" [ص 61]: (ومن وجبت عليه الزكاة) فإنها إنما تجب بعد الحول. 1215 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وله أن يؤدي بنفسه زكاة المال الباطن) (¬2) أورد بعضهم عليه: السفيه؛ فإنه لا يفرق بنفسه. وجوابه: أن تفرقة وليه كتفرقته بنفسه. 1216 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وكذا الظاهر على الجديد) (¬3) محل الخلاف: ما إذا لم يطلبها الإمام، فإن طلب زكاة الظاهر .. وجب دفعها إليه بلا خلاف، قاله في "الروضة" (¬4)، لكن في "الشافي" للجرجاني: في وجوب الدفع إليه قولان، ثم قال: وقيل: إن طلبها .. وجب قطعًا. انتهى. ومقتضاه: طرد الخلاف مع الطلب، وبالمنع مع الطلب، قال القاضي أبو الطيب: وفي "البحر" وجهان في أنه هل له مطالبة من يعلم أنه يؤديها بنفسه أم لا؟ (¬5) قال في "المهمات": فتحصّلنا على ثلاثة أوجه. 1217 - قولهم: (ويجوز أن يدفع إلى الإمام) (¬6) في معنى الإمام: نائبه، وهو الساعي. 1218 - قول "التنبيه" [ص 62]: (وفي الأفضل ثلاثة أوجه، أحدها: أن يفرق بنفسه، والثاني: أن يدفع إلى الإمام، والثالث: إن كان الإمام عادلاً .. فالأفضل: أن يدفع إليه، وإن كان جائراً .. فالأفضل: أن يفرق بنفسه) فيه أمور: أحدها: أن الأصح: الثالث، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬7)، وصحح في "شرح ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (3/ 22). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 62)، و"الحاوي" (ص 220)، و "المنهاج" (ص 175). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 62)، و"الحاوي" (ص 220)، و"المنهاج" (ص 175). (¬4) الروضة (2/ 206). (¬5) بحر المذهب (4/ 96، 97). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 62)، و"الحاوي" (ص " 22)، و"المنهاج" (ص 175). (¬7) الحاوي (ص 220)، المنهاج (ص 175).

المهذب": أن الدفع إليه أفضل إن كانت ظاهرة مطلقًا، فإن كانت باطنة .. فيفرق بين أن يكون عادلاً أم لا (¬1). ثانيها: أنه حكى هذا الخلاف أوجها، وحكاه "المنهاج" أقوالاً، فقال [ص 175]: (والأظهر: أن الصرف إلى الإمام أفضل، إلا أن يكون جائرًا) وعبارة "الروضة" تقتضي أن الخلاف في الباطنة وجهان، وفي الظاهرة طريقان؛ فإنه قال: إن كانت باطنة .. فأصح الوجهين عند الجمهور، وبه قطع الصيدلاني: أن الدفع إليه أفضل، وإن كانت ظاهرة .. فالمذهب: أن الدفع إليه أفضل، وبه قطع الجمهور، وطرد الغزالي فيه الخلاف، ومحل أفضلية الدفع إليه: هو إذا كان عادلاً، فإن كان جائراً .. فأصح الوجهين: أن التفريق بنفسه أفضل، والثاني: أنه كالعادل (¬2). وذكر شيخنا ابن النقيب: أن ظاهر "المنهاج" الجزم بتفضيل التفرقة بنفسه إذا كان الإمام جائرًا (¬3). وفيه نظر؛ فالظاهر: أن الاستثناء في قوله: (إلا أن يكون جائراً) داخل تحت الأظهر أيضاً، فيكون من محل الخلاف، كما صرح به غيره. ثالثها: لم يحك "التنبيه" هذه الأوجه إلا في المال الباطن، وسكت عن المال الظاهر، وظاهر "المنهاج" حكاية الخلاف فيهما معاً، وهو كذلك. رابعها: قال الماوردي: المراد بالعادل: العدل في الزكاة وإن جار في غيرها، وكذا في الجور، حكاه في "الكفاية" عن الماوردي (¬4)، وظاهره: تفسير كلام الأصحاب في المراد بالعدل والجور هنا، وعلل الماوردي منع الدفع إلى الجائر: بانه لا يصل الحق إلى المستحق (¬5)، ومقتضاه: أنه لو علم أنه يصل .. دفع، وهو ما صرح به في (قسم الصدقات)، وهذا يقتضي أن المراد به: الجائر في إيصال تلك الزكاة بخصوصها لا في مطلق الزكاة، وهذا أخص من الأول، واقتضى كلام السبكي: أن كلام الماوردي المتقدم وجه في المسألة؛ فإنه جمع في الدفع إلى الجائر أربعة أوجه: الجواز، والوجوب، والمنع، والتفصيل بين الجائر في الزكاة وغيرها. 1219 - قول "المنهاج" [ص 175]: (وتجب النية، فينوي: "هذا فرض زكاة مالي"، أو "فرض صدقة مالي"، ونحوهما) يقتضي اشتراط نية الفرضية مع نية الزكاة، وليس كذلك، فلو ¬

_ (¬1) المجموع (6/ 148، 149). (¬2) الروضة (2/ 205). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (2/ 148). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (3/ 133). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (3/ 133).

نوى الزكاة دون الفرضية .. أجزأه على المذهب، بخلاف نية الصدقة بدون الفرضية .. فإنه لا يجزئ؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 220]: (وينوي بالقلب الزكاة أو الصدقة الفرض) فقيد الصدقة بالفرض دون الزكاة، وقد استدرك ذلك النووي في "التصحيح" على قول "التنبيه" [ص 62]: (ينوي أنها زكاة ماله أو زكاة واجبة)، فقال: الأصح: أنه إذا نوى الزكاة فقط .. أجزأه، وتبعه على ذلك شيخنا الإسنوي (¬1)، ولا حاجة لاستدراكه؛ فقد ذكره أولًا في قوله: (زكاة ماله)، فدل على أنه مخير في نية الوجوب. 1220 - قول "المنهاج" [ص 175]: (ولو عيَّن .. لم يقع عن غيره) محله: ما إذا لم ينو أنه إن بأن ذلك المنوي عنه تالفاً .. فعن غيره، فإن نوى ذلك فبان تالفًا .. وقع عن الآخر، وقد صرح به "الحاوي" فقال [ص 220]: (إلا إذا صرَّح أن يسترد حينئذ، أو أن يقع عن الآخر)، قال الرافعي: وتجويز الإخراج عن الغائب جعله الكرخي جواباً على جواز نقل الصدقة، ويصح تصويره بما أشار إليه في "الشامل"، وهو أن تفرض الغيبة عن المنزل لا عن البلد (¬2). قال في "المهمات": وهذا خروج عن ظاهر اللفظ ولا حاجة إليه، بل يتصور بما إذا كان ماله الغائب في موضع ليس فيه فقراء، وكان الموضع الذي هو فيه أقرب موضع إليه. 1221 - قول "المنهاج" [ص 175]: (وتلزم الولي النية إذا أخرج زكاة الصبي والمجنون) ضم إليهما في "شرح المهذب" السفيه، وحكى الاتفاق على ذلك (¬3)، وقال السبكي: فيه نظر، وصرح بمسالة السفيه الجرجاني في "الشافي"، وقال ابن الرفعة: قضية تعليل منع نية الصبي بأنه ليس أهلاَ للنية: اعتبار نية السفيه، قال: وفي الاعتداد بنيته نظر، وهذا يقتضي أنه لم يظفر فيه بنقل، وقد عرفت أنه منقول، ولعل إطلاق "الحاوي" نية الولي تشمله (¬4). 1222 - قول "التنبيه" [ص 62]: (وإن دفع إلى وكيله ونوى الوكيل ولم ينو رب المال .. لم يجزه) يستثنى منه: ما إذا فوّض النية إلى الوكيل، فنوى الوكيل عند التفرقة .. فإنه يجزئ، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 220]: (أو الوكيل إن فوض النية إليه). 1223 - قول "التنبيه" [ص 62]: (وإن نوى رب المال ولم ينو الوكيل .. فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز) الأصح: الإجزاء، ومحل الخلاف: ما إذا كانت نية المالك عند الدفع للوكيل، فإن كانت نيته عند تفرقة الوكيل .. أجزأ قطعا. ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (1/ 212)، وانظر "تذكرة النبيه" (3/ 22). (¬2) انظر "فتح العزيز" (3/ 8). (¬3) المجموع (6/ 171). (¬4) الحاوي (ص 220).

وقد ذكر "المنهاج" التصحيح ومحل الخلاف، فقال [ص 176]: (وتكفي نية الموكِّل عند الصرف إلى الوكيل في الأصح) ولذلك أطلق "الحاوي" نية الموكل (¬1)، وأصل هذا الخلاف: أنه هل يجب اقتران النية بالدفع للمستحقين أم يجوز قبله؛ والأصح: الثاني، والمسألة في "التنبيه"، قال [ص 62]: (ويجوز أن ينوي قبل حال الدفع، وقيل: لا يجوز)، وكذا قال "الحاوي" [ص 220]: (وإن تقدمت على الأداء)، وقال ابن الرفعة: محل تقديم النية: أن ينوي عند العزل، أما قبله .. فقال الماوردي: لا يجزئه قطعاً؛ لأنها حينئذ قصد لا نية، وفي كلام القفال ما ينازع فيه، وفي "شرح المهذب" أن المتولي وغيره شرطوه، وأشار إليه الماوردي والبغوي، وألحق في "الكفاية" الكفارة المالية بالزكاة في ذلك، ونقله في "شرح المهذب" عن ظاهر النص، وصوبه (¬2)، ولكن في "الروضة" وأصلها في أول كفارة الظهار تصحيح المنع (¬3). 1224 - قول "المنهاج" [ص 176]: (ولو دفع إلى السلطان .. كفت النية عنده) كذا حكم النية عند الدفع إلى الساعي. 1225 - قوله: (فإن لم ينو .. لم يُجْزِ على الصحيح وإن نوى السلطان) (¬4) عبر في "الروضة" بالأصح (¬5)، وهو أولى لقوة مقابله؛ فإن جماعةً جزموا به وآخرين صححوه، وهو ظاهر نصه في "المختصر" (¬6). 1226 - قوله: (والأصح: أنه تلزم السلطان النية إذا أخذ زكاة الممتنع) (¬7) محله: إذا لم ينو الممتنع عند الأخذ منه قهرًا، فإن نوى .. كفى وبرئ ظاهراً وباطنًا، ولعل تسمية هذا ممتنعاً إنما هو باعتبار امتناعه السابق، وإلا .. فقد صار بنيته غير ممتنع. 1227 - قوله: (وأن نيته تكفي) (¬8) محل الخلاف في الاكتفاء بها: في إسقاط الفرض باطناً، أما الاكتفاء بها ظاهراً .. فلا خلاف فيه، أما إذا لم ينو الإمام ولا المأخوذ منه .. لم يبرأ باطناً، وكذا ظاهراً في الأصح. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 220). (¬2) المجموع (6/ 186)، وانظر "الحاوي الكبير" (3/ 184، 185)، و"التهذيب" (3/ 63). (¬3) الروضة (8/ 279). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 176). (¬5) الروضة (2/ 208). (¬6) مختصر المزني (ص 45). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 176). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 176).

باب تعجيل الزكاة

باب تعجيل الزّكاة كذا بوب في "الروضة" (¬1)، وهو أولى من ترجمة "المنهاج" عنه ب (فصل) (¬2)؛ لأنه لا يظهر اندراجه في التبويب المتقدم كما تقدم في الفصل قبله. 1228 - قول "المنهاج" [ص 176]: (لا يصح تعجيل الزكاة على ملك النصاب) محله: في الزكاة العينية، فأما في زكاة التجارة: فإنه إذا اشترى عرضاً للتجارة بمئة مثلاً، وهو لا يملك غيرها، وهو يساوي دون مائتين، فعجل زكاة مئتين، فحال الحول وقيمته مئتان .. أجزأه المعجل على المذهب، بناء (على المذهب) أن النصاب إنما يعتبر آخر الحول، وهذا وارد أيضًا على مفهوم قول "التنبيه" [ص 61، 62]: (وكل مال تجب الزكاة فيه بالحول والنصاب .. جاز تقديمها على الحول) فإن مفهومه منع تقديمها على النصاب، فيستثنى منه هذه المسألة، وقد ذكرها "الحاوي" مع مسألة أخرى فقال [ص 221]: (والمُعجّل يجزئ إن انعقد حوله ولو قبل نصابه؛ كمال التجارة، وشاتين في مئة بنتاجها تم نصابهما). وصورة الثانية: ما إذا ملك مئة من الغنم، فعجل عنها شاتين، ثم بلغت قبل الحول مئة وإحدى وعشرين بنتاجها، وما ذكره فيها من الإجزاء صححه الغزالي (¬3)، لكن نقل الرافعي والنووي عن الأكثرين عدم الإجزاء (¬4)، فخالف "الحاوي" ما عليه المعظم خلاف شرطه، ثم إن عبارته تقتضى إجزاء التعجيل قبل النصاب مطلقًا، وأن ذلك لا يختص بهاتين الصورتين، وإنما هما مثال، وليس كذلك. 1229 - قول "المنهاج" [ص 176]: (ويجوز قبل الحول) أي: قبل تمامه، وكذا قول "التنبيه" [ص 62]: (جاز تقديمها على الحول) أي: على تمامه، وقول "الحاوي" [ص 221]: (إن انعقد حوله) أي: بعد الدخول فيه وقبل تمامه. 1230 - قول "المنهاج" [ص 176]: (ولا تعجَّل لعامين في الأصح) الخلاف في العام الثاني، فيجزئ في العام الأول كما صرح به الإمام (¬5)، قال في "المهمات": وهو مسلّم مع تمييز حصة كل سنة، فإن لم يميز .. فينبغي ألا يجزئ؛ لأن المجزئ عن خمسين شاة مثلاً إنما هو: شاة كاملة، لا مشاعة ولا مبهمة، وهنا ليست كذلك. انتهى. ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 212). (¬2) المنهاج (ص 176). (¬3) انظر "الوسيط" (2/ 446، 447). (¬4) انظر "فتح العزيز" (3/ 16)، و"المجموع" (6/ 129). (¬5) انظر " نهاية المطلب" (3/ 174).

ولا يختص الخلاف بعامين، بل يجزئ فيما زاد أيضًا حتى لو ملك خمسين شاة، فعجل عشرة لعشرة أعوام .. جاء الخلاف، ونقل في "المهمات" عن الأكثرين تصحيح الجواز، وقال: إن ما صححه الرافعي والنووي من المنع لم نجد من سبقهما إليه غير البغوي (¬1). 1231 - قوله عطفاً على الصحيح: (وأنه لا يجوز إخراج زكاة الثمر قبل بدو صلاحه، ولا الحب قبل اشتداده) (¬2) محل الخلاف: فيما بعد ظهوره، أما قبله: فيمتنع قطعاً. 1232 - قول "التنبيه" [ص 62]: (وإن هلك الفقير أو استغنى من غير الزكاة قبل الحول .. لم يجزئه عن الفرض) يتناول ما إذا طرأ له بعد الغنى فقر، وحال عليه الحول، وهو فقير، والأصح في هذه الصورة: الإجزاء؛ ولهذا اعتبر "المنهاج" كون القابض في آخر الحول مستحقًّا، و"الحاوي" وجود شروط الإجزاء وقت وجوبه (¬3). 1233 - قولهما - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ولا يضر غناه بالزكاة) (¬4) فيه أمران: أحدهما: أنه يتناول استغناءه بهذه الزكاة المعجلة وبغيرها من الزكوات، لكن قال السبكي: إن استغناءه بزكاة أخرى كاستغنائه بغير الزكاة، كما يشير إليه كلام الأصحاب، قال: ولم أر من صرح به إلا الفارقي في كلامه على "المهذب"، واستشكله السبكي بما إذا كانتا معجلتين واتفق حولهما؛ إذ ليس استرجاع إحداهما بأولى من الأخرى، ثم قال: والثانية أولى بالاسترجاع، وكلام الفارقي يشعر باسترجاع الأولى، ولو كانت الثانية واجبة .. فالأولى هي المسترجعة، وعكسه بالعكس. انتهى. وقد يقال: لم تتناول عبارته زكاة أخرى، واللام في عبارته للعهد، والمراد: الزكاة التي قبضها معجلة. ثانيهما: قد تفهم عبارته أنه إذا استغنى بها وبغيرها .. أنه يضر، وبه جزم الجرجاني في "الشافي"، لكن الذي جزم به الرافعي والنووي: أنه لا يضر (¬5)، وقد يقال: مراد "المنهاج" باستغنائه بالزكاة: أن يكون لها مدخل في صيرورته غنياً وإن لم يكن غناه بها وحدها. 1234 - قول "المنهاج" [ص 176]: (والأصح: أنه إن قال: " هذه زكاتى المعجلة" فقط .. استرد) محل الخلاف: ما إذا دفعها المالك، فإن دفعها الإمام .. استرد قطعاً؛ إذ لا يمكن جعله تطوعاً، قال الرافعي: لكن لو لم يعلم أنه زكاة غيره، فيجوز أن يقال: لا يسترد على وجه، ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (3/ 57). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 176). (¬3) الحاوي (ص 221)، المنهاج (ص 176). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 62)، و"المنهاج" (ص 176). (¬5) انظر "فتح العزيز" (3/ 21)، و"الروضة" (2/ 214)، و"المجموع" (6/ 136).

ويضمنه الإمام للمالك لتقصيره، وصرح بذلك في "الشرح الصغير" أيضًا، فقال: إنما يسترد إذا علم القابض أنها زكاة غيره، وإلا .. فيجيء فيه وجه (¬1). وتقييد محل الخلاف بما ذكرته مفهوم من قول "المنهاج": (زكاتي) فإن الإمام لا يضيفها إلى نفسه، وإطلاق "التنبيه" و"الحاوي" الاسترجاع عند البيان يتناول المالك والإمام؛ فإنهما لم يحكيا خلافًا (¬2). 1235 - قول "التنبيه" [ص 62]: (واسترجع إن كان قد بين أنها زكاة معجلة) كذا إذا علمه القابض، وإن لم يكن ببيان من الدافع؛ ولهذا رتب "الحاوي" الحكم على علم المستحق (¬3)، وهو مفهوم من قول "المنهاج" [ص 176]: (إن لم يتعرض للتعجيل ولم يعلمه القابض .. لم يسترد). 1236 - قول "المنهاج" عطفاً على الأصح [ص 176]: (وأنه إن لم يتعرض للتعجيل ولم يعلمه القابض .. لم يسترد) مخالف لتعبيره عنه في "الروضة" بالمذهب (¬4)، ووقع في "شرح المهذب" أن الرافعي رجح الرجوع (¬5)، وهو سبق قلم، قال السبكي: وعلم القابض إنما يؤثر إذا اقترن بالقبض، فإن تجدد بعده .. فلم أر فيه تصريحًا، والأقرب: أنه كالمقارن، وفي كلام الشيخ أبي حامد والإمام ما يوهم خلافه. 1237 - قوله: (وأنهما لو اختلفا في مُثْبِتِ الاسترداد .. صُدَّقَ القابض بيمينه) (¬6) موافق لتصحيح "الروضة"، لكنه صحح في "شرح المهذب": تصديق الدافع (¬7)، ويستثنى من الخلاف: ما إذا ادعى المالك علم القابض بالتعجيل، وأنكر القابض، وما إذا قال المالك: قصدت التعجيل، وفرعنا على إثبات الرجوع عند الدفع ساكتًا، وأنكر القابض .. فالمصدق في الأولى القابض، وفي الثانية المالك بلا خلاف فيهما مع اختلافهما في مثبت الاسترداد. 1238 - قوله: (والأصح: اعتبار قيمة يوم القبض) (¬8) محله: في المتقوم، أما المثلي .. فيضمن بالمثل؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 222]: (وقيمته يوم القبض إن تلف متقوماً) وصحح ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (3/ 27). (¬2) التنبيه (ص 62)، الحاوي (ص 221). (¬3) الحاوي (221). (¬4) الروضة (2/ 218). (¬5) المجموع (6/ 131)، وانظر "فتح العزيز" (3/ 27). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 176). (¬7) الروضة (2/ 218)، المجموع (6/ 132). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 176، 177).

السبكي: الضمان بالمثل مطلقًا، وعزاه إلى ظاهر النص. 1239 - قول "المنهاج" عطفاً على الأصح [ص 177]: (وأنه إن وجده ناقصاً .. فلا أرش) عبر عنه في "الروضة" بالصحيح (¬1)، فدل على ضعف مقابله، ومحل ذلك: في نقص الصفة؛ كالمرض والهزال، أما نقص الجزء؛ كتلف شاة من شاتين .. فإنه يرجع ببدل التالف قطعًا، وهذا وارد أيضًا على إطلاق قول "الحاوي" عطفاً على المنفي [ص 222]: (وأرش نقصٍ). 1240 - قول "المنهاج" عطفاً على الأصح [ص 177]: (وأنه لا يسترد زيادةً منفصلة) مخالف لتعبير"الروضة" عنه بالمذهب الذي قطع به الجمهور، ونص عليه الشافعي، ثم قال: وقيل: وجهان (¬2). قال البغوي وغيره: وهذا فيما إذا كان القابض حال القبض مستحقاً، أما لو بأن أنه كان حينئذ غنيًا، أو عبداً، أو كافراً .. استرده بزوائده كلها، وبأرش نقصه بلا خلاف (¬3) وإن كان عند الحول مستحقاً؛ لفساد القبض، قال الإمام: ومحل عدم الرجوع بالزيادة المنفصلة وأرش النقص: ما إذا وُجِدا قبل حدوث سبب الرجوع، فإن وجدا بعده .. رجع بهما (¬4)، وهذان واردان على إطلاق "الحاوي" أيضاً. 1241 - قول "التنبيه" [ص 62]: (وإن تسلف الإمام الزكاة من غير مسألة الفقراء فهلك في يده .. ضمنها) يدخل في مسألة الفقراء سؤالهم إذا كانوا رشداء، وسؤال أوليائهم إذا لم يكونوا رشداء، فإن كان الإمام ولي غير الرشيد .. فحاجته مغنية عن السؤال، فيقع الموقع، ولا ضمان؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 221]: (وقبضه بلا سؤال المستحق وحاجة الطفل) فجعل حاجة الطفل كسؤال المستحق، وهو محمول على الطفل الذي هو محجوره، فإن كان محجور غيره .. فلا بد من سؤال وليّه، كما قدمته، ويستثنى من كلامهما: ما إذا بقي المالك بصفة الوجوب إلى آخر الحول .. فإنه يجزئ، ويكون كأنه أخرجها عند الحول، حكاه في "الكفاية" عن الفوراني، وقال القاضي الحسين: إن القفال أجاب به ثانياً. 1242 - قول "التنبيه" [ص 62]: (وإن تسلف بمسألة الفقراء .. فهو من ضمانهم) أراد بالفقراء: جميع أصناف الزكاة؛ أي: طائفة من كل صنف؛ ولهذا عبر "الحاوي" بالمستحق كما تقدم (¬5)، وقال بعضهم: يجوز أن يحمل كلام "التنبيه" على حقيقته؛ لأن للإمام دفع زكاة الواحد ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 220). (¬2) الروضة (2/ 220). (¬3) انظر "التهذيب" (3/ 59). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (3/ 183). (¬5) الحاوي (ص 221).

لواحد من الأصناف الثمانية، ذكره في "المهمات". 1243 - قوله: (وإن تسلف بمسألة أرباب الأموال .. فهو من ضمانهم) (¬1) محله: ما إذا لم يفرط الإمام، فإن فرط .. فهو من ضمانه؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 221]: (وضمن الإمام من ماله إن فرط أو أخذ بلا سؤال). 1244 - قول "التنبيه" [ص 62]: (وإن تسلف بمسألة الجميع .. فقد قيل: إنه من ضمان الفقراء، وقيل: من ضمان أرباب الأموال) الأصح: الأول، وهو مأخوذ من مفهوم قول "الحاوي" [ص 221]: (وقبضه بلا سؤال المستحق) فإن مفهومه الإجزاء إذا كان بسؤال المستحق ولو انضم إليه سؤال المالك. قال صاحب "المعين": ومحل الخلاف: ما إذا نوى الإمام عند أخذها النيابة عن الجميع، فلو نوى عن أحدهما .. كان من ضمان من عينه بالنية قطعًا، واعلم: أن الساعي في جميع ما ذكرناه كالإمام، والكلام في التلف قبل الحول، أما بعده .. فلا ضمان إلا أن يكون بتفريط الإمام، وإليه أشار "الحاوي" بقوله [ص 221]: (لا إن تلف قبله) أي: قبل الحول. 1245 - قول "المنهاج" [ص 177]: (وتأخير الزكاة بعد التمكن يوجب الضمان وإن تلف المال) فيه أمر ان: أحدهما: ليس المراد بالضمان: ما يتبادر إلى الفهم من ضمان القيمة، وإنما المراد: استمرار وجوب ما كان واجباً قبل ذلك. ثانيهما: في جعل التلف غاية نظر؛ فإن ذلك هو محل الضمان، وأما قبل التلف .. فيقال: وجب الأداء، ولا يحسن فيه القول بالضمان، فكان ينبغي إسقاط الواو، وقد عبر "التنبيه" و"الحاوي" بالضمان، لكنهما لم يجعلا التلف غاية، بل أطلقا الضمان (¬2)، ومحله: عند التلف. 1246 - قول "المنهاج" [ص 177]: (ولو تلف بعضه .. فالأظهر: أنه يَغْرَمُ قسط ما بقِيَ) فيه أمران: أحدهما: أنه لو احترز عن لفظ الغرم، وعبر باللزوم .. لكان أحسن، وعبارة "المحرر": (يبقى قسط ما بقي) (¬3)، لكنه عبر بالغرم قبل ذلك. ثانيهما: أنه لم يبين هل المغروم قسط من النصاب أو المال؟ وهو مبني على أصل أسقطه ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 62). (¬2) التنبيه (ص 62)، الحاوي (ص 221). (¬3) المحرر (ص 107).

"المنهاج"، وذكره "التنبيه" فقال [ص 56]: (وفي الأوقاص التي بين النصب قولان، أحدهما: إنه عفو، والثاني: إن فرض النصاب يتعلق بالجميع) والأظهر: الأول، فعلى هذا يكون القسط من النصاب، فلو ملك تسعًا من الإبل، فهلك منها أربع بعد الحول وقبل التمكن، وفرعنا على أن التمكن شرط في الضمان، وأن الوقص عفو، وهو الأظهر فيهما .. وجب شاة، وإن لم نجعله عفواً .. وجب القسط من جميع المال، فتجب خمسة أتساع شاة، وقد عبر "الحاوي" بقوله [ص 219]: (وما تلف قبله لا الوقص .. سقط) فسلم من الأمرين. 1247 - قول "التنبيه" [ص 55]: (وهل تجب في أعيانها أو في الذمة؟ قولان) الأظهر: الأول، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 177]: (وهي تتعلق بالمال تعلق الشركة) و"الحاوي" فقال [ص 220]: (والمستحق شريك بالواجب من جنسه، وبقدر قيمته من غير جنسه) وهذا كالشرح لتعلق الشركة الذي في "المنهاج". 1248 - قول "المنهاج" [ص 177]: (وفى قولٍ: تَعَلُّقَ الرَّهن) قد يفهم أن جميع المال مرهون، والأصح: أن المرهون قدر الزكاة فقط. 1249 - قول "التنبيه" تفريعاً على الأظهر [ص 55]: (فإن لم يخرج منه شيء .. لم يجب في السنة الثانية زكاة) فيه أمور: أحدها: أن صورة المسألة: أن يكون المال قدر النصاب فقط من غير زيادة؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 220]: (ولو تكرر الحول في نصاب فقط .. لم يتكرر الوجوب). ثانيها: أن منطوقه تناول مسألتين: إحداهما: إذ لم يخرج الزكاة أصلاً، وإنما لم تجب في الثانية؛ لأن الفقراء ملكوا قدر الزكاة، فبقي على ملكه دون النصاب، ولا تأثير لخلطتهم. الثانية: إذا أخرج من غيره، وما اقتضاه كلامه فيها من عدم الوجوب في السنة الثانية هو أظهر القولين عند العراقيين؛ لأن ملكه زال عند الحول عن قدر الزكاة، ثم عاد بالإخراج من غيرها، فانقطع الحول؛ لنقص المال عن النصاب، ومقتضى هذا التعليل: أنه لو عجل الإخراج قبل الوجوب، أو أخرجها حالة الوجوب .. لم ينقطع الحول، ووجبت الزكاة في الثانية. وما حكيته عن العراقيين هو في "الروضة" وأصلها في الخلطة فيما لو ملك أربعين شاة ستة أشهر، ثم باع نصفها مشاعاً - وفرعنا على المذهب: أن الحول لا ينقطع؛ لاستمرار النصاب بصفة الانفراد ثم بصفة الاشتراك - فأخرج البائع بعد مضي ستة أشهر من يوم الشراء نصف شاة من غير المشترك، وفرعنا على الأظهر، وهو: تعلق الزكاة بالعين، فهل ينقطع حول المشترى؟ قالا هناك: فيه قولان، أظهرهما عند العراقيين: الانقطاع، ومأخذهما: أن إخراج الزكاة من موضع

آخر يمنع زوال الملك عن قدر الزكاة، أو يفيد عوده بعد الزوال. انتهى (¬1). وكلام "الكفاية" ينازع في الصورة الثانية، وقال: إنه لو أخرج من غير المال .. وجبت في السنة الثانية بلا خلاف، وفي نفي الخلاف نظر؛ لما عرفته، وعبارة "الحاوي" المتقدمة موافقة "للتنبيه" أيضاً؛ لإطلاقه أنه لا يتكرر الوجوب. ثالثها: الصورة الخارجة بمفهوم "التنبيه" و"الحاوي" - وهي أن يخرج الزكاة منه، فلم يتكرر الحول في نصاب - لا زكاة فيها أيضًا؛ لعدم مقتضى الزكاة فيها، وهو ملك النصاب تاما حولاً كاملاً، فهي أولى بعدم الوجوب؛ لنقص النصاب حساً، وهذه من مفهوم الموافقة، وقد ظهر بذلك أنهما لو حذفا التقييد .. لكان أولى؛ لعدم وجوب الزكاة في جميع الصور، وإن أخذنا بما في "الكفاية" في الصورة الثانية .. فكان ينبغي لـ "التنبيه" أن يقول: (فإن لم يخرج من غيره شيء .. لم تجب في السنة الثانية زكاة)، ولـ"الحاوي" أن يقول: (إلا أن يخرج من غيره). واعلم: أن الأصحاب لم يفرقوا في الشركة بين الدين والعين، فيترتب على ذلك أمور مهمة ينبغي التفطن لها، منها: أن صاحب الدين بعد حولان الحول لا يدعي ملك جميعه، ولا يحلف عليه، ولا يشهد له الشهود بملك جميعه، بل طريق الدعوى والشهادة أن يقال: إنه باق في ذمته، وإنه يستحق قبضه؛ لأن له ولاية التفرقة في القدر الذي ملكه أصحاب الأصناف، نبّه على ذلك السبكي، وتبعه في "المهمات"، وهو حسن دقيق، والله أعلم. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (3/ 34)، الروضة (2/ 179).

كتاب الصيام

كتابُ الصِّيام 1250 - قول "التنبيه" [ص 65]: (ولا يجب صوم شهر رمضان إلا برؤية الهلال ... إلى آخره) أحسن من تعبير "المنهاج" و"الحاوي" بـ (رمضان) (¬1) بدون لفظة شهر؛ للخروج من الخلاف، فإن جماعة قالوا بكراهته، وهو مذهب المالكية (¬2)، وورد فيه حديث رواه البيهقي: "لا تقولوا: رمضان، ولكن قولوا: شهر رمضان" (¬3)، لكن الأصح: عدم كراهته؛ لكون الحديث لم يصح، وفي "الصحيحين": أنه عليه الصلاة والسلام قال: "من صام رمضان" (¬4). وتعليق "التنبيه" و"المنهاج" وجوب الصوم بإكمال شعبان ثلاثين، أو رؤية الهلال يخرج إدراكه بحساب أو تنجيم، وهو كذلك، لكن صحح النووي في "شرح المهذب": أنه يجوز لهما دون غيرهما الصوم، ولكن لا يجزئهما عن فرضهما، وقيل: يجوز لهما ويجزئهما (¬5). واستشكل السبكي ما صححه النووي، وقال: أكثر الكتب ساكتة عنه في الحاسب، وكلام الرافعي عند الكلام في يوم الشك ينازع فيه (¬6)، وصحح الجمهور في المنجم: عدم الجواز، وسبقه إلى نقل ذلك عن الجمهور ابن الصلاح (¬7)، قال السبكي: وأما الجواز مع عدم الإجزاء .. فبعيد، بل الصواب: أنه إذا جاز .. يجزئ، وهو الوجه الثاني. انتهى. وقد تفهم عبارة "الحاوي" أنه لا يجوز لهما الصيام؛ لقوله [ص 225]: (إنما يثبت رمضان باستكمال شعبان ... إلى آخره) فلم يعبر بالوجوب، وإذا لم يثبت كونه رمضان .. فصومه حرام كيوم الشك، وقال السبكي في "بيان الأدلة في إثبات الأهلة": محل الخلاف: إذا دل الحساب على الإمكان، فاكتفى به بعضهم، والصحيح: خلافه، أما إذا دل الحساب على عدم إمكان الرؤية وذلك يدرك بمقدمات قطعية .. ففي هذه الحالة لا يمكن تقدير الرؤية؛ لاستحالتها، فمن شهد به .. رددنا شهادته؛ لأن من شرط البينة إمكان المشهود به حساً وعقلاً وشرعاً، قال: ولا يعتقد الفقيه أن هذا الفرع مسألة الخلاف؛ لأن الخلاف فيما إذا دل الحساب على الإمكان، وهذا ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 225)، المنهاج (ص 178). (¬2) انظر "مواهب الجليل" (2/ 379، 380). (¬3) "سنن البيهقي الكبرى" (7693). (¬4) البخاري (38)، مسلم (760). (¬5) المجموع (6/ 282). (¬6) انظر "فتح العزيز" (3/ 178). (¬7) انظر "مشكل الوسيط" (2/ 522).

عكسه، فمن قال بجواز الصوم هناك أو وجوبه .. يقول هنا بالمنع بطريق أولى، ومن منع هناك .. لم يقل هنا شيئاً، والذي اقتضاه نظرنا: المنع، وهو عندنا من محالّ القطع مُتَرقّ عن الظن يُنقض في مثله قضاء القاضي. انتهى. وقد وقع هذا في بعض السنين أنه قامت البينة برؤيته عند قاض وحكم بها، مع قول أهل الميقات: إنه غير ممكن، وانضم إلى ذلك أن القمر غاب ليلة الثالث على مقتضى تلك الرؤية قبل دخول وقت العشاء، فقلت: إن هذا الحكم يُنقض؛ لمخالفته النص، وهو: (أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي العشاء لسقوط القمر لثالثة) (¬1)، فهذا فيه مع عدم الإمكان مخالفة للنص، فهو أخص مما قاله السبكي، والله أعلم. 1251 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وثبوت رؤيته بعدلٍ، وفي قولٍ: عدلان) (¬2) فيه أمور: أحدها: قال في "المهمات": هذا خلاف مذهب الشافعي؛ فإن المجتهد إذا كان له قولان، وعلم المتأخر منهما .. كان مذهبه هو المتأخر، وفي "الأم" في (الصيام الصغير): (قال الشافعي بَعْدُ: لا يجوز على رمضان إلا شاهدان) انتهى (¬3). وكنت جوزت في تأويل هذا الكلام أن مراد الربيع: أن النص على أنه لا يثبت إلا بشاهدين .. متأخر عن النص على ثبوته بواحد في الترتيب لا في التاريخ، فيكون قوله: (بَعْدُ) أي: بعد هذا بأوراق، حتى رأيت شيخنا الإمام البلقيني نقل مع هذا النص نصاً آخر في (الشهادات) في ترجمة رؤية الهلال، صيغته: رجع الشافعي - رضي الله عنه - بعد فقال: لا يُصام إلا بشاهدين. انتهى (¬4). وهذا النص لا يحتمل هذا التأويل الذي ذكرته. ثانيها: أن محل ثبوته برؤية عدل واحد: إنما هو بالنسبة للصوم فقط، فلا يقع الطلاق والعتق المعلقان به، ولا تحل الآجال المقدرة به، كذا أطلق الرافعي نقلاً عن البغوي (¬5)، ومحله: إذا سبق التعليق الشهادة، فلو حكم القاضي بدخول رمضان بشهادة واحد، ثم قال قائل: إن ثبت رمضان فعبدي حر أو زوجتي طالق .. وقعا، كما نقله القاضي حسين عن ابن سريج، وذكر الرافعي ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داوود (419)، والترمذي (165)، والنسائي (528)، وأحمد (18401) من حديث سيدنا النعمان بن بشير رضي الله عنه. (¬2) انظر "التنبيه" (ص 65)، و "الحاوي" (ص 225)، و"المنهاج" (ص 178). (¬3) الأم (2/ 94). (¬4) انظر "الأم" (7/ 48). (¬5) انظر "التهذيب" (3/ 151، 152)، و"فتح العزيز" (3/ 179).

عنه وعن الأصحاب نظيره في (كتاب الشهادات) (¬1)، ومحله أيضًا: إذا لم يتعلق بالشاهد، فإن تعلق به .. ثبت؛ لاعترافه به، ذكره في "المهمات". ثالثها: ظاهر عبارته: أن كيفية الشهادة به أن يقول: (أشهد أني رأيت الهلال)، وقد صرح بذلك ابن سراقة والقفال والرافعي في صلاة العيد وغيرهم (¬2)، ومنع ذلك ابن أبي الدم؛ لأنها شهادة على فعل نفسه. رابعها: قال شيخنا الإمام البلقيني في "تصحيح المنهاج" في (الشهادات): لم أجد للشافعي نصاً صريحاً بالصوم بشهادة واحد، والنص الذي فيه إنما هو على طريق الاستحباب، ولفظه: ولا يلزم الناس أن يصوموا إلا بشهادة عدلين فأكثر، وكذلك لا يفطرون، وأَحَبُّ إليَ لو صاموا بشهادة العدل؛ لأنه لا مؤنة عليهم في الصيام؛ إن كان من رمضان .. أدَّوْهُ، وإن لم يكن .. رجوت أن يؤجروا به (¬3)، قال شيخنا: وهذا يدل على أن شهادة الواحد عنده تقتضي استحباب الصوم عنده دون إيجابه، ولم أر من تعرض لذلك، على القول بأنه لا يثبت بواحد، وأنه يكون مؤدياً له إن كان من رمضان. 1252 - قول "المنهاج" [ص 178]: (وشرط الواحد: صفة العدول في الأصح، لا عبدٍ وامرأة) فيه أمور: أحدها: أن قوله: (وشرط الواحد: صفة العدول) بعد قوله: (بعدل) فيه ركَّة، فإن العدل من كانت فيه صفة العدول، وإنما كان يحتاج إلى هذا لو عبر بقوله أولاً: (بواحد). ثانيها: أنه يفهم أن العبد والمرأة ليسا عدلين، وليس كذلك، ومثار الخلاف: أن هذا هل هو من باب الشهادة .. فلا يكفي قولهما فيه، أو من باب الرواية .. فيكفي؟ ثالثها: ظاهره: أنه لا بد من العدالة الباطنة، وهي المستندة للتزكية، لكن صحح في "شرح المهذب": الاكتفاء بالعدالة الظاهرة، والمراد بذلك: المستور (¬4)، وخالفه السبكي، وقال في "المهمات": تصحيح القبول متجه على القول بأنه رواية، وأما على القول بالشهادة .. فبعيد. رابعها: محل اعتبار العدالة: وجوب صومه على عموم الناس، وأما وجوبه على الرائي نفسه .. فلا يتوقف على كونه عدلاً، بل من رأى هلال رمضان .. وجب عليه الصوم وإن كان فاسقاً. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 51، 52). (¬2) انظر "فتح العزيز" (3/ 81). (¬3) انظر "الأم" (7/ 48). (¬4) المجموع (6/ 279).

1253 - قول "التنبيه" [ص 65]: (وفي سائر الشهور لا يقبل إلا عدلان) يرد عليه: ما لو نذر صوم شعبان فشهد برؤيته واحد وقلنا: يثبت به في رمضان .. فأصح الوجهين في "البحر": ثبوته (¬1). 1254 - قوله: (ولا يجب صوم شهر رمضان إلا برؤية الهلال) (¬2)، قال في "الكفاية": مقتضاه: أنه إذا رئيَ في بلدٍ .. عم حكمه جميع البلاد، قال النشائي في "نكته": ولعل عكسه أقرب للفظه (¬3)، وبين ذلك "المنهاج" فقال [ص 178]: (وإذا رُئيَ ببلد .. لزم حكمه البلد القريب دون البعيد في الأصح)، وقوله: (في الأصح) يرجع إلى البعيد فقط، أما القريب .. فيلزم حكمه بلا خلاف، ثم قال "المنهاج" [ص 178]: (والبعيد: مسافة القصر، وقيل: باختلاف المطالع. قلت: هذا أصح) انتهى. وتبع "الحاوي" ترجيح "المحرر" في اعتبار مسافة القصر، وكذا رجحه في "الشرح الصغير"، ورجحه النووي في "شرح مسلم" (¬4)، قال السبكي: وهنا تنبيه لم أر من نبه عليه، وهو أنه قد تختلف المطالع والرؤية في أحد البلدين مستلزمة للرؤية في الآخر من غير عكس، فإن الليل يدخل في البلاد الشرقية قبل دخوله في الغربية، فإذا غربت في بلد شرقي، وبينه وبين الشمس سبع درج مثلاً .. لا يمكن رؤيته فيها، وإذا غربت في بلد غربي يتأخر الغروب، وبينه وبين الشمس أكثر من عشر درج .. أمكنت رؤيته فيها وإن لم يُرَ في ذلك الشرقي، فإذا غربت في غربي آخر بعد ذلك بدرجتين .. كانت رؤيته فيه أظهر، ويكون مكثه بعد الغروب أكثر، وقس على هذا يتبين لك أنه متى اتحد المطلع .. لزم من رؤيته في أحدهما رؤيته في الآخر، ومتى اختلف .. لزم من رؤيته في الشرقي رؤيته في الغربي، ولا ينعكس. انتهى، وتبعه على ذلك في "المهمات". 1255 - قول "المنهاج" [ص 178]: (ومن سافر من البلد الآخر إلى بلد الرؤية .. عَيَّدَ معهم وقضى يوماً) محل قضاء يوم: ما إذا كان تعييده معهم في التاسع والعشرين؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 225]: (إن صام ثمانية وعشرين). 1256 - قول "المنهاج" [ص 178]: (ومن أصبح مُعَيِّداً فسارت سفينته إلى بلد؛ بعيد؛ أهلها صيامٌ .. فالأصح: أنه يُمْسِكُ بقية اليوم) تبع في تصحيحه "المحرر" و"الشرح الصغير" (¬5)، وحكاه في "الروضة" وأصلها عن الشيخ أبى محمد، قال: واستبعده الإمام والغزالي؛ لما فيه من تجزئة اليوم ¬

_ (¬1) بحر المذهب (4/ 268، 269). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 65). (¬3) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 58). (¬4) المحرر (ص 108)، الحاوي (ص 225)، شرح مسلم (7/ 197). (¬5) المحرر (ص 109).

فصل [في النية]

الواحد (¬1)، وفي تسمية هذا الاستبعاد وجهًا نظر، وقد رده الرافعي بيوم الشك إذا ثبت الهلال في أثنائه؛ فإنه يجب إمساك باقيه دون أوله (¬2)، لكن قال السبكي: للإمام أن يقول: إنما يُبعّض الحكم في يوم الشك ظاهراً، وأما في مسألتنا: فهو متبعض ظاهرًا وباطنًا بالنسبة إلى حكم البلدتين، فيكون كما لو أسلم الكافر، أو أفاق المجنون، أو بلغ الصبي وهو مفطر؛ فإنه لا يلزمهم الإمساك على الأصح. فصلٌ [في النية] 1257 - قول "المنهاج" [ص 179]: (النية شرط للصوم) صريح في أنها ليست ركنًا داخلاً في الماهية، وقال الغزالي: (ركن الصوم: النية والإمساك) (¬3)، قال الرافعي: تقدم الخلاف في أن النية ركن في الصلاة أم شرط، ولم يوردوا الخلاف هنا، واللائق بمن اختار الشرطية هناك أن يقولوا بمثله هنا، ومنهم الغزالي، وحينئذ .. فيتمحض نفس الصوم؛ أي: الإمساك ركنا (¬4)، وأسقط هذا الكلام في "الروضة"، وقال: لا يصح الصوم إلا بالنية (¬5)، وكذا عبر "التنبيه" و"الحاوي" (¬6)، وعبارة "المحرر": (لا بد منها) (¬7)، وهذا التعبير محتمل للاشتراط والركنية، والحق: أنها ركن كما في الصلاة، مع أن الغزالي إنما قال هناك: هي بالشروط أشبه، ولم يجزم بأنها شرط (¬8). 1258 - قول "التنبيه" [ص 65]: (ولا يصح صوم رمضان ولا غيره من الصوم الواجب إلا بنية من الليل) أحسن من قول "المنهاج" - والعبارة له - و"الحاوي": (ويشترط لفرضه التبييت) (¬9) لأن عبارتهما قد تخرج الصبي المميز؛ فإنه لا فرض عليه، والذي في "شرح المهذب" تبعاً للروياني وغيره: أنه كالبالغ في ذلك، قال الروياني: ليس [على أصلنا] (¬10) صوم نفل يشترط فيه التبييت إلا هذا (¬11). ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 349)، وانظر "نهاية المطلب" (4/ 18، 19)، و"الوسيط" (2/ 517). (¬2) انظر "فتح العزيز" (3/ 181). (¬3) انظر "الوسيط" (2/ 518)، و"الوجيز" (1/ 236). (¬4) انظر "فتح العزيز" (3/ 183). (¬5) الروضة (2/ 350). (¬6) التنبيه (ص 65)، الحاوي (ص 225). (¬7) المحرر (ص 109). (¬8) انظر "الوسيط" (2/ 86)، و"الوجيز" (1/ 162). (¬9) الحاوي (ص 225)، المنهاج (ص 179). (¬10) ما بين معقوفين سقط من النسخ، واستدركناه من "بحر المذهب". (¬11) المجموع (6/ 294)، وانظر "بحر المذهب" (4/ 327).

1259 - قول "المنهاج" عطفًا على الصحيح [ص 179]: (وأنه لا يضر الأكل والجماع بعدها)، عبر في "الروضة" بالمذهب (¬1)، وفي "شرح المهذب": إنه الصواب المنصوص، وبه قطع جميع الأصحاب، وعن أبي إسحاق المروزي بطلانها، ووجوب تجديدها، وهو غلط بالاتفاق، وقال الإصطخري: هو خلاف الإجماع، وأنكر ابن الصباغ وغيره نسبته إليه، وقال الإمام وغيره: إنه رجع عنه عام حج، وأَشْهَدَ على نفسه (¬2). قال الرافعي: فإن لم ينقل هذا الوجه إلا عنه، وثبت أحد هذين .. فلا خلاف في المسألة (¬3). قال السبكي: ولك أن تقول: إذا لم يكن في المسألة إجماع سابق، وثبت خلاف أبي إسحاق، شم رجوعه يشخرج على الخلاف في الاتفاق بعد الاختلاف إن لم نجعله إجماعاً .. فالخلاف مستمر. 1260 - قول "التنبيه" - والعبارة له - و"المنهاج" في النفل: (وفيه قول آخر: أنه يصح بنية بعد الزوال) (¬4) لهذا القول شرط، وهو ألاَّ تتصل النية بالغروب، بل يفصل بينهما زمن وإن قل، قاله البندنيجي وغيره، لكن عبارة "الروضة" من زوائده توافق ما تقدم؛ حيث قال: تصح في جميع ساعات النهار (¬5). 1261 - قول "المنهاج" [ص 179]: (والصحيح: اشتراط حصول شرط الصوم من أول النهار) قيل: كان ينبغي التعبير بالمذهب؛ فإنا إن قلنا: إنه صائم من أول النهار .. اشترط قطعاً، وإلا .. فوجهان، أصحهما: الاشتراط أيضًا، وقطع به بعضهم (¬6). 1262 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ويجب التعيين في الفرض) (¬7) يخرج النفل، وصرح به "التنبيه" فقال [ص 66]: (ويصح النفل بنية مطلقة)، قال في "شرح المهذب": وينبغي اشتراط التعيين في الصوم المرتب؛ كعرفة، وعاشوراء، وأيام البيض، وستة شوال كرواتب الصلاة (¬8). ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 352). (¬2) المجموع (6/ 295)، وانظر "نهاية المطلب" (4/ 8). (¬3) انظر "فتح العزيز" (3/ 185). (¬4) التنبيه (ص 66)، المنهاج (ص 179). (¬5) الروضة (2/ 352). (¬6) انظر "السراج على نكت المنهاج" (2/ 176). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 66)، و"الحاوي" (ص 225)، و"المنهاج" (ص 179). (¬8) المجموع (6/ 300).

وألحق في "المهمات" بذلك ما له سبب؛ كصوم الاستسقاء إذا لم يأمر به الإمام، وهو قياس اشتراطه في الصلاة. 1263 - قول "المنهاج" [ص 179]: (وفي الفرضية الخلاف المذكور في الصلاة) كذا في "الروضة" وأصلها (¬1)، وظاهره: تصحيح الاشتراط، وعليه مشى "الحاوي" (¬2)، لكن صحح في "شرح المهذب": عدم الاشتراط، وحكاه عن تصحيح الأكثرين، وفرق بينهما بأن صوم البالغ رمضان لا يكون إلا فرضاً بخلاف صلاته الظهر؛ فإن المعادة نفل (¬3). ورده السبكي باشتراط نية الفرض في المعادة على الأصح، وإن علل في الصلاة بتميزها عن ظهر الصبي .. فالصوم كذلك. وظاهر "التنبيه": عدم اعتبار نية الفرضية؛ فإنه لم يذكره، وظاهر كلامهم: أنه لو تسحر للصوم، أو شرب لدفع العطش نهاراً، أو امتنع من الأكل مخافة الفجر .. لم يكن ذلك نية، وبه صرح صاحب "العدة"، وقال أبو العباس الجرجاني: إنه نية، قال الرافعي: وهو الحق إن خطر بباله الصوم بالصفات التي يشترط التعرض لها؛ لأنه إذا تسحر ليصوم يوم كذا .. فقد قصده (¬4). 1264 - قول "المنهاج" [ص 179]: (ولو نوى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غدٍ عن رمضان إن كان منه، فكان منه .. لم يقع عنه) ليس قوله: (إن كان منه) قيداً، فلا فرق بين أن يقول: إن كان منه أم لا بعد كونه غير معتقد أنه من رمضان؛ فإن غير المعتقد لا يتأتى منه الجزم بالنية، فهو متردد وإن لم يأت بصيغة التردد، وخالف في الأولى المزني (¬5)، وفي الثانية وجه، حكاه صاحب "التقريب"، ونقل شيخنا الإمام البلقيني عن نص الشافعي - رضي الله عنه - في اختلاف العراقيين أنه قال: وإذا أصبح يوم الشك من شهر رمضان، وقد بيّت الصوم من الليل على أنه من رمضان .. فهذه نية كاملة له تؤدي عنه ذلك اليوم إن كان من رمضان، وإن لم يكن من رمضان .. أفطره، ثم قال الربيع: قال الشافعي في موضع آخر: لا يجزئه؛ لأنه صام على الشك (¬6). 1265 - قوله: (إلا إذا اعتقد كونه منه بقول من يثق به؛ من عبد أو امرأة أو صبيان رشداء) (¬7) فيه أمور: ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 350). (¬2) الحاوي (ص 225). (¬3) المجموع (6/ 299). (¬4) انظر "فتح العزيز" (3/ 184). (¬5) انظر "مختصر المزني" (ص 65). (¬6) انظر "الأم" (7/ 145). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 179).

أحدها: أن ظاهره تصوير المسألة مع اعتقاد كونه منه؛ بأن ينوي صوم غد عن رمضان إن كان منه، وصورها في "الروضة" وأصلها: بأن ينوي صومه عن رمضان، ولم يذكرا في التصوير قوله: (إن كان منه) وجزما فيها بالصحة، ثم قال: فإن قال في نيته، والحالة هذه: أصوم عن رمضان، فإن لم يكن عن رمضان فهو تطوع .. فظاهر النص: أنه لا يصح صومه إذا بأن رمضان؛ للتردد فيه، وفيه وجه أنه يصح؛ لاستناده إلى أصل، ورأى الإمام طرد هذا الخلاف فيما إذا جزم (¬1)، ورجح السبكي: الصحة في هذه الحالة، ولو مع قوله: فإن لم يكن عن رمضان فهو تطوع، وقال في "المهمات": إنه المتجه، وعزاه لـ"المحرر" (¬2). ثانيها: استشكل السبكي وغيره ما ذكروه هنا من صحة الصوم اعتماداً على قول عبدٍ أو امرأةٍ أو صبيانٍ رشداء، مع تفسيرهم يوم الشك باليوم الذي يتحدث برؤيته فيه من لا يعتمد قوله من عبيد وصبيان ونساء وفسقة؛ فإن مقتضاه: تحريمُ صومه، فيحتاج إلى الجمع بين الكلامين، والذي عندي في الجمع بينهما: أن كلامهم هنا فيما إذا تبين كونه من رمضان، وهناك فيما إذا لم يتبين شيء، فليس الاعتماد على هؤلاء في الصوم، بل في النية فقط، فإذ نوى اعتماداً على قولهم، ثم تبين ليلاً كون غد من رمضان .. لا يحتاج إلى تجديد نية أخرى، ألا تراهم لم يذكروا هذا فيما يثبت به الشهر، وإنما ذكروه فيما يعتمد عليه في النية، وقد أشار السبكي إلى هذا الجواب في آخر كلامه احتمالاً، فقال أولاً: ويمكن الجمع بأن المراد هنا: إذا حصل الظن بقولهم، بخلافه هناك، قال: لكن الرافعي في "الشرح" قيد ذلك هناك بظن صدقهم، وقال: إنه المشهور، ولا يمكن أن يقال: يحرم ويصح؛ فإنه ليس له جهتان (¬3)، ثم قال السبكي: والذي خطر لي فيه أمران: أحدهما: الفرق بين الاعتقاد والظن، فالحاصل هناك ظن وهنا اعتقاد، كما عبر به "المصنف" في الموضعين، تبعاً للرافعي، وليس هذا بمَرضي؛ فإن جماعة عبروا هنا بالظن، وأيضا يبعد حصول اعتقاد جازم بقول عبد أو امرأة. والثاني: أن قول الرافعي: (وظن صدقهم) لا يلزم منه ظن كونه من رمضان؛ فإن استصحاب شعبان يفيد ظن كونه منه، وإخبار المخبر يعارضه، فإن لم يظن صدقه لِريبَةٍ .. استصحبنا شعبان، وإن ظننا صدقه، ولم نزد على ظننا استصحاب شعبان .. فهو الشك، ولا يلزم من ظن الصدق ظن الحكم المترتب عليه، وإن زاد على ظن الاستصحاب .. زال الشك، وجاز صومه، وأجزأ، وهو المذكور هنا، بل يجب على من صدقه. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (3/ 188)، الروضة (2/ 353)، وانظر "نهاية المطلب" (2/ 118). (¬2) المحرر (ص 109). (¬3) انظر "فتح العزيز" (3/ 188).

ثم قال السبكي: وقد يقال: الكلام هنا في تصحيح النية ... فذكر نحو ما قدمته أولاً واعتمدته، وقال شيخنا ابن النقيب: إن وقفنا مع ظاهر التصوير بالنسبة إلى الوصف هنا بالرشد بخلافه هناك .. اتجه الفرق (¬1). ثالثها: ظاهر تعبيره بالصبيان: أنه لا بد من جمع بينهم، وكذا عبر "الحاوي" بالصبية (¬2)، وهو أحد جموع الصبي، وفي موضعين من "شرح المهذب": أن الصبي الواحد يكفي (¬3)، وقال السبكي: إذا حصل الثقة بالصبي الواحد .. كان الحكم كذلك، وبه صرح المحاملي والجرجاني، قال: فصيغة الجمع ليست للاشتراط، وقال في "المهمات": والفتوى على المنع؛ ففي "البحر" ما حاصله: أن الجمهور عليه (¬4). رابعها: لم يصف "الحاوي" الصبية بالرشد، وزاده ناظمه ابن الوردي عليه (¬5)، والمراد به: الاختبار بالصدق، قال في "المهمات": ولا يبعد اجتناب النواهي خصوصًا الكبائر، ويدل عليه تعبير بعضهم بالموثوق به. قلت: والمقصود بالرشد هنا غير المقصود به في قوله: (شرط العاقد: الرشد) (¬6). خامسها: قوله: (رشداء) قيد في الصبيان، ويحتمل عوده إلى البواقى. 1266 - قول "التنبيه" [ص 66]: (ومن نوى الخروج من الصوم .. بطل صومه، وقيل: لا يبطل) الأصح: الثاني، وظاهر كلامه: البطلان على الأول في الحال، وهو وجه حكاه الماوردي، وحكى معه وجهًا آخر: حتى يمضي عليه من الزمان قدر الأكل والجماع (¬7)، وذكر في "شرح المهذب" أن الأول هو المشهور، وأن الثاني غريب ضعيف (¬8). 1267 - قوله: (وإن اشتبهت الشهور على أسير .. تحرى وصام) (¬9) ذكر الأسير مثال، فالمحبوس في مطمورة، ومن هو بطرف بلاد الإسلام، أو بموضع لا يعدون فيه الشهور كذلك؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 179]: (ولو اشتبه .. صام شهراً بالاجتهاد) وكذا أطلق "الحاوي" الاجتهاد (¬10). ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (2/ 179، 181). (¬2) الحاوي (ص 225). (¬3) المجموع (6/ 284، 301). (¬4) بحر المذهب (4/ 282). (¬5) انظر "البهجة الوردية " (ص 52). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 210). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (3/ 405). (¬8) المجموع (6/ 302). (¬9) انظر "التنبيه" (ص 65). (¬10) الحاوي (ص 226).

فصل [أركان الصوم]

1268 - قولهما: (فإن وافق ما بعد رمضان .. أجزأه) (¬1)، قال في "الكفاية": ظاهره: التسوية بين شوال وذي الحجة وغيرهما، ولو وافق شوالاً .. لم يصح منه يوم العيد، أو ذا الحجة .. لم يصح يوم النحر، وكذا ثلاثة أيام بعده، إلا إذا قلنا بصحة صوم أيام التشريق، قال النشائي: هذا قد عُلم من ذكر تحريم صوم يومي العيد وأيام التشريق، ولا حاجة لذكر الشروط في كل مكان، وإلا .. فكان حقه إيراد موافقة الليل؛ لشموله أيضاً (¬2). 1269 - قول "التنبيه" [ص 65]؛ (وإن وافق ما قبله .. لم يجزئه في أصح القولين) محلهما: ما إذا لم يظهر له ذلك إلا بعد فوات رمضان بجملته، فإن ظهر له قبل مجيئه .. لزمه صومه، وإن ظهر له وقد بقي بعضه .. لزمه صوم البقية قطعا، ولذلك قال "المنهاج" [ص 179]: (ولو غلط بالتقديم فأدرك رمضان .. لزمه صومه) وبقي عليه: ما لو أدرك بعضه. فصلٌ [أركان الصوم] 1270 - قول "المنهاج" [ص 179]: (شرط الصوم: الإمساك: عن الجماع ... إلى آخره) مع قوله في الفصل المتقدم [ص 179]: (النية شرط للصوم) يقتضي أن الصوم لا حقيقة له؛ فإنه لا شيء فيه غير النية والإمساك، فإذا كانا شرطين فأين الصوم؟ والظاهر في الموضعين: أنه لم يرد الشرط الاصطلاحي، وإنما أراد: ما يعتبر لتحصل حقيقة الصوم، وعبارة "المحرر": (لا بد) (¬3)، وعبارة "الحاوي" [ص 225]: (صحة الصوم) بترك كذا وكذا، وعبارة "التنبيه" [ص 66]: (فإن أكل - وعطف عليه أموراً - .. بطل صومه)، وهي كلها محتملة، فلتحمل على الركنية. 1271 - قول "المنهاج" في الاستقاءة [ص 180]: (والصحيح: أنه لو تيقن أنه لم يرجع إلى جوفه شيء .. بطل) عبر في "الروضة" بالأصح (¬4). 1272 - قوله عطفاً على ما لا يفطر: (وكذا لو اقتلع نخامة ولَفَظَهَا في الأصح) (¬5) عبر في "الروضة" بالمذهب (¬6)، والمراد: اقتلعها من الباطن ولَفَظها في حد الظاهر، فالباطن: مخرج ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 65)، و "المنهاج" (ص 179). (¬2) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 58). (¬3) المحرر (ص 109). (¬4) الروضة (2/ 356). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 180). (¬6) الروضة (2/ 362).

الهاء والهمزة، والظاهر: مخرج الخاء المعجمة، وأما الحاء المهملة: فقال الرافعي تبعًا للغزالي: مخرجها باطن (¬1)، وقال النووي: إنه من الظاهر (¬2). 1273 - قوله: (إن وصول عين إلى باطن الدماغ مفطر) (¬3) تبع فيه "المحرر"، وكذا في "الروضة" وأصلها تبعاً للغزالي (¬4)، ومقتضاه: أن وصول عين إلى ظاهر الدماغ لا يفطر، لكن في أصل "الروضة" عقبه: أنه لو كان برأسه مأمومة (¬5)، فوضع عليها دواءً، فوصل خريطة دماغه .. أفطر وإن لم يصل باطنها، وحكاه الرافعي عن الإمام والبغوي والروياني، ولم يخالفهم (¬6)، وهو صريح في أن باطن الدماغ ليس بشرط، بل ولا الدماغ نفسه، فإن الدماغ في باطن الخريطة، كما هو مذكور في (كتاب الجراح)، فالمعتبر مجاوزة الِقحْف، كما قاله الإمام وغيره (¬7)، واعتبر "التنبيه" الوصول إلى الدماغ (¬8). 1274 - قوله: (أو صب الماء في أذنه فوصل إلى دماغه) (¬9) الأصح: أنه لا يتوقف الإفطار على الوصول إلى الدماغ، بل الوصول إلى باطن الأذن كاف، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬10). 1275 - قول "المنهاج" عطفاً على الدماغ [ص 180]: (والأمعاء) فيه ما تقدم؛ فإنه لا يشترط وصوله إلى باطن الأمعاء، بل لو كان على بطنه جائفة (¬11)، فوضع عليها دواء، فوصل جوفه .. أفطر وإن لم يصل باطن الأمعاء، كما جزم به في أصل "الروضة" (¬12)، وفي "التنبيه" [ص 66]: (أو داوى جرحه، فوصل الدواء إلى جوفه). 1276 - قول "المنهاج" [ص 180]: (وكونه بقصدٍ، فلو وصل جوفه غبار الطريق .. لم يفطر) يرد عليه: أنه لو فتح فاه عمداً حتى دخل الغبار جوفه .. لم يفطر على الأصح في "التهذيب"، ¬

_ (¬1) انظر "الوسيط" (2/ 529)، و"الوجيز" (1/ 238)، و"فتح العزيز" (3/ 199). (¬2) انظر "المجموع (6/ 328)، و"الروضة" (2/ 362). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 180). (¬4) المحرر (ص 110)، فتح العزيز (3/ 193)، الروضة (2/ 356)، وانظر "الوجيز" (1/ 237). (¬5) المأمومة: هي الشجة التي بلغت اْم الرأس. انظر "لسان العرب" (12/ 33). (¬6) فتح العزيز (3/ 193)، الروضة (2/ 357)، وانظر "نهاية المطلب" (4/ 64)، و"التهذيب" (3/ 162)، و"بحر المذهب" (4/ 318). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (4/ 64)، والقحف: العظم فوق الدماغ من الجمجمة. انظر "لسان العرب" (9/ 275). (¬8) التنبيه (ص 66). (¬9) انظر "التنبيه" (ص 66). (¬10) الحاوي (ص 226)، المنهاج (ص 180). (¬11) الجائفة: الطعنة التي تبلغ الجوف. انظر "لسان العرب" (9/ 34). (¬12) الروضة (2/ 356، 357).

حكاه عنه الرافعي والنووي، وأقراه، وصححه النووي في " فتاويه " (¬1)، ويرد ذلك على إطلاق "الحاوي" القصد، وإن لم يذكر هذا المثال (¬2). 1277 - قول "المنهاج" [ص 180، 181]: (فلو خرج - أي: الريق - من الفم ثم رده وابتلعه .. أفطر) قد يتناول ما لو أخرجه على لسانه ثم أدخله وابتلعه، وكذا صححه في "الشرح الصغير"، لكن الأصح في "الروضة" وأصلها: أنه لا يفطر (¬3)، وقد يرد ذلك على إطلاق "الحاوي" عدم الفطر بالريق بكونه من الفم (¬4). 1278 - قول "المنهاج" فيما يفطر [ص 181]: (أو ابتلع ريقه مخلوطاً بغيره) وهو مفهوم من تقييد "الحاوي" الريق بكونه صِرْفاً (¬5)، قليل الفائدة؛ فإن الفطر إنما هو بالعين المختلطة به، فهو مندرج فيما تقدم. 1279 - قول "التنبيه" [ص 66]: (وإن تمضمض أو استنشق فوصل الماء إلى جوفه .. بطل صومه في أحد القولين دون الآخر)، فال في "المنهاج" [ص 181]: (المذهب: أنه إن بالغ .. أفطر، وإلا .. فلا) وعليه مشى "الحاوي" (¬6)، والكلام في المضمضة والاستنشاق المشروعين، فلو سبق من رابعة .. قال البغوي: إن بالغ .. أفطر، وإلا .. ترتب على المشروعية، وأولى بالفطر (¬7)، وقال النووي: المختار: الجزم بالفطر؛ لأنها منهي عنها كالمبالغة (¬8)، قال السبكي: وهو متعين، وغسل الفم من نجاسةٍ كالمضمضة، قال الرافعي: والمبالغة هنا للحاجة ينبغي أن تكون كالمضمضة بلا مبالغة، وجزم به في "الشرح الصغير" (¬9)، وقال في "شرح المهذب": هو متعين (¬10). 1280 - قول "المنهاج" [ص 181]: (فإن أُكْرِهَ حتى أكل .. أفطر في الأظهر) كذا قال في "المحرر": إنه الذي رُجِّح من القولين (¬11)، وحكى في "الشرح الكبير" تصحيحه عن الغزالي في ¬

_ (¬1) التهذيب (13/ 63)، وانظر "فتح العزيز" (3/ 196)، و"المجموع" (6/ 338، 339)، و"الروضة" (2/ 359)، و"فتاوى النووي" (ص 83). (¬2) الحاوي (ص 226). (¬3) فتح العزيز (3/ 198)، الروضة (2/ 359، 360). (¬4) الحاوي (ص 226). (¬5) الحاوي (ص 226). (¬6) الحاوي (ص 227). (¬7) انظر "التهذيب" (3/ 165). (¬8) انظر "المجموع" (6/ 337). (¬9) انظر "فتح العزيز" (3/ 200). (¬10) المجموع (6/ 337). (¬11) المحرر (ص 111).

"الوجيز"، وعليه مشى "الحاوي" (¬1)، لكنه في "الشرح الصغير" قال: لا يَبعُدُ ترجيحُ الصحة، وأطلق في " أصل الروضة" تصحيح الصحة (¬2)، ولا مستند له في ذلك؛ فإن الرافعي لم ينقل تصحيحاً سوى عن الغزالي للبطلان، واغتر بذلك في "شرح المهذب"، فصرح فيه بأن الرافعي صحح الصحة (¬3)، وذكره في "المنهاج" من زيادته، فقال [ص 181]: (الأظهر: لا يفطر) وكذا صححه في "التنبيه"، وجزم به الغزالي في "الخلاصة" (¬4)، ولم يرجح في "البسيط" و"الوسيط" شيئًا. 1281 - قول "التنبيه" [ص 66]: (فإن فعل ذلك ناسياً .. لم يبطل) يتناول الكثير، وقد صحح فيه في "المحرر ": البطلان، وكذا في "الحاوي" (¬5)، وصحح "المنهاج" مقابله، فقال [ص 181]: (الأصح: لا يفطر) وكذا في زوائد "الروضة" (¬6)، وفي "شرح المهذب": إنه المذهب المنصوص الذي قطع به الجمهور من العراقيين وغيرهم، وذكر الخراسانيون فيه وجهين، والمذهب: أنه لا يفطر وجها واحداً (¬7). 1282 - قول "التنبيه" [ص 66]: (أو جاهلاً) فيه أمور: أحدها: محل عدم الإفطار بالجهل: ما إذا كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة بحيث يجهل فيها مثل ذلك، جزم به في "أصل الروضة" (¬8). ثانيها: ظاهر إطلاقه أنه لا فرق في البطلان مع الجهل بين قليل الأكل وكثيره، وهو مقتضى إطلاق "الروضة" وأصلها (¬9)، قال في "المهمات": وهو متجه، وكلامه في "الشرح الصغير" يقتضي جريان خلاف الناسي فيه؛ فإنه قال: والجاهل القريب العهد بالإسلام كالناسي، ومقتضاه: البطلان بالكثير على المرجح عنده، وصرح به في نظيره، وهو الجاهل بتحريم الأكل في الصلاة. ثالثها: المراد: الجهل بتحريم الأكل، كما في "شرح المهذب" (¬10)، وعبر في "الروضة" ¬

_ (¬1) فتح العزيز (3/ 202)، الوجيز (1/ 238)، الحاوي (ص 227). (¬2) الروضة (2/ 363). (¬3) المجموع (6/ 336). (¬4) التنبيه (ص 66)، الخلاصة (ص 213). (¬5) المحرر (ص 111)، الحاوي (ص 227). (¬6) الروضة (2/ 363). (¬7) المجموع (6/ 334). (¬8) الروضة (2/ 363). (¬9) فتح العزيز (3/ 203)، الروضة (2/ 363). (¬10) المجموع (6/ 335).

وأصلها بالجهل بكونه مفطرًا (¬1)، ومقتضاه: أن من جهل الإفطار به .. لم يفطر وإن علم التحريم، وليس كذلك، كما في نظيره من الكلام في الصلاة، وفي "النهاية": لو تكلم عالماً بأن الكلام محرّم في الصلاة، ولكن لم يعلم كونه مفسداً .. فتفسد صلاته وفاقاً، وهذا يطّرد في الصوم وغيره (¬2). رابعها: بعد تقرير أن المراد: الجهل بالتحريم، ففي المسألة إشكال؛ لأن ذلك جهل بحقيقة الصوم، فإن من جهل المفطر .. جهل الإمساك عنه الذي هو حقيقة الصوم، فلا تصح نيته، قال السبكي: فلا مخلص إلا بأحد أمرين، إما أن يفرض في مفطر خاص من الأشياء النادرة كالتراب؛ فإنه قد يخفى، ويكون الصوم: الإمساك عن المعتاد، وما عداه شرط في صحته، وإما أن يفرض، كما صوره بعض المتأخرين فيمن احتجم أو أكل ناسياً، فظن أنه أفطر، فأكل بعد ذلك جاهلًا بوجوب الإمساك .. فإنه لا يفطر على وجه، لكن الأصح فيه: الفطر، وسيأتي في "المنهاج". انتهى. وقال القاضي حسين: كل مسألة تَدِقّ وتَغمُض معرفتُها هل يعذر فيها العامي، على الوجهين؛ أي: فيما إذا علم المصلي أن جنس الكلام محرم، ولم يعلم أن ما أتى به محرم، والأصح: فيها الصحة. 1283 - قولهم: (إن الصوم يبطل بالاستمناء) (¬3) المراد به: استنزال المني باليد قصداً، أما لو حك ذكره لعارض، فخرج المني .. فالأصح في "شرح المهذب": أنه لا يفطر؛ كسبق ماء المضمضة (¬4). 1284 - قول "المنهاج" [ص 181] و"الحاوي" [ص 226]: (إن الصوم يبطل بخروج المني بقبلة) محله: فيما إذا كانت بدون حائل، فلو قَبَّل بحائل، فأنزل .. فجزم المتولي بأنه لا يفطر، ولو قَبَّل، ثم أنزل بعد مفارقتها بساعة فأكثر .. فالأصح عند الروياني: إن استمرت الشهوة وقيام الذكر حتى أنزل .. أفطر، وإلا .. فلا (¬5)، ومحل ذلك: في الواضح، فأما المشكل .. فلا يفطر بإنزال المني من أحد الفرجين؛ لاحتمال الزيادة، قاله في "البيان"، وحكاه في "شرح المهذب" عنه (¬6). ¬

_ (¬1) فتح العزيز (3/ 203)، الروضة (2/ 363). (¬2) نهاية المطلب (2/ 204). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 66)، و"الحاوي" (ص 226)، و "المنهاج" (ص 181). (¬4) المجموع (6/ 333). (¬5) انظر "بحر المذهب" (4/ 297). (¬6) البيان (3/ 516)، المجموع (6/ 333).

1285 - قول "التنبيه" و"المحرر": (وتكره القبلة لمن حركت شهوته) (¬1) فيه أمور: أحدها: أن الكراهة هنا للتحريم، صرح به "المنهاج"، فقال من زيادته [ص 181]: (هي كراهة تحريم في الأصح) وصححه في "أصل الروضة"، والرافعي إنما حكاه عن البغوي (¬2). ثانيها: أن هذه العبارة أحسن من قول "الحاوي" [ص 228]: (وتكره للشاب)، وقد تبع في هذه العبارة الرافعي في "الشرح الكبير" (¬3)، لكنه أسقط لفظ (الشاب) في "الشرح الصغير" و"الروضة"، وصرح في "شرح المهذب" بأنه لا فرق بين الشاب والشيخ، والمدار على تحريك الشهوة، لكن الأغلب حصول ذلك للشاب (¬4). ثالثها: المراد بتحريك الشهوة: التلذذ، كما قاله بعضهم، وخطأه الإمام، وكلام طائفة يقتضي أن المراد: خشية الإنزال (¬5)، ويوافقه قول "شرح المهذب": الضابط: تحريك الشهوة، وخوف الإنزال (¬6)، وعبارة "أصل الروضة": لمن حركت شهوته ولا يأمن على نفسه (¬7)، وقال السبكي: يحتمل أن يراد: خوف الإنزال أو الجماع، قال: والإنزال بها نادر، وخوف الوقاع كثير، والتلذذ غالب؛ فالتلذذ فقط الوجه القطع بإباحتها معه، وخوف الإنزال والوقاع الكراهة معه وجه، قال: والذي أقوله: إن تلذذ فقط .. لم يحرم ولم تكره، وإن غلب على ظنه الإنزال أو الوقاع .. اتجه التحريم، وإن خاف منها من غير دليل: فإن صح الحديث الناهي عنها للشاب .. اتجه التحريم، وإلا .. فالكراهة. رابعها: ظاهره: التسوية في ذلك بين الرجل والمرأة، قال في "المهمات": وهو متجه. 1286 - قول "المنهاج" [ص 181]: (ويحل - أي: الأكل آخر النهار - بالاجتهاد في الأصح) عبر في "الروضة" بالصحيح (¬8). 1287 - قول "التنبيه" [ص 66، 67]: (وإن أكل شاكاً في غروب الشمس .. لزمه القضاء، وإن أكل شاكاً في طلوع الفجر .. لم يلزمه القضاء) صورة المسألة فيهما: ألا يتبين الحال بعد ذلك، فإن تبين أنه أكل نهاراً .. لزمه القضاء فيهما، أو ليلاً .. فلا قضاء فيهما؛ ولهذا قيده "المنهاج" ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 67)، المحرر (ص 111). (¬2) فتح العزيز (3/ 201)، الروضة (2/ 362)، وانظر "التهذيب" (3/ 166). (¬3) فتح العزيز (3/ 201). (¬4) المجموع (6/ 372). (¬5) انظر "السراج على نكت المنهاج" (2/ 191). (¬6) المجموع (6/ 372). (¬7) الروضة (2/ 362) (¬8) الروضة (2/ 363).

فصل [شروط صحة الصوم]

بألا يتبين الحال (¬1)، وهو مفهوم من تقييد "الحاوي" المسألة قبلها بالغلط (¬2). 1288 - قول "التنبيه" [ص 67]: (وإن طلع الفجر وفي فيه طعام) أحسن من قول "المنهاج" [ص 182]: (فمه) لأن إضافة الفم مع بقاء ميمه وإن كان جائزاً لكن الأفصح: خلافه. 1289 - قولهم - والعبارة لـ"التنبيه" -: (أو كان مجامعًا فنزع .. صح صومه) (¬3) شرطه عند ابن سريج والشيخ أبي حامد وغيرهما: أن يقصد بالنزع الترك دون التلذذ، ولا يضر إنزاله مع النزع؛ لتولده من مباح. 1290 - قولهم: (وإن استدام .. بطل صومه) (¬4) يقتضي أنه انعقد ثم بطل، وهو ظاهر عبارة الرافعي والنووي هنا (¬5)، واختاره السبكي، لكن الأصح: أنه لم ينعقد أصلاً، ولو لم يبق من الليل إلا ما يسع الإيلاج دون النزع .. ففي جواز الإيلاج وجهان، عن ابن خيران: المنع، وعن غيره: الجواز، ذكره الرافعي في (الإيلاء) (¬6)، وأسقطه في "الروضة". فصلٌ [شروط صحة الصوم] هو معقود لذكر شروط صحة الصوم، والذي بعده لذكر شروط وجوبه، وأما قوله في الفصل الذي قبله: (شرط الصوم) (¬7) فقد تقدم أنه تَجَوّز، وأن المراد بالشرط فيه: الركن. 1291 - قولهم: (إن شرط الصوم: العقل) (¬8) قيده البارزي في "توضيحه الكبير" بما إذا لم يشرب دواء، ومقتضاه: صحة الصوم فيما إذا شرب دواء ليلاً وزال عقله نهاراً، وهو وجه، والأصح: المنع؛ لأنه بفعله. 1292 - قولهم: (والنقاء عن الحيض والنفاس) (¬9) قد يرد عليه: ما لو ولدت ولم تَرَ دَماً لوجود النقاء، لكن الأصح في "شرح المهذب": بطلان صومها بناء على وجوب الغسل عليها (¬10). ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 181، 182). (¬2) الحاوي (ص 227). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 67)، و"الحاوي" (ص 227)، و "المنهاج" (ص 182). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 67)، و"الحاوي" (ص 227)، و"المنهاج" (ص 182). (¬5) انظر "فتح العزيز" (3/ 207)، و"المجموع" (6/ 316). (¬6) انظر "فتح العزيز" (9/ 206). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 180). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 65)، و"الحاوي" (ص 227)، و"المنهاج" (ص 182). (¬9) انظر "التنبيه" (ص 66)، و"الحاوي" (ص 227)، و"المنهاج" (ص 182). (¬10) المجموع (6/ 360).

1293 - قول "التنبيه" [ص 66]: (وإن أغمي عليه في بعضر النهار .. ففيه ثلالة أقوال، الأظهر: أنه لا يضر) وعليه مشى "الحاوي" و"المنهاج"، وعبر عنه بالأظهر، وعبر عنه في "الروضة" بالمذهب (¬1). 1294 - قول "المنهاج" [ص 182]: (وكذا التشريق في الجديد) قد يفهم أن مقابله: جواز صوم أيام التشريق مطلقًا، وليس كذلك، وقد أوضحه "التنبيه"، فقال [ص 68]: (وقال في القديم: يجوز للمتمتع صوم أيام التشريق) أي: إذا عدم الهَدْي، واختار النووي هذا القديم من جهة الدليل، والأصح: أن القديم لا يجري في غير المتمتع، وعلى مقابله قال النووي: هو مختص بما له سبب من واجب أو نفل، وإلا .. فلا، عند جمهور من حكاه، وصرحوا فيه بنفى الخلاف (¬2)، وذكر الإمام ما يقتضي خلافاً فيه، وكذا أطلق العمراني الوجهين (¬3). 1295 - قول "التنبيه" [ص 68]: (ولا يجوز صوم يوم الشك إلا أن يوافق عادة له، أو يصله بما قبله) أهمل حالة ثالثة، وهي صومه عن نذر أو قضاء أو كفارة، وقد ذكرها "الحاوي"، وذكرها "المنهاج"، إلا أنه أهمل الكفارة (¬4)، وإطلاقهما يتناول قضاء المستحب، وكذا هو مقتضى إطلاق غيرهما هنا، وتصريحهم بقضاء صلاة النافلة في الأوقات المكروهة، وأهملا وصله بما قبله، وقد ذكره "التنبيه" كما تقدم، ومحله: فيما إذا وصله بما قبل نصف شعبان، فإن وصله بما بعده .. انْبَنَى على أنه هل يجوز الصوم بعد نصف شعبان غير متصل بما قبله؛ وقد ذكره "التنبيه" فقال [ص 68]: (وقيل: لا يجوز إذا انتصف شعبان أن يصوم إلا أن يوافق عادة له، أو يصله بما قبله) وهذا هو الذي صححه النووي في "شرح المهذب" و"تصحيح التنبيه" (¬5)، فعلى هذا يمتنع وصله به، ويستثنى من عدم التحريم في هذه الصور: ما لو أخر صوماً ليوقعه يوم الشك .. فقياس كلامهم في الأوقات المنهي عنها تحريمه، ذكره في "المهمات"، ومع عدم التحريم في صومه عن ورد: لا كراهة فيه أيضاً، وكذا لا كراهة في صومه عن فرض، كما نقله في "شرح المهذب" عن مقتضى كلام الجمهور (¬6)، ونقله الرافعي عن ابن الصباغ، ونقل الكراهة عن القاضي أبي الطيب (¬7)، ونقلها في "المهمات" عن صاحب "المهذب" والجرجاني والماوردي، ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 227)، المنهاج (ص 182)، الروضة (2/ 366). (¬2) انظر "المجموع" (6/ 454، 455). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (4/ 74)، و"البيان" (3/ 562، 563). (¬4) الحاوي (ص 227)، المنهاج (ص 182). (¬5) المجموع (6/ 427)، تصحيح التنبيه (1/ 230). (¬6) المجموع (6/ 427). (¬7) انظر "فتح العزيز" (3/ 212).

ورجحها، ومنع قياس الفرض على التطوع؛ بأنه لا تبرأ ذمته في الفرض بتقدير كونه من رمضان (¬1). واعلم: أن المجزوم به في هذه الكتب من تحريم صوم يوم الشك في غير ما استثني، هو الذي في كتب الرافعي والنووي، ونازع فيه في "المهمات" وادعى أن المعروف الكراهة، ونقل ذلك عن نص الشافعي في "البويطي"، وعن البندنيجي، ونصر المقدسي وابن الصباغ والماوردي والروياني والقاضي الحسين والفوراني والقاضي أبي الطيب والجرجاني والمحاملي والدارمي والصِيمري وأبي حامد العراقي والبيضاوي في "التبصرة" وغيرهم (¬2). 1296 - قول "المنهاج" [ص 182]: (وهو: يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث الناس برؤيته، اْو شهد بها صبيانٌ، أو عبيدٌ، أو فسقةٌ) قال في "الروضة" تبعاً للإمام: وظن صدقهم (¬3)، وعبارة "الحاوي" [ص 227]: (والشك؛ بأن شهد العبد والفاسق) فلم يذكر الصبي ولا الشياع بلا شهادة، واقتضى كلامه: الاكتفاء بواحد، ومقتضى عبارة "المنهاج": أنه لا بد من جمع، والذي في "أصل الروضة": اعتبار قول عدد من النساء أو العبيد أو الفسّاق (¬4)، وذلك يتناول الاثنين فأكثر، ولم يذكر"المنهاج" و"الحاوي" النساء، وتقدم ما في المسألة من الإشكال. 1297 - قول "المنهاج" [ص 182]: (ويسن تعجيل الفطر) محله: إذا تحقق غروب الشمس، كما ذكره "التنبيه" و"الحاوي" (¬5)، وهل يكره التأخير؛ قال في "الأم": إن تعمد ذلك، ورأى الفضل في التأخير .. كرهته، وإلا .. فلا بأس (¬6). 1298 - قولهم - والعبارة لـ"التنبيه" -: (ويستحب أن يفطر على تمر، فإن لم يجد .. فعلى الماء) (¬7) فيه أمور: أحدها: في "سنن أبي داوود" و"الترمذي": عن أنس قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات .. فتمرات، فإن لم تكن .. حسا حسوات من ماء) (¬8) ومقتضى هذا الحديث: تقديم الرطب على التمر إن وجده. ¬

_ (¬1) انظر "المهذب" (1/ 188)، و"الحاوي الكبير" (3/ 409، 410). (¬2) مختصر البويطي (ق 46)، وانظر "الحاوي الكبير" (3/ 409)، و"بحر المذهب" (4/ 266). (¬3) الروضة (2/ 367)، وانظر "نهاية المطلب" (4/ 32). (¬4) الروضة (2/ 367). (¬5) التنبيه (ص 67)، الحاوي (ص 227). (¬6) الأم" (2/ 97). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 67)، و"الحاوي" (ص 227)، و"المنهاج" (ص 182). (¬8) سنن أبي داوود (2356)، سنن الترمذي (696).

ثانيها: مقتضى تعبيرهم بالتمرات: ألا تحصل السنة إلا بثلاث تمرات؛ لأن التمر جمع، وأقله: ثلاث، ونص على ذلك في "حرملة"، كما نقله القاضي أبو الطيب، فقال: يستحب أن يفطر على تمرات أو حسوات من ماء، وصرح به الشيخ عز الدين بن عبد السلام في الماء، لكن عبر القاضي والمتولي بتمرة. ثالثها: قال الروياني: إن فقد التمر .. فحلو آخر، فإن فقده .. فماء (¬1). وقال القاضي الحسين: الأولى في زمننا: أن يفطر على ماء يأخذه بكفه من النهر؛ لكثرة الشبهات، قال النووي: وهما شاذان، والصواب: التمر، ثم الماء (¬2). وقال المحب الطبري: من هو بمكة يستحب له الفطر على ماء زمزم، ولو جمع بينه وبين التمر .. فحسن. 1299 - قول "الحاوي" [ص 227، 228]: (وتأخير السحور) محله: ما لم يخش من التأخير طلوع الفجر، وقد ذكره "التنبيه" و"المنهاج" (¬3)، ويدخل وقته بنصف الليل، كما ذكره الرافعي في (الأيمان) عن العبادي، وجزم به في "شرح المهذب" هنا (¬4)، وفي "المهمات" عن ابن أبي الصيف: بدخول السدس الأخير. 1300 - قول "المنهاج" [ص 182]: (وليصن لسانه عن الكذب والغيبة) و"التنبيه" [ص 67]: (وينبغي للصائم أن ينزه صومه عن الشتم والغيبة) يقال عليه: هذا واجب مطلقا، فكيف يُعَد تركه من آداب الصوم؟ وجوابه: أنه يتأكد وجوبه في حقه لكونه يبطل ثواب الصوم، وهذا معنى ما ورد من أن الغيبة تفطر الصائم، وقد يقال: لام الأمر في عبارة "المنهاج" تدل على الوجوب، وقول "التنبيه": (ينبغي) لا ينافي الوجوب، ومنه قوله: (وينبغي أن يكون القاضي ذكراً ... إلى آخره) (¬5)، وقد قال النووي في "الدقائق": هذه لام الأمر؛ أي: يلزمه ذلك، وهو مراد "المحرر" وإن أوهمت عبارته غيره (¬6). وقال في "المهمات": ينبغي تأويله على الحالة التي يجوز تعاطي هذه الأشياء فيها؛ كالكذب للحاجة، والغيبة للتظلم، ونحوه. ¬

_ (¬1) انظر "بحر المذهب" (4/ 301). (¬2) انظر "المجموع" (6/ 383). (¬3) التنبيه (ص 67)، المنهاج (ص 182). (¬4) فتح العزيز (12/ 352)، المجموع (6/ 379). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 25). (¬6) الدقائق (ص 55).

1301 - قول "التنبيه" [ص 67]: (فإن شوتم .. فليقل: إني صائم) ظاهره: أنه يقوله بلسانه لينكف عنه خصمه، وهو الذي صححه النووي (¬1)، وحكى الرافعي عن الأئمة: أنه يقول ذلك بقلبه لِيَنْزَجِرَ (¬2)، وحكي الروياني في "البحر" وجهاً استحسنه أن يقوله بلسانه في الفرض، وبقلبه في النفل (¬3). 1302 - قول "المنهاج" [ص 182، و"الحاوي" [ص 228]: (ويستحب أن يغتسل عن الجنابة قبل الفجر) كذا الحيض. 1303 - قولهما: (وأن يحترز عن الحجامة) (¬4) يقتضي أنها للصائم خلاف الأولى، وكذا في "أصل الروضة" و"شرح المهذب" (¬5)، وفي "التنبيه": إنها مكروهة (¬6)، وكذا في "الروضة" في موضع آخر (¬7). 1304 - قول "المنهاج" و"الحاوي" عطفاً على الحجامة: (والقُبْلَة) (¬8) تقدم كراهتها، بل تحريمها. 1305 - قولهما: (والعِلْكِ) (¬9) يوافقه كلام "الروضة" وأصلها (¬10)، لكن في "التنبيه" [ص 67]: (إنه مكروه) وكذا في "شرح المهذب" (¬11)، ومحل ذلك: ألاَّ ينزل به شيء إلى الباطن، وإلا .. بطل الصوم، وكذا في ذوق الطعام. 1306 - قول "التنبيه" [ص 67]: (ويكره له السواك بعد الزوال) كرره مع تقدمه في (باب السواك) لذكره له في "المختصر" هنا (¬12)، وعبارة "الحاوي" [ص 228]: (وتكره - أي: القبلة - للشاب كالسواك بعد الزوال)، وقد تفهم هذه العبارة اختصاص كراهة السواك بعد الزوال بالشاب، وليس كذلك، واختار النووي: أنه لا يكره السواك للصائم مطلقا (¬13)، وحكاه الترمذي عن الشافعي (¬14). ¬

_ (¬1) انظر "المجموع" (6/ 373). (¬2) انظر "فتح العزيز" (3/ 215). (¬3) بحر المذهب (4/ 329). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 228)، و"المنهاج" (ص 182). (¬5) الروضة (2/ 369)، المجموع (6/ 364). (¬6) التنبيه (ص 67). (¬7) الروضة (2/ 357). (¬8) الحاوي (ص 228)، المنهاج (ص 182). (¬9) انظر "الحاوي" (ص 228)، و "المنهاج" (ص 183). (¬10) الروضة (2/ 369). (¬11) المجموع (6/ 369). (¬12) مختصر المزني (ص 59). (¬13) انظر "المجموع" (1/ 341). (¬14) جامع الترمذي (3/ 104) (725)، وانظر "الأم" (2/ 101).

1307 - قول "التنبيه" [ص 67]: (ويطلب ليلة القدر في جميع شهر رمضان، وفي العشر الأخير أكثر) هذا وجه حكاه المحاملي، واختاره السبكي، وأنكره غير واحد، والمعروف بين مذهبنا أنها منحصرة في ليالي العشر الأخير؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 228]: (وفيه - أي: العشر الأخير - ليلة القدر). 1308 - قول "التنبيه" [ص 67]: (والمستحب أن يكون دعاؤه فيها: " اللهم؛ إنك عفو تحب العفو فاعفو عني") المراد: الكثرة، لا كل الدعاء. 1309 - قوله: (ويكره له الوصال) (¬1) الأصح: أنها كراهة تحريم، وعليه مشى "الحاوي" (¬2)، وحِله من الخصائص، وهو أن يصوم يومين فصاعداً، ولا يتناول بالليل شيئاً، كذا في "الروضة" وأصلها (¬3)، ومقتضاه: أن الجماع ونحوه لا يخرجه عن الوصال، وأوضح من ذلك في إفادة هذا نقله في "شرح المهذب" عن الجمهور: أنهم فسروه بصوم يومين فأكثر من غير أكل ولا شرب في الليل، ثم صوب أنه لا بد من تقييد ذلك بكونه عمداً بلا عذر (¬4). قال في "المهمات": وهو ظاهر المعنى؛ لأن تحريم الوصال للضعف، وترك الجماع ونحوه لا يُضْعِف، بل يقوي، لكن قال في "البحر": هو أن يستديم جميع أوصاف الصائمين (¬5)، وقال الجرجاني في "الشافي": أن يترك بالليل ما أبيح له من غير إفطار، وقال ابن الصلاح: يزول الوصال بما يزول به الصوم (¬6)، قال في "المهمات": وتعبير الرافعي بقوله: (أن يصوم يومين) يقتضي أن الممسك ليس امتناعه ليلاً من المفطّر وصالاً، فليس بين صومين، قال: إلا أن الظاهر أنه جرى على الغالب. 1310 - قول "التنبيه" [ص 67]: (ويكره له ولغيره صمت يوم إلى الليل)، قال السبكي: كذا أطلق الأصحاب الكراهة، وينبغي أن تكون كراهة تحريم؛ لقول أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - لامرأة حجت مُصْمِتَةً: (تكلمي؛ فإن هذا لا يحل) رواه البخاري (¬7)، وأبعد المتولي، فحكى وجهًا أن الصمت قربة. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 67). (¬2) الحاوي (ص 228). (¬3) فتح العزيز (3/ 214)، الروضة (2/ 368). (¬4) المجموع (6/ 375). (¬5) بحر المذهب (4/ 339). (¬6) انظر "مشكل الوسيط" (2/ 538). (¬7) صحيح البخاري (3622).

فصل [شروط وجوب الصوم]

فصلٌ [شروط وجوب الصوم] 1311 - قول "التنبيه" [ص 65]: (يجب صوم رمضان على كل مسلم) ثم قال: (فأما الكافر إن كان أصلياً .. لم يجب عليه) مخالف للمرجح في الأصول عند أصحابنا: أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة (¬1)، ولذلك لم يذكر "المنهاج" الإسلام في شروط الوجوب، وكأن مراد "التنبيه": نفي الوجوب الذي يترتب عليه القضاء عند الفوات، فإن خطاب الكفار بالفروع إنما تظهر فائدته فيما يقال في تضعيف العذاب في الآخرة، ولكن لا يصح إطلاق اشتراط الإسلام في وجوب الصوم، لانتقاض ذلك بالمرتد مع وجوبه عليه، وأمره بقضائه، وقد ذكره "التنبيه" فقال [ص 65]: (وإن كان مرتداً .. وجب عليه) وأهمل "التنبيه" و"المنهاج" ذكر النقاء عن الحيض والنفاس، وكان ينبغي ذكره كما ذكراه في شروط وجوب الصلاة، فإن الأصح عند النووي من زيادته: عدم وجوبه على الحائض، وأن القضاء بأمر جديد، ونقله هو وابن الرفعة عن الجمهور (¬2)، والخلاف في الرافعي بلا ترجيح، أحدهما: هذا، والثاني: أنه وجب ثم سقط عنها (¬3)، وحكى ابن الرفعة أن فائدة الخلاف فيما إذا أوجبنا التعرض للأداء والقضاء في النية، يعني إن قلنا: وجب ثم سقط .. فتنوي القضاء، لوقوعه خارج الوقت الذي وجب فيه، وإن قلنا: لم يجب إلا بعد ذلك .. فتنوي الأداء؛ لأنه وقت وجوبه، قال شيخنا الإسنوي في "التنقيح": وهذا في غاية الضعف؛ لأنه خارج وقته الأصلي على كل تقدير، وإنما امتنع الوجوب، لعدم الأهلية، وصار كما إذا نام إلى أن خرج الوقت .. فإنه ينوي القضاء مع أن الوجوب لم يتعلق به. ويمكن خروج الحائض والنفساء بذكر "التنبيه" و"المنهاج" القدرة على الصوم (¬4) " فإنهما عاجزتان عنه شرعاً، والعجز الشرعي كالحسي. 1312 - قول "التنبيه" [ص 183]: (إن الصبي يؤمر به لسبع) محله: فيما إذا أطاق ذلك، كما ذكره "المنهاج" (¬5)، وأن يكون مميزًا، وفي معنى الصبي: الصبية، وكان ينبغي لـ"المنهاج" ذكر الضرب على تركه لعشر كما فعل في الصلاة، وقد ذكره "التنبيه" هنا (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "التبصرة" للشيرازي (ص 80)، و"المنخول" (ص 31)، و"التحبير شرح التحرير" (3/ 1144). (¬2) انظر "الروضة" (1/ 135). (¬3) انظر "فتح العزيز" (1/ 294). (¬4) التنبيه (ص 65)، المنهاج (ص 183). (¬5) المنهاج (ص 183). (¬6) التنبيه (ص 65).

1313 - قوله: (ومن ترك الصوم جاحداً لوجوبه .. كلفر) (¬1) لا يتوقف ذلك على تركه، فمجرد الجحد كاف في التكفير، وإنما أداه إلى ذكر الترك: التقسيم، ومحل التكفير أيضاً: ما إذا كان قديم الإسلام، فإن كان حديث عهد بالإسلام .. عُزفَ وُجوبَه، فإن أنكره بعد ذلك .. كفر، وأجيب عنه: بأن هذا ليس جاحداً؛ لأن الجحد إنكار ما سبق الاعتراف به، كما تقدم في الصلاة. 1314 - قول "الحاوي" [ص 228]: (ويبيح الفطر: المرض) قد يوهم الإباحة بمطلق المرض، وفي "التنبيه" [ص 66]: (ومن مرض وخاف الضرر) فزاد خوف الضرر، وفي "المنهاج" [ص 183]: (ضرراً شديداً) فزاد تقييد الضرر بالشدة، وقال الرافعي: شرط إباحة المرض: أن يجهده الصوم، ويلحقه ضرر يشق احتماله، كما عددنا وجوه المضار في التيمم (¬2)، وذكر مثله في "الروضة" إلا أنه قال: فيلحقه ضرر، بالفاء بدل الواو (¬3)، ومقتضاهما: أنه لا بد مع الضرر المقرر في التيمم من أن يجهده الصوم؛ أي: يحصل له به ألم كبير، فلو لم يجهده الصوم، لكن قال له الطبيب: إن لم تفطر باستعمال هذا الدواء تضررت .. لم يكن له الفطر، لكن عبر في "المحرر" بـ (أو) (¬4)، ومقتضاه: أن الاجتهاد والضرر المعروف في التيمم كل منهما على انفراده يبيح الفطر، وصوبه في "المهمات"، وقال الإمام: عندي أنه كل مرض يمنع من التصرف مع الصوم (¬5)، واستحسنه في "المهمات". 1315 - قول "التنبيه" [ص 66]: (والأفضل: أن يصوم) محله: ما إذا لم يتضرر به، فإن تضرر .. فالفطر أفضل، وقد ذكره "الحاوي" (¬6)، وألحق به المتولي: من يطيقه وسفره للغزو أو الحج، وخاف لو صام أن يضعف عنهما. 1316 - قول "المنهاج" [ص 183]: (ولو أصبح المسافر والمريض صائمين ثم أرادا الفطر .. جاز) قد يفهم أنه لا كراهة في ذلك، وكذا صحح في "شرح المهذب" (¬7)، واختار السبكي: الكراهة فيما إذا كان لغير حاجة. 1317 - قولهما: (إنه لا يجب قضاء ما فات بالجنون) (¬8) يستثنى منه: ما لو ارتد ثم جن .. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 65). (¬2) انظر "فتح العزيز" (3/ 217). (¬3) الروضة (2/ 369). (¬4) المحرر (ص 113) (¬5) انظر "نهاية المطلب" (4/ 51، 52). (¬6) الحاوي (ص 228). (¬7) المجموع (6/ 257). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 65)، و"المنهاج" (ص 183).

فإنه يجب قضاء مدة الردة ولو كانت في زمن الجنون في الأصح، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 228]: (وجنون غير المرتد) وهو مفهوم من إطلاقهما قضاء زمن الردة، فصار بين إثباتهما قضاء الردة ونفيهما قضاء الجنون عموم وخصوص من وجه لا يمكن الحكم لأحدهما إلا بدليل خارجي، فأحسن "الحاوي" باستثناء زمن الردة من الجنون. 1318 - قول "التنبيه" [ص 66]: (وإن بلغ الصبي أو قدم المسافر وهما صائمان .. فقد قيل: يلزمهما إتمام الصوم) هو الأصح، وعليه جرى "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، وقوله: (وعندي: اْنه يلزم المسافر دون الصبي) (¬2) هو قول ابن سريج، وقال النووي في "التصحيح": فيهما خلاف تركه المصنف (¬3). قال النشائي: هو ممنوع؛ فهذا اللفظ ظاهر في الخلاف، وإن إلزام الإتمام لهما ضعيف عنده، وإن سُلّم .. فقوله: (وعندي) كذا في مقابلة ذلك خلاف، وهو ثابت في الصبي، وللفرق وجهٌ، وهو أهلية المسافر للفرض، ولم أر له موافقاً. انتهى (¬4). 1319 - قوله: (فإن قامت البينة بالرؤية يوم الشك .. وجب عليهم قضاؤه، وفي إمساك بقية النهار قولان، الأظهر: وجوبه) (¬5) وعليه مشى "الحاوي" و"المنهاج" لكنه عبر بقوله: (والأظهر: أنه يلزم من أكل يوم الشك ثم ثبت كونه من رمضان) (¬6)، فقيّد محل الخلاف بأن يكون أكل، ومقتضاه: أن حكم من لم يأكل بخلافه إما مجزوم فيه بالوجوب - وهو الذي يقتضيه نقل "الكفاية" عن الأكثرين - أو فيه خلاف مرتب، وأولى بالوجوب، والذي في "أصل الروضة" عن "التتمة": أن القولين فيما إذا بأن أنه منه قبل الأكل، فإن بان بعده: فإن لم نوجبه هناك .. فهنا أولى، وإلا .. فوجهان، أصحهما: الوجوب (¬7)، وعبارة "المحرر": (أصبح مفطراً) (¬8)، وهي أعم من الأكل؛ فإن تارك النية مفطر، وصوب في "المهمات" ما في "المنهاج" فإن الأكثرين على القطع بالوجوب إذا لم يأكل، وفي "الروضة": إن الممسك ليس في صوم (¬9)، وعبارة الرافعي: ليس في عبادة (¬10)، ولا يلزم من ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 228)، المنهاج (ص 183). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 66). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 222). (¬4) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 59). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 65). (¬6) الحاوي (ص 229)، المنهاج (ص 184). (¬7) الروضة (2/ 372). (¬8) المحرر (ص 114). (¬9) الروضة (2/ 371). (¬10) انظر "فتح العزيز" (3/ 222).

فصل [من مات قبل تمكنه من قضاء ما فاته من رمضان]

نفي الصوم نفي العبادة، وصحح في "شرح المهذب": أنه يثاب عليه، وليس في صوم شرعي (¬1)، وفي "المهمات": مقتضى القواعد: الجزم بالثواب؛ لقيامه بواجب، ومقتضى كلامهم: أنه لا يجب الإمساك إلا بعد ثبوت كونه من رمضان، وهو كذلك، وفي "المهمات": نص المالكية على استحبابه قبل الثبوت، والقياس: خلافه؛ لأن صومه حرام، فلا يشرع التشبه به (¬2). فصلٌ [من مات قبل تمكنه من قضاء ما فاته من رمضان] 1320 - قول "المنهاج" [ص 184]: (من فاته شيء من رمضان، فمات قبل إمكان القضاء .. فلا تدارك له ولا إثم) محله: فيما إذا فات لعذر، وذلك مفهوم من قول "المحرر": (كما إذا دام مرضه) (¬3)، أما غير المعذور .. فيأثم ويتدارك عنه بالفدية، صرح به الرافعي في نذر صوم الدهر، وجعله أصلاً قاس عليه (¬4)، وأسقطه في "الروضة"، وهذا وارد أيضاً على مفهوم قول "التنبيه" [ص 67]: (ومن مات وعليه صوم تمكن من فعله) و"الحاوي" [ص 229]: (متمكن القضاء) فإن مفهومه: أنه متى لم يتمكن من فعله .. لا تدارك عليه، وذلك شامل لما إذا كان بغير عذر، فيحمل على حالة العذر، وصور في "الروضة" وأصلها موته قبل إمكان القضاء: بأن لا يزال مريضًا أو مسافراً من أول شوال حتى يموت (¬5). والصواب: اعتبار ذلك من قبل الفجر من اليوم الثاني من شوال؛ لأن ما قبل ذلك لا يصح صومه، بل لو طرأ حيض، أو نفاس، أو مرض قبل الغروب من ثاني شوال .. لم يحصل التمكن أيضًا، ذكره في "المهمات" وقال: ولو لزمه يوم، فسافر بعد الفجر من اليوم الثاني، واستمر السفر إلى رمضان .. ففي وجوب الفدية احتمالان، حكاهما الروياني عن والده، وقال: الأصح عندي: عدم الوجوب (¬6). 1321 - قول "المنهاج" [ص 184]: (وإن مات بعد التمكن .. لم يصم عنه وليه في الجديد) فيه أمور: ¬

_ (¬1) المجموع (6/ 273، 274). (¬2) انظر "حاشية الدسوقي" (1/ 514)، و"منح الجليل" (2/ 117). (¬3) المحرر (ص 114). (¬4) انظر "فتح العزيز" (3/ 248). (¬5) الروضة (2/ 382). (¬6) انظر "بحر المذهب" (4/ 312، 313).

أحدها: أنه لا فرق في هذا القسم بين فواته بعذر أو بغيره، وتقدم تقييد مورد التقسيم بالعذر، فالتركيب مشكل. ثانيها: أن معنى قوله: (لم يصم عنه وليه): أنه لا يصح صومه عنه، وليس معناه: عدم الوجوب خاصة. ثالثها: ليس هذا جديداً محضاً، فقد نص عليه في أكثر كتبه القديمة أيضاً، كما حكاه القاضي أبو الطيب، وقال الماوردي في مقابله: أنكر سائر أصحابنا كونه مذهباً له (¬1). 1322 - قوله: (وكذا النذر والكفارة) (¬2) أطلقه الرافعي والنووي في كتبهما (¬3)، وقيده "الحاوي" بكفارة القتل (¬4)، قيل: وليس في غيره، ووخهَه بعضهم: بأن غيرها يَخلُفُ صومَها الإطعامُ، والعجز بالموت كغيره، فيجب في التركة ما قدره الشرع، وهو ستون مداً، وأما كفارة القتل: فلا إطعام فيها في الأصح، فالفائت فيها صوم لا محالة، وإطلاق "التنبيه" الصوم دخل فيه صوم النذر والكفارة بأنواعها (¬5). 1323 - قوله: (وفيه قول آخر: أنه يصام عنه) (¬6) معناه: أنه يجوز لوليّه الصوم عنه، وليس المراد: أنه يتعين عليه ذلك، بل هو مخير بين الصوم والإطعام، قال في "شرح المهذب": إنه لا خلاف في ذلك (¬7)، لكن في "المهمات" عن القاضي أبي الطيب وجوبه، وصرح في "شرح مسلم" باستحباب الصوم عنه على القديم، واقتصر في "الروضة" على الجواز (¬8)، قال في "المنهاج" [ص 184]: (قلت: القديم هنا أظهر)، وقد يفهم هذا التعبير ترجيحه من جهة المذهب، وإنما هو راجح من جهة الدليل، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "من مات وعليه صيام .. صام عنه وليه" رواه مسلم في "صحيحه" (¬9) ولذلك عبر عنه في "التصحيح" بالمختار (¬10)، وقال في "الروضة": المشهور في المذهب: تصحيح الجديد، وذهب جماعة من محققي أصحابنا إلى تصحيح القديم، وهو الصواب، بل ينبغي الجزم به، للأحاديث الصحيحة ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (3/ 452). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 184). (¬3) انظر "المحرر" (ص 114)، و"فتح العزيز" (3/ 239)، و"الروضة" (2/ 382)، و"المجموع" (6/ 394). (¬4) الحاوي (ص 229). (¬5) التنبيه (ص 67). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 67). (¬7) المجموع (6/ 389). (¬8) شرح مسلم (8/ 25)، الروضة (2/ 381). (¬9) صحيح مسلم (1147) من حديث عائشة رضي الله عنها. (¬10) تصحيح التنبيه (1/ 226).

فيه، وليس للجديد حجة من السنة؛ فالحديث الوارد بالإطعام ضعيف (¬1). 1324 - قوله: (والولي: كلل قريبٍ على المختار) (¬2) تبع في اختياره ابن الصلاح والقاضي مجلّيًا (¬3)، وتوقف الإمام في أن المراد: الولاية، أو مطلق القرابة، أو بشرط العصوبة، أو الإرث، وقال: لا نقل عندي في ذلك (¬4)، قال الرافعي: وأنت إذا فحصت عن نظائره .. وجدت الأشبه: اعتبار الإرث (¬5)، وخالفه النووي، فاختار مطلق القرابة (¬6)، وكلامهم يقتضي أنه لا نقل في المسألة، وليس كذلك؛ ففي "المهمات" عن القاضي أبي الطيب اعتبار القرابة، وعن الماوردي والبغوي وغيرهما اعتبار الإرث (¬7). 1325 - قوله: (ولو صام أجنبي بإذن الولي .. صح) (¬8) كذا لو صام بوصية ممن عليه الصوم، كما صرح به الرافعي في (الوصية) (¬9)، ولا يخفى تفريع الأمرين على القول القديم، وتناول هذا ما لو صام عنه ثلاثون إنساناً في يوم واحد عن جميع رمضان، قال النووي: ولم أر لأصحابنا فيه كلاماً، وذكر البخاري في "صحيحه" عن الحسن: أنه يجزئه، قال: وهو الظاهر (¬10). 1326 - قوله: (ولو مات وعليه صلاةٌ أو اعتكافٌ .. لم يُفْعَلْ عنه ولا فدية، وفي الاعتكاف قول) (¬11) لم يبين حقيقة هذا القول، هل هو في فعله عنه أو في الفدية؛ وهو مختلف فيه، قال الرافعي: نقل البويطي أن الشافعي قال: يعتكف عنه وليّه، وفي رواية: يطعم عنه، وقال البغوي: لا يبعد تخريجه في الصلاة؛ فيُطعم لكل صلاة مدّ، وقال الجويني: كل يوم وليلة في الاعتكاف يُقابل بمُدٍّ، واستشكله الإمام بأن كل لحظةٍ عبادة تامة (¬12)، ونقل النووي عن القاضي عياض وأصحابنا الإجماع أنه لا يصلي عنه (¬13)، لكن الرافعي في (الوصية) أشار إلى وجه ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 382). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 184). (¬3) انظر "مشكل الوسيط" (2/ 552). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (4/ 62) (¬5) انظر "فتح العزيز" (3/ 237). (¬6) انظر "الروضة" (2/ 381). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (3/ 453)، و"التهذيب" (3/ 180). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 184). (¬9) انظر "فتح العزيز" (7/ 130). (¬10) انظر "المجموع" (6/ 394)، وصحيح البخاري (كتاب الصوم)، (باب من مات وعليه صوم) (2/ 690) (¬11) انظر "المنهاج" (ص 184). (¬12) انظر "فتح العزيز" (3/ 238)، و"نهاية المطلب" (4/ 122)، و"التهذيب" (3/ 182). (¬13) انظر "المجموع" (6/ 394).

فيه (¬1)، واختار الجواز ابن أبي عصرون والسبكي. 1327 - قوله: (والأظهر: وجوب المُدّ على من أفطر لِلْكِبَرِ) (¬2) في معناه: المريض الذي لا يرجى برؤه، وقد ذكره "التنبيه" (¬3)، فلو قدر بعد ذلك على الصوم .. فكالمَعْضُوب في الحج، ولو قَدَرَ الهرم بعد ذلك .. لم يلزمه القضاء، كما نقله في "التهذيب"، وقاله أيضاً القاضي الحسين والخوارزمي، وقال البغوي من عند نفسه: إن قَدَرَ قبل الفدية .. صام، أو بعدها .. احتمل وجهين (¬4)، ونقل صاحب "التتمة" وآخرون خلافاً في أنه هل خوطب بالصوم ثم انتقل بالعجز إلى الفداء، أم خوطب بالفداء ابتداء؟ وصحح في "شرح المهذب": الأول (¬5)، وفي "الكفاية": الثاني. 1328 - قول "التنبيه" [ص 66]: (وإن خافتا - أي: الحامل والمرضع - على ولديهما .. أفطرتا وعليهما القضاء، وفي الفدية ثلالة أقوال، أحدها: أنه يجب عليهما عن كل يوم مدّ من الطعام) هو الأظهر، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬6)، وتعبيرهما بالولد أحسن من تعبير "التنبيه" بولديهما؛ لأن المتبرعة كالأم وإن لم تتعين، ذكره في "الروضة" (¬7)، وكذا صحح النووي: أن المستأجرة لو خافت على الولد المستأجرة لإرضاعه .. أفطرت ووجبت الفدية، وهل الفدية عليها أم على المستأجر؛ فيه احتمالان للقاضي الحسين؛ كدم التمتع، قال في "شرح المهذب": ولعل الأصح: أنها عليها، بخلاف دم التمتع؛ فإنه على المستأجر في الأصح؛ لأن الأول من تتمة إيصال المنفعة الواجبة، بخلاف دم التمتع؛ فإنه من تمام الحج الواجب عليه (¬8)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: لا يتخرج على الوجهين المذكورين؛ لأن العبادة هناك وقعت للمستأجر، وأما هنا: فإن العبادة إنما تقع لها، فتكون الفدية عليها جزماً. 1329 - قول "المنهاج" - والعبارة له - و"الحاوي": (والأصح: أنه يُلْحَقُ بالمرضع من أفطر لإنقاذ مشرفي على هلاكٍ) (¬9) أي: إذا لم يمكنه تخليصه إلا بالفطر، ويجب الفطر، صرح به ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (7/ 131). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 184). (¬3) التنبيه (ص 65). (¬4) التهذيب (3/ 172). (¬5) المجموع (6/ 257)، ونصه: (الأصح: أنه يخاطب بالفدية ابتداءً) فيكون المصحح هو الثاني وليس الأول كما قال المصنف. (¬6) الحاوي (ص 229)، المنهاج (ص 184). (¬7) الروضة (2/ 383). (¬8) المجموع (6/ 268). (¬9) الحاوي (ص 229)، المنهاج (ص 184).

فصل [في الكفارة العظمى لإفساد الصوم بالجماع]

الغزالي والنووي (¬1)، وقيده عبد الملك المقدسي بما إذا تعين عليه، قال السبكي: وفيه نظر؛ لأنه يؤدي إلى التواكل، والمراد: الشخص المشرف على الهلاك، أما لو أفطر لتخليص مال مشرف على الهلاك .. لم تجب فدية، كما صرح به القفال في "فتاويه". 1330 - قول "التنبيه" [ص 67]: (ولا يجوز أن يؤخر القضاء إلى رمضان آخر من غير عذر) هذا في الفائت بعذر، فأما الفائت بغير عذر .. فيجب قضاؤه على الفور في الأصح. 1331 - قوله: (فإن أخره .. لزمه مع القضاء عن كل يوم مدّ من الطعام) (¬2) قد يفهم أنه لا يجب غير ذلك، وليس كذلك، بل الأصح: أنه يتكرر بتكرر السنين، وقد صرح به "المنهاج" (¬3)، وهو مفهوم من قول "الحاوي" [ص 229]: (ومؤخّر القضاء عن كل سنة) فلو أخره بعذر؛ كسفر ومرض .. فلا فدية، كذا مثل الرافعي هنا بالسفر (¬4)، ونقل في صوم التطوع عن البغوي تحريم تأخيره للسفر (¬5)، ومتى حرم التأخير، فهو بغير عذر .. فتجب الفدية، ومحل الخلاف في التكرر بتكرر السنين: ما إذا لم يكن أخرج الفدية، فإن أخرجها .. تكررت جزماً، صرح به البغوي والخوارزمي (¬6). 1332 - قول "المنهاج" [ص 184]: (وأنه لو أخر القضاء مع إمكانه فمات .. أخرج من تَرِكَتِهِ لكل يومٍ مُدَّانِ: مُدّ للفوات ومُدّ للتأخير) لا يخفى أن هذا تفريع على الجديد، فأما على القديم: فإذا صام الولي .. حصل تدراك أصل الصوم، وتجب فدية للتأخير. فصلٌ [في الكفارة العظمى لإفساد الصوم بالجماع] 1333 - قول "التنبيه" [ص 67]: (وإن جامع امرأته في نهار رمضان من غير عذر .. لزمهما القضاء، وفي الكفارة ثلالة أقوال) فيه أمور: أحدها: أنه يتناول الجماع بعد الفطر بجماع أو غيره مع أنه لا كفارة فيه، ويخرج عنه جماع جاريته مع أنها كالمرأة في ذلك، بل الموطوءة بشبهة والمزني بها كذلك في جريان القولين الأولين - وهما وجوب الكفارة عليهما، وعليه دونها - لكن لا يأتي القول الثالث - وهو وجوب كفارة عنه ¬

_ (¬1) انظر "فتاوى الغزالي" (ص 32، 33) مسألة (21)، و"المجموع" (6/ 340) (¬2) انظر "التنبيه" (ص 67). (¬3) المنهاج (ص 184). (¬4) انظر "فتح العزيز" (3/ 240). (¬5) انظر "التهذيب" (3/ 179)، و"فتح العزيز" (3/ 245). (¬6) انظر "التهذيب" (3/ 180).

وعنها - بل تلزمه كفارة عنه، ولا شيء عليها على الأصح؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 185]: (تجب الكفارة بإفساد صوم يوم من رمضان بجماع أثم به بسبب الصوم) فأخرج الجماع بعد الفطر؛ لأن الصوم لم يفسد به، بل فسد قبله، وتناول كل جماع، وقد يقال: لم يتناول الزاني عمدًا؛ لأن إثمه بسبب الزنا، والحق: أنه أثم بسببهما معاً، فتناولته عبارته، لكن يرد عليه: أنه لا يأتي فيه القول بوجوب كفارة عنه وعنها، وزاد "الحاوي" في الضابط المذكور في "المنهاج": تقييد الجماع بكونه تامًا (¬1)؛ ليحترز به عن جماع المرأة؛ فإنه يفسد صومها قبل صدق اسم الجماع بوصول رأس الذكر إلى باطنها، وقد تبع في هذا القيد الغزالي (¬2)، وأسقطه "المحرر" و"المنهاج" إذ لا فائدة فيه؛ فإن فساد صومها في هذه الصورة بغير الجماع، بل بوصول عين إلى جوفها، فقد خرجت بقولنا: بجماع، ولو أولج فيها نائمة أو ناسية ثم استيقظت أو تذكرت واستدامت .. ففساد صومها هنا بجماع تام لا بوصول عين؛ لأن استدامة الجماع جماع، ومع هذا لا كفارة عليها، فظهر بهذا أن عدم وجوب الكفارة على المرأة ليس لانتفاء الجماع التام في حقها، بل ولو وجد الإفطار بالجماع التام .. لم يكن عليها كفارة، ومع ذلك فأورد على هذا الضابط أمور: أحدها: لو طلع الفجر وهو مجامع فاستدام .. وجبت الكفارة، مع أنه لا يقال: فسد صومه؛ فإن المشهور: أنه لم ينعقد، والفساد فرع الانعقاد. الثاني: لو جامع شاكًا في الغروب .. حرم، كما في "الروضة"، ولا كفارة، كما في "التهذيب" وغيره (¬3)، وهو داخل في قول "المنهاج" بعد ذلك [ص 185]: (ولا كفارة على من ظن الليل فبان نهاراً)، لكن قال الرافعي والنووي بعد نقلهما عدم الكفارة عن صاحب "التهذيب" وغيره: وهذا ينبغي أن يكون مفرعاً على تجويز الإفطار والحالة هذه، وإلا .. فتجب الكفارة وفاءً بالضابط المذكور لوجوب الكفارة (¬4)، ولم يتناول قول "الحاوي" [ص 229]: (وظان بقاء الليل) إلا ما إذا كان ذلك في أول النهار. الثالث: لو جامع مسافرًا ونحوه امرأته، ففسد صومها .. لا كفارة عليه بإفساد صومها، فينبغي التقييد بصوم نفسه. الرابع: أنه لا بد من تقييد ذلك بكون الواطئ مكلفاً، فلو كان صبياً .. لم تلزمه كفارة في الأصح. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 229). (¬2) انظر "الوسيط" (2/ 544). (¬3) التهذيب (3/ 168)، الروضة (2/ 377، 378). (¬4) انظر "فتح العزيز" (3/ 231)، و"الروضة" (2/ 378).

الأمر الثاني: مما يرد على "التنبيه": أن ظاهره أنه لا فرق بين أن يطرأ عليه ما يبيح الفطر كالمرض والسفر، أو يسقط الصوم كالجنون والحيض أم لا، والأصح في المرض والسفر: أنه لا يسقط، وفي الباقي: السقوط، وقد ذكره "الحاوي"، وذكر "المنهاج" الأول، وهو عدم السقوط بالسفر والمرض (¬1). الأمر الثالث: الأصح: القول الثاني، وهو وجوب الكفارة عليه دونها، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " (¬2). الأمر الرابع: شرط القول بوجوب الكفارة عليها: أن يكون الوطء في قبلها، فالموطوءة في الدبر لا كفارة عليها، ذكره ابن الرفعة، ويستثنى: المتحيرة، فالأصح من زيادة " الروضة " في (الحيض): لا تلزمها الكفارة (¬3)، وهذا وارد على " المنهاج " أيضًا. الأمر الخامس: في تحرير القول بانه يجب عليه كفارة عنه وعنها أوجه في " البحر " للروياني و" شرح السبكي ": أحدها: أنه يجب على كل واحد النصف، ثم يتحمل الزوج. والثاني: يجب على كل واحد كفارة تامة، ثم يتحمل، فيتداخلان. الثالث: تجب الكفارة الواحدة على كل منهما، ولكن إذا أخرجها الزوج .. سقطت عنها؛ كالدين على الضامن والمضمون متعلق بكل منهما، فإذا أدى .. برئت الذمتان (¬4). 1334 - قول " التنبيه " [ص 67]: (فإن لم يجد .. ثبت في ذمته في أحد القولين إلى أن يجد، ويسقط في الثاني) فيه أمران: أحدهما: أن الأول هو الأظهر، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " (¬5). ثانيهما: قال في " الكفاية " في قوله: (فإن لم يجد): أي: الطعام، ثم قال: وكلامه يقتضي أن الثابت في ذمته إنما هو الإطعام، والذي أورده القاضي والرافعي أن ما قدر عليه من الخصال بعد ذلك .. يلزمه الإتيان به، وكلام القاضي أبي الطيب يقتضي التخيير بين الخصال الثلاث. انتهى (¬6). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 229)، المنهاج (ص 185). (¬2) الحاوي (ص 229)، المنهاج (ص 185). (¬3) الروضة (1/ 153). (¬4) بحر المذهب (4/ 284). (¬5) الحاوي (ص 229)، المنهاج (ص 185). (¬6) انظر " فتح العزيز " (3/ 235).

وعلى ذلك مشى " المنهاج " فقال [ص 185]: (فلو عجز عن الجميع .. استقرت في ذمته في الأظهر، فإذا قدر على خصلةٍ .. فعلها) و" الحاوي " فقال [ص 229]: (وتستقر في الذمة إن عجز) ويوافق كلامهم ما في بعض نسخ " التنبيه " بدل: (ثبت): (ثبتت) أي: الكفارة، وقد يحمل قوله في النسخة المشهورة: (ثبت) على الواجب لا على ما حمله عليه في " الكفاية " من الطعام، وحينئذ .. فلا إيراد، والله أعلم.

باب صوم التطوع

باب صوم التّطوّع 1335 - قول " المنهاج " [ص 186] و" الحاوي " [ص 230]: (يسن: صوم عرفة) يستثنى منه: الحاج، فيكره له، كما في " التنبيه " (¬1)، وحكاه الرافعي والنووي عن إطلاق كثيرين بعد أن صدَّرا كلامهما بأنه ينبغي له فطره (¬2)، وصحح النووي في " تصحيح التنبيه ": أن صومه خلاف الأولى، وحكاه في " شرح المهذب " عن الشافعى والجمهور (¬3). وقال في " التتمة ": الأَوْلى لمن لا يضعفه عن الدعاء وأعمال الحج: صومه، واستشهد له بعضهم باستحباب صوم الدهر لمن لم يخف ضررًا ولا فوَّت حقًا، ومقتضى قول " التنبيه " [ص 67]: (إلا أن يكون حاجًا بعرفة) أن المحرم إذا لم يصل إلى عرفة وعلم أنه لا يصلها إلا بعد الغروب .. أنه يستحب له صومه؛ لأنه حاج لا بعرفة، وبه صرح النووي في " نكت التنبيه "، لكن نص الشافعي في " الإملاء " على استحباب فطره للمسافر مطلقًا، حكاه في " المهمات "، وقريب منه ما في الرافعي عن " التتمة ": أنه إذا سافر في رمضان سفر حج أو غزو، وكان يخاف الضعف لو صام .. فإن الأولى له: الفطر (¬4). 1336 - قولهم: (يسن: صوم تاسوعاء، وعاشوراء) (¬5) كذا الحادي عشر، كما نص عليه. 1337 - قول " المنهاج " [ص 186] و" الحاوي " [ص 230]: (وأيام البيض) أحسن من قول " التنبيه " [ص 67]: (والأيام البيض) لأن الأيام كلها بيض، وتقدير الأول: أيام الليالي البيض؛ لأن ضوء القمر يعُم ليلها. واعلم: أن قولهم أن أيام البيض هي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، يستثنى من إطلاقه: ذو الحجة؛ فإن صوم ثالث عشره حرام، فهل يسقط في هذا الشهر، أو يعوض عنه السادس عشر، أو يوم من التسعة الأول؟ فيه احتمال، ولم أر من تعرض لذلك. ويستحب أيضًا: صوم أيام السود، وهي: الثامن والعشرون وتالياه، قاله الماوردي. ولا يخفى سقوط الثالث منها إذا كان الشهر ناقصًا، ولعله يعوضه عنه بأول الشهر الذي يليه، وهو من أيام السود أيضًا؛ لأن ليلته كلها سوداء. 1338 - قول " التنبيه " [ص 67]: (يستحب لمن صام رمضان أن يتبعه بست من شوال) يقتضي ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 67). (¬2) انظر " فتح العزيز " (3/ 246)، و" الروضة " (2/ 387). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 229)، المجموع (6/ 402). (¬4) فتح العزيز (3/ 219). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 67)، و" الحاوي " (ص 230)، و " المنهاج " (ص 186).

أن من لم يصم رمضان لمرض أو صِبًا أو سفر أو كفر أو غيرها .. لا يستحب له صوم الستة من شوال، وليس كذلك؛ ولهذا أطلق " المنهاج " و" الحاوي " استحباب صوم ستة من شوال (¬1)، زاد " المنهاج " [ص 186]: (وتتابعها أفضل) أي: ووصلها بالعيد، وتعبيرهما بستة أوفق للعربية من تعبير " التنبيه " بست، لكن ذاك موافق للفظ الحديث. 1339 - قولهما: (ويكره إفراد الجمعة) (¬2) محله: ما إذا لم يوافق عادة له، ذكره في " شرح المهذب "، لكنه فسره بأن ينذر صوم يوم شفاء مريضه أو قدوم زيد أبدًا، فوافق يوم جمعة (¬3)، لكن الكلام في صومه نفلًا، وهو في هذا المثال فرض، فالصواب: تمثيله بما إذا كانت عادته صوم يوم وفطر يوم، فوافق صومه يوم جمعة، ذكره في " المهمات "، قال: نعم؛ يستقيم المثال إن كان النهي شاملًا للفرد حتى يكره إفراد الجمعة بالقضاء، وفيه نظر، وحكى البيهقي في " المعرفة " عن الشافعي: تقييد الكراهة بمن يضعفه الصوم عن القيام بالوظائف المطلوبة فيه (¬4)، وذكر مثله ابن الصباغ، وقال الماوردي والعمراني: إنه مذهب الشافعي (¬5). ولو أراد الاعتكاف في يوم جمعة أو في غيره مما يكره إفراده بالصوم، فهل تستمر الكراهة، أو يستحب صومه للخروج من خلاف من أوجب الصوم مع الاعتكاف؟ توقف فيه النووي في " نكت التنبيه "، وزاد " المنهاج " كراهة إفراد السبت (¬6)، وعلله الرافعي: بأنه يوم اليهود (¬7)، ومقتضاه: كراهة إفراد الأحد أيضًا؛ لأنه يوم النصارى، وقد صرح بكراهته ابن يونس في " النبيه ". 1340 - قول " الحاوي " [ص 230]: (إنه يستحب صوم الدهر) تبع فيه الغزالي (¬8)، ولا يخفى أن محله: إذا أفطر يومي العيد وأيام التشريق، ثم هو محمول على ما إذا لم يتضرر به، ولا فوَّت حقًا، وقد ذكره " المنهاج " فقال [ص 186]: (وصوم الدهر غير العيد والتشريق مكروهٌ لمن خاف به ضررًا أو فَوْتَ حقٍّ، ومستحبٌ لغيره) وكذا حكاه في " الروضة " وأصلها عن الأكثرين، إلا أنهما لم يقولا بالاستحباب في الحالة الثانية، وإنما قالا فيها: بعدم الكراهة (¬9)، وأطلق البغوي وغيره الكراهة (¬10)، ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 230)، المنهاج (ص 186). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 68)، و" المنهاج " (ص 186). (¬3) المجموع (6/ 449). (¬4) معرفة السنن والآثار (3/ 428). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (3/ 478)، و" البيان " (3/ 561). (¬6) المنهاج (ص 186). (¬7) انظر " فتح العزيز " (3/ 247). (¬8) انظر " الوسيط " (2/ 555)، و" الوجيز " (1/ 241). (¬9) فتح العزيز (3/ 248)، الروضة (2/ 388). (¬10) انظر " التهذيب " (3/ 188).

والغزالي الاستحباب كما تقدم، وحيث لا يكره .. فقال المتولي: صوم يوم وإفطار يوم أفضل منه، واختاره السبكي، ورأى أن صوم الدهر مكروه أو خلاف الأولى، وفي " فتاوى الشيخ عز الدين بن عبد السلام " أن سرد الصيام أفضل منه؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، وقوله في حديث عبد الله بن عمرو في صوم يوم وإفطار يوم: " لا أفضل من ذلك " (¬1) أي: لك، ثم تفويت الحق يحتمل أن يراد به: الواجب، لكن تفويته حرام، فتكون الكراهة إذا كان الموجود الخوف دون العلم والظن، فإن أمن تفويته وخاف تفويت مندوب فعله راجح على السرد .. فيوم ويوم أفضل، ويمكن أن يراد بالحق: كل مطلوب وإن لم يكن واجبًا، ذكره السبكي وقال: لم أر من صرح فيه بشيء، ورجح في " المهمات " الاحتمال الثاني، فقال: إنه المتجه. 1341 - قول " الحاوي " [ص 229]: (إنه لا يجب إتمام التطوع) يستثنى منه: تطوع الحج والعمرة، فيجب إتمامه؛ ولذلك قصر " التنبيه " و" المنهاج " ذلك على تطوع الصلاة والصوم، وتعبير " التنبيه " بقوله [ص 67، 68]: (ومن دخل في صوم تطوع أو صلاة تطوع .. استحب له إتمامها، فإن خرج منها .. لم يلزمه القضاء) أحسن من قول " المنهاج " [ص 186]: (ومن تلبس بصوم تطوعٍ أو صلاة تطوعٍ .. فله قطعهما ولا قضاء) لأمور: أحدها: تصريح " التنبيه " باستحباب الإتمام، وقد قالوا: إن القطع بعذر غير مكروه، وبغير عذر مكروه على الأصح. ثانيها: إفصاح " التنبيه " عن كون المنفي لزوم القضاء بخلاف قول " المنهاج ": (ولا قضاء) فإنه قد يفهم نفي استحبابه أيضًا، وليس كذلك، بل قضاؤه مستحب. ثالثها: أن إفراد " التنبيه " الضمير في قوله: (إتمامها) أحسن من تثنية " المنهاج " في قوله: (قطعهما) فإن (أو) لأحد الشيئين، والذي في " المنهاج " على حد قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} ويستثنى من كلامهم: ما لو نذر إتمامه .. فالأصح: لزومه. 1342 - قول " المنهاج " [ص 186]: (ومن تلبس بقضاءٍ .. حرم عليه قطعه إن كان على الفور، وكذا إن لم يكن في الأصح) المراد: قضاء الواجب، أما المستحب: فقد سبق الكلام عليه، وفهم عدم القطع في الأداء من طريق الأولى، وهو كذلك في فروض الأعيان، أما فروض الكفايات .. فله قطعها بعد التلبس بها، إلا صلاة الجنازة، وقد ذكر ذلك " الحاوي " بقوله [ص 229]: (وإتمام القضاء؛ كصلاة الجنازة لا العلم وفروض الكفايات) وكان ينبغي الاكتفاء بنفي وجوب إتمام فروض الكفايات عن ذكر العلم؛ فانه من فروض الكفاية، وأن يؤخر ذكر صلاة الجنازة عن فروض الكفاية، فيستثنيها منها؛ لأنها من جملتها، والله أعلم. ¬

_ (¬1) أخرجه " البخاري " (1875)، (3236)، و " مسلم " (1159).

كتاب الاعتكاف

كتاب الاعتِكاف 1343 - قول " التنبيه " [ص 68]: (ولا يجب إلا بالنذر) هو مفهوم من قوله قبله: (إنه سنة) فهو تأكيد. 1344 - قول " المنهاج " [ص 187]: (وفي العشر الأواخر من رمضان أفضل لطلب ليلة القدر) قد تقدم ذكره عند ذكر سنن الصوم (¬1)، فقد يقال: إنه تكرير، وقد يقال: المقصود هناك: كونه سنة للصوم، ووصفًا مقصودًا فيه، والمقصود هنا: استحبابه في نفسه لأجل ليلة القدر حتى لو لم يصم لعذر .. ندب له الاعتكاف. 1345 - قولهم: (والجامع أولى) (¬2) فيه أمران: أحدهما: أن المعنى فيه: كيلا يحتاج فيما فيه جمعة إلى الخروج إليها، قال الرافعي: إن هذا المعنى أظهر عند الشافعي (¬3)، ومقتضاه: أنه إذا اعتكف دون أسبوع وليست الجمعة منه .. أن يستوي الجامع وغيره، وصرح القاضي الحسين فيه باستحباب الجامع. ثانيهما: أن محله: في التطوع، وفي النذر إذا لم تقع فيه جمعة، فلو نذر اعتكاف مدة متتابعة يتخللها جمعة، وهو من أهلها .. تعين الجامع؛ لأن الخروج لها يقطع التتابع على الأصح. 1346 - قول " المنهاج " [ص 187] و" الحاوي " [ص 231]: (ولو عين المسجد الحرام في نذره الاعتكاف .. تعين) في المراد بالمسجد الحرام الذي تضاعف فيه الصلاة خلاف، حكى صاحب " البيان " عن الشريف العثماني: أن المراد به: الحرم كله، ثم اختار صاحب " البيان " أنه الكعبة وما في الحجر من البيت فقط (¬4)، وجزم النووي في " شرح المهذب " بأنه الكعبة والمسجد حولها (¬5)، لكنه نقل في " مناسكه " عن الماوردي: أنه الحرم كله (¬6)، فيتخرج مثل ذلك هنا؛ لأن تعينه بالنذر إنما هو لتضعيف الصلاة والاعتكاف فيه، فلو نذر الصلاة أو الاعتكاف في الكعبة .. فالمتجه في " المهمات ": تعينها دون بقية المسجد والحرم كله. 1347 - قول " الحاوي " [ص 231]: (لا الصلاة) أي: فإنه لا يتعين لها زمان، كذا قاله ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 183). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 68)، و" الحاوي " (ص 231)، و " المنهاج " (ص 187). (¬3) انظر " فتح العزيز " (3/ 262). (¬4) البيان (2/ 136). (¬5) المجموع (3/ 193). (¬6) الإيضاح في المناسك (ص 148، 149)، وانظر " الأحكام السلطانية " (ص 201).

الرافعي هنا، وجعله أصلًا قاس عليه، وقال في (كتاب النذر): إن التعيين أرجح (¬1). 1348 - قوله: (والصدقة) (¬2) أي: فإنه لا يتعين لها زمان، كذا قاله الرافعي هنا، وجعله أصلًا قاس عليه، ونقل في (النذر) عن الصيدلاني: أنه يجوز تقديمها على وقتها قطعًا، وأقره (¬3)، فأشعر ذلك بأنها لا تؤخر، بخلاف ما اقتضاه كلامه هنا، وظاهر" الحاوي " أن الاعتكاف: مطلق اللبث من شخص مخصوص، وزاد عليه " المنهاج " فقال [ص 187]: (والأصح: أنه يشترط في الاعتكاف لبث قدرٍ يسمى عكوفًا)، وفسره الإمام: بأن يزيد على أقل ما يكفي في طمأنينة الصلاة، ولا يكفي قدر الطمأنينة، ولا يجب السكون، بل يكفي التردد (¬4). 1349 - قولهم: (ويبطل بالجماع) (¬5) فيه أمور: أحدها: أنه لا فرق في ذلك بين أن يجامع في المسجد أو في طريقه لقضاء الحاجة سواء قلنا: إنه في خروجه للحاجة معتكف أم لا، وإنما يفترقان بالنسبة إلى الحل والتحريم، فإن كان في المسجد .. فهو حرام مطلقًا، وإن كان في غيره .. حرم إن كان الاعتكاف منذورًا، ولا يتجه تحريمه في التطوع؛ فإن غايته الخروج من العبادة، وهو جائز، قاله في " المهمات ". ثانيها: أن الحكم بالبطلان إنما هو بالنسبة للمستقبل، وأما الماضي .. فكذلك؛ إن كان منذورًا متتابعًا .. فيستأنفه، وان لم يكن متتابعًا .. لم يبطل ما مضى سواء أكان منذورًا أم نفلًا. ثالثها: أن محل ذلك: ما إذا كان ذاكرًا عالمًا بالتحريم، فإن كان ناسيًا أو جاهلًا .. فهو كالصوم، وقد ذكره " المنهاج " بعد ذلك فقال [ص 187]: (وإن جامع ناسيًا .. فكجماع الصائم)، لكنه صحح في " شرح المهذب ": أنه لا يتخرج على خلاف الصوم، فقال: لم يبطل على المذهب، وبه قطع العراقيون، وقال أكثر الخراسانيين: فيه الخلاف في الصوم (¬6). 1350 - قول " التنبيه " [ص 68]: (وإن باشر فيما دون الفرج بشهوة .. ففيه قولان) الأظهر: قول ثالث، وهو: الإبطال إن أنزل، وإلا .. فلا، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " (¬7)، ولو أولج خنثى في قبل خنثى، أو أولج في امرأة أو رجل أو خنثى مطلقًا .. فهو كالمباشرة بغير جماع، ¬

_ (¬1) انظر " فح العزيز " (3/ 263)، (12/ 368). (¬2) انظر " الحاوي " (ص 231). (¬3) انظر " فتح العزيز " (3/ 264)، (12/ 368). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (4/ 82). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 68)، و"الحاوي" (ص 232)، و" المنهاج " (ص 187). (¬6) المجموع (6/ 512). (¬7) الحاوي (ص 231)، المنهاج (ص 187).

فيفرق بين أن ينزل أم لا، كما في " شرح المهذب " في الأحداث (¬1)، وهو مستثنى من إطلاقهم بطلان الاعتكاف بالجماع. 1351 - قول " المنهاج " - والعبارة له - و" الحاوي " فيما إذا أطلق نية الاعتكاف: (لو خرج وعاد .. احتاج إلى الاستئناف) (¬2) محله: ما إذا لم يعزم عند خروجه على العود، فإن فعل ذلك .. قام عزمه مقام النية، كما نقله الرافعى عن " التتمة "، واستشكله: باشتراط اقترانها بأول العبادة، فلا يكتفي بعزم متقدم (¬3)، لكن صوب فى " شرح المهذب " قول المتولي (¬4). 1352 - قول " المنهاج " [ص 187]: (ولو ارتد المعتكف أو سَكِرَ .. بطل، والمذهب: بطلان ما مضى من اعتكافهما المتتابع) فيه أمور: أحدها: أن قوله: (بطل) أي: في زمن الردة والسكر، فإذا زالا ولم يكن الاعتكاف متتابعًا .. بنيا على ما مضى؛ ولهذا قال " المحرر ": (لم يبق معهما الاعتكاف) (¬5). ثانيها: المراد ببطلان الماضي: تعذر البناء عليه، لا حبوطه. ثالثها: اعترض عليه: بأنه كان الأصوب أن يقول: (من اعتكافه بالإفراد) لأن العطف بـ (أو)، وفي هذا نظر؛ لأن المعطوف بـ (أو) هو الفعل، والضمير ليس عائدًا عليه، وإنما هو عائد على المرتد والسكران المفهومين من لفظ الفعل، وقد تقدم ما يدل عليهما، فصح عود الضمير عليهما، وعبارة " الحاوي " [ص 231]: (ويقطعه السكر والكفر) وهي وافية بالمقصود من غير اعتراض. 1353 - قول " المنهاج " [ص 187]: (ولو طرأ جنونٌ أو إغماءٌ .. لم يبطل ما مضى إن لم يخرج) فيه أمران: أحدهما: أن محل ذلك: فيما إذا طرأ الجنون بسبب يُعذر فيه، فإن طرأ بسبب لا يعذر فيه .. فكالسكران، حكاه في " الكفاية " عن البندنيجي، وهو مفهوم من تعليل الرافعي عدم البطلان في الجنون بالعذر (¬6). ثانيهما: كان ينبغي ترك التقييد بعدم الخروج؛ لاستواء حكمهما، فإنه إذا خرج: إن لم يمكن حفظه في المسجد .. لم يبطل أيضًا، كما لو حمل العاقل مكرهًا، وإن أمكن بمشقة؛ فكالمريض ¬

_ (¬1) المجموع (2/ 55). (¬2) الحاوي (ص 231)، المنهاج (ص 188). (¬3) انظر " فتح العزيز " (3/ 258). (¬4) المجموع (6/ 487). (¬5) المحرر (ص 118). (¬6) انظر " فتح العزيز " (3/ 261).

فصل [في التتابع]

إذا خرج .. فالمذهب: لا يبطل أيضًا، وإطلاق " الحاوي " أن الجنون يقطع الاعتكاف مُنْتَقَدٌ (¬1). 1354 - قول " المنهاج " [ص 188]: (وكذا الجنابة - أي: يجب الخروج لها - إن تعذر الغسل في المسجد، فلو أمكن .. جاز الخروج، ولا يلزم) كذا في " الروضة " وأصلها (¬2)، وهو يقتضي جواز الغسل فيه، واستبعده الإمام، ونقل عن المحققين إيثار الخروج، طال الزمان أو قصر (¬3)، وهو مقتضى قول " الحاوي " [ص 231]: (ويغتسل سريعًا لا في المسجد). فصلٌ [في التتابع] 1355 - قول " المنهاج " [ص 188]: (والصحيح: أنه لا يجب التتابع بلا شرط) فيه أمران: أحدهما: أنه عبر في " الروضة " بالمذهب، قال: وخرج ابن سريج قولًا، وهو شاذ (¬4). ثانيهما: أنه يفهم أنه إذا لم يشرط التتابع، ونواه .. لا يجب، وبه صرح " الحاوي " فقال [ص 232]: (لا التتابع وإن نواه)، وهذا هو الأصح عند الرافعي والنووي (¬5)، واختار السبكي مقابله، وصوبه في " المهمات " لما سيأتي فيما لو نذر اعتكاف يومين متتابعين، هل تلزم الليلة التي بينهما؟ 1356 - قول " الحاوي " [ص 232]: (كالتفرق وإن شرطه) أي: لا يلزم التفريق ولو شرطه، بل له مع اشتراط التفريق أن يأتي به متتابعًا. يستثنى منه: ما إذا قصد أيامًا معينة، كما قيده الغزالي في " الخلاصة " وغيره (¬6)، قال في " المهمات ": وهو متعين؛ لأنه إذا نذر يومًا بعينه .. امتنع عليه التقديم والتأخير على الصحيح. 1357 - قول " المنهاج " عطفًا على ما عبر فيه بالصحيح [ص 188، 189]: (وأنه لو نذر يومًا .. لم يجز تفريق ساعاته) عبر في " الروضة " بالأصح (¬7)، وهو معنى قول " الحاوي " بعد ما لا يجب فيه التتابع [ص 232]: (لا كيوم) أي: فإنه [يجب تتابع ساعاته] (¬8). ويستثنى من كلامهما: ما لو دخل أثناء النهار، واستمر إلى مثله من اليوم الثاني .. فإن الأكثرين ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 231). (¬2) الروضة (2/ 398). (¬3) انظر " نهاية المطلب " (4/ 111). (¬4) الروضة (2/ 399). (¬5) انظر " فتح العزيز " (3/ 265)، و " الروضة " (2/ 399). (¬6) الخلاصة (ص 220). (¬7) الروضة (2/ 399). (¬8) في (أ): (لا يجب تفريق ساعاته).

على أنه يجزئه، وقال أبو إسحاق: لا يجزئه، قال الرافعي: وهو الوجه (¬1)، ومحل الخلاف: فيما إذا غاير بين الساعات، فلو أتى بساعة معينة من يوم، ثم أتى بها بعينها من آخَرَ إلى أن استكمل ساعات اليوم .. لم يجزئه جزمًا، حكاه في " المهمات " عن القاضي حسين. 1358 - قول " المنهاج " عطفًا على الصحيح [ص 189]: (وأنه لو عيَّن مدةً كأسبوع وتعرض للتتابع وفاتته .. لزمه التتابع في القضاء) فيه أمران: أحدهما: أنه عبر في " الروضة " بالأصح (¬2). ثانيهما: أن قوله: (كأسبوع) أي: بعينه، ولهذا قال في " المحرر ": (هذا الأسبوع) (¬3)، أما لو قال: (أسبوعًا) كما هو ظاهر " المنهاج " .. فقال السبكي: لم أر فيه نقلًا، والأقرب: أنه يكفيه سبعة أيام متفرقة. 1359 - قوله: (وإن لم يتعرض له .. لم يلزمه في القضاء) (¬4) قد يفهم أنه معطوف على ما عبر فيه بالصحيح، وليس كذلك، فلا خلاف في عدم لزوم التتابع في هذه الصورة. 1360 - قوله: (وإذا ذكر التتابع وشَرَطَ الخروج لعارض .. صح الشرط في الأظهر) (¬5) عبر في " الروضة " بالمذهب، وبه قطع الجمهور، وحُكيَ قول: أنه لا يصح (¬6)، وذكر " الحاوي " فيما إذا شرط الخروج لكل شغل يطرأ له .. أنه يخرج لسائر الأشغال سوى النظارة والتنزه، والنظارة - بتخفيف الظاء - يستعملها العجم، يعنون بها: النظر إلى ما يقصد النظر إليه، وليست معروفة في اللغة لهذا المعنى، قاله النووي (¬7). 1361 - قول " التنبيه " فيما إذا خرج لما له منه بد [ص 68]: (وعيادة المريض)، قال في " الكفاية ": يفهم أنه لو كان المريض قريبه، ولم يكن له من يقوم به .. عدم البطلان، وبه صرح الماوردي (¬8)، واستغرب في " شرح المهذب " مقالة الماوردي (¬9)، وأطلق في " الروضة " وأصلها انقطاع التتابع بالخروج للعيادة (¬10). ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (3/ 265). (¬2) الروضة (2/ 400). (¬3) المحرر (ص 119). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 189). (¬5) انظر " المنهاج " (ص 189). (¬6) الروضة (2/ 402). (¬7) انظر " تهذيب الأسماء " (3/ 344). (¬8) انظر " الحاوي الكبير " (3/ 495). (¬9) المجموع (6/ 499). (¬10) الروضة (2/ 406).

1362 - قوله: (إلا أن يكون قد شرط ذلك في نذره) (¬1) يستثنى: ما إذا شرط الخروج للجماع؛ فإنه يلغو الشرط، حكاه في " الكفاية " عن الماوردي والبندنيجي وغيرهما (¬2)، وفي زيادة " الروضة ": قال الروياني: قال أصحابنا: لو نذر اعتكافًا وقال: إن اخترت جامعت، أو إن اتفق لي جماع جامعت .. لم ينعقد نذره (¬3). 1363 - قولهم - والعبارة لـ" الحاوي " -: (ولا يقطع الولاء الخروج لقضاء الحاجة) (¬4)، زاد " المنهاج " [ص 189]: (ولا يجب فعلها في غير داره وإن أمكن، ولا يضر بعدها إلا أن يفحش فيضر في الأصح) ويستثنى منه: ما إذا لم يجد في طريقه موضعًا، أو كان لا يليق به غير داره .. فلا يضر فحش البعد، ولو كان له داران .. تعينت القربى في الأصح. 1364 - قول " التنبيه " [ص 68]: (وإن خرج لما لا بد منه، فسأل عن المريض في طريقه ولم يعرج .. جاز) محله: ما إذا لم يطل وقوفه، كما صرح به " المنهاج " (¬5)، وذكر " الحاوي " بدل العيادة الصلاة على الميت، فقال [ص 232]: (وإن صلى على الميت بلا عدولٍ)، ولا بد من تقييده أيضًا بألَّا ينتظره. 1365 - قول " التنبيه " [ص 68] و" الحاوي " [ص 232]: (إنه لا ينقطع التتابع بالخروج للمرض) قيده " المنهاج " بأن يُحْوج إلى الخروج (¬6)، أي: لخوف التلويث لإسهال أو بول، أو لمشقة الإقامة معه لاحتياجه إلى فراش وخادم وتردد طبيب، وخرج به الخفيف كصداع ونحوه، وأسقط " المنهاج " وجهًا في " المحرر " أنه ينقطع بالمرض (¬7). 1366 - قول " التنبيه " فيما لا يقطع التتابع [ص 68]: (والحيض) محله: ما إذا طالت مدة الاعتكاف، فإن كانت بحيث تخلوا عنه .. انقطع في الأظهر، قاله في " المنهاج " (¬8)، وعبر عنه " الحاوي " بقوله [ص 232]: (إن لم يسعه وقت الطهر). 1367 - قول " المنهاج " - والعبارة له - و" الحاوي ": (ولا بالخروج ناسيًا على المذهب) (¬9) محله: ما إذا قصر زمنه، فإن طال .. فهو كالأكل الكثير ناسيًا، ففيه اختلاف تصحيح الرافعي ¬

_ (¬1) انظر" التنبيه " (ص 68). (¬2) انظر " الحاوي الكبير " (3/ 490). (¬3) الروضة (2/ 410)، وانظر " بحر المذهب " (4/ 378). (¬4) انظر" التنبيه " (ص 68)، و " الحاوي " (ص 232)، و" المنهاج " (ص 189). (¬5) المنهاج (ص 189). (¬6) المنهاج (ص 189). (¬7) المحرر (ص 119). (¬8) المنهاج (189). (¬9) الحاوي (232)، المنهاج (ص 189)

والنووي (¬1)، والإكراه كالنسيان، وقد ذكره " الحاوي " (¬2)، ولو استمر مستترًا خوفًا من ظالم، والمراد: الإكراه بغير حق؛ ليخرج ما إذا أكره على الخروج لحق عليه هو مماطل به .. فإنه يبطل اعتكافه؛ لتقصيره بعدم الوفاء. 1368 - قول " التنبيه " [ص 68]: (وإن خرج إلى المنارة الخارجة من المسجد .. لم يضره) محله: أن يخرج للأذان، ويكون مؤذنًا راتبًا، وتكون المنارة مبنية للمسجد، وقد ذكر الأولين " المنهاج " بقوله [ص 189]: (ولا بخروج المؤذن الراتب إلى منارةٍ منفصلةٍ عن المسجد للأذان في الأصح) و" الحاوي " بقوله [ص 232]: (وأذان الراتب) ويرد عليهما الشرط الثالث، ويشترط أيضًا: كونها قريبة من المسجد، واستغنى بعضهم عن هذا باشتراط كونها مبنية له؛ لأن المبنية له لا تكون بعيدة منه غالبًا، والله أعلم. 1369 - قول " التنبيه " فيما لا يقطع التتابع [ص 68]: (وَأَدَاءُ الشهادة التي تعينت عليه) أي: أداؤها، وكذا تحملها، فإن لم يتعين عليه التحمل .. بطل على الصحيح. 1370 - قول " التنبيه " [ص 68] و" الحاوي " [ص 232]: (وقضاء العدة) محله: ما إذا لم تكن بسبب من جهتها، فإن كانت " كما إذا قال: أنت طالق إن شئت، فقالت وهي معتكفة: شئت، فخرجت للعدة .. انقطع التتابع، كما صححه في " شرح المهذب " (¬3)، ولم يستحضره في " المهمات "، فذكره بحثًا، وقال: الظاهر: أنه لا بد منه، وفي " الكفاية " عن القاضي أبي الطيب والماوردي أن الخلاف فيمن لم يفوض طلاقها إليها، فإن فوضه فطلقت نفسها .. انقطع جزمًا (¬4)، وقال الفوراني: محل الخلاف: إذا لم يكن الزوج قد أذن لها في مدة مقدرة، فإن أذن لها كذلك، فمات قبلها: فإن قلنا: تقيم إلى انقضاءها فخرجت .. انقطع، وإلا .. فالقولان. 1371 - قول " التنبيه " [ص 68] و" الحاوي " [ص 232]: (والأكل) أي: لا يقطع الخروج له التتابع ولو أمكن في المسجد، واختار السبكي خلافه. 1372 - قول " التنبيه " [ص 68]: (والشرب) الأصح: الانقطاع إذا أمكن في المسجد. 1373 - قول " الحاوي " [ص 232]: (والحد) محله: ما إذا ثبت بالبينة، فإن ثبت بإقراره .. انقطع الاعتكاف. 1374 - قول " المنهاج " - والعبارة له - و" الحاوي ": (ويجب قضاء أوقات الخروج بالأعذار ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (3/ 276)، و" الروضة " (2/ 408). (¬2) الحاوي (ص 232). (¬3) المجموع (6/ 504). (¬4) انظر " الحاوي الكبير " (3/ 504).

إلا أوقات قضاء الحاجة) (¬1) يستثنى أيضًا: زمن الأكل والوضوء والغسل، صرحوا به كما نقله في " المهمات ". 1375 - قول " التنبيه " [ص 68]: (وإن نذر اعتكاف يومين متتابعين .. ففي الليلة التي بينهما وجهان، أصحهما: أنه لا يلزمه) حكى الرافعي عن الأكثرين لزومه (¬2)، وعليه مشى " الحاوي " فقال [ص 232]: (وعشرة .. تناول الليالي إن شرط التتابع)، لكن الرافعي في نقله عن الأكثرين ألحق نية التتابع بشرطه، ثم حكى عن صاحب " المهذب " وآخرين: عدم وجوبه، ثم قال: والوجه: التوسط، فإن أريد بالتتابع: توالي اليومين .. فالحق: ما ذكره، وإن أُريد: تواصل الاعتكاف .. فالحق: ما ذكره الأكثرون (¬3)، وما ذكره بحثًا صرح به الدرامي، كما نقله في " شرح المهذب " (¬4)، وما ذكره الرافعي هنا عن الأكثرين في نية التتابع يخالف ما سبق فيما لو نوى التتابع في اعتكاف شهر معين .. أنه لا يلزمه، كما تقدمت الإشارة إليه. وفي " الأم ": وإذا جعل لله عليه اعتكاف يومين .. دخل قبل الفجر، فيعتكف يومًا وليلة ويومًا إلا أن تكون له نية النهار دون الليل. انتهى (¬5). ومقتضاه: لزوم الليلة وإن لم يشرط التتابع ولا نواه، وهو أحد الأوجه، ولم يحك الرافعي ترجيحه عن أحد. 1376 - قوله: (ولا يعتكف العبد بغير إذن مولاه) (¬6) يستثنى منه: ما لو نذر اعتكافًا في زمن معين بإذن سيده ثم باعه .. فليس للمشتري منعه منه؛ لأنه صار مستحقًا قبل ملكه، وله الخيار في فسخ البيع إن جهل ذلك، حكاه في " شرح المهذب " عن المتولي، وأقره (¬7)، وقياسه: أن تكون الزوجة كذلك إلا في ثبوت الخيار، والله أعلم. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 232)، المنهاج (ص 189). (¬2) انظر " فتح العزيز " (3/ 267). (¬3) انظر " فتح العزيز " (3/ 267)، و" المهذب " (1/ 191). (¬4) المجموع (6/ 486). (¬5) الأم (2/ 107). (¬6) انظر " التنبيه " (ص 68). (¬7) المجموع (6/ 471).

كتاب الحج

كتابُ الحَجّ 1377 - قول " المنهاج " [ص 190]: (وشرط صحته: الإسلام) لو قال: (صحتهما) ليعود على العمرة أيضًا .. لكان أحسن، وقد يقال: الضمير عائد على ما تقدم، وهو تكلف، وعبارة " الحاوي " [ص 234]: (وشرطهما: الإسلام)، فهي أحسن من هذا الوجه، ومن جهة دلالتها على أن الإسلام شرط الصحة وشرط الوجوب؛ ولذلك استَغْنَى عن ذكره في شروط الوجوب. وهل المراد: الإسلام حكمًا أو اعتقادًا؟ حكى في "البحر" عن والده: أن صبيًا لو اعتقد الكفر، فلم يحكم بكفره لكونه تابعًا لأبويه في الإسلام، فحج أو اعتمر .. أن الأصح عنده: الصحة؛ لأن اعتقاده لم يجعله كافرًا، وحكمه حكم المسلم، وليس الحج مما يبطل بنية الإبطال حتى يجعل اعتقاده الكفر كنية إبطاله، قال الروياني: وعندي أنه لا يصح؛ لأن اعتقاده يضاد نية القربة (¬1). وقال بعضهم: يشترط لصحتهما أيضًا: العلم، فلو جرت أفعال النسك اتفاقًا من غير عالم بالنسك ولا بالإحرام .. لم يصح. انتهى. وما أدري كيف يجيء الاتفاق مع قصد الإحرام، ولا يحتاج في بقية الأركان إلى نية تخصه؟ فإن أريد بذلك: العلم بوجوبها .. فهذا غير شرط؛ إذ الكلام في الصحة خاصة. 1378 - قول " التنبيه " [ص 69]: (فإن كان مميزًا .. أحرم بإذن الولي، وإن كان غير مميز .. أحرم عنه أحد أبويه) فيه أمور: أحدها: أنه أطلق الولي في الإذن للمميز، وقيد في الإحرام عن غير المميز بأحد الأبوين، والذي في كلام الأصحاب: التسوية بينهما، فالذي يحرم عن غير المميز هو الآذن للمميز، والأصح: أنه ولي ماله؛ أبًا كان أو جدًا أو صبيًّا أو حاكمًا أو قَيِّمَهُ؛ ولذلك عبر " الحاوي " بـ (المتصرف في ماله) (¬2)، وأطلق " المنهاج " الولي (¬3)، وهو محمول على ما ذكرناه، وحينئذ .. فلا تُحْرِم عنه الأم إلا إن كانت وصية. ثانيها: أن كلامه يقتضي أن الولي لا يحرم عن المجنون؛ لأنه لم يذكر ذلك إلا في الصبي، وأطلق قبل ذلك في المجنون أنه لا يجب عليه، ولا يصح منه، وظاهره نفي الصحة عن المباشرة وغيرها؛ بدليل أنه ذكر بعده أنه يصح من الصبي، وفصل في مباشرته ذلك بين المميز وغيره، ¬

_ (¬1) بحر المذهب (5/ 237). (¬2) الحاوي (ص 234). (¬3) المنهاج (ص 190).

والأصح: أن الولي يُحرِم عن المجنون أيضًا، وقد صرح به " المنهاج " (¬1)، وهو داخل في قول " الحاوي " [ص 234]: (فيحرم عن غير المكلف). وخرج بتعبيرهم: العبد، وقد قال الإمام: ليس للسيد الإحرام عنه إن كان بالغًا (¬2)، وقال ابن الرفعة: القياس في الصغير أنه كتزويجه، وَرُدَّ بأن الوصي والقاضي يُحرِمان عن الصبي وإن لم يزوجاه؛ تمرينًا وتحصيلًا للثواب من غير لزوم مال، وفي " المهمات ": أن في " الأم " الجزم بالصحة مطلقًا، فقال: (وإذا أُذِنَ للملوك بالحج أو أَحَجَّهُ سيده .. كان حَجُّهُ تطوُّعًا)، هذا لفظه، وأَحَجَّهُ معناه: صيره حاجًا (¬3). ثالثها: أنه يقتضي أن الولي لا يُحرِم عن المميز، وكذا يقتضيه تقييد "المنهاج " الصبي بغير المميز، لكن الأصح: أن للولي الإحرام عن المميز أيضًا، وهو داخل في تعبير " الحاوي " بغير المكلف. رابعها: أنه يفهم أنه لا يصح إحرام غير الولي عنه، والأصح من زوائد " الروضة ": أنه لو أذن الولي لمن يُحْرِم عنه .. جاز (¬4)، وهذا وارد على " المنهاج " و" الحاوي " أيضًا. خامسها: مقتضى تعبيرهم بالإحرام عنه: أنه يقول: (أحرمت عنه)، وهو أحد وجهين، ثانيهما: أنه يقول: (أحرمت به)، قال الماوردي: والخلاف مبني على اشتراط كون الولي حلالًا (¬5). قلت: ومقتضى هذا: تصحيح ما اقتضته عبارتهم؛ لأن الأصح: أنه لا يشترط كون الولي حلالًا، وقد يفهم من قول " المنهاج " [ص 190]: (فللولي أن يُحْرِم عن الصبي الذي لا يميِّز والمجنون): أن الولي يستقل بمباشرة جميع الأفعال، وليس كذلك، بل يجب إحضاره المواقف كعرفة وغيرها، ويأمره بما يطيق فعله كالرمي ونحوه، فيناوله الأحجار ليرمي بها إن قدر، وإلا .. رمى عنه، ويطوفه إن قدر، وإلا .. طاف عنه؛ ولذلك قال " التنبيه " [ص 69]: (وفعل عنه وليه ما لا يتأتى منه)، و" الحاوي " [ص 234]: (ويحضره المواقف، ويأمره مقدُورَه) وقد يقال: فهم ذلك من اقتصار " المنهاج " على الإحرام؛ ولذلك كان أحسن من تعبير " المحرر " بقوله: (أن يحج) (¬6) لتناوله العمرة، ولكونه لا يشمل جميع الأركان. 1379 - قول " التنبيه " [ص 69]: (ونفقته في الحج وما يلزمه من الكفارة في ماله في أحد القولين، وفي مال الولي في الآخر) فيه أمور: ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 190). (¬2) انظر " نهاية المطلب " (4/ 365). (¬3) الأم (2/ 110). (¬4) الروضة (3/ 120). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (4/ 209). (¬6) المحرر (ص 120).

أحدها: أنه أطلق الخلاف، ومحله كما قال النووي في " شرح المهذب ": في الزائد على نفقة الحضر (¬1)، وكذا صوره الرافعي هنا، لكنه حكى في (قسم الصدقات) وجهين في أن الولي يضمن الكل أو الزائد، كما في القدر المعطى لابن السبيل أو الغازي (¬2)، وبتقدير صحة الأول .. فقد يقال: إن في قوله: (في الحج) إشعارًا به. ثانيها: ومحله أيضًا: إذا أحرم بإذن الولي، فإن أحرم بغير إذنه وجوزناه .. فالفدية في مال الصبي قطعًا. ثالثها: ومحله أيضًا: إذا لم يتسبب الولي في وجوب الكفارة، فإن تسبب: فإن لم يكن لمصلحة ترجع للصبي؛ كما إذا فوته الحج .. فعلى الولي قطعًا، وإن كان لمصلحة ترجع إليه؛ كتطييبه لمداواةٍ .. فطريقان، أصحهما: تخريجه على ما لو طيب الصبي نفسه، وفيه خلاف مبني على أن عمده عمد أو خطأ؛ فإن قلنا: عمد .. وجبت، وإلا .. فلا. رابعها: الأظهر: أنه في مال الولي؛ ولذلك قال " الحاوي " [ص 235]: (وزيادة النفقة ولازم الأحرام على الولي). خامسها: لا معنى للتقييد بالحج؛ فالعمرة كذلك، وهي داخلة في عموم عبارة " الحاوي ". سادسها: كان ينبغي أن يقول: (وما يلزم) كقول " الحاوي " [ص 235]: (ولازم الإحرام)، فكيف يجتمع قوله: (يلزمه) مع قوله: (إنه في مال الولي في أحد القولين)؟ وأجيب عنه: بأن الكفارة تلزم الحاج، وهو الصبي، وتجب في مال الولي، فمحل إيجابها: الحاج، فلا كفارة على غيره، ومحل وجوبها: مال الولي على قول مرجح. 1380 - قول " المنهاج " [ص 190]: (وإنما تصح مباشرته من المسلم المميِّز) يتناول الصبي، ولكن شرطه: إذن الولي، فإن لم يأذن له .. لم يصح، وقد ذكره " التنبيه " و" الحاوي " (¬3). 1381 - قول " المنهاج " [ص 190]: (وإنما يقع عن حجة الإسلام بالمباشرة إذا باشره المكلَّفُ الحرُّ) لو قال: (فرض الإسلام) كما في " الحاوي " (¬4) ليتناول العمرة .. لكان أولى، واعترض قوله: (بالمباشرة) بأنه لا فائدة له، وأن الأحسن: أن يقول: (إذا باشره المكلف الحر لنفسه أو نيابة عن مثله)، والمراد: التكليف في الجملة، لا التكليف بالحج خاصة. 1382 - قول " التنبيه " [ص 69]: (فإن بلغ الصبي وعتق العبد قبل الوقوف في الحج وقبل ¬

_ (¬1) المجموع (7/ 24). (¬2) انظر " فتح العزيز " (3/ 452)، (7/ 403). (¬3) التنبيه (ص 69)، الحاوي (ص 235). (¬4) الحاوي (ص 234).

الطواف في العمرة .. أجزأهما عن حجة الإسلام وعمرته) كذا إذا وجد ذلك في أثناء الوقوف أو بعده والوقت باق، فعاد إلى الموقف، قال في " الحاوي " [ص 235]: (ويعيد السعي) أي: إن سعى عقب طواف القدوم قبل الكمال، والمجنون إذا حج عنه الولي ثم أفاق .. كالصبي. 1383 - قول " المنهاج " [ص 190]: (وشرط وجوبه: الإسلام)، وقول " الحاوي " [ص 234]: (وشرطهما: الإسلام) لتناوله الوجوب كما تقدم، مثل قول " التنبيه " [ص 69]: (ولا يجب إلا على حر مسلم) لكنه قال بعد ذلك: (وأما المرتد: فإنه يجب عليه، ولا يصح منه) (¬1) فلو لم يَحْصُر أولًا .. لكان أولى، وفائدة وجوبه على المرتد: أنه لو استطاع في ردته ثم أسلم وهو معسر واستمر به الإعسار للموت، أو زال قبيل موته بحيث لم يتمكن معه من الحج .. فإنه يستقر في ذمته، ويُقضى عنه من تركته، بخلاف الأصلي إذا استطاع ثم أسلم معسرًا .. فإنه لا يستقر حتى يستطيع في الإسلام، ولعل مرادهم: الوجوب مع الصحة. وحذف النووي في " الروضة " تقييد الرافعي الكافر بكونه أصليًا، وهو معترض، قال في " المهمات ": واعلم أن شرط الوجوب: ملك المال، وفي ملك المرتد أقوال، فتتخرج هذه المسألة عليها، وبه صرح الروياني في " البحر " (¬2)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: الحرية التي يتوجه الإيجاب معها ويسقط الحج بها عن فرض الإسلام قطعًا هي الحرية المستقرة، فلو كانت حرية بصدد الزوال باحتمال؛ كالعتيق في المرض .. فهل يجب عليه عند الاستطاعة؟ يظهر تخريجه على تزويج القريب العتيقة في مرض الموت. 1384 - قول " المنهاج " [ص 190]: (وقيل: إن لم يكن له ببلده أهلٌ وعشيرةٌ .. لم نشترط نفقة الإياب) فيه أمران: أحدهما: كان ينبغي التعبير بـ (أو) فإن وجود أحدهما - إما الأهل وإما العشيرة وفقد الآخر - كاف في الجزم باشتراط نفقة الإياب، كما نقل النووي في " شرح المهذب " الاتفاق عليه، واقتضاه كلام الرافعي (¬3). ثانيهما: لو قال: (مؤنة الإياب) .. لكان أحسن؛ ليتناول الراحلة، وأصح احتمالي الإمام عنده وعند الغزالي: اختصاص الوجهين بما إذا لم يكن له ببلده مسكن، فإن كان .. فلا يجيء الوجه الثاني (¬4). ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 69). (¬2) بحر المذهب (5/ 293). (¬3) المجموع (7/ 44)، وانظر " فتح العزيز " (3/ 285). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (4/ 131)، و " الوجيز " (1/ 250).

واعلم: أن الذي يقتضيه كلامهم في (الوقف) و (الوصية) أن الأهل: من تلزمه نفقته من زوجة وقريب، والعشيرة: الأقارب من قبل الأب أو الأم، ومقتضاه: أنه لا يلتحق بهم الموالي من أعلى ولا من أسفل، قال في " المهمات ": وفيه نظر. 1385 - قول " المنهاج " - والعبارة له - و" الحاوي ": (وإن قصُرَ وهو يكسب في يومٍ كفايةَ أيابم .. كُلّفَ) (¬1) ليس فيه ضبط الأيام، ويتبادر إلى الفهم أن أقلها: ثلاثة، قاله شيخنا ابن النقيب (¬2)، واستنبط شيخنا الإسنوي من تعليل الرافعي بأنه ينقطع عن الكسب في أيام الحج: أنها ستة، وهي أيام الحج من أول الثامن إلى آخر الثالث عشر (¬3). 1386 - قول " التنبيه " في المستطيع بنفسه [ص 69]: (وأن يكون واجدًا لراحلة تصلح لمثله إن كان بينه وبين مكة مسافة تقصر فيها الصلاة) مفهومه أنه لا يشترط وجودها فيمن هو دون مسافة القصر، ومحله: فيمن هو قويٌّ على المشي، كما ذكره " المنهاج " و" الحاوي " (¬4)، فإن ضَعُف؛ بأن لحقه بالمشي ضرر ظاهر .. فهو كالبعيد، ويشترط أيضًا فيمن تلحقه بركوب الراحلة مشقة شديدة: وجود محمل وشريك يجلس في الشق الآخر، وقد ذكره " المنهاج " و" الحاوي" (¬5) أي: وإن قدر على مؤنة المحمل بتمامه، وعلله في " الوسيط " بأن بدل الزيادة خسران لا مقابل له (¬6)، قال في " المهمات ": ومقتضاه: أن المحتاج إليه من زاد وغيره يقوم مقام الشريك، وكلام كثير يقتضي تعيين الشريك، وليس توجيهه ببعيد، وفي " الروضة " وأصلها عن المحاملي وغيره إطلاق اعتبار المحمل للمرأة من غير تقييد بمشقة، وعن ابن الصباغ: أنه لو لحقه مشقة شديدة بركوب المحمل .. اعتبر في حقه الكنيسة؛ أي: بالنون، وهي الأخشاب الساترة فوق المحمل (¬7). 1387 - قول "التنبيه" [ص 69]: (وقضاء دين إن كان عليه)، قال النسائي: لعله أخرج ما يستقرضه ونحوه، وإلا .. فالدين حقيقة ما عليه (¬8)، وقال في " التوشيح ": إنه وهم؛ فذاك حقيقة دينية لا حقيقة مطلق الدين، كما أن قيامك حقيقة في الحال لا مطلق القيام. انتهى. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 237)، المنهاج (ص 190). (¬2) انظر " السراج على نكت المنهاج " (2/ 243). (¬3) انظر " فتح العزيز " (3/ 287). (¬4) الحاوي (ص 237)، المنهاج (ص 190). (¬5) الحاوي (ص 237)، المنهاج (ص 190). (¬6) الوسيط (2/ 583). (¬7) الروضة (3/ 4). (¬8) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه " (ق 63).

وقد يقال: احترز به عن المؤجل، لكن المنقول: أنه كالحال؛ ولذلك أطلق " المنهاج " الدين (¬1). 1388 - قول " المنهاج " [ص 191]: (ومؤنة من عليه نفقتهم) أحسن من تعبير " المحرر " و" الحاوي " بالنفقة (¬2)؛ لأن المؤنة تشمل الكسوة والسكنى والإخدام والإعفاف، وغير ذلك، لكن كان ينبغي التعبير به في الموضع الثاني أيضًا، فيقول: (من عليه مؤنتهم) لأن قريبه قد لا يعجز عن النفقة ويعجز عن غيرها من المؤن .. فتجب، ولم يذكر " التنبيه " ذلك، واستنبطه في " الكفاية " من اعتبار الدين؛ فإنه مقدم عليه، وليس في كلامهم منعه من الحج حتى يترك لهم نفقة الذهاب والإياب، وقد صرح به الدارمي في " الاستذكار ". 1389 - قولهم - والعبارة لـ" المنهاج " -: (والأصح: اشتراط كونه فاضلًا عن مسكنه وعبدٍ يحتاج إليه لخدمته) (¬3) يستثنى منه: لو كان المسكن والعبد نفيسين لا يليقان بمثله، ولو أبدلهما لَوَفَّى التفاوت بمؤنة الحج .. فإنه يلزمه، قال الرافعي: كذا أطلقوه هنا، لكن في لزوم بيعهما في الكفارة إذا كانا مألوفين .. وجهان، ولا بد من عودهما هنا (¬4)، وقال في " الشرح الصغير ": وقد يفرق بأن الحج لا بدل له وللعتق في الكفارة بدلًا، وكذا فرّق النووي (¬5). قال في " المهمات ": وينتقض بالمرتبة الأخيرة من الكفارة؛ فإنه لا بدل لها، وأيضًا فالفطرة لا بدل لها مع أنها كالحج، كما نقله هو عن الإمام (¬6)، قال في " المهمات ": والجارية النفيسة المألوفة كالعبد إن كانت للخدمة، فإن كانت للاستمتاع .. لم يكلف بيعها، قال: وهذا التفصيل لم أره، ولا بد منه، قال: وكلامهم يشمل المرأة المكفية بإسكان الزوج وإخدامه، وهو متجه؛ لأن الزوجية قد تنقطع فيحتاج إليهما، وكذا المسكن للمتفقهة الساكنين بيوت المدارس، والصوفية بالربط ونحوها. واعترض على تعبير " التنبيه " بقوله [ص 69]: (وأن يكون ذلك فاضلًا عما يحتاج إليه من مسكن، وخادم إن احتاج إليه) في تكرير الاحتياج. وأجيب عنه: بأن المذكور أولًا بيان لما يشترط أن يكون فاضلًا عنه، وقوله: (من مسكن) على إطلاقه؛ لأن كل أحد يحتاج إلى المسكن، وقوله: (وخادم) لا يصلح بيانًا، فرب من لا يحتاج إلى الخادم، فقيده، فإذًا كلامه إطلاقًا ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 191). (¬2) المحرر (ص 120)، الحاوي (ص 237). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 69)، و " الحاوي " (ص 237)، و" المنهاج " (ص 191). (¬4) انظر " فتح العزيز " (3/ 286). (¬5) انظر " الروضة " (3/ 6). (¬6) انظر " نهاية المطلب " (4/ 131).

وتقييدًا في غاية الحسن؛ لإفادته عموم الحاجة إلى المسكن دون الخادم. 1390 - قول " الحاوي " [ص 237]: (ومؤن النكاح إن خاف العنت) أي: يشترط أيضًا للوجوب: أن يفضل عن ذلك. الصحيح في " الروضة ": وجوب الحج على خائف العنت، لكن له التأخير، والنكاح أولى (¬1)، ولذلك لم يذكره " التنبيه " و" المنهاج ". وبقي عليهم: أنه يشترط أن يكون فاضلًا عن كتب الفقيه المحتاج إليها، إلا أن يكون له من كل كتاب نسختان، وقد ذكره في " شرح المهذب " (¬2)، وذكر ابن الأستاذ في " شرح الوسيط " أن خيل الجندي وسلاحه ككتب الفقيه. 1913 - قولهم: (يشترط: أمن الطريق) (¬3) قال الإمام: لا يشترط القطع بمعرفة الأمن، ولا الأمن الذي في الحضر، بل أمن كل موضع بحسبه (¬4). ثم أعلم أن المراد: الأمن العام، حتى لو كان الخوف في حقه وحده .. قضى من تركته، نص عليه الشافعي فيما حكاه عنه شيخنا الإمام البلقيني (¬5)، وفي " شرح التنبيه " للمحب الطبري عن الإمام: أن عدم الوجوب عند طلب رصدي (¬6) مالًا محله: إذا كان الباذل له هو الحاج، فإن بذله الإمام أو نائبه .. وجب الحج (¬7). قال في " المهمات ": والقياس: عدم الوجوب عند بذل الأجنبي له؛ للمنة، زاد " التنبيه " [ص 69]: (من غير خفارة) (¬8) وبه قال سائر العراقيين، وحكاه في " الكفاية " عن النص، وقال في " المهمات ": إن به الفتوى، لكن حكى الرافعي والنووي تصحيح الوجوب عند الاحتياج عن الإمام (¬9)، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي "، وعبرا عنها بالبدرقة (¬10)، فهي بالدال المهملة ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 7). (¬2) المجموع (7/ 46). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 69)، و" الحاوي " (ص 237)، و" المنهاج " (ص 191). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (4/ 150). (¬5) انظر " الأم " (2/ 121). (¬6) الراصد للشيء: الراقب له، والرصد: القوم يرصدون كالحرس يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث. انظر " مختار الصحاح " (ص 103). (¬7) انظر" نهاية المطلب " (4/ 149). (¬8) الخفارة: بضم الخاء وكسرها وفتحها ثلاث لغات حكاهن صاحب " المحكم "، وهي المال المأخوذ في الطريق للحفظ. انظر" تحرير ألفاظ التنبيه " (ص 136). (¬9) انظر " نهاية المطلب " (4/ 150)، و" فتح العزيز " (3/ 292)، و " المجموع " (7/ 50). (¬10) الحاوي (ص 237)، المنهاج (ص 191)، والبذرقة: بباء مفتوحة وذال ساكنة، وقال ابن الصلاح: بالدال المهملة=

والمُعْجمة، وتعبير " المنهاج " يقتضي أن الخلاف فيها قولان، والذي في بقية كتبه وكتب الرافعي أنه وجهان (¬1). قال السبكي: وينبغي أن يتقيد بأجرة المثل حتى لو طلب أكثر منها .. لم يجب، كما في نظائره. 1392 - قول " المنهاج " - والعبارة له - و" الحاوي ": (والأظهر: وجوب ركوب البحر إن غلبت السلامة) (¬2) أورد عليه: أنه إذا غلب الهلاك، أو استوى الأمران .. حرم ركوبه، وليس في اللفظ تنبيه عليه. وجوابه: أن مقصود الباب بيان حال الوجوب، فإذا انتفى .. جاء التحريم من إلقاء النفس إلى الهلكة من غير مصلحة الإيجاب، وذلك ليس من جملة أحكام الحج. واعلم: أن في زوائد " الروضة " في (الحجر): أنه لا تجوز المسافرة بمال الطفل في البحر وإن أوجبنا ركوبه في الحج (¬3)، قال في " المهمات ": وقياسه تحريم إركاب الطفل وركوب الحامل حتى تضع وتسقي الولد اللبأ (¬4) وتفطمه إن تعينت للإرضاع، وإركاب البهائم والزوجة والأرِقاء البالغين بغير رضاهم، إلا إن كان لنقلهم من دار الشرك .. فيجوز بلا شك. 1393 - قول " المنهاج " [ص 191]: (وعلف الدابة في كل مرحلةٍ) (¬5) ظاهره: اشتراط ذلك ولو قدر على حمله مراحل، وقال في " شرح المهذب ": ينبغي اعتبار العادة فيه كالماء (¬6)، وتبعه السبكي، وحكاه في " المهمات " عن سليم الرازي، وقال شيخنا ابن النقيب: إن اشتراط العلف في كل مرحلةٍ مشكل، ويسهل إن أريد به: المرعى، أما إذا أريد به: الشعير .. فيبعد؛ فإن العادة حمله (¬7). 1394 - قول " التنبيه " [ص 70]: (وإن كانت امرأة؛ بأن يكون معها من تأمن به على نفسها) لم يفَصِّل ذلك، وقد تتناول عبارته: ما إذا كان معها امرأة واحدة، وذلك لا يكفي في وجوب الحج، لكن لها الخروج معها لحجة الإسلام، كما حكاه في " شرح المهذب " عن الماوردي والمحاملي ¬

_ = والمعجمة، وهي الخفارة، وهي الجماعة تتقدم القافلة للحراسة. انظر " تهذيب الأسماء واللغات " (3/ 22)، و" المصباح المنير " (1/ 40). (¬1) انظر " فتح العزيز " (3/ 292)، و" الروضة " (3/ 11)، و " المجموع " (7/ 50). (¬2) الحاوي (ص 237)، المنهاج (ص 191). (¬3) الروضة (4/ 191). (¬4) اللبأ مهموز مقصور: هو اللبن أول النتاج. انظر " تحرير ألفاظ التنبيه " (ص 299). (¬5) المرحلة بفتح الميم: مسيرة نهار بسير الإبل المحملة، وقدرها أربعة وعشرون ميلًا هاشميًا أو ثمانية فراسخ أو 43352 مترًا. انظر " معجم لغة الفقهاء " (ص 421). (¬6) المجموع (7/ 43). (¬7) انظر " السراج على نكت المنهاج " (2/ 247).

وغيرهما (¬1)، واعتبر " المنهاج " و" الحاوي ": أن يخرج معها زوج، أو مَحْرَم، أو نسوة ثقات (¬2)، وفيه أمور: أحدها: أنه يرد عليه العبد؛ فإنه يكفي في الوجوب خروجه معها، كما صرح به المرعشي في " ترتيب الأقسام " وابن أبي الصيف في " نكته " مع كونه ليس مَحْرَمًا لها؛ بدليل انتقاض الوضوء بمسه، لكنه كالمَحْرَم في النظر إليها والخلوة بها. الثاني: أن مقتضاه: خروج ثلاث نسوة سواها، قال في " المهمات ": وهو بعيد لا معنى له، بل المتجه: الاكتفاء باجتماع أقل الجمع، وهو ثلاثة؛ وأيّ معنى لاشتراط الأربعة بخصوصها، وأيّ دليل. الثالث: أن اعتبار الثقة يخرج الصبية، قال في " المهمات ": وهو الظاهر؛ لخطر السفر. الرابع: لم يشترطوا في المَحْرَم كونه ثقة، قال في " المهمات ": وفيه نظر؛ سببه: أن الوازع الطبعي أقوى من الوازع الشرعي. قلت: لكن ينبغي ألَّا يكتفى بالصبي؛ لأنه لا يحصل معه الأمن على نفسها، إلا أن يكون مراهقًا ذو وجاهة بحيث يحصل معه الأمن؛ لاحترامه. الخامس: اختار السبكي: أن السفر إذا كان أقل من بريد (¬3) كحج المكيَّة .. لا يشترط فيه ذلك؛ لمفهوم أقل الروايات المقيدة. 1395 - قول " المنهاج " [ص 191]: (والأصح: أنه لا يُشْتَرط وجود مَحْرَم لإحداهنُّ) لا يتقيد ذلك بالمَحْرَم؛ فالزوج على ذلك الوجه كهو. 1396 - قوله: (وأنه يلزمها أجرة المَحْرَم إذا لم يخرج إلا بها) (¬4) كذلك الزوج؛ ولهذا أخر " الحاوي " ذكر الأجرة عنهما، ويظهر أن النسوة كذلك، وحينئذ .. فلو أخر " الحاوي " قوله [ص 237]: (أو بأجرة) عن (النسوة الثقات) .. لكان أولى؛ ليرجع للثلاثة، وفائدة ذلك هنا وفيما تقدم في الخفارة: التعصية بعد الموت، ووجوب القضاء عنه من تركته، لا في تعجيل الإعطاء في الحياة؛ فإن الحج على التراخي، إلا إن خَشِيَ العضْب (¬5)، أو نذر الحج في سنة معينة. 1397 - قول " التنبيه " [ص 69، 70]: (وأن يكون عليه من الوقت ما يتمكن فيه من السير ¬

_ (¬1) المجموع (7/ 56)، وانظر " الحاوي الكبير " (4/ 363). (¬2) الحاوي (ص 237)، المنهاج (ص 191). (¬3) البريد = 4 فراسخ = 12 ميلًا = 4800 ذراعًا - 22176 مترًا. انظر " معجم لغة الفقهاء " (ص 451). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 191). (¬5) العضب: هو القطع كأنه قطع عن كمال الحركة، والمعضوب: الضعيف. انظر " لسان العرب " (1/ 609).

لأدائه) أي: على العادة، حتى لو احتاج بعد اليسار إلى أن يقطع في كل يوم أكثر من مرحلة .. لم يجب الحج، كذا قاله الأئمة، وأورده الرافعي كالمستدرك على الغزالي في إهماله (¬1)، وكذا أهمله " المنهاج " و" الحاوي "، واعترضه ابن الصلاح وقال: ذلك شرط استقراره لا وجوبه؛ فإنه وجب بمجرد الاستطاعة، كما تجب الصلاة باول الوقت، وتستقر بالإمكان (¬2)، وقال النووي: الصواب: ما قاله الرافعي، وقد نص عليه الأصحاب (¬3)، وقال السبكي: إن نص " الأم " في مواضع يشهد له (¬4)، ومال شيخنا الإمام البلقيني إلى ما ذكره ابن الصلاح، وقال: لا يبعد القول بأنه يُقضى من تركته؛ لأنه مستطيع بماله، ومنه ما إذا وجبت الصلاة بإدراك تكبيرة آخر الوقت، غير أن الصلاة لا تُفعل عنه والحج يُفعل عنه، ثم قال: ولا يخلو ذلك من نزاع. 1398 - قول " المنهاج " [ص 191]: (فمن مات وفي ذمته حجٌّ .. وجب الإحجاج من تركته) أحسن من قول " التنبيه " [ص 70]: (ومن وجب عليه ذلك، وتمكن من فعله، ولم يفعله حتى مات .. وجب قضاؤه من تركته) لتناول الإحجاج ما استؤجر عليه إجارة ذمته، بخلاف القضاء؛ فإنه لا يتناوله، وتعبير " التنبيه " أحسن منه من وجهين آخرين: أحدهما: أنه صرح مع الوجوب بالتمكن من فعله؛ ليخرج ما إذا لم يمض بعد الاستطاعة زمن إمكان الفراغ؛ بأن مات، أو جن قبل مضي ما يسع مجموع الأعمال؛ كالمضي إلى منى، والرمي، والحلق، وإلى مكة للطواف، أو تلَفَ مالُهُ قبل إمكان رجوع الناس، وقد ذكره " الحاوي " بقوله [ص 238]: (لا إن هلك ماله قبل إيابهم). ثانيهما: أن عبارته تناولت العمرة أيضًا؛ لكونه ذكرها أولًا، ثم أشار إليها وإلى الحج بقوله: (ذلك)، ولم يتناولها تعبير " المنهاج ". ويستثنى من عبارتهما وعبارة "الحاوي ": المرتد إذا وجب عليه الحج قبل الردة؛ فإنه لا يخرج من تركته كما ذكره ابن الرفعة، وفيه احتمالان للروياني (¬5)، وقد يقال: خرج ذلك بقولهم: (من تركته) لأنه إذا مات على الردة .. لا تركة له على الأظهر؛ لأنه تبين زوال ملكه بالردة. 1399 - قول " التنبيه " [ص 70]: (والمستطيع بغيره: أن يكون ممن لا يقدر على الثبوت على الراحلة لزمانة أو كبر، وله مال فيدفع إلى من يحج عنه، أو له من يطيعه .. فيلزمه فرض الحج) فيه أمور: ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (3/ 294). (¬2) انظر " مشكل الوسيط " (2/ 587). (¬3) انظر " المجموع " (7/ 58). (¬4) انظر " الأم " (2/ 120). (¬5) انظر " بحر المذهب " (5/ 293).

أحدها: أن تقييده عدم القدرة بالزمانة أو الكبر، قد يخرج نِضوَ الخَلْقِ، والمريض المَأْيُوس منه (¬1)، فلو أطلق العجز - كما في " المنهاج " (¬2) - .. لكان أحسن، وذكر " الحاوي " مع الزّمِنِ والكبير: المريض المأيوس منه (¬3). ثانيها: أن قوله: (وله مال) يصدق بالقليل والكثير، والمراد به: قدر أجرة المثل لمن يحج عنه، وقد ذكره " المنهاج "، قال [ص 192]: (ويشترط كونها فاضلة عن الحاجات المذكورة فيمن حج بنفسه، لكن لا تشترط نفقة العيال ذهابًا وإيابًا)، ولو عبر بالمؤنة .. لكان أشمل، ومع ذلك فهو واضح وأحسن من قول " الحاوي " [ص 236]: (بأجرة أجير)، ولا يشترط أيضًا كونها فاضلة عن نفقة نفسه، صرح به البندنيجي. ثالثها: أن قوله: (من يطيعه) أي: بالحج عنه، فلو أطاعه ببذل المال لمن يحج عنه .. لم يلزمه قبوله على الأصح، سواء أكان ولده أو أجنبيًا، وقد ذكره " الحاوي " و" المنهاج " (¬4)، لكن في تعبيره فيهما بالأصح نظر؛ لكونه عبر في " الروضة " في الأجنبي بالصحيح (¬5)، فالأجنبي مُرَتّب على الابن، وأولى بأن لا يجب، والأب كالابن أو كالأجنبي؟ فيه احتمالان للإمام، ورجح الرافعي منهما الأول (¬6). ولو كان الولد الباذل للطاعة عاجزًا أيضًا عن الحج، وقدر على أن يستأجر له من يحج عنه، وبذل له ذلك .. وجب الحج على المبذول له وجها واحدًا، كما حكاه في " الكفاية " عن البندنيجي وجماعة، وفي " شرح المهذب " عن المتولي: أنه لو استأجر المطيع إنسانًا ليحج عن المطاع المعضوب: فإن كان المطيع ولدًا .. فالمذهب: أنه يلزم المطاعَ الحجُّ؛ لتمكنه، وإن كان أجنبيًا وقلنا: يجب الحج بطاعة الأجنبي .. فوجهان، أحدهما: يلزمه؛ لأنه وجد من يطيعه، والثاني: لا؛ لأن هذا في الحقيقة بذل مال (¬7). رابعها: يستثنى من وجوب قبول الطاعة: ما إذا كان الباذل لذلك ولدًا ماشيًا؛ فإنه لا يجب قبوله في الأصح، وهو وارد على " المنهاج " أيضًا، وقد ذكره " الحاوي "، لكنه عبر بقوله [ص 236]: (ابن ماش)، وذلك لا يتناول البنت، فكان التعبير بالولد أولى، بل لو عبر بـ (البعض) ¬

_ (¬1) في (ب): (والمأيوس منه). (¬2) المنهاج (ص 191). (¬3) الحاوي (ص 239). (¬4) الحاوي (ص 236)، المنهاج (ص 192). (¬5) الروضة (3/ 16). (¬6) انظر " نهاية المطلب " (4/ 137)، و" فتح العزيز " (3/ 307). (¬7) المجموع (7/ 67).

كما قال في " التعليقة " .. لكان أولى؛ لأن الوالد في معنى الولد، وأصول الأب في معناه، وفروع الولد في معناه. خامسها: ويستثنى أيضًا: ما إذا كان ولدًا معوّلًا على الكسب أو السؤال، كذا استثناه في " الحاوي " (¬1)، وهو ظاهر من حيث المعنى، لكن الرافعي والنووي إنما ذكراه في انضمام الكسب أو السؤال إلى المشي (¬2). سادسها: ينبغي أن يستثنى أيضًا: ما إذا كان الباذل أجنبيًا ماشيًا، لكنه امرأة محجوره المعضوب؛ فقد ذكر صاحب " التقريب " أن المرأة القادرة على المشي لو أرادت أن تحج ماشية .. كان لوليها منعها من ذلك، وقياسه: ما ذكرناه من أنه لا يجب القبول على من له المنع، ذكره في " المهمات ". سابعها: محل استنابة المعضوب: ما إذا كان بينه وبين مكة مسافة القصر فأكثر؛ ففي أقل من مسافة القصر ليس له الاستنابة، بل يحج بنفسه؛ لقلة المشقة، حكاه في " شرح المهذب " عن المتولي، وأقره (¬3)، وهذان إن صحا واردان على " المنهاج " و" الحاوي " أيضًا. ثامنها: قول " التنبيه " [ص 70]: (وله من يطيعه)، وقول " الحاوي " [ص 236]: (أو متطوع) أحسن من قول "المنهاج " [ص 192]: (ولو بذل الولد الطاعة .. وجب قبوله) من وجهين: اْحدهما: أن الأصح: وجوب التماس الحج عنه إذا توسم فيه أثر الطاعة، وذلك لا يفهم من عبارة " المنهاج "، وهو داخل في عبارتهما. ثانيهما: أن عبارته لا تتناول الأب، وهو داخل في عبارتهما. 1400 - قول " التنبيه " [ص 70]: (والمستحب لمن وجب عليه ذلك وتمكن من فعله: ألَّا يؤخر ذلك، فإن أخره وفعله قبل أن يموت .. لم يأثم) محل جواز التأخير: ما إذا لم يخش العَضْبَ أو تلف المال، فإن خشي ذلك .. تضيق في الأصح، فإن مات من وجب عليه فأخَّرَ .. مات عاصيًا في الأصح من آخر سنةٍ في الأصح. واعلم: أنه يستثنى من قولهم: (إن الحج على التراخي): ما إذا اجتمع القضاء وحجة الإسلام؛ بأن أفسد الصبي أو العبد حجه، ثم كمل واستطاع .. فتجب المبادرة لحجة الإسلام تفريعًا على الأصح: أن القضاء على الفور، والفرض الأصلي مقدم عليه. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 236). (¬2) انظر " فتح العزيز " (3/ 307)، " المجموع " (7/ 65). (¬3) المجموع (7/ 66).

باب المواقيت

بابُ المواقيت 1401 - قولهما: (وقت إحرام الحج: شوال وذو القعدة وعشر ليالٍ من ذي الحجة) (¬1) أي: وما تخللها من الأيام التسعة، وقد أفصح عن ذلك " الحاوي " بقوله [ص 239]: (ووقته للحج: من شوال إلى صبح النحر) وعبارة الشافعي: وتسع من ذي الحجة (¬2). واعترضه ابن داوود: بأنه إن أراد: الأيام .. فليقل: وتسعة، أو الليالي .. فهي عشر. وأجاب الأصحاب: بأن المراد: الأيام والليالي جميعًا، وغُلِّب التأنيث في العدد، قاله الرافعي (¬3)، وليس فيه جواب عن السؤال، وهو إخراج الليلة العاشرة، والأحسن: الجواب بإرادة الأيام، ولا يحتاج لذكر التاء؛ لأن ذاك مع ذكر المعدود، فمع حذفه .. يجوز الأمران، ذكره في " المهمات "، والسؤال معه باق في إخراج الليلة العاشرة، والله أعلم. 1402 - قولهم: (فلو أحرم به في غير وقته .. انعقد عمرة) (¬4) محله: ما إذا كان حلالًا، فإن أحرم بعمرة، ثم بحج في غير أشهره .. لم ينعقد عمرة؛ لأن العمرة لا تدخل في العمرة، ذكره القاضي أبو الطيب، وهو واضح. 1403 - قول " المنهاج " [ص 193]: (على الصحيح) يقتضي أن الخلاف وجهان، وعبارة " الروضة " تقتضي أنه قولان، وأن مقابل المرجح قوي؛ لقطع بعضهم به، ومقتضى ذلك التعبير بالأظهر، وعبر في " الروضة " بالمذهب؛ للطرق في المسألة (¬5). 1404 - قولهما: (وجميع السنة وقت لإحرام العمرة) (¬6) يستثنى منه: الحاج إذا تحلل التحللين، وعكف بمنى للرمي؛ فإن عمرته لا تنعقد، وقد ذكره " الحاوي " بقوله [ص 239]: (لا للحاج بمنى)، وأجاب عنه النشائي وغيره: بأن الكلام في قابلية الزمان، والمنع فيما ذكر للتلبس بعبادة أخرى، هالا .. لورد على قولهما: (وقت إحرام الحج: شوال وذو القعدة وعشر ليالٍ من ذي الحجة): المعتمر بعد الطواف (¬7). 1405 - قول " التنبيه " فيمن أهله في الحرم [ص 71]: (ميقاته موضعه) محله: في الحاج ولو ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 70)، و " المنهاج " (ص 193). (¬2) انظر " مختصر المزني " (ص 63). (¬3) انظر " فتح العزيز " (3/ 327). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 70)، و" الحاوي " (ص 239)، و " المنهاج " (ص 193). (¬5) الروضة (3/ 59). (¬6) انظر "التنبيه " (ص 70)، و " المنهاج " (ص 193). (¬7) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه " (ق 64).

كان قارنًا أو متمتعًا؛ فالمحرم بعمرة ميقاته: الحل، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 239]: (ومكانه: مكة للمقيم بها وإن قرن، وللمتمتع، وبالعمرة: الحل)، وعليه يدل تقييد " المنهاج " ذلك بالحج (¬1)، وعليه يدل قول " التنبيه " في الإحرام بالعمرة [ص 79]: (إنه يخرج إلى أدنى الحل). 1406 - قوله: (وميقات أهل اليمن: يلملم) (¬2) المراد: تهامة اليمن دون نجده. 1407 - قوله: (وميقات أهل نجد: قرن) (¬3) المراد: نجد الحجاز ونجد اليمن، فإطلاق اليمن محمول على خاص بخلاف نجد، وقد أفصح عن ذلك " المنهاج " (¬4). 1408 - قوله: (فميقات المتوجه من المدينة) (¬5) أي: سواء أكان من أهلها أم من غيرهم، وقد أفصح عن ذلك " التنبيه " بقوله [ص 71]: (وهذه المواقيت لأهلها، ولكل من مر بها من غير أهلها) و" الحاوي " بقوله [ص 241]: (لأهلها والمار بها)، وفي " الكفاية " عن الفوراني: أنه يستثنى النائب، فإنه يُحْرِم من ميقات بلد المنوب عنه، فإن مر بغير ذلك الميقات .. أحرم من موضع بإزائه إذا كان أبعد من ذلك الميقات من مكة. 1409 - قول " المنهاج " [ص 193] و" الحاوي " [ص 241]: (والأفضل: أن يحرم من أول الميقات) استثنى منه السبكي: ذا الحليفة، وقال: ينبغي أن يكون الإحرام فيها من عند المسجد الذي أحرم من عنده النبي صلى الله عليه وسلم قطعًا، وقال في " المهمات ": قياس الإحرام من أول الميقات أن المكي يحرم من طرف مكة الأبعد عن مقصده، وهو عرفات، لا من باب داره، كما في " الحاوي " (¬6)، وأيضًا ففي زيادة " الروضة ": أنه إن كان في الميقات مسجد .. استحب فعل ركعتي الإحرام فيه (¬7)، ومقتضاه: استحباب فعلهما للمكي في المسجد الحرام، فكيف يجتمع مع تصحيحهم: أنه يحرم من باب داره، ثم يأتي المسجد؟ لأن الركعتين قبل الإحرام، وإطلاق " الحاوي " قوله [ص 241]: (ولكلٍ داره أولى) تبع فيه الرافعي؛ فإنه صححه (¬8)، لكن صحح النووي: أن الميقات أفضل لغير المكي (¬9). 1410 - قول " المنهاج " [ص 193]: (فيمن سلك طريقًا لا ينتهي إلى ميقات وحاذى ميقاتين .. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 193). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 71). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 71). (¬4) المنهاج (ص 193). (¬5) انظر " المنهاج " (ص 193). (¬6) الحاوي (ص 241). (¬7) الروضة (3/ 72). (¬8) انظر " فتح العزيز " (3/ 331). (¬9) انظر " المجموع " (7/ 177).

فالأصح: أنه يحرم من محاذاة أبعدهما) أي: من مكة، محله: فيما إذا استوت مسافاتهما إليه، فلو كان الأبعد من مكة بعيدًا منه؛ بأن يكون بينه وبين مكة ثلاثة أميال وبينه وبين ذلك الشخص ميلان، والآخر بينه وبين مكة ميلان، لكن بينه وبين ذلك الشخص ميل واحد .. فالأصح: أنه يحرم من الأقرب إليه وإن كان أقرب إلى مكة، وعبارة " الروضة ": ولو حاذى ميقاتين طريقه بينهما؛ فإن تساويا في المسافة إلى مكة .. فميقاته ما يحاذيهما، وإن تفاوتا فيها وتساويا في المسافة إلى طريقه .. فوجهان، أصحهما: يتعين محاذاة أبعدهما، ثم قال: ولو تفاوت الميقاتان في المسافة إلى مكة وإلى طريقه .. فالاعتبار بالقرب إليه أم إلى مكة؛ وجهان، أصحهما: الأول. انتهى (¬1). فجعل محل ترجيح الإحرام من الأبعد من مكة: ما إذا تساويا في المسافة إلى طريقه، ورجح فيما إذا لم يتساويا في القرب إليه: اعتبار القرب إليه، وذلك يرد أيضًا على قول " الحاوي " [ص 240]: (وحيث حاذى واحدًا أولًا) ولا يرد على قول " التنبيه " [ص 71]: (إذا حاذى أقرب المواقيت إليه) والمراد بالمحاذاة هنا: المسامتة عن اليمين أو الشمال دون الظهر أو الوجه. 1411 - قول "المنهاج " [ص 193]: (وإن بلغه مريدًا .. لم تجز مجاوزته بغير إحرام) فيه أمران: أحدهما: أن المراد: مجاوزته إلى جهة الحرم، أما إذا جاوزه يمينًا أو شمالًا، وأحرم من مثل ميقات بلده أو أبعد .. جاز، قاله الماوردي، ومثّله بالعراقي بترك ذات عرق، ويعرج إلى ذي الحليفة، ولو عكسه المدني .. لم يجز، وعليه دم (¬2). قال المحب الطبري: وقياسه في المكي: أن يجاوز مكة إلى غير جهة عرفة، ثم يحرم محاذيًا لمكة، قال: ولم أره مصرحًا به. ثانيهما: أنه يوهم التحريم وإن عاد قبل التلبس بنسك، لكن قال في " البيان ": ظاهر الوجهين: أنا حيث أسقطنا الدم بالعود .. لا تكون المجاوزة حرامًا، حكاه عنه في " شرح المهذب " (¬3)، وحكى في " الكفاية " عن الروياني الجزم به (¬4)، ونقله في " المهمات " عن المحاملي، قال شيخنا ابن النقيب: فيلزم منه أن مجرد المجاوزة لا يحرم، إلا أن يُحمل على سقوط الإثم بعد أن كان (¬5)، وقال المحاملي: شرط انتفاء التحريم: أن تكون المجاوزة بنية العود، قال في " المهمات ": والذي قاله لا بد منه. ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 140، 141). (¬2) انظر " الحاوي الكبير " (4/ 71). (¬3) البيان (4/ 114)، المجموع (7/ 182). (¬4) انظر " بحر المذهب " (5/ 81). (¬5) انظر " السراج على نكت المنهاج " (2/ 259).

1412 - قول " المنهاج " [ص 193]: (فإن فعل .. لزمه العود ليحرم منه)، قال شيخنا ابن النقيب: الذي يظهر أنه لا يتعين ذلك، بل له أن يحرم في موضعه، ثم يعود محرمًا؛ تفريعًا على أن ذلك يسقط الدم، كما هو الصحيح (¬1)، وذكره في " المهمات " جازمًا به، وقال: إنه لا شك فيه، قال: وصرح به غيره، قال: ويدل عليه تعليله بأن المقصود: قطع المسافة محرمًا، قال في " المهمات ": ولو عاد إلى مثل مسافته من ميقات آخر .. جاز، صرح به الإمام (¬2). 1413 - قوله: (إلا إذا ضاق الوقت، أو كان الطريق مخوفًا) (¬3) كذا لو خاف الانقطاع عن الرفقة، قاله الرافعي، وجعله قسمًا ثالثًا (¬4)، ومقتضاه: أنه عذر مع الأمن، وسببه مشقة الاستيحاش، كما سبق نظيره في التيمم، وكذا لو كان به مرض شاق، قاله في " شرح المهذب " (¬5)، وكذا لو كان ماشيًا وهو على مسافة القصر، كما بحثه في " المهمات " فقال: إنه المتجه، كما في الحج ماشيًا. 1414 - قوله: (فإن لم يعد .. لزمه دمٌ) (¬6) أي: في غير ما تقدم استثناؤه، ولا يفهم الاستثناء المذكور من قول " التنبيه " [ص 71]: (ومن جاوز الميقات مريدًا للنسك، ثم أحرم دونه .. فعليه دم)، ولا من قول " الحاوي " في موجبات الدم [ص 257]: (وترك الأحرام من الميقات بلا عود قبل نسك) ثم شرط وجوب الدم إذا لم يعد: أن يحرم؛ إما بالعمرة مطلقًا، وإما بالحج في تلك السنة، فإن لم يحرم أصلًا، أو أحرم بالحج بعد انقضاء تلك السنة .. فلا دم، حكاه في " المهمات " فيما إذا لم يحرم عن الماوردي وغيره، وإنهم عللوه: بأن الدم إنما يجب لنقصان النسك، ولا يجب بدلًا من النسك (¬7)، قال: ويؤيده أنا إذا قلنا بوجوب الإحرام على داخل مكة فتركه .. فلا شيء عليه، كما نقله الرافعي عن ابن كج، وأقره (¬8)، وحكاه في " شرح المهذب " فيما إذا حج في السنة الآتية عن الدارمي (¬9)، وحكاه في "الكفاية" عن القاضي حسين والبغوي (¬10)، ¬

_ (¬1) انظر" السراج على نكت المنهاج " (2/ 257). (¬2) انظر " نهاية المطلب " (4/ 210). (¬3) انظر " المنهاج " (ص 193، 194) (¬4) انظر " فتح العزيز " (3/ 336). (¬5) المجموع (7/ 182). (¬6) انظر " المنهاج " (ص 194). (¬7) انظر " الحاوي الكبير " (4/ 74). (¬8) انظر " فتح العزيز " (3/ 348، 349). (¬9) المجموع (7/ 151). (¬10) انظر " التهذيب " (3/ 253).

قال في " المهمات ": وفي كلام الرافعي في حج الصبي ما يدل له. انتهى (¬1). وفي " البيان ": سمعت الشريف العثماني من أصحابنا يقول: المدني إذا جاوز ذا الحليفة غير مُحْرِم وهو مريد للنسك، فبلغ مكة من غير إحرام، ثم خرج منها إلى ميقات بلد آخر، مثل ذات عرق أو يلملم، وأحرم منه .. لا دم عليه؛ لأنه لا حكم لإرادته النسك لمَّا بلغ مكة غير محرم، فصار كمن دخل مكة غير محرم .. لا دم عليه (¬2). قال في " شرح المهذب ": وما ذكره محتمل، وفيه نظر (¬3)، قال السبكي: ولا شك أنه مخالف لمقتضى كلام القاضي الحسين والبغوي والمتولي، لكن كلام الماوردي محتمل له، قال: وكيفما قُدِّر .. فكلام القاضي الحسين أصح. 1415 - قولهما: (إن عاد قبل تلبسه بنسك .. سقط عنه الدم) (¬4) يقتضي وجوبه، ثم سقوطه، وهو وجه حكاه الماوردي، وصحح أنه لم يجب أصلًا؛ لأن وجوبه معلق بفوات العود (¬5)، وهو المفهوم من عبارة " الحاوي " المتقدم ذكرها (¬6). 1416 - قول " التنبيه " [ص 71]: (ومن كان داره فوق الميقات .. فالأفضل: ألَّا يحرم إلا من الميقات في أصح القولين) كذا صححه النووي، وقال: إنه الموافق للأحاديث الصحيحة (¬7)، وصحح الرافعي: أن الأفضل: أن يحرم من دويرة أهله (¬8)، وعليه مشى " الحاوي " (¬9)، وذكر " المنهاج " التصحيحين (¬10)، ويستثنى من الخلاف: الحائض والنفساء، فحكى صاحب " التقريب " عن نص الشافعي أنه قال: لا أحب لهما أن يقدما إحرامهما قبل وقتهما، حكاه في " المهمات " وقال: أراد بالوقت: الميقات، قال: وذكر الرافعي في سنن الإحرام ما يقويه (¬11). ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (3/ 455). (¬2) البيان (4/ 115). (¬3) المجموع (7/ 183). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 71)، و" المنهاج " (ص 194). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (4/ 74). (¬6) الحاوي (ص 257). (¬7) انظر " المجموع " (7/ 176)، وفي (د): (ينبغي أن يكون الإحرام فيها من عند المسجد الذي أحرم من عنده النبي قطعًا، وقال في " المهمات ": قياس الإحرام من أول الميقات: أن المكي يحرم من طريق مكة الأبعد عن مقصده وهو عرفات لا من باب داره كما في" الحاوي "، وأيضًا ففي زيادة " الروضة " (3/ 72): أنه إن كان في الميقات مسجد .. استحب فعل ركعتي الإحرام فيه، ومقتضاه: استحباب فعلها للمكي في المسجد الحرام). (¬8) انظر " فتح العزيز " (3/ 338) (¬9) الحاوي (ص 241). (¬10) المنهاج (ص 194). (¬11) انظر " فتح العزيز " (3/ 376).

1417 - قول " المنهاج " في العمرة [ص 194]: (ومن بالحرم: يلزمه الخروج إلى أدنى الحل ولو بخطوة) قد يفهم أنه لو خرج بأقل من خطوة .. لا يكفي، وليس كذلك، وحينئذ .. فإطلاق " التنبيه " أدنى الحل و" الحاوي " الحل أولى (¬1)، وتعبير " المنهاج " بـ (الحرم) أولى من تعبير " التنبيه " و" الحاوي " بـ (مكة) (¬2) لأن حكم بقية الحرم في ذلك حكم مكة. 1418 - قول " التنبيه " [ص 79]: (فإن أحرم بها، ولم يخرج إلى أدنى الحل .. ففيه قولان، أحدهما: لا يجزئه، والثاني: يجزئه) الأظهر: الثاني، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 194]: (فإن لم يخرج وأتى بأفعال العمرة - أي: بعد الإحرام بها في الحرم - .. أجزأته في الأظهر وعليه دم). 1419 - قول " المنهاج " [ص 194]: (فلو خرج إلى الحل بعد إحرامه .. سقط الدم) أي: قبل الطواف والسعي، وكذا يرد على تقييد " التنبيه " محل الخلاف بقوله [ص 79]: (ولم يخرج إلى أدنى الحل). 1420 - قول " التنبيه " [ص 79]: (والأفضل: أن يحرم من التنعيم) مردود، والذي ذكره غيرِه: أن أفضل بقاع الحل للإحرام منه بالعمرة: الجِعْرَانة، ثم التنعيم، ثم الحديبية، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " (¬3)، وذكر النووي في " الروضة " أن ما في " التنبيه " غلط (¬4)؛ ولذلك عبر عن مقابله في " تصحيحه " بالصواب (¬5)، لكن في " شرح التنبيه " للمحب الطبري: إن بعض الأصحاب وافق الشيخ على ما جزم به، وفي " الأم ": إن بعض الحديبية من الحل، وبعضها من الحرم. انتهى (¬6). فعلى هذا: يحتاج المعتمر أن يخرج إلى ما هو الحل منها، وأطلق الجمهور كونها من الحل، وقال مالك وغيره: هي من الحرم (¬7)، فإن لم يخرج إلى واحد من الثلاثة .. استحب أن يجعل وراءه بطن واد، ثم يحرم، ذكره المتولي والبغوي والخوارزمي، وحكاه في " الإبانة " عن نص الشافعي رضي الله عنه، كما ذكره شيخنا الإمام البلقيني رحمه الله. ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 79)، الحاوي (ص 239). (¬2) التنبيه (ص 79)، الحاوي (ص 239). (¬3) الحاوي (ص 239)، المنهاج (ص 194). (¬4) الروضة (3/ 44). (¬5) تصحيح التنبيه (1/ 257). (¬6) الأم (2/ 159). (¬7) انظر " التاج والإكليل " (3/ 171)، و" منح الجليل " (2/ 339).

باب الإحرام

بابُ الإحرام 1421 - قول " التنبيه " [ص 71]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 241]: (فإن أحرم مطلقًا، ثم صرفه إلى حج أو عمرة .. جاز) محله: إذا كان في أشهر الحج، فإن كان في غير أشهره .. انعقد عمرة، وقد ذكره " المنهاج " بقوله [ص 195]: (وإن أطلق في غير أشهره .. فالأصح: انعقاده عمرة)، وعبر في " الروضة " بالصحيح (¬1). وبَقِيَ على " التنبيه ": أنه له صرفه إليهما معًا، وقد ذكره " المنهاج " بقوله [ص 195]: (إلى ما شاء من النسكين أو إليهما)، وهو مقتضى قول " الحاوي " [ص 241]: (عَيَّنَ لما شاء). ويرد عليهم جميعًا: أن محل صرفه لما شاء منهما: إذا صلح الوقت لهما، فلو فات وقت الحج .. صرفه إلى العمرة، قاله الروياني (¬2)، وقال القاضي حسين: يحتمل أن يتعين عمرة، ويحتمل أن يبقى الإبهام، فإن عيّنه لعمرة .. فذاك، أو لحج .. فكمن فاته الحج، قال في " المهمات ": ولو ضاق .. فالمتجه - وهو مقتضى إطلاق الرافعي -: أن له صرفه إلى ما شاء، ويكون كمن أحرم بالحج في تلك الحالة (¬3). 1422 - قول " المنهاج " فيما إذا أحرم كإحرام زيد [ص 195]: (انعقد إحرامه كإحرامه) يتناول ما إذا أحرم زيد بعمرة بنية التمتع .. فإحرامه بعمرة، ولا يلزمه التمتع، وكذلك لو كان زيد قد أحرم بعمرة، ثم أدخل الحج عليها .. فإحرامه بعمرة وحدها، وقد تفهم عبارة " المنهاج " غير ذلك، وقد أوضح ذلك " الحاوي " بقوله [ص 241]: (وإن كان زيد أحرم بالعمرة، ثم أدخل الحج .. فإحرامه بالعمرة). 1423 - قول " الحاوي " [ص 241]: (لا إن بدأ مُفَصّلًا) أي: لا إن بدأ زيد بالإحرام مفصلًا؛ فإنه ينعقد إحرام ذلك الشخص مُفَصّلًا، وهذا إذا كان زيد مسلمًا، فإن كان كافرًا وأتى بصورة إحرام مفصل .. فلا يتبعه في التفصيل على الصواب في " الروضة "، وإنما ينعقد مطلقًا (¬4)، وقد دل على ذلك قول " المنهاج " [ص 195]: (فإن لم يكن زيد محرمًا .. انعقد إحرامه مطلقًا) فإن الكافر غير محرم، ولو أتى بصورة الإحرام. 1424 - قول " المنهاج " [ص 195]: (وإن تعذر معرفة إحرامه بموته .. جعل نفسه قارنًا ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 59). (¬2) انظر " بحر المذهب " (5/ 89). (¬3) انظر " فتح العزيز " (3/ 365). (¬4) الروضة (3/ 69).

وعمل أعمال النسكين) فيه أمران: أحدهما: كذا عبر في " الروضة " أيضًا بالتعذر (¬1)، وعبارة " الحاوي " [ص 241]: (وإن عسر مراجعته)، وبينهما فرق؛ فقد يعسر الشيء ولا يتعذر. ثانيهما: التقييد بالموت مُضِر؛ فالتعذر بغيره كالجنون والغيبة كذلك؛ ولذلك أطلقه "الحاوي". 1425 - قول " التنبيه " [ص 71]: (وإن أحرم بنسك، ثم نسيه .. ففيه قولان، أحدهما: أنه يصير قارنًا، والثاني: أنه يتحرى، وبصرف إحرامه إلى ما يغلب على ظنه منهما) فيه أمور: أحدها: أن الأصح: الأول، إلا أن تعبيره بصيرورته قارنًا موافق لنص الشافعي في قوله: إنه قَارِن (¬2)، لكن الأصحاب قالوا: معناه: أنه ينوي القرَان، قاله الرافعي (¬3)؛ ولذلك قال " الحاوي " [ص 241، : (جعله قرانًا) قال الرافعي: وأغرب الحناطى فحكى قولًا: أنه يصير قارنا من غير نية. انتهى (¬4). وهذا موافق لتعبير الشيخ، فمتى أخذنا عبارته على ظاهرها .. كان الأصح: غير القولين الذين حكاهما، لكن ذكر الرافعي في آخر كلامه أنه لا يلزم أن يجعل نفسه قارنًا، وحكاه عن إمام الحرمين (¬5)، وقال النووي في " شرح المهذب ": إنه لا خلاف فيه، بل الذي يجب إنما هو نية الحج (¬6). ثانيها: قد يفهم من عبارته أنه يبرأ من النسكين ولو كانا عليه، وليس كذلك، بل إنما يسقط عنه الحج، وقد ذكره " الحاوي " بقوله [ص 241]: (وبرئ من الحج فقط). ثالثها: أنه يقتضي على الثاني: أنه لا بد من صرف إحرامه إلى أحدهما، وليس كذلك، بل إذا ظن شيئًا .. مضى فيه وأجزأه. رابعها: أن كلامه يفهم أن محل الخلاف: إذا شك هل أحرم بحج أو عمرة؟ فإنه قال: (على ظنه منهما)، وكذا حكاه الماوردي عن البصريين، وإنهم قالوا: لو وقع الشك في أنه حج أو عمرة أو قران .. تعيّن القول الأول جزمًا، لكن حكى عن البغداديين إجزاءهما في الصورتين (¬7)، ونقله ابن الرفعة عن حكاية الجمهور. ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 68). (¬2) انظر " الأم " (2/ 204). (¬3) انظر " فتح العزيز " (3/ 370). (¬4) انظر " فتح العزيز " (3/ 370). (¬5) انظر " نهاية المطلب " (4/ 226، 227)، و" فتح العزيز " (3/ 375). (¬6) المجموع (7/ 210). (¬7) انظر " الحاوي الكبير " (4/ 85).

فصل [نية الإحرام ومستحباته]

1426 - قول " الحاوي " [ص 241]: (وإن طاف فشك - أي: شك بعد الطواف فيما أحرم به أولًا - سعى وحلق وأحرم بالحج وَبَرِئَ منه) يقتضي: أمره بذلك، وبه قال ابن الحداد، وقال الأكثرون: إن فعل ذلك .. فالجواب ما ذكره، ولكن لا نفتيه به؛ لاحتمال أنه مُحْرِم بالحج، فكيف يحلق؟ واختار الغزالي الأول (¬1)؛ لأن الحلق يباح بالعذر، فضرر الاشتباه أكثر، وصححه في " شرح المهذب " (¬2)، ونبه شيخنا الإمام البلقيني على أمرين: أحدهما: منع الحلق، وأنه يقتصر على التقصير بأقل ما يمكن؛ لأن به تزول الضرورة، قال: ولم أر من تعرض لذلك، وهو من النفائس. ثانيهما: أن هذا الحلق لا يستفيد به حل الجماع ولا غيره من المحرمات المتوقفة على التحلل الأول، فلو جامع ثم أحرم بالحج .. لم يصح حجه؛ لجواز كون إحرامه السابق حجًا، وقد جامع فيه قبل التحلل الأول، ففسد نسكه، وما أتى به لا يقتضي صحته، قال: ولم أر من تعرض لذلك. فصلٌ [نية الإحرام ومستحباته] 1427 - قول " التنبيه " [ص 71]: (وينوي الإحرام) اعترض عليه: بأن الإحرام هو النية، وقد ذكر ذلك " الحاوي " في قوله [ص 239]: (وركنهما الإحرام). وجوابه: أن الإحرام يطلق على النية، وهو مراد " الحاوي "، وعلى نفس الدخول في النسك، وهو مراد " التنبيه " بقوله [ص 71]: (وينوي الإحرام)، وهو معنى قول " المنهاج " [ص 195]: (المحرم ينوي) أي: الدخول في النسك، قال في " الروضة ": صفة النية: أن ينوي الدخول في الحج أو العمرة أو فيهما، والتلبس به، والواجب: أن ينوي هذا بقلبه، وإن ضم إلى نية القلب التلفظ .. كان أفضل. انتهى (¬3). ولا يجب التعرض لنية الفرضية جزمًا، كما اقتضاه كلام البندنيجي والماوردي (¬4)؛ لأنه لو نوى النفل .. وقع فرضًا. 1428 - قول " التنبيه " [ص 71]: (ولا يستحب أن يذكر ما أحرم به في تلبيته) فيه أمران: ¬

_ (¬1) انظر " الوسيط " (2/ 632، 633). (¬2) المجموع (7/ 212). (¬3) الروضة (3/ 59). (¬4) انظر " الحاوي الكبير " (4/ 83).

أحدهما: أن الأحسن: أن يقول: ويستحب ألَّا يذكر ما أحرم به في تلبيته؛ فإنه لا يلزم من عدم استحباب الذكر استحباب عدم الذكر. ثانيهما: محل ذلك: في غير التلبية الأولى، فيستحب في الأولى التي عند الإحرام تسمية ما أحرم به، حكاه في " شرح المهذب " عن الشيخ أبي محمد، وجزم به ابن الصلاح في " المناسك " والنووي في " الأذكار "، وصوبه السبكي (¬1)، قال في " المهمات ": لكن في " التقريب " عن النص في " الإملاء " وغيره: أنه لا يستحب التعيين في التلبية الأولى أيضًا، فثبت أن الصواب: هو الإطلاق. انتهى. واعلم: أنهم عللوا كونه لا يذكر ما أحرم به في تلبيته: بأن إخفاء العبادة أفضل، قال في " المهمات ": وهو تعليل عجيب؛ فإن الحج والعمرة من العبادات التي لا يتأتى فيها الإخفاء، سلمنا، لكن إظهار العبادة الواجبة أفضل، فينبغي التفرقة. 1429 - قول " الحاوي " [ص 244]: (والسنة الغسل للإحرام ولو في الحيض) كذا النفاس، فلو لم يذكر هذه الزيادة كما في " التنبيه " و" المنهاج " .. لكان أبعد من الإيهام، ومقتضى إطلاقهم استحبابه للمجنون والصبي غير المميز، قال في " المهمات ": وهو صحيح. 1430 - قول " التنبيه " [ص 71]: (فإن لم يجد الماء .. تيمم) كذا لو امتنع استعماله لمرض أو احتاج إليه لعطش، فلو قال: (فإن عجز) كما في " المنهاج " و" الحاوي " (¬2) .. لكان أحسن، فإن وجد بحض ما يكفيه .. توضأ، حكاه الرافعي عن " التهذيب "، وأقره (¬3)، واعترضه النووي، فقال: إن أراد: يتوضأ، ثم يتيمم .. فحسن، وإن أراد: الاقتصار على الوضوء .. فليس بجيد؛ لأن المطلوب الغسل، فالتيمم يقوم مقامه دون الوضوء. انتهى (¬4). ونص الشافعي يقتضي الاقتصار على الوضوء؛ حيث قال: (فإن لم يجد ماء يكفيه للغسل .. توضأ، فإن لم يجد ماء بحالٍ .. تيمم) فيقوم ذلك مقام الغسل والوضوء، حكاه المحاملي والماوردي (¬5). 1431 - قولهم: (ولدخول مكة) (¬6) يستثنى منه: ما إذا خرج من مكة، فأحرم بالعمرة من التنعيم، واغتسل لإحرامه، ثم أراد دخول مكة .. فلا يغتسل، بخلاف ما إذا أحرم من مكان ¬

_ (¬1) المجموع (7/ 204)، الأذكار (ص 153). (¬2) الحاوي (ص 244)، المنهاج (ص 195). (¬3) التهذيب (1/ 381، 382)، وانظر " فتح العزيز " (3/ 376). (¬4) انظر " الروضة " (3/ 69). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (1/ 223). (¬6) انظر " التنبيه " (ص 20)، و" الحاوي " (ص 244)، و" المنهاج " (ص 195).

بعيد، كالجعرانة والحديبية، قاله الماوردي (¬1)، قال ابن الرفعة: ويظهر أن يقال بمثله في الحج إذا أحرم به من التنعيم ونحوه، لكونه لم يخطر له إلا ذلك الوقت. 1432 - قول " الحاوي " [ص 244]: (بذي طوى) محله: إذا كانت طريقه، وإلا .. فيغتسل من نحو تلك المسافة. واعلم: أن استحباب هذا الغسل لا يختص بالمُحْرِم، بل هو مستحب للحلال أيضًا، كما نقله الشافعي في " الأم " عن فعله عليه الصلاة والسلام عام الفتح (¬2)، وكذا يستحب لدخول المدينة أيضًا، كما في كتاب " الأقسام والخصال " لأبي بكر الخفاف، وفيه: أنه يستحب لدخول الحرم أيضًا. 1433 - قول " الحاوي " [ص 244]: (ومزدلفة) أي: غداة النحر، كما صرح به "المنهاج " (¬3). 1434 - قول " التنبيه " [ص 20]: (والغسل للرمي) أي: أيام التشريق، كما صرح به " المنهاج " و" الحاوي " (¬4)، ولا يستحب لرمي جمرة العقبة يوم النحر، وجزم الخفاف في " الخصال " باستحبابه، وهو غريب، وإنما يستحب في أيام التشريق الثلاثة إن لم يتعجل، فإن تعجل .. ففي اثنين فقط. 1435 - قول " التنبيه " [ص 20]: (والغسل للطواف) أي: طواف الركن، كما قيده في " الكفاية "، وهو قول قديم، وجزم به النووي في " مناسكه " (¬5)، لكن الصحيح (¬6): المنع؛ ولذلك لم يذكره " المنهاج " و" الحاوي "، وجزم النووي في " مناسكه " أيضًا باستحبابه لطواف الوداع (¬7)، وأجرى القاضي أبو الطيب القول القديم في طواف القدوم أيضًا. 1436 - قول " المنهاج " [ص 196]: (وأن يُطَيِّب بدنه للإحرام، وكذا ثوبه في الأصح) تبع فيه " المحرر " (¬8)، وهو ظاهر قول " التنبيه " [ص 71]: (وتطيب) وقول " الحاوي " [ص 244]: (والتطيب)، لكن الذي في " الروضة " وأصلها حكاية الخلاف في الثوب في الجواز، وتصيم الجواز، وتوجيه المنع: بأنه ينزع، ثم يلبس، فلبسه ثانيًا حرام (¬9)، فليحترز من ذلك على الوجه ¬

_ (¬1) انظر " الحاوي الكبير " (4/ 130). (¬2) الأم (2/ 169). (¬3) المنهاج (ص 196). (¬4) الحاوي (ص 244)، المنهاج (ص 196). (¬5) الإيضاح في المناسك (ص 38). (¬6) في (أ)، و (ج): (الجديد). (¬7) الإيضاح في المناسك (ص 38). (¬8) المحرر (ص 124). (¬9) الروضة (3/ 71).

المصحح، وفي " شرح المهذب ": أنه لا يُندب جزمًا، وأغرب المتولي، فحكى فيه خلافًا (¬1)، قال في " المهمات ": وسبقه إليه شيخه القاضي حسين. قلت: فعلى الأول تحمل عبارة " التنبيه " و" الحاوي " على تطييب البدن خاصة. 1437 - قول " المنهاج " [ص 196]: (وأن تُخَضِّب المرأة للإحرام بدها) و" الحاوي " [ص 244]: (والمرأة تخضب كل اليد) أي: إلى الكوعين فقط، ويندب أيضًا: أن تمسح وجهها بحناء، والخنثى هنا كالرجل، فيحرم عليه الاختضاب، ذكره في " شرح المهذب " (¬2). 1438 - قول " التنبيه " [ص 71]: (ويتجرد عن المخيط) أي: الرجل، كما قيده " المنهاج " من زيادته على " المحرر " (¬3)، قال في " الكفاية ": وكأن الشيخ أهمله لوضوحه، وقد ضبط النووي في " المنهاج " قوله [ص 196]: (يَتَجَرَّدُ) بخطه بضم الدال؛ أي؛ لأنه واجب، فلا يعطف على السنن، ويوافقه أن الرافعي لما حكى عن الغزالي التجرد بالصفة المذكورة .. قال: وأما مجرد التجرد، فلا يمكن عده من السنن؛ لأن ترك لبس المخيط في الإحرام لازم، ومن ضرورة ذلك لزوم التجرد قبل الإحرام (¬4). قال السبكي: وفيما قاله نظر؛ لأنه لم يحصل سبب الوجوب قبل الإحرام، وإنما يجب عليه النزع إذا أحرم، ولا يكون عاصيًا بنزعه، وتقديم النزع قبل الإحرام سنة، قال: فصح أن يقرأ: (ويتجرد) بالنصب، وهو أحسن. انتهى. ويؤيده قول الرافعي والنووي في الصيد: إنه لا خلاف أنه لا يجب عليه إزالته عن ملكه قبل الإحرام (¬5)، ويوافقه أيضًا: أنه لو قال لزوجته: إن وطئتك فأنت طالق .. لا يمتنع وطئها على الصحيح، ويجب النزع بمجرد الإيلاج. وقول " التنبيه " [ص 71]: (عن المخيط) أحسن من قول " المنهاج " [ص 196]: (عن مخيط الثياب) لتناوله الخف والنعل؛ فهما مخيطان وليسا من الثياب، ويرد عليهما معًا: أن في معنى المخيط: اللبد والمنسوج ونحوهما مما له استدارةٌ، فلو عبرا بـ (المُحيط) بضم الميم وبالحاء المهملة .. لكان أحسن وأعم. 1439 - قول " التنبيه " [ص 71]: (في إزار ورداء أبيضين جديدين أو نظيفين) قد يفهم مساواة المغسول للجديد، وليس كذلك. ¬

_ (¬1) المجموع (7/ 195، 196). (¬2) المجموع (7/ 196). (¬3) المنهاج (ص 196). (¬4) انظر " فتح العزيز " (3/ 380). (¬5) انظر " فتح العزيز " (3/ 500، 501)، و" المجموع " (7/ 278، 300).

1440 - قولهم: (ويصلى ركعتين) (¬1) يستثنى منه: وقت الكراهة، فلا يفعلهما فيه على الأصح. 1441 - قول " الحاوي " [ص 245]: (وتأدّت بفريضةٍ) كذا في " الروضة " وأصلها (¬2)، وقال في " شرح المهذب ": فيه نظر؛ لأنها مقصودة، فلا تندرج كسنة الصبح. انتهى (¬3). ويشهد له قوله في " الأم ": (أَحْبَبْتُ له أن يصلي نافلة، فإن أَهَلَّ في إِثْرِ مكتوبةٍ أو في غير إثر صلاةٍ .. فلا بأس) (¬4). وكذا تتأدى بالسنة الراتبة كما ذكره القاضي حسين، وعليه الإشكال المتقدم، وفي " الكفاية " عن الماوردي وغيره: أن استحباب الركعتين إذا لم يكن إحرامه في وقت فريضة أو راتبة، وإلا .. صلى ذلك، ثم أحرم (¬5). 1442 - قول " المنهاج " [ص 196]: (الأفضل: أن يُحْرِمَ إذا انبعثت به راحلته أو توجه لطريقه ماشيًا) عبارة " المحرر ": (دابته) (¬6) وهي أشمل، ولكن أراد في " المنهاج ": التبرك بلفظ الحديث، وتناول ذلك كله قول " التنبيه " [ص 71]: (فإذا بدأ بالسير .. أحرم)، ويستثنى من ذلك: الإمام الذي يخطب يوم السابع؛ فإنه يندب أن يخطب محرمًا، فيتقدم إحرامه على سيره بيوم، قاله الماوردي (¬7). 1443 - قولهما: (ويستحب إكثار التلبية) (¬8) قال " الحاوي " [ص 245]: (لا في طواف القدوم) أي: فإنه لا يستحب التلبية فيه، وذكره في " المنهاج " بعد ذلك (¬9)، وكذا السعي وطواف الإفاضة والوداع أيضًا، وخص القدوم بالذكر للخلاف فيه، ولو حُذِفَ القدوم وأُطْلِقَ الطواف .. لكان أحسن، كما في " التنبيه "، ولا يلبي في الطواف، قال القاضي أبو الطيب: وتكره التلبية في الأخلية ومواضع النجاسات. 1444 - قول " المنهاج " [ص 196]: (وَرَفْعُ صَوْتهِ بها) محله: في الرجل، أما المرأة .. ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 71)، و" الحاوي " (ص 245)، و" المنهاج " (ص 196). (¬2) فح العزيز (3/ 381)، الروضة (3/ 72). (¬3) المجموع (7/ 198). (¬4) الأم (2/ 205). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (4/ 80). (¬6) المحرر (ص 124). (¬7) انظر " الحاوي الكبير " (4/ 166). (¬8) انظر " التنبيه " (ص 71)، و " المنهاج " (ص 196). (¬9) المنهاج (ص 196).

فتخفض صوتها بحيث تقتصر على إسماع نفسها، وقد صرح به " التنبيه " و" الحاوي " (¬1)، وقد يفهم من تذكير " المنهاج " الضمير في قوله: (صوته) فهو أحسن من تعبير " المحرر " بـ (الصوت) (¬2)، والخنثى كالمرأة، قاله في " البيان " (¬3)، فإن جهرت .. لم يحرم؛ لأن صوتها ليس بعورة على الصحيح، كذا في " الروضة " وأصلها عن الروياني من غير مخالفة، قال النووي: بل يكره (¬4)، قال الدارمي: ويحتاج إلى الفرق بينه وبين الأذان حيث صححوا تحريم رفع صوتها به (¬5)، وفي " شرح مسلم " للنووي: ليس لها الرفع بالتلبية؛ فإنه يخاف الفتنة بصوتها. انتهى (¬6). وظاهره: التحريم، وفي الرافعي: (كما لا يجهرن بالقراءة في الصلاة) (¬7)، ومقتضى التشبيه بالصلاة: جهر المرأة بها إذا كانت وحدها أو بحضرة زوج أو محرم؛ لأن الصحيح في الصلاة: الجهر لها في هذه الأحوال. واستثنى الشيخ أبو محمد من الرفع: التلبية المقترنة بالإحرام، فلا يجهر بها، وأقره النووي عليه (¬8)، وهو مفهوم من قول " المنهاج " [ص 196]: (في دوام إحرامه). 1445 - قوله: (وخاصة عند تغاير الأحوال) (¬9) ليس في " المحرر ". 1446 - قولهما: (وإذا فرغ من تلبيته .. صلئ على النبي صلى الله عليه وسلم) (¬10) قد يفهم أنه يرفع صوته به كالتلبية، وقد قال النووي: يأتي بها بصوت أخفض من صوت التلبية (¬11). 1447 - قولهما: (وإذا رأى شيئًا يعجبه .. قال: " لبيك إن العيش عيش الآخرة ") (¬12) كذا إذا رأى شيئًا يكرهه. ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 71)، الحاوي (ص 245). (¬2) المحرر (ص 125). (¬3) البيان (4/ 141). (¬4) فتح العزيز (3/ 383)، الروضة (3/ 73) وانظر " بحر المذهب " (5/ 96). (¬5) في (ج): (وقد يفرق بينهما: بأن المطلوب في الأذان الإصغاء، فربما يحصل الافتتان، بخلاف التلبية؛ فإن كل أحد مشغول بنفسه). (¬6) شرح مسلم (90/ 8). (¬7) انظر " فتح العزيز " (3/ 383). (¬8) انظر " المجموع " (7/ 204). (¬9) انظر " المنهاج " (ص 196). (¬10) انظر " التنبيه " (ص 72)، و " المنهاج " (ص 196). (¬11) انظر " المجموع " (7/ 218). (¬12) انظر " التنبيه " (ص 72)، و" المنهاج " (ص 196).

باب دخول مكة

باب دخول مكّة 1448 - كذا بوب في " المنهاج " من زيادته على " المحرر " (¬1)، وتبويب " التنبيه " (باب صفة الحج) أولى (¬2)، لعمومه دخول مكة وغيره من صفة الحج. 1449 - قول " الحاوي " [ص 244]: (إن الغسل لدخول مكة بذي طوى) محله: إذا كانت طريقه، وإلا .. فيغتسل من نحو تلك المسافة، كما في " شرح المهذب " وغيره (¬3)، وقد ذكر " المنهاج " ذلك بقوله [ص 197]: (وأن يغتسل داخلها من طريق المدينة بذي طوى). واعلم: أنها هي أيضًا طريق الشام ومصر والمغرب وغيرها، وقد أعاد " المنهاج " ذكر الغسل هنا؛ لبيان موضعه لا لأصل مشروعيته؛ فإنه قدم ذكره، وقوله في " التوشيح ": (ليس فيه تصريح باستحبابه لكل داخل) مردود؛ فقد صرح به في الباب قبله بقوله: (ولدخول مكة) (¬4). 1450 - قول " المنهاج " [ص 197]: (ويدخلها من ثنية كَدَاءٍ) أي: داخلها من طريق المدينة ونحوها، كذا في " المحرر " (¬5)، وحكاه الرافعي في " الشرح " عن الأصحاب، وأنهم قالوا: إن الآتي من غير تلك الطريق لا يؤمر أن يدور ليدخل منها، وأن دخوله عليه الصلاة والسلام منها كان اتفاقيًا؛ لكونها على طريقه، لكن صحح النووي: استحباب الدخول منها لكل آت من كل جهة (¬6)، وهو مقتضى إطلاق " التنبيه " و" الحاوي " (¬7)، قال السبكى: وهو الحق، ومنع الشيخ أبو محمد كونها على طريقه، بل عدل إليها قصدًا، والمشاهدة تشهد له، وزاد " التنبيه " و" الحاوي ": أنه يخرج من ثنية كُدَى - بضم الكاف والقصر - وهي أسفل مكة، والمعنى فيه: الذهاب من طريق والرجوع في أخرى، كالعيد وسائر العبادات؛ ليشهد له الطريقان، ذكره النووي في " رياض الصالحين " (¬8)، واختصت العُلْيا بالدخول؛ لكون الداخل يقصد موضعًا عالي المقدار، والخارج عكسه، ذكره في " المهمات "، وأيضًا: فإن إبراهيم عليه السلام حين قال: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} كان على كَدَاءٍ الممدود، كما روي عن ابن ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 197). (¬2) التنبيه (ص 75). (¬3) المجموع (8/ 5). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 195). (¬5) المحرر (ص 125). (¬6) انظر " فتح العزيز " (3/ 385)، و" الروضة " (3/ 75). (¬7) التنبيه (ص 75)، الحاوي (ص 245). (¬8) رياض الصالحين (ص 154).

عباس (¬1)، فاستحب الدخول منها؛ لذلك قال السهيلي: ويحتمل أن ذلك لبعدها بالنسبة إلى أكثر البلاد، فاستحب الدخول من البعيدة والخروج من القريبة، كما قالوا في قاصد العيد ونحوه: إنه يذهب في أبعد الطريقين؛ لزيادة الأجر، والله أعلم. 1451 - قول " المنهاج " [ص 197]: (ويقول إذا أبصر البيت)، و" التنبيه " [ص 75]: (إذا رأى) قد يفهم أن الأعمى والداخل في ظلمة لا يقول ذلك، والظاهر: أنهما كغيرهما، وخرج ذكر الرؤية على الغالب؛ ولذلك عبر " الحاوي " بـ (لقاء البيت) (¬2). 1452 - قول " التنبيه " في الدعاء المذكور [ص 75]: (زد هذا البيت تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا ومهابةً وبرا) كذا في " الوجيز " أيضًا (¬3)، وقال الرافعي: إنه لم يره إلا للغزالي، وإنه لا ذكر له في الخبر ولا في كتب الأصحاب، قال: بل البيت لا يتصور منه برٌّ. انتهى (¬4). ولذلك لم يذكر " المنهاج " و" الحاوي " هذه اللفظة، لكن اعترض النووي في " تهذيبه " على الرافعي: بأن الأزرقي قد روى فيه هذه اللفظة بإسناد مرسل من حديث مكحول، وهو مُتصوّر من البيت مجازًا، وهو أن بِرّه زيارته، كما أن من بر الوالدين والأقارب زيارتهم، فمعناه: الدعاء بكثرة زائريه (¬5). 1453 - قول " المنهاج " [ص 197]: (ثم يدخل المسجد من باب بني شيبة) أي: سواء أجاء من جهته أم لا، بخلاف ما تقدم في دخول مكة؛ فإن فيه الخلاف السابق، وقد تفهم عبارة " المنهاج " التسوية بينهما في ذلك، وأنه معطوف عليه. 1454 - قولهما: (ويبتدئ بطواف القدوم) (¬6) يستثنى منه: ما لو خاف فوت المكتوبة، أو وجد جماعتها قائمة، أو خاف فوت سنة مؤكدة، وكذا لو تذكر فائتة مكتوبة، كما في " شرح المهذب " عن الأصحاب (¬7)، وكذا المرأة الجميلة أو الشريفة التي لا تبرز للرجال إذا قدمت نهارًا .. فإنه يندب لها تأخيره إلى الليل، كما في " شرح المهذب " وغيره (¬8)، ونص الشافعي في " الأم " على هذا المستثنى كله (¬9)، كما حكاه شيخنا الإمام البلقيني، ويستثنى أيضًا: ما إذا كان له عذر .. ¬

_ (¬1) انظر " تفسير الطبري " (13/ 229)، و" تفسير الثعلبي " (5/ 322). (¬2) الحاوي (ص 245). (¬3) الوجيز (1/ 259). (¬4) انظر " فتح العزيز " (3/ 387). (¬5) تهذيب الأسماء واللغات (3/ 23)، وانظر " أخبار مكة " (1/ 279). (¬6) انظر " التنبيه " (ص 75)، و" المنهاج " (ص 197). (¬7) المجموع (8/ 12). (¬8) المجموع (8/ 12). (¬9) الأم (2/ 170).

فيبدأ بإزالته قبل الطواف، كما حكاه في " الكفاية " عن الماوردي (¬1). 1455 - قول " المنهاج " [ص 197]: (ويختص طواف القدوم بحاجٍّ دخل مكة قبل الوقوف) فيه أمور: أحدها: اعترض على تعبيره: بأنه مقلوب، وصوابه: (ويختص حاج دخل مكة قبل الوقوف بطواف القدوم) فإن الباء تدخل على المقصور (¬2). ثانيها: مقتضاه: أنه غير مشروع للمعتمر، لكن في " الروضة " وأصلها أن المعتمر إذا طاف للعمرة .. أجزأه عن طواف القدوم، كما تجزئ الفريضة عن تحية المسجد (¬3)، وهذا يقتضي أن المعتمر يندب له طواف القدوم، لكنه يسقط بالفرض، وينبغي حينئذ .. أن الحاج الداخل مكة بعد الوقوف يشرع له طواف القدوم، ويسقط بطواف الإفاضة، وقد صرح بذلك السبكي، وقال شيخنا ابن النقيب: الذي يظهر أن المعتمر والحاج بعد الوقوف لا يؤمران بطوافٍ يخص القدوم مع خطابهما به، فيحصل لهما ثوابه في ضمن الواجب (¬4)، وذكر شيخنا في " المهمات " نحوه. ثالثها: مقتضى كلامه: أن غير المحرم إذا دخل مكة .. لا يشرع له طواف قدوم، والذي في " الروضة " وأصلها: أنه يأتي به كل من دخلها، سواء أكان تاجرًا أو حاجًا أو غيرهما (¬5)، قال في " شرح المهذب ": إلا من دخل محرمًا بعمرة أو حج بعد الوقوف كما سبق (¬6)، وقال بعضهم: إنما أراد " المنهاج ": الاحتراز عن الداخل بعمرة. 1456 - قول " التنبيه " في أول الحج [ص 69]: (ولا يجب في العمر إلا مرة واحدة، إلا أن ينذر، أو يدخل إلى مكة لحاجة لا تتكرر من تجارة أو زيارة .. فيلزمه الإحرام بالحج أو العمرة في أحد القولين، ولا يلزمه ذلك في الآخر) فيه أمور: أحدها: الأصح: أنه لا يلزمه ذلك، وإنما يستحب، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " بقوله في ذكر السنن: (ويُحْرِم بنسك غير مريده لدخولها) (¬7)، لكن صحح النووي في " نكت التنبيه ": الوجوب، وقال في " البيان ": إنه الأشهر (¬8). ¬

_ (¬1) انظر " الحاوي الكبير " (4/ 139). (¬2) قال في " مغني المحتاج " (1/ 484)، (لكن هذا أكثري لا كلي؛ فالتعبير بالصواب خطأ). (¬3) الروضة (3/ 76). (¬4) انظر " السراج على نكت المنهاج " (2/ 273). (¬5) الروضة (3/ 76). (¬6) المجموع (8/ 13). (¬7) الحاوي (ص 245)، المنهاج (ص 197). (¬8) البيان (4/ 16).

فصل [شروط الطواف]

ثانيها: لا يختص ذلك بدخول مكة، فدخول مطلق الحرم كذلك، كما نقله الرافعي عن بعضهم (¬1)، وصوبه النووي ونقل اتفاق الأصحاب عليه، قال: وصرح به خلائق، وعد جماعة (¬2)، وهذا وارد على تعبير " المنهاج " أيضًا تبعًا " للمحرر " بقوله: (ومن قصد مكة) (¬3)، وعلى قول " الحاوي " [ص 245]: (لدخولها). ثالثها: يشترط في الوجوب أيضًا: أن يكون الداخل حرًا، فلا يلزم العبد وإن أذن سيده على المذهب، وأن يدخلها من الحل، وألَّا يكون دخوله لقتال، ولا هو خائف من قتال أو ظالم أو غريم يحبسه، وهو معسر لا يمكنه معه الظهور لأداء النسك، وهذا وارد على " المنهاج " أيضًا. رابعها: يرد على الحصر في النذر ودخول مكة: إفساد النسك؛ فإنه من العوارض الموجبة لتكرر الإحرام، وقد استثناه الرافعي (¬4). فصلٌ [شروط الطواف] 1457 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (فيشترط ستر العورة، وطهارة الحدث والنجس) (¬5) فيه أمور: أحدها: أن مرادهم: اشتراط الطهارة عن النجاسة في بدنه وثوبه والمكان الذي يمشي عليه في طوافه، لكن عمت البلوى بغلبة النجاسات في المطاف، قال الرافعي: ولم أر للأئمة تشبيه مكان الطواف بالطريق في حق المتنقل ماشيًا أو راكبًا، وهو تشبيه لا بأس به (¬6)، قال السبكي: إن صح هذا التشبيه .. فقضيته أنه لا يبطل الطواف بوطء الطائف؛ أي: عن غير تعمد، أو إيطائه دابته النجاسة الكثيرة، وهو مخالف لإطلاق الأصحاب، لكنه رخصة عظيمة؛ لعموم البلوى بنجاسة موضع الطواف من الطير وغيره. انتهى. وقال شيخنا الإمام البلقيني: لا يصح التشبيه المذكور، والفرق: أن الطرق الممتدة المطروقة يعسر فيها الاحتراز من ذلك، بخلاف المطاف حول المسجد الأعظم؛ فإنه يحترز فيه عن ذلك غالبأ، ويُنَظّف ويُكنس ... إلى غير ذلك من الأمور الواضحة في الفرق. ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (3/ 390). (¬2) انظر " الروضة " (3/ 78). (¬3) المحرر (ص 125). (¬4) انظر " فتح العزيز " (3/ 280). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 76)، و" الحاوي " (ص 242)، و" المنهاج " (ص 197، 198). (¬6) انظر " فتح العزيز" (3/ 290).

قلت: الصورة غلبة النجاسة بذرق الطير مطلقًا، وبغيره من النجاسات في أيام الموسم. وقد ذكر النووي في " شرح المهذب ": أن المختار عند جماعة من المحققين: العفو عما يشق الاحتراز عنه من ذلك إذا غلبت النجاسات. انتهى (¬1). وهو أسهل من بحث الرافعي، ومن المعلوم أنه يستثنى من عبارتهم: النجاسة المعفو عنها، وهذه معفو عنها عند القائل به. ثانيها: محل اشتراط ذلك: مع القدرة، فأما مع العجز .. فقال في " المهمات ": إن كان الطواف نفلًا أو للوداع .. فلا شك في جواز فعله بدون الطهارة والستارة، وإن كان طواف الركن .. جاز للعاري؛ لأنه لا إعادة عليه على المشهور، والقياس: مغ المتيمم والمتنجس منه؛ لأن الصلاة كذلك تجب إعادتها، فالطواف كذلك، وإنما فُعِلت الصلاة كذلك؛ لحرمة الوقت، وهو مفقود هنا؛ لأن الطواف لا آخر لوقته، والتحلل لا يحصل، والطواف في ذمته، ثم حكى عن الرويانى وجهين في الإعادة فيما لو طاف بالتيمم لعدم الماء ثم وجده (¬2)، قال في " المهمات ": وهو يقتضي الجزم بالجواز، ولا سبيل إليه، وبتقدير جوازه لا سبيل إلى قضائه. انتهى. ثالثها: قال في " الكفاية ": يندرج فيه عدم صحة طواف النائم؛ لأنه محدث على الصحيح. انتهى. ومحله: إذا لم يكن قاعدًا مفضيًا بمحل الحدث إلى الأرض؛ فإنه كذلك لا يحصل به نقض الوضوء، وقد يطوف كذلك، وصحح في " الروضة " من زيادته: صحته (¬3)، وفي الرافعي عن الإمام: يجوز أَنْ يقطع بوقوعه موقعه (¬4). 1458 - قول " المنهاج " [ص 198]: (فلو أحدث فيه .. توضأ وبنى) لو قال: (تطهر) .. لكان أحسن؛ لأن قوله: (أحدث) يتناول الأكبر والأصغر، ولكن جرى في ذكر الوضوء على الغالب، وقد عبر " الحاوي " بقوله [ص 242]: (وإن أحدث .. بنى) وسكت عن التطهر؛ لأنه معلوم. 1459 - قول " التنبيه " [ص 76]: (وإن طاف من غير نية .. فقد قيل: يصح، وقيل: لا يصح) فيه أمور: أحدها: الأصح: الأول؛ لأن نية الحج تأتي عليه؛ ولذلك لم يذكر " المنهاج " و" الحاوي " في واجبات الطواف النية. ¬

_ (¬1) المجموع (8/ 16). (¬2) انظر " بحر المذهب " (5/ 297). (¬3) الروضة (3/ 83). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (4/ 313)، و" فتح العزيز " (3/ 416).

نعم؛ يشترط عدم الصارف إلى قصد آخر؛ كطلب غريم على الأصح. ثانيها: لا يختص ذلك بالطواف، بل هو جابى في سائر الأركان هل يجب إفرادها بنية كما حكاه الرافعي عن المتولي؟ (¬1). ثالثها: الخلاف خاص بطواف الركن حجًا كان أو عمرة، فأما طواف الوداع والمنذور والنفل .. فلا بد له من نية، كما ذكره ابن الرفعة، قال: وطواف القدوم يحتمل إجراء الخلاف فيه؛ لأنه من سنن الحج الداخلة فيه، فشملته نية الحج. انتهى. قال السبكي: وهذا ظاهر في طواف الوداع إن قلنا: ليس نسكًا، هالا .. فيظهر مجيء الخلاف فيه. قلت: والأصح: أنه نسك، فلا يحتاج حينئذٍ إلى نية، والله أعلم. وأهمل " التنبيه " من الشروط: كون الطواف داخل المسجد، وقد ذكره " المنهاج " و" الحاوي " (¬2)، واستنبطه ابن الرفعة من إطلاقه الطواف بالبيت؛ لأنه إذا كان خارجه .. كان طائفًا بالمسجد لا بالبيت، فلو طاف على سطح المسجد، وكان أعلى من البيت .. ففي " العدة " وغيرها: أنه لا يجوز، واختاره السبكي، واستبعده الرافعي (¬3)، وصوب في " شرح المهذب " قول الرافعي (¬4). 1460 - قولهم: (وأن يجعل البيت عن يساره) (¬5) فيه أمور: أحدها: يستثنى منه: استقبال الحجر الأسود في ابتداء الطواف؛ فإنه يندب أن يمر مستقبله حتى يجاوزه، ثم يجعل البيت عن يساره حينئذٍ، ذكره النووي في " شرح المهذب " (¬6)، قال في " مناسكه ": ولا يجوز الاستقبال إلا في هذه الحالة فقط، وهي في ابتداء الطوفة الأولى فقط، قال: وهو غير الاستقبال عند لقاء الحجر قبل ابتداء الطواف؛ فإن ذلك سنة مستقلة قطعًا. انتهى (¬7). ولم يذكر الأكثرون هذا الاستقبال في مروره، بل أنكره جماعة. ثانيها: تناول إطلاقهم: ما لو طاف منكوسًا رأسه إلى أسفل ورجلاه إلى فوق، أو مستلقيًا على ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (3/ 416). (¬2) الحاوي (ص 242)، المنهاج (ص 198). (¬3) انظر " فتح العزيز " (3/ 395). (¬4) المجموع (8/ 43). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 75)، و " الحاوي " (ص 242)، و" المنهاج " (ص 198). (¬6) المجموع (8/ 14). (¬7) الإيضاح في المناسك (ص 73).

قفاه، أو على وجهه، مع مراعاة كون البيت على يساره، فمقتضى كلامهم: الصحة في ذلك، وقال في " المهمات ": المتجه: البطلان؛ لمنابذة أو لمغايرة الشرع، وقال شيخنا ابن النقيب: الذي يظهر: صحته مع العذر؛ فإن المريض المحمول قد لا يتأتى حمله إلا كذلك، بل قد لا يتأتى حمله إلا ووجهه أو ظهره إلى البيت؛ لتعذر اضطجاعه إلا كذلك (¬1). ثالثها: تناول إطلاقهم أيضًا: ما إذا رجع القهقرى إلى جهة الركن اليماني، والبيت على يساره، ولا شك في البطلان في هذه الصورة، فينبغي أن يزاد على كون البيت على يساره؛ أن يمشي تلقاء وجهه إلى جهة الباب؛ لتخرج هذه الصورة. رابعها: مقتضى كلامهم: البطلان فيما لو مشى القهقرى إلى جهة الباب، وهو الأصح، وجزم الروياني بالصحة مع الكراهة (¬2)، وقد ذكر في " المهمات " انقسام هذه المسألة إلى اثنين وثلاثين قسمًا، وبسط ذلك. 1461 - قول " المنهاج " [ص 198]: (مبتدئًا بالحجر الأسود) لو عبر كما في " المحرر " و" التنبيه " بقوله: (ويبتدئ بالحجر) (¬3) .. لكان أولى؛ فإن عبارته لا تدل على اشتراط البداءة بالحجر، بل غاية ما تدل عليه جعل البيت على اليسار في حال الابتداء بالحجر، وذلك لا يدل على وجوبه، وعبارة " الحاوي " [ص 242]: (من أول الحجر الأسود)، وفيها زيادة على التعبير بمطلق الحجر، وهو اعتبار أن يكون ذلك من أوله. 1462 - قول " المنهاج " [ص 198] و" الحاوي " [ص 242]: (محاذيًا له) فيه ما تقدم في قوله: (مبتدئًا)، فلو قالا: (ويحاذيه) كما في " التنبيه " (¬4) .. لكان أولى كما تقدم. 1463 - قول " المنهاج " [ص 198] و" الحاوي " [ص 242]: (بجميع بدنه) اعترض عليه: بأنه يوهم اشتراط محاذاة جميع الحجر، وليس كذلك، بل لو حاذى بعضه بكل بدنه؛ كنحيف جعله عن يساره .. صح، وقد يفهم ذلك من اعتبار الكل في البدن دون الحجر، وذكر النووي أن كيفية المحاذاة: أن يستقبل البيت على جانب الحجر الذي يلي الركن اليماني، بحيث يصير جميع الحجر عن يمينه، ومنكبه الأيمن عند طرف الحجر، فينوي، ثم يمر مستقبله، فإذا جاوزه .. انفتل، وجعل البيت على يساره، قال: ولو فعل هذا من الأول، وترك الاستقبال .. جاز (¬5). ¬

_ (¬1) انظر " السراج على نكت المنهاج " (2/ 279). (¬2) انظر " بحر المذهب " (5/ 163). (¬3) المحرر (ص 126)، التنبيه (ص 75). (¬4) التنبيه (ص 75). (¬5) انظر " المجموع " (8/ 14).

واعلم: أن اعتبار الابتداء بالحجر ومحاذاته محله: إذا كان باقيا مكانه، فلو أزيل - والعياذ بالله - .. وجبت محاذاة موضعه، قاله القاضي أبو الطيب. 1464 - قول " الحاوي " [ص 242، 243]: (وستة أذرع من الحِجْر) أي: وخارج ستة أذرع من الحِجْر، فلو اقتحم الجدار وراء ذلك .. صح طوافه، كما جزم به الرافعى تفريعًا على الأصح في أن الذي من البيت منه قدر ستة أذرع (¬1)، وقد يفهم ذلك قول " المنهاج " [ص 198]: (أو دخل من إحدى فتحتي الحِجْر وخرج من الأخرى .. لم تصح طوفته)، لكن الذي صححه النووي: عدم الصحة في الحجر مطلقًا وإن خَلّف منه ما قيل أنه من البيت للاتِّبَاع (¬2)، وهو مقتضى إطلاق " التنبيه " أنه لو طاف على جدار الحجر .. لم يجزه (¬3). 1465 - قولهم في سنن الطواف: (أن يطوف ماشيًا) وعبر " التنبيه " و" الحاوي ": (بالترجل)، زاد " التنبيه ": (فإن طاف راكبًا .. جاز) (¬4) فيه أمران: أحدهما: ظاهره: يقتضي أنه لا كراهة في طوافه راكبًا ولو كان بغير عذر، وكذا في " الروضة " وأصلها عن الأصحاب (¬5)، وفي " شرح مسند الشافعي لا للرافعي: أن الشافعي نص في " الأم " على الكراهة (¬6)، وذكر في " المهمات " أن نقل الرافعي عن الأصحاب عدم الكراهة .. مردود، والمعروف لأئمة المذهب الكراهة، ومنهم النووي في " شرح المهذب " (¬7)، وابن الرفعة في " الكفاية "، ويؤيده أن إدخال الصبيان المسجد حرام مع غلبة التنجيس، ومكروه مع عدمها، وأقل مراتب البهائم: أن تكون كالصبيان في ذلك. ثانيهما: قد يفهم من لفظ المشي: أن يكون قائمًا، مع أنه لو زحف مع قدرته على المشي .. صح مع الكراهة، كما في " شرح المهذب " (¬8). 1466 - قول " الحاوي " [ص 246]: (وتقبيل الحجر) أهمل أمرين آخرين: أحدهما: استلامه؛ أي: مسه باليد، وقد ذكره " التنبيه " و" المنهاج "، إلا أن " التنبيه " قال: (فيستلمه بيده)، و" المنهاج " أطلق استلامه (¬9)، فيمكن أن يحمل إطلاق " المنهاج " على ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (3/ 394). (¬2) انظر " المجموع " (8/ 25، 26). (¬3) التنبيه (ص 76). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 75)، و" الحاوي " (ص 245)، و" المنهاج " (ص 198). (¬5) فتح العزيز (3/ 398)، الروضة (3/ 84). (¬6) الأم (2/ 174). (¬7) المجموع (8/ 28). (¬8) المجموع (8/ 29). (¬9) التنبيه (ص 75)، المنهاج (ص 198).

تقييد " التنبيه "، ويمكن أن يكون قول " التنبيه ": (بيده) مثالًا، وقد قال الرافعى: ولو لم يستلم بيده، ووضع عليه خشبة، ثم قَبَّلَ طَرَفَهَا .. جاز (¬1)، قال في " الروضة ": الاستلام بالخشبة ونحوها مستحب إذا لم يتمكن من الاستلام باليد. انتهى (¬2). وإنما ذكرا ذلك في الاستلام عند العجز عن التقبيل؛ لأنهما لم يذكرا تقبيل ما يستلم به إلا في هذه الصورة، فأما تقبيل اليد بعد الاستلام بها مع تقبيل الحجر نفسه .. فلم يذكراه، كما سأذكره بعد ذلك، والظاهر: أنه لا فرق بين الاستلام المقرون بتقبيل الحجر والاستلام الخالي عن ذلك في أنه يكون بيده، فإن لم يتمكن .. فبخشبة ونحوها، فيكون تقييد " التنبيه " باليد؛ لأنه الأكمل، وإطلاق " المنهاج " لجواز كل منهما. ثانيهما: السجود عليه، وقد ذكره " المنهاج " بقوله [ص 198]: (ويضع جبهته عليه) ولم يتعرض له " التنبيه "، وهو وارد عليه، ويرد عليهم جميعًا أمور: أحدها: أنهم لم يذكروا تقبيل اليد بعد الاستلام بها مع تقبيل الحجر نفسه، وقال شيخنا ابن النقيب: الذي نص عليه الشافعي رحمه الله وتبعه جماعة: إطلاق أنه يقبلها ويقبل الحجر من غير تخصيص تقبيل يده بالعجز عن تقبيل نفس الحجر، كما خصه به الرافعي والنووي (¬3). ثانيها: أنه يستثنى من الاستلام والتقبيل: المرأة، إلا إذا خلا المطاف ليلًا كان أو نهارًا، وخصه في " الكفاية " بالليل، وكأنه جرى على الغالب، فلو خلا المطاف نهارًا .. فالحكم كذلك. ثالثها: أن الحكم إنما هو للركن، حتى لو أزيل الحجر من موضعه والعياذ بالله .. أستلم الركن وقبَّله وسجد عليه، وحكاه في " شرح المهذب " عن الدارمي (¬4)، قال في " المهمات ": وهو نظير ما سبق في البداءة بالطواف، إلا أنه هناك واضح، وأما الاستلام: فمشكل. 1467 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (فإن عجز .. استلم) (¬5) أي: ويقبل ما استلم به كما في " الروضة " وأصلها (¬6)، ثم مقتضى كلامهم: الإتيان بذلك ولو آذى غيره لزحمة، لكن قال الشافعي في " الأم ": أحب الاستلام ما لم يؤذ غيره بالزحام، إلا في ابتداء الطواف .. فاستحب له الاستلام وإن كان بالزحام أو في آخر الطواف، حكاه البندنيجي، وذكر في " شرح المهذب ": أن ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (3/ 399). (¬2) الروضة (3/ 85). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (2/ 280). (¬4) المجموع (8/ 40). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 75)، و" الحاوي " (ص 246)، و" المنهاج " (ص 198). (¬6) الروضة (3/ 85).

الأصحاب أطلقوا أنه لا يأتي به، ثم نقل هذا النص (¬1). 1468 - قولهما - والعبارة لـ " المنهاج " -: (فإن عجز .. أشار بيده) (¬2) فيه أمران: أحدهما: في معنى اليد: ما فيها من عصًا ونحوها؛ ولذلك أطلق " الحاوي " الإشاره (¬3). ثانيهما: يستحب أن يقبل ما أشار به، كما ذكره النووي في " شرح المهذب " و" المناسك " تبعًا لابن الصلاح (¬4)، ولم يذكره في " الحاوي " ولا في " الروضة " وأصلها. 1469 - قول " المنهاج " [ص 198]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 246]: (ويستلم اليماني) أي: ثم يقبل يده في الأصح، وقد ذكره " التنبيه " (¬5). 1470 - قولهما: (ولا يقبله) (¬6)، وقول " المنهاج " [ص 198]: (ولا يقبل الركنين الشَّامِيَّيْنِ) معناه: أنه ليس بسنة، فإن قبلهن أو قبل غيرهن من البيت .. لم يكره، ولا هو خلاف الأولى، بل هو حسن، كما حكاه في " الاستقصاء " عن نص الشافعى أنه قال: وأيّ البيت قَبَّلَ فحسنٌ غير أنا نأمر بالاتباع. انتهى (¬7). وأحسن " الحاوي " في كونه لم يتعرض لنفي تقبيلهن، بل اقتصر على كونه لم يذكر تقبيلهن في السنن، ثم مقتضى كلامهم جميعًا: أنه إذا عجز عن استلام اليماني .. لا يشير إليه، وبه صرح ابن أبى الصيف في " نكته " و" مناسكه "، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في " مناسكه ": إنه يشير إليه، قال المحب الطبري: وهو أوجه، قياسًا على الأسود. انتهى. وقد يؤخذ ذلك من قول " الحاوي " [ص 246]: (ثم يشير) بعد ذكره تقبيل الحجر ومس اليماني. 1471 - قولهما: (وأن يقول أول طوافه: " بسم الله والله أَكبر ... إلى آخره") (¬8) كذا في " الروضة " وأصلها (¬9)، والذي في " شرح المهذب ": أنه يُندب ذلك في كل طرفة، لكنه في الأولى آكد (¬10). ¬

_ (¬1) الأم (2/ 171)، المجموع (8/ 42). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 75)، و" المنهاج " (ص 198). (¬3) الحاوي (ص 246). (¬4) المجموع (8/ 36)، الإيضاح في المناسك (ص 80). (¬5) التنبيه (ص 75). (¬6) انظر " التنبيه " (ص 75)، و" المنهاج " (ص 198). (¬7) انظر " الأم " (2/ 172). (¬8) انظر " التنبيه " (ص 75)، و" المنهاج " (ص 198). (¬9) الروضة (3/ 85). (¬10) المجموع (8/ 39).

1472 - قول " المنهاج " في القول قبالة الباب [ص 198]: (وهذا مقام العائذ بك من النار) قيل: يعني إبراهيم عليه السلام، فيشير بيده إلى المقام، وقيل: يعني نفسه، فلا يشير، والأول أشهر، فتزاد سنة، وهي الإشارة حينئذ إلى المقام. 1473 - قول " التنبيه " [ص 75]: (ويقول في الأربعة منها: " رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم، اللهم؛ ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار") لم يذكر " المنهاج " صدر هذا الدعاء، وذكر آخره غير مقيد له بالأربعة الأخيرة، بل قال: إنه يأتي به بين اليَمَانِيَّيْنِ، ولفظه: (اللهم؛ آتنا ... إلى آخره) (¬1)، وكذا في " الروضة " (¬2)، لكن الذي في كتب الرافعي و" شرح المهذب ": (ربنا آتنا) (¬3)، وكذا رواه أبو داوود وغيره، وهو الموافق للقرآن (¬4)، وقال في " شرح المهذب " فيما ذكره في " التنبيه ": نص عليه الشافعي والأصحاب، وعَجَبٌ إهمالُه في " المهذب " (¬5). 1474 - قول " المنهاج " [ص 198]: (وأن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى) لو قال: (في الطوفات) .. لكان أحسن؛ لأن الشافعي والأصحاب كرهوا تسميته شوطًا (¬6)، وإن كان النووي اختار في " شرح المهذب " عدم الكراهة (¬7)، وقد عبر " التنبيه " و" الحاوي " بالثلاثة دون ذكر الأشواط (¬8). 1475 - قول " المنهاج " [ص 199] و" الحاوي " [ص 246]: (ويختص الرمل بطوافٍ يعقبه سعي) زاد " المنهاج " [ص 199]: (وفي قول: بطواف القدوم) فيه أمور: أحدها: أنه ينبغي تقييد السعي بكونه ركنًا؛ للاحتراز عما لو سعى عقب القدوم، ثم أراد السعي عقب الإفاضة .. فإنه لا يستحب له الرمل فيه على الأظهر؛ لكون هذا السعي ليس ركنًا، بل ولا مستحبًا، فلا عبرة به. ثانيها: قال شيخنا الإمام البلقيني: ينبغي تقييد الطواف بكونه طواف قدوم أو إفاضة؛ احترازًا عن طواف الوداع إذا خرج؛ فإنه يجوز السعي بعده، ولا رمل فيه. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 198). (¬2) الروضة (3/ 85). (¬3) انظر " فتح العزيز " (3/ 400)، و " المحرر" (ص 126)، و " المجموع " (8/ 48). (¬4) سنن أبي داوود (1892)، وأحمد (15435)، وانظر سورة البقرة: 201. (¬5) المجموع (8/ 48). (¬6) انظر " الأم " (2/ 176). (¬7) المجموع (8/ 61). (¬8) التنبيه (ص 75)، الحاوي (ص 246).

ثالثها: اختار السبكي القول القديم تبعًا للبغوي (¬1). رابعها: ينبغي أن يقال في القول القديم: بطواف قدوم، أو ركن اندرج القدوم فيه، ويُقيّد طواف القدوم بكونه ضِمْنَ إحرام، ذكره شيخنا الإمام البلقيني، قال: فإنَّ من قدم مكة غير محرم .. يسن في حقه طواف القدوم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح، قال: ولم يذكر أحد أنه رمل في هذا الطواف، ولا حرك دابته؛ فإنه كان راكبًا. خامسها: محل القولين: في حاج آفاقي دخل مكة قبل الوقوف، ولم يُرد السعي عقب القدوم، أما المعتمر .. فيرمل جزمًا، والحاج المكي يرمل على الأول دون الثاني، والحاج الآفاقي الداخل بعد الوقوف يرمل جزمًا، وإن دخل قبله وأراد السعي عقب القدوم .. يرمل جزمًا؛ لوجود المعنيين، وإن أراد تأخيره إلى الإفاضة .. رمل في القدوم على القديم، وفى الإفاضة على الجديد. 1476 - قول "المنهاج" [ص 199]: (وليقل فيه: "اللهم؛ اجعله حجًا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وسعيًا مشكورًا ") فيه أمران: أحدهما: قيده في "التنبيه" بمحاذاة الحجر الأسود، وزاد في أوله التكبير فقال: (ويقول في رمله كلما حاذى الحجر الأسود: "الله أكبر ... إلى آخره") (¬2) ووافق في "المهمات" هذا التقييد والزيادة، وأنكرهما النشائي في "نكته"، ثم قال: (وكلام "المختصر" يفهمه؛ حيث قال بعد ذكر الرمل والاضطباع: وكلما حاذى الحجر الأسود .. كَبَّر، وقال في رمله: "اللهم؛ اجعله حجًا مبرورًا ... إلى آخره"، قال: لكن تأويله واضح؛ فإن حالة الرمل مغايرة لحالة الطائف عند الحجر، فلا ملازمة) (¬3). ثانيهما: قوله: (حجًا مبرورًا) ينبغي أن يكون محله في الحاج، أما المعتمر .. فينبغي أن يقول: (عمرة مبرورة، أو نسكًا ونحوه)، وقال في "المهمات" بعد ذكره أن المناسب للمعتمر: أن يقول: عمرة مبرورة، ويحتمل استحباب التعبير بالحج مراعاة للحديث، ويقصد المعنى اللغوي، وهو القصد. 1477 - قول "التنبيه" [ص 75]: (ويضطبع) بيَّنَ في "المنهاج" محله فقال [ص 199]: (في جميع كل طواف يرمل فيه، وكذا في السعي على الصحيح) وقد يفهم الاضطباع في ركعتي الطواف، والآصح: خلافه؛ لكراهة هيئة الاضطباع فى الصلاة؛ ولذلك صرح به "الحاوي" فقال ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (3/ 262). (¬2) التنبيه (ص 75). (¬3) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 69)، وانظر "مختصر المزني" (ص 67).

بعد ذكر الرمل في الثلاثة الأولى [ص 246]: (بالاضطباع إلى آخر السعي، لا في الركعتين). 1478 - قولهما: (ولا ترمل المرأة، ولا تضطبع) (¬1) وكذا الخنثى كما في "شرح المهذب" (¬2)، وعليه يدل قول "الحاوي" [ص 246]: (وَرَملَ الرجل) ثم إن عبارة "المحرر" قد تفهم تحريم ذلك عليهن؛ لقوله: (ليس للنساء رمل ولا اضطباع) (¬3)، قال في "المهمات": والمعنى المقتضي للمشروعية وهو كونه دأب أهل الشطارة (¬4) يقتضي التحريم فيهن؛ لأن ذلك يؤدي إلى التشبه بالرجال، بل بأهل الشطارة منهم، والتشبه حرام. 1479 - قول "المنهاج" [ص 199]: (وأن يَقْرُب من البيت) وهو مفهوم من عبارة "الحاوي" أيضًا (¬5)، فيه أمران: أحدهما: أن محل ذلك: في الرجل، أما المرأة والخنثى: فيندب لهما حاشية المطاف. ثانيهما: ومحله أيضًا: إذا لم يؤذ أحدًا، ولا تأذى بالزحمة، وإلا .. فالبعد أولى. 1480 - قول "المنهاج" [ص 199]: (ويصلي بعده ركعتين خلف المقام) أي: هو الأفضل كما صرح به "التنبيه" (¬6)، فإن لم يكن .. ففي الحجر، وإلا .. ففي المسجد، وإلا .. فحيث شاء من الحرم وغيره، وقد صرح به "الحاوي" بقوله [ص 246]: (خلف المقام، ثم في الحجر، ثم في المسجد، ثم حيث شاء). 1481 - قول "المنهاج" [ص 199]: (ويجهر ليلًا) هو المنقول، وقال ابن الصلاح في "مناسكه": ينبغي أن يسر فيهما ليلًا ونهارًا؛ لأنها صلاة واحدة تقع ليلًا ونهارًا، فسن فيها الإسرار مطلقًا كصلاة الجنازة على المذهب الأصح، وقال شيخنا الإمام البلقيني: وهذا بحث صحيح. 1482 - قول "التنبيه" [ص 75، 76]: (وإن حمله محرم ونويا جميعًا .. ففيه قولان، أحدهما: أن الطواف للحامل، والثاني: أنه للمحمول) فيه أمور: أحدها: أن معنى قوله: (ونويا جميعًا): نوى كلٌّ منهما الطواف عن نفسه، وحينئذ .. فالأصح: أن الطواف للحامل، وعليه يدل كلام "المنهاج" و"الحاوي" (¬7)، وحكى في "الكفاية" عن "مناسك" النووي تصحيح أنه للمحمول، وهو وهم عليه (¬8)، أما لو نويا أن يكون ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 75)، و"المنهاج" (ص 199). (¬2) المجموع (8/ 49). (¬3) المحرر (ص 127). (¬4) المراد به هنا: من عنده نشاط. انظر "حاشية البجيرمي" (2/ 125). (¬5) الحاوي (ص 246). (¬6) التنبيه (ص 76). (¬7) الحاوي (ص 243)، المنهاج (ص 199). (¬8) الإيضاح في المناسك (ص 76).

الطواف للحامل .. وقع عنه قطعًا، أو للمحمول .. وقع عنه على الأصح، وكلام "المنهاج" و"الحاوي" دال على هذا، قال في "الكفاية" فيما إذا نوياه للمحمول: مقتضى كلام "التنبيه" أنه لا يجري فيه القولان، قال: وهو صحيح في طواف التطوع دون طواف الفرض. ثانيها: مقتضى قوله: (ونويا جميعًا): أنه لو نوى أحدهما فقط .. كان الطواف لذلك الناوي قطعًا، قال في "الكفاية": ويظهر أن يُبْنَى على اشتراط النية، فإن اشترطت .. وقع عن الناوي، وإلا .. جاء القولان. ثالثها: بقي من الصور: أن يقصد الحامل الطواف له وللمحمول، والأصح: وقوعه للحامل، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، قال في "المهمات": لكن نص الشافعي في "الأم" على وقوعه عن المحمول، وفي "الإملاء" على وقوعه عنهما، حكاه الروياني في "البحر" (¬2)، فالنصان متفقان على نفي هذا المصحح، ونصه في "الأم" أقوى عند الأصحاب، وهو هنا بخصوصه أظهر من نصه في "الإملاء"، فيجب الأخذ به. وبقي من الصور أيضًا: ألَّا يقصد الحامل شيئًا، ولم يذكره "المنهاج"، وذكر "الحاوي" تبعًا للرافعي أنه يقع للحامل (¬3)، وهو واضح؛ لأن الشرط عدم الصارف، ولم يوجد. رابعها: التقييد بما إذا كان الحامل محرمًا ليخرج ما إذا كان حلالًا؛ فإن الطواف حينئذ للمحمول، وفي معنى كونه حلالًا: أن يكون محرمًا قد طاف عن نفسه، وقد ذكر ذلك "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، وفيه أمور: أحدها: أنه لا بد من تقييد ذلك بألَّا يكون المحمول قد طاف عن نفسه طواف إحرامه من قدوم وركن، فلو كان المحمول المحرم قد طاف عن نفسه .. كان كالحلال. ثانيها: أنهما أطلقا في هذه الصورة وقوعه للمحمول، وكذا في "الروضة" وأصلها (¬5)، وينبغي أن يكون محله: ما إذا نواه الحامل له، أو لم يكن له نية، فأما إذا نواه لنفسه .. فينبغي تخريجه على القولين في أنه يقع عن الحامل فقط - لكونه فاعله، وهو الصحيح - أو لهما، ذكره في "الكفاية"، قال في "المهمات": وهو إشكال صحيح. ثالثها: ينبغي أن يكون محله أيضًا: ما إذا لم يصرفه المحمول عن نفسه، فإن صرفه، أو لم ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 243)، المنهاج (ص 199). (¬2) الأم (2/ 211)، بحر المذهب (5/ 164). (¬3) الحاوي (ص 243)، وانظر "فتح العزيز" (3/ 406). (¬4) الحاوي (ص 243)، المنهاج (ص 199). (¬5) الروضة (3/ 83).

ينوه، وقلنا: تجب النية، وكان الحامل قد نوى .. وقع للحامل، وقد ذكره السبكي، وقال: إنه لاشك فيه. رابعها: ينبغي أن يلتحق بالحلال والطائف عن نفسه ما إذا لم يكن دخل وقت طوافه؛ كمحرم بحج لم يطف عن نفسه حمل محرمًا بعمرة قبل انتصاف الليل ليلة النحر، فينبغي أن يكون الطواف هنا للمحمول؛ لأن هذا المحرم كالحلال بلا شك، ذكره في "المهمات". خامسها: في بعض نسخ "المنهاج" بعد قوله [ص 199]: (ولو حمل الحلال محرمًا وطاف به .. حسب للمحمول بشرطه)، وليس في "المحرر"، والمراد به: اجتماع شروط الطواف في حق المحمول؛ من طهارة، وستر عورة، ودخول وقت، فإن فقد شرط من ذلك .. وقع للحامل؛ كما لو طاف بمحرم بحج قبل نصف ليلة النحر .. فذلك المحرم المحمول كالحلال عكس الصورة المتقدمة، وهنا تنبيهات: أحدها: ظاهر إطلاقهم: أنه لا فرق بين أن يكون المحمول كبيرًا أو صغيرًا، ولا بين أن يكون الحامل له وليّه الذي أحرم به أم لا، وبه صرح الرافعي والنووي (¬1)، قال في "المهمات": لكن المنقول فيما إذا طاف الصغير راكبًا .. أنه لا يجزئه إلا إذا كان الولي سائقًا أو قائدًا، كذا قاله صاحب "البحر" وغيره (¬2)، وهو هنا أولى، قال: فتقييد الغزالي بالولي؛ للاحتراز عن غيره؛ فإن فيه هذا التفصيل (¬3). ثانيها: صور "التنبيه" و"المنهاج" المسألة بما إذا كان المحمول واحدًا جريًا على الغالب، فلو كان المحمول اثنين فأكثر .. لم يختلف الحكم؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 243]: (ولو طاف حلٌّ، أو مَنْ طاف بمُحْرِمَيْن)، وعُلم حكم الواحد من طريق الأولى، وكذا لو كان الحامل اثنين فأكثر حَمَلا واحدًا، قُلْته تخريجًا، ويتفرّع عليه: ما لو حمل أكثرُ مِنْ واحد أكثرَ من واحد، وتتكثر المسائل. ثالثها: لو لم يحمله، ولكن جعله في شيء موضوع على الأرض وجذبه .. فهل يلتحق بالمحمول؛ لم أر فيه نقلًا، وفيه نظر، وقد يتناوله قول "الحاوي" [ص 243]: (بمحرمين) فإن طوافه به أعم من حمله، فيتناول هذه الصورة، والله أعلم رابعها: لم يذكروا الحمل إلا في الطواف، وقال شيخنا الإمام البلقيني: قضية كلام صاحب "الكافي" تعطي أنه لا فرق في أحكام المحمول بين الطواف والسعي، وفيه نظر. قلت: بل هو واضح، والله أعلم. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (3/ 406)، و"الروضة" (3/ 84)، و"المجموع" (8/ 30). (¬2) بحر المذهب (5/ 233). (¬3) انظر "الوجيز" (1/ 262).

فصل [في السعي]

فصلٌ [في السعي] 1483 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (يستلم الحجر بعد الطواف وصلاته) (¬1) لم يذكر " المحرر " الصلاة، بل اقتضى كلامه أن الاستلام بعد الطواف خاصة، والمنقول الأول؛ فلذلك ذكره " المنهاج "، لكن من غير تنبيه على أنه من زيادته، وكأن ذلك؛ لأنه مراد " المحرر "، وإنما أهمله؛ لوضوحه، والمنقول ذكر الاستلام خاصة، وكذا في " صحيح مسلم " من حديث جابر (¬2)، ومقتضاه: أنه لا يستحب في هذه الحالة تقبيله ولا السجود عليه، قال في "المهمات": فإن كان كذلك .. فلعل سببه المبادرة إلى السعي. 1484 - قول " التنبيه" في السعي [ص 76]: (يفعل ذلك سبعًا) قد يفهم أن الذهاب من الصفا والعود إليها من المروة تحسب مرة واحدة، والصحيح خلافه، ولذلك أفصح عنه "المنهاج" بقوله [ص 199]: (ذهابُهُ من الصفا إلى المروة مرة، وعوده منها إليه أخرى) و " الحاوي " بقوله [ص 243]: (الذَّهاب مرةٌ، والعود أخرى). 1485 - قول " المنهاج" [ص 199]- والعبارة له - و "الحاوي" [ص 243، 244]: (وأن يسعى بعد طواف ركن، أو قدوم) أخرج طواف الوداع؛ فإنه لا يتصور وقوع السعي بعده؛ لأنه إذا بقي السعي .. لم يكن طواف وداع، كما قاله الرافعي والنووي (¬3). ورده في "المهمات": بتصوره فيما إذا أراد المحرم بالحج الخروج من مكة قبل الوقوف .. فيطوف للوداع، ثم يخرج لحاجته، فإذا عاد .. سعى، كما ذكره البندنيجي وصاحب "البيان"، وقالا: إنه مذهب الشافعي، وحكاه في "شرح المهذب" عنهما، وسلم التصوير، لكن نازع في الصحة، وقال: لم أر لغيرهما ما يوافقه، وظاهر كلام الأصحاب: عدم جوازه إلا بعد القدوم أو الإفاضة (¬4). ورده في "المهمات"، وقال: ذكرهم للقدوم والإفاضة؛ لأنه الغالب، قال: ثم إنه إن كان طاف للإفاضة قبل ذلك .. صح السعي؛ لتقدم طواف الإفاضة عليه، وتراخيه عنه لا يقدح، وإن لم يطف .. وقع هذا الطواف عنه، كما صرح به الرافعي وغيره، قال: ولا يستقيم منع طواف الوداع مع بقاء شيء من المناسك؛ لأن السعي والحلق لا آخر لوقتهما، ويجوز للحاج الخروج من ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 76)، و "الحاوي" (ص 246)، "المنهاج" (ص 199). (¬2) صحيح مسلم (1273). (¬3) انظر "فتح العزيز" (3/ 410)، و"المجموع" (8/ 77). (¬4) المجموع (8/ 77)، وانظر "البيان" (4/ 303).

مكة قبل فعلهما، فإن صححنا طواف الوداع .. بطل ما قاله، وإن لم نصححه .. لزم الخروج بلا وداع، أو وجوب السعي والحلق قبل الخروج. انتهى. وخرج بتعبيرهما: طواف النفل أيضًا، وبه صرح النووي في "شرح المهذب" (¬1)، لكن صرح المحب الطبري بصحة السعي فيما إذا أحرم مكي بحج، ثم تنفل بطواف، وسعي بعده، ويوافقه قول ابن الرفعة: اتفقوا على أن من شرطه: أن يقع بعد طواف ولو نفلًا، إلا طواف الوداع، وتقديم "المنهاج" الركن في الذكر على القدوم قد يفهم أن إيقاع السعي بعده أرجح، وعليه يدل عبارة "الحاوي" فإنه بعد ذكره السعي بعد طواف الركن، قال: (وجاز بعد طواف القدوم) (¬2)، وقد يقال: إن عبارة "المنهاج" تدل على استوائهما؛ لكونه خيّر بينهما، والتقديم في الذكر لا يدل على الرجحان؛ فإنه لا بد من ذكر أحدهما قبل الآخر، ولعل هذا أرجح، ولم يتعرض "التنبيه" لاشتراط ذلك للسعي، ولا بد منه. 1486 - قول "المنهاج" [ص 199، 200]: (بحيث لا يتخلل بينهما الوقوف بعرفة) أحسن من تعبير "المحرر" و "الروضة" وأصلها بـ (تخلل ركن) (¬3) لتناوله الحلق على المشهور في أنه ركن، مع أن المتجه: أنه لا يضر تخلله بين الطواف والسعي. 1487 - قول "المنهاج" [ص 200]- والعبارة له - و "الحاوي" [ص 243، 244]: (ومن سعى بعد قدوم .. لم يُعِدْهُ) أي: لا يستحب إعادته، كما في "الروضة" وأصلها وفي موضع من "شرح المهذب" (¬4)، وفي موضع آخر منه: أنه يكره إعادته (¬5)، وقد تفهم عبارتهما التحريم، ولا قائل به. 1488 - قول "المنهاج" [ص 200]: (ويستحب أن يَرْقَى على الصفا والمروة قدر قامةٍ) محله: في الرجل، أما المرأة: فلا ترقى، كما صرح به "التنبيه" (¬6)، قال في "المهمات": ولا شك أن الخنثى كذلك، قال: ولو فصّل فيهما بين أن يكونا في خلوة أو بحضرة محارم، وبين ألَّا يكونا؛ كما قيل به في الجهر في الصلاة .. لم يبعد. انتهى. وعبارة "الحاوي" في ذلك مثل "المنهاج"، إلا أنه قيّد الرُّقي في الصفا بقامةٍ، وأطلقه في المروة (¬7)، ولعل ذلك لفهمه مما تقدم في الصفا، ولم يقيد ذلك في "التنبيه" بقامةٍ، بل قال في ¬

_ (¬1) المجموع (8/ 77). (¬2) الحاوي (ص 243، 244). (¬3) المحرر (ص 127)، الروضة (3/ 90). (¬4) الروضة (3/ 90)، المجموع (8/ 216). (¬5) المجموع (8/ 81). (¬6) التنبيه (ص 76). (¬7) الحاوي (ص 246).

فصل [في الوقوف بعرفة]

الصفا: (حتى يَرى البيتَ)، وقال في المروة: (حتى يصعد المروة، ويفعل مثل ما فعل على الصفا) (¬1)، ومن المعلوم أنه لا يرى البيت من المروة، وَرُقيّ قامة على الصفا مع رؤية البيت متلازمان غالبًا؛ ولذلك قال في "الروضة" وأصلها: ويرقى على الصفا بقدر قامة رجل، حتى يتراءى له البيت، وقال في المروة: يرقى عليها بقدر قامة رجل، ولم يقل: حتى يتراءى له البيت (¬2)، ولعل قول "التنبيه": (ويفعل مثل ما فعل على الصفا) لم يندرج فيه الرقي حتى يرى البيت، والله أعلم. 1489 - قول "التنبيه" [ص 76]: (ثم يدعوا بما أحب، ثم يدعوا ثانيًا وثالثًا) فيه أمران: أحدهما: قال صاحب "المذاكرة": المعروف في كثير من الكتب المشهورة أنه لا يدعوا بما أحب إلا بعد أن يدعوا ثانيًا وثالثًا. ثانيهما: أنه لم يذكر تكرير الذكر، وقد ذكره "المنهاج" من زيادته، فقال [ص 200]: (ويعيد الذكر والدعاء ثانيًا وثالثًا)، وجزم الرافعي في "الشرح" بأنه لا يعيد الدعاء ثالثًا (¬3). 1490 - قول "المنهاج" [ص 200]: (وأن يمشي أول المسعى وآخره ويَعْدُوَ في الوسط، وموضع النوعين معروفٌ) لم يُفصح عن موضع العدو، وقد أوضحه "التنبيه" بقوله [ص 76]: (ويمشي حتى يكون بينه وبين الميل الأخضر المعلق بفناء المسجد نحوُ ستة أذرع، فيسعى سعيًا شديدًا حتى يحاذي الميلين الأخضرين اللذَين بفناء المسجد وحذاء دار العباس، ثم يمشي حتى يصعد المروة)، وعبارة "الحاوي" بمعناه (¬4)، ومحل ذلك: في الرجل، أما المرأة: فتمشي ولا تسعى، كما صرح به "التنبيه" (¬5)، والخنثى كالمرأة، قاله أبو الفتوح. فصلٌ [في الوقوف بعرفة] 1491 - قول "التنبيه" [ص 76]: (فإذا كان في اليوم السابع من ذي الحجة .. خطب الإمام بعد الظهر بمكة، وأمر الناس بالغدو إلى منى من الغد) فيه أمور: أحدها: المراد: الإمام الأعظم، أو نائبه في ذلك؛ ولهذا عبر "المنهاج" بـ (الإمام أو منصوبه) (¬6)، وعلى هذا تحمل عبارة "الحاوي" أيضًا (¬7). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 76). (¬2) الروضة (3/ 89). (¬3) فتح العزيز" (3/ 407). (¬4) الحاوي (ص 246). (¬5) التنبيه (ص 76). (¬6) المنهاج (ص 200). (¬7) الحاوي (ص 246).

ثانيها: المراد: صلاة الظهر، كما عبر به "المنهاج" (¬1)، وذلك وارد على "الحاوي" أيضًا. ثالثها: ذكر الظهر في عبارة الثلاثة جريٌ على الغالب، فلو كان يوم جمعة .. خطب بعد صلاة الجمعة، ولا تكفي عنها خطبة الجمعة. رابعها: قد يتوهم من إطلاقه أنه يخطب خطبتين، وليس كذلك، بل يأتي بخطبةٍ فردةٍ، كما صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). خامسها: تعبيرهم بالغدو يقتضي أن يكون خروجهم إلى منى بكرة النهار قبل الزوال، وهو المرجح في "الروضة" وأصلها هنا، فقال: المشهور: استحباب الخروج بعد الصبح بحيث يصلون الظهر بمنى (¬3)، وقال في الباب قبله في المتمتع الواجد للهدي: يستحب أن يحرم بالحج يوم التروية، وهو الثامن، ويتوجه بعد الزوال إلى منى (¬4). سادسها: يستثنى من خروجهم بعد الصبح: ما إذا كان يوم جمعة؛ فإنهم يخرجون قبل الفجر على المشهور، قال شيخنا ابن النقيب: كذا أطلقوه، وهو محمول على من تلزمه الجمعة كالمكي، والمقيم بها إقامة مؤثرة، أما حاج لم يقم بها الإقامة المؤثرة .. فله الخروج بعد الفجر (¬5). قلت: وكذا إذا أمكنه إقامة الجمعة بمنى. سابعها: اقتصر "التنبيه" على أمرهم بالغدو إلى منى، وزاد "المنهاج" و"الحاوي": تعليمهم ما أمامهم من المناسك (¬6)، وهو محمول على ما أمامهم من المناسك إلى الخطبة الثانية، كما في "الروضة" وأصلها في الكلام على الخطبة الثانية المشروعة بنمرة أنه يخبرهم في كل خطبة عما بين أيديهم من المناسك إلى الخطبة الأخرى (¬7). قال في "المهمات": وهو خلاف مذهب الشافعي؛ فإنه نص على استحباب تعليم الجميع في هذه الخطبة، فقال في "الإملاء": يخطب يوم السابع بمكة بعدما يصلي الظهر، فيأمر الناس بالمضي إلى منى، والإحرام، والصلاة بمنى، والمسير إلى عرفة، وحضور الصلاة بعرفة، وغير ذلك من حجه. انتهى. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 200). (¬2) الحاوي (ص 246)، المنهاج (ص 200). (¬3) الروضة (3/ 92). (¬4) الروضة (3/ 53). (¬5) انظر "السراج على نكت المنهاج" (2/ 293). (¬6) الحاوي (ص 246)، المنهاج (ص 200). (¬7) الروضة (3/ 93).

1492 - قول "المنهاج" [ص 200]: (فإذا طلعت الشمس .. قصدوا عرفات) و"الحاوي" [ص 246]: (وسار إلى عرفات بعد الطلوع) يعتبر مع الطلوع إشراق الشمس على ثبير، وبه عبر "التنبيه"، وهو جبل كبير بمزدلفة على يمين الذاهب إلى عرفات، وتعبيرهما بعرفات أولى من قول "التنبيه" [ص 76]: (سار إلى الموقف) لأنه قال بعد ذلك: (ثم يروح إلى الموقف) (¬1)، وفي قوله: (واغتسل للوقوف، وأقام بنمرة) (¬2) ما يوهم تقديم الاغتسال على الإقامة بنمرة، وليس كذلك؛ فإن الغسل إنما يكون عند التوجه إلى الموقف، والواو لا تقتضي ترتيبًا، وعبارة "الحاوي" توهم استمرار سيرهم إلى عرفات، وليس كذلك، بل يقيمون بنمرة بقرب عرفات حتى تزول الشمس، كما صرح به "التنبيه" و"المنهاج" (¬3)، لكن ليس في عبارته تصريح بأن الخطبتين والصلاتين بنمرة، وصرح "التنبيه" بذلك، فعبارته أحسن. 1493 - قول "التنبيه" [ص 76] و"الحاوي" [ص 246]: (أنه يفرغ من الخطبة الثانية مع فراغ الأذان) صححه النووي والرافعي في "الشرح الصغير"، وحكى النووي في "الروضة": أن الرافعي صحح أن يفرغ منها مع فراغ الإقامة، ثم استدركه عليه (¬4)، وهو وهمٌ؛ فلم يصحح الرافعي في "الشرح الكبير" شيئًا. 1494 - قولهم: (ثم يصلي بالناس الظهر والعصر جمعًا) (¬5) قد يوهم أن هذا الجمع للنسك؛ لكونه لم يخصُّه بالمسافر، وكذا صححه النووي في "مناسكه" (¬6)، لكن الأصح في "الروضة" وأصلها وغيرهما: أنه للسفر، فلا يجوز للحاضر، ولا للمكي في الأصح؛ لقصر سفره (¬7). 1495 - قول "المنهاج" [ص 200]: (ويقفوا بعَرَفَةَ إلى الغروب) بالنصب عطفًا على (يخطب) من قوله [ص 200]: (يستحب للإمام أو منصوبه أن يخطب) اعترض عليه بأمرين: أحدهما: أنه قد يفهم أن الوقوف مستحب، وهو ركن، وجوابه: أنه مقيد بالاستمرار إلى الغروب، وذلك مستحب على الصحيح، وقيل: واجب. الثاني: أن معناه يؤول إلى أنه يستحب للإمام أو منصوبه أن يقفوا، فكان الأولى: أن يُفْرد، فيقول: (ويقف)، وكذا ما بعده من قوله: (ويذكروا الله ... إلى آخره) (¬8). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 76). (¬2) التنبيه (ص 76). (¬3) التنبيه (ص 76)، المنهاج (ص 200). (¬4) الروضة (3/ 93). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 76)، و"الحاوي" (ص 246)، و"المنهاج" (ص 200). (¬6) الإيضاح في المناسك (ص 92). (¬7) الروضة (3/ 93). (¬8) المنهاج (ص 200).

1496 - قول "التنبيه" [ص 76]: (والأفضل: أن يقف عند الصخرات بقرب الإمام) محله: في الرجل، أما المرأة: فيندب لها الجلوس في حاشية الموقف، كما ذكره النووي في "شرح المهذب" و"المناسك" عن الماوردي، وأقره (¬1)، قال في "المهمات": وقياسه: استحباب ذلك للخنثى أيضًا، ويكون على ترتيب الصلاة، قال: ثم يتعدى النظر إلى الصبيان عند اجتماعهم مع البالغين، ثم قال: إنه يتجه أنه لا يستحب لها قصد الوقوف مع الرجال عند الصخرات، وأما أمرها بمفارقة أهلها وخيامها الساترة لها، والوقوف في حاشية الموقف المؤدي غالبا إلى ضياع بعضهم من بعض .. فيبعد جدًا، وليس نظير الصلاة. انتهى. 1497 - قوله: (وأن يكون راكبًا في أحد القولين) (¬2) فيه أمور: أحدها: أن هذا هو الأصح. ثانيها: محل ذلك: في الرجل، أما المرأة: فيستحب لها أن تكون قاعدة؛ لأنه أستر لها، قاله الماوردي (¬3)، وجزم به النووي في "تصحيحه" فقال: (وأن الوقوف راكبًا أفضل، إلا المرأة .. فقعودها أفضل) (¬4)، واعترضه النشائي في "نكته": بأنه استثناء في غير موضعه، ومحله إذا قلنا: الترجل أفضل .. فتكون المرأة قاعدة لا واقفة، وإلا .. فالراكب قاعد غالبًا (¬5). قال في "المهمات": ولا شك في قعودها إذا لم تكن في هودج ونحوه، فإن كانت كما هو الغالب .. ففيه نظر، والمتجه: الوقوف، قال: والخنثى كالمرأة. ثالثها: محل الخلاف أيضًا: فيمن من لا يحتاج إلى ظهوره ليُستفتى ويقتدى به، فإن كان .. فالأفضل في حقه: الركوب قطعًا، وكذا إذا شق عليه الوقوف ماشيًا، أو ضعف به عن الدعاء، قاله في "شرح المهذب" (¬6). 1498 - قول "المنهاج" [ص 200، 201]: (ويكثروا التهليل) أي: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له) إلى (قدير)، قاله في "التنبيه" (¬7). 1499 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وأخروا المغرب ليصلوها مع العشاء بمزدلفة جمعًا) (¬8) فيه أمران: ¬

_ (¬1) المجموع (7/ 323)، الإيضاح في المناسك (ص 96)، وانظر "الحاوي الكبير" (4/ 94). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 77). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (4/ 94). (¬4) تصحيح التنبيه (1/ 251). (¬5) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 70). (¬6) المجموع (8/ 106). (¬7) التنبيه (ص 77). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 77)، و"الحاوي" (ص 246)، و "المنهاج" (ص 201).

أحدهما: أنه يوهم أن الجمع للنسك؛ لعدم تخصيصه بالمسافر، كما تقدم في جمع الظهر والعصر، والمشهور: أنه للسفر، كما تقدم في نظيره، فيحمل كلامهم على من سفره بعيد في الأصح. ثانيهما: أنهم أطلقوا ذلك تبعًا للأكثرين، وقال الدارمي والبندنيجي والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ والطبري والعمراني: إن ذلك إذا لم يخش فوت وقت الاختيار للعشاء، فإن خشي ذلك .. جمع بالناس في الطريق، ونص عليه الشافعي (¬1). قال في "شرح المهذب": ولعل إطلاق الأكثرين محمول على ما لم يخش فوت وقت الاختيار؛ ليتفق قولهم مع نص الشافعي وهذه الطائفة الكثيرة الكبيرة (¬2). واستنبط في "المهمات" من قول الشافعي في "الإملاء": (وأكره للرجل إذا دفع من عرفة أن يعرج حتى يأتي المزدلفة، فإن فعل .. لم يصل المغرب والعشاء حتى يأتي المزدلفة، إلا أن يدركه نصف الليل ... إلى آخره) أن استحباب التأخير إنما هو لمن قصد الدخول إليها، فإن لم يقصد .. فلا يستحب له هذا الجمع بناء على أن قول الشافعي: (فإن فعل) أي: أتى المزدلفة، قال: وهي مسألة حسنة ومتجهة في المعنى؛ لأنه إن كان غريبًا .. فهو في المنزل في وقت الأولى، والسنة فيه تقديم الثانية إليها، فلا يرحل حتى يصلي، وتأخيره عليه الصلاة والسلام لمعنى مناسب، وهو اشتغاله بقصد النسك، وإن كان مقيمًا .. فهو إنما يجمع على قولٍ للنسك وهو قصدُ مزدلفة، وذلك مفقود، ونازعه والدي رحمه الله في ذلك، وقال: الظاهر: أن مراد الشافعى بقوله: (فإن فعل) أي: عرّج للنزول قبل المزدلفة، فلا تؤخذ منه هذه المسألة. 1500 - قول "المنهاج" [ص 201]: (وواجب الوقوف: حضوره بجزءٍ من أرض عرفات، وإن كان مارًا في طلب آبقٍ ونحوه) أشار بقوله: (وإن كان مارًا) إلى أنه لا يشترط المكث، وليس ذلك في "المحرر"، قال الإمام: ولم يخرجوا ذلك على الخلاف في صرف الطواف إلى جهة أخرى، ولا يمتنع طرده، والظاهر: عدمه (¬3). 1501 - قولهم: (إنه لا يصح وقوف المغمى عليه) (¬4) كذا في "المحرر" و"الشرحين" (¬5)، ووهم النووي، فصحح في "أصل الروضة": الصحة، وصرح في "شرح المهذب" بأن الرافعي ¬

_ (¬1) انظر "البيان" (4/ 323). (¬2) المجموع (8/ 121). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (4/ 312، 313). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 77)، و "الحاوي" (ص 242)، و"المنهاج" (ص 201). (¬5) المحرر (ص 128)، فتح العزيز (3/ 416).

صححه، ثم استدرك عليه فصحح المنع من زوائده (¬1). ويؤخذ المنع في المجنون من طريق الأولى، وصرح به في "المحرر" (¬2)، قيل: والمراد بعدم الإجزاء: أنه لا يقع فرضًا؛ فإن المتولي قال: إذا وقف مجنونًا .. يقع حجه نفلًا، حكاه عنه الرافعي والنووي، وأقرّاه (¬3)، فالمغمى عليه أولى بذلك، وقد اعتمد ذلك شيخنا الاسنوي في "تصحيحه" (¬4)، لكنه قال في "المهمات": إنه خلاف مذهب الشافعي؛ فإنه قال في "الإملاء": فاته الحج، وكان كمن لم يدخلها في أنه لا حج له، وفي "الأم" نحوه؛ ولذلك أطلق "التنبيه" أنه إذا وقف مغمى عليه .. فاته الحج (¬5). قال الأصحاب: وتشترط الإفاقة أيضًا عند الإحرام والطواف والسعي (¬6)، ولم يتعرضوا للحلق، وقياس كونه نسكًا: اشتراطها فيه. 1502 - قول "المنهاج" [ص 201]: (والصحيح: بقاؤه إلى الفجر) كان ينبغي التعبير بـ (المذهب) كما في "المحرر" (¬7)، وكذا في "الروضة": صح على المذهب، وبه قطع الجمهور، وقيل: في صحته قولان (¬8). 1503 - قول "التنبيه" [ص 77]: (ومن أدرك الوقوف بالنهار .. وقف حتى تغرب الشمس، فإن دفع قبل الغروب .. لزمه دم في أحد القولين) الأصح: أنه لا يلزمه دم، ولكن يستحب؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 201]: (أراق دمًا استحبابًا)، وعد "الحاوي" الوقوف إلى الغروب من السنن (¬9). لكن صحح النووي في "مناسكه": الوجوب (¬10)، ومحلهما: إذا لم يَعُدْ، فإن عاد فكان بها عند الغروب .. فلا دم، وكذا إن عاد ليلًا في الأصح، ذكره "المنهاج" (¬11)، وصحح في "شرح المهذب": القطع به (¬12)، فينبغي على طريقته التعبير بالمذهب. ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 95)، المجموع (8/ 104). (¬2) المحرر (ص 128). (¬3) انظر "فتح العزيز" (3/ 416)، و"الروضة" (3/ 95)، و "المجموع" (8/ 104). (¬4) تذكرة النبيه (2/ 62). (¬5) التنبيه (ص 77). (¬6) انظر "المجموع" (7/ 28). (¬7) المحرر (ص 128). (¬8) الروضة (3/ 97). (¬9) الحاوي (ص 246). (¬10) الإيضاح في المناسك (ص 100). (¬11) المنهاج (ص 201). (¬12) المجموع (8/ 102, 103).

1504 - قول "التنبيه" وهو في (باب الفوات والإحصار) [ص 80]: (وإن أخطا الناس في العدد فوقفوا في غير يوم عرفة .. أجزأهم) يتناول ما لو وقفوا الحادي عشر، ولا يجزئهم قطعًا، والثامن، ولا يجزئهم أيضًا، فإن علموا قبل فوت الوقوف .. وجب الوقوف في الوقت، وإن علموا بعده .. وجب القضاء في الأصح، ذكره "المنهاج" (¬1). فلذلك فرض "المنهاج" المسألة في وقوف اليوم العاشر، و"الحاوي" فيما بين زوال الشمس يوم النحر والفجر (¬2)، فدخل في عبارته ليلة الحادي عشر، ولم تتناولها عبارة "المنهاج"، وذكرها السبكي بحثًا، فقال: الذي يظهر أنها كالعاشر؛ فإنها من تتمته، وقد عرفت أنها منقولة، وصحح القاضي الحسين: عدم الإجزاء فيما إذا وقفوا فيها. وبين عبارة "المنهاج" و"الحاوي" تفاوت آخر، وهو أن "المنهاج" عبر بقوله [ص 201]: (ولو وقفوا اليوم العاشر غلطًا) و"الحاوي" بقوله [ص 242]: (ولكثيرين كالطين)، فاقتضت عبارة "المنهاج" فيما لو تبين لهم الحال قبل الزوال، فوقفوا عالمين الصحة بناء على أن قوله: (غلطًا) مفعولًا له؛ لأنهم إنما فعلوا ذلك لأجل الغلط، وإن كانوا حالة الوقوف عالمين بالحال، واقتضت عبارة "الحاوي" في هذه الصورة: البطلان وعدم الاحتساب؛ لأنهم لم يقفوا غالطين، بل عالمين، والأول هو الذي عليه عامة الأصحاب، كما حكاه الرافعي، وصححه في "شرح المهذب" (¬3)، والثاني هو الذي قال البغوي: إنه المذهب (¬4)، وأطلق القاضي حسين في ذلك وجهين من غير ترجيح، وإذا أعربنا قول "المنهاج": (غلطًا) مصدرًا في موضع الحال .. استوت عبارته مع عبارة "الحاوي" في ذلك. واعلم: أن الرافعي صوّر المسألة بما إذا غم هلال ذي الحجة، فأكملوا عدة ذي القعدة ثلاثين، ثم قامت البينة - إما بعد وقوفهم، أو في أثنائه -[أن الهلال كان قد أهل] (¬5) ليلة الثلاثين، وفي إطلاق الغلط والخطأ في العدد على هذا التصوير نظر، وإنما هو جهل، والتعبير بالغلط يتناول ما إذا وقع ذلك بسبب الحساب، وكذا يتناوله تعبير "التنبيه" بالخطأ في العدد مع أنه لا يجزئ كما صرح الرافعي في الكلام على الغلط بالتقديم، وحينئذٍ .. فما اقتضاه كلامهم ليس الحكم فيه كذلك، وما الحكم فيه ذلك .. لا يقضيه كلامهم، والله أعلم. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 201). (¬2) الحاوي (ص 242). (¬3) فتح العزيز (3/ 419، 420)، المجموع (8/ 221). (¬4) انظر "التهذيب" (3/ 263). (¬5) ما بين معقوفين زيادة من "الشرح الكبير" ولا بد منها.

فصل [في المبيت بمزدلفة وأعمال ليلة النحر]

فصلٌ [في المبيت بمزدلفة وأعمال ليلة النحر] 1505 - قول "المنهاج" [ص 201]: (ومن دفع منها - أي: من مزدلفة -: بعد نصف الليل أو قبله وعاد قبل الفجر .. فلا شيء عليه، ومن لم يكن بها في النصف الثاني .. أراق دمًا) يقتضي أن الواجب من المبيت ساعة من النصف الثاني؛ سواء كان بها في شيء من النصف الأول أم لا، وهو الذي صححه النووي (¬1)، ويوافقه قول "التنبيه" [ص 77]: (فإن دفع قبل نصف الليل .. لزمه دم في أحد القولين)، وصحح الرافعي: أن الواجب: مبيت معظم الليل؛ كما في مبيت ليالي منى، ثم استشكله من جهة أنهم لا يَصِلونَ إليها حتى يمضي نحو ربع الليل مع أن الدفع منها بعد نصف الليل جائز (¬2)، وأطلق "التنبيه" قولين في وجوب الدم، وقال في "المنهاج" [ص 201]: (وفي وجوبه القولان) أي: المتقدمان فيمن نفر من عرفة قبل الغروب ولم يعد إليها، فيكون الأصح: الاستحباب كما في تلك المسألة، وعليه مشى "الحاوي" (¬3)، لكن استدرك النووي في "الروضة" على الرافعي فقال: (الأظهر: وجوبه) (¬4)، ولم يستدرك ذلك في "المنهاج"، وقال السبكي: الوجوب هو المنصوص في "الأم"، فهو الصحيح من جهة المذهب (¬5)، وذكر في "المهمات" أن هذا الموضع من المواضع التي يسأل عنها في "المنهاج" لأنه ذكر المسألة في أول فصل، بحيث لم يتقدم فيه ذكر للقولين. ومحل القولين: عند عدم العذر، أما المعذور بما سيأتي في مبيت منى .. فلا دم عليه، ومن هنا استنبط شيخنا الإمام البلقيني أنه لو بات من شرط مبيته في مدرسة مثلًا خارجها؛ لخوف على نفس أو زوجة أو مال ونحوها .. أنه لا يسقط من جامكيته شيء، كما لا يجبر هنا ترك المبيت للمعذورين بالدم، وقال: هو من القياس الحسن، ولم أسبق إليه. انتهى. وكذلك لا دم على من جاء عرفة ليلًا فاشتغل بالوقوف عنه، ولو أفاض من عرفة إلى مكة، فطاف للإفاضة بعد نصف الليل، ففاته المبيت لذلك .. فعن القفال وصاحب "التقريب": أنه لا دم عليه؛ لاشتغاله بالوقوف، وفيه احتمال للإمام؛ لعدم الضرورة إلى ذلك (¬6)، وذهب ابن بنت الشافعي وابن خزيمة إلى أن مبيت مزدلفة ركن في الحج، وأشار ابن المنذر إلى ترجيحه، وقواه ¬

_ (¬1) انظر "المجموع" (8/ 122). (¬2) انظر "فتح العزيز" (3/ 431). (¬3) الحاوي (ص 246). (¬4) الروضة (3/ 99). (¬5) الأم (2/ 212). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (4/ 317).

تنبيه [متى يلتقط حصى الجمار؟ ]

السبكي، وأطلق "التنبيه" و"الحاوي" استحباب المبيت بمزدلفة إلى طلوع الفجر (¬1)، ومحله: في غير النساء والضعفة أما هم: فيسن تقديمهم بعد نصف الليل إلى منى، ذكره "المنهاج" (¬2)، وهو المنقول، وقال السبكي: الأحاديث تدل على أن ذلك رخصة، وليس نسكًا، وتعبيرهم بأنه سنة لعلهم أرادوا؛ لأن السنة للإمام: تقديمهم، وأما هم: فلا يندب لهم. قلت: ويدل لذلك تعبيرهم بقولهم: (يسن تقديم النساء)، ولم يقولوا: (تقدمهن)، لكن عبر شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" بعبارة تقتضي استحباب ذلك لهن، فقال: (والصواب في غير الأقوياء كالنساء والضعفة: استحباب دفعهم من مزدلفة بعد نصف الليل، ولا يقيمون بها كغيرهم إلى طلوع الفجر) (¬3). 1506 - قول "التنبيه" [ص 77]: (ثم يصلي الصبح في أول الوقت) و"المنهاج" [ص 102]: (مُغَلِّسين) هو مستحب كل يوم، لكن في هذا اليوم هناك أشد استحبابًا. 1507 - قولهما: (ويأخذ منها حصى الجمار) (¬4) يقتضي أخذ جميعها، وهو سبعون حصاة لجميع الرمي، وهو وجه، والأصح: أنه يأخذ سبع حصيات ليوم النحر فقط. 1508 - قول "التنبيه" [ص 77]: (ومن حيث أخذ .. جاز) إن أراد: الجواز المستوي الطرفين .. ورد عليه أنه يكره من المسجد والحُشِّ (¬5) والمرمى، وزاد في "شرح المهذب": ومن الحل (¬6)، ولم يذكره الرافعي وصاحب "الكفاية"، ونص عليه الشافعي (¬7)، قال السبكي: وينبغي تحريم أخذه من المسجد إن كان جزءًا منه، أو للمسجد به نفع. قلت: وصرح بذلك النووي في (باب الغسل) من "شرح المهذب" فقال: ولا يجوز أخذ شيء من أجزاء المسجد كحصاة وحجر وتراب وغيره (¬8). تنبيهٌ [متى يلتقط حصى الجمار؟ ] قال الجمهور: يتزود الحصى ليلًا قبل أن يصلي الصبح، وقال البغوي: يؤخر أخذها عن ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 77)، المنهاج (ص 201). (¬2) المنهاج (ص 201). (¬3) تذكرة النبيه (3/ 63). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 77)، و"المنهاج" (ص 201، 202). (¬5) الحش بضم الحاء وفتحها: محل قضاء الحاجة، ويسمى بيت الخلاء. انظر "مختار الصحاح" (ص 58). (¬6) المجموع (8/ 124). (¬7) انظر "الأم" (2/ 213). (¬8) المجموع (8/ 206).

الصلاة (¬1)، قال في "المهمات": وهو الصواب نقلًا ودليلًا؛ فقد رأيته منصوصًا عليه في "الأم" و"الإملاء" (¬2)، وروى النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للفضل غداة يوم النحر: "التقط لي حصىً ... " (¬3) الحديث. انتهى. ويوافقه قول "المنهاج" [ص 201]: (ويأخذون من مزدلفة حصى الرمي) إن جعلناه معطوفًا على قوله قبله: (ثم يدفعون إلى منىً) (¬4) .. فإن ذلك بعد صلاة الصبح، لكن الظاهر: أنه معطوف على قوله في أول الفصل: (ويببتون) (¬5) لأنه يلزم من عطفه على قوله: (يدفعون) (¬6) قَصرُ الاستحباب على غير الضعفة والنساء، وهو يعمهم. 1509 - قولهم: (ويقف بالمشعر الحرام) (¬7) أي: الأفضل ذلك، ولو وقف في غيره من المزدلفة تأدَّى أصل السنة على الأصح، وكذا لو مَرّ ولم يقف .. كفاه؛ كما في "الكفاية" عن القاضي حسين، وأقره، وصرح "التنبيه" بأن قزح هو المشعر الحرام (¬8)، وقال الرافعي: هو جبل بالمشعر (¬9)، وقال النووي تبعًا لابن الصلاح: هو جبل صغير في آخر المزدلفة، قالا: وقد استبدل الناس به الوقوف على بناء محدث هناك يظنونه المشعر الحرام، وليس كما يظنون، لكنه يحصل بالوقوف عنده أصل السنة كما تقدم (¬10). وقال المحب الطبري: هو بأوسط المزدلفة، وقد بني عليه بناء، ثم حكى كلام ابن الصلاح، ثم قال: والظاهر: أن البناء إنما هو على الجبل، والمشاهدة تشهد له، قال: ولم أر ما ذكره - يعني: ابن الصلاح - لغيره. 1510 - قولهم: (ويقطع التلبية مع أول حصاة) (¬11) محله: إذا جعله أول أسباب التحلل، كما هو الأفضل، أما إذا قدم الطواف أو الحلق عليه .. قطع التلبية من حينئذ، وأما المعتمر: فيقطع التلبية عند ابتداء الطواف. ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (3/ 267)، و"فتح العزيز" (3/ 422). (¬2) الأم (2/ 213). (¬3) سنن النسائي (3057). (¬4) المنهاج (ص 201). (¬5) المنهاج (ص 201). (¬6) المنهاج (ص 201). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 77)، و"الحاوي" (ص 247)، و"المنهاج" (ص 202). (¬8) التنبيه (ص 77). (¬9) انظر "فتح العزيز" (3/ 423). (¬10) المجموع (8/ 126). (¬11) انظر "التنبيه" (ص 77)، و"الحاوي" (ص 247)، و"المنهاج" (ص 202).

1511 - قول "التنبيه" [ص 77]: (ويرفع يده حتى يُرى بياض إبطيه) محله: في الرجل، أما المرأة: فلا ترفع، صرح به الماوردي (¬1)، وذكره النووي في "تصحيحه" بلفظ: (الأصح) (¬2)، ومقتضاه: أن فيه وجهًا: أنها ترفع، قال النشائي وغيره: (ولم أره) (¬3)، ويظهر أن الخنثى في ذلك كالمرأة. 1512 - قوله: (فإذا رمى .. ذبح هديًا إن كان معه) (¬4) الهدي المتطوع به لا يدخل وقت ذبحه بالفراغ من الرمي إلا إذا رمى في الوقت المسنون؛ لأن الأصح: اختصاصه بوقت الأضحية، وقد ذكره "المنهاج" بعد ذلك (¬5). 1513 - قول "المنهاج" [ص 202]: (والحلق أفضل) هذا في الحج، وكذا العمرة، كما هو ظاهر إطلاق الشافعي والأصحاب، وأطلق النووي في "شرح مسلم": أنه يستحب للمتمتع أن يقصر في العمرة، ويحلق في الحج؛ لأنه أكمل العبادتين، وفصّل الشافعي في "الإملاء" فقال: إن قدم قبل وقت الحج بزمن لو حلق حَمَّمَ رأسه حتى يأتي يوم النحر وثم شعر يُحْلَق .. أحببت له الحلق، وإن قدم يوم التروية أو عرفة في وقت لو حلق لم يحمّم رأسه .. اخترت له أن يقصّر؛ ليحلق يوم النحر، واعتمد في "المهمات" هذا النص، وقال: إنها مسألة نفيسة (¬6). 1514 - قولهم: (وتقصّر المرأة) (¬7) زاد "التنبيه" [ص 77]: (ولا تحلق)، وفي "شرح المهذب" وجهان، أصحهما: أنه مكروه لها، والثاني: حرام (¬8)، وقيد في "المهمات" الكراهة بثلاث شروط: أحدها: أن تكون المرأة كبيرة، وقال: المتجه في صغيرة لم تنته إلى سن يترك فيه شعرها: أنها كالرجل في استحباب الحلق. الثاني: أن تكون حرة؛ فالأمة إن منعها السيد من الحلق .. حرم، وكذا إن لم يمنع ولم يأذن على المتجه. الثالث: أن تكون خليّة عن الأزواج؛ فالمتزوجة إن منعها الزوج الحلق .. احتمل الجزم ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (4/ 183). (¬2) تصحيح التنبيه (1/ 250، 253). (¬3) انظر "نكت التنبيه على أحكام التنبيه" (ق 71). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 77). (¬5) المنهاج (ص 202). (¬6) في (د): (ومحل قولنا: إن الحلق أفضل: ما إذا لم ينذره، فإن نذره .. تعين، وقد ذكره "الحاوي"). انظر "الحاوي" (ص 243). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 77)، و "الحاوي" (ص 247)، و"المنهاج" (ص 202). (¬8) المجموع (8/ 150، 151).

بامتناعه؛ لأن فيه تشويهًا، واحتمل تخريجه على الخلاف في إجبارها على ما يتوقف عليه كمال الاستمتاع، والأصح: الإجبار، قال: وفي التحريم عليها عند منع الوالد نظر، والأوجه: إثباته. انتهى. وفي "شرح المهذب" عن العجلي: أن الخنثى كالمرأة (¬1). 1515 - قول "التنبيه" [ص 77]: (وهل الحِلاق نسك أم لا؟ قولان) الأظهر كما في "الروضة": أنه نسك (¬2)، وفي "المنهاج": أنه المشهور (¬3)، وبينهما في اصطلاحه تناف، وقد حكى "التنبيه" هذا الخلاف أيضًا في (باب فرض الحج والعمرة وسننهما) وجعل بدل كونه نسكًا: أنه من الواجبات (¬4)، والأظهر: أنه ركن، وقد ذكره "المنهاج" بعد ذلك، وعليه مشى "الحاوي" (¬5). 1516 - قولهم: (وأقله: ثلاث شعرات) (¬6) ظاهره: أنه لا فرق بين أن يأخذها دفعة أو متفرقًا، وهو المذهب في "شرح المهذب"، وجزم به في "المناسك" (¬7)، لكن كلام "الروضة" وأصلها قبل موانع الحج يقتضي تصحيح أنه لا يكفي أخذها متفرقًا؛ فإنه خرجه على تكميل الدم بذلك، والأصح: عدم التكميل، بل يجب ثلاثة أمداد. 1517 - قول "المنهاج" [ص 202]: (حلقًا أو نتفًا أو تقصيرًا أو إحراقًا أو قصًّا) محله: إذا لم يَنذِرِ الحلقَ، فإن نذره وقلنا بوجوبه وهو الأصح .. تعين استيعابه بالحلق، وقد ذكره "الحاوي" (¬8). 1518 - قولهما: (ومن لا شعر برأسه .. يستحب إمرار الموسى عليه) (¬9) يقتضي كما في "المهمات" أنه إذا كان على بعض رأسه شعر .. لا يستحب إمرار الموسى على الباقي، قال: والقياس: خلافه. 1519 - قول "التنبيه" [ص 77، 78]: (ثم يخطب الإمام بالناس بمنى بعد الظهر، قال: ثم يفيض إلى مكة، ويغتسل ويطوف طواف الزيارة) فيه أمران: ¬

_ (¬1) المجموع (8/ 151). (¬2) الروضة (3/ 101). (¬3) المنهاج (ص 202). (¬4) التنبيه (ص 80). (¬5) الحاوي (ص 247)، المنهاج (ص 204). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 77)، و "الحاوي" (ص 243)، و "المنهاج" (ص 202). (¬7) المجموع (8/ 150)، الإيضاح في المناسك (ص 117). (¬8) الحاوي (ص 243). (¬9) انظر "التنبيه" (ص 77)، و"المنهاج" (ص 202).

أحدهما: أنه صريح في أنه لا يستحب أن يذهب لمكة لطواف الزيارة إلا بعد الظهر، وليس كذلك، بل يستحب أن يذهب لها ضحوة ثم يعود إلى منى قبل صلاة الظهر بحيث يصليها بمنى؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 202]: (فإذا حلق أو قصر .. دخل مكة وطاف طواف الركن) فظاهره: فعل ذلك بعد الحلق من غير تأخير إلى بعد الظهر. ثانيهما: استحباب الغسل لطواف الركن قول قديم جزم به النووي في "مناسكه الكبرى" (¬1)، والجديد: خلافه. 1520 - قولهم: (ويدخل وقتها بنصف ليلة النحر) (¬2) أي: بشرط تقديم الوقوف عليها، فلو فعل شيئًا منها قبله .. لم يعتد به. 1521 - قول "المنهاج" [ص 202]: (ويبقى وقت الرمي إلى آخر يوم النحر) كذا صححه في "الروضة" وأصلها (¬3)، وقيل: يمتد تلك الليلة إلى الفجر، وصححه النووي في "مناسكه" عند الكلام على رمي التشريق (¬4). 1522 - قول "المنهاج" [ص 202]: (ولا يختص الذبح بزمن) يُبيّن أن إطلاق دخول وقتها بنصف ليلة النحر محله: في غير الذبح، ثم استدرك فقال: (الصحيح: اختصاصه بوقت الأضحية، وسيأتي في آخر باب "محرمات الإحرام" على الصواب) (¬5). واعْتُرض عليه: بأن الهدي يطلق على دم الجبران والمحظور، وهذا لا يختص بزمان؛ كالدين، وهو المراد هنا، وفي قوله أولًا: (ثم يذبح من معه هدي) (¬6)، وعلى ما يساق تقربًا إلى الله تعالى، وهذا هو المختص بوقت الأضحية على الصحيح، وهو المذكور في آخر محرمات الإحرام، فلم يتوارد الكلامان على محل واحد حتى يُعَد ذلك تناقضًا، وقد أوضح الرافعي ذلك في (باب الهدي) من "شرحه الكبير"، فذكر أن الهدي يقع على الكل، وأن الممنوع فعله في غير وقت الأضحية هو ما يسوقه المحرم، فظن النووي أن المراد بالهدي هنا: ما يساق فقط، عكس مراد الرافعي على ما بينه في "الشرح"، فاستدركه عليه، وكيف يجيء الاستدراك مع تصريح الرافعي هناك بما يبين المراد (¬7)؟ وقد اعترض بهذا شيخنا الإسنوي في "المهمات" و"شرح ¬

_ (¬1) الإيضاح في المناسك (ص 38). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 78)، و"الحاوي" (ص 248)، و"المنهاج" (ص 202). (¬3) الروضة (3/ 103). (¬4) الإيضاح في المناسك (ص 123). (¬5) المنهاج (ص 202). (¬6) المنهاج (ص 202). (¬7) فتح العزيز (3/ 550)، وانظر "الروضة" (3/ 103).

المنهاج"، لكنه في "الجواهر" وافق النووي، وعدّه تناقضًا، ووافقه شيخنا ابن النقيب، وقال: ما استدركه النووي متوجه من وجهين: أحدهما: أن المساق هو الظاهر عند إطلاق لفظ الهدي. والثاني: أنه اللائق بما يفعل يوم النحر؛ فإن دم المحظور قد لا يجوز تأخيره إلى يوم النحر؛ لكون سببه محرمًا، وقد لا يكون وُجِد بعدُ؛ فإنه قد يفعل سببه بعد ذلك، وذلك يقوي أن قوله أولًا: (ثم يذبح من معه هدي) أنه المساق تقربًا، وحينئذ .. فيرجع قوله: (ولا يختص الذبح بزمن) إلى ذبح الهدي المُساق؛ فيتوجه الاستدراك على ظاهر لفظ "المحرر" هنا مأخوذًا من إتيانه به على الصواب في محرمات الإحرام، وأما كون الرافعي في "الشرح" ذكر أن الهدي يطلق على الكل .. فلا يدفع الإيراد عن "المحرر" مع ظهور غير المراد منه. انتهى (¬1). 1523 - قوله: (والحلق والطواف والسعي لا آخر لوقتها) (¬2) أي: ويبقى محرمًا حتى يأتي بها، صرح به في "شرح المهذب"، لكن يكره تأخير الطواف عن يوم النحر، وكراهته عن أيام التشريق أشد، وإذا أخره عن أيام التشريق .. لا يوصف بأنه قضاء، خلافًا للمتولي (¬3). قال ابن الرفعة: الذي يظهر لي امتناع تأخيره لمن لم يتحلل التحلل الأول، بل يمتنع تأخير التحلل الأول إلى العام القابل؛ لأنه يصير محرمًا بالحج في غير أشهره، وأيده بأن من فاته الحج .. يلزمه التحلل على الفور، لكن المحصر لا يجب عليه التحلل. قال شيخنا ابن النقيب: ولم يظهر لي تعليل ابن الرفعة وغيره منع التأخير بكونه محرمًا بالحج في غير الأشهر، ووقت الحج يخرج بفجر يوم النحر، ولا يجب التحلل قبله قطعأ، بل الأفضل: تأخيره عنه (¬4). قلت: ويظهر أن الممنوع منه ابتداء الإحرام بالحج في غير أشهره، لا دوامه وإن كان المنقول خلافه. 1524 - قول "التنبيه" [ص 78]: (وفيما يحل بالتحلل الأول والثاني قولان، أصحهما: أنه يحل بالأول ما سوى النساء، ويحل بالثاني النساء) إن أراد بالنساء: وَطْأَهُنَّ خاصّة .. خرج به عقد النكاح، والمباشرة فيما دون الفرج بشهوة، فيحلان بالتحلل الأول، وهو المصحح في "الشرح الصغير" فيهما، وفي "المحرر" في العقد، وعليه مشى "الحاوي" (¬5)، وإن أراد: كل ما حرم ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (2/ 309)، و "المحرر" (ص 135). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 202). (¬3) المجموع (8/ 158). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (2/ 310). (¬5) المحرر (ص 130)، الحاوي (ص 248).

فصل [المبيت بمنى ليالي التشريق]

مما يتعلق بهن .. دخل فيه العقد والمباشرة، فيحرمان إلى التحلل الثاني، وهو المحكي في "الشرح الكبير" عن الأكثر، وعليه مشى في "الروضة" (¬1)، واستدركه في "المنهاج" فقال [ص 203]: (وحل به اللبس والحلق والقلم، وكذا الصيد وعقد النكاح في الأظهر. قلت: الأظهر: لا يحل عقد النكاح). ويرد على عبارة "المنهاج": الطيب؛ فإنه مما يحل بالتحلل الأول على المذهب، ولم يذكره، بل يندب قبل التحلل الثاني، وكذا يرد على تعبير "التنبيه" عن القول الثاني: بأنه يحل بالأول لبس المخيط والحلق وتقليم الأظفار، ويحل بالثاني الباقي، ويرد عليه أيضًا: الصيد؛ فإنه يحل بالأول على الأظهر كما تقدم، ولا يرد شيء من ذلك على "الحاوي" لأنه ذكر حل المحظورات بالأول، ولم يستثن منها سوى الجماع، ولم يذكر الحلق في "المحرر"، وذكر ستر الرأس، فأسقطه "المنهاج" ولعله لدخوله في اللبس، ووجه المرأة كرأس الرجل، وتساهل في كونه لم يبين أن الحلق من زيادته؛ لعدم الخلاف فيه، والله أعلم. فصلٌ [المبيت بمنى ليالي التشريق] 1525 - قول "المنهاج" [ص 203]: (إذا عاد إلى منى .. بات بها ليلتي التشريق) أي: وجوبًا، كما يدل عليه عبارة "الحاوي" (¬2)، وصححه النووي بعد أن نقل عن الرافعي استحبابه (¬3)، والذي قاله الرافعي: أنهم اتفقوا على تشبيه القولين بالقولين في النفر من عرفة قبل الغروب، وقد تقدم ترجيح الاستحباب، فيشبه أن يكون هنا مثله، وبه صرح ابن كج وغيره، وكلام الأكثرين يميل إلى ترجيح الإيجاب. انتهى. فأسقط النووي ذلك، وأطلق حكاية تصحيح الاستحباب، وفيه نظر، والمعتبر فيه معظم الليل، كما رجحه الرافعي، وأقره النووي، ولم ينازعه إلا في مبيت مزدلفة كما تقدم. 1526 - قول "التنبيه" [ص 78]: (فإن ترك المبيت في الليالي الثلاث .. لزمه دم في أحد القولين) هو الأظهر عند النووي، وحكى عن الرافعي تصحيح الاستحباب (¬4)، وقد عرفت ما فيه، والتصوير في الليالي الثلاث مختص بمن لم ينفر في اليوم الثاني. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (3/ 430)، الروضة (3/ 104). (¬2) الحاوي (ص 247). (¬3) انظر "فتح العزيز" (3/ 436)، و"المجموع" (8/ 177). (¬4) انظر "المجموع" (8/ 177).

1527 - قوله: (وفي ليلة .. الأقوال الثلاثة التي في الحصاة) (¬1) أي: وهي ثلث دم أو مد أو درهم، والأصح: مد. 1528 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (فإذا رمى اليوم الثاني فأراد النفر قبل غروب الشمس .. جاز وسقط مبيت الليلة الثالثة وَرَمْيُ يومها) (¬2) شرطه: أن يكون قد بات الليلتين قبله، وإلا .. لم يجز النفر إن كان قد ترك مبيتهما بغير عذر، كذا نقله الروياني عن الأصحاب، وحكاه عنه النووي في "شرح المهذب" وأقره (¬3)، وأطلق الماوردي أنه لا يجوز النفر إلا لمن بات الليلتين، ولم يفصّل بين المعذور وغيره (¬4). 1529 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (فإن لم ينفر حتى غربت .. وجب مبيتها وَرَمْيُ الغد) (¬5) أي: إن لم يشرع في شيء من أسباب الرحيل، أما لو ارتحل فغربت الشمس قبل انفصاله من منى .. لم يلزمه المبيت، وفيه وجه ضعيف، وكذا إن غربت بعد أخذه في شغل الارتحال أو نفر قبل الغروب، فعاد لشغل قبله أو بعده في الأصح، فلو تبرع في هذه الحالة وبات .. لم يلزمه الرمي في الغد كما حكي عن نص الشافعي (¬6). 1530 - قول "التنبيه" [ص 78]: (ويجوز لأهل سقاية العباس ورعاء الإبل أن يدعوا المبيت ليالي منى، ويرموا يومًا، ويدعوا يومًا، ثم برموا ما فاتهم) فيه أمور: أحدها: أن ذلك لا يختص بسقاية العباس؛ فلو أحدثت سقاية للحاج .. فللقيِّم بشأنها ترك المبيت، كما صححه النووي (¬7)، وحكاه الرافعي عن البغوى، وحكى عن ابن كج وغيره: أنه ليس له ذلك (¬8)، قال في "المهمات": وهو الصحيح؛ فقد نقله المارودي والرويانى عن نص الشافعي، والمشهور كما أشعر به لفظ الرافعي (¬9). ثانيها: أن المراد: إبل الحجيج، كما دل عليه تعليل الرافعى بأن شغلهم ينفع الحجيج عامةً (¬10) , ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 78). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 78، 79)، و "الحاوي" (ص 248)، و "المنهاج" (ص 203). (¬3) المجموع (8/ 179)، وانظر "بحر المذهب" (5/ 221). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (4/ 205). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 79)، و"الحاوي" (ص 248)، و"المنهاج" (ص 203). (¬6) انظر "الأم" (2/ 215). (¬7) انظر "المجموع" (8/ 178). (¬8) انظر "التهذيب" (3/ 265)، و"فتح العزيز" (3/ 435). (¬9) انظر "الأم" (2/ 215)، و "الحاوي الكبير" (4/ 198)، و"بحر المذهب" (5/ 221). (¬10) انظر "فتح العزيز" (3/ 435).

وقال النشائي: خصوه بالإبل، فإن كان لمصلحة الحاج .. فواضح، وإلا .. فالغالب الإبل؛ فلا مفهوم له (¬1). قلت: ولو كان لمصلحة الحاج .. لا ينبغي اختصاصه بالإبل؛ فقد يكونون رعاة الغنم التي يسوقها الحاج للأكل منها. ثالثها: لا يتعين البداءة برمي يوم، بل لو بدأوا بتركه .. جاز. رابعها: لا يختص ذلك بمبيت منى؛ فمبيت مزدلفة كذلك كما أشعر به صدر كلام الرافعى والنووي (¬2)، وجزم به ابن الرفعة في "الكفاية"، وحكاه المحب الطبري عن صاحب "الفروع". 1531 - قوله: (ومن ترك المبيت لعبد أبق، أو أمر يخاف فوته .. كان كالرعاء وأهل السقاية على المنصوص) (¬3) فيه أمور: أحدها: أن مقابله منصوص أيضًا كما حكاه الماوردي (¬4)، فالمسألة ذات قولين لا وجهين، كما في "الروضة" وأصلها (¬5). ثانيها: قال في "الكفاية": أفهم اختصاص الخلاف بذلك، وأطبقوا على جريانه في مريض منعه مرضه البيتوتة بمنى، قال الماوردي: والحائض. ثالثها: قال في "المهمات": إن كلام الأصحاب يوهم أن الخلاف في جواز ترك المبيت، والصواب: أنه في وجوب الدم مع القطع بجواز الترك، فكيف يجب عليه أن يبيت ويترك المريض ضائعًا، أو المال تالفًا، أو يمكث لمن يقتله (¬6)، ونحو ذلك؟ رابعها: أن الثعالبي قال في "سر اللغة": إنه لا يقال للعبد: آبق إلا إذا كان ذَهَابُهُ من غير خوفٍ، ولا كدٍّ في العمل، وإلا .. فهو هاربٌ (¬7). 1532 - قول "المنهاج" [ص 203]: (ويدخل رمي التشريق بزوال الشمس، ويخرج بغروبها، وقيل: يبقى إلى الفجر) أي: كل يوم يدخل وقت رميه بالزوال، ويخرج بالغروب، ومحل الوجه بالبقاء إلى الفجر: في غير اليوم الثالث، أما الثالث: فيخرج وقت رميه بغروب شمسه قطعًا، وينافي المذكور هنا ما صححه في "الروضة" وأصلها: من بقاء وقت الرمي في جميع الأيام إلى ¬

_ (¬1) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 71). (¬2) انظر "فتح العزيز" (3/ 434)، "المجموع" (8/ 178). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 78). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (4/ 198). (¬5) الروضة (3/ 106). (¬6) في النسخ: (يقبله)، والصواب ما أثبت، والله أعلم. (¬7) فقه اللغة (ص 60).

انقضاء أيام التشريق (¬1)، وهو ظاهر "المنهاج" وصريح "الحاوي" كما سيأتي (¬2)، وحمل ابن الرفعة الأول على الاختيار، والثاني على الجواز. 1533 - قول "التنبيه" في جمرة العقبة [ص 77]: (فيرمى إليها سبع حصيات واحدة واحدة، لا يجزئه غيره) ثم قال في بقية الجمرات: (كل جمرة سبع حصيات كما وصفنا) (¬3)، وعبارة "المنهاج" مثله (¬4)، وفيهما أمور: أحدها: أنه يشترط كون الرمي باليد؛ ليخرج الرمي بالقوس والدفع بالرجل، وسكتا عنه، وكذا "الحاوي" لأنه المتبادر إلى الفهم والمعتاد، فاستغنى بذلك عن التصريح به. ثانيها: يقوم مقام الحصى كل ما يسمى حجرًا، كما صرحا به بعد ذلك، حتى حجر الحديد والياقوت والعقيق والفَيرُوزَج (¬5) والزمرد والبلور والزبرجد على الأصح، لا الذهب ونحوه من المنطبعات، ولا اللؤلؤ، وما ليس من طبقات الأرض، وعبارة "الحاوي" [ص 247]: (بحجر وياقوت لا إثْمد)، ولو قال: (ياقوت) بغير عطف .. لكان أحسن؛ لأن الياقوت داخل في اسم الحجر. ثالثها: أفهم كلامهما: أنه لو وقع الشك في أن الحصاة وقعت في المرمى أم لا؟ أنه يجزئه؛ لجعلهما الواجب الرمي إلى الجمرة، وهو قول قديم، والجديد: المنع، وكذا يرد على "الحاوي". رابعها: وأفهم أيضًا: أنه لو رمى بحصاة ثم أخذها ورمى بها ... وهكذا سبعًا .. أنه لا يجزئه، وهو وجه رجحه الإمام، وقواه ابن الصلاح (¬6)، لكن الأصح: الإجزاء، حكاه الرافعي عن تصحيح البغوي، وصححه في "الشرح الصغير" (¬7)، وهو المصحح في "أصل الروضة"، ونقله في "شرح المهذب" عن اتفاق الأصحاب (¬8). خامسها: لا يشترط رميها واحدة واحدة، فلو رمى جملة السبعة سبع مرات .. أجزأه مع انتفاء صفة الوحدة، ولا يرد ذلك على "المحرر" لقوله: (ويشترط رمي الحصيات السبع في سبع ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 107). (¬2) الحاوي (ص 247). (¬3) التنبيه (ص 78). (¬4) المنهاج (ص 203). (¬5) الفيروزج: حجر مشرب بزرقة يصفو لونه مع صفاء الجو ويتكدر بتكدره. انظر "حواشي الشرواني" (1/ 124). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (4/ 322)، و"مشكل الوسيط" (2/ 668). (¬7) انظر "التهذيب" (3/ 267)، و"فتح العزيز" (3/ 439). (¬8) الروضة (3/ 114)، المجموع (8/ 138، 139).

دفعات) (¬1)، وكذا عبارة "الروضة": يشترط أن يرمي الحصيات في سبع دفعات (¬2)، ولا يرد هذا والذي قبله على "الحاوي" لقوله [ص 247]: (سبع رميات). نعم؛ يرد عليهم: ما إذا رمى حصاتين دفعة واحدة؛ أحدهما باليمنى، والأخرى باليسرى .. فإنه لا يحسب له إلا واحدة بالاتفاق، كما قال النووي في "شرح المهذب" (¬3). سادسها: يرد على قول "التنبيه" [ص 77]: (يرمي إليها)، و"الحاوي" [ص 247]: (إلى جمرة العقبة): أنه لو وقف في طرف منها ورمى إلى طرف آخر .. أجزأه، كما جزم به الرافعي والنووي (¬4)، وقد ذكره "المنهاج" بقوله [ص 203]: (ولا كون الرامي خارجًا عن الجمرة). سابعها: أورد في "الكفاية" على قول "التنبيه" [ص 78]: (كما وصفنا) أنه يقتضي استحباب أن يكون في رمي أيام التشريق راكبًا كما في رمي يوم النحر، والأصح المنصوص: أنه يستحب أن يرمي في اليومين الأولين ماشيًا وفي الثالث راكبًا؛ لأنه يسير بعده، قال النشائي: وفيه نظر؛ فإن اللفظ ظاهر في صفة الرمي وهي واحدة واحدة دون صفة الرامي، وإلا .. لورد كيفية الوقوف من كونه يوم النحر مستدبر القبلة على ما قال الرافعي، أو مجانبًا لها بيساره على ما رجحه النووي، وأيام التشريق مستقبلها، وإن لم يَصِفْه (¬5). وقال شيخنا الإمام البلقيني: نص "الأم" يقتضي أنه إنما يسن الركوب عند رمي جمرة العقبة خاصة (¬6). 1534 - قول "المنهاج" [ص 203]: (وترتيب الجمرات) و"الحاوي" [ص 247]: (بالترتيب) عبارة مبهمة لا يفهم المراد منها إلا العارف بالمناسك، وقد أوضح ذلك "التنبيه" فقال [ص 78]: (فيرمي الجمرة الأولى، وهي التي تلي مسجد الخيف، ويقف قدر "سورة البقرة"، ويدعو الله تعالى، ثم يرمي الجمرة الوسطى، ويقف ويدعو كما ذكرنا، ثم يرمي الجمرة الثالثة، وهي جمرة العقبة، ولا يقف عندها). 1535 - قول "التنبيه" [ص 78]: (والأولى: أن يكون بحصى الخَذْفِ) قد يفهم: أنه يرمي به على هيئة الخذف، فيضع الحجر على بطن الإبهام ويرميه برأس السبابة، وكذا قال الرافعي (¬7)، ¬

_ (¬1) المحرر (ص 130). (¬2) الروضة (3/ 114)، وعبارته: (ويستحب أن يرمي الحصيات في سبع دفعات). (¬3) المجموع (8/ 141). (¬4) انظر "فتح العزيز" (3/ 438)، و"الروضة" (3/ 144)، و"المجموع" (8/ 140). (¬5) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 71)، و"فتح العزيز" (3/ 442)، و"المجموع" (8/ 136). (¬6) الأم (2/ 213). (¬7) انظر "فتح العزيز" (3/ 438).

لكن صحح النووي أنه يرمي لا على هيئة الخَذْفِ (¬1)، ولذلك قال "المنهاج" [ص 203]: (بقدر حصى الخَذْفِ)، فيحمل كلام "التنبيه" على أنه بقدره لا على هيئته، وهو دون الأنملة طولًا وعرضُا، وذلك قدر الباقلا. 1536 - قولهما: (ومن عجز عن الرمي .. استناب) (¬2) ليس المراد: العجز الذي ينتهي إلى اليأس كما في استنابة الحج، وإنما المراد: العجز في الحال إذا لم يرج زواله قبل خروج وقت الرمي؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 247]: (ويُنِيبُ عاجز لا يقدر في وقته) سواء أكان العجز بمرض أو حبس أو غيرهما، وسواء حبس بحق أم بغيره بالاتفاق كما في "شرح المهذب" (¬3)، لكن شرط ابن الرفعة: أن يحبس بغير حق، وذكر أن البندنيجي حكاه عن "الأم"، ويشترط أيضًا: أن يكون النائب قد رمي عن نفسه في الأصح، وإلا .. وقع له. 1537 - قول "التنبيه" [ص 78]: (ويُكبّر هو)، قال في "الكفاية": هذا إذا كان حاضرًا، فإن عجز عن الحضور معه .. كَبَّر الرامي، حكاه القاضي أبو الطيب وغيره. 1538 - قول "الحاوي" [ص 247]: (ولا ينعزل بإغمائه) قد يستشكل؛ لأنه وكيل، والوكيل ينعزل بإغماء الموكل في الأصح. وجوابه: أن هذا توكيل لعذر، فسومح ببقائه مع حدوث الإغماء. 1539 - قول "المنهاج" [ص 203]: (وإذا تَرَكَ رَمْيَ يومِ .. تداركه باقي الأيام على الأظهر ولا دم) فيه أمور: أحدها: قال شيخنا ابن النقيب: أي: من أيام التشريق؛ فإن كلامه فيه، قال: وكذلك لو ترك رَمْيَ يوم النحر .. فإنه يتداركه كغيره في الأصح، وقيل: لا يتداركه قطعًا، وعلى هذه الطريقة يصح ما قدمناه من أن وقت رمي يوم النحر ينقضي بيومه، وقيل: يمتد إلى الفجر، وإن قلنا بالطريقة الأولى - وهي الأصح - وقلنا: بالأداء - كما سيأتي تصحيحه - .. امتد وقته إلى آخر أيام التشريق، فيخالف ما تقدم، وقد يقال: يجوز تداركه قضاءً أو أداء مع القول بتحريم التأخير، فلا مخالفه. انتهى (¬4). ولا يرد ذلك على قول "الحاوي" [ص 247]: (والمتروك يتدارك) فإنه شامل للجميع، ولم يسبق منه ما يخالفه، والله أعلم. ¬

_ (¬1) انظر "المجموع" (8/ 138). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 78)، و"المنهاج" (ص 203). (¬3) المجموع (8/ 174). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (2/ 315، 316).

ثانيها: لو ترك رمي يومين .. كان كذلك، كما في "الروضة" وأصلها (¬1)، وقد دخل في عبارة "الحاوي" المتقدمة، وهو مشكل مع قولهم: أرباب الأعذار يجوز لهم تأخير رمي يوم واحد، وليس لهم تأخير يومين، فكيف يمتنع مع العذر تأخير رمي يومين مع جوازه بلا عذر؟ ثالثها: الأصح: أن هذا المتدارك أداء، ذكره "الحاوي" (¬2)، وحينئذ .. فيشكل مع ما تقدم من خروج رمي التشريق بالغروب، وقد تقدم هذا الاستشكال وجوابه من كلام ابن الرفعة. 1540 - قول "التنبيه" [ص 78]: (فإن ترك الرمي حتى مضت أيام التشريق .. لزمه دم) قد يفهم أنه لا يلزم الدم بدون ذلك، وفي "المنهاج" [ص 203]: (والمذهب: تكميل الدم في ثلاث حصيات) ولهذا قال "الحاوي" [ص 247]: (وفي كل وثلاثٍ .. دمٌ). 1541 - قول "التنبيه" [ص 78]: (فإن ترك حصاة .. ففيه ثلاثة أقوال، أحدها: يلزمه ثلث دم، والثاني: مد، والثالث: درهم (الأظهر: مد، وعليه مشى "الحاوي" (¬3)، وصورة المسألة: أن تكون الحصاة من الجمرة الأخيرة يوم النفر، وإلا؛ فإذا فرعنا على إيجاب الترتيب بين الأداء والقضاء - وهو الأصح - .. فما بعد المتروك مُطَّرَح حتى يكمل. 1542 - قول "التنبيه" [ص 78]: (وإن أراد الخروج بعد قضاء النسك .. طاف للوداع)، و"المنهاج" [ص 203]: (إذا أراد الخروج من مكة .. طاف للوداع) فيه أمران: أحدهما: أن ظاهر كلامهما: أنه لا فرق بين أن يريد الخروج إلى مسافة القصر أو دونها، وهو الذي صححه في "شرح المهذب" (¬4)، لكن في "الروضة" وأصلها: تقييده بالخروج إلى مسافة القصر (¬5)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 248]: (على قاصد سفر القصر)، والصحيح عند السبكي: التعميم فيمن سافر إلى منزله، أما من سافر إلى دون مسافة القصر على قصد الرجوع ولم يكن منزله .. فلا وداع عليه. ثانيهما: ظاهر كلامهما: اختصاصه بمن أتى بنسك، بل صرح به "التنبيه" في قوله [ص 78]: (بعد قضاء النسك)، لكن الأصح: مشروعيته وإن لم يكن بعد نسك؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 248]: (ويجب طواف الوداع على قاصد سفر القصر من مكة)، فلم يذكره من جملة أفعال النسك، ويستثنى من كلام من لا يفرق بين سفر القصر وما دونه: المعتمر يخرج للتنعيم لا وداع ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 108). (¬2) الحاوي (ص 247). (¬3) الحاوي (ص 247). (¬4) المجموع (8/ 187). (¬5) الروضة (3/ 117).

عليه عند الشافعي كما قال ابن المنذر (¬1)، ونقله في "البيان" عن الشيخ أبي نصر (¬2)، وأما الخارج يوم التروية: فيستحب له الوداع، ولم يثبت فيه حديث، ذكر ذلك شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه". ويختص "التنبيه" بأن عبارته صريحة في أن طواف الوداع ليس من النسك، وهو الذي صححه الرافعي والنووي (¬3)، ولهذا لا يؤمر به المكي، لكن صحح السبكي: أنه من المناسك، وقال: تظافرت عليه نصوص الشافعي والأصحاب، قال: ولم أر من صرح بأنه ليس من المناسك إلا صاحب "التتمة"، وتبعه على ذلك في "المهمات"، وبسطه، وهو موافق لعد "التنبيه" له في (باب فروض الحج والعمرة وسننهما) من واجبات الحج على أحد القولين، ويختص "المنهاج" و"الحاوي" بأنه لا يختص ذلك بالخروج من مكة، فلو أراد الرحيل من منى إلى بلده .. لم يجز حتى يطوف. 1543 - قول "المنهاج" [ص 203]: (ولا يمكث بعده) و"التنبيه" [ص 79]: (ولم يقم بعده، فإن أقام .. لم يعتد بطوافه عن الوداع) يستثنى منه: مكثه بسبب الرحيل؛ كشراء زاد وشد رحل ونحوهما .. فالأصح فيه: أنه لا يعيده؛ كما لو حضرت صلاة فصلاها .. فإنه لا يعيد، كما جزم به في "الروضة" (¬4) ولهذا قال "الحاوي" [ص 248]: (فإن وقف لا لشغل السفر .. بطل). 1544 - قول "التنبيه" [ص 79]: (ومن ترك طواف الوداع .. لزمه دم في أحد القولين) هو الأظهر، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬5)، وفي "الكفاية": إن هذا هو الخلاف المذكور في أنه من واجبات الحج، وخالفه النشائي، وقال: الخلاف في الرافعي وغيره في أنه واجب من حيث هو، لا بخصوص النسك (¬6). ويستثنى من ذلك: المتحيرة إذا تركت الوداع .. فلا دم، ذكره شيخنا الإمام البلقيني، وقال: فيه احتمال في "البحر" (¬7). 1545 - قول "المنهاج" [ص 204]: (وفي قول: سُنَّةٌ لا تجبر) أي: لا تجبر بالدم وجوبًا، بل تجبر ندبًا؛ فإنه يجبر به قطعًا، وفي وجوبه الخلاف المتقدم. ¬

_ (¬1) انظر "الإشراف على مذاهب العلماء" (3/ 382). (¬2) البيان (4/ 368). (¬3) انظر "فتح العزيز" (3/ 446)، و "المجموع" (8/ 186). (¬4) الروضة (3/ 117). (¬5) الحاوي (ص 257)، المنهاج (ص 204). (¬6) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 72)، و"فتح العزيز" (3/ 446، 447). (¬7) بحر المذهب (5/ 241).

واعلم: أن جبره بالدم وجوبًا أو ندبًا ظاهر على القول بأنه من المناسك، أمّا إذا قيل بالمصحح: أنه ليس منها .. فليس واضحًا، فينبغي ألَّا يجبر، ويؤيده أن طواف القدوم لا يجبر به على المذهب، قال السبكي: ولا أظن أحدًا يقول به إذا لم يقع عقب نسك، فإن قيل به .. فهو في غاية الإشكال. 1546 - قوله: (فإن أوجبناه، فخرج بلا وداعٍ فعاد قبل مسافة القصر .. سقط الدم) (¬1) واضح - على ما تقدم عن "الروضة" وأصلها - من أن الخروج إلى دون مسافة القصر لا يقتضي وداعًا (¬2)، وأما على ما في "شرح المهذب" أنه يقتضيه (¬3) .. فينبغي ألَّا يسقط، ثم محل السقوط: إذا طاف بعد عوده، وقد صرح به في "المحرر" (¬4)، فلو عاد فمات قبل أن يطوف .. لم يسقط. 1547 - وقوله: (أو بعدها .. فلا على الصحيح) (¬5) عبر في "الروضة" بالأصح (¬6)، وذلك يقتضي قوة مقابله، لكن في "شرح المهذب" أن الجمهور قطعوا بالسقوط (¬7)، وذلك يقتضي ضعف مقابله، كما في "المنهاج"، ولم يتعرض "الحاوي" لسقوط الدم، وإنما ذكر وجوب العود، فقال [ص 248]: (والعود قبل مسافته له). 1548 - وقوله: (لا إن طهرت الحائض) (¬8) أي: لا يجب عليها العود إذا طهرت. يستثنى منه: ما إذا طهرت قبل مفارقة بنيان مكة، وقيل: في الحرم .. فيجب عليها العود. 1549 - قولهم: (وللحائض النفر بلا وداعٍ) (¬9) كذلك النفساء. 1550 - قول "التنبيه" [ص 79]: (ويكون آخر عهده بالبيت إذا خرج .. النظر إليه إلى أن يغيب عنه) يقتضي أنه لا يوليه ظهره، بل يمشي القهقرى، والأصح: خلافه، والمختار: أنه لا يلتفت أيضًا. 1551 - قول "المنهاج" [ص 204]: (ويسن شرب ماء زمزم) قد يوهم أن ذلك بعد فراغه من طواف الوداع؛ لذكره عقبه، وليس كذلك؛ ولهذا أطلق "التنبيه" استحبابه لكل حاج، ولم ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 204). (¬2) الروضة (3/ 107). (¬3) المجموع (8/ 187). (¬4) المحرر (ص 131). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 204). (¬6) الروضة (3/ 116). (¬7) المجموع (8/ 185)، وفيه: أن الجمهور قطعوا بعدم السقوط. (¬8) انظر "الحاوي" (ص 248). (¬9) انظر "التنبيه" (ص 79)، و"الحاوي" (ص 248)، و"المنهاج" (ص 204).

فصل [أركان الحج والعمرة]

يذكره بعد طواف الوداع، وزاد: (شربه لما أحب، والتضلع منه) (¬1) ومع ذلك فَذِكْرُ الحج مثال، فلا اختصاص لهذه السنة وما ذكر بعدها بالحاج، وقد أطلق في "المهذب" و"شرحه" الاستحباب، وهو الصواب (¬2)، وفهم في "الكفاية" التقييد فقال: أي: أو اعتمر، وتعجب منه النشائي في ذلك (¬3)، وقال المتولي: إنه يستحب شرب ماء زمزم عقب طواف الإفاضة كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، قال الماوردي: ويغسل وجهه وصدره، ويصب على رأسه (¬4). 1552 - قول "المنهاج" [ص 204]: (وزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فراغ الحج) لا يختص استحبابها بذلك، بل هي مستحبة مطلقًا بعد الحج أو العمرة أو قبلهما أو لا مع نسك ألبتة، وإنما ذكرت عقب الحج جريًا على الغالب. 1553 - قول "التنبيه" [ص 79]: (ويستحب لمن حج أن يدخل البيت) محله: ما إذا لم يُؤذ أو يتأذى بزحمة كما في "الروضة" (¬5). 1554 - قوله: (ويصلي فيه) (¬6)، قال في "الكفاية": أي: النفل، والقياس: أن صلاة الفرض خارجها أفضل؛ فإن مالكًا لا يرى الصحة (¬7)، وذكر النووي أنه إن رُجي في الفرض كثرة جماعة .. فخارجها أفضل، وإن لم يُرج .. فداخلها أفضل، ذكره في "الروضة" في استقبال القبلة (¬8). فصلٌ [أركان الحج والعمرة] 1555 - قول "التنبيه" [ص 80]: (أركان الحج أربعة) لم يذكر الحلق، وحكى بعد هذا قولين في أنه واجب أو استباحة محظور، والأظهر: أنه نسك، وهو ركن؛ ولذلك عدها "المنهاج" و"الحاوي" خمسة، وذكرا منها: الحلق (¬9)، وأحسن "الحاوي" بالتخيير بينه وبين التقصير (¬10). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 79). (¬2) المهذب (1/ 233)، المجموع (8/ 198). (¬3) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 71). (¬4) انظر "الحاوي الكبير (4/ 193). (¬5) الروضة (3/ 118). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 79). (¬7) انظر "المدونة الكبرى" (1/ 91). (¬8) الروضة (1/ 214). (¬9) الحاوي (ص 243)، المنهاج (ص 204). (¬10) الحاوي (ص 243).

قال الرافعي: ولم يعدوا الترتيب ركنًا، وهو معتبر بتقديم الإحرام على الكل، والوقوف على طواف الركن والحلق، وطواف صحيح على السعي، فجاز عده ركنًا كما في الصلاة، ولا يقدح عدم الترتيب بين الحلق والطواف، كما لا يقدح عدم الترتيب بين القراءة والقيام (¬1). 1556 - قول "التنبيه" [ص 80]: (وأفعال العمرة كلها أركان إلا الحلق) هو قول، والأظهر: أن الحلق ركن فيها أيضًا، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). 1557 - قول "التنبيه" [ص 70]: (فالإفراد: أن يحج، ثم يخرج إلى أدنى الحل، ويحرم بالعمرة) الاقتصار على أدنى الحل هو أقل ما يكون، ولكن الأفضل: أن يخرج إلى الجعرانة؛ فإنها أفضل جهات الحل للإحرام منها بالعمرة، ثم التنعيم، ثم الحديبية على ما تقدم، فصارت عبارة "التنبيه" تتناول الأقل دون الأكمل، وكأنه بناه على اختياره أن أفضل جهات الحل: التنعيم، كما تقدم ذلك عنه، والتنعيم أدنى الحل، وقول "المنهاج" [ص 204]: (بأن يحج، ثم يحرم بالعمرة كإحرام المكي ويأتي بعملها) متناول للأقل والأكمل، فهو أحسن. ومقتضى عبارتهما: أن الإفراد لا يصدق بدون ذلك، ومقتضى عبارة "الحاوي": صدقه بدون ذلك؛ حيث قال [ص 244]: (والإفراد أفضل منهما إن اعتمر في سَنَة الحج)، فتقييد الأفضلية باعتماره في سَنَة الحج يدل على صدق اسم الإفراد بدونه، ويوافقه عبارة "الروضة" وأصلها: (فأما الإفراد فمن صوره: أن يحرم بالحج وحده ويفرغ منه، ثم يحرم بالعمرة، وسيأتي باقي صوره في شروط التمتع) (¬3)، لكنهما لما ذكرا شروط التمتع - وهي ثمانية وفاقًا وخلافًا - .. قالا: إن هذه الشروط معتبرة لوجوب الدم، وهل تعتبر في تسميته تمتعًا؟ وجهان، أشهرهما: لا تعتبر؛ ولهذا قال الأصحاب: يصح التمتع والقران من المكي، خلافًا لأبي حنيفة. انتهى (¬4). فدل على أن بقية صور الإفراد إنما هي على وجه مرجوح، وأما على الأشهر .. فالإفراد منحصر فيما تقدم، لكنهما قالا في حج الأجير إذا استأجره للتمتع فأفرد: نظر: إن قدم العمرة وعاد للحج إلى الميقات .. فقد زاد خيرًا. انتهى (¬5). فاستعملا لفظ الإفراد في هذه الصورة، وهو مخالف لما قالا: إنه الأشهر، وقال في "الكفاية": هذا غير شامل لحقيقة الإفراد؛ فإنه لو اعتمر قبل أشهر الحج، ثم حج من ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (3/ 433، 434). (¬2) الحاوي (ص 243)، المنهاج (ص 204). (¬3) فتح العزيز (3/ 342)، الروضة (3/ 44). (¬4) فتح العزيز (3/ 353، 354)، الروضة (3/ 52)، وانظر "بدائع الصنائع" (2/ 169)، و"الهداية شرح البداية" (1/ 158). (¬5) انظر "فتح العزيز" (3/ 320)، و"الروضة" (3/ 28).

الميقات، أو لم يحرم إلا بالحج في عامه .. كان إفرادًا بلا خلاف، ذكره القاضي حسين والإمام (¬1)، وذكر مثله السبكي، وقال في الصورة الأولى: هي أولى باسم الإفراد من صورة "المنهاج" لوقوع العمرة قبل أشهر الحج إجماعًا، وتلك وقعت في أشهره عند جماعة، وقال شيخنا ابن النقيب في عبارة "المنهاج": هو تفسير للإفراد الذي هو أفضل (¬2). 1558 - قول "المنهاج" [ص 204]: (الثاني: القران؛ بأن يحرم بهما من الميقات، ويعمل عمل الحج فيحصلان) فيه أمران: أحدهما: كون الإحرام بهما من الميقات هو أكمل، لكنه ليس شرطًا؛ لصدق اسم القران، فلو أحرم بهما من دون الميقات .. كان قرانًا صحيحًا بلا خلاف، وعليه دم الإساءة. ثانيهما: اقتصاره على أعمال الحج ليس شرطًا في صورة القران، والمراد: أن للقارن الاقتصار عليها، ولا يحتاج إلى عمل النسكين، وقد سلم "التنبيه" من الأول، فاعتبر الجمع بينهما في الإحرام، ولم يقيد ذلك بكونه من الميقات (¬3)، وسلم "الحاوي" من الأمرين، فاقتصر على قوله [ص 244]: (بأن يحرم بهما). 1559 - قول "المنهاج" [ص 204]: (ولو أحرم بعمرةٍ في أشهر الحج، ثم بحج قبل الطواف .. كان قارنًا) يقتضي أنه لو أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج، ثم أدخل عليها الحج في أشهره .. أنه لا يصح، ولا يكون قرانًا، وهو ما حكاه الرافعي عن اختيار الشيخ أبي على، وأنه حكاه عن عامة الأصحاب، ولكن حكى عن اختيار القفال وقطع ابن الصباغ وغيره: الصحة (¬4)، وصححه النووي في زيادة "الروضة" و"شرح المهذب" (¬5)، وكذلك لم يقيد "التنبيه" و"الحاوي": العمرة بكونها في أشهر الحج (¬6)، وعلى هذا .. فكان الأحسن: لو قدم في "المنهاج" وأخر فقال: (ولو أحرم بعمرة، ثم بحج قبل الطواف في أشهر الحج .. كان قارنًا)، ولو عبر الثلاثة في هذه الصورة بابتداء الطواف .. لكان أولى؛ فإنه قد يتوهم أن المراد: تمامه، مع أنه لو شرع فيه ولو بخطوة .. امتنع حينئذ إدخال الحج، بل لو استلم الحجر الأسود بنية الطواف .. ففي صحة الإحرام بالحج بعده وجهان، قال في "شرح المهذب": وينبغي أن يكون أصحهما: الصحة؛ لأنه مقدمة للطواف (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (4/ 168). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (2/ 322). (¬3) التنبيه (ص 70). (¬4) انظر "فتح العزيز" (3/ 366). (¬5) الروضة (3/ 45)، المجموع (7/ 146). (¬6) التنبيه (ص 70)، الحاوي (ص 244). (¬7) المجموع (7/ 146).

1560 - قول "التنبيه" [ص 70]: (فإن أهَلّ بالحج، ثم أدخل عليه العمرة .. ففيه قولان، أحدهما: يصح ويصير قارنًا، والثاني: لا يصح)، الأظهر: الثاني، وأشار "المنهاج" إلى ترجيحه بقوله [ص 204]: (إنه الجديد) فإن الأصل ترجيح الجديد إلا ما اسْتُثْنِيَ، ومشى عليه "الحاوي" (¬1). 1561 - قول "التنبيه" [ص 70]: (والتمتع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها، ثم يحج من عامه) و"الحاوي" [ص 244]: (بأن يحرم بالعمرة أشهر الحج من على مسافة القصر من الحرم، ثم بالحج سَنَتَها بلا عودٍ إلى ميقاتٍ) يرد عليه: أن كون العمرة في أشهر الحج، وكون الحج من عامِهِ، وبقية القيود إنما هي شروط لوجوب الدم مع صدق اسم التمتع بدونها على الأشهر، كما تقدم بما فيه، قال السبكي: وقد أطلقوا الوجهين، وينبغي أنه إن وقعت العمرة في أشهر الحج في سَنتِهِ .. فهو تمتع وإن فاتت بقية الشروط، وإلا .. فهو إفراد؛ لأنه أفرد الحج في أشهره عن العمرة. انتهى. وقد سلم "المنهاج" من ذلك بقوله [ص 204]: (بأن يحرم بالعمرة من ميقات بلده ويفرغ منها، ثم ينشئ حجًا من مكة) لكن يرد عليه أمران: أحدهما: أن التقييد بميقات بلده تبع فيه "المحرر"، وهو في "الروضة" وأصلها هنا (¬2)، لكن حكى الرافعي عند الكلام على وجوب دم التمتع عن النص: أن من جاوزه مريدًا للنسك وأحرم دونه بالعمرة .. أن دم التمتع لا يجب، وإنما يلزمه دم الإساءة، فأخذ بإطلاقه قوم، وحمله الأكثرون على ما إذا بقي بينه وبين مكة أو الحرم دون مسافة القصر، فإن بقي أكثر .. وجب الدمان. انتهى (¬3). فعلى ما حكاه عن الأكثرين .. ليس كون الإحرام من ميقات بلده شرطًا، وذكر في "المهمات" أن هذا النص قديم، وحكاه عن صاحبي "التقريب" و"التهذيب" (¬4). الثاني: تقييد الحج بكونه من مكة ليس شرطًا لصدق اسم التمتع، بل لوجوب الدم خاصة؛ فإن الأشهر: أنه لو عاد إلى الميقات وأحرم منه بالحج .. أنه يسمى متمتعًا، ولكن لا دم عليه. 1562 - قولهما: (وأفضلهما: الإفراد) (¬5) قيده المتكلمون عليهما: بأن يحرم بالحج من عامه، وإلا .. فالتمتع والقران أفضل منه؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 244]: (إن اعتمر في سَنَة ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 244). (¬2) المحرر (ص 132)، فتح العزيز (3/ 347)، الروضة (3/ 46). (¬3) انظر "فتح العزيز" (3/ 353). (¬4) التهذيب (3/ 253). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 70)، و "المنهاج" (ص 205).

الحج) ولا يحتاج إلى هذا التقييد؛ لأنهما فسرا الإفراد بذلك كما تقدم، فإن كان الإفراد لا يصدق عندهما بدونه .. فلا كلام، وإن صدق بدونه وكان تفسيرًا للإفراد الذي هو أفضل كما تقدم عن بعضهم .. فلا إيراد أيضًا، ثم إنهما قيدا مطلق الإفراد أو الإفراد الذي هو أفضل بأن يعتمر بعد الحج، وكذا ذكره الماوردي والنووي في "شرح المهذب" (¬1)، واعتبر "الحاوي" الاعتمار في سنة الحج (¬2)، وظاهره: أنه لا فرق في ذلك بين أن تكون العمرة بعده أو قبله وقبل أشهر الحج، وكذا أطلق في "الروضة" وأصلها (¬3)، وصرح به المحب الطبري فقال: لا فرق بين أن يعتمر بعد حجه من أدنى الحل أو قبله من الميقات ثم يحج من الميقات أيضًا؛ في أن كلًا منهما إفراد، قال: بل الثاني أفضل من الأول، وقد تقدم ذلك عن ابن الرفعة والسبكي، بل ذهب القاضي حسين والمتولي إلى تفضيل الإفراد ولو أتى بالعمرة في سنة أخرى، وضعفه النووي في "شرح المهذب" (¬4)، ومال القاضي حسين بعد نقله ذلك عن المذهب إلى خلافه؛ لأن للتأخير آفات، لكن اختاره السبكي، ونازع في قول الرافعي والنووي: أن تأخير العمرة عن سَنَة الحج مكروه (¬5)، فقال: الإفراد وصف مقصود للحج في نفسه حتى لا يخلطه بعمرة ولا يقدمها عليه في أشهره، فإذا أتى به كذلك .. كان كاملًا، وكذلك العمرة أيضًا كمالها: أن تنفرد عن الحج في غير أشهره، ونحن إذا فَضّلنا الإفراد عليهما نُريد: تفضيل حج وقع مختلطًا بعمرة أو متأخرًا عنها في أشهره، لا تفضيل عبادة على عبادتين، ولا عمل قليل على كثير، فهو حينئذ أفضل مطلقًا سواء اعتمر في سَنَتِهِ أم في غيرها، وكيف يُشترط في تفضيله أن يعتمر بعدها ولم يُنقل ذلك عن فعله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد ممن كان معه في حجة الوداع إلا عائشة، وكانت قارنة؟ وكذلك إذا نظرنا إلى العمرة من حيث هي .. فإفرادها أفضل. وإن نظرنا إليهما جميعًا، وأن عبادتين أفضل من عبادة، فوقعت كل عبادة على الوجه المقصود منها وهو هنا الإفراد .. فلا شك أنه أفضل، وكأن الأصحاب نظروا إلى ترجيح عبادتين على عبادة، وإلى تعجيل العمرة على تأخيرها، ولم ينظروا إلى صفة الكمال في كل منهما، وكمالهما: إفرادهما كما سبق، وأن يُنشئ لكل منهما سفرًا من بلده، كما فُسِّر به قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}، فهو أفضل من إتيانه بالعمرة تبعًا، ولا شك أن من عاد بعد الحج إلى بلده واعتمر منه أفضل ممن اعتمر عقبه من التنعيم ونحوه، وذلك لا يمكن في سَنَتِهِ إذا بعدت بلده كالكوفة مثلًا، ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (4/ 47)، و"المجموع" (7/ 120). (¬2) الحاوي (ص 244). (¬3) الروضة (3/ 44). (¬4) المجموع (7/ 120). (¬5) انظر "فتح العزيز" (3/ 344)، و"المجموع" (7/ 120).

ويمكن إذا قَرُبت كالمدينة مثلًا، قال: فهذا أفضل فيما ظهر لي، ثم يليه جمعهما في سفرة إفرادًا أو تمتعًا أو قرانًا، ثم الاقتصار على الحج. انتهى. وأورد في "المهمات" على تفضيلهم الإفراد: أنه إذا قرن واعتمر بعده أيضًا .. ينبغي أن يكون أفضل من الإفراد؛ لاشتماله على المقصود مع زيادة عمرة أخرى، قال: وهو نظير ما قالوه في (التيمم): أنه إذا رجي الماء، فصلى أولًا بالتيمم على قصد إعادتها بالوضوء .. فإنه أفضل لا محالة، قال: وكذلك إذا اعتمر المتمتع بعد الحج أيضًا، خصوصًا إذا كان مكيًا أو عاد لإحرام الحج إلى الميقات؛ فإن فوات هذه الشروط لا يخرجه عن كونه متمتعًا، وإنما سقط الدم. قلت: إنما ذكر الأصحاب هذا التفضيل عند تأدِيَةِ نسكين فقط، وفي هاتين الصورتين قد أَدّى ثلاثة نسك، فليست هي الصورة المتكلم عليها، والله أعلم. 1563 - قولهما: (وعلى المتمتع دم) (¬1) المراد به: شاة تجزئ في الأضحية، وكذلك جميع الدماء التي في الحج، إلا جزاء الصيد، وقد ذكر ذلك "الحاوي" (¬2)، ويقوم مقام الشاة سُبع بدنة وسُبع بقرة. 1564 - قول "التنبيه" [ص 70]: (وحاضروا المسجد الحرام أهل الحرم، ومن كان منه على مسافة لا تقصر فيها الصلاة) الضمير في قوله: (منه) يعود إلى الحرم، فالمسافة معتبرة منه، كما رجحه الرافعي في "شرحيه"، فقال في "الكبير": إنه الدائر في عبارات العراقيين (¬3)، وفي "الصغير": إنه أشبه الوجهين، وصححه النووي في كتبه، وعليه مشى "الحاوي" (¬4)، لكن في "المحرر" اعتبارها من مكة، فقال: وإنما يجب على المتمتع إذا لم يكن من حاضري المسجد الحرام، وهو مَنْ سَكَنُه من مكة فوق مسافة القصر. انتهى (¬5). وفي هذه العبارة خلل؛ لأن مقتضاها: أن من هو على مسافة القصر من مكة .. من حاضري المسجد الحرام، وليس كذلك، فالصواب: حذف لفظة: (فوق) ولذلك غيّره "المنهاج" فقال [ص 205]: (وحاضروه: مَنْ دون مرحلتين من مكة)، ثم استدرك عليه فقال: (قلت: الأصح: مِن الحَرَمِ)، لكن في "المهمات": أن الفتوى على ما في "المحرر"، فقد نقله صاحب "التقريب" عن النص فقال: حاضر المسجد الحرام عند الشافعي: مَنْ بينه وبين مكة مسافة لا تقصر فيها الصلاة، نص عليه في "الإملاء"، وأيّده الشافعي بأن اعتبار ذلك من الحرم يؤدي إلى ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 70)، و"المنهاج" (ص 205). (¬2) الحاوي (ص 257). (¬3) فتح العزيز (3/ 348). (¬4) الحاوي (ص 244)، وانظر "الروضة" (3/ 46)، و"المجموع" (7/ 149). (¬5) المحرر (ص 132).

إدخال البعيد عن مكة وإخراج القريب؛ لاختلاف المواقيت. انتهى. وفي عبارة "المحرر" شيء آخر، وهو أن تعبيره بالسكن يقتضي اعتبار الاستيطان في سقوط الدم بخلاف عبارة غيره، ويدل على عدم اعتبار الاستيطان ما تقدم قريبا عن الرافعي أنه حكى عن الأكثرين فيمن جاوز الميقات مريدًا للنسك ثم أحرم بعمرة، وهو على دون مسافة القصر من مكة أو الحرم: أنه لا يجب عليه دم التمتع، لكنه قبل ذلك بنحو ثلاثة أوراق نازع الغزالي في قوله: إن الآفاقي (¬1) لو جاوز الميقات غير مريد نسكًا، فلما دخل مكة اعتمر، ثم حج .. لم يكن متمتعًا؛ إذ صار من الحاضرين، وقال: إن كلام عامة الأصحاب ونقلهم عن نص "الإملاء" والقديم ظاهر في اعتبار الاستيطان (¬2). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إن الكلام الذي حكيته أولًا هو المعتمد عليه، قال: ويلزم منه أن من دخل مكة في غير أشهر الحج، ثم اعتمر في أشهر الحج .. لا يلزمه دم، وهو كذلك؛ إما قطعًا، أو على خلاف ضعيف. انتهى. وفي "شرح السبكي" بعد تطويل الكلام في هذه المسألة ما حاصله: أن فيها قولين، القديم: أن الحاضر كل من حصل هناك سواء استوطن أم لا وهو الذي قاله الغزالي (¬3)، فلا دم إذا أحرم من مكة أو قريبًا منها بالعمرة سواء أجاوز الميقات مريدًا للنسك أم غير مريد، وأظهرهما: أنه المستوطن، وعلى هذا يلحق به من في معناه، وهو مَنْ بمكة أو قريبًا منها إذا لم يجاوز الميقات مريدًا للنسك، فإن جاوزه مريدًا .. ففيه نظر، والأقرب: أنه لا يلحق به، ثم قال: فإن قلت: فإذا ألحقت به من في هذه المسافة .. فلا فائدة للخلاف حينئذ، والخلاف في التسمية فقط .. قلت: بل من فوائده: أنه إذا خرج المستوطن والآفاق الذي وصل مكة ولم يستوطنها إلى الميقات وتمتعا منه .. وجب الدم على الآفاق دون المستوطن. انتهى. 1565 - قولهما: (وألا يعود لأحرام الحج إلى الميقات) (¬4) ظاهره: إرادة الميقات الذي أحرم منه بالعمرة، ولا يختص به، فلو عاد إلى مثل مسافته وأحرم منها .. فلا دم، وكذا لو عاد إلى ميقات أقرب منه، أو أحرم من مكة، ثم عاد إليه محرمًا على الأصح فيهما، وقيده في "المهذب" ¬

_ (¬1) قال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" (3/ 9): (قال أهل اللغة: الآفاق. النواحي، الواحد أفق بضم الهمزة والفاء، وأفق بإسكان الفاء، قالوا: إن النسبة إليه أفقي بضم الهمزة والفاء وبفتحهما لغتان مشهورتان، وأما قول الغزالي وغيره في "كتاب الحج": الحاج الآفاقي .. فمنكر؛ فإن الجمع إذا لم يسم به .. لا ينسب إليه، وانما ينسب إلى واحده). (¬2) انظر "فتح العزيز" (3/ 348، 349). (¬3) انظر "الوجيز" (1/ 256). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 70)، و"المنهاج" (ص 205).

و"التهذيب" و"البحر" بأن يكون قبل الوقوف (¬1)، ولا يرد شيء من ذلك على "الحاوي" لقوله [ص 244]: (بلا عودٍ إلى ميقات)، وذكر البغوي والفوراني: أنه لو ذهب إلى مسافة القصر وأحرم .. فلا دم (¬2). 1566 - قول "المنهاج" [ص 205]: (ووقت وجوب الدم: إحرامه بالحج) يفهم أنه لا يجوز تقديمه عليه، وليس كذلك، فالأصح: جواز ذبحه إذا فرغ من العمرة، وقد ذكره "التنبيه" فقال [ص 70]: (فإن ذبح المتمتع بعد الفراغ من العمرة، والقارن بعد الإحرام بالحج .. جاز على ظاهر المذهب) و"الحاوي" فقال [ص 257]: (وقدّم إن اعتمر) وقد توهم عبارته إرادة الإحرام بالعمرة، وهو وجه، فعبارة "التنبيه" أوضح، لكن قوله: (على ظاهر المذهب) يعود للمتمتع فقط؛ فإن القارن في صورة إدخال الحج على العمرة إذا ذبح هديه بعد الإحرام بالحج .. جاز بلا خلاف؛ لأنه خوطب به. 1567 - قول "التنبيه" [ص 70]: (فإن لم يجد الهدي) تبع فيه لفظ القرآن (¬3)، وعبر "المنهاج" بقوله [ص 205]: (فإن عجز عنه في موضعه) وهو أحسن؛ لتناوله العجز الحسي؛ بألَّا يجده أصلًا، أو لا يجد ثمنه، والشرعي؛ بأن يجده ومعه ثمنه، لكنه محتاج إليه، أو يجده غاليًا؛ أي: لا يبيعه صاحبه إلا بأكثر من ثمن مثله .. فلا يجب عليه شراؤه بذلك الثمن، وينتقل للصيام كما في نظائره، وأيضًا: فإنه بيّنَ أن المراد: العجز عنه في موضعه، وهو الحرم، ولا التفات إلى وجوده في غيره. ولو أحرم بحج ولا هدي، ثم وجده قبل الشروع في الصوم .. نص في "الأم" على وجوبه (¬4)، وبنوه على أن الاعتبار بوقت الوجوب أو الأداء أو الأغلظ، وإن وجده بعد الشروع فيه .. نُدب، ولا يجب، ولو أحرم واجدًا له، ثم أعسر .. فهو على الخلاف المتقدم. 1568 - قول "المنهاج" [ص 205]: (ثلاثة في الحج) لا بد من تقييده بأن ذلك قبل يوم النحر، فلو أخر التحلل عن أيام التشريق، ثم صامها .. أثم، وصارت قضاء على الصحيح وإن صدق أنها في الحج؛ لندوره، فلا يراد بقوله تعالى: {في الحج} ولهذا قال "الحاوي" [ص 257]: (بين الإحرام والنحر). 1569 - قولهم: (وسبعةً إذا رجع إلى أهله) (¬5) أي: إن أراد: الرجوع إليهم، فإن أراد: ¬

_ (¬1) المهذب (1/ 206)، التهذيب (3/ 253)، بحر المذهب (5/ 64). (¬2) انظر "التهذيب" (3/ 253). (¬3) وهو قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}. (¬4) الأم (2/ 161). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 70)، و"الحاوي" (ص 257)، و"المنهاج" (ص 205).

الإقامة بمكة .. صامها بمكة، قاله الروياني في "البحر" (¬1)، وقياسه: أنه لو أقام ببلد آخر .. صامها فيه. 1570 - قول "المنهاج" [ص 205]: (ولو فاته الثلاثة في الحج .. فالأظهر: أنه يلزمه أن يُفَرِّقَ في قضائها بينها وبين السبعة) فيه أمران: أحدهما: تعبيره بالأظهر يقتضي أن الخلاف قولان، وكذا في "المحرر"، ورجحه في "أصل الروضة" (¬2)، ورجح الرافعي في "الشرح الصغير": أنه وجهان. ثانيهما: أنه يقتضي الاكتفاء بمطلق التفريق ولو بيوم واحد، وهو قول نص عليه في "الإملاء"، لكن الأظهر: أنه يجب أن يفرق بقدر ما كان يفرق به في الأداء، وذلك أربعة أيام، ومدة سيره إلى بلده؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 257]: (وفرق القضاء بقدرِهِ) أي: بقدر التفريق في الأداء. 1571 - قول "التنبيه" [ص 70]: (ولا يجب ذلك على القارن إلا أن يكون من غير حاضري المسجد الحرام، ولا على المتمتع إلا أن لا يعود لإحرام الحج إلى الميقات، ولا يكون من حاضري (¬3) المسجد الحرام) يقتضي أن الشرط المذكور في المتمتع أولًا ليس شرطًا في القارن، وليس كذلك، فالأصح: أن القارن إذا عاد قبل الوقوف إلى الميقات .. لا دم عليه، فكان ينبغي التسوية بينهما في اعتبار الشرطين، ويرد ذلك على "الحاوي" أيضًا؛ فإنه اعتبر عدم العود إلى الميقات في حقيقة التمتع كما تقدم، ولم يعتبر ذلك في القران، فغاير بين حكمهما، وقال في "المحرر" بعد استيفاء الكلام على المتمتع: (وعلى القارن دم كدم المتمتع) (¬4)، فاستدرك عليه "المنهاج" وقال [ص 205]: (بشرط ألا يكون من حاضري المسجد الحرام) وهو غني عن هذا الاستدراك، فقوله: (كدم المتمتع) يغني عنه، وإذ قد استدرك هذا .. فكان ينبغي استدراك الشرط الآخر، وهو: عدم العود إلى الميقات. * * * ¬

_ (¬1) بحر المذهب (5/ 71). (¬2) المحرر (ص 132)، الروضة (3/ 55). (¬3) في النسخ: (ولا يكون من غير حاضري ... ) بزيادة (غير)، وزيادتها مخلَّة بالمعنى، وعبارة "التنبيه" قريبة مما أثبتناه جدًا، وهي: ( ... وألا يكون من حاضري)، فليتأمل. (¬4) المحرر (ص 132).

باب محرمات الإحرام

بابُ محرَّمات الإحرام 1572 - قول "التنبيه" [ص 72]: (ويحرم عليه ستر الرأس بالمخيط وغيره) فيه أمور: أحدها: أن ذلك في الرجل، وقد ذكر حكم المرأة في آخر الباب (¬1). ثانيها: قد تفهم عبارته أن المُحَرَّم ستر جميع الرأس، وليس كذلك، فستر بعضه كذلك، وضبطه الإمام والغزالي بستر قدر يُقْصَدُ ستره لغرضٍ؛ كشد عصابة ولصوق شجة (¬2)، وأبطله الرافعي باتفاقهم على أنه لو شد خيطًا على رأسه .. لا فدية عليه، مع أنه يقصد لمنع الشعر من الانتشار، فالوجه: الضبط بتسميته ساترًا (¬3). ثالثها: قد تتناول عبارته: ستره باليد، ولا منع منه في يد نفسه قطعًا، ولا في يد غيره على المذهب، وبالانغماس في ماء، ولا منع منه، وبالاستظلال بِمَحْمِلٍ أو هودج، ولا منع منه إن لم يصب رأسه، وكذا إن أصابه خلافًا للمتولي في الحالة الثانية، قال الرافعي والنووي: ولم أره لغيره، وهو ضعيف (¬4)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: نصه في "الأم" يدل له، قال: وَيستَظِل المُحْرِمُ على المحمل والراحلة والأرض بما شاء ما لم يَمسَّ رأسَهُ (¬5). قلت: ليس فيه الاستظلال بالمحمل، وإنما فيه الاستظلال، وهو في المحمل أو على الراحلة بلا محمل أو على الأرض، والله أعلم. وقال في "المهمات": جزم به جماعات منهم الروياني في "البحر" والخوارزمي في "الكافي" فقالا: له أن يستظل بما لا يباشر رأسه من الخيمة والمحمل (¬6). قلت: قد تكون (مِنْ) بَيانِيّة، والخيمة والمحمل لا يباشران غالبًا، قال: واستدلال القاضي حسين يقتضيه، وصرح به أبو الخير سلامة بن جماعة في كتابه "الوسائل"، وفرق بينه وبين حمل الزنبيل؛ حيث نقل فيه خلافًا بأن المحمل يُقْصَد به الستر، بخلاف الزنبيل. انتهى (¬7). وقد تتناول عبارة "التنبيه" وضع الزنبيل والحِمْل على الرأس، ولا منع منه على المذهب، وفي "المهمات" عن الفوراني أن محله: إذا لم يقصد به الستر، فإن قصده .. حرم، قال والدي ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 73). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (4/ 243)، و"الوجيز" (1/ 266). (¬3) انظر "فتح العزيز" (3/ 458). (¬4) انظر "فتح العزيز" (3/ 457)، و"المجموع" (7/ 227). (¬5) الأم (2/ 203). (¬6) بحر المذهب (5/ 135). (¬7) الزنبيل: الجراب، وقيل: الوعاء يحمل فيه. انظر "لسان العرب" (11/ 300).

رحمه الله: وحكاه في "البحر" عن "الحاوي"، واستحسنه (¬1)، ويتناول تطيين الرأس وطليه بحناء أو مرهم أو غيرهما، وإنما توجب الفدية إذا كان ثخينًا ساترًا، فإن كان رقيقًا لا يستر .. فلا فدية. رابعها: أن كلامه هنا يتناول حالة العذر، لكنه ذكرها بعد ذلك في قوله: (وإن احتاج إلى اللبس لحرٍ أو بردٍ .. جاز، وعليه الكفارة) (¬2) وقد سلم من ذلك جميعه "المنهاج" بقوله [ص 206]: (سَتْرُ بعض رأس الرجل بما يُعَدُّ ساترًا إلا لحاجةٍ) وهو أشمل من قول "المحرر" (إلا لحاجة مداواة) (¬3) لتناوله الحر والبرد، إلا أن يقال: التغطية لهما من المداواة، وفيه بعد، واقتصار "التنبيه" على الحر والبرد لا يتناول المداواة، وعبر "الحاوي" بقوله [ص 249]: (ستر الرأس بما يُعَدّ ساترًا كطين، لا خيطٍ وحِمْلٍ وماءٍ)، وقد عرفت مما تقدم ما يرد عليه. 1573 - قول "التنبيه" [ص 72]: (حرم عليه لبس المخيط في جميع بدنه) هو في الرجل، وقد ذكر حكم المرأة بعد ذلك (¬4)، ولا يختص التحريم بالمخيط، بل كل مُحيط ولو بنسيج أو عقد أو إلزاق بعضه ببعض أو غيرها كذلك؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 249]: (والبدن بمحيطٍ بخياطةٍ ونسجٍ وعقد لِبْدٍ كخريطة اللحية ولف إزارٍ على ساقٍ وعَقْدهِ) (¬5)، وعبارة "المنهاج" [ص 206]: (وَلُبْسُ المخيط أو المنسوج أو المعقود في سائر بدنه) فلم يأت بما يشمل جميع أنواع المحيط، واستعمل لفظة: (سائر)، فإن أراد: الباقي .. فلم يتقدم حكم شيء منه حتى يكون هذا حكم باقيه؛ فإن الرأس قسيم البدن لا بعضه، فهذا الحكم ثابت لجميع البدن، وإن أراد: الجميع .. فهذا المعنى لا يعرف لـ (سائر)، وإن ذكره الجوهري وتبعه الغزالي (¬6)، فقد أنكره ابن الصلاح وغيره (¬7)، والمراد: جميع أجزائه على البدل؛ فإنه لا يشترط في التحريم أن يعم المخيط جميع البدن، فلو اتخذ لساعده شيئًا مخيطًا أو للحيته خريطةً لخضاب ونحوه .. حرم في الأصح؛ كالقفازين، ويعرف ذلك من تمثيل "الحاوي". 1574 - قول "المنهاج" [ص 206]: (إلا إذا لم يجد غيره) أي: لفقده من ملكه، وتعذر شراؤه بثمن مثله، وإجارته بأجرة مثله، واستعارته، ومقتضاه: المنع لحاجة الحر والبرد ¬

_ (¬1) الحاوي الكبير (4/ 102)، بحر المذهب (5/ 106). (¬2) التنبيه (ص 72). (¬3) المحرر (ص 132). (¬4) التنبيه (ص 73). (¬5) الخريطة: وعاء من جلد أو نحوه يشد على ما فيه من صحف ونحوها. انظر "معجم لغة الفقهاء" (ص 195). (¬6) انظر "الوجيز" (1/ 266). (¬7) انظر "مشكل الوسيط" (2/ 680، 681).

والمداواة، والمنقول في كلام الرافعي والنووي وغيرهما: الجواز، لكن مع الفدية (¬1)، فلو عبر بـ (الحاجة) كما في المسألة قبلها .. لكان أولى، وكذلك فعل "الحاوي" فقال بعد ذكر المسألتين [ص 250]: (ولحاجة بدم) و"التنبيه" (¬2)، فاللبس يتناولهما؛ ولعل "المنهاج" إنما خص هذه الحالة بالذكر؛ لأنه لا فدية فيها، ودخل في كلامه: لُبس الخف لفقد النعل، والسراويل لفقد الإزار، لكنه يجب في الأول قطعه أسفل من الكعب اتباعًا للحديث (¬3)، وقد صرح به "التنبيه" و"الحاوي" (¬4)، ولا يجب في السراويل قطعه فيما جاوز العورة، كما صرحوا به، وهو مقتضى إطلاق "التنبيه" و"الحاوي" (¬5)، لكن لو تأتى له الاتزار بالسراويل .. امتنع لبسه على هيئته، ولزم الاتزار به، صرح به النووي في "شرح المهذب" تبعًا لجماعة (¬6). 1575 - قولهم: (إنه يحرم على المرأة ستر وجهها) (¬7) يستثنى منه: ما لا يتأتى ستر جميع الرأس إلا به، احتياطًا للستر، وفي "شرح المهذب": أن الأمة كالحرة على المذهب، وقيل: كالرجل (¬8). قلت: وينبغي أن يستثنى من ذلك: أن الأمة لا تستر شيئًا من الوجه للاحتياط لستر الرأس؛ لأن رأسها ليس بعورة، ولو ستر الخنثى المشكل وجهه ورأسه .. لزمته الفدية، أو أحدهما .. فلا؛ فإنا لا نوجب بالشك. 1576 - قول "التنبيه" [ص 72]: (ويحرم عليه الطيب في بدنه وثيابه) قد يفهم منه اختصاص ذلك بالرجل كالمذكور قبله من المخيط وستر الرأس، وكذلك توهمه عبارة "الحاوي" لذكره بعد قوله [ص 249]: (وعلى الرجل ستر الرأس)، وليس كذلك؛ فتحريم الطيب عام للرجال والنساء، وكذا بقية المحرمات إلا اللبس؛ فهو الذي يفترق فيه الرجل والمرأة، فيحرم عليه: ستر الرأس والمخيط في البدن، وعليها: ستر الوجه، ويشتركان في تحريم القفاز، وقول "الحاوي" [ص 250]: (والتطيب) ليس معطوفًا على قوله [ص 249]: (ستر الرأس) بل على قوله أول الفصل [ص ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (3/ 461)، و"المجموع" (7/ 232). (¬2) التنبيه (ص 72). (¬3) أخرجه البخاري (359)، ومسلم (1177) من حديث سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما قال: سأل رجل رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: ما يلبس المحرم؟ فقال: "لا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا ثوبًا مسه الزعفران ولا ورس، فمن لم يجد النعين .. فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين". (¬4) التنبيه (ص 72)، الحاوي (ص 250). (¬5) التنبيه (ص 72)، الحاوي (ص 250). (¬6) المجموع (7/ 232، 233). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 73)، و"الحاوي" (ص 249)، و"المنهاج" (ص 206). (¬8) المجموع (7/ 234).

249]: (لبس القفازين)، ولو عبر "التنبيه" بـ (أو) كقول "المنهاج" [ص 206]: (استعمال الطيب في ثوبه أو بدنه) .. لكان أحسن، ومراد "التنبيه": أن كلًا منهما محل للتحريم، لا أنه يتوقف التحريم على اجتماعهما في التطيب، زاد "الحاوي" [ص 250]: (قصدًا بما يُقصد به رائحته). واحترز بالأول: عما لو ألقته الريح عليه، أو أكره عليه، أو جهل تحريمه، أو نسي كونه محرمًا .. فلا فدية، وكذا لو جهل كون الممسوس طيبًا على الأصح، بخلاف ما لو علم تحريمه، وجهل الفدية فيه .. فيجب، وينبغي في ناسي الإحرام تقييده بما إذا لم يكثر ذلك منه، كما في الكلام أو الأكل ناسيًا في الصلاة. وبالثاني: عما لا تقصد رائحته وإن كانت له رائحة طيبة، إما لكونه يطلب للأكل أو للتداوي غالبًا كالقرنفل وسائر الأبازير (¬1) والتفاح والسفرجل والأترج ونحوها، أو لكونه ينبت بنفسه كالشيح والقيصوم (¬2)، وفي معناها: نور الأشجار والعصفر والحناء .. فلا فدية في شيء من ذلك؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 250]: (لا الفواكه والدواء وزهر البادية). 1577 - قول "التنبيه" [ص 72]: (ويحرم عليه شم الأدهان المطيبة) عبر في "المهذب" وغيره بالاستعمال (¬3)، وهو أولى، واستعمالها إنما هو باستهلاكها دون شمها، وقد صرح الرافعي والنووي بأن شم ماء الورد لا يحرم (¬4)، وحكى ابن يونس في "النبيه" فيه وجهين، وصحح: التحريم، واستهلاك الأدهان المطيبة داخل في قول "المنهاج" [ص 206]: (استعمال الطيب) و"الحاوي" [ص 250]: (والتطيب)، وقد ذكره في الأمثلة فقال: (ودهن البنفسج) (¬5). 1578 - قول "التنبيه" [ص 72]: (وأكل ما فيه طيب ظاهر) يُحمَل على ظهور الأوصاف الثلاثة أو الرائحة وحدها، وكذا الطعم وحده على الأظهر، بخلاف اللون وحده؛ فإنه لا يضر على الأظهر؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 250]: (كأكل طعامٍ فيه رائحته)، ويرد عليه: الطعم، وأكل ما فيه طيب داخل في عبارة "المنهاج" لأنه تطييب للبدن من داخل. 1579 - قول "التنبيه" [ص 72]: (وشم الرياحين كالورد والياسمين والورسِ والزعفران) بخلاف ما دل عليه كلامه في (الأيمان): أن الورد والياسمين ليسا من الرياحين (¬6)، ولعلهما منه ¬

_ (¬1) الأبازير: التوابل. انظر "مختار الصحاح" (ص 21). (¬2) القيصوم: من نبات السهل، قال أبو حنيفة: القيصوم: من الذكور ومن الأمرار، وهو طيب الرائحة من رياحين البر، وورقه هدب، وله نورة صفراء، وهي تنهض على ساق وتطول. انظر "لسان العرب" (12/ 486، 487). (¬3) المهذب (2/ 150). (¬4) انظر "فتح العزيز" (3/ 469)، و "المجموع" (7/ 240). (¬5) الحاوي (ص 250). (¬6) التنبيه (ص 197).

لغة لا عرفًا، ثم إن محل تحريم شمها: أن تكون بيده، أو بما هو ملصق بيده، فلو شمها من بُعد؛ كدكان الفكاه والبستان .. لم يمتنع، فإن وضعها بين يديه على هيئة معتادة وشمها .. فإطلاق "التنبيه" وغيره يقتضي المنع، لكن قال شيخنا ابن النقيب: الذي يظهر: عدم التحريم، وقد يقال: إن عبارة "المنهاج" لا تتناول الرياحين من وجهين: أحدهما: أنها مشمومة لا طيب. والثاني: لقوله: (في بدنه أو ثوبه) (¬1) فإنها إنما يحرم فيها الشم كما في "التنبيه"، ويقوي الإيراد على "المنهاج" إذا أخذنا بإطلاق "التنبيه" أنه يحرم شمها عند وضعها بين يديه؛ فإنه في هذه الصورة ليس مستعملًا لها في بدن ولا ثوب، وأيضًا: فلو ألصقها ببدنه بلا شم .. لم يحرم مع استعمالها في البدن (¬2). 1580 - قول "التنبيه" [ص 72]: (ويجوز له شم النَّيْلَوْفَر والبنفسج) (¬3) وجهه: أن المقصود منهما: التداوي، ولا يتخذ من يابسهما طيب، لكن المذهب في "أصل الروضة": التحريم كبقية المشموم (¬4). 1581 - قوله: (وفي الريحان الفارسي قولان) (¬5) أظهرهما: التحريم، وعليه مشى "الحاوي" (¬6). 1582 - قول "الحاوي" [ص 250]: (والنوم في فراش مُطَيَّبٍ) محله: ما إذا أفضى ببدنه أو ملبوسه إليه، فإن فرش فوقه ثوبًا ونام عليه .. فلا فدية، لكنه إن كان الثوب رقيقًا .. كره. 1583 - قوله عطفًا على المنفي: (والْبَانِ وَدُهْنِهِ) (¬7) تبع فيه كون الإمام والغزالي نقلاه عن النص (¬8)، لكن حكى الرافعي عن إطلاق الجمهور: أن كلًا منهما طيب، ثم قال: ويشبه ألَّا يكون خلافًا حققًا، بل هما محمولان على توسط - حكاه صاحبا "المهذب" و"التهذيب" - وهو أن ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 206). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (2/ 336، 337). (¬3) النيلوفر بفتح النون واللام والفاء، ويقال: النينوفر بقلب اللام نونًا: وهو ضرب من الرَّياحين ينبت في المياه الرّاكدة، وهو المسمى عند أهل مصر بالبشنين، ويقوله العوام: النوفر كجوهر بارد في الثالثة رطب في الثانية ملين للصلابات وصالح للسعال وأوجاع الجنب والرئة والصدر، وإذا عجن أصله بالماء وطلي به البهق مرات .. أزاله، وإذا عجن بالزفت .. أزال داء الثعلب، ويتخذ منه شراب فائق. انظر "تاج العروس" (14/ 272). (¬4) الروضة (3/ 129). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 72). (¬6) الحاوي (ص 250). (¬7) انظر "الحاوي" (ص 250). (¬8) انظر "الأم" (2/ 152)، و"نهاية المطلب" (4/ 262)، و"الوجيز" (2/ 267).

دهن البان المنشوس، وهو المغلي في الطيب طيبٌ، وغير المنشوس ليس بطيب (¬1)، وقال النووي في "شرح المهذب": هو كما قال الرافعي (¬2). قال في "المهمات": ذكراه بحثًا، وقد صرح به الشافعي في "الأم" فقال فيما فيه الفدية: مثل الْبَانِ المنشوش بالطيب، ثم قال: ودهن ليس بطيبٍ مثل سليخة البان غير منشوش. انتهى (¬3). وهو بالنون والشين المعجمة المكررة، ثم إن هذا التفصيل إنما يأتي في دهن البان، ولا يمكن إتيانه في نفس البان، فالخلاف فيه محقق. 1584 - قوله عطفًا على المنفي: (وجهل طيبه) (¬4) أي: لا فدية إذا جهل كون الممسوس طيبًا، كما تقدم ذكره. 1585 - وقوله: (لا عَبقه) (¬5) أي: تجب الفدية إذا جهل عبقه مع علمه بأنه طيب؛ بأن يكون رطبًا، فيظنه يابسًا، فيمسه، فيعلق منه بيده شيء، وهذا أحد القولين، ورجحه الإمام والغزالي (¬6)، ورجح طائفة: عدم الوجوب، وذكر صاحب "التقريب" أنه القول الجديد، كذا في "أصل الروضة" (¬7)، وزاد في "شرح المهذب": أن الدارمي ذكر أنه الجديد أيضًا، وأن الأول هو القديم، ثم قال النووي: وعدم الوجوب أصح؛ لأنه نصه في الجديد؛ ولأنه غير قاصد، وصححه في "مناسكه" أيضًا (¬8). وقال شيخنا الإمام البلقيني: نص في "الأم" على ما يدل عليه، فقال مضمرًا لأنواع الطيب: (فإن مَسَّاهَا وهما لا يعلمان أنها رطبة، فَعَلِقَتْ بأيديهما .. غسلا ذلك، ولا شيء عليهما، وإن عَمَدَا أن يَمَسَّاها رطبةً فَعَلِقَتْ بأيديهما .. افتديا)، قال شيخنا: وحينئذ .. ترجح عدم الوجوب. انتهى (¬9). لكن نازعَ في "المهمات" في الحكاية عن صاحب "التقريب" وقال: إنه حكى وجهين من غير ترجيح، ثم نقل عن "المختصر" و"الأم" كلامًا، وتردد في حمله. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (3/ 467)، وانظر "المهذب" (1/ 210)، و "التهذيب: (3/ 270). (¬2) المجموع (7/ 247). (¬3) الأم (2/ 152). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 251). (¬5) انظر "الحاوي" (ص 251). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (4/ 263)، و"الوجيز" (1/ 268). (¬7) الروضة (3/ 131). (¬8) المجموع (7/ 240)، الإيضاح في المناسك (ص 50). (¬9) الأم (2/ 204).

1586 - قول "المنهاج" [ص 206]: (ودَهْنُ شعر الرأس أو اللحية) لا يحسن إدراجه في قسم التطيب؛ لأنه يحرم بغير المطيب كالزيت ونحوه، ولا يرد ذلك على "التنبيه" و"الحاوي" فلم يجعلاها أقسامًا، ويدرجاه في التطيب، بل ذكراه ذكرًا مبتدأً، وعبرا بالرأس، فاحتاجا لاستثناء من لا شعر على رأسه، ولم يحتج "المنهاج" لذلك؛ لتعبيره بشعر الرأس، وقد استثناه "الحاوي" فقال [ص 251]: (وإن حُلِق لا للأصلع) وفهم الأقرع من طريق الأولى، ولم يذكر "التنبيه" الاستثناء .. فَوَرَدَ عليه، وإطلاقهم اللحية يتناول لحية المرأة، وقد صرح بها القاضي حسين، وقد يفهم جواز دهن غيرها من شعور الوجه كالحاجب والشارب والعنفقة والعذارين، وقال المحب الطبري: الظاهر: أنها في معنى اللحية، وفي "المهمات": إنه القياس. وقال شيخنا ابن النقيب: التحريم ظاهر فيما اتصل باللحية؛ كالشارب والعنفقة والعذار، وأما الحاجب والهُدبُ وما على الجبهة: ففيه بُعد (¬1). وقال الماوردي في "الإقناع": يحرم دهن شعر البدن أيضًا (¬2)، ولا يخفى أن المراد: دهن المحرم شعر نفسه. 1587 - قول "التنبيه" [ص 72]: (ويحرم عليه تقليم الأظفار وحلق الشعر) لا يختص ذلك بالحلق؛ فالنتف والقص والإحراق وبالنورة حكمها كالحلق، ولا بالتقليم؛ فالقطع والكسر كالقلم؛ لذلك عبر "المنهاج" بالإزالة، و"الحاوي": بالإبانة (¬3). ويستثنى من إزالة الظفر: ما لو انكسر بعضه وتأذى به .. فله قطع المنكسر خاصةً. ومن الشعر: ما لو نبتت شعرة أو شعرات داخل جفنه وتأذى بها، أو طال شعر حاجبيه أو رأسه وغطى عينيه .. فله قلع القدر المغطى، وفي الصور كلها لا فدية، وقد استثنى "الحاوي" الثانية فقال [ص 251]: (لا من داخل الجفن)، وذكرها "التنبيه" بعد ذلك. ولا فدية أيضًا فيما لو قطع إصبعه وعليها شعر أو ظفر، أو كَشَطَ جلدة رأسه وعليها الشعر؛ للتبعيّة، وقد ذكرها "الحاوي" فقال [ص 251]: (وقطع ما عليه الشعر). ولا فدية أيضًا فيما لو حلق المغمى عليه رأسه أو المجنون أو الصبي الذي لا يميز على الأصح في "شرح المهذب" (¬4)، ولا يفهم من تعبيرهم بالشعر: تحريم إزالة الشعرة الواحدة، مع أنه حرام، لكن يفهم من ذكرهم: ما يجب في حلق شعرة واحدة. ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (2/ 338). (¬2) الإقناع (ص 89). (¬3) الحاوي (ص 251)، المنهاج (ص 206). (¬4) المجموع (7/ 308).

1588 - قول "التنبيه" [ص 73]: (وإن حلق رأسه مكرهًا أو نائمًا .. وجبت الفدية على الحالق في أحد القولين، وعلى المحلوق في الثاني، ويرجع بها على الحالق) الأظهر: الأول، وعليه مشى "الحاوي" (¬1)، وأطلق "التنبيه" على الثاني أن يرجع بها على الحالق، وفصّل الرافعي والنووي فقالا: إن فدى بالهدي أو الإطعام .. رجع عليه، ولكن بأقل الأمرين منهما؛ لأنه متطوع بالزيادة، وإن فدى بالصوم .. فلا رجوع في الأصح (¬2)، وفي "شرح المهذب" عن الأصحاب: أن محل جواز فدائه بالصوم: إذا غاب الحالق أو أعسر (¬3)، وينبغي أن يكون محل القولين: ما إذا لم يدخل وقت الحلق، فإن دخل وقته .. فقال المحب الطبري: الظاهر: أنه لا فدية قطعًا، ولا يبعد تأثيمه؛ لافتياته، وإن حلقه وهو ساكت قادر على الدفع .. فكالآمِر، وقيل: على القولين في النائم، ومن هنا .. يعلم أن ما تقدم في الحلق من نفسه كما تقدم في الدهن، وهو واضح. 1589 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وتكمُلُ الفديةُ في ثلاثِ شعراتٍ) (¬4) محله: ما إذا أزالها متواليًا في مكان واحد، فإن تعدد الزمان أو المكان .. فطريقان، أصحهما: في كل شعرة ما فيها لو انفردت، وهو مد في الأظهر، والطريقة الثانية قولان كمن كرر اللبس. 1590 - قول "التنبيه" [ص 73]: (فإن حلق شعرة أو قلم ظفرًا .. فيه ثلاثة أقوال، أحدها: يجب ثلث دم، والثاني: درهم، والثالث: مد) الأظهر: الثالث، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 206]: (والأظهر: أن في الشعرة مُدَّ طعامٍ، وفي الشعرتين مُدَّين) ومشى عليه "الحاوي" (¬5). ومحل الأقوال: إذا اختار الدم في الشعرات الثلاث، فإن اختار الصوم فيها .. صام يومًا، أو الآصع .. أخرج صاعًا، قاله العمراني في "مشكل المهذب"، وبه يندفع الإشكال المشهور أنه إذا حلق الثلاث .. خيّر بين دم وثلاثة آصع وصيام ثلاثة أيام، فينبغي إذا حلق شعرة .. خيّر بين ما يخصها من الخصال، فكيف يأتي الخلاف؟ وتبع العمراني على ذلك ابن أبي الصيف في "نكت التنبيه" والمحب الطبري، وقال: إنه مما لا يمكن دفعه. وقال في "المهمات": إنه متعين لا محيد عنه. وقال ابن الرفعة: ما قاله العمراني إن ظهر على قولنا: الواجب ثلث دم أو درهم .. لم يظهر ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 250). (¬2) انظر "فتح العزيز" (3/ 478)، و"الروضة" (3/ 137). (¬3) المجموع (7/ 312). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 73)، و"الحاوي" (ص 247)، و"المنهاج" (ص 206). (¬5) الحاوي (ص 247).

على قولنا: مدّ؛ إذ يرجع حاصله إلى أنه مخير بين المد والصاع، والشخص لا يخير بين الشيء وبعضه، قال: وجوابه: المنع؛ فإن المسافر يخير بين القصر والإتمام، وبين الظهر والجمعة. انتهى. ولو قصر الشعرة .. فهو كحلقها، وقيل: توزع الفدية عليها، وصححه الماوردي (¬1)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه القياس، ويقاس به الظفر. 1591 - قول "التنبيه" [ص 73]: (وإن لبس ثم لبس، أو تطيب ثم تطيب في مجالس قبل أن يكفر عن الأول .. كفاه عنهما كفارة واحدة في أحد القولين، ويلزمه لكل واحد كفارة في الثاني) الأظهر: الثاني، وعليه مشى "الحاوي"، وعبارته [ص 256]: (وتداخل الجزاء إن اتحد النوع والزمان في الاستمتاع بلا تخلُّلِ تكفير) وفيه أمور: أحدها: أن مقتضى كلامه: أنه إذا لبس ثوبًا مطيبًا .. تعدد الجزاء؛ لاختلاف النوع وإن اتحد الزمان، وكذا صححه الرافعي (¬2)، لكن قال النووي: الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور: أنه يكفيه فدية واحدة؛ لاتحاد الفعل وتبعية الطيب (¬3). ثانيها: لا بد أيضًا من الاتحاد في المكان، ولا يغني ذكر الزمان عنه؛ إذ قد يتتابع الفعل مع الانتقال من مكان إلى مكان. ثالثها: محل ما ذكره: في غير الجماع، فلو أفسد نسكه به، ثم جامع ثانيًا .. لزمه شاة، وهو داخل في قوله: (وفي الحرام سوى المفسد والصيد شاةٌ) (¬4). 1592 - قولهم في محرمات الإحرام: (الجماع) (¬5) يتناول ما إذا كان في القبل أو الدبر ولو من رجل وبهيمة، وكما يحرم الجماع على المُحْرِم .. يحرم على المرأة الحلال تمكين المُحْرِم في الأصح، قاله الرافعي في (الإيلاء) (¬6)، ويحرم على الحلال أيضًا حال إحرام المرأة، كما ذكروه في الإحصار. ولم يذكر "المنهاج" تحريم الاستمتاع بشهوة، وذكره "التنبيه" فقال [ص 72]: (والمباشرة فيما دون الفرج بشهوة والاستمناء) وخرج بقوله: (بشهوة) مجرد اللمس، فلا يوجب الفدية في الأصح، ويشترط في الاستمناء: الإنزال، بخلاف المباشرة، و"الحاوي" فقال [ص 251]: ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (4/ 114). (¬2) انظر "فتح العزيز" (3/ 489). (¬3) انظر "الروضة" (3/ 171). (¬4) انظر "الحاوي" (ق 30). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 72)، و "الحاوي" (ص 251)، و"المنهاج" (ص 206). (¬6) فتح العزيز (9/ 239، 240).

(ومقدماته الناقضة)، وتبع في هذه العبارة الغزالي (¬1)، وهو شاذ، بل غلط، كما قاله في زيادة "الروضة" (¬2)؛ لأن اللمس بغير شهوة لا يحرم، وقال في "شرح المهذب": اتفقوا على أنه سهو من الغزالي، وليس وجهًا (¬3). قلت: ومقتضى هذه العبارة: وجوب الفدية باللمس ناسيًا أو جاهلًا كالنقض، وأنها لا تجب بالمعانقة بشهوة بحائل، وليس كذلك. واعلم: أن مقدمات الجماع ليست مثله في إفساد الحج وإيجاب البدنة، وإنما الواجب فيها: فدية؛ كالحلق وغيره من الاستمتاعات. 1593 - قولهما: (وتَفْسُدُ به العمرة) (¬4) فيه أمران: أحدهما: أن المراد: العمرة المفردة؛ فهي التي تفسد بالجماع مطلقًا، أما التي في ضمن حج في القران .. فهي تابعة له في الصحة والفساد، فإذا جامع بعد تحلله الأول .. لم يفسد الحج، وكذا العمرة تبعًا وإن لم يأت بأعمالها؛ لما بيناه من التبعيّة. ولو قدم القارن مكة، فطاف وسعى ووقف، ثم حلقَ قبل الرمي، ثم جامع .. فسد حجه وعمرته وإن كان بعد أفعال العمرة كلها، ففسدت العمرة تبعًا كما صحت فيما تقدم تبعًا، وقد ذكره "الحاوي" بمثاليه، وأحسن بذكر الحلق في المثال الثاني (¬5)، فإن الرافعي والنووي لما ذكراه .. لم يذكرا الحلق (¬6)، فاعترض على قولهما: إن هذا الجماع بعد أفعال العمرة كلها؛ لأنه قد بقي منها الحلق، لكن فيه شيء آخر، ذكره شيخنا ابن النقيب فقال: وهذا الكلام يدل على أن طواف العمرة يندرج في طواف قدوم الحج، لا في الإفاضة، وفيه نظر، واندراجه في المفروض أولى (¬7). وذكره شيخنا الإمام البلقيني على طريق الجزم فقال: والطواف المذكور قد يكون للقدوم .. فلا يجزئ عن طواف العمرة، فالمجزئ عن طواف العمرة في القران إنما هو طواف الإفاضة، وإنما هذا سنة، وحينئذ .. فلم يقع الجماع بعد أعمال العمرة. ثانيهما: شرط فساد الحج والعمرة بالوطء: أن يكون عاقلًا عامدًا عالمًا بالتحريم، فإن لم يكن ¬

_ (¬1) انظر "الوجيز" (1/ 269)، و "الوسيط" (2/ 691). (¬2) الروضة (3/ 144). (¬3) المجموع (7/ 259). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 72)، و "المنهاج" (ص 206). (¬5) الحاوي (ص 253). (¬6) انظر "فتح العزيز" (3/ 485)، و"المجموع" (7/ 339). (¬7) انظر "السراج على نكت المنهاج" (2/ 342).

كذلك .. لم يفسد على الجديد، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 251]: (وعمدُهُ بعلم الحُرْمَة). 1594 - قولهما: (وتجب به: بدنة) (¬1) قد يفهم أن على كل من الرجل والمرأة بدنة؛ أي: فيما إذا لم تكن مكرهة ولا نائمة، وهذه طريقة، والطريقة الأخرى: أن فيه الخلاف في الصيام، وهذا أشهر، كما قال النووي في "شرح المهذب" (¬2)، ومقتضاه: ترجيح وجوب بدنة واحدة عليه خاصة، وعبارة "أصل الروضة" تفهم ترجيح هذه الطريقة أيضًا؛ فإنه قال: هل يجب على كل واحد منهما بدنة، أم يجب على الزوج فقط بدنة عن نفسه، أم عليه بدنة عنه وعنها؟ فيه ثلاثة أقوال كالصوم، وقطع قاطعون بإلزامها البدنة. انتهى (¬3). فجزمه أولًا بطريقة الخلاف يدل على ترجيحها، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 252]: (وإن فسد للزوجة أيضًا)، واقتصر "المنهاج" على وجوب بدنة، ومراده: الترتيب على ما ذكره "التنبيه" و"الحاوي" وهو: أنه إن لم يجد .. فبقرة، فإن لم يجد .. فسَبعْ من الغنم، فإن لم يجد .. قوّم البدنة دراهم، والدراهم طعامًا، وتصدق به، فإن لم يجد .. صام عن كل مد يومًا (¬4)، وقد يفهم من التقييد بالأمداد: أنه لو انكسر بعض الأمداد .. طرح، وليس كذلك، بل يكمل المنكسر. 1595 - قول "التنبيه" [ص 73]: (وإن تكرر منه الجماع ولم يكفر عن الأول .. كفاه عنهما كفارة واحدة في أحد الأقوال، ويلزمه بدنة في الثاني، وشاة في الثالث) الأظهر: الثالث، وعليه مشى "الحاوي" (¬5) وأراد "التنبيه" بالتكرر: مرتين؛ بدليل قوله: (عنهما)، فلو تكرر أكثر من ذلك .. عُرف حكمه مما تقدم. 1596 - قوله: (وإن جامع بعد التحلل الأول .. لم يفسد حجه، وعليه بدنة في أحد القولين وشاة في الآخر) (¬6) الأظهر: الثاني، وعليه مشى "الحاوي" (¬7). 1597 - قول "المنهاج" [ص 206] و"الحاوي" [ص 252]: (ويجب القضاء) يتناول الفرض والتطوع، ومحله: ما إذا كان الذي أفسده غير قضاء، أما إذا أفسد القضاء بالجماع .. فإنه لا يقضي هذا القضاء، وإنما يقضي الذي أفسده أولًا؛ لأن المقضي واحد، وقد صرح به ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 73)، و "المنهاج" (ص 206). (¬2) المجموع (7/ 340). (¬3) الروضة (3/ 140). (¬4) التنبيه (ص 73)، الحاوي (ص 253). (¬5) الحاوي (ص 252). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 73). (¬7) الحاوي (ص 252).

"التنبيه" فقال [ص 73]: (وإن أفسد القضاء .. لزمه البدنة دون القضاء) ومراده: دون قضاء القضاء، أما قضاء الأصل: فلا بد منه. 1598 - قولهما: (والأصح: أنه على الفور) (¬1) و"الحاوي" [ص 252]: (مُضَيَّقًا) أحسن من قول غيرهم: من قابل؛ فإن هذا يشمل العمرة؛ فإنها ممكنة على الفور، ويشمل الحج أيضًا إذا أمكن في سنة الإفساد؛ بأن يحصر عن إتمام الفاسد سواء جامع ثم أحصر أو أحصر ثم جامع قبل التحلل، فيتحلل، ثم يزول الحصر والوقت باق، فيلزمه القضاء في سنته. واستشكل تسميته قضاء؛ لوقوعه في وقته، فهو كمن أفسد الصلاة ثم أعادها في الوقت .. فالأصح: أنها أداء. وأجاب السبكي بأمرين: أحدهما: أنه أطلق القضاء على معناه اللغوي. ثانيهما: أنه يتضيق وقته بالإحرام وإن لم تتضيق الصلاة؛ لأن آخر وقت الصلاة لم يتغير في حقه بالشروع، فلم يكن بفعلها بعد الإفساد موقعًا لها في غير وقتها، والحج بالشروع يضيق وقته ابتداءً وانتهاءً؛ فإنه ينتهي بوقت الفوات، ففعله في السنة الثانية خارج وقته، فصح وصفه بالقضاء. انتهى. أما من فاته الحج .. فحكى في "شرح المهذب" عن ابن المرزبان: أن له حكم من تحلل التحلل الأول، فإن وطئ .. لم يفسد إحرامه، وإن تطيب أو لبس .. لم يلزمه فدية؛ لأنه لما فاته الوقوف .. سقط عنه الرمي، فصار كمن رمى، ثم حكى النووي عن القاضي أبي الطيب والروياني والدارمي: أن هذا على قولنا: الحلق ليس بنسك، فإن قلنا: إنه نسك .. احتاج إليه أو إلى الطواف حتى يحصل التحلل الأول (¬2). ورد شيخنا الإمام البلقيني على ابن المرزبان بنص الشافعي في "الأم" على أن من فاته الحج قبل الإحلال كاملُ الإحرام، تجب عليه الفدية فيما فيه الفدية، والفساد فيما فيه فساد لا يختلف ذلك؛ لأن الإحرام قائم عليه (¬3). 1599 - قول "التنبيه" [ص 73]: (ويجب عليه القضاء من حيث أحرم) فيه أمور: أحدها: أنه يستثنى منه: ما لو كان في الأداء جاوز الميقات مُسيئًا؛ لكونه مريدًا للنسك .. فلا خلاف أنه لا يسيء ثانيًا، بل يحرم من الميقات. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 73)، و"المنهاج" (ص 206). (¬2) المجموع (8/ 219)، وانظر "بحر المذهب" (5/ 258). (¬3) الأم (2/ 165).

ثانيها: وكذا لو جاوزه غير مريد للنسك، ثم بدا له فأحرم .. فإنه لا يُحْرِم في القضاء من ذلك الموضع، بل يتعين الميقات، كما صححه في "أصل الروضة" (¬1)، مع أن الرافعي إنما نقله عن صاحب "التهذيب" وغيره، وحكى مقابله عن الشيخ أبي على (¬2)، وصرح في "الشرح الصغير" بتصحيح مقابله، وهو: أنَّه يحرم في القضاء من حيث أحرم في الأداء، لكن صحح السبكي الأول، فقوى بذلك تصحيح النووي، قال الرافعي والنووي: والوجهان فيمن لم يرجع إلى الميقات، فلو رجع ثم عاد .. فلا بد من الإحرام من الميقات (¬3)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه ممنوع؛ لأن ميقاته حيث أحرم، فعوده لا يخرج الأول عن كونه ميقاته لذلك الإحرام، فيبقى القضاء على الخلاف، قال: ولو سُلِّم .. لكان مقتضاه: الفرق بين أن يعود قبل التلبس بنسك أم لا. ثالثها: لا يتعين حيث أحرم، فلو عدل لمثل مسافته .. جاز، وفي زيادة "الروضة": أنَّه لا خلاف فيه (¬4)، لكن فيه في "الكفاية" وجه عن حكاية الماوردي (¬5). رابعها: اقتصر على اعتبار المكان، وهو يقتضي أن الزمان لا يعتبر، فله تأخير الإحرام بالقضاء عن الزمن الذي أحرم فيه بالأداء؛ لأن الاعتناء بالميقات المكاني أكمل، لكن يستثنى منه: الأجير؛ فعليه رعايته إن كان أبعد. 1600 - قوله: (وعليه نفقة المرأة في القضاء، وقيل: عليها النفقة) (¬6) الخلاف في النفقة الزائدة بسبب السفر، أما نفقة الحضر: فلا تعلق لها بهذا، والكلام في الزوج، أما لو كان الواطئ أجنبيًا بشبهة أو زنا .. فالمؤنة عليها قطعًا. 1601 - قوله: (وإن قضى الحج وهي معه .. فالمستحب أن يفترقا في الموضع الذي جامعها فيه، وقيل: يجب ذلك) (¬7) تعبيره يفهم أن هذا وجهٌ، وهو قول قديم مشهور، وظاهر كلامه: اختصاص الافتراق بذلك الموضع، لكن في "شرح المهذب": أنَّه يمتد إلى أن يتحلل التحللين سواء قلنا بوجوبه أو باستحبابه (¬8)، قال الماوردي: ويعتزلها في السير والمنزل (¬9). ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 140). (¬2) التهذيب (3/ 272)، فتح العزيز (3/ 483). (¬3) انظر "فتح العزيز" (3/ 483)، "الروضة، (3/ 140). (¬4) الروضة (3/ 140). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (4/ 233). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 73). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 73). (¬8) المجموع (7/ 413). (¬9) انظر "الحاوي الكبير" (4/ 233).

1602 - قوله: (ويحرم عليه الصيد المأكول) (¬1) فيه أمور: أحدها: لا بد من تقييده بأن يكون برِّيًا، كما فعل "المنهاج" و"الحاوي" (¬2) ليخرج البحري، فيحل ولو في الحرم، وفي "البحر" عن الصيمري: أنَّه يحرم صيد بحر الحرم (¬3)، ونص الشَّافعي يخالفه صريحًا، فقال: وكل ما كان فيه صيدٌ في بئرٍ كان أو في ماءٍ مستنقع أو في عين .. فهو بحرٌ، وسواءٌ كان في الحل أو الحرم .. يُصاد ويؤكل. انتهى (¬4). والمراد بالبحري: ما لا يعيش إلَّا في البحر، فإن عاش فيهما .. فهو بري. ثانيها: لو عبر بالمصدر .. كان أولى من التعبير باسم المفعول، وإن كان لفظ الآية: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ}، فهو فيها محتمل للمصدر ولاسم المفعول، وأما في لفظ المصنِّف: فهو متعين للمفعول؛ ولذلك عبر "المنهاج" بـ (اصطياد) (¬5)، وأحسن منه تعبير "الحاوي" بقوله [ص 253]: (تَعَرُّضُ) فإنه يتناول: تنفيره، والإعانة عليه بدلالة أو إعارة آلة، ووضع اليد عليه بتملك أو إعارة أو غيرهما، وأن يتعرض لجزئه وشعره وريشه وبيضه ولبنه، وقد ذكر "التنبيه" و"الحاوي" بعد ذلك البيض (¬6)، ومحله: في غير المذر (¬7)، أما المذر: فلا يحرم كسره، ولا يضمن إلَّا أن يكون بيض نعام؛ لأن لقشره قيمة، ومسألة الدلالة ذكرها الغزالي في "الوجيز"، وتبعه "الحاوي" (¬8)، وأهملها الرافعي والنووي في "الروضة"، لكنه ذكرها في "شرح المهذب" (¬9)، وهي مشكلة؛ لأنه دلالة على مباح، وليس في القواعد ما يقتضي اشتراط جواز تعاطي الشيء في جواز الدلالة عليه. ويرد على عبارة "التنبيه" أيضًا: ما لو صال عليه الصيد، فقتله دفعًا لصياله .. فإنه لا يضمنه، ولا يرد ذلك على تعبير "المنهاج" بالاصطياد؛ لأن دفع الصائل ليس اصطيادًا. ثالثها: لا بد من تقييده أيضًا بأن يكون وحشيًا، وقد ذكره "الحاوي" (¬10). وأجيب عن كون "المنهاج" لم يذكره: بأن لفظ الاصطياد يقتضيه؛ فإنه الأخذ بحيلة، وذلك إنما يكون في ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 72). (¬2) الحاوي (ص 253)، المنهاج (ص 206). (¬3) بحر المذهب (5/ 326). (¬4) انظر "الأم" (2/ 209). (¬5) المنهاج (ص 206). (¬6) التنبيه (ص 74)، الحاوي (ص 253). (¬7) المذر: الفاسد الذي لا فرخ فيه. انظر "لسان العرب" (5/ 164). (¬8) الوجيز (1/ 270)، الحاوي (ص 253). (¬9) المجموع (7/ 270، 271). (¬10) الحاوي (ص 253).

الوحشي، وعن "التنبيه" بأن الإنسي لا يسمى صيدًا. رابعها: محل التحريم: أن يكون ذلك عمدًا، وقد ذكره "الحاوي" (¬1)، ولا بد من العلم بالتحريم؛ ليخرج الجاهل به، ولم يذكر "المنهاج" أيضًا ذلك. 1603 - قول "التنبيه" [ص 72]: (وما تولد من مأكول وغير مأكول) يخرج عنه المتولد من مأكولين أحدهما وحشي؛ كالمتولد بين الظباء والشياه، ولا نزاع في تحريم صيده، ويدخل فيه المتولد بين وحشي غير مأكول؛ كالذئب، وإنسي مأكول؛ كالشاة، ولا نزاع في جواز صيده، وكذلك المتولد بين أهليين أحدهما غير مأكول؛ كالبغل، ولا نزاع في أنَّه لا يحرم التعرض له، فتعبيره معترض طردًا وعكسًا، إلَّا أن يقال في الصورة الثالثة: هذا ليس صيدًا. وعبارة "الحاوي" [ص 253]: (تَعَرُّضُ بري متوحش مأكول، أو في أصله أحدهما) أي: في أصل البري أحدهما إما متوحش وإما مأكول، وعبارة "أصل الروضة" مثلها؛ حيث قال: (أو في أصله مأكول ليس مائيًا وحشيًا كان أو في أصله وحشي) (¬2)، ويدخل في هذه العبارة ثلاثة أنواع لا نزاع في أنَّه لا يحرم التعرض لها: أحدها: المتولد بين وحشي غير مأكول؛ كالذئب، وإنسي مأكول؛ كالشاة. الثاني: المتولد بين حيوانين لا يؤكلان أحدهما وحشي؛ كالمتولد بين الحمار والزرافة. الثالث: المتولد بين أهليين أحدهما لا يؤكل كالبغل؛ فإن الأول في أصله وحشي ومأكول، والثاني في أصله وحشي، والثالث في أصله مأكول، وقد يقال: لا ترد الأولى؛ لأنه اعتبر وجود أحدهما، وقد وجد فيها كلاهما، فكان صواب العبارة: (أو في أحد أصليه هو) أي: متوحش مأكول، وقد عبر به هو في "اللباب"، واعتذر بعضهم عنه: بأن مراده: أو في أصله أحدهما مع الوصف الآخر، وهو عجيب! لأن موضوع أحدهما لأحد الشيئين، فكيف يجعلها لهما معًا" وعبارة "المنهاج" بعد قوله [ص 206]: (اصطياد كل مأكول بري): (وكذا المتولد منه ومن غيره) (¬3)، قال في "الدقائق": يدخل في قوله: (منه ومن غيره) شيئان: أحدهما: المتولد من مأكول وغير مأكول. والثاني: المتولد من شاة وضبع أو ظبي؛ فإنه متولد من صيد وغيره، وهو حرام بلا خلاف، وقَلّ مَنْ نَبَّه عليه (¬4). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 253). (¬2) الروضة (3/ 144). (¬3) المنهاج (ص 207). (¬4) الدقائق (ص 58).

قال شيخنا ابن النقيب: وضابطه: أن ما حرم التعرض لأحد أصليه .. حرم؛ كبين ذئب وضبع، وبين ظبي وشاة، وبين حمار وحشي وحمار إنسي، وما جاز التعرض لكل منهما .. جاز؛ كبين حمار وزرافة، وبين حمار وفرس، وبين ذئب وشاة (¬1). وبسط ذلك في "المهمات"، وذكر أن المتولد من البري ستة أقسام، فالثلاثة الأولى حرام؛ لأن كلًا منهما في أصله المأكول والمتوحش في ذات واحدة، والثلاثة الأخيرة لا يحرم؛ لأن كلًا منهما لا يحرم التعرض لكل واحد من أصليه، لكن اقتضى كلام شيخينا المذكورين أنَّه لا يرد على الرافعي والنووي من هذه الصور إلَّا المتولد بين ذئب وشاة، وليس كذلك، فالأخريان تردان عليهما وعلى "الحاوي" كما قدمته. 1604 - قول "المنهاج" [ص 207]: (ويحرم ذلك في الحرم على الحلال) فالمحرم إما أن يؤخذ من طريق الأولى وإما من عموم ما سبق، وأفصح به "التنبيه" فقال [ص 74]: (وصيد الحرم حرام على الحلال والمُحْرِم) ولا فرق بين أن يكون في الحرم الصائد أو المصيد، فلو وقف في الحل ورمى صيدًا في الحرم أو عكسه .. حرم، بل لو رمى من الحل إلى صيد في الحل، فاعترض السهم في الحرم .. حرم في الأصح، بخلاف إرسال الكلب إذا أرسله من الحل إلى صيد في الحل، فاعترض في الحرم (¬2)، وقد ذكره "الحاوي" (¬3). 1605 - قول "المنهاج" [ص 207]: "فإن أتلف صيدًا .. ضمنه" فيه أمور: أحدها: أنَّه قد يخرج ما إذا لم يتلفه، بل أزمنه وأزال امتناعه، والأصح: أنَّه يضمن بكمال الجزاء، وقد ذكره "التنبيه" و"الحاوي" (¬4)، لكن تعبير "التنبيه" ب (قيل) يقتضي أن الخلاف وجهان، وقد صرح في "المهذب" بأنه قولان (¬5). ثانيها: وقد يخرج ما إذا لم يتلفه، بل وضع يده عليه فتلف مع أنَّه مضمون أيضًا، وقد ذكره "التنبيه" (¬6)، لكن يستثنى منه: ما إذا كان إنما وضع يدَهُ عليه لمداواته فتلف .. فلا ضمان، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 254]: (وتلف في يده لا لمداواةٍ) ومثلها: ما إذا خلصه من سبع أو هرة أو نحوهما. ثالثها: تناول كلامه: ما إذا فَعله ناسيًا للإحرام أو مخطئًا أو جاهلًا بالتحريم، وقد صرح به ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (2/ 347). (¬2) في (ج): (والفرق: أن الدابة لها اختيار). (¬3) الحاوي (ص 253 - 254). (¬4) التنبيه (ص 74)، الحاوي (ص 254). (¬5) المهذب (1/ 217). (¬6) التنبيه (ص 74).

"الحاوي" (¬1)، لكن صحح النووي من زوائده: أنَّه لا جزاء على المجنون (¬2)، وهو مشكل؛ لأنه إتلاف، والمجنون فيه كالعاقل؛ ولهذا لما صححه في "شرح المهذب" .. قال: إن الأقيس: خلافه (¬3)، ويؤيده ما في "الروضة" وأصلها في حج الصبي: أنَّه إذا ارتكب محظورًا عمدًا .. لزمته الفدية بناء على الأظهر: أن عمده عمد، ثم قالا: إن حكم المجنون حكم الصبي الذي لا يميز (¬4). رابعها: قد يتناول ما إذا قتله دفعًا لصياله عنه مع أنَّه لا ضمان فيه، وقد ذكره "التنبيه" و"الحاوي" (¬5). 1606 - قول "التنبيه" [ص 72]: (وإن افترش الجراد في طريقه فقتله .. ففيه قولان) الأظهر: أنَّه لا جزاء عليه، وعليه مشى "الحاوي" وعبر بقوله [ص 253]: (لا إن عمت الجراد فتخطاها) وهو أحسن، فإنها قد تفترش في طريقه ولا تعمها بحيث يجد عنها معدلًا. 1607 - قولهما: (وفي الغزال: عنزٌ) (¬6) حكاه الرافعي عن بعض الأصحاب، ومنهم أَبو القاسم الكرخي، وأنه زعم أن الأنثى غزال، ثم قال: قال الإمام: وهذا وهم، بل الصحيح: أن في الظبي عنزًا، وهو شديد الشبه بها، فإنه أجرد الشعر، متقلص الذنب، وأما الغزال: فولد الظبي، فيجب فيه ما يجب في الصغار (¬7)، وجزم في "الشرح الصغير" بهذا المحكي عن الإمام، وقال في "الروضة": قول الإمام هو الصواب، قال أهل اللغة: الغزال ولد الظبية إلى حين يقوى ويطلع قرناه، ثم هي ظبية، والذكر ظبي. انتهى (¬8). فعبارتهما معترضة من وجهين: أحدهما: أن العنز كبيرة، والغزال صغير. والثاني: أنَّها أنثى، والغزال يشمل الذكر والأنثى، وحينئذ .. فالواجب فيه إن كان ذكرًا: جَدْيٌ، وإن كان أنثى: عَنَاقٌ (¬9)، وقد تبع "الحاوي" ما ذكره الإمام والرافعي والنووي، فقال: (والظبي عنز) (¬10)، وهو معترض أيضًا، فإن الظبي ذكر كما حكاه النووي عن أهل اللغة، والعنز ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 253). (¬2) انظر "الروضة" (3/ 145). (¬3) المجموع (7/ 307). (¬4) فتح العزيز (3/ 453، 454)، الروضة (3/ 121، 123). (¬5) التنبيه (ص 72)، الحاوي (ص 253). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 74)، و"المنهاج" (ص 207). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (4/ 4 ... )، و"فتح العزيز" (3/ 508). (¬8) الروضة (3/ 158). (¬9) العَناق بفتح العين: الأنثى من أولاد المعز إذا قويت ما لم تبلغ سنها سنة. انظر "الدقائق" (ص 58). (¬10) الحاوي (ص 255).

أنثى كما قاله أهل اللغة، وممن ذكره النووي، فوقعوا في أحد الاعتراضين على "التنبيه" و"المنهاج" على وجه هو أشد؛ لأن الغزال قد تكون أنثى، والظبي لا يكون إلَّا ذكرًا، فالصواب: (وفي الظبي: تيس)، وقد عبر به بعضهم. 1608 - قول "التنبيه" [ص 74] و"الحاوي" [ص 255]: (والضبع: كبش) كذا ذكره غيرهما، واعترضه في "المهمات": بأن الضبع هو الأنثى، وأما الذكر: فإنه ضِبْعان - بكسر الضاد وإسكان الباء - كما في "الصحاح" و"المحكم" وغيرهما (¬1)، فالصواب: (وفي الضبع: نعجة)، لكن في كلام ابن التياني وابن هشام الخضراوي: أنَّه يطلق على الذكر والأنثى، وحينئذ .. فلا يستقيم قوله: (كبش) لتعينه للذَّكَر. 1609 - قولهما أيضًا: (والأرنب: عَنَاقٌ، واليربوع: جفرةٌ) (¬2) ذكر الرافعي والنووي أن العناق: الأنثى من المعز من حين تولد إلى أن ترعى، والجفرة: الأنثى من ولد المعز، تفطم، فتأخذ في الرعي، وذلك بعد أربعة أشهر، قالا: هذا معناهما في اللغة، لكن يجب أن يكون المراد بالجفر هنا: ما دون العناق؛ فإن الأرنب خير من اليربوع (¬3). 1610 - قول "الحاوي" [ص 254]: (والأنثى للذكر، لا عكسه) أي: لا يجزئ إخراج الذكر عن الأنثى، لكن الأصح من زيادة "الروضة": الإجزاء؛ لأن لحمه أطيب، قال الإمام: ومحل الإجزاء في الذكر والأنثى: ما لم ينقص اللحم في القيمة ولا في الطيب، فإن كان واحد من هذين النقصين .. لم يجز قطعًا (¬4). 1611 - قول "التنبيه" [ص 74]: (فإن فدى الذكر بالأنثى .. فهو أفضل على المنصوص) الأصح: أن فِداء الذكر بالذكر أفضل، ذكره في زيادة "الروضة" وغيرها (¬5). 1612 - قوله: (وإن أتلف ظبيًا ماخضًا .. ضمنه بقيمة شاة ماخض) (¬6) الظبي خاص بالذكر كما تقدم، فلا يمكن أن يكون ماخضًا؛ أي: حاملًا، وصوابه: ظبية، ثم إن الشاة تنطلق على الضأن والمعز وعلى الذكر والأنثى، فالصواب: عنز، ولا يجوز ذبحها وتفرقة لحمها كما أفهمه كلامه؛ ¬

_ (¬1) الصحاح (3/ 1247)، المحكم (1/ 416). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 74)، و"الحاوي" (ص 255)، وهو في "المنهاج" (ص 207)، والجفرة: هي ما بلغت أربعة أشهر من أولاد المعز وفصلت عن أمها، والذكر جفر؛ لأنه جفر جنباه؛ أي: عظُما. انظر "الدقائق" (ص 58). (¬3) انظر "فتح العزيز" (3/ 508)، و"الروضة" (3/ 157). (¬4) الروضة (3/ 159)، وانظر "نهاية المطلب" (4/ 401). (¬5) الروضة (3/ 159). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 74).

لأن لحم غير الحامل أطيب، ولا يخرج تلك القيمة، بل يعرف ما يتحصل بها من الطَّعام، فيتصدق به، كذا في "أصل الروضة" (¬1)، ولا يتعين ذلك، بل له أن يصوم عن كل مد يومًا، قاله في "شرح المهذب" (¬2)، وأشار "الحاوي" إلى هذه المسألة بقوله [ص 254 - 255]: (كالحامل لها) وهو اختصار مجحف. 1613 - قول "التنبيه" [ص 74]: (وإن جرح صيدًا له مثلٌ فنقص عشر قيمته .. لزمه عشر قيمة المثل، وقيل: عشر المثل إلَّا ألَّا يجده) الأصح: الثاني، قاله جمهور الأصحاب (¬3)، قالوا: وإنَّما ذكر الشَّافعي القيمة؛ لأنه قد لا يجد شريكًا في ذبح شاة، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 254]: (وجزؤه لجزئه). 1614 - قول "التنبيه" [ص 74]: (وإن أمسكه محرم فقتله محرم آخر .. وجب الجزاء بينهما نصفين) الأصح: وجوب الجزاء على القاتل وحده، صححه الرافعي والنووي في وجه ثالث يطالب كل منهما به، والقرار على القاتل كنظيره من الغصب، ورجحاه أيضًا في موضع آخر (¬4). 1615 - قول "الحاوي" [ص 254]: (مثله من النعم بحكم عدلين) محله: فيما لا نقل فيه، أما ما فيه نقل عن الشارع أو عن صاحبين أو عن عدلين من التابعين فمن بعدهم .. فإنه يتبع ما حكموا به، بل لو حكم به صحابي وسكت الباقون .. اتبع كما قاله في "الكفاية"؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 207]: (وما لا نقل فيه .. يحكم بمثله عدلان" قال الرافعي: وليكونا فقيهين كَيِّسَيْنِ (¬5)، والمراد بالكيس: الفطن، ولا شك في وجوبه، وأما الفقه: ففي "شرح المهذب" عن الشَّافعي والأصحاب: أنَّه مستحب (¬6)، ونقل الماوردي عن الشَّافعي: وجوبه (¬7)، وصوبه في "المهمات"، وقال: قياسه: أن لا يكتفي بالمرأة والعبد، وقد ذكر "التنبيه" الرجوع إلى عدلين في المثل وفي القيمة أيضًا فقال [ص 74]: (ويرجع في معرفة المثل والقيمة إلى عدلين)، ولم يتعرض لذلك الرافعي والنووي في القيمة. 1616 - قول "المنهاج" [ص 207]: (وفيما لا مثل له .. القيمة) يستثنى منه: الحمام؛ ففيه شاة وإن كان لا مثل له من النعم، وقد استثناه "التنبيه"، لكنه عبر بقوله [ص 74]: (إلَّا الحمام، ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 160). (¬2) المجموع (7/ 364). (¬3) انظر "مختصر المزني" (ص 71)، و"الروضة" (3/ 160)، و"المجموع" (7/ 363). (¬4) انظر "فتح العزيز" (3/ 499)، (10/ 136)، و"الروضة" (3/ 149)، (9/ 133). (¬5) انظر "فتح العزيز" (3/ 509). (¬6) المجموع (7/ 361). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (4/ 292).

وكل ما عب وهدر) (¬1)، وكان ينبغي أن يقول: (وهو كل ما عب وهدر) كما في "المهذب" (¬2) لأن هذا هو الحمام على المشهور، فعطفه عليه يقتضي أنَّه غيره، ثم الهدير ملازم للعب، فلا حاجة لاعتباره. وأطلق "الحاوي" وجوب قيمة غير المثلي، وعد الحمام في أمثلة ما له مثل، وهو الشاة (¬3)، ولعله مَيْل إلى أحد الوجهين أن سبب وجوبها فيها: شبهها بها في أن كلًا منهما يألف البيوت ويأنس بالناس، لكن الأصح: أن سببه اتباع الآثار عن السلف؛ لتوقيفٍ بلغهم فيه، ونص عليه الشَّافعي (¬4). 1617 - قول "التنبيه" [ص 72]: (فإن ذبح الصيد .. حرم عليه أكله، وهل يحرم على غيره؟ فيه قولان) أظهرهما: نعم، وهو الجديد، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 255]: (وَمَذْبُوحُهُ مَيْتَةٌ) وحكم البيض إذا كسره والجراد إذا قتله حكم الصيد إذا ذبحه، كما في زوائد "الروضة" عن الروياني عن الأصحاب، واختار الشيخ أَبو حامد والقاضي أَبو الطيب: حل البيض لغيره قطعًا؛ لأن حله لا يتوقف على فعله، وصححه الروياني أيضًا (¬5). 1618 - قول "التنبيه" [ص 72]: (ولا يملك الصيد بالبيع والهبة) أعم منه قول "الحاوي" [ص 253]: (ولا يصح تملكه اختيارًا)، فيتناول قبول الوصية والخلع والرجوع بالإفلاس وإن كان إطلاقهم في التفليس يقتضى خلافه. 1619 - قول "التنبيه" [ص 72]: (وهل يملك بالإرث؟ فقد قيل: يملك، وقيل: لا يملك) الأصح: الأول، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 253]: (ويرث، ويزول مِلْكُه، فيرسله) وما ذكره من زوال ملكه عن الموروث تبع فيه الإمام والغزالي (¬6)، وفي "التهذيب" وغيره خلافه (¬7)، وصححه في "شرح المهذب" فقال: إنه الصحيح المشهور الذي قطع به المحاملي وآخرون، قال المحاملي: إذا قلنا: إنه يملكه بالإرث .. كان ملكًا له يملك التصرف فيه كيف شاء إلَّا القتل والإتلاف (¬8). ¬

_ (¬1) قال الأزهري: الحمام البري والأهلي يعب إذا شرب، وهو أن يجرع الماء جرعًا، وسائر الطيور تنقر الماء نقرًا وتشرب قطرة قطرة، وقال غيره: العب: شدة جرع الماء من غير تنفس، والهدير: ترجغ الصوت ومواصلته من غير تقطيع له. انظر "تهذيب اللغة" (1/ 86)، و"تحرير ألفاظ التنبيه" (ص 147). (¬2) المهذب (1/ 217). (¬3) الحاوي (ص 255). (¬4) انظر "مختصر المزني" (ص 72). (¬5) الروضة (3/ 155)، وانظر "بحر المذهب" (5/ 393). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (4/ 411)، و"الوجيز" (1/ 270). (¬7) التهذيب (3/ 273). (¬8) المجموع (7/ 277).

واعلم: أن في "شرح المهذب" عن أبي الطيب والمتولي: أن الإرث إنما يتصور إذا قلنا: إن الإحرام لا يزيل الملك عن الصيد، فإن قلنا: يزيله .. لم يملكه، وعن الإمام عن العراقيين عكسه: أن محل الوجهين إذا قلنا: الإحرام يقطع الملك، ثم قال النووي: إن الجمهور لم يتعرضوا لذلك، قال: وما نقله عن العراقيين غريب (¬1). قال في "المهمات": ومقتضاه: عدم الإنكار على أبي الطيب والمتولي، فيكون الراجح: عدم الإرث. 1620 - قول "التنبيه" [ص 72]: (وإن كان في ملكه صيد فأحرم .. زال ملكه عنه في أحد القولين) هو الأظهر؛ ولعل هذه هي مراد "الحاوي" بقوله [ص 253]: (ويزول ملكه، فيرسله) وإن لم تكن هي بعينها مراده .. فهي داخلة في عبارته. واعلم: أن النووي قال في "تصحيحه": الأصح: أنَّه إذا أحرم وفي ملكه صيد .. لزمه إرساله (¬2)، وهذه غير مسألة "التنبيه"، بل هي أصلها، والتي في "التنبيه" متفرعة عليها؛ ففي "الروضة": أن الإرسال واجب على الصحيح، فإن لم نوجبه .. لم يزل ملكه، وإن أوجبناه .. فقولان، أظهرهما: يزول. انتهى (¬3). فلم نستفد من "التصحيح" الراجح في مسألة "التنبيه"، وإنما استفدنا منه مسألة أخرى هي أصلها، ولا يلزم من الترجيح في التي ذكرها التصحيحُ في الأخرى كما عرفت، فلو مات الصيد قبل إمكان الإرسال .. وجب الجزاء في الأصح، في "أصل الروضة" (¬4). قال في "المهمات": وهو مشكل؛ فإنه لا يجب تقديم الإرسال على الإحرام بلا خلاف، فلم يوجد إتلاف ولا تقصير في الإرسال؛ يؤيده أنهم قالوا بعدم الضمان فيما إذا نذر التضحية بشاة معينة، فماتت يوم النحر قبل إمكان الذبح، وفرّق والدي رحمه الله بينهما: بتمكنه من إرسال الصيد قبل الإحرام وإن لم يلزمه، بخلاف التضحية ليس متمكنا منها قبل وقتها، وله تأخير التضحية ما دام الوقت باقيًا، وليس له تأخير الإرسال بعد الإحرام. 1621 - قول "التنبيه" [ص 74]: (ويحرم على الحلال والمحرم قطع شجر الحرم) يفهم تحريم القلع من طريق الأولى، وأورد في "الكفاية" لفظ "التنبيه": (القلع) (¬5)، ثم قال "التنبيه" [ص 74]: ¬

_ (¬1) المجموع (7/ 277)، وانظر "نهاية المطلب" (4/ 411). (¬2) تصحيح التنبيه (1/ 242). (¬3) الروضة (3/ 150). (¬4) الروضة (3/ 150). (¬5) أي: وقعت عبارة "التنبيه" في "الكفاية" بلفظ (القلع) لا (القطع) هكذا: (ولا يحرم على الحلال والمحرم قلع شجر الحرم)، فليعلم.

(وقيل: لا يحرم قلع ما أنبته الآدمي، والأول هو المنصوص) وهذا يقتضي أن الثاني وجه، لكنه قولٌ، ثم قال "التنبيه" [ص 74]: (ويحرم قطع حشيش الحرم) قال النووي في "التحرير": كان ينبغي أن يعبر بالقلع عوضًا عن القطع؛ فإن الحشيش هو اليابس، ولا يحرم قطعه، وإنَّما يحرم قلعه خاصة (¬1)، أي: بلا خلاف، بخلاف الرطب، فإنه يحرم قطعه وقلعه، فلو عبر بـ (الخلا) .. لكن أولى، لكن حكي عن أبي عبيدة معمر بنُ المثنى: أن الحشيش يكون للرطب واليابس (¬2)، وخرج بهذه العبارة: الزروع، كالحنطة، والشعير والقطنية والخضروات ونحوها .. فيجوز قلعها سواء نبتت بنفسها أوزرعت. وعبر "المنهاج" عن الشجر وغيرها بعبارة واحدة فقال تبعًا "للمحرر": (ويُحْرُمُ قطع نبات الحرم الذي لا يُسْتَنْبَت) (¬3)، ثم استدرك فقال: (والمستنبت كغيره على المذهب) (¬4)، وهذا الاستدراك إنما يصح في الشجر، أما غيرها: فيفرق فيه بين المستنبت وغيره كما تقدم، ولهذا أطلق "التنبيه" الشجر، وخص التحريم بالحشيش، وأراد به: ما لا يستنبت، فكلام "المحرر" صحيح في غير الشجر، وكلام "المنهاج" صحيح في الشجر. ويرد على "التنبيه" و"المنهاج": أن التحريم في الشجر إنما هو في الرطب، أما اليابس: فلا شيء في قطعه، كما لو قَدّ صيدًا ميتًا نصفين، هذه عبارة " أصل الروضة" (¬5)، وقد يفهم تحريم القلع كما في الحشيش، وليس كذلك، فقد صرح النووى في "نكت التنبيه" بأنه لا شيء في قلعه أيضًا، والفرق بينهما: أن الحشيش اليابس يستخلف، بخلاف الشجر اليابس، ولهذا عبر "الحاوي" بقوله [ص 255]: (ويحرم قطع نبات رطب حرميٍّ وقَلْعُهُ) ويرد عليه مع ذلك شيئان: أحدهما: أنَّه يتناول المستنبت من غير الشجر مع أنَّه لا يحرم فيه كما تقدم. ثانيهما: أنَّه يستثنى من مفهومه: قلع اليابس غير المستنبت من غير الشجر؛ فإنه يحرم أيضًا كما تقدم. 1622 - قول "المنهاج" [ص 207]: (والأظهر: تعلق الضمان به وبقطع أشجاره) الضمير في قوله: (به) يعود للنبات، وهو شامل للشجر، فلا حاجة لقوله - تبعًا لـ"المحرر" (¬6) -: (وبقطع أشجاره)، فهو وإن كان من ذكر الخاص بعد العام .. فيه إيهام، وعبارته تقتضي أنَّه لا يتوقف ¬

_ (¬1) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 147). (¬2) انظر "تهذيب اللغة" (3/ 254). (¬3) المحرر (ص 133)، المنهاج (ص 207). (¬4) المنهاج (ص 207). (¬5) الروضة (3/ 165). (¬6) المحرر (ص 133).

وجوب البقرة والشاة على القلع، بل يحصل بمجرد القطع، وكذا عبارة "الحاوي" فإنه بعد تحريم القطع والقلع قال [ص 255]: (ويجب في الشجرة الكبيرة: بقرة)، وكذا عبر "التنبيه" في التحريم والضمان بالقطع (¬1)، إلَّا أن ابن الرفعة حكى عنه التعبير بالقلع. قال في "المهمات": وتعبير الرافعي بالتامة مشعر به، إلَّا أن يقال: إن التامة للاحتراز عن الغصن، قلت: هو كذلك بلا شك، قال الرافعي: وسواء نقل من الحرم إلى الحل، أو إلى الحرم .. يُنظر: إن يبِسَتْ .. لزمه الجزاء، وإن نبتت في الموضع المنقول إليه .. فلا جزاء، فلو قلعها قالع .. لزمه الجزاء؛ إبقاء لحرمة الحرم (¬2). قال السبكي: وهذا إذا كان الموضوع المنقول إليه من الحرم، أما إن كان من الحل .. فقد صرح جماعة بلزوم الجزاء وإن نبتت، ما لم يعدها إلن مكانها، وفي "المهمات": إن الضمير في قوله: (لزمه الجزاء) يعود للأول كما قال الجرجاني والخوارزمي، وللثاني كما قال سليم والبغوي، وقال البندنيجي: بمطالبتهما كالمغصوب إذا أُتْلِفَ، واقتصر في "الكفاية" عليه، وفي "المهمات": إنه واضح متعين. 1623 - قولهم: (ففي الشجرة الكبيرة: بقرةٌ) (¬3)، قال الإمام: والبدنة في معناها بلا شك (¬4)، وقال السبكي: وفيه نظر. 1624 - قولهم: (والصغيرة: شاةٌ) (¬5) ضبط الإمام الصغيرة بقدر سُبع الكبيرة، فإن صغرت جدًا .. ففيها القيمة، وجزم به في "أصل الروضة" (¬6)، وفي "الاستقصاء في شرح المهذب" أنَّه لا يشترط في البقرة إجزاؤها في الأضحية، بل يكفي فيها تبيع، وهو ابن سنة، بخلاف الشاة لا بد أن تكون في سن الأضحية، ووجَّهَه في "المهمات" بأن الشاة لم يوجبها الشرع إلَّا في هذا السن، بخلاف البقرة؛ بدليل التبيع في الثلاثين منها، قال: وهو يؤخذ من كلام الرافعي في موضع آخر، وإطلاقه في الدماء يقتضي خلافه. 1625 - قول "التنبيه" [ص 74]: (وإن قطع غصنًا منها .. ضمن ما نقص) يستثنى منه: الغصن الصغير، فلا يضمن، وما لو انتشرت الأغصان ومنعت الناس من الطَّرِيقِ وآذتهم .. فإنه يجوز قطع المؤذي منها. ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 74). (¬2) انظر "فتح العزيز" (3/ 518). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 74)، و"الحاوي" (ص 255)، و"المنهاج" (ص 207). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (4/ 418). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 74)، و"الحاوي" (ص 255)، و"المنهاج" (ص 207). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (4/ 418)، و"الروضة" (3/ 167).

1626 - قوله: (فإن عاد الغصن .. سقط عنه الضمان في أحد القولين ولا يسقط في الآخر) (¬1) الأظهر: أنَّه لا يسقط، وهو كالخلاف في عود سن المثغور (¬2)، وفي التعبير بالعود تَجوّز؛ لأن العائد مثله لا هو، ومحل القولين: إذا عاد في سنة أخرى، فإن عاد في تلك السنة لكون الغصن لطيفًا كالسواك .. فلا ضمان، وقد يفهم ذلك من قوله: (ما نقص) فإن مثله لا ينقص، وقد يقال: لا بد من نقص وإن قل، والحق: أنَّه إنما أريد: نقص القيمة، ومثل ذلك لا ينقص القيمة، ويجوز الإقدام على قطعه، كما في "شرح المهذب" (¬3). 1627 - قوله: (ويحرم قطع حشيش الحرم إلَّا الإذخر والعوسج) (¬4) في استثناء العوسج من الحشيش نظر؛ فإنه من الشجر، وعبارة "المنهاج" أعم؛ فإنه قال [ص 207]: (وكذا الشوك كالعوسج وغيره عند الجمهور)، وأعم منه قول "الحاوي" [ص 255]: (لا مؤذ) فإنه يتناول الأغصان المنتشرة المؤذية كما تقدم، وعبارة "الروضة" في العوسج: الصحيح الذي قطع به الجمهور، لكنه صحح في "شرح مسلم": تحريمه، واختاره في "تصحيح التنبيه" و"تحريره" من حيث الدليل؛ أي: وهو إطلاق الخبر، كما في "أصل الروضة" (¬5)، وفاته فيه ورود النص فيه في "الصحيحين"، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "ولا يعضد شوكها" (¬6)، وقد استدل به في "شرح المهذب"، ثم قال: وللقائلين بالمذهب أن يجيبوا عنه: بأنه مخصص بالقياس على الفواسق الخمس (¬7). ورده السبكي: بأن الشوك لا يتناول غيره، فكيف يجيء التخصيص؟ ! قال: نعم؛ التخصيص ممكن في رواية: "لا يعضد شوكها"، واقتصر "التنبيه" على استثناء الإذخر والعوسج، وقال "المنهاج" [ص 207]: (والأصح: حِلُّ أخذ نباته لعلف البهائم والدواء) والعلف هنا بسكون اللام؛ لأن المراد هنا: المصدر - وهو بالفتح - الشيء الذي يُعلف به، قال في "شرح المهذب": ولو أخذه ليبيعه ممن يَعْلِف به .. لم يجز (¬8)، ومقتضاه: أن الدواء كذلك لا يجوز أخذه للبيع، ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 74). (¬2) المثغور: قال أهل اللغة: وإذا سقطت رواضع الصبي .. قيل: ثغر يثغر فهو مثغور، وأثغر الغلام: نبتت أسنانه. انظر "تحرير ألفاظ التنبيه" (ص 299، 300). (¬3) المجموع (7/ 783، 379). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 74). (¬5) الروضة (3/ 165)، شرح مسلم (9/ 126)، تصحيح التنبيه (1/ 248)، تحرير ألفاظ التنبيه (ص 148). (¬6) صحيح البخاري (1510)، صحيح مسلم (3153). (¬7) المجموع (7/ 378). (¬8) المجموع (7/ 382).

وظاهر إطلاق الماوردي: الجواز مطلقًا (¬1)، ومقتضى عبارته: أنَّه لا يتوقف الأخذ للدواء على وجود السبب، بل يجوز تحصيله وادخاره له، ومقتضى تعبير " أصل الروضة" بقوله: (ولو احتيج إلى شيء من نبات الحرم للدواء) (¬2) خلافه، ونازع في "المهمات" في الخلاف في جواز الأخذ للدواء، وقال: الخلاف في الضمان، وأما الأخذ: فجائز قطعًا، وعبر "الحاوي" بعبارة تتناول العلف والدواء فقال [ص 255]: (ولحاجةٍ)، وتتناول أمرين آخرين: أحدهما: لو قطع غير الإذخر للحاجة التي يُقطع لها الإذخر؛ كتسقيف البيوت .. فهو كقطعه للدواء كما قاله الغزالي في "البسيط" و"الوسيط" (¬3)، قال في "المهمات": وقلّ من تعرض لهذه المسألة. ثانيهما: ما يُتغذى به؛ كالرجلة والنبات المسمى في الحجاز بالبقلة ونحوها، فذكر المحب الطَّبري: أنَّه يجوز قطعه؛ لأنه في معنى الزرع، وهو داخل في التعبير بالحاجة، ومقتضى اقتصارهم على النبات: أن ذلك لا يتعدى لغيره، لكن صحح النووي: تحريم إخراج تراب الحرم إلى الحل وأحجاره، ونص عليه الشَّافعي، وأطلق الرافعي كراهته، قال في "شرح المهذب": وهي عبارة كثيرين، أو الأكثرين (¬4). 1628 - قولهما: (ويحرم صيد المدينة) (¬5) فيه أمران: أحدهما: أنَّه كان ينبغي التعبير بحرم المدينة، كما في "المحرر" و"الروضة" (¬6) فإن التحريم لا يختص بالمدينة، وهو في العَرْضِ: ما بين لابتيها؛ أي: الحرتين، وهي: الحجارة السود، وفي الطول: من عَيْر إلى ثور، كما ثبت في "الصحيح" (¬7). وأنكر بعضهم ثورًا، وقال: إنه لا يعرف بالمدينة، وقال: وصوابه: أُحد. وَرُدَّ: بأن ثورًا جبل صغير وراء أُحد، يعرفه أهل المدينة، فأُحُدٌ داخل في الحرم. ثانيهما: أن ذلك لا يختص بالصيد؛ فالنبات كذلك، كما نقله في "شرح المهذب" عن الشَّافعي والأصحاب (¬8)، وسلم "الحاوي" من الأمرين، فقال بعد ذكر تحريم الصيد والنبات: ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (4/ 327). (¬2) الروضة (3/ 167). (¬3) الوسيط (2/ 701). (¬4) المجموع (7/ 843)، وانظر "الأم" (7/ 146)، و"فتح العزيز" (3/ 520). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 75)، و"المنهاج" (ص 207). (¬6) المحرر (ص 133)، الروضة (3/ 168). (¬7) صحيح البخاري (6374)، صحيح مسلم (1370). (¬8) المجموع (7/ 394).

(وحرم المدينة وَوَجّ الطائف كمكة في الحرمة فقط) (¬1)، وزاد عليهما: وَجّ الطائف، وهو بفتح الواو وتشديد الجيم: وادٍ بصحراء الطائف، واحترز بقوله: (فقط) عن الضمان، وهو الجديد كما قال "المنهاج" (¬2)، قال في "التنبيه" [ص 75]: (وفيه قول آخر: أنَّه يُسلَب الفاعل)، وهذا القول اختاره النووي من جهة الدليل في "تصحيح التنبيه " و"شرح المهذب" (¬3)، والأكثرون على أنَّه كسلب قتيل الكفار، وقيل: ثيابه فقط، وقيل: إنه يترك له ساتر العورة، وصوبه في زيادة "الروضة"، وصححه في "شرح المهذب" (¬4)، وقال الشيخ أَبو حامد: يُعطاه إلى أن يقدر على ساتر عورته، فإن قدر .. استعيد منه، وظاهر إطلاق الأئمة: أن السلب لا يتوقف على إتلافه، بل بمجرد الاصطياد، وتوقف الإمام فيما إذا أرسله (¬5)، ثم هو للسالب، وقيل: لفقراء المدينة كجزاء الصيد، وقيل: لبيت المال. وقال شيخنا الإمام البلقيني: الذي يقتضيه النظر: أنَّه لا يسلب ثيابه إذا كان عبدًا؛ فإنه لا ملك له، وكذلك لو كان عليه ثوب مستأجر أو مستعار .. فإنه لا يسلب، قال: ولم أر من تعرض لذلك. وقال في "التوشيح": يستثنى: من ليس عليه إلَّا سلب مغصوب .. فلا يسلبه بلا خلاف. 1629 - قول "المنهاج" [ص 207]: (ويتخير في الصيد المثلي بين ذبح مثله والصدقة به على مساكين الحرم) فيه تنبيه على الفقراء من طريق الأولى. 1630 - قوله: (وَبَيْنَ أن يُقَوِّمَ المِثْلَ دَرَاهِمَ) (¬6) منصوب على نزع الخافض، وتقديره: بدراهم، وذكر الدراهم تمثيل، فلا يختص التقويم بها، بل يكون بالنقد الغالب منها ومن الذهب. 1631 - وقوله: (ويشتري بها طعامًا) (¬7) وكذا عبر "التنبيه" (¬8)، وهو مثال، فلا يخفى أن الشراء غير متعين، فلو أخرج مما هو عنده ذلك القدر .. جاز؛ ولذلك لم يذكر "الحاوي" الشراء، والمراد: الطَّعام المجزئ في الفطرة، كما صرح به الإمام (¬9)، وعدل "المنهاج" عن قوله: (وبين أن يصوم) إلى قوله: (أو يصوم) للتنبيه على أنَّه مخير بين شيئين أولًا؛ الذبح ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 256). (¬2) المنهاج (ص 207). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 249)، المجموع (7/ 395). (¬4) الروضة (3/ 169)، المجموع (7/ 395). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (4/ 421). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 207). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 207). (¬8) التنبيه (ص 74). (¬9) انظر "نهاية المطلب" (4/ 405).

والتقويم، ثم إذا قوّم .. تخيَّر بين شراء الطَّعام للصدقة، وبين أن يصوم يومًا لكل مد، وجعله "التنبيه" و"الحاوي" مخيرًا بين ثلاثة أشياء (¬1)، والمعنى لا يختلف. وقد يفهم من "التنبيه" و"المنهاج" أنَّه لو بقي من الطَّعام أقل من مد .. لم يصم عنه شيئًا؛ لأن الصوم لا يتبعض، وليس كذلك، بل يكمل المنكسر، ويصوم عنه يومًا، وقد صرح به "الحاوي" (¬2)، ثم إن إدخال الصوم في التخيير محله: في المسلم، أما الكافر: فلو دخل الحرم، فقتل فيه صيدًا .. فلا مدخل للصوم فيه، ويتخير بين شيئين فقط، وقد يفهم من "التنبيه" و"المنهاج" استواء التقويم في المثلي وغيره، وليس كذلك، فالأصح في المثلي: اعتبار قيمته بمكة يوم الإخراج، وفي غيره: اعتبار قيمته موضع الإتلاف وزمانه، وقد صرح به "الحاوي"، فقال في المثلي: (بقيمة النعم بمكة)، وقال في غيره: (حيث أتلف) (¬3). 1632 - قول "المنهاج" [ص 208]: (ويتخير في فدية الحلق بين ذبح شاة، والتصدق بثلاثة آصعٍ لستة مساكين، وصوم ثلاثة أيام) فيه أمور: أحدها: لا يختص ذلك بالحلق؛ فالتطييب واللبس والمباشرة فيما دون الفرج والادهان والقَلْم كذلك، وقد صرح بها كلها "التنبيه" (¬4)، وكذلك شاة الجماع الثاني، والجماع بين التحللين في الأصح، وقد تناول ذلك كله قول "الحاوي" [ص 258]: (وفي الحرام سوى المفسد والصيد). ثانيها: إطلاقهم الشاة محمول على ما يجزئ في الأضحية، وكذا حيث وجبت هي أو البدنة إلَّا في جزاء الصيد، ويجزئ عن الشاة: سُبع بدنة أو سُبع بقرة. ثالثها: أن قول "التنبيه" [ص 73]: (لكل مسكين نصف صاع)، أَنَصُّ على المقصود من تعبير "المنهاج" و"الحاوي" بثلاثة آصع لستة مساكين؛ فإن ذلك يصدق مع التفاوت وتفضيل بعضهم على بعض، وهو وجه. 1633 - قول "المنهاج" [ص 208]: (والأصح: أن الدم في ترك المأمور - كالإحرام من الميقات - دم ترتيبٍ، فإذا عجز .. اشترى بقيمة الشاة طعامًا وتصدق به، فإن عجز .. صام لكل مد يومًا) كان ينبغي أن يضم إلى قوله: (دم ترتيب): وتعديل؛ لأن الوجه الآخر موافق لهذا الوجه في أنَّه دم ترتيب، إلَّا أنَّه يقول: وتقدير، وقد تبين أن مراده الأول بقوله: (فإن عجز .. اشترى بقيمة الشاة طعامًا ... إلى آخره)، فإن الوجه القائل بالتقدير يقول: إذا عجز .. صام ثلاثة أيام في ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 74)، الحاوي (ص 254 - 255). (¬2) الحاوي (ص 255). (¬3) الحاوي (ص 254). (¬4) التنبيه (ص 73).

الحج وسبعة إذا رجع كدم التمتع، وقد تبع "المنهاج" و"المحرر "الإمام والغزالى في أنَّه دم ترتيب وتعديل (¬1)، وصحح في "الروضة" و"شرح المهذب" تبعًا "للشرحين" "والتذنيب": أنَّه دم ترتيب وتقدير، وعليه مشى "الحاوي" (¬2)، وقال في "المهمات": إن به الفتوى. فإن قيل: مقابل الأصح في "المنهاج": أنَّه لا ترتيب فيه، بل هو كجزاء الصيد في التخيير والتعديل. قلت: هذا الوجه شاذ ضعيف كما قال في "الروضة" (¬3)، فلا ينبغي التعبير عن مقابله بالأصح، ولهذا قال شيخنا الإسنوي: كان الأحسن: أن يقول: والصحيح: أن الدم في ترك المأمور دم ترتيب، والأصح: أنَّه إذا عجز عنه ... إلى آخره. قال شيخنا ابن النقيب: وجوابه: أنا بيّنا أن مراده: أنَّه دم ترتيب وتعديل، وبيّن هو مراده: بقوله عقبه: (فإذا عجز .. اشترى بقيمة الشاة ... إلى آخره)، وحينئذ .. فله مقابل قوي، وهو ما صححه في "الروضة"، فصح التعبير بالأصح (¬4). 1634 - قول "الحاوي" [ص 257]: (وعلى الأجير إن خالف) أي: تجب الشاة على الأجير إن خالف أمر المستأجر. يستثنى من ذلك: ما إذا أمره بالتمتع، فقرن وعدد الأفعال .. فإن الدم على المستأجر، ولا يُحط شيءٌ من المسمى. 1635 - قوله: (وتقرّر) (¬5) أي: دم التمتع في ذمته. لو أخره عن المذكورات بعده .. لكان أحسن؛ لأن الحكم لا يختص بالمتمتع. 1636 - قول "التنبيه" في الفوات [ص 80]: (ودم التمتع في الحال، وقيل: يجب الدم في القضاء) هذا الثاني هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 208]: (ويذبحه في حجة القضاء في الأصح) وتعبيره عنه بـ (الأصح)، يوافق تعبير "التنبيه" عنه بـ (قيل) في الدلالة على أنَّه وجه، لكنه عبر في "الروضة" بـ (الأظهر) (¬6)، فاقتضى أن الخلاف قولان، ورجحه في "شرح المهذب" فقال: فيه قولان، وقيل: وجهان (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (4/ 351)، و"الوجيز" (1/ 274)، و"المحرر" (ص 134). (¬2) فتح العزيز (3/ 542)، التذنيب (ص 587)، الحاوي (ص 258)، الروضة (3/ 185)، المجموع (7/ 403). (¬3) الروضة (3/ 185). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (2/ 359). (¬5) انظر "الحاوي" (ص 257). (¬6) الروضة (3/ 187). (¬7) المجموع (7/ 401).

1637 - قول "المنهاج" [ص 208]: (والدم الواجب بفعل حرامٍ أو ترك واجبٍ لا يختص بزمان) فيه أمور: أحدها: إذا كان السبب مُحَرّمًا، وقلنا: إن كفارة ما سببه محرم على الفور .. فينبغي أن يجب البدار هنا، فإن أخر .. أجزأ مع التأثيم، فيحمل ما أطلقوه هنا على الإجزاء، وأما الجواز: فأحالوه على ما قرروه، كذا ذكره السبكي. ثانيها: أن تعبيره وتعبير "الحاوي" بالحرام أراد به: ما أصله حرام وإن لم يكن في تلك الحالة حرامًا؛ فإن الحلق والطيب واللبس مع العذر ليس حرامأ الآن، ومع ذلك يختص ذبح دمها بالحرم. ثالثها: أن ذكر هذا الحكم في الدم الواجب بترك واجب أو فعل محرم، ومقتضاه: أن دم التمتع والقران ليس كذلك، ولا شك أنَّه كذلك، وأما دم الإحصار .. فسيأتي. 1638 - قول "المنهاج" [ص 208]: (ويجب صرف لحمه إلى مساكينه) لا يختص ذلك باللحم، فيجب صرف الجلد أيضًا إليهم، فلو قال: (يجب صرفه) .. لكان أخصر وأعم، وكذا قد يرد على قول "التنبيه" [ص 75]: (وما وجب على المحرم من طعام .. وجب تفرقته على مساكين الحرم)، فقد يخرج الجلد بلفظ الطَّعام، وقد لا يخرج، وعُرف الصرف إلى الفقراء من طريق الأولى، ويكفي دفعه إلى ثلاثة، وفيه احتمال لابن الرفعة في وجوب استيعابهم إذا انحصروا؛ كالزكاة بجامع منع النقل. قال السبكي: وقد يفرق: بأن المقصود هنا حرمة البلد، وهناك سَدّ الخَلّة، وتجب النية عند التفرقة، قاله الروياني وغيره (¬1). 1639 - قول "المنهاج" [ص 208] و"الحاوي" [ص 258]: (وأفضل بقعة لذبح المعتمر المروة) محله: في غير المتمتع؛ فالأفضل: أن يذبح دم تمتعه يوم النحر بمنى. 1640 - قول "المنهاج" [ص 208]: (وكذا حكم ما ساقا من هدي مكانًا، ووقته وقت الأضحية على الصحيح) أي: ساقاه تقربًا لا بسبب محظور في الإحرام، أما الدماء الواجبة بسبب محظورات الإحرام: فلا تختص بزمان كما تقدم بيانه، وتناول قوله: (ووقته وقت الأضحية) ما ساقه المعتمر، وفي "المهمات": إنه لا يختص، ويدل له قولهم: إن الأفضل للمعتمر: الذبح بالمروة. 1641 - قول "التنبيه" [ص 75]: (وما وجب من هدي .. وجب ذبحه في الحرم) كذلك هدي التطوع، وكلامه على الغالب. ¬

_ (¬1) انظر "بحر المذهب" (5/ 312).

باب الإحصار والفوات

باب الإحصار والفوات 1642 - قول "المنهاج" [ص 209]: (من أُحصر .. تحلل) فيه أمور: أحدها: أن مراده: ما إذا أحصره عدو، كما صرح به "التنبيه" (¬1)، فاما حصر المرض: فسيذكره بعده. وقد اعترض عليهما: بأن الأشهر في اللغة - كما قال النووي -: أنَّه يقال: أحصره المرض إحصارًا، فهو محصر، وحصره العدو حصرًا فهو محصور، فكان ينبغي أن يقولا: (من حُصِر)، وكذلك يرد على تعبير "الحاوي" ب (المحصر) (¬2). وأجيب عنه: بأن المفهوم من كلام أهل اللغة - كما ذكره السبكي -: أن الإحصار: المنع من المقصود سواء منع منه مرض أو عدو أو حبس، والحصر: التضييق؛ ويؤيده: أن الآية نزلت في منع العدو مطلقًا زمن الحديبية، وقد عبر فيها بالإحصار. ثانيها: أن المراد: التحلل جوازًا، والأولى للمعتمر: الصبر، وكذا للحاج إن اتسع الوقت، وإن ضاق .. فالأولى: التعجيل. استثنى منه الماوردي: ما إذا تيقن انكشاف العدو؛ لعلمه بأنهم لا يمكنهم الإقامة، فإن كان في الحج، وعلم أنَّه يمكنه بعد انكشافهم إدراكه، أو كان في العمرة وتيقن انكشافهم إلى ثلاثة أيام .. لم يجز التحلل (¬3). ويستثنى منه أيضًا: ما إذا أحاط العدو بهم من جميع الجوانب، وهم فرقة واحدة .. فلا يجوز التحلل، كما استنبطه في "المهمات" من تعليل الرافعي ما صححه من جواز التحلل ولو أحاط بهم العدو من جميع الجوانب: بأنهم يستفيدون به الأمن من العدو الذي بين أيديهم (¬4). ثالثها: أنَّه يتناول من أحصر عن الوقوف دون البيت، وعكسه، كما صرح به "الحاوي" (¬5)، لكنه لا يتحلل في الحال؛ ففي الأولى: يدخل مكة ويتحلل بعمل عمرة، كما في "أصل الروضة" في آخر الباب (¬6)، وفي الثانية: يقف، ثم يتحلل، كما في "شرح المهذب" عن الماوردي، وأقره (¬7)، ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 80). (¬2) الحاوي (ص 256). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (4/ 346، 347). (¬4) انظر "فتح العزيز" (3/ 526). (¬5) الحاوي (ص 256). (¬6) الروضة (3/ 182). (¬7) المجموع (8/ 228)، وانظر "الحاوي الكبير" (4/ 349).

وفي الصورتين لا قضاء، واستنبط شيخنا الإمام البلقيني رحمه الله من الإحصار عن الطواف: أن الحائض إذا لم تطف للإفاضة، ولم يمكنها الإقامة حتَّى تطهر، وجاءت بلدها وهي محرمة، وعدمت النفقة، ولم يمكنها الوصول إلى البيت .. أنَّها كالمحصر، فتتحلل بالنية والذبح والحلق، وأيده بأن في "شرح المهذب" عن صاحب "الفروع" والروياني والعمراني وغيرهم فيمن صد عن طريق، ووجد آخر أطول: إن لم يكن معه نفقة تكفيه لذلك الطَّرِيقِ .. فله التحلل (¬1)، وهو استنباط حسن. أما لو أحصر عن غير الأركان؛ كالرمي والمبيت .. لم يجز التحلل، كما في "شرح المهذب" عن الروياني وغيره؛ لتمكنه من التحلل بالطواف والحلق، ويجزيه، والرمي والمبيت يجبران بالدم (¬2). رابعها: أنَّه يتناول ما إذا احتاج في الدفع إلى قتال أو بذل مال .. فلا يجبان، بل له التحلل، وقد صرح به "الحاوي" (¬3)، لكن استثنى منه السبكي: الإحرام الذي يحصل به إحياء الكعبة إذا لم تقم به طائفة قبلهم في تلك السنة، قال: فينبغي أن يجب قتالهم كسائر فروض الكفايات. 1643 - قول "المنهاج" [ص 209]: (وقيل: لا تَتَحَلَّلُ الشِّرْذِمَةُ) يقتضي أنَّه وجه، وعبارة "الروضة": جاز التحلل على المذهب، وبه قطع العراقيون، وقال المراوزة: فيه قولان، أظهرهما: الجواز، ومحل ذلك: مع العذر؛ كمن حبس ظلما أو بدين يعجز عنه، أما غيره؛ كالقادر على أداء دين حبس به .. فلا يتحلل (¬4). 1644 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ولا تحلل بالمرض، فإن شرطه .. تحلل به) (¬5) لا يختص ذلك بالمرض، فلو شرطه لعذر آخر؛ كضلال الطَّرِيقِ، ونفاد النفقة .. كان كذلك في الأصح، وعبارتهم تقتضى لزوم الهدي في الاشتراط، وهو كذلك إن شرطه بهدي، فإن شرطه بغير هدي .. لم يلزم شيء، وكذا إن أطلق في الأصح، وإنما يحتاج إلى التحلل إذا شرط التحلل، فلو قال: (إن مرضت .. فأنا حلال) .. صار حلالًا بنفس المرض على الأصح، ولو قال: (إن مرضت .. قلبت حجي عمرة) .. فالمذهب المنصوص: الصحة، وهو أولى بالصحة من شرط التحلل، وقول "المنهاج" [ص 209]: (على المشهور) كان ينبغي أن يقول: (على المذهب (فإن في "الروضة" طريقين، قال الجمهور: يصح في القديم، وفي الجدبد قولان، أظهرهما: ¬

_ (¬1) المجموع (8/ 224)، وانظر "بحر المذهب" (5/ 453)، و"البيان" (4/ 386). (¬2) المجموع (8/ 232)، وانظر "بحر المذهب" (5/ 483). (¬3) الحاوي (ص 256 - 257). (¬4) الروضة (3/ 175). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 80)، و"الحاوي" (ص 257)، و"المنهاج" (ص 209).

الصحة، والطريق الثاني: القطع بالصحة (¬1)، وجعلها في "شرح المهذب" الصواب؛ لصحة حديث ضباعة فيه، وقال: إن الطَّرِيقِ الأولى أشهر (¬2). 1645 - قول "التنبيه" في المحصر [ص 80]: (ذبح هديًا، وتحلل) يقتضي حصول التحلل بمجرد ذلك، وليس كذلك، بل لا بد من نية التحلل، ومن الحلق إن جعلناه نسكا، وهو الأظهر، وكذا يرد ذلك على قول "المحرر": (ومن تحلل .. ذبح شاة) (¬3)، ويرد عليه أيضًا: أن ظاهره: تأخر الذبح عن التحلل، وليس كذلك، فيحمل على أن مراده؛ ومن أراد التحلل؛ ولذلك استدرك "المنهاج" فقال [ص 209]: (إنما يحصل التحلل بالذبح ونية التحلل، وكذا الحلق إن جعلناه نُسكًا)، وفي "الحاوي" [ص 257]: (بالنية والحلق وذبح شاة)، وتعبير "التنبيه" بالهدي أحسن من تعبيرهما بالشاة؛ لتناوله البدنة والبقرة وسُبعْ أحدهما، ودلالة لفظ الهدي على السن المعتبر فيه شرعًا بخلاف لفظ الشاة. ويشترط: تأخر الحلق عن الذبح كما في "المهمات" عن الماوردي وغيره (¬4)، ومقارنة نية التحلل للذبح، وكذا مقارنتها للحلق، كما حكاه ابن الرفعة عن الأصحاب، وجزم به في "الروضة" عند الكلام في تحلل العبد (¬5)، وسكت الأكثرون عن اشتراطه، وقال في "المهمات": إنه متجه فيما إذا لم يقدر على الذبح، فإن قدر عليه .. كفت مقارنته له، كما يكفي اقتران النية بأول الوضوء والصلاة وغيرهما. 1646 - قول "المنهاج" [ص 209] و"الحاوي" [ص 257]: (حيث أحصر) يفهم أنَّه لو أراد الذبح في موضع من الحل غير موضع الإحصار .. لم يجز، وهو الذي في "شرح المهذب" عن الدارمي وغيره (¬6)، ويفهم جواز الذبح في موضعه إذا أحصر في الحل ولو تمكن من بعض الحرم، وهو الأصح في "أصل الروضة" (¬7)، لكن رجح شيخنا الإمام البلقيني مقابله، وقال: إن الماوردي قال: إنه المذهب، وحكاه عن البصريين، وأن الشيخ أبا حامد حكاه عن نص الشَّافعي، ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 173 - 174). (¬2) المجموع (8/ 236)، وحديث ضباعة أخرجه البخاري (4801)، ومسلم (1207) من حديث سيدتنا عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزُّبَير فقال لها: "أردت الحج؟ " قالت: والله ما أجدني إلَّا وجعة، فقال لها: "حجي واشترطي، وقولي: اللهم محلي حيث حبستني" (¬3) المحرر (ص 134). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (4/ 186). (¬5) الروضة (3/ 178). (¬6) المجموع (8/ 229 - 230). (¬7) الروضة (3/ 175).

ثم حكى شيخنا النص، وعبارته: فإن قدر على أن يكون الذبح بمكة .. لم يجز إلَّا بها، وإن لم يَقْدِر .. ذبح حيث يَقْدِر. انتهى (¬1). وليس في هذا النص مطلق الحرم، وإنَّما فيه موضع مخصوص منه، وهو مكة، ومتى قدر على مكة .. لزمه الدخول إليها والتحلل بعمل عمرة كما تقدم، فليس في هذا النص ما ينافي المصحح في "الروضة"، والله أعلم. 1647 - قول "التنبيه" [ص 80]: (وإن لم يكن معه هدي .. ففيه قولان، أحدهما: لا بدل للهدي، والثاني: له بدل) الأظهر: الثاني، لكن قال "التنبيه" [ص 80]: (وهو الصوم)، وهو قول مرجوح، والأظهر: أن بدله طعامٌ بقيمة الشاة، فإن عجز .. صام عن كل مذ يومًا، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). 1648 - قول "التنبيه" - تفريعًا على ما جزم به من أن بدله الصوم -[ص 80]: (وفيه ثلاثة أقوال، أحدها: صوم التمتع، والثاني: صوم الحلق، والثالث: صوم التعديل عن كل مد يومًا) صحح الفارقي: الثالث، ولم يصحح الرافعي ولا النووي واحدًا منها. 1649 - قوله: (وفي تحلله قبل أن يصوم في أحد القولين وقبل أن يهدي في القول الآخر .. قولان) (¬3) الأظهر: الجواز، وقال النووي في "شرح المهذب": وحكى الأكثرون الخلاف وجهين (¬4)، قال النشائي: ولا حرج فيه؛ لأن الخلاف فيه مرتب على القولين في الذبح وأولى بالتحلل (¬5). 1650 - قول "المنهاج" [ص 209]: (وله التحلل في الحال في الأظهر) غير الخلاف الذي في "التنبيه" لأن ذلك مفرع على ضعيفين؛ إما على أن الهدي لا بدل له، وإما على أن بدله الصوم، والذي في "المنهاج" تفريع على الأظهر: أن بدله الطَّعام، فإن عجز .. فصوم التعديل، فله التحلل قبل فراغه من الصوم على الأظهر، لتضرره بطوله، وكذا صحح في "شرح المهذب" (¬6)، ولم يفصح في "الروضة" بتصحيح، وإنَّما قال: وإن قلنا: له بدل " فإن كان يطعم .. توقف التحلل عليه كالذبح، وإن كان يصوم .. فكذلك مع ترتب الخلاف، ومنع التوقف هنا أولى؛ للمشقة بطول مدة الصوم (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "الأم" (2/ 161)، و"الحاوي الكبير" (4/ 350). (¬2) الحاوي (ص 257)، والمنهاج (ص 209). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 80). (¬4) المجموع (8/ 231). (¬5) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 73). (¬6) المجموع (8/ 227). (¬7) الروضة (3/ 175).

قال السبكي: ووقع في كلام الرافعي و"الروضة" خلل؛ فإنهما لم يحكيا القول بالتحلل قبل الذبح للقادر، وحكيا الترتيب المذكور، فكأن الرافعي اشتغل أولًا عن حكاية القول بشرح المسألة وتقسيمها، ثم ذكر الترتيب في آخرها؛ لِمَا في ذهنه من "الوجيز"، فصار ترتيبًا على غير مذكور في كلامه وإن كان مذكورًا في الجملة، ولخصه في "الروضة" من غير تأمل. انتهى. وعبر "المنهاج" عن عدم الهدي معه بقوله [ص 209]: (فإن فُقِد الدم)، والمراد: الفقد الحسي أو الشرعي؛ لاحتياجه إلى ثمنه أو وجدوه غاليًا. 1651 - قولهما: (وإذا أحرم العبد بغير إذن مولاه .. جاز له أن يحلله) (¬1) فيه أمور: أحدها: أن الأمة كذلك، وقد ذكر ابن حزم أن لفظ العبد يتناولها لغة (¬2). ثانبها: لا يختص ذلك بالقن، فالمبعض والمكاتب كذلك. ثالثها: معنى تحليل السيد له: أن يأمره به، فيتحلل بالنية والحلق، وليس معناه: أن السيد يتعاطى الأسباب، فإن امتنع .. كان للسيد أن يعامله معاملة الحلال، فيطأ الأمة، ويستعمله في ذبح الصيد ونحوه. ولا يرد شيء من ذلك على قول "الحاوي" [ص 256]: (وللسيد منع المحرم بغير إذنه، وتحلل)، لكنه سوى بينه وبين المحصر في التحلل بالنية والحلق والذبح، وليس كذلك، فالأصح: القطع بأنه لا يتوقف تحلله على الذبح، بل يكفي في تحلله النية والحلق إن جعلناه نسكًا. رابعها: أورد عليهم: أن مفهوم كلامهم أنَّه إذا أحرم بالإذن .. لا يحلله، فإن أريد: مطلق الإحرام .. تناول ما لو أحرم قبل الوقت المأذون فيه؛ بأن أذن له في الإحرام في ذي القعدة، فأحرم في شوال مع أن له تحليله قبل دخول ذي القعدة لا بعده، وكذلك المكان، وإن أريد: الإحرام بصفاته المأذون فيها .. تناول ما لو أذن له في الحج، فأحرم بالعمرة أو قرن مع أنَّه ليس له تحليله في هاتين الصورتين، بخلاف ما لو أذن له في العمرة، فأحرم بالحج .. فله تحليله. 1652 - قولهما: (وإن أحرمت المرأة بحج التطوع بغير إذن زوجها .. جاز له أن يحللها) (¬3) المراد بذلك: أمرها به كما تقدم في العبد، لكن التحلل هنا يكون بالنية والحلق والذبح، فإن أبت .. ففي "الروضة" وأصلها: أن الإمام نقل عن الصيدلاني: أن له وطئها، وتوقف فيه؛ لأنه ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 80)، و"المنهاج" (ص 209). (¬2) انظر "المحلى" (8/ 424). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 80)، و "المنهاج" (ص 209).

حق الله تعالى (¬1)، لكنه في "شرح المهذب" قال: إنه المذهب (¬2)، ولذلك عبر "الحاوي" [ص 256]: (بأن للزوج مَنعَ المحرم بغير إذنه)، وتناولت عبارته العمرة أيضًا، وليس له تحليل الرجعية، ولكن له حبسها، وحبس البائن للعدة. 1653 - قول "التنبيه" [ص 80]: (وفي حجة الإسلام قولان) أظهرهما: أن له ذلك، وعليه مشى "الحاوي"، فأطلق المنع (¬3)، و"المنهاج" فقال [ص 209]: (وكذا من الفرض في الأظهر)، وتعبيره بالفرض أعم من تعبير "التنبيه" بحجة الإسلام؛ لتناوله القضاء، وقد ذكره في "شرح المهذب" بحثًا (¬4)، لكن حكى فيه البغوي والمتولي وجهين (¬5)، وبناهما المتولي على الفور في القضاء، ومقتضاه: ترجيح أنَّه ليس له المنع؛ لأن الأصح: أنَّه على الفور كما سيأتي، ويتناول المنذورة أيضًا، وهي كحجة الإسلام، كما في "شرح المهذب" عن الدارمي والجرجاني (¬6)، وقال في "المهمات": يتجه أنَّه ليس له المنع منه إن كان النذر قبل النكاح وتعلق بزمان بعينه، كما صرح به الرافعي في (النفقات) في نذر الصوم؛ لسبقه حقه، وإن تعلق بزمن غير معين؛ فإن كان قبل النكاح أو بعده ولكن بإذنه .. فعلى الخلاف في حجة الإسلام، وإن كان بعده وبغير إذنه .. فله المنع قطعا؛ لتعديها، وأطلق الرافعي في نظيره من الصوم أن له المنع على الصحيح. واقتصروا على التحليل (¬7)، وفي "المحرر" حكاية الخلاف فيه وفي المنع من ابتداء الإحرام، فقال: (وله منعها من حج الفرض في أصح القولين، والتحليل إن أحرمت بغير إذنه) (¬8)، فسوى بينهما، وفي "الروضة" وأصلها في المنع ابتداءً قولان، فإن جوزناه له .. ففي التحليل إن لم يأذن قولان. وأطلق في "الروضة" وأصلها هنا: أنَّه يستحب لها أن لا تحرم إلَّا بإذنه، لكنه قال بعده: إن الأمة المزوجة لا يجوز لها الإحرام إلَّا بإذن السيد والزوج جميعًا (¬9)، وهو صريح في وجوب استئذان الزوج، وكونها حرة أو أمة لا أثر له في ذلك، وهو قياس ما تقرر في الصوم والاعتكاف ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 179)، وانظر "نهاية المطلب" (4/ 444). (¬2) المجموع (8/ 240). (¬3) الحاوي (ص 257). (¬4) المجموع (8/ 240). (¬5) انظر "التهذيب" (3/ 275). (¬6) المجموع (8/ 240). (¬7) انظر "فتح العزيز" (10/ 36). (¬8) المحرر (ص 134). (¬9) الروضة (3/ 179).

تنبيه [التحليل لو كانت المرأة رقيقة متزوجة]

المتطوع بهما أنهما لا يفعلان إلَّا بإذن الزوج، وحكاه شيخنا ابن النقيب عن المحاملي وغيره، وقال: إنه الذي يظهر (¬1)، وفي "المهمات": يتجه أن محل الخلاف: إذا أحرمت من الميقات أو من مكة يوم التروية، فإن أحرمت قبله .. فله المنع جزمًا. تَنْبِيْهٌ [التحليل لو كانت المرأة رقيقة متزوجة] أطلقا تحليل السيد والزوج، ففهم منه أنَّه لو اجتمعا في الرفيقة المتزوجة .. فلكل منهما التحليل، وهو كذلك، وأصرح منه في الدلالة على هذا قول "الحاوي" [ص 256]: (وللسيد والزوج منع المحرم بغير إذنه) وقد تقدم من كلام الرافعي والنووي أنَّه ليس لها الإحرام إلَّا بإذنهما. تَنْبِيْهٌ آخَر [في إذن الزوج للزوجة بالحج] قال السبكي: قولنا: (لا تحرم إلَّا بإذن الزوج)، والنص: (أن الحصر الخاص لا يمنع وجوب الحج) (¬2) يؤخذ منهما: أن إذن الزوج ليس شرطًا للوجوب، بل الحج واجب (¬3)، فإذا أخرت لمنع الزوج، وماتت .. قُضِيَ من تركتها، ولا تعصي للمنع، إلَّا أن تكون تمكنت قبل التزويج، فتعصي إذا ماتت، وفي كلام القاضي أبي الطيب الاتفاق على وجوب الحج عليها، وإنَّما الخلاف في أنَّه هل للزوج" منعها أم لا؟ . 1654 - قول "الحاوي" [ص 256]: (وللوالد من التطوع) يشمل الأم أيضًا، والظاهر: أن الأجداد عند عدمهما كهما، ويراعى الأقرب إليه فالأقرب. 1655 - قول "التنبيه" [ص 80]: (ومن تحلل بالإحصار .. لم يلزمه القضاء)، وكذا أطلق "الحاوي" أنَّه لا يقضي (¬4)، وفي "المنهاج" [ص 209]: (ولا قضاء على المحصر المتطوع، فإن كان فرضًا مستقرًا .. بقي في ذمته، أو كير مستقرٍّ .. اعتبرت الاستطاعة بَعْدُ)، وقال السبكي: كذا أطلقوه، وينبغي أن يكون مرادهم في الحصر العام، أما الخاص: فقد قدمنا في أول (الحج)، وهنا عند الكلام في تحليل الزوجة ما يقتضي أنَّه لا يمنع الاستقرار. انتهى. ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (2/ 372). (¬2) انظر "الأم" (2/ 121). (¬3) في النسخ: (وجب)، ولعل الصواب ما أثبت. (¬4) الحاوي (ص 257).

قال في "الكفاية": (يستثنى: ما لو أفسد النسك، ثم أحصر)، وهذا غير محتاج إليه؛ لأن القضاء في هذه الصورة للإفساد لا للإحصار. 1656 - قول "الحاوي" [ص 252]: (والتحلل با لأحصار) أي: يوجب الانقلاب إلى الأجير، مخالف لتصحيح الرافعي والنووي: أنَّه يقع عن المستأجر، كما لو مات؛ إذ لا تقصير (¬1). 1657 - قول "الحاوي" [ص 257]: (ومن فاته) أي: الوقوف، كما صرح به "المنهاج" (¬2)، وفواته؛ بأن يطلع الفجر يوم النحر، كما صرح به "التنبيه" (¬3)، ولا فرق بين أن يكون بعذر أو غيره. 1658 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (تحلل بطوافٍ وسعي وحلقٍ) (¬4) فيه أمور: أحدها: أن المراد: التحلل الثاني، وأما الأول: ففي "شرح المهذب": أنَّه يحصل بواحد من الحلق أو الطواف؛ يعني: مع السعي على ما فيه من الخلاف؛ لأنه لما فاته الوقوف .. سقط عنه حكم الرمي، وصار كمن رمى (¬5). ثانيها: هذا التحلل واجب بخلاف ما تقدم في الإحصار، وقد تفهم عبارتهم التسوية بينهما، وعبارة ابن الرفعة دالة على وجوبه كما قدمته، وحكاه عن الماوردي، وعلله: بأن الاستدامة كالابتداء، وفي "شرح المهذب": قال الشيخ أَبو حامد والدارمي والماوردي وغيرهم: ليس لصاحب الفوات أن يصبر على إحرامه إلى السنة القابلة؛ لأن استدامة الإحرام كابتدائه، وابتداؤه لا يصح، ونقله أَبو حامد عن النص وإجماع الصحابة (¬6)، وحكاه في "المهمات" عن صاحب "التقريب" أيضًا، وأنه نقله عن النص، وكذا قال شيخنا الإمام البلقيني: لو أراد البقاء على إحرامه .. لم يكن له ذلك، ويأثم به، نص عليه في "الأم" (¬7)، فلو ارتكبه وبقي محرمًا إلى قابل، فحج بذلك الإحرام .. لم يجزئه، كما حكاه ابن المنذر في "الإشراف" عن الشَّافعي (¬8). ثالثها: أن محله ما إذا لم يكن سعى مع طواف القدوم، فإن سعى مع طواف القدوم .. لم يحتج إلى إعادته، كما حكاه في "شرح المهذب" عن الأصحاب (¬9)، لكن جزم في "الكفاية" بإعادته. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (3/ 253)، و"الروضة" (3/ 23)، و"المجموع" (7/ 102). (¬2) المنهاج (ص 209). (¬3) التنبيه (ص 80). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 80)، و"الحاوي" (ص 253)، و"المنهاج" (ص 209). (¬5) المجموع (8/ 219). (¬6) المجموع (8/ 219)، وانظر "الأم" (2/ 166)، و"الحاوي الكبير" (4/ 238). (¬7) الأم (2/ 166). (¬8) الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 337). (¬9) المجموع (8/ 216).

رابعها: لا ينبغي أن يفهم أن هذا المأتي به من طواف وسعي وحلق عمرة؛ ولهذا قال "التنبيه" [ص 80] و" الحاوي " [ص 257]: (بأفعال العمرة)، ولم يقو لا: (بالعمرة)، ويترتب على هذا أنَّه لا يجزئه عن عمرة الإسلام، وكذا في "أصل الروضة" (¬1)، وأن المكي لو أحرم بالحج من مكة، ثم فاته .. لم يجب عليه الخروج لأدنى الحل، وقد نص على ذلك الشَّافعي كما حكاه شيخنا البلقيني، وعلله الشَّافعي: بأنه لم يكن معتمرًا، إنما يخرج بأقل ما يخرج به من عمل الحج، وصرح به أيضًا البغوي في "التهذيب" (¬2). 1659 - قولهم: (وعليه القضاء) (¬3) فيه أمور: أحدها: قيد في "الروضة" وأصلها وجوب القضاء بالتطوع، فإن كان فرضًا .. فهو باق في ذمته كما كان، وكذا عبارة "المحرر" (¬4)، وحينئذ .. فإطلاق القضاء مدخول، لكنه موافق لما ذكروه في الإفساد أن المأتي به قضاء، فإن فرّق بتعدي المفسد .. ففي الفرق نظر؛ فإن الفوات قد يكون بتعد، فيكون كالإفساد. ثانيها: لا يفهم من عبارتهم تضيُّق القضاء، والأصح: أنَّه على الفور، لكن حكى شيخنا الإمام البلقيني عن النص: أنَّه إن حج من قابل .. كان أحبّ إليّ، فإن أخر ذلك فأداه بعد .. أجزأه عنه، كما يؤخر حجة الإسلام بعد بلوغه أعوامًا، فيؤديها عنه متى أداها، متى كان (¬5)، قال شيخنا: وهذا يقتضي أن الفور غير واجب كما هو أحد الوجهين. ثالثها: محل وجوب القضاء: إذا لم ينشأ الفوات عن الحصر، فلو أُحْصِر وكان له طريق أخرى .. لزمه سلوكها وإن علم الفوات، فإن فاته .. لم يقض في الأصح؛ لتولده عن الحصر، وقد ذكره "الحاوي" في الإحصار (¬6)، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 182). (¬2) الأم (2/ 164)، التهذيب (3/ 251). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 80)، و"الحاوي" (ص 257)، و"المنهاج" (ص 209). (¬4) فتح العزيز (3/ 535)، المحرر (ص 134)، الروضة (3/ 182). (¬5) انظر "الأم" (2/ 165). (¬6) الحاوي (ص 257).

كتاب البيع

كتابُ البيع 1660 - قول "التنبيه" [ص 87]: (باب ما يتم به البيع)، قال في "الكفاية": إنها ترجمة زائدة على ما في الباب؛ لأن الأمور المعتبرة في البيع: الصيغة، والعاقد، والمعقود عليه، مع أن هذا الأمر الثالث إنما هو مذكور في الباب الذي يليه. وأجيب عنه: بأن المقصود في البيع: المعقود عليه، فكان غيره بالتتمة أليق. 1661 - قول "المنهاج" [ص 210]: (شرطه: الإيجاب، والقبول) موافق لاختيار الرافعي في "شرحيه" أن الصيغة والعاقد والمعقود عليه ليست أركانًا (¬1)، لكن الظاهر: أنَّها أركان، وهو الذي في "شرح المهذب" تبعًا للغزالي (¬2)، وسواء جعلنا الصيغة شرطًا أو ركنًا .. فيستثنى من اعتبارها: البيع الضمني؛ كقوله: أعتق عبدك عني بألفٍ، فلا يعتبر فيه إيجاب وقبول، بل يكفي الالتماس والجواب، وهذا وارد على "التنبيه" و"الحاوي" أيضًا، وقد ذكروه في بابه، والمختار: صحة البيع بالمعاطاة فيما يعد فيه بيعًا، والأحسن في الترتيب: تقديم العاقد، ثم المعقود عليه، ثم الصيغة، وبدأ في "المنهاج" و"الحاوي" بالصيغة، ثم العاقد، ثم المعقود عليه (¬3)، وبدأ في "التنبيه" بالعاقد، ثم الصيغة، ثم المعقود عليه (¬4). 1662 - قول "التنبيه" [ص 87]: (بعتك أو ملكتك) أحسن من قول "المنهاج" [ص 210]: (وملكتك) بالواو، وهما معا أحسن من قول "الحاوي" [ص 259]: (بعت) فإن في تعبيرهما بكاف الخطاب إشارة إلى مسألة الوكيل في الشراء، فإنه المخاطب بالإيجاب، فلو قال: (بعت موكلك) .. لم يصح، بخلاف وكيل قبول النكاح، وأيضًا: فلو قال المشتري لصاحب السلعة: (بعت هذا بكذا)، فقال: (بعت) بغير كاف الخطاب .. فقيل: لم يصح، قاله شيخنا جمال الدين في "شرح المنهاج"، لكن لو قال المتوسط بينهما: (بعت هذا بألف)، فقال: (بعت أو نعم) .. فالأصح: أنَّه إيجاب صحيح، وهذه الصورة قد ترد على قول "التنبيه" [ص 87]: (وهو أن يقول البائع، ويقول المشتري). 1663 - قول "الحاوي" [ص 259]: (وشريت) تبع فيه الرافعي وغيره (¬5)، لكن اختار السبكي أنَّه كناية. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (4/ 9). (¬2) المجموع (9/ 140)، وانظر "الوجيز" (1/ 277، 278). (¬3) الحاوي (ص 259، 262)، المنهاج (ص 210). (¬4) التنبيه (ص 87). (¬5) انظر "فتح العزيز" (4/ 9).

1664 - قوله: (واشتر) (¬1) كذا صححه في "شرح المهذب"، وأطلق في "الروضة" وجهين (¬2). 1665 - قوله: (ولو مع: "إن شئت") (¬3) يقتضي بإطلاقه أنَّه لا فرق بين أن يقدمها على الإيجاب أو يؤخرها عنه، وقد قال السبكي: إن الصحة إنما هي فيما إذا أخرها، فقال: بعتك إن شئت، فلو قدمها فقال: (إن شئت بعتك) .. بطل قطعًا؛ لأن مأخذ الصحة أن المعلق تمام البيع لا أصله، فالذي من جهة البائع - وهو إنشاء البيع - لا يقبل التعليق، وتمامه - وهو القبول - موقوف على مشيئة المشتري، وبه يكمل حقيقة البيع. انتهى. ومقتضى عبارة "الحاوي": انحصار الإيجاب في الألفاظ التي ذكرها، وهي: (بعت وشريت وملكت واشتر)، ثم ذكر بعد ذلك (نعم) في جواب بعت، ثم ذكر لفظ الهبة، وذكر شيخنا جمال الدين في "شرحه" ألفاظًا نقل بعضها واستنبط بعضها؛ كقوله: وليتك، وأشركتك، وصالحتك بشرطه، وعوضتك، وهذا لك، وعقدت معك، والتقرير، والترك بعد انفساخ العقد، وكذا لفظ السلم في الأصح. قلت: الأصح: البطلان في لفظ السلم، وقد ذكره "الحاوي" (¬4)، واقتصر "التنبيه" و"المنهاج" على (بعت) و (ملكت) (¬5)، ولم يحصرا الإيجاب فيهما. 1666 - قول "الحاوي" في عد صيغ الإيجاب [ص 259]: (اشتر) وفي صيغ القبول: (بِعْنِي) فيه نظر؛ فإن الأول ليس إيجابًا، وإنَّما يقوم مقامه، والثاني ليس قبولًا، وإنَّما يقوم مقامه. 1667 - قوله في القبول: (ونعم لجواب بعت واشتريت) (¬6) إنما يكون نعم قبولًا في جواب اشتريت، وأما في جواب بعت .. فهي إيجاب، فكان ينبغي ذكرها مع الإيجاب. وجوابه: أن لفظ (نعم) يقوم مقام الإيجاب مرة ومقام القبول أخرى، فأخرها عن أمثلتهما جميعًا، ويرد على حصره ألفاظ القبول فيما ذكره قول المشتري: رضيت؛ فإنه يكفي، كما ذكره القاضي أَبو الطيب والروياني (¬7). 1668 - قوله: (وإن باع مال الطفل من نفسه، وعكسه) (¬8) أي: يجب القبول، كذا صححه ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 259). (¬2) المجموع (9/ 160)، الروضة (3/ 373). (¬3) انظر "الحاوي" (ص 259). (¬4) الحاوي (ص 260). (¬5) التنبيه (ص 87)، المنهاج (ص 210). (¬6) انظر "الحاوي" (ص 259). (¬7) انظر "بحر المذهب" (6/ 83). (¬8) انظر "الحاوي" (ص 259).

في "شرح المهذب" (¬1)، وهو ظاهر إطلاق "التنبيه" و"المنهاج"، وأطلق في "الروضة" وجهين (¬2)، قال الإمام: وموضعهما في القبول ما إذا أتى بلفظ مستقل، كقوله: اشتريت لطفلي، أو اتهبت له، أما إذا قال: قبلت البيع والهبة .. فلا يمكن الاقتصار عليه بحال، حكاه عنه الرافعي في (الهبة)، وأقره (¬3)، وحكى الماوردي ثالثًا: أنَّه لا حاجة للفظ، بل ينعقد بالرضا (¬4)، قال في "المهمات": وهو قوي. 1669 - قول "المنهاج" [ص 210]: (ويجوز تقدم لفظ المشتري) أي: في غير لفظ قبلت؛ فإنه لا يجوز تقديمه، كما صرح به الإمام (¬5)، لكن في "الشرح" و"الروضة" في التوكيل في النكاح: صحة العقد به مع تقدم هذا اللفظ (¬6). ويسثنى أيضًا: لفظ (نعم) إذا قبل بها، وهو مفهوم من قول "الحاوي" [ص 259]: (ونعم لجواب بعت واشتريت) فإنه يفهم عدم الاكتفاء به إذا لم يتقدمه أحد اللفظين. 1670 - قول "المنهاج" [ص 210]: (ولو قال: "يعني"، فقال: "بعتك" .. انعقد في الأظهر)، كذا نقلهما في "الوسيط" منصوصين (¬7)، وصوبه في "المهمات"، لكن صحح في "الروضة" و"شرح المهذب" تبعًا لـ"الشرح الصغير" أنهما وجهان (¬8)، وقد يفهم من عبارته وعبارة "التنبيه": البطلان في قول البائع: اشتر مني، والأصح فيه: الصحة، كما ذكره في "الحاوي"، وقد تقدم (¬9). 1671 - قول "المنهاج" [ص 210] و"الحاوي" [ص 259]: (وينعقد بالكناية) أي: مع النية، ويستثنى: بيع الوكيل الذي شرط عليه فيه الإشهاد؛ فإنه لا ينعقد بالكناية جزمًا، لكن في "الوسيط": الظاهر في هذه الصورة: الصحة عند توفر القرائن (¬10)، وأقره الرافعي والنووي (¬11)، لكن أنكره في "المطلب" فقال: إنه مخالف لكلام الأئمة، وقول "المنهاج" [ص 210]: ¬

_ (¬1) المجموع (9/ 161). (¬2) الروضة (3/ 340)، (5/ 367). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (8/ 409)، و"فتح العزيز" (6/ 309). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (6/ 29، 30). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (8/ 408). (¬6) فتح العزيز (7/ 569)، الروضة (7/ 75). (¬7) الوسيط (3/ 9). (¬8) الروضة (3/ 373)، المجموع (9/ 159، 160). (¬9) الحاوي (ص 259). (¬10) الوسيط (3/ 10). (¬11) انظر "فتح العزيز" (4/ 13)، و"الروضة" (3/ 339).

(كـ "جعلته لك بكذا" في الأصح) يتعلق بقوله: (وينعقد بالكناية)، لا بالمثال الذي ذكره، فلو قدمه كما في "المحرر" (¬1) .. لكان أحسن، ثم محل الوجهين كما قال الإمام وأقره الرافعي والنووي: ما إذا عُدمت القرائن (¬2)، فإن توفرت وأفادت التفاهم .. وجب القطع بالصحة (¬3)، ولم يذكر "التنبيه" انعقاد البيع بالكناية، فيرد عليه. ويرد على حصر "الحاوي" الكناية في الألفاظ التي ذكرها قوله: (سلطتك عليه) كما صححه النووي (¬4)، وقوله: (باعك الله) كما في زيادة "الروضة" عن "فتاوى الغزالي" (¬5)، والكتابة، فيصح بها البيع إذا كتب إلى غائب، فإن كتب لحاضر .. فوجهان، قال السبكي: ينبغي أن يكون أصحهما: الصحة. 1672 - قول "المنهاج" [ص 210]: (ويشترط ألَّا يطول الفصل) أي: بحيث يشعر بالإعراض عن القبول، ومقتضاه: اغتفار الفصل اليسير، ويخالفه قول "الحاوي" [ص 259]: (بلا فصل)، لكنه محمول على أن المراد: الفصل الطويل (¬6)، وقول "المنهاج" [ص 210]: (بين لفظيهما)، لو قال: (بين الإيجاب والقبول) .. لكان أحسن؛ لئلا ترد الكتابة وإشارة الأخرس. 1673 - قول "الحاوي" [ص 259]: (وتخلل كلام أجنبي) مفتضاه: عدم الانعقاد ولو كان يسيرًا، وبه صرح في "شرح المهذب" (¬7)، وصححه الرافعي في (النكاح) (¬8)، لكنه صحح في (الطلاق والخلع): أنَّه لا يضر اليسير (¬9). 1674 - قول "المنهاج" [ص 210]: (وأن يَقْبَلَ على وفق الإيجاب) أي: في المعنى، ولا يشترط اتفاق اللفظ، فلو قال: (بعتك)، فقال: (اشتريت) .. صح؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 259]: (موافق في المعنى)، ومقتضى كلامهما: البطلان فيما لو قال: بعتك بألف، فقال: قبلت نصفه بخمس مئة ونصفه بخمس مئة، لكن في "التتمة": إنه يصح، واستشكله الرافعي: بأنه أوجب عقدًا فقبل عقدين (¬10)، قال في "شرح المهذب": والأمر كما قال ¬

_ (¬1) المحرر (ص 136). (¬2) الوسيط (3/ 10). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (5/ 393)، و"فتح العزيز" (4/ 13)، و"الروضة" (3/ 339). (¬4) انظر "المجموع" (9/ 158). (¬5) فتاوى الغزالي (ص 38) مسألة (28)، الروضة (3/ 393). (¬6) في (أ): (الفصل غير اليسير). (¬7) المجموع (9/ 160). (¬8) انظر "فتح العزيز" (7/ 489). (¬9) انظر "فتح العزيز" (8/ 409، 454). (¬10) انظر "فتح العزيز" (4/ 14).

الرافعي من الإشكال، لكن الظاهر: الصحة (¬1). قال في "المهمات": وإنَّما ساق الرافعي مقالة "التتمة" مساق الأوجه الضعيفة، ومقتضى كلامهما: البطلان أيضًا فيما لو باعه بألف فقبله بألف وخمس مئة، وبه جزم الرافعي في (كتاب الوكالة والخلع) (¬2)، لكنه حكى هنا عن "فتاوى القفال" الصحة، واستغربه (¬3)، والذي في أوائل "فتاوى القفال": الجزم بالبطلان، لكنه أعاد المسألة بعد ذلك بيسير، وقال فيها: جاز أن يوجد البيع مرة أخرى، وكأنه أشار بذلك إلى التفاء بوجود القبول على وفق الإيجاب مرة أخرى من غير إعادة الإيجاب، فلم يقف الرافعي على كلامه الأول، ووقف على أول الثاني ذاهلًا عن تتمته، قاله في "المهمات"، قال: وإذا قلنا بالصحة .. صح بالألف فقط، ولغا ذكر الخمس مئة، كما أشار إليه الإمام (¬4). 1675 - قول "المنهاج" [ص 210]: (وإشارة الأخرس بالعقد كالنطق) ذكر في "الدقائق" أنَّه زاد على "المحرر" لفظة: (بالعقد) ليحترز عن إشارته في الصلاة وبالشهادة، فليس لها حكم النطق فيهما في الأصح. انتهى (¬5). ويلتحق بهاتين الصورتين ما إذا حلف الأخرس أنَّه لا يتكلم، فأشار إشارة مفهمة .. فالأصح: أنَّه لا يحنث، لكن ذكر السبكي أن هذه الزِّيادة مضرة؛ لأن الفسخ في ذلك كالعقد، قال غيره: وكذا الدعوى والإقرار إشارته بهما كالنطق، وذكر الشيخ فخر الدين محمد بنُ على المصري: أنَّه يحتاج أن يزيد فيه، فيقول: (كالنطق فيه)، وإلا .. يلزمه أن يكون قبول الأخرس البيع في الصلاة كقبوله بالنطق، فتبطل صلاته. 1676 - قول "المنهاج" [ص 210]: (وشرط العاقد: الرشد، وعدم الإكراه بغير حق) ذكر في "الدقائق" أنَّه أصوب من قول "المحرر": (يعتبر في المتبايعين التكليف) لأنه يرد عليه ثلاثة أشياء، أحدها: أنَّه ينتقض بالسكران؛ فإنه يصح بيعه على المذهب مع أنَّه غير مكلف كما تقرر في كتب الأصول، والثاني: أنَّه يرد عليه المحجور عليه لسفهٍ؛ فإنه لا يصح بيعه مع أنَّه مكلف، والثالث: المكره بغير حق؛ فإنه مكلف لا يصح بيعه، قال: ولا يرد واحد منها على "المنهال". انتهى (¬6). ¬

_ (¬1) المجموع (9/ 161). (¬2) انظر "فتح العزيز" (8/ 409). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 14). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (13/ 446). (¬5) الدقائق (ص 59)، وانظر المحرر (ص 136). (¬6) الدقائق (ص 59)، وانظر المحرر (ص 136).

وقد اعترض عليه بأمور: أحدها: أن ما ذكره من صحة بيع السكران مع أنَّه غير مكلف كلامان متنافيان لا يمكن اجتماعهما. فالأول للفقهاء: صححوا تصرفاته النافعة له والمضرة به حتَّى ما يوجب الحد، ولا معنى للتكليف سوى هذا. والثاني لأهل الأصول؛ قالوا: إنه غير مكلف، فلا أثر لتصرفاته عندهم لا النافعة ولا المضرة، فخلط النووي طريقة الفقهاء بطريقة الأصوليين. ثانيها: أن الشَّافعي رضي الله عنه نص على أنَّه مكلف، فقال: وهذا - أي: السكران - آثمٌ مضروبٌ على السُّكْرِ غَيْرُ مرفوع عنه القَلَمُ. انتهى (¬1). وهو خلاف ما قاله النووي من أنَّه غير مكلف. ثالثها: أن السفيه والمكره لا يردان على عبارة "المحرر" أيضًا؛ لأن معنى قوله: (ويعتبر في المتبايعين التكليف) أنَّه لا بد في كل بيع منه؛ أي: من التكليف، وهذا صحيح، ولا يلزم عكسه، وهو اعتبار بيع كل مكلف، لكن التعرض لهما أحسن، لكن لا يردان على "المحرر". واعترض على تعبير المنهاج بـ (الرشد) بأمور: أحدها: أنَّه يخرج السكران أيضًا كما أخرجه قيد التكليف عند الأصوليين، إلَّا أن يفرض في سكر لا يخرجه عن الرشد لجهل أو إكراه، وهو نادر. ثانيها: أنَّه يرد عليه الفاسق؛ فإن بيعه صحيح، وليس برشيد؛ إذ الرشد صلاح الدين والمال. ثالثها: أورد عليه أيضًا من طرأ سفهه بعد فك الحجر عنه؛ فإنه لا بد من إعادة الحجر عليه على الصحيح، فإذا باع قبل إعادة الحجر .. صح مع أنَّه ليس برشيد. رابعها: أن عبارته تتناول الصبي؛ فإنه وصفه بالرشد في قوله في الصيام: (أو صبيانٍ رشداء) (¬2) مع أنَّه لا يصح بيعه، أورده الشيخ فخر الدين المصري، وقال: ولو قال: (شرطه: أن يكون مختارًا غير محجور عليه) .. لم يرد شيء. واعترض على هذه العبارة: بأن السكران يصح بيعه ولا يتحقق أنَّه مختار، والمكره بحق يصح بيعه وليس بمختار، فالأحسن أن يقال: غير مكره بباطل ولا محجور، وعبر "التنبيه" بقوله [ص 87]: "لا يصح البيع إلَّا من مطلق التصرف غير محجور عليه). ويرد عليه: عدم الإكراه بغير حق، وذكر في "الكفاية": أن مقتضى كلامه: تحقق الرشد، ¬

_ (¬1) انظر "الأم" (5/ 253). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 179).

حتَّى لو جهل رشده .. لا يصح، قال: ولم أره لأحد. قلت: في اقتضاء عبارته لذلك نظر، وتعبير "المنهاج" بالرشد أقرب إلى اقتضاء ذلك من تعبير "التنبيه" بعدم الحجر، ولم يذكر "الحاوي" شيئا من هذه الشروط للعاقد. وأجيب عنه: بأنه أهمل التكليف؛ لذكره له في الحجر، والاختيار؛ لتعرضه له في الطلاق. 1677 - قول "المنهاج" [ص 210]: (وعدم الإكراه بغير حق) فيه أمران: أحدهما: يستثنى منه: ما لو أكره المالك رجلًا على بيع مال نفسه فباع .. فإنه يصح، كما قاله القاضي حسين في (كتاب الطلاق)، وهو الأصح في نظيره من الطلاق، ولو أكره أجنبي الوكيل على بيع ما وكل فيه .. فأصح احتمالي أبي العباس الروياني عنده: البطلان، والثاني: الصحة. ثانيهما: صوّر في "الروضة" الإكراه بحق بأن توجه عليه بيع ماله لوفاء دين عليه أو شراء مال أسلم إليه فيه، فأكرهه الحاكم عليه .. فإنه يصح بيعه وشراؤه (¬1)، وقال السبكي: كان بعض شيوخنا يصوره بمن أمر عبده بالبيع، فامتنع، فأكرهه .. فإنه يصح؛ لأنه من الاستخدام الواجب، ورده شيخنا جمال الدين رحمه الله بإلزام الإبطال فيما إذا قال: بع عبدي وإلَّا قتلتك؛ إذ لا استخدام له عليه مع أنَّه يصح كما تقدم؛ لكونه أبلغ في الإذن، فكأنه ليس إكراهًا، بل هو إذن مؤكد. قال شيخنا الإمام شهاب الدين بنُ النقيب: وفي الرد نظر؛ فإن قوله: (بع عبدي وإلَّا .. قتلتك) إكراه بغير حق، لا طريق إلى تصحيح البيع فيه إلَّا كونه إذنًا مؤكدًا، وأما هنا: فإنه إكراه بحق وعلة حَقّيَّتِه الاستخدام، فالمعلل هنا: كونه بحق، وصحة البيع مرتبة عليه، والمعلل هناك: صحة البيع؛ لكونه مأذونًا فيه، فافترقا. انتهى (¬2). وصورّه بعضهم: بما إذا أسلم عبدِ لكافر محجور عليه .. فإن الحاكم يجبر الولي على بيعه، وذكر شيخنا جمال الدين من صوره: ما إذا أذن شخص لعبد غيره في بيع ماله، قال: فللسيد إكراهه على بيعه. 1678 - قولهما - والعبارة لـ"التنبيه" -: (وإن باع عبدًا مسلمًا من كافر .. بطل البيع في أصح القولين) (¬3) فيه أمور: أحدها: أن هذا إنما هو فيما إذا اشتراه لنفسه، فإن اشتراه لمسلم .. صح إن سمى الموكل، وكذا إن نواه، وقلنا: يقع الملك أولًا للموكل، وهو الأصح، ويشكل: بمنع توكيل المسلم كافرًا في قبول نكاح مسلمة. ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 342). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 11). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 90)، و"المنهاج" (ص 211).

ثانيها: أنَّه يلتحق ببيعه لكافر بيعه لمسلم يشتريه بطريق الوكالة لكافر .. فلا يصح، ولا ترد الصورتان على "الحاوي" لتعبيره بقوله [ص 260]: (وإسلام من يُشْتَرى له) فبين أن النظر للمُشْتَرَى له لا لمن يباشر الشراء كما اقتضته عبارتهما. ثالثها: أفهم كلامهما صحة بيع المرتد من الكافر، وكذا أفهمه كلام "الحاوي"، وهو ظاهر قول الرافعي والنووي: إن الخلاف فيه كالوجهين في قتله بالذمي؛ لأن الأصح: قتله به (¬1)، لكن صحح في "شرح المهذب": أنَّه لا يصح بيعه له؛ لبقاء علقة الإسلام (¬2). را بعها: بيع بعضه ككله، والهبة والوصية كالشراء، وقد ذكرهما "الحاوي" (¬3). خامسها: يستثنى من ذلك: ما إذا كان يعتق عليه .. فإنه يصح في الأصح، وقد ذكره "المنهاج" (¬4)، وصحح في "شرح المهذب": القطع به، ثم قال: وقيل: على القولين. انتهى (¬5). فحكى طريقة الخلاف قولين، وهي في "المنهاج" وجهان، وذكره "الحاوي" أيضًا بقوله [ص 260]: (ومسلم لا يعتق بعده). وقد يقال: إن هذا الكلام يتناول ثلاث صور: شراء القريب: وقوله: أعتق عبدك المسلم عني بعوض أو بغير عوض، فأجابه. وإذا أقر بحرية مسلم في يد غيره ثم اشتراه؛ لأنه يعتق في الصور الثلاثة بعد الشراء. وقد يقال: إنما تناول كلامهما الصورة الأولى فقط، فترد الثانية والثالثة، وفي "الروضة" من زيادته: قال المحاملي في "اللباب": لا يدخل عبدِ مسلم في ملك كافر ابتداءً إلَّا في ست مسائل: إحداها: بالإرث. والثانية: يسترجعه بإفلاس المشتري. الثالثة: يرجع في هبته لولده. الرابعة: إذا رد عليه بعيب. الخامسة: إذا قال لمسلم: أعتق عبدك عني، فأعتقه وصححناه. السادسة: إذا كاتب عبده الكافر، فأسلم العبد، ثم عجز عن النجوم .. فله تعجيزه، قال ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (4/ 19)، و"الروضة" (3/ 346). (¬2) المجموع (9/ 338). (¬3) الحاوي (ص 260). (¬4) المنهاج (ص 211). (¬5) المجموع (9/ 337).

النووي: وهذه السادسة فيها تساهل؛ فإن المكاتب لا يزول الملك فيه ليتجدد بالتعجيز. وترك سابعة، وهي: ما إذا اشترى من يعتق عليه، والله أعلم (¬1). قال في "المهمات": وافقه عليه ابن الرفعة في "المطلب" وغيره، وهو عجب (¬2)! فقد تركا مسائل كثيرة تزيد على ثلاثين مسألة: إحداها: أن يرجع إليه بتلف مقابله قبل القبض، وفي معناه: ما إذا أتلفه متلف .. فإنا نُخير البائع، فإذا خيرناه، فاختار الفسخ .. عاد الملك إلى البائع الكافر. الثانية: أن يبيع الكافر عبدًا مسلمًا بثوب، ثم يجد بالثوب عيبًا .. فله أن يرد الثوب ويسترد العبد على الصحيح، كما ذكره الرافعي والنووي في هذا الباب (¬3). الثالثة: إذا تبايع كافران عبدًا كافرًا، فأسلم العبد قبل القبض .. فإن المشتري يثبت له الخيار إذا قلنا: يمتنع عليه قبضه، كذا قاله الإمام، وامتناع القبض قد صححه الرافعي والإمام (¬4)، فإذا فسخ .. فقد دخل المبيع المسلم في ملك البائع الكافر. الرابعة: إذا باع الكافر العبد المسلم لمسلم بشرط الخيار للمشتري .. فإن الصحيح: أن الملك لمن له الخيار، وبالفسخ يدخل في ملك الكافر. الخامسة: أن يتبايع كافران كافرًا بشرط الخيار للبائع، فيُسلم العبد .. فانه يدخل في ملك الكافر بانقضاء خيار البائع. السادسة: أن يرده عليه لا بالعيب، بل لفوات شرط كالكتابة والخياطة ونحوهما، ولو قيل: بأنه يمتنع على المشتري رده بالعيب إذا وقع الإسلام في يده .. لكان متجهًا؛ لما حدث عنده من السبب المقتضي لرفع يده ويد أمثاله من الكفار عنه. السابعة: إذا اشترى ثمارًا بعبد كافر، فأسلم، ثم اختلطت الثمار وفسخ العقد كما هو مقرر في بابه. الثامنة: إذا كان للكافر عبدِ مسلم مغصوب، فباعه ممن يقدر على انتزاعه، فعجز قبل قبضه .. فإن للمشتري أن يفسخ، ومثله: ما إذا باعه وهو غير مغصوب، فغصب قبل قبضه. التاسعة: إذا باعه من مسلِم رآه قبل العقد، ثم وجده المسلم متغيرًا عما كان .. فله الفسخ. العاشرة: أن يبيعه لمسلم وماله غائب في مسافة القصر .. فللكافر الفسخ؛ لتضرره بالصبر إلى إحضار الثمن. ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 348)، وانظر اللباب (ص 236). (¬2) كذا في كل النسخ إلَّا (ج) ففيها: (عجيب). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 18)، و"الروضة" (3/ 345). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (5/ 427، 428)، و "فتح العزيز" (4/ 19).

الحادية عشر: أن يبيعه بصبرة من طعام، ثم يظهر أن تحتها دَكَّةً أو غيرها .. فله الفسخ؛ لأنه كالتدليس. الثانية عشر: أن يبيع العبد المسلم لمسلم، ثم يتقايلا .. فلا يجوز إن جعلنا الإقالة بيعا، وإن جعلناها فسخًا - وهو الصحيح - .. فعلى الوجهين في الرد بالعيب كما قاله الرافعي (¬1). الثالثة عشر: أن يجعل الكافر عبده المسلم رأس مال سلم، أو يجعل عبده الكافر كذلك، ثم يسلم العبد، وينقطع المسلم فيه .. فإن الفسخ جائز، وحينئذ .. فيعود المسلم إلى ملك الكافر على قياس ما سبق من المسائل. الرابعة عشر: أن يُقرض عبده الكافر، فيُسلم العبد في يد المقترض .. فيجوز للمقرض الكافر أن يرجع فيه كما جوزنا له الرجوع في الهبة على ما سبق، بل أولى؛ لأن القرض وُضِع للرجوع في شيء؛ إما العين المُقْرَضَة أو مثلها، بخلاف الهبة؛ فإنها لم توضع لذلك، بل الغالب على الواهبين وإن كانوا أصولًا عدم الرجوع. وهذه المسألة إنما تستثنى إذا فرعنا على أن ما لا مثل له يرد مثله صورة، وعلى أن المقترض يجوز له أن يرجع في عين ما أعطاه، وهو الصحيح فيهما، ولو أسلم في ملك الكافر، فأقرضه لمسلم، أو وهبه لولده المسلم .. فمقتضى إطلاقهم الأمر بإزالة الملك: أنَّه يكفي ذلك، وحينئذ .. فلا يختص جواز الرجوع بالمثال المتقدم. نعم؛ في الاكتفاء بهما نظر ظاهر، ويحتمل التفاء، ويمنع الرجوع. الخامسة عشر: ذكرها الرافعي في (الرَّهْن): إذا ورث الكافر عبدًا مسلمًا أو كافرًا فأسلم في يده، شم باعه، ثم ظهر دين على التركة، أو حدث بردّ مبيع بعيب ونحوه، فلم يقض الوارث الدين .. فإن الأصح: فسخ البيع فيه، ويعود إلى ملك الوارث متعلقًا به الدين (¬2). السادسة عشر: أن يتوكل في شراء كافر معين أو غير معين، فاشتراه، ثم أسلم، وظهر أنَّه معيب، وأخر الوكيل الرد، فلم يرد المالك أيضًا .. فإنه يقع عن الوكيل كما أوضحوه في (باب الوكالة)، وحينئذ .. فقياس ما سبق من الصور عوده إلى الكافر. السابعة عشر: أن يشتري العامل الكافر عبيدًا للقراض ثم يقسمان بعد إسلامهم .. فإن قياس المذهب: صحته، وحينئذ .. فيدخل المسلم في ملكه؛ لأن العامل لا يملك حصته إلَّا بالقسمة. الثامنة عشر: أن يجعله أجرة أو جعلًا، ثم يقتضي الحال فسخ ذلك بسبب من الأسباب. التاسعة عشر: إذا التقط ملتقط شخصًا محكومًا بكفره بشرطه المعروف وهو إما عدم التمييز، ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (4/ 19). (¬2) انظر "فتح العزيز" (4/ 497).

أو في وقت النهب أو الغارة فأسلم، ثم أثبت كافر أنَّه كان ملكه .. فإنه يرجع فيه؛ فإنهم صرحوا بأن التملك بالالتقاط كالتملك بالقرض. العشرون: أن يقف على كافر أمة كافرة، فَتُسْلِم، ثم تأتي بولد من نكاح أو زنا .. فإنه يكون مسلمًا تبعًا لأمه، ويدخل في ملك الكافر؛ لأن نِتَاج الموقوفة ملك للموقوف عليه على الصحيح. الحادية والعشرون: أن يوصي لكافر بما تحمله أمته الكافرة من زوجها الكافر، فيقبل الموصى له الوصية بشرطه، ثم تسلِم الجارية، وتأتي بولد. الثانية والعشرون: أن يتزوج المسلم بأمة لكتابي؛ فإنه يصح على الصحيح بالشروط المعروفة، وحينئذ: فإذا أتت بولد .. فإنه يكون مسلما مملوكا لسيد الأمة، وهكذا لو نكحها وهو كافر ثم أسلم. الثالثة والعشرون: إذا وطئ الكافر جارية مسلمة لولده، أو لولده فيها البعض، وأولدها .. فإنها تنتقل إليه، وتصير مستولدة له، ذكره الرافعي والنووي (¬1). الرابعة والعشرون: إذا وطئ مسلم أمة لكافر على ظن أنَّها زوجته الأمة .. فالولد مسلم مملوك للكافر، سواء كان الواطئ حرًا أو عبدًا. الخامسة والعشرون: أن يصدق الكافر زوجته عبدًا كافرًا، فيسلم العبد، ثم يقتضي الحال رجوعه أو بعضه إلى الزوج؛ إما بطلاق أو بفسخ عيب، أو إعسار، أو إسلام، أو فوات شرط، أو بالتحالف. السادسة والعشرون: أن يخالع الكافر زوجته الكافرة على عبدِ كافر، فيسلم، ثم يقتضي الحال فسخ الخلع فيه إما بعيب، أو فوات شرط، أو غيرهما .. فإنه يرجع إلى الكافرة. السابعة والعشرون: إذا أسلم عبد الكافر بعد أن جنى جناية توجب ما لا يتعلق برقبته، وباعه بعد اختيار الفداء، فتعذر تحصيل الفداء، أو تأخر لإفلاسه، أو غيبته، أو صبره على الحبس .. فإنه يفسخ البيع، ويعود إلى ملك سيده الكافر، ثم يباع في الجناية، كما قاله الأصحاب (¬2). الثامنة والعشرون: إذا حضر الكفار الجهاد بإذن الإمام، وكانت الغنيمة أطفالًا أو نساء أو عبيدًا، فأسلموا بالاستقلال أو بالتبعية، ثم اختار الغانمون التملك .. فقياس المذهب أن للإمام أن يرضخ للكفار مما وجد؛ لتقدم سبب الاستحقاق، وهو حضور الوقعة، وحصول الاختيار المقتضي للملك على الصحيح. التاسعة والعشرون: أن يكون بين كافرين أو مسلم وكافر عبيد مسلمون، أو بعضهم مسلم ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (4/ 20)، و"الروضة" (3/ 347). (¬2) انظر "فتح العزيز" (4/ 38، 39)، و"الروضة" (3/ 357، 358).

وبعضهم كافر، فيقتسمون، وقلنا: القسمة إفراز .. فقياس المذهب: يقتضي الجواز، وحينئذ .. فيدخل المسلم أو بعضه في ملك الكافر. الثلاثون: أن يعتق الكافر نصيبه من عبدِ مسلم؛ فإن الباقي يدخل في ملكه، ويُقَوّم عليه، كما نقله في (البيع) من "شرح المهذب" عن البغوي، وأقره عليه (¬1). الحادية والثلاثون: إذا أسلمت أمة الكافر، ثم ولدت من غيره بنكاح أو زنا قبل زوال ملكه .. فإنه يدخل في ملكه. الثانية والثلاثون: أن يكاتب الكافر عبده المسلم أو الكافر، فيسلم، ثم يشتري المكاتب عبدًا مسلمًا، أو تأتي أمته المسلمة بولد من نكاح أو زنا، ثم يعجز نفسه .. فإن أمواله تدخل في ملك السيد، ومن جملتها المسلم الذي اشتراه، وأولاد أمته. الثالثة والثلاثون: أن تسلم مستولدته، ثم تأتي بولد من نكاح أو زنا .. فإنه يكون مملوكا له، ويثبت له حكم أمه. انتهى كلام "المهمات". وقد أهمل ما إذا أقر بحرية مسلم في يد غيره، ثم اشتراه، فليست هذه الصورة فيما ذكره النووي عند حصره الصور هنا، ولا فيما زاده شيخنا عليه مع أن الرافعي والنووي ذكراها هنا. واستثنى في "الحاوي" من هذه المسائل: الإرث، والاسترداد بعيب أو إقالة (¬2). 1679 - قول "التنبيه" [ص 90]: (ويصح في الآخر، ويؤمر بإزالة الملك عنه) يرد عليه الكتابة؛ فإنها تكفي على الأصح أو الأظهر، وليس فيها إزالة ملك، وقد ذكرها "الحاوي" (¬3). 1680 - قول "الحاوي" [ص 260]: (والمودعِ) أي: لا يشترط إسلامه، فيجوز إيداع العبد المسلم عند الكافر. قال السبكي: وفيه إشكال من جهة وضع يده عليه، لا سيما إذا كان صغيرًا، قال: والذي لا أشك فيه أنَّه لا يجوز إيداع المصحف عنده. انتهى. والإعارة كالإيداع. 1681 - قوله: (والمستأجر) (¬4) أي: لا يشترط إسلامه، ثم قال: (ويؤمر الكافر بإزالة ملكه عنه؛ ككتابته) قد يفهم أنَّه لا يؤمر بأن يزيل ملكه عن المنافع؛ بأن يؤجره مسلمًا، والأصح في "شرح المهذب": خلافه (¬5). ¬

_ (¬1) المجموع (9/ 340، 341)، وانظر "التهذيب" (4/ 23). (¬2) الحاوي (ص 260). (¬3) الحاوي (ص 260). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 260). (¬5) المجموع (9/ 340).

فرع: [لو حملت أمة كافرة من كافر فأسلم] أمة كافرة حملت من كافر، فأسلم .. فالحمل مسلم، فيحتمل أن يؤمر مالك الأمة الكافرة بإزالة ملكه عن الأم إن قلنا: الحمل يعطى حكم المعلوم، قاله في "البحر" (¬1). 1682 - قوله: (وتفريق المستولدة والمدبر) (¬2) محله: في المدبر إذا دَبَّرَه قبل إسلامه؛ فإنه لا يباع، بل يحال بينهما، فلو دبره بعد إسلامه .. لم يكف، ويباع، وقد أوضح "المنهاج" الصورتين في (التدبير) (¬3). 1683 - قول "الحاوي" [ص 261]: (إن امتنع - أي: الكافر من إزالة ملكه، أو الكتابة حيث أُمر بها - بِيع) أي: بثمن المثل، فإن لم يجد مشتريًا به .. صبر، وحيل بينهما، ويستكسب له، وتؤخذ نفقته منه. 1684 - قول "المنهاج" [ص 210، 211]: (ولا يصح شراء الكافر المصحف والمسلم في الأظهر) ينبغي أن يتعلق قوله: (في الأظهر) بالأخيرة فقط؛ فإن الأصح: القطع بأنه لا يصح شراؤه المصحف، وفرق الرافعي: بأن العبد يمكنه الاستغاثة ودفع الذل عن نفسه (¬4)، وفرق الماوردي: بأن المصحف أكثر حرمة؛ بدليل حرمة مسه على المحدث (¬5)، وفرق في "الأم": برجاء عتق العبد (¬6). وينبني على هذه الفروق بيع العبد الصغير، وبيع غير المصحف مما منعناه، والله أعلم. والعبرة بمن يُشْتَرَى له لا بمن يباشر الشراء كما تقدم في شراء المسلم، وبذلك عبرة "الحاوي" (¬7)، وفي معنى المصحف: حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكره "الحاوي" (¬8)، خلافًا للماوردي؛ فإنه لم يلحقه بالمصحف، كذا ذكره هنا، واقتصر الرافعي والنووي على حكايته عنه (¬9)، لكنه فَصّل في عقد الذمة فقال: إن كان المذكور في كتب الحديث صفته وسيرته .. فيجوز قطعًا، وإن كان فيها كلامه من أمره ونهيه وأحكامه .. ففي المنع وجهان (¬10). ¬

_ (¬1) بحر المذهب (6/ 233). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 260، 261). (¬3) المنهاج (ص 592). (¬4) انظر "فتح العزيز" (4/ 17). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 391). (¬6) الأم (3/ 193). (¬7) الحاوي (ص 260). (¬8) الحاوي (ص 260). (¬9) انظر "فتح العزيز" (4/ 17)، و"الروضة" (3/ 344)، و"المجموع" (9/ 337). (¬10) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 391).

قال العراقيون: وكتب الفقه التي فيها آثار السلف لها حكم المصحف في هذا، قال السبكي: الأحسن: إطلاق المنع من بيع كتب العلم للكافر وإن خلت عن الآثار؛ تعظيمًا للعلم الشرعي، قال ولده شيخنا القاضي تاج الدين: وقوله: (تعظيمًا للعلم الشرعي) يفيد جواز بيعهم كتب علوم غير شرعية، وينبغي المنع من بيع ما يتعلق منها بالشرع؛ ككتب النحو واللغة وأمثالها. انتهى. وقال النووي: الخلاف في بيع العبد والمصحف والحديث والفقه إنما هو في صحة العقد مع أنَّه حرام بلا خلاف (¬1). واعترضه في "المهمات" في نفي الخلاف بالنسبة إلى كتب الفقه؛ بأن في "الإيضاح" للصيمري: فأما إذا اشتروا كتب الفقه والطب والنحو .. فلا حرج عليهم، وزعم بعض أصحابنا أن النصراني إذا ابتاع كتاب "المزني" .. كان كمن ابتاع مصحفًا، والصحيح: خلافه. انتهى. 1685 - قول "المنهاج" [ص 211]: (ولا الحربي سلاحًا) وفي وجه: يصح مع التحريم، قال في "الوسيط": إنه منقاس (¬2). قال الروياني: ويؤمر بإزالة الملك عنه (¬3)، وصرحوا في صلاة الخوف بأن الترس والدرع ليسا من السلاح، وهو مقتضى قولهم في السَّلَب: كدرع وسلاح، لكن كلام الإمام يقتضي أنَّه منه؛ فإنه استدل على بيع السلاح ورهنه من الذِّمِّيُّ: بأنه عليه الصلاة والسلام توفي ودرعه مرهونة عند يهودي (¬4)، فدل على أنَّه يسمى سلاحًا، ويظهر ترجيحه هنا؛ فإنهم يستعينون به على قتالنا. 1686 - قول "التنبيه" [ص 90]: (وإن باع العصير ممن يتخذ الخمر، أو السلاح ممن يعصي الله تعالى به، أو باع ماله ممن أكثر ماله حرام .. كره) فيه أمور: أحدها: أن قوله: (ممن يتخذ الخمر) أي: شأنه كذلك، فلو تحقق أنَّه يتخذه خمرًا .. حرم في الأصح في "الروضة" (¬5)، وقيل: لا، وعليه الأكثرون، كما في "التتمة" و"البحر"، ونص عليه في "الأم" (¬6)، وفي "المنهاج" في البيوع المنهي عنها [ص 217]: (وبيع الرّطَبِ والعِنَبِ لعَاصِرِ الخَمْرِ)، قال السبكي: ولا أستحضر فيه نهيًا خاصًا، لكن روى التِّرمِذي: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها ... ) الحديث (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "الروضة" (3/ 344). (¬2) الوسيط (3/ 69). (¬3) انظر "بحر المذهب" (6/ 270، 271). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (6/ 217، 218). (¬5) الروضة (3/ 416). (¬6) الأم (3/ 74)، بحر المذهب (6/ 270). (¬7) سنن التِّرمِذي (1295).

وجه الاحتجاج: أن العاصر كالبائع في أن كلًا منهما مُعين على معصية مظنونة، فال: والمأخذ يقتضي أن تسليمه إليهم حرام، وذلك يقتضي فساد البيع، والأصحاب جزموا بصحته. ثانيها: الأصح في "شرح المهذب": أنَّه إذا تحقق عصيانه بالسلاح .. حرم أيضًا (¬1). ثالثها: يستثنى من العصاة: أهل الحرب؛ فبيع السلاح لهم حرام بالإجماع، وباطل على المشهور كما تقدم (¬2)، وقد يقال: إن بين عبارة "التنبيه" و"المنهاج" عمومًا وخصوصًا؛ فإن الحربي قد يعصي به وقد لا يعصي، والعاصي قد يكون حربيًا وقد لا يكون. رابعها: يستثنى من مسألتي العصير والسلاح: ما إذا كان ليتيم، وأراد الولي البيع، وهناك اثنان بدل أحدهما أكثر من الآخر، لكن يقصد جعله خمرًا أو آلة للقتل المحرم .. فهل يبيع منه أو من باذل الأقل؟ فيه احتمالان للروياني (¬3). خامسها: يستثنى من المسألة الثالثة: إذا تحقق أخذ الحرام .. فإنه يحرم. سادسها: مفهومه: أنَّه لا كراهة إذا لم يكن أكثر ماله حرام؛ بأن استوى الحرام والحلال، أو كان أكثره حلالًا، وليس كذلك، بل يكره مطلقا إذا لم يتحقق أخذ الحرام؛ ولعله إنما خص الأكثر بالذكر؛ لمخالفة شيخه أبي حامد؛ فإنه قال في صورة الأكثر: بالتحريم، وتبعه الغزالي في "الإحياء" (¬4). سابعها: يستثنى منه: إذا علم حل ما يأخذه .. فإنه لا كراهة حينئذ ولو كان أكثر ماله حرامًا، والكراهة إنما هي مع الاشتباه، والله أعلم. 1687 - قولهم: (إن للمبيع شروطًا، فذكروا: الطهارة، والنفع، وإمكان التسليم، والمِلْك، والعلم) (¬5) فيه أمور: أحدها: قال السبكي: الذي يتحرر منها الملك والمنفعة، فلا شرط له غيرهما، وأما اشتراط الطهارة: فمستفاد من المِلْك؛ لأن النجس غير مملوك، وأما القدرة على التسليم والعلم به: فشرط في العاقد، وكذا كون الملك لمن له العقد. ثانيها: قال في "المهمات": هذه الشروط التي ذكروها موجودة في حَرِيمِ (¬6) المِلْك، مع أنَّه ¬

_ (¬1) المجموع (9/ 335). (¬2) انظر "المجموع" (9/ 335). (¬3) انظر "بحر المذهب" (6/ 155). (¬4) إحياء علوم الدين (2/ 65). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 88)، و"الحاوي" (ص 261، 262)، و"المنهاج" (ص 211). (¬6) الحريم: هي المواضع القريبة التي يُحْتَاج إليها لتمام الانتفاع؛ كالطريق ومسيل الماء ونحوهما. انظر "فتح العزيز" (6/ 212).

لو باعه وحده .. لم يصح، حكاه الرافعي في (الإحياء) عن العبادي، وأقره (¬1). ثالثها: اعترض في "المطلب" على حصرها في خمسة: بأن للرِّبَوِيَّاتِ شروطًا أخرى. 1688 - قول "المنهاج" [ص 211]: (طهارة عينه) وقول "التنبيه" [ص 88]: (ولا يجوز البيع إلَّا في عين طاهرة) يرد على مفهومه: متنجس لا يطهر بالغسل؛ فإنه طاهر العين ولا يصح بيعه كما ذكراه بعد ذلك، وأفهم كلامهما: أن امتناع بيعه متفرع على اشتراط طهارة العين، وليس كذلك؛ فإنه طاهر العين ومع ذلك لا يصح بيعه؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 262]: (طاهر، أو يَطْهر بالغسل) فلم يعتبر طهارة عينه، وإنَّما اعتبر ألاَّ يكون نجسًا نجاسة لا تطهر بالغسل. 1689 - قول "المنهاج" [ص 211]: (وكذا الدهن في الأصح) أي: لا يمكن تطهيره. مقابله: أنَّه يمكن تطهيره؛ بأن يوضع على قلتين أو يصب عليه ماء يغمره، ثم يحرك حتَّى يصل إلى جميعه، وظاهر كلامه: صحة البيع إذا قلنا به، والأصح - تفريعًا عليه أيضًا -: المنع، ويشكل الفرق بينه وبين الثوب المتنجس؛ حيث صح بيعه قطعًا، والأصح: أن الماء المتنجس لا يصح بيعه. والمسألة مكررة في "المنهاج" فإنها مذكورة في النجاسات (¬2)، وكلامه يقتضي أن غير الدهن من المائعات لا يمكن تطهيره قطعًا، وهو المعروف، لكن في "الشرح الصغير": إنه لا يبعد طرد الخلاف في سائر المائعات؛ لأن إيصال الماء إلى أجزائها بالصّبِّ والتحريك ممكن، والغسالة طاهرة على الأصح، فلا يضر بقاؤها. انتهى. قال في "المهمات": وهو ضعيف؛ لأنه إن كان الماء قليلًا .. فلا يرد على جميع أجزائه إلَّا وهو متغير؛ لاختلاطه به، بخلاف الدهن، وإن كان كثيرًا جدًا بحيث يزول اسم المائع .. خرج عن المقصود؛ فإن الغرض أن يطهره ويبيعه على حاله. انتهى. وقول "المنهاج" [ص 211]: (الدهن) أعم من قول "التنبيه" [ص 88]: (الزيت النجس). 1690 - قول "التنبيه" [ص 88]: (ويجوز بيع الثوب النجس) أي: إن لم يستتر بالنجاسة، فإن استتر بها .. خرج على بيع الغائب (¬3). 1691 - قول "التنبيه" [ص 88]: (ولا يصح إلَّا فيما فيه منفعة) مثل قول "المنهاج" [ص 211]: (الثاني: النفع) والمراد: منفعة مباحة شرعًا؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 261]: (في منتفعٍ به شرعًا). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (كتاب إحياء الموات) (6/ 212). (¬2) المنهاج (ص 81). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 24)، و"الروضة" (3/ 349).

1692 - قولهما: (لا يصح بيع الحشرات) (¬1) يستثنى منه: العَلَق؛ فيصح بيعه على الأصح؛ لمنفعة امتصاص الدم. 1693 - قول "المنهاج" [ص 211]: (وكل سَبُعٍ لا ينفع) أعم من قول "الحاوي" [ص 261]: (لا يصيد) ومن قول "التنبيه" [ص 88]: (لا تصلح للاصطياد) لأن المنفعة قد تكون لغير الصيد؛ كالقتال على الفيل وحراسة القرد .. فيصح بيعها لذلك. 1694 - قول "المنهاج" [ص 211]: (وآلة اللهو) أي: المُحَرّم، وسيأتي في (الشهادات). 1695 - قوله: (وقيل: يصح في الآلة إن عُدَّ رِضَاضُها مالًا) (¬2) يفهم أنَّه إذا لم يُعّد مالًا؛ كمزمار صغير من قصب .. يمتنع جزمًا، وهو المعروف، وفيه وجه شاذ في "شرح المهذب" (¬3). 1696 - قول "الحاوي" في المنتفع به [ص 261]: (والبناء على السقف، وبهدمه يَغْرَم للفُرْقَة) محله: إذا كان الهدم قبل البناء، فإن كان بعده .. فالمذهب: أنَّه لا يلزمه إعادته، فلا قيمة للفرقة إلَّا بالهدم قبل البناء، وإن أطلقه "الحاوي". 1697 - قول "المنهاج" [ص 211]: (إمكان تسليمه) فيه أمران: أحدهما: كان ينبغي التعبير ب (القدرة) بدل الإمكان، كما في "التنبيه" و"الحاوي" وسائر كتب الرافعي والنووي (¬4)، فإنه لا يلزم من ثبوت إمكانه القدرة عليه؛ فإن الشيء قد لا يكون مستحيلًا، ومع ذلك فلا يتمكن الشخص منه. ثانيهما: وكان ينبغي أيضًا التعبير بالتسلُّم - بضم اللام - لا بالتسليم؛ ليشمل مسألة بيع المغصوب ممن يقدر على انتزاعه وتسلمه، والتسليم فعل البائع، ذكره في "المطلب"، وهذا وارد على "التنبيه" و"الحاوي" أيضًا. 1698 - قولهما: (إنه لا يصح بيع العبد الآبق) (¬5) فيه أمران: أحدهما: إن ظاهر كلامهما منع بيعه مطلقًا، وهو المشهور، وفي وجه: أنَّه إن عرف موضعه وعلم أنَّه يصل إليه إذا أراد .. صح، واستحسنه الرافعي (¬6)، وفي "الروضة" وأصلها: لو باع الآبق ممن يسهل عليه رده .. ففيه الوجهان في المغصوب (¬7)، ومقتضاه: تصحيح الصحة، وكذا ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 88)، و"المنهاج" (ص 211). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 211). (¬3) المجموع (9/ 243). (¬4) التنبيه (ص 88)، الحاوي (ص 262)، وانظر "فتح العزيز" (4/ 34)، و"المحرر" (ص 136)، و"الروضة (3/ 553)، و"المجموع" (9/ 270). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 88)، و"المنهاج" (ص 211). (¬6) انظر "فتح العزيز" (4/ 35). (¬7) الروضة (3/ 356).

صححه في "شرح المهذب" (¬1)، ومشى عليه في "الحاوي" فقال [ص 262]: (والآبق، إلَّا أن يقدر المشتري على قبضه)، لكن رده شيخنا الإمام البلقيني، وقال: المذهب: أنَّه لا يجوز، والفرق بينه وبين المغصوب: أن المغصوب تحت يد شخص عليه عهدته، بخلاف الآبق؛ فإنه ليس تحت يد أحد، قال: فإن كان تحت يد شخص .. صار قريبًا من صورة الغصب. ثانيهما: ذكر الثعالبي أنَّه لا يُطْلَق الآبق إلَّا على عبدِ ذهب من غير خوفٍ، ولا كدٍّ في العمل، فإن ذهب لذلك .. فهو هارب (¬2)، فكان ينبغي التعبير بعبارة جامعة للنوعين، وهذا وارد على "الحاوي" أيضًا. 1699 - قول "المنهاج" و"الحاوي" في المغصوب: (إنه لو باعه لقادر على انتزاعه .. صح) (¬3) قال في "المطلب": ينبغي البطلان فيما لو كانت قدرة المشتري تحتاج إلى مؤنة، وقول "المنهاج" [ص 211]: (على الصحيح) عبر في "الروضة" بالأصح (¬4)، فلو كان البائع قادرًا على انتزاعه .. انعقد قطعًا، قال في "المطلب": إلَّا إذا كان فيه كلفة .. فينبغي أن يكون فيه ما في بيع السمك في البركة، والأصح: عدم الصحة، قال: وهذا عندي لا مدفع له، وقد استشكل في "المهمات" المنع من بيع الضال والآبق والمغصوب: بأن إعتاقهم جائز، وقد صرحوا بأن العبد إذا لم يكن في شرائه منفعة إلَّا حصول الثواب بالعتق؛ كالعبد الزمن .. صح بيعه، وإعتاق المبيع قبل قبضه صحيح على الصحيح، ويكون قبضًا، قال: فلم لا صح بيع هؤلاء إذا كانوا زَمْنَى، بل مطلقًا؛ لوجود منفعةٍ من المنافع التي يصح لها الشراء. انتهى. قلت: الزمن ليست فيه منفعة قد حيل بين المشتري وبينها، بخلاف المغصوب ونحوه، والله أعلم. 1700 - قول "التنبيه" [ص 88]: (كالطير الطائر) أعم من قول "الحاوي" [ص 262]: (لا حمام البرج الخارج) لكن يستثنى منه: النحل، فالأصح: صحة بيعه خارج الكوارة إذا كان معلومًا. 1701 - قول "المنهاج" [ص 211]: (ولا يصح بيع نصفٍ معينٍ من الإناء والسيف ونحوهما) أي: مما تنقص قيمته بكسره أو قطعه كثوب نفيس، وقد صرح به في "التنبيه" (¬5)، وتعبير "الحاوي" بقوله [ص 262]: (وبعض معيّن ينقص بالفصل) يشمل الجميع، قال النووي: فطريقه ¬

_ (¬1) المجموع (9/ 271). (¬2) انظر "فقه اللغة" (ص 60). (¬3) الحاوي (ص 262)، المنهاج (ص 211). (¬4) الروضة (3/ 356). (¬5) التنبيه (ص 88).

أن يقطعه مالكه قبل ذلك، ثم يشتريه منه، فيصح جزمًا. انتهى (¬1). وفي إباحة ذلك نظر، وفي الثوب وجه: أنَّه يصح، قال به صاحب "التقريب" والقاضي أَبو الطيب والماوردي وابن الصباغ (¬2)، واختاره السبكي، وقال: قد يكون له فيه غرض صحيح. انتهى. وقال الرافعي: القياس: طرده في الإناء والسيف (¬3). 1702 - قول "المنهاج" [ص 211]: (ويصح في الثوب الذي لا ينقص بقطعه في الأصح) عبر في "الروضة" بالمذهب، وقال: وبه قطع الجمهور (¬4). 1703 - قول "التنبيه" [ص 88]: (إنه لا يصح بيع المرهون) أي: بغير إذن مرتهنه، كما صرح به "المنهاج" (¬5)، ويرد عليهما: أن ذلك إنما يمتنع بعد القبض، ولغير المرتهن، فلو باعه للمرتهن .. صح، وهذا الأخير قد يفهم من تجويز "المنهاج" بيعه بإذن المرتهن، والمسألة مكررة في (كتاب الرَّهْن) فيهما (¬6). 1704 - قول "التنبيه" [ص 88]: (وفي العبد الجاني قولان، وقيل: إن كانت الجناية خطأ .. لم يجز قولًا واحدًا، وإنَّما القولان في جناية العمد، وقيل: إن كانت الجناية عمدًا .. جاز قولًا واحدًا، وإنَّما القولان إذا كانت الجناية خطأ) الأصح: الطريقة الثالثة، والأصح من القولين: البطلان، لكن التعبير بالخطأ عبارة ناقصة، فلو كانت الجناية شبه عمدٍ، أو عمدًا لا قصاص فيه، أو فيه قصاص وعُفي على مال .. فهو كما لو كانت خطأ، وقد تناول هذه الصور قول "المنهاج" [ص 211]: (ولا الجاني المتعلق برقبته مالٌ في الأظهر)، وقول "الحاوي" [ص 262]: (وجانٍ تعلق الأرش برقبته)، ثم في كلامهم أمور: أحدها: أن محل المنع: إذا بيع بغير حق الجناية. ثانيها: أن محله أيضًا: إذا استغرق المال قيمته، أو زاد، فإن نقص .. ففي "المطلب": يشبه أن يخرج على الخلاف في أن الدّين إذا تعلق بالتركة، وقلنا: هو كتعلق أرش الجناية .. هل يمنع التصرف في الكل، أو في قدره فقط؟ ثالثها: أن محل الخلاف: أن يبيعه وهو موسر، فإن باعه معسرًا .. بطل جزمًا، وقيل: بالقولين. ¬

_ (¬1) انظر "المجموع" (9/ 301). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 331). (¬3) انظر "فتح العزيز (4/ 37). (¬4) الروضة (3/ 357). (¬5) المنهاج (ص 211). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 100)، و"المنهاج" (ص 244).

رابعها: ومحل الخلاف أيضًا: أن يبيعه قبل اختيار الفداء، فلو باعه بعد الفداء .. صح قطعًا، أو قبله ولكن بعد اختياره .. فقال البغوي: يصح أيضًا، حكاه عنه الرافعي والنووي، وأقراه (¬1)، لكن مقتضى إطلاق الماوردي: أنَّه على الخلاف (¬2)، قال السبكي: وهو الحق؛ لأن اختيار الفداء قبل الفداء يصح الرجوع عنه، والبغوي ممن يوافق على ذلك. انتهى. وقد حكى الإمام الاتفاق على أن له الرجوع عنه (¬3). 1705 - قول "المنهاج" [ص 211]: (وكذا تعلق القصاص) أي: برقبته، فإن تعلق بعضوه .. صح بيعه قطعًا، كما سيأتي في (باب الخيار) في قوله: (كقطعه بجنايةٍ سابقةٍ) (¬4)، وقوله: (في الأظهر) (¬5) الأصح: القطع به، فكان ينبغي التعبير ب (المذهب). 1706 - قول "التنبيه" [ص 88]: (ولا يجوز بيع ما يبطل به حق آدمي؛ كالوقف وأم الولد) جوّز القفال بيع أم الولد من نفسها فقال: إنه الظاهر، حكاه عنه الرافعي في بابه، وأقره (¬6). وفي كتاب "الخصال" لأبي بكر الخفاف: أنَّه لا يجوز بيع أم الولد إلَّا عند أربع خصال: المرهونة؛ أي: إذا كان معسرًا، وأن يكون الوطء في غير ملكه وتلده في ملكه، وأن يكون وطؤه بعد أن حجر عليه فيها، وأن تحمل منه وهو مكاتب .. فيجوز له بيعها بعد عتقه. انتهى. 1707 - قول "المنهاج" [ص 211]: (الرابع: الملك لمن له العقد) هذا الضابط ذكره في "الوجيز"، فتبعه الرافعي والنووي (¬7). ويدخل فيه: المالك، والوكيل، والولي، والقاضي في الممتنع، وملتقط الحيوان ونحوه، والظافر بغير جنس حقه. وقصدوا إخراج بيع الفضولي، وليس خارجًا، بل داخل؛ فإن العقد يقع للمالك موقوفًا على إجازته عند من يقول به، ذكر هذا الإيراد في "المطلب" عن بعضهم، وهو ظاهر، وقد سلم من هذا الإيراد "الحاوي" بقوله [ص 262]: (يَلِيهِ العاقد) فخرج الفضولي العاقد؛ إذ ليس له عليه ولاية، و"التنبيه" بقوله [ص 88]: (ولا يجوز بغ ما لا يملكه إلَّا بولاية أو نيابة) وليس الفضولي ولي المالك، ولا نائبه، فتعبيرهما أحسن من تعبير "المنهاج". ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (3/ 465)، و"فتح العزيز" (4/ 38)، و"الروضة" (3/ 573، 358). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 264). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (5/ 270). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 220). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 211). (¬6) انظر "فتح العزيز" (13/ 592). (¬7) الوجيز (1/ 279)، وانظر "فتح العزيز" (4/ 31)، و"الروضة" (3/ 353).

1708 - قول "المنهاج" [ص 211]: (فبيع الفُضُوليِّ باطل) كذلك شراءه، وقد صرح به في "الحاوي" (¬1)، وقوله: (بعين مال غيره) (¬2) كذا إذا اشتراه بثمن في ذمة غيره؛ بأن قال: اشتريت لفلان بألف في ذمته، وهو مفهوم من طريق الأولى؛ إذ لا سبيل له على ذمته بحال، وكذا لو اقتصر على قوله: اشتريت لفلان بألف، ولم يضف الثمن إلى ذمته، كما رجحه في "الوسيط" (¬3)، لكن في "الروضة" وأصلها وجهان بلا ترجيح: هذا (¬4)، والوقوع عن المباشر (¬5)، وكذا "التنبيه" لم يذكر سوى البيع (¬6)، ولو عبروا بـ (العقد) .. لشمل البيع والشراء. 1709 - قول "المنهاج" [ص 211]: (وفي القديم: موقوف؛ إن أجاز مالكه .. نَفَذَ، وإلَّا .. فلا) فيه أمور: أحدها: أنَّه نص عليه في الجديد أيضًا، ذكره الجويني في "السلسلة" في (القضاء)، وسليم في "المجرد" والروياني كلاهما في (القراض) (¬7)، ونص عليه في "الأم" في (الغصب) (¬8)، كما حكاه في "المطلب"، ونص في "البويطي" على تعليقه على صحة حديث عروة البارقي (¬9)، ونَقْلُ "الروضة" عن نص "البويطي" الصحة موقوفًا .. مردود، وإنَّما فيه التعليق، قال النووي: والقديم قوي في الدليل (¬10). ثانيها: أن المراد: على القديم بالموقوف الملك، وأما الصحة: فناجزة، قاله الإمام (¬11)، ويوافقه تصريح"المحرر " بأنه ينعقد موقوفًا (¬12)، ولا معنى للانعقاد إلَّا الصحة. ثالثها: المراد بالمالك في قوله: (إن أجاز مالكه): مالك التصرف فيه حال العقد، فلو باع ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 262). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 262). (¬3) الوسيط (3/ 22، 23). (¬4) أي: الذي رجحه في "الوسيط"، وهو أن العقد لاغٍ. (¬5) الروضة (3/ 354). (¬6) التنبيه (ص 88). (¬7) انظر "بحر المذهب" (9/ 214). (¬8) الأم (3/ 252). (¬9) عن سيدنا عروة البارقي رضي الله عنه قال: دفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارًا لأشتري له شاةً، فاشتريت له شاتين، فبعت إحداهما بدينارٍ وجئت بالشاة والدينار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ما كان من أمره، فقال له: "بارك الله لك في صفقة يمينك" فكان يخرج بعد ذلك إلى كناسة الكوفة فيربح الربح العظيم، فكان من أكثر أهل الكوفة مالًا. أخرجه أَبو داوود (3384)، والتِّرمِذي (1258). (¬10) انظر "الروضة" (3/ 354). (¬11) انظر "نهاية المطلب" (5/ 409). (¬12) المحرر (ص 137).

فضولي مال الطفل، ثم بلغ وأجاز .. لم ينفذ، وإنَّما ينفذ بإجازة الولي، وكذا لو باع ملك الغير، ثم ملكه البائع وأجاز .. لم ينفذ. 1710 - قول "المنهاج" [ص 211]: (ولو باع مال مُوَرِّثهِ) أعم من قول "الروضة": (مال أبيه) (¬1) ومثله: لو باع عبده الآبق أو المكاتب فبان راجعًا أو فاسخًا للكتابة، وقد تناولهما قول "الحاوي" [ص 262]: (وإن ظَنّ عَدَمَهَا) أي: عدم الولاية عليه، فهي أعم وأحسن، ولو باع شيئًا ظنه لغيره فبان له .. جزم الإمام بالصحة (¬2)؛ لأن الجهل في تلك الصور استند إلى أصل، وهو بقاء ملك المورث، فبطل على قول، ولو زوج أمة أبيه، فبان ميتًا .. جرى الخلاف، ومقتضاه: تصحيح الصحة. واستشكل لأجل الاحتياط في البضع، وقد قالوا: لو تزوج الخنثى امرأة .. بطل ولو بأن رجلًا، وكذا لو تزوج من يظن أنَّها مُحَرّمة عليه فبانت حلالًا. 1711 - قول "المنهاج" [ص 211]: (صح في الأظهر) يقتضي أن الخلاف قولان، وهو المشهور، وصوبه في "المهمات"، وحكاه جماعة وجهين، وصححه النووي في المسح على الخفين من "شرح المهذب" (¬3)، وذكر الشيخ أَبو حامد أن الخلاف في هذه المسألة إنما هو في الباطن، وأما في الظاهر: فإنه مؤاخذ به. 1712 - قوله: (الخامس: العلم به) (¬4) أي: لا من كل وجهٍ، بل جنسًا وصفةً وقدرًا، واستثنى بعضهم من ذلك صورًا: إحداها: لو اختلط حمام برج بآخر .. فلأحدهما البيع من صاحب الآخر في الأصح مع الجهل. الثانية: إذا باع صاعًا من صُبْرَةٍ مجهولةٍ .. فإن المبيع واحد مبهم. الثالثة: لو باع المال الزكوي بعد الوجوب .. فإن الأصح: البطلان في قدر الزكاة، والصحة في غيره وهو مجهول العين. 1713 - قوله: (وكذا إن جُهلت في الأصح) (¬5) حكاه الرافعي عن النص، قال: وهو الأظهر في المذهب على ما حكاه المعتبرون، ولكن القياس: البطلان كما لو فرقها وباع واحدًا منها (¬6). ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 355). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (5/ 408). (¬3) المجموع (1/ 558). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 211). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 211). (¬6) انظر "فتح العزيز" (4/ 44).

1714 - قوله: (ولو باع بِمِلءِ ذا البيت حنطةً ... إلى آخره) (¬1) لو علم قدر ذلك قبل العقد .. صح، ويكون صورة الصحة في مسألة الفرس أن يقول: بمثل ما باع، أو يقصد المثلية، وإلَّا .. ففيه الخلاف في قوله: (أوصيت له بنصيب ابني) كما ذكره الرافعي في (الوصية) (¬2). وقوله: (بملء) كذا في "المحرر" مجرور بالحرف (¬3)، فيكون من صور الثمن، والذي في "الروضة" وأصلها: (ملء) منصوب، ولا حرف معه (¬4)، فيكون من صور المبيع، وهو أحسن؛ لأن الكلام فيه، وصورته: إذا كان الثمن في الذمة، كما يمتنع في السلم كذلك ما إذا قال: بعتك بملء هذا الكوز من هذه الدراهم .. فلا يظهر إلَّا الصحة كالمثمن؛ فإنه لو قال: بعتك ملء هذا الكوز من هذه الحنطة .. صح في الأصح؛ لإمكان الاستيفاء به قبل التلف، ففي الثمن أولى، كما قاله ابن الرفعة وغيره، وقد فهم ذلك من قول "الحاوي" [ص 263]: (والقدر في الذمة) فإنه يدل على أنَّه إنما يشترط العلم بالقدر إذا كان في الذمة، فإن كان معينًا .. فلا، وكذا في "الشرح" و"الروضة" ما كان في الذمة من العوضين اشترط كونه معلوم القدر (¬5). 1715 - قول "المنهاج" [ص 212]: (ولو باع بنقدٍ) كذا لو باع بعرض وغلب في البلد نوع منه .. فالأصح: تنزيله عليه، مثل: أن يبيعه ثوبًا بصاع حنطة، والمعروف في البلد نوع منها، فلو عبر بـ (الثمن) بدل (النقد) .. لكان أشمل. 1716 - قوله: (وفي البلد نقدٌ غالبٌ) (¬6) يندرج فيه ما لو كان في البلد دراهم عددية ناقصة الوزن؛ كالمسعودية بمكة، أو زائدة، والأصح: تنزيل العقد عليها، ولو غلبت الفلوس .. حمل العقد عليها أيضًا، وفي "فتاوى البغوي": أنَّه لو باع بوزن عشرة دراهم فضة، ولم يبين أمضروبة هي أم تبر؟ بطل العقد؛ لتردده بينهما، ولا يحمل على النقد الغالب؛ ولعل تعبير "المنهاج" بـ (النقد) دون الدراهم والدنانير لهذا. وقوله: (أو نقدان لم يَغْلِبْ أحدهما .. اشترط التعيين) (¬7)، كذا أطلقه الرافعي والنووي، وصوّره في "البيان" بما إذا اختلفت قيمتهما، وإلَّا .. فأصح الوجهين: أنَّه لا يجب التعيين، وجزم به الرافعي في نظيره من الصحاح والمُكَسّرة (¬8). ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 212). (¬2) انظر "فتح العزيز" (7/ 140). (¬3) المحرر (ص 137). (¬4) الروضة (3/ 362). (¬5) فتح العزيز (4/ 46)، الروضة (3/ 362). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 212). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 212). (¬8) انظر "فتح العزيز" (4/ 47)، و"الروضة" (3/ 363)، و"البيان" (5/ 107).

1717 - وقوله: (اشترط التعيين) (¬1) أي: باللفظ، فلو عينا بالنية .. لم يكف، ويكفي ذلك في نظيره من الخلع في الأصح (¬2)، وأيضًا فالأصح: أنَّه إذا قال من له بنات: زوجتك بنتي، ونويا واحدة .. الصحة، فيحتاج إلى الفرق. 1718 - قوله: (ولو باعها بمئة درهمٍ كُلَّ صاعٍ بدرهمٍ .. صح إن خرجت مئة، وإلَّا .. فلا على الصحيح) (¬3) يقتضي ضعف الخلاف، وأنه وجهان، وعبر في "الروضة" بالأظهر (¬4)، فهو يخالفه من وجهين. 1719 - قول "التنبيه" [ص 88]: (وفي بيع الأعيان التي لم يرها المشتري قولان) يقتضي القطع بالبطلان في التي لم يرها البائع، وهي طريقة، والأصح: طرد القولين فيها أيضًا، وهو مقتضى قول "المنهاج" [ص 212]: (والأظهر: أنَّه لا يصح بيع الغائب) لأن إطلاقه يتناول الغائب عن البائع وعن المشتري، لكن مقتضاه: القطع بأنه لا يصح بيع الحاضر إذا لم يُرَ، وهي طريقة، والأصح: طرد القولين في الحاضر أيضًا، وهو المجزوم به في "الشرح" و"الروضة" (¬5)، وهو مقتضى عبارة "التنبيه". 1720 - قول "المنهاج" [ص 212]: (والثاني: يصح) أي: إذا وصفها، كما صرح به "التنبيه" (¬6)، والمراد بالوصف: ذكر الجنس والنوع فقط؛ كالفرس العربي والعبد الحبشي، فلو كان له من نوع اثنان .. تعين الوصف بما يُمَيّز، وقيل: يشترط مع الجنس والنوع وصفها؛ كالدعوى، وقيل: كالسلم، وقيل: يكفي ذكر الجنس، وقيل: لا يشترط شيء، فيصح: بعتك ما في كمي. 1721 - قولهما على هذا القول: (إنه يثبت الخيار عند الرؤية) (¬7) قد يقتضي أنَّه لا يثبت قبلها لا الفسخ ولا الإجازة، والأصح: نفوذ الأول دون الثاني، وقد يفهم من قول "التنبيه" [ص 88]: (إذا رآها)، وقول "المنهاج" [ص 212]: (عند الرؤية) أن الخيار يتقيد بحالة الرؤية على الفور، والأصح: أنَّه يمتد ما دام في المجلس. 1722 - قول "التنبيه" [ص 88]: (ويثبت للمشتري الخيار إذا رآها) قد يخرج البائع، فيقتضي ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 212). (¬2) في (ج) زيادة: (وفرق بينهما بأنه يغتفر في الخلع ما لا يغتفر في البيع، وفي الفرق نظر). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 212). (¬4) الروضة (3/ 366). (¬5) فتح العزيز (4/ 51)، والروضة (3/ 368). (¬6) التنبيه (ص 88). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 88)، و"المنهاج" (ص 212).

أنه لا يثبت له الخيار عند الرؤية إذا لم يكن رآها، وقد صححه في "أصل الروضة" موهماً أنه عند الرافعي، وليس كذلك (¬1)، فقد أطلق الرافعي هنا وجهين من غير ترجيح، لكنه صحح في الكلام على شراء الأعمى: ثبوت الخيار له (¬2)، وهو مقتضى إطلاق "المنهاج" في قوله [ص 212]: (ويثبت الخيار عند الرؤية). ويستثنى من اشتراطهم الرؤية مسألتان: إحداهما: بيع الفقاع في كوزه صحيح على الأصح، لمشقة رؤيته. ثانيهما: الأعمى يصح أن يشتري نفسه من سيده؛ لأنه لا يجهل نفسه، بل البصير لا يرى وجه نفسه. 1723 - قول "المنهاج" [ص 212]: (وتكفي الرؤية قبل العقد فيما لا يتغير غالباً إلى وقت العقد، دون ما يتغير غالباً) فيه أمران: أحدهما: إذا احتمل التغير وعدمه على السواء .. فالأصح: الصحة، ومفهوم "المنهاج" فيها متدافع؛ فإن مفهوم أول كلامه: البطلان، ومفهوم آخره: الصحة، ومقتضى عبارة "الحاوي": الصحة؛ حيث قال [ص 264]: (لا قبله إن غلب تغيره) أي: لا يكفي الرؤية قبل العقد إن غلب التغير، فمفهومه أنها تكفي إذا غلب عدم التغير أو استوى الاحتمالان، وقول "التنبيه" [ص 88]: (فإن رآها قبل العقد وهي مما لا يتغير .. جاز) لا يفهم منه الحكم في صورة الاستواء، إلا أن بعضهم قال: إن قوله: (وهي مما لا يتغير) أي: غالباً، وحينئذ .. فيكون مفهومه البطلان في صورة الاستواء، وهو خلاف الأصح؛ ولهذا أورده عليه النووي وشيخنا الإسنوي في "تصحيحهما" (¬3). ثانيهما: قال الماوردي: صورة الاكتفاء بالرؤية السابقة: أن يكون ذاكراً لأوصفها حالة البيع، فلو نسيها .. فهو كمن لم ير (¬4)، وقال في "شرح المهذب": إنه غريب، ولم يتعرض له الجمهور (¬5). قلت: لكن تبعه الروياني فيه (¬6)، وجزم به في "الكفاية"، وقال النشائي: إنه ظاهر النص (¬7). ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 366). (¬2) انظر "فتح العزيز" (4/ 53). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 286)، تذكرة النبيه (3/ 90). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 26). (¬5) المجموع (9/ 282). (¬6) انظر "بحر المذهب" (6/ 27). (¬7) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 83).

1724 - قول "المنهاج" [ص 212]: (أو كان صِوَاناً للباقي خِلقةً) كذا قيد تبعاً لـ"المحرر" الصوان بكونه خِلقة؛ ليحترز به عن جلد الكتاب (¬1)، فإن رؤيته لا تكفي، لكنه ينتقض بالخشكنان (¬2)، فإنه يصح بيعه مع أن قشره صوان غير خلقي، وفي "شرح المهذب": يصح بيع الخشكنان قطعاً وإن لم يدل قشره على باطنه؛ لأنه صوان له (¬3)، وذكر بعضهم أنه ينتقض أيضاً بالفقاع (¬4)، فيصح بيعه كما صححه النووي، والحق: أن هذه الصورة لا ترد هنا؛ لأن المبيع هو نفس الفقاع، وليس كوزه داخلاً في البيع، وإنما يستثنى من اشتراط الرؤية كما قدمته، وَلِمَا ذكرناه من النقض لم يقيد "الحاوي" الصوان بكونه خِلقةً، وكذا لم يذكر هذا القيد في "الروضة" وأصلها (¬5). 1725 - قول "المنهاج" [ص 212]: (ويصح سَلَمُ الأعمى) أي: بشرط كون رأس المال موصوفاً في الذمة، ثم يحضر في المجلس، فإن كان معيناً .. لم يصح، وإذا صح سلمه .. لم يصح قبضه في الأصح، بل يوكل. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 138). (¬2) الخشكنان: هو فطيرة رقيقة يوضع فيها شيء من السكر واللوز وتسوى بالنار، فتكفي رؤية الفطيرة التي هي القشرة عن رؤية ما فيها؛ لأنها صوان له، وهو فارسي بمعنى: الخبز اليابس. انظر "حواشي الشرواني" (4/ 269)، و"المعجم الوسيط" (1/ 236). (¬3) المجموع (9/ 277). (¬4) الفقاع: شراب يتخذ من الشعير، سُمِّيَ به لما يعلوه من الزبد. انظر "لسان العرب" (8/ 256). (¬5) الحاوي (ص 264)، الروضة (3/ 371).

باب الربا

بابُ الرِّبا 1726 - قول "التنبيه" [ص 90]: (فمتى باع شيئاً من ذلك بجنسه .. حرم فيه التفاضل والنَّساء والتفرق قبل التقابض) فيه أمور: أحدها: أنه لا يلزم من تحريم هذه الأمور عدم صحة العقد عند وجود أحدها، وذلك مفهوم من تعبير "المنهاج" بالاشتراط و"الحاوي" بعدم الانعقاد (¬1)، لكن لا يفهم من عبارتهما تحريم تعاطي ما خلا منها؛ ففي كلا التعبيرين نقص، والتعبير الكامل: اشترط كذا وكذا، وحرم تعاطي ما خلا منه. ثانيها: كذا عبر "المنهاج" و"الحاوي" أيضاً بالتقابض (¬2)، ولو عبروا بـ (القبض منهما) .. لكان أحسن؛ لأنه يشترط القبض لا الإقباض، فلو كان العوض معيناً، فاستقل بقبضه .. كفى. ثالثها: يرد عليه وعلى "المنهاج" أيضاً: أن التخاير في معنى التفرق، فلو تخايرا في المجلس قبل التقابض .. بطل العقد، ذكره "الحاوي" (¬3) وصححه في "الروضة" وأصلها هنا (¬4)، لكنهما قالا فيما ينقطع به الخيار: لو تقابضا في الصرف، ثم أجازا في المجلس .. لزم العقد، فإن أجازاه قبل التقابض .. فوجهان: أحدهما: تلغوا الإجازة، فيبقى الخيار. والثاني: يلزم العقد، وعليهما التقابض، وصححه في "شرح المهذب" (¬5)، ولم يتعرضا للمذكور هنا من البطلان. 1727 - قول "المنهاج" [ص 213]: (والطعام ما قُصِدَ للطُّعْمِ اقتياتاً اْو تَفَكُّهاً أو تداوياً) فيه أمور: أحدها: قوله: (قُصد للطعم) أي: للآدميين، لا للجن والبهائم. ثانيها: لو حذف قوله: (للطعم) .. لجاز. ثالثها: عبارة "الروضة": (ما يُعد للطعم غالباً تقوتاً أو تأدماً أو تفكهاً أو غيرها) (¬6)، فأسقط "المنهاج" التقييد بالغلبة والتأدم، وسيأتي في (الأيمان) أن الطعام يتناول القوت والفاكهة والأدم ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 264)، المنهاج (ص 213). (¬2) الحاوي (ص 264)، المنهاج (ص 213). (¬3) الحاوي (ص 264). (¬4) فتح العزيز (4/ 78)، الروضة (3/ 379). (¬5) انظر "فتح العزيز" (4/ 175)، و"الروضة" (3/ 437)، و"المجموع" (9/ 170). (¬6) الروضة (3/ 377).

والحلوى، ولم يذكروا التداوي؛ لأن العرف لا يقتضيه، فمأخذ البابين مختلف. رابعها: أورد على الضابط: الماء؛ فإنه ربوي في الأصح، وقد يدعى دخوله في قوله: (تقوتاً)، وفيه نظر. 1728 - قول "التنبيه" [ص 91]: (وكل شيئين جمعهما اسم خاص؛ كالتمر المعقلي والبرني .. فهما جنس واحد) يستثنى من ذلك: البطيخ الأصفر مع الأخضر - وهو الهندي - فهما جنسان في الأصح، وقد ذكره "التصحيح" (¬1)، وزيت الزيتون مع زيت الفجل، والتمر المعروف مع التمر الهندي أجناس على المذهب، وقد ذكر "الحاوي" الأولين بقوله [ص 266]: (والزيت والبطيخ يخالف زيت الفجل والهندي). 1729 - قول "المنهاج" - والعبارة له - و"الحاوي": (وما جُهِلَ يُرْعَى فيه عادة بلد البيع) (¬2) ثم حكى "المنهاج" بقية الأوجه، ومحلها: إذا لم يكن أكبر جرماً من التمر، فإن كان أكبر .. فالاعتبار فيه بالوزن، لا بِعَادةِ بلد البيع ولا غيرها، حكاه في "الروضة" وأصلها عن المتولي، وجزم به في "الشرح الصغير" وكذا في "الكبير" في آخر الباب، فقال: ثم المعيار في الجوز الوزن؛ لأنه أكبر جرماً من التمر (¬3). ونقل السبكي ضبط محل الوفاق: بما زاد على جرم التمر عن القفال والقاضي حسين أيضاً، قال: وقال الجُوريُّ: محل الخلاف: فيما كاله قوم ووزنه قوم، أما ما اتفقوا فيه على شيء .. فهو أصله؛ كالسكر لم يكن بالمدينة، واتفق الناس على وزنه، وأغرب ابن أبي الدم، فحكى وجهاً عن أبي إسحاق: أن السكر مكيل. انتهى. 1730 - قول "التنبيه" [ص 90]: (فأما الذهب والفضة: فإنه يحرم فيهما الربا بعلة واحدة، وهي أنهما قيم الأشياء)، قال في "شرح المهذب": أنكره القاضي أبو الطيب وغيره على من قاله من أصحابنا؛ لأن الأواني والتبر والحلي يجري فيها الربا، وليس مما يقوم بها، قال: والعبارة الصحيحة عند الأصحاب - وهي التي نقلها الماوردي وغيره عن النص -: كونها جنس الأثمان غالباً. انتهى (¬4). ويرد ذلك على قول "المنهاج" [ص 213]: (والنقد بالنقد كطعامٍ بطعامٍ) لأن النقد خاص بالمضروب، فيخرج عنه الأواني والتبر والحلي والسبائك، وقد سلم من ذلك "الحاوي" بقوله [ص 264]: (وجوهَرَي الثّمَنِيَّةِ). ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (1/ 291). (¬2) الحاوي (ص 264)، المنهاج (ص 213). (¬3) فتح العزيز (4/ 99)، الروضة (3/ 381). (¬4) المجموع (9/ 380)، وانظر "الحاوي الكبير" (5/ 91).

1731 - قول "المنهاج" [ص 213]: (فلو باع جزافاً تخميناً .. لم يصح)، وقول "الحاوي" [ص 264]: (فيبطل بيع صبرةٍ بصبرةٍ جزافاً) أي: مع اتحاد الجنس؛ فإنَّ بيع صبرة حنطة بصبرة شعير جزافاً صحيح، وقول "المنهاج": (تخميناً) يحتمل أن يدل على البطلان في الجزاف بلا تخمين من طريق الأولى، ويحتمل أنه احترز به عما إذا علما تماثل الصبرتين، ثم تبايعا جزافاً .. فإنه يصح، كما حُكي عن القاضي الحسين، ولا يحتاج في قبضها إلى كيل، وعلى هذا الاحتمال الثاني ترد هذه الصورة على عبارة "الحاوي". 1732 - قول "المنهاج" [ص 213]: (وقد يُعتبر الكمال أولاً) عُدَّ من مشكلاته؛ لعسر الاهتداء للمراد به، والظاهر: أنه أراد به: إدخال عصير الرطب والعنب؛ فإنه يباع بعضه ببعض متماثلاً، ولا يتوقف الحال على الكمال الأخير، وهو صيرورته تمراً وزبيباً، ذكره السبكي وقال: فكأنه قال: يعتبر الكمال ولو أولاً. انتهى. ويدخل في ذلك اللبن أيضاً؛ فإنه كامل في أول أحواله، وهو الحليب، ورجح شيخنا جمال الدين: أنه أشار به للعرايا؛ فإن اعتبار الجفاف في التماثل وإن وجد لكنه لم يوجد آخراً؛ أي: عند الجفاف، وإنما وجد أولاً؛ أي: في حال الرطوبة، فيباع حال رطوبته بمثله إذا جف، فقوله: (وقد يعتبر الكمال) أي: الجفاف. 1733 - قول "المنهاج" [ص 213]: (فلا يباع رُطَبٌ بِرُطَبٍ ولا بتمرٍ) يستثنى منه: العرايا، وقد صرح باستثنائها هنا "التنبيه" فقال [ص 91]: (ولا رطْبِهِ بيابِسِهِ إلا في العرايا) واستثناها "الحاوي" معنى فقال بعد اعتبار الجفاف في الثمار: (والعرايا ... رخصة) (¬1)، وذكرها "المنهاج" في آخر (باب الأصول والثمار) (¬2). 1734 - قول "التنبيه" [ص 91]: (وإن كان مما لا يكال ولا يوزن .. ففيه قولان، أحدهما: لا يجوز بيع بعضه ببعضر، والثاني: يجوز إذا تساويا في الوزن) صحح النووي في "التصحيح": الأول (¬3). وأُورِد على إطلاقه: الجوز والبيض؛ فإن الأصح: الجواز فيهما مع عدم الكيل والوزن. وأجيب عنه: بأن معيارهما الوزن، وفيه نظر؛ لأن المراد: أنهما لا يوزنان عادة، ثم محل القولين: فيما لا يجفف؛ كالقُثَّاء (¬4) ونحوه، فأما ما يجفف؛ كالبطيخ الذي يفلق وحب الرمان ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 265). (¬2) المنهاج (ص 231). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 292). (¬4) القثاء: الخيار. انظر "العين" (5/ 203).

الحامض .. فإنه يباع بعضه ببعض جافاً على الصحيح؛ ولذلك عبر "المنهاج" بقوله [ص 214]: (وما لا جفاف له كالقثَّاء والعنب الذي لا يَتَزَبَّبُ لا يباع أصلاً، وفي قول: تكفي مماثلته رطباً) ففرض القولين فيما لا جفاف له، ومع ذلك ففيه أمور: أحدها: أن المراد: أنه لا يباع بعضه ببعض رطباً، وفي تعبيره بقوله: (لا يباع أصلاً) إيهام. ثانيها: أنه قد يفهم أنه لو جفف على ندور .. لا يباع جافاً، قال السبكي: والأقيس: الصحة. ثالثها: يستثنى من كلامه: الزيتون؛ فإنه لا يجفف، ومع ذلك فيجوز بيع بعضه ببعض، كما جزم به في "الوسيط"، وحكاه الإمام عن صاحب "التقريب"، ووافقوه عليه (¬1). 1735 - قول "المنهاج" [ص 214]: (وفي اللبن: لبناً أو سمناً أو مخيضاً) وقول "الحاوي" [ص 265]: (كاللبن والسمن والمخيض) في جعلهما المخيض قسيماً للبن نظر؛ فإنه قسم منه، وجواز بيع اللبن باللبن وارد على قول "التنبيه" [ص 91]: (ولا رطْبهِ برطْبِهِ). 1736 - قول "التنبيه" [ص 91]: (ولا مطبوخِهِ بمطبوخِهِ) أَحسن منه قول "المنهاج" [ص 214]: (ولا تكفي مماثلة ما أثّرت فيه النار بالطبخ أو القلي أو الشي، ولا يضر تأثير تمييزٍ كالعسل والسمن) وقول "الحاوي" [ص 265]: (ومعروض النار لا للتمييز) وقد دخل في عبارتهم: بيع السكر والفانيذ والقَنْد والدِّبس بمثله (¬2)، والأصح: منعه، لكن صحح في "التصحيح": صحة السلم فيها، وقال: إن نارها لطيفة (¬3). واستشكل الفرق بينهما، إلا أن يفرق بضيق باب الربا. ويجوز بيع الماء المغلي بمثله، صرح به الإمام (¬4). 1737 - قول "الحاوي" [ص 265]: (والجوز واللوز وزناً) فيه أمران: أحدهما: أن هذا إذا كانا جافين. الثاني: ما ذكره في اللوز وجه حكاه صاحب "البحر" (¬5)، والذي جزم به الرافعي: أنه يباع اللوز باللوز كيلاً (¬6). ¬

_ (¬1) الوسيط (3/ 53)، وانظر "نهاية المطلب" (5/ 73). (¬2) الفانيذ: نوع من الحلوى يعمل من القَنْد والنشا، وهي كلمة أعجمية؛ لفقد فاعيل من الكلام العربي؛ ولهذا لم يذكرها أهل اللغة. انظر "المصباح المنير" (2/ 481). القَنْد: ما يعمل منه السكر، فالسكر من القند كالسمن من الزبد. انظر "المصباح المنير" (2/ 517). الدِّبس - بالكسر -: عصارة الرطب. انظر "المصباح المنير" (1/ 189). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 307). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (5/ 82). (¬5) بحر المذهب (6/ 103). (¬6) انظر "فتح العزيز" (4/ 99).

1738 - قول "المنهاج" [ص 214]: (وإذا جَمَعَتِ الصفقة ربوياً من الجانبين ... إلى آخره) فيه أمور: أحدها: أنه يخرج ما إذا تعددت الصفقة؛ وذلك يكون بتفصيل الثمن؛ بأن جعل الدرهم مقابلاً بالدرهم والمدّ بالمدّ؛ فهنا يصح، ويكون بتعدد البائع أو المشتري، وفي هاتين لا يصح أيضاً، فيرد على مفهوم عبارته وعبارة "الحاوي" (¬1)، ولا يرد ذلك على "التنبيه" فإنه قال [ص 92]: (وما حرم فيه الربا لا يباع الجنس الواحد بعضه ببعض ... إلى آخره)، فتناول تعدد العاقد واتحاده، كذا أورد، وهو ضعيف؛ لأنه متى كان البائع للدرهم كير البائع لمد العجوة .. فلا شك في صحته وإن كان البائعان باعا مجموع الأمرين، فلم تخرج الصفقة الواحدة عن اشمالتها على ربوي من الجانبين ومع أحدهما جنس آخر. ثانيها: قوله: (ربوياً من الجانبين) لا بد من تقييد الربوي من الجانبين بكونه جنسا واحداً، فيقول: (جنساً ربوياً)، وإلا .. ورد عليه بيع ذهب وفضة بحنطة فقط، أو بشعير فقط، أو بهما وما أشبه ذلك؛ فإنه يجوز مع دخوله فيما ضبط به المنع؛ ولذلك عبر "المحرر" بقوله: (وإذا اشتملت الصفقة على جنس واحد من أموال الربا من الجانبين) (¬2) و"التنبيه" بقوله [ص 92]: (لا يباع الجنس الواحد بعضه ببعض) و"الحاوي" بقوله [ص 266]: (وإن جمع عقد جنساً ربوياً في طرفيه). ثالثها: قوله: (واختلف الجنس) ليس المراد: الجنس الربوي المعتبر وجوده من الجانبين؛ فإن ذاك متحد كما تقدم، وإنما المراد: اختلف جنس المبيع؛ بأن يكون مع الربوي جنس آخر كما يظهر ذلك من مثاله، ولو عبر بقوله: (واختلف المبيع جنساً) .. لاستقام، وأوضح من ذلك قول "التنبيه" [ص 92]: (ومع أحد العوضين جنس آخر)، وقول "الحاوي" [ص 266]: (واختلاف الجنس)، لكن تقييد "التنبيه" الجنس الآخر بقوله [ص 92]: (يخالفه في القيمة) يفهم أنه لو باع مد عجوة ودرهماً بمدّي عجوة، وقيمة المد درهم .. صح، قال في "الكفاية": ولم أعثر على ما يوافقه، والمنقول في الرافعي وغيره: المنع؛ فإن التقويم تخمين، والجهل بالمماثلة كحقيقية المفاضلة. نعم؛ إن عُلم اتحاد القيمة بأن كان المدان من نخلة والدرهمان من ضرب واحد .. ففيه وجه مشهور، وفي حمل كلام الشيخ عليه بعد. انتهى (¬3). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 266). (¬2) المحرر (ص 139). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 85، 86).

وقال ابن الصلاح في "فتاويه": هو وصف لازم لاختلاف الجنس؛ لأن اختلاف الجنس مظنة اختلاف القيمة، فمهما وجد اختلاف الجنس .. مَنَعْنَا وإن قضى المقومون باتفاق القيمة؛ لأن التقويم أمر مظنون (¬1). رابعها: قوله: (منهما) وكذا من أحدهما، وعليه يدل تمثيله بمد ودرهم بمدين أو درهمين. خامسها: لا فرق في الجنس الآخر بين أن يكون ربوياً أم لا، وهو مقتضى إطلاق "التنبيه" و"المنهاج"، لكن لو مثَّلا بدرهم وثوب بدرهم وثوب أو درهمين .. لكان أولى؛ لأن تمثيلهما قد يفهم أنه يعتبر في الجنس الآخر كونه ربوياً. سادسها: يشترط كون الجنس الآخر مقصوداً؛ فإن الأصح: الصحة فيما إذا باع داراً فيها بئر ماء عذب بمثلها، وقلنا: إن الماء ربوي؛ لأنه تابع، وكذلك لو باع داراً بذهب، فظهر فيها معدن ذهب، بخلاف بيع دار مُوّهت بذهب تمويهاً يحصل منه شيء بذهب .. فإنه لا يصح، وقد صرح بذلك "الحاوي" (¬2)، وهذا وارد على "التنبيه" أيضاً؛ فإنه لم يذكره، ويحتمل أنه احترز عنه بقوله: (يخالفه في القيمة) (¬3) فإنه إذا كان تابعاً لغيره .. فهو غير متقوم ولا منظور إليه، وما ذكرناه في بيع دار بذهب فظهر فيها معدن ذهب هو الذي صححه الرافعي والنووي هنا (¬4)، لكنهما قالا فيما يدخل تحت لفظ الدار من الألفاظ المطلقة: لا يجوز من جهة الربا (¬5). قال البارزي: ويمكن أن يقال: الأول: إذا لم يعلم أن فيها معدناً، والثاني: إذا علم. وقال في "المهمات": ليس بين الصورتين فرق إلا أن الأولى: فرضها عند عدم العلم، ولا أثر للجهل بالمفسد في باب الربا مطلقاً. سابعها: قوله: (أو النَّوع؛ كصحاحٍ ومُكَسَّرَةٍ) (¬6) لو مثَّل: بـ (المعقلي والبرني) .. لكان أحسن؛ فإن الصحة والتكسير اختلاف صفة لا اختلاف نوع، وإن كان اختلاف الصفة مضراً .. فيحمل النوع في عبارته على ما ليس بجنس؛ ليشمل اختلاف الصفة، فيصح التمثيل؛ ولذلك مثل "التنبيه" للنوع بمثالين القاساني والنيسابوري والصحيح والقراضة. ثامنها: يشترط كون قيمة المكسر أقل من الصحيح، وإلا .. لم يضر، وهذا يرد على "التنبيه" أيضاً. ¬

_ (¬1) فتاوى ابن الصلاح (1/ 276). (¬2) الحاوي (ص 266). (¬3) التنبيه (ص 92). (¬4) انظر "فتح العزيز" (4/ 88)، و"الروضة" (3/ 386). (¬5) انظر "فتح العزيز" (4/ 336)، و"الروضة" (3/ 545). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 214).

تاسعها: يشترط تميز أحد النوعين عن الآخر، فلو باع صاعاً من رديء وجيد مخلوطين بمثله أو جيد أو رديء .. جاز؛ لأن التوزيع عند التمييز، وهذا وارد على "التنبيه" أيضاً، وقد ذكر ذلك "الحاوي" بقوله [ص 266]: (مع تمييز أحد النوعين عن الآخر). عاشرها: ذكر صاحب "التتمة" أنه إذا باع مداً ودرهماً بمدين .. بطل في المد المضموم إلى الدرهم وفيما يقابله من المدين، وفي الباقي قولا تفريق الصفقة؛ ولذلك في جميع صوره قال الرافعي: ويمكن تنزيل إطلاقهم عليه (¬1). قال السبكي: وفيه نظر؛ لأن التقسيط لو اعتبر هنا .. لصح فيما إذا اتفقت القيمة؛ أي: فيما إذا كان المدان من نخلة واحدة والدرهمان من ضرب واحد، والرافعي موافق للجمهور على المنع منه. انتهى. وقال في "المطلب": وجه عدم تخريج هذه القاعدة على تفريق الصفقة: أن التفريق إنما يكون عند فوات شرط بعض المعقود عليه، وهنا الفساد للهيئة الاجتماعية كالعقد على خمس نسوة؛ فإنه يبطل في الكل. انتهى. وما ذكره المتولي تبعه عليه الروياني في "البحر" (¬2)، قال السبكي: والعبارة المحررة: أن تجمع الصفقة جنساً ربوياً من الجانبين، ويختلف العوضان، أو أحدهما جنساً أو نوعاً أو صفة، وإن شئت قلت: أن يبيع ربويًّا بجنسه ومع أحدهما غيره، سواء أكانت المغايرة في الجنس أم النوع أم الصفة، وسواء أكان المضموم ربوياً أم غيره. انتهى. ويرد على ما ذكره: أنه لا بد من تقييده بكونه مقصوداً، ولا بد من التقييد عند اختلاف الصفة باختلاف القيمة كما تقدم. ومن الفروع الغريبة الداخلة في هذه القاعدة: لو كان لبنته مئة درهم، فقال لغيره: زوجتك بنتي وملكتك هذه المئة بهاتين المئتين لك .. فالبيع والصداق باطلان، كما نقله الرافعي في الباب الثاني من أبواب الصداق عن نصه في "الأم" (¬3). 1739 - قول "التنبيه" [ص 92]: (ولا يباع نوعان مختلفا القيمة من جنس بنوع واحد منه متفق القيمة) في قوله: (مختلفا القيمة) ما تقدم في قوله: (يخالفه في القيمة) (¬4)، وتقييده النوع الآخر بكونه متفق القيمة ليس شرطاً، بل ذكره لدفع توهم اشتراط اختلافهما كالنوعين، وقال ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (4/ 86). (¬2) بحر المذهب (6/ 111). (¬3) الأم (5/ 67)، وانظر "فتح العزيز" (8/ 259). (¬4) التنبيه (ص 92).

النووي في "نكته": اتفاق القيمة زيادة لا فائدة فيها. 1740 - قول "التنبيه" [ص 92]: (وفي بيعه بحيوان كير مأكول قولان) أظهرهما: المنع، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬1). 1741 - قول "التنبيه" [ص 92]: (ولا يجوز بيع اللبن بشاة في ضرعها لبن) أطلق اللبن، والمراد: لبن شاة أما إذا كان لبن إبل أو بقر، وقلنا: الألبان أجناس وهو الأظهر .. ففيه قولا الجمع بين مختلفي الحكم، والأصح: الجواز. ونظير المسألة: بيع بيض بدجاجة فيها بيض، كذا في "الروضة" وأصلها (¬2)، وحكى الماوردي فيها قولين مبنيين على أن الحمل هل يأخذ قسطاً من الثمن أم لا؟ فيبطل على الأول دون الثاني، والفرق بينه وبين بيع لبن بشاة في ضرعها لبن حيث جزموا هناك بالبطلان: قُدْرَةُ صاحب اللبن علي أخذه، فهو كالموجود، فيقابل بقسط من الثمن قطعا، بخلاف البيض؛ فإنه كالحمل؛ لأنه لا يقدر على أخذ كل منهما، والله أعلم (¬3). 1742 - قوله: (وإن اصطرف رجلان وتقابضا، ووجد أحدهما بما قبض عيباً؛ فإن وقع العقد على العين ورده .. انفسخ البيع، ولم يجز أخذ البدل) (¬4) كونه لا يجوز أخذ البدل مفهوم من قوله: (انفسخ العقد)، والقصد به: التنبيه على تعين النقد بالتعيين خلافاً لأبي حنيفة (¬5). 1743 - قوله: (وإن كان على عوض في الذمة .. جاز أن يرده، ويطالب بالبدل قبل التفرق، وبعد التفرق قولان، أحدهما: أنه يرده ويأخذ بدله) (¬6) هو الأصح، لكن يشترط: قبض البدل في مجلس الرد، قال في "الكفاية": ومقتضى كلامه: أن له خيار الفسخ وبه صرح القاضي أبو الطيب، لكن ينبغي إذا جُوّز أخذ البدل .. خلافه؛ لبقاء المبيع في الذمة كالمسلم فيه، وبه صرح المتولي وابن التلمساني في "شرحه". ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 266)، المنهاج (ص 214). (¬2) الروضة (3/ 394). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 123: 125). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 91). (¬5) انظر "الحجة" (2/ 581، 582). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 91).

باب البيوع المنهي عنها الباطلة

بابُ البيوع المنهيّ عنها الباطلة 1744 - قول "المنهاج" في عَسبِ الفَحْلِ [ص 215]: (فيحرم ثمن مائه، وكذا أجرته في الأصح) يقتضي أن الخلاف في الإجارة وجهان، وصرح بذلك "التنبيه" في (باب الإجارة) (¬1)، وكذا هو في "الروضة" و" الشرحين" (¬2)، وحكاهما في "المحرر" قولين (¬3)، والأول هو المعتمد. 1745 - قول "التنبيه" في (باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز) [ص 89]: (وبيع حَبَل الحَبَلة في قول الشافعي، وهو أن يبيع بثمن إلى أن تحبل هذه الناقة، وتلد، ويحبل ولدها) اعترض عليه: بأن المنقول عن الشافعي: ويلد ولدها (¬4)، وكلاهما باطل؛ للجهالة، وما ذكره الشيخ هو في "الصحيحين" عن ابن عمر (¬5). 1746 - قوله: (ولا يجوز تعليق البيع على شرط) (¬6) استثني منه: ما إذا قال: إن كان ملكي .. فقد بعتكه؛ فإنه يصح كما في "زوائد العمراني" في (الوكالة). 1747 - قول "المنهاج" [ص 215]: (والملامسة؛ بأن يلمس ثوباً مطوياً ثم يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه، أو يقول: "إذا لمسته .. فقد بعتكه") فسرها الشافعي، وتبعه الرافعي في كتبه والنووي في "الروضة" بأن يلمس ثوباً مطوياً، فيقول صاحبه: بعتكه بشرط قيام لمسك مقام نظرك (¬7)، وفيه مخالفة لما في "المنهاج"، وجزم "التنبيه" بالتفسير الثاني، فقال [ص 89]: (وهو أن يقول: "إذا لمسته .. فقد وجب البيع") ومعناه: انعقد، ولا يصح أن يكون المراد: لزم؛ لكونه ذكره مثالاً لتعليق البيع على شرط. 1748 - قول "المنهاج" [ص 215]: (وبيع الحصاة؛ بأن يقول: "بعتك من هذه الأثواب ما تقع هذه الحصاة عليه"، أو يجعلا الرمي بيعاً، أو "بعتك ولك الخيار إلى رميها") فيه أمران: ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 123). (¬2) فتح العزيز (4/ 101)، الروضة (3/ 396). (¬3) المحرر (ص 140). (¬4) انظر "الأم" (3/ 118). (¬5) أخرجه البخاري (2036)، ومسلم (1514) من حديث سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة، وكان بيعاً يتبايعه أهل الجاهلية؛ كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تتتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 89). (¬7) انظر "مختصر المزني" (ص 88)، و"فتح العزيز" (4/ 103)، و"المحرر" (ص 140)، و "الروضة" (3/ 396).

أحدهما: أن قوله ثانياً: (بعتك) معطوف على قوله أولاً: (بعتك)، وفصل بينهما بقوله: (يجعلا)، فلو قدّمه عليه .. لكان أولى، وإذا أخره عنه .. فكان ينبغي أن يزيد فيه لفظة: (يقول) ليصح عطفه على (يجعلا)، وينتظم المعنى. ثانيهما: قوله: (ولك الخيار) مثال، فلو قال: (ولي الخيار) .. كان كذلك، وكذا لو قال: (لزيد الخيار) فيما يظهر. 1749 - قوله: (ولو اشترى زرعاً بشرط أن يحصده البائع، أو ثوباً ويخيطه .. فالأصح: بطلانه) (¬1) فيه أمران: أحدهما: أنه ينبغي على اصطلاحه التعبير بالمذهب؛ فإن المرجح في "الروضة": القطع بالبطلان، وقيل: قولان (¬2)، فاقتصر "المنهاج" على طريقة الخلاف، وهي ضعيفة، وحكاها وجهين، وهي قولان. ثانيهما: عبر "المحرر" بقوله: (بشرط أن يخيطه) (¬3) كما في الزرع، وعبر "المنهاج" في كل منهما بعبارة؛ تنبيهاً على جواز كل منهما في كل منهما، قال في "شرح المهذب": سواء قال: على أن يحصده أم ويحصده، وقال أبو حامد: لا يصح الأول قطعاً، وفي الثاني الخلاف (¬4). 1750 - قول "التنبيه": في المقبوض ببيع اقترن بشرط فاسد [ص 90]: (وإن هلك عنده .. ضمنه بقيمته أكثر ما كانت من حين القبض إلى حين التلف) يقتضي وجوب القيمة وإن كان المبيع مثلياً، وكذا أطلقه الرافعي، وصرح به الماوردي (¬5)، والذي حكاه غيرهم: أن هذا في المتقوم، أما المثلي: ففيه المثل، ويوافقه قول "الحاوي" [ص 268]: (وحيث فسد لو قبض المشتري .. فهو كالمغصوب). 1751 - قول "التنبيه" [ص 90]: (وإن كانت جارية فوطئها .. لزمه المهر وأرش البكارة إن كانت بكراً) المهر اللازم فيما إذا كانت بكراً: مهر بكر كما ذكره الرافعي والنووي هنا (¬6)، وقالا في (الجنايات): مهر ثيب (¬7)، قالا في (الغصب): وهو ما رجحوه (¬8)، وصححا في الرد ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 215، 216). (¬2) الروضة (3/ 398). (¬3) المحرر (ص 140). (¬4) المجموع (9/ 355). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 319)، و"فتح العزيز" (4/ 123). (¬6) انظر "فتح العزيز" (4/ 123)، و"الروضة" (3/ 409). (¬7) انظر "فتح العزيز" (11/ 87)، و"الروضة" (10/ 56). (¬8) انظر "فتح العزيز" (5/ 471)، و"الروضة" (5/ 59).

بالعيب: وجوب مهر بكر فقط، واندراج الأرش فيه (¬1). 1752 - قوله: (فإن أولدها .. فالولد حر) (¬2) محله: إذا جهل المشتري، أو كان العوض مقصوداً، بخلاف الدم والميتة. 1753 - قوله: (وإن وضعته ميتاً .. لم يلزمه قيمته) (¬3) أي: بغير جناية، فإن كان بجناية .. وجبت الغرة على عاقلة الجاني، وعلى المشتري الأقل من قيمته يوم الولادة لو كان حياً، والغرة، ويطالب به المالك من شاء منهما. 1754 - قوله: (وإن شرط ما فيه مصلحة للعاقد؛ كخيار الثلاثة والأجل والرهن والضمين .. لم يفسد العقد) (¬4) فيه أمور: أحدها: أن كلامه يقتضي جواز الاسترسال في اشتراط ما فيه مصلحة للعاقد، وقد صرح الإمام بأنه ممتنع، بل يتبع فيه توقيف الشارع كالخيار وما في معناه (¬5)، فإن هذه الأشياء في المعاملات كالرخص في العبادات. ثانيها: يشترط في كل من الأجل والمرهون والضامن أن يكون معلوماً؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 267]: (ومعلوم أجل ورهن وكفيل)، و"المنهاج" [ص 216]: (والأجل والرهن والكفيل المُعَيَّنَاتِ) ولو قال: (المعينين) تغليباً للعاقل، وهو الكفيل .. لكان أولى، وتعبير "الحاوي" بـ (العلم) أحسن من تعبير "المنهاج" بـ (التعيين) فإنه يكفي في الرهن الوصف بصفات السلم، وحينئذ .. يكون معلوماً وليس معيناً، وقالوا في الكفيل: إن المعتبر المشاهدة أو المعرفة بالاسم والنسب، ولا يكفي الوصف، وفيه احتمال للرافعي، وجعل الاكتفاء بقوله: (موسر ثقة) أولى من مشاهدة من لا يعرفه (¬6). ثالثها: يشترط فيها أيضاً: أن يكون الثمن في الذمة، كما صرح به "المنهاج" (¬7)، واقتصر "الحاوي" على قوله [ص 267]: (بالثمن) ولم يقيده بكونه في الذمة، ولا بد منه، بل لو عكس واقتصر على ذكر الذمة من غير تقييد بالثمن، فقال: (لعوضٍ في الذمة) .. لكان أشمل؛ لتناوله المبيع في الذمة، مثل: اشتريت منك صاع بُرّ في ذمتك صفته كذا، فيصح اشتراط الثلاثة فيه، ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (4/ 123)، و"الروضة" (3/ 409). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 90). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 90). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 90). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (5/ 31). (¬6) انظر "فتح العزيز" (4/ 108). (¬7) المنهاج (ص 216).

وذلك يرد على قول "المنهاج" أيضًا [ص 216]: (الثمن في الذمة). رابعها: أطلق الثلاثة اشتراط الأجل، وقال الروياني: لو أجل الثمن ألف سنة .. بطل العقد؛ للعلم بأنه لا يعيش هذه المدة (¬1)، قال الرافعي: فعلى هذا يشترط في صحة الأجل: احتمال بقائه إليه (¬2). قال النووي: لا يشترط احتمال بقائه إليه، بل ينتقل إلى وارثه، لكن التأجيل بألف سنة وغيرها مما يبعد بقاء الدنيا إليه فاسد (¬3). قلت: إنما ينتقل إلى الوارث مؤجّلاً إذا كان الذي مات هو البائع، أما إذا مات المشتري .. فإنه يحل الدين ويسقط الأجل، فأيّ فائدة في أجل يقطع بسقوطه قبل انتهائه؟ ! خامسها: لو قال: (صح الشرط) .. كان أحسن من قوله: (لم يفسد العقد) فإنه لا يلزم من عدم فساد العقد صحة الشرط. سادسها: لا بد من تقييد الرهن بأن يكون غير المبيع، فلو شرطا رهنه .. لم يصح على المذهب؛ لأنه لم يدخل في ملك المشتري إلا بعد الشرط؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 267]: (ورهن غير المبيع)، ولم يتعرض "المنهاج" أيضاً لذكر ذلك هنا. 1755 - قول "التنبيه" [ص 90]: (وإن شرط العتق في العبد .. لم يفسد العقد) فيه أمور: أحدها: لا يلزم من كون العقد لا يفسد أن يصح الشرط؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 216]: (فالمشهور: صحة البيع والشرط)، وهو مفهوم من قول "التنبيه" [ص 90]: (فإن امتنع من العتق .. أجبر عليه). ثانيها: تناول كلامه ما إذا شرط مع العتق الولاء للبائع، والبيع في هذه الصورة باطل، وقد ذكرها "المنهاج"، إلا أنه عطفها على ما عبر فيه بالأصح (¬4)، فاقتضى أن الخلاف فيها وجهان، وعبر في "الروضة" بقوله: المذهب، وبه قطع الجمهور (¬5)، ولم يتعرض لها "الحاوي"، فهي واردة عليه أيضاً. ثالثها: وتناول كلامه أيضاً ما إذا شرط إعتاقه بعد شهر مثلاً، والأصح فيها: البطلان، وقد ذكرها "المنهاج" و"الحاوي" (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "بحر المذهب" (6/ 147). (¬2) انظر "فتح العزيز" (4/ 107). (¬3) انظر "الروضة" (3/ 399). (¬4) المنهاج (ص 216). (¬5) الروضة (3/ 403). (¬6) الحاوي (ص 267)، المنهاج (ص 216).

فائدة [بيع الرقيق بشرط العتق]

رابعها: يستثنى من كلام الثلاثة: ما إذا شرط إعتاقه عن البائع .. فالعقد باطل، كما صرح به في "شرح المهذب" و"المطلب" (¬1)، وما إذا اشترى أباه بشرط إعتاقه .. فإنه يبطل قطعاً؛ لتعذر الوفاء به؛ فإنه يعتق قبل إعتاقه، قاله القاضي حسين، وللنووي فيه احتمال (¬2). خامسها: قد تتناول عبارتهم ما لو باع عبداً بشرط أن يبيعه بشرط الإعتاق، أو بشرط أن يعلق عتقه بصفة، والأصح في الصورتين: البطلان. سادسها: ظاهر كلام "التنبيه" و"المنهاج": أنه لا بد من شرط عتق جميع العبد، فلو باع بعض عبد بشرط إعتاقه .. لم يصح، وحكي ذلك عن صاحب "المعين" اليمني، لكن مقتضى قول "الحاوي" [ص 267]: (وعتق المبيع) يقتضي الصحة في هذه الصورة. سابعها: قوله: (فإن امتنع من العتق .. أجبر عليه) (¬3) ظاهره: أنه يحبس لأجله إن امتنع، وهو احتمال للإمام، وله احتمال آخر: أنه كالمولي، فيعتقه القاضي في قولٍ كما يُطَلِّق (¬4)، وهو المذكور في "تعليق القاضي الحسين" و"التتمة". فَائِدَةٌ [بيع الرقيق بشرط العتق] قال شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه": بيع الرقيق بشرط العتق إنما استفيد من حديث بريرة (¬5)، وقد كانت مكاتبة، فعلى هذا .. يجوز بيع المكاتب بشرط العتق، رضي بالبيع أم لم يرض، أما إذا رضي .. فقد نص عليه الشافعي في "اختلاف الحديث" وغيره (¬6)، وأمّا إذا لم يرض .. فلأنه عليه الصلاة والسلام أجاز لعائشة شراء بريرة، ولم يعتبر رضاها، ولم يجيء في الحديث بيع غير المكاتب بشرط العتق، ومحل الحديث لا يخرج، وهو قريب من العموم الوارد على سبب؛ فإن السبب لا يُخرج كما في "الولد للفراش"؛ فإن السبب كان في أمه. انتهى. 1756 - قول "المنهاج" [ص 216]: (ولو شرط مقتضى العقد كالقبض والرد بالعيب .. صح) ¬

_ (¬1) المجموع (9/ 348). (¬2) انظر "المجموع" (9/ 348). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 90). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (5/ 379). (¬5) عن الأسود أن عائشة رضي الله عنها اشترت بريرة لتعتقها واشترط أهلها ولاءها، فقالت: (يا رسول الله إني اشتريت بريرة لأعتقها وإن أهلها يشترطون ولاءها)، فقال: "أعتقيها؛ فإنما الولاء لمن أعتق"، أو قال: "أعطي الثمن" , قال: فاشترتها فأعتقتها، قال: وخيرت فاختارت نفسها، وقالت: (لو أعطيت كذا وكذا ما كنت معه) أخرجه البخاري (6373)، ومسلم (1504). (¬6) اختلاف الحديث (ص 520).

أي: العقد؛ ولذلك اقتصر "التنبيه" على قوله [ص 90]: (لم يفسد العقد)، وهو مفهوم قول "الحاوي" عطفاً على البطلان [ص 267]: (أو بشرط فيه غرض لا يوجبهُ). وأما الشرط: ففي كلام أبي الطيب والمحاملي ما يقتضي صحته أيضاً، ويكون مُؤكداً لمقتضى العقد، وقد يفهم ذلك من تعبير "المنهاج"، وقال الرافعي وغيره: إنه لا يضر ولا ينفع (¬1)، وقال الإمام: الشرط هو ما اقتضى زيادة على مقتضى العقد (¬2)، قال السبكي: وهو بحث لفظي. 1757 - قول "التنبيه" [ص 90]: (وإن شرط ما سوى ذلك مما ينافي موجب العقد، وليس فيه مصلحة للعاقد .. لم يصح العقد) أورد عليه: ما إذا شرط ما لا غرض فيه؛ كشرط ألاَّ يأكل إلا الهريسة، أو لا يلبس إلا الحرير؛ فإنه يلغو ولا يفسد العقد به، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬3)، وحكاه الرافعي عن الإمام والغزالي، ثم قال: لكن في "التتمة": أنه لو شرط ما يقتضي التزام ما ليس بلازم؛ كما لو باع بشرط أنه يصلي النوافل .. فإنه يفسد العقد؛ لأنه أوجب ما ليس بواجب، قال الرافعي: وقضية هذا فساد العقد في مسألة الهريسة والحرير. انتهى (¬4). ونص في "الأم" على البطلان فقال: (فإذا باع الرجلُ الرجلَ العبد على ألاَّ يبيعه من فلان، أو على أن يبيعه من فلانٍ، أو على ألاَّ يستخدمه، أو على أن يُنفق عليه كذا وكذا، أو على أن يخارجه .. فالبيع كله فيه فاسد)، حكاه في "المهمات" وغيرها (¬5). واختار ابن الصلاح وابن الرفعة في قوله: (لا يأكل) أن يُقرأ بالتاء - ثالثة الحروف - خطاباً للمشتري؛ فإنه حينئذ لا غرض فيه ألبتة، وأما إذا قرئ بالياء - آخر الحروف - .. فقد ينازع في عدم الغرض، ويتخيل فيه الإفساد؛ لأنه ينفع العبد، فأشبه شرط إعتاقه (¬6). 1758 - قوله: (وان باع جارية وشرط حملها .. ففيه قولان) (¬7) فيه أمران: أحدهما: الأصح: الصحة، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬8). ثانيهما: ذكر الجارية مثال، فكل حيوان كذلك، وعبر "المنهاج" بالدابة (¬9)، وهو مثال ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (4/ 115). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (5/ 376). (¬3) الحاوي (ص 267)، المنهاج (ص 216). (¬4) فتح العزيز (4/ 115)، وانظر "نهاية المطلب" (5/ 376)، و" الوجيز" (1/ 295). (¬5) الأم (7/ 101). (¬6) انظر "مشكل الوسيط" (3/ 74)، وفي حاشية (أ): (قال الإسنوي): وما قالاه بعيد عن السياق، لكنه صحيح نقلاً كما بينته. انتهى، أراد بالنقل: النص الذي أورده دالاً على البطلان). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 90). (¬8) الحاوي (ص 268)، المنهاج (ص 216). (¬9) المنهاج (ص 216).

أيضاً، وقد اندرجت جميع الصور في قوله أولاً: (ولو شرط وصفاً يُقْصَد) (¬1)، وعبارة "الحاوي" [ص 268]: (ووصف مقصودٍ كالحامل)، وهي حسنة؛ لعمومها قاعدة ومثالاً. 1759 - قول "المنهاج" [ص 216]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 268]: (ولو قال: "بعتكها وحملها" .. بطل في الأصح) كذا في "الروضة" بالواو، وقال: لو قال: (بعتك الجبة بحشوها) بالباء .. فقيل: على الخلاف، وقيل: يصح قطعاً، وصحح القطع بالصحة في "شرح المهذب" لأن الحشو داخل في مسمى الجبة، فذكره تأكيد (¬2). وقال السبكي: استقرَّ رأي على الفرق بين الواو والباء، فمع الواو يبطل مثل: وحملها وحشوها وأساسها، ومع الباء يصح مثل: بحملها وحشوها وأساسها، واللغة تقتضيه، وكلام الشافعي والأصحاب لا يخالفه إلا في الأساس؛ فلعل قائله لم يحرر العبارة. وقال شيخنا الإمام جمال الدين: الصحة في مع والباء أظهر منها في الواو؛ لأنهما للحال؛ أي: كائنة بحملها، أو مع حملها، فهو وصف محض، بخلاف الواو؛ فإنها ظاهرة في التغاير. 1760 - قولهم: (لا يصح بيع الحامل بِحُرٍّ) (¬3) استشكل مع تصحيح جواز بيع الدار المستأجرة؛ لأنه يدل على أن المستثنى شرعاً ليس كالمستثنى شرطاً، بل هو كالمعدوم. 1761 - قول "المنهاج" [ص 216]: (ولو باع حاملاً مطلقاً .. دخل الحمل في البيع) محله: إذا كان مملوكاً لمالك الأم، وإلا .. بطل البيع، ومحله أيضاً: إذا بيعت باختيار المالك، فلو بيعت في حق المرتهن بغير اختياره .. ففي دخوله قولان. 1762 - قول "التنبيه" [ص 89، 90]: (ولو باع شاة إلا يدها .. بطل)، قال في "الكفاية": هذا إذا كانت حية، فإن كانت مُذَكَّاةَ والقطع معلوماً؛ كالأكارع .. جاز. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 216). (¬2) الروضة (3/ 405)، المجموع (9/ 306). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 90)، و"الحاوي" (ص 268)، و"المنهاج" (ص 216).

باب بيع الحاضر للبادي وتلقي الركبان, والبيع على البيع والنجش وغيرها

بابُ بيع الحاضر للبادي وتلقّي الرّكبان, والبيع على البيع والنّجش وغيرها 1763 - قول "المنهاج" [ص 216]: (ومن المنهِيِّ عنه ما لا يبطل) قال السبكي: ضُبط بضم الياء، فتكون الطاء مفتوحة، والضمير في (رجوعه) للنهي المفهوم من المنهي، وأما كسرها: فإنما يصح أن لو قال: من المناهي، فيكون أحسن؛ ليندرج فيه ما لا يوصف ببطلان ولا بعدمه؛ كتلقي الركبان ونحوه، ولو قرئ بضمها مع فتح الياء .. لصح، والضمير بحاله. انتهى. 1764 - قوله: (كبيع حاضرٍ لبادٍ؛ بأن يَقْدَمَ غريبٌ بمتاعٍ تعم الحاجة إليه ليبيعه بسعر يومه فيقول بلديٌّ: "اتركه عندي لأبيعه على التدريج بأغلى") (¬1) فيه أمران: أحدهما: قوله: (غريب) مثال جرى فيه على الغالب؛ ولهذا عبر "التنبيه" بقوله [ص 96]: (رجل). ثانيهما: قوله: (تعم الحاجة إليه) اقتصر في "التنبيه" على قوله [ص 96]: (يحتاج إليها)، وعموم الحاجة قدر زائد على مطلق الحاجة، وحكى في "المطلب" في ذلك وجهين، وقال: إن ظاهر النص أنه لا فرق بين أن تعم الحاجة أم لا. وقال السبكي: لم يتعرض لعمومها إلا القاضي حسين والبغوي والرافعي، ويحتاج إلى دليل، والذي ذكره غيرهم: احتياج الناس إليه (¬2). وعبر "الحاوي" بقوله [ص 268، 269]: (والتربص بسلعة البادي لرفع الثمن) فلم يعتبر الحاجة إلى تلك السلعة، ولا شك في اعتباره، فلو كان عدم الاحتياج إليها لقلتها وكبر البلد، أو لوجودها ورخصها، أو لعدم الاحتياج إليها في الحال .. ففي التحريم وجهان، أوفقهما للحديث: التحريم، وعبارة "الحاوي" تتناول تربص البادي نفسه؛ فإنه لم يقيد التربص بكونه من الحاضر، ولا شك في جواز الأول، بل لو قصد البادي التربص به، فسأله الحاضر تفويضه إليه .. جاز، إلا على احتمال لابن خيران، ولو ابتدأه البدوي بذلك .. فلا تحريم، ولو استرشده .. فهل يرشده إلى الادخار؟ فيه خلاف. 1765 - قول "التنبيه" [ص 96]: (وَيَحْرُم تَلَقي الركبان؛ وهو أن يتلقى القافلة ويخبرهم بكساد ما معهم ليغبنهم) فيه أمور: أحدها: مقتضى كلامه وكلام "المنهاج" (¬3): أنه لوخرج لشغل آخر من اصطياد وغيره، ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 216، 217). (¬2) انظر "التهذيب" (3/ 541)، و"فتح العزيز" (4/ 128). (¬3) المنهاج (ص 217).

فاشترى منهم .. لم يحرم، والأصح: خلافه. ثانيها: تعبيره بالقافلة وتعبير "المنهاج": بـ (طائفة) (¬1) مثال؛ فالواحد كذلك؛ ولهذا عبر "الحاوي" بقوله [ص 269]: (وشراء متاع غريبٍ) فلم يعتبر التلقي ولا الجمع. ثالثها: إخبارهم بكساد ما معهم ليس شرطاً؛ ولذلك لم يذكره "المنهاج" و"الحاوي". رابعها: ظاهر تعبيره بالتلقي أنه لا بد من الخروج عن البلد، وعليه يدل قول "المنهاج" [ص 217]: (قبل قدومهم) ولذا قال الأصحاب: إنما يثبت الخيار إذا كان التلقي خارج البلد، فلو تلقاهم في البلد قبل دخولهم السوق .. فلا خيار. قال السبكي: ولم يتعرضوا للتحريم ولا لعدمه، لكن جماعة من أهل الفقه والحديث - منهم ابن المنذر - قالوا: (لا يجوز التلقي خارج السوق، ولا بأس به في أول السوق) انتهى (¬2). واقتصر "الحاوي" على قوله [ص 269]: (وشراء متاع غريبٍ لم يعرف السعر) ومقتضاه: ثبوت التحريم والخيار ولو كان بعد دخول السوق؛ متى كان صاحب المتاع غريباً لم يعرف السعر، قال السبكي: فإن كان ظاهره مراداً .. فيحتاج إلى سلف له فيه. خامسها: لم يصرح "التنبيه" بالمقصود - وهو الشراء - مع ذلك؛ لفهمه من السياق، والمراد: ليغبنهم فيما اشتراه منهم. 1766 - قوله: (فإن قدموا، وبان لهم الغبن .. كان لهم الخيار) (¬3) مقتضاه: أنه لا يثبت الخيار إذا تبين لهم الغبن من غير قدومهم، والظاهر: خلافه؛ ولذلك اقتصر "المنهاج" و"الحاوي" على معرفة الغبن (¬4)، وعبارتهم شاملة لما إذا لم يعرفوا الغبن حتى رخص السعر، وصار كما أخبرهم به، وفيه وجهان حكاهما الماوردي منشؤهما اعتبار الابتداء والانتهاء (¬5). 1767 - قوله: (وإن لم يغبنهم .. فقد قيل: يثبت لهم الخيار، وقيل: لا يثبت) (¬6) الثاني هو الأصح، وهو مفهوم "المنهاج" و"الحاوي" (¬7). 1768 - قول "التنبيه" [ص 96]: (ويحرم أن يدخل على سوم أخيه، ويحرم أن يبيع على بيع أخيه) تبرك بلفظ الحديث في التعبير بالأخ، لكن المشهور: أن الذمي كالمسلم في السوم، وفي ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 217). (¬2) انظر "الإشراف على مذاهب العلماء" (6/ 39). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 96). (¬4) الحاوي (ص 269)، المنهاج (ص 217). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 349). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 96). (¬7) الحاوي (ص 269)، المنهاج (ص 217).

معناه: البيع والشراء؛ ولذلك عبر "المنهاج" بقوله [ص 217]: (غيره) ويوافقه قول "التنبيه" في تفسير البيع: (وهو أن يقول لمن اشترى) (¬1) وفي تفسير السوم: (وهو أن يجيء إلى رجل أنعم لغيره في سلعة) (¬2)، فجمع بين التبرّك بلفظ الخبر، والتنبيه على أن حكم غير المسلم كحكمه، فعد ذلك من محاسنه. 1769 - قوله: (وهو أن يجيء إلى رجل أنعم لغيره في سلعة بثمن، فيزيده ليبيع منه) (¬3) في معناه: أن يقول للمستام: أبيعك مثله بأقل أو أجود منه بمثل الثمن، ولا يخفى أن ذكر الرجل مثال. 1770 - قوله في تفسير البيع على البيع: (وهو أن يقول لمن اشتري شيئاً بشرط الخيار: افسخ البيع؛ فإني أبيعك مثله بأقل من هذا الثمن) (¬4) فيه أمور: أحدها: لو قال: (في الخيار) .. لكان أحسن؛ ليتناول خيار المجلس؛ ولذلك عبر "المنهاج" بقوله [ص 217]: (قبل لزومه) لكن لو اطلع بعد اللزوم على عيب، ولم يكن التأخير مضراً؛ بأن كان في ليل .. فقال شيخنا الإمام جمال الدين: المتجه: التحريم وإن كان بعد اللزوم. انتهى. والظاهر: أن "المنهاج" إنما أراد: حالة جوازه سواء كانت مسبوقة بلزوم أم لا، ولم يتعرض "الحاوي" لذكر ذلك، وكأنه لوضوح أنه إنما يحصل به الضرر في حالة جواز العقد دون لزومه. ثانيها: في معنى ما ذكره قوله: (أبيعك أجود منه بمثل الثمن)، أو يقول للبائع: (افسخ لأشتريه منك بأزيد)، وعبارة "المنهاج" كـ"التنبيه" إلا أنه لم يقل: (بأقل من هذا الثمن). ثالثها: عبر "المنهاج" و"التنبيه" بصيغة الأمر، قال السبكي: وليس الأمر شرطاً، والذي قاله الأكثرون: أن يعرض عليه سلعة مثلها بأرخص أو أجود منها بمثل الثمن، بل نص في "اختلاف الحديث" على أنه نُهي أن يبيعه في المجلس سلعة مثلها؛ خشية أن يرد الأولى (¬5)، وقال الماوردي: يحرم أن يطلب السلعة من المشتري بزيادة بحضور البائع (¬6). رابعها: أطلق الثلاثة المسألة، وشرط ابن كج: ألاَّ يكون المشتري مغبوناً غبناً مفرطاً، فإن كان .. جاز تعريفه وبيعه نصحاً له، قال النووي: وهو منفرد به؛ فالمختار: خلافه؛ لإطلاق الحديث (¬7). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 96). (¬2) التنبيه (ص 96). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 96). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 96). (¬5) اختلاف الحديث (ص 517). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 344). (¬7) انظر "الروضة" (3/ 414).

تنبيه [الجهل بتحريم النجش لا يسقط الإثم]

خامسها: قد ظهر بتفسيرهم البيع على البيع والشراء على الشراء: أن ذلك ليس بيعا ولا شراءً، وإنما هو تسبب إليهما، فيحرم لذلك، أو لكونه إفساداً للعقد الأول، قال شيخنا الإمام شهاب الدين بن النقيب: وهل شرط التحريم تحقيق ما وعد به من البيع والشراء؟ يظهر اشتراطه على التعليل الأول دون الثاني (¬1). سادسها: قال السبكي: يشترط أن يكون قاصداً أن يبيعه عند أمره بالفسخ، فلو أمره، وليس مقصوده أن يبيعه شيئاً .. فهو كالناجش. سابعها: يستثنى من كلامهم: ما إذا أذن له البائع الأول؛ فإنه يرتفع التحريم في الأصح. 1771 - قول "المنهاج" [ص 217]: (والنجش؛ بأن يزيد في الثمن لا لرغبةٍ بل ليخدع غيره) انتفاء الرغبة وخداع غيره متلازمان، فالجمع بينهما تأكيد؛ ولذلك اقتصر "الحاوي" على الأول، و"التنبيه" على الثاني (¬2)، وقيد في "الكفاية" الزيادة في الثمن بقوله: أي: عما تساويه العين، ومقتضاه: أنه لو زاد عند نقص القيمة ولا رغبة له .. جاز، وكلام غيره يخالفه. 1772 - قول "المنهاج" [ص 217]: (والأصح: أنه لا خيار) محلهما: عند مواطأة البائع للناجش، وإلا .. فلا خيار قطعاً. تَنْبيِهٌ [الجهل بتحريم النجش لا يسقط الإثم] قال الرافعي: أطلق الشافعي - أي: في "المختصر" - القول بتحريم النجش، وشرط في البيع على بيع غيره: أن يعلم النهي عنه، وفرقوا؛ بأن النجش خديعة، وتحريمها معلوم من الألفاظ العامة وإن لم يعلم هذا الحديث، بخلاف غيره لا يعرف تحريمه إلا من هذا الخبر، قال الرافعي: والبيع على بيع غيره إضرار أيضاً، وتحريم الإضرار معلوم، قال: والوجه تخصيص التعصية بمن عرف التحريم بعموم أو خصوص (¬3). وما بحثه الرافعي قد نص عليه الشافعي في "اختلاف الحديث"، فقال: (من نجش .. فهو عاص بالنجش إن كان عالماً بنهي النبي صلى الله عليه وسلم) (¬4)، وصرح باشتراط ذلك القاضي أبو الطيب في "تعليقه". ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 49). (¬2) التنبيه (ص 96)، الحاوي (ص 269). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 131، 132)، و"مختصر المزني" (ص 88). (¬4) اختلاف الحديث (ص 517).

قال السبكي: والنزاع إنما هو في العلم بالنهي الخاص، أما العلم بالتحريم .. فلا بد من اشتراطه في الإثم عند الله قطعاً، وأما في الحكم الظاهر للقضاة: فما اشتهر تحريمه .. لا يحتاج فيه إلى الاعتراف بالعلم، بخلاف الخفي. انتهى. 1773 - قول "المنهاج" [ص 217]: (وبيع الرُّطَب والعنب لعاصر الخمر) فيه أمور: أحدها: قال السبكي: لا أستحضر فيه نهياً خاصاً، لكن روى الترمذي: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها ... الحديث) (¬1) وجه الاحتجاج: أن العاصر كالبائع في أن كلاً منهما معين على معصية مظنونة. قلت: ورد في حديث ضعيف رواه ابن حبان في "الضعفاء" عن بريدة مرفوعاً: "من حبس العنب زمن القطاف حتى يبيعه ممن يعلم أنه يتخذه خمراً .. فقد أقدم على النار على بصيرة"، قال الذهبي: إنه موضوع (¬2). ثانيها: كونه منهياً عنه محتمل للتحريم والكراهة؛ لصدقه بكل منهما، لكن ظاهره التحريم، ولا سيما وقد عطفه على أمور كلها محرمة، واقتصر "التنبيه" على الكراهة فقال [ص 90]: (وإن باع العصير ممن يتخذ الخمر .. كره)، ويمكن حمل كلام "التنبيه" على ما إذا توهم ذلك، وكلام "المنهاج" على ما إذا تحققه، وقد صحح في "الروضة" في صورة التحقق: التحريم (¬3)، لكن في "التتمة" و"البحر" حكاية الكراهة عن الأكثرين، وحكي عن النص (¬4)، قال في "المطلب": والمراد بالتحقق هنا: غلبة الظن. ثالثها: جزم الأصحاب بصحة البيع ولو قلنا بالتحريم، قال السبكي: والماخذ يقتضي أن تسليمه إليهم حرام، وذلك يقتضي فساد البيع. رابعها: الرطب والعنب مثالان، فبيع الحنطة والشعير لمن يتخذهما مزراً أو الخبز ونحوه مثل ذلك. خامسها: لليتيم عصير أو سيف وأراد الولي بيعه، وهناك اثنان بذل أحدهما أكثر من صاحبه، لكن يقصد جعله خمراً أو آلة للقتل المحرم .. فهل يبيع منه، أو من باذل الأقل؟ فيه احتمالان للروباني (¬5). ¬

_ (¬1) سنن الترمذي (1295) من حديث سيدنا أنس رضي الله عنه. (¬2) المجروحين (1/ 236) (212)، وانظر "ميزان الاعتدال" (2/ 275). (¬3) الروضة (3/ 416). (¬4) بحر المذهب (6/ 270)، وانظر "الأم" (3/ 74). (¬5) انظر "بحر المذهب" (6/ 155).

1774 - قول "التنبيه" [ص 90]: (أو السلاح ممن يعصي الله به) أي: كره، قد يخالفه قول "المنهاج" [ص 211]: (ولا يصح شراء الحربي سلاحاً) لكن بين الصورتين عموم وخصوص من وجه؛ فإن العاصي به قد يكون حربياً وقد يكون غيره، والحربي قد يعصى به وقد لا، وفي "أصل الروضة": وبيع السلاح للبغاة وقطاع الطريق مكروه، ولكنه يصح (¬1)، وفي "شرح المهذب": إن تحقق فعل الحرام .. فوجهان، أصحهما: التحريم (¬2)، وهو موافق لما تقدم في بيع العنب للعاصر. 1775 - قول "التنبيه" [ص 90]: (أو باع ماله ممن أكثر ماله حرام .. كره) أي: إذا لم يتحقق أن الثمن حرام، والكراهة ثابتة ولو كان الأقل الحرام، وعبارة "أصل الروضة": وتكره مبايعة من اشتملت يده على حلال وحرام سواء كان الحلال أكثر أو بالعكس، فلو بايعه .. صح. انتهى (¬3). ولعله إنما قيد بكون الحرام أكثر؛ ليصرح بمخالفة شيخه أبي حامد؛ فإنه ذهب في هذه الصورة إلى التحريم، وكذا قاله الغزالي في "الإحياء" كما حكاه في "شرح المهذب"، وضعفه، وقال: هذا شاذ مردود، وليس من مذهبنا، وإنما حكاه أصحابنا عن الأبهري المالكي. انتهى (¬4). 1776 - قوله: (وإن فرق بين الجارية وولدها قبل سبع سنين .. بطل البيع) (¬5) إنما ذكر السبع؛ لأنها مظنة التمييز، والضابط: التمييز؛ ولذلك عبر به "المنهاج" و"الحاوي" (¬6)، وعبر عنه شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" بالصواب (¬7)، فاقتضى أن مقابله خطأ، لكن عبارة الرافعي والنووي في "شرح المهذب": إلى سن التمييز، وهو سبع أو ثمان تقريباً (¬8)، ومقتضاه: الضبط بالسن كما في "التنبيه". قال النشائي: والعبارتان - أعني: السن والتمييز - متقاربتان؛ لغلبة تلازمهما. انتهى (¬9). قلت: أما التمييز: فلا بد من اعتباره ولو تأخر عن السبع أو الثمان، والكلام إنما هو في الاكتفاء به إذا تقدم على السبع، وحاصل ذلك أن من عَبّر بالتمييز .. اعتبره خاصة، ومن عبر بالسبع .. اعتبر الأمرين معاً، والله أعلم. ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 416). (¬2) المجموع (9/ 335). (¬3) الروضة (3/ 416). (¬4) إحياء علوم الدين (2/ 126)، المجموع (9/ 327). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 89). (¬6) الحاوي (ص 266)، المنهاج (ص 217). (¬7) تذكرة النبيه (3/ 94). (¬8) فتح العزيز (4/ 133)، المجموع (9/ 342). (¬9) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 84).

وزاد "المنهاج" التصريح بتحريم التفريق، فقال [ص 217]: (ويحرم التفريق بين الأم والولد حتى يُمَيِّز، وفي قولٍ: حتى يبلغ، وإذا فُرِّق ببيعٍ أو هبةٍ .. بطلا في الأظهر)، لكن في عبارته أشياء: أحدها: أن مقتضاها: تحريم التفريق مطلقاً، واختصاص البطلان بما إذا كان ببيع أو هبة، والمنقول: أنه لا يحرم التفريق بالعتق، وكذا بالوصية على المذهب، وقد ذكرهما "الحاوي" (¬1)، وفي الرد بالعيب خلاف، الأصح: منعه، وصحح ابن الرفعة: جوازه، وجوز صاحب "التنبيه" في كتابه المسمى "بالنكت والعيون" في الخلاف: جوازه بالفسخ، حكاه عنه في "الروضة" تبعاً لأصله، وأقره (¬2)، واستبعده السبكي. وفي "المطلب": المشهور: منع التفريق بالتقايل (¬3)، وعن "فتاوى الغزالي": أن التفرقة بالسفر كالتفرقة بالبيع (¬4)، واقتصر "التنبيه" على حكم التفرقة بالبيع، وضم "المنهاج" و"الحاوي" إليه الهبة، وزاد "الحاوي" القسمة، واعترض عليه: بأن منع التفريق بالقسمة مفرع على أنها بيع، فعلى القول بأنها إقرار .. يجوز قولاً واحداً، ذكره ابن داوود، فهي حينئذ داخلة في البيع، فلا حاجة لعطفها عليه، والعذر له: أنها في الصورة، واللفظ غير البيع، وإن كانت بيعاً حكماً. الشيء الثاني: في كلام "المنهاج" إتيانه بضمير التثنية في قوله: (بطلا) مع العطف بـ (أو)، والصواب: الإفراد؛ لأن (أو) لأحد الشيئين، وقد وقع له هذا في مواضع. الثالث: تعبيره بالأظهر يقتضي أن الخلاف قولان، وهو الصواب، لكن في "المحرر" وجهان (¬5). الرابع: محل القولين: بعد سقيه اللبأ (¬6)، قاله أبو الفرج الزاز، زاد الماوردي: ووجود مرضعة (¬7)، وفي عبارتهما معاً أمران: أحدهما: الاقتصار على الأم، والأصح: أن كلًّا من الجدة - أم الأمِّ - والأبِ كالأم عند عدمها، لا مع وجودها، وقد ذكر ذلك "الحاوي" بقوله [ص 266]: (أو بتفريق الأم ثم أمها، أو ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 266). (¬2) الروضة (3/ 415). (¬3) تقايل البيعان: تفاسخا صفقتهما. انظر "لسان العرب" (11/ 579). (¬4) فتاوى الغزالي (ص 52، 53) مسألة (49). (¬5) المحرر (ص 142). (¬6) اللبأ: أول اللبن في النتاج. انظر "مختار الصحاح" (ص 246). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (6/ 53).

الأب والولد)، فلو اجتمع الأب وأم الأم مع فقد الأم .. فعبارة "الحاوي" التي حكيناها تقتضي التسوية بينهما حتى يباع مع أيهما كان، وكذا في "البسيط"، فإن لم يكن أبوان .. ففي الجد والجدة أوجه، ثالثها: يجوز التفريق في الجد دون الجدة، ويظهر تصحيح المنع، وهو الذي أورده المتولي والجرجاني، وأما الجد للأم: فقال المتولي: إنه كأب الأب، وقال الماوردي: كسائر المحارم (¬1)، فيكون المشهور: الجواز، ورُجِّح الأول، وقوى السبكي تحريم التفريق بينه وبين سائر المحارم؛ للأحاديث الواردة فيه، قال: والظاهر: اختصاص ذلك بمن كان ذا رحم محرم، وأما بنو العم: فلا يمتنع التفريق بينهم وفاقاً. ثانيهما: المجنون البالغ كالصغير حتى يفيق، وقد دخل في قول "الحاوي" [ص 266]: (إلى التمييز)، ويشكل على دخوله في قول "المنهاج" [ص 217]: (حتى يميز) تعقيبه ذلك بقوله: (وفي قول: حتى يبلغ) (¬2)، فدل على أن المراد: التمييز المتقدم على البلوغ. ويرد على عبارتهم جميعاً: أن بيع بعض أحدهما فقط، أو بيع أحدهما مع بعض الآخر كالكل، وسكوتهم عن هذه الصورة لندورها، وخرج بتعبير"التنبيه" بـ (الجارية)، وتعبير "المنهاج" و"الحاوي" بـ (التمييز) غير الآدمي؛ فيجوز فيه التفريق بعد استغنائه عن اللبن، لكن مع الكراهة، وفيه وجه بالتحريم، قال النووي: ويجوز بذبح أحدهما بلا خلاف (¬3)، ووافقه السبكى في ذبح الولد، وقال: أما ذبحها مع بقائه: فيظهر أنه كغير الذبح. 1777 - قول "التنبيه" [ص 89]: (وفيما بعد ذلك إلى البلوغ قولان) الأصح: عدم البطلان، وهو مفهوم "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، واستثنى صاحب "الاستقصاء" من التفريق: ما إذا أسلم الأب المملوك وطلقت الأم وبينهما صغير، والمالك كافر .. فإنه يؤمر بإزالة الملك في الوالد والولد، ويجوز التفريق، قال الشيخ نجم الدين البالسي: وينبغي لو مات الأب .. أن يباع الابن؛ للضرورة. 1778 - قول "التنبيه" [ص 89]: (وإن جمع في البيع بين حر وعبد، أو بين عبده وعبد غيره) وقول "المنهاج" [ص 217]: (باع خلاً وخمراً، أو عبده وحراً، أو عبد غيره، أو مشتركاً بغير إذن الآخر) أمثلة، والضابط لها قول "الحاوي" [ص 269]: (ولو جمع عقدٌ حلاً وحُرُماً) ثم صورة العبد والحر أو الخل والخمر كما نقل عن الشيخ أبي حامد أن يقول: (بعتك هذين العبدين أو ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 244). (¬2) المنهاج (ص 217). (¬3) الروضة (3/ 415). (¬4) الحاوي (ص 266)، المنهاج (ص 217).

الخلين)، فلو قال: (هذا العبد والحر، أو هذه الخمر والخل) .. فيبطل جزماً، واختار السبكي أنه لا فرق، قال: ولا شك أن هذين كهذين العبدين، وفي معنى عبد غيره: مكاتبه، أو مستولدته، أو وقف، وطرد "المنهاج" القولين في المشترك اختيار منه للعلة المصححة في البطلان؛ وهي: الجمع بين الحلال والحرام، أما إذا عللنا بجهالة الثمن .. فيصح هنا جزماً. 1779 - قول "التنبيه" [ص 89]: (ففيه قولان، أحدهما: يبطل العقد فيهما، والثاني: يصح في الذي يملك) الثاني هو الأظهر، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، لكن ذكر الربيع في "الأم" قبل (كتاب اللقطة الصغير) أن البطلان هو آخر قولي الشافعي، وقال في موضع آخر: إن الشافعي رجع عن تفريق الصفقة، وقال: تبطل كلها (¬2)، ولهذا قال ابن المنذر في "الإشراف": إنه مذهب الشافعي (¬3)، وصححه الشيخ أبو محمد في "السلسلة"، وقد تقرر أنه إذا كان للمجتهد في المسألة قولان وعلم المتأخر منهما .. كان الأول مرجوعا عنه، والثاني هو مذهبه. واستثنى في "المهمات" من تصحيح الصحة في المملوك مسائل: الأولى: إذا أجر الراهن العين المرهونة مدة تزيد على مَحِل الدين .. فصحح الرافعي في (الرهن): بطلان الكل (¬4)، وخرجه الماوردي والمتولي على تفريق الصفقة (¬5)، وينبغي أن يتخرج مثل ذلك فيما لو وكل في إجارة داره مدة، فزاد الوكيل عليها في عقد واحد، أو شرط الواقف ألاَّ يؤجر الوقف أكثر من سنة مثلاً فأجره الناظر أكثر من تلك المدة المشروطة. الثانية: إذا استعار شيئاً ليرهنه بدين، فزاد عليه .. بطل في الكل، كما صححه الرافعي (¬6)، وقيل: بتخريجه على هذا الخلاف. الثالثة: إذا فاضل في الربويات حيث منعناه؛ كصاع بصاعين .. بطل في الجميع، قال في "المهمات": والقياس: تخريجه على هذه القاعدة إذا قلنا: يُجيز بكل الثمن حتى يبطل العقد في صاع، وفي الباقي القولان. الرابعة: إذا زاد في العرايا على القدر الجائز - وهو خمسة أوسق أو دونها - .. بطل في الكل، ولم يخرجوه على هذه القاعدة. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 269)، المنهاج (ص 217). (¬2) الأم (3/ 162). (¬3) الإشراف على مذاهب العلماء (6/ 136). (¬4) انظر "فتح العزيز" (4/ 484). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (6/ 205). (¬6) انظر "فتح العزيز" (4/ 524).

ويستثنى من إجراء الخلاف: ما إذا أوصى من لا وارث له بأكثر من الثلث .. فإنه يصح في الثلث قطعاً. 1780 - قول "التنبيه" [ص 89] و"الحاوي" [ص 269]: (وللمشتري الخيار) أي: إن جهل، كما صرح به "المنهاج" (¬1)، ولا خيار له مع العلم بالحال، وهذا الخيار على الفور؛ لأنه خيار نقص، قاله في "المطلب". 1781 - قول "التنبيه" [ص 89]: (وإن شاء .. أمضاه فيما يصح بقسطه من الثمن في أحد القولين، وبجميع الثمن في القول الآخر) الأول هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، ويتعين فيما لو باع ربوياً بجنسه، فخرج بعض أحدهما مستحقاً، وصححنا العقد في الباقي، فأجاز المشتري .. فالواجب حصته بلا خلاف؛ لأن الفضل بينهما حرام، كذا في "الروضة" تبعاً لأصله (¬3)، لكن في "الكافي" للخوارزمي تخريجه على الخلاف، وهو غريب عجيب! . 1782 - قول "المنهاج" [ص 218]: (فَبِحِصَّتِهِ من المسمى باعتبار قيمتهما) ظاهر في أنا نعتبر قيمة الخمر والخنزير عند من يرى لهما قيمة، وهو احتمال للإمام، صححه الغزالي (¬4)، وقال السبكي: إنه الصحيح والصواب، وصحح النووي: تقدير الخمر خلاً، والخنزير شاة (¬5). 1783 - قول "التنبيه" [ص 89]: (وإن جمع بينهما فيما لا عوض فيه؛ كالرهن والهبة .. فقد قيل: يصح فيما يحل قولاً واحداً، وقيل: على قولين) صحح في "شرح المهذب": الطريقة الأولى (¬6). 1784 - قول "التنبيه" [ص 89]: (وإن جمع بين حلالين) أعم من قول "المنهاج" [ص 218]: (ولو باع عبديه)، وقولهما: (فتلف أحدهما) (¬7) أخرجا به إباق أحدهما قبل القبض .. فلا يبطل في الباقي قطعا، وسكت "التنبيه" عن ذكر الخيار في هذه الصورة، وقال في "المنهاج" [ص 218]: (بل يتخير)، فإن أجاز .. فبالحصة قطعاً، وتبع في دعوى القطع "المحرر" ففيه بلا خلاف (¬8)، لكنه في "الشرح الكبير" حكى في أثناء المسألة عن أبي إسحاق المروزي طرد القولين ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 217). (¬2) الحاوي (ص 269)، المنهاج (ص 218). (¬3) الروضة (3/ 426). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (5/ 322)، و"الوسيط" (3/ 91). (¬5) انظر "المجموع" (9/ 366، 367). (¬6) المجموع (9/ 362). (¬7) التنبيه (ص 89)، المنهاج (ص 218). (¬8) المحرر (ص 142).

فيه (¬1)، وقال في "شرح المهذب": وهذا الطريق مشهور في كتب الخراسانيين، وذكره جماعة من العراقيين منهم القاضي أبو حامد والقاضي أبو الطيب والدارمي والماوردي وابن الصباغ وآخرون (¬2). 1785 - قول "التنبيه" [ص 89]: (وإن كان لرجلين عبدان لكل واحد منهما عبد، فباعاهما بثمن واحد، ولم يعلم كل واحد منهما ما له من الثمن .. بطل البيع في أحد القولين) هو الأصح في "التصحيح" و"شرح المهذب" (¬3)، وحكاه الرافعي في (الصداق) عن النص (¬4)، وعليه مشى "الحاوي" في قوله [ص 263]: (لا عبيد جمعٍ بثمنٍ) ولم يصحح في "الروضة" شيئاً، لكنه قال: إن عللنا بالجمع بين حلال وحرام .. صح، وإن عللنا بالجهالة .. فلا. انتهى (¬5). ومقتضاه: تصحيح الصحة؛ لأن الأصح: التعليل بالجمع بين حلال وحرام، وتقييد "التنبيه" في قوله: (ولم يعلم كل واحد منهما ما له من الثمن) ليس في "الروضة"، وهو يقتضي أنه إذا علم .. صح، وليست هذه المسألة في "المنهاج"، لكن ذكر في (الصداق) نظيرها في قوله: (ولو نكح نسوةً بمهر .. فالأظهر: فساد المهر) (¬6) وهنا أمران: أحدهما: يستثنى: ما لو اختلط حمام برج بغيره، ولم يتميز .. فيجوز لأحدهما بيع نصيبه لصاحبه في الأصح؛ للضرورة، ذكره الرافعي في الصيد (¬7)، وكذا البيع لثالث على كلام فيه للرافعي، قال: وهكذا إذا انصبت حنطته على حنطة غيره، أو مائعه على مائعه، لكن لو باع نصيبه لثالث .. لم يجز (¬8). ثانيهما: بحث في "المهمات" أنه ينبغي الجزم هنا بالبطلان؛ لأن المسألة في عقد واحد، وهنا عقدان؛ لأن الصفقة تتعدد بتعدد البائع قطعاً، وبتعدد المشتري على الصحيح. 1786 - قول "التنبيه" [ص 89]: (وإن جمع بين عقدين مختلفي الحكم) نحو قول "الحاوي" [ص 269]: (ولو جمع عقدٌ عقدين مختلفين)، إلا أن "الحاوي" صرح بأن الجمع بينهما في عقد واحد، وهو مفهوم من لفظ الجمع، فلم يحتج "التنبيه" للتصريح به، وأطلق "الحاوي" ¬

_ (¬1) فتح العزيز (4/ 141). (¬2) المجموع (9/ 370)، وانظر "الحاوي الكبير" (6/ 277). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 287)، المجموع (9/ 372). (¬4) انظر "فتح العزيز" (8/ 262). (¬5) الروضة (3/ 424). (¬6) المنهاج (ص 397). (¬7) انظر "فتح العزيز" (12/ 44). (¬8) انظر "فتح العزيز" (12/ 45).

الاختلاف، وصرح "التنبيه" بأن المراد: الاختلاف في الحكم، قال في "المهمات": ثم إن التقييد بكون العقدين مختلفي الحكم .. هل هو تكرار أم احتراز عن شيء؟ فليتأمل. قلت: قد ذكر السبكي أنه ليس المراد: مطلق الأحكام، بل أسباب الفسخ والانفساخ؛ فإن الإجارة شرطها: التأقيت، وهو مبطل للبيع، والسلم يجب قبض رأس المال فيه في المجلس، بخلاف الإجارة والبيعِ، والتقابضُ المجلس يجب في الصرف دون غيره، وذلك يدل على أن اختلاف الأحكام قدر زائد على مطلق العقدين، وحذف "المنهاج" لفظة: (عقدين)، واقتصر على مختلفي الحكم (¬1)، لئلا يرد عليه البيع والصرف، وكذا صاع شعير وثوب بصاع حنطة، وما إذا باع عبدين وشرط الخيار في أحدهما دون الآخر، أو شرطه في أحدهما يوما وفي الآخر يومين .. فإن ذلك كله عقد واحد، ومع ذلك ففيه القولان؛ لاختلاف الحكم، لكن يرد عليه بيع ثوب، وشقص من دار؛ فإنه يصح جزماً مع اختلاف الحكم، ولا يرد ذلك على "التنبيه" و"الحاوي" وغيرهما؛ لاتحاد العقد، ثم يرد عليهم جميعاً شيئان: أحدهما: أن شرط القولين: ألاَّ يكون أحد العقدين لازماً والآخر جائزاً؛ كبيع وجعالة، فمتى كان كذلك .. لم يصح جزماً، ذكره الرافعي في (المسابقة) (¬2). ثانيهما: أنه لو خلط ألفين بألف لغيره، وقال: شاركتك على إحداهما وقارضتك على الأخرى، فقبل .. صح، ولا يُخرّج على القولين، كما ذكره الرافعي في (القراض) عن المتولي؛ وعلله: بأنهما راجعان إلى الإذن في التصرف (¬3)، وذلك شاهد لما قدمناه عن السبكى: أنه ليس المراد: اختلاف مطلق الأحكام، بل الأحكام التي هي أسباب الفسخ والانفساخ، وليس ذلك موجوداً في الشركة والقراض. 1787 - قول "التنبيه" [ص 89]: (كالبيع والإجارة، والبيع والنكاح، والبيع والكتابة، والبيع والصرف .. ففيه قولان، أحدهما: يبطل العقد فيهما، والثاني: يصح، ويقسط الثمن عليهما على قدر قيمتهما) فيه أمران: أحدهما: أن مقتضى كلامه جريان الخلاف في صحة النكاح، والذي في كلام الرافعي والنووي الجزم بصحة النكاح وَرَدُّ الخلاف إلى الصداق (¬4)، وعلى ذلك مشى "المنهاج" فقال [ص 218]: (صح النكاح، وفي البيع والصداق القولان) انتهى. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 218). (¬2) انظر "فتح العزيز" (12/ 192). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 11). (¬4) انظر "فتح العزيز" (4/ 157)، و"الروضة" (3/ 429، 430).

وهو بناء على المشهور أن النكاح لا يفسد بفساد الصداق، أما إذا فرعنا على مقابله الضعيف .. جرى الخلاف في النكاح أيضاً. ثانيهما: قال في "التصحيح": الأصح: الصحة إلا في البيع المضموم إلى الكتابة (¬1)، وعبارة "الروضة": (البيع باطل، وفي الكتابة القولان) (¬2)، وهو يفهم أن مراده: القولان في الجمع بين مختلفي الحكم، لكن في الرافعي في (باب الكتابة): فيه طريقان، أحدهما: قولا مختلفي الحكم، وأظهرهما: بطلان البيع، وفي الكتابة قولان؛ لأنه جمع بين ما يجوز وما لا يجوز. انتهى (¬3). وهو صريح في أن مراده: قولا الجمع بين حلال وحرام، لا قولا مختلفي الحكم، وعبارة "الحاوي" [ص 269]: (ولو جمع عقدٌ عقدين مختلفين، أو حلاً وحُرُماً؛ ككتابة وبيع) فيحتمل أن يكون مثالاً للأول فيوافق الطريقة الأولى، وأن يكون مثالاً للثاني فيوافق الطريقة الثانية، وبتقدير أن يكون مثالاً للأول .. فمقتضاه: الصحة فيهما، وهو خلاف المنقول في البيع كما تقدم، وهنا تنبيهان: أحدهما: صورة الجمع بين بيع ونكاح: أن يتحد المستحق؛ بأن يقول: زوجتك بنتي، وبعتك عبدها بكذا إذا كانت محجورته أو وكلته في البيع، أو زوجتك أمتي وبعتك عبدي بكذا إذا كان ممن تحل له الأمة، فلو قال: زوجتك بنتي وبعتك عبدي .. فهو كما لو باع عبدين أحدهما له والآخر هو وكيل فيه .. فالأصح عند النووي: البطلان فيهما (¬4)، فلا يحسن التصوير به إلا على القول الضعيف. ثانيهما: قال صاحب "المعين": محل الخلاف في البيع والإجارة: إذا كانا في عينين بعوض واحد، فإن كانا في عين واحدة .. بطل قطعاً، وإن كانا في عينين بعوضين .. صح قطعاً وإن كان القبول واحداً. انتهى، وهو واضح. 1788 - قول "المنهاج" [ص 218]: (وتتعدد الصفقة بتعدد البائع، وكذا بتعدد المشتري في الأظهر) هذا في غير الشفعة والعرايا؛ ففيهما تتعدد بتعدد المشتري قطعاً، وكذا بتعدد البائع في الأظهر عكس ما تقرر هنا، فإذا اشتريا شقصين من واحد .. فللشفيع أخذ أحدهما، ولو اشترى واحد شقصين من اثنين .. فكذا في الأصح. ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (1/ 288). (¬2) الروضة (3/ 430). (¬3) انظر "فتح العزيز" (13/ 454، 455). (¬4) انظر "المجموع" (9/ 372).

1789 - قوله: (ولو وكلاه أو وكلهما .. فالأصح: اعتبار الوكيل) (¬1) فيه أمران: أحدهما: كذا حكاه الرافعي عن الأكثرين (¬2)، لكنه صحح في "المحرر": أن الاعتبار بالموكل (¬3)، فعدل عنه "المنهاج" إلى الوكيل، وهو كذلك في بعض نسخ "المحرر". ثانيهما: الاعتبار في الشفعة بتعدد الموكل دون الوكيل، وكذلك في الرهن، فلو وكل اثنان واحداً في رهن عبدهما عند زيد بما له عليهما من الدين، ثم قضى أحد الموكلين دينه .. فالمذهب: القطع بانفكاك نصيبه، ولا نظر لاتحاد الوكيل، والله أعلم. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 218). (¬2) انظر "فتح العزيز" (4/ 158). (¬3) المحرر (ص 143).

باب الخيار

بابُ الخيار 1790 - قول "التنبيه" [ص 87]: (وإذا انعقد البيع .. ثبت لهما الخيار) مثل قول "المنهاج" [ص 219]: (يثبت خيار المجلس في أنواع البيع)، وعبارة "الحاوي" [ص 270]: (الخيار في المعاوضة المحضة) ومراده بالمعاوضة المحضة: التي تفسد بفساد العوض، ويستثنى مسائل: إحداها: إذا اشترى من يعتق عليه، وفرعنا على أن الملك في زمن الخيار للمشتري .. فلا خيار له، وقد ذكره "المنهاج" (¬1)، ولم يحتج "الحاوي" لذكره؛ لأنه على رأي مرجوح؛ فإن الأصح: أنه موقوف. الثانية: الحوالة؛ فالأصح: أنه لا خيار فيها وإن جعلت بيعاً. الثالثة: بيع العبد من نفسه، كما صححه في "الشرح الصغير" و"شرح المهذب" (¬2)، وقد استثناهما "الحاوي" (¬3). الرابعة: القسمة لا خيار فيها على الأصح وإن قلنا: إنها بيع. 1791 - قول "المنهاج" في أمثلة ما يثبت فيه الخيار [ص 219]: (وصلح المعاوضة) قد يتناول الصلح على المنفعة، ولا خيار فيه على الأصح؛ لأنه إجارة، وقد ذكر بعد ذلك أنه لا خيار فيها، ويرد عليه أيضاً: الصلح عن دم العمد، ولا خيار فيه، قاله القاضي حسين. 1792 - قوله: (ولا خيار في الهبة ذات الثواب في الأصح) (¬4) فيه أمران: أحدهما: أنه مخالف لما ذكروه في (باب الهبة) من ثبوت الخيار فيها تفريعاً على الأصح: أنها بيع، وقد وقع الموضعان كذلك في كتب الرافعي والنووي (¬5)، فعد تناقضاً، وحمل السبكي كلامهما هنا على ما إذا فرعنا على أنها هبة، كما هو وجه ضعيف في اقتضاء مطلقها الثواب، أو قيدت بثواب مجهول، وكذا بمعلوم إن قلنا بالضعيف: إنها هبة، وحمل كلامهما في الهبة على ما إذا قلنا: لا يقتضي مطلقها ثواباً، فشرط ثواباً معلوماً، وقلنا بالصحة، وهو الأصح، قال: فهو بيع حقيقة، فيثبت فيه الخيار وسائر الأحكام، وكذا قال شيخنا الإمام سراج الدين رحمه الله: إنه يحتمل حمله على ذلك، قال: وإذا حمل على ذلك .. لم يضطرب كلامه. ثانيهما: قال المتولي وغيره: ومحل الخلاف: بعد القبض، أما قبله: فلا خيار قطعاً، قال ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 219). (¬2) المجموع (9/ 167). (¬3) الحاوي (ص 270). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 219). (¬5) انظر "فتح العزيز" (6/ 332)، و"الروضة" (5/ 386).

شيخنا الإمام شهاب الدين بن النقيب: وهو واضح حيث جعلت هبة، أما على القول بالبيع .. ففيه نظر (¬1). 1793 - قول "المنهاج" [ص 219] و"الحاوي" [ص 270]: (إنه لا خيار في الشفعة) أي: للشفيع. تبعا فيه "المحرر" هنا (¬2)، لكنه صحح في "الشرح الكبير" في (كتاب الشفعة): الثبوت (¬3)، فاستدركه في "الروضة" فصحح منعه، وحكاه عن الأكثرين (¬4)، ولم يصححا هنا في "الروضة" وأصلها شيئاً. ومعنى الخيار في الشفعة: أنه إذا أخذ وملك .. له الرد ما دام في المجلس، هذا هو الأصح، وقيل: معناه: إذا قلنا: هي على الفور .. فهو مخير بين الأخذ والترك ما دام في المجلس، وأما إذا أخذ ولم يحكم بالملك؛ بأن لم يوجد بعد قوله: تملكت بالشفعة، واحد (¬5) من توفير الثمن، أو الرضى بذمته، أو الحكم بها .. فالظاهر: أن له الرد جزماً، نبه عليه شيخنا الإمام جمال الدين الإسنوي رحمه الله. وقولي أولاً: إن المراد: نفي الخيار للشفيع، حملت عليه كلام "المنهاج" لكونه قال: (في الأصح)، وعدم ثبوت الخيار للمشتري لا خلاف فيه، وأما عبارة "الحاوي": فهي متناولة لهما؛ لكونه لا يحكي الخلاف. 1794 - قول "المنهاج" [ص 219]: (ولا خيار في الإجارة في الأصح) كذا في أكثر كتبه تبعاً للرافعي (¬6)، لكنه صحح في "تصحيح التنبيه": ثبوته في الإجارة إذا كانت مقدرة بمدة (¬7)، وذكر "التنبيه" المسألة في الإجارة، فقال [ص 123]: (وما عقد على مدة .. لا يجوز فيه شرط الخيار، وفي خيار المجلس وجهان، وما عقد على عمل معين .. يثبت فيه الخياران، وقيل: لا يثبتان، وقيل: يثبت فيه خيار المجلس دون الشرط) وقد عرفت أن الأصح: عدم ثبوته مطلقاً. 1795 - قولهم: (إلى التخاير) (¬8) فسره "المنهاج": بأن يختارا لزومه (¬9)، وهو معنى قول ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 63)، وفي حاشية (أ): (ما نقله عن ابن النقيب مذكور في "شرح المنهاج" للإسنوي). (¬2) المحرر (ص 143). (¬3) انظر "فتح العزيز" (5/ 506). (¬4) الروضة (5/ 85). (¬5) في (ج): (واحدة). (¬6) انظر "فتح العزيز" (4/ 173)، و"الروضة" (3/ 435)، و"المجموع" (9/ 169). (¬7) تصحيح التنبيه (1/ 379). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 87)، و"الحاوي" (ص 270)، و"المنهاج" (ص 219). (¬9) المنهاج (ص 219).

فصل [في خيار الشرط]

"التنبيه" [ص 87]: (وهو أن يقولا: اخترنا إمضاء البيع)، وقد يخرج ما لو قالا: اخترنا إبطال الخيار أو إفساده، لكن الأصح في "شرح المهذب": أنه كاختيار إمضاء البيع (¬1)، وقد تفهم عبارة "التنبيه" أنه لو ألزم أحدهما العقد .. لا يلزم لأحد، والأصح: أنه يسقط حقه فقط، ويبقى خيار الآخر، وقد ذكره "المنهاج"، ووقع في أكثر نسخ "التنبيه" بعد قوله: (إمضاء البيع): (أو فسخه)، وليست صحيحة؛ فإن فسخ أحدهما كافٍ بلا خلاف، فلا يحتاج لاجتماعهما عليه. 1796 - قول "التنبيه" [ص 87]: (ما لم يتفرقا) أي: ببدنهما كما صرح به "المنهاج" (¬2)، طوعاً كما صرح به "الحاوي" (¬3)، فلو حُمِلَ أحدهما مكرهاً .. لم يبطل خياره في الأصح، والأصح: بطلان خيار الماكث إن لم يُمنع من الخروج، وإن أُكرها حتى تفرقا بأنفسهما .. فقولا الحنث، ولو هرب أحدهما ولم يتبعه الآخر مع التمكن .. بطل خياره، وإلا .. فخيار الهارب فقط، قاله البغوي، واقتصر الرافعي على حكايته عنه (¬4)، وأطلق جماعة بطلان خيارهما بلا تفصيل، وصححه النووي (¬5)، والأصح: لزوم العقد في متولي الطرفين، وهو الأب أو الجد مع طفله بمجرد مفارقته مجلس العقد، وقد تخرج هذه الصورة بقول "التنبيه" [ص 87]: (يتفرقا)، وبقول "المنهاج" [ص 219]: (ببدنهما)، وقد لا تخرج باقتصار "الحاوي" على التفرق، والحق: أن هذا اللفظ خرج مخرج الغالب في أن العقد إنما يقع بين اثنين، فلا مفهوم له، وأيضاً: فهذه صورة نادرة، فلا ترد. 1797 - قوله: (ولو مات في المجلس أو جُن .. فالأصح: انتقاله إلى الوارث والولي) (¬6) عدم انتقاله إلى الولي ضعيف جداً، كما أشار إليه في "شرح المهذب" (¬7)، وهو مخرج، فالتعبير عن مقابله بـ (الأصح) فيه نظر. فَصلٌ [في خيار الشرط] 1798 - قول "المنهاج" [ص 219]: (لهما ولأحدهما شرط الخيار) يوهم جواز انفراد أحدهما ¬

_ (¬1) المجموع (9/ 165). (¬2) المنهاج (ص 219). (¬3) الحاوي (ص 270). (¬4) انظر "التهذيب" (3/ 307)، و"فتح العزيز" (4/ 181). (¬5) انظر "الروضة" (3/ 441). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 219). (¬7) المجموع (9/ 179).

بالشرط، وليس كذلك، بل لا بد من اجتماعهما عليه، ولم يُرد "المنهاج": بيان الشارط، وإنما أراد: بيان المشروط له، لكن عبارته لا توفي بمقصوده، فلو قال: (يجوز شرطهما الخيار لهما ولأحدهما) .. لأفاد مقصوده، ويمكن رد عبارته إلى الصواب؛ بألاَّ يجعل قوله: (لهما ولأحدهما) خبراً عن قوله: (شرط الخيار)، وإنما هو متعلق بالخيار، والخبر قوله: (في أنواع البيع) أي: شرط الخيار الكائن لهما ولأحدهما ثابت في أنواع البيع، ومع ذلك فيرد عليه أمور: أحدها: أنه ليس فيه بيان الشارط. ثانيها: أنه يوهم أنه لا يجوز شرطه لأجنبي، وليس كذلك، فيجوز في الأظهر، قال والد الروياني: إلا أن يكون كافراً والمبيع عبد مسلمٌ لمسلمٍ، أو مُحْرِماً والمبيع صيد، وخالفه ولده (¬1). ثالثها: أنه قد يوهم جواز اشتراط وكيل البائع الخيار للمشتري، وجواز اشتراط وكيل المشتري الخيار للبائع، وليس كذلك، وكذا لا يجوز للوكيل شرطه لأجنبي في الأصح إلا بإذن موكله، ويجوز أن يشرطه لموكله على الأصح في "أصل الروضة" هنا، ولنفسه على الأصح في "الروضة" من زوائده في بابه (¬2)، وقد ذكره "الحاوي" (¬3)، وعبارة "التنبيه" [ص 87]: (وإن تبايعا بشرط الخيار)، فلم يبين الشارط ولا المشروط له، وكذا قول "الحاوي" [ص 271]: (وبشرطه) أي: الخيار، وقد يقال: لا يحتاج إلى ذكر الشارط؛ لما تقرر من أنه لا بد من اجتماعهما على الشرط، ولا يكفي انفراد أحدهما به، وسكوتهما عن ذكر المشروط له يقتضي جوازه لهما ولأحدهما ولأجنبي، فلا يرد عليهما حينئذ إلا كونه لا يجوز لوكيل أحدهما شرطه للآخر، والله أعلم. 1799 - قول "التنبيه" [ص 87]: (إلا في الصرف وبيع الطعام بالطعام) يستثنى: السلم أيضاً، وقد ذكره في بابه (¬4)، وذكره "المنهاج" و"الحاوي" هنا (¬5)، والضابط: اشتراط القبض في المجلس؛ إما من الجانبين كالربوي، أو من أحدهما كالسلم. ويستثنى أيضاً: ما إذا اشترى من يعتق عليه .. فإنه لا يجوز شرطه للمشتري وحده، وقد ذكره "الحاوي" (¬6)، وتبعه شيخنا الإمام البلقيني في "التدريب"، وقال في العتق من "تصحيح المنهاج": ليست المسألة مذكورة في غير "الحاوي"، والذي ترجح عندنا الآن: أنه يصح ¬

_ (¬1) انظر "بحر المذهب" (6/ 151، 152). (¬2) الروضة (3/ 447)، (4/ 332). (¬3) الحاوي (ص 271). (¬4) التنبيه (ص 97). (¬5) الحاوي (ص 267)، المنهاج (ص 219). (¬6) الحاوي (ص 271).

الشرط، ويعتق، وينقطع خيار المشتري ويملك المشترى مع آخر العقد أو عقبه، ثم يعتق، قال: ولو شرطا ذلك في خيار المجلس .. صح؛ إذ لا عتق الآن؛ لكون الخيار لهما، فإذا انفرد المشتري بخيار الشرط .. عتق وانقطع الخيار. انتهى. ويستثنى أيضاً: الحوالة، لا يجوز شرط الخيار فيها وإن قلنا: إنها بيع، واستثنى الجوري في "شرح المختصر": المصراة، فقال: لا يجوز اشتراط خيار الثلاث فيها للبائع؛ لأنه يمنع الحلب، وتركه يضر بالبهيمة، حكاه عنه في "المطلب" في (باب التصرية). 1800 - قول "التنبيه" [ص 87]: (إلى ثلاثة أيام فما دونها) يشترط: كونها معلومة، وقد ذكره "المنهاج" (¬1). متصلة بالعقد، وقد ذكره مع الذي قبله "الحاوي" عند ذكر الشروط (¬2). وأن يكون المبيع لا يفسد في المدة، كما صححه في "الروضة" (¬3)، وهما واردان على "المنهاج"، ولم يتعرض "الحاوي" لذكر المدة المشروطة أصلاً، وهو عجيب! وفي "المهمات": يدخل في الأيام المشروطة ما اشتملت عليه من الليالي؛ للضرورة، كما في "شرح المهذب" (¬4)، ومقتضي العلة: أنه لو عقد وقت طلوع الفجر .. لا يثبت الخيار في الليلة الثالثة، بخلاف نظيره من مسح الخف، وكلام الرافعي في أول مواقيت الحج يوهم خلافه؛ فإنه قال: وقال عليه الصلاة والسلام: "واشْتَرِط الخيار ثلاثاً"، والمراد: الأيام والليالي. انتهى (¬5). والذي في "شرح المهذب": عن المتولي وغيره فيما لو باع نصف النهار بشرط الخيار يوماً .. ثبت إلى نصف اليوم الثاني، ويدخل الليل في حكم الخيار للضرورة (¬6)، فكأنَّ شيخنا في "المهمات" أخذه من هذا. 1801 - قول "التنبيه" [ص 87]: (وينتقل المبيع إلى المشتري بنفس العقد في أحد الأقوال، وبانقضاء الخيار في الثاني، وموقوف في الثالث) قال في "المنهاج" [ص 220]: (الأظهر: أنه إن كان الخيار للبائع .. فملك المبيع له، وإن كان للمشتري .. فله، وإن كان لهما .. فموقوف)، ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 220). (¬2) الحاوي (ص 267). (¬3) الروضة (3/ 442). (¬4) المجموع (9/ 183). (¬5) انظر "فتح العزيز" (3/ 327)، والحديث غريب، وقال ابن الصلاح: منكر لا يعرف. انظر "خلاصة البدر المنير" (1/ 347). (¬6) المجموع (9/ 183).

وعليه مشى "الحاوي" بقوله [ص 271]: (والملك لمن خُيّر، ويوقف فيما لهما)، قال شيخنا الإمام شهاب الدين بن النقيب: بقي ما لو شرطاه لأجنبي، لم أر من تعرض فيه لمالك المبيع، والذي يظهر - تفريعاً على المرجح - أنه موقوف؛ لأنا إن أثبتنا الخيار للشارط مع الأجنبي .. فهو لهما، فالملك موقوف، وإلا - وهو الأصح - .. فلا مزية، أو يقال: هو للمشتري؛ لأنه لازم من جهتهما، فأشبه ما بعد الخيار (¬1). قلت: الظاهر: أن الملك لمن كان ذلك الأجنبي من جهته، وابتدأ باشتراط الخيار له؛ لوثوقه بنظره، فساعده الآخر عليه، فإن كان من جهتهما، وذكراه لوثوقهما به .. فهو كما لو كان الخيار لهما، فيكون الملك موقوفاً، وقول شيخنا: (إن أثبتنا الخيار للشارط مع الأجنبي .. فهو لهما، فالملك موقوف) عجيب! ؛ لأن الوقف إنما يجيء إذا كان الخيار لهما؛ أي: المتبايعين، وهنا ليس للمتبايعين، وقوله: (وإن لم نثبته للشارط .. فلا مزية) ممنوع، بل المزية للشارط موجودة؛ لأنه إنما فعل لغرضه ومصلحته؛ ولهذا كان الأصح: أنه إذا مات ذلك الأجنبي في زمن الخيار .. ثبت الخيار من ذلك الوقت للشارط، والله أعلم. 1802 - قول "المنهاج" [ص 220] و"الحاوي" [ص 271، 272]: (إن وطئ البائع .. فسخ) اسْتثُني منه: إيلاج البائع في فرج الخنثى، فلا حكم له في الفسخ والإجازة، حكاه في (باب الأحداث) من "شرح المهذب" عن البغوي (¬2). 1803 - قول "المنهاج" [ص 220]: (والأصح: أن هذه التصرفات من المشتري إجازة) أي: الوطء والإعتاق والبيع والإجارة والتزويج، ومحل الوجهين في الوطء والإعتاق: إذا لم يأذن فيهما البائع، فإن أذن .. كان إجازة منهما جزماً، ومحلهما في العتق أيضاً: إذا قلنا: بعدم نفوذه منه، فإن قلنا: ينفذ .. فهو إجازة قطعاً. وأما البيع والإجارة والتزويج: فإن لم يأذن فيه البائع .. لم ينفذ، لكنه إجازة من المشتري في الأصح، وإن أذن فيه .. فالأصح: صحته، وهو إجازة قطعاً عند ابن الصباغ، قال الرافعي: وقياس ما سبق إنا إذا لم ننفذها .. أن يجيء الوجهان (¬3)، ومنع شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني رحمه الله هذا القياس، قال؛ لأن التراضي هنا من الجانبين حاصل، فلزم العقد قطعاً، وما سبق في تصرف واحد وإسقاط خياره. انتهى. ولم يصرح "المنهاج" بحل الوطء للمشتري حيث كان الخيار له وحده، وذكره "الحاوي" ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 70). (¬2) المجموع (2/ 64). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 203).

فصل [خيار العيب]

بقوله [ص 271]: (وحل الوطء لمن خُيّر) وكذا في الروضة وأصلها (¬1)، واستشكل؛ لأن حل الوطء يتوقف على حصول الاستبراء، والأصح في (باب الاستبراء): أنه لا يعتد به في زمن الخيار؛ لضعف الملك، وصحح الإمام والغزالي: الاكتفاء به (¬2)، وذكر في "الوجيز" الحل هنا على قاعدته المخالفة للمرجح هناك، فتبعه الرافعي على ذلك من غير بحث عنه (¬3)، وأجاب عنه في "المطلب": بأنه زال التحريم المستند لعدم الملك، وبقي التحريم المستند لعدم الاستبراء. فصَلٌ [خيار العيب] 1804 - قول المنهاج [ص 220]: (للمشتري الخيار بظهور عيبٍ قديمٍ) أراد بقدمه: كونه كان موجوداً عند العقد أو حدث قبل القبض، كما عبر به في "التنبيه" (¬4)، وقد ذكره "المنهاج" بعد ذلك في قوله [ص 220]: (سواء قارن العقد أم حدث قبل القبض) والاقتصار على ما قبل القبض كما فعل "الحاوي" مغن عن ذكر وجوده عند العقد، ويستثنى من الرد فيما إذا حدث العيب قبل القبض: ما إذا كان تعيبه بفعل المشتري، وقد صرح به "الحاوي" (¬5). ويرد عليهم جميعاً: المفلس إذا كانت الغبطة في الإمساك، وكذا الولي، وكذا في القراض إذا تنازع المالك والعامل، وصورة الوكيل إذا رضيه الموكل، فليس للوكيل الرد، وقد يتناول قول "التنبيه" [ص 94]: (وإذا علم بالمبيع عيباً كان موجوداً عند العقد أو حدث قبل القبض) ما إذا لم يعلم به إلا بعد زواله، والأصح: سقوط الرد في هذه الصورة، وقد يرد ذلك على قول "المنهاج" [ص 220]: (بظهور عيب قديم)، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 273]: (ولا إن زال قبل فسخه). 1805 - قول "المنهاج" [ص 220]: (كخصاء رقيقٍ) تبع فيه "المحرر" و"الشرح" (¬6)، وهو يفهم أنه ليس عيباً في البهائم، وصرح الجرجاني بأنه عيب فيها؛ ولذلك لم يقيده في "الروضة" بالرقيق، بل أطلقه (¬7)، وهو ظاهر قول "الحاوي" [ص 273]: (أو خصياً) أي: المبيع، وإن ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 456). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (5/ 51)، و"الوجيز" (1/ 302). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 203). (¬4) التنبيه (ص 94). (¬5) الحاوي (ص 273). (¬6) المحرر (ص 144)، فتح العزيز (4/ 212). (¬7) الروضة (3/ 459).

كان شراحه حملوه على كون العبد خصياً، فليس في عبارته ما يدل على هذا التقييد. 1806 - قولهما: (والزنا والسرقة) (¬1) قد يفهم أن المراد: قيام هذا الوصف به لإصراره عليه، وليس كذلك، بل هو عيب ولو تاب وحسنت حاله، كما حكاه الرافعي والنووي عن الأصحاب (¬2)، لكن في "الإشراف" للهروي: لو وجدت هذه الأشياء في يد البائع، وارتفعت مدة مديدة بحيث يغلب على الظن زوالها، ثم وجدت في يد المشتري .. قال الثقفي وأبو على الزجاجي: لا يجوز الرد؛ لاحتمال أن تلك المعاني ارتفعت ثم حدثت في يد المشتري، فصار كالمرض الحادث في يد المشتري. انتهى. وقد يفهم أن المراد: اعتياده لذلك، وهو قول الغزالي وغيره (¬3)، والمشهور: الاكتفاء بمرة واحدة كما تقدم. 1807 - قول "المنهاج" [ص 220]: (وبوله بالفراش) له شرطان: الاعتياد في الأصح، والكبر؛ وضبط بسبع سنين، أو بمن يحترز مثله عنه. 1808 - قولهما: (والبخر) (¬4) أي: الناشئ من المعدة، كذا قيده الرافعي والنووي (¬5)، بخلاف الناشئ من قلح الأسنان، وذكر القاضي مجلي: أن ذلك لا يسمى بخراً. 1809 - قول "المنهاج" [ص 220]: (والصنان) أي: المستحكم دون ما يكون لعارض. 1810 - قول "التنبيه" [ص 95]: (أما إذا اشترى جارية، فوجدها ثيباً أو مسنة أو كافرة .. لم يجز ردها) محله في الثيب: إذا كان سنها يحتمل الثيوبة، لا صغيرة تَنْدُر ثيابتها، وفي الكافرة: أن يحل وطؤها، لا مجوسية ووثنية ونحوهما، فله حينئذ الرد، وكذا لو وجدها كتابية، أو وجد العبد كافراً أيّ كفر كان إن كان في بلاد الإسلام بحيث تقل الرغبة فيه، فإن كان قريباً من بلاد الكفر بحيث لا تقل الرغبة فيه .. فلا رد. وقوله: (لم يجز ردها) أي: قهراً، وفي نفي الجواز مطلقا تَجَوُّزٌ، وكلام "الحاوي" - فيما لوشرط تهوّد جارية، أو تنصّرها، فخرجت مجوسية - يقتضي أن التمجس ليس عيباً؛ لكونه إنما ذكر الرد به بخلف الشرط. 1811 - قول "الحاوي" [ص 273]: (أو مُحْرِمَة) أي: بإذن السيد، فإن كان بغير إذنه .. فلا ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 95)، و"المنهاج" (ص 220). (¬2) انظر "فتح العزيز" (4/ 214)، و"الروضة" (3/ 459). (¬3) انظر "الوجيز" (1/ 302). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 95)، و"المنهاج" (ص 220). (¬5) انظر "فتح العزيز" (4/ 213)، و"الروضة" (3/ 459).

رد؛ لأن له تحليلها، كما استدركه النووي في "الروضة" (¬1)، لكن قال شيخنا الإمام البلقيني: الصواب - بمقتضى نص الشافعي -: ثبوت الخيار ولو كان يمكنه تحليلها. انتهى. 1812 - قوله: (أو خنثى) (¬2) أي: مشكلاً أو واضحاً، لكن في (الأحداث) من "شرح المهذب": لو اشترى خنثى وبان رجلاً، فَوُجِدَ يبول بفرجيه .. فهو عيب؛ لأن ذلك لاسترخاء المثانة، ولو كان يبول بفرج الرجل فقط .. فليس بعيب. انتهى (¬3). 1813 - قول "المنهاج" [ص 220]: (وكل ما ينقص العين أو القيمة نقصاً يفوت به غرضٌ صحيحٌ إذا غلب في جنس المبيع عدمه) بعد ذكره ما تقدم من العيوب .. من ذكر العام بعد الخاص، والتقييد بفوات غرض صحيح يتعلق بنقص العين خاصة، والاحتراز به عن قطع جزء يسير من الفخذ واندمل بلا شين، والختان بعد الاندمال؛ فإنه فضيلة لا عيب، فلو ذكره عقبه .. لكان أولى؛ إما بأن يقدم ذكر القيمة، كما فعل في "الحاوي"؛ حيث قال [ص 273]: (بعيب منقص القيمة أو العين مُفَوّت غرضٍ غالبِ العدم في أمثاله)، أو يُجعل هذا التقييد عقب نقص العين قبل ذكر القيمة، وهو أحسن، ولم يعتبر في "التنبيه" شيئاً من ذلك، بل ضبطه بالعرف فقال [ص 95]: (والعيب: ما يعده الناس عيباً). 1814 - قول "المنهاج" [ص 220]: (ولو حدث بعده .. فلا خيار) يتناول حدوثه في زمن الخيار، وهو مقتضى مفهوم "التنبيه" و"الحاوي" (¬4)، وقال ابن الرفعة: القياس: بناؤه على ما لو تلف حينئذ .. هل ينفسخ؟ والأرجح كما قال الرافعي عند الكلام على أقوال الملك: إن قلنا: الملك للبائع .. انفسخ، وإلا .. فلا، فإن قلنا: ينفسخ .. فحدوثه كوجوده قبل القبض (¬5). 1815 - قول "المنهاج" [ص 220]: (إلا أن يستند إلى سببٍ متقدمٍ؛ كقطعه بجنايةٍ سابقةٍ - أي: على القبض - فيثبت الرد في الأصح) أي: إن جهل المشتري السبب، فأما إذا علمه .. فلا رد ولا أرش في الأصح، وقد صرح به "الحاوي" بقوله [ص 274]: (إن جهل). 1816 - قول "المنهاج" [ص 220]: (بخلاف موته بمرضٍ سابقٍ في الأصح) محل الخلاف: أن يكون المشتري جاهلاً به، ثم ليس المراد: نفي الرد؛ لتعذره بالموت، بل المراد: أنه مات ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 461). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 274). (¬3) المجموع (2/ 64). (¬4) التنبيه (ص 95)، الحاوي (ص 273). (¬5) انظر "فتح العزيز" (4/ 199).

من ضمان المشتري، فلا ينفسخ العقد؛ ولذلك عبر به "الحاوي" (¬1)، وفي تعبير "المنهاج" بـ (الأصح) نظر؛ لأن المرجح: القطع به، فينبغي التعبير بـ (المذهب)، والخلاف عند البغوي في المرض المخوف، أما غيره .. فلا ينسب الموت إليه، والجراحة السارية كالمرض، وكذا الحامل إذا ماتت من الطلق. 1817 - قولهم - والعبارة لـ"التنبيه" -: (ولو باع وشرط البراءة من العيوب) (¬2) أي: كلها، أما لو عين شيئاً منها وشرط البراءة منه: فإن كان مما لا يشاهد؛ كالإباق والسرقة .. برئ منه، وإن كان مما يشاهد؛ كالبرص: فإن أراه إياه .. برئ منه، وإلا .. ففيه الخلاف في الإطلاق؛ لاختلاف الغرض بقدره وموضعه. 1818 - قول "التنبيه" [ص 95]: (ففيه ثلاثة أقوال، أحدها: يبرأ، والثاني: لا يبرأ، وعلى هذا يبطل البيع، وقيل: لا يبطل) الأصح - تفريعاً على عدم البراءة -: عدم البطلان، وعبارة "التنبيه" تقتضي ترجيح البطلان، وكذا تقتضيه عبارة "الحاوي" حيث قال في الشروط التي لا تبطل العقد: (وبراءة عيب، لا يعلم البائع في الحيوان) (¬3) فإنها تقتضي البطلان حيث فقد شرط صحة الشرط. 1819 - قول "التنبيه" [ص 95]: (والثالث: أنه يبرأ من كل عيب باطن في الحيوان لم يعلم به البائع، ولا يبرأ مما سواه) هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي"، لكنهما لم يشترطا كونه باطناً (¬4)، وعبارة "المنهاج" [ص 221]: (فالأظهر: أنه يبرأ عن عيبٍ بالحيوان لم يعلمه دون غيره) وفي بعض نسخه: (عن عيب باطن بالحيوان)، فلا إيراد عليه إذاً، وقال شيخنا ابن النقيب: قد رأيت لفظة: (باطن) مخرجة على حاشية أصل المصنف، لكن لا أدري هل هي بخطه أم لا؟ وليست في "المحرر" (¬5). 1820 - قول المنهاج [ص 221]: (ولو هلك المبيع) أعم من قول التنبيه [ص 94]: (مات)، وقوله: (أو أعتقه) (¬6) في معناه: الوقف - وقد ذكره "التنبيه" (¬7) - والاستيلاد، فكلها إتلاف ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 274). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 95)، و"الحاوي" (ص 267)، و"المنهاج" (ص 221). (¬3) الحاوي (ص 267). (¬4) الحاوي (ص 267)، المنهاج (ص 221). (¬5) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 76). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 221). (¬7) التنبيه (ص 94).

حكمي، والضابط: اليأس من الرد، كما ذكره "الحاوي" (¬1)، ويستثنى من الرجوع بالأرش فيما إذا أعتقه مسائل: إحداها: لو كان العتق مشروطاً في بيع فأعتقه، ثم وجد به عيباً .. فلا أرش له، كما قال ابن القطان، وخالفه ابن كج فقال: عندي له الأرش، وصححه السبكي. ثانيها: لو اشترى من يعتق عليه، ثم وجد به عيباً .. حكى فيه ابن القطان وجهين، وقال ابن كج: له الأرش، وصححه السبكي، وقد يقال: لا ترد هذه على عبارتهم وإن لم يجعل له الأرش؛ لأن الموجود فيها العتق لا الإعتاق، قال في "المهمات": وهذا الكلام مقتضاه حصول العتق جزماً، وأن التردد في وجوب الأرش، ويخالفه ما ذكره الرافعي في (الوكالة) فيما إذا اشترى الوكيل من يعتق على موكله وكان معيباً: أن للوكيل رده؛ لأنه لا يعتق على الموكل قبل الرضا بالعيب، ذكره في "التهذيب" (¬2). قال في "المهمات": وليس بين المذكور هنا وفي الوكالة فرق إلا مباشرته، ولا أثر لها قطعاً مع صحة البيع في الموضعين والجهل بالعيب. ثالثها: لو كان العبد كافراً .. فقال شيخنا الإسنوي: لا يرجع بالأرش؛ لأنه لم ييأس من الرد؛ فإنه قد يلتحق بدار الحرب، فيسترق، فيعود إلى ملكه. قلت: وفيه نظر؛ فإنما ينظر إلى ما يقع غالباً، وهذا أمر نادر، ويفرض مثله في الوقف؛ بأن يستبدل به عند من يراه، فيصير ملكاً له، ولا نظر إلى مثل ذلك، والله أعلم. ويستثنى من الرجوع بالأرش في جميع الصور: ما إذا كان العيب الذي علم به الخصاء .. فلا أرش؛ إذ لا ينقص به القيمة، بل تزيد، وقد يقال: لا حاجة لاستثنائها؛ لأن الرجوع بالأرش يستدعي نقصاً، وهو مفقود هنا، ومنع شيخنا الإمام البلقيني قولهم: إنه لا أرش في هذه الصورة، وقال: الذي أعتقده أحد أمرين: إما أن الخصاء (¬3) ليس بعيب، كما أفتى به القاضي الحسين في مسألة الحمار والفرس؛ لأن الناس لا يعدونه عيباً، وهو الذي اعتبره صاحب "التنبيه" وغيره، قال: وبتقدير أنه عيب .. فالتحقيق لزوم الأرش؛ أي: قبل اندمال الجرح، واستشهد له بمسألة الحر إذا جنى عليه جان جناية لا توجب أرشاً، وقومناه بعد الاندمال، فلم ينقص القيمة .. فإن الأصح: أنه يقوم في حال سيلان الدم، ويجب الأرش. 1821 - قول "المنهاج" [ص 221]: (وهو جزء من ثمنه نِسْبَتُهُ إليه نسبة ما نَقَصَ العيبُ من ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 276). (¬2) التهذيب (4/ 223)، وانظر "فتح العزيز" (5/ 235). (¬3) في النسخ: (الخصى)، ولعل الصواب ما أثبت.

القيمةِ لو كان سليماً) زاد في "المحرر" بعد قوله: (القيمة): (إلى تمامها) (¬1)، وكذا في "الروضة" تبعاً لـ"الشرح" (¬2)، ولابد منه؛ لأن النسبة لابد لها من منسوب ومنسوب إليه، وهي مذكورة هنا مرتين، فالأولى كاملة، والثانية ذُكر فيها المنسوب فقط، وهو القدر الذي نَقَّصَه العيب من القيمة، فيقال: نأخذ نسبة هذا القدر من ماذا؟ فيقال: من تمام القيمة، وقد ذكر ذلك "الحاوي" بقوله [ص 276]: (بنسبة نقصان أقل قيمتي العقد والقبض إليه). 1822 - قول "المنهاج" [ص 221]: (والأصح: اعتبار أقل قِيَمِهِ من يوم العقد إلى القبض) يقتضي اعتبار النقص الحاصل بينهما، وبه صرح في "الدقائق" (¬3)، لكن الذي في "المحرر" و"الشرح" و"الروضة": أقل القيمتين من يوم البيع ويوم القبض، وعليه مشى "الحاوي" (¬4)، ويوافق الأول تعبير "الروضة" وأصلها فيما إذا تلف الثمن .. أنه يأخذ مثل الثمن، أو قيمته أقل ما كانت من العقد إلى القبض، ولا فرق بينهما، وفي تعبيره بـ (الأصح) مناقشة؛ لأن المرجح: القطع به، فينبغي التعبير بالمذهب. 1823 - قول "المنهاج" [ص 221]: (ولو علم العيب بعد زوال ملكه إلى غيره .. فلا أرش في الأصح) ينبغي التعبير بـ (الأظهر) أو (المشهور) لأن المرجح منصوص، ومقابله تخريج ابن سريج، وذكر شيخنا الإمام البلقيني: أنه منصوص في "البويطي". 1824 - قوله: (فإن عاد الملك .. فله الرد، وقيل: إن عاد بغير الرد بعيب .. فلا) (¬5) طريقة الإمام والغزالي (¬6)، ولم يجر الأكثرون الخلاف فيما إذا كان زواله عن ملكه بغير عوض. ويستثنى من كلامهم: ما إذا أجاز المشتري الثاني العقد ورضي بالعيب .. فإنه يستقر سقوط الأرش والر د، حكاه في "الكفاية " عن الماوردي (¬7). 1825 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (والرد على الفور) (¬8) فيه أمران: أحدهما: محله: في بيع الأعيان، أما الواجب في الذمة ببيع أو سلم إذا قبضه فوجد به عيباً .. فقال الإمام: إن قلنا: لا يملكه إلا بالرضا .. فليس الرد فيه على الفور، وإن ملكناه بالقبض .. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 145). (¬2) فتح العزيز (4/ 246)، الروضة (3/ 472). (¬3) الدقائق (ص 60). (¬4) المحرر (ص 145)، فتح العزيز (4/ 246)، الحاوي (ص 276)، الروضة (3/ 472). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 221). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (5/ 235)، و"الوجيز" (1/ 304). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (6/ 82). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 94)، و"الحاوي" (ص 274)، و"المنهاج" (ص 221).

فيحتمل أنه على الفور، والأوجه: المنع؛ لأنه ليس معقوداً عليه، وإنما يجب الفور فيما يؤدي رده إلى رفع العقد، حكاه عنه الرافعي في (الكتابة)، وأقره عليه (¬1). ثانيهما: يستثنى: قريب العهد بالإسلام، ومن نشأ ببادية بعيدة إذا ادعى الجهل بأن له الرد، وكذا لو ادعى أنه لا يعرف كونه على الفور، كما ذكره الرافعي (¬2)، وقال النووي في الصورة الثانية: إنما يقبل ممن يخفى على مثله (¬3)، وقال السبكي: ينبغي أن يقبل ممن يخفى عليه، ومن مجهول الحال. 1826 - قول "المنهاج" [ص 221]: (فلو علمه وهو يصلي أو يأكل .. فله تأخيره حتى يَفْرُغَ) أهمل من "المحرر" ما لو كان يقضي حاجته (¬4)، وفي معنى الاشتغال بهذه الأمور: حضور وقتها، وكذا لو كان في الحمام، كما في "المنهاج" في (الشفعة) (¬5)، وكل ما قيل في أحد البابين يجيء في الآخر؛ لاستوائهما في المعنى. 1827 - قوله: (أو ليلاً .. فحتى يصبح) (¬6) كذا أطلقه الرافعي والنووي (¬7)، وأفهم كلام المتولي تقييده بمن لم يتمكن من الحاكم ولا الشهود ولا البائع، وصرح به ابن الرفعة، وقال: إذا تمكن من المسير بغير كلفة .. فكالنهار، ولا يكلف سرعة السير. قلت: أخرج كلامه مخرج الغالب في الانقطاع عن التصرفات ليلاً، فلو كان هو والبائع مجتمعين في مكان واحد .. انتفى ذلك، وكذا لو كان العلم به في أوائل الليل بحيث لم تنقطع تصرفات الناس في حوائجهم غالباً، والله أعلم. 1828 - قوله: (فإن كان البائع بالبلد .. رده عليه بنفسه أو وكيله أو على وكيله) (¬8) فيه أمور: أحدها: اعترض عليه: بأن فيه نقصاً عما في "المحرر" فإن لفظه: (رد بنفسه أو وكيله عليه أو على وكيله) (¬9) أي: لكل منهما الرد على كل منهما، فقدم في "المنهاج" لفظة: (عليه)، ففاته النص على التخيير عند الرد على الوكيل. ثانيها: محل الرد بوكيله: إذا لم يحصل بالتوكيل تأخير. ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (19/ 394، 395)، و"فتح العزيز" (13/ 496). (¬2) انظر "فتح العزيز" (4/ 253). (¬3) انظر "الروضة" (3/ 478). (¬4) المحرر (ص 145). (¬5) المنهاج (ص 299). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 221). (¬7) انظر "فتح العزيز" (4/ 251)، و"الروضة" (3/ 477). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 221). (¬9) المحرر (ص 145).

ثالثها: بقي عليه: أن له الرد على وارث البائع أيضاً بعد موته، وعلى الموكل إن قلنا: يطالب بالعهدة، كما هو المذهب، والرد على البائع فيما إذا كان وكيلاً مبني على مطالبته بالعهدة، كما نبه عليه السبكي، وهو واضح. 1829 - قوله: (ولو تركه ورفع الأمر إلى الحاكم .. فهو آكد) (¬1) اقتصر في "الحاوي" على التخيير بين الرد على المالك والرفع إلى الحاكم، ولم يذكر أنه آكد (¬2)، وصحح الإمام: أن العدول إلى الحاكم مع حضور الخصم تقصير (¬3)، وقال الغزالي: يُبدأ بالبائع، فإن عجز .. أشهد، فإن عجز .. فالحاكم (¬4)، وقال ابن الرفعة: إذا علم بحضرة أحدهم .. فالتأخير لغيره تقصير، ولم يذكر "التنبيه" الرفع إلى الحاكم، واقتضى كلامه تعيين الرد على المالك. واعلم: أنه ليس المراد بالرفع إلى الحاكم: الدعوى؛ لأن غريمه غائب عن المجلس، وهو في البلد، وإنما يفسخ بحضرته، ثم يستعديه على غريمه، فإذا قلنا: إن القاضي لا يقضي بعلمه .. فأيّ فائدة لفسخه بحضرته مع غيبة غريمه؟ ! فلعل ما ذكروه مفرع على القضاء بالعلم، قاله السبكي رحمه الله. 1830 - قول "المنهاج" [ص 221]: (وإن كان غائباً .. رَفَعَ إلى الحاكم) أي: يتعين ذلك، والمراد: غيبته وغيبة وكيله، وطريقه في الرفع: أن يدعي الشراء ويبين العيب، ويثبت ذلك ببينة، ويفسخ به، ويحلف؛ لأنه قضاء على غائب، ويأخذ القاضي المبيع منه، ويضعه تحت يد عدل، ويعطيه الثمن من مال الغائب، فإن لم يجد سوى المبيع .. باعه فيه، كذا في "الروضة" وأصلها عن القاضي حسين (¬5). قال في "المهمات": وهو يوهم أو يقتضي أن المشتري إذا فسخ بالعيب .. ليس له حبس المبيع لاسترداد الثمن، وليس كذلك، بل له حبسه إلى قبضه، كما نقله الرافعي في حكم المبيع قبل القبض "التتمة"، وأقره (¬6)، وبَنَى عليه امتناع تصرف البائع فيه. واعلم: أن إطلاقهم الغيبة يتناول المسافة القريبة، وذكرهم التحليف يقتضي أن المراد: المسافة التي يحكم فيها على الغائب، ومال ابن الرفعة إلى الأول. 1831 - قول "المنهاج" [ص 221]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 275]: (والأصح: أنه يلزمه ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 221). (¬2) الحاوي (ص 275). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (5/ 249). (¬4) انظر "الوسيط" (3/ 128، 209). (¬5) الروضة (3/ 477). (¬6) انظر "فتح العزيز" (4/ 298).

الإشهاد على الفسخ إن أمكنه حتى ينهيه إلى البائع أو الحاكم) فيه أمور: أحدها: المراد: إشهاد اثنين، كما ذكره الغزالي (¬1)، قال ابن الرفعة: وهو احتياط؛ لأن الواحد مع اليمين كاف، ومال في نظيره من الشفعة إلى عدم الاكتفاء به، وحكاه عن "البحر"، ثم قال: ولا يبعد الاكتفاء به على رأي (¬2). ثانيها: ما صرح به في "المنهاج" من أن الإشهاد على الفسخ لم يتعرض له "الحاوي"، وهو مقتضى كلام الغزالي، لكن الذي يقتضيه كلام الرافعي في (الشفعة): أنه يشهد على طلب الفسخ (¬3). ثالثها: ينبغي إذا أشهد على الفسخ أن يكتفى بذلك، ولا يحتاج بعده إلى إتيان حاكم، ولا بائع إلا للمطالبة، لكن قوله: (حتى ينهيه إلى البائع أو الحاكم) ينافيه، كذا بحثه شيخنا ابن النقيب (¬4). وجوابه: أن الاكتفاء بالإشهاد إنما هو عند تعذر البائع والحاكم؛ ولا تعذر هنا، فلا يكفي العدول إلى البدل مع القدرة على الأصل. رابعها: ذكر الرافعي والنووي في نظيره من (الشفعة): أنه لا يجب الإشهاد (¬5)، والبابان مستويان في المعنى، وهو مقتضى عبارة "التنبيه" هنا؛ حيث لم يذكر الإشهاد. 1832 - قول "المنهاج" [ص 221]: (فإن عجز عن الإشهاد .. لم يلزمه التلفظ بالفسخ في الأصح) هو مفهوم من كون "الحاوي" لم يذكره، وهو في "الروضة" وأصلها محكي عن تصحيح الإمام والبغوي (¬6)، وصححه في "الشرح الصغير"، لكن قال في "المهمات": الراجح: أنه لا بد منه؛ فقد حكاه صاحب "التتمة" عن عامة الأصحاب، قال: وهو صريح في حكايته عن الأكثرين. قلت: ليس الترجيح بالكثرة، بل بالدليل، ولا دليل على وجوب التلفظ بالفسخ في هذه الصورة، وليس هو أمراً يتعبد به، وإنما هو معاملة يعتبر فيها خطاب الغير، والله أعلم. 1833 - قوله: (فلو استخدم العبد) (¬7) أي: في ذهابه لرده أو في المدة المغتفرة، وقد يخرج ¬

_ (¬1) انظر "الوجيز" (1/ 304). (¬2) بحر المذهب (9/ 112، 113). (¬3) انظر "فتح العزيز" (5/ 505). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 82، 83). (¬5) انظر "فتح العزيز" (5/ 540)، و"الروضة" (5/ 108). (¬6) فتح العزيز (4/ 252، 253)، الروضة (3/ 477)، وانظر "نهاية المطلب" (7/ 324)، و "التهذيب" (4/ 352). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 221).

بذلك ما إذا خدمه العبد من غير طلب منه، لكنه سكت، والظاهر: أنه لا يبطل حقه بذلك من الرد، كما لا يحنث إذا حلف لا يستخدمه، وقد يُدَّعَى دخول هذه الصورة في قول "الحاوي" [ص 275]: (وترك الانتفاع) لحصول الانتفاع بخدمته من غير طلب، وقد يقال: الانتفاع: طلب النفع، فهي حينئذ كعبارة "المنهاج"، وقد يتناول لفظ الاستخدام ما إذا طلب منه الخدمة، فلم يخدمه، وفيه بعد. وقد يرد على "الحاوي": ما إذا علم بعيب الثوب في الطريق وهو لابسه، فلم ينزعه؛ فإنه انتفاع، لكنه يعذر به، كما حكاه الرافعي عن الماوردي، وأقره؛ معللاً بأن نزع الثوب في الطريق غير معتاد (¬1). قال في "المهمات": ويتعين تصويره في ذوي الهيئات؛ فإن غالب المحترفة لا يمتنعون من ذلك. 1834 - قول "المنهاج" [ص 221]: (أو ترك على الدابة سرجها) أي: إن لم يضرها وضعه، وفي معناه: الإكاف (¬2)، وقد ذكره "الحاوي" (¬3). لا العذار (¬4)، فلا ينزعه، وقد ذكره "الحاوي" (¬5). 1835 - قول "الحاوي" [ص 275]: (لا الركوب إن عَسُرَ القَوْدُ) أي: والسَّوْقُ، فمتى أمكن سَوقُها .. لا يعذر في ركوبها، وقد ذكره "المنهاج" (¬6)، وكان عذر "الحاوي" في كونه لم يذكره: أنه إذا عسر القَوْدُ .. فالسَّوْقُ أعسر غالباً، إلا في حق إبل العرب ونحوها، وذكر الماوردي والروياني أنه لا يضر الانتفاع اليسير؛ كاسقني ونحوه (¬7)، ورجح السبكي: أنه لا يضر الانتفاع ما لم يدل على الرضا كلبس الثوب والوطء، قال: ومحل الكلام في هذا: إذا لم نوجب التلفظ بالفسخ. 1836 - قول "المنهاج" [ص 222]: (ولو حدث عنده عيبٌ .. سقط الرد قهرا) مثل قول "التنبيه" [ص 94]: (وإن وجد العيب وقد نقص المبيع عند المشتري) وفيه أمران: ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 261)، و"فتح العزيز" (4/ 254). (¬2) الإكاف: البرذعة. انظر "المعجم الوسيط" (1/ 22). (¬3) الحاوي (ص 275). (¬4) العذار من اللجام: ما سال على خد الفرس، وفي "التهذيب": عذار اللجام: ما وقع منه على خدي الدابة، وقيل: عذار اللجام: السيران اللذان يجتمعان عند القفا. انظر "لسان العرب" (4/ 549). (¬5) الحاوي (ص 275). (¬6) المنهاج (ص 222). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 261)، و"بحر المذهب" (5/ 256).

أحدهما: محل هذا: إذا لم يستند ذلك إلى سبب متقدم عند البائع؛ كقطع العبد بجناية سابقة .. فلا يمنع الرد، وهو مأخوذ من قول "المنهاج" فيما تقدم [ص 220]: (أن للمشترى الرد بالعيب الحادث بعد القبض إذا استند إلى سببٍ متقدم)، وذكره "الحاوي" أيضاً (¬1)، فإذا كان له الرد به .. فلأن لا يمنع الرد بغيره من طريق الأولى. ثانيهما: إنما يسقط الرد إذا استمر ذلك العيب الحادث، فلو زال قبل علمه بالعيب القديم .. فله الرد فى الأصح، فلو لم يزل الحادث إلا بعد أخذ أرش القديم .. لم يكن له الفسخ ورد الأرش على الأصح، وكذا لو زال بعد قضاء القاضي بالأرش وقبل أخذه على الأصح في "أصل الروضة"، وحكاه الرافعي عن البغوي، وأقره (¬2)، خلافاً لقول "الحاوي" [ص 276، 277]: (وقبله بعد القضاء بالأرش .. جاز). 1837 - قول "المنهاج" [ص 222]: (ثم إن رَضِيَ به البائع .. رده المشتري أو قَنِعَ به) أي: بلا أرش، وقد أوضحه "التنبيه" بقوله [ص 94]: (فإن قال البائع: أنا آخذه منك معيباً .. سقط حقه من الأرش) والمراد: أخذه معيباً بدون الأرش، أما لو طلب البائع رده مع أخذ أرش الحادث، وطلب المشتري الإمساك مع أخذ أرش القديم أو بالعكس .. فالأصح: إجابة من طلب الإمساك مع أخذ أرش القديم بائعاً كان أو مشترياً، وقد ذكره "المنهاج" (¬3). ويستثنى من ذلك: ما لو كان ربوياً بيع بجنسه كالحلي، ثم اطلع على عيب قديم بعد حدوث آخر .. فالأصح: أنه يتعين الفسخ مع إعطاء المشتري للبائع أرش العيب الحادث، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 277]: (والرد بأرش الحادث في ربوي بيع بجنسه). 1838 - قول "المنهاج" [ص 222]: (ويجب أن يُعْلِمَ المشتري البائع على الفور بالحادث) يستثنى منه: ما إذا كان الحادث قريب الزوال؛ كالرمد والحمى .. ففي اعتبار الفور في الإعلام قولان، لا تصحيح فيهما في كلام الرافعي والنووي، ولم يتعرض في "التنبيه" للمبادرة بالإعلام، ولابد من التنبيه عليهما في قوله: (وله أن يطالب بالأرش) (¬4). 1839 - قول "المنهاج" [ص 222]: (ولو حدث عيبٌ لا يُعْرَفُ القديم إلا به ككسر بيضٍ ورانجٍ، وتقوير بطيخٍ مُدَوِّدٍ .. رَدَّ ولا أرش عليه في الأظهر) (¬5) فيه أمور: ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 274). (¬2) فتح العزيز (4/ 256)، الروضة (3/ 480)، وانظر "التهذيب" (3/ 457). (¬3) المنهاج (ص 222). (¬4) التنبيه (ص 94). (¬5) الرانج بكسر النون: الجوز الهندي. انظر "الدقائق" (ص 60).

أحدها: المراد: بيض النعام؛ فإنه يبقى له بعد كسره قيمة، بخلاف بيض الدجاج ونحوه؛ فإنه لا قيمة لمذره بعد الكسر، فلا يتأتى فيه الأرش، وهذا وارد على قول "الحاوي" أيضاً [ص 275]: (وإن نقص بما توقف عليه الوقوف) أي: على العيب؛ فإنه يتناول بيضة الدجاجة المذرة، ولا رد في هذه الصورة، بل يتبين بطلان البيع على الصحيح؛ لوروده على غير متقوم، وقد ذكر ذلك "التنبيه" بقوله [ص 94]: (وإن لم يكن لما بقي قيمة .. رجع بالثمن كله). ثانيها: المراد: البطيخ المُدَوّد بعضه، أما المدود جميعه .. فهو كبيضة الدجاجة المذرة، فيرجع بجميع الثمن؛ لفساد البيع، وأطلق "التنبيه" ذكر البطيخ، والمراد: المُدَوّد، أما الحامض: فالغرز فيه كاف؛ لحصول المعرفة بذلك. ثالثها: قوله: (في الأظهر) يحتمل عوده إلى الأرش ففط مع القطع بالرد، وهو ظاهر عبارة "المحرر" (¬1)، قال السبكي: ولكنها طريقة لم أعلم من قال بها وإن خرجت من الأقوال الثلاثة. انتهى. ويحتمل عوده إليهما؛ أي: رد على الأظهر، ولا أرش إذا رد على الأظهر؛ فإن فيه أقوالاً حكاها في "التنبيه" من غير ترجيح، المرجحُ الرد مع الأرش، وعدم الرد، قال في "التصحيح": والأصح: أن له رده، ولا أرش عليه (¬2). 1840 - قول "التنبيه" [ص 94]: (وإن اشترى عبدين فوجد بأحدهما عيباً .. رده، وأمسك الآخر في أحد القولين) الأصح: خلافه، بل إما أن يمسكهما أو يردهما، وقد ذكره "المنهاج" بقوله [ص 222]: (ردهما لا المعيب وحده في الأظهر) ومحل المنع: إذا لم يتراضيا عليه، فيجوز حينئذ في الأصح، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 274]: (فيرد حصّة عقدٍ، وبالرضا بعضاً). واعلم: أن الرافعي والنووي حكيا وجهين في رد بعض المبيع قهراً إذا لم ينقص بالتبعيض كالحبوب، ولم يرجحا منهما شيئاً (¬3)، وقال شيخنا الامام البلقيني: الأصح: الجواز، ونص عليه الشافعي في "البويطي"، قال شيخنا: وعلى هذا يرد على "الحاوي" إطلاق: (وبالرضا بعضاً) أي: على مفهومه، فيقال: ويرد البعض بدون الرضا فيما إذا لم ينقص بالتبعيض كالحبوب ونحوها، ومحل الخلاف المتقدم: فيما لا يتصل منفعة أحدهما بالآخر، أما نحو: زوجي خف، ومصراعي باب .. فلا يجوز الإفراد قطعاً، وشذ بعضهم فحكى القولين، فلو باع بعض المبيع للبائع، ثم اطلع على عيب .. فهل له رد ما بقي على ملكه؟ حكى فيه البغوي في "فتاويه" قبل سجود السهو وجهين: ¬

_ (¬1) المحرر (ص 146). (¬2) تصحيح التنبيه (1/ 299). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 273)، و"الروضة" (3/ 487).

أحدهما: لا يجوز؛ لتفريق الملك في المعنى. الثاني: يجوز؛ إذ لا تفريق في الصورة، وجعل ذلك نظير من صلى قاعداً لعذر فنسي التشهد الأول، وقرأ (الفاتحة) .. هل له أن يعود إلى التشهد؟ فيه وجهان، الأصح: لا، حكاه شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه". 1841 - قول "المنهاج" [ص 222]: (ولو اشترياه .. فلأحدهما الرد في الأظهر) بعد قوله: (ولو اشترى عبدَ رجلين معيباً .. فله رد نصيب أحدهما) يقتضي أن صورة المسألة: أنهما اشتريا عبد رجلين، وحينئذ .. تكون الصفقة في حكم أربعة عقود، وكان كل واحد اشترى الربع من هذا والربع من ذاك، ولكل منهما أن يرد بالعيب على أحد البائعين دون الآخر، وهذه مسألة صحيحة، لكن مسألة "المحرر" فيما لو اشترى اثنان من واحد (¬1)، فقول "المنهاج": (ولو اشترياه) أي: المبيع من رجل واحد، ولا يعود الضمير على المتقدم ذكره، وهو: (عبد رجلين)، وعبارة "التنبيه" في ذلك واضحة؛ حيث قال [ص 94]: (ولو اشترى اثنان عيناً، ووجدا بها عيباً .. جاز لأحدهما أن يرد نصيبه دون الآخر). 1842 - قول "المنهاج" [ص 222]: (ولو اختلفا في قِدَمِ عيب .. صُدِّق البائع بيمينه) فيه أمور: أحدها: المراد: ما إذا احتمل صدق كل منهما، أما إذا قطعنا بما ادعاه أحدهما .. فهو المصدق، وهذا يرد أيضاً على قول "الحاوي" [ص 277]: (والقول للبائع في حدوثه)، وعن ذلك احترز "التنبيه" بقوله [ص 95]: (يمكن حدوثه) فخرج بذلك ما إذا قُطع بالقدم أو الحدوث. ثانيها: تناولت عبارته ما إذا ادعى البائع حدوثه حتى لا يُرَدّ عليه، وادعى المشتري قدمه ليرد، وهي مراده، وعكسه، وصورته في البيع: بشرط البراءة من العيوب، فيدعي المشتري حدوثه قبل القبض ليرد به؛ فإنه لا يبرأ منه، ويدعي البائع قدمه، والحكم فيها كالأولى على الظاهر، وقيل: المصدق المشتري، وخرجت هذه الصورة بقول "التنبيه" [ص 95]: (فقال البائع: حدث عندك، وقال المشتري: بل كان عندك)، وبقول "الحاوي" [ص 277]: (والقول للبائع في حدوثه)، فلم يتعرضا لهذه الصورة؛ لندورها. ثالثها: تناولت عبارة "المنهاج" أيضاً ما إذا اختلفا في حدوث عيب يمنع الرد، فادعى البائع حدوثه، وادعى المشتري أن العيبين قديمان، لكن ذكر ابن القطان في مطارحاته: أن المصدق هنا المشتري، وجعلها قاعدةً، فحيث كان العيب .. يثبت الرد، فالمصدق البائع، وحيث كان يبطله .. فالمصدق المشتري، فهذه واردة على عبارة "المنهاج" وعلى عبارة "الحاوي" أيضاً؛ ¬

_ (¬1) المحرر (ص 146).

لأن البائع يدعي الحدوث، ومع ذلك فالمصدق المشتري، وعلى عبارة "التنبيه" أيضًا، فليس في لفظه ما يخرجها. رابعها: إذا صدقنا البائع في حدوث العيب، فحلف، ثم جرى الفسخ بعده بتحالف، فطالب المشتري بأرشه، وزعم أنه أثبت حدوثه بيمينه .. فلا نجيبه إليه؛ لأن يمينه وإن صلحت للدفع عنه فلا تصلح لشغل ذمة المشتري، بل للمشتري أن يحلف الآن أنه ليس بحادث، ذكره في "الوسيط" تبعا للقاضي والإمام (¬1)، فقولهم: بتصديق البائع؛ أي: في دفع الرد عليه لا في تغريم المشتري الأرش إذا حدث عوده إليه. 1843 - قول "التنبيه" [ص 95]: (وإن باعه عصيرًا وسلمه إليه، فوجد في يد المشتري خمرًا، فقال البائع: عندك صار خمرًا، وقال المشتري: بل كان عندك خمرًا .. ففيه قولان، أحدهما: القول قول البائع، والثاني: القول قول المشتري) الأصح: الأول، وصورة المسألة: أنه مضى زمن يمكن انقلابه فيه، وفي تعبيره أولًا بالعصير تجوّز، فإذا فرض المقبوض عصيرًا .. لم يحسن الاختلاف. وجوابه: أنه عصير حقيقة إن صدق البائع، ومجازًا باعتبار ما كان إن صدق المشتري، وأحسن منه جواب آخر سيأتي ذكره. فإن قلت: لم لا اسْتُغني في "التنبيه" بالمسألة قبلها، وهي الاختلاف في قدم عيب عن هذه المسألة، كما فعل "المنهاج" و"الحاوي"؟ قلت: الاختلاف هناك فيما يقتضي الرد مع صحة عقد، والاختلاف هنا في مبطل؛ فإن الخمر لا يصح بيعه. فإن قلت: فهذا هو الخلاف في دعوى أحد المتبايعين صحة العقد والآخر فساده. قلت: الظاهر: أنه غيره، وأن الكلام هناك في مقارنة المفسد للعقد، وهنا في مقارنته للقبض، وبهذا يظهر أنه لا تَجَوّز في قوله: (وإن باعه عصيرًا) فالمبيع عصير بلا شك، والنزاع في أنه صار خمرًا قبل القبض أو بعده. 1844 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (والزيادة المنفصلة كالولد لا تمنع الرد) (¬2) يستثنى منه: ولد الأمة؛ فالأصح: منع التفريق بينهما في الصغر بالرد بالعيب، كما ذكره الرافعي والنووي في (التفليس) (¬3)، وصحح ابن الرفعة: جوازه. ¬

_ (¬1) الوسيط (3/ 141)، وانظر "نهاية المطلب" (5/ 254). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 102)، و"الحاوي" (ص 274)، و"المنهاج" (ص 222). (¬3) انظر "فتح العزيز" (5/ 46)، و"الروضة" (4/ 159).

1845 - قول "المنهاج" [ص 223]: (ولو باعها حاملًا فانفصل .. رده معها في الأظهر) وهو معلوم من تمثيل "الحاوي" للزيادة المتصلة بـ (الحمل عند العقد) (¬1)، وقد يفهم ذلك من قول "التنبيه" [ص 94]: (وإن لم يعلم بالعيب حتى حَدَثَتْ له منها فوائد في ملكه .. أمسكها ورد الأصل) لأن الحمل الموجود عند العقد لم يحدث في ملكه، ومحل ذلك: إذا لم تنقص قيمة الأم بالولادة، فإن نقصت .. امتنع الرد، ذكره الرافعي والنووي (¬2). وقال ابن الرفعة: إذا قلنا: العيب الذي تقدم سببه من ضمان البائع كما هو الأصح .. فينبغي أن يرد، ومحل ما بحثه ابن الرفعة: إذا كان جاهلًا بحملها، كما نبه عليه السبكي. 846 ا - قول "المنهاج" [ص 223]: (ولا يمنع الرد وطء الثيب) أي: إذا كان من المشتري، أما وطء غيره إذا كانت زانية به .. فهو عيب حادث يمنع الرد، ولا يرد ذلك على قول "الحاوي" [ص 275]: (وَوَطِئَ الثيب) لكونه أتى به فعلًا، فاسند الوطء للمشتري، وكذا لا يرد على مفهوم قول "التنبيه" [ص 94]: (بأن كانت جارية بكرًا فوطئها) لما ذكرناه. 1847 - قول "المنهاج" [ص 223]: (وافتضاض البكر بعد القبض نقصٌ حَدَثَ) فيه أمران: أحدهما: أن زوال البكارة بأيّ طريق كان ولو بوثبة كذلك. الثاني: أن المفهوم من كونه نقصًا حدث: منع الرد، ويستثنى منه: ما إذا كان ذلك بزواج سابق، ويرد الأول على "التنبيه"، بل الإيراد عليه أبلغ؛ لقوله: (بأن كانت جارية بكرًا فوطئها) (¬3)، فلم يذكر إلا وطأه هو خاصةً، فخرج به وطء غيره لها. ويختص بإيراد آخر، وهو أنه قد يطأ ولا تزول البكارة؛ لكونها غوراء، والمدار في سقوط الرد على زوال البكارة كما تقدم، ولا يرد عليه الثاني؛ لكونه إنما تكلم على وطئه هو، ولا يمكن أن يكون ذلك بزواج سابق، وصرح "الحاوي" بالمسألة بقوله [ص 274]: (وافتراع بنكاح) (¬4). 1848 - قول "التنبيه" [ص 94]: (ومن علم بالسلعة عيبًا .. لم يجز أن يبيعها حتى يبين عيبها) كذلك غير البائع إذا علم بالعيب .. وجب عليه بيانه. 1849 - قوله: (وإن تراضيا على أخذ الأرش .. فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز) (¬5) الثاني هو الأصح، وعليه مشى "الحاوي" (¬6)، وقد تفهم عبارة "التنبيه" بقاء الخيار تفريعًا عليه، وهو ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 274). (¬2) انظر "فتح العزيز" (4/ 278)، و"الروضة" (3/ 491). (¬3) التنبيه (ص 94). (¬4) الافتراع: الافتضاض، يقال: افترع البكر، اقضها. انظر "لسان العرب" (8/ 250). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 94). (¬6) الحاوي (ص 274).

فصل [في التصرية]

كذلك إن جهل فساد المصالحة في الأصح، وإلا .. فلا، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 276]: (وبطل به الرد إن علم فساده). فصلٌ [في التصرية] 1850 - قول "المنهاج" [ص 223]: (التصرية حرام) (¬1) ظاهره: أنه لا فرق بين أن يريد البيع أم لا، وبه صرح المتولي؛ لما فيه من إيذاء الحيوان، وتعليل الرافعي بالتدليس يقتضي اختصاصه بما إذا أراد البيع (¬2). 1851 - قوله: (تثبت الخيار) (¬3) يقتضي نفيه إذا ترك حلبها ناسيًا أو تحفلت بنفسها، وكذا تقتضيه عبارة "التنبيه" (¬4)، وصرح به "الحاوي" فقال عطفًا على المنفي [ص 273]: (وتحفله)، وسبقه إليه الغزالي (¬5)، لكن صحح البغوي: ثبوت الخيار أيضًا (¬6)، وسبقه إليه شيخه القاضي حسين، وليس في "الروضة" وأصلها تصريح بترجيح (¬7). 1852 - قول "المنهاج" [ص 223]: (على الفور، وقيل: يمتد ثلاثة أيامٍ) يقتضي أنه وجه، وهو قول كما في "الروضة" وأصلها (¬8)، نص عليه الشافعي في اختلاف العراقيين كما قاله القاضي أبو الطيب و"الإملاء" كما حكاه الروياني (¬9). وقال ابن المنذر: إنه مذهب الشافعي (¬10). واختاره السبكي وقال: هو خيار شرعٍ، لا عيبٍ، وشيخنا الإسنوي وقال: إن البغوي صحح الفور، فتبعه الرافعي والنووي، وهو خلاف مذهب الشافعي (¬11)، وشيخنا الإمام البلقيني وقال: ظاهر السنة الصحيحة يشهد له، وهل ابتداؤها من العقد أو التفرق؟ فيه الوجهان في خيار الشرط، ¬

_ (¬1) التصرية: أن يشد أخلاف الناقة ليجتمع فيها اللبن فيظن المشتري غزارة اللبن. انظر "الوسيط" (3/ 122). (¬2) انظر "فتح العزيز" (4/ 229). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 223). (¬4) التنبيه (ص 94). (¬5) انظر "الوسيط" (3/ 122). (¬6) انظر "التهذيب" (3/ 429). (¬7) الروضة (3/ 468). (¬8) الروضة (3/ 466). (¬9) انظر "بحر المذهب" (6/ 228). (¬10) انظر"الإشراف على مذاهب العلماء" (6/ 37). (¬11) انظر "التهذيب" (3/ 428)، و"فتح العزيز" (4/ 229، 230)، و"الروضة" (3/ 466).

وقال شيخنا الإمام البلقيني: الصواب: اعتبارها من وقت ظهور التصرية، ولم يتعرض "التنبيه" و"الحاوي" للتصريح بكونه على الفور إلا أن يجعل قول "التنبيه" بعد ذكر خيار العيب [ص 94]: (فإن أخر الرد من غير عذر .. سقط حقه من الرد)، و"الحاوي" [ص 274]: (حال العلم) يعود لخيار التصرية أيضًا. وفي المسألة وجه ثالث: أنه إن علم به قبل الثلاث .. امتد ثلاثًا، وإن علم به بعدها .. كان على الفور، حكاه في "المهمات" عن الجوري والفوراني وغيرهما. 1853 - قول "المنهاج" [ص 223]: (فإن رَدَّ بعد تلف اللبن .. رد معها صاع تمر) تبع فيه "المحرر" (¬1)، ولا يتقيد ذلك بتلف اللبن، بل له رد الصاع مع بقائه؛ ولذلك لم يقيد "التنبيه" بالتلف فقال [ص 94]: (ويرد معها صاعًا من تمر بدل اللبن) وقيد "الحاوي" بتلف اللبن أو بعدم تراضيهما على رده (¬2)، وهي عبارة حسنة؛ فإنهما لو تراضيا على رده .. جاز ذلك من غير صاع تمر، وكذا لو تراضيا على غيره من قوت أو غيره، وقد يرد ذلك على اقتصار "التنبيه" على ذكر صاع تمر، وليس للبائع إجباره على رد اللبن؛ لحدوثه على ملكه، ولا للمشتري رده على البائع قهرًا في الأصح؛ لذهاب طراوته، وحينئذ .. فلابد من صاع تمر، فلو قال "المنهاج": (بعد الحلب) كما في "الروضة" (¬3) .. لاستقام؛ فإنه إذا رد قبله .. لا شيء عليه. وذكر بعضهم: أن كلامهم يفهم أن الواجب صاع مطلقًا وإن تعددت المصراة، قال السبكي: ولم أقف لأصحابنا على نقل فيما إذا تعددت، لكن نقل ابن قدامة الحنبلي عن الشافعي تعدد الصاع بتعدد المصراة. انتهى (¬4). وفي إفهام كلامهم ذلك نظر، بل الذى يقتضيه كلامهم أن الواجب في كل مصراة: صاع، كما هو المحكي عن الشافعي (¬5)، والله أعلم. وإطلاقهم صاعَ تمرٍ قد يفهم تخيير المُخْرَج في ذلك، مع أنه يتعين أن يكون من وسط تمر البلد. 1854 - قول "المنهاج" [ص 223]: (وقيل: يكفي صاع قوتٍ) يفهم التخيير بين الأقوات، وهو وجه، والأصح - تفريعًا على هذا الوجه -: أنه يتعين غالب قوت البلد، وفي "الكفاية": ¬

_ (¬1) المحرر (ص 147). (¬2) الحاوي (ص 272، 273). (¬3) الروضة (3/ 467). (¬4) انظر "الإقناع" للشربيني (2/ 288)، و "مغني المحتاج" (2/ 64). (¬5) انظر "الأم" (7/ 100، 176).

إطلاق أن الرافعي صححه، وقد عرفت أنه إنما صححه تفريعًا على الضعيف (¬1). 1855 - قول "التنبيه" [ص 94]: (إذا اشترى ناقة أو بقرة أو شاة مصراة) يفهم اختصاص ذلك بالنعم، والصحيح خلافه؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 272]: (وتصرية الحيوان)، وفي "المنهاج" عطفًا على الأصح [ص 223]: (وأن خيارها لا يختص بالنعم)، وفى تعبيره بالأصح نظر؛ ففي "الروضة": أن مقابله شاذ (¬2)، فينبغي التعبير عنه بالصحيح. 1856 - قول "التنبيه" [ص 94]: (وإن اشترى جارية مصراة .. فقد قيل: لا يَرُدُّ، وقيل: يَرُدُّ إلا أنه لا يرد بدل اللبن) الأصح: الثاني، وهو مفهوم من إطلاق "الحاوي" الرد في الحيوان، وتقييد صاع التمر بالمأكول (¬3)، وصرح "المنهاج" بذلك، لكنه بعد ذكر الرد في الجارية والأتان، وأنه لا يَرُدُّ معهما شيئًا، قال: (وفي الجارية وجه) (¬4) أي: أنه يَرُدُّ معها صاع تمر، وهو يفهم أنه لا يجري في الأتان، وطرده الإصطخري فيها؛ لأنه عنده طاهر مشروب، وفي التعبير فيهما بالأصح نظر؛ فقد عبر في "الروضة" عن الخلاف في الأتان بالصحيح مع تعبيره في الجارية بالأصح (¬5)، وجزم "التنبيه" برد الأتان، وحكى الخلاف في رد الجارية (¬6)، ولو عكس .. لكان أولى؛ لأن الراجح: نجاسة لبن الأتان، وطهارة لبنها، وقد يفهم من عبارته: أنا إذا قلنا: لا يَرُدّ الجارية .. لا غرم، والأصح - تفريعًا عليه -: وجوب الأرش، حكاه الرافعي عن البغوي (¬7)، وصححه في "الكفاية". 1857 - قول "المنهاج" [ص 223]: (وَحَبْسُ ماء القناة أو الرحى يُرسل عند البيع) لم يذكر "الحاوي" الرحى؛ ولعله لدخوله في القناة، ولا قوله: (يُرسل عند البيع)، وهو أشمل؛ لدخول إرساله عند الإجارة في ذلك، قال السبكي: ومحل ذلك: إذا دلس البائع أو من واطأه، وإلا .. فعلى الخلاف فيما لو تحفلت الشاة بنفسها. قلت: وذلك مفهوم من التعبير بالحبس. 1858 - قول "المنهاج" [ص 223]: (وتجعيدُه) زيادة على "المحرر"، قاله شيخنا الإسنوي، قال شيخنا ابن النقيب: وقد رأيتها في نسخة منه، والمراد بالتجعيد هنا: ما فيه التواءٌ ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (4/ 231). (¬2) الروضة (3/ 468). (¬3) الحاوي (ص 272). (¬4) المنهاج (ص 223). (¬5) الروضة (3/ 469). (¬6) التنبيه (ص 94). (¬7) انظر "التهذيب" (3/ 429)، و"فتح العزيز" (4/ 232).

وانقباض، فإنه يدل على قوة البدن لا مفلفل السودان (¬1). 1859 - قول "الحاوي" في أمثلة فقد وصف مقصود مشروط [ص 272]: (وتهود الجارية أو تنصرها، فبانت مجوسية) ذكر المجوسية مثال؛ فسائر الجواري الممتنع وطؤهن في معناها، ويرد عليه أيضًا: أنه يقتضي أن التمجس ليس عيبًا يرد به مطلقًا، وليس كذلك كما تقدم. 1860 - قوله: (أو ثيابتها) (¬2) أي: فبانت بكرًا .. فله الخيار، هذا وجه، والأصح عند الرافعي والنووي: أنه لا خيار له؛ لأنها أفضل (¬3)، وعليه مشى "التنبيه" فقال [ص 94]: (لم يرد، وقيل: يرد). قوله: (والإقالة فسخٌ لا تُجَدِّدُ الشفعة) (¬4) سائر أحكام البيع كالشفعة، فهي مثال. * * * ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 91)، وقوله: (لا مفلفل السودان) أي: فإن جعل الشعر على هيئته أي: المفلفل .. لا يثبت الخيار؛ لعدم دلالته على نفاسة المبيع المقتضية لزيادة الثمن، والمراد بمفلفل السودان: مفرقه، يقال: تفلفل القوم إذا تفرقوا. انظر "حاشية البجيرمي" (2/ 246). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 272). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 207)، و"الروضة" (3/ 458). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 277).

باب [ضمان المبيع]

بابٌ [ضمان المبيع] 1861 - قول المنهاج [ص 224]: (المبيع قبل قبضه من ضمان البائع) أي: وإن عرضه على المشتري، فامتنع من قبوله، قال الرافعي في أوائل (الصداق): لكن لو وضعه بين يديه عند امتناعه من قبوله .. برئ في الأصح (¬1). وقوله: (قبل قبضه) يفهم أنه بعده ليس من ضمانه، وصرح به "التنبيه" بقوله [ص 87]: (ولا يدخل المبيع في ضمان المشتري إلا بالقبض) ولا يستثنى من ذلك: ما إذا تلف بعد القبض في زمن الخيار، وقلنا: الملك للبائع .. فإنه ينفسخ؛ لأنه لا يلزم من انفساخه أن يكون من ضمان البائع، بل هو من ضمان المشتري؛ ولذلك يغرم للبائع قيمته، ويسترد منه الثمن، فقول شيخنا ابن النقيب في تلفه بعد القبض: (فيه - أي: في ضمانه - تفصيل) (¬2) مردود؛ فلا تفصيل في ضمانه، إنما التفصيل في انفساخ العقد بذلك، والله أعلم. وقد يقال: إنما ضمنه المشتري ضمان يد، وأما ضمان العقد: فعلى البائع، ويستثنى من قولنا: إن المبيع قبل قبضه من ضمان البائع ثلاث مسائل: إحداها: إذا اشترى أمة فوطئها أبو المشتري قبل القبض وأحبلها، ثم ماتت. قال السبكي في تعليق له كما حكاه ولده في "التوشيح": مقتضى الفقه أنها تتلف من كيس المشتري؛ لأنها بالعلوق قدر انتقالها إلى ملك الأب، ومن ضرورة ذلك تقدير القبض وإن لم تحصل صورته، وقال: سألني عن هذة المسألة الوجيزي، فظهر لي فيها ذلك، فقال لي: إنه هو الذي ظهر له فيها أيضًا، ولم ير فيها نقلًا، وإنها إحدى ثلاث مسائل: يكون المبيع قبل القبض فيها من ضمان المشتري، هذه إحداها. والثانية: إذا اشترى السيد من مكاتبه شيئًا، ثم عجز المكاتب نفسه قبل قبض السيد العين المبيعة. والثالثة: إذا اشترى الوارث من مورثه عينًا، ثم مات الموروث قبل القبض. انتهى. 1862 - قول "التنبيه" [ص 87]: (ولا يستقر ملكه علبه إلا بالقبض) ليس المراد: قبض المبيع، بل قبض المقابل، والمراد باستقرار الملك: الأمن من الانفساخ، ومتى لم يقبض البائع الثمن .. أمكن تلفه، فينفسخ البيع. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (8/ 236). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 93).

1863 - قولهم فيما إذا تلف المبيع قبل القبض: (انفسخ البيع) (¬1) أي: بآفة سماوية، ويستثنى منه: ما لو طلبه المشتري، فمنعه منه وهو ظالم في منعه، فتلف .. فهو كما لو أتلفه البائع، كما حُكي عن القاضي حسين، وفيه احتمال للإمام (¬2). ومفهوم كلامهم أنه بعد القبض لا ينفسخ ولو في الخيار، ويستثنى: ما إذا قلنا: الملك للبائع .. فالصحيح: انفساخه كما تقدم، وفي معنى التلف: وقوع الدرة في البحر، وانفلات الطير، وتعبير "المنهاج" بقوله [ص 224]: (فإن تلف .. انفسخ البيع) أحسن من قول "المحرر": (ومعناه: أنه إذا تلف .. انفسخ) (¬3) فإنه فسره بذلك، ولا ينحصر فيه، فإن تَعَيُّبَهُ أيضًا يثبت الخيار، فهو من أحكامه أيضًا. 1864 - قول "المنهاج" فيما لو أبرأه المشتري عن الضمان [ص 224]: (ولم يتغير الحكم) تبع فيه "المحرر" (¬4)، ولا فائدة فيه مع قوله: (لم يبرأ) إلا مجرد التأكيد (¬5). 1864 - قول "التنبيه" [ص 87]: (وإن أتلفه المشتري .. استقر عليه الثمن) بمعنى قول "المنهاج" [ص 224] و"الحاوي" [ص 273]: (وإتلاف المشتري قبضٌ)، وتناول تعبير "التنبيه" و"الحاوي" حالتي علمه بأنه المبيع وجهله بذلك، وفصل "المنهاج" بقوله [ص 224]: (إن علم، وإلا .. فقولان كأكل المالك طعامه المغصوب ضيفًا) والأصح: براءة الغاصب، فيكون هنا قبضًا، ومقابله: أنه كإتلاف البائع إن قدمه إليه البائع، وكإتلاف الأجنبي إن قدمه إليه أجنبي، فإن لم يقدمه إليه أحد .. فالظاهر: الجزم بأنه قبض، وعموم "المنهاج" يقتضي قولين. ويستثنى من كونه قبضًا مسألتان: الأولى: ما لو قتله لصياله عليه .. فالأصح عند النووي: أنه ليس قبضًا (¬6). الثانية: ما إذا ارتد، وكان المشتري هو الإمام، فقتله للردة، فإن كان المشتري غيره، فقتله .. كان قبضًا، قاله البغوي في "فتاويه"، وأقره الرافعي عليه (¬7)، وفيه إشكالان: أحدهما: أنه كما أن للإمام قتل العبد إذا ارتد .. كذلك للسيد؛ لأن الأصح: أن له إقامة الحد على عبده، فينبغي ألاَّ يستقر عليه الثمن بقتله كالإمام. وجوابه: أنه لو قتله، وقلنا: له ذلك .. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 87)، و"الحاوي" (ص 280)، و"المنهاج" (ص 224). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (5/ 201). (¬3) المحرر (ص 147). (¬4) المحرر (ص 147). (¬5) في حاشية (أ): (قال الزركشي: فائدة هذا مع ما قبله: نفي توهم عدم الانفساخ إذا تلف، وأن الإبراء كما لا يرفع الضمان لا يرفع الفسخ بالتلف ولا المنع من التصرف) انظر "مغني المحتاج" (2/ 66). (¬6) انظر "الروضة" (3/ 501). (¬7) انظر "فتح العزيز" (10/ 311).

لم يكن قاتلًا إلا بحكم الملك؛ فالملك هو الذي سلطه على ذلك، فلو قلنا: ينفسخ، ولا يستقر عليه الثمن .. لكنا قد تبينا بالآخرة أنه قتل غير مملوك له؛ فلذلك جعلنا قتله إياه قبضًا، ذكره في "التوشيح". ثانيهما: أن المرتد غير مضمون على قاتله، فكيف يكون قتله قبضًا؟ ذكره في "المهمات"، قال: والقياس: أن تارك الصلاة وقاطع الطريق والزاني المحصن كذلك، وصورته: أن يزني كافر حر، ثم يلتحق بدار الحرب، ويُسْتَرَقُّ، قال: وفي الثلاثة الإشكال المتقدم. قال ابن الرفعة في "المطلب": ولو قتله المشتري قصاصًا .. فيظهر أنه كالآفة السماوية. وقال شيخنا الإمام البلقيني: هل يكون ذلك قبضًا حتى يستقر الثمن، أم لا يكون ويجعل بمنزلة ما لو صال على المشتري فقتله دفعًا؟ لم أقف على نقل فيها، لكن ما نقله النووي في (الغصب) قبل الكلام على نقل التراب فيما إذا قتل العبد المغصوب سيده وهو في يد الغاصب: أن لورثة السيد قتله، وأخذ قيمته من الغاصب، فكذلك يكون هنا، ولم يظهر لي بينهما فرق. انتهى (¬1). 1866 - قول التنبيه [ص 88]: (فإن أتلفه البائع .. انفسخ البيع، وقيل: هو كالأجنبي) رجح طريقة القطع، والصحيح: الطريقة الثانية، وأصح القولين: الانفساخ، لكن صحح الرافعي في "الشرح الصغير" في أوائل الصداق مقابله، وتعبير "لمنهاج" بقوله [ص 224]: (والمذهب: أن إتلاف البائع كتلفه) لا يفهم منه ترجيح طريقة القطع ولا الخلاف؛ لأن اصطلاحه في ذلك الدلالة على أن في المسألة طريقين أو طرقًا، ولا يفهم منه ترجيح طريقة بعينها، لكن يكون المرجح: ما ذكره في الجملة. 1867 - قول التنبيه [ص 87، 88]: (وإن أتلفه أجنبي .. ففيه قولان، أحدهما: ينفسخ البيع، والثاني: لا ينفسخ، بل يثبت للمشتري الخيار بين الفسخ والإمضاء، والرجوع على الأجنبي يالقيمة) الثاني هو الأصح، ورجحه "المنهاج"، فقال [ص 224]: (إنه الأظهر)، واعترض عليه: بأنه كان الأحسن: حذف (الأظهر)، وعطفه على (المذهب) في مسألة إتلاف البائع؛ فإن فيه طريقة قاطعة بأنه فسخ، فيكون أخصر وأفيد. قال شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه": ويستثنى من إتلاف الأجنبي المقتضي لما ذكره: ما إذا كان حربيًا، أو قتله بحق من قصاص وغيره، وحينئذ .. ينفسخ البيع في ذلك، ويستثنى ذلك في الصرف أيضًا، وما إذا استولد الأب جارية اشتراها ابنه قبل القبض، لكن في هذه الأخيرة يكون قبضًا. انتهى. وهذا الخيار مقتضى كلام القفال: أنه على التراخي؛ ففي "الروضة" وأصلها عنه: أنه لو ¬

_ (¬1) انظر "الروضة" (5/ 39).

أتلف الأجنبي المبيع قبل القبض، وأجاز المشتري ليتبع الأجنبي، ثم أراد الفسخ .. فله ذلك، لكن قال القاضي حسين: فيه نظر، وينبغي ألاَّ يتمكن من الرجوع؛ لأنه رضي بما في ذمة الأجنبي، فأشبه الحوالة (¬1). 1868 - قول "المنهاج" [ص 224]: (ولو عيبه الأجنبي .. فالخيار، فإن أجاز .. غرم الأجنبي الأرش) إنما يغرمه الأرش بعد قبض المبيع؛ لجواز تلفه في يد البائع، فينفسخ، حكاه الرافعي عن الماوردي، وأقره (¬2)، والمراد: الأرش الآتي في الجنايات؛ ففي يد العبد نصف القيمة، وفي يديه كمال القيمة. 1869 - قوله (ولو عيبه البائع .. فالمذهب: ثبوت الخيار لا التغريم) (¬3) الخلاف إنما هو في التغريم، وأما الخيار: فلا خلاف فيه، فإن ألحقناه بالأجنبي .. فله أن يجيز، ويغرمه، أو بالآفة - وهو المذهب - .. فلا تغريم، فكان ينبغي أن يقول: (ثبت الخيار ولا تغريم على المذهب). 1870 - قول "التنبيه" [ص 87]: (ولا يملك المشتري التصرف في المبيع حتى ينقطع خيار البائع ويقبض المبيع) يستثنى منه: الإعتاق والاستيلاد والتزويج؛ فتصح من المشتري قبل القبض، وقد ذكرها في "الحاوي" (¬4)، واقتصر "المنهاج" على الإعتاق (¬5). ويستثنى أيضًا: القسمة، فتجوز قبل القبض، وإن قلنا: إنها بيع، كما في "الروضة" وأصلها في أواخر هذا الباب عن "التتمة" من غير مخالفة (¬6). والوقف، كما صححه في "شرح المهذب" (¬7)، وفي "الروضة" عن "التتمة" من غير مخالفة: أنه ينبني على القبول (¬8)، وقد علم أن الجهة العامة لا يشترط فيها القبول، وكذا المعين، كما اختاره في "الروضة" في (كتاب السرقة) (¬9). والصدقة، كما ذكره في "الكفاية"، لكن الذي في الرافعي: أنها كالهبة، فتمتنع قبل ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 503). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 225)، و"فتح العزيز" (4/ 292). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 224). (¬4) الحاوي (ص 280). (¬5) المنهاج (ص 224). (¬6) الروضة (3/ 522). (¬7) المجموع (9/ 252). (¬8) الروضه (3/ 506). (¬9) الروضة (10/ 144).

القبض (¬1)، ولم يذكر في "المنهاج" في ذلك قاعدة، بل منع البيع والإجارة والرهن والهبة، وجوز الإعتاق (¬2)، وكذا "الحاوي" إلا أنه زاد على الأربعة المذكورة: الكتابة، وضم إلى الإعتاق: الإيلاد والتزويج كما تقدم (¬3)، وقد دخل في تعبير "التنبيه" (¬4) بالتصرف جعله أجرة أو صداقًا أو عوض مصالحة أو رأس مال سلم، وكذا التولية والإشراك. وفي معنى المبيع: كل ما كان في يد الغير مضمونًا عليه ضمان عقد، وهو المضمون بما يقابله من العوض، أما ما كان في يد الغير أمانة؛ كالمودع، أو مضمونًا ضمان يد، وهو المضمون بالقيمة؛ كالمستعار .. فيصح بيعه قبل القبض، وقد ذكر ذلك "الحاوي" بقوله [ص 280]: (فيما يضمن بالعقد). ويستثنى من عبارة "التنبيه": ما لو باع في مدة الخيار أو وقف أو وهب أو أعتق بإذن البائع أو باع للبائع نفسه في مدة الخيار .. فإنه يصح على الأصح. 1871 - قول "المنهاج" [ص 224]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 280]: (والأصح: أن بيعه للبائع كغيره) وهو داخل في عموم منع "التنبيه" التصرف (¬5). محله: إذا باعه له بغير جنس الثمن أو بزيادة أو نقصان أو تفاوت صفة، وإلا .. فهو إقالة بلفظ البيع، كما في "الروضة" وأصلها عن المتولي من غير مخالفة (¬6)، لكن ذكر شيخه القاضي الحسين: أن في هذه الصورة وجهين مرتبين على الصورة الأولى، وأنهما مبنيان على أن العبرة في العقود باللفظ أو المعنى، ومقتضى ذلك تصحيح البطلان أيضًا؛ لأن الأصح كما في الرافعي في أوائل (السلم): أن العبرة باللفظ (¬7)، ويختص "المنهاج" بإيراد في تعبيره بـ (الأصح)، وكذا في "الروضة" لأنه جعل في "شرح المهذب" مقابله شاذًا ضعيفًا (¬8)، فينبغي حينئذ التعبير عنه بـ (الصحيح). 1872 - قوله: (والثمن المعيّن كالمبيع، فلا يبيعه البائع قبل قبضه) (¬9) لا حاجة لهذه الزيادة، بل قد تضر؛ فإنها توهم جواز غير البيع؛ ولهذا عبر في "المحرر" بالتصرف؛ لتعم (¬10)، ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (4/ 295). (¬2) المنهاج (ص 224). (¬3) الحاوي (ص 280). (¬4) التنبيه (ص 87). (¬5) التنبيه (ص 87). (¬6) الروضة (3/ 507). (¬7) انظر "فتح العزيز" (4/ 395). (¬8) المجموع (9/ 254). (¬9) انظر "المنهاج" (ص 224). (¬10) المحرر (ص 148).

وكذا "التنبيه" بقوله [ص 87]: (ولا ينفذ تصرف البائع في الثمن إن كان معينًا حتى ينقطع خيار المشتري ويقبض الثمن) وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 280]: (فيما يضمن بالعقد)، ثم زاد إيضاحًا، فمثل به بقوله [ص 280، 281]: (كمُعَيَّن الثمن). 1873 - قول "المنهاج" [ص 225]: (ولا يصح بيع مسلم فيه) فيه نقص؛ لأن المبيع في الذمة إذا عقد عليه لا بلفظ السلم .. ليس سلمًا، ولا يصح بيعه ولا الاعتياض عنه، وأما قول "الحاوي" [ص 281]: (ودين السلم) .. فهو مثال مع دخول هذه الصورة في قوله أولًا: (فيما يضمن بالعقد) (¬1). 1874 - قول "التنبيه" [ص 87]: (وإن كان الثمن في الذمة .. فهل يجوز قبل القبض؟ فيه قولان، أصحهما: أنه يجوز) تناول كلامه ما إذا كان بيعه للمشتري، وهو الاستبدال، وما إذا كان لأجنبي. فأما الأول: فالجديد: جوازه، لكن يشترط القبض في المجلس فيما إذا استبدل موافقًا في علة الربا؛ كدراهم عن دنانير، وقمح عن شعير، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، فإن استبدل غير موافق في علة الربا .. لم يشترط ذلك، لكن يشترط تعيين العوض في المجلس وإن لم يشترط عند العقد، ولم يتعرض لذلك "الحاوي"، وهو مفهوم قول "المنهاج" [ص 225]: (لا يشترط التعيين في العقد، وكذا القبض في المجلس) فدل على اشتراط التعيين في المجلس، والله أعلم. والتصرف قبل القبض بالإبراء جائز، ولا يتصور الإبراء إلا قبل القبض. وأما الثاني: فلا خلاف في منع بيعه بدين، فإن باعه بعين .. بطل أيضًا على الأصح عند الرافعي (¬3) والنووي في "المنهاج" حيث قال [ص 225]: (وبيع الدين لغير من عليه باطلٌ في الأظهر)، وهو مفهوم قول "الحاوي" [ص 281]: (يباع ممن عليه)، لكن صحح النووي في "الروضة" من زوائده هنا، وفي (الخلع) في "أصل الروضة": صحته، لكن بشرط أن يقبض مشتري الدين الدين ممن عليه، وأن يقبض بائع الدين العوض في المجلس، فإن تفرقا قبل قبض أحدهما .. بطل العقد (¬4). قال السبكي: لم أره لغير البغوي والرافعي، وينبغي ألاَّ يشترط إلا القبض من أحد الجانبين، بل يكفي التعيين. انتهى. وقال ابن الرفعة في "المطلب": مقتضى كلام الأكثرين مخالفتهما. انتهى. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 280). (¬2) الحاوي (ص 281)، المنهاج (ص 225). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 304). (¬4) الروضة (3/ 514)، (7/ 435).

وكذلك لا يجوز رهن الثمن، ولا هبته؛ لأن الديون لا ترهن ولا توهب، كما هو الصحيح في موضعه. 1875 - قول "المنهاج" [ص 225]: (ولو استبدل عن القرض وقيمة المتلف .. جاز)، اعترض عليه: بأنه يشعر بأن الإتلاف إذا أوجب المثل في المثلي، أو ما ليس قيمة للمتلف ولا مثلًا له؛ كالنقد في الحكومة .. لا يصح الاستبدال عنه، وليس كذلك، ولا يرد ذلك على "المحرر" لتعبيره بدين القرض والإتلاف (¬1)، وكذا لا يرد على تعبير "الحاوي" بقوله [ص 281]: (وغير المعاوضة كالقرض)، وإنما نشأ الخلل من تخصيص "المنهاج": دين التلف بالقيمة. 1876 - قول "الحاوي" [ص 278]: (وقبض العقار بالتخلية) فيه أمران: أحدهما: أنه يشترط مع ذلك: فراغه من أمتعة البائع، وقد ذكره "المنهاج" (¬2). ثانيهما: العقار - كما قال الجوهري -: الأرض والنخيل والضياع (¬3)، أي: الأبنية، وفي "الروضة" وأصلها: وفي معنى الأرض: الشجر النابت، والثمرة المبيعة على الشجر قبل أوان الجداد. انتهى (¬4). فليست الثمرة المبيعة على الشجر قبل أوان الجداد من العقار وإن كان لها حكمه، فلم يتناولها لفظ "الحاوي" ولا "المنهاج"، ولا يرد ذلك على "التنبيه" لقوله: (وفيما سواهما - أي: المنقول والمتناول باليد - التخلية) (¬5)، فدخلت فيه هذه الثمرة؛ فإنها لا تنقل ولا تتناول باليد في العادة الغالبة قبل أوان الجداد، وفيه نظر، ويرد عليه الإيراد الأول؛ فإنه لم يذكره، وتعبير "المنهاج" بأمتعة البائع يخرج ما عداه؛ كأمتعة المشتري والمستأجر والغاصب والمستعير، قال شيخنا الإسنوي: وفي هذا التعميم نظر. 1877 - قول "المنهاج" [ص 225]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 278]: (وَقَبْضُ المنقول: تحويله) فيه أمران: أحدهما: يستثنى من المنقول: الشيء الخفيف الذي يتناول باليد في العادة، فقبضه بالتناول؛ كالثوب ونحوه، وقد ذكره "التنبيه" بقوله [ص 88]: (وفيما يتناول باليد التناول) وحكاه في "الروضة" من زوائده عن جماعة (¬6)، وقال في "شرح المهذب": إنه لا خلاف فيه (¬7). ¬

_ (¬1) المحرر (ص 148). (¬2) المنهاج (ص 225). (¬3) انظر "الصحاح" (2/ 754). (¬4) الروضة (3/ 515). (¬5) التنبيه (ص 88). (¬6) الروضة (3/ 521). (¬7) المجموع (9/ 263).

ثانيهما: خرج بذلك استخدام العبد وركوب الدابة والجلوس على الفراش، فلا يكون قبضًا، وقد ذكره في "الروضة" من زوائده، فقال: فلا يكفي استعماله وركوبها بلا نقل، وكذا وطء الجارية على الصحيح، ذكره في "البيان" (¬1)، لكن في الرافعي في أوائل (الغصب): لو ركب المشتري الدابة أو جلس على الفراش .. حصل الضمان، ثم إن كان ذلك بإذن البائع .. جاز له التصرف أيضًا وإن لم ينقله، وإن لم يكن بإذنه .. لم يجز له التصرف. انتهى (¬2). وأسقطه النووي من "الروضة"، وهو وارد على "التنبيه" أيضًا إن صح ما ذكره الرافعي في ذلك، ويختص "التنبيه" بإيراد، وهو أنه أطلق النقل ولم يبين المحل المنقول إليه (¬3)، وأوضحه "المنهاج" بقوله [ص 225]: (فإن جرى البيع بموضع لا يختص بالبائع. .كفى نقله إلى حيز، وإن جرى في دار البائع .. لم يكف ذلك إلا بإذن البائع فيكون مُعِيرًا للبقعة)، وفيه أمور: أحدها: أنه تبع "المحرر" في التعبير بقوله: (فإن جرى البيع) (¬4) ولا يستقيم؛ فإن جريان البيع لا مدخل له فيما نحن فيه، بل العبرة بوجود المبيع؛ ولهذا عبر الرافعي بقوله: (وإذا كان المبيع) بالميم، وكذا في "الروضة " (¬5)، ذكره شيخنا الإسنوي، فينبغي أن يقول: (فإن جرى البيع والمبيع بموضع لا يختص بالبائع)، ويُقَدَّر بعد قوله: (إلى حَيِّزٍ) أي: منه؛ فإن المعتبر أن يكون المكان المنقول إليه لا يختص بالبائع، ولا نظر إلى المكان المنقول منه. ثانيها: اعترض عليه بأن قوله: (لا يختص بالبائع) مقلوب، وصوابه: (لا يختص البائع به) لأن الباء تدخل على المقصور الذي لا يتعدى (¬6). ثالثها: دخل فيما لا يختص به البائع ما اختص به المشتري بملك أو إجارة أو إعارة، وما لا يختص به أحد؛ كمسجد وشارع وموات، وتناول أيضًا: المغصوب من أجنبي، قال شيخنا ابن النقيب: وفي الاكتفاء به نظر (¬7). رابعها: في تعبيره بدار البائع نظر؛ فالمدار على الموضع المختص به، وإن لم تكن دارًا. خامسها: قوله: (لم يكف ذلك) أي: النقل إلى حيز منها؛ فإنه لو كان في دار البائع، فنقله إلى موضع لا يختص البائع به .. كفى. ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 515)، وانظر "البيان" (5/ 35، 36). (¬2) انظر "فتح العزيز" (5/ 406). (¬3) التنبيه (ص 88). (¬4) المحرر (ص 149). (¬5) فتح العزيز (4/ 306)، الروضة (3/ 516). (¬6) قال في "مغني المحتاج" (2/ 73): (وفي التعبير بالصواب نظر؛ لأن دخولها على المقصور أكثري لا كلي). (¬7) انظر "السراج على نكت المتهاج" (3/ 101).

سادسها: قوله: (لم يكف ذلك) أي: في التصرف، ولكن يدخل في ضمانه، قال السبكي في (باب الغصب): ولا يكون غاصبًا قطعًا حتى لو خرج المبيع مستحقًا .. ليس للمالك مطالبته، وقال هنا: لا ينتقل ضمان العقد إليه، ولكن يدخل في ضمانه حتى يطالب به إذا خرج مستحقًا لوضع يده عليه، قال: وعبارة البغوي والرافعي غير صريحة في ضمان العقد (¬1)، أي: في أنه المراد، وما صرحت به من أنه المراد لم أره منقولًا، لكن فهمته من فقه الباب، فاعتمده، وإطلاق "المنهاج" ظاهر فيه. سابعها: قوله: (إلا بإذن البائع) أي: في القبض والنقل، فإن لم يأذن إلا في النقل .. فأطلق الإمام والغزالي أنه لا يحصل القبض (¬2)؛ لأن الإذن في النقل لا يقتضي العارية، قال السبكي: ويحتمل أن يقال: إن كان بعد توفير الثمن .. كفى، قال: والظاهر: قول الإمام. انتهى. وتوسَّط ابن الرفعة في "المطلب"، فقال: إن قبض الثمن، أو لم يقبضه ولكن علم أنه لا يثبت له حق الحبس .. فالذي يظهر: تضمنه للإعارة. ثامنها: يستثنى من كلامه: ما لو وضعه في أمتعة سواء كانت له أم مستعارة من البائع، قاله القاضي حسين، وما قبضه بالتناول كالثياب، فماذا قبضها ووضعها شيئًا فشيئًا .. قال في "المطلب": فالذي يظهر أنه يكفي، وجزم به السبكي، وعبارة "الحاوي" [ص 278]: (ومن بيت من دار البائع إلى آخر بإذنه)، وقد عرفت ما يرد عليه مما تقدم. ويستثنى من كلامهم جميعًا أمور: أحدها: محل ذلك: ما إذا كان المبيع جزافًا غير مقدر بكيل ولا وزن ولا ذرع ولا عدٍّ، فإن كان مقدرًا .. فلا بد في حصول القبض مع ذلك من الذرع أو الكيل أو الوزن أو العد، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" بعد ذلك (¬3)، لكن لم يذكر "المنهاج" العد، قال في "الكفاية": ويشترط رؤية المقبوض لصحة القبض، وخرجه الإمام على بيع الغائب (¬4). ثانيها: محل ذلك أيضًا: إذا لم يكن المبيع تحت يد المشتري، فإن كان تحت يده ولو كانت يد ضمان فإن كان حاضرًا .. كان مقبوضًا بنفس العقد ولا يحتاج فيه إلى إذن البائع وإن كان له حق الحبس على الأصح، وإن كان غائبًا .. اشترط مضي زمن يمكن فيه المضي إليه في الأصح لا النقل. نعم؛ يشترط إذن البائع إن كان له حق الحبس. ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (3/ 408)، و"فتح العزيز" (4/ 306). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (5/ 180)، و"الوسيط" (3/ 152). (¬3) الحاوي (ص 278)، المنهاج (ص 226). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (5/ 177).

ثالثها: يستثنى من ذلك: القسمة، فلا حاجة إلى التحويل فيها ولو جُعلت بيعًا؛ إذ لا ضمان فيها حتى يسقط بالقبض، ذكره ابن الرفعة في بابها. رابعها: يستثنى من ذلك: إتلاف المشتري المبيع؛ فإنه قبض كما سبق مع أنه ليس فيه صورة القبض المذكورة، والله أعلم. 1878 - قول "الحاوي" [ص 278]: (ويَسْتَبدُّ بالقبض إن وَفَّر الثمن أو كان مؤجلًا) أحسن من قول "المنهاج" [ص 225]: (للمشتري قبض المبيع) فإنه قد لا تفهم عبارته استقلاله بذلك، ومرادهما: ما إذا كان مؤجلًا في ابتداء العقد وإن حل قبل التسليم، وقد ذكره "الحاوي" بعد ذلك، لكن قال في "المهمات" فيما إذا حل قبل التسليم: أن الصواب: جواز الحبس، كما رجحه في (الصداق)، فقد نص عليه الشافعي في مسألة البيع، كما نقله القاضي أبو الطيب في (كتاب الصداق) عن حكاية المزني في المنثور، ونسب خلافه إلى الخطأ. انتهى (¬1). والمراد بتسليم الثمن: تسليم جميعه كما هو ظاهر العبارة، فأما إذا سلّم بعضه .. فلا أثر له في الأصح. 1879 - قول المنهاج [ص 226]: (ولو كان له طعام مقدَّرٌ على زيد، ولعمرو عليه مثله .. فليكتل لنفسه ثم يكيل لعمرو) الأصح: أن استدامته في المكيال كالتجديد، وقد ذكره "الحاوي"، وذكر الطعام مثال، فغيره من المقدرات مثله؛ ولهذا ذكره "الحاوي" بعد ذكر مطلق المقدرات (¬2). 1880 - قول المنهاج [ص 226]: (ولو قال: "اقبض من زيد ما لِيَ عليه لنفسك" ففعل .. فالقبض فاسد) أي: القبض الثاني، وهو تقدير انتقاله من يده إلى نفسه؛ لاتحاد القابض والمقبض، أما قبضه الأول من زيد لبكر .. فصحيح في الأصح، قال الرافعي: وهما مبنيان على القولين فيما إذا باع نجوم الكتاب وقبضها المشتري .. هل يعتق المكاتب؟ انتهى (¬3). والأصح هناك: أنه لا يعتق تفريعًا على المذهب: أنه لا يصح بيعها، ومقتضاه: أنه لا يصح القبض هنا، وقد ذهب إلى ذلك شيخنا الإمام البلقيني، وقال: ما صححه هنا ممنوع؛ لتصحيحهم هناك عدم العتق، ولا فرق بين أن يأذن السيد للمكاتب بالإقباض أو للمشتري بالقبض، أو يقتصر على مجرد البيع، قال شيخنا: وأيضًا: فالإذن في الفاسد لا أثر له، كما لا أثر له في نقله عن ضمان الغصب، قال: وقد صحح الرافعي والنووي في (الحوالة) فيما إذا باع عبدًا وأحال بثمنه البائع على رجل، ثم رده بعيب: أنا إذا أبطلنا الحوالة .. ليس للبائع أن يقبضه للمشتري؛ ¬

_ (¬1) انظر "المجموع" (5/ 95). (¬2) الحاوي (ص 278، 279). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 308).

لعدم الحوالة والوكالة؛ ولأنه إنما يقبض لنفسه، ولم يبق له حق، فإذًا مجرد الإذن غير معتبر في براءة ذمة المحال عليه، فكذلك هنا. انتهى (¬1). 1881 - قول "التنبيه" - وهو في (باب اختلاف المتبايعين) -[ص 97]: (وإن اختلفا في التسليم، فقال البائع: "لا أسلم المبيع حتى أقبض الثمن"، وقال المشترى: "لا أسلم الثمن" .. أجبر البائع على ظاهر المذهب) مثل قول "الحاوي" [ص 279]: (بدأ البائع) ومحله: إذا كان الثمن في الذمة، فإن كان معينًا .. فالأظهر: إجبارهما، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 226]: (سقط القولان الأولان - يعني: إجبار البائع وإجبار المشتري - وأُجْبِرَا في الأظهر)، وظاهره: أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون الثمن نقدًا أو عرضًا، وصرح به الرافعي في "الشرح الصغير"، لكنه صور في "الكبير" محل سقوطها: بما إذا باع عرضًا بعرض، وإلا .. فلا يسقط إلا إجبار المشتري (¬2)، وضعفه في "الكفاية" لأن الثمن كما يكون نقدًا يكون عرضًا بإدخال الباء؛ فلذلك استدرك في "الروضة"، وقال: الذي قطع به الجمهور - وهو المذهب - سقوط إجبار البائع أيضًا؛ كما لو باعه عرضًا بعرض (¬3)، كذا في نسخة المصنف من "الروضة"، وليس في أكثرها. ومحل كلامهم أيضًا: إذا لم يكن البيع عن الغير، فإن باع مال غيره بوكالة أو ولاية .. لم يأت إجبار البائع، ولا عدم إجبارهما، والمذهب: أنه لا يسلم المبيع حتى يقبض الثمن، كما ذكروه في بابي (الفلس) و (الوكالة)، وأفتى شيخنا الإمام البلقيني بحضوري: بأن لأمين الحكم تسليم المبيع قبل قبض الثمن. 1882 - قول "المنهاج" [ص 226]: (وفي قولٍ: المشتري) محله: إذا كان الثمن حالًا في العقد كما عرف قريبًا. 1883 - قول "التنبيه" [ص 97]: (فإن كان الثمن حاضرًا .. أجبر المشتري على تسليمه)، قال في "الكفاية": المراد: حضور نوعه؛ لأنه مفرع على إجبار البائع، ومحله: إذا كان في الذمة. انتهى. وقد يقال مثل ذلك في قول "المنهاج" [ص 226]: (وإذا سلّم البائع .. أُجبر المشتري إن حضر الثمن) وقد يقال: لا يتعين ذلك في عبارته، بل هي متناولة لحضور نوعه إن كان في الذمة، وعينه إن كان معينًا؛ لأن قوله: (وإذا سلم البائع) يتناول تسليمه وجوبًا على القول به، وتبرعًا حيث لا نقول به، وعلى ذلك مشى في "الروضة" وأصلها (¬4)، فليس مفرعًا على إجباره، بخلاف عبارة ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (5/ 134، 138)، و"الروضة" (4/ 233). (¬2) فتح العزيز (4/ 312). (¬3) الروضة (3/ 522). (¬4) الروضة (3/ 522).

"التنبيه" فإنها مفرعة على الإجبار؛ فإنه ذكر هذه الجملة بالفاء مترتبة على قوله: (أجبر البائع على ظاهر المذهب) (¬1) أي: فإذا أجبر، فسلم .. أجبر المشتري على تسليم الثمن إن حضر نوعه، والمراد: حضوره في المجلس، وعبارة "الحاوي" في ذلك مثل عبارة "التنبيه" فإنه قال بعد البداءة بالبائع: (فيجبر المشتري حالًا) (¬2). 1884 - قول "المنهاج" [ص 226]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 279]: (فإن كان معسرًا .. فللبائع الفسخ بالفَلَسِ) يقتضي أن له الاستقلال بذلك من غير توقف على حجر الحاكم، وهو مقتضى عبارة "الروضة" وأصلها هنا (¬3)، لكن في الرافعي في أول (التفليس): الذي يدل عليه كلام الأصحاب هنا تعريضًا وتصريحًا: افتقار الرجوع إلى توسط الحجر، وقد حكينا في الكلام على البداءة بالتسليم ما يشعر بخلافه، وأشار إلى المذكور هنا (¬4). قال في "المهمات": وكلامه يقتضي أنه لم يظفر بخلاف في المسألة، وفيها وجهان شهيران حكاهما في "المهذب" (¬5)، وفي افتقار الرجوع بعد الحجر إلى إذن الحاكم وجهان، قال الرافعي: أشبههما: أنه لا يفتقر. 1885 - قولهم فيما إذا كان ماله في البلد: (حجر عليه في أمواله حتى يسلم) (¬6) قال في "الروضة": هذا الحجر يخالف الحجر على المفلس من وجهين: أحدهما: أنه لا يسلط على الرجوع إلى عين المال. والثاني: أنه لا يتوقف على ضيق المال عن الوفاء، قال: واتفقوا على أنه إذا كان محجورًا عليه بالفلس .. لم يحجر هذا الحجر؛ لعدم الحاجة إليه (¬7). قال شيخنا الإمام البلقيني: ويخالفه في أشياء غير ذلك: منها: أنه لا تحل به الديون، وإذا وفى الثمن .. لم يتوقف على فك القاضي، وينفق على زوجته نفقة الموسرين، ولا يتعدى للحادث، ولا يباع فيه المسكن والخادم؛ لإمكان الوفاء من غيره قطعًا في كل ذلك. 1886 - قول "التنبيه" [ص 97]: (وإن كان غائبًا في بلد آخر .. بيعت السلعة في الثمن) وجه شرطه: أن يكون ذلك بعد الحجر، والأصح: أنه إن كان غائبًا في مسافة القصر .. كان للبائع فسخ ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 97). (¬2) الحاوي (ص 279). (¬3) فتح العزيز (4/ 313)، الروضة (3/ 523). (¬4) فتح العزيز (5/ 4). (¬5) المهذب (1/ 321). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 97)، و"الحاوي" (ص 279)، و"المنهاج" (ص 226). (¬7) الروضة (3/ 523).

البيع والرجوع في عين ماله كالمفلس، فإن صبر .. فالحجر كما ذكرنا، وإن كان دون مسافة القصر .. فكالحاضر في بلدة، فيحجر أيضًا، وقد ذكره كذلك "المنهاج" و"الحاوي" (¬1). 1887 - قول "المنهاج" [ص 226]: (وللبائع حبس مبيعه حتى يقبض ثمنه إن خاف فوته بلا خلافٍ) فيه أمور: أحدها: أن ذلك لا يختص بالبائع، بل للمشتري ذلك في الثمن، وإنما صرح بالبائع؛ لأنه قدم تصحيح إجباره، فذكر شرط وجوبه. ثانيها: تبع في نفي الخلاف في ذلك "المحرر" (¬2) ولذلك عبر عنه شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" بـ (الصواب) (¬3)، والذي في "الروضة" وأصلها: أنها طريقة الأكثرين (¬4)، قال الرافعي: توهمت طائفة أن الخلاف في الابتداء هو الخلاف في ثبوت الحبس. إن قلنا: يبدأ بالبائع .. فليس له حق الحبس، وإلا .. فله، ونازع الأكثرون فيه، وقالوا: محل الخلاف: فيما إذا تنازعا في البداية فقط، وكل منهما باذلٌ ما عليه من غير خوف، فإن خاف كل منهما لو بذل تعذر ما عند صاحبه .. فله الحبس جزمًا (¬5). ثالثها: محل ذلك في البائع: إذا كان الثمن حالًا، أما المؤجل: فليس له الحبس به؛ لرضاه بتأخيره ولو لم يتفق التسليم حتى حل الأجل كما تقدم، وقد سلم "الحاوي" من ذلك كله بقوله [ص 279]: (ولكلٍّ حبسُ عوضه إن خاف الفوت، لا للبائع إن أجل الثمن). رابعها: قال القفال في "فتاويه": لو استبدل عن الثمن ثوبًا .. فليس له الحبس؛ لأنه أبطل حقه من الحبس بنقله إلى العين؛ إذ حق الحبس لاستيفاء عين الثمن، وهذا بدله. انتهى. وهو بظاهره مخالف لقول "الروضة" وأصلها: ولو صالح من الثمن على مال .. فله إدامة حبسه لاستيفاء العوض. انتهى (¬6). ولعل الأول محمول على ما إذا استبدل عينًا، والثاني ما إذا استبدل دينًا (¬7). * * * ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 279)، المنهاج (ص 226). (¬2) المحرر (ص 150). (¬3) تذكرة النبيه (3/ 107). (¬4) الروضة (3/ 524). (¬5) انظر "فتح العزيز" (4/ 315). (¬6) الروضة (3/ 524). (¬7) قال في "مغني المحتاج" (2/ 76): (والمعتمد: إطلاق عبارة "الروضة" كما جرى عليه ابن المقري في "روضه").

باب التولية والإشراك والمرابحة

بابُ التّولية والإشراك والمرابحة أهمل "المنهاج" من الترجمة: المحاطة، مع ذكره حكمها في الباب. 1888 - قوله: (اشترى شيئًا ثم قال لعالم بالثمن: "ولّيتك هذا العقد"، فقبل .. لزمه مثل الثمن) (¬1) فيه أمور: أحدها: أنه اعتبر في المُولَّى - بفتح اللام - أن يكون عالمًا بالثمن، ولم يعتبر ذلك في المُولِّي - بكسرها -، ولا بد من اعتباره فيه أيضًا. فإن قلت: لا يحتاج إلى ذكر ذلك فيه؛ لأنه اشتراه، فهو عالم به .. قلت: قد يشتريه له وكيله، وقد يشتريه بنفسه ثم ينسى ثمنه، فلا يكون عالمًا به، وقد قال "المنهاج" بعد ذلك في المرابحة [ص 228]: (وليَعْلَمَا ثمنه)، وهو مثله. ثانيها: أنه لم يحك في ذلك خلافًا مع قوله في نظيره من المرابحة: (فلو جهله أحدهما .. بطل على الصحيح)، وذلك الخلاف جار هنا، وعبر في "الروضة" بـ (الأصح) (¬2)، وبينهما في اصطلاحه تناف. ثالثها: قد يلزم نفس الثمن فيما إذا كان عرضًا، وانتقل ذلك العرض بعينه إلى المتولي، فيتولى به، فإن لم ينتقل إليه .. لم تصح التولية، ذكره في "التتمة"، وعبر "الحاوي" عن ذلك بقوله [ص 282]: (وليتك العقد: بيع جديد بالثمن الأول) فعلم من كونه بيعًا جديدًا أنه لا بد من علم المتبايعين بالثمن، وأما قوله: (بالثمن) فمعناه: بمثل الثمن إن كان مثليًا، وبنفسه إن كان عرضًا، وانتقل إليه كما تقدم. فإن قلت: قد قال "المنهاج" بعد ذلك [ص 227]: (وهو بيع)، فهو مثل "الحاوي" في ذلك، فلا إيراد عليه .. قلت: الإيراد على إيهام "المنهاج" اعتبار ذلك في أحدهما دون الآخر؛ لذكره فيه خاصة. 1889 - قول "المنهاج" [ص 227]: (ولو حُط عن المُوَلِّي بعض الثمن .. انحط عن المُوَلَّى) احترز بالبعض عن حط الكل، وفيه تفصيل: إن كان بعد التولية .. انحط عن المولى أيضًا، وإن كان قبلها .. لم تصح التولية؛ كقوله: (بعتك بلا ثمن)، وقد ذكر ذلك "الحاوي" بقوله [ص 282]: (وحط الكل قبلها يبطلها). 1890 - قول "المنهاج" [ص 227]: (والإشراك في بعضه كالتولية في كله إن بَيَّن البعض) ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 227). (¬2) الروضة (3/ 529).

اعترض عليه في إدخاله الألف واللام على بعض، وحُكي منعه عن الجمهور (¬1). 1891 - قول "المنهاج" [ص 227]: (ويصح بيع المرابحة؛ بأن يشتريه بمئة ثم يقول: "بعتك بما اشتريت وربح درهمٍ لكل عشرةٍ") لو عبر بقوله: (كأن) .. لكان أولى؛ لأنه قد يفهم من قوله: (بأن) حصرها فيما ذكره، وهذا مثال من الأمثلة. 1892 - قول "التنبيه" [ص 95]: (ويجوز أن يبيعه مرابحة إذا بين رأس المال ومقدار الربح) وكذا لا بد أن يبين أيضًا أنه اشتراه من ابنه الصغير، وبمؤجل، أو غبن، أو من مماطل اشتراه منه بدينه، وقد ذكر "الحاوي" ذلك (¬2)، وذكر "المنهاج" من ذلك الأجل خاصة (¬3). 1893 - قول "المنهاج" [ص 227]: (ولو قال: "بما قام عليّ" .. دخل مع ثمنه أجرة الكيّال والدَّلاَّل) استشكل تصويره؛ فإنهما على البائع، فصوّر ابن الرفعة أجرة الكيّال: بما إذا كان الثمن مكيلًا، فأجرة كيله على المشتري. قال شيخنا الإسنوي: وصورة أخرى، وهي أن يتردد في صحة ما اكتاله البائع، فيستأجر من يكتاله ثانيا؛ ليرجع عليه إن ظهر نقص. وقال شيخنا ابن القيب: هي صورة صحيحة، لكن في ضم ذلك إلى الثمن نظر؛ لأنه ليس للاسترباح. نعم؛ هي قريبة الشبه بالحارس. انتهى (¬4). وصوّر ابن الرفعة أجرة الدلال: بما إذا استأجر من يعرض سلعة على البيع، فاشترى بها عينًا .. فإن الأجرة تضم إلى ثمن العين. 1894 - قوله: (إنه يجب بيان الشراء بعرض) (¬5) أي: إذا اشترى بعرض .. ذكر أنه اشتراه بعرض قيمته كذا، ولا يقتصر على ذكر القيمة، قال السبكي: ولم أره إلا في "التهذيب" (¬6)، والذي في "التتمة" وغيرها خلافه، ويشهد له مسألة الإجارة والخلع وغيرهما؛ فإنه يذكر فيها إذا باع مرابحة بلفظ: (قام عليّ أجرة مثل المستأجر، ومهر مثلها)، وكذا ذكر شيخنا في "المهمات": أن ما في "المنهاج" و"الروضة" وأصلهما غلط، قال: وجزم في "الكفاية" ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 109). (¬2) الحاوي (ص 283). (¬3) المنهاج (ص 227). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 110). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 227). (¬6) التهذيب (3/ 489)، وفي حاشية (أ): (فيه نظر، فليراجع، أو "شرح المنهاج" للإسنوي؛ ففيه عبارة "التهذيب".

بجواز ذكر القيمة من غير شرائه بعرض، ولم يعرج على ما قاله الرافعي (¬1). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إذا اختلف قيمة العرض في زمن الخيار .. فهل تعتبر قيمة العقد أو يوم الاستقرار؟ لم أقف على نقل فيها، ويحتمل أن يكون كما في الشفعة. 1895 - قوله: (وبيان العيب الحادث عنده) (¬2) مراده: بيان حدوث العيب عنده، وإلا .. فجميع العيوب القديمة والحادثة يجب بيانها، وقد أحسن "الحاوي" التعبير عن ذلك بقوله [ص 283]: (وحدوثِ عيبٍ) على أنه اعترض عليه: بأنه يشعر بأنه لا يلزم الإخبار بالعيب، ولا يرد ذلك؛ فإنه إنما يُبيِّن هنا الأحكام المختصة بالمرابحة، أما بيان العيوب: فقد تقرر في كل بيع، وقوله بعده: (وجناية) (¬3) من ذكر الخاص بعد العام؛ لدخولها في العيب، فمقتضى اختصاره حذفها. 1896 - قول "الحاوي" [ص 283]: (أو مماطلًا اشترى بدينه) كذا المعسر، ومفهومه: أنه لا يجب الإخبار به إذا كان غير مماطل، ومحله: إذا اشتراه بدينه الحال، فإن اشتراه بدينه المؤجل .. وجب الإخبار به، كما لو اشتراه بثمن مؤجل، نبه عليه شيخنا الإمام البلقيني. 1897 - قول "التنبيه" [ص 96]: (وإن واطأ غلامه فباع منه ما اشتراه بعشرة ثم اشتراه بعشرين، وخبر بالعشرين .. كره ذلك) فيه أمور: أحدها: المراد: غلامه الحر، وفي معناه: صديقه، ومن تهيأ له مواطأته، وعبر في "الروضة" بـ (صاحبه) (¬4)، أما لو واطأ رقيقه .. لم يجز أن يخبر إلا بالثمن الأول؛ لفساد مبايعته لعبده، وهذا واضح. ثانيها: قال النووي في "نكته" قوله: (بعشرة) متعلق بقوله: (اشتراه) لا بالبيع. قلت: لأن النظر للثمن الذي اشترى به من الأجنبي والثمن الذي اشترى به من الغلام، ولا معنى لمعرفة الثمن الذي باع به للغلام؛ لأنه لا يتعلق به إخبار. ثالثها: قال الدزماري والنووي في "نكته": الكراهة راجعه إلى المواطأة لا إلى الإخبار. قلت: إنما كرهت هذه المواطأة؛ لأنها وسيلة إلى الإخبار، فالإخبار أولى بالكراهة، وقول الشيخ: (كره ذلك) يعود للأمرين معًا. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (4/ 322)، و"المحرر" (ص 151)، و"المنهاج" (ص 228)، و"الروضة" (3/ 530، 531). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 228). (¬3) انظر "الحاوي" (ص 283). (¬4) الروضة (3/ 530).

رابعها: الكراهة قول الأكثرين، وحكاه الروياني عن النص، وذهب القاضي أبو الطيب والروياني إلى تحريمه (¬1)، واختاره السبكي؛ لأنه غش. خامسها: قد يفهم من عبارته: أنه لا خيار للمشتري، وكذا في "المهذب" (¬2)، لكن قال في "الروضة" من زوائده: الأقوى: الثبوت (¬3)، وعزاه في "الكفاية" لجماعة. 1898 - قوله: (وإن اشترى عبدين بثمن واحد .. جاز أن يبيع أحدهما مرابحة إذا قسط الثمن عليهما بالقيمة) (¬4)، قال في "المهمات": اعلم أنه إذا باع في هذه الحالة .. لا يقول: (اشتريته بكذا)، إلا أن يبين حقيقة الحال، كذا ذكره صاحب "التتمة"، ونقله عنه ابن يونس شارح "التنبيه"، وليس في كلام الرافعي و"الروضة" بيان ذلك، بل فيهما ما يوهم خلافه. انتهى (¬5). وقال القاضي حسين: يخبر بلفظ: (قام عليّ) خاصة. 1899 - قوله: (وإن قال: "اشتريت بمئة" ثم قال: "اشتريته بتسعين" .. ففيه قولان؛ أحدهما: يحط الزيادة وربحها، ويأخذ المبيع بالباقي، والثاني: أنه بالخيار بين أن يفسخ البيع وبين أن يحط الزيادة وربحها، ويأخذه بالباقي) (¬6) فيه أمور: أحدها: الأصح: الأول، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬7). ثانيها: قوله: (ثم قال: "اشتريته بتسعين") مثال، فلو تبين ذلك بالبينة .. كان كذلك، وهو داخل في قول "المنهاج" [ص 228]: (فبان بتسعين)، وفي قول "الحاوي" [ص 283]: (وإلا) أي: وإن لم يصدق في الإخبار. ثالثها: أنه ذكر تفريعًا على تخييره أنه إذا أجاز .. أخذه بالباقي، وظاهر التفريع في "الروضة" وأصلها وغيرهما: أنه يأخذه بجميع الثمن (¬8)؛ لأنه فرع ثبوت الخيار على عدم سقوط الزيادة إلا في وجه ضعيف، وهو واضح التوجيه، فلا معنى لثبوت الخيار مع حط الزيادة؛ إذ لا ضرر عليه حينئذ، وعلى ذلك حمل قول "المنهاج" [ص 228]: (أنه لا خيار للمشتري) أي: تفريعًا على الأظهر - وهو حط الزيادة - وفي "الروضة" وأصلها: لو قال البائع: لا تفسخ؛ فإني أحط عنك ¬

_ (¬1) انظر "بحر المذهب" (6/ 280). (¬2) المهذب (1/ 289). (¬3) الروضة (3/ 530). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 96). (¬5) انظر "فتح العزيز" (4/ 322)، و"الروضة" (3/ 531). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 96). (¬7) الحاوي (ص 283)، المنهاج (ص 228). (¬8) فتح العزيز (4/ 325)، الروضة (3/ 533).

الزيادة .. ففي سقوط خياره وجهان بلا ترجيح (¬1). رابعها: كلامه يقتضي جريان القولين في حالتي بقاء المبيع وتلفه، وكذا يقتضيه كلام "المنهاج" وهو الظاهر كما قال الرافعي (¬2)، وقال الماوردي: إن تلف .. حط قطعًا (¬3)، قال النووي: ونقله صاحب "المهذب" والشاشي عن أصحابنا مطلقًا (¬4). قال في "المهمات": وكلام الرافعي يقتضي أن ما ذكره من إطلاق القولين لم يأخذه من تصريح، بل من تعميم، وهذه النقول تدفع ما قاله. خامسها: قال السبكي: صورة محل القولين: ما إذا قال: بعتك برأس مالي، وهو مئة وربح كذا، أما لو قال: اشتريته بمئة، وبعتكه بمئة وعشرة .. فلا حط، ولا خيار؛ لتقصير المشتري بتصديقه، قاله القاضي حسين. وقال شيخنا الإمام البلقيني بعد نقله هذا عن القاضي وغيره: لكن ذكر النووي تبعًا للرافعي في (فصل تحريم النجش): أنه لو قال البائع: أعطيت بهذه السلعة كذا، فصدقه، فاشتراه، فبان خلافه .. عن ابن الصباغ: أن في ثبوت الخيار الوجهين؛ يعني: في مسألة النجش. انتهى (¬5). وما ذكره القاضي في ذلك وارد على "المنهاج" لتعبيره بقوله [ص 228]: (فلو قال: "بمئة" فبان بتسعين)، ولا يرد ذلك على "الحاوي" لأن عبارته [ص 283]: (وإلا .. حُطّ التفاوت) أي: وإن لم يخبر في المرابحة صادقًا .. حُطّ التفاوت، وهذه الصورة ليست من المرابحة وإن كان "التنبيه" و"المنهاج" إنما ذكرا هذه الصورة في مسائل المرابحة، لكن الإيراد على اللفظ، فليس فيه تصريح في تصويرها بالمرابحة. سادسها: يستثنى من ثبوت الخيار للمشتري: ما إذا كان عالمًا بكذب البائع في إخباره الأول، فهو كمن اشترى معيبًا وهو يعلمه. 1900 - قول "الحاوي" [ص 283]: (وإلا .. حُطّ التفاوت) أي: وإن لم يصدق في الإخبار .. حط التفاوت بين ما ذكره وما هو ثابت في نفس الأمر، وهذا إنما هو فيما إذا أخبر بالثمن زائدًا، فأما ما عداه؛ كالغبن ونحوه إذا لم يخبر به .. فلا حط، ولكن يثبت للمشتري الخيار، وهذا هو المعروف في المذهب، كما قال في "الروضة" (¬6)، وحكى فيه الغزالي القولين ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 533). (¬2) انظر "فتح العزيز" (4/ 325). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 286). (¬4) انظر "الروضة" (3/ 533). (¬5) انظر "فتح العزيز" (4/ 131)، و"الروضة" (3/ 414). (¬6) الروضة (3/ 534).

في الكذب، قال الرافعي: ولم أر لغيره تعرضًا لذلك، فإن ثبث الخلاف .. فالطريق على قول الحطّ النظر إلى القيمة، وتقسيط الثمن عليهما (¬1). قال في "المهمات": وما قاله الغزالي جزم به الإمام في "النهاية" (¬2). قلت: فـ "الحاوي" تابع للإمام والغزالي. 1901 - قوله: (وقَدرُ النقصان إن أخذ أرش قطع اليد) (¬3) أي: يحط ذلك، وهذا فيه إطلاق؛ فإنه لو زاد قدر النقصان على المأخوذ .. حط المأخوذ لا قدر النقصان، فالحاصل أنه يحط أقل الأمرين من المأخوذ وقدر النقصان. 1902 - قول "التنبيه" [ص 96]: (وإن قال: "اشتريته بمئة" ثم قال: "بل بمئة وعشرة" .. لم يقبل وإن أقام عليه بينة، إلا أن يصدقه المشتري) فيه أمور: أحدها: أن الصورة أنه باعه مرابحة، كما في المسألة قبلها، والسياق دال عليه وإن لم يصرح به، وكذا في قول "المنهاج" [ص 228]: (ولو زعم أنه مئة وعشرة) أما إذا لم يقع البيع مرابحة .. فلا أثر لذلك أصلًا، ولا يرد ذلك على "الحاوي" لبنائه المسألة على المرابحة. ثانيها: الأصح فيما إذا كذبه المشتري: أن له تحليفه أنه لا يعرف ذلك، ثم إن بيّن لغلطه وجهًا محتملًا .. سُمعت بينته أيضًا، وعلى ذلك مشى "الحاوي" و"المنهاج" (¬4)، لكن ذكر في "المطلب" أن عدم سماع بينته أشهر، وقال السبكي: إنه قول أكثر الأصحاب ومقتضى إطلاق الشافعي ومتقدمي الأصحاب، لكن اختار لنفسه: قبول بينته وإن لم يبين لغلطه وجهًا محتملًا، بل قال: كنت كاذبًا متعمدًا، واعترف بأنه خارج عن مذهب الشافعي، ثم حيث سُمعت البينة .. فهو كما لو صدقه، كما ذكره المتولي وغيره، فيأتي فيه اختلاف الترجيح في الصحة كما سنذكره. ثالثها: ما ذكره من قبول قوله فيما إذا صدقه المشتري هو الأصح في "المنهاج" وغيره (¬5)، وصحح الرافعي في "المحرر": بطلان البيع (¬6)، وتبعه "الحاوي" بقوله [ص 283]: (وإن نقصَ وصُدِّق .. بطل) ووافقه السبكي، لكنه قال: ينبغي على هذا أن يستثنى: ما إذا كان المشتري ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (4/ 326). (¬2) نهاية المطلب (5/ 298، 299). (¬3) انظر "الحاوي" (ص 283). (¬4) الحاوي (ص 283)، المنهاج (ص 228). (¬5) المنهاج (ص 228). (¬6) المحرر (ص 151).

عالمًا عند العقد بذلك، ويحكم بالصحة للعلم بالثمن - وهو رأس المال - وربحه، قال: وهذا لا شك فيه. رابعها: عبارته تفهم لزوم الزيادة؛ لأنه استثنى تصديق المشتري من نفي القبول، فدل على أنه إذا صدقه المشتري .. قُبل كلامه، وهو وجه، وحينئذ .. يثبت للمشتري الخيار، لكن الأصح: أنها لا تثبت، وللبائع الخيار، وقد لا يرد ذلك على عبارة "المنهاج" لأنه اقتصر على الصحة، ولا يلزم منها لزوم الزيادة بخلاف قبول قول البائع، والله أعلم.

باب بيع الأصول والثمار

بابُ بيع الأصول والثّمار 1903 - قول "المنهاج" [ص 229]: (قال: "بعتك هذه الأرض أو الساحة أو البقعة"، وفيها بناءٌ وشجرٌ .. فالمذهب: أنه يدخل في البيع دون الرهن) فيه أمران: أحدهما: أن محل الخلاف: إذا أطلق، فأما لو قال: (بما فيها) .. دخل قطعًا، ولو قال: (دون ما فيها) .. فلا قطعًا، ولو قال: (بحقوقها) .. دخل عند الأكثرين. ثانيهما: في قوله: (دون الرهن) نظر من حيث اللفظ؛ لأنه لم يدخل فيما تقدم، فكيف يستثنيه؟ فكأنه قال: (بعتك أو رهنتك)، ولا يرد شيء من ذلك على "التنبيه" و"الحاوي" لكونهما لم يذكرا خلافًا، ولم يستثنيا الرهن، وفي معنى البيع: الهبة، كما صرح به الجرجاني في "الشافي"، وهو مقتضى فرقهم بين البيع والرهن: بأن البيع ينقل الملك، والوقفُ (¬1)، كما هو مقتضى كلام الرافعي في آخر (كتاب الوقف) (¬2)، ولا يدخل في الإعارة، وكذا الإقرار كما هو مقتضى كلام الرافعي في قاعدة ذكرها في الكلام على الإقرار بالحمل (¬3)، وفي الإجارة والتوكيل بالبيع نظر. 1904 - قول "المنهاج" [ص 229]: (وأصول البقل التي تبقى سنتين - كالقَتِّ والهِندِبَاءِ - كالشجر) يقتضي أن ما يبقى سنة فقط ويثمر مرارًا - كالبطيخ والخيار - ليس كالشجر، وفيه وجهان في "الحاوي"، قال البغداديون: هو كالشجر، وقال البصريون: كالزرع (¬4)، والنص كما قال الروياني: إنه كالشجر (¬5)، وهو مقتضى قول "التنبيه" [ص 92، 93]: (وإن كان يجز مرة بعد أخرى)، وقول "الحاوي" [ص 283]: (وأصل البقل) فإنهما لم يقيدا ذلك ببقائه سنتين. 1905 - قول "المنهاج" [ص 229]: (ويصح بيع الأرض المزروعة على المذهب) قيد السبكي محل الخلاف: بما إذا كان الزرع يؤخذ دفعة واحدة، أما لو كان يحصد مرة بعد أخرى .. فيصح قطعًا، وحكاه عن المتولي. 1906 - قوله: (وللمشتري الخيار إن جهله) (¬6) صورته: أن يكون رآها بلا زرع ثم اشترى بعد أن زرعت، ولم يرها عند العقد. ¬

_ (¬1) قوله: (والوقفُ): معطوف على قوله: (الهبة) المارُ قبل قليل. (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 304). (¬3) انظر "فتح العزيز" (5/ 317). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 184). (¬5) الأم (3/ 46)، وانظر "بحر المذهب" (6/ 184). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 229).

ويستثنى من ثبوت الخيار: ما لو ترك البائع الزرع للمشتري، وما لو قال: أُفَرِّغُ الأرض، وأمكن في زمن يسير، وقد ذكرهما "الحاوي" بقوله [ص 283]: (لا إن تركه له، أو قال: أُفَرِّغُ الأرضَ وقَصُرَ زمانه) ويعتبر في التفريغ: ألاَّ يضر قلع الزرع بالأرض، فإن ضر .. بقي الخيار، وذلك وارد على "الحاوي". 1907 - قول "المنهاج" [ص 229]: (ولا يمنع الزرع دخول الأرض في يد المشتري وضمانه) كذا في "الروضة" وأصلها (¬1)، ولا حاجة لقوله: (وضمانه) ولهذا لم يذكره "المحرر"، وكذا "الحاوي" اقتصر على قوله [ص 284]: (وصح قبضه). 1908 - قول "المنهاج" [ص 229]: (والأصح: أنه لا أجرة للمشتري مدة بقاء الزرع) ذكر في "الروضة": أنه قطع به الجمهور (¬2)، وهو مخالف لمشيه هنا على طريقة الوجهين، ثم محل الخلاف: إذا جهل المشتري وجود الزرع وأجاز، فإن كان عالمًا .. فلا أجرة، كما اقتضاه كلام الرافعي اقتضاء كالصريح (¬3)، وصرح به الإمام (¬4)، ذكره في "المهمات". 1909 - قوله: (ولو باع أرضًا مع بذرٍ أو ذرع لا يفرد بالبيع .. بطل في الجميع) (¬5) أحسن من قول "المحرر": (إذا باع الأرض مع الزرع الذي لا يفرد بالبيع أو مع البذر) (¬6) لأنه لما أخر ذكر البذر .. تعلق قوله: (الذي لا يفرد بالبيع) بالزرع خاصة، مع أن التفصيل في البذر أيضًا، فالذي لا يفرد بالبيع منه هو ما لم يره، أو تغير بعد رؤيته، أو امتنع عليه أخذه كما هو الغالب، والذي يفرد بالبيع ما رآه قبل بذره، ولم يمض عليه زمن يتغير فيه، ويمكن أخذه من الأرض، كذا صوّره السبكي وقال: ينبغي أن يصح، وكلامهم في المنع محمول على غيره؛ لندور هذه الصورة. 1910 - قوله: (ويدخل في بيع الأرض الحجارة المخلوقة فيها، دون المدفونة) (¬7) أي: من غير إثبات، أما المثبتة: فتدخل على المذهب كالبناء، وهذا وارد على قول "الحاوي" أيضًا [ص 284]: (وعلى البائع نقل الحجر المدفون) وقد يُدعى أن لفظ الدفن يعطي انتفاء الإثبات، لكن يبقى لفظ "المنهاج" ساكتًا عنها؛ لأنها لم تدخل في المخلوقة فيها. 1911 - قول "المنهاج" [ص 229]: (ولا خيار للمشتري إن علم، وكذا إن جهل ولم يضر ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 537). (¬2) الروضة (3/ 542). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 329). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (5/ 130). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 229). (¬6) المحرر (ص 152). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 229).

قلعها، وإن ضر .. فله الخيار) فيه أمران: أحدهما: أن الضرر بقلعها يكون بأن تنقص الأرض به، وبأن يحتاج النقل لمدة لمثلها أجرة، فتناولت عبارته الأمرين، فهو أحسن من قول "المحرر": (ولا يضر قلعها بالأرض) (¬1) فإنه لا يتناول الثاني. ثانيهما: يستثنى من ثبوت الخيار: ما لو تركه البائع له حيث لا يكون في بقائه ضرر، وقد ذكر ذلك "الحاوي" بقوله [ص 284]: (وخُيِّر إن تضرر به، ولم يتركه البائع، بلا ضرره)، لكنه أهمل شرطًا ثالثًا، وهو: جهل المشتري بوجود تلك الأحجار فيها؛ ولعله سكت عنه لوضوحه، فلثبوت الخيار ثلاثة شروط، أهمل كل من "المنهاج" و"الحاوي" شرطًا منها غير الآخر. 1912 - قول "المنهاج" و"الحاوي" فيما إذا نقل البائع الحجر: (إنه يلزمه تسوية الأرض) (¬2) فسر ابن الرفعة التسوية: بإعادة التراب المزال بالقلع من فوق الحجارة؛ أي: وإن لم تستو، ويبعد أن يقال: يجب أن يسويها بتراب آخر من خارج أو مما فيها؛ لأن في الأول إيجاب عين لم تدخل في البيع، وفي الثاني تغيير المبيع. 1913 - قول "المنهاج" [ص 229]: (وفي وجوب أجرة مثل مدة النقل أوجهٌ، أصحها: تجب إن نقل بعد القبض لا قبله) يشترط أيضًا: كون المشتري جاهلًا بذلك، فلو علمه .. فلا أجرة له، كما لو اشترى دارًا فيها أقمشه يعلمها .. فلا أجرة له في مدة نقلها، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 284]: (إن جهل المشتري). قال شيخنا الإمام البلقيني: فلو أن البائع باع الأحجار لغيره بحيث يصح البيع برؤية معتبرة سابقة .. فهل حل المشتري محل البائع، فلا تلزمه الأجرة إذا كان قبل القبض، أو تلزمه مطلقًا؛ لأنه أجنبي عن البيع؟ لم أقف على نقل في ذلك، والأصح: الثاني. انتهى. 1914 - قول "المنهاج" [ص 229، 230]: (ويدخل في بيع البستان: الأرض والشجر والحيطان، وكذا البناء على المذهب) الجزم بدخول الحيطان والخلاف في الأبنية هي طريقة الرافعى والنووي؛ بناء على أنه لايسمى بستانًا بدون الحيطان (¬3)، وهي طريقة ضعفها الروياني (¬4). قال السبكي: وإيراد الأكثرين مائل إلى إجراء الخلاف في الجميع. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 152). (¬2) الحاوي (ص 284)، المنهاج (ص 229). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 334)، و"الروضة" (3/ 543). (¬4) انظر "بحر المذهب" (6/ 177).

1915 - قوله: (وفي بيع القرية: الأبنية وساحات يحيط بها السور) (¬1) يقتضي تنكير الساحات: أن إحاطة السور وصفٌ لها فقط، فثدخل الأبنية المتصلة بالسور التي هي خارجه، وعبارة "المحرر" و"الشرح" و"الروضة" تقتضي إخراجها؛ لتعريفهم الساحات (¬2)، فكانت إحاطة السور وصفًا لها وللأبنية معًا، والمفهومان بعكس ما تقدم عن الرافعي والنووي في القصر؛ فإن الرافعي اختار أنه لا يقصر حتى يفارقها (¬3)، فدل على إضافتها إلى القرية، ودخولها في مسماها، وكلامه هنا يخرجها عن مسماها، والنووي يختار القصر قبل فراقها، فليست منها (¬4)، وكلامه هنا يدخلها. وأما السور نفسه: فعبارة "المحرر" قد تخرجه؛ لأنها لم تدخل من الأبنية إلا ما أحاط به السور، ولا يقال في السور: إنه أحاط به السور، بخلاف عبارة "المنهاج" لكونها جعلت إحاطة السور في الساحات فقط. 1916 - قوله: (وتدخل الإجِّانات، والرَّفُّ والسُّلَّم المُسَمّران، وكذا الأسفل من حجري الرحى على الصحيح) (¬5) فيه أمران: أحدهما: المراد: الإجَّانات المثبتة دون المنفصلة، كما صرح به في "الروضة" وغيرها (¬6)، وهو مقتضى عبارة "المحرر" حيث قال: (وكذا الإجانات والرفوف المثبتة) (¬7)، فعادت الصفة للجميع، وأما "المنهاج": فإنه وصف الرف والسلم بكونهما مسمرين، فصارت الإجانات خالية عن وصف، ثم إن الإثبات في الرف أعم من المسمر، فالتعبير به أولى، وكذا الأسفل من حجري الرحى لا بد في دخوله من كونه مثبتًا، فلو قال بعد الكل: (المثبتات) .. لكان أولى، ودخل ذلك كله في قول "الحاوي" [ص 284]: (والمثبت للبقاء). ثانيهما: الخلاف الذي في الأسفل من حجري الرحى يأتي فيما قبله من الإجانات والرف والسلم، فلو قال: (وكذا الإجانات ... إلى آخره) كما في "المحرر" (¬8) .. لو فى بالخلاف فيها، فأخر في "المنهاج" لفظة: (كذا)، فسقط منه الخلاف في مسائل. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 230). (¬2) المحرر (ص 152)، فتح العزيز (4/ 334)، الروضة (3/ 543). (¬3) انظر "فتح العزيز" (2/ 208). (¬4) انظر "الروضة" (1/ 380). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 230). (¬6) الروضة (3/ 544). (¬7) المحرر (ص 152). (¬8) المحرر (ص 152).

1917 - قول "الحاوي" [ص 284]: (والعبد .. الثوب) أي: تناول العبد ثوبه الذي عليه، فيدخل في بيعه، تبع فيه "المحرر" (¬1)، والأصح: عدم دخوله؛ ولذلك استدركه "المنهاج" فقال [ص 230]: (الأصح: لا تدخل). والأمة كالعبد، كما صرح به النووي في "شرح المهذب" وابن الرفعة في "المطلب" على أن ابن حزم الظاهري قال: إن لفظ العبد يتناول الأمة (¬2). 1918 - قول "المنهاج" [ص 230]: (باع شجرة .. دخل ورقها - وفي ورق التوت وجه -) محل هذا الوجه: فيما يخرج زمن الربيع، كما في "الروضة" وأصلها (¬3)، وأن يكون توته أبيض وأنثى، كما قاله ابن الرفعة، وحُكي عن الأصحاب: أن ورف الذكر لا يصلح للدود، ومن هنا يعلم أن تعبير "الروضة" وأصلها بـ (الفرصاد) معترض؛ فإنه التوت الأحمر، كما في "الصحاح" (¬4)، ويشهد له قول الشاعر (¬5): [من بحر البسيط] قَد أَترُكُ القِرنَ مُصفَرًّا أَنامِلُهُ ... كَأَنَّ أَثوابَهُ مُجَّت بِفِرصادِ وعبارة "التنبيه" [ص 92]: (وإن كان ثمره ورقًا كالتوت .. فقد قيل: أنه إن لم يتفتح .. فهو للمشتري، وإن تفتح .. فهو للبائع، وقيل: هو للمشتري بكل حال)، وقد عرفت أن الأصح: الثاني، وأن شرط جريان الأول: كونه في الربيع وأبيض وأنثى، وهذه الشروط مفهومة من قوله: (وإن كان ثمره ورقًا) فانه لا يعد ثمرة إلا باجتماعها لأجل دود القز، وظاهر كلام "التنبيه" طرد ذلك في ورق السدر، وهي طريقة، والأصح: القطع بأنه للمشتري، وعليه تدل عبارة "المنهاج". قال في "البيان": وشجر الحناء ونحوه يجوز أن يكون فيه خلاف كالتوت، ويجوز أن يقطع بأنه إذا ظهر ورقه .. كان للباع؛ لأنه لا ثمر لها سوى الورق، بخلاف الفرصاد، فإن له ثمرة مأكولة (¬6). 1919 - قول "المنهاج" [ص 230]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 284]: (وأغصانها إلا اليابس) فيه أمران: ¬

_ (¬1) المحرر (ص 153). (¬2) انظر "المحلى" (8/ 424). (¬3) الروضة (3/ 547). (¬4) الصحاح (2/ 519). (¬5) هو عبيد بن الأبرص. (¬6) البيان (5/ 244).

أحدهما: أنه يشمل أغصان الخِلاَفِ (¬1)، وبه صرح الإمام هنا (¬2)، لكنه صرح في (باب الوقف) بعدم دخولها (¬3)، وحكى في (باب الرهن) خلافًا (¬4). ثانيهما: استثناء اليابس إنما هو في بيع الشجرة الرطبة، ويدخل اليابس في بيع اليابسة، وهذا واضح. 1920 - قول "المنهاج" في الشجرة [ص 230]: (إنه يصح بيعها بشرط الإبقاء) محله: إذا كانت رطبة، أما اليابسة: فلو شرط إبقاؤها .. لم يصح البيع كبيع ثمرة مؤبرة؛ أي: بدا صلاحها بشرط عدم القطع أوان الجذاذ، حكاه الرافعي عن "التتمة"، وأقره (¬5). 1921 - قوله: (والإطلاق يقتضي الإبقاء) (¬6) أي: ولو غَلُظَتْ عما كانت عليه وقت البيع، فلو تفرخت منها شجرة أخرى .. فهل يستحق إبقاؤها كالمتجدد من عروق الأصل وغلظها، أم لا؛ لحدوثها، أم يفرق بين ما تجري العادة باستخلافه وما لم تجر به؟ قال بعضهم: فيه احتمالات، والأول أظهر، كذا في "المطلب"، وبقي احتمال رابع، وهو: إبقاؤها مدة بقاء الأصل، فإذا زال .. أزيلت، ثم قال في "المطلب": ما يعلم استخلافه؛ كالموز .. فلا شك في وجوب بقائه. 1922 - قوله: (والأصح: أنه لا يدخل المَغْرِس لكن يستحق منفعته ما بقيت الشجرة) (¬7)، قال في "المهمات": لقائل أن يقول: هل محل الخلاف فيما يسامت الشجرة من الأرض دون ما تمتد إليه أغصانها، أم الخلاف في الجميع؟ فإن كان الثاني .. فيلزم أن يتجدد للمشتري في كل وقت ملك لم يكن. انتهى. وقال في "المطلب": ومما تعم به البلوى ولم أره منقولًا: أن يبيع ذلك والأرض في إجارته، ولم تنقض المدة، وعلم المشتري بذلك .. فهل نقول: يستحق الإبقاء بقية المدة بالأجرة؟ وهو الأشبه، وعليه العمل، أو مجانًا كالمملوكة؟ قال: فلو كانت الأرض موصى بمنفعتها .. فيشبه أنها كالمملوكة؛ لأن المنفعة ملكه دائمًا تورث عنه. انتهى. ¬

_ (¬1) الخلاف: شجر الصفصاف. انظر "تهذيب اللغة" (7/ 174)، و"المعجم الوسيط" (1/ 251). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (5/ 115). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (8/ 400). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (6/ 250). (¬5) انظر "فتح العزيز" (4/ 339). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 230). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 230).

1923 - قوله: (ولو كانت يابسة .. لزم المشتري القلع) (¬1) أحسن من تعبير "المحرر" بـ (القطع) (¬2)، وهذا مقيد لقوله: (والإطلاق يقتضي الإبقاء) دل على حمل ذلك على الشجرة الرطبة، أما اليابسة: فيلزم قلعها، ويمكن أن يكون قيدًا في الصور كلها التي منها: شرط الإبقاء، وتبين أن ذلك كله في الرطبة دون اليابسة، فيوافق ما تقدم عن "التتمة": أنه لو شرط الإبقاء في اليابسة .. بطل البيع، ويستغنى عن الإيراد عليه هناك؛ ولعل هذا أرجح، والله أعلم. 1924 - قوله: (وثمرة النخل المبيع إن شُرطت للبائع أو للمشتري .. عُمل به، وإلا؛ فإن لم يتأبَّر منها شيء .. فللبائع، وإلا .. فللمشتري) (¬3)، تعبير "التنبيه" و"الحاوي" بـ (الظهور) (¬4) أولى منه؛ لأنها قد لا تؤبر، بل تتشقق وتظهر ثمرتها بنفسها، فحكمها حكم المؤبرة، لكن "المنهاج" بنى كلامه على الغالب، وتميز بالتصريح بأن ذلك عند عدم الشرط، فإن شرط كونها للبائع أو للمشتري .. اتبع، ولم يتعرضا لذلك، وسوّى "التنبيه" بين ثمرة النخيل وبين ما إذا كانت الثمرة نفسها نورًا يتفتح؛ كالورد والياسمين في أنه إن ظهر ذلك أو بعضه .. فالجميع للبائع، وإلا .. فللمشتري، وهو داخل في عموم قول "الحاوي" [ص 284]: (وثمرًا ظهر، ويتبعه غيره)، والذي في "الروضة" وأصلها: هو ضربان: أحدهما: يخرج ظاهرًا كالياسمين، فإن خرج .. فللبائع، وإلا .. فللمشتري. والثاني: يخرج في كمام ثم يتفتح كالورد الأحمر، فإذا بيع أصله بعد خروجه وتفتحه .. فهو للبائع، وإن بيع قبل تفتحه .. فللمشتري في الأصح، ثم حكى بعد ذلك عن البغوي وأقره: أن ما تشقق من الورد .. للبائع، وما لم يتشقق .. للمشتري، وإن كانا على شجرة واحدة، ولا يتبع بعضه بعضًا، بخلاف النخل؛ لأن الورد يُجنى في الحال، فلا يخاف اختلاطه (¬5). قال السبكي: وهو الذي تقتضيه عبارة "المهذب". ويرد على عبارة "الحاوي": التين والعنب؛ فإن مقتضاها أن ما لم يظهر منه تابع لما ظهر في أنه للبائع، لكن حكى الرافعي عن البغوي: أن ما ظهر .. للبائع، وما لا .. فللمشتري، ثم قال الرافعي: وهو محل التوقف (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 230). (¬2) المحرر (ص 153). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 230)، وفي المطبوع: (فإن لم يتأبَّر منها شيءٌ .. فهي للمشتري، وإلا .. فللبائع)، ولعله الصواب؛ فقد شرح عليه في "تحفة المحتاج" (4/ 455) و"نهاية المحتاج" (4/ 139). (¬4) التنبيه (ص 92)، الحاوي (ص 284). (¬5) الروضة (3/ 549، 552). (¬6) انظر "التهذيب" (3/ 369)، و"فتح العزيز" (4/ 343).

قال في "المهمات": وما توقف فيه قد صرح به الشيخ في "المهذب"، وصرح به أيضًا المتولي والروياني، وقالا: إنه لا خلاف فيه، لكنهما إنما تكلما في التين خاصة. انتهى (¬1). ولم يتعرض "التنبيه" و"المنهاج" للتصريح بذلك، فقال "المنهاج": [ص 230]: (إن برز ثمره .. فللبائع، وإلا .. فللمشتري)، وقال "التنبيه" [ص 92]: (وإن كان ثمرهُ بارزًا؛ كالتين والعنب .. فهو للبائع). 1925 - قول "المنهاج" [ص 230]: (وما خرج في نَوْرٍ ثم سقط؛ كمشمش وتفاح) مراده: الذي من شأنه ذلك، وإلا .. فكيف يستقيم فرض المسألة في أن النور سقط ثم يفصل بين أن يتناثر النور أم لا؟ فلو عبر بالمضارع كـ "التنبيه" حيث قال [ص 92]: (وإن كان ثمره يخرج في نور ثم يتناثر عنه النور) .. لكان أولى، وصرح "التنبيه" بأن ما لم يظهر من ذلك تابع لما ظهر، ودخل في عموم عبارة "الحاوي" المتقدمة (¬2)، ولم يتعرض "المنهاج" للتصريح بذلك، وتعبيره فيما لم يتناثر عنه النور بـ (الأصح) موافق لـ "الروضة" (¬3)، لكن كان ينبغي التعبير بـ (النص) لأنه محكي عن نصه في "البويطي"، كما ذكره الرافعي (¬4). 1926 - قول "التنبيه" [ص 92]: (فيما ثمره في كمام لا يزال إلا عند الأكل؛ كالرمان والرانج) مخالف لكلامه في "المهذب" فإنه جعل فيه الرانج مما له قشران كالجوز، وكذا في "الروضة" وأصلها (¬5)، وجمع بينهما: بأنه نوعان؛ نوع ذو قشر، ونوع ذو قشرين، حكاه في "التحرير" (¬6)، وقال صاحب "المذاكرة": لعله كان مكان الرانج: الموز؛ فغيّرهُ النُّسَّاخُ. 1927 - قوله: (وإن كان ثمره في قشرين؛ كالجوز واللوز .. فهو كالتين والرمان على المنصوص، وقيل: هو كثمرة النخل قبل التأبير) (¬7)، قال في "الكفاية": قد يشمل ما إذا تشقق الأعلى، وليس كذلك، بل محله: ما إذا لم يتشقق. 1928 - قول "التنبيه" [ص 93]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 284]: (وإن باع الأصل وعليه ثمرة للبائع .. لم يكلف نقلها إلى أوان الجداد) محله: إذا لم يشرط القطع، فإن شرط .. لزمه، وقد ذكره "المنهاج" (¬8). ¬

_ (¬1) المهذب (1/ 280)، وانظر "بحر المذهب" (6/ 172، 173). (¬2) الحاوي (ص 284). (¬3) الروضة (3/ 549). (¬4) انظر "فتح العزيز" (4/ 341). (¬5) المهذب (1/ 280)، الروضة (3/ 550). (¬6) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 181). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 92). (¬8) المنهاج (ص 231).

فصل [لا يجوز بيع الثمار قبل بدو الصلاح]

ويستثنى من كلامهم من التبقية للجداد صور: إحداها: أن تكون الثمرة مما (¬1) يُعتادُ قطعُهُ قبل النضج .. فإنه يُكلف قطعه على العادة، وقد لا ترد هذه؛ فإن هذا أوان جدادها. الثانية: إذا تعذر السقي لانقطاع الماء، وعظم ضرر النخل ببقاء الثمرة .. فأصح القولين: أنه ليس له الإبقاء. الثالثة: لو أصاب الثمار آفة ولم يبق في تركها فائدة .. فهل له إبقاؤها؟ فيه قولان (¬2). 1929 - قول "التنبيه" [ص 93]: (وإن احتاج إلى سقي .. لم يكن للمشتري منعه من سقيه) يستثنى من ذلك: ما إذا تضررت الشجرة بالسقي .. فيفسخ العقد إن لم يتراضيا على شيء، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 285]: (وإن ضر وتشاحّا .. فُسخ العقد) وكذا في "المنهاج"، وزاد [ص 231]: (إلا أن يسامح المتضرر)، فاستدرك ذلك على "الحاوي"، وعندي: أنه زيادة تأكيد لا يحتاج لذكره؛ لأنه متى سامح المتضرر .. لا مشاححة، والتصوير: أنهما تشاحّا. فصلٌ [لا يجوز بيع الثمار قبل بدوِّ الصلاح] 1930 - قول "التنبيه" [ص 93]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 285]: (ولا يجوز بيع الثمار حتى يبدو صلاحها إلا بشرط القطع) فيه أمور: أحدها: شرطه: أن يكون المقطوع منتفعًا به؛ كحصرم لا كَكُمّثْرَى، وقد ذكره "المنهاج" (¬3)، وقد يقال: لا حاجة لذكره؛ فإن كل مبيع شرطه ذلك، فذكر "المنهاج" له لبيان صورة المسألة لا لاشتراط يخص هذا الباب. ثانيها: محل ذلك: ما إذا باعها منفردة، فإن باعها مع الأصل .. لم يحتج لذلك، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬4). ثالثها: صورة المسألة: أن يبيع الثمرة على شجرة نابتة، فلو قطع شجرة عليها ثمرة ثم باع الثمرة وهي عليها .. جاز من غير شرط القطع؛ لأن الثمرة لا تبقى عليها، فينزل ذلك منزلة ¬

_ (¬1) أي: من نوع. (¬2) في (ج): (من غير ترجيح، قال جد الوالد: والأرجح: أنه ليس له ذلك؛ لأن التبقية إنما هي للانتفاع بها، وذلك غير موجود. انتهى). (¬3) المنهاج (ص 231). (¬4) الحاوي (ص 285)، المنهاج (ص 231).

الشرط، ذكره في "الروضة" من زوائده (¬1)، وهو وارد على "المنهاج" أيضًا. 1931 - قول "التنبيه" [ص 93]: (فإن باع الثمرة قبل بُدوِّ الصلاح من صاحب الأصل، أو الزرع الأخضر من صاحب الأرض .. جاز من غير شرط القطع) كذا صححه في "أصل الروضة" في (باب المساقاة) عند الكلام في هرب العامل (¬2)، ولم يصحح الرافعي هناك شيئًا، ونقلا في هذا الباب عن الجمهور تصحيح البطلان أيضًا، وعليه مشى "المنهاج"، وهو مقتضى إطلاق "الحاوي" (¬3)، لكن إذا شرط القطع في هذه الصورة .. لا يجب الوفاء به، وقد نبه عليه في "المنهاج" (¬4)، وصورته: أن يبيع الشجرة لشخص، وتبقى الثمرة له، ثم يبيعه الثمرة، أو يوصي لإنسان بثمرة، فيبيعها لصاحب الشجرة، أو يبيع الثمرة بشرط القطع ثم يشتريها قبله. 1932 - قولهم - والعبارة لـ"التنبيه" -: (ولا يجوز بيع الزرع الأخضر إلا بشرط القطع (¬5) فيه أمور: أحدها: أنه ينبغي أن يقال: (إلا بشرط القطع أو القلع)، وكذا في "المحرر" (¬6). ثانيها: عبارة "المحرر": (الزرع الأخضر والبقول)، وكذا في "الحاوي" (¬7)، وأراد "التنبيه" و"المنهاج" بالزرع: ما ليس بشجر، فيدخل فيه البقول. ثالثها: محل ذلك: إذا باعه منفردًا، فإن كان مع الأرض .. فلا يشرط القطع، وقد صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬8). 1933 - قول "المنهاج" [ص 232]: (وما له كمامان؛ كالجوز واللوز والباقلاء .. يباع في قشره الأسفل، ولا يصح في الأعلى) فيه أمران: أحدهما: أن تعبيره بقوله: (كمامان) غير مستقيم؛ لأنه جمع، والمفرد: كمامة، وكم بالكسر فالصواب: أن يقول: كمامتان أو كمان؛ لأن مراده: فردان من أفراد الأكمة، ذكره في "المهمات". ثانيهما: يستثنى من ذلك: قصب السكر، فيجوز بيعه وهو مستور بقشره، كما في "المطلب" ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 554). (¬2) الروضة (5/ 161، 162). (¬3) الحاوي (ص 285)، المنهاج (ص 231). (¬4) المنهاج (ص 231). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 93)، و"الحاوي" (ص 285)، و "المنهاج" (ص 231). (¬6) المحرر (ص 154). (¬7) المحرر (ص 154)، الحاوي (ص 285). (¬8) الحاوي (ص 285)، المنهاج (ص 232، 231).

عن "الحاوي" (¬1)، وفي "شرح المهذب" المسمى بـ "الاستقصاء": ولعل ذلك؛ لأن قشره الأسفل يجري مجرى باطنه؛ لأنه قد يُمص معه، فصار كأنه في قشر واحد كالرمان، ومنع في "التنبيه" بيع الباقلاء والجوز واللوز في قشريه، ولم يصرح بطرد ذلك في كل ما له كمامتان (¬2). 1934 - قول "الحاوي" [ص 285]: (والبطيخ، والثمار قبل الصلاح دون الأصل) أي: فإنه لا يصح بيعها قبل بُدُوِّ الصلاح إلا بشرط القطع إلا أن يبيعها مع أصولها، وما ذكره في البطيخ موافق لبحث الرافعي، ومخالف لمنقوله؛ فإنه حكى عن الإمام والغزالي: أنه إذا باع البطيخ مع أصله .. لا بد من شرط القطع؛ لتعرضها للعاهة، بخلاف الشجر مع الثمرة، فلو باع البطيخ مع الأرض .. استغنى عن شرط القطع، فالأرض كالشجر، ثم قالط الرافعي: ومقتضى ما ذكرناه في بيع الأصول وحدها إذا لم يخف اختلاطه: أنه لا حاجة إلى شرط القطع (¬3). فتبع "الحاوي" هذا البحث، وجزم به (¬4). 1935 - قول "المنهاج" [ص 232]: (وبدوُّ صلاح الثمر: ظهور مبادئ النضج والحلاوة فيما لا يَتَلوَّن، وفي غيره: بأن يأخذ في الحمرة أو السواد) عبارة "المحرر": (ظهور مبادئ النضج والحلاوة، وذلك فيما لا يتلوّن: بأن يتموّه ويلين، وفيما يتلون: بأن يأخذ في الاحمرار والاسوداد) (¬5)، ومقتضاها: أن بدو الصلاح: بظهور مبادئ النضج والحلاوة مطلقًا، غير أنه يعرف بالتلوّن فيما يتلوّن، وفي غيره؛ كالعنب الأبيض: باللين والتموه؛ أي: بالصفاء وجريان الماء فيه، وجعل في "المنهاج" ظهور مبادئ النضج والحلاوة قسيمًا للتلوّن، والذي في "المحرر" هو المعروف. قال الرافعي: وهذه الأوصاف وإن عرف بها بدو الصلاح .. فليست شرطًا فيه؛ لأن القثاء لا يتصور فيه شيء منها، بل يستطاب أكله صغيرًا وكبيرًا، وإنما يبدو صلاحه: بأن يكبر بحيث يُجنى في الغالب ويؤكل، وأكله في الصغر نادر، وكذا الزرع لا يتصور فيه ذلك، وصلاحه: اشتداده، فالعبارة الشاملة أن يقال: صيرورتها إلى الصفة التي تطلب غالبًا لكونها على تلك الصفة. انتهى (¬6). ¬

_ (¬1) الحاوي الكبير (5/ 196). (¬2) التنبيه (ص 93). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 351)، وانظر "نهاية المطلب" (5/ 150، 151)، و"الوجيز" (1/ 311، 312). (¬4) في (ب): (وقد حكاه ابن الرفعة عن سليم وغيره من العراقين). انظر "أسنى المطالب في شرح روض الطالب" (2/ 105). (¬5) المحرر (ص 154). (¬6) انظر "فتح العزيز" (4/ 350، 351).

وعبارة "التنبيه" [ص 93]: (وبدو الصلاح: أن يطيب أكله) أي: المعتاد؛ ليخرج بذلك الحصرم والقثاء والباذنجان وإن أكل صغيرًا. 1936 - قوله: (فإذا وجد ذلك في بعض الجنس في البستان .. جاز بيع جميع ما في البستان من ذلك الجنس) (¬1) أي: بشرط الاتحاد في العقد، وقد ذكر ذلك "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). 1937 - قول "التنبيه" [ص 93]- والعبارة له - و"المنهاج" [ص 232]: (وإن تلفت الثمرة بعد التخلية .. ففيه قولان، أحدهما: أنها تتلف من ضمان البائع، والثاني - وهو الأصح -: أنها تتلف من ضمان المشتري) فيه أمور: أحدها: أن محل القولين: أن تتلف بآفة سماوية، وعليه يدل تمثيل "المنهاج" بالبرد، وقد ضبطه النووي بخطه بفتح الراء وإسكانها، وكلاهما سماوي، أما لو سرقت .. فالمذهب: أنها من ضمان المشتري، وقيل: بطرد القولين، وبه قطع العراقيون. ثانيها: يستثنى من القولين أيضًا: ما إذا تلفت بعد أوان الجذاذ بزمن يُعَدُّ التأخير به تضييعًا .. فهي من ضمان المشتري قطعًا، صرح به في "الكفاية"، وحكاه الرافعي عن الإمام، وأنه قال: لا مساغ للخلاف فيه (¬3). ثالثها: ويستثنى أيضًا: ما لو تلف بترك البائع السقي .. فالمذهب: القطع بأنها من ضمان البائع، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 285]: (وإن ترك وتلف .. انفسخ). رابعها: ويستثنى من القولين أيضًا: ما لو باع الثمرة مع الشجرة، وخلى بينه وبينها، فتلفت .. فهي من ضمان المشتري بلا خلاف، كما ذكره الرافعي والنووي (¬4)، لكن حكى شيخنا الإمام البلقيني عن نصه في "الأم" إجراء القولين فيه أيضًا (¬5)، وكذا لو باعها لصاحب الشجرة، فتلفت بعد التخلية .. فهي أيضًا من ضمان المشتري بلا خلاف، كما ذكره في زوائد "الروضة" (¬6)، وأجرى شيخنا الإمام البلقيني فيه الخلاف تخريجًا مما تقدم، وهو واضح. 1938 - قول "المنهاج" [ص 232]: (فلو تعيب بترك البائع السقي .. فله الخيار) الذي في "المحرر": (لو تعيب بها؛ أي: بالجائحة .. فله الخيار) (¬7)، فغيره "المنهاج" إلى التعيب ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 93). (¬2) الحاوي (ص 284)، المنهاج (ص 232). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (5/ 160)، و"فتح العزيز" (4/ 360). (¬4) انظر "فتح العزيز" (4/ 361)، و"الروضة) (3/ 564). (¬5) الأم (3/ 59). (¬6) الروضة (3/ 564). (¬7) المحرر (ص 155).

بترك السقي، واعتذر عنه في "الدقائق" لأن ثبوت الخيار بالتعيب بالجائحة إنما يكون على القول القديم (¬1)، وكذا قال شيخنا الإسنوي: الذي يظهر أن ما في "المحرر" مفرع على القديم، ولكن سقط المفرع عليه. قال شيخنا ابن النقيب: وهو واضح من حيث الفقه، لكن كلام "الشرح" و"الروضة" صريح في تفريعه على الجديد، أو على كل قول، فحكى كلامًا من "الروضة" هو عليه؛ لأنه إنما هو في التعيب بترك السقي لا في التعيب بالجائحة، فراجعه تجده كذلك (¬2). 1939 - قوله: (ولو بيع قبل صلاحه بشرط قطعه ولم يقطع حتى هلك .. فأولى بكونه من ضمان المشتري) (¬3) كذا في "المحرر" و"الشرح" (¬4)، وصورها في "الروضة": بما إذا بيعت بعد الصلاح وحكمها عند شرط القطع واحد (¬5)، فالصواب: حذف التقييد بما قبل الصلاح وما بعده. 1945 - قول "التنبيه" [ص 93]: (وإن اشترى ثمرة فلم يأخذها حتى حدثت ثمرة أخرى، أو جِزَّةً من الرطبة فلم يأخذها حتى طالت، أو طعامًا فلم يأخذه حتى اختلط به غيره .. ففيه قولان، أحدهما: ينفسخ البيع، والثاني: لا ينفسخ، بل يقال للبائع: إن تركت حقك .. أقر العقد، وإن لم تترك .. فسخ البيع) فيه أمور: أحدها: محل القولين: في ثمرة يندر تلاحقها فلم تقطع حتى اختلطت، أو يغلب تلاحقها وشرط القطع عند خوف الاختلاط، فلم تقطع حتى اختلطت، فلو غلب التلاحق ولم يشترط القطع .. بطل البيع من أصله، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬6). ثانيها: الأصح: الثاني، وهو عدم الانفساخ، بل يثبت الخيار، وقد ذكره "المنهاج" كذلك (¬7)، وفصل "الحاوي" فقال: بالخيار فيما يندر تلاحقه، وبالانفساخ فيما يغلب تلاحقه وشرط قطعه، فلم يقطع حتى اختلط، وعبارته: (وما غلب اختلاطه بشرط القطع؛ فإن وقع .. بطل، وفيما يندر .. الخيار)، وتبع الغزالي؛ فإنه صححه في "وجيزه" (¬8)، لكن الذي في "الروضة" وأصلها: التسوية بين الحالتين (¬9)، وصحح الانفساخ مطلقًا النووي في "شرح ¬

_ (¬1) الدقائق (ص 61). (¬2) "السراج على نكت المنهاج" (3/ 132)، وانظر "فتح العزيز" (4/ 361)، و"الروضة" (3/ 563). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 232). (¬4) المحرر (ص 155)، فتح العزيز (4/ 359). (¬5) الروضة (3/ 562). (¬6) الحاوي (ص 285)، المنهاج (ص 233). (¬7) المنهاج (ص 233). (¬8) الوجيز (1/ 315). (¬9) الروضة (3/ 565).

الوسيط" والسبكي، ونقله في "المهمات" عن الأكثرين. ثالثها: ما ذكره تفريعًا على التخيير من البداية بالقول للبائع حكاه في "المطلب" عن نص الشافعي والأصحاب، ورجحه السبكي، وعكس "المنهاج" تبعًا لأصله فقال [ص 233]: (يتخير المشتري، فإن سمح له البائع بما حدث .. سقط خياره) وكذا في "الحاوي" فيما يندر اختلاطه فقال [ص 285]: (وفيما يندر الخيار إن لم يهب البائع ما تجدَّد)، ومقتضاه: جواز مبادرة المشتري للفسخ، إلا أن يبادر البائع ويسامح .. فيسقط خياره. رابعها: محل ما ذكروه في التخيير: إذا وقع الاختلاط قبل التخلية، أما إذا وقع بعدها؛ فإن اتفقا على شيء .. فذاك، وإلا .. فالمصدق ذو اليد في قدر حق الآخر، وهل اليد في الثمرة للبائع أو للمشتري أو لهما؟ أوجه من غير ترجيح في "الروضة" (¬1)، وعبارة الرافعي تقتضي ترجيح المشتري؛ فإنه بنى الخلاف على أن الجوائح من ضمان البائع أو المشتري (¬2). خامسها: قد يفهم من تخيير المشتري تعاطيه الفسخ بنفسه، وليس كذلك، بل معناه: رفع الأمر إلى الحاكم، ويكون الحاكم هو الذي يفسخ، حكاه في "الكفاية" عن أبي الطيب والماوردي من غير مخالفة (¬3). قال في "المهمات": وهو متجه؛ فإن هذا الفسخ ليس للعيب، بل لقطع المنازعة، قال: واستفدنا من كونه لقطع المنازعة أن لا يكون على الفور؛ كالفسخ بعد التحالف. سادسها: محل الخلاف في الطعام: إذا لم يُعلم قدر أحدهما، وإلا .. فلا انفساخ قطعًا، لكن يخير المشتري. 1941 - قول "التنبيه" [ص 93]: (وإن كانت الشجرة تحمل حملين، فلم يأخذ البائع ثمرته حتى حدثت ثمرة المشتري واختلطت ولم تتميز .. ففيه قولان، أحدهما: أن البيع ينفسخ، والثاني: لا ينفسخ، بل يقال للبائع: إن سلمت الجميع .. أجبر المشتري على قبوله، وإن امتنع .. قيل للمشتري: إن سلمت الجميع .. أجبر البائع على قبوله، وإن تشاحا .. فسخ العقد) فيه أمران: أحدهما: محل القولين: فيما إذا كانت الثمرة يندر تلاحقها، فلم يقطعها البائع حتى اختلطت، أو يغلب تلاحقها وشرط القطع عند خوف الاختلاط، فلم يَقْطَع حتى اختلطت، فلو غلب التلاحق ولم يشترط القطع .. بطل البيع، كما في المسألة التى قبلها، كذا في "الروضة" وأصلها (¬4). ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 565). (¬2) انظر "فتح العزيز" (4/ 363). (¬3) انظر "الحاوى الكبير" (5/ 174). (¬4) الروضة (3/ 565).

وقال شيخنا الإمام البلقيني: هذا مردود؛ فإن المبيع هنا الشجرة، والشجرة لا خلل فيها، فاشتراط القطع لا معنى له، بخلاف الصورة الأولى، وهي بيع الثمرة التي يغلب تلاحقها؛ فإن المبيع تلحقه الآفة، فأشبه بيع الثمار قبل بدو الصلاح لا يصح إلا بشرط القطع. انتهى. ثانيهما: الأصح: الثاني، ولم يتعرض "المنهاج" و"الحاوي" لهذه الصورة، ويعود فيها ما سبق في التي قبلها من التنبيهات. 1942 - قولهم في تفسير العرايا - وهو في "التنبيه" و"الحاوي" في (الربا) -: (بيع الرطب ... إلى آخره) (¬1) قد يخرج البسر، وليس كذلك، بل حكمه كحكم الرطب، كما صرح به الماوردي (¬2). 1943 - قول "التنبيه" [ص 91]: (في خمسة أوسق قولان) الأصح: لا يجوز، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬3)، فلو باع أكثر من المشروع في عقدٍ .. فالذي يقتضيه كلام الرافعي وغيره: البطلان في الكل، وبه صرح الماوردي (¬4)، وحكى الجوري قولين؛ ثانيهما: يلحق بتفريق الصفقة. 1944 - قوله: (وفيما سوى الرطب والعنب من الثمار قولان) (¬5) الأصح: أنه لا يجوز، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬6). 1945 - قول "المنهاج" [ص 233]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 265]: (ولو زاد في صفقتين .. جاز) اعلم أن الصفقة تتعدد هنا بتعدد المشتري قطعًا، وبتعدد البائع في الأصح، عكس القاعدة المتقدمة أنها تتعدد بتعدد البائع قطعًا، وبتعدد المشتري على الأصح، فلو باع واحد لاثنين في صفقة بحيث يخص كل واحد القدر الجائز .. جاز، ولو باع رجلان لرجل .. فالأصح: الجواز أيضًا. 1946 - قول "المنهاج" [ص 233]: (ويشترط التقابض) أي: في المجلس. 1947 - قوله: (والأظهر: أنه لا يختص بالفقراء) (¬7) قد يتبادر إلى الفهم أن المراد بالفقر هنا: ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 91)، و"الحاوي" (ص 265)، و "المنهاج" (ص 233). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 135)، والبسر: أوله طلاع ثم خلال بالفتح، ثم بلح بفتحتين، ثم بسر، ثم رطب، ثم تمر، الواحدة: بسرة، والجمع: بسُرات وبسُر بضم السين في الثلاثة. انظر "مختار الصحاح" (ص 21). (¬3) الحاوي (ص 265)، المنهاج (ص 233). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 216)، و"فتح العزيز" (4/ 357). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 91، 92). (¬6) الحاوي (ص 265)، المنهاج (ص 233). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 233).

المذكور في (قسم الصدقات)، وليس كذلك، وإنما المراد به: عدم النقد، كما صرح به المتولي والجرجاني، قال السبكي: وقصة محمود بن لبيد في سؤاله زيد بن ثابت ترشد له، قال: ونقل الروياني عن المزني: أنه لا يجوز إلا للمعسر المضطر، قال: ولعل هذا تسمّح في العبارة (¬1). قلت: لا شك أنه لم يُرد ظاهر الاضطرار والإعسار، والظاهر: أن مراده: الإعسار من النقد، فهو موافق لما تقدم، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) انظر "بحر المذهب" (6/ 207).

باب اختلاف المتبايعين

باب اختلاف المتبايعين 1948 - قول "التنبيه" [ص 96]: (إذا اختلف المتبايعان في ثمن السلعة أو في شرط الخيار أو الأجل أو قدرهما ولم يكن لهما بينة .. تحالفا) فيه أمور: أحدها: تناول كلامه ما إذا كانا مالكين، أو وكيلين، أو مالكًا ووكيلًا، وفي تحالف الوكيلين وجهان في الرافعي من غير ترجيح (¬1)، وقال في "الروضة": ينبغي أن يكون الأصح: التحالف. انتهى (¬2). وهو مقتضى كلام الرافعي في (الصداق) (¬3). ثانيها: في معنى اختلاف المتبايعين: اختلاف وارثيهما أو أحدهما ووارث الآخر، وقد ذكره " المنهاج دا بعد ذلك بقوله [ص 234]: (واختلاف ورثتهما كهما) لكنه لم يصرح باختلاف أحدهما ووارث الآخر، وهو واضح. ثالثها: في معنى البيع: سائر عقود المعاوضة، قال الإمام: إلا قبل عمل القراض والجعالة (¬4). رابعها: لابد في التحالف من اتفاقهما على جريان عقد صحيح، فلو لم يتفقا على عقد واحد .. فلا تحالف، وقد أشار إليه "التنبيه" بعد ذلك بقوله [ص 97]: (وإن قال: "بعتك هذه الجارية"، وقال: "بل زوجتنيها" .. حلف كل واحد منهما على نفي ما يُدعى عليه)، وإن ادعى أحدهما صحة العقد والآخر فساده .. فقد ذكره "التنبيه" بعد ذلك في قوله: (وإن اختلفا في شرط يفسد البيع (¬5) وسنتكلم عليه. خامسها: قوله: (في ثمن السلعة) أي: قدرًا أو جنسًا أو وصفًا، وقد صرح "المنهاج" بذكر القدر والصفة، وسكت عن الجنس؛ لأنه مفهوم من طريق الأولى (¬6)، وهو في "المحرر" (¬7)، وصورة الاختلاف في القدر: أن يكون ما يدعيه البائع أكثر، وإلا .. فليس للاختلاف فائدة، وقد نبه عليه الرافعي في (الصداق) (¬8)، وضابط ما يقع فيه الاختلاف: صفة العقد، فالتعبير به أولى؛ لأنه أعم. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (4/ 388). (¬2) الروضة (3/ 585). (¬3) انظر "فتح العزيز" (8/ 333). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (5/ 336). (¬5) التنبيه (ص 97). (¬6) المنهاج (ص 234). (¬7) المحرر (ص 155). (¬8) انظر "فتح العزيز" (8/ 236).

سادسها: قوله: (ولم يكن لهما بينة) وكذا إذا كان لكل منهما بينة وقلنا بالتساقط، وقد أحسن "الحاوي" التعبير عن ذلك بقوله [ص 288]: (وإن اختلف المتعاقدان أو الوارث في صفة عقدِ معاوضةٍ اتفقا على صحته ولا بينة، أو لكلٍّ بينةٌ) فسلم من جميع ما نبهنا عليه، وسلم "المنهاج" من الرابع والخامس بقوله [ص 234]: (إذا اتفقا على صحة البيع، ثم اختلفا في كيفيته ... إلى آخر كلامه). 1949 - قولهما: (ويُبدأ بالبائع) (¬1) أي: ندبًا، كما صرح به "الحاوي" (¬2)، ثم قال الإمام: هذا إذا كان الثمن في الذمة، أما إذا تبادلا عرضًا بعرض .. فلا يتجه إلا التسوية (¬3)، قال الرافعي: وينبغي تخريجه على أن الثمن ماذا؟ (¬4) وناقشه في "المطلب" لأن مأخذ البداءة قوة جانب على جانب، كما ذكروه في تعليل الأقوال، وذلك مفقود هنا. 1950 - قول "المنهاج" [ص 234]: (والصحيح: أنه يكفي كل واحدٍ يمينٌ تجمع نفيًا وإثباتًا) يفهم أنه لو أتى بيمينين .. جاز، وقال السبكي: لم أر فيه تصريحًا، وعبارة الماوردي تشعر بالمنع، وقد يقال: إذا عرضهما الحاكم عليه .. له أن يمتنع. انتهى (¬5). وعبارة "التنبيه" و"الحاوي" تقتضي الاقتصار على يمين واحدة أيضًا (¬6)، وإنما الإيراد على ما تفهمه لفظة: (يكفي) من جواز يمينين، وأنه أكمل. 1951 - قول "المنهاج" [ص 234]: (ويُقدَّم النفي) وكذا صوّره "التنبيه" (¬7)، وهو في "الحاوي" بقوله [ص 288]: (على النفي ثم الإثبات) وقد يفهم من عبارتهم الإيجاب، وليس كذلك، وإنما هو على الاستحباب؛ ولذلك عبر "المحرر" بقوله: (ينبغي أن يقدم النفي) (¬8). 1952 - قولهما: (ولقد بعت بكذا) (¬9) مخالف لتعبير "المحرر" و"الشرح" و"الروضة" بقوله: (وإنما بعت بكذا (¬10)، والأول أحسن؛ لأن الذي يُراد من الحصر من النفي قد ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 96)، و"المنهاج" (ص 234). (¬2) الحاوي (ص 288)، وفي (ج): (وصرح به أيضًا الشيخ أبو حامد وصاحب "التهذيب" و"التنبيه"). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (5/ 342). (¬4) انظر "فتح العزيز" (4/ 382). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 301). (¬6) التنبيه (ص 96)، الحاوي (ص 288). (¬7) التنبيه (ص 96). (¬8) المحرر (ص 156). (¬9) انظر "التنبيه" (ص 96)، و"المنهاج" (ص 234). (¬10) المحرر (ص 156)، فتح العزيز (4/ 382)، الروضة (3/ 580).

استُفيد من قوله أولًا: (ما بعت بكذا). 1953 - قول "التنبيه" [ص 97]: (فإن تراضيا بأحد الثمنين .. أقر العقد، وإن لم يتراضيا .. فسخا العقد) أي: على سبيل البدل، حتى لو فسخه أحدهما .. انفسخ، ولا يحتاج لاجتماعهما عليه إلا في وجه، حكاه في "الكفاية"، وقد صرح به "المنهاج" بقوله [ص 234]: (وإلا .. فيفسخانه أو أحدهما أو الحاكم) و"الحاوي" بقوله [ص 288]: (ثم فسخ الحاكم أو من أراد منهما)، وفي بعض نسخ "التنبيه": (فُسِخ العقد) على البناء للمفعول، وهو أحسن. 1954 - قول "التنبيه" [ص 97]: (وإن اختلفا في عين المبيع فقال البائع: "بعتك هذه الجارية"، وقال المشتري: "بل بعتني هذا العبد" .. لم يتحالفا، بل يحلف البائع أنه ما باع العبد، ويحلف المشتري أنه ما ابتاع الجارية) للمسألة حالتان: إحداهما: أن يكون الثمن معينًا .. فيتحالفان كما لو اختلفا في جنس الثمن، وقد عبر عنه شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" بـ (الصواب) (¬1)، وهو يقتضي عدم الخلاف فيه. والثانية: أن يكون في الذمة، وهي صورة "التنبيه"، والأصح فيها أيضًا: التحالف؛ فإن في "الروضة" في الصداق في (باب الاختلاف): أن الزوج إذا قال: أصدقتك أباك، فقالت: بل أمي .. أن الصحيح: التحالف (¬2)، والرافعي لما ذكرها .. قال: إن هذا هو الخلاف فيما إذا اختلفا في عين المبيع (¬3)، ولذلك رجح في "الشرح الصغير" في هذا الباب: التحالف، وعلى ذلك مشى شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" (¬4)، لكنه قال في "المهمات": الأصح: عدم التحالف؛ فقد نص عليه في "البويطي" في السلم. انتهى. ونازع في "الكفاية" الرافعي في قوله: إن الخلاف في مسألة: (أصدقتك أباك)، فقالت: بل (أصدقتني أمي) هو الخلاف فيما إذا اختلفا في عين المبيع، وقال: ليست نظيرها؛ لأن كلًا من العوضين هنا غير معين، أما المبيع: فلم يتفقا عليه، وأما الثمن: فما في الذمة لا يتعين إلا بالقبض، وإنما نظيره لو كانا معينين، وما لو قال: (بعتك هذا العبد بهذا الألف)، فقال: (بل بعتنيه مع هذا الآخر بالألف)، كما صرح به المحاملي والماوردي وابن الصباغ والمتولي وغيرهم (¬5). ¬

_ (¬1) تذكرة النبيه (3/ 103). (¬2) الروضة (7/ 329). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 376). (¬4) تذكرة النبيه (3/ 103). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 306).

قال النووي في "نكته": وصورة المسألة: أن يختلفا في الثمن أيضًا، وظاهر إيراد ابن الرفعة يقتضي أن ذلك ليس بشرط. 1955 - قول "المنهاج" [ص 234]: (فإن كان وقفه أو أعتقه أو باعه أو مات .. لزمه قيمته) (¬1) كذا أطلق في "الروضة" لزوم القيمة (¬2)، ومحل الوفاق فيه: إذا كان متقومًا، وإلا .. فالذي صححه الماوردي: وجوب القيمة أيضًا (¬3)، والمشهور كما قال ابن الرفعة في "المطلب": وجوب المثل، وصححه السبكي، قال: والمصنف موافق في إطلاقه لأكثر الأصحاب، ويجب تقييد كلامهم. انتهى. وهو كالخلاف في البيع الفاسد، والأصح فيه: وجوب المثل، وسواء في وجوب القيمة كانت أكثر مما ادعاه البائع أم لا على الأصح. 1956 - قوله: (وهي قيمة يوم التلف في أظهر الأقوال) (¬4) كذا في "المحرر" أن الخلاف أقوال (¬5)، لكن رجح في "الروضة" وأصلها: أنه أوجه (¬6). 1957 - قول "التنبيه" [ص 97]: (وإن اختلفا في شرط يفسد البيع .. فالقول قول من يدعي الشرط في أحد القولين، والقول قول من ينكر ذلك في الآخر) فيه أمور: أحدها: أن اختلافهما في شرط مفسد مثال لا يختص الحكم به، فلو قال أحدهما: إن الثمن ألف، والآخر: إنه زق خمر، أو غير ذلك من الصور التي يدعي أحدهما فيها صحة العقد والآخر فساده .. كان الحكم كذلك؛ ولهذا عبر "المنهاج" و "الحاوي": بدعوى الصحة والفساد (¬7)، وهو أعم، فالضبط به أولى، وقطع القاضي حسين بالبطلان فيما إذا رجع للعوض لكونه خمرًا أو مجهولًا. ثانيها: الذي في "الروضة" وأصلها: أن الخلاف وجهان (¬8)، وعليه مشى "المنهاج" فعبر بـ (الأصح) (¬9)، وسبب ذلك أنهما مخرجان، فيعبر عنهما بالقولين تارة، وبالوجهين أخرى. ¬

_ (¬1) في (د): (و "الحاوي": [ص 288]: "بقيمة الناقص"). (¬2) الروضة (3/ 583). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 305). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 234). (¬5) المحرر (ص 156). (¬6) الروضة (3/ 582). (¬7) الحاوي (ص 289)، المنهاج (ص 234). (¬8) الروضة (3/ 577). (¬9) المنهاج (ص 234).

ثالثها: الأصح: تصديق مدعي الصحة، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬1). رابعها: يستثنى من هذه القاعدة مسائل: الأولى: إذا باع ذراعًا من أرض وهما يعلمان ذرعانها، فادعى البائع أنه أراد ذراعًا معينًا حتى يفسد العقد، وادعى المشتري الإشاعة ليصح .. فأرجح الاحتمالين في "الروضة": تصديق البائع (¬2). الثانية: إذا اختلفا في أن الصلح وقع على الإنكار أو مع الاعتراف .. فأنه يصدق مدعي الإنكار على الصواب، كما قاله في "الروضة" من زياداته (¬3)؛ لأنه الغالب. الثالثة: لو قال المشتري: (ما رأيت المبيع)، فقال البائع: (بل رأيته) .. ففي "فتاوى الغزالي": أن القول قول البائع (¬4)، قال الرافعي: ولا ينفك هذا عن خلاف (¬5)، قال النووي: هذه مسألة اختلافهما في مفسد للعقد، وفيها الخلاف المعروف، والأصح: أن القول قول مدعي الصحة، وعليه فرعها الغزالي (¬6)، وقال في "المهمات": إنه مردود نقلًا وبحثًا؛ فقد ذكر الشيخ أبو على والشيخ أبو محمد والقاضي حسين والمتولي والروياني والجرجاني وغيرهم: أن القول قول المشتري؛ لأنه أعلم بنفسه، فعلى هذا تستثنى هذه من القاعدة. الرابعة: عكسه، قال المشتري: (رأيت المبيع)، وأنكر البائع، فذكر البغوي والعمراني في "فتاويهما": تصديق البائع، وقال القفال في "فتاويه": إن سُمع من البائع إقرار بالبيع مطلقًا .. لم يلتفت لقوله، وإن لم يسمع منه إلا كذلك .. فقد أقر بالبيع، ولكن وصل به ما يبطل إقراره، فيخرج على القولين، قال: والحكم في عكسه كما ذكرنا. الخامسة: قال السيد: كاتبتك وأنا مجنون أو محجور عليَّ، وعرف للسيد ذلك .. صدق، كما ذكره الرافعي في بابه (¬7)، فلو ادعى اتحاد النجم، وادعى المكاتب تعدده .. فحكى الرافعي عن البغوي: تصديق السيد أيضًا، ورأى النووي طرد الخلاف (¬8). السادسة: قال الجرجاني في "الشافي": فيما إذا قال المشتري: بعتني هذا العصير وهو ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 289)، المنهاج (ص 234). (¬2) الروضة (3/ 579). (¬3) الروضة (4/ 199). (¬4) فتاوى الغزالي (ص 36) مسألة (26). (¬5) انظر "فتح العزيز" (4/ 64). (¬6) انظر "الروضة" (3/ 376). (¬7) انظر "فتح العزيز" (13/ 529). (¬8) انظر "التهذيب" (8/ 432)، و"فتح العزيز" (13/ 530، 531)، و"الروضة" (12/ 268).

خمر، وقال البائع: بل عصير وصار خمرًا .. أن القول قول مدعي الفساد، ولكن الرافعي جعلها على الخلاف (¬1). السابعة: قال الروياني: إذا كان في يد المشتري خل فقال: باعنيه خمرًا، وصار عندي خلًا، وقال: ما بعته إلا خلًا .. فالقول قول المشتري، قال السبكي: وهو أشكل من قول الجرجاني. خامسها: قال السبكي: للاختلاف في الصحة والفساد مراتب: الأولى: أن يجري في صفة المعقود عليه، مثل أن يقول: الذي وقع العقد عليه حرُّ الأصل أو أم ولد أو ملك غير البائع .. فالذي جزم به القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما من العراقيين: أن القول قول البائع، وجعلوه أصلًا قاسوا عليه أحد الوجهين؛ لأن قول مدعي الفساد لم يعتضد بأصل، فاعتضاد قول مدعي الصحة بالظاهر سالم من المعارض، لكن الجرجاني قال ما نقلناه عنه، وجعله الرافعي على الخلاف، وأظن ذلك تفقهًا منه لا نقلًا، ولا يظهر فرق بين ذلك والاختلاف في ملك المبيع إلا أن الموجود في يد البائع خمر، ودعوى كونه كان عند العقد عصيرًا على خلاف الظاهر، بخلاف الحرية وعدم ملك المبيع ليس معنا دليل عليه، وملاحظة هذا يقتضي الجزم بقبول دعوى الفساد أو ترجيحه، وهو خلاف مقتضى ترجيح الرافعي. الثانية: أن يختلفا في صفة العقد والمفسد زائل بحيث لو لم يوجد .. لصح العقد؛ كالاختلاف في شرط أجل مجهول أو خيار مجهول أو زائد على الثلاث، وكل شرط يقتضي انضمامه للعقد فساد العقد .. فهذا محل الخلاف، والأصح: قبول قول مدعي الصحة. الثالثة: أن يختلفا في شيء يكون وجوده شرطًا لصحة العقد؛ كالرؤية، فذكر مسألة الرؤية. * * * ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (4/ 380).

باب العبد المأذون

بابٌ العبد المأذون 1958 - كذا ترجم في "التنبيه" (¬1)، وفيه أمور: أحدها: أنه حذف الجار والمجرور؛ للعلم به، والتقدير: المأذون له. ثانيها: أن الترجمة بذلك أعم من ترجمة الشافعي له بمداينة العبيد؛ لأن الباب ليس مقصورًا على المداينة فقط، كما نبه عليه الرافعي (¬2)، ولهذا ترجم في "الروضة" بمعاملات العبيد (¬3). ثالثها: تبع "المنهاج" الشافعي رضي الله عنه في وضعه هذا الباب هنا (¬4)، وقدمه "الحاوي" على (اختلاف المتبايعين)، كما في "الروضة" وأصلها (¬5)، وأخره "التنبيه" إلى بعد (القراض) (¬6)، لمشاركته له في تحصيل الربح بالإذن في التصرف، فمقصودهما واحد. رابعها: لو عبروا بالرقيق .. لكان أولى؛ ليتناول الأمة على أن ابن حزم الظاهري ذكر أن لفظ العبد يتناول الأمة (¬7)، والله أعلم. 1959 - قول "المنهاج" [ص 235]- والعبارة له - "والحاوي" [ص 285]: (العبد إن لم يؤذن له في التجارة .. لا يصح شراؤه بغير إذن سيده في الأصح) حكى الماوردي وأبو الطيب مقابله - وهو الصحة - عن الجمهور (¬8)، قال السبكي: وفي النفس منه - أي: من تصحيح الفساد - شيء، ومن يلتزم تصحيح ما عليه الأكثر ينبغي أن يصحح الصحة هنا، ولا سيما لم ينهض دليل قوي على فساده. 1960 - قول "المنهاج" [ص 235]: (ويسترده البائع سواءٌ كان في يد العبد أو سيده) كان ينبغي أن يقول: (سواءٌ أكان في يد العبد أم سيده)، فحذف الهمزة وأتى بـ (أو) موضع (أم). 1961 - قول "التنبيه" [ص 120]: (إذا كان العبد بالغًا رشيدًا .. جاز للمولى أن يأذن له في التجارة)، قال النشائي في "نكته": لم أر التصريح باعتبار رشده إلا في "التنبيه"، ولا يقال: هو مفهوم من علة صحة العبارة؛ فإن كل مكلف صحيح العبارة لا سيما من لم يحجر عليه بعد رشده. انتهى (¬9). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 120). (¬2) انظر "فتح العزيز" (4/ 365). (¬3) الروضة (3/ 567). (¬4) المنهاج (ص 235). (¬5) الحاوي (ص 285)، الروضة (3/ 567). (¬6) التنبيه (ص 120). (¬7) انظر "المحلى" (8/ 424). (¬8) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 369). (¬9) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 112).

وحُكي عن الماوردي أنه صرح باعتبار رشده أيضًا، واعتُرض على "التنبيه": بأنه يشمل من بلغ رشيدًا وطرأ عليه السفه في المال، ولا بد من إنشاء حجر عليه على الأصح في الحر، والظاهر: أن العبد مثله، فإذا أذن له سيده قبل إنشاء حجر .. صح تصرفه مع أنه غير رشيد. قلت: لا يحتاج لإنشاء حجر على العبد، بل يُكتفى بالحجر العام المستمر، والله أعلم. 1962 - قوله: (فإن أذن له في التجارة .. لم يملك الإجارة، وقيل: يملك ذلك في مال التجارة ولا يملك في نفسه) (¬1) الثاني هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي"، فمنعا إجارة نفسه (¬2)، ومفهومه: جواز إجارة غيره، ويستثنى من منع إجارة نفسه: ما إذا أذن له السيد فيه .. فإنه يجوز. 1963 - قول "المنهاج" [ص 235]: (ولا يأذن لعبده في التجارة) أي: بغير إذن السيد، فإن أذن له السيد .. جاز، وقد ذكره "الحاوي" (¬3)، ومحل المنع أيضًا في الإذن: في التجارة مطلقًا، فلو أذن لعبده في تصرف خاص .. صح عند الإمام والغزالي (¬4)، وعليه مشى "الحاوي" (¬5)، ومقتضى كلام البغوي منعه (¬6)، وليس في "الروضة" وأصلها تصريح بترجيح (¬7). 1964 - قول "المنهاج" [ص 235]: و"الحاوي" [ص 285]: (ولا ينعزل بإباقه) أي: فله التصرف في البلد الذي أبق إليه، ويستثنى منه: ما إذا خص السيد الإذن ببلدة. 1965 - قول "المنهاج" [ص 235]: (ومن عَرَفَ رق عبدٍ .. لم يعامله حتى يعلم الأذن) ينبغي أن يقول: (رق شخص) لأن العبد معلوم الرق، أما من لا ترف حريته ولا رقه .. فأصبح القولين: جواز معاملته، ومحلهما: في غير الغريب، أما الغريب: فيجوز جزمًا، للحاجة، قاله في "المطلب"، والمراد بعلم الإذن: ظنه؛ فإن البينة إنما تفيد الظن، وفي "المحرر" و"الروضة": (حتى يعرف) (¬8). 1966 - قوله: (ولا يكفي قول العبد) (¬9) أي: في أنه مأذون، أما من علم أنه مأذون، فقال: ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 120، 121). (¬2) الحاوي (ص 286)، المنهاج (ص 235). (¬3) الحاوي (ص 286). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (5/ 478)، و"الوجيز" (1/ 315). (¬5) الحاوي (ص 286). (¬6) انظر "التهذيب" (3/ 556). (¬7) الروضة (3/ 567). (¬8) المحرر (ص 157)، الروضة (3/ 569). (¬9) انظر "المنهاج" (ص 235).

(حجر عليّ سيدي) .. لم تجز معاملته ولو قال السيد: لم أحجر عليه في الأصح؛ لأنه العاقد، وهو يقول: إن العقد باطل، وقد ذكر ذلك "الحاوي" بقوله [ص 286]: (وفي الحَجْر قولُهُ وإن جحده السيد). 1967 - قول "المنهاج" [ص 235] و"الحاوي" [ص 286]: (بسماع سيِّده أو بينةٍ أو شيوعٍ بين الناس) يقتضي أنَّه لا يجوز بخبر عدل واحد، قال السبكي: وينبغي أن يجوز؛ لأنه يحصل الظن وإن كان لا يكفي عند الحاكم. 1968 - قول "المنهاج" [ص 235]: (فإن باع مأذون له وقبض الثمن، فتلف في يده، فخرجت السلعةُ مستحقةً .. رجع المشتري ببدلها على العبد) أي: ببدل العين، وهو سهو، والذي في "الروضة" و"المحرر": (ببدله) (¬1) أي: بدل الثمن، وهو الصواب. 1969 - قوله: (وله مطالبة السيد أيضًا، وقيل: لا، وقيل: إن كان في يد العبد وفاءٌ .. فلا، ولو اشترى سلعةً .. ففي مطالبة السيد بثمنها هذا الخلاف)، ثم قال: (ولا يتعلق دين التجارة برقبته، ولا ذمة سيده) (¬2) فما ذكره من أن دين التجارة لا يتعلق بذمة السيد مخالف لقوله قبله: إن السيد يطالب ببدل الثمن التالف فى يد العبد وبثمن السلعة التى اشتراها أيضًا، وقد وقع الموضعان كذلك في "المحرر" و"الروضة" وأصلها (¬3)، واقتصر "الحاوي" على الموضع الأول فقال [ص 286]: (وطولب بالديون [وإن عتق؛ كالعامل والوكيل] (¬4) برب المال). قال في "المطلب": ولا يجمع بينهما بحمل الأول على مجرد المطالبة، والثاني على بيان محل الدفع؛ فإن الوجه الثالث المفصل يأبى ذلك. قال السبكي والإسنوي: وسبب وقوع هذا التناقض أن المذكور أولًا هو طريقة الإمام (¬5)، وأشار في "المطلب" إلى تضعيفها، وثانيًا هو طريقة الأكثرين ممن وقفت على كلامهم، فجمع الرافعي بينهما (¬6)، فلزم منه ما لزم، وحمل شيخنا الإمام البلقيني قولهم: (إن دين التجارة لا يتعلق بذمة السيد) على أن المراد: بسائر أمواله. 1970 - قول "التنبيه" [ص 120]: (وما يلزم من دين التجارة يجب قضاؤه من مال التجارة، فإن بقي شيء .. اتبع به إذا عتق) يقتضي أنَّه لا يتعلق بما يكسبه قبل الحجر من احتطاب ونحوه، ¬

_ (¬1) المحرر (ص 157)، الروضة (3/ 570). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 235). (¬3) المحرر (ص 157)، الروضة (3/ 570). (¬4) ما بين معقوفين زيادة من "الحاوي". (¬5) انظر "نهاية المطلب" (5/ 474). (¬6) انظر "فتح العزيز" (4/ 369).

والأصح: خلافه، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، ويقتضي أيضًا أن السيد لا يطالب به، وقد عرفت ما فيه. 1971 - قول "التنبيه" [ص 121]: (وإن اشترى من يعتق على مولاه بغير إذنه .. لم يصح الشراء في اْصح القولين) قال شيخنا الإمام البلقيني: هذا التصحيح مخالف لما صححه الشَّافعي؛ فإنه ذكر في "الأم" في (باب دعوى الولد) في ذلك قولين، ثانيهما: أنَّه يعتق عليه، وقال: وهذا أصح القولين، وبه آخذ. انتهى (¬2). ومحلهما: إذا أذن له في شراء العبيد، فإن لم يأذن له في ذلك .. لم يصح قطعًا، قاله صاحب "المعين"، وفيه نظر. 1972 - قوله: (وإن اشترى أباه - أي: أبا السيد - بإذنه .. صح الشراء، وعتق عليه إن لم يكن عليه - أي: على العبد - دين، وإن كان عليه دين .. ففي العتق قولان) (¬3) أصحهما في "تصحيح التنبيه": أنَّه لا يعتق (¬4)، وليس في "الروضة" وأصلها تصحيح، وفي "المطلب" في (باب القراض) عن الأصحاب: أن فيه الخلاف في عتق الراهن، وأشار إليه الرافعي أيضًا بتشبيهه بالمرهون (¬5). قال في "المهمات": فيكون الصحيح: التفصيل بين الموسر وغيره، ولا يتجه غيره، ولو قال: (وإن اشتراه) .. لكان أحسن، ليعود الضمير على المذكور أولًا، وهو من يعتق على مولاه، فيكون أعم وأبعد من الإيهام، على أن قوله: (أباه) ليس في نسخة المصنف كما قيل. 1973 - قول "الحاوي" [ص 287]: (وإتلافه الوديعة) أي: و"ما يؤدي بدل الوديعة عند إتلافه إياها من كسبه ومال التجارة. اعترض عليه: بأنه إن كان الاستيداع بإذن السيد - وهو الذي يشعر به كلامه - .. فالمنقول: أنَّها وديعة عند السيد، فالضمان عليه؛ لأنه بإبقائها في يده مسلط له على الإتلاف، وإن كان بغير إذنه .. تعلق الضمان برقبته على الأصح، وبذمته على وجه، ولا تعلق له بالكسب، ففي أي صورة يتعلق الضمان بالكسب ومال التجارة؟ وأجيب عنه: بأن قياس تعلقه بالذمة عند عدم الإذن تعلقه بالكسب عند وجوده؛ لأن الإمام ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 286)، المنهاج (ص 235). (¬2) الأم (6/ 253). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 121). (¬4) تصحيح التنبيه (1/ 372). (¬5) انظر "فتح العزيز" (6/ 25).

وغيره أطلقوا أن ما وجب برضا صاحب الحق وإذن السيد يتعلق بالذمة والكسب (¬1)، وإن قلنا: يتعلق بالرقبة عند عدم الإذن .. فيحتمل أن يقول هنا: يتعلق بالكسب؛ لأن العدول إلى الرقبة عند عدمه لفقد شيء يتعلق به غيرها، وقد وجدنا هنا الكسب، وليس من شرط التعلق به إذن السيد في الإتلاف، ألا ترى أن الذي اشتراه العبد فاسدًا أو صحيحًا يتعلق بالكسب، ولم يأذن السيد في إتلافه، ويحتمل أن يقال: يتعلق بالرقبة، ذكره السبكي، وقال: فقد ظهر لكلام "الحاوي" محمل على حال، وقد أشكل على جماعة. انتهى. 1974 - قوله: (ويسري) (¬2) أي: إذا وَهْب للمأذون جزء بعض السيد - كأبيه وابنه - فقبل .. فإنه يسري، كذا ذكره الرافعي في أثناء العتق، واستشكله النووي، وقال: ينبغي المنع؛ لدخوله في ملكه قهرًا كالإرث (¬3)، وكذا صحح: عدم السراية في "الروضة" وأصلها في (الكتابة)، وحكيا السراية وجها في "الوسيط" (¬4). قال في "المهمات": والصواب: السراية؛ لأن قبول العبد كقبوله شرعًا؛ ولهذا صححوا: أن السيد يحلف على البت حيث حلف على نفي فعل عبده؛ وعللوه: بأن فعله كفعله. 1975 - قولهما: (وإن ملكه السيد مالًا .. لم يملكه في أصح القولين) (¬5) احترزا بتمليك السيد عما لو ملكه أجنبي؛ فإنه لا يملكه بلا خلاف، كما ذكره الرافعي (¬6)، لكن صرح بإجراء القولين في تمليك الأجنبي أيضًا الماوردي والقاضي الحسين (¬7). 1976 - قول "التنبيه" [ص 121]: (ولا يبيع بنسيئة) محله: إذا دفع السيد إليه مالًا، فإن قال: اتجر بجاهك .. فله البيع والشراء في الذمة وبالأجل والرهن والارتهان، فإن فضل في يده مال .. فهو كالذي دفعه له السيد، والله أعلم (¬8). * * * ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (5/ 475). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 287). (¬3) انظر "فتح العزيز" (13/ 463، 347)، و "الروضة" (12/ 135). (¬4) الوسيط (7/ 535)، فتح العزيز (13/ 552، 553)، الروضة (12/ 283). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 121)، و"المنهاج" (ص 235). (¬6) انظر "فتح العزيز" (4/ 347). (¬7) قال الماوري: لا خلاف بين الفقهاء أن العبد لا يملك بالميراث ولا يملك ما لم يملّكه السيد. انظر "الحاوي الكبير" (5/ 265). (¬8) انظر "الروضة" (4/ 65).

كتاب السلم

كتابُ السَّلَمِ 1977 - قول "المنهاج" [ص 236]: (هو بيع موصوف في الذمة) هو أصح العبارات في تعريف السلم، ومع هذا يرد عليه: ما إذا عقد بلفظ البيع ولم يتعرض للفظ السلم .. فإنه ينعقد بيعًا في الأصح، لا سلمًا، كما ذكره "المنهاج" بعد ذلك (¬1)، خلافًا لقول "التنبيه" [ص 97]: (وينعقد بجميع ألفاظ البيع) وانعقاده سلمًا نص عليه الشَّافعي (¬2)، ويوافقه قول الرافعي في (الأيمان): فيما إذا حلف لا يأكل طعامًا اشتراه زيد .. أنَّه يحنث بما ملكه بالسلم؛ لأنه شراء في الحقيقة والإطلاق (¬3). قال في "المهمات": فثبت رجحان كونه سلمًا بنص الشَّافعي عليه، وكثرة القائلين به، وفساد دليل مقابله، واختاره السبكي أيضًا، وقال شيخنا الإمام البلقيني: هو الذي يقوى من جهة المعنى، ثم محل انعقاده بيعًا: إذا لم يضم إليه لفظ السلم، فإن ضمه إليه، فقال: اشتريته سلمًا .. انعقد سلمًا، كما جزم به الرافعي في تفريق الصفقة في الأحكام (¬4)، فعلى المرجح في "المنهاج" ينبغي أن يزاد في عبارته: (بلفظ السلم)، ذكره السبكي، وذكر النووي في "التحرير": أن أحسن حدوده: عقد على موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلًا (¬5)، ورده السبكي: بأن التعجيل شرط من شروطه، لا أنَّه داخل في حقيقته. ومقتضى قول "المنهاج" [ص 236]: (هو بيع) وقول "التنبيه" [ص 97]: (صنف من البيع) أن إسلام الكافر في العبد المسلم لا يصح في الأصح، وهو كذلك في "شرح المهذب" (¬6)، لكن صحح الماوردي: القطع بصحته (¬7)، وتبعه السبكي، وإنَّما عبر "التنبيه" بأنه صنف من البيع، وقال في كل من (الصلح) و (الإجارة): إنه بيع (¬8)؛ لأن السلم بيع دين فقط، وكل من الصلح والإجارة يرد على العين تارة والذمة أخرى. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 236). (¬2) انظر "الأم" (3/ 94). (¬3) فتح العزيز (12/ 305). (¬4) انظر "فتح العزيز" (4/ 395). (¬5) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 187). (¬6) المجموع (9/ 363). (¬7) انظر "الحاوى الكبير" (5/ 893). (¬8) التنبيه (ص 103، 122).

1978 - قولهم: (إن شرطه: تسليم رأس المال في المجلس) (¬1) أي: مجلس العقد، يشترط مع كونه في المجلس: أن يكون الخيار باقيا، فلو تخايرا .. بطل السلم كنظيره في الرِّبَا، صرح به القفال في "شرح التلخيص"، كما حكاه شيخنا الإمام البلقيني. 1979 - قول "التنبيه" [ص 97]: (فإن كان في الذمة .. بيّن صفته وقدره) قال في "الكفاية": إلَّا إذا كان من نقد البلد .. فيكفي بيان قدره، وهو قضية كلام الرافعي (¬2)، وفيه وجه في "الكفاية". 1980 - قول "المنهاج" [ص 136]: (ولو أحال به وقبضه المُحَالُ في المجلس .. فلا) قبض المحال في المجلس ليس شرطًا، بل غاية، فلو لم يقبضه .. فأولى بالبطلان، فلو قال كما فى "الحاوي" [ص 290]: (وإن قبض) .. لكان أولى. 1981 - قول "المنهاج" [ص 236]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 290]: (ويجوز كونُهُ منفعةً، ويُقبَضُ بِقَبضِ العين) أسقط النووي هذه المسألة من "الروضة"؛ لإشكال فيها، وهو أن المعتبر القبض الحقيقي، وهو منتفٍ (¬3)، ولهذا لا تكفي الحوالة، كما قاله الرافعي هنا، ولا الإبراء، كما قاله في (باب الإجارة) (¬4)، ومقتضى عبارتهما: تناول منفعة بدن الحر، وأن قبضها يكون بتسليم نفسه، لكن الحر لا يدخل تحت اليد، فقياسه: عدم الاكتفاء بذلك، ولا سيما إن أخرج نفسه من التسليم بعد ذلك، ذكره في "المهمات". 1982 - قولهما - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ورؤيةُ رأس المال تكفي عن معرفةِ قدرهِ في الأظهر) (¬5) فيه أمران: أحدهما: أن الشَّافعي نص في "الأم" في (باب الآجال في الصرف) على أن أحب القولين إليه: الاشتراط (¬6)، حكاه شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه". ثانيهما: محل القولين: إذا تفرقا قبل العلم بالقدر والقيمة، فلو علما ثم تفرقا .. صح بلا خلاف، واستشكل: بأن ما وقع مجهولًا لا ينقلب صحيحًا بالمعرفة في المجلس، كما لو قال: بعتك بما باع به فلان فرسه .. فإنه لا يصح على الأصح وإن حصل العلم قبل التفرق. قال شيخنا الإمام البلقيني: ولعل الفرق أن المعرفة هناك لدفع الغرر في العقد، وهنا لأجل ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 97)، و"الحاوي" (ص 290)، و"المنهاج" (ص 236). (¬2) انظر "فتح العزيز" (4/ 393). (¬3) في (ج): (والجواب عن ذلك: أن المنفعة تسُتوفى شيئًا فشيئًا، وهو قبض لها). (¬4) انظر "فتح العزيز" (4/ 392)، (6/ 86). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 97)، و"المنهاج" (ص 236). (¬6) الأم (3/ 101).

معرفة ما يرد عند الفسخ، فكانت أخف. انتهى. وهو فرق واضح. 1983 - قول "المنهاج" [ص 236]: (الثاني: كونُ المُسْلَمِ فيه دَينًا) اعترض عليه: بأن تسميته شرطًا مع أخذه في حقيقة السلم لا معنى له، وإن كان لا بد من ذكره ليترتب عليه الأحكام المختصة به. وأجيب عنه: بأن الفقهاء قد يريدون بالشرط: ما لا بد منه؛ فيتناول حينئذ جزء الشيء. 1984 - قول "التنبيه" [ص 98]: (وإن أسلم مؤجلًا في موضع يصلح للتسليم .. فقد قيل: لا يجب بيانه، وبجب التسليم في موضع العقد، وقيل: فيه قولان، أحدهما: يجب بيانه، والثاني: لا يجب) الأصح: وجوبه إن كان لنقله مؤنة، وإلَّا .. فلا، وعلى ذلك مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، لكن لم ينبه في "المنهاج" على أن محل ذلك: في السلم المؤجل، أما الحال: فلا يجب فيه بيان موضع التسليم، قال البغوي: والمراد بموضع العقد: ناحيته، لا ذلك الموضع بعينه (¬2). ولو عين موضعًا، فخرب وخرج عن صلاحية التسليم .. فالأقيس في "الروضة": أنَّه يتعين أقرب موضع صالح (¬3). ورجح شيخنا الإمام البلقيني: أنَّه لا يتعين موضع، وللمسلم الخيار، ومعناه: أنَّه إن شاء .. فسخ العقد وأخذ رأس ماله، وإن شاء .. صبر إلى أن يصلح الموضع المعين للتسليم، قال شيخنا: فلو قال المسلم إليه: أنا أفسخ السلم لأؤدي إليه رأس ماله وتبرأ ذمتي من الدين الذي عليَّ .. فالأرجح: أنَّه يجاب، ولا سيما إن كان هناك رهن يريد فكه، أو ضامن يريد خلاصه، ولم يتعرضوا له، قال: وقد وقعت مسألة في مكان الإرضاع في الإجارة للرضاع ينهدم، وأفتيت فيها بأن المتعاقدين إن تراضيا بمكان آخر .. استمر العقد، وإلَّا .. فسخ، وهو مستمد من موت الرضيع. انتهى. 1985 - قول "المنهاج" [ص 237]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 293]: (فإن انكسر شهرٌ .. حُسِبَ الباقي بالأهلة وتُمِّمَ الأولُ ثلاثين) يقتضي أنَّه لو أجل بثلاثة أشهر وانعقد في آخر يوم من شهر؛ كصفر مثلًا، فمضى الربيعان وجُمادى ناقصات .. أنَّه لا يحل إلَّا بمضي جزءٍ من جُمادى الآخرة قدر الباقي من صفر، وبه قال الإمام (¬4). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 291)، المنهاج (ص 236). (¬2) انظر "التهذيب" (3/ 572). (¬3) الروضة (4/ 13). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (6/ 29).

فصل [شروط السلم]

وقال المتولي وغيره: يحل بمضي الثلاث؛ فإنها عربية كوامل، وهو الصواب عند الرافعي والنووي (¬1)، وأبداه الإمام احتمالًا (¬2)، قالوا: وانما يُراعى في الشهر الأول العدد إذا عقد فِى غير اليوم الأخير، واعترض في "المهمات" على هذا الحصر: بأنه لو وقع العقد في الليلة الأخيرة .. كان كاليوم في أنَّه لا يُراعى فيه العدد أيضًا؛ للمعنى الذي ذكره. فَصْلٌ [شروط السلم] 1986 - قول "المنهاج" [ص 237]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 291]: (يشترط كون المُسْلَم فيه مقدورًا على تسليمه عند وجوب التسليم) كذا في "المحرر" تبعًا للغزالي (¬3)، وقال الرافعي: هذا الشرط لا يختص بالسلم، بل يعم كل بيع. انتهى (¬4). وأجيب: بأن التصريح به للفروع المترتبة عليه، وقد يجاب: بأن المقصود بيان موضع القدرة، وهي حالة وجوب التسليم، وتارة يقترن بالعقد لكون السلم حالًا، وتارة يتأخر عنه فيما إذا كان مؤجلًا، بخلاف البيع؛ فإن المعتبر اقتران القدرة فيه بالعقد في كل حال، والله أعلم. وقد يرد على عبارة "المنهاج": ما إذا قدر على تسليمه، لكن بمشقة عظيمة في تحصيله كقدر كثير من الباكورة، وفيه وجهان، قال الرافعي: أقربهما إلى كلام الأكثرين البطلان (¬5)، ولا يرد ذلك على "الحاوي" لتصريحه به بقوله [ص 291]: (لا وقت الباكورة في قدرٍ عسر التحصيل). 1987 - قول "المنهاج" [ص 237]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 291]: (فإن كان يوجد ببلدٍ آخر .. صح إن اعتيد نقله للبيع، وإلا .. فلا) حكاه في "الروضة" وأصلها عن الإمام (¬6)، قال الرافعي: وسيأتي في آخر الفصل ما يُنازع في الإعراض عن مسافة القصر (¬7)، وأسقط ذلك من "الروضة"، ومراد الرافعي به: ما إذا أسلم فيما يعم، فانقطع في محله، وأمكن نقله من بلدة أخرى من غير فساد؛ فالأصح: أنَّه إن كان دون مسافة القصر .. وجب، وإلا .. فلا، وقال الإمام هنا: لا اعتبار بمسافة القصر كما قال هناك (¬8)، فيحتاج على طريقة النووي إلى الفرق بين ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (4/ 399)، و"الروضة" (4/ 10). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (6/ 30). (¬3) المحرر (ص 159)، وانظر "الوجيز" (1/ 321). (¬4) انظر "فتح العزيز" (4/ 401). (¬5) انظر "فتح العزيز" (4/ 401). (¬6) الروضة (4/ 12)، وانظر "نهاية المطلب" (6/ 8). (¬7) انظر "فتح العزيز" (4/ 401). (¬8) انظر "نهاية المطلب" (6/ 8).

المسألتين، وأما الرافعي: فمشير إلى التسوية بكلامه المتقدم. 1988 - قولهما - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ولو أسلم فيما يعم فانقطع في محله .. لم ينفسخ في الأظهر) (¬1) كذا لو وجد في محله وماطله به حتَّى انقطع .. ففيه القولان، وقيل: لا ينفسخ في هذه قطعًا، وهذا يرد أيضًا على قول "الحاوي" [ص 291]: (وان انقطع .. خُيّر في المحل) فإنه وإن لم يقيد الانقطاع بكونه في المحل .. فقد قيد التخيير به. 1989 - قولهم في المسألة المذكورة - والعبارة لـ"المنهاج" -: (فيتخير المسلم بين فسخه، والصبر حتَّى يوجد) (¬2) قد يفهم من إطلاق الخيار أنَّه على الفور، لا سيما مع قول "التنبيه" و"المنهاج" أولًا: (إنه بيع مخصوص) (¬3) لكن الأصح: أنَّه على التراخي، فإن قلت: قد ذكر ذلك "الحاوي" بقوله [ص 291]: (فإن أجاز، ثم بدا له .. يتمكن من الفسخ). قلت: هذه مسألة أخرى غير كونه على التراخي، ولا يلزم من التراخي أنَّه إذا اختار خصلةً .. يجوز له الرجوع عنها كالمفلس. 1990 - قول "المنهاج" [ص 237]: (ولو عَلِمَ قبل المحل انقطاعه عنده .. فلا خيارَ قبلهُ في الأصح) ينبغي أن يقول كما في "الروضة": لم يتنجز حكم الانقطاع في الأصح (¬4)؛ لأن مقابل المرجح تنجز حكم الانقطاع حتَّى ينفسخ العقد على قول، ويثبت الخيار على الثاني، وكذا عبر به الرافعي في "الشرح"، وإن كانت عبارة "المحرر" كـ "المنهاج" (¬5). 1991 - قول "التنبيه" [ص 98]: (ويجوز فيما يكال بالكيل، وفيما يوزن بالوزن، وفيما يذرع بالذرع، وفيما يعد بالعد) فيه أمران: أحدهما: أنَّه يقتضي منع السلم في المكيل وزنًا وفي الموزون كيلًا، وليس كذلك، وقد صرح به "المنهاج" بقوله [ص 237]: (ويصح المكيل وزنًا وعكسه) لكن جواز الموزون كيلًا أطلقه الأصحاب، وحمله الإمام على ما يُعد الكيل في مثله ضابطًا، فلو أسلم في فتات المسك والعنبر ونحوهما كيلًا .. لم يصح، حكاه الرافعي عنه، وأقره (¬6)، وصححه النووي في "التصحيح" فقال: يصح في كل ما يتأتى كيله سوى المسك ونحوه كيلًا (¬7)، ومشى عليه "الحاوي" بقوله [ص 291]: ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 291)، و"المنهاج" (ص 237). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 99)، و"الحاوي" (ص 291)، و"المنهاج" (ص 237). (¬3) التنبيه (ص 97)، المنهاج (ص 236). (¬4) الروضة (4/ 12). (¬5) فتح العزيز (4/ 403)، والمحرر (ص 159). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (6/ 49)، و"فتح العزيز" (4/ 408). (¬7) تصحيح التنبيه (3/ 109).

(بالوزن في كبير الجرم؛ كالبيض، وما لا يُعتاد كيله). لكن جزم الرافعي بعد ذلك بالجواز في اللآلئ الصغار إذا عم وجودها كيلًا ووزنًا (¬1). قال النووي: وهو مخالف لما قدمه عن الإمام فيما لا يُعد الكيل فيه ضبطًا، فكأنَّه اختار هنا إطلاق الأصحاب. انتهى (¬2). وقال شيخنا الإمام البلقيني: ليس مخالفًا لما تقدم؛ لأن فتات المسك والعنبر ونحوهما، إنما لم يُعد الكيل فيهما ضبطًا؛ لكثرة التفاوت بالثقل على المحل أو تركه، وفي اللؤلؤ لا يحصل بذلك تفاوت؛ كالقمح والفول، فصح فيه كيلًا، فلا مخالفه. انتهى. ثانيهما: ما ذكره من السلم فيما يُعد بالعد ذكره "المنهاج" أيضًا (¬3)، ولم يذكر "الحاوي" العدد إلَّا مع الوزن في اللبن، ومع الذرع في الثوب (¬4)، وقال ابن يونس: المنقول في مشاهير الكتب: أن العدد في المعدود لا يكفي وحده، وقال ابن عجيل اليمني: لعل مراد "التنبيه": إذا أسلم في دراهم أو دنانير وكان وزنها معروفًا بالاستفاضة .. فإنه عند العقد يُكتفى بذكر العدد، وعند الاستيفاء لا بد من الوزن؛ ليُتحقق الإيفاء. 1992 - قول "المنهاج" [ص 237]: (ولو أسلم في مئة صاع حنطةٍ على أنَّ وَزْنَها كذا .. لم يصح) في معنى الحنطة: الثياب، بخلاف الخشب؛ لأن زائده يُنحت. 1993 - قول "التنبيه" [ص 98]: (وقيل: يجوز في الجوز واللوز كليلًا) هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬5)، لكنهما قيدا جواز السلم فيهما وفي نحوهما بقيد عبر عنه "المنهاج" بقوله [ص 237]: (في نوع يقل اختلافه)، و"الحاوي" بقوله [ص 292]: (إن استوت قشوره). واعلم: أن الرافعي أطلق جواز السلم في ذلك وزنًا، ثم قال: واستدرك الإمام فقال: قشورهما مختلفة، فمنها غلاظ ومنها رقاق، والغرض يختلف باختلافها، فليمتنع السلم فيهما بالوزن. انتهى (¬6). ومقتضى ذلك: منع السلم لكونهما مظنة الاختلاف، ومقتضى "المنهاج" و"الحاوي": الجواز إن لم يختلف، وقال النووي في "شرح الوسيط" بعد حكايته لمقالة الإمام: المشهور في ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (4/ 411). (¬2) انظر "الروضة" (4/ 17). (¬3) المنهاج (ص 237). (¬4) الحاوي (ص 291، 292). (¬5) الحاوي (ص 292)، المنهاج (ص 237). (¬6) فتح العزيز (4/ 406)، وانظر "نهاية المطلب" (6/ 50).

المذهب: هو الذي أطلقه الأصحاب، ونص عليه الشَّافعي. انتهى (¬1). وقال في "المهمات": الصواب: التمسك بما في "شرح الوسيط" لأنه متتبع لا مختصر. 1994 - قول "المنهاج" [ص 237]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 291]: (ويجمع في اللَّبِنِ بين العدِّ والوزن) قال في "الروضة": كذا قال أصحابنا الخراسانيون، ولم يعتبر العراقيون أو معظمهم الوزن، ونص الشَّافعي في آخر (السلم) من "الأم" على أن الوزن فيه مستحب لو تركه، فلا بأس، لكن يشترط: أن يذكر طوله وعرضه وثخانته، وأنه من طين معروف. انتهى (¬2). 1995 - قول "التنبيه" فيما إذا أسلم على مكيال بعينه [ص 99]: (لم يصح) محله: إذا لم يكن معتادًا، فإن اعتيد الكيل به .. صح على الأصح، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬3)، لكن قد تفهم عبارة "المنهاج" صحة الشرط فيما إذا اعتيد الكيل به، وليس كذلك، بل السلم صحيح والشرط لاغٍ؛ كسائر الشروط التى لا غرض فيها، وقد ذكر ذلك "الحاوي" بقوله [ص 292]: (وفسد تعين المكيال لا العقد إن اعتيد)، فلو شرطا ألَّا يبدَّل .. بطل كما دل عليه كلام الرافعي في (المسابقة) (¬4). 1996 - قول "التنبيه" [ص 99]: (أو أسلم فيما لا يؤمن انقطاعه؛ كثمرة قرية بعينها .. لم يصح) محله: إذا كانت القرية صغيرة، فإن كانت كبيرة .. صح في الأصح، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬5)، وقد يفهم من عبارة "المنهاج" أن الصورة: أن يسلم في جميع ثمرتها، وليس كذلك؛ فإن هذا باطل، وإنما الصورة: أن يسلم في قدر معين منها. 1997 - قول "التنبيه" [ص 97]: (ولا يجوز حتَّى يضبط بالصفات التي تختلف بها الأغراض عند أهل الخبرة)، مثل قول "المنهاج" [ص 238]: (ومعرفة الأوصاف التى يختلف بها الغرض اختلافًا ظاهرًا)، وقول "الحاوي" [ص 293]: (وصفات فيها غرض ظاهر) وعبر بعضهم بما تختلف به القيمة، ومنهم من يجمع بينهما، وأورد الرافعي على هذا الشرط: أن كون العبد قويا في العمل أو كاتبًا مثلًا أوصاف يختلف بها الغرض والقيمة، ولا يجب التعرض لها (¬6). قال شيخنا الإسنوي: وتصحيح الضابط أن يزاد فيه، فيقال: من الأوصاف التى لا يدل الأصل على عدمها؛ فإن الكتابة والقوة فضيلة، الأصلُ عدمُها. ¬

_ (¬1) انظر "الأم" (3/ 80). (¬2) الروضة (4/ 14)، وانظر الأم (3/ 126). (¬3) الحاوي (ص 292)، المنهاج (ص 237). (¬4) انظر "فتح العزيز" (4/ 407). (¬5) الحاوي (ص 291)، المنهاج (ص 238). (¬6) انظر "فتح العزيز" (4/ 410).

1998 - قول "التنبيه" عطفًا على ما لا يصح السلم فيه [ص 98]: (وما يجمع أجناسًا مختلفة) فيه أمران: أحدهما: كذا في أكثر النسخ، والذي في نسخة المصنف: (مختلطة) بالطاء، وهو الصواب؛ فإن الاختلاط أخص، وهو المقتضي للبطلان. ثانيهما: لا بد مع اختلاطها من كونها مقصودة غير منضبطة، فلو كانت غير مقصودة؛ كالجبن يخالطه الأنفحة، أو منضبطة؛ كالعتَّابي والخز .. صح السلم فيهما، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، لكن في عبارة "المنهاج" إيهام؛ لقوله: (والأصح: صحته في المختلط المنضبط؛ كَعَتابيٍّ وخز، وجبنٍ وأقطٍ وشَهْدٍ، وخلِّ تمرٍ أو زبيب) (¬2) وفيه أمور: أحدها: أنَّه ينبغي أن يزيد بعد قوله: (المنضبط): (المقصود الأركان). ثانيها: أن قوله: (وجبن) وما بعده ليس معطوفًا على (العتابي) المجرور بالكاف؛ فإنه ليس من المختلط المنضبط، وإنَّما هو معطوف على (مختلط) المجرور بـ (في)، وهذه الأمور ما عدا (الشهد) أحد الخَلِيطَين فيها غير مقصود، بل للإصلاح والاختلاط في الشهد خلقيٌّ، وقد قطع في "المحرر "الجبن وما بعده عما. قبله، فقال: (والأصح: صحته في المختلطات التي تنضبط صفاتها؛ كالعتابي والخز، وكذلك في الجبن ... إلى آخره) (¬3). ثالثها: توسيط الشهد بينها غير حسن؛ لأنه من غير نوعها كما قد عرفت، فكان ينبغي فصله عنها بتقديم كما في "الحاوي" (¬4)، أو تأخير، واختار السبكي المنع في الشهد، خلافًا للرافعي والنووي، وعزاه للنص (¬5). 1999 - قولهما - والعبارة لـ"التنبيه": (فإن أسلم فيما لا يعم؛ كالصيد في موضع لا يكثر فيه) (¬6) أي: ولا في بلد آخر قريب منه. 2000 - قول "التنبيه" [ص 97]: (وما لا يضبط بالصفة .. لا يجوز السلم فيه؛ كالجواهر) أي: الكبار، فيصح السلم في اللآلئ الصغار، وقد قيد "المنهاج" و"الحاوي" اللآلئ بالكبار، والصغار ما قصدت للدواء لا للزينة (¬7)، وضبطه الجويني: بسدس دينار تقريبًا وإن قصد للزينة. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 294)، المنهاج (ص 238). (¬2) المنهاج (ص 238). (¬3) المحرر (ص 160). (¬4) الحاوي (ص 294). (¬5) انظر "الأم" (3/ 106)، و"فتح العزيز" (4/ 410)، و"الروضة" (4/ 17). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 98)، و"المنهاج" (ص 238). (¬7) الحاوي (ص 294)، المنهاج (238).

فصل [في بقية شروط السلم]

2001 - قول "التنبيه" [ص 97]: (والحيوان الحامل) قال في "الكفاية": مقتضى كلامه تخصيصه بقولنا: إن الحمل يقابله قسط من الثمن؛ لعده فيما لا يمكن ضبطه بالصفة، والأصح: القطع بالمنع. 2002 - قولهم: (إنه لا يصح السلم في جارية وولدها) (¬1) قال الرافعي: فيه إشكال؛ لأنهم حكوا عن نصه أنَّه لو شرط كون العبد كاتبًا أو الجارية ماشطة .. جاز، ولمدّع أن يدعي نُدرة اجتماع الكتابة والمَشْط مع الصفات التي يجب التعرض لها؛ فليسوّ بين الصورتين في المنع والتجويز (¬2). قال في "المهمات": وما ذكره من المشابهة ضعيف؛ فإن الفرق بينهما: أن الكتابة في العبد والمشط في الجارية يسهل تحصيله بالاكتساب، أما البنوة: فوصف غير مكتسب، فيعز اجتماعه مع باقي الأوصاف فَصْلٌ [في بقية شروط السلم] 2003 - قول "المنهاج" [ص 238]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 293]: (فيشترط في الرقيق: دِكْرُ نوعه كتركيٍّ) قد يفهم أنَّه لا يشترط ذكر الصنف؛ كحطابي مثلًا، والأصح: وجوبه إن اختلف. 2004 - قولهما: (ولونه كأبيض) (¬3) محله: إذا اختلف لون الجنس، فإن لم يختلف؛ كالزنج .. فلا، وعبارة "الحاوي" أعم؛ فإنه ذكر اعتبار اللون في الحيوان، ولم يذكره "المنهاج" إلَّا في الرقيق. 2005 - قول "المنهاج" بعد ذكر السن والقد [ص 238]: (وَكُلُّهُ على التقريب) مخالف لعبارة "المحرر" فإنه قال بعد ذكر السن: والأمر فيه على التقريب، ثم قال: والقد طولًا وقصرًا. انتهى (¬4). فتعين أن التقريب يتعلق بالسن خاصة دون القد، وكذا في "الروضة" قال: حتَّى لو شرط ابن سبع سواء .. بطل؛ لندوره (¬5)، وقدم "المنهاج" ذكر القد، فعاد التقريب إليه أيضًا، قال شيخنا ابن النقيب: وهو حسن إن ساعد عليه نقل (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 98)، و"الحاوي" (ص 294)، و"المنهاج" (ص 238). (¬2) انظر "فتح العزيز" (4/ 411). (¬3) انظر "الحاوي" (ص 293)، و "المنهاج" (ص 238). (¬4) المحرر (ص 160). (¬5) الروضة (4/ 18). (¬6) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 159).

2006 - قول "الحاوي" [ص 293]: (مع الصغر أو الكبر جثّةً في الطير، واللون والذكورة والأنوثة، والسن في الحيوان) يقتضي أنَّه لا يشترط ذكر اللون في الطير، وأهمل الرافعي والنووي ذكره في كتبهما، ولا بد من اشتراطه فيه؛ لاختلاف الغرض به. 2007 - قول "المنهاج" [ص 238]: (وفي اللحم: لحم بقرٍ) لا بد أن يبين أيضًا أنَّه من جاموس أو عراب، ولم يتعرض لذلك "الحاوي" صريحًا، وكأنه اكتفى بذكر الجنس والنوع في الحيوان. 2008 - قول "المنهاج" [ص 238] و"الحاوي" [ص 293]: (خَصِيٍّ معلوف) محله: في لحم غير الصيد. 2009 - قولهما: (ويُقبل عَظْمُهُ على العَادَةِ) (¬1) محله: ما إذا لم يشترط نزعه، فإن شرط .. لم يجب قبوله. 2010 - قول "المنهاج" [ص 238]: (وفي الثياب: الجنس) لا بد من ذكر النوع أيضًا، وقد ذكره "الحاوي" (¬2)، فاعتبر ذكر الجنس والنوع في كل مسلم فيه، ولا بد أيضًا من ذكر بلد النسج إن اختلف به الغرض (¬3). 2011 - قول "المنهاج" [ص 238] و"الحاوي" [ص 294]: (والغلظ والدِّقَّة) هو بالدال، وهما يرجعان إلى كيفية الغزل، ثم قالا: (والصَّفاقة والرقة) (¬4) أي: بالراء، وهما يرجعان إلى كيفية النسج؛ فالصفاقة انضمام بعض الخيوط إلى بعض، والرقة بعدها، واقتصر في "الروضة" وأصلها على الغلظ وضده (¬5)، وهو غير مغن عن الصفاقة وضدها؛ لما عرفته. 2012 - قول "التنبيه" [ص 98] و"المنهاج" في المصبوغ بعد النسج [ص 239]: (إنه لا يصح السلم فيه) مخالف لقول الرافعي: إن القياس: صحته، واقتصر في "المحرر" على ذكره، لكنه في "الشرح" جعل المعروف في كتب الأصحاب أنَّه لا يجوز (¬6)، فلذلك استدرك "المنهاج"، فقال [ص 239]: (الأصح: منعه، وبه قطع الجمهور) انتهى. ونص عليه في "مختصر البويطي". ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 294)، و"المنهاج" (ص 238). (¬2) الحاوي (ص 294). (¬3) في (ج): (ذكر الجنس ليس بشرط إلَّا مع عدم ذكر النوع؛ فإن ذكر النوع أغنى عن الجنس، قاله في "الروضة" [4/ 25]). (¬4) الحاوي (ص 294)، المنهاح (ص 238، 239). (¬5) الروضة (4/ 25). (¬6) فتح العزيز (4/ 420، 421)، المحرر (ص 161).

2013 - قول "المنهاج" [ص 239]: (وفي التمر: لونه ... إلى آخره) أهمل شرطًا آخر، وهو: كون جفافه على النخل أو بعد الجذاذ، ولا بد منه كما قال الماوردي (¬1)، فإن الأول أنقى، والثاني أصفى، ذكره في "المهمات". 2014 - قوله: (وفي العسل: جبليٌّ ... إلى آخره) (¬2) قال الماوردي: ولا بد أن يبين أيضًا مرعاهُ وقوته أو رقته، ذكره في "المهمات" أيضًا (¬3). 2015 - قول "المنهاج" [ص 239]: (ولا يصح في مطبوخ ومشوي، وما أثرت فيه النار) مثل قول "التنبيه" [ص 97]: (وما دخله النار) إلَّا أن فيه زيادة تفصيل دخول النار إلى طبخ وشيّ، ومجرد تأثير لا ينتهي إلى طبخ ولا شي، قال في "التصحيح": الأصح: جوازه فيما دخلته نار لطيفة كالسكر والفانيذ والدِّبس واللِّبأ، وفي الجصِّ والآجُر. انتهى (¬4). وفي معناها: العسل والسمن؛ لأن نارهما لطيفة أيضًا، ومقتضى كلام الرافعي: ترجيح البطلان في السمن والدبس والسكر والفانيذ واللبأ؛ فإنه جعل فيها الوجهين في السلم في الخبز، والأصح فيه: البطلان (¬5)، وحذف في "الروضة" هذا التشبيه، وأطلق ذكر وجهين، ثم قال: وممن اختار الصحة في هذه الأشياء الغزالي وصاحب "التتمة" (¬6). واعترضه في "المهمات": بأن المتولي إنما اختار الجواز في اللبأ قبل أن يخلط باللبن ويطبخ، أما بعد طبخه .. فلا، ويلتحق بها ماء الورد، فقال الروياني: الأصح عندي وعند عامة الأصحاب: جواز السلم فيه، واقتصر في "الروضة" وأصلها على نقل تردد في ذلك لصاحب "التقريب" (¬7). 2016 - قول "التنبيه" [ص 98]: (وإن أسلم في الرؤوس .. ففيه قولان) الأصح: منعه، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬8)، وشرط مقابله: أن تكون نيئةً موزونةً منقّاة من الشعر، فإن اختل شرط منها .. لم يصح قطعًا، واشتراط كونها نيئةً مفهوم من بطلان السلم فيما دخلته النار. ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 413). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 239). (¬3) انظر" الحاوي الكبير" (5/ 403). (¬4) تصحيح التنبيه (1/ 307)، وفي حاشية (أ): (وتبعه الإسنوي)، انظر "تذكرة النبيه" (3/ 109). (¬5) انظر "فتح العزيز" (4/ 418). (¬6) الروضة (4/ 22). (¬7) الروضة (4/ 22). (¬8) الحاوي (ص 294)، المنهاج (ص 239).

2017 - قول "التنبيه" [ص 98]- والعبارة له - و"المنهاج" [ص 239]: (وإن أسلم في الجلود .. لم يجز) يستثنى منه: ما إذا سوّى جوانبه ودبغه .. فيجوز السلم فيه وزنًا. 2018 - قول "التنبيه" [ص 98]: (وإن أسلم في آنية مختلفة الأعلى والأوسط والأسفل) الواو في كلامه بمعنى (أو)، فلا يشترط اختلاف الجميع، بل كل منها مانع؛ ولذلك أطلق "المنهاج" الاختلاف (¬1)، وقول "التنبيه" في أمثلة ذلك [ص 98]: (والمنائر) لو قال: (مناور) .. لكان أحسن؛ لأنها من النور. 2019 - قول "المنهاج" [ص 239]: (ولا يشترط ذكر الجودة والرداءة في الأصح، ويُحمل مُطْلَقُهُ على الجَيِّد)، مقابله منقول عن العراقيين، وقال الرافعي: إنه ظاهر النص (¬2)، قال في "الروضة": قوله: (ظاهر النص) مما ينكر عليه؛ فقد نص عليه في مواضع من "الأم" نصًا صريحًا (¬3). وقال السبكي: إن فُسِّرت الجودة بالسلامة من العيوب .. فلا حاجة لاشتراطها، أو بزيادة على ذلك .. فقد لا يتعلق به غرض، فلا وجه لذكره، وإن أريد بالرداءة: رداءة النوع .. فيجوز، بل يجب قطعًا، أو رادءة العيب .. فذكرها مفسد، وإنَّما يحسن الخلاف في رداءة الوصف إن كانت خارجة عن النوعين، وحينئذ .. ينبغي أن يكون الأصح فيها كالأصح في شرط الجودة، فإن فُرض اختلاف الأغراض بذلك .. فيكون الأصح فيهما: الاشتراط، وقول الرافعي والنووي: (ويحمل مطلقه على الجيد) إن أريد: السليم .. ناقض ما جعلناه محل الخلاف، أو قدرٌ زائد .. فما الدليل على وجوبه؟ والذي يتعين عند الإطلاق: الاكتفاء بالسلامة من العيب. انتهى (¬4). 2020 - قول "التنبيه" [ص 97]: (وإن شرط الأردأ .. فعلى قولين) الأصح: الصحة، وقد ذكره "الحاوي" (¬5). 2021 - وقوله: (لا رديءٌ) (¬6) أي: لا يجوز اشتراطه، وهو محمول على رداءة الصفة أو العيب، أما رداءة النوع .. فالأصح المنصوص: صحة اشتراطها. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 239). (¬2) انظر "فتح العزيز" (4/ 423). (¬3) الروضة (4/ 28)، وانظر الأم (3/ 95، 96). (¬4) انظر "فتح العزيز" (4/ 423)، و"الروضة" (4/ 28). (¬5) الحاوي (ص 294). (¬6) انظر "الحاوي" (ص 294).

فصل [في الاستبدال عن المسلم فيه]

فَصْلٌ [في الاستبدال عن المسلم فيه] 2022 - قول "التنبيه" [ص 99] (وقيل: إن كان الأجود من نوع آخر .. لم يجب قبوله) هذا الوجه هو الأصح، بل الأصح: أنَّه لا يجوز قبوله؛ لأنه كالاعتياض، وعلى ذلك مشى "المنهاج" فقال [ص 239]: (لا يصح أن يُستَبدل عن المُسلَمِ فيه كيرُ جِنسهِ ونوعه، وقيل: يجوز في نوعه ولا يجب) وأفهم كلامه نفي وجه بوجوبه، وليس كذلك، بل هو وجه مشهور، وقد عرفت أنَّه مقتضى كلام "التنبيه" (¬1)، وهو أيضًا مقتضى قول "الحاوي" [ص 295]: (ووجب قبول الأجود) لكنه محمول على الأجود في الصفة لا في النوع، وصحح السبكي تبعًا لطائفة: جواز الاستبدال عن المسلم فيه من غير نوعه. 2023 - قول "المنهاج" [ص 240]: (ولو أحضره قبل محله فامتنع المُسْلِمُ من قَبُولِهِ لغرضٍ صحيحٍ، بأن كان حيوانًا أو وقت غارةٍ .. لم يُجْبَر) فيه أمور: أحدها: كذا وقع في "المحرر": (بأن) (¬2)، وصوابه: (كأن) بالكاف، ليكون مثالًا للمسألة لا تفسيرًا لها. ومن أمثلتها: كونه لحمًا أو فاكهة يريد أكله طريًا، وكونه يحتاج إلى مكان له مؤنة؛ كالحنطة الكثيرة، كذا ذكره الرافعي والنووي (¬3). قال في "المهمات": ومقتضاه الإجبار على قبولها إذا كانت قليلة، وأن الحجارة الكثيرة ونحوها لا إجبار فيها؛ لما فيها من مؤنة المكان، والذي اعتبره الشَّافعي: أن ما لا يتغير على طول الزمان، كالحديد ونحوه .. يجب قبوله، وما يتغير؛ كالحنطة ونحوها .. لا يجب قبوله، قال في "المهمات": وهو غرض صحيح لا سيما من الذين يطلبون الأسعار في الحبوب ونحوها، وأما المعنى الذي اعتبره الرافعي من مؤنة الموضع .. فهو حقير في الغالب بالنسبة إلى فائدة التعجيل؛ فلذلك أهمل الشَّافعي اعتباره. انتهى (¬4). ثانيها: لا بد في الحيوان من كون المدة الباقية من الأجل يحتاج فيها ذلك الحيوان، إلَّا مؤنة لها وقع، فلو قصرت المدة .. لم يكن له الامتناع، وقد قيده في "المحرر" بذلك (¬5). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 99). (¬2) المحرر (ص 162). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 426)، و"الروضة" (4/ 30). (¬4) انظر "الأم" (3/ 76). (¬5) المحرر (ص 162).

ثالثها: قوله: (أو وقت غارة) (¬1) تقديره: أو الوقت وقت غارة، ولا يصح عطفه على خبر كان، والغارة لغة قليلة، والأفصح: إغارة من أغار، وإطلاقه يقتضي أنَّه لا فرق بين أن يعقد في وقت الغارة أم لا، وبه صرح في "الإبانة"، وحكى معه وجهًا فارقًا. 2024 - قول "التنبيه" [ص 99]: (وإن أنكر المسلم إليه، وقال: "الذي سلمت إليك غيره" .. فالقول قول المسلم إليه مع يمينه) الأصح: أن القول قول المسلم، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" في آخر (اختلاف المتبايعين) (¬2). 2025 - قول "التنبيه" [ص 99]: (وإن قبض ذلك، ثم ادعى أنَّه غلط عليه بالوزن أو الكيل .. لم يقبل في أصح القولين) محلهما: إذا ادعى فوق ما يقع مثله بين الكيلين، أما إذا ادعى قدره .. قبل قطعًا. 2026 - قوله: (وإن دفع جزافًا، فادعى أنَّه أنقص من حقه .. فالقول قوله) (¬3) صورته: أن يختلفا بعد تلف المقبوض، قال البندنيجي والمحاملي: والقول قول القابض في قدر نقصانه قليلًا كان النقص أو كثيرًا؛ لأنه لم يعترف بشيء، والأصل عدم قبض الزائد، أما إذا كان باقيًا .. فيعتبر قدره، ويعمل بمقتضاه. * * * ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 240). (¬2) الحاوي (ص 289)، المنهاج (ص 234). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 99).

باب القرض

بَابُ القرض 2027 - قول "المنهاج" [ص 240]: (الإقراض مندوب) ينبغي أن يقول كما في "التنبيه" [ص 99]: (إليه)، وكذا في "المحكم" وغيره (¬1)، لكن المعروف جره باللام، تقول: ندبته لكذا فانتدب له، ذكره الجوهري (¬2)، أما المندوب: فهو الشخص نفسه، وقول "التنبيه" [ص 99]: (القرض) كان ينبغي أن يقول بدله: (الإقراض) كما في "المنهاج" فإنه فعل المقرض، أما القرض: فهو القطع، ويستعمل أيضًا اسمًا للشيء المقرض، ومنه فيما قيل: قوله تعالى: قَرْضًا حَسَنًا، فنصبه مفعولًا؛ فإن مصدره الإقراض كما ذكرته، وذكر بعضهم: أنَّه مصدر بحذف الزوائد؛ كقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا}، فكل من عبارتي "التنبيه" و"المنهاج" أحسن من الأخرى من وجه. 2028 - قول "المنهاج" [ص 240]: (وصيغته: "أقرَضْتك"، أو "أسلفتك"، أو "خذه بمثله"، أو "ملَّكْتكهُ على أن تَرُدَّ بَدَله") يقتضي حصر صِيَغِهُ في هذه الألفاظ الأربعة، وقد عبر "الحاوي" بقوله [ص 295]: (كأقرضتك) ليدل على أنَّها أمثلة، ومع ذلك فزاد فيها: (خذه، واصرفه في حوائجك، ورد بدله) (¬3) وهنا أمور: أحدها: أن ظاهر كلامهما وكلام غيرهما يقتضي أن قوله: (خذه بمثله) (¬4) صريح، لكنه كناية في البيع، قال في "المهمات": فينبغي هنا كذلك، وسبقه إليه السبكي. ثانيها: إنما يظهر قوله: (بمثله) في قرض المثلي، وفي المتقوم إذا قلنا: يضمن بالمثل صورة، كما هو المرجح، فإن قلنا: يُضمن بالقيمة .. فينبغي أن يقول: (بقيمته) ليطابق الواقع، قاله شيخنا الإسنوي أيضًا، فكأن المذكور هنا مفرع على الأصح، أو جعلت القيمة مثلًا بتأويل، وقال السبكي: يحتمل أن يصح، كما إذا شُرط في الخبز رد المثل على وجه، ويحتمل أن يقال: إنه شرط ينافي مقتضاه، فيبطل أو يُجعل بيعًا. ثالثها: قد يقال في الصيغة التي زادها "الحاوي": لا حاجة لقوله: (واصرفه في حوائجك)، فيكفي الاقتصار على قوله: (خذه، ورد بدله)، كما في قوله: (خذه بمثله). رابعها: لو اقتصر على قوله: (خذه واصرفه في حوائجك) .. ففي كونه قرضا وجهان في ¬

_ (¬1) المحكم (9/ 354). (¬2) انظر "الصحاح" (1/ 223). (¬3) الحاوي (ص 295). (¬4) المنهاج (ص 240).

"المطلب"، وكلام "الحاوي" يقتضي أنَّه لا يكون قرضًا، وهو واضح؛ لاحتماله الهبة. 2029 - قول "المنهاج" [ص 240]: (وفي المُقْرِض: أهْلِيَّهُ التبرع) يستثنى منه: القاضي؛ فإنه ليس أهلًا للتبرع في مال المحجور، وله إقراضه بلا ضرورة. 2030 - قول "التنبيه" [ص 99]: (ويجوز قرض كل ما يثبت في الذمة بعقد السلم) يستثنى منه: الجارية التي تحل للمقترض؛ فإنها تثبت في الذمة بعقد السلم، ولا يجوز قرضها، وقد ذكرها بعد ذلك، لكن محل استثنائها هنا كما في "المنهاج" و"الحاوي"، وقد تفهم عبارتهم جواز قرض الجارية التي لا تحل له في الحال؛ كأخت الزوجة، والظاهر: المنع، قاله شيخنا ابن النقيب (¬1). والخنثى كالمرأة في استقراض الجارية، قاله النووي في "شرح مسلم" (¬2). قال السبكي: وفيه نظر، وكلامهم يقتضي صحة إقراض الدراهم المغشوشة؛ فإن الرافعي حكى في (الغصب) عن المتولي: أنا إذا جوزنا المعاملة بها .. جعلناها مثلية (¬3)، والمثلي يستلزم صحة المسلم فيه، فيصح إقراضه، لكن ذكر الروياني في "البحر": أنَّه لا يجوز إقراضها. 2031 - قول "التنبيه" [ص 99]: (إنه لا يصح السلم في الخبز) يقتضي أنَّه لا يصح قرضه، وهو مقتضى قول "المنهاج" [ص 240]: (وما لا يُسْلَم فيه لا يجوز إقراضُه)، ومفهوم قول "الحاوي" [ص 295]: (وجاز قرض ما جاز سلمه)، وصححه البغوي (¬4)، لكن قطع صاحبا "التتمة" و"المستظهري" بجوازه (¬5)، واختاره ابن الصباغ والرافعي في "الشرح الصغير"، وعبارة "الروضة" تفهم ترجيحه (¬6)، هاذا صح .. رد وزنه إن أوجبنا رد المثل، وإلا .. فالقيمة، وفي "الكافي": يجوز عددًا. وقال في "الاستذكار": إن رد خبزًا .. جاز، وإن رد قيمة .. جاز، وإن تمانعا .. قال ابن المرزباني: فالأولى القيمة، وإن أقرضه خبزًا على شرط رد خبز .. فوجهان، قالهما ابن القطان. انتهى. ويستثنى من هذه القاعدة أيضًا: جزء الدار؛ فلا يصح السلم فيه بلا شك، ويصح قرضه كما في الرافعي في (الشُّفْعةَ) عن "التتمة" (¬7)، وحكاه في "المطلب" عن الأصحاب، لكن قال ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 167). (¬2) شرح مسلم (11/ 37). (¬3) انظر "فتح العزيز" (5/ 421). (¬4) انظر "التهذيب" (3/ 546). (¬5) حلية العلماء (2/ 592). (¬6) الروضة (4/ 33). (¬7) انظر "فتح العزيز" (5/ 508).

الماوردي: لا يجوز قرض العقار (¬1)، قال في "المهمات": ويمكن حمله على الدار جميعها، وما قاله أولئك على الجزء فقط. قلت: وتقدير خلاف في ذلك أولى، والله أعلم. واعلم: أن قول "المنهاج" [ص 240]: (وما لا يُسْلَم فيه) أي: في نوعه، وإلَّا .. وردت الأعيان؛ فإنها تُقرض، ولا يُسلم فيها. 2032 - قول "التنبيه" [ص 99]: (وفيما لا مثل له .. قيل: يرد القيمة، وقيل: يرد المثل) الأصح: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). فإن قلت: الفرض أنَّه لا مثل له .. فكيف يحكم برد المثل؟ قلت: المنفي المثل الحقيقي، والمثبت المثل الصوري، وكذا عبر "المنهاج" و"الحاوي": بـ (المثل صورة) (¬3)، وهو يفهم أنَّه لا أثر لما فيه من المعاني؛ كحرفة العبد وفراهة الدابة، قال شيخنا ابن النقيب: والذي يظهر اعتبار ذلك، فإن تأتَّى ذلك، وإلَّا .. اعتبرت الصورة مع مراعاة القيمة (¬4). 2033 - قول "التنبيه" [ص 99]: (وإن أقرضه طعامًا ما ببلد ثم لقيه ببلد آخر فطالبه به .. لم يلزمه دفعه إليه) يستثنى منه: ما إذا تساوت قيمة البلدين .. فيلزمه الدفع، كما حكاه في "الكفاية" عن ابن الصباغ وغيره، قال: وهو مقتضى تعليل المنع باختلاف القيمة. 2034 - قوله: (وإن أقرضه دراهم في بلد ثم لقيه في بلد آخر، فطالبه بها .. لزمه دفعها إليه) (¬5) قال الإمام: وكذا إذا كان المقرض من النقود التي لا عسر في نقلها ولا تتفاوت قيمتها بتفاوت البقاع، فإن عسر نقلها، وتفاوتت قيمتها .. فلا يطالبه إلَّا في بلد القرض، ذكره في "الكفاية" (¬6)، ولم يعتبر "المنهاج" و"الحاوي" سوى مؤنة النقل وعدمها (¬7). 2035 - قول "المنهاج" [ص 240]: (ولا يجوز بشرط رَدِّ صحيحٍ عن مكسَّرٍ أو زيادةٍ) ليس شاملًا لجميع صور المنع؛ فهو على سبيل التمثيل، وذكر "التنبيه" قاعدة عامة، وذكر لها أمثلة، فقال [ص 99]: (ولا شرط جرّ منفعة؛ مثل أن يقول: أقرضتك ألفًا على أن تبيعني دارك بكذا، أو ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 352). (¬2) الحاوي (ص 295)، المنهاج (ص 240). (¬3) الحاوي (ص 295)، المنهاج (ص 240). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 167). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 99). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (5/ 454، 455). (¬7) الحاوي (ص 295)، المنهاج (ص 240).

ترد على أجود من مالي، أو تكتب لي به سفتجة)، وهو أحسن، ومع ذلك فأورد عليه: أنَّه لا بد من تقييده بجر منفعة إلى المقرض، كما في "الحاوي" (¬1) ليخرج جر المنفعة إلى المقترض، وهذا مفهوم من تمثيله، وهو واضح؛ فإن وضع القرض على جر المنفعة إلى المستقرض، فكيف يفسد القرض باشتراطه؟ " ولفظ الزِّيادة في "المنهاج" محمولة على زيادة القدر، كما صرح به "الحاوي" (¬2)، واستحسن السبكي حمله عليه، قال: أما زيادة الصفة: فأشار إليها برد الصحاح عن المكسر. 2036 - قول "التنبيه" [ص 99]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 296]: (فإن بدأه المستقرض بذلك من غير شرط .. جاز) وقال في "المنهاج" [ص 240]: (فحسن)، وفي "الروضة" عن المحاملي وغيره: التصريح بالاستحباب (¬3). 2037 - قول "التنبيه" [ص 99]: (ولا يجوز شرط الأجل) يفهم فساد القرض لو شرط، وهو كذلك إن كان للمقرض فيه غرض؛ بأن كان وقت نهب، وإلَّا .. فلا، ويلغوا الشرط، لكن يندب الوفاء به، وقد ذكر ذلك "الحاوي" بقوله [ص 25]: (أو بعد شهر وله فيه غرض؛ بأن كان زمان نهب)، وقيده في "الروضة" وأصلها بقيد آخر، وهو: أن يكون المستقرض مليئًا (¬4). 2038 - قولهم: (ويملك القرض بالقبض) (¬5) يستثنى: ما حكاه في "الروضة" من زيادته عن "المهذب"، وهو ما لو قال: أقرضتك ألفا، وقبل وتفرقا، ثم دفع إليه ألفًا، وطال الفصل .. فلا يجوز؛ لتعذر البناء، فإن لم يطل .. جاز (¬6). وقال السبكي: لم نر ذلك إلَّا لصاحب "المهذب" وأتباعه، وهو يقتضي أنَّه لا يجب إيراده على معين، وقال ابن أبي عصرون: إنه إذا فعل مثل ذلك في الهبة .. جاز؛ يعني: مع طول الفصل، قال السبكي: وهذا أغرب. 2039 - قول "المنهاج " [ص 241]؛ (وله الرجوع في عينه ما دام باقيًا بحاله في الأصح) فيه أمور: أحدها: أنَّه يفهم أنَّه لو زال ثم عاد .. لم يرجع فيه، وقياس نظائره: الجواز، وأطلق الماوردي وجهين (¬7). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 295). (¬2) الحاوي (ص 295). (¬3) الروضة (4/ 37). (¬4) فتح العزيز (4/ 434)، الروضة (4/ 34). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 99)، و"الحاوي" (ص 295)، و"المنهاج" (ص 241). (¬6) الروضة (4/ 37). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 354، 355).

ثانيها: لفظة: (بحاله) ذكرها الرافعي، وأسقطها في "الروضة" (¬1)، واحترز بها من رهنه وكتابته وجنايته .. فلا رجوع، لكن قد ترد الإجارة والتدبير وتعليق العتق بصفة؛ فإنها لا تمنع الرجوع، أما لو وجده زائدًا زيادة منفصلة .. رجع فيه دونها، أو ناقصًا .. رجع مع الأرش. ثالثها: محل الوجهين: ما إذا قلنا: يملك بالقبض، هالا .. رجع قطعًا، واقتصر "الحاوي" على قوله [ص 295]: (وجاز الرجوع فيه). 2 - قول "التنبيه" [ص 99]: (وإن أخذ عن القرض عوضًا .. جاز)، قال في "الكفاية": في لفظ الأخذ اعتبار القبض في العين، والأصح: خلافه، وعليه مشى "المنهاج" في قوله فيما تقدم [ص 225]: (ولو استبدل عن القرض وقيمة المتلف .. جاز، وفي اشتراط قبضه في المجلس ما سبق (أي: والأصح: عدم اشتراطه. * * * ¬

_ (¬1) فتح العزيز (4/ 435)، الروضة (4/ 35).

كتاب الرهن

كتابُ الرَّهْن 2041 - قولهما: (لا يصح إلَّا بإيجاب وقبول) (¬1) يرد على الحصر: الاستيجاب مع الإيجاب، وقد ذكره "الحاوي" (¬2)، وذكر الرافعي والنووي أنَّه يأتي هنا الخلاف في المعاطاة أيضًا (¬3)، ومنع ذلك شيخنا الإمام البلقيني وقال: لا يأتي خلاف المعاطاة هنا؛ لأنها إنما جرت في البيع لتقرر الثمن والمثمن، ثم يقع الفعل، فيُكْتَفَى به إما في المحقرات، وإما فيما دون نصاب السرقة، وإما في غير ذلك عند من أطلق، وكل ذلك بقرينة المعاوضة والتقابل من الجانبين، وليس كذلك في الرَّهْن. انتهى. 2042 - قول "التنبيه" [ص 100]: (وإن شرط الرَّهْن في البيع، وامتنع من الإقباض، أو قبضه ووجد به عيبًا .. ثبت له الخيار في فسخ البيع) يستثنى منه: ما إذا لم يطلع على العيب إلَّا بعد هلاك الرَّهْن .. فلا خيار في الأصح. وقد يجاب عنه: بأن ذلك غيرُ وجدانٍ، وإنَّما هو اطلاع على أمر كان، فلا يقال: واجد إلَّا للمطلع حالة الوجود. 2043 - قوله: (وإن شرط في البيع رهنًا فاسدًا .. بطل البيع في أحد القولين) (¬4) هو الأصح، وهو داخل في قوله في (باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز): (وإن شرط ما سوى ذلك مما ينافي موجب البيع) (¬5)، والزائد هنا: الخلاف فيما يُفرَدُ عن البيع بعقد. 2044 - قول "المنهاج" [ص 242]: (وشرط العاقد: كونه مطلق التصرف، فلا يرهن الولي ... إلى آخره) لو عبر بالواو .. لكان أحسن؛ فإن اشتراط إطلاق التصرف لا يتسبب عنه امتناع الولي من ذلك؛ فإن الولي مطلق التصرف في مال المحجور عليه إلَّا أنَّه لا يتبرع به. 2045 - وقوله: (مال الصبي والمجنون) (¬6) لو عبر بالمحجور .. لكان أولى؛ ليتناول السفيه؛ ولذلك أطلق "الحاوي" ذكر الولي (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 100)، و"المنهاج" (ص 242). (¬2) الحاوي (ص 297). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 463)، و"الروضة" (4/ 57). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 100). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 90). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 242). (¬7) الحاوي (ص 297).

2046 - قول "المنهاج" [ص 242]: (إلا لضرورةٍ أو غبطةٍ ظاهرة) فصّل ذلك "الحاوي" بقوله [ص 297]: (وَرَهنَ الولي، والمكاتب، والمأذون، إن ساوى المشترى الثمن والمرهون) إلى قوله: (أو ورث دينًا مؤجلًا) وفيه أمور: أحدها: أن قوله: (أو لنفقة أو إصلاح ضياعه ارتقابًا لارتفاع غَلَّاته أو حلول دينه أو نَفاقِ متاعه) (¬1) لا يأتي شيء منه في العبد المأذون، وقد نبه على ذلك في "التعليقة"، وهو واضح. ثانيها: التسوية في ذلك بين المكاتب والولي هو الذي في "الروضة" وأصلها هنا (¬2)، لكن صحح في "الشرح الصغير" و"التذنيب" هنا: المنع من استقلال المكاتب بذلك (¬3)، وحكاه في "الشرحين" في (باب الكتابة) عن الأكثرين (¬4)، وفي "المهمات": أن الفتوى على المذكور هنا. ثالثها: قوله: (أو لنهب) (¬5) أي: ويكون الرَّهْن عند من لا يمتد النهب إلى يده، وإلا .. فلا فائدة فيه. رابعها: حيث جاز الرَّهْن فيما ذكر .. فالشرط: أن يرهن من أمين يجوز الإيداع عنده. 2047 - قول "المنهاج" [ص 242]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 298]: (وشرط الرَّهْن: كونه عينًا في الأصح) وهو مفهوم من قول "التنبيه" [ص 100]: (وكل عين جاز بيعها جاز رهنها) فيه أمور: أحدها: أنَّه نص عليه الشَّافعي (¬6)، كما حكاه أَبو على السنجي في "شرح التلخيص"، فكان ينبغي التعبير عنه بالنص. ثانيها: استثنى صاحب "الاستقصاء": رهن الدين ممن هو عليه، وقال: يجوز وجهًا واحدًا، قال السبكي: وليس كما قال، بل الصحيح: أنَّه لا فرق بين رهنه ممن هو عليه وغيره. قلت: وصرح بذلك المتولي في "التتمة"، فالمعتمد حينئذ: إطلاق المنع. ثالثها: يستثنى من ذلك: ما لو جُنِيَ على المرهون؛ فإنَّ بدله في ذمة الجاني محكوم عليه بأنه رهن على الأصح؛ لامتناع الإبراء منه. واستثنى بعضهم منه أيضًا: ما إذا مات وعليه دين، وخلف دينًا .. فإن الدين متعلق بالتركة جميعها تعلق رهن على الصحيح. ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 297). (¬2) الروضة (4/ 64، 65). (¬3) التذنيب (ص 599). (¬4) فتح العزيز (13/ 546). (¬5) انظر "الحاوي" (ص 297). (¬6) انظر "مختصر المزني" (ص 93).

ويختص "المنهاج" بأمرين: أحدهما: أن مقابل العين: الدين والمنفعة، والخلاف إنما هو في رهن الدين، أما المنفعة: فلا ترهن جزمًا، وقد تفهم عبارته إجراء الخلاف فيها أيضًا. ثانيهما: أنَّه أطلق الوجه المرجوح في رهن الدين، وله شرط، وهو: أن يكون على مليّ، حكاه النووي في "نكت الوسيط" عن ابن أَبى عصرون، وأقره. 2048 - قول "المنهاج" [ص 242] في رهن الأم دون ولدها، وعكسه: (وعند الحاجة يباعان، وبوزع الثمن) محله: في الآدميات، ولا يرد ذلك على "الحاوي" لكونه ذكره في البيع، وقيد ذلك بقوله: (إلى التمييز) (¬1) فأخرج البهيمة. 2049 - قول "المنهاج" [ص 242]: (والأصح: أنَّه تقوّم الأم وحدها ثم مع الولد فالزائد قيمته) محله: إذا كانت الأم هي المرهونة، فلو كان الولد هو المرهون .. انعكس العمل، فالأصح: تقويم الولد وحده ثم يقوم معها فالزائد قيمتها، فكان ينبغي أن يقول: يقوّم المرهون وحده ثم مع الآخر فالزائد قيمة الآخر؛ لكونه فرض المسألة أولًا في رهن الأم دون ولدها، وعكسه، ولم يخصها برهن الأم دون ولدها حتَّى يخص هذا التفريع بالذكر، وهذا وارد على "الحاوي" أيضًا؛ لقوله [ص 267]: (وإن رُهن واحدٌ .. وُزِّع بقيمتهما وقيمتها) أي: الأم، فلو قال: (وقيمتِهِ) أي: المرهون .. لاستقام، ووقع ذلك في "الروضة" وأصلها كذلك بهذا الخلل (¬2)، وصوابه: ما ذكرته. 2050 - قول "المنهاج" [ص 242]: (ورهن جان ومرتد كبيعهما) يقتضي أن في الجاني الطرق المتقدمة في البيع بما فيها من الترجيح، والذي في "شرحي الرافعي" و"الروضة": إن بطل البيع .. فالرهن أولى، وإلَّا .. فقولان، والفرق: أن الجناية العارضة تقدم على حق المرتهن (¬3)، فأولى أن تمنعه في الابتداء، فإن صح .. فلا يكون به ملتزمًا للفداء عند الجمهور، بخلاف بيعه (¬4). وليس في هذا الكلام ما يؤخذ منه تصحيح صحة رهن الجاني عمدًا، وإنَّما ذلك في "المحرر" (¬5)، وحكاه السبكي عن النص، واستشكله، وقال: لولا النص .. لجزمت ببطلان رهن الجاني مطلقًا. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 266). (¬2) الروضة (4/ 42). (¬3) في (أ)، (ج): (الراهن)، والمثبت من باقي النسخ، وهو الموافق لما في "الروضة". (¬4) فتح العزيز (4/ 447)، الروضة (4/ 45). (¬5) المحرر (ص 164، 165).

2051 - قول "التنبيه" [ص 100]: (وقيل: إن المدبر لا يجوز رهنه، وقيل: يجوز، وقيل: على قولين) فيه أمران: اْحدهما: أن الأصح: الأول، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، وقوى النووي في "الروضة"الثاني في الدليل (¬2)، فلذلك قال شيخنا الإسنوي في "تصحيحه": إنه المختار (¬3). ثانيهما: قال النووي في "التحرير": قوله: (وقيل: يجوز) تكرار؛ لأن قوله: (وكل عين جاز بيعها جاز رهنها) مغن عنه (¬4). وأجاب عنه في "الكفاية": بأنه ذكره ليقام عليه دليل خاص. وأجيب عنه أيضًا: بأنه ذكره ليبين أنَّه طريقة، وذلك لا يفهم من دخوله فيما ذكره أولًا. 2052 - قول "التنبيه" [ص 100]: (والمعتق بصفة تتقدم على حلول الحق لا يجوز رهنه) فيه أمران: أحدهما: أن الأصح: بطلان الرَّهْن أيضًا فيما إذا احتمل تقدمها على حلول الحق وتأخرها عنه، كما إذا علق بقدوم زيد؛ ولذلك عبر "المنهاج" بقوله [ص 242]: (يمكن سبقها حلول الدين) و"الحاوي" بقوله [ص 298]: (قد تقدم)، ومع ذلك فيرد عليهما: ما إذا عُلم مقارنة الصفة حلول الدين، أو أمكن المقارنة والتأخر؛ فإن مقتضى عبارتهما في هاتين الصورتين: الصحة؛ لكون الصفة فيهما لا يمكن سبقها حلول الدين مع أن الذي يظهر فيهما البطلان، كما قاله شيخنا ابن النقيب، قال: فكان ينبغي أن يقول: يمكن مقارنتها؛ ليبطل عند العلم بها، أو بالسبق، أو بإمكانه من باب أولى. انتهى (¬5). ثانيهما: يستثنى من البطلان: ما إذا شرط بيعه قبل وجود الصفة .. فإنه يصح، كما قاله ابن أبي عصرون في "المرشد"، وهو وارد على "المنهاج" و"الحاوي" فإنهما لم يذكراه، وليس في كلام الرافعي والنووي، وهو واضح. 2053 - قول "التنبيه" [ص 100]: (وما يسرع إليه الفساد لا يجوز رهنه بدين مؤجل في أصح القولين) فيه أمور: أحدها: أن محله: فيما لا يمكن تجفيفه، فإن أمكن؛ كالرطب .. صح الرَّهْن، وجفف. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 298)، المنهاج (ص 242). (¬2) الروضة (4/ 46، 47). (¬3) تذكرة النبيه (3/ 114). (¬4) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 194). (¬5) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 174).

ثانيها: يستثنى منه أيضًا: ما إذا شرط بيعه عند الإشراف على الفساد، وجعل ثمنه رهنًا مكانه .. فيصح أيضًا. ثالثها: يستثنى منه أيضًا: ما إذا عُلم حلول الأجل قبل فساده .. فيصح أيضًا، وكذا إذا لم يعلم هل يفسد قبل الأجل؛ فإنه يصح أيضًا في الأظهر، وقد ذكر "المنهاج" و"الحاوي" جميع ذلك (¬1). رابعها: ما صححه من البطلان مع هذه الشروط هو المصحح في "المحرر " و"المنهاج"، والمذكور في "الحاوي" (¬2)، وحكاه الرافعي عن تصحيح العراقيين (¬3)، وحكى في "الشرح الصغير" عن الأكثرين: أنَّه يصح، ويجبر على بيعه عند خوف الفساد، ويكون ثمنه رهنًا؛ إذ هو المتعارف، فنزل الإطلاق عليه، وذكر في "الكبير" أن ميل غير العراقيين إليه، وهو الموافق لنصه في "المختصر" (¬4). قال في "المهمات": وعليه الفتوى؛ لنقل الرافعي إياه عن أكثرين. 2054 - قول "التنبيه" [ص 100]: (وإن رهن الثمرة قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع .. جاز في أصح القولين) فيه أمور: أحدها: أن محله: إذا كان الدين حالًا، أو يحل مع بدو الصلاح، أو بعده، أما إذا كان يحل قبله .. فالأظهر: عدم الصحة، إلَّا إن شرط القطع عند المحل .. فالمذهب: القطع بالجواز. ثانيها: أن صورة المسألة: إذا أمكن تجفيفها، فإن لم يمكن .. فهو كَرَهْن ما يسرع فساده. ثالثها: أن صورتها أيضًا: في رهن الثمرة وحدها، فلو رهنها مع الشجرة .. صح مطلقًا إن أمكن تجفيفها، وإن لم يمكن ولم نصحح رهن ما يسرع فساده .. فالأصح: أنَّه لا يصح في الثمرة، وفي الشجرة قولا تفريق الصفقة. 2055 - قول "التنبيه" [ص 100]: (وما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه) يستثنى منه: الجارية التي لا يجوز بيعها دون ولدها .. فإنه يجوز رهنها دون ولدها كما تقدم. 2056 - قوله: (وما لا يجوز في البيع من الغرر لا يجوز في الرَّهْن) (¬5)، قال في "الكفاية": ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 299)، المنهاج (ص 243). (¬2) المحرر (ص 165)، الحاوي (ص 299)، المنهاج (ص 243). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 445، 446). (¬4) مختصر المزني (ص 96)، فتح العزيز (4/ 446). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 100).

قد يظن دخول هذا في قوله: (وما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه)، وليس كذلك؛ لرجوع الثاني إلى العقد والأول إلى المبيع. 2057 - فوله في (باب العارية): (وإن استعار شيئًا ليرهنه بدين فرهنه .. ففيه قولان، أحدهما: أن حكمه حكم العارية، فإن تلفت في يد المرتهن، أو بيعت في الدين .. ضمنها المستعير بقيمتها، والثاني: أن المعير كالضامن للدين، فلا يجوز حتَّى يبين جنس الدين وقدره وصفته، فإن بيع في الدين .. رجع بما بيع به) (¬1) فيه أمور: أحدها: أن الأصح: القول الثاني، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). ثانيها: أنَّه يفهم من إطلاق القول الأول أن حكمه حكم العارية: جواز الرجوع عنه بعد القبض، والأصح: خلافه تفريعًا على ذلك القول. ثالثها: الأصح - تفريعا على العارية -: أنَّها إذا بيعت بأكثر من القيمة .. ضمنت بما بيعت به، كما استحسنه الرافعي، وصوبه النووي، وإن كان أكثرون على خلافه (¬3)، ولذلك أطلق "المنهاج" في قوله [ص 243]: (ثم يرجعُ المالكُ بما بيع به) فجعله تفريعًا على القولين معًا، لكن يستثنى منه: ما إذا بيع بأقل من قيمته .. فإنه يرجع بالقيمة تفريعا على العارية. رابعها: الأصح - تفريعًا على الضمان -: أنَّه لابد من معرفة المرهون عنده أيضًا، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬4). خامسها: يقتضى كونه كالضمان: أنَّه لو تلف عند الراهن .. فلا ضمان كالمرتهن، وهو ظاهر قول "الحاوي" [ص 298]: (وإن تلف .. فلا ضمان)، لكن الأصح: الضمان في هذه الصورة، وهو مفهوم قول "المنهاج" [ص 243]: (فلو تلف في يد المرتهن .. فلا ضمان). 2058 - قول "التنبيه" [ص 100]: (فإن رهن المبيع قبل القبض .. جاز) الأصح: خلافه، وهو مقتضى قوله في (باب ما يتم به البيع): (ولا يملك المشتري التصرف في المبيع حتَّى ينقطع خيار البائع ويقبض المبيع) (¬5) فإنه أطلق منع التصرف، وصرح"المنهاج" و"الحاوي" هناك بمنع الرَّهْن (¬6)، وفي "الكفاية": أن الأصح المنصوص: صحته من البائع، وصحح النووي في "نكته": الصحة مطلقًا كـ "التنبيه". ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 113). (¬2) الحاوي (ص 298)، المنهاج (ص 243). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 455)، و"الروضة" (4/ 51). (¬4) الحاوي (ص 298)، المنهاج (ص 243). (¬5) التنبيه (ص 87). (¬6) الحاوي (ص 280)، المنهاج (ص 224).

فصل [في شروط المرهون به]

فَصْلٌ [في شروط المرهون به] 2059 - قول "المنهاج" [ص 243]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 299]: (شرط المرهون به: كونه دينًا ثابتًا لازمًا) وذكر في "التنبيه" الوجوب بدل الثبوت، وقال بعد اعتبار اللزوم: (أو يؤول إلى اللزوم؛ كثمن المبيع في مدة الخيار) (¬1)، وعبارة "الحاوي" [ص 299]: (أو أصله اللزوم)، ولم يذكر ذلك "المنهاج" هنا وإن كان ذكر بعد ذلك أنَّه يجوز بالثمن مدة الخيار (¬2). قال السبكي: والصواب: أن لفظ اللزوم لا يغني عن الثبوت؛ لأن اللزوم ومقابله صفة للدين في نفسه، كما يقول: دين الكتابة غير لازم، وثمن المبيع بعد انقضاء الخيار لازم، والثبوت: الوجود في الحال. قال في "التوشيح": قد يُدعى استفادة الوجود من لفظ الدين، فإنه ما لم يوجد لا يسمى دينًا. قلت: لا يلزم من التسمية الوجود، ولو لزم ذلك .. لم يُسمَّ المعدوم معدومًا، والله أعلم. وبقيت أمور لم يتعرضوا لها: أحدها: أنَّه يشترط: كونه معلومًا لهما؛ أي: يعلمان قدر الدين وصفته كالضمان، جزم به في "الكفاية" حاكيًا له عن "الاستقصاء"، قال شيخنا ابن النقيب: ونص الشَّافعي يشهد له (¬3)، وحكاه في "المهمات" عن "شرائط الأحكام" لابن عبدان و"المعين على مقتضى الدين" لأبي خلف الطَّبري أحد أصحاب القفال. ثانيها: ويشترط أيضًا: أن يمكن استيفاؤه من غير الرَّهْن؛ ليخرج العمل في الإجارة، إذا شرط أن يعمل بنفسه .. فلا يجوز الرَّهْن عليه، أما على العمل الذي في الذمة .. فيجوز على المذهب، كذا أورده بعضهم، ولا يحتاج إليه؛ لخروجه بالشرط الأول، وهو كونه دينًا، وقد ذكر ذلك الرافعي والنووي (¬4). ثالثها: قال النشائي في "نكته": ينبغي اعتبار كونه معينا حتَّى لا يصح بأحد الدينين، ولم أر من ذكره (¬5). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 100). (¬2) المنهال (ص 244). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 177). (¬4) انظر "فتح العزيز" (4/ 460)، و"الروضة" (4/ 55). (¬5) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 92).

فائدة [وقف الكتاب بشرط ألا يعار إلا برهن]

قال في "التوشيح": وجوابه: أن ذلك مستفاد من كونه معلومًا، فلا علم مع الإبهام، قال: وقد يخدش هذا الجواب قول الغزالي فيمن رأى ثوبين ثم سُرق أحدهما، فاشترى الباقي وهو لا يعلم أيهما المسروق: أنَّه يصح إذا تساويا قدرًا وقيمة؛ معتلًا بأنه اشترى معينًا مرئيًا معلومًا، فدل على أن الإبهام لا ينافي العلم عند الغزالي، ولكنا نمنع الغزالي كونه معلومًا. انتهى (¬1). 2060 - قول "التنبيه" [ص 100]: (ولا يصح على دين لم يجب، ولم يوجد سبب وجوبه) الأصح: بطلانه ولو وُجد سببُ وجوبه؛ وذلك كنفقة الغد للزوجة، وقال في "الكفاية": احترز به عما لو مزج الرَّهْن بالبيع أو القرض؛ بأن قال: (بعتك هذا بألف وارتهنت به هذا، أو أقرضتك هذا وارتهنت به هذا)، فقال: (اشتريت، أو اقترضت ورهنت)، والأصح: الصحة، لكن يشمل نفقة الغد ونحوها، ولا يصح الرَّهْن بها. 2061 - قول "المنهاج" [ص 243]: (فلا يصح بالعين المغصوبة والمستعارة في الأصح) فيه أمور: أحدها: أنَّه لو عبر كما في "المحرر" بالعين المضمونة (¬2) .. لتناول المستام والمأخوذ ببيع فاسد، والمبيع والصداق قبل القبض؛ فهو أخصر وأشمل. ثانيها: لو عبر بالصحيح .. لوافق قول "الروضة": إن مقابله وجه ضعيف (¬3). ثالثها: عبارته تقتضي تخصيص الخلاف بالمضمونة دون الأمانة، وهو كذلك في الأمانة التي لا يجب ردها كالوديعة، فإن وجب؛ كالأمانة الشرعية والمستأجرة بعد المدة على رأي .. قال السبكي: فينبغي أن يجري في ضمانها خلاف، ولم أرهم ذكروه. فَائِدَة [وقف الكتاب بشرط ألاَّ يعار إلَّا برهن] يفهم من اشتراط كون المرهون به دينًا بطلان ما يفعله بعض الناس من كونه يقف كتابًا، ويشترط: ألَّا يعار إلَّا برهن، أو لا يخرج من مكان تحبيسه إلَّا برهن، لكن في "فتاوى القفال": أن الشرط صحيح ولا يعار إلَّا برهن، وذكر السبكي في "شرح المهذب" بحثًا: أنَّه إن عَنَى الرَّهْن الشرعي .. فلا يصح الرَّهْن، أو اللغوي وأراد أن يكون المرهون تذكرةً .. فيصح، وإن لم يعلم مراده .. فيُحتمل بطلان الشرط حملًا على الشرعي، ثم لا يجوز إخراجه بالرهن؛ لتعذره، ¬

_ (¬1) انظر "الوسيط" (3/ 43). (¬2) المحرر (ص 165). (¬3) الروضة (4/ 53).

ولا بغيره؛ إما لأنه خلاف شرط الواقف، وإما لفساد الاستثناء؛ كأنه قال: لا يخرج مطلقًا، ولو قال ذلك .. صح؛ لأنه غرضٌ صحيحٌ؛ لأن إخراجها مظنة ضياعها، ويحتمل صحة الشرط حملًا على المعنى اللغوي، قال: وهذا هو الأقرب تصحيحًا للكلام ما أمكن. انتهى. 2062 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ولا يجُوزُ أنَّ يْرهنَهُ المرهونَ عندهُ بدينٍ آخَر في الجديد) (¬1) يستثنى منه: ما لو جنى العبد المرهون، ففداه المرتهن بإذن الراهن ليكون مرهونًا بالدين والفداء .. فأصح الطريقين عند الرافعي والنووي: القطع بالجواز (¬2)، وقوى السبكي أنَّه على القولين، ونسبه الشيخ أَبو محمد للأكثرين، ويجري الطريقان فيما لو أنفق المرتهن على المرهون بإذن الحاكم لعجز الراهن عن النفقة أو غيبته، وأراد أن يكون مرهونا بهما، كما قاله القاضي أَبو الطيب، وحكاه عنه في "الروضة" من زوائده في الكلام على الرَّهْن، وأقره (¬3)، قال السبكي: ولا يخلو من نظر. 2063 - قول "التنبيه" [ص 100]: (ولا يلزم إلَّا بالقبض) قيده "المنهاج" بأن يكون القبض ممن يصح عقده (¬4)، أي: على الرَّهْن، وهو أحسن من تعبير "الحاوي" بقبضِ مكلَّفٍ (¬5)؛ لأنه يعتبر في صحة الرَّهْن مع التكليف أهلية التبرع إن رهن عن نفسه، ووقوعه على وجه المصلحة إن رهن عن غيره بولاية، وإنما يصح قبض من صح ارتهانه، فعبارة "المنهاج" وافية بذلك دون عبارة "الحاوي"، ثم إن المراد: لزومه من جهة الراهن، أما المرتهن: فلا يلزم في حقه بحال. 2064 - قول "المنهاج" [ص 244] و"الحاوي" [ص 300]: (إن المرتهن لا يستنيب الراهن في القبض) يتناول ما لو كان الراهن وكيلًا في الرَّهْن فقط، فوكله المرتهن في القبض من المالك، ولا وجه في هذه الصورة إلَّا الصحة، قاله شيخنا الإسنوي، وهو واضح. 2065 - قول "المنهاج" [ص 244]: (ولو رَهَنَ وديعة عند مودعٍ أو مغصوبًا عند غاصبٍ .. لم يلزم مما لم يمض زمن إمكان قبضه) ذكر الموح والغاصب مثال، فلو رهنه عند مستعير أو مستام أو وكيل .. كان الحكم كذلك؛ ولهذا عبر "الحاوي" بقوله [ص 301]: (وإمكان سير من في يده إليه) وحكى السبكي عن أكثرين: عدم الاكتفاء بالإمكان واشتراط ذهابه إليه، وحكاه ابن الرفعة عن ظاهر نص الشَّافعي. 2066 - قول "المنهاج" [ص 244]: (ولا يُبرئهُ ارتهانُهُ عن الغصب) لا يختص الحكم ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 100)، و"الحاوي" (ص 299)، و"المنهاج" (ص 244). (¬2) انظر "فتح العزيز" (4/ 461)، و"الروضة" (4/ 56). (¬3) الروضة (4/ 94). (¬4) المنهاج (ص 244). (¬5) الحاوي (ص 300).

بالارتهان، فالقراض والتزوج والإجارة والتوكيل والإبراء وهو في يده كذلك، وقد ذكرها "الحاوي" (¬1)، ولا بالغصب، فرهن العارية والمستام والمقبوض بشراء فاسد عند صاحب اليد كرهن المغصوب، وقد ذكر "الحاوي" المستعير فقط أيضًا (¬2). 2067 - قول "المنهاج" فيما يحصل به الرجوع عن الرَّهْن [ص 244]: (وكذا تدبيره في الأظهر) لو عبر: ب (النص) كما في "الروضة" (¬3) .. لكان أحسن؛ لأنه المنصوص، ومقابله من تخريج الربيع (¬4). 2068 - قوله: (ولو مات العاقد قبل القبض أو جُنَّ أو تخمر العصير أو أبق العبد .. لم يبطل الرَّهْن في الأصح) (¬5) فيه أمور: أحدها: الخلاف في الموت طرق، أصحها: قولان، أظهرهما: لا يبطل. والثانية: يبطل بموت الراهن دون المرتهن، وهو النص فيهما (¬6). والثالثة: لا يبطل فيهما قطعًا، فكان ينبغي التعبير فيه: بـ (الأظهر) أو (المذهب). ثانيها: اختار السبكي بطلانه بموت الراهن دون المرتهن وفاقًا للنص. ثالثها: مسألة الجنون أولى بعدم البطلان من الموت، فهي مرتبة عليها، إن لم تبطل بالموت .. فبِهِ أولى، وإلا .. فوجهان، فليست مرتبة الخلاف فيهما متساوية حتَّى يعبّر فيهما بعبارة واحدة. رابعها: الخلاف في تخمر العصير مفروض في الإبطال الكلي، حتَّى لو عاد خلًا .. فلابد من إنشاء عقد على قول الإبطال، فأما الإبطال بمعنى ارتفاع الحكم ما دام خمرًا ويعود بالتخلل .. فثابت له لو تخمر بعد القبض، فقبله أولى، فالمراد بعدم البطلان هنا: أنَّه لا يرتفع أثره بالكلية، بل إن عاد خلًا .. عاد رهنًا، وليس المراد: وصفه بالرهنية في حال الخمرية. خامسها: إذا عرف أن الخلاف في الإبطال الكلي .. فبعد القبض كقبله، فلو تخمر بعد القبض .. لم يبطل أيضًا، إلَّا أنَّه بعده أولى بعدم الإبطال، فلا حاجة حينئذ لتقييد تخمره بما قبل القبض. سادسها: قد يفهم مما ذكره في موت العاقد أن إقباض الوارث يقوم مقام إقباض الراهن من كل ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 301). (¬2) الحاوي (ص 301). (¬3) الروضة (4/ 69). (¬4) انظر "الأم" (3/ 139). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 244). (¬6) انظر "الأم" (3/ 139).

وجه، وقد قال شيخنا الإمام البلقيني في هذه الصورة: متى كان هناك ديون .. لم يكن المرتهن مقدمًا بهذا الرَّهْن على الغرماء، وقال: قلته تخريجًا من جهة أن حق الغرماء قد تعلق بجميع التركة بالموت، وليس للوارث التخصيص، وفي إقباضه تخصيص. 2069 - قول "التنبيه" [ص 100، 101]: (وإن أعتقه .. ففيه ثلاثة أقوال، أحدها: يعتق، والثافي: لا يعتق، والثالث: إن كان معسرًا .. لم يعتق، وإن كان موسرًا .. عتق وأخذت منه القيمة وجعلت رهنًا مكانه) فيه أمور: أحدها: الأصح: القول الثالث، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬1). ثانيها: أنّ محل الأقوال: إذا لم يعتقه عن كفارة غيره، فإن أعتقه عنها .. لم يصح؛ لأنه بيع، حكاه في "الروضة" من زوائده عن القاضي حسين، وأقره (¬2). قال في "المهمات": ويرد عليه: ما إذا مات الراهن، فانتقلت العين إلى وارثه، فأعتقها عن مورثه، وكذا إذا لم يرهنه، ولكن مات وعليه دين .. فإنه ينتقل إلى الوارث مرهونًا، ومع ذلك يجوز إعتاقه عن مورثه، كما هو حاصل كلام الرافعي في (باب الوصية) وعلله: بأن إعتاقه كإعتاقه (¬3). ثالثها: قوله: (وجعلت رهنًا) يوهم أنَّه لا بد من إنشاء رهن، وليس كذلك، بل تصير بنفسها رهنا؛ لقيامها مقام الرَّهْن؛ ولذلك عبر "المنهاج" بقوله [ص 244]: (ويغرم قيمته رهنًا) وهل توصف بالرهن قبل الغرم وهي في ذمة المعتق؛ يظهر - كما قال شيخنا ابن النقيب - أن يكون كالأرش في ذمة الجاني، والأرجح فيه - كما قال النووي -: أنَّه مرهون (¬4). رابعها: لو رهن نصف عبده، ثم أعتق باقيه .. سرى في الأصح وإن لم ينفذ إعتاق الراهن، فهذه قد ترد على عبارة هذه الكتب الثلاثة، ويجاب عنها: بانها خرجت بتعبيرهم بالإعتاق؛ لأن هذا حكم من الشرع بعتقه لا إعتاق. خامسها: قال شيخنا الإمام البلقيني: لو كان الدين حالًا وهو أقل من القيمة .. فقد بحثت أنَّه ينبغي أن يكتفى بيساره بالدين؛ لأنه حق المرتهن، فينبغي أن يؤخذ ويوفى حالًا، قال: وعلى هذا .. فالمعتبر عندي في هذا التصوير: أن يكون الراهن موسرًا بأقل الأمرين من قيمة المرهون ومن الدين. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 301)، المنهاج (ص 244). (¬2) الروضة (4/ 77). (¬3) انظر "فتح العزيز" (7/ 256). (¬4) السراج على نكت المنهاج (3/ 185)، وانظر "الروضة" (4/ 75).

سادسها: تكلموا على اليسار بكل الثمن والإعسار بكله، فلو أيسر ببعضه .. فقال شيخنا الإمام البلقيني: الذي يجري على القواعد فيها: أنَّه يعتق ذلك القدر الذي هو موسر بقيمته، وتؤخذ منه القيمة، وتجعل رهنًا مكانه، قال: وقد ذكر النووي في الطلاق هذه الصورة، فقال من زياداته: يتصور فيما إذا أعتق عبده المرهون وهو موسر بقيمة بعضه، وقلنا بالأظهر: إنه ينفذ إعتاق الموسر (¬1)، ويجيء مثله في إعتاق العبد الجاني الذي تعلقت الجناية برقبته، ولو قال فيهما: (أعتقت نصفك)، وهو موسر بما يجب في النصف من القيمة .. فإنه يصح عتقه في ذلك النصف فقط. انتهى (¬2). 2070 - قول "الحاوي" [ص 301]: (بقيمة يومه) أي: ينفذ كل من الإعتاق والإيلاد بقيمة يومه؛ أي: يوم الإعتاق ويوم الإيلاد، وقد اعترضه البارزي في اعتبار قيمة يوم الإيلاد، وقال: إنه وجه، وإن الأصح: أن الاعتبار بقيمة يوم الإحبال، ولم يتعرض الرافعي لذلك في الإيلاد، وإنَّما قال: لزمه القيمة (¬3)، وقال صاحب "المطلب": اعتبار القيمة وقت العلوق لا يختلف فيه المذهب، وفسر صاحب "التعليقة" يوم الإيلاد: بيوم الإحبال. 2071 - قول "المنهاج" [ص 244]: (وإن لم ننفذه فانفكَّ .. لم يَنْفُذْ في الأصح) المراد: الانفكاك بأداء أو إبراء، كما صرح به في "المحرر" (¬4)، أما لو بيع في الدين ثم ملكه .. فالأصح: القطع بعدم النفوذ. 2072 - قوله: (ولو علَّقه بصفةٍ فوُجِدَت وهو رهنٌ .. فكالإعتاق، أو بعده .. نَفَذَ على الصحيح) (¬5) فيه أمور: أحدها: أن المراد: ما إذا كان التعليق بعد الرَّهْن، فاما لو علق قبله .. فقد سبق ذكره في قوله: (ومُعلّق العتق) (¬6). ثانيها: عبر في "الروضة" بالأصح في موضع تعبير "المنهاج" بالصحيح (¬7). ثالثها: قوله: (أو بعده) أي: ولم توجد وهو رهنٌ، فلو وُجِدَت وهو رهنٌ، فلم يحكم بالعتق؛ للإعسار .. فقد انحلت اليمين، فلا يعتق بوجودها بعده، نبه عليه شيخنا الإسنوي. ¬

_ (¬1) انظر "الروضة" (8/ 66). (¬2) انظر "الروضة" (8/ 66). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 489). (¬4) المحرر (ص 167). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 244). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 244). (¬7) الروضة (4/ 76).

2073 - قول "التنبيه" [ص 100]: (ولا يتصرف الراهن في الرَّهْن بما يبطل به حق المرتهن؛ كالبيع والهبة ... إلى آخره) محله: إذا لم يأذن فيه المرتهن، وقد صرح بذلك "المنهاج" في قوله [ص 245]: (وله بإذن المرتهن ما منعناه) (¬1) و"الحاوي" بقوله [ص 302]: (وَنَفَذَ كلٌ بإذن المرتهن) (¬2) وسيأتي الكلام عليه بعد ذلك. 2074 - قول "التنبيه" [ص 100]: (وله أن يؤجر إن كانت مدة الإجارة دون محل الدين) يفهم المنع إذا حلّ الدين مع انقضاء الإجارة، وليس كذلك؛ ولهذا عبر "المنهاج" بقوله عطفًا على الممتنع [ص 244]: (ولا الإجارة إن كان الدين حالًا أو يحل قبلها) و"الحاوي" بقوله [ص 301]: (وإجارةٌ تنقضي بعد المحل) فدل على جوازها إذا حل معها، بل يفهم الجواز أيضًا إذا احتمل التقدم والتأخر والمقارنة، واختار السبكي أنَّه يبطل في الزائد، وفي الباقي قولا تفريق الصفقة، ووقع في الرافعي في نقل هذه الطريقة عن "التتمة": يبطل في قدر الأجل، وفي الزائد قولا تفريق الصفقة (¬3). وهو مقلوب، وصوابه: ما قدمته، وهو في "التتمة" على الصواب. ومحل المنع أيضًا: إذا كانت الإجارة لغير المرتهن، فإن كانت له .. صح واستمر الرَّهْن. 2075 - قول "التنبيه" [ص 100]: (وإن كانت ممن لا تحبل .. جاز وطؤها، وقيل: لا يجوز) فيه أمران: أحدهما: أن الأصح: عدم الجواز؛ ولذلك أطلق "المنهاج" و"الحاوي" منع الوطء (¬4). ثانيهما: قيد في "الكفاية" كلامه بما إذا كانت ثيبًا، فإن كانت بكرًا .. لم يجز قطعًا. وأجيب عنه: بأنه مفهوم من قوله: (أنَّه ليس للراهن التصرف بما ينقص قيمة المرهون) (¬5)، وقيد ابن أبي عصرون محل الخلاف: بما إذا كان لها تسع سنين فأكثر، فإن كان دونه .. فلا منع، وفيه نظر. 2076 - قول "التنبيه" [ص 100]: (ويجوز أن يُنْتَفَعُ بها فيما لا ضرر فيه على المرتهن؛ كالركوب والاستخدام) يستثنى منه: استخدام الجارية .. فلا يمكن منه إلَّا إذا أمن غشيانه؛ بأن كان مَحْرَمًا، أو ثقةً وله أهلٌ، وعبر شيخنا الإسنوي عن ذلك في "تصحيحه" بلفظ: ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: (وله بإذن الراهن ما منعناه)، والمثبت من "المنهاج"، وهو الصواب. (¬2) في جميع النسخ: (ونفذ كلٌ بإذن الراهن)، والمثبت من "الحاوي"، وهو الصواب. (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 484). (¬4) الحاوي (ص 301)، المنهاج (ص 244). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 100).

(الصواب) (¬1)، وفيه نظر؛ لأن من يبيح الوطء يبيح الاستخدام من طريق الأولى، وقد تقدم وجه بجواز وطئها في بعض الصور، وقد ذكر في "الكفاية" أن منع الاستخدام مفرع على منع الوطء، وهو واضح. 2077 - قول "المنهاج" [ص 245]: (فلو ماتت بالولادة .. غرم قيمتها رهنًا في الأصح) عبر في "الروضة" بـ (الصحيح) (¬2)، والخلاف عائد إلى الغرم لا إلى كون المغروم رهنًا. 2078 - فوله: (لا البناء والغراس) (¬3) أي: يمنع منهما الراهن. يستثنى منه فيما إذا كان الدين مؤجلًا: ما إذا قال الراهن: أنا أقلع ما أحدثت إذا جاء الأجل، نص الشَّافعي في "الأم" على استثنائه، وذلك في ترجمة زيادة الرَّهْن من (الرَّهْن الكبير) (¬4)، حكاه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: وكأنه محمول على ما إذا لم تنقص الأرض بالقلع. 2079 - قوله: (فإن فعل - أي: البناء أو الغرس - .. لم يقلع قبل الأجل) (¬5) لو قال: (قبل الحلول) كما في "المحرر" و"الروضة" (¬6) .. لكان أحسن. 2080 - قوله: (وبعده يُقْلَع إن لم تف الأرض بالدين وزادت به) (¬7) أي: بالقلع. محله: إذا لم يأذن الراهن في بيع الغراس مع الأرض، فإن أذن فيه .. لم يقلع، ويباعان، ويوزع الثمن عليهما، ويحسب النقصان على الغراس، وكذا لو حجر على الراهن بالفلس .. لم يقلع، بل يباعان. 2081 - قول "المنهاج" [ص 245]: (ثم إن أمكن الانتفاع من كير استرداد .. لم يسترد) المراد: الانتفاع الذي أراده السيد منه؛ بأن كان يخيط، وأراد السيد منه الخياطة .. فلا يسترده، أما إذا أراد منه الخدمة .. فله استرداده لها، وذلك وارد على ظاهر عبارة "المنهاج"، وسلم منه "الحاوي" بقوله [ص 303]: (ونُزع لانتفاع لا يجامعهما وقته). 2082 - قول "المنهاج" [ص 245]: (وإلَّا .. فيسترد) شرطه في الجارية: أن يؤمن غشيانها؛ لكونه مَحْرَمًا، أو ثقةً وله أهلٌ، وذلك وارد على عبارة "الحاوي" أيضًا. 2083 - قول "المنهاج" [ص 245]: (ويُشْهِدُ إن اتَّهَمَه) يستثنى منه: ما إذا كان موثوقًا عند ¬

_ (¬1) تذكرة النبيه (3/ 115). (¬2) الروضة (4/ 78). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 245). (¬4) الأم (3/ 165). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 245). (¬6) المحرر (ص 167)، الروضة (4/ 79). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 245).

الناس مشهور العدالة .. فإنه لا يكلف الإشهاد في كل أخذة على الأصح؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 303]: (ويُشْهِد لا ظاهر العدالة). وقد يقال: متى كان بهذه الصفة .. فهو غير متهم، فلا يرد ذلك على "المنهاج". وجوابه: أن المرتهن قد يتهمه وإن كان عدلًا. 2084 - قول "المنهاج" [ص 245]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 302]: (وله بإذن المرتهن ما منعناه) ظاهره جواز الرَّهْن بالإذن، ويكون فسخًا للرهن المتقدم كالبيع بالإذن، قال شيخنا ابن النقيب: فإن كان كذلك .. أشكل ما سبق من منع رهنه عند المرتهن بدين آخر؛ فإنه يتضمن الرضا؛ فينبغي أن يصح، ويكون فسخًا للأول، كما يصح بيعه منه، ويكون فسخًا للرهن. انتهى (¬1). ثم إن "المنهاج" أطلق ذلك، واستثنى منه "الحاوي" مسألتين ذكرهما بقوله [ص 302]: (دون شرط رهن الثمن أو تعجيل الحق)، وقد ذكرهما "المنهاج" بعد ذلك (¬2)، وكان ينبغي استثناؤهما هنا. 2085 - قول "المنهاج" [ص 245]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 302]: (وله الرجوع قبل تصرف الراهن) كذا له الرجوع بعد تصرفه فيما إذا وَهْب أو رهن ولم يقبض، وقد ذكره "الحاوي" (¬3)، ومثله لو وطئ ولم تحبل. 2086 - قول "المنهاج" [ص 245]: (ولو أذن في بيعه ليعجل المؤجل من ثمنه .. لم يصح البيع) لوعبر بقوله: (بشرط أن يعجل) كما في "المحرر" و"الحاوي" (¬4) .. لكان أحسن؛ فإنه لا يلزم من هذه العبارة الاشتراط، وقد قال السبكي في هذه الصورة: الذي يظهر أنَّه ليس شرطًا، فلا يلتفت إليه، ويصح الإذن والبيع، قال: فالوجه: حمله على أنَّه صرح بالشرط كما صوّره الأصحاب، قال: ولا شك أنَّه لو قال: (أذنت لك في بيعه لتعجل) ونوى الاشتراط .. كان كالتصريح به، وإنَّما النظر إذا أطلق .. هل نقول: ظاهره الشرط أو لا؟ والأقرب: المنع. انتهى (¬5). 2087 - قول "المنهاج" [ص 245]: (وكذا لو شرط رهن الثمن في الأظهر) ذكر السبكي أن محل القولين: إذا كان الدين مؤجلًا سواء شرط كون الثمن رهنًا، أو جعله رهنًا، أو كان حالًا ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 189، 190). (¬2) المنهاج (ص 245). (¬3) الحاوي (ص 302). (¬4) المحرر (ص 168)، الحاوي (ص 3002). (¬5) انظر "مغني المحتاج" (2/ 133).

فصل [فيما يترتب على لزوم الرهن]

وشرط جعل الثمن رهنًا، أما لو كان الدين حالًا، وأراد كونه مرهونًا .. صح قطعًا؛ لأنه تصريح بمقتضى الإطلاق، فإن الإذن في الحال محمول على الوفاء، فلا يتسلط الراهن على الثمن، قال: وحكاية الخلاف في الحال إذا شرط جعل الثمن رهنًا لم يتعرض له غير القاضي حسين والبغوي والرافعي، وفيه نظر (¬1). فَصْلٌ [فيما يترتب على لزوم الرَّهْن] 2088 - قول "المنهاج" [ص 245]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 303]-: (إذا لزِمَ الرهنُ .. فاليدُ فيه للمرتهن) يستثنى منه: ما لو رهن عبدًا مسلمًا أو مصحفًا من كافرٍ أو سلاحًا من حربي .. فإنه يوضع عند عدل، ولو رهن جارية، فإن كانت مَحْرَمًا للمرتهن، أو طفلة، أو كان المرتهن امرأة، أو أجنبيًا ثقة وعنده زوجة، أو أمة، أو نسوة ثقات .. وضعت عنده، وإلَّا .. فعند مَحْرَمٍ لها أو امرأة ثقة أو عدل بالصفة المذكورة، والخنثى كالجارية، لكن لا يوضع عند امرأة، وقول "التنبيه" [ص 100]: (فإن اتفقا على أن يكون في يد المرتهن .. جاز) يقتضي أنَّه إنما يكون اليد له باتفاقهما، وقد ادُعي أن مقتضاه: أنهما لو اتفقا على أن يكون في يد الراهن .. لم يجز، وبه صرح ابن يونس في "النبيه"، وعلله في "التنويه": بأن يده لا تصلح للنيابة عن غيره، وهو مستقلٌ بالملك، وسبقه إلى ذلك الغزالي (¬2)، ومقتضى كلام ابن الرفعة في "المطلب": أنَّه يصح؛ فإنه حمل كلام الغزالي على ابتداء القبض. 2089 - قولهما - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ولو شرطا وضعه عند عدل .. جاز) (¬3) وكذا في "المحرر" (¬4)، وعبارة "الروضة" و"الشرحين": في يد ثالث (¬5)، فيشمل الفاسق، قال شيخنا الإسنوي: وهو الصواب، فإن الفاسق كالعدل في ذلك. قلت: ويوافق ذلك عبارة "الحاوي" حيث قال: (ومن ائتمناه)، فلم يعتبر قدرًا زائدًا على ائتمانهما، ثم قال: (ولكل طلب التحويل منه إن فسق أو زاد فسقه) (¬6)، وهو صريح في ائتمان الفاسق في ذلك. ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (4/ 69)، و"فتح العزيز" (4/ 495). (¬2) انظر "الوسيط" (3/ 505). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 100)، و"المنهاج" (ص 245). (¬4) المحرر (ص 168). (¬5) فتح العزيز (4/ 498)، الروضة (4/ 86). (¬6) الحاوي (ص 304).

2090 - قول "المنهاج" [ص 245]: (ولو مات العدل أو فسق .. جعلاه حيث يتفقان) فيه أمور: أحدها: في معنى ذلك: ما إذا كان الذي اتفقا على وضعه عنده فاسقًا ثم زاد فسقه، وقد ذكره "الحاوي" (¬1)، وكذا لو عجز عن الحفظ أو عادى أحدهما. ثانيها: لا يختص ذلك بالعدل، فلو كان عند المرتهن فطرأ عليه ذلك .. كان الحكم كذلك. ثالثها: لا يختص ذلك بحالة موته أو فسقه، فلهما مع بقائه على حاله الاتفاق على نقله إلى غيره، كذا أورد شيخنا ابن النقيب (¬2)، لكن في صورة حدوث الفسق ونحوه، لو طلب أحدهما النقل وامتنع الآخر .. أجبر الممتنع، وعند بقائه على حاله .. لا يجبر الممتنع من نقله، والله أعلم. 2091 - قولهما: (وإن تشاحا .. سلمه الحاكم إلى عدل) (¬3) حمله في "الكفاية" على ما إذا كان الرَّهْن مشروطًا في بيع، قال: فإن لم يكن مشروطًا في بيع .. فيظهر أن لا يسلم إلى عدل إلَّا برضا الراهن؛ لأن له الامتناع من أصل الإقباض. قلت: فجعل صورة "التنبيه" في التنازع فيمن يضعانه عنده في الابتداء، و"المنهاج" إنما ذكر هذا فيما إذا مات من اتفقا على وضعه عنده أو فسق. قال السبكي: والذي يظهر أنَّه ليس للحاكم في المشاحة قبل القبض التسليم إلى عدل إلَّا برضاهما، سواء أكان مشروطًا في بيع أم لا، وكيف يجبر والرهن لم يلزم؟ (¬4) 2092 - قول "المنهاج" [ص 245]: (ويستحق بيع المرهون عند الحاجة) أخذ منه ابن الرفعة أنَّه لا يجب على الراهن أداء الدين من غير الثمن، وإن طلبه المرتهن، وقدر الراهن عليه، وبه صرح الإمام في "النهاية" (¬5)، واستشكله ابن عبدِ السلام؛ لما فيه من تأخير الحق الواجب على الفور، قال السبكي: وهو معذور في استشكاله، والمختار: الوجوب؛ إما منه، أو من غيره. 2093 - قوله: (ويبيعه الراهن أو وكيله بإذن المرتهن) (¬6) أي: أو وكيله، وأهمل "المنهاج" ذكر وكيل المرتهن. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 304). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 192). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 100)، و"المنهاج" (ص 245). (¬4) انظر "حاشية الرملي" (2/ 166). (¬5) نهاية المطلب (6/ 181). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 245).

2094 - قوله: (ولو باعه المرتهن بإذن الراهن .. فالأصح: أنَّه إن باع بحضرته .. صح، وإلَّا .. فلا) (¬1) فيه أمور: أحدها: عبر في "الروضة" عن الأول بـ (الصحيح)، وعن الثاني بـ (الأصح) (¬2). ثانيها: اختار السبكي الصحة مطلقًا (¬3)، وهو مذهب الأئمة الثلاثة. ثالثها: محل الصحة: ما إذا قال: (بعه لي)، وكذا إن أطلق في الأصح، فلو قال: (بعه لنفسك) .. لم يصح في الأظهر (¬4). رابعها: مدرك التفصيل: التهمة، ومدرك المنع مطلقًا: أنَّه توكيل فيما يتعلق بحقه؛ إذ المرتهن مستحق للبيع، فلو قدّر الثمن .. انتفت التهمة دون الاستحقاق، ولو كان الدين مؤجلًا .. انتفى الأمران، فيصح بحضوره وغيبته، فإن أذن له مع ذلك في استيفاء حقه من ثمنه .. جاءت التهمة، ذكره الرافعي والنووي (¬5). 2095 - قوله: (ولو شرط أن يبيعه العدل .. جاز) (¬6) يقتضي أن مجرد اشتراط بيع العدل يكفي عن الإذن له؛ لأنه يتضمنه، وكلام الماوردي يقتضي أنَّه لا بد من الإذن له بعد ذلك (¬7)، وعبارة "الحاوي" [ص 304]: (ويبيع بالإذن الأول)، وهو معنى قول "المنهاج" [ص 246]: (ولا تُشتَرط مراجعة الراهن في الأصح) وسكت عن مراجعة المرتهن، وفي "الروضة" وأصلها عن العراقيين: القطع باشتراطها، وعن الإمام: القطع بعدمه (¬8)، وذكر السبكي أن الإمام فرض محل الوجهين في مراجعة الراهن: فيما إذا كانا قد أذنا له، وفرضه العراقيون فيما إذا شرط في الرَّهْن أن العدل يبيع، أو وكله الراهن فقط ولم يأذن المرتهن، فعلى فرضهم: لا بد من إذنه؛ إذ لم يأذن قبل ذلك، وعلى فرض الإمام: لا يحتاج لتقدم إذنه، ولم يتطابق العراقيون والإمام على مسألة واحدة، والرافعي قال بعد نقل الطريقين: فتأمل في بُعد إحدى الطريقين عن الأخرى (¬9)، قال السبكي: وأظن الحامل له على ذلك أنَّه رأى كلام العراقيين مصورًا في الاشتراط، والشرط إنما ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 246). (¬2) الروضة (4/ 88). (¬3) في (د): (وهو مقتضى كلام "الحاوي" كما سيأتي). (¬4) في (د): (وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 305]: "فسد ماله" ومفهومه الصحة في الصورتين الأوليتين وإن لم يكن بحضرة الراهن). (¬5) انظر "فتح العزيز" (4/ 527)، و"الروضة" (4/ 89). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 246). (¬7) انظر الحاوي الكبير" (6/ 132). (¬8) الروضة (4/ 90)، وانظر "نهاية المطلب" (6/ 183). (¬9) انظر "فتح العزيز" (4/ 501).

يكون منهما، وهو متضمن للإذن، والجواب: أن إذن المرتهن في البيع إنما يصح بعد القبض، والراهن يصح إذنه قبله. 2096 - قول "المنهاج" [ص 246]: (ولو تَلِفَ ثمنهُ في يَدِ العدلِ، ثم استُحِقَّ المرهُون، فإن شاء المشتري .. رجع على العدلِ، وإن شاءَ .. رَجَعَ على الراهنِ، والقرار عليه) فيه أمور: أحدها: أن مقتضى إطلاقه أنَّه لا فرق بين أن يكون التلف بتفريط من العدل أو بغير تفريط منه، وصَوَّرَهُ الإمام بما إذا كان بغير تفريط (¬1)، ومقتضاه: أنَّه إذا تلف بتفريط .. اختصاص الضمان بالعدل، قال السبكي: وهو الأقرب. ثانيها: هذا هو المجزوم به في "المحرر" و"الروضة" وأصلها هنا (¬2)، وحكوا في (الوكالة) أوجهًا، قيل: القرار على العدل، وقيل: لا يرجع مَنْ غَرمَ، وقيل: يطالب الراهن فقط ولا رجوع له، وقيل: يطالب العدل فقط وله الرجوع، وقيل: لا رجوع له (¬3). قال السبكي: وهو القياس؛ لأن الموكل - الذي هو الراهن - لم يضع يده على الثمن، والعقد فاسد، فلا يتعلق به عهدة، وحينئذ .. فالقول: بتضمينه مشكل جدًا، وإن قاله الجمهور. ثالثها: محل الرجوع على العدل: إذا لم يكن مأذونا من جهة الحاكم، فإن كان لموت الراهن أو غيبته .. فالأصح: أنَّه يرجع على الراهن فقط إن كان حيًا، وإلَّا .. ففي تركته، ولا يكون العدل طريقًا في الضمان. 2097 - قوله: (ولا يبيعُ العدلُ إلَّا بثمن مِثلِهِ حالًا من نقد البلد) (¬4) يوهم أن الراهن والمرتهن ليسا كالعدل، والمتجه: إلحاقهما به، فلو عبر بقوله: (ولا يباع) .. لكان أعم، قاله شيخنا الإسنوي. قال شيخنا ابن النقيب: قد يقال: إنهما إذا اتفقا على بيعه بشيء .. لا اعتراض عليهما؛ لأن الحق لا يعد وهمًا، والله أعلم (¬5). 2098 - قوله: (فإن زادَ راغبٌ قبل انقضاءِ الخيار .. فليفسغ وليبعهُ) (¬6) فيه أمور: أحدها: أنَّه يشمل خيار الشرط، فهو أحسن من قول "المحرر" و"الشرح": قبل التفرق (¬7)، فإن حكم الخيارين سواء، كما في زيادة "الروضة" عن "الشامل" وغيره (¬8)، وهو واضح. ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (6/ 187). (¬2) المحرر (ص 168)، الروضة (4/ 91). (¬3) انظر "الروضة" (4/ 328). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 246). (¬5) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 196). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 246). (¬7) المحرر (ص 169)، فتح العزيز (4/ 503). (¬8) الروضة (4/ 93).

ثانيها: أنَّه لا يتعين الفسخ، فلو باع من الراغب بالزِّيادة من غير فسخ .. صح على الأصح، فلو قال: (يخير بين الفسخ والبيع بلا فسخ) .. لكان أولى، بل قد يقال: البيع له بدون فسخ أحوط؛ لأنه قد يفسخ ويرجع الراغب، لكن الفسخ مجزوم به، والبيع قبل الفسخ مختلف فيه. ثالثها: لو لم يعلم العدل بالزِّيادة حتَّى انقضى الخيار والزِّيادة مستقرة .. فقال السبكي: الأقرب عندي: تبيّن الفسخ، لكني لم أر من صرح به. انتهى. فإن صح ما ذكره .. ففي هذه الصورة ينفسخ من غير فسخ. 2099 - قولهم: (ومؤنة المرهون على الراهن) (¬1) أورد عليه: أنَّه يستثنى من ذلك: المؤن المتعلقة بالمداواة، كالفصد والحجامة، وتوديج الدابة وهو بمنزلة الفصد في الآدميين والمعالجة بالأدوية .. فلا تجب عليه. وجوابه: أن هذه لا تسمى مؤنة، فلم يتناولها كلامهم، وقد ذكرها "المنهاج" عقبه بقوله [ص 246]: (ولا يُمنعُ الراهنُ من مصلحة المرهون، كفصدٍ وحجامةٍ) فدل على عدم دخولها فيما تقدم. 2100 - قول "المنهاج" [ص 246]: (ويُجبرُ عليها لحق المرتهن على الصحيح) فيه أمران: أحدهما: أن الأحسن: حذف الواو فقط، أو حذفها مع المعطوف بها؛ لأنه حشو، ويوهم أن الخلاف مخصوص بالإجبار، وا لوجوب مجزوم به، وليس كذلك، ذكره شيخنا الإسنوي. قال شيخنا ابن النقيب: وعبارة "الروضة" قد توهمه أيضًا، فإنه قال: مؤنة الرَّهْن على الراهن، ثم قال: وحكى الإمام والمتولي وجهين في أن هذه المؤن، هل يجبر عليها الراهن من ماله؟ أصحهما: الإجبار (¬2). ثانيهما: كذا في "الروضة" وأصلها، حكاية هذا الخلاف وجهين (¬3)، لكنه حكاه في "المحرر" قولين (¬4). 2101 - قوله: (ولا يُمنع الراهن من مصلحة المرهون، كفصدٍ وحجامةٍ) (¬5) أي: وختان، وقد ذكره "الحاوي" (¬6)، ومحله: في وقت اعتدال الهواء إذا لم يكن به عارض يخاف من الختان معه، وكان يندمل قبل الحلول، أو لا تنقص القيمة به مع عدم الاندمال، قال في "الروضة": ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 101)، و"الحاوي" (ص 304)، و"المنهاج" (ص 246). (¬2) السراج على نكت المنهاج (3/ 197)، وانظر "نهاية المطلب" (6/ 254)، و"الروضة" (4/ 93). (¬3) الروضة (4/ 93). (¬4) المحرر (ص 169). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 246). (¬6) الحاوي (ص 301).

كذا أطلق أكثر الأصحاب أو كثيرون منهم جواز الختان من غير فرق بين الكبير والصغير، وصرح به المتولي والشيخ نصر، وقال صاحب "المهذب" ومن تابعه: يمنع من ختان الكبير دون الصغير؛ لخوف التلف، وهذا ظاهر نصه في "الأم" و"المختصر"، ويؤيده أنهم عدوا عدم الختان عيبًا في الكبير دون الصغير، كما سبق (¬1). وهو ميل إلى ترجيح الفرق بينهما، ومراده بما سبق: الرد بالعيب، لكنه قيد هناك الكبير بالذي يخاف عليه من الختان، وذكر هذا في العبد، وأما الأمة: فأطلق أن عدم الختان فيها ليس بعيب. 2102 - قول "الحاوي" فيما يمتنع على الراهن [ص 301]: (وقطعٌ فيه خطرٌ) يستثنى منه: ما إذا كان الغالب في القطع السلامة .. فالأصح: جوازه، فيحمل كلامه على أن المراد: خطر يغلب على احتمال السلامة. 2103 - قول "المنهاج" [ص 246]: (وهو أمانةٌ في يد المرتهن، ولا يسقُطُ بتلفه شيءٌ من الدين) أحسن من قول "المحرر" و"الروضة" وأصلها: (لا يسقط) بغير واو (¬2)؛ لأنه يقتضي ثبوت الأمانة مطلقًا في كل حكم، وحذفها يقتضي تفسير الأمانة: بأنه لا يسقط بتلفه شيء من الدين، فلا يؤخذ منه عدم وجوب القيمة، ولا تصديقه في التلف، وأحسن منهما تعبير "التنبيه" بـ (الفاء) (¬3)، فتفيد الأمانة مطلقًا، وأنه يتسبب عنها عدم السقوط. 2104 - قول "المنهاج" [ص 246] و"الحاوي" [ص 303]: (وحكم فاسد العقود حكم صها في اضمان) أي: إن اقتضى صحيحه الضمان .. ففاسده كذلك، وإن اقتضى صحيحه عدم الضمان .. ففاسده كذلك، وفيه أمور: أحدها: أنَّه يستثنى من الأول مسائل: الأولى: إذا قال: قارضتك على أن الربح كله لي .. فالصحيح: أنَّه قراض فاسد، ومع ذلك لا يستحق العامل أجرة على الصحيح. الثانية: إذا صدر عقد الذمة من غير الإمام .. لم يصح على الصحيح، ولا جزية فيه على الذِّمِّيُّ على الأصح. الثالثة: إذا استأجر أَبو الطفل أمه لإرضاعه، وقلنا: لا يجوز .. فهل تستحق أجرة المثل؟ فيه وجهان، الأصح: أنَّها لا تستحق. ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 95)، وانظر "المهذب" (1/ 286). (¬2) المحرر (ص 169)، الروضة (4/ 96). (¬3) التنبيه (ص 100).

الرابعة: إذا ساقاه على أن الثمرة جميعها لرب المال .. فإنه كالقراض، كما قاله الرافعي، فتكون فاسدة، ولا يستحق أجرة (¬1). الخامسة: إذا ساقاه على وَديٍّ (¬2) ليغرسه ويكون الشجر بينهما، أو ليغرسه ويتعهده مدة والثمر بينهما .. فالصحيح: فسادها، ثم إن كانت الثمرة لا تتوقع في هذه المدة .. ففي استحقاقه أجرة المثل الوجهان في اشتراط الثمرة كلها للمالك، كما قاله الرافعي، قال: وهكذا إذا ساقاه على ودي مغروس وقدّر مدة لا يثمر فيها في العادة (¬3). السادسة: إذا قال الإمام لمسلم: (إن دللتني على القلعة الفلانية .. فلك منها جارية) ولم يعين الجارية .. فالصحيح: الصحة، كما لو جرى مع كافر، فإن قلنا: لا تصح هذه الجعالة .. لم يستحق أجرة. السابعة: المسابقة إذا كانت صحيحة .. يكون العمل فيها مضمونًا، وإذا كانت فاسدة .. لا تضمن وفي وجه. ويستثنى من الثاني مسائل: الأولى: الشَّرِكةَ لا يضمن كل منهما عمل صاحبه في ماله مع صحتها، ويضمنه مع فسادها. الثانية: إذا صدر الرَّهْن أو الإجارة من الغاصب، فتلفت العين في يد المرتهن أو المستأجر .. فللمالك تضمينه على الصحيح وإن كان القرار على الغاصب مع أنَّه لا ضمان في صحيح الرَّهْن والإجارة. الثالثة: الهبة إذا صحت .. لا تكون العين فيها مضمونة، وإذا فسدت .. ضُمِنَتْ على وجه، ولم يستثن ابن المرحل في "الأشباه والنظائر" غير هذه الصورة، وهي على وجه مرجوح. الأمر الثاني: أن محل هذا: إذا صدر العقد من رشيد، فلو صدر من صبي أو سفيه ما لا يقتضي صحيحه الضمان .. كان مضمونًا أيضًا مع فساده. الأمر الثالث: أن المراد: التسوية في أصل الضمان؛ فقد لا يستويان في الضامن، كما لو استأجر الولي للصبي على عمل إجارة فاسدة، ففعله الأجير للصبي .. فالأجرة على الولي دون مال الصبي، كما صرح به البغوي في "فتاويه"، بخلاف الصحيحة، ولا في المقدار؛ فإن صحيح البيع مضمون بالثمن، وفاسده بالقيمة أو المثل على ما تقدم، وصحيح القرض مضمون بالمثل ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (6/ 62). (¬2) الوديّ على فعيل: فسيل النخل وصغاره، واحدتها: ودية، وقيل: تجمع الودية: ودايا. انظر "لسان العرب" (15/ 386). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 60).

مطلقًا، وفاسده بالمثل أو القيمة، وصحيح القراض والمساقاة والإجارة والمسابقة ونحوها مضمون بالمسمى، وفاسدها بأجرة المثل. 2105 - قول "المنهاج" [ص 246]: (ولو شَرَطَ كون المرهون مبيعًا له عند الحلول .. فسدا) قد يتناول ما إذا علق ذلك على عدم القضاء، فقال: (رهنتك، وإذا لم أقضك عند الحلول .. فهو مبيع منك)، ولا شك في فساد البيع في هذه الصورة أيضًا، وأما الرَّهْن: فقال السبكي: يظهر صحته، وكلام الروياني يقتضيه. انتهى. وكذا إذا لم يأت بذلك على سبيل الشرط، بل رهنه رهنًا صحيحًا، وأقبضه، ثم قال له: (إذا حل الأجل .. فهو مبيع منك بكذا) وقبل .. فالبيع باطل، والرهن صحيح بحاله. 2106 - قوله: (وهو قبل المحلِّ أمانةٌ) (¬1) أي: في هذه الصورة؛ لأنه رهن فاسد، ومفهومه: أنَّه بعد المحل مضمون، وهو كذلك؛ لأنه بيع فاسد. 2107 - قوله: (ويصدق المرتهن في دعوى التلف بيمينه) (¬2) أي: إذا لم يذكر سبب التلف، أو ذكر سببًا خفيًّا، فإن ذكر ظاهرًا .. ففيه التفصيل المذكور في الوديعة، والمراد بتصديقه في التلف: أنَّه لا يضمن، وإلَّا .. فالغاصب ونحوه مصدق فيه أيضًا، لكنه ضامن. 2108 - قوله: (ولو وَطِئَ المرتهن المرهونة بلا شبةٍ .. فزان) (¬3)، قال السبكي: هو منتقد في اللفظ؛ لأن (لو) لا تجاب بالفاء، ويقع هذا في كلام الفقهاء، كأنهم أجروها مجرى (إن)، أو يُقدر الجواب محذوفًا تقديره: حد، فهو زانٍ، وهذه الجملة تعليل للجواب وحُذِف المبتدأ منها، ولو قال: (كان زانيًا) .. خلص عن الإيراد. انتهى. 2109 - قوله: (وإن وَطِئَ بإذن الراهن .. قُبِلَ دعواه جَهْل التحريم في الأصح ولا حد، ويجب المهر إن أكرهها) (¬4) فيه أمران: أحدهما: اعترض عليه: بأن وجوب المهر مفرع على عدم الحد، فأما إذا حد .. فيترتب عليه حكم الزنا في عدم المهر وما بعده من الفروع، فكان ينبغي أن يقول: (فيجب) بالفاء؛ ليفيد ذلك. ثانيهما: حكى في "المحرر" وجهًا بعدم وجوب المهر في هذه الصورة (¬5)، وحكاه غيره قولًا، وأسقطه "المنهاج"، وعبارة "الحاوي" في هذا [ص 304]: (فوطؤه زنًا - ولو بإذنٍ - ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 246). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 246). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 247). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 247). (¬5) المحرر (ص 169).

وبظن الحل شبهة)، وقد عرفت أن ظن الحل إنما يكون شبهة عند إذن الراهن في الوطء، فعبارة "المنهاج" في هذا أحسن. 2110 - قول "المنهاج" [ص 247]: (ولو أتلَفَ المرهونَ وقبض بَدَلهُ .. صار رهنًا) فيه أمران: أحدهما: أنَّه يقتضي أن لا يكون رهنًا قبل قبضه، والأصح: خلافه، وقد تقدم ذلك في قوله: (وشرط الرَّهْن: كونه عينًا) (¬1). ثانيهما: قوله: (صار رهنا) يخالفه قوله في "الروضة" في (الوقف): فيما إذا اشترى بقيمة المتلف مثله .. هل تصير وقفا بالشراء، أم لا بد من وقف جديد؛ فيه وجهان جاريان في بدل المرهون، وبالثاني قطع المتولي وآخرون، وصححه النووي من زيادته في مسألة الوقف (¬2)، وهو مقتضى تصحيح مثله هنا، لكن استبعده السبكي وقال: إنه لا وجه لطرد الخلاف فيه. 2111 - قوله: (فإن لم يخاصم .. لم يخاصم المرتهن في الأصح) (¬3) فيه أمران: أحدهما: أنَّه تبع "المحرر" في حكاية الخلاف وجهين، وهو في "الروضة" وأصلها قولان (¬4). ثانيهما: أن الرافعي جزم في آخر (الدعاوى) نقلًا عن "فتاوى القفال" وغيره: بأن للمرتهن أن يخاصم (¬5)، وأسقطه في "الروضة"، واختاره السبكي، ويوافقه ما في "الروضة" وأصلها في (الحج) في محظورات الإحرام: أن المودع يخاصم (¬6)، لكن المشهور فيهما: المنع، وعبارة "الحاوي" في آخر (الإجارة) [ص 386]: (ولا يخاصم المستأجرُ والمرتهنُ الغاصبَ كالمودعَ والمستعيرِ، والأقيس: خلافه). 2112 - قوله: (فلو وجب قصاصٌ .. اقتص الراهن) (¬7) أي: جوازًا، فلو قال: (لا أقتص ولا أعفو) .. قال ابن أبي هريرة: للمرتهن إجباره على القصاص أو أخذ المال، ورجحه ابن أبي عصرون وابن الرفعة، وخرجه الداركي على موجب القصاص؛ إن قلنا: القود .. لم يُجبر، أو أحد الأمرين .. أجبر. وقال النووي: ينبغي إن قلنا: إن العفو على أن لا مال باطل .. يُجبر، وإلَّا .. فلا (¬8)، وقال ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 242)، وفي (د): (وهو مقتضى قولا الحاوي" [ص 304]: "وبدله بالجناية رهنٌ"). (¬2) الروضة (5/ 354). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 247). (¬4) المحرر (ص 169)، الروضة (4/ 100). (¬5) انظر "فتح العزيز" (13/ 287). (¬6) فتح العزيز (3/ 478)، الروضة (3/ 137). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 247). (¬8) انظر "الروضة" (4/ 101).

السبكي: القول بالاجبار مشكل كيف فرض، والقياس: عدمه مطلقًا. انتهى. والأصح: صحة العفو على أن لا مال، فلا إجبار على ما قاله النووي. 2113 - قوله: (وفات الرَّهْن) (¬1) أي: عند الجناية على النفس، فإن كانت على الطرف .. فالرهن باق بحاله؛ ولهذا عبر "الحاوي" فيما ينفك به الرَّهْن بقوله [ص 304]: (والقتل للجناية)، وهذا واضح. 2114 - قول "المنهاج" [ص 247]: (فلو وجب المال بعفوه أو بجناية خطإٍ .. لم يصح عفوه عنه) لو وجب المال بجناية عمد ابتداءً؛ لكون الجاني حرًا أو والدًا أو غير ذلك مما يمنع القصاص .. لم يصح عفوه عنه أيضًا، فوجوبه بعفوه أو بجناية خطأ ليس قيدًا في الحكم، وإنَّما هو مثال. 2115 - قوله: (ولا يسري الرَّهْن إلى زيادته المنفصلة؛ كثمرٍ وولدٍ) (¬2) أي: حدث الحمل بهما بعد الرَّهْن، وانفصلا قبل البيع؛ ولهذا عبر "التنبيه" بقوله [ص 101]: (وإن حدث من عين الرَّهْن فائدة لم تكن حال العقد) وقد علم ذلك من قول "المنهاج" بعده [ص 247]: (فيما لو رهن حاملًا وولدته .. بيع معها في الأظهر). 2116 - قوله: (وإن كانت حاملًا عند البيع دون الرَّهْن .. فالولد ليس برهنٍ في الأظهر) (¬3) يقتضي أن مقابله: أن الولد يكون مرهونًا، وليس كذلك؛ لأنه مفرع على أن الحمل لا يعلم .. فكيف يرهن؟ وإنَّما المراد: أنَّه يباع معها تبعا كالسمن، وعلى الأظهر: لا يباع حتَّى تضع؛ لأن استثناء الحمل ممتنع، وبيعها حاملًا يقتضي التوزيع، والحمل لا تعرف قيمته، فكان ينبغي أن يقول: (فلا تباع حتَّى تضع في الأظهر). واعترضه في "المهمات": بأن المديون إذا امتنع من الوفاء من جهة أخرى .. أجبره الحاكم على بيعها إن لم يكن له مال غيرها، أو بيع ما شاء من أمواله؛ إما هي أو غيرها إن كان له ذلك؛ لأن الحاكم يجبره عليه عند عدم الرَّهْن .. فمع وجوده أولى، ثم إن تساوى الثمن والدين .. فلا كلام، وإن فضل من الثمن شيء .. أخذه المالك، وإن نقص .. طولب بالباقي، فكيف يجيء إطلاق التعذر؟ قال: وقد نص في "الأم" على أن الراهن لو سأل بيعها وتسليم الثمن كله للمرتهن .. كان له ذلك (¬4)، قال: فصورة المسألة: إذا تعلق بالحمل حق ثالثٍ بفلسٍ أو موتٍ أو وصيةٍ، أو تعلق الدين برقبة الأم دون ذمة مالكها؛ كالجانية والمعارة للرهن ونحوه. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 247). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 247). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 247). (¬4) الأم (3/ 145).

فصل [جناية المرهون]

فَصْلٌ [جناية المرهون] 2117 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (جنى المرهون .. قُدِّمَ المجني عليه) (¬1) يستثنى منه: ما إذا كان السيد هو الذي أمره بالجناية، وكان لا يميز، أو أعجميًا يعتقد وجوب طاعته .. فالجاني هو السيد حتَّى يجب عليه القصاص مع العمد أو الدية مع الخطأ، ولا يتعلق الضمان برقبة العبد على الأصح، وكذا في "الروضة" وأصلها (¬2)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: النص في "الأم" يخالف ما صححه، وأنه يباع في الجناية، ويكلف السيد أن يأتي بمثل قيمته ثمنا، ويكون رهنًا مكانه (¬3). 2118 - قول "المنهاج" [ص 247]: (فإن اقتص .. بطل الرَّهْن) أي: في النفس، أما لو اقتص في الطرف .. فإن الرَّهْن باق بحاله، ولهذا عبر "الحاوي" فيما ينفك به الرَّهْن بقوله [ص 304]: (والقتل للجناية). 2119 - قول "المنهاج" [ص 247]: (وإن جنى على سيده فاقْتَصَّ .. بطل) هو بفتح التاء؛ أي: المستحق؛ ليشمل السيد والوارث والسلطان فيمن لا وارث له، فإن الجناية أعم من أن تكون على النفس أو العضو، ويمتنع ضم التاء، للزوم تعديته بمن، وحينئذ .. فهو مقيد بما سبق من حمل البطلان على الاقتصاص في النفس. 2120 - قول "التنبيه" [ص 101]: (وإن جنى خطأ .. بيع في الجناية) يستثنى منه: ما إذا جنى على الراهن، أو على عبده الذي ليس بمرهون .. فلا يباع في الجناية، وعبارة "المنهاج" في جنايته على السيد [ص 247]: (وإن عُفي على مال .. لم يثبت على الصحيح). وأورد عليه (¬4): أن "المحرر" ذكر هذا الحكم في عفو السيد وعفو الوارث (¬5)، والخلاف في عفو السيد وجهان، وثبوت المال فيه ضعيف، والخلاف في وارثه قولان، والثبوت فيه قوي، فإن أراد "المنهاج" المسألتين .. فالخلاف في عفو الوارث قولان، ومقابل المرجح قوي، وتعبيره بالصحيح ينافيهما، وإن أراد عفو السيد فقط .. فقد أسقط من "المحرر" مسألة، فلو عبر بـ (الأظهر) .. لانطبق على عفو الوارث، وأخذ منه عفو السيد بطريق الأولى، وأيضًا: فلو جنى ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 101)، و"الحاوي" (ص 304)، و"المنهاج" (ص 247). (¬2) الروضة (4/ 104). (¬3) الأم (3/ 180). (¬4) في (أ): (أي: الإسنوي). (¬5) المحرر (ص 170).

على السيد خطأ .. كان كالعفو، فلو قال: (وإن وُجِد سبب المال) .. لتناولها. 2121 - قوله: (فيبقى رهنًا) (¬1) أي لازمًا لا يباع في الجناية، وعلى مقابله هو رهن أيضًا، لكن يباع فيها. 2122 - قوله فيما إذا قتل مرهونًا لسيده عند آخر: (وإن وجب مالٌ .. تعلق به حق مُرتَهِن القتيل فيباع وثمنه رهنٌ، وقيل: يصير رهنًا) (¬2)، قال في "الروضة" وأصلها: إنما يجيء الوجهان .. إذا طلب الراهن النقل ومرتهن القتيل البيع، فأيهما يجاب؟ فيه الوجهان، أما إذا طلب الراهن البيع ومرتهن القتيل النقل .. فالمجاب الراهن؛ لأنه لا حق للمرتهن في عينه، ولو اتفق الراهن والمرتهنان على أحد الطريقين .. فهو المسلوك قطعًا، ولو اتفق الراهن ومرتهن القتيل على النقل .. قال الإمام: ليس لمرتهن القاتل المنازعة فيه وطلب البيع، ومقتضى التعليل بتوقع راغب أن له ذلك. انتهى (¬3). وقوله: (وقيل: يصير رهنًا) (¬4) ظاهره: بغير إنشاء رهن، ولكن التفصيل المتقدم في اتفاقهما على نقل أو بيع يقتضي خلافه. 2123 - قوله: (فإن كانا مرهونين عند شخصٍ بدينٍ واحدٍ .. نقصت الوثيقة) (¬5) اعتُرض بأن قوله: (عند شخص) زيادة مفسدة؛ إذ لا فرق في ذلك بين الواحد وغيره. وجوابه: أنَّه إنما أراد: نفي أن يكون أحدهما مرهونا عند شخص والآخر عند آخر، بل يتحد المرهون عنده؛ إما بأن يكون شخصا واحدًا أو أكثر، فذكر الشخص مثال. 2124 - قول "التنبيه" [ص 100]: (ولا ينفك من الرَّهْن شيء حتَّى يقضي جميع الدين) كان ينبغي أن يقول: (حتَّى يبرأ من جميع الدين) كما عبر "المنهاج" بـ (البراءة من الدين) (¬6) و"الحاوي" بـ (فراغ الذمة عنه) (¬7) ليشمل قضاءه، أو بدله، والإبراء منه، والحوالة به، أو عليه، والإقالة عن سببه، وهنا أمران آخران: أحدهما: أنَّه ينفك أيضًا بفسخ المرتهن والتلف والبيع، وقد ذكرها "المنهاج" و"الحاوي" (¬8). ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 247). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 247). (¬3) الروضة (4/ 106)، وانظر "نهاية المطلب" (6/ 201). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 247). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 247). (¬6) المنهاج (ص 248). (¬7) الحاوي (ص 304). (¬8) الحاوي (ص 304)، المنهاج (ص 248).

فصل [في الاختلاف]

ثانيهما: أن هذا إذا اتحد العقد والراهن والمرتهن، فلو تعدد بتفصيل الدين، أو تعدد العاقد .. انفك بالقسط، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، وكذا لو تعدد مالك العارية، وقد ذكره "الحاوي" (¬2) أي: فينفك نصيب أحد مالكي العارية بأداء حصته من الدين أو البراءة عنها، وهذا إذا قصد الأداء عن نصيب واحد بعينه، فإن قصد به الشيوع من غير تخصيص بِحِصَّة أحدهما .. لم ينفك من الرَّهْن شيء، وكذا لو تعدد مالك التركة؛ كما إذا خلّف من عليه الدين ابنين .. فينفك بأداء أحدهما نصيبه، إلَّا إذا رهنها الموروث بالدين .. فلا ينفك، وقد ذكره "الحاوي" أيضًا، وعبارته في ذلك: (وإنَّما ينفك البعض بتعدد العقد أو المستحق أو من عليه أو مالك العارية أو التركة، لا إن رُهنت) (¬3). ويرد على حصره: تلف بعض المرهون، وفك المرتهن في البعض، قال شيخنا الإمام البلقيني: ولم أر من تعرض للثانية، والمعتمد فيها: الانفكاك في ذلك البعض؛ لأن الحق له، فله إسقاط بعضه كما له إسقاط كله. فَصْلٌ [في الاختلاف] 2125 - قول "المنهاج" [ص 248]: (اختلفا في الرَّهْن أو قدره .. صُدِّق الراهن بيمينه إن كان رهن تبرع) لو قال: (صدق المالك) .. لكان أحسن؛ لأن منكر الرَّهْن ليس براهن، وكان الذي سهل ذلك صدق العبارة في إحدى الصورتين، وهي الاختلاف في قدره، فحملت الأخرى عليها، وقد يكون الراهن غير مالك للعين؛ بأن يكون مستعيرًا لها لذلك. 2126 - قوله: (وإن شُرط في بيع .. تحالفا) (¬4) يقتضي أن صورة التحالف: أن يتفقا على اشتراطه في بيع ويختلفا في أصل الرَّهْن أو قدره، وليس كذلك، فلا تحالف في هذه الصورة والمصدَّق الراهن؛ لأنهما لم يختلفا في كيفية البيع الذي هو موضع التحالف، وموضع التحالف: أن يختلفا في اشتراطه في بيع، ولا يحتاج إلى ذكر هذه الصورة هنا؛ لأنها معلومة من قوله في اختلاف المتبايعين: (اتفقا على صحة بيع، ثم اختلفا في كيفيته) (¬5). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 305)، المنهاج (ص 248). (¬2) الحاوي (ص 305). (¬3) الحاوي (ص 305). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 248). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 234).

2127 - قوله: (ولو ادعى أنهما رهناه عبدهما بمئة) (¬1) تمامه: (وأقبضاه) كما في "الحاوي" (¬2) إذ الرهن لا يلزم إلا بالقبض. 2128 - قول "الحاوي" [ص 305]: (ولو زعم كلُّ واحدٍ منهما أنه ما رهن نصيبه، وأن شريكه رهن وشهد عليه .. قُبِلَتْ)، قال شيخنا الإمام البلقيني: محل ذلك: ما إذا لم يصرح المدعي بظلمهما بالإنكار بلا تأويل، فإن صرح بذلك .. لم تقبل شهادتهما له؛ لأنه ظهر منه ما يقتضي تفسيقهما. 2129 - قول "المنهاج" [ص 248] و"الحاوي" [ص 302] فيما لو اختلفا في قبضه: (إن المصدق الراهن) يستثنى منه: ما إذا كان في يد المرتهن، ووافقه الراهن على إذنه له في قبضه، ولكنه قال: إنك لم تقبضه .. فالمصدق المرتهن باتفاق الأصحاب. 2130 - قول "الحاوي" [ص 302]: (ولو بإقراره) أي: ولو مع إقرار الراهن بإقباضه، ثم قال: (لم يكن إقراري عن حقيقةٍ، بل أشهدت على رسم القبالة) .. فيصدق الراهن أيضًا، وكذا صححه في "التعليقة"، لكن الذي في "الروضة" وأصلها: تصديق المرتهن بيمينه (¬3)، وعليه مشى "المنهاج" في قوله [ص 248]: (فله تحليفه) وعليه مشى "الحاوي" في القضاء، لكن محل التحليف: إذا لم يكن إقراره بذلك في مجلس القضاء، فإن كان بمجلس القضاء بعد دعوى .. فقال القفال: لا يحلفه، وقال غيره: لا فرق، وهو ظاهر إطلاق "المنهاج". 2131 - قول " التنبيه" [ص 101]: (وإن أقر عليه السيد بجناية الخطأ .. قبل في أحد القولين دون الآخر) الأصح: عدم القبول، وهو الذي ذكره "المنهاج" بقوله [ص 248]: (فالأظهر: تصديق المرتهن بيمينه في إنكاره) وقيد محل القولين: بأن يسند الجناية إلى ما قبل القبض، وهو أولى من تقييد النووي في "التصحيح" ذلك بما قَبْل الرهن (¬4)، فإنه لو كان بعد الرهن وقبل لزومه بالقبض .. كان كما قبل الرهن، أما إذا أقر بصدورها بعد القبض .. فليس محل القولين، والصحيح: تصديق المرتهن أيضًا، وفيه وجه، ومحل الخلاف أيضًا: إذا عين الراهن المجني عليه، فصدقه، وإلا .. فالرهن بحاله جزمًا. 2132 - قول "المنهاج" [ص 248]: (والأصح: أنه إذا حلف .. غرم الراهن للمجني عليه) كان ينبغي التعبير بـ (الأظهر) كما في "الروضة" (¬5) فإن الخلاف قولان، وهما القولان المشهوران في الغرم للحيلولة. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 248). (¬2) الحاوي (305). (¬3) الروضة (4/ 117). (¬4) تصحيح التنبيه (1/ 315). (¬5) الروضة (4/ 119).

فصل [تعلق الدين بالتركة]

2133 - قوله: (وأنه يغرم الأقل من قيمة العبد وأرش الجناية) (¬1) يقتضي أن الخلاف وجهان، وهو طريقان، أصحهما: القطع بذلك، والثانية قولان، ثانيهما: الأرش بالغًا ما بلغ، فكان ينبغي التعبير بـ (المذهب). 2134 - قوله: (وأنه لو نكل المرتهن .. رُدَّت اليمين على المجني عليه) (¬2) يقتضي أيضًا أنهما وجهان، والأصح: أن الخلاف قولان. 2135 - قوله: (فإذا حلف .. بيع في الجناية) (¬3) أي: إن استغرقت الجناية قيمته، وإلا .. بيع منه بقدرها، ثم الأصح: أن باقيه لا يكون رهنًا؛ لأن اليمين المردودة؛ كالبينة أو الإقرار بأنه كان جانيًا في الابتداء؛ فلا يصح رهن شيء منه. 2136 - قوله: (ومن عليه ألفان بأحدهما رهنٌ فأدى ألفًا وقال: "أديته عن ألف الرهن" .. صُدِّقَ) (¬4) وكذا لو تنازعا عند الدفع في المؤدى عنه .. فالاختيار إلى الدافع، إلا في مسألة واحدة، وهي المكاتب .. فالاختيار لسيده لا له، كما ذكره الرافعي في (الكتابة) (¬5)، فلو لم يتعرضا للجهة، ثم قال المكاتب: قصدت النجوم، وأنكر السيد، أو قال: صدقت ولكن قصدت أنا الدين .. فالأصح من زيادة "الروضة": تصديق المكاتب (¬6)، قال في "المهمات": وهو مشكل؛ لأنه قد جزم بأن الاختيار هنا إلى السيد. فصَلٌ [تعلق الدين بالتركة] 2137 - قول "المنهاج" [ص 249]: (من مات وعليه دينٌ .. تعلق بتركته تعلقه بالمرهون، وفي قول: كتعلق الأرش بالجاني) فيه أمور: أحدها: أنه يتناول ما لو كان على الدين رهن مساوٍ له أو أزيد منه بحيث يظهر ظهورًا قويًا أنه يوفى منه، فمقتضى إطلاقه: أن الدين يتعلق ببقية التركة أيضًا، وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم أقف على نقل في المسألة، ولا يبعد أن يكون الشيء يتعلق تعلقًا خاصا وتعلقًا عامًا، والأقرب: أنه لا يمتنع على الوارث التصرف في الباقي، وله شاهد. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 248). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 248). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 249). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 249). (¬5) انظر "فتح العزيز" (13/ 518). (¬6) الروضة (12/ 260).

ثانيها: مقتضى كلامه: أن الدين لو كان أكثر من قدر التركة، فوفى الوارث قدرها فقط .. أنه لا ينفك التركة من الرهنية، ولا سيما من (¬1) قوله بعده: (إنه يستوى الدين المستغرق وغيره) (¬2)، لكن الأصح: خلافه، فلو طلب الوارث أخذها بقيمتها، وطلب رب الدين بيعها رجاء زيادة من راغب .. أجيب الوارث في الأصح. ثالثها: رجح ابن الرفعة في "المطلب" رأيًا ثالثًا: أنه كحجر الفلس، وهو قول الفوراني والإمام (¬3). 2138 - قوله: (فعلى الأظهر: يستوي الدين المستغرق وغيره في الأصح) (¬4) يقتضي أن هذا التفريع لا يجري على أنه كتعلق الجناية، مع أنه يجري عليه أيضًا كما حكاه في "المطلب"، فالصواب: أن يقول: (فعلى القولين)، أو بحذف قوله: (فعلى الأظهر). 2139 - قول "التنبيه" في القسمة [ص 260]: (وإن تقاسم الورثة التركة ثم ظهر دين يحيط بالتركة؛ فإن قلنا: القسمة تمييز الحقين .. لم تبطل القسمة، فإن لم يقض الدين .. نقضت القسمة، وإن قلنا: إنها بيع .. ففي بيع التركة قبل قضاء الدين قولان، وفي قسمتها قولان) قال النووي والإسنوي في "تصحيحهما": الأصح: بطلان بيع التركة قبل قضاء الدين، وكذا قسمتها إن قلنا: هي بيع. انتهى (¬5). وما ذكراه حق، وهو مفهوم مما تقدم عن "المنهاج": أن الدين يتعلق بالتركة تعلقه بالمرهون (¬6)، لكن هذا يفهم بطلان القسمة في هذه الصورة الخاصة، وهي ما إذا كانت القسمة قبل ظهور دين، وليس كذلك، بل تستمر القسمة إلّا (¬7) أن لا يقضى الدين، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 249]: (ولو تصرف الوارث ولا دينَ ظاهرٌ، فظهر دينٌ بردِّ مبيعٍ بعيبٍ .. فالأصح: أنه لا يتبين فساد تصرفه) وعبارة "الروضة" في هذه الصورة تفريعًا على أن القسمة بيع: سبق في الرهن وجهان في صحة بيع الوارث التركة قبل قضاء الدين، وأنه لو تصرف ولا دين في الظاهر، ثم ظهر دين .. فالأصح: صحة التصرف، ففي القسمة هذان الوجهان. انتهى (¬8). ¬

_ (¬1) كذا في النسخ، ولعل الصواب: (مع)، والله أعلم. (¬2) انظر "المنهاج" (ص 249). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (6/ 299، 300). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 249). (¬5) تصحيح التنبيه (2/ 274)، تذكرة النبيه (3/ 508). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 249). (¬7) ما عدا (ج): (إلى)، ولعل الصواب هو المثبت من (ج). (¬8) الروضة (11/ 209).

والأحسن: أن يقال: (ثم طرأ دين) لأن ما يجب بالرد والتردي لم يكن خفيًا ثم ظهر، بل لم يكن ثم كان إلا أن سببه متقدم. قال شيخنا الإمام البلقيني: ولا يعتقد أن المراد بالظاهر: حصول علم الوارث به، فمتى كان الدين مقارنًا للتصرف وهو مؤثر فيه .. أثر فيه وإن لم يعلم به الوارث؛ كالرهن، وكلام المصنف في زيادته في الرهن ونقل عن الشيخ نصر المقدسي صريح في ذلك. انتهى. ولا يختص ذلك بما إذا كان يحيط بالتركة على الأصح، كما تقدم من كلام "المنهاج"، ومحل الخلاف: إذا كان البائع موسرًا، وإلا .. لم ينفذ البيع قطعًا. 2140 - قول "المنهاج" [ص 249]: (لكن إن لم يُقض الدين .. فُسِخَ) هو بضم الياء؛ ليعم قضاء الوارث والأجنبي، قاله في "الدقائق" (¬1)، لكن لو قال: (إن لم يسقط الدين) .. لكان أحسن؛ لأنه يعم القضاء والإبراء وغيرهما. 2141 - قوله: (والصحيح: أن تعلق الدين بالتركة لا يمنع الإرث، فلا يتعلق بزوائد التركة كالكسب والنتاج) (¬2) فيه أمور: أحدها: أن الأحسن في الترتيب: ذكر هذه المسألة أول الفصل؛ لأن المتقدم قبلها مفرع عليها. ثانيها: ينبغي أن يقول: (الأظهر، أو الجديد) لأن الخلاف قولان؛ فقد حكى الرافعي في (زكاة الفطر) الأول عن النص (¬3)، وحكى الإمام في (الشفعة) الثاني عن القديم (¬4). ثالثها: صحح الرافعي والنووي في (النكاح) في الكلام على إجبار العبد: تعلق الدين بزوائد التركة على خلاف المرجح هنا (¬5). رابعها: ظاهره: أنه لا فرق بين أن يكون الدين للوارث أم لأجنبي، وقال السبكي: ظن جماعة من فقهاء زماننا أنه إذا كان الدين على الميت للوارث .. يسقط منه بقدر إرثه، حتى إذا كان حائزًا .. يسقط الجميع، قال: والصواب: أن يقال: يسقط من دين الوارث ما يلزمه أداؤه من ذلك الدين لو كان لأجنبي، وهو نسبة إرثه من الدين إن كان مساويًا للتركة أو أقل، ومما يلزم الورثة: أداؤه إن كان أكثر، ويستقر له نظيره من الميراث، ويُقَدِّر أنه أُخذ منه ثم أُعيد إليه عن الدين، وهذا سبب سقوطه وبراءة ذمة الميت منه، ويرجع على بقية الورثة ببقية ما يجب أداؤه على ¬

_ (¬1) الدقائق (ص 61). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 249). (¬3) انظر "فتح العزيز" (3/ 170). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (7/ 431). (¬5) انظر "فتح العزيز" (8/ 24) و "الروضة" (7/ 104).

قدر حصصهم، وفد يفضي الأمر إلى التَّقَاصِّ إذا كان الدين لوارثين. انتهى (¬1). خامسها: في "الروضة" وأصلها في أواخر (الكتابة) عن القاضي أبي الطيب: أنه إن كان الدين مستغرقًا للتركة .. برئ المكاتب بالدفع إلى الغريم. انتهى (¬2). وهذا قد يقتضي منع الإرث فيما إذا كان الدين مستغرقًا، وقالا قبل ذلك: فإن كان على الميت دين وأوصي بوصايا؛ فإن كان الوارث وصيًا في قضاء الديون وتنفيذ الوصايا .. عُتق بالدفع إليه، وإلا .. فيجمع بين الوصي والورثة، ويدفع إليهم، فإن لم يوص إلى أحد .. قام القاضي مقام الوصي، ولو دفع إلى الغريم .. لم يعتق، وإن دفع إلى الوارث؛ فإن قضي الديون والوصايا .. عتق، وإلا .. وجب الضمان على المكاتب، ولم يعتق، قالا: هكذا ذكره البغوي. انتهى (¬3). وقد نص على ذلك الشافعي فقال: وإن كان الميت مات عن ورثةٍ كبارٍ وليس فيهم صبيٌ، وعليه دينٌ وله وصايا .. لم يبرأ المكاتب بالدفع إلى الورثة حتى يقضي الدين، وإن قُضِيَ الدين حتى يصل إلى أهل الوصايا وصاياهم؛ لأن أهل الوصايا شركاء بالثلث. انتهى (¬4). * * * ¬

_ (¬1) انظر "فتاوي السبكي" (1/ 320، 321). (¬2) فتح العزيز (13/ 583)، الروضة (12/ 308). (¬3) فتح العزيز (13/ 582، 583)، الروضة (12/ 308)، وانظر "التهذيب" (8/ 481). (¬4) انظر "الأم" (8/ 83، 84).

تحرير الفتاوي على «التنبيه» و «المنهاج» و «الحاوي» المسمى النكت على المختصرات الثلاث تأليف الإمام الحافظ الفقيه الأصولي ولي الدين أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي الكردي المهراني القاهري الشافعي - رحمه الله تعالى - (762 هـ - 826 هـ) تحقيق عبد الرحمن فهمي محمد الزّواوي [المجلد الثاني]

دَارُ المِنْهَاجِ لبنان - بيروت - فاكس: 786230 الطَبعَة الأولَى 1432 هـ - 2011 م جميع الحقوق محفوظة للناشر دَارُ المِنْهَاجِ لِلنَّشْرِ وَالتَّوْزِيع لِصَاحِبهَا عُمَرْ سَالِمْ بَاجْخَيفْ وَفَّقَهُ الله تَعَالى المملكة العربية السعودية - جدة حي الكندرة - شارع أبها تقاطع شارع ابن زيدون هاتف رئيسي: 6326666 - الإدارة: 6300655 المكتبة: 6322471 - فاكس: 6320392 ص. ب: 22943 - جدة: 21416 لا يسمح بإعادة نشر هذا الكتاب أو أي جزء منه, وبأيِّ شكل من الأشكال, أو نسخه, أو حفظه في أي نظام إلكتروني أو ميكانيكي يمكن من استرجاع الكتاب أو أي جزء منه, وكذلك لا يسمح بالاقتباس منه أو ترجمته إلى أي لغة أخرى دون الحصول على إذن خطي مسبقاً من الناشر www.alminhaj.com E-Mail: [email protected]

تَحْرِيرُ الفَتَاوِي عَلى «التَّنبيهِ» وَ «المِنْهَاجِ» وَ «الحَاِوي» [2]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

كتاب التفليس

كتابُ التفليس 2142 - قول "التنبيه" فيما إذا حصلت على رجل ديون حالة [ص 101]: "وإن كان له مال لا يفي بديونه، فسأل الغرماء الحاكم الحجر عليه .. حجر عليه) فيه أمور: أحدها: أنه لا يخفي أن التعبير بالرجل مثال لا مفهوم له؛ فالمرأة كذلك؛ ولذلك عبر "المنهاج" و"الحاوي" بعبارة تتناولهما (¬1). ثانيها: تعبيره وتعبير "المنهاج" بالديون مثال أيضًا جريا فيه على الغالب؛ فالدين الواحد إذا زاد على المال كذلك؛ ولذلك عبر "الحاوي" بالدين (¬2). ثالثها: تعبيرهم جميعًا بالمال يقتضي عدم الحجر إذا لم يكن له مال، وتوقف فيه الرافعي، وقال: قد يقال: يجوز منعًا له من التصرف فيما عساه يحدث له باصطياد واتهاب والظفر بركاز وغيرها (¬3). رابعها: تناول إطلاقهم دين الآدمي ودين الله تعالى كالزكاة ونحوها، والمراد: الأول، فلا حجر بدين الله تعالى، كما في الرافعي في (الأيمان) بعد ذكر الأقوال في اجتماعهما؛ حيث قال: ولا تجري هذه الأقوال في المحجور عليه بالفلس إذا اجتمعت حقوق الله ما دام حيًا. انتهى (¬4). وعليه يدل تعبيرهم بسؤال الغرماء، وقول "المنهاج" و" التنبيه" بعد ذلك: (قسم بين الغرماء) (¬5)، وقول "المنهاج" [ص 250]: (فإذا حُجِرَ .. تعلق حق الغرماء بماله). خامسها: نقل شيخنا الإسنوي في "شرح المنهاج" عن الرافعي: تصحيح الحجر بالتماس الغرماء ولو زاد ماله على الدين إذا امتنع من وفائه، ولو صح ذلك .. لورد على الكتب الثلاثة، لكن الذي في الرافعي إطلاق كونه له مال (¬6)، فليحمل على ما إذا كان الدين أزيد من المال. سادسها: لا يتقيد ذلك بسؤال جميع الغرماء، بل لو سأل بعضهم ذلك، ودينه قدر يُحْجَر به .. حُجِر أيضًا، وقد ذكره "المنهاج" (¬7)، ولا يختص أثر الحجر بطالبه، بل يعم الكل، بل حكي ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 306)، المنهاج (ص 250). (¬2) الحاوي (ص 306). (¬3) انظر "فتح العزيز" (5/ 5). (¬4) انظر "فتح العزيز" (12/ 278). (¬5) التنبيه (ص 101)، المنهاج (ص 251). (¬6) انظر "فتح العزيز" (5/ 5). (¬7) المنهاج (ص 250).

النووي عن جماعة: إطلاق الحجر إذا عجز ماله عن ديونه، وطلبه بعضهم، ولم يعتبروا دين الطالب، وقال: إنه قوي (¬1)، وقد يوافقه تعبير "الحاوي" بـ (الغريم) (¬2)، وقد يُدعي فيه العموم أيضًا؛ لكونه جنسًا معرفًا بالألف واللام. سابعها: في معنى سؤال الغرماء أو بعضهم: سؤال المفلس فيحجر بطلبه، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬3)، قال السبكي: وصورته: أن يثبت الدين بدعوي الغرماء والبينة أو الإقرار أو علم القاضي، فيطلب المديون الحجر دون الغرماء، وإلا .. لم يكف طلبه ولو لم يدع الغرماء، فمقتضي كلام ابن الرفعة: تخريج الحجر على الحكم بالعلم. انتهى. ثامنها: مقتضي كلامه: أنه لا يحجر بغير طلب، وقد صرح بذلك "المنهاج" (¬4)، لكن محله: في الرشيد، أما المحجور عليه لصبًا أو جنون أو سفه .. فيحجر له بسؤال وليّه، فإن لم يسأل .. حجر الحاكم بغير سؤال أحد، وقد ذكره "الحاوي (¬5). تاسعها: عبارته وعبارة "المنهاج" تقتضي أنه إنما يكون الحجر على من عليه الدين، ويرد عليه: ما إذا كان الذي زاد دينه على ماله صبيًا ونحوه؛ فإن الحجر إنما يُضرَبُ على وليه في مال محجوره لا مطلقًا، وقد توقف شيخنا الإسنوي في الحجر في هذه الصورة، وقال: إن رأينا الحجر به .. ضُرب على الولي، ومراده: في مال محجوره لا مطلقًا كما ذكرته، لكن لا معنى لهذا التوقف؛ فإطلاق المطولات والمختصرات يقتضي الحجر في هذه الصورة، وهو الفقه، لكن الحجر على الولي كما ذكرته، وأما من عليه الدين .. فإنه محجور عليه بأصل الشرع، وعبارة "الحاوي" لا تنافي ذلك؛ لأنه لم يصرح بمن يحجر عليه. عاشرها: تعبير الكتب الثلاثة يحتمل جواز الحجر، ووجوبه، والأول هو الذي في "المحرر" تبعًا للإمام وغيره (¬6)، والثاني هو الذي صرح به في "الروضة" من زيادته، وقال: إنه صرح به أصحابنا، وعد جماعةً، قال: ونبهت عليه؛ لأن عبارة كثير منهم: فللقاضي الحجر، ولم يريدوا: أنه مخير فيه. انتهى (¬7). وقال السبكي: لعل الإمام ومن وافقه يقولون: إن القاضي يفعل المصلحة من الحجر والبدار ¬

_ (¬1) انظر "الروضة" (4/ 128). (¬2) الحاوي (ص 306). (¬3) الحاوي (ص 306)، المنهاج (ص 250). (¬4) المنهاج (ص 250). (¬5) الحاوي (ص 306). (¬6) المحرر (ص 173)، وانظر "نهاية المطلب" (6/ 304). (¬7) الروضة (4/ 128).

إلى البيع، وقال في "شرح المهذب": إن الوجوب ظاهر إذا تعذر البيع في الحال، فإن أمكن .. فينبغي ألَّا يجب الحجر، ويوفي الدين كما لو كان المال زائدًا. حادي عشرها: يشترط أيضًا: أن يكون الدين لازمًا لا كنجوم الكتابة، وهو مفهوم من كلامهم في الكتابة، وأورد النشائي في "نكته" على "التنبيه": اشتراط حلول الدين (¬1)، ولا يرد ذلك عليه؛ لذكره له في صدر كلامه. 2143 - قول "المنهاج" [ص 250]: (وإذا حجر بحَالٍّ .. لم يَحِلَّ المؤجل في الأظهر) عبر في "الروضة" بالمشهور (¬2). 2144 - قول "التنبيه" فيمن عليه دين مؤجل [ص 101]: (فإن أراد السفر .. لم يمنع منه، وقيل: يمنع من سفر الجهاد) فيه أمور: أحدها: يستثني من هذا الوجه: ما إذا أتي بكفيل .. فلا منع منه حينئذ. ثانيها: أنه لا يختص بالجهاد، بل كل سفر مخوف كالبحر كذلك في الأصح. ثالثها: رجح الشيخ هذا الوجه في قتال المشركين؛ فإنه اعتبر الإذن في الجهاد، وجعل التفصيل بين المؤجل وغيره وجهًا مرجوحًا. وقد جُمع بين كلاميه: بأن الذي تكلم فيه في قتال المشركين الجهاد، وهنا السفر، وليسا شيئًا واحدًا، ولا متلازمين. 2145 - قوله: (وإن كانت حالّةً وله مال يفي بها .. طولب بقضائها) (¬3)، قال في "الكفاية": أفهم أن المعسر لا يمنع من السفر، لكن قوله في قتال المشركين: (ولا يجاهد من عليه دين إلا بإذن غريمه) (¬4) يشمل سفر الجهاد مع الإعسار، والصحيح في "أصل الروضة": أنه لا يمنع؛ إذ لا مطالبة في الحال (¬5)، لكن في "الكفاية": قال الأصحاب كما قال الماوردي: يمنع رجاء يساره (¬6)، وهو ظاهر إطلاق "الحاوي" قوله [ص 306]: (كمنع السفر). 2146 - قول "المنهاج" [ص 250]: (وأُشْهِدَ على حجره) أي: استحبابًا، كما صرح به "التنبيه" (¬7). ¬

_ (¬1) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 94). (¬2) الروضة (4/ 128). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 101). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 232). (¬5) الروضة (10/ 210). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 121). (¬7) التنبيه (ص 101).

2147 - قول "التنبيه" [ص 101]: (فإذا حجر عليه .. لم ينفذ تصرفه في المال) فيه أمور: أحدها: أنه يتناول التصرف في الذمة، ولا منع منه؛ ولذلك قال في "الحاوي" [ص 307]: (لا في الذمة)، وهو أحسن من قول "المنهاج" [ص 250]: (فلو باع سلمًا أو اشتري في الذمة .. فالصحيح: صحته، ويثبت في ذمته) لتناوله البيع الوارد على الذمة وليس سلمًا، والقرض وإجارة الذمة، بخلاف عبارة "المنهاج"، وأيضًا: فتعبيره بالصحيح مردود؛ لأن الخلاف قولان، فينبغي أن يقول: (المشهور). ثانيها: أن ظاهر قوله: (في المال) إرادةُ المال الحاصل، كما أشار إليه في "الكفاية"، فيخرج ما حدث بعد الحجر باصطياد ووصية ونحوهما، والأصح: تعدي الحجر إليه، وقد ذكره "المنهاج" (¬1)، لكن شرطه: أن يكون ملكه عليه مستقرًا؛ ليخرج ما لو وُهب له أبوه أو ابنه، أو أُوصي له به، فقبل الهبة وقبض، أو قبل الوصية وهو محجور عليه بالفلس .. فإنه يعتق على المفلس وليس للغرماء تعلق به، ونص الشافعي يشهد له، ولا يرد ذلك على قولط "الحاوي" [ص 307]: (حُجِرَ من تصرفٍ ماليٍّ مفوتٍ) لصدق التصرف المالي على التصرف في الحادث، ولكن يرد عليه: التدبير والوصية؛ فإنه لا حجر عليه فيهما، كما جزم به الرافعي والنووي هنا (¬2)، وقالا في (باب التدبير): إن تدبيره كإعتاقه (¬3)، ومقتضي ذلك: بطلانه، فعلى الصحة ينبغي أن يزيد "الحاوي": (في حال الحياة)، ولم يذكر "المنهاج" لذلك ضابطًا، وإنما قال: (ولو باع أو وهب أو أعتق .. فالأظهر: بطلانه)، ثم قال: (ويصح نكاحه وطلاقه وخلعه واقتصاصه وإسقاطه) (¬4) ففهم من الأمثلة منع التصرف المالي دون غيره، فعبارة "التنبيه" و"الحاوي" من جهة ذكر الضابط أحسن لولا ما ورد عليهما، ومراد "المنهاج": خلع الزوج، أما الزوجة أو الأجنبي: فلا ينفذ منهما. واعلم: أن ظاهر كلامهم تعدي الحجر إلى الحادث ولو زاد ماله بالحادث على الديون، وهو مشكل، ويمكن حمله على ما إذا استمر على النقص اعتبارًا بالابتداء. ثالثها: أورد على "التنبيه" أيضًا: أنه يتناول الإقرار بمال في الذمة إذا أسنده لما قبل الحجر بمعاملة أو إتلاف، أو لما بعد الحجر بإتلاف، والأصح: القبول في حق الغرماء، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬5)، لكن قوله عطفًا على المحجور فيه: (وإقرارٍ بدينِ معاملةٍ ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 251). (¬2) انظر "فتح العزيز" (5/ 9)، و "الروضة" (4/ 130). (¬3) انظر "فتح العزيز" (13/ 416)، و"الروضة" (12/ 192). (¬4) المنهاج (ص 250). (¬5) الحاوي (ص 307)، المنهاج (ص 251).

لاحقةٍ) (¬1) قد يخرج الإقرار بدين المعاملة مع الإطلاق؛ أي: لا يبين تقدمها على الحجر ولا تأخرها عنه، والإقرار بدين مطلق؛ أي: لا يبين هل هو عن معاملة أو إتلاف؟ مع أنهما داخلان في الحجر أيضًا، فلا يقبل في حق الغرماء، وقد ذكر الثانية "المنهاج" بقوله [ص 251]: (وإن أسند وجوبه إلى ما بعد الحجر بمعاملةٍ او مطلقًا .. لم يُقبل في حقهم)، وقال الرافعي في الأولى: قياس المذهب: تنزيله على الأقل، وجعله كإسناده إلى ما بعد الحجر (¬2)، قال في "الروضة": وهو ظاهر إن تعذرت المراجعة، وإلا .. فينبغي أن يراجع. انتهى (¬3). وهذا البحث يجيء في الصورة الأخرى، فهما صورتان؛ في "الروضة" واحدة، وفي "المنهاج" أخرى. قال السبكي: ولو قال "المنهاج": (إن أطلق أو أسند وجوبه إلى معاملة بعد الحجر) .. لكان أحسن من العبارتين؛ أي: لتناوله صورتي الإطلاق. وقول "المنهاج" [ص 251]: (وجب قبل الحجر) أحسن من قول "الروضة" وأصلها: (لزم) (¬4) لتناوله ما وجب، وتأخر لزومه إلى ما بعده؛ كثمن مبيع شرط فيه الخيار. وفي قول "المنهاج" [ص 251]: (وإن قال: عن جنايةٍ .. قبل في الأصح) فيه نظر؛ لتعبيره في "الروضة" بـ (المذهب) (¬5)، فالأحسن: التعبير به أو بالأظهر، وذكر في "الكفاية" أن "التنبيه" احترز بالتصرف في المال عن الإقرار بالمال، وقال النشائي في "نكته": إنه غلط، قال: بل هو شامل له؛ فإنه تصرف كما في الرافعي (¬6). قلت: وقد ذكر "التنبيه" إقرار المفلس بالمال في (باب الإقرار)، وقال: (فيه قولان، أحدهما: يجوز، والثاني: لا يجوز في الحال) (¬7)، وأشار بقوله: (في الحال) إلى أن الخلاف في قبوله في حق الغرماء، وقد عرفت أن الأصح: قبوله على ما فيه من التفصيل، والله أعلم. رابعها: أنه يتناول الرد بالعيب مع أن له ذلك إن كانت الغبطة في الرد، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬8)، ومقتضي عبارتهما: جواز الرد في هذه الحالة دون لزومه، وبه صرح القاضي حسين. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 307). (¬2) انظر "فتح العزيز" (5/ 10). (¬3) الروضة (4/ 132). (¬4) فتح العزيز (5/ 10)، الروضة (4/ 132). (¬5) الروضة (4/ 132). (¬6) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 94). (¬7) التنبيه (ص 274). (¬8) الحاوي (ص 307)، المنهاج (ص 251).

واستشكل: بأن من اشتري في الصحة ثم مرض واطلع على عيب، والغبطة في الرد فلم يرد .. فما نقصه العيب محسوب من الثلث، فدل على أنه تفويت، ومقتضاه: وجوب الرد في هذه المسألة، وتعبير "المنهاج" بقوله [ص 251]: (وله أن يرد بالعيب ما كان اشتراه) يوهم المنع فيما اشتراه بعد الحجر بثمن في الذمة، وصححناه، قال شيخنا الإسنوي: والمتجه: التسوية، قال شيخنا ابن النقيب: بل الرد فيه أولي؛ ولعل سكوتهم عنه لذلك (¬1). قلت: ولا يرد ذلك على قول "الحاوي" عطفًا على المحجور فيه [ص 307]: (ورد بعيبٍ بلا غبطةٍ) لأنه لم يأت بعبارة تدل على تقييده بما إذا تقدم شراؤه. واعلم: أنه يستفاد من عبارة "المنهاج" و"الحاوي" مسألة حسنة ليست في "الروضة"، وهي منع الرد حيث لا غبطة في الرد ولا في الإمساك، لكن في "المهمات": أن المنقول في نظيره - وهو الرد بالخيار تفريعًا على اعتبار الغبطة فيه -: الجواز عند الاستواء، ذكره في "النهاية"، قال: إلا أن يفرق باستقرار الملك على المعيب دون زمن الخيار (¬2). خامسها: ويتناول أيضًا الرد بالخيار مع أنه له ذلك وإن لم يكن فيه غبطة، وقد ذكره "الحاوي" (¬3). سادسها: يستثني من منع "التنبيه" و"الحاوي" التصرف المالي: الاستيلاد؛ ففي "خلاصة الغزالي": نفوذه (¬4)، قال شيخنا الإمام البلقيني: ويظهر القطع به؛ لأن حجر الفلس دائر بين حجر السفه والمرض، وكلاهما ينفذ معه الاستيلاد حتى تكون في مسألة المريض من رأس المال (¬5). سابعها: محله أيضًا: ما إذا كان المال له، فإن لم يكن له؛ كإعراضه عن نصيبه في الغنيمة قبل القسمة وقبل اختيار التملك .. فإنه ينفذ، وكذا إذا أجاز ما فعل مورثه مما يحتاج إلى الإجازة .. فإنه ينفذ على قولنا: إنه تنفيذ، وهو الأصح، ذكره شيخنا الإمام البلقيني، وقال: لم أر من تعرض لذلك، قال: فينبغي أن يقال: في ماله. ثامنها: يستثني من كلامهما أيضًا: طهارته بالماء الذي عنده، وشربه منه، وسكناه في بيته قبل بيعه، ونحو ذلك لا سيما فيما إذا دخل وقت الصلاة عليه قبل حجر الفلس، وقد تعين للطهارة، ذكره شيخنا الإمام البلقيني أيضًا، وهو واضح، والله أعلم. ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 222). (¬2) نهاية المطلب (6/ 375). (¬3) الحاوي (ص 307). (¬4) الخلاصة (ص 307). (¬5) انظر "حاشية الرملي" (4/ 507)، و"نهاية المحتاج" (8/ 429).

فصل [بيع مال المفلس وقسمته وما يتعلق به]

2148 - قول "المنهاج" [ص 250]: (فلو باع ماله لغرمائه بِدَيْنِهم .. بطل في الأصح) فيه أمران: أحدهما: قال شيخنا الإسنوي: صورة المسألة: أن يكون دينهم من نوع واحد، وباعهم بلفظ واحد، فإن ترتبوا .. فالبطلان واضح، وإن وقع بلفظ واحد، وتنوعت ديونهم .. فهو كما لو كان لهما عبدان لكل منهما عبد، فباعاهما بثمن واحد، وأصح القولين فيها: البطلان لمعنى آخر. ثانيهما: محله: إذا لم يأذن فيه القاضي، فإن أذن فيه .. صح. 2149 - قوله تفريعًا على تعدي الحجر إلى الحادث بعده بالشراء إن صححناه عطفًا على الأصح: (وأنه ليس لبائعه أن يفسخ ويتعلق بعين متاعه إن علم الحال، وإن جهل .. فله ذلك ((¬1) يوهم أن الجاهل يفسخ قطعًا، والخلاف في العالم، وليس كذلك، بل الخلاف ثلاثة أوجه: الفسخ، وعدمه، والتفصيل، وهو الأصح. 2150 - قوله: (وأنه إذا لم يمكن التعلق بها .. لا يُزاحم الغرماء بالثمن) (¬2) فيه أمران: اْحدهما: قال السبكي: عبارة "المحرر": (وأنه إذا لم يكن له) (¬3)، فحذف المصنف (له) اختصارًا، والتبس على بعض النساخ، فكتب: (إذا لم يمكن) (¬4). ثانيهما: أن عبارته توهم المزاحمة على الوجه المرجوح في جميع المال، وكذا تقتضيه عبارة الرافعي تبعًا لـ "الوسيط" و "الوجيز" (¬5)، لكن صرح في "البسيط" تبعًا للإمام بأن المزاحمة في المبيع فقط (¬6)، وجعل ذلك السبكي خلافًا محققًا، وفيه نظر؛ فالظاهر: أن ذلك من خلل العبارة، والصواب: ما في "البسيط"، والله أعلم. فَصْلٌ [بيع مال المفلس وقسمته وما يتعلق به] 2151 - قول "المنهاج" [ص 251]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 308]: (يبادر القاضي بعد الحجر ببيع ماله) فيه أمور: ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 251). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 251). (¬3) المحرر (ص 174). (¬4) قال الأذرعي: معنى (يمكن) صحيح هنا؛ ولعل نسخة المصنف بخطه (يكن)، فغيزها ابن عجوان أو غيره بـ (يمكن) لأنها أجود بمفردها على أنه لا حاجة لدعوي النقص كما هو ظاهر. انظر "نهاية المحتاج" (4/ 320). (¬5) الوسيط (4/ 10)، الوجيز (1/ 338)، وانظر "فتح العزيز" (5/ 13). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (6/ 398).

أحدها: أنه لا يفهم منه أن ذلك واجب أو مستحب، والذي في "الروضة" وأصلها تبعًا لـ "البسيط" أنه مستحب (¬1)، لكن في "الوسيط" و"الوجيز": (وعلى القاضي) (¬2)، وهو يفهم الوجوب، واختاره السبكي. ثانيها: لا بد من التنبيه على أنه لا يفرط في المبادرة بحيث يقل الثمن. ثالثها: لا بد في البيع من ثبوت كونه ملكه، ذكره الماوردي وابن الرفعة (¬3)، وحكي السبكي في ذلك وجهين، ورجح: الاكتفاء باليد. رابعها: أورد أن ظاهره بيع الجميع، وإنما يبيع بقدر الدين، وفيه نظر؛ لأنه إنما يحجر إذا كان الدين زائدًا علي المال، إلا أن يفرض ذلك فيما إذا كانت أمواله وقت الحجر أقل من ديونه، ثم زادت أمواله بارتفاع الأسعار قبل البيع. خامسها: لا يختص هذا الحكم بالمفلس، بل كل مديون ممتنع يبيع القاضي عليه، وقد ذكره "الحاوي" معه فقال [ص 308]: (ومال المديون الممتنع)، وكذا ذكره "التنبيه" (¬4)، لكن غير المفلس لا يتعين فيه البيع، بل القاضي مخير بينه وبين إكراهه على البيع، كما في "الروضة" عن الأصحاب (¬5)، ولذلك اقتصر "المنهاج" على المفلس؛ لتعين ذلك فيه، قال السبكي: والذي يظهر أن تخييره إنما هو عند طلب المدعي الحق من غير تعيين طريق، فإن عينه .. تعين على القاضي، وعزي ذلك للقفال الكبير، وفيه نظر؛ فحق المدعي في خلاص حقه لا في تعيين طريق بعينها، فينبغي أن تكون الخيرة في ذلك للحاكم ولو عين المدعي طريقًا كما هو مقتضي إطلاقهم (¬6). سادسها: استثني العبادي مما يباع: كتب العلم للعالم، وفيه نظر. 2152 - قول "المنهاج" [ص 251]: (وَقَسْمِهِ بين الغرماء) أي: بنسبة ديونهم، وقد ذكره "التنبيه" و"الحاوي" (¬7)، لكن المكاتب إذا حُجر عليه وعليه نجومٌ وأرشُ جنايةٍ ودينُ معاملةٍ .. فالأصح: تقديم دين المعاملة ثم الأرش ثم النجوم، وقد تقدم أنه لا حجر بنجوم الكتابة، وهذا بخلاف المديون إذا كان غير محجور عليه .. فيقسم كيف شاء، هذا هو المنقول، وقال السبكي: ¬

_ (¬1) فتح العزيز (5/ 18)، الروضة (4/ 141). (¬2) الوسيط (4/ 14)، الوجيز (1/ 338). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (6/ 332). (¬4) التنبيه (ص 101). (¬5) الروضة (4/ 141). (¬6) انظر "مغني المحتاج" (2/ 151). (¬7) التنبيه (ص 101)، الحاوي (ص 308).

وهو ظاهر بالنسبة إلى صحة التصرف، ولكن ينبغي إذا استووا وطالبوا وحقهم على الفور .. أن تجب التسوية (¬1). 2153 - قول "المنهاج" [ص 251]: (ويُقَدِّم ما يُخاف فساده) أحسن من قول "التنبيه" [ص 101]: (ما يسرع إليه الفساد) فقد يتهيأ بيع الحيوان قبل فساد ما يتسارع فساده .. فيقدم. 2154 - قولهما: (ثم الحيوان) (¬2) محله: إذا لم يكن في ماله ما تعلق الحق بعينه؛ كمرهون وجان ومال قراض، فإن كان .. قُدِّم بيعه بعد ما يُخشي فساده؛ فإن فضل منه شيء .. قسم، أو بقي للمرتهن أو المقارض شيء .. ضارب به، قال السبكي: والأحسن: تقديم ما تعلق به حق، ثم ما لم يتعلق به، ويقدم منهما ما يخاف فساده (¬3). 2155 - قول "التنبيه" [ص 101]: (ثم بالعقار) يرد عليه سائر المنقول، فيقدم بيعه على العقار، وقد ذكره "المنهاج" (¬4)، قالوا: وتُقدّم الثياب على النحاس ونحوه، والبناء على الأراضي. 2156 - قول "الحاوي" [ص 308]: (بحضوره) أهمل حضور غرمائه أيضًا، وقد ذكره "التنبيه" و"المنهاج" (¬5)، وفي معنى حضوره: حضور وكيله، وقد ذكره "التنبيه" (¬6)، وهو مستحب. 2157 - قولهما: (كل شيء في سوقه) (¬7) مستحب أيضًا، ومحله كما قال الماوردي: إذا لم تكثر مؤنة نقله، وإلا .. استدعي أهل السوق إليه إن رآه مصلحة (¬8). 2158 - قول "المنهاج" [ص 251]: (بثمن مثله، حالًا، من نقد البلد) أي: وجوبًا، وعبارته توهم التسوية بين ذلك وبين البيع بحضوره كل شيء في سوقه، وليس كذلك؛ فالأولان مستحبان كما تقدم، وهذا واجب، لكن لو رأي الحاكم المصلحة في البيع بمثل حقوقهم - أي: بنوعه - أو رضي المفلس والغرماء بغير نقد البلد أو بمؤجل .. جاز. 2159 - قوله: (فيما إذا كان الدين غير جنس النقد ورضي به الغريم .. جاز صرف النقد إليه إلا ¬

_ (¬1) انظر "مغني المحتاج" (2/ 152)، و"نهاية المحتاج" (4/ 325). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 101)، و"المنهاج" (ص 251). (¬3) قال الأذرعي: والظاهر أن الترتيب في غير ما يخاف فساده وغير الحيوان مندوب لا واجب. انظر "فتح الوهاب" (1/ 344). (¬4) المنهاج (ص 251). (¬5) التنبيه (ص 101)، المنهاج (ص 251). (¬6) التنبيه (ص 101). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 101)، و "المنهاج" (ص 251). (¬8) انظر "الحاوي الكبير" (6/ 316).

في السلم) (¬1) في معناه: المنفعة في إجارة الذمة على الأصح، وذلك لامتناع الاعتياض عنه. وأورد شيخنا ابن النقيب عليه: النجوم؛ فليس للسيد الاعتياض عنها في الأصح (¬2)، ولا ترد؛ لأن النجوم لا يحجر لأجلها، فليمست مرادة هنا، والله أعلم. 2160 - قوله: (ولا يسلم مبيعًا قبل قبض ثمنه) (¬3) يفهم أنه لو فعل ذلك .. ضمن؛ للمخالفة، وبه صرح في "الروضة" (¬4). وقال السبكي: هذا في الولي والوكيل والوصي والعدل، أما الحاكم: فلم أر تصريحًا به، قال: وينبغي إن اعتقده باجتهادٍ أو تقليد صحيح .. لا يضمن، وإن فعله جهلًا أو معتقدًا تحريمه .. ضمن وانعزل. انتهى. وفي قول السبكي: (لم أر تصريحًا بالحاكم) نظر؛ لأن كلام "الروضة" هنا إنما هو في الحاكم، وقد صرح بذلك شيخنا في "المهمات" فقال: قوله: (ثم لو خالف) يعني: الحاكم، وكنت سمعت شيخنا الإمام البلقيني سُئل عن تسليم أمين الحكم المبيع على اليتيم قبل قبض ثمنه؟ وأفتي فيه بعدم الضمان، وهما من وادٍ واحد. 2161 - قول "التنبيه" [ص 101] و "الحاوي" [ص 308]: (وقسم بين الغرماء) قد يفهم أنه لا يقسم بينهم إلا بعد بيع الجميع، وفي "المنهاج" [ص 252]: (وما قبض .. قسمه بين الغرماء إلا أن يَعْسُرَ لقلته فيؤخر ليجتمع)، وهذا هو المعتمد، ومع ذلك ففيه شيئان: أحدهما: أن ذلك على طريق الاستحباب دون الوجوب، فلو طلبوا قسمة ما يعسر .. قال الإمام والعراقيون: يجيبهم (¬5)، واختاره السبكي، وقال الرافعي: الظاهر: خلافه (¬6). ثانيهما: محل التأخير فيما عسرت قسمته لقلته: ما إذا كان لجماعة، فإن كان الغريم واحدًا .. سلمه إليه أولًا فأولًا، ذكره في "الكفاية"، وهو مفهوم من لفظ (القسمة) إذ لا قسمة على شخص واحد. 2162 - قول "المنهاج" [ص 252]: (ولو خرج شيءٌ باعه قبل الحجر مستحقًا والثمن تالف .. فكدينٍ ظهر) ينبغي أن يقول: (فدين ظهر)، ولا معنى لهذه الكاف؛ بل هي زائدة. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 252). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 226). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 252). (¬4) الروضة (4/ 142). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (6/ 391). (¬6) انظر "فتح العزيز" (5/ 19).

2163 - قوله: (ويُنفق على من عليه نفقته) (¬1) يتناول نفسه؛ فهي مقدمة في النفقة على كل أحد، فقول "التنبيه" [ص 101]: (أنفق عليه وعلى عياله) زيادة إيضاح، والمراد بعياله: من عليه نفقته، وزاد ذلك "الحاوي" إيضاحًا بقوله [ص 308]: (ويُنفق عليه وعلى من عليه مؤنته من الزوجة والقريب، ويكسوهم بالمعروف). واعلم: أنه يدخل في الأقارب ولدٌ تجدد بعد الحجر، ولا يدخل في الزوجاتِ زوجةٌ نكحها بعده، قاله الرافعي في (النكاح) (¬2)، وهل ينفق على الزوجة كمعسر أم كموسر؟ رجح النووي وابن الرفعة تبعًا للإمام: الأول، والرافعي تبعًا للروياني: الثاني؛ بعلة: أنه لو أنفق كمعسر .. لما أنفق على الأقارب (¬3). قال السبكي: وهو عَجَبٌ؛ لأنهم ذكروا في اليسار المعتبر في نفقة الزوجة غير المعتبر في نفقة القريب، فلا يلزم من انتفاء الأول انتفاء الثاني. وبقي ممن عليه مؤنته: أمهات أولاده، فلو لم يفصّل "الحاوي" واقتصر على الإجمال .. لكان أولي؛ لكونه فاته بعض التفصيل كما علمت. قال الإمام: وإذا لم يكن سوي المرهون .. لا ينفق عليه وعلى عياله منه (¬4). قال ابن الرفعة: وغير المرهون مما تعلق به حق؛ كالمبيع الذي لم يقبض ثمنه والجاني .. لم أر فيه نقلًا، والقياس: أنه كالمرهون. 2164 - قول "المنهاج" [ص 252]: (حتى يُقَسِّم ماله) عبر "الحاوي" عنه بقوله [ص 308]: (إلى الفراغ من بيع ماله) و"التنبيه" بقوله [ص 101]: (إلى أن ينفك الحجر) والأمور الثلاثة متلازمة، فإذا فرغ من بيع ماله .. قسم وفك حينئذ الحجر، فالمراد بالعبارات المختلفة شيء واحد. 2165 - قول "المنهاج" [ص 252]: (إلا أن يَسْتَغْنِيَ بكسب) أحسن من قول "التنبيه" [ص 101] و"الحاوي" [ص 308]: (إن لم يكن له كسبٌ) فإنه قد يكون له كسب ولا يستغني به؛ لكونه لم يجد من يستعمله، فلو وجد، فلم يعمل تقصيرًا .. فمقتضي عبارة "المنهاج": الإنفاق من ماله أيضًا؛ لصدق عدم الاستغناء بالكسب عند فوات العمل، واختاره شيخنا الإسنوي، وهو مقتضي كلام ابن الرفعة في "المطلب"، وإطلاق "التتمة" يقتضي أنه لا ينفق من ماله، واختاره السبكي. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 252). (¬2) انظر "فتح العزيز" (8/ 19). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (6/ 409)، و"فتح العزيز" (5/ 22)، و"الروضة" (4/ 145). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (6/ 409).

قال شيخنا ابن النقيب: ولو فُصّل بين أن يتكرر ذلك منه ثلاث مرات فأكثر، وبين أن يوجد منه مرة أو مرتين .. لم يبعد. انتهى (¬1). ولا بد من تقييد الكسب بكونه لائقًا به. 2166 - قول "المنهاج" [ص 252]: (ويباع مسكنه وخادمه) مفهوم من إطلاق "التنبيه" و"الحاوي" بيع ماله (¬2)، وقوله: (على الأصح) (¬3) ينبغي أن يقول: (على النص) فإنه منصوص، ومقابله مخرج من الكفارة، قال السبكي: اضطرب حكم السكن والخادم؛ ففي الفلس: يباعان في الأصح، وفي الكفارة: إن كانا لائقين به لزَمَانةِ أو منصبٍ .. بُقِّيا، وإلا .. فلا في الأصح، ويباع النفيسان إن لم يُؤْلَفَا، وفي الفطرة ونكاح الأمة: يُبقيان في الأصح، وفي زكاة المال: لا يسلبان اسم الفقر، وفي الحج: يبقيان لزمانةٍ أو منصبٍ، ويبدّل النفيسان، ونفقة القريب والزوجة وسراية العتق كالدين، وفي العاقلة: يبقيان، وفي ستر العورة: يبقيان وفاقًا لابن كج وخلافًا لابن القطان. 2167 - قول "المنهاج" [ص 252]: (ويُترك له) أي: لمن عليه نفقته من نفسه وعياله. 2168 - قولهْ (دَسْتُ ثوبٍ يليق به) (¬4) أي: في حال إفلاسه دون يُسْرته، قاله الإمام (¬5)، ولو كان يلبس دون ما يليق به .. لم يرده عليه، والمراد: أنه إن كان ذلك في ماله، وإلا .. اشْتُري له، وعبارة "الحاوي" [ص 308]: (وترك دست ثوب لائق)، وفصّل ذلك "المنهاج" بقوله [ص 252]: (وهو: قميصٌ وسراويل وعمامةٌ ومكعبٌ، ويُزاد في الشتاء جُبَّة) وفيه أمور: أحدها: أن الرافعي ذكر بدل العمامة: المنديل، ومراده: العمامة، وأهل تلك البلاد يسمون العمامة منديلًا، فعبر عنه النووي بالعبارة المشهورة فيه (¬6). ثانيها: زاد في "الروضة" مع المكعب: نعلًا (¬7)، وليس ذلك في "المحرر" و"الشرح"، والظاهر: أنهما شيء واحد. ثالثها: بقي من التفصيل: أنه يترك له درَّاعة فوق القميص وطيلسان وخف إن كان ذلك لائقًا به، وللإمام في الخف والطيلسان احتمال (¬8). ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 228). (¬2) التنبيه (ص 101)، الحاوي (ص 308). (¬3) المنهاج (ص 252). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 252). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (6/ 410). (¬6) انظر "فتح العزيز" (5/ 22)، و"الروضة" (4/ 145). (¬7) الروضة (4/ 145). (¬8) انظر "نهاية المطلب" (6/ 409).

رابعها: هذا في الرجل، أما المفلسة أو زوجة المفلس أو قريبته: فتزاد المقنعة (¬1) وغيرها مما يليق بها. 2169 - قول "المنهاج" [ص 252]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 308]: (ويُترك قوت يوم القسمة) أي: وليلته، كما صرح به البغوي، وحكاه عنه النووي، وارتضاه (¬2)، زاد "الحاوي": سكني يوم القسمة أيضًا (¬3)، وقد ذكره الغزالي (¬4)، قال في "الروضة" وأصلها: فاستمر على قياس النفقة، لكن لم يتعرض له غيره (¬5). قلت: وجزم به الرافعي في (العتق) عند الكلام على السراية، فقال: يصرف في السراية كل ما يباع ويصرف في الدين، وذكر أنه يبقي له سكني يوم (¬6). 2170 - قول "المنهاج" [ص 252]: (وليس عليه بعد القسمة أن يكتسب) يستثني منه: ما إذا لزمه الدين بسبب هو عاص به .. فيجب عليه الكسب لوفائه، حكاه ابن الصلاح في "فوائد الرحلة" عن محمد بن الفضل الفُراوي. 2171 - قوله: (والأصح: وجوب إجارة أم ولده وأرض موقوفة عليه) (¬7) أحسن من قول "الحاوي" [ص 308]: (ويُؤجرُ موقوفه ومستولدته) لأمرين: أحدهما: تصريحه بوجوب الإجارة، ولا يؤخذ ذلك من "الحاوي" فعبارته تصدق بالجواز. ثانيهما: أن عبارته توهم أن المراد: ما وقفه هو، وإنما المراد: ما وقف عليه، والإضافة في عبارته؛ لكونه وقف عليه لا لكونه وقفه، وهو خلاف المتبادر إلى الفهم، وليس في عبارتهما بيان مدة الإجارة، والمنقول: أنه يؤجر مرة بعد مرة إلى فناء الدين. قال الرافعي: وقضيته دوام الحجر إلى فناء الدين، وهو كالمستبعد (¬8). قال شيخنا الإمام البلقيني: ليس هذا مقتضاه، وإنما مقتضاه أحد أمرين؛ إما أن يفك الحجر بالكلية، وإما أن يفك بالنسبة إلى غير الموقوف والمستولدة، ويبقي فيهما كما ذكر الرافعي والنووي تظير ذلك فيما إذا اشتري بثمن مؤجل، وقلنا: لا يباع. انتهى. ¬

_ (¬1) المقنعة: ما تقنع به المرأة رأسها. انظر "مختار الصحاح" (ص 231). (¬2) انظر "التهذيب" (4/ 106)، و"الروضة" (4/ 145). (¬3) الحاوي (ص 308). (¬4) انظر "الوجيز" (1/ 338). (¬5) الروضة (4/ 146). (¬6) انظر "فتح العزيز" (13/ 315). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 252). (¬8) انظر "فتح العزيز" (5/ 24).

ونبه شيخنا الإسنوي على أن تصريحهم بالإيجار إلى فناء الدين صريح في أن ملك المنفعة لا يمنع الحجر وإن كان ماله معها زائدًا على الدين (¬1). واعلم: أن اقتصار "التنبيه" على بيع ماله يفهم أنه لا يؤجر أم ولده والوقف عليه، ورجحه الإمام (¬2)، والأصح: خلافه، ثم إنه لا اختصاص لهذه الأحكام بالمحجور عليه، بل هي في كل مديون. 2172 - قول "المنهاج" [ص 252]: (وإذا ادعي أنه معسرٌ أو قَسَمَ ماله بين غرمائه وزعم أنه لا يملك غيره وأنكروا؛ فإن لزمه الدين في معاملة مالٍ كشراءٍ أو قرضٍ .. فعليه البينة، وإلا .. فَيُصَدَّق بيمينه في الأصح) فيه أمور: أحدها: أنه قد يدخل في المعاملة الإجارة، وليست منقولة، وقال شيخنا الإمام البلقيني: الظاهر: أن الأجرة إن لزمت بسبب السكن .. فهي كالصداق، وإن حصل عقد إجارة .. فيحتمل أن يكون كذلك، ويحتمل أن يقال: لا يقبل قوله؛ لحصول اليسار بملك المنفعة، ويرجح الأول؛ بأن اليسار إنما يحصل بسبب أن يؤجر بأجرة، ومن يدعي ذلك يحتاج إلى البينة. ثانيها: اقتصر "التنبيه" و "الحاوي" على الصورة الأولى، وهي: دعوي الإعسار، وفي الثانية إشكال؛ إذ الفرض أنه قد وجد مال وقسم .. فكيف يحتاج إلى بينة على الإعسار أو على هلاك مال المعاملة؟ ولعل المال الذي قسم هو مال المعاملة، فينبغي ألَّا يحتاج إلى البينة إلا عند نقص المال الموجود عن مال المعاملة. ثالثها: لا يتقيد الاحتياج إلى البينة بأن يلزم الدين في معاملة، بل لو لزم في غير معاملة وعرف له مال قبل ذلك .. احتاج إلى البينة أيضًا؛ ولهذا عبر "التنبيه" بقوله [ص 101]: (فإن كان قد عُرف له مال)، و"الحاوي" بقوله [ص 308]: (إن لم بُعهد ماله). رابعها: قوله: (فعليه البينة) لم يفصح عما تقام عليه البينة، والمتبادر إلى الفهم منه أن المراد: البينة بالإعسار في الصورة الأولى، وبأنه لا يملك غيره في الثانية، وكذا صرح "التنبيه" و"الحاوي" بأن المعتبر: إقامة البينة على الإعسار (¬3)، وفي معناها: بينة تلف المال؛ فهي تغني عن بينة الإعسار، بل هي آكد؛ فإنه لا يحلف معها على أنه لا يملك غيره بلا خلاف، كما صرح به الجرجاني في "المعاياة" وعلله: بأن فيه تكذيب البينة؛ ولهذا قال في "الكفاية": إن هذه الصورة مفهومة من طريق الأولى، قال النشائي في "نكته": وفيه انظر؛ فإن بينة الإعسار ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 230). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (6/ 407، 408). (¬3) التنبيه (ص 101)، المنهاج (ص 308).

أبلغ، وإن كان يحتمل أن مستندها تلفه (¬1). 2173 - قول "المنهاج" [ص 252]: (وشرط شاهده: خبرة باطنه) مراده: الجنس؛ فإنه يشترط شاهدان، فلو قال: (شاهديه) كما في "التنبيه" (¬2) .. لكان أحسن، ثم إنه إنما تشترط الخبرة الباطنة في الشاهد بالإعسار، أما الشاهد بتلف المال: فلا تشترط فيه الخبرة الباطنة، وفي "الكفاية": لا فرق في ذلك على ما حكاه الإمام بين أن تكون البينة معدلة أو لا. قال السبكي: وهو غلط على الإمام لو استطعت .. لكشطته من "الكفاية"، بل لا بد من بينة عادلة جزمًا، ولم يذكر الإمام غيره (¬3)، وإذا كان يحبس ابتداء في الدين بشاهدين لم يعدلا على الأصح مدةً يظهر للقاضي الجرح والتعديل احتياطا للحق وإن لم يثبت .. فلأن يستدام مع ثبوت الدين قبل ثبوت الإعسار أولي. 2174 - قول "التنبيه" [ص 101]: (فإن قال: حلفوه أنه لا مال له في الباطن .. حلف في أحد القولين)، هو الأصح، وعليه مشي "الحاوي" فقال [ص 308]: (وحَلَّفه إن طُلِبَ) وتقدم عن الجرجاني: أنه إنما يحلف من لم يقم بينة على تلف ماله، فإن أقامها عليه .. لم يحلف بلا خلاف؛ لأن فيه تكذيب البينة. 2175 - قول "المنهاج" [ص 252، 253]: (وليقل: هو معسرٌ، ولا يُمحّض النفي) لابد أن يقول مع ذلك: (لا يملك إلا قوت يومه وثياب بدنه) كما هو في "الروضة" وأصلها (¬4)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: هذه الصفة ليست صحيحة؛ لأمور: منها: أن ملك قوت يومه قد يصير به موسرًا إذا كان مستغنيًا عنه بالكسب الذي يصرفه لجهات المؤنة من نفقة نفسه وغيره، فلا يكتفي بالاستثناء مع الإبهام. ومنها: أن ثياب بدنه قد تكون لائقة به وقد تكون زائدة على ما يليق به، والذي يترك له إنما هو الذي يليق به؛ فاستثناء ذلك على طريق الإبهام لا يكفي، ثم اللبد والحصير القليل القيمة يترك أيضًا، وليس من ثياب البدن. ومنها: أنه قد يكون مالكًا لغير ذلك وهو معسر؛ بأن يكون له مال غائب مسافة القصر فما فوقها، فيصدق عليه أنه معسر؛ بدليل: أن الزوجة تفسخ، وتُعطي من الزكاة، كما ذكر في سهم ابن السبيل، ومع ذلك لا يصدق أنه لا يملك غير قوت يومه وثياب بدنه؛ إذ هو مالك لغيرهما، ¬

_ (¬1) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 94). (¬2) التنبيه (ص 101). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (6/ 421). (¬4) الروضة (4/ 138).

لكن لا على وجه يصير به موسرًا في هذه الحالة. ومنها: لو كان له دين مؤجل على شخص .. فهو مال؛ بدليل: أنه يحنث على الأصح فيما إذا حلف لا مال له وله دين مؤجل، ومع ذلك فلا يصير به موسرًا حتى لا يجب عليه الحج بسبب الدين المؤجل وقت الخروج، وللزوجة أن تفسخ إلا أن يكون الأجل قريبًا، وذكر النووي تبعًا لأصله في (النفقات): أنه ينبغي أن يضبط القرب بمدة إحضار المال الغائب فيما دون مسافة القصر (¬1)، ومثل هذا قد يتخيل هنا، وقد يفرق، ومثل الدين المؤجل الدين على معسير أو جاحد ولا قدرة له على إثباته .. فهو مال، ولا يصير به موسرًا، والمستولدة مال، ولا يصير برقبتها موسرًا، فإذا كانت زَمِنة .. فلا منافع، ولا يصير بها موسرًا، والعبد الآبق الذي لا يصل إليه، ونحو ذلك كثير، فهذه الصفة ضيقت وأوقعت في محذور، فالذي يعتبر في ذلك - والله أعلم - أن يقول: (أشهد أنه معسر عاجز العجز الشرعي عن وفاء شيء من هذا الدين، أو أشهد أنه معسر لا مال له يجب وفاء شيء من هذا الدين منه)، فإن لم يكن هناك دين، بل المراد: ثبوت الإعسار من غير نظر إلى خصوص دين .. فيقول: (أشهد أنه معسر الإعسار الذي تحرم معه المطالبة بشيء من الدين). انتهى كلام شيخنا رحمه الله (¬2). وقال في "المهمات": ينبغي أن يضيف إلى هذا: ما يصرفه لسكني اليوم؛ فإنه مستثنى أيضًا، قال: وإذا كان مالكًا لما لا يتأتي صرفه إلى الدين؛ كالمغصوب والغائب .. فوجوده كعدمه؛ ولهذا جاز له أخذ الزكاة، فتسمع إقامة بينة الإعسار، ولا يتأتي إقامتها بالصيغة المذكورة هنا؛ لأنه مالك، بل يتعين التعبير بالقدرة أو الوصول ونحوهما، بل الغالب أن الشخص لا يعيش طول عمره من غير ظلامة تتعلق به، فينبغي التعبير بما قلناه. انتهى. 2176 - قول "التنبيه" [ص 101]: (فيمن عرف له مال .. حبس) فيه أمور: أحدها: أنه يتناول الوالد لدين ولده، وهو داخل أيضًا في عموم مفهوم قول "المنهاج" [ص 253]: (وإذا ثبت إعساره .. لم يجز حبسه)، وبه صرح "الحاوي" فقال [ص 308]: (ولو لولده)، وهو الذي صححه الغزالي (¬3)، لكن الأصح في "التهذيب" وغيره: خلافه، كما في "الروضة" و"الشرحين" هنا (¬4)، وأطلق في "الروضة" في (الشهادات) تصحيحه (¬5)، وحكاه الإمام عن المعظم (¬6). ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 73). (¬2) انظر "نهاية المحتاج" (4/ 333). (¬3) انظر "الوجيز" (1/ 339). (¬4) التهذيب (4/ 117)، فتح العزيز (5/ 29)، الروضة (4/ 139). (¬5) الروضة (11/ 237). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (19/ 87).

ثانيها: ظاهر قول "التنبيه" [ص 101]: (حبس إلى أن يقيم البينة على إعساره) أنه لا فرق في ذلك بين الغريب وغيره، لكن في "المنهاج" و"الحاوي": (إن الغريب العاجز عن بينة الإعسار .. يوكل القاضي به من يبحث عن حاله، فإذا غلب على ظنه إعساره .. شهد به) (¬1)، فإن كان مرادهما: فعل ذلك معه وهو في الحبس - وهو الذي تقتضيه عبارة "الروضة" وأصلها - .. فلا فرق حينئذ بين الغريب وغيره، وكلام "التنبيه" على إطلاقه، وإن كان المراد: فعل ذلك معه قبل الحبس .. فيستثنى ذلك من عبارة "التنبيه"، والله أعلم. ثالثها: يستثنى من الحبس: من وقعت الإجارة على عينه .. فيقدم حق المستأجر كما ذكره الغزالي في "فتاويه"، كما يقدم حق المرتهن لا سيما والعمل مقصود بالاستحقاق، والحبس لايستحق في نفسه، وإنما يتوصل به إلى غيره (¬2)، وهذ إن صح وارد على "المنهاج" و"الحاوي" أيضًا، قال السبكي في "شرح المهذب": وهو غريب لم أره لغيره، ولكنه فقه جيد، وعلى قياسه لو استعدي على من وقعت الإجارة على عينه، وكان حضوره لمجلس الحكم يُعطل حق المستأجر .. ينبغي ألَّا يحضر، ولا يعترض باتفاق الأصحاب على إحضار المرأة البرزة (¬3) وإن كانت ذات زوج وحبسها؛ لأن للإجارة أمدًا ينتظر (¬4). رابعها: يستثني من كلامهم أيضًا: نجوم الكتابة، فلا حبس بها، كما ذكره الرافعي في آخر (أدب القضاء) (¬5)، وهو واضح. خامسها: قال الأصحاب: إن لم ينزجر بالحبس .. زاد في تعزيره بما يراه من الضرب وغيره (¬6)، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 309]: (وضرب بالعناد)، وفي "أدب القضاء" لشريح الروياني وجهان في تقييد المحبوس إذا كان لجوجًا صبورًا على الحبس. 2177 - قول "الحاوي" [ص 308]: (وينفك بالقاضي) صحح القاضي حسين: أنه ينفك بنفسه، ورجحه شيخنا الإمام البلقيني أيضًا فقال: إنه الصواب، قال: ويوافقه نصه في "الأم" حيث قال: وليس بمحجور عليه بعد الحجر الأول وبيع المال؛ لأنه لم يحجر عليه لسفهٍ، إنما حجر في وقتٍ لبيع ماله، فإذا مضى .. فهو على غير الحجر. انتهى (¬7). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 308) , المنهاج (ص 253). (¬2) فتاوي الغزالي (ص 64) مسألة (96). (¬3) قال الزبيري: البرزة من النساء: التي ليست بالمتزايلة، التي تزايلك بوجهها تستره عنك وتنكب إلى الأرض. انظر "لسان العرب" (5/ 310). (¬4) انظر "مغني المحتاج" (4/ 415). (¬5) انظر "فتح العزيز" (12/ 486). (¬6) انظر "الروضة" (4/ 137). (¬7) الأم (3/ 207).

فصل [في رجوع نحو بائع المفلس عليه بما باعه له قبل الحجر ولم يقبض عوضه]

وهو مفهوم من سكوت "التنبيه" و"المنهاج" عنه، واقتصارهما على البيع والقسمة. فَصْلٌ [في رجوع نحو بائع المفلس عليه بما باعه له قبل الحجر ولم يقبض عوضه] 2178 - قول "المنهاج" [ص 253]: (من باع ولم بقبض الثمن حتى حُجر على المشتري بالفلس .. فله فسخ البيع واسترداد المبيع) فيه أمور: أحدها: أن قوله: (ولم يقبض الثمن) أي: جميعه، وذلك صادق بألَّا يقبض منه شيئًا وبأن يقبض بعضه .. فله الفسخ أيضًا على الجديد كما ذكره بعد ذلك (¬1)، لكن في البعض فقط بالنسبة، وينبّهُ على مثل ذلك في قول "التنبيه" [ص 102]: (وإن كان فيهم من له عين مال باعها منه .. فهو بالخيار بين أن يضرب مع الغرماء، وبين أن يفسخ البيع ويرجع فيها) فإنه وإن لم يصرح بأنه لم يقبض الثمن، لكن ذكره البائع مع الغرماء يقتضي أن له دينًا، وذلك صادق بجميع الثمن وببعضه، إلا أن قوله: (ويرجع فيها) وقول "المنهاج": (واسترداد المبيع) يقتضي أنه لم يقبض شيئًا من الثمن، وقد صرح "الحاوي" بمسألة قبض البعض بقوله [ص 309]: (بحصة غير مقبوض). ثانيها: قوله: (حتى حجر) يقتضي اختصاص ذلك بالمبيع قبل الحجر دون ما اشتراه بعده، لكن الأصح فيه: جواز الفسخ أيضًا مع الجهل بالحال، وقد ذكره "المنهاج" قبل ذلك (¬2)، وصرح به "الحاوي" هنا بقوله [ص 309]: (لا حال الحجر بالعلم)، وهذا وارد على ظاهر كلام "التنبيه" أيضًا؛ لأن قوله: (وإن كان فيهم) أي: في الغرماء المتقدم ذكرهم، وهم الذين حصل الحجر بسؤالهم، فلا يدخل في ذلك غريم تجدد بعد الحجر. ثالثها: قد يقال: لِمَ لَمْ يقتصر "التنبيه" و"المنهاج" على الفسخ، وأيّ حاجة إلى ذكر استرداد المبيع؟ وجوابه: ما ذكره السبكي: أن الفسخ وارد على العقد، ويتبعه الاسترداد؛ فلذلك جمع بينهما، وفي الرد بالعيب يعتمد المردود. ويختص "التنبيه" بإيرادات: أحدها: أن للفسخ شروطًا لم يتعرض منها لسوى واحد، منها: كون الثمن حالًّا، ومنها: كون المبيع باقيًا في ملك المشتري، وقد ذكرهما "المنهاج"، واقتصر "الحاوي" على الأول (¬3)، ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 254). (¬2) المنهاج (ص 251). (¬3) الحاوي (ص 309)، المنهاج (ص 253).

والجواب عن الثاني: أنه مفهوم من اشتراط عدم تعلق حق لازم به؛ لأنه إذا امتنع الرجوع لتعلق حق مع كونه في ملكه .. فأولي إذا خرج عن ملكه، ومنها: أن يكون الراجع من أهل تملكها، وسنتكلم عليه. ثانيها: أنه خص ذلك بالبيع مع أن له الرجوع في سائر المعاوضات، وقد ذكره "المنهاج" و "الحاوي" (¬1)، وسنتكلم عليه. ثالثها: ظاهر كلامه: أن هذا الخيار على التراخي، والأصح: أنه على الفور، وقد ذكره "المنهاج" و "الحاوي" (¬2). 2179 - قول "الحاوي" [ص 309]: (بفسختُ البيع ونقضته ورفعته) فيه أمران: أحدهما: أنه لو عبّر بـ (أو) كما في "الروضة" (¬3) .. لكان أولي من الواو. ثانيهما: أنه لا تنحصر صيغة الفسخ فيما ذكره، فلو قال: (رددت الثمن أو فسخت البيع فيه) .. حصل الفسخ على الأصح، فـ (فسخت البيع فقط) كاف قطعًا، وبزيادة: (في الثمن) مختلف فيه. 2180 - قول "المنهاج" [ص 253]: (وله الرجوع في سائر المعاوضات) لا بد من تقييد المعاوضة بكونها محضة، كما في "الحاوي" (¬4)، فلا يثبت للزوج إذا خالع استرداد البضع، ولا للمصالح عن دم العمد استيفاء النفس. واعلم: أن من المعاوضة المحضة الإجارة، وقال في "المهمات": الإجارات المعتادة الآن - وهي التي يستحق فيها أجرة كل شهر عند انقضائه - لا فسخ فيها؛ لأن الفسخ من شرطه: أن يكون العوض حالًّا والمعوض باقيًا، فلا يتأتي الفسخ قبل الشهر؛ لعدم المطالبة بالأجرة، ولا بعده؛ لأن منفعته قد فاتت، فهي كالمبيع يتلف، وهكذا العمل في كل شهر، وحينئذ .. فلا يتصور فيها الفسخ، وإنما يتصور إذا كانت الأجرة كلها حالة، نبه عليه مع وضوحه ابن الصلاح في "فتاويه" (¬5). قلت: يتصور مع كون الأجرة ليست كلها حالة؛ بأن تكون مقسطة، لكن لم يجعل كل قسط في مقابلة جزءٍ من المدة، بل جعلت أجرة السنة مثلًا على قسطين؛ أحدهما بعد مضي ستة أشهر والآخر سلخ السنة، ولم يجعل القسط الأول في مقابلة الأشهر الستة الأولى، ولا الثاني في مقابلة ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 309)، المنهاج (ص 253). (¬2) الحاوي (ص 309)، المنهاج (ص 253). (¬3) الروضة (4/ 148). (¬4) الحاوي (ص 309). (¬5) فتاوي ابن الصلاح (1/ 343) مسألة (237).

الثانية، فإذا حجر على المستأجر بعد حلول القسط الأول وقد بقي من المدة ستة أشهر .. فله أن يفسخ منها بقدر ما يقابل الحال - وهو نصفها - وليس له الفسخ في جميعها؛ لأن الأجرة التي حلت والتي لم تحل كلاهما في مقابلة ما مضي وما بقي، فلا يمكن الفسخ فيما بقي مما تقابله الأجرة التي لم تحل إلى الآن، وإنما يفسخ فيما يقابل الحال خاصة، والله أعلم (¬1). 2181 - وقول "المنهاج" [ص 253]: (كالبيع)، قال السبكي: نبه به على أنه بالقياس لا بالنص، وعلى أن الأحكام التي ذكرها في البيع تجري فيها، وذلك زيادة على مقتضى ما في "المحرر" فإنه قال: (ولا يختص الرجوع بالمبيع، بل يثبت في سائر المعاوضات) (¬2)، وقال غيره: قوله: (كالبيع) أي: بما شرطناه من كونه سابقًا على الحجر، وبما سيأتي من الشروط أيضًا (¬3). 2182 - قوله: (وله شروط؛ منها: كون الثمن حالًا) (¬4) قد يفهم اعتبار حلوله من الأصل، وليس كذلك، بل لو كان مؤجلًا فحل قبل الحجر .. رجع فيه في الأصح، وكذا لو حل بعده على الأصح في "الشرح الصغير" ولهذا عبر "الحاوي" بقوله [ص 309]: (حل ولو بعده). 2183 - قول "المنهاج" [ص 253] و"الحاوي" [ص 309]: (وأن يتعذر حصوله بالإفلاس) خرج به تعذره بانقطاع جنسه .. فلا فسخ إن جوزنا الاستبدال عن الثمن، وإلا .. ففيه الخلاف في انقطاع المسلم فيه، كذا في "الروضة" وأصلها (¬5)، وقال في "المهمات": منع الفسخ مشكل لا يوافق القواعد؛ فإن المعقود عليه إذا فات .. جاز الفسخ؛ لفوات المقصود منه، وقد جزم به الرافعي في فوات المبيع (¬6)، وإذا جاز الفسخ لفوات عينه مع إمكان الرجوع إلى جنسه ونوعه .. فبطريق الأولى عند فوات الجنس، قال: ومنقول الأصحاب في هذه المسألة لا يوافق المذكور في الرافعي، ثم أوضح ذلك. 2184 - قول "المنهاج" [ص 253]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 309]: (ولو قال الغرماء: "لا تفسخ ونُقدّمك بالثمن" .. فله الفسخ) كذا صححه في "الروضة" هنا (¬7)، لكنه جزم بمقابله في آخر فرع في الباب (¬8). ¬

_ (¬1) انظر "حاشية الرملي" (2/ 196). (¬2) المحرر (ص 176). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 233). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 235). (¬5) فتح العزيز (5/ 32)، الروضة (4/ 149). (¬6) انظر "فتح العزيز" (4/ 288، 289). (¬7) الروضة (4/ 148). (¬8) الروضة (4/ 175).

2185 - قول "المنهاج" [ص 253]: (وكون المبيع باقيًا في ملك المشتري) فيه أمران: أحدهما: أن المتبادر إلى الفهم منه أن يكون لم يخرج عن ملكه أصلًا، فلو زال ملكه عنه ثم عاد إليه قبل الحجر .. لم يكن له الرجوع، وهو الذي صححه النووي في "الروضة" كما هو المصحح في الهبة للولد (¬1)، لكن الذي صححه الرافعي في "الشرح الصغير": الرجوع، وهو مقتضي كلامه في "الكبير" فإنه شبهه بمثله في الرد بالعيب (¬2)، والمصحح في تلك: جواز الرد، ومقتضاه هنا: جواز الرجوع، والمصحح في "المنهاج" في نظيره من الصداق: جواز الرجوع (¬3)، وعلى ذلك مشي "الحاوي" فقال [ص 309، 310]: (إن كان في ملكه ولو بالعود). ثانيهما: يستثني من اعتبار هذا الشرط مسائل: منها: ما لو باعه وحجر عليه في زمن الخيار .. فإنه يجوز الرجوع، ولو قلنا: بزوال ملكه كما يجوز للمفلس، قاله الماوردي (¬4)، قال شيخنا الإمام البلقيني: ويلزم عليه ما إذا باعه المشتري لآخر بثمن ثم أفلسا وحجر عليهما .. أن للبائع الأول الرجوع، ولا بُعْدَ في التزامه (¬5). ومنها: لو أقرض المشتري العين المشتراة لشخص وأقبضه إياها .. فللبائع استرجاعها من يد المقترض، كما كان للمشتري بعد قرضه وإقباضه، ذكره الماوردي أيضًا (¬6). ومنها: لو وهب المشتري العين المشتراة لولده وأقبضه إياها، ثم أفلس .. فللبائع استرجاعها من يد الولد، كما لوالده استرجاعها منه، ذكره شيخنا الإمام البلقيني تخريجًا على الفرع المتقدم، قال: ويدل على صحة هذا: أنه لو وهب لأجنبي ولم يقبضه .. كان للبائع الرجوع، صرح به الماوردي (¬7). قلت: في هذه الصورة لم يملك الموهوب له تلك العين، ولم يخرج عن ملك المشتري بحال، والله أعلم. 2186 - قول "المنهاج" [ص 253]: (فلو فات أو كاتب العبد .. فلا رجوع) وكذا لو كاتب ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 156). (¬2) فتح العزيز (5/ 41). (¬3) المنهاج (ص 401). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (6/ 271). (¬5) انظر "مغني المحتاج" (2/ 160)، و"نهاية المحتاج" (4/ 341). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (6/ 271). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (6/ 271).

تنبيه [بقية شروط الرجوع]

الأمة أو بعضهما، وكذا الاستيلاد كما في "الروضة" وأصلها (¬1)، ووقع في "فتاوي النووي": أنه يرجع (¬2)، وهو غلط من الناقل عنه؛ فإنه ذكر في "تصحيحه": أنه لا خلاف في عدم الرجوع في الاستيلاد (¬3). 2187 - قوله - والعبارة له - و"الحاوي": (ولا يمنع التزويج) (¬4) قال شيخنا الإسنوي: لا حاجة لهذه المسألة؛ لأنه عيب في العبد والأمة، وهو مذكور بعده. تنْبِيهٌ [بقية شروط الرجوع] بقي للرجوع شروط أهملها "المنهاج": أحدها: ألَّا يتعلق به حق لازم لثالث؛ كشفعة ورهن وجناية، وقد ذكره "التنبيه" و"الحاوي" (¬5)، ولكن لا بد من تقييد الرهن بكونه مقبوضًا، فله الرجوع قبل القبض، كما صرح به الماوردي (¬6)، وإذا زال التعلق .. جاز الرجوع. ثانيها: أن يكون الراجع من أهل تملكها، فلو كان مُحْرِمًا والمبيع صيد .. فالأصح: المنع، قال شيخنا الإمام البلقيني: فلو حل من إحرامه .. فقياس الفقه: أن يرجع. قلت: لا شك فيه ما لم يُبَعْ لحق الغرماء، وعبارة النووي في "تصحيحه": "لم يرجع ما دام مُحْرِمًا) (¬7)، وهي تقتضي ذلك، ويشكل على هذا الفرع: أن في "الروضة" عن المحاملي: جواز رجوع الكافر فيما إذا كان المبيع عبدًا مسلمًا (¬8)، لكن منع مجلي الرجوع هنا كالمسألة المتقدمة، وهو الحق، ورأي ابن الرفعة تخريجه على الرد بالعيب، وهذا وارد أيضًا على "التنبيه" و"الحاوي". ثالثها: ألَّا يضمن المشتري بالثمن ضامن، فإن ضمنه به ضامن بإذنه .. فلا فسخ، أو بغير إذنه .. فوجهان، وقد لا يرد هذا على "المنهاج" و"الحاوي" لاعتبارهما تعذره بالإفلاس، ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 155). (¬2) فتاوي النووي (ص 103) مسألة (158). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 317). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 310)، و"المنهاج" (ص 253). (¬5) التنبيه (ص 102)، الحاوي (ص 310). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (6/ 271). (¬7) تصحيح التنبيه (1/ 318). (¬8) الروضة (3/ 348).

وهذا لم يتعذر؛ لحصوله من جهة الضامن، وهو وارد على "التنبيه" قطعًا، ولو مات المفلس وقال وارثه: أؤدي من مالي .. ففيه وجهان، الذي في "التتمة" منهما: منع الرجوع، فإن ترجح ما في "التتمة" .. فهذا شرط لم يتعرضوا له، وهو: عدم أداء الوارث من ماله فيما إذا مات المشتري مفلسًا. 2188 - قول "المنهاج" [ص 253]: (وجناية المشتري كآفةٍ في الأصح) كان ينبغي أن يقول: (على الأظهر) أو (المذهب) فإن في "الروضة" طريقين: أصحهما عند الإمام: أنه كالأجنبي، وقطع البغوي وغيره بأنه كجناية البائع على المبيع قبل القبض، ففي قول: كالأجنبي، وعلى الأظهر: كالآفة، قال النووي: المذهب: كالآفة. انتهى (¬1). فإن اقتصر على طريقة البغوي .. عبر بـ (الأظهر)، أو أراد حكاية الطريقين .. عبر بـ (المذهب). 2189 - قوله - والعبارة له - و"الحاوي": (ولو تلف أحد العبدين ثم أفلس .. أخذ الباقي وضارب بحصة التالف) (¬2) يفهم أنه ليس له الفسخ في البعض مع بقاء الجميع، وليس كذلك، بل له ذلك كرجوع الأب في البعض، ولا يبالي بتفريق الصفقة هنا؛ لأن مال المفلس لا يُقتنى، بل يباع كله. 2190 - قول "المنهاج" في تمثيل الزيادة المتصلة التي يفوز بها البائع [ص 254]: (كالسمن والصنعة) كذا في "الروضة" وأصلها هنا (¬3)، لكن في "الروضة" وأصلها بعد ذلك في الكلام على الضرب الثاني في الصفة: أن تعلّم العبد القرآن والحرفة .. قيل: كالسمن، والأصح: أنها من صور القولين (¬4)، يعني: الآتيين في الطحن والقصارة، وقال شيخنا في "المهمات": إن العمدة عليه. 2191 - قول "التنبيه" [ص 102]: (وإن زاد زيادة متميزة؛ كالولد والثمرة .. رجع فيها دون الزيادة) قد يفهم جواز التفريق بين الجارية وولدها مع صِغَره بالرجوع بالفلس، وهو وجه حكاه جماعة، ولم يستحضره الرافعي، فقال: لم يحكوه هنا، والأصح: أنه إن بذل البائع قيمته .. أخذه مع أمه، وإلا .. بيعا معًا، واختص بحصة الأم من الثمن (¬5)، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي"، لكن تعبير "المنهاج" بقوله [ص 254]: (وتصرف إليه حصة الأم) أحسن من قول ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 157)، وانظر "نهاية المطلب" (6/ 317)، و"التهذيب" (4/ 88). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 310)، و "المنهاج" (ص 254). (¬3) الروضة (4/ 159). (¬4) الروضة (4/ 170). (¬5) انظر "فتح العزيز" (5/ 46).

"الحاوي" [ص 309]: (وخُصَّ بقيمة الأم)، وقول "المنهاج" [ص 254]: (وقيل: لا رجوع) أي: إن لم يبذل البائع القيمة، فإن بذلها .. أخذه جزمًا، ولا يأتي هذا الوجه (¬1). 2192 - قول "التنبيه" [ص 102]: "وإن كانت الزيادة طلعًا غير مؤبر .. ففيه قولان، أحدهما: يرجع، والثاني: لا يرجع) أظهرهما: الرجوع، وعليه يدل كلام "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). 2193 - قول "المنهاج" [ص 254]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 309]: (ولو كانت حاملًا عند الرجوع دون البيع أو عكسه .. فالأصح: تعدي الرجوع إلى الولد) عبر في "الروضة" بـ (الأظهر) (¬3)، ومدرك الخلاف البناء على أن الحمل هل يعلم أم لا؟ وحينئذ .. فالتصحيح في المسألة الأولى مشكل، وكذا هو مصحح في "التنبيه"، وقياس تصحيح أن الحمل يعلم: تصحيح عدم الرجوع كما صححوه في نظائره من الرد بالعيب والرهن ورجوع الوالد في الهبة من أن الحمل لا يتبع، لكنهم نظروا هنا إلى أنه زيادة متصلة (¬4). 2194 - قول "المنهاج" [ص 254]: (واستتار الثمر بكِمَامِهِ وظهوره بالتأبير قريبٌ من استتار الجنين وانفصاله، وأولي بتعدي الرجوع) أي: فتجيء فيه الأحوال الأربعة المذكورة في الجنين، لكن هنا طريقة جازمة باستقلال الثمرة حتى تكون للبائع قطعًا إذا كانت غير مؤبرة عند الرجوع، وللمشتري قطعًا في عكسه؛ لأنها وإن كانت مستترة .. فهي مشاهدة تفرد بالبيع، وعبر عن ذلك في "الوجيز" بقوله: (وأولي بالاستقلال)، قال الرافعي: أشار به إلى طريقة القطع تارة بالإثبات وتارة بالنفي (¬5)، فقول "المنهاج" تبعا لأصله: (وأولي بتعدي الرجوع) (¬6) معترض في مسألة العكس؛ فإنها أولى بعدم تعدي الرجوع (¬7). 2195 - قول "المنهاج" - والعبارة له - و"الحاوي" فيما لو غرس أو بني: (له أن يرجع ويتملك الغراس والبناء بقيمته، وله أن يقلعه ويغرم أرش نقصه) (¬8) كذا صححه في "الروضة" (¬9)، وهو نظير تصحيحه في "الروضة" في (العارية) (¬10)، وسيأتي في "المنهاج" في (العارية) ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 238). (¬2) الحاوي (ص 309)، المنهاج (ص 254). (¬3) الروضة (4/ 160). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 238). (¬5) الوجيز (1/ 342)، وانظر "فتح العزيز" (5/ 49). (¬6) المحرر (ص 177)، المنهاج (ص 254). (¬7) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 239). (¬8) الحاوي (ص 311)، المنهاج (ص 254). (¬9) الروضة (4/ 167). (¬10) الروضة (4/ 438).

تصحيح التخيير بين التبقية بأجرة والقلع وضمان أرش النقص (¬1)، وفي "الحاوي" التخيير بين الثلاثة (¬2)، وسنبسط هناك ما وقع في ذلك من الاضطراب في الأبواب إن شاء الله تعالى. واعلم: أن عبارة "المحرر" و"الشرحين" و"الروضة" هنا: (له أن يرجع على أن يتملك) بصيغة الشرط (¬3)، فينظر هل بينهما وبين عبارة "المنهاج" و"الحاوي" تفاوت في المعنى أم لا؟ 2196 - قول "الحاوي" [ص 310]: (وتُرِكَ زَرْعُهُ) أي: إلى أوان الحصاد إذا أجره أرضًا لزراعة، ومحله: إذا لم يتفق الغرماء والمفلس على القطع قبل أوانه، فإن اتفقوا عليه .. قطع، وإن اختلفوا فيه؛ فإن كان للمقطوع قيمة .. أجيب من يدعو إلى القطع، وإلا .. فمن يدعو إلى الإبقاء، نبه عليه الرافعي (¬4). قال في "التعليقة": وإنما لم يتعرض "الحاوي" للقطع عند المصلحه؛ لأن المرعيّ مصلحة المفلس والغرماء. 2197 - قول "التنبيه" [ص 102]: (أو خلطه بما هو أجود منه) لا بد من تقييد ذلك بكونه مثليًا، وإلا .. فلا يؤثر الخلط فيه شيئًا، وقول "المنهاج" [ص 254]: (وإن كان المبيع حنطة) و"الحاوي" [ص 310]: (وخُلِطَ الزيت) مثالان، فالضابط: كونه مثليًا كما تقدم. ويستثني من ذلك: ما لو قل الخليط جدًا .. فقال الإمام: الوجه: القطع بالرجوع إن كان القليل للمشتري، وبعدمه إن كان للبائع (¬5). 2198 - قول "المنهاج" فيما لو طحنها أو قَصَّرَ الثوب [ص 254]: (وإن زادت - أي: القيمة - .. فالأظهر: أنه يباع وللمفلس من ثمنه بنسبة ما زاد)، قد يفهم أن البائع لو أراد أخذه ودفع حصة الزيادة للمفلس .. لم يمكن من ذلك، والأصح في "الروضة" هنا من زيادته: أن له ذلك (¬6)، وصححه الرافعي أيضًا بعد ذلك (¬7)، فكان ينبغي أن يقول كما في "المحرر": (أصح القولين: أن المفلس شريك فيه، فيباع) (¬8)، وكذا في "الحاوي" [ص 311]: (فشريك بالزائد)، فحاصل ذلك أن محط الأظهر: الشركة، والبيع أحد فرعيه قطعًا، والفرع الآخر: إمساك البائع له ودفع ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 288). (¬2) الحاوي (ص 349). (¬3) المحرر (ص 177)، فتح العزيز (5/ 54)، الروضة (4/ 167). (¬4) انظر "فتح العزيز" (5/ 36). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (6/ 358). (¬6) الروضة (4/ 171). (¬7) فتح العزيز (5/ 60، 63). (¬8) المحرر (ص 178).

حصة الزيادة، ويوافق ذلك أيضًا قول "التنبيه" [ص 102]: (رجع في العين، وكانت الزيادة للمشتري)، فهي دالة على الشركة كما تقدم، والله أعلم. 2199 - قول "المنهاج" [ص 255]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 311]: (ولو صبغه بصبغِهِ؛ فإن زادت القيمة قدر قيمة الصبغ .. رجع، والمفلس شريك بالصبغ) فيه أمران: أحدهما: أن المراد: ما إذا كانت زيادة القيمة بسبب الصنعة، وهو المتبادر إلى الفهم من العبارة، أما إذا زادت بارتفاع سوقهما أو سوق أحدهما .. فالزيادة لمن ارتفع سعر سلعته. ثانيهما: في كيفية الشركة وجهان لا ترجيح فيهما في "الروضة" وأصلها: أحدهما: أن كل الثوب للبائع، وكل الصبغ للمفلس كما لو غرس. والثاني: يشتركان فيهما كخلط الزيت (¬1). قال شيخنا الإمام البلقيني: وللوجهين التفات على قاعدة الحصر والإشاعة. 2200 - قول "المنهاج" [ص 255]: (أو أكثر .. فالأصح: أن الزيادة للمفلس) لا يعرف منه مقا بل الأصح، وهو وجهان، أحدهما: أنها للبائع، والثاني: أنها توزع عليهما. 2201 - قوله فيما لو اشتراهما من اثنين: (وإن زادت بقدر قيمة الصبغ .. اشتركا) (¬2) كذا إذا لم تبلغ الزيادة قدر قيمة الصبغ، لكن النقص عليه (¬3). 2202 - قوله: (وإن زادت على قيمتهما .. فالأصح: أن المفلس شريكٌ لهما بالزيادة) (¬4)، قال شيخنا ابن النقيب: أي: فيما إذا اشتراهما من واحد أو من اثنين (¬5)، وفيما قاله انظر؛ فكيف يصح تحميل عبارته صورة ما إذا اشتراهما من واحد مع قوله: (شريك لهما)؟ 2203 - قول "التنبيه" في الصورة المذكورة [ص 102]: (وإن نقصت قيمتهما .. حسب النقصان من قيمة الصبغ، ويرجع صاحب الثوب في ماله، وصاحب الصبغ بالخيار إن شاء .. رجع فيه ناقصًا، وإن شاء .. ضرب مع الغرماء) ظاهره: أنه لا يضارب بباقي الثمن إذا رجع فيه ناقصًا، وصححه في "الروضة" (¬6)، وبحث فيه في "الكفاية". 2204 - قول "الحاوي" [ص 311]: (وللقصّار الحبس) (¬7) أي: حبس ما استؤجر على قصارته ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 172). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 255). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 243). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 255). (¬5) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 243). (¬6) الروضة (4/ 173). (¬7) القضار: محوّر الثياب ومبيضها؛ لأنه يدقها بالقصرة التي هي القطعة من الخشب. انظر "لسان العرب" (5/ 104).

ليقبض الأجرة، لكن ليس له حبسه في يده، بل عند عدل، نص عليه الشافعي، كما حكاه في "الروضة" من زيادته، قال: وليس مخالفًا لما سبق، فإن جعله عند العدل .. حبس (¬1). وقال شيخنا الإمام البلقيني: الصواب: تقييده بما إذا كان العمل قد زادت به القيمة، فإن لم تزد، أو نقصت .. فلا يحبس، ويأخذه المالك كما لو عمل المفلس، ويضارب المستأجر بأجرته في مال المفلس، وسبقه إلى ذلك البارزي في "توضيحه الكبير". 2205 - قول "التنبيه" [ص 102]: (وإن كان للمفلس دين وله به شاهد ولم يحلف .. فهل يحلف الغرماء؟ فيه قولان) فيه أمور: أحدها: صورة المسألة: أن يكون المفلس قد ادعي وأقام الشاهد شهادته بطلبه، فلو لم يدع .. فليس للغرماء الدعوي والتحليف على الأصح. ثانيها: العين في ذلك كالدين. ثالثها: في معنى ما إذا كان له شاهد: ما إذا ردت اليمين عليه فنكل. رابعها: الأظهر: عدم الحلف، بل الأرجح: القطع به، وأن الخلاف في الوارث خاصة، وقد سلم "الحاوي" من هذه الإيرادات بقوله [ص 307]: (وإن نكل المفلس أو وارثه عن اليمين المردودة أو مع شاهد .. لم يحلف الغريم، كما لا يدعي). * * * ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 171)، وانظر "الأم" (3/ 204).

باب الحجر

بابُ الحَجْر 2206 - قول "المنهاج" [ص 256]: (منه: حجر المفلس لحق الغرماء، والرهن للمرتهن، والمريض للورثة، والعبد لسيده، والمرتد للمسلمين) ليس في عبارته ما يدل على حصر الحجر لمصلحة الغير في هذه الأنواع الخمسة، وعبارة "الروضة" وأصلها تقتضي حصره فيها (¬1). وزاد ابن الرفعة في "الكفاية" عليها: الحجر على السيد في المكاتب، وفي الجاني، وعلى الورثة في التركة. وزاد في "المطلب": الحجر الغريب على المشتري في جميع ماله حتى يوفي الثمن، وعلى الأب إذا أعفّه ابنه بجارية حتى لا يبيعها، قاله القاضي حسين والمتولي. وزاد السبكي: الحجر على الممتنع من وفاء دينه وماله زائد إذا التمسه الغرماء في الأصح. وزاد شيخنا الإسنوي: إذا رد بعيب .. فله حبس السلعة، ويحجر على البائع في بيعها حتى يؤدي الثمن، قاله المتولي. وعلى من غنم مال حربي مديون قد استرق حتى يوفي، وعلى المشتري في المبيع قبل القبض، قاله الجرجاني. وعلى العبد المأذون للغرماء، وعلى السيد في نفقة الزوجة حتى يعطيها بدلها، وعلى مالك دار قد استحقت العدة فيها بالحمل أو الأقراء، بخلاف الأشهر، وعلى من اشتري عبدًا بشرط العتق، وفي المستولدة، وفيما إذا أعتق شريكه الموسر نصيبه في الأصح إذا قلنا: لا يسري إلا بدفع القيمة، وفيما استؤجر على العمل فيه حتى يفرغ ويُعطي أجرته، وفيما إذا قال شريكان لعبد بينهما: (إذا متنا .. فأنت حر) فمات أحدهما .. فليس لوارثه التصرف فيه بالبيع ونحوه، ونصيب اللآخر مدبر حتى يموت، فيعتق جميعه. وفيما إذا نعل المشتري الدابة ثم اطلع على عيبها وقلْعه يُعَيِّبُهَا، فردها، وترك له النعل .. جُبر على قبوله، وهو إعراض عنه في الأصح، فيكون للمشتري لو سقط، ويمتنع عليه بيعه؛ كدار المعتدة. وفيما إذا أعار أرضًا للدفن .. فيمتنع بيعها قبل بلاء الميت، وفيما إذا خلط المغصوب بما لا يتميز .. فعليه بدله، ويحجر عليه فيه إلى رد البدل، وفيما إذا أوصي بعين تخرج من الثلث وباقي ماله غائب .. فيحجر على الموصي له في الثلثين؛ لاحتمال التلف، وفي الثلث على الأصح؛ لعدم تمكن الوارث من الثلثين. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (5/ 66)، الروضة (4/ 177).

وفيما إذا أقام شاهدين على ملك ولم يعدلا .. فيمتنع على صاحب اليد البيع ونحوه بعد حيلولة الحاكم وقبلها على أحد الوجهين، وفيما إذا اشترى عبدًا بثوب وشرطا الخيار لمالك العبد .. فالملك لا فيه، ويبقي الثوب على ملك الآخر؛ لئلا يجتمعا في ملك واحد، ولا يجوز لمالكه التصرف فيه. وفيما إذا أحبل الراهن المرهونة وهو معسر .. فلا ينفذ الاستيلاد، ومع ذلك لا يجوز بيعها في الأصح؛ لأنها حامل بحرّ، ولا بعهد الولادة حتى تسقيه اللبأ ويجد مرضعة خوفًا من سفر المشتري بها، فيهلك الولد. وفيما إذا أعطى الغاصب القيمة للحيلولة ثم ظهر المغصوب .. فله حبسه إلى استرداد القيمة, كما في الرافعي في (الغصب) عن النص، ثم مال إلى خلافه (¬1)، ويلزم من حبسه امتناع تصرف مالكه فيه بطريق الأولى. وفي بدل العين الموصى بمنفعتها إذا تلفت .. فيمتنع على الوارث التصرف فيه؛ لأنه يستحق عَليه أن يشتري به ما يفوم مقامه، وفيما إذا أعطي لعبده قوته ثم أراد عند الأكل إبداله .. لم يكن لي ذلك، كما قال الروياني، وقيده الماوردي بما إذا تضمن الإبدال تأخير الأكل (¬2). وفيما إذا نذر إعتاق عبده، فليس له التصرف فيه وإن لم يخرج عن ملكه إلا بالإعتاق, وفيما إذا دخل وقت صلاة وعنده ما يتطهر به ... لم يصح بيعه ولا هبته. وفيما إذا وجبت عليه كفارة على الفور وفي ملكه ما يكفر به .. فقياس ما سبق امتناع تصرفه فيه، قاله الإسنوي؛ قال: ومن عليه دين لا يرجو وفائه، أو وجبت عليه كفارة .. لا يحل له التصدق بما معه ولا هبته، ولكن لو فعل .. ففي صحته نظر. انتهى. فهذه خمس وثلاثون مسألة، وبقيت مسائل أخر؛ منها: الحجر على المالك قبل إخراج الزكاة؛ وعلى الوارث في العين الموصي بها قبل القبول, وعلى السيد فيما بيد العبد المأذون إذا ركبته ديون بغير إذن الغرماء، وكذا بغير إذن العبد في الأصح، وإذا اشترى شيئًا شراء فاسدًا وأقبض الثمن .. فله الحبس إلى استرداد الثمن على قول أو وجه، حكاه الرافعي في البيوع المنهي عنها عن الإططخري (¬3)، واقتضى كلامه في موضعين من الضمان ترجيحه (¬4)، واختار السبكي فيما حكاه عنه ابنه: التفصيل بين أن يكون فاسدًا بشرط .. فله الحبس، أو لكونه ملك الغير .. فلا حبس. انتهى. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (5/ 431). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 526). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 123). (¬4) انظر "فتح العزيز" (5/ 152, 153).

ويلزم من الحبس امتناع التصرف كما تقدم، وحجر القاضي على من ادعي عليه بدين في جميع ماله إذا اتهم بحيلة، وقد أقام المدعي شاهدين ولم يزكيا، كما قاله القاضي الحسين، والأصح: خلافه، والحجر على النائم، قاله القاضي الحسين، وعلى المشتري إذا خرس في مجلس البيع .. فإن الحاكم ينصب عنه قيمًا، قاله الرافعي (¬1)، وعلى الواقف في الموقوف وإن قلنا: إنه ملكه، فهذه ثماني صور، والله أعلم. 2207 - قول "التنبيه" [ص 102]: (لا يجوز تصرف الصبي والمجنون في مالهما) قد يخرج به إسلام المميز، وجوابه السلام على جمع هو فيهم، وإخباره وهو مشكل بميله إلى الرجال أو النساء، وأمانُهُ كافرًا، ووقوع الطلاق المعلق بمشيئته، بقوله: (شئت)، وإخباره بنجاسة أحد الإناءين، وشهادته بهلال رمضان، وشهادة الصبيان بأن فلانًا قتل فلانًا .. هل يكون لوثًا؟ وقوله للشاهد يجهل عين المشهود عليها: هي هذه، والأصح في الكل: المنع؛ ولذلك قال في "الحاوي" [ص 312]: (المجنون محجور إلى الإفاقة، والطفل إلى البلوغ من الإيمان وغيره). لكن يستثنى من ذلك: أنه يصح من المميز إحرامه وعبادته، ويعتبر قوله في إذن الدخول، وإيصال الهدية، وله إزالة المنكر، ويثاب عليه كالبالغ كما في "الروضة" من زيادته في (الغصب) (¬2)، وفي "المنهاج" [ص 256]: (فبالجنون تنسلب الولايات واعتبار الأقوال)، وسكت عما يحجر على الصبي فيه؛ كأنه للاكتفاء بما ذكره في المجنون، وهو كذلك إلا ما يستثني، واقتضي كلامه اعتبار فعله، وهو كذلك في الإتلاف، ومنه إحباله، بخلاف غيره؛ كالهدية والصدقة. 2208 - قول "الحاوي" [ص 312]: (والمميز يُبعد به عن أهله) أي: استحبابًا، كما رجحه الرافعي في (اللقيط) (¬3)، أو وجوبًا، كما هو ظاهر كلامه في (الحضانة) (¬4). 2209 - قول "التنبيه" [ص 103]: (وإذا بلغ الصبي، وعقل المجنون، وأونس منهما الرشد .. انفك الحجر عنهما) فيه أمران: أحدهما: أنه لا يتوقف انفكاك الحجر عن المجنون على إيناس الرشد، بل ينفك عنه بمجرد الإفاقة؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 312]: (إلى الإفاقة) و"المنهاج" [ص 256]: (ويرتفع بالإفاقة)، لكن يستثنى منه: ولاية القضاء ونحوها، فلا تعود إلا بولاية جديدة؛ فلعل المراد: ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (4/ 181). (¬2) الروضة (5/ 18). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 396). (¬4) انظر "فتح العزيز" (10/ 88).

عود الأهلية، وحمل ابن الرفعة كلام "التنبيه" على المجنون الذي جُن في صباه، أو بعد بلوغه وقبل إيناس الرشد، وقد قال بعد ذلك: (وإيناس الرشد: أن يبلغ مصلحًا لدينه وماله) (¬1)، ولم يذكر الإفاقة. ورده السبكي: بأن الباقي فيما إذا لم يؤنس منه الرشد حجر السفه لا حجر الجنون. ثانيهما: أن ما ذكره في الصبي موافق لقول "المنهاج" [ص 256]: (وحجر الصبي يرتفع ببلوغه رشيدًا)، لكن في "الحاوي" [ص 312]: (والطفل إلى البلوغ) ولم يذكر الرشد، قال الرافعي: وليس خلافًا محققًا، ومراد الأول: الإطلاق الكلي، والثاني: المخصوص بالصبي، وهذا أولي؛ لأن كلًا من الصِّبَا والتبذير سبب مستقلٌ. انتهى (¬2). وعلى هذا .. فالرشد غير محتاج إليه في ارتفاع حجر الصبي؛ فإن حجر الصبي يرتفع بالبلوغ مطلقًا، ويخلفه حجر السفه، وله أحكام تخصه، فهذا يرتفع بالرشد، قال السبكي: وللبحث مجال في أن حجر الصبي للسفه الذي هو مظنته فاتحدا وإن اختص الصبي بإلغاء أقواله جملة، وحكي في "التوشيح" عن والده: أنه أفتي في يتيم غائب علم وليّه أنه بلغ، ولم يعلم هل بلغ رشيدًا؟ بأنه لا يجوز له التصرف في ماله، ولا إخراج زكاته استصحابًا لحكم الحجر، واحتج بقول الأصحاب: إذا أجر الولي الصبي مدة يبلغ فيها بالسن .. لم يصح فيما زاد على البلوغ، قال: فهذا يدل على أنهم لا يكتفون في العقود بالأصل. 2210 - قول "الحاوي" [ص 312]: (بخمس عشرة سنة) قد يوهم حصول البلوغ بالطعن فيها، وهو وجه، والأصح: اعتبار استكمالها، وصرح به "التنبيه" و"المنهاج" (¬3)، وابتداؤها من خروج جميع الولد، وهي تحديد، كما ذكره النووي في "الأصول والضوابط"، فقال: الأصح: القطع به (¬4). 2211 - قول "التنبيه" [ص 103]: (بالاحتلام) و"الحاوي" [ص 312]: (والحلم) أراد به: خروج المني في نوم أو جماع أو غيرهما، فلو عبرا بـ (خروج المني) كما في "المنهاج" (¬5) .. لكان أوضح؛ ولذلك قال النووي في "تحرير التنبيه": (لو قال: بالإنزال .. لكان أصوب) (¬6). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 103). (¬2) انظر "فتح العزيز" (5/ 68)، وفي حاشية (أ): أول كلام الر افعي: وقوله - أي: في "الوجيز": "وحجر الصبي ينقطع بالبلوغ مع الرشد"، هكذا يطلقه بعض الأصحاب، ومنهم من يقول: حجر الصبي ينقطع بمجرد البلوغ، وليس ذلك خلافًا محققًا). (¬3) التنبيه (ص 103)، المنهاج (ص 256). (¬4) الأصول والضوابط (ص 36). (¬5) المنهاج (ص 256). (¬6) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 199).

وجوابه: أن هذا هو المراد؛ وقد قال الماوردي: إن الاحتلام: إنزال المني في نوم أو جماع أو غيرهما (¬1). 2212 - قول "التنبيه" [ص 103]: (أو بإنبات الشعر الخشن في العانة في أظهر القولين) فيه أمران: أحدهما: أن ذلك إنما هو في حق ولد الكافر دون المسلم في الأظهر، وعلى ذلك مشي "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). ثانيهما: أنه ليس نفس البلوغ، وإنما هو علامة عليه في الأظهر؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 256]: (ونبات العانة يقتضي الحكم ببلوغ ولد الكافر)، وهذا وارد على قول "الحاوي" [ص 312]: (وإنبات العانة لطفل الكفار) فإن ظاهره أنه بلوغ أيضًا، وتظهر فائدة الوجهين فيما لو شهد عدلان بأنه لم يستكمل خمس عشرة سنة مع نبات العانة، فإن قلنا: حقيقة .. فبالغ، وإن قلنا: دلالة .. فلا، ذكره الماوردي (¬3). واعلم: أن عبارتهم تقتضي تعميم هذه العلامة في الذكر والأنثى، وهو المشهور، فهو أحسن من تعبير "المحرر" بـ (صبيان الكفار) (¬4)، ونقل السبكي عن الجوري: أنه ليس علامة في حق النساء؛ لأنهن لا يقتلن، وإنما يكون علامة في حق الخنثى إذا كان على فرجيه، كما صرح به الماوردي (¬5)، وفيه شيء، كما قال شيخنا الإمام البلقيني. ويرد على "المنهاج" و "الحاوي": أنهما لم يقيدا الشعر بكونه خشنًا، ولا بد منه. 2213 - قول "الحاوي" [ص 312]: (وحُلّف إن قال: استعجلته بالدواء) محله: في ولد الحربي إذا سُبي، فإن كان ولد ذمي، وطولب بالجزية، فادعي مثل ذلك .. ففي "الكفاية" عن العبادي: أنه لا يسمع منه. 2214 - قولهم في بلوغ المرأة: (والحبل) (¬6) أي: يتبين بالولادة البلوغ قبلها بستة أشهر ولحظة، فإن كانت مطلقة وأتت بولد يلحق الزوج .. حكم ببلوغها قبل الطلاق بلحظة، والمشهور: أنه ليس ببلوغ، ولكنه علامة، قاله في "الكفاية"، وهو مفهوم من قول الرافعي: لأنه مسبوق بالإنزال (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (6/ 343). (¬2) الحاوي (ص 312)، المنهاج (ص 256). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (6/ 344). (¬4) المحرر (ص 179). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (6/ 347). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 103)، و"الحاوي" (ص 312)، و"المنهاج" (ص 256). (¬7) انظر "فتح العزيز" (5/ 71).

تنبيه [بلوغ الخنثى]

تنبيه [بلوغ الخنثى] قد يفهم من سكوتهم عن الخنثى مساواته لما ذكر؛ لأنه إما ذكر أو أنثى، لكن إن أمنى بذكره وحاض بفرجه .. حكم ببلوغه في الأصح، وإن وجد أحدهما .. فلا عند الجمهور، وقال الإمام: إنه بلوغ، قال الرافعي: وهو الحق، فإن ظهر من الآخر ما يخالفه .. غيرنا الحكم (¬1)، واستحسن في "الروضة" قول المتولي: إنه يحكم به إن تكرر (¬2)، وتقدم قول الماوردي: إن الإنبات إنما يكون علامة إذا كان على فرجيه معًا (¬3). 2215 - قول "التنبيه" [ص 103]: (وإيناس الرشد: أن يبلغ مصلحًا لدينه وماله) لا معنى لتقييد ذلك بالبلوغ؛ فالرشد: صلاح الدين والمال، كما عبر به "المنهاج" (¬4)، وهو معنى تعبير "الحاوي" بـ (الصلاح دينًا ودُنيا) (¬5)، ولا فرق بين أن يقارن البلوغ أم لا، ومال الشيخ عز الدين بن عبد السلام إلى الاكتفاء في الرشد بالمال وحده، وهو وجه. 2216 - قول "المنهاج" [ص 256]: (والأصح: أنَّ صرفه في الصدقة ووجوه الخير والمطاعم والملابس التي لا تلبق بحاله ليس بتبذيرٍ) فيه أمور: أحدها: أن ذكر وجوه الخير بعد الصدقة من ذكر العام بعد الخاص؛ ففيه تكرير لا يليق بالمختصرات، فكان ينبغي الاقتصار على الثاني، كما قال في "الحاوي" [ص 313]: (لا في الخير). ثانيها: مقابل الأصح في مسألة وجوه الخير قاله الجويني، وشرطه عنده: أن يقارن البلوغ، لا إن طرأ، وعبارة "المنهاج" توهم عمومه. ثالثها: ظاهر إطلاقه أنه لا فرق بين القليل والكثير، وهو مقتضي المنقول، ويشكل تسفيه من تصدق بفلس ونحوه. رابعها: مقابل الأصح في مسألة المطاعم والملابس قاله الإمام والغزالي (¬6)، والخلاف فيه مفرع على القول بعدم التحريم، كما هو ظاهر "الروضة" وأصلها هنا (¬7)، لكن في "الشرحين" ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (6/ 436)، و "فتح العزيز" (7 (5/ 71). (¬2) الروضة (4/ 180). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (6/ 347). (¬4) المنهاج (ص 256). (¬5) الحاوي (ص 312). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (6/ 438)، و "الوسيط" (4/ 38)، و"الوجيز" (1/ 345). (¬7) فتح العزيز (5/ 72)، الروضة (4/ 180).

و"الروضة" عند الكلام على الغارم في الزكاة الجزم بتحريمه، فهو حينئذ تبذير قطعًا، وقد صحح السبكي: أنه تبذير. 2217 - قوله: (ويختبر رشد الصبي) (¬1) قد يخرج المرأة؛ ولذلك لم يقيده "التنبيه"، بل قال [ص 103]: (ولا يسلم إليه المال حتى يختبر) أي: المحجور مطلقًا، وقد يقال: لفظ الصبي متناول للأنثي، كما نقله ابن حزم الظاهري (¬2)، والاختبار يكون في الدين وفي المال، فقول "المنهاج" بعده [ص 256]: (ويختلف بالمراتب) أي: اختبار المال دون الدين. 2218 - قوله: (فيختبر ولد التاجر: بالبيع والشراء والمماكسة فيهما) (¬3) كذا في "المحرر" و"الروضة" وأصلها (¬4)، وهو يقتضي صحة البيع والشراء منه، والأصح: خلافه. 2219 - قوله: (وولد الزَّرَّاع) (¬5) أعم من قول "المحرر": (المزارع) (¬6) فإنه الذي يدفع أرضه إلى من يزرعها، والزراع يتناوله ويتناول من يزرع بنفسه. 2220 - قول "التنبيه" [ص 103]: (إما قبل البلوغ أو بعده) الأصح: قبله، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 257]: (ووقته: قبل البلوغ، وقيل: بعده)، قال الرافعي في توجيهه؛ لأن تصرف الصبي باطل (¬7)، وهو يفهم أن محله: في الاختبار بالتجارة، وبه صرح في "الاستقصاء"، وهو الأقرب في "الكفاية"، لكن الجمهور أطلقوه، قال الجرجاني: إن قلنا: إن الاختبار قبله .. فالمخاطب به كل ولي، وإن قلنا: بعده .. فوجهان، أحدهما: كذلك، والثاني: الحاكم فقط (¬8). 2221 - قوله: (فعلى الأول: الأصح: أنه لا يصح عقده) (¬9) فيه أمران: أحدهما: أنه يفهم أنه على الثاني بخلافه، ولم يصرحوا به، ويظهر بناؤه على صحة تصرفه بالإذن، وأولي بالصحة؛ لعدم تحقق سفهه حسًا. ثانيهما: ظاهر كلامه: أن مقابل الأصح: صحة عقده مطلقًا، وكذا أطلقه في ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 256). (¬2) انظر "المحلى" (1/ 88). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 256). (¬4) المحرر (ص 179)، فتح العزيز (5/ 73)، الروضة (4/ 181). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 257). (¬6) المحرر (ص 179). (¬7) نظر "فتح العزيز" (5/ 73). (¬8) انظر "التحرير" (1/ 279). (¬9) انظر"المنهاج" (ص 257).

"الروضة" (¬1)، وقيده في "الكفاية" بالإذن. 2222 - قولهما - والعبارة لـ "التنبيه" -: (فإن كان سفيهًا في دينه أو ماله .. استديم الحجر عليه) (¬2) أي: جنس الحجر؛ فإن حجر الصبي زال بالبلوغ، وخلفه حجر السفه؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 312]: (والطفل إلى البلوغ من الإيمان وغيره، ثم من تصرفٍ ماليٍّ ... إلى آخر كلامه). 2223 - قولهما - والعبارة لـ "التنبيه" -: (وإن كان مصلحًا لدينه وماله .. انفك الحجر عنه، وقيل: لا ينفك إلا بالحاكم) (¬3) لا يختص الفك على الوجه الثاني بالحاكم، بل ينفك أيضًا بالأب أو الجد، وفي الوصي والقيم وجهان، كذا في "الروضة" وأصلها (¬4)، وفي "الحاوي" و"البحر" في (الوصية): أنه إن كان الولي أبًا أو جدًا .. انفك بنفس البلوغ والرشد، وإن كان حاكمًا .. فلا بد من فكه هو للحجر، وإن كان وصيًا .. فوجهان (¬5)، وقال الشيخ أبو حامد: إن كان أبًا أو جدًا .. انفك بالبلوغ رشيدًا، وإن كان حاكمًا .. فوجهان. قال بعضهم: ولذلك قال "التنبيه" أولًا [ص 103]: (وإذا بلغ الصبي، وعقل المجنون، وأونس منهما الرشد .. انفك الحجر عنهما) ثم قال بعد ذلك: (وإن كان مصلحًا لدينه وماله .. انفك الحجر عنه، وقيل: لا ينفك إلا بالحاكم) فحمل الأول على ما إذا كان وليه أبًا أو جدًا، والثاني على ما إذا كان الحاكم، وهو أولي من قول النووي في "نكته": إنها مكررة. 2224 - قول "المنهاج" [ص 257]: (فلو بذَّر بعد ذلك .. حُجر عليه) لم يتبين الحاجر عليه، وهو القاضي كما صرح به "التنبيه" و"الحاوي" (¬6)، فإن عاد رشيدًا .. لم ينفك إلا بالحاكم على المذهب. 2225 - قول "التنبيه" [ص 103]: (فإن فك الحجر عنه ثم سفه في الدين دون المال .. فقد قيل: يعاد الحجر عليه، وقيل: لا يعاد) الأصح: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬7)، وعلى الأول: فظاهر كلامهم وجوب إعادة الحجر عليه، والذي في "البسيط": جوازه للحاكم إن رآه مصلحة. ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 181). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 103)، و"المنهاج" (ص 257). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 103)، و"المنهاج" (ص 257). (¬4) فتح العزيز (5/ 74)، الروضة (4/ 182). (¬5) الحاوي الكبير (8/ 348). (¬6) التنبيه (ص 103)، الحاوي (ص 313). (¬7) الحاوي (ص 313)، المنهاج (ص 257).

2226 - قول "المنهاج" فيمن حجر عليه لسفهٍ [ص 257]: (وقيل: وليُّهُ في الصغر) محله: إذا قلنا: يعود الحجر بنفسه، وإلا .. لم ينظر إلا القاضي قطعًا، فطريقة الوجهين مبنية على وجه ضعيف، قاله الرافعي (¬1)، لكن في "الإشراف" للهروي حكاية الوجهين مع حجر القاضي، وتبعه في "الكفاية". 2227 - قولهم: (إنه لا يصح من محجور عليه لسفهٍ بيع ولا شراءٌ) (¬2) محله: إذا كان ذلك لنفسه، فإن توكل في ذلك لغيره .. ففيه وجهان. مقتضي تصحيح الرافعي: المنع أيضًا (¬3)، لكنه صحح في (الوكالة): جواز توكيله في قبول النكاح (¬4)، واستشكل في "المهمات" جريان الخلاف في توكله لغيره في البيع؛ لأنه مطالب بالثمن، ولو اعترف البائع بوكالته في الأصح .. فهو كالضامن، ولا يصح من المحجور ضمان، وقد أنكر النووي على الرافعي تخريجه إذا كان بإذن الولي على البيع بإذنه؛ لما في الضمان من الغرر (¬5). 2228 - قول "المنهاج" [ص 257]: (ولا إعتاقٌ) أي: في الحياة، فأما بعد الموت؛ كالتدبير والوصية بالعتق .. فالمذهب: الصحة، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 312]: (لا وصيةٍ وتدبيرٍ) ومقتضي ذلك أنه في الكفارة يصوم كالمعسر، لكن صحح في "المطلب" في القتل: أن الولي يعتق عنه. 2229 - قول "المنهاج" [ص 257]: (وهبةٌ) أي: أن يهب شيئًا من ماله، زاد في "الروضة" وأصلها: لا بشرط الثواب ولا دونه (¬6). واعترضه في "المهمات": بأنه إذا شرط ثوابًا معلومًا .. كان بيعًا على الأصح تجري عليه أحكام البيع كلها، نظرًا للمعنى، قال: فينبغي أن يجوز ذلك حيث يجوز البيع، وبه صرح الإمام، وحكاه عنه الرافعي في (الهبة)، وأقره، وجزم به في "الروضة". انتهى (¬7). أما إذا وُهب له .. فوجهان، صحح النووي: الصحة (¬8)، ومقتضي كلام الرافعي أن الوجهين ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (5/ 76). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 103)، و "الحاوي" (ص 313)، و"المنهاج" (ص 257). (¬3) انظر "فتح العريز" (5/ 77). (¬4) انظر "فتح العزيز" (5/ 215). (¬5) انظر "الروضة" (4/ 297). (¬6) فتح العزيز (5/ 81)، الروضة (4/ 189). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (6/ 442)، و"فتح العزيز" (6/ 332، 333) و"الروضة" (5/ 386). (¬8) انظر "الروضة" (4/ 184).

إذا أذن له الولي؛ فإنه ذكرهما فيما إذا أذن له في البيع، ثم قال: ويجريان في اتهابه وقبوله الوصية لنفسه (¬1)، وأطلق الماوردي أنه لا يسلم إليه الموهوب (¬2)، وقال ابن الرفعة: إن كان هناك من يأخذها منه عقب قبضها من ولي أو حاكم .. لم يمتنع دفعها إليه، وإلا .. ففيه توقف. وتجويز الاتهاب وارد على إطلاق "التنبيه" استدامة الحجر و"الحاوي" منع التصرف المالي (¬3). 2230 - قول "المنهاج" [ص 257]: (ونكاحٌ بغير إذن وليه) يعود إلى النكاح فقط؛ فإنه الذي يصح بالإذن دون التصرف المالي، كما ذكره بعد ذلك. 2231 - قول "التنبيه" [ص 103]: (وإن أذن له في البيع .. فقد قيل: يصح، وقيل: لا يصح) الثاني هو الأصح، وعليه مشي "المنهاج" بقوله [ص 257]: (لا التصرف المالي في الأصح)، ومحل الوجهين: إذا عين له الولي قدر الثمن، وإلا .. بطل جزمًا، والحق في "المطلب": تعيين المبيع بتقدير الثمن، ويتقدر بثمن المثل، ولو وجب عليه قصاص، فصالح بغير إذن الولي على الدية أو أكثر .. صح، وإن وجب له قصاص .. فله العفو على مال، وكذا مجانًا على المذهب، والأصح: صحة قبضه دينه بإذن وليه، وهذا وارد أيضًا على إطلاق "الحاوي" المنع من تصرف مالي و"التنبيه" استدامة الحجر (¬4). 2232 - قول "المنهاج" [ص 257]- والعبارة له - و"الحاوي" في (الوديعة) [ص 441]: (فلو اشتري أو اقترض وقبض وتلف المأخوذ في يده أو أتلفه .. فلا ضمان) محله: إذا أقبضه إياه البائع أو المقرض الرشيد أو غير الرشيد بإذن وليه، وإلا .. فيضمنه، وألَّا يطالبه البائع به، فإن طالبه فامتنع .. ضمن، كما ذكره الداوودي في "شرح المختصر"، حكاه في "المهمات"، قال: وهو ظاهر، ثم إن هذا في الظاهر، وهل يضمن فيما بينه وبين الله تعالى؟ صحح الإمام والغزالي: المنع أيضًا (¬5)، وصحح الروياني: أنه إن جهل البائع الحجر وأتلفه السفيه .. وجب، وإلا .. فلا. 2233 - قول "المنهاج" [ص 257]: (ولا يصح إقراره بدين قبل الحجر أو بعده) هما ظرفان لما أوجب الدين؛ أي: سواء أسنده إلى ما قبل الحجر أو بعده .. فلا يلزمه وإن فك الحجر عنه، وهو ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (5/ 78). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (6/ 359). (¬3) التنبيه (ص 103)، الحاوي (ص 312). (¬4) التنبيه (ص 103)، الحاوي (ص 312). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (6/ 444).

ظاهر إطلاق "التنبيه" و"الحاوي" منع الإقرار بالمال (¬1)، وهذا في الدنيا، فأما بينه وبين الله تعالى .. فيلزمه بعد فك الحجر إن كان صادقًا فيه. 2234 - قول "المنهاج" [ص 257]: (وكذا بإتلاف المال في الأظهر) كذا حكي الخلاف في "المحرر" و"الروضة" وأصلها هنا قولين (¬2)، وحكياهما في (القسامة) وجهين، وقالا: سبقا في الحجر (¬3)، وهذا يقتضي أن المعتمد هو المذكور هنا. 2235 - قوله: (ويصح نفيه النسب بلعانٍ) (¬4) لا حاجة لتقييده باللعان؛ لأن له نفيه من أمته بالحلف، ولا لعان هناك. 2236 - قوله: (وحكمه في العبادة كرشيد) (¬5) أي: الواجبة، أما المالية التي ليست واجبة؛ كصدقة التطوع وغيرها .. فليس هو فيها كرشيد. 2237 - قوله: (وإذا أحرم بحجٍّ فرضٍ .. أعطي الوليّ كفايته لثقةٍ يُنفق عليه في طريقه) (¬6) فيه أمور: أحدها: أنه يفهم أنه لا يعطي قبل الإحرام، وليس كذلك، بل إذا سافر لذلك وأخر الإحرام للميقات .. أعطي أيضًا. ثانيها: تناول حج الفرض حجة الإسلام والقضاء والنذر قبل الحجر، وكذا النذر بعده إن جعلناه كواجب الشرع، وفي القضاء الواجب في السفه وجهان. ثالثها: ينبغي حذف اللام من قوله: (لثفة) لأن (أعطي) يتعدي لاثنين بنفسه. 2238 - قوله: (وإن أحرم بتطوع وزادت مؤنة سفره على نفقته المعهودة .. فللولي منعه) (¬7) فيه أمران: أحدهما: أن صورة المسألة: أن يحرم به حال الحجر، فلو أحرم به قبله ثم حجر عليه .. فكالفرض. ثانيهما: أن تعبيره تبعًا للرافعي هنا يقتضي منعه من السفر (¬8)، وعبرا في الحج: بأن له ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 103)، الحاوي (ص 312). (¬2) المحرر (ص 180)، فتح العزيز (5/ 78)، الروضة (4/ 185). (¬3) فتح العزيز (11/ 7)، الروضة (10/ 5). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 258). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 258). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 258). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 258). (¬8) انظر "المحرر" (ص 181).

فصل [فيمن يلي نحو الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله]

تحليله، وعبر الإمام والغزالي: بمنعه من زائد المؤنة (¬1)، أي: لا نفس المضي، ومال إليه في "المطلب". 2239 - قوله: (ويتحلل بالصوم إن قلنا: لدم الإحصار بدلٌ) (¬2) أي: وهو الأصح، فإن قلنا: لا بدل له، بل يبقي في ذمة المحصر .. فلم يتعرض الرافعي والنووي للتصريح بالتفريع عليه، وقال في "المطلب": يظهر أن يبقي في ذمة السفيه أيضًا. 2240 - قوله: (ولو كان له في طريقه كسبٌ قَدْرَ زيادةِ المؤنةِ .. لم يجز منعه) (¬3) كذا لو لم يكن، ولم تزد المؤنة على مؤنته في الحضر. فصْلٌ [فيمن يلي نحو الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله] 2241 - قول "المنهاج" [ص 258]: (ولي الصبي: أبوه، ثم جده، ثم وصيهما، ثم القاضي) فيه أمور: اْحدها: أن ذلك لا يختص بالصبي؛ فالمجنون كذلك، وقد صرح به "التنبيه" و"الحاوي" (¬4)، وكذا من بلغ سفيهًا كما دلت عليه عبارتهما أيضًا، وحكاه في "الكفاية" عن القاضي مجلي. ثانيها: المراد بالجد: أبو الأب، وهذا وارد على إطلاق "التنبيه" و"الحاوي" أيضًا. ثالثها: المراد بوصيهما: وصي من تأخر موته منهما؛ فإنه لا يتصور اجتماعهما، وأطلق "التنبيه" و"الحاوي" الوصي (¬5). رابعها: اقتصر "المنهاج" و"الحاوي" على القاضي (¬6)، وفي "التنبيه": الحاكم أو أمينه (¬7)، والمراد: القاضي الذي في ولايته اليتيم وماله، فلو كان اليتيم ببلد وماله في آخر .. فأولي الوجهين عند الغزالي وأقره الرافعي: يتصرف حاكم بلد المال، كما أنه الذي يحفظه ويتعهده، ويفعل ما فيه مصلحته عند الإشراف على الهلاك (¬8). ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (6/ 445)، و"الوجيز" (1/ 345). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 258). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 258). (¬4) التنبيه (ص 102)، الحاوي (ص 313). (¬5) التنبيه (ص 102)، الحاوي (ص 312). (¬6) الحاوي (ص 312)، المنهاج (ص 258). (¬7) التنبيه (ص 102). (¬8) انظر "الوجيز" (2/ 245)، و"فتح العزيز" (12/ 539).

خامسها: يشترط في ولاية الأب: الإسلام ولو كان الولد كافرًا كما صرح به الماوردي والروياني (¬1)، لكن صحح في "الذخائر" تبعًا للإمام: ولاية الكافر على مال طفله الكافر (¬2)، ويعضده مسألة وصية الذمي إلى الذمي على أطفاله الذميين، والجزم بصحة وصية الذمي إلى المسلم على الولد الكافر يدل على ذلك أيضًا. ويشترط: ظهور عدالة الأب والجد، وفي ثبوتها وجهان، قال في "الروضة" وينبغي الاكتفاء بالعدالة الظاهرة (¬3)، ومقتضى ما ذكره ابن كج في ولاية الإجبار في النكاح: أن شرطها عدم العداوة .. أن يطرد ذلك في ولاية المال. سادسها: ذكر النووي في "شرح المهذب" في إحرام الولي عن الصبي: أن للعصبات كالأخ والعم الإنفاق من مال الصبي في تأديبه وتعليمه وإن لم يكن لهم عليه ولاية؛ لأنها قليلة، فسومح بها (¬4). 2242 - قول "التنبيه" [ص 102]: (ولا يبيع لهما شيئًا بدون ثمن المثل) كذا لا يبيع أيضًا بثمن المثل إذا وجد زيادة، وحكمه في ذلك حكم الوكيل. 2243 - قوله: (ولا أن يغرر بمالهما في المسافرة) (¬5) فلو غلبت السلامة .. جاز في الأصح، إلا في البحر في الأصح، لكن روي الشافعي رحمه الله: (أن عائشة رضي الله عنها كانت تُبْضِعُ مال بني محمد بن أبي بكر في البحر) (¬6)، وذلك يشعر باختيار الشافعي الجواز. 2244 - قوله: (ويتخذ لهما العقار) (¬7) شرطه: أن يشتريه من ثقة، وألاَّ يكون في موضع قد أشرف على الخراب أو يخشى هلاكه بزيادة الماء ونحوه، قال الماوردي: وأن يحصل له من ريعه الكفاية، وإلا .. فالتجارة أولي عند الأمن وعدل السلطان (¬8). 2245 - قولهما: (ويَبْنِيه) (¬9)، قال ابن الصباغ: بشرط أن يساوي بعد الفراغ ما أنفق عليه، وهذا في زمننا نادر، قال بعضهم: وإنما يبنيه إذ لم يكن الشراء أحظّ، وهو ظاهر. ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 330). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (11/ 352). (¬3) الروضة (4/ 187). (¬4) المجموع (7/ 21). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 103). (¬6) انظر "الأم" (7/ 133). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 103). (¬8) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 363). (¬9) نظر "التنبيه" (ص 103)، و"المنهاج" (ص 258).

2246 - قولهما: (بالطين والآجُر) (¬1)، زاد "المنهاج" [ص 258]: (لا اللبن والجص)، وكذا في "المحرر" و"الروضة" (¬2)، وعبارة "الشرح" عطف الجص بـ (أو) (¬3)، وصوبه شيخنا ابن النقيب؛ فإن كلًا منهما ممتنع، قال: فلو اقتصر على قوله: (بالطين والآجر)، . لأخذ امتناع ما سوى ذلك من المفهوم (¬4). 2247 - قول "التنبيه" [ص 103]: (ولا ببيع العقار عليهما إلا لضرورةٍ أو غبطة) عبر "المنهاج" بقوله [ص 258]: (إلا لحاجةٍ أو غبطةٍ ظاهرةٍ) والحاجة أخف من الضرورة، وهي المعتبرة وإن لم ينته الحال للضرورة، وقد عبر بالحاجة الشافعي وأكثر الأصحاب، وتقييد الغبطة: بكونها ظاهرة ليس في "المحرر" ولا في "الروضة" وأصلها، لكن فيهما تفسير الغبطة: بأن يكون ثقيل الخراج، أو رغب فيه شريك أو جار بأكثر من ثمن المثل وهو يجد مثله ببعض ذلك الثمن (¬5)، وذكر في "المهمات": أَنَّ وجدان مثله ليس شرطًا، ولم يعتبره الأكثر، وبتقدير اشتراطه: فلو وجد خيرًا منه بذلك الثمن .. كان كذلك، صرح به الشيخ أبو حامد وآخرون، فإن وجد مثله بمثله .. فالمتجه: المنع، فإن لم يجد بصفته؛ احتمل أنه إن كان الغالب وجدانه في الحال أو بعده بقليل .. جاز، وإلا .. فلا، وفسر "التنبيه" الغبطة: بأكثر من ثمن المثل بزيادة كثيرة (¬6). وضبطها الإمام: بألَّا يستهين بها العقلاء بالنسبه إلى شرف العقار (¬7)، وفي معنى العقار: آنية القنية من صفر وغيره، قاله البندنيجي. قال في "الكفاية": وما عدا ذلك من سائر أمواله لا يباع إلا لغبطة أو حاجة، لكن يجوز لحاجة يسيرة وربح قليل، بخلاف العقار. 2248 - قوله: (ولا يبيعه بنسيئة إلا لضروةٍ أو غبطةٍ، وهو: أن يبيع بأكثر من ثمن المثل ويأخذ عليه رهنًا) (¬8) فيه أمران: أحدهما: اقتصر "المنهاج" في البيع بالنسيئة على كونه مصلحة، قال: (وإذا باع نسيئة .. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 103)، و "المنهاج" (ص 258). (¬2) المحرر (ص 181)، الروضة (4/ 187). (¬3) فتح العزيز (5/ 80). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (3/ 257). (¬5) فتح العزيز (5/ 81)، الروضة (4/ 187). (¬6) التنبيه (ص 103). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (5/ 463). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 103).

أشهد وارتهن به) (¬1)، ولا بد أن يكون الرهن وافيًا بالثمن. واعلم: أن الرافعي جزم في الإقراض بعدم وجوب الارتهان، وإنما يفعل ما يراه مصلحة (¬2)، وذكر ابن الرفعة: أن البيع نسيئة كالإقراض، فحصل من مجموع ذلك أن الارتهان في البيع نسيئة غير واجب. ويستثنى من الاحتياج إلى الرهن: ما لو باع مال ولده من نفسه نسيئة، وحكى في "الروضة" في (الرهن): أن شرط البيع نسيئة: كون المشتري ثقة موسرًا ويكون الأجل قصيرًا، ثم قيل: الأجل الذي لا تجوز الزيادة عليه سَنَة، وقال الجمهور: لا يتقدر بها، بل يعتبر عرف الناس (¬3). وأما الإشهاد: فالأصح في الوصية: أنه لا يجب، وجزم النووي في (الرهن) بأنه واجب (¬4)، وفي اشتراطه قولان، وقد يحمل كلامه في الوصية على البيع حالًا، وهذا في البيع نسيئة، وفي الرافعي في (الوكالة) في أثناء تعليل: أن الوصي لا يبيع إلا بنقد البلد حالًا (¬5)، وهو محمول على المذكور هنا. ثانيهما: الظاهر: أن أخذ الرهن خاص بالصورة الثانية، أما الضرورة: فلا يشترط فيها الرهن؛ لخروجها عن الضبط، لكن حكى ابن الرافعة عن القاضي أبي الطيب والمتولي: أن في الاحتياج إلى الرهن في صورة الضرورة الخلاف فيما إذا أقرضه في مثل هذه الحالة، وفي "الروضة" وأصلها في (الأطعمة): أنه يجوز للولي بيع مال المحجور نسيئة للمضطر، وأنها إحدى الصور التي يجوز فيها بيع مال الصبي نسيئة (¬6)، وقد يُدعى دخول هذه الصورة في عبارة " التنبيه "، وأن الضرورة تتناول ضرورة المحجور وضرورة المضطر، ولا يمكن توقف هذا البيع على رهن إذا لم يكن مع المضطر ما يرهنه. 2249 - قول "التنبيه" [ص 103]: (وإن وجب لهما شفعة وفي الأخذ بها غبطة .. لم يجز له تركها) مفهومه: تركها إذا لم يكن أخذها غبطة، وهذا صادق بكون الغبطة في ترك الأخذ بها، وباستواء الأمرين، فأما الأولى: فقد ذكرها "المنهاج" بقوله [ص 258]: (ويأخذ له بالشفعة أو يترك بحسب المصلحة)، و " الحاوي " بقوله بعد ذكر التصرف بالغبطة [ص 312]: (وفي الشفعة وتركها)، وأما الثانية: فما اقتضاه كلامه فيها هو مقتضى كلام الرافعي في آخر (الشفعة) (¬7). ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 258). (¬2) انظر " فتح العزيز " (5/ 83). (¬3) الروضة (4/ 63، 64). (¬4) الروضة (4/ 64). (¬5) انظر " فتح العزيز " (5/ 224). (¬6) فتح العزيز (12/ 168)، الروضة (3/ 289). (¬7) انظر " فتح العزيز " (5/ 492).

2250 - قول " المنهاج " [ص 258]: (ويُنفق عليه بالمعروف) وكذا على قريبه، لكن بعد طلبه، إلا أن يكون القريب صغيرًا أو مجنونًا (¬1). 2251 - قول " التنبيه " [ص 103]: (ولا يقرض من مالهما شيئًا، إلا أن يريد سفرًا يخاف عليه .. فيكون إقراضه أولى من إيداعه) فيه أمور: أحدهما: أنه لا يتقيد جواز الإقراض بالسفر، فيجوز في الحضر أيضًا إذا خيف عليه من نهب أو حريق أو نحوهما، كما جزم به في " الروضة " (¬2)، واغتر بذلك شيخنا الإسنوي، فعبر عنه في " تصحيحه " بـ (الصواب) (¬3)، وليس كذلك؛ ففيه وجه في " الكفاية " بالمنع في الحضر مطلقًا. ثانيها: قد يتوهم من عبارته أنه مخير بين الإقراض والإيداع، وليس كذلك، بل لا يجوز الإيداع مع القدرة على الإقراض. ثالثها: محل ذلك: في غير القاضي، أما القاضي: فله إقراض مال المحجور مطلقًا على الأصح، وصحح السبكي: المنع عند عدم الضرورة، وقال: لم أر الجواز لغير البغوي والرافعي (¬4). 2252 - قوله: (وإن احتاج الوصي أن يأكل من مال اليتيم شيئًا .. أكله ورد البدل، وقيل: لا يرد) (¬5) فيه أمور: أحدها: أن ذلك لا يتقيد بالوصي، بل الأب والجد أولى بذلك، وهما مفهومان من طريق الأولى، فذكر ابن الرفعة: أنه لا خلاف أنهما عند الحاجة يأخذان قدر الكفاية، وسواء كانا صحيحين أم لا؛ لأنهما وإن كانا صحيحين قادرين على التكسب .. لكنه قد تعذر ذلك عليهما بسبب حفظ المال؛ ولذلك أطلق " الحاوي " قوله [ص 313]: (ويأكل الفقير بالمعروف) لكن دخل في عبارته الحاكم، وهو مستثنى من جواز الأخذ، استثناه صاحب " التعليقة ". ثانيها: أورد عليه النشائي في " نكته ": أنه يشترط مع فقره: انقطاعه عن كسبه بسبب القيام باليتيم (¬6)، ولا يرد ذلك عليه؛ لكونه مفهومًا من لفظ (الحاجة) فإنها لا تصدق إلا باجتماع الفقر والاشتغال بالمال عن الكسب. ¬

_ (¬1) انظر " السراج على نكت المنهاج " (3/ 259). (¬2) الروضة (4/ 191). (¬3) تذكرة النبيه (3/ 121). (¬4) انظر " فتح العزيز " (5/ 83)، و " الروضة " (4/ 191). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 103). (¬6) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 96).

نعم؛ يرد ذلك على اعتبار " الحاوي " الفقر خاصة. ثالثها: تعبيره وتعبير " الحاوي " بـ (الأكل) ليس المراد به حقيقته، وإنما خص بالذكر؛ لأنه أعم وجوه الانتفاعات. رابعها: ظاهره أنه يأخذ قدر النفقة، وهو الذي رجحه الرافعي (¬1)، ورجح النووي: أنه يأخذ أقل الأمرين من النفقة وأجرة المثل، فقال: إنه المعروف في كتب العراقيين، ونص عليه الشافعي (¬2)، وقد يفهم من قول " الحاوي ": [ص 313]: (بالمعروف) اعتبار أجرة المثل، وهو الذى ذكره الماوردي (¬3). خامسها: ظاهره أنه يستبد بالأخذ من غير مراجعة حاكم، وبه صرح ابن الصلاح في " فتاويه " (¬4)، وقياسه: أنه يستبد برده أيضًا على القول برد البدل، وهو ظاهر كلام " التنبيه " أيضًا، لكن صرح الرافعي في (الوصايا) بأنه إنما يرده للحاكم؛ لأنه لا يبرئ نفسه بنفسه (¬5). سادسها: الأصح: أنه لا يرد البدل، وهو ظاهر كلام " الحاوي " لسكوته عنه. سابعها: لا يختص باليتيم؛ فالمجنون البالغ والسفيه كذلك؛ ولذلك أطلقه " الحاوي ". 2253 - قول " الحاوي " [ص 313]: (ويجب حفظ مال الطفل) كذلك المجنون والسفيه. 2254 - قوله: (واستنماؤه قدر النفقة) (¬6) أي: والزكاة ومؤن الملك إن أمكن ذلك دون المبالغة فيه، وطلب الغاية. 2255 - قول " التنبيه " [ص 103]: (وإن بلغ الصبي وادعى أنه باع العقار من غير غبطة ولا ضرورة؛ فإن كان الولي أبًا أو جدًا .. فالقول قولهما، وإن كان غيرهما .. لم يقبل إلا ببينة) فيه أمران: أحدهما: أنه لا يختص ذلك بالعقار؛ فسائر أمواله كذلك على الأصح؛ ولذلك عبر " المنهاج " بقوله [ص 258]: (ادعى بيعًا بلا مصلحة)، لكن اختار السبكي التفصيل، فيصدق على غير الأب والجد في العقار خاصة، ويصدق الولي في غير العقار؛ للاحتياط في العقار. ثانيهما: دخل في قوله: (غيرهما): الحاكم، وقال السبكي: لم أر للأصحاب تصريحًا به، ثم ذكر أنه هو المصدق بلا يمين إن كان على ولايته، وإن كان بعد عزله .. ففيه نظر، وحكى ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (5/ 82). (¬2) انظر " الروضة " (4/ 190). (¬3) انظر " الحاوي الكبير " (6/ 352). (¬4) فتاوى ابن الصلاح (1/ 292) مسألة (156). (¬5) انظر " فتح العزيز " (7/ 272). (¬6) انظر " الحاوي " (ص 313).

في " التوشيح " عن والده: أنه قال في جواب سؤال: هذا ما ذكرت في " شرح المنهاج "، والذي يظهر لي الآن: أنه كسائر تصرفات الحاكم محمولة على السداد حتى يعلم فسادها، فالحق: أنه لا فرق بين أن يكون باقيًا على ولايته أو لا، وأنه يقبل قوله؛ لأنه حين تصرف كان نائب الشرع. انتهى (¬1). وعبر " المنهاج " بقوله [ص 258]: (وإن ادّعاه على الوصي والأمين) فخرج بذلك الحاكم. 2256 - قول " التنبيه " [ص 103]: (وإن ادعى أنه دفع إليه المال .. لم يقبل إلا ببينة) يشمل الأب والجد، وأقره النووي في " التصحيح " (¬2)، وصرح به ابن الرفعة، ولم يذكره في " الروضة " وأصلها إلا في الوصي (¬3). ¬

_ (¬1) انظر " حاشية الرملي " (2/ 212). (¬2) تصحيح التنبيه (1/ 320). (¬3) الروضة (4/ 188).

باب الصلح

بابُ الصُّلْح 2257 - قول " التنبيه " [ص 103]: (الصلح بيع) لا ينحصر في البيع، بل يكون إجارة أيضًا فيما إذا صالح على منفعة، ويجمعهما صلح المعاوضة، وإبراء فيما إذا صالح من الدين على بعضه، وهبة فيما إذا صالح من العين على بعضها، ويجمعهما صلح الحطيطة، وقد ذكر " المنهاج " و" الحاوي " هذة الأقسام الأربعة (¬1)، وبقيت عليهما أقسام أخرى: أحدها: أن يكون عارية، كما إذا صالحه عن الدار المدعاة على أن يسكنها سنة .. ففي "الروضة" وأصلها: أنه إعارة للدار يرجع فيها متى شاء، وليس بمعاوضة؛ لأن الرقبة والمنافع ملكه (¬2). ثانيها: أن يكون فسخًا، كما لو صالح من المسلم فيه على رأس المال قبل القبض، قاله ابن جرير الطبري، قال في " المهمات ": وهو صحيح ماش على القواعد، كما قال الأصحاب: إن بيع المبيع قبل القبض للبائع بمثل الثمن الأول إقالة بلفظ البيع. ثالثها: أن يكون سلمًا؛ بأن يجعل العين المدعاة رأس مال سلم، ذكره ابن جرير أيضًا. رابعها: أن يكون جعالة؛ كقوله: (صالحتك من كذا على رد عبدي). خامسها: أن يكون خلعًا؛ كقولها: (صالحتك من كذا على أن تطلقني طلقة). سادسها: أن يكون معاوضة عن دم العمد؛ كقوله: (صالحتك من كذا على ما أستحقه عليك من قصاص في نفس أو طرف). سابعها: أن يكون فداء؛ كقولك للحربي: (صالحتك من كذا على إطلاق هذا الأسير)، ذكر هذه الأربعة في " المهمات "، وقال: أهملها الأصحاب، وهي واردة عليهم جزمًا (¬3). 2258 - قول " المنهاج " [ص 259] (فإن جرى: على عين غير المدعاة .. فهو بيعٌ) كذا في " المحرر " (¬4)، وهو مخرج لما إذا صالح من عين على دين، وأول عبارة الرافعي في " الشرح " تتناول هذه الصورة؛ حيث قال: على غير العين المدعاة، وآخرها يخرجها؛ حيث قال: هذا إذا صالح على عين أخرى (¬5)، واقتصر في " الروضة " على العبارة الأولى (¬6)، فتناولها، ويوافقه قول ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 314)، المنهاج (ص 259). (¬2) فتح العزيز (5/ 90)، الروضة (4/ 197). (¬3) قال الرملي في "نهاية المحتاج": (وتركها المصنف ككثير؛ لأخذها من الأقسام التي ذكرها، فاندفع قول الإسنوي: أهملها الأصحاب وهي واردة عليهم جزمًا). (¬4) المحرر (ص 182). (¬5) فتح العزيز (5/ 85). (¬6) الروضة (4/ 193).

" الحاوي " [ص 314]: (الصلح على غير المُدَّعَى بيعٌ) لكن تقدم عن ابن جرير الطبري: أنه سماه سلمًا، ومقتضاه: أن لا يجري فيه أحكام البيع من خيار الشرط ونحوه. 2259 - قول " التنبيه " [ص 103]: (يصح ممن يصح منه البيع) يقتضي أنه لا يفتقر لسبق خصومة بين المتصالحين كالبيع، وهو وجه، والأصح: خلافه، فلو قال من غير سبق خصومة: (صالحني عن دارك بكذا) .. لم يصح، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " (¬1)، قال الرافعي: وكأنه عند عدم النية، فإن نويا به البيع .. كان كناية بلا شك؛ ففيه خلاف البيع بالكناية (¬2)، وخالفه صاحب " المطلب ". وأورد بعضهم على قول " الحاوي " [ص 314]: (ولغا دون سبق خصومةٍ) صلح الأجنبي لنفسه مع إقرار المدعى عليه؛ فإنه يصح، ولا يعتمد خصومة على المذهب؛ لترتبه على دعوى وجواب. وجوابه: أن كلامه في الصلح الجاري بين المتداعيين لا بين المدعي وأجنبي كما صرح به " المنهاج ". 2260 - قول " التنبيه " [ص 104]: (فإن صالح من دين على عينٍ أو على دينٍ .. لم يجز أن يتفرقا من غير قبض) محله: إذا اتفقا في علة الربا، فإن لم يكونا ربويين، أو لم يتفقا في علة الربا .. جاز التفرق من غير قبض، وإنما يشترط تعيين الدين في المجلس، وعلى ذلك مشى " المنهاج " بقوله [ص 259]: (ولو صالح من دينٍ على عينٍ .. صح؛ فإن تواقفا في علة الربا .. اشترط قبض العوض في المجلس) وقوله: (على عين) كذا في نسخة المصنف تبعًا لـ " المحرر " (¬3)، وقال الشيخ برهان الدين بن الفركاح في " حواشيه ": وكأنه تصحيف، قال: وصوابه: (على غيره) بغين معجمة، ثم ياء، ثم راء، ثم هاء؛ أي: على غير ذلك الدين؛ احتراز مما إذا صالح على بعضه كما سيذكره بعده، وأما لفظة: (عين) فغلط؛ لأنها تنافي تفصيله الآتي بقوله: (فإذا كان العوض عينًا) إلى قوله: (أو دينًا) (¬4) وذلك لا يستقيم إذا فرضت أولًا في الصلح على عين، بخلاف لفظة: (غيره) فإنها تصدق على الدين والعين. انتهى (¬5). وتصدق على المنفعة أيضًا، فيصح الصلح على منفعة ويكون إجارة كما تقدم؛ ولذلك عبر في ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 314)، المنهاج (ص 259). (¬2) انظر " فتح العزيز " (5/ 87). (¬3) المحرر (ص 182). (¬4) المنهاج (ص 259). (¬5) بيان غرض المحتاج إلى كتاب المنهاج (ق 12).

" الروضة " وأصلها بـ (غيره) (¬1)، وهو أعم من تعبير " التنبيه " أيضًا بـ (العين والدين)، وقال السبكي: إن في بعض نسخ " المحرر ": (على عوض)، قال: وهو الصواب؛ لتقسميه إياه بعد إلى عينٍ ودينٍ. 2261 - قول " التنبيه " [ص 104]: (فإن صالح من ألف على خمس مئة .. لم يصح، وقيل: يصح) الثاني هو الأصح، وعليه مشى " المنهاج " بقوله في الصلح من الدين على بعضه [ص 260]: (ويصح بلفظ الصلح في الأصح) وهو مفهوم من إطلاق " الحاوي " صحة الصلح على بعض المُدَّعى (¬2). 2262 - قول " المنهاج " [ص 260]: (فإن عجَّل المؤجل .. صح الأداء) محله: إذا لم يظن صحة الصلح ووجوب التعجيل، فإن ظن ذلك .. استرد قطعًا، كمن ظن أن عليه دينًا فأداه، فبان خلافه، قاله السبكي، ويوافقه ما في " الروضة " وأصلها في (الكتابة) أن المكاتب لو عجل نجمًا قبل المحل على أن يبرئه عن الباقي، فأخذه وأبرأه .. لم يصح القبض والإبراء، ولو قال: (أبرأتك عن كذا بشرط أن تعجل الباقي)، أو (إذا عجلت كذا .. فقد أبرئتك عن الباقي) فعجل .. لم يصح القبض ولا الإبراء (¬3)، وقال في " المهمات ": تظافرت نصوص الشافعي على البطلان، فلتكن الفتوى عليه، ولا عبرة بما عداه. 2263 - قوله: (النوع الثاني: الصلح على الإنكار، فيبطل إن جرى على نفس المُدَّعَى، وكذا إن جرى على بعضه في الأصح) (¬4) فيه أمور: أحدها: أن الصلح على سكوت كالصلح على إنكار، كما صرح به سليم وغيره، وهذا وارد أيضًا على اقتصار " التنبيه " و" الحاوي " على الإنكار (¬5). ثانيها: أن عبارتهم تتناول ما إذا جرى على إنكار ثم أقر بعد ذلك، فمقتضاها: استمرار البطلان، وبه صرح الماوردي (¬6)، لكن استشكله السبكي، وخالفه شيخنا الإمام البلقيني، فقال: الذي يظهر أنها لا تخرَّج على مسألة من باع مال أبيه على ظن أنه حي فبان ميتًا؛ لأن المدعى عليه الذي صار مشتريًا يدعي العين لنفسه، فكيف يُعاوض ملكه بملكه على معتقده ظاهرًا؟ فمن أجل هذا إقراره بعد ذلك لا يصح له الصلح؛ لأنه كان له مندوحة عن ذلك بأن يقر ثم يصالح، فلما ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 196). (¬2) الحاوي (ص 314). (¬3) الروضة (12/ 253). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 260). (¬5) التنبيه (ص 104)، الحاوي (ص 314). (¬6) انظر " الحاوي الكبير " (6/ 372).

قصر .. كان الصلح باطلًا، بخلاف تلك المسألة؛ فإن المشتري لا يدعي العين لنفسه، وليس منه تقصير، فكان الأصح فيه: الصحة (¬1). ثالثها: دخل في عبارتهم أيضًا: ما إذا أقام المدعي بعد الإنكار بيّنة، والذي صرح به الماوردي في هذه الصورة: صحة الصلح؛ لثبوت الحق (¬2)، ووافقه الغزالي بعد القضاء بالملك، واستشكله قبله؛ لأن له سبيلًا إلى الطعن. رابعها: قوله: (على نفس المدعى) لا يستقيم؛ فإن (على) و (الباء) يدخلان في باب الصلح على المأخوذ، و (من) و (عن) على المتروك، وصوابه: (على غير المدعى) بالغين المعجمة والراء، وكذا هو في " المحرر " و" الروضة " وأصلها (¬3)، والذي في " المنهاج " تصحيف، وفي " التنبيه " [ص 104]: (ثم صالح منه على شيء)، وأطلق " الحاوي " بطلان الصلح على الإنكار لا مع الأجنبي (¬4). خامسها: محل الخلاف المذكور هنا فيما إذا جرى على بعضه: ما إذا كان المدعى به عينًا، فأما إذا كان المدعى به دينًا؛ فإن صالح منه على عين .. ففيه خلاف مرتب، وأولى بالبطلان، فلا ينبغي التعبير فيه بـ (الأصح) لضعف مقابله، وإنما ينبغي التعبير فيه بـ (الصحيح)، وإن صالح منه على دين .. بطل جزمًا، فتستثنى هذه الصورة من محل الخلاف، والله أعلم. 2264 - قول " المنهاج " [ص 260]: (وقوله: " صالحني عن الدار التي تدعيها " ليس إقرارًا في الأصح) يستثنى من الخلاف: ما إذا قال: (عن دعواك الكاذبة، أو عن دعواك فقط، أو صالحني فقط) .. فلا يكون إقرارًا قطعًا. 2265 - قول " التنبيه " [ص 104]: (وإن صالح عنه أجنبي؛ فإن كان المدعى دينًا .. جاز الصلح، وإن كان عينًا .. لم يجز حتى يقول: " هو لك وقد وكلني في مصالحتك") فيه أمور: أحدها: أنه لا فرق بين الدين والعين، فاعتبر في العين أن يقول: (هو لك وقد وكلني في مصالحتك)، ولم يعتبر ذلك في الدين، والذي في " الروضة " وأصلها التسوية بينهما في اشتراط قول الأجنبي: (وكلني المُدَّعى عليه في الصلح وهو مقرٌ لك) (¬5)، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " (¬6). ¬

_ (¬1) انظر " حاشية الرملي " (2/ 217). (¬2) انظر " الحاوي الكبير " (6/ 372). (¬3) المحرر (ص 183)، فتح العزيز (5/ 90)، الروضة (4/ 198). (¬4) الحاوي (ص 314، 315). (¬5) الروضة (4/ 199، 200). (¬6) الحاوي (ص 315)، المنهاج (ص 260).

وقال شيخنا الإسنوي في " تصحيحه ": الصواب: بطلان صلح الأجنبي عن الدين أيضًا إذا أنكره المدعى عليه حتى يقول الأجنبي للمدعي: (حقك ثابتٌ) (¬1). ثانيها: مقتضى عبارتهم جميعًا: أنه لا يكفي قوله: (وكلني في مصالحتك)، وهو ماش على الأصح في أن قوله: (صالحني عما تدعيه) ليس إقرارًا، فإن قلنا: إنه إقرار .. فقياسه: الاكتفاء بالوكالة هنا، ويوافقه تصحيح الماوردي الصحة فيما لو قال المنكر للأجنبي: (وكلتك في الصلح) لقطع الخصومة (¬2). ثالثها: أنه اكتفى بقوله: (هو لك)، وكذا ذكره القاضي أبو الطيب، وصححه الماوردي (¬3)، وسكت عليه النووي في " تصحيحه "، والذي في " المنهاج " و" الحاوي" أن يقول: (هو مقر لك) (¬4)، وحمل ابن يونس كلام " التنبيه " عليه، وفي " الروضة " وأصلها: لو قال في العين: هو منكر، ولكنه مبطل، فصالحني له على عبدي هذا؛ لتنقطع الخصومة بينكما .. فوجهان، قال الإمام: أصحهما: لا يصح؛ لأنه صلح إنكار، فإن كان دينًا .. فالمذهب: القطع بالصحة، والفرق: أنه لا يمكن تمليك الغير عين مال بغير إذنه، ويمكن قضاء دينه بغير إذنه (¬5). رابعها: في " الروضة " من زوائده: لو قال: (صالحني عن الألف الذي لك على فلان على خمس مئة) .. صح، سواء كان بإذنه أم لا؛ لأن قضاء دين غيره بغير إذنه جائز. انتهى (¬6). وهذا يقتضي أنه لا يعتبر التوكيل في المصالحة، وهو إن صح وارد على " المنهاج " و" الحاوي " أيضًا. واعلم: أن عبارة " المنهاج " في هذه المسألة [ص 260]: (فإن قال: " وكلني المدعى عليه في الصلح وهو مقر لك " .. صح)، ثم قال: (ولو صالح لنفسه والحالة هذه .. صح)، وعبارة " المحرر ": (فإن قال الأجنبي: " إن المدعى عليه وكلني في الصلح وهو مقرٌّ في الظاهر، أو غير مقر إلا أن الأجنبي قال: إنه أقر عندي ووكلني .. صح الصلح، وإن صالح لنفسه والمدعى عليه مقرٌ .. صح) (¬7). ¬

_ (¬1) تذكرة النبيه (3/ 126، 127). (¬2) انظر " الحاوي الكبير " (6/ 374). (¬3) انظر " الحاوي الكبير " (6/ 374). (¬4) الحاوي (ص 315)، المنهاج (ص 260). (¬5) الروضة (4/ 200، 201)، وانظر " نهاية المطلب " (6/ 457، 458). (¬6) الروضة (4/ 200). (¬7) المحرر (ص 183).

قال السبكي: والوافي بالاختصار أن يقول: فإن قال: (وكلني المدعى عليه في الصلح وهو مقر)، أو قال: (هو مقرٌّ لك) .. صح، ولو صالح لنفسه في الحالة الأولى .. صح، ولو أسقط قوله: (لك)، فقال: (وهو مقر) .. صح، لكن فيه إسقاط المسألة الثانية؛ أعني: إقراره في الباطن، والإتيان بالأولى، وهو الإقرار ظاهرًا، ولو بقينا ما في " المنهاج " .. انعكس الحال، وسقط الشراء لنفسه من المسألة الأولى، وهي: الإقرار ظاهرًا، وذكره في الثانية، وهي: الإقرار باطنا، وليس ذلك في " المحرر " ولا في " الشرح " و " الروضة ". انتهى. وقال شيخنا الإسنوي: كلامه يقتضي أنه لا فرق في الصحة بين أن يقر ظاهرًا أو باطنًا، وهو في الظاهر مسلم، وأما في الباطن: فلم يصرح الرافعي ولا " المصنف " بحكمه في شيء من كتبهما، حتى في " المحرر "، وصرح بها الإمام، واقتضى كلامه: أنه كشراء المغصوب، وهو واضح. انتهى (¬1). ثم محل الصحة: ما إذا كان المُدَّعى عينًا، فإن كان دينًا .. فهو بيع الدين لغير من هو عليه، وقد تقدم في " المنهاج " أن الأظهر: بطلانه (¬2)، وصحح في " الروضة " من زوائده: صحته، وقد تقدم (¬3). وقول " المنهاج " في هذه الصورة: (وكأنه اشتراه) قال شيخنا ابن النقيب: إنه أحسن من قوله في " الروضة ": (كما اشتراه) فإنه شراء حقيقة، فلا معنى للتشبيه (¬4). قلت: التشبيه موجود في العبارتين معًا، والمراد: كما لو اشتراه بلفظ الشراء لا بلفظ الصلح، والله أعلم. 2266 - قول " التنبيه " [ص 104]: (فإن قال: " هو لك وصالحني عنه على أن يكون لي " .. جاز) محله: ما إذا كان قادرًا على انتزاعه لأنه مغصوب؛ ولذلك قال " المنهاج " [ص 260]: (فهو شراء مغصوب، فيفَرَّقُ بين قدرته على انتزاعه وعدمها) وهو معنى قول " التنبيه " عقبه [ص 104]: (فإن سلم له .. انبرم، وإن لم يسلم .. رجع فيما دفع) أي: إن سلم له بقبضه من غاصبه .. انبرم؛ أي: لزم، وإن لم يسلم لعجزه عن قبضه .. رجع فيما دفع إن اختار فسخ العقد، ولكنها عبارة غير مفصحة عن المقصود. وقد أورد شيخنا الإسنوي وغيره على " التنبيه ": أن عبارته تتناول ما إذا كان دينا مع أنه باطل ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (6/ 457)، و" السراج على نكت المنهاج " (3/ 267، 268). (¬2) المنهاج (ص 225). (¬3) الروضة (3/ 514). (¬4) السراج على نكت المنهاج (3/ 268)، وانظر الروضة (4/ 200).

فصل [الصلح والتزاحم على الحقوق المشتركة]

كما تقدم على اضطراب فيه، والحق: أنه لا يرد؛ لأن كلام " التنبيه " في العين. نعم؛ يرد ذلك على " المنهاج " لإطلاقه، إلا أن يؤخذ أن كلامه في العين من قوله في بعض نسخه: (انتزاعها)، وكذا في " المحرر " (¬1)، ولكن في بعض نسخ " المنهاج ": (انتزاعه)، وقد سلم من ذلك " الحاوي " بقوله [ص 315]: (ولنفسه في العين إن قال: " مبطلٌ "، وقدر على الانتزاع) لكن ظاهر قوله: (وقدر) أنه لا يكفي مجرد ظنه القدرة، بل لا بد من حصول القدرة، وهو وجه، والأصح: الاكتفاء. 2267 - قول " المنهاج " [ص 260]: (وإن لم يقل: " هو مبطل " .. لغا الصلح) يتناول ثلاث صور: أحدها: هو محق. والثانية: لا أعلم حاله. والثالثة: أن يقول: (صالحني) ولا يذكر شيئًا، وهذه الثالثة ليست في " الروضة " وأصلها، وقال السبكي: إن الأمر فيها كما يفهمه إطلاق " المنهاج "، وقواه بكلام للماوردي (¬2). فصلٌ [الصلح والتزاحم على الحقوق المشتركة] 2268 - قول " المنهاج " [ص 260]: (الطريق النافذ لا يُتصرف فيه بما يضر المارة) نبه في " الدقائق " على أنه أحسن من تعبير" المحرر ": (بما يبطل المرور) لأن كل ما أبطل ضر، بخلاف العكس، فتعبير " المنهاج " أعم (¬3). قلت: لكن قوله بعد: (ولا يشرع فيه جناحٌ ولا ساباطٌ يضرهم) (¬4) غير محتاج إليه؛ لدخوله في عبارته أولًا، وانما ذكره في " المحرر " لأنه لم يدخل في عبارته أولًا، فلو قال: (فيشترط ارتفاع الجناح والساباط ... إلى آخره) .. لاستقام. وقال السبكي: ذكر الجناح والساباط في " المنهاج " نخصيص بعد تعميم، بخلافهما في " المحرر " (¬5). ¬

_ (¬1) المحرر (ص 183). (¬2) انظر " السراج على نكت المنهاج " (3/ 269). (¬3) الدقائق (ص 62)، وانظر " المحرر " (ص 183). (¬4) المنهاج (ص 260). (¬5) انظر " السراج على نكت المنهاج " (3/ 269، 270).

2269 - قول " التنبيه " [ص 104]: (ويجوز أن يشرع الرجل جناحًا إلى طريق نافذ إذا كان عاليًا لا تستضر به المارة) فيه أمور: أحدها: أنه لا يخفى أن لفظ (الرجل) لا مفهوم له في ذلك؛ فالمرأة والخنثى كذلك. ثانيها: أنه لم يذكر للعلو الذي اعتبره ضابطًا، وضبط ذلك " المنهاج " بقوله [ص 260، 261]: (بحيث يمر تحته - أي: الماشي - منتصبًا. وإن كان ممر الفرسان والقوافل .. فليرفعه بحيث يمر تحته المحمل على البعير مع أخشاب المظلة) وهو معنى قول " الحاوي " عطفًا على الممتنع [ص 315]: (وضار بالمار منتصبًا والمحمل مع الكنيسة إن وسع) (¬1)، واعتبر الماوردي في غير ممر الفرسان مع إمكان مرور الماشي منتصبًا: أن يسعه وفوق رأسه الحمولة العالية (¬2)، ومال إليه في "المطلب ". ثالثها: ظاهره أنه لا يعتبر انتفاء ضرر المارة إلا من جهة عدم العلو خاصة، وليس كذلك، فمقتضى لفظ الشافعي والأكثرين أن يشترط أيضًا: ألَّا يُظْلِم الموضع (¬3)، وصرح به منصور التميمي، وقيل: لا أثر لذلك، وقيل: إن مهنعه ألبتة .. منع، وإلا .. فلا، وهذا وارد على " المنهاج " و" الحاوي " أيضًا. رابعها: يستثنى من عبارتهم جميعًا: الذمي، فيمنع من إشراع الجناح إلى شارع نافذ وإن جاز له استطراقه؛ لأنه كإعلاء البناء، صححه في " الروضة " وقال: إنه من المهمات المستفادة (¬4)، قلت: وأفتيت بمنعه من البروز ببنائه في البحر على المسلمين قياسًا على منع الإعلاء والجناح، ولم أره منقولًا. 2270 - قول " المنهاج " [ص 261]: (ويحرم الصلح على إشراع الجناح، وأن يبني في الطريق دَكَّةً، أو يغرس شجرة) لا يتخيل في قوله: (وأن يبني) أنه معطوف على (إشراع) فإنه لا يلزم منه تحريم أصل البناء، والحكم تحريمه، فهو معطوف على (الصلح) معمول لـ (يحرم) أي: يحرم الصلح وبناء دكة، وأوضح من ذلك قول " الحاوي " [ص 315]: (ولا يتصرف في الشارع بغرس، وبناء دكة)، ويشكل على ذلك: أنه يجوز غرس الشجر في المسجد مع الكراهة، كما في " الروضة " من زيادته في آخر شروط الصلاة (¬5). ¬

_ (¬1) الكنيسة: أعواد مرتفعة في جوانب المحمل يكون عليها ستر دافع للحر والبرد، انظر " مغني المحتاج " (1/ 464). (¬2) انظر " الحاوي الكبير " (6/ 377)، (¬3) انظر " الأم " (3/ 221، 222). (¬4) الروضة (4/ 206). (¬5) الروضة (1/ 297).

وقال السبكي: ينبغي القول بجواز بناء الدكة عند فقد الضرر إذا كانت بفناء داره؛ لأنها في حريم الملك؛ ولأن الناس مازالوا يتخذون المساطب على دورهم من غير إنكار، قال: ولم أر من صرح بالمسألة. 2271 - قول " المنهاج " [ص 261]: (وغير النافذ يحرم الاشراع إليه لغير أهله، وكذا لبعض أهله في الأصح إلا برضا الباقين) فيه أمور: أحدها: لو قال: (إلا برضا المستحقين أو أهله) .. لكان أولى؛ ليعود للمسألة الأولى أيضًا، وهي: ما إذا كان المشرع من غير أهله؛ فإنه لا يصح التعبير فيها بالباقين. ثانيها: المراد: رضاهم مجانًا، ولا يجوز بأجرة، وقد صرح به " التنبيه " في قوله [ص 104]: (فإن صالحه مالكه على ذلك بعوض .. لم يجز)، وقد ذكره " المنهاج " في الشارع، وكان ذكره هنا أولى؛ لفهم تلك من هذه، بخلاف العكس، ويمكن أن يكون قول " المنهاج " [ص 261]: (ويحرم الصلح على إشراع الجناح) عامًا في الطريق النافذ وغير النافذ والأرض المملوكة، وإن كان إنما ذكره في قسم الطريق النافذ، وعبارة " التنبيه " [ص 104]: (ولا يجوز أن يشرع إلى درب غبر نافذ إلا بإذن أهل الدرب، وقيل: يجوز) وهو سالم من هذين الاعتراضين، لكن يرد عليه: أنه يفهم جريان وجه الجواز فيما إذا لم يكن من أهله، وليس كذلك، بل هو خاص بما إذا كان من أهله كما ذكره " المنهاج ". ثالثها: يرد عليهما وعلى " الحاوي ": ما إذا كان في غير النافذ مسجد؛ فإن الرافعي نقل عن ابن كج وأقره: أنه لا يجوز في هذه الصورة لأهل الدرب سدّ بابه وقسمة الصحن بينهم؛ لأن المسلمين كلهم يستحقون الاستطراق إليه (¬1)، ثم قال الرافعي: وعلى قياسه لا يجوز الإشراع عند الإضرار فين رضي أهل السكة؛ لحق سائر المسلمين (¬2). قال في " المطلب ": وهذا يفهم أن أهل السكة إذا رضوا حيث لا ضرر .. جاز الإشراع، والذي يظهر أن يقال: إن كان الزقاق حيث أحْيِيَ .. أحيِيَت بقعة المسجد مسجدًا، فالأمر كما يفهمه كلامه، بل ينبغي جواز الإشراع حيث لا ضرر وإن لم يأذن أهل السكة؛ لأنه بمنزلة الشارع العام، لكن إن كان المسجد في أسفله .. ثبت الحكم المذكور في كله، فين كان في أوله أو وسطه .. ثبت الحكم المذكور من أول المسجد إلى أول الزقاق، وإن كانت بقعة المسجد أحييت ملكًا ثم وقفت مسجدًا .. فلا يجوز الإشراع إليه بغير رضا من في السكة وإن لم يكن ضرر، وعند إذنهم .. هل يجوز أم لا؟ فيه نظر، والأشبه: المنع، هذا كلام ابن الرفعة، ونازعه شيخنا الإمام ¬

_ (¬1) الاستطراق: جعل الشيء له طريقًا. انظر " النظم المستعذب " (1/ 343). (¬2) انظر " فتح العزيز " (5/ 100).

البلقيني في قوله: (الأشبه: المنع)، وقال: الصحيح: الجواز إذا لم يضر، وزاد حالة ثالثة، وهي: ما إذا لم يُعْلَم هل أحييت مسجدًا أو ملكًا ثم وقفت مسجدًا؟ وقال: هو محل نظر، والأقرب: أنه لا منع؛ لتحقق ملك فاتح الباب لجداره، والشك في لْبوت حق لمانعه، قال: ولم أره منقولًا. رابعها: المتبادر إلى الفهم من عبارتهم: أن المراد باهل الدرب: ملاكه، فلا يعتبر حينئذ إذن المستأجر، لكن في " الكفاية " عن أبي الفضل التميمي: اعتباره أيضًا إن تضرر به. 2272 - قول " المنهاج " [ص 261]: (وهل الاستحقاق في كلها؟ ) كان ينبغي أن يذكر الضمير كما فعل فيما قبله، فيقول: (في كله) لعوده على غير النافذ. وقوله: (لكلهم) (¬1)، لو قال: (لكل منهم) .. لكان أحسن. 2273 - قول " التنبيه " فيمن ظهر داره إلى درب لا ينفذ [ص 104]: (وإن فتح لغير الاستطراق .. فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز) الأصح: الجواز، وعليه مشى " المنهاج " و " الحاوي "، لكنهما عبرا بقولهما: (إذا سمَّره) (¬2) فتعبير " التنبيه " أعم منهما؛ لتناوله ما إذا فتحه للاستضاءة، وحكمهما سواء، وصححه أيضًا النووي في " تصحيح التنبيه " (¬3)، ونسب الرافعي تصحيحه إلى الكرخي فقط (¬4)، فقال النووي: صححه أيضًا صاحب " البيان " والرافعي في " المحرر "، وصحح الجرجاني والشاشي: المنع، وهو أفقه (¬5)، وقال في " المهمات ": الفتوى على الجواز؛ فقد نقله ابن جرير عن الشافعي. 2274 - قول " المنهاج " [ص 261]: (ومن له فيه بابٌ ففتح آخر أبعد من رأس الدرب .. فلشركائه منعه) فيه أمران: أحدهما: أن (مِنْ) هذه هي المعدية لأبْعَدَ، وحذفت (من) التي يُجَرُّ بها المُفَضّل عليه هي ومجرورها؛ أي: أبعد من رأس الدرب من بابه، فكان ينبغي أن يأتي بهذه الزيادة، أو يقول: (أبعد عن رأس الدرب) ليزول هذا الإلباس (¬6). وقد سلم من ذلك قول " التنبيه " [ص 104]: (وإن كان في أول الدرب فأراد أن يؤخره إلى وسطه أو آخره .. لم يجز)، وإطلاق " الحاوي " الاحتياج إلى الإذن إذا لم يكن أقرب بسد الآخر (¬7). ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 261). (¬2) الحاوي (ص 316)، المنهاج (ص 261). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 324). (¬4) انظر " فتح العزيز " (5/ 100). (¬5) الروضة (4/ 208)، وانظر " البيان " (6/ 266)، و " المحرر " (ص 184). (¬6) انظر " السراج على نكت المنهاج " (3/ 272). (¬7) الحاوي (ص 316).

ثانيهما: عبارته توهم أن لجميع شركائه المنع، وليس كذلك، بل يختص ذلك بمن بابه أبعد من باب الفاتح دون من بابه أقرب إلى رأس الدرب على الأصح، وهو مفهوم مما صححه " المنهاج " فيما تقدم: أنه تختص شركة كل واحد بما بين رأس الدرب وباب داره (¬1)، وقول " الحاوي " [ص 315]: (وغير النافذ ملك كلٍ إلى بابه) ولم يتعرض لذلك " التنبيه ". بقي: مَنْ بابُهُ مقابل المفتوح لا فوقه ولا تحته .. هل له المنع؟ لم يتعرض الرافعي لذلك، ونقل في " الروضة " من زيادته عن الإمام: أنه كمن هو أقرب إلى رأس السكة .. ففيه الوجهان؛ أي: والأصح: أنه لا منع له، وأقره على ذلك (¬2). وتعقبه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: المقابل مشارك على هذا الوجه في القدر الذي فتح فيه الباب .. فله المنع. وقال في " المهمات": إن ما نقله عن الإمام ظاهر، والمراد بالمفتوح: الباب القديم، قال: ولو كان المراد: الجديد .. لكان المنع متفقًا عليه. 2275 - قول " التنبيه " في المسألة [ص 104]: (فأراد أن يقدمه إلى وسطه أو أوله .. جاز) قيده في " الكفاية " بما إذا سد الأول، فإن لم يسده .. منع كما في " المنهاج " وأصله و" الحاوي " (¬3)، ولا حاجة لهذا القيد؛ لأن هذا زيادة باب لا تقديمٌ له، ويشترط مع السد: ألَّا يجعل المسدود دهليزًا لداره إذا كانت داره آخر الدرب عند من يجعل الشركة في جميع السكة للجميع، فإن فرعنا على الأصح: أن شركة كل واحد تختص بما بين رأس الدرب وباب داره .. فليس لهم منعه، ذكره في زيادة " الروضة " (¬4). 2276 - قول " المنهاج " [ص 261]: (ومن له داران تفتحان إلى دربين مسدودين، أو مسدودٍ وشارعٍ، ففتح بابًا بينهما .. لم يُمنع في الأصح) هو معنى قول " الحاوي " [ص 316]: (ولا في داره من أخرى) أي: فإنه لا يحتاج إلى إذن، قال الرافعي: موضع الوجهين: ما إذا سد باب إحداهما وفتح الباب لغرض الاستطراق، أما إذا قصد اتساع ملكه ونحوه .. فلا منع قطعًا (¬5). قال النووي: هذه العبارة فاسدة؛ فإنها توهم اختصاص الخلاف بما إذا سد باب إحداهما، وذلك خطأ، بل الصواب: جريان الوجهين إذا بقي البابان نافذين، وكل الأصحاب مصرحون به، قال أصحابنا: ولو أراد رفع الحائط بينهما وجعلهما دارًا واحدة وترك بابيهما على حالهما .. جاز ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 261). (¬2) الروضة (4/ 209)، وانظر " نهاية المطلب " (6/ 468). (¬3) المحرر (ص 184)، الحاوي (ص 315)، المنهاج (ص 261). (¬4) الروضة (4/ 207). (¬5) انظر " فتح العزيز " (5/ 101).

قطعًا، وممن نقل اتفاق الأصحاب على هذا القاضي أبو الطيب في " تعليقه "، فالصواب: أن يقال: (موضع الوجهين إذا لم يقصد اتساع ملكه)، قال: وقوله: (الأصح: الجواز) تابع فيه صاحب " التهذيب "، وخالفه أصحابنا العراقيون، فنقلوا عن الجمهور: المنع، بل نقل القاضي أبو الطيب اتفاق الأصحاب على المنع، قال: وعندي أنه يجوز، هذا كلام "الروضة" (¬1). واعترضه شيخنا الإمام البلقيني، فقال: ليس ذلك بخطأ؛ فقد صرح به المتولي في " التتمة " في (إحياء الموات)، فقال: إن أراد أن يرفع الحاجز بينهما ويجعلهما دارًا واحدة ويترك البابين على ما كانا ويستطرق من كل واحد منهما إلى داره .. فليس لأحد منعه؛ لأنه متصرف في خالص ملكه، وكذلك لو أراد أن يفتح بابًا من إحداهما إلى الأخرى .. فالحكم كذلك، فأما إن أراد أن يرفع الحاجز بينهما، أو يفتح بابًا من إحداهما إلى الأخرى ويسد أحد البابين ويستطرق إلى الدارين من أحد الدربين .. فهل لأهل الدرب منعه؟ اختلف أصحابنا فيه، فحكى الوجهين، وصحح: أنه ليس لأهل الدرب المنع. انتهى. قال شيخنا البلقيني: وعجب من النووي كيف خطَّأ الإمام في شيء ثم ما تم له جملة الاستدلال إلا وهو يستدل على نفسه؟ ! حيث قال: قال أصحابنا: ولو أراد رفع الحائط بينهما وجعلهما دارًا واحدة ويترك بابيهما على حالهما. . جاز قطعًا، وذلك عين ما قال الإمام. انتهى. 2277 - قولهما - والعبارة لـ " المنهاج " -: (وحيث مَنعَ فَتْحَ الباب فصالحه أهل الدرب بمالٍ .. صح) (¬2)، قال ابن الرفعة: هذا إذا لم يكن فيه مسجد، فإن كان فيه مسجد؛ فإن للمسلمين فيه حقًا .. فلا تجوز المصالحة عليه؛ أي: على ما يتعلق بالمسجد، ويبقى النظر في أنه هل يجوز من غير إذن؟ قلت: والظاهر: الجواز من غير استئذان يخص المسجد بعد أن يأذن الشركاء بالنسبة لبيوتهم؛ لأنه بالنسبة إلى المسجد كشارع مطروق. 2278 - قول " المنهاج " [ص 261]- والعبارة له - و " الحاوي " [ص 316]: (ويجوز فتح الكَوَّات) قيده صاحب " الشافي " بما إذا كانت عالية لا يقع النظر فيها على دار جار. 2279 - قول " التنبيه " [ص 104]: (وإن حصلت أغصان شجرته في هواء غيره فطولب بإزالتها .. لزمه ذلك، فإن امتنع .. كان لصاحب الدار قطعها) محله: فيما إذا لم يمكن ليُّها لكونها يابسة، فإن كانت رطبة .. فلا يقطعها، بل يلويها. ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 209)، وانظر " التهذيب " (4/ 150). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 104)، و" المنهاج " (ص 261).

2280 - قوله: (فإن صالح عنه على عوض .. لم يجز) (¬1) محله: فيما إذا صالح على الهواء، وكذا لو كانت الأغصان مستندة لجداره وهي رطبة في الأصح، فإن كانت يابسة .. فيجوز الصلح. 2281 - قول " المنهاج " في الجدار المختص [ص 261]: (ليس للآخر وضع الجُذُوع عليه في الجديد، ولا يُجْبَر المالك) فيه أمور: أحدها: قد يفهم من تعبيره وتعبير " التنبيه " بالوضع اختصاص الخلاف بذلك، وأنه لا يجوز إدخال الجذوع في الحائط قطعًا (¬2)، وليس كذلك، بل الخلاف جار فيه أيضًا. ثانيها: عبارته تقتضي أن مقابله قديمٌ محضٌ، وليس كذلك، بل هو منصوص عليه في " الجديد " أيضًا، حكاه البويطي عن الشافعي، وهو من رواة الجديد، قال البيهقي في (إحياء الموات): لم نجد في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعارض هذا الحديث؛ أي: في النهي عن منع الجار من ذلك، قال: ولا يصح معارضته بالعمومات، وقد نص الشافعي في القديم والجديد على القول به، فلا عذر لأحد في مخالفته (¬3). ثالثها: أطلق هو و" التنبيه " القول القديم، وله شروط: ألَّا يحتاج مالكه إلى وضع جذوعه عليه، وألَّا يزيد الجار في ارتفاع الجدران، ولا يبني عليه أَزَجًا (¬4)، ولا يضع عليه ما يضره، وألَّا يملك شيئًا من جدران البقعة التي يسقفها، أو لا يملك إلا جدارًا واحدًا (¬5). وعكس الإمام، فقال: إن كانت الجدر كلها لغيره .. فلا يضع، وإن كان له ثلاثة والرابع لجاره .. وضع (¬6). ووافقه المتولي، وزاد: إذا لم يكن له إلا جانب أو جانبان .. فوجهان جاريان فيما إذا لم يملك إلا الأرض. انتهى (¬7). وكيف يقال: إن المتولي وافق الإمام مع تصريحه بإجراء الوجهين فيما إذا لم يملك إلا الأرض؟ ! أي: ولم يملك شيئًا من الجوانب، والإمام جازم في هذه الصورة بأنه لا يضع، والله أعلم. رابعها: استثني من القولين: الساباط إذا أراد بناءه على شارع أو درب غير نافذ، وأن يضع ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 104). (¬2) التنبيه (ص 104). (¬3) انظر " معرفة السنن والآثار " (4/ 543، 544). (¬4) الأزج: بناء مستطيل مقوس السقف. انظر " المعجم الوسيط " (1/ 15). (¬5) انظر " مغني المحتاج " (2/ 187)، و " نهاية المحتاج " (4/ 405). (¬6) انظر " نهاية المطلب " (6/ 482). (¬7) انظر " فتح العزيز " (5/ 104)، و" السراج على نكت المنهاج " (3/ 274).

طرف الجذوع على حائط جاره المقابل، فلا يجوز ذلك إلا بالرضا قطعًا، قاله المتولي وغيره (¬1)، ومشى عليه في " المطلب "، وهذا وارد أيضًا على إطلاق " التنبيه " حائط جاره؛ لشموله الملاصق والمقابل، وقد لا يرد على " المنهاج " لوضعه المسألة في الجدار بين مالكين، وهذا الجدار ليس بين مالكين، بل بين مالك وشارع. خامسها: قد يفهم من قول " المنهاج ": (ولا يجبر المالك) أن هذا الحكم مجزوم به، وأن القولين إنما هما في الجواز ابتداء، وليس كذلك، فحذفه أولى، وجوابه: أن هذا مفرع على الجديد. 2282 - قول " المنهاج " [ص 262]: (فلو رضي بلا عوض .. فهو إعارة؛ له الرجوع قبل البناء عليه، وكذا بعده في الأصح) يخالفه قول الرافعي في الكلام على بيع الشجر: وقد يستحق [على] (¬2) المالك المنفعة لا إلى غاية كما لو أعار جداره ليضع غيره الجذوع عليه (¬3)، والمعتمد هو المذكور هنا. 2283 - قوله: (وفائدة الرجوع: تخييره بين أن يبقيه بأجرةٍ أو يقلع ويغرم أرش نقصه) (¬4) كذا صححه في " الروضة " هنا (¬5)، وسيأتي في " المنهاج " نظيره في العارية للبناء والغراس ومخالفة " الروضة " وغيرها له، قال الرافعي هنا: ولا تجيء الخصلة الثالثة فيمن أعار أرضًا للبناء، وهي التملك بالقيمة؛ لأن الأرض أصل، فاستتبع (¬6). 2284 - قوله: (فإن أَجَّرَ رأس الجدار للبناء .. فهو إجارةٌ) (¬7) قد يفهم أنه على قياس الإجارات في اشتراط بيان المدة، والأصح: خلافه. 2285 - قوله: (ولو انهدم الجدار فأعاده مالكه .. فللمشتري إعادة البناء) (¬8) لو حذف لفظ (الإعادة)، وقال: (فللمشتري البناء) .. لكان أولى؛ ليتناول ابتداء البناء إن لم يكن بنى. 2286 - قوله: (وله أن يستند إليه ويسند متاعًا لا يضر) (¬9) لفظة: (لا يضر) ليست في " المحرر "، ولا بد منها. ¬

_ (¬1) انظر " مغني المحتاج " (2/ 187)، و " نهاية المحتاج " (4/ 405). (¬2) في " فتح العزيز ": (غير). (¬3) انظر " فتح العزيز " (4/ 39). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 262). (¬5) الروضة (4/ 212). (¬6) انظر " فتح العزيز " (5/ 105). (¬7) انظر " المنهاج " (ص 262). (¬8) انظر " المنهاج " (ص 262). (¬9) انظر " المنهاج " (ص 262).

2287 - قوله: (وليس له إجبار شريكه على العمارة في الجديد) (¬1) فيه أمران: أحدهما: قال في " الروضة ": لم يبين الرافعي الأظهر من القولين، وهو من المهمات، والأظهر عند جمهور الأصحاب: الجديد، وصحح صاحب " الشامل ": القديم، وأفتى به الشاشي، وقال الغزالي في " الفتاوى ": الأقيس: أنه لا يجبر، والاختيار: أنه إن ظهر للفاضي أن امتناعه مضارة .. أجبره، وإن كان لإعسار أو لغرض صحيح أو شك فمه .. لم يجبر، قال النووي: وهذا التفصيل الذي ذكره الغزالي وإن كان أرجح من إطلاق القول بالإجبار .. فالمختار الجاري على القواعد: أن لا إجبار مطلقًا. انتهى (¬2). وممن صحح الإجبار صاحبا " الذخائر " و" المرشد "، وأفتى به ابن الصلاح (¬3)، وصحح عدم الإجبار صاحب " التنبيه "، ومشى عليه " الحاوي " (¬4)، والحق: أن الرافعي لا يحتاج إلى بيان الأظهر؛ فإن المقرر أن الجديد هو المعمول به إلا إذا بين خلاف ذلك. ثانيهما: أطلق " التنبيه " و" المنهاج " القولين، وكذا في " الروضة " وأصلها (¬5)، وقيدهما الإمام والغزالي بعمارة يختل الملك بتركها (¬6)، ولا إجبار في الزيادة على ذلك قطعًا، وقيدهما ابن داوود بما لا يقسم، فإن أمكنت القسمة .. فلا إجبار قطعًا. 2288 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (فإن أراد إعادة منهدمٍ بآلةٍ لنفسه .. لم يمنع) (¬7) قيده في " التعليقة " على " الحاوي " بما إذا اختص بالأسِّ، وتبعه على ذلك البارزي، والمنقول خلافه، وقد قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ: أساس الجدار مشترك بينهما، فكيف جوزتم له بناءه بآلة نفسه، وأن ينتفع به بغير إذن شريكة؛ فالجواب: أن له حقًا في الحمل .. فكان له إعادته لأجل ذلك (¬8). 2289 - قول " المنهاج " [ص 263]: (ولو قال الآخر: " لا تنقضه وأغرم لك حصتي" .. لم تلزمه إجابته) هذا مفرع على الجديد، فأما على القديم - وهو لزوم العمارة - .. فعليه إجابته. 2290 - قول " التنبيه " [ص 104]: (فإن أراد أحدهما أن يبني .. لم يمنع منه) يتناول ما إذا بناه ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 262). (¬2) الروضة (4/ 216)، وانظر " فتاوى الغزالي " (ص 55) مسألة (52). (¬3) فتاوى ابن الصلاح (1/ 227) مسألة (72). (¬4) التنبيه (ص 104)، الحاوي (ص 316). (¬5) الروضة (4/ 216). (¬6) انظر " نهاية المطلب " (6/ 497)، و " الوسيط " (4/ 58). (¬7) انظر " التنبيه " ص 104)، و" الحاوي " (ص 316)، و " المنهاج " (ص 262). (¬8) انظر " مغني المحتاج " (2/ 190).

بالآلة المشتركة؛ فإنه قال بعده: (وإن بناه بما وقع من الآلة .. فهو مشترك بينهما) (¬1)، وكذا صرح به في " المهذب " (¬2)، قال في " الكفاية ": وهو مقتضى كلام غيره من العراقيين والخراسانيين، وقال في " المطلب ": إنه الأشبه، وحكى الإمام اتفاق الأصحاب عليه (¬3)، لكن جزم في " الروضة " و" المحرر " و" المنهاج " بالمنع من الإعادة بالنقض المشترك (¬4)، وهو مفهوم قول " الحاوي " [ص 316]: (ولا تركها بآلته) فإنه يفهم أنه يلزم بترك العمارة بالمشترك، قال الرافعي في " الشرح ": وهو الظاهر من المنقول، والمتوجه من جهة المعنى، مع أنه نقل المنع عن الإمام والغزالي (¬5)، وأسقط ذلك من " الروضة " ذهولًا عنه؛ لكونه مذكورًا في الكلام على ألفاظ " الوجيز "، ورجح السبكي: أنه ليس لصاحب السفل منع صاحب العلو، وللشريك في الجدار المشترك المنع. وظاهر قول " التنبيه " [ص 104]: (فهو مشترك بينهما) أي: كما كان، وصرح به " المنهاج " فيما إذا تعاونا على إعادته بنقضه، ثم قال: (ولو انفرد أحدهما وشرط له الآخر زيادة .. جاز، وكانت في مقابلة عمله في نصيب الآخر) (¬6). واعترض عليه: بأنه إن كان التصوير في الإعادة بالنقض المشترك .. فشرطه: أن يجعل له الزيادة من النقض في الحال، فإن شرطه بعد البناء .. لم يصح؛ لأن الأعيان لا تؤجل، قاله الإمام (¬7)، وفيه بحث للرافعي، وهو تخريجه على الخلاف فيما لو شرط للمرضعة جزءًا من الرقيق المرتضع في الحال (¬8)، ووافقه ابن الرفعة إذا ورد بصيغة الإجارة دون ما إذا ورد بصيغة الجعالة؛ لأن المحذور في الإجارة العمل في خالص ملكه. ورده السبكي: بأن الإمام علل بأن الأعيان لا تؤجل، وهو لازم في الجعالة لزومه في الإجارة، هذا كله إن صورت بالإعادة بالمشترك، فإن صورت بالإعادة بآلة أحدهما .. خرج على قولي الجمع بين بيع وإجارة. 2291 - قول " الحاوي " [ص 316]: (وإن ادعى على اثنين ملكًا، وصدّق واحد وصالح .. ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 104). (¬2) المهذب (1/ 336). (¬3) انظر " نهاية المطلب " (6/ 495). (¬4) المحرر (ص 185)، المنهاج (ص 263)، الروضة (4/ 217). (¬5) انظر " فتح العزيز " (5/ 112). (¬6) المنهاج (ص 263). (¬7) انظر " نهاية المطلب " (6/ 490). (¬8) انظر " فتح العزيز " (5/ 111).

للمكذب الشفعة) اعترض عليه: بأنه مخالف لما في " الروضة " وأصلها في آخر (الإيلاء) في داربين اثنين ادعى أحدهما جميعها والآخر نصفها، فصدقنا الثاني بيمينه؛ لليد، ثم باع مدعي الكل نصيبه من ثالث، فاراد الآخر أخذه بالشفعة، وأنكر المشتري ملكه .. أنه يحتاج إلى البينة، ويمينه في الخصومة مع الشريك أفادت دفع ما يدعيه الشريك لا إثبات الملك له. انتهى (¬1). وعلى الأول: فيستثنى منه: ما إذا تعرض المكذب لكون الشريك المصدق مالكًا لنصيبه في الحال .. فإنه لا يأخذ بها؛ فقد قال الرافعي في " الشرح الصغير " و" التذنيب ": إنه القياس (¬2)، وقال في " الكبير ": ينبغي القطع به (¬3)، وقال النووي: إنه الصواب، وقطع به القاضي أبو الطيب في " تعليقه " (¬4). 2292 - قول " التنبيه " [ص 104]: (وإن استهدم فنقضه أحدهما .. أجبر على إعادته، وقيل: هو أيضًا على قولين) أي: القولان السابقان. ذكر في " الروضة " وأصلها عن " التهذيب " وغيره: أن النص: إجبار الهادم على إعادته، وأن القياس: أنه يغرَّم نقصه، ولا يجبر على البناء؛ لأن الجدار ليس مثليًا (¬5)، وذكر في " المهمات ": أن الحائط متقومة بلا نزاع، وأن الصواب: ما قاله في " الكفاية " و" المطلب ": أن المراد من نص الشافعي: إنما هو الإجبار على أن يبني مع شريكه، وعبارة النص: (ويُؤخذ صاحب السُّفل بالبناء إذا كان هَدَمَه على أن يبنيه، أو هدمه لغير علةٍ) (¬6)، قال في " المهمات ": وهذا حق لا شك فيه، وهو الذي فهمه صاحب " التعجيز " في اختصاره لـ" التنبيه "، والنص محتمل للأمرين، والأدلة القطعية تقتضي ما قلناه؛ فتعين المصير إليه، وجزم به الرافعي في (كتاب الغصب)، فقال في أثناء تعليل: فصار كما لو هدم جدار الغير لا يكلف إعادته، ونص عليه الشافعي في " البويطي " نصًا صريحًا. انتهى (¬7). وقال شيخنا الإمام البلقيني بعد ذكر نص " البويطي ": فصار حينئذ في المسألة قولان للشافعي، والنووي قال في " فتاويه ": إن الفتوى على إيجاب الإعادة، وإنه المنصوص ¬

_ (¬1) فتح العزيز (9/ 247)، وأسقط النووي هذا الكلام من " الروضة ". (¬2) التذنيب (ص 601). (¬3) فتح العزيز (5/ 118). (¬4) انظر " الروضة " (4/ 224). (¬5) فتح العزيز (5/ 109)، الروضة (4/ 215)، وانظر " التهذيب " (4/ 157). (¬6) انظر " الأم " (3/ 236). (¬7) انظر " فتح العزيز " (5/ 447).

والمذهب (¬1)، قال شيخنا: والظاهر: أنه إنما قال: إن الفتوى على ذلك؛ من أجل النص، ولو اطلع على النص الآخر .. لقال: إنه المفتى به؛ لموافقة القياس. انتهى. وفي " المطلب " عن الإمام: أن التسوية ممكنة إذا كان بغير طين ونحوه من الأحجار، بل بعضها فوق بعض مرصوصًا على هيئة البناء (¬2)، ثم قال ابن الرفعة: إنه يجبر في هذه الحالة على إعادته، كما في طم البئر بترابها، قال في " المهمات ": والذي قاله واضح (¬3). وقال السبكي: إن التسوية بين صورة العلو والسفل والحائط المشترك شيء ذكره المحاملي والشيخ أبو إسحاق والبغوي، وأن النص إنما هو في العلو والسفل، وأن الفرق بينه وبين الجدار المشترك واضح؛ لأن صاحب العلو يستحق الحمل على السفل، وأحد الشريكين لا استحقاق له على الآخر؛ ألا ترى أن له أن يقاسمه، وأيضًا: فإنه لم يلتزم له شيئًا، بخلاف العلو؛ فإن صاحب السفل التزمه، فليست مسألة الجدار منصوصة للشافعي، ولا في معنى ما نص عليه، ثم مسألة الجدار المشترك غير جدار الغير، والرافعي سوّى بينهما فقال فيما إذا باع أرضًا وفيها حجارة: في وجوب الإعادة على هادم الجدار خلاف يُذكر في (الصلح) (¬4) كأنه فهم أن علة المنصوص: أنه من ضمان الجنايات، والصواب: أنه إنما هو لصون الأملاك. انتهى. 2293 - قول " المنهاج " [ص 263]: (ويجوز أن يصالح على إجراء الماء وإلقاء الثلج في مِلْكِه على مالٍ) فيه أمران: أحدهما: أنه هو و" التنبيه " أطلقا الماء (¬5)، والمراد به: الحاصل على سطحه من مطر إذا لم يكن له مصرف، أو المجلوب من نهر ونحوه إلى أرضه، فأما غسالة الثياب والأواني .. فلا يجوز الصلح على إجرائها على مالٍ، كما في " الروضة " وأصلها (¬6). وقال شيخنا الإمام البلقيني: مسألة الغسالات انفرد بذكرها المتولي في " التتمة "، وعبارته: فلو شرط أن يُجْرَى عليه الماء الذي يغسل به الثياب والأواني .. لم يصح الصلح؛ لأنه مجهول، والحاجة لا تدعو إلى تجويزه، قال شيخنا: وما المانع منه إذا بيَّن قدر الجاري إذا كان على السطح، وبيَّن موضع الجريان إذا كان على الأرض؛ والحاجة إلى ذلك أكثر من الحاجة إلى البناء، فليس كل الناس يبني، وغسل الثياب والأواني لا بد منه لكل الناس أو الغالب، وهو بلا شك يزيد ¬

_ (¬1) فتاوى النووي (ص 107) مسألة (165). (¬2) انظر " نهاية المطلب " (7/ 246). (¬3) انظر " حاشية الرملي " (2/ 224). (¬4) انظر " فتح العزيز " (4/ 333). (¬5) التنبيه (ص 104). (¬6) فتح العزيز (5/ 116)، الروضة (4/ 222).

على حاجة البناء، فمن بنى حمامًا وبجانبه أرض لغيره، وأراد أن يشتري منه حق ممر الماء .. فلا توقف في جواز ذلك، بل الحاجة إليه آكد من حاجة البناء على الأرض؛ فلعل مراد المتولي من ذلك: حيث كان على السطح ولم يحصل البيان في مقدار ما يُصَبُّ. انتهى. ثانيهما: أنه سوّى بين إجراء الماء وإلقاء الثلج، مع أن الأولى تصح في الأرض والسطح، والثانية لا تصح إلا في الأرض خاصة.

باب الحوالة

بابُ الحَوالة 2294 - قول " التنبيه " [ص 105]: (الحوالة بيع) كذا صححه الرافعي والنووي، وصحح السبكي أنها استيفاء، وفسر الرافعي والنووي الاستيفاء: بأن المحتال كأنه استوفى ما على المحيل، وأقرضه المحال عليه (¬1)، ورد السبكي تقدير الإقراض، وتردد في معنى استيفاء ما على المحيل بين احتمالين، أرجحهما عنده: تقدير ما في ذمة المحيل منتقلًا إلى ذمة المحال عليه، وبالعكس، فيسقط ويبقى ما للمحتال في ذمة المحيل كأنه قبضه ثم أودعه في ذلك المحل. 2295 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (يشترط لها رضا المحيل والمحتال) (¬2) قد يقال: لم اقتصر على اشتراط رضاهما، ولم يُعتبر الإيجاب والقبول كسائر العقود؟ وجوابه: أن المراد بالرضا هنا: الإيجاب والقبول، كما في " الروضة " وأصلها (¬3)؛ فإنهما دليل الرضا، وإنما عُبر هنا بالرضا توطئة لما بعده من أنه لا يشترط رضا المحال عليه. قال في " الروضة " وأصلها: ولو قال المحتال: أحلني، فقال: أحلتك .. ففيه الخلاف السابق في مثله في البيع، وقيل: ينعقد هنا قطعًا؛ لأن مبناها على الرفق والمسامحة. انتهى (¬4). وقال في " التتمة ": لا بد في العقد من لفظ الحوالة أو لفظ يؤدي معناها؛ بأن يقول: (نقلت حقك إلى فلان)، أو (جعلت ما أستحقه على فلان لك)، أو (ملكتك الدين الذي عليه بحقك)، قال: وهل يجوز بلفظ البيع؟ يُبْنَى على أن لفظ العقد إذا استعمل في غيره يراعى اللفظ أو المعنى؟ فإن راعينا اللفظ .. لم ينعقد، أو المعنى .. انعقد كالبيع بلفظ السلم. انتهى. وفي " الكافي ": لو قال: (أحلتك على فلان بكذا)، ولم يقل: (بالدين الذي لك عليّ) .. قيل: هو صريح في الحوالة، وقيل: كناية، فلا يكون حوالة إلا بالنية. 2296 - قول " المنهاج " [ص 264]: (لا المحال عليه في الأصح) يقتضي أن الخلاف وجهان، وعبارة " التنبيه " [ص 105]: (ولا يفتقر إلى رضا المحال عليه على المنصوص)، وحكى الرافعي عن ابن القاص: أن مقابله منصوص (¬5)، فالخلاف حينئذ قولان، لكن أوّل السبكي ما في " التنبيه " على إرادة نصه على أنها بيع، فيتفرع عليه عدم اشتراط رضاه لا أن عدم الاشتراط منصوص عليه، وقال أيضًا: إن نقل ابن القاص مؤوّل، فالخلاف حينئذ وجهان، كما في ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (5/ 126)، و " الروضة " (4/ 228). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 105)، و " الحاوي " (ص 318)، و " المنهاج " (ص 264). (¬3) فتح العزيز (5/ 128)، الروضة (4/ 229). (¬4) فتح العزيز (5/ 128)، الروضة (4/ 229). (¬5) فتح العزيز (5/ 127).

" المنهاج "، ومحلهما: إذا أحال على من له عليه دين، فإن أحال على من لا دين له عليه وصححناه .. فلا بد من رضاه، كما ذكره بعد ذلك. 2297 - قول " المنهاج " [ص 264]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 318]: (وتصح بالدين اللازم وعليه) قال في " الروضة ": أطلقه الرافعي تبعًا للغزالي، وليس كذلك؛ فإن دين السلم لازم، ولا تصح به ولا عليه على الصحيح، فينبغي أن يقول: (الدين المستقر) ليخرج هذا. انتهى (¬1). وقد ذكر الرافعي أيضًا: أنه لا يكفي لصحة الحوالة لزوم الدين، بل لا بد فيه من الاستقرار؛ لأن دين السلم لازم مع أن الأصح: أنه لا تصح الحوالة به ولا عليه. انتهى (¬2). ولذلك قال " التنبيه " [ص 105]: (ولا تصح إلا بدين مستقر وعلى دين مستقر، فأما ما ليس بمستقر؛ كمال الكتابة ودين السلم .. فلا تصح الحوالة به ولا عليه) كذا قال، لكن الأصح: صحة الحوالة بمال الكتابة لا عليه، وقد ذكره " المنهاج " و" الحاوي " (¬3). وقد يدخل في عبارتهما: ما إذا كان للسيد عليه دين معاملة، فأحال عليه، والأصح في هذه الصورة: الصحة، ولا نظر إلى سقوطه لعجزه، وقد يقال: إنها لا تَرِد؛ إذ ليست مال كتابة، ولو قالا: (لا عليه بها) .. لم ترد هذه الصورة قطعًا، على أن شيخنا الإمام البلقيني قد رجح: أنه لا تصح الحوالة بمال الكتابة، كما في " التنبيه " لمساواته لدين السلم في منع الاستبدال عنه وزيادته عليه؛ بأنه لا يلزم أبدًا ودين السلم لازم، وقال: الفرق بينهما صعب، قال: وعلى ذلك جرى القاضي والبغوي (¬4)، وهو الأصوب، قال: ونص الشافعي في " الأم " على الجواز مفرع على أن الحوالة ليست بيعًا (¬5)، ثم قال شيخنا: والذي يمكن أن يقال في الفرق: أن السيد إذا احتال بالنجم على مديون المكاتب .. لا يتطرق إليه أن يصير الدين لغير السيد؛ لأنه إن قبضه قبل التعجيز .. فلا كلام، وإن لم يقبض حتى حصل التعجيز .. فهو من جملة أموال المكاتب التي للسيد، بخلاف دين السلم؛ فإنه قد ينقطع المسلم فيه فيؤدي ذلك إلى أن لا يصل المحتال إلى حقه. قال في " المهمات ": وما أطلقه الرافعي والنووي من اشتراط الاستقرار لا يستقيم (¬6)؛ لأن الأجرة قبل مضي المدة، والصداق قبل الدخول والموت، والثمن قبل قبض المبيع، ونحو ذلك غير مستقرة كما صرحوا به، ومع ذلك تصح الحوالة بها وعليها، ويكفي في إخراج السلم أن يقال ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 231). (¬2) انظر " فتح العزيز " (5/ 129). (¬3) الحاوي (ص 318)، المنهاج (ص 264). (¬4) انظر " التهذيب " (4/ 162). (¬5) الأم (8/ 65). (¬6) انظر " فتح العزيز " (5/ 136)، و " الروضة " (4/ 230).

كما في " الكفاية ": يصح الاستبدال عنه، أو كما في " المطلب ": لا يتطرق إليه السقوط بتعذره في نفسه، وقد تفهم عبارة " التنبيه " أنه لا تصح الحوالة بالثمن مدة الخيار، ولا عليه، والأصح: صحته، وقد ذكره " المنهاج " (¬1)، وأشار إليه " الحاوي " بقوله [ص 318]: (لازم أو أصله اللزوم). وقد أورد على " التنبيه " و" المنهاج " في ذكرهما مع هذه المسألة: كونها لا تصح على من لا دين عليه، وقيل: تصح برضاه؛ لأنها إذا لم تصح مع وجود الدين بدون الاستقرار أو اللزوم .. فما ظنك مع العدم؟ فهو تكرار. وأجيب: بأنهما ذكرا ذلك؛ ليحكيا فيه الخلاف. وقد يجاب عنه: بأن المراد بالدين: ما يصح كونه دينًا وإن لم يوجد، وصوب في " التوشيح ": تعبير " المنهاج " بـ (المستقر)، وأنه لا يرد عليه دين السلم؛ إذ لا حصر فيه. 2298 - قول " المنهاج " [ص 264]: (ويشترط العلم بما يحال به وعليه قدرًا وصفة) وهو مفهوم من قول " الحاوي " بعد ذكر تساوي الدينين [ص 318]: (قدرًا وصفة بعلمهما). أهملا الجنس، وقد يقال: هو مفهوم من العلم بالصفة، وعبارة " التنبيه " [ص 105]: (ولا يجوز إلا بمالٍ معلوم)، ولم يبين ما يحصل به العلم، والمعتبر: صفات السلم. 2299 - قول " المنهاج " [ص 264]: (ويشترط تساويهما جنسًا وقدرًا) لم يذكر الصفة، ولا بد منها، وقد عرفت أن " الحاوي " ذكر القدر والصفة، ولم يذكر الجنس، واعتبر " التنبيه " الاتفاق في الصفة والحلول، وقد يفهم من اعتبار التساوي في الصفة أنه إذا كان أحد الدينين به رهن أو ضامن .. لا بد أن يكون الآخر كذلك، ولا قائل به. نعم؛ لو كان بأحدهما رهن أو ضامن .. قال شيخنا ابن النقيب: يبرأ الضامن وينفك الرهن، ولا ينتقل بصفة الضمان والرهن، وفي " الاستقصاء " ما يقتضي خلافه في المحال به، وخالف البارزي في المحال عليه. انتهى (¬2). وقال شيخنا الإسنوي في " التنقيح ": كثيرًا ما تقع الحوالة على دين به رهن أو كفيل، ولم أجد فيها نقلًا، وأجاب فيها البارزي: بانتقالهما إلى المحال؛ لأنهما من صفات الدين، فأشبه الحلول والتأجيل، وقياسًا على الوارث، قال شيخنا: وقد يمنع بأن الراهن والكفيل ربما رضيا بشخص دون شخص، وأما الوارث: فإنه خليفة المورث، ويده كيده، وأما الحلول والتأجيل: فلأن الدين لا يمكن انتقاله إلا بأحدهما. انتهى. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 264). (¬2) انظر " السراج على نكت المنهاج " (3/ 285).

وذكر في " التوشيح ": أن قول " التنبيه " [ص 105]: (وصار الحق في ذمة المحال عليه) قد يفهم أن الدين لا ينتقل بصفته من رهن أو كفيل، بخلاف قول " المنهاج " [ص 264] و" الحاوي " [ص 318]: (ويتحول حق المحتال إلى ذمة المحال عليه) فإن الرهن والكفيل من حق المحتال، وفيه نظر؛ فإن الحق المطلق في " التنبيه " هو حق المحتال، فلا تفاوت حينئذ بين العبارتين، ثم حكى في " التوشيح " عن والده: أنه صوب: أن الدين لا ينتقل بصفته، بل ينتقل مجردًا عن الرهن والكفيل، قال: وقد قاله ابن الصباغ والمتولي والرافعي فيما إذا أحال من له على اثنين ألف، وهما متضامنان على أن يأخذ المحتال من كل واحد خمس مئة؛ إذ قالوا: إنه يبرأ كل منهما عما ضمن، وقاله أيضًا الرافعي في (باب الضمان) فيما إذا كانت الألف على أحدهما والآخر ضامن، فأحال على الأصيل فقط إذ قال: يبرأ الضامن (¬1)، وصرح المتولي بالانفكاك في الرهن أيضًا. 2300 - قول " الحاوي " [ص 318]: (فإن أفلس، أو جحد .. لم يرجع) فيه أمور: أحدها: أنه لو شرط الرجوع بذلك .. فهل تصح الحوالة والشرط، أم الحوالة فقط، أم لا يصحان؟ أوجه لا ترجيح فيها في " الروضة " وأصلها (¬2)، فيرد ذلك على عبارته بتقدير رجحان الوجه الأول، وكذا يرد أيضًا على " التنبيه " و" المنهاج ". ثانيها: أنه لو عبر بالإنكار .. لكان أعم؛ فإن الجحد لغةً: إنكار مع العلم (¬3)، وقد عبر بالجحد أيضًا " المنهاج " (¬4)، واقتصر " التنبيه " على تعذر الرجوع، ولم يمثله (¬5). ثالثها: أنه اقتصر على الإفلاس والجحد، وزاد " المنهاج " [ص 264]: (نحوهما)، وليس ذلك في " الروضة "، ولا في شيء من كتب الرافعي، وأراد به: امتناعه، أو موت البينة بعد موته موسرًا، وهو داخل في قول " التنبيه " [ص 105]: (وإن تعذر من جهته .. لم يرجع) وهل يدخل في ذلك الإقالة حتى لو صدر بين المحيل والمحتال تقايل في الحوالة .. لم يرجع على المحيل؟ يُبنى ذلك على صحة الإقالة في الحوالة، وقد قال شيخنا الإمام البلقيني: إنه كشف عن ذلك مصنفات كثيرة، فلم يجد التصريح بها، وأن الذي ظهر له: الجواز؛ لأن الصحيح: أنها بيع، وأن الخوارزمي صرح بالخلاف في ذلك وبتصحيح الجواز، وقيد المسألة: بأن يكون ذلك بدون إذن المحال عليه، ومقتضاه: أنه إن كان بإذنه .. صح وجهًا واحدًا. قلت: وقد جزم الرافعي بأنه لا تجوز الإقالة في الحوالة، ذكر ذلك في أوائل (التفليس) في ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (5/ 177). (¬2) فتح العزيز (5/ 133)، الروضة (4/ 232). (¬3) انظر " مختار الصحاح " (ص 40). (¬4) المنهاج (ص 264). (¬5) التنبيه (ص 105).

أثناء تعليل في الكلام على موت المشتري مفلسًا قبل وفاء الثمن (¬1)، وقد ظهر بذلك أنه لا يمكن مع تصحيح الإقالة عدم الرجوع على المحيل، بل متى صحت .. رجع عليه، والله أعلم. 2301 - قول " التنبيه " [ص 105]: (وإن أحال المشتري البائع بالثمن على رجل، ثم وجد المشتري بالمبيع عيبًا فرده؛ فإن كان بعد قبض الحق .. لم تنفسخ الحوالة، بل يطالب المشتري البائع بالثمن، وإن كان قبل قبض الحق .. فقد قيل: تنفسخ، وقيل: لا تنفسخ) فيه أمران: أحدهما: أن الأصح: أنه لا فرق بين أن يكون ذلك بعد قبض الحق أو قبله، والأصح في الصورتين: الانفساخ، وعلى ذلك مشى " المنهاج " و" الحاوي " (¬2). ثانبهما: ذكر الرد بالعيب مثال، فلو رده بخيار أو إقالة أو تحالف .. كان الحكم كذلك، وقد ذكر " الحاوي " هذه الصور كلها (¬3)، واقتصر " المنهاج " أيضًا على الرد بالعيب (¬4). واعلم: أن البطلان مبني على أن الحوالة استيفاء، ومقابله مبني على أنها بيع، فالترجيح في الفرع يخالف الترجيح في الأصل، ويحتاج إلى الفرق بين هذه المسألة وبين ما إذا أحالها بصداقها ثم انفسخ النكاح واقتضى الحال الرجوع .. فإن الأصح: أن الحوالة لا تنفسخ، وقد فرقوا: بأن الصداق أثبت من غيره، وفيه نظر (¬5). 2302 - قول " الحاوي " [ص 319]: (وينفسخ بثبوت حرية المبيع) فيه أمور: أحدها: أنه يفهم من تعبيره بالانفساخ: أنها صحت ثم انفسخت، وليس كذلك؛ فلم تنعقد هذه الحوالة من أصلها، وتعبير " التنبيه " و" المنهاج " بـ (البطلان) أرادا به ذلك (¬6). ثانيها: أنه لم يبين ما تثبت به حرية المبيع، وفصل ذلك " المنهاج " بقوله [ص 265]: (ولو باع عبداً وأحال بثمنه، ثم اتفق المتبايعان والمحتال على حريته، أو ثبتت ببينةٍ .. بطلت الحوالة، وإن كذبهما المحتال ولا بينة .. حلّفاه على نفي العلم)، وصورة ثبوتها ببينةٍ: أن تشهد حسبة، أو يقيمها العبد، لا المتبايعان كما حكاه الرافعي عن البغوي والروياني، وأقرهما (¬7)، وجزم به في " الشرح الصغير " لأنهما كذباها بالمعاقدة عليه، لكن الذي حكاه الروياني عن النص، وعليه يدل كلام الرافعي والنووي في الدعاوى، وصححه في " المهمات ": سماع البينة ممن لم يصرح قبل ذلك بالملك. ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (5/ 4). (¬2) الحاوي (ص 319)، المنهاج (ص 264). (¬3) الحاوي (ص 319). (¬4) المنهاج (ص 264). (¬5) انظر " السراج على نكت المنهاج " (3/ 286). (¬6) التنبيه (ص 105)، المنهاج (ص 264). (¬7) انظر " التهذيب " (4/ 167)، و" بحر المذهب " (8/ 64)، و " فتح العزيز " (5/ 139).

ثالثها: ذكر حرية المبيع مثال، فكل ما يمنع الصحة كذلك، ولذلك عبر " التنبيه " بـ (خروجه مستحقًا (¬1). 2303 - قول " التنبيه " [ص 105]: (وإن اختلف المحيل والمحتال، فقال المحيل: " وكلتك في القبض "، وقال المحتال: " بل أحلتني " .. فالصحيح: أن القول قول المحيل، وقيل: القول قول المحتال) فيه أمور: أحدها: في تعبيره بـ (المحيل والمحتال) تجوز؛ لأنه موضع النزاع، والصحيح: أنه لا يثبت بذلك كونه محيلًا؛ ولذلك عبر " المنهاج " بـ (المستحق عليه والمستحق) (¬2). ثانيها: أن صورة المسألة: أن يتفقا على أن المستحق عليه قال: (أحلتك)، ولكنه قال: (أردت الوكالة)، وقال الآخر: (الحوالة)، أما لو اختلفا في صدور لفظ الحوالة .. فالمصدق النافي قطعًا، وقد أوضح " المنهاج " المسألتين، وبين أن الأولى هي موضع الوجهين (¬3). ثالثها: محل تصديق المستحق عليه في الصورة الأولى: ما إذا قال: (أحلتك بمئة على زيد، أو بالمئة التي لي على زيد)، فلو قال: (أحلتك بالمئة التي لك عليّ على المئة التي لي على زيد) .. صدق المستحق قطعًا؛ لأنه لا يحتمل غير الحوالة، وهذا وارد على " المنهاج " أيضًا، وعلى قول " الحاوي " في (الدعاوى) [ص 687]: (والحوالة وإن جرى لفظها) أي: حلف مستحق الحوالة. وتبعت في القطع الرافعي والنووي (¬4)، لكن في " النهاية ": أن بعضهم جعل هذا وجهًا ثالثًا، ثم خالفه الإمام، ورأى الجزم بجعله حوالة (¬5). 2304 - قول " التنبيه " [ص 105]: (وإن قال المحيل: " أحلتك "، وقال المحتال: " بل وكلتني، وحقي باق عليك " .. فالأظهر: أن القول قول المحتال، وقيل: القول قول المحيل) يعود فيه ما سبق من التجوّز في التعبير بالمحيل والمحتال، ومن أن صورة مسألة الوجهين: أن يتفقا على صدور لفظ الحوالة، ويختلفا في المراد به، فلو تنازعا في اللفظ الصادر، هل هو لفظ الحوالة أو الوكالة؟ صدق المستحق قطعًا، ولم ينبه في " المنهاج " على هذا في هذه الصورة، وكأنه اكتفى بما سبق في الأولى. ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 105). (¬2) المنهاج (ص 265). (¬3) المنهاج (ص 265). (¬4) انظر " فتح العزيز " (5/ 140)، و " الروضة " (4/ 236). (¬5) نهاية المطلب (6/ 527).

باب الضمان

بابُ الضَّمان 2305 - قول " المنهاج " [ص 266]: (شرط الضامن: الرشد) أورد عليه أمور: أحدها: أنه يقتضي صحة ضمان المكاتب؛ لأنه رشيد، وليس كذلك؛ إذ ليس أهلًا للتبرع؛ ولذلك قال " الحاوي " [ص 320]: (صح ضمان أهل التبرع)، فأخرج المكاتب، وفي " التنبيه " قولان في ضمانه بإذن السيد (¬1)، والأصح: صحته، وهو داخل في عموم قول " المنهاج " في (الكتابة) في مطلق التبرع [ص 598]: (ويصح بإذن سيده في الأظهر). واعلم: أن الخلاف إنما هو في صحة ضمانه فيما في يده، كما أوضحه في " الكفاية "، واعتبر في " الروضة " صحة العبارة، وأهلية التبرع، واحترز بالأول: عن غير المكلف (¬2)، ولا حاجة به إليه؛ لأن غير المكلف ليس أهلًا للتبرع، فهو حشو، ومع ذلك فأورد عليه: الأخرس المفهوم الإشارة .. فالأصح: صحة ضمانه، ولا عبارة له، وفيه نظر؛ فإن إشارته المفهومة يحصل بها التعبير عن مراده، فهي عبارة له وإن لم تكن لفظًا. وذكر الرافعي: أن الإمام والغزالي احترزا بأهلية التبرع عن السفيه، ثم قال: إنما يظهر كون الضمان تبرعًا حيث لا رجوع، فإن ثبت .. فهو إقراض لا محض تبرع؛ بدليل النص على أن الضمان في مرض الموت بإذن المديون من رأس المال (¬3). واعترضه في " الروضة ": بأن قوله: (إنه ليس تبرعًا) فاسد؛ فإنه لو سُلّم أنه كالقرض .. كان القرض تبرعًا (¬4)، وذكر في " المهمات " أن التبرع إنما هو الأداء. ثانيها: ينبغي أن يقول: (والاختيار) ليخرج المكره، فلا يصح ضمانه ولو كان المكره السيد لعبده، وهو وارد على " الحاوي " أيضًا. ثالثها: أنه يصح الضمان من السكران المتعدي في الأصح وليس برشيد، فإن التزم أنه رشيد إسقاطًا للعارض الزائل - كما هو مقتضى كلامه في البيع - .. لزم صحة ضمان غير المتعدي بسكره من باب أولى، وليس كذلك. وجوابه: أن المراد بالرشد: جواز التصرف، والمتعدي بسكره جائز التصرف، بخلاف المعذور. ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 105، 106). (¬2) الروضة (4/ 241). (¬3) انظر " نهاية المطلب " (7/ 15)، و" الوسيط " (3/ 235)، و" فتح العزيز " (5/ 146، 147). (¬4) الروضة (4/ 242).

رابعها: أن من سفه بعد الرشد ولم يحجر عليه .. يصح ضمانه وغيره من التصرفات، وليس برشيد. وجوابه: أن المذكور رشيد حكمًا، فتناولته عبارته، ولا يرد هذان الأمران على " الحاوي " لأن المتعدي بسكره ومن طرأ له السفه قبل الحجر أهلان للتبرع، وعبارة " التنبيه " [ص 105]: (من صح تصرفه في ماله بنفسه .. صح ضمانه)، فلا يرد عليه سوى الإيراد الأول، وقد ذكر بعد ذلك في ضمانه بإذن السيد قولين، والأصح: صحته، وذكر في " الكفاية ": أنه احترز بقوله: (بنفسه) عن السفيه؛ لأنه يصح تصرفه في ماله بإذن وليه في الأصح، كذا قال، وهو مخالف لما قدمه في الحجر. 2306 - قول " المنهاج " [ص 266]: (وضمان محجورٍ عليه بفلسٍ كشرائه) أي: بثمن في الذمة، فالأصح: الصحة، وقد أفصح بذلك " التنبيه " بقوله [ص 105]: (والمحجور عليه بالإفلاس يصح ضمانه، ويطالب به إذا انفك الحجر عنه). 2307 - قولهما: (إنه لا يصح ضمان العبد بغير إذن سيده في الأصح) (¬1) يستثنى منه: المبعض إذا كان بينهما مهايأة، وضمن في نوبته .. فإنه يصح ضمانه. 2308 - قولهما: (إنه يصح ضمانه بإذنه) (¬2) محله: ما إذا لم يكن الدين لسيده؛ لأن الكسب المؤدى منه ملكه، بخلاف ضمان ما على السيد؛ فإنه يصح (¬3). 2309 - قول " المنهاج " [ص 266]: (فإن عيَّن للأداء كسبه أو غيره .. قُضِيَ منه) دخل في قوله: (غيره) مال التجارة الذي في يده، ومحله: ما إذا لم يكن على المأذون دين، فإن كان .. فالأصح عند النووي: أنه لا يؤدي إلا مما يفضل، وقيل: يشارك، وقيل: يبطل (¬4). ومحل الأوجه: إذا لم يحجر عليه بطلب الغرماء، وإلا .. لم يؤد مما بيده قطعًا؛ ولذلك قال " التنبيه " [ص 106]: (وإن قال للمأذون له: " اضمن في مال التجارة " .. لزمه القضاء منه إلا أن يكون عليه دين) لكن ظاهره: أنه لا يقضي من مال التجارة إذا كان عليه دين مطلقًا مع أنه يؤدي ما فضل عن الدين كما تقدم، ثم إن مال التجارة لا يختص بالتعيين، فلو عيّن للأداء كسبه أو شيئًا من أموال السيد .. كان الحكم كذلك كما في " المنهاج ". 2310 - قول " التنبيه " [ص 106]: (ويصح بإذنه، ويتبع به إذا عتق، وقبل: يؤديه من كسبه أو ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 105، 106)، و" المنهاج " (ص 266). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 106)، و" المنهاج " (ص 266). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (3/ 290). (¬4) انظر " الروضة " (4/ 243).

من مال التجارة إن كان مأذونًا له فيه) الثاني هو الأصح، وعليه مشى " المنهاج " بقوله [ص 266]: (وإلا - أي: أذن ولم يعين - .. فالأصح: أنه إن كان مأذونًا له في التجارة .. تعلق بما في يده وما يكسبه بعد الإذن، وإلا .. فبما يكسبه)، وفي عبارة " المنهاج " شيئان: أحدهما: أن قوله: (بما في يده) يتناول كسب يديه باحتطاب ونحوه، لكن صرح في " المطلب " بعدم دخوله، ويوافقه أن الرافعي قيد ما في يده برأس المال والربح (¬1)، وتعبير " التنبيه " بمال التجارة، وكسب يده ليس من مال التجارة. ثانيهما: أنه قيد الكسب بما بعد الإذن، وكذا في " الروضة " وأصلها (¬2)، وقيده ابن الرفعة بما بعد الضمان، وهو موافق لما ذكروه في الإذن في النكاح من أن المؤن فيما يتجدد بعد النكاح لا بعد الإذن، واستشكل الفرق على الأول، وفرق بينهما: بأن مؤن النكاح إنما تجب بعد النكاح، والدين ثابت قبل الضمان. 2311 - قول " المنهاج " [ص 266]: (والأصح: اشتراط معرفة المضمون له) أي: معرفة الضامن المضمون له، كما أفصح به " التنبيه " و" الحاوي " (¬3)، فأضاف " المنهاج " المصدر إلى المفعول، وهو قليل، والمراد: معرفة العين لا النسب، قاله الماوردي (¬4). ومعرفة وكيل المضمون له كمعرفته، وسواء ذكر الموكل وأضاف إليه أو نواه، قاله ابن الصلاح. 2312 - قوله: (وأنه لا يشترط قبوله ورضاه) (¬5) لو قال: (ولا رضاه) كما في " المحرر " (¬6) .. لكان أحسن؛ لأن بعضهم يشترط الرضا دون القبول. 2313 - قوله: (ولا يشترط رضا المضمون عنه قطعًا) (¬7) كذا في كتب الرافعي والنووي تبعًا للإمام (¬8)، وفيه وجه في " تعليق القاضي حسين ". 2314 - قوله: (ويشترط في المضمون: كونه ثابتًا) (¬9) أي: حقًا ثابتًا، كما في " الروضة " ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (5/ 148). (¬2) فتح العزيز (5/ 148)، الروضة (4/ 243). (¬3) التنبيه (ص 106)، الحاوي (ص 320). (¬4) انظر " الحاوي الكبير " (6/ 168، 169، 433). (¬5) انظر " المنهاج " (ص 266). (¬6) المحرر (ص 189). (¬7) انظر " المنهاج " (ص 266). (¬8) انظر " نهاية المطلب " (7/ 5)، و " المحرر " (ص 189)، و" فتح العزيز " (5/ 144)، و" الروضة " (4/ 240). (¬9) انظر " المنهاج " (ص 266).

وأصلها و" المحرر " و" الحاوي " (¬1)، فيشمل الأعيان المضمونة بناء على الأصح، وهو: صحة ضمان الأعيان، وصحح " التنبيه " خلافه، وعبارته [ص 106]: (ولا تصح الكفالة بالأعيان كالغصوب والعواري، وقيل: تصح)، ولو عبر كما في " الحاوي " بـ (عينٍ تلزم مؤنة ردها) (¬2) .. لكان أحسن؛ ليدخل فيه المغصوب والمستعار والمستام، ويخرج عنه المودع والمستأجر والوكيل؛ فإنه لا يصح ضمان ما في أيديهم، وقد صرحوا بأن العين المستأجرة بعد المدة أمانة شرعية يجب ردها، فينبغي تجويز ضمان ردها على الأصح، ذكره الأمام السبكي، قال: اللهم إلا أن يقال: الواجب في الأمانة الشرعية إما الرد أو الإعلام. ثم اعلم: أن المراد بضمان الأعيان: ضمان ردها، أما ضمان قيمتها لو تلفت .. فالأصح: منعه، والمراد: ثبوته باعتراف الضامن وإن لم يئبت على المضمون عنه؛ ففي الرافعي في أواخر (الإقرار): لو قال شخص: لزيد على عمرو ألف، وأنا ضامنه، فأنكر عمرو .. فلزيد المطالبة في الأصح (¬3). 2315 - قول " التنبيه " [ص 106]: (ويصح ضمان الدرك على المنصوص) شرطه: أن يكون بعد قبض البائع الثمن، كما صرح به " المنهاج " و" الحاوي " (¬4). 2316 - قول " المنهاج " [ص 266]: (وهو: أن يضمن للمشتري الثمن إن خرج المبيع مستحقًا أو معيبًا أو ناقصًا لنقص الصنجة) فيه أمران: أحدهما: أنه يرد عليه ضمان الدرك للبائع، وهو: أن يضمن له المبيع إن خرج الثمن المعين مستحقًا أو معيبًا أو ناقصًا لنقص الصنجة، وليس في عبارة " الحاوي " تخصيص ذلك بكون الضمان للمشتري، إلا أن يؤخذ ذلك من قوله: (بعد قبض الثمن) (¬5). ثانيهما: أن قوله: (أو ناقصًا) أي: المبيع، فيه نقص عما تشمله عبارة " المحرر " فمانها تشمل: الصنجة الموزون بها المبيع، فيضمن نقصها للمشتري. والموزون بها الثمن، فيضمن نقصها للبائع. وكذا يتناول الصورتين قول " الحاوي " [ص 320]: (ونقصان الصنجة) وصور الرافعي الصورة ¬

_ (¬1) المحرر (ص 189)، فتح العزيز (5/ 149)، الحاوي (ص 320)، الروضة (4/ 244). (¬2) الحاوي (ص 322). (¬3) فتح العزيز (5/ 363). (¬4) الحاوي (ص 321)، المنهاج (ص 266). (¬5) الحاوي (ص 320).

الأولى: بأن يبيع شيئًا بشرط أن وزنه كذا؛ فإنه إذا خرج دونه .. بطل البيع في قولٍ، وثبت الخيار في قولٍ (¬1). وألجأه إلى ذلك كون المسألة في ضمان الثمن عند نقص المبيع، لكن اعترض عليه: بأنه لا يطابق قولنا: نقص لنقص الصنجة، وإنما نقص عما ذكره. ومن صور نقص الصنجة: أن يقول: (بعتك رطلًا من هذا)، ويزنه بصنجة يدعي أنها رطل، فيضمن له ضامن نقصها، لكنه لا يكون ضامنًا للثمن، بل لما نقص. 2317 - قول " الحاوي " [ص 321]: (ويشملها ضمان الدرك) يقتضي أنه إذا لم يعين الضامن جهة، بل أطلق ضمان الدرك .. طولب إذا بأن الفساد بشرطٍ أو غيره، أو رُدّ بعيبٍ، والأصح عند الرافعي في " الشرح الصغير " والنووي في " الروضة ": خلافه (¬2). 2318 - قول " المنهاج " [ص 266]: (لازمًا) زاد " الحاوي " [ص 321]: (أو أصله اللزوم)، وعبارة " التنبيه " [ص 106]: (أو يؤول إلى اللزوم). - 2319 - قول " المنهاج " [ص 266]: (لا كنجوم كتابة)، قال شيخنا ابن النقيب: الإتيان بالكاف يشعر بغير هذه الصورة، ولم أره. نعم؛ لو ضمن عن المكاتب غير النجوم لأجنبي .. صح، أو للسيد؛ فإن قلنا: دينه يسقط بعجزه وهو الأصح .. لم يصح، وإلا .. فيصح؛ فهذه صورة ثانية على وجه. انتهى (¬3). وكذا عبارة " التنبيه " [ص 106]: (فأما ما ليس بلازم ولا يؤول إلى اللزوم؛ كدين المكاتب .. فلا يصح ضمانه). 2325 - قول " المنهاج " [ص 266]: (ويصح ضمان الثمن في مدة الخيار في الأصح) وعبارة " التنبيه " [ص 106]: (أو يؤول إلى اللزوم كثمن المبيع في مدة الخيار)، قال المتولي: محل الخلاف إذا كان الخيار للمشتري، أو لهما، أما إذا كان للبائع وحده .. فيصح قطعًا؛ لأن الدين لازم في حق من هو عليه، وأفره عليه الرافعي والنووي (¬4). واستشكله في " المهمات ": بأنه إذا كان الخيار للبائع .. فالملك في المبيع له بلا خلاف، أو على الصحيح .. فلا ثمن حينئذ على المشتري فضلًا عن كونه لازمًا، فكيف يصح ضمانه بلا خلاف مع حكاية الخلاف في عكسه؟ انتهى. ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (5/ 152). (¬2) الروضة (4/ 246، 247). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (3/ 295). (¬4) انظر " فتح العزيز " (5/ 156)، و" الروضة " (4/ 250).

تنبيه [شروط المضمون]

ويوافقه ما أشار إليه الإمام أن تصحيح الضمان مفرع على أن الخيار لا يمنع نقل الملك في الثمن إلى البائع، وإلا .. فهو ضمان ما لم يجب؛ أي: إذا كان الخيار للبائع وحده، فالأصح: أن ملك المبيع له، وملك الثمن للمشتري (¬1). 2321 - قول " التنبيه " [ص 106]: (ومال الجعالة) أي: قبل فراغ العمل. هو وجه، الأصح: خلافه، ولا يصح أن يُعد مال الجعالة مما يؤول إلى اللزوم؛ فإنه لا يؤول إلى اللزوم بنفسه؛ ولذلك قال " المنهاج " [ص 266]: (وضمان الجُعْلِ كالرهن به) أي: فيصح بعد الفراغ خاصة. تَنْبِيْه [شروط المضمون] اقتصر " التنبيه " و" المنهاج " و" الحاوي " على ذكر ثلاثة شروط للمضمون: كونه ثابتًا، ولازمًا، ومعلومًا، وكذا في " الروضة " وأصلها (¬2)، وأهملوا شرطًا رابعًا نبه عليه الغزالي، وهو: كونه قابلًا لأن يتبرع الإنسان به على غيره، فيخرج القصاص وحد القذف ونحوهما (¬3). 2322 - قول " المنهاج " [ص 266]: (والإبراء من المجهول باطلٌ في الجديد) مأخذهما أنه تمليك أو إسقاط، فالجديد على الأول، والقديم على الثاني، ومقتضى البناء: تصحيح أنه تمليك، ولكن الصحيح: أنه لا يشترط علم المديون، وبنوه على أنه إسقاط، وجزم الرافعي في موضع بالإسقاط (¬4)، وقال النووي في (باب الرجعة) من زوائده: المختار: أنه لا يطلق ترجيح واحد منهما، بل يختلف بحسب المسائل؛ لظهور دليل أحد الطرفين (¬5). وقال السبكي: الصحيح: أنه إسقاط، ولكن اختلفوا، هل هو محض إسقاط كالإعتاق، أم تمليك للمديون ما في ذمته، فإذا ملكه .. سقط؟ على طريقين في " التتمة "، سماهما الرافعي رأيين (¬6)، قال السبكي: فهو إسقاط فيه شائبة التمليك؛ ولهذا صح بلفظ التمليك، وجاز بيع الدين ممن عليه، وانتقل إلى الوارث، ولكن شائبة الإسقاط أغلب، ولا خلاف في أن المقصود به ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (7/ 10). (¬2) التنبيه (ص 106)، الحاوي (ص 320، 321)، المنهاج (ص 266)، فتح العزيز (5/ 149)، الروضة (244/ 4). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (3/ 296). (¬4) انظر " فتح العزيز " (5/ 156). (¬5) الروضة (8/ 223). (¬6) انظر " فتح العزيز " (5/ 157).

فصل [في شروط صحة كفالة البدن]

الإسقاط، وأن هذا المقصود حاصل منه، وإنما الخلاف في حقيقته في ذاته، ولا يترتب على تحقيق ذلك كبير فائدة، وإنما الفائدة في التفاريع، فمنها: الإبراء عن المجهول، قال الرافعي: إن قلنا: إسقاط .. صح، أو تمليك .. فلا، وهو ظاهر المذهب (¬1)، قال السبكي: يعني: عدم صحة الإبراء عن المجهول، لا أن الإبراء تمليك؛ لأن المشهور خلافه، ثم بسط ذلك. 2323 - قول " التنبيه " [ص 106]: (وقيل: يصح ضمان إبل الدية) هو الأصح، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " (¬2). 2324 - قول " المنهاج " [ص 267]: (ولو قال: " ضمنت مِمَّا لك على زيدٍ من درهمٍ إلى عشرةٍ " .. فالأصح: صحته) يقتضي أن الخلاف وجهان وكذا في " المحرر "، ورجحه في " أصل الروضة " (¬3)، لكن رجح في " الشرح الصغير ": أن الخلاف قولان. 2325 - قوله: (وأنه يكون ضامنًا لعشرة) (¬4) كذا في " المحرر " (¬5)، واستدرك عليه " المنهاج " فقال [ص 267]: (الأصح: لتسعة)، وكذا في " الحاوي " وقال [ص 321]: (كالإقرار)، وصحح في " المحرر " في (الإقرار): لزوم تسعة (¬6)، ولم يصحح في " الشرحين " في البابين شيئًا، بل نقل تصحيح العشرة هنا وهناك عن البغوي، ونقل هناك: تصحيح التسعة عن العراقيين والغزالي (¬7). وفي نظيره من الطلاق من واحدة إلى ثلاث: ظاهر ترجيح " أصل الروضة ": وقوع الثلاث (¬8)، وفي " التنبيه ": يقع ثنتان، وأقره في " التصحيح " (¬9). فصلٌ [في شروط صحة كفالة البدن] 2326 - قول " التنبيه " [ص 106]: (وفي كفالة البدن قولان، أصحهما: أنها تصح) شرطه فيما إذا كان على المكفول ببدنه مال: ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (5/ 157). (¬2) الحاوي (ص 321)، المنهاج (ص 266). (¬3) المحرر (ص 190)، الروضة (4/ 252). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 267). (¬5) المحرر (ص 190)، وفيه: (وأنه يكون ضامنًا لتسعةٍ). (¬6) المحرر (ص 204). (¬7) انظر " التهذيب " (4/ 179، 239)، و " فتح العزيز " (5/ 158، 314). (¬8) الروضة (8/ 85). (¬9) التنبيه (ص 176)، تصحيح التنبيه (2/ 61).

أن يكون ذلك المال مما يصح ضمانه، فلا تصح ببدن المكاتب للنجوم، وقد ذكره " المنهاج " و" الحاوي " (¬1). وأن يكون المكفول ببدنه يستحق حضوره مجلس الحكم عند الاستعداء، وقد ذكره " الحاوي " (¬2). 2327 - قول " التنبيه " [ص 107]: (وإن تكفل بجزءٍ شائع من الرجل، أو بما لا يمكن فصله عنه - أي: مع الحياة - فالكبد والقلب .. صح) أقره عليه النووي في " تصحيحه " (¬3)، واقتصر " الحاوي " على الصورة الثانية، فقال [ص 321]: (وبما لا يبقى دونه). وفي " الروضة " وأصلها في هذه الصورة أربعة أوجه بلا ترجيح: البطلان، وبه قال أبو حامد وأبو الطيب وابن الصباغ. والصحة. والفرق بين ما يبقى البدن دونه أم لا، وصححه البغوي. والفرق بين ما يعبر به عن جميع البدن؛ كالرأس والرقبة .. فيصح، وإلا .. فلا، وصححه القفال، ثم ذكر أن الجزء الشائع كالجزء الذي لا يبقى البدن دونه، فيكون فيه الوجهان، ثم زاد في " الروضة ": أن صاحب " الحاوي " قطع بالصحة فيما لا يحيى دونه أو جزء شائع (¬4). 2328 - قول " التنبيه " [ص 107]: (وإن تكفل ببدن من عليه قصاص أو حد قذف .. صح) تعبير " المنهاج " بـ (عقوبة لآدمي) (¬5) أعم؛ لدخول التعزير فيها، ويوافقه تعبير " الحاوي " لأنه لم يستثن سوى حق الله تعالى (¬6). 2329 - قول " التنبيه " [ص 106، 107]- والعبارة له - و" المنهاج " [ص 267]: (وإن تكفل ببدن من عليه حد لله تعالى .. لم يصح) قد يقتضي جواز التكفل ببدن من عليه تعزير لله، وقد خرج ذلك بقول " الحاوي " [ص 321]: (لا لحق الله) لكن يرد عليه الزكاة؛ فإنه يصح ضمانها عمن هي عليه على الصحيح مع أنها حق الله تعالى. 2330 - قول " المنهاج " [ص 267]: (وتصح ببدن صبيٍ ومجنونٍ) أي: بإذن وليهما؛ لأنه قد ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 321)، المنهاج (ص 267). (¬2) الحاوي (ص 321). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 331). (¬4) الروضة (4/ 262، 263)، وانظر " التهذيب " (4/ 192)، و" الحاوي الكبير " (6/ 465). (¬5) المنهاج (ص 267). (¬6) الحاوي (ص 321).

يجب إحضارهما ليشهد على صورتهما في الإتلاف وغيره، وحينئذ .. فله مطالبة الولي بإحضارهما عند الحاجة (¬1). 2331 - قوله: (وغائب) (¬2) فيه أمران: أحدهما: أن محله على الأصح: ما إذا تقدم منه الإذن. ثانيهما: ظاهر إطلاقه أنه لا فرق بين أن يغيب إلى موضع يلزمه الحضور منه أم لا؛ بأن غاب إلى فوق مسافة العدوى وثم حاكم (¬3)، وبه صرح الرافعي، لكنه حكى في موضع آخر عن الإمام: الجزم بعدم الصحة من مسافة القصر، وأقره، لكنه قال بعد ذلك: إنه تفريع على أنه لا يلزمه الحضور منه (¬4)، والأصح: خلافه، ومال في " المطلب " إلى عدم الصحة؛ لأنه التزام ما لا يلزم. وقال السبكي: إن ما في " المنهاج " ظاهر إذا كان دون العدوى أو فوقها وتكفل بإحضاره إلى مكان يلزمه الحضور فيه، وإلا .. فالصحيح: أنه إنما يلزمه الحضور من مسافة العدوى إذا لم يكن ثم حاكم، ففوقها أو ثم حاكم فيها .. لا ينبغي أن يصح بلا شك إذا لم يأذن، فإن أذن .. فقد يقال: لا يصح أيضًا؛ لأنه التزام ما لا يلزم، وإذنه لا يغير الحكم. انتهى (¬5). 2332 - قوله: (وميتٍ ليُحْضِرَهُ فَيشْهَدَ على صورته) (¬6) فيه أمور: أحدها: أن محل ذلك: إذا لم يعرف بنسبه. ثانيها: أن محل ذلك: قبل الدفن، وإلا .. لم تصح الكفالة وإن لم يتغير كما دل عليه كلامهم فيما إذا مات بعد الكفالة، قاله شيخنا الإسنوي. ثالثها: قال في " المطلب ": إذا شرطنا إذن المكفول ببدنه .. فيظهر اشتراط إذن الوارث (¬7). قال في " المهمات ": سكت عمن يعتبر إذنه، والظاهر: أنه جميع الورثة. ¬

_ (¬1) انظر" السراج على نكت المنهاج " (3/ 299). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 267). (¬3) مسافة العدوى: هي التي يمكن قطعها في اليوم الواحد ذهابًا وإيابًا، وأما لفظ (العدوى): ففي " الصحاح ": أنه الاسم من الإعداء وهي المعونة، يقال: أعدى الأمير فلانًا على فلان؛ أي: أعانه عليه، والعدوى أيضًا: ما يعدي من جرب وغيره، وهو مجاوزته من صاحبه إلى غيره، فقيل لهذه المسافة: مسافة العدوى؛ لأن القاضي يعدي من استعداه على الغائب عليها فيحضره، ويمكن أن يُجعل من الإعداء بالمعنى الثاني لسهولة المجاوزة من أحد الموضعين إلى الآخر. انظر " فتح العزيز " (7/ 562). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (7/ 17)، و" فتح العزيز " (5/ 161). (¬5) انظر " السراج على نكت المنهاج " (3/ 299). (¬6) انظر " المنهاج " (ص 267). (¬7) انظر " السراج على نكت المنهاج " (3/ 300).

2333 - قول " المنهاج " [ص 267]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 322]: (ويبرأ الكفيل بتسليمه في مكان التسليم بلا حائلٍ كمتغلبٍ) يقتضي عدم البراءة بتسليمه في غير مكان التسليم، وهو كذلك إذا كان للمضمون له غرض في الامتناع، فإن لم يكن له غرض .. قال الرافعي: فالظاهر: لزوم قبوله، فإن أبى .. رفعه إلى الحاكم؛ ليتسلمه عنه، فإن لم يكن حاكم .. أشهد شاهدين أنه سلمه له (¬1). ونظير ذلك قول " التنبيه " [ص 107]: (وإن أحضره قبل المحل وليس عليه ضرر في قبوله .. وجب قبوله) فلو قال: (ضمنت إحضاره كلما طلبه المكفول له) .. فهذا قد يتبادر إلى الفهم أنه يتكرر، ولا يخرج عن العهدة ما دام طلبه ثابتًا على المكفول ببدنه. وقال شيخنا الإمام البلقيني: الذي يقتضيه النظر السديد: أنه لا يلزم غير المرة الواحدة، وأنه يكون مقتضى التكرير تعليق الضمان على طلب المكفول له، وتعليق الضمان باطل (¬2). 2334 - قول "التنبيه " [ص 107]: (وإن سلّم المكفول به نفسه .. برئ الكفيل) شرطه أن يقول: (سلّمت نفسي عن جهة الكفيل) ولا يكفي مجرد تسليمه نفسه، صرح به " المنهاج " و"الحاوي " (¬3). وقد يفهم من عبارتهم: أن الكفيل لا يبرأ بتسليم أجنبي للمكفول، وليس على إطلاقه، بل يبرأ أيضًا بتسليمه عن الكفيل بإذنه، وكذا بلا إذن إن قبل المكفول. 2335 - قول " التنبيه " [ص 107]: (وإن غاب .. لم يطالبه حتى يمضي زمان يمكن المضي فيه إليه) لا بد من اعتبار مدة الرجوع أيضًا، وقد صرح به " المنهاج " و" الحاوي " (¬4)، وشرط إلزامه بإحضاره: أمن الطريق، وألَّا يكون ثم من يمنعه منه. 2336 - قول " المنهاج " [ص 267]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 322]: (فإن مضت ولم يُحضره .. حُبِسَ) شرط الحبس: ألَّا يؤدي الدين، وإذا أدَّى ثم حضر المكفول ببدنه .. فالمتجه - كما قال شيخنا الإسنوي -: أن له استرداده (¬5). 2337 - قول " التنبيه " [ص 107]: (وإن مات .. سقطت الكفالة) فيه أمران: أحدهما: أن الأصح عند الرافعي والنووي: أنه إذا لم يكن مشهور النسب واحتيج إلى إقامة الشهادة على عينه .. أنه يطالب بإحضاره ما لم يدفن (¬6)، ولهذا قال " المنهاج " [ص 268]: ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (5/ 163). (¬2) انظر " حاشية الرملي " (2/ 242). (¬3) الحاوي (ص 322)، المنهاج (ص 267). (¬4) الحاوي (ص 322)، المنهاج (ص 267). (¬5) انظر " السراج على نكت المنهاج " (3/ 301). (¬6) انظر " فتح العزيز " (5/ 165)، و" الروضة " (4/ 258).

فصل [شروط الضمان والكفالة]

(والأصح: أنه إذا مات ودفن .. لا يطالب الكفيل بالمال)، لكن الحق: أن التقييد بالدفن إنما يحتاج إليه إذا كان الكلام في سقوط الكفالة كما في " التنبيه "، فأما إذا كان الكلام في عدم المطالبة بالمال كما في " المنهاج " .. فلا يحتاج إليه، بل يستوي في الوجهين قبل الدفن وبعده؛ ولهذا لم يذكر " الحاوي " هذا القيد لما كان كلامه في لزوم المال، وقد ذكر ذلك شيخنا الإسنوي، لكن في " شرح السبكي " ما يخالفه، ويميل إلى تصويب التقييد. ثانيهما: في معنى موته في عدم المطالبة بالمال: هربه وتواريه، وقد ذكره " الحاوي " (¬1)، ولم يذكره " المنهاج "، وقد يقال: إنما لم يذكره " التنبيه " لأنه قال: (سقطت الكفالة)، والكفالة لا تسقط بهربه وتواريه، وإنما تتأخر المطالبة، لكنه يرد على " المنهاج " فإنه قال [ص 268]: (لا يطالب بالمال)، وهذا مشترك بين الصور كلها. 2338 - قول " التنبيه " [ص 107]: (وقيل: يطالب الكفيل بما عليه من الحق) فيه أمران: أحدهما: ظاهر كلامه: أن هذا الوجه مطلق، وقال السبكي والإسنوي: ظاهر كلامهم أن محله: إذا لم يخلِّف المكفول وفاءً، وهذا ينكت به على إطلاق " المنهاج " الوجهين أيضًا. ثانيهما: أن تعبيره بالحق يتناول العقوبة مع أنه لا يطالب بها جزمًا؛ ولذلك عبر " المنهاج " و" الحاوي ": بالمال (¬2)، وقال النووي في " الروضة " - تفريعًا على المطالبة -: المختار: المطالبة بالدين (¬3). 2339 - قول " التنبيه " [ص 107]: (وإن تكفل به بغير إذنه .. لم يصح، وقيل: يصح)، وعبارة " المنهاج " [ص 268]: (وأنها لا تصح بغير رضا المكفول) محل الوجه المرجوح: ما إذا تكفل بعد ثبوت المال، أما قبله: فلا يصح بدون إذن قطعًا، حكاه في " الكفاية " عن القاضي حسين، ولا بد من التنبيه هنا على ما تقدم من أن الكفالة ببدن الصبي والمجنون يعتبر فيها إذن وليه، وببدن الميت يعتبر فيها إذن وارثه. فصلٌ [شروط الضمان والكفالة] 2340 - قول " المنهاج " [ص 268]: (يشترط في الضمان والكفالة لفظٌ يُشعر بالالتزام) يخرج الخط وإشارة الأخرس مع أن الضمان ينعقد بهما، وهذا يرد أيضًا على قول " الحاوي " [ص 322]: ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 322). (¬2) الحاوي (ص 322)، المنهاج (ص 268). (¬3) الروضة (4/ 258).

(بلفظ الالتزام)، وقول " المنهاج " تبعًا لـ" المحرر ": (يشعر) (¬1) قال السبكي: إنه أحسن من قول " الروضة " وأصلها: (صيغة دالة) (¬2) لأن الضمان بالكناية صحيح؛ إما قطعًا، وإما على الأصح، وهي مشعرة لا دالة (¬3). 2341 - قول " المنهاج " [ص 268] و" الحاوي " [ص 322]: (كـ " ضمنت دينك ") زاد في " المحرر " و" الشرح " و" الروضة ": (لك) (¬4). 2342 - قولهما أيضًا - والعبارة لـ" المنهاج " -: (ولو قال: " أُؤدي المال أو أُحضر الشخص " .. فهو وعدٌ) (¬5) محله: عند عدم القرينة، أما معها .. فقال في " المطلب ": ينبغي أن يصح، قال: ولكني لم أره، وأيده السبكي بشيء من كلام الماوردي وغيره (¬6). 2343 - قول " المنهاج " [ص 268]: (والأصح: أنه لا يجوز تعليقهما بشرطٍ) أورد عليه: أنه لا يحسن التعبير فيهما بالأصح؛ إذ ليس الخلاف فيهما على السواء، وعبارة " الروضة " في تعليق الضمان: لم يصح على المذهب، كما لا يصح مؤقتًا، وعن ابن سريج: إذا جاز على القديم ضمان المجهول وما لم يجب .. جاز التعليق، وأما الكفالة: فإن جوزنا تعليق ضمان المال .. فأولى، وإلا .. فوجهان كتعليق الوكالة، والفرق: أن الكفالة مبنية على الحاجة. انتهى (¬7). 2344 - قول " الحاوي " [ص 323]: (لا تأخيرٍ معلومٍ في الإحضار) أحسن من قول " المنهاج " [ص 268]: (ولو نجزها وشرط تأخير الإحضار شهرًا .. جاز) لتصريح " الحاوي " بأنه لا بد من العلم بالأجل، وذلك مأخوذ من قول " المنهاج ": (شهرًا)، وهما معًا أحسن من قول " التنبيه " [ص 107]: (وإن شرط فيه أجلًا .. طولب به عند المحل) فإنه ليس فيه تصريح باشتراط كون الأجل معلومأ؛ فإنه قد يتناول ما إذا أجل بالحصاد والقطاف، وهو باطل في الأصح. 2345 - قول " الحاوي " [ص 323]- والعبارة له - و" التنبيه " [ص 107]: (بلا شرط خيار) أي: للضامن، فإن شرط للمضمون له .. لم يضر كما في " الروضة " وأصلها (¬8)، ويوافقه تقييد " التعليقة " ذلك بما إذا شرطه لنفسه، ووقع في " توضيح البارزي الكبير ": أنه لا يصح بشرط الخيار لنفسه أو غيره، وهو مردود. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 191). (¬2) فتح العزيز (5/ 167)، الروضة (4/ 260). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (3/ 302). (¬4) المحرر (ص 191)، فتح العزيز (5/ 167)، الروضة (4/ 260). (¬5) انظر " الحاوي " (ص 323)، و" المنهاج " (ص 268). (¬6) انظر " السراج على نكت المنهاج " (3/ 303). (¬7) الروضة (4/ 260، 261). (¬8) فتح العزيز (5/ 167)، الروضة (4/ 260).

2346 - قول " المنهاج " [ص 268] و" الحاوي " [ص 323]: (ويصح ضمان الحال مؤجلًا) زاد " المنهاج " [ص 268]: (أجلًا معلومًا) وهو أحسن من قول " المحرر ": (ضمان المال الحال) (¬1) لشمول عبارتهما من تكفل كفالة مؤجلة ببدن من تكفل بغيره كفالة حالة. 2347 - قول " المنهاج " [ص 268]: (وللمستحق مطالبة الضامن والأصيل) أعم من قول " المحرر " و" الروضة ": (وللمضمون له) (¬2) فإنه يشمل الوارث، ولكنه يدخل المحتال مع أنه لا يطالب الضامن؛ لأن ذمته قد برئت بالحوالة (¬3). 2348 - قولهم: (وإن أبرأ الأصيل .. برئ الكفيل) (¬4) لو قالوا: (وإن برئ الأصيل) .. لكان أكثر فائدة؛ لشموله ما إذا برئ الأصيل من غير إبراء، بل بأداء أو حوالة أو اعتياض. 2349 - قولهم: (ولو مات أحدهما .. حل عليه دون الآخر) (¬5) أحسن من قول " المحرر ": (ولو حل على أحدهما بموته) (¬6) لإفادة العبارة الأولى الحلول بالموت مطلقًا (¬7). 2350 - قول " المنهاج " [ص 268]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 323]: (وإذا طالب المستحق الضامن .. فله مطالبة الأصيل بتخليصه بالأداء إن ضمن بإذنه) قد يفهم من مطالبته: جواز حبسه، والأصح: خلافه، وعليه مشى " الحاوي " فقال [ص 323]: (ولا حبسه إن حبس)، وهو مشكل؛ لأنه إذا انتفى الحبس .. لا يبقى للمطالبة فائدة؛ فإنه لا يبالي بها لا سيما وقد زاد ابن الرفعة في " المطلب " على ذلك: أنه لا يرسم عليه أيضًا؛ ولذلك صحح السبكي: جواز حبسه، وكذا قال شيخنا في " المهمات ": المتجه عند من أثبت له المطالبة بالخلاص: أن يجوز حبسه عند امتناعه من هذا الحق. انتهى. ولو ضمن بإذن الولي في صورة الصغير والمجنون .. طالب الولي (¬8)، فلو اتفق ذلك بعد رشدهما .. فالمتجه: مطالبتهما، وإذن الولي في حالة الحجر يقوم مقام إذنهما، ولم أر من تعرض لذلك، والله أعلم. 2351 - قول " المنهاج " [ص 269]: (وللضامن الرجوع [على الأصيل] (¬9) إن وُجد إذنه في ¬

_ (¬1) المحرر (ص 191). (¬2) المحرر (ص 191)، الروضة (4/ 264). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (3/ 305). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 106)، و " الحاوي " (ص 323)، و" المنهاج " (ص 268). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 106)، و" الحاوي " (ص 323)، و" المنهاج " (ص 268). (¬6) المحرر (ص 191). (¬7) انظر " السراج على نكت المنهاج " (3/ 305). (¬8) انظر " السراج على نكت المنهاج " (3/ 306). (¬9) ما بين معقوفين زيادة لازمة من " المنهاج ".

الضمان والأداء) ليس فيه تصريح بوجود الأداء، مع أن الرجوع متوقف عليه بلا شك؛ ولهذا قال في " المحرر ": (إذا ضمن وأدى بإذنه) (¬1) وصدر " التنبيه " المسألة بقوله [ص 106]: (وإن قضى الكفيل الدين). 2352 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (وإن أذن في الضمان فقط .. رجع في الأصح) (¬2) صورة المسألة: أن يسكت عن الأداء، فلو نهاه عنه .. قال شيخنا الإسنوي: يتجه أنه إن نهاه بعد الضمان .. لم يؤثر، أو قبله؛ فإن انفصل عن الإذن .. فهو رجوع، أو اتصل به .. أفسده. انتهى (¬3). ويستثنى منه: ما إذا كان الضمان بالإذن قد ثبت بالبينة وهو منكر، كما إذا ادعى على زيد وعلى غائب ألفًا، وأن كلًا منهما ضمن ما على الآخر، فأنكر زيد، فأقام المدعي بذلك بيّنة، وأخذ من زيد .. فالأصح: أن زيدًا لا يرجع على الغائب بالنصف إذا كان مكذبًا للبينة؛ لأنه مظلوم بزعمه، فلا يطالب غير ظالمه. 2353 - قولهم فيما إذا أذن في الأداء دون الضمان: (إنه لا يرجع) (¬4) يستثنى منه: ما إذا أذن في الأداء بشرط الرجوع .. فصحح النووي: أنه يرجع، وهو أحد احتمالي الإمام (¬5)، وحكاه في " الكفاية " عن الماوردي (¬6). 2354 - قولهم - والعبارة لـ" المنهاج " -: (أو صالح عن مئةٍ بثوبٍ قيمته خمسون .. فالأصح: أنه لا يرجع إلا بما غَرِمَ) (¬7) خرج به ما إذا باعه الثوب بمئة ثم تقاصا .. فإنه يرجع بالمئة قطعًا، ولو باعه الثوب بما ضمنه له عن فلان .. فالمختار في " الروضة " من زوائده: أنه يصح البيع، ويرجع بما ضمنه لا بالأقل (¬8)، وادعى في " التوشيح " ورود هذه الصورة على قول " التنبيه " [ص 106]: (وإن دفع إليه عن الدين ثوبًا) دون تعبير " المنهاج ": بالمصالحة، وهو محتمل. 2355 - قول " المنهاج " [ص 269]: (ثم إثما يرجع الضامن والمؤدِّي إذا أشهدا بالأداء رجلين أو رجلًا وامرأتين) يكفي كونهما مستورين - وقد ذكر ذلك "الحاوي " (¬9) - ولو بأن فسقهما في الأصح. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 192). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 106)، و " الحاوي " (ص 324)، و " المنهاج " (ص 269). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (3/ 306، 307). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 106)، و " الحاوي " (ص 324)، و " المنهاج " (ص 269). (¬5) انظر " نهاية المطلب " (7/ 7)، و" الروضة " (4/ 266). (¬6) انظر " الحاوي الكبير " (6/ 438). (¬7) انظر " التنبيه " (ص 106)، و" الحاوي " (ص 324)، و " المنهاج " (ص 269). (¬8) الروضة (4/ 267). (¬9) الحاوي (ص 324).

قال السبكي: وعندي أنه لا بد أن يعدلهما حاكم، لكن لو كان يعلم عدالتهما، وكانا ممن يزكيان عند الحاجة .. كفى، ولا يكفي إشهاده من يُعْلَم سفره عن قرب (¬1). 2356 - قول " المنهاج " [ص 269]: (وكذا رجلٌ ليحلف معه في الأصح) محلهما: أن يموت الشاهد، أو يغيب، أو ترفع الواقعة إلى حنفي لا يقضي بشاهد ويمين، أما لو حضر وشهد وحلف معه عند من يحكم به .. رجع قطعًا، حكاه في " المطلب " عن جماعة (¬2). 2357 - قوله: (فإن لم يُشْهِد .. فلا رجوع إن أدى في غيبة الأصيل وكذبه، وكذا إن صدقه في الأصح) (¬3) محلهما: إذا لم يأمره الأصيل بالإشهاد، فإن أمره به، فلم يفعل .. لم يرجع جزمًا، وإن أذن له في تركه .. رجع، ذكرهما الروياني في " البحر " (¬4). 2358 - قوله: (فإن صدقه المضمون له أو أدى بحضرة الأصيل .. رجع على المذهب) (¬5) عبر في " الروضة " في الأولى بـ (الأصح)، وفي الثانية بـ (الصحيح) (¬6). 2359 - قول " التنبيه " [ص 106]: (فإن شرط ضمانًا فاسدًا في بيع .. بطل البيع في أحد القولين) هو الأصح. 2360 - قوله: (فإن قال: " ألق متاعك في البحر وعليّ ضمانه " فألقاه .. لزمه ضمانه) (¬7) أطلق الضمان، وشرطه: أن تشرف السفينة على الغرق، وأن يكون فيها غير مالك المتاع. ¬

_ (¬1) انظر " السراج على نكت المنهاج " (3/ 308). (¬2) انظر " السراج على نكت المنهاج " (3/ 308، 309). (¬3) انظر " المنهاج " (ص 269). (¬4) بحر المذهب (8/ 96). (¬5) انظر " المنهاج " (ص 269). (¬6) الروضة (4/ 271، 272). (¬7) انظر " التنبيه " (ص 106).

كتاب الشركة

كتابُ الشّركة 2361 - قول " التنبيه " [ص 107]: (وأما شركة الأبدان، وهي شركة ما يكتسبان بأبدانهما، فهي باطلة) يقتضي حصرها في الكسب بالبدن دون المال، وأكّده بقوله بعده في شركة المفاوضة: (وهو أن يشتركا على ما يكتسبان بأموالهما وأبدانهما) (¬1)، وقول " المنهاج " [ص 270]: (ليكون بينهما كسبهما) قد يقتضي دخول المال في ذلك، لكنه قال أولًا: (كشركة الحمَّالين وسائر المحترفة)، وقال ثانيًا: (مع اتفاق الصنعة أو اختلافها) (¬2)، وذلك يفهم أن الكلام في كسب البدن، وعبارة " المحرر ": (ما يكسبان ويربحان) (¬3)، وذلك يقتضي دخول كسب المال؛ فلذلك حمل شيخنا ابن النقيب قول " المنهاج ": (كسبهما) على كسب البدن والمال من غير خلط، قال: وإليه أشار في " المحرر " بقوله: (ما يكسبان ويربحان)، وفي " الروضة " نحوه. انتهى (¬4). وفيه نظر؛ فعبارة " الروضة " في ذلك كعبارة " المنهاج "، لا كعبارة " المحرر " (¬5). 2362 - قولهما - والعبارة لـ" المنهاج " -: (وشركة الوجوه؛ بأن يشترك الوجيهان ليبتاع كلٌّ منهما بمؤجل لهما، فإذا باعا .. كان الفاضل عن الأثمان بينهما) (¬6)، قال في " الروضة ": لها صور، هذه أشهرها، والثانية: أن يبتاع وجيه في الذمة ويفوض بيعه إلى خامل ليكون الربح بينهما، والثالثة - وبها فسر ابن كج والإمام -: أن يشترك وجيه فقير وخامل له مال ليكون العمل من الوجيه والمال من الخامل، والمال بيده لا يسلمه إلى الوجيه، والربح بينهما، وهي في الحقيقة قراض فاسد، وفي الصورتين لكل منهما ربح ما اشتراه، وعليه خسرانه، ولا يشاركه فيه الآخر إلا إذا أذن كل منهما للآخر في شراء شيء معلوم بينهما بشرط التوكيل، وقصد المشتري بالشراء أنه بينهما .. كان بينهما، وربحه لهما (¬7)، واقتصر " الحاوي " على الصورة الثالثة، فقال [ص 326]: (ولبائع مال غيرٍ لبعض ربحه أجر المثل)، وقد عرفت أن الأولى أشهر صورها. ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 107). (¬2) المنهاج (ص 270). (¬3) المحرر (ص 193). (¬4) انظر " السراج على نكت المنهاج " (4/ 6). (¬5) الروضة (4/ 279). (¬6) انظر " التنبيه " (ص 108)، و " المنهاج " (ص 270). (¬7) الروضة (4/ 280)، وانظر " نهاية المطلب " (7/ 23).

2363 - قول " المنهاج " [ص 270]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 325]: (ويشترط فيها: لفظ يدل على الإذن في التصرف) عبارة " الروضة ": (لفظ يدل على التجارة)، قال شيخنا ابن النقيب: وهذا أحسن، فإن زاد في " المنهاج ": (فيها وفي أعواضها) .. استقام، وإلا .. كان إذنًا فيها فقط وليس بشركة، إلا إن احتفّتْ به قرينة تعيّنها. انتهى (¬1). ثم اعلم: أن المراد: إذن كل منهما للآخر في نصيب نفسه، فإن أذن أحدهما فقط .. تصرف الآخر في الكل والآذن في نصيبه فقط، ولا يتجر إلا فيما أذن له فيه، فإن قال: (اتجر فيما شئت) .. صح في الأصح، وكذا لو أطلق وقال: (اتجر) كما صححه النووي (¬2)، وعبارة " التنبيه " [ص 107]: (وهو أن يعقدا على ما تجوز الشركة عليه)، قال في " الكفاية ": ففيه الاكتفاء بقولهما: (اشتركنا في هذا المال)، والأصح: اعتبار الإذن في التصرف. 2364 - قولهما أيضًا: (وفيهما: أهلية التوكيل والتوكل) (¬3) أي: إذا أذن كل منهما للآخر في التصرف، كما قاله في " المطلب "، فإن كان المتصرف أحدهما فقط .. اشترط فيه: أهلية التوكل، وفي الآذن: أهلية التوكيل حتى يصح أن يكون الثاني أعمى دون الأول (¬4). 2365 - قول " التنبيه " [ص 107]: (ولا تصح إلا على الأثمان على ظاهر النص، وقيل: تصح على كل ما له مثل، وهو الأظهر)، وكذا رجحه " المنهاج " (¬5)، وإليه أشار " الحاوي " بقوله [ص 325]: (في مالٍ مشتركٍ أبى التمييز). لكن قول " المنهاج " [ص 270]: (وقيل: تختص بالنقد المضروب) يقتضي أنه وجه، ورجح في " الروضة ": أن الخلاف قولان (¬6)، وقوله: (المضروب) قد يفهم أن غير المضروب يسمى نقدًا، وليس كذلك، واحترز به عن التبر والسبائك والحلي؛ فإنهم أطلقوا المنع فيها، قال الرافعي: ويجوز تخريجه على أنه مثليٌّ أو متقوم، وما بحثه صرح به في " التتمة " (¬7)، وصحح النووي: الصحة في الدراهم المغشوشة الرائجة (¬8). ولا يرد ذلك عليهما؛ لأنهما من الأثمان ومن المثليات، وفي (الدعوى والبينات) من الرافعي ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 275)، وانظر " السراج على نكت المنهاج " (4/ 7). (¬2) انظر " الروضة " (4/ 276). (¬3) انظر " الحاوي " (ص 325)، و" المنهاج " (ص 270). (¬4) انظر " السراج على نكت المنهاج " (4/ 8). (¬5) المنهاج (ص 207). (¬6) الروضة (4/ 276). (¬7) انظر " فتح العزيز " (5/ 188). (¬8) انظر " الروضة " (4/ 276).

في الدعوى بالمغشوشة ما يقتضي خلافًا في أنها مثلية أو متقومة (¬1)، وخرجه المتولي على التعامل بها (¬2). وقال ابن الرفعة: إذا أتلف المغشوشة .. لا يضمن بمثلها، بل بقيمة الدراهم ذهبًا، والذهب دراهم بلا خلاف. قال في " التوشيح ": وهو غير مُسلّم، بل الخلاف موجود في كلامهم تصريحًا وتلويحًا، وقضية كونها مثلية على الأصح: أن يكون الأصح: ضمانها بالمثل، وهو الوجه. 2366 - قولهما: (ويشترط خلط المالين) (¬3) أي: قبل العقد، وذلك مفهوم من قول " الحاوي " [ص 325]: (في مالٍ مشتركٍ أبى التمييز) فإنه يفهم أن إباءه التمييز متقدم على العقد. 2367 - قول " المنهاج " [ص 271]: (والحيلة في الشركة في العروض - أي: باقيها؛ فإن المثليات عروض -: أن يبيع كل واحد بعض عرضه ببعض عرض الآخر ويأذن له في التصرف)، ينبغي أن يقول: (ثم يأذن له في التصرف) كما في " التنبيه " (¬4) فإنه يجب تأخير الإذن عن البيع. ويرد عليهما معا: أنه لا يحتاج إلى لفظة (كل)، فلو باع أحدهما بعض عرضه ببعض عرض الآخر .. حصل الغرض، وتعبيرهما أحسن من قول " المحرر ": (نصف بنصف) (¬5) فإنه يجوز بيع أحدهما ربع عرضه بثلاثة أرباع عرض الآخر، فيصير مشتركًا بينهما كذلك (¬6). 2368 - قول " الحاوي " [ص 325]: (وإن اختلف القدر أو جُهل) يقتضي الصحة مع الجهل بالقدر مطلقًا، وإنما يُغتفر الجهل به حال العقد مع إمكان معرفته بعده؛ ولذلك قال " المنهاج " [ص 271]: (والأصح: أنه لا يشترط العلم بقدرهما عند العقد) أما إذا جهلا القدر وعلما النسبة؛ بأن وضع أحدهما الدراهم في كفة الميزان والآخر مقابلها مثلًا .. فيصح جزمًا، قاله الماوردي وغيره (¬7). 2369 - قول " المنهاج " [ص 271]: (ويتسلط كل منهما على التصرف بلا ضرر) يقتضي جواز البيع بثمن المثل مع راكب بزيادة، وذلك تقصير في حق الشريك، وعبر في " المحرر " بـ (الغبطة) (¬8)، ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (13/ 156). (¬2) انظر " فتح العزيز " (5/ 188). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 107)، و" المنهاج " (ص 270). (¬4) التنبيه (ص 107). (¬5) المحرر (ص 194). (¬6) انظر " السراج على نكت المنهاج " (4/ 9). (¬7) انظر " الحاوي الكبير " (6/ 474، 475). (¬8) المحرر (ص 194).

وهو: شراء ما فيه ربح عاجل له بال (¬1)، وفي تكليف الشريك مثل ذلك مشقة وعسر، والأحسن: التوسط بينهما، واعتبار المصلحة خاصة كشراء ما يتوقع ربحه، فلا نكتفي بعدم الضرر، ولا نُكَلِّفُه الغبطة، وفي " الروضة " وأصلها: أن تصرف الشريك كالوكيل (¬2)، وذلك يقتضي ما ذكرناه، والله أعلم. 2370 - قوله: (فلا يبيع نسيئة ولا بغير نقد البلد ولا بغبنٍ فاحشٍ ولا يسافر به ولا يُبضعه بغير إذنٍ) (¬3) يعود إلى الجميع، فإن فعل .. لم يصح في نصيب شريكه، وفي نصيبه قولا تفريق الصفقة، إلا السفر؛ فإنه لا يمنع الصحة وإن ضمن. 2371 - قول " التنبيه " [ص 108]: (وإن مات أحدهما أو جن .. انفسخت الشركة) لم يذكر الإغماء، وذكره " المنهاج " وغيره، وفي " البحر ": أنّ يَسِيرَهُ الذي لا يسقط فيه فرض صلاة واحدة لمرور وقتها .. لا يضر (¬4). 2372 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (والربح والخسران على قدر المالين، فإن شرطا خلافه .. فسد العقد، فيرجع كل على الآخر بأجرة عمله في ماله) (¬5) أي: في مال الآخر، أورد عليه: ما إذا تساويا في المال وتفاوتا في العمل، وشرط الأقل للأكثر عملًا .. فإن الأصح: أنه لا يرجع بالزائد؛ لأنه عمل متبرعًا. 2373 - قول " التنبيه " [ص 108]: (والشريك أمين فيما يدعيه من الهلاك) يرد عليه: أنه لو ادعاه بسبب ظاهر .. طولب ببينة بالسبب، ثم يُصدَّق في التلف به، وقد ذكره " المنهاج " (¬6). ¬

_ (¬1) انظر " شرح المنهج " (3/ 397). (¬2) فتح العزيز (5/ 195)، الروضة (4/ 283). (¬3) انظر " المنهاج " (ص 271). (¬4) بحر المذهب (8/ 137). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 107)، و " الحاوي " (ص 325)، و" المنهاج " (ص 271). (¬6) المنهاج (ص 271).

كتاب الوكالة

كتابُ الوكالة 2374 - قول " المنهاج " [ص 272]: (إنه لا يصح توكيل المرأة في النكاح) أي: توكيلها أجنبيًا في تزويجها، أما لو أذنت لوليها بصيغة التوكيل .. قال في " البيان ": صح، نص عليه الشافعي (¬1). 2375 - قوله: (والمُحْرِمِ في النكاح) (¬2) أي: توكيل المُحْرِم حلالًا، والمراد: إذا وكله ليعقد عنه حال إحرام الموكِّل، فإن قال: لتُزَوّج بعد تَحللي .. صح، قاله الرافعي في (النكاح) تبعًا للقاضي حسين، واختار السبكي المنع، فإن أطلق .. صح عند الرافعي دون القاضي. ولو وكل حلال مُحْرِمًا في التوكيل في التزويج .. صح عند الرافعي خلافًا للسبكي أيضًا (¬3)، وإنما حملت عبارة " المنهاج " على أن المصدر مضاف للفاعل، وأن المراد: كون المرأة والمُحْرِم موكلين؛ لذكره ذلك في صور شرط الموكِّل، وهو صحة مباشرته ما وكل فيه، ولو حمل على إضافة المصدر للمفعول، وأن المراد: منع كون المرأة والمُحْرِم وكيلين في النكاح .. لاستقام في الحكم أيضًا، لكنه لا يلائم سياق كلامه، والله أعلم. 2376 - قوله: (ويصح توكيل الولي في حق الطفل) (¬4) تبع فيه " المحرر " (¬5)، ولو حذف الطفل كما في " الروضة " ليدخل المجنون ونحوه .. لكان أشمل. 2377 - قوله: (ويستثنى توكيل الأعمى في البيع والشراء .. فيصح) (¬6)، وكذا في " الحاوي " (¬7)، وفيه أمران: أحدهما: أن ذلك لا يختص بالبيع والشراء، فسائر العقود كذلك " كالإجارة والأخذ بالشفعة وغيرهما. ثانيهما: لم يستثنيا غير هذه الصورة، ولم يستثن في " التنبيه " شيئًا أصلًا، ويستثنى مع ذلك مسائل: ¬

_ (¬1) البيان (9/ 192). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 272). (¬3) انظر " فتح العزيز " (7/ 561). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 272). (¬5) المحرر (ص 195). (¬6) انظر " المنهاج " (ص 272). (¬7) الحاوي (ص 328).

منها: لو وكل مُحْرِم في التزويج حلالًا ليزوج بعد التحلل، أو أطلق، أو وكل حلال محرمًا في التوكيل كما تقدم. ومنها: لو وكل الولي امرأة لتوكل رجلًا عنه، أو مطلقًا في تزويج ابنته .. صح، بخلاف ما لو وكلته عن نفسها. ومنها: لو وكل المشتري البائع في أن يوكل من يقبض ثمنه منه .. فإنه يصح مع منع قبضه من نفسه. ومنها: التوكيل في الطلاق تفريعًا على صحة الدور؛ فإنه لو بَاشَرَهُ .. لم يقع مع وقوعه من وكيله. ومنها: التوكيل في استيفاء القصاص في الطرف وحد القذف .. فإنه يصح، ولا يجوز أن يباشر ذلك بنفسه؛ خشية الحيف. ومنها: أن الإمام الفاسق لا يزوج الأيامى، ولا يقضي كما لا يشهد، ولكنه ينصب القضاة حتى يزوجوا، حكاه المتولي عن القاضي حسين؛ وعلله المتولي: بأنا إنما لم نعزله بالفسق، لخوف الفتنة، وليس في منعه من القضاء والتزويج إثارة فتنة، وحكاه في " التوشيح " عن تصحيح والده في (النكاح)، لكن الأصح في " أصل الروضة ": أنه يزوج بناته وبنات غيره (¬1). واعلم: أن المفهوم من عبارتهم: أن كل من صح أن يباشر الشيء بنفسه .. صح أن يوكل فيه، ويستثنى من ذلك مسائل أيضًا: منها: غير المجبر إذا أذنت له في التزويج ونهته عن التوكيل. ومنها: الظافر بحقه لا يوكل في كسر الباب وأخذ حقه. ومنها: الوكيل ليس له أن يستقل بالتوكيل فيما يقدر عليه في الأصح، وفي معناه: العبد المأذون، وكذا الوصي فيما يتولاه مثله، كما ذكره في " الروضة " (¬2). ومنها: السفيه المأذون له في النكاح .. ليس له التوكيل فيه، كما حكاه الرافعي عن ابن كج؛ فإن حجره لم يرتفع إلا عن مباشرته، قال في " الكفاية ": والعبد كذلك. ومنها: المرأة ليس لها أن توكل غير زوجها بغير إذنه كما فى " الكفاية " عن الماوردي (¬3). ومثها: من أسلم على أكثر من أربع نسوة .. له أن يختار أربعًا، ولا يوكل في ذلك، إلا إذا عين للوكيل المختارات للنكاح .. فيجوز على الأصح. ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 64، 65). (¬2) الروضة (4/ 297، 298). (¬3) انظر " الحاوي الكبير " (6/ 508).

2378 - قولهم - والعبارة لـ" المنهاج" -: (شرط الوكيل: صحة مباشرته التصرف لنفسه) (¬1) استثنى الثلاثة منه: اعتماد قول الصبي في الإذن في دخول دارٍ وإيصال هديةٍ، وقيده "التنبيه" بالتمييز (¬2)، ولا بد منه، وعبر عنه "المنهاج" بالصحيح (¬3)، وكذا في "الروضة" هنا، قال: فيه وجهان سبقا في البيع (¬4)، لكن الذي في البيع طريقان، أصحهما: القطع بالاعتماد، والثانية: الوجهان في روايته (¬5). ومحل الخلاف: أن يكون مأموناً، وإلا .. فلا قطعاً، وألاَّ تحتف به قرائن تفيد العلم، فإن احتفت به .. اعتمد قطعاً، وهذا في الهدية لأجل إباحة الطعام، وأما الملك .. فلا يحصل إلا بإيجاب وقبول على الصحيح، قاله ابن عجيل اليمني. واستثنى "المنهاج" صورة ثانية، وهي: صحة توكيل عبدٍ في قبول النكاح وإن لم يأذن سيده على الأصح (¬6)، مع كونه يمتنع قبوله لنفسه بغير إذن سيده، والسفيه كالعبد في ذلك. ويستثنى مع ذلك مسائل أيضاً: منها: توكيل المسلم كافراً في شراء مسلم .. فإنه يصح مع امتناع شرائه لنفسه. ومنها: توكيل المرأة في طلاق غيرها .. فإنه يصح على الأصح، وحكى "التنبيه" فيه في (الطلاق) وجهين من غير ترجيح (¬7). ومنها: توكيل المسلم كافراً في طلاق المسلمة، ذكره الرافعي في (الخلع) (¬8)، وفيه وجه في "الروضة" (¬9). ومنها: توكيل معسر موسراً في تزويج أمته .. فيجوز، كما ذكره البغوي في " فتاويه ". ومنها: توكيل شخص في قبول نكاح أخته، وفي قبول نكاح أخت زوجته ونحوها، ومن تحته أربع في قبول نكاح امرأة، ويستثنى من عكسه - وهو: أن من جاز تصرفه لنفسه .. جاز أن يتوكل فيه عن غيره - منع توكيل الولي فاسقًا في بيع مال الطفل، والله أعلم. 2379 - قول "التنبيه" [ص 109]: (وإن وكل عبداً لغيره في شراء نفسه له من مولاه .. فقد ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 108)، و"الحاوي" (ص 328)، و "المنهاج" (ص 272). (¬2) التنبيه (ص 108). (¬3) المنهاج (ص 272). (¬4) الروضة (4/ 298). (¬5) الروضة (3/ 343). (¬6) المنهاج (ص 272). (¬7) التنبيه (ص 173، 174). (¬8) انظر "فتح العزيز" (8/ 428). (¬9) الروضة (4/ 299).

قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز (الأصح: جوازه، قال صاحب "التقريب": ويجب التصريح بالموكل، وإلا .. فهو صريح في العتق لا ينصرف بالنية، وكلام الجرجاني يقتضي أنه لا يجب، وينصرف بالنية، وتوكيله في شراء شيء غيره من مولاه كتوكيله في شراء نفسه، وقوله: (من مولاه) زيادة إيضاح، وفرض في "الكفاية" الخلاف فيما إذا أذن السيد له في الوكالة، ثم قال: وقال البغوي: لا حاجة للإذن قبل الشراء؛ لتضمن بيعه إذنه (¬1)، وقال القاضي: إن أذن .. جاز قطعاً، وإلا .. فالخلاف. 2380 - قول "المنهاج" [ص 272]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 328، : (وشرط الموكَّل فيه: أن يملكه الموكِّل، فلو وكل ببيع عبدٍ سيملكه، وطلاق من سينكحها .. بطل في الأصح) فيه أمران: أحدهما: أن محل الخلاف: إذا عين العبد أو المرأة بوصف، أو أتى بلفظ عموم؛ مثل: كل عبدٍ أو امرأةٍ، وأما النكرة الصّرفةُ .. فلا تصح جزماً، قاله البغوي في "فتاويه"، فلا بد على هذا من تقييد قوله: (عبدٍ) بما إذا كان معيناً، وحمل (من) في قوله: (من سينكحها) على العموم. ثانيهما: يستثنى من ذلك: ما لو جعله تبعاً لموجود؛ كتوكيله في بيع عبده الفلاني، وما سيملكه .. ففيه احتمالان للرافعي (¬2)، والمنقول عن الشيخ أبي حامد وغيره: الصحة. 2381 - قول "التنبيه" [ص 108]: (وأما حقوق الله تعالى: فما كان منها عبادة .. لا يجوز التوكيل فيها إلا في الزكاة والحج) زاد "المنهاج" [ص 272]: (وذبح أضحية)، وذكره "التنبيه" في بابه؛ حيث قال: (والأفضل: أن يذبح بنفسه) (¬3)، ويستثنى مع ما ذكره: العمرة، وركعتا الطواف والرمي، وهي مأخوذة من الحج، وشرط النيابة في ركعتي الطواف: كونه تبعا لحج أو عمرة، فلو أفردهما بالتوكيل .. لم يصح، ذكره الرافعي في (الوصية) (¬4)، وتفرقة الكفارات والنذر وصدقة التطوع، وهي مأخوذة من الزكاة، وذبح العقيقة والهدايا وشاة الوليمة ونحوها، وهي مأخوذة من الأضحية. ويستثنى أيضاً: صوم الولي عن الميت على القديم المختار. واستثنى بعضهم: العاجز يأمر من يوضئه أو ييممه، وفي استثنائه نظر؛ لأن المتوضئ والمتيمم حقيقة هو العاجز، ولا ينسب فعل العبادة إلى الموضئ له. ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (3/ 555). (¬2) انظر "فتح العزيز" (5/ 242، 243). (¬3) التنبيه (ص 70). (¬4) انظر "فتح العزيز" (7/ 131).

وقال شيخنا الإمام شهاب الدين بن النقيب: ينبغي استثناء الوقف أيضًا؛ فإنه قربة، ويصح التوكيل فيه (¬1). 2382 - قول "المنهاج" [ص 272]: (ولا في شهادة، وإيلاءً، ولعانٍ، وسائر الأيمان) أي: باقيها، فإن الإيلاء واللعان من جملتها، ولذلك قال "الحاوي" [ص 327]: (واليمين؛ كاللعان، والإيلاء) وقول "التنبيه": (والإيلاء) بعد ذكر الأيمان من عطف الخاص على العام، وفي معنى الأيمان: تعليق الطلاق، وهو الأصح، وقيل: يجوز، وأيده السبكي بجوازه في الخلع والكتابة، وفيهما التعليق، وقيل: إن كان فيه حث أو منع .. امتنع؛ لأنه يمين، وإن كان مثل: إذا طلعت الشمس .. فلا، واختاره السبكي، وقواه شيخنا الإمام البلقيني (¬2). 2383 - قولهم: (إنه لا يصح التوكيل في الظهار) (¬3) في تصوير نطق الوكيل به إشكال. قال في "المطلب": لعل صورته أن يقول: (أنت على موكلي كظهر أمه)، أو (جعلت موكلي مظاهراً منك)، قال: والأشبه: أن يقول: موكلي يقول: (أنت عليه كظهر أمه) انتهى (¬4). وقال شيخنا الإمام البلقيني: الخلاف في الظهار يُستبعد من جهة أنه معصية، والتوكيل في المعاصي لا يجوز قطعاً. 2384 - قولهم: (إنه يصح التوكيل في الطلاق) (¬5) أي: في تنجيزه في معيّنةٍ، أما تعليق الطلاق: فيمتنع التوكيل فيه في الأصح كما تقدم، وقد ذكره "الحاوي" (¬6) ولذلك إذا طلق إحداهما .. لا يجوز التوكيل في تعيينها، فلو أشار إلى واحدة، ووكله في تعيينها للفراق أو النكاح .. صح في الأصح، وقد تقدم نظيره في الاختيار فيمن أسلم على أكثر من العدد الشرعي، ولو وكله في تطليق إحداهما على الإبهام .. ففيه وجهان، حكاهما الماوردي (¬7). وما ذكرناه في الطلاق يأتي مثله في العتاق أيضاً، وهل يحتاج الوكيل إلى أن ينوي عند الطلاق أنه يطلقها لموكله؟ فيه وجهان في الرافعي عن شريح الروياني في أواخر الكلام على الصريح والكناية (¬8). ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 17). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 18). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 108)، و"الحاوي" (ص 327)، و "المنهاج" (ص 272). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 18). (¬5) نظر "التنبيه" (ص 108)، و"الحاوي" (ص 327)، و"المنهاج" (ص 272). (¬6) الحاوي (ص 327). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (10/ 178). (¬8) انظر "فتح العزيز" (8/ 533).

2385 - قولهم: (إنه يصح التوكيل في العقود) (¬1) من جملتها: الضمان، والوصية، والحوالة، وصيغة التوكيل فيها كما قال في "المطلب": جعلت موكلي ضامناً لك كذا، أو موصياً لك بكذا، أو أحلتك بما لك عليه من كذا بنظيره مما له على فلان (¬2). 2386 - قولهم: (والفسوخ) (¬3) أي: التي ليست على الفور، وإلا .. فقد يكون التأخير بالتوكيل فيه تقصيراً، قاله الرافعي (¬4)، ونقله ابنُ الرفعة عن المتولي جزماً. والمراد: حيث لم يكن عذر باشتغال بحمام أو أكل أو نحوهما. ويستثنى: فسخ نكاح الزائدات على أربع إذا أسلم عليهن كما تقدم، وفي خيار الرؤية خلاف (¬5). 2387 - قول "المنهاج" [ص 272]: (إنه يصح التوكيل في إقباض الديون) وهو داخل في عموم عبارة "التنبيه" و"الحاوي" (¬6). من الديون: الجزية، فلو وكل الذمي في أدائها مسلماً .. ففيه خلاف ينبني على كيفية الأخذ، كذا قيد في "الروضة" تبعاً لأصله بالمسلم (¬7)، والخلاف يأتي في توكيل ذمي أيضاً؛ لأن التوكيل فيما وجب عليه من عُقوبةٍ باطلٌ، وخرج بالديون: الأعيان؛ فإنها وإن صح في قبضها .. لا يصح في إقباضها؛ إذ ليس له دفعها لغير مالكها، قاله الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وفيه نظر. 2388 - قول "التنبيه" [ص 108]: (إنه يصح التوكيل في استيفاء الحقوق) يستثنى منه: حقُّ القَسْمِ، وقد صرح به مع وضوحه في "البحر" (¬8)، وقبض عوض الصرف في غيبة الموكل؛ لأن العقد يفسد بغيبته قبل القبض، وهذا قد يرد على قول "الحاوي" أيضاً [ص 327]: (وقبض حق)، وعبر "المنهاج" [ص 272]: (بقبض الديون). 2389 - قول "التنبيه" [ص 108]: (وفي تملك المباحات؛ كالصيد والحشيش والماء قولان) فيه أمور: أحدها: ما ذكره من أن الخلاف قولان هو الذي في "المنهاج" أيضًا (¬9)، وجعله الرافعي ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 108)، و"الحاوي" (ص 327)، و"المنهاج" (ص 272). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 19). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 108)، و"الحاوي" (ص 327)، و"المنهاج" (ص 272). (¬4) انظر "فتح العزيز" (5/ 207). (¬5) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 19). (¬6) التنبيه (ص 108)، الحاوي (ص 327). (¬7) الروضة (4/ 291). (¬8) بحر المذهب (8/ 151). (¬9) المنهاج (ص 273).

في "شرحيه" وجهين (¬1)، واستدرك عليه في "الروضة" فقال: قلد فيه بعض الخراسانيين، وهما قولان مشهوران (¬2). واعترضه شيخنا الإسنوي: بأن الخلاف مخرج، كما صرح به القاضيان أبو الطيب وحسين وغيرهما، والمخرج يعبر عنه بالقول تارة، وبالوجه أخرى (¬3). ثانيها: أن الأظهر: الجواز، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬4). ثالثها: قد يدخل في عبارته الالتقاط، وهو الذي في "الروضة" وأصلها في أواخر (اللقطة) أنه على القولين في تملك المباحات، وحكاه في "الروضة" من زيادته هنا عن صاحب "البيان" بحثاً، وحكى عن ابن الصباغ: أنه لا يجوز التوكيل فيه قطعاً، وقال النووي: إنه أقوى (¬5)، ووافقه شيخنا الإمام البلقيني؛ لقوة شبهه بالاغتنام من جهة استمرار الملك لصاحب الملتقط، واستمراره لصاحب المغتنم، وأن إزالته باليد الجديدة .. فاختصت بالملك، بخلاف الاحتطاب ونحوه. 2390 - قول "التنبيه" [ص 108]: (وفي الإقرار وجهان) الأصح: المنع، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬6)، وصورة لفظ الموكل: (أَقرّ عَني لفلان بألف)، فلو لم يقل: (عني) .. لم يصح، وصورة لفظ الوكيل: أقررت عنه بكذا، وصوّرهُ بعضهم بقوله: جعلته مقراً بكذا، واختار السبكي أن يقول: موكلى مقر بكذا (¬7). 2391 - قول "الحاوي" [ص 327]: (ولا بصبر به مقراً) أي: تفريعاً على الأصح؛ وهو: عدم صحة التوكيل، كذا حكاه الرافعي عن تصحيح البغوي، وحكى مقابله عن اختيار الإمام (¬8)، ونقله النووي عن الأكثرين، قال: ولو قال: (أقر عني لفلان بألف له عليّ) .. فهو إقرار بلا خلاف، صرح به الجرجاني وغيره. انتهى (¬9). أما إذا صححنا التوكيل .. فلا يكون مقراً أيضًا كما صححه النووي، وقطع به الجمهور (¬10)، ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (5/ 208). (¬2) الروضة (4/ 292). (¬3) انظر"السراج على نكت المنهاج" (4/ 20). (¬4) الحاوي (ص 327)، المنهاج (ص 273). (¬5) الروضة (4/ 293)، وانظر "البيان" (6/ 396، 397). (¬6) الحاوي (ص 327)، المنهاج (ص 273). (¬7) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 20). (¬8) انظر "نهاية المطلب" (7/ 33)، و"التهذيب" (4/ 209)، و"فتح العزيز" (5/ 208). (¬9) انظر"الروضة" (4/ 292، 293). (¬10) انظر "الروضة" (4/ 292).

وجزم "التنبيه" في بابه بمقابله، فقال [ص 274]: (ومن وكل غيره في أن يقر عنه بمال .. لزمه المال وإن لم يقر به الوكيل)، وظاهره: أنه تفريع على الوجهين معاً. 2392 - قول "المنهاج" [ص 273]: (ويصح في استيفاء عقوبة آدمي؛ كقصاصٍ وحدِّ قذفٍ) فيه أمران: أحدهما: أنه يفهم المنع من التوكيل في استيفاء حد الله تعالى، وليس كذلك؛ فهو جائز من الإمام، ومن السيد في حق عبده، وإنما يمتنع التوكيل في إثباته، وقد صرح به "التنبيه" في قوله [ص 108]: (وما كان منها حداً يجوز التوكيل في استيفائه دون إثباته) ولذلك أطلق "الحاوي" التوكيل في العقوبة، ثم قال [ص 327]: (لا إثبات حد الله تعالى)، لكن دعوى القاذف على المقذوف أنه زَنَى مسموعة، كما ذكره الرافعي في (اللعان) (¬1)، وحينئذ .. فيصح التوكيل في إثباته؛ لدرء حد القذف، وقد ذكره ابن الصباغ بحثاً، ولكن ثبوت الحد إنما وقع تبعًا، والله أعلم. ثانيهما: قد يفهم من كلامه جواز استيفاء المستحق القصاص وحد القذف بنفسه، والأصح: منعه في قصاص الطرف وحد القذف، وتعين التوكيل فيهما، وقد تقدم. 2393 - قول "التنبيه" [ص 108]: (وفي الرجعة وجهان) الأصح: الجواز، وهو داخل في عموم عبارة "المنهاج" و"الحاوي". 2394 - قول "التنبيه" [ص 108]: (وما جاز التوكيل فيه .. جاز مع حضور الموكل، ومع غيبته، وقيل: لا يجوز في استيفاء القصاص وحد القذف مع غيبة الموكل، وقيل: يجوز، وقيل: فيه قولان) فيه أمور: أحدها: اعترضه النووي في قوله: (وقيل: يجوز)، وقال: إنه تكرار؛ لدخوله فيما ذكره أولاً (¬2). قال في "الكفاية": وقد يجاب: بأن المراد: بيان أن الأصحاب نصوا على جوازه، لا أنه مأخوذ من عموم قاعدة. وأجاب عنه النشائي: بأنه لو لم يذكره .. لكان مرجحاً لطريقة القطع بالجواز، فلما استوفى ذكر الطرق الثلاثة بلفظ: (قيل) .. لم يكن في عبارته ترجيح واحد منها (¬3). وذكر صاحب "المعين" أن الشيخ في "نكته صحح: طريقة القطع بالجواز. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (9/ 420). (¬2) انظر " ألفاظ التنبيه" (ص 206). (¬3) انظر "نكت التنبيه على أحكام التنبيه" (ق 102).

ثانيها: الأرجح: طريقة القولين، وأظهرهما: الجواز في غيبته، وذلك مفهوم من قول "المنهاج" [ص 273]: (وقيل: لا يجوز إلا بحضرة الموكّل)، لكن هذه العبارة تقتضي بمقتضى اصطلاحه: أنه وجه، وإنما هو قول. ثالثها: أن عبارته تفهم أن الخلاف في جواز الاستيفاء لا فى صحة أصل التوكيل، ويوافقه عبارة "الروضة" وأصلها؛ حيث قال: يجوز للوكيل استيفاء عقوبات الآدميين بحضرة المستحق، وفي جوازه في غيبته طرق (¬1)، وكذا قول "الحاوي" [ص 327]: (وعقوبة ويُقْتَصُّ ولو بالغيبة)، لكن عبارة "المنهاج" تقتضي أن الخلاف في صحة الوكالة؛ فإنه بعد قوله: (ويصح في استيفاء عقوبة) قال: (وقيل: لا يجوز إلا بحضرة الموكل) (¬2)، ويوافقه عبارة "التتمة" فإنه قال في تصوير المسألة: لو وكله ليستوفي القصاص في حال غيبته. رابعها: يستثنى مع ذلك أيضاً: توكيل المرتهن في بيع الرهن .. فإنه لا يصح البيع منه في غيبة الموكل على الأصح. 2395 - قول "التنبيه" في التوكيل في شراء عبد [ص 109، 110]: (وان ذكر نوعه ولم يقدر الثمن .. لم يصح، وإن ذكر النوع وقدر الثمن ولم يصف العبد .. فالأشبه: أنه لا يصح، وقيل: يصح) فيه أمران: أحدهما: قال النووي في "التصحيح": الأصح: أنه إذا وكَّلَه في شراء عبدٍ وَذَكَرَ نوعه .. لم يشترط ذكر الثمن ولا الوصف. انتهى (¬3). ولذلك اقتصر "المنهاج" على وجوب بيان نوعه (¬4)، لكن في "الروضة" وأصلها: فإن اختلفت أصناف نوع اختلافاً ظاهراً .. قال الشيخ أبو محمد: لا بد من التعرض للصنف، وأقراه على ذلك (¬5)، وفي "الحاوي" [ص 327]: (كشراء عبدٍ معيَّنِ النوعِ والصنفِ أو الثمن) انتهى. فخيّر بين ذكر الصنف والثمن، واكتفى بأحدهما مع النوع، واعتبار الصنف غير اعتبار الوصف الذي في "التنبيه"، إلا أن في آخر عبارة الرافعي التعبير بالوصف، ولم يذكر "المهذب" اعتبار الوصف؛ فلذلك ذكر بعضهم: أن اعتباره احتمال للشيخ ليس منقولاً، ويوافقه أن البندنيجي نفى الخلاف في ذلك، كما في "الكفاية"؛ ولذلك اعترض بعضهم على "التصحيح" في تعبيره عن ذلك بالأصح؛ لأنه يقتضي وجود الخلاف فيه. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (5/ 209، 210)، الروضة (4/ 293). (¬2) المنهاج (ص 273). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 339). (¬4) المنهاج (ص 273). (¬5) فتح العزيز (5/ 213)، الروضة (4/ 296).

قال النشائي: ويقرب مما ذكره الشيخ حكاية الماوردي الخلاف في قيام ذكر الثمن مقام الصفة. انتهى (¬1)، لكن ذكر بعضهم أن الجرجاني في "التحرير" حكى الخلاف في اشتراط الوصف (¬2). ثانيهما: محل ذلك: فيما قصد به القنية، أما الذي للتجارة .. فلا يجب فيه ذكر نوع ولا غيره، بل يكفي قوله: (اشتر بهذا ما شئت من العروض، أو ما رأيته مصلحة)، ذكره الماوردي والمتولي (¬3). 2396 - قول "التنبيه" [ص 108]: (ولا تصح الوكالة إلا بالإيجاب والقبول) اقتصر "الحاوي" على الإيجاب (¬4)؛ لأن القبول لا يتعين فيه القول، فقد يكون بالفعل والتصرف، وقد قال "التنبيه" عقب ذلك [ص 108]: (ويجوز القبول فيه بالقول والفعل)، وقال "المنهاج" [ص 273]: (ولا يشترط القبول لفظاً) أي: بل يكفي فعلاً وإن لم يعلم به في الأصح، فتصرفه قبل علمه كبيع مال مورثه بعد موته ظاناً حياته. ولا الرضا، فلو أكرهه على التصرف .. صح في الأصح، لكن الرافعي صرح بأنه لا بد من الرضا، ورتب عليه أنه لو رد .. بطلت (¬5)، والحق: أن المعتبر عدم الرد لا الرضا، والله أعلم. وعبر "المنهاج" عن الإيجاب بقوله [ص 273]: (ويشترط من الموكِّل لفظٌ يقتضي رضاه؛ كـ "وكلتك" ... إلى آخره)، وهو أحسن من قول "المحرر": (بأن يقول) (¬6) لأنه يفهم الحصر فيما ذكره، وليس منحصراً فيه. 2397 - قول "المنهاج" [ص 273]: (فلو قال: "بع"، أو "أعتق" .. حصل الإذن) إشارة إلى أنه ليس إيجاباً، وإنما هو قائم مقامه، وقد صرح بذلك الرافعي (¬7). 2398 - قول "التنبيه" [ص 108]: (ويجوز [القبول] (¬8) على الفور وعلى التراخي) يستثنى من التراخي: ما لو عين زمان العمل الموكل فيه، وخيف فوته. وما لو عرضها الحاكم عليه عند ثبوتها عنده، ذكره الماوردي والروياني (¬9). ¬

_ (¬1) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 104) (¬2) (1/ 318). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (6/ 499). (¬4) الحاوي (ص 329). (¬5) انظر "فتح العزيز" (5/ 219). (¬6) المحرر (ص 196). (¬7) انظر "فتح العزيز" (5/ 219). (¬8) ما بين معقوفين زيادة من "التنبيه" وهي ضرورية. (¬9) انظر "الحاوي الكبير" (6/ 499)، و"بحر المذهب" (8/ 156).

وما إذا وكله في إبراء نفسه، صرح به الروياني (¬1)، وحكى في "الكفاية" الصورتين الأولَيَيْن. وذكر "المنهاج" عدم اشتراط الفور في (الطلاق) فيما إذا قلنا: إن التفويض إليها توكيل؛ فقال: (لا يشترط الفور في الأصح) (¬2). 2399 - قول "المنهاج" [ص 273]: (ولا يصح تعليقها بشرط في الأصح) قد يفهم أنه لو علقها بشرط، وَوُجِدَ، فتصرف بعده .. لم ينفذ، وليس كذلك، بل ينفذ في الأصح؛ لأنه بقي عموم الإذن بعد بطلان خصوص الوكالة، وقد صرح بذلك "التنبيه" و"الحاوي" (¬3). وفائدة البطلان على هذا: سقوط المسمى إن كان، ووجوب أجرة المثل، وذكر له ابن الرفعة فائدة أخرى، وهي: عدم جواز التصرف، ثم حكى عن ابن الصباغ: أنه استبعده، وتبعه السبكي على استبعاده؛ لأن المصحح: هو الإذن، وهو يقتضي الإباحة (¬4). وقال شيخنا البلقيني: الذي يقتضيه إطلاق الأصحاب أنه يحل للوكيل الإقدام على التصرف، وفي كلام الغزالي وغيره التصريح به، لكن في "شامل" ابن الصباغ عن الشيخ أبي حامد: أنه لا يحل، ورد عليه ابن الصباغ، وراجعت "تعليقة الشيخ أبي حامد"، فلم أجد فيها شيئاً من ذلك، والصواب: الحل، والله أعلم. ثم خرج شيخنا على ذلك: ما إذا فسد إذن الزوجة بتعليق ونحوه، فزوج الولي بعد وجود الصفة .. هل يصح كمسألة الوكالة، أو يحتاط في الأبضاع؟ قال: لم أقف في ذلك على نقل، والأقرب: صحة العقد، قال: ولا يرد عليه ما إذا أذن الولي للسفيه في نكاح فلانة بألف، وكان مهرها أقل من ألف حيث بطل الإذن؛ لأنه يحتمل أن يصح النكاح، ويحتمل أن يفرق؛ بأن الإذن صدر بصفة فاسدة لازمة له، وهنا فسد بالتعليق وقد وجد الشرط، إلا أن يلمح في الفرق بينهما أن المعلق لو نجز هنا .. لَصَحَّ، فاعتبر إذنه المعلق عند وجود الصفة بخلاف ما تقدم. انتهى كلام شيخنا رحمه الله. 2400 - قول "المنهاج" [ص 273]: (ولو قال: "وكلتك ومتى عزلتك فأنت وكيلي" .. صحت في الحال في الأصح) كذا عبر في "الروضة" بـ (متى) (¬5)، وعبر في "المحرر" و"الشرحين" بـ (مهما) (¬6)، وفي التعبيرين تساهل، والصواب كما قال ابن الرفعة: التعبير بـ ¬

_ (¬1) انظر "بحر المذهب" (8/ 163). (¬2) المنهاج (ص 415). (¬3) التنبيه (ص 108)، الحاوي (ص 329). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 24). (¬5) الروضة (4/ 301). (¬6) المحرر (ص 196)، فتح العزيز (5/ 222).

(كلما) المقتضية للتكرار؛ ليصح تعليلهم وجه البطلان باشتمالها على شرط التأبيد، وهو إلزام للعقد الجائز. وللخلاف شروط: أحدها: هذا، وهو التعليق بصيغة تكرار؛ مثل: (كلما) ففي غير صيغة التكرار يحصل مقصوده بتكرير العزل، فلم يشتمل على شرط التأبيد، ذكره في "المطلب" بحثاً، وهو واضح. ثانيها: اتصال التعليق بالتولية، فلو أتى به منفصلاً .. صح، قاله الرافعي (¬1). ثالثها: أن يأتي به بصيغة الشرط؛ مثل: (على أني كلما)، أو (بشرط أني كلما)، حكاه في "المطلب" عن القاضي وغيره، وهو مقتضى التعليل السابق. رابعها: أن يقول: (وكلما عزلتك بنفسي أو بغيري) فإنه متى لم يقل ذلك .. أمكنه حصول مقصوده بتوكيل غيره في العزل، فلم يشتمل على شرط التأبيد، ذكره في "المطلب" بحثاً أيضًا، وهو واضح، والله أعلم. 2401 - قوله: (وفي عوده وكيلاً بعد العزل الوجهان في تعليقها) (¬2) أي: فالأصح: أنه لا يعود وكيلاً. 2402 - قوله: (ويجريان في تعليق العزل) (¬3) أي: الوجهان في تعليق الوكالة، ومقتضاه: تصحيح عدم العزل، والذي في "الروضة" وأصلها: أنهما يجريان بالترتيب، والعزل أولى بالقبول؛ لأنه لا يشترط فيه قبول، وليس فيه بيان الأصح؛ فإن فيه: أنا إذا لم نصحح تعليق الوكالة - كما هو المرجح - .. ففي العزل وجهان بلا ترجيح (¬4). واستشكل في "المهمات" تصحيح عدم العزل، وقال: كيف تنفذ التصرفات والمالك مانع منها لا سيما أن من جملة الصيغ أن يقول: (إذا انقضى الشهر .. فلا تبع)؟ وأيضا: فإنا لما منعنا تعليق الوكالة .. رتبنا على التعليق غرض المالك، وهو التصرف، فكيف لا نرتب غرضه في تعليق العزل، وهو المنع الذي هو الأصل؟ ! انتهى. 2403 - قول "الحاوي" [ص 329]: (وإن أدارها .. أدار العزل) فيه أمران: أحدهما: أن الرافعي خص هذه الحيلة بالتفريع على الوجه الضعيف، وهو صحة الوكالة المعلقة (¬5)، وليس بجيد؛ فإنها ولو فسدت .. تصرف بمطلق الإذن كما تقدم، فيحتاج إلى منعه ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (5/ 223). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 273). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 273). (¬4) فتح العزيز (5/ 223)، الروضة (4/ 302). (¬5) انظر "فتح العزيز" (5/ 222).

فصل [في التوكيل في البيع]

من التصرف بهذه الحيلة، فهي جارية على الوجهين معًا؛ ولذلك ذكرها "الحاوي" مع أنه لا يفرع على ضعيف، ذكر ذلك القونوي والسبكي وشيخنا الإسنوي، ثم قال السبكي: لكنا نقول: نفوذ التصرف في المعلقة بغير العزل قريب؛ لأنه لا يضاد ما تضمنته الوكالة من الإذن، والمعلقة بالعزل إذا وُجد العزل .. ضاد الإذن، فالتمسك بالصريح الموجود أولى من التمسك بالإذن المضمن الماضي، والله أعلم. ثانيهما: قال السبكي وتبعه الإسنوي: إذا قلنا بصحة تعليق العزل على طلوع الشمس .. كيف نعديه إلى تعليقه على التوكيل، وهو تعليق قبل الملك، فإنه لا يملك العزل عن الوكالة التي لم تصدر منه، فهو كقوله: (إن ملكت فلانة، أو نكحتها .. فهي حرة، أو طالق)؟ ! قال السبكي: فهو إذَنْ مبني على وجه ضعيف جداً، وهو التعليق قبل الملك، والله أعلم. فصلٌ [في التوكيل في البيع] 2404 - قول "التنبيه" [ص 109]: (ولا يجوز للوكيل أن يبيع بدون ثمن المثل، ولا بثمن مؤجل، ولا بغير نقد البلد، إلا أن ينص على ذلك كله) فيه أمور: أحدها: قيّد ابن يونس دون ثمن المثل بما لا يتغابن بمثله، ويوافقه قول "المنهاج" [ص 273]: (ولا بغبنٍ فاحش) وقول "الحاوي" [ص 329]: (بثمن المثل وما يسامح به)، وذكر بعضهم أنه لا يحتاج لذلك؛ لأن القدر اليسير الذي يسامح به ولا يتغابن بمثله ثمن مثله، وفيه نظر؛ فإن الأصح في شراء الماء في التيمم: أنه لو زاد على ثمن المثل ما يتسامح بمثله .. لم يجب، فقد فرقوا بينهما، وفسر "المنهاج" الغبن الفاحش: (بما لا يحتمل غالباً) (¬1)، وقد مثل بعضهم ذلك: بدرهم في عشرة بخلاف درهمين، وقال الروياني: ذلك يختلف؛ فربع العشر كثير في النقد والطعام، ونصفه ليس كثيراً في الجوهر والرقيق ونحوهما (¬2). ثانيها: مقتضى قوله: (إلا أن ينص له على ذلك كله) أنه لا يجوز واحد من هذه الثلاثة حتى ينص له على جميعها، وليس كذلك، وإنما المراد: أن كلاً منها يجوز له فعله بالتنصيص عليه، وإلى ذلك أشار "المنهاج" بقوله [ص 273]: (الوكيل بالبيع مطلقاً) و"الحاوي" بقوله [ص 329]: (إن أطلق) للاحتراز عن حالة التصريح بخلاف ذلك. ثالثها: فد تفهم عبارته جواز البيع بثمن المثل مع وجود راغب بالزيادة عليه، وليس كذلك، بل ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 273). (¬2) انظر "بحر الذهب" (8/ 183).

يبيع بتلك الزيادة، بل لو باع ووجد راغب في زمن الخيار .. لزمه الفسخ في الأصح، فإن لم يفعل .. انفسخ، وهذا وارد على "المنهاج" أيضاً، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 330]: (وإن زِيدَ في المجلس .. انفسخ) لكن لا تتناول عبارته الزيادة في زمن خيار الشرط، فلو قال: (وإن زِيدَ حال الجواز) .. كان أعم. رابعها: قد تفهم عبارته أنه إذا أذن له في البيع بمؤجل .. جاز، وكان ذلك إلى خبرة الوكيل، وليس كذلك، بل إن قدر الأجل .. اتبع، فلا يزيد عليه، ولا ينقص أيضاً إن نقص من الثمن شيئاً، أو كان خوف، أو للحفظ مؤنة، وإلا .. جاز في الأصح. قال شيخنا ابن النقيب: ويظهر أن محله: إذا لم يعين المشتري، فإن عينه .. امتنع كزيادة الثمن (¬1). وإن أطلق .. حمل على المتعارف في مثله، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، فلو لم يكن عرفٌ .. أجل بالأنفع للموكل، ويشترط الإشهاد في الأصح. خامسها: قد تفهم عبارته وعبارة "المنهاج" و"الحاوي" أنه إذا كان في البلد نقدان .. يخير الوكيل بينهما، وليس كذلك، بل يتعين عليه البيع بالأغلب، فإن استويا في ذلك .. باع بالأنفع، فإن استويا .. تخير حينئذ، وقيل: لا يجوز حتى يتبين له، فلو باع بهما .. قال الإمام: فيه تردد للأصحاب، والمذهب: التجويز (¬3)، قال السبكي: ولم يبين الأصحاب البلد، والظاهر: أنها بلد البيع لا بلد التوكيل. سادسها: في معنى الوكيل في البيع: الوكيل في الشراء، فيتقيد بهذه الأمور أيضاً. 2405 - قولهم: (ولا يبيع لنفسه) (¬4) أي: ولو نص له على ذلك، وقد صرح به "الحاوي" (¬5)، قال ابن الرفعة: لو نص له على البيع من نفسه، وقدر له الثمن، ونهاه عن الزيادة .. ينبغي أن يصح؛ لأن منع اتحاد الموجب والقابل إنما هو للتهمة، ولذلك جاز للأب والجد؛ لفقدها، وقال السبكي: لم أجد فيه بياناً شافياً. 2406 - قول "التنبيه" [ص 109]: (ويجوز أن يبيع من ابنه) أي: الذي ليس محجوراً، فلا يبيع من ابنه الصغير والمجنون والسفيه؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 274]: (ولا يبيع لنفسه وولده الصغير) و"الحاوي" [ص 330]: (لا طفلِهِ). ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 30). (¬2) الحا وي (ص 330)، المنهاج (ص 274). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (7/ 43). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 109)، و"الحاوي" (ص 330)، و"المنهاج" (ص 274). (¬5) الحاوي (ص 330).

لكن يرد عليهما: المجنون والسفيه، فلو عبرب (المحجور) كما فعلت .. لكان أولى. ويستثنى: ما لو صرح له بأن يبيع من ابنه الصغير عند البغوي (¬1)، وقال المتولي: لا يستثنى، ثم قال "المنهاج" [ص 274]: (والأصح: أنه يبيع لأبيه وابنه البالغ)، ومحل الخلاف: إذا لم يعين الثمن، فإن عينه .. جاز بلا خلاف، كما في "فتاوى القفال". 2407 - قول "التنبيه" [ص 109]: (وإن وكله في البيع .. سلم المبيع ولم يقبض الثمن، وقيل: يقبض) فيه أمور: أحدها: أن الثاني هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). ثانيها: أنه جزم بتسليم المبيع، وحكى الخلاف في قبض الثمن، وسوى "المنهاج" تبعاً لأصله بينهما في حكاية الخلاف (¬3). ثالثها: قد تفهم عبارته أنا إذا فرعنا على أنه يقبض الثمن .. كان مخيراً بين البداءة بتسليم المبيع والبداءة بقبض الثمن، وليس كذلك، بل يتعين قبض الثمن أولاً؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 274، ]: (ولا يسلمه حتى يقبض الثمن) و"الحاوي" [ص 330]: (ويقبض العوض فيسلِّم)، قال النشائي: وصرح في "التصحيح" فيه بخلاف، ولم أجده في الرافعي و"الروضة" و"الكفاية" (¬4). قلت: هو فيها؛ فإنهم حكوا طريقة قاطعة بتسليم المبيع، ولم يحكوها في قبض الثمن، فدل على أن بعضهم جوز له تسليم المبيع بدون قبض الثمن (¬5). رابعها: محل تسليم المبيع: إذا كان معيناً وهو في يده. خامسها: قال صاحب "المعين" اليمني: محل الخلاف: إذا عين له الموكل المشتري، أو لم يعين ولكن الموكل حاضر، وإلا .. فيقبض الثمن قطعاً، كما أفهمه كلام الأصحاب. انتهى. وهذا إن صح وارد على عبارة "المنهاج" أيضًا. سادسها: محل الخلاف: في الثمن الحال. أما المؤجل: فليس له قبضه قطعاً، وهذا وارد على عبارة "المنهاج" و"الحاوي" أيضًا. سابعها: محل الخلاف أيضاً: إذا لم يكن القبض في المجلس شرطاً، فإن كان؛ كالصرف ونحوه .. فله القبض والإقباض قطعاً، وهذا وارد على "المنهاج" أيضاً. ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (4/ 219). (¬2) الحاوي (ص 330)، المنهاج (ص 274). (¬3) المحرر (ص 197)، المنهاج (ص 274). (¬4) انظر"نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 104)، و"تصحيح التنبيه" (1/ 338). (¬5) انظر"فتح العزيز" (5/ 228، 229)، و"الروضة" (4/ 307).

تنبيه [وكيل المشتري في معنى وكيل البائع]

ثامنها: ومحل الخلاف أيضًا: إذا لم ينهه عن القبض، فإن نهاه عن ذلك .. فليس له القبض قطعاً، وكذا لو نهاه عن التسليم .. امتنع على الأصح، وتفسد الوكالة على وجه، وهذا وارد على "المنهاج" و"الحاوي" أيضاً. تنبيهٌ [وكيل المشتري في معنى وكيل البائع] في معنى وكيل البائع: وكيل المشتري يملك تسليم الثمن وقبض المبيع، بل هو أولى منه بذلك؛ لاقتضاء العرف ذلك، وقد قطع به الرافعي في موضع، وصحح النووي: طريقة القطع به (¬1). 2408 - قول "المنهاج" [ص 274]: (فإن خالف .. ضمن) لم يبين المضمون، وهو: قيمة المبيع يوم التسليم مثلياً كان أو متقوماً، فإذا قبض الثمن .. دفعه واسترد المدفوع (¬2). 2409 - قول "التنبيه" [ص 109]: (وإن أمره أن يشتري شيئاً موصوفاً .. لم يجز أن يشتري معيباً) فيه أمران: أحدهما: اعترض عليه: بأن الحكم لا يختص بالتوكيل في شراء موصوف؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 274]: (وإذا وكله في شراء .. لا يشتري معيباً). قلت: إنما احترز "التنبيه" بالموصوف عن التوكيل في شراء معين، وقد ذكره بعد ذلك (¬3). ثانيهما: كيف يجزم بأنه لا يجوز له شراء المعيب، وقد قال بعده: (فإن لم يعلم، ثم علم .. رده)؟ فثبوت الرد يدل على جواز البيع فيما إذا لم يعلم، فيحمل كلامه على ما إذا علم، وكذلك يرد هذا على "المنهاج" أيضاً؛ لأنه قال: (لا يشتري معيباً)، ثم قال: (فإن اشتراه في الذمة، وهو يساوي مع العيب ما اشتراه به .. وقع عن الموكِّل إن جهل العيب، وإن علمه .. فلا في الأصح، وان لم يساوه .. لم يقع عنه إن علمه، وإن جهله .. وقع في الأصح) (¬4)، وهو صريح في صحته في بعض الصور، فيحمل قوله: (لا يشتري) على أن المعنى: لا ينبغي له ذلك، لا أنه باطل، وتقييده المسألة بما إذا اشتراه في الذمة قد يقتضي أنه لو اشتراه بعين مال الموكل .. بطل مطلقاً، وليس كذلك، وإنما يبطل تفريعاً على قولنا: إنه في الشراء في الذمة لا يقع للموكل، فإن ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (5/ 228)، و"الروضة" (4/ 308). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 32). (¬3) التنبيه (ص 109). (¬4) المنهاج (ص 274).

قلنا: يقع له .. فكذا هنا، لكن ليس للوكيل الرد في الأصح، ففائدة التقييد أولاَ بالذمة: إخراج المذكور آخراً، وهو رد الوكيل، فلو قيد الأخيرة فقط، فقال: (للموكل الرد، وكذا الوكيل إن اشترى في الذمة) .. لكان أحسن. وقول "التنبيه" [ص 109]: (فإن لم يعلم، ثم علم .. رده) أي: الوكيل، قد يقتضي أنه ليس للموكل الرد، وليس كذلك؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 274]: (وإذا وقع للموكل .. فلكل من الوكيل والموكِّل الرد) أي: والصورة أن الوكيل اشتراه في الذمة، فلو اشتراه بعين مال الموكل .. فلا يرده إلا الموكل كما تقدم، ولو رضي به الموكل .. لم يتمكن الوكيل من الرد، ولو رضي به الوكيل .. لم يتمكن بعد ذلك من الرد، لكن للموكل الرد إن ثبتت الوكالة أو صدق البائع عليها، وعلى ذلك يحمل قول "الحاوي" [ص 330]: (والموكل وإن رضي الوكيل) وإلا .. فالأصح في "الروضة" من زيادته: أنه يرده على الوكيل (¬1). وقد أورد على "الحاوي" في قوله [ص 330]: (وَرَدّ - أي: الوكيل - إلا إن رضي الموكل) أن مقتضاه: أن الوكيل يرد ولو رضي هو به، وليس كذلك كما تقدم. واعلم: أن في معنى ما إذا تبين أنه كان معيباً عند الشراء: ما إذا طرأ العيب قبل قبضه .. فلهما الرد، كما اقتضاه كلام القاضي أبي الطيب. 2410 - قول "الحاوي" [ص 330]: (أو عيَّن المشترى بالعين) أي: ليس للوكيل الرد بالعيب إن عين له الموكل المشترى، واشتراه بعين مال الموكل. كذلك لو لم يعين له الموكل المشترى، بل أطلقه، فإذا اشتراه بعين المال .. لا يرده، فكان الصواب: الاقتصار على الوصف الأخير؛ ولهذا قيد "المنهاج" رد الوكيل بما إذا كان الشراء في الذمة كما تقدم (¬2)، ولم يعتبر مع ذلك وصفاً آخر، وفي "التنبيه" [ص 109]: (وإن وكله في شراء شيء بعينه، فاشتراه ثم وجد به عيباً .. فالمنصوص: أنه يرده)، قال في "الكفاية": والخلاف إذا لم يعين الثمن، وإلا .. فلا رد قولاً واحداً. 2411 - قول "التنبيه" [ص 108، 109]: (وإن وكله في حق .. لم يجز للوكيل أن يجعل ذلك إلى غيره إلا أن يأذن له فيه، أو كان ممن لا يتولى ذلك بنفسه) أي: لكونه لا يحسنه أو لا يليق به كما في "المنهاج" (¬3)، أو لا يتمكن منه لكثرته، قال في "التصحيح": الأصح: أنه لا يجوز؛ ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 311). (¬2) المنهاج (ص 274). (¬3) المنهاج (ص 274).

أي: في الصورة الأخيرة التوكيل إلا في المعجوز عنه (¬1)، قال النشائي: وكلامه لا يأباه، ولكن استدركه النووي (¬2). قلت: وأفصح عن ذلك "المنهاج" بقوله [ص 274]: (ولو كثر وعجز عن الإتيان بكله .. فالمذهب: أنه يوكل فيما زاد على الممكن) وقد عبر أولاً: بالعجز، وثانياً: بعدم الإمكان، وقد يتخيل بينهما فرق، والثاني هو عبارة " المحرر" و"الروضة" وأصلها (¬3)، وحيث وكل لكونه لا يتولاه بنفسه أو يعجز عنه لكثرته .. فإنما يوكل عن موكله، فإن وكل عن نفسه .. بطل على الأصح، كما صححه النووي (¬4). ثم اعلم: أن السبكي قال: هذا إذا قال: (وكلتك أن تبيع)، أما إذا قال: (في بيعه) .. ففيه نظر؛ لأنه يشمل بيعه بوكيله، وهو مثل قولهم: إن المعير لم يملك المنفعة، وإنما ملك أن ينتفع؛ ولهذا لا يعير. ويوافقه أيضاً قول الفوراني وغيره: إنه يعتبر الصدق في قوله: (من أخبرتني بقدوم زيد .. فهي طالق)، بخلاف: (من أخبرتني أن زيداً قدم) فإنه لا يشترط فيه الصدق، لكن الأصح: أنه لا يشترط الصدق في الصورتين، وحكى في "التوشيح" عن والده: أنه نازع في قول النحاة: أنَّ أَنْ والفعل في تأويل المصدر، وقال: بينهما فرق؛ فإنّ أنْ والفعل يدل على الحدوث، وهو معنى تصديقي، بخلاف المصدر الصريح؛ فدلالته على المعنى التصوري فقط (¬5). 2412 - قول "المنهاج" [ص 274]: (ولو أذن في التوكيل وقال: "وكل عن نفسك"، ففعل .. فالثاني وكيل الوكيل، والأصح: أنه ينعزل بعزله وانعزاله) عبارة "المحرر": (لكن ينعزل بعزله) (¬6)، وليست مطابقة لها؛ فإن مراد "المنهاج": أن الوكيل الثاني ينعزل بعزل الوكيل الأول له؛ بدليل: كونه عطف عليه قوله: (وانعزاله)، والذي يتأتى انعزاله هو الوكيل الأول لا الموكل، وليس الانعزال في "المحرر"، ومراد "المحرر": أن الوكيل الثاني ينعزل بعزل الموكل له؛ ولهذا صدره بقوله: (لكن) للاستدراك على ما تقدم؛ لأن مقتضى كونه وكيل الوكيل: أن لا ينعزل إلا بعزل الوكيل لا بعزل الموكل، لكن خولف ذلك وانعزل بعزل الموكل، وحاصل ذلك أنهما مسألتان: إحداهما في "المحرر"، والأخرى في ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (1/ 334). (¬2) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 102). (¬3) المحرر (ص 197)، فتح العزيز (5/ 236)، الروضة (4/ 313). (¬4) انظر "الروضة" (4/ 314). (¬5) انظرا فتاوى السبكي" (1/ 81). (¬6) المحرر (ص 197).

"المنهاج"، لكن يبقى النظر في عبارة "المنهاج" من جهتين: إحداهما: مخالفة أصله. والثانية: كيف يجزم بأنه وكيل الوكيل ويحكي الخلاف في انعزاله بعزله وقد قال في "الروضة" وأصلها: إن أصل هذا الخلاف أن الوكيل الثاني هل هو وكيل الأول أم وكيل الموكل؟ والأصح: أنه وكيل الوكيل (¬1). 2413 - قوله: (وإن قال: "عني" .. فالثاني وكيل الموكل، وكذا لو أطلق في الأصح) (¬2) فيه أمران: أحدهما: يخالفه في حالة الإطلاق ما لو قال الإمام للقاضي: (استخلف) وأطلق .. فإنه ينعزل بعزل القاضي، فهو نائب عنه، قال في "المهمات": وهو مشكل. ثانيهما: محل الوجهين: إذا لم يعين له الوكيل، صرح به الماوردي (¬3)، قال شيخنا الإمام البلقيني: وكلام الرافعي في "الشرح" يشير إليه (¬4). 2414 - قوله من زيادته: (وفي هاتين الصورتين لا يعزل أحدهما الآخر، ولا ينعزل بانعزاله) (¬5) قال شيخنا ابن النقيب: ولو تركه .. لفهم من التفريع، ولكنه أراد: زيادة الإيضاح (¬6). 2415 - قوله: (وحيث جوزنا للوكيل التوكيل .. يُشترط أن يوكل أميناً إلا أن يعيِّن الموكل غيره) (¬7) كذا لو قال له: (وكل من شئت) كما بحثه في "المهمات" قياساً على ما ذكروه في النكاح: أن المرأة إذا قالت: (زوجني ممن شئت) .. يجوز تزويجها من غير كفء على الصحيح، قال: بل أولى؛ لأنه هناك يصح ولا خيار لها، وهنا لو باع بدون ثمن المثل .. لم يصح، ولو اشترى معيباً .. ثبت الخيار. 2416 - قوله: (ولو وكَّل أميناً ففسق .. لم يملك الوكيل عزله في الأصح) (¬8)، قال شيخنا الإمام البلقيني: في محل الوجهين نظر، تقريره: أنه إن كان في صورة الإطلاق .. فالوجهان في جواز عزله قبل الفسق وبعده، فيبقى قيد الفسق ضائعاً. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (5/ 236)، الروضة (4/ 313). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 274). (¬3) انظر " الحاوي الكبير" (6/ 510). (¬4) فتح العريز (5/ 237). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 274). (¬6) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 35). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 274). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 274).

فصل [فيما لو عين لوكيله شخصا ليبيع منه]

وغير الإطلاق؛ إما وكيل عن الموكل جزماً فيما إذا قال: (وكل عني)، أو عن الوكيل على المشهور فيما إذا قال: (عنك)، قال: والجواب: أن محلهما على ما ظهر من كلام من حكاهما: فيما إذا أذن له في التوكيل وأطلق الإذن، وقلنا: إنه يكون وكيلاً عن الأصل كما هو الأصح؛ فإنه إذا حدث فسقه بين الوكالة والفعل .. ملك المتوسط أن يعزله على وجه كان أصله أن ينعزل بنفس الفسق تنزيلاً للحادث منزلة المقارن، لكنه تعذر في الوكالة؛ إذ الأصل أن يقيم في وكالته الفساق والأمناء، لكن من حيث أنه جاء من جهة نظر الثاني .. ملك عزله على وجه، وكأنه قال له: لا تمكن من يفعل هذا الفعل إلا أنت أو أمين، فإذا فسق الأخير .. كان مقتضى ذلك أن للمتوسط منعه من التصرف على وجه حسن وإن كان مرجوحاً. انتهى كلام شيخنا. وقال السبكي: الذي أقول أنا؛ حيث جعلناه وكيل الوكيل .. فله عزله بكل حال. وحيث جعلناه وكيل الموكل .. فالقول: بأن للوكيل عزله لا وجه له، بل ينبغي أن يكون الوجهان في انعزاله بالفسق، ويصحح الانعزال كالقاضي وعدل الرهن. وقال شيخنا ابن النقيب: يتعين أن يصور ذلك بما إذا قال: (وكل عني)، وبه صور في "الوسيط"، وفي معناه: الإطلاق، وحينئذ .. فمنع العزل واضح؛ لأنه ليس وكيلاً له، واستشكل في "الكفاية" مقابله؛ وعلله في "المطلب": بأنه من توابع ما وكل فيه؛ كالرد بالعيب (¬1). وذكر شيخنا في "المهمات" نحوه، ثم قال: ولو قيل: بانعزاله بلا عزل .. لكان أوجه، كما قالوه في عدل الرهن. فصلٌ [فيما لو عين لوكيله شخصاً ليبيع منه] 2417 - قول "المنهاج" [ص 275]: (قال: "بع لشخص معين" .. تعين) اعترض على عبارته: بأنّ (قال) يُحكى بها لفظ الغير، فيكون قوله: [معين] (¬2) من تتمة لفظ الموكل، فمدلوله: بع من معين لا من مبهم، وكذا قوله بعده: (أو في زمن أو مكانٍ معينٍ)، وليس كذلك مراداً، بل مراده: أنه عين له، فقال: بع من زيد وفي يوم الجمعة وفي سوق العطارين مثلاً، وقد سلم "التنبيه" من ذلك بقوله [ص 109]: (وإن وكله في البيع من زيد، فباع من عمرو .. لم يجز) و"الحاوي" بقوله [ص 331]: (وإن عين المشتري) إلى قوله: (تعين)، وهذا تساهل في ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 35، 36)، و"الوسيط" (3/ 292). (¬2) ما بين معقوفين زيادة من "مغني المحتاج" (2/ 295)، وهي ضرورية.

العبارة، والمعنى في ذلك مفهوم، فلو باع لوكيل ذلك المعين .. ففي " الروضة" عن "البيان": أنه لا يصح، وهو في "البيان" في (النكاح) عن الطبري عن الأصحاب (¬1)، وكذا حكاه في "الذخائر" عن الأصحاب. وفي "المطلب": إن تقدم القبول وصرح بالسفارة .. صح بلا إشكال. وإن تأخر .. فلا وإن صرح بالسفارة؛ لفساد الإيجاب، لتمكن الوكيل من قبوله لنفسه. وقال شيخنا الإمام البلقيني: إذا فرعنا على الأصح: أن الملك يثبت ابتداء للموكل .. فيظهر صحة البيع من وكيل زيد، ثم حكى عن ابن الصباغ والعمراني: أنه إذا وكل زيد شخصاً في بيع عبده من عمرو، ووكله عمرو بشرائه .. هل يجوز أن يتولى الطرفين؟ على وجهين، وقيل: لا يصح قولاً واحداً؛ لتنافي الغرضين، قال شيخنا: وهذا يقتضي أن يجري الخلاف في مسألتنا المجردة عن تولي الطرفين بطريق الأولى، قال شيخنا: ولو انعكس التصوير؛ بأن قال: (بع من وكيل زيد)، فباع من زيد .. فلم أر من تعرض لها، والذي يظهر البطلان؛ أي: تفريعاً على المنقول إلا إذا لمح المعنى. 2418 - قول "المنهاج" [ص 275] و"الحاوي" [ص 331]: (إنه إذا عين الزمان .. تعين) أي: فلا يجوز قبله ولا بعده، وحُكي الاتفاق عليه في البيع والعتق، لكن قال الداركي في (الطلاق): إنه يقع بعده لا قبله، قال النووي: ولم أره لغيره، وفيه نظر (¬2). وقال السبكي: القياس: طرده في العتق. وقال شيخنا الإمام البلقيني: إن أجراه في البيع والعتق، وإلا .. ففي الفرق عسر، ثم قال شيخنا: والذي يظهر في التأخير في البيع وغيره بناؤه على أن القضاء بأمر جديد أو بالأمر الأول، فإن قلنا: بأمر جديد - وهو المرجح عند الأصوليين - .. امتنع على الوكيل ذلك إلا بأمر جديد، وإن قلنا: بالأمر الأول - وهو الذي يقتضيه نص الشافعي في كفارة الظهار - .. جاز الإقدام ما لم يظهر ما يدل على المنع بعد ذلك. 2419 - قول "التنبيه" [ص 109]: (وإن وكله في البغ في سوق فباع في غيرها .. جاز، وقيل: لا يجوز) الثاني هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬3)، وقال في "المهمات": إن الراجح: الأول؛ فقد نص عليه الشافعي في (الرهن) من "الأم" (¬4)، كما حكاه أبو الطيب. ¬

_ (¬1) البيان (6/ 418)، (9/ 237)، الروضة (4/ 325). (¬2) انظر "الروضة" (4/ 315). (¬3) الحاوي (ص 331)، المنهاج (ص 275). (¬4) الأم (3/ 170).

وللخلاف شروط: أحدها: أن محله: إذا لم يكن له في ذلك المكان غرض ظاهر، فإن كان؛ بأن كان الراغبون فيه أكثر، أو النقد فيه أجود .. لم يجز البيع في غيره قطعاً. ثانيها: أن محله أيضاً: إذا لم ينهه عن غيره، فإن نهاه .. لم يصح جزماً. ثالثها: أن محله أيضاً: إذا لم يقدر الثمن، فإن قدره .. جاز البيع به في مكان آخر، حكاه في "الروضة" من زيادته عن صاحبي "الشامل" و"التتمة" وغيرهما (¬1)، قال السبكي: وهو ظاهر إن جوزنا البيع به مع وجود راغب بزيادة، فإن منعنا - وهو الأصح عند النووي تبعاً "للشرح الصغير" - .. فينبغي التعيّن، لاحتمال الزيادة فيه. انتهى. وذكر "المنهاج" الشرط الأول فقط، فقال [ص 275]: (وفي المكان وجهٌ إذا لم يتعلق به غرض)، ولم يذكره في "المحرر"، قال في "المهمات": وإطلاق الجواز في بلد غير مأذون فيها يقتضي الجواز قبل انقضاء مدة يتأتى فيها الوصول إلى المأذون فيها، وهو مشكل؛ فإن النفظ دل على المسافة، وعلى إيقاع البيع في البلد خرج الثاني؛ لدليل [يبقي] (¬2) الأول؛ ولهذا قالوا: إذا وهب منه شيئاً في بلده أو رهنه عنده وأذن في قبضه .. فلا بد من مضي زمن يمكن المضي إليه فيه. قلت: إذا لم يحافظ على المنصوص عليه - وهو المكان - .. فكيف يراعي المتضمن - وهو الزمان -؟ 2420 - قول "المنهاج" [ص 275] و"الحاوي" [ص 331]: (وإن قال: "بع بمئة" .. لم يبع بأقل) أي: ولو بقيراط، بخلاف النقص عن ثمن المثل بما يتغابن به عند الإطلاق؛ لأنه قد يسمى ثمن المثل، ودون المئة لا يسمى مئة، ومفهومه: جواز البيع بها مطلقاً. ويستثنى منه: ما إذا وجد راغباً بزيادة عنها على ما رجحه الرافعي في "الشرح الصغير" والنووي في "الروضة" (¬3). 2421 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (وله أن يزيد إلا أن يُصَرِّح بالنهي) (¬4) كذا إذا وكله في البيع من معين .. ليس له الزيادة أيضاً، بخلاف قوله: (اشتر عبد فلان بمئة)، فاشترى بأقل منها .. فإنه يصح كما في "الروضة" من زيادته عن الأصحاب (¬5)، ولذلك أطلق "التنبيه" أنه إذا ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 315). (¬2) في (أ)، و (ج)، و (د): (ينفي). (¬3) الروضة (4/ 316). (¬4) انظر"التنبيه" (ص 109)، و"الحاوي" (ص 331)، و"المنهاج" (ص 275). (¬5) الروضة (4/ 317).

قال: (اشتر عبداً بمئة)، فاشترى عبداً يساوي مئة بما دون المئة .. جاز (¬1)، ثم حكى النووي عن صاحب "الحاوي": أن الفرق أنه في البيع ممنوع من قبض ما زاد على المئة، فلا يجوز قبض ما نُهي عنه، وفي الشراء مأمور بدفع مئة، ودفع الوكيل بعض المأمور به جائز (¬2). وبخلاف توكيل الزوج في مخالعة زوجته بمئة .. فإنه تجوز المخالعة بأكثر منها. وقد استضعف شيخنا الإمام البلقيني فرق الماوردي: بأنه لا يلزم من منع القبض منع البيع، فهذا الوكيل ممنوع من قبض الثمن على وجه، وليس ممنوعاً من البيع، ثم فرق: بأن الغرض في تعيين العبد استدعى تعيين مالكه، وكذا في الخلع لا بد من تعيين الزوجة، بخلاف المشتري لا غرض في تعيينه إلا البيع منه بالثمن المعين، هذا معنى كلامه، وهو حسن، والله أعلم. 2422 - قول "التنبيه" [ص 109]: (وإن قال: "بع بألف"، فباع بألف وثوب .. فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز (الأصح: الجواز، ذكره في "التصحيح" جزماً، وفي "الروضة" بحثاً، فقال: ينبغي أن يكون الأصح: الصحة (¬3)، وهو داخل في قول "المنهاج" [ص 275]: (وله أن يزيد)، وقول "الحاوي" [ص 331): (ويبدل القدر بالمصلحة). والصورة أيضًا: أنه لم يعين من يبيع منه، وقد فرض الرافعي والنووي المسألة فيما إذا ساوى الثوب الألف، فإن لم يساوه .. فيظهر أن يرتب على ما إذا ساوت شاة ديناراً وأخرى بعضه (¬4)، والظاهر: أن ذكر الثوب مثال. فلو باع بألف ودينار .. جرى فيه الخلاف، قال في "الكفاية": إنه القياس، وصرح به المتولي، وقطع ابن الصباغ بالصحة. 2423 - قول "التنبيه" [ص 109]: (وإن قال: "بع بألف مؤجل"، فباع بألف حال .. جاز إلا أن ينهاه أو كان الثمن مما يستضر بحفظه) كذا لو عين المشتري .. فإنه لا يجوز قياساً، كما قال ابن الرفعة، قال: وحكى الإمام في الصحة وجهين (¬5)، وعلى هذا التفصيل يحمل قول "الحاوي" [ص 331]: (ويبدل الأجل بالمصلحة). 2424 - قول "التنبيه" [ص 109]: (وإن قال: "اشتر بألف حال"، فاشترى بألف مؤجل .. جاز)، قال صاحب "التتمة": هذا إذا قلنا: إن مستحق الدين المؤجل إذا عُجّل حقه .. يلزمه القبول، فإن قلنا: لا يلزمه .. لم يصح الشراء هنا للموكل بحال. حكاه عنه الرافعي، وأقره (¬6). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 109). (¬2) الروضة (4/ 317)، وانظر "الحاوي الكبير" (6/ 548). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 335)، الروضة (4/ 320). (¬4) انظر "فتح العزيز" (5/ 243)، و"الروضة" (4/ 319). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (7/ 44). (¬6) انظر "فتح العزيز" (5/ 240).

وقال النووي في "الروضة": قد عكسه صاحب "الشامل" فقال: هذا الخلاف حيث لا يجبر صاحب الدين على قبول تعجيله، وحيث يجبر .. يصح الشراء قطعاً، قال النووي: وهذا أصح وأفقه وأقرب إلى تعليل الأصحاب (¬1). 2425 - قول "المنهاج" [ص 275]: (ولو قال: "اشتر بهذا الدينار شاةً "ووصفها، فاشترى به شاتين بالصفة، فإن لم تساو واحدةٌ ديناراً .. لم يصح الشراء للموكل، وإن ساوته كل واحدةٍ .. فالأظهر: الصحة وحصول الملك فيهما للموكل) فيه أمور: أحدها: قوله: (ووصفها) كذا في "الروضة" وأصلها (¬2)، وقال شيخنا الإسنوي: هو احتراز مما إذا لم يصف .. فإن التوكيل لا يصح، قال: والمعتبر في الوصف ما سبق في التوكيل بشراء عبد، هذا ما أشعر به كلام الرافعي هناك، وهو واضح. قال شيخنا ابن النقيب: تقدم أنه لا يشترط الوصف على المذهب، فكيف يبطل عند عدم ذكره؟ قال: والجواب عن تصويرهم المسألة بالوصف: اشتراط تحصيل شاة أو الشاتين به امتثالاً للشرط، وإلا .. لم يصح الشراء للموكل في شيء منهما؛ فإنا وإن لم نوجب الوصف تجب مراعاته إذا ذكر لا أن التوكيل يبطل عند عدم التعرض للوصف. انتهى (¬3). قلت: ولهذا لم يذكر "التنبيه" و"الحاوي" وصفها، ويحتمل أن المراد بالوصف: ذكر النوع، فهو معتبر كما تقدم. ثانيها: مقتضى عبارته وعبارة "التنبيه" و"الحاوي": أنه إذا ساوته واحدة فقط .. لم يقع للموكل، لكن في "الروضة" من زوائده: الأصح عند القاضي أبي الطيب والأصحاب: الصحة فيهما للموكل، كما لو ساوته كل منهما، والثاني: لا يصح له واحدة منهما (¬4). ولا يقال: إن اقتضى مفهوم "المنهاج" إجراء عدم الوقوع في هذه الصورة للموكل .. فقد اقتضى مفهومه أولاً الوقوع، فتدافع مفهوماه، فلا إيراد عليه؛ لأنا نقول: صح الإيراد عليه؛ لتقييده موضع الخلاف بمساواة كل واحدة مع أنه لا يتقيد بذلك، وأما الأولى: فهي موضع قطع. ثالثها: قوله: (فالأظهر: الصحة وحصول الملك فيهما للموكل) هذا حكاية لقول واحد، ومقابله: أنهما لا يقعان له لا أن العقد باطل؛ ولذلك قال "التنبيه" [ص 109]: (كان الجميع له، وقيل: للوكيل شاة بنصف دينار)، وقد يفهم من تعبيره بـ (قيل) أنه وجه، وهو قول، ثم إن ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 318). (¬2) فتح العزيز (5/ 241)، الروضة (4/ 318). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 39). (¬4) الروضة (4/ 319).

اشترى في الذمة .. فللموكل واحدة بنصف دينار، والأخرى للوكيل بنصفه، لكن للموكل انتزاعها منه، وتصيران له؛ فهو مخير بين الأمرين، وفي قول ضعيف: إنهما للوكيل وإن اشترى بعينه، فإن لم نقل بوقف العقود .. بطل في واحدة، وفي الأخرى قولا تفريق الصفقة، لكن صحح المتولي هنا: البطلان، وإن قلنا به: فإن شاء .. أخذهما به، وإن شاء .. أخذ واحدة بنصفه ورد الأخرى على البائع، واستشكل الرافعي القول الثاني من أصله: بأنه كبيع شاة من هاتين ليتخير منهما (¬1). 2426 - قول "التنبيه" [ص 109]: (وإن دفع إليه ألفاً، وقال: "ابتع بعينها عبداً"، فابتاع في ذمته .. لم يصح) يقتضي بطلان العقد، وليس كذلك، بل هو صحيح إلا أنه لا يقع للموكل، وإنما يقع للوكيل إن لم يصرح بالسفارة، وكذا إن صرح في الأصح؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 275] و"الحاوي" [ص 331]: (لم يقع للموكل)، ومفهومه: الوقوع للوكيل، وحمل بعضهم قول "التنبيه": (لم يصح) على أن معناه: لم يصح للموكل، ولا يخفى أن ذكر الألف والعبد مثال. واعلم: أن تعبير "التنبيه" بقوله: (ابتع بعينها) و"الحاوي" و"الروضة" وأصلها بقوله: (اشتر بعينه) (¬2) و"المحرر" بقوله: (ولو أمره أن يشتري بعين مال) (¬3) أصرح في المقصود من قول "المنهاج" [ص 275]: (ولو أمره بالشراء بمعين) لاحتمال هذه الصيغة أن يقول: (اشتر به أو بهذا)، وكلام! لرافعي فيما إذا قال: (اشتر بهذا الدينار شاة) يقتضي التخيير بينه وبين الذمة (¬4)، لكن في "الإفصاح" و"النهاية" أن مقتضى قوله: (اشتر به): الشراء بالعين، ولو قال: (اشتر)، ولم يقل: (به) .. فالأصح: التخيير (¬5). 2427 - قول "المنهاج" [ص 275]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 331]: (وكذا عكسه في الأصح) أي: لو قال: (اشتر في الذمة، وأنقده فيه)، فاشترى بعينه .. لم يقع للموكل، ومقتضاه: وقوعه للوكيل، وليس كذلك، فالوجهان في المسألة، أصحهما: بطلان البيع، والثاني: صحته للموكل، وقد حكى الوجهين في "التنبيه" بلا ترجيح، فقال [ص 109]: (قيل: يصح، وقيل: لا يصح)، وقد عرفت أن الأصح: عدم الصحة، وذلك مفهوم من قول "المنهاج" - والعبارة له - و"الحاوي" بعده: (ومتى خالف الموكل في بيع ماله أو الشراء بعينه .. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (5/ 241)، وفي (ج) زيادة: (قال: وهو باطل عندنا). (¬2) فتح العزيز (5/ 247)، الحاوي (ص 331)، الروضة (4/ 323). (¬3) المحرر (ص 198). (¬4) انظر "فتح العزيز" (5/ 247). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (7/ 43).

فتصرفه باطلٌ) (¬1) وفي معنى ذلك: ما إذا قال مع المخالفة: (اشتريت لفلان بألف في ذمته)، ذكره الرافعي في (البيع) في الشرط الثالث (¬2). 2428 - قول "المنهاج" [ص 275]: (وإن قال: "بعت موكلك زيداً"، فقال: "اشتريت له" .. فالمذهب: بطلانه) فيه أمران: أحدهما: لا تختص هذه المسألة بمخالفة الوكيل، بل يبطل ولو وافق الإذن؛ لعدم الخطاب بين المتعاقدين، وقد تفهم عبارة "المنهاج" غير ذلك؛ لذكرها في مسائل المخالفة. ثانيهما: تعبيره هنا وفي "الروضة" بـ (المذهب) (¬3) يستدعي طريقين، وعبارة "الشرح": (ظاهر المذهب) (¬4)، وليس في "الكفاية" إلا وجهان، وكأنه في "المنهاج" اغتر بتعبير "المحرر" بـ (المذهب) (¬5)، ولا اصطلاح له فيه، وهذه الصورة هي مراد "الحاوي" بقوله [ص 331]: (سمَّيا الموكل) لكن تتناول عبارته ما لو قال: (بعتك لموكلك)، وهو صحيح جزماً. 2429 - قول "المنهاج" [ص 275]: (فإن تعدَّى .. ضمن) قد يفهم استمرار الضمان حتى يُعيد العين لمالكها، وليس كذلك، بل لو باع وسلم .. زال الضمان، ولا يكون ضامنا للثمن، فلو رد عليه بعيب .. عاد الضمان، وقد ذكر ذلك "الحاوي" بقوله [ص 332]: (وضمن لا ثمنه، ولا إن باع وسلم، ويعود إن رُدَّ عليه بعيب). 2435 - قول "التنبيه" [ص 110]: (وإن تعدى الوكيل .. انفسخت الوكالة، وقبل: لا تنفسخ) الثاني هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬6). ودخل في عبارته: ما لو تعدى بالقول فقط، كما لو باع بغبن فاحش ولم يُسَلّم، والذي في "الكفاية" عن "البحر" نفي الانعزال؛ لأنه لم يتعد فيما وكل فيه (¬7)، قال في "الكفاية": ويتجه أن يجيء فيه وجه آخر. 2431 - قول "التنبيه" [ص 109]: (وإن وكله في بيع عبد أو شراء عبد .. لم يجز أن يعقد على نصفه) يستثنى منه: ما لو باع النصف بقيمة الكل .. فإنه يصح قطعاً، استدركه في "التصحيح" بلفظ: (الصواب) (¬8)، ونقل في "الكفاية" الاتفاق عليه. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 331)، المنهاج (ص 275). (¬2) انظر "فتح العزيز" (4/ 32). (¬3) الروضة (4/ 324). (¬4) فتح العزيز (5/ 248). (¬5) المحرر (ص 198). (¬6) الحاوي (ص 332)، المنهاج (ص 275). (¬7) بحر المذهب (8/ 177). (¬8) تصحيح التنبيه (1/ 337).

فصل [في جواز الوكالة وعزل الوكيل]

ويستثنى من الصحة: ما إذا عين من يبيع منه. 2432 - قوله: (وإن وكله في قبضه، فجحد من عليه الحق .. فقد قيل: يثبته، وقيل: لا يثبته) (¬1) هذا الثاني هو الأصح. فصلٌ [في جواز الوكالة وعزل الوكيل] 2433 - قولهم - والعبارة "للمنهاج" -: (الوكالة جائزة من الجانبين) (¬2) محله: إذا لم يذكر جُعْل معلوم، فإن ذكر ووجدت شروط الإجارة؛ فإن عقد بلفظ الإجارة .. لزمت، أو الوكالة .. خرجه الرافعي بحثاً على أن المعتبر صيغ العقود أم معانيها (¬3)، وجزم به الروياني في "البحر" فحكى وجهين في هذه الصورة، هل هي جائزة أو لازمة؟ (¬4). 2434 - قول "المنهاج [ص 276]: (فإذا عزله الموكل في حضوره، أو قال: "رفعت الوكالة"، أو "أبطلتها"، أو "أخرجتك منها" .. انعزل) فيه أمران: أحدهما: أن العزل معى يعبر عنه بألفاظ؛ منها: (عزلتك)، ومنها: (رفعت الوكالة)، وكذلك بقية الألفاظ؛ ولهذا عبر في "الروضة" بقوله: (أن يعز له بقوله: "عزلته"، أو "رفعت الوكالة" ... إلى آخره) (¬5)، فهذه الألفاظ الثلاثة المذكورة في "المنهاج" بعد ذكر العزل إما أن تكون من ذكر الخاص بعد العام، وإما أن يحمل العزل المذكور أولاً على هذا اللفظ خاصة دون ما يؤدي معناه من الألفاظ. ثانيهما: كان ينبغي تأخير قوله: (في حضوره) عن بقية الألفاظ؛ فإن المراد بها ذلك؛ بدليل أن منها: (أخرجتك منها) ولأن مقابلها قوله بعده: (فإن عزله وهو غائبٌ) (¬6). 2435 - قول "التنبيه" [ص 110]: (فإن عزله ولم يعلم الوكيل .. انعزل في أحد القولين) هو الأصح كما في "المنهاج" وغيره (¬7)، وهو مفهوم من ذكر "الحاوي" الانعزال بالعزل (¬8)، وعبر ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 109). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 110)، و"الحاوي" (ص 332)، و"المنهاج" (ص 276). (¬3) انظر " فتح العزيز" (5/ 256). (¬4) بحر المذهب (8/ 156). (¬5) الروضة (4/ 330). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 276). (¬7) المنهاج (ص 276). (¬8) الحاوي (ص 332).

"المنهاج" عن مقابله بقوله [ص 276]: (وفي قولٍ: لا حتى يبلغه الخبر) وقد يفهم منه الاكتفاء بمطلق بلوغ الخبر، وليس كذلك، بل المراد: خبر من تقبل روايته. ولا يرد ذلك على "التنبيه" لأنه اعتبر فيه العلم، وأقل درجاته: الحمل على الظن، وإنما يحصل الظن بخبر من تقبل روايته، وفي "الروضة" وأصلها - تفريعاً على الأصح -: ينبغي للموكل أن يشهد على العزل؛ لأن قوله بعد تصرف الوكيل: (كنت عزلته) لا يقبل (¬1). قال في "المهمات": وليس على إطلاقه، بل صورته: ما إذا أنكر الوكيل العزل، أما إذا وافقه ولكن قال: كان بعد التصرف .. فإنه يكون كدعوى الزوج تقدم الرجعة على انقضاء العدة، وفيه تفصيل معروف، قاله الرافعي في اختلاف الموكل والوكيل (¬2). 2436 - قول "المنهاج" [ص 276]: (ولو قال: "عزلت نفسي"، أو "رددت الوكالة" .. انعزل) فيه أمور: أحدها: في معنى هذين اللفظين ما تقدم من الألفاظ في الموكل. ثانيها: قال شيخنا الإسنوي: لقائل أن يقول: كيف ينعزل بذلك مع قولهم: لا يلزم من فساد الوكالة فساد التصرف لبقاء الإذن؟ (¬3) ثالثها: إنما ذكر رد الوكالة بعد العزل؛ لأنه أراد لفظ العزل دون ما يؤدي معناه من الألفاظ، وفي "الحاوي" [ص 332]: (ينعزل بعزل واحد)، ثم قال بعد مسائل: (ورد الوكيل) (¬4). واعترض عليه: بأنه لا حاجة لذلك؛ لدخوله في قوله أولاً: (وينعزل بعزل واحد) فإنه عزل لنفسه بلفظ الرد، قال المعترض: ولا يصح حمل كلامه على أنه أراد به الرد عند الإيجاب؛ لأنه لم يصر وكيلاً إذ ذاك، وإنما يصير وكيلاً بالرضا. انتهى. وجوابه: أنه أراد أولاً: لفظ العزل دون معناه، أو عطف الخاص على العام، ولا يليق الأول بإتقانه، ولا الثانى باختصاره، فالاعتراض قوي، والله أعلم. 2437 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (وينعزل بخروج أحدهما عن أهلية التصرف بموت) (¬5) قال في "المطلب": الصواب: أن الموت ليس بعزل، بل انتهت الوكالة به كالنكاح (¬6). ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 330). (¬2) انظر "فتح العزيز" (5/ 265). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 46). (¬4) الحاوي (ص 332). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 110)، و "الحاوي" (ص 332)، و "المنهاج" (ص 276). (¬6) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 46).

2438 - قولهم: (أو الإغماء) (¬1) زاد "المنهاج": (في الأصح) فيه أمور: أحدها: اختار السبكي عدم الانعزال بالإغماء تبعاً "للوسيط" والإمام والقاضي (¬2). ثانيها: يستثنى من ذلك: أنه لا ينعزل الوكيل في رمي الجمار بإغماء الموكل، كما ذكروه في الحج. ثالثها: ظاهر عبارة "التنبيه" و"المنهاج" التقييد بهذه الأمور الثلاثة دون ما عداها، فيرد عليهما مسائل: منها: طريان الرق، كما إذا وكل حربياً، فاستُرق .. فإنه ينعزل. ومنها: حجر السفيه ينعزل به فيما لا ينفذ من السفيه، وكذلك حجر الفلس ينعزل به فيما لا ينفذ من المفلس، وكذلك الفسق ينعزل به فيما تعتبر فيه العدالة. ومنها: ردة الموكل تبنى على أقوال ملكه، وفي ردة الوكيل وجهان، وجزم في "المطلب" بالانعزال بردة الموكل دون الوكيل؛ ولهذه المسائل أطلق "الحاوي" زوال أهلية واحد، ولم يقيده بشيء إلا أنه مثله بالإغماء، لكن يرد عليه: النوم؛ فإنه لا ينعزل به وإن خرج عن الأهلية، فكل من التقييد والإطلاق معترض، والله أعلم. 2439 - قول "المنهاج" [ص 276]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 332]: (وبخروج محل التصرف عن ملك الموكل) كذا بخروج منفعته عنه؛ كما إذا زوَّج من وكله ببيعها أو أجرها وإن جاز بيع المستأجر، فلو عاد إلى ملكه .. لم تعد الوكالة، كذا نقله الرافعي عن "التتمة" (¬3)، فلو وكله في بيع شيء، ثم أوصى به، أو دبره، أو علق عتقه بصفة .. فهل ينعزل الوكيل؟ قال شيخنا الإمام البلقيني: لم أقف فيه على نقل، والأقرب: أنه لا ينفذ تصرفه لا سيما الوكيل في البيع من غير تعيين سلعة بعينها، قال: ولو فرعنا على الانعزال. فباع جاهلاً به .. جرى فيه الخلاف في تصرف الوكيل وهو جاهل بالعزل، وفيه نظر. انتهى. 2440 - قول "المنهاج" [ص 276]: (وإنكار الوكيل الوكالة لنسيان أو لغرضٍ في الإخفاء ليس بعزلٍ، فإن تعمد ولا غرض .. انعزل) هذا التفصيل بعينه يأتي في إنكار الموكل، وقد ذكره "الحاوي" (¬4)، ونقله الرافعي في "الكبير" عن تصحيح الغزالي (¬5)، وأطلق في "الصغير" ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 110)، و"الحاوي" (ص 332)، و"المنهاج" (ص 276). (¬2) الوسيط (3/ 306)، وانظر "نهاية المطلب" (7/ 54). (¬3) انظر"فتح العزيز" (5/ 255). (¬4) الحاوي (ص 332). (¬5) فتح العزيز (5/ 256).

ترجيحه، وهو مقتضى كلام "الروضة" فإنه جعل فيه الخلاف في إنكار الوكيل (¬1)، لكن صححا في (باب التدبير): الانعزال مطلقاً (¬2). وقال في "المهمات": هو المفتى عليه؛ ففد قال في "النهاية": إنه المشهور، ولم يذكر التفصيل إلا احتمالاً لنفسه (¬3). وقال شيخنا ابن النقيب: إطلاق التدبير محمول على ما هنا (¬4). وذكر الجُوري أنه لو أنكر الوكالة حين ادعي عليه بحق على موكله، فقامت البينة بقبوله .. لم ينعزل، ولم تندفع عنه الخصومة إلا أن يعزل نفسه، فتستثنى هذه الصورة أيضاً إن لم تندرج في الإخفاء لغرض. 2441 - قول "التنبيه" [ص 110]: (وإن وكل عبداً في شيء ثم أعتقه .. احتمل أن ينعزل، ويحتمل أن لا ينعزل) الاحتمالان وجهان عن ابن سريج، وصحح النووي في "تصحيحه" في عبده: الأول (¬5)، وحكاه في "الروضة" عن الماوردي والجرجاني (¬6)، وادعى بعضهم أنه داخل في قول "المنهاج" [ص 276] و"الحاوي" [ص 332]: (وبخروج محل التصرف عن ملك الموكل) وفيه نظر؛ فإنه لم يخرج هنا عن ملك الموكل محل التصرف، وإنما خرج عنه الشخص المتصرف، وقال الرافعي في "الشرح الصغير": الأقرب: أنه إن وكل بصيغة عقد .. بقي الإذن، أو أمرٍ .. فلا. وفي "الروضة" وأصلها في مداينة العبيد: تصحيح أن العبد المأذون ينعزل بالبيع والعتق (¬7). وفي بعض النسخ: (عبده)، فاخرج عبد غيره، والمذهب في "الروضة": القطع ببقاء وكالته (¬8)، وفى بعضها: (عبداً) كما حكيته. وعلى ذلك مشى النووي في "التصحيح" ففصّل، وقال عطفاً على الأصح: وأنه إذا وكل عبده في شيءٍ ثم أعتقه .. انعزل، ولو وكل عبداً لغيره فأُعْتِقَ .. لا ينعزل، قال: والخلاف فيهما مشهور، وجعله "المصنف" احتمالين. انتهى (¬9). ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 332). (¬2) انظر "فتح العزيز" (13/ 425)، و"الروضة" (12/ 197). (¬3) انظر "نهاية الطلب" (7/ 55). (¬4) "السراج على نكت المنهاج" (4/ 47). (¬5) تصحيح التنبيه (1/ 343). (¬6) الروضة (4/ 331)، وانظر "الحاوي الكبير" (6/ 507)، و"التحرير" (1/ 319). (¬7) فتح العزيز (4/ 366)، الروضة (3/ 567). (¬8) الروضة (4/ 331). (¬9) تصحيح التنبيه (1/ 343).

ومحل الخلاف في عبد غيره: فيما إذا أمره السيد ليتوكل لغيره، فإن قال: إن شئت فتوكل لفلان، وإن شئت فلا، ثم أعتقه، أو باعه .. لم ينعزل قطعاً، حكاه في "الروضة" عن "البيان"، وأقره (¬1)، وحكاه في "المهمات" عن جماعة، واستغرب اقتصاره على "البيان"، قال: ونقل الشيخ أبو حامد عن ابن سريج في عبد نفسه مثله أيضاً. 2442 - قول "المنهاج" [ص 277]: (ولو اشترى جارية بعشرين، وزعم أن الموكل أَمَرَهُ فقال: "بل بعشرة") أي: إنما أذنت في الشراء بعشرة، وحلف، فإن اشترى بعين مال الموكل، وسماه في العقد، أو قال بعده: (اشتريته لفلان والمال له)، وصدقه البائع .. فالبيع باطل، اقتصر في"الروضة" وأصلها على ذكر اتفاقهما على أن الشراء لفلان، ولم يذكر اتفاقهما على أن المال له (¬2)، وكذا في "الحاوي" اقتصر على اعتراف البائع بالوكالة (¬3)، والمسألة في بعض نسخه دون بعضها، والصواب: أنه لا بد من اعتبار ذلك أيضًا؛ فإنه لو قال لغيره: (اشتر لي كذا بدراهمك)، فاشتراه له، ولم يصرح باسم الموكل، بل نواه .. وقع لنفسه، كما في "الروضة" وأصلها في الكلام على بيع الفضولي، فلا يلزم من اتفاقهما على أن الشراء للغير أن يبطل العقد، بل لا بد مع ذلك من الاتفاق على أن المال لغيره. انتهى (¬4). نعم؛ قد يقال: لو اتفقا على أن المال للغير .. كفى ذلك، وإن لم يتفقا على أن الشراء له .. فالاقتصار على الثاني قد يكفي بخلاف الأول، والله أعلم. 2443 - قول "المنهاج" في المسألة [ص 277]: (وإن كذبه .. حلف على نفي العلم بالوكالة ووقع الشراء للوكيل) استشكله في "المهمات" من وجهين: أحدهما: أنه كيف يستقيم الحلف على نفي العلم مع أن الحلف يكون على وفق الجواب، وهو لم يجب بنفي العلم، بل أجاب بالبت؟ ثانيهما: كيف يصح الاقتصار في التحليف على نفي العلم بالوكالة مع أنه لو أنكر الوكالة ولكن اعترف بأن المال لغيره .. كان كافياً في إبطال البيع؛ فينبغي أن يحلف على نفي العلم بهما جميعاً كما يجيب بهما جميعاً، بل يكفي التحليف على المال؛ لما ذكرناه. 2444 - قول "المنهاج" [ص 277]: (وكذا إن اشترى في الذمة ولم يُسَمِّ الموكل، وكذا إن سماه وكذبه البائع في الأصح) أي: كذبه في الوكالة، فقال: سميته ولم تكن وكيله. ¬

_ (¬1) البيان (6/ 457)، الروضة (4/ 331). (¬2) فتح العزيز (5/ 261)، الروضة (4/ 338، 339). (¬3) الحاوي (ص 333). (¬4) فتح العزيز (4/ 32)، الروضة (3/ 353).

2445 - قوله: (وإن صدقه .. بطل الشراء) (¬1) كذا في "الروضة" وأصلها هنا (¬2)، وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 333]: (واعترف البائع بالوكالة) وذكرا قبل ذلك في الشراء المخالف لأمر الموكل إذا كان في الذمة: أنه للوكيل إن لم يسم الموكل، وكذا إن سماه على الأصح، وتلغو التسمية؛ لأن تسمية الموكل غير معتبرة في الشراء، فإذا سماه ولم يمكن صرفه إليه .. صار كأنه لم يسمه. 2446 - قول "المنهاج" - والعبارة له - و"الحاوي" في بعض نسخه: (وحيث حكم بالشراء للوكيل .. يستحب للقاضي أن يرفق بالموكل ليقول للوكيل: "إن كنت أمرتك بعشرين .. فقد بعتكها بها"، ويقول هو: "اشتريت" لتحل له) (¬3) فيه أمران: أحدهما: أن الاقتصار على الرفق في ذلك بالموكل ليقول ما ذكره .. محله: فيما إذا اشترى في الذمة وسمَّاه وكذبه البائع، أو لم يسمه، أما إذا اشترى بالعين وكذبه؛ فإن كان الوكيل صادقاً .. فالملك للموكل، وإلا .. فللبائع، فينبغي أن يرفق الحاكم بهما جميعاً. ثانيهما: أن هذا لا يختص بصورة الحكم بالشراء للوكيل، بل يأتي في بعض صور البطلان وبقاء السلعة للبائع، ذكره شيخنا الإمام البقيني بحثًا فيما إذا اشترى بعين مال الموكل وسماه في العقد، أو قال بعده: (اشتريته لفلان والمال له)، وصدقه البائع، ووافق البائع المشتري على ما ادعاه من أن الموكل وكله بهذا القدر، قال شيخنا: فالجارية باعتراف البائع ملك للموكل، فينبغي أن يأتي فيه من التلطف ما ذكر في مسألة الوكيل، ولم يتعرضوا له. قلت: أي: يرفق بالموكل ليقول للبائع: (إن كنت أمرت وكيلي بعشرين .. فقد بعتكها بها)، ويقول هو: (اشتريت). 2447 - قول "الحاوي" في بعض نسخه [ص 333]: (وإلا - أي: وإن لم يقل الوكيل ذلك - .. فلا تحل له، وله بيعها، وأخذ العشرين من ثمنها)، هذا إذا كان صادقاً، فإن كان كاذباً .. لم يحل له التصرف فيها ببيع أو وطء أو غيرهما إن كان الشراء بعين مال الموكل، وإن كان في الذمة .. ثبت الحل. نعم؛ في "التتمة": أنه إذا كان كاذباً والشراء بعين مال الموكل .. فللوكيل بيعها إما بنفسه أو بالحاكم. 2448 - قول "المنهاج" [ص 277]: (ولو قال: " أتيت بالتصرف المأذون فيه"، وأنكر ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 277). (¬2) فتح العزيز (5/ 261)، الروضة (4/ 338، 339). (¬3) الحاوي (ص 333)، المنهاج (ص 277).

الموكل .. صدق الموكل، وفي قولٍ: الوكيل) محلهما: قبل العزل، أما بعده: فيجزم بالأول، كذا في "الروضة" وأصلها (¬1)، وحكى السبكي طريقة أخرى بجريان الخلاف بعده أيضاً، وطريقة أخرى بأن الخلاف بعده، أما قبله: فيجزم بالثاني. 2449 - قول "التنبيه" [ص 110]: (وإن اختلفا في البيع وقبض الثمن، فادعاه الوكيل وأنكر الموكل، أو قال الوكيل: "اشتريته بعشرين"، وقال الموكل: "بعشرة" .. ففيه قولان) صحح النووي في "تصحيحه": أن القول قول الموكل (¬2)، لكن الأصح: في "الروضة" وأصلها في قبض الثمن: أنهما إن اختلفا قبل تسليم المبيع .. فالقول قول الموكل، وإن كان بعده .. فالقول قول الوكيل؛ لأن الموكل يدعي خيانته وتقصيره بالتسليم بلا قبض، والأصل عدمه، فلو أذن في التسليم قبل قبض الثمن، أو في البيع بمؤجل وفي القبض بعد الأجل .. فالقول قول الموكل؛ إذ لا خيانة بالتسليم (¬3)، وعلى ذلك مشى "المنهاج" و"الحاوي" لما ذكر المسألة في بعض نسخه (¬4). 2450 - قول "المنهاج" [ص 277]: (وقول الوكيل في تلف المال مقبولٌ بيمينه) فيه أمور: أحدها: مراده: عدم الضمان، كما صرح به "التنبيه" (¬5)، وهو مفهوم من ذكر "الحاوي" الضمان عند التعدي (¬6)، وإلا .. فالغاصب وَكُلُّ من يده ضامنة يقبل قوله في التلف. ثانيها: محل القبول: إذا أطلق التلف، فإن أسنده إلى سبب؛ فإن كان خفياً كسرقة .. فكذلك، وإن كان ظاهراً كحريق؛ فإن عرف وقوعه وعمومه .. صدق بلا يمين، وإن عرف وقوعه دون عمومه .. صدق بيمينه، وإن جهل .. طولب ببينة، ثم يُحلّف على التلف به، وقد ذكروا هذا التفصيل في الوديعة، وهو جار هنا (¬7). ثالثها: مقتضى كلامهم: الجزم بقبول قول الوكيل في التلف وإن كان بجُعل، وكذا هو مقتضى كلام "الروضة" وأصلها (¬8)، قال في "المهمات": وليس كذلك؛ فقد حُكي عن أبي على الطبري: أن فيه الخلاف في الرد، وحكاه أيضًا الماوردي في (الإجارة)، لكن في نفس الموكل فيه كالعين التي يبيعها دون مقابله؛ كالثمن. انتهى. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (5/ 264)، الروضة (4/ 324). (¬2) تصحيح التنبيه (1/ 340). (¬3) فتح العزيز (5/ 266، 267)، الروضة (4/ 343). (¬4) الحاوي (ص 333)، المنهاج (ص 277). (¬5) التنبيه (ص 110). (¬6) الحاوي (ص 334). (¬7) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 50). (¬8) فتح العزيز (5/ 265)، الروضة (4/ 342).

2451 - قول "التنبيه" [ص 110]: (وإن كان بجعل .. فقد قيل: القول قوله - أي: في الرد - وقيل: القول قول [الموكل]) (¬1) فيه أمور: أحدها: الأصح: الأول، كما في "المنهاج" وغيره (¬2)، وتقييد الوجه الثاني بالجعل لا بد منه، وإن لم يذكره في "المحرر" فاستدراكه في "المنهاج" صواب. ثانيها: ظاهر إطلاقه وإطلاق "المنهاج" و"الروضة" وأصلها: أنه لا فرق بين أن يكون ذلك قبل العزل أو بعده، وبه صرح في "الكفاية"، وقال في "المطلب": الخلاف فيما قبل العزل، أما بعده: فلا يقبل قطعاً. ثالثها: ظاهره: تصديقه في الرد ولو كان ضامناً لذلك المال؛ كما إذا ضمن لشخص مالاً في ذمة آخر، ثم إن المضمون له وكله في قبضه من المضمون عنه، فقبضه، وادعى رده على المضمون له، وقد سُئل عن ذلك شيخنا الإمام البلقيني، وأجاب فيه بذلك، قال: ولا يتخيل أنه مسقط عن نفسه الدين بقوله؛ لأمرين: أحدهما: أن صورة المسألة: أنه ثبت قبضه إما ببينة وإما بتصديق الموكل. والثاني: أن الموكل سلطه على ذلك. 2452 - قول "المنهاج" [ص 277]: (ولو وكله بقضاء دينٍ) كذا في بعض نسخ "المحرر" (¬3) وفي بعضها: (بقبض دين، فقال: "قبضته")، وهو تحريف كما قاله في "الدقائق" (¬4). 2453 - قول "التنبيه" [ص 110]: (وإن وكله في قضاء دين، فقضاه في غيبة الموكل، ولم يشهد، وأنكر الغريم .. ضمن، وقيل: لا يضمن، وليس بشيء) أشار ابن يونس إلى انفراده بحكاية هذا الوجه، وأن الخلاف فيما إذا قضاه بحضرة الموكل، وليس كذلك؛ فقد حكاه البغوي وغيره (¬5). 2454 - قوله: (وإن أشهد شاهدين ظاهرهما العدالة، أو شاهداً واحداً .. فقد قيل: يضمن، وقيل: لا يضمن) (¬6) الثاني هو الأصح، ومحل الخلاف في ظاهري العدالة: إذا بانا فاسقين، وفي الشاهد الواحد: إذا مات، وإلا .. فيحلف معه، نبه على الثاني صاحب "المعين". 2455 - قوله: (وإن قضاه بمحضر الموكل ولم يشهد .. فقد قيل: يضمن، وقيل: ¬

_ (¬1) في (أ)، (ج): (الوكيل). (¬2) المنهاج (ص 277). (¬3) المحرر (ص 200). (¬4) الدقائق (ص 63). (¬5) انظر "التهذيب" (4/ 228). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 110).

لا يضمن) (¬1) الثاني هو الأصح، ويوافق الأول قول "الحاوي" [ص 333، : (وضمن الوكيل بتركه) ولم يفصل بين الغيبة والحضور، وقد عرفت أن الأصح: التفصيل، فإطلاقه معترض، وهو معروف مما ذكره في الضمان. وخرج بحضرة الموكل: ما لو أدّى في غيبته، وصدقه المستحق، والأصح على ما في (باب الضمان): عدم الضمان. 2456 - قول "التنبيه" [ص 110]: (وإن وكله في الإيداع، فأودعه، ولم يشهد .. لم يضمن، وقيل: يضمن) ظاهره: ترجيح عدم الضمان، وأقره عليه في "التصحيح"، ومشى عليه "الحاوي" (¬2)، وصححه الغزالي (¬3)، وصحح البغوي: مقابله (¬4)، ومحل الخلاف كما قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ: إذا أودع في غيبة الموكل، أما مع حضوره .. فلا يضمن. وقال الماوردي: محله: إذا كذب الموكل والموح الوكيل، فلو صدقه الموكل فقط .. لم يضمن، ولو صدقه المودع فقط والعين تالفة .. لم يضمن؛ لأن الإقرار بالقبض أقوى من الإشهاد (¬5). وقال صاحب "المعين": الخلاف المذكور على قولنا: يلزمه الإشهاد في قضاء الدين، وهو الأصح، وإلا .. فلا ضمان هنا قطعاً. 2457 - قول "المنهاج" [ص 278]: (وقيِّمُ اليتيم إذا ادعى دفع المال إليه بعد البلوغ .. يحتاج إلى بينةٍ على الصحيح) مراده بقيم اليتيم: منصوب القاضي فقط؛ فإن الأب والجد لا يتم معهما، والوصي قد ذكره في آخر (الوصية)، وجزم فيه بأنه لا يصدق، ولو عكس - كما فعل الماوردي - فجزم في القيم بعدم التصديق، وتردد في الوصي .. لكان أولى؛ لأن الوصي أقرب إلى التصديق. وتوجيه ما فعله "المصنف": أن القيم في معنى القاضي، فكان أعلى رتبة وأقرب إلى التصديق، والمشهور في الأب والجد أيضاً: عدم التصديق؛ ولذلك أطلق "التنبيه" في (باب الحجر) أن الولي إذا ادعى أنه دفع إليه المال .. لم يقبل إلا ببينة (¬6)، وهو شامل للأب والجد، وأقره في "التصحيح"، وصرح به في "الكفاية"، وإن كان الرافعي والنووي لم يذكراه إلا في الوصي والقيم. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 110). (¬2) الحاوي (ص 333). (¬3) انظر "الوجيز" (1/ 366). (¬4) انظر "التهذيب" (4/ 228). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (6/ 528). (¬6) التنبيه (ص 103).

ثم اعلم: أن السفيه بعد رشده كالصبي بعد بلوغه (¬1). 2458 - قول "المنهاج" [ص 278]: (وليس لوكيل ولا مودعٍ أن يقول بعد طلب المالك: "لا أرُدُّ المال إلا بإشهادٍ " في الأصح) كذا كل من يقبل قوله في الرد، كالشريك وعامل القراض وغيرهما، ويدل لذلك قوله في مقابله: (وللغاصب ومن لا يقبل قوله في الرد ذلك) (¬2)، وفي "الحاوي" [ص 333، : (ولغير المصدق في الأداء طلب الإشهاد) وما أطلقاه في الغاصب محله: فيما إذا كان عليه بينة، فإن لم يكن عليه بينة .. فالأصح عند البغوي: أن الحكم كذلك (¬3)، والذي ذكره العراقيون: أنه ليس له طلب الإشهاد، لتمكنه من أن يقول: (ليس له عندي شيء)، ويحلف عليه، واختار في "الشامل": التفصيل بين أن يؤدي إلى تأخير التسليم أم لا، واستشكل في "المطلب" جواز التأخير للغاصب؛ لأن التوبة واجبة على الفور، وهي متوقفة على الرد، وتعبير "المنهاج" بـ (الرد) لا يشمل الدين، وحكمه حكم من لا يقبل قوله في الرد، فلو عبر بـ (الدفع) .. لتناوله، والله أعلم (¬4). 2459 - قولهم - والعبارة لـ"التنبيه" -: (وإن كان عليه حق لرجل، فجاء رجل وادعى أنه وكيل، فصدقه .. جاز الدفع ولا يجب) (¬5) مقتضى كلام "الروضة" وأصلها: جواز الدفع ولو كذبه (¬6)، وهو مشكل في العين، فإنه تصرف في ملك الغير. 2460 - قولهم أيضاً: (وإن قال: "أنا وارثه"، فصدقه .. وجب عليه الدفع إليه) (¬7) صورة المسألة: أن يقول: (هو وارثه لا وارث له غيره)، صرح به في "الكفاية"، قال في "المهمات": وهو يؤخذ من كلامهم في (الدعاوى). 2461 - قول "التنبيه" [ص 110]: (وإن قال: "أحالني عليك"، فصدقه .. فقد قيل: يجب الدفع إليه، وقيل: لا يجب) الأصح: الأول، وعليه مشي "المنهاج" و" الحاوي" (¬8). 2462 - قول "التنبيه" [ص 110]: (فإن جاء صاحب الحق وأنكر .. وجب على الدافع الضمان) أي: إذا حلف على ذلك، ولصاحب الحق مطالبة القابض أيضاً إذا كان الحق عيناً دون ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 52). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 278). (¬3) انظر "التهذيب" (4/ 227). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 53). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 110)، و"الحاوي" (ص 333)، و"المنهاج" (ص 278). (¬6) الروضة (4/ 345). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 110)، و"الحاوي" (ص 333)، و "المنهاج" (ص 278). (¬8) الحاوي (ص 333)، المنهاج (ص 278).

ما إذا كان دينًا، ثم إذا غرم أحدهما .. لا يرجع على الآخر؛ لأن كلاً يقول: إن ما غرمه ظلم، فلا يرجع به على غير من ظلمه، وفي الرافعي عن "التتمة": أنها إذا كانت عيناً، وتلفت بتفريط، فغرّم الدافع .. رجع على القابض، وإن كان ديناً، فغرم الدافع .. له الرجوع إن كان المدفوع باقياً أو تلف بتفريطه (¬1). 2463 - قول "الحاوي" [ص 333]: (وإن ثبت قبض الوكيل .. لم تُسمع بينة التلف والرد قبل الجحد) هذا ما صححه الإمام (¬2)، واقتصر عليه في "الوجيز" (¬3)، قال الرافعي في "شرحيه": وأولى الوجهين: سماعها (¬4)، ورجحه "التنبيه" (¬5)، وجزم به "الحاوي" كلاهما في مسألة الوديعة في بابها (¬6). وصورة المسألة: أن تكون صيغة جحوده: (أنك ما وكلتني)، أو (ما دفعت إليّ شيئاً)، أو (ما قبضت)، أما إذا كانت [صفة] (¬7) جحوده: (ما لك عندي شيء)، أو (لا يلزمني تسليم شيء إليك) .. فإنه يقبل قوله في الرد والتلف، وإن أقام بينة .. سمعت؛ إذ لا تناقض بين كلاميه، وقد ذكره "التنبيه" في الوديعة (¬8)، والله أعلم بالصواب. * * * ¬

_ (¬1) انظر"فتح العزيز" (5/ 269). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (7/ 42). (¬3) الوجيز (1/ 366). (¬4) انظر "فتح العزيز" (5/ 271، 272). (¬5) التنبيه (ص 112). (¬6) الحاوي (ص، 440). (¬7) في (ج): (صيغة). (¬8) التنبيه (ص 112).

كتاب الإقرار

كتاب الإقرار 2464 - قول "المنهاج" [ص 279]: (يصح من مطلق التصرف) مثل قول "الحاوي" [ص 335]: (المكلف يؤاخذ بإقراره) فإن المراد بمطلق التصرف: المكلف، وهو البالغ العاقل، والمراد بصحة إقراره: المؤاخذة به، وفي "التنبيه" [ص 274]: (من لم يحجر عليه .. يجوز إقراره) ثم فصل الكلام بعد ذلك في أنواع الحجر. ويستثنى من كلامهم جميعًا: إقرار الصبي المميز بالتدبير والوصية والإسلام إذا صححنا ذلك منه، وقال الشافعي رضي الله عنه: (لا يصح إقرار الخنثى المشكل بحالٍ حتى يستكمل خمس عشرة سنة) (¬1)، وظاهره بطلان إقراره قبل هذا السن وإن بلغ، ولكن أوّله الأصحاب، قال السبكي: وتأويله مشكل. ويعتبر في صحة الإقرار أيضاً: عدم الإكراه، وقد ذكره "المنهاج" بعد ذلك، فقال [ص 279]: (ولا يصحُ إقرارُ مكرهٍ)، وصورته: إذا ضُرب ليقر، فأما إذا ضرب ليَصْدُق، فأقر .. فإنه يصح، نقله في "الروضة" عن "الأحكام السلطانية"، وتوقف فيه، فقال: وهو مشكل؛ لأنه قريب من المكره، ولكنه ليس مكرها؛ فإن المكره من أكره على شيء واحد، وهنا إنما ضرب ليصدق، ولا ينحصر الصدق في الإقرار. انتهى (¬2). ورده السبكي: بأن صورة المسألة انحصار الصدق فيه، ثم قال: والظاهر: التفصيل، فإن كان المكره عالماً بالصدق .. فهو إكراه؛ لأنه لا يخليه إلا بذلك، وإلا .. فلا، قال الماوردي في أصل المسألة: وإن أعاد الإقرار بعد الضرب باستعادة .. عُمل به، قال السبكي: وهذا نص عليه الشافعي إذا لم يحدث له خوف بسبب، فإن حدث .. فإقراره ساقط (¬3). وقال الغزالي: المطلق يصح إقراره بكل ما يقدر على إنشائه (¬4)، وتبعه "الحاوي" فقال [ص 337]: (ونفذ بما يمكنه إنشاؤه)، واستثنى الرافعي والنووي من ذلك: الوكيل بالتصرف لا يقر به على الأصح، وولي الثيب لا يقر بنكاحها، قالا: ويمكن أن يزاد في الضبط من التصرفات المتعلقة ¬

_ (¬1) انظر "الأم" (3/ 234). (¬2) الروضة (4/ 355، 356)، وانظر الأحكام السلطانية (ص 286). (¬3) انظر "الأم" (3/ 236). (¬4) انظر "الوجيز" (1/ 367).

به التي يستقل بإنشائها، أو يقال: ما يقدر على إنشائه يؤاخذ المقر بموجب إقراره، ولا يلزم نفوذه في حق الغير. انتهى (¬1). واستثنى من مفهومه - وهو أن ما لا يقدر على إنشائه لا يقدر على الإقرار به -: إقرأر المرأة بالنكاح، وقد ذكره "الحاوي" (¬2)، والمجهول بالحرية أو الرق وبالنسب، والمفلس ببيع الأعيان، والأعمى بالبيع، والوارث بدين على مورثه، وإقرار المريض لوارثه بأنه كان وهبه وأقبضه في الصحة، فكل هؤلاء يصح إقرارهم، ولا يقدرون على إنشاء ما أقروا به، وزائل العقل بما يعذر فيه كالمجنون، وإلا .. فالأظهر: قبول إقراره (¬3). 2465 - قول "المنهاج" [ص 279]: (فإن ادعى البلوغ بالاحتلام مع الإمكان .. صُدِّق ولا يُحَلّف) كذا في "الروضة" وأصلها هنا (¬4)، وفي (الدعاوى) في باب اليمين: الجزم بأنه لا يحلف أيضًا، لكنه صحح في باب النكول: أن ولد المرتزق إذا ادعى البلوغ بالاحتلام، وطلب إثبات اسمه في الديوان .. أنه يحتاج إلى اليمين إن اتهم، ومثله إذا حضر المراهق الواقعة فادعى الاحتلام وطلب السهم .. فيعطى إن حلف، وإلا .. فوجهان، أصحهما: لا يعطى. انتهى (¬5). وقال السبكي: إن الأول أصح، وإذا لم يحلف، فبلغ مبلغاً يقطع فيه ببلوغه .. قال الإمام: فالظاهر أيضاً: أنه لا يحلف، لانتهاء الخصومة (¬6)، وذكر"التنبيه" عكسه، وهو ما إذا أقر ثم ادعى أنه غير بالغ، وقال: (القول قوله من غير يمين) (¬7)، وفي (الحجر) أن ولد الذمي إذا ادعى أنه إنما أنبت بالاستعجال .. لا يقبل قوله في دفع الجزية عنه. واعلم: أن دعوى الجارية الحيض كدعوى الاحتلام (¬8). 2466 - قوله: (وإن إدعاه بالسن .. طولب بالبينة) (¬9) يشمل الغريب الخامل، وفيه احتمالات للإمام، أظهرها: أن الحكم كذلك، والثاني: يلحق بدعوى الاحتلام، والثالث: ينظر فيه إلى الإنبات (¬10). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (5/ 274، 275)، و"الروضة" (4/ 349). (¬2) الحاوي (ص 337). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 56). (¬4) الروضة (4/ 349). (¬5) الروضة (12/ 38، 49). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (7/ 101). (¬7) التنبيه (ص 274). (¬8) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 57). (¬9) انظر "المنهاج" (ص 279). (¬10) انظر "نهاية المطلب" (7/ 100، 101).

2467 - قوله: (والسفيه والمفلس سبق حكم إقرارهما) (¬1) لم يسبق إقرار السفيه بالنكاح، وجزم الرافعي هنا بمنعه (¬2)، وقد يفهم ذلك من قول "التنبيه" [ص 274]: (ويجوز في الطلاق). واستشكل الرافعي المنع في (كتاب النكاح) بقبوله من المرأة (¬3)، وفي "التهذيب": إنه يقبل كالمرأة (¬4). 2468 - قول "التنبيه" في العبد [ص 274]: (وإن أقر بسرقة مال في يده - أي: يوجب القطع - .. قُطع، وفي المال قولان، أحدهما: يسلم إليه - أي: إلى المقر له - والثاني: لا يسلم) الثاني هو الأصح، وقد ذكره "الحاوي" بقوله عطفاً على ما لا يقبل [ص 337]: (وجنايةٍ للمال) ودل عليه قول "المنهاج" [ص 279]: (ويقبل إقرار الرقيق بموجب عقوبةٍ). وقد يرد عليهما: أنه لو أقر بموجب قصاص، وعفي عنه على مال .. تعلق بالرقبة في الأصح وإن كذبه السيد. 2469 - قول "التنبيه" [ص 274]: (وإن تلف المال .. بيع منه بقدر المال في أحد القولين، ولا يباع في الآخر) الثاني هو الأصح. 2470 - قوله: (وإن أقر بمال .. اتبع به إذا أعتق) (¬5) يستثنى منه: ما إذا كان مأذوناً له في التجارة، وأقر بدين معاملة .. فإنه يؤدي من كسبه وما في يده، وقد ذكره "المنهاج" (¬6)، ويستثنى من كلامه: ما إذا لم يتعلق بالتجارة كالقرض .. فلا يُؤدى مما في يده، ومحله أيضًا: إذا لم يحجر عليه السيد، فإن حجر .. فلا؛ لعجزه عن الإنشاء حينئذ، فلو أطلق الإقرار بالدين .. لم ينزل على دين المعاملة في الأصح، كذا أطلق في "الروضة" (¬7)، وهو ظاهر إذا تعذرت المراجعة، وإلا .. فليراجع كنظيره من المفلس، وعبارة "الحاوي" عطفاً على المنفي [ص 337]: (والعبد بدين مطلقاً)، وهو موافق لما في "الروضة" (¬8)، وأخرج دين المعاملة فهو مقبول كما تقدم ممن له المعاملة، وهو المأذون، وفهم بعضهم أن "الحاوي" أراد بهذه العبارة: قبول إقراره بالدين مطلقاً، وقال: لم يتعرض فيما إذا نفذنا إقراره إلى أنه هل يتعلق برقبته أو بذمته أو بالسيد؟ ولا يرد ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 279). (¬2) انظر "فتح العزيز" (5/ 277). (¬3) انظر "فتح العزيز" (8/ 19). (¬4) التهذيب (4/ 236). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 274). (¬6) المنهاج (ص 279). (¬7) الروضة (4/ 352). (¬8) الروضة (4/ 352).

عليه؛ لأن إقراره نافذ في كل ذلك، هذا ما أفهمه كلامه، وأما التعلق: فلم يتعرض له. انتهى. وهو مردود، ويعرف ذلك بمراجعة عبارته والنظر فيما قبل هذه المسألة وبعدها، وعلى ما ذكرته شرحه القونوي ووضحه البارزي، وهو واضح، والله أعلم. 2471 - قول "التنبيه" [ص 274]: (ويجوز إقراره عليه) أي: السيد على العبد (بجناية الخطأ)، محله: بالنسبة إلى التعلق بالرقبة، أما بالنسبة إلى التعلق بالذمة إن رأيناه .. فلا. 2472 - قول "التنبيه" في المريض - أي: مرض الموت -[ص 274]: (وفي إقراره بالمال للوارث قولان، وقيل: يجوز إقراره قولاً واحداً) الأرجح: طريقة القولين، وأصحهما: القبول، وقد ذكر ذلك "المنهاج" بقوله [ص 279]: (وكذا لوارثٍ على المذهب)، وعليه مشى "الحاوي"، لكنه قال [ص 337]: (لا إن قال: "وهبت منه في الصحة") فاستثنى من الصحة هذه الصورة، وفيها في الرافعي طريقان: القطع بالمنع، وإجراء القولين، قال: ورجح الغزالي: المنع، واختار القاضي حسين القبول (¬1). قال في "الروضة": القبول أرجح (¬2). قال في "المهمات": وهذا الخلاف مفرع على أن الإقرار للوارث لا يقبل، فإن قلنا: يقبل - وهو الصحيح - .. صح هنا جزماً، ذكره الرافعي في آخر الباب الثاني من الطلاف. انتهى (¬3). فلو لم يقيد بالصحة، بل أطلق الإقرار بأنه وهب وارثه، أو قال في عين عُرف أنها كانت للمريض: هذه ملك لوارثي .. نُزّل ذلك على حالة المرض، ذكره القاضي حسين في (التفليس). 2473 - قول "التنبيه" [ص 274]: (وإن أقر لبهيمة .. لم يثبت المال لصاحبها) لكن لو قال: (بسببها لمالكها) .. قبل، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، ويحمل على مالكها حين الإقرار، فإن لم يقل: (لمالكها) .. سُئل، وعمل ببيانه، قال الماوردي: وكذا يصح إذا أضاف إلى ممكن؛ كالإقرار لها بمال من وصية ونحوها (¬5)، أي: فإنه تصح الوصية لها إذا قال: ليصرف في علفها. 2474 - قول "التنبيه" [ص 274]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 336]: (وإن أقر لعبد لرجل بمال .. ثبت المال لمولاه)، قال شيخنا الإمام البلقيني: الذي تقتضيه قواعد المذهب - وهو ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (5/ 281). (¬2) الروضة (4/ 354). (¬3) انظر "فتح العزيز" (8/ 586). (¬4) الحاوي (ص 336)، المنهاج (ص 280). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 8).

الصواب -: أنه لا يصرف للسيد إلا إذا تحقق استناده إلى أمر في حال رق ذلك السيد، فقد يكون ثبت له عليه في حالة حريته، وكفره، ثم استرق .. فلا يسقط، فكيف يصرف لسيده؟ وكذا لو كان بمعاملة أو جناية عليه في رق غيره. 2475 - قول "المنهاج" في الإقرار للحمل [ص 280]: (وإن أسند إلى جهةٍ لا تُمْكِنُ في حَقه .. فلغوٌ) وعليه تدل عبارة "التنبيه" فإنه ذكر الصحة جزماً فيما إذا أسند إلى إرث أو وصية، وعلى الأصح فيما إذا أطلق كما فعل "المنهاج" (¬1)، وفهم من سكوته عن هذه الصورة البطلان فيها، كما صرح به "المنهاج" و"المحرر" (¬2)، لكن في "الشرحين": إن أبطلنا الإقرار المطلق .. فهذا أولى بالبطلان، وإلا .. فطريقان، أصحهما: القطع بالصحة؛ لأنه عقّبه بما لا يُعْقَل، فأشبه قوله له: (عليّ ألف لا تلزمني)، والطريق الثاني قولان (¬3)، وتبع ذلك "الحاوي" فأطلق صحة الإقرار للحمل (¬4). وقال في "الروضة" من زيادته: الأصح: البطلان، كما في "المحرر" (¬5). وقال السبكي: ما رجحه الرافعي في "الشرح" أقوى، ثم محل صحة الإقرار للحمل: ما إذا كان حراً، فإن أقر لما في بطن أمةٍ من حمل .. فلا يمكن فيه تقدير إرث، قاله السبكي. 2476 - قول "التنبيه" [ص 274]: (وإن ألقته حياً وميتاً .. جعل المال للحي) يتناول ما إذا كان الحي بنتا، وأسند الإقرار إلى إرث من الأب، وبه صرح الماوردي (¬6)، لكن الذي في "الروضة" وأصلها: أن لها النصف (¬7). 2477 - قوله: (ومن أقر لرجل بمال. فكذبه المقر له .. انتزع المال منه وحفظ، وقيل: يترك في يده) (¬8) الثاني هو الأصح، كما في "المنهاج" وغيره (¬9)، ولم يفصح "الحاوي" عن ذلك، بل اقتصر على أن شرط صحة الإقرار: ألاَّ يكذبه المقر له (¬10)، وهو بعد ذلك محتمل لبقائه في يد المقر وانتزاعه منه؛ لسكوته عن ذلك، والخلاف جارٍ في العين والدين، كما هو في "الروضة" ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 274). (¬2) المحرر (ص 201). (¬3) انظر "فتح العزيز" (5/ 286). (¬4) الحاوي (ص 336). (¬5) الروضة (4/ 357). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 35). (¬7) الروضة (4/ 357). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 274). (¬9) المنهاج (ص 280). (¬10) الحاوي (ص 336).

فصل [ألفاظ وصيغ الإقرار]

وأصلها في مواضع، منها قول "الروضة" هنا: لو قال: (لإنسان أو لواحد من بني آدم عليّ ألف) .. ففي صحته وجهان بناء على ما لو أقر لمعين، فكذبه .. هل ينزع منه؟ إن قلنا: نعم .. فكذا هنا، فيصح الإقرار، وإلا .. لم يصح، وهو الصحيح. انتهى (¬1). وقال ابن الرفعة: محله: في العين خاصة، قال في "المطلب": وأجراه ابن يونس في الدين، ولم أره لغيره. انتهى. 2478 - قول "المنهاج" [ص 280]: (فإن رجع المقر في حال تكذيبه وقال: "غلطت" .. قُبِلَ قوله في الأصح) فيه أمران: أحدهما: أن تقييد رجوع المقر بحالة تكذيب المقر له يوهم أنه لو رجع المقر له، وصدقه .. أنه لا يكون كذلك؛ وليس كذلك، فإن الأصح: أن رجوع المقر له غير مقبول، ولا يصرف إليه إلا بإقرار جديد. ثانيهما: التقييد بقول المقر: (غلطت) في "المحرر"، وفي "الوسيط" في (الدعاوى) (¬2)، وقواه في "المطلب"، لكن في "الروضة" وأصلها: أنه لا فرق بين أن يقول: (غلطت)، أو (تعمدت) (¬3). فصلٌ [ألفاظ وصيغ الإقرار] 2479 - قول "المنهاج" [ص 280]: (قوله: "لزيد كذا" .. صيغة إقرار) كذا في "الروضة" (¬4)، وقال السبكي: أي: إذا وصل به شيء من الألفاظ الآتية، أي: (عليَّ)، أو (عندي)، أو نحوهما، وإلا .. فهو خبر لا يقتضي ثبوت حق على المخبر، ولا عنده. وذكر شيخنا الإسنوي أن هذا في غير المعين، أما إذا كان معيناً، كـ (هذا الثوب) .. لزمه تسليمه إليه إن كان بيده، وكذا إن انتقل إليه. 2480 - قول "الحاوي" [ص 335]: (بـ "عليَّ"، و"في ذمتي" و"عندي و"معي") فصّل ذلك "المنهاج" فقال [ص 280]: (وقوله: "عليّ"، و"في ذمتي" .. للدين، و"معي" و"عندي" .. للعين)، وفيه أمور: ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 360). (¬2) الوسيط (7/ 413)، المحرر (ص 201). (¬3) الروضة (4/ 359). (¬4) الروضة (4/ 360).

أحدها: لو قال في اللفظين الأولين: أردت العين .. قبل ذلك في قوله: (على) دون (في ذمتي) على الأصح، وقد ذكره "المنهاج" بعد ذلك، وهو في "التنبيه" و"الحاوي". ثايخها: لو عبّر بـ (أو) كما في "الروضة" فقال: (على) أو (في ذمتي)، وقال: (معي) أو (عندي) .. لكان أحسن (¬1). ثالثها: قال النووي في زيادة "الروضة": قوله: (إقرار بالعين) معناه: أنه يحمل عند الإطلاق على أن ذلك عين مودعة عنده، قاله البغوي، قال: حتى لو ادعى بعد الإقرار أنها كانت وديعة تلفت، أو رددتها .. قُبِل قوله بيمينه (¬2). رابعها: أهملوا قوله: (قبلي)، وفي "التهذيب": هو دينٌ (¬3)، وقال الرافعى: يشبه أن يكون صالحاً للدين والعين جميعا (¬4)، وما ذكره بحثاً سبقه إليه الماوردي (¬5). قال في "المهمات": وهو خلاف مذهب الشافعي؛ فقد نص في "الأم" على التسوية بينها وبين (عليَّ) (¬6). 2481 - قولهم: (إن قوله: "أنا مقرٌّ به" .. إقرار) (¬7)، قال الرافعي: محله كما يدل عليه كلامهم: إذا خاطبه بذلك، فقال: (أنا مقر لك به)، وإلا .. فيحتمل أنه مقر به لغيره (¬8)، وأسقط النووي ذلك من "الروضة". قال السبكي: وسواء أتى بلفظ الخبر - كما هي عبارة الأصحاب - أو بلفظ الاستفهام، قال: ورأيت في "المنهاج" الذي بخط المصنف موضع همزة الاستفهام مكشوطاً، كأنه كتبها ثم كشطها؛ موافقة لعبارتهم. انتهى. قال الرافعي بعد ذلك: اللفظ وإن كان صريحاً في التصديق، فقد ينضم إليه قرائن تصرفه عن موضوعه إلى الاستهزاء والتكذيب، ومن جملتها الأداء والإبراء وتحريك الرأس على شدة التعجب والإنكار، فيشبه أن يحمل قول الأصحاب: إنَّ (صَدَقْتَ)، وما في معناها إقرار على غير هذه ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 365). (¬2) الروضة (4/ 365)، وانظر "التهذيب" (4/ 251). (¬3) التهذيب (4/ 251). (¬4) انظر "فتح العزيز" (5/ 297). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 61). (¬6) الأم (6/ 222). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 275)، و"الحاوي" (ص 335)، و"المنهاج" (ص 280). (¬8) انظر "فتح العزيز" (5/ 297).

الحالة، فأما إذا اجتمعت القرائن .. فلا يكون إقراراً، أو يقال: فيه خلاف؛ لتعارض اللفظ والقرينة، كما لو قال: (لي عليك ألف)، فقال في الجواب على سبيل الاستهزاء: (لك عليَّ ألف) فإن المتولي حكى فيه وجهين. انتهى (¬1). قال في "المهمات": لما حكى المتولي الوجهين .. قال: أصلهما: إذا أقر بشيء ثم وصله بما يرفعه، قال: والأصح في المسألة التي فرع هذه عليها: اللزوم، قال: ثم إن هذا الحكم لا يختص بالمثال الذي ذكره المتولي بلا شك؛ لا سيما والتعليل يرشد إليه، والسياق يدل عليه، فتوقف الرافعي غريب. انتهى. 2482 - قولهم: (إن قوله: "أنا أقر به" .. ليس بإقرار) (¬2) مخالف لما حكاه الإمام عن الأكثرين: أنه إقرار (¬3)، ونازعه الرافعي والنووي في نسبة ذلك لهم، ثم قالا: لكنه مؤيد بأنهم اتفقوا على أنه لو قال: (لا أنكر ما يدعيه) .. كان إقراراً غير محمول على الوعد. وأيده في "المهمات" أيضًا: بأنا إذا حملنا المشترك على جميع معانيه عند الإطلاق كما هو مذهب الشافعي .. اتجه القول به؛ لأن المضارع مشترك بين الحال والاستقبال. قلت: على طريقة ابن مالك لا على طريقة الأكثرين. 2483 - قول "المنهاج" [ص 280]، - والعبارة له - و"الحاوي" [ص 335]: (ولو قال: "أليس لي عليك كذا" فقال: "بلى"، أو "نعم" .. فإقرارٌ) زاد "المنهاج": (وفي "نعم" وجهٌ) رجحه ابن الرفعة، وقطع به البغوي وغيره؛ لأن أهل اللغة قالوا: (نعم) تصديق للنفي الداخل عليه الاستفهام، و (بلى) تكذيب له (¬4)، فإذا قيل بعد ألم يقم زيد؟ (نعم) .. فمعناه: لم يقم، وإن قيل: (بلى). فمعناه: أنه قام؛ لأن نفي النفي إثبات، وحُكي عن ابن عباس في قوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}: لو قالوا: نعم .. لكفروا (¬5)، ولم يرجح الرافعي في "الكبير" شيئاً، بل قال: قطع الجويني والمتولي بأنه إقرار، وصححه الإمام والغزالي، وقطع البغوي وغيره بمقابله (¬6)، لكن في "الشرح الصغير" و"الروضة" ترجيح الأول (¬7). 2484 - قول "الحاوي" [ص 335]: (و "لا" لجواب: ألك زوجة؟ ) أقره عليه صاحب ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (5/ 298). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 275)، و"الحاوي" (ص 335)، و"المنهاج" (ص 280). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (7/ 87). (¬4) انظر "التهذيب" (4/ 258). (¬5) انظر "التسهيل لعلوم التنزيل" (2/ 54). (¬6) فتح العزيز (5/ 298، 299)، وانظر "نهاية المطلب" (7/ 69)، و"التهذيب" (4/ 258). (¬7) الروضة (4/ 367).

"التعليقة"، وهو اختيار القاضي حسين، والأصح عند الرافعي: أنه كناية في الإقرار (¬1)، وقطع به البغوي (¬2). 2485 - قول "المنهاج" [ص 280]: (ولو قال: "اقض الألف الذي لي عليك"، فقال: "نعم"، أو "أقضي غداً"، أو "أمهلني يوماً"، أو "حتى أقعد"، أو "أفتح الكيس"، أو "أجد" (¬3) .. فإقرارٌ في الأصح) فيه أمران: أحدهما: أنه عبر في "الروضة" في قوله: (نعم) بالمذهب (¬4)، وهو مخالف لتعبيره هنا بالأصح. ثانيهما: تبع في هذه الصورة "المحرر" (¬5)، وقال في "الروضة" (¬6) وأصلها فيما عدا الأولى: إنها إقرار عند أبي حنيفة، وأصحابنا مختلفون في ذلك، والميل إلى موافقته في أكثر الصور أكثر (¬7). وقال السبكي: الأشبه عندي: مقابله. وقال في "المهمات": ما ذكره من اللزوم في (أقضي غداً) ونحوه مما عري عن الضمير العائد على المال المدعى به مردود، بل يتعين أن يكون التصوير عند انضمام الضمير" كقوله: (أعطيه) ونحوه؛ فإن اللفظ بدونه محتمل أن يراد به: المذكور وغيره على السواء؛ ولهذا كان مقراً في قوله: (أنا مقر به) دون قوله: (أنا مقر)، فقول الرافعي: (في أكثر الصور) للاحتراز عن هذه الصورة. انتهى. ولم يذكر "الحاوي" شيئاً من هذه الصور. 2486 - قول "التنبيه" [ص 275]: (وإن قال: "كان له على ألف" .. فقد قيل: يلزمه، وقيل: لا يلزمه) الأصح: أنه لا يلزمه، كذا في "تصحيح النووي" (¬8)، وذكره في "الروضة" بحثاً، فقال: ينبغي أن يكون هو الأصح، وأشار إلى تصحيحه الجرجاني. انتهى (¬9). وهو في "الروضة" وأصلها عن الجمهور في أوائل الباب الثالث في تعقيب الإقرار بما يغيره لو ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (9/ 132، 133). (¬2) انظر "التهذيب" (6/ 33). (¬3) في (أ)، (د): (أو أجد المفتاح). (¬4) الروضة (4/ 368). (¬5) المحرر (ص 202). (¬6) الروضة (4/ 368). (¬7) فتح العزيز (5/ 299، 300). (¬8) تصحيح التنبيه (2/ 307). (¬9) الروضة (4/ 367)، وانظر "التحرير" (1/ 334).

فصل [شروط المقر به]

قال: (كان لفلان عليّ ألف قضيته) .. قُبل عند الجمهور (¬1)، لكن في "الروضة" وأصلها في (الدعاوى): لو قال المدعى عليه: كان ملكك أمس .. فالأصح - وبه قطع ابن الصباغ -: أنه يؤاخذ به (¬2). فصلٌ [شروط المقر به] 2487 - قول "المنهاج" [ص 281]: (يشترطُ في المقرِّ به ألا يكونَ ملكاً للمُقِرِّ، فلو قال: "داري"، أو "ثوبي"، أو "ديني الذي على زيدٍ لعمرو" .. فهو لغوٌ) أي: فلو عبر بقوله: (سكني)، أو (ملبوسي)، أو قال: (الدين الذي على زيد لعمرو واسْمِي في الكتاب عارية) .. صح، وقد ذكروا أنه يصح الإقرار بالدين بالصيغة التي ذكرتها إلا ثلاثة ديون لا يصح الإقرار بها عقب ثبوتها: أحدها: إذا قالت المرأة: الصداق الذي في ذمة زوجي لزيد. الثانية: إذا قال الزوج المخالع: العوض الذي في ذمة زوجتي لزيد. الثالثة: إذا قال المجني عليه: أرش هذه الجناية لزيد. وقد حكى الرافعي استثناء هذه الصور عن صاحب "التلخيص" ثم قال: قال الأئمة: هذه الديون وإن لم يتصور فيها الثبوت للغير ابتداء وتقديراً للوكالة .. فيجوز انتقالها بالحوالة، وكذا بالبيع على قولٍ، فيصح الإقرار بها عند احتمال ناقل، وحملوا ما ذكره صاحب "التلخيص" على ما إذا أقر بها عقب ثبوتها بحيث لا يحتمل جريان ناقل، لكن سائر الديون أيضاً كذلك، فلا يصح الاستثناء. انتهى (¬3). وهو معترض؛ فإنه يحتمل في بقية الديون أن يكون من وقعت معه المعاملة في الظاهر وكيلاً .. فلا يكون الدين له في الباطن، فيصح أن يقر به عقب المعاملة من غير احتمال جريان ناقل، بخلاف مسائل صاحب "التلخيص". قال في "المهمات": والحصر في الثلاث غير مستقيم؛ فإن المتعة والحكومة والمهر الواجب عن وطء شبهة، وأجرة بدن الحر كذلك. انتهى (¬4). ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 397). (¬2) الروضة (12/ 64). (¬3) انظر "فتح العزيز" (5/ 291، 292)، و"التلخيص" (ص 386). (¬4) قال في "مغني المحتاج" (2/ 241): (أجيب: بأنها راجعة إلى الثلاث؛ فالحكومة ترجع إلى الأرش، والمتعة والمهر الواجب عن وطء شبهة يرجع إلى الصداق).

قلت: قد يكون الحر أجر بدنه قبل ذلك، ثم وكله المستأجر في إجارة نفسه عنه بطريق الوكالة، والله أعلم. 2488 - قول "التنبيه" [ص 277]: (وإن قال: "له في مال ألف درهم" .. لزمه، وإن قال: "من مالي" .. فهو هبة على المنصوص، وقيل: هذا غلط في النقل، ولا فرق بين أن يقول: "في مالي"، وبين أن يقول: "من مالي" في أن الجميع هبة) هذا الثاني هو الأصح. 2489 - قول "المنهاج" [ص 281]: (ولو أقر بحرية عبد في يد غيره ثم اشتراهُ .. حُكِمَ بحريتِهِ، ثم إن كان قال: "هو حُرُّ الأصل" .. فشراؤهُ افتداءٌ، وإن قال: "أعتقه" .. فافتداءٌ من جهته وبيعٌ من جهةِ البائعِ على المذهبِ) ظاهر عبارته أنه فيما إذا قال: (حر الأصل) .. يكون افتداء من الجانبين، وليس كذلك، والذي في "المحرر": (من جهة المشتري) (¬1)، وصرح في "المطلب" بأن في البائع الخلاف الآتي في الصورة الأخرى، وحينئذ .. فيقال: لم فصل بين الصورتين؛ وهلاّ جمع بينهما مع اتحاد حكمهما؟ وجوابه: أنه في الصورة الأولى متفق عليه، وفي الصورة الثانية مختلف فيه؛ فقوله: (على المذهب) يرجع إلى البائع والمشتري؛ ففي كل منهما الخلاف، لكن التصحيح مختلف، كذا شرحه السبكي عليه، وهو واضح. وقال شيخنا الإسنوي: إن قوله: (على المذهب) يعود إلى البائع فقط، فيبقى السؤال بحاله، ولو قال: (فافتداء من جهته على الصحيح) .. لكان أحسن. وقال شيخنا ابن النقيب: الأول أقرب إلى ظاهر العبارة، والثاني أقرب إلى ما في نفس الأمر. انتهى (¬2). ولو قال: (بحرية شخص) .. لكان أولى، إلا أن يريد بالعبد: المدلول العام، لا الخاص الذي هو الرق. 2490 - قوله: (ويصح الإقرار بالمجهول) (¬3) كذا في "المحرر" (¬4)، وفي "الروضة" وأصلها: (بالمجمل) (¬5)، قال شيخنا الإسنوي: وهو أحسن؛ فإن الإقرار بأحد العبدين صحيح، ودخوله في المجمل أظهر من دخوله في المجهول. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 202). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج " (4/ 66، 67). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 281). (¬4) المحرر (ص 203). (¬5) فتح العزيز (5/ 301)، الروضة (4/ 371).

تنبيه [تفسير قوله: (غصبت منه شيئا)]

قلت: لكن الذي في "الروضة": بالمجمل، وهو المجهول (¬1)، فصرح بترادفهما، وقال السبكي: المبهم كأحد العبدين في معنى المجهول (¬2). 2491 - قولهم فيما إذا قال: (له عليّ شيء): (أنه يقبل تفسيره بالقليل) (¬3) لم يتعرض الرافعي والنووي وجماعة إلى اليمين في ذلك، وحاول ابن الرفعة إثبات خلاف فيها. قال السبكي: الأصح وظاهر النص: أنه يحلف أنه ليس له عليه غير ما فسر به (¬4). 2492 - قول "التنبيه" [ص 275]: (وإن قال: "له على شيء"، ففسره بما لا يتمول؛ كقشرة فستقة أو جوزة .. لم يقبل) الأصح: القبول، وعليه مشى "المنهاج"، لكنه قيده بكونه من جنس ما يتمول، فقال: (ولو فسره بما لا يتمول لكنه من جنسه؛ كحبة حنطةٍ) (¬5)، وعليه يدل قول "الحاوي" [ص 240]: (بحبة)، وكذا قيده في "الروضة" وأصلها، لكنه ذكر من أمثلته: قمع باذنجانة (¬6). 2493 - قول "التنبيه" [ص 275]: (وإن فسره بكلب أو سرجين أو جلد ميتة لم يدبغ .. فقد قيل: يقبل، وقيل: لا يقبل) الأصح: القبول كما في "المنهاج" و"الحاوي" (¬7)، ولا بد من تقييد الكلب بحل اقتنائه، وقد ذكره "المنهاج" بقوله [ص 281]: (أو بما يحل اقتناؤه؛ ككلب معلمٍ) و"الحاوي" بقوله [ص 340]: (ونجس يقتنى) وفي معنى المعلم: القابل للتعليم، ولا بد من تقييد الجلد بكونه قابلاً للدباغ. تنبيهٌ [تفسير قوله: (غصبت منه شيئاً)] لو قال: (غصبت منه شيئاً) .. قبل تفسيره بما لا يُقتنى، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 340]: (ونجسٍ: غصبته) وكذا لو قال: (له عندي شيء) بخلاف: (عليّ). قول "التصحيح" عطفاً على الأصح: (وأنه إذا قال: " عندي شيء" وفسره بحد قذف .. قبل) (¬8): لا معنى لهذا الاستدراك والتصحيح في "التنبيه" فإنه قال قبل: (وقيل: ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 371). (¬2) في (د): (قلت: ولذلك عبر في "الحاوي" بالمبهم، فهو أعم من تعبير غيره). الحاوي (ص 344). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 275)، و"الحاوي" (ص 340)، و"المنهاج" (ص 281). (¬4) في (ج): (وبه صرح الماوردي في "الحاوي"). الحاوي الكبير (7/ 10، 11). (¬5) المنهاج (ص 281). (¬6) الروضة (4/ 371). (¬7) الحاوي (ص 340)، المنهاج (ص 281). (¬8) تصحيح التنبيه (2/ 308).

لا يقبل) (¬1)، وعبارة "الروضة": (ينبغي تصحيح القبول) (¬2). 2494 - قولهم - والعبارة لـ"التنبيه" -: (وإن فسره بخنزير أو ميتة .. لم يقبل) (¬3) فيه أمران: أحدهما: ينبغي قبول التفسير بالخنزير وبالخمرة غير المحترمة إذا كان المقر له ذمياً؛ فإنه يجب رد ذلك عليه إذا لم يتظاهر به؛ ويدل له تعليل منع التفسير بغير المحترمة بأنها ليس فيها حق واختصاص .. فلا يلزم ردها، ذكره الرافعي (¬4)، فدل على أن ما فيه حق واختصاص .. يقبل التفسير به، بحث ذلك شيخانا الإسنوي وابن النقيب، وهو واضح (¬5). ثانيهما: لو فسر بميتة لمضطر .. قال القاضي حسين: لا يقبل، ورجح الإمام خلافه (¬6). 2495 - قول "المنهاج" [ص 281]: (ولو أقر بمالٍ أو بمالٍ عظيم أو كبيرٍ أو كثيرٍ .. قُبل تفسيره بما قل منه) أي: من المال. قال شيخنا ابن النقيب: ولم يقل هنا: بمتمول؛ لأن حبة الحنطة مال يصح التفسير بها، وليست متمولا؛ فكل متمول مال ولا عكس (¬7). قلت: وعبارة "الحاوي" [ص 340]: (بمتمول)، وكذا عبارة "الروضة": بأقل متمول، ثم قال: قال الإمام: والوجه القبول بالتمرة الواحدة حيث يكثر؛ لأنه مال وإن لم يتمول في ذلك الموضع، هكذا ذكره العراقيون، وقالوا: كل متمول مال. ولا ينعكس، وتلتحق حبة الحنطة بالتمرة. انتهى (¬8). ونازع في هذا الإلحاق شيخنا الإمام البلقيني، وقال: الفرق أن حبة الحنطة لا تسد مسداً في عموم الأشخاص بخلاف التمرة ونحوها. انتهى. وفي أوائل البيع من "الروضة" وأصلها: أن الحبة والحبتين من الحنطة والزبيب وغيرهما لا يعد مالاً (¬9)، وهو مخالف للمذكور هنا. 2496 - قول "التنبيه" [ص 276]: (وان قال: "كذا درهمٍ" بالخفض .. لزمه دون الدرهم، وقيل: يلزمه درهم) الثاني هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬10)، مع كون الجر ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 275). (¬2) الروضة (4/ 372). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 275)، و"الحاوي" (ص 340)، و"المنهاج" (ص 281). (¬4) انظر "فتح العزيز" (5/ 302). (¬5) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 68). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (7/ 62). (¬7) نظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 68، 69). (¬8) الروضة (4/ 374)، وانظر "نهاية المطلب" (7/ 62). (¬9) الروضة (4/ 350). (¬10) الحاوي (ص 344)، المنهاج (ص 282).

في هذه الصورة لحناً عند البصريين، ولكن لا أثر لذلك، ويجري الوجهان في قوله: (كذا درهم) بالسكون، وقد تناوله قول "الحاوي" [ص 344]: (وكذا درهم كيف كان). 2497 - قول "التنبيه" [ص 276]: (وإن قال: كذا وكذا درهماً .. فقد قيل: يلزمه درهمان، وقيل: فيه قولان، أحدهما: درهمان، والثاني: درهم (الأصح: طريقة القولين، وأصحهما: درهمان، وعليه مشى "الحاوي" و"المنهاج"، وعبر عنه بـ (المذهب) (¬1)، ولا يفهم منه ترجيح طريقة القطع، ولا القولين، واختار السبكي: أنه لا يلزمه إلا درهم. 2498 - قول "المنهاج" [ص 282]: (ولو قال: "الداراهم التي أقررت بها ناقصة الوزن" فإن كانت دراهم البلد تامة الوزن .. فالصحيح: قبوله إن ذكره متصلاً، ومنعه إن فصله عن الإقرار) فيه نظر من وجهين: أحدهما: في تسويته بين الصورتين في حكاية وجهين في كل منهما، والخلاف في "الروضة" مع الاتصال طريقان، أصحهما: القطع بالقبول، والثانية: قولان، ومع الانفصال وجهان (¬2). والثاني: في تعبيره بالصحيح فيهما، وعبر في "الروضة" في الوجهين بالأصح (¬3)، وهو دال على قوة مقابله بمقتضى اصطلاحه. 2499 - قوله في المسألة: (وإن كانت ناقصة .. قُبل إن وصله، وكذا إن فصله في النص) (¬4) يقتضي لزوم تامة في حالة الإطلاق إذا كانت دراهم البلد ناقصة، وفي "التنبيه" [ص 276]: (وإن قال: "ألف درهم" وهو في بلد أوزانهم ناقصة .. لزمه من دراهم البلد)، ومقتضاه: أن هذا في حالة الإطلاق، وكذا في "تعليق" القاضي أبي الطيب و"الشامل"، لكن في "المهذب": أن محله: عند دعواه إرادة ذلك مفصولاً عن الإقرار، فإن أطلق .. لزمه من دراهم الإسلام التامة (¬5)، وكذا ذكره القاضي الحسين والماوردي (¬6). وصور الرافعي المسألة بتصوير صاحب "المهذب"، ونقل فيها خلافاً، وصحح: لزوم دراهم البلد، ولم يتعرض لمسألة الإطلاق هنا، لكنه بعد ذلك بقليل قال: لو أقر بمئة درهم عدد. . لزمه بوزن الإسلام، ولا يقبل منه مئة عدداً ناقصة الوزن إلا أن يكون نقد البلد عددية ناقصة، فظاهر المذهب: القبول (¬7). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 344)، المنهاج (ص 282). (¬2) الروضة (4/ 378، 379). (¬3) الروضة (4/ 378). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 282). (¬5) المهذب (2/ 347). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 54). (¬7) انظر "فتح العزيز" (4/ 312، 313، 314).

2500 - قول "التنبيه" [ص 276]: (وإن فسرها بمغشوش .. قُبل على المذهب، وقيل: لا يقبل إلا أن يكون متصلاً بالإقرار) صُوّرت المسألة: بما إذا كان في بلد يتعاملون فيه بالمغشوش، فإن كان في بلد لا يتعاملون فيه بالمغشوش .. لم يقبل التفسير به قطعاً، قاله الماوردي (¬1). ويرد عليه: أنه لو ذكره متصلاً .. قُبل في الأصح وإن لم يتعاملوا به في تلك البلد، وقد ذكر "المنهاج" ذلك بقوله [ص 282]: (والتفسير بالمغشوشة كهو بالناقصة) و"الحاوي" بقوله [ص 341]: (بالناقص والمغشوش إن وصل، أو يُتَعارف). 2501 - قول "التنبيه" [ص 276]: (وإن قال: "له على من درهم إلى عشرة" .. فقد قيل: يلزمه ثمانية، وقيل: تسعة، وقيل: عشرة) الأصح: لزوم تسعة، كذا في "المحرر" و"المنهاج" (¬2)، وحكى في "الروضة" تصحيحه عن العراقيين والغزالي، ونقل عن البغوي تصحيح عشرة (¬3)، وهو نظير ما صححه الرافعي في الضمان (¬4)، وقد تقدم، والحكم في الإقرار والضمان والإبراء والنذر واليمين والوصية والطلاق ينبغي أن يكون واحداً؛ ولهذا رجح السبكي هنا: لزوم عشرة. 2502 - قول "التنبيه" [ص 276]: (وإن قال: "له ما بين الدرهم والعشرة" .. لزمه ثمانية) يقتضي أنه لا تجري فيه الأوجه في المسألة قبله، وقد أجرى فيه الرافعي الأوجه المذكورة، لكنه رجح هنا: لزوم ثمانية، ثم قال: ولم يفرقوا بين أن يقول: (ما بين واحد إلى عشرة)، وبين أن يقول: (ما بين واحد وعشرة)، وربما سووا بينهما، ويجوز أن يفرق، ويقطع في الثانية بثمانية، قال النووي: وهو الصواب، وقد فرق بينهما أبو الطيب، فقطع في الثانية، وحكى الخلاف في الأولى. انتهى (¬5). وكذا فرق بينهما الرافعي في الضمان (¬6)، وقد عرفت أن صاحب "التنبيه" قطع في الثانية بلزوم ثمانية، وكذلك فعل الماوردي والروياني وغيرهما (¬7). 2503 - قوله: (وإن قال: "له عليّ درهم في عشرة" .. لزمه درهم، إلا أن يريد الحساب .. ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 53). (¬2) المحرر (ص 204)، المنهاج (ص 282). (¬3) الروضة (4/ 380)، وانظر "التهذيب" (4/ 239). (¬4) انظر "فتح العزيز" (5/ 158). (¬5) انظر "فتح العزيز" (5/ 315)، و"الروضة" (4/ 381). (¬6) انظر "فتح العزيز" (5/ 158). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 58)، و"بحر المذهب" (8/ 281).

فصل [في ذكر أنواع من الإقرار]

فيلزمه عشرة) (¬1) يستثنى منه أيضًا: ما إذا أراد: المعية .. فيلزمه أحد عشر كما ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، وهو قياس ما ذكره "التنبيه" قبل ذلك في درهم مع دينار، واستدركه النووي في "تصحيحه" بلفظ: (الصواب) (¬3)، وكذا في "الروضة" وأصلها بالجزم (¬4). واستشكله شيخنا الإسنوي: بأنه لو قال: (درهم مع درهم) .. لزمه درهم جزمًا؛ لاحتمال: (مع درهم لي)، فمع نية مع أولى، وبتقدير تسليم وجوب أحد عشر .. فينبغي أن يلزمه درهم، ويُرجع في تفسير العشرة إليه، قال: فليحمل ذلك على ما لو قال: (مع عشرة دراهم له)، ولا إشكال حينئذ. انتهى (¬5). والاستشكال الثاني للسبكي، وهو قوي لا بد منه، وأجاب شيخنا الإِمام البلقيني عن الاستشكال الأول: بأن المراد بذلك: حيث لم يرد الظرف، وإلا .. اتحد القسمان، وحينئذ .. فيلزم أحد عشر بخلاف: (مع درهم) فإنه يحتمل: (مع درهم لي)، وهو معنى الظرف. انتهى. وما ذكره "التنبيه" و"المنهاج" فيما إذا أراد الحساب محله: ما إذا عرفه، فإن لم يعرفه .. ففي "الكفاية": يشبه لزوم درهم فقط وإن قال: أردت ما يريده الحساب، وهو قياس ما سيأتي تصحيحه في الطلاق. انتهى. وجزم به "الحاوي" هنا، وكأنه أخذه من قياس الطلاق؛ فإن الرافعي لم يذكره هنا، وهو تابع له، والله أعلم. فصْلٌ [في ذكر أنواع من الإقرار] 2504 - قول "التنبيه" [ص 277]: (وإن قال: "له عندي عبد عليه عمامة" .. لزمه العبد والعمامة) الصحيح كما في "المنهاج": أنه لا تلزمه العمامة (¬6)، وهو داخل في عموم قول "الحاوي" عطفًا على المنفي [ص 343]: (وما جعل ظرفه ومظروفه). 2505 - قول "الحاوي" [ص 343]: (والحمل بالجارية) أي: لا يدخل حمل الجارية في ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 275). (¬2) الحاوي (ص 344)، المنهاج (ص 282). (¬3) تصحيح التنبيه (2/ 310). (¬4) الروضة (4/ 381). (¬5) انظر "مغني المحتاج" (2/ 251)، و"حاشية الرملي" (2/ 305). (¬6) المنهاج (ص 283).

الإقرار بها, ولو قال: (ولا يدخل الحمل في الإقرار)، وحذف (الجارية) .. لكان أعم؛ ليتناول سائر الحيوان. 2506 - قوله: (خلاف فصِّ الخاتم) (¬1) أي: فإنه يلزم الفص في قوله: (له عندي خاتم فيه فص)، لكن في "الروضة" وأصلها عن البغوي: تصحيح أنه لا يلزم الفص، وأقراه (¬2)، واختاره المصنف في "شرح اللباب". قلت: ونص عليه الشافعي في (باب الإقرار بغصب شيءٍ في شيءٍ) (¬3)، وحمل بعضهم كلام "الحاوي" على ما إذا قال: (عندي خاتم)، ثم قال بعد ذلك: ما أردت الفص .. فإنه لا يقبل منه على المذهب، بل يلزمه الخاتم بفصه؛ لأن الخاتم تناولهما، فلا يقبل رجوعه عن بعض ما تناوله الإقرار. 2507 - قوله: (و"في الكيس"، أو "الذي في الكيس" ولم يكن .. لزم) (¬4) ما ذكره من اللزوم في الصورة الثانية، وهي ما إذا قال: (على الألف الذي في الكيس) ولم يكن فيه شيء .. أحد وجهين أو قولين في الرافعي بلا ترجيح (¬5)، وقال في "الروضة": ينبغي أن يكون الراجح: أنه لا يلزمه؛ لأنه لم يعترف بشيء في ذمته (¬6). 2508 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ولو قال: "في ميراث أبي ألفٌ" .. فهو إقرار على أبيه بدينٍ) (¬7) استشكل في "المطلب" فإنه يجوز أن يكون ذلك بوصية وبرهن على دين الغير؛ كقوله: (له في هذا العبد ألف)، ثم أجاب بما لا يقوى قوة السؤال؛ فإنه قوي (¬8). 2509 - قولهم: (ولو قال: "في ميراثي من أبي" .. فهو وعدُ هبةٍ) (¬9) محله: ما إذا لم يرد الإقرار، فإن أراده .. لزمه، وصورة المسألة والتي قبلها: إذا لم يأت بصيغة التزام؛ كـ (عليَّ) ونحوها، فإن أتى بها .. فهو إقرار بكل حال، وتعبير "المنهاج" بوعد هبة أحسن من تعبير "التنبيه" بالهبة (¬10). ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 343). (¬2) فتح العزيز (5/ 316)، الروضة (4/ 382)، وانظر "التهذيب" (4/ 254). (¬3) الأم (3/ 240) (¬4) انظر "الحاوي" (ص 342). (¬5) انظر "فتح العزيز" (5/ 318). (¬6) الروضة (4/ 383). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 277)، و"الحاوي" (ص 342)، و"المنهاج" (ص 283). (¬8) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 75). (¬9) انظر "التنبيه" (ص 277)، و"الحاوي" (343)، و"المنهاج" (283). (¬10) التنبيه (ص 277)، المنهاج (ص 283).

2510 - قول "التنبيه" فيما لو قال له: (في هذا العبد ألف درهم) [ص 277]: (وإن فسرها بأنه رهن بألف له عليه .. فقد قيل: يقبل، وقيل: لا يقبل) الأصح: القبول، وعليه مشى "الحاوي" (¬1). 2511 - قوله: (وإن قال: "له عليّ درهم فدرهم" .. لزمه درهم على المنصوص، وقيل: قولان) (¬2) الثاني مخرج من الطلاق؛ فإن المنصوص فيه: طلقتان، والمذهب: تقريرهما؛ لأن الإقرار أضعف من الإنشاء؛ ولهذا لو كرره في يومين .. اتحد بخلاف الطلاق، ومحل الخلاف: إذا أطلق أو قصد غير العطف، فإن قصده .. تعدد قطعًا. 2512 - قول "المنهاج" فيما لو قال: (درهم ودرهم ودرهم)، وأطلق الثالث، فلم ينو به تأكيدًا ولا استئنافًا: (أنه يلزمه ثلاثة في الأصح) (¬3) عبر في "الروضة" بـ (المذهب) (¬4)، وهو أولى؛ فإن الأكثرين قطعوا به، وقيل: قولان كنظيره من الطلاق، وفرق على الأول: بأن التأكيد في الطلاق أكثر؛ فإنه يقصد به التخويف والتهديد، وعلى هذا لو كرره مئة وأكثر .. لزمه تعدده. 2513 - قول "التنبيه" [ص 275]: (وإن قال: "له درهم تحت درهم"، أو "فوق درهم"، أو "مع درهم"، أو "قبل درهم"، أو "بعد درهم" .. فقد قيل: فيه قولان، أحدهما: درهم، والثاني: درهمان، وقيل: إن قال: "فوق درهم"، أو "تحت درهم"، أو "مع درهم" .. لزمه درهم، وإن قال: "قبل درهم"، أو "بعد درهم" .. لزمه درهمان) هذا الأخير هو الأصح، وعليه مشى "الحاوي" (¬5). 2514 - قول "المنهاج" [ص 283]: (ومتى أقر بمبهم؛ كـ"شيء" و"ثوب" وطولب بالبيان فامتنع .. فالصحيح: أنه يحبس) عبر في "الروضة" بالأصح (¬6). 2515 - قول "التنبيه" [ص 276]: (وإن قال: "له ألف من ثمن خمرٍ أو ألف قضيتها" .. ففيه قولان، أحدهما: يلزمه، والثاني: لا يلزمه) الأصح: اللزوم، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬7) ومحل الخلاف: إذا قدَّم الألف كما هو التصوير، فلو عكس فقال: (من ثمن خمر ألف) .. لم يلزمه قطعًا، كما في "الروضة" وأصلها (¬8)، وفي التيمم من "شرح المهذب" ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 341). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 275). (¬3) المنهاج (ص 283). (¬4) الروضة (4/ 387). (¬5) الحاوي (ص 343، 344). (¬6) الروضة (4/ 372). (¬7) الحاوي (ص 342)، المنهاج (ص 283، 284). (¬8) الروضة (4/ 396).

عن "المعتمد" للشاشي: طرد القولين مطلقًا (¬1). وقال الإِمام في الصورة الأولى: كنت أود لو فصل فاصل بين كون المقر جاهلًا بأن ثمن الخمر لا يلزم .. فيعذر، أو عالمًا .. فلا يعذر (¬2). ويشبه ما ذكره الإِمام في المدرك ما استثناه في "التوشيح"، وهو ما إذا كان المقر يعتقد أن ما عقب به الإقرار لا يرفعه لاجتهاد أو تقليد؛ كحنفي أقر بأن لزيد عليه درهمًا قيمة نبيذ أتلفه عليه، قال: فلا يلزمه الشافعي بذلك؛ فإنه لم يقصد رفع حكم الإقرار، فلا يكون مكذبًا لنفسه، قال: وقد رفع إلى حنفي أقر بأن لزوجته عليه مئة درهم صداقًا زاده على مبلغ صداقها بعد عقد النكاح بالصداق الأول، وقيل لي: وَاخِذْهُ بقوله: (لزوجتي عليّ مئة درهم)، وأسقط قوله: (صداقًا ... إلى آخره) .. فلم ألزمه؛ لما ذكرت، قال: ويؤيده شيئان: أحدهما: قول الأصحاب - تفريعًا على اللزوم في مسألة (ألف من ثمن خمر) - .. لو قال المقر: (كان من ثمن خمر وظننته يلزمني) .. أن له تحليف المقر له على نفيه، قال: وإنما تسلط على تحليفه؛ رجاء أن يرد اليمين، فيحلف المقر، ولا يلزم. والثاني: تعليلهم الطريقة القاطعة باللزوم في: (عليّ ألف قضيته) بعدم الانتظام، قالوا: بخلاف قوله: (من ثمن خمر) فإنه ربما يظن لزومه. 2516 - قول "المنهاج" [ص 284]: (ولو قال: "من ثمن عبدٍ لم أقبضه إذا سلمه سلمت" .. قُبل على المذهب وجعل ثمنًا) فيه أمور: أحدها: قد يتبادر إلى الفهم منه أن قوله: (لم أقبضه) لا بد من اتصاله بالإقرار، وليس كذلك، فسواء ذكره متصلًا أو منفصلًا بعد أن يصل بالإقرار أنه من ثمن عبد؛ ولذلك قال "التنبيه" [ص 276]: (لم يلزمه حتى يقر بقبض المبيع) ولذلك لم يقيده "الحاوي" بالاتصال (¬3). ثانيها: قوله: (إذا سلم .. سلمت) ذكره في "الروضة" أيضًا (¬4)، وهو حشو. ثالثها: قوله: (وجعل ثمنًا) كذا في "المحرر" (¬5)، وليس في "الروضة"، وهو حشو أيضًا؛ فذلك معلوم من قوله: (قُبل) ولذلك لم يذكره ولا الذي قبله "التنبيه" و"الحاوي". 2517 - قول "الحاوي" [ص 342]: (وعليَّ بالمؤجل إن اتصل) محله: فيما يقبل التعجيل والتأجيل كالثمن، بخلاف القرض؛ فإنه لا يقبل التأجيل. ¬

_ (¬1) المجموع (2/ 287). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (7/ 93). (¬3) الحاوي (ص 342). (¬4) الروضة (4/ 396). (¬5) المحرر (ص 205).

2518 - قول "المنهاج" [ص 284]: (ولو قال: "ألف إن شاء الله" .. لم يلزمه شيء على المذهب) فيه أمران: أحدهما: أن ذلك لا يختص بالتعليق على مشيئة الله، فلو علق الإقرار على مشيئة زيد .. لم يلزمه أيضًا شيء على المذهب؛ ولذلك قال "التنبيه" [ص 275]: (وإن قال: "له عليّ ذلك إن شاء الله" أو "إن شئت" .. لم يلزمه)، وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 343]: (والمعلق). ثانيهما: سيأتي في الطلاق اشتراط قصد التعليق وإلحاق (إن لم يشأ الله) بذلك، وكذا (إلا أن يشاء الله) في الأصح، فيظهر مجيء ذلك هنا. 2519 - قول "التنبيه" [ص 275]: (وإن قال: "له عليَّ ألف إذا جاء رأس الشهر" .. فقد قيل: يلزمه، وقيل: لا يلزمه) الأصح: عدم اللزوم، وقد ذكره "الحاوي" بقوله عطفًا على المنفي [ص 343]: (والمعلق وإن أخَّر) ومحله: إذا أطلق، أو قصد التعليق، فإن قال: قصدت التأجيل برأس الشهر .. قُبل، وسوّى في "الروضة" وأصلها بين هذه الصورة وبين ما إذا قال: إذا قدم زيد (¬1). وقال في "المهمات" في هذه الصورة: الصواب: اللزوم، والشرط يؤثر في إيجاب المال بالنذر. 2520 - قول "المنهاج" [ص 284]: (فإذا قبلنا التفسير بالوديعة .. فالأصح: أنها أمانة، فَيُقْبل دعواه التلف بعد الإقرار، ودعوى الرد)، وكذا قال "التنبيه" [ص 277]: (وإن ادعى أنها هلكت بعد الإقرار .. قُبِل منه) و"الحاوي" [ص 342] بقوله: (وتلفِهِ وردِّهِ بعده)، وفي "الوجيز" الجزم بمقابله (¬2)، قال الرافعي: أراد به: ما نقله الإِمام عن الأصحاب: أن الألف مضمون، ولا يصدق في تلفه ولا رده، قال الرافعي: وهو مشكل توجيهًا ونقلًا، أما التوجيه: فلأنّ (عليّ) يجوز أن يراد بها: وجوب الحفظ، وأما النقل: فقضية إيراد غيرهما أنه إن ادعى التلف بعد الإقرار .. صُدق، وصرح به ابن الصباغ. انتهى (¬3). وقال شيخنا الإِمام البلقيني: الذي قاله الإِمام واضح دليلًا ونقلًا، أما الدليل: فلأن الجواز المذكور ليس على السواء، بل لفظة: (عليّ) ظاهرة في متعلق بالذمة من دين أو عين، وظاهر عبارة الأصحاب حيث يقولون: إن (عليّ) للدين تدل لهذا، ونص عليه الشافعي في "الأم" في (باب الإقرار بالحقوق والمواهب)، فقال: وإذا قال: (له عليّ ألف درهم وديعة) .. فهي ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 397). (¬2) الوجيز (1/ 372). (¬3) فتح العزيز (5/ 337، 338)، وانظر "نهاية المطلب" (7/ 75).

وديعة، وإن قال: (له عليَّ ألف) ثم سكت، ثم قال بعدُ: (هي وديعة)، أو قال: (هلكت) .. لم يقبل ذلك منه؛ لأنه قد ضمن ألف درهم بإقراره ثم ادعى ما يخرجه من الضمان، فلا يُصَدَّق عليه، وإنما صدقناه أولًا؛ لأنه وصل الكلام. انتهى (¬1). قال شيخنا: وممن صرح بما قاله الإِمام الماوردي والبغوي (¬2). قلت: يمكن أن يقال: إن هذا النص تفريع على أحد القولين: أنه لا يقبل منه دعوى الوديعة إلا متصلًا؛ ولذلك قرن كونه لا يقبل منه دعوى التلف بكونه لا يقبل منه قوله منفصلًا: إنها وديعة، والكلام مع قبول التفسير بالوديعة مع الانفصال، والله أعلم. 2521 - قول "المنهاج" [ص 284]: (ولو أَقَرَّ ببيعٍ أو هبةٍ وإقباضٍ ثم قال: "كان فاسدًا وأقررت لظني الصحة" .. لم يقبل، وله تحليف المُقرِّ له، فإن نَكَلَ .. حَلَفَ المُقِرُّ وبَرِئَ) فيه أمور: أحدها: أنه جزم بعدم القبول، وقال السبكي: ومن يقول بتصديق مدعي الفساد، ويسلم أن الاسم يشمل الصحيح والفاسد .. لا يبعد هنا أن يصدق المقر وإن تراخى. وقال شيخنا الإسنوي: يحتمل أن يقال به، ويحتمل ألَّا، ويفرق: بأن القبول هنا يؤدي إلى خلاف الظاهر مرتين، وهما الإقرار والبيع السابق عليه. انتهى. ولعل هذا الثاني أرجح؛ لأنه أكد كون الأصل في العقود الجارية بين المسلمين الصحة بإقراره بذلك، والله أعلم. ثانيها: في تعبيره بالبراءة نظر؛ فإن البراءة إنما تكون من الديون، والنزاع إنما هو في عين؛ فإنها هي التي يرد عليها البيع والهبة؛ ولذلك عبر في "المحرر" و"الروضة" وأصلها بقولهم: (وحُكم ببطلان البيع والهبة) (¬3)، وهذا التعبير هو الصواب. ثالثها: يفهم من قوله: (ثم) أنه قال ذلك متراخيًا، فخرج به ما إذا قاله متصلًا بكلامه، فمقتضاه: القبول، وفيه نظر، وقال السبكي: الوجه: تخريجه على قولي تعقيب الإقرار بما يرفعه. انتهى. فيكون الأصح فيه: عدم القبول أيضًا. 2522 - قول "التنبيه" [ص 277]: (وإن قال: "هذه الدار لزيد لا بل لعمرو"، أو "غصبتها من زيد لا بل من عمرو" .. لزمه الإقرار للأول، وهل يغرم للثاني؟ فيه قولان) الأصح: أنه ¬

_ (¬1) الأم (6/ 222). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 45)، و"التهذيب" (4/ 252). (¬3) المحرر (ص 205)، فتح العزيز (5/ 339)، الروضة (4/ 401).

يغرم، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬1). 2523 - قول "التنبيه" [ص 277]: (وإن باع شيئًا وأخذ الثمن، ثم أقر بأن المبيع لغيره .. فقد قيل: يلزمه الغرم قولًا واحدًا، وقيل: على قولين) الأصح: الأول، لكن نص في "الأم" في (باب الإقرار بالحكم الظاهر) على القولين (¬2)، وهو ينافي ترجيح القطع، ودخل تحت إقراره بأن المبيع لغيره صور: منها: أن يقول: (كنت بعته له). ومنها: أن يقول: (غصبته منه)، وقد ذكر في "الروضة" وأصلها الصورتين (¬3)، وبحث شيخنا الإِمام البلقيني في قوله: (بعته له)، وقال: إن قال: (ولم يقبضه) .. فهو إتلاف بائع قبل القبض، وهو كالآفة السماوية على الأصح، فينفسخ البيع، ويرد إلى المقر له الثمن إن كان قبضه، وإن قال: (قبضه وغصبته منه) .. فهي المسألة الثانية التي عطفها عليها، وإن أطلق، ولم يطلع على مراده .. فلا غرم؛ لجواز أن يكون قبل القبض، والأصل براءة الذمة من القيمة. نعم؛ للبائع (¬4) أن يدعي بالثمن إن كان أقبضه، ويحلّف منكر قبضه إن كان المقر أو الوارث. انتهى كلام شيخنا. وتناول إطلاقه ما لو قال ذلك في خياره، وهو فسخ، كما نبه عليه في "الروضة" في آخر الباب (¬5). 2524 - قوله: (وإن قال: "هذه الدار ملكها لزيد، وغصبتها من عمرو" .. فقد قيل: هي كالتي قبلها) (¬6) أي: وهي ما لو قدّم ذكر الغصب؛ أي: في لزوم تسليمها إلى المغصوب منه، ولا يلزمه للآخر شيء، (وقيل: تسلم إلى الأول، وهل يغرم للثاني؟ على قولين) (¬7)، الأصح: الأول، وعليه مشى "الحاوي" (¬8). 2525 - قول "المنهاج" [ص 284]: (ويصح الاستثناء إن اتصل ولم يستغرق) زاد "الحاوي": أن يقصده من الأول، فقال [ص 341]: (واستثناء متصل، قصده أولًا، ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 344)، المنهاج (ص 284). (¬2) الأم (3/ 243). (¬3) الروضة (4/ 402). (¬4) كذا في النسخ، ولعل صوابها: (للمشتري)، انظر "حواشي الرملي على الأسنى" (2/ 314). (¬5) الروضة (4/ 413). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 278). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 278). (¬8) الحاوي (ص 344).

لا يستغرق)، وتبع في ذلك الرافعي؛ فإنه صححه في (الطلاق) (¬1)، وقال النووي هناك: الأصح: الصحة بشرط وجود النية قبل فراغ اليمين وإن لم يقارن أولها. انتهى (¬2). ولا يضر سكوت يسير لتنفس أو عيّ أو تذكر أو انقطاع صوت، نص عليه في "الأم" (¬3)، وقد يفهم من الاتصال خلافه، وقال في "الروضة": هكذا قال أصحابنا: إن تخلل الكلام الأجنبي .. يبطل الاستثناء، وقال صاحبا "العدة" و"البيان": إذا قال: (عليّ ألف - أستغفر الله - إلا مئة) .. صح الاستثناء عندنا، قال: وهذا الذي نقلاه فيه نظر. انتهى (¬4). وليس فيه تصريح بموافقتهما ولا مخالفتهما، والأمر كما أطلقه الأصحاب؛ ففي "الروضة" وأصلها التصريح به في (الطلاق)، وترجيح أن الفصل اليسير يقدح (¬5). وبقي لصحة الاستثناء شرط آخر عند بعضهم، وهو: ألَّا يتقدم المستثنى على المستثنى منه؛ ففي "الروضة" في (الطلاق): لو قال: (أنت إلا واحدة طالق ثلاثًا) .. حكى صاحب "المهذب" عن بعض الأصحاب: أنه لا يصح الاستثناء، وتقع الثلاث، قال - يعني: صاحب "المهذب" -: وعندي أنه يصح، فيقع طلقتان (¬6)، وفيها في أوائل (كتاب الأيمان): لو قال: (لفلان عليّ إلا عشرة دراهم مئة درهم) .. صح الاستثناء، وفيه وجه ضعيف (¬7). 2526 - قول "المنهاج" [ص 284]: (ويصح من غير الجنس؛ كـ"ألف إلا ثوبًا"، ويبين بثوبٍ قيمته دون ألفٍ) كان ينبغي أن يقول: (بألف درهم) ليتعين كون الثوب من غير جنس الألف، فقد يكون المقر به ألف ثوب .. فيكون المستثنى من جنسه، وكذا في "التنبيه" و"الروضة" وأصلها: ألف درهم (¬8)، وفي "الحاوي" [ص 341، 342]: (وغير جنس لا يفسر بمستغرق)، ولم يذكر المثال، وقال شيخنا الإسنوي: إن تعبيره بالألف إشارة إلى المعهود قبله في التمثيل، وهو الدراهم، فلو عبر بـ ألفٍ منكَّر .. طولب بتفسيرها، كما قاله الرافعي، فإن فسرها بالثياب .. كان من الجنس، وإلا .. فلا. انتهى (¬9). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (9/ 26). (¬2) انظر "الروضة" (8/ 91). (¬3) الأم (7/ 62). (¬4) الروضة (4/ 404)، وانظر "البيان" (13/ 456). (¬5) الروضة (8/ 91). (¬6) الروضة (8/ 95)، وانظر "المهذب" (2/ 86). (¬7) الروضة (11/ 5). (¬8) التنبيه (ص 276)، فتح العزيز (5/ 345)، الروضة (4/ 407). (¬9) انظر "فتح العزيز" (5/ 346).

فصل [في الإقرار بالنسب]

وهو يقتضي أن عبارة "المنهاج" بالتعريف، والذي وقفنا عليه فيه وفي "المحرر" بالتنكير (¬1)، وجعل الغزالي هذا الاستثناء من الجنس، وقدّره بـ (إلا قيمة ثوب) (¬2). 2527 - قولهما فيما لو قال: (له هؤلاء العبيد إلا واحدًا)، وماتوا إلا واحدًا، وزعم أنه المستثنى: (صدق بيمينه على الصحيح) (¬3) يستثنى من محل الخلاف: ما لو قال: (قتلوا إلا واحدًا) .. فإنه يصدق قطعًا؛ لبقاء أثر الإقرار، وهو الضمان، وكذا لو كان قال: (غصبتهم إلا واحدًا)، فماتوا إلا واحدًا (¬4). 2528 - قول "التنبيه" [ص 277]: (وإن ادعى رجلان ملكًا في يد رجل بينهما نصفين، فأقر لأحدهما بنصفه وجحد الآخر؛ فإن كانا قد عزيا إلى جهة واحدة من إرث أو ابتياع، وذكرا أنهما لم يقبضا .. وجب على المقر له أن يدفع نصف ما أخذ إلى شريكه) محله في الابتياع: فيما إذا قالا: اشتريناه معًا، فإن لم يقولا ذلك .. فلا مشاركة كما هو مذكور في "الروضة" وأصلها في (الصلح) (¬5)، وفي "الكفاية" هنا: والإرث مثله. فصْل [في الإقرار بالنسب] 2529 - قول "المنهاج" [ص 285]: (أقر بنسب) لم يبين المقر الذي يعتبر إقراره، وهو المكلف الذكر كما ذكره "الحاوي" (¬6)، وقول "التنبيه" [ص 278]: (ومن أقر بنسب) صيغة عموم تتناول كل أحد، لكن قد يقال: اعتبار التكليف واضح؛ لأن غير المكلف لا عبارة له، وقد علم من قوله أول الباب: (ومن حجر عليه لصغر أو جنون .. لا يصح إقراره) (¬7)، وأجاب في "الكفاية" عن المرأة: بخروجها بذكر النسب، وفيه نظر، وينافيه قول "التنبيه" في تحمل الشهادة [ص 271]: (وإن كان نسبًا أو موتًا أو ملكًا .. جاز أن يتحمل بالاستفاضة) فإنه يتناول نسب الأم، فدل على إطلاق النسب عليه، ولم يصرح "التنبيه" باشتراط الإمكان بألَّا يكذبه الحس ولا الشرع، واشتراطه واضح، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬8)، وهو مفهوم من اشتراط ¬

_ (¬1) المحرر (ص 206). (¬2) انظر "الوجيز" (1/ 373). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 276)، و"المنهاج" (ص 285). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 84). (¬5) الروضة (4/ 224). (¬6) الحاوي (ص 345). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 274). (¬8) الحاوي (ص 345)، المنهاج (ص 285).

"التنبيه" كونه مجهول النسب؛ فإن معروف النسب من غيره هو الذي يكذبه فيه الشرع، واعتبار عدم تكذيب الحس من طريق الأولى. 2530 - قولهما - والعبارة لـ"التنبيه" -: (وإن أقر بنسب كبير .. لم يثبت نسبه حتى يصدقه) (¬1) كذا في "الروضة" و"شرحي الرافعي" هنا (¬2)، ولم يعتبر "الحاوي" تبعًا للغزالي التصديق، بل عدم التكذيب حتى يلحقه إذا سكت، فقال: (إن لم ينكر) (¬3)، وبه أجاب الرافعي أيضًا في (الشهادات) (¬4)، لكن ذهب صاحب "الحاوي" في "شرح اللباب" إلى الأول، واستخرج ابن الرفعة من كلام العراقيين ما يقتضي أن في ذلك وجهين، وتناولت عبارتهم ما إذا كان عبد الغير أو معتقه، وهو الأصح في (باب اللقيط)، لكن في "الروضة" وأصلها هنا: وجهان بلا ترجيح (¬5). 2531 - قول "المنهاج" [ص 285]: (فإن كان بالغًا فكذبه .. لم يثبت إلا ببينةٍ) أي: عاقلًا، وأهمله؛ لوضوحه، وكان ينبغي أن يضم إلى التكذيب: السكوت، أو يقتصر على مسألة السكوت، فتفهم مسألة التكذيب من طريق الأولى، بخلاف العكس. وأطلق "التنبيه" و"المنهاج" صحة استلحاق الصغير (¬6)، وهو مفهوم من كلام "الحاوي" (¬7)، وأهملوا له شرطًا، وهو: ألَّا يكون عبد الغير ولا معتقه. وبقي لصحة الاستلحاق مطلقًا شرط لم يتعرض له الثلاثة، وهو: ألَّا يكون الولد منفيًا باللعان عن فراش نكاح صحيح، فإن كان كذلك .. لم يصح لأحد غير النافي أن يستلحقه، ولو كان عن نكاح فاسد أو وطء شبهة .. لحق باستلحاق غير النافي، كذا في "الروضة" وأصلها في أواخر (اللعان) عن "التتمة" من غير مخالفة (¬8). 2532 - قول "التنبيه" فيما إذا أقر بنسب كبير [ص 278]: (وإن كان ميتًا .. لم يثبت نسبه) الأصح: ثبوته كما في "المنهاج" و"الحاوي" (¬9)، وقول "المنهاج" [ص 285]: (ويرثه) أي: يرث الميت المستلحق صغيرًا كان وكبيرًا، وليست هذه في "المحرر". 2533 - قول "التنبيه" [ص 278]: (وإن أقر من عليه ولاء بنسب ابن .. فقد قيل: يقبل، ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 278)، و"المنهاج" (ص 285). (¬2) فتح العزيز (5/ 353)، الروضة (4/ 414). (¬3) الحاوي (ص 345). (¬4) انظر "فتح العزيز" (13/ 70). (¬5) الروضة (4/ 415). (¬6) التنبيه (ص 278)، المنهاج (ص 285). (¬7) الحاوي (ص 345). (¬8) الروضة (8/ 364). (¬9) الحاوي (ص 345)، المنهاج (ص 285).

وقيل: لا يقبل) الأصح: القبول، وهو ظاهر إطلاق "المنهاج" و"الحاوي" (¬1). 2534 - قول "المنهاج" [ص 285]: (ولو استلحق اثنان بالغًا .. ثبت لمن صدَّقه) ليس فيه بيان الحكم إذا لم يصدق واحدًا منهما، وهو العرض على القافة. 2535 - قول "التنبيه" [ص 278]: (وإِن كان لرجل أمة، فأقر بولد منها, ولم يبين بأي سبب وطئها .. صارت الأمة أم ولد له، وقيل: لا تصير) الأظهر: الثاني كما في "المنهاج" (¬2)، وعبر عنه في "المحرر" بـ (الأقيس) (¬3)، وفي "الشرح الصغير" بـ (الأقوى)، وفي "الروضة" وأصلها بـ (الأقرب إلى القياس والأشبه بقاعدة الإقرار، وهي: البناء على اليقين؛ لاحتمال أنه أولدها بنكاح ثم ملكها) (¬4)، ويوافقه قول "الحاوي" في بعض فروع المسألة [ص 345]: (بالعلوق في ملكه)، ومقابله هو المنصوص، وصححه الشيخ أبو حامد وجماعة، قال الرافعي: ولقوة الخلاف أعرض الأكثرون عن الترجيح (¬5)، وعبارة "المنهاج" [ص 285]: (ولو قال لولد أمته: "هذا ولدي")، ولا بد في تتميم التصوير من أن يقول: (منها) كما في "التنبيه"، وكذا قال في "الروضة": (من هذه الجارية) (¬6). 2536 - قول "المنهاج" [ص 285]: (وكذا لو قال: "ولدي ولدته في ملكي") أي: يثبت النسب، وفي الاستيلاد القولان، وقيل: يثبت قطعًا، ولم يذكر هذه المسألة في "الروضة" مع كونها في أصلها. 2537 - قوله: (فإن قال: "علقت به في ملكي" .. ثبت الاستيلاد) (¬7)، قال الرافعي: وانقطع الاحتمال (¬8)، قال شيخنا الإسنوي: وهو ممنوع؛ لجواز أن يكون رهنها ثم أولدها وهو معسر، فبيعت في الدين ثم اشتراها، وقلنا: لا يثبت حكم الاستيلاد. 2538 - قول "الحاوي" فيما إذا أقر بالنسب لأحد ولدي أمتيه، وبالعلوق في ملكه [ص 345]: (إنه يثبت الاستيلاد لأم من عيّن المقر نسبه من الولدين، أو وارثه، ثم القائف، ثم يقرع لمجرد العتق) أي: لا لنسب الولد وارثه. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 345)، المنهاج (ص 285). (¬2) المنهاج (ص 285). (¬3) المحرر (ص 206). (¬4) فتح العزيز (5/ 355)، الروضة (4/ 416). (¬5) انظر "فتح العزيز" (5/ 355). (¬6) الروضة (4/ 416). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 285). (¬8) انظر "فتح العزيز" (5/ 355).

لو عبر بالحرية .. لكان أحسن؛ لأن الولد الذي خرجت له القرعة يكون حرًا أصليًا. 2539 - قوله: (ولأحد أولاد أمةٍ عتق المعين، ومن هو أصغر منه) (¬1) يستثنى منه: ما إذا ادعى استبراء بعد المعين .. فإن الأصغر منه لا يعتق، بل يرق في حياة السيد، ويعتق بعتق الأم بعد موت السيد إن ثبت لها الاستيلاد، فإن لم يثبت .. رق أيضًا. 2540 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (وأما إذا ألحق النسب بغيره؛ كـ"هذا أخي" أو "عمي" .. فيثبت نسبه من الملحق به بالشروط السابقة، وبشرط كون الملحق به ميتًا) (¬2) فيه أمران: أحدهما: أنه يشترط في الملحق به: أن يكون رجلًا، فإن كان امرأة .. فلا؛ لأن اعترافها لا يفيد في الأصح، فوارثها أولى، كذا جزم به ابن الرفعة في "المطلب"، وحكاه عن ابن اللبان، قال في "المهمات": وهو واضح. قلت: وابن اللبان قال: إنه أظهر قولي الشافعي، وقال شيخنا الإِمام البلقيني: الظاهر: أنه عني القول الصائر إلى امتناع قبول إقرارها بالولد، قال شيخنا: وقد صرح الماوردي بأنه يستلحق الأخ للأم (¬3)، ثم وجه شيخنا صحة إلحاق الوارث بها مع عدم صحة استلحاقها: بأن الإلحاق بها مبني على الوراثة، فإذا ألحقه جميع ورثتها بها .. صح، وإلحاقها بنفسها ليس مبناه على الوراثة، بل على مجرد الدعوة، والشافعي لا يثبت لها دعوة؛ إما لأن الإطلاع على الولادة ممكن، وإما لأنه يؤدي إلى الإلحاق بصاحب الفراش، وهذا لا يأتي في إلحاق ورثتها بها انتهى. وعبارة "الروضة" وأصلها: كقوله: (هذا أخي ابن أبي وابن أمي) (¬4)، وفيه إشارة إلى الإلحاق بالأم وإن كان كلامه إنما هو في الشقيق، والله أعلم. ثانيهما: في معنى كون الملحق به ميتًا: ما إذا كان حيًا وصدق، كذا أورد، لكن الثبوت في الحقيقة بالمصدق لا بالمقر، فلو كان بينهما وسائط .. ففي "المهذب": أنه لا بد من تصديقهم (¬5)، وهو مقتضى كلام الماوردي (¬6)، وفي "البيان" فيما إذا أقر بعمٍّ: الذي يقتضيه المذهب: الاكتفاء بالجد؛ فإنه الأصل الذي يثبت النسب به، ولو اعترف به وكذبه ابنه .. لم يؤثر تكذيبه (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 345). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 278)، و"الحاوي" (346)، و"المنهاج" (ص 285، 286). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 97). (¬4) فتح العزيز (5/ 360)، الروضة (4/ 420). (¬5) المهذب (2/ 352). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 100). (¬7) البيان (13/ 484، 485).

ويختص "المنهاج" بأن تعبيره بإلحاق النسب بغيره يتناول الأجنبي، ولا عبرة بإلحاقه قطعًا، فالمراد: ما إذا كان يتعدى النسب منه إليه بواسطة؛ ويدل لذلك تمثيله بقوله: (هذا أخي) أو (عمي)، ولا يرد ذلك على "التنبيه" و"الحاوي" لفرضهما الكلام في إقرار الوارث. 2541 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وبشرط كون المقر وارثًا حائزًا) (¬1) قد يتناول الإِمام فيمن إرثه لبيت المال، وفي الرافعي عن العراقيين: أن حكمه في ذلك كحكم الوارث (¬2)، وصححه في "أصل الروضة" (¬3). واعترضه في "المهمات": بأن الماوردي من أكابر العراقيين، وقد خالف فيه، وقال: إنه غير صحيح؛ لأن الإِمام لا يملك حق بيت المال (¬4)، ثم قيد في "المهمات" كلام العراقيين بما إذا كان الميت مسلمًا، فإن كان كافرًا .. لم يمكن ذلك فيه؛ لأن ماله لم ينتقل لبيت المال إرثًا، بل مصلحة، فالإمام ليس وارثًا ولا نائبًا عنه. 2542 - قول "المنهاج" [ص 286]: (والأصح: أن المستلحق لا يرث، ولا يشارك المقر في حصته) كذا في نسخة المصنف، قال السبكي: وهذا الإطلاق باطل قطعًا؛ فإن الوارث الحائز إذا أقر بمن لا يحجبه؛ كالابن يقر بابن آخر .. فإنه يرث معه قطعًا، وعبارة "المحرر" قريبة من الصواب، فقال: (وأن يصدر الإقرار من الوارث الحائز، فلا يثبت النسب بإقرار الأجانب ولا بإقرار الابن الكافر والرقيق، ولا بإقرار أحد الابنين، والأصح: أنه لا يرث المستلحق) (¬5) هذا لفظه؛ أي: لا يرث في الصورة الأخيرة، وهي إلحاق أحد الابنين، وفيه إيهام، لكن معه ما يرشد إلى تأويله، ولما حذف "المصنف" ما حذف .. بَعُدَ عن التأويل، وظاهره باطل قطعًا، فليحمل على ما في "المحرر"، وهو إذا كان المقر وارثًا غير حائز. قلت: ويدل لذلك قوله: (في حصته) فهو قرينة ظاهرة على أن صورة المسألة: إقرار بعض الورثة؛ إذ لو كان المقر حائزًا .. لم تكن له حصة، بل جميع الإرث له. وقال الشيخ برهان الدين بن الفركاح: كلام "المنهاج" يقتضي أنه مع كون المقر حائزًا أن المستلحق لا يرث، وهذا لا يعرف، بل هو خلاف النقل والعقل، والظاهر: أنه سقط هنا شيء إما من أصل التصنيف أو من النساخ، وصوابه: أن يقول: (وإن لم يكن حائزًا .. فالأصحِ ... إلى آخره) فإن الخلاف إنما هو في إقرار غير الحائز، وكلام "المحرر" على الصواب، وذكَرَهُ، ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 278)، و"الحاوي" (ص 346)، و"المنهاج" (ص 286). (¬2) انظر "فتح العزيز" (5/ 361). (¬3) الروضة (4/ 421). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 98). (¬5) المحرر (ص 207).

قال: ووجدت نسخة على الصواب فيها (¬1) بعد قوله: (حائزًا): (فلو أقر أحد الابنين دون الآخر .. فالأصح ... إلى آخره) ثم وجدت أخرى أجود من تلك (¬2)، لعمومها، وهي: (وإن لم يكن حائزًا .. فالأصح ... إلى آخره). انتهى (¬3). وعبارة "الروضة" في هذه الصورة: الصحيح المنصوص (¬4)، وهو مخالف لتعبير "المنهاج" بالأصح، ثم إن هذا الحكم إنما هو في الظاهر، أما في الباطن .. فالأصح في "أصل الروضة": أن على المقر إعطاءه إذا كان عند نفسه صادقًا (¬5)، وحكى في "الشرحين" تصحيحه عن ابن الصباغ، ومشى عليه "الحاوي" فقال [ص 346]: (وإن أنكر بعضٌ .. أخذ باطنًا من نصيب المقر بحصته) ولم يبين قدر الحصة، والأصح فيما إذا كانا ابنين فألحق أحدهما ثالثًا: أنه يعطيه ثلث ما بيده. 2543 - قول "المنهاج" [ص 286]: (وأن البالغ من الورثة لا ينفرد بالإقرار) أي: الأصح، وفي "الروضة": الصحيح، وعلى هذا ينتظر بلوغ الصبي، فإن مات صبيًا، ولم يخلّف سوى المقر .. ثبت حينئذ، وإن خلّف غيره .. اعتبرت موافقته، والمجنون كالصبي (¬6). 2544 - قوله: (وأنه لو أقر ابن حائزٌ بأُخُوَّةِ مجهولٍ فأنكر المجهول نسب المقر .. لم يؤثر فيه ويثبت أيضًا نسب المجهول) (¬7) يتعلق التصحيح بالمسألتين معًا، وعبر في "الروضة" في الأولى بالصحيح (¬8). 2545 - قول "التنبيه" [ص 278]: (وإن أقر الورثة بنسب؛ فإن كان المقر به يحجبهم .. ثبت النسب دون الإرث، وقيل: يثبت الإرث ولبس بشيء) يقتضي ضعف الخلاف، ويوافقه أن القاضي أبا الطيب نقل الإجماع على خلافه، وينافيه تعبير "المنهاج" عنه بالأصح (¬9)، فإنه يقتضي قوة الخلاف، وقد قال بالإرث ابن سريج، واختاره صاحب "التقريب" وابن الصباغ وجماعة، ثم إن "التنبيه" إنما حكى الخلاف في الإرث خاصة دون النسب، و"المنهاج" حكى الخلاف فيهما ¬

_ (¬1) أي: في نسخة أخرى لـ"المنهاج"، وهي نسخة شهاب الدين السلماني أحد المرتبين في المدرسة البادرانية. (¬2) أي: نسخة أخرى لـ"المنهاج"، وهي نسخة شمس الدين الصماني. (¬3) انظر "بيان غرض المحتاج إلى كتاب المنهاج" (ق 12). (¬4) الروضة (4/ 423). (¬5) الروضة (4/ 423). (¬6) الروضة (4/ 421، 422). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 286). (¬8) الروضة (4/ 422). (¬9) المنهاج (ص 286).

معًا، فقال عطفًا على ما عبر فيه بالأصح: (وأنه إذا كان الوارث الظاهر يحجبه المستلحق؛ كأخٍ أقر بابنٍ للميت .. ثبت النسب ولا إرث) (¬1). 2546 - قول "التنبيه" [ص 278]: (وإن أقر بعضهم وأنكر البعض - أي: بزوجية امرأة للموروث - .. فقد قيل: يثبت لها الإرث بحصته، وقيل: لا يثبت) الثاني هو الأصح، وهو داخل في إطلاق "المنهاج" و"الحاوي" أن من ألحقه غير الحائز لا يرث ولا يشارك المقر في حصته ظاهرًا (¬2). 2547 - قول "التنبيه" [ص 278]: (فإن أقر بعضهم بالدين وأنكر البعض .. ففيه قولان، أحدهما: يلزم المقر جميعه في حصته، والثاني: يلزمه بقسطه) الثاني هو الأصح. * * * ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 286). (¬2) الحاوي (ص 346)، المنهاج (ص 286).

كتاب العارية

كتابُ العارية 2548 - قول "التنبيه" [ص 112]: (من جاز تصرفه في ماله .. جازت إعارته) أخرج بقوله: (في ماله) العبد المأذون؛ فإنه متصرف في مال سيده، فلا تصح إعارته، لكن تناولت عبارته: المكاتب؛ فإنه متصرف في مال نفسه، ومع ذلك فلا تجوز إعارته؛ ولهذا اعتبر "المنهاج" و"الحاوي" في المعير كونه أهلًا للتبرع (¬1)، فخرج المكاتب. 2549 - قول "المنهاج" [ص 287]: (وملكه المنفعة) جعله من شرط المعير، وجعله "الحاوي" من شرط المستعار، فقال [ص 347]: (عينًا لمنفعةٍ مملوكةٍ)، وذلك مفهوم من منع "التنبيه" إعارة المستعار، وأورد في "المهمات" على اشتراط ملك المنفعة أمرين: أحدهما: أن له إعارة الأضحية والهدي المنذورين مع خروجهما عن ملكه؛ ولهذا منعوا الإجارة. ثاثيهما: إعارة الإِمام مال بيت المال من أرض وغيرها، قال: فإنه لا شك في جوازه وإن لم يحضرني الآن ناقله. وصرح الرافعي بجواز التمليك (¬2)، فالإعارة أولى، وتناولت عبارة "المنهاج" و"الحاوي" الموصى له بالمنفعة، وفي "الحاوي" التصريح به في نفيه الضمان عن المستعير من الموصى له بالمنفعة (¬3)، وقد أطلق الرافعي هنا أن له أن يعير (¬4)، وقال في (كتاب الوصية): استغرقت الوصية مدة بقاء العين، أو قُدرت بمدة معينة كشهر .. كان تمليكًا، وإن قال: وصيت لك بمنافعه حياتك، أو تسكن، أو يخدمك .. فإباحة، لا تمليك، وفي جواز إعاره هذا وجهان، لم يرجح منهما شيئًا (¬5). وأما الموقوف عليه: فله أن يعير إن كان الوقف مطلقًا، فإن قال: ليسكنها معلم الصبيان في القرية .. فلا، قاله القفال وغيره، وأفتى به شيخنا الإِمام البلقيني، وفهم من عبارتهما منع إعارة الأب ولده الصغير لمن يخدمه، وبه صرح صاحب "العدة"، وقال في "الروضة": ينبغي أن ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 347)، المنهاج (ص 287). (¬2) انظر "فتح العزيز" (5/ 370). (¬3) الحاوي (ص 348). (¬4) انظر "فتح العزيز" (5/ 370). (¬5) انظر "فتح العزيز" (7/ 110).

يحمل على خدمة ما يقابل بأجرة، فما كان محقرًا لا يقابل بأجرة، الظاهر الذي يقتضيه أفعال السلف: أنه لا منع منه إذا لم يضر بالصبي. انتهى (¬1). وقال الروياني في "البحر": يجوز أن يعير ولده الصغير ليخدم من يتعلم منه (¬2). 2550 - قولهم: (إن المستعير لا يجوز له أن يعير) (¬3) محله: عند عدم الإذن، فإن أذن له .. جاز، قال الماوردي: فإن لم يسم له من يعيره .. فالأول باق على عاريته، وهو المعير للثاني، والضمان باق عليه، وله الرجوع. انتهى (¬4). وعلى القول بالجواز: يكره أن يعيره، قاله أبو الحسن محمَّد عبد الملك الكرجي من أصحابنا. 2551 - قول "المنهاج" [ص 287]: (وله أن يستنيب من يستوفي المنفعة له) أعم من قول "الروضة": له أن يستوفي المنفعة لنفسه بوكيله (¬5)، لتناول عبارته إركاب زوجته وخادمه، وقد صرح بهما في "المطلب"، وقد لا تتناولهما عبارة "الروضة"، وفيه نظر. 2552 - قول "الحاوي" [ص 347]: (من أهل التبرع عليه) بيان لشرط المستعير، وسبقه إليه الغزالي (¬6)، قال الرافعي: وكأنه أراد التبرع بعقد، وإلا .. فالصبي والبهيمة لهما أهلية التبرع والإحسان إليهما, ولكن لا يوهب منهما ولا يعار (¬7)، قال في "المهمات": ومقتضاه: صحة استعارة السفيه؛ فإن الصحيح: صحة قبوله الهبة، وكيف تصح استعارته مع كونها سببًا مضمنًا؛ فلذلك جزم صاحب "الذخائر" بعدم صحتها، وذكر الماوردي في (الحجر) نحوه (¬8)، وذكر في "الكفاية" أن قول "التنبيه" [ص 112]: (من جاز تصرفه في ماله .. جازت إعارته) يؤخذ منه وصف المستعير، واستشكله النشائي (¬9). 2553 - قولهما - والعبارة لـ"التنبيه" -: (ويجوز إعارة كل ما ينتفع به مع بقاء عينه) (¬10) فيه أمور: ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 426)، وفي (ج): (وعلى ما قاله صاحب "الروضة" تصير المسائل المستثنيات ثلاثًا). (¬2) بحر المذهب (9/ 13). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 113)، و"الحاوي" (ص 347)، و"المنهاج" (ص 287). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 132). (¬5) الروضة (4/ 426). (¬6) انظر "الوسيط" (3/ 367)، و"الوجيز" (1/ 376). (¬7) انظر "فتح العزيز" (5/ 371). (¬8) انظر "الحاوي الكبير" (6/ 360). (¬9) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 106). (¬10) انظر "التنبيه" (ص 112)، و"المنهاج" (ص 287).

أحدها: أن المراد: المنفعة المباحة؛ لتخرج آلة الملاهي ونحوها؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 347]: (لمنفعةٍ مباحة). ثانيها: يستثنى من ذلك: إعارة النقدين، فالأصح: عدم جوازه، وقد أشار إليه "الحاوي" بقوله [ص 347]: (قويةٍ)، ثم صرح باستثنائها، فقال: (لا النقد)، وفهم الرافعي من كلامهم: أن الخلاف إذا أطلق (¬1)، أي: إن جوزنا الإطلاق في الإعارة، فإن صرح بالاستعارة للتزيين .. فينبغي أن يصح، وبه أجاب في "التتمة"، وكلام الرافعي في (باب الإجارة) يدل على طرده فيه (¬2)، وأجراهما الإِمام في الحنطة ونحوها (¬3)، والغزالي في الشجر للربط بها، والتجفيف عليها (¬4)، وفي "التتمة" في إعارة النقدين للتصرف: إن كان في بلد يستعملون هذه اللفظة في معنى القرض .. كان قرضًا، ويباح له التصرف، وعليه البدل، وإلا .. فلا يستفيد التصرف، وهل يكون أمانة أو مضمونًا؟ وجهان، فلو تصرف فيها .. فلا ضمان إن قلنا: أمانة، وإن قلنا: مضمون .. فكما لو استعار ثوبًا فأبلاه بالاستعمال، حكاه شيخنا الإِمام البلقيني واستغربه. وأجاب بعضهم عن "التنبيه" و"المنهاج": بأن عبارتهما تُدخِل النقد إذا صرح بإعارته للتزيين .. فيصح، ويخرجه إذا لم يصرح؛ لأن عينه لا يقال: إنها باقية مع الانتفاع به إلا في التزين. ثالثها: قد يفهم من ذكر الانتفاع أن المستفاد بالعارية المنفعة خاصة، فيخرج ما لو استعار لاستفادة عين، كما إذا قال: (أَبَحْتُ لك در هذه الشاة ونسلها، أو أعرتكها)، والأصح عند النووي وغيره: أنه إباحة صحيحة، والشاة عارية صحيحة، بخلاف قوله: (ملكتك درها) فإنها هبة فاسدة، والشاة مضمونة بعارية فاسدة (¬5)، ورجح في "المهمات": القطع بالصحة في مسألة الإباحة، وأن الخلاف فيما إذا أتى بلفظ العارية، وهذا ينكت به على كلام "الحاوي" أيضًا (¬6)، قال الرافعي: وعلى هذا قد تكون العارية لاستفادة عين بخلاف الإجارة (¬7). 2554 - قول "التنبيه" [ص 112]: (وتكره إعارة الجارية الشابة من غير ذي رحم محرم) فيه أمور: ¬

_ (¬1) "فتح العزيز" (5/ 371). (¬2) "فتح العزيز" (6/ 89). (¬3) "نهاية المطلب" (7/ 140). (¬4) انظر "الوجيز" (1/ 406)، و"الوسيط" (4/ 157). (¬5) انظر "الروضة" (4/ 428). (¬6) على قوله: (لا يكون استيفاؤها باستهلاكها). الحاوي (ص 347). (¬7) "فتح العزيز" (5/ 373).

أحدها: ظاهر إطلاقه الكراهة: أنها للتنزيه؛ ولذلك قال عقبه: (ويحرم إعارة العبد المسلم من الكافر) (¬1)، وهو الذي رجحه في "الكفاية"، ومقتضى كلام "المطلب": أن عليه الجمهور، لكن الأصح: التحريم، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، فلو فعل .. صح، قاله الغزالي (¬3)، وقال الرافعي: يشبه أن يقال: يفسد (¬4). ثانيها: تقييده ذلك بالشابة يقتضي جوازه في العجوز، وقد حكى الرافعي وجهين في الصغيرة التي لا تشتهى والقبيحة (¬5)، وصحح في "الروضة" جوازه (¬6)، ورجح في "الشرح الصغير" المنع، وهو مقتضى إطلاق "المنهاج" و"الحاوي" (¬7)، وقال في "المهمات": الصواب: التفرقة، فيجوز في الصغيرة بخلاف الكبيرة، قال في "المطلب": والحق: المنع في العجوز والشوهاء. ثالثها: كان ينبغي الاقتصار على المحرم من غير وصفه بكونه رحمًا، كما فعل "المنهاج" و"الحاوي" (¬8) فإن المحرم برضاع أو مصاهرة حكمه كذلك، وإن لم يكن رحمًا؛ أي: قرابة. رابعها: اقتصر "الحاوي" أيضًا على المحرم، وفي معناه: إعارتها للمرأة، وقد ذكره "المنهاج" (¬9)، وللزوج، وقد ذكره النووي في "تصحيحه" (¬10)، قال النشائي: ولم أره في غيره، وهو متعين (¬11). قلت: وذكره ابن الرفعة في "المطلب"، قال: وتكون مضمونة عليه ولو في الليل إلى أن يسلمها لمالكها؛ لأن يد الضمان تثبت فلا تزول إلا بذلك، وزاد في "المهمات": إعارتها لمالكها، ويتصور في المستأجر والموصى له بالمنفعة، وما إذا لم يجد المريض من يخدمه إلا امرأة فاستعارها لذلك .. صح؛ فإنها تخدمه للضرورة، وإعارة العبد للمرأة يقاس بعكسه وإن لم يصرحوا به، والصحيح: المنع في الخنثى معارًا أو مستعيرًا. ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 112). (¬2) الحاوي (ص 348)، المنهاج (ص 287). (¬3) انظر "الوسيط" (3/ 368، 369). (¬4) انظر "فتح العزيز" (5/ 372). (¬5) انظر "فتح العزيز" (5/ 372). (¬6) الروضة (4/ 427). (¬7) الحاوي (ص 348)، المنهاج (ص 287). (¬8) الحاوي (ص 348)، المنهاج (ص 287). (¬9) المنهاج (ص 287). (¬10) تصحيح التنبيه (1/ 347). (¬11) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 106).

2555 - قول "التنبيه" [ص 112]: (وتحرم إعارة العبد المسلم من الكافر) الأصح: الكراهة، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، وحمل في "المطلب" التحريم على الإعارة للخدمة، والكراهة على غيرها، قال: والتحريم يتعلق بالمعير المسلم، وكذا بالكافر إن كلفناه بالفروع. 2556 - قول "التنبيه" [ص 112]: (ويكره أن يستعير أحد أبويه للخدمة) الأجداد والجدات كذلك، كما صرح به البندنيجي؛ ولعل ذلك داخل في قول "الحاوي" [ص 348]: (وتكره من الولد للخدمة)، قال في "المهمات": وصورة المسألة: أن يقصد بها الاستخدام، فإن أوقع الإعارة على الخدمة وقصد توفيره .. فهي مستحبة، كما قاله أبو الطيب وغيره، وهو واضح. 2557 - قول "الحاوي" [ص 348]: (كَرَهْنِ الحسناء من فاسق) أي: يكره، لكن يستثنى منه: ما إذا شرط أن تكون عند عدل أو امرأة. 2558 - قول "المنهاج" [ص 287]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 348]: (والأصح: اشتراط لفظ؛ كـ"أعرتك" أو "أعرني"، ويكفي لفظ أحدهما مع فعل الآخر) فيه أمران: أحدهما: أنه يستثنى من اشتراط اللفظ: ما إذا اشترى شيئًا وسلمه له في ظرف .. فالظرف معار في الأصح، وما إذا أكل المهدي إليه الهدية في ظرفها .. فيجوز، وهو معار، قاله أبو عاصم العبادي والبغوي، وقال النووي: محله: ما إذا كانت الهدية لا لمقابل، فإن كانت عوضًا .. فالمحكي عن أبي عاصم: أن الظرف أمانة (¬2)، قال في "المهمات": ويؤخذ من كلام الرافعي أن الضمان يتوقف على الاستعمال، فأما قبله: فإنه أمانة، وإن كانت بغير مقابل، وصرح به الرافعي في (الهبة) (¬3). ثانيهما: أن الغزالي عين كون اللفظ من المعير، والفعل من المستعير (¬4)، قال في "المهمات": وفي "الروضة" في الباب الثاني ما يوافقه (¬5)، وهو قياس الوديعة يشترط فيها اللفظ من جهة المودع، والفعل من الآخر، وتتجه التسوية بين البابين. قلت: الذي في "الروضة" هناك عن البغوي: لو قال صاحب المتاع لصاحب الدابة: احمل متاعي على دابتك، فأجابه .. فصاحب المتاع مستعير، ولو قال صاحب الدابة: أعطني متاعك لأضعه على الدابة .. فهو مستوح متاعه، ولا تدخل الدابة في ضمان صاحب المتاع (¬6)، وهذا ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 348)، المنهاج (ص 287). (¬2) انظر "الروضة" (4/ 430). (¬3) انظر "فتح العزيز" (5/ 374). (¬4) انظر "الوجيز" (1/ 376). (¬5) قال في "الروضة" (4/ 429): (واختلفوا في الواجب من اللفظ، فالأصح الأشهر ما قطع به البغوي وغيره: أن المعتبر اللفظ من أحد الطرفين والفعل من الآخر). (¬6) الروضة (4/ 434)، وانظر "التهذيب" (4/ 287).

عكس مقالة الغزالي؛ فإنه اعتبر في العارية اللفظ من المستعير دون المعير. نعم؛ هو مخالف للمذكور هنا من اعتبار اللفظ من أحدهما مطلقًا. قال شيخنا الإِمام البلقيني: ولعل سبب المخالفة أنه لم يوجد من جهة صاحب المتاع إذن بوضعه على دابة السائل؛ فإن السائل طلب منه إعطاء المتاع للوضع. قلت: مناولته له بعد استئذانه إذن في المعنى، والله أعلم. 2559 - قول "المنهاج" [ص 287]: (ولو قال: "أعرتك لتعلفه" أو "لتعيرني فرسك" .. فهو إجارةٌ فاسدةٌ توجب أجرة المثل) اقتصر "الحاوي" على الصورة الثانية، ولم يقل: توجب أجرة المثل (¬1)، وفي كلام "المنهاج" أمور: أحدها: أنه يقتضي أن نفقة العارية ليست على المستعير، وإلا .. لم يكن شرطه مفسدًا، وهو الذي في "البيان" عن الصيمري (¬2)، لكن في "تعليق القاضي حسين" خلافه، فلا يكون حينئذ اشتراطه عليه مفسدًا؛ لأن العقد يقتضيه. وأجاب السبكي: بأن مراد الأول: علف لا يلزم المستعير، وهو الزائد على المعتاد، أو في وقت ليس المستعار فيه عنده؛ كالليل مثلًا. ثانيها: وجوب أجرة المثل محله: بعد القبض لا بمجرد العقد. ثالثها: صورة المسألة: أن يكون العلف مجهولًا، فلو قال: (أعرتكها شهرًا لتعلفها فيه كل يوم بدرهم) .. فهل هو إجارة صحيحة نظرًا إلى المعنى، أو عارية فاسدة نظرًا إلى اللفظ؟ وجهان بلا ترجيح في "الروضة" وأصلها (¬3)، ومقتضى تصحيحه مع الجهالة أنها إجارة فاسدة: تصحيح أنها إجارة صحيحة في هذه الصورة، والله أعلم. 2560 - قولهم: (ومؤنة الرد على المستعير) (¬4) يستثنى منه: ما إذا استعار من المستأجر أو من الموصى له بالمنفعة، ورد على المالك .. فمؤنة الرد على المالك، بخلاف ما إذا رد على المستأجر، كما في "االروضة" وأصلها (¬5). 2561 - قول "التنبيه" [ص 113]: (فإن تلفت العارية .. وجبت عليه قيمتها يوم التلف) فيه أمور: أحدها: أن محله: ما إذا تلفت بغير الاستعمال، فإن تلفت بالاستعمال المأذون فيه .. فلا ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 348). (¬2) البيان (6/ 518). (¬3) فتح العزيز (5/ 375)، الروضة (4/ 445). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 113)، و"الحاوي" (ص 348)، و"المنهاج" (ص 287). (¬5) فتح العزيز (5/ 375)، الروضة (4/ 431).

ضمان، ذكره "الحاوي" (¬1) و"المنهاج" وعبارته: (والأصح: أنه لا يضمن ما يمَّحق أو ينسحق باستعمال، والثالث: يضمن المُمَّحق) (¬2) وفيه شيئان: أحدهما: أنه لم يصرح في "المحرر" بالوجه الثالث، فهو من زيادة "المنهاج" من غير تمييز. ثانيهما: عبر في "الروضة" في الانسحاق بالصحيح (¬3)، وهو يقتضي ضعف مقابله، ويستثنى من قولنا: (إن التلف بالاستعمال غير مضمون): الهدي والأضحية المنذوران يجوز إعارتهما، قال في "الروضة" وأصلها في (الأضحية): وإن نقصا بذلك .. ضمن، فإن أراد المستعير .. فهو صريح فيما قلناه من استثنائه مما تلف بالاستعمال، وإن أراد المعير .. لزم منه ضمان المستعير أيضًا، لانبناء يده على يد ضامنه، وعلى الثاني: فيمتحن بمعير إعارة جائزة، وهو ضامن (¬4). الأمر الثاني: يستثنى من ذلك: ما إذا استعار من المستأجر .. فلا ضمان عليه في الأصح، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬5)، أو من الموصى له بالمنفعة، وقد ذكره "الحاوي" (¬6)، أو من الموقوف عليه، كما ذكره المتأخرون. قال شيخنا الإِمام البلقيني: والضابط لذلك: أن تكون المنفعة مستحقةً لشخصٍ استحقاقًا لازمًا, وليست الرقبة له، فإذا أعار .. لا يضمن المستعير منه، وعلى هذا: فلو أصدق زوجته منفعة، أو صالح على منفعة، أو جعل رأس السلم منفعة، ففي هذه المسائل وأنظارها إذا أعار مستحق المنفعة شخصًا، فتلفت تحت يده .. لا ضمان عليه في الأصح، قال: وليس استعارة كتب الوقف من قبيل الاستعارة من الموقوف عليه؛ لأن المستعير من جملة الموقوف عليهم، قال: ويتردد بينهما إعارة الإِمام الآلات التي اشتراها من سهم سبيل الله؛ فإنه إذا دفعها لشخص عارية .. لا يضمن؛ إما لأنه من جملة المستحقين، وهو الظاهر، أو لشبهه بمن انبنت يده على يد من ليس بضامن. انتهى. واستثنى شيخنا المذكور من الضمان أيضًا: جلد الأضحية، فإعارته جائزة، قال: ولو تلف في يد المستعير .. لم يضمن؛ لانبناء يده على يد من ليس بمالك مع أنه يستحق أن ينتفع استحقاقًا لازمًا، ولا يضمن لو تلف تحت يده، فلا يضمن لو تلف تحت يد المستعير منه، قال: وفيه نظر. انتهى. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 348). (¬2) المنهاج (ص 287). (¬3) الروضة (4/ 432). (¬4) فتح العزيز (12/ 114)، الروضة (3/ 226). (¬5) الحاوي (ص 348)، المنهاج (ص 287). (¬6) الحاوي (ص 348).

ويستثنى من الضمان أيضًا: ما إذا كان المستعير محجورًا عليه بسفه .. فلا ضمان عليه، كما قاله الهروي في "أدب القضاء"، قال شيخنا الإِمام البلقيني: وفي كلام الأصحاب في (باب الوديعة) ما يقتضي ذلك. انتهى. واعلم أن قولنا: (إن المستعير من المستأجر لا ضمان عليه) محله: في الإجارة الصحيحة, فإذا استأجر شيئًا إجارة فاسدة، فأعاره، فتلف .. ضمنه المستأجر، كما ذكره البغوي في "فتاويه" وعلله: بأنه فعل ما ليس له، قال: والقرار على المستعير. الأمر الثالث: ظاهر إطلاق "التنبيه" و"الحاوي" و"المنهاج" في آخر الباب في أثناء مسألة و"الروضة" وأصلها: ضمان العارية بالقيمة سواء أكانت مثلية؛ كالخشب والحجر، أو متقومة، وهو الأصح في "الحاوي" و"البحر" و"التهذيب" وغيرها؛ فإنهم بنوا المثلي على الخلاف في المتقوم، فإن اعتبرنا أقصى القيم .. أوجبنا المثل، أو قيمة يوم التلف - وهو الأصح - .. فالقيمة (¬1)، وخالف ابن أبي عصرون، فضمن المثل بالمثل على القياس. 2562 - قول "التنبيه" [ص 113]: (وإن تلف ولدها .. ضمن، وقيل: لا يضمن) فيه أمران: أحدهما: أن الأصح: عدم الضمان، كذا في "الروضة" وأصلها أن ضمانه مبني على تضمين العارية بأقصى القيم، وعدم ضمانه مبني على تضمينها بقيمة يوم التلف أو القبض (¬2)، فيقال: كيف صحح "التنبيه" الضمان مع تصحيحه اعتبار قيمة يوم التلف؟ وأورد النشائي على تصحيح النووي: أنه كان ينبغي له التعبير فيه بالصواب على طريقته؛ فإن من اعتبر يوم التلف نافٍ لضمان الولد (¬3). قلت: لم يجزم "التنبيه" باعتبار يوم التلف، بل رجحه، ثم حكى وجهًا باعتبار أقصى القيم، فصار الترجيح في إحدى الصورتين مخالفًا للترجيح في الأخرى، كما قدمته، والله أعلم. ثم ظاهر كلام "التصحيح" و"الروضة" وأصلها: ترجيح عدم الضمان مطلقًا (¬4)، وليس كذلك، بل حكمه على هذا الوجه كما لو طيرت الريح ثوبًا إلى داره وغير ذلك من الأمانات الشرعية، كما ذكره القاضي حسين والإمام وغيرهما (¬5)، ولم يذكر ابن الرفعة في كتابيه غيره، ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 113)، الحاوي (ص 348)، المنهاج (ص 289)، فتح العزيز (5/ 377)، الروضة (4/ 431)، الحاوي الكبير (7/ 121)، بحر المذهب (9/ 8)، التهذيب (4/ 281). (¬2) فتح العزيز (5/ 377)، الروضة (4/ 431). (¬3) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 107). (¬4) فتح العزيز (5/ 377)، تصحيح التنبيه (1/ 351)، الروضة (4/ 431). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (7/ 143)، و"الروضة" (4/ 431).

فيضمنه على الأظهر إذا تمكن من رده إلى مالكه، فلم يرده، فظهر أن مرادهم: نفي ضمان مخصوص، وهو ضمان العواري. ثانيهما: ظاهر كلامه أنه لا فرق بين الولد الموجود عند العارية والحادث بعدها، وكذا رجح في "الكفاية"، وحكى عن الجيلي تخصيص الخلاف بالحادث، وأنه جزم فيما إذا كان موجودًا، وسلم الأم، فتبعها الجحش .. بأنه لا ضمان، وهذا المحكي عن الجيلي هو الذي في الرافعي؛ فإنه فرض الخلاف في الحادث (¬1)، وزاد في "الروضة" التصريح بحكم الموجود، وحكى عن "فتاوى القاضي حسين": أنه أمانة (¬2). 2563 - قول "التنبيه" [ص 112]: (وإن قال: "ازرع الحنطة" .. زرع الحنطة وما ضرره ضرر الحنطة) محله كما في "المنهاج" و"الحاوي": ما إذا لم ينهه (¬3)، فإن نهاه عن زرع غيرها .. لم يكن له زرع غيرها، وتجويز المثل يقتضي تجويز الأدنى من باب الأولى، وهو أحسن من اقتصار "المحرر" على: (ما دونها) (¬4)، وصرح "الحاوي" بهما, ولم يخصه بالحنطة؛ فإنها مثال، فقال: (وينتفع المأذون ومثله ودونه ضررًا من نوعه ما لم يُنه) (¬5). 2564 - قول "المنهاج" [ص 288]: (ولو أطلق الزراعة .. صح في الأصح ويزرع ما شاء) وهو مفهوم من عبارة "التنبيه" و"الحاوي" (¬6). قال الرافعي: ولو قيل: يصح ولا يزرع إلا أقل الأنواع ضررًا .. لكان مذهبًا (¬7). قال شيخنا الإِمام البلقيني: وهو ممنوع؛ فإن المطلقات إنما تنزل على الأقل إذا كان بحيث لو صرح به .. لصح، وهذا لو صرح به .. لم يصح؛ لأنه لا يوقف على حد أقل الأنواع ضررًا، فيؤدي إلى النزاع، والعقود تصان عن ذلك. واعلم: أن صورة المسألة: أن يقول: لتزرعها، أو للزراعة، أو نحو ذلك، فلو قال: (لتزرع ما شئت) .. فهو عام لا مطلق، فيصح ويزرع ما شاء، كما جزم به القاضي والإمام وغيرهما (¬8). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (5/ 377). (¬2) الروضة (4/ 431). (¬3) الحاوي (ص 348)، المنهاج (ص 288). (¬4) المحرر (ص 209). (¬5) الحاوي (ص 348). (¬6) التنبيه (ص 112)، الحاوي (ص 348). (¬7) انظر "فتح العزيز" (5/ 381). (¬8) انظر "نهاية المطلب" (7/ 157).

فصل [جواز العارية وما للمعير وما عليه بعد الرد]

2565 - قولهم: (وإن استعار للغراس) (¬1) قال النووي في "التحرير": لو عبر بالغرس .. لكان أحسن وأخصر (¬2). 2566 - قول "المنهاج" عطفًا على ما عبر فيه بالصحيح [ص 288]: (وأنه لا تصح إعارة الأرض مُطْلَقَةً، بل يُشترط تعيين نوع المنفعة) يقتضي ضعف الخلاف، وليس كذلك؛ فإن الرافعي في "شرحيه" لم يرجح شيئًا (¬3)، وعبارة "الروضة": أصحهما عند الإِمام والغزالي ... ثم نقل من زيادته تصحيحه عن "المحرر" (¬4)، وصححه في "أصل الروضة" في باب الإجارة (¬5)، ومشى عليه "الحاوي" بقوله [ص 347]: (معلومة الجنس؛ كالزراعة) وصحح آخرون الصحة، واختاره السبكي، وعلى هذا: فله أن ينتفع كيف شاء، وقال الروياني: ينتفع بما هو العادة فيه، قال الرافعي: وهو أحسن، ثم قال: الوجه: القطع بأن إطلاق الإعارة لا يسلط على دفن الموتى؛ لما فيه من ضرر اللزوم. انتهى (¬6). واعلم: أن ذكر الأرض مثال، فيجري الوجهان في كل ما ينتفع به بجهتين فصاعدًا؛ كالدابة تصلح للركوب وللحمل، أما ما لا ينتفع به إلا بجهة واحدة؛ كالبساط المتعين للفرش .. فلا يحتاج إلى بيان، وقد يفهم من عبارة "المنهاج" عدم الصحة فيما لو قال: (انتفع ما شئت)، وفي "الروضة" وأصلها وجهان في ذلك بلا ترجيح (¬7)، لكنهما صححا في نظيرها من الإجارة الصحة (¬8)، فالعارية أولى؛ ولذلك مشى "الحاوي" على الصحة (¬9). فصل [جواز العارية وما للمعير وما عليه بعد الرد] 2567 - قول "المنهاج" [ص 288]: (لكل منهما رد العارية متى شاء إلا إذا أعار لدفنٍ .. فلا يرجع حتى يندرس أثر المدفون) فيه أمور: ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 112)، و"الحاوي" (ص 349)، و"المنهاج" (ص 288). (¬2) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 209). (¬3) فتح العزيز (5/ 381). (¬4) الروضة (4/ 436)، وانظر المحرر (ص 209). (¬5) فتح العزيز (6/ 114)، الروضة (5/ 198). (¬6) انظر "فتح العزيز" (5/ 382، 383). (¬7) فتح العزيز (5/ 382)، الروضة (4/ 436). (¬8) فتح العزيز (6/ 115)، الروضة (5/ 199، 200). (¬9) الحاوي (ص 347).

أحدها: أورد عليه: أنه لا بد أن يقول: (ودفن)، وعبارة "المحرر" تشعر به؛ حيث عبر بالنبش (¬1). قلت: وكذا يشعر به قول "المنهاج": (حتى يندرس أثر المدفون)، وعبارة "الحاوي" في ذلك مثل عبارة "المنهاج" (¬2)، ومثلهما قول "التنبيه" [ص 113]: (حتى يُبلى الميت) فإن وضع، ولم يوار .. فالمرجح في "الشرح الصغير": عدم الرجوع، والذي في "الروضة": له الرجوع ما لم يوضع فيه الميت (¬3)، قال المتولي: وكذا بعد الوضع ما لم يواره التراب، وإذا رجع قبل الدفن .. لا يلزم المستعير الطمُّ، ويغرم المعير لولي الميت مؤنة الحفر؛ لأنه الذي ورطه فيه، قاله المتولي، ووهم الرافعي، فنقل عن المتولي: أن مؤنة الحفر على ولي الميت (¬4)، وتبعه في "المطلب"، واستدركه النووي (¬5). ثانيهما: منع القاضي حسين الرجوع بعد الاندراس أيضًا، وهذان الأمران ينكت بهما على عبارة "التنبيه" و"الحاوي" أيضًا. ثالثها: يرد على حصره مسائل: أحدها: إذا إعاره جدارًا لوضع الجذوع، فوضعها .. فليس له الرجوع على وجه، جزم به "التنبيه"، واستثنى هذه الصورة مع التي قبلها، فقال بعد ذكرهما: (وفيما سواه يرجع إذا شاء) (¬6)، لكن الأصح: جواز الرجوع، وفائدته: التخيير بين التبقية بأجرة، والقلع مع ضمان أرش النقص، وصرح به "الحاوي" هنا (¬7)، وذكره "المنهاج" في (الصلح)، لكن في الجدار المشترك، فقال: (فلو رضي بلا عوض .. فهو إعارة له الرجوع قبل البناء عليه، وكذا بعده في الأصح) (¬8)، ونظير ذلك: الإعارة للرهن لا يُرجع فيها على وجه. الثانية: إذا كفنه أجنبي، وقلنا: إنه باق على ملك الأجنبي، كما صححه النووي (¬9) .. فهو عارية لازمة، قاله الغزالي (¬10)، وفي الرافعي في (السرقة): أنه كالعارية (¬11). ¬

_ (¬1) المحرر (ص 209). (¬2) الحاوي (ص 349). (¬3) الروضة (4/ 436). (¬4) انظر "فتح العزيز" (5/ 382). (¬5) انظر "الروضة" (4/ 436). (¬6) التنبيه (ص 113). (¬7) الحاوي (ص 349). (¬8) المنهاج (ص 262). (¬9) انظر "الروضة" (10/ 131). (¬10) انظر "الوجيز" (2/ 173). (¬11) فتح العزيز (11/ 207).

الثالثة: الدار المستعارة لسكنى المعتدة لازمة من جهة المستعير فقط، كما ذكروه في العدد. الرابعة: قال: (أعيروا داري بعد موتي لزيد شهرًا) .. لم يكن للمالك - وهو الوارث - الرجوع، ذكره الرافعي في (التدبير) (¬1). الخامسة: لو أراد الصلاة المفروضة، فأعاره ثوبًا ليستر به عورته أو ليفرشه في مكان نجس, ففعل، وأحرم، وكان الرجوع مؤديًا إلى بطلان الصلاة .. قال في "المهمات": يتجه منعه منه، ويحتمل الجواز، وتكون فائدته: طلب الأجرة. السادسة: لو أعاره سفينة، فطرح فيها مالًا .. لم يكن له الرجوع، قاله في "البحر" (¬2)، وهذه الصور الخمسة واردة على "التنبيه" و"الحاوي" أيضًا (¬3). 2568 - قول "المنهاج" [ص 288] فيما إذا أعار للبناء أو الغراس ثم رجع: (إن كان شرط القلع مجانًا .. لزم) تقييد القلع بكونه مجانًا هو كذلك في كتب الرافعي والنووي (¬4)، والصواب - كما قال في "المهمات" -: حذفه، كما في "المهذب" وغيره (¬5)، وكذا لم يذكره "التنبيه" و"الحاوي" فإن مقتضاه: أنه لا يؤمر بالقلع مجانًا إلا عند التنصيص عليه، ولم يعتبر الشافعي ذلك، وعبارته في "المختصر" و"الأم": ولكن لو قال - أي: المعير -: (فإذا انقضى الوقت .. كان عليك أن تنقض بناءك) .. كان ذلك عليه؛ لأنه لم يغره، إنما غر نفسه. انتهى (¬6). وحذفه الرافعي في نظيره من الإجارة (¬7)، وذكر السبكي أن حذفه هو المعتمد. 2569 - قول "التنبيه" [ص 112]: (فإن لم يشترط، فاختار المستعير القلع، فقلع .. لم يكلف تسوية الأرض، وقيل: يكلف ذلك) رجح الأول الرافعي في "المحرر" (¬8)، فاستدرك عليه النووي في "المنهاج" وقال [ص 288]: (الأصح: يلزمه)، وكذا صححه في "الروضة" تبعًا "للشرحين" (¬9)، ومشى عليه "الحاوي" (¬10)، وكان ينبغي التعبير عنه في "المنهاج" بالصحيح؛ ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 411). (¬2) بحر المذهب (9/ 10). (¬3) في حاشية (ج): (بقي من الصور: ما إذا نذر المعير ألَّا يرجع، أو نذر أن يرجع، قاله المتولي عجالة). (¬4) انظر "فتح العزيز" (5/ 385)، و"الروضة" (4/ 437). (¬5) المهذب (1/ 364). (¬6) المختصر (ص 116)، الأم (7/ 138). (¬7) انظر "فتح العزيز" (6/ 133). (¬8) المحرر (ص 209). (¬9) فتح العزيز (5/ 385)، الروضة (4/ 438). (¬10) الحاوي (ص 349).

فإنه في "الروضة" حكاه عن الجمهور، وقال: ولا يغتر بتصحيح "المحرر" فإنه ضعيف (¬1). وأيده في "المهمات": بأن الإِمام ادعى في الإجارة اتفاق الأصحاب عليه، قال: والظاهر: أنه في "المحرر" انعكس عليه المراد، قال في "المهمات": ويتجه أن محل إيجاب التسوية في الحفر الحاصلة من القلع دون الحاصلة بالبناء أو الغرس في مدة العارية؛ لحدوثها بالاستعمال، وإذا لم يوجبوا ضمانًا عند انمحاق الثوب أو انسحاقه لهذه العلة .. فالحَفْرُ أولى. انتهى. وسبقه إليه السبكي. 2570 - قول "التنبيه" [ص 112]: (وإن لم يختر القلع .. فالمعير بالخيار بين أن يبقي ذلك، وبين أن يقلع ويضمن له أرش ما نقص بالقلع) فيه أمور: أحدها: ظاهره التبقية بغير أجرة؛ فإنه لم يتعرض لها، وهو رأي العراقيين، وقال السبكي: إنه الذي ينبغي أن يكون مراده، ولكن حمله ابن يونس شارحه على التبقية بأجرة، وهو الذي في "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). ثانيها: قال الشيخ برهان الدين بن الفركاح: هذا التخيير محله: إذا كان في القلع تنقيص، وإلا .. فليس له إلا القلع، فإن صح ذلك .. فهو وارد على "المنهاج" و"الحاوي" أيضًا. ثالثها: التخيير بين هاتين الخصلتين هو المرجح في "المنهاج" هنا، وهو نظير ما تقدم في "المنهاج" تصحيحه في (الصلح) في الرجوع عن إعارة الجدار لوضع الجذوع، وتوافقت "الروضة" و"المنهاج" عليه هناك (¬3)، ثم قال في "المنهاج" هنا [ص 288]: (قيل: أو يتملكه بقيمته) وهذا الوجه الذي ضعفه من التخيير بين ثلاث خصال هو الذي في "الحاوي" (¬4)، وهو اختيار الإِمام والغزالي (¬5)، وهو الذي في "الروضة" وأصلها في (الهبة)، وجوز بعضهم أن يكون ذلك هو مراد "التنبيه" هنا؛ فإن التبقية مطلقة في كلامه، صادقة بأن يبقيها ملكًا له، وهو التملك، أو للمستأجر بأجرة يدفعها له، قال: وبهذا يتعين إطلاق التبقية في كلامه، وعدم تقييدها بأجرة وعدمها؛ لئلا تخرج خصلة التملك. انتهى. وصحح في "أصل الروضة" هنا: التخيير بين القلع مع ضمان أرش النقص والتملك بالقيمة (¬6)، وعبارة الرافعي فيه: هذا رأي أكثر العراقيين وغيرهم، ويشبه أن يكون أظهر في ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 438). (¬2) الحاوي (ص 349)، المنهاج (ص 288). (¬3) الروضة (4/ 438)، المنهاج (ص 261، 262). (¬4) الحاوي (ص 349). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (7/ 158)، و"الوجيز" (1/ 377)، و"الروضة" (4/ 438). (¬6) الروضة (4/ 438).

المذهب (¬1)، وهو المذكور في "المنهاج" في (التفليس) فيما إذا غرس المفلس الأرض أو بنى (¬2)، وفي "التنبيه" في (الشفعة) فيما إذا غرس المشتري أو بنى (¬3)، وفهم النشائي من ذلك: أن التبقية بأجرة جائزة قطعًا، والخلاف في الخصلتين الأخريين (¬4)، وفي "المطلب": أن النص في "الأم" و"المختصر" على التملك بالقيمة فقط، واقتضى كلامه الحصر فيها، قال: وكذا نص في "الأم" و"المختصر" و"البويطي" في الإجارة إذا انقضت المدة. انتهى (¬5). ثم ظاهر كلامهم: أنه يتملك بالقيمة قهرًا بغير بيع؛ كتملك الشفيع، قال السبكي: وقد أشار الرافعي إلى ذلك، وفي كلام غيره ما يقتضي أنه بالبيع بمعنى: أن المستعير إن باعه، وإلا .. فكما لو امتنع عن الخصال، وهذا هو الأقرب، قال ابنه في "التوشيح": ويمكن أن يقال: يكره المستعير على الإيجار أو البيع أو يفعل هو ذلك نيابة قهرية عنه، ولكن يقدح في ذلك قول البغوي: لا بد في التملك والتبقية بأجرة من رضا المستعير؛ لأن الأول بيع، والثاني إجارة. رابعها: محل ذلك: في الأرض الخالصة للمعير، أما لو كان شيء منها للمستعير .. لم يكن للمعير إلا التبقية بأجرة، حكاه في "الروضة" وأصلها عن المتولي من غير مخالفة (¬6)، وهو وارد على "المنهاج" و"الحاوي" أيضًا، لكن في "فتاوى ابن الصلاح": أن للشريك أن يتملك بالقيمة من البناء بقدر حصته من الأرض، ويصير البناء مشتركًا بينهما كاشتراكهما في الأرض (¬7)، ويوافقه في "التتمة" في الشفعة: تخيير الشريك بين الخصال الثلاثة، حكاه في "المهمات". ويستثنى من ذلك أيضًا: ما لو وقف المستعير البناء أو الغراس .. فليس للمالك التملك بالقيمة ولا القلع مع الأرش، بل يتعين عليه التبقية بأجرة، ذكره ابن الرفعة والسبكي. خامسها: لم يبين "المنهاج" و"الحاوي" قدر الأجرة، ولا يصح إنهاء ما يطلبه المعير، ولا أن يفرض الحاكم أجرة المثل حالة؛ إذ لا ضابط للمدة، ولا مقسطة؛ لأنه لا يفرضه، قال شيخنا الإسنوي: وأقرب ما يمكن: سلوك ما ذكروه في (الصلح) من بيع حق البناء دائما بعوض حال بلفظ البيع أو الإجارة وإن جهلت المدة، لكنه يلزم منه أن يبني ويغرس غيره عند تلفه أو قلعه، أو يؤجره لغيره، وهو بعيد. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (5/ 386). (¬2) المنهاج (ص 254). (¬3) التنبيه (ص 116). (¬4) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 107). (¬5) الأم (7/ 138)، المختصر (ص 116). (¬6) فتح العزيز (5/ 388)، الروضة (4/ 440). (¬7) فتاوى ابن الصلاح (2/ 492).

وقال في "التوشيح": يتفرع على اعتبار رضا المستعير: أن المعير إذا اختار التبقية بأجرة .. اشترط تعيين المدة كسائر الإجارات، وإذا عين مدة وعين المستعير أقل منها أو أكثر .. فهو الذي ينبغي أن يجاب، وإذا انقضت .. فهل يتعين بعد انقضائها الإجارة لرضاه بها أولًا، أو له الانتقال إلى خصلة أخرى مما كنا نمكنه منها ابتداء؟ فيه نظر واحتمال، والأقرب: التعيين، قال: وعلى عدم اعتبار رضاه أنه لا يتعين مدة، كما لا يشترط لفظ، وإنما يكون حكمها حكم الإجارة، وتكون دائمة، فإذا قال: أُبقيها بأجرة المثل .. وجب الإبقاء بذلك، قال: وكثيرًا ما يقع في المحاكمات أرض يستأجرها إنسان مدة معينة للبناء، وتنقضي المدة، ويختار المؤجر الإبقاء بأجرة بعينها، ويرضى بها المستأجر، ثم يطلب زيادة .. فلا أمكنه وإن رغب راغب بزيادة، أو ارتفعت الأجرة؛ لورود العقد على معلوم، فلا يتطرق إليه الفسخ بالزيادة وإن كانت الأرض وقفًا والمؤجر ناظرًا إذا كانت وقعت بأجرة المثل وقت الإيجار؛ لأنه نظير زيادة تحدث في العين. سادسها: أرش النقص هو التفاوت بين قيمتة قائمًا ومقلوعًا، وينظر في قيمته قائمًا إلى أنه مستحق القلع بالأرش؛ فإن قيمته حينئذ أنقص، نبه عليه صاحب "البيان" (¬1)، وأشار السبكي إلى أن ذلك إذا قلنا: إن إفراد الواجب المخير واجبة ليكون القلع مستحقًا قبل اختياره، وإلا .. فلا يتعين أحدها إلا باختياره، وقبله هو مستحق الإبقاء بغير أجرة. سابعها: قال السبكي: إذا اختار القلع وبذل الأرش .. لا ينبغي أن يكتفي الحاكم بذمته، بل لا يمكنه من القلع إلا بدفع الأرش، وللمستعير منعه من القلع حتى يقبضه، أو يكون على يد من يأمن عليه، وإن لم يصرح الأصحاب بذلك. ثامنها: ظاهر كلامهم: أنه لو أراد فعل بعض هذه الخصال في البعض وبعضها في البعض الآخر .. لم يمكن منه، وذكره في "التوشيح" بحثًا، وهو واضح. 2571 - قول "الحاوي" [ص 349]: (فإن أبى .. كُلِّف التفريغَ) أي: إن أبى المستعير الخصال الثلاث .. كلف تفريغ الأرض، كذا ذكره الرافعي (¬2)، وأسقطه في "الروضة"، والذي في "المنهاج" [ص 288, 289]: (فإن لم يختر .. لم يقلع مجانًا إن بذل المستعير الأجرة، وكذا إن لم يبذلها في الأصح)، ومعناه: إن لم يختر المعير إحدى الخصلتين المخير بينهما فيه، وهما التبقية بأجرة والقلع بالأرش، وكذا هو في "الروضة" وأصلها فيما إذا امتنع من القلع بالأرش والتملك بالقيمة بناء على ترجيحهما هناك، فقال في "الروضة" وأصلها: وبه قطع المخيرون بين ¬

_ (¬1) البيان (6/ 520). (¬2) انظر "فتح العزيز" (5/ 386).

الخصال الثلاث إذا امتنع منها جميعًا. انتهى (¬1). وكان ينبغي لـ"الحاوي" ذكر هذا التفريع على ما اختاره من التخيير بين الخصال الثلاث. واعلم: أنه على الأصح في "المنهاج": يؤول الأمر إلى التخيير بين القلع بالأرش والتبقية بلا أجرة، وهو ظاهر "التنبيه" كما تقدم (¬2). 2572 - قول "المنهاج" [ص 289]: (الأصح: أنه يُعرض عنهما حتى يختارا شيئا) كذا في نسخة المصنف تبعًا لـ" المحرر" بالتثنية (¬3)، وكذا في أكثر نسخ "الشرحين" (¬4)، والصواب: حذف الألف، كما في "الروضة" (¬5) لأن الاختيار إلى المعير خاصة كما تقدم. 2573 - قولهما: (ولا يمنع من دخولها للسقي والإصلاح) (¬6) أعم من قول "المحرر" والروضة" وأصلها: (ومرمة الجدار) (¬7)، وعبارة "الحاوي" [ص 349]: (المرمَّةُ) ولعله أعم من مرمة الجدار، فهو مثل التعبير بالإصلاح. 2574 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ولكلٍّ بيعُ ملكِهِ) (¬8) قد يتناول ما إذا باعاهما لثالث بثمن واحد، وهو صحيح على الأصح؛ للحاجة، بخلاف ما إذا كان لاثنين عبدان لكل منهما عبد، فباعاهما بثمن واحد، ولم يعلم ما يقابل كلًا منهما عند العقد .. فإنه باطل على الأصح في "تصحيح التنبيه" و"شرح المهذب" كما تقدم في موضعه (¬9)، ونقله الرافعي في (الصداق) عن النص (¬10). 2575 - قول "المنهاج" [ص 289]: (وفي قولٍ: له القلع فيها - أي: في العارية المؤقتة - مجانًا إذا رجع) محل هذا القول: بعد المدة، وهو بعدها لا يحتاج إلى رجوع؛ فكان ينبغي التعبير بالانتهاء دون الرجوع، وعبر في "الروضة" وأصلها بالرجوع بعد المدة (¬11)، وفيه تجوّز. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (5/ 387)، الروضة (4/ 438). (¬2) التنبيه (ص 112)، المنهاج (ص 288). (¬3) المحرر (ص 209). (¬4) فتح العزيز (11/ 228) طبعة دار الفكر بإثبات الألف، وفي "فتح العزيز" (5/ 5/ 387) طبعة دار الكتب العلمية بحذف الألف. (¬5) الروضة (4/ 387). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 112)، و"المنهاج" (ص 289). (¬7) المحرر (ص 210)، فتح العزيز (5/ 387)، الروضة (4/ 438). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 112)، و"الحاوي" (ص 350)، و"المنهاج" (ص 289). (¬9) تصحيح التنبيه (1/ 287)، المجموع (9/ 372). (¬10) انظر "فتح العزيز" (8/ 260). (¬11) فتح العزيز (5/ 388)، الروضة (4/ 439).

2576 - قول "المنهاج" [ص 289]- والعبارة له - و"الحاوى" [ص 349]: (وإذا أعار لزراعةٍ ورجع قبل إدراك الزرع .. فالصحيح: أن عليه الإبقاء إلى الحصاد) فيه أمران: أحدهما: أن محله: فيما لا يعتاد قلعه حينئذ، وإلا .. كلّف قلعه، وكان هذا مراد "التنبيه" بقوله [ص 112]: (ثم رجع والزرع قائم، فإن كان مما يحصد قصيلًا .. حصد)، قال النووي في "التحرير": وقوله: (قصيلًا) أي: مقصولًا، وهو المقطوع (¬1). قال ابن الرفعة: وإذا كان كذلك .. لم يستقم نظمه. ثانيهما: قال في "المطلب": محل ذلك: ما إذا نقص بالقلع، فإن لم ينقص .. أجبر عليه. انتهى. وهذا إن صح .. وارد على "التنبيه" أيضًا. 2577 - قول "التنبيه" [ص 112]: (وإن قال: "ازرع الحنطة" .. لم يقلع إلى الحصاد) هذا مندرج في قوله فيما تقدم: (وإن كان مما لا يحصد) أي: قصيلًا، وإنما ذكره؛ لينبه على أن ما لا يحصد قصيلًا إذا أذن فيه بخصوصه ثم رجع .. لا أجرة له، كما حكاه القاضى حسين وجهًا؛ لرضاه بشغل أرضه إلى تلك الغاية، وجزم في الأولى بالأجرة؛ لأنه لا يتحقق زرع ما يبقى إلى هذه الغاية، ذكره في "الكفاية". قال النشائي: وحينئذ .. فيُستَدرك على "التصحيح" في سكوته عنه؛ لإطلاق الرافعي و"الروضة" تصحيح الأجرة، كما هو ظاهر "الكفاية" (¬2). قلت: إنما يستدرك "التصحيح" المخالفة الصريحة، ولا يستدرك على ما يفهم بالقرينة، والله أعلم. وعبر في "المنهاج" في وجوب الأجرة بالصحيح (¬3)، وعبر في "الروضة" بالأصح (¬4). ويرد على "التنبيه": أن محل الإبقاء إلى الحصاد: ما إذا لم يقصر، فإن قصر؛ بأن عين له مدة فأخر الزرع فلم يدرك .. قلع مجانًا، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 349]: (لا إن عيّن مدة فأخر) و"المنهاج" بقوله [ص 289]: (فلو عين مدة ولم يُدرك فيها؛ لتقصيره بتأخير الزراعة .. قلع مجانًا). قال شيخنا ابن النقيب: وقوله: (لتقصيره) علة للقلع مجانًا، فإن لم يكن كذلك .. لم يقلع ¬

_ (¬1) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 209). (¬2) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 106)، وانظر "فتح العزيز" (5/ 389)، و"الروضة" (4/ 440). (¬3) المنهاج (ص 289). (¬4) الروضة (4/ 440).

مجانًا، بل هو كالعارية مطلقًا سواء كان عدم الإدراك لحر أو برد أو مطر أو لقلة المدة المعينة أو لأكل الجراد رأسه، فنبت ثانيًا (¬1). 2578 - قول "المنهاج" [ص 289]: (ولو حمل السيل بذرًا إلى أرضه فنبت .. فهو لصاحب البذر) لم يصرح به "التنبيه" و"الحاوي"، ولا هو في "الروضة" و"الشرحين"، ولكنه مفهوم من ذكر الخلاف في الإجبار على قلعه مجانًا. وفي معنى السيل: الهواء، والمراد بالبذر: المبذور، من إطلاق المصدر على اسم المفعول، وتسميته بذلك باعتبار أنه سيصير مبذورًا، ففيه تجوز من وجهين، وتناول إطلاقه ما لا قيمة له؛ كحبة أو نواة، وحكى الرافعي فيه وجهين بلا ترجيح (¬2)، وصحح النووي: أنه لصاحب البذر - كإطلاق "المنهاج" - قال: فإن كان صاحبها أعرض عنها وألقاها .. فينبغي القطع بأنها لصاحب الأرض (¬3)، وهذه الأمور ينكت بها على عبارة "التنبيه" و"الحاوي" أيضًا. 2579 - قول "التنبيه" [ص 113]: (فقد قيل: يجبر على قلعه، وقيل: لا يجبر) الأصح: الأول كما في "المنهاج" و"الحاوي"، وزاد فيه: التصريح بكونه مجانًا (¬4)، أي: لا يعطيه مالك الأرض أرش النقص، قال الماوردي في (الغصب): وأصح من هذين الوجهين: أن ينظر في الزرع بعد قلعه؛ فإن كانت قيمته مثل قيمة الحنطة .. قلع، وإن نقصت .. لم يقلع، ويندفع الضرر عن المالك بالأجرة (¬5)، وسكتوا عن الأجرة للمدة التي قبل القلع، وجزم في "المطلب" بعدمها وإن كثر؛ لعدم الفعل منه، وفيه وجه حكاه الجويني. 2580 - قول "التنبيه" [ص 113]: (وإن دفع إليه دابة فركبها ثم اختلفا، فقال صاحب الدابة: "أكريتكها، فعليك الأجرة"، وقال الراكب: "بل أعرتني" .. فالقول قول الراكب في أصح القولين) فيه أمور: أحدها: أن الذي رجحه الرافعي والنووي: تصديق صاحب الدابة (¬6)، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬7). ثانيها: أن صورة المسألة: أن يختلفا بعد مضي مدة لها أجرة، فإن لم تمض مدة لها أجرة .. فلا معنى للمنازعة، فيرد المال إلى مالكه. ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 112). (¬2) انظر "فتح العزيز" (5/ 390). (¬3) انظر "الروضة" (4/ 442). (¬4) الحاوي (ص 349)، المنهاج (ص 289). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 170). (¬6) انظر "فتح العزيز" (5/ 391)، و"الروضة" (4/ 442). (¬7) الحاوي (ص 348)، المنهاج (ص 289).

ثالثها: وصورتها أيضًا: أن تكون الدابة باقية، فإن كانت تالفة؛ فإن تلفت عقب الأخذ .. فهو مقر بالقيمة لمنكرها، أو بعد مدة لها أجرة؛ فإن قلنا: اختلاف الجهة يمنع الأخذ .. سقطت القيمة، وفي الأجرة الخلاف، وإلا - وهو الراجح - فإن لم تزد الأجرة على القيمة .. أخذها بلا يمين، وإن زادت .. أخذ قدرها، وفي المصدق في الباقي الخلاف، وهذان الأمران يردان على "المنهاج" و"الحاوي" أيضًا. رابعها: ظاهر إطلاقهم: تصديق المالك على الراجح في "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، والمرجوح في "التنبيه" يوهم استحقاقه المسمى إذا حلف على نفي الإعارة وإثبات الإجارة إتمامًا لتصديقه، والأصح: أجرة المثل. وقد أورد بعضهم على قول "المنهاج" [ص 289]: (فالمصدق المالك على المذهب) أن ظاهره: أنه طريقة قاطعة، وهو مخالف لما في "الروضة" إذ ليس فيها طريقة قاطعة بذلك، بل طريقان، إحداهما: القطع بأن المصدق الراكب، والثانية: قولان. انتهى (¬2). ولا يفهم من قول "المنهاج": (المذهب كذا) القطع به، بل يقتضي أن المرجح: ما ذكره؛ إما مع القطع أو بدونه، وعبارته في خطبته: (وحيث أقول: "المذهب" .. فمن الطريقين أو الطرق) انتهى (¬3). وذلك لا يدل على ترجيح طريقة القطع، والله أعلم. 2581 - قول "التنبيه" [ص 113]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 350]: (وإن قال صاحب الدابة: "أعرتكها" وقال الراكب: "بل أجرتني" .. فالقول قول صاحب الدابة) صورة المسألة: أن تكون الدابة قد تلفت في يد الراكب، أو هي باقية ولم تمض المدة التي ادعى الراكب وقوع عقد الإجارة عليها، أما لو كانت باقية وقد انقضت المدة .. فلا يظهر للاختلاف فائدة. 2582 - قول "التنبيه" [ص 113]: (وإن قال صاحب الدابة: "غصبتني" وقال الراكب: "بل أعرتني" .. فالقول قول الراكب) الأصح: إجراء القولين المتقدمين فيما لو قال المالك: (أجرت) والراكب: (أعرت)، وأصحهما: تصديق المالك؛ ولهذا قال "المنهاج" لما ذكر الصورة المتقدمة [ص 289]: (وكذا لو قال: "أعرتني" وقال: "بل غصبت مني")، وكذا سوّى "الحاوي" بين الصورتين (¬4)، وأقر النووي في "تصحيحه التنبيه" على الجزم بهذا مع استدراكه ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 350)، المنهاج (ص 289). (¬2) الروضة (4/ 442). (¬3) المنهاج (ص 65). (¬4) الحاوي (ص 350).

عليه في الصورة المتقدمة (¬1)، ولم يذكر في "المهذب" أن أحدًا صار إليه (¬2) وإن نقله المزني، ولصورة المسألة شرطان: أحدهما: أن يكون ذلك بعد مضي مدة لها أجرة، وإلا .. فلا معنى للاختلاف. ثانيهما: أن تكون العين باقية، فإن كانت تالفة .. فقد ذكره "المنهاج" في قوله [ص 289]: (فإن تلفت العين .. فقد اتفقا على الضمان) لكن الأصح: أن العارية تضمن بقيمة يوم التلف، فإن كان ما يدعيه المالك أكثر .. حلف للزيادة، ومراده: تلفها في هذه الصورة الأخيرة، وهي اختلافهما في الإعارة والإجارة؛ بدليل قوله: (فقد اتفقا على الضمان) ولم يتعرض "الحاوي" لهذين الشرطين. وأما إذا تلفت فيما قبلها .. فتقدم حكمه، وتعبير "المنهاج" بالأصح (¬3) يقتضي أن الخلاف أوجه، كما في "الروضة" (¬4)، والذي في "المحرر": (أصح القولين) (¬5)، وفي "شرح الرافعي": ثلاثة أوجه (¬6)، وسماها الزجاجي أقوالًا، وكلامه يقتضي تضمين العارية بالقيمة مطلقًا، وقد تقدم ما فيه، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (1/ 352). (¬2) المهذب (1/ 366). (¬3) المنهاج (ص 289). (¬4) الروضة (4/ 444). (¬5) المحرر (ص 210). (¬6) فتح العزيز (5/ 392، 393).

كتاب الغصب

كتابُ الغَصْب 2583 - قول "المنهاج" [ص 290]: (هو: الاستيلاء على حق الغير عدوانًا) أحسن من تعبير "المحرر" و"الحاوي" بـ (المال) (¬1) فإن الحق يشمل الكلب والسرجين وجلد الميتة وحبة الحنطة وحق التحجر، وكذا المنافع؛ كإقامة من قعد بمسجد أو موات أو استحق سكنى بيت برباط، قاله في "الدقائق" (¬2)، لكن تعبير "الحاوي" بـ (غير) (¬3) أحسن من تعبير "المنهاج" بـ (الغير) (¬4) لامتناع إدخال (أل) على (غيرٍ) وإن كثر في ألسنة الفقهاء. وقوله: (عدوانًا) (¬5) مثل قول "الحاوي" [ص 351]: (ظلمًا)، ويرد عليهما: ما إذا أخذ مال غيره يظنه ماله .. فإنه غصب يضمن ضمان الغصوب، وليس عدوانًا ولا ظلمًا، ولا يرد ذلك على تعبير "الروضة" بقوله: (بغير حق) (¬6) فالتعبير به أولى، وقد حكى في "الروضة" وأصلها عن الإِمام: أنه اختار هذه العبارة، وقال: لا حاجة إلى التقييد بالعدوان، بل يثبت الغصب وحكمه من غير عدوان كهذه الصورة، لكن قال الرافعي: إن أشبه العبارات وأشهرها التعبير بالتعدي، قال: والثابت في هذه الصورة حكم الغصب لا حقيقته (¬7)، ولذلك قال شيخنا ابن النقيب: التعبير بعدوانًا أحسن. انتهى (¬8). وفيه نظر؛ لأن القصد بيان الغصب حكمًا وشرعًا لا لغة، ولذلك عبر في "الروضة" من زيادته بقوله: (بغير حق) بعد نقله كلام الرافعي المتقدم، فكأنه لم يرضه، لكن قال في "المهمات": إن تعبيره به ذهول عما تقدم، والصواب: (عدوانًا)، وقال في "المطلب": إن أراد بالحق: ما وجب له؛ كالمستأجر ونحوه .. خرج به الوكيل والمستعير والمودع ونحوهم ممن ليس له حق واجب في العين، وإن أراد بالحق: الجائز .. فهو مساوٍ للتعبير بالعدوان، قال في "المهمات": وأقرب شيء فيه أن يقال: أراد بالحق: المسوغ في نفس الأمر .. فلا اعتراض. انتهى. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 211)، الحاوي (ص 351). (¬2) الدقائق (ص 63). (¬3) الحاوي (ص 351). (¬4) المنهاج (ص 290). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 290). (¬6) الروضة (5/ 3). (¬7) فتح العزيز (5/ 396، 397)، الروضة (5/ 3)، وانظر "نهاية المطلب" (7/ 170). (¬8) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 117).

ويرد على العبارات كلها: السرقة؛ فليست غصبًا مع دخولها في تعريفه، فينبغي أن يزاد: (جهرًا) كما حكاه القاضي، واستحسنه في "الشرح الصغير". 2584 - قول "الحاوي" في أمثلة المال [ص 351]: (ومكاتبًا) مخالف لقوله في (الأيمان): بعدم الحنث بالمكاتب فيما إذا حلف لا مال له (¬1)، ولعل الفرق: اعتبار العرف هناك. 2585 - قول "المنهاج" [ص 290]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 351]: (فلو ركب دابة أو جلس على فراش .. فغاصبٌ وإن لم يَنْقُلْ) يقتضي أنه لا فرق بين أن يقصد الاستيلاء أم لا، وبه صرح في أصل "الروضة" (¬2)، وهو مخالف لكلام الرافعي؛ فإنه قال: ويشبه أن تصور المسألة بما إذا قصد الاستيلاء، فإن لم يقصد .. ففي "التتمة": أن في كونه غاصبًا وجهين (¬3)، فأسقط في "الروضة" هذا وقال ما تقدم. قال السبكي: وفي تصحيح الغصب فيما إذا لم يقصد الاستيلاء نظر، والذي في "فتاوى البغوي": أنه لا يضمن، وليس الوجهان في "التتمة" في كونه غاصبًا، بل في كونه ضامنًا. انتهى. وفي "أصل الروضة" عن المتولي: أن هذا إذا كان المالك غائبًا، فإن كان حاضرًا فأزعجه وجلس على الفراش، أو لم يزعجه وكان بحيث يمنعه من رفعه والتصرف فيه .. فيضمنه قطعًا، قال الرافعي: وقياس العقار: ألَّا يكون غاصبًا إلا لنصفه. انتهى (¬4). وما بحثه الرافعي صرح به القاضي حسين، لكن فيما إذا كان المالك يزجره فلم ينزجر، وهي فرد مما دخل في كلام الرافعي، قاله في "المهمات". ومقتضى كلام المتولي: أنه لو حضر المالك فلم يزعجه ولا منعه التصرف فيه .. لم يكن غاصبًا له. 2586 - قول "المنهاج" [ص 290]: (ولو دخل داره) أي: بأهله على هيئة من يقصد السكنى، كذا قيده في "الروضة" وأصلها (¬5)، وفي "المطلب": إذا اجتمع الإزعاج والدخول .. فالأقرب أنه غصب وإن خلا عن هيئة السكنى، وهو يؤيد ما في "المنهاج" (¬6). 2587 - قوله: (وفي الثانية وجهٌ) (¬7) أي: فيما إذا أزعجه ولم يدخل. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 652). (¬2) الروضة (5/ 8). (¬3) انظر "فتح العزيز" (5/ 406). (¬4) فتح العزيز (5/ 406)، الروضة (5/ 8). (¬5) فتح العزيز (5/ 406)، الروضة (5/ 8). (¬6) المنهاج (ص 290). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 290).

اعترض عليه: بأنه لم يحكه في "الروضة" وأصلها إلا عن الغزالي، وحكيا الأول عن مقتضى كلام عامة الأصحاب (¬1)، فليس في المسألة نقل صريح؛ ولذلك قال في "المحرر": (فالأشبه: أنه غاصب) (¬2). 2588 - قول "المنهاج" [ص 290]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 351]: (فيما لو دخل بقصد الاستيلاء والمالك فيها ولم يزعجه .. فغاصبٌ لنصف الدار إلا أن يكون ضعيفًا لا يُعدُّ مستوليًا على صاحب الدار) قياسه: أنه لو كان المالك ضعيفًا والداخل قويًا .. يكون غاصبا لجميعها, ولم يصرحوا به. 2589 - قول "التنبيه" [ص 113]: (إذا غصب شيئًا له قيمة .. ضمنه بالغصب - أي: عند التلف - ويلزمه رده) أي: عند البقاء. ولزوم الرد لا يتوقف على أن يكون له قيمة، فيلزم رد الكلب الذي فيه منفعة، والخمرة المحترمة، وحبة الحنطة وإن لم يكن لها قيمة؛ ولذلك أطلق "المنهاج" أن على الغاصب الرد (¬3)، لكنه عقبه بقوله [ص 290]: (فإن تلف عنده .. ضمنه)، ولا بد من تقييد هذا الثاني بأن يكون متقومًا، وحاصل هذا: أن الرد مطلق والضمان مقيد، فقيدهما "التنبيه"، وأطلقهما "المنهاج"، وكلاهما معترض. وشرط الضمان أيضًا: أن يكون المتلف أهلًا للضمان لا كحربي. وذكر شيخنا الإِمام ابن النقيب أن قول "المنهاج" [ص 290]: (تلف) لا يتناول ما إذا أتلفه هو أو أجنبي، لكنه مأخوذ من باب أولى (¬4). وفيه نظر؛ فإن المتلف قد تلف، وعبر "التنبيه" بقوله [ص 114]: (وإن تلف المغصوب عنده أو أتلفه) فأورد عليه: ما إذا أتلفه أجنبي، وذلك الإيراد واضح؛ لأنه لما ذكر الإتلاف بعد التلف .. علمنا أنه أراد: التلف بآفة، فلا معنى لتقييد الإتلاف بأن يكون هو المتلف، والله أعلم. فلو غصب من غير المالك .. برئ بالرد إلى المودع والمستأجر في الأصح، لا إلى الملتقط، وفي المستام والمستعير وجهان. 2590 - قول "الحاوي" [ص 351]: (ورد المغصوب بالزائد وضمنه ولو بفعله) أي: يضمن الزائد ولو حصلت الزيادة بفعله. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (5/ 406)، الروضة (5/ 8)، وانظر "الوسيط" (3/ 387). (¬2) المحرر (ص 211). (¬3) المنهاج (ص 290). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 119).

قد يدخل فيه: ما لو زادت قيمة الجارية بتعليم الغناء ثم نسيته، لكن قال الرافعي: نقل الروياني عن النص: أنه لا يضمن النقص؛ لأنه محرم، وعن بعض الأصحاب: أنه يضمنه، قال: وهو الاختيار (¬1)، قال النووي: الأصح المختار: هو النص. انتهى (¬2). والتعليل بكونه محرمًا مخالف للمصحح في (الشهادات) من الكراهة فقط. 2591 - قول "المنهاج" [ص 290]: (ولو أتلف مالًا في يد مالكه .. ضمنه) ليست هذه المسألة من الغصب، لكن الأصحاب استطردوا بذكر العدوان سواء كان باليد العادية وهو الغصب، أو بالمباشرة كهذه، أو بالتسبب؛ كفتح القفص ونحوه مما سيذكر. 2592 - قول "التنبيه" [ص 116]: (وإن فتح زقًا فيه مائع فاندفق ما فيه .. ضمن) فصّل ذلك "المنهاج" إلى مطروح على الأرض ومنصوب، فقال [ص 290]: (ولو فتح رأس زق مطروح على الأرض فخرج ما فيه بالفتح، أو منصوب فسقط بالفتح وخرج ما فيه .. ضمن)، وصور في "أصل الروضة" سقوطه بالفتح: بأن كان يحرك الوكاء ويجذبه حتى أفضى إلى السقوط، وبما إذا فتح رأسه فأخذ ما فيه في التقاطر شيئًا فشيئًا حتى ابتل أسفله وسقط (¬3)، فقول "الحاوي" [ص 353]: (وفتح زقًا فتقاطر وسقط) اقتصار على إحدى الصورتين، وكأن الأولى واضحة مفهومة من طريق الأَولى، فلو حضر المالك وأمكنه التدارك فلم يفعل .. فوجهان. 2593 - قول "المنهاج" [ص 290]: (وإن سقط بعارض ريحٍ .. لم يضمن) التقييد بالعروض يفهم الضمان بالمقارن، قال شيخنا ابن النقيب: وهو متجه؛ كتفريقهم في إيقاد النار بينهما، وجوز في "المطلب" تخريجه على الخلاف في وضع الصبي في مسبعةٍ (¬4) فافترس، والأصح فيه: عدم الضمان، قال ابن النقيب: والصواب: الأول (¬5). وعبارة "الحاوي" [ص 353]: (لا إن سقط بريح)، فلم يقيدها بالعروض، لكن التقييد في "الروضة" وأصلها (¬6). وفي معنى الريح: الزلزلة ووقوع طير، وعبارة "التنبيه" [ص 116]: (وإن بقي ساعة ثم وقع بالريح فسأل ما فيه .. لم يضمن). 2594 - قول "التنبيه" [ص 116]: (فيما لو فتح قفصًا عن طائر فطار عقب الفتح .. فيه قولان، ¬

_ (¬1) فتح العزيز (5/ 451)، وانظر "بحر المذهب" (9/ 35). (¬2) انظر "الروضة" (5/ 43). (¬3) فتح العزيز (5/ 400)، الروضة (5/ 4). (¬4) المسبعة: الأرض الكثيرة السباع. انظر "المعجم الوسيط" (1/ 416). (¬5) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 120، 121). (¬6) فتح العزيز (5/ 400)، الروضة (5/ 4).

أصحهما: أنه لا يضمن) تبع فيه القاضي أبا الطيب، والأصح: الضمان، ومحلهما: ما إذا لم يهيجه، فإن هيجه .. ضمن قطعًا، وقد أوضح ذلك "المنهاج" (¬1)، لكن قوله: (فالأظهر: أنه إن طار في الحال .. ضمن، وإن وقف ثم طار .. فلا) (¬2) موافق لعبارة "الروضة"، ومخالف لكلام "الشرحين" فيما إذا وقف ثم طار؛ فإن فيها ترجيح القطع بعدم الضمان (¬3). ثم إن الحكم لا يختص بالطائر؛ ففتح الإصطبل عن الدابة والسجن عن العبد المجنون كذلك؛ ولهذا عبر "الحاوي" بـ (غير العاقل) (¬4)، وهو شامل للجميع. 2595 - قول "التنبيه" [ص 116]: (وإن سقى أرضه فأسرف حتى أهلك أرض غيره، أو أجج نارًا على سطحه فأسرف حتى تعدى إلى سطح غيره .. ضمن) فيه أمران: أحدهما: يرد على تقييده بالإسراف في الأولى: ما إذا لم يسرف، ولكن كان فيها شق وهو عالم به فلم يحتط .. فيضمن، ذكره الرافعي في (الديات) (¬5)، وحكاه في "الكفاية" هنا عن البندنيجي، قال القاضي حسين: وكذا لو لم يعلم به، وفيه نظر. وفي الثانية: ما إذا كان التأجيج وقت هبوب الريح .. فيضمن وإن لم يُسرف؛ ولذلك قال "الحاوي" في (الجنايات) [ص 550]: (وأوقد في سطحٍ يومَ ريحٍ)، والتقييد بيوم الريح محله: ما إذا كان الإيقاد على سطح ملكه، فإن كان على سطح غيره .. ضمن مطلقًا. ثانيهما: لو قال: (فأتلف شيئًا) .. كان أعم وأخصر من قوله: (فأهلك أرض غيره)، و (حتى تعدى إلى سطح غيره). 2596 - قول "الحاوي" عطفًا على المنفي [ص 353، 354]: (أو حبسه فهلكت ماشيته) أي: فلا يضمن، قال الرافعي: كذا قالوه؛ ولعل صورته فيما إذا لم يقصد منعه عن الماشية، وإنما قصد حبسه فأفضى الأمر إلى هلاكها؛ فإن المتولي حكى وجهين في الضمان فيما لو منعه سقي زرعه حتى فسد (¬6)، قال النووي: الأصح في صورتي الماشية والسقي: أنه لا ضمان (¬7). 2597 - قول "المنهاج" [ص 291]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 357]: (والأيدي المترتبة على يد الغاصب أيدي ضمان) يستثنى منه: يد الحاكم وأمينه، ومن انتزع المغصوب ليرده لمالكه ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 291). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 291). (¬3) فتح العزيز (5/ 402)، الروضة (5/ 5). (¬4) الحاوي (ص 353). (¬5) انظر "فتح العزيز" (10/ 425، 426). (¬6) انظر "فتح العزيز" (5/ 404). (¬7) انظر "الروضة" (5/ 7).

إن كان الغاصب حربيًا أو عبدًا للمغصوب منه، وكذا غيرهما في وجه، وقال السبكي: الحق: أن لآحاد الناس انتزاع المغصوب من الغاصب، وقد نص عليه الشافعي في (سير الواقدي) فقال: إذا دخل المسلم دار الحرب ووجد مال غيره من المسلمين أو أهل الذمة مما غصبه المشركون .. كان له أن يخرج به (¬1). قلت: النص المذكور في الحربي، وليس ضامنًا، فلا نعدِّي ذلك لغيره ممن هو ضامن، والله أعلم. 2598 - قولهما أيضًا: (ثم إن علم .. فكغاصبٍ من غاصبٍ، فيستقر عليه ضمان ما تلف عنده) (¬2) يستثنى: ما لو كانت القيمة في يد الأول أكثر .. فالمطالب بالزيادة هو الأول خاصة. 2599 - قول "التنبيه" فيما إذا كان المغصوب طعامًا فأطعمه إنسانًا [ص 115، 116]: (وإن قدمه إليه ولم يقل: هو لي أو مغصوب، فضمن الآكل .. رجع في أحد القولين دون الآخر) الأصح: أن قرار الضمان في هذه الصورة على الآكل .. فلا يرجع، وقد ذكره "المنهاج" بقوله [ص 291]: (وإن حمله الغاصب عليه؛ بأن قدَّم له طعامًا مغصوبًا ضيافة فأكله .. فكذا في الأظهر) أي: القرار على الآكل، ومحل القولين: عند جهل الآكل، فإن علم .. فالقرار عليه قطعًا، أما لو قال: (هو لي): فإن ضمن الآكل .. لم يرجع على الغاصب في الأظهر، وإن ضمن الغاصب .. لم يرجع على المذهب؛ لأنه معترف بأنه مظلوم، فلا يرجع على غير ظالمه، فليس القرار حينئذ على واحد منهما. وقد ذكر هذه المسألة "التنبيه" (¬3)، ولم يتعرض "المنهاج" للتصريح بها (¬4)، وقد يُدعى دخولها في عبارته؛ لصدق التقديم ضيافة عليها, لكن يبقى مقتضى عبارته أن القرار على الآكل، وليس كذلك كما عرفت، بل من غرم منهما لا يرجع على الآخر. 2600 - قول "التنبيه" فيما إذا أطعم المغصوب منه المغصوب [ص 116]: (وإن لم يعلم .. ففيه قولان) الأظهر: أنه يبرأ، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬5). 2601 - قول "التنبيه" فيما إذا أودع المالك العين المغصوبة عند الغاصب [ص 116]: (فقد قيل: يبرأ، وقيل: لا يبرأ) الأصح: أنه يبرأ، ذكره في "التصحيح" هنا (¬6)، وهو في ¬

_ (¬1) انظر "الأم" (4/ 268). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 357)، و"المنهاج" (ص 291). (¬3) التنبيه (ص 116). (¬4) المنهاج (ص 291). (¬5) الحاوي (ص 358)، المنهاج (ص 291). (¬6) تصحيح التنبيه (1/ 355).

فصل [ضمان المغصوب]

"المنهاج" و"الحاوي" في (الرهن) (¬1)، أما لو أودعه الغاصب للمالك .. لم يبرأ بذلك من ضمانه، ذكره "الحاوى" هنا، فقال [ص 358]: (لا بالإيداع)، وعبارته موهمة لقوله بعدها [ص 358]: (والقتل دفعا)، وقد عُرف أن الإيداع من الغاصب والدفع من المالك، وليست هذه الصورة الثانية في "المنهاج". فصْل [ضمان المغصوب] 2602 - قول "المنهاج" [ص 291]: (تُضمن نفس الرقيق بقيمته أُتِلف أو تَلِفَ تحت يدٍ عاديةٍ) كذا في كتب الرافعي والنووي (¬2)، ولو قالا: (ضامنة) .. لكان أعم؛ لتناوله المستعير والمستام وغيرهما ممن يضمن وليس متعديًا، ولكن الباب معقود للتعدي، فاقتصر على ذكره. 2603 - قوله: (وأبعاضه التي لا يتقدر أرشها من الحُرِّ بما نقص من قيمته) (¬3) يقتضي نفي الخلاف فيه، وكذا صرح به في "الروضة" في (الديات) (¬4)، لكن قال المتولي: لو كانت الجناية في يد أو رجل وقلنا: يلزمه بسبب قطع ذلك العضو مقدر وكان الناقص أكثر منه أو مثله .. فلا نوجب جميعه؛ لئلا تزيد الجناية بخلل في العضو على نفس العضو، ويوجب الحاكم حكومة باجتهاده، نقله شيخنا الإِمام البلقيني، وقال: وهو تفصيل لا بد منه، وإطلاق من أطلق يحمل عليه. 2604 - قوله في المقدرة إذا تلفت: (وعلى الجديد: تتقدر من الرقيق، والقيمة فيه كالدية في الحر، ففي يده نصف قيمته) (¬5) محله: ما إذا لم تنقص عن أرش ما نقص من القيمة، فإن نقص .. وجب أرش النقص، فالواجب: أكثر الأمرين من أرش النقص والمقدر؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 352]: (بالأكثر من النقص والمقدر). 2605 - قول "المنهاج" [ص 291]: (وسائر الحيوان بالقيمة)، قال شيخنا الإسنوي: أي: تُضمن أعضاؤه بما نقص من القيمة، قال: هذا مراده، وأما ما دل عليه كلامه وهو تلف النفس .. فلا تستقيم إرادته؛ لأنه لا فرق فيه بين الآدمي وغيره، فلا تستقيم التفرقة. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 358)، المنهاج (ص 291). (¬2) انظر "فتح العزيز" (5/ 412)، و"الروضة" (5/ 12). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 291). (¬4) الروضة (9/ 312). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 291).

قال شيخنا ابن النقيب: لكن لا يُعلم من هذا التفسير بماذا تضمن نفسه، فلو حمل على ما هو أعم من النفس والأبعاض .. لكان أحسن (¬1). قلت: وتستقيم التفرقة؛ للتفصيل في الآدمي، والإطلاق في غيره. 2606 - قول "المنهاج" [ص 291]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 351]: (والأصح: أن المثلي: ما حصره قيل أو وزن وجاز السلم فيه) استحسنه الرافعي، وقال: لا يقال: كل مكيل أو موزون؛ لأن المفهوم منهما ما يعتاد كيله أو وزنه، فيخرج عنه الماء والتراب، وهما مثليان (¬2). واختار الإِمام السبكي وشيخنا الإسنوي أنه لا فرق؛ فإن المراد: ما لو قدر .. لقدر بأحدهما وهما كذلك، وليس المراد: ما أمكن وزنه؛ فإن كل مال يمكن وزنه. واعلم: أن ابن الصلاح قال: إن المعيب ليس بمثلي، ويجب فيه قيمة مثله، فيرد ذلك على عبارتهم؛ لصدق الضابط عليه. 2607 - قول "المنهاج" في أمثلة المثلي [ص 291]: (وعنبٍ) مخالف لنقله في زكاة المعشرات عن الأكثرين: إيجاب القيمة فيما إذا أتلف المالك الثمرة بعد الخرص، ونقله قبل ذلك عن النص، قال في "المهمات": وحينئذ .. يكون المفتى به: أنه متقوم؛ لنص الشافعي وذهاب الأكثرين إليه. 2608 - قوله: (ودقيقٍ) (¬3)، قال شيخنا ابن النقيب: ذكر في "الروضة" بعد ذلك ما يفهم أن الدقيق متقوم (¬4). قلت: وكأنه أشار بذلك إلى قوله: إنه لا يصح إطلاق الجواب بغرم المثل ولا القيمة فيما إذا غصب حنطة في الغلاء فتلفت عنده ثم طولب في الرخص، بل الصواب: أن يقال: إن تلفت وهي حنطة .. غرم المثل، وإن صارت إلى حالة التقويم ثم تلفت .. فالقيمة، لكن هذا إنما بناه على أن الدقيق ليس مثليًا كما صرح به في أول كلامه، فليس في المذكور بعد ذلك مخالفة للمذكور هنا. 2609 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: "فيضمن المثلي بمثله تَلِفَ أو أُتلِفَ) (¬5) يستثنى منه أمور: أحدها: إذا لم يكن للمثل عند المطالبة قيمة؛ كما إذا أتلف الماء في المفازة وطولب عند نهر، أو الجمد في الصيف وطولب في الشتاء .. فإنه يلزمه قيمته في مكان الإتلاف وزمانه، قال شيخنا ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 125). (¬2) انظر "فتح العزيز" (4/ 421). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 291). (¬4) الروضة (5/ 24)، وانظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 127). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 114)، و"الحاوي" (ص 351)، و"المنهاج" (ص 291).

ابن النقيب: ومقتضى كلامهم: التصوير بما إذا لم يكن له في البلد والشتاء قيمة ألبتة، فإن كانت ولو يسيرة .. وجب المثل، وهو مشكل (¬1). قلت: لا إشكال فيه؛ لأن الأصل المثل، وإنما يعدل عنه إذا لم يصر له في تلك الحالة مالية، ولا نظر إلى زيادة قيمة المثل ونقصها، كما لا نظر إلى تفاوت الأسعار عند رد العين على المذهب. ثانيها: الحلي، فإذا أتلف حليًا من ذهب أو فضة أو آنية، وجوزنا اتخاذها .. فالأصح: ضمان الكل بنقد البلد وإن كان من جنسه، ولا ربًا؛ لاختصاصه بالعقود، وقد ذكره "التنبيه" بعد ذلك (¬2). ثالثها: ما إذا لم يجد المثل إلا بأكثر من ثمن مثله .. فالأصح في زوائد "الروضة": أنه لا يلزمه تحصيله (¬3)، وقد تبع فيه "التنبيه" حيث قال [ص 114]: (فإن أعوزه المثل أو وجده بأكثر من ثمن المثل .. ضمنه بقيمته)، ولم يصرح الرافعي بترجيح، بل حكى هذا عن تصحيح الغزالي وآخرين، واللزوم عن تصحيح البغوي والروياني (¬4)، واستشكل شيخنا ابن النقيب ما صححه في "الروضة" (¬5)، وسبقه لذلك شيخه السبكي. رابعها: ما إذا ظفر بالغاصب في غير بلد التلف .. فالصحيح: أنه لا يطالبه بالمثل إن كان لنقله مؤنة، بل يغرّمه قيمة بلد التلف، وقد ذكره "المنهاج" (¬6)، وأشار إليه "الحاوي" بعد ذلك (¬7). خامسها: لو تراضيا على أخذ القيمة مع وجود المثل .. جاز على أحد وجهين، صححه السبكي، فعلى هذا: لا يتعين المثل. سادسها: المستعير والمستام لا يضمنان المثلي بالمثل، بل بالقيمة، وعنهما احترز "المحرر" بقوله: (تحت اليد العادية) (¬8)، فَحَذْفُ "المنهاج" لذلك ليس بجيد، وكأنه اكتفى بأن الكلام في الغصب، ولا يرد ذلك على "التنبيه" و"الحاوي" لتصريحهما بأن الكلام في المغصوب. سابعها: يرد عليهم: القمح المختلط بالشعير؛ فإنه لا يجوز السلم فيه، ومع ذلك فإنه يضمن بالمثل. ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 128). (¬2) التنبيه (ص 114). (¬3) الروضة (5/ 25). (¬4) انظر "فتح العزيز" (5/ 429، 430). (¬5) الروضة (5/ 25)، وانظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 128). (¬6) المنهاج (ص 292). (¬7) الحاوي (ص 352). (¬8) المحرر (ص 212).

ثامنها: عبارة "المنهاج" أعم من قول "التنبيه" [ص 114]: (وإن تلف المغصوب عنده أو أتلفه) فإنها تتناول ما لو أتلفه أجنبي؛ لبنائه فعل الإتلاف للمفعول، واقتصر "الحاوي" على التلف (¬1)، وهو حسن؛ فإنه إذا أتلف .. تلف. فإن قلت: فلا إيراد إذًا على "التنبيه". قلت: لما جمع بينهما .. دلَّ على أنه أراد: التلف بغير فعل، بل بآفة .. فلا بد أن يأتي في الإتلاف بعبارة تتناول إتلاف الغاصب والأجنبي، بخلاف عبارة من اقتصر على التلف. 2610 - قول "المنهاج" [ص 291]: (فإن تعذر .. فالقيمة) أي: قيمة المثل، وقد صرح به "التنبيه" (¬2)، وعبارة "الحاوي" مثل "المنهاج" في الإبهام (¬3). قال السبكي: الوجوب يتعلق بالعين ما دامت باقية وبنوعها، وهو أعم منها إذا تلفت، وبماليتها - وهي القيمة - إذا تعذر المثل، قال: ومن هنا يعلم أن الواجب: قيمة المثل لا قيمة المغصوب، ثم قال: وصواب العبارة: أنا إذا قومنا شيئًا .. أن نقول: قيمته لا قيمة مثله، وقولهم: (ثمن المثل، وأجرة المثل، ومهر المثل) احتراز من المسمى. 2611 - قول "التنبيه" [ص 114]: (ضمنه بقيمة المثل وقت المحاكمة والتأدية) ثم قال: (وقيل: عليه قيمة أكثر ما كانت من حين القبض إلى حين تعذر المثل) هذا الأخير هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، وصورة كلامهما: ما إذا كان المثل موجودًا عند التلف فلم يسلمه حتى فقد، وقد صرح بتصويره بذلك في "المحرر" (¬5)، أما إذا كان المثل مفقودًا عند التلف .. فقياس الأصح المتقدم ذكره: وجوب الأكثر من الغصب إلى التلف، وفي أصل المسألة في "الروضة" وأصلها أحد عشر وجهًا (¬6)، وحكى في "الكفاية" وجهًا زائدًا، وهو: اعتبار الأقصى من الغصب إلى يوم الأخذ، ثم رجع عنه في "المطلب"، قال السبكي: وذلك لكونه غير منقول صريحًا, ولكنه ينشأ من كلام الأصحاب، قال: وربما يترجح على سائر الوجوه، فلا بأس بالمصير إليه. انتهى. 2612 - قول "المنهاج" [ص 292]: (ولو نقل المغصوب المثلي إلى بلد آخر .. فللمالك أن يكلفه رده) فيه أمران: ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 351). (¬2) التنبيه (ص 114). (¬3) الحاوي (ص 352). (¬4) الحاوي (ص 351)، المنهاج (ص 291، 292). (¬5) المحرر (ص 213). (¬6) فتح العزيز (5/ 422، 423)، الروضة (5/ 20).

أحدهما: لا يختص ذلك بالنقل إلى بلد آخر، ولا يكون المغصوب مثليًا، فعلى الغاصب الرد مطلقًا كما تقدم، ولو لم يكلفه المالك ذلك، ففي عبارته تكرير مع نقص، وكأنه إنما ذكره؛ لأنه لو اقتصر على أن له المطالبة بالقيمة في الحال .. لتوهم أنه ليس له سوى ذلك، مع أن له الجمع بينهما؛ فهما حقان واجبان في الحال، وعبارة "التنبيه" [ص 114]: (وإن ذهب المغصوب من اليد ولم يتلف). وقد يرد عليهما: أن له المطالبة بالبدل وإن لم يذهب من اليد بأن نقله إلى بلدة أخرى ويده عليه، فلا يكلف المالك الصبر إلى إحضاره، بل له المطالبة ببدله في الحال، واقتصر "الحاوي" أيضًا على التمثيل بالإباق (¬1). ثانيهما: محل تكليفه رده: إذا عُلم مكانه. 2613 - قوله: (وأن يطالبه بالقيمة في الحال) (¬2) صريح في المطالبة بالقيمة في المثلي؛ لفرضه المسألة في المثلي، وذكر "الحاوي" القيمة أيضًا، لكنه مثل بالإباق (¬3)، وإنما يتصور في متقوم، وعبارة "الروضة" وأصلها: في أعم من المثلي والمتقوم (¬4)، واقتصرا على تضمين القيمة، ومقتضاه: عدم الفرق، وعبارة "التنبيه" [ص 114]: (ضمن البدل)، وهو محتمل، وقال شيخنا ابن النقيب: ينبغي وجوب المثل في المثلي، وكلامهم كالصريح في القيمة مطلقًا، قالوا: والاعتبار بأقصى القيم من الغصب إلى المطالبة، قال شيخنا ابن النقيب: وينبغي إذا زادت القيمة بعد ذلك .. أن يطالب بالزائد، وقيد الماوردي المطالبة بالقيمة ببُعد المسافة، فإن قربت .. فالرد فقط (¬5). وقال شيخنا الإِمام البلقيني: إنه مباين للطريقة المشهورة. 2614 - قولهم - والعبارة لـ" المنهاج" -: (فإذا رده .. ردها) (¬6) أي: وجوبًا في الراجح، والمراد: إذا بقيت، فإن تلفت .. رد بدلها، وفي زيادة "الروضة": أنه يردها بزيادتها المتصلة، ثم قال: قال القاضي أبو الطيب والجرجاني: هذا إذا تصور كون القيمة مما يزيد؛ أي: أن القيمة النقد، ولا زيادة له (¬7). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 352). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 292). (¬3) الحاوي (ص 352). (¬4) فتح العزيز (5/ 424)، الروضة (5/ 22). (¬5) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 131). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 114)، و"الحاوي" (ص 352)، و"المنهاج" (ص 292). (¬7) الروضة (5/ 27).

وقال في "الكفاية": طريق الجواب عنه: أن يكون المالك اعتاض عن القيمة شاة مثلًا؛ فإن عند القاضي أبي الطيب إذا استبدل من له ثمن في ذمة شخص عنه عينًا، ثم رد المبيع بعيب .. أن له أن يسترجع العين، ووزانه: أن يسترجع الشاة هنا، وعلى ذلك يحمل ما قالوه، وبه صور الروياني في "البحر" المسألة. انتهى. قلت: لكن الراجح: خلاف ما قاله أبو الطيب، وقال السبكي: رأيت على حاشية تمثيله ببلد يتعاملون فيه بالحيوان. 2615 - قول "الحاوي" [ص 352]: (ويحبس الآبق ليسترد قيمته) تبع فيه "الوجيز" (¬1)، وحكاه القاضي حسين عن نص الشافعي، واختار الإِمام المنع (¬2)، قال الرافعي: ويشبه أن يكون حبس الغاصب كحبس المشتري في الشراء الفاسد، والأصح فيه: المنع (¬3). 2616 - قول "المنهاج" [ص 292]: (فإن تلف في البلد المنقول إليه .. طالبه بالمثل في أيِّ البلدين شاء) كذا فيما وصل إليه مما بينهما، بل لو أعاده الغاصب إلى بلده فتلف فيه .. فالتخيير بحاله. 2617 - قوله: (فإن فُقد المثل .. غرمه قيمته) (¬4) المراد: قيمة أكثر البلدين، قال السبكي: كذا جزموا به، وتقدم لنا وجوه أكثر من عشرة، ولا منافاة بين جزمهم هنا واختلافهم ثم إذا تُؤُمِّل، لكن إذا غرمه قيمة البلد المنقول إليه، فاختلفت القيمة بالنسبة إلى يوم الغصب والتلف والطلب .. فالوجه: أن تجري فيه الأوجه المتقدمة، لكن لا تعتبر قيمة يوم الغصب ولا الأقصى منه، بل يجعل عوضه يوم الوصول إلى تلك البلد. انتهى. 2618 - قوله: (ولو ظفر بالغاصب في غير بلد التلف .. فالصحيح: أنه إن كان لا مؤنة لنقله؛ كالنقد .. فله مطالبته بالمثل، وإلا .. فلا يطالبه بالمثل، بل يغرمه قيمة بلد التلف) (¬5) فيه أمور: أحدها: قال شيخنا ابن النقيب: أي: والمغصوب مثلي، والمثل موجود (¬6). قلت: لا حاجة لهذا التقييد؛ لأن الكلام في المثلي، وقد قال عقبه: (وأما المتقوم ... ) (¬7) فذكر حكمه، وفقد المثل سبق الكلام عليه. ¬

_ (¬1) الوجيز (1/ 382). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (7/ 287، 288). (¬3) انظر "فتح العزيز" (5/ 431). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 292). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 292). (¬6) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 133). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 292).

ثانيها: بعد أن حكى الرافعي هذا عن الأكثرين حكى عن الشيخ أبي على وأبي عاصم: أنه إن كانت قيمة ذلك البلد مثل قيمة بلد التلف أو أقل .. طالبه بالمثل، وإلا .. فلا (¬1). قال في "المهمات": وجزم به البندنيجي والقاضي أبو الطيب والماوردي وابن الصباغ وغيرهم، وذكر الزبيلي في "أدب القضاء" عن الشافعي: أنه قال؛ لأنا لو حملناه على المثل .. لكان في ذلك ضرر وإتلاف مال؛ لاختلاف الأسعار، قال في "المهمات": والتعليل صريح في تصوير المسألة واختصاصها بذلك، وقد تظافرت النفول عليه، وساعده المعنى؛ لفقد الضرر، وحمل الإطلاق عليه سهل لا مانع منه. انتهى. ثالثها: تعين قيمة بلد التلف محله: إذا لم ينتقل المغصوب عن موضعه، وإلا .. فقيمة أكثر البقاع كما تقدم. رابعها: قال شيخنا الإمام البلقيني: كلام الإِمام في "النهاية" يدل على أنه يجيء في القيمة الأوجه في الإعواز، وقد يتخيل أن الأقرب اعتبار وقت المطالبة كما في نظيره من القرض؛ لأنه أخذ القيمة عن مثل موجود، لكن الأول أقيس؛ لأنه غير متعد في القرض بخلاف الغصب، فوجب أن يقال: يجب أقصى القيام من الغصب إلى المطالبة؛ لأن بها تحقق الإعواز. انتهى بمعناه (¬2). 2619 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (وأما المتقوم .. فيُضمن بأقصى قيمه من الغصب إلى التلف) (¬3) محله: في العين، أما المنفعة .. فالأصح: أنها تضمن في كل بعض من أبعاض المدة بأجرة مثلها فيه، والثاني: كذلك إن كانت في الأول أقل، وإلا .. ضمنها بالأكثر، والثالث: بأكثر، حسماها في "أصل الروضة" أوجهًا عن حكايته أبي سعد الهروي (¬4)، وإنما هي احتمالات له ذكرها في "الإشراف"، وصرح بأن المسألة غير منقولة، ويوافق الأول ما ذكره في "أصل الروضة" قبل ذلك: فيما إذا دخل المغصوب نقص .. أن الأجرة الواجبة لما قبل حدوث النقص أجرة مثله سليمًا, ولما بعده أجرة مثله معيبًا (¬5). 2620 - قول "التنبيه" [ص 114]: (وتجب قيمته من نقد البلد الذي غُصب فيه) المجزوم به في "أصل الروضة": اعتبار نقد البلد الذي تلف فيه (¬6)، وعليه مشى "الحاوي" (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (5/ 425). (¬2) نهاية المطلب (7/ 176). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 114)، و"الحاوي" (ص 352)، و"المنهاج" (ص 292). (¬4) فتح العزيز (5/ 432)، الروضة (5/ 27). (¬5) فتح العزيز (5/ 418)، الروضة (5/ 16). (¬6) فتح العزيز (5/ 430)، الروضة (5/ 25). (¬7) الحاوي (ص 352).

قال في "الكفاية": وما قاله في "التنبيه" متجه إذا كانت قيمة بلد الغصب أكثر أو أروج، وقد اعتبر في "الوسيط" قيمة بلد الغصب في مثلي تلف ببلد آخر، وظفر به بثالث، وقلنا: لا يطالب بالمثل في غير موضع التلف؛ حيث قال: يخير بين قيمة بلد الغصب وبلد التلف، وغاية الأمر حينئذ: إيهام كلام الشيخ الحصر في بلد الغصب، وهو أسهل من نقله ما لم يقله أحد. انتهى (¬1). وقال السبكي: ينبغي اعتبار أكثر البلدين قيمة كما في المثلي، وقال بعضهم: أراد "التنبيه" بالغصب: التلف، فعبر بالسبب، وهو الغصب عن المسبب، وهو التلف. وقال شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" و"تنقيحه": الأصح: وجوب قيمة أكثر البلدين إذا نقل المغصوب إلى بلد أخرى. انتهى (¬2). فجعل المسألة ذات اختلاف وتصحيح، ولم أر ذلك في المتقوم، وليس كلام "التنبيه" وغيره في أكثر القيمتين؛ فإن اعتبار الأكثر لا شك فيه، وإنما الكلام في النقد، ولا يتعلق بتعيينه كثرة ولا قلة، والله أعلم. وقال في "المهمات": ما أطلقه، أي: في "أصل الروضة" من وجوب نقد بلد التلف محمول على ما إذا لم ينقله، فإن نقله .. قال في "الكفاية": فيتجه أن يُعتبر نقد البلد الذي تعتبر قيمته، وهو أكثر البلدين قيمة، قال: وفي "البحر" عن والده ما يقاربه. انتهى (¬3). وهو كلام محرر، بخلاف كلام "التصحيح" و"التنقيح" (¬4). 2621 - قول "المنهاج" [ص 292]: (ولا تُضمن الخمر) هو على إطلاقه، وأما تقييد "الحاوي" بالمحترمة وللذمي .. فليس لاختصاص الحكم بهما، فغيرهما من طريق الأولى، وإنما ذكر هذا القيد؛ لقوله عقبه: (وتُرَدُّ) (¬5)، والرد مختص بهما؛ ولذلك قال "التنبيه" [ص 116]: (وإن غصب خمرًا من ذمي .. وجب ردها عليه، وإن أتلفها .. لم يضمن)، وفي المحترمة وجه: أنها تضمن بناء على طهارتها. واعلم: أن النبيذ لا يضمن أيضًا كالخمر مع أن اسمها لا يتناوله، كما حكاه الرافعي عن الأكثرين (¬6)، وكذلك الحشيشة يتجه إلحاقها بالخمر، كما قاله شيخنا ابن النقيب (¬7)، أي: فلا ¬

_ (¬1) الوسيط (3/ 397). (¬2) تصحيح التنبيه (3/ 159). (¬3) بحر المذهب (9/ 102). (¬4) تصحيح التنبيه (3/ 159). (¬5) الحاوي (ص 355). (¬6) لم أقف عليه في "فتح العزيز". (¬7) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 134).

تضمن، وهو واضح، وهي كما قال النووي في "الدقائق": مسكرة (¬1)، ولو أخذنا بقول غيره أنها مخدرة .. فاللائق عدم ضمانها مطلقًا. وفي ضمان المتنجس من الزيت والماء وجهان. 2622 - قول "التنبيه" [ص 116]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 355]: (وإن غصب خمرًا من ذمي .. وجب ردها عليه) أي: ولا تراق، زاد "المنهاج" [ص 292]: (إلا أن يُظهر شربها أو بيعها)، وكذا في "المحرر" و"الروضة" وأصلها (¬2)، والصواب: ما في "الكفاية" و"المطلب" وهو: الإظهار من غير تقييد حتى يتناول الهبة والنقل وغيرهما، وهو موافق لإطلاقهم في الجزية منعهم من إظهارها. واعلم: أن النبيذ ليس كالخمر في إراقته على غير الذمي، كما ذكره الماوردي في "الأحكام السلطانية"، فقال: ينهى المحتسب عن المجاهرة به، ويزجر عليه، ولا يريقه، إلا أن يأمر بإراقته حاكم من أهل الاجتهاد؛ لئلا يتوجه عليه الغرم؛ فإنه عند أبي حنيفة مال. انتهى (¬3). وحيث جازت الإراقة .. جاز كسر الإناء إذا لم يقدر عليها إلا به. قال الغزالي في "الإحياء": وكذا لو كانت في قوارير ضيقة الرؤوس، ولو اشتغل بإراقتها لأدركه الفساق ومنعوه، قال: ولو لم يخف ذلك، لكن كان يضيع فيه زمانه ويتعطل شغله .. فله كسرها، قال: وللولاة كسر ظروف الخمر زجرًا وتأديبًا، دون الآحاد (¬4). انتهى (¬5). فإن قلت: ما معنى قول "المنهاج" [ص 292]: (وترد عليه إن بقيت العين)، وهل يمكن الرد مع تلف العين؟ . قلت: قصد بذلك نفي الضمان عند التلف، وفي عبارته قصور عنه مع دخوله في قوله أولًا: (ولا تُضمن الخمر) كما تقدم، ويفهم من وجوب الرد: أن مؤنته على الغاصب، وبه قطع الشيخ أبو محمَّد، وقال شيخنا الإِمام البلقيني: إنه أوجه، وحكى الإِمام عن المحققين: أن الواجب التخلية (¬6). 2623 - قول "التنبيه" [ص 116]: (وإن غصبها من مسلم .. أراق) يستثنى منه: ما إذا كانت محترمة .. فالصحيح: أنها ترد إليه ولا تراق، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬7)، وعبر عنه ¬

_ (¬1) الدقائق (ص 36). (¬2) المحرر (ص 213)، فتح العزيز (5/ 413، 414)، الروضة (5/ 17). (¬3) الأحكام السلطانية (ص 328، 329). (¬4) أي: آحاد الرعية. (¬5) إحياء علوم الدين (2/ 331). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (7/ 295). (¬7) الحاوي (ص 355)، المنهاج (ص 292).

النووي في "تصحيحه" بالصواب (¬1)، فاقتضى أنه لا خلاف فيه، قال شيخنا الإسنوي: وهو ممنوع؛ ففي "الكفاية" عن العراقيين قاطبة: أنها تراق. قلت: والخلاف في ذلك في الرافعي في الكلام على ألفاظ "الوجيز"، وأسقطه في "الروضة" هنا (¬2)، فلذلك لم يستحضره، وذكر الرافعي هنا: أن المحترمة هي التي تخمرت من غير قصد الخمرية (¬3)، وقال في (الرهن): هي التي عصرت بقصد الخلية (¬4)، وبينهما فرق؛ فإن ما عصر بغير قصد شيء، فتخمر .. محترم على الأول دون الثاني، فلو أبرز خمراً، وزعم أنها خمر خل .. قال الإمام في (الإقرار): نص طوائف من الأصحاب على أنه لا يقبل (¬5). 2624 - قول "التنبيه" [ص 116]: (وإن غصب صليباً أو مزماراً فكسره .. لم بضمن الأرش) فيه أمران: أحدهما: لو عبر بدل (المزمار) بـ (الملاهي) كما في "المنهاج" و"الحاوي" (¬6) .. لكان أعم، ومع ذلك فأورد عليهما: أنه ينبغي التقييد بالمحرمة؛ ليخرج الاُّفّ، وكذا الشبابة على ترجيح الرافعي (¬7). ثانيهما: ظاهر عبارته وعبارة "الحاوي" نفي الضمان بالكسر على أي وجه كان (¬8)، وليس كذلك، وقد بيَّنه "المنهاج" بقوله [ص 292]: (والأصح: أنها لا تكسر الكسر الفاحش، بل تُفَضَّل لتعود كما قبل التأليف)، قال في "التوشيح": لكن قد يقال: هذا في جواز الكسر، والأول في نفي الضمان، وقد ينتفي وإن لم يجز الكسر؛ ولهذا قال في "المنهاج" [ص 292]: (وآلات الملاهي لا بجب في إبطالها شيء) وهو شامل لإبطالها بكل وجه، قال: لكن المنقول التضمين فيما لا يجوز فعله. انتهى. فهو بحث لم يساعده النقل، ولا المعنى أيضاً، وكيف يسوغ نفي الضمان في إتلاف مال الغير على وجه غير جائز؛ و"المنهاج" إنما فصَّل ما أجمله أولاً. 2625 - قول "الحاوي" [ص 355]: (لا الإحراق) أي: يضمن بالإحراق قيمة رضاضها بعد ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (1/ 358). (¬2) الروضة (5/ 17). (¬3) انظر "فتح العزيز" (5/ 452). (¬4) انظر "فتح العزيز" (4/ 481). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (7/ 61). (¬6) الحاوي (ص 354)، المنهاج (ص 292). (¬7) لم أقف عليه في "فتح العزيز". (¬8) الحاوي (ص 355)

الكسر المشروع، وينبغي أن يكون محله: إذا تمكن من إتلافها بغير الإحراق، فإن تعين الإحراق طريقاً للإتلاف .. لم يضمن، وهو مأخوذ من قول "المنهاج" [ص 292]: (فإن عجز المنكر عن رعاية هذا الحد لمنع صاحب المنكر .. أبطله كيف تبسر). 2626 - قول "المنهاج" [ص 292]: (وتُضمن منفعة الدار والعبد ونحوهما بالتفويت والفوات في بد عادية) هو الذي عبر عنه "الحاوي" بقوله [ص 354]: (وغيرهما - أي: غير البضع والحر - بالفوات، لا من الكلب) وهو أحسن من وجهين: أحدهما: أنه لا يُعرف ضابط ذلك من قول "المنهاج": (ونحوهما)، وبيّن "الحاوي" أن المراد بذلك: ما عدا البضع والحر والكلب (¬1)، وضابطه كما في "الروضة" وأصلها: كل عين لها منفعة تستأجر لها (¬2). ثانيهما: أن الاقتصار على الفوات كافٍ، فذكر التفويت معه حشو، قال السبكي: إذا ثبت أن الفوات سبب للضمان وهو حاصل في التفويت .. فخصوص التفويت ملغي، فلا يعد سبباً آخر، إلا أن يقال: إذا كان الخصوص أيضاً مناسبا .. جاز التعليل بكل منهما. انتهى. وفي كلام الرافعي إشارة إلى ما بحثه أولاً، فقال في توجيه الأصح، وهو وجوب أجرة المثل وأرش النقص فيما إذا نقص المغصوب بالاستعمال: الأجرة لا تجب للاستعمال، وإنما تجب؛ لفوات المنفعة على المالك، ألا ترى أنها تجب وان لم يستعمل (¬3). فإن قلت: فات "الحاوي" قول "المنهاج" [ص 292]: (في يد عادية). قلت: هو غير محتاج إليه؛ لقوله أول الباب: (بالاستيلاء ظلماً) (¬4)، وفي "التنبيه" [ص 114]: (وان كان له منفعة .. ضمن أجرته للمدة التي أقام في بده)، وأورد عليه ابن يونس في "النبيه" منفعة البضع، ولا ترد؟ لخروجها بقوله: (أجرته) فإن منفعة البضع تقابل بالمهر لا بالأجرة. 2627 - قول "التنبيه" في الحر [ص 116]: (وإن حبسه .. ضمن الأجرة، وقيل: لا بضمن) الثاني هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬5)، ولو استولى على حر ولو صغيراً وضعيفاً .. لم يضمن ثيابه في الأصح، ذكره الرافعي في (السرقة) (¬6)، وقد ترد على عبارة "المنهاج" و"الحاوي" لعدم تناول لفظ بدن الحر ثيابه. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 354). (¬2) فتح العزيز (5/ 416)، الروضة (5/ 13). (¬3) انظر "فتح العزيز" (5/ 418). (¬4) الحاوي (ص 351). (¬5) الحاوي (ص 354)، المنهاج (ص 292). (¬6) انظر "فتح العزيز" (11/ 220، 221).

فصل [في الاختلاف]

فصلٌ [في الاختلاف] 2628 - قول "المنهاج" [ص 293]: (ادعى تلفه وأنكر المالك .. صُدق الغاصب بيمينه على الصحيح، فإذا حلف .. كرَّمه المالك في الأصح) ظاهره أن مقابل الأصح: لا غرم أصلاً، وكذا تقتضيه عبارة "الروضة" وأصلها (¬1)، وقال السبكي: ينبغي أن تجب له القيمة للحيلولة والأجرة إلى أن يتفقا على التلف، أو تقوم به بينة. وقال شيخنا الإسنوي: إن كان متقوماً .. فينبغي إيجاب القيمة بدلاً إن كان تالفاً، وإلا .. فللحيلولة، وأما المثلي .. فالمالك يدعي فيه القيمة للحيلولة وينكر استحقاق المثل، والغاصب بالعكس، فلا شيء له إلا إذا عاد وصدقه، قال: ولا أجرة له؛ فإنا صدقنا الغاصب في التلف. 2629 - قوله: (ولو اختلفا في الثياب التي على العبد المغصوب .. صدق الغاصب بيمينه) (¬2) خرج الحر، وخرّجه ابن الرفعة على أن غاصبه هل يثبت يده على ثيابه؟ إن قلنا: نعم .. صدق، وإلا - وهو الأصح - .. صدق الولي. 2635 - قوله: (وفي عيب حادثٍ .. يُصدَق المالك بيمينه في الأصح) (¬3) يقتضي أن الخلاف وجهان، وهو في "الروضة" وأصلها قولان (¬4). وصورة المسألة: أن يكون المغصوب تالفاً، فلو رده معيباً وقال: (غصبته هكذا) فقال المالك: (حدث عندك) .. صدق الغاصب، كما حكاه الرافعي عن المتولي (¬5)، قال في "الروضة": وقاله ابن الصباغ أيضاً، ونقله في "البيان" (¬6)، وحكاه شيخنا ابن النقيب عن النص (¬7). 2631 - قول "التنبيه" [ص 114] فيما لو غصب زوجي خف قيمتهما عشرة فضاع أحدهما وصار قيمة الباقي درهمين: (لزمه ثمانية، وقيل: درهمان) الوجه الثاني غريب، حتى قال ابن يونس في "النبيه": إن الشيخ سها فيه. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (5/ 433)، الروضة (5/ 28) (¬2) انظر "المنهاج" (ص 293). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 293). (¬4) فتح العزيز (5/ 434)، الروضة (5/ 28، 29). (¬5) انظر "فتح العزيز، (5/ 434). (¬6) البيان (7/ 91)، الروضة (5/ 29). (¬7) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 139).

وقال في "الكفاية": لم أره فيما وقفت عليه من كتب المذهب في هذه المسألة. وقال شيخنا الإمام البلقيني: هو مما ينكر. انتهى. وجزم الرافعي بالوجه الأول، وادعى في "أصل الروضة " القطع به، ثم زاد حكاية هذا الوجه عن "التنبيه" و"التتمة"، قال: وهو غريب (¬1). ووهم في نقله عن "التتمة"، وإنما فيها حكاية وجه بلزوم خمسة، وفي "نكت النشائي": أن هذا الوجه - وهو لزوم درهمين - في "الشامل" (¬2)، وقال شيخنا ابن النقيب: نقل بعضهم عن "الشامل" ما يؤخذ منه. انتهى (¬3). وحينئذ .. فتعبير "المنهاج" عن مقابله بالأصح معترض (¬4)؛ لضعف الخلاف جداً إن ثبت. 2632 - قوله (¬5): (أو أتلف أحدهما غاصباً، أو في يد مالكه .. لزمه ثمانية في الأصح) (¬6) صحح الإمام والبغوي: لزوم خمسة (¬7)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 353]: (وفي فرد خف: نصف الجميع)، وقال في "الروضة" من زيادته: الأقوى: ما صححه الإمام وإن كان الأكثرون على ترجيح الأول، وعليه العمل (¬8)، ومراد "المنهاج": إتلاف أحدهما غاصبا له فقط، وإلا .. تكرر مع قوله قبله: (ولو غصب خفين) (¬9). 2633 - قول "التنبيه" [ص 114]: (وإن أحدث فيه فعلاً نقص به وخيف عليه الفساد في الثاني - أي: ثاني الحال - بأن كان حنطة فبلها أو زيناً فخلطه بالماء وخيف عليه الفساد .. استحق عليه مثل طعامه وزيته، وقيل: فيه قولان، أحدهما: هذا، والثاني: أنه يأخذه وأرش ما نقص) فيه أمور: أحدها: أنه لا يختص ذلك بأن يكون الغاصب هو الفاعل لذلك، بل لو حصل البلل أو الاختلاط بغير فعله .. كان كذلك؛ ولهذا عبر "المنهاج" بقوله [ص 293]: (ولو حدث نقصٌ يسري إلى التلف)، وأما قول "الحاوي" [ص 357]: (والجناية السارية) فمحتمل لموافقة كل من التعبيرين. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (5/ 469)، الروضة (5/ 59). (¬2) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 109). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 140). (¬4) المنهاج (ص 293). (¬5) كذا في النسخ، ولعل الصواب أن يقول: (قول "المنهاج") لأن العبارة من "المنهاج". (¬6) انظر "المنهاج" (ص 293). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (7/ 299)، و "التهذيب" (4/ 304). (¬8) الروضة (5/ 59). (¬9) المنهاج (ص 293).

ثانيها: ترجيحه طريقة القطع مخالف لكلام الرافعي والنووي؛ ففي "أصل الروضة" أربعة أقوال منصوصة، أظهرها عند العراقيين: هذا، والثاني: اختاره الإمام والبغوي، والثالث: يتخير المالك بين موجب القولين، واختاره الشيخ أبو محمد والمسعودي، والرابع: يتخير الغاصب (¬1)، وعلى طريقة الخلاف مشى "المنهاج" (¬2)، واستحسن في "الشرح الصغير" القول الثالث، واختاره السبكي، وزاد في "الروضة": أن الرافعي في "المحرر" رجح الأول، وعبارته: (رُجح) مبني للمفعول (¬3)، وعلى هذا: فهل تبُقَّى الهريسة ونحوها للغاصب أم للمالك؟ وجهان بلا ترجيح في "الروضة" (¬4)، واختار السبكي الأول. ثالثها: كان ينبغي أن يقول: (استُحقّ عليه بدله) ليشمل المثل في المثلي، والقيمة في المتقوم، ولا يقتصر على ذكر حكم المثال الذي ذكره؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 293]: (فكالتالف)، وقال "الحاوي" [ص 357]: (هلاك). 2634 - قول "المنهاج" فيما لو جنى المغصوب جناية تتعلق برقبته، وتلف في يده [ص 293]: (وللمجني عليه [تغريمه و] (¬5) أن يتعلق بما أخذه المالك) أي: بقدر حقه، وهو الأقل من قيمته والمال، لا بجميع ما يأخذه المالك، وهو أقصى القيم؛ فقد يكون أرش الجناية أقل من ذلك. 2635 - قوله: (ثم يرجع المالك على الغاصب) (¬6) يقتضي أنه لا يرجع إلا بعد غرامته للمجني عليه، وبه صرح الإمام (¬7)، لاحتمال الإبراء، لكن قال ابن الرفعة: له ذلك كما يطالب الضامن المضمون بالأداء. 2636 - قوله: (ولو رد العبد إلى المالك فبيع في الجناية .. رجع المالك بما أخذه المجني عليه على الغاصب) (¬8) كذا في "الروضة" وأصلها (¬9)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه ليس على إطلاقه، بل الصواب بمقتضى قاعدة الباب: أنه إذا أخذ الثمن بجملته مثلاً، وكان دون أقصى القيم .. فالذي يرجع به المالك على الغاصب أقصى القيم، ولا يقتصر رجوعه على ما بيع به، ثم استشهد لذلك وبسطه. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (5/ 439)، الروضة (5/ 33). (¬2) المنهاج (ص 293). (¬3) الروضة (5/ 33)، وانظر "المحرر" (ص 214). (¬4) الروضة (5/ 33). (¬5) ما بين معقوفين زيادة ضرورية من "المهاج". (¬6) انظر "المهاج" (ص 293). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (7/ 221). (¬8) انظر "المهاج" (ص 293). (¬9) فتح العزيز (5/ 442)، الروضة (5/ 35).

تنبيه [ما يجب على غاصب العبد إذا جنى]

تنبيهٌ [ما يجب على غاصب العبد إذا جنى] قال في "المهمات": إن كلام الرافعي والنووي يقتضي أنه لا يجب على الغاصب إلا الفداء، لكن ذكرا في (البيوع) من العيوب: جنايات الخطأ إذا كثرت، وجناية العمد إذا لم يتب عنها، فإن تاب .. فوجهان، قال في "المطلب": ويجوز أن يلتحق عمد الخطأ في هذا بالعمد، فإذا تقرر هذا .. فلا بد من أرش هذا العيب بعد الفداء. انتهى. 2637 - قول "المنهاج" [ص 293]: (ولو غصب أرضاً فنقل ترابها .. أجبره المالك على رده أو رد مثله) أي: رده إن كان باقياً ورد مثله إن كان تالفاً، فإن تعذر .. فالنص: أنا نقوم الأرض بترابها ثم بعد نقله منها، فيجب ما بينهما، وقيل: يجب اكثر من هذا ومن قيمة التراب منقولاً. 2638 - قوله: (وللناقل الرد وإن لم يطالبه المالك إن كان له فيه غرضٌ، وإلا .. فلا يرده بلا إذن في الأصح) (¬1) فيه أمور: أحدها: لو قال: (وإن منعه المالك) .. لكان أحسن؛ فإن له الرد أيضاً مع المنع، صرح به في "المطلب" تبعاً للأصحاب، فتبقى حالة السكوت من طريق الأولى. ثانيها: عبر في "الروضة" بالصحيح (¬2)، وبينهما في اصطلاحه تفاوت. ثالثها: عبارته توهم جريان الوجهين مع المنع، وجزم الرافعي فيها بأنه لا يرد (¬3). رابعها: أنه يتناول رد المثل عند التلف وفعله بغير إذن مشكل؛ لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح، ذكره في "المهمات"، وعبارة "الحاوي" [ص 355]: (ورد التراب بالأذن حيث لا غرض). 2639 - قوله: (أو لم يرض في الطم) (¬4) أي: يحتاج إلى الإذن في الطم فيما إذا كان له غرض فيه، وهو نفي الضمان عنه، لكن لو رضي المالك بترك الطم، وبقاء الحفر بحاله .. فإن الضمان حينئذ يسقط عنه، وفيه أمور: أحدها: أنه لا يحتاج إلى استثناء هذه الحالة؛ فإنه إذا لم يكن له غرض سوى نفي الضمان، وكان رضا المالك بترك الطم ينفي عن الحافر الضمان .. فلا غرض حينئذ للحافر في الطم؛ فإن الضمان منتف عنه، فدخل في قوله: (حيث لا غرض) (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 294). (¬2) الروضة (5/ 40). (¬3) انظر "فتح العزيز" (5/ 446). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 355). (¬5) انظر "الحاوي" (ص 355).

ثانيها: أن كلامه يقتضي حصر الغرض في نفي الضمان عنه، وليس كذلك؛ فقد يكون له غرض آخر كتضرره بالتراب الذي نقله إلى ملكه، فحينئذ .. له الطم بغير رضا المالك. ثالثها: أن كلامه يقتضي أن منع المالك من الطم يتضمن الرضا باستدامة الحفر حتى يسقط الضمان عن الحافر وإن لم يصرح بالرضا بالاستدامة، وبه قال المتولي، لكن قال الإمام: لا يتضمنه (¬1)، ونقل في "أصل الروضة" المقالتين بلا ترجيح (¬2)، وقال في "المنهاج" [ص 293]: (ويقاس بما ذكرنا حفر البئر وطمها)، فلم يجعل بين المسألتين فرقاً، وهو الصواب؛ فإن الاحتياج لإذن المالك مرتب على عدم غرض لناقل التراب، وأغراضه متنوعة؛ منها: ما هو مشترك بين كشط التراب والحفر، ومنها: ما يختص بالحفر، وهو خشية الضمان بالتردي، ورضا المالك ببقائها يدفع هذا الغرض الأخير دون غيره من الأغراض. 2640 - قول "المنهاج" [ص 294]: (عليه أجرة المثل لمدة الإعادة) كذا في "المحرر" (¬3) وعبارة "الروضة" وأصلها: (لمدة الحفر والرد) (¬4) قال السبكي: وهو أزيد فائدة، وفي "الشرح الصغير": لمدة الرد والتسوية مع مدة الحفر. 2641 - قول "التنبيه" [ص 114]: (فإن نقص من عينه شيء؛ بأن تلف بعضه، أو أحدث فيه ما نقص قيمته؛ بأن كان مائعاً فأغلاه فنقصت قيمته .. ضمن أرش ما نقص) قال في "الكفاية": أفهم أن المراد: المتقوم، أما المثلي؛ كالزيت والعصير .. فجزؤه مضمون بالمثل وإن لم ينقص القيمة في الأصح، وفرق بعضهم، فقال: يضمن في الزيت دون العصير؛ لأن حلاوة العصير باقية، والذاهب منه مائية ورطوبة، والذاهب من الزيت زيت متقوم، وهذا التفريق هو الأصح في "أصل الروضة"، وهو ظاهر إيراد الرافعي هنا (¬5)، لكن نظم "الوجيز" يقتضي ترجيح التسوية بينهما (¬6)، وبه قال أبو على الطبري، وصححه الرافعي في الفلس (¬7)، وعليه مشى "الحاوي" بقوله [ص 354]: (والزيت والعصير إن نقص لا قيمته بالإغلاء) وعبارة "المنهاج" [ص 294]: (ولو غصب زيتاً ونحوه وأغلاه فنقصت عينه دون قيمته .. رده ولزمه مثل الذاهب في الأصح، وإن نقصت القيمة فقط .. لزمه الأرش، وإن نقصتا .. غرم الذاهب ورد الباقي مع أرشه إن كان نقص القيمة ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (7/ 236). (¬2) فتح العزيز (5/ 446، 447)، الروضة (5/ 40). (¬3) المحرر (ص 215). (¬4) فتح العزيز (5/ 447)، الروضة (5/ 40، 41). (¬5) فتح العزيز (5/ 450)، الروضة (5/ 42). (¬6) الوجيز (1/ 383). (¬7) انظر "فتح العزيز" (5/ 45).

أكثر)، فأوضح المسألة إيضاحاً حسناً، وأراد بـ (نحوه): بقية أنواع الدهن، وهو أحسن من قول "المحرر" و"الروضة": زيتاً أو دهناً (¬1)، لإيهامه أن الزيت ليس دهناً، ولم يرد العصير؛ لترجيحه فيه في "الروضة" خلافه (¬2). وقوله: (إن كان نقص القيمة أكثر) (¬3) شرط في رد الأرش فقط، أما غرم الذاهب ورد الباقي .. فلا بد منهما بكل حال، وفهم صاحب "التوشيح" أن قول "التنبيه" [ص 114]: (بأن كان مائعاً فاغلاه) مثال لنقص العين، وليس كذلك، وإنما هو مثال لإحداثه فيه ما نقص قيمته، وأما نقص العين .. فقد مثله بقوله: (بأن تلف بعضه)، والحاصل: أن قوله أولاً: (فإن نقص من عينه شيء) لا بد من حمله على المتقوم، وإلا .. لم يستقم إطلاق قوله: (ضمن أرش ما نقص)، وقوله: (أو أحدث فيه ما نقص قيمته) يشملهما، إلا أنه لم يتكلم في هذه الصورة الثانية على نقصان العين، وإنما تكلم على نقصان القيمة خاصة، وبذلك يعلم أن قوله وقول النشائي في "نكته": (كان حق النووي استدراكه في "تصحيحه" على "التنبيه" لتصحيحه في "الروضة": عدم الضمان في نقص العصير) (¬4) ليس بجيد؛ لأن كلام "التنبيه" في نقص القيمة، وتصحيح "الروضة" في نقص العين، فلم يتوارد على محل واحد، كيف وقد نقل هذان المصنفان في صدر كلامهما عن "الكفاية" أن مراد "التنبيه": المتقوم دون المثلي، والتفصيل بين الزيت والعصير إنما هو في ضمان المثل. فإن قلت: الإيراد إنما هو على اللفظ، وهو متناول. قلت: فلا يكون الإيراد حينئذ من جهة افتراق حكم الزيت والعصير في ضمان نقص العين، وإنما يكون الإيراد على كونه أطلق ضمان الأرش، وكلامه أولاً في قوله: (فإن نقص من عينه شيء) (¬5) شامل للمثلي والمتقوم، وأما الصورة الثانية .. فلا إيراد عليها؛ لأنه وإن أطلق الكلام في أعم من المثلي والمتقوم .. فلم يتكلم إلا على صورة خاصة، وهي نقص القيمة، فلا يحتاج إلى حمل المائع في كلامه على الدهن دون العصير، والله أعلم. ويرد على إطلاق "التنبيه" و"المنهاج" ضمان السمن الزائل (¬6) أن محله: في غير السمن المفرط الذي لا تنقص القيمة بزواله؛ فإنه غير مضمون، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 354]: ¬

_ (¬1) المحرر (ص 215)، الروضة (5/ 42). (¬2) الروضة (5/ 42). (¬3) المنهاج (ص 294). (¬4) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 108)، وانظر الروضة (5/ 42). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 114). (¬6) التنبيه (ص 114، 115)، المنهاج (ص 294).

فصل [للمالك تكليف الغاصب رد المغصوب كما كان]

(لا السمن المفرط) لكن لو سمنت المعتدلة عند الغاصب سمناً مفرطاً، فنقصت القيمة .. فإنه يردها ولا شيء عليه، قاله الطبري، وفيه نظر، وقد يجاب عن "التنبيه" بخروج السمن المفرط بقوله [ص 114]: (فإن زاد). 2642 - قول "المنهاج" [ص 294]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 356]: (وأن تَذَكُّرَ صنعة نسيها يَجْبُرُ النسيان) يتناول ما إذا تذكرها بنفسه وما إذا تذكرها بإنشاء تعليم، فلو تذكرها في يد المالك .. قال في "المطلب": فيظهر أن يجبر أيضاً حتى يسترد ما دفع من الأرش، ولو تعلمها .. فالمتجه كما قال شيخنا الإسنوي: عدم الجبر، فلا يسترد. 2643 - قول "التنبيه" فيما لو غصب عصيراً فصار خمراً ثم صار خلاً [ص 116]: (وقيل: يرد الخل، ويضمن مثله من العصير وأرش ما نقص) ما ذكره في تتمة الوجه الضعيف من رد أرش النقص هو في بعض النسخ دون بعضها، وقال ابن يونس: لم يذكره غيره، فكأنه سهو، وقال ابن الرفعة: كأنه بناه على مذهب أبي ثور في ضمان تفاوت الأسعار عند رد العين. 2644 - قوله فيما لو غصب جلد ميتة: (فإن دبغه .. فقد قيل: يرده، وقيل: لا يرده) (¬1) الأصح: الأول، وعليه مشى "الحاوي" (¬2)، وهو معنى قول "المنهاج" [ص 294]: (الأصح: أنه للمغصوب منه) وخرج بالغصب: ما لو أعرض عنه فأخذه شخص فدبغه .. فالأصح: أنه لا يرده، كما في "أصل الروضة" في (الصيد) وزوائدها هنا (¬3). فصلٌ [للمالك تكليف الغاصب ردَّ المغصوب كما كان] 2645 - قول "المنهاج" في الأثر المحض كالقصارة [ص 294]: (وللمالك تكليفه رده كما كان إن أمكن) قد يفهم أن الغاصب ليس له فعل ذلك بغير رضا المالك، وهو كذلك إلا أن يكون ضربه دراهم بغير إذن السلطان، أو على غير عياره، فيخاف التعزير، فله ذلك، ولو لم يأمره ولم يمنعه .. فقياس ما تقدم في التراب: المنع من الإعادة في الأصح. 2646 - قوله: (وأرش النقص) (¬4) قال شيخنا ابن النقيب: هو منصوب عطفاً على (رده) أي: تكليفه رده وأرش (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 116). (¬2) الحاوي (ص 356). (¬3) فتح العزيز (5/ 453)، الروضة (5/ 45). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 294). (¬5) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 148)، وقوله: (وأرش) هو كذلك في النسخ، وفي "السراج": (وأرشه) فليعلم.

قلت: ويجوز رفعه عطفاً على (تكليفه) اْي: وللماك أرش النقص، وهو المتداول على الألسنة. 2647 - قول "المنهاج" [ص 294]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 356]: (وإن كلانت عيناً؛ كبناء وغراس .. كُلِّف القلع) قد يفهم أنه ليس له القلع بغير رضا المالك، وليس كذلك. 2648 - قول "المنهاج" [ص 295]: (وإن صبغ الثوب بصبغِهِ) احتراز من صبغه بمغصوب من المالك؛ فإنه لا يثبت فيه بعض الأحكام المذكورة، وهو الاشتراك عند الزيادة؛ إذ الثوب والصبغ لواحد، ومن صبغه بمغصوب لثالث .. فإنه يحصل فيه أحكام أخرى: منها: أن لكل منهما الفصل وأرشاً إن نقص به، والنقصان على الصبغ، وله الأرش، وعبارة "الحاوي" [ص 256]: (وإن صبغ ولو بمغصوب) فسوى بين أن يكون الصبغ للغاصب أو مغصوباً؛ لأنه لم يذكر من الأحكام إلا ما هو مشترك بينهما، فقال: (فالنقصان على الصبغ والزيادة بينهما) (¬1)، وعُلم من قوله: (والزيادة بينهما) أن مراده: بمغصوب من ثالث؛ فإنه لو كان الغصب من المالك .. لم تكن شركة، وأطلق "التنبيه" المسألة (¬2)، ومراده: ما إذا كان الصبغ للغاصب، وقوله: (وإن أراد صاحب الثوب قلع الصبغ وامتنع الغاصب .. أجبر، وقيل: لا يجبر، وهو الأصح) (¬3) أقره النووي في "تصحيحه" عليه، لكن صحح في "المنهاج" تبعاً "للمحرر" الإجبار (¬4)، وعليه مشى "الحاوي" (¬5)، وحكى في "الروضة" وأصلها تصحيحه عن البغوي والإمام وطائفة، وتصحيح مقابله عن العراقيين، قال الإمام: وموضع الوجهين إذا كان يخسر بالفصل خسراناً بينا" (¬6). وقد تفهم عبارة "المنهاج" و"الحاوي" أنه ليس للغاصب قلع الصبغ (¬7)، وليس كذلك، وقد صرح به "التنبيه" فقال [ص 115]: (فإن أراد الغاصب قلع الصبغ .. لم يمنع) واعلم: أن محل هذا: فيما إذا حصل من الصبغ عين، فلو كان تمويهاً محضاً .. فكالتزويق ليس للغاصب الاستقلال بقلعه جزماً، ولا للمالك إجباره في الأصح في "أصل الروضة"، وحكى الرافعي تصحيحه عن البغوي (¬8). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 356). (¬2) التنبيه (ص 115). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 115). (¬4) المحرر (ص 215)، المنهاج (ص 295). (¬5) الحاوي (ص 357). (¬6) فتح العزيز (5/ 457، 458)، الروضة (5/ 48)، وانظر "نهاية المطلب" (7/ 252)، و"التهذيب" (4/ 325). (¬7) الحاوي (ص 356)، المنهاج (ص 294). (¬8) فتح العزيز (5/ 456)، الروضة (5/ 47)، وانظر "التهذيب" (4/ 324).

2649 - قول "المنهاج" [ص 295]: (فإن لم تزد قيمته) أي: ولم ينقص؛ بدليل قوله بعده: (وإن نقصت) كذا قرره، والحق: أنه لا يحتاج إلى هذا التقييد؛ لأن المحكوم به، وهو قوله: (فلا شيء للغاصب) (¬1) لا يختلف، بل هو ثابت مع الاستواء ومع النقص، وتزيد حالة النقص حكماً آخر ذكره بقوله: (وإن نقصت .. لزمه الأرش) (¬2). 2650 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (وإن زادت .. اشتركا فيه) (¬3) فيه أمران: أحدهما: قد تفهم عبارتهم أن المراد: اشتراكهما على الإشاعة، وليس كذلك، بل كل منهما يملك ما كان له قبل ذلك، نبه عليه السبكي، وأوضحه شيخنا الإسنوي، وقال: إنه حاصل كلام البندنيجي والماوردي والغز الي وغيرهم، كما حكاه في "المطلب" وارتضاه، قال: ومن فوائده: لو زادت قيمة أحدهما .. فاز به صاحبه، قال: ويؤيده قولهم: هل لأحدهما الانفراد ببيع نصيبه؟ فيه وجهان، الأصح: لا. ثانيهما: قال الرافعي: وأطلق الجمهور المسألة، وفي "الشامل" و"التتمة": إن نقص لانخفاض سعر الثياب .. فالنقص على الثوب، أو سعر الصبغ أو الصبغة .. فعلى الصبغ، وإن زاد سعر أحدهما .. فالزيادة لصاحبه، أو بسبب الصبغة، فهي بينهما، قال الرافعي: فيمكن تنزيل الإطلاق عليه (¬4)، وحكى في "المطلب" هذا التفصيل عن القاضيين حسين وأبي الطيب أيضاً، وحكاه شيخنا ابن النقيب أيضاً عن البندنيجي وسُليم (¬5)، وهو واضح. 2651 - قول "التنبيه" [ص 115]: (وإن خلط المغصوب بما لا يتميز؛ فإن كان مثله .. لزمه مثل مكيلته منه، وإن خلطه بأردأ منه .. فالمغصوب منه بالخيار بين أن يأخذ حقه منه، وبين أن يأخذ مثل ماله) الأصح: أن الخلط استهلاك، فلا يجبر الغاصب على الدفع من المخلوط مطلقاً، ولو خلطه بمثله أو بأردأ منه، بل له دفع مثله، وعلى ذلك مشى "المنهاج" فقال [ص 295]: (فالمذهب: أنه كالتلف فله تغريمه، وللغاصب أن يعطيه من غير المخلوط) و"الحاوي" بقوله [ص 357]: (والخلط هلاك إن لمن يتميز)، وذكر السبكي: أن القول بالهلاك باطل، وبعيد من الشريعة وقواعد الشافعي، ثم قال: وأنا أوافق على الهلاك إذا لم يبق له قيمة؛ كَصَبّ قليل من ماء الورد في كثير من الماء. وقال شيخنا الإمام البلقيني: لو غصب دراهم وخلطها بدراهم له مثلها، ولم يتميز .. فقياس ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 295). (¬2) المنهاج (ص 295). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 115)، و"الحاوي" (ص 356)، و"المنهاج" (ص 295). (¬4) انظر "فتح العزيز" (5/ 457). (¬5) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 149).

كلامهم: أن يكون فيها الخلاف المذكور، لكن جزم ابن الصباغ بأنهما يصيران شريكين، قال شيخنا: أما لو غصب من اثنين زيتاً ثم خلطه .. فالمعروف عند الشافعية أنه لا يملك شيئاً من ذلك، ولا يكون كالهالك، وقد ذكروا ذلك في الاستدلال، لكن حكى صاحب "البحر" وجهين فيما إذا غصب دراهم من اثنين وخلطهما: أحدهما: يقسم بينهما. والثاني: أنهما يتخيران بين القسمة والمطالبة بالمثل. انتهى (¬1). واعلم: أن عبارة "المنهاج" و"الحاوي" تتناول ما لو خلطه بغير جنسه؛ كزيت بشيرج .. ففيه الطريقان، لكنه أولى بكونه كالهالك، وفرق صاحب "التنبيه" بينهما، فتكلم أولاً على خلط الحنطة بمثلها، والزيت بمثله، وذكر ما تقدم، ثم قال: (وإن خلط الزيت بالشيرج وتراضيا على الدفع منه .. جاز، وان امتنع أحدهما .. لم يجبر) (¬2). 2652 - قول "المنهاج" [ص 295]: (ولو غصب خشبة وبنى عليها .. أُخرجت) أعم من تعبير "التنبيه" و"الحاوي" بالساج (¬3)، وهو نوع من الخشب، ومع ذلك: فالحكم غير مختص بالخشبة؛ فالحجر والآجر ونحوهما كذلك، فلو قال: (شيئاً) .. كان أعم، ومحله: إذا لم يتعفن؛ ولذلك قال "التنبيه" [ص 114]: (وإن أدخل ساجاً في بناء فعفن فيه .. لم ينزع). 2653 - قول "المنهاج" [ص 295]: (ولو أدرجها في سفينة .. فكذلك إلا أن يخاف تلف نفسٍ أو مالٍ معصومين) فيه أمران: أحدهما: التقييد بخوف تلف النفس المعصومة في "الروضة" وأصلها أيضاً (¬4)، ومقتضاه: أنه لو خاف تلف ما دونها من الأعضاء .. أخرجت، ولا يبالى بذلك، وينبغي أن يلحق بها ما يبيح التيمم، كما سيأتي في مسألة الخيط، ومقتضاه: اعتبار الشين في الآدمي دون غيره، ويوافق هذا البحث قول "التنبيه" [ص 113]: (وهي في اللجة وفيها حيوان معصوم) فإنه لم يخص الحكم بالخوف على نفسه، وأجزاؤه معصومة كنفسه، وقول "الحاوي" [ص 356]: (لا إن خاف محترماً) فإن الأعضاء في الاحترام كالنفس. ثانيهما: أخرج بتقييد المال بالعصمة مال الحربي، وأما مال الغاصب .. فمختلف فيه، قال في "التنبيه" [ص 114]: (قيل: ينزع، وقيل: لا ينزع) ونقل الرافعي تصحيح النزع عن الإمام، ¬

_ (¬1) بحر المذهب (9/ 101). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 115). (¬3) التنبيه (ص 114)، الحاوي (ص 355). (¬4) فتح العزيز (5/ 465)، الروضة (5/ 54، 55).

وتصحيح مقابله عن ابن الصباغ وغيره (¬1)، وتبع "الحاوي" الإمام، فقال [ص 356] (لا إن خاف محنرماً غير مال الغاصب)، وقال النووي: الأصح عند الأكثرين: ما صححه ابن الصباغ (¬2)، وصححه في "تصحيح التنبيه" (¬3)، ويجري هذا الخلاف فيما إذاكان فيها مال لمن علم بالغصب قبل وضعه، وإذا لم نبال بمال الغاصب، فاختلطت السفينة التي فيها اللوح بسفن للغاصب، ولم يوقف على اللوح إلا بنزع الجميع .. ففيه وجهان، قال في "الروضة": أطلقوهما بلا ترجيح، وينبغي أن يكون أرجحهما: عدم النزع (¬4). قلت: سبقه لتصحيح ذلك الفارقي، فصح عدم النزع نقلاً، فلم يطبقوا على السكوت عن الترجيح فيهما، وليس في "الروضة" وأصلها و"التنبيه" تقييد المال بكونه معصوماً (¬5)، فيرد عليهم مال الحربي، وما أحسن قول "الحاوي" [ص 356]: (لا إن خاف محترماً) اختصاراً وشمولاً. 2654 - قول "التنبيه" [ص 113]: (فيما لو غصب خيطاً وخاط به جرح حيوان يؤكل .. ففيه قولان) الأصح: أنه لا يجب نزعه، ويغرم القيمة للحيلولة، وعليه مشى "الحاوي" فقال عطفاً على النفي [ص 356]: (كما خاط به جرح محنرم وخاف هلاكه) فلم يفرق بين المأكول وغيره، لكنه اعتبر خوف الهلاك، واقتصر "التنبيه" على خوف الضرر (¬6)، وهو المنقول؛ ففي "أصل الروضة": وفي معنى خوف الهلاك: خوف كل محذور يُجوِّز العدول إلى التيمم وفاقاً وخلافاً، ولا اعتبار في غير الآدمي ببقاء الشين (¬7). ومحل القولين: فيما إذا كان الحيوان للغاصب، فإن كان لغيره .. لم ينزع، كما جزم به في "أصل الروضة" (¬8)، وحكى صاحب "المعين" اليمني طرد القولين فيه، ونقله صاحب "المذاكرة" عن ابن عجيل. 2655 - قول "الحاوي" [ص 356]: (وإن مات الآدمي) أي: فلا ينزع الخيط من الآدمي بعد موته، كذا صححه الروياني (¬9)، لكن الذي في "الرافعي": الأصح على ما ذكره في "النهاية": ¬

_ (¬1) فتح العزبز (5/ 466)، وانظر "نهاية المطلب" (7/ 276). (¬2) الروضة (5/ 55). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 353). (¬4) الروضة (5/ 55). (¬5) فتح العزيز (5/ 467، 468)، الروضة (5/ 56). (¬6) التنبيه (ص 113). (¬7) فتح العزيز (5/ 466)، الروضة (5/ 56). (¬8) فتح العزيز (5/ 467)، الروضة (5/ 56). (¬9) انظر "بحر المذهب" (9/ 77).

النزع (¬1) فلذلك أطلق في " أصل الروضة" تصحيحه؛ لكون الرافعي لم يذكر تصحيحاً سواه (¬2)، وصحح في "الكفاية" تبعاً للماوردي: أنه إن أثر القلع فحشاً .. لم ينزع، دمالا .. نُزع (¬3). 2656 - قوله: (ومنفعة البضع بالتفويت) (¬4) أي: إن كانت مكرهة، فإن طاوعته .. فلا مهر، وقد صرح به "التنبيه" و"المنهاج" (¬5)، ومحل كون المطاوعة لا مهر لها: إذا علمت التحريم، فلو جهلته حيث تعذر؛ لقرب إسأمها، أو نشأتها في بعد عن المسلمين .. وجب لها المهر، وقد ذكره "المنهاج" بقوله [ص 259]: (إن علمت) وهو شرط للحكمين المذكورين قبله، وهما الحد جزماً، وعدم المهر عند المطاوعة على الصحيح، وقد تفهم عبارتهم عدم المطالبة بالمهر فيما إذا وطئها غيره، والأصح: مطالبة الغاصب أيضًا، وتناولت عبارتهم: ما إذا وطئ بإذن المالك، وفيه قولان محكيان في "أصل الروضة" عن "ذخيرة البندنيجي" (¬6). ومقتضى المصحح في وطء المرتهن بإذن الراهن: الوجوب أيضًا، ولم يتعرض "المنهاج" هنا لأرش البكارة في البكر، ولا شك في وجوبه، لكن هل نفرده، فنقول: مهر ثيب والأرش، أم لا، فنقول: مهر بكر؟ وجهان، أصحهما في "الروضة" هنا: الأول، وفي الرد بالعيب: الثاني، قال الرافعي: والوجه: أن يقال: إن اختلف المقدار .. وجب الزائد، وقد أشار إليه الإمام، وإلا .. فالوجهان، ولهما فوائد (¬7) ولولا ذلك .. لقيل: اتّحد الوجهان؛ فمنها: لو طاوعت وقلنا بالصحيح: أنه لا مهر .. وجب الأرش إن أفردناه. ومنها: إذا غرمه المشتري .. لم يرجع به إن أفردناه، وفي المسألة وجه ثالث ليس في "الروضة" وأصلها هنا (¬8)، وجزما به في البيع الفاسد أنه يجب مهر بكر وأرش بكارة، واختاره السبكي، وقال: هو هنا أولى، قال: وينبغي أن تكون صورة المسألة: أن تزول البكارة مع التقاء الختانين، فإن زالت قبله برأس الحشفة .. فينبغي القطع بالأول، أو بعده كالغوراء .. فينبغي القطع بأرش بكارة ومهر بكر غوراء. انتهى. وأشار "التنبيه" إلى لزوم أرش البكارة بحكاية الخلاف في رجوع المشتري بها على ¬

_ (¬1) نهاية المطلب (7/ 274). (¬2) فتح العزيز (5/ 467)، الروضة (5/ 56). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 201). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 354). (¬5) التنبيه (ص 114)، المنهاج (ص 295). (¬6) الروضة (5/ 63). (¬7) فتح العزيز (5/ 471)، الروضة (5/ 59). (¬8) فتح العزيز (5/ 470، 471)، الروضة (5/ 59).

الغاصب (¬1)، وقد يدخل في قول "الحاوي" [ص 354]، : (منفعة البضع) فإن البكارة منفعة في البضع فاتت بالافتضاض. 2657 - قول "المنهاج" في وطء المشتري من الغاصب [ص 295]: (فإن كرمه .. لم يرجع به على الغاصب في الأظهر) محلهما: إذا جهل الغصب، فإن علمه .. فلا يرجع قطعاً، وقد صرح بذلك "التنبيه"، وبين أن المرجح جديد، ومقابله قديم (¬2). 2658 - قول "المنهاج" فيما إذا أحبل [ص 295]: (وإن جهل .. فحرٌ نسيبٌ، وعليه قيمته يوم الانفصال) محله: إذا انفصل حياً، أو ميتاً بجناية، فإن انفصل ميتاً بغير جناية .. لم يضمنه على المشهور، ويرد ذلك على إطلاق "التنبيه" أيضاً: ضمان ولد الجارية (¬3)، ويرد عليه أيضًا: ما إذا كان رقيقاً وانفصل ميتاً بغير جناية .. ففي ضمانه وجهان، قال الرافعي هنا: ظاهر النص ضمانه، وصحح بعد ذلك بأوراق عدمه (¬4). 2659 - قولهما: (ويرجع بها المشتري على الغاصب) (¬5) كذا في "المحرر" و"الشرحين" (¬6)، ووقع في "الروضة": لا يرجع (¬7)، وهو غلط سبق إليه القلم. 2660 - قول "المنهاج" [ص 295]: (وكذا لو تعيّب عنده في الأظهر) أي: لا يرجع بما غرمه، ومحل الخلاف: إذا لم يكن التعيب بفعله، فإن كان بفعله .. لم يرجع قطعاً. 2661 - قول "التنبيه" [ص 115]: (وإن غصب شيئاً وباعه .. كان للمالك أن يضمّن من شاء منهما) لا بد في تضمين المشتري من أن يكون قبض. 2662 - قوله: (وإن لم يعلم؛ فما التزم ضمانه بالبيع .. لم يرجع به؛ كقيمة العين والأجزاء) (¬8) اعترض: بأن الملتزم ضمانه بالبيع منحصر في قيمة العين والأجزاء، فليس لإدخال الكاف فائدة. وأجيب عنه: بأنه يدخل فيه أيضاً ما أنفقه على العبد، وما أداه من خراج الأرض، وقد حكى الرافعي عن البغوي: أن القياس: أن لا يرجع بذلك على الغاصب؛ لأنه شرع في الشراء على أن يضمنها (¬9). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 115). (¬2) التنبيه (ص 115). (¬3) التنبيه (ص 114). (¬4) انظر "فتح العزيز" (5/ 473). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 115)، و "المنهاج" (ص 295). (¬6) المحرر (ص 216)، فتح العزيز (5/ 476، 477). (¬7) الروضة (5/ 63). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 115). (¬9) فتح العزيز (5/ 478)، وانظر "التهذيب" (4/ 316).

وقال شيخنا الإمام البلقيني: ما ذكره في خراج الأرض ممنوع؛ لأنه إن أداه للغاصب على ظن أن عليه خراجاً، فلم يكن .. فكمن أدى ديناً ظاناً أنه عليه، فتبين خلافه يرجع على من أداه له، وإن أداه لغير الغاصب؛ كمن اشترى أنشاباً في أرض خراجية لغير البائع، فأعطاه خراجها، ثم ظهرت الأنشاب مملوكه لغير البائع .. فيرجع المشتري على من أخذ منه الخراج. 2663 - قوله: (وما لم يلتزم ضمانه ولم يحصل له به منفعة؛ كقيمة الولد ونقصان الولادة .. يرجع به على الغاصب) (¬1) ما ذكره من الرجوع بنقصان الولادة حكاه الرافعي عن قطع العراقيين، قال: وعن غيرهم خلافه، وعبر في "أصل الروضة" عن الأول بالمذهب (¬2)، وقال في "الكفاية": بل قطع أكابر العراقيين بالمنع، قال: وقد يحمل ما قاله الشيخ على ما إذا سمنت في يد المشتري وزال بالولادة، كما صرح به صاحب "رفع التمويه"، ونقل في "المطلب" عن الجمهور: أنه لا يرجع، ونص عليه في "البويطي". 2664 - قوله: (وما حصل له به منفعة؛ كالأجرة والمهر وأرش البكارة .. فقد قال في القديم: يرجع، وقال في الجديد: لا يرجع) (¬3) فيه أمران: أحدهما: محل ما ذكره في الأجرة: إذا كان قد استوفى المنفعة، فإن فاتت تحت يده .. رجع بها، وقد يفهم ذلك من قوله: (وما حصل له به منفعة)، وقد ذكره "المنهاج" بقوله [ص 295]: (ويرجع بغُرم ما تلف عنده) أي: من المنافع من غير استيفاء، وقال بعضهم: كلامه في أعم من المنفعة، فيتناول ثمرة الشجرة ونتاج الدابة وكسب العبد. قال السبكي: ولولا أنه شامل لذلك .. لقال: (ما فات) لأنها العبارة المستعملة في المنفعة. قال شيخنا ابن النقيب: ويمكن ألاَّ يريد ذلك، وحينئذ .. يصح تذكير الفعل وتأنيثه، فيقال: (ماتلفت)، والتاء ملحقة خفية في خط المصنف (¬4). ثانيهما: اعترض: بأن المشهور في أرش البكارة: القطع بمنع الرجوع؛ فإنه بدلُ جزءٍ أتلفه كاليد، قال في "الكفاية": ومقابله وجه حكاه المتولي، وإليه يرشد قول الرافعي: وأجرى الخلاف في أرش الافتضاض (¬5)، وحينئذ .. فلا قديم فيه. 2665 - قولهما - والعبارة لـ"المنهاج" -: (وكل ما لو غرمه المشتري رجع به لو غرمه ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 115). (¬2) فح العزيز (5/ 478)، الروضة (5/ 64). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 115). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 154). (¬5) انظر "فتح العزيز" (5/ 477، 478).

الغاصب .. لم يرجع به على المشتري، وما لا .. فيرجع) (¬1) دخل فيه قيمة العين، فمقتضى كلامهما: رجوع الغاصب بها مطلقا، لكن يستثنى: ما لو ضمن الغاصب قيمة يوم الغصب لكونها أكثر .. فلا يرجع بالزائد على أكثر من قيمة يوم قبض المشتري إلى التلف؛ لأنه لم يدخل في ضمانه؛ ولهذا لا يطالب به ابتداء. 2666 - قول "المنهاج" من زيادته [ص 295]: (وكل من انبنت يده على يد الغاصب فكالمشتري) فيه أمران: أحدهما: قوله: (انبنت) بنون ثم باء موحدة ثم نون كذا ضبطه "المصنف" بخطه، وقوى الرافعي أن تقرأ عبارة "الوجيز" كذلك (¬2)، قال: وأكثرهم يقرؤها (ابتنت) بباء موحدة ثم تاء ثم نون، وضعفه (¬3). ثانيهما: قوله: (فكالمشتري) أي: في الضابط المذكور في الرجوع وعدمه، لا في جميع ما تقدم، وقد تقدم في أوائل الباب بيان ذلك بقوله [ص 291]: (والأيدي المترتبة على يد الغاصب ... إلى آخره)، قال شيخنا ابن النقيب: فتأمله هناك، وقيد به هذا الإطلاق، والله أعلم (¬4). * * * ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 115)، و"المنهاج" (ص 295). (¬2) الوجيز (1/ 380). (¬3) فتح العزيز (5/ 409). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 155).

كتاب الشفعة

كتابُ الشُفْعة 2667 - قول "المنهاج" [ص 296]: (لا تثبت الشفعة في منقول) أحسن من قول "التنبيه" [ص 116]: (لا تجب). 2668 - قول "الحاوي" [ص 359]: (في عقار ثابت) احترز بالثبوت عن غرفة مبنية على سقف لهما أو لغيرهما .. فلا شفعة فيها كما صرح به بقوله: (لا علوٍّ فقط) (¬1)، وذكره "المنهاج" أيضاً (¬2)، واعترض الرافعي على قيد الثبوت، وقال: لا حاجة إليه؛ لأنه يخرج بقوله: عقار (¬3). وأجيب عنه، ومرادهم: نفي الشفعة في المنقول ابتداء، فيخرج عن ذلك الدار إذا انهدمت بعد ثبوت الشفعة فيها؛ فإن نقضها يؤخذ بالشفعة مع كونه قد صار منقولاً، وقد ذكره "الحاوي" بعد ذلك بقوله [ص 361]: (بما صار منقولاً). 2669 - قول "التنبيه" [ص 116]: (فإما البناء والغراس: فإنه إن بيع مع الأرض .. ففيه الشفعة) يشمل ما لو بيع مع الأرض الحاملة له دون المتخللة بينه، والأصح: أنه لا شفعة فيه؛ فإن الأرض هنا تابعة للمنقول، وقد يفهم ذلك من قول "المنهاج" [ص 296]: (بل في أرض وما فيها من بناء وشجر تبعاً)، وقول "الحاوي" [ص 359]: (في عقار بتابعه) فإن المنقول في هذه الصورة ليس تابعاً للعقار، بل العقار تابع له كما تقدم. 2675 - قول "التنبيه" [ص 117]: (وإن كان على النخل طلع غير مؤبر .. فقد قيل: يؤخذ مع النخل بالشفعة، وقبل: لا يؤخذ) الأصح: الأول كما في "المنهاج" (¬4)، وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 359]: (بتابعه) ونقل الرافعي تصحيحه عن البغوي فقط، فعلى هذا إن لم يأخذه حتى تأَبر .. أخذه في الأصح (¬5). 2671 - قول "التنبيه" [ص 118]: (فإن كان في الشقص نخل فأثمر في ملك المشتري ولم بؤبر .. أخذ الثمرة مع الأصل في أحد القولين) هو الأصح، وذكر في "المطلب": أن الثاني هو الأشبه، وهذه المسألة غير المتقدمة؛ فتلك إذا كانت الثمرة موجودة حال الشراء غير مؤبرة، وهذا إذا تجددت بين الشراء والأخذ. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 359). (¬2) المنهاج (ص 296). (¬3) انظر "فتح العزيز" (5/ 487). (¬4) المنهاج (ص 296). (¬5) انظر "فتح العزيز" (5/ 484).

واعلم: أن سواد العراق وقف على الأصح كما سيأتي في موضوعه، فلا بيع فيه ولا شفعة، وأما الشام .. فقال الجرجاني: يجوز بيع أراضي الخراج بها قطعاً؛ لأنها لم توقف، بل صولح أهلها بالخراج، وأما مصر .. فقال السبكي: لم أر لأصحابنا فيها نصاً، لكن في وصية الشافعي: إن كان لي بها أرض .. فاقتضى ذلك أنها تملك، وللعلماء خلاف، هل فتحت صلحاً أو عنوة وَوُقِفَت كالعراق؟ فعلى الثاني: لا شفعة، بل قيل: كل فتوح عمر كذلك، قال السبكي: ويطّرد فيما يُبْنَى من طينها. 2672 - قول "التنبيه" [ص 117]: (وما لا ينقسم؛ كالحمام والرحى الصغير والطريق الضيق .. فلا شفعة فيه، وقيل: فيه قولان) فيه أمور: أحدها: لم يبين هو و"الحاوي" ضابط ما لا ينقسم، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 296]: (وكل ما لو قسم بطلت منفعته المقصودة)، وهو معنى الأصح في "أصل الروضة": أنه ما ينتفع به بعد القسمة من الوجه الذي كان ينتفع به قبلها (¬1). ثانيها: تعبير "المحرر" بـ (الطاحون) (¬2) أحسن من تعبير "التنبيه" و"المنهاج" بـ (الرحى) (¬3). ثالثها: عبارته تقتضي أن في المسألة طريقين، المرجحة: القطع بنفي الشفعة، والأخرى: إجراء قولين، ويوافقه تعبير "الروضة" بالمذهب (¬4)، لكن عبر "المنهاج" بالأصح (¬5)، وهو يقتضي أن الخلاف وجهان. واعترض على تعبير "الروضة": بأنه ليس في أصلها إلا طريقة الخلاف، وأنه وجهان (¬6)، وذكر النشائي في "نكته": أن في المسألة ثلاث طرق: القطع بنفي الشفعة، والقطع بإثباتها، وإجراء القولين (¬7)، وقول الرافعي: على الأصح محمول على أصح الطرق (¬8)، وليس له اصطلاح في أن الأصح من وجهين إنما هذا للنووي. وقال شيخنا ابن النقيب: كونهما وجهين أوضح؛ فإنهما مبنيان على وجهين، فالأصح: مبني ¬

_ (¬1) الروضة (5/ 71). (¬2) المحرر (ص 217). (¬3) التنبيه (ص 117)، المنهاج (ص 296)، وفي حاشية (ج): (إذا أراد من جهة اللغة .. فمعناهما واحد، وإن كان من جهة العرف .. فمسلم؛ لأنهم يفرقون بين الطاحون والرحى). (¬4) الروضة (5/ 70، 71). (¬5) المنهاج (ص 296). (¬6) فتح العزيز (5/ 488). (¬7) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 110). (¬8) انظر "فتح العزيز" (5/ 488).

على أصح الوجهين في علة مشروعية الشفعة، وهو مؤنة القسمة، وإفراد ما يصير إليه بالمرافق، ومقابله: على أنها سوء المشاركة مؤبداً (¬1). قلت: لا امتناع في بناء قولين على وجهين؛ فقد تكون مسألة الوجهين لا نص للشافعي فيها، وإنما فهمت باستقراء قولين للشافعي في مسائل يتجه تخريجها على تلك القاعدة، فهي أصل لمسائل القولين باعتبار تفرعها عنها وإن كانت غير منصوصة، لكن صارت في معنى المنصوصة باستنباطها من كلام الشافعي، والله أعلم. 2673 - قول "المنهاج" [ص 296]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 359]: (ولا شفعة إلا لشريك) أي: ولو ذمياً ومكاتباً وغير عاقل؛ كمسجد له شقص لم يوقف بعد، فباع شريكه .. يأخذ له الناظر بالشفعة، ومثله بيت المال، ومن هذا الشرط يؤخذ أن الموقوف عليه لا يأخذ بالشفعة إذ ليس شريكاً؛ فإن الوقف ملك لله تعالى، ولنا وجه أنه يأخذ تفريعاً على الضعيف أن الملك للموقوف عليه، وقد صرح بالمسألة "التنبيه" فقال [ص 117]: (وما مُلِكَ بشركة الوقف .. لا يستحق فيه الشفعة). وقد اعترض بعضهم: بأن عبارته تشعر بأن من ملك شقصاً بالوقف عليه .. لا يؤخذ منه بالشفعة، يوضحه عطفه إياه على قوله: (فأما ما ملك بوصية .. فلا شفعة فيه) (¬2) وهذا ليس مراده؛ لدخوله تحت قوله: (ولا شفعة إلا فيما ملك بمعاوضة) (¬3)، فيلزم التكرار، فلو قال: (ولا يأخذ شريك بوقف) .. كان أولى. انتهى. وهو مردود؛ فلا فرق بين هذه العبارة وبين قول الشيخ: (وما ملك بشركة الوقف)، وإنما كانت عبارته تشعر بما ذكره هذا المعترض لو قال: (وما ملك بالوقف)، وذكر شيخنا الإمام البلقيني: أن مفهوم قول "الروضة": (وإن كان نصف الدار وقفاً ونصفها طلقاً، فباع المالك نصيبه .. فلا شفعة لمستحق الوقف) (¬4) أنه لو كان هناك شريك مالك غير البائع وجهة الوقف .. استحق الأخذ بالشفعة، ولا يلزم من سقوطها في جهة سقوطها في الكل، ثم ذكر أنه أفتى في هذه الصورة بمنع الشفعة حيث امتنعت القسمة بسبب الوقف، وصار العلة في الموقوفة: عدم الملك، وفي الأخرى: عدم قبول القسمة. 2674 - قول "المنهاج" [ص 296]: (والصحيح: ثبوتها في الممر إن كان للمشتري طريق آخر ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 158). (¬2) التنبيه (ص 117). (¬3) التنبيه (ص 117). (¬4) الروضة (5/ 74).

إلى الدار، أو أمكن فتح باب إلى شارعٍ، وإلا .. فلا) محل الخلاف كما قال ابن الرفعة: إذا لم يتسع الممر، فإن اتسع بحيث يمكن أن يترك لمشتري الدار منه شيء يمر فيه .. ثبتت الشفعة في الباقي بلا خلاف، وفي المقدار الذي لا يتأتى المرور بدونه الخلاف. واعلم: أن صورة مسألة "المنهاج": أن يبيع داراً لها ممر؛ بدليل قوله قبله [ص 296]: (ولو باع دارأ وله شريك في ممرها .. فلا شفعة له فيها) فلو باع نصيبه من الممر خاصة .. ففي "الروضة" وأصلها: أن للشريك الشفعة إن كان منقسماً (¬1)، واستشكل بأمرين: أحدهما: أن في "أصل الروضة" في (إحياء الموات) عن العبادي من غير مخالفة: أن بيع الحريم وحده لا يصح (¬2)، والممر من الحريم كما هو مصرح به هناك. ثانيهما: أن بيع نصيبه من الممر يتضمن إبقاء الدار بلا ممر، فهو كما لو باع داراً واستثنى لنفسه منها بيتاً، والأصح في زوائد "الروضة": بطلانه (¬3)، فلعل الصورة: أن الدار متصلة بملكه أو بشارع، وهذه الصورة قد تدخل في قول "الحاوي" [ص 359]، : (كالممر إن وجد آخراً وأمكن الشارع فتحه للشربك) فإنه لم يذكر ما يدل على أن الصورة في بيع الدار التي لها ممر مشترك مع أن حكم الصورتين مختلف كما عرفت. 2675 - قول "التنبيه" [ص 117]: (ولا شفعة إلا فيما ملك بمعاوضة) زاد "المنهاج" [ص 296]: (ملكاً لازمًا متأخراً عن ملك الشفيع) واحترز باللزوم عما لو ملك المشتري ببيع شرط فيه الخيار .. ففيه تفصيل سيأتي في كلامه، وهو الأخذ إن شرط للمشتري وحده، والمنع إن شرط للبائع أو لهما، والأخذ في بعض صور الجواز يقدح في اشتراط اللزوم، وكذا يقدح فيه مسألة الرد بالعيب، وسيأتي. قال شيخنا ابن النقيب: اللهم إلا أن يراد لازما من جهة البائع، وفيه تعسف. انتهى (¬4). وفي قول "التنبيه" بعد ذلك [ص 117]: (أخذه بقيمته وقت لزوم العقد) ما يقتضي اعتبار اللزوم، ويرد عليه ما تقدم، ولم يتعرض له "الحاوي"، واحترز بكون ملك المشتري متأخراً عن ملك الشفيع عما إذا ملكا معاً .. فلا شفعة لأحدهما على الآخر كما صرح به بعد، وذكره "الحاوي" بقوله [ص 360]: (ممن طرأ ملكه على ملكه) ولم يتعرض له "التنبيه". 2676 - قول "المنهاج" في أمثلته [ص 296]: (وصلح دم) أي: العوض الذي صولح عليه عن ¬

_ (¬1) فتح العزيز (5/ 490)، الروضة (5/ 72). (¬2) الروضة (5/ 282). (¬3) الروضة (3/ 362). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 161).

دم العمد، أما الخطأ .. ففيه الإبل، فلا يصح الصلح عنها في الأصح. 2677 - قوله: (ونجوم) (¬1) أي: العوض الذي صولح عليه عن نجوم الكتابة، كذا في "المحرر" و"الروضة" وأصلها هنا (¬2)، وهو مخالف لما صححوه في (الكتابة): أنه لا يصح الاعتياض عن نجومها، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 360]: (لا عوض نجم مكاتب)، لكن صحح السبكي: الصحة، وعضده بنص الشافعي صريحاً، وبكلام ابن الصباغ والمحاملي والماوردي، وتعجب من تصحيح الرافعي المنع، وكذا قال في "المهمات": إن الصواب: الصحة. 2678 - قول "المنهاج" [ص 296]، : (وأجرةٍ ورأس مال سلمٍ) معطوفان على مبيع، فلو ذكرهما عقب المهر، فقال: (كمبيع، ومهر، وأجرة، ورأس مال سلم، وعوض خلع وصلح دم ونجوم) .. لكان أولى؛ لئلا يتوهم عطفهما على خلع، فيكون المراد: عوض أجرة، وعوض رأس مال سلم، وليس كذلك، ورأس مال السلم لا يصح الاعتياض عنه. 2679 - قول "التنبيه" [ص 117]: (وما ملك بوصية أو هبة لا شفعة فيه) محله: في الهبة التي لا ثواب فيها، فلو شرط فيها ثواب، أو لم يشرط، وقلنا: تقتضيه .. ثبتت الشفعة في الأصح، ولو قبل القبض في الأصح، كذا أورده بعضهم، ثم قال: ولا ترد؛ لأنها حينئذ بيع على الأصح، وقد ذكر الخلاف فيهما في بابها. قلت: وفي كونها في هذه الصورة بيعاً اضطراب تصحيح، وقد صرح بهذا القيد فيما وقفت عليه من نسخ "التنبيه" فقال [ص 117]: (أو هبة لا يستحق فيها ثواب) وقد استشكل ما إذا لم يشرط، وقلنا: تقتضيه: بأن العوض غير معين، فكيف تثبت الشفعة مع جهالة العوض؟ ويأتي هذا فيما إذا شرط ولم يكن معلوماً. 2680 - قول "المنهاج" [ص 296]: (ولو شرط في البيع الخيار لهما أو للبائع .. لم يؤخذ بالشفعة حتى ينقطع الخيار، وإن شُرط للمشتري وحده .. فالأظهر: أنه يؤخذ إن قلنا: الملك للمشتري، وإلا .. فلا) فيه أمور: أحدها: لو قال: (ولو ثبت) .. كان أولى؛ ليشمل خيار المجلس؛ فإنه كخيار الشرط في هذا الحكم، ويتصور انفراد أحدهما به بإسقاط صاحبه خيار نفسه، وقد دخل ذلك في قول "الحاوي" [ص 363]: (ومنع ردَّهُ بالخيار) لكن عبارته متناولة لما إذا كان الخيار لهما، والمنع إنما هو فيما إذا كان للمشتري وحده. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 296)، (¬2) المحرر (ص 217)، فتح العزيز (5/ 497)، الروضة (5/ 87).

ثانيها: قوله: (لهما) (¬1) لم يذكره في "المحرر"، وحذفه أولى؛ فإن المانع ثبوته للبائع. ثالثها: تعبيره بالأظهر يقتضي أن الخلاف في الشق الثاني - وهو إذا قلنا: الملك للبائع، أو موقوف - قولان أيضاً، وليس كذلك، وإنما هو وجهان؛ ولهذا قال في "الروضة": إن قلنا: الملك له .. أخذه الشفيع في الحال على الأظهر عند الجمهور، وإن قلنا: للبائع، أو موقوف .. لم يأخذ في الحال على الأصح (¬2)، وتقدم أن صورة شرط الخيار للمشتري ترد على اعتبار "التنبيه" وقت اللزوم (¬3). 2681 - قول "المنهاج" [ص 297]: (ولو وجد المشتري بالشقص عيباً وأراد رده بالعيب وأراد الشفبع أخذه ويرضى بالعيب .. فالأظهر: إجابة الشفيع) جزم بأنهما قولان، وفي "المحرر": (فأرجح القولين، أو الوجهين) (¬4)، وفي "الروضة" قولان، وقيل: وجهان (¬5). 2682 - قول "التنبيه" [ص 118]: (وإن رد عليه بالعيب .. فقد قيل: له أن يفسخ ويأخذ، وقيل: ليس له) الأصح: الأول، وهذه غير مسألة "المنهاج" تلك فيما إذا لم يُرد بعد، وفي هذه قد رُدَّ، قال في "أصل الروضة": ويفسخ الرد، أو نقول: تبينا أن الرد كان باطلاً. انتهى (¬6). وهذا التردد وجهان، صرح بهما القاضي والإمام والغزالي، وفائدتها كما في "المطلب": الفوائد من الرد إلى الأخذ، وهذه الصورة قد ترد على عبارة "المنهاج"، ويقال: قوله: (وأراد رده بالعيب) (¬7) يقتضي أنه لو حصل الرد .. لم يكن للشفيع إبطاله، ويجري الخلاف المذكور أولاً فيما إذا وجد البائع بالثمن المعين عيباً وأراد رده، وقد يُدعى دخول هذه الصورة والتي قبلها في قول "الحاوي" [ص 363]: (ومنع رده بالعيب) والظاهر: أنها مثل عبارة "المنهاج" فإن الضمير عائد على الشقص (¬8)، ومنع الرد يقتضي أنه لم يقع إلى الآن. واعلم: أن الجيلي والنووي صوّرا مسألة "التنبيه" بما إذا ردّ المشتري الشقص بعيب، وصورها ابن الخل وابن يونس بما إذا رد البائع الثمن المعين بعيب، وقال ابن الرفعة: إنه أولى" ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 296). (¬2) الروضة (5/ 74). (¬3) التنبيه (ص 117). (¬4) المحرر (ص 218). (¬5) الروضة (5/ 75). (¬6) الروضة (5/ 75، 76). (¬7) المنهاج (ص 297). (¬8) المنهاج (ص 297).

فإن المذكور في "المهذب" وغيره من كتب العراقيين في الصورة الأولى الجزم بنقض الرد والأخذ. 2683 - قول "المنهاج" [ص 297]: (ولو كان للمشتري شِركٌ في الأرض .. فالأصح: أن الشريك لا يأخذ كل المبيع، بل حصته) أحسن من قول "التنبيه" [ص 118]: (وإن كان المشتري شريكاً .. فالشفعة بينه وبين الشريك الآخر) ومن قول "الحاوي" [ص 360]: (وللشركاء ولو فيهم المشتري) ومن قول "الروضة": إنهما يشتركان في الأخذ (¬1)؛ لأن المشتري لا يأخذ، وكيف يأخذ من نفسه، وإنما يدفع الثالث عن أخذ حصته؟ ، وقول "المنهاج" [ص 297]: (في الأرض) حشو. 2684 - قول "المنهاج" [ص 297]: (ولا يشترط في التملك بالشفعة حكم حاكم، ولا إحضار الثمن، ولا حضور المشتري) كذا في "المحرر" و"الروضة" وأصلها (¬2)، واستشكله في "المطلب" لما سيذكره بعده من أنه لا بد مع لفظ التملك من أحدها، قال: وأقرب ما يمكن أن يحمل عليه أن مجموع الثلاثة لا يشترط. قال في "المهمات": وهذا الحمل الذي قاله لا يستقيم مع تكرار لا النافية، بل الممكن في الحمل أن كل واحد بخصوصه لا يشترط. 2685 - قول "الحاوي" [ص 361]: (تملكت أو أخذت بالشفعة) يقتضي حصر الصيغة في هذين اللفظين، وليس كذلك، وعبارة "المنهاج" [ص 297]: (ويشترط لفظ من الشفيع؛ كـ "تملكت" أو "أخذت بالشفعة") زاد في "أصل الروضة" لفظة ثالثة، وهي: اخترت الأخذ بالشفعة، ثم قال: وما أشبهه، وإلا .. فهو من المعاطاة، ولو قال: (أنا مطالب بالشفعة) .. لم يحصل به التملك على الأصح (¬3). 2686 - قول "المنهاج" [ص 297]: (ويشترط مع ذلك: إما تسليم العوض إلى المشتري، فإذا تسلمه أو ألزمه القاضي التسلُّم .. ملك الشفيع الشقص) عبارة "أصل الروضة": (فيملك به إن تسلمه، وإلا .. فيُخلى بينه وبينه، أو يرفع الأمر إلى القاضي حتى يلزمه التسلم) ومقتضاها: أن التخلية بينه وبينه كافية، وإن لم يتسلم، ولا ألزمه القاضي التسلم، ثم زاد في "الروضة": (أو يقبض عنه القاضي) (¬4)، فهذان أمران لم يذكرهما في "المنهاج": التخلية بينه وبينه، وقبض القاضي عنه، واقتصر "الحاوي" على قوله [ص 361]: (أو تسليم ما بذل)، ولعله مع اختصاره ¬

_ (¬1) الروضة (5/ 79). (¬2) المحرر (ص 218)، فتح العزيز (5/ 504)، الروضة (5/ 83). (¬3) الروضة (5/ 83). (¬4) الروضة (5/ 84).

أعم؛ فإن مقتضاه: الاكتفاء بالتسليم سواء انضم إليه تسلم من المشتري، أو مجرد تخلية بينه وبينه، أو قبض القاضي، أو إلزامه التسلم. 2687 - قول "المنهاج" [ص 297]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 361]: (وإما رضا المشتري بكون العوض في ذمته) قال شيخنا الإمام البلقيني: بقاء الثمن في ذمة الشفيع فيه نظر؛ فلم يجر عقد اختياري يقتضي كون الثمن في ذمته، ومجرد تسليم الشقص لا يقتضي ذلك، ولا الرضا، والحديث يأباه؛ فإنه عليه الصلاة والسلام قال: "فإن باعه .. فهو أحق به بالثمن" (¬1)، والمراد: بدفع مثل الثمن، فلم يجعله أحق إلا بالدفع، ولا دفع. انتهى. وعلى المنقول يستثنى منه ما لو باع داراً على بابها صفائح ذهب بفضة، أو عكسه فلا يكفي الرضا، بل يشترط التقابض. 2688 - قولهما: (وإما قضاء القاضي له بالشفعة) (¬2) المراد: القضاء بثبوت حق الشفعة لا بالملك (¬3). 2689 - قول "الحاوي" [ص 361]: (لا بالإشهاد) أي: لا يملك بإشهاد عدلين على الشفعة، تبع فيه "الوجيز" فإنه صححه (¬4)، وفيه وجهان بلا ترجيح في "الروضة" (¬5). 2690 - قول "التنبيه" [ص 117]: (فإن طلب وأعوزه الثمن .. بطلت الشفعة) الأصح عند الجمهور: أنه يمهل ثلاثة أيام، فإن انقضت ولم يُحضره .. فسخ الحاكم تملكه. واستشكل هذا فيما إذا ملك بالرضا في الذمة، وقال في "المطلب": القياس: أن يكون كالبائع حتى يجبر على التسليم أولاً على الصحيح، وقد صرح به الإمام هنا؛ لأن المشتري في هذه الحالة في رتبة البائع، والشفيع في رتبة المشتري. 2691 - قول "المنهاج" [ص 297]: (ولا يتملك شقصاً لم يره الشفيع على المذهب) عبارة "المحرر": (أظهر الطريقين: أن تملك الشفيع الشقص الذي لم يره على الخلاف في شراء الغائب، والثاني: المنع بكل حال) (¬6)، فهي أحسن؛ بيَّن أن الأصح: طريقة الخلاف، وسلم من إيقاع الظاهر موقع المضمر، ولو قال "المنهاج": (ولا بتملك الشفيع شقصاً لم يره) .. لكان أحسن، وقد يفهم من اقتصارهم على ذكر رؤية الشفيع الآخذ عدم اعتبار رؤية المأخوذ منه، ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1608)، واللفظ للبيهقي في "السنن الكبرى" (11353). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 361)، و "المنهاج" (ص 297). (¬3) في حاشية (ج): (كما صرح به في "المطلب"). (¬4) الوجيز (1/ 389). (¬5) الروضة (5/ 84). (¬6) المحرر (ص 218).

فصل [فيما يؤخذ به الشقص]

ويتصور في الشراء بالوكالة وفي الأخذ من الوارث، ولم أر فيه نقلاً، وهو متجه؛ لأنه قهري لا اختيار له فيه، والله أعلم. فصْلٌ [فيما يؤخذ به الشقص] 2692 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (إن اشترى بمثليٍّ .. أخذه الشفيع بمثله، أو بمتقومٍ .. فبقيمته) (¬1) فيه أمران: أحدهما: أنه يدخل في كلامهم ما لو قدر المثلي بغير معياره الشرعي؛ كقنطار حنطة، والأصح كما ذكره الرافعي في (باب القرض): أنه يأخذ بمثله وزناً (¬2)، وحكى في "الكفاية" عن الجمهور: أنه يكال، ويأخذ بقدره كيلاً، وفي وجه غريب حكاه الهروِي في "أدب القضاء": أنه يتعذر الأخذ بالشفعة. ثانيهما: دخل في عبارتهم ما لو ملك الشفيع الثمن نفسه قبل الاطلاع ثم اطلع واقتضت أنه يأخذ أيضاً بمثله أو قيمته، وقال في "المطلب": يظهر تعين الأخذ بنفس الثمن لا سيما المتقوم؛ لأن العدول عنه كان لتعذره، ويحتمل خلافه. 2693 - قول "التنبيه" [ص 117]: (بقيمته وقت لزوم العقد) أي: بانقطاع الخيار، صححه جماعة، ورجحه ابن الرفعة إن قلنا: لا ينتقل الملك إلا به، لكن الأصح: اعتبار قيمته وقت البيع، ونقل عن النص، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬3)، ولو عبراب (وقت العقد) .. لكان أحسن من تعبيرهما بـ (يوم العقد). 2694 - قول "التنبيه" في الثمن المؤجل [ص 117]: (والثاني: أنه يأخذه بثمن مؤجل) شرط هذا القول: كون الشفيع مليّا ثقة، أو إقامة كفيل لذلك على أحد وجهين، رجحه في "الكفاية" تبعاً للإمام، وهو ما في "التتمة". 2695 - قول "الحاوي" [ص 364]: (بادر بالطلب لا إن أجل الثمن) تبع فيه الرافعي؛ فإنه رجح في "شرحيه" في المؤجل: أنه لا بجب إعلام المشتري بالطلب قبل الأجل، فقال: إنه أشبه بكلام الأصحاب، وانعكس ذلك على النووي، فصحح في "أصل الروضة" الوجوب (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 117)، و "الحاوي" (ص 361، 362)، و"المنهاج" (ص 297). (¬2) انظر "فتح العزيز" (4/ 432). (¬3) الحاوي (ص 361)، المنهاج (ص 297). (¬4) فتح العزيز (5/ 509)، الروضة (5/ 88).

2696 - قول "المنهاج" [ص 297]: (ولو بيع شقص وغيره) أحسن من قول "الحاوي" [ص 362]: (منقول) لعمومه؛ فقد يكون المبيع مع الشقص أرضاً أخرى كاملة. 2697 - قوله: (أخذه بحصته من القيمة) (¬1) صوابه: من الثمن باعتبار القيمة؛ فإنه لو كان الثمن الذي بيع به الشقص وغيره ثلاث مئة، وكانت قيمة الشقص مئة والآخر خمسين .. أخذه بثلثي الثمن، وهو مئتان في مثالنا، ولو أخذه بثلثي القيمة .. لأخذه بمئة، وليس الأمر كذلك، وعبارة "الحاوي" [ص 362]: (وحصته إن باع مع منقول)، فلم يبين حصته من أي شيء، لكن يقال في جوابه: لما تقرر أن الأخذ بمثل الثمن أو قيمته .. فالمراد: الحصة من ذلك، فسكوته عنه؛ لوضوحه. 2698 - قول "المنهاج" [ص 298]: (ولو اشترى بجزافٍ وتلف .. امتنع الأخذ) أعم من تصوير "المحرر" بالموزون (¬2)، و"الروضة" وأصلها بالموزون والمكيل (¬3)، لتناوله أيضاً المذروع وغيره، ثم فيه أمران: أحدهما: في معنى تلفه: ما لو كان باقياً غائباً .. فإن البائع لا يلزمه إحضاره ولا الإخبار بقدره. ثانيهما: لفظ الجزاف لا يتناول بعض المتقومات؛ كفص مجهول القيمة ضاع، فتعبير "الحاوي" بالجهالة أحسن (¬4)؛ لأنه يتناول هذه الصورة والتي قبلها، وعبارته بعد أن ذكر أن القول قول المشتري في الجهل بقدر الثمن: (وتسقط) (¬5) أي: الشفعة عند الجهل. 2699 - قول "المنهاج" [ص 298]: (وإن ادعى علمه ولم يعين قدراً .. لم تُسمع دعواه في الأصح) تبع فيه "المحرر" (¬6)، وكذا في "أصل الروضة"، والرافعي حكى تصحيحه عن البغوي فقط، وأقره (¬7)، وعليه مشى "الحاوي" (¬8)، وحكاه في "النهاية" عن النص (¬9)، ومحل الخلاف: أن يطالبه ببيان القدر، فإن لم يفعل ذلك .. لم تسمع دعواه جزماً. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 297). (¬2) المحرر (ص 219). (¬3) فتح العزيز (5/ 516)، الروضة (5/ 92). (¬4) الحاوي (ص 363). (¬5) الحاوي (ص 363). (¬6) المحرر (ص 219). (¬7) فتح العزيز (5/ 516)، الروضة (5/ 92). (¬8) الحاوي (ص 364). (¬9) نهاية المطلب (7/ 312).

2700 - قول "المنهاج" [ص 298]: (وإذا ظهر الثمن مستحقاً، فإن كان معيناً .. بطل البيع والشفعة) في معنى ذلك: خروج الدنانير نحاساً، أما لو خرج رديئاً .. فللبائع الخيار بين الرضا والاستبدال، فإن رضي .. لم يلزم المشتري الرضا بمثله، بل يأخذ من الشفيع ما اقتضاه العقد، ذكره البغوي (¬1)، قال النووي: وفيه احتمال ظاهر (¬2). وقال شيخنا الإمام البلقيني: ما قاله البغوي جار على قوله فيما إذا خرج العبد الذي أخذه البائع ثمناً معيباً ورضي به البائع: أن على الشفيع قيمته سليماً؛ لأنه الذي اقتضاه العقد، وقال الإمام: إنه غلط، وإنما عليه قيمته معيباً، حكاهما في "الروضة" (¬3)، قال شيخنا: فالتغليظ في المثلي أولى، قال: والصواب: أن في كلا المسألتين وجهين، والأصح عندي فيهما: اعتبار ما ظهر. 2701 - قول "التنبيه" فيما إذا أخذ الشقص بعوض مستحق [ص 117]: (فقد قيل: تبطل شفعته، وقيل: لا تبطل) الأصح: الثاني، ومحلهما: مع العلم بالاستحقاق، فإن جهله .. لم تبطل قطعاً، وقد ذكره "المنهاج" بقوله [ص 298]: (وإن دفع الشفيع مستحقاً .. لم تبطل شفعته إن جهل، وكذا إن علم في الأصح) ثم ظاهر عبارة "المنهاج" أنه لا فرق بين أن يكون معيناً أو في الذمة، وعبارة "التنبيه" تقتضي أن الخلاف في المعين، وهو الذي صححه النووي من زوائده تبعاً لأبي حامد وآخرين (¬4)، فإن كان في الذمة .. لم يبطل قطعاً، فأطلق "المنهاج" محل الخلاف على طريقته، وقد ظهر أن للخلاف شرطين أهمل كل منهما واحداً. 2702 - قول "الحاوي" [ص 362]: (وإن خرج مستحقاً .. أبدل) يقتضي أن الشفيع ملك الشقص، فلا يفتقر إلى تملك جديد والثمن دين عليه، وهو وجه صححه الغزالي (¬5)، قال الرافعي: وهو خلاف المفهوم من كلام الجمهور (¬6)، وتظهر فائدة الخلاف في الفوائد، وعبارة "التنبيه" و"المنهاج" ساكتة عن هذا، والله أعلم. 2703 - قول "المنهاج" [ص 298]: (وللشفيع نقض ما لا شفعة فيه؛ كالوقف) أحسن من قول "الحاوي" [ص 363]: (ونقض تصرفه) فإنه عمم في جميع التصرفات، ثم أخرج منها البيع خاصة بقوله بعده: (وإذا باع .. أخذ بما شاء) (¬7)، ولا شك أن كل معاوضة في معنى البيع كما تقدم، ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (4/ 354). (¬2) انظر "الروضة" (5/ 94). (¬3) الروضة (5/ 91)، وانظر "نهاية المطلب" (7/ 400). (¬4) انظر "الروضة" (5/ 93). (¬5) انظر "الوجيز" (1/ 391)، و "الوسيط" (4/ 88). (¬6) انظر "فتح العزيز" (5/ 518). (¬7) الحاوي (ص 363).

فالضابط في تعين النقض ما ذكره "المنهاج"، وهو: كل تصرف لا شفعة فيه، ومع ذلك فتعبير "التنبيه" بقوله [ص 118]: (وإن وهب أو وقف .. فله أن يفسخ) أحسن منهما؛ فإن النقض رفع الشيء من أصله كما سبق في (أسباب الحدث) فلذلك اعترض شيخنا الإسنوي على التعبير بالنقض، وقال: الأولى التعبير بالإبطال. قلت: وأحسن منه تعبير "التنبيه" بالفسخ، لكن يتميز "المنهاج" عليه بذكره ضابط المسألة. واعلم: بأن المراد بالنقض أو الفسخ: إبطاله بالأخذ، لا أنه يحتاج إلى لفظ قبله، نبه عليه في "المطلب" بحثاً. 2704 - قول "التنبيه" فيما لو أنكر المشتري الشراء وادعاه البائع، وقال: أخذت الثمن [ص 118]: (لم يأخذ الشفيع على ظاهر المذهب) الأصح: أنه يأخذ، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 298]: (وإن اعترف: فهل يترك في يد الشفيع أم يأخذه القاضي ويحفظه؟ .. فيه خلاف سبق في الإقرار نظيره) وعبارته في (الإقرار) [ص 280]: (وإذا كذب المقرُّ له المقرَّ .. تُرك المال في يده في الأصح) وقد ذكره "الحاوي" هنا بقوله [ص 364]: (وإن قبض الثمن .. قُرِّر في يده)، وسبق وجه ثالث: أن المقر له يجبر على أخذه، وعبارة "الروضة" في حكايته هنا: (أو الإبراء منه) (¬1)، وهو يدل على أن ذلك الخلاف يجري في الدين أيضاً؛ فإن الإبراء لا يكون في العين. وقال في "المهمات": تكرر من الرافعي تخريج الدين على الأوجه في العين، وهو يقتضي أن الراجح: تسلط الشفيع على التملك والتصرف مع كون الثمن في ذمته، وهو لا يوافق القواعد السابقة؛ فقد سبق أن الممتنع لا بد من رفعه إلى القاضي ليلزمه القبض أو يخلي بينه وبين الثمن ليحصل الملك للشفيع، فإن فرض في هذه المسألة حصول الملك بسبب آخر؛ كالقضاء .. استقام، ويتطرق ما ذكرناه إلى الإبراء أيضاً؛ فإنه إنما يكون بعد ثبوت الدين، وثبوته إنما يكون وقت الملك، لا جرم أن ابن الرفعة في كتابيه ذكر أن الخلاف محله في العين، ثم قال: وأجراه شارح "التنبيه" - وهو ابن يونس - في الدين أيضاً، ولم أره لغيره، هذا كلامه، وهو غريب. انتهى. وقال شيخنا ابن النقيب: هناك المشتري معترف بالشراء، وهنا بخلافه (¬2). 2755 - قول "التنبيه" [ص 118]: (وإن ادعى المشتري الشراء والشقص في يده والبائع غائب .. فقد قيل: يأخذ، وقيل: لا يأخذ) الأصح: الأول، ويكتب القاضي في السجل أنه أخذ ¬

_ (¬1) الروضة (5/ 98). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 172).

بالتصادق؛ ليكون الغائب على حجته، وصحح النووي في "نكت التنبيه" الثاني، وهو خلاف ما في "الروضة" (¬1). 2706 - قوله: (وإن كان للشقص شفيعان .. أخذا على قدر النصيبين في أحد القولين، وعلى عدد الرؤس في الآخر) (¬2) صحح الرافعي والنووي الأول (¬3)، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، وقال في "المهمات": هو خلاف مذهب الشافعي؛ فإنه لما حكى القولين في "الأم" (¬5) .. قال: والقول الثاني: أنهما في الشفعة سواء، وبهذا القول أقول، قال البندنيجي: والأصحاب كثيرأ ما يخالفون الشافعي لا عن قصد، ولكن لقلة اطلاعهم على نصوصه، وقال في "المطلب": وما قاله الأصحاب هنا عجيب، وكيف لا يعجب منه مع قوة ما احتج به الشافعي وعدم وضوح ما استدلوا به؟ ! انتهى. واختار السبكي هذا القول الثاني أيضاً، وقال شيخنا الإمام البلقيني: وهو الذي صححه في نظيره من السراية، بل قال المزني: إن الشافعي لم يختلف قوله في العتق؛ يعني أن القيمة تكون على عدد الرؤس، قال: وممن صحح القول الثاني أبو الفرج الزاز في "تعليقه"، وقال: إنه الجديد الصحيح، وعكس الماوردي فقال: إن الجديد الصحيح: الأول، وصحح الثانى أيضاً الغزالي في "شفاء العليل". انتهى. 2707 - قول "التنبيه" [ص 118]: (وإن مات الشفيع .. انتقل حقه إلى الورثة) الأصح: القطع بأنه على قدر الإرث، وقيل: بالسوية قطعاً، وقيل: على القولين، ودخل في عبارته الحمل، وظاهرها أن وليه يأخذ له بالشفعة قبل انفصاله، والذي صدر به كلامه في "الكفاية" المنع، ولم يحك الجواز إلا عن حكاية الرافعي وجهاً. نعم؛ لو أخذ وليه وظهر حياً .. ففي صحة الأخذ وجهان في "الكفاية". 2708 - قول "المنهاج" [ص 298]: (ولو باع أحد شريكين نصف حصته لرجل ثم باقيها لآخر .. فالشفعة في النصف الأول للشريك القديم، والأصح: أنه إن عفا عن النصف الأول .. شاركه المشتري الأول في النصف الثاني، وإلا .. فلا) ذكر شيخنا ابن النقيب أن صورة المسألة: أن يكون بيع باقيها لآخر قبل أخذ الشريك ما بيع أولاً (¬6)، وعبر "الحاوي" عن المسألة بقوله [ص 360]: ¬

_ (¬1) الروضة (5/ 99). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 118). (¬3) انظر "فتح العزيز" (5/ 527)، و"الروضة " (5/ 100). (¬4) الحاوي (ص 360)، المنهاج (ص 298). (¬5) الأم (4/ 3). (¬6) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 172).

(وإن تقرر بعد) وقال البارزي في تقريره: وإن تقرر الملك بعد ثبوت الشفعة .. ثبتت أيضاً بقدر الملكين، فلو باع أحد الشريكين نصف حصته لواحد وشرط له الخيار ثم باقيها لآخر قبل أن يعفو الشريك القديم عن الأول .. فالمشتري الأول يساهم الشريك القديم في أخذ الشفعة إذا عفا عنه وانقضى الخيار. 2709 - قول "المنهاج" [ص 298، 299]: (والأصح: أنه لو عفا أحد شفيعين .. سقط حقه، ويُخَيَّر الآخر بين أخذ الجميع وتركه) قال شيخنا ابن النقيب: ظاهر قوله: (ويخير) الجزم به، وإلا .. لقال: وإن الآخر يتخير، لكن قيل: إنه يسقط حقه أيضاً تغليباً للسقوط كالقصاص. انتهى (¬1). وهو ممنوع؛ فقوله: (ويخير) من تتمة ما تقدم، فهو داخل فيما عبر عنه بالأصح، كما قال هو في قول "المنهاج" بعده [ص 299]: (وليس له الاقتصار على حصته) أنه من تتمته. 2710 - قول "التنبيه" فيما لو غاب أحدهما [ص 118]: (أخذ الآخر جميع المبيع أو ترك) قد يفهم أنه يلزمه المبادرة لذلك، وليس كذلك، بل له تأخير الأخذ إلى قدوم الغائب على الأصح، وقد صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، ونسبه الماوردي للمزني، ثم قال: والأظهر: البطلان. 2711 - قول "التنبيه" [ص 118]: (وإن ورث رجلان داراً عن أبيهما ثم مات أحدهما وترك ابنين ثم باع أحد هذين الابنين نصيبه .. كانت الشفعة بين الأخ والعم في أصح القولين) مثال، وضابط المسألة: أن يكون بين أحد الشركاء والبائع اختصاص، وكذا عبر به صاحب "التنبيه" في مختصره؛ ليتناول نحو ما إذا اشترى اثنان داراً وباع أحدهما نصيبه، أو وهبه من اثنين ثم باع أحدهما .. ففيه مثل هذا الخلاف، وعلى القول بانها للأخ لو عفا .. ففي ثبوتها للعم وجهان، قال في "الروضة": ينبغي أن يكون الأصح: الثبوت (¬3). 2712 - قوله: (وإن هلك بعض الشقص بفرق .. أخذ الباقي بحصته من الثمن) (¬4) جزم به الرافعي والنووي هنا (¬5)، لكنهما رجحا في حكم المبيع قبل القبض أن غرق الأرض المشتراة ليس كالتلف، بل يثبت الخيار فقط، وهو مشكل. ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 173). (¬2) الحاوي (ص 360)، "المنهاج (ص 299). (¬3) الروضة (5/ 100). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 118). (¬5) انظر "فتح العزيز" (5/ 511)، و"الروضة" (5/ 89).

تنبيه [المراد بفورية الشفعة]

2713 - قولهما - والعبارة لـ "المنهاج" -: (والأظهر: أن الشفعة على الفور) (¬1) أي: طلبها وإن تأخر التملك، وقد صرح بذلك "الحاوي" فقال [ص 364]: (بادر بالطلب)، وهذا إذا علم بالبيع، فإن لم يعلم .. فحقه باق وإن طالت المدة. ويستثنى من اشتراط الفور مسائل: إحداهما: إذا اشترى بمؤجل .. فالشفيع مخير بين التعجيل والأخذ في الحال والصبر إلى المحل على الأظهر. الثانية: إذا أخبر بالبيع على غير ما وقع من زيادة في الثمن ونحوها، فترك ثم تبين خلافه .. فحقه باق، وقد ذكرهما الثلاثة، لكن "الحاوي" أحسنهم لهما ذكراً؛ فإنه ذكرهما هنا استثناء من الفورية، وذكر للإخبار كذباً صوراً، لكن قوله: (أو كذب في جنسه) (¬2) يزاد عليه: (أو نوعه). الثالثة: إذا كان أحد الشفيعين غائباً .. فللحاضر انتظاره وتأخير الأخذ إلى حضوره، وقد ذكرها "المنهاج" و"الحاوي"، واستثناها هنا من الفور (¬3). الرابعة: له التأخير أيضاً لانتظار إدراك الزرع وحصاده على الأصح، وهذه ترد على "الحاوي" أيضاً. الخامسة: قال شيخنا الإمام البلقيني: إنما تكون الشفعة على الفور إذا لم يكن الشقص الذي يأخذ بسببه مغصوباً، نص عليه في "البويطي" فقال: وإن كان في يدي رجل شقص من دار، فغصب على نصيبه، ثم باع الآخر نصيبه، ثم رجع إليه .. فله الشفعة ساعة رجع إليه. تنبيهٌ [المراد بفورية الشفعة] المراد بكونها على الفور: أنه يبادر على العادة، كما صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، والمراد: أن ذلك يكون عقب علمه بالشراء إن لم يثبت للشفيع خيار المجلس، وهو الذي صححه الرافعي في "المحرر" في (البيع) (¬5)، ووافقه النووي في سائر كتبه، وحكاه عن الأكثرين (¬6)، ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 117)، و"المنهاج" (ص 299). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 364). (¬3) الحاوي (ص 364)، "المنهاج (ص 299). (¬4) الحاوي (ص 364)، المنهاج (ص 299). (¬5) المحرر (ص 143). (¬6) انظر "الروضة" (5/ 85).

فإن قلنا: بثبوت الخيار له - وهو الذي صححه الرافعي في "الشرح" في (الشفعة) (¬1) - .. فقال شيخنا ابن النقيب هنا: تكون المبادرة عقب انقضاء المجلس. انتهى (¬2). وفيه نظر؛ فإن في "أصل الروضة" في (البيع) أنه قيل: إن معنى ثبوت الخيار له: أنه بالخيار بين الأخذ والترك ما دام في المجلس، وأن إمام الحرمين قال: هذا غلط، بل الصحيح: أنه على الفور، ثم له الخيار في نقض الملك ورده (¬3)، وصرح في "شرح المهذب" بتصحيح مقالة الإمام (¬4)، وهو مقتضى كلام الرافعي هنا. 2714 - قول "التنبيه" [ص 117]: (وإلى ثلاثة أيام في قول، وعلى التأبيد في قول إلى أن يصرح بالإسقاط أو يعرض) فيه أمور: أحدها: اعترض على تعبيره عن قول الثلاثة: بأن مقتضاه: بقاء الشفعة فيها ولو صرح بإسقاطها أو عرض، وليس كذلك، فلا بد من تقييده. وجوابه: أن قوله: (إلى أن يصرح بالإسقاط أو يعرض) يتعلق بالقولين معاً، ولا يختص بالأخير كما فهمه هذا المعترض، وهذا مقتضى مذهب الشافعي رحمه الله في الأصول. ثانيها: قد يفهم أنه ليس له على قول التأبيد رفع الأمر إلى حاكم ليأخذ أو يترك، وهو وجه اختاره السبكي، والأصح: خلافه. ثالثها: وقع في أكثر النسخ: (وإلى أن يصرح بالإسقاط) بزيادة (واو) في أول الكلام، ومقتضاه: أن هذا قول غير الأقوال الثلاثة، فيكون القولان اللذان قبله: بقاء الشفعة له ولو صرح با لإسقاط أو عرض، وليس كذلك، فزيادة هذه الواو غلط. 2715 - قول "التنبيه" في مثال التعريض بالإسقاط [ص 117]: (بأن يقول: "بكم الثمن") طريقة العراقيين، والأصح عند الرافعي والنووي وغيرهما: أنه لا تبطل الشفعة بذلك وإن قلنا: إنها على الفور (¬5)، وعليه مشى "الحاوي" (¬6). 2716 - قول "التنبيه" [ص 117]: (وإن بلغه الخبر وهو مريض أو محبوس ولم يقدر على التوكيل .. فهو على شفعته) فيه أمور: ¬

_ (¬1) فتح العزيز (5/ 506). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 175). (¬3) فتح العزيز (4/ 172)، الروضة (3/ 435)، وانظر "نهاية المطلب" (5/ 35). (¬4) المجموع (9/ 168). (¬5) انظر "فتح العزيز" (5/ 542)، و "الروضة" (5/ 110). (¬6) الحاوي (ص 364).

أحدها: المراد: المرض المانع من المطالبة، بخلاف الصداع اليسير ونحوه، ويرد ذلك أيضاً على إطلاق "المنهاج" المرض (¬1). ثانيها: والمراد: الحبس ظلماً أو بدين وهو معسر وعاجز عن البينة بإعساره. ثالثها: ظاهره أنه لا يشترط الإشهاد عند القدرة عليه، والأصح: خلافه، وقد ذكره "المنهاج" بقوله [ص 299]: (فليُوكل إن قَدَرَ، وإلا .. فليُشهد على الطلب، فإن ترك المقدور عليه منهما .. بطل حقه في الأظهر)، وفيه أمور: أحدها: أن تعبيره في مسألة الخلاف يقتضي أن صورتها: ألَّا يقدر إلا على أحدهما، فإن قدر عليهما .. فمقتضى عبارته أولاً: أن واجبه التوكيل، فالعدول عنه للإشهاد تقصير، وعبارة "أصل الروضة": فينبغي للمريض أن يوكل إن قدر، فإن لم يفعل .. بطلت شفعته على الأصح؛ لتقصيره، والثاني: لا، والثالث: إن لم يلحقه في التوكيل منَّة ولا مؤنة ثقيلة .. بطلت، وإلا .. فلا، فإن لم يُمكنه .. فليُشهد على الطلب، فإن لم يشهد .. بطلت على الأظهر أو الأصح. انتهى (¬2). وعبارة "المنهاج" لا تشبهها، فإذا أردنا ردها إليها .. قلنا: قوله: (فإن ترك المقدور عليه منهما) (¬3) أي: كل واحد في محله ومرتبته؛ التوكيل عند القدرة عليه سواء أقدر على الإشهاد أم لا، والإشهاد عند العجز عن التوكيل؛ بدليل أنه في صدر كلامه جعل محل الإشهاد عند العجز عن التوكيل، فصار صدر كلامه يوضح الإيهام الذي في آخره. ثانيها: تعبيره في ترك التوكيل عند القدرة عليه بالأظهر مخالف لتعبير "الروضة" بـ (الأصح) (¬4)، والذي في "الشرحين" أن الخلاف فيها أوجه (¬5). ثالثها: تعبيره فى ترك الإشهاد بالأظهر جزم بأن الخلاف قولان، وقد تردد فيه في "الروضة" وأصلها (¬6)، وعبارة "الحاوي" [ص 364، 365]: (بنفسه أو نائبه، ثم أشهد، فإن ترك المقدور - لا توكيلاً فيه مؤنة، أو ثِقَلُ مئة - .. بطل) وفيه أمران: أحدهما: أن مقتضاه: التخيير بين المبادرة بنفسه وبوكيله مع القدرة، وأن التوكيل لا يختص ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 299). (¬2) الروضة (5/ 107). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 299). (¬4) الروضة (5/ 107). (¬5) فتح العزيز (5/ 539). (¬6) فتح العزيز (5/ 539)، الروضة (5/ 107).

بحالة المرض ونحوها، وهو فقه جيد واضح، لكن لم أرهم ذكروا التوكيل إلا عند العجز بالمرض ونحوه، ولعل ذلك؛ لأن التوكيل حينئذ يتعين طريقاً لا لأنه يمتنع مع القدرة على الطلب بنفسه. ثانيهما: ما ذكره في التوكيل الذي فيه مؤنة أو ثقل منَّة: إن تركه .. لا تبطل الشفعة، تبع فيه "الوجيز" (¬1)، والأصح عند الرافعي والنووي: خلافه كما قد عرفت (¬2). 2717 - قول "التنبيه" [ص 117]: (وان بلغه وهو غائب فسار في طلبه ولم يشهد .. ففيه قولان) صحح النووي في "تصحيح التنبيه": سقوط شفعته (¬3)، وصحح في "الروضة" وأصلها: عدم السقوط (¬4)، لكن المصحح في نظيره من الرد بالعيب السقوط. 2718 - قول "المنهاج" [ص 299]: (فلو كان في صلاةٍ أو حمامٍ أو طعامٍ .. فله الإتمام) قد يفهم أنه لو حضر وقت الصلاة أو الطعام ولم يشرع فيه .. لم يكن له ذلك، وليس كذلك، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 364]: (وإن أتم النفل والأكل أو اشتغل بهما وقتهما). 2719 - قول "التنبيه" [ص 117]: (فإن أخر وقال: "أخرت لأني لم أصدق المخبر" فإن كان المخبر صبياً أو امرأة أو عبداً .. لم تبطل شفعته) الأصح: أنها تبطل بإخبار العبد أو المرأة إذا كان ثقة، وقد ذكره "المنهاج" بقوله [ص 299]: (وكذا ثقة في الأصح) و"الحاوي" بقوله [ص 364]: (مقبول روايته). 2720 - قول "التنبيه" [ص 117]: (وإن كان حراً عدلاً .. فقد قيل: هو على شفعته، وقيل: تبطل) الأصح: الثاني كما تقدم، وكل هذا في أخبار الآحاد، فلو بلغ المخبرون حد التواتر .. لم يعذر ولو كانوا فساقاً، كذا في "أصل الروضة" (¬5)، ولو قال: (كفاراً) .. لكان أولى؛ فإن الحكم كذلك، كما صرح به في "التتمة" وغيرها، وعبارته توهم أن حكم الكافر بخلاف الفاسق. قال في "المطلب": وكل هذا في الظاهر، أما في الباطن .. فالاعتبار بما يقع في نفسه من صدق وضده، ولو من كافر وفاسق وغيرهما، قاله الماوردي (¬6). 2721 - قول "الحاوي" فيما يعذر فيه [ص 364]: (ودعا بالبركة) صورته كما في "المنهاج" و"الروضة" وأصليهما أن يقول: (بارك الله في صفقتك) (¬7) ومقتضاه: أنه لو زاد عليه: ¬

_ (¬1) الوجيز (1/ 392). (¬2) انظر "فتح العزيز" (5/ 539)، و "الروضة" (5/ 107). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 362). (¬4) فتح العزيز (5/ 540)، الروضة (5/ 108). (¬5) الروضة (5/ 109). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 243). (¬7) المحرر (ص 221)، فتح العزيز (5/ 542)، المنهاج (ص 299)، الروضة (5/ 110).

(لك) .. بطلت، قال شيخنا ابن النقيب: وهو واضح تحصل به مصلحة تعليله بأن له غرضاً في أخذ صفقة مباركة، ويندفع به محذور تعليل مقابله بأنه مشعر بتقرير الشقص بيده. انتهى (¬1). لكن في "المهمات": أن الإمام والغزالي صورا محل الخلاف بزيادة: (لك)، قال: فذهل عنه الرافعي، ولم يتفطن له في "الروضة" (¬2). قلت: والذي وقفت عليه في نسخة صحيحة من الرافعي بزيادة: (لك)، ويبعد عليه إسقاطها؛ لأنها في "الوجيز" الذي هو شارح له (¬3)، والله أعلم. 2722 - قول "التنبيه" [ص 117]: (وإن باع حصته قبل أن يعلم بالشفعة ثم علم .. فقد قيل: تسقط، وقيل: لا تسقط) الأصح: الأول، وقد ذكره "المنهاج" بقوله [ص 299]: (لو باع حصته جاهلاً بالشفعة .. فالأصح: بطلانها) و"الحاوي" بقوله [ص 365]: (أو باع ملكه، أو وهب، أو بعضه - ولو كان جاهلاً - .. بطل) فزاد مسألة الهبة، وبيع البعض، أو هبته، وقد قال الرافعي في بيع البعض عالماً: الأظهر عند الإمام وغيره: البطلان (¬4)، وأطلق تصحيحه في "الشرح الصغير" و"الروضة" (¬5)، وقال الرافعي في بيع البعض جاهلاً: الوجه: أنه على الخلاف، وقوته تقتضي استواء الترجيح (¬6)، وعليه مشى "الحاوي" (¬7)، لكن صحح النووي في بيع البعض جاهلاً: عدم البطلان (¬8). ويستثنى من محل الخلاف أيضاً: ما إذا باع بشرط الخيار وفسخ البيع ثم علم .. فله الشفعة، قاله في "المرشد". 2723 - قول "التنبيه" [ص 117]: (وإن توكل في بيعه .. سقطت، وقيل: لا تسقط) الأصح: عدم السقوط. 2724 - قوله: (وإن قال: "صالحني عن الشفعة على مال" .. فقد قيل: تبطل، وقيل: لا تبطل) (¬9) الأصح: الثاني، ومحل الخلاف: إذا كان جاهلاً بفساد الصلح، فإن كان عالماً ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 178). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (7/ 328)، و"الوسيط" (4/ 100)، و "فتح العزيز" (5/ 542)، و"الروضة" (5/ 110). (¬3) الوجيز (1/ 392). (¬4) فتح العزيز (5/ 543)، انظر "نهاية المطلب" (7/ 425). (¬5) الروضة (5/ 111). (¬6) انظر "فتح العزيز" (5/ 543). (¬7) الحاوي (ص 365). (¬8) انظر "الروضة" (5/ 111). (¬9) انظر "التنبيه" (ص 117).

بذلك .. بطل حقه قطعًا، كما ذكروه في المصالحة عن الرد بالعيب، وأحالوا عليه هنا، وكلام شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" يقتضي وجود الخلاف في الحالين؛ فإنه قال فيما عبر فيه بالأصح: وأنه إذا قال: صالحني عن الشفعة على مال .. لم تسقط شفعته، وبطلانها إذا صالح عنها على مال عالماً بفساد المصالحة (¬1). 2725 - قول "التنبيه" [ص 118]: (وإن تصرف المشتري في الشقص بالغراس والبناء .. فالشفيع مخير بين أن يأخذ ذلك بقيمته وبين أن يقلع ويضمن أرش ما نقص) فيه أمور: أحدها: اقتصر العراقيون هنا على ذكر هاتين الخصلتين كما في "الكفاية"، وزاد الرافعي والنووي هنا في التخيير خصلة ثالثة، وهي: التبقية بأجرة، وقالا: كما في العارية بلا فرق (¬2). قلت: وقد تقدم في العارية ما في ذلك من الاضطراب. ثانيها: محل تخيير الشفيع: ما إذا لم يختر المشتري قلع البناء والغراس، فإن اختار .. فله ذلك، ولا يكلف تسوية الأرض، فإن حدث في الأرض نقص .. فيأخذه الشفيع على صفته أو يترك. ثالثها: المسألة مشكلة؛ لأن المشتري إن فعل ذلك قبل القسمة .. فللشفيع قلعه مجاناً؛ لتعديه بانفراده بالتصرف في المشترك، وإن كان بعد القسمة .. فاستشكله المزني بأن القسمة تتضمن الرضا من الشفيع، وإذا رضي بتملك المشتري .. بطلت شفعته. واستشكله غيره: بأن القسمة تقطع الشركة، فيصيران جارين، ولا شفعة للجار. وأجيب: بالتزام أنه بعد القسمة، والجواب عن إشكال المزني: أن القسمة تصح مع بقاء الشفعة في صور كثيرة: منها: أن يخبر الشفيع بالشراء بثمن كثير، فيعفو ويقاسم، ثم يتبين خلافه. ومنها: أن تقع القسمة مع وكيله فيها من غير علمه. وعن الإشكال الثاني: أن الجوار إنما لا يكفي في الابتداء. رابعها: خرج بذكر الغراس والبناء ما لو تصرف فيها بالزرع .. فإنه يبقى إلى أوان الحصاد بلا أجرة، وقد ذكر "الحاوي" المسألة وتصويرها، فقال [ص 365]: (أو قاسم وكيله، ويُبَقَّى زرعه بلا أجرٍ، وبناؤه كالعارية). 2726 - قول "التنبيه" [ص 118]: (وقيل: له أن يرد بخيار المجلس) صححه الرافعي في ¬

_ (¬1) تذكرة النبيه (3/ 164، 165). (¬2) انظر "فتح العزيز" (5/ 520)، و"الروضة" (5/ 95).

"الشرح" (¬1)، لكنه صحح في "المحرر": أنه لا يرد بخيار المجلس، وصححه النووي في جميع كتبه (¬2)، لكن نقل الإمام قطب الدين السنباطي عن النووي: أنه صحح في "تصحيح التنبيه" الأول، ثم اعترضه ورد عليه شيخنا الإسنوي: بأن هذا ليس موجوداً في "تصحيح النووي"، وهو كذلك. * * * ¬

_ (¬1) فتح العزيز (5/ 506). (¬2) انظر "الروضة" (5/ 85).

كتاب القراض

كتاب القِراض 2727 - قول "المنهاج" [ص 300]: (القراض والمضاربة: أن يدفع إليه مالاً ليتجر فيه والربح مشترك) قيل: إنه أحسن من قول "التنبيه" [ص 119]: (ولا يصح إلا على مال) لأنه عرف القراض، ونبه بلفظ الدفع على أنه لا يصح على الدين سواء أكان على العامل أم غيره، وفيما إذا كان على العامل وجه في "الكفاية" عن ابن سريج. قلت: وقد نبه "المنهاج" على أنه لا يصح على الدين أيضاً بقوله بعد ذلك [ص 300]: (إنه يشترط في المال أن يكون معيناً) وصرح بذلك "المحرر" فقال عقبه: (فلا يجوز على دين له في ذمة الغير، ولا أن يقارض المديون) (¬1). 2728 - قول "الحاوي" [ص 366]: (في خالص نقدٍ مضروبٍ) كذا قيد الرافعي في "المحرر" النقد بكونه مضروباً (¬2)، لكنه قال في "الشرح الكبير": يشترط أن يكون نقداً، وهو الدراهم والدنانير المضروبة. انتهى (¬3). وهذا يقتضي اختصاص النقد بالمضروب، فلا حاجة حينئذ للتقييد، وعبارة "المنهاج" [ص 300]: (ويشترط لصحته: كون المال دراهم أو دنانير)، فلم يقيدها بالمضروبة، واقتضى كلامه اختصاصها بالمضروبة؛ ولهذا عقبه بقوله: (فلا يجوز على تبر وحلي ومغشوش) (¬4) وكذا اقتصر "التنبيه" على ذكر الدراهم والدنانير (¬5)، ومقتضى عبارة "الشرح" و"الروضة": أنه لا بد من تقييدها بأن تكون مضروبة (¬6)، ولعل الذي في "التنبيه" و"المنهاج" أقرب، وقد تفهم عبارة "المنهاج" أنه لابد أن يكون رأس المال دراهم فقط، أو دنانير فقط، ولا يجوز كونه منهما معاً، وليس كذلك، فحينئذ .. يكون قول "التنبيه" [ص 119]: (ولا يصح إلا على الدراهم والدنانير) أحسن؛ لدلالته على أن المذكور جنس رأس المال، فإما أن يكون منهما أو من أحدهما. 2729 - وقولهم: (إنه لا يجوز القراض على المغشوش) (¬7) قال الجرجاني: محله: إذا كان ¬

_ (¬1) المحرر (ص 222). (¬2) المحرر (ص 222). (¬3) فتح العزيز (6/ 6). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 300). (¬5) التنبيه (ص 119). (¬6) فتح العزيز (6/ 6)، الروضة (5/ 117). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 119)، و"الحاوي" (ص 366)، و "المنهاج" (ص 300).

الغش ظاهراً، فإن كان مستهلكاً .. جاز، وقوى السبكي الوجه الذاهب إلى جواز القراض على الدراهم المغشوشة. 2730 - قول "التنبيه" [ص 119]: (ولا يصح إلا على مال معلوم الوزن) فيه أمران: أحدهما: أن التقييد بالوزن يقتضي أنه لا يشترط العلم بصفته، وليس كذلك، فقد صرح هو باشتراطه في "المهذب" (¬1)، وتبعه ابن الرفعة، ولم يتعرض الرافعي للتصريح به، لكن أطلق كونه معلوماً، فقد يدخل فيه العلم بالصفة، وتعليله يقتضيه، وكذا أطلق "المنهاج" كونه معلوما" (¬2)، وقال"الحاوي" [ص 366]: (معلوم القدر) فقيد كـ "التنبيه". ثانيهما: أنه لو قارضه على ما في أحد هذين الكيسين وهما معلومان .. صح، وهو وجه، الأصح: خلافه؛ ولهذا اشترط "المنهاج" و"الحاوي" أن يكون معينًا (¬3)، وخرج به ما لو قارض على دين كما تقدم، وأورد ذلك على "التنبيه" إذ ليس في عبارته ما يخرجه، فلو قارضه على دراهم غير معينة، ثم عينها في المجلس .. صح، كما قطع به القاضي حسين والإمام (¬4)، ورجحه في "الشرح الصغير"، وقطع البغوي بالمنع (¬5). 2731 - قول "المنهاج" [ص 300]: (وقيل: يجوز على إحدى الصُرَّتَيْنِ) أي: ويتصرف العامل في أيهما شاء، فيتعين للقراض، ولا بد أن يكون ما فيهما معلوماً كما قدمته، وأن تكونا متساويتين، وهل تشترط الرؤية تفريعاً على اشتراطها في البيع؟ قال السبكي: فيه نظر، والأقرب: الثاني؛ ولعل عدول "المحرر" و"المنهاج" عن التعبير بأحد الألفين إلى إحدى الصُّرَّتين لهذه الفائدة (¬6)، ولكن صورها الرافعي وصاحب "المهذب" بما إذا دفعهما إليه (¬7)، فإن كان شرطاً .. فلتقيد به عبارة "المنهاج" في حكاية هذا الوجه. 2732 - قوله: (ومسلَّماً إلى العامل) (¬8) قد يفهم أنه يشترط تسليمه له حالط العقد أو في المجلس، وليس كذلك، وإنما المراد: أن اليد له فيه، فلا يصح الإتيان بما ينافيه؛ كشرط كونه ¬

_ (¬1) المهذب (1/ 385). (¬2) المنهاج (ص 300). (¬3) الحاوي (ص 366)، المنهاج (ص 300). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (7/ 449). (¬5) انظر "التهذيب" (4/ 378). (¬6) المحرر (ص 222)، "المنهاج (ص 300). (¬7) المهذب (1/ 385)، فتح العزيز (6/ 17). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 300).

تحت يد المالك أو غيره؛ ولهذا عقبه بقوله: (فلا يجوز شرط كون المال في يد المالك) (¬1)، فقول "الحاوي" [ص 366]: (في يد العامل) أوضح في هذا المعنى، وأبعد من هذا الإفهام. وقول "المنهاج" [ص 300]: (ولا عمله معه) قد يفهم دخوله فيما احترز عنه بقوله: (مسلَّماً إلى العامل) (¬2) وليس كذلك، بل هو شرط آخر، وهو: استقلال العامل بالتصرف. 2733 - قولهما - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ويجوز شرط عمل غلام المالك معه على الصحيح) (¬3) المراد: عبده، كما عبر به "الحاوي" (¬4)، ولا بد أن يكون معلوما بالمشاهدة أو الوصف، وشرطه: ألاَّ يصرح بالحجر على العامل بألاَّ يتصرف دون الغلام، أو يكون بعض المال في يده، وهو مفهوم من تعبيرهم بالعمل. 2734 - قول "التنبيه" [ص 119]: (وعلى العامل أن يتولى بنفسه ما جرت العادة أن يتولاه) يفهم منعه من الاستنابة فيه، وليس كذلك؛ ولهذا عبر "المنهاج" بقوله [ص 300]: (ووظيفة العامل التجارة وتوابعها؛ كنشر الثياب وطيها) ولا يلزم من كونه وظيفته منع الاستنابة فيه، لكن أجرة النائب عليه، وقد أفصح عنه "الحاوي" بقوله [ص 369]: (والنشر والطي وحمل الخفيف والأجر إن استأجر) لكن عبر "المنهاج" في الفصل الذي يليه بمثل تعبير "التنبيه" فقال [ص 302]: (عليه فعل ما يعتاد ... إلى آخره) لكنه أَدْوَن في صراحة ذلك من قول "التنبيه" [ص 119]: (نفسه). 2735 - قول "التنبيه" [ص 119]: (ولا يجوز إلا على التجارة في جنس يعم وجوده) يقتضي اشتراط جنس ما يقارض عليه، حتى لو قارضه على أن يتجر فيما أراد .. لم يصح، وليس كذلك، كما صرح به الماوردي وغيره (¬5)، ولهذا لم يذكره "المنهاج" و"الحاوي"، وفي اشتراط تعيين النوع وجه، الأصح: خلافه، عكس الوكالة، وهو مفهوم عبارة "التنبيه". 2736 - قوله: (فإن علقه على ما لا يعم، أو على ألاَّ يشتري إلا من رجل بعينه .. لم يصح) (¬6) لو عبر بقوله: (عقده) .. كان أولى؛ فإنه ليس في هاتين الصورتين تعليق، وقد ذكر التعليق بعد ذلك. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 300). (¬2) المنهاج (ص 300). (¬3) انظر "الحاوي" (ص 367)، و"المنهاج" (ص 300). (¬4) الحاوي (367). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 314). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 119).

2737 - قوله: (ولا يصح إلا أن يعقد في الحال، فإن علقه على شرط .. لم يصح) (¬1) قد يفهم أنه لو عقد في الحال وعلق التصرف على شرط .. صح كما في الوكالة، وليس كذلك. 2738 - قول "المنهاج" [ص 300]: (ولا يشترط بيان مدة القراض، فلو ذكر مدة ومنعه التصرف بعدها .. فسد، وإن منعه الشراء بعدها .. فلا في الأصح) فيه أمور: أحدها: أنه يفهم الصحة فيما لو قال: قارضتك سَنَةً، ولم يزد، وكذا يفهمه عبارة "التنبيه"، لكن الأصح المنصوص: البطلان، وقد دل عليه قول "الحاوي" [ص 367]: (لا مؤقتةٍ). ثانيها: في معنى منعه التصرف: منعه البيع فقط، وقد صرح بهما في "المحرر" و"الروضة" (¬2)، و"الحاوي" بقوله [ص 367]: (مطلقاً، أو في البيع) ولو اقتصروا على منع البيع كما في قول "التنبيه" [ص 119]: (على ألاَّ يبيع بعده) .. لكان أحسن؛ لأنه المفسد. ثالثها: تعبيره في منع الشراء كقول "التنبيه" [ص 119]: (وإن عقد إلى شهر على ألاَّ يشتري بعده) وكذا في "المحرر" (¬3)، لكن في "شرحي الرافعي" و"الروضة" و"الكفاية" في تصوير ذلك الإذن في البيع، فقالوا في تصويره على ألاَّ تشتري بعد السنة: ولك البيع (¬4)، ومفهومه: أنه إذا لم يصرح بالإذن في البيع .. بطل قطعاً، فإن صح ذلك .. ورد على "المنهاج"، ولا يرد على "التنبيه" لأنه لم يحك خلافاً حتى يحتاج إلى تقييد محله، لكن اختار في "المطلب": أنه لا فرق بين أن يأتي بهذه الزيادة أم لا. رابعها: محل الصحة فيما إذا منعه الشراء كما قال الإمام: أن تكون تلك المدة يتأتى فيها الشراء لغرض الربح، بخلاف ساعة ونحوها (¬5)، وهذا وارد على "التنبيه" و"الحاوي" أيضاً. خامسها: أورد عليه: أنه يفهم أنه لو منعه التصرف قبل المدة؛ بأن عقد في الحال وعلق التصرف على شرط .. صح، وليس كذلك، وقد تقدم إيراد ذلك أيضاً على قول "التنبيه" [ص 119]: (فإن علقه على شرط .. لم يصح). 2739 - قول "المنهاج" [ص 300]: (ويشترط اختصاصهما بالربح) أحسن من قول "المحرر" و"الروضة" وأصلها: (اختصاص الربح بهما) (¬6) فإن الباء إنما تدخل على المقصور. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 119). (¬2) المحرر (ص 222)، الروضة (5/ 122). (¬3) المحرر (ص 222). (¬4) فتح العزيز (6/ 14، 15)، الروضة (5/ 122). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (7/ 454). (¬6) المحرر (ص 222)، فتح العزيز (6/ 15)، الروضة (5/ 122).

فصل [شروط القراض]

فصلٌ [شروط القراض] 2740 - قول "المنهاج" [ص 301]: (يشترط إيجاب وقبول) فيه تسمح؛ فإنهما ركنان لا شرطان، فقول "الحاوي" [ص 366]: (توكيل بإيجاب وقبول) لا اعتراض عليه، وكذا قول "المحرر": لا بد في القراض (¬1). 2741 - قول "المنهاج" [ص 301]: (وقيل: يكفي القبول بالفعل) محله: ما إذا كانت صيغة الإيجاب لفظ أمر؛ كـ (خذ)، فلو أتى بلفظ عقد؛ كـ (قارضتك) .. فلا بد من اللفظ، كذا في "الروضة" وأصلها (¬2)، وعبارة "المحرر": (فأخذ .. استغنى عن القبول) (¬3)، وحينئذ .. فالمراد بالفعل في "المنهاج": أخذ الدراهم؛ ليطابق "المحرر"، فيستغنى بأخذها فعلاً عن القبول لفظاً، وليس في "الروضة" وأصلها تعرض للأخذ (¬4)، فظاهره أن المراد بالفعل: التصرف كما في الوكالة والجعالة، ومقتضاه: أنه لو تصرف فيه قبل أخذه .. كفى، وفيه نظر، قاله شيخنا ابن النقيب (¬5). 2742 - قول "التنبيه" [ص 119]: (من جاز تصرفه في المال .. صح منه عقد القراض) يتناول المالك والولي ولو كان وصياً أو حاكماً أو قَيّمَهُ، وهو صحيح، والوكيل، والعبد المأذون، وعامل القراض مع أنه لا يصح منهم القراض، ولا يرد ذلك على قول "المنهاج" [ص 301]: (شرطهما كوكيلٍ وموكلٍ) وهو مفهوم من قول "الحاوي" [ص 366]: (توكيل). 2743 - قول "المنهاج" [ص 301]: (ولو قارض العامل آخر بإذن المالك ليشاركه في العمل والربح .. لم يجز في الأصح) قال السبكي: الذي يظهر أن الجواز أقوى، واحترز بالمشاركة عما لو أذن له في ذلك على أن ينسلخ من القراض ويكون وكيلاً في نصب الثاني .. فإنه يصح جزماً، وقد صرح به "الحاوي" بقوله [ص 368]: (وإن قارض بالإذن وانسلخ .. جاز) ومحله: ما إذا كان المال مما يجوز عليه القراض في تلك الحالة، فلو وقع ذلك بعد تصرفه وصيرورته عرضاً .. لم يجز، نبه عليه ابن الرفعة. 2744 - قول "المنهاج" [ص 301]: (فإن تصرف الثاني .. فتصرت غاصبٍ، فإن اشترى في الذمة، وقلنا بالجديد .. فالربح للعامل الأول في الأصح) فيه أمران: ¬

_ (¬1) المحرر (ص 223). (¬2) فتح العزيز (6/ 17)، الروضة (5/ 124). (¬3) المحرر (ص 223). (¬4) فتح العزيز (6/ 17)، الروضة (5/ 124). (¬5) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 186).

أحدهما: مراده القول الجديد: أن الربح للغاصب، والقديم: أنه للمالك، ولم يتقدم له ذكره، ففي الإحالة عليه نظر. ثانيهما: اختار السبكي الوجه الثاني أن الربح للثاني. 2745 - قوله: (وعليه للثاني أجرته) (¬1) ليس في "المحرر"، وهو في "الروضة" وأصلها (¬2)، فينبغي تمييزه. 2746 - قوله: (ويجوز أن يقارض الواحدُ اثنينِ) (¬3) شرطه عند الإمام: استقلال كلٍّ منهما (¬4)، فلو شرط على كل مراجعة الآخر .. لم يجز، قال الرافعي: وما أرى أن الأصحاب يُساعدونه عليه (¬5)، والمشهور في "المطلب": إطلاق الجواز كما رواه الرافعي، وقال في "المهمات": الأمر كما ظنه الرافعي من الجواز، فقد حكاهُ الإمام عن ابن سريج، وصرح به القاضي أبو الطيب والغزالي في "البسيط"، ورجح البويطي من عنده: عدم الجواز، فقال: لو قارض رجلين على أن يشتركا .. لم يجز؛ لأن هذا قراض وشركة، وقيل: يجوز. وقال شيخنا الإمام البلقيني: بل الأصحاب يساعدونه عليه، وهو الظاهر، والوجه: القطع به؛ فإن من شرط صحة القراض: الاستقلال بالتصرف، وهنا ليس كذلك، ولو شرط على العامل مراجعة المالك .. فسد، فالأجنبي أولى، وصرحوا أيضاً بأنه لو نصب عليه مشرفاً .. لم يجز، وأعلى مراتب هذا الرفيق: أن يكون مشرفاً، وقالوا فيما إذا شرط عمل غلامه معه، وصححناه: محله: ما إذا لم يصرح بحجر على العامل، فإن حجر، فقال: لا تتصرف دونه .. فسد قطعاً. انتهى. واستشكل الإمام الصحة مع الاستقلال أيضاً؛ لعدم وثوق كل منهما بتصرفه؛ لاحتمال كونه مسبوقاً بتصرف صاحبه، ثم قال بعد ذلك: إنه باطل لا شك فيه، حكاه في "المهمات" (¬6). 2747 - قول "التنبيه" [ص 119]: (وإن قال: "قارضتك على أن الربح كله لي، أو كله لك" .. فسد العقد، إلا أنه إذا تصرف .. نفذ تصرفه، ويكون الربح كله لرب المال وللعامل أجرة المثل) الأصح: أنه لا أجرة له في الصورة الأولى، وهي قول المالك: إن الربح كله لي، وقد استثناه "المنهاج" بقوله [ص 301]: (إلا إذا قال: "قارضتك وجميع الربح لي" .. فلا شيء له في ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 301). (¬2) فتح العزيز (6/ 29)، الروضة (5/ 133). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 301). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (7/ 544، 545). (¬5) انظر "فتح العزيز" (6/ 19). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (7/ 545).

الأصح) والحاوي بقوله [ص 368]: (وإن فسد .. تصرف بأجر المثل إن لم يشرط الكل للمالك)، لكن صحح ابن الرفعة: أن له الأجرة في الأولى أيضاً، وقال السبكي: ولم يصحح الأكثرون شيئاً، وهما مفرعان على أن هذا قراض فاسد، وتكون هذه على تصحيح "المنهاج" وغيره مستثناةً من قولنا: فاسد العقود كصحيحها في الضمان وعدمه، فإن قلنا: إبضاع .. فلا شيء جزماً. 2748 - قول "المنهاج" [ص 301]: (ويتصرف العامل مُحتاطاً) مثل قول "التنبيه" [ص 119]: (وأن يتصرف على وجه النظر والاحتياط) وعبر في "المحرر" بالغبطة (¬1)، وفي "الروضة" بالمصلحة (¬2)، وفي "الشرحين" بهما (¬3)، وصوب في "المهمات" التعبير بالمصلحة، وقال: هي كشراء ما يتوقع فيه الربح، أو بيع ما يتوقع فيه الخسران، وأما الغبطة .. فهي كما قال في "المطلب": الزيادة على القيمة زيادة لها بال، ولا يشترط ذلك، وفي "الحاوي" [ص 368]: (وهو كالوكيل، لا في البيع بالعرض، وشراء ابنه وزوجه) فاستثنى من كونه كالوكيل: أنه يبيع بالعرض، وأنه لا يشتري ابن المالك، ولا أباه، ولا زوجه. ويرد على هذا الحصر مسائل: إحداها: أنه يشتري المعيب إذا رأى شراءه - كما سيأتي - ولو بقدر قيمته على الأصح من زوائد "الروضة" (¬4). الثانية: أنه يرد ما ظن سلامته فبان معيباً ولو رضي المالك بإبقائه، بخلاف الوكيل. الثالثة: أنه لا يشتري بثمن المثل ما لا يرجو فيه ربحاً، قاله الماوردي (¬5). الرابعة: قياس جواز بيعه بعرض: أن يبيع بنقد غير نقد البلد، لكن جزم البندنيجي وابن الصباغ وسليم والروياني بالمنع، قاله ابن الرفعة، وقد استشكل جواز بيعه بعرض بالمنع في الشريك. 2749 - قول "المنهاج" [ص 301]: (لا بغبنٍ)، و"التنبيه" [ص 119]: (ولا يبيع بدون ثمن المثل) محل المنع: إذا فحش ذلك، كما فى الوكيل. 2750 - قول "التنبيه" [ص 119]: (وإن اشترى شيئاً على أنه سليم فخرج معيباً .. ثبت له الخيار) فيه أمران: ¬

_ (¬1) المحرر (ص 224). (¬2) الروضة (5/ 127). (¬3) فتح العزيز (6/ 21). (¬4) الروضة (5/ 127). (¬5) انظر"الحاوي الكبير" (7/ 328).

أحدهما: قد يفهم من لفظة: (على) أنه شرط السلامة، وليس كذلك، وإنما المراد: مجرد الظن. ثانيهما: يستثنى من ثبوت الخيار: ما إذا كان الحظ في الإمساك .. فلا ينفذ الفسخ في الأصح، وقد ذكره "المنهاج" بقوله [ص 302]: (وله الرد بعيب تقتضيه مصلحة، فإن اقتضت الإمساك .. فلا في الأصح)، وهو أحسن من تعبير "الروضة" وأصلها بالغبطة (¬1)، ومع ذلك فاعترض بأمرين: أحدهما: اقتصاره على جواز الرد في هذه الحالة هو المنقول، لكن القياس: الوجوب. ثانيهما: أن في قوله: (تقتضيه مصلحة) نظراً من جهة الإعراب؛ فإنه عائد إلى الرد، ولا يجوز كونه صفة له؛ لأن المعرفة لا تُنعت بجملة، ولاً حالاً منه؛ لأن الحال لا يأتي عن المبتدأ، ولا ضمير في المجرور الواقع خبراً متقدمًا كما حُكي عن سيبويه، فيُنصب حالاً عنه، قال شيخنا الإسنوي: وأقرب ما يجاب به: أن يجعل الرد فاعلاً على مذهب الأخفش وغيره ممن يرى أن الجار والمجرور يعمل، وإن لم يعتمد، أو تكون اللام في الرد لام الجنس، فتعامل في الوصف معاملة النكرة؛ كقوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ} وقول الشاعر (¬2): [من بحر الكامل] ولقد أَمُر على اللّئيمِ يسبُّني أي: لئيم من اللئام. قلت: يمكن أن يكون قوله: (تقتضيه) صفة لعيب بحذف، تقديره: تقتضي الرد به مصلحة، والله أعلم. 2751 - قول "التنبيه" [ص 119]: (وإن اشترى معيباً رأى شراءه - أي: مربحاً كما قاله في "الكفاية" - .. جاز) ومقتضى تقييد "الكفاية" -: أنه لو اشتراه بقيمته فقط .. لم يصح، وهو وجه، والأصح في زوائد "الروضة": الصحة إذا رأى فيه المصلحة (¬3). 2752 - قول "المنهاج" [ص 302]: (ولا يعامل المالك) أي: بمال القراض، قال في "المطلب": فإن ظهر ربح وملكناه بالظهور .. فلا مانع من معاملته إياه في تلك الحصة. 2753 - قول "التنبيه" [ص 119]: (وإن اشترى من يعتق على رب المال، أو زوج رب المال بغير إذنه .. لم يصح) أي: للقراض، لكنه يقع للعامل إن كان اشتراه في الذمة، وقد صرح به ¬

_ (¬1) فتح العزيز (6/ 21)، الروضة (5/ 127). (¬2) هو شمر بن عمرو الحنفي. (¬3) الروضة (5/ 127).

"المنهاج" (¬1)، وظاهر إطلاقه أنه لا فرق بين أن يصرح بالسفارة أم لا، وفيه نظر، وتعبيرهما بمن يعتق عليه أعم من تعبير "الحاوي" بابنه (¬2)، لشموله الأصل والفرع، ومن أقر بحريته، ومستولدته التي بيعت لكونها مرهونة. 2754 - قول "التنبيه" فيما إذا اشترى العامل أباه وفي المال ربح [ص 120]: (قيل: لا يصح، وقيل: يصح ويعتق، وقيل: يصح ولا يعتق) صحح النووي في "التصحيح" الثالث (¬3)، وقال النشائي في "نكته": إنه وَهْمٌ، والأصح: الثاني، وهو أنه يصح ويعتق (¬4)، والخلاف مبني على ملك العامل بالظهور، فإن ملكناه بالقسمة .. صح قولاً واحداً ولم يعتق. فكأن النووي أراد: أن هذا هو الأصح في الجملة من غير تعرض لكونه مع قطع أو من خلاف. 2755 - قولهم: (ولا يسافر بالمال بلا إذن) (¬5) مفهومه جواز السفر مطلقاً بالإذن، وكذا أطلقه الرافعي (¬6)، وقال النووي: لا يجوز في البحر إلا أن ينص له عليه (¬7). قال شيخنا ابن النقيب: أي: الملح (¬8). وفيه نظر؛ فقد يقال بطرد المنع في النيل ونحوه من الأنهار العظيمة، والله أعلم. 2756 - قول "الحاوي" [ص 369]: (وصح بيعه لا بدون ثمن البلد الأول واستحق الربح) يقتضي بقاء القراض، وهو مقتضى كلام "الروضة" وأصلها (¬9)، وصرح به الإمام والغزالي (¬10). وقال الماوردي: ينفسخ القراض إن كان عين ماله باقياً؛ لأنه صار غاصباً، وإن انتقلت عين المال إلى عروض مأذون فيها .. لم ينفسخ؛ لاستقراره بالتصرف (¬11). وقال في "الكفاية": إن ما أطلقه الإمام من أن العقد قائم محمول على كلام الماوردي، قال: لكن قال الإمام: إن العامل إذا خلط رأس مال القراض بماله .. ضمن، ولا ينعزل مع أن ما ذكره الماوردي من كونه غاصبًا موجود فيه. انتهى (¬12). ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 302). (¬2) الحاوي (ص 368). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 370). (¬4) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 112). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 119)، و "الحاوي" (ص 369)، و "المنهاج" (ص 302). (¬6) انظر "فتح العزيز" (6/ 31). (¬7) انظر "الروضة" (5/ 134). (¬8) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 192). (¬9) فتح العزيز (6/ 31)، الروضة (5/ 134). (¬10) انظر "نهاية المطلب" (7/ 541)، و "الوجيز" (1/ 397). (¬11) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 341). (¬12) انظر "نهاية المطلب" (7/ 541).

ومقتضى تشبيه العامل بالوكيل: عدم الانعزال بالخيانة، والله أعلم. 2757 - قول "التنبيه" [ص 119]: (فإن سافر بالإذن .. فقد قيل: إن نفقته في ماله، وقيل: على قولين، أحدهما: في ماله، والثاني: أنها في مال المضاربة) الأصح: طريقة القولين، وأصحهما: أنها في ماله، وقد ذكر ذلك "المنهاج" بقوله [ص 302]: (ولا ينفق على نفسه حضراً، وكذا سفراً في الأظهر) وهو مقتضى إطلاق "الحاوي" أن عليه نفقته (¬1). 2758 - قول "التنبيه" [ص 119، 120]: (وأي قدر يكون في مال المضاربة؟ قيل: الزائد على نفقته في الحضر، وقيل: الجميع) الأصح: الأول. 2759 - قوله: (وإن ظهر في المال ربح .. ففيه قولان، أحدهما: أن العامل لا يملك حصته منه إلا بالقسمة) (¬2) هو الأصح، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬3). 2760 - قول "التنبيه" تفريعًا على أنه يملك بالظهور [ص 120]: (إلا أنه لا يخرج منه الزكاة قبل المقاسمة) الأصح: جواز إخراجها من المال، قال في "الكفاية": وما ذكره الشيخ هو رأي المراوزة. 2761 - قول "المنهاج" [ص 302]: (وثمار الشجر والنتاج وكسب الرقيق والمهر الحاصلة من مال القراض يفوز بها المالك، وقيل: مال قراض) قواه السبكي بتصحيحهم في زكاة التجارة أنها مال تجارة. واعلم: أن كسب الرقيق يتناول الصيد والاحتطاب وقبول الهدية والصدقة والوصية، قال السبكي: ولم أر من صرح بذلك. انتهى. وصورة المسألة: أن يشتري الشجر أو الرقيق أو الحيوان للتجارة، فتحصل منه هذه الفوائد في مدة التربص للبيع، أما لو اشتراها لذلك .. فهي مال قراض، وتعبير "الحاوي" بقوله [ص 369]: (لا الزيادة العينية) لعله أوضح في هذا المعنى. 2762 - قول "المنهاج" [ص 302]: (والنقص الحاصل بالرخص محسوب من الربح ما أمكن ومجبور به) ذكر الرخص مثال، فكذا النقص الحاصل بالعيب والمرض الحادثين؛ ولهذا أطلق "الحاوي" قوله [ص 369]: (ويجبر به النقصان). 2763 - قول "المنهاج" [ص 302]: (وكذا لو تلف بعضه بآفةٍ أو غصبٍ وسرقةٍ (¬4) بعد تصرف العامل في الأصح) فيه أمور: ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 369). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 120). (¬3) الحاوي (ص 369)، "المنهاج (ص 302). (¬4) كذا في النسخ، وفي "المنهاج" (أو سرقة).

أحدها: أن الأصح في الآفة: القطع بذلك، فكان ينبغي التعبير فيها بالمذهب، والمراد: الآفة السماوية، وهو ما ليس بفعل آدمي؛ كحريق وغرق، وعللوا القطع فيها بانتفاء ما يجبر به بخلاف الغصب ونحوه، ومقتضى الفرق: أن المتلف لو كان ممن لا يضمن؛ كالحربي .. كان كالآفة. ثانيها: المراد في الغصب والسرقة: ما إذا تعذر أخذه وأخذ بدله، فإن أخذ .. استمر القراض. ثالثها: التصرف يشمل البيع والشراء، والأصح: الاكتفاء بالشراء فقط؛ ولهذا عبر به "الحاوي" (¬1)، وعبارة "التنبيه" [ص 120]: (بعد التصرف والربح)، ولم يتعرض غيره لذكر الربح؛ ولعله بناه على الغالب في كون البيع بربح، لا أن ذلك شرط. 2764 - قول "التنبيه" [ص 120]: (فإن اشترى سلعة بثمن في الذمة وهلك المال قبل أن يُنقد الثمن .. لزم رب المال الثمن، وقيل: يلزم العامل) صحح النووي في "تصحيح التنبيه" الثاني (¬2). قال شيخا ابن النقيب: ونقله الرافعي عن النص في "البويطي"، وصحح نظيره في العبد المأذون (¬3). قلت: لم ينقل الرافعي عن نص "البويطي" لزوم الثمن للعامل في هذه الصورة بعينها صريحاً، وإنما حكى عنه: أنه يرتفع القراض، ويكون الشراء للعامل، وأن بعض الأصحاب حمله على ما إذا كان التلف قبل الشراء، فإن كان بعده .. وقع للمالك، ولزمه ألف أخرى، وقال ابن سريج: يقع عن العامل مطلقاً، ولم يرجح منهما شيئاً، لكنه قبل ذلك جزم في أثناء تعليل بالأول، فقال في تعليل منع الشراء بالنسيئة؛ لأنه ربما يهلك رأس المال، فتبقى العهدة متعلقة به (¬4)، أي: برب المال، ولم يصحح الرافعي نظيره في العبد المأذون، إنما صحح فيه: أن السيد مخير، فإن دفع الثمن .. أمضى العقد، وإلا .. فللبائع فسخه. قال في "المهمات": وقد رأيت كلام الشافعي رحمه الله في "البويطي"، وهو كما قالوه محتمل لكل من الوجهين السابقين. قلت: بل هو صريح في الرد على صاحب الوجه الأول، ولفظه: وإذا قارض رجلاً واشترى ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 369). (¬2) تصحيح التنبيه (1/ 370). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 196). (¬4) انظر "فتح العزيز" (6/ 21، 22).

فصل [فسخ عقد القراض وجوازه من الطرفين]

ثوبا وقبض الثوب، ثم جاء ليدفع المال، فوجد المال قد سرق .. فليس على صاحب المال شيء، والسلعة للمقارض. انتهى. فصرح فيه بأن التلف بعد الشراء. فصلٌ [فسخ عقد القراض وجوازه من الطرفين] 2765 - قول "التنبيه" [ص 120]: (وإذا انفسخ وهناك عرض وتقاسماه .. جاز، وإن طلب أحدهما البيع .. لزم بيعه) ظاهره: لزوم بيع الجميع، وليس كذلك، وإنما يلزم قدر رأس المال؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 303]: (وتنضيض رأس المال إن كان عرضاً) وقال الرافعي: قال الإمام: الذي قطع به المحققون أن ما يلزمه تنضيضه هو قدر رأس المال، وأما الزائد عليه .. فهو كعرض مشترك لا يكلف أحدهما بيعه (¬1)، وجزم به في "الشرح الصغير"، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 269]: (فإن فسخ .. فعليه رد قدر رأس المال إلى جنسه) وفيه زيادة فائدة، وهي أنه ينضه بجنس رأس المال، ويعتبر أيضاً أن يكون على صفته. ويستثنى من الاقتصار على بيع البعض: ما لو كان ينقصُ باقيه كالعبد .. فالذي يظهر كما قال في "المطلب": وجوب بيع الكل. واعلم: أنه يشكل على اقتصارهم على بيع قدر رأس المال إطلاقهم استيفاء الدين، ولم يخصوه بقدر رأس المال، وظاهره التعميم، وبه صرح ابن أبي عصرون، ومال إليه في "المطلب"، ويحتاج إلى الفرق بينهما، وتعليل الرافعي يقتضي استواءهما؛ فإنه قال: أخذ منه ملكاً تاماً .. فليرده كما أخذه، والدين دون العين، والعرض دون النقد. انتهى (¬2). وفي معنى العرض: ما لو كان الحاصل نقداً من غير جنس رأس المال، أو على غير صفته، وذلك يفهم من عبارة "الحاوي" (¬3) فإنه لم يخصه بالعرض، واعثبر رده إلى جنسه مطلقًا، وفي عبارة "التنبيه" فائدة، وهي أن محل لزوم البيع إذا لم يرضيا بقسمته على حاله، وهو واضح. 2766 - قول "المنهاج" [ص 303]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 370]: (وإن استرد بعد الربح .. فالمسترد شائعٌ ربحاً ورأس مالٍ) محله: ما إذا كان الاسترداد بغير رضا العامل، فإن كان برضاه؛ فإن قصد الأخذ من رأس المال .. اختص به، أو من الربح .. اختص به، وفي هذه ¬

_ (¬1) فتح العزيز (6/ 41)، وانظر "نهاية المطلب" (7/ 507، 508). (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 40). (¬3) الحاوي (ص 369).

الحالة يملك العامل مما في يده مقدار ذلك على الإشاعة، وإن أطلقا .. حمل على الإشاعة، وهل يكون نصيب العامل قرضاً أو هبة؟ فيه نظر، والأشبه: الأول، نبه على ذلك كله في "المطلب". 2767 - قول "الحاوي" في مثال ذلك [ص 370]: (فلو عاد إلى ثمانين .. للعامل منه درهم وثلثاه) قال في "المهمات": كون العامل يأخذ مما في يده خارج عن القواعد؛ لأنا لما جعلنا المسترد شائعاً .. لزم أن يكون نصيب العامل في عين المال المسترد إن كان باقياً، وفي ذمة المالك إن كان تالفاً، ولا يتعلق بالمال الباقي إلا برهن ونحوه، ولم يوجد، حتى لو أفلس .. لم يقدم به، بل يضارب. 2768 - قول "المنهاج" [ص 303]: (ويصدق العامل بيمينه في قوله: "لم أربح"، أو "لم اْربح إلا كذا")، فلو قال بعد ذلك: (غلطت في الحساب، أو كذبت) .. لم يقبل، ذكره في "الحاوي" (¬1). وهل له تحليف المالك؟ وجهان، قال الماوردي: محلهما: إذا لم يذكر شبهة، فإن ذكرها .. فله ذلك (¬2). 2769 - قول "الحاوي" في المسألة [ص 371]: (وبعده لو قال: "خسرت" .. يقبل) محله: عند الاحتمال؛ بأن حدث كساد، فإن لم يحتمل .. لم يقبل، حكاه في "الروضة" وأصلها عن المتولي (¬3)، وصرح به أيضاً القاضي حسين والروياني، وجزم به في "الشرح الصغير". 2770 - قولهم - والعبارة لـ "التنبيه" -: (والقول قول العامل فيما يذكر أنه اشتراه للمضاربة أو لنفسه) (¬4) يستثنى من تصديقه فيما إذا قال: (اشتريته لنفسي) ما إذا أقام المالك بينة أنه اشتراه بمال القراض .. فإنه يحكم بالبينة، ويقع للقراض، كما جزم به في "المطلب"، لكن في "الروضة" وأصلها في الحكم بالبينة في هذه الصورة وجهان عن "المهذب" بلا ترجيح؛ وعللا المنع: بأنه قد يشتري لنفسه بمال القراض متعدياً .. فيبطل (¬5). وقد يفهم من اقتصاره على تعليله ترجيحه، وقد رجحه الماوردي والشاشي والفارقي وابن أبي عصرون في "المرشد" (¬6)، واستغرب في "المهمات" ما تقدم عن "المطلب"، وقال: ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 371). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 353). (¬3) فتح العزيز (6/ 46)، الروضة (5/ 145). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 120)، و "الحاوي" (ص 370)، و "المنهاج" (ص 303). (¬5) المهذب (1/ 389)، فتح العزيز (6/ 46، 47)، الروضة (5/ 146). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 349).

وكأنه لم يقف إلَّا على كلام الإمام، فإنَّه ذكر أن العامل إذا اشترى لنفسه بمال القراض .. لغت نيَّتُه، ووقع للقراض (¬1). 2771 - قولهم - والعبارة لـ "التَّنبيه" -: (وإن اختلفا في قدر رأس المال .. فالقول قول العامل) (¬2) وفي وجه ضعيف: التحالف فيما إذا كان هناك ربح، واستشكل شيخنا الإمام البلقيني كلا الوجهين، ورجح تصديق المالك، وقال: تقابل أصلان عدم الربح وعدم استيلاء العامل على قدر زائد، وترجح الأوَّل باعتضاده بوجود مال في يد العامل يدعي حدوثه ليستحق فيه، والأصل: عدمه، وشبَّهه بمسألة قد الملفوف، والأصح فيها: تصديق الولي، وقال: تصديق العامل يؤدي إلى أن يأخذ مال المالك بقوله، وهو بعيد من قواعد الشرع، قال: فلو قامت بينة تشهد على العامل أن مال القراض كذا، فادعى أن فيه ربحاً .. قطعت بتصديق المالك بيمينه. 2772 - قولهم: (بتصديق العامل في دعوى التلف) (¬3) يستثنى منه: ما إذا أسند الهلاك إلى سبب ظاهر .. فلا بد من إثباته بالبينة؛ كالوديعة. 2773 - قول "التَّنبيه" [ص 120]: (وإن اختلفا في رد المال .. فقد قيل: القول قوله، وقيل: القول قول رب المال) الأصح: الأوَّل، وقد ذكره "المنهاج" و "الحاوي" (¬4). 2774 - قول "الحاوي" [ص 370]: (وقرر الوارث بلفظه) أي: بلفظ التقرير، وكذا يصح التقرير بلفظ الترك. * * * ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (7/ 518). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 120)، و "الحاوي" (ص 370)، و "المنهاج" (ص 303). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 120)، و "الحاوي" (ص 370)، و "المنهاج" (ص 303). (¬4) الحاوي (ص 370)، المنهاج (ص 303).

كتاب المساقاة

كتاب المساقاة 2775 - قول "التَّنبيه" [ص 121]: (من [جاز] (¬1) تصرفه في المال .. صح منه عقد المساقاة) يتناول الولي، وقد صرح به "المنهاج" فقال [ص 304]: (تصح من جائز التصرف، ولصبيٍّ ومجنونٍ بالولاية). 2776 - قول "المنهاج" [ص 304]: (وموردها: النخل والعنب) أحسن من تعبير "التَّنبيه" و "الحاوي" بالكرم (¬2)، لورود النَّهي عنه. 2777 - قول "التَّنبيه" [ص 121]: (وفيما سواهما من الأشجار قولان) فيه أمور: أحدها: عبارة "المنهاج" [ص 304]: (وجوَّزها القديم في سائر الأشجار المثمرة)، وهو يُفهِم ترجيح مقابله؛ لكون الغالب رجحان الجديد، وهو المشهور، وعليه مشى "الحاوي" (¬3)، وذكر في "تصحيح التَّنبيه": أن المختار: الجواز، واختاره السبكي أيضاً، ولكن في الأشجار التي تحتاج إلى عمل، قال: أما ما لا يحتاج إلى عمل .. فلا أوافق القديم فيه؛ إذ لا وجه للمساقاة عليه. ثانيها: محل المنع: إذا أفردت بالمساقاة؛ فإن ساقى عليها تبعاً لنخل أو كتب .. ففيه وجهان في آخر المزارعة من الرافعي بلا ترجيح (¬4)، أصحهما في "الروضة": الجواز كالمزارعة (¬5)، وحكاه في "الكفاية" عن الماوردي، وقيده بالقليل، ومقتضى ما في "الروضة": عدم تقييده به، لكن مقتضى قوله: (كالمزارعة) أنَّه يشترط تعذر إفراد النخل والعنب بالسقي كما في المزارعة، وطردهما بعضهم فيما لا تجوز المساقاة عليه جزماً؛ كالموز والقصب تبعاً. ثالثها: في المساقاة على شجر المُقْلِ وجهان على الجديد، جوزها ابن سريج، ومنعها غيره، زاد في "الروضة": الأصح: المنع (¬6). قال في "المهمات": والفتوى على الجواز؛ فقد نص عليه الشَّافعي رحمه الله كما نقل القاضي أبو الطَّيِّب، وهذا والذي قبله إن حدّثنا .. وردا على "المنهاج" و "الحاوي" أيضاً. ¬

_ (¬1) في (ج)، (د): (صح). (¬2) التَّنبيه (ص 121)، الحاوي (ص 372). (¬3) الحاوي (ص 372). (¬4) انظر "فتح العزيز" (6/ 58). (¬5) الروضة (5/ 172). (¬6) الروضة (5/ 150).

2778 - قول "المنهاج" [ص 304]: (ولا تصح المخابرة، وهي: عمل الأرض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل) أورد عليه: أن تعبيره بـ (عمل الأرض) غير واضح؛ فإن العمل وظيفة العامل، فلا يفسر العقد به، وعبارة "الروضة" وأصلها: المعاملة على الأرض، وهي واضحة (¬1). 2779 - قول "التَّنبيه" [ص 122]: (المزارعة: أن يسلم الأرض إلى رجل ليزرعها ببعض ما يخرج منها) يتناول ما لو كان البذر من العامل، وشرطها: أن يكون البذر من المالك، ولهذا قال "المنهاج" [ص 304]: (وهي: هذه المعاملة، والبذر من المالك) وما ذكره "التَّنبيه" مبني على أن المزارعة والمخابرة بمعنى واحد، الصَّحيح: تغايرهما، كذا قال في "الكفاية". وأجاب عنه النسائي وغيره: بأن قوله بعد ذلك: (والبذر من صاحب الأرض) يدفعه (¬2). قلت: لم يذكر ذلك في تفسير المزارعة، وإنَّما ذكره في شرط تجويزها تبعًا للمساقاة. وأعلم: أن النووي اختار من جهة الدليل: صحة المزارعة والمخابرة مطلقًا تبعاً لابن المنذر وابن خزيمة والخطابي، ونصر السبكي المذهب، وقال: إنَّه أسلم المذاهب، قال: ولم أر لمن أجاز المزارعة والمخابرة من أصحابنا كلاماً في اشتراط التوقيت واللزوم فيهما كالمساقاة، قال: وصرحت الحنفية بالاشتراط، وهو مقتضى الفقه عند أصحابنا، لكن عمل النَّاس على خلافه، ولا اعتبار بعملهم؛ فهو فاسد. 2780 - قول "التَّنبيه" [ص 122]: (ولا يجوز ذلك إلَّا على الأرض التى بين النخيل، فيساقيه على النخل، ويزارع على الأرض، ويكون البذر من صاحب الأرض، فيجوز ذلك تبعاً للمساقاة)، قال في "المنهاج" [ص 304]: (بشرط: اتحاد العامل، وعُسْرِ إفراد النخل بالسقي والبياض بالعمارة، والأصح: أنَّه يشترط ألَّا يفصل بينهما، وألا تُقدم المزارعة) وهو معنى قول "الحاوي" [ص 373]: (ومزارعة ما تخلل، وعسر إفراده، واتحد العامل تبعًا) وفي كلامهما معًا أمور: أحدها: أن مرادهما باتحاد العامل: ألاَّ يكون من ساقاه غير من زارعه، لا أن يكون شخصاً واحداً، فلو ساقى جماعة وزارعهم بعقد واحد .. صح. ثانيها: أن التعبير بالعسر في "الوجيز" و "المحرر" (¬3)، وعبر في "الروضة" وأصلها بالتعذر (¬4). ¬

_ (¬1) فتح العزيز (6/ 54)، الروضة (5/ 168). (¬2) انظر "نكت النبيه على أحكام التَّنبيه" (ق 113). (¬3) الوجيز (1/ 401)، المحرر (ص 226). (¬4) فتح العزيز (6/ 56)، الروضة (5/ 170).

قال شيخنا ابن النقيب: وهي أوفق لعبارة أصحاب "التهذيب" و"التتمة" و"النهاية" و "البسيط" و "الوسيط" و "البيان" و "الكفاية" وغيرهم؛ فإنهم عبروا بعدم الإمكان، والتعليل يقتضيه (¬1). ثالثها: المتبادر إلى الفهم عود الضمير في قول "الحاوي" [ص 373]: (وعسر إفراده) للبياض المتخلل؛ فإنَّه أقرب مذكور، وهو موافق لتعبير الغزالي، وصاحب "المهذب" (¬2)، واقتصر الأكثرون على ذكر عسر إفراد النخل بالسقي والعمل، وجمع في "المنهاج" وأصله، و "الروضة" وأصلها بينهما (¬3)، وليس كذلك في كلام غيرهما، ويختص "المنهاج" بأمرين: أحدهما: أنَّه خص ذلك بالبياض الذي بين النخل، كما فعل "التَّنبيه" مع أن البياض الذي بين العنب كذلك؛ ولهذا قال في "التصحيح": الصواب: صحتها على البياض الذي بين العنب (¬4)، وصرح به قبله صاحبا "الوجيز" و "البيان" (¬5)، وهو مفهوم من قول "الحاوي" بعد ذكرهما [ص 373]: (ومزارعة ما تخلل)، واقتصر الرافعي في جميع كتبه على النخل (¬6)، وكأنه تمثيل؛ ولذلك قال ابن الرفعة في تعبير "التَّنبيه" بالنخل: أي: وما في معناه، قال بعضهم: ويظهر أن غير النخل والعنب إذا جوزنا المساقاة عليه كذلك. ثانيهما: تعبيره في منع تقديم المزارعة بالأصح مخالف لتعبير "الروضة" فيه بالصحيح (¬7)، وجَعَل مقابله: أنَّها تنعقد موقوفة، فإن ساقى بعدها .. تبيّن صحتها، وإلا .. فلا، وبذلك يعلم أن الصورة فيما إذا أفرد كلاً بعقد، ومن هنا ضعف مقابل الصَّحيح؛ لاجتماع التقديم والتعدد، أما لو جمع بينهما في عقد .. فليس فيه وجه بالوقف، بل إن قال: (زارعتك، وساقيتك) .. فجزم البغوي والمتولي ببطلان المزارعة (¬8)، ولم يحك الإمام إلَّا القطع بالصحة عن القاضي، قال: وهو صحيح، وإن قال: (زارعتك بالنصف، وساقيتك بالنصف) .. ففي "النهاية" طريقان: القطع بالصحة، وإجراء خلاف (¬9)، فلا يصح حمل كلام "المنهاج" على واحدة منهما؛ لما ذكرناه، والله أعلم. ¬

_ (¬1) السَّرَّاج على نكت المنهاج (4/ 205)، وانظر "نهاية المطلب" (8/ 19)، و "الوسيط" (4/ 137)، و "التهذيب" (4/ 405)، و "البيان" (7/ 281، 282). (¬2) الوسيط (4/ 137)، المهذب (2/ 393، 394). (¬3) المحرر (ص 226)، فتح العزيز (6/ 57)، المنهاج (ص 304)، الروضة (5/ 170، 171). (¬4) تصحيح التَّنبيه (1/ 376). (¬5) الوجيز (1/ 401)، البيان (7/ 280، 281). (¬6) انظر "فتح العزيز" (6/ 52). (¬7) الروضة (5/ 170). (¬8) انظر "التهذيب" (4/ 406). (¬9) نهاية المطلب (8/ 18).

فصل [شروط المساقاة]

2781 - قول "التَّنبيه" [ص 122]: (ولا يجوز ذلك إلَّا على جزء معلوم من الزرع كالمساقاة) قد يفهم اشتراط تساوي جزء الزرع وجزء المساقاة، وكذا صحَّحه النووي في "نكت التَّنبيه"، لكن الأصح: خلافه، وعليه مشى "المنهاج" (¬1)، وهو ظاهر إطلاق "الحاوي" (¬2)، وصوبه في "المهمات". 2782 - قول "المنهاج" [ص 304]: (فإن أفردت الأرض بالزارعة .. فالمغل للمالك) أخرج ما لو أفردت بالمخابرة .. فالمغل حينئذ للعامل، لكن ذكر السبكي فيما نقله عنه ابنه في "طبقاته الكبرى" من خطه: أن كل من زرع أرضًا ببذره .. فالزرع له، إلَّا أن يكون فلاحاً يزرع بالمقاسمة بينه وبين صاحب الأرض؛ كعادة الشَّام .. فإن الزرع يكون على حكم المقاسمة على ما عليه عمل الشَّام، قال: وأنا أراه وأرى وجهه من جهة الفقه: أن الفلاح كأنه خرج عن البذر لصاحب الأرض بالشّرط المعلوم بينهما، فثبت على ذلك، وإذا عرفت ذلك وتعدى شخص على أرض وغصبها، وهي في يد الفلاح، فزرعها على عادته .. لا نقول: الزرع للغاصب، بل للمغصوب منه على حكم المقاسمة. انتهى (¬3). 2783 - قوله: (وطريق جعل الغلة لهما ولا أجرة: أن يستأجره بنصف البذر ليزرع له النصف الآخر ويعيره نصف الأرض) (¬4) قال السبكي: العبارة المحررة: (ليزرع له نصف الأرض ويعيره النصف الآخر)، وقوله: (النصف الآخر) (¬5) ظاهره: نصف البذر، فلا يعلم منه أين يزرعه، وإن أراد: ليزرع له نصف الأرض .. لم يحسن وصفه بالآخر. فصل [شروط المساقاة] 2784 - قول "المنهاج" [ص 305]: (يشترط تخصيص الثمر بهما) أورد عليه: أنَّها عبارة مقلوبة، والصَّواب: تخصيصهما بالثمرة، كما قال في القراض: (اختصاصهما بالربح) (¬6). 2785 - قول "التَّنبيه" [ص 121]: (وإن ساقاه على ثمرة موجودة .. ففيه قولان)، قال في "المنهاج" [ص 305]: (الأظهر: صحة المساقاة بعد ظهور الثمر، لكن قبل بدو الصلاح) فبين ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 304). (¬2) الحاوي (ص 373). (¬3) طبقات الشَّافعية الكبرى (10/ 274). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 304). (¬5) المنهاج (ص 304). (¬6) المنهاج (ص 300).

الراجح من القولين، وأن محلهما: قبل بدو الصلاح، فإن كان بعده .. لم يصح قطعًا، وهذه أصح الطرق، وفي المسألة طرق أخرى، وصحح الغزالي: الصحة مطلقاً (¬1)، وتبعه صاحب "الحاوي" فقال [ص 373]: (خرجت الثمار أو لا). وأورد شيخنا الإمام البلقيني على الطريقة المصححة: أن في "الأم": وإذا أجزنا المساقاة قبل أن يكون ثمراً، وقد يخطئ الثمر، فيبطل عمل العامل، ويكثر، فيأخذ أكثر من عمله أضعافاً .. كانت المساقاة إذا بدا صلاح الثمرة وحل بيعه وظهر أجوزُ (¬2)، قال شيخنا: فهذا نص في جوازها بعد بدو الصلاح، فكيف يقطع فيه بالبطلان؟ 2786 - قول "التَّنبيه" [ص 121]: (وإن ساقاه على ودي إلى مدة لا تحمل فيها الشجر .. لم يصح، وهل يستحق أجرة المثل؟ فيه وجهان) الأصح: عدم الاستحقاق، قال الإمام: هذا إذا كان عالماً بأنَّها لا تثمر فيها، فإن جهل ذلك .. استحق الأجرة وجهًا واحداً (¬3)، كذا في "الروضة" وأصلها (¬4)، لكن الإمام في موضع آخر حكى في حالة الجهل أيضاً وجهين. 2787 - قوله: (وإن كان على مدة قد تحمل وقد لا تحمل .. فقد قيل: يصح، وقيل: لا يصح) (¬5) الأصح: عدم الصحة، وعليه مشى "المنهاج"، فأجاب بالبطلان فيما إذا لم يثمر في المدة غالباً، ثم قال: (وقيل: إن تعارض الاحتمال .. صح) (¬6)، وهو مفهوم قول "الحاوي" [ص 373]: (بزمان يحصل الريع فيه غالباً، ولو آخر سنين). 2788 - قول "الحاوي" [ص 374]: (ومع الشريك) قال "المنهاج" [ص 305]: (إذا شرط له زيادة على حصته) قال السبكي: وفيه إشكالان: أحدهما: مذكور في الإجارة، وهو: أن عمل الأجير يجب كونه في خاص ملك المستأجر، والخلاص منه: أن يُساقي على نصيبه فقط حتَّى لا يكون العمل المعقود عليه واقعاً في المشترك. الثَّاني: قال ابن الرفعة: استئجار أحد الشريكين على العمل في نصيبه بغير إذن شريكه يظهر بطلانه لمسائل تذكّر في الإجارة، وبإذنه محتمل، والأقرب: الجواز، وإذا كان الشريك هو الأجير .. فكإذنه، ومسألة المساقاة من هذا، لكن المنقول الجواز. 2789 - قول "المنهاج" [ص 305]: (ويشترط ألا يشترط على العامل ما ليس من جنس أعمالها) ¬

_ (¬1) انظر "الوسيط" (4/ 146). (¬2) الأم (4/ 11). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (8/ 54). (¬4) فتح العزيز (6/ 60، 61)، الروضة (5/ 151). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 121). (¬6) المنهاج (ص 305).

كان الأحسن ذكر أعمالها أولاً؛ لتتميز عن غيرها، فيُجْتَنبُ شرطها، كما فعل في القراض؛ حيث قال: (ووظيفة العامل ... كذا)، ثم قال: (فلو قارضه ليشتري حنطة ... إلى آخره) (¬1). 2790 - قوله: (ومعرفة العمل بتقدير المدة كسنة أو أكثر) (¬2) قد يفهم أنَّه لا يجوز أقل من سنة، وليس كذلك، وأقلها: مدة تطلع فيها الثمرة ويستغنى عن العمل، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 373]: (مؤقتة بزمان يحصل فيه الريع كالباً)، وذكر "التَّنبيه" الأكثر، فقال [ص 121]: (ويجوز ذلك إلى مدة يبقى ما يعمل عليه في أصح القولين، ولا يجوز في الآخر أكثر من سنة)، وقد تفهم عبارة "الحاوي" صحة التوقيت بإدراك الثمار، وصححه الغزالي، والجمهور على خلافه، وصححه في "المنهاج" (¬3)، ووهم ابن الرفعة في نقله عن الرافعي تصحيح مقابله، قال السبكي: والمراد به هنا: الجداد. 2791 - قول "الحاوي" [ص 374]: (وشرطِ عملِ غلامه) محل جوازه: إذا شُرط أن يعاونه ويكون تحت تدبيره، فلو شرط اشتراكهما في التدبير ويعملان ما اتفقا عليه .. لم يجز؛ ولهذا قال في "التَّنبيه" [ص 121]: (وإن شرط أن يعمل معه غلمانُ رب المال، ويكونوا من تحت أمره .. جاز على المنصوص). 2792 - قول "التَّنبيه" [ص 121]: (وينعقد بلفظ المساقاة وبما يؤدي معناها) ذكر "المنهاج" مما في معنى المساقاة [ص 305]: (سلمته إليك لتتعهده)، و "الحاوي" [ص 374]: (عاملتُ)، ولم يذكر "التَّنبيه" القبول، ولا بد منه، وقد ذكره "المنهاج" و "الحاوي" (¬4). 2793 - قول "الحاوي" [ص 374]: (لا الإجارة) أي: لا تنعقد المساقاة بلفظ الإجارة، كذا صحَّحه الرافعي والنووي (¬5)، وصحح السبكي الصحة، وقال في "المهمات": إن تصحيح عدم الانعقاد مشكل مخالف للقواعد؛ فإن الصريح في بابه إنَّما يمتنع أن يكون كناية في غيره إذا وجد نفاذًا في موضعه؛ كقوله لزوجته: (أنت على كظهر أمي) ناوياً الطلاق .. فلا تطلق، ويقع الظهار، بخلاف قوله لأمته: (أنت طالق) .. فهو كناية في العتق؛ لأنَّه لم يجد نفاذًا في موضعه، ومسألتنا من ذلك. انتهى. ويجري الخلاف في عكسه، وهو انعقاد الإجارة بلفظ المساقاة، ومحله: في الشجر خاصة، فلا يأتي في الدار ونحوها، ذكره في "المهمات" جزمًا، وشيخنا الإمام البلقيني بحثًا. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 300). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 305). (¬3) المنهاج (ص 305). (¬4) الحاوي (ص 374)، المنهاج (ص 305). (¬5) انظر "فتح العزيز" (6/ 67)، و "الروضة" (5/ 157).

2794 - قول "المنهاج" [ص 305]: (دون تفصيل الأعمال) مثل قول "الحاوي" [ص 374]: (وعَرَفَ العمل جملة، والعرف يفصّلُه) ومحله: ما إذا كان عرف وعلماه، فإن جهلاه أو أحدهما، أو لم يكن عرف .. وجب التفصيل جزماً. 2795 - قول "التَّنبيه" [ص 121]: (وعلى العامل أن يعمل ما فيه مستزاد في الثمرة) قد يفهم أنَّه لا يجب عليه حفظ الثمرة، وليس كذلك؛ فالأصح: وجوبه عليه، وقد ذكره "المنهاج" و "الحاوي" (¬1)، ومقابله: أنَّه عليهما بحسب الشركة في الثمار، وجعله الرافعي أقيس بعد أن ذكر أن الأوَّل أظهر (¬2)، وأسقط الأقيس من "الروضة" (¬3). وأجيب عن "التَّنبيه": بأنه إذا وجب ما فيه مستزاد .. فحفظ الأصل أولى. 2796 - قولهما: (وتلقيح) (¬4) وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 375]: (ما يتكرر، ويحتاج إليه الثمار) قد يفهم أن الطلع الذي يلقح به على العامل، وليس كذلك، بل هو على المالك. 2797 - قول "المنهاج" [ص 306]: (وتعريش جرت به عادةٌ) أي: هناك، وهو قيد في التعريش فقط. 2798 - قوله: (وكذا حفظ الثمر وجذاذه وتجفيفه في الأصح) (¬5) عبر في "الروضة" في الجذاذ والتجفيف بالصحيح (¬6). 2799 - قولهما - والعبارة لـ "التَّنبيه" -: (وعلى رب المال ما يحفظ به الأصل؛ كسد الحيطان) (¬7) قد يتناول سد الثلم اليسيرة التي تحصل في الحيطان، وكذا صحَّحه السبكي، وقال: إنَّه المنصوص، وقال الرافعي: فيه وجهان كتنقية البئر، قال: والأشبه: أتباع العرف (¬8)، وعبر عنه في "الروضة" بالأصح (¬9)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 375]: (وفي ردم ثلمةٍ يُتْبَعُ العرف)، والمفهوم من تشبيه الرافعي بالخلاف في تنقية البئر: أن أحد الوجهين أنَّه على المالك ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 375)، المنهاج (ص 305). (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 69). (¬3) الروضة (5/ 158). (¬4) انظر "التَّنبيه" (ص 121)، و "المنهاج" (ص 305). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 306). (¬6) الروضة (5/ 159). (¬7) انظر "التَّنبيه" (ص 121)، و "المنهاج" (ص 306). (¬8) انظر "فتح العزيز" (6/ 68)، (¬9) الروضة (5/ 159، 160).

والآخر على العامل (¬1)، فالرجوع إلى العرف ليس واحدًا منهما؛ ولعلّه بحث للرافعي؛ ففي تعبير "الروضة" عنه بالأصح من إيهام أنَّه أحد الوجهين ما ليس في التعبير بالأشبه (¬2)، ولعل "المنهاج" احترز عن سد الثلم بقوله بعد حفظ الأصل [ص 306]: (ولا يتكرر كل سنة)، وقال الرافعي بعد ذكر الثلم: وكذا في وضع الشوك على رؤس الجدران وجهان (¬3)، وصحح في "أصل الروضة": اتباع العرف فيه أيضاً (¬4)، وليس ذلك في كلام الرافعي. 2800 - قول "المنهاج" [ص 306]: (وحفر نهرٍ جديدٍ) قد يفهم أن إصلاح ما انهار من ذلك على العامل، وليس كذلك، بل هو على المالك؛ ولذلك أطلق "التَّنبيه" حفر الأنهار (¬5)، وكأن "المنهاج" احترز بذلك عن إصلاح النهر بالتنقية إلَّا أن عبارته لا تعطيه. 2801 - قولهم: (والمساقاة لازمة) (¬6) هو المنقول للأصحاب، وقال السبكي: لم يظهر لي وجهه، وكنت أود لو قال أحد من أصحابنا بعدم لزومها .. حتَّى أوافقه، ثم إنَّه جزم باختيار ذلك في كتاب له سماه "الطريقة النافعة في الإجارة والمساقاة والمزارعة". 2802 - قول "الحاوي" [ص 375]: (فإن هرب .. استقرض القاضي عليه واستأجر) فيه أمران: أحدهما: أن محل الاستئجار عليه: إذا لم يتبرع المالك بإتمام العمل، فإن تبرع بذلك .. بقي استحقاق العامل، ولا حاجة للإجارة، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 306]: (فلو هرب العامل قبل الفراغ وأتمه المالك متبرعًا .. بقي استحقاق العامل)، وفي معنى إتمام المالك: ما لو أتمه أجنبي متبرعاً من غير شعوره، أو شعر به ولم يمنعه، وله منعه؛ لأنَّه قد لا يأتمنه ولا يرضى بدخوله ملكه، وقد ذكره "الحاوي" بقوله بعد ذكر الفسخ [ص 375]: (وإن تبرع أجنبي)، قال الرافعي: كذا قالوه (¬7)، ولو قيل: وجود المتبرع كوجود مقرض حتَّى لا يجوز الفسخ .. لكان قريبًا، ويفهم من قيد التبرع أنَّه لو عمل في مال نفسه، ولم يقصد التبرع عنه .. لم يستحق العامل شيئًا، وكذا لو عمل أجنبي للمالك، كما في الجعالة، ويحتمل أن يقال: يستحق، ويفرق بينه وبين الجعالة باللزوم، قال السبكي: والأقرب: الأوَّل، قال: ومن قولهم هنا وفي الجعالة: أنَّه ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (6/ 70). (¬2) الروضة (5/ 160). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 70). (¬4) الروضة (5/ 160). (¬5) التنبيه (ص 121). (¬6) انظر "التَّنبيه" (ص 121)، و "الحاوي" (ص 375)، و "المنهاج" (ص 306). (¬7) انظر "فتح العزيز" (6/ 72).

يستحق إذا تبرع عنه بالعمل .. يظهر مثله في إمام المسجد ونحوه إذا استناب، وإن أفتى ابن عبد السَّلام والنووي: بعدم استحقاق الأصل والنائب. ثانيهما: أن محل الاستقراض: إذا لم يكن له مال، فإن كان .. استؤجر منه ولو لم يكن له إلَّا حصته من الثمرة بعد التأبير، فيباع عليه جميعها، أو بعضها بقدر ما يفي بالأجرة، وعبارة "التَّنبيه" [ص 122]: (وإن هرب العامل .. استؤجر من ماله من يعمل عنه، فإن لم يكن له مال .. اقترض عليه)، فيرد عليه الأمر الأوَّل دون الثَّاني. ومحل الاقتراض أيضاً: إذا لم نجد من نستأجره بأجرة مؤجلة مدة إدراك الثمار، وهذه واردة على "التَّنبيه" أيضاً؛ فإنَّها رتبة متوسطة بين المال والاقتراض، وعبارة "المنهاج" [ص 306]: (وإلا .. استأجر عليه الحاكم من يُتِمُّهُ)، فلم يُبين من أين يستأجر، وصدق بهذه الصور كلها، وفيه التصريح بأن الذي يستأجر هو الحاكم، ولم يصرح بذلك "التَّنبيه" (¬1). وأعلم: أنَّه ينبغي حمل كلامهم في الاستئجار على ما إذا وردت المساقاة على الذمة، فإن وردت على العين وصححناه وهو الأصح .. فقال السبكي: يظهر أن لا يستأجر؛ لتمكن المالك من الفسخ، أو يقال: الفسخ حقه، وطلب العمل حقه، فإذا لم يفسخ .. يستأجر الحاكم، قال: ويتعين هذا في الحاضر الممتنع. انتهى. وجزم صاحب "المعين" بما رجحه السبكي بحثًا، فقال في إجارة العين: لا يستأجر قطعًا، ولكن يثبت له الخيار، وكذا جزم به النسائي في "نكته" (¬2)، وما أدري من أين أخذه، فما عادته إطلاق ما يقول صاحب "المعين" من غير عَزوٍ. 2803 - قول "التَّنبيه" [ص 122] فيما إذا لم يقدر رب المال على إذن الحاكم، فأنفق، وأشهد: (قيل: يرجع، وقيل: لا يرجع) الأصح: الرجوع، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 306]: (وإن لم يقدر على الحاكم .. فليُشهِد على الإنفاق إن أراد الرجوع) و "الحاوي" بقوله [ص 375]: (ثم ينفق المالك بالإشهاد). ثم صريح عبارة "المنهاج" وظاهر عبارة الآخرين: الاكتفاء بالإشهاد على الإنفاق، وقال ابن الصباغ: لا بد مع ذلك من الإشهاد على أنَّه بذل ذلك بشرط الرجوع، وإلا .. فهو كترك الإشهاد، حكاه عنه الرافعي والنووي، وأقراه (¬3)، وحكاه في "الكفاية" عنه وعن البندنيجي وغيرهما، وفي معنى الإنفاق: العملُ إن عمل بنفسه، فلو أنفق المالك بإذن الحاكم ليرجع .. ففيه وجهان: وجه ¬

_ (¬1) التَّنبيه (ص 122). (¬2) نكت النبيه على أحكام التَّنبيه (ق 113). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 71، 72)، و "الروضة" (5/ 161).

المنع أنَّه متّهم في حق نفسه، فطريقه أن يُسلم المال إلى الحاكم ليأمر غيره بالإنفاق، كذا اقتصر في "الروضة" وأصلها على توجيه هذا الوجه (¬1)، وقد يُفهم ذلك ترجيحه، لكن الأصح في نظيره في الإجارة عند هرب الجمَّال: تصحيح الجواز، وصححه السبكي، قال: ويقع في هذا الزمان أن الحاكم يأذن لكافلة اليتيم في الإنفاق، ثم يختلف مع وليه في إنفاق ما أذن فيه الحاكم، قال: والذي يظهر القطع بقبول قولها؛ لأنها منصوبة من جهة الحاكم. 2804 - قول "التَّنبيه" [ص 122]- والعبارة له - و "الحاوي" [ص 375]: (وإن لم يمكن ذلك - أي: الإنفاق والإشهاد - .. فله أن يفسخ، فإن لم تكن ظهرت الثمرة .. فالثمرة للمالك وللعامل أجرة ما عمل، وإن ظهرت الثمرة .. فهي لهما) الأصح: أنَّه لا يفسخ بعد ظهور الثمرة، وقال السبكي: الأقرب: جوازه، وقال الرافعي: لا يُفرض للفسخ بعد خروج الثمرة فائدة (¬2)، وعبارة "الروضة": (ولا يكاد يُفرض) (¬3). قال في "المهمات": وليس كذلك، بل له فوائد: أحدها: أنَّه لو لم يفسخ .. يصير متطوعاً بالباقي من العمل، ويأخذ العامل حصته من الثمرة، كما صرح به الماوردي (¬4). الثَّانية: تمكينه بعد الفسخ من المساقاة عليها على جزء من ثمرة نفسه على رأي، ذكره في "الكفاية". الثَّالثة: أنَّه قد يكون العقد لسنتين، فيتمكن بعد الفسخ من المساقاة في العام القابل قطعًا. الرابعة: أن لنا خلافاً فيما إذا حصل الفسخ بعد خروج الثمرة في أنَّهما هل يشتركان فيها أو ينفرد بها المالك وللعامل أجرة المثل؟ وقول "التَّنبيه" [ص 122]: (فهي لهما) تفريع على الأظهر، وهو تمليك العامل بالظهور. 2805 - قول "التَّنبيه" تفريعاً عليه [ص 122]: (فإن اختار المالك البيع .. فعل، وإن لم يختر .. بيع منه - أي: من المالك - نصيب العامل) مفرع على جواز بيع الثمرة قبل بُدُوِّ الصلاح بدون شرط القطع من صاحب الأصل، وهو الأصح في "الروضة" هنا، لكن الأصح في بابه: المنع كغيره (¬5)، وهو المشهور، ومراد "التَّنبيه": ما إذا ظهرت الثمرة لكن لم يبد صلاحها؛ فإنَّه لو بدا صلاحها .. أمكن بيعها للمالك وغيره من غير شرط القطع. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (6/ 72)، الروضة (5/ 161). (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 73). (¬3) الروضة (5/ 162). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 382). (¬5) الروضة (5/ 160، 161).

2806 - قول "التَّنبيه" [ص 122]: (فإن مات العامل فتطوع ورثته بالعمل .. استحقوا الثمرة) يفهم أنهم لا يجبرون على ذلك، ومحله: ما إذا لم يخلف تركة، فإن خلف .. أجبروا منها، وقد ذكره "المنهاج" بقوله [ص 306]: (ولو مات وخلف تركة .. أتم الوارث العمل منها) و "الحاوي" بقوله [ص 376]: (ولا جبر إن لم تكن تركةٌ)، ولا يقال: كلام "التَّنبيه" إنَّما هو فيما إذا لم يخلف تركة، ولا إيراد؛ لقوله بعده: (وإن لم يعملوا .. استؤجر من ماله من يعمل، فإن لم يكن له مال .. فلرب المال أن يفسخ) فدل هذا التقسيم على أن كلامه في الأعم. فإن قلت: إنَّما عبر "التَّنبيه" بالتطوع؛ لأنَّه لو لم يفعل بنفسه، ولا استأجر غيره .. استأجر الحاكم. قلت: استئجار الحاكم يدل على أنَّه ليس متطوعاً بذلك، وإنَّما هو حق عليه، إذا امتنع منه .. قام الحاكم مقامه في فعله عنه، ثم محل كلامهم جميعاً: فيما إذا وردت المساقاة على الذمة، فإن كانت على عينه .. انفسخت بموته. 2807 - قول "المنهاج" [ص 306] تبعًا لـ "المحرر" [ص 228]: (ولو خرج الثمر مستحقاً .. فللعامل على المُساقي أجرة المثل) أعم من تعبير "الحاوي" و "الروضة" وأصلها بالشجر (¬1)؛ لأنَّ المالك قد يوصي بما سيحدث من الثمرة ثم يساقي ويموت، أشار إليه السبكي. 2808 - قول "التَّنبيه" [ص 122]: (ويملك العامل حصته بالظهور وزكاته عليه) محل الزكاة: إذا بلغ نصيبه نصاباً، أو كان الجميع نصاباً وأثبتنا فيه الخلطة، وإلا .. لم تجب. * * * ¬

_ (¬1) فتح العزيز (6/ 75)، الحاوي (ص 376)، الروضة (5/ 164).

كتاب الإجارة

كتاب الإجارة 2809 - قول "المنهاج" [ص 307]: (شرطهما كبائعٍ ومشترٍ) أي: المؤجر والمستأجر، ولم يتقدم ذكرهما، ولكن الإجارة تدل عليهما، وعبارة "التَّنبيه" [ص 122]: (الإجارة بيع تصح ممن يصح منه البيع)، وهي أحسن، لكن قد تفهم عبارته أنَّها بيع للأعيان، وهو وجه، والأصح: أنَّها بيع للمنافع، قال الرافعي: ويشبه ألاَّ يكون هذا خلافًا محققاً (¬1)، أي؛ لأنَّ العين لا يملكها قطعاً والمنفعة يملكها قطعاً، وتبعه في "الروضة" على أن هذا الخلاف لفظي (¬2)، وأورد في "المهمات" له أربع فوائد. 2810 - قول "التَّنبيه" [ص 122]: (وتصح بلفظ البيع) قد يفهم صحتها بلفظ البيع مورداً على العين؛ بأن يقول: بعتكها، وليس كذلك جزمًا، كما صرح به الرافعي (¬3)، وأسقطه في "الروضة" (¬4)، أما إيراده على المنفعة بأن يقول: بعتك منفعتها .. فالأصح: بطلانه أيضاً، وقد صرح به "المنهاج" فقال [ص 307]: (والأصح: انعقادها بقوله: "أجرتك منفعتها"، ومنعها بقوله: "بعتك منفعتها") وقد تناول الصورتين قول "الحاوي" [ص 377]: (لا بعتُ). واختار السبكي مقابل الأصح في الصورتين، وهو: البطلان في قوله: (أجرتك منفعتها) إلَّا أن يتفق العاقدان على إرادة معنى الإجارة بذلك. والصحة في قوله: (بعتك منفعتها) نظرًا إلى المعنى. ولم يتعرض "التَّنبيه" للقبول، ولا بد منه، وقد صرح به "المنهاج" و "الحاوي" (¬5)، وذكر النووي في "شرح المهذب" أن خلاف المعاطاة يجري في الإجارة، وحكاه عن المتولي وآخرين (¬6)، قال في "التوشيح": ولا أدري هل يختار النووي صحة المعاطاة فيها كما اختاره في البيع أو لا؟ والأظهر: لا، فإنه لا عرف فيها بخلاف البيع. قلت: منع العرف فيها ممنوع، فالذي استقرت أجرته كبيوت الخانات ونحوها يطرد العرف في إجارتها بالمعاطاة من غير صيغة. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (6/ 81). (¬2) الروضة (5/ 173). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 82). (¬4) الروضة (5/ 173). (¬5) الحاوي (ص 377)، المنهاج (ص 307). (¬6) المجموع (9/ 156).

2811 - قول "المنهاج" [ص 307]: (وهي قسمان: واردة على عين؛ كإجارة العقار ودابة، أو شخصٍ معينين) مراده بالواردة على العين: ما يرتبط بالعين كما مثله، ولا يفهم منه أن مورد الإجارة العين؛ فالصحيح: أن موردها المنفعة كما تقدم، والمعروف في العطف بـ (أو) عَوْدُ الضمير لأحدها، فيؤتى به مفردًا، فكان ينبغي أن يقول: (معين)، وأمَّا قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} فعنه أجوبة، فليُجب هنا بما يمكن إتيانه منها. 2812 - قول "التَّنبيه" [ص 126]: (وإن كانت الإجارة على عمل في الذمة .. جاز بلفظ السلم، فإن عقد بلفظ السلم .. اعتبر قبض الأجرة في المجلس، وإن عقد بلفظ الإجارة .. فقد قيل: يعتبر، وقيل: لا يعتبر) الأصح: الأوَّل، صرح بتصحيحه في "تصحيح التَّنبيه" (¬1)، ونقل في "الروضة" وأصلها تصحيحه عن العراقيين وأبي على والبغوي وغيرهم (¬2)، وهو ظاهر إطلاق "المنهاج" و "الحاوي" اشتراط تسليم الأجرة في المجلس في إجارة الذمة (¬3)، ويشترط أيضاً عدم تأجيلها، وقد صرح به "الحاوي" (¬4). 2813 - قول "المنهاج" [ص 307]: (ويشترط لكون الأجرة معلومة) قد يفهم المنع فيما إذا كانت معينة مشاهدة إلَّا أنَّها جزاف غير معلومة القدر، وليس كذلك؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 377]: (بأجرٍ مشاهَدٍ أو معلومٍ في الذمة) وفي "التَّنبيه" [ص 123]: (ولا تجوز الإجارة إلَّا على أجرة معلومة الجنس والقدر والصفة) ثم قال: (وإن عقد على مال جزاف .. جاز، وقيل: فيه قولان) (¬5)، ومراد "المنهاج": أن تكون معلومة؛ إمَّا بالمشاهدة فيما إذا كانت معينة، وإما بمعرفة الجنس والقدر والصفة فيما إذا كانت في الذمة. قال السبكي: وجزمهم باشتراط العلم بالأجرة يرد ما قاله صاحب "العدة" من جواز الحج بالرزق. قلت: حكاه عنه الرافعي، وأقره (¬6)، وجزم به في "الشَّرح الصَّغير" و "الروضة" (¬7) ولعلّه جعالة اغتفر فيها الجهل بالجعل كمسألة العلج، أو إجارة فاسدة يستحق فيها أجرة المثل بالعمل، وقد نقل شيخنا الإسنوي في "التنقيح" نص الشَّافعي على عدم الجواز، ونبه السبكي أيضاً على أن ¬

_ (¬1) تصحيح التَّنبيه (1/ 386). (¬2) فتح العزيز (6/ 86)، الروضة (5/ 176). (¬3) الحاوي (ص 377)، المنهاج (ص 307). (¬4) الحاوي (ص 377). (¬5) التَّنبيه (ص 124). (¬6) انظر "فتح العزيز" (3/ 308). (¬7) الروضة (3/ 18).

ما يقع في هذا الزمان من أنَّه يُجعل لِجُبَاةِ الأموال العشر مما يستخرجونه هو مثل قفيز الطحان، وهو تنبيه حسن، قال: فإن قيل: نظير العشر .. لم تصح إجارة أيضاً، وفي صحته جعالة نظر. 2814 - قول "المنهاج" [ص 307]: (ولو استأجرها لترضع رقيقًا ببعضه في الحال .. جاز على الصَّحيح) هو مفهوم قول "الحاوي" عطفًا على الممتنع [ص 377]: (وجزء محل العمل بعده) وفي "شرح الرافعي": نقل الإمام والغزالي عن الأصحاب المنع؛ لأنَّ العمل لم يقع في خاص ملك المستأجر، وقالا: القياس: الجواز؛ كمساقاة الشريك بشرط زيادة، قال الرافعي: وظاهر المذهب: ما مالا إليه دون ما نقلاه (¬1). قال شيخنا ابن النقيب: وظاهر المذهب إنَّما يطلق غالباً إذا كان ثم نص يقبل التأويل، وفي "الأم" قبيل (الصلح): لا يجوز كونه أجيراً على شيء هو شريك في مثل: اطحن لي هذه الويبة ولك منها ربع، قال: فإطلاقه يقتضي المنع كما نقلاه؛ فهو ظاهر المذهب، لا ما قاله الرافعي، ثم قال: واختار السبكي: أنَّه إن كان الاستئجار على الكل .. لم يجز، وهو مراد النَّصُّ، أو على حصته فقط .. جاز، وقد صرح به البغوي والمتولي (¬2). 2815 - قول "المنهاج" [ص 308]: (وكون المنفعة متقومة، فلا يصح استئجار بياع على كلمة لا تُتْعِبُ وإن رَوَّجَتِ السلعة) هو مثل قول "الحاوي" [ص 378]: (لا لكلمة بلا تعب) وهو متناول للإيجاب والقبول وغيرهما، وبه صرح في "الروضة" وأصلها، فقال: على كلمة البيع، أو كلمة تروج بها السلعة ولا تعب فيها (¬3). وحمل السبكي كلامهم على غير الإيجاب والقبول، وهو مخالف لتصريحهم كما تقدم، وقال محمَّد بن يَحْيَى: هذا في مستقر القيمة في البلد كالخبز واللحم، أما الثياب والعبيد وما يختلف ثمنه باختلاف المتعاقدين؛ فللبياع فيه مزيد نفع .. فيجوز، واستدرك ذلك النووي في "تصحيحه" على قول "التَّنبيه" [ص 123]: (وتصح على كل منفعة مباحة) بلفظ الصواب فقال: والصَّواب: أنَّها لا تصح على منفعة غير متقومة؛ كشم تفاحة وكلمة بياع (¬4)، ويصح إيراده أيضاً على إطلاق "التَّنبيه" جواز التوكيل في البيع والشراء. ويستثنى منه أيضاً: البيع من معين، وشراء شيء معين؛ لأنَّه غير مقدور عليه، وقال الرافعي بعد نقله مسألة التفاحة عن الغزالي: وكان المنع ناشئ من أن التفاحة لا تقصد للشم، فيكون ¬

_ (¬1) فتح العزيز (6/ 88). (¬2) السراج على نكت المنهاج (4/ 228)، وانظر الأم (3/ 237). (¬3) فتح العزيز (6/ 89، 90)، الروضة (5/ 178). (¬4) تصحيح التَّنبيه (1/ 379).

استئجارها كشراء الحبة الواحدة من الحنطة، فإن أكثر .. فالوجه: الصحة؛ لأنهم نصوا على جواز استئجار المسك والرياحين للشم، ومن التفاح ما هو أطيب من كثير من الرياحين (¬1). وفرق في "المهمات" تبعاً للسبكي: بأن المقصود من المسك والرياحين الشم، ومن التفاح أكل دون الرائحة. وأُجيب عن إيراد "التصحيح": بأن المقرر في أول البيع أن حبة البر لا منفعة لها، وشم التفاحة وكلمة البياع مثلها. 2816 - قول "التَّنبيه" [ص 123]: (وفي استئجار الكلب للصيد والفحل للضراب والدراهم والدنانير وجهان؛ أظهرهما: أنَّه لا يجوز) فيه أمور: أحدها: قيد في "الروضة" الكلب بكونه معلماً (¬2)، ويوافقه تصريح الشَّيخ أبي حامد بأن غير المعلم لا يجوز استئجاره؛ أي: قطعًا، وهو واضح. ثانيها: ذكر الصيد مثال، فاستئجاره لحراسة ماشية أو زرع أو درب كذلك؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 378]: (وحراسة كلب وصيده) وهما معًا واردان على قول "المنهاج" [ص 308]: (وكلب للصيد). ثالثها: محل الوجهين في الدراهم والدنانير: ما إذا صرح باستئجارها للتزيين؛ ولذلك قيدها "المنهاج" و "الحاوي" به (¬3)، فإن أطلق .. بطل قطعاً، ولو حذف "الحاوي" القيد .. لكان أولى؛ لأنَّه لا يحكي الخلاف حتَّى يحتاج إلى تقييد محله، بل قد يفهم منه الصحة عند انتفاء التزيين. وجوابه: أنَّه تصوير للمسألة؛ لأنَّه لا يمكن استئجارها لغير ذلك، وذكر "الحاوي" مع الدراهم الطَّعام (¬4)، والأصح فيه في "الروضة": القطع بالبطلان (¬5)، وصحح في "الشَّرح الصَّغير": طريقة الوجهين. 2817 - قول "المنهاج" [ص 308]: (وكون المؤجر قادراً على تسليمها) و "الحاوي" [ص 378]: (مقدورة التسليم) زاد "المنهاج" [ص 308]: (فلا يصح استئجار آبق ومغصوبٍ) قال الرافعي: كبيعهما (¬6)، قال السبكي: بيع المغصوب من الغاصب جائز، وكذا من غيره إذا قدر على ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (6/ 89). (¬2) الروضة (5/ 178). (¬3) الحاوي (ص 378)، المنهاج (ص 308). (¬4) الحاوي (ص 378). (¬5) الروضة (5/ 177). (¬6) انظر "فتح العزيز" (6/ 92).

انتزاعه في الأصح، وقياسه في الإجارة: مثله إذا لم تتأخر المنفعة عن العقد. انتهى. وقد يفهم ذلك من قول "التَّنبيه" [ص 122]: (الإجارة بيع تصح ممن يصح منه البيع) لكنَّه لم يصرح بالمستدرك في البيع، فالإيراد عليه في البابين. 2818 - قول "المنهاج" [ص 308]: (وأعمى للحفظ) محله: في إجارة العين، أما في الذمة .. فيصح، ومن هنا يعلم أنَّه لا يصح استنباط من استنبط من ذلك أن العمى من موانع الحضانة؛ لأنَّه لا يتعين مباشرتها الحضانة بل لها الاستنابة في ذلك، فهي كإجارة الذمة. 2819 - قول "التَّنبيه" في استئجار الأرض للزراعة [ص 123]: (وإن كان بمصر .. لم يجز حتَّى تروى الأرض بالزيادة) يستثنى منه: ما يروى من الزيادة الغالبة؛ كخمسة عشر ذراعاً فما دونها .. فإنَّه تصح إجارته قبل شمول الماء له، كما حكاه في "الكفاية" عن القاضي أبي الطَّيِّب وابن الصباغ والمتولي، وفي "الروضة" وأصلها: ليكن على الخلاف فيما يكفيه المطر المعتاد (¬1)، ومقتضاه: تصحيح الصحة. قال السبكي: وعلى الصحة يشترط عند الإجارة إمكان التشاغل بالزرع أو أسبابه من تكريم الأرض (¬2) ونحوه إن احتيج إليه، وإلا .. كفى دخولها في اليد والاستيلاء عليها، وجزم الثلاثة بالبطلان في إجارة أرض للزراعة لا ماء لها دائم ولا معتاد، وقطع به في "أصل الروضة" (¬3). قال السبكي: ومحله: إذا سكت عن ذكر أنَّه لا ماء لها، فلو قال مع قوله: للزراعة: إنَّه لا ماء لها .. فإطلاق أكثر الأصحاب يقتضي البطلان؛ لذكره الزراعة، وكلام الجوري صريح في الصحة؛ لذكره عدم الماء، وينبغي إن أمكن إحداث ماء بحفر بشر ونحوها .. صح؛ لأنَّ المستأجر دخل على ذلك وهو ممكن، وإن لم يمكن وإنَّما توقّع مجيء مطرٍ أو سيل نادرًا .. فلا، فليعتمد ذلك وإن لم يكن منقولاً، ولكنه مفهوم من كلام بعضهم، وإطلاق أكثرهم يأباه. انتهى. ونقل شيخنا الإمام البلقيني عن نص الشَّافعي في "الأم" في (باب المزارعة): فيما لو أكراه أرضاً بيضاء لا ماء لها على أن يزرعها إن شاء، أو يفعل بها ما شاء .. صح الكراء ولزمه، زَرَعَ أو لم يزرع. انتهى (¬4). وظاهره موافقة الجوري، والله أعلم. 2820 - قول "المنهاج" [ص 308]- والعبارة له - و "الحاوي" [ص 379]: (فلا يصح استئجار ¬

_ (¬1) فتح العزيز (6/ 93)، الروضة (5/ 180). (¬2) كذا في النسخ، ولعل الصواب: (تكريب الأرض) أي: حرثها. (¬3) الروضة (5/ 180). (¬4) الأم (4/ 16).

لقلع سن صحيحة) محله: ما إذا لم يستحق قلعها لقصاص، فإن استحق لقصاص .. جاز، وكذا كل عضو سليم. 2821 - قول "المنهاج" [ص 308]: (ولا حائض لخدمة مسجد) محله: في إجارة العين، ويجوز في إجارة الذمة. 2822 - قوله: (وكذا منكوحة لرضاع أو غيره بغير إذن الزوج في الأصح) (¬1) محله: في منكوحة غيره، وله استئجار زوجته لغير إرضاع ولده، وكذا له في الأصح، وقد صرح به "الحاوي" فقال [ص 379]: (ويجوز له ولو لرضاع ولدها). ويرد عليهما: أن محل هذا: في الحرة؛ فلسيد الأمة أن يؤجرها بغير إذن الزوج، وليس للزوج منعها من المستأجر، وحكى في "التوشيح" عن فتوى والده: أنَّه لا يجوز استئجار العكامين للحج؛ لأنَّ الإجارة وقعت على عينهم للعكم، فكيف يستأجرون بعد ذلك للحج؟ قال: وهي مسألة عمت البلوى بها. قلت: ليس بين أعمال الحج والعكم مزاحمة، فيمكن فعلها في غير وقت العكم، والعكم لا يستغرق إلَّا زمنه، ففي هذه الفتوى نظر. 2823 - قول "التَّنبيه" [ص 123]: (ولا يصح على منفعة محرمة؛ كالغناء والزمر وحمل الخمر) فيه أمران: أحدهما: الأصح: كراهة الغناء لا تحريمه، وكذا في "المهذب" (¬2)، ويوافقُه عدُّ "التَّنبيه" في (الشهادات) القوال فيمن لا مرؤة له، لا في أهل المعاصي (¬3)، وحمل في "الكفاية" التحريم على ما إذا اقترن به شيء من الآلات المحرمة. وقال شيخنا الإسنوي في "التنقيح": في تحريمه في هذه الحالة نظر أيضاً، بل ينبغي تحريم سماع تلك الآلة، ويبقى الغناء على إباحته، قال: ولم يتكلم الرافعي على الاستئجار للغناء، وقد قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على بطلانه (¬4)، وقال الأستاذ أبو منصور البغدادي: إنَّه مذهب الشَّافعي، وقال التاج الفركاح وحمزة ابن يوسف الحموي في "رفع التمويه": إنَّه يصح في الغناء المباح، ويؤيده ما قاله الرافعي عن المتولي: إن استئجار الطيور المسموعة للاستئناس بصوتها جائز، وحينئذ .. فصوت الآدمي أولى، لكنَّه نقل أيضاً عن ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 308). (¬2) المهذب (2/ 326). (¬3) التَّنبيه (ص 269). (¬4) انظر "الإشراف على مذاهب العلماء" (6/ 325)، و "الإجماع" (ص 102).

"التهذيب": أنَّه على الخلاف في استئجار النقدين. انتهى (¬1). ثانيهما: يستثنى من تحريم حمل الخمر: ما إذا استأجر على حملها للإراقة، وما إذا كانت محترمة .. فإنَّه يجوز الاستئجار على حملها للنقل من موضع إلى آخر. وأعلم: أن القدرة على التسليم وكون المنفعة مباحة قد يستغنى بأحدها عن الآخر، فاقتصر "المنهاج" و "الحاوي" على الأوَّل (¬2)، و "التَّنبيه" على الثَّاني (¬3). 2824 - قول "التَّنبيه" [ص 123]: (ولا يجوز إلَّا معجلاً، وبتصل الشروع في الاستيفاء بالعقد) فيه أمران: أحدهما: أن محله: في إجارة العين، أما إجارة الذمة .. فيجوز تأجيل المنفعة فيها، وهو مفهوم قول "الحاوي" عطفًا على الممتنع [ص 378]: (وللزمان القابل في العينية)، وصرح به "المنهاج" فقال [ص 308]: (ويجوز تأجيل المنفعة في إجارة الذمة؛ كـ "ألزمت ذمتك الحمل إلى مكّة أول شهر كذا") وفي هذا المثال نظر؛ ففي "الروضة" وأصلها في (السلم) عن الأصحاب: أنَّه لو قال: إلى أول رمضان .. بطل؛ لأنَّه يقع على جميع النصف الأول، وقال الإمام والبغوي: ينبغي أن يصح، ويحمل على الجزء الأوَّل (¬4)، فالمذكور هنا يوافق ذلك الاحتمال، ومثل في "الروضة" وأصلها هنا بغرة شهر كذا (¬5)، وهو تمثيل صحيح. ثانيهما: يستثنى من منع تأجيل العينية مسائل: إحداها: أنَّه يجوز إجارة السنة الثَّانية استأجر الأولى في أثنائها على الأصح. الثَّانية: كراء العقب جائز في الأصح، ومن صورها: أن يؤجر دابة لرجلين ليركبها أحدهما نصف الطريق والآخر النصف الآخر. الثَّالثة: استئجار عين الشخص للحج قبل أشهره إذا كان لا يتأتى الإتيان به من بلد العقد إلَّا بالسير قبله أو فيها ليحرم من الميقات .. جائز عند خروج النَّاس. الرابعة: استئجار دار مشحونة بأمتعة يمكن الاشتغال بنقلها في الحال جائز في الأصح في "أصل الروضة" في أول الباب (¬6)، وصحح في آخره: أنَّه إن أمكن تفريغها في مدة ليس لمثلها أجرة .. صح، وإلا .. فلا (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (4/ 425)، و "فتح العزيز" (6/ 89). (¬2) الحاوي (ص 378)، المنهاج (ص 308). (¬3) التَّنبيه (ص 123). (¬4) فتح العزيز (4/ 400)، الروضة (4/ 10). (¬5) فتح العزيز (6/ 96)، الروضة (5/ 182). (¬6) الروضة (5/ 181). (¬7) الروضة (5/ 257، 258).

الخامسة: استئجار الأرض للزراعة والماء عليها صحيح في الأصح، مع أنَّه لا شروع، بل ولا رؤية؛ لأنَّ الماء من مصالحها، وقد ذكر "الحاوي" المسائل الثلاث الأوَّل (¬1)، وذكر "المنهاج" الأوليين (¬2)، وذكر "التَّنبيه" الأولى بعد ذلك لا في معرض الاستثناء (¬3)، وتعبير "المنهاج" في الأولى بقوله [ص 308]: (قبل انقضائها) قد يرد عليه ما لو قال أولاً: (أجرتكها سنة، فإذا انقضت .. فقد أجرتك سنة أخرى)، والصحيح فيها: بطلان العقد الثَّاني؛ فإنه صدق في هذه الصورة أنَّه قبل انقضائها، فلو عبر بقوله: (في أثنائها) كما عبرتُ به .. لكان أولى. وأجيب: بأنه في هذه الصورة ليس بمستأجر الأولى، ويستثنى من كلامهم في هذه الصورة: ما إذا أجر داره سنة ثم باعها في المدة وجوزناه .. فليس للمشتري أن يؤجرها السنة الثَّانية للمستأجر؛ لأنَّه لم يكن بينهما معاقدة، حكاه الرافعي عن "فتاوى القفال"، وأقره (¬4)، وهو على طريقته في أنَّه لو أجرها أولاً لزيد سنة، فأجرها زيد لعمرو، ثم أجرها المالك لعمرو السنة المستقبلة قبل انقضاء الأولى .. لم يجز، وتصح إجارتها لزيد، لكن الذي صدر به الرافعي كلامه وحكاه عن البغوي: منع إجارتها لزيد، وأن إجارتها لعمرو على الوجهين (¬5)، ومقتضاه: ترجيح الصحة، وتعبير "الحاوي" في الثَّانية بقوله [ص 379]: (أو ليركب نصف الطريق ذا ونصفه ذا) قد يفهم تقييدها بأن يكون ذلك لرجلين، وليس كذلك، فلو أجرها لرجل واحد ليركب نصف الطريق ويمشي نصفها .. صح على الأصح، وذكر النصف مثال لا قيد؛ ولهذا عبر "المنهاج" بقوله [ص 308]: (وهو أن يؤجر دابة رجلًا ليركبها بعض الطَّريق، أو رجلين ليركب هذا أياماً وذا أياماً ويبين البعضين، ثم يقتسمان)، وقوله: (أياماً) مثال، وعبارة "الروضة": زماناً، ثم فرع عليه أنَّه إن كان ثم عادة مضبوطة إمَّا بالزمان كيوم ويوم، أو بالمسافة كفرسخ وفرسخ .. حمل عليها، وليس لأحدهما طلب الركوب ثلاثًا والمشي ثلاثاً للمشقة، وإن لم تكن عادة .. فلا بد من البيان ابتداء. انتهى (¬6). فعلى هذا محل قول "المنهاج" [ص 308]: (ويبين البعضين) ما إذا لم تكن عادة، وحمل السبكي كلام "الروضة" على أنَّه بعد استقرار الأمر على يوم ونحوه ليس له طلب ثلاث، وقال: ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 379). (¬2) المنهاج (ص 308). (¬3) التَّنبيه (ص 123). (¬4) انظر "فتح العزيز" (6/ 97). (¬5) انظر "التهذيب" (4/ 432)، و "فتح العزيز" (6/ 96). (¬6) الروضة (5/ 183).

فصل [شروط المنفعة]

الحق: جواز ما تشارطا عليه إن لم يضر البهيمة، وقال شيخنا ابن النقيب: يحمل كلام "الروضة" على ما إذا كانت العادة يوماً (¬1). 2825 - قول "التَّنبيه" [ص 123]: (فإن أطلق وقال: "أجرتك هذا شهرًا" .. لم يصح) الأصح: صحته، ويحمل على شهر متصل بالعقد، ومحله: ما إذا أطلق الشهر أو قال: (شهرًا من السنة) ولم يكن بقي فيها غير شهر، فإن قال: (شهرًا من السنة) وبقي فيها أكثر من شهر .. بطل، للإبهام. فصل [شروط المنفعة] 2826 - كذا في "المنهاج" (¬2)، ولو ذكره قبل قوله: (وكون المنفعة متقومة) كما في "المحرر" (¬3) ليستوفي شروط المنفعة في فصل مفرد .. لكان أولى؛ فإن المنفعة في الإجارة كالمبيع في البيع، وصار بعض شروط المنفعة في هذا الفصل وبعضها في الفصل الذي قبله، والفصل بين شروط المنفعة لا معنى له. 2827 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (فلو جمعهما فاستأجره ليخيطه بياض النهار .. لم يصح في الأصح) (¬4)، قال السبكي: ينبغي أن يكونا إذا أطلق أو ظهر قصد التقدير بهما معًا، فكان قصد العمل وذكر اليوم تعجيلاً .. صح، وكذا إذا كان الثوب صغيراً يفرغ في دون يوم. انتهى. ونص الشَّافعي رحمه الله في "البويطي" على الصحة، فقال بعد ذكر الإجارة على خياطة ثوب وبناء دار: وإن شرط عليه أن يأخذ في عمله وسمى الفراغ إلى أجل يمكن أن يعمل مثله .. فذلك أفضل، وإن لم يسم الأجل .. فهو جائز، ويعمل له طاقته حتَّى يفرغ منه، حكاه عنه شيخنا الإمام البلقيني. 2828 - قول "المنهاج" [ص 309]: (ويقدر تعليم القرآن بمدة، أو تعيين سور) كذا تعيين آيات بأن يقول: عشر آيات من سورة كذا من أولها أو آخرها، وقيل: يكفي من سورة كذا، وقيل: يكفي وإن لم يعين السورة، والأول أصح، وما ذكره في التعليم من التقدير بمدة هو المصحح في زيادة "الروضة"، والمجزوم به في (الصداق) في "الشرحين" (¬5)، لكن في ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 236). (¬2) المنهاج (ص 308). (¬3) المحرر (ص 230). (¬4) انظر "التَّنبيه" (ص 123، 124)، و "الحاوي" (ص 379)، و "المنهاج" (ص 308). (¬5) فتح العزيز (6/ 106)، الروضة (5/ 190).

"الشَّرح الصَّغير" هنا: الأشبه: أنَّه لا يكفي تقديره بمدة. 2829 - قوله: (وفي البناء يبين الموضع، والطول، والعرض، والسمك، وما يُبنى به إن قُدِّرَ بالعمل) (¬1) قيد في الكل احترز به عما إذا قدر بالزمان .. فإنه لا يحتاج إلى بيان شيء من ذلك. وأعلم: أن كلام "المنهاج" فيما إذا استأجر بناء ليبنى له، وقول "الحاوي" [ص 379]: (وطول البناء وعرضه وموضعه بارتفاعه وكيفيته حيث كان على السقف أو استأجر للعمل) أراد به: ما إذا استأجر بناء ليبنى له، وما إذا استأجر أرضاً ليبنى فيها؛ ولذلك ذكر الاحتياج إلى كيفية البناء فيما إذا كان على سقف، وهذا إنَّما يحتاج إليه في استئجار أرض للبناء فيها لا في استئجار بناء، وعلى هذا .. فقوله: (أو استأجر للعمل) ناقص، فينبغي أن يضم إليه: (وقدر بالعمل) ليخرج التقدير بالزمان كما تقدم. 2830 - قول "المنهاج" [ص 309]: (ويكفي تعيين الزراعة عن ذكر ما يزرع [في الأرض]) (¬2) أي: سواء قال: للزراعة، أو لتزرعها؛ أي: ويزرع ما شاء، قال الرافعي: وكان يحتمل أن ينزل على الأقل (¬3)، وهذا الذي بحثه الرافعي قد حكاه الخوارزمي وجهاً، وهو متجه لا سيما في قوله: ليزرعها؛ فإنَّه لا عموم فيه. 2831 - قوله: (وكذا لو قال: "إن شئت فاغرس وإن شئت فازرع" في الأصح) (¬4) عبارة "المحرر" و "الروضة" وأصلها: (إن شئت فازرعها وإن شئت فاغرسها) (¬5)، قال السبكي: وهو أحسن؛ لاحتمال عبارة "المنهاج" زرع كلها وبعضها، وعلى المصحح ينبغي أن يصور بقوله: (إن شئت فازرع ما شئت أو اغرس ما شئت) بزيادة: (ما شئت)، فإن لم يزدها .. عاد الخلاف في وجوب تعيين ما يزرع. 2832 - قول "التَّنبيه" [ص 123]: (فإن لم يعرف بالصفة لكثرة التفاوت؛ كالمحمل والراكب والصبي في الرضاع .. لم يجز حتَّى يرى) فيه أمور: أحدها: ما ذكره في الراكب من أنَّه لا بد من رؤيته، حكاه في "الروضة" وأصلها عن الجمهور، ثم قال: والأصح: أن الوصف التام يكفي عنها، ثم قيل: يصفه بالوزن، وقيل: بالضخامة والنحافة؛ ليعرف وزنه تخميناً (¬6)، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 309]: (بمشاهدة ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 309). (¬2) في (أ): (في الأصح)، والمثبت من باقي النسخ. (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 115). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 309). (¬5) المحرر (ص 231)، فتح العزيز (6/ 115)، الروضة (5/ 200). (¬6) فتح العزيز (6/ 116)، الروضة (5/ 200، 201).

أو وصفٍ تامٍ)، و "الحاوي" فقال [ص 379، 380]: (رؤية، أو ذكر ضخامته أو نحافته) فزاد الجزم بأحد الوجهين في ذكر الوصف التام. ثانيها: الصَّحيح: أنَّه لا يحتاج إلى رؤية المحمل أيضاً، قال في "أصل الروضة": فإن شاهدها .. كفى، وإلا؛ فإن كانت سروجهم ومحاملهم وما في معناها على قدر وتقطيع لا يتفاحش فيه التفاوت .. كفى الإطلاق، وحمل على معهودهم، فإن لم يكن معهود مطرد .. اشترط ذكر وزن السرج والإكاف والزاملة ووصفها، هذا هو الصَّحيح المعروف. انتهى (¬1). وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 380]: (والمحمل سعة وضيقاً وزنةً) ومحله: إذا تفاوتت تفاوتاً فاحشاً كما تقدم، وسوى "المنهاج" بينه وبين الراكب، فقال [ص 309]: (وكذا الحكم فيما يركب عليه من محمل وغيره إن كان له) وهو مخالف لـ "الروضة" من وجهين: أحدهما: أن فيها ذكر الوزن مع الوصف، ولا يؤخذ ذلك من "المنهاج". الثَّاني: أن في "الروضة" أن محل الاحتياج إلى ذلك: إذا لم يكن معهود مطرد (¬2)، واحترز بقوله: (إن كان له) عما إذا لم يكن له ما يركب عليه .. فإنَّه لا يجب ذكره، ويركبه المؤجر على ما يليق من ذلك. ثالثها: قد يفهم منه أنَّه لا يحتاج في الاستئجار لإرضاع صبي إلى بيان موضع الرضاع؛ أهو بيته أو بيتها، والمجزوم به في "أصل الروضة" خلافه (¬3). 2833 - قول "المنهاج" [ص 309]: (ولو شرط حمل المعاليق مطلقًا .. فسد العقد في الأصح) هو معنى قول "الحاوي" [ص 380]: (وتفصيل المعاليق) فالمراد بالإطلاق: ترك التفصيل، وكان ينبغي التعبير بالأظهر؛ لأنَّ في المسألة قولين، أو بالمذهب كما في "الروضة" (¬4)؛ لأنَّ فيها طريقة قاطعة بالفساد. 2834 - قول "المنهاج" [ص 309]: (ويشترط في إجارة العين تعيين الدابة) فيه أمران: أحدهما: أن المراد: إجارتها للركوب، وقد ذكر بعد ذلك إجارتها للحمل، فكان مقيدًا لهذا الإطلاق. ثانيهما: أن هذه العبارة مشكلة؛ لأنَّ العين هو التعيين، والشيء لا يكون شرطًا في نفسه؛ ولعلّه لم يحترز بالتعيين عن الوصف في الذمة، وإنما أراد به: مقابل الإبهام؛ كإحدى هاتين ¬

_ (¬1) الروضة (5/ 201). (¬2) الروضة (5/ 202). (¬3) الروضة (5/ 192). (¬4) الروضة (5/ 202).

الدابتين، فإنَّها إجارة عين بلا تعيين، فهي باطلة. 2835 - قوله: (وفي إجارة الذمة ذكر الجنس والنوع والذكورة أو الأنوثة) (¬1) زاد في "أصل الروضة": (ويشترط أن يقول: مهملج، أو بحر، أو قطوف على الأصح؛ لأنَّ معظم الغرض يتعلق بكيفية السير) (¬2)، وعبارة "الحاوي" [ص 380]: (والدابة رؤية، أو ذكر الجنس والنوع وسيرها)، فزاد على "المنهاج" ذكر كيفية السير من هملجة وغيرها، وأهمل ذكر المذكورة أو الأنوثة، و (أو) في كلامه للتنويع، والمراد: الرؤية في إجارة العين وذكر الجنس وما معه في إجارة الذمة، كما أفصح به "المنهاج" (¬3)، وقوله: (والسير والسّرى والمنزل؛ حيث لا عُرْف) (¬4) ليس معطوفاً على ذكر الجنس وحده، بل على مجموع الأمرين، فهو ثابت في إجارتي العين والذمة؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 309]: (وفيهما - أي: في إجارة العين والذمة - بيان قدر السير ... إلى آخره)، فلو أراد أحدهما مجاوزة المشروط أو النزول دونه لخوف أو خصب .. لم يكن له ذلك إلَّا بموافقة صاحبه، قاله البغوي، وخالفه الرافعي والنووي في الخوف بحثاً (¬5)، ويوافقه تصريح الإمام فيمن استأجر دابة لبلد ليعود راكباً: بأنه إن أقام فيها زيادة على المعهود لخوف .. فحكمه كالمودع المؤتمن؛ أي: حتَّى لا يحسب عليه كما قاله ابن الرفعة، فلو لم يكن الخوف عذرًا .. لحسبت عليه تلك المدة (¬6). 2836 - قول "المنهاج" [ص 309]: (فإن حضر .. رآه وامتحنه بيده إن كان في ظرف) يخالفه قول "الحاوي" [ص 380]: (والمحمول رؤية، أو حقق القدر، أو امتحن باليد) فخيَّر بين ثلاثة أمور، وذكر "المنهاج" الرؤية إن لم يكن في ظرف، والامتحان إن كان في ظرف، وهو الموافق لكلام الرافعي؛ حيث قال: فإن كان المحمول حاضرًا ورآه المؤجر .. كفى، وإن كان في ظرف .. وجب أن يمتحنه باليد تخميناً لوزنه (¬7)، وأسقط في "الروضة" الامتحان فيما إذا كان في ظرف (¬8). 2837 - قول "المنهاج" [ص 309]: (وإن غاب .. قُدّر بكيل أو وزن) التقدير بالوزن مطرد سواء أكان موزوناً أو مكيلاً، وبالكيل خاص بما إذا كان مكيلاً. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 309). (¬2) الروضة (5/ 202). (¬3) المنهاج (ص 309). (¬4) الحاوي (ص 380). (¬5) انظر "فتح العزيز" (6/ 118، 119)، و "الروضة" (5/ 202، 203). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (8/ 106، 107). (¬7) انظر "فتح العزيز" (6/ 119). (¬8) الروضة (5/ 204).

2838 - قوله: (وجنسه) (¬1) عبارة "الروضة": لا بد من ذكر جنسه، ثم قال: فلو قال: مئة رطل مما شئت .. جاز في الأصح، ويكون رضاً منه بأضر الأجناس، فلا حاجة حينئذ إلى بيان الجنس، ثم حكى عن صاحب "الرقم" عن حُذَّاق المراوزة: أن الحكم كذلك ولو لم يقل: مما شئت، قال: وحاصله الاستغناء بالتقدير عن ذكر الجنس، فلو قدر بالكيل، فقال: عشرة أقفزة مما شئت .. فالمفهوم من كلام السرخسي أنَّه لا يغني عن ذكر الجنس؛ للاختلاف ثقلاً وخفة، قال الرافعي: لكن يجوز أن يجعل رضا بأثقل الأجناس كما في الوزن. انتهى (¬2). وعلى ذلك مشى "الحاوي" فلم يذكر الجنس مطلقاً (¬3)، لكن صوب النووي قول السرخسي، وفرق بقلة الاختلاف هناك وكثرته هنا (¬4). 2839 - قول "الحاوي" [ص 380]: (بوصف الدابة في الزجاج) زاد "المنهاج" [ص 309]: (ونحوه)، وهذا الكلام ذكره القاضي حسين والإمام والغزالي (¬5)، وتابعهم الرافعي والنووي (¬6)، ولم يتعرض له الجمهور، كما قال ابن الرفعة، وقوى عدم اشتراطه بحثًا، قال القاضي حسين: وفي معنى الزجاج: ما إذا كان في الطَّريق وحلٌ أو طين. 2840 - قول "الحاوي" [ص 380]: (ولمئة منٍّ مع الظرف) أي: إذا لم يذكر الجنس .. كان الظرف من جملة المئة المن، فلا يحتاج لمعرفته، وقوله: (ومن بُرٍّ دونه) (¬7) أي: وإن ذكر الجنس؛ كالبر مثلاً .. لم يكن الظرف من الموزون، فلا بد من معرفته إن لم ينضبط، فلو ذكر الجنس وصرح بأن الظرف من الوزن؛ بأن قال: مئة من الحنطة بظرفها .. صح أيضاً، قال الرافعي: كذا ذكروه، لكن إذا اعتبرنا الجنس مع الوزن .. وجب أن يُعرف قدر الحنطة وحدها وقدر الظرف وحده. انتهى (¬8). والأصح على ما تقدم: أن الجنس لا بد من الوزن معه، فيكون الأصح: عدم الصحة فيما إذا قال: بظرفها. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 309). (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 120)، و "الروضة" (5/ 204). (¬3) الحاوي (ص 380). (¬4) انظر "الروضة" (5/ 204). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (8/ 136)، و "الوجيز" (1/ 409). (¬6) انظر "فتح العزيز" (6/ 120)، و "الروضة" (5/ 205). (¬7) الحاوي (ص 380). (¬8) انظر "فتح العزيز" (6/ 120).

فصل [في بقية شروط المنفعة]

فصلٌ [في بقية شروط المنفعة] 2841 - قول "الحاوي" [ص 379]: (ولا تجوز للقرب) عبارة "أصل الروضة": الشرط الرابع: حصول المنفعة للمستأجر، وأكثر العناية في هذا الشرط بالقرب (¬1)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: هذا الشرط - وهو: حصول المنفعة للمستأجر - لا يتحقق، ولا يظهر من كلامهم صورة يحصل منعها بمقتضى هذا الشرط؛ فإن منع الاستئجار للقرب التي لا تدخلها النيابة ليس لعدم حصول المنفعة للمستأجر، بل لأنَّها غير قابلة للنيابة، وهذا الأذان يستأجر عليه الإمام والآحاد والمنفعة الحاصلة به القيام بمصالح الرعية، فأين المنفعة للمستأجر إذا كان من الآحاد، ولو استأجرت شخصاً على حمل قفيز .. فالمنفعة للفقير، والحاصل للمستأجر الأجر، وكذا لو استأجرت مرضعاً لإرضاع طفل لا تلزمك مؤنته. انتهى. 2842 - قول "المنهاج" [ص 310]: (لا تصح إجارة مسلم لجهاد) يفهم إجارة الذمي له، وهو كذلك، لكن يختص ذلك بالإمام؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 379]: (وللإمام استئجار الذمي للجهاد)، وأفتى شيخنا الإمام البلقيني بفساد الإجارة للمرابطة عوض الجندي كالجهاد. 2843 - قول "المنهاج" [ص 310]: (وتصح لتجهيز ميت ودفنه) الظاهر: أن ذكر الدفن بعد التجهيز من ذكر الخاص بعد العام؛ لدخوله فيه؛ ولهذا اقتصر "الحاوي" على التجهيز (¬2). 2844 - قولهما: (وتعليم القرآن) (¬3) أي: ولو فاتحة لمتعين عليه في الأصح، ومحل صحة الاستئجار عليه: ما إذا كان المتعلم مسلماً أو كافراً يرجى إسلامه. 2845 - قول "الحاوي" [ص 379]: (والأذان) يفهم أن الأجرة في مقابلة جميعه، وهو الأصح، وقيل: للحيعلتين، وقيل: لرفع الصوت، وقيل: لرعاية الوقت. 2846 - قوله: (كاستأجرتك في رضاع المرأة) (¬4)، أورد عليه: أنَّه يفهم أن العين - وهي اللبن - هي الأصل الذي تناوله العقد؛ لإفراده عن سائر أنواع الإجارة، والأصح: أن الأصل فعلها، وهو وضع الرضيع في الحجر وتلقيمه الثدي وعصره بقدر الحاجة، وهي الحضانة الصغرى، واللبن يستحق تبعاً. 2847 - قول "المنهاج" [ص 310]- والعبارة له - و "الحاوي" [ص 382]: (ولحضانةٍ وإرضاعٍ ¬

_ (¬1) الروضة (5/ 187). (¬2) الحاوي (ص 379). (¬3) انظر "الحاوي" (ص 379)، و "المنهاج" (ص 310). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 378).

فصل [بيان ما على المؤجر والمستأجر]

معًا، ولأحدهما فقط، والأصح: أنَّه لا يستتبع أحدهما الآخر) أرادا هنا: الحضانة الكبرى، وقد فسرها "المنهاج" بقوله [ص 310]: (والحضانة: حفظ صبي وتعهده بغسل رأسه وبدنه وثيابه ودهنه وكحله وربطه في المهد وتحريكه لينام ونحوها)، وقد وقع لشيخنا في "المهمات" هنا اشتباه إحدى الحضانتين عليه بالأخرى. 2848 - قولهما: (ولو استأجر لهما فانقطع اللبن .. فالمذهب: انفساخ العقد في الإرضاع دون الحضانة) (¬1) قال الرافعي: ولم يفرقوا بين أن يصرح بالجمع بينهما وبين أن يذكر أحدهما ويحكم باستتباعه الآخر، قال: وحسن أن نفرق؛ ففي التصريح يقطع بأنهما مقصودان، وعند ذكر أحدهما هو المقصود والآخر تابع (¬2). وقال شيخنا الإمام البلقيني فيما إذا استأجر امرأة لإرضاع سخلة: يظهر جوازه، وفي استئجار شاة لإرضاع طفل يظهر منعه. 2849 - قول "الحاوي" [ص 382]: (وعلى المستأجر الخيط والحبر والصبغ، والذرور) (¬3) تبع فيه "المحرر" (¬4)، وقد استدرك عليه "المنهاج" فقال [ص 310]: (صحح الرافعي في "الشَّرح": الرجوع فيه إلى العادة، فإن اضطربت .. وجب البيان، وإلا .. فتبطل الإجارة). فصلٌ [بيان ما على المؤجر والمستأجر] 2850 - قول "التَّنبيه" [ص 124] و "الحاوي" [ص 381]: (إن مفتاح الدار على المكري) أحسن من قول "المنهاج" [ص 310]: (إنَّه يجب تسليمه إلى المكتري) لأنَّه يفهم من الوجوب الإثم بالترك، وليس كذلك، بل غايته أنَّه إذا لم يسلمه له .. ثبت له الخيار كما في العمارة، زاد "الحاوي" [ص 381]: (بلا تجديد) أي: إن ضاع من المكتري .. فليس على المكري تجديده، وهذا مخالف للمجزوم به في "أصل الروضة" أنَّ إبداله من وظيفة المؤجر، فإن لم يبدله .. فللمستأجر الخيار (¬5)، ولعل "الحاوي" أراد بذلك: أنَّه لا يجبر عليه، وخرج بالمفتاح القفل، فلا يجب تسليمه حيث اعتيد الإغلاق به؛ لأنَّ الأصل أن لا تدخل المنقولات في العقد الواقع على العقار، والمفتاح تابع للغلق. ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 382)، و "المنهاج" (ص 310). (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 124). (¬3) الذرور بالفتح: ما يذر في العين وعلى القرح من دواء يابس. انظر "لسان العرب" (4/ 304). (¬4) المحرر (ص 232). (¬5) الروضة (5/ 211).

2851 - قول "المنهاج" [ص 310]: (وعمارتها على المؤجر) زاد "الحاوي" [ص 381]: (بلا كُره) أي: أنَّه لا يجبر على ذلك، وهو مفهوم من قول "المنهاج" [ص 310]: (فإن بادر وأصلحها، وإلا فللمكتري .. الخيار)، ومعنى كونها على المؤجر: أنَّها ليست على المستأجر، ويستثنى من ثبوت الخيار: ما إذا كان الخلل مقارناً للعقد وعلم به المكتري، جزم به في "أصل الروضة" (¬1)، وفيه نظر؛ فإن المستأجر ولو علم بالخلل موطن النَّفس على أن المؤجر يزيله، والضرر يتجدد بمضي المدة، لا سيما والمدة المستقبلة لم تقبض إلى الآن، ففي إلزامه الاستمرار على مصابرة الضرر عسر غير محتمل. 2852 - قول "الحاوي" [ص 381]: (كانتزاع المغصوب) أي: على المؤجر ذلك، لكن لا يكره عليه، قال في "الروضة": وينبغي أن يكون المصحح هنا: وجوب الانتزاع (¬2). 2853 - قول "المنهاج" [ص 311]: (وتنظيف عرصة الدار عن ثلج وكناسةٍ على المكتري) هو كما قدمناه في العمارة ليس المراد: إلزام المكتري به، وإنَّما المراد: أنَّه ليس على المكري، وقد صرح بذلك في "الروضة" من زيادته (¬3)، لكن قال شيخنا الإمام البلقيني: قد صرح الغزالي في "الوجيز" - وهو العمدة للرافعي في ذلك - بأن المستأجر يلزمه إزالة الثلج الخفيف (¬4). قلت: هو مثل تعبير غيره بأنه على المستأجر، ومعناه أنَّه من وظيفته، وليس على المؤجر كما في نظائره، والله أعلم. 2854 - قوله: (وإن أجر دابة لركوب .. فعلى المؤجر إكاف وبرذعة) (¬5) في جمعه بينهما نظر؛ لأنَّه مفسر بها؛ ولهذا لم يجمع بينهما "التَّنبيه" و "الحاوي" (¬6) ولعلهما نوعان مختلفان، ثم إن ما ذكروه في ذلك محله: في حالة الإطلاق، فلو قال: (أكريتك هذه الدابة عاريةً بلا حزام ولا إكاف ولا غيرهما) .. لم يلزمه شيء. 2855 - قول "المنهاج" [ص 311]: (وعلى المكتري محملٌ ومظلةٌ وغطاءٌ ووطاء وتوابعها) لعله أراد بتوابعها: الحبل الذي يشد به المحمل على البعير أو يشد به أحد المحملين إلى الآخر .. فإنَّه على المكتري. ¬

_ (¬1) الروضة (5/ 210). (¬2) الروضة (5/ 210). (¬3) الروضة (5/ 211). (¬4) الوجيز (1/ 410)، وانظر "فتح العزيز" (6/ 127). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 311). (¬6) التنبيه (ص 124)، الحاوي (ص 382).

2856 - قوله: (والأصح في السرج: أتباع العرف) (¬1) تبع فيه "المحرر" (¬2)، وليس في "الشرحين" ترجيح (¬3)، واقتصر في "الروضة" على عزو تصحيحه لـ "المحرر" (¬4)، وذكر في "الكفاية" أن السرج داخل في قول "التَّنبيه" [ص 124]: (وما يحتاج إليه للتمكن من الانتفاع .. فهو على المكري) وقال البغوي: ما عدا السرج والإكاف والبرذعة على المؤجر، وكذا الثلاثة في إجارة الذمة، وفي العين على المستأجر، ويضمن إن ركب بغيرها (¬5)، قال الرافعي: وهو كالتوسط في الآلات (¬6). 2857 - قول "التَّنبيه" [ص 124]: (وما يحتاج إليه لكمال الانتفاع كالدلو والحبل .. فهو على المستأجر) محله: ما إذا استأجر عينه للاستقاء، فإن وردت الإجارة على ذمته .. كانا على المؤجر، وعليه مشى "الحاوي" فقال فيما على المكري [ص 382]: (وفي الذمة الدلو والرشاء في الاستقاء)، ووقع في "تصحيح التَّنبيه" لشيخنا الإسنوي عكس ذلك، فقال: والأصح: وجوب الدلو والحبل في الاستئجار للاستقاء على المؤجر إذا وردت الإجارة على العين، كما ذكره في "الروضة" في أول المسألة الثَّانية في الكلام على الاكتراء للحمل. انتهى (¬7). وكذا ذكر في "التنقيح"، وكذا في "التوشيح" لابن السبكي، وهو سبق قلم، والمسألة في "الروضة" في الموضع المذكور على الصواب (¬8). 2858 - قول "التَّنبيه" [ص 124]: (وعلى المكري الإشالة والحط وإركاب الشَّيخ وإبراك البعير للمرأة) محله: في إجارة الذمة، فإن أكرى عين دابة .. لم يلزمه شيء من ذلك، وقد صرح به "المنهاج" و "الحاوي" (¬9)، ووقع لشيخنا الإسنوي في "تصحيحه" عكس ذلك، فقال بعد ما تقدم عنه: وفي الإشالة والحط أيضاً هذا التفصيل (¬10)، لكنَّه ذكره في "التنقيح" على الصواب، وفي معنى المرأة: الرجل الضعيف؛ ولهذا عبر "الحاوي" بقوله [ص 382]: (إعانة الراكب المحتاج) و "المنهاج" بقوله [ص 311]: (إعانة الراكب في ركوبه ونزوله بحسب الحاجة). ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 311). (¬2) المحرر (ص 232). (¬3) فتح العزيز (6/ 138). (¬4) الروضة (5/ 219). (¬5) انظر "التهذيب" (4/ 459). (¬6) انظر "فتح العزيز" (6/ 138). (¬7) تذكرة النبيه (3/ 184)، وانظر "الروضة" (5/ 220). (¬8) الروضة (5/ 220). (¬9) الحاوي (ص 382)، المنهاج (ص 311). (¬10) تذكرة النبيه (3/ 184).

2859 - قول "التَّنبيه" [ص 124]: (وفي كسح البئر وتنقية البالوعة وجهان) الأصح منهما: أنَّه على المستأجر، واختار السبكي مقابله، ومحل الخلاف: إذا امتلأ في أثناء المدة بعد التسليم فارغاً، ففي الابتداء على المؤجر قطعًا، وبعد انتهاء المدة لا يلزم المستأجر قطعًا؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 381]: (وعلى المكري تسليم الدار وبئر الحش والبالوعة خالية، لا إن امتلأ) (¬1) فاحترز عن الابتداء، ويرد عليه الانتهاء. 2860 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ويثبت الخيار بعيبها) (¬2) أي: الدابة المعينة، فلو لم يعلم به حتَّى مضت المدة .. فات الخيار وله الأرش، وإن علم به في الأثناء وفسخ وقلنا ينفسخ فيما مضى .. قال السبكي: ينبغي أن يجب الأرش، وإن لم ينفسخ .. قال: فلا أرش للمستقبل، وفيه مضى نظر، زاد "التَّنبيه" [ص 124]: (أو حدث به عيب)، وكذا أطلقه الجمهور، وقال الرافعي والنووي: الوجه: ما ذكره المتولي، وهو المنع من الفسخ في حدوث العيب؛ لأنَّه فسخ في بعض المعقود عليه، بل يأخذ الأرش (¬3). 2861 - قول "المنهاج" [ص 311]: (ولا خيار في إجارة الذمة، بل يلزمه الإبدال) لم يذكر عدم الانفساخ بالتلف، مع أنَّه مصرح به في "المحرر" (¬4) اكتفاءً بمنع الخيار بالعيب، ولو صرح به .. لكان أولى، مع أنَّه لو سلم دابة عما في الذمة اختص بها المستأجر .. فله إيجارها، ولا يجوز للمؤجر إبدالها إلَّا برضاه في الأصح. 2862 - قول "التَّنبيه" [ص 124]: (وإن أكل بعض الزاد وقيمته تختلف في المنازل .. جاز له أن يبدله، فإن لم تختلف .. ففيه قولان) الأظهر: جواز إبداله أيضاً، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 311]: (والطعام المحمول ليؤكل يُبدل إذا أُكل في الأظهر) لكن فيه شيئان: أحدهما: أنَّه لم يبين محل الخلاف كما فعل "التَّنبيه" (¬5). ثانيهما: أنَّ عبارته تقتضي تصوير المسألة بما إذا أكل جميعه مع أن القولين إنَّما هما فيما إذا أكل بعضه، فأمَّا عند أكل جميعه .. فالمسألة ذات وجهين، والصحيح منهما: الإبدال أيضاً، ومشى "الحاوي" على الصَّحيح أيضاً، فقال [ص 382]: (وبُدِّل الطَّعام للأكل)، لكن تقييده بكونه للأكل لا معنى له؛ لأنَّ تقييد "المنهاج" وغيره بذلك إنَّما هو لأنَّه موضع الخلاف، فالمحمول ليصل يُبدل قطعاً، و "الحاوي" لا يحكي الخلاف حتَّى يحتاج إلى القيد، فحكم الصور كلها عنده واحد. ¬

_ (¬1) كذا في النسخ، وفي "الحاوي": (امتلأت). (¬2) انظر "التَّنبيه" (ص 124)، و "الحاوي" (ص 382، 383)، و "المنهاج" (ص 311). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 162)، و "الروضة" (5/ 239). (¬4) المحرر (ص 232). (¬5) التَّنبيه (ص (124).

فصل [في تعيين قدر المنفعة]

ثم أعلم: أن محل الخلاف أيضاً: عند الإطلاق، أما لو شرط الإبدال أو عدمه .. اتبع الشرط، واختار السبكي أنَّه إن شرط قدراً يكفيه كل الطَّريق .. لم يُبدل جزماً ما دام الباقي كافياً لبقية الطَّريق، أو قدراً يُعلم أنَّه لا يكفيه .. فله الإبدال. بقي هنا فرع غريب على منع الإبدال، وهو: أنَّه إذا لم يأكل منه .. فهل للمؤجر مطالبته بتنقيص قدر أكله؟ قال السبكي: ينبغي أن يقال: إن لم يقدّره .. فله ذلك، وإن قدّره .. فالظاهر: أنَّه ليس له ذلك اتباعاً للشرط، ويحتمل أن يجب للعرف، وهو ما أميل إليه. 2863 - قول "الحاوي" [ص 383]: (ونزع الملبوس إن نام) يستثنى: النوم وقت القيلولة على الأصح في الرافعي، قال: وهو ما أورده الأكثرون (¬1)، وقال النووي: أطلق الأكثرون جواز النوم فيه نهارًا من غير تقييد بالقيلولة (¬2)، ولعل "الحاوي" أراد: النوم وقت القيلولة بقوله بعده: (والفوقاني للقيلولة والخلوة) (¬3). فصل [في تعيين قدر المنفعة] 2864 - قول "الحاوي" [ص 379]: (ويعين قدر المنفعة إمَّا بالزمان وإن طال) شرطه: أن يكون ذلك الزمان تبقى فيه العين المؤجرة غالباً، كما صرح به "التَّنبيه" و "المنهاج" (¬4)، وفرع في "أصل الروضة" على ذلك، فقال: فلا يؤجر العبد أكثر من ثلاثين سنة، والدابة عشر سنين، والثوب سنتين أو سنة على ما يليق به، والأرض مئة سنة وأكثر، وحكى الرافعي هذا عن "التهذيب" (¬5)، وظاهر إطلاقهم أنَّه لا فرق في ذلك بين الوقف وغيره، وهو المشهور، قال المتولي: إلَّا أن الحكام اصطلحوا على منع إجارته أكثر من ثلاث سنين؛ لئلا يندرس الوقف، وهذا الاصطلاح غير مطرد، وفي "أمالي السرخسي": أن المذهب: منع إجارة الوقف أكثر من سنة إذا لم تمس إليه حاجة، وهو غريب، ووجهه: عسر تقويم المدة المستقبلة، ومقتضى كلام الروياني في نظيره: أنَّه يشترط أن تكون تلك المدة يحتمل أن يبقى إليها المؤجر والمستأجر، ومقتضى كلام "الروضة": أنَّه لا يشترط ذلك، وينتقل لوارثه، خرجته من كلامهما في تأجيل الثمن، وعدم الاشتراط هو مقتضى إطلاق الأصحاب. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (6/ 144). (¬2) انظر "الروضة" (5/ 225). (¬3) الحاوي (ص 383). (¬4) التَّنبيه (ص 123)، المنهاج (ص 311). (¬5) التهذيب (4/ 344)، فتح العزيز (6/ 111)، الروضة (5/ 196).

2865 - قول "التَّنبيه" [ص 123]: (وإن قال: "أجرتك كل شهر بدرهم" .. بطل) يستثنى منه: الاستئجار على الأذان إذا كان المستأجر هو الإمام من مال المصالح .. فلا يفتقر إلى بيان المدة، كما حكاه الرافعي في بابه عن "التهذيب" (¬1). 2866 - قوله: (وقيل: يصح في الشهر الأول) (¬2) محله: ما إذا عين الابتداء من الآن، فإن أطلق .. لم يصح قطعًا، كما أفهمه كلام "المهذب" وغيره (¬3). 2867 - قوله: (وإن استأجر دابة ليركبها .. أركبها مثله) (¬4) مثال؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 312]: (وللمكتري استيفاء المنفعة بنفسه وبغيره، فيُركب ويسكن مثله، ولا يُسكن حداداً وقصاراً) يعني: والصورة أنَّه ليس كذلك، وعبر "الحاوي" عن هذا بعبارة شاملة لجميع الصور، فقال [ص 382]: (وبدل المستوفي)، وفسره الرافعي: بأنه مستحق الاستيفاء (¬5). واستشكل بمن استأجر لإركاب عبده أو فقير .. فالعبد والفقير هما المستوفي، والمستحق هو المستأجر، قال السبكي: لا يقال: هما مستوفى به؛ لأنهم قطعوا فيه بالإبدال، ولم يجروا فيه الخلاف في إبدال الرضيع. انتهى. وأعلم: أنَّه ذكر في "الروضة" وأصلها من صور المستوفي: ما إذا استأجر دابة لحمل قطن .. فله حمل صوف ووبر، أو لحديد .. [فله رصاص (¬6)] (¬7). قال في "المهمات": وهو من قسم المستوفى به بلا شك، لكنَّه متَّفقٌ عليه ليس فيه الخلاف الذي في بقية صور المستوفى به. 2868 - قول "المنهاج" [ص 312]: (وما يستوفى به؛ كثوب وصبي عُينّ للخياطة والارتضاع .. يجوز إبداله في الأصح) فيه أمور: أحدها: تبع في هذا الترجيح "المحرر" (¬8)، وكذا في "الشَّرح الصَّغير"، وعليه مشى "الحاوي" (¬9)، لكنَّه لم يرجح في "الكبير" شيئاً، بل نقل في موضع هذا الترجيح عن الإمام والمتولي، وفي موضع مقابله عن العراقيين وأبي على وغيرهم، وتبعه في "الروضة" على هذين ¬

_ (¬1) التهذيب (2/ 58)، فتح العزيز (1/ 424). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 123). (¬3) المهذب (1/ 396). (¬4) انظر "التَّنبيه" (ص 124). (¬5) انظر "فتح العزيز" (6/ 143). (¬6) فتح العزيز (6/ 143)، الروضة (5/ 224). (¬7) في (أ): (فله حمل رصاص). (¬8) المحرر (ص 233). (¬9) الحاوي (ص 382، 383).

النقلين (¬1)، ويوافق الترجيح الثَّاني ما سيأتي عن "التَّنبيه" في موت الرضيع: أنَّه ينفسخ العقد على المنصوص (¬2). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إن الأوَّل ليس بالمعتمد في الفتوى، قال: وقد جزم في الكلام على ما يُعتبر تعيينه في الرضاع بأنه يجب تعيين الصبي؛ لاختلاف الغرض باختلافه، وما وجب تعيينه لا يجوز إبداله كالدابة المعينة، وأيضًا: فتجويز الإبدال إن كان بإجبار المرضعة عليه .. فهو من أبعد ما يكون، وإن كان برضاها .. فهو بعيد أيضاً؛ لأنَّه إمَّا معاوضة ولا صائر إليه، وإما مسامحة .. فمقتضى المسامحة: أن لا يحتاج في الابتداء إلى تعيين الرضيع. انتهى. ثانيها: حكى الرافعي عن الشَّيخ أبي على: أنَّه قال: محل الخلاف: إذا التزم في ذمته خياطة ثوب معين أو حمل متاع معين، أما لو استأجر دابة معينة لركوب أو حمل متاع .. فلا خلاف في جواز إبدال الراكب والمتاع. انتهى (¬3). وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك قريباً. ثالثها: ينبغي أن يقول: (عُيّنا) فإنَّه صفة لثوب وصبي، وإيقاع ضمير المفرد موضع التثنية شاذ. 2869 - قول "التَّنبيه" [ص 125]: (وإن مات الصبي الذي وقعت الإجارة على إرضاعه .. انفسخ العقد على المنصوص) مقتضى عبارة "الروضة" هنا: ترجيح عدم الانفساخ؛ فإنَّه بعد نقل جواز الإبدال عن تصحيح الإمام والمتولي .. قال: والخلاف جارٍ في انفساخ الإجارة بتلف هذه الأشياء في المدة، وميل العراقيين إلى ترجيح الانفساخ، وقالوا: هو المنصوص، والثَّاني: مخرج. انتهى (¬4). وهو مقتضى تجويز الإبدال كما تقدم، ويوافق "التَّنبيه" في ذلك ترجيح الانفساخ في الخلع، قال في "أصل الروضة": إنَّه المذهب، والمنصوص في "المختصر" وأكثر الكتب، ورجحه الجمهور (¬5). 2870 - قوله: (وعليه - أي: المستأجر - مؤنة الرد، وقيل: يجب ذلك على المؤجر) ذكر في "أصل الروضة" أن الأوَّل أقربهما إلى كلام الشَّافعي، وأن الغزالي صحح الثَّاني (¬6)، واقتصر في ¬

_ (¬1) فتح العزيز (6/ 144)، الروضة (5/ 224). (¬2) التَّنبيه (ص 125). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 173). (¬4) الروضة (5/ 224، 225). (¬5) الروضة (7/ 402). (¬6) الروضة (5/ 226).

"الشَّرح الصَّغير" على ذكر تصحيح الغزالي، وهو يشعر برجحان الثَّاني، وجزم به في "أصل الروضة" في العارية، فقال فيما إذا استعار من المستأجفي: أن مؤنة الرد على المالك إن رد عليه كما لَوْ ردَّ عليه المستأجر (¬1)، وكذا صحح شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" الثَّاني (¬2)، لما سيأتي عن "المنهاج" وغيره من أن يد المستأجر بعد انقضاء الإجارة يَدُ أمانة (¬3)، وهي مبنية عليها، فالضمان مبني على وجوب مؤنة الرد، وعدمه مبني على عدمه، كما في "الروضة" وأصلها (¬4)، لكن قال السبكي: قد يجمع بينهما بأنها أمانة شرعية، فلا يناقضها وجوب الرد. انتهى. قال القاضي أبو الطَّيِّب: ولو شرط عليه الرد .. لزمه بلا خلاف، ومنعه ابن الصباغ، وقال: من لا يوجبه عليه ينبغي ألَّا يجوز شرطه. قال في "المهمات": وفي "زيادات العبادي" التصريح بالخلاف، فقال: إنَّها فاسدة عندنا؛ يعني: عند المراوزة، خلافًا للإصطخري. 2871 - قوله "المنهاج" [ص 312]: (ويد المكتري يد أمانة مدة الإجارة، وكذا بعدها في الأصح) وكذا في "الحاوي" (¬5)، وليس في كلام الرافعي في "الشَّرح" تصريح بترجيح، وإنَّما بنى هذه المسألة على التي قبلها (¬6)، وزاد في "الروضة" تصحيح "المحرر": عدم الضَّمان (¬7)، وجزم به في "أصل الروضة" في حكم البيع قبل القبض، فعد من الأمانات: المال في يد المستأجر بعد المدة (¬8). قال السبكي: والحقُّ: أنَّها بعد المدة أمانة شرعية، فإن تلفت عقب انقضاء المدة قبل التمكن من الرد والإعلام .. فلا ضمان، وكذا إذا مضى زمان وقد أمسكها لعُذْرٍ مانع، كما جزم به الماوردي (¬9). قلت: وكذا جزم به في "الروضة" وأصلها (¬10)، وأخرج حالة العذر عن موضع الخلاف. قال السبكي: وإن طالبه المالك فامتنع .. كان ضامناً، وإن استنظره فأنظره مختارًا .. كان ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 432). (¬2) تذكرة النبيه (3/ 190). (¬3) المنهاج (ص 312). (¬4) فتح العزيز (6/ 145)، الروضة (5/ 226). (¬5) الحاوي (ص 383). (¬6) انظر "فتح العزيز" (6/ 145، 146). (¬7) المحرَّر (ص 233)، الروضة (5/ 226). (¬8) الروضة (3/ 508). (¬9) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 440). (¬10) فتح العزيز (6/ 146)، الروضة (5/ 226).

كالمستعير كما قاله الماوردي (¬1)، فيضمن الرقبة دون المنفعة، وإن عرضها المستأجر عليه فلم يقبلها .. فكالوديعة، وإن لم يكن شيء من ذلك وتمكن من الرد .. فهو موضع الوجهين، والأصح: لا يجب الرد. 2872 - قول "المنهاج" [ص 312]- والعبارة له - و "الحاوي" [ص 383]: (ولو ربط دابة اكتراها لحمل أو ركوب ولم ينتفع بها .. لم يضمن إلَّا إذا انهدم عليها اصطبل في وقت لو انتفع لم يصبها الهدم) لابد من تقييده بأن تكون العادة في ذلك الوقت جارية بالانتفاع بها كالنهار؛ للاحتراز عما إذا كان المعهود في تلك الحالة أن تكون تحت السقف كالليل في الشتاء .. فإنَّه لا يضمن، كما في "الروضة" وأصلها (¬2). قال السبكي: وهل هو ضمان جناية حتَّى لو لم تتلف لم يضمن، أو ضمان يد، فتصير مضمونة عليه؟ الأقرب: الثَّاني، قال: وهذه المسألة لم أرها إلَّا للقاضي حسين، وتبعه الإمام الغزالي، وللنظر فيها مجال، والمتجه: إن نسب في الربط إلى تفريط .. صار ضامناً ضمان يد، وإلا .. فلا، ولا يجعل تركه حقه من الانتفاع موجبًا للضمان، وأمَّا ضمان الجناية .. فضابطه: أن ينسب التلف إلى فعله. ولو عبر "الحاوي" بالانتفاع .. لشمل الحمل المذكور في "المنهاج" فإنَّه اقتصر على ذى الركوب. وظاهر إطلاق "التَّنبيه" عدم الضَّمان مطلقًا؛ لأنَّه لم يستثن هذه الصورة. 2873 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ولو تلف المال في يد أجير بلا تعد .. لم يضمن إن لم ينفرد باليد؛ بأن قعد المستأجر معه أو أحضره منزله) (¬3) يقتضي مشاركة الأخير للمالك في اليد في هاتين الصورتين، وكلام الأصحاب يقتضي أن اليد للمالك خاصة، ولا يد للأجير عليها، وهذا التنكيت على عبارة "المنهاج" خاصة. 2874 - قوله في تفسير المنفرد: (وهو: من أجر نفسه مدة معينهً لعملٍ) (¬4)، قال السبكي: ينبغي أن يكون قوله: (مدة معينة) مستغنى عنه وإن ذكره غيره؛ لأنَّ المأخذ كونه أوقع الإجارة على عينه، وقد يقدر بالعمل دون المدة كعكسه، وذكر في "المهمات": أن هذا التعريف ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 440). (¬2) فتح العزيز (6/ 146، 147)، الروضة (5/ 227). (¬3) انظر "التَّنبيه" (ص 125)، و "الحاوي" (ص 383)، و "المنهاج" (ص 312). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 312).

للمنفرد، وتعريف المشترك بأنه: من التزم عملًا في ذمته لا يؤخذ منهما الحكم في إجارة العين، بل تفسير المشترك يقتضي أنَّه منفرد، وتفسير المنفرد يقتضي أنَّه مشترك، ولم يظهر لي ما ذكره، بل تفسير المنفرد صريح في أن المراد به: إجارة العين. 2875 - قوله "الحاوي" [ص 384]: (ولا أَجْر لعملٍ دون شرطه) أعم من قوله "التَّنبيه" [ص 126]: (وإن أمر غسالاً يغسل ثوباً) وهو في الجعالة، ومن قوله "المنهاج" [ص 312]: (ولو دفع ثوبًا إلى قصارٍ ليقصره، أو خياطٍ ليخيطه) فتلك أمثلة، قال "الحاوي" [ص 384]: (لا إن دخل الحمام) أي: فإنَّه تجب عليه الإجرة، وإن لم يشترط شيئًا، وعلله الرافعي: بأن الداخل مستوف منفعة الحمام بسكونه، بخلاف بقية الصور؛ فإن صاحب المنفعة هو الصارف لها (¬1)، وقال في "الشَّرح الصَّغير": ينبغي أن يكون محله: ما إذا دخل بلا إذن الحمامي، فإن أذن .. فينبغي أن يكون كبقية المسائل، كما قالوا فيمن دخل سفينة بإذن صاحبها حتَّى أتى الساحل، واستثنى مع مسألة الحمامي مسائل أخرى: إحداها: عامل الزكاة؛ فإنَّه يستحق العوض وإن لم يسم، قال الرافعي: إن شاء الإمام بعثه ثم أعطاه أجرة، وإن شاء سمى له، وقال بعضهم. لا يحتاج إلى استثناء هذه المسألة؛ لأنَّ الأجرة ثابتة له بنص القرآن، فهي مسماة شرعًا وإن لم يسمها الإمام حين البعث. الثَّانية: عمل القسمة بأمر الحاكم .. فللقاسم الأجرة من غير تسمية، استثناه شيخنا ابن النقيب وغيره (¬2)، وقال في "التوشيح": هو كغيره ولا يستثنى، قال: وتقييد الرافعي الخلاف - فيما لو أمر الشركاء قاسماً ولم يذكروا أجرة كيف تُفَضّ - بما إذا قلنا: يجب أجرة المثل في مثل ذلك، إشارة إلى ما قلناه، وقوله بعده: إن الخلاف - يعني: في كيفية الفض - يجري فيما لو أمر القاضي قاسماً، فقسم قسمة إجبار؛ أي: وقلنا: يجب أجرة المثل في ذلك، واستغنى عن ذكره بتقدمه قُبَيْلَهُ وظهوره. الثَّالثة: عامل المساقاة إذا عمل ما ليس من أعمالها بإذن المالك .. استحق الأجرة، كما في "الروضة" وأصلها في بابها (¬3). 2876 - قوله "المنهاج" [ص 312]: (وقيل: إن كان معروفاً بذلك العمل .. فله، وإلا .. فلا، وقد يستحسن)، قال السبكي تفريعاً عليه: ينبغي إن كانت الأجرة معلومة بالعرف .. حمل العقد عليها، وكان العقد صحيحًا كالمعاطاة، وإلا .. فأجرة المثل، وكان فاسدًا. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (6/ 152). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 258). (¬3) فتح العزيز (6/ 70)، الروضة (5/ 160).

2877 - قوله: (فلو تعدى المستأجر؛ بأن ضرب الدابة ... إلى آخره) (¬1) أمثلة، وإن كانت العبارة تفهم أنَّه تقييد. 2878 - قوله: (أو أركبها أثقل منه) (¬2) لم يبين هل المستأجر في هذه الصورة ضامن قراراً أو طريقاً؟ والمنقول: أنَّه طريق إن كان الثَّاني عالماً، وقرارٌ إن كان غير عالم، ومحل الشق الثَّاني: ما إذا كانت يد الثَّاني لا تقتضي الضَّمان؛ كالمستأجر ونحوه، فإن كانت تقتضيه؛ كالمستعير .. فالقرار عليه، وإن كان غير عالم، كما أوضحوه في (الغصب). 2879 - قوله: (أو أسكن حداداً أو قصاراً) (¬3) أي: وهما أشد ضررًا مما استأجر له، ويرد على إطلاق "الحاوي" الضَّمان بالتعدي (¬4): ما إذا تعدى في الأرض فزرع، أو غرس غير المستحق حيث منعناه .. فإن الأصح من زيادة "الروضة": أنَّه لا يكون ضامنًا للأرض غاصباً لها، بل يضمن الأجرة فقط (¬5). 2880 - قوله: (وضمن أجر مثل ما زاد) (¬6) محله في الزائد على ما يقع التفاوت به بين الكيلين؛ فإن ذلك المقدار مغتفر، ولا يرد ذلك على قول "المنهاج" [ص 312]: (ولو اكترى لمئة فحمل مئة وعشرة .. لزمه أجرة المثل للزيادة) لأنَّ الزيادة في الصورة التي ذكرها فوق ما يقع التفاوت به بين الكيلين، فيعلم من تمثيله تقييد المسألة. 2881 - قوله: (وإن تلفت بذلك .. ضمنها إن لم يكن صاحبها معها) (¬7) لا يختص الضَّمان بأن تتلف بذلك؛ أي: بالحمل، فلو تلفت بسبب غيره .. ضمنها أيضاً؛ ولذلك قال "التَّنبيه" [ص 124]: (وإن حمل عليها أكثر مما شرط فتلفت وهي في يده .. ضمن قيمتها) فأطلق التلف، وهو المفهوم من إطلاق "الحاوي" الضَّمان بالتعدي (¬8)، ولابن كج احتمال أنَّه لا يضمن الكل، وقواه السبكي، وقال: تعديه بالزيادة لا باليد. 2882 - قول "التَّنبيه" [ص 124]: (وإن كان صاحبها معها .. ضمن نصف القيمة في أحد القولين، والقسط في الآخر) الثَّاني هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" و "الحاوي" (¬9). ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 312). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 312). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 312). (¬4) الحاوي (ص 383). (¬5) الروضة (5/ 218). (¬6) انظر "الحاوي" (ص 383، 384). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 312). (¬8) الحاوي (ص 383). (¬9) الحاوي (ص 384)، المنهاج (ص 312).

فصل [فيما يفسخ الإجارة]

2883 - قول "التَّنبيه" [ص 126]: (وإن دفع إليه ثوبًا فقطعه قميصاً، فقال صاحب الثوب: "أمرتك أن تقطعه قباء فعليك الأرش"، وقال الخياط: "بل أمرتني بقميص فعليك الأجرة" .. تحالفاً على ظاهر المذهب) الأظهر كما قال في "المنهاج" [ص 313]: (تصديق المالك بيمينه، ولا أجرة عليه، وعلى الخياط أرش النقص) وعليه مشى "الحاوي" (¬1)، ولو عبر "المنهاج" بالمذهب .. لكان أولى؛ ففي المسألة خمسة طرق، لكن أصحها: طريقة القولين، فمشى عليه "المنهاج"، ولم يبين "المنهاج" و "الحاوي" الأرش، وفيه وجهان بلا ترجيح في "الروضة" (¬2): أحدهما: ما بين قيمته مقطوعاً وصحيحاً، صحَّحه ابن أبي عصرون، وصححه أيضاً في "المهمات"، وحكاه عن تصحيح الإمام. والثَّاني: ما بين قيمته مقطوعاً قميصاً ومقطوعاً قباء، واختاره السبكي، وقال: لا يتجه غيره؛ لأنَّ أصل القطع مأذون فيه. 2884 - قول "التَّنبيه" تفريعاً على التحالف [ص 126]: (وهل يلزمه أرش النقص؟ فيه قولان) أصحهما: لا. وأعلم: أن شيخنا في "المهمات" رجح طريقة القطع بالتحالف، فقال: إنَّها الصواب نقلًا واستدلالاً، ثم بسط ذلك، ونبه أيضاً على أن محله: عند الاتفاق على عقد، وإن كان كلام الرافعي والنووي يقتضي خلافه. فصلٌ [فيما يفسخ الإجارة] 2885 - قول "المنهاج" [ص 313]: (لا تنفسخ إجارة بعذر) قد يفهم ثبوت الخيار للمعذور، وليس كذلك، فلو قال: (لا تفسخ) .. لكان أولى، كما فعل "الحاوي" حيث قال عطفًا على ما لا يثبت فيه الخيار [ص 386]: (أو ظهر للعاقد عذر)، وهو أحسن من جهة أخرى، وهي أن تعبيره بالعاقد يتناول المستأجر والمؤجر، فهو أعم من قول "المنهاج" في الأمثلة [ص 313]: (ومرض مستأجر دابةٍ لسفرِ) فإن مرض المؤجر فيما إذا كانت غير معينة كذلك، فإنَّه يتعذَّر خروجه معها، وهو من أعمال الإجارة، لكن عبارة "المنهاج" أولاً شاملة، ولا يضر خصوص المثال. 2886 - قول "المنهاج" [ص 313]: (وسفرٍ) مقتضى كلام السبكي ضبطه بإسكان الفاء؛ فإنَّه شرحه ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 384، 385). (¬2) الروضة (5/ 237).

بما إذا استأجر دابة ليسافر عليها، ولا بد من رفقة، وهم السَّفر؛ أي: المسافرون، فتعذر خروجهم. 2887 - قول "التَّنبيه" [ص 124]: (فإن تلفت العين المستأجرة) أعم من قول "المنهاج" [ص 313]: (وتنفسخ بموت الدابة والأجير المعينين)، ومن قول "الحاوي" [ص 385]: (وبتلف معين الدابة والأجير تنفسخ). 2888 - قول "التَّنبيه" [ص 124]: (انفسخت الإجارة فيما بقي دون ما مضى، وقيل: فيما مضى قولان) رجح فيما مضى طريقة القطع بعدم الانفساخ، وحكاها في "الكفاية" عن الأكثرين، وصححها الروياني وغيره، وهو مقتضى كلام "الروضة" وأصلها؛ حيث قالا: إن فيه الطريقين فيمن اشترى عبدين، فقبض أحدهما وتلف الآخر قبل قبضه .. هل ينفسخ في المقبوض؟ والأصح في (باب تفريق الصفقة): القطع بعدم الانفساخ (¬1)، لكن مشى "المنهاج" على طريقة القولين، فقال [ص 313]: (لا الماضي في الأظهر). ومحل عدم الانفساخ في الماضي إمَّا قطعًا أو على الأظهر: أن يكون التلف بعد القبض بمدة لها أجرة، فإن كان قبله أو بعده بمدة ليس لها أجرة .. انفسخ في الكل، وإذا قلنا بعدم الانفساخ .. فليس له الفسخ أيضاً، كما صحَّحه في "الشَّرح الصَّغير". 2889 - قول "التَّنبيه" [ص 124]: (فإن فسخ .. لزمه أجرة ما مضى) لا يخفى أن محله: أن يكون لمثله أجرة، والواجب أجرة المثل إن قلنا: يرتفع من أصله، والقسط من المسمى إن قلنا: من حينه، والمراد بالعيب هنا: ما يؤثر في المنفعة تأثيراً يظهر به تفاوت الأجرة دون ما يظهر به تفاوت الرقبة. 2890 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ولا ينفسخ بموت العاقدين) (¬2) قد يستثنى منه: ما إذا أوصى بداره لزيد مدة عمر زيد، فقبل الوصيَّة، وأجرها زيد، ثم مات في خلالها .. فإن الإجارة تنفسخ، وعند التحقيق لا حاجة إلى استثنائها؛ فإنَّها لم تنفسخ لأجل موت العاقد، بل لانتهاء حقه بموته، كما سيأتي في موت البطن الأوَّل. وأعلم: أن هذه الصورة هي في "الروضة" كما ذكرته (¬3)، وفيها إشكال؛ لأنَّها وصية على صورة العمرى، وحكمها حكم العمرى في الحياة حتَّى تتأبد وتورث عنه ولا تعود إلى ورثة المعمر، وعبر عنها الرافعي: بأن يوصي بمنفعة داره (¬4)، وفيها نظر أيضاً؛ فإنَّها إباحة لا تمليك، فتمتنع إجارتها كما ذكروه في (الوصيَّة). ¬

_ (¬1) فتح العزيز (6/ 162)، الروضة (5/ 240). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 125)، و "الحاوي" (ص 385)، و "المنهاج" (ص 313). (¬3) الروضة (5/ 245). (¬4) انظر "فتح العزيز" (6/ 174).

2891 - قول "المنهاج" [ص 313]: (ومتولِّي الوقف) يستثنى منه: ما إذا كان متولي الوقف هو المستحق له، وأجر بدون أجرة المثل - فإنهم صرحوا بأنه يجوز له ذلك - ومات في أثناء المدة .. فقال ابن الرفعة: يظهر فيه الجزم بالانفساخ. 2892 - قوله - والعبارة له - و "الحاوي": (ولو أجر البطن الأوَّل مدة ومات قبل تمامها .. فالأصح: انفساخها) (¬1) استشكل تصويرها؛ لأنَّ البطن الأوَّل إن شرط له نظر .. فهو متول، وقد سبق أنَّه لا تنفسخ بموته، وإلا .. فلا نظر له إلَّا على قول ضعيف يبعد تفريع المسألة عليه، وصورها ابن الصباغ بأن يكون شرط النظر لكل بطن في حصته، فلا يتعلق بما بعده، لكنَّه استشكل؛ لأنَّه يصير حينئذ كإجارة الصبي المذكورة بعدُ، ويلغو الفرق بينهما، مع أن الأصح: خلافه، واختار السبكي أنَّه ينفسخ إذا أجر بحكم الملك، أو شرط النظر له في حصته فقط، فإن أطلق النظر للموقوف عليه، واقتضى الحال نظر كل في زمنه .. لم ينفسخ؛ لأنَّها صحت بنظر شامل، فلا تبطل بنظر ثان. 2893 - قول "المنهاج" [ص 313]: (فيما لو أجر الولي صبياً مدة لا يبلغ فيها بالسن فبلغ بالاحتلام .. أن الأصح: عدم الانفساخ)، تبع فيه "المحرر" (¬2)، وعليه مشى "الحاوي" بقوله [ص 385]: (وبلوغ الاحتلام) وليس معطوفًا على الذي قبله، وهو موت البطن الأوَّل؛ فإنَّه استثناء من نفي، فهو مثبت؛ أي: يثبت الانفساخ، وإنَّما هو معطوف على المنفي أولاً، وهو قوله: (لا بموت العاقد) (¬3) كذا قرره من تكلم عليه، وفي فهم ذلك منه عسر، ونقل الرافعي تصحيح عدم الانفساخ عن صاحب "المهذب" والروياني، وتصحيح الانفساخ عن الإمام والمتولي، ولم يذكر من عنده ترجيحاً (¬4)، فزاد في "الروضة": صحح الرافعي في "المحرر" الثَّاني (¬5)، أي: وهو الانفساخ، وليس كما قال، وإنَّما صحح: عدم الانفساخ، كما مشى عليه "المنهاج"، وينبغي أن تكون صورة المسألة: أنَّه بلغ رشيداً، فلو بلغ سفيهاً .. فهو كالصبي في استمرار الولاية. قال شيخنا ابن النقيب: كذا يظهر، ولم أر من قيد به (¬6)، واستبعد جماعة التعبير بالانفساخ؛ ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 385)، و "المنهاج" (ص 313). (¬2) المحرر (ص 235). (¬3) الحاوي (ص 385). (¬4) انظر "المهذب" (1/ 407)، و "فتح العزيز" (6/ 179). (¬5) الروضة (5/ 250). (¬6) قال في "حاشية الرملي" (2/ 433): (وهو عجيب! قال الأذرعي: قيده الماوردي بما إذا بلغ رشيداً، وهو قضية كلام القضاة الطبري والحسين والروياني، فإن بلغ سفيهًا .. استمرت. اهـ، وقيده ابن الرفعة في "المطلب" و "الكفاية" ببلوغه رشيداً، وهو ظاهر).

لأنَّه يشعر بسبق الانعقاد، وقالوا: الخلاف في تبيّن البطلان لظهور تصرفه في غير ملكه؛ فإنَّه قيل به .. فهو من التَّفريق في الابتداء، وإن قيل بعبارة الجمهور .. فهو من التَّفريق في الدوام، والله أعلم (¬1). 2894 - قول "التَّنبيه" [ص 124]: (وإن كانت دارًا فانهدمت، أو أرضًا فانقطع ماؤها .. ففيه قولان، أحدهما: ينفسخ، والثَّاني: لا ينفسخ، بل يثبت له خيار الفسخ) الأصح: أنَّها تنفسخ في الأولى دون الثَّانية، وعليه مشى "الحاوي" و "المنهاج" (¬2)، لكنَّه عطفه على ما عبر فيه بالأصح، فاقتضى أن الخلاف وجهان، وليس كذلك؛ فإن النَّصُّ في الأولى الانفساخ، وفي الثَّانية الخيار، فقيل: بتقرير النصين، وقيل: بالقطع فيهما بالخيار، وقيل: بطريقة التخريج، لكن الأظهر من القولين في كل مسألة: ما نص عليه، وهي الطريقة المصححة، وهو مشكل، فإنه إن ظهر الفرق .. فكيف يخرج؟ وإن لم يظهر واحتيج للتخريج .. فكيف يرجح مقتضى النَّصُّ؟ ، وقد وقع لهذا في كلام الرافعي والنووي نظائر، وفيها هذا الإشكال، وعلى كل حال: فكان ينبغي التعبير بالمذهب أو بالأظهر إن اقتصر على طريقة القولين. لكن قد يجاب عنه: بأن الطرق قد يسلك بها مسلك الأوجه كثيرًا، فإنَّها من تصرف الأصحاب. ولو هدمها المستأجر .. كان الحكم كذلك، صرح به البغوي، وأمَّا قول الرافعي والنووي في (النكاح): إن المستأجر لو خرب الدار ثبت له الخيار (¬3) .. فالمراد به: تخريب يحصل به تعييب لا هدم كامل، ومحل ثبوت الخيار في الثَّانية: ما إذا لم يبادر المؤجر لسوق ماء إليها، فإن بادر به .. سقط الخيار؟ ؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 385]: (لا إن بادر التدارك)، لكن عبارة "الروضة" وأصلها: فإن قال المؤجر: (أنا أسوق الماء إليها) .. سقط الخيار (¬4)، ومقتضى هذا اللفظ: الاكتفاء بالوعد بذلك، وهو بعيد كما قال السبكي، قال: وقطع الماوردي ببقاء الخيار عند مجرد الوعد. قلت: لم يرد الرافعي والنووي الاكتفاء بالوعد الذي ليس بمنجز، فقد قالا قبله: وإنَّما يثبت الخيار إذا امتنعت الزراعة، وبعده: كما لو بادر إلى إصلاح الدار، ومن المعلوم أن الوعد بالإنجاز تمتنع معه الزراعة، وليس كالمبادرة إلى إصلاح الدار. ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 265). (¬2) الحاوي (ص 385)، المنهاج (ص 313). (¬3) انظر "فتح العزيز" (8/ 137)، و "الروضة" (7/ 179). (¬4) فتح العزيز (6/ 170)، الروضة (5/ 242).

2895 - قول "المنهاج" [ص 313]: (وغصب الدابة وإباق العبد يُثبت الخيار) لا يخفى أن ذكر الدابة والعبد مثال، ولذلك قال "الحاوي" [ص 385]: (أو غُصب أو أبق) أي: أيَّ مؤجر كان، ثم فيه أمور: أحدها: لا يخفى أن صورة المسألة في إجارة العين، فإن كان في إجارة الذمة .. فعلى المؤجر الإبدال، فإن امتنع .. استؤجر عليه. ثانيها: أن محله: ما إذا لم يبادر المؤجر إلى الانتزاع من الغاصب وإحضار الآبق، فإن بادر لذلك ولم تتعطل عليه منفعة .. سقط خياره كما سبق في نظيره. ثالثها: أن محله: في غصب أجنبي، فلو غصبها المالك، إمَّا بعد القبض، أو بامتناعه من الإقباض الواجب .. فقيل: كالأجنبي، وقيل: ينفسخ قطعًا. رابعها: أن محله: ما إذا لم يستمر الغصب والإباق حتَّى انقضت المدة، فإن كان كذلك .. فسنذكره بعد. 2896 - قول "التَّنبيه" [ص 124]: (وإن غصبت العين حتَّى انقضت المدة .. فهو كالمبيع إذا تلف قبل القبض، وقد بيناه في البيع)، قال النووي في "التحرير": وقوله: (أتلف) كذا صوابه بالألف، وحذفها خطأٌ يتغير به حكم المسألة، فاحذره (¬1). قلت: لأنَّ تلف المبيع قبل القبض بآفة ينفسخ به البيع قطعًا، وإتلاف أجنبي له فيه خلاف، هل ينفسخ به البيع، أو يثبت للمشتري الخيار؟ وقد ذكر هو في "أصل الروضة" في هذه الصورة أنَّها مبنية على الخلاف في إتلاف الأجنبي، لكنَّه قال بعده: إن الذي نص عليه الشَّافعي والأصحاب: انفساخ الإجارة وإن كان البناء المذكور يقتضي ترجيح عدم الانفساخ، لكن المذهب: الانفساخ. انتهى (¬2). وحينئذ .. يتجه تشبيهها بالتلف لا بالإتلاف، ومن العجب جزم الرافعي والنووي بالبناء مع قولهما: إن الشَّافعي والأصحاب على خلافه، وفرق القاضي حسين بين الإجارة والبيع بفرق ذكره الرافعي في نظيره، وهو: أن المعقود عليه في البيع المال، وهو واجب على الجاني، فيتعدى العقد من العين إلى بدلها، بخلاف الإجارة؛ فإن المعقود عليه فيها المنفعة، وهي غير واجبة على متلفها، إنَّما الواجب المال، فلم يتعد العقد من المنفعة إلى بدلها، وقد يؤخذ من إطلاق "المنهاج" و "الحاوي" ثبوت الخيار خاصة (¬3)، لكن الحق: أنَّهما مسألتان: مطلق الغصب، ¬

_ (¬1) تحرير ألفاظ التَّنبيه (ص 224). (¬2) فتح العزيز (6/ 171)، الروضة (5/ 242، 243). (¬3) الحاوي (ص 385)، المنهاج (ص 313).

وهي التي تكلما عليها، واستمراره إلى فراغ المدة، وهي التي في "التَّنبيه" (¬1)، لكن كلام السبكي يقتضي دخول مسألة استمرار الغصب إلى آخر المدة في كلام "المنهاج" فإنَّه ذكر مسألة: ما لو كان الغاصب حربيًا أو أبق العبد أو غرقت الأرض في المدة كلها، وقال: يقطع فيها بالانفساخ، ولا وجه للخيار، قال: وممن ذكر مسألة الإباق القاضي أبو الطَّيِّب، ولم أر من قال فيها بالخيار؛ فلذلك أشكل إطلاق "المنهاج"، فيحمل على ما إذا لم تنقص المدة، والظاهر: أنَّه أراد: مسألة الغصب، ومشى فيها على مقتضى البناء، ولفَّ معها مسألة الإباق، فحصل الخلل. انتهى. 2897 - قول "المنهاج" [ص 314]: (ولو أكرى جمالاً وهرب وتركها عند المكتري .. راجع القاضي ليمونها من مال الجمَّال، فإن لم يجد له مالاً .. اقترض عليه، وله أن يبيع منها قدر النفقة) ظاهره: أنَّه عند فقد مال له غير بين الفرض عليه وبين بيع جزء منها بقدر النفقة، وعبارة "الروضة" تقتضي أن بيع جزء منها إنَّما يكون عند تعذر الفرض، فإنَّه قال بعد ذكر الاستقراض: وإذا لم يجد مالاً آخر .. باع منها بقدر الحاجة؛ لينفق عليها من ثمنه (¬2)، وصرح بذلك شيخنا ابن النقيب، فقال: ومحله - أي: البيع منها - إذا تعذر الفرض (¬3)، وعبارة "التَّنبيه" [ص 125]: (وإن هرب الجمَّال وترك الجمَال وفيها فضل .. بيع ما فضل وأنفق عليها، وإن لم يكن فيها فضل .. اقترض عليه)، ففصل بين أن يكون فيها فضل عن حاجة المستأجر .. فمقدم بيع الفاضل على الفرض، وبين أن يكون بقدر حاجة المستأجر .. فيقترض حينئذ، وهو تفصيل حسن، وينبغي أن يكون إطلاق الرافعي والنووي محمولاً عليه؛ ولعلّه مفهوم من قول "المنهاج" [ص 314]: (فإن لم يجد له مالاً) فإنَّه إذا كان فيها زيادة على حاجة المستأجر .. فقد وجد له مالاً لا تعلق لأحد به، وظاهر كلام "التَّنبيه" أنَّه إذا لم يكن فيها فضل .. يتعين الفرض ولا يباع بعضها، وهو مقتضى كلام "الروضة" كما قدمته (¬4)، ولا يفهم ذلك من عبارة "المنهاج"، وسكت "التَّنبيه" عما إذا لم يكن فيها فضل وتعذر الفرض، والحكم فيها: بيع بعضها بقدر الحاجة، كما اقتضاه إطلاق الرافعي والنووي، وهو موضع ضرورة لا بد منه، وأبهم "التَّنبيه" البائع والمقترض، وهو الحاكم، كما ذكره "المنهاج". وقوله: (وأنفق عليها) (¬5) وقول "المنهاج" [ص 314]: (ليمونها) لا يفهم النفقة على ¬

_ (¬1) التَّنبيه (ص 124). (¬2) الروضة (5/ 246). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 269). (¬4) الروضة (5/ 246). (¬5) انظر "التَّنبيه" (ص 125).

متعهدها، وقد صرح في "الروضة" وأصلها بنفقة المتعهد لها (¬1)، ولا بد منها، وينبغي أن يحمل قول "التَّنبيه" [ص 125]: (بيع ما فضل) على قدر حاجة النفقة كما صرح به "المنهاج" (¬2) فقد يكون الفاضل عن حاجة المستأجر زائدًا على حاجة النفقة، فلا معنى لبيع الزائد، فيقيد كلام كل منهما بكلام الآخر. وأعلم: أن المسألة في أعم من أن تكون الجمال معينة أو في الذمة، وعبارة "التَّنبيه" و "المنهاج" لا تنافي ذلك. 2898 - قول "التَّنبيه" [ص 125]: (ويقبل قوله في النفقة بالمعروف) هو معنى قول النووي في "الروضة" من زيادته: قال أصحابنا: إنَّما يقبل إذا ادعى نفقة مثله في العادة. انتهى (¬3). فالمعروف هو المعتاد استدركه على إطلاق الرافعي تصحيح تصديق المنفق. 2899 - قوله: (وإن لم يكن حاكم فأنفق وأشهد .. رجع) (¬4) لابد مع ذلك من شرط الرجوع، وقد سبق في نظيره من المساقاة، قال الإمام: ولو كان هناك حاكم وعَسُر إثبات الواقعة عنده .. فهو كما لو لم يكن حاكم، وإذا أثبتنا الرجوع في النفقة بغير حاكم .. فالقول في قدرها قول الجمال، وفيه احتمال للإمام (¬5). 2900 - قول "التَّنبيه" [ص 125]: (وإن هرب المكري والعقد على منفعة) كذا في أكثر النسخ، وفي بعضها: (على منفعته)، وعلى الأوَّل يحتاج أن يقدر معه: (وغيَّبَ ما تستوفى منه المنفعة) فإن مجرد الهرب لا يثبت شيئًا، واحترز بالمنفعة عما إذا قدر بالمدة، وقد ذكره بعد ذلك، قاله في "الكفاية"، وفيه نظر. وقيل: احترز عما إذا كانت على عين معينة. ورد: بأنه أيضاً على منفعة تلك العين. وقيل: عما إذا كانت على عمل. ورد: بأنه منفعة أيضاً، وقيل: المراد على منفعة له، فهو بمعنى قوله في النسخة الأخرى: (على منفعته). 2901 - قوله فيما إذا كانت الإجارة على عمل في الذمة: (ولا تستقر الأجرة في هذه الإجارة إلَّا ¬

_ (¬1) فتح العزيز (6/ 174)، الروضة (5/ 246). (¬2) المنهاج (ص 314). (¬3) الروضة (5/ 246). (¬4) انظر "التَّنبيه" (ص 125). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (8/ 154).

بالعمل) (¬1)، الأصح عند الرافعي والنووي: خلافه (¬2)، ولذلك قال "المنهاج" [ص 314]: (ومتى قبض المكتري الدابة أو الدار وأمسكها حتَّى مضت مدة الإجارة .. استقرت الأجرة وإن لم ينتفع، وكذا لو اكترى دابة لركوب إلى موضع وقبضها ومضت مدة إمكان السير إليه، وسواءٌ فيه إجارة العين والذمة إذا سلم الدابة الموصوفة) انتهى. فسوى بين إجارة العين والذمة سواء قدّرت بعمل أو زمان، وعليه مشى "الحاوي"، وقال ابن الرفعة: ويمكن حمل كلام "التَّنبيه" على ما إذا اعتمد العقد العمل، وكلام غيره على ما إذا اعتمد الدابة (¬3)، أي: والصورة فيهما ورود العقد على الذمة وتقديره بعمل، فقال في الأوَّل: ألزمت ذمتك حملي إلى مكّة على دابة صفتها كذا وكذا، وقال في الثَّاني: استأجرت منك دابة صفتها كذا وكذا تحملني عليها إلى مكّة. 2902 - قول "المنهاج" [ص 314]: (وتستقر في الإجارة الفاسدة أجرة المثل بما يستقر به المسمى في الصحيحة) هو مثل قول "التَّنبيه" [ص 124]: (فإن كانت الإجارة فاسدة .. استقرت أجرة المثل) بعد قوله: (إن الأجرة تستقر بتسليم العين سواء قدرت بمدة أو عمل) (¬4) ويرد على إطلاقهما التخلية؛ فإنها قبض للعقار في الصحيحة دون الفاسدة، وكذا الوضع بين يديه يكفي في الصحيحة دون الفاسدة. وأعلم: أن عرض المؤجر وامتناع المستأجر من التسليم إلى انقضاء المدة والزمان تستقر به الأجرة في الصحيحة كالتسلم، وقد يؤخذ هذا من قول "التَّنبيه" [ص 124]: (فسلم العين) فإنَّه اعتبر التسليم الذي هو فعل المؤجر دون التسلم الذي هو فعل المستأجر، ولا يفهم ذلك من "المنهاج" فإنَّه اعتبر القبض، ولا يكتفى بالعرض في الفاسدة، ذكره صاحب "البيان" (¬5). 2903 - قول "المنهاج" [ص 314]: (ولو أجر عبده ثم أعتقه .. فالأصح: أنَّه لا تنفسخ الإجارة)، قد يتوهم أن الحكم كذلك فيما لو أجر أم ولده ثم عتقت بموته، وهو الذي في "الروضة" وأصلها في (الوقف) عن المتولي في أثناء تعليل (¬6)، لكن في "أصل الروضة" هنا: ¬

_ (¬1) انظر "التَّنبيه" (ص 126). (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 175)، و "الروضة" (5/ 247). (¬3) في حاشية (ج): (قال في "هادي النبيه" تبعاً للنشائي: قلت: الرافعي صرح في القسمين بالاستقرر، فلا يتأتى الحمل المذكور). (¬4) التَّنبيه (ص 124). (¬5) البيان (7/ 334). (¬6) فتح العزيز (6/ 252)، الروضة (5/ 315).

أنَّه على الخلاف فيما لو أجر البطن الأوَّل الوقف ثم مات، قال: وكذا الحكم في إجارة المعلق عتقه بصفة (¬1). قلت: مقتضى هذا البناء: تصحيح انفساخ الإجارة، وقد تخرج الصورتان بقول "المنهاج" [ص 314]: (أعتقه) فإنَّه لم ينشئ فيهما بعد الإجارة عتقًا. 2904 - قوله: (والأظهر: أنَّه لا يرجع على سيده بأجرة ما بعد العتق) (¬2) لم يبين في "المحرر" هل الخلاف قولان أو وجهان (¬3)، وتردد في ذلك في "الشَّرح الكبير" (¬4)، ورجح في "الصَّغير": أنَّه وجهان، فتعبير "المنهاج" بالأظهر يخالفه. 2905 - قول "التَّنبيه" في هذه الصورة [ص 125]: (ويلزم المولى للعبد أقل الأمرين من أجرته ونفقته) قال في "الكفاية": هذا الوجه على هذا النعت لم أره فيما وقفت عليه. قلت: هو الأصح من زيادة "الروضة" تفريعًا على الضعيف، فإنا إذا قلنا بالأظهر: أنَّه لا يرجع على سيده بأجرة ما بعد العتق .. فالأصح: أن نفقته في بيت المال، والثَّاني: أنَّها على سيده، قال في "الروضة": فإن قلنا: إنَّها على السيد .. فوجهان: أحدهما: تجب بالغة ما بلغت، وأصحهما: تجب بأقل الأمرين من أجرة مثله وكفايته (¬5). فهذا فرع مترتب على عدم الرجوع عليه بالأجرة، فهما مسألتان تكلم "المنهاج" في إحداهما، وهي: الرجوع بالأجرة، و "التَّنبيه" على الأخرى، وهي: المطالبة بالنفقة، وشملهما معًا بالنفي قول "الحاوي" [ص 385]: (بلا خيار ورجوع) وهذا الذي ذكرناه في نفي الأجرة إنَّما هو في إنشاء العتق، فلو أقر بعتق سابق على الإجارة .. عتق، ولا يقبل قوله في فسخها، ويغرم للعبد أجرة مثله، ذكره في "أصل الروضة" عن الشَّيخ أبي على استطراداً قبيل الصداق في اختلاف الزوجين في النكاح (¬6). 2906 - قول "المنهاج" [ص 314]: (ويصح بيع المستأجرة للمكتري، ولا تنفسخ الإجارة في الأصح) الخلاف راجع إلى الانفساخ، أما البيع: فصحيح قطعاً، كما في "أصل الروضة" (¬7)، وسبقه إليه القفال في "شرح الفروع". ¬

_ (¬1) الروضة (5/ 252). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 314). (¬3) المحرر (ص 235). (¬4) فتح العزيز (6/ 180). (¬5) الروضة (5/ 251). (¬6) الروضة (7/ 244). (¬7) الروضة (5/ 252).

قال شيخنا ابن النقيب: وقوله في "الوسيط": فالظاهر: الصحة ليس خلافًا في الصحة، بل في انفساخ الإجارة، وهو ظاهر من قوله بعده: وفي وجه تنفسخ الإجارة. انتهى (¬1). ونازع في "المهمات" في دعوى القطع، وقال: لم يذكره الرافعي، وتمسك بعبارة "الوسيط"، وقال: إنَّها تشعر إشعاراً ظاهرًا بجريان الخلاف، وصرح به محمَّد بن يَحْيَى في "المحيط" وأبو الخير بن جماعة المقدسي في "شرح المفتاح". 2907 - قول "التَّنبيه" [ص 125]: (وإن باع من غيره .. لم يصح في أحد القولين، ويصح في الآخر) الأظهر: الصحة، وعليه مشى "المنهاج" و "الحاوي" وهي مذكورة فيه في أوائل البيع، قال هناك: (وإن أوجر) (¬2)، ويستثنى من جريان الخلاف مسائل: إحداها: إذا هرب الجمَّال وترك الجمَال المستأجرة .. فإنَّه يباع منها بقدر الحاجة؛ لينفق عليها من ثمنه كما تقدم، قال الرافعي: ولا يُخَرَّج على الخلاف في بيع المستأجر؛ لأنَّه محل ضرورة (¬3). الثَّانية: إذا كان البيع في ضمن عتق، كما لو قال: أعتق عبدك عني على كذا، فأعتقه عنه وهو مستأجر .. فإنه يصح قطعًا؛ لقوة العتق، حكاه الرافعي في آواخر (العتق) عن "فتاوى القفال"، وارتضاه (¬4). الثَّالثة: قال شيخنا الإمام البلقيني: ينبغي أن يضاف إلى ما استثنى: ما إذا أذن لعبده في النكاح، فنكح ثم التزم العبد عملاً في الذمة .. ففي "أصل الروضة" في نكاح العبد: أن المتولي قال: المذهب: جواز الالتزام؛ لأنَّه دين في الذمة لا يمنع البيع. انتهى (¬5). ويرد على إطلاق الصحة: أن محلها: ما إذا كانت الإجارة مقدرة بمدة، فإن قدرت بعمل؛ كما لو استأجر دابة لركوب إلى بلد كذا .. فذكر أبو الفرج الزاز في "تعليقه" في هذا المثال: أن البيع ممتنع قولًا واحدًا؛ لجهالة مدة المسير، حكاه عنه شيخنا الإمام البلقيني، ثم قال: وأكثر المصنفين اقتصروا على ما ذكر المصنف، ويتفرع على بيع المستأجر قسمته، فلو ملك نصف دار، فأجره، ثم تقاسم المؤجر والشريك .. قال شيخنا الإمام البلقيني: لم أقف فيها على نقل صريح، وفي "فتاوى القاضي حسين" ما يدل عليها، والذي يظهر الصحة من غير رضا المستأجر إن قلنا: ¬

_ (¬1) السراج على نكت المنهاج (4/ 272)، وانظر الوسيط (4/ 206). (¬2) الحاوي (ص 261)، المنهاج (ص 314). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 174). (¬4) انظر "فتح العزيز" (13/ 404). (¬5) الروضة (7/ 224).

القسمة إفراز، وينحصر حقه فيما أفرز، وإن قلنا: بيع - وصححناه، وهو الأصح - .. لم ينحصر حق المستأجر فيما صار لآجره بالقسمة، بل يبقى استحقاقه مشاعاً. 2908 - قول "التَّنبيه" في المكتري يكري ما اكتراه قبل القبض [ص 124]: (يجوز من المكري في أصح القولين) مقتضى كلام الرافعي: تصحيح المنع؛ فإنَّه قال: فيه وجهان كالبيع من البائع (¬1)، ومقتضى التشبيه البطلان، وحكى بعد هذا عن البغوي أنَّه قال: فيه وجهان، الأصح: الجواز إن جرى بعد القبض (¬2)، فمفهومه تصحيح المنع قبله، لكن خالفه النووي في الموضع الأوَّل، فقال من زيادته: الأصح: صحة إجارته للمؤجر (¬3)، ثم إن الرافعي والنووي في الموضعين نقلاً الخلاف وجهين، وحكاه الشَّيخ قولين. 2909 - قوله: (وإن أجرها من المستأجر .. جاز في أظهر القولين) (¬4) رجح الرافعي أن الخلاف وجهان (¬5). 2910 - قوله: (وإن انقضت مدة الإجارة وفي الأرض زرع لم يكن بتفريط من المستأجر .. فقد قيل: يجوز إجباره على قلعه، وقيل: لا يجوز) (¬6) الأصح: أنَّه لا يجوز، ويلزمه أجرة المثل لما زاد، ومحل هذا: إذا استأجر للزراعة مطلقًا وجوزناه، وهو الأصح، فإن عُيّن ما لا يُستَحصد في تلك المدة .. صح إن شرط القلع بعد مضي المدة، وكذا إن أطلق في الأصح، والأصح: وجوب إبقائه بأجرة المثل، وإن شرط الإبقاء .. فسد للتناقض. 2911 - قوله: (وإن مات الأجير في الحج عنه، أو أحصر قبل الإحرام .. لم يستحق شيئًا من الأجرة، كان كان بعد الفراغ من الأركان .. استحق الأجرة، وعليه دم لما بقي) (¬7) أعلم أولاً: أن صورة المسألة: أن يرد العقد على عينه، فإن ورد على ذمته .. فالإجارة مستمرة في الأحوال كلها، وقول صاحب "التوشيح": (إن الكلام فيما إذا كانت في الذمة) غلط، والأصح: فيما إذا مات بعد فراغ الأركان وقد بقي عليه شيء من الأعمال كالرمي والمبيت: أن الإجارة تنفسخ فيما بقي، ويرد من الأجرة بقسط ذلك. وقال شيخنا الإسنوي في "التنقيح": إن كانت الإجارة على العين .. انفسخت فيما بقي، ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (6/ 188). (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 189، 190). (¬3) انظر "الروضة" (5/ 256). (¬4) انظر "التَّنبيه" (ص 125). (¬5) انظر "فتح العزيز" (6/ 189). (¬6) انظر "التَّنبيه" (ص 126). (¬7) انظر "التَّنبيه" (ص 125).

ووجب رد قسطه من الأجرة، ثم يستأجر المستأجر من يفعل عنه، وإن كانت على الذمة .. لم ينفسخ، بل يستأجر من تركته من يقوم بما التزمه، فلا يستقيم حمل كلام الشَّيخ على الذمة، ولا على العين. قلت: قد عرفت أن صورة المسألة في إجارة العين، وما ذكره الشَّيخ وجه، لكن عبر عنه شيخنا في "تصحيحه" بالصواب (¬1)، فاقتضى إنكار هذا الوجه، وليس بمنكر، فهو موجود مشهور. 2912 - قوله: (وإن مات وقد بقي عليه بعض الأركان .. استحق من الأجرة بقدر ما عمل) (¬2) ظاهره أن التوزيع على العمل فقط، وهو قول صحَّحه ابن يونس، لكن الذي صحَّحه الرافعي والنووي: أنَّه يوزع عليه وعلى السير (¬3)، وقال شيخنا الإسنوي في "تصحيحه": الصواب فيما إذا مات الأجير في أثناء الحج: أنَّه إن كانت الإجارة على العين .. انفسخت، ولا شيء له. انتهى (¬4). وهو مردود؛ فالصحيح: أنَّه يستحق بالقسط، والخلاف في ذلك، والتصحيح في "الروضة" وغيرها (¬5). * * * ¬

_ (¬1) تذكرة النبيه (3/ 188). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 125). (¬3) انظر "فتح العزيز" (3/ 317)، و "الروضة" (3/ 31). (¬4) تذكرة النبيه (3/ 188). (¬5) الروضة (3/ 31).

كتاب إحياء الموات

كتابُ إحياء المَوات 2913 - زاد "التنبيه" [ص 129]: (وتملك المباحات) ولم يذكره "المنهاج" و"الحاوي" كأنهما رأيا أن ما ذكر من ذلك. . فهو على طريق التبع. 2914 - قول "التنبيه" [ص 129]: (من جاز أن يملك الأموال. . جاز أن يملك الموات بالإحياء) يدخل فيه الصبي والمجنون، وبه صرح الماوردي (¬1)، ولهذا قال في "الكفاية": أي: من مكلف وغيره، وكلام القاضي أبي الطيب يفهم المنع في الصبي والمجنون، واختار السبكي الجواز في المميز والمجنون الذي له إفاقة، قال: لكني رأيت في نسخة من "التنبيه" بخط النووي: (من جاز أن يتملك)، والصبي والمجنون يملكان، ولا يتملكان. انتهى. وخرج بقيد الملك العبد؛ فإنه لا يملك على الجديد، فما أحياه لا يملكه، وإنما يملكه سيده، وأطلق "المنهاج" و"الحاوي" تملك المسلم (¬2)، فدخل فيه الصبي والمجنون والعبد أيضًا، وكأنهما لم يحتاجا إلى إخراج العبد؛ لما تقرر من عدم ملكه، وعبر "التنبيه" بالموات (¬3)، وعبر "المنهاج" بالأرض التي لم تعمر قط (¬4)، وهما بمعنى واحد، لكن الأظهر في الأرض التي لم تعمر في الإسلام وكانت معمورة في الجاهلية: جواز تملكها بالإحياء، وقد ذكره "المنهاج" بعد ذلك (¬5)، ولذلك قال "الحاوي" [ص 316]: (موات الإسلام وإن عُمر جاهلية) فإن حكمه حكم الموات، ويرد على إطلاق "التنبيه" الموات: موات عرفة؛ فإنه لا يملك بالإحياء في الأصح، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" بعد ذلك (¬6)، ومزدلفة ومنى، وقد ذكرهما "المنهاج" من زيادته (¬7)، وسنتكلم عليهما بعد ذلك، لكن إذا فسرنا الموات بتفسير الغزالي: أنه كل منفك عن الاختصاص (¬8). . لم يتناول (¬9) المواضع المذكورة، فلا ترد، لكن الرافعي قال: إن اصطلاحهم يخالفه؛ لأنهم لم يعتبروا في تفسيره إلا الانفكاك عن الملك ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 479). (¬2) الحاوي (ص 389)، المنهاج (ص 315). (¬3) التنبيه (ص 129). (¬4) المنهاج (ص 315). (¬5) المنهاج (ص 315). (¬6) الحاوي (ص 389)، المنهاج (ص 315). (¬7) المنهاج (ص 316). (¬8) انظر "الوجيز" (1/ 420). (¬9) في (ب): (لم يتناول).

والعمارة (¬1)، وأورد على "التنبيه" في تعبيره بالجواز ما يحجره غيره قبل تركه له وقبل مدة يسقط فيها حقه؛ فإنه لا يحل له تملكه وإن كان لو فعل ملك، وهذا يرد على قول "المنهاج" أيضًا [ص 315]: (للمسلم تملكها) فليحمل كلامهما على الصحة، وقد ذكر "المنهاج" المسألة بعد ذلك، ولا يرد ذلك على "الحاوي" لتصريحه بالمسألة هنا فقال: (أو أُعلم، أو أُقطع. . يملكه المسلم) (¬2). لكن أورد على عبارته: أنها تفهم أنه إذا اجتمع الإقطاع والتحجير. . امتنع تملك الغير بالإحياء، وهو وجه ضعيف، والأصح: أن التحجر لا يمنع مطلقًا سواء انضم إليه إقطاع أم لا، وإنما تثبت الأحقية. وأورد على "التنبيه" و"المنهاج" أيضًا: أن عبارتهما تفهم الجواز فقط مع أنه مستحب. 2915 - قول "التنبيه" [ص 129]: (ولا يجوز للكافر أن يتملك بالإحياء في دار الإسلام) أعم من تعبير "المنهاج" بالذمي (¬3)، وعذره: أن امتناع ذلك في حق المعاهد والحربي من طريق الأولى، وكذا عبر "الحاوي" بـ (الكافر) (¬4)، وظاهر كلام "التنبيه" أن للمسلم إحياء موات الكفار مطلقًا، وكذا أطلقه جماعة، والخلاف الذي حكاه بعد هذا إنما هو فيما جرى عليه أثر ملك، ولم يقيده بمسلم ولا كافر، لكن شرط إحياء المسلم لشيء من دار الكفر: أن يكون مما لا يذبُّون المسلمين عنه؛ ولذلك قال "المنهاج" في موات الكفار [ص 315]: (وكذا المسلم إن كانت مما لا يذبون المسلمين عنها) و"الحاوي" [ص 389]: (والمسلم إن لم يُرع بالتحويط) فدل على أن ما ذبّونا عنه ليس لنا إحياؤه، وصرح به في "المحرر" (¬5)، وأورد على "المنهاج": أنه لا يكفي في الاختصار الاقتصار على المفهوم، وفيه نظر، ثم اعتذر عنه: بأن عبارة "المحرر" تتناول دار الحرب وأرضًا صولحوا على أنها لهم، وأرض الهدنة، وينبغي اختصاص المنع بالقسمين الأخيرين؛ فإن معمور دار الحرب يملك بالاستيلاء، ومواتها يصير بالاستيلاء كالمتحجر، فكيف لا يملك بالإحياء؟ ولذلك قال السبكي: الذي ينبغي تصحيحه أنه يملك به في دار الحرب، كما قاله القاضي أبو الطيب وغيره، ولا يرد ذلك على مفهوم "المنهاج" بناء على أن المفهوم لا عموم له، فيحمل على الصلح (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (6/ 211). (¬2) الحاوي (ص 389). (¬3) المنهاج (ص 315). (¬4) الحاوي (ص 389). (¬5) المحرر (ص 236). (¬6) في حاشية (ج): (أي: أن صورة المسألة في أرض صولحوا على أنها لهم).

2916 - قول "التنبيه" [ص 129]: (وما جرى عليه أثر ملك؛ فإن كان في دار الإسلام. . لم يملك بالأحياء) ليس المعتبر في منع الإحياء كونه في دار الإسلام، بل كون العمارة التي كانت فيه إسلامية، فلو كانت عمارته جاهلية. . جاز تملكه بالإحياء ولو كان في دار الإسلام؛ ولهذا عبر "المنهاج" بقوله [ص 315]: (فإن لم يُعرف - أي: مالكه - والعمارة إسلاميةٌ. . فمالٌ ضائعٌ)، و"الحاوي" بقوله [ص 389]: (موات الإسلام وإن عُمر جاهلية) ولهذا قيد بعضهم كلام "التنبيه" بقوله: وكان خرابه بعد الإسلام. 2917 - قول "التنبيه" [ص 129]: (وإن كان في دار الشرك. . فقد قيل: يملك بالإحياء، وقيل: لا يملك) الأصح: الأول، وليست هذه المسألة هي المتقدمة عن "المنهاج" و"الحاوي" (¬1) لأن تلك في الموات، وهذه فيما جرى عليه أثر ملك قبل ذلك، وحكى الرافعي والنووي هذا الخلاف فيما كان معمورًا قبل ذلك سواء أكان في دار الإسلام أو الشرك، فشرطا كون عمارته جاهلية، ورجحا أن الخلاف في ذلك قولان (¬2)، وعلى هذا مشى "المنهاج" فقال فيما كان معمورًا [ص 315]: (وإن كانت - أي: العمارة - جاهلية. . فالأظهر: أنه يُمْلَكُ بالإحياء)، وصرح "الحاوي" في موات الإسلام بالتعميم بقوله [ص 389]: (وإن عمر جاهلية) وسكت عن ذلك في موات الكفر؛ كأنه اكتفاء بما قدمه في موات الإسلام. 2918 - قول "المنهاج" [ص 315]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 390]: (ولا يُملك بالإحياء حريم معمور) قد يفهم أن الحريم غير مملوك للمحيي، وهو وجه، الأصح: خلافه، وقد صرح به "التنبيه" فقال [ص 130]: (ويملك ما يحتاج إليه من حريمه ومرافقه) لكن قال أبو عاصم: لا يباع الحريم وحده، وبناه ابن الرفعة على منع بيع ما يُنْقِصُ غيره، فإن جوزناه. . فيظهر الجواز هنا. قال السبكي: وهو محتمل إلا أن يكون مأخذ أبي عاصم أن التابع لا يفرد، أو يقول: بأنه غير مملوك، وعبر "المنهاج" و"الحاوي" في أمثلة الحريم بـ (النادي) (¬3)، وعبارة "المحرر" و"الروضة" وأصلها: (مجتمع النادي) (¬4)، وهو لفظ مشترك يطلق على المجلس الذي يجتمعون فيه يندون؛ أي: يتحدثون، وعلى أهله المجتمعين. 2919 - قول "الحاوي" [ص 390]: (والمرتكض) أعم من قول "المنهاج" [ص 315]: ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 390)، المنهاج (ص 315). (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 210)، و"الروضة" (5/ 279). (¬3) الحاوي (ص 390)، المنهاج (ص 315). (¬4) المحرر (ص 236)، فتح العزيز (6/ 213)، الروضة (5/ 282).

(ومرتكض الخيل) والمراد به: مكان سوق الخيل، وقيد الإمام ذلك بما إذا كانوا خيالة (¬1)، وزاد "المنهاج" في الأمثلة [ص 315]: (مطرح الرماد) ثم قال: (ونحوها)، وأراد بذلك: ملعب الصبيان، وطرق القرية، ومسيل الماء، ومراح الغنم، وعَد منه البغوي: المرعى (¬2)، واختاره السبكي، وفصّل الإمام، فقال: إن بعد. . لم يكن حريمًا، وكذا إن قرب ولم يستقل مرعى، بل كان يُرعى فيه عند خوف البعد في الأصح عنده (¬3)، وأما المستقل القريب. . فقال الرافعي: ينبغي القطع بأنه حريم (¬4). 2920 - قول "المنهاج" [ص 315]: (وحريم البئر في الموات) لو قال كـ "المحرر": (المحفورة في الموات) (¬5). . لكان أحسن؛ فإن هذا الوصف، وهو قوله: (في الموات) لم يذكر متعلقه، وإن جعل قوله: (في) حالًا من البئر. . فقد عُلم أن شرط مجيء الحال من المضاف إليه: أن يكون المضاف جزء المضاف أو كجزئه، وهنا ليس كذلك، إلا أن يقال: حريمها كجزئها، كما قيل في قوله تعالى: {مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}. ولم يذكر "الحاوي" من حريم البئر سوى: (موضع الدولاب ومتردّد البهيمة) (¬6)، وزاد "المنهاج" [ص 315]: (موقف النازح، والحوض، ومجتمع الماء)، وأراد بمجتمع الماء: المكان الذي ينصب فيه ماء البئر ويجتمع فيه، ثم يذهب إلى الحوض، وإلا. . كان في عبارته تكرير. وأهمل من ذلك: ما لو حفر بئرًا في الموات بحيث ينقص بها ماء الأولى. . فالأصح: منعه من ذلك؛ فهو من الحريم أيضًا، ولم يذكره "المنهاج" و"الحاوي" إلا في بئر القناة (¬7)، ثم ما عُد حريمًا. . فمحله: ما إذا انتهى الموات إليه، فإن كان ثم ملك قبل تمام الحريم. . فالحريم إلى انتهاء الموات. 2921 - قول "المنهاج" في حريم الدار [ص 315]: (وممر في صوب الباب) قد يفهم امتداده طويلًا قبالة الباب، وليس كذلك، بل يجوز لغيره إحياء ما قبالته إذا أبقى له ممرًا، وإن احتاج إلى انعطاف وازورار؛ ولذلك أطلق "الحاوي" الممر (¬8)، ففهم منه أن المراد: قدر موضع المرور، ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (8/ 335). (¬2) انظر "التهذيب" (4/ 490). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (8/ 335). (¬4) انظر "فتح العزيز" (6/ 213). (¬5) المحرر (ص 236). (¬6) الحاوي (ص 390). (¬7) الحاوي (ص 390)، المنهاج (ص 315). (¬8) الحاوي (ص 390).

وزاد "الحاوي" في حريم الدار [ص 390]: (مصب الميزاب)، وتبع فيه الغزالي (¬1)، ولعل محله: حيث تكثر الأمطار. 2922 - قول "المنهاج" [ص 316]: (ويجوز إحياء موات الحرم دون عرفات في الأصح) قد يفهم أن عرفات مستثناة من الحرم، وأن الخلاف فيهما، وليس كذلك؛ فعرفات من الحل قطعًا، والخلاف مختص بها، فلو قال: (ولا يجوز في عرفات في الأصح). . لكان أحسن، وليس المراد بلفظة (دون) إخراج ما دخل فيما قبله، بل التنبيه على مخالفة حكم عرفات للحرم مع مشابهتهما فى الفضيلة. 2923 - قوله من زيادته: (ومزدلفة ومنى كعرفة) (¬2) ذكره جزمًا، وكذا في "تصحيح التنبيه" (¬3)، لكن إنما ذكره في "الروضة" بحثًا، فقال: وينبغي أن يكون الحكم في أرض منى ومزدلفة كعرفات؛ لوجود المعنى (¬4)، وتوقف فيه ابن الرفعة؛ لضيقه بالنسبة لعرفات، فلا يسع الناس إذا بنى فيه، فإن صح هذا. . استثني هذا جزمًا من جواز إحياء الحرم، وعلى قول النووي فاستثناؤه على الأصح. وقال شيخنا الإمام البلقيني: يخرج من كلامٍ حُكي عن الشافعي ما يدل على جواز البناء بمنى؛ حيث قال: ولكن قد بَنَيْتُ بمنًى مضربًا يكون لأصحابنا إذا حجوا ينزلون فيه، حكاه الحاكم والبيهقي كلاهما في "مناقب الشافعي" رضي الله عنه (¬5). قال في "المهمات": والمتجه: المنع من البناء بالمزدلفة، ولو قلنا بما رجحه الرافعي من استحباب المبيت بها؛ لكونه مطلوبًا، وحينئذ. . فينبغي أن يكون المحصب كذلك؛ لأنه يستحب للحجيج إذا نفروا أن يبيتوا فيه. قلت: لكنه مع استحبابه ليس من مناسك الحج، بخلاف المبيت بمزدلفة. واعلم: أن "المنهاج" عبر تبعًا للغزالي بأنه لا يجوز الإحياء في عرفة (¬6)، وعبر "الحاوي" تبعًا للرافعي بنفي الملك (¬7)، وبينهما تناف؛ فإنه لا يلزم من عدم الجواز عدم الملك؛ بدليل أن إحياء ما تحجره غيره أو أقطعه الإمام لا يجوز إحياؤه، ولو فعل. . ملك، نبه عليه في "المهمات" بالنسبة لكلام الغزالي والرافعي. ¬

_ (¬1) انظر "الوجيز" (1/ 421). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 316). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 394). (¬4) الروضة (5/ 286). (¬5) مناقب الشافعي للبيهقي (2/ 224). (¬6) انظر "الوجيز" (1/ 421). (¬7) الحاوي (ص 390)، وانظر "فتح العزيز" (6/ 216).

قلت: ويدل عليه أن ابن الرفعة في "الكفاية" ذكر أن منشأ الخلاف أن استحقاق الوقوف بها هل ينزل منزلة التحجر أم لا؟ . 2924 - قول "المنهاج" [ص 316]: (فإن أراد مسكنًا. . اشترط تحويط البقعة) قد يفهم الاكتفاء بالتحويط من غير بناء، وكذا عبر "الحاوي" بـ (التحويط) (¬1)، لكن عبر "التنبيه": بـ (البناء) (¬2)، وصرح به الرافعي في الزريبة، فقال فيها: يشترط التحويط، ولا يكفي نصب سَعَفٍ وأحجار من غير بناء (¬3)، وإذا كان ذلك في الزريبة. . ففي المسكن أولى. قال السبكي: وقد يقال: إن التحويط بألواح الخشب على هيئة مخصوصة يسمى بناء، والرجوع فيه إلى العرف. انتهى. فليحمل كلام "المنهاج" و"الحاوي" على أنهما أرادا: التحويط بالبناء، وأما تعبير "التنبيه" بالبناء. . فإنه لا بد فيه من التحويط، فلا يكفي مطلق البناء، فليقيد كل من الكلامين بالآخر. 2925 - قول "التنبيه" [ص 130]: (ويسقف) قد يفهم سقف جميعها، وليس كذلك، فسقف البعض كافٍ، وقد صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، ولم يذكر "التنبيه" نصب باب على الدار، وهو وجه، والأصح: اعتباره، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" مع ذكر "التنبيه" له في الحظيرة (¬5)، والمنقول: التسوية بينهما نفيًا وإثباتًا، وإن كان قد يتخيل أن الحظيرة لا بد لها من باب لإحراز الدواب ومنعها من الخروج بخلاف الدار؛ فسكانها يحرزون أنفسهم، لكن لم يقل ذلك أحد فيما علمت. 2926 - قولهم في الزريبة: (إنها بالتحوبط) (¬6) محمول على التحويط بالبناء كما تقدم في الدار، لكنه دون تحويط السكن، كما نبه عليه الإمام (¬7)، وعبر "التنبيه" بـ (الحظيرة) (¬8)، فقال بعضهم: إنها بمعنى الزريبة المذكورة في "المنهاج" و"الحاوي"، وقال بعضهم: الزريبة للدواب، والحظيرة للحطب والحشيش وتجفيف الثمار، وقال بعضهم: الحظيرة أعم، فتكون لذلك وللدواب، وحينئذ. . فتعبير "التنبيه" أحسن؛ لعمومه. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 389). (¬2) التنبيه (ص 130). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 244). (¬4) الحاوي (ص 389)، المنهاج (ص 316). (¬5) التنبيه (ص 130). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 130)، و"الحاوي" (ص 389)، و"المنهاج" (ص 316). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (8/ 292، 293). (¬8) التنبيه (ص 130).

2927 - قول "التنبيه" [ص 130]: (وإن كانت مزرعة؛ بأن يصلح ترابها ويسوق الماء إليها) فيه أمور: أحدها: لا يتوقف إحياء المزرعة على سوق الماء إليها، فترتيبه كاف، وقد عبر بذلك "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، وذلك بأن يشق ساقية من نهر أو حفر بئر أو قناة، فإذا حفر طريقه ولم يبق إلا إجراؤه. . كفى وإن لم يجر، وإن هيأه ولم يحفر طريقه. . فوجهان لا ترجيح فيهما في "الروضة" وأصلها (¬2)، ورجح في "الشرح الصغير": الاكتفاء به. ثانيها: محل ترتيب الماء: ما إذا لم يكفها المطر، كما صرح به "المنهاج" (¬3)، وهو معنى قول "الحاوي" [ص 390]: (وترتيب ماء احتيج). ثالثها: يشترط أيضًا: جمع التراب حولها؛ لتنفصل عن غيرها، وقد ذكره "المنهاج" (¬4)، وفي معناه: نصب قصب أو أحجار أو شوك؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 390]: (وبجمع نحو التراب حول المزرعة) وتبع "التنبيه" الشيخ أبا حامد؛ فإنه لم يشترط ذلك، وأهمل "الحاوي" إصلاح ترابها، وهو الذي عبر عنه "المنهاج" [ص 316]: بـ (تسوية الأرض)، والمراد به: لهم المنخفض وكسح العالي وحراثتها وتليين ترابها. 2928 - قول "التنبيه" [ص 130]: (ويزرع في ظاهر المذهب، وقيل: يملك وإن لم يزرع) الثاني هو الأصح؛ ولذلك لم يذكره "الحاوي"، وقال "المنهاج" [ص 316]: (لا الزراعة في الأصح). 2929 - قول "المنهاج" [ص 316]: (أو بستانًا. . فجمع التراب والتحويط حيث جرت العادة به وتهيئة ماءٍ) زاد "الحاوي" تبعًا للغزالي: نصب الباب؛ فإنه قال: (بالتحويط، وتعليق باب الزريبة، مع غرس الباغ) (¬5)، ولم يذكر ذلك في "الروضة" لعدم تصريح الرافعي به في مظنته (¬6)، ولم يذكر جمع التراب؛ اكتفاء عنه بالتحويط، وأطلق التحويط، فلم يقيده بحالة جريان العادة به، ومن المعلوم أنه لا يحتاج مع التحويط إلى جمع التراب، فكان ينبغي لـ "المنهاج" أن يقيد جمع التراب بحالة عدم التحويط، ولم يذكر "الحاوي" تهيئة ماء، ولا بد منه. 2930 - قول "التنبيه" [ص 130]: (وإن كانت بئرًا أو عينًا. . بأن يحفرها حتى يصل إلى الماء) ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 390)، المنهاج (ص 316). (¬2) فتح العزيز (6/ 245)، الروضة (5/ 290). (¬3) المنهاج (ص 316). (¬4) المنهاج (ص 316). (¬5) الحاوي (ص 389)، وانظر "الوجيز" (1/ 423). (¬6) الروضة (5/ 290).

لا يكفي ذلك في الأرض الرخوة، بل لا بد معه من طيّها. 2931 - قوله: (وإن تحجر شيئًا من الموات؛ بأن شرع في إحيائه ولم يتمم. . فهو أحق به) (¬1) محله: ما إذا كان قدر حاجته ويقدر على عمارته، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، فإن زاد على ذلك. . قال المتولي: لغيره إحياء الزائد، وقال غيره: لا يصح تحجره أصلًا؛ لأن ذلك القدر غير متعين، قال النووي: قول المتولي أقوى (¬3). 2932 - قول "التنبيه" [ص 130]: (وإن نقله إلى غيره. . صار الثاني أحق به) ليس هذا النقل بيعًا؛ فقد قال بعد ذلك: (وإن باع. . لم يصح بيعه) (¬4)، وكذا صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬5)، وهو مفهوم من لفظ الأحقية، ولا هبة كما صرح به الماوردي، وهو واضح، قال: وإنما هو تولية وإيثار (¬6)، وقول "المنهاج" - بعد ذكره أن المتحجر أحق به -[ص 316]: (لكن الأصح: أنه لا يصح بيعه) تبع فيه "المحرر" (¬7)، ولا معنى لهذا الاستدراك؛ فإن عدم البيع مناسب لعدم الملك المفهوم من لفظ الأحقية. 2933 - قولهما: (فإن استمهل. . أُمهل مدة قريبة) (¬8) ظاهره: أنه لا فرق بين أن يكون بعذر أو بغير عذر، وبه صرح الروياني، لكن عبارة "أصل الروضة": فإن ذكر عذرًا واستمهل. . أمهل مدة قريبة (¬9)، ومقتضاها: أنه لا يمهل إذا لم يكن عذر، وقال الماوردي: إن المعذور يترك ولا يعترض عليه (¬10)، وقال السبكي: ينبغي إذا عرف الإمام أنه لا عذر له في المدة. . انتزعها منه في الحال، وكذا إذا لم تطل المدة وعلم منه الإعراض. 2934 - قول "التنبيه" [ص 130]: (فإن لم يحيي - أي: في المدة المقدرة له بعد الاستمهال -. . جاز لغيره أن يحييه) مفهومه: أنه لا يجوز لغيره إحياؤه بدون ذلك، وهو كذلك، لكنه لو فعل. . ملك، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 316]: (وأنه لو أحياه آخر. . ملكه) ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 130). (¬2) الحاوي (ص 391)، المنهاج (ص 316). (¬3) انظر "الروضة" (5/ 292). (¬4) التنبيه (ص 130). (¬5) الحاوي (ص 391)، المنهاج (ص 316). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 489). (¬7) المحرر (ص 237). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 130)، و"المنهاج" (ص 316). (¬9) الروضة (5/ 287). (¬10) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 490).

و"الحاوي" كما تقدم (¬1)، فالجواز هنا في كلام "التنبيه" على بابه غير محمول على الصحة، بخلاف ما تقدم أول الباب. 2935 - قول "التنبيه" [ص 130]: (وإن أقطع الإمام مواتًا. . صار المقطع كالمتحجر) يعود فيه ما سبق من أنه لا يقطعه إلا ما يقدر على عمارته، وقد صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). 2936 - قول "المنهاج" [ص 316]: (والأظهر: أن للإمام أن يحمي بقعة مواتٍ لرعي نَعَمِ جزيةٍ. . . إلى آخره) شرطه: ألَّا يضر ذلك بالمسلمين، كما صرح به "التنبيه" (¬3)، أي: لكونه قليلًا من كثير بحيث يكفي المسلمين ما بقي، ويرد ذلك على "الحاوي" أيضًا، ويزداد: بأنه لم يصرح بأن ذلك في الموات، لكنه مفهوم من ذكره في بابه، ويرد على تعبير الثلاثة بـ (الإمام) أن الأصح: أن ذلك لولاة النواحي أيضًا، وادعى بعضهم: أن ولاة النواحي يدخلون في اسم الإمام، فلا إيراد، على أن ظاهر النص أنه ليس لولاة النواحي ذلك، واختاره الماوردي والسبكي. 2937 - قول "الحاوي" [ص 391]: (وينقض) أي: الإمام حماه، يقتضي نقضه مع بقاء الحاجة، وفي "المنهاج" [ص 316]: (وأن له نقض ما حماه للحاجة)، وقوله: (للحاجة) متعلق بـ (نقض) لا بـ (حماه)، وعبارة "التنبيه" [ص 131]: (فإن زالت الحاجة. . جاز أن يعاد إلى ما كان)، ومقتضاها: أن يقول "المنهاج": (لزوال الحاجة). وقال شيخنا ابن النقيب: قد يقال: عبارة "المنهاج" أحسن؛ فإن زوال الحاجة إنما يكون بزوال نَعَم الجزية والصدقة ونحوها، قال القاضي أبو الطيب: ولن يكون ذلك أبدًا إن شاء الله، فنبه على أن كلام الفقهاء إنما هو على فرض مجرد لا يكون إن شاء الله؛ فإن عدم ذلك من دار الإسلام مستحيل عادة، فإن اتفق في قطر. . وُجد في غيره، ويد الإمام لا تقصر عنه. . فيرجى عوده إليه (¬4). قلت: الحق: أنه لا تفاوت بين العبارتين، فالمراد بالحاجة في كلام "التنبيه": التي اقتضت الحمى، وفي كلام "المنهاج": التي اقتضت عدمه، ولا يرد ما حكي عن القاضي أبي الطيب؛ فإنه قد يزول الاحتياج إلى حمى بقعة مخصوصة للاستغناء عنها بأخرى، وقد يزول الاحتياج للحمى مطلقًا للاستغناء عنه بالمزارع المملوكة الداخلة في أموال بيت المال، فما انحصر زوال الحاجة في زوال نَعَم الجزية ونحوها، والله أعلم. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 389). (¬2) الحاوي (ص 391)، المنهاج (ص 316). (¬3) التنبيه (ص 131). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 291، 292).

فصل [في بيان حكم منفعة الشارع وغيرها من المنافع المشتركة]

وعبارة "المنهاج" تقتضي اختصاص النقض بالحامي، وهو قول، والأظهر: أن لغيره نقضه أيضًا بالشرط المذكور، وكذا عبارة "الحاوي" إن قرأت قوله: (يَنقض) بفتح أوله؛ أي: الإمام كما ذكرته، وقد يراد: جنس الإمام، لا عين ذلك الإمام، والأولى: أن يقرأ بضم أوله مبنيًا للمفعول، وعبارة "التنبيه" في هذا حسنة لا يرد عليها هذا. 2938 - قول "التنبيه" [ص 131]: (وقيل: ما حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز تغييره بحال) ضعفه مع أنه الأصح، بل الأصح: القطع به، وأن الخلاف في غيره، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 391]: (لا النقيع حمى الرسول عليه الصلاة والسلام). فصلٌ [في بيان حكم منفعة الشارع وغيرها من المنافع المشتركة] 2939 - قولهم والعبارة لى "المنهاج": (ويجوز الجلوس به - أي: بالشارع لاستراحةٍ ومعاملةٍ ونحوهما إذا لم يُضيِّق على المارة) (¬1) يتناول الذمي، وفي ثبوت هذا الارتفاق له وجهان بلا ترجيح في كلام الرافعي والنووي وابن الرفعة (¬2)، ورجح السبكي منهما: الثبوت وإن لم يؤذن له كما هو مقتضى إطلاقهم. 2940 - قول "المنهاج" [ص 317]: (تظليل مقعده بباريَّةٍ وغيرها) (¬3) محله: ما إذا كان المظلل به مما ينقل معه، فإن كان مثبتًا ببناء. . لم يجز؛ كبناء دكة. 2941 - قول "التنبيه" في الشوارع [ص 130]: (لا يجوز فيها البناء ولا البيع ولا الشراء) أي: لا تباع من بيت المال ولا تشترى، أما تعاطي البيع والشراء فيها. . فهو داخل في الجلوس للمعاملة كما تقدم. 2942 - قوله: (وإن قام ونقل عنه قماشه. . كان لغيره أن يقعد فيه) (¬4) محله: فيما إذا قام عنه تاركًا للحرفة أو منتقلًا إلى غيره، فإن فارقه ليعود. . لم يبطل، إلا أن تطول مفارقته بحيث ينقطع معاملوه عنه ويألفون غيره، وعلى ذلك مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬5)، ويحتمل أن مراد "التنبيه": أن لغيره القعود فيه مدة غيبته خاصة، والأصح: جوازه ولو لمعامله. 2943 - قول "التنبيه" [ص 130]: (وإن طال مقامه وهناك غيره. . أقرع بينهما، وقيل: يقدم ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 130)، و"الحاوي" (ص 391)، و"المنهاج" (ص 317). (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 223)، و"الروضة" (5/ 294، 295). (¬3) الباريَّة: الحصيرة. انظر "لسان العرب" (4/ 87). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 130). (¬5) الحاوي (ص 391)، المنهاج (ص 317).

فصل [في حد المعدن الظاهر]

الإمام أحدهما) الأصح: وجه ثالث، وهو: أنه لا يُزعج، بل يدوم اختصاصه. 2944 - قوله: (وإن أقطع الإمام شيئًا من ذلك. . صار المقطع أحق بالارتفاق به، فإن قام ونقل عنه قماشه. . لم يكن لغيره أن يقعد فيه) (¬1) أقره في "التصحيح" (¬2)، وحكاه في "الكفاية" عن الجمهور، ومال إليه السبكي، لكن صحح في "أصل الروضة": أن المقطع كغيره (¬3)، وهو ظاهر إطلاق "المنهاج" و"الحاوي" حيث لم يفرقا بين مقطع وغيره (¬4). فصلٌ [في حدِّ المعدن الظاهر] 2945 - قول "المنهاج" [ص 317]: (إن المعدن الظاهر: ما خرج بلا علاج) يقتضي أنه نفس الجواهر، لكن المشهور: أنه البقعة التي أودعها الله تعالى شيئًا من الجواهر المطلوبة الظاهرة أو الباطنة، وهو مقتضى قول "التنبيه" [ص 130]: (ومن سبق إلى معدن ظاهر يتوصل إلى ما فيه بغير عمل). 2946 - قولهما في أمثلة المعدن الظاهر: (والمومياء) (¬5) هو - بضم الميم الأولى ممدود -: شيء يلقيه الماء في بعض السواحل، فيجمد ويصير كالقار، ويقال أيضًا: إنها حجارة سود باليمن، وأما المومياء التي من الموتى. . فنجسة. 2947 - قول "التنبيه" في أمثلته أيضًا [ص 313]: (والياقوت) مخالف للمجزوم به في "الروضة" وأصلها أن الياقوت من المعادن الباطنة (¬6). 2948 - قول "المنهاج" [ص 317]: (إنه لا يُملك بإحياء) وهو مفهوم "الحاوي" (¬7)، محله: إذا كان معلومًا، فإن لم يعلم به إلا بعد الإحياء. . ففي "المطلب" عن الإمام: أنه يملكه بالإجماع (¬8)، وأنه أصح الوجهين في "التهذيب" للبغوي (¬9)، ويدل عليه قول "التنبيه" قبل ذلك ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 130). (¬2) تصحيح التنبيه (1/ 397). (¬3) الروضة (5/ 288). (¬4) الحاوي (ص 391، 392)، المنهاج (ص 317). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 131)، و"المنهاج" (ص 317). (¬6) فتح العزيز (6/ 230)، الروضة (5/ 302). (¬7) الحاوي (ص 391). (¬8) انظر " نهاية المطلب" (8/ 322). (¬9) التهذيب (4/ 496).

[ص 131]: (فيملك المحيا وما فيه من المعادن) قال في "الكفاية": أي: التي تظهر بعد الإصابة باطنة كانت أو ظاهرة، وحكاه عن الماوردي (¬1). 2949 - قول "المنهاج" [ص 317]: (ولا يثبت فيه اختصاص بتحجرٍ ولا إقطاعٍ) قال في "التنبيه" [ص 131]: (فإن كان من ذلك ما يلزم عليه مؤنة؛ بأن يكون بقرب الساحل موضع إذا حصل فيه الماء حصل منه ملح. . جاز أن يُملك بالإحياء، وجاز للإمام إقطاعه). 2950 - قول "الحاوي" [ص 392]: (وفي معدن ظاهر إلى قضاء وطَرِه) فيه أمران: أحدهما: أن مقتضاه: تمكينه من أخذ ما شاء، وهو وجه، والأصح: أنه لا يقدم إلا بقدر حاجته، وقد نبه في "التذنيب" على هذا في عبارة "الوجيز" فإنها كـ "الحاوي" (¬2) ولذلك قال "المنهاج" [ص 318]: (فإن ضاق نيله. . قُدِّم السابق بقدر حاجته، فإن طلب زيادة. . فالأصح: إزعاجه) قال الرافعي: لم يبينوا أنها حاجة يوم أو سنة، قال الإمام: يرجع فيه إلى العادة، فيأخذ ما تقتضيه عادة أمثاله (¬3). قال ابن الرفعة: أي: ما دام فيه، فإذا انصرف. . فغيره ممن سبق أولى. ثانيهما: أن المعدن الباطن كذلك إذا قلنا بالأظهر: أنه لا يُملك بالعمل كما سيأتي، وحينئذ. . فلا معنى للتفييد بالظاهر. 2951 - قول "التنبيه" [ص 130]: (وإن سبق اثنان إلى ذلك وضاق عنهما؛ فإن كانا يأخذان للتجارة. . قسم بينهما، وإن كانا يأخذان القليل للاستعمال. . فقد قيل: يقرع بينهما، وقيل: يقسم بينهما، وقيل: يقدم الإمام أحدهما) هذه طريقة العراقيين؛ أعني: تخصيص الخلاف بمن يأخذ للحاجة، والقطع في التاجرين بالقسمة، وقياسها: أنه لو اجتمع محتاج وتاجر. . قدم المحتاج، والأشهر كما قال الرافعي والنووي: طرد الأوجه سواء كانا يأخذان للتجارة أو للحاجة، والأصح مطلقا: أنه يقرع بينهما (¬4)، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬5). 2952 - قول "التنبيه" [ص 130] و"المنهاج" في أمثلة المعدن الباطن [ص 318]: (وذهب) يستثنى منه: ما لو أظهر السيل قطعة منه. . فإنها تلتحق بالظاهر. 2953 - قول "التنبيه" في المعدن الباطن [ص 130]: (ملك نيله، وفي المعدن قولان، أحدهما: يملك إلى القرار، والثاني: لا يملك) الأظهر: الثاني، رجحه الشافعي والأصحاب، ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 499). (¬2) الوجيز (1/ 422)، التذنيب (ص 609). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (8/ 311)، و"فتح العزيز" (6/ 229). (¬4) انظر "فتح العزيز" (6/ 229)، و"الروضة" (5/ 301). (¬5) الحاوي (ص 392)، المنهاج (ص 317).

فصل [في التزاحم على السقي من الماء المباح]

وعليه مشى "المنهاج" (¬1)، ومحل الخلاف: ما إذا قصد التملك، قاله في "أصل الروضة" (¬2) أي: فإن لم يقصده، بل حفر لينال وينصرف. . فلا يملك قولًا واحدًا، صرح به البندنيجي. 2954 - قول "التنبيه" تفريعًا على الثاني [ص 130]: (فإذا انصرف. . كان غيره أحق به، وإن طال مقامه وهناك غيره، أو سبق اثنان إليه. . أقرع بينهما) الأصح في الأولى: إزعاجه، وفي الثانية: أنه يقرع. 2955 - قوله: (وإن أقطع الإمام شيئًا من ذلك وقلنا لا يملك بالعمل. . ففي الإقطاع قولان، أحدهما: لا يصح، والثاني: يصح فيما يقدر على العمل فيه) (¬3) الأظهر: الثاني. 2956 - قول "المنهاج" [ص 318]: (ومن أحيا مواتًا فظهر فيه معدن باطن. . مَلَكَهُ) فيه أمور: أحدها: أن قوله: (فظهر فيه) يقتضي أنه لم يكن عالمًا به، فلو علم به واتخذ عليه دارًا. . فقيل: على القولين السابقين، وقيل: يملكه قطعًا، فعلى الطريقة الثانية لا فرق بين الحالتين؛ ولذلك قال "التنبيه" [ص 130]: (فيملك المحيا وما فيه من المعادن) وإن كان ابن الرفعة حمله على ما يظهر بعد الإصابة كما تقدم، و"الحاوي" [ص 389]: (بمعدن يظهر جوهره بالمعالجة)، فلم يفرق بين العلم به والجهل. ثانيها: قد تقدم في المعدن الظاهر أنه يملكه أيضًا إذا لم يعلم به، فلا حاجة حينئذ لهذا التقييد؛ ولهذا قال السبكي: لم يرد أنه لا يملك الظاهر، بل يملكه قطعًا بلا فرق، قاله الماوردي (¬4). ثالثها: كلامه في نفس المعدن، وأما البقعة المحياة. . ففيها خلاف، ورجح الإمام: أنه لا يملكها؛ لأن المعدن لا يتخذ دارًا، فالقصد فاسد (¬5). رابعها: لا يجوز مع ملكه لهذا المعدن أن يبيعه في الأصح؛ لأن مقصوده النيل، وهو مجهول. فصلٌ [في التزاحم على السقي من الماء المباح] كذا عقد في "المحرر" للمذكور من هنا إلى آخر الباب فصلًا (¬6)، وأدرجه "المنهاج" فيما قبله، والأول أليق. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 318). (¬2) الروضة (5/ 302). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 130). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 499). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (8/ 323). (¬6) المحرر (ص 238).

2957 - قولهم - والعبارة "للتنبيه"، وهو في القسمة -: (ولو كان ماءً مباحًا في نهر غير مملوك. . سقى الأول أرضه حتى يبلغ إلى الكعب ثم يرسله إلى الثاني) (¬1) وعبر "المنهاج" و"الحاوي" بالأعلى فالأعلى، فيه أمران: أحدهما: قال في "المهمات": المراد بالأول: هو الذي لم يتقدمه أحد، وبالثاني: المحيي بعده، وهكذا، وليس المراد: الأقرب إلى أصل النهر فالأقرب؛ لأن الاعتبار بالسبق. ثانيهما: قوى السبكي وجهًا آخر غير قول الجمهور، وهو: الرجوع في ذلك إلى العادة والحاجة، وهي تختلف باختلاف الأرض وما فيها من زرع، وبالزمان. 2958 - قول "المنهاج" [ص 318]: (فإن كان في الأرض ارتفاعٌ وانخفاضٌ. . أُفرد كل طرف بالسقي) عبر عنه "التنبيه" بقوله [ص 260]: (وإن كان لرجل أرض عالية وتحتها أرض مستفلة ولا يبلغ الماء في العالية إلى الكعب حتى يبلغ في المستفلة إلى الوسط. . سقي المستفلة حتى يبلغ الكعب ثم يسدها ويسقي العالية) وحمل في "الروضة" ما في "المنهاج" على ما في "التنبيه" فقال: (طريقه: أن يسقي المنخفض حتى يبلغ الكعبين ثم يسده ثم يسقي المرتفع) (¬2)، وتبعه في "المهمات"، وقال السبكي: الظاهر: أنه لا يتعين البداءة بالأسفل، بل لو عكس. . جاز، ومرادهم: أن لا يزيد في المستفلة على الكعبين. 2959 - قول "المنهاج" [ص 318]: (وما أخذ من هذا الماء في إنا. . مُلك على الصحيح) كذا الحوض المسدود المنافذ، ولعل تعبير "الحاوي" بالظرف (¬3) يشمله، فهو أعم من الإناء. 2960 - قول "المنهاج" [ص 318]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 392]: (وحافر بئر بموات للارتفاق أولى بمائها حتى يرتحل) محله: ما إذا قصد ارتفاق نفسه، فإن قصد ارتفاق المارة. . فهو كأحدهم، وكذا الحافر بلا قصد على الأصح. 2961 - قولهم في البئر المملوكة: (لا يلزمة بذل ما فضل عن حاجته لزرعٍ، ويجب لماشيةٍ على الصحيح) (¬4) فيه أمور: أحدها: المراد بالحاجة التي يجب بذل ما فضل عنها للماشية: سقيه وسقي ماشيته وزرعه، وفي الزرع احتمال بعيد للإمام (¬5)، قال النووي: والمراد: ما يبذل لماشية غيره، أما ما يجب بذله ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 260)، و"الحاوي" (ص 392)، و"المنهاج" (ص 318). (¬2) الروضة (5/ 305). (¬3) الحاوي (ص 392). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 260)، و "الحاوي" (ص 392، 393)، و"المنهاج" (ص 318). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (8/ 331).

لعطش آدمي محترم. . فلا يشترط فضله عن الماشية والزرع (¬1). ثانيها: يشترط في وجوب البذل للماشية شروط: أحدها: فقد ماء مباح. والثاني: أن يكون ثم كلأ مباح يُرعى، وإلا. . لم يجب على المذهب. الثالث: أن يكون قبل حوزه في إناء؛ فلا يجب بذل المحرز على الصحيح. ثالثها: دخل فيه ماشية عابري السبيل، وكذا من أراد الإقامة في ذلك الموضع، وهو الذي صححه النووي (¬2). رابعها: يجب بذله للرعاة على الأصح. خامسها: قول "المنهاج" [ص 318]: (على الصحيح) يمكن عوده إلى عدم الوجوب للزرع والوجوب للماشية؛ فإن الخلاف فيهما، والتصحيح مختلف، قال الماوردي: وحيث وجب البذل. . مكنت الماشية من حضور البئر بشرط أن لا يكون على صاحب الماء ضرر في زرع، ولا ماشية، فإن لحقه ضرر بورودها. . مُنعت، لكن يجوز للرعاة استقاء فضل الماء لها (¬3). 2962 - قول "التنبيه" في القسمة [ص 260]: (وإن كان بينهم نهر أو قناة أو عين ينبعُ فيها الماء. . فالماء بينهم على قدر ما شرطوا من التساوي أو التفاضل) خالفه مختصره "النبيه" فقال: (العبرة بقدر ما بذله كل من الشركاء من العمل أو المؤنة، لا على ما ذكره من الشرط) وقال شيخنا الإمام البلقيني: اعتبار الشرط خلاف ما عليه العمل. انتهى. والمنقول في "الروضة" وأصلها: أن الاشتراك في الملك على قدر العمل، فإن شرطوا أن يكون النهر بينهم على قدر ملكهم من الأرض. . فليكن عمل كل واحد منهم على قدر أرضه، فإن زاد واحد متطوعًا. . فلا شيء له على الباقين، وإن زاد مكرهًا، أو شرطوا له عوضًا. . رجع عليهم بأجرة ما زاد. انتهى (¬4). وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 393]: (وشركة القناة بحسب العمل) ولو تنازع الشركاء في النهر في قدر أنصبائهم. . فهل يجعل على قدر الأرضين؛ لأن الظاهر من الشركة بحسب الملك، أم بالسوية؛ لأنه في أيديهم؟ صحح النووي الأول (¬5)، وصحح شيخنا الإمام البلقيني الثاني، فقال: إنه أصحهما بمقتضى القواعد؛ لأن القرائن لا ينظر إليها على مذهب الشافعي، وقد صحح الرافعي ¬

_ (¬1) انظر "الروضة" (5/ 309). (¬2) انظر "الروضة" (5/ 310). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 505). (¬4) فتح العزيز (6/ 236)، الروضة (5/ 311). (¬5) انظر "الروضة" (5/ 308).

والنووي في عبدين خسيس ونفيس مكاتبين على نجوم متفاوتة بحسب قيمتهما، فأحضرا مالًا وادعيا (¬1) أنه سواء بينهما، وادعى النفيس أنه متفاوت على قدر النجوم: تصديق الخسيس عملًا باليد، ولا فرق بين الصورتين (¬2)، وقال الشافعي رضي الله عنه في الجدار: لا انظر إلى من إليه الدواخل والخوارج ولا أنصاف اللبن ولا معاقد القِمْطِ (¬3)، ونص في متاع البيت يختلف فيه الزوجان على أنه ما كان في أيديهما: يحلفان، وهو بينهما، ولا ينظر إلى ما يختص بالرجل عادة، ولا ما يختص بالمرأة. انتهى (¬4). 2963 - قول "التنبيه" [ص 260]: (وإن أرادوا القسمة. . جاز، فتُنْصب قبل أن يبلغ إلى أراضيهم خشبةٌ مستويةٌ، وتُفتح فيها كوى على قدر حقوقهم، ويجري فيها الماء إلى أراضيهم) وعبارة "المنهاج" [ص 318]: (والقناة المشتركة يُقسم ماؤُها بنصب خشبةٍ في عرض النهر فيها ثُقَبٌ متساويةٌ أو متفاوتةٌ على قدر الحصص) فاقتصر على القناة، ولم يذكر النهر والعين، ولم يصف الخشبة بكونها مستوية، وعبارة "أصل الروضة": مستوية الأعلى والأسفل (¬5)، وقال الرافعي: القناة كالبئر في ملك الماء ووجوب البذل وغيرهما، إلا أن حفرها لمجرد الارتقاق لا يكاد يتفق، ومهما اشتركوا في الحفر اشتركوا في الملك كما في النهر (¬6). قال السبكي: والقناة في بلادنا: اسم لما يُجرى فيه الماء الواصل من غيرها، قال: وفي " تعليق القاضي حسين": لو حفر القناة، فنبع الماء فيها. . ملكها، وهو يقتضي أنها تحفر لينبع الماء، وعلى هذا يصح إطلاق الرافعي أنها كالبئر، وأما إذا كانت محل الجريان - فهي كالنهر -. . ففي ملك الجاري فيها خلاف؛ أي: والأصح: أنه لا يملك. ¬

_ (¬1) كذا في النسخ ما عدا (ج) ففيها: (. . . مالًا وادعى وادعيا. . .)، ولعل صواب العبارة: (فأحضرا مالًا، وادعى الخسيس أنه سواء. . .)، وهي كذلك في "حاشية الرملي على الأسنى". (¬2) انظر"حاشية الرملي على الأسنى" (2/ 455). (¬3) انظر "الأم" (3/ 225). (¬4) انظر "الأم" (5/ 95). (¬5) الروضة (5/ 311). (¬6) انظر "فتح العزيز" (6/ 241).

كتاب الوقف

كتابُ الوَقْف 2964 - قول "التنبيه" [ص 136]: (الوقف قربة مندوب إليه) قال في "التحرير" وتبعه في "الكفاية": أفهم بالندب أنه مما ثبت بدليل خاص كالعتق، بخلاف ما اندرج في عموم: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ}، واحترز به عن القرب الواجبة (¬1). قال النسائي: لكن قوله: (التدبير قربة) (¬2)، و (الكتابة قربة) (¬3) تخالفه، والكل سواء (¬4). قلت: ولو اقتصر على قوله: (الوقف مندوب إليه) كما فعل في الهبة. . لكان أحسن. 2965 - قوله: (ولا يصح إلا ممن يصح تصرفه في المال) (¬5) يقتضي الاكتفاء بذلك حتى يصح من المكاتب؛ فإنه صحيح التصرف في المال، لكنه لا يصح وقفه بغير إذن سيده، وفي صحته بإذنه القولان في تبرعه بالإذن؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 319]: (شرط الواقف: صحة عبارته، وأهلية التبرع) فاحترز بأهلية التبرع عن المكاتب، واقتصر "الحاوي" على (أهلية التبرع) (¬6)، وهو حسن؛ فإنه يلزم منها صحة العبارة، وصحة التصرف في المال، ولم يعتبروا أن يكون الواقف مسلمًا، وذلك يقتضي صحة وقف الذمي، وهو كذلك حتى لو بنى مسجدًا، ووقفه. . قال البغوي في "فتاويه": يجوز وإن لم يعتقده قربة، اعتبارًا باعتقادنا، كما يصح منه بيع الشحم، وإن اعتقد منعه. . قال: ويحتمل أن لا يصح وقفه اعتبارًا باعتقاده، قال تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} وخالف العتق؛ فإنه يعتقده قربة، ولم يعتبروا أيضًا أن يكون الموقوف معلومًا للواقف، فدل على صحة وقف ما لم يره، وهو الذي صححه النووي تبعًا لابن الصلاح، قالا: ولا خيار له إذا رآه (¬7)، ونقله ابن الرفعة عن اختيار شيخه الشريف عماد الدين؛ لأن عمر رضي الله عنه لم ير السواد، قال: وبناه بعض مشايخ الزمان على الملك؛ إن قلنا: للموقوف عليه. . لم يصح، وإلا. . فيصح، وبناه ابن الرفعة على صحة وقف أحد عبديه، وفي البيع من "شرح المهذب": أن فيه القولين في بيع الغائب، ومقتضاه: البطلان. ¬

_ (¬1) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 237). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 145). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 146). (¬4) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 124). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 136). (¬6) الحاوي (ص 394). (¬7) انظر "الروضة" (5/ 316).

وقال السبكي: لم أر من ذكر المسألة غيرهم مع كثرة المطالعة، وفي أكثرها اعتباره بالمبيع، فيقتضي ترجيح المنع، وعمر يحتمل أنه وكل في وقف السواد من رآه. انتهى. ولم يعتبر "التنبيه" و"المنهاج" كون الموقوف ملكًا للواقف أو لمن وقع له الوقف، ومقتضاه: جواز وقف الإمام شيئًا من بيت المال على معين أو جهة عامة، وقد أفتى ابن أبي عصرون نور الدين الشهيد بجوازه متمسكًا بوقف عمر رضي الله عنه السواد، ففعله، قال السبكي: وأنا لا أغيره، ولا أفتي ولا أحكم بتغييره مع أني لا أرى جوازه، قال: ورأيت بخط ابن الصلاح في "مجاميعه" عن جماعة عشرة أو يزيدون: الإفتاء بالصحة، وهو موافق لهم. وفي "المطلب" في باب قسم الفيء حكاية: الصحة عن المذهب، والمنع عن الشيخ أبي حامد، واختاره بعض مشايخ زمننا، والصحة في الجهة العامة أولى من المعين، ثم ذكر ابن الرفعة نصًا، قال: هو كالصريح في الصحة على المعين. قال السبكي: وليس صريحًا فيه، والذي أراه أن ما علم انتقاله إلى بيت المال بالميراث مثلًا. . فللإمام أن يخص به واحدًا بالمصلحة، وأما الوقف. . فيحتمل ويحتمل، وأما أراضيه من الفتوح في زمن عمر والخلفاء. . فلا يقف منها شيئًا ولا يبيعه، فإن بيعت في زمننا بأمره. . فلا أرى منعه؛ لعدم وضوح دليله، وينبغي أن يعرف الإمام عدم الجواز إن أمكن، وإلا. . اكتفى بأمره، ويسوغ البيع والحكم به بعد الأمر، وأما بدونه. . فلا، وإذا رأينا شيئًا منها بيد أحد ملكًا أو وقفًا. . لا نغيره. انتهى. وممن صحح وقف الإمام من بيت المال النووي في "فتاويه" وعلله بأن بيت المال لمصالح المسلمين، وهذا منها (¬1)، وفي "أصل الروضة" تبعًا للرافعي: لو رأى الإمام الآن أن يقف أرض الغنيمة كما فعل عمر رضي الله عنه. . جاز إذا استطاب قلوب الغانمين في النزول عنها بعوض أو بغير عوض (¬2). وقد يفهم اعتبارُ الملك من تصريح "المنهاج" بمنع وقف الحُرِّ والمستولدة والكلب المعلم (¬3)، وصرح "الحاوي" باعتباره، فقال [ص 394]: (في مملوكٍ معينٍ يُنقل، ويُفيد لا بفواته)، وقوله: (ويفيد لا بفواته) (¬4) أي: يحصل به منفعة وفائدة مع بقائه، واحترز بذلك عما لا يحصل الانتفاع به إلا باتفاقه وفواته كالنقدين، وهو معنى قول "التنبيه" [ص 136]: (ولا يصح إلا في عين ¬

_ (¬1) فتاوى النووي (ص 121) مسألة (196). (¬2) فتح العزيز (11/ 453)، الروضة (10/ 277). (¬3) المنهاج (ص 319). (¬4) انظر "الحاوي " (ص 394).

يمكن الانتفاع بها على الدوام) و"المنهاج" [ص 319]: (دوام الانتفاع به)، ثم قال "التنبيه" [ص 136]: (وما لا ينتفع به على الدوام؛ كالمشموم. . لم يجز) وعبر عن ذلك "المنهاج" بالريحان (¬1)، وعلل الرافعي والنووي ذلك بسرعة فسادها (¬2)، وهو يقتضي أن محله: في الرياحين المحصودة، وأنه يصح وقف المزروعة للشم؛ لأنها تبقى مدة، وفيها منفعة أخرى، وهي التنزه، وقد نبه عليه في "شرح الوسيط"، وقال: الظاهر: الصحة في المزروع، وقال ابن الصلاح: يصح وقف المشموم الذي ينتفع به على الدوام كالعنبر ونحوه، وسبقه إليه الخوارزمي في "الكافي"، فقال: يجوز وقف المسك للشم، وكل عطر له بقاء، وذلك يرد على تعبير "التنبيه" بالمشموم دون تعبير "المنهاج" بالريحان. 2966 - قول "المنهاج" [ص 319]: (ويصح وقف مشاع) يتناول وقفه مسجدًا، وبه صرح ابن الصلاح، وقال: يحرم المكث في جميعه على الجنب تغليبًا للمنع، قال: وتجب القسمة هنا؛ لتعينها طريقًا، قال السبكي: وقوله بوجوب القسمة مخالف للمذهب المعروف، إلا أن يكون نقل صريح في هذه المسألة بخصوصها، وأفتى البارزي بجواز المكث فيه ما لم يقسم، وقال ابن الرفعة: الذي يظهر أنه لا يصح وقف المشاع مسجدًا، واستضعفه السبكي، وقال: لا فرق بين المسجد وغيره. 2967 - قول "المنهاج" [ص 319] و"الحاوي" [ص 394]: (إنه لا يصح وقف مستولدة) قد يشكل عليه صحة وقف المعلق عتقه بصفة، وقد ذكره "الحاوي" قال [ص 394]: (ويعتق عند الصفة ويبطل الوقف) وقد استشكل ذلك؛ لأنه مفرع على الأصح: أن الملك في الوقف لله تعالى، وقد ذكر الرافعي والنووي بعد ذلك تفريعًا على هذا القول: أن الواقف لو وطئ الجارية الموقوفة بغير شبهة وأولدها. . لم تصر أم ولد (¬3)، فانتقاله إلى الله تعالى إن كان كانتقاله إلى الآدمي، فلا يعتق بتعليق ولا استيلاد؛ كما لو باعه ثم وجدت الصفة. . فإنه لا أثر لها، وإن لم يكن. . فيعتق؛ ولهذا قال في "النهاية" و"البسيط" في المعلق بصفة تفريعًا على هذا القول: إنه لا يعتق (¬4)، ذكره في " المهمات". 2968 - قول "المنهاج" [ص 319]: (إنه لا يصح وقف كلب معلم في الأصح) وكذا في "الروضة" وكتب الرافعي (¬5)، وحكى في "الكفاية" عن المعظم: القطع به، قال السبكي: ولعل ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 319). (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 253)، و"الروضة" (5/ 315). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 252)، و"الروضة" (5/ 315). (¬4) نهاية المطلب (8/ 399). (¬5) المحرر (ص 240)، فتح العزيز (6/ 253)، الروضة (5/ 315).

المراد: الاحتراز مما لا منفعة فيه؛ فإنه لا يقتنى، فأولى أن لا يوقف جزمًا، أما القابل للتعليم. . فالظاهر: طرد الخلاف فيه؛ فإن الأصح: جواز اقتناء الجرو للتعليم، فقوله: (معلم) (¬1) أي: مما يُعلّم. 2969 - قوله: (وَأحَدُ عبديه في الأصح) (¬2) عبر في "الروضة" بالصحيح (¬3). 2970 - قوله: (ولو وقف بناءً أو غراسًا في أرض مستأجرةٍ لهما. . فالأصح: جوازه) (¬4) فيه أمور: أحدها: كان ينبغي أن يقول: (له) لأن العطف بـ (أو) يفرد له الضمير، وقوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} مُؤول. ثانيها: محل الخلاف: إذا انفرد مالك البناء أو الغراس بوقفه، فلو وقف هذا أرضَه وهذا بناءَه أوغراسه. . صح قطعًا. ثالثها: ينبغي أن يستثنى من ذلك ما لو وقف البناء المذكور مسجدًا. . فلا يصح؛ لأن المساجد لا تكون منقولة، وهذا في معنى المنقول. رابعها: ليُعلم أن هذا ليس كسائر المستأجرات في تخيير المؤجر بعد انقضاء المدة بين الأمور الثلاثة المعروفة، بل ليس له تملكه بالقيمة، ولكنه يتخير بين الإبقاء بأجرة والقلع مع غرامة أرش النقص، فإن قلع. . فهو وقف كما كان، فيوضع في أرض أخرى، إلا أن لا يبقى به نفع. . فهل يصير ملكًا للموقوف عليه، أم للواقف؟ فيه وجهان بلا ترجيح، وفيهما بُعد، وينبغي بقاء الوقف فيه. وقال في "المهمات": الصحيح: ليس واحد منهما، بل الواجب شراء عقار، أو جزء من عقار، كما هو قياس نظائره. 2971 - قول "الحاوي" فيما لا يصح وقفه [ص 394]: (والمستأجر) أي: إذا استأجر دارًا فوقفها المستأجر. . لم يصح، أما لو أجر داره من غيره ثم وقفها المؤجر. . فالأصح: الصحة. 2972 - قول "التنبيه" [ص 136]: (فإن وقف على قاطع الطريق أو على حربي أو مرتد. . لم يجز) ممنوع في قاطع الطريق؛ فالأصح: صحة الوقف عليه إذا كان معينًا، وينبغي تقييد الصحة بما إذا لم يصفه مع تعيينه بقطع الطريق، فلو قال: (وقفت على زيد قاطع الطريق). . لم يصح؛ ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 319). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 319). (¬3) الروضة (5/ 315). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 319).

لأن في "فتاوي القاضي الحسين" قبيل (أدب القضاء): لو قال: (لله عليَّ عتق العبد الكافر). . لا يلزم؛ لجعله الكفر صفة له، بخلاف ما إذا أطلق هذا العبد وكان كافرًا. . فإنه يلزمه، قال: وعلى هذا لو قال: (وقفت على أهل الذمة). . لا يصح، ولو قال: على هؤلاء. . يصح وإن كانوا كفارًا. انتهى. وقول "المنهاج" [ص 319]: (فإن وقف على معيّن واحدٍ أو جمع. . اشترط إمكان تمليكه) يقتضي صحة الوقف على القاطع والحربي والمرتد؛ لإمكان تمليكهم، لكنه قال بعد ذلك: (إنه لا يصح على مرتد وحربي في الأصح)، ولو عبر بـ (جماعة) كما في "الروضة" وأصلها (¬1). . لكان أولى؛ لدخول الاثنين، وقول "الحاوي" [ص 395]: (على أهل تمليكه، لا بهيمةٍ وجنينٍ ومرتدٍّ وحربيٍّ) يقتضي أن المرتد والحربي ليسا من أهل التمليك، وفيه نظر، وعلل الرافعي منع الوقف عليهما: بأنهما مقتولان، لا بقاء لهما، والوقف صدقة جارية، فكما لا يوقف ما لا دوام له. . لا يوقف على من لا دوام له (¬2). وقال ابن الرفعة في "الكفاية": ولك أن تقول: وقف ما لا دوام له لا يبقى له أثر بعد فواته، وإذا مات الموقوف عليه أوَّلًا. . انتقل إلى من بعده، فمقصود الوقف حاصل، وهو الدوام، وتبعه في "المهمات". وقال السبكي: مال ابن الرفعة إلى الصحة، ولا سيما إذا قلنا ببقاء ملك المرتد، والذي قاله صحيح، وما عندي في ترجيح البطلان سوى انتفاء قصد القربة فيمن هو مقتول شرعًا وليس على دين الإسلام، فيقوى عندي البطلان في المرتد والحربي، والصحة في قاطع الطريق وإن تحتم قتله، وقال قبل ذلك: إنه لم ير في قاطع الطريق نقلًا، ولكن توقع البقاء مفقود فيه، فهو من هذه الجهة أولى بالبطلان، ومن جهة كونه مسلمًا يتقرب بإطعامه إلى أن يقتل أولى بالصحة. قلت: صرح صاحب "البيان" بصحة الوقف على الزاني المحصن، فقال لما حكى تعليل البطلان في الحربي والمرتد: وهذا يبطل بالزاني المحصن؛ فإنه مأمور بقتله، ويصح الوقف عليه (¬3). 2973 - قولهم: (لا يصح الوقف على جنين) (¬4) لم يحكوا فيه خلافًا، وفي كتب الرافعي والنووي الجزم به (¬5)، لكن في "البحر": أن الشيخ أبا محمد حكى في "المنهاج" وجهًا بصحة الوقف عليه كما يملك بالأرث. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (6/ 255)، الروضة (5/ 317). (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 255). (¬3) البيان (8/ 65). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 136)، و"الحاوي" (ص 395)، و"المنهاج" (ص 319). (¬5) انظر "فتح العزيز" (6/ 255)، و"الروضة" (5/ 317).

قال ابن الرفعة: وقد يتخرج على أن الوقف ينتقل إلى الله تعالى أو يبقى على ملك الواقف. قلت: وجزم أبو الفرج الزاز في "تعليقه" بالصحة، كما أفاد شيخنا الإمام البلقيني. 2974 - قول "التنبيه" [ص 136]: (إنه لا يصح الوقف على العبد) محله: ما إذا قصد نفسه، فلو أطلق. . صح، وكان وقفًا على سيده، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، ثم البطلان فيما إذا قصد نفس العبد، قال جماعة: إنه مبني على قولنا: إنه لا يملك، فإن ملكناه. . صح، ورده الرافعي: بأن محله: إذا ملكه سيده، وإلا. . لم يملك بلا خلاف، فلا يصح الوقف عليه من غير السيد (¬2). ورد ابن الرفعة ذلك: بأنه يملك على وجه بالقرض والشراء دون إذن، فبغير عوض أولى. وفي "المهمات" عن جماعة منهم الماوردي: أن الخلاف يجري أيضًا في غير السيد. وقال السبكي: الذي قاله ابن الرفعة صحيح، وقيد ابن الرفعة كونه عند الإطلاق وقفًا على السيد بالقول الجديد، فأفهم أنه على القديم يكون للعبد، وصوبه السبكي؛ أي: فيصح قطعًا، وفيمن هو له القولان، ولا يرد على المذكور هنا أن الأصح: صحة الوقف على الأرقاء الموقوفين لسدانة الكعبة وخدمة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن القصد هناك الجهة، فهو كالوقف على علف الدواب في سبيل الله. 2975 - قول "المنهاج" في إطلاق الوقف على البهيمة [ص 319]: (وقيل: هو وقف على مالكها) يقتضي أن محل الخلاف في المملوكة، فلو وقف على الوحوش أو الطيور المباحة. . لم يصح بلا خلاف، وبه صرح المتولي، وأقره الرافعي والنووي (¬3)، لكن قال الرافعي في (الوصية): إن الوصية على رأي وصية للبهيمة نفسها (¬4)، وحينئذ. . فلا يتجه فرق بين المملوكة وغيرها، وقوى السبكي شيئًا نقله الجوري، يقتضي الصحة في غير المملوكة. 2976 - قولهم: (إنه لا يصح الوقف على نفسه) (¬5) استثنى منه "الحاوي": ما لو وقف على الفقراء ثم صار فقيرًا. . فيجوز له الأخذ منه (¬6)، وهذا هو الذي قال الرافعي: يشبه أن يكون أظهر، لكن رجح في "الوسيط" المنع. انتهى (¬7). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 395)، المنهاج (ص 319). (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 255، 256). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 256)، و"الروضة" (5/ 318). (¬4) انظر "فتح العزيز" (7/ 19). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 136)، و"الحاوي" (ص 395)، و"المنهاج" (ص 319). (¬6) الحاوي (ص 395). (¬7) الوسيط (4/ 243)، وانظر "فتح العزيز" (6/ 258).

وممن جزم بالجواز الماوردي (¬1)، ورجحه السبكي، وممن جزم بالمنع البغوي في "فتاويه"، قال السبكي: ولو وقف على الفقراء وهو فقير. . لم أرها منقولة، وينبغي أن يكون فيها وجهان، أصحهما: الجواز، وللمسألتين إلتفات على المخاطب - بكسر الطاء - هل يدخل في الخطاب؟ قال: ولا وجه للمنع في الأولى من جهة الوقف على نفسه؛ لأنه لم يقصد، وفي "الكافي" للخوارزمي: لو وقف حائطًا على الفقراء على أن يأكل من ثمرته كواحد منهم. . لا يصح على أصح الوجهين، وإن وقف عليهم ولم يقل هذا وهو فقير يأكل معهم كواحد منهم. . فيدخل في العام ولا يدخل في الخاص على الأصح، قال السبكي: وعموم هذا اللفظ قد يقال: إنه يشمل هذه المسألة. ويستثنى أيضًا: ما لو شرط النظر لنفسه، وجعل لذلك أجرة. . ففيه وجهان مبنيان على أن الهاشمي إذا انتصب عاملًا للزكاة. . هل له سهم العامل؟ قال في "الروضة": الأرجح هنا: جوازه (¬2)، قال ابن الصلاح: ويتقيد ذلك بأجرة المثل، ولا يجوز الزيادة إلا من أجاز الوقف على نفسه (¬3). ويستثنى أيضًا ما ذكره في "الكفاية"، قال: طريق تصحيح الوقف على نفسه كما قال ابن يونس وصاحب "رفع التمويه": أن يقف على أولاد أبيه الذين صفتهم كيت وكيت، ويذكر صفات نفسه، قال: وينقدح فيه الخلاف فيما لو شرط النظر لنفسه وشرط أجرة، لولا أن الغزالي وجَّهَهُ بأن مطلق الوقف ينصرف إلى غير الواقف (¬4). وقال شيخنا الإمام البلقيني في هذه الحيلة: لا تخلو من نزاع؛ فإن الماوردي قال فيمن وقف على ولده ثم على ورثة ولده: لو مات الولد والأب وارثه. . هل يرجع عليه؟ وجهان، قال: فإذا ثبت لنا الخلاف في هذه المسألة. . ففي تلك الحيلة من طريق الأولى. انتهى (¬5). وفي "حاشية الكفاية" عن "فتاوى الغزالي": الجزم في هذه الصورة بعدم الاستحقاق، وعلله: بأنه يصير متيقنًا لاستحقاق وقف نفسه (¬6)، وذكر شيخنا الإسنوي أن ما نقله في "الكفاية" عن "رفع التمويه" غلط؛ فإنه إنما نقله عن غيره مضعِّفًا له، والظاهر: أنه أشار إلى ابن يونس، قال: ورأيت بخط بعض الفضلاء أن أبا علي الفارقي ذكر هذه الطريقة، وكان ابن يونس اعتمده ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 526). (¬2) الروضة (5/ 319، 320). (¬3) انظر "فتاوى ابن الصلاح" (1/ 364). (¬4) انظر "الوجيز" (1/ 425). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 527). (¬6) فتاوى الغزالي (ص 70).

فيها، وهي مردودة، وقال السبكي: المنع فيها أقرب؛ لأن قصد الجهة العامة فيها بعيد، وإنما قصد نفسه، وفي الصورة الأولى لو فرض أن لا فقير سواه. . فقد يقصد الجهة. 2977 - قول "المنهاج" في المسألة [ص 319]: (في الأصح) يقتضي أن الخلاف وجهان، وفي "الروضة" وأصلها: أن المنع محكي عن النص (¬1)، ومراده: في القديم؛ فإنه محكي عنه، وليس قديمًا مرجوعًا عنه؛ لأنه لم ينص في الجديد على خلافه، بل أشار فيه إلى البطلان، وجزم في "البحر" بالبطلان، وعزاه للقديم، ثم قال: وقال بعض أصحابنا بخراسان: فيه وجهان، وجعل الجرجاني في "الشافي" الخلاف قولين. 2978 - قول "التنبيه" [ص 136]: (ولا يجوز إلا على معروف وبر) يقتضي اعتبار القربة في الوقف على الجهة، وهو ما حكاه الإمام عن المعظم (¬2)، ورجحه السبكي، قال الرافعي: والأشبه بكلام الأكثرين: ترجيح كونه تمليكًا، وتصحيح الوقف على الأغنياء واليهود والنصارى والفساق، قال: ولكن الأحسن: توسط ذهب إليه بعض المتأخرين، وهو تصحيح الوقف على الأغنياء، وإبطال الوقف على اليهود والنصارى وقطاع الطريق وسائر الفساق؛ لتضمنه الإعانة على المعصية (¬3)، وتبعه في "الروضة" على استحسان هذا التوسط (¬4). واعترضه ابن الرفعة: بأنه خلاف قول الأصحاب كافة، قال: وصحته تتخرج على أن الأمة إذا اجتمعت على قولين. . هل يجوز إحداث قول ثالث غير خارج عنهما؟ . انتهى. والأكثرون في هذه المسألة الأصولية على المنع، لكن ليست هذه المسألة الفرعية من تلك القاعدة، وإنما هي من مسألة أخرى، وهي: ما إذا لم يُفصل مجتهدوا عصرٍ بين مسألتين، بل أجابوا فيهما بجواب واحد، فهل لمن بعدهم التفصيل بينهما؟ أجازه بعضهم مطلقًا، ومنع بعضهم مطلقًا، وذكر الإمام وتبعه البيضاوي: أنه يمتنع فيما إذا صرحوا بعدم الفرق بينهما، وفيما إذا اتحد الجامع بينهما كتوريث العمة والخالة، على أن بعض الناس توهم أنه لا فرق بين هاتين المسألتين الأصوليتين؛ لأن الآمدي وابن الحاجب جمعا بينهما وحكم عليهما بحكم واحد، لكن الفرق بينهما: أن هذه مفروضة فيما إذا كان محل الحكم متعددًا. . وتلك فيما إذا كان متحدًا، كذا فرق القرافي، وتبعه غير واحد، والأحسن عندي: أن يقال: إن تلك مفروضة في الأعم من كون المحل متعددًا ومتحدًا، وهذه في كونه متعددًا، وتبع "الحاوي" ما قال الرافعي: إنه الأشبه ¬

_ (¬1) فتح العزيز (6/ 258) الروضة (5/ 320). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (8/ 372). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 260). (¬4) الروضة (5/ 320).

بكلام الأكثرين، فقال: (وعدم معصية العامة) (¬1)، ومقتضاه: الصحة في جميع تلك الصور، وعبارة "المنهاج" [ص 319]: (أو لجهة لا تظهر فيها القربة كالأغنياء. . صح في الأصح)، فتناولت عبارته أيضًا جميع الصور، لكن قد يفهم من تمثيله اختصاص الحكم بالمثال، كما استحسنه في "الروضة" (¬2)، ولما استحسن الرافعي ذلك. . علل البطلان في تلك الصور بتضمنه الإعانة على المعصية (¬3)، وهذا يقتضي الجزم في هذه الصور بالبطلان كسائر جهات المعصية، ويوافقه أن الخوارزمي قال في "الكافي": ولا يصح الوقف على ما فيه معصية؛ بأن وقف على عمارة البيع والكنائس وكتبة التوراة والإنجيل، أو على الكفار أو الفساق أو السراق أو قطاع الطريق أو المقامرين، ثم قال بعد ذلك: ولو وقف على ما لا قربة فيه ولا معصية؛ بأن وقف على الأغنياء. . هل يصح؟ فيه وجهان. انتهى. ويمكن أن يقال: هذا الذي ذكره الرافعي والنووي من حكاية الخلاف في هؤلاء ثم تصحيحهما فيهم التفصيل بين الأغنياء وغيرهم. . طريقتان لا يجتمعان، فلما جمعهما الرافعي. . وقع في كلامه الخلل، فيقال: الوقف على الفسّاق ونحوهم منهم من جعله معصية. . فقطع فيه بالبطلان، ومنهم من جعله مباحًا. . فأجرى فيه الخلاف، فأما كوننا نجزم بطريقة الخلاف ثم نرجح فيهم البطلان ونعلله: بأن فيه إعانة على المعصية. . فلا اتجاه له؛ لأن مقتضى هذا التعليل الجزم بالبطلان كما تقدم، والله أعلم. 2979 - قول "المنهاج" [ص 319]: (وإن وقف على جهةِ معصيةٍ كعمارة الكنائس. . فباطلٌ). فيه أمور: أحدها: أنه يتناول إنشائها وترميمها، لكن قيد ابن الرفعة منع الوقف على الترميم بما إذا منعناه، ومقتضاه: أن الأصح: صحة الوقف على الترميم؛ لأن الأصح: أنهم لا يمنعون من إعادة ما استهدم منها، وقد يوافقه قول الرافعي والنووي: أما ما وقفوه قبل المبعث على كنائسهم القديمة. . فيقرر حيث تقرر الكنائس. انتهى (¬4). فقد يقال: إن مقتضاه: أن صحة الوقف لعمارتها تابع لتقريرها، وقد يقال: ليس في هذا إنشاء وقف، إنما هو تقرير على وقف كان قربة حين وقفه، والحق: أنه لا يجوز الوقف على ترميمها ولو لم نمنعهم منه؛ لأنه معصية إلا أنهم يقرون عليه كما يقرون على شرب الخمر ونحوه. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (6/ 260)، و"الحاوي" (ص 395). (¬2) الروضة (5/ 320). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 260). (¬4) انظر "فتح العزيز" (6/ 259)، الروضة (5/ 319).

ثانيها: مقتضى كلامه: أنه لا فرق بين أن يكون الواقف مسلمًا أو ذميًا، وهو كذلك، فإذا وقفوه ثم ترافعوا إلينا. . أبطلناه، وإلا. . لم نتعرض لهم حيث لا يمنعون من الإظهار، ولو قضى به حاكمهم ثم ترافعوا إلينا. . نقضناه، وكلام ابن الرفعة يفهم فيه خلافًا، وهو بعيد. ثالثها: المراد بالكنائس: الأماكن المعدة للعبادة، أما ما تنزله المارة. . فالنص وقول الجمهور: جواز الوصية ببنائها، قال ابن الرفعة: ويشبه أن الوقف كذلك. انتهى. وقال الماوردي: لو وقف دارًا على أن يسكنها فقراء اليهود؛ فإن جعل لفقراء المسلمين معهم نصيبًا. . جاز، وإلا فوجهان (¬1). وجه المنع: أنهم إذا انفردوا بسكناها. . صارت ككنائسهم. 2980 - قولهما: (ولا يصح إلا بالقول) (¬2) وهو مقتضى كلام "الحاوي"، فيه أمران: أحدهما: أن محله: في الناطق، أما الأخرس. . فيصح منه بالإشاره المفهمة، ولم يقيد السبكي بالمفهمة؛ لصحته في الباطن بدون إفهام، إلا أنه لا يترتب عليه شيء في الظاهر إلا مع الإفهام، ويصح منه أيضًا بالكتابة مع النية، والظاهر: صحته من غيره أيضًا بالكتابة مع النية على سبيل الكناية. ثانيهما: يستثنى منه: بناء مسجد في موات بقصده، قاله في "الكفاية" تبعًا للماوردي، ويقوم الفعل مع النية مقام اللفظ، ويزول ملكه عن الآلة بعد استقرارها في مواضعها. وأجاب السبكي: بأن الموات لم يدخل في ملك من أحياه مسجدًا، إنما احتيج إلى اللفظ لإخراج ما كان في ملكه عنه، وأما البناء. . فصار له حكم المسجد تبعًا، ولو استقل. . لاعتبر اللفظ، كما قال الروياني فيمن عَمر مسجدًا خرابًا، ولم يقف الآلة. . فهي له عارية، له الرجوع فيها متى شاء. انتهى. وخالف في ذلك الفارقي، وقال في "المهمات": قياس ما قاله الماوردي: إجراؤه في غير المسجد أيضًا من المدارس والربط وغيرها، وكلام الرافعي في (إحياء الموات) في مسألة حفر البئر في الموات يدل عليه؛ أي: حيث فرق بين حفرها بقصد التملك أو الارتفاق أو المارة (¬3). 2981 - قول "التنبيه" [ص 137]: (وألفاظه: "وقفت" و"حبست" و"سبلت") يقتضى أنه لا يكفي: (جعلته مسجدًا)، والأصح: خلافه، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، لكن ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 525). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 137)، و"المنهاج" (ص 319). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 238). (¬4) الحاوي (ص 394)، المنهاج (ص 319، 320).

قال بعدم الاكتفاء به المتولي والبغوي والأستاذ أبو طاهر، وحكاه في "المهمات" عن القفال والقاضي الحسين والخوارزمي وغيرهم، وقال: وصار المعروف خلاف ما رجحه الرافعي بحثًا (¬1)، واغتر به في "الروضة"، فجعله الأصح (¬2). واستشكل في "المهمات" الاكتفاء به: بأنه لو قال: (جعلت هذا للمسجد). . فهو تمليك لا وقف، فيشترط قبول القيم وقبضه كالهبة من الصبي، وبأن في "فتاوى القفال": لو قال: (جعلت داري هذه خانكاه للغزاة). . لم يصر وقفًا بذلك. قلت: ونص الشافعي في "المختصر" ظاهر في الاكتفاء بقوله: (جعلت البقعة مسجدًا) فإنه قال: واحتج محتج بقول شريح: لا حبس عن فرائض الله، ثم قال: ولو جعل عرصةً له مسجدًا. . لا يكون (¬3) حبسًا عن فرائض الله، فكذلك ما أخرج من ماله. . فليس يحبس عن فرائض الله. انتهى (¬4). وصرح المتولي بالاكتفاء به أيضًا، فتناقض كلامه، وفي "الكفاية" عن القاضي حسين: أن محل الخلاف: عند عدم النية؛ فإن قصد به الوقف. . أصار مسجدًا] (¬5). 2982 - قول "المنهاج" [ص 320]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 394]: (ولو قال: "تصدقت بكذا صدقةً محرمةً" أو "موقوفة" أو "لا تباع ولا توهب". . صريح في الأصح) فيه أمور: أحدها: استشكل السبكي جريان الخلاف في قوله: (صدقة موقوفة)، وقال: وهو بعيد؛ لأنه لم يحك في "المنهاج" خلافًا إذا انفردت لفظة الوقف، فكيف إذا اجتمعت مع غيرها يثبت خلاف؟ ! ، فضلًا عن أن يكون الخلاف قويًا مشارًا إليه بقوله: (الأصح)، ولولا وثوقي بخط المصنف و"المنهاج" عندي بخطه. . لكنت أتوهم أن مكان (موقوفة) (مؤبدة) كما ذكره أكثر الأصحاب تبعًا للشافعي. قلت: ومنهم صاحب "التنبيه" لم يذكر موقوفة، وذكر بدلها مؤبدة (¬6)، قال شيخنا ابن النقيب: لكن الخلاف محكي من خارج؛ لأن في صراحة لفظ الوقف وجهًا، فطرد مع انضمامه لغيره، لكنه ضعيف جدًا، فكيف يعبر عن مقابله بالأصح (¬7)؟ ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (6/ 263). (¬2) الروضة (5/ 323). (¬3) في النسخ: (أيكون)، والذي في "المختصر" هو ما أثبت، ولعله الصواب. (¬4) مختصر المزني (ص 133). (¬5) في (أ): (صار وقفًا). (¬6) التنبيه (ص 137). (¬7) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 318).

ثانيها: مقتضى كلامه: أنه لا يكفي الاقتصار على نفي البيع وحده والهبة وحدها، بل لا بد من الجمع بينهما، وقال ابن الرفعة: إنه لا يشترط الجمع بينهما، بل أحدهما يكفي، قال: وعلى قياسه ينبغي الاكتفاء بقوله: (لا تورث)، وتبعه في "المهمات" ولهذا اقتصر "التنبيه" على قوله [ص 137]: (لا تباع). وقال السبكي: فيه نظر؛ لأن المأخذ مجيئهما في حديث عمر، وعبارة الشافعي: (لا تباع ولا توهب، أو لا تورث) (¬1) بـ (الواو) أولًا كحديث عمر، وبـ (أو) ثانيًا. قلت: هذا تمسك بالأثر، وهو قابل للتأويل، وما ذكره ابن الرفعة فقه لا يرد، وقد ظهرت المسألة منقولة، ذكرها الروياني في "البحر"، وصحح ما قاله ابن الرفعة، فقال بعد القرائن التي لا بد أن ينضم بعضها إلى لفظ الصدقة: والثانية أن يقول: صدقة لا تباع ولا تورث ولا توهب، ذكره بعض أصحابنا، وقيل: يقول: صدقة لا تباع أو لا توهب أو لا تورث، وهذا أصح. ثالثها: قال في "المهمات": في المسألة إشكال آخر، وهو: أن الكناية في غير هذا لم يلحقوها بالصرائح؛ لأجل وجود لفظ آخر، وقد أخذ ذلك من السبكي؛ حيث قال: قد جاء في هذا الباب نوع غريب لم يأت مثله إلا قليلًا، وهو انقسام الصريح إلى ما هو صريح بنفسه وإلى ما هو صريح مع غيره. انتهى. فلم يجعل ذلك إشكالًا، والله أعلم. 2983 - قول "التنبيه" [ص 137]: (وإن قال: "تصدقت". . لم يصح الوقف حتى ينويه) يقتضي أنه لا فرق في ذلك بين الوقف على الجهة والمعين، وليس كذلك، بل الأصح في المعين: أنه لا يكون وقفًا، بل ينفذ فيما هو صريح فيه، وهو محض التمليك، كما حكاه الرافعي والنووي عن الإمام من غير مخالفة (¬2)، ولذلك قال "المنهاج" [ص 320]: (وقوله: "تصدقت" فقط. . ليس بصريح وإن نوى، إلا أن يضيف إلى جهة عامة وينوي) ومقتضاه: أن هذا اللفظ مع النية يكون صريحًا في الجهة، وكذا عبارة الرافعي؛ حيث قال: التحق بالصريح على الصحيح (¬3)، لكن عدّه "الحاوي" من الكنايات (¬4)، وهو يقتضي اعتبار النية فيه، وعبارة "المحرر" لا تنافي ذلك؛ حيث قال: (إن "تصدقت" ليس صريحًا، ولو نوى. . لم يحصل الوقف أيضًا، إلا إذا أضاف إلى جهة عامة) (¬5)، وكذا عبارة "الروضة" حيث قال: فوجهان: ¬

_ (¬1) انظر "الأم" (4/ 57). (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 264، 265)، و"الروضة" (5/ 323). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 264). (¬4) الحاوي (ص 394). (¬5) المحرر (ص 241).

أحدهما: أن النية لا تلتحق باللفظ في الصرف عن صريح الصدقة إلى غيره، وأصحهما: يلتحق، فيصير وقفًا (¬1)، واختار السبكي حصول الوقف في المعين أيضًا بلفظ الصدقة مع النية، قال: وممن أطلق ذلك الماوردي (¬2) والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ، وزاد فقال: إذا نوى. . صار وقفًا في الباطن دون الظاهر، فإن اعترف أنه أراد الوقف. . قبل منه، وإن قال: ما أردت. . قبل، فإن أنكر المتصدق عليه. . كان القول قوله مع يمينه؛ لأنه أعرف بنيته، قال: وهذا الكلام من ابن الصباغ يقتضي جريانه في المعين. انتهى. قال الرافعي: ولك أن تقول: تجريد لقظ الصدقة عن القرائن اللفظية يمكن تصويره في الجهة العامة؛ كتصدقت على الفقراء، ولا يمكن في معينين إذا لم نجوز الوقف المنقطع؛ فإنه يحتاج إلى بيان المصارف بعد المعينين، وحينئذ. . فالمأتي به لا يحتمل غير الوقف؛ كقوله: تصدقت به صدقة محرمة أو موقوفة (¬3). 2984 - قول "التنبيه" [ص 137]: (وفي قوله: "حرَّمت" و"أبَّدت" وجهان) الأصح: أنهما كنايتان، وعليه مشى "الحاوي" و" المنهاج"، وعبارته: (والأصح أن قوله: "حرَّمته" أو "أبَّدته" ليس بصريح) (¬4)، قال السبكي: ولو عطفه بالواو. . أفاد أن جمعهما غير صريح، فأحدهما أولى، وعطفه بأو ساكت عن جمعهما. قال شيخنا ابن النقيب: لكنه يعكر على إثبات الكناية، فلا يلزم من كونهما يفيدانها أن تفيدها أحدهما (¬5)، 2985 - قول "المنهاج" [ص 320]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 395]: (وأن الوقف على معين يشترط فيه قبوله) حكى في "الروضة" وأصلها تصحيحه عن الإمام وآخرين (¬6)، وحكى مقابله عن البغوي والروياني (¬7)، وهو مقتضى تعبير "التنبيه" فإنه ذكر الإيجاب، ولم يشترط القبول، ثم قال: (وإن وقف على رجل بعينه ثم على الفقراء، فرد الرجل) (¬8)، وذلك يقتضي أنه لا يشترط عنده القبول، بل يشترط أن لا يرد، وقال السبكي: إن عدم الاشتراط ظاهر نصوص ¬

_ (¬1) الروضة (5/ 323). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 518). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 265). (¬4) الحاوي (ص 394)، المنهاج (ص 320). (¬5) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 320). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (8/ 344)، و"فتح العزيز" (6/ 265)، و"الروضة" (5/ 324). (¬7) انظر "التهذيب" (4/ 517). (¬8) التنبيه (ص 136).

الشافعي في غير موضع، واختاره الشيخ أبو حامد وسليم وابن الصباغ والمتولي كما يقتضيه كلامه، والماوردي والنووي في (السرقة) (¬1)، وابن الصلاح (¬2) وصاحب "الاستقصاء" والخوارزمي في "الكافي"، وهو المختار. انتهى. وعبارة النووي: المختار: أنه لا يشترط (¬3). قال في "المهمات": والمختار في "الروضة": ليس هو في مقابلة الأكثرين، بل بمعنى: الصحيح والراجح، ونقل في "شرح الوسيط" عن الشافعي: أنه لا يشترط، وصححه خلائق منهم الماوردي. انتهى. وممن حكى السبكي عنه الاشتراط: القاضي حسين والفوراني والجوري، وإذا قلنا به. . فليكن القبول متصلًا بالإيجاب كما في البيع والهبة. 2986 - قول "المنهاج" [ص 320]: (ولو رد. . بطل حقه شرطنا القبول أم لا) خالف فيه البغوي، فقال: إنه لا يرتد برده (¬4). وفي "أصل الروضة": إنه شاذ (¬5)، لكن وافقه عليه صاحبه الخوارزمي في "الكافي". وقال شيخنا الإمام البلقيني: نص في "الأم" على ما يقتضي أن القبول ليس بشرط، وأنه لا يرتد برد الموقوف عليه كما قال البغوي، فقال في الصدقات المحرمات: ولم يخالفه - يعني: العتق - إلا في أن المعتق يملك منفعة نفسه وكسبها، وأن منفعة هذه مملوكة لمن جُعلت له. انتهى (¬6). قال شيخنا: وهذا هو الأقوى، والله أعلم. وقوله: (بطل حقه) (¬7) أي: من الوقف كما صححوه، وقال الماوردي: من الغلة، فعلى الأول: إن كان البطن الأول. . صار منقطع الأول، فيبطل كله على الصحيح، أو الثاني. . فمنقطع الوسط. 2987 - قول "الحاوي" [ص 395]: (وعدم رد البطن الثاني) يقتضي أنه لا يشترط قبولهم، وهذه طريقة الإمام والغزالي (¬8)، وأجرى المتولي الخلاف في اشتراط قبولهم وارتداده بردهم، إن ¬

_ (¬1) انظر "الروضة" (10/ 144). (¬2) انظر "فتاوى ابن الصلاح" (1/ 366). (¬3) انظر "الروضة" (10/ 144). (¬4) انظر "التهذيب" (4/ 517). (¬5) الروضة (5/ 324، 325). (¬6) الأم (4/ 105). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 320). (¬8) انظر "نهاية المطلب" (8/ 379)، و"الوجيز" (1/ 425).

فصل [في تعليق الوقف]

قلنا: يتلقون من الواقف. . فهم كالبطن الأول، أو من الأول. . فلا يعتبر قبولهم ولا ردهم، قال الرافعي في "الشرحين" و"التذنيب": وهذا أحسن. انتهى (¬1). والأصح: أنهم يتلقون من الواقف، ومقتضى ذلك: اشتراط قبولهم كالبطن الأول، قال السبكي: لكن الذي يتحصل من كلام الشافعي والأصحاب أنه لا يشترط قبولهم وإن شرطنا قبول البطن الأول، وأنه يرتد برد البطن الثاني كما يرتد برد الأول على الصحيح فيهما، هذا مقتضى نص الشافعي والجمهور، وهو أولى مما استحسنه الرافعي. انتهى. وقال شيخنا الإمام البلقيني: لا يبعد أن يرجح عدم الاشتراط وإن قلنا بالتلقي من الواقف؛ لأنهم خلفا عن المستحقين أولًا، وقد تم الوقف أولًا، فلا حاجة إلى قبول ثان، أما الجهة العامة. . فلا يشترط فيها القبول قطعًا، قال الرافعي: ولم يجعلوا الحاكم نائبًا في القبول كنيابته في استيفاء القصاص والأموال، ولو صاروا إليه. . لكان قريبًا (¬2). وقال السبكي: إن عدم الاشتراط في الوقف؛ لأنه محض حق الله، قال: وإذا أردنا تخريجه على سنن العقود. . قلنا: ندب الشارع إليه كالاستيجاب، ووقفه كالإيجاب، فيتم العقد به، والفرف بينه وبين الاستيفاء: أنه لا بد له من مباشر، بخلاف هذا، قال: ولو استُدِل بأن الله يقبل الصدقات والوقف منها. . لكان من أحسن الاستدلال. انتهى. فصلٌ [في تعليق الوقف] 2988 - كذا في "المحرر" فَصَل به بين الأركان (¬3)، وهي: الواقف، والموقوف، والموقوف عليه، والصيغة، والشرائط، وهي: التأبيد، والتنجيز، وبيان المصرف، والإلزام، ولم يعقد لذلك "المنهاج" فصلًا. 2989 - قول "التنبيه" [ص 137]: (وإن علق انتهاءه، بأن قال: "وقفت هذا إلى سنة". . بطل في أحد القولين، وصح في الآخر، ويُصرف بعد السنة إلى أقرب الناس إلى الواقف) الأصح: الأول، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 395]: (لا مؤقتًا) و"المنهاج" فقال [ص 320]: (ولو قال: "وقفت هذا سنة ". . فباطلٌ) وقال السبكي: قوله: (وقفته سنة) فيه تأقيت، وسكوت عن المصرف، فللبطلان سببان، فإن ذكر مصرفًا، بأن قال: (على زيد سنة). . ففيه تأقيت ¬

_ (¬1) فتح العزيز (6/ 266)، التذنيب (ص 609). (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 265). (¬3) المحرر (ص 241).

وانقطاع آخر، أو (على الفقراء سنة). . فتأقيت فقط. قلت: إنما قصد "المنهاج" وغيره التمثيل للمؤقت، أما السكوت عن المصرف. . فهو مذكور بعد هذا، فلم يحتج إلى التصريح بحكمه هنا. وقال السبكي: ذكر القاضي أبو الطيب والمتولي وغيرهما المسألة من صور منفطع الآخر، ومقتضاه: أن يكون الأصح: صحة الوقف مؤبدًا، وإليه مال ابن الرفعة، لكن الإمام قال: إن التأقيت أولى بالفساد من المنقطع الآخر (¬1)، والذي قاله هو الصواب، وهو الموافق لترجيح الرافعي: فساد الوقف من أصله (¬2)، وهو الذي نختاره سواء كان الوقف على معين أم على جهة لا تضاهي التحرير، أما ما يضاهي التحرير. . فأنا أميل فيه إلى ما قاله الإمام من الصحة مؤبدًا. 2990 - قول "التنبيه" [ص 136]: (فإن وقف على من يجوز ثم على من لا يجوز. . بطل الوقف في أحد القولين، ويصح في الآخر، ويرجع إلى أقرب الناس إلى الواقف) فيه أمران: أحدهما: أن الأصح: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬3). ثانيهما: أنه لا يحتاج إلى ذكر من لا يجوز، بل يكفي أن يقف على من يجوز ممن ينقرض سواء ذكر بعده من لا يجوز أو سكت؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 320]: (ولو قال: "وقفت على أولادي" أو "على زيد ثم نسله" ولم يزد)، و"الحاوي" [ص 396]: (وإن انقطع)، وتعبير "المنهاج" عن الصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف بـ (الأظهر) (¬4) يقتضي أن الخلاف أقوال، وفي "الروضة" أوجه (¬5)، قال الإمام: ولعلها تخريجات ابن سريج (¬6). 2991 - قول "التنبيه" [ص 136]: (وهل يختص به فقراؤهم أو يشترك فيه الأغنياء والفقراء؟ فيه قولان) أصحهما: الأول، وعن ابن سريج: القطع به، وحكاه الماوردي عن الجمهور (¬7)، وإذا قلنا بالاختصاص. . فهل هو على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ حكى فيه السرخسي وجهين لا ترجيح فيهما في "الروضة" وأصلها (¬8)، وقال في "التوشيح": الذي يظهر اختصاصه بما إذا كان له أقارب فقراء أو أغنياء، أما إذا تمحض أقاربه أغنياء. . تعين الصرف إليهم قولًا واحدًا، ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (8/ 349). (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 267). (¬3) الحاوي (ص 396)، المنهاج (ص 320). (¬4) المنهاج (ص 320). (¬5) الروضة (5/ 326). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (8/ 350). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 522). (¬8) فتح العزيز (6/ 268، 269)، الروضة (5/ 326).

قال: وقد وقع عندي هذا في المحاكمات، وحكمت به. قلت: هو خلاف المنقول؛ فقد قال في "الكفاية": لو كان الكل أغنياء. . فهو كما لو كانوا فقراء وانقرضوا، وقد قال ابن الصباغ في ذلك: إنه يصرف إلى الفقراء والمساكين، وقال في "البحر": الذي نص عليه الشافعي أن الإمام يجعلها حُبسًا على المسلمين يصرف غلتها في مصلحتهم، ثم قال في "التوشيح": إنه فيما يظهر إنما هو فيما إذا لم يطلب الأغنياء، واستبد الحاكم بالصرف. . فإنه على وجه: يراعي الأصلح ويخص به فقراؤهم، وعلى آخر: يعمم جهة القرابة، أما إذا طلب الأغنياء الصرف. . فيظهر أن يتعين الصرف إليهم أيضًا؛ لأنهم أقارب، والمرعي جهة القرابة، والأصح: أنها قرابة الرحم لا الإرث، فدل على أن المراد: الوصلة، وهي مطلوبة في الأغنياء كما هي مطلوبة في الفقراء، فمتى طلبوا ومنعوا. . كان في هذا ما يضاد الوصلة التي طلبها الشارع، ويشهد لهذا قول الوالد في الخلاف المحكي فيما إذا ادعى على ميت أو صبي. . هل يحلف مع البينة وجوبًا أو استحبابًا؛ أن هذا الخلاف إنما هو في الحاكم، أما الخصم إذا طلبه. . قال: فيجب لا محالة. انتهى. وهو ضعيف جدًا. 2992 - قوله: (وإن وقف على من لا يجوز، ثم على من يجوز. . فقد قيل: يبطل قولًا واحدًا، وقيل: فيه قولان، أحدهما: يبطل، والآخر: يصح) (¬1) فيه أمران: أحدهما: لم يصحح الرافعي والنووي واحدًا من الطريقين، وإنما صححا البطلان على الجملة (¬2)، ولهذا قال "المنهاج" [ص 320]: (المذهب: بطلانه) وذلك يدل على طريقين من غير دلالة على ترجيح أحدهما، وعليه مشى "الحاوي" (¬3)، وصحح الماوردي طريقة القطع بالبطلان (¬4)، وحكاها في "المطلب" عن الجمهور. ثانيهما: لا يتوقف تصوير منقطع الأول على أن يقف أولًا على من لا يجوز، بل لو سكت عن المصرف أولًا ثم ذكر بعده مصرفًا صحيحًا مؤبدًا. . كان من ذلك؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 320]: (ولو كان الوقف منقطع الأول؛ كـ "وقفته على من سيولد لي") لكن في هذا المثال نقص، وينبغي أن يقول: (ثم على الفقراء)، وإلا. . كان منقطع الأول والآخر، فإن قلنا بالبطلان في منقطع الأول فقط فهنا أولى، وإلا. . فالأصح: بطلانه أيضًا. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 136). (¬2) فتح العزيز (6/ 269)، الروضة (5/ 327). (¬3) الحاوي (ص 396). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 523).

2993 - قول "التنبيه" تفريعًا على الصحة في منقطع الأول [ص 136]: (وإن كان ممن يمكن اعتبار انقراضه كالعبد) إلى أن قال: (وقيل: يكون لأقرباء الواقف إلى أن ينقرض ثم يصرف إلى من يجوز الوقف عليه) هذا هو الأصح تفريعًا على هذا الضعيف. 2994 - قوله: (وإن وقف على رجل بعينه ثم على الفقراء فرد الرجل. . بطل في حقه، وفي حق الفقراء قولان) (¬1) صحح النووي في "تصحيح التنبيه": أنه يصح في حق الفقراء، قال: ومصرفه كمنقطع الأول وحكمه ما سبق (¬2). وقوله: (ومصرفه كمنقطع الأول) أي: أنه من حين الوقف إلى انقراض الرجل يكون مصرفه مصرف منقطع الأول، وقد سبق حكمه؛ يعني: الأقوال من الأقرب إلى الواقف وغيره، والذي في "الروضة" وأصلها في هذه الصورة: أنه منقطع الأول (¬3)، وقد عرفت أن الوقف المنقطع الأول باطل، فتصحيح الصحة حينئذ معترض، وإنما يتمشى على ما حكاه ابن الرفعة: من أن المأخذ في حق الفقراء الخلاف في أن تلقي البطن الثاني من الواقف أو من البطن الأول، أو الخلاف في تفريق الصفقة، وقال في "المهمات": في هذه الصورة المعروفة البطلان. 2995 - قوله: (وإن وقف وسكت عن السبل. . بطل في أحد القولين) (¬4) هو الأظهر عند الجمهور، وهو مفهوم من اعتبار "الحاوي" الموقوف عليه في قوله [ص 395]: (على أهل تمليكه)، ثم قال: (وعدم معصية العامة) (¬5)، وممن اختار الصحة الشيخ أبو حامد وصاحبا "المهذب" (¬6) و"الشامل" والروياني وابن أبي عصرون، قال السبكي: وأنا أميل إليه، ثم قال بعد ذلك: والذي أقوله: أنه متى قال: (لله). . صح لا شك عندي في ذلك؛ لحديث أبي طلحة، قال: (هي صدقة لله) (¬7)، وأما إذا اقتصر على (وقفت هذا). . فلم يقو عندي اختيار الصحة فيه؛ لأنه قد يريد: وقفته لمصالحي، وما أشبه ذلك. انتهى. قال الرافعي: واحتجوا لهذا القول بأنه لو قال: (أوصيت بثلث مالي) واقتصر عليه. . تصح الوصية، وتصرف إلى الفقراء والمساكين، قال: وهذا إن كان متفقًا عليه، فالفرق مشكل (¬8)، ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 136). (¬2) تصحيح التنبيه (1/ 418). (¬3) فتح العزيز (6/ 269)، الروضة (5/ 327، 328). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 136). (¬5) الحاوي (ص 395). (¬6) المهذب (1/ 442). (¬7) أخرجه البخاري (1392)، (2193)، ومسلم (998). (¬8) انظر "فتح العزيز" (6/ 275).

قال النووي في "الروضة": الفرق أن غالب الوصايا للمساكين، فحمل المطلق عليه بخلاف الوقف؛ ولأن الوصية مبنية على المساهلة، فتصح بالمجهول والنجس، وغير ذلك بخلاف الوقف. انتهى (¬1). فهاذان فرقان واضحان، ومع ذلك فليست مسألة الوصية متفقا عليها؛ ففي "الكفاية" عن المتولي: أنه إذا أوصى بثلث ماله، ولم يعين الجهة. . كان في صحة الوصية الخلاف المذكور. 2996 - قولهم: (ولا يجوز تعليقه) (¬2) استثني منه: التعليق بالموت، كقوله: (وقفت داري على الفقراء بعد موتي)، فأفتى الأستاذ أبو إسحق وساعدوه بوقوع الوقف بعد الموت كعتق المدبر، قال الإمام: وهو تعليق على التحقيق، بل زائد عليه؛ فإنه إيقاع تصرف بعد الموت (¬3). وقال الرافعي: هذا كأنه وصية؛ لقول القفال في "فتاويه": لو عرضها على البيع. . كان رجوعًا (¬4). وقال السبكي ما معناه: إن ما أفتى به الأستاذ نص الشافعي وكلام المتولي يوافقانه، ولا أرى أن فيه خلافًا عندنا، وإن قال ابن الرفعة: أن الخلاف يطرقه. . فليس كما قال. انتهى. 2997 - قول "المنهاج" [ص 320]- واللفظ له - و"الحاوي" [ص 396]: (والأصح: أنه إذا وقف بشرط ألا يؤجر. . اتُبع شرطه) حكى الرافعي تصحيحه عن الإمام والغزالي (¬5)، وأرسل تصحيحه في "الشرح الصغير" و"أصل الروضة" (¬6). وفهم من اتباع شرطه في منع الإجارة أنه لا يمتنع على الموقوف عليه في هذه الصورة الإعارة، وبه صرح السبكي؛ وعلله: بأن من ملك منفعة. . ملك إعارتها، وقد يتوقف في ملكه المنفعة لكونه ممنوعًا من الإجارة، ويقال: إنما ملك أن ينتفع كما قلنا بمثل ذلك في المستعير، وعلى الأصح في منع الإجارة لو كان الوقف على جماعة تهايئوا في السكن وأقرعوا بينهم، قاله الجوري، وقال: لو كان الوقف عبدًا أو حيوانًا. . فنفقته على من هو في يده. قال ابن الرفعة: ويظهر هنا وجوب المهايأة؛ لأن بها يتم مقصود الوقف وينحفظ، فإن إخلاءَهُ مفسدة. قال السبكي: وهذا بعيد؛ فإنه لا يجب على الموقوف عليه أن يسكن، ومقصود الواقف يتم بإباحة الانتفاع. ¬

_ (¬1) الروضة (5/ 331). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 137)، و"الحاوي" (ص 394)، و"المنهاج" (ص 320). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (8/ 357). (¬4) انظر "فتح العزيز" (6/ 270). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (8/ 397)، و"الوجيز" (1/ 426)، و"فتح العزيز" (6/ 273). (¬6) الروضة (5/ 329، 330).

2998 - قول "الحاوي" [ص 398]: (والمسجد حر) أخذ منه أنه لا اختصاص لأحد من المسلمين به، فيرد عليه ما إذا خصه الواقف بطائفة معينة، وقد ذكره "المنهاج" بقوله [ص 320، 321]: (وأنه إذا شرط في وقف المسجد اختصاصه بطائفةٍ كالشافعية. . اختص كالمدرسة والرباط) وفيه أمور: أحدها: أنه يحتمل أن يكون المراد: اختصاص تلك الطائفة بالصلاة فيه حتى لا يشاركهم في ذلك غيرهم، وعبارة القفال وصاحب "البيان" موافقة له (¬1)، ويحتمل أن يكون المراد: إقامة الصلاة فيه على شعار الشافعي ومذهبه، وعبارة الغزالي في "البسيط" والرافعي موافقه له (¬2). ثانيها: اختار السبكي أنه لا يختص إذا صرح بجعله مسجدًا؛ لقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} وقوله عليه الصلاة والسلام: "إن المساجد لم تُبْنَ لهذا" (¬3)، إلا أن يريد: أن لا يقام في المسجد إلا شِعَارُ مذهب خاص. . فيتبع في ذلك ما لم يكن ذلك ذا بدعة. ثالثها: قال الرافعي: الخلاف فيما إذا وقف دارًا ليصلي فيها أصحاب الحديث، فإذا انقرضوا. . فعلى عامة المسلمين، أما إذا لم يتعرض للانقراض. . فقد ترددوا فيه (¬4)، وقال النووي: يعني: اختلفوا في صحة الوقف؛ لاحتمال انقراض هذه الطائفة، والأصح أو الصحيح: الصحة (¬5). قال في "المهمات": ومدرك التردد احتمال انقراض هذه الطائفة، فيكون منقطع الآخر، قال: وقد جزم القفال في "فتاويه" بصحة هذا الوقف، وأنه لو بقي واحد. . كان له منع الغير. رابعها: قوله: (كالمدرسة والرباط) تنظير وليس بتمثيل؛ فإنه متفق على الاختصاص فيهما، والمقبرة تترتب على المسجد، وأولى بالاختصاص إلحاقًا لها بالمدرسة. 2999 - قول "المنهاج" [ص 321]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 396]: (ولو وقف على شخصين ثم الفقراء فمات أحدهما. . فالأصح المنصوص: أن نصيبه يُصرف إلى الآخر) في "الروضة" وأصلها أنه يحكى عن نصه في "حرملة"، ومقابله عن أبي على الطبري: أنه للمساكين، قال الرافعي: والقياس: وجه ثالث، وهو: أن لا يصرف إلى صاحبه ولا إلى المساكين، ويقال: صار الوقف في نصيب الميت منقطع الوسط، قال في "الروضة": معناه: ¬

_ (¬1) البيان (8/ 98) (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 273، 274). (¬3) أخرجه مسلم (568) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (¬4) انظر "فتح العزيز" (6/ 274). (¬5) انظر "الروضة" (5/ 331).

فصل [فيما لو وقف على أولاده وأولاد أولاده]

يكون مصرفه مصرف منقطع الوسط لا أنه يجيء خلاف في صحة الوقف (¬1). وقال في "المهمات": هذا الترجيح الذي ذكره للوجه الثالث ذكره أيضًا في "الشرح الصغير"، ولم يذكر ترجيح غيره أصلًا، ومقتضاه: أن يكون هو الراجح عنده، وفي بعض نسخ "الكبير" (أحدهما) بدل (أظهرهما)، وأسقط في "الروضة" كون الثالث وجهًا، وحكاه في صورة البحث، وصرح الرافعي في أول الباب الثاني بحكايته وجهًا. انتهى (¬2). وأخذ ابن الرفعة في "المطلب" كلام الرافعي على ظاهره، فقال: في قوله: منقطع الوسط؛ أي: حتى يأتي في صحته ومصرفه إذا صح ما تقرر فيه. فصلٌ [فيما لو وقف على أولاده وأولاد أولاده] 3000 - قول "المنهاج" [ص 321]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 396]: (قوله: "وقفت على أولادي وأولاد أولادي" يقتضي التسوية بين الكل) قال ابن الرفعة: ومن يقول: (الواو) للترتيب. . ينبغي أن يقدم الأولاد، ولم يذكروه؛ أي: وقد حكى الماوردي في صفة الوضوء عن أكثر أصحابنا: أنها للترتيب (¬3)، ومنع الجمهور دخول (أل) على (كل)، وأجاَزَهُ الأخفش والفارسي. 3001 - قول "المنهاج" [ص 321]: (وكذا لو زاد: "ما تناسلوا"، أو "بطنًا بعد بطن") قد يقتضي أن ذلك له مدخل في الدلالة على التسوية، وليس كذلك، بل ذلك لا يقتضي تسوية ولا ترتيبًا، فتأتي مع (الواو) و (ثم) ولا تغير معناهما، وإنما يقتضي التعميم، فقوله: (ما تناسلوا) بمنزلة وإن سفلوا؛ فكأنه قال: وعلى أعقابهم ما تناسلوا، والضمير في (تناسلوا) لأولاد الأولاد؛ أي: هم وأنسالهم على سبيل المجاز؛ ليفيد فائدة زائدة، وقوله: (بطنًا بعد بطن) أي: يعم، فيشارك البطن الأسفل البطن الأعلى؛ ولذلك كان قول "الحاوي" [ص 396]: (والواو للشركة، وإن زاد: "ما تناسلوا"، أو "بطنًا بعد بطنٍ") أحسن، وما ذكراه من أن هاتين اللفظتين تدلان على التعميم دون الترتيب. . قال السبكي: لم أره لغير البغوي والرافعي (¬4)، قال: والذي يقتضيه كلام الماوردي وقاله جماعة - وهو الصحيح -: أن اسم الولد إن شمل ولد ¬

_ (¬1) فتح العزيز (6/ 275)، الروضة (5/ 332). (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 277). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (1/ 139). (¬4) انظر "التهذيب" (4/ 523)، و"فتح العزيز" (6/ 267، 277).

الولد. . فكالمسألة الآتية، وإلا - وهو الأصح -. . كان مرتبًا بين البطنين فقط، فإذا انقرض الأول. . كان للثاني، ثم ليس لأولادهم شيء، بل إن ذكر مصرفًا آخر. . صرف إليه، وإلا. . كان منقطع الآخر (¬1). وحكى في "المهمات" عدم الترتيب أيضًا عن أبي عاصم العبادي والفوراني، والترتيب عن البندنيجي والماوردي والإمام والغزالي وصاحب "الذخائر" (¬2)، قال: وصححه القاضي حسين وصاحب "التعجيز"، وأفتى به الشيخ تقي الدين بن رزين، قال في "المهمات": وكأن الرافعي لم يمعن علي هذه المسألة؛ فإنه نقل الترتيب عن بعض أصحاب الإمام (¬3)، وهو مقطوع به في كلام الإمام نفسه، قال: ولفظة (بعد) أصرح في الترتيب من (ثم) و (الفاء) وغيرهما، وقد جزم فيها بالترتيب. قلت: لم يتعين في لفظة (بعد) الدلالة على أن استحقاق البطن الثاني مشروط بانقراض الأول؛ فقد يكون معناها الدلالة على استحقاق البطن الكائن بعد البطن الأول ولو لم ينقرض الأول، فيكون معنى البعدية: تعميم استحقاق من وجد بعدُ، لا تقييد استحقاقه بوجوده منفردًا بعد الذي قبله، والمسألة محتملة نقلًا وبحثًا، وفي "المهمات": أن عدم الترتيب مردود نقلًا وبحثًا، وليس كذلك. 3002 - قول "المنهاج" [ص 321]: (ولو قال: "على أولادي ثم أولاد أولادي ثم أولادهم ما تناسلوا"، أو "على أولادي وأولاد أولادهم الأعلى فالأعلى"، أو "الأول فالأول". . فهو للترتيب) ظاهره اعتبار قوله: (ما تناسلوا) في صورة (ثم) دون صورة (الأعلى فالأعلى)، أو (الأول فالأول)، وكذا في "الروضة" وأصلها (¬4). وقال السبكي: الظاهر: أنه لا بد منه في سائر الصور، وإلا. . اقتضى الترتيب بين البطنين، ويكون بعدهما منقطع الآخر، ولم يذكره "الحاوي" في شيء من الصور، فقال [ص 397]: ("وثم"، و"الأعلى فالأعلى"، و"الأول فالأول"، و"الأقرب فالأقرب" للترتيب)، وهو أخف إيرادًا؛ لأن مقصوده بيان صور الترتيب، وأما اشتراط التأبيد. . فمعلوم مما تقدم. قال النووي: ومراعاة الترتيب لا تنتهي عند البطن الثالث، بل يعتبر الترتيب في جميع البطون، صرح به البغوي وغيره (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 528). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 528)، و"نهاية المطلب" (8/ 266)، و"الوجيز" (1/ 427). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 276). (¬4) فتح العزيز (6/ 277)، الروضة (5/ 335). (¬5) الروضة (5/ 335)، وانظر "التهذيب" (4/ 523).

3003 - قول "المنهاج" [ص 321]: (ولا يدخل أولاد الأولاد في الوقف على الأولاد في الأصح) فيه أمران: أحدهما: قال في "أصل الروضة": هذا الخلاف عند الإطلاق، وقد يقترن باللفظ ما يقتضي الجزم بخروجهم؛ كقوله: وقفت على أولادي، فإذا انقرضوا. . فلأحفادي الثلث والباقي للفقراء (¬1)، ونازع ابن الرفعة في هذا التمثيل؛ لاحتمال أنه قدره بعد الانقراض، وكان له قبله شيء غير مقدّر، وإنما يظهر فيما إذا قال: فإذا انقرضوا. . فلأحفادي. ثانيهما: محله أيضًا: إذا وُجد الصنفان، فإن لم يوجد إلا أولاد أولادٍ. . استحقوا، قاله المتولي وغيره، وهذا يرد على إطلاق "الحاوي" أن الولد لا يتناول الحافد (¬2). 3004 - قول "الحاوي" [ص 397]: (وعلى الموالي مع المعتق والعتيق. . فاسدٌ، أو لهما. . رُجِّح كلٌّ) تبع فيه "المحرر" فإنه قال: (رجح كلًا مرجحون) (¬3)، ونقل في "شرحه الكبير" تصحيح القسمة عن "التنبيه" والبطلان عن الغزالي (¬4)، واقتصر في "الشرح الصغير" على ترجيح الغزالي، وعبارة "المنهاج" [ص 321]: (قُسِمَ بينهما، وقيل: يبطل)، فترجيح القسمة من زيادته التي لم يميزها، وقال في زيادة "الروضة": الأصح: الأول (¬5)، يعني: القسمة، وقد صححه أيضًا الجرجاني في "التحرير" (¬6)، وحكى في "المهمات" تصحيحه أيضًا عن القفال الكبير وابن القطان والفوراني والقاضي أبي الطيب، قال: ونص عليه كما في "المطلب"، وقال ابن الرفعة في "المطلب" والسبكي: إنه لم ير في "التنبيه" تصحيحًا؛ فلعل النسخ مختلفة، وقد عرفت تصويرهم المسألة بلفظ الجمع، فلو عبر بلفظ المولى. . فكذلك عند القاضي أبي الطيب وابن الصباغ، وقال الإمام: لا يتجه الاشتراك مع الإفراد، وينقدح مراجعة الواقف (¬7). 3005 - قول "الحاوي" [ص 397]: (ومع واحدٍ له) أي: إذا لم يكن له عند الوقف إلا أحدهما. . تعين، فلو طرأ الآخر بعد ذلك. . قال شيخنا ابن النقيب: يظهر عند من يشرّك أن يدخل كالوقف على الأخوة ثم حدث آخر (¬8). ¬

_ (¬1) الروضة (5/ 336). (¬2) الحاوي (ص 379). (¬3) المحرر (ص 243). (¬4) فتح العزيز (6/ 280)، وانظر "التنبيه" (ص 138)، و"الوجيز" (1/ 427). (¬5) الروضة (5/ 338). (¬6) التحرير (1/ 441). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (8/ 402، 403). (¬8) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 335).

قلت: فيه نظر؛ لأن إطلاق الموالي على الفريقين من الاشتراك اللفظي، وقد دلت القرينة على إرادة أحد معنييه، وهي: الانحصار في الوجود، فصار المعنى الآخر غير مراد، وأما عند عدم القرينة. . فيُحمل عليهما احتياطًا أو عمومًا على خلاف في ذلك في الأصول، بخلاف الوقف على الأخوة؛ فإن الحقيقة واحدة، وإطلاق الاسم على كل واحد من المتواطئ، فمن صدق عليه هذا الاسم. . استحق من الوقف وإن لم يوجد عند الوقف، إلا أن يقيد بالموجودين حالة الوقف. . فيتبع تقييده، والله أعلم. 3006 - قول "المنهاج" [ص 321]: (والصفة المتقدمة على جُمل معطوفة تُعتبر في الكل؛ كـ "وقفت على محتاجي أولادي وأحفادي وإخوتي"، وكذا المتأخرة عليها والاستثناء إذا عُطف بـ "واو" كقوله: "على أولادي وأحفادي وإخوتي المحتاجين"، أو "إلا أن يفسق بعضهم") فيه أمور: أحدها: أن هذا المثال من عطف المفرادات لا من عطف الجمل، إلا أن يقدر لكل واحد عامل، وهو بعيد، وقد سلم "الحاوي" من ذلك؛ فإنه لم يمثل (¬1). قال في "المهمات": الصواب: تمثيله بـ (وقفت على فلان داري)، و (سبلت على أقاربي ضيعتي)، و (حبست على عتقاي بستاني)، وقد ذكره الإمام في الأصول (¬2)، ثم قال في "المهمات": لا بد من أحد مسلكين؛ إما الأخذ بمثالهم، وتجوّزوا بلفظ الجمل، فلو كانت جملًا حقيقة. . لم يَعُد إلى الجميع، وإما الأخذ بما قالوه في الجمل، فالمفردات بطريق الأولى، لكن يبعد القول به في الصفة المتقدمة على الجمل؛ لأن المفردات معطوفة على ما أضيفت إليه الصفة، فالمضاف مقدر في الكل، بخلاف الجمل؛ فإن كل واحدة مستقلة، والصفة مع الأولى خاصة، وأما المتأخرة. . فعودها إلى الكل صحيح، قال: والظاهر: ما قالوه في الصفة المتأخرة لا المتقدمة على الجمل، وفي الإطلاق من "الروضة" وأصلها: أن الظاهر: عود الاستثناء للأخيرة فقط، ومثله بقوله: إن شاء الله (¬3). ثانيها: تقييد الاستثناء بحالة العطف بـ (الواو)، يخرج العطف بـ (ثم)، وقد سبقه إليه الإمام (¬4)، والمعتمد إطلاق الأصحاب العطف؛ ولذلك لم يقيده "الحاوي" بالواو (¬5)، وصرح ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 397). (¬2) البرهان في أصول الفقه (1/ 266). (¬3) فتح العزيز (6/ 282)، الروضة (5/ 341). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (8/ 366). (¬5) الحاوي (ص 396).

فصل [إلى من ينتقل ملك رقبة الموقوف؟ ]

المتولي بعود الشرط إلى الجملتين ولو كان العطف بـ (ثم)، حكاه عنه في "الروضة" وأصلها في تعدد الطلاق، وأقراه (¬1). والشرط قسم من الاستثناء، صرح به الرافعي (¬2)، وقال السبكي: الظاهر: أنه لا فرق بين العطف بـ (الواو)، و (ثم)، ورأيت لشيخنا الإمام البلقيني في فتوى بخطه ما يوافقه، وهو الحق، والله أعلم. ثالثها: حكى في "الروضة" وأصلها عن الإمام قيدين: أحدهما: ما تقدم. والآخر: أن لا يتخلل بين الجملتين كلام طويل، فإن تخلل، كقوله: (على أن من مات منهم وأعقب. . فنصيبه بين أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن لم يُعْقبّ. . فنصيبه للذين في درجته، فإذا انقرضوا. . فهو مصروف إلى إخوتي إلا أن يفسق أحدهم). . فالاستثناء يختص بالإخوة. انتهى (¬3). فما بال "المحرر" و"المنهاج" تبعاه في أحد القيدين دون الآخر (¬4). فصل [إلى من ينتقل ملك رقبة الموقوف؟ ] 3007 - قول "التنبيه" [ص 137]: (وينتقل الملك في الرقبة بالوقف عن الواقف في ظاهر المذهب، فقيل: ينتقل إلى الله تعالى، وقيل: إلى الموقوف عليه، وقيل: فيه قولان) فيه أمران: أحدهما: أن قوله: (فقيل: ينتقل)، قال النووي في "التحرير": كذا ضبطناه بالفاء عن نسخة "المصنف" وأكثر النسخ بالواو، والصواب: الأول، وبه ينتظم الكلام (¬5). ثانيهما: الأصح: طريقة القولين، والأظهر منهما: انتقاله إلى الله تعالى، وعليه مشي "المنهاج" و"الحاوي" (¬6)، وعبر في "الروضة" بالمذهب، لأجل الطرق (¬7)، ومحل ¬

_ (¬1) فتح العزيز (9/ 11)، الروضة (8/ 80). (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 282). (¬3) فتح العزيز (6/ 282)، الروضة (5/ 341)، وانظر "نهاية المطلب" (8/ 365). (¬4) المحرر (ص 243)، المنهاج (ص 321). (¬5) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 238). (¬6) الحاوي (ص 398)، المنهاج (ص 322). (¬7) الروضة (5/ 342).

الخلاف: فيما يقصد به تملك الريع، أما المسجد والمقبرة. . فهو فك عن الملك كتحرير الرقبة، فينقطع عنها اختصاص الآدميين قطعًا، قال في "الكفاية": ويلتحق بذلك كما حكاه الإمام الربط والمدارس (¬1)، وفي "التتمة": أن المسجد لو شغله غاصب بماله. . ضمن أجرته، وصرفت في مصالح المسجد، وأفتى قاضي القضاة تقي الدين بن رزين بصرفها في مصالح المسلمين، قال السبكي: وما قاله في "التتمة" أصح. 3008 - قول "المنهاج" [ص 322]: (ومنافعه ملكٌ للموقوف عليه يستوفيها بنفسه وبغيره بإعارةٍ وإجارةٍ)، وهو منطوٍ في قول "التنبيه" [ص 137]: (إنه يملك المنفعة) ومحله: عند الإطلاق، فلو قال: وقفت داري ليسكنها من يعلم الصبيان في هذه القرية. . فله أن يسكنها، وليس له إسكان غيره بأجرة ولا غيرها، ولو وقفها على أن تستغل وتصرف غلتها إلى فلان. . تعين الاستغلال، ولم يجز له سكناها، كذا في "أصل الروضة" عن "فتاوى القفال" وغيره (¬2)، وهو واضح. لكن في الرافعي في (الوصية): لو قال: أوصيت لك بمنافعه حياتك. . فليس بتمليك، فليس له الإجارة، وفي الإعارة وجهان (¬3)، والقياس في "المهمات": جريانهما هنا، وفي الوصية أيضًا: لو قال: أوصيت لك بأن تسكن هذه الدار. . فهو إباحة، بخلاف: أوصيت لك بسكناها، كذا ذكره القفال وغيره، لكن في قوله: (استأجرتك لتفعل كذا) وجه أنها إجارة ذمة، فمقتضاه: أن لا يفرف هنا بين قوله: بأن تسكنها، أو بسكناها، وذلك يأتي هنا أيضًا كما في "المهمات". 3009 - قول "التنبيه" [ص 137]: (فإن أتت بولد. . فقد قيل: يملكه الموقوف عليه ملكًا يملك التصرف فيه بالبيع وغيره، وقيل: هو وقف كالأم) الأصح: الأول، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، ومحل الخلاف: في حادث بعد الوقف، فإن كانت حين الوقف حاملًا، فإن قلنا هناك: إنه وقف. . فهنا أولى، وإلا. . فوجهان، بناء على أن الحمل هل له حكم؟ قال في "الكفاية": فإن لم يعلم. . فللواقف، قاله الماوردي. ومحله أيضًا: عند الإطلاق، أو شرطه للموقوف عليه، فلو وقف على ركوب زيد. . فالولد للواقف، قاله البغوي، ورجحه الرافعي (¬5)، وقيل: كمنقطع الآخر. ومحله أيضًا: أن يكون الولد من نكاح أو زنا، فلو كان من وطء الشبهة. . فعلى الواطئ قيمته للموقوف عليه على الأصح. ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (8/ 340). (¬2) الروضة (5/ 344). (¬3) انظر "فتح العزيز" (7/ 109). (¬4) الحاوي (ص 398)، المنهاج (ص 322). (¬5) انظر "التهذيب" (4/ 525)، و"فتح العزيز" (6/ 285).

3010 - قول "المنهاج" [ص 322]: (ولو ماتت البهيمة. . اختص بجلدها) محله: ما لم يدبغه، فإن دبغه. . فوجهان، رجح في "التتمة": عوده وقفًا. 3011 - قول "التنبيه" [ص 137]: (وفي التزويج ثلاثة أوجه، أحدها: لا يجوز بحال، والثاني: يجوز للموقوف عليه، والثالث: يجوز للحاكم) الأصح: الثالث، وهو جوازه للحاكم، لكن بإذن الموقوف عليه، وقد ذكر "المنهاج" صحة تزويجها (¬1)، و"الحاوي" أن الحاكم يزوج بمشاورة الموقوف عليه (¬2)، وحكى السبكي هذا عن المراوزة، وأن العراقيين قالوا: لا يحتاج إلى مشاورته. قال الرافعي: ويلزم منه أن الموقوف عليه إذا قلنا أنه يزوج. . يشاور الواقف (¬3). قال في "الكفاية": صرح به مجلي. انتهى. والمراد: تزويجها من أجنبي، أما من الموقوف عليه. . فلا يجوز على الصحيح، وحمل في "المهمات" ما تقدم في التزويج على ما إذا كان النظر لمن قلنا: الملك له، فإن شرط الواقف النظر لنفسه، أو لأجنبي. . فالناظر هو الذي يزوج، كما صرح به الماوردي، وتبعه في "المطلب". قلت: الظاهر: أنه ليس قيدًا لكلام الأصحاب، بل هو وجه مخالف للمعظم، وعلى ذلك مشى الروياني في "البحر". 3012 - قول "التنبيه" [ص 137]: (وإن أتلف. . اشترى بقيمته ما يقوم مقامه) أعم من قول "المنهاج" [ص 322]: (والمذهب: أنه لا يملك قيمة العبد الموقوف إذا أُتلف، بل يُشترى بها عبد ليكون وقفًا مكانه، فإن تعذر. . فبعض عبدٍ) و"الحاوي" [ص 399]: (ويشتري ببدل العبد مثله أو شقص، ويوقف)، وعبارة "المنهاج" تفهم أنه يكون وقفًا بمجرد الشراء، والمرجح في " الشرح الصغير" وزيادة "الروضة": أنه لا بد من إنشاء وقف (¬4)، ولهذا قال "الحاوي" [ص 399]: (ويوقف) وقال المتولي: إن الحاكم يقفه، قال الرافعي: ويشبه أن يقال: من يباشر الشراء يباشر الوقف، وهو الحاكم إن قيل: لله، والموقوف عليه إن قيل: له، فإن قيل: للواقف. . فوجهان، ولا يُشْتَرى عبد بقيمة أمة، ولا عكسه، وفي صغير بقيمة كبير وعكسه وجهان، أقواهما عند النووي: المنع، فإذا اشتُري عبد، وفضل شيء من القيمة. . فالمختار عند النووي: أنه يُشْتَرى به شقص عبد (¬5). ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 322). (¬2) الحاوي (ص 398). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 288). (¬4) الروضة (5/ 354). (¬5) انظر "فتح العزيز" (6/ 295)، و"الروضة" (5/ 353، 354).

وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه الراجح، قال: ولا يرد عليه ما إذا أوصى أن يُشْتَرى بثلثه رقاب، فوجدنا به رقبتين، وفضلت فضلة لا يمكن شراء رقبة بها. . فإن الأصح: صرفها للوارث؛ لتعذر الرقبة المصرح بها في الوصية، بخلاف ما نحن فيه. 3013 - قول "التنبيه" [ص 137]: (فإن جنى خطأ؛ فإن قلنا: هو له. . فالأرش عليه، وإن قلنا: لله. . فقد قيل: في ملك الواقف) هو الأصح، فلو كان بغد موته. . فهل يؤخذ الأرش من تركته؟ فيه وجهان، ويشبهه البناء الموقوف في أرض محتكرة بعد انقضاء الإجارة ولا ريع له، فقياسه: أن تكون الأجرة على الواقف، لكن أفتى شيخنا الإمام البلقيني بسقوط الأجرة، وأن لصاحب الأرض قلع البناء. وزدت عليه: أن لا يغرم أرش النقص؛ لأنه لم يجد طريقًا سوى هذا، والله أعلم. 3014 - قول "الحاوي" [ص 398]: (وينفق الموقوف عليه إن لم يشترط، ثم لا كسب) مفرع على أن الملك له، والأظهر: أنه لله تعالى، فنفقته في بيت المال. 3015 - قول "المنهاج" [ص 322]: (ولو جفت الشجرة. . لم ينقطع الوقف على المذهب، بل ينتفع بها جِذْعًا) فيه أمران: أحدهما: أن الذي في "أصل الروضة" وجهان، أصحهما: لا ينقطع (¬1)، ولم يذكر طرقًا، فمن أين جاء له التعبير بالمذهب؟ ثانيهما: أن الذي في "أصل الروضة" تفريعًا على الأصح - وهو منع البيع - وجهان: أحدهما: ينتفع بإجارته جذعًا. والثاني: يصير ملكًا للموقوف عليه، واختار المتولي وغيره الوجه الأول إن أمكن استيفاء منفعته منه مع بقائه، والوجه الثاني إن كانت منفعته في استهلاكه (¬2)، فذكر "المنهاج" أحد طرفي اختيار المتولي وغيره (¬3)، وكذا في "الحاوي" [ص 399]: (وإن جف الشجر. . ينتفع به)، وفي عبارتهما ما يدل على التقييد؛ فإن الذي منفعته في استهلاكه لا ينتفع به جذعًا، ويسأل عن الفرق بين هذه المسألة وبين جواز بيع حُصُر المسجد الموقوفة إذا بليت. 3016 - قول "المنهاج" [ص 322]: (والأصح: جواز بيع حُصُر المسجد إذا بليت، وجذوعه إذا انكسرت ولم تصلح إلا للإحراق) فيه أمران: أحدهما: أن محل الخلاف: في الحُصُر والجذوع الموقوفة، أما ما اشتراه الناظر له ولم ¬

_ (¬1) الروضة (5/ 356). (¬2) الروضة (5/ 356). (¬3) المنهاج (ص 322).

فصل [في النظر على الوقف وشرطه]

يقفه، أو وُهب له فقبله الناظر. . فإنه يباع عند الحاجة قطعا، كذا في "أصل الروضة" (¬1)، ويرد على القطع أن في "البيان": كل ما اشْتُرِيَ للمسجد من الحصر والخشب والآجر والطين لا يجوز بيعه؛ لأنه في حكم المسجد (¬2). ثانيهما: تقييد الجذع المنكسر بأن لا يصلح إلا للإحراق لم يذكره "الحاوي"، بل اقتصر على قوله: (وجذعه المنكسر) وزاد: (وداره المنهدمة) (¬3)، وأصل ذلك أن الرافعي والنووي بعد ذكرهما الجذع الذي لا يصلح إلا للإحراق، قالا: ويجري الخلاف في الدار المنهدمة، وفيما إذا أشرف الجذع على الانكسار والدار على الانهدام. انتهى (¬4). ولا شك أن جريان الخلاف في هذه الصور بالترتيب، وأنها أولى بمنع البيع، فاختار "الحاوي" التسوية، لكن تقييده الجذع بالمنكسر يخرج المشرف على الانكسار، والدار بالانهدام يخرج المشرفة على ذلك، والحق: المنع في هذه الصور، وقد استبعد السبكي الجواز في الدار؛ فإن الأرض موجودة، وقال: الحق: منع البيع. انتهى. وإذا بيعت. . قالوا: يصرف ثمنها في مصالح المسجد، قال الرافعي: والقياس: أن يُشْتَرى بثمن الحصير حصير لا غيرها، ويشبه أنه مرادهم (¬5). فصل [في النظر على الوقف وشرطه] 3017 - قول "الحاوي" [ص 396]: (والتولية لعدل كاف نصبه) أي: ولو نفسه، كما صرح به "التنبيه" و" المنهاج" (¬6). 3018 - قول "التنبيه" [ص 137]: (وإن لم يشترط. . نظر فيه الموقوف عليه في أحد القولين، والحاكم في الآخر) الثاني هو الأصح، وعليه مشى "الحاوي" و"المنهاج"، وعبر بالمذهب (¬7)، والخلاف في "الروضة" وأصلها وجهان لا قولان (¬8)، لكن نشأ التعبير بالمذهب من ¬

_ (¬1) الروضة (5/ 358). (¬2) البيان (8/ 99). (¬3) الحاوي (ص 399). (¬4) انظر "فتح العزيز" (6/ 298)، و"الروضة" (5/ 357). (¬5) انظر "فتح العزيز" (6/ 298). (¬6) التنبيه (ص 137)، المنهاج (ص 323). (¬7) الحاوي (ص 396)، المنهاج (ص 323). (¬8) فتح العزيز (6/ 298، 290)، الروضة (5/ 347).

بنائه على أقوال المالك، وعبارة "المحرر": (الذي ينبغي أن يُفتى به أخذًا من كلام معظم الأئمة: إن كان على جهة عامة. . فالحاكم، وإن كان على معين. . فكذا إن قلنا: الملك لله) (¬1). وقال في "المطلب": هذا في الوقف الذي لا يضاهي التحرير، أما ما يضاهيه؛ كالمسجد والمقبرة والرباط. . فالذي يقتضيه كلام الجمهور: أن النظر في ذلك للإمام، وأن الواقف فيه كغيره. 3019 - قول "المنهاج" [ص 323]: (وشرط الناظر: العدالة والكفاءة والاهتداء إلى التصرف) كذا في "المحرر" (¬2)، وليس في "الحاوي" ولا في "الشرحين" و"الروضة" ذكر الاهتداء للتصرف، وهو مفهوم من الكفاءة؛ لأن من لا يهتدي إلى التصرف. . لا كفاءة فيه، فكأنه بيان وتفسير لها، ولو فوض النظر إلى متصف بهما فاختلت إحداهما. . انتزع منه. قال في "المطلب": ويشبه أن يكون لمن يستحق النظر بعده كموته، واستبعده السبكي إذا لم ينص عليه الواقف، وقال: ينظر الحاكم؛ لأن الثاني لم يجعل له النظر إلا بعد الأول. وقياس ما ذكره السبكي أن المشروط له النظر أولًا لو رغب عنه. . نظر الحاكم مدة حياته، فإذا مات. . انتقل للمشروط له بعده، وقد ذكر السبكي أنه لا ينعزل إلا أن له الامتناع من التصرف، ويقيم القاضي مقامه، ورد قول ابن الصلاح: ينصب الحاكم ناظرًا، أو أوله. 3020 - قول "المنهاج" [ص 323]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 396]: (ووظيفته: العمارة والإجارة وتحصيل الغلة وقسمتها) زاد في "الشرحين" و"الروضة": (وحفظ الأصول والغلات على الاحتياط) (¬3)، وظاهر كلامهم أنه ليس له التولية والعزل، وكذا ذكر الشيخ عز الدين بن عبد السلام في "القواعد الكبرى" في الطلبة: أن تنزيلهم للمدرس لا للناظر؛ لأنه أعرف بأحوالهم ومراتبهم. قال في "المهمات": وسكت عن الصوفية، وفي إلحاقهم بالفقهاء نظر. قلت: ومحل ذلك: إذا لم يصرح الواقف بجعل ذلك للناظر. وقال السبكي: وتعلق بذلك بعض فقهاء الزمان ظانًا أن كلام الرافعي وغيره للحصر، فقال: إن تولية التدريس للحاكم لا للناظر، قال: وعندي أن له ذلك، وللحاكم الاعتراض فيما لا يسوغ، وفي ولاية من هو أصلح للمسلمين، ثم أشار إلى أن التولية مفهومة من القسمة على المستحقين؛ لأن الاستحقاق بعد التعيين، فإذا فوض له الصرف. . فقد فوض له ما يستلزمه، قال: وهل تولية ¬

_ (¬1) المحرر (ص 244). (¬2) المحرر (ص 244). (¬3) فتح العزيز (6/ 290)، الروضة (5/ 348).

المدرس الذي أبهمه الواقف إلا بمنزلة تعيين الفقير الذي أبهمه الموكل في الصدقة؟ . انتهى. وحيث جعلنا للناظر العزل. . لم يلزمه بيان مستنده كما أفتى به جمع من متأخري الشافعية، الشيخ عز الدين الفاروثي والقاضي شهاب الدين بن الجويني، والشيخ صدر الدين بن الوكيل، والشيخ [برهان الدين] (¬1) ابن الفركاح، وأفتى به شيخنا الإمام البلقيني لما سألته عن ذلك، ووافق هؤلاء الجماعة الشيخ شرف الدين أحمد المقدسي، لكن قيده بما إذا كان الناظر موثوقًا بعلمه ودينه. وقال في "التوشيح": لا حاصل لهذا القيد؛ فإنه إن لم يكن كذلك. . لم يكن ناظرًا، وإن أراد علمًا ودينًا زائدين على ما يحتاج إليه النظار. . فلا يصح، قال: ثم في أصل الفتيا وقفه من قبل أن الناظر ليس كالقاضي العام الولاية، فلم لا يطالب بالمستند؟ وقد صرح شريح في "أدب القضاء" بأن متولي الوقف إذا ادعى صرفه على المستحقين وهم معينون وأنكروا. . فالقول قولهم، ولهم المطالبة بالحساب، وكذا قال غيره، وحكى وجهين في أنه هل للإمام مطالبته بالحساب إذا لم يكونوا معينين؟ . انتهى. قلت: الحق: تقييد المقدسي، وله حاصل؛ فليس مناظر يقبل قوله في عزل المستحق من وظيفته من غير إبداء مستنده في ذلك إذا نازعه المستحق؛ فإن عدالته ليست قطعية، فيجوز أن يقع له الخلل، وعلمه بذلك قد يختل، فيظن ما ليس بقادح قادحًا، بخلاف من تمكن في العلم والدين، وكان فيه قدر زائد على ما يكفي في مطلق النظار من تمييز بين ما يقدح وما لا يقدح، ومن ورع وتقوى يحولان بينه وبين متابعة الهوى، وقد قال شيخنا الإمام البلقيني في "حاشية الروضة" مع فتواه بما تقدم: إن عزل الناظر للمدرس وغيره تهورًا من غير طريق مسوغ لا ينفذ، ويكون قادحًا في نظره، فيحمل كل من جوابيه على حالة كما قدمته، والله أعلم. ويشهد لكلام الشيخ هذا ما في "زيادة الروضة" قبيل الغنيمة عن الماوردي: أن ولي الأمر إذا أراد إسقاط بعض الأجناد المثبتين في الديوان بسبب. . جاز، وبغير سبب. . لا يجوز (¬2). 3021 - قول "المنهاج" [ص 323]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 396]: (وللواقف عزل من ولاه ونصب غيره، إلا أن يشرط نظره حال الوقف) فيه أمران: أحدهما: أنه يتناول ما إذا سكت عن النظر؛ لأنه لم يخرج منه إلا حالة شرطه النظر لذلك الشخص، والاستثناء معيار العموم، وفي حالة سكوته لا نظر له، وإنما النظر للحاكم على الصحيح كما تقدم، فكيف يولي ويعزل؟ ¬

_ (¬1) في (أ): (شهاب الدين)، وفي (ب): (بهاء الدين) والمثبت من (ج)، (د). (¬2) الروضة (6/ 367).

ثانيهما: أنه يفهم جواز العزل بلا سبب، وفيه ما تقدم، وملخصه: أنه لا يجوز له فيما بينه وبين الله تعالى فعل ذلك إلا بسبب يقتضيه، وأنه إن وثق بعلمه وورعه. . لم يحتج إلى بيان السبب، وإلا. . احتيج إليه، والله أعلم. 3022 - قول "الحاوي" [ص 396]: (ويأخذ ما شرطه له) أي: وإن زاد على أجرة المثل، كما صرح به الماوردي، ويتناول أيضًا: ما إذا شرط الواقف النظر والمعلوم لنفسه، والأرجح في "الروضة": جوازه (¬1)، لكن يتقيد بأجرة المثل، كما قال ابن الصلاح (¬2)، ولا يجوز الزيادة إلا من أجاز الوقف على نفسه، فالممتنع صورة واحدة، وهي: ما إذا جمع بين شرطه لنفسه وزيادته على أجرة المثل، فإن لم يشرط شيئًا. . ففي استحقاق الأجرة الخلاف في مسألة الغسال، وإذا قلنا بالأصح: أنه لا أجرة له، فرفع الناظر الأمر إلى الحاكم ليقرر له أجرة. . فهو كما إذا تبرم الولي بحفظ مال الطفل ورفع الأمر إلى القاضي ليثبت له أجرة، قاله شيخنا الإمام البلقيني. قلت: مقتضى تشبيهه بالولي أن يأخذ مع الحاجة؛ إما قدر نفقته كما رجحه الرافعي هناك (¬3)، وإما الأقل من نفقته وأجرة المثل كما قاله النووي (¬4)، وقد صرح ابن الصلاح في "فتاويه" بأنه يستقل به من غير حاكم، وذلك يأتي هنا، والله أعلم. 3023 - قول "المنهاج" [ص 323]: (وإذا أجر الناظر فزادت الأجرة في المدة أو ظهر طالبٌ بالزيادة. . لم ينفسخ العقد في الأصح) احترز بالناظر عما إذا أجر الموقوف عليه بحق الملك وجوزناه. . فإن العقد لا يتأثر بالزيادة قطعًا كإجارة المطلق. 3024 - قول "التنبيه" [ص 137]: (فإن وقف على الفقراء. . جاز أن يصرف إلى ثلاثة منهم) يستثنى منه: ما إذا وقف على فقراء بلد معين وكانوا محصورين. . فإنه يجب استيعابهم كما ذكره النووي في "التصحيح" و"الروضة" في (الوصية) (¬5)، والوقف مثله، وقد ذكره شيخنا الإسنوي في (الوقف) في "تصحيحه" بلفظ الصواب (¬6)، وقد يفهم منه جواز الصرف للمكفي بنفقة غيره اللازمة له؛ فإنه فقير في نفسه، لكن الأظهر في "الشرح الصغير": المنع. 3025 - قوله: (وإن وقف على قبيلة كبيرة. . بطل في أحد القولين، وصح في الآخر، ويجوز أن يصرف إلى ثلاثة منهم) (¬7) الأظهر: الثاني. ¬

_ (¬1) الروضة (5/ 351، 352). (¬2) فتاوى ابن الصلاح (1/ 364). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 293). (¬4) انظر "النووي" (5/ 351). (¬5) تصحيح التنبيه (1/ 437)، الروضة (6/ 184). (¬6) تذكرة النبيه (3/ 224). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 138).

3026 - قول "الحاوي" [ص 399]: (وإن اندرس شرط الواقف. . يسوَّى) فيه أمران: أحدهما: قال الرافعي بعد ذكره هذا: وحكى بعض المتأخرين أن الوجه التوقف إلى اصطلاحهم، وهو القياس (¬1)، وما ذكره عن بعض المتأخرين جزم به الإمام في "النهاية" (¬2). ثانيهما: قال في "الروضة": قولهم: (جعل بينهم) هو فيما إذا كان في أيديهم، أو لا يد لواحد منهم، أما لو كان في يد بعضهم. . فالقول قوله (¬3). 3027 - قول "التنبيه" [ص 137]: (فإن مات الموقوف عليه في أثناء المدة. . انفسخت الإجارة) محله: فيما إذا كان هو الذي عقدها بنفسه؛ لكون الواقف جعل لكل مستحق النظر على حصته خاصة، والانفساخ من حين الموت دون الماضي في الأظهر، أما لو أجر الناظر المطلق. . لم تنفسخ الإجارة بموت الموقوف عليه، ولا بموت الناظر، وقد سبق إيضاح ذلك في الإجارة حيث ذكره "المنهاج" (¬4). قال في "الكفاية": فلو أجر البطن الأول بدون أجرة المثل وجوزناه. . فيظهر هنا الجزم بالانفساخ. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (6/ 293). (¬2) نهاية المطلب (8/ 406). (¬3) الروضة (5/ 352). (¬4) المنهاج (ص 313).

كتاب الهبة

كتابُ الهِبَة 3028 - قول "المنهاج" [ص 324]: (التمليك بلا عوض هبة) قد يقال: إنه أحسن من قول "الحاوي" [ص 400]: (الهبة: تمليك بلا عوض) لاقتضاء العبارة الثانية حصر الهبة في التمليك، مع أن الهبة قد لا يكون فيها تمليك، كما إذا أهدى لغني من لحم أضحية أو هدي أو عقيقة. . فإنه لا يملكه كما صرحوا به في بابه، وعبارة "المنهاج" لا تقتضي حصر الهبة في ذلك. 3029 - قوله: (فإن: ملك محتاجًا لثواب الآخرة. . فصدقةٌ) (¬1) فيه أمران: أحدهما: أن الإعطاء بقصد التقرب صدقة، وإن كان لغني غير محتاج كما ذكروه في موضعه، وممن صرح به النووي في "شرح المهذب"، ونفى الخلاف فيه (¬2)، قال السبكي: فما ذكره هو أظهر أنواع الصدقة، والغالب منها فلا مفهوم له. انتهى. ولذلك لم يذكر "الحاوي" الحاجة فقال [ص 400]: (ولثواب الآخرة. . صدقةٌ). ثانيهما: أنه لو ملك شخصًا لحاجته من غير استحضار ثواب الآخرة. . ينبغي أن يكون صدقة أيضًا، كما ذكره السبكي، وحينئذ. . فينبغي الاقتصار في تعريف الصدقة على أحد الأمرين: إما حاجة المملك، أو قصد ثواب الآخرة. 3030 - قوله: (فإن نقله إلى مكان الموهوب له إكرامًا. . فهديةٌ) (¬3) فيه أمور: أحدها: لو عبر بـ (الواو) كما في "المحرر". . لكان أحسن (¬4)؛ لأنه قد يفهم من (الفاء) أنها قسم من الصدقة، وليس كذلك، بل هي قسيمتها. ثانيها: قوله: (إكرامًا) (¬5) هي عبارة "المحرر" و"الشرح الصغير"، وفي "الروضة" وأصلها: (إعظامًا له أو إكرامًا) (¬6)، قال السبكي: والظاهر: أنه ليس شرطًا، والشرط هو النقل؛ ولهذا لا يدخل العقار في الهدية. ثالثها: ليس في عبارة الغزالي تخصيص الهدية بالمنقول (¬7)، وقد حكاها في "الروضة" في ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 324). (¬2) المجموع (6/ 232). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 324). (¬4) المحرر (ص 245). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 324). (¬6) المحرر (ص 245)، فتح العزيز (6/ 305)، الروضة (5/ 364). (¬7) انظر "الوجيز" (1/ 429).

تنبيه [الهبة أعم من الصدقة والهدية]

(أدب القضاء)، وأقره عليها، وصرحوا في النذر بأنه لو قال: لله عليّ أن أهدي هذا البيت أو الأرض أو نحوهما مما لا ينتقل .. صح ذلك، وباعه ونقل ثمنه، وذلك يقتضي إطلاق الهدية على غير المنقول. رابعها: لا منافاة بين الصدقة والهدية؛ فقد يجتمعان بأن يملك محتاجًا لثواب الآخرة، وينقله إلى مكانه إكرامًا، فيكون ذلك صدقة وهدية، وعبارة "الحاوي" [ص 400، 401]: (وبالنقل إكرامًا .. هدية) فلا يرد عليه الأمر الأول خاصة. تَنْبِيْهٌ [الهبة أعم من الصدقة والهدية] قد ظهر بما ذكراه أن الصدقة والهدية نوعان من الهبة، فهي أعم منهما، وكل صدقة وهدية هبة، ولا عكس، وقد صرح بذلك الرافعي وقال: لو حلف لا يهب، فتصدق .. حنث، ولا عكس، ثم قال: وهذا في التطوع، أما الزكاة .. فكوفاء الدين، فلا تمليك فيها من جهة المزكي، فإذا حلف لا يهب .. لم يحنث بها، وإذا حلف لا يتصدق .. حنث بها. انتهى (¬1). وهذا يقتضي أن الصدقة من وجه أعم من الهبة، فبينهما عموم وخصوص من وجه إلا أن يقال: أطلقت الصدقة هنا وأريد بها: صدقة التطوع، فليست الزكاة داخلة في ذلك، والعموم المفهوم من اللفظ غير مراد، والله أعلم. 3031 - قول "التنبيه" [ص 138]: (ولا يصح شيء من الهبات إلا بالإيجاب والقبول) يستثنى منه: الهدية والصدقة، فلا يشترط فيهما ذلك، بل يكفي البعث من هذا والقبض من ذاك، وقد صرح "المنهاج" و"الحاوي" بالهدية، فيرد عليهما الصدقة؛ لاعتبارهما أولًا الإيجاب والقبول (¬2)، وعبارة "المنهاج" [ص 324]: (وشرط الهبة: إيجاب وقبول لفظاً)، وفي تسميته شرطًا تسامح، بل هو ركن، فإن قلت: إذا خرج من كلام "التنبيه" الهدية والصدقة .. فلم جمع الهبات (¬3)؟ قلت: ليدخل فيها العمرى والرقبى، وكما تصح الهبة بإيجاب وقبول .. تصح بالإيجاب والاستيجاب كالبيع، وقد ظهر بذلك أن "المنهاج" أراد بالهبة في قوله [ص 324]: (وشرط الهبة: إيجاب وقبول) غير ما أراده أولًا بقوله: (التمليك بلا عوضٍ هبةٌ) فأراد هناك: المعنى الأعم ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (6/ 306). (¬2) الحاوي (ص 401)، المنهاج (ص 324). (¬3) التنبيه (ص 138).

المتناول للهدية والصدقة، وهنا: ما عداهما، وأما "الحاوي" فإنه مزج تعريف الهبة باعتبار الإيجاب والقبول فيها، فامتنع أن يريد بهما مَعْنَيَيْنِ مختلفين (¬1)، لكنه بعد ذكر الهدية قال: (ويكفي فيها البعث والقبض) (¬2)، ولو قال: (فيهما) ليتناول الصدقة؛ فإنها مذكورة قبلها .. لكان أحسن، وقد أحسن "الحاوي" بقوله عطفًا على المنفي [ص 400]: (أو تأخير قبول) .. فصرح باشتراط الفور في القبول، وليس ذلك في "التنبيه" و"المنهاج"، لكن يبدر إلى الفهم اعتبار ذلك في الهبة كغيرها من العقود، والله أعلم. 3032 - قول "التنبيه" [ص 138]: (ولا تصح إلا من جائز التصرف في ماله غير محجور عليه) قيل: في قوله: (غير محجور عليه) يجوز أن يكون تأكيدًا، ويجوز أن يجعل احترازًا عن المفلس، والمكاتب يهب دون إذن السيد. قلت: وإن جُعل جواز التصرف بمعنى إطلاق التصرف .. كان قوله: (غير محجور عليه) احترازًا عن المحجور عليه بالسفه ونحوه، ويكون المراد بجواز التصرف: البلوغ والعقل، كما قال في البيع: (لا يصح إلا من مطلق التصرف غير محجور عليه) (¬3)، وقال الرافعي: ترك الغزالي العاقدين؛ لوضوح أمرهما (¬4). قال في "المهمات": لكن سيأتي من كلامه في اللقيط في الكلام على نفقته مسألة هي محل نظر، وقد توقف هو فيها، وهي: ما إذا وهب للجهة؛ كالمساكين واللقطاء .. هل يصح أم لا؟ وقال هنا: وفي اللقيط بصحة تمليك المسجد، ويقبله القيم، ونقل في الوصية عن بعضهم: أنه إذا أوصى للمسجد وأراد تمليكه .. لم يصح، وقال: تقدم ما يخالفه، قال في "المهمات": والمسألة ذات نظر متوقفة على نقل صريح. انتهى. وظهر بذلك أن أمر الموهوب له ليس واضحًا؛ لحصول التردد في أنه هل يشترط فيه التعيين أم لا؟ بل تصح هبة الجهة، وعرف الماوردي الموهوب له بأنه: من صح أن يحكم له بالملك من مكلف وغيره (¬5). 3033 - قول "التنبيه" [ص 138]: (فإن قال: "أعمرتك هذه الدار وجعلتها لك حياتك ولعقبك من بعدك" .. صح) عبارة "المنهاج" [ص 324]: (لورثتك) بدل (عقبك)، وهي ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 400). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 401). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 87). (¬4) انظر "فتح العزيز" (6/ 321). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 534).

أوضح، وجمع في "الروضة" وأصلها بينهما، فقال: (لورثتك أو لعقبك) (¬1)، واستشكل السبكي التعبير بالعقب؛ فإنه قد لا يكون وارثًا كابن البنت، وقال: كيف يعدل عن ظاهر لفظه، ويحمل العقب الذي قد لا يرث على الوارث الذي قد لا يكون عقبًا. ويجاب: بأنهم عدلوا عنه؛ لأجل الحديث، وتبعه في "المهمات"، وبالغ في ذلك، فقال: إنه متدافع غير مستقيم، ولا ينبغي هذه المبالغة؛ لوروده في الحديث، وغاية ما في ذلك التجوز بحمل العقب على الوارث، وبينهما اجتماع، فلا يُنكر في اللغة إطلاقه عليه، وبتقدير أن يكون العقب على بابه .. فالمدار في التمليك على قوله: (أعمرتك)، ولا عبرة بما بعده من الألفاظ، وقد يكون معناه: ولعقبك إن كان لك عقب، وسكت عما إذا لم يكن له عقب. 3034 - قول "التنبيه" [ص 138]: (وإن لم يذكر العقب .. صح أيضًا، ويكون له في حياته ولعقبه من بعد موته) لا يصح التعبير هنا بالعقب، وإنما هي بعده للورثة، وقد تسمحنا في لفظ المعمر بذكر العقب اتباعًا للحديث لما قدمناه، وأما الحكم بأنه بعده لعقبه .. فلا يغتفر؛ فإنه الآن في بيان الحكم الشرعي، وهناك في اللفظ الصادر من المعمر. 3035 - قوله: (وقيل: فيه قول آخر: أنه باطل، وقيل: فيه قول آخر ... إلى آخره) (¬2) لا تردد أن فيه قولًا قديمًا، لكن اختلفوا في كيفيته على وجوه، أظهرها: البطلان؛ فقوله: (وقيل فيه قول آخر: أنه باطل) هو الأصح في كيفية هذا القول؛ ولهذا قال " المنهاج" [ص 324]: (ولو اقتصر على: "أعمرتك" .. فكذا في الجديد) أي: لم يذكر معه: (هي لك ولورثتك) لا أنه لم يذكر معه شيئًا آخر؛ فإنه لو ضم إليه: (هي لك عمرك، أو مدة عمرك، أو ما عشت، أو ما حييت) .. فالحكم كذلك. 3036 - قول "التنبيه" [ص 138]: (وإن قال: "جعلتها لك حياتك فإذا مت رجعت إليَّ" .. بطل في أحد القولين، وصح في الآخر، وترجع إليه بعد موته) الأصح: الصحة، ولا ترجع إلى الواهب، بل تكون لورثة الموهوب له، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬3)، وهو المحكي في "المهذب" بدل الثاني (¬4). قال شيخنا الإمام البلقيني: وليس لنا موضع يصح فيه العقد مع وجود الشرط الفاسد المنافي لمقتضاه إلا هذا. انتهى. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (6/ 311)، الروضة (5/ 370). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 138). (¬3) الحاوي (ص 400)، المنهاج (ص 324). (¬4) المهذب (1/ 448).

وقال بعضهم: هذان القولان مفرعان على القديم في المسألة قبلها، وهما الوجهان المحكيان في كيفيته، ولم يذكر "التنبيه" التفريع على الجديد، وهو: الصحة مطلقًا. قال في "الكفاية": وجعل البطلان في كلام الشيخ هو الوجه؛ يعني: المرجوح تفريعًا على الجديد، والثاني هو القديم في حالة الإطلاق؛ يعني: المرجوح في كيفيته أخف من أن يقال له: إنك اقتصرت على القديم وما فرعت على الجديد. قال النشائي: ولا يخفى ما في هذا الاعتذار من إطلاق قول على وجه مرجوح في التفريعين، بل اقتصاره على القولين وترك القول بالصحة المطلقة ينافي تصحيح الرقبى، ولهذا ادعى هنا أنه صحح العمرى استنباطًا من الرقبى. انتهى (¬1). 3037 - قوله: (وإن قال: "أرقبتك هذه الدار فإن مت قبلي عادت إليّ، وإن متُ قبلك استقرت لك") (¬2) لا يحتاج إلى ذكر هذا التفسير، بل الاقتصار على قوله: (أرقبتك) (¬3) حكمه كذلك، وإنما يحتاج إليه مع قوله: (وهبتك) ولهذا قال "المنهاج" [ص 324]: (وإن قال: "أرقبتك" أو "جعلتها لك رقبى؛ أي: إن مت قبلي" ... إلى آخره)، فجعل هذا تفسيرًا للرقبى لا صادرًا من الواهب، وقال "الحاوي" [ص 400]: (أو وهبت منك عمرك على أنك إن مت قبلي عاد إليَّ، وإن مت قبلك استقر عليك، أو جعلته لك رقبى، أو أرقبته لك)، فذكر هذا التفسير مع لفظ الهبة لا مع لفظ الرقبى، كما ذكرته. 3038 - قول "التنبيه" [ص 138]: (صح، ويكون حكمه حكم العمرى) كيف يجزم هنا بالصحة، ويحكي في التي قبلها قولين: البطلان، أو الصحة والرجوع إليه بعد موته؟ ! وهذه أولى بالبطلان مما تقدم؛ ولهذا قال "المنهاج" في هذه الصورة [ص 324]: (فالمذهب: طرد القولين الجديد والقديم) أي: ومقابله القطع بالبطلان، وقال بعضهم: إن المجزوم به هنا في "التنبيه" تفريع على الجديد (¬4)، وقوله: (ويكون حكمه حكم العمرى) أي: الصورة الأخيرة منها، لكنه لم يذكر حكم تلك الصورة على الجديد كما تقدم، وإنما ذكره على القديم، فأحال على ما لم يذكره. 3039 - قول "التنبيه" [ص 138]: (ولا يجوز هبة المجهول، ولا هبة ما لا يقدر على تسليمه، ولا ما لم يتم ملكه عليه كالمبيع قبل القبض) يفهم صحة هبة ما عدا ذلك، وإن لم يصح بيعه؛ فإن ¬

_ (¬1) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 126). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 138). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 138). (¬4) التنبيه (ص 138).

شروط المبيع خمسة، أشار إلى اعتبار ثلاثة منها، وهي: العلم به، والقدرة على تسليمه، والملك؛ لأنه إذا امتنع هبة ما لم يتم ملكه عليه .. فما لم يملكه أصلًا أولى بذلك. وبقي: أن يكون طاهرًا، منتفعًا به، فلم يعتبرهما، وذلك يقتضي صحة هبة الكلب، وجلد الميتة قبل الدباغ، والخمرة المحترمة، وبه جزم النووي في الأواني من زيادته في الجلد (¬1)، لكن الذي في "الروضة" وأصلها هنا تصحيح المنع في الكل (¬2)، وحط "الحاوي" الهبة على البيع، فقال [ص 400]: (فيما يباع) وذلك يقتضي دورانها معه طردًا وعكسًا، وكذا في "الكفاية"، واستثنى "المنهاج" حبتي الحنطة، فقال [ص 324]: (وما جاز بيعه .. جاز هبته، وما لا .. فلا، إلا حبتي الحنطة ونحوها) وهذا الاستثناء ليس في "المحرر"، وهو ساقط من بعض نسخ "المنهاج". وقال شيخنا ابن النقيب: رأيته في أصل المصنف على الحاشية بخطه مصححًا عليه وفوقه (خ) إشارة إلى أنه نسخة، وقال في "الدقائق": إنه يصح قطعًا، قال شيخنا ابن النقيب: وكأنه سبق قلم أو وهم؛ ففي "شرح الرافعي" في تعريف اللقطة: أن ما لا يتمول؛ كحبة حنطة وزبيبة .. لا تباع ولا توهب، وأسقطه في "الروضة" لأنه في ضمن بحث. انتهى (¬3). والحق: الجواز، وإنما ذكرنا كلام الرافعي؛ ليعرف الخلاف في ذلك، وإليه مال السبكي؛ فإن الصدقة بثمرة تجوز، وهي نوع من الهبة، وحينئذ .. فيستثنى ذلك من كلام "الحاوي"، ودخل في قولهما: (ما جاز بيعه .. جاز هبته) المنافع؛ فإنها تباع بالإجارة، وفي هبتها وجهان حكاهما الرافعي عن "الجرجانيات" (¬4). وقال في "المهمات": ذكر الرافعي في الإقرار ما يرجح أنها إعارة؛ فإنه جعل قوله: (هذه الدار لك هبة سُكنى) إقرار بالعارية. انتهى (¬5). فقوله: (وهبتك سكناها) إنشاء للعارية، وجزم به الماوردي (¬6)، ورجح السبكي الوجه الآخر، وقال: إنها على ما اقتضاه كلام ابن الرفعة هبة منافع لا تلزم إلا بالقبض، وقبضها باستيفائها، فيرجع متى شاء، وليس قبضها كما في الإجارة بقبض العين؛ لأن ذاك لأجل استقرار الأجرة والتصرف في المنفعة، ووافقه على ذلك شيخنا الإمام البلقيني، فحكى عن الشيخ ¬

_ (¬1) انظر "الروضة" (1/ 43). (¬2) فتح العزيز (6/ 317)، الروضة (5/ 373، 374). (¬3) السراج على نكت المنهاج (4/ 351، 352)، وانظر الدقائق (ص 64). (¬4) انظر "فتح العزيز" (6/ 315، 316). (¬5) انظر "فتح العزيز" (5/ 339). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 65).

أبي حامد: أنه حكى عن الشافعي في القديم: أن كل ما (¬1) صح أن يلزم بالوصية بعد الوفاة .. جاز أن يلزم بالفعل حال الحياة أصله العتق، ثم قال: قيل له: يبطل بما إذا أوصى بخدمة عبد لرجل سنة؛ فإن هذا يلزم بالوصية بعد الموت، ومع هذا لا يلزم بفعله حال الحياة؛ لأنه لو ملكه منفعة عبد سنة بغير عوض .. لم يلزمه ... إلى آخر كلامه، قال شيخنا: فقوله: (قيل له) إما أن يكون للشافعي .. فيكون نصًا في مقصودنا، وإما أن يكون لأبي حامد وهو الأقرب .. فيكون جواب الشيخ يقتضي بقاء عموم كلام الشافعي، فيكون فيه إشارة إلى المسألة، قال شيخنا: والذي يظهر أنه يكون مأخوذًا على طريق الهبة، وأنه لا يلزم بمجرد إقباض الدار، بل ما استقر من المنافع .. يلزم فيه كهبة بعض المزوجات نوبتها، وفائدة ذلك، وأن لا تكون الدار عارية: أنها لو انهدمت .. لم يضمنها المتهب، هذا كلام شيخنا في حاشية "الروضة"، ولكن سماعي منه: أنه تمليك لمنافع الدار يلزم بقبض الدار، والحق: ما ذكره في حاشيته، وقبله السبكي، ويوافقه ما في "المهذب" في الإقرار: لو قال: هذه الدار هبة سُكْنَى .. له أن يمنعه من سكناها؛ لأنه هبة منافع لم يتصل بها القبض، فجاز الرجوع فيها. انتهى (¬2). على أن فيه إشكالًا، وهو: أن استيفاء المنافع إتلاف لها، فكيف يملكها بعد تلفها؟ . 3040 - قول "المنهاج" في أمثلة ما لا يصح بيعه ولا هبته [ص 324]: (ومغصوب) يستثنى منه: ما إذا وهبه للغاصب أو لغيره ممن يقدر على انتزاعه منه .. فإنه يصح كالبيع، لكن كيفية الخلاف فيهما مختلفة، فإن وهبه لقادر على انتزاعه .. صح، أو لعاجز .. بطل في الأصح، وإن باعه لعاجز .. لم يصح، أو لقادر .. صح في الأصح، والفرق بينهما أن الهبة لا تملك إلا بالتسليم، وهو لا يجب حتى يمتنع فيما يمتنع تسليمه بخلاف البيع. 3041 - قوله: (إن هبة الدين لغير المدين باطلة في الأصح) (¬3)، عبر في "الروضة" بالمذهب (¬4)، وصحح جماعة الصحة تبعًا لنص الشافعي، وهو مبني على بيعه لغير من هو عليه إن صح، وهو الأظهر في "الروضة" (¬5)، فالهبة أولى، وإن بطل وهو الأظهر في "المنهاج" .. فوجهان، أصحهما: المنع، فإن صحت .. ففي لزومها قبل القبض وجهان، وقيد صاحب "البيان" وغيره الدين بأن يكون مستقرًا (¬6)، وقيده بعضهم بأن يكون على مليء باذل. ¬

_ (¬1) في النسخ: (كلما)، ولعله سبق فلم، والصواب ما أثبت. (¬2) المهذب (2/ 350). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 325). (¬4) الروضة (5/ 374). (¬5) الروضة (5/ 371). (¬6) البيان (8/ 143).

3042 - قول "التنبيه" [ص 138]: (فإن وهب له ما في يده، أو رهنه عنده .. لم يصح القبض حتى يأذن له فيه، ويمضي زمان يتأتى فيه القبض، وقيل: في الرهن لا يصح إلا بالإذن، وفي الهبة يصح بغير إذن، وقيل: فيهما قولان) الأصح: طريقة القولين، وأصحهما: اعتبار الإذن فيهما، وأما طريقة القطع بذلك .. فقد استغربها الرافعي. 3043 - قوله: (ويستحب لمن وهب لأولاده أن يسوي بينهم) (¬1) المراد: أن يعطي الأنثى بقدر الذكر، كما أوضحه "المنهاج" (¬2)، وقيل: كقسمة الإرث، ولا يختص ذلك بالأب، بل الأم والأجداد والجدات كذلك، وكذا الولد إذا وهب لوالديه .. يستحب التسوية بينهما، قال الدارمى: فإن فضّل .. فضل الأم، ولفظ الاستحباب لا يفهم منه كراهة التفضيل مع أنه مكروه، وله الرجوع، لكن الأولى أن يعطي الآخر مثله. 3044 - قول "التنبيه" [ص 138]: (وإن وهب الأب أو الأم أو أبوهما أو جدهما شيئًا للولد .. جاز له أن يرجع فيه) لو عبربـ (سائر الأصول) كما في "المنهاج" أوبـ (الأصل) كما في "الحاوي" .. لكان أخْصَرَ وأعم (¬3). 3045 - قول "التنبيه" [ص 138]: (وإن تصدق عليه .. فالمنصوص: أنه يرجع، وقيل: لا يرجع) جزم الرافعي والنووي في باب العارية بالثاني، وصححه في "الشرح الصغير" هنا، لكن الأول هو الأظهر عند الرافعي في "الشرح الكبير" والنووي هنا (¬4)، وعليه مشى "المنهاج" في بعض نسخه، وليس في "المحرر"، وذكر الهدية أيضًا، فقال: (والهدية في الرجوع كالهبة، وكذا الصدقة في الأظهر). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنما يرجع في التصدق المتطوع به وغير ضيافة الله تعالى، فأما المتصدق به الواجب في زكاة أو فدية أو كفارة .. فلا رجوع للوالد فيه، وكذا لو أرسل إليه لحم أضحية تطوع وهو فقير أو غني .. فإنه لا ينبغي أن يرجع؛ لأنه إنما يرجع ليستفيد التصرف، والتصرف في مثل هذا ممتنع، وقال شيخنا: قلته تخريجًا، ولم أر من تعرض له. 3046 - قول "التنبيه" [ص 139]: (وإن أفلس الموهوب له وحجر عليه وعليه ديون .. فقد قيل: يرجع، وقيل: لا يرجع) الأصح: أنه لا يرجع، وهو مفهوم من قول "المنهاج" [ص 325]: ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 138). (¬2) المنهاج (ص 325). (¬3) الحاوي (ص 401)، المنهاج (ص 325). (¬4) انظر "فتح العزيز" (6/ 322، 323)، و"الروضة" (5/ 379).

(وشرط رجوعه: بقاء الموهوب في سلطنة المتهب) و"الحاوي" [ص 401]: (ما يليه) أي: ما دام باقيًا في ولايته. 3047 - قول "التنبيه" فيما إذا رهنه أو وهبه [ص 139]: (لم يرجع) محله: بعد القبض؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 325]: (لا برهنه وهبته قبل القبض). 3048 - قول "التنبيه" [ص 139]: (وإن عاد المبيع أو الموهوب .. فقد قيل: لا يرجع، وقيل: يرجع) الأصح: الأول، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي"، ولم يقيدا بالمبيع والموهوب، بل أطلقا زوال الملك وعوده (¬1)، فيرد عليهما ما إذا ارتد الموهوب له وقلنا بزوال ملكه ثم أسلم .. فالأصح: الرجوع، ولو وهبه عصيرًا فتخمر وتخلل .. فله الرجوع على المذهب، وحكى بعضهم وجهين في زوال الملك بالتخمر، ووجهين في عود الرجوع تفريعًا على الزوال. 3049 - قول "التنبيه" [ص 139]: (وإن وطئ الواهب الجارية الموهوبة .. كان ذلك رجوعًا، وقيل: لا يكون رجوعاً) الأصح: أنه ليس برجوع، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). 3050 - قول "المنهاج" [ص 325]: (ومتى وهب مطلقًا .. فلا ثواب إن وهب لدونه) أي: في الرتبة، وألحق الماوردي بذلك هبة الغني للفقير؛ لأن المقصود نفعه، وهبة المكلف لغيره؛ لعدم صحة الاعتياض منه، وهبة الأهل والأقارب؛ لأن المقصود الصلة، وهبة العدو؛ لأن المقصود التآلف، والهبة للعلماء والزهاد، ولمن أعان بجاه أو مال؛ لأن المقصود مكافأته (¬3)، قال السبكي: فهذه الأنواع لا ثواب في هبتهم. 3051 - قول "التنبيه" [ص 139]: (وإن وهب ممن هو أعلى منه .. ففيه قولان، أحدهما: لا يلزمه الثواب)، وهو الأظهر، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، والهدية في ذلك كالهبة، قال النووي: إنه الظاهر، وجزم به السبكي، وأما الصدقة .. فثوابها عند الله، لا على المتهب قطعًا، وروى طاووس حديثًا مرفوعًا "الواهب أحق بهبته ما لم يُثَبْ"، وقال الشافعي: لو اتصل حديث طاووس .. لقلت به (¬5)، وقد ذكر بعضهم: أنه وصله ابن عمر وابن عباس وغيرهما (¬6)، قال في "المطلب": وقد قال: إذا صح الحديث .. فهو مذهبي. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 401)، المنهاج (ص 325). (¬2) الحاوي (ص 401)، المنهاج (ص 325). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 549). (¬4) الحاوي (ص 400)، المنهاج (ص 325). (¬5) انظر "معرفة السن والآثار" (5/ 16). (¬6) حديث سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما أخرجه الدارقطني (3/ 43)، والحاكم (2323)، وحديث سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه الدارقطني (3/ 44)، والطبراني في "الكبير" (11317).

3052 - قول "التنبيه" [ص 139]: (والثاني: يلزمه، وفي قدر الثواب أقوال) رجح الرافعي أنها أوجه (¬1)، وعليه مشى "المنهاج" حيث عبر بالأصح (¬2)، وذكر بعضهم أنها مخرجة، فيصح التعبير عنها بالقول والوجه. 3053 - قول "التنبيه" [ص 139]: (والثاني: يلزمه قدر الموهوب) هو الأصح تفريعًا على هذا القول، وعليه مشى "المنهاج"، لكنه عبر بقيمة الموهوب (¬3)، ومقتضاه تعين النقد، وليس كذلك؛ فإنه لا يتعين للثواب جنس، بل الخيرة فيه إلى الواهب، وعبارة "الروضة" والرافعي في كتبه: (قدر قيمة الموهوب) (¬4)، فأسقط "المنهاج" لفظة: (قدر) .. فأوهم ما تقدم، والمعتبر قيمة يوم القبض، وقيل: يوم الثواب، فلو أثابه بقريب من المشروط .. ففي إجباره على قبوله وجهان، قال في "الروضة": الأصح، أو الصحيح: لا يجبر (¬5). 3054 - قولهما: (فإن لم يُثِبْه .. فللواهب الرجوع) (¬6) تبين به معنى لزوم الثواب؛ فإن المتبادر إلى الفهم منه إلزام المتهب به، وإنما معناه: أنه إن أراد .. أثاب، واستقر ملكه، وإن أراد .. رد، فإذا لم يُثِبْ .. فللواهب أن يرجع فيما وهب. 3055 - قول "التنبيه" تفريعًا على لزوم الثواب وعدمه [ص 139]: (وإن شرط ثوابًا معلومًا .. ففيه قولان) الأظهر: الصحة، وقد ذكره "المنهاج" (¬7). 3056 - قولهما: (ويكون حكمه حكم البيع) (¬8) مقتضاه: ثبوت خيار المجلس فيه، لكن المصحح في "الروضة" وأصلها في الخيار خلافه، وخرج شيخنا الإمام البلقيني على ذلك ما لو أفلس المتهب .. فللواهب الرجوع إن جعلناه بيعًا، وإلا .. فلا. 3057 - قول "المنهاج" [ص 326]: (أو مجهول .. فالمذهب: بطلانه) فصل في "التنبيه" ذلك، وهو: إنا إن قلنا بلزوم الثواب .. صح، أو بعدم لزومه .. لم يصح (¬9). * * * ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (6/ 330)، و "المحرر" (ص 246). (¬2) المنهاج (ص 325). (¬3) المنهاج (ص 325). (¬4) المحرر (ص 246)، فتح العزيز (6/ 330)، الروضة (5/ 385). (¬5) الروضة (5/ 387). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 139)، و"المنهاج" (ص 325). (¬7) المنهاج (ص 325). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 139)، و"المنهاج" (ص 325، 326). (¬9) التنبيه (ص 139).

كتاب اللقطة

كتابُ اللُّقَطة 3058 - قول "التنبيه" [ص 131]: (إذا وجد الحر الرشيد لقطة في غير الحرم في موضع يأمن عليها .. فالأولى: أن يأخذها، وإن كان في موضع لا يأمن عليها .. لزمه أن يأخذها، وقيل: فيه قولان في الحالين، أحدهما: يجب الأخذ، والثاني: يستحب) فيه أمور: أحدها: أن الأصح: طريقة القولين في الحالين، وأصحهما: الاستحباب، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬1). ثانيها: محل ذلك: ما إذا وثق بأمانة نفسه، كما في "المنهاج" (¬2)، وعبر عنه "الحاوي" بـ (أمن الخيانة) (¬3)، قال في "المنهاج" [ص 327]: (ولا يستحب لغير الواثق، ويجوز في الأصح) والمراد به: من ليس فاسقًا في الحال، لكنه يخشى طروء الخيانة، وهل بين التعبير بغير الواثق وخائف الخيانة تفاوت أم لا؟ اختار ابن الرفعة أن بينهما تفاوتًا، والسبكي خلافه، وللسبكي هنا إشكال، وهو أنهم جزموا في غير الواثق بعدم الاستحباب مع حكاية وجه بالوجوب. وأجاب عنه: بأن الوجوب لحق المالك، فالملتقط يجاهد نفسه لأجله، والاستحباب يمكنه معه الترك، فأخذه مع الخوف خطر يمكنه اجتنابه. ثالثها: اختار السبكي الوجوب على الواثق عند خوف الضياع، كما في "التنبيه"، وقال: لا يتحقق القول بعدم الوجوب في هذه الصورة عن أحد، ولا ينبغي أخذه من إطلاق النصين، وتصرف الأصحاب فيهما، والنقل أمانة، فإنا لو سئلنا عمن قال به .. لم نجد من ننقله عنه، وإن كان كلام أكثر الأصحاب كالصريح فيه، لكنه تصرف منهم في النص، بل في "النهاية" و"البسيط" في هذا القسم وجه: أنه لا يستحب، وهو في غاية البعد، ومع بعده ينبغي تخصيصه بقاصد التملك، وإلا .. فلا وجه له (¬4). رابعها: تقييده ذلك بغير الحرم ليس في "المنهاج" و"الحاوي" وغيرهما، وقد يفهم أن واجد اللقطة في الحرم لا يجري فيه الطريقان، وهما التفصيل بين خوف الضياع وعدمه وإجراء القولين في الحالين، وليس كذلك، وإنما ذكره لما ذكره بعد ذلك من أنه مخير بين الالتقاط للحفظ والالتقاط ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 402)، المنهاج (ص 327). (¬2) المنهاج (ص 327). (¬3) الحاوي (ص 402). (¬4) نهاية المطلب (8/ 458).

للتملك، ولقطة الحرم يتعين فيها الحفظ، ولا .. يجوز اختيار تملكها. خامسًا: أورد عليه: أن غير الحرم يشمل دار الحرب، وحكمه: أنه إن كان فيها مسلم فلقطة، هالا .. فغنيمة، وقيل: للواجد، ولا يرد عليه ذلك؛ لأنه إنما تكلم على اللقطة، وحيث لم يكن فيها مسلم .. ليست لقطة، فلا يرد عليه إلا أن يقال: هي لقطة صورة وإن لم تكن لقطة حكمًا. 3059 - قول "التنبيه" [ص 132]: (ويستحب أن يشهد عليها، وقيل: يجب) عبر عنه "المنهاج" بالمذهب (¬1)؛ لأن الأصح: فيه طريقة الوجهين، وقيل: قولان، وقيل: بالقطع بالمنع، والمفهوم من لفظ "التنبيه" الإشهاد على أوصاف اللقطة، وعبارة "المنهاج" [ص 327]: (على الالتقاط)، وكذا قال "الحاوي" [ص 402]: (عليه) أي: على اللقط المتقدم ذكره، وفي المسألة وجهان، صحح البغوي الثاني، قال: ويجوز أن يذكر جنسها (¬2)، وتوسط الإمام، وقال: لا يستوعب الصفات، بل يذكر بعضها (¬3)، وصححه النووي، ولم يقل بوجوبه على عينها (¬4)، وفيه احتمال لابن الرفعة، ثم إن هذا الخلاف أطلقه الرافعي، وخصه ابن الرفعة بقول الوجوب (¬5). 3060 - قول "التنبيه" [ص 132]: (وإن كان كافرًا .. فقد قيل: يلتقط ويملك، وهو الأصح) محله: في الذمي؛ ولذلك عبر به "المنهاج"، وعبر بالمذهب (¬6)؛ لأن فيه طريقة قاطعة، وإن كان الأصح فيه: طريقة الوجهين. 3061 - قول "التنبيه" في الفاسق [ص 132]: (فإذا التقط .. أقر في يده في أحد القولين، وانتزع في الآخر، ويسلم إلى ثقة) الأظهر: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬7)، ومحل الخلاف: ما إذا لم تكن العين معرضة للضياع، فإن كان ممن لا تؤمن غائلته وذهابه بالمال .. انتزعت قطعًا، قاله في "البسيط". 3062 - قول "التنبيه" [ص 132]: (وهل ينفرد بالتعريف؟ فيه قولان) الأظهر: أنه يضم له من يشرف عليه، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬8). ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 327). (¬2) انظر "التهذيب" (4/ 548). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (8/ 454). (¬4) انظر "الروضة" (5/ 392). (¬5) انظر "فتح العزيز" (6/ 339، 340). (¬6) المنهاج (ص 327). (¬7) الحاوي (ص 402)، المنهاج (ص 327). (¬8) الحاوي (ص 404)، المنهاج (ص 327).

3063 - قولهما: (وينزع الولي لقطة الصبي) (¬1) يقتضي استقلاله بذلك، ولا خلاف فيه، لكن عبارة الشافعي رضي الله عنه: (ضمها القاضي إلى وليه) (¬2) وأوِّلت بما إذا رفعت إليه، وقال ابن الرفعة: إنه أحوط، ولو قيل باشتراطه .. لم يبعد. 3064 - قولهما: (ويتملكها للصبي إن رأى ذلك حيث يجوز الاقتراض له) (¬3) قال ابن الصباغ: عندي يجوز مع منع الاقتراض؛ لإلحاقه بالاكتساب، وقال النووي: إنه شذوذ عن الأصحاب، وضعيف دليلًا (¬4). وقال شيخنا الإمام البلقيني: ليس ضعيفًا؛ لأنه وإن كان اقتراضًا .. لا يتحقق فيه طلب البدل، فقد لا يظهر الطالب، وهو الكثير، فهو متحقق الانتفاع متوهم المطالبة، والمحقق لا يترك للمتوهم، بخلاف الاقتراض من معين. 3065 - قولهما: (ويضمن الولي إن قصَّر في انتزاعه حتى تلف في يد الصبي) (¬5) هو مفرع على صحة التقاطه لا على مقابله، قاله المتولي، وخص الإمام ذلك بقولنا: إن أخذه لا يُبرئ الصبي، وإلا .. فيضمن (¬6)، لتركه الصبي في ورطة الضمان، ويجوز أن يضمن أيضًا وإن جعلنا أخذه مُبْرِئًا، والمجنون في ذلك كالصبي، وكذا السفيه، إلا أنه يصح تعريفه دونهما. 3066 - قول "التنبيه" [ص 132]: (وإن كان الواجد عبدًا .. ففيه قولان) الأظهر: بطلان التقاطه، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬7)، ومحل ذلك: إذا لم يأمره السيد به ولم ينهه عنه، فإن قال: (متى وجدت لقطة .. فخذها وأتني بها) .. فقيل: بالقولين، وقيل: يصح قطعًا، وإليه ميل الإمام (¬8)، وفي "الشرح الصغير": أن هذه الطريقة أقوى، وقوى السبكي ذلك إن نوى سيده، ولو نهاه .. فقطع الإصطخري بالمنع، وقواه النووي (¬9)، وطرد أكثرهم القولين. قال ابن الرفعة: وهذا ظاهر إن قصد سيده، فإن قصد نفسه .. ظهر قول الإصطخري. 3067 - قول "المنهاج" [ص 327]: (ولا يُعتدُّ بتعريفه) مفرع على أنه لا يصح التقاطه، فإن ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 404)، و"المنهاج" (ص 327). (¬2) انظر "مختصر المزني" (ص 135). (¬3) انظر "الحاوي" (ص 404)، و "المنهاج" (ص 327). (¬4) انظر "الروضة" (5/ 401). (¬5) انظر "الحاوي" (ص 404)، و"المنهاج" (ص 327). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (8/ 469). (¬7) "الحاوي" (ص 404)، و"المنهاج" (ص 327). (¬8) انظر "نهاية المطلب" (8/ 463). (¬9) انظر "الروضة" (5/ 397).

صححناه .. صح تعريفه، كما صرح به "التنبيه" (¬1)، أي: ولو بغير إذن السيد في الأصح. 3068 - قول "التنبيه" [ص 132]: (فإن تلفت في يده .. ضمنها في رقبته) الأصح فيما إذا علم سيده بها ولم ينتزعها منه: أنه لا يختص التعلق بالرقبة، بل يتعلق بسائر أموال السيد أيضًا، فإن أقرها في يده وهو أمين، فلا ضمان، أو خائن .. تعلق بالسيد أيضًا، وهل يزول التعلق برقبة العبد؟ نقل فيه الماوردي وجهين (¬2)، وكلام الرافعي والنووي يقتضي بقاؤه؛ فإنهما لم يتعرضا للخلاف إلا في الأمين (¬3)، وبه يشعر كلام السبكي، لكن جزم الروياني والقاضي حسين والجرجاني بزواله. 3069 - قول "التنبيه" [ص 132]: (وإن كان مكاتبًا .. ففيه قولان، أحدهما: أنه كالحر يعرف ويملك) هو الأظهر إن كانت كتابته صحيحة، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 327]: (المذهب: صحة التقاط المكاتب كتابةً صحيحة)، ولا يفهم من ذلك تصحيح طريقة القطع؛ فالأصح: طرد القولين فيه، لكن الأصح هنا باتفاق الأصحاب: الصحة، وعليه مشى "الحاوي"، ولم يقيدها بالصحيحة (¬4). 3070 - قول "التنبيه" تفريعًا على منع التقاطه [ص 132]: (فإذا أخذ .. انتزع الحاكم من يده وعرفه، ثم يتملك المكاتب) الأصح تفريعًا عليه: أنه لا يتملك، بل يحفظها الحاكم لصاحبها. 3071 - قوله: (فإن كان نصفه حرًا ونصفه عبدًا .. فهو كالحر على المنصوص) (¬5) لو عبر بـ (البعض) كـ "المنهاج" و"الحاوي" (¬6) .. لكان أحسن، ليتناول ما إذا كانت حريته أقل من النصف وأكثر منه. 3072 - قوله: (وإن كان بينهما مهايأة .. فهل تدخل اللقطة فيها؟ فيه قولان) (¬7) الأظهر: دخولها، فيكون لصاحب النوبة، وعليه مشى "المنهاج" (¬8)، والاعتبار بيوم الالتقاط على الصحيح، وقيل: بيوم التملك. ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 132). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 19). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 344، 345)، و"الروضة" (5/ 396). (¬4) الحاوي (ص 402). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 132). (¬6) الحاوي (ص 402)، المنهاج (ص 327). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 132). (¬8) المنهاج (ص 327).

فصل [في التقاط الممتنع من صغار السباع]

فصلٌ [في التقاط الممتنع من صغار السباع] 3073 - قولهم في الممتنع من صغار السباع: (إن وُجد بمفازة .. فللقاضي التقاطه للحفظ) (¬1)، قال السبكي: ينبغي أن يكون ذلك عند خوف الضياع بحيث يكون أخذه أحفظ لها، وإلا .. فلا ينبغي أن يتعرض لها. 3074 - قول "التنبيه" [ص 133]: (وإن كان غيره .. فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز) الأصح: الجواز، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، ومحل الخلاف: في زمن الأمن، فيجوز في زمن الفساد قطعًا، وفي الرافعي عن صاحب "التلخيص": أنه استثنى: ما إذا وجد بعيرًا في أيام منى في الصحراء مقلدًا تقليد الهدايا .. فحكى عن النص: أنه يأخذه، ويعرفه أيام منى، فإن خاف فوت وقت النحر .. نحره، ويستحب استئذان الحاكم، ثم قال الرافعي: ولك أن تقول: الاستثناء غير منتظم وإن قلنا: يؤخذ؛ لأن الأخذ الممنوع منه إنما هو الأخذ للتملك، ولا شك أن هذا البعير لا يؤخذ للتملك (¬3). وقال النووي: قد سبق في جواز أخذ البعير لآحاد الناس للحفظ وجهان، فإن منعناه .. ظهر الاستثناء، وإن جوزناه - وهو الأصح - .. ففائدة الاستثناء جواز التصرف فيه بالنحر (¬4). واعترضه في "المهمات": بأن الكلام في الأخذ لا في التصرف، قال: على أن الالتقاط المذكور كما أنه ليس للتملك ليس للحفظ، فإن فيه تصرفًا، فيقال للرافعي: والأخذ الجائز أيضًا إنما هو للحفظ وليس هذا له، إلا أن هذا لا يدفع سؤال الرافعي. 3075 - قولهم: (ويحرم التقاطه لتملك) (¬5) يستثنى: زمن النهب والفساد، فيجوز أخذه للتملك في الصحراء وغيرها، قاله المتولي، وأقروه عليه، وإذا عرف مالكه، فأخذه ليرده عليه، قاله الماوردي، قال: ويكون أمانة في يده إلى أن يصل إليه، حكاه عنه في "الكفاية"، وأقره (¬6). 3076 - قول "التنبيه" [ص 133] فيما إذا التقطه للتملك: (ضمن، وإن سلمه إلى الحاكم .. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 133)، و "الحاوي" (ص 404)، و "المنهاج" (ص 328). (¬2) الحاوي (ص 404)، المنهاج (ص 327). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 376). (¬4) انظر "الروضة" (5/ 417). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 133)، و"الحاوي" (ص 404)، و "المنهاج" (ص 328). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 28).

برئ من الضمان) هو في كلام الرافعي والنووي أصح الوجهين (¬1)، واستشكله في "المهمات" لأنه غاصب، وفي أخذ الحاكم المال المغصوب اضطراب، والمنصوص: أنه لا يأخذه. 3077 - قول "المنهاج" [ص 328]: (وإن وُجد بقرية .. فالأصح: جواز التقاطه للتملك) في معنى القرية ما هو قريبٌ منها، ولا يرد ذلك على "التنبيه" و"الحاوي" لأن المسألة مأخوذة من مفهوم تعبير "التنبيه" في المنع بالمهلكة، و"الحاوي" بالمفازة (¬2)، وما قرب من القرية ليس مهلكة ولا مفازة، وقد تردد في "الروضة" وأصلها في أن هذا الخلاف قولان أو وجهان (¬3)، وقال في "الشرح الصغير": وجهان، وقيل: قولان. 3078 - قولهم فيما لا يمتنع منها - والعبارة "للمنهاج" -: (ويتخير آخذه من مفازةٍ؛ فإن شاء عَرَّفَهُ وتملكه، أو باعه وحفظ ثمنه وعرفها ثم تملكه، أو أكله وغرم قيمته إن ظهر مالكه) (¬4) فيه أمور: أحدها: ذكر الماوردي خصلة رابعة، وهو: أن يتملكها في الحال ليستبقيها حية لدَرٍّ أو نسلٍ، قال؛ لأنه لما استباح تملكها مع استهلاكها .. فأولى أن يستبيح تملكها مع استبقائها (¬5). فإن قلت: قد ذكر "التنبيه" خصلة رابعة غير هذه، وهو: حفظها على صاحبها (¬6). قلت: تكلم "المنهاج" و"الحاوي" على التقاطها للتملك (¬7)، وليس من أقسام ذلك: حفظها على صاحبها، وإنما هو قسيم الالتقاط للتملك، وتكلم صاحب "التنبيه" على الأعم، فدخل هذا القسم، وهو الالتقاط للحفظ. فإن قلت: فهل له بعد الالتقاط للحفظ التملك؟ قلت: فيه وجهان حكاهما الماوردي، وحكى في عكسه - وهو رفع ملكه عنها بعد تملكها - وجهين أيضًا، وعلى الجواز، فهي مضمونة (¬8). ثانيها: قال في "المهمات": سيأتي فيما إذا التقط ما يمكن تجفيفه كالرطب أنه إن كان الحظ في بيعه .. باعه، وإن كان في تجفيفه .. جففه، وقياسه هنا: وجوب مراعاة الأحظ. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (6/ 354)، و"الروضة" (5/ 403). (¬2) التنبيه (ص 133)، الحاوي (ص 403). (¬3) فتح العزيز (6/ 354)، الروضة (5/ 403) (¬4) انظر "التنبيه" (ص 133)، و"الحاوي" (ص 403)، و"المنهاج" (ص 328). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 7). (¬6) التنبيه (ص 133). (¬7) الحاوي (ص 403)، المنهاج (ص 328). (¬8) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 8).

قلت: صرح به الماوردي، فقال في اختيار البيع: جاز إن كان البيع أحظ من الاستبقاء (¬1). ثالثها: ذكر "المنهاج" جميع الضمائر لعودها على ما لا يمتنع، إلا قوله في الخصلة الثانية: (باعه وحفظ ثمنه وعرفها)، وصحح بخطه فوق قوله: (وعرفها)، وهو عائد على اللقطة، ولم يقل: (وعرفه) لئلا يتوهم عوده إلى الثمن، وذكر "الحاوي" جميع الضمائر، ولو أنثاها كما فعل "التنبيه" .. لكان أولى؟ لعودها على اللقطة. رابعها: قد يفهم من تعبير "المنهاج" استقلال الملتقط بالبيع (¬2)، وليس كذلك، وإنما يبيع بإذن الحاكم على الأصح، وقد ذكره "التنبيه" فقال [ص 133]: (فإن أراد البيع .. دفع إلى الحاكم، فإن لم يكن .. باع بنفسه وحبس ثمنه) و"الحاوي" فقال [ص 403]: (باع بالحاكم إن كان). خامسها: تعبير "التنبيه" في الخصلة الأولى بقوله [ص 133]: (يُعرفها سنة ثم يتملكها) أحسن من قول "المنهاج" [ص 328]: (عرفه وتملكه) لدلالة التعبير بـ (ثم) على أن التملك بعد التعريف، إلا أن تدخل في تعبير "المنهاج" بـ (الواو) الخصلة الرابعة التي حكيناها عن الماوردي، ونقول: عبارته شاملة؛ لتقدم التعريف على التملك، ولتقدم التملك على التعريف، والظاهر: أن ذلك غير مقصود له؛ لأنه لم يحك هذه الخصلة الرابعة في كتبه، بل اقتضى كلامه نفيها، فحكى في "الروضة" تبعا للرافعي فيما لا يؤكل كالجحش ونحوه وجها بجواز التملك في الحال، وصحح: المنع إلا بعد التعريف على ما هو شأن اللقطة (¬3). سادسها: قول "التنبيه" [ص 133]: (فهو بالخيار بين أن يحفظها على صاحبها ويتبرع بالإنفاق عليها) قد يفهم تعيين التبرع عند إرادة الحفظ، وليس كذلك، بل إن أراد الرجوع .. أنفق بإذن الحاكم، فإن لم يجد حاكمًا .. أشهد كما في نظائره، وقيد الماوردي الرجوع حيث أذن الحاكم، أو أشهد بما إذا لم يكن حمى للمسلمين، فإن كان .. فلا رجوع له، بل هو متطوع بالنفقة. وقال الروياني: أذن له الحاكم يومًا أو يومين، ولا يزيد على ذلك، فإن جاء صاحبها، وإلا .. باعها. انتهى. فهذان شرطان لإذن الحاكم في النفقة: فقد الحمى، وعدم الزيادة على يومين، وحكى الماوردي في الرجوع عند الإشهاد للعجز عن الحاكم وجهين (¬4)، قال الإمام: ويجوز بيع جزء منها ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 8). (¬2) المنهاج (ص 328). (¬3) الروضة (5/ 403). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 7).

لنفقة باقيها، وفيه احتمال لشيخه؛ لأنه يؤدي إلى أن تأكل نفسها (¬1)، وقطع به أبو الفرج الزاز، قال: ولا يستقرض على المالك أيضًا لهذا المعنى، قال الرافعي: لكنه يخالف ما سبق في هرب الجمَّال ونحوه (¬2)، قال النووي: الفرق بينه وبين هرب الجمال ظاهر؛ فإن هناك لا يمكن البيع لتعلق حق المستأجر، وهنا يمكن، فلا يجوز الإضرار بمالكها من غير ضرورة (¬3). واعترضه الإسنوي والبلقيني: بأن البيع ممكن في هرب الجمال أيضًا، والإجارة لا تمنع البيع، ولا يتخرج على الخلاف في بيع المستأجر؛ لأنه محل ضرورة، كما ذكروه في موضعه. 3079 - قول "الحاوي" [ص 403]: (ويأكله إن فسد؛ كالشاة، أو في الصحراء) تبع فيه الغزالي (¬4)، فإنه لما ذكر ما يفسد كالطعام .. قال: وفي معناه: الشاة؛ فإنه طعام، ويحتاج إلى العلف، ومقتضاه: جواز أكلها في العمران، وعليه مشى في "التعليقة"، والأكثرون على خلافه، وعليه مشى "التنبيه" و"المنهاج"، وعبر عنه بالأصح (¬5)، وتبع " المحرر" في كون الخلاف وجهين (¬6)، وهو في "الروضة" و"الشرحين" قولان (¬7)، وحمل البارزي كلام "الحاوي" على الشاة التي تفسد لمرض ونحوه، وقال بعضهم: لعل قوله: (أو في الصحراء) من غلط النسخ؛ إذ بحذفها .. لا إيراد. 3080 - قول "التنبيه" [ص 133]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 403] (وإن وجد جارية تحل له .. لم يجز أن يلتقطها للتملك، بل يأخذها للحفظ) مفهومه أنها إذا كانت لا تحل له كمجوسية ومحرمة، أو كان عبدًا .. فله التقاطه للتملك، وهو كذلك بشرط كونه غير مميز، أو يكون الزمان زمان نهب، وقد ذكر ذلك "المنهاج"، إلا أنه لم يذكر الحالة الثانية، فقال: (ويجوز أن يلتقط عبدًا لا يميز) (¬8). قال شيخنا ابن النقيب: وكذا أمةٌ، وعبر في "المحرر" بالمملوك (¬9)، وهو أقرب إلى الشمول، ولو عبر بـ (الرقيق) كـ "الروضة" .. لكان أحسن (¬10). ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (8/ 484). (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 356). (¬3) انظر "الروضة" (5/ 404). (¬4) انظر "الوجيز" (1/ 435). (¬5) التنبيه (ص 133)، المنهاج (ص 328). (¬6) المحرر (ص 249). (¬7) فتح العزيز (6/ 367)، الروضة (5/ 403). (¬8) المنهاج (ص 328). (¬9) المحرر (ص 249). (¬10) الروضة (5/ 399)، وانظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 371).

قلت: قد ذكر ابن حزم الظاهري أن لفظ العبد يتناول الأمة (¬1). 3081 - قولهم في الهريسة ونحوها: (إنه مخير بين أن يأكل وبين أن يبيع) (¬2) قد يفهم استواء الأمرين، وليس كذلك، فالمستحب البيع، كما قاله القاضي أبو الطيب. 3082 - قول "التنبيه" في الهريسة ونحوها [ص 133]: (فإن أكل .. عزل قيمته مدة التعريف، وعرف سنة ثم يتصرف فيها، وقيل: يعرف، ولا يعزل القيمة) فيه أمور: أحدها: أن الأصح: الثاني، وهو أنه لا يعزل القيمة؛ لأن بقاؤه في الذمة أحفظ. ثانيها: كلامه تفريعًا على الأول يقتضي أنه هو الذي يعزلها، وقد حكاه في "الكفاية" عن جماعة، لكن المجزوم به في "الروضة" وأصلها أنه يرفع الأمر إلى الحاكم ليقبض عن المالك (¬3)، وعبر عنه شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" بالصواب (¬4). ثالثها: تناول كلامه ما إذا كان ذلك في الصحراء، وقد قال الإمام في هذه الصورة: إنه لا يجب التعريف، لعدم فائدته (¬5)، وصححه الرافعي في "الشرح الصغير". 3083 - قول "المنهاج" في هذه المسألة [ص 328]: (وقيل: إن وجده في عمران .. وجب البيع) يقتضي أنه وجه، وقد حكاه في "الروضة" قولًا (¬6). 3084 - قولهم في الملتقط للحفظ: (لم يلزمه التعريف) (¬7) وحكاه "المنهاج" عن الأكثرين، ورجح الإمام والغزالي وجوبه (¬8)، قال في "الروضة": وهو أقوى، وهو المختار (¬9)، وصححه في "شرح مسلم" (¬10). وقال في "الكفاية": وعليه جرى البغوي، وظاهر كلام الماوردي يقتضي الجزم به (¬11)، وقد يستدل له بما روى النسائي عن عياض من قوله: "ولا يكتم" (¬12). ¬

_ (¬1) انظر "المحلى" (8/ 424). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 133)، و"الحاوي" (ص 403، 404)، و"المنهاج" (ص 328). (¬3) فتح العزيز (6/ 368)، الروضة (5/ 411). (¬4) تذكرة النبيه (3/ 211). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (8/ 478). (¬6) الروضة (5/ 411). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 132)، و"الحاوي" (ص 403)، و"المنهاج" (ص 328). (¬8) انظر "نهاية المطلب" (8/ 449)، و"الوسيط" (4/ 292). (¬9) الروضة (5/ 413). (¬10) شرح مسلم (12/ 28). (¬11) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 7)، و"التهذيب" (4/ 546، 547). (¬12) سنن النسائي الكبرى (5808).

وقال السبكي: ولك أن تقول: الكتمان إنما يكون إذا طلب منه، فكتم، وبدونه لا يكون كتمانًا، ويبعد أن يجب لأجل غيره، وأقصى ما في الممكن أن يقال: يجب عليه إما التعريف أو رفع يده عنها، فمتى أوجبناه .. أمكن التخلص عنه بدفعها إلى الحاكم أو بطريق آخر. انتهى. ويستثنى من ذلك: لقطة الحرم .. فيجب تعريفها قطعًا، قال في "الروضة" من زيادته: قال أصحابنا: ويلزم الملتقط لها الإقامة للتعريف أو دفعها إلى الحاكم، ولا يجيء هنا الخلاف السابق فيمن التقط للحفظ .. هل يلزمه التعريف؟ بل يجزم هنا بوجوبه؛ للحديث (¬1). 3085 - قول "المنهاج" [ص 328]: (فلو قصد بعد ذلك خيانة .. لم يصر ضامنًا في الأصح) لا يختص ذلك بالملتقط للحفظ، بل لو التقط للتملك، ثم قصد الخيانة .. كان كذلك؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 403]: (وهو أمانة وإن قصد الخيانة بعد الأخذ)، أما لو فعل الخيانة فيه .. فإنه يصير ضامنًا بلا شك، ومهما صار ضامنًا في الدوام بالخيانة أو بقصدها ثم أقلع وأراد التعريف والتملك .. فله ذلك كما نقله الرافعي عن تصحيح البغوي، وقال: لكن إيراد "الوجيز" يشعر بترجيح مقابله؛ ويؤيده أنهم شبهوا الوجهين بالوجهين فيما إذا أنشأ سفرًا مباحًا ثم غيّر قصده إلى معصية .. هل يترخص؟ وميل الأصحاب إلى منع الترخص أشد. انتهى (¬2). وهو مشعر بترجيح المنع، لكن صحح في "أصل الروضة" الجواز (¬3)، وهذه غير المسألة المذكورة في "المنهاج" بقوله [ص 328]: (وليس له بعده أن يُعرِّف ويتملك على المذهب) تلك فيما إذا أخذ بقصد الخيانة من الأول. 3086 - قول "المنهاج" [ص 329]: (ويعرف جنسها وصفتها وقدرها وعفاصها ووكائها) زاد "التنبيه" [ص 132]: (وعائها)، وفسر الجمهور العفاص: بأنه الوعاء، وقال الخطابي: أصله الجلد الذي يُلبَس رأس القارورة، ويتعين حمل كلام "التنبيه" عليه؛ لذكره الوعاء، وأهملا معرفة نوعها، وهذه المعرفة عقب الأخذ كما قاله المتولي وغيره، وأكثر الروايات صريحة فيه، وفي رواية لمسلم: "عرِّفها سنة، ثم اعْرفْ وكائها وعفاصها، ثم استنفق بها" (¬4)، وهي دالة على تأخر هذه المعرفة عن التعريف، ويجمع بينهما: بأن هذا تعرّفٌ آخر عند إرادة التملك، فيندب له حينئذ أن يتحقق أمرها قبل التصرف فيها، وهذه المعرفة الأولى والثانية مستحبة. 3087 - قولهم: (ثم يعرفها) (¬5) قد يفهم تعيين تعريفها بنفسه، وليس كذلك، بل له ذلك بما ¬

_ (¬1) الروضة (5/ 413). (¬2) فتح العزيز (6/ 360)، وانظر "الوجيز" (1/ 434)، و"التهذيب" (4/ 547). (¬3) الروضة (5/ 407). (¬4) صحيح مسلم (1722). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 132)، و"الحاوي" (ص 403)، و"المنهاج" (ص 329).

دونه أيضًا، ولكن لا يسلمها له، ويجب أن لا يكون تعريفه على سبيل البسط والمجون، ولا يشترط في المعرف العدالة إذا حصل الوثوق بقوله، وقال الجيلي والنووي في "نكته": متى غلب على ظنه أنه إذا عرفها أخذها منه السلطان لجوره .. لم يجز التعريف، بل تكون أمانة في يده أبدًا. 3088 - قولهما: (على أبواب المساجد) (¬1) أي: عند خروج الناس من الصلاة. يفهم أنه لا يعرف في نفس المساجد، وهو كذلك، إلا أن الشاشي قال في "المعتمد": أصح الوجهين: جواز التعريف في المسجد الحرام بخلاف بقية المساجد، قال في "المهمات": وهو ظاهر في تحريمه في بقية المساجد، وليس كذلك، فالمنقول الكراهة، وقد جزم به النووي في "شرح المهذب" (¬2). قلت: المعتمد التحريم، فهو ظاهر كلامهم، وقد صرح به القاضي حسين في "تعليقه"، فقال: أما داخل المسجد .. فلا يجوز التعريف فيه، والماوردي، وحكى الاتفاق عليه فقال في لقطة الحرم: اختلفوا في جواز إنشادها في المسجد الحرام مع اتفاقهم على تحريم إنشادها في غيره من المساجد على وجهين، أصحهما: جوازه اعتبارًا بالعرف، وأنه مجمع الناس. انتهى (¬3). فكيف يقال: إن التحريم خلاف المنقول؟ . 3089 - قول "التنبيه" [ص 132]: (وفي الموضع الذي وجدها فيه) محله: ما إذا كان في العمران، فإن كان في صحراء .. فيعرف في مقصده، ولا يكلف أن يعدل إلى أقرب البلاد إليه؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 403]: (في بلده، وأيّ بلدٍ إن وجد في صحراء). 3090 - قول "التنبيه" [ص 132]: (سنة) ليس المراد: استيعاب السنة بالتعريف فيها كل يوم؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 329]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 403]: (على العادة، يعرّف أولًا كل يوم طرفي النهار، ثم في كل يومٍ مرةً، ثم كل أسبوعٍ، ثم كل شهرٍ) وهنا مسألتان: إحداهما: لو التقط اثنان .. قال ابن الرفعة: يعرف كل منهما سنة، وقال السبكي: نصف سنة. الثانية: قال شيخنا الإمام البلقيني: لو مات الواجد في أثناء مدة التعريف، فهل يبني الوارث على ما مضى، أو يستأنف؟ لم يتعرضوا له، والأقرب: الاستئناف، كما في حول الزكاة لا يبني الوارث على حول المورث على أصح القولين. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 132)، و"المنهاج" (ص 329). (¬2) المجموع (9/ 238). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 5).

قلت: الأرجح: البناء؛ لحصول المقصود به، وأما الزكاة: فقد انقطع حول المورث؛ لخروج الملك عنه بموته، فيستأنف الوارث الحول لإبتداء الملك، والله أعلم. 3091 - قول "الحاوي" [ص 403]: (سنة متصلة) يفهم أمرين: أحدهما: اتصالها بالالتقاط، وأصح الوجهين - وهو الذي يقتضيه كلام الجمهور -: أنه لا يجب ذلك، والمعتبر تعريف سنة متى كان، وقال شيخنا الإمام البلقيني: محل الوجهين: مع الإمكان، فإن تعذر .. سقط وجه وجوب البدار، قال: ومحل جواز التأخير: ما لم يغلب على ظن الملتقط أنه يفوت معرفة المالك بالتأخير، فإن غلب على ظنه ذلك .. وجب البدار، ولم يتعرضوا له. انتهى. قلت: في "النهاية" تفريعًا على أنه لا تجب المبادرة: لو تمادى التأخير مدة تنسى فيها اللقطة .. هل ينفع التعريف بعد ذلك؟ فيه وجهان، قال: ومن يصير إلى التعريف يقول: حق المعرّف أن يؤرخ وجدان اللقطة في تعريفه، ويسنده إلى وقته (¬1). ثانيهما: أن تكون السنة [متوالية] (¬2)، وهو الذي صححه الرافعي في "المحرر" (¬3)، وصحح النووي: الاكتفاء بها متفرقة (¬4)، وهو الذي صححه في "التنبيه" (¬5)، وعبارة "المنهاج" [ص 329]: (ولا تكفي سنة متفرقة في الأصح). قلت: الأصح: تكفي، وفي "الشرح" حكاية الأول عن الإمام، والثاني عن العراقيين والروياني (¬6)، ومقتضاه: ترجيح الاكتفاء؛ لأن القائلين به أكثر، لكنه رجح الأول في "المحرر" كما تقدم. 3092 - قول "المنهاج" [ص 329]: (ويذكر بعض أوصافها) مثل قول "الحاوي" [ص 403]: (بذكر صفاتٍ) وفي "التنبيه" [ص 132]: (فيقول: من ضاع له شيء، أو من ضاع له دنانير) قال ابن الرفعة: وهي صريحة في التخيير، وبه صرح جماعة، ويجوز أن تكون إشارة إلن خلاف للأصحاب في وجوب ذكر شئ من الصفات، فإن وجب .. فقيل: يكفي ذكر الجنس وقال الإمام: لا يكفي (¬7)، وفي أصل "الروضة" بعد تصحيح أنّ ذكر بعض أوصافها مستحب: فإن ¬

_ (¬1) نهاية المطلب (8/ 453، 454). (¬2) في (أ): (متصلة). (¬3) المحرر (ص 250). (¬4) انظر "الروضة" (5/ 407). (¬5) التنبيه (ص 132). (¬6) فتح العزيز (6/ 362)، وانظر "نهاية المطلب" (8/ 451، 452). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (8/ 454، 455).

شرطناه .. فهل يكفي ذكر الجنس؛ بأن يقول: من ضاع منه دراهم؟ قال الإمام: عندي أنه لا يكفي، ولكن يتعرض للعفاص والوكاء ومكان الالتقاط وزمنه، ولا يستوعب الصفات، ولا يبالغ فيها؛ لئلا يعتمدها الكاذب، فإن بالغ .. ففي مصيره ضامنًا وجهان، زاد في "الروضة": أصحهما: الضمان (¬1). وعبارة السبكي تفريعًا على الاشتراط: هل يجب ذكر الجنس كدراهم؟ وجهان، أصحهما: لا، بل يكفي أن يتعرض للعفاص والوكاء والمكان والتاريخ. قال شيخنا ابن النقيب: وهذا صريح ما في "البسيط" وظاهر "النهاية"، وهو خلاف نقل الرافعي وابن الرفعة (¬2)، أي؛ لأنهما جعلا الخلاف في الاكتفاء بالجنس، وهو جعله في وجوب ذكره. 3093 - قول "المنهاج" [ص 329]: (ولا يلزمه مؤنة التعريف إن أخذ لحفظ، بل يرتبها القاضي من بيت المال أو يقترض على المالك) فيه أمور: أحدها: أن مقتضاه: صرفها من بيت المال أو بالاقتراض، ولو فرعنا على أنه لا يجب التعريف في هذه الحالة كما تقدم عن الأكثرين، والذي في "الروضة" وأصلها: إن قلنا: لا يجب التعريف .. فهو متبرع إن عرّف، وإن قلنا: يجب .. فليس عليه مؤنته، بل يرفع الأمر إلى القاضي، وذكر ما تقدم (¬3)، فلم يذكره إلا تفريعًا على الوجه الآخر، وهو الوجوب، وكذا قال الإمام والغزالي (¬4)، والحق ما في "المحرر" و"المنهاج" (¬5)، وإليه ذهب السبكي، وهو الذي يدل عليه كلام أكثر الأصحاب، ومنهم القاضي الحسين والبغوي والخوارزمي (¬6). ثانيها: ظاهر قوله: (يرتبها من بيت المال) أنه على سبيل الصرف الذي لا رجوع به؛ لأنه ذكر في مقابلته الاقتراض، وأصرح منه تعبير "أصل الروضة" بقوله: (ليبذل أجرته من بيت المال) (¬7)، وقال ابن الرفعة: إن ذلك على سبيل القرض. ثالثها: زاد في "أصل الروضة": أو يأمر الملتقط به ليرجع، كما في هرب الجمَّال. انتهى (¬8). ¬

_ (¬1) الروضة (5/ 408)، وانظر "نهاية المطلب" (8/ 455). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 376)، و"فتح العزيز" (6/ 362). (¬3) فتح العزيز (6/ 362)، الروضة (5/ 408). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (8/ 455)، و"الوسيط" (4/ 296، 297). (¬5) المحرر (ص 250)، المنهاج (ص 329). (¬6) انظر "التهذيب" (4/ 549). (¬7) الروضة (5/ 408). (¬8) الروضة (5/ 408).

وهو داخل في الاقتراض، وزاد ابن الرفعة والسبكي: بيع جزء من اللقطة، قال السبكي: ومعنى تفويض الأمر إلى القاضي: أنه يفوض إلى اجتهاده، قال: فهذه أربعة أشياء يجتهد فيها. رابعها: ظاهره تعين الرفع إلى القاضي، وقال الماوردي: فإن لم يستأذنه مع القدرة، وأشهد بالرجوع .. ففيه وجهان (¬1)، قال ابن الرفعة: وهما كالوجهين في أنه هل له تسليمها إلى من يعرفها بغير إذنه مع القدرة؟ . 3094 - قوله: (وإن أخذ لتَمَلُّكٍ .. لزمته، وقيل: إن لم يتملك .. فعلى المالك) (¬2) يقتضي أنه إذا تملك: ثم ظهر المالك ورجع فيها .. لم يجيء هذا الوجه، وتعبير "الروضة" و"الشرحين" بظهور المالك (¬3)، يشمل ظهوره بعد التملك، ويقتضي أن المؤنة في هذه الصورة على هذا الوجه على المالك أيضًا، وهو الذي قرره السبكي، وقال: لو عبر "المنهاج" بـ (ظهور المالك) .. لكان أخلص، ويمكن أن يؤول قول "المنهاج" [ص 329]: (لم يتملك) على أن معناه: لم يحصل الملك له ولم يستمر، وهو بعيد. 3095 - قول "المنهاج" [ص 329]: (والأصح: أن الحقير لا يُعرَّف سنة، بل زمنًا يُظن أن فاقده يُعرِض عنه غالبًا) فيه أمور: أحدها: أنه يتناول حقيرًا لا يتمول لقلته؛ كحبة بر أو زبيبة واحدة، والمنقول: أنه لا يُعرّف أصلًا، ويستبد به وَاجِدُهُ؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 403]: (حالًا إن لم يتمول). ثانيها: رجح صاحب "التنبيه" اعتبار السنة في القليل أيضًا، فقال [ص 132]: (وظاهر المذهب: أنه لا فرق بين القليل والكثير)، ونص عليه الشافعي، فقال: (وسواء قليل اللقطة وكثيرها)، حكاه المزني في "مختصره" (¬4)، ولم يحك فيه الماوردي خلافًا في المذهب، وصححه العراقيون وجماعة من الخراسانيين كالقاضي حسين وغيره، وقال السبكي: إنه المشهور في المذهب، قال: وهو الذي أختاره؛ لعموم الحديث. انتهى. وذكر الرافعي أن مقابله أشبه باختيار المعظم (¬5)، وفيه نزاع، وأعجب منه قول الغزالي في "البسيط": إنه لا يجب تعريف القليل المتمول سنة اتفاقًا، فعمد إلى ما هو منصوص الشافعي والمشهور عند أصحابه والمختار من الدليل، فأنكره بالكلية، ولم يثبته. ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 14). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 329). (¬3) فتح العزيز (6/ 373)، الروضة (5/ 414). (¬4) مختصر المزني (ص 135). (¬5) انظر "فتح العزيز" (6/ 365).

فصل [كيفية تملك اللقطة بعد التعريف]

ثالثها: ظاهره: أن التعريف في زمن إعراض الفاقد، وليس كذلك، وإنما هو في زمن فقد الإعراض، فإذا جاء زمن الإعراض .. انتهى التعريف، فكان ينبغي أن يقول: (لا يعرض)، أو يقول: (يطلبه)، أو يقول: (إلى زمن يظن أن فاقده يعرض عنه)، فيجعل ذلك الزمن غاية لترك التعريف لا ظرفًا للتعريف، ولذلك عبر في "الروضة" و"الشرحين" بقوله: مدة يظن في مثلها طلب فاقده له، فإذا غلب على الظن إعراضه .. سقط (¬1)، وفي "شرح مسلم": زمنًا يظن أن فاقده لا يطلبه في العادة أكثر من ذلك الزمان (¬2)، وعبر عنه "الحاوي" بقوله [ص 403]: (وما يَقِلّ إن عرّف بقدره) أي: له تملك القليل المتمول إن عرفه بقدر ما يليق به، ولا يخفى ما في عبارته من الإجحاف. 3096 - قول "التنبيه" [ص 132]: (وقيل: إن كان قليلًا .. كفاه أن يعرفه في الحال) الأصح تفريعًا على هذا الوجه - وهو الاكتفاء في القليل بما دون السنة -: أنه لا يكتفى بتعريفه في الحال، بل يعرفه إلى أن يظن إعراض فاقده عنه كما تقدم. 3097 - قوله: (وقُدّر بالدرهم) (¬3) يقتضي أن الدرهم على هذا الوجه قليل، وعليه مشى في "الكفاية"، والذي في "الروضة" وأصلها: أن ما دون الدرهم قليل، والدرهم كثير (¬4)، وعزاه ابن يونس في "التنويه" إلى حكاية جمهور النقلة لهذا الوجه، والأصح: أنه ما يقل أسف فاقده عليه، ولا يطول طلبه له غالبًا. فصلٌ [كيفية تملك اللقطة بعد التعريف] 3098 - قول "التنبيه" [ص 132]: (فإذا عرّف، فاختار التملك .. ملك) قد يفهم الاكتفاء بالنية، وليس كذلك، ولهذا قال "المنهاج" [ص 329]: (حتى يختاره بلفظٍ كتملكت)، ثم شرط ذلك: أن يكون قصد التملك في ابتداء التعريف، فلو عرف من غير قصد التملك، ثم بدا له قصده .. عرّفه سنة من يومئذ، ولا يعتد بما عرفه من قبل. 3099 - قول "التنبيه" [ص 329]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 405]: (وإن جاء بعد التملك .. أخدها مع الزيادة المتصلة دون المنفصلة) ينبغي فيما إذا كانت المنفصلة موجودة عند ¬

_ (¬1) فتح العزيز (6/ 365)، الروضة (5/ 410). (¬2) شرح مسلم (12/ 22). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 132). (¬4) فتح العزيز (6/ 366)، الروضة (5/ 411).

التملك؛ كأن يتملكها وهي حامل ثم تضع عنده .. أن يرجع المالك في الولد بناء على أن الحمل يعلم، وهو الأصح، كما في نظيره من الرد بالعيب والفلس، أشار إليه في "المهمات". 3100 - قول "المنهاج" [ص 329]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 405]: (وإن تلفت .. غرم مثلها أو قيمتها يوم التملك) أي: المثل في المثلي، والقيمة في المتقوم، أطبق عليه الأصحاب فيما وقفت عليه. قال في "الكفاية": وقضية ما حكيناه من أن ملك اللقطة كملك المقترض: أن يكون الواجب فيما له مثل صوري رد المثل الصوري على الأصح، كما في القرض، ثم قيل: إن الضمان يثبت في ذمة الملتقط من يوم التلف، وصححه الرافعي والنووي (¬1)، وقيل: لا، وإنما تتوجه المطالبة إذا جاء المالك، واختاره السبكي؛ لأن التملك كان مجانًا، فإذا رجع المالك .. انتقض، ووجب الرد بأمر الشارع فسخًا لذلك التملك كرجوع الأب، قال: وليس من شرط المطالبة، تقدم ثبوت الضمان في ذمته كما أشار إليه الرافعي، بل بالفسخ كما قلناه. 3101 - قول "المنهاج" [ص 330]: (وإذا ادعاها رجلٌ ولم يصفها ولا بينة .. لم تُدفع إليه) وهو مفهوم "التنبيه" و"الحاوي" (¬2)، ومحله: ما إذا لم يعلم الملتقط أنها له، فإن علم ذلك .. لزمه دفعها له. 3102 - قولهم: (إنه يلزم الدفع بالبينة) (¬3) يتناول الشاهد واليمين؛ فإن ذلك حجة في الأموال، وهذا معلوم من القاعدة العامة، ومع ذلك فنص عليه الشافعي والأصحاب، وممن حكى النص عن "الأم" القاضي حسين في "تعليقه" (¬4)، ومن العجيب نقل السبكي المسألة عن نصر المقدسي في "تهذيبه" .. فأوهم انفراده به، والمسألة بخصوصها في عدة من الكتب المشهورة. 3103 - قولهم: (فيما إذا وصفها وظن صدقه .. جاز الدفع) (¬5) محله: ما إذا كان الواصف واحدًا، فإن وصفها جماعة .. قال القاضي أبو الطيب: أجمعنا على أنها لا تُسلم لهم. 3104 - قول "المنهاج" [ص 330]: (فإن دفع، فأقام آخر بينة بها .. حُوِّلَت إليه) أي: دفع بالوصف وظن الصدق، فأما لو دفع بالبينة .. جاءت أقوال تعارض البينتين. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (6/ 374)، و"الروضة" (5/ 411). (¬2) التنبيه (ص 132)، الحاوي (ص 405). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 132)، و"الحاوي" (ص 405)، و "المنهاج" (ص 330). (¬4) الأم (4/ 66). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 132)، و"الحاوي" (ص 405)، و"المنهاج" (ص 330).

3105 - قولهما: (لا تحل لقطة الحرم للتملك) (¬1)، قال "المنهاج" [ص 330]: (على الصحيح)، وهذا موافق لما في "الروضة" من أن الخلاف وجهان (¬2)، وصرح الرافعي في "شرحيه" بأنه قولان (¬3)، وحكاه الروياني عن القفال وغيره بعد أن حكى المنع عن النص وأنها كغيرها عن بعض الأصحاب، وتصحيح أبي عبد الله الحسين "شارح التلخيص"، وعبارة "التنبيه" قد توافق هذا؛ فإنه قال: (إن الأول ظاهر المذهب) ثم حكى الثاني بلفظه، قيل: وظاهره أنه وجه، وحكى الماوردي والروياني وجهين في لقطة عرفة ومصلى إبراهيم؛ لأنه حل، لكنه مجتمع الحاج (¬4)، ويدل للمنع حديث [عبد الرحمن بن عثمان التيمي] (¬5): (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لقطة الحاج)، رواه مسلم في "صحيحه" (¬6)، وهو يعم لقطته في الحرم وفي موضع الحج، وهو عرفات، ولا يتعدى إلى منازلهم في الطريق؛ لأنه ليس مجمع جميعهم، وإنما يجمع أهل قطر واحد، وفي "سنن أبي داوود" من حديث على بإسناد صحيح في حرم المدينة: "ولا تلتقط لقطتها إلا لمن أشاد بها" (¬7). وذهب إليه شيخنا الإمام البلقيني، فقال: إن لقطة المدينة كمكة لا تحل إلا لمنشد، لكن صرح الروياني في "البحر" بخلافه، والتمسك بالحديث أولى، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 132)، و"المنهاج" (ص 330). (¬2) الروضة (5/ 412). (¬3) فتح العزيز (6/ 371). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 5). (¬5) في جميع النسخ (عثمان بن عبد الرحمن التيمي)، والمثبت من "صحيح مسلم". (¬6) صحيح مسلم (1724). (¬7) سنن أبي داوود (2035).

كتاب اللقيط

كتابُ اللَّقِيط 3106 - قولهما: (التقاط المنبوذ فرض على الكفاية) (¬1) لم يذكرا صفة المنبوذ، وفي "الحاوي" [ص 405]: (لقط طفلٍ)، فوصف المنبوذ بأنه طفل، وهو متناول للمميز وغيره، وفي المميز تردد للإمام (¬2)، قال الرافعي والنووي: والأوفق لكلام الأصحاب أنه يلتقط لحاجته إلى التعهد (¬3). قال السبكي: والبالغ المجنون في ذلك كالصبي، ولكن ذكر الصبي في الحد؛ لأنه الغالب، والمجنون في ذلك نادر. 3107 - قول "التنبيه" [ص 134]: (ويستحب أن يشهد عليه وعلى ما معه، وقيل: يجب ذلك) الثاني أصح، وعليه مشى "المنهاج"، فقال [ص 331]: (ويجب الإشهاد عليه في الأصح)، و"الحاوي" فقال [ص 405]: (بالإشهاد)، ولم يذكر الإشهاد على ما معه، وهو في "الروضة" وأصلها عن النص (¬4)، لكن لم يفصحا عن كونه واجبًا أو مستحبًا، ونص "المختصر" صريح في الوجوب، فقال: (وجب أن يشهد بما وَجَدَ له، وأنه منبوذ) (¬5)، وتعبير "المنهاج" بـ (الأصح) يقتضي ترجيح طريقة الخلاف، وأنه وجهان (¬6)، والمرجح في "الروضة": طريقة القطع بالوجوب (¬7)، ومقابلها وجهان أو قولان، وهما مخرجان من نصه هنا، وفي اللقطة: فلو ترك الإشهاد مع وجوبه .. لم يثبت له ولاية الحضانة، ويجوز انتزاعه منه، قاله في "الوسيط" (¬8). قال الرافعي: وهذا يشعر باختصاص الإشهاد الواجب بابتداء الالتقاط (¬9). قال في "الكفاية": وفيما ادعاه من الإشعار انظر. قلت؛ لأن معناه أنه لا يثبت له ولاية الحضانة ما لم يشهد، فلا يشعر باختصاص الوجوب ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 133)، و "المنهاج" (ص 331). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (8/ 519). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 379)، و"الروضة" (5/ 418). (¬4) فتح العزيز (6/ 379)، الروضة (5/ 418). (¬5) مختصر المزني (ص 136). (¬6) المنهاج (ص 331). (¬7) الروضة (5/ 418). (¬8) الوسيط (4/ 284). (¬9) انظر "فتح العزيز" (6/ 379).

بالابتداء، فمتى أشهد .. ثبتت له الولاية، ذكره السبكي، ويشهد له أن عبارة "البسيط": ومن يوجب الإشهاد يجعله شرطًا حتى يتخلف حكم الالتقاط وولاية الحضانة عند فقد الإشهاد، فكأنه يقول: هذه ولاية، فلا تثبت ما لم تستند إلى شهادة، ثم قال السبكي: ولا يبعد أن يقال: الوجوب على الفور، فمتى أخره .. فسق وخرج عن الأهلية، فلا يفيده الإشهاد بعد ذلك إلا أن يتوب، فيكون كالتقاط جديد. انتهى. ومحل الخلاف: في الملتقط، أمّا من سَلم الحاكم له اللقيط .. فالإشهاد في حقه مستحب قطعًا، ذكره الماوردي وغيره (¬1). 3108 - قول "الحاوي" [ص 405]: (وحضانته لحرٍّ مسلمٍ عدلٍ رشيدٍ) زاد "المنهاج" [ص 331]: (التكليف) ليخرج الصبي والمجنون، وهو مفهوم من العدالة، وقال "التنبيه" [ص 134]: (وإن التقطه حرٌ أمين مسلم مقيم .. أقر في يده)، فلم يذكر الرشد، وقال في "الكفاية": إنه لم يذكر العدالة أيضًا، وليس كذلك؛ فالأمانة بمعنى العدالة، وفي (الوقف) من الرافعي: شرط الناظر: الأمانة، وفي "المنهاج": العدالة (¬2)، فدل على ترادفهما. قال السبكي: والأكثرون اشترطوا العدالة أو الستر، والرافعي اقتصر على العدالة (¬3). قلت: لم يُرد إلا العدالة الظاهرة التي يدخل تحتها الستر؛ بدليل قوله بعده: وأما من ظاهر حاله الأمانة إلا أنه لم يختبر .. فلا ينتزع من يده، لكن يوكل به القاضي من يراقبه بحيث لا يعلم؛ لئلا يتأذى، فإذا وثق به .. صار كمعلوم العدالة، ثم قال بعده: من ظهرت عدالته بالاختبار .. يقدم على المستور على الأصح (¬4). وقال الماوردي فيمن يوثق به على نفسه دون ماله: أنه يقر في يده، وينزع المال، وفي عكسه: لا يقر، وفي نزع المال وجهان. انتهى (¬5). ومقتضاه: أن الإنسان قد يكون أمينًا في شيء دون شيء، وقال السبكي: لعل المراد المستور: المنحط عن درجة العدالة، فإذن الفاسق ليس بأهل جزمًا، وإنما التردد في المستور، ولا يخفى أن اشتراط الإسلام في الملتقط محله: في اللقيط المحكوم بإسلامه، فللكافر التقاط الكافر، وقد صرح به "الحاوي" (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 37). (¬2) فتح العزيز (6/ 290)، المنهاج (ص 331). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 381). (¬4) انظر "فتح العزيز" (6/ 381). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 21). (¬6) الحاوي (ص 405).

3109 - قول "التنبيه" [ص 134]: (فإن أخذه عبد .. انتزع منه) محله: ما إذا لم يكن بإذن السيد، فإن كان بإذنه .. فهو الملتقط، والعبد نائبه، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬1) وكذا لو علم بالتقاط العبد، فأقره عنده، ذكره "المنهاج" (¬2). 3110 - قول "الحاوي" [ص 405]: (ومن القنِّ والمكاتب بإذن السيد لَقْطُهُ) أي: من السيد، تبع "الوجيز" في أن إذن السيد للمكاتب كإذنه للعبد (¬3)، ومحله ما إذا قال: التقطه لي، وإلا .. فهو على الخلاف في تبرعاته بإذنه، قال الرافعي: لكن الظاهر هنا: المنع؛ لأنه ليس من أهل الولاية (¬4). 3111 - قول "التنبيه" [ص 134]: (وإن كان أحدهما مقيمًا والآخر ظاعنًا .. فالمقيم أولى) هذا تفريع على منع الخروج به إلى البادية، فإن جوزناه - وهو الأصح كما سيأتي - .. فهما سواء. 3112 - قول "المنهاج" [ص 331]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 405]: (فإن استويا .. أقرع) أي: وتشاحا، صرح به "التنبيه"، وهو واضح (¬5). 3113 - قوله: (وإن ترك أحدهما حقه .. أقر في يد الآخر) (¬6) محله: قبل القرعة، أما لو ترك حقه بعد خروج القرعة له .. لم يجز، كما قاله الرافعي والنووي، وأجرى الماوردي الخلاف فيه (¬7). 3114 - قوله: (وإن أقاما بينتين متعارضتين .. سقطتا في أحد القولين) (¬8) هو الأظهر، قال ابن يونس: فيُرجَع إلى القافة، ونسبه إلى السهو ابن عمه في "التنويه على النبيه"، ومقابله - وهو الاستعمال - يتعين معه القرعة، ولا يجيء الوقف؛ لأنه يضر الطفل، ولا القسمة؛ لعدم إمكانها. 3115 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وإذا وجد بلديٌّ لقيطًا ببلدٍ .. فليس له نقله إلى باديةٍ) (¬9) يستثنى: ما لو قربت البادية بحيث يسهل المراد منها على النص، وقول الجمهور بناء على أن المعنى في المنع خشونة عيش البادية. 3116 - قول "التنبيه" [ص 134]: (وإن كان ظاعنًا إلى بلد آخر .. ففيه وجهان) الأصح: أن له ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 405)، المنهاج (ص 331). (¬2) المنهاج (ص 331). (¬3) الوجيز (1/ 436). (¬4) انظر "فتح العزيز" (6/ 381). (¬5) التنبيه (ص 134). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 134). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 40)، و"فتح العزيز" (6/ 384)، و"الروضة" (5/ 421). (¬8) انظر"التنبيه" (ص 134). (¬9) انظر "التنبيه" (ص 134)، و"الحاوي" (ص 405)، و "المنهاج" (ص 331).

ذلك، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، ومحله: عند أمن الطريق وتواصل الأخبار، فإن كان مخوفًا أو انقطعت الأخبار بينهما .. لم يقر قطعًا، ولم يفرق الجمهور بين مسافة القصر ودونها، وقطع الماوردي فيما دونها بالجواز، وجعل الخلاف في مسافة القصر، وتبعه في "الكفاية". 3117 - قول "التنبيه" [ص 134]: (فيما إذا كان اللقيط في البادية وأخذه بدوي ينتقل من موضع إلى موضع .. فقد قيل: يقر، وقيل: لا يقر) الأصح: أنه يقر، وعليه مشى "المنهاج" (¬2)، وهو ظاهر إطلاق "الحاوي" قوله [ص 405]: (ومن كلٍّ إلى مثله). 3118 - قولهم: (ونفقته في ماله) (¬3) زاد "المنهاج" [ص 331]: (العام؛ كوقف على اللقطاء، أو الخاص)، قال السبكي: ليس ريع الوقف على اللقطاء في الحقيقة ماله، بل مال الجهة العامة، وكذا قوله بعد: (فإن لم يعرف له مال) (¬4) أي: لا عام ولا خاص، فيه تجوز، والمعنى: ما يستحق أن يصرف إليه منه وإن لم يكن ملكه، وزاد في "الروضة" وأصلها مع الوقف على اللقطاء: الوصية لهم (¬5)، وزاد الغزالي: أو وُهِبَ لهم (¬6)، قال الرافعي: الهبة لغير معين مما يستبعد، فيجوز تنزيله على ما في "الوسيط" من الوصية بالهبة له، ويجوز أن تنزل الجهة العامة منزلة المسجد حتى يجوز تمليكها بالهبة كالوقف، ويقبله القاضي. انتهى (¬7). واختار السبكي هذا الثاني، وقال في "المهمات": الوقف لا يشترط فيه القبول إذا كان على الجهة، وقياس الهبة كذلك، وهل يتخير بين العام والخاص، أو يقدم الخاص فلا ينفق من العام إلا عند تعذره؟ قال في "التوشيح": لم أجد فيه نقلًا. قلت: مقتضى إطلاقهم التخيّر، والأفقه تقديم الخاص. 3119 - قول "التنبيه" [ص 133]: (فإن كان معه مال متصل به أو تحت رأسه .. فهو له) لو قال: (تحته) كما في "المنهاج" و"الحاوي" .. لكان أعم (¬8)، ودخل في عبارتهم ما كان تحت فراشه، وهو الأصح، وعبارة "الروضة": وكذا المصبوبة تحته وتحت فراشه، وفي التي تحته ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 405)، المنهاج (ص 331). (¬2) المنهاج (ص 331). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 134)، و"الحاوي" (ص 405)، و "المنهاج" (ص 331). (¬4) المنهاج (ص 332). (¬5) فتح العزيز (6/ 389)، الروضة (5/ 424). (¬6) انظر "الوجيز" (1/ 437). (¬7) فتح العزيز (6/ 389)، وانظر "الوسيط" (4/ 307). (¬8) الحاوي (ص 405، 406)، المنهاج (ص 331)

وجه ضعيف (¬1)، ومقتضاه: القطع بأن الذي تحت فراشه له مع حكاية الخلاف فيما هو تحته بلا واسطة، وهذا فاسد، والصواب: عكسه، وبه صرح الماوردي (¬2)، ويمكن رد عبارة الرافعي إليه. 3120 - قول "المنهاج" [ص 332]: (وإن وُجد في دار .. فهي له) أي: ليس فيها غيره، وكذا الخيمة، وفي البستان وجهان في "الحاوي" (¬3)، وطردهما صاحب "المستظهري" في الضيعة (¬4)، قال النووي: وهو بعيد، فينبغي القطع بالمنع (¬5). قلت: وطردهما الماوردي أيضًا في الضيعة (¬6). 3121 - قولهم: (وليس له مال مدفون تحته) (¬7) يتناول ما لو كان معه أو في الدفين رقعة مكتوب فيها أنه له، وهو الموافق لكلام الأكثرين، وصحح الغزالي في هذه الصورة أنه له (¬8)، قال الإمام: ليت شعري ما يقول لو دلت على دفين بعيد (¬9)، قال النووي: مقتضاه: أن نجعله للقيط؛ فإن الاعتماد على الرقعة لا على كونه تحته (¬10). 3122 - قول "التنبيه" [ص 133]: (وإن كان بقربه .. فقد قيل: هو له، وقيل: ليس له) الأصح: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬11)، ومحل الخلاف: في موضع منقطع قليل المارة، فإن كثر طارقوه .. فهو لقطة، قاله الماوردي (¬12). ويقرب منه تقييد ابن يونس في "التنبيه" الخلاف بما إذا كان بقربه وحده؛ ليحترز به عما إذا كان هناك غيره، قال السبكي: لم يتعرضوا لضبط القرب، والمحال عليه فيه العرف، قال: وصورته في الدفين والأمتعة القريبة إذا لم نحكم له بالمكان؛ كصحراء وشارع ومسجد، فإن كان كدار ونحوها .. فإطلاقهم في (باب الركاز) يقتضي أنه له، وسبقه إلى هذا النووي في "نكته". ¬

_ (¬1) الروضة (5/ 424). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 35). (¬3) الحاوي الكبير (8/ 36). (¬4) حلية العلماء (2/ 757). (¬5) انظر "الروضة" (5/ 425). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 36). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 133)، و"الحاوي" (ص 406)، و"المنهاج" (ص 332). (¬8) انظر "الوسيط" (4/ 307). (¬9) انظر "نهاية المطلب" (8/ 505). (¬10) انظر "الروضة" (5/ 425). (¬11) الحاوي (ص 406)، المنهاج (ص 332). (¬12) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 35).

فصل [في الأمور التي يحكم فيها بإسلام الصبي]

3123 - قولهم: (وإن لم يكن له مال .. وجبت نفقته في بيت المال) (¬1) أي: من سهم المصالح، وهو متناول لما إذا كان محكومًا بكفره؛ بأن وجد في بلد كفر ليس بها مسلم، وهو الأصح، وصحح جماعة منهم ابن الرفعة والسبكي مقابله، ولكن لا يُضَيَّع، بل يجمع الإمام أهل الذمة الذين وُجد فيهم ويُقَسِّط نفقته عليهم. 3124 - قول "التنبيه" [ص 134]: (وإن لم يكن .. ففيه قولان، أحدهما: يستقرض له في ذمته، الثاني: يقسط على المسلمين من غير عوض) الأظهر: الأول، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" وعبر بقوله: (يستقرض من أغنياء البقعة عليه) (¬2). 3125 - قول "المنهاج" [ص 332]: (ولا يُنفِقُ عليه منه إلا بإذن القاضي قطعًا) ليست دعوى القطع في "المحرر" (¬3)، ولا في "الروضة" وأصلها، بل فيهما وجه حكاه ابن كج: أنه إن أنفق بغير إذنه .. لا يضمن (¬4)، ومقتضاه: أن الإذن ليس شرطًا، ويوافقه أن في الرافعي في (الدعوى) عن الشيخ أبي محمد والقفال خلافًا في أن الملتقط يستقل بالإنفاق أو يرفع الأمر إلى القاضي (¬5). 3126 - قول "التنبيه" [ص 134]: (فإن أذن له الحاكم .. جاز، وقيل: فيه قولان، أصحهما: الجواز) هذه الثانية طريقة الأكثرين، لكن قال الرافعي: الأحسن: الأولى (¬6). 3127 - قوله فيما إذا لم يكن حاكم: (وإن أشهد .. ففيه قولان، وقيل: وجهان، أحدهما: يضمن، والثاني: لا يضمن) (¬7) الأصح: أن الخلاف وجهان، وقد جزم به الرافعي والنووي (¬8)، وأصحهما: عدم الضمان، وعليه مشى "الحاوي" (¬9). فصلٌ [في الأمور التي يحكم فيها بإسلام الصبي] 3128 - قول "المنهاج" [ص 332]: (إذا وُجد لقيط بدار الإسلام وفيها أهل ذمة، أو بدارٍ فتحوها وأقروها بيد كفار صلحًا أو بَعْدَ ملكها بجزيةٍ وفيها مسلمٌ .. حُكم بإسلام اللقيط) فيه أمور: ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 134)، و"الحاوي" (ص 406)، و"المنهاج" (ص 332). (¬2) الحاوي (ص 406)، المنهاج (ص 332). (¬3) المحرر (ص 253). (¬4) فتح العزيز (6/ 392، 393)، الروضة (5/ 427). (¬5) انظر "فتح العزيز" (13/ 149). (¬6) انظر "فتح العزيز" (6/ 393، 394). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 134). (¬8) انظر "فتح العزيز" (6/ 394)، و"الروضة" (5/ 428). (¬9) الحاوي (ص 406).

أحدها: أن قوله: (وفيها مسلم) يعود للصور الثلاثة، وإن كان قد يتبادر إلى الفهم عوده للأخيرتين فقط؛ لتقييده الأولى بقيد آخر، وهو أن يكون فيها أهل ذمة، لكن الأول ليس قيدًا كما سنذكره، وقد أفرد "التنبيه" الأولى، وقيدها بذلك، فقال [ص 133]: (وإن وجد في بلد المسلمين وفيه مسلمون)، لكن عبارته تفهم أنه لو لم يكن فيها إلا مسلم أو مسلمان .. لم يكن الحكم كذلك، وليس كذلك؛ فمسلم واحد كافٍ كما ذكره "المنهاج" (¬1). ثانيها: ظاهر عبارتهما: أنه لا فرق بين أن يكون المسلم ساكنا مستوطنًا، أو مقيمًا لم يرد الاستيطان، أو مجتازًا، وكذا عبر به "التنبيه" في المسلم الذي ببلاد الكفر (¬2)، لكن اعتبر "المنهاج" في ذاك السكن، وجمع "الحاوي" بينهما، واعتبر فيهما السكن، فقال [ص 406]: (واللقيط مسلمٌ إن وجد حيث سكن مسلم)، وهذا يتناول داري الإسلام والكفر. وقال شيخنا ابن النقيب: لعل "المنهاج" يكتفي بمجرد إقامة يسيرة تمنع من قصر الصلاة؛ فهي رتبة بين المجتاز والساكن المتوطن (¬3). قلت: الظاهر: الاكتفاء في دار الإسلام بأن يكون فيها مسلم ولو مجتازًا؛ تغليبًا لحرمتها، وكذا عبر به فيها في "أصل الروضة" مع تعبيره في دار الكفر بالسكن (¬4). ثالثها: قوله: (وفيها أهل ذمة) قد يفهم منه أنه قيد، وليس كذلك، بل المراد: ولو كان فيها أهل ذمة. رابعها: كلامه يفهم في الصورتين الأخيرتين - وهما ما فتحه المسلمون وأقروه بيد الكفار، إما قبل الملك أو بعده - أنهما ليستا دار إسلام؛ لذكرهما في مقابلة دار الإسلام، وليس كذلك، وعبر "التنبيه" عن الأولى ببلد المسلمين، وعن الأخيرتين ببلد فتحه المسلمون (¬5)، وذلك يقتضي أنهما ليسا بلد المسلمين، وقد يقال: إنه لا يقتضي أنهما ليسا دار إسلام؛ فدار المسلمين أخص من دار الإسلام، ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم، وقال السبكي: في إطلاق دار الإسلام على الضرب الثاني وهو: ما فتح صلحًا، وأقر أهله عليه انظر. خامسها: بقي من دار الإسلام قسم رابع، وهو: ما كان المسلمون يسكنونه فغلب عليه الكفار وانتزعوه منهم؛ كطرسوس وقرطبة ونحوهما، وقد ذكره "التنبيه" فقال [ص 133]: (أو في بلد ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 332). (¬2) التنبيه (ص 133). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (4/ 393). (¬4) الروضة (5/ 434). (¬5) التنبيه (ص 133).

كان لهم ثم أخذه الكفار) لكن شرطه: أن يكون فيه مسلم كما تقدم، وسكوت "التنبيه" عنه؛ لفهمه من طريق الأولى من ذكره في بلد المسلمين. وقال في "أصل الروضة" في تسمية الأصحاب هذه دار إسلام: قد يوجد في كلامهم ما يقتضي أن الاستيلاء القديم يكفي لاستمرار الحكم، ورأيت لبعض المتأخرين تنزيل ما ذكروه على ما إذا كانوا لا يمنعون المسلمين منها، فإن منعوهم .. فهي دار كفر (¬1). وقال السبكي: يصح أن يقال فيها: كانت دار إسلام، ثم صارت دار كفر صورة لا حكمًا. 3129 - قول "التنبيه" [ص 134]: (وإن وُجد في بلد الكفار وفيه مسلمون .. فقد قيل: هو مسلم، وقيل: هو كافر) فيه أمور: أحدها: أن الأصح: أنه مسلم، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). ثانيها: أن وجود مسلم واحد كاف في ذلك، وقد عبر به "المنهاج" و"الحاوي" (¬3). ثالثها: لا يكتفى بوجود مسلم فيه، بل العبرة بسكناه، كما عبر به "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، وقد تقدم ذكره، وقد تناولت عبارتهم التاجر والأسير، وصرح "المنهاج" بذكرهما (¬5)، ورتب الإمام الأسير على التاجر، وأولى بعدم الإسلام؛ لأنه مضبوط، وقال: يشبه أن الخلاف في قوم ينتشرون في البلد، أما من في المطامير .. فيتجه أنه لا أثر لهم، كما لا أثر للمجتازين (¬6). 3130 - قول "المنهاج" [ص 332]: (فإذا كان أحد أبويه مسلمًا وقت العلوق .. فهو مسلم) ثم قال: (ولو علق بين كافرين ثم أسلم أحدهما .. حكم بإسلامه) أي: إذا كان ذلك قبل بلوغ الولد، ولا يختص ذلك بالأبوين؛ فإسلام أحد الأجداد أو الجدات ولو كان غير وارث؛ كأبي الأم كإسلام أحد الأبوين إن كان الأب معدومًا، فإن كان موجودًا .. فكذلك على الأصح عند الرافعي والنووي (¬7)، ولذلك عبر "الحاوي" [ص 406] بـ (أحد أصوله)، وصحح ابن الرفعة والسبكي مقابله، وفي "الكفاية" عن الماوردي في تبعيته للأجداد والجدات أوجه، ثالثها: إن كان الأب أو الأم موجودًا .. لم يتبع، وإلا .. تبع، ويرد على تعبير "المنهاج" بـ (الصبي) (¬8)، و"الحاوي" ¬

_ (¬1) الروضة (5/ 433، 434). (¬2) الحاوي (ص 406)، المنهاج (ص 332). (¬3) الحاوي (ص 406)، المنهاج (ص 332). (¬4) الحاوي (ص 406)، المنهاج (ص 332). (¬5) المنهاج (ص 332). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (8/ 534). (¬7) انظر "فتح العزيز" (6/ 398)، و"الروضة" (5/ 430). (¬8) المنهاج (ص 332).

بـ (الطفل) (¬1): أن المجنون المحكوم بكفره كالصغير في تبعية أحد أصوله في الإسلام إن بلغ مجنونًا، وكذا إن بلغ عاقلًا ثم جن على الأصح. 3131 - قول "التنبيه" [ص 135]: (فإن كان حُكم بإسلامه بالدار ثم بلغ ووصف الكفر .. فالمنصوص: أنه يقال له: لا يقبل منك إلا الإسلام، ونفزِّعه، فإن أقام على الكفر .. قبل منه) أورد عليه: أنه كيف يقال له: لا يقبل منك إلا الإسلام مع قبول الكفر منه؟ والذي في "المهذب" والرافعي و"الروضة" وغيرها: أنه يُهدَّدُ (¬2)، ولا يلزم من التهديد أنا نطلق هذا القول الذي يخالف الواقع، ولمحل الخلاف شرطان: أحدهما: أن يكون في الدار كفار، فإن لم يكن فيها كافر أصلًا .. فهو محكوم بإسلامه باطنًا وظاهرًا، فلا يقر على كفره قطعًا، حكاه في "الكفاية" عن الماوردي (¬3). ثانيهما: أن يقول: لا أعلم دين أبي، ولكن اختار الكفر رغبة فيه، فإن زعم أن أباه كافر .. أقر قطعًا، ذكره في "الكفاية" أيضًا. 3132 - قول "المنهاج" [ص 333، 332]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 406]: (إذا سبَى مسلمٌ طفلًا .. تبع السابي في الإسلام إن لم يكن معه أحد أبويه) قال النووي: معنى سبه معه كونهما في جيش واحد وغنيمة واحدة، ولا يشترط كونهما في ملك رجل واحد (¬4)، قال البغوي: إذا سبى أبويه غير سابيه؛ إن اتحد العسكر .. تبع أبويه، وإلا .. تبع السابي (¬5). 3133 - قول "المنهاج" [ص 333]: (ولو سباه ذمي .. لم يحكم بإسلامه في الأصح) استشكل تصويره، وقال السبكي: المسروق هل يختص به السارق، أم هو غنيمة؟ فيه خلاف، فإذا سرقه الذمي، وقلنا: يختص به .. أمكن التصوير به، وظهر تعليل الوجهين فيه، وقال ابن الرفعة: لا وجه لإسلامه على هذا، قال السبكي: بل وجهه ظاهر، وإن قلنا: غنيمة للمسلمين، ويده نائبة عنهم، فيقوى القول بإسلامه، وينبغي الجزم به، وجوز ابن الرفعة ذلك، وجوز أيضًا مجيء الوجهين. انتهى. ودخل في عبارتهم: ما إذا كان الطفل المسبي عبدًا، وقد تردد شيخنا الإمام البلقيني في إلحاقه بالحر في ذلك، وقال: إنه محتمل؛ لأنه لم يتجدد له رق يقلبه إلى تبعية السابي. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 406). (¬2) المهذب (1/ 438)، فتح العزيز (6/ 404، 405)، الروضة (5/ 429). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 43). (¬4) انظر "الروضة" (5/ 432). (¬5) انظر "التهذيب" (6/ 167).

فصل [في بيان حرية اللقيط ورقه واستلحاقه]

فصلٌ [في بيان حرية اللقيط ورقه واستلحاقه] 3134 - قولهم: (إن اللقيط حر إلا أن يقر بالرق، أو يقوم به بينة) (¬1) استثنى منه شيخنا الإمام البلقيني: ما إذا وُجد في دار الحرب التي لا مسلم فيها ولا ذمي، قال: فهو رقيق؛ لأنه محكوم بكفره، ودار الحرب تقتضي استرقاق الصبيان والنساء، ويحمل كلامهم على دار الإسلام، قال: ولم أر من تعرض له. 3135 - قول "التنبيه" [ص 135، 136]: (وإن بلغ وباع واشترى ونكح وطلق وجنى وجُني عليه ثم أقر بالرق .. فقد قيل: فيه قولان، أحدهما: يقبل إقراره، والثاني: لا يقبل، وقيل: يقبل قولًا واحدًا، وفي حكمه قولان، أحدها: يقبل في جميع الأحكام، والثاني: يفصل، فيقبل فيما عليه، ولا يقبل فيما له) فيه أمور: أحدها: أن شرط قبول الإقرار بالرق: تصديق المقر له، وألَّا يسبق منه الإقرار بالحرية، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، وقال شيخنا الإمام البلقيني في سبق الإقرار بالحرية: ينبغي أن يقيد بما إذا لم يكن ذلك في جواب خصومة، فإن كان في خصومة .. لم يؤثر على الأرجح، كما لو قال المشتري لمدعي ملك ما اشتراه على وجه الخصومة: هو ملكي وملك بائعي .. فله الرجوع على البائع بالثمن إذا ثبت أنه للمدعي، وفي الضمان لو أنكره على وجه الخصومة، فقامت بينة بضمان بإذن .. فله الرجوع إذا أدى، وإذا أنكر الزوج القذف فقامت به بينة وأراد اللعان .. فله ذلك. ثانيها: أنه يفهم أنه لا بد من اجتماع هذه التصرفات كلها، وليس كذلك، وقد عبر "المنهاج" بـ[ص 333]: (سبق تصرفٍ يقتضي نُفُوذُهُ حرّيةً؛ كبيعٍ ونكاحٍ)، ومقتضاه: الاكتفاء بواحد منها، وأطلق "الحاوي" التصرف (¬3). ثالثها: الأصح: طريقة القطع بالقبول، والأظهر: القول الثاني، وهو: القبول فيما عليه دون ماله، وذلك في الأحكام الماضية، أما المستقبلة .. فيقبل فيها مطلقًا، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 333]: (والمذهب: أنه لا يشترط ألَّا يسبق تصرف يقتضي نفوذه حرية؛ كبيع ونكاح، بل يقبل إقراره في أصل الرق وأحكامه المستقبلة لا الماضية المضرة بغيره في الأظهر)، وعليه مشى ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 135)، و"الحاوي" (ص 406)، و"المنهاج" (ص 333). (¬2) المنهاج (ص 333)، الحاوي (ص 408). (¬3) الحاوي (ص 408).

"الحاوي" فقال [ص 408]: (لا بما يُضِرُّ بغيرٍ في تصرفٍ سابقٍ). 3136 - قول "الحاوي" [ص 408]: (وهو رقيقٌ بدعوى صاحب يدٍ لا بلقطٍ وجحدٍ) أي: لا يثبت رقه بدعوى صاحب اليد إذا كان جاحدًا لذلك، وهذا محله: إذا كان بالغًا، فأما الصبي .. فلا أثر لجحده، كذا أورد عليه، ولا يرد؛ لما تقرر من أن الصبي لا عبارة له، ثم إنه عقبه بقوله: (لا إن بلغ وجحد) (¬1)، فدل على أن كلامه الأول فيما إذا كان حين دعوى رقه بالغًا. 3137 - قول "التنبيه" [ص 135]: (وإن ادعى رجل رقه .. لم يقبل إلا ببينة تشهد بأن أمته ولدته، وفيه قول آخر: أنه لا يقبل حتى يشهد بأن أمته ولدته في ملكه) فيه أمران: أحدهما: قال النووي في "التصحيح": الأصح: أنه لا يقبل حتى يقول: ولدته في ملكه أو مملوكًا له، وقد ذكره المصنف في (الدعوى والبينات) متقنًا (¬2)، وأشار بذلك إلى قوله هناك: (وإن ادعى مملوكًا وأقام بينة أنه ولدته جاريته .. لم يقض له حتى تشهد أنها ولدته في ملكه) (¬3)، وقد ذكر الرافعي في (الدعاوى) مثله (¬4). وفرق بينهما في "الكفاية": بأن المقصود في اللقيط معرفة الرق من الحرية والشهادة بأن أمته ولدته تعرّفُ رقه في الغالب؛ لأن ما تلده الأمة مملوك، وولادتها للحر نادر، فلم يُعَوَّل على ذلك، والقصد هنا تعيين المالك؛ لأن الرق متفق عليه، وذلك لا يحصل بكون أمته ولدته. قال في "المهمات": وفيه نظر، وحكى الرافعي عن تصحيح "الوجيز" الاكتفاء بأن أمته ولدته، ولم يخالفه، بل حكى عن بعضهم القطع به (¬5)، وصححه في "الشرح الصغير" و"أصل الروضة" (¬6)، وعليه مشى "الحاوي" (¬7)، وعليه يدل قول "المنهاج" [ص 333]: (ويشترط أن تتعرض البينة لسبب الملك) لأن ولادة جاريته له سبب لملكه إلا لمانع. ثانيهما: لا يخفى أنه لا تنحصر البينة في الشهادة بالولادة، فلو شهدت بأنه ملكه بإرث أو هبة أو وصية أو شراء أو نحوهما من الأسباب .. كفى؛ ولذلك أطلق "المنهاج" التعرض لسبب الملك (¬8)، وكذا "الحاوي"، إلا أنه زاد ذكر هذا المثال (¬9)، وقد أورد هذا النووي في ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 408). (¬2) تصحيح التنبيه (1/ 412). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 264). (¬4) انظر "فتح العزيز" (13/ 281). (¬5) الوجيز (1/ 439) وانظر "فتح العزيز" (6/ 424، 425). (¬6) الروضة (5/ 445). (¬7) الحاوي (ص 408). (¬8) المنهاج (ص 333). (¬9) الحاوي (ص 408).

"التصحيح" (¬1)، والظاهر: أن "التنبيه" إنما أراد ذكر هذا المثال الخاص والخلاف فيه كما فعل "الحاوي"، لا أنه قصد التقييد به، لكن الإيراد على اللفظ، واشتراطُ التعرض لسبب الملك نقل الرافعي تصحيحه عن الإمام والبغوي والروياني وآخرين، ومقابله عن ابن كج وأبي الفرج الزاز، وأيده بقطع بعضهم به (¬2)، وقال النووي: كل من الترجيحين ظاهر، ورجح في "المحرر" الثاني؛ يعني: اشتراط التعرض لسبب الملك، وعبارة "المحرر": (رجح منهما الثاني) (¬3). 3138 - قول "المنهاج" [ص 333]: (ولو استلحق اللقيط حر مسلم .. لحقه وصار أولى بتربيته) فيه أمران: أحدهما: أنه قد يفهم أنه لو استلحقه عبد أو كافر .. لم يلحقه، وليس كذلك، وقد ذكر "المنهاج" العبد عقبه، فقال [ص 333]: (ولو استلحقه عبد .. لحقه، وفي قولٍ: يُشترط تصديق سيده)، وذكر "التنبيه" الكافر، فقال [ص 134، 135]: (وإن ادعاه كافر .. لحق به، وإن أقام البينة على ذلك .. تبعه الولد في الكفر وسُلِّم إليه، وإن لم يقم البينة .. لم يتبعه في الكفر ولم يُسلَّم إليه، وقيل: إن أقام البينة .. جُعل كافرًا قولًا واحدًا، وإن لم يقم البينة .. ففيه قولان)، وقوله: (وقيل: إن أقام البينة) تكرير، فإنه قد تقدم، والطريقان عند عدم البينة، وتقييد "المنهاج" بالحرية والإسلام إنما هو للحكم المذكور بعد اللحاق، وهو كونه أولى بتربيته؛ فإن ذلك لا يثبت للعبد والكافر، وقد صرح بذلك "التنبيه" في الكافر، وظاهر كلامه وكلام غيره أن ذلك واجب، وفي "المهذب": يستحب تسليمه إلى مسلم إلى أن يبلغ، احتياطًا للإسلام (¬4). ثانيهما: وكان ينبغي أن يقول: (ذكر) لأن الأصح: أن استلحاق المرأة لا يصح، وقد ذكره "المنهاج" بعد ذلك (¬5). 3139 - قول "التنبيه" فيما إذا استلحقه اثنان [ص 135]: (وإن لم يكن لواحد منهما بينة، أو لكل واحد منهما بينة .. عُرِض على القافة) أحسن من قول "المنهاج" [ص 333]: (فإن لم تكن بينة .. عُرِض على القائف) فإنه لم يذكر هنا الصورة الثانية، وهي: ما إذا كان لكل منهما بينة، وإن كان قال في آخر كلامه: (ولو أقاما بينتين متعارضتين .. سقطتا في الأظهر) (¬6) فإنه ليس فيه تصريح بالعرض على القافة، لكنه مقتضى السقوط؛ لأنه يصير كما إذا لم تكن بينة، على أن ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (1/ 413). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (8/ 564)، و"التهذيب" (4/ 578)، و"فتح العزيز" (6/ 424). (¬3) المحرر (ص 254)، وانظر "الروضة" (5/ 445). (¬4) المهذب (1/ 437). (¬5) المنهاج (ص 333). (¬6) المنهاج (ص 334).

بعضهم قال في صورة البينتين: لا تسقطان، بل ترجح إحداهما بقول القائف. 3140 - قول "الحاوي" [ص 407]: (مجرَّبٍ بعرض ولدٍ في أصناف في الرابع أحد أبويه) استشكله البارزي، فقال: قولهم: (إنه لا يكون في الثلاث أحد أبويه) مشكل؛ فإنه قد يُعلم بذلك .. فلا يبقى في الثلاث الأول فائدة، وقد يصيب في الرابعة اتفاقًا .. فلا يوثق بالتجربة، فالأولى أن يعرض مع كل صنف ولد لواحد منهم، أو في بعض الأصناف، ولا تخص به الرابعة، فإذا أصاب في الكل .. قبل قوله بعد ذلك، وينبغي أن يكتفي بثلاث مرات. 3141 - قولهما: (فإن لم يكن قائف) (¬1) وهو في "التنبيه" في لحاق النسب. ظاهره: فقد القائف في الدنيا كلها، وبه صرح الفوراني، لكن نقل الرافعي في (العدد) عن الروياني: أن العبرة بمسافة القصر، وأقره (¬2)، وسبقه إليه الماوردي. وقال في "النهاية": الذي يجب الرجوع إليه عندنا: أن يقال: إن اختيار الطفل في حكم البدل عن القافة، فيعتبر في غيبة القائف ما يعتبر في غيبة شهود الأصل عند استشهاد الفروع (¬3). وقال في "المهمات": إنه أقوى. 3142 - قول "الحاوي" عند فقد القائف [ص 408]: (ينتسب بميل الطبع) لو قيده بما بعد البلوغ، كما في "التنبيه" و"المنهاج" .. لكان أولى (¬4)، لكنه لا يرد عليه ذلك، لتقريره في (باب الحجر): أن الطفل محجور إلى البلوغ من الإيمان وغيره. 3143 - قول "التنبيه" [ص 135]: (فإن بلغ فقذفه رجل وادعى أنه عبد، وقال اللقيط: بل أنا حر .. ففيه قولان، أصحهما: أن القول قول القاذف) الأصح في "أصل الروضة" و"تصحيح التنبيه": أن القول قول اللقيط (¬5)، وعليه مشى "الحاوي" (¬6)، وفي "شرح ابن يونس" من كلام "التنبيه": (اللقيط) بدل (القاذف). 3144 - قول "التنبيه" [ص 135]: (وإن جنى عليه حر، وقال: أنت عبد، وقال: بل أنا حر .. فالقول قول اللقيط، وقيل: فيه قولان كالقذف (الأصح: طريقة القولين، وأظهرهما: أن القول قول اللقيط، وعليه مشى "الحاوي" (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 192)، و "المنهاج" (ص 333). (¬2) انظر "فتح العزيز" (9/ 467). (¬3) نهاية المطلب (19/ 186). (¬4) التنبيه (ص 135)، المنهاج (ص 333، 334). (¬5) تصحيح التنبيه (1/ 414)، الروضة (5/ 452). (¬6) الحاوي (ص 406، 407). (¬7) الحاوي (ص 406، 407).

3145 - قول "التنبيه" [ص 135]: (وإن بلغ وسكت، فقتله مسلم .. فقد قيل: لا قود عليه، وقيل: يجب، وقيل: إن حكم بإسلامه تبعًا لأبيه .. فعليه القود، وإن حكم بإسلامه بالدار .. فلا قود عليه) صحح النووي في "تصحيحه" الأول (¬1)، قال شيخنا الإسنوي: لكن حاصل ما في "الروضة" عكسه (¬2)، قلت؛ لأنه قال: وإن قتل بعد البلوغ قبل الإفصاح .. فعلى الخلاف، وقيل: لا يجب قطعًا؛ لقدرته على الإفصاح الواجب. انتهى. فقوله: (فعلى الخلاف) أي: فيما إذا قتل قبل البلوغ، والأظهر فيه: وجوب القصاص، لكن لا يلزم من البناء الاستواء في الترجيح، فقد يترجح في المبني غير الراجح في المبني عليه؛ ويدل على هذا: أن هنا طريقة قاطعة بعدم وجوب القصاص، وأيضًا: فقد قدم تبعًا لأصله فيما إذا حكم بإسلامه تبعًا لأبيه، وقتل بعد البلوغ وقبل الإفصاح: إنه لا يجب القصاص على الأظهر، وإذا لم يجب في المحكوم بإسلامه تبعًا لأبيه .. فأولى ألَّا يجب في المحكوم بإسلامه بالدار؛ لأن تبعية الأب أقوى من تبعية الدار؛ ولهذا حُكي وجه مفصل بينهما، وعكسه غير مستقيم؛ لما قررته، وعلى ذلك مشى "الحاوي" فقال [ص 406، 407]: (لا إن بلغ ولم يسلم .. فتجب الدية). وقال في "المهمات": إن ما اقتضاه كلام "الروضة" من وجوب القصاص في هذه الصورة غلط عجيب، وصوب ما في "التصحيح"، وحينئذ .. فما كان ينبغي له في "تصحيح التنبيه" اعتماده، والسكوت عليه. ثم اعلم: أن الرافعي ذكر في (الظهار) أن محل ذلك: ما إذا قتل بعد التمكن من الإخبار عما عنده، فإن كان قبله .. فحكمه كما لو قتل قبل البلوغ. * * * ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (1/ 414). (¬2) الروضة (5/ 430، 431).

كتاب الجعالة

كتابُ الجِعَالة 3146 - قول "المنهاج" [ص 335]: (هي كقوله: "من ردّ آبقي .. فله كذا") إنما هو مثال لها، وليس فيه حصر ضابط، فأحسن منه قول "التنبيه" [ص 126]: (وهو أن يجعل لمن عمل له عملًا عوضًا معلومًا) ومع ذلك .. ففيه شيئان: أحدهما: أنه أورد على قوله: أنه لو جعل لمن عمل لغيره عملًا؛ بأن قال: (من رد عبد فلان .. فله كذا) .. كان الحكم كذلك كما سيأتي، أورده في "الكفاية". وجوابه: أن مراده: لأجله وإن لم يكن في ملكه، فلا يرد ما إذا كان العمل في ملك غيره، وقد صرح بالمسألة "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، وهي مشكلة كما سيأتي. الشيء الثاني: أنه لو عبر بالمضارع، فقال: (لمن يعمل له عملًا) .. لكان أولى؛ لأنها تكون على عمل في المستقبل لا على عمل في الماضي؛ ولذلك قال الجرجاني في "الشافي": هى: أن يجعل مالًا معلومًا لمعلوم أو مجهول على عمل يوقعه في المستأنف معلوم أو مجهول. انتهى. لكن في قوله: (إن المجعول له يجوز أن يكون مجهولًا) (¬2) مناقشة ذكرتها في التعليق على الرافعي، وقد عبر "الحاوي" في ضبط ذلك بعبارة حسنة بقوله [ص 387]: (صحة الجعالة بالتزام أهل الإجارة جعلًا معلومًا) إلى أن قال: (لعمل معلوم ومجهول) (¬3)، وزاد عليهما: صفة الجاعل، ولم يذكروا صفة العامل، وفي "أصل الروضة": يشترط عند التعيين أهلية العمل في العامل (¬4). قال السبكي: فيدخل العبد وغير المكلف بإذن وغيره، وقال الماوردي في (السير): لو سمعه صبي فرده .. لم يستحق، وكذا عبد بغير إذن سيده، فإن أذن له .. استحق السيد، وقال فى اللقيط: يستحقان (¬5). قال ابن الرفعة: والأشبه: أن العبد لا يستحق سيده؛ لامتناع تصرفه في منافعه المملوكة لسيده بغير إذنه، أو يستحق أجرة المثل لا المسمى، قال: والصبي والمجنون يظهر أنهما إذا عملا بإذن ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 387)، المنهاج (ص 335). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 126). (¬3) الحاوي (ص 388). (¬4) الروضة (5/ 269). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 134).

الولي حيث يجوز له إيجارهما .. استحقا الجعل، فإن كان بغير إذن، أو حيث لا يجوز إيجارهما .. فأجرة المثل، وهذا إذا قلنا: إن الإذن يتناولهما، وإلا .. لم يستحقا شيئًا أذن الولي أو لم يأذن. قال السبكي: والذي يظهر في هذه المسائل وجوب المسمى. وقال في "المهمات" في كلام "الروضة": إنه إشارة إلى اشتراط البلوغ والتمييز عند التعيين، حتى إذا لم يعين فرده صبي ونحوه .. استحق المسمى، وقد صرح به صاحب "التعجيز" في شرحه له، وشرط في "الوسيط" الأهلية مطلقًا، ولم يقيده بحالة التعيين (¬1)، وصرح به الماوردي في (السير) (¬2). قلت: لا نسلم أن من أهلية العمل البلوغ؛ فقد يتأتى ذلك العمل المطلوب من غير البالغ، وتقييد اشتراط أهلية العمل في العامل بحالة التعيين؛ لأنه لا يظهر لهذا الاشتراط عند عدم التعيين معنى؛ فإنه لا يتأتى فعله إلا ممن فيه أهليته. نعم؛ لو اعتبر في العامل المعين أهلية المعاملة .. لكان دالًا على اشتراط البلوغ؛ فإن الصبي ليس من أهل المعاملة، والله أعلم. 3147 - قول "المنهاج" [ص 335]: (ويشترط صيغةٌ تدل على العمل بعوض ملتزم) هو في حق الناطق، أما الأخرس .. فإشارته المفهمة كالنطق، وقد صرح بذلك في (البيع) بقوله: (وإشارة الأخرس بالعقد كالنطق) (¬3) فاستغنى بذلك عن إعادته في كل باب، لكن قد يقال: الجعالة ليست عقدًا، فلم تتناولها عبارته، قال الغزالي: هي معاملة صحيحة (¬4). قال السبكي: لم يقل معاقدة؛ لأن المعقود يفتقر إلى القبول، وهي لا تفتقر إليه. انتهى. وقد يقال: إذا لم تكن معاقدة .. فهي أولى بالنفوذ بإشارة الأخرس، وتعبير "التنبيه" بالجعل و"الحاوي" بالالتزام يتناول إشارة الأخرس (¬5). 3148 - قول "المنهاج" [ص 335]: (فلو أذن لشخص فعمل غيره .. فلا شيء له) يستثنى: عبده؟ فإن يده كيده، فإذا رده عبد المقول له .. استحق سيده الجعل، وقال السبكي: إنه ظاهر إن استعان به سيده فيه، وإلا .. ففيه انظر، لا سيما إن لم يعلم بالنداء. ¬

_ (¬1) الوسيط (4/ 211). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 134). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 210). (¬4) انظر "الوسيط" (4/ 209). (¬5) التنبيه (ص 126)، الحاوي (ص 387).

3149 - قوله: (ولو قال أجنبي: "من رد عبد زيد .. فله كذا" .. استحقه الراد على الأجنبي) (¬1) فيه أمور: أحدها: استشكله في "الكفاية"، وقال: لا يجوز لأحد بهذا القول وضع يده على الآبق، فكيف يستحق الأجرة؟ وأجيب: بأن صورة ذلك عند إذن المالك لمن شاء في الرد، أشار إليه السبكي. قال في "المهمات": وحينئذ .. فيخص إطلاق الرافعي وغيره (¬2). ثانيها: قال السبكي: أطلقوا التصوير فيما إذا قال: (فله كذا)، وإنما يكون صريحًا إذا قال: (عليّ)، وإلا .. فيحتمل أن يريد (فله كذا على مالكه)، فيكون فضوليًا وإن لم يتعرض له الأصحاب، وكأنهم جعلوه التزامًا عند الإطلاق؛ لسبقه إلى الفهم، وفيه نظر؛ فقد يكون القائل مناديًا يقتضي العرف أنه إنما يتكلم عن غيره، فلا وجه للقول بالتزامه، فيحمل كلامهم على ما إذا أراد الالتزام بنفسه دون المالك. انتهى. قلت: قال الخوارزمي في "الكافي": لو قال الفضولي: (من رد عبد فلان .. فله على دينار)، أو قال: (فله دينار) فمن رده .. يستحق على الفضولي ما سمى. انتهى. وهذا صريح في استحقاق العوض عليه وإن لم يقل: (عليّ). ثالثها: أطلق أنه متى قال غير المالك ذلك .. استحقه الراد عليه، وهذا ينبغي التفصيل فيه، فيقال: غير المالك قد يكون وليه، فإذا قال ذلك عن محجوره على وجه المصلحة؛ بحيث يكون الجعل قدر أجرة مثل ذلك العمل .. استحقه الراد في مال المالك بمقتضى قول وليه، وهذا واضح، ولم أر من تعرض له، وذكر "الحاوي" المسألة بقوله [ص 388]: (وإن حصل لغير) فكان أقل إيرادًا؛ لأنه لم يذكر التصوير. 3150 - قول "المنهاج" [ص 335]: (وإن قال: "قال زيدٌ: من رد عبدي .. فله كذا" وكان كاذبًا .. لم يستحق عليه ولا على زيدٍ) مفهومه: أنه إذا كان صادقًا .. استحق؛ أي: على المالك، وهو كذلك إن كان الناقل ممن يعتمد خبره، وإلا .. فلا، هكذا قيد به الرافعي كلام البغوي؛ فإنه أطلق فيما إذا صدقه المالك .. الاستحقاق، فقال الرافعي: وكان هذا فيما إذا كان المخبر ممن يعتمد على قوله، وإلا .. فهو كما لو رد غير عالم بإذنه والتزامه (¬3)، وحكى السبكي عن ابن الرفعة: أن الجاعل إن لم يقل لذلك الناقل: قل: (عني) .. ففي استحقاقه ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 335). (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 197). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 197).

نظر واحتمال؛ لأن الناقل فضولي لا وكيل. قلت: والظاهر: الاستحقاق مطلقًا بعد أن يكون الراد علم بقول المالك بأي طريق وصل إليه ذلك العلم، وكلامهم دال عليه، والله أعلم. 3151 - قول "التنبيه" [ص 126]: (فإذا عمل له ذلك .. استحق الجعل) أي: السامع دون غيره، كما صرح به "الحاوي" (¬1)، فمن لم يبلغه ذلك .. لا يستحق ولو عمل طامعًا، ويستثنى مما ذكراه من أن الجعل إنما يستحق بالفراغ: ما لو قال: (إن علمت هذا الصبي القرآن .. فلك كذا) فعلمه البعض ثم مات الصبي .. فيستحق العامل أجرة ما علَّمه له؛ لوقوعه مسلمًا بالتعليم؛ بخلاف رد الآبق. 3152 - قولهم: (وتصح على عمل مجهول) (¬2) فيه أمران: أحدهما: كذا أطلقه الرافعي والنووي (¬3)، وقيده ابن الرفعة بما إذا لم يمكن ضبطه؛ كرد الآبق والضال، فإن سهل ضبطه .. فلا بد من ضبطه؛ ففي بناء حائط يذكر موضعه وطوله وسمكه وارتفاعه وما يبنى به، وفي الخياطة يعتبر وصف الثوب والخياطة. ثانيهما: يستثنى من إطلاقهم العمل: ما إذا وقته، فقال: (من رد عبدي إلى شهر .. فله كذا) .. فإنه لا يصح، كما قاله القاضي أبو الطيب، كذا حكاه عنه الرافعي والنووي، وأقراه (¬4)، وصوره في "الكفاية" بما إذا قال: من رد عبدي الآبق من البصرة في الشهر، وحكى المنع عن المتولي أيضًا. قال في "المهمات": ولا يلزم من المنع عند التقييد بأمرين المقتضي لشدة التضييق أن يمتنع عند وجود أحدهما. قلت: قد يقال: إن التقييد بكونه في البصرة تقليل للجهالة، ولا سيما إذا علما كونه فيها. 3153 - قولهم: (إنه يشترط كون الجعل معلومًا) (¬5) كذا ذكروه هنا، وفي "الروضة" وأصلها في (الحج): الجواز بالرزق؛ بأن يقول: (حج عني وأعطيك نفقتك) (¬6)، ولو استأجر بالنفقة .. لم تصح؛ لجهالتها، لكن الصواب: هو المذكور هنا، والمسألة إنما حكاها الرافعي عن صاحب "العدة"، وقد نص الشافعي في "الأم" على خلافه، فقال: (لو قال: حج عن ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 387). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 126)، و "الحاوي" (ص 388)، و"المنهاج" (ص 335). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 198)، و"الروضة" (5/ 269). (¬4) انظر "فتح العزيز" (6/ 203، 204)، و "الروضة" (5/ 275، 267). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 126)، و"الحاوي" (ص 387)، و"المنهاج" (ص 335). (¬6) فتح العزيز (3/ 308)، الروضة (3/ 18).

فلان الميت بنفقتك دفع إليه النفقة، أو لم يدفعها .. هذا غير جائز؛ لأن هذه أجرة غير معلومة) (¬1) حكاه السبكي. ويستثنى منه أيضًا: مسألة العلج، وهي مذكورة في (السير). 3154 - قول "المنهاج" [ص 335]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 387]: (ولو قال: "من بلد كذا" فرده من أقرب منه .. فله قسطه من الجُعل) يشمل ما لو رده من تلك الجهة وغيرها؛ كقول المكي: (من رده من عرفة) فرده من منى أو التنعيم، وعبارة "الشرحين" و"الروضة": فمن رده من نصف الطريق .. استحق نصف الجعل، أو من ثلثه .. فالثلث (¬2). قال السبكي: وفي استحقاقه بالرد من غير تلك الجهة انظر يحتمل ويحتمل، والمنع أولى، ولو رده من مثل تلك المسافة من جهة أخرى .. ففيه الاحتمالان، قال: ولم أر فيهما نقلًا. قلت: قد صرح بالثانية الخوارزمي في "الكافي"، فقال فيما لو قال: (من رد عبدي الآبق من البصرة .. فله دينار): ولو رده من همدان، والمسافة إليه كالمسافة إلى البصرة .. يحتمل وجهين، أصحهما: المسمى. انتهى. وقوله: (قسطه) (¬3) أي: يراعى فيه القرب والبعد والسهولة والحزونة، وهو مأخوذ من كلامهم وإن لم يصرحوا به. 3155 - قول "المنهاج" [ص 335]: (ولو اشترك اثنان) أي: فأكثر، والصورة: أنه عمم النداء؛ كـ (من رده .. فله كذا)، أو قال لجماعة: (إن رددتموه .. فلكم كذا)، وقوله: (اشتركا) (¬4) أي: على عدد الرؤوس؛ لأن العمل في أصله مجهول، فلا يوزع عليه، ومثله قول "التنبيه" [ص 126]: (وإن اشترك جماعة في العمل .. اشتركوا في الجعل). 3156 - قول "المنهاج" [ص 335]: (ولو التزم جعلًا لمعيّن فشاركه غيره في العمل؛ إن قصد إعانته .. فله كل الجعل، وإن قصد العمل للمالك .. فللأول قسطه) اقتصر على هاتين الصورتين، وبقي: ما إذا قصد العمل لهما، أو لم يقصد شيئًا، ومقتضى عبارة "الحاوي" في هاتين الصورتين الاستحقاق بالقسط؛ فإنه قال في النقص من الجعل: (أو عاون المعين غيره لا له) (¬5)، فأطلق أنه إذا عاون العامل المعين غيره .. نقص من جعله، ثم أخرج صورة واحدة لا ينقص فيها شيئًا، ¬

_ (¬1) الأم (2/ 130). (¬2) فتح العزيز (6/ 199، 200)، الروضة (5/ 270). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 335). (¬4) المنهاج (ص 335). (¬5) الحاوي (ص 387).

تنبيه [حكم الاستنابة في الإمامة ونحوها]

وهي: ما إذا قصد إعانة العامل، فاستمرت بقية الصور على الحكم الأول، وقول "المنهاج" [ص 335]: (ولا شيء للمشارك بحال) أي: إلا أن يلتزم له المجعول له أجرة على إعانته. تنبيهٌ [حكم الاستنابة في الإمامة ونحوها] استنبط السبكي من استحقاق المجعول له تمام الجعل إذا قصد المشارك إعانته: جواز الاستنابة في الإمامة ونحوها، بشرط أن يستنيب مثله أو خيرًا منه، ويستحق كل المعلوم، وإن أفتى ابن عبد السلام والنووي بخلافه. 3157 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (فإن فسخ قبل الشروع أو فسخ العامل بعد الشروع .. فلا شيء له) (¬1) فيه أمران: أحدهما: محل الأول: إذا علم العامل بالرجوع، فإن لم يعلم فيما إذا كان معينًا ولم يُعلن المالك بالرجوع فيما إذا كان غير معين .. استحق المشروط، ذكره الماوردي والروياني (¬2)، واستحسنه شيخنا الإمام البلقيني. ثانيهما: يستثنى من الثانية: ما إذا زاد الجاعل في العمل ولم يرض العامل بذلك، ففسخ لأجله .. فإنه يستحق أجرة المثل، كما ذكره الرافعي في أواخر (المسابقة) لأن الجاعل هو المتسبب لذلك (¬3). قال في "المهمات": وقياسه كذلك: إذا نقص في الجعل. 3158 - قول "التنبيه" [ص 126]: (ولا يجوز لصاحب العمل - أي: الفسخ بعد الشروع - إلا بعد أن يضمن للعامل أجرة ما عمل) ليس مراده: امتناع الفسخ، ولا حقيقة الضمان، بل المراد: نفوذه، ووجوب أجرة ما عمل، وبذلك عبر "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، وتعبيره بالملتزم أعم من تعبير "المنهاج" بالمالك (¬5). وقال شيخنا الإمام البلقيني: ينبغي أن يقال: يستحق من المسمى بقدر عمله إلى حين صدور الفسخ من المالك كالإجارة؛ حيث حصل فيها ما يقتضي فسخها، فإن فُرق بأن هذا جائز بخلاف ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 126)، و"الحاوي" (ص 388)، و"المنهاج" (ص 335). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 32). (¬3) انظر "فتح العزيز" (12/ 224). (¬4) الحاوي (ص 388)، المنهاج (ص 336). (¬5) المنهاج (ص 335).

الإجارة .. انتقض بما لو مات المالك؛ فقد جزم الرافعي والنووي بأنه يستحق من المسمى بقدر عمله في الحياة. انتهى (¬1). وهذا الذي بحثه شيخنا يقرب منه وجه محكي في الرافعي في أواخر (المسابقة): أنه لا ينفذ الفسخ إذا زادت حصة العمل من المسمى على أجرة المثل (¬2)، وحكى الرافعي هنا عن الإمام فيما إذا فسخ المالك بعد الشروع في العمل والعامل معين: أنه لا يبعد تخريجه على الخلاف في عزل الوكيل في غيبته، قال: وهذا بعيد عن كلام الأصحاب. انتهى (¬3). وهذا الذي استبعده الرافعي قد جزم به الماوردي، فقال: إن العامل إذا كان معينًا، ولم يعلم بالرجوع .. استحق المشروط (¬4). 3159 - قول "التنبيه" [ص 126]: (ومن عمل لغيره شيئًا من ذلك بغير شرط .. لم يستحق عليه الجعل) أي: ولا إذن، فإن كان بإذن .. فهي مسألة الغسال المذكورة بعده، وقد تقدم ذكرها في الإجارة؛ حيث ذكرها "المنهاج" (¬5). 3160 - قولهما: (وإن اختلفا في قدر الجعل .. تحالفا) (¬6) أي: حصل الاختلاف بعد فراغ العمل أو بعد الشروع، وقلنا: له قسط من المسمى، وأما قبل الشروع .. فإنه لا استحقاق، فلا تحالف، ونظيره: الاختلاف في قدر العمل؛ بأن قال: شرطت مئة على رد عبدين، فقال: بل على هذا فقط، وإذا تحالفا .. وجبت أجرة المثل. * * * ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (6/ 202)، و"الروضة" (5/ 273). (¬2) انظر " فتح العزيز" (12/ 224). (¬3) فتح العزيز (6/ 202)، وانظر "نهاية المطلب" (8/ 497). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 32). (¬5) المنهاج (ص 308). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 126)، و"المنهاج" (ص 336).

كتاب الفرائض

كتابُ الفَرائِض 3161 - قول "التنبيه" [ص 151]: (وإذا مات من يورث .. بُدئ من ماله بمؤنة تجهيزه) قال "المنهاج" [ص 337]: (فإن تعلق بعين التركة حقٌ كالزكاة والجاني والمرهون والمبيع إذا مات المشتري مفلسًا .. قُدِّم على مؤنة تجهيزه) وعبر عنها في "تصحيح التنبيه" بالصواب (¬1)، وذلك يقتضي أنه لا خلاف فيها، وقد تقدم الاعتراض عليه في ذلك في (باب الكفن)، وذكر "الحاوي" مثله، إلا أنه لم يذكر الزكاة (¬2). وقال السبكي: إنه لا حاجة لاستثنائها؛ لأنه إن كان النصاب باقيًا .. فالأصح: أنه تعلق شركة، فلا يكون تركة، فليس مما نحن فيه، وإن قلنا: تعلق جناية أو رهن .. فقد ذكرا، وإن علقناها بالذمة فقط أو كان النصاب تالفًا؛ فإن قدمنا دين الآدمي، أو سوينا .. فلا استثناء، وإن قدمناها .. فتقدم على دين الآدمي لا على التجهيز؛ لما قدمناه، وقال في موت المشتري مفلسًا: الثابت للبائع حق الفسخ على الفور، فإن فسخ على الفور .. خرجت عن التركة، فلا استثناء، وإن أخر بلا عذر .. سقط حقه منها، فيقدم مؤنة التجهيز منها عليه، أو لعذر .. فهي ملك الورثة، وحقه متعلق بها، فيحتمل تقدم حقه كالمرتهن والمجني عليه، ويحتمل أن لا؛ لتقدم حقهما، وهذا لم يثبت حقه إلا بالموت مفلسًا، فهو كتعلق الغرماء بمال المفلس، والمفلس يقدم بمؤنة يومه، فيكون هذا مثله. انتهى. وإدخالهما الكاف على هذه الصور يدل على عدم الحصر فيها، والضابط: التعلق بالعين، فنذكر بقية الصور: إحداها: إذا مات رب المال قبل قسمة مال القراض .. فإنه يقدم حق العامل على الكفن؛ لتصريحهم هناك بأن حقه يتعلق بالعين، فلو أتلفه المالك إلا قدر حصة العامل ومات ولم يترك غيره .. تعين للعامل، ذكر الشيخ برهان الدين بن الفركاح في "تعليقه" هذا الفرع الثاني، وقال: كذا قيل. الثانية: المعتدة عن الوفاة بالحمل سكناها مقدم على التجهيز؛ لأن الرافعي والنووي ذكرا: أنه يمتنع بيعها؟ للجهل بقدر زمن العدة. الثالثة: نفقة الأمة المزوجة وإن كانت ملكًا للسيد، قال الرافعي: إلا أن حقها يتعلق بها، ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (1/ 180). (¬2) الحاوي (ص 410).

قال: كما أن كسب العبد ملك للسيد ويتعلق به نفقة زوجته (¬1). الرابعة: كسب العبد بالنسبة إلى نفقة زوجته كما ذكرناه. الخامسة: إذا قبض السيد نجوم الكتابة، ثم مات قبل الإيتاء ومال الكتابة باق .. ففي "الروضة" وأصلها: أن حق العبد يتعلق بعينه، وحينئذ .. فيقدم (¬2). السادسة: إذا أعطى الغاصب قيمة المغصوب للحيلولة ثم قدر عليه .. رده ورجع بما أعطاه، فإن كان تالفًا .. تعلق حقه بالمغصوب، وقدم به، نص عليه في "الأم" (¬3)، وحكاه في "المطلب"، ذكر هذه الصور الستة في "المهمات". السابعة: لو اقترض ومات ولم يخلف سوى ما اقترضه .. فللمقترض تفريعًا على المذهب أخذه بعينه. الثامنة: لو أصدقها عينًا ثم طلقها قبل الدخول وماتت وهي باقية .. فله نصفها. التاسعة: لو نذر التصدق بمال بعينه ومات قبل التصدق به. العاشرة: إذا رد المشتري المبيع بعيب ومات البائع قبل قبض الثمن .. قدم به المشتري. الحادية عشر: الشفيع مقدم بالشقص إذا دفع ثمنه للورثة، حكي استثناؤها عن الأستاذ أبي منصور، وفي هذه الصورة وكثير من الصور المتقدمة انظر، ومجموع ما ذكر من الصور خمس عشرة صورة. واعلم: أن في معنى مؤنة تجهيزه في التقديم على الدين الذي لا يتعلق بالعين: مؤنة تجهيز من عليه تجهيزه، كما ذكره النووي من زيادته في (الفلس) (¬4). 3162 - قول "المنهاج" [ص 337]: (وأسباب الإرث أربعة: قرابة) أحسن من قول "المحرر": (القرابة) (¬5) بالتعريف؛ لإيهام التعريف أن كل قريب يرث، وذوو الأرحام منهم لا يرثون. 3163 - قولهم - والعبارة لـ "التنبيه" -: (فإن لم يكن له وارث .. انتقل ماله إلى بيت المال ميراثًا للمسلمين) (¬6) يفهم استواء جميع المسلمين في ذلك، وذكر ابن الرفعة أنه يختص به أهل بلده، ولا يجوز نقله عنهم إذا منعنا نقل الزكاة والوصية، وذكر من نصه في "الأم" ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (10/ 62). (¬2) فتح العزيز (13/ 503)، الروضة (12/ 250). (¬3) الأم (3/ 242، 243). (¬4) انظر "الروضة" (4/ 146). (¬5) المحرر (ص 257). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 154)، و"الحاوي" (ص 415)، و"المنهاج" (ص 337).

ما يعضده (¬1)، وفي "سنن أبي داوود" و"الترمذي" ما يدل له (¬2). قال السبكي: ومقتضى تشبيهه بالزكاة: اعتبار بلد المال، ويحمل النص والحديث على ما إذا كان المال ببلد الميت، فلو كان بغير بلده .. دفع إلى أهل بلد المال. انتهى. وعبارة النص: (ونحن والمسلمون إنما يُعطون ميراثه أهل البلد الذي يموت فيه دون غيرهم) (¬3) وفي نص آخر فيمن خلَّف أختًا: (كان النصف مردودًا على جماعة المسلمين من أهل بلده) (¬4). 3164 - قول "التنبيه" [ص 151]: (والوارثون من الرجال خمسة عشر) كذا في "الروضة" وأصلها (¬5)، وعدهم "المنهاج" عشرة (¬6)، فعدَّ الأخ واحدًا، وهو متناول للأخ الشقيق والأخ للأب والأخ للأم، وابن الأخ واحدًا، وهو متناول للشقيق وللأب، والعم واحدًا، وهو متناول للشقيق وللأب، وابن العم واحدًا، وهو متناول لهما أيضًا، وقول "المنهاج" [ص 337]: (والأب وأبوه وإن علا) أحسن من قول "التنبيه" [ص 151]: (والجد وإن علا) لأنه قد يوهم تناول الجد للأم، ولو عبرا بالذكور بدل الرجال .. لكان أحسن. فإن قيل: لو قيل: الابن وإن سفل .. كفى؛ لأنا إن قلنا: ابن الابن ابن حقيقة .. فظاهر، وإلا .. فقوله: (وإن سفل) قرينة تفيد إرادة المجاز أو الجمع بينه وبين الحقيقة، ولا بد منه على هذا القول؛ لأن ابن الابن لا يطلق على من تحته إلا مجازًا. قيل: هذا صحيح، ولكن أريد التنبيه على إخراج ابن البنت مع أنه يطلق عليه ابن مجازًا. 3165 - قول "التنبيه" [ص 151]: (والوارثات من النساء إحدى عشرة) وعدهن "المنهاج" سبعًا (¬7)، فجعل الجدة واحدة، سواء أكانت من قبل الأب أو الأم، والأخت واحدةً من الجهات الثلاث، وأسقط مولاة المولاة، وعدَّهُن في "الروضة" وأصلها عشرًا؛ كـ "التنبيه" (¬8)، إلا أنه أسقط مولاة المولاة؛ لأن من أدلى بالمولاة .. فهو في معناها، ويقع في بعض نسخ "التنبيه": (وبنت الابن وإن سفلت)، وهو غلط؛ لأنه يتناول بنت بنت الابن، والصواب: ما في بقية ¬

_ (¬1) الأم (4/ 127). (¬2) سنن أبي داوود (2902)، والترمذي (2105) عن عائشة رضي الله عنها: (أن مولى للنبي صلى الله عليه وسلم مات وترك شيئًا، ولم يدع ولدًا ولا حميمًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعطوا ميراثه رجلًا من أهل قريته"). (¬3) انظر "الأم" (4/ 127). (¬4) الأم (4/ 76). (¬5) فتح العزيز (6/ 449)، الروضة (6/ 4). (¬6) المنهاج (ص 337). (¬7) المنهاج (ص 337). (¬8) فتح العزيز (6/ 449)، الروضة (6/ 4).

النسخ، و"المنهاج" [ص 337] و"الحاوي" [ص 411]: (وإن سفل) بغير تاء، والضمير عائد على الابن؛ يعني: أن بنت ابن الابن كبنت الابن، وتعبيرهم بالزوجة لغة قليلة، والفصيح: زوج، للرجل والمرأة، لكنها تستحسن في (الفرائض) للفرق. 3166 - قول "المنهاج" [ص 337، 338]: (أو الذين يمكن اجتماعهم من المصنفين) كذا في " المحرر" و"الشرح" (¬1)، ولو عبروا كما في "الروضة": (وإذا اجتمع الصنفان غير أحد الزوجين) (¬2) .. لكان أوضح؛ لإمكان اجتماع الكل إلا أحد الزوجين، فلا يوجد إلا أحدهما. 3167 - قول "التنبيه" [ص 154]: (فإن لم يكن سلطان عادل .. كان لمن في يده المال أن يصرفه في المصالح، وأن يحفظه إلى أن يلي سلطان عادل، وقيل: يرد إلى أهل الفرض غير الزوجين على قدر فرضهم إن كان هناك أهل فرض، فإن لم يكن .. صُرف إلى ذوي الأرحام) فيه أمور: أحدها: حكى الرافعي تصحيح الأول عن الشيخ أبي حامد وصاحب "المهذب"، والثاني عن اختيار ابن كج وفتوى أكابر المتأخرين (¬3)، وزاد النووي في "الروضة": أن الثاني هو الأصح أو الصحيح عند محققي أصحابنا، قال: وممن صححه وأفتى به: أبو الحسن ابن سراقة، ثم صاحب "الحاوي" والقاضي حسين والمتولي والخَبْري وآخرون، قال ابن سراقة: وهو قول عامة مشايخنا، وعليه الفتوى اليوم في الأمصار، ونقله صاحب "الحاوي" عن مذهب الشافعي، قال: وغلط الشيخ أبو حامد في مخالفته، وإنما مذهب الشافعي منعهم إذا استقام بيت المال (¬4). وذكر "المنهاج" أن الأول أصل المذهب؛ أي: هو المذهب في الأصل، وقد يطرأ على الأصل ما يقتضي مخالفته، إلا أنه لم يذكر التفريع عليه، ونقل الثاني عن فتوى المتأخرين (¬5)، وعلى الثاني مشى "الحاوي" (¬6). ثانيها: ذكر تفريعاً على الأول التخيير بين صرفه في المصالح وحفظه إلى ولاية عادل، ومحله: في الأمين، أما غيره .. فليس له ذلك، والذي في "أصل الروضة": أنه إن كان في البلد قاض بشروط القضاء مأذون له في التصرف في مال المصالح .. دُفع إليه؛ ليصرفه فيها، وإن لم يكن قاض بشرطه .. صرفه الأمين بنفسه إلى المصالح وإن كان قاض بشرطه غير مأذون له في ¬

_ (¬1) المحرر (ص 257)، فتح العزيز (6/ 450). (¬2) الروضة (6/ 5). (¬3) انظر "فتح العزيز" (6/ 453). (¬4) الروضة (6/ 6). (¬5) المنهاج (ص 338). (¬6) الحاوي (ص 415).

التصرف في مال المصالح .. فهل يدفعه إليه، أم يصرفه الأمين بنفسه، أم يوقف إلى أن يظهر بيت المال ومن يقوم بشرطه؟ فيه ثلاثة أوجه، زاد في "الروضة": الثالث ضعيف، والأولان حسنان، وأصحهما: الأول، ولو قيل: يتخير بينهما .. لكان حسناً، بل هو عندي أرجح (¬1). ويوافق ما صححه في "الروضة" قول الرافعي في (الشهادات) في موت المغصوب منه بلا وارث: أنه يدفعه إلى قاض تعرف سيرته وديانته، فإن تعذر .. تصدَّق على الفقراء بنية الغرامة له، ذكره العبادي في "الرقم" والغزالي في غير الكتب الفقهية (¬2). ثالثها: قد ظهر بما ذكرناه القطع بأنه لا يصرف لبيت المال عند عدم انتظامه وإن كانت عبارة "المنهاج" توهم خلافه (¬3)، واستشكله السبكي بجواز صرف الزكاة إلى الجائر في الأصح، بل هو أفضل على رأي، بل يجب على قول في الأموال الظاهرة، قال: ولا يحضرني إلا الفرق بجعل الشارع له ولاية على الزكاة بقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} بخلاف المواريث. قلت: وقد يفرق بأن للزكاة مستحقين معينين بالأوصاف، وقد ينحصرون بالأشخاص، فهم يطالبون، بخلاف جهة المصالح؛ فإنها أعم من ذلك لا تتعين لجهة معينة، فهي أقرب إلى الضياع، وأن لا تقع موقعها عند عدم الانتظام، والله أعلم. 3168 - وقول "المنهاج" [ص 338]: (بالرد على أهل الفرض غير الزوجين ما فضل عن فروضهم) فيه إعمال المصدر المعرّف بأل، ونصب (ما فضل) به إن قدر مبنياً للفاعل، أو رفعه - وهو الظاهر - إن قدر مبنياً للمفعول، وهو ضعيف في العربية، والتقدير الثاني أضعف، وقوله: (غير الزوجين) ليس في "المحرر" (¬4)، ولا بد منه. ومحل استثنائهما: إذا لم يكونا من ذوي الأرحام؛ فالزوجية غير مانعة، ولا مقتضية، وقوله: (وهم: مَنْ سوى المذكورين) (¬5) أي: في اصطلاح الفرضيين، وإلا .. فالرحم يشمل كل قريب، وكذا قول "التنبيه" [ص 154]: (وهم كذا وكذا) تبيين لذوي الأرحام في الاصطلاح. 3169 - قول "التنبيه" [ص 154]: (يورثون على مذهب أهل التنزيل) هو الذي قاله النووي: أنه الأصح الأقيس (¬6)، ومشى عليه "الحاوي" (¬7)، ولم يتعرض له "المنهاج"، وهو صريح في ¬

_ (¬1) فتح العزيز (6/ 453)، الروضة (6/ 7). (¬2) انظر "فتح العزيز" (13/ 39). (¬3) المنهاج (ص 338). (¬4) المحرر (ص 257). (¬5) المنهاج (ص 338). (¬6) انظر "الروضة" (6/ 45). (¬7) الحاوي (ص 415).

فصل [الفروض المقدرة في كتاب الله وبيان أصحابها]

أن ذوي الأرحام يأخذون إرثاً، وهو ظاهر "الحاوي" وصححه النووي، وقال الرافعي: الأشبه بأصل المذهب: أنه على سبيل المصلحة (¬1)، ووافقه السبكي، وقول "المنهاج" [ص 338]: (صرف إلى ذوي الأرحام) يحتمل الوجهين. فصل [الفروض المقدرة في كتاب الله وبيان أصحابها] 3170 - بدأ الفرضيون بذكر النصف، قال السبكي: ولعله لكونه مفرداً، وكنت أود لو بدأوا بالثلثين؛ لأن الله تعالى بدأ به، حتى رأيت أبا النجاء وغيره بدأ به، فأعجبني ذلك. وقال النووي في "شرح التنبيه": بدأ الشيخ تبعاً للشافعي والأصحاب بالزوج، فإن قيل: هلاَّ بدؤوا بالأولاد كما في القرآن؟ قيل: بدأ الله تعالى بالأهم عند الآدمي، وهو الولد، ومقصود الفرضيين التعليم والتقريب من الإفهام، فالابتداء بما يقل فيه الكلام أسهلُ وأقربُ إلى الفهم، فيتدرب المتعلم، والكلام على الزوجين أقل منه على غيرهما، ومن هنا ابتدأ الناس في تعليم القرآن بآخره. 3171 - قول "المنهاج" [ص 338]: (والربع: فرض زوجةٍ ليس لزوجها واحدٌ منهما - أي: ولد، أو ولد ابن - والثمن: فرضها مع أحدهما) وكذا أكثر من واحدة، ولو كن أربعاً .. يشتركن في الربع أو الثمن؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 411]: (وأكثر)، وصرح به "التنبيه" (¬2). 3172 - قوله: (وهم - أي: أهل الفرض - عشرة) (¬3) فذكر منهم الجد مع الابن أو ابن الابن فرضه السدس. يرد عليه: أنه قد يُفرض له الثلث، وقد يفرض له السدس، لا مع الولد أو ولد الابن، وذلك في مسائل الجد والأخوة، كما هو مذكور بعد، وقد ذكره "المنهاج" في الثلث، فقال [ص 338]: (وقد يفرض للجد مع الأخوة)، ولم يذكر ذلك في السدس، بل اقتصر على أنه فرضه مع الولد أو ولد الابن، واقتصر "الحاوي" على ذكر ذلك في مسائل الجد والأخوة (¬4). 3173 - قول "التنبيه" في الأب والجد [ص 152]: (له السدس مع الابن، وابن الابن) يخرج البنت، وبنت الابن مع أنه يفرض لهما معهما السدس أيضًا، ويأخذان الباقي تعصيباً؛ ولذلك عبر ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (6/ 454). (¬2) التنبيه (ص 152). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 152). (¬4) الحاوي (ص 412، 413).

فصل [في الحجب]

"المنهاج" بالولد وولد الابن (¬1)، ولفظ الولد يتناول الذكر والأنثى، وعبر "الحاوي" بالفرع (¬2)، ومراده: الفرعُ الوارثُ، لا ولدُ البنت الذي هو من ذوي الأرحام. 3174 - قول "المنهاج" [ص 339]: (ولبنت ابن مع بنت صلب) كذلك بنتا الابن، وبنات الابن مع بنت الصلب فكان ينبغي التعبير به، كما قال بعده: (ولأخت أو أخوات لأب مع أخت لأبوين) (¬3)، ولم يعبر به "التنبيه" و"الحاوي" فيهما، فهو وارد عليهما. فصل [في الحجب] 3175 - قول "التنبيه" [ص 153]: (ومن لا يرث .. لا يحجب أحداً عن فرضه) محمول على من فيه مانع من الإرث لنقص فيه؛ ككفر ورق ونحوهما، دون من هو محجوب بغيره، فقد يَحْجُب غيره حجب نقصان مع كونه لا يرث. قال النووي في "تصحيحه": الصواب: الحجب بمن لا يرث لغير نقصه، وهو الأخوان مع أبوين يحجبانها إلى السدس، وكذا أخوان لأم معها، ومع جد، وكذا أخ لأبوين، وأخ لأب معها، وكذا هذان وجد (¬4). وقال النشائي: نفي الإرث حقيقة للنفي المطلق، وهو من قام به المانع؛ كالعبد والمرتد .. فلا يرد من لا يرث لوجود حاجب، وقد سبق في كلام الشيخ، فكيف يُخطَّأ به؟ (¬5). قلت: ليس المقصود، حقيقة التخطئة، بل التنبيه على الصواب الذي اقتضت العبارة خلافه، وقد استثناه "الحاوي" فقال [ص 416]: (وشرط الحجب: الإرث، لا في أبوين ... إلى آخرها) إلا أنه أهمل الصورة الثالثة، وهي: أخ لأبوين، وأخ لأب معهما. 3176 - قول "المنهاج" [ص 339]: (الأب والابن والزوج لا يحجبهم أحد) أي: حجب حرمان، وهو المعقود له الفصل دون حجب التنفيص. 3177 - قوله: (وابن الابن لا يحجبه إلا الابن أو ابنُ ابنٍ أقرب منه) (¬6) قد يقال: كيف يحجب ابن الابن ابن الابن؟ ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 339). (¬2) الحاوي (ص 412). (¬3) المنهاج (ص 239). (¬4) تصحيح التنيه (1/ 466). (¬5) انظر "نكت النبيه على أحكام التبيه" (ق 134). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 339).

فصل [في المسألة المشركة]

وجوابه: أن مراده أولاً: ابن الابن وإن سفل. 3178 - قوله: (والجد لا يحجبه إلا متوسط بينه وبين الميت) (¬1) أعم من قول "التنبيه" [ص 153]: (ولا الجد مع الأب) ومراده: الجد القريب، فهو الذي يحجبه الأب خاصة، ومراد "المنهاج": الجد وإن بعد، فعبر بالمتوسط؛ ليتناول حجب الجد لأبيه وما فوقه من الصور. 3179 - قول "المنهاج" [ص 339]: (والعم لأبوين .. يحجبه هؤلاء، وابن أخٍ لأبٍ) أورد عليه: أن العم يطلق على عم الميت، وعم أبيه، وعم جده، وابن عم الميت يقدم على عم أبيه، وابن عم أبيه يقدم على جده. 3180 - قول "التنبيه" [ص 152]: (وإن كانت - أي: الجدة - القربى من قبل الأب .. ففيه قولان، أصحهما: أنها تسقط البعدى) أي: من قبل الأم. الأظهر: أنها لا تسقطها، وعليه مشى "المنهاج" (¬2)، وهو مفهوم قول "الحاوي" [ص 416]: (والبعدى لأب بالقربى لأم) ونقله ابن يونس عن بعض نسخ "التنبيه"، وقال صاحب "المعين": قيل: إن الأول من سهو الكاتب؛ لأن الأب لا يحجب الجدة من قبل الأم، فكيف تحجبها الجدة التي تدلى به؟ . فصل [في المسألة المشرَّكة] 3181 - قول "المنهاج" [ص 342]: (في المشرَّكة، وهي زوجٌ وأمٌّ وولدا أمٍّ وأخٌّ لأبوين) لا يختص ذلك بالأم، فلو كان بدلها جدة .. فالحكم كذلك؛ ولهذا قال "التنبيه" [ص 154] و"الحاوي" [ص 416]: (وأم أو جدة) وعبر "التنبيه" [ص 154] ب (ولد الأب والأم)، وفيه إيهام؛ لأنه قد يكون أنثى، وليس حكمه في ذلك كالذكر، والمدار على أن يكون عصبة سواء أكان ذكراً أو أكثر، أو ذكرًا وأنثى، أو ذكوراً وإناثًا؛ ولذلك عبر "الحاوي" [ص 416] بـ (عصبة لأبوين)، وأقله: الأخ لأبوين؛ فلذلك عبر به "المنهاج" (¬3). 3182 - قوله: (وبنو الإخوة لأبوين أو لأبٍ كلٌّ منهم كأبيه اجتماعاً وانفراداً، لكن يخالفونهم في أنهم لا يردون الأم إلى السدس، ولا يرثون مع الجد، ولا يعصبون أخواتهم، ويسقطون في المشرَّكة) (¬4) تبع الرافعي في الاقتصار على هذه الصور الأربع (¬5)، وزاد في "الروضة" ثلاث صور ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 339). (¬2) المنهاج (ص 340). (¬3) المنهاج (ص 342). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 342). (¬5) انظر"فتح العزيز" (6/ 471، 472).

أخرى، وهي: أن الأشقاء يحجبون إخوة الأب، وأولادهم لا يحجبونهم، والأخ للأب يحجب ابن الشقيق، وابنه لا يحجبه، وبنو الإخوة لا يرثون مع الأخوات إذا كن عصبات مع البنات (¬1). 3183 - قوله: (وكذا قياس بني العم وسائر عصبة النسب) (¬2) أي: كل ابن من العصبه كأبيه؛ فإنه ليس بعد بني الأعمام من عصبات النسب أحد. قال السبكي: وقد يُورد عليه بنو الأخوات اللواتي هن عصبة مع البنات، وليس بنوهن مثلهن، وهن من عصبة النسب. قال شيخنا ابن النقيب: وقد يجاب: بأن الكلام في العصبة بنفسه (¬3). قلت: هو كذلك، والله أعلم. 3184 - قول "التنبيه" [ص 153]: (العصبة: كل ذكر ليس بينه وبين الميت أنثى) أراد به: العصبة بنفسه، وقال في "الروضة": إنه غير مطرد ولا منعكس؛ فإنه يقتضي دخول الزوج وخروج المعتقة، فينبغي أن يقول: كل معتق وذكر نسيب ... إلى آخره (¬4)، وفي "المنهاج" [ص 343]: (العصبة: من ليس له سهم مقدر من المجمع على توريثهم) وهذا تفسير لمطلق العصبة أعم من العصبة بنفسه وبغيره ومع غيره، لكنه عقبه بقوله: (فيرث المال) (¬5)، وهذا مختص بالعصبة بنفسه، أما غيره .. فليس له حالة يستغرق فيها المال، فتعريفه يدخله، وحكمه يخرجه، ومراده بكونه ليس له سهم مقدر: حال تعصيبه؛ ليدخل الأب والجد والأخوات مع البنات؛ لأن لهم في حالة أخرى سهماً مقدراً، ومع ذلك فيرد عليه شيئان: أحدهما: من يرث بالتعصيب، وهو ذو فرض؛ كابن عم هو أخ لأم أو زوج، فينبغي أن يزاد: (من جهة التعصيب) لأن الفرض لابن العم ليس من جهة التعصيب، بل من جهة الزوجية أو إخوة الأم. الثاني: من في إرثه خلف، وهو عند من ورثه عصبة؛ كالقاتل، والتوأمين المنفيين باللعان. قال في "المهمات": فصوابه: أن يقال: من ورث بمجمع على التوريث بمثله بلا تقدير. ¬

_ (¬1) الروضة (6/ 17). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 343). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (5/ 34). (¬4) الروضة (6/ 8). (¬5) المنهاج (ص 343).

فصل [الولاء للأخ أو الجد؟ ]

فصل [الولاء للأخ أو الجد؟ ] 3185 - قول "التنبيه" (في باب الولاء) [ص 149]: (وإن كان له أخ وجد .. ففيه قولان، أحدهما: الولاء للأخ) هو الأظهر، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، وصرحا أيضاً بأن ابن الأخ يقدم على الجد. فصل [في المعادَّة] 3186 - قول "المنهاج" [ص 344] و"الحاوي" [ص 416]- والعبارة له -: (في المعادَّة) ثم لأخت لأبوين إلى النصف والباقي لولد الأب والأختين إلى الثلثين؛ أي: إن وجدت الأخت لأبوين النصف .. أخذته، وإلا .. فتأخذ ما وجدت؛ كجد وزوجة، وأم وشقيقة وأخ لأب، فتقتصر الشقيقة على ما فضل لها، وهو ربع وسدس (¬2)، ولا تزاد عليه، وكذلك نقول في الأختين: تأخذان الثلثين إن وجدتاه، وإلا .. أخذتا ما وجدتا؛ كجد وشقيقتين وأخت لأب هي من خمسة للجد سهمان، والباقي - وهو ثلاثة - للشقيقتين، وهو دون الثلثين، فلا تزادان عليه، وذلك يدل على أنه بالتعصيب، وإلا .. لزيد، وأعيلت. فصل [في موانع الإرث] 3187 - قول "التنبيه" [ص 151]: (من مات وله مال .. ورث) كان ينبغي التعبير بالحق؛ ليتناول ما ليس بمال مما يختص به؛ كالكلب المنتفع به والسرجين ونحوهما. ويرد على المال: ما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته. وعلى الحق: ما إذا اغتاب شخصاً وبلغه وتعذر استحلاله بموته .. فلا يورث ذلك عنه حتى يحصل المراد بتحليل الورثة، كما حكاه الرافعي عن الحناطي وغيره، وطريقه أن يستغفر الله تعالى. 3188 - قول "المنهاج" [ص 344]: (لا يتوارث مسلم وكافر) قد يرد عليه: أن المنفي التوارث من الجانبين، وهو صادق بانتفاء أحدهما، وهو حاصل بالإجماع في أن الكافر لا يرث ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 417)، المنهاج (ص 343). (¬2) كذا في كل النسخ، ولعله سبق قلم؛ إذ الصواب: (ربع وعُشر) كما لا يخفى على متأمل، انظر "تحفة المحتاج" (6/ 414)، و"حواشي الشرواني" (6/ 414).

المسلم، فليس فيه تنصيص على أن المسلم لا يرث الكافر، وهي مسألة خلاف بين العلماء، فأحسن منه قول "التنبيه" [ص 151]: (ولا يرث أهل ملة من غير ملتهم) وقول "الحاوي" [ص 417]: (ولا يرث مخالف الإسلام) أي: إذا اختلفا بالإسلام والكفر .. لم يرث أحدهما الآخر، وحكى القاضي عبد الوهاب المالكي عن الشافعي: أن المسلم يرث الكافر بالولاء، وكأنه توهم من قولنا بثبوت الولاء له عليه خلافاً لهم أنه يرثه، وهو غلط نص الشافعي والأصحاب على خلافه، ولا يرد على إطلاق أن المسلم لا يرث الكافر ما ذكره الرافعي وغيره: من أن الكافر إذا مات عن زوجة حامل، ووقفنا الميراث للحمل، فأسلمت ثم ولدت .. أنه يرث الولد مع كونه محكوماً بإسلامه؛ لأنه كان محكوماً بكفره يوم الموت (¬1)، وقد ورث منذ كان حملاً؛ ولهذا نقل السبكي عمَّن هو منسوب إلى التحقيق في الفقه مرموق به من معاصريه: أن لنا جماداً يملك، وهو النطفة، واستحسنه السبكي، والمذكور هو الشيخ الإمام زين الدين ابن الكتناني. 3189 - قولهم: (إن المرتد لا يرث) (¬2) أطلقه الأصحاب، وقيده ابن الرفعة في "المطلب" بما إذا دام على الردة حتى قتل أو مات، فإن عاد إلى الإسلام والموروث مسلم .. تبينا أنه ورثه سواء قلنا: زال ملكه بالردة أم لا. ورده السبكي، وقال: إنه مصادمة للحديث وخرق للإجماع، قال: وممن نقل الإجماع على أن المرتد لا يرث من المسلم شيئاً كان أسلم بعد ذلك الأستاذ أبو منصور البغدادي. 3190 - قول "التنبيه" [ص 151]: (ولا يرث حربي من ذمي، ولا ذمي من حربي) أحسن من قول "المنهاج" [ص 344]: (المشهور: أنه لا توارث بين حربي وذمي) لما قدمناه، وعبر عنه في "الروضة" بالمذهب، وبه قطع الأكثرون (¬3)، ولو عبَّرا بـ (المعاهد) كما في "الحاوي" (¬4) .. لكان أحسن؛ لأنه لا توارث بينه وبين الحربي، وإذا ثبت ذلك في المعاهد .. فالذمي من طريق الأولى، وكذا المستأمن كالذمي، ولا فرق في إرث الحربي من الحربي بين أن تتفق دارهما أو تختلف؛ بأن يختلف الملوك ويرى بعضهم قتل بعض كالروم والهند، كذا في "الروضة" وأصلها (¬5)، لكنه في "شرح مسلم" نقل عن أصحابنا أن الحربيين في بلدين متحاربين لا يتوارثان (¬6)، ونقله السبكي عن مسودة "شرح التنبيه" للنووي. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (6/ 532). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 151)، و"الحاوي" (ص 418)، و "المنهاج" (ص 344). (¬3) الروضة (6/ 29). (¬4) الحاوي (ص 417). (¬5) فتح العزيز (6/ 507)، الروضة (6/ 29). (¬6) شرح مسلم (11/ 53).

قال في "المهمات": وهو وهم. 3191 - قول "التنبيه" [ص 151]: (ومن بعضه حر وبعضه عبد .. فيه قولان، أحدهما: يورث عنه ما جمعه بحريته) هو الأظهر، وعليه مشى "الحاوي" (¬1)، وفي "المنهاج" [ص 344]: (إنه الجديد)، قال في "أصل الروضة": وإذا قلنا به .. فالمال لمن له من قريب أو معتق، وينبغي أن يقول: أو زوج (¬2). 3192 - قول "التنبيه" [ص 151]: (والثاني: أنه لا يورث) قال النشائي: ظاهره على هذا: أنه لبيت المال، وصححه الفرضيون، والأظهر عند الأكثرين: أنه للسيد. انتهى (¬3). وفي كون هذا ظاهره نظر، والله أعلم. 3193 - قوله: (وإذا مات المتوارثان بالغرق أو الهدم، ولم يعرف السابق منهما .. لم يورث أحدهما من الآخر) (¬4) أحسن من قول "المنهاج" [ص 345]: (لم يتوارثا) لأن استبهام وقت الموت مانع من الحكم بالإرث لا من نفس الإرث، وزاد "المنهاج" التصريح بعدم الإرث في موتهما معاً، وهو معلوم من طريق الأولى، ولو لم نعلم هل ماتا معاً أو مرتباً .. فلا توريث أيضاً، وتعبيرهما لا يتناول هذه الصورة، فإنا لا ندري هل هنا سابق أم لا؟ وقد يقال: تناولها، فجهل السبق أعم من أن يكون مع علم بسبق، أو مع الجهل به، وقول "الحاوي" [ص 418]: (ومن جُهل تأخر موته .. لا يرث) يتناول هذه الصورة؛ فإن مقتضاه: أنه يعتبر في الإرث تحقق تأخر الموت، فعبارته أحسن من عبارتهما، والله أعلم. 3194 - قول "المنهاج" [ص 345] و"الحاوي" [ص 418]- والعبارة له -: (وقُسم مال المفقود إذا حُكم بموته) فيه أمران: أحدهما: اختار السبكي أنه لا يُقسم ماله حتى يتحقق موته بالبينة، وعزاه للنص. ثانيهما: قال الرافعي: إن كانت القسمة بالحاكم .. فقسمته تتضمن الحكم بالموت. انتهى (¬5). ومقتضاه: أن تصرف الحاكم حكم حتى لا يجوز نقضه، وفي المسألة اضطراب، وقال السبكي في (إحياء الموات): الصحيح: أن تصرف الحاكم ليس بحكم، ثم قال الرافعي: وإن اقتسموا بأنفسهم .. فظاهر كلامهم في اعتبار حكمه مختلف، فيجوز أن يقال: إن اعتبرنا القطع .. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 417، 418). (¬2) الروضة (6/ 30). (¬3) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 133). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 151). (¬5) انظر "فتح العزيز" (6/ 526).

فلا حاجة إليه، وإلا .. وجب؛ لأنه في محل الاجتهاد (¬1)، ورجح في "الشرح الصغير": الاشتراط، فقال: ولفظ "الوجيز" يشعر باعتبار حكم الحاكم، وهو الظاهر (¬2). 3195 - قول "المنهاج" [ص 345]: (ثم يُعطِي ماله من يرثه وقت الحُكم) هذا إذا أطلق القاضي الحكم، أما إذا مضت مدة زائدة على ما يغلب على الظن أنه لا يعيش فوقه، وحكم بموته من تلك المدة السابقة على حكمه بزمن معلوم .. فقال السبكي تفريعاً على رأي من يحكم بموته: ينبغي أن يصح، ويُعطى لمن كان وارثه في ذلك الوقت وإن كان سابقاً على الحكم، قال: ولعله مرادهم، وإن لم يصرحوا به. 3196 - قول "التنبيه" [ص 154]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 417]: (وإن وجد في شخص جهتا فرض وتعصيب؛ كابن عم هو زوج، أو أخ لأم .. ورث بالفرض والتعصيب) استدرك عليه النووي في "التصحيح" و"المنهاج" أنه إذا وجد في نكاح المجوس أو الشبهة بنتٌ هي أختٌ .. ورثت بالبنوة فقط على الأصح (¬3)، أي: ولا ترث بالتعصيب مع كونها أختاً، والأخوات عصبة مع البنات، وفي هذا الاستدراك نظر؛ لأنه ليس مع الأخت في هذه الصورة بنت، وإنما هي نفسها البنت، وفي جعلها مُعصبةً لنفسها نظر، وظن النشائي أن هذا الاستدراك على قول "التنبيه" في ميراث أهل الفرض [ص 153]: (وإن اجتمع في شخص جهتا فرض كالأم إذا كانت أختاً .. ورث بالقرابة التي لا تسقط، وهي الأمومة، ولا ترث بالأخرى)، فقال: هو عين ما ذكره الشيخ، وإنما عدل من التمثيل بكون الأم أختاً إلى كون البنت أختاً، ولا فرق، لكن أفاد تصويره بكونه في نكاح المجوس أو الشبهة، وحكاية الخلاف، ولا شك في بُعد التوريث بهما؛ ولذلك عبر في "الروضة" عن الأصح هنا بالصحيح المعروف (¬4). وكذا ظن شيخنا الإسنوي، فقال: لا حاجة إليه؛ لأنه في "التنبيه" (¬5)، وقد عرفت أن الاستدراك إنما هو على تلك الصورة، وعبارة "المنهاج" مُفصحة بذلك؛ فإنه ذكر هذا الاستدراك عقب المسألة الأولى، ثم ذكر الثانية بأقسامها، واستدرك في "الكفاية" على المسألة الأولى: أن محل ما ذكره فيها: إذا لم يكن في الورثة من يسقط أخوة الأم، حتى لو كان معهما بنت .. فالأصح: أن الباقي بعد فرضهما بينهما ببنوة العم، ولا حاجة لاستدراكه؛ لأن الأخ للأم لا يرث هنا بالفرض؛ لوجود من يحجبه فلم يتناول كلامه. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (6/ 526). (¬2) الوجيز (1/ 442). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 467)، المنهاج (ص 346). (¬4) الروضة (6/ 44)، وانظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 133). (¬5) التنبيه (ص 153).

فصل [في قسمة التركة]

فصل [في قسمة التركة] 3197 - قول "المنهاج" [ص 346]: (إن كان الورثة عصبات .. قُسِّم المال بالسوية إن تمحضوا ذكوراً أو إناثاً) سورة الإناث المتمحضات المعتقات المتساويات، قال السبكي: وينبغي أن يقال: هذا الميت كميتين، وكل من المعتقين أو المعتقتين له ميراث حصته، فمسألة هذا الميت مسألتان لا واحدة، فلم يجتمع في مسألة عدد من الإناث عاصبات حائزات، ولا يقال: لكل منهما نصف الميراث، بل ميراث النصف، ثم قال: والظاهر: أن هذا لا أثر له، ولا يختلف؛ فلذلك حسن جعلهن عاصبات لمسألة واحدة، قال: ولم يحضرني فرق بين إرث النصف ونصف الإرث. 3198 - قوله: (وإن كان فيهم ذو فرض أو ذو فرضين متماثلين .. فالمسألة من مخرج ذلك الكسر) (¬1) أورده شيخنا ابن النقيب بلفظ: (وإن كان معهم) أي: مع العصبات، وقال: ليس وافيًا بالغرض؛ إذ قد يكونون كلهم ذوي فروض، ومسألتهم من مخرج ذلك الكسر؛ كشقيقتين وأخوين لأم، فكان ينبغي أن يقول: (فإن كان في المسألة) (¬2). 3199 - قوله: (فالأصول سبعة) (¬3) هذه طريقة المتقدمين، وزاد المتأخرون في مسائل الجد والأخوة حيث كان ثلث الباقي بعد الفرض خيرًا له أصلين آخرين: أحدهما: ثمانية عشر؛ كجد وأم وأخوة. والثاني: ستة وثلاثون؛ كجد وأم وزوجة وأخوة، ومن لم يقل بالزيادة .. يصححهما بالضرب؛ فالأولى من ستة للأم سهم، تبقى خمسة تضرب مخرج الثلث في الستة تبلغ ثمانية عشر، والثانية من اثني عشر يُخرج بالفرضين خمسة ثم يضرب مخرج الثلث في اثني عشر تبلغ ستة وثلاثين، واستصوب الإمام والمتولي صنيع المتأخرين (¬4)؛ لأن ثلث ما يبقى والحالة هذه مضموم إلى السدس والربع، فلتكن الفريضة من مخرجها، وقال النووي: إنه المختار الأصح الجاري على القاعدة؛ لما سبق؛ ولكونها أخصر (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 346، 347). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (5/ 55). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 347). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (9/ 133، 134). (¬5) انظر "الروضة" (6/ 63).

كتاب الوصايا

كتاب الوصايا 3200 - فول "الحاوي" [ص 422]: (تصح وصية الحر) اقتصر في الموصي على الحرية، وزاد "المنهاج": التكليف (¬1)، ولا بد منه؛ ليخرج الصبي والمجنون، وكان ينبغي أن يقولا: (مختار) ليخرج المكره، وقد تناول ذلك جميعه تعبير "التنبيه" بجواز التصرف (¬2). ودخل في عبارتهم: الكافر، وصرح به "المنهاج" (¬3)، ويدخل فيه الحربي، وصرح به الماوردي (¬4)، وتعبير"الوسيط" بالذمي يحتمل التقييد والتمثيل (¬5)، ويدخل فيه أيضاً: المرتد، وقد صحيح الروياني وصيته إن قيل ببقاء ملكه. 3201 - قول "التنبيه" [ص 139]: (وفي الصبي المميز والمبذر قولان) فيه أمور: أحدها: الأصح: بطلانها من الصبي، وعليه مشى "المنهاج" (¬6). ثانيها: الأصح في المبذر: طريقة القطع بالصحة، وإن كان الأشهر عند العراقيين: طريقة القولين، كما ذكره في "المطلب". ثالثها: محل الخلاف المشهور في المبذر الذي طرأ له التبذير: ما إذا حُجر عليه تفريعًا على الأصح: أنه لا بد من حجر الحاكم .. فقبل الحجر تصح وصيته؛ ولذلك عبر "المنهاج" بقوله [ص 351]: (وكذا محجور عليه بسفه على المذهب) وإنما قيدتُ أولاً الخلاف بالمشهور؛ لأنا إذا فرعنا على عود الحجر من غير حاكم .. ففيه الخلاف في المحجور، فظهر أن الخلاف في غير المحجور موجود، لكنه على ضعيف. 3202 - قول "التنبيه" [ص 140]: (ولا تجوز الوصية إلا في معروف) المشهور: الاكتفاء في الجهة بانتفاء المعصية، وفي المعين بإمكان الملك؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 351]: (وإذا أوصى لجهة عامة .. فالشرط: ألاَّ يكون معصية كعمارة كنيسة، أو لشخص .. فالشرط: أن يمصوَّر له الملك)، وعبارة "الحاوي" [ص 422]: (لجهة عامة غير معصية، أو لموجود معين أهل للملك عند موته) فقيد أهلية الملك بحالة موت الموصي، واعتبر أن يكون معيناً؛ ليخرج الوصية لأحد الرجلين. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 351). (¬2) التنبيه (ص 139). (¬3) المنهاج (ص 351). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 190). (¬5) الوسيط (4/ 408). (¬6) المنهاج (ص 351).

ويستثنى منه: ما إذا كان بلفظ العطية، كما إذا قال: أعطوا العبد لأحد الرجلين .. فإنه جائز، كما حكاه الرافعي عن "المهذب" و"التهذيب" وغيرهما تشبيهاً بما إذا قال لوكيله: بعه لأحد الرجلين (¬1). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إن الضبط بتصور الملك ليس بمستقيم؛ فالعبد لا يتصور له الملك، والوصية له صحيحة، حتى لو أُعتق قبل الموت .. كانت له، وتمثيل "التنبيه" و"المنهاج" للمعصية بعمارة كنيسة محمول على كنيسة التعبد (¬2)، أما كنيسة ينزلها المارة، أو وقفها على قوم يسكنونها، أو يحمل كراؤها للنصارى .. فيجوز والمعصية في بناء كنيسة يجتمعون فيها على الشرك، نص عليه، وقال الماوردي: إن خص نزولها بأهل الذمة .. لم يجز وإن جازت الوصية لهم؛ لأن فيه جمعاً لهم، فَيُفْضي إلى التعبد (¬3)، واختاره السبكي، وزاد: أنه يشترط ألاَّ يسميها باسم الكنيسة، قال: فإن سماها باسمها .. بطل قطعاً. 3203 - قول "المنهاج" في الوصية للحمل الموجود [ص 351]: (فإن انفصل لستة أشهر فأكثر والمرأة فراش زوج أو سيد .. لم يستحق) فيه أمور: أحدها: كذا في كلام الرافعي والنووي وغيرهما هنا تبعاً للنص إلحاف الستة الأشهر بما فوقها (¬4)، وذكروا في الطلاق والعدد ما يقتضي إلحاقها بما دونها؛ لأنه لا بد من تقدير لحظة للعلوق وأخرى للوضع، ولهذا قال في "المهمات": الصواب: إلحاقها بما دونها؛ ولهذا قال الرافعي في (العدد): إن أقصى ما بين التوأمين ستة أشهر (¬5). ثانيها: قيده الإمام بما إذا ظن أنه يغشاها، أو أمكن بأن كان في بلد ولا مانع (¬6). ثالثها: يشترط أيضاً: إمكان اللحوق به، فلو كان بين أول فراشه والوضع دون أقل مدة الحمل .. كان وجود فراشه كعدمه، ذكره في "المهمات" وقال: تعليلهم يدل عليه. 3204 - قوله: (فإن لم تكن فراشاً وانفصل أكثر من أربع سنين .. فكذلك، أو لدونه .. استحق في الأظهر) (¬7) فيه أمران: أحدهما: ذكر الضمير في قوله: (لدونه) تبعاً لـ "المحرر" (¬8) ليعود على (أكثر)، فيفيد ¬

_ (¬1) المهذب (1/ 451، 452)، التهذيب (5/ 77)، وانظر "فتح العزيز" (7/ 35). (¬2) التنبيه (ص 145)، المنهاج (ص 351). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 321). (¬4) انظر "فتح العزيز" (7/ 10)، و "الروضة" (6/ 99). (¬5) انظر "فتح العزيز" (9/ 447). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (11/ 115، 116). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 351). (¬8) المحرر (ص 268).

أنه لو انفصل لأربع سنين بغير زيادة .. استحق، وهي فائدة حسنة. ثانيهما: قال السبكي: صورته كما يقتضيه كلام أبي الطيب في متوفى عنها أو مطلقة، أما من لم يعرف لها زوج ولا سيد .. فينبغي القطع بعدم الاستحقاق؛ لانتفاء الظهور حينئذ، وانحصار الطريق في الشبهة أو الزنا، قال: وهذا لم أر من صرح به، بل قلته تفقهاً. قلت: لا بد من ذلك، ومعنى قولهم: (ليست فراشاً) أي: قائماً، أما كونها كانت فراشاً .. فلا بد منه، والله أعلم. 3205 - قول "التنبيه" [ص 140]: (وإن وصى لما تحمل هذه المرأة .. صح، وقيل: لا يصح) الأصح: أنه لا يصح، وعليه يدل قول "المنهاج" [ص 352]: (وعُلم وُجوده عندها) و"الحاوي" [ص 422]: (أو لموجود). 3206 - قول "المحرر" [ص 268]: (ولو أوصى لعبد إنسان) أحسن من قول "المنهاج" [ص 351]: (لعبد) لإشعاره بأنه ليس عبداً للموصي، والحكم المذكور محله في عبد الأجنبي، أما عبد نفسه؛ فإن أوصى له برقبته .. صح، وهي وصية مقصودها العتق، والأصح: افتقارها إلى القبول، وإن أوصى له بثلث ما يملك من رقبته وغيرها .. صح كذلك، ويبقى باقيه لوارثه، فإن لم يذكر رقبته .. فالأصح: دخول رقبته في الوصية كالصورة قبلها، والثاني: لا، وهي وصية لقن وارثه، وحكمه: أنه إن باعه وارثه قبل موت الموصى .. فهي للمشتري، وإن أعتقه .. فللعتيق، وإن استمر ملكه .. فوصية لوارث. 3207 - قول "التنبيه" [ص 142]: (وإن أوصى لعبد فقبل .. دفع إلى سيده) محله: ما إذا استمر رقه، فإن عتق قبل موت الموصى .. فالوصية له، كان عتق بعد موته ثم قبل .. بُني على أن الوصية؛ تملك؟ ذكره "المنهاج"، وقال "الحاوي" في تمثيل موجود معين أهل للملك عند موته [ص 422]: (كعبد عتق) ولا يفهم منه البطلان فيما إذا لم يعتق، بل يكون لسيده، والتقييد بكونه عتق؛ لكونه هو المستحق للوصية، لا لأصل صحتها، فذكر مثالاً، ولم يستوعب الأمثلة. واعلم: أنهم أطلقوا الكلام في الوصية لعبد غيره، ولم يفصلوا كما فصلوا في (الوقف) و (الهبة)، فقالوا: إن قصد العبد نفسه .. بطل في الجديد، أو السيد أو أطلق .. فلسيده، والفرق أن الاستحقاق في الوصية منتظر؛ فقد يعتق .. فتكون له، أو لا .. فلسيده، بخلاف الهبة والوقف؛ فإن الاستحقاق فيهما ناجز، فأبطلنا فيما إذا قصد من ليس أهلاً للملك، وصححنا في غيره، أشار السبكي إلى معناه. 3208 - قول "المنهاج" [ص 351]: (وإن وصَّى لدابة وقصد تمليكها أو أطلق .. فباطلةٌ) هو

مفهوم "الحاوي" حيث اعتبر في الصحة شرط الصرف في علفها (¬1)، ولم يحكوا هنا خلافاً في البطلان حالة الإطلاق، وذكروا في إطلاق الوقف عليها وجهين، هل يكون لمالكها؟ قال الرافعي: فيشبه مجيئها هنا (¬2)، وقد يفرق بأن الوصية تمليك محض، فينبغي إضافته إلى من يملك بخلاف الوقف، قال النووي: والفرق واضح (¬3). وضعفه ابن الرفعة: بأن الوقف وإن لم يكن فيه تمليك الرقبة .. فهو ينقل المنفعة. ورده السبكي: بأن المنفعة تابعة للعين، وإنما يملكها عند التناول. 3209 - قولهما - أيضاً والعبارة لـ"المنهاج" -: (وإن قال: ليُصرف في علفها .. فالمنقول: صحتها) (¬4) عبارة "المحرر": (فالظاهر) (¬5)، قال في "الدقائق": ومراد "المحرر" بالظاهر: ما ذكرناه من أنه المنقول، لا أنه ناقل لخلاف في صحتها، بل أشار إلى احتمال خلاف (¬6). قلت: والمراد به ما ذكره في "الشرح": أنه تقدم في نظيره من الوقف وجهان (¬7)، فيشبه أن هذا مثله. 3210 - قول "الحاوي" [ص 422]: (وصُرف) قد يوهم تسليمه للمالك ليصرفه، وليس كذلك، بل يصرفه الوصي، فإن لم يكن .. فالقاضي أو نائبه، وهذا تفريع على الأصح، وهو: الصرف في علفها، ومقابله: يُسَلم إلى المالك، ولا يلزمه صرفه في علفها، وقال في "الشرح الصغير": إنه الأقوى، فلو باعها .. قال الرافعي: فقياس كونها للدابة: الاستمرار لها، وقياس كونها للمالك: كونها للمنتقل عنه (¬8)، قال النووي: بل القياس: أنها للمنتقل إليه؛ كالوصية للعبد (¬9). وصحح ابن الرفعة قول الرافعي. قال السبكي: وهو الحق إن انتقلت بعد استقرارها بالقبول أو بالموت إن قيل به، وإن انتقلت قبل الموت .. فالحق قول النووي، قال: وهو قياس العبد في التقديرين. 3211 - قول "التنبيه" [ص 140]: (وإن أوصى لحربي .. فقد قيل: يصح، وقيل: لا يصح) ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 422). (¬2) انظر "فتح العزيز" (7/ 18). (¬3) انظر "الروضة" (6/ 105). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 422)، و"المنهاج" (ص 351). (¬5) المحرر (ص 268). (¬6) الدقائق (ص 66). (¬7) فتح العزيز (7/ 18). (¬8) انظر "فتح العزيز" (7/ 19). (¬9) انظر "الروضة" (6/ 106).

الأصح: الصحة، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، ومحله: ما إذا أوصى له بغير آلة الحرب، فإن أوصى له بها .. فكبيعها منه، قاله الإمام (¬2)، وتبعه في "الكفاية"، وهو واضح، وقياس ما سنذكره في المرتد: أنه لو أوصى لمن يحارب .. بطلت، وهو كذلك. 3212 - قول "المنهاج" [ص 352]: (ومرتد في الأصح) ليست في "المحرر"، وهي في "الروضة"، وذكرها "الحاوي" (¬3)، وصورتها: أن يوصى لشخص وهو مرتد، فلو أوصى لمن يرتد .. بطل، أو لمسلم فارتد .. فهي جائزة، ذكرهما الماوردي (¬4)، وعبارة "المنهاج" تقتضي استواء الحربي والمرتد في الخلاف، وجعل بعضهم المرتد أولى بالصحة، وجعله بعضهم أولى بالمنع. 3213 - قولهم: (بصحة الوصية للقاتل في الأظهر) (¬5) فيه أمور: أحدها: أن محله: فيما إذا كان الموصى له حراً، فلو أوصى للقاتل الرقيق .. صح قطعاً؛ لأنها لسيده. ثانيها: أن محله أيضاً: في الوصية لمعين هو قاتل، فلو أوصى لمن يقتله .. بطلت الوصية قطعاً، ذكرهما في "الكفاية". واعترض عليه: بأنه لا حاجة إليهما، أما الأول: فلأنها للسيد، فليست وصيةً للقاتل، فإن قتله السيد .. جرى الخلاف، وأما الثاني: فهو معلوم من بطلان الوصية بالمعصية. ثالثها: أن محله: إذا أوصى له بغير القود، فإن أوصى له بالقود، أو عفى عنه في المرض .. صح جزماً، حكاه شيخنا الإمام البلقيني عن "تعليق الشيخ أبي حامد"، وفي "الروضة" وأصلها فيما لو قطع عضواً من شخص فقال: عفوت عن هذه الجناية، فسرت إلى النفس في أرش العضو؛ إن جرى لفظ الوصية .. فهي وصية للقاتل، والأصح: صحتها، وإن جرى لفظ العفو أو الإبراء أو الإسقاط .. فالمذهب: أنه يسقط أرش العضو قطعاً؛ لأنه إسقاط ناجز، والوصية هي التي تتعلق بالموت (¬6). رابعها: المراد: الوصية لقاتل الموصي، فلو أوصى لقاتل غيره؛ فإن كان بعد قتله .. صح، وذكر القتل تعريف، أو قبله .. فلا؛ لأن فيه إغراء. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 422)، المنهاج (ص 352). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (11/ 287). (¬3) الحاوي (ص 422)، الروضة (6/ 107). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 193). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 140)، و"الحاوي" (ص 422)، و "المنهاج" (ص 352). (¬6) الروضة (9/ 243).

قال في "التوشيح": إلا أن يكون القتل بحق .. فيظهر الصحة وإن قلنا: لا فرق في الوصية للقاتل بين أن يكون بحق أو باطل؛ لأن ذاك في قاتل نفسه، فيسلك به مسلك الميراث، ولا كذلك قاتل غيره بحق؛ إذ لا مانع من الصحة فيه. 3214 - قول "المنهاج" [ص 352]: (وتصح بالحمل، ويشترط انفصاله حياً لوقت يُعلم وجوده عندها) كذا لو انفصل ميتاً مضموناً بجناية جانٍ .. لا تبطل الوصية، وتنفذ من الضمان؛ لأنه انفصل متقوماً، بخلاف ما لو أوصى لحمل فانفصل ميتاً بجناية .. فإنها تبطل؛ لأن المعتبر المالية، وبخلاف ما لو أوصى بحمل ناقة فألقته ميتاً بجناية .. فإنها تبطل، وما يغرمه الضارب للوارث؛ لأن ما في جنين الأمة بدل منه؛ لأنه ديته، وما في جنين البهيمة بدل منها؛ لأنه ما نقص منها، قاله الماوردي (¬1). وعُلم منه أنَّ مسألة "المنهاج" في حمل الأمة، وعبارة "الروضة": بحمل فلانة (¬2)، وهو كناية عن العاقل، ويقال في غير العاقل: (الفلان) بالألف واللام. 3215 - قوله: (وكذا بثمرة أو حمل سيحدثان في الأصح) (¬3)، كان ينبغي أن يقول: (سيحدث) لأن التثنية مع العطف بأو ضعيف. 3216 - قوله: (وبنجاسة يحل الانتفاع بها؛ ككلب معلم) (¬4) أوضحه "الحاوي" بقوله [ص 423]: (وكلب صيدٍ وزرع وماشية إن كان له) وهو معنى قول "التنبيه" في أمثلة الوصية بما يجوز الإنتفاع به من النجاسات [ص 142]: (والكلب) وقد يفهم كلامهم المنع في الجرو القابل للتعليم؛ لأنه ليس الآن معلما ولا كلب صيد حقيقة ولا ينتفع به، والأصح: جوازه بناء على جواز اقتنائه لذلك، ولو كان الموصى له ليس صاحب صيد ولا زرع ولا ماشية .. ففيه وجهان نقلهما الماوردي (¬5). 3217 - قول "التنبيه" [ص 142]: (ولا يجوز بما لا يجوز الانتفاع به كالخمر) قال في "الكفاية": كذا أطلقه العراقيون بناء على الصحيح عندهم في أنه لا فرق بين المحترمة وغيرها، والذي ذكره الرافعي والنووي: جواز الوصية بالمحترمة (¬6)، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 219). (¬2) الروضة (6/ 116). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 352). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 352). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 236). (¬6) انظر "فتح العزيز" (7/ 38)، و "الروضة" (6/ 120). (¬7) الحاوي (ص 423)، المنهاج (ص 352).

فصل [في الوصية بالثلث وما زاد عليه]

وقال ابن الرفعة في المحترمة التي استحكمت وأيس من عودها خلاً إلا بصنع آدمي: الأشبه فيما نظنه: أنه لا يجوز إمساكها، فلا تجوز الوصية بها، ويستثنى هذا من الخمرة المحترمة. 3218 - قول "التنبيه" [ص 143]: (وإن كان له كلب .. دفع إليه ثلثه) محله: ما إذا لم يكن له مال أصلاً، فإن كان له مال وإن قل .. دفع إليه جميع الكلب، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬1). 3219 - قول "المنهاج" [ص 352]: (ولو أوصى بطبل اللهو .. لغت إلا إن صلح لحربٍ أو حجيج) كذا لو صلح لمنفعة مباحة غيرهما؛ ولذلك عبر به "التنبيه" (¬2)، وعبارة "الحاوي" [ص 423]: (وطبل لهو يصلح للمباح)، والمراد: صلاحيته لذلك وهو على هيئته أو مع تغيير يبقى معه اسم الطبل. فصل [في الوصية بالثلث وما زاد عليه] 3220 - قول "المنهاج" [ص 352]: (ينبغي ألا يوصي بأكثر من ثلث ماله) كذا في "الروضة" أيضاً (¬3)، وهو أحسن من قول الرافعي في كتبه: لا ينبغي أن يوصي بأكثر من ثلث ماله (¬4)، وقد زاد على ذلك المتولي والخوارزمي، فصرحا بكراهة الزيادة على الثلث، وقال القاضي الحسين: إنه لا يجوز، وقال السبكي: ينبغي إن قلنا: إجازة الزائد ابتداء عطية .. أن تحرم الوصية؛ لأنها عقد فاسد قصد به تحقيق حكم غير مشروع، وإن قلنا: تنفيذ .. فكبيع الفضولي، وهو حرام، أو يكون أولى بالجواز؛ لأنه تصرف في ملكه، أو تكون جائزة غير لازمة وللوارث إبطالها، ومفهوم قول "التنبيه" [ص 140]: (وتجوز الوصية بثلث المال) أن الزيادة عليه لا تجوز. 3221 - قوله: (فإن كان ورثته أغنياء .. استحب أن يستوفي الثلث، وإن كانوا فقراء .. استحب ألاَّ يستوفي الثلث) (¬5) كذا نص عليه في "الأم" فقال: فإذا تركهم أغنياء .. اخترت أن يستوعب الثلث، وإذا لم يدعهم أغنياء .. كرهت له أن يستوعب الثلث (¬6)، ونقله النووي في ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 423)، المنهاج (ص 352). (¬2) التنبيه (ص 143). (¬3) الروضة (6/ 108). (¬4) انظر "فتح العزيز" (7/ 41). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 140). (¬6) الأم (4/ 101).

"شرح مسلم" عن الأصحاب (¬1)، لكنه رجح في "الروضة": استحباب النقص عن الثلث مطلقاً (¬2). 3222 - قول "المنهاج" [ص 352]: (فإن زاد وَردَّ الوارث .. بطلت في الزائد) يفهم أن محل ذلك: فيمن له وارث خاص، وكذا يفهمه قول "الحاوي" [ص 422]: (كالزائد على الثلث لداه) أي: عند إجازة الوارث بعد الموت، فأما إذا لم يكن له وارث خاص .. فالوصية بالزيادة على الثلث باطلة، وقد صرح به "التنبيه" فقال [ص 140]: (فإن وصى بأكثر من الثلث ولا وارث له .. بطلت الوصية فيما زاد على الثلث). 3223 - قوله: (وإن كان له وارث .. ففيه قولان، أحدهما: تبطل الوصية، والثاني: نصح، وتقف على إجازة الوارث) (¬3) الأصح: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬4). 3224 - قول "التنبيه" [ص 140]: (فإن قال: ظننت أن المال كثير وقد بان خلافه .. ففيه قولان، أحدهما: يقبل، والثاني: لا يقبل) صحح النووي في "تصحيح التنبيه": أنه لا يقبل (¬5)، لكنه في "الروضة" وأصلها جعل القولين مفرعين على أن الإجازة تنفيذ، وهو الأصح، وقال: إن القبول هو الذي أورده المتولي (¬6)، وحكاه في "الكفاية" عن تصحيح البندنيجي والروياني وغيرهما، وصححه السبكي، وانعكس على صاحب "المهمات" ما حكاه في "الكفاية" عن البندنيجي والروياني. أما إذا فرعنا على أن الإجازة ابتداء عطية .. لم يقبل قطعاً، وذكر صاحب "المعين": أن محل القولين: إذا لم تكن التركة في يد المجيز ولم يعلم قدرها، فإن كانت في يده .. لم يقبل قطعاً. 3225 - قوله: (وإن كان الجميع عتقاً ولم تجز الورثة .. جُزِّئ ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم) (¬7) قال شيخنا الإسنوي في "تصحيحه": الصواب: اختصاص تجزئتهم ثلاثة أجزاء بحالة استواء العدد والقيمة، كما إذا كانوا ثلاثة أعبد، وكل عبد منهم ثلث ماله، ووراءه خمسة أحوال لا يأتي فيها ذلك (¬8). ¬

_ (¬1) شرح مسلم (11/ 83). (¬2) الروضة (6/ 122). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 140). (¬4) الحاوي (ص 422)، المنهاج (ص 352). (¬5) تصحيح التنبيه (1/ 435). (¬6) فتح العزيز (7/ 27)، الروضة (6/ 111). (¬7) انظر، "التنبيه" (ص 141). (¬8) تذكرة النبيه (3/ 236).

فصل [الوصية بما زاد على الثلث حال المرض المخوف]

3226 - قوله: (ويُكتَبُ ثلاث رقاع في كل رقعة اسم، ويترك في ثلاث بنادق من طين متساوية، وتوضع في حجر رجل لم يحضر ذلك، ويؤمر باخراج واحد منها على الحرية، فيعتق من خرج اسمه ويرق الباقون) (¬1) هذه الهيئة أحوط، لكنها لا تتعين في القرعة، بل يجوز بالنوى والبحر والأقلام وغيرها. 3227 - قوله: (وإن كان فيها عتق وغير عتق .. ففيه قولان، أحدهما: يقدم العتق، والثاني: يسوى بين الكل) (¬2) الأظهر: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" (¬3). 3228 - قول "التنبيه" [ص 141]: (وإن وصى بثلث عبد، فاستحق ثلثاه؛ فإن احتمل ثلث المال الباقي .. نفذت الوصية فيه، كان لم يحتمل .. نفذت في القدر الذي يحتمل، وقيل: لا تصح الوصية إلا في ثلثه، وليس بشيء) مقتضى كلامه: أنه وجه ضعيف، وعبر في "الروضة" بالأظهر (¬4)، وذلك يقتضي أنه قول قوي، وقال في "الكفاية": الخلاف مفروض فيما إذا ملكه الموصي في الظاهر بسبب واحد، أو ملك الثلث بسبب والثلثين بسبب آخر، وأطلق الوصية، أما إذا قال: أوصيت لك بما ملكته بسبب كذا .. صحت الوصية وجهأ واحداً إذا لم يكن هو المستحق، قاله القاضي حسين والمتولي. فصل [الوصية بما زاد على الثلث حال المرض المخوف] 3229 - قول "المنهاج" [ص 353]: (إذا ظننا المرض مخوفاً .. لم ينفذ تبرّع زاد على الثلث) أورد عليه: أنه إن أريد: عدم النفوذ في الباطن .. فلا فرق بين أن نظنه كذلك أم لا إذا بان مخوفاً؛ فإن المناط نفس المرض المخوف لا ظنُّنا، وإن أريد: في الظاهر .. فهو مخالف للأكثرين؛ حيث قالوا: إذا أعتق في مرضه أمةً .. يجوز لوليها أن يزوجها؛ لأنها حرة في الظاهر، فإن تحققنا نفوذه .. استمرت الصحة، وإلا؛ فإن رد الورثة أو أجازوا وقلنا: هي عطية مبتدأة .. بأن الفساد، أو تنفيذ .. فكما لو خرجت من الثلث. وأيضاً: فإن حمل الثلث على الثلث المعتبر عند الموت وهو مجهول الآن .. فلا يشترط فيه الظن، كان حمل على الثلث الحاصل حال التبرع .. فهو خلف قول الأكثرين؛ ولذلك لم يعتبر ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 141). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 141). (¬3) المنهاج (ص 353). (¬4) الروضة (6/ 207).

"الحاوي" الظن، فقال [ص 425]: (ويمنع من الزائد عليه في المرض المخوف)، وقول "المنهاج" [ص 353]: (فإن برأ .. نفذ) أي: استمر نفوذه، فلو لم يبرأ بل مات بهدم أو غرق أو ترد أو قتل .. فقال الماوردي: ينفذ أيضاً (¬1)، وقال القاضي حسين والبغوي: يحسب من الثلث (¬2)، وحكاه في "الروضة" عن البغوي، وأقره (¬3)، وقال ابن الرفعة: في نصه في "الأم" ما يدل عليه (¬4)، واختاره السبكي. 3230 - قول "التنبيه" [ص 141] في المرض المخوف: (والزحير المتواتر) و"الحاوي" [ص 426]: (وتواتر الإسهال) لا يتوقف الخوف على تواتره، بل لو خرج الطعام غير مستحيل، أو كان يخرج بشدة ووجع، أو ومعه دم .. كان مخوفاً أيضاً، وقد ذكرها "المنهاج"، لكنه فصل بينها وبين الإسهال المتواتر بالدق، وابتداء الفالج (¬5)، وذكر السبكي أن الذي في أصل المصنف من "المنهاج" [ص 354]: (وإسهال متواتر، وكذا خروج طعام ... إلى آخره (¬6) فقوله: (وكذا) معطوف على متواتر الذي هو صفة للإسهال، لا على الإسهال نفسه، لكن خرَّج النووي على حاشية "المنهاج": (ودق، وابتداء فالج)، فقطع بين (متواتر) وما بعده بهما، فصار قوله: (وكذا خروج طعام) مستقلاً معطوفاً على الأمراض المخوفة، فيقتضي أنه مخوف بلا إسهال، وهو بعيد. انتهى بمعناه. وكأن الخلل من الإشارة إلى التخريجة، وفي معنى الصورة المتقدمة عن "المنهاج": ما لو أعجله ومنعه النوم، وقول "المنهاج" [ص 354]: (أو ومعه دم) محمول على ما إذا كان من دم الأعضاء الشريفة؛ كالكبد ونحوه، فإن حدث من المخرج من البواسير .. لم يكن مخوفاً، حكاه الرافعي عن الأكثرين (¬7)، وجزم به في "الشرح الصغير". 3231 - قول "المنهاج" [ص 354] و"الحاوي" [ص 426]: (وحُمَّى مُطْبِقَة) (¬8) شرطه على الأصح: أن تزيد على يومين، فلو اتصل الموت يحيى يوم أو يومين؛ فإن كان تبرعه قبل أن ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير " (8/ 321). (¬2) انظر "التهذيب" (5/ 103). (¬3) الروضة (6/ 130). (¬4) الأم (4/ 107). (¬5) المنهاج (ص 354)، والدق: هو داء يصيب القلب، ولا تمتد الحياة معه غالباً، وحمى متشبثة بالأعضاء فتخف وتهزل وتدق، والفالج: هو استرخاء عام لأحد شقي البدن طولاً. انظر "السراج على نكت المنهاج " (5/ 103). (¬6) المحرر (ص 271). (¬7) انظر "فتح العزيز" (7/ 44). (¬8) الحمى المطبقة: هي الحمى الملازمة التي لا تبرح. انظر "الروضة" (6/ 125).

يعرق .. تبين أنها مخوفة، وحُسب من الثلث، أو بعده .. فمن رأس المال، قاله البغوي والمتولي (¬1). 3232 - قول "المنهاج" [ص 354]: (وغيرها إلا الرِّبع) (¬2) أراد: شمول الورد، وهي: التي تأتي كل يوم، والغبِّ تأتي يوماً وتقلع يوماً، والثلث تأتي يومين وتقلع يوماً، والأخوين تأتي يومين وتقلع يومين، وليس في قوله: (وغيرها) عموم يتناول سائر الصور، وقد صرح "الحاوي" [ص 426]: (بالورد، والغب) وأطلق الرافعي في "شرحية" في الغب وجهين (¬3)، وجزم في "المحرر" بأنه مخوف (¬4)، وصححه في "الروضة" (¬5). 3233 - قول "الحاوي" [ص 426]: (وآخر السل) تبع فيه صاحب "المهذب" والغزالي (¬6)، وعكس البغوي فقال: إنه مخوف في ابتدائه دون انتهائه كالفالج (¬7)، وأطلق في "المختصر" أنه ليس مخوفاً (¬8)، وظاهره: أنه لا فرق في ذلك بين أوله وآخره، وصرح به الحناطي، وقال الرافعي: إنه الأشبه بأصل المذهب (¬9). 3234 - قول "التنبيه" [ص 141]: (وإن فعله في التحام القتال أو موج البحر أو التقدم إلى القتل .. ففيه قولان) الأظهر: أنه يعتبر من الثلث، وعليه مشى "المنهاج"، وعبر عنه بالمذهب (¬10)، و"الحاوي"، وأطلق التحام القتال كـ "التنبيه" (¬11)، وقيده "المنهاج" بأن يكون بين متكافئين، وليس في "المحرر"، فزاده من "الشرح". وفي معنى التكافؤ: القريبان من التكافؤ، وإلا .. فلا خوف في حق الغالبين قطعاً، وعبر "الحاوي" [ص 426] بـ (تموج البحر) كتعبير "التنبيه" بموج البحر، وعبارة "المنهاج" [ص 354]: (واضطراب ريح، وهيجان موج في راكب سفينة)، والظاهر: أن اضطراب الريح وهيجان الموج متلازمان، فالتعبير بأحدهما مغن عن الآخر، وأطلق "التنبيه" التقديم للقتل (¬12)، وقيده ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (5/ 104). (¬2) حمى الربع: هي التي تأتي يوماً وتقلع يومين. انظر "مغنى المحتاج" (3/ 51). (¬3) فتح العزيز (7/ 46). (¬4) المحرر (ص 271). (¬5) الروضة (6/ 126). (¬6) المهذب (1/ 453)، وانظر "الوسيط" (4/ 421). (¬7) انظر "التهذيب" (5/ 104). (¬8) مختصر المزني (ص 145). (¬9) انظر "فتح العزيز" (7/ 45). (¬10) المنهاج (ص 354). (¬11) الحاوي (ص 426). (¬12) التنبيه (ص 141).

"المنهاج" و"الحاوي" بالتقديم لقصاص أو رجم (¬1)، وفي "الروضة" في (الوديعة): أنه إذا مرض مرضاً مخوفًا، أو حُبس ليُقتل .. لزمه الوصية بها (¬2)، ومقتضاه: أن الحبس للقتل كالتقديم له، ذكره في "المهمات". وقال شيخنا الإمام البلقيني: ظاهر كلام الأصحاب: أن الحبس للقتل ليس كالتقديم له، ولم أر أحداً منهم صرح به وإن كان في كلامهم ما يدل عليه، ثم حكى عن ابن عبد السلام المالكي: أنه حكى في "شرح ابن الحاجب" عن الشافعي: أن الحبس للقتل ليس مخوفاً ما لم يقرب إلى القتل، ومن صور الخلاف: طلق الحامل، وبعد الوضع ما لم تنفصل المشيمة (¬3)، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، وليس في "الشرحين"و"الروضة" ترجيح، وإنما فيها قولان بلا ترجيح (¬5)، وجزم "التنبيه" بأن الطلق مخوف (¬6)، وحكاه في "الكفاية" عن "التهذيب" (¬7)، وحكى الماوردي عن بعض الأصحاب: أنه مخوف في حق الأبكار والأحداث دون من توالت ولادتها من كبار النساء (¬8)، ومفهوم "المنهاج" و"الحاوي": زوال الخوف بعوإنفصال المشيمة. ويستثنى منه: ما إذا حصل من الولادة جراحة أو ضربان شديد أو ورم .. فيستمر الخوف بعد انفصالها، وإلقاء المضغة كالولادة عند المتولي، وصحح النووي تبعاً لجماعة: أنه غير مخوف (¬9). 3235 - قول "المنهاج" في صيغ الوصية [ص 354]: ("ادفعوا إليه"، أو "أعطوه بعد موتي"، أو "جعلته له"، أو "هو له بعد موتي") التقييد بما بعد الموت يعود للصيغتين المذكورتين قبله، وهما: (ادفعوا إليه)، و (أعطوه)، وكذا التقييد الثاني يرجع للتين قبله أيضاً، فلو ذكر هذا القيد عقب كل صيغة، أو اقتصر على ذكره بعد الكل؛ ليعود إليها جميعاً على قاعدة الشافعي رضي الله عنه .. لكان أحسن على أن في عوده لغير الأخيرة نظراً؛ لأن ذاك إنما هو في حروف العطف الجامعة، بخلاف ما هو لأحد الشيئين؛ مثل (أو) كما ذكره القَرافِي وغيره، فيتعين حينئذ ذكره عقب كل صيغة. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 426)، المنهاج (ص 354). (¬2) الروضة (6/ 329). (¬3) انظر "الأم" (4/ 277). (¬4) الحاوي (ص 426)، المنهاج (ص 354). (¬5) فتح العزيز (7/ 49)، الروضة (6/ 128). (¬6) التنبيه (ص 141). (¬7) التهذيب (5/ 105). (¬8) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 327). (¬9) انظر "الروضة" (6/ 128).

وظاهر كلامه أنها صريحة، وكذا يقتضيه كلام "الروضة" وأصلها (¬1). وقال السبكي في قوله: (ادفعوا إليه): هو إذن في الدفع، فإن دل دليل على أنه وصية .. اتبع، وإلا؛ فلو لم يخرج من الثلث، وقال المدفوع إليه: لم يرد الوصية، بل كان ذلك لي عنده، واحتمل ذلك .. ينبغي أن يقبل، إلا أن يكون قال: من مالي، وأما أعطوه .. فلا يأتي فيه هذا؛ لأن لفظ الإعطاء يقتضي التمليك كما قالوه في الخلع، وقوله: (بعد موتي) دليل الوصية، وإلا .. كان توكيلاً في الإعطاء في الحال. انتهى. وكيف يستقيم قبول قول المدفوع إليه: أنه إقرار؛ مع أن الإقرار يعتمد اليقين، لا سيما وقد قيد الدفع بأنه بعد الموت، وذلك قرينة الوصية، وقد صرح "الحاوي" بأن (أعطوه)، (وجعلته له) صريحان، لكنه قال بعد الثانية: (من مالي) (¬2)، فيحتمل أن يختص التقييد بها، وأن يعود لهما، ولم يقيد ذلك بأن يقول: (بعد موتي)، ولا بد منه. 3236 - قول "المنهاج" [ص 354]: (فلو اقتصر على: "هو له" .. فإقرارٌ إلا أن يقول: "هو له من مالي"، فيكون وصية) ظاهره: أنه صريح فيها، وهو مخالف لـ"المحرر" فإنه جعله كناية (¬3)، وكذا في "الروضة" وأصلها (¬4)، لكن رجح السبكي أنه صريح، وقال: لو لم يكن صريحاً .. لكان إذا مات ولم يعلم هل نوى أم لا تبطل الوصية؛ لأن الأصل: عدم النية، ونص الشافعي في مسألتين يقتضي أنه صريح، ثم قال السبكي: هو منصرف عن الإقرار قطعاً، ولكنه يحتمل الهبة الناجزة والوصية، فافتقر إلى النية، فصح قول الرافعي: أنه كناية، فإذا لم يقبل على الفور، وقال الوارث: إنما أراد الوصية .. قبل، قال السبكي: وقد ساقنا البحث إليه، فنختاره على خلاف ما اقتضاه كلام "المنهاج". نعم؛ لو قال: (هو له بعد موتي من مالي) .. فهو وصية قطعاً. انتهى. 3237 - قول "المنهاج" [ص 354] و"الحاوي" [ص 426]: (وينعقد بكنابة) قال في "المحرر": إنه الأظهر (¬5)، وذلك يشعر بخلاف فيه، فأسقطه "المنهاج"، وفي"الروضة": ينعقد بالكناية مع النية بلا خلاف (¬6)، وقال الرافعي: في كلام الغزالي والإمام إشعار بانعقادها بالكنايات جزماً، ولا يجيء فيه الخلاف المذكور في البيع ونحوه، ثم استدل الرافعي على ذلك، ¬

_ (¬1) فتح العزيز (7/ 61، 62)، الروضة (6/ 140). (¬2) الحاوي (ص 426). (¬3) المحرر (ص 271). (¬4) فتح العزيز (7/ 62)، الروضة (6/ 140). (¬5) المحرر (ص 271). (¬6) الروضة (6/ 140).

وقواه وجعله أولى بالانعقاد بالكناية من الكتابة والخلع (¬1). قال السبكي: فينبغي حمل قوله في "المحرر": (الأظهر) على أنه الظاهر لا على أن فيه خلافاً، وعبارة الإمام: الظاهر عندي (¬2)، ومن هنا يعلم أن قولهم: (الأظهر، أو الظاهر) لا يستدعي خلافاً، إلا إذا قالوا: أظهر الوجهين ونحوه. 3238 - قول "المنهاج" [ص 354]: (وهل يملك الموصى له بموت الموصي، أم بقبوله، أم موقوف؟ ) قال السبكي: صناعة العربية تقتضي أنه إذا سُئل بـ (هل) .. أن يؤتى بـ (أو) لا بـ (أم)، قال: وعذره فيه أن (هل) هنا وقعت موقع الهمزة؛ لأن (هل) يُسألُ بها عن وجود أحد الأشياء، وليس مراداً هنا، بل المراد: السؤال عن التعيين، فحقه (أم) والهمزة، والفقهاء يضعون (هل) في مثل ذلك موضع الهمزة. 3239 - قول "التنبيه" [ص 140]: (وإن رد بعد القبول وقبل القبض .. فقد قيل يصح، وقيل: لا يصح، والأول أصح) قال النووي: في "تصحيحه" والأصح: أنه إذا ردها بعد القبول وقبل القبض .. صح الرد، وقد ذكره المصنف، لكن قد يُصحَّف لفظه، فينعكس التصحيح فنبهت عليه. انتهى (¬3). والتصحيف الذي أشار إليه يحتمل أنه ما في بعض النسخ: (فقد قيل: لا يصح، وقيل: يصح)، فيبقى قوله: (والأول أصح) راجعاً إلى أنه لا يصح الرد، ويحتمل أنه ما في بعض النسخ: (فقد قيل: يبطل، وقيل: لا يبطل) ويقرأ يبطل بالياء المثناة من تحت أوله؛ أي: يبطل الرد، لكن النووي ضبطه في "تحريره" بالتاء المثناة من فوق أوله (¬4)، أي: تبطل الوصية، وذلك يقتضي صحة الرد، وهذا الذي وافق النووي "التنبيه" على تصحيحه مخالف لما صححه في "الروضة" وأصلها أنه يبطل الرد بعد القبول (¬5)، والفتوى على ما في "الروضة" فقد نص عليه الشافعي في "الأم" فقال: وتمام الوصية أن يقبلها الموصى له وإن لم يقبضها (¬6)، حكاه في "المهمات"، وردَّ به على قول الرافعي: أنه يُحكى عن ظاهر نصه في "الأم" صحة الرد بعد القبول. 3240 - قول "المنهاج" [ص 354]: (وعليها - أي: الأقوال - تُبنى الثمرة وكمسب عبدٍ حصلا ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (7/ 62). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (11/ 203). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 433). (¬4) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 241). (¬5) فتح العزيز (7/ 63، 64)، الروضة (6/ 142). (¬6) الأم (5/ 252).

فصل [في أنواع من ألفاظ الوصية]

بين الموت والقبول) فيه إشكال الفظي؛ لتعريف الثمرة وتنكير كسب عبد، وجمعهما في ضمير حصلا؛ فإن الأول يطلبه على سبيل الحال، والثاني على سبيل الصفة. 3241 - قوله: (ويطالب الموصى له بالنفقة) (¬1) ظاهره: أنه على كل قول، فإن أراد الخلاص .. رد الوصية، وقال ابن الرفعة: إنه مفرع على قولنا: إن الملك له، صرح به الإمام (¬2)، وبحث فيه السبكي، قال ابن الرفعة: ويتجه على قول الوقف أن يجب عليهما؛ كاثنين عقدا على امرأة وجُهل السابق. قلت: هو كذلك بالنسبة للمطالبة في الحال؛ فإنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر، أما بالنسبة إلى ما يستقر عليه الأمر .. فهي على الموصى له إن قبل، وعلى الوارث إن رد، والله أعلم. فصل [في أنواع من ألفاظ الوصية] 3242 - قول "المنهاج" [ص 355]: (أوصى بشاة .. تناول معيبةً) هو مقتضى قول "الحاوي" [ص 428]: (والشاة غير السخلة والعناق) واستشكل هذا؛ لقولهم في (البيع) و (الكفارات): إن الإطلاق يقتضي السلامة. وجوابه: أن ذاك لأمر زائد على مقتضى اللفظ، وهنا لا يزاد عليه؛ لعدم الدليل عليه. 3243 - قول "التنبيه" [ص 142]: (وإن قال: "أعطوه شاة" .. لم يعط ذكراً على المنصوص، وقيل: يعطى) الأصح: تناول الشاة للذكر، وهو مقتضى عبارة "الحاوي" المتقدمة (¬3)، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 355]: (وكذا ذكر في الأصح)، وفي جعل الخلاف فيه وجهين نظر؛ لما عرفت أن أحدهما منصوص، وفي "الروضة" وأصلها أن الحناطي نقله عن أكثر الأصحاب (¬4)، وفي "الشرح الصغير": أنه الأظهر عند الأصحاب. قال السبكي: وتصحيح خلف النص في هذه المسائل بعيد؛ لأن الشافعي أعرف باللغة، فلا يخرج عنها إلا لعرف مطرد، فإن صح عُرف بخلاف قوله .. اتبع، وإلا .. فالأولى: إتباع قوله. انتهى. ومحل الخلاف: فيما إذا لم تدل قرينة على المراد، فلو قال: شاة ليُنزيها على غنمه .. تعين ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 354). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (11/ 209). (¬3) الحاوي (ص 428). (¬4) فتح العزيز (7/ 80)، الروضة (6/ 159).

الذكر، وكذا لو قال: كبشًا أو تيساً، ولو قال: شاة يحلبها، أو ينتفع بدَرِّها ونسلها .. تعينت الأنثى، وكذا لو قال: نعجة. 3244 - قول "المنهاج" [ص 355] و"الحاوي" [ص 428]: (لا سخلة وعناق) كذا صححه الصيدلاني، قال الإمام: وهو خلاف مقتضى النص وقول صاحب "التقريب" وأئمة العراق ومعظم المراوزة، وخلاف ما صرح به الأصحاب كلهم (¬1)، واختار السبكي أيضاً إجزاءهما؛ لصدق الاسم، وفي "أصل الروضة" في أواخر (النذر) عن الإمام، وأقره: أن البعير لا يتناول الفصيل، والبقرة لا تتناول العجلة (¬2). 3245 - قول "المنهاج" [ص 355]: (ولو قال: "أعطوه شاة من غنمي" ولا غنم له .. لغت) فيه أمران: أحدهما: أن لنا وجهين فيما لو قال: (شاة من شياهي) وليس له إلا ظباء، هل تبطل الوصية، أو تحمل على ظبيه مجازاً؟ وصحح في "الكفاية": البطلان، وقال النووي: ينبغي أن يكون الأصح: تنزيل الوصية على واحد منها. انتهى (¬3). ومقتضاه: طرده فيما إذا قال: (من غنمي) .. فلا تلغوا حينئذ فيما إذا كان له ظباء، لكن في "الروضة": إن الظباء قد يقال لها: شياه البر (¬4)، ولم يقل: أنه يقال لها: غنم البر، فيحتمل التخصيص بها. ثانيهما: أن ظاهره انتفاء الغنم حالة الوصية، لكن تقدم أن الأصح: اعتبار الثلث حالة الموت، ومقتضاه: اعتبار وجود الغنم حالة الموت، ويوافقه ما في "الروضة" وأصلها: فيما لو قال: أعطوه رأساً من رقيقي .. أن فيه الخلاف في أن الاعتبار بيوم الوصية أم بيوم الموت؟ ذكره بمعناه شيخنا الإمام البلقيني (¬5). 3246 - قوله: (وإن قال: "من مالي" .. اشْتُرِيَت له) (¬6) أي: إن لم يكن في ماله غنم، فإن كان فيه غنم .. يخير الوارث بين إعطائه منها ومن غيرها، فلو قال: (أعطوه شاة)، ولم يقل: (من مالي)، ولا (من غنمي) .. فلم أرها منقولة بعينها، وهي كاقتصاره على: (أعطوه ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (11/ 165). (¬2) الروضة (3/ 329). (¬3) انظر "الروضة" (6/ 160). (¬4) الروضة (6/ 160). (¬5) فتح العزيز (7/ 84)، الروضة (6/ 163). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 355).

رقيقاً)، وقد قال فيها البغوي: لا يكون وصية (¬1)، ورجح المتولي وابن الرفعة أنها وصية، ولا يتعين رقيقه. 3247 - قول "التنبيه" [ص 142]: (وإن قال: "أعطوه بعيراً" .. لم يعط ناقة على المنصوص، وقيل: يعطى)، الأصح: تناول البعير للناقة، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، وهو نظير ما تقدم في تناول الشاة للذكر وإن كان عكسه في الصورة، فيعود فيه ما سبق، وقال الرافعي بعد قوله: إن الأظهر: التناول: وربما أفهمك كلامهم توسطاً، وهو تنزيل النص على ما إذا عم العرف باستعمال البعير بمعنى الجمل، والعمل بقضيَّة اللغة إذا لم يعم (¬3). 3248 - قول "التنبيه" [ص 142]: (وإن قال: "أعطوه ثوراً" .. لم يعط بقرة) صوابه: التعبير بالأنثى، كما عبر به "الحاوي" (¬4) لأن البقرة تقع على الذكر والأنثى؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 355]: (والثور للذكر) لكنه وقع له هذا الخلل في قوله قبله: (لا بقرة ثوراً) (¬5). 3249 - قول "الحاوي" [ص 428]: (والكلب والحمار) أي: لا يتناولان الأنثى، تبع فيه الغزالي وغيره (¬6)، وصوبه النووي، واختار الرافعي من طريق البحث: شمولهما للأنثى؛ لأن المراد: الجنس (¬7). 3250 - قولهم: (إن الدابة: الفرسُ والبغل والحمار) (¬8) قال في "التنبيه": إنه المنصوص (¬9)، و"المنهاج": إنه المذهب (¬10)، وذلك يقتضي أن فيه طريقين، والذي في "الروضة" وأصلها: إنه المنصوص، فقال ابن سريج: إن الشافعي قاله على عادة أهل مصر في ركوبها جميعاً، واستعمال اللفظ فيها، وأما سائر البلاد: فحيث لا يستعمل إلا في الفرس .. لم يعط غيرها، وقال جماعة: الحكم في جميع البلاد كما نص عليه، وهو الأصح عند الأصحاب. انتهى (¬11). ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (5/ 87). (¬2) الحاوي (ص 428)، المنهاج (ص 355). (¬3) انظر "فتح العزيز" (7/ 82). (¬4) الحاوي (ص 428). (¬5) المنهاج (ص 355). (¬6) انظر "الوجيز" (1/ 453، 454). (¬7) انظر "فتح العزيز" (7/ 82)، و "الروضة" (6/ 161). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 142)، و"الحاوي" (ص 428)، و "المنهاج" (ص 355). (¬9) التنبيه (ص 142). (¬10) المنهاج (ص 355). (¬11) فتح العزيز (7/ 83)، الروضة (6/ 162).

وليس في ذلك حكاية طريقين، وقيل: إن قاله في مصر .. لم يعط إلا حماراً، حكاه في "الكفاية" عن "البحر"، ومحل المنصوص: عند الإطلاق، فلو قال: للكر والفر .. فهو الفرس، أو للحمل .. حُمل على البغل أو الحمار، فإن اعتادوا الحمل على البراذين .. دخلت، قال المتولي: بل لو اعتادوا الحمل على الجمال أو البقر .. أعطي منها، وقواه النووي، وضعفه الرافعي (¬1). أما لو قال: (من دوابي) .. تخيَّر الوارث أيضًا إن كان عنده الثلاثة، فإن لم يكن عنده إلا أحدها .. تعين، وإن لم يكن له شيء منها .. بطلت الوصية، كذا قاله الأصحاب، ومنعه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: إذا كان له دابة من بقر، أو إبل أو غنم .. فإنه يُعطى واحداً منها؛ لأنه يعني الحقيقة اللغوية، أو يحمل على المجاز العرفي، قال: ويدل له أنه لو وقف على أولاده، وليس له إلا أولاد أولاد .. فإنه يصح الوقف، ويصرف إليهم وإن كان إطلاق الولد عليهم مجازاً، لكن يتعين المجاز بمقتضى الواقع، والله أعلم. 3251 - قول "المنهاج" [ص 355]: (وقيل: إن أوصى بإعتاق عبدٍ .. وجب المجزئ كفارة) كان في نسخة المصنف: (في كفارة) كما في "المحرر" و"التنبيه" (¬2)، ثم كشط (في)، ونصب (كفارة)، قال السبكي: لا ينبغي أن يكون مفعولاً به؛ لأن المعنى ليس عليه ولا على نزع الخافض؛ لقلته، بل حال؛ لأنه نفسه كفارة أو تمييز، وإن استعمل كفارة بمعنى تكفيراً .. صح، أو يكون مفعولاً من أجله. 3252 - قول "التنبيه" [ص 143]: (وإن قال: "أعطوه قوساً" .. دُفع إليه قوس ندف أو قوس رمي، إلا أن يقرِنَ به ما يدل على أحدهما .. فيحمل عليه) الصحيح: أنه يتعين قوس الرمي، ولا يدفع إليه قوس الندف ولا قوس الجلاهق - وهو قوس البندق - إلا بنص أو قرينة، وهو المجزوم به في "المهذب" و"الروضة" وأصلها (¬3)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 427]: (والقوس للنشاب، لا من قِسِيّ ولم يكن) أي: ولم يكن له قوس نشاب، وإنما كان له غيره، فيعطى ذلك الغير للقرينة، وفي معنى ما يُرمَى به النشاب: ما يرمى به النبل أو الحُسبان، قال في "التعليقة": واكتفى "الحاوي" بذكر النشاب؛ لأنه سهم عربي، فكأنه جعله اسماً للسهم المطلق؛ ليتناول أنواع السهام؛ أي: المذكورة، وعبر النووي في "تصحيحه" عن هذا بالصواب (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (7/ 83)، و "الروضة" (6/ 162). (¬2) التنبيه (ص 142)، المحرر (ص 273). (¬3) المهذب (1/ 459)، فتح العزيز (7/ 79، 80)، الروضة (6/ 158). (¬4) تصحيح التنبيه (1/ 440).

ورُدَّ: بأن في "الكفاية" عن أبي إسحاق المروزي كـ "التنبيه"، فالخلاف موجود، فلو قال: (أعطوه ما يسمى قوساً) .. ففي "التتمة": أن للوارث أن يعطيه ما شاء، وتوقف فيه الرافعي (¬1)، وصوب في "الروضة" ما في "التتمة"، ونص عليه في "الأم" (¬2). 3253 - قول "التنبيه" [ص 142] فيما لو قال: (أعطوه رأساً من رقيقي): (وإن قتلوا كلهم .. دفعت إليه قيمة أحدهم) محله: فيما إذا وقع ذلك بعد موت الموصي، فأما لو كان ذلك في حياته .. فإن الوصية تبطل؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 355]: (ولو وصى بأحد رقيقه فماتوا أو قتلوا قبل موته .. بطلت) وذكر "الحاوي" الحالتين، فقال [ص 428]: (وبأحد أرقائه وتلفوا .. بطل، وبعده .. ينتقل إلى القيمة) فَعُلم تقييد البطلان بالموت قبله من ذكره الانتقال للقيمة في الموت بعده على عادته، ومحل البطلان: فيما إذا أوصى بأحد الموجودين، فإن أوصى بأحد أرقائه، فمات الذين في ملكه وتجدد له غيرهم .. لم تبطل الوصية على الأصح بناء على أن الاعتبار بيوم الموت، ذكره شيخنا الإمام البلقيني. ومحل الانتقال للقيمة: إذا كان قتلهم (¬3) بعد القبول، وكذا قبله إن ملكناه بالموت أو توقفنا، وإلا .. بطلت، قاله الرافعي والنووي (¬4). وأطلق الماوردي وابن الصباغ وغيرهما: أن له قيمة أحدهم، بل صرح القاضي حسين بأنه على كل قول، وللإمام بحث موافق للرافعي، لكنه قال: إنه لم يصر إليه أحد، فلا اعتداد به (¬5)، كذا في "الكفاية"، لكن في "المطلب" حكاية ما تقدم عن الرافعي عن المتولي. ويرد على "الحاوي": أنه أطلق في التلف بعده الانتقال إلى القيمة، ومحله: فيما إذا كان ذلك بالقتل، فإن كان بموت .. بطلت الوصية. 3254 - قولهم: (فيما إذا بقي واحد .. تعين) (¬6) محله: فيما إذا كان ذلك قبل موت الموصي، ولا بد من تصويره: بأن يوصي بأحد الموجودين كما تقدم في نظيره، فلو أوصى بأحد أرقائه فماتوا إلا واحداً .. لم يتعين، حتى لو ملك غيره .. فللوارث أن يُعطي من الحادث، ذكره شيخنا الإمام البلقيني. أما إذا وُجد موتهم إلا واحداً بعد موت الموصي .. لم يتعين ذلك الباقي، بل للوارث أن يعين ¬

_ (¬1) انظر"فتح العزيز" (7/ 79، 80). (¬2) الأم (4/ 92)، الروضة (6/ 158). (¬3) في النسخ: (قبلهم)، ولعل الصواب ما أثبت. (¬4) انظر "فتح العزيز" (7/ 84)، و"الروضة" (6/ 163). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (11/ 163). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 142)، و"الحاوي" (ص 428)، و"المنهاج" (ص 355).

الميت أو المقتول حتى يجب على الموصى له مؤنة تجهيز الميت وله قيمة المقتول، هذا إذا كان موتهم بعد القبول، وكذا إذا كان قبل القبول إن قلنا: يملك بالموت، أو قلنا: بالوقف، فإن قلنا: يملك بالقبول .. تعين الباقي. وقال شيخنا الإمام البلقيني: إذا عين الوارث الميت، وقد دخل تحت يده .. فينبغي ألاَّ يُقبل تعيينه إذا لم يغرم، فإن قلنا: يغرم .. فيحتمل ألاَّ يقبل تعيينه؛ لأن غرض الموصي أن يأخذ هنا بخلاف سورة القتل، ويحتمل أن يقبل، وأما إذا كان الموت قبل امتداد يد الوارث إليه .. فله أن يعين الميت؛ لصدق الوصية عليه. واعترض النشائي وصاحب "التوشيح" على ابن الرفعة في نقله عن الرافعي: أنه إذا كان موتهم إلا واحداً بعد موت الموصي .. لم يتعين الباقي، بل يتخير الوارث؛ بأن الذي في الرافعي هو فيما إذا مات أو قتل أحدهم بعد الموت (¬1)، فإن أرادا التحري في التصوير .. فصحيح، وإن أرادا مخالفة الحكم في الرافعي لما نقله عنه .. فليس كذلك؛ فإن المدار على جواز تعيين الوارث الوصية في الميت أو المقتول، والرافعي قد ذكر ذلك، ولا فرق بين أن يكون الميت واحداً فيعينه مع حياة الباقين، وبين أن يموت أكثرهم فيعين واحداً من الموتى، والله أعلم. 3255 - قول "المنهاج" [ص 355]: (أو بإعتاق رقابٍ .. فثلاث، فإن عجز ثلثه عنهن .. فالمذهب: أنه لا يُشترى شقصٌ بل نفيستان به، فإن فضل عن أنفس رقبتين شيء .. فللورثة) فيه أمور: أحدها: في تعبيره بالمذهب نظر؛ فليس في "الروضة" إلا وجهان، أصحهما عند الجمهور، وهو ظاهر النص: ما ذكره (¬2)، واختار الغزالي شراء شقص به (¬3). ثانيها: محل الخلاف كما دل عليه كلامه: ما إذا أمكن شراء رقبتين وشقص، فإن لم يمكن إلا شراء شقص فقط .. لم يُشتر قطعاً، فإن فضل عن ثلاث نفيسات شيء .. فهل يُشترى به شقص؟ قال شيخنا ابن النقيب: لم أر هذه، ويظهر أنها أولى بألاَّ يُشترى الشقص من التي قبلها؛ لحصول اسم الجمع (¬4). ثالثها: وافقه "الحاوي" على أنه لا يُشترى الشقص (¬5)، وهو خلاف اختيار الغزالي كما تقدم، ومال ابن الرفعة إلى اختيار الغزالي، وجعله من الحمل على الحقيقة والمجاز، وهو جائز ¬

_ (¬1) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 129)، وانظر "فتح العزيز" (7/ 84). (¬2) الروضة (6/ 166). (¬3) انظر "الوسيط" (4/ 442). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (5/ 124). (¬5) الحاوي (ص 428).

عند الشافعي، ورجحه السبكي بأنه أقرب إلى غرض الموصي من الصرف إلى الورثة. 3256 - قول "المنهاج" [ص 355]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 429]: (ولو قال: ثلثي للعتق .. اشْتُريَ شقص) قال شيخنا الإمام البلقيني: هل المراد عندما يَفضُل عن الرقاب الكوامل، أو المراد في الابتداء؟ الأقرب بمقتضى سياق الكلام: الأول، وقد صرح به، وبيضَ لتسمية من صرّح به. 3257 - قول "التنبيه" [ص 143]: (وإن قال: "أعطوه نصيب ابني" .. فالوصية باطلة، وقيل: هو كما لو قال: "مثل نصيب ابني") أي: فهو وصية بالنصف، وهذا الثاني هو الأصح في "الشرح الصغير" هنا، وفي "الكبير" و"الروضة" في (باب المرابحة) (¬1)، وعليه مشى "الحاوي" (¬2). 3258 - قوله (¬3): (ولهما - أي: للفقير والمسكين - يُنَصَّفُ؛ كلحملها وأتت باثنين) (¬4) أحسن من قول "المنهاج" [ص 355]: (ولو وصى لحملها فأتت بولدين .. فلهما) إذ ليس فيه إفصاح عن التسوية بينهما. 3259 - قول "الحاوي" [ص 428]: (وإن كان حملها غلاماً .. فأعطوه للتوحيد) أي: حتى لو أتت بغلامين .. لم يدفع إليهما شيء، تبع فيه "الوجيز" (¬5). قال الرافعي: لكنه ذكر في الطلاق فيما إذا قال: إن كان حملك ذكراً .. فأنت طالق طلقة، وإن كان أنثى .. فطلقتين، فولدت ذكرين، وجهين: أحدهما: لا تطلق. والثاني: تطلق طلقة، والمعنى: إن كان جنس حملك، ولا فرق بين البابين، فيجيء وجه: أنه يقسم المذكور للغلامين بينهما، وبهذا قطع أبو الفرج الزاز (¬6)، قال النووي: وهو المختار (¬7). 3260 - قولهم: (ولو أوصى لجيرانه .. صُرف إلى أربعين داراً من كل جانب) (¬8) أي: من ¬

_ (¬1) فتح العزيز (4/ 328)، الروضة (3/ 536). (¬2) الحاوي (ص 428). (¬3) كذا في النسخ، ولعل الأَولى أن يقول: (قول "الحاوي") لأن الذي مسبقه هو قول "التنبيه" وهذا لـ "الحاوي". (¬4) انظر "الحاوي" (ص 428). (¬5) الوجيز (1/ 454). (¬6) انظر "فتح العزيز" (7/ 87). (¬7) انظر "الروضة" (6/ 167). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 142)، و"الحاوي" (ص 429)، و"المنهاج" (ص 356).

جوانب داره الأربعة، والمراد: أنه يُعطى من كل جانب أربعون، وقد صرح بذلك الشافعي؛ حيث قال في الشفعة من اختلاف العراقيين: وَزَعمتَ أن من أوصى لجيرانه .. قُسمت على من كان بين داره وداره أربعون داراً (¬1)، وأفصح عن ذلك القاضي أبو الطيب، فقال: وعدد الدور من الجوانب الأربعة مئة وستون داراً. قال شيخنا ابن النقيب، وفيه نظر؛ فإن دار الموصي قد تكون كبيرة في التربيع، فيسامتها من كل جهة أكثر من دار؛ لصغر المسامت لها، أو يسامتها داران يخرج من كل منهما شيء عنها، فيزيد العدد. مثال الأول هكذا: ... ومثال الثاني هكذا (¬2): [[دار الموصي]] ... [[دار الموصي]] وقال الإمام: ظاهر المذهب أنه الذي يلاصق داره داره (¬3). وقال الماوردي: مذهب الشافعي: أنهم من نسبوا إلى سكنى محلته (¬4). 3261 - قول "المنهاج" [ص 356] و" الحاوي" [ص 429]: (والعلماء: أصحاب علوم الشرع من تفسير وحديث وفقه) فيه أمور: أحدها: لا يُتوهم أنه يدخل في أصحاب الحديث الذين يسمعون الحديث ولا علم لهم بطرقه ولا بأسماء الرواة ولا بالمتون؛ فقد صرح في "أصل الروضة" بعدم دخولهم؛ لأن السماع المجرد ليس بعلم (¬5)، ومقتضى كلام الماوردي: أن المقتصرين على الحفظ خاصة لا يدخلون في ذلك؛ فإنه قال فيما لو وقف على العلماء: هم علماء الدين؛ لأنهم في العرف العلماء على الإطلاق، دون القراء وأصحاب الحديث؛ لأن العلم ما تُصُرِّفَ في معانيه دون ما كان محفوظ التلاوة. انتهى (¬6). وهو مردود إلا أن يريد المقتصرين على السماع المجرد، وعبارته لا تساعد على ذلك، وذكر الحافظ أبو الفتح بن سيد الناس: أن المحدث في عصرنا: من اشتغل بالحديث رواية وكتابة وجمع رواة، واطلع على كثير من الرواة والروايات في عصره، وتبصر في ذلك حتى عُرِف خطه، واشتهر فيه ضبطه. ¬

_ (¬1) انظر "الأم" (7/ 111). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (5/ 128). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (11/ 318). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 532). (¬5) الروضة (1/ 169). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 532).

ثانيها: أنه يخرج المقرئ، وبه صرح "المنهاج" (¬1). قال ابن الرفعة: والمراد به: التالي فقط، أما العالم بالروايات ورجالها .. فكالعالم بطرق الحديث. قال السبكي: وفيه نظر؛ فإن التالي قارئ لا مُقرئ، قال: وإلحاق ابن الرفعة حفظ أسماء رجال القراء وطرق الروايات برجال الحديث وطرقه فيه نظر؛ فإن القرآن متواتر تكفل الله بحفظه، والحديث أكثره مرويّ بالآحاد، فاحتيج إلى الترغيب في حفظه؛ إذ لا يحفظه إلا العلماء؛ ولذلك قال إلكيا: من حفظ أربعين حديثاً .. كان فقيهاً، والقرآن أعظم، ومع ذلك لم يذكروا هذا الحكم فيه، لا عن إلكيا ولا غيره، ثم اختار السبكي لنفسه أن العلماء بالقراءات علماء قطعاً يصرف إليهم من الوصية للعلماء ومن الوقف عليهم كما قال ابن الرفعة قال: بل هم أولى الناس به. ثالثها: أنه يخرج المتكلم، وحكاه "المنهاج" عن الأكثرين (¬2)، وقال المتولي بدخوله، قال الرافعي: وهو قريب (¬3)، وقال السبكي ما حاصله: إن [أريد به] (¬4) العلم بالله تعالى وصفاته وما يجب له وما يستحيل عليه ليرد على المبتدعة ويميز بين الاعتقاد الفاسد والصحيح، وتقرير الحق ونصره .. فذاك من أجل العلوم الشرعية، والعالم به من أفضلهم، ويصرف إليه من الوصية للعلماء، والوقف عليهم، ومَنْ دأبه الجدال والشبه وخبط عشواء وتضييع الزمان فيه والزيادة عليه، إلى أن يكون مبتدعاً أو داعيا إلى ضلالةٍ .. فذاك باسم الجهل أحق. 3262 - قول "التنبيه" [ص 142]: (وإن أوصى لفقراء بلد كذا .. استحب أن يعمهم) محله: ما إذا لم يكونوا محصورين، فإن انحصروا .. وجب استيعابهم، وكذا قول "المنهاج" [ص 356]: (وأقل كل صنف ثلاثة) محله: في غير المحصورين. 3263 - قول "التنبيه" [ص 142]: (وإن أوصى بالثلث لزيد وللفقراء .. فهو كأحدهم) ليس فيه إفصاح عن المقصود، فلذلك قال "المنهاج" [ص 356]: (كأحدهم في جواز إعطائه أقل متمول، لكن لا يحرَم)، وكذا قال "الحاوي" [ص 429]: (يجوز أن يُعطى أقل متمول) وعبر "المنهاج" بالمذهب (¬5)، والذي في "الروضة" وأصلها سبعة أوجه (¬6)، ثم قال: هذا إذا أطلق زيداً، أما إذا قال: لزيد الفقير وللفقراء .. فيجري الخلاف فيما لزيد إن كان فقيراً، ومنهم من خص الأوجه ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 356). (¬2) المنهاج (ص 356). (¬3) انظر "فتح العزيز" (7/ 90). (¬4) ما بين معقوفين زيادة ضرورية؛ ليستقيم الكلام. (¬5) المنهاج (ص 356). (¬6) فتح العزيز (7/ 95)، الروضة (6/ 183).

بهذه الحالة، ونفى القول بانه كأحدهم عند الإطلاق، وإن كان غنياً .. فلا شيء له، ونصيبه للفقراء إن قلنا: إنه كأحدهم، وإلا .. فلورثة الموصي، وإن وصفه بغير صفتهم، فقال: لزيد الكاتب وللفقراء، قال أبو منصور: له النصف قطعاً، قال الرافعي: ويشبه أن يجيء القول بأن له الربع إن لم تجئ باقي الأوجه. انتهى (¬1). قال شيخنا ابن النقيب: فإن كان النووي عبر بالمذهب لأجل تخصيص الخلاف بما إذا وصفه بالفقر، ونفى أنه كأحدهم عند الإطلاق، ولقطع أبي منصور بالنصف .. فقد أبعد وألْغَزْ. انتهى (¬2). وحكى الجيلي عن البغوي: أنْ محل هذا الخلاف: عند عدم حصر الفقراء، وإلا .. فهو كأحدهم قطعاً، ولو وقف على مدرس وإمام وعشرة فقهاء .. قال السبكي: قياس المذهب: أن يقسم على ثلاثة، للعشرة ثلثها. 3264 - قول "الحاوي" [ص 429]: (ولزيد ولله النصف للفقراء) هو الأقوى في "الشرح الصغير"، ونقل في "الشرح الكبير" عن الأستاذ أبي منصور: أنه الأصح (¬3)، قال: لكنه لم يخص النصف الباقي بالفقراء، بل قال: إنه في سبيل الله يصرف في وجوه القرب، وحكى الماوردي في هذا النصف وجهين: أحدهما: الصرف إلى سبيل الله، والمراد به: الغزاة. والثاني: للفقراء والمساكين (¬4). ومقابل هذا المصحح الذي اختلف في تحريره: إما صرف هذا النصف إلى ورثة الموصي، وإما إعطاء الكل لزيد، وجهان في الرافعي (¬5). 3265 - قول "المنهاج" [ص 356]: (أو لأقارب زيد) دخل كل قرابة كان بعد إلا أصلاً وفرعاً في الأصح، مخالف لما ذكر الرافعي في "الشرح": أنه أظهر من جهة النقل (¬6). وقال في "أصل الروضة": إنه الأصح عند الأكثرين، وهو أنه لا يدخل الأبوان والأولاد، ويدخل الأجداد والأحفاد (¬7)، وعليه مشى "الحاوي" (¬8). ¬

_ (¬1) انظر"فتح العزيز" (7/ 95). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (5/ 133). (¬3) فتح العزيز (7/ 98). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 301). (¬5) انظر "فتح العزيز" (7/ 97، 98). (¬6) فتح العزيز (7/ 99). (¬7) الروضة (6/ 173). (¬8) الحاوي (ص 429).

وقال في "المهمات": إن العمدة عليه؛ لتصريح الرافعي بأنه أظهر نقلاً، والمذهب نقل. انتهى. ويمكن رد عبارة "المنهاج" إليه: بأن يريد بالأصل والفرع القريبين دون من يدلي بهما، وهو بعيد، وفي المسألة وجه ثالث، وهو: دخول الجميع من غير استثناء أحد، وهو الذي في "التنبيه" حيث قال [ص 142]: (دُفع إلى من يعرف بقرابته) وقد يُرَدُّ إلى تصحيح "المنهاج" أو "الحاوي"، ويقال: إن الأصول والفروع أو الأبوين والأولاد لا يعرفون بقرابته، وقطع المتولي بهذا الوجه الثالث، ورجحه أبو الفرج الزاز. قال الرافعي: ولهما أن يحتجا بأن الأب والابن يدخلان في الوصية لأقرب أقاربه (¬1)، فكيف يكون الشخص أقرب الأقارب ولا يكون من الأقارب؟ ! وكأن الرافعي أشار بقوله: إن الأول أظهر من جهة النقل، لا (¬2) إلى أن الثالث أظهر من جهة البحث. قال السبكي: بل الثالث أظهر نقلاً وبحثاً، قال: ودعوى الأستاذ أبي منصور إجماع الأصحاب على عدم دخول الأبوين والأولاد ممنوعة؛ فقد جزم القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والماوردي ونصر المقدسي بدخولهم، ورجحه صاحب "الكفاية"، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه المختار، قال: ونصه في "الأم" و"المختصر" ظاهر فيه؛ حيث قال في الوصية للقرابة: والقرابة من قبل الأم والأب في الوصية سواء، وأقرب قرابته وأيعد منه منهم سواء، وعليه جرى الماوردي، ثم حكى عدم دخول الآباء والأبناء في القرابة عن بعض الفقهاء، وقال: إنه خطأ. انتهى (¬3). وصورة المسألة: أن يكون أولئك الأقارب محصورين، فلو كانوا غير محصورين .. فهو كما لو أوصى لقبيلة كبيرة، وظاهر إطلاق "التنبيه" دخول قرابة الأم، ولو في وصية العرب (¬4)، أي: فيما إذا أوصى لأقارب عربي، قال الرافعي: وهو الأقوى، وظاهر نص "المختصر" (¬5)، وأجاب به أصحابنا العراقيون كوصية المعجم، وأطلق النووي في "أصل الروضة" تصحيحه (¬6)، لكن ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (7/ 99). (¬2) كذا هي في كل النسخ، ولعل الصواب حذف (لا)، والمعنى: وكأن الرافعي أشار إلى أن الثالث أظهر من جهة البحث بقوله: إن الأول أظهر ... . (¬3) الأم (4/ 111)، مختصر المزني (ص 145). (¬4) التنبيه (ص 140). (¬5) مختصر المزني (ص 145)، وانظر "فتح العزيز" (7/ 100). (¬6) الروضة (6/ 174).

صحيح في "المنهاج" تبعاً "للمحرر" مقابله، فقال: (ولا تدخل قرابة أم في وصية العرب في الأصح) (¬1)، وعليه مشى "الحاوي" (¬2)، وحكى الرافعي ترجيحه عن الغزالي والبغوي (¬3). قال في "المهمات": والفتوى على الأول، لموافقته ظاهر النص وقول الأكثرين. قلت: نقل الإمام عن جمهور الأصحاب: عدم الدخول (¬4)، وكأنه في "المهمات" اغتر في الحكاية عن الأكثرين بأن الرافعي حكاه عن العراقيين، ولا يلزم من ذلك أن يكون قول الأكثرين، لكنه أرجح دليلاً، والله أعلم. 3266 - قول "المنهاج" [ص 356]: (ويدخل في أقرب أقاربه الأصل والفرع) أورد عليه: أنه ليس أقرب الأقارب غيرهما، فكان ينبغي أن يقول: (وأقرب الأقارب الأصل والفرع). وأجيب عنه: بأنهما أقرب الأقارب على الإطلاق، ويصح إطلاق دخولهما في أقرب الأقارب، فينه إذا أوصى لأقارب نفسه .. يدخلان فيما إذا كانا غير وارثين، ولا يدخلان مع الإرث، وينتقل لمن بعدهما؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 429]: (وأقرب الأقارب الفرع ثم الأصل ثم الأخوة ثم الجدودة ثم العمومة والخؤولة). 3267 - قول "التنبيه" [ص 142]: (فإن اجتمع الابن والأب .. قدم الابن في أحد القولين) هو الأصح، وقوله: (وإن اجتمع الجد والأخ .. قدم الاخ في أحد القولين) (¬5) هو الأصح أيضاً، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" فيهما (¬6)، وتعبير "المنهاج" فيهما بالأصح مخالف لحكاية "التنبيه" الخلاف فيهما قولين (¬7)، وقد عبر في "الروضة" في الثانية بالأظهر (¬8)، وفيها طريقة قاطعة بتقديم الأخ، ومقتضاه: التعبير بالمذهب، ورجح في "الشرح الصغير" و"الكفاية": أن الخلاف في الأولى قولان أيضاً، وتعبير "التنبيه" و"المنهاج" بالابن والاخ يشعر بأن البنت والأخت ليستا كذلك، لكن في "الكفاية" عن "البحر": أن الأخت كالأخ، وعليه يدل تعبير "الحاوي" بالفرع (¬9)، فإنه يتناول البنت، وبالأخوة؛ فإنها تتناول الأنثى، ويوافقه قول ¬

_ (¬1) المحرر (ص 274)، المنهاج (ص 356). (¬2) الحاوي (ص 429). (¬3) انظر "التهذيب" (5/ 78)، و "الوسيط" (4/ 451)، و"فتح العزيز" (7/ 100). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (11/ 301). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 142). (¬6) الحاوي (ص 429)، المنهاج (ص 356). (¬7) المنهاج (ص 356). (¬8) الروضة (6/ 175). (¬9) الحاوي (ص 429).

فصل [في الوصية بالمنافع]

"المنهاج" [ص 356]: (ولا يُرَجَّحُ بذكورة وَوِرَاثَةٍ) لكنه ليس صريحاً في معارضة الجد. 3268 - قول "المنهاج" [ص 356]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 429]: (ولو أوصى لأقارب نفسه .. لم تدخل ورثته في الأصح) عبارة "المحرر": (فيما رجح من الوجهين) (¬1)، وحكاه في "أصل الروضة" عن الصيدلاني والمتولي والغزالي (¬2)، وعلى هذا تختص الوصية بالباقين، ومقابله: أن الورثة يدخلون ثم يبطل نصيبهم، ويصح الباقي لغير الورثة، قال في "الشرح الصغير": وهو الأقوى، قال في "الكبير": ولك أن تقول: وجب أن يختص الوجهان بقولنا: إن الوصية للوارث باطلة، أما إذا قلنا: إنها موقوفة على الإجازة .. فليقطع بالوجه الثاني (¬3)، وعبارته في "الصغير" -: ويختص الوجهان بقولنا: الوصية للوارث باطلة، وهذه العبارة قد تقتضي أنه منقول، وقال النووي: الظاهر: أنه لا فرق في جريانهما (¬4)؛ لأنّ مأخذهما وقوع الاسم ومخالفة العادة. فصل [في الوصية بالمنافع] 3269 - قول "المنهاج" [ص 357]: (تصح بمنافع عبد ودار وغلة حانوت) عبر في الأولين بالمنافع، وفي الثالث بالغلة، وقال السبكي: المنافع والغلة متقاربان، فكل عين فيها منفعة فقد يحصل منها عن تلك المنفعة شيء؛ إما بفعله كالاشتغال، أو بعوض عن فعل غيره، أو من عند الله تعالى، وذلك الشيء يسمى غلة، فالموصى له به يملكه من غير ملك العين ولا المنفعة؛ كأجرة العبد والدار والحانوت وكسب العبد، وما ينبت في الأرض كله غلة تصح الوصية به، كما تصح بالمنفعة. انتهى. واقتصر "الحاوي" على الوصية بالمنافع (¬5)، استغناء بها عن الغلة. 3270 - قول "المنهاج" [ص 357]: (ويملك الموصى له منفعة العبد، وأكسابه المعتادة) أحسن من قول "الحاوي" [ص 429]: (وبالمنافع يملك كسب العبد، لا ما يتهب) فإنه لم يذكره ملكه لمنفعة العبد، وكأنه سكت عنها لوضوحها، وخرج بتعبير "المنهاج" بالمعتادة كل كسب ¬

_ (¬1) المحرر (ص 274). (¬2) الروضة (6/ 172). (¬3) فتح العزيز (7/ 99). (¬4) انظر "الروضة" (6/ 173). (¬5) الحاوي (ص 429).

نادر؛ فهو أعم من الهبة (¬1)، واختار السبكي أنه يملك النادرة أيضاً، ودخل في عبارتهما قوله: (أوصيت لك بمنافعه حياتك)، والمجزوم به في "الروضة" وأصلها هنا: أنه ليس تمليكاً، وإنما هو إباحة (¬2)، فليس له الإجارة، وفي الإعارة وجهان، وجزما في نظيره من (الوقف) بمنع الإعارة، وذلك يقتضي ترجيحه هنا، لكن ذكر الرافعي في (الإجارة) أن له الإجارة في هذه الصورة، وصوبّه في "المهمات" وقال: إنه نظير الوقف على زيد ثم عمرو؛ فإن كلاً منهما يملك المنفعة مع التقييد بحياته. 3271 - قول "المنهاج" [ص 357]: (وكذا مهرها في الأصح) تبع فيه "المحرر" (¬3)، وحكاه في "الشرح" عن العراقيين والبغوي، ثم حكى عن المراوزة: أنه لورثة الموصي، قال: وهذا أشبه وأظهر على ما ذكره الغزالي (¬4)، والتعبير بالأشبه لم يذكره الغزالي، فهو ترجيح من الرافعي، وقد صرح بترجيحه في "الشرح الصغير" من غير عزو للغزالي، وتبعه "الحاوي" فقال عطفاً على الهبة [ص 429]: (وعُقر الجارية)، وفي "المهمات": أن الراجح نقلاً ما في "المحرر"، واختاره السبكي، قال الرافعي: ولم يفرقوا بين الوصية بالمنفعة والكسب والخدمة والغلة، والأحسن: أنها بالمنفعة تفيد استحقاق خدمة العبد وسكنى الدار، وبالخدمة والسكنى لا تفيد استحقاق سائر المنفع، كما لايفيد استئجاره للخدمة تكليفه البناء والكتابة ولا للسكنى عمل الحديد، والقصارة، وطرح الزبل، ولا يبعد أنه مرادهم، بل ينبغي أنها بالغلة والكسب لا تفيد السكنى والركوب والاستخدام، وبواحد منها لا يفيد الغلة والكسب، وهذا يوافق الوجه السابق عن الحناطي والعبادي؛ فإن الغلة فائدة عينية (¬5)، والمنفعة تطلق في مقابلة العين، فيقال: الأموال تنقسم إلى أعيان ومنافع (¬6). قال السبكي: وكله حسن ينبغي القطع به، إلا قوله: وبواحد منها لا يفيد الغلة والكسب؛ فإن الغلة فائدة عينية؛ لأنه يناقض قوله في الأكساب المعتادة: إنها للموصى له؛ فإنها أبدال منافعه، والوجه الذي أشار إليه ضعيف، فكيف يعتضد به ما اختاره؛ والوجه عندي: أنها بالمنافع تفيد الغلة والكسب، وبالركوب والاستخدام لا تفيدهما، وبهما لا تفيد السكنى والركوب والاستخدام؛ لقول الرافعي: بل ما يتحصل منهما فقط. انتهى. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 357). (¬2) فتح العزيز (7/ 110)، الروضة (6/ 187). (¬3) المحرر (ص 274). (¬4) فتح العزيز (7/ 111). (¬5) في النسخ: (عينه)، ولعل الصواب ما أثبت. (¬6) انظر "فتح العزيز" (7/ 111).

3272 - قول "المنهاج" [ص 357]: (وله إعتاقه) قد يتوهم منه أن مراده: أن للموصى له إعتاق الولد، وليس كذلك، وإنما مراده: أن للوارث إعتاق العبد الموصى بمنفعته، ومحله في التبرع، فلو أعتقه عن الكفارة .. لم يجز عنها. 3273 - قوله: (وعليه نفقته إن أوصى بمنفعته مدة، وكذا أبداً في الأصح) (¬1) دخل في الثانية ما إذا قال: أبداً، أو مدة حياة العبد، أو أطلق، وعلف البهيمة كنفقة العبد، وكذا الفطرة، وقطع البغوي بأنها على مالك الرقبة (¬2)، ورجحه ابن الرفعة. 3274 - قول "المنهاج" [ص 357]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 430]: (وبيعُهُ إن لم يؤبِّد كالمستأجر) أي: فيصح في الأصح، قال السبكي: يستثنى منه: المقدر بمدة مجهولة؛ فإن الوصية صحيحة، ويمتنع البيع كدار المعتدة بالأقراء. 3275 - قولهما أيضًا: (وإن أَبَّدَ .. فالأصح: أنه يصح بيعه للموصى له دون غيره) (¬3) مقتضاه: أن ما لا منفعة فيه سوى الإعتاق .. لا يصح بيعه، وهو مخالف لصحة بيع العبد الزمن؛ وعللوه بالتقرب بعتقه، وهو موجود هنا، ومقتضاه: صحة بيعه مطلقاً، قاله في "المهمات". 3276 - قول "التنبيه" [ص 142]: (وإن أوصى له برقبة عبد دون منفعته .. أعطي الرقبة، فإن أراد عتقها .. جاز) محله: في التبرع، فلو أعتقها عن الكفارة .. لم يجز. 3277 - قوله: (وإن أراد بيعها .. لم يجز، وقيل: يجوز، وقيل: إن أراد بيعها من مالك المنفعة .. جاز، وإن أراد بيعها من غيره .. لم يجز) (¬4) الأصح: هو الثالث. 3278 - قوله: (وفي نفقته وجهان، أحدهما: على الموصى له بالرقبة) (¬5) هو الأظهر. 3279 - قول "المنهاج" [ص 357]: (وإن أطلق الوصية بها - أي: بحجة الإسلام - .. فمن رأس المال، وقيل: من الثلث) يقتضي أن الخلاف وجهان، وعبارة "الروضة": (من رأس المال على المذهب، وبه قطع الجمهور سواء قرن به ما يعتبر من الثلث أم لا، وقيل: قولان، ثانيهما: من الثلث، وقيل: إن قرن .. فمن الثلث، وإلا .. فمن رأس المال) (¬6)، وأطلق "التنبيه" الواجبات، فتناول الحج وغيره، وقال: (الأظهر: أنه لا يعتبر من الثلث، وقيل: ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 357). (¬2) انظر "التهذيب" (5/ 83). (¬3) انظر "الحاوي" (ص 430)، و"المنهاج" (ص 357). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 142). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 142). (¬6) الروضة (6/ 196).

يعتبر) (¬1)، ولا اصطلاح له في لفظ الأظهر، وعبارة "الحاوي" [ص 430، 431]: (والفرض كالزكاة والدين والمنذور والكفارة من الأصل، وإن قال: من الثلث يزحم الوصايا، ثم يكمل من الأصل)، وفي "الكفاية": أن هذا إذا التزمه في الصحة، فإن التزمه في المرض .. فمن الثلث قطعاً، قاله الفوراني، وحكاه شيخنا الإمام البلقيني عن "النهاية" ومال إليه، وقال: ينبغي الفتوى به (¬2). 3280 - قول "التنبيه" [ص 143]: (وإن أوصى بأن يحج عنه؛ فإن كان ذلك من رأس المال .. حج عنه من الميقات، وإن كان من الثلث .. فقد قيل: يحج عنه من الميقات) هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 357]: (ويحج من الميقات) قال السبكي: الأحسن: أن يُجعل جملة مستقلة أنه يحج من الميقات، ويصح أن يجعل من تمام الوجه الثاني، ويكون تفريعه على الأول من باب أولى. قال شيخنا ابن النقيب: وعبارة "المحرر": تفهم عكسه؛ فإنه قال: (وإن أطلق .. فيحج عنه من رأس المال أو الثلث، وجهان، أصحهما: الأول) وحينئذ .. فيحج من الميقات (¬3). قلت: لكن الذي في "الروضة" وأصلها الجزم به إن قلنا: من رأس المال، وتصحيحه إن قلنا: من الثلث، كما تقدم عن "التنبيه" (¬4)، فلابد من تأويل عبارة "المحرر" إن أفهمت خلافه. 3281 - قول "التنبيه" في المسألة المذكورة [ص 143]: (وقيل: إن كان قد صرح بأنه من الثلث .. حج من بلده، وإن لم يصرح .. حج من الميقات) ليس له ذكر في غيره، ووجّهه في "الكفاية": بأنه إذا لم يصرح وهو فرض .. فالمؤنة من رأس المال، فيكون من الميقات، قال: وهو خلاف تفريعه أنه من الثلث. 3282 - قوله في (الحج): (ولا تجوز النيابة في حج التطوع في أحد القولين، وتجوز في الآخر) (¬5) الأظهر: الجواز، ويوافقه قول "المنهاج" هنا [ص 357]: (وتصح - أي: الوصية - بحج تطوعٍ في الأظهر)، وهي مبنية عليها، وتناولت عبارة "التنبيه" النيابة عن المعضوب. 3283 - قول "المنهاج" [ص 357]: (وللأجنبي أن يحج عن الميت بغير إذنه في الأصح) فيه أمران: أحدهما: أن محله: في حج الإسلام، أما التطوع .. فلا يجوز بغير إذنه في الأصح. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 142). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (11/ 186). (¬3) السراج على نكت المنهاج (5/ 148)، وانظر "المحرر" (ص 275). (¬4) فتح العزيز (7/ 122)، الروضة (6/ 197). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 70).

ثانيهما: يلتحق بإذن الميت إذن وارثه، والوجهان إنما هما فيما إذا لم يأذن الميت ولا الوارث، ويرد على إطلاق "التنبيه" جواز النيابة في التطوع في أحد القولين (¬1): أن محله: إذا كان بإذنه، أو إذن وارثه كما تقدم، ويرد ذلك أيضاً على قول "الحاوي" [ص 431]: (ويؤدي حجه وكفارته المالية، لا الأجنبي العتق) فإن مقتضاه: تأدية الأجنبي عنه حج التطوع بغير إذنه. 3284 - قول "المنهاج" [ص 357]: (ويؤدي الوارث عنه الواجب المالي في كفارة مرتبة) يتناول ما إذا أدى من ماله مع وجود تركة، وكذا يتناوله إطلاق "الحاوي" العبارة المتقدمة (¬2)، لكن قول "المنهاج" بعده [ص 357]: (وأن له الأداء من ماله إذا لم تكن تركةٌ) يقتضي بمفهومه منعه مع وجود تركة، إلا أن يقال: إنه لا مفهوم له، وإنما هو تصوير للواقع؛ لأنه إنما يحتاج للأداء من ماله عند عدم التركة، وقد قال السبكي: إن الذي يظهر: جواز الأداء من ماله مع وجود تركة، قال: ثم رأيت في "البيان" ما يوافقه (¬3)، وفي كلام الرافعي ما يخالفه بحثاً، فقال: يشبه أنه كالأجنبي (¬4)، ونازعه السبكي. وقال شيخنا الإمام البلقيني فيما اقتضاه مفهوم "المنهاج" وغيره: إنه بعيد من النظر؛ لأن للوارث إمساك التركة، وقضاء حق الآدمي المبني على المضايقة من غيرها، فحق الله أولى، قال: ولا يُفرّق بالتعلق بالعين، فإنه موجود فيهما، ولا ينظر إلى العتق، وإنه متعلق بالتركة؛ فللوارث أن يشتري من غير عبيد التركة من يعتقه، فله ذلك من مال نفسه، ويكون قوله: (إذا لم تكن تركة) قيداً لإثبات الخلاف، لا للمنع في مخالفه. انتهى. 3285 - قول "المنهاج" [ص 357]: (وأنه يقع عنه لو تبرع أجنبيُّ بطعامٍ أو كسوة، لا إعتاقٍ في الأصح) ويو افقه عبارة "الحاوي" المتقدمة (¬5)، وليس في "الروضة" وأصلها هنا ترجيح، وإنما فيهما طريقان: إجراء الخلاف، والقطع بالمنع (¬6)، لكن فيهما في كفارة اليمين تصحيح المنع في المخيرة، والجواز في المرتبة (¬7). 3286 - قول "المنهاج" [ص 357] و"الحاوي" [ص 431]: (وينفع الميت دعاء) قال السبكي: فيه شيئان: ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 70). (¬2) الحاوي (ص 431). (¬3) البيان (8/ 317). (¬4) انظر "فتح العزيز" (7/ 129). (¬5) الحاوي (ص 431). (¬6) فتح العزيز (7/ 128)، الروضة (6/ 201). (¬7) فتح العزيز (12/ 278، 279)، الروضة (11/ 25، 26).

فصل [في الرجوع عن الوصية]

أحدهما: نفس الدعاء، وثوابه للداعي لا للميت. والثاني: حصول المدعو به إذا قبله الله تعالى، وذلك ليس من عمل الميت، ولا يسمى ثواباً، بل هو من فضل الله تعالى في استجابته، ومعنى نفعه للميت: حصول المدعوّ به له إذا استجابه الله. نعم؛ دعاء الولد يحصل فيه ثواب نفس الدعاء للوالد الميت؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "أو ولد صالح يدعو له" (¬1) جعل ذلك من عمله، وإنما يكون منه، ويستثنى من انقطاع العمل: إذا أريد نفس الدعاء، أما المدعو به، فليس من عمله. انتهى. 3287 - قول "الحاوي" [ص 431]: (لا الصوم) أي: فإنه لا ينفعه، هذا هو الجديد، وفي القديم: ينفعه إذا صام عنه وليه، واختاره النووي (¬2). 3288 - قوله عطفاً عليه: (والصلاة) (¬3) يستثنى منه: ركعتا الطواف؛ فإنها تقع عن المحجوج عنه على إلأصح. فصل [في الرجوع عن الوصية] 3289 قول "الحاوي" [ص 436]: (ويرجع عن تبرُّع عُلِّق بالموت) أحسن من قول "التنبيه" [ص 143]: (وإن وصى بشيء ثم رجع في وصيته .. صح الرجوع) ومن قول "المنهاج" [ص 358]: (له الرجوع عن الوصية وعن بعضها) لأنه قد يفهم من عبارتهما جواز الرجوع عن التبرعات المنجزة في مرض الموت؛ لأنها كالوصية في الحسبان من الثلث. 3290 - قول "المنهاج" [ص 358] و"الحاوي" في أمثلة الرجوع [ص 436]: (هذا لوارثي) قال الرافعي: كذا قيل، لكن سنذكر فيما إذا أوصى بشيء لزيد ثم أوصى به لعمرو .. لم يكن رجوعًا، بل يشتركان، فكان يجوز أن يقال به هنا، فيبطل نصف الوصية، وأسقط هذا من "الروضة" (¬4). 3291 - قول "المنهاج" [ص 358]: (وببيع) ثم قال: (وكذا هبة)، أحسن من قول "التنبيه" [ص 143]: (ثم أزال الملك فيه ببيع أو هبة) لأنه قد يفهم منه توقف الرجوع على زوال ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1631) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (¬2) انظر "الروضة" (6/ 203). (¬3) انظر "الحاوي" (ص 431). (¬4) فتح العزيز (7/ 258)، الروضة (6/ 304).

الملك، وليس كذلك، بل مجرد الإيجاب كاف، ولذلك قال "الحاوي" [ص 436]: (وإيجاب الرهن) ففهم منه إيجاب ما عداه من طريق الأولى. وذكر في "الكفاية": أن كلام "التنبيه" يفهم أن عقد الهبة ليس رجوعاً، لكن قوله: (أو عرضه على البيع) (¬1) يفهم خلافه. 3292 - قول "التنبيه" [ص 143]: (وإن وصى به ثم رهنه .. فقد قيل: هو رجوع، وقيل: ليس برجوع) الأصح: الأول ولو لم يوجد قبض، كما صرح به "المنهاج" (¬2)، بل ولو وجد مجرد الإيجاب، كما صرح به "الحاوي" (¬3). 3293 - قول "المنهاج" [ص 358]: (وكذا توكيلٌ في بيعه وعرضه عليه في الأصح)، قال شيخنا ابن النقيب: ظاهره عود الخلاف إليهما، وأنهما وجهان متقابلان، وكذا في "المحرر"، والذي في "الروضة" وأصلها هنا: أن التوكيل بالتصرفات المذكورة كالوصية بها، والمجزوم به في "المنهاج" في (الوصية) أنه رجوع، ومقابله في "الروضة" مع ضعفه: أنه رجوع في النصف فقط، ثم قال في "الروضة": العرض على البيع والهبة والرهن رجوع في الأصح، ويجريان في مجرد إيجاب الرهن والهبة، وظاهره أيضاً: تقابل الوجهين، والذي في "الشرح" في العرض على البيع وجهان كالوجهين في التوكيل، والأظهر: أنه رجوع، فأسقط من "الروضة" النظير بالتوكيل، فاختلفت كيفية المقابل. وحاصله: أن العرض على البيع كالتوكيل به، والتوكيل به كالوصية به، فالمقابل في الجميع ليس برجوع في النصف فقط، هذا مقتضى ما في "الروضة" و"الشرح"، فلا يحسن إطلاق "المنهاج" في التوكيل والعرض، ولا "الروضة" في العرض. انتهى (¬4). 3294 - قول "التنبيه" [ص 143]: (وإن أجره .. لم يكن رجوعاً) يشمل ما لو أوصى بمنفعته سنة ثم أجره مدة ومات وقد بقي قدر مدة الوصية أو بعضها، والأصح: البطلان فيما مضى؛ ولذلك قال "الحاوي" فيما يحصل لرجوع (¬5) [ص 436]: (وإجارة تبقى مدة الوصية). 3295 - قول "الحاوي" [ص 436]: (والوطء بالإنزال) تبع فيه الإمام والغزالي (¬6)، وقال به ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 143). (¬2) المنهاج (ص 358). (¬3) الحاوي (ص 436). (¬4) السراج على نكت المنهاج (5/ 156، 157)، وانظر "المحرر" (ص 276)، و"فتح العزيز" (7/ 262)، و"الروضة" (6/ 305، 307). (¬5) كذا هي في النسخ، ولعل الأولى: (فيما يحصل به الرجوع)، والله أعلم. (¬6) انظر "نهاية المطلب" (11/ 336)، و"الوجيز" (1/ 460).

ابن الحداد والفوراني، واقتصر المتولي والخوارزمي على حكايته، وحكاه في "البيان" عن القاضي أبي الطيب (¬1)، لكن نقل الرافعي والنووي عن الأكثرين: أنه ليس رجوعًا، وصححاه (¬2)، وكذا نقله أبو الفرج الزاز في "تعليقه" عن العامة. 3296 - قوله: (لا إنكاره) (¬3) أي: ليس رجوعاً، كذا صححه الرافعي والنووي في (التدبير) (¬4)، وجزما هنا بأنه رجوع، قال الرافعي: على ما في جحود الوكالة (¬5)، ومقتضاه: الفرق بين أن يكون لغرض ودونه. لكن قال في "المهمات": المفتى به في الوكالة: الانعزال مطلقاً، فقد قال في "النهاية": إنه المشهور، ولم يذكر التفصيل إلا احتمالاً لنفسه، ورجح شيخنا الإمام البلقيني أن إنكار الوصية ليس برجوع. 3297 - قول "التنبيه" [ص 143]: (وإن أوصى بشيء ثم أزال اسمه، بأن كان قمحاً فطحنه، أو دقيقاً فعجنه، أو عجيناً فخبزه .. كان رجوعاً) لم يرتض الرافعي التعليل بزوال الاسم، قال: ومقتضاه: الفرق بين أن يقول: أوصيت بهذا الطعام، أو أوصيت بهذا، أو بما في هذا البيت من غير ذكر اسم، وعلل بطلان الوصية في هذه الصور أيضاً: بإرادة عدم استمرار الوصية (¬6)، ولو عرضت هذه الأمور من غير إذن الموصي .. فقياس التعليل الأول: البطلان، والثاني: البقاء، وذكروا وجهين في بعضها، والباقي ملحق به، واقتصر "المنهاج" و"الحاوي" (¬7) على المثالين الأولين، ولم يذكرا خبز العجين، وبحث فيه الرافعي، وقال: ينبغي ألاَّ يلحق بعجن الدقيق؛ فإن الدقيق يفسد لو ترك (¬8). فلعله قصد إصلاحه وحفظه على الموصى له، وقال الماوردي: هو رجوع؛ لزوال الاسم دون الاستهلاك (¬9)، يعني: إذا فرعنا على علة الاستهلاك .. لا يكون رجوعًا. 3298 - قول "التنبيه" [ص 143]: (وإن كان غزلاً فنسجه، أو نقرة فضربها دراهم، أو ساجاً ¬

_ (¬1) البيان (8/ 298). (¬2) انظر "فتح العزيز" (7/ 262)، و"الروضة" (6/ 310). (¬3) انظر "الحاوي" (ص 436). (¬4) انظر "فتح العزيز" (13/ 425)، و"الروضة" (12/ 197). (¬5) انظر "فتح العزيز" (7/ 257)، و"الروضة " (6/ 304). (¬6) انظر "فتح العزيز" (7/ 264). (¬7) الحاوي (ص 436)، المنهاج (ص 358). (¬8) انظر "فتح العزيز" (7/ 264)، وقوله: (فإن الدقيق) كذا هو في النسخ، ولعل الصواب: (فإن العجين)، كما في "فتح العزيز"، و"روضة الطالبين" (6/ 307)، فليتأمل. (¬9) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 316).

فصل [في الإيصاء]

فجعله باباً .. فقد قيل: هو رجوع، وقيل: ليس برجوع) الأصح: أنه رجوع، وجزم به "المنهاج" في النسج و"الحاوي" في النسج والجعل باباً (¬1). 3299 - قول "التنبيه" [ص 143]: (وإن أوصى بدار فانهدمت وبقيت عرصتها .. فقد قيل: تبطل الوصية، وقيل: لا تبطل) ظاهره أن الخلاف في العرصة، وأن النقض يبطل قطعاً، وللمسألة حالتان: إحداهما: أن يوجد الانهدام في حياة الموصي، فإن زال الاسم .. بطلت الوصية في النقض على الصحيح، وبقيت في العرصة على الأصح، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 436]: (وانهدام الدار، لا في العرصة). وإن بقي الاسم .. قال الرافعي: بقيت الوصية فيما بقي بحاله (¬2)، وفي المنفصل وجهان، قال في "الكفاية": المنصوص وبه قال الجمهور: المنع. الثانية: أن يوجد بعد الموت وقبل القبول: فإن لم يزل اسم الدار عنها .. فهي بحالها، ثم إذا قبل وقلنا: يتبين الملك بالموت، أو قلنا: يملك به .. قلنا: النقض للموصى له، وإن قلنا: إنما يملك بالقبول .. فله الدار، وفي المنفصل وجهان، أما لو هدمها الموصي حتى زال اسمها .. فإنه رجوع في النقض، وكذا في العرصة في الأصح. 3300 - قول "التنبيه" [ص 143]: (وإن وصى لزيد بجميع ماله أو ثلثه أو بعبد ثم وصى بذلك لعمرو .. سوى بينهما) قال ابن الرفعة: الكلام في الصورة الثانية إذا رد الورثة، أما إذا أجازوا .. سُلّمَ الثلث كاملاً لكل منهما. فصل [في الإيصاء] 3301 - قول "المنهاج" [ص 358]: (يسن الإيصاء بقضاء الدين، وتنفيذ الوصايا، والنظر في أمر الأطفال) فيه أمور: أحدها: ذكر في "الروضة" وأصلها مع قضاء الدين: رد المظالم (¬3)، وأهمله "المنهاج" و"الحاوي"، ولا يتوهم أن قضاء الدين: يغني عنه؛ لأن المظلمة قد تكون في عين. ثانيها: استدرك في "الروضة" على الرافعي في اقتصاره في قضاء الدين ورد المظالم على ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 436)، المنهاج (ص 358). (¬2) انظر "فتح العزيز" (7/ 256). (¬3) فتح العزيز (7/ 267)، الروضة (6/ 311).

الاستحباب، فقال: هذا إذا كان قادراً عليهما في الحال، فإن كان عاجزاً عنهما .. وجب عليه أن يوصي بهما (¬1)، وقال الرافعي في أول الباب: ومن عنده وديعة، أو في ذمته حق لله تعالى؛ كزكاة أو حج أو دين لآدمي .. يجب عليه أن يوصي به إذا لم يعلم به غيره (¬2)، وقال في "الروضة": المراد: إذا لم يعلم به من يثبت بقوله (¬3). قال في "المهمات": وهو غير كاف؛ فإن قول الورثة كاف في الثبوت مع أن المتجه: أن علمهم لا يكفي؛ لأنهم الغرماء، فلا بد من حجة تقوم عليهم عند إنكارهم، قال: وأيضاً فإنه يقتضي أن الشاهد الواحد لا يكفي؛ فإن الحق لا يثبت به وحده، ولكن القياس: تخريجه على قضاء الوكيل الدين بحضرة واحد، والصحيح: الاكتفاء به، وكذا الصحيح: الاكتفاء بإشهاد ظاهري العدالة مع أنه لا يثبت بهما. انتهى. فهذه أجوبة مختلفة، واقتصر "الحاوي" على صحة الوصية بذلك، ولم يذكر استحباباً ولا وجوباً (¬4). ثالثها: عبر "المنهاج " و"الحاوي" بالإيصاء (¬5)، وعبارة "المحرر": (الوصاية) (¬6)، وكذا في "الروضة" (¬7)، وهو اللفظ الخاص به؛ فإن اصطلاح الفقهاء أن الوصاية: العهد إلى من يقوم على من بعده، والوصية: التبرع المضاف إلى ما بعد الموت، ولكن الإيصاء يعمها لغة، وقد لا يفهم المبتدئ الفرق بين الوصية والوصاية؛ لأنه اصطلاحي كما تقدم. رابعها: قال الإمام: الوصاية بقضاء الدين لا يظهر له أثر؛ إذ للورثة القضاء من أموالهم، فإن أبوا [أن يؤدوها من أموالهم، وأرادوا - وهم أهل رشد لا يُولَّى عليهم - أن يتعاطوا] (¬8) بيع التركة والوفاء مع وجود الوصي .. ففيه تردد (¬9). قال ابن الرفعة: والنص يفهم أن التعويل على الوصي، وقال الإمام وطائفة أيضاً: إن الوصية لا تجري في رد المغصوب والودائع، ولا في الوصية بعين لمعين؛ لأنها مستحقة بأعيانها، ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (7/ 267)، و"الروضة" (6/ 311). (¬2) انظر "فتح العزيز" (7/ 5). (¬3) انظر "الروضة" (6/ 97). (¬4) الحاوي (ص 437). (¬5) الحاوي (ص 437)، المنهاج (ص 358). (¬6) المحرر (ص 276). (¬7) الروضة (6/ 311). (¬8) في النسخ: (فإن أبوا وهم رشداء أن يتقاضوا بيع ... )، وهذا نقص ظاهر وتصحيف، وقد أصلحنا العبارة وأتممناها من "نهاية المطلب". (¬9) انظر "نهاية المطلب" (11/ 356).

فيأخذها أصحابها، وإنما يوصى فيما يحتاج إلى نظر واجتهاد؛ كالوصية للفقراء (¬1). قال الرافعي: وهو موضع توقف نقلاً ومعنى، أما المعنى: فخوف خيانة الوارث، والنقل قولهم: إن وصى إلى فاسق .. ضمن (¬2). قال ابن الرفعة: وفائدتها في الأعيان في غيبة الموصى له، وفي حال تعذر القبول، فيكون تحت يد الموصي، ولولا الوصاية .. لكانت عند الحاكم. وقال السبكي: هي قبل القبول ملك للوارث، فله الامتناع من دفعها إلى الوصي، فيأخذها الحاكم إلى أن يستقر أمرها، ومع هذا: فللوصي مطالبة الوارث بتنفيذها حضر الموصى له أو غاب، فهذه فائدة، وأما العواري والودائع والغصوب .. ففائدة الوصية بها: مطالبة الوصي بها؛ ليبرأ الميت منها. خامسها: اقتصر "المنهاج" و"الحاوي" و"الروضة" على الأطفال (¬3)، وكذا اقتصر عليه "التنبيه"، إلا أنه ذكره مثالاً (¬4)، ولا يختص الحكم بهم؛ فالمجنون كذلك، وقد صرح به الرافعي في آخر كلامه، فقال: ثم الحكم غير منوط بخصوص الطفولية، بل المجنون كالصغير في أنه تجوز الوصاية في أمره (¬5)، وظن في "المهمات" أن الرافعي لم يذكر ذلك، فحكاه عن القاضي أبي الطيب وغيره، قال: وصرح مجلي في "الذخائر" بصحتها على السفيه. قلت: وذكره شيخنا الإمام البلقيني في "حاشية الروضة" مجزوماً به من غير عزو لأحد. 3302 - قول "التنبيه" [ص 139]: (ولا تصح الوصية إلا إلى حر مسلم بالغ عاقل عدل) فيه أمران: أحدهما: أن اعتبار الإسلام يقتضي أنه لا تصح الوصية إلى ذمي، وهو كذلك إذا كان الموصي مسلماً، لكن في "المهمات": أنه لو كان المسلم وصياً على ذمي، وفوض إليه الموصي أن يوصي عليه .. فالمتجه: جواز إسناد الوصية عليه إلى ذمي مثله، أما إذا كان الموصي ذمياً .. فإنه تصح وصايته إلى ذمي؛ ولذلك قال "المنهاج" بعد اشتراط الإسلام [ص 358]: (لكن الأصح: جواز وصية ذمي إلى ذمي)، وفي "الحاوي" [ص 437]: (مسلم إن صدر منه)، أي: فإن صدر من ذمي .. فلا، ويشترط حينئذ: أن يكون عدلاً في دينه. وقال الإمام: لا يتبين لنا أنه عدل في دينه مع أنا لا نطلع على شرائعهم إلا من جهتهم، ونحن لا نثق بإخبارهم عن قواعد شرعهم، فيغمض مُدرَك هذا، ويعسر بسببه تزويج الكافر، إلا أن ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (11/ 356). (¬2) انظر "فتح العزيز" (7/ 277). (¬3) الحاوي (ص 437)، المنهاج (ص 358)، الروضة (6/ 311). (¬4) التنبيه (ص 144). (¬5) انظر "فتح العزيز" (7/ 276).

يكون فينا مطلعٌ على شرعهم، أو كان قد أسلم منهم من هو عدل رضاً فينا، وهو خبير بشرع الكفار (¬1). ثانيهما: أنه يشترط مع ما ذكره: أن يكون فيه هداية إلى التصرف الموصى به، ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، قال الرافعي: وربما دل كلام الأصحاب على أنه غير مرعي، ويؤيده قولهم: خمسة شروط: إسلام، وعقل، وبلوغ، وحرية، وعدالة (¬3). وقال السبكي: إنه ظاهر كلام الشافعي والأكثرين، لكن عبر شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" عن اشتراطه بالصواب (¬4). ويشترط أيضاً: ألاَّ يكون الوصي عدواً للطفل، كما حكاه الرافعي عن الروياني وآخرين (¬5)، وأنهم حصروا الشرائط بلفظ مختصر، فقالوا: ينبغي أن يكون الوصي بحيث تقبل شهادته على الطفل، واستنبط في "المهمات" من ذلك اشتراط كون الوصي الذمي من ملة الموصى عليه حتى لا تصح وصية النصراني إلى اليهودي، وبالعكس؛ للعداوة، واستغنى "الحاوي" بالعدالة عن ذكر البلوغ والعقل، وقال [437]: (إلى حر كلاً)، فاحترز عن المبعض، وهو تأكيد؛ فإن المبعض ليس حراً؛ ولهذا لم يذكر ذلك "التنبيه" و"المنهاج"، فلو فرق المال حيث أوصى إليه بتفرقته، وهو غير مستجمع الشرائط .. غرمه إن كانوا غير محصورين، قاله الرافعي، قال الماوردي: ولا يرجع عليهم، وقال في "شرح المهذب" المسمى بـ "الوافي": وعندي أنه يرجع؛ لأن التفرقة لم تقع الموقع، فتصرفوا فيما لم يملكوه. 3303 - قول " التنبيه " [ص 139]: (فإن وصى إليه وهو على غير هذه الصفات، فصار عند الموت على هذه الصفات .. جاز، وقيل: لا يجوز) والأصح: الأول، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 437]: (لدى الموت)، لكن قال السبكي: كلام الشافعي والأكثرين دال على الثاني؛ أي: اعتبار هذه الصفات في الحالتين، وقيل: يعتبر فيما بينهما أيضاً، قال في "المهمات": ومقتضى هذه الأوجه: أنه لا يكفي وجودها عند القبول اتفاقاً كان كان وقت تصرفه؛ لدخول الولاية بالموت فإنه وقت تسلطه على القبول. 3304 - قول "التنبيه" [ص 139]: (وإن أوصى إلى أعمى .. فقد قيل: تصح، وقيل: ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (12/ 120). (¬2) الحاوي (ص 437)، المنهاج (ص 358). (¬3) انظر "فتح العزيز" (7/ 269). (¬4) تذكرة النبيه (3/ 228). (¬5) انظر "فتح العزيز" (7/ 269).

تببيه [لا ينعزل الوصي باختلال كفايته]

لا تصح)، الأصح: الصحة، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، ومقتضى كلام "التنبيه" أنه لا يشترط في الوصي الذكورة، وصرح به "المنهاج"، قال: (وأم الأطفال أولى من غيرها) (¬2)، وكذا في "الحاوي" (¬3)، وقال الرافعي: في قول الغزالي: (والأم أولى من ينصب قيماً) يفيد أولوية الوصاية إليها، ونصب القاضي إياها (¬4). واستفدنا من ذلك مسألة حسنة، وهي جواز نصب القاضي المرأة قيمة، وبه صرح الغزالي في "البسيط"، فقال: وللقاضي أن يفوض أمر الأطفال إذا لم يكن وصي إلى امرأة فتكون قيمة، ولو كانت أم الأطفال .. فذلك أولى، وقال الروياني في "البحر": يجوز للقاضي أن يجعل المرأة أمينة في مال أولادها، ثم قال بعد ذلك: ولا يشبه القضاء؛ لأنه يعتبر فيه زيادة الكمال من شرائط الاجتهاد وغيرها. 3305 - قول "المنهاج" [ص 359]: (وينعزل الوصي بالفسق، وكذا القاضي في الأصح، لا الإمام الأعظم) فيه أمران: أحدهما: أن كلامه يقتضي الاتفاق على عدم انعزال الإمام الأعظم به، وليس كذلك، بل في كل منهما وجه. ثانيهما: في معنى الوصي: قيم الحاكم، وأما الأب والجد إذا فسقا .. انتزع الحاكم مال الطفل منهما، هذه عبارة "أصل الروضة" (¬5)، وأجرى الإمام في انعزالهما قولين كولاية النكاح، ورد المتولي الخلاف إلى التمكين من التصرف، وينزع جزماً، وهو حسن، فإن تابا .. عادت ولايتهما. تببيهٌ [لا ينعزل الوصي باختلال كفايته] فهم منه أنه لا ينعزل باختلال كفايته، وهو كذلك، بل يضم القاضي إليه معيناً، بل أفتى السبكي: بأنه يجوز للقاضي أن يضم إلى الوصي غيره لمجرد الريبة من غير ثبوت خلل، وقال: لم أره منقولاً، وهذا بخلاف قيم القاضي؛ فإنه إذا اختلت كفايته .. عزله؛ لأنه الذي ولاه. 3306 - قول "التنبيه" [ص 139]: (من جاز تصرفه في ماله .. جازت وصيته) ثم قال: (وفي ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 437)، المنهاج (ص 358). (¬2) المنهاج (ص 358). (¬3) الحاوي (ص 437). (¬4) انظر "الوجيز" (1/ 461)، و"فتح العزيز" (7/ 270). (¬5) الروضة (6/ 312).

الصبي المميز والمبذر قولان) الأصح: صحة وصية المبذر دون الصبي، وهو مفهوم من اعتبار "المنهاج" في الموصي الحرية والتكليف (¬1)، واقتصر "الحاوي" على الحرية (¬2)، وكأنه سكت عن ذكر التكليف؛ لوضوحه، ومقتضى كلامهم: أنا إذا صححنا وصية المبذر .. كان له تعيين شخص لتنفيذها. قال السبكي: ولم أر فيه إلا ما اقتضاه هذا الكلام، وهو محتمل، ومنعه أيضاً محتمل فيليه الحاكم. واعلم: أن عبارة "المنهاج" كما في كثير من نسخه [ص 359]: (ويصح الإيصاء في قضاء الدين، وتنفيذ الوصية من كل حُر مكلف)، وكذا في "المحرر" (¬3)، وهو موافق لتعبير "التنبيه" و"الحاوي" و"الروضة" وأصلها (¬4)، لكن في نسخة المصنف من "المنهاج" بعد الدين دائرة، وبعده: (وتنفُذُ الوصية) بضم الفاء بعدها ذال مضمومة، وليس بين الفاء والذال ياء، بل هو فعل مضارع، ليس مصدراً، وصار كلامه مشتملاً على مسألتين: إحداهما: صحة الوصية في قضاء الدين، وهذه تقدمت. والأخرى: نفوذ الوصية من كل حر مكلف، ولم يقل: في أي شيء، وقال الشيخ برهان الدين بن الفركاح: ينبغي أن يقرأ (تنفيذ) بزيادة ياء بين الفاء والذال (¬5)، كما تقدم عن بعض النسخ، وهذا أحسن، لكنه مخالف لنسخة المصنف. 3307 - قول "التنبيه" [ص 139]: (وليس له أن يوصي، فإن جعل إليه أن يوصي .. ففيه قولان) الأصح: الصحة، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬6). 3308 - قول "المنهاج" [ص 359]: (ولو قال: "أوصيت إليك إلى بلوغ ابني أو قدوم زيد فإذا بلغ أو قدم فهو الوصي" .. جاز) كان ينبغي أن يؤخره، فيذكره عقب قوله: (ويجوز فيه التوقيت والتعليق) فإنه مثال له. 3309 - قوله: (ولا يجوز نصب وصيٍّ والجدُّ حيٌّ بصفة الولاية) (¬7) محله: في الوصية في أمر الأطفال، فأما في الديون والوصايا .. فيجوز، فإن لم ينصب أحداً .. فأبوه أولى بقضاء الدين، ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 359). (¬2) الحاوي (ص 437). (¬3) المحرر (ص 276). (¬4) فتح العزيز (7/ 268)، الروضة (6/ 311). (¬5) انظر "بيان غرض المحتاج إلى كتاب المنهاج" (ق 15). (¬6) الحاوي (ص 437)، المنهاج (ص 359). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 359).

والحاكم أولى بتنفيذ الوصايا، ولا يرد ذلك على "الحاوي" لذكره له عقب الوصية على الطفل مستثنياً له منه، فقال: (والولي والوصي بإذنه على الطفل، لا حياة الجد) (¬1)، ولم يعتبر كونه بصفة الولاية، ولا بد منه. 3310 - قول "المنهاج" [ص 359]: (ولفظه: "أوصيت"، أو "فوضت"، أو نحوهما) قد يفهم تعيين اللفظ، وليس كذلك، فلو اعتُقل لسانه .. صحت وصيته بالإشارة، وقد ذكره "الحاوي" (¬2). 3311 - قوله: (والمطلق للحفظ) (¬3) قد يفهم أن مراده: ما إذا اقتصر على قوله: (أوصيت إليك)، وليس كذلك؛ فهذه وصية باطلة قطعاً، وقد قال "المنهاج" [ص 359]: (ويشترط بيان ما يوصي فيه، فإن اقتصر على: "أوصيت إليك" .. لغا)، وإنما أراد "الحاوي": ما إذا قال: (أوصيت إليك في أمر أطفالي)، ولم يذكر التصرف، وما ذكره وجه، والأصح في "أصل الروضة" - وهو المذهب في "التتمة" ولم يخالفه الرافعي -: أن له في هذه الصورة الحفظ والتصرف (¬4). وقال السبكي: العرف في الاقتصار على: (أوصيت إليك) شمول جميع التصرفات، ولكني لم أره لأحد. 3312 - قول "التنبيه" [ص 139، 140]: (وله أن يقبل في الحال، وله أن يقبل في الثاني) أراد بالحال: الحياة، وبالثاني: بعد الموت، والأصح: أنه لا يصح القبول في الحياة، وقد ذكره "المنهاج" (¬5)، وكذا لا يصح الرد في الحياة في الأصح، فله القبول بعد الموت. 3313 - قول "التنبيه" [ص 139]: (وله أن يوصي إلى اثنين، فإن أشرك بينهما في النظر .. لم يجز لأحدهما أن ينفرد بالتصرف)، يفهم جواز الانفراد بالتصرف حالة الإطلاق، وليس كذلك؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 359]: (لم ينفرد أحدهما إلا إن صرح به) و"الحاوي" [ص 437]: (وإلى اثنين ولو بالترتيب وقبلا للتعاون)، وأشار بقوله: (ولو بالترتيب وقبلا) إلى ما إذا قال: أوصيت إلى زيد، ثم قال: أوصيت إلى عمرو، وقبلا .. فليس لأحدهما الانفراد بالتصرف، كما صححه الرافعي والنووي، وقال البغوي: ينفرد، قال الرافعي: والاعتماد على الأول (¬6). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 437). (¬2) الحاوي (ص 437). (¬3) انظر "الحاوي" (ص 437). (¬4) فتح العزيز (7/ 277، 278)، الروضة (6/ 316). (¬5) المنهاج (ص 359). (¬6) انظر "التهذيب" (5/ 109)، و"فتح العزيز" (7/ 280)، و"الروضة" (6/ 318).

وقال شيخنا الإمام البلقيني: والذي أعتقده وأذهب إليه ما جزم به البغوي، وهو الأصح. انتهى. قال الإمام: وليس المراد تلفظهما بالعقد معاً، وإنما المعتبر صدوره عن رأيهما وإن باشره أحدهما أو غيرهما بأمرهما. قلت: ولذلك أفتيت في وصيين على يتيمين شرط عليهما الاجتماع على التصرف: بصحة بيع عقار أحد الطفلين للآخر بشرطه بمباشرة أحد الوليين للإيجاب والآخر للقبول؛ فإن ذلك صادر عن رأيهما (¬1)، قال البغوي وغيره: ومحل وجوب الاجتماع أمر الأطفال وأموالهم وتفرقة الوصايا غير المعينة وقضاء دين ليس في التركة جنسه، أما رد الودائع والغصوب والعواري وتنفيذ وصية معينة وقضاء دين في التركة جنسه .. فلكل منهما الانفراد به؛ فإن لصاحبه الاستقلال بأخذه (¬2). قال الرافعي ما معناه: وقوع المدفوع موقعه، وعدم نقضه ورده واضح، وأما جواز الإقدام على الانفراد .. فليس واضحاً؛ فإنهما لم يتصرفا إلا بالوصاية، فليكن بحسبها، قال: وفي كلامهم ما هو كالصريح فيما ذكرته، فلتجيء فيه الأحوال المذكورة في سائر التصرفات؛ أي: من إطلاق أو تصريح باجتماع أو انفراد (¬3). 3314 - قولهما - والعبارة لـ"للمنهاج" -: (وللموصي والوصي العزل متى شاء) (¬4) استثنى النووي في "الروضة" من الوصي، فقال: إلا أن يتعين عليه، أو يغلب على ظنه تلف المال باستيلاء ظالم من قاض وغيره (¬5). قال في "المهمات": لو لم يكن قبل .. هل يلزمه القبول؟ يحتمل أن يجب؛ لقدرته على دفع المظالم، ويحتمل خلافه. انتهى. وفي "فتاوى ابن الصباغ": أنه لو كان عنده مال يتيم لا ولاية له عليه، وخاف ضياعه لو سلمه لوليه .. له إمساكه. ¬

_ (¬1) قال في "حاشية الرملي" (3/ 71): (قال الأذرعي: إذا كان وصيّان كل منهما مستقل بنص الموصي .. فلكل الشراء من الآخر استقلالاً، هكذا أفتيت به، وهو ظاهر، ولم أره نصاً. اهـ قال ابن العراقي في " تحريره": ولذلك أفتيت في وصيين على يتيمين شرط عليهما الاجتماع على التصرف بصحة بيع عقار أحد الطفلين للطفل الآخر بشرط مباشرة أحد الوصيين الإيجاب والآخر القبول؛ فإن ذلك صادر عن رأيهما. اهـ وما أفتى به الأذرعي رجحه غيره، وفي "أدب القضاء" للإصطخري: إذا كانا وصيين فباع أحدهما من الآخر .. لم يجز، قال شيخنا: ما أفتى به العراقي ممنوع). (¬2) انظر "التهذيب" (5/ 109). (¬3) انظر "فتح العزيز" (7/ 279). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 140)، و"المنهاج" (ص 359). (¬5) الروضة (6/ 320).

ويستثنى أيضاً: ما إذا كان الوصي مستأجراً لذلك، ذكره الماوردي (¬1). واستشكلت الإجارة؛ فإن شرطها: اتصال الشروع في الاستيفاء بالعقد، وهنا ليس كذلك، وصورها السبكي: بأن يستأجره على عمل لنفسه في حياته ولطفله بعد موته، أو يستأجره القاضي على الاستمرار على الوصية لمصلحة رأها بعد موت الموصي. واعلم: أن صورة العزل من الموصي: أن يرجع عن الوصية، قال السبكي: وتسميته عزلاً ينبغي أن يكون مبنياً على الاعتبار بحال الوصية، وأن القبول لا يشترط، وإلا .. لم تصح التسمية، ومثله: عزل الوصي نفسه قبل القبول، أما بعده .. فعزل صحيح. 3315 - قول "التنبيه" [ص 139]: (وللموصي أن يوكل فيما لا يتولى مثله بنفسه) كذا في "أصل الروضة" (¬2)، ومفهومه: أنه لا يجوز له التوكيل فيما جرت العادة بمباشرة مثله له. قال شيخنا الإمام البلقيني: ومفهومه غير معمول به من جهة النقل والمعنى، أما النقل: فحكي عن الماوردي والإمام والغزالي وغيرهم ما يقتضي أنه يجوز له التوكيل مطلقاً، وأما المعنى: فهو استقلاله بالتصرف، بخلاف الوكيل. 3316 - قول "الحاوي" [ص 437]: (وإن اختلفا في الحفظ .. تولاه القاضي) محله: ما إذا كان المال غير منقسم، فإن كان منقسماً .. قسم بينهما، فإن تنازعا في تعيين النصف المحفوظ .. أقرع بينهما على الأصح في "أصل الروضة"، وليس في كلام الرافعي ترجيح (¬3). 3317 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" - وهو في "التنبيه" في (الحجر) -: (وإذا بلغ الطفل ونازعه في الإنفاق .. صدق الوصي) (¬4) محله: ما إذا كان الذي ذكره الولي لائقاً بالحال، والمجنون بعد الإفاقة كالطفل بعد البلوغ، وقيم الحاكم كالوصي؛ ولذلك أطلق "التنبيه" الولي. 3318 - قول "الحاوي" [ص 437]: (والقول له في الخيانة) أي: قول الوصي في عدم الخيانة، يستثنى منه: ما لو قال: (بعت لحاجتك أو لغبطتك) وأنكر الصبي بعد البلوغ .. فالأصح: أن القول قول الصبي؛ ولذلك قال "التنبيه" [ص 103]: (فإن بلغ الصبي وادعى أنه باع العقار من غير غبطة ولا ضرورة؛ فإن كان الولي أباً أو جداً .. فالقول قولهما، وإن كان غيرهما .. لم يقبل إلا ببينة) ودخل في قوله: (غيرهما) الحاكم كما قاله صاحب "الإقليد"، وقال بعضهم: الوجه: أنه إن كان في زمن قضائه .. قبل قوله بلا يمين، وبعد عزله .. فيه نظر، قال في ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 352). (¬2) الروضة (6/ 322). (¬3) فتح العزيز (7/ 281)، الروضة (6/ 319). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 103)، و"الحاوي" (ص 437)، و"المنهاج" (ص 359).

"الروضة" في (الحجر) من زيادته: وكذا إذا بلغ وادعى أن الولي ترك الشفعة من غير غبطة كما قاله صاحب "المهذب" وغيره؛ أي: أن القول قول الصبي (¬1). 3319 - قول "التنبيه" [ص 103]: (وإن ادعى أنه دفع إليه المال .. لم يقبل إلا ببينة) يشمل الأب والجد، وصرح به في "الكفاية"، وأقره في "التصحيح"، ولم يذكره الرافعي والنووي إلا في الوصي (¬2)، وكذا "المنهاج" و"الحاوي" (¬3). ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 189)، وانظر "المهذب" (1/ 329). (¬2) انظر "فتح العزيز" (7/ 283)، و"الروضة" (6/ 321). (¬3) الحاوي (ص 437)، المنهاج (ص 359).

كتاب الوديعة

كتابُ الوَدِيعة 3320 - قول "الحاوي" [ص 438]: (الإيداع: توكيلٌ بحفظ المال) قد يقال: لا يختص ذلك بالمال، بل يجري في المحترم من غيره؛ كالكلب المنتفع به ونحوه، لكن لا يجري فيه جميع أحكامه؛ كالتضمين عند التفريط. 3321 - قول "المنهاج" [ص 360]: (من عجز عن حفظها .. حرم عليه قبولها) قيده ابن الرفعة بما إذا لم يطلع المالك على الحال، فإن أطلعه .. فلا تحريم ولا كراهة وبما إذا لم يتعين. 3322 - قوله: (ومن قدر ولم يثق بأمانته .. كره) (¬1) عبارة "المحرر": (لا ينبغي أن يقبل) (¬2)، ولا يلزم من ذلك الكراهة، وأطلق في "الشرح" و"الروضة" وجهين من غير ترجيح: أحدهما: أنه لا يجوز. والثاني: أنه يكره (¬3). 3323 - قوله: (فإن وثق .. استحب) (¬4) أي: إن كان ثم غيره، وإلا .. وجب، كذا أطلقه جماعة، قال الرافعي: وهو محمول على أصل القبول كما بينه السرخسي دون إتلاف منفعة نفسه وحرزه مجاناً (¬5). قال شيخنا ابن النقيب: ينبغي تقييد المسألة بما إذا خاف المالك عليها الضياع عنده وكانت تحفظ عند غيره، ولم أر من ذكره (¬6). 3324 - قول "التنبيه" [ص 110، 111]: (فإن أودع صَبيٌّ مالاً .. ضمنه المودع) أي: إذا قبضه، وكذا قول "المنهاج" [ص 360]: (ولو أودعه صَبيٌّ أو مجنونٌ مالاً .. لم يقبله، فإن قبل .. ضمن) أي: وقبض؛ فإنه لا يلزم من القبول القبض، ومحل الضمان: إذا لم يخش الضياع بتركه في يده، فإن خشي فأخذه [حسبة] .. فلا ضمان في الأصح؛ ولذلك قال "الحاوي" في صور الضمان [ص 440]: (أو أخذ من طفل وسفيه لا [حسبة]) (¬7) فرتب الضمان على الأخذ وصرح ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 360). (¬2) المحرر (ص 278). (¬3) فتح العزيز (7/ 287)، الروضة (6/ 324). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 360). (¬5) انظر "فتح العزيز" (7/ 287). (¬6) انظر "السراج على نكت المنهاج" (5/ 177). (¬7) في (ب)، (ج)، (د): (خشية)، والمثبت من (أ)، وهو الموافق لما في "الحاوي".

بالسفيه، واستثنى الأخذ حسبة، وقد ذكر "المنهاج" السفيه بعد ذلك فقال [ص 360]: (والمحجور عليه بسفه .. كصبي). 3325 - قول "التنبيه" [ص 111]: (ولا يبرأ إلا بالتسليم إلى الناظر في أمره)، قال في "الكفاية": في الحصر نظر؛ فإنه لو أتلفه الصبي المودع بلا تسليط من المودع عنده .. فيظهر براءته؛ لتعذر إحباط فعله وتضمينه مال نفسه، ونازع بعضهم فيما ذكره وقال: حيث يجعل الإتلاف قبضاً .. تعذر قصده إلى القبض بالإتلاف، وقصد الصبي غير معتبر، لكن الحق ما ذكره ابن الرفعة، وهو منقول قد ذكره الرافعي في (الجراح) قبل الفصل الثاني في المماثلة في أثناء تعليل (¬1)، ولعل مراد "التنبيه" أنه لا يبرأ بالتسليم إلا إذا كان التسليم إلى الناظر في أمره، والبراءة هنا ليست بالتسليم، بل بشيء آخر، ويوافق هذا أن في بعض نسخ "التنبيه": (ولا يبرأ بالتسليم إلا إلى الناظر في أمره). 3326 - قول "المنهاج" [ص 360]: (ولو أودع صبياً مالاً فتلف عنده .. لم يضمن) أي: بتفريط أو غيره كما صرح به "التنبيه" (¬2). 3327 - قول "المنهاج" [ص 360]: (وإن أتلفه .. ضمن في الأصح) مخالف لترجيح "الشرحين" و"الروضة" أن الخلاف قولان (¬3). 3328 - قوله: (وترتفع بموت المودِع أو المودعَ وجنونه وإغمائه) (¬4) كذا بالحجر عليه بسفه كما قاله صاحب "البيان" (¬5). 3329 - قوله: (ولهما الاسترداد والرد كل وقت) (¬6) أي: للمودِع الاسترداد وللمودَع الرد، وليس المراد: أن لكل منهما الأمرين. قال شيخنا ابن النقيب: وينبغي أن يقيد جواز الرد للمودَع بحالة لا يلزمه فيها القبول ابتداء، أما إذا كانت بحيث يجب القبول .. فيظهر تحريم الرد، وإن كانت بحيث يندب قبولها .. فالرد خلاف الأولى إذا لم يرض به المالك (¬7). 3330 - قوله: (منه: أن يودع غيره بلا إذنٍ ولا عذرٍ، فيضمن) (¬8) وعبارة "التنبيه" [ص 111]: ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (10/ 221). (¬2) التنبيه (ص 111). (¬3) فتح العزيز (7/ 289)، الروضة (6/ 325، 326). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 360). (¬5) البيان (6/ 475). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 360). (¬7) انظر "السراج على نكت المنهاج" (5/ 180). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 360).

(من غير سفر ولا ضرورة) أي: ولو كان ذلك الغير ولده أو زوجته أو عبده. قال السبكي: والمتبع فيه العرف؛ فالملوك والأمراء أموالهم في خزائنهم بأيدي خزان لهم، والعرف قاض بأنها في أيديهم. 3331 - قول "المنهاج" [ص 361]: (وإذا لم يزل يده عنها .. جازت الاستعانة بمن يحملها إلى الحرز أو يضعها في خزانة مشتركة) حكى الرافعي الأول عن ابن سريج والأصحاب، والثاني عن القفال، لكنه فرضها فيما إذا كانت الخزانة مشتركة بينه وبين ابنه، قال: وفي "النهاية": أن المودع إذا أراد الخروج لحاجته فاستحفظ من يثق به من متصليه، وكان يلاحظ المخزن في عوداته .. فلا بأس، وإن فوض الحفظ إلى أحدهم ولم يلاحظ الوديعة أصلاً .. ففيه تردد، وإن كان المخزن خارجاً عن داره التي يأوي إليها وكان لا يلاحظه أصلاً .. فالظاهر تضمينه (¬1). 3332 - قول "التنبيه" [ص 111]: (وله أن يضمن الأول والثاني، فإن ضمن الثاني .. رجع على الأول) محله: ما إذا كان الثاني جاهلاً بالحال، فإن علمه .. لم يرجع على الأول، وقد أورده النووي في "التصحيح" بلفظ الصواب (¬2). وأجيب عنه: بأن هذا غاصب صورة ومعنى، والشيخ إنما فرضه في المودَع، وإنما يكون مودعاً إذا كان جاهلاً، فذكر العالم يحيل صورة المسألة، وفيه نظر؛ لأنه مودع صورة، وقد يجهل أن المودع ليس له الإيداع، والإيراد إنما هو على الألفاظ، وإن كان المورد عليها يفهم من المدرك .. فذلك لا يدفع الإيراد، والله أعلم. 3333 - قول "التنبيه" [ص 111]: (وإذا أراد سفراً ولم يجد صاحبها .. سلمها إلى الحاكم) في معنى صاحبها: وكيله إما مطلقاً أو في استردادها خاصة؛ فهو مقدم على الحاكم حتى يضمن بالعدول عنه إلى الحاكم في الأصح، وقد صرح به "المنهاج" (¬3)، ويرد ذلك أيضاً على قول "الحاوي" [ص 438]: (ووجد المالك ثم القاضي) وفهم من قول "التنبيه" [ص 111] و"المنهاج" [ص 361]: (وإذا أراد سفراً) أن محل ذلك: إذا أودعه في الحضر، فلو أودعه وهو مسافر .. لم يضمن بدوام السفر بها، وقد صرح بذلك "الحاوي" فقال [ص 438]: (فيضمن إن سافر بما لم يودع فيه) قال الماوردي: فإن كان الحاكم غير مأمون .. فوجوده وعدمه سواء (¬4). وقول "الحاوي" [ص 438]: (ثم عدلاً) قد يفهم العدالة الباطنة، والظاهر: الاكتفاء ¬

_ (¬1) فتح العزيز (7/ 293)، وانظر "نهاية المطلب" (11/ 393). (¬2) تصحيح التنبيه (1/ 346). (¬3) المنهاج (ص 361). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 360).

بالظاهرة، قلته تفقهاً، ولعل تعبير "التنبيه" و"المنهاج" و"الروضة" وأصلها بالأمانة لذلك (¬1)، واقتصر "التنبيه" و"الحاوي" في الرد إلى الحاكم عند فقد المالك ثم إلى أمين على عذر السفر، وقال في "المنهاج" [ص 361]: (والحريق والغارة في البقعة وإشرات الحرز على الخراب .. أعذار كالسفر) وشرطه: ألاَّ يجد حرزاً آخر. 3334 - قول "التنبيه" [ص 111]: (وإن دفن الوديعة في دار وأعلم بها أميناً يسكن الدار .. لم بضمن على ظاهر المذهب) وعبر "المنهاج" بـ (موضع) وقال: (في الأصح) (¬2) فيه أمران: أحدهما: أنه لا بد من تقييد ذلك الموضع بأن يكون حرز مثله، وفي بعض نسخ "التنبيه": (في داره)، وقد يفهم من ذلك أنها دار سكنه التي كان يحرز فيها تلك الوديعة. ثانيهما: ظاهر كلامهما أن ذلك مع القدرة على الحاكم، وبهذا صور الجيلي، وسبقه إليه البندنيجي، لكن الذي في "الروضة" وأصلها فرضه في الموضع الذي يجوز فيه إيداع الأمين، وذلك عند تعذر الحاكم (¬3)، ونقله ابن الرفعة عن الأكثرين، ومثار الخلاف أن الدفن مع إعلامه به تسليم له أم لا؛ ولهذا عبر ابن يونس في "النبيه مختصر التنبيه" بقوله: ودفنها بمسكن من أعلمه بها تسليم إليه يعم المالك والحاكم والأمين، وجعل الإمام في معنى السكنى: أن يراقبها من الجوانب أو من فوق مراقبة الحارس (¬4)، قال الرافعي: ويحتمل أن الإعلام كالإيداع سواء كان سكن الموضع أم لا، والأصح: أن هذا الإعلام ائتمان لا إشهاد، فتكفي المرأة في ذلك (¬5). 3335 - قول "المنهاج" [ص 361]: (ولو سافر بها .. ضمن إلا إذا وقع حريقٌ أو غارةٌ وعجز عمن يدفعها إليه كما سبق) مقتضاه: أنه لا بد في نفي الضمان من اجتماع الأمرين: العذر المذكور، والعجز عمن يدفعها إليه، وليس كذلك؛ فالعجز كاف بلا عذر، فيجوز له السفر بها في الأمن قطعاً ولا يضمن في الأصح؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 438]: (فيضمن إن سافر بما لم يودع فيه ووجد المالك ثم القاضي ثم عدلاً) فمفهومه أنه إذا لم يجد هؤلاء .. لا ضمان وإن لم يكن عذر. 3336 - قول "المنهاج" [ص 361]: (وإذا مرض مخوفاً .. فليردها إلى المالك أو وكيله، وإلا .. فالحاكم أو أمين أو يوصي بها، فإن لم يفعل .. ضمن، إلا إذا لم يتمكن؛ بأن مات فجأة) فيه أمور: ¬

_ (¬1) الروضة (6/ 328). (¬2) المنهاج (ص 361). (¬3) فتح العزيز (7/ 295)، الروضة (6/ 328). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (11/ 383). (¬5) انظر "فتح العزيز" (7/ 295).

أحدها: في معنى المرض المخوف: الحبس ليقتل كما في "الروضة" وأصلها (¬1)، وهذا مخالف لكلامهم في الوصية؛ حيث عدوا من المخوف: التقديم للقتل؛ فمقتضاه: أن ما قبل ذلك من الحبس ليس مخوفاً. قال شيخنا الإمام البلقيني: ويمكن أن يفرق بأن وقت التقديم للقتل وقت دهشة، فلو قلنا: له أن يؤخر الوصية إليه ثم تركها وضمناه .. لم يوف له بعذر الدهشة، وإن قلنا: يؤخر ثم إذا ترك لايضمن .. لكنا مضيعين لحق مالك الوديعة، فمن أجل ذلك جعل وقت وصيته ما ذكره الأصحاب، وأما كونه في هذه الحالة لا يحسب تبرعه من الثلث؛ فلأنه بدنه صحيح ولم يغلب على ظنه حصول الهلاك، بخلاف ما إذا قدم .. فإنه يغلب ذلك، فكان تبرعه فيه من الثلث. انتهى. ثانيها: أنه جعل الأمين في مرتبة الحاكم مع أنه لا يسلم للأمين إلا عند تعذر الحاكم، فكان ينبغي أن يقول: (وإلا .. فأمين). ثالثها: قوله: (أو يوصي بها) (¬2) أي: إلى الحاكم عند إمكانه، فإن تعذر .. فإلى أمين، فهو مخير عند القدرة على الحاكم بين الدفع إليه والوصية، وعند العجز عنه بين الدفع إلى الأمين والوصية له، والمراد بالإيصاء: أن يعلم بها ويصفها بما يتميز به أو يشير إلى عينها ويأمر بالرد إن مات، ولا بد مع ذلك من الإشهاد كما حكاه الرافعي عن الغزالي، وأسقطه من "الروضة" (¬3)، وجزم به في "الكفاية" (¬4). رابعها: قوله: (فإن لم يفعل .. ضمن) قال الرافعي: والتقصير إنما يتحقق بترك الوصاية إلى الموت، فلا يحصل التقصير إلا إذا مات، لكن تبينا عند الموت أنه كان مقصراً من أول المرض، فضمّنَّاه، أو يكون التلف الحاصل بعد الموت ملحقاً بالتردي في بئر حفرها متعدياً (¬5)، وأسقط هذا الكلام من "الروضة" (¬6). وقال في "المهمات": ليس كذلك، بل بمجرد المرض يصير ضامناً إذا لم يوص، حتى لو تلفت في حياته في مرضه أو بعد صحته .. وجب ضمانها. وقال السبكي: تبيُّن الضمان من أول المرض لم أره لغير الرافعي، ويلزمه أنها إذا تلفت من غير ¬

_ (¬1) فتح العزيز (7/ 296)، الروضة (6/ 329). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 361). (¬3) فتح العزيز (7/ 297)، الروضة (6/ 329). (¬4) في حاشية (ج): (ويشترط أيضاً: أن يوصي إلى أمين، فإن أوص إلى فاسق .. كان كمن لم يوص، فيضمن). (¬5) انظر "فتح العزيز" (7/ 296). (¬6) الروضة (6/ 329).

تفريط في مدة المرض .. تكون من ضمانه، وهو بعيد؛ لأن الموت كالسفر .. فلا يتحقق الضمان إلا به. خامسها: قوله: (إلا إذا لم يتمكن؛ بأن مات فجأة) (¬1) استثناء منقطع؛ فإنه لم يدخل في قوله: (وإذا مرض مخوفاً)، فلو لم يوص فادعى صاحبها أنه قصر، وقالت الورثة: لعلها تلفت قبل أن ينسب إلى التقصير .. قال الإمام: فالظاهر: براءة الذمة (¬2)، كذا حكاه عنه الرافعي والنووي (¬3). وتعقبه في "المهمات" بأن الإمام إنما قال هذا عند جزم الورثة بالتلف، فأما عند ذكرهم له احتمالاً .. فإنه صحح الضمان، وصحح السبكي أنه لا يقبل قولهم في دعوى التلف والرد إلا ببينة، خلاف ما قال الرافعي: أنه الوجه. وعبارة "الحاوي" [ص 438]: (كأن مات - لا فجأة - بلا إيصاء مميزٍ إلى عدلٍ) فسوى بين الحاكم وغيره من العدول مع أن الحاكم مقدم كما تقدم، ولم يذكر سوى الإيصاء، ومثله: الرد، ولعله مفهوم من طريق الأولى. وقال بعضهم: يؤخذ من هذا التشبيه تقديم الرد إلى الحاكم ثم العدل على الإيصاء كما ذكره في السفر الذي شبهه به، وليس كذلك، بل الإيصاء كالرد إليهما، والحق: أنه ليس في عبارته إشعار بذلك، وإنما شبه الضمان عند السفر مع القدرة على من ذكره بالضمان عند الموت بلا إيصاء. 3337 - قول "التنبيه" [ص 111]: (وإن قال: "احفظ في هذا الحرز" فنقله إلى ما دونه .. ضمن) لا يختص ذلك بتعيين الحرز، بل لو استحفظه الوديعة وهو في دار فنقلها إلى ما دونها في الحرز .. ضمن وإن لم يقل: (احفظها في هذه الدار) ولذلك أطلق "المنهاج" و"الحاوي" أنه إذا نقل إلى حرز دون التي كانت فيه .. ضمن (¬4)، وهذا الذي ذكرته هو الذي يدل عليه كلام "الروضة" وأصلها في السبب الرابع: نقل الوديعة والسبب السابع: المخالفة في الحفظ، لكنه قال في السبب الثامن: لو جعلها في أحرز من حرز مثلها ثم نقلها إلى حرز مثلها .. فلا ضمان (¬5). وهذا بظاهره يخالف ما تقدم، إلا أن يقال: صورة ما تقدم أن يكون الجميع حرزاً لمثله إلا أن بعضها أحرز من بعض، وهذا الكلام الأخير فيما لا يحرز مثله في مثله أصلاً، فلو نقل من بيت إلى بيت في دار واحدة أو خان واحد .. فلا ضمان، وإن كان الأول أحرز منهما .. كان الثاني حرزاً له أيضاً، قاله البغوي (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 361). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (11/ 398، 399). (¬3) انظر "فتح العزيز" (7/ 298)، و"الروضة" (6/ 330). (¬4) الحاوي (ص 438)، المنهاج (ص 361). (¬5) فتح العزيز (7/ 310)، الروضة (6/ 339). (¬6) انظر "التهذيب" (5/ 119).

ومحله: عند الإطلاق، فلو عين له بيتاً من دار فنقله إلى بيت آخر من تلك الدار دونه في الحرز .. ضمن، ولا ترد صورة الإطلاق على "المنهاج" لتعبيره بالمحلة والدار، ويرد على "الحاوي" لتعبيره بالحرز (¬1). 3338 - وقول "المنهاج" [ص 361]: (وإلا .. فلا) أي: وإن لم يكن دونها في الحرز .. فلا ضمان، يرد عليه مسألتان: إحداهما: إذا نهاه عن النفل .. فإنه يضمن ولو نقل إلى أحرز، وقد ذكره "التنبيه" فقال [ص 111]: (وإن نهاه عن النقل عنه فنقله إلى مثله .. ضمن، وقيل: لا يضمن) وفيه أمور: أحدها: أنه يفهم منه أنه لو نقله إلى أحرز منه .. لم يضمن، وليس كذلك. ثانيها: أن محل الضمان: إذا لم تدع للنقل ضرورة، فإن دعت ضرورة إليه .. فلا ضمان به؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 438]: (أو نقل بنهيٍ، لا لضرورةِ غارةٍ وحريقٍ) فأطلق النقل واستثنى الضرورة، وقد ذكر "التنبيه" الضرورة بعده فقال [ص 111]: (وإن خاف عليه الهلاك في الحرز فنقل .. لم يضمن) وسواء نقل في هذه الصورة إلى مثل الحرز الأول أو أحرز منه، فإن نقل إلى ما دونه .. جاز إن لم يجد غيره، ولو ترك النقل عند الضرورة .. ضمن في الأصح؛ لأن الظاهر أنه أراد بالنهي: تحصيل الاحتياط. ثالثها: أن محل الخلاف: ما إذا كان البيت للمودع، فإن كان لمالك الوديعة ملكاً أو إجارة أو إعارة .. ضمن قطعاً إذا لم يخف الهلاك. المسألة الثانية: إذا تلفت بسبب النقل؛ كانهدام البيت المنقول إليه .. ضمن، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 438]: (أو هلك به) قال الرافعي: والسرقة من المنقول إليه كالانهدام، قاله البغوي والمتولي، وفي كلام الغزالي ما يقتضي إلحاق السرقة والغصب بالموت، وكذا صرح به بعضهم (¬2). 3339 - قول "التنبيه" [ص 111]: (إن قال: "لا تنقل وإن خفت عليه الهلاك" فخاف فنقل .. لم يضمن) قد يقتضي أنه إذا لم ينقل .. يضمن، وليس كذلك، فلا ضمان عليه بترك النقل في هذه الصورة. 3340 - قول "المنهاج" [ص 361، - والعبارة له - و"الحاوي" [ص 439]: (فلو أودعه دابة فترك علفها .. ضمن) المراد: ترك علفها مدة تموت في مثلها، فإن ماتت أو نقصت .. ضمن، وإلا .. دخلت في ضمانه، فإن ماتت قبل تلك المدة لجوع سابق .. ضمن إن علمه، وإلا .. فلا في ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 438). (¬2) فتح العزيز (7/ 310)، وانظر "التهذيب" (5/ 119).

الأصح، والسقي كالعلف، وقول "التنبيه" [ص 111]: (فلم يعلفها حتى ماتت) ظاهر في أن موتها بسبب ترك العلف، ولا بد من تقييده بأن يموت مثلها في مثل تلك المدة أو مع ضميمة مدة قبل ذلك، وقد علم بها كما سبق، ولا يتوقف الحال على موتها، فمتى ترك علفها المدة المذكورة .. دخلت في ضمانه مطلقاً. 3341 - قول "المنهاج" [ص 361]: (فإن فُقِدَا .. فالحاكم) أي: ليؤجرها ويصرف الأجرة في علفها، فإن عجز .. اقترض على المالك إذ لم يكن له مال أو باع جزءً منها أو جميعها إن رأى ذلك؛ لئلاً تستغرقها النفقة والقدر الذي يعلف على المالك ما يصونها عن التلف والعيب لا ما يحصل السمن، قاله الإمام، فلو كانت سمينة .. فهل يراعى علف يحفظه أو صونها فقط؟ فيه احتمال، قال: ولعل الأوجه: أنها إن كانت في غاية السمن .. فلا يشترط صونه، أو مقتصداً .. فتردد، والاحتمال يتطرق إلى الجميع (¬1). 3342 - قوله: (ولو بعثها مع من يسقيها .. لم يضمن في الأصح) (¬2) محل الخلاف: إذا كان المبعوث معه أميناً ولا خوف، والمودع لا يخرج دوابه للسقي وعادته سقي دوابه بنفسه، فمع غير الأمين والخوف .. يضمن قطعاً، ومع إخراج دوابه للسقي أو كونه لا يسقي دوابه بنفسه .. لا ضمان قطعاً. 3343 - قوله: (وعلى المودع تعريض ثياب الصوف للريح) (¬3) قد يقال: إن قول "الحاوي" [ص 439]: (والتعريض للريح) أعم منه؛ فإن ذلك يجب في الخز أيضاً، وهو مركب من حرير وصوف، وفي "البسيط": والأكيسة واللبد، وهي وإن كانت صوفاً لكن لا يقال لها في العرف: ثياب صوف، ويستثنى من كلامهما مسالتان: إحداهما: إذا نهاه المالك عن ذلك .. فلا ضمان عليه. الثانية: إذا لم يعلم بها؛ بأن كانت في صندوق مقفل وله عند العلم بها فتح القفل ليخرجها لذلك .. فلا ضمان في الأصح. 3344 - قول "التنبيه" [ص 111]: (وإن قال: "لا ترقد عليها" فخالفه في ذلك .. لم يضمن) يستثنى منه مسألتان: إحداهما: إذا تلفت بسبب الرقاد عليها. الثانية: إذا سرقت من جانبها وكان في الصحراء على المشهور، فإن سرقت من أعلاها .. فلا ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (11/ 413، 414). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 361). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 361).

ضمان، وإن كانت في حرز في البنيان .. فلا ضمان مطلقاً، وقال الرافعي فيما إذا سرقت من جانبها في الصحراء: إنما يظهر الضمان إذا أخذت من جانب لو لم يرقد فوقه لرقد هناك؛ بأن كان يرقد قدام الصندوق، فتركه، فانتهز السارق الفرصة، أو أمره بالرقاد قدامه، فرقد فوقه، فسرق من قدامه، وقد تعرض لهذا القيد متعرضون. انتهى (¬1). وقد ذكر "المنهاج" الأولى فقال [ص 362]: (فرقد وانكسر بثقله وتلف ما فيه .. ضمن وإن تلف بغيره .. فلا على الصحيح) وترد عليه الثانية، وذكرهما "الحاوي" فقال [ص 439]: (أو خالف فتلف به؛ كأن رقد عليه بنهيه وسُرق في الصحراء من جنب يرقد هناك). 3345 - قول "التنبيه" [ص 111]: (وإن قال: "اربطها في كمك" فأمسكها في يده .. ففيه قولان، أحدهما: يضمن، والثاني: لا يضمن) قال في "المنهاج" [ص 362]: (فالمذهب: أنها إن ضاعت بنوم ونسيان .. ضمن، أو بأخذ غاصب .. فلا) وهذه طريقة المراوزة نزلت النصين على حالين، ولفظ النص في "عيون المسائل" مصرح به، ولو قال: (أو نسيان) كما في "المحرر" .. لكان أحسن (¬2). وكلامه يقتضي أن الغصب ضياع أيضاً، لكن عبارة "الحاوي" [ص 439]: (وضاع، لا إن غصب) ومقتضاها: أن الغصب ليس ضياعاً، وهو أقرب، والضياع قد يكون بنوم وقد يكون بنسيان، وصورة المسألة: إذا لم ينهه عن الحفظ في اليد، فإن نهاه .. خرجه الإمام على النقل عند النهي إلى أحرز. 3346 - قول "المنهاج" [ص 362]: (ولو جعلها في جيبه بدلاً عن الربط في الكم .. لم يضمن) قد يقال: إنه أحسن من قول "التنبيه" [ص 111]: (وإن قال: "احفظها في كمك" فجعلها في جيبه .. لم يضمن) لإيهامه أن المراد: الحفظ في الكم بدون ربط، وقد يقال: عبارة "التنبيه" أحسن؛ لأنها تشمل الحفظ بربط وغيره، وفي الصورتين الجعل في الجيب أحرز، بخلاف "المنهاج" فإن فيه مسألة الربط فقط، لكن الأخرى تفهم من طريق الأولى. ويستثنى من عدم الضمان: ما إذا كان الجيب واسعاً غير مزرور، ونازع شيخنا الإمام البلقيني فيما ذكروه من عدم الضمان، وقال: الجيب وإن ضاق ليس أحرز من الربط في الكم؛ لأن الجيب قد تتسرب الفضة منه بتقلب في نوم ونحوه، وقد تؤخذ، وهل المراد بالجيب: فتحة القميص كما ذكره الجوهري وغيره من أهل اللغة، ويوافقه كلام أصحابنا في ستر العورة في الصلاة، وهو معتاد عند المغاربة، أو الجيب المتعارف ببلادنا؟ لم أر به تصريحاً. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (7/ 307، 308). (¬2) المحرر (ص 280).

ومفهوم كلامهما: أنه لو امتثل فربطها في كمه .. لم يضمن، وفيه تفصيل، وهو أنه إن جعل الخيط الرابط خارجاً فضاعت بأخذ الطرار (¬1) .. ضمن، أو بالاسترسال .. فلا ضمان، وإن جعله داخلاً .. انعكس الحكم، فإن ضاعت بأخذ الطرار .. لم يضمن، أو بالاسترسال .. ضمن، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 439]: (أو ربط خارجاً فأخذ الطرار، أو داخلاً فضاع، لا بالعكس). واستشكله الرافعي: بأن المأمور به مطلق الربط وقد أتى به؛ ولأنه لو قال: (احفظ في هذا البيت) فوضعها في زاوية منه فانهدمت على الوديعة .. ينبغي أن يضمن؛ لأنها لو كانت في زاوية غيرها .. لسلمت، ومن المعلوم أن تضمينه بعيد (¬2). وفرق ابن الرفعة: بأن جهات الربط مختلفة وجهات البيت مستوية، فإن فرض اختلافها في البناء أو القرب من الشارع ونحوه .. فقد نقول: يختلف الحكم، ثم قال: والحق: أن استشكال الرافعي على وجهه؛ لأن الربط في الكم حرز كيف كان، ولا يجب الحفظ في الأحرز، قال الشافعي: ولو وضع الوديعة في حرز وغيره أحرز منه وهلكت .. لم يضمن. انتهى (¬3). وقد فرق بين الربط والحفظ في البيت بفرقين: أحدهما: أن الربط من فعله وهو حرز من وجه دون وجه، وقوله: (اربط) مطلق لا عام، والبيت عام، فإذا جاء التلف في الربط بالسبب الذي اختاره وفعله ولا عموم في كلام المالك يشمله .. ضمن، بخلاف زوايا البيت. الثاني: أن الربط ليس كافياً على أي وجه فرض، بل لا بد من تضمنه الحفظ؛ ولهذا لو ربط ربطاً غير محكم .. ضمن وإن كان لفظ الربط يشمل المحكم وغيره، ولفظ البيت متناول لكل من زواياه، والعرف لا يخصص موضعاً من البيت. 3347 - قول "التنبيه" [ص 111]: (وإن قال: "احفظها في جيبك" فجعلها في كمه .. ضمن) قد يفهم أن المراد: جعلها في كمه بغير ربط؛ ويدل لذلك التعليل بأنه قد يرسل الكم فتسقط، وتعبير "المنهاج" بقوله [ص 362]: (وبالعكس .. يضمن) يقتضي أن صورة المسألة: أنه ربطها في كمه؛ لأن المسألة التي هذه عكسها صورتها: أن يقول: (اربطها في كمك) فيجعلها في جيبه. 3348 - قول "المنهاج" [ص 362]: (ولو أعطاه دراهم بالسوق ولم يبين كليفية الحفظ فربطها في كمه وأمسكها بيده) مفهومه أنه لو اقتصر على الربط من غير إمساك .. ضمن، وقياس ما سبق: النظر إلى كيفية الربط وجهة التلف. ¬

_ (¬1) الطرَّار: هو الذي يقطع النفقات ويأخذها على غفلة من أهلها. انظر "المصباح المنير" (2/ 370). (¬2) انظر "فتح العزيز" (7/ 309). (¬3) انظر "الأم" (4/ 137).

3349 - قوله: (أو جعلها في جيبه) (¬1) أي: بشرط: ألاَّ يكون واسعاً غير مزرور كما تقدم. 3350 - قوله: (وإن قال: "احفظها في البيت" .. فليمض إليه ويحرزها فيه) (¬2) صورة المسألة: أن يكون قد أعطاه في السوق، أما لو أعطاه في البيت وقال: (احفظها في البيت) فربطها في كمه وخرج أو لم يخرج مع إمكان الصندوق .. ضمن. قال في "المعتمد": ولو شدها في عضده وخرج .. لم يضمن إن كان مما يلي الأضلاع، وإلا .. ضمن، ولو أودعه في البيت ولم يقل شيئاً .. فمقتضى كلامهم: جواز الخروج به مربوطاً، قال الرافعي: ويشبه أن يرجع فيه إلى العادة (¬3). 3351 - قوله في المسألة: (فإن أخر بلا عذر .. ضمن) (¬4) قال السبكي: ينبغي أن يرجع فيه إلى العرف، وهو مختلف باختلاف نفاسة الوديعة وطول التأخير وضدهما. 3352 - قول "المنهاج" [ص 362] و"الحاوي" [ص 440]: (أو يدل عليها سارقاً) شرطه: أن يعين له موضعها وتضيع بالسرقة؛ ففي "أصل الروضة": لو أعلم المودع اللصوص بالوديعة فسرقوها؛ إن عين الموضع .. ضمن، وإلا .. فلا، كذا فصله البغوي، وفيها أيضاً: أودعه وقال: (لا تخبر بها) فخالف؛ فسرقها الذي أخبره أو من أخبر من أخبره .. ضمن، ولو تلفت بسبب آخر .. لم يضمن، وقال العبادي: لو سأله رجل هل عندك لفلان وديعة؟ فأخبره .. ضمن؛ لأن كتمها من حفظها (¬5). 3353 - قولهما أيضاً - والعبارة لـ"المنهاج" -: (فلو أكرهه ظالم حتى سلمها إليه .. فللمالك تضمينه في الأصح، ثم يرجع على الظالم) (¬6) استثنى السبكي من تضمينه: ما إذا دل متغلب على من عنده وديعة فأكرهه على تسليمها فسلمها؛ لأنه والحالة هذه كمن لا فعل له، ولو لم يسلم .. أخذها الظالم؛ لأنه هو وهي في قبضته. قال في "التوشيح": قد يقال: هذا نفس مسألة "المنهاج" لا استثناء منها، والشيخ صرح بأنها مستثناة، قال: والذي ظهر لي أن هذه الصورة المستثناة مفروضة فيما إذا كان الظالم يتسلم بنفسه لو لم يسلمه المودع مكرهاً، ومسألة "المنهاج" في أعم من أن يكون بحيث يتسلم لو لم يسلمه أو يكف عن التسليم إلا أن يسلمه، وقد يقال: إنها مخصوصة بمن يكف عن التسليم لو لم ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 362). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 362). (¬3) انظر "فتح العزيز" (7/ 310). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 362). (¬5) الروضة (6/ 341، 342)، وانظر "التهذيب" (5/ 126). (¬6) انظر "الحاوي" (ص 440)، و"المنهاج" (ص 362).

يسلم؛ ولذلك احتاج إلى الإكراه، والأظهر: التعميم، وأن المكره قد يكره على التسليم وقد يتسلم بنفسه. 3354 - قولهما أيضاً: (ومنها: أن ينتفع بها) (¬1) زاد "المنهاج": (بأن يلبس أو يركب خيانة) وهو مثال؛ فكل انتفاع كذلك وإن لم يضر بالمالك، حتى القراءة في الكتاب كما صرح به البغوي في "فتاويه"، وأشار "الحاوي" لما احترز عنه "المنهاج" بقوله [ص 362]: (خيانة) بقوله: (أو ركب الجموح) (¬2). 3355 - قول "التنبيه" [ص 111]: (وإن استعملها أو أخرجها من الحرز لينتفع بها .. ضمن) قد يفهم التسوية بينهما من كل وجه، وليس كذلك، فلو استعملها ظاناً أنها ملكه .. لم يسقط هذا الظن عنه الضمان، بخلاف إخراجها من الحرز بهذا الظن .. فإنه لا يضمن معه قاله الإمام، ويرد ذلك على إطلاق "المنهاج" الضمان في أخذ الثوب ليلبسه (¬3). 3356 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ولو نوى الأخذ ولم يأخذ .. لم يضمن على الصحيح) (¬4) محله: ما إذا لم تقترن هذه النية بابتداء الأخذ، فلو اقترنت بابتداء الأخذ .. ضمن قطعاً. 3357 - قولهما: (ولو خلطها بماله ولم تتميز .. ضمن) (¬5) مفهومه: عدم الضمان عند التمييز، ومحله: ما إذا لم يحدث بالخلط نقص، فإن حدث به نقص .. ضمنه. ومن صور خلطها بماله: ما إذا أنفق من الدراهم المودعة درهماً ثم رد مثله إلى موضعه .. فلا يبرأ منه، وهو باق على ملكه لم يملكه مالك الوديعة، فإن لم يتميز .. ضمن الكل، وإن تميز .. لم يضمن الباقي، أما لو رده بعينه .. لم يبرأ من ضمانه، ولا يصير الباقي مضموماً إن تميز، وكذا إن لم يتميز في الأصح، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 439]: (أو خلط بدله، لا عينه بالباقي) ومحل ذلك: إذا لم يكن عليه ختم، فإن كان عليه ختم ففكه .. ضمن الكل مطلقاً وإن لم يأخذ منه شيئاً، ومفهوم "التنبيه" أنه إذا خلطها بمال المالك .. لا ضمان وليس كذلك، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 362]: (ولو خلط دراهم كيسين للمودع .. ضمن في الأصح). واعلم: أن هذا مخالف لما ذكروه في (الغصب): أن خلط الشيء بما لا يتميز استهلاك حتى يملكه الغاصب ويلزمه مثله أو قيمته. ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 439)، و"المنهاج" (ص 362). (¬2) الحاوي (ص 439). (¬3) المنهاج (ص 362). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 111)، و"الحاوي" (ص 439)، و"المنهاج" (ص 362). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 111)، و"المنهاج" (ص 362).

3358 - قول "التنبيه" [ص 111]: (وإن طالبه بها فمنعها من غير عذر .. ضمن) أي: بعدم التمكين منها؛ فإنه الواجب على المودع، وليس عليه مؤنة الرد؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 363]: (لزمه الرد؛ بأن يخلي بينه وبينها) و"الحاوي" [ص 440]: (فأخر التخلية لا لإتمام غرض). وتعبير "المنهاج" و"الحاوي" بالتأخير أحسن من تعبير "التنبيه" بالمنع؛ لأنه قد يفهم توقف الضمان على المنع المطلق، وليس كذلك، فمجرد التأخير مضمن. وتعبيرهما بالعذر أحسن من تعبير "الحاوي" بإتمام غرض؛ فإنه قد لا يشمل مثل ما لو طالبه في جنح الليل والوديعة في خزانة لا يتأتى فتح بابها في الوقت، فهذا عذر وليس فيه إتمام غرض، لكنه مفهوم من طريق الأولى، ومفهوم كلامهم: أنه لا ضمان بالتأخير مع العذر لو تلفت في تلك الحال، وقد حكاه الرافعي عن المتولي ومقتضى كلام البغوي (¬1)، وقال النووي: إنه الراجح، وبه صرح كثيرون، ولفظ الغزالي في "الوسيط" يشعر بتفصيل؛ وهو أنه إن كان التأخير لتعذر الوصول إلى الوديعة .. فلا ضمان، وإن كان لعسر يلحقه أو غرض يفوته .. ضمن (¬2). 3359 - قول "التنبيه" [ص 111]: (وإن قال: هلكت الوديعة .. فالقول قوله) أطلق، وهو محمول على تفصيل ذكره "المنهاج" فقال [ص 363]: (وإن ادعى تلفها ولم يذكر سبباً، أو ذكر خفياً كسرقة .. صدق بيمينه، وإن ذكر ظاهراً كحريق؛ فإن عُرفَ الحريق وعمومه .. صُدق بلا يمين، وإن عُرف دون عمومه .. صدق بيمينه، وإن جُهل .. طُولب ببينة، ثم يُحلَّف على التلف به) وقد اعترض عليه بذلك شيخنا الإسنوي، وقال في "التوشيح": هو اعتراض ساقط؛ لأن قوله مقبول فيها، وإنما يحتاج إلى البينة على أصل السبب، وقول الشيخ: إن قوله مقبول في الهلاك على إطلاقه، وقد شرحه ابن الرفعة على الصواب، فقال: سواء ادعاه بسبب ظاهر أو خفي. نعم؛ إن ادعى سبباً ظاهراً كالحريق .. كلف إقامة البينة على السبب دون التلف. وقال النسائي: إنما ذكر ابن الرفعة هذا مع وضوحه؛ لالتباسه على بعض الطلبة فيما كلف فيه البينة، وهو صريح في كلام الشيخ؛ حيث قال في إخراجها والمسافرة بها لضرورة: فإن كان ذلك بسبب ظاهر؛ كالحريق والنهب وما أشبههما .. لم يقبل إلا ببينة (¬3). قلت: فاكتفى "التنبيه" بذكر ذلك في سبب الإخراج عن ذكره في سبب التلف، وذلك يقتضي صحة إيراده في سبب التلف، وإلا .. فكيف أورده في سبب الإخراج، والله أعلم. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (7/ 316). (¬2) الروضة (6/ 344)، وانظر "الوسيط" (4/ 514). (¬3) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 106).

وعد المتولي الغصب من الأسباب الظاهرة، وألحقه البغوي بالسرقة، وهو الأقرب عند الرافعي (¬1). 3360 - قول "التنبيه" [ص 111]: (وإن قال: أمرتني بالدفع إلى زيد، فقال زيد: لم يدفع إليّ .. فالقول قوله) محله: ما إذا لم يكن زيد هو مالك الوديعة، فلو كان مالكها وقد أودعها عند أمين وأذن له في إيداعها عند المودع .. فالقول قول الدافع، صرح به الماوردي. وهذه داخلة في قول "المنهاج" [ص 363]: (وإن ادعى ردها على من ائتمنه .. صدق بيمينه) لأن زيداً في هذه الصورة قد ائتمنه بإذنه للمودع في إيداعها عنده، وليست كإيداع المودع عند سفرٍ أميناً؛ لأن ذلك الأمين لم يأتمنه المالك. 3361 - قول "التنبيه" [ص 112]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 440]: (وإن قال: ما أودعني .. فالقول قوله، فإن قام المدعي ببينة بالإيداع، فقال: قد أودعتني ولكنها هلكت وأقام بينة بأنها هلكت قبل الجحود .. سمعت) قال الرافعي: قد حكينا في المرابحة إذا قال: اشتريت بمئة ثم قال: بمئة وخمسين .. أن الأصحاب فرقوا بين أن يذكر وجهاً محتملاً للغلط وبين ألاَّ يذكره، ولم يتعرضوا لمثله هنا، والتسوية بينهما متجهة (¬2). وقال شيخنا الإمام البلقيني: ليست التسوية بينهما متجهة، والفرق: أن الذي قامت به البينة في صورة المرابحة معارض لما أخبر به من أقامها .. فاحتيج إلى التأويل؛ ليجتمع هذا مع ذاك، وأما في الوديعة: فإنكارها غير ما قامت به البينة من تلفها، فلم يحتج إلى ذكر محتمل، والوديعة أصلها ثابت بتوافقهما وقد قامت [البينة] (¬3) على تلف العين قبل الجحود .. فتسمع على الأصح، ولا ضمان حينئذ. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (7/ 318). (¬2) انظر "فتح العزيز" (7/ 315). (¬3) ما بين معقوفين زيادة ضرورية للمعنى.

كتاب قسم الفيء والغنيمة

كتاب قسم الفيء والغنيمة 3362 - المشهور: تغايرهما، وعليه مشى الثلاثة (¬1)، وفي "أصل الروضة" عن المسعودي وطائفة: أن اسم كل منهما يقع على الآخر إذا أفرد بالذكر، فإذا جمع بينهما .. افترقا؛ كالفقير والمسكين، وعن أبي حاتم القزويني وغيره: أن اسم الفيء يشمل المالين، واسم الغنيمة خاص بما أخذ بقتال، وفي لفظ الشافعي في "المختصر" ما يشعر به (¬2). 3363 - قول "المنهاج" [ص 364]: (الفيء: مال حصل من كفار بلا قتال وإيجاف خيل وركاب) فيه أمران: أحدهما: أن التقييد بالمال في "التنبيه" أيضاً (¬3)، وهو مخرج للكلاب المنتفع بها والخمر المحترمة وما ينتفع به من النجاسات، وعبر "الحاوي" بقوله [ص 442]: (ما حصل) فتناولها، وكذا عبر به "التنبيه" في الغنيمة (¬4)، وفي "أصل الروضة" فيما إذا وقع في الغنيمة كلب ينتفع به .. حكى الإمام عن العراقيين: أن للإمام أن يسلمه إلى واحد من المسلمين؛ لعلمه بحاجته إليه، ولا يحسب عليه. واعترض: بأن الكلب منتفع به، فليكن حق اليد فيه لجميعهم كما لو مات وله كلب لا يستبد به بعض الورثة، والموجود في كتب العراقيين: أنه إن أراده بعض الغانمين أو أهل الخمس ولم ينازعه غيره .. سلم إليه، وإن تنازعوا؛ فإن وجدنا كلاباً وأمكنت القسمة عدداً .. قسم، وإلا .. أقرع بينهم، وهذا هو المذهب، وقد سبق في (الوصية) أنه يعتبر قيمتها عند من يرى لها قيمة وتعتبر منافعها، فيمكن أن يقال به هنا. انتهى (¬5). وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 445]: (والكلاب قسمت عدداً، وإن لم يمكن .. أقرع)، وذكره "المنهاج" في (السير) (¬6)، وقال ابن الرفعة: إن ما حكاه الرافعي عن العراقيين لم يجده في شيء من كتبهم إلا في "الشامل" فإنه ذكره احتمالاً لنفسه. واعترض قياس الرافعي الغنيمةَ على الوصية: بأن للإمام مدخلاً في الغنيمة بخلاف الوصية، ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 235)، و"الحاوي" (ص 442)، و"المنهاج" (ص 364). (¬2) الروضة (6/ 354)، وانظر "مختصر المزني" (ص 147). (¬3) التنبيه (ص 235). (¬4) التنبيه (ص 235). (¬5) فتح العزيز (11/ 423، 424)، الروضة (10/ 259). (¬6) المنهاج (ص 522).

وذكر السبكي: أن ما حكاه الإمام عن العراقيين موجود في كتبهم، قال: وهو المختار، وبه وبغيره يتبن أنها داخلة في الغنيمة والفيء، لكنها لا تقوم ولا تحسب على أخذها بمال، وقال: أن فرق ابن الرفعة صحيح ولا يمنع أصل الإلحاق. ثانيهما: أنه اعتبر في حصول اسم الفيء انتفاء القتال وإيجاف الخيل والركاب، وهذا يصدق بانتفاء المجموع وبانتفاء كل واحد على انفراده، والثاني هو المراد؛ فإن واحداً من هذه الثلاثة كاف في حصول اسم الغنيمة، فلا يكون فيئاً حتى ينتفي الثلاثة، فكان ينبغي أن يقول: (ولا إيجاف خيل ولا ركاب)، وقال السبكي: اجتماع الخيل والإبل ليس بشرط، بل أحدهما كاف في انتفاء حكم الفيء؛ ولذلك قال تعالى: {وَلَا رِكَابٍ} فدل على أنه لو كان أحدهما .. يغير الحكم، فإذاً (الواو) في كلام المصنف بين الخيل والركاب بمعنى (أو)، ثم ذكر في (الواو) التي بين القتال وإيجاف ما حاصله: أنها محتملة لمعنى (أو) ولمعنى (الواو) الجامعة. قلت: إنما طهر كون (الواو) بمعنى (أو) في جانب الإثبات في حد الغنيمة، وأما في جانب النفي في حد الفيء .. فالواو على بابها، والمراد: انتفاء كل واحد على انفراده كما تقدم، وفهم من قول "الحاوي" في الغنيمة [ص 444]: (ما حصل بإيجاف خيل) أن قوله أولاً في الفيء [ص 442]: (ما حصل من الكفار) أراد به: بلا إيجاف خيل؛ لما استقرئ من عادته من حذف القيد أولاً اكتفاء بذكره ثانياً في ضده، وقال في "التنبيه" [ص 236]: (كل مال أخذ من الكفار من غير قتال) ولم يزد على ذلك. وقال شيخنا ابن النقيب: هذا هو الذي يظهر، لكن ينبغي زيادة: (أن يكون على سبيل الغلبة) ليخرج ما يعطونه بطيب نفس؛ كالهدية والبيع ونحوهما، وحينئذ .. فالواو في "المنهاج" وغيره بمعنى (أو) أي: ما حصل منهم عند انتفاء أحد الثلاثة الذي هو أعم من كل واحد واحد، ويلزم من انتفاء الأعم انتفاء الأخص؛ لأن الأعم جزء الأخص كما ينتفي الإنسان بانتفاء الحيوان (¬1). 3364 - قول "التنبيه" [ص 236]: (كالمال الذي تركوه فزعاً من المسلمين) أخص من قول "المنهاج" [ص 364]: (وما جلوا عنه خوفاً) ويرد عليهما المال الذي جلوا عنه لضر أصابهم، وإن لم يكن خوفاً .. فإنه فيء أيضاً بلا خلاف، واختلفوا في تخميسه، والصحيح: أنه يخمس. 3365 - قول "التنبيه" [ص 236]: (وفيها قولان، أحدهما: أنها تخمس فيصرف خمسها إلى أهل الخمس، والثاني: لا يخمس إلا ما هربوا عنه فزعاً من المسلمين) الصحيح: الأول، وبه ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (5/ 200).

جزم "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، وعلى القول الثاني يلتحق بما هربوا عنه فزعاً ما بذلوه للكف عن قتالهم، وهو غير الجزية؛ لأنهم وإن بذلوها للكف عن قتالهم .. فليس لخوف ناجز، بل لإثبات عصمة دائمة. 3366 - قول "التنبيه" [ص 235]: (يصرف في المصالح، وأهمها سد الثغور، ثم الأهم فالأهم من أرزاق القضاة والمؤذنين وغير ذلك) فيه زيادة على "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، وهي تصريحه بأن أهم المصالح سد الثغور، وفي "أصل الروضة" في المسائل المنثورة في أواخر الفيء عن الشافعي رضي الله عنه: أنه يرزق من مال الفيء الحكام ... إلى آخر كلامه، ثم قال: والمراد بالحكام: الذين يحكمون بين أهل الفيء في مغزاهم. انتهى (¬3). وذلك يفتضي أن المراد بالقضاة الذين يرزقون من مال الفيء: قضاة العسكر، لا غيرهم من القضاة، والله أعلم. 3367 - قولهم: (إن ذوي القربى: بنو هاشم وبنو عبد المطلب) (¬4) نازع فيه السبكي، وقال: المراد بالقربى: قربى النبي صلى الله عليه وسلم، فأولاد بناته؛ كأمامة بنت أبي العاص من بنته زينب وعبد الله بن عثمان من بنته رقية من ذوي القربى بلا شك، قال: ولم أرهم تعرضوا لذلك، فينبغي أن يضبطه بالقرابة. قلت: قد توفي المذكوران صغيرين، ولم يكن لهما عقب؛ فلا فائدة لذكرهما. 3368 - قول "المنهاج" [ص 364]: (يشترك الغني والفقير) وهو مفهوم من "التنبيه" و"الحاوي" (¬5)، قال الإمام: إنما يعطى الغني عند سعة المال، وإلا .. قدم الأحوج، وتصير الحاجة مرجحة وإن لم تكن معتبرة (¬6)، ولابن الرفعة بحث حاصله أنه يؤخر حتى يجتمع أو يعطي لهم نصيب الأغنياء قرضاً. 3369 - قول "التنبيه" في ذوي القربى [ص 235]: (يدفع إلى القاصي منهم والداني، وقيل: يدفع ما يحصل منه في كل إقليم إلى من فيه منهم) يقتضي اختصاص هذا الخلاف بذوي القربى؛ فإنه لم يحكه في غيرهم، وليس كذلك؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 364]: (ويعم الأصناف الأربعة المتأخرة، وقيل: يخص بالحاصل في كل ناحيةٍ مَنْ فيها). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 442)، المنهاج (ص 364). (¬2) الحاوي (ص 442)، المنهاج (ص 364، 365). (¬3) الروضة (6/ 366)، وانظر "الأم" (4/ 156). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 235)، و"الحاوي" (ص 442)، و"المنهاج" (ص 364). (¬5) التنبيه (ص 235)، الحاوي (ص 442). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (11/ 512، 513).

3370 - قولهما: (وسهم للمساكين) (¬1) قد يتوهم اختصاصه به، وليس كذلك؛ فالفقراء يشاركونهم فيه؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 442]: (وللفقير والمسكين). 3371 - قول "التنبيه" [ص 235]: (ولا يعطي الكافر منه شيئاً) قال في "الكفاية": إلا من سهم المصالح عند المصلحة. 3372 - قوله: (وفي أربعة أخماسه قولان، أحدهما: أنها لأجناد الإسلام يقسم بينهم على قدر كفايتهم، والثاني: أنها للمصالح وأهمها أجناد الإسلام) (¬2) الأظهر: الأول كما صرح به "المنهاج"، وعليه مشى "الحاوي" (¬3)، والقولان متفقان على الصرف للمرتزقة، وإنما الخلاف في الفاضل عنهم، وفيه قول آخر: أن مصرفها مصرف الخمس فيقسم جميع الفيء على الخمسة المذكورين، وهو ظاهر آية (الحشر)، لكنه ضعيف عندهم، والآية مؤولة، ولم يبين "المنهاج" مقابل الأظهر، والمراد: الأجناد المثبتون في الديوان بتعيين الإمام، أما المتطوعة الذين يغزون إذا نشطوا .. فإنما يعطون من الزكاة، ولو لم يفِ الفيء بالمرتزقة .. صرف الإمام لهم من الزكاة إن لم يكونوا أغنياء. وقد يفهم من عبارة "التنبيه" إعطاء الجندي قدر كفايته وحده، وليس كذلك؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 364]: (ويبحث عن حال كل واحد وعياله وما يكفيهم، فيعطيه كفايتهم) و"الحاوي" [ص 443]: (قدر حاجته وزوجاته وولده وعبد) أي: ولا يعطي إلا لعبد واحد. قال الرافعي: وهذا في عبيد الخدمة، فأما الذين تتعلق بهم مصلحة الجهاد .. فينبغي أن يُعطى لهم كم كانوا (¬4). قال في "الروضة": كذا هو منقول، وإنما يقتصر في عبيد الخدمة على واحد إذا حصلت به الكفاية، فأما من لا تحصل كفايته إلا بخدمة عبيد .. فيعطى لمن يحتاج إليه، ويختلف باختلاف الأشخاص (¬5). وظاهر كلام "التنبيه" أيضاً: أنه لا يصرف منه على الأول شيء لغير الأجناد، لكن قال في "المنهاج" [ص 365]: (الأصح: أنه يجوز أن بصرف بعضه - أي: بعض الفاضل عن حاجتهم - في إصلاح الثغور والسلاح والكراع) وكذا في "الحاوي" (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 235)، و"المنهاج" (ص 364). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 236). (¬3) الحاوي (ص 442، 443)، المنهاج (ص 364). (¬4) انظر "فتح العزيز" (7/ 337). (¬5) الروضة (6/ 360). (¬6) الحاوي (ص 444).

3373 - قول "التنبيه" [ص 236]: (ويبدأ فيه بالمهاجرين، ويقدم الأقرب فالأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسوي بين بني هاشم وبني المطلب، فإن استوى بطنان في القرب .. قدم من فيه أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بالأنصار، ثم بسائر الناس) فيه أمران: أحدهما: أن مقتضاه: تقديم المهاجر ولو بَعُدَ نسبه على غيره ولو قرب نسبه، قال في "الكفاية": وهذا لم أره لأحد، فيتعين حَمْلهُ إما على أن يكون أراد بالمهاجرين: قريشاً؛ لأن أكثر المهاجرين منهم، هاما أن يكون فيه تقديم وتأخير، وتقديره: يقدم الأقرب فالأقرب ويبدأ منهم بالمهاجرين، لكن ذكر الرافعي وغيره أنا نقدم عند الاستواء في القرب بالسن، فإن استووا في السن .. قدم أقدمهما هجرة وأفضلهما سابقة، هذا كلام "الكفاية" (¬1). ومشى "الحاوي" على ما قاله الرافعي فقال [ص 443]: (الأسن، ثم الأسبق إسلاماً وهجرة) لكن قال النووي: قد عكسه الماوردي فقال: يقدم بالسابقة في الإسلام، فإن تقارنا فيه .. قدم بالدين، فإن تقارنا فيه .. قدم بالسن، فإن تقارنا فيه .. قدم بالشجاعة، فإن تقارنا فيه .. فولي الأمر بالخيار بين أن يرتبهم بالقرعة أو برأيه واجتهاده، قال النووي: وهذا الذي قاله هو المختار (¬2). الأمر الثاني: أن مقتضاه: استواء العرب والعجم بعد الأنصار، وليس كذلك؛ فالعرب مقدمون، وقد ذكر "المنهاج" الأمرين على الصواب فقال [ص 364، 365]: (ويُقدِّم في إثبات الاسم والإعطاء قريشاً - وهو ولد النضر بن كنانة - ويُقدِّم منهم بني هاشم والمطلب ثم عبد شمس ثم نوفل ثم عبد العزى، ثم سائر البطون الأقرب فالأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الأنصار، ثم سائر العرب، ثم العجم) وفيه أمور: أحدها: أن ما ذكره من أن قريشاً هم ولد النضر بن كنانة هو قول الشافعي والأكثرين (¬3)، لكن اختار الحافظ شرف الدين الدمياطي وتبعه صاحبه السبكي أنهم ولد فهر بن مالك بن النضر، قال السبكي: ولا يكاد يظهر تفاوت بين القولين. ثانيها: ما ذكره من تقديم الأنصار على سائر العرب، قال الرافعي: كذا رتبوه، وظاهر لفظ الشافعي يوافقه، وحمله السرخسي على من هم أبعد من الأنصار، فأما من هم أقرب من الأنصار ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (7/ 340). (¬2) الروضة (6/ 360)، وانظر "الحاوي الكبير" (8/ 468). (¬3) في حاشية (أ): (أي: كما ادعاه الأستاذ أبو منصور، لكن البيهقي نسب إلى أكثر أهل العلم أنهم ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة). انظر "معرفة السنن والآثار" (5/ 172)، و"سنن البيهقي الكبرى" (6/ 365).

إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. فيقدمون عليهم (¬1)، ويوافقه كلام "الحاوي" فإنه اعتبر القرب من الرسول عليه الصلاة والسلام خاصة ثم قال: (ثم العرب)، ولم يخص الأنصار بالذكر (¬2). ثالثها: أن مقتضاه: استواء العجم، وفي"المهذب" و"التهذيب": أن التقديم فيهم بالسن والفضائل لا بالنسب (¬3)، قال الرافعي: وفيه كلامان: أحدهما: أن العجم قد يعرف نسبهم، فينبغي أن يعتبر فيمن عرف نسبه القرب والبعد أيضاً. الثاني: أنا قدمنا في صفة الأئمة عن الإمام: أن الظاهر: رعاية كل نسب يعتبر في الكفاءة في النكاح، وسنذكر أن نسب العجم مرعي في الكفاءة على خلاف فيه، فليكن كذلك هنا (¬4). قال النووي: قد أشار الماوردي إلى اعتبار نسب العجم، فقال: إن كانوا عجماً لا يجتمعون على نسب جميعهم بالأجناس؛ كالترك والهند وبالبلدان، ثم إذا كانت لهم سابقة في الإسلام .. ترتبوا عليها، وإلا .. فبالقرب من ولي الأمر، فإن تساووا .. فبالسبق إلى طاعته (¬5). رابعها: أن هذا الترتيب كله مستحب، وقد صرح به "الحاوي" (¬6). 3374 - قول "المنهاج" [ص 365]: (ولا يُثْبِتُ في الديوان أعمى ولا زمناً ولا من لا يصلح للغزو) ذكره بعدهما من ذكر العام بعد الخاص، وفي "أصل الروضة": أنه لا يثبت اسم من لا يصلح للغزو؛ كالأعمى والزمن، فجعل عدم الصلاحية ضابطاً، ومثله بالأعمى والزمن، قال: وإنما يثبت في الديوان الرجال المكلفين المستعدين للغزو، زاد في "الروضة": ترك من الشروط الإسلام، وذكر الماوردي شرطاً آخر: وهو أن يكون فيه إقدام على القتال ومعرفة به، قال: ولا يجوز إثبات الأقطع، ويجوز إثبات الأعرج إن كان فارساً، وإن كان راجلاً .. فلا، ويجوز إثبات الأخرس والأصم (¬7). 3375 - قول "التنبيه" [ص 236]: (ومن خرج عن أن يكون من المقاتلة .. سقط حقه) محمول على المأيوس منه، ومع ذلك فالمراد: سقوط حقه من الكتابة في الديوان، لا من الإعطاء، وعبارة "المنهاج" [ص 365]: (ولو مرض بعضهم أو جن ورُجِىَ زواله .. أُعطي، فإن لم يرج .. فالأظهر: أنه يُعطى) وعبارة "الحاوي" [ص 1443: (وبضعف وجنون أُيِسَا مَحَا). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (7/ 340). (¬2) الحاوي (ص 443). (¬3) المهذب (2/ 249)، التهذيب (5/ 188). (¬4) انظر "فتح العزيز" (7/ 340). (¬5) انظر "الروضة" (6/ 362). (¬6) الحاوي (ص 443). (¬7) فتح العزيز (7/ 340)، الروضة (6/ 6/ 363)، وانظر "الأحكام السلطانية" (ص 267).

3376 - قول "التنبيه" [ص 236]: (ومن مات منهم .. دفع إلى ورثته وزوجته الكفاية) المراد: أولاده الذين تلزمه نفقتهم، لا مطلق الورثة؛ ويدل لذلك قوله بعده: (فإن بلغ الصبي فاختار أن يفرض له .. فرض، وإن لم يختر .. ترك) (¬1) وعبارة "المنهاج" [ص 365]: (وكذا زوجته وأولاده إذا مات فتعطى الزوجة حتى تنكح، والأولاد حتى يستقلوا) وقد تفهم عبارتهما الاقتصار على زوجة واحدة، وليس كذلك؛ ولهذا قال "الحاوي" بعد ذكر إعطاء زوجاته وولده [ص 443]: (وإن مات إلى أن تُنكح النساء ويستقل البنون) واستنبط السبكي من هذه المسألة أن الفقيه أو المعيد أو المدرس إذا مات .. تعطى زوجته وأولاده مما كان يأخذ ما يقوم بهم ترغيباً في العلم كالترغيب هنا في الجهاد، فإن فضل المال عن كفايتهم .. صرف الباقي لمن يقوم بالوظيفة، قال: فإن قيل: في هذا تعطيل لشرط الواقف إذا اشترط مدرساً بصفة .. فإنها غير موجودة في زوجته وأولاده. قلنا: قد حصلت تلك الصفة مدة من أبيهم، والصرف لهؤلاء بطريق التبعية، ومدتهم مغتفرة في جنب ما مضى كزمن البطالة، قال: وإنما يمتنع تقرير من ليس بأهل للجهاد في الديوان أو إثبات اسم الزوجة والأولاد. قال شيخنا ابن النقيب: قد يفرق بينهما بأن العلم محبوب للنفوس لا يصد عنه شيء فيوكل الناس فيه إلى ميلهم إليه، والجهاد مكروه للنفوس فيحتاج الناس في إرصاد أنفسهم له إلى التأليف، وإلا .. فمحبة الزوجة والولد قد تصد عنه (¬2). قلت: وفرق آخر، وهو: أن الإعطاء من الأموال العامة - وهي أموال المصالح - أقوى من الخاصة كالأوقاف، فلا يلزم من التوسع في تلك التوسع في هذه؛ لأنه مال معين أخرجه شخص لتحصيل مصلحة نشر العلم في هذا المحل المخصوص، فكيف يصرف مع انتفاء الشرط؟ ومقتضى هذا الفرق: الصرف لأولاد العالم من مال المصالح كفايتهم كما كان يصرف لأبيهم، ومقتضى الفرق الأول: عدمه، والله أعلم. 3377 - قول "التنبيه" [ص 236]: (وإن كان في مال الفيء أراض وقلنا: إنها للمصالح .. صارت وقفاً تصرف غلتها إليها، وإن قلنا: إنها للمقاتلة .. قسمت بينهم، وقيل: تصير وقفاً وتقسم غلتها بينهم) قد عرفت أن الأصح: أن خمسها لأهل الخمس وأربعة أخماسها للمقاتلة، والأصح في حصة المقاتلة: أن الإمام مخير بين وقفها وقسمة ريعها بينهم وبيعها وقسمة ثمنها وقسمتها هي، وأما حصة الخمس .. فسهم المصالح لا سبيل إلى قسمته، بل يوقف وتصرف غلته في المصالح، أو يباع ويصرف ثمنه إليها، والوقف أولى، والأسهم الباقية كالأخماس الأربعة، ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 236). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (5/ 215).

فصل [في الغنيمة والسلب]

وعبارة "المنهاج" [ص 365]: (فأما عقاره .. فالمذهب: أنه يجعل وقفاً، وتقسم غلته كذلك) ويرد عليه: أنه لا يتعين جعله وقفاً كما تقدم، ولا يرد ذلك على قول "الحاوي" [ص 442]: (وغلة عقارهم بعد أن وقف) فإنه لم يذكر أنه يتعين وقفه، وإنما ذكر حكمه بتقدير وقفه. وقال شيخنا الإمام البلقيني: ما صححه الرافعي والنووي في مسألة الأراضي لم يصححه أحد من الأصحاب، والذي عليه الأئمة كما في "النهاية": أنه لا يجوز بيع شيء من ذلك، وأن الأراضي تبقى موقوفة، وفي وجه: لا بد من وقفها، وجعله الماوردي خطأ، وتبع في ذلك الشيخ أبا حامد؛ فإنه قال: إنه ليس بشيء (¬1). فَصلٌ [في الغنيمة والسلَب] 3378 - قول "التنبيه" [ص 235]: (الغنيمة: ما أخذ من الكفار بالقتال وإيجاف الخيل والركاب) فيه أمور: أحدها: تقدم في الكلام على الفيء أن تعبيره هنا وتعبير "الحاوي" بـ (ما) (¬2) أعم من تعبير "المنهاج" بـ (مال) (¬3). ثانيها: أنه لا يشترط اجتماع إيجاف الخيل والركاب؛ فأحدهما كاف؛ ولذلك عبر "المنهاج" بقوله [ص 365]: (وإيجاف) و"الحاوي" بقوله [ص 444]: (بإيجاف خيل) وكأنه تمثيل، فإيجاف الركاب - وهي الإبل - كذلك، والظاهر: أن الواو في كلام "التنبيه" بمعنى أو. ثالثها: أنه لا يشترط إيجاف الخيل ولا الركاب؛ فالمأخوذ بقتال المشاة وفي السفن غنيمة ولا إيجاف فيه، وذلك يرد على "المنهاج" أيضاً؛ ولعل الواو في كلامهما بمعنى أو، وقال السبكي: إنه خارج مخرج الغالب، ويقصد به التبرك بلفظ الكتاب العزيز، والمعنى على سبيل القهر والغلبة. انتهى. والإيراد على "الحاوي" أشد؛ لاقتصاره على قوله [ص 444]: (ما حصل بإيجاف خيل) وعبر "المنهاج" في (السير) بقوله [ص 522]: (المال المأخوذ من أهل الحرب قهراً) وهي عبارة شاملة. رابعها: أنه لا يشترط القتال، فلو التقى الصفان فانهزم الكفار قبل شهر السلاح وتركوا مالهم .. ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (11/ 528)، و"فتح العزيز" (7/ 343)، و"الروضة" (10/ 275). (¬2) الحاوي (ص 444). (¬3) المنهاج (ص 365).

فهو غنيمة كما قال الإمام (¬1)، ولا قتال، وقال الروياني في "الحلية": لو صالحونا على مال عند القتال .. فهو غنيمة، وأقره الرافعي والنووي (¬2)، ولكن تعقبه شيخنا الإمام البلقيني: بأن بلاد الصلح المفتوحة صلحاً عند القتال لا تكون غنيمة، فكذلك المال المصالح عليه عند القتال. انتهى. ولو دخل واحد أو طائفة دار الحرب وأخذوا مالاً اختلاسًا أو سرقة .. فالأصح: أنه غنيمة ولا قتال، وقد اعتبر "المنهاج" أيضاً القتال، ولم يذكره "الحاوي" كما تقدم. خامسها: المراد: الحاصل للمسلمين، فأما الحاصل لأهل الذمة من أهل الحرب بقتال .. فالنص: أنه ليس غنيمة، ولا يخمس، ولا ينتزع منهم، وقيل: يرضخ لهم منه ويؤخذ الباقي، والمراد بالكفار: أهل الحرب بقرينة القتال. سادسها: لو تركوا مالاً بسبب حصول خيلنا أو ركابنا في دارهم وضرب معسكرنا فيها .. فإنه ليس غنيمة على الأصح عند الإمام مع وجود الإيجاف (¬3)، وهذا والذي قبله ينبه عليهما في لفظ "المنهاج" و"الحاوي" أيضاً (¬4). سابعها: لا بد من تقييده أيضاً بألاَّ يكون لمسلم ولا ذمي، فلو أخذ المسلمون من الكفار ما كانوا أخذوه من مسلم أو ذمي استيلاء أو وديعة أو عارية .. لم يملكه المسلمون؛ ولذلك قال شيخنا الإمام البلقيني: ينبغي أن يقال: إنها المال أو المختص الذي يأخذه المسلمون من الكفار الحربيين بإيجاف الخيل والركاب، أو بالرجالة أو بالسرقة غير مملوك لمسلم ولا ذمي، وأطلق "المنهاج" أن السلب للقاتل (¬5)، وقيده "التنبيه" بأن يكون له سهم ثم قال: (وإن كان لا سهم له وله رضخ .. فقد قيل: يستحق وقيل: لا يستحق) (¬6) والأصح: التفصيل، فيستحق العبدُ والمرأة والصبي، ولا يستحق الذمي، ولذلك قيده "الحاوي" بالإسلام (¬7)، فلو كان المقتول صبياً أو امرأة .. نظر: إن لم يقاتل .. فلا سلب لقاتله؛ للنهي عن قتله، وإن قاتل .. استحق في الأصح، وقد ذكره "التنبيه" (¬8)، وألحق البغوي العبد بالمرأة (¬9)، وقال الإمام: يستحق سلبه قطعاً (¬10). ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (11/ 446). (¬2) انظر "فتح العزيز" (7/ 328)، و"لروضة" (6/ 355). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (11/ 446). (¬4) الحاوي (ص 444)، المنهاج (ص 365). (¬5) المنهاج (ص 365). (¬6) التنبيه (ص 233). (¬7) الحاوي (ص 444). (¬8) التنبيه (ص 235). (¬9) انظر "التهذيب" (5/ 140). (¬10) انظر "نهاية المطلب" (11/ 460).

وأورد في "الكفاية" على تعبير "التنبيه" بالتغرير بنفسه (¬1): أن مقتضاه: أنه لو أغرا عليه كلباً عقوراً فقتله .. لا يستحق سلبه، وقال القاضي حسين: يستحق؛ لمخاطرته بمقاتلته حتى عقره الكلب. وقال النشائي: كلام الشيخ إلى هذا أميل؛ لأنه يصدق عليه أنه غرر بنفسه في القتال بذلك. انتهى (¬2). وعبارة "المنهاج" [ص 366]: (بركوب غرر) ولم يعبر "الحاوي" بالتغرير. 3379 - قول "الحاوي" في السلب [ص 444]: (وجنيبةٍ أمامه) (¬3) يقتضي أنها لو كانت خلفه .. لم تكن من السلب، وليس كذلك، وكأنه اغتر بقول الرافعي: والجنيبة التي تقاد بين يديه (¬4)، وإنما ذكر الرافعي ذلك تمييزاً لها عن الحقيبة - بالحاء والقاف - وهي: وعاء القماش، ومشى على العرف عند العرب في قودها بين يدي صاحبها بخلاف العجم؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 365]: (وجنيبةٌ تقاد معه في الأظهر) فلم يقيده بقودها أمامه، واحترز بقودها معه عما أُعدّ لأن يجنب، وقد تخرج الجنيبة بقول "التنبيه" [ص 233]: (وفرسه)، قال أبو الفرج الزاز: ولا يستحق إلا جنيبة واحدة، قال الرافعي: فعلى هذا: إذا قاد جنايب .. يبقى النظر في أنه هل يرجع إلى تعيين الإمام في أيها السلب أو يقرع (¬5)؟ قال النووي: تخصيص أبي الفرج بجنيبة فيه نظر، وإذا قيل به .. فينبغي أن يختار القاتل جنيبة منها؛ لأن كل واحدة جنيبة قتيله، فهذا هو المختار، بل الصواب، بخلاف ما أبداه الرافعي. انتهى (¬6). وجزم الإمام بواحدة أيضاً، وأبدى تعيين الإمام والإقراع وتخيير القاتل احتمالات ثلاثة، ورجح الأول (¬7)، وقال في "المهمات": والذي اختاره النووي واضح متعين؛ لأن الزيادة إن لم تنفعه .. لم تضره. 3380 - قول "المنهاج" [ص 365]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 444]: (لا حقيبةٌ مشدودةٌ على الفرس على المذهب) اختار السبكي: دخولها ودخول ما فيها، وهو ظاهر قول "التنبيه" [ص 233]: (ما تثبت يده عليه في حال القتال من ثيابه وحليه ونفقته). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 233). (¬2) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 179). (¬3) الجنيبة: الفرس تقاد ولا تركب. (¬4) انظر "فتح العزيز" (7/ 362). (¬5) انظر "فتح العزيز" (7/ 362). (¬6) انظر "الروضة" (6/ 375). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (11/ 457، 458).

3381 - قولهم في أمثلة فقد التغرير: (رَمَاه من الصف) (¬1) مخالف لقول "المحرر" تبعاً للغزالي: (من وراء الصف) (¬2) وكذا كتبها النووي بخطه في "المنهاج"، ثم ضرب بخطه على لفظة (وراء)، والصورتان في "الروضة" و"الشرحين" (¬3)، فأتى "المنهاج" بما ليس في أصله؛ لفهم ما في أصله من طريق الأولى، وهو من مفهوم الموافقة، وهو من دلالة اللفظ عند بعضهم. قال السبكي: وهو حسن لمن لا يلتزم في الاختصار معنى الأصل، وإلا .. لم يحسن، وقد يقال: التقييد بوراء الصف يفهم أن الرامي من الصف يستحق، وأبداه ابن الرفعة احتمالاً. 3382 - قول "التنبيه" [ص 233]: (وإن قتله وقد ترك القتال وانهزم .. لم يستحق سلبه) قد يتناول ما لو قاتل كافراً فهرب منه فقتله المسلم مدبراً، والأصح: أنه يستحق سلبه، ويرد ذلك أيضاً على قول "الحاوي" [ص 444]: (مقبل) ولم يعتبر "المنهاج" إقباله على القتال، وإنما اعتبر أن يكون ذلك في حال الحرب، ثم ذكر ما احترز عنه بقوله: (أو قتله وقد انهزم الكفار) (¬4) فلم يعتبر انهزامه هو، وقال الرافعي في قول الغزالي: (مقبل على القتال): ليس المراد: اشتغاله بالقتال حين قتله؛ لأنهما لو تقاتلا زماناً ثم هرب فقتله في إدباره .. قال الأصحاب: استحق، ولو قصد كافر مسلماً فجاء مسلم آخر من ورائه فقتله .. استحق، بل المرعي ما قاله العراقيون: أن يقتله مقبلاً أو مدبراً والحرب قائمة، ولو قتله آخر بعد ما ولى من قرنه .. قال الإمام: فالظاهر عدم استحقاقهما (¬5). 3383 - قول "التنبيه" [ص 233]: (وإن قطع أحدهما إحدى يديه وإحدى رجليه وقتله الآخر .. ففيه قولان، أحدهما: أن السلب للأول، والثاني: أنه للثاني) الأظهر: الأول، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 444]: (كقطع طرفيه) وهو نظير تصحيح "المنهاج" فيما لو قطع يديه أو رجليه .. أن السلب له (¬6). وقال في "التوشيح" إن قول "التنبيه" [ص 235]: (وأول ما يبدأ به سلب المقتول، فيدفع إلى القاتل) ظاهر في أن غير القاتل لا يستحق ولو فقأ العينين أو قطع اليدين والرجلين، وهو اختيار ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 233)، و"الحاوي" (ص 444)، و"المنهاج" (ص 366). (¬2) المحرر (ص 283)، وانظر "الوسيط" (4/ 537). (¬3) فتح العزيز (7/ 357، 358)، الروضة (6/ 372). (¬4) المنهاج (ص 366). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (11/ 451)، و"الوجيز" (1/ 469)، و"الوسيط" (4/ 539)، و"فتح العزيز" (7/ 358). (¬6) المنهاج (ص 366).

الوالد رحمه الله أخذاً بظاهر: "من قتل قتيلاً .. فله سلبه" (¬1)، وبأن ذلك لا يزيل الامتناع؛ فرب أعمى شر من بصير، ومقطوع اليدين والرجلين يحتال على الأخذ بثأره بنفسه، ولكن المجزوم به في "المنهاج" وغيره: استحقاق السلب (¬2)، والأصحاب مطبقون عليه؛ ويدل لهم نص الشافعي وإن كان الشيخ حاول تأويله. انتهى. وما ذكره ذهول عن قول "التنبيه" بعد ذلك [ص 233]: (وإن قطع أحدهما يديه ورجليه وقتله الآخر .. فالسلب للقاطع) ثم حكى الخلاف في الصورة المتقدمة عه، واعتبر "المنهاج" و"الحاوي" في استحقاق السلب إزالة امتناعه (¬3)، وفي "المحرر": (أن يقتله أو يزيل امتناعه) (¬4)، فاقتصر "المنهاج" على الثاني؛ لفهم الأول من طريق الأولى، واستحسن بعضهم ما في "المحرر" فإنه ذكر محل النص، وألحق به ما في معناه، لكن هذا شأن المطولات دون المختصرات. 3384 - قول "التنبيه" [ص 234]: (وإن غرر بنفسه في أسره فقتله الإمام أو من عليه .. ففي سلبه قولان، أحدهما: أنه لمن أسره، والثاني: ليس له) الأظهر: الأول، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬5). 3385 - قول "التنبيه" [ص 234]: (وإذا استرقه أو فاداه بمال .. فهل يستحق من أسره رقبته أو المال المفادى به؟ فيه قولان): قال في "الروضة" وأصلها: يشبه أن يكون الأظهر هنا: المنع (¬6)، وأطلق تصحيحه الرافعي في "الشرح الصغير" والنووي في "التصحيح" (¬7)، وعليه مشى "الحاوي". 3386 - قول "التنبيه" [ص 235]: (ثم يقسم الباقي على خمسة ثم الخمس على خمسة) ثم قال: (ويقسم الباقي - وهو أربعة أخماس - بين الغانمين) ظاهره: أن أهل الخمس يفوزون بسهامهم قبل قسمة الأخماس الأربعة على الغانمين، والذي ذكره الرافعي والنووي: أنه يخرج الخمس بالقرعة، ثم يقسم الباقي على الغانمين قبل قسمة الخمس على أهله؛ لأن الغانمين حاضرون محصورون (¬8)، ولهذا قال "المنهاج" [ص 366]: (ثم يخمس الباقي) ولم يقل: ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2973)، (4066)، ومسلم (1751). (¬2) المنهاج (ص 366). (¬3) الحاوي (ص 444)، المنهاج (ص 366). (¬4) المحرر (ص 283). (¬5) الحاوي (ص 444)، المنهاج (ص 366). (¬6) فتح العزيز (7/ 359)، الروضة (6/ 373، 374). (¬7) تصحيح التنبيه (2/ 204)، الحاوي (ص 444). (¬8) انظر "فتح العزيز" (7/ 363)، و"الروضة" (6/ 376).

يقسم، ولم يعبر "الحاوي" بتخميس ولا قسمة، لكنه قال بعد الخمس والنفل: (والباقي لشاهد الحرب له) (¬1) فعليه الإيراد ظاهراً كـ"التنبيه". قال الرافعي: ولا تكره قسمتها في دار الحرب (¬2)، قال النووي: بل يستحب، بل في "المهذب" وغيره: يكره التأخير إلى دار الإسلام بغير عذر (¬3). قال السبكي: في العبارتين نظر، والصواب: استحباب التعجيل، لا خصوص القسمة في دار الحرب، وعليه نص في "الأم"، فقال: والسنة: أن يقسمه الإمام معجلاً، فلا يؤخر قسمته إذا أمكنه في الموضع الذي غنمه فيه. انتهى (¬4). وذكر الماوردي والبغوي: أنه يجب التعجيل ولا يجوز التأخير (¬5)، وحكاه السبكي عنهما في (الزكاة)، ولم يذكره هنا، قال في "التوشيح": وذلك هو الحق إن شاء الله. وقال في "المهمات": ويمكن حمل السنة في كلام الشافعي على الطريقة، وفي "المنهاج" [ص 366]: (وبعد السلب تخرج مؤنة الحفظ والنقل وغيرهما، ثم يخمس الباقي) ولم يتعرض لذلك "التنبيه" و"الحاوي". 3387 - قول "التنبيه" [ص 234]: (ويجوز لأمير الجيش أن يشرط البداءة والرجعة ما يرى على قدر عملهم من خمس الخمس) المشهور: أن البداءة: السرية: التي يبعثها قبل دخوله دار الحرب مقدمة له، والرجعة: التي أمرها بالرجوع وقد توجه الجيش إلى بلاد الإسلام، ولا يختص ذلك بهما؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 366]: (والنفل: زيادة يشرطها الإمام أو الأمير لمن يفعل ما فيه نكاية في الكفار) وعبارة "الحاوي" [ص 444]: (لمتعاطي خطر) فعبارتهما أعم، ومع ذلك فشرطه: أن تدعو إليه حاجة، وهذا أحد قسمي النفل، والقسم الثاني: أن ينفل من صدر منه أثر محمود؛ كمبارزة وحسن إقدام من غير شرط سابق. 3388 - قول "التنبيه" في غير ما يتبسط فيه [ص 235]: (لا يجوز لأحد منهم أن يستبد به، وله قول آخر: أنه إذا قال الأمير: "من أخذ شيئاً .. فهو له" .. صح، ومن أخذ شيئاً .. ملكه) محل هذا القول: في الغانمين، ولا يجوز لغيرهم قطعاً، ولم يصحح هذا القول متقدم ولا متأخر إلا الشيخ تاج الدين الفركاح؛ فإنه رجحه، ورد عليه النووي في تصنيف مفرد. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 444). (¬2) انظر "فتح العزيز" (7/ 363). (¬3) انظر "المهذب" (2/ 244)، و"الروضة" (6/ 376). (¬4) الأم (4/ 140). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 457)، و"التهذيب" (5/ 173).

3389 - قوله: (ويقسم الباقي - وهو الأربعة أخماس - بين الغانمين) (¬1) ليس فيه إفصاح عن المستحق له، وقد نبه "المنهاج" فقال [ص 366]: (وهم: من حضر الوقعة بنية القتال وإن لم يقاتل) وعبارة "الحاوي" [ص 445]: (لشاهد الحرب له) وقد أورد عليهما أمور: أحدها: أنه ينبغي أن يزاد: (ممن يسهم له) ليخرج العبد والمرأة والصبي والكفار؛ ولعل إهمال ذلك لكونه معلوماً، وقد ذكرا حكمهم بعد، وقال السبكي: يحتمل إبقاء الكلام على عمومه، ومن يرضخ لهم من جملة الغانمين، فلا حاجة إلى إخراجهم. وقال شيخنا ابن النقيب: هو صحيح بناء على الأصح: أن الرضخ من الأخماس الأربعة، وهو مراد الشيخ إن شاء الله تعالى؛ فإن الكلام على غانم يستحق من الأخماس الأربعة، لا في مطلق غانم، ولما عبر في "الروضة" بمن شهد الوقعة .. زاد هذه الزيادة. انتهى (¬2). ثانيها: لو انهزم غير متحرف لقتال ولا متحيز إلى فئة ولم يعد .. لم يستحق شيئاً مع حضوره الوقعة، وهو مفهوم قول "الحاوي" [ص 445]: (أو خرج لتحيز إلى فئة قريبة) فلو عاد قبل انقضائها .. استحق من المحوز بعده فقط، قاله البغوي (¬3). قال الرافعي: وقياسه: أن من حضر في الأثناء .. لا يستحق من المحوز قبل حضوره، وقد قاله بعض الأصحاب (¬4). قال النووي: وهو متعين، وكلام من أطلق محمول عليه (¬5). ورده السبكي: بأن المنهزم معرض، فلا يأخذ مما حيز في إعراضه، بخلاف المدد، وصحح الإمام والغزالي: استحقاقه من الكل. ثالثها: المخذل والمرجف لا يستحقان سهماً ولا رضخاً، وقد ذكر "الحاوي" المخذل (¬6). وأجيب عنهما: بأنه لا نية لهما في القتال، فإن فرضت النية مع التخذيل والإرجاف .. احتيج إلى لفظ يُخرجهما. 3390 - قول "الحاوي" [ص 445]: (ويُخْرَج) قال الرافعي: إلا أن يحصل بإخراجه وهن .. فيترك (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 235). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (5/ 231). (¬3) انظر "التهذيب" (5/ 174). (¬4) انظر "فتح العزيز" (7/ 365). (¬5) انظر "الروضة" (6/ 377). (¬6) الحاوي (ص 445). (¬7) انظر "فتح العزيز" (7/ 366، 367)، (11/ 384، 385).

3391 - قول "المنهاج" [ص 366]: (ولا شيء لمن حضر بعد انقضاء القتال، وفيما قبل حيازة المال وجه) تبع "المحرر" في أنه وجه (¬1)، لكن رجح في "الروضة" أنه قول، فقال: قولان، وقيل: وجهان (¬2)، وعبارة أصله: وجهان في رواية بعضهم وقولان في رواية آخرين (¬3). وأما عكسه، وهو: ما لو حيز المال قبل انقضاء الحرب .. فقال ابن الرفعة: قياس البناء على وقت الملك: أن يأتي فيمن جاء حينئذ الخلاف، وبه صرح الفوراني، وصحح الإمام والغزالي المشاركة؛ لأن الحيازة لم تكمل؛ فإنه بصدد الاسترداد (¬4)، وجعله القاضي حسين أولى بالمشاركة مما قبله. 3392 - قول "التنبيه" [ص 235]: (ومن مات أو خرج عن أن يكون من أهل القتال بمرض قبل أن تنقضي الحرب .. لم يسهم له) ليس كذلك في المريض؛ فإنه يستحق إن رجي زوال مرضه، وكذا إن لم يرج؛ كالعمى والزمانة في الأصح؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 445]: (وإن مرض). 3393 - قول "التنبيه" [ص 235، 236]: (وفي الأجير ثلاثة أقوال، أحدها: يسهم له، والثاني: يرضخ، والثالث: يخير، فإن اختار السهم .. فسخت الإجارة وسقطت الأجرة، وان اختار الأجر .. سقط السهم) فيه أمور: أحدها: أنه أطلق محل الخلاف تبعاً لـ"المختصر"، وكذا فعل المسعودي، وقيده الغزالي والبغوي بمن قاتل (¬5). ثانيها: صورة المسألة: أن ترد الإجارة على عينه وتقدر بمدة معينة؛ ولهذا مثله "المنهاج" بسياسة الدواب وحفظ أمتعة (¬6)، فأما إذا وردت على الذمة وقدرت بعمل كخياطة ثوب وبناء حائط .. استحق السهم قطعاً. ثالثها: صحح النووي في "تصحيح التنبيه" الأول (¬7)، لكن أهمل شرطه، وهو: أن يقاتل، وقد صرح به "الحاوي" (¬8)، وفي "المنهاج" أنه الأظهر إذا قاتل (¬9)، فيحتمل أن يكون تقييداً ¬

_ (¬1) المحرر (ص 284). (¬2) الروضة (6/ 377). (¬3) فتح العزيز (7/ 364). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (11/ 503)، و"الوسيط" (4/ 543). (¬5) انظر "الوسيط" (4/ 546)، و"التهذيب" (5/ 170، 171). (¬6) المنهاج (ص 366). (¬7) تصحيح التنبيه (2/ 209). (¬8) الحاوي (ص 445). (¬9) المنهاج (ص 366).

لمحل الخلاف، فيوافق البغوي والغزالي، ويحتمل أن يكون تقييداً للفتوى فقط. رابعها: الأجرة الساقطة عند اختيار الفسخ هي أجرة زمن الوقعة فقط دون ما قبلها وبعدها، وإذا سقط السهم لاختياره الأجرة .. أرضخ له. 3394 - قول "التنبيه" [ص 236]: (وفي تجار العسكر قولان، أحدهما: يسهم لهم، والثاني: يرضخ، وقيل: إن قاتلوا .. أسهم لهم، وإن لم يقاتلوا .. فعلى قولين) الأصح: طريق ثالث وهو: الجزم بالمنع إن لم يقاتلوا وحكاية القولين إن قاتلوا، وأصحهما: الاستحقاق، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 366]: (والأظهر: أن الأجير لسياسة الدواب وحفظ أمتعة والتاجر والمحترف يسهم لهم إذا قاتلوا) وفي "الحاوي" [ص 445]: (وللتاجر والمحترف والأجير إن قاتل) فقوله: (إن قاتل) يعود للمسائل الثلاث، وإذا لم يسهم .. أرضخ في الأصح. 3395 - قولهم: (للفارس ثلاثة أسهم) (¬1) يتناول ما لو قاتل في سفينة ومعه فرس، وقد نص عليه الشافعي؛ لأنه قد يحتاج إليه، وحمله ابن كج على من بقرب الساحل واحتمل أن يخرج ويركب، وإلا .. فلا، فلو حضرا بفرس مشترك .. فهل يعطي كل منهما سهم فرس، أو لا يعطيان، أو يعطيان سهم فرس مناصفة؟ أوجه، قال النووي: لعل الثالث أصح (¬2)، وصححه السبكي أيضاً، فلو ركباه .. فهل لهما ستة أسهم، أم سهمان، أم أربعة أسهم؛ سهمان لهما وسهمان للفرس؟ فيه ثلاثة أوجه، حكاها الرافعي بلا ترجيح (¬3)، وقال النووي: اختار ابن كج في "التجريد" وجهاً رابعاً حسناً: أنه إن كان فيه قوة الكر والفر مع ركوبهما .. فأربعة أسهم، وإلا .. فسهمان (¬4)، ونزل السبكي الثالث عليه، وصححه. 3396 - قول "التنبيه" [ص 235]: (وإن حضر بفرس ضعيف أو أعجف .. أسهم في أحد القولين دون الآخر) الأظهر: أنه لا يسهم له، وعليه مشى "الحاوي" و"المنهاج"، وبين أن محل القول الآخر: إذا لم يُعلم نَهْيُ الأمير عن إحضاره (¬5). 3397 - قول "التنبيه" [ص 235]: (وإ عار فرسه فلم يجده إلا بعد انقضاء الحرب .. لم يسهم له، وقيل: يسهم له، وليس بشيء) قال الماوردي: محل الخلاف: إذا غاب الفرس عن الوقعة ومصاف القتل، وإلا .. أسهم له (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 235)، و"الحاوي" (ص 445)، و"المنهاج" (ص 367). (¬2) انظر "الروضة" (6/ 384، 385). (¬3) انظر "فتح العزيز" (7/ 375). (¬4) انظر "الروضة" (6/ 385). (¬5) الحاوي (ص 445)، المنهاج (ص 366). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 420).

3398 - قوله: (وإن غصب فرساً وقاتل عليه .. فالسهم له في أظهر القولين، ولصاحب الفرس في الآخر) (¬1)، صحح السبكي: أنه لصاحب الفرس، لكن الأصح عند الرافعي والنووي: الأول (¬2)، وعليه مشى "الحاوي" بقوله [ص 445]: (ملكٍ وغيره). 3399 - قول "التنبيه" [ص 235] و"الحاوي" [ص 445]: (إنه يرضخ للذمي إن أذن له الإمام) شرطه: أن يحضر بلا أجرة، فإن استؤجر للجهاد .. استحق الأجرة فقط، ذكره "المنهاج" (¬3). 3400 - قول "المنهاج" [ص 367]: (وهو: دون سهم) و"الحاوي" [ص 445]: (سهم ناقص) أي: لا يبلغ برضخ الراجل سهمه، وهل يبلغ برضخ الفارس سهم الراجل؟ وجهان كبلوغ تعزير الحر حد العبيد، وبالمنع قطع الماوردى (¬4). 3401 - قول "التنبيه" [ص 236]: (ومن أين يكون الرضخ؟ فيه أقوال) الأظهر: الثاني، وهو: أنه أربعة أخماسها، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬5). 3402 - قوله: (وشارك في غنيمة السرية جيش الإمام المترصد بالقرب للنصرة) (¬6) هذا الشرط - وهو: الترصد بالقرب - اعتبره جماعة منهم الغزالي (¬7)، ولم يتعرض له الأكثرون، واكتفوا باجتماعهم فى دار الحرب. قال في "الروضة": وهو الأصح أو الصحيح (¬8)، ولذلك أطلق "التنبيه" مشاركة الجيش للسرية في غنيمتها، بل مشاركة سرية أخرى لها في ذلك (¬9). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 235). (¬2) انظر "فتح العزيز" (7/ 374)، و"الروضة" (6/ 384). (¬3) المنهاج (ص 367). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (8/ 402). (¬5) الحاوي (ص 445)، المنهاج (ص 367). (¬6) انظر "الحاوي" (ص 445). (¬7) انظر "الوسيط" (4/ 544). (¬8) الروضة (6/ 379). (¬9) التنبيه (ص 236).

كتاب قسم الصدقات

كتاب قسم الصّدقات 3403 - كان ينبغي لـ"المنهاج" تصديره بأن المستحق للزكاة ثمانية، ثم يذكرهم تفصيلاً كما فعل "التنبيه" و"الحاوي" (¬1)، وتقديم "المنهاج" و"الحاوي" الفقير أولى من بداءة "التنبيه" بالعامل (¬2)، للاقتداء بالآية الكريمة، وقال في "الكفاية": بدأ بالعامل؛ لأنه مقدم في القسم على الأصح؛ لكونه يأخذ عوضاً. 3404 - قول "التنبيه" [ص 61]: (وإن منعها جاحداً لوجوبها .. كفر) قيده ابن الرفعة بمن نشأ بين المسلمين وقدم إسلامه، ولا يحتاج إليه؛ لأن حديث الإسلام والناشئ ببادية إذا لم يعرف وجوب الزكاة .. لا يقال له: جاحد؛ لأن الجحد إنكار ما سبق الاعتراف به كما تقدم ذلك في (الصلاة). 3405 - قول "التنبيه" [ص 63]: (الفقراء، وهم: الذين لا يقدرون على ما يقع موقعاً من كفايتهم) أي: لا بالمال ولا بالكسب، وقد صرح به "المنهاج" فقال [ص 368]: (من لا مال له ولا كسب يقع موقعاً من حاجته) و"الحاوي" فقال [ص 446]: (من لا يقع ماله وكسب لائق لا يمنع تفقهه موقعاً من حاجته) ومع ذلك فتعبير "التنبيه" أحسن؛ فإنه لو كان له كسب لكنه منع منه المرض، أو لم يجد من يستعمله .. فقد صدق أنه لا يقدر على ما يقع موقعاً من كفايته، وهو وارد على عبارة "المنهاج" و"الحاوي" لأن له كسباً. وعبر آخرون بأنه: من لا يملك ما يقع موقعاً من كفايته، قال السبكي: فيؤخذ من العبارتين خلاف في أن الكسوب هل هو فقير ولكنه لا يعطى، أو ليس بفقير؟ قال: والأقرب عندي: الثاني؛ أي: كما اقتضته عبارة هؤلاء. واعلم: أن المراد: تفسير الفقر في هذا الباب، وأما في (العرايا): فهو من لا نقد بيده، وأما في العاقلة: فهو من لا يملك ما يفضل عن كفايته على الدوام. 3406 - قول "المنهاج" [ص 368]: (ولا يمنع الفقر مسكنه وثيابه) أي: ولو تعددت إذا احتاج إليها ولو كانت للتجمل، قال السبكي: وإطلاقه المسكن والثياب يقتضي أنه لا فرق بين اللائق به وغيره؛ لأنه إذا ألفها .. شق بيعها. قال شيخنا ابن النقيب: وفيه نظر (¬3). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 63)، الحاوي (ص 446). (¬2) التنبيه (ص 63)، الحاوي (ص 446)، المنهاج (ص 368). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (5/ 244).

ولو لم يكن له عبد ولا مسكن واحتاج إليهما ومعه ثمنهما .. قال السبكي: لم أر فيه نقلاً، ويظهر أنه كوفاء الدين، وقد قال الرافعي فيما لو كان عليه دين ومعه ما يوفيه به: يمكن أن يقال: لا عبرة بما يوفيه به كما في نفقة القريب والفطرة، وفي "فتاوى البغوي": أنه لا يعطى بالفقر حتى يصرفه في الدين (¬1)، واختاره السبكي، فلو اعتاد السكنى بالأجرة أو في المدرسة .. قال السبكي: فالظاهر خروجه عن اسم الفقر بثمن المسكن. قال الرافعي: ولم يتعرضوا لعبده المحتاج إلى خدمته، وهو في سائر الأصول كالمسكن (¬2). قال النووي: صرح ابن كج بأنه كالمسكن، وهو متعين. انتهى (¬3). وصرح به في "النهاية" أيضاً، لكن في المسكنة لا في الفقر، فقال: إن ملك الخادم والمسكن لا يمنع اسم المسكنة، بخلاف اسم الفقر (¬4). 3407 - قوله: (وماله الغائب في مرحلتين) (¬5) حكاه الرافعي عن البغوي (¬6)، وهو في "تعليق القاضي حسين" مخرج من نصه على أخذه ببنوة السبيل، وقد فرق بينهما أبو إسحاق، وقال: يعطى ببنوة السبيل لا بالفقر. قال السبكي: ويحتاج القول بالأخذ مع أن له مالاً غائباً إلى دليل. نعم؛ إن لم يجد من يقرضه .. جاز الأخذ. 3408 - قوله: (والمؤجل) (¬7) يقتضي أنه لا فرق بين أن يحل قبل مضي زمن مسافة القصر أم لا، قال الرافعي: وقد يتردد الناظر فيه (¬8). 3409 - قوله: (ولو اشتغل بعلم والكسب يمنعه .. ففقيرٌ) (¬9) أعم من تعبير "الحاوي" بالتفقه (¬10)، لتناوله كل علم شرعي، وهو: التفسير والحديث والفقه على المشهور كما سبق في (الوصايا) (¬11)، وقد صرح في "أصل الروضة" بأن المراد: العلوم الشرعية، ثم قال من زيادته: ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (7/ 376، 377). (¬2) انظر "فتح العزيز" (7/ 376). (¬3) انظر "الروضة" (2/ 308). (¬4) نهاية المطلب (11/ 541). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 368). (¬6) انظر "فتح العزيز" (7/ 377). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 368). (¬8) انظر "فتح العزيز" (7/ 377). (¬9) انظر "المنهاج" (ص 368). (¬10) الحاوي (ص 446). (¬11) انظر "المنهاج" (ص 356).

هذا الذي ذكره في المشتغل بالعلم هو المعروف في كتب أصحابنا، وذكر الدارمي فيه ثلاثة أوجه، ثالثها: إن كان نجيباً يُرجى فقهه ونفع الناس به .. استحق، وإلا .. فلا. انتهى (¬1). وخرج بالمشتغل المعطل المعتكف فى المدرسة، ومن لا يتاتى منه التحصيل .. فلا تحل لهما الزكاة مع القدرة على الكسب. قال السبكي: يحتملى حمله على بعض ما قال الدارمي، ويحتمل أن يكون هذا فيمن لا يشتغل ألبتة وذاك مشتغل. قال في "البسيط": فلو كان يكتسب بالوراقة بحيث لا يمنعه الاشتغال .. لم يعط. 3410 - قول "المنهاج" [ص 368]: (ولا يشترط فيه الزمانة ولا التعفف عن المسألة على الجديد) أي: فيهما، ورجح في "الروضة" القطع به فقال: على المذهب، وبه قطع المعتبرون، وقيل: قولان: الجديد، والقديم (¬2). قوله: (والمكفيُّ بتفقة قريب أو زوجٍ ليس فقيراً في الأصح) (¬3) فيه أمور: أحدها: أنه غير مطابق لقول "المحرر": (لا يعطيان من سهم الفقراء) (¬4) فإنه لا يلزم من عدم إعطائهما منه ألاَّ يكونا فقيرين؛ فقد لا يعطيان مع اسم الفقر؛ لعدم الحاجة لانسداد خلتهما، نبه عليه السبكي، وقال: إن الراجح ما في "المحرر". انتهى. وتوافقه عبارة "الحاوي" فإنه بعد تفسير الفقير والمسكين قال: (لا المكفي بنفقة القريب والزوج) (¬5) فلم يدخل ذلك في تفسيرهما وذكر السبكي: أن الذي صححه "المحرر" و"المنهاج" هنا مخالف لتصحيح "الروضة" وأصلها (¬6)، وليس كذلك؛ فملخص ما في "الروضة": لو وقف أو أوصى لفقراء أقاربه وفيهم مكفي بنفقة من تلزمه نفقته .. فالثالث: يعطى ممون القريب دون الزوجة، والرابع: عكسه، فإن منع - وهو الأصح -. فمن الزكاة أولى؛ لأن الوقف باسم الفقر، والاسم باق مع القيام بأمره، والمعتبر في الزكاة الحاجة، وإلا .. فيعطيان في الأصح (¬7). ثانيها: أن اقتصاره على أنه ليس فقيراً قد يوهم أنه مسكين، وليس كذلك؛ ولهذا أخر "الحاوي" قوله [ص 446]: (لا المكفي بنققة القريب والزوج) عن بيان الفقير والمسكين، وذلك ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 308، 309). (¬2) الروضة (2/ 309). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 368). (¬4) المحرر (ص 285). (¬5) الحاوي (ص 446). (¬6) فتح العزيز (7/ 379)، الروضة (2/ 309). (¬7) الروضة (2/ 309).

يفهم أنه يعطى من سهم غيرهما، وهو كذلك. ثالثها: محل الخلاف: في غير القريب المنفق، أما القريب المنفق .. فلا يعطيه بهما قطعاً، ويعطيه بغيرهما، بخلاف الزوج؛ فيجري فيه الخلاف، قال في "الروضة" هنا: أو يعطيها من سهم المؤلفة في الأصح، وقال الشيخ أبو حامد: لا تكون المرأة من المؤلفة وهو ضعيف (¬1)، لكنه قال في أواخر الباب من زيادته: لو دفع سهم المؤلفة ثم بان المدفوع إليه امرأة .. فكما لو بان عبداً (¬2)، أي: والأصح في ظهوره عبداً: عدم الإجزاء، ومقتضى كلام "الروضة" وأصلها هنا: أن المكاتب مكفي بنفقة قريبه، وليس كذلك؛ فقد صحح في "الروضة" من زيادته: أنه لا تجب نفقته على قريبه؛ وعلله: بأنه رقيق (¬3). 3411 - قول "التنبيه" في المساكين [ص 63]: (وهم: الذين يقدرون على ما يقع موقعاً من كفايتهم ولا يكفيهم) أي: بالمال أو الكسب كما هو مصرح به في "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، وتقدم مثله في الفقير. قال في "المهمات": واستنبطت من كلامهم أن المراد: عدم الكفاية في تلك السنة؛ فإن الرافعي ذكر في (الأيمان): أن المسكين ينتقل إلى التكفير بالصوم (¬5)، وفي (الظهار): أن الانتقال إلى الصوم هل شرطه العجز عن السنة أم عن العمر الغالب فيه؟ احتمالان (¬6)، قال النووي: فالصواب منهما: اعتبار السنة (¬7)، قال: فثبت من مجموع كلامهما أن المراد بعدم الكفاية: إنما هو في السنة، وهو عزيز مهم، فمن عجز عن كفاية السنة .. فهو مسكين، وهل يعطى كفاية سنة أم العمر الغالب؟ فيه الخلاف المشهور، ومن معه كفاية سنة .. لا يعطى شيئاً؛ لأنه ليس مسكيناً حينئذ، وإن كنا نعطيه كفاية العمر الغالب لو نقص ما معه عن السنة. 3412 - قول "التنبيه" [ص 63]: (فإن رآه قوياً وادعى أنه لا كسب له .. أعطاه من غير يمين، وقيل: لا يعطى إلا بيمين) صحح النووي في "شرح المهذب": أنه يعطى من غير يمين (¬8)، والإعطاء بيمين يحتمل الوجوب والاستحباب، وهما وجهان في "الروضة" وأصلها بلا ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 310). (¬2) الروضة (2/ 338). (¬3) الروضة (9/ 97). (¬4) الحاوي (ص 446)، المنهاج (ص 368). (¬5) انظر "فتح العزيز" (12/ 271). (¬6) انظر "فتح العزيز" (9/ 315). (¬7) انظر "الروضة" (8/ 296). (¬8) المجموع (6/ 176).

ترجيح (¬1)، ومحل التحليف: عند التهمة، وإلا .. فلا تحليف قطعاً؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 446]: (وحلف ندباً إن اتهم). 3413 - قول "التنبيه" [ص 61]: (وإن قال: بعته ثم اشتريته ولم يحل عليه الحول وما أشبه ذلك مما يخالف الظاهر .. حلف عليه، وقيل: يحلف استحباباً) صحح النووي الثاني، وهو التحليف استحباباً (¬2)، والعراقيون على الوجوب، ومحل الخلاف: إذا اتهمه، وإلا .. لم يحلفه، قاله الماوردي وغيره (¬3). 3414 - قولهم: (والعامل) (¬4) يشترط في الصرف له أمران: أحدهما: أن يعمل، فلو فرق المالك، أو حملها إلى الإمام .. سقط، وذلك يؤخذ من تسميته عاملاً. ثانيهما: لو استأجره الإمام من بيت المال، أو جعل له منه جعلاً .. لم يأخذ من الزكاة كما قاله البندنيجي والمتولي، قال الإمام: وهو الظاهر (¬5). وقد يؤخذ من فحوى كلامهم ما يدل على أن حرمانه من الزكاة بالكلية لا يجوز، والظاهر: أن "التنبيه" أراد بالعامل: الساعي (¬6)، ولهذا اعتبر فيه ما ذكره من الشروط، لكن الأمر غير منحصر فيه؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 368]: (والعامل: ساعٍ، وكاتبٌ، وقاسمٌ، وحاشرٌ يجمع ذوي الأموال) وبقى عليه: الحاسب، والعريف وهو كالنقيب للقبيلة، قال المسعودي: والجندي؛ أي: المشد. ولم يحصر "الحاوي" بل قال لما ذكر العامل [ص 447]: (كالساعي والكاتب). وأما أجرة الكيال والوزان، وعاد النعم .. فهي على المالك في الأصح، والمراد: الذي يميز نصيب المستحقين من نصيب المالك، فأما الذي يميز بين الأصناف .. فأجرته من سهم العامل قطعاً، وأما حافظ المال والراعي بعد القبض .. فالأصح: أن أجرتهما في أصل مال الزكاة، ولا يختص بسهم العامل. 3415 - قول "المنهاج" [ص 368] و"الحاوي" [ص 447]: (لا القاضي) يقتضي أن للقاضي قبضها وصرفها، وذلك في مال أيتام تحت نظره، أما غيرهم .. ففي دخول ذلك في عموم ولايته إذا لم يقم الإمام له متكلماً وجهان. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (7/ 399)، الروضة (2/ 323). (¬2) انظر "الروضة" (2/ 340). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (3/ 126). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 63)، و"الحاوي" (ص 447)، و"المنهاج" (ص 368). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (11/ 548، 549). (¬6) التنبيه (ص 63).

3416 - قول "المنهاج" [ص 368]: (والوالي) أعم من تعبير "الحاوي" [ص 447]: (بالإمام) لشموله والي الإقليم عموماً؛ فإن ولايته تشمل قبضها وتفريقها، ولا يأخذ سهم العامل كالإمام؛ لأن رزقه من الخمس. قال القاضي أبو الطيب: لو تولاها الإمام .. سقط سهم العامل، ولا يأخذه الإمام. 3417 - قول "التنبيه" [ص 63]: (وإن كان - أي: الثمن - أقل من أجرة عمله .. تمم من خمس الخمس في أحد القولين، ومن الزكاة في الثاني) الأظهر: الثاني، وهو ظاهر إطلاق "الحاوي" أن له أجر المثل (¬1). 3418 - قول "التنبيه" [ص 63]: (وأما مؤلفة المسلمين .. فضربان: ضرب لهم شرف يرجى بعطيتهم إسلام نظرائهم، وقوم يرجى حسن إسلامهم، وفيه ثلاثة أقوال، أحدها: لا يعطون، والثاني: يعطون من سهم المؤلفة، والثالث: من خمس الخمس) الأظهر: الثاني، وهو إعطاؤهم من سهم المؤلفة، وعليه مشى "الحاوي" و"المنهاج" (¬2) لكن في تعبيره بالمذهب نظر؛ فليس في المسألة طرق. وشرط إعطائهم: الاحتياج إليهم كما نقله في "الكفاية" عن "المختصر" (¬3). 3419 - قول "التنبيه" [ص 63]: (وضرب في طرف بلاد الإسلام؛ إن أعطوا .. دفعوا عن المسلمين، وقوم إن أعطوا .. جبُوا الصدقات ممن يليهم ففيهم أربعة أقوال، أحدها: يعطون من سهم المؤلفة) هو الأظهر، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 447]: (والمتألف على جهاد الكفار ومانع الزكاة حيث أهون من بعث جيش)، وتعبير "التنبيه" بالدفع عن المسلمين أعم؛ فقد يدفعون البغاة، وكذا تعبيره بجباية الصدقات أعم؛ فقد يجبونها من غير مانع، بل ممن يستثقل نقلها للإمام، ويصعب إرسال ساع إليهم؛ للبعد أو الخوف. 3420 - قول "التنبيه" [ص 63]: (فأما مؤلفة الكفار فضربان: من يرجى إسلامه، ومن يخاف شره، فيعطون من خمس الخمس) خالف ذلك في قسم الفيء والغنيمة، فقال: (إنهم لا يعطون شيئاً) وهو الأظهر، ومراده: تقسيم المؤلفة من حيث هم، لا مؤلفة الزكاة بالخصوص؛ لأن مؤلفة الكفار ليسوا من أهلها بلا شك. 3421 - قولهما: (والرقاب: المكاتبون) (¬4) أي: كتابة صحيحة كما قيده "الحاوي" فلا ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 447). (¬2) الحاوي (ص 447)، المنهاج (ص 368). (¬3) مختصر المزني (ص 158). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 63)، و"المنهاج" (ص 368).

يعطى في الفاسدة (¬1)، وحيث صحت كتابة بعض عبد؛ بأن أوصى بكتابة عبد فعجز عنه الثلث، وهو الأصح. . لم يعط في الأصح، وفي ثالث استحسنه الرافعي: أنه إن كان بينهما مهايأة .. صرف إليه في نوبته، وإلا .. فلا. ويستثنى من ذلك: مكاتبه فليس له صرف زكاته إليه على الصحيح. 3422 - قول "الحاوي" [ص 448]: (ولو قبل الحلول) كذا صححه الرافعي والنووي (¬2)، لكن صحح النووي في نظيره من الغارم خلافه (¬3)، وهو في "المنهاج" (¬4)، فيحتاج على طريقته إلى الفرق، وقد بنى الرافعي الخلاف في الغارم على المكاتب، ثم قال: ثم قد يجعل الغارم أولى بالإعطاء؛ لاستقرار دينه، بخلاف المكاتب، وقد يعكس لغرض الحرية بالتعجيل (¬5)، فقد يفرق النووي بهذا. 3423 - قولهما - والعبارة لـ"التنبيه" -: (الغارمون، وهم ضربان) (¬6) أهملا ضرباً ثالثاً، وهو: الضامن وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 448]: (وللضمان إن أعسرا) أي: الضامن والمضمون عنه، وبقي عليه: ما لو أعسر الضامن فقط، لكن كان الضامن متبرعاً بغير إذن. 3424 - قول "الحاوي" [ص 448]: (ولنفسه لمباح) يقتضي أنه إذا استدان لنفسه لمحرم .. لا يعطى ولو تاب، وهو الذي يقتضيه قول "المحرر": (بشرط ألاَّ تكون الاستدانة لمعصية) (¬7) لكن استدرك عليه "المنهاج" فقال [ص 368]: (الأصح: يعطى إذا تاب) وهو استدراك على عموم مفهوم الشرط، وصححه "التنبيه" أيضاً (¬8)، وقال الرافعي في "الكبير": صحح كلاً من الوجهين قوم (¬9)، ورجح في "الصغير": أنه يعطى. وقال النووي في "الروضة": جزم في "المحرر" بالأول: أنه لا يعطى، والأصح: الثاني (¬10). ومراده بجزم "المحرر": ما أفهمه عموم المفهوم، وفي "المهمات": أنه مقتضى كلام ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 447). (¬2) انظر "فتح العزيز" (7/ 388، 389)، و"الروضة" (2/ 315). (¬3) انظر "الروضة" (2/ 318). (¬4) المنهاج (ص 368). (¬5) انظر "فتح العزيز" (7/ 392). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 63)، و"المنهاج" (ص 368). (¬7) المحرر (ص 285). (¬8) التنبيه (ص 63). (¬9) انظر "فتح العزيز" (7/ 391، 392). (¬10) الروضة (2/ 317).

الإمام؛ فإنه شرط في إعطائه ألاَّ يكون غرمه في معصية، ولم يفصل بين أن يتوب أم لا، قال في "الكفاية": ومحلهما: إذا استدان للصرف في الحرام، وصرفه فيه، فإن لم يصرفه فيه، أو صرف فيه ما استدانه لمباح .. قال الإمام: يعطى إذا تحقق قصد الإباحة أولاً، ولكنا لا نصدقه فيه عند صرفه في الحرام (¬1). وقال السبكي: مثلوا الدين في معصية بالاقتراض ليشتري خمراً، فحرم القصد لمقارنة الفعل، وقياسه: شراء عنب الخمر، قال: ولا يتصور كون الدين سببه معصية إلا بعقد صحيح، فالفاسد لا يعلق بالذمة شيئاً، إلا أن يكون إتلافاً محرماً، فهو الذي يكون ديناً (¬2) سببه معصية، وهو لازم في الذمة بالإجماع، فالتمثيلى به أحسن، إلا أن يراد: أنه لزم ذمته بسبب مباح، وأنفقه في حرام؛ ولهذا قسموه إلى مُصِرٍّ وتائب. انتهى. قال الرافعي: ولم يتعرضوا لمضي مدة الاستبراء ليظهر صلاحه، إلا أن الروياني قال: (إذا ظن صدقه في توبته)، فيمكن حمله عليه (¬3). 3425 - قول "المنهاج" [ص 368]: (والأظهر: اشتراط حاجته) قد يفهم عوده إلى التائب تفريعاً على ما صححه: أنه يعطى، وليس كذلك، بل لا خلاف في اشتراط الحاجة في هذه الصورة، وإنما يعود إلى المستدين في غير معصية، وعبارة "التنبيه" تدل على ذلك (¬4)، وحصر "الحاوي" الأخذ بالمباح كما تقدم، وقال [ص 448]: (إن أعسر). ولو قدر بالكسب .. أعطى في الأصح، قال الرافعي: ومن المهم البحثه عن معنى الحاجة، وعبارة أكثرهم تقتضي كونه فقيراً، والأقرب قول بعض المتأخرين: أنه لا يعتبر الفقر والمسكنة، بل يترك معه ما يكفيه، وأقره النووي (¬5). 3426 - قول "المنهاج" [ص 368]: (دون حلول الدين) يقتضي أن الخلاف فيه قولان كالمسألة قبلها؛ فإنه جمع بينهما، وعبر بالأظهر، لكن قوله عقبه: (قلت: الأصح: اشتراط حلوله) (¬6) يقتضي أن الخلاف وجهان، والخلاف في "الشرحين" وجهان (¬7)، ومحلهما عند الغزالي: ما إذا لم يكن له غلة وقف عند الحلول بقدر الدين، فإن كانت تغني بعد كفايته وكفاية عياله .. لم يعط. ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (99/ 553). (¬2) في كل النسخ: (دين)، ولعل الصواب ما أثبت. (¬3) انظر "فتح العزيز" (7/ 392). (¬4) التنبيه (ص 63). (¬5) انظر "فتح العزيز" (7/ 399)، و"الروضة" (2/ 397). (¬6) المنهاج (ص 368). (¬7) فتح العزيز (7/ 392).

فصل [في بيان مستند الإعطاء وقدر المعطى]

3427 - قولهما في ابن السبيل: (وشرطه: الحاجة) (¬1) قد يرد عليه: ما لو وجد من يقرضه .. فإنه لا يعطى، بخلاف من لا مال له، وقد يقال: لا يرد عليهما؛ فإنه في هذه الحالة غير محتاج. نعم؛ يرد ذلك على قول "الحاوي" [ص 449]: (المعسر) فإن وُجْدَانَ ما يستقرضه لا يخرجه عن الإعسار، وتعبير "التنبيه" بقوله [ص 64]: (المسافر، أو المريد للسفر في غير معصية) و"الحاوي" بقوله [ص 449]: (المسافر، لا معصية) أظهر في المراد من قول "المنهاج" [ص 369]: (وشرطه: الحاجة وعدم المعصية) لدلالة العبارتين الأولتين على أن الشرط: ألاَّ يكون السفر نفسه معصية، وإيهام الثالثة أن الشرط: انتفاء المعصية من المسافر وإن لم يكن السفر معصية. 3428 - قول "التنبيه" [ص 64]: (ولا يدفع إليه حتى تثبت حاجته) قال ابن الرفعة: لم أره فيما وقفت عليه لأحد من الأصحاب، بل المنقول: أن المسافر إذا ذكر أنه لا مال له في هذا البلد ولم يعرف له مال فيه .. فالقول قوله. 3429 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (وشرط آخذ الزكاة من هذه الأصناف الثمانية: الإسلام) (¬2) يجوز أن يكون الحمال والكيال والحافظ كافراً ويعطى من سهم العامل، وكذلك يجوز أن يكون من ذوي القربى، وبه استدل على أنه أجرة لا زكاة. 3430 - قول "التنبيه" [ص 64]: (ويجوز الدفع إلى موالي بني هاشم وبني المطلب، وقيل: لا يجوز) الأصح: أنه لا يجوز وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 369]: (وكذا مولاهم في الأصح) و"الحاوي" في (الخصائص) فقال [ص 451]: (والزكاة على قريبه ومواليهم). فَصلٌ [في بيان مستنَد الإعطاء وقدر المُعْطَى] 3431 - قول "المنهاج" [ص 369]: (من طلب زكاة وعلم الإمام استحقاقه أو عدمه .. عمل بعلمه) قال الرافعي: ولم يخرجوه على الخلاف في القضاء بالعلم (¬3). قال ابن الرفعة: ولعل سببه أنه ليس بحكم، قال السبكي: اختلفوا في أن فعل الحاكم حكم أم لا؛ وهنا عليهما: ينبغي ألاَّ يشترط فيه شروط الحكم؛ للمشقة وعسر البينة. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 64)، و"المنهاج" (ص 369). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 63)، و"الحاوي" (ص 449)، و"المنهاج" (ص 369). (¬3) انظر "فتح العزيز" (7/ 399).

3432 - قول "الحاوي" [ص 446]: (بقولهما) أي: يعطى مدعي الفقر أو المسكنة بقوله من غير بينة، ومحله: إذا لم يعرف له قبل ذلك مال؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 369]: (فإن عرف له مال وادعى تلفه .. كلف) أي: ببينة، وهو مثل قول "التنبيه" [ص 63]: (فإن عرف رجل بالغنى ثم ادعى الفقر) قال الرافعي: ولم يفرقوا بين أن يدعيه بسبب ظاهر أو خفي كالمودع (¬1). وفرق ابن الرفعة: بأن الأصل عدم ضمان المودع، وعدم استحقاق الصرف. والبينة هنا رجلان أو رجل وامرأتان، وقيل: لا بد هنا من ثلاثة؛ لحديث فيه (¬2). 3433 - قولهما: (وإن ادعى عيالاً .. لم يقبل إلا ببينة) (¬3) قال السبكي: الظاهر: أن المراد بالعيال: من تلزمه نفقته ومن لا تلزمه ممن تقتضي المروءة والعادة بقيامه بنفقتهم ممن يمكن صرف الزكاة إليه من قريب حر وغيره، وكذا الزوجة؛ لأن نفقتها وإن كانت ديناً فإنما تجب يوماً بيوم، ولو جعلت من سهم الغارمين .. ففي تمييز نصيبها منه ونصيبه من سهم المساكين عسر أو خلاف في الأخذ بصفتين، وفي إفراد كل بالصرف من غير تبعية عسر حتى لو كانت مسكينة ولها ولد لو كانت موسرة .. لزمها نفقته، فهو من عيالها. انتهى. 3434 - قول "المنهاج" [ص 369]: (ويطالب عاملٌ ببينةٍ) قال السبكي: محله إذا أتى إلى رب المال وطالبه وجهل حاله، أما الإمام: فإنه يعلم حاله؛ فإنه الذي يبعثه، فلا تتأتى البينة فيه. 3435 - قول "الحاوي" [ص 447]: (وشريف بإعطائه يتوقع إسلام نظرائه، بالبينة) ذكر السبكي فيه مثل ما تقدم عنه في العامل: أن محله: في طلبه من رب المال، فأما الإمام: فإنه يعلم حاله؛ فإنه الذي يتألفه، فلا حاجة إلى بينة، وفيه نظر؛ فقد لا يعلم الإمام شرفه، وأن له نظراء يرغبون في الدخول في الإسلام بإعطائه، وهو في هذه الصورة لا يتألف على الإسلام بإعطائه؛ فإنه حسن الإسلام، وإنما يتألف بإعطائه نظراؤه؛ ليدخلوا في الإسلام. 3436 - قولهم: (إن الغارم يطالب ببينة) (¬4) ذكر السبكي أنه لا حاجة إليها في الغارم لذات البين؛ لظهور أمره؛ فإن إطفاء فتنة الحرب لا يخفى، وفيه نظر؛ فقد يكون ذلك في بلاد بعيدة عن الإمام قد يخفى عليه تفاصيل أحوال أهلها. 3437 - قول "المنهاج" [ص 369]: (وهي: إخبار عدلين) أحسن من قول "الحاوي" [ص 448]: (بشاهدين) ومن قول "التنبيه" [ص 63]: (حتى يثبت أنه غارم بالبينة) لإيهامهما اعتبار ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (7/ 399). (¬2) في النسخ: (للحديث فيه). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 63)، و"المنهاج" (ص 369). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 63)، و"الحاوي" (ص 448)، و"المنهاج" (ص 369).

لفظ الشهادة، لكن حكى الرافعي عن بعض المتأخرين: أنه لا يعتبر سماع القاضي والدعوى والإنكار، بل المراد: إخبار عدلين على صفات الشهود (¬1)، واستحسنه في "الشرح الصغير"، وحكاه ابن الرفعة عن "المحيط"، ونقله السبكي عن الإمام، واختاره (¬2)، وبه يشعر تعبير "المنهاج" بالإخبار. 3438 - قول "التنبيه" في المكاتب [ص 63]: (فإن صدقه المولى .. فقد قيل: يدفع إليه، وقيل: لا يدفع) ثم قال في الغارم: (فإن صدقه .. فعلى وجهين) الأصح فيهما: الدفع إليه بمجرد التصديق، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬3). 3439 - قول "الحاوي" في الفقير والمسكين [ص 446]: (إنهما يعطيان كفاية سنة) تبع فيه "الوجيز" و"المحرر" (¬4)، واستدرك عليه "المنهاج" فقال [ص 369]: (الأصح المنصوص، وقول الجمهور: كفاية العمر الغالب، فيشتري به عقاراً يستغله) وأشار في "التتمة" إلى تنزيل هذا الخلاف على حالين: إن أمكن إعطاء ما تحصل منه كفايته. . أعطاه، وإلا .. فكفاية سنة، ورده الرافعي: بأنه لو لم يقدر على أن يعطيه كفاية سنة.، فلابد أن يعطيه لما دونها؛ فلا معنى للضبط بها. واختار السبكي التنزيل، وأجاب عن السنة: بأن الغالب أن زكاة السنة لا تنقص عن كفايتها، فإن نقصت .. أعطينا المقدور كما قال الرافعي (¬5)، قال: والقول بالسنة وادخار الفاضل إلى القابلة بعيد لا وجه له ولا أعتقد أحداً يقول به، والقول بكفاية العمر لا يمكن لرب المال ولا للإمام عموماً غالباً، فإن أمكنه ذلك عموماً .. فينبغي أن لا يتردد في وجوبه؛ لأنه مالهم، قال: بل أقول: لو زادت على كفايتهم العمر؛ لكثرتها وقلتهم .. لزمه قسمتها كلها عليهم، وينتقل بعدهم إلى وارثيهم. قال: ومذهب الشافعي: عدم جواز ادخار شيء من مال المصالح في بيت المال مع عدم تعين مستحقه، فكيف بما تعين مستحقه؟ ! قال: إلا أن هذا فرض نادر؛ لأن الأرض لا تخلو عن الفقراء والمساكين، لكن جاء أن في آخر الزمان يطوف الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها، قال: ونص "الأم" و"المختصر" وغيره مما يخالف ما قلته خرج مخرج الغالب، وهو عدم زيادة الزكوات عن كفايتهم. انتهى. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (7/ 401). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (11/ 563). (¬3) الحاوي (ص 448)، المنهاج (ص 369). (¬4) الوجيز (1/ 473)، المحرر (ص 286). (¬5) انظر "فتح العزيز" (7/ 402).

ومحل الخلاف: فيمن لا يحسن الكسب بحرفة ولا تجارة، فأما المحترف .. فيعطى ما يشتري به أداة حرفته، ويعطى التاجر ما يتجر فيه؛ ولذلك قال "التنبيه" في الفقراء [ص 63]: (فيدفع إليهم ما تزول به حاجتهم من أداة يكتسب بها أو مال يتجر به) ومحله: في المكتسب والتاجر، وفي غيرهما الخلاف المتقدم، وحاصله: أن خلاف "المنهاج" و"الحاوي" ذكرا صورة و"التنبيه" (¬1) ذكر صورة، وكل منهما مقيد بالآخر، فلو ملك ما يكفيه أقل من سنة أو من العمر الغالب ولا حرفة له .. قال السبكي: الذي يظهر من كلام الأصحاب: أنه يعطى التكملة لسنة أو للعمر الغالب، ثم ذكر عن "الشافي" للجرجاني و"فتاوى البغوي" ما يقتضيه، قال: وتوهم بعض فقهاء الزمان أنه لا يعطى إلا إذا اتصف يوم الإعطاء بالفقر أو المسكنة، وليس كذلك. 3440 - قول "المنهاج" [ص 369]: (والمكاتب والغارم: قدر دينه) كان ينبغي أن يقول: (قدر دينهما) كما في "المحرر" و"الحاوي" (¬2)، أو لعطف بـ (أو)، ولو كان معهما اليعض .. أعطيا الباقي فقط. 3441 - قول "التنبيه" في ابن السبيل [ص 64]: (فيدفع إليه ما يكفيه في خروجه ورجوعه) محله: ما إذا أراد الرجوع؛ ولذلك اقتصر "المنهاج" و"الحاوي" على أنه يعطى ما يوصله مقصده أو موضع ماله (¬3)، وسكتوا عن كفايته في مدة مقامه، وهي مقدرة بمدة المسافر، وهي: ما دون أربعة أيام. 3442 - قول "الحاوي" [ص 449]: (يُملَّك، أو يعار الفرس والسلاح، والنفقة) فيه أمران: أحدهما: أن العارية إنما تأتي في الفرس والسلاح، أما النفقة .. فليس فيها غير التمليك، وهذا واضح، لكن عبارته لا تعطيه. ثانيهما: أنه أشار بالعارية إلى ما ذكره الرافعي من أن الإمام يشتري خيلاً من هذا السهم وينفقها في سبيل الله، فيعطيهم إياها عند الحاجة، فعبر عنه بالعارية، وكذا فعل النووي (¬4)، وفيه نظر؛ فإن انتفاع الموقوف عليه بما وقف عليه ليس عارية، ولو كان عارية .. لضمنه عند التلف بغير الاستعمال، والإمام ليس مالكاً لذلك حتى يعيره، وقد ذكر الوافعي والنووي مع التمليك والوقف الإجارة؛ بأن يستأجر له مركوباً، وأهمله المصنف، ولعله داخل في التمليك؛ فإن في الإجارة ملك المنفعة، وعبر "المنهاج" عن ذلك بقوله [ص 370]: (والغازي: قدر حاجته لنفقةٍ وكسوةٍ ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 63). (¬2) المحرر (ص 286)، الحاوي (ص 448). (¬3) الحاوي (ص 449)، المنهاج (ص 369). (¬4) انظر "فتح العزيز" (7/ 404)، و"الروضة" (2/ 327).

فصل [في قسمة الزكاة بين الأصناف ونقلها وما يتبع ذلك]

ذاهباً وراجعاً ومقيماً هناك وفرساً وسلاحاً، ويصير ذلك ملكاً له) وهي عبارة حسنة، إلا أنه لم يذكر سوى التمليك، وعبارة "التنبيه" [ص 64]: (فيدفع إليهم ما يستعينون به في غزوهم) وليس فيها إفصاح عن المقصود، بل توهم الاقتصار على إعطاء الزائد بسبب الغزو، والأصح: إعطاء جميع المؤنة كما تقدم، وسكتوا عن إعطائه نفقة عياله، وكذا سكت عنه الجمهور، وذكره بعض شراح "المفتاح". وقال الرافعي والنووي: إنه ليس ببعيد (¬1)، وقد يدخل في تعبير "المنهاج" و"الحاوي" بالنفقة. ومحل إعطائه الفرس: ما إذا كان فارساً، وقال السبكي: له في الفرس والسلاح طرق: دفع الثمن، أو الأجرة إليه، أو الشراء، أو الاستئجار له، أو للجهة، أو الوقف عليهما، ولا تملك أَلا في دفع الثمن. 3443 - قول "المنهاج" [ص 370]: (ويُهيَّأ له ولابن السبيل مركوبٌ إن كان السفر طويلاً أو كان ضعيفاً لا يطيق المشي) هذا غير الفرس الذي يقاتل عليه. 3444 - قوله: (ومن فيه صفتا استحقاق .. يُعطَى بإحداهما فقط في الأظهر) (¬2) لو عبر بالمذهب .. لأفاد أن في المسألة طرقاً ولكن أصحها: طريقة القولين، فالتعبير بالأظهر صحيح، والله أعلم. فَصلٌ [في قسمة الزكاة بين الأصناف ونقلها وما يتبع ذلك] 3445 - قول "الحاوي" [ص 449]: (ويستوعبهم) محمول على قول "المنهاج" [ص 370]: (يجب استيعاب الأصناف إن قسم الإمام وهناك عامل، وإلا .. فالقسمة على سبعة) وتناول كلامهما زكاة الفطر، وبه صرح "التنبيه" ثم قال [ص 64]: (وقيل: يجزئ أن يصرف إلى ثلاثة من الفقراء) وهو قول الإصطخري، واختاره السبكي، وحكى الرافعي عن اختيار صاحب "التنبيه": جواز صرفها إلى واحد (¬3)، قال في "البحر": وأنا أفتي به. 3446 - قول "المنهاج" [ص 370]: (فإن فُقدَ بعضهم .. فعلى الموجودين) وقول "الحاوي" [ص 449]: (وسهم المفقود للباقين) أحسن من قول "التنبيه" [ص 64]: (وإن فقد صنف من هذه ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (7/ 404) و"الروضة" (2/ 327). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 370). (¬3) انظر "فتح العزيز" (7/ 408).

الأصناف) لتناول العبارتين الأوليتين ما إذا لم يفقد صنف بكماله، وإنما فقد بعضه؛ بأن لم يجد منه إلا واحداً أو اثنين. 3447 - قول "التنبيه" [ص 64]: (والمستحب: أن يعم كل صنف إن أمكن) وقول "الحاوي" [ص 449، 450]: (وجاز الاكتفاء بعامل وثلاثة من كل صنف) محله: فيما إذا قسمها المالك ولم ينحصر المستحقون، فإن انحصروا، أو قسمها الإمام .. وجب استيعاب آحاد كل صنف، وكذلك قال "المنهاج" [ص 370]: (وإذا قسم الإمام .. استوعب من الزكوات الحاصلة عنده آحاد كل صنف، وكذا يستوعب المالك إن انحصر المستحقون في البلد ووفى بهم المال، وإلا .. فيجب إعطاء ثلاثة) وفيه أمور: أحدها: في معنى الإمام: العامل إذا فوض إليه الصرف. ثانيها: أن مقتضى عبارته: جواز الاقتصار على ثلاثة فيما إذا لم ينحصر المستحقون، وفيما إذا انحصروا لكن لم يف المال بكفايتهم فإنه أوجب الاستيعاب بشرطين، وإعطاء ثلاثة عند فقد مجموعهما وذلك يصدق بفقد أحدهما، والذي في "الروضة" وأصلها: جواز الاقتصار على ثلاثة عند عدم إمكان الاستيعاب وذلك فيما إذا لم ينحصروا؛ فإنه جعل التقابل بين الإمكان وعدمه، فقال: إن أمكن الاستيعاب؛ بأن كانوا محصورين يفى المال بهم .. فأطلق في "التتمة": وجوب الاستيعاب، وفي "التهذيب": يجب إن لم نجوز النقل - أي: وهو الأصح - وإلا .. استحب، ثم قال: وإن لم يمكن الاستيعاب .. سقط الوجوب والاستحباب، ولا ينقص عن ثلاثة (¬1). قال السبكي: وعدم الانحصار قد يكون مع إمكان الاستيعاب ومع عدمه، ولا شك أنه مع عدم الإمكان يسقط الوجوب والاستحباب؛ إذ لا تكليف معه، وأما مع الإمكان: فإن كان بلا مشقة وهو المراد هنا بالنسبة إلى المالك والآحاد؛ فإذا زادوا على ثلاثة وانحصروا .. فيقتضي ألاَّ يجوز اقتصار المالك على ثلاثة، سواء نقص ما يعطى الثلاثة عن كفايتهم أم لا، بل يعمهم وإن نقص ما يعطى كلاً منهم عن الكفاية، وإن كان بمشقة .. لم يلزم المالك جزماً ويلزم الإمام، فهنا يفارق الإمام المالك. انتهى. ويخالف ذلك كلام "أصل الروضة" في المسائل المنثورة آخر الباب؛ ففد ذكر فيها ما حاصله: أن الاستيعاب لا يجب إذا زادوا على ثلاثة (¬2)، وهو مقتضى كلامه في الوصية للعلماء ونحوهم؛ فإنه شبهه بأصناف الزكاة في أنه لا يجب الاستيعاب، ويقتصر على ثلاثة، والأولى: استيعاب الموجودين عند الإمكان، وجوز في "المهمات" حمله على ما إذا لم يف المال ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 9329)، فتح العزيز (7/ 408). (¬2) فتح العزيز (7/ 408).

بكفايتهم، والأول على ما إذا وفى، وقد جزم بذلك في "الكفاية"، وحمل كلام " التنبيه " على ما إذا لم يف بكفايتهم. قال في " المهمات ": ويتلخص من ذلك: تعين الصرف إليهم فيما إذا كانوا ثلاثة فأقل وإن لم يف بهم، فإن زادوا على ثلائة .. جاز الاقتصار على ثلاثة إن عسر ضبطهم، فإن سهل ضبطهم .. فهم كالثلاثة إن وفى المال بحاجتهم، وكما لو عسر ضبطهم إن لم يوف، لكن يستحب التعميم، قال: وكلام القاضي أبى الطيب يدل على ما قلناه، قال: ويلزم منه فساد قول النووي في " التصحيح ": الأصح: أْنه يجب استيعاب آحاد الصنف إذا كانوا محصورين. انتهى بمعناه (¬1). والمراد بالانحصار: أن يسهل في العادة ضبطهم ومعرفة عددهم؛ ففي " الإحياء " في غير هذا الباب: كل عدد لو اجتمع في صعيد لعسر على الناظر عددهم؛ كالألف .. فغير محصور، وإن سهل؛ كعشرين .. فمحصور، وبينهما أوساط يلحق بأحدهما بالظن، وما شك فيه يستفتى فيه القلب (¬2). ثالثها: محل وجوب إعطاء ثلاثة من كل صنف: في غير العامل؛ فإنه يكتفى فيه بواحد كما تقدم من كلام " الحاوي "، وصرح به " التنبيه " أيضًا، فقال [ص 64]: (وأقل ما يجزئ: أن يدفع إلى ثلاثة من كل صنف، إلا العامل؛ فإنه يجوز أن يكون واحدًا) واعترض في " الكفاية " على هذه العبارة: بأنه إن كان المفرق هو المالك كما هو ظاهر كلامه .. فالعامل ساقط، فلا يستثنى، أو الإمام لكون المالك حملها إليه .. فكذلك، أو لكون الساعي جباها ودفعها إلى الإمام .. وجب الاستيعاب، ولا يكفي ثلاثة من كل صنف. 3448 - قول " المنهاج " [ص 370]: (وتجب التسوية بين الأصناف) محله: في غير العامل؛ فإنه لا يعطى إلا أجرة مثله كما صرح به " التنبيه " [ص 64] و" الحاوي " [ص 450]. 3449 - قول " التنبيه " [ص 64]: (والأفضل: أن يفرق عليهم على قدر حاجاتهم، وأن يسوي بينهم)، ظاهره التنافي، فحمل الأول على ما إذا تساوت، ومقتضاه: جواز التفصيل ولو تساوت حاجتهم، وهو الذي يقتضيه قول " الحاوي " [ص 449، 450]: (وجاز التفضيل في آحاد الصنف) ومحله: فيما إذا قسم المالك؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 370]: (إلا أن يُقسِّم الإمام فيحرم عليه التفضيل مع تساوي الحاجات) ولبع في ذلك " المحرر " (¬3)، ونقله في " الشرح " عن " التتمة " (¬4)، وقال في " الروضة ": هذا التفصيل الذي في " التتمة " وإن كان قويًا ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (1/ 214). (¬2) إحياء علوم الدين (2/ 103). (¬3) المحرر (ص 286). (¬4) فتح العزيز (7/ 409).

في الدليل فهو خلاف إطلاق الجمهور استحباب التسوية (¬1). قال السبكي: وتأملت إطلاق الجمهور التسوية فوجدت كلام أكثرهم في المالك دون الإمام، فلا مخالفة للمتولي، فما قاله هو المختار، ويوافقه كلام ابن الصباغ، وفيما علقه النووي على " التنبيه ": أن قوله: (وأن يسوي بينهم) (¬2) ليس متعلقًا بقوله: (الأفضل: أن يفرق) (¬3) لعلمنا عدم التسوية من قوله: (على قدر حاجاتهم) (¬4) ولا يحمل على التسوية في أصل الإعطاء؛ لعلمه من قوله: (وأن يعم كل صنف) (¬5) بل هو معطوف على قوله: (ويجب صرف زكاة المال إلى ثمانية أصناف) (¬6) أي: وتجب التسوية بينهم بدفع الثمن إلى كل صنف، وأَخَّرَهُ إلى هنا؛ ليفرغ من الأصناف وشرائطهم، قال: وهو كلام حسن جدًا رضي الله عمن أفادنا إياه، واستبعده السبكي؛ لطول الفصل. 3450 - قو " التنبيه " [ص 64]: (فإن دفع جميع السهم إلى اثنين .. غرم للثالث الثلث في أحد القولين، وأقل جزء في الآخر) الأصح في " شرح المهذب " و " التصحيح ": الثاني (¬7)، وعليه مشى " الحاوي " فقال [ص 450]: (وإن قنع باثنين .. غرم أقل متمول) وفي " الشرح " و " الروضة ": أن الأول هو المنصوص في الزكاة، والثاني هو القياس (¬8)، قال الماوردي: فلو كانوا محصورين يفي المال بحاجتهم؛ كثلاثة مثلًا .. غرم للثالث قدر حاجته (¬9). 3451 - قول " التنبيه " [ص 64]: (وإن فضل عن بعضهم ونقص عن كفاية البعض .. نقل الفاضل إلى الذين نقص سهمهم عن الكفاية في أحد القولين، وينقل إلى الصنف الذي فضل عنهم باقرب البلاد إليه في الآخر) صحح النووي في " تصحيحه " الثاني، فقال: وأنه إذا فضل عن بعض ونقص عن بعض .. نقل إلى ذلك الصنف (¬10)، ومقتضى كلام " الروضة " الرد على الباقين؛ فإنه جعله على الخلاف فيما إذا فقد صنف في ذلك البلد مع وجوده في غيره (¬11)، والأصح هناك: الرد ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 331). (¬2) التنبيه (ص 64). (¬3) التنبيه (ص 64). (¬4) التنبيه (ص 64). (¬5) التنبيه (ص 64). (¬6) التنبيه (ص 63). (¬7) المجموع (6/ 207)، تصحيح التنبيه (1/ 215). (¬8) فتح العزيز (2/ 408، 409)، الروضة (2/ 329). (¬9) انظر " الحاوي الكبير " (8/ 525). (¬10) تصحيح التنبيه (1/ 215). (¬11) الروضة (2/ 331).

على الباقيين على أنه لا يلزم من الاستواء في الخلاف الاستواء في الترجيح، وعلى أن عبارة " التصحيح " تحتمل تصحيح الأول؛ بأن يكون قوله: (نقل إلى ذلك الصنف) أراد به: الذين نقص عنهم .. فإنه أقرب مذكور في كلامه، وإليه مال في " التوشيح "، فقال: ينبغي حمله على النقل إلى الصنف الناقص، لا إلى بلد آخر؛ ليتوافق كلاماه لا سيما وقد أطلق في " التنبيه " [ص 64] النقل، وأراد به ما ذكرناه. انتهى. والذي ذكرته أولًا عن " التصحيح " فهمه عنه ابن الرفعة، وتبعه شيخانا الإسنوي وابن النقيب (¬1)، والله أعلم. وقد يفهم من كلامه أن مؤنة النقل عليه، والأصح كما قال الإمام: أنها على المستحق (¬2). 3452 - قول " التنبيه " [ص 62]: (ويكره أن ينقل الزكاة عن بلد المال، فإن نقل .. ففيه قولان، أحدهما: يجزئه، والثاني: لا يجزئه) فيه أمور: أحدها: أن المراد بالكراهة هنا: التحريم. ثانيها: أصح القولين فيما إذا نقل: عدم الإجزاء، وعليه مشى " الحاوي " فقال [ص 450]: (بقيَ الفرض) وهذه الطريقة هي المصححة في " الروضة " وأصلها أن القولين في سقوط الفرض، ولا خلاف في التحريم (¬3)، والطريقة الثانية: أنهما في التحريم والسقوط معًا، وعبارة " المنهاج " موافقة لهذه؛ حيث قال [ص 370]: (والأظهر: منع نقل الزكاة) وفيه طريقة ثالثة: أنها في التحريم، ولا خلاف أنه يسقط. ثالثها: الخلاف فيما إذا فرق المالك، فإن فرق الإمام .. قال الرافعي والنووي: ربما اقتضى كلام الأصحاب طرد الخلاف فيه، وربما دل على جواز النقل له والتفرقة كيف شاء، وهذا أشبه، قال النووي: قال صاحب " التهذيب " والأصحاب: يجب على الساعي نقل الصدقة إلى الإمام إذا لم يأذن له في تفريقها، فهذا نقل، ورجح في " شرح المهذب " القطع بجواز النقل للإمام والساعي (¬4)، ومال ابن الرفعة إلى طرد الخلاف في الإمام أيضًا. ويستثنى من منع النقل أيضًا: ما لو كان له بكل بلد عشرون شاة .. فالأصح: جواز إخراج شاة في أحدهما؛ حذرًا من التشقيص، وترد هاتان المسألتان على " المنهاج " و" الحاوي " أيضًا ولو فارق المستحقون أو بعضهم بلد المال .. فله النقل اعتبارًا بالاخذ لا بالبقعة، قاله الإمام، قال: ¬

_ (¬1) انظر " السراج على نكت المنهاج " (5/ 277). (¬2) انظر " نهاية المطلب " (11/ 539). (¬3) فتح العزيز (7/ 411، 412)، الروضة (2/ 331). (¬4) المجموع (6/ 159).

ومنعه بعضهم عند انتقال بعضهم؛ فإن في المقيمين مقنعًا، وكلام الإمام وغيره يقتضي طرد الخلاف وإن انحصر المستحقون، وخصه في " الشافي " بعدم انحصارهم، فلو انحصروا حولًا .. ملكوها، ووجب صرفها إليهم وتنتقل إلى ورثتهم ولو كانوا أغنياء. 3453 - قول " التنبيه " [ص 62]: (وإن نقل إلى ما لا تقصر إليه الصلاة .. فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز) الأصح: المنع، وهو مقتضى إطلاق " المنهاج " [ص 370] و" الحاوي " [ص 450] ولو نقل إلى قرية بقرب البلد كما حكاه في زيادة " الروضة " عن صاحب " العدة "، قال: وهو ظاهر (¬1)، قال السبكي: وهو ظاهر وإن اتصلتا إن انفردت باسم، وإلا .. كالعمران المتصل فينبغي تخريجه على القصر، فإن فارقه .. امتنع. 3454 - قول " التنبيه " [ص 62]: (وإن وجبت عليه زكاة الفطر في بلد وماله في غيره .. ففيه قولان، أحدهما: أنه يجب لفقراء بلد المال، والثاني: يجب لفقراء موضعه، وهو الأصح) هذا التصحيح هو المعتمد، وعليه مشى" الحاوي " فقال [ص 450]: (وإن نقل من موضع المالك في الفطرة والمال في الزكاة .. بقي الفرض) ولا يغتر بما في بعض نسخ الرافعي (¬2) من تصحيح اعتبار بلد المال، ومقتضى كلام " المهمات ": أنه كذلك في جميع نسخ الرافعي و" الروضة " (¬3) فإنه حكى اعتبار بلد المال عن تصحيح " شرح المهذب " منكتًا على عبارة الرافعي، ولم يذكر مخالفة " الروضة " له. فلو كان بعض ماله معه في بلد وبعضه في آخر .. اعتبرنا بلد المالك قطعًا؛ فقد ذكر في " شرح المهذب " أنه الصواب (¬4)، أما إذا وجبت عليه عن غيره وهو ببلد آخر .. فالاعتبار ببلد المؤدى عنه في الأصح، وحكاية " التنبيه " الخلاف قولين خالفه في " المهذب "، فحكاه وجهين (¬5)، وهو الذي ذكره الرافعي والنووي (¬6). 3455 - قول " المنهاج " [ص 370]: (ولو عدم الأصناف في البلد .. وجب النقل، أو بعضهم وجوزنا النقل .. وجب، وإلا .. فيرد على الباقين وقيل: ينقل) لا يغتر بنقل " الكفاية " تصحيح النقل عن الرافعي، فإنه إنما صحح الرد على الباقين، وعن الماوردي: أن الخلاف في غير الغزاة، وينقل للغزاة جزمًا، وفي " الكفاية ": أن محل الخلاف: إذا لم يكف الباقين نصيبهم، فإن ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 332). (¬2) انظر " فتح العزيز " (7/ 414). (¬3) الروضة (2/ 334). (¬4) المجموع (6/ 215). (¬5) المهذب (1/ 174). (¬6) انظر " فتح العزيز" (7/ 414)، و" الروضة " (2/ 334).

كفاهم .. نقل، وحكاه عن البندنيجي، ويعلم مما تقدم أن هذا في غير العامل، فأما نصيب العامل عند عدمه .. فإنه يرد على الباقين قطعًا. 3456 - قول " التنبيه " [ص 63]: (ومن شروطه - أي: العامل - أن يكون حرًا، فقيهًا، أمينًا، ولا يكون ممن حرم عليه الصدقة من ذوي القربى) فيه أمور: أحدها: ليس المراد: أن يكون فقيهًا في سائر الأبواب، بل يكفي أن يكون فقيهًا في باب الزكاة خاصة، كما صرح به " المنهاج " و " الحاوي " (¬1). ثانيها: اشتراط ألَّا يكون من ذوي القربى محله: ما إذا أراد أخذ السهم كما هو مقتضى كلامه، فلو عمل متبرعًا .. جاز قطعًا، والمراد بالصدقة: الزكاة؛ فإن الأصح: حل صدقة التطوع لهم، والأصح: إلحاق موالي ذوي القربى بهم. ثالثها: المراد بالأمانة: العدالة كما صرح به " المنهاج " [ص 370]، وقال " الحاوي " [ص 447]: (أهل الشهادة). رابعها: يشترط فيه أيضًا: كونه ذكرًا كما جزم به في " أصل الروضة " في آخر الكلام على الصنف الأول، ولم يذكره في مظنته، فأعرب في " المهمات " بنقله عن " أحكام الخناثى " لأبي الفتوح، وقال الماوردي مرة: يكره أن تكون المرأة عاملة، فدل على عدم اشتراطه، وقد تفهم الذكورة من تذكير " التنبيه " و" المنهاج " ضميره، ومن قول " الحاوي " [ص 447]: (أهل الشهادة) لكن يذكر مع اختلاط المؤنث بالمذكر تغليبًا للتذكير، والمرأة أهل لبعض الشهادات، فلو قال " الحاوي ": (أهل للشهادات) بالجمع .. لخرجت المرأة. خامسها: محل اشتراط الحرية والفقه: ما إذا كان متصرفًا من غير تقييد عليه، فإما إذا عين له الامام ما يأخذه ويدفعه .. لم يشترط فيه الفقه كما جزم به " المنهاج " [ص 370]، وحكى الرافعي والماوردي: أنه لا يشترط فيه أيضًا لحرية والإسلام (¬2)، قال النووي: عدم اشتراط الإسلام فيه نظر (¬3)، وقال في " شرح المهذب ": المختار: اشتراطه (¬4)، وقال السبكي: عدم اشتراطه منكر لا يعرج عليه، وفي الحرية نظر. 3457 - قول " المنهاج " [ص 371]: (وليُعلِم شهرًا لأخذها) أي: استحبابًا، وقيل: وجوبًا. 3458 - قول " الحاوي " [ص 450]: (ووسم الصدقة بالله) وهو في بعض نسخ " التنبيه "، ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 447)، المنهاج (ص 370). (¬2) انظر " فتح العزيز " (7/ 416). (¬3) انظر " الروضة " (2/ 335). (¬4) المجموع (6/ 152).

وكذا في " المختصر " (¬1)، واستبعده الصيدلاني في " شرح المختصر " لأنها تتمعك في النجاسة وتضرب أفخاذها بأذنابها، وهي نجسة، فينزه اسم الله عنها، وحكاه الرافعي عن بعض شراح " المختصر "، وقال: يجوز أن يجاب عنه: بأنه لغرض التمييز لا للذكر، ويختلف التعظيم باختلاف المقصود؛ فإن الجنب لو أتى ببعض الفاتحة لا على قصد القراءة .. لم يحرم (¬2). وفي " المهمات ": أنه إشكال ظاهر، وأن جواب الرافعي ضعيف؛ فإن قصد التمييز لا يخرج به الاسم عن التعظيم، وأما الجنب: فإنه إذا لم يقصد القراءة .. لم يكن المأتي به قرآنًا، فلا تحريم. 3459 - قول " التنبيه " [ص 61]: (والمستحب: أن يدعي له، فيقول: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت، وجعله لك طهورًا) قال في " التحرير ": والأحسن ما في " المختصر " وتبعه الأصحاب أن يجعل: (وجعله لك طهورًا) بين الجملتين، قال: والمصنف غيّره. انتهى (¬3). وذكر في " الكفاية ": أن الذي في " التنبيه " حكاه القاضي أبو الطيب عن النص، قال: وكأنه أخذه من قوله: فإذا أخذت صدقته .. دعا له بالأجر والبركة (¬4). ¬

_ (¬1) مختصر المزني (ص 160). (¬2) انظر " فتح العزيز " (7/ 417، 418). (¬3) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 118، 117)، وانظر " مختصر المزني " (ص 53). (¬4) انظر " الأم " (2/ 82).

باب صدقة التطوع

بابُ صدقة التّطوّع 3460 - قول " المنهاج " [ص 371]: (وتحل لغني) أي: ولو من ذوي القربى، فالأصح: حلها لهم. نعم؛ تحرم على النبي صلى الله عليه وسلم في الأظهر، وقد ذكره " الحاوي " في الخصائص فقال [ص 451]: (وحرمة الصدقتين، والزكاة على قريبيه). 3461 - قول " المنهاج " [ص 371]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 450]: (ودفعها سرًا وفي رمضان ولقريب وجارٍ أفضل)، وفي " التنبيه " [ص 64]: (يستحب الإكثار منها في شهر رمضان وأمام الحاجات)، وقال في زيادة " الروضة " بعد ذكر رمضان: وكذا عند الأمور المهمة، وعند الكسوف والمرض، والسفر، وبمكة والمدينة، وبالغزو، والحج، والأوقات الفاضلة؛ كعشر ذي الحجة وأيام العيد، ففي كل هذه المواضع هي آكد من غيرها (¬1). وقال شيخنا ابن النقيب: إن الحاجات التي في " التنبيه " [ص 64] هي الأمور المهمة التي في " الروضة " (¬2). وتقديم " المنهاج " [ص 371]: القريب في الذكر أولى من تقديم " الحاوي " الجار (¬3)؛ لأن الصدقة على القريب أفضل منها على الجار، وإطلاقهما القريب يتناول من تلزم نفقته، وكذا صرح به في " شرح المهذب " عن الأصحاب، ثم حكى عن البغوي: أن دفعها إلى قريب تلزمه نفقته أفضل من دفعها لأجنبي (¬4)، لكن مقتضى تصحيحهم في الوصية للأقارب أنها لا تتناول الأبوين والولد: عدم دخولهم في لفظ القريب هنا؛ ويؤيده أنه في " أصل الروضة " لما فصل ذلك .. لم يذكرهم، بل قال: فالأولى: أن يبدأ بذوي الرحم المحرم؛ كالأخوة والأخوات ... إلى آخره (¬5)، وقد عرفت أن المنقول خلافه، والرجوع إلى التصريح أولى من الرجوع إلى إفهام وإشعار. 3462 - قول " المنهاج " [ص 371]: (ومن عليه دينٌ أو له من تلزمه نفقته .. يُستحب ألا يتصدق حتى يؤدي ما عليه. قلت: الأصح: تحريم صدقته بما يحتاج إليه لنفقة من تلزمه نفقته، أو لدين لا يرجو له وفاء) فيه أمور: ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 341). (¬2) انظر " السراج على نكت المنهاج " (5/ 287). (¬3) الحاوي (ص 450). (¬4) المجموع (6/ 209، 210). (¬5) الروضة (2/ 341).

أحدها: أن مقتضى كلامه: أنه لا تحرم صدقته بما يحتاج إليه لنفقه نفسه، وكذا صرح بتصحيحه في " الروضة " من زيادته (¬1)، لكن في " التنبيه " [ص 64]: (ولا يحل ذلك لمن هو محتاج إلى ما يتصدق به في كفايته) وصححه في " شرح المهذب " (¬2). ثانيها: أنه قيد الدين بألَّا يرجوا له وفاء، وكذا في زيادة " الروضة "، وعبر بالمختار، فقال: المختار: أنه إن غلب على ظنه حصول وفائه من جهة أخرى .. فلا بأس بالتصدق، وإلا .. فلا يحل (¬3)، وأطلق " التنبيه " أنه لا يحل التصدق لمن هو محتاج إلى ما يتصدق به في قضاء دينه، وأطلق النووي في " شرح مسلم " جواز ذلك (¬4). ثالثها: أنه لا يكفي رجاء الوفاء، بل لا بد من استناد ذلك إلى سبب ظاهر كما ذكره الغزالي في " الإحياء " (¬5)، ويوافقه قول " الروضة " (¬6) من زيادته في (الشهادات): تباح الاستدانة لحاجة في غير معصية ولا سرف إذا كان مرجو الوفاء من جهة أو سبب ظاهر. رابعها: أن عبارة " المحرر " و" الروضة " وأصلها: (لا يستحب أن يتصدق حتى يؤدي ما عليه) (¬7) فعدل عنها في " المنهاج " إلى قوله [ص 371]: (يستحب ألا يتصدق) وبينهما تفاوت ظاهر (¬8). خامسها: قال ابن الرفعة: الأولى: حمل المنع على كفايته وكفاية ممونه في الحال، وقضاء دين تعين وفاؤه على الفور، إما بطلبه أو بغيره على ما في (التفليس)، والجواز على كفاية الأبد، وكلام بعضهم يرشد إليه، ودين لم يجب أداؤه على الفور. قال: وعلى التحريم هل يملكه المتصدق عليه؟ ينبغي أن يكون فيه خلاف؛ كهبة الماء بعد الوقت، وقال السبكي في الدين: إن التحريم ظاهر إذا قلنا: يجب أداؤه من غير طلب، أو وجد الطلب، قال: وينبغي أن يتحتم سواء رجي له وفاء أم لا، أما المؤجل، أو حال لم يطالب به ولم نوجبه قبله .. فيظهر الجواز إن رجي الوفاء، وإلا .. فينبغي التحريم إن حرم سببه، وإلا .. فلا. ¬

_ (¬1) الروضة (2/ 342). (¬2) المجموع (6/ 225). (¬3) الروضة (2/ 342، 343). (¬4) شرح مسلم (7/ 125). (¬5) إحياء علوم الدين (1/ 230). (¬6) الروضة (11/ 246). (¬7) المحرر (ص 287)، فتح العزيز (7/ 420)، الروضة (2/ 342). (¬8) قال في " مغني المحتاج " (3/ 122): (وبيانه أن عبارة المصنف أفادت أن عدم التصدق مستحب، فيكون التصدق خلاف الأولى، وعبارة " المحرر " وغيره: أن التصدق غير مستحب، فتصدق بأن يكون واجبًا أو حرامًا أو مكروهًا؛ فإن ذلك كله غير مستحب).

وقال في " المهمات ": متى طالب صاحب الدين به .. فلا سبيل إلى القول بالجواز؛ لوجوب أدائه على الفور. سادسها: خرج بالصدقة الضيافة، فلا يشترط في جوازها الفضل عن نفقته ونفقة عياله كما في " شرح المهذب "، وقال: ليست الضيافة صدقة، واستدل بحديث الأنصاري الذي نزل به الضيف فأطعمه قوت صبيانه (¬1)، وقال في " شرح مسلم ": لا تجوز الضيافة في هذه الحالة، وحمل الحديث على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين إلى الأكل، وإنما طلبوه على عادة الصبيان في الطلب من غير حاجة (¬2). 3463 - قول " المنهاج " [ص 371]: (وفي استحباب الصدقة بما فضل عن حاجته أوجهٌ؛ اْصحها: إن لم يشق عليه الصبر .. استحب، وإلا .. فلا) فيه أمور: أحدها: أن المراد: الصدقة بجميع ما فضل، أما التصدق ببعضه .. فلا تردد في استحبابه. ثانيها: أن المراد: حاجته لنفسه ولممونه ولقضاء دينه. ثالثها: أنه ذكر فيما إذا شق عليه الصبر .. أنه لا يستحب، وزاد " التنبيه " على ذلك فقال: إنه مكروه، وعبارته [ص 64]: (ويكره لمن لا يصبر على الإضافة أن يتصدق بجميع ماله) ولا يرد على هذه العبارة الأمران الأولان، لكن مفهمومها: أن من صبر على الإضافة .. لا يكره له التصدق بجميع ماله، وليس فيها أنه مستحب، وقد تقدم استحبابه، وعبارة " الحاوي " [ص 408]: (والمحتاج لا يتصدق بكل ماله) وهي عبارة تحتاج إلى تنقيح؛ فالمحتاج تحرم عليه الصدقة بالمحتاج إليه لدينه أو عياله، وغير المحتاج يكره له التصدق بكل ماله إن لم يصبر على الإضافة وقد تقدم ذلك، والله أعلم (¬3). ¬

_ (¬1) المجموع (6/ 225). (¬2) شرح مسلم (14/ 12). (¬3) في (أ): (تم الجزء الأول بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، يتلوه أول الجزء الثاني كتاب النكاح، ووافق الفراغ من تعليقه في الثامن والعشرين من شهر ذي القعدة من شهور سنة اثنين وعشرين وثمان مئة).

كتاب النكاح

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللهم صلّ على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلّم كتابُ النِّكاح 3464 - قول " الحاوي " [ص 451]: (خُصَّ النبي عليه الصلاة والسلام بوجوب الضحى والأضحى والوتر) أراد بالأضحى: الأضحية، وفي إيجاب هذه الأمور الثلاثة على النبي صلى الله عليه وسلم نظر؛ لعدم صحة ذلك وقد روى أحمد والبيهقي من حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث هن عليّ فرائض ولكم تطوع: النحر، والوتر، وركعتا الضحى" (¬1) ضعفه البيهقي وعبد الحق الإشبيلي وابن الجوزي وغيرهم، وذكره ابن السكن في " سننه " الصحاح بلفظ: " ركعتا الفجر " بدل " النحر "، ولم يوافق على تصحيحه، وروى البيهقي أيضًا من حديث عائشة مرفوعًا: " ثلاث هن عليّ فريضة ولكم سنة: الوتر، والسواك، وقيام الليل " وضعفه البيهقي، وقال: لم يثبت في هذا إسناد (¬2). 3465 - قوله: (والوتر والتهجد) (¬3) فيه أمران: أحدهما: أن كلامه صريح في أن الوتر غير التهجد، وهو الذي ذكر الرافعي والنووي هنا: أنه الأرجح (¬4)، لكنهما قالا في (صلاة التطوع): إن الأشبه أن الوتر هو التهجد (¬5). ثانيهما: تبع في وجوب التهجد عليه الرافعي (¬6)، وحكاه النووي عن الجمهور، ثم قال: وحكى الشيخ أبو حامد أن الشافعي نص على أنه نسخ وجوبه في حقه كما نسخ في حق غيره، قال: وهذا هو الأصح أو الصحيح؛ ففي " صحيح مسلم ": عن عائشة رضي الله عنها ما يدل عليه (¬7). 3466 - قوله: (وتخيير نسائه) (¬8) يفهم أنه ليس من الخصائص تحريم طلاقهن بعد ما اخترنه، ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (2050)، والبيهقي في "سننه الكبرى " (4248)، وابن الجوزي في " التحقيق في أحاديث الخلاف " (646). (¬2) انظر " سنن البيهقي الكبرى " (13051). (¬3) انظر " الحاوي " (ص 451). (¬4) انظر " فتح العزيز، (7/ 432)، و" الروضة " (7/ 3). (¬5) انظر " فتح العريز " (2/ 126)، و" الروضة " (1/ 329). (¬6) انظر " فتح العزيز " (7/ 431). (¬7) انظر " الروضة " (7/ 3). (¬8) انظر " الحاوي " (ص 451).

وكذا صححه في " أصل الروضة " (¬1) وفي " الشرح الصغير "، وحكى في " الكبير " تصحيحه عن الإمام (¬2)، لكن قال شيخنا الإمام البلقيني: الذي يقتضيه كلام الشافعي في " الأم " تحريمه (¬3)، وبه جزم الماوردي، وصححه أبو الفرج الزاز، وهو أقرب. 3467 - قوله: (والمشاورة) (¬4) نص الشافعي على أنها غير واجبة عليه، حكاه البيهقي في " المعرفة " عند ذكر استئذان البكر (¬5). 3468 - قوله: (وتغيير المنكر) (¬6) قال النووي: قد يقال: هذا ليس من الخصائص، بل كل مكلف تمكن من إزالته .. لزمه تغييره، ويجاب عنه: بأن المراد: أنه لا يسقط عنه للخوف، فإنه معصوم بخلاف غيره (¬7). 3469 - قوله: (والزكاة على قريبيه) (¬8) كذا الكفارة. 3470 - قوله: (ونكاح الكتابية) (¬9) يفهم جواز تَسَرِّيه بالأمة الكتابية، وهو الأصح، وكلام الرافعي في " الشرح الصغير " يفهم خلافه. 3471 - قوله: (ومدخولته لغيره) (¬10) يفهم أنه يجوز لغيره نكاح زوجته التي فارقها في حياته قبل دخوله بها، وهو الذي حكى الرافعي تصحيحه عن الشيخ أبي حامد، وقال في " الشرح الصغير ": إنه الأظهر، والمحكي في الرافعي عن نص الشافعي في أحكام القرآن: التحريم مطلقًا (¬11)، ورجحه النووي في زيادة " الروضة " (¬12)، وقال ابن الصلاح: إنه ظاهر نص الشافعي وأشبه بظاهر القرآن. 3472 - قوله: (وينكح بالهبة) (¬13) أي: بلفظ الهبة، وهذا من جهة الراغبة، أما من جهته ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 5). (¬2) فتح العزيز (7/ 434)، وانظر " نهاية المطلب " (12/ 12). (¬3) الأم (5/ 140). (¬4) انظر " الحاوي " (ص 451). (¬5) معرفة السنن والآثار (5/ 241). (¬6) انظر " الحاوي " (ص 451). (¬7) انظر " الروضة " (7/ 4). (¬8) انظر " الحاوي " (ص 451). (¬9) انظر " الحاوي " (ص 451). (¬10) انظر " الحاوي " (ص 452). (¬11) فتح العزيز (7/ 457)، وانظر " مختصر المزني " (ص 168). (¬12) الروضة (7/ 11). (¬13) انظر " الحاوي " (ص 452).

فصل [حكم النكاح وسننه وبيان العورات]

عليه الصلاة والسلام .. فلا بد من لفظ النكاح على الأصح في " أصل الروضة " (¬1)، ونقل الرافعي ترجيحه عن الشيخ أبي حامد (¬2). 3473 - قوله: (وبإحرام) (¬3) أي: ينكح وهو محرم، قال الرافعي: إن كلام النقلة بترجيحه أشبه (¬4)، وصححه النووي (¬5)، لكن الماوردي إنما حكاه عن أبي الطيب بن سلمة، ثم نسب إلى سائر الأصحاب أنه في ذلك كغيره، فلا ينعقد نكاحه في الإحرام (¬6). فصلٌ [حكم النكاح وسننه وبيان العورات] 3474 - قول " التنبيه " [ص 157]: (من جاز له النكاح من الرجال وهو جائز التصرف؛ فإن كان غير محتاج إليه .. كره له أن يتزوج، وإن كان محتاجًا إليه .. استحب له أن يتزوج) فيه أمور: أحدها: أنه أخرج بقوله: (من الرجال) النساء، واقتضى أن حكمهن في ذلك ليس كحكم الرجال، لكنه قال بعد ذلك: (فإن كانت لا تحتاج إلى النكاح .. كره لها أن تتزوج، وإن كانت محتاجة إليه .. استحب لها أن تتزوج) (¬7) فدل على استواء الصنفين في الاستحباب عند الحاجة، والكراهة عند عدم الحاجة. وقال الشيخ عماد الدين الزنجاني في " شرح الوجيز " المسمى بـ " الموجز ": لم يتعرض الأصحاب للنساء، والذي يغلب على الظن أن النكاح في حقهن أولى مطلقًا؛ لأنهن يحتجن إلى القيام بأمورهن والتستر عن الرجال، ولم يتحقق فيهن الضرر الناشئ من النفقة. ثانيها: أخرج بقوله: (جائز التصرف) غيره، واقتضى أن حكمه في ذلك يخالف حكم جائز التصرف، قال في " الكفاية ": وهو ظاهر عند عدم الحاجة؛ إذ لا يكره في حقه، بل يجوز له؛ رعاية للحظ، وأما عند الحاجة .. فلا يطرد في كل محجور؛ فإن استحبابه في حق السفيه كما في الرشيد، وكذا العبد إذا خاف العنت ولم تندفع شهوته بالصوم. قلت: والظاهر أن " التنبيه " إنما فصل بين جائز التصرف وغيره؛ لأن جوازه لغير جائز التصرف ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 9). (¬2) انظر " فتح العزيز " (7/ 453). (¬3) انظر " الحاوي " (ص 452). (¬4) انظر " فتح العزيز " (7/ 454). (¬5) انظر " الروضة " (7/ 9، 10). (¬6) انظر " الحاوي الكبير " (4/ 124)، (9/ 336). (¬7) انظر " التنبيه " (ص 157).

له شروط، وفيه تفصيل، وأما جوازه لجائز التصرف .. فلا شرط له ولا تفصيلى فيه، وهذا التفصيل بين الحاجة وعدمها ليس للجواز، بل لقدر زائد عليه من الكراهة أو الاستحباب، فالتقييد بجواز التصرف ليس لأجل هذا التفصيل، بل للجواز المطلق، وهذا التفصيل زيادة على ما اقتضاه المفهوم ثالثها: أطلق الكراهة لغير المحتاج، ومحله في صورتين: إحداهما: إذا فقد الأهبة. الثانية: إذا وجدها لكن كانت به علة؛ كهرم أو مرض دائم أو تعنين، فأما إذا وجد الأهبة ولا علة به .. فلا يكره له النكاح، لكن التخلي للعبادة أفضل، فإن لم يتحبد .. فالنكاح أفضل في الأصح، وقد ذكر ذلك " المنهاج "، لكنه عبر بقوله: (العبادة أفضل) (¬1) واستصعب السبكي كون الخلاف بيننا وبين الحنفية في أن العبادة أفضل أو النكاح، ورأى أن العبادة أفضل قطعًا، وقال: إنما محل الخلاف: التخلي للعبادة، وهي عبارة الجمهور؛ أي: جحل نفسه بالمرصاد لها، فنحن نقول: هو أفضل، والحنفية يقولون: النكاح أفضل، فالصواب: التعبير: بأن التخلي للعبادة أفضل كما عبرت به، ثم استثنى السبكي من قول أصحابنا: أن النكاح ليس عبادة: نكاح النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فإنه عبادة قطعًا، ومن فوائده: نقل الشريعة المتعلقة بما لا يطلع عليه الرجال، ونقل محاسنه الباطنة؛ فإنه مكمل الظاهر والباطن، وقال السبكي أيضًا: لم يزد الشافعي على أنه يُحِبُّ تركه، ومحبة الترك لا تقتضي الكراهة. رابعها: أطلق الاستحباب عند الحاجة، وشرطه: أن يجد مع ذلك أهبة النكاح كما صرح به " الحاوي " (¬2) و " المنهاج " وقال: (فإن فقدها .. استحب تركه) (¬3)، وكذا في " تصحيح التنبيه " (¬4)، وفي " شرح مسلم ": أن النكاح في هذه الحالة مكروه، وهو أبلغ في طلب الترك (¬5)، وعبارة " المحرر " و " الروضة ": (الأولى: ألَّا ينكح) (¬6)، وقال شيخنا ابن النقيب: وهي دون عبارة " المنهاج " و " التصحيح " في الطلب، وفيه نظر؛ فلا يظهر فرق بين قولنا: يستحب ترك النكاح وقولنا: الأولى: ترك النكاح، ثم قال ابن النقيب: وليس في الحديث تعرض للندب ولا للأولوية، إنما اقتضى عدم الطلب لا طلب العدم، فلو قال: (فإن فقدها .. لم ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 372). (¬2) الحاوي (ص 453). (¬3) المنهاج (ص 372). (¬4) تصحيح التنبيه (2/ 7). (¬5) شرح مسلم (9/ 174). (¬6) المحرر (ص 288)، الروضة (7/ 18).

يستحب) .. لكان أخصر وأحسن. انتهى (¬1). ويرد على قول "الحاوي" [ص 453]: (ندب لمحتاج ذي أهبة) أنه يندب أيضًا لغير المحتاج إذا كان ذا أهبة، ولا علة به، وليس مشتغلًا بالعبادة في الأصح، وقد ذكره " المنهاج " [ص 372]، وقال الغزالي في " الإحياء ": من اجتمع له فوائد النكاح من النسل والتحصين وغيرهما، وانتفت عنه آفاته من تخليط في الكسب وتقصير في حقهن .. استحب له، وعكسه العزلة له أفضل، قإن اجتمعا .. اجتهد وعمل بالراجح (¬2). وقال شيخنا الإمام البلقيني: الذي يدل له نص الشافعي أنه إن كان تائقًا .. استحب له، وإلا .. فهو مباح. لم يقل بأنه مستحب ولا مكروه، وهي طريقة أكثر العراقيين. 3475 - قول " التنبيه ": [ص 157] (والمستحب: ألَّا يتزوج إلا من تجمع الدين والعقل) المراد: قدر زائد على مناط التكليف، وهو وفور العقل. 3476 - قول " الحاوي " [ص 453]: (بكر، ولود) يقال: كيف يجتمع هذان الوصفان؟ فإن البكر لا ولد لها. ويجاب عنه: بأن ذلك يعرف من أقاربها، وقيد الرافعي والنووي ترجيح البكر بما إذا لم يكن عذر (¬3). 3477 - قول " المنهاج ": [ص 372] (ليست قرابة قريبة) هو معنى قول " الحاوي " [ص 453]: (بعيدة)، وقد توقف فيه السبكي؛ لعدم صحة الحديث الدال عليه؛ فقد قال ابن الصلاح: لم أجد له أصلًا معتمدًا. قال السبكي: فلا ينبغي إثباته؛ لعدم الدليل، وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة من على رضي الله عنهما وهي قرابة قريبة؛ لأنه ابن عم أبيها صلى الله عليه وسلم. وعبارة " الكفاية ": (أن تكون غريبة) وهي تقتضي نفي القرابة وإن لم تكن قريبة، وجزم في زيادةأ الروضة ": بأن قرابته غير القريبة أولى من الأجنبية (¬4)، لكن في " البحر " و " البيان " عن النص: الأولى: ألَّا يتزوج من عشيرته؛ لأن الغالب حينئذ على الولد الحمق (¬5). 3478 - قول " المنهاج " [ص 372]: (وإذا قصد نكاحها .. سن نظره إليها قبل الخطبة) هو ¬

_ (¬1) انظر " السراج على نكت المنهاج " (5/ 293). (¬2) إحياء علوم الدين (2/ 34). (¬3) " نظرا فتح العزيز " (7/ 467)، و " الروضة " (7/ 19). (¬4) الروضة (7/ 19). (¬5) البيان (9/ 117).

معنى قول " الحاوي " [ص 453]: (إذا عزم على نكاحها) لكنه لم يصرح بأنه قبل الخطبة، فتصريح " المنهاج " أحسن. قال في " المهمات ": وهو معارض بالحديث والمعنى، أما الحديث: فروى البيهقي عن جابر مرفوعاً: " إذا خطب أحدكم المرأة فقدر على أن يرى منها ما يعجبه ويدعوه إليها .. فليفعل " (¬1)، وأما المعنى: فلأنها قد تعجبه ولا يجاب، فيتضرر، والحديث المذكور رواه أبو داوود، فعزوه إليه أولى، وقال والدي رحمه الله: ما ذكره الرافعي أولى (¬2)، ويدل له: ما رواه ابن ماجه من حديث محمد بن مسلمة مرفوعًا: "إذا ألقى في قلب امرءٍ خطبة امرأة .. فلا بأس أن ينظر إليها " (¬3)، وروى ابن ماجه أيضًا عن أنس: أن المغيرة بن شعبة أراد أن يتزوج امرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اذهب فانظر إليها " (¬4)، ورواه أيضًا من حديث المغيرة، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له امرأة أخطبها، فقال: " اذهب فانظر إليها ... " الحديث (¬5). 3479 - قول " المنهاج " [ص 372]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 453]: (ولا ينظر غير الوجه والكفين) علله الرافعي: بأن ما سواهما عورة (¬6)، ومقتضاه: اختصاص هذا الحكم بالحرة؛ فإن الأصح: أنه ينظر من الأمة ما ينظره الرجل من الرجل، فمع حاجة النكاح أولى، وبه صرح ابن الرفعة، فقال: مفهوم كلامهم في الأمة الجواز إلى ما ليس بعورة منها (¬7). 3480 - قول " التنبيه " [ص 157]: (والأولى: ألَّا يزيد على امرأة واحدة) قيده النووي في " الروضة " بما إذا لم تكن حاجة ظاهرة (¬8)، ومقتضاه: أنه إذا كان لا يقنع بواحدة، لقوة شهوته .. استحب له الزيادة، وقد ذكره الماوردي كما حكاه عنه الرافعي في (النفقات) (¬9)، وجزم به الغزالي في " الإحياء " (¬10). 3481 - قول " المنهاج " [ص 372]: (ويحرم نظر فحلٍ بالغٍ إلى عورة حرةٍ كبيرةٍ أجنبيةٍ، وكذا وجهها وكفيها عند خوف الفتنة، وكذا عند الأمن على الصحيح) فيه أمور: ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داوود (2082) والبيهقي في " سننه الكبرى " (13265). (¬2) انظر " فتح العزيز " (7/ 469، 470). (¬3) سنن ابن ماجه (1864). (¬4) سنن ابن ماجه (1865). (¬5) سنن ابن ماجه (1866). (¬6) انظر " فتح العزيز " (7/ 470). (¬7) في (ج): (مقتضى تصحيح المصنف: أنها كالحرة؛ لاستوائهما). (¬8) الروضة (7/ 19). (¬9) انظر " الحاوي الكبير " (11/ 417)، و" فتح العزيز " (10/ 4). (¬10) إحياء علوم الدين (2/ 30).

أحدها: تبع في تصحيح التحريم عند الأمن " المحرر " فإنه قال: (إنه أولى الوجهين) (¬1)، وهو ظاهر إطلاق " الحاوي " تحريم النظر (¬2)، وحكى في " الشرح الصغير " ترجيحه عن جماعة؛ وعلله، ولم ينقل مقابله عن أحد، وذلك يفهم ترجيحه، لكنه في " الكبير " قال: أكثر الأصحاب لا سيما المتقدمون على أنه لا يحرم، بل يكره (¬3)، وتبعه في " الروضة " (¬4)، ووجهه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات (¬5)، وعن القاضي عياض عكسه (¬6)، وهو أنه حكى عن العلماء مطلقًا: أنه لا يلزمها ستر وجهها في طريقها، بل يندب، وعلى الرجال غض البصر. قال شيخنا ابن النقيب: وإذا كان أكثر الأصحاب عليه .. لزمه في " المحرر " تصحيحه، ثم إنه في الحقيقة ما صحح مقابله، بل جعله أولى؛ فلعله رآه أولى من حيث حسم الباب، لا أنه المصحح في المذهب، فينكر على المصنف التصريح بتصحيحه مع تضعيف مقابله الذي عليه الأكثر؛ لتعبيره بالصحيح (¬7). وقال في " المهمات ": الصواب: الجواز؛ لتصريحه في " الشرح " بأن الأكثرين عليه. وقال شيخنا الإمام البلقيني: الترجيح بقوة المدرك والفتوى على ما في " المنهاج ". ثانيها: فرض الإمام الوجهين فيما إذا لم يظهر خوف فتنة (¬8)، قال السبكي: وهو حسن؛ فالأمن عزيز إلا ممن عصم الله. قال في " التوشيح ": قد يقال: عدم ظهور الخوف أمن. ثالثها: ظاهر كلامه: أن وجهها وكفيها غير عورة، وإنما ألحقت بها في تحريم النظر، وهو محتمل، قد يقال ذلك، وقد يقال: هو عورة في النظر دون الصلاة، وقال الماوردي في (كتاب الصلاة): عورتها مع غير الزوج كبرى وصغرى، فالكبرى ما عدا الوجه والكفين، والصغرى ما بين السُّرة والركبة، فيجب ستر الكبرى في الصلاة، وكذا عن الرجال الأجانب والخناثى، والصغرى عن النساء وإن قربن، وكذا عن رجال المحارم والصبيان، وهل عورتها مع الشيخ الهرم والمجبوب الكبرى أو الصغرى؟ وجهان (¬9). ¬

_ (¬1) المحرر (ص 288). (¬2) الحاوي (ص 453). (¬3) فتح العزيز (7/ 471). (¬4) الروضة (7/ 21). (¬5) انظر " نهاية المطلب " (12/ 31). (¬6) في (ج): (كلام القاضي عياض ضعيف، والمعتمد: خلافه). (¬7) انظر " السراج على نكت المنهاج " (5/ 299، 300). (¬8) انظر " نهاية المطلب " (12/ 31). (¬9) انظر " الحاوي الكبير " (2/ 170، 171).

3482 - قول "الحاوي " [ص 453]: (ومن أمة) أي: يباح النظر إلى الأمة فيما عدا ما بين السرة والركبة، والمراد: عند فقد الشهوة، وتبع فيه الرافعي؛ فإنه قال في " المحرر " و " الشرح الصغير ": إنه الأظهر (¬1)، وحكى في " الكبير " تصحيحه عن البغوي والروياني (¬2)، والمراد: الإباحة مع الكراهة، وخالفه النووي، فقال في " الروضة ": صرح صاحب " البيان " وغيره: بأن الأمة كالحرة، وهو مقتضى إطلاق كثيرين، وهو أرجح دليلًا (¬3)، وفي " المنهاج " [ص 373]: (الأصح عند المحققين: أن الأمة كالحرة) وفي الرافعي: أنه لا يكاد يوجد إلا في " الوسيط " (¬4). 3483 - قول " المنهاج " [ص 372]: (وإلى صغيرة إلا الفرج) و" الحاوي " [ص 453]: (والصبية لا الفرج) جزم به الرافعي (¬5)، وقال النووي: نقل صاحب " العدة " الاتفاق عليه، وليس كذلك، بل قطع القاضي حسين في " تعليقه " بجواز النظر إلى فرج الصغيرة التي لا تُشتهى والصغير، وقطع به في الصغير إبراهيم المَرُّوذِي، وذكر المتولي فيه وجهين، وقال: الصحيح: الجواز؛ لتسامح الناس بذلك قديمًا وحديثًا، وأن إباحة ذلك تبقى إلى بلوغه سن التمييز، ومصيره بحيث يمكنه ستر عورته عن الناس. انتهى (¬6). وقال ابن الصلاح: إن المانع كاد أن يخرق الإجماع، وذكر الماوردي: أنها إذا جاوزت سبعًا .. حرم النظر إلى الفرج، ويبقى غيره إلى عشر في الصبي وتسع في الصبية (¬7). 3484 - قول " المنهاج " [ص 372]- والعبارة له - و " الحاوي " [ص 453] عطفًا على الأصح: (وأن نظر العبد إلى سيدته ونظر ممسوحٍ كالنظر إلى مَحْرَمٍ) فيه أمور: اْحدها: كذا حكى الرافعي تصحيحه عن الأكثرين (¬8)، وقال النووي: هو المنصوص وظاهر الكتاب والسنة، وإن كان فيه نظر من حيث المعنى (¬9)، وصحح في " نكت " له على " المهذب ": التحريم، وكذا صححه ابن الرفعة في " المطلب " والسبكي. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 288). (¬2) فتح العزيز (7/ 474)، وانظر " التهذيب " (5/ 238). (¬3) الروضة (7/ 23)، وانظر " البيان " (9/ 132). (¬4) فتح العزيز (7/ 474)، وانظر " الوسيط " (5/ 35). (¬5) انظر " فتح العزيز " (7/ 474). (¬6) انظر " الروضة " (7/ 24). (¬7) انظر " الحاوي الكبير " (2/ 174، 175). (¬8) انظر " فتح العزيز " (7/ 474). (¬9) انظر " الروضة " (7/ 23).

ثانيها: محل ذلك: ما إذا لم تكاتبه كما حكاه في " الروضة " عن القاضي حسين (¬1)، ويوافقه تصريح الرافعي في عكسه، وهو مكاتبة الرجل أمته: بأنه لا يحل له النظر إليها (¬2)، لكن جوز أبو نصر أبي القاسم القشيري نظره إليها ولو كاتبته، وحكاه شيخنا الإمام البلقيني عن نص الشافعي، وخرج في " المطلب " فيه وجهين، وقال: لم أر المحكي عن القاضي حسين في " تعليقه "، وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم يطلقه القاضي، بل قال: إن كان معه وفاء .. فتحتجب منه، وإلا .. فلا. ثالثها: محله أيضًا: في العبد الثقة دون الفاسق كما ذكره البغوي في " تفسيره "، وفي المرأة الثقة أيضًا كما ذكره المهدوي في " تفسيره "، وهو معدود من الشافعية، وكذا قيد الواحدي والكواشي الآية بأن يكونا عفيفين (¬3). رابعها: اقتصر على جواز النظر، والخلوة في معناه، وقد صرح بجوازها صاحبا " المهذب " و" البيان " (¬4)، وكذا السفر بها، وقد صرح به المرعشى في " ترتيب الأقسام " وقال شيخنا الإمام البلقيني: الذي يقوى جواز النظر دون الخلوة، والمسافرة محل نظر. انتهى. والذي في " الروضة " وأصلها: أنه مَحْرَم لها عند الأكثرين (¬5)، ومقتضاه: جواز النظر والخلوة والسفر، بل جواز اللمس، وأنه غير ناقض، وليس كذلك؛ ولهذا قال في " المهمات ": الصواب: التعبير بجواز الخلوة والنظر ونحوهما، لا بالمحرمية. خامسها: خرج بالعبد: المبعض، فهو كالأجنبي، وقد صرح به الماوردي (¬6)، ويوافقه جزم الرافعي والنووي بتحريم نظر الشريك من المشتركة لما بين سرتها وركبتها (¬7). سادسها: قال السبكي: الصحيح عندي: أن نظر الممسوح إلى الأجنبية كنظر الفحل. انتهى. وبتقدير جوازه .. فينبغي تقييده بعفته وعفة المنظور إليها كما تقدم في عبد المرأة، وقال المتولي: إن كان له ميل إلى النساء .. حرم، وإلا .. فكالشيخ الهرم. 3485 - قول " المنهاج " [ص 372]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 453]: (وأن المراهق ¬

_ (¬1) انظر " الروضة " (7/ 23). (¬2) انظر " فتح الغزيز " (7/ 476). (¬3) تفسير البغوي (3/ 339). (¬4) المهذب (2/ 34)، البيان (9/ 130). (¬5) فتح العزيز (7/ 473، 474)، الروضة (7/ 23). (¬6) انظر " الحاوي الكبير " (2/ 172). (¬7) انظر " فتح العزيز " (7/ 479، 480)، و" الروضة " (7/ 27).

كالبالغ) قال الرافعي: معناه: أنه يلزم المنظور إليها الاحتجاب منه كما أنه يلزمها الاحتجاب من المجنون قطعًا، وأما الصبي .. فلا تكليف عليه (¬1)، وقال النووي: إذا جعلناه كالبالغ .. لزم الولي أن يمنعه النظر كالزنا وكل محرم (¬2)، وقال الإمام: إن لم يبلغ أن يحكي ما يراه .. فهو كالعدم، وإن بلغه دون ثوران شهوة .. فهو كالمحرم، وإن كان .. فكالبالغ الأجنبي (¬3)، وحينئذ .. فلا ينبغي التعبير بعبارة تقتضي التحريم، فلو عبر بالمنع .. لكان أحسن. 3486 - قول " المنهاج " [ص 373]: (ويحرم نظر أمرد بشهوة) فيه أمور: أحدها: أنه لا معنى لتخصيص تحريم النظر بشهوة بالأمرد؛ فالملتحي يحرم النظر إليه بشهوة أيضًا، وقد قال قبل ذلك: (ويحل نظر رجل إلى رجل) (¬4) ولما ذكر الشهوة .. قيد بالأمرد، وذلك يقتضي أن الكلام الأول على إطلاقه؛ وكأنه إنما ذكر ذلك توطئة لما بعده من تحريم النظر إليه بغير شهوة أيضًا. ثانيها: قال السبكي: المراد من الشهوة: أن يكون النظر لقصد قضاء وطر فيها، بمعنى: أن الشخص يحب النظر إلى الوجه الجميل ويلتذ به، قال: فإذا نظر ليلتذ بذلك الجمال .. فهو النظر بشهوة، وهو حرام، قال: وليس المراد: أن يشتهي زيادة على ذلك من الوقاع ومقدماته؛ فإن ذلك ليس بشرط بل زيادة في الفسوق، قال: وكثير من الناس لا يقدمون على فاحشة ويقتصرون على مجرد النظر والمحبة، ويعتقدون أنهم سالمون من الإثم، وليسوا سالمين. ثالثها: لا يختص التحريم بحالة الشهوة، بل لو انتفت وخيف الفتنة .. حرم النظر أيضًا كما حكاه الرافعي عن الأكثرين (¬5)، ولهذا قال " الحاوي " عطفًا على الجائز [ص 453]: (وأمرد بغير شهوة وأمن) أي: ومع الأمن، وقد تفهم عبارته أنه معطوف على شهوة؛ أي: بغير شهوة وبغير أمن، وليس كذلك؛ فهو إما معطوف على (غير) أو (الواو) فيه بمعنى: (مع). رابعها: قوله من زيادته: (وكذا بغيرها في الأصح المنصوص) (¬6) نازعه في " المهمات " في العَزْوِ للنص، وقال: الصادر من الشافعي على ما بينه في " الروضة ": إنما هو إطلاق يصح حمله على حالة الشهوة. ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (7/ 473). (¬2) انظر " الروضة " (7/ 22). (¬3) انظر " نهاية المطلب " (12/ 36). (¬4) المنهاج (ص 373). (¬5) انظر " فتح العزيز " (7/ 476). (¬6) المنهاج (ص 373).

قلت: عبارة " الروضة ": أطلق صاحب " المهذب " وغيره: أنه يحرم النظر إلى الأمرد بغير حاجة، ونقله الداركي عن نص الشافعي (¬1). فإن أراد نقل الإطلاق .. صح ما قاله في " المهمات "، وإن أراد نقل النص .. صحت عبارة " المنهاج ". خامسها: ظاهر إطلاقه: أنه لا فرق في الأمرد بين أن يكون جميلًا أم لا، وقال السبكي: إنه محتمل، لعدم انضباط الحسن، قال: ولكن الظاهر الأول، وعليه يدل كلام الأكثر، وإليه يرشد تبويب النووي في " رياض الصالحين " (¬2)، قال السبكي: وهذا القيد منتف في النساء؛ لأن في الطباع الميل إليهن، فضبط بالأنوثة، وذلك مفقود فيما بين الرجال إلا في الأمرد الحسن. قلت: وقيده القاضي حسين والمتولي بالجميل الوجه، الناعم البدن، وحرر السبكي موضع الخلاف، وحصره في جميل يمكن الافتتان به، فعند النووي: يحرم وإن انتفت الفتنة والشهوة اعتبارًا بالمنظور إليه (¬3)، وعند الرافعي: يجوز؛ اعتبارًا بالناظر (¬4)، واستشكل إيجاب الغض عن الأمرد مطلقًا، وقال الغزالي في " الإحياء ": من يتأثر قلبه بجمال الأمرد بحيث يدرك الفرق بينه وبين الملتحي - أي: من حيث الشهوة - .. فلا يحل له النظر (¬5). 3487 - قول " الحاوي " [ص 453]: (كللمرأة) أي: كما لا يحرم نظر المرأة إلى المرأة إلا فيما بين السرة والركبة، يتناول نظر الذمية للمسلمة، وهو الذي صححه الغزالي (¬6)، وصحح البغوي تحريمه؛ لقوله تعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} وليست الذمية من نسائهن (¬7)، وتبعه النووي (¬8)؛ ولهذا قال في " المنهاج " [ص 373]: (الأصح: تحريم نظر ذمية إلى مسلمة) وفي " المحرر ": (أنه الأحوط) (¬9)، وفيه أمور: أحدها: أن التحريم لا يختص بالذمية، بل يحرم على المسلمة كشف وجهها لها، وقد صرح به النووي في " فتاويه " (¬10)، وإذا لم يخاطب الكفار بفروع الشريعة .. اختص التحريم بالمسلمة. ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 25)، وانظر " المهذب " (2/ 34). (¬2) رياض الصالحين (ص 300). (¬3) انظر "الروضة " (7/ 24، 25). (¬4) انظر " فتح العزيز " (7/ 476). (¬5) إحياء علوم الدين (3/ 102). (¬6) انظر " الوسيط " (5/ 30). (¬7) انظر " التهذيب " (5/ 236). (¬8) انظر " الروضة " (7/ 25). (¬9) المحرر (ص 289). (¬10) فتاوى النووي (ص 133) مسألة (224).

ثانيها: يستثنى من الذمية: مملوكة المسلمة فيباح لها النظر لها كما ذكره النووي في " فتاويه " (¬1)، وكلام البغوي في " تفسيره " يقتضيه (¬2). ثالثها: ويستثنى منها أيضًا: محرمها؛ كبنتها أو أمها .. فيباح لها النظر إليها كما دل عليه كلام القاضي حسين؛ حيث فرض الخلاف في الأجانب، وأما القريبة؛ كبنت العم وبنت الخال ونحوهما .. فهل يجري عليها حكم نساء المحارم أم نساء الأجانب؛ قال شيخنا الإمام البلقيني: الأقرب: الثاني. رابعها: لا يختص ذلك بالذمية، بل سائر الكافرات كذلك كما حكاه في "الروضة" عن صاحب " البيان " (¬3)، بل ذكر الشيخ عز الدين بن عبد السلام في " تفسيره ": أن الفاسقة كالذمية في ذلك، ونازعه شيخنا الإمام البلقيني فيه، وقال: هي من المؤمنات، والفسق لا يخرجها عن ذلك. خامسها: ذكر الرافعي والنووي أن الأشبه: أن الذى يحرم نظر الذمية له من المسلمة هو ما لا يبدو في حال المهنة، ولها النظر إلى ما يبدو في المهنة، بعد أن نقلا عن الإمام: أنها كالرجل الأجنبي (¬4)، وتقدم قول النووي في " فتاويه ": أنه يحرم على المسلمة كشف وجهها للذمية (¬5)، وهو موافق لكلام الإمام (¬6)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه الأصح، قال: وبه جزم القاضي حسين وغيره. سادسها: أما عكسه، وهو نظر المسلمة للذمية .. فمقتضى كلام الأصحاب: جوازه، وقال شيخنا الإمام البلقيني: عندي فيه وقفة إن قيل: أو نسائهن في الناظرة والمنظورة. 3488 - قول " الحاوي " [ص 453]: (ومن الرجل) أي: لا يحرم نظر المرأة للرجل إلا فيما بين السرة والركبة، تبع فيه الرافعي (¬7)، وصحح النووي تحريم نظرها إليه كنظره إليها (¬8)؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 373]: (قلت: الأصح: التحريم كَهُوَ إليها) ويوافقه قول الرافعي في (شروط الصلاة): إنه يحرم عليها النظر إلى شعره، هاذا قلنا بالإباحة .. فشرطها عدم خوف الفتنة، وقد صرح به " المنهاج " (¬9). ¬

_ (¬1) فتاوى النووي (ص 133) مسألة (224). (¬2) تفسير البغوي (3/ 339). (¬3) البيان (9/ 127)، الروضة (7/ 25). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (12/ 30)، و " فتح العزيز " (7/ 477)، و " الروضة " (7/ 25). (¬5) فتاوى النووي (ص 133) مسألة (224). (¬6) انظر " نهاية المطلب " (12/ 30). (¬7) انظر " فتح العزيز " (7/ 477). (¬8) انظر " الروضة " (7/ 25). (¬9) المنهاج (ص 373).

3489 - قوله: (ومتى حرم النظر .. حرم المس) (¬1) قال السبكي: إن تعبير " المحرر " بـ (حيث) (¬2) أحسن منه؛ لأن (حيث) اسم مكان، والمقصود هنا: أن المكان الذي يحرم نظره يحرم مسه، و (متى) اسم زمان، وليس مقصودًا هنا. قال شيخنا ابن النقيب: وقد يقال: إن الزمان أيضًا مقصود؛ فإن الأجنبية يحرم نظرها، فإذا عقد عليها .. جاز، فإذا طلقها .. حرم، وكذلك الطفلة على العكس؛ ولذلك استثنى زمان المداواة والمعالجة. انتهى (¬3). ويستثنى منه: جواز مس الرجل فرج زوجته أو أمته قطعًا، مع تحريم النظر إليه على وجه، ومفهومه: أنه لا يلزم من تحريم المس تحريم النظر، وهو كذلك، فيحرم مس وجه الأجنبية وإن جاز النظر، بل حكى الرافعي عن العبادي، عن القفال: أنه لا يجوز للرجل مس بطن أمه ولا ظهرها، ولا أن يغمز ساقها ولا رجلها، ولا أن يقبل وجهها، ولا أن يأمر ابنته أو أخته بغمز رجله (¬4)، وفصل السبكي في ذلك؛ فجوز ما كان منه لحاجة أو شفقة، وحرم ما كان لشهوة، قال: وبينهما مراتب متفاوتة؛ فما قرب إلى الأول .. ظهر جوازه، أو إلى الثاني .. ظهر تحريمه، وعبارة " الروضة " تقتضي أنه يحرم مس يد الأم، وهو خلاف الإجماع؛ فإنه قال عطفًا على المحرم: ومس كل ما جاز النظر إليه من المحارم (¬5)، وعبارة الرافعي عطفًا على ما لا يجوز: ولا مس كل ما يجوز النظر إليه من المحارم (¬6)، وهي عبارة صحيحة، ومقتضاها: أنه لا يجوز مس الكل، بل البعض؛ كقولنا: لا يجوز أن يتزوج كل امرأة: وهو المسمى بسلب العموم، فعبر النووي بالإثبات، فقال: يحرم، وأسنده إلى كل فرد، وهو المسمى عموم السلب، فوقع في الغلط، ذكره في " المهمات ". وفي " شرح مسلم " للنووي: أن مس رأس المحرم وغيره مما ليس بعورة مجمع على جوازه (¬7)، وعبارة " الحاوي " [ص 453]: (وحرم للذكر مس شيء من المرأة - شعرها وغيره - وإن أبين، والنظر لا لحاجةٍ ... إلى آخره) ومقتضاها: تسوية المس والنظر إثباتًا ونفيًا، ويرد عليه ما تقدم. ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 373). (¬2) المحرر (ص 289). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (5/ 309، 315). (¬4) انظر " فتح العزيز " (7/ 480). (¬5) الروضة (7/ 28). (¬6) انظر " فتح العزيز " (7/ 480). (¬7) شرح مسلم (13/ 58).

3490 - قول " المنهاج " [ص 373]: (ويباحان لفصدٍ وحجامة وعلاج) هي داخلة في الحاجة التي ذكرها " الحاوي " (¬1)، وله شروط: أحدها: أن يكون ذلك بحضور محرم أو زوج، قال شيخنا الإمام البلقيني: والمراد: أن يكون هناك من يمنع حصول الخلوة كما هو مذكور في العدد. ثانيها: يشترط في معالجة الرجل للمرأة: فقد امرأة تعالجها، وفي معالجة المرأة للرجل: فقد رجل يعالجه كما صححه النووي (¬2)، وحكاه الرافعي عن أبي عبد الله الزبيري والروياني خلافًا لابن القاصّ (¬3). ثالثها: يشترط أيضًا: ألَّا يكون ذميًا مع وجود مسلم كما في زوائد " الروضة " عن القاضي حسين والمتولي (¬4)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: اللائق بالترتيب أن يقال: إن كانت العلة في الؤجه .. سومح بذلك كما في المعاملة، وإن كانت في غيره؛ فإن كانت امرأة .. فيعتبر وجود امرأة مسلمة، فإن تعذرت .. فصبي مسلم غير مراهق، فإن تعذر .. فصبي غير مراهق كافر، فإن تعذر .. فامرأة كافرة، فإن تعذرت .. فمحرمها المسلم، فإن تعذر .. فمحرمها الكافر، فإن تعذر .. فأجنبي مسلم، فإن تعذر .. فأجنبي كافر. رابعها: أصل الحاجة كاف في نظر الوجه والكفين، ويعتبر في غير ذلك تأكدها وهو مبيح التيمم، قاله الإمام (¬5)، وفي الفرج مزيد تأكيد، وهو ما لا يعد الكشف له هتكًا للمروءة، قاله الغزالي (¬6)، ولهذا قال " الحاوي " [ص 453]: (ومؤكدها في السوأة). 3491 - قول " المنهاج " من زيادته [ص 373]: (ويباح النظر لمعامله وشهادةٍ وتعليمٍ ونحوها بقدر الحاجة) وهو داخل في تعبير " الحاوي " [ص 453] بـ (الحاجة) وفيه أمور: أحدها: أن الرافعي والنووي اقتصرا في هذه الصورة على النظر إلى الوجه (¬7)، وصحح الماوردي أنه إذا حصلت معرفتها ببعض الوجه .. وجب الاقتصار عليه، ولم يجز رؤية جميعه، وحكاه الروياني عن الجمهور، فإن لم يعرفها إلا بالكل أو بالتكرار .. فعل؛ ولعل قول " المنهاج " [ص 373]: (بقدر الحاجة) و " الحاوي " [ص 453]: (بحاجة) يوافق ذلك. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 453). (¬2) انظر " الروضة " (7/ 29). (¬3) انظر " فتح العزيز " (7/ 482). (¬4) الروضة (7/ 30). (¬5) انظر " نهاية المطلب " (12/ 36). (¬6) انظر " الوسيط " (5/ 37). (¬7) انظر " فتح العزيز " (7/ 481)، و " الروضة " (7/ 29).

وقال في " المهمات ": إن الاقتصار على الوجه غير مستقيم؛ فقد تقدم أنه يجوز النظر إلى الكفين عند الأكثرين لا لحاجة، فكيف مع هذه الحاجة؟ وهو مردود، وكيف ينظر زيادة على الوجه وهو غير محتاج إليه؟ ! فإن المعرفة بالوجه خاصة. ثانيها: محل ذلك: عند أمن الفتنة، فلو خافها .. قال الرافعي في (الشهادات): يشبه أن يقال: إن لم يتعين .. لم ينظر، وإن تعين .. فينظر ويضبط نفسه. انتهى (¬1). ولم يتعرضوا لما إذا انضم لخوف الفتنة قيام الشهوة، وقال السبكي فيما إذا تعين: هو مشكل، والذي أراه: أنه ينظر؛ فإن عصم، وإلا .. وقع في الإثم، وجعله ذا وجهين: يأثم بالشهوة، ويؤجر بالتحمل، وحكى في " التوشيح ": جواز النظر مع الشهوة عند التعين عن الماوردي والرا فعي وابن الرفعة، والظاهر أنه وهم. ثالثها: ما ذكره في جواز النظر للتعليم يخالفه ما سيأتي في " المنهاج " في (الصداق): أنه لو أصدقها تعليم قرآن وطلق قبله .. فالأصح: تعذر تعليمه (¬2)، وقال السبكي هناك: لعل الجمع بين الكلامين أن هنا أمورًا أخرى أوجبت التعذر؛ منها: أنه لو أصدق تعليم كل القرآن .. فنصفه وإن عرف من حيث عدد الحروف .. فيختلف سهولة وصعوبة، وحكى الماوردي وجهين في أن القرآن هل يتجزئ في كلماته وحروفه التي جزأه السلف عليها أم لا؟ لتشابهه وصعوبة بعضه، فعلى الأول: يعلمها النصف دون الثاني، وقال السبكي هنا: كشفت كتب المذهب فإنما يظهر جواز النظر للتعليم فيما يجب تعلمه وتعليمه كـ (الفاتحة)، وما يتعين من الصنائع بشرط التعذر من وراء حجاب، وأما غير ذلك .. فإن كلامهم يقتضي المنع، ثم استشهد بالمذكور في (الصداق). رابعها: قال شيخنا الإمام البلقيني: لم يقيدوا المعاملة والشهادة بألَّا يوجد من محارمها من يعاملها، ويشهد عليها، وألَّا توجد امرأة تعاملها؛ وكأنهم سامحوا في ذلك؛ لتعلقه بالوجه خاصة. قلت: الشهادة لا تختص بالوجه؛ فإنه يجوز النظر للفرج لتحملها على الزنا والولادة، وللثدي للشهادة على الرضاع على الأصح. 3492 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (وللزوج النظر إلى كل بدنها) (¬3) يستثنى منه: حلقة الدبر، فحكي عن الدارمي: أنه لا يجوز النظر إليها؛ لأنها ليست محل استمتاعه، وعبارة " الحاوي " مصرحة بخلافه؛ حيث قال: (حتى السوءة بكرهٍ) (¬4)، وقال في ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (13/ 64). (¬2) المنهاج (ص 401). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 159)، و" الحاوي " (ص 454)، و " المنهاج " (ص 373). (¬4) الحاوي (ص 454).

" التوشيح ": لم يذكره الوالد في " شرح المنهاج " فلعله لم يرضه. 3493 - قول " التنبيه " [ص 159]: (وقيل: لا ينظر إلى الفرج) خصه الفارقي بغير حالة الجماع، وقال: يجوز عند الجماع قطعًا، وحكاه صاحب " المعين " اليمنى عن الشيباني، وفيه نظر؛ فإن الحديث الذي استدل به للتحريم مصرح بحالة الجماع، ولفظه: " لا ينظرن أحد منكم إلى فرج زوجته ولا فرج جاريته إذا جامعها؛ فإن ذلك يورث العمى " رواه البيهقي بسند ضعيف (¬1)، ويخرج من كلام السبكي احتمال بعكسه، وهو تخصيص التحريم بحالة الجماع؛ فإنه قال: لفظه مقيد بحالة الجماع، واختلفوا هل يورث عمى الناظر أو الولد؟ فحيث لا وطء ولا ولد .. قد يقال بالتخصيص فيه. 3494 - قول " الحاوي " [ص 454]: (وملكٍ) أي: يجوز النظر إلى بدن المملوكة، والمراد: الملك الذي يجوز الاستمتاع معه؛ لتخرج المرتدة والمجوسية والوثنية والمزوجة والمكاتبة والمشتركة؛ فإنه لا يجوز النظر فيهن إلى ما بين السرة والركبة، ولا يحرم ما زاد على الصحيح، كذا في " الروضة " (¬2) وأصلها (¬3). وقال شيخنا الإمام البلقيني: الصواب في المشتركة والمبعضة: أنه يقضي عليهما بحكم الأجانب، وقد قال الماوردي في عبدها المبعض: إن عليها ستر عورتها الكبرى عنه لا يختلف أصحابنا فيه، وذكر قبل ذلك: أن العورة: الكبرى جميع البدن غير الوجه والكفين (¬4). 3495 - قوله: (وفي المشكل يحتاط) (¬5) أي: في نظره والنظر إليه، فيجعل مع النساء رجلًا ومع الرجال امرأة، كذا صححه الرافعي، وتبعه النووي، ثم حكيا عن القفال جواز نظره والنظر إليه مطلقًا؛ استصحابًا لحكم الصغر، وزاد النووي: أنه قطع به الفوراني والمتولي وإبراهيم المروذي، ونقله المروذي عن القاضي. انتهى (¬6). وهذا قد يفهم ترجيحه وإن لم يصرح به، ويوافقه تصحيح النووي في " شرح المهذب ": أنه يغسله بعد موته الرجال والنساء (¬7)، وعليه مشى " الحاوي " في بابه (¬8)، وليس ذلك في " الروضة " ¬

_ (¬1) انظر " سنن البيهقي الكبرى " (13318). (¬2) الروضة (7/ 23). (¬3) فتح العزيز (7/ 476). (¬4) انظر " الحاوي الكبير " (2/ 170). (¬5) انظر " الحاوي " (ص 454). (¬6) انظر " فتح العزيز " (7/ 482، 483)، و" الروضة " (7/ 29). (¬7) المجموع (5/ 121). (¬8) الحاوي (ص 202).

فصل [في استحباب الخطبة وما يتعلق بها]

وأصلها، إنما فيهما وجهان بلا ترجيح في أنه يغسل أو يتيمم، ثم صححا تفريعًا على غسله: أنه يغسله الرجال والنساء (¬1). فصلٌ [في استحباب الخطبة وما يتعلق بها] 3496 - قول " المنهاج " [ص 373]: (تحل خطبة خليَّةٍ عن نكاحٍ وعدَّةٍ) فيه أمران: أحدهما: أنه اقتصر على حلها، وعبارة " الحاوي " تقتضي الاستحباب؛ فإنه قال: (ندب لمحتاج ذي أهبة نكاح) إلى أن قال: (بخطبة) (¬2) فجعل الخطبة داخلة في حيز الندب، وصرح به في " الوجيز " (¬3) و" التعجيز " و" شرحه ". قال الرافعي والنووي: ويمكن أن يحتج له بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وما جرى عليه الناس، لكن لا ذكر للاستحباب في كتب الأصحاب وإنما ذكروا الجواز (¬4). وقال شيخنا الإمام البلقيني: في كلام الشافعي والأصحاب استحبابها؛ لأنهم ذكروا استحباب النكاح، ومن ضرورته عادة تقدم خطبة. ثانيهما: أنه لم يعتبر في حل الخطبة سوى خلو المخطوبة عن نكاح وعدة، ولا بد من خلوها أيضًا عن الاستبراء المانع من التزويج، ومقتضاه: جواز الخطبة ولو كان في نكاح الخاطب أربع، لكن صرح الماوردي بتحريمه، قال شيخنا ابن النقيب: وقياسه تحريم خطبة من يحرم الجمع بينها وبين زوجته (¬5). وقال شيخنا الإمام البلقيني في من في نكاحه أربع: لم أقف فيه على نقل، والأقرب: الجواز إذا كان القصد أنها إذا أجابت .. أبان واحدة وتزوج بها، قال: وقياسه يجري في زوج يخطب أخت زوجته، وفي هذا بعد. انتهى. 3497 - قول " المنهاج " [ص 373، و" الحاوي " [ص 454]- والعبارة له -: (وحرم صريح خطبة المعتدة) محله: في غير صاحب العدة، أما صاحبها الذي يحل له نكاحها .. فله التصريح بخطبتها، وقد صرح به " التنبيه " فقال [ص 161]: (وإن خالعها زوجها فاعتدت منه .. لم يحرم على زوجها التصريح بخطبتها) وقد اعترض على قول " التنبيه " [ص 161]: (وإذا طلقت المرأة ثلالًا ¬

_ (¬1) فتح العزيز (2/ 405، 406)، الروضة (2/ 105). (¬2) الحاوي (ص 453). (¬3) الوجيز (2/ 6). (¬4) انظر " فتح العزيز " (7/ 483)، و " الروضة " (7/ 30). (¬5) انظر " السراج على نكت المنهاج " (5/ 315).

أو توفى عنها زوجها فاعتدت منه .. حرم التصريح بخطبتها) بأنه لا معنى لذكر العدة في المتوفى عنها؛ فإنها لا تنفك عن العدة. 3498 - قوله في المختلعة: (وفي التعريض قولان، أحدهما: يحرم، والثاني: لا يحرم) (¬1) الأظهر: أنه لا يحرم، وهو مفهوم قول " الحاوي " [ص 454] (والتعريض للرجعية) وداخل في قول " المنهاج " [ص 373]: (وكذا - أي: يحل تعريض - لبائن في الأظهر) ومقتضى كلامه: التسوية بين البائن بالثلاث وما دونها في جريان القولين، وليس كذلك؛ فالأصح: القطع في البائن بالثلاث، وكل من ليس لصاحب العدة نكاحها؛ كاللعان والرضاع بجواز التعريض بخطبتها، والقولان في البائن بدون الثلاث أو بفسخ؛ ولهذا خص " التنبيه " القولين بالمختلعة، وجزم في المطلقة ثلاثًا بجواز التعريض بخطبتها كالمتوفى عنها، فكان ينبغي للمنهاج فصل البائن بالثلاث والتعبير فيها بالمذهب، وفي " البحر " عن " الأم ": لو قال: عندي جماع يرضي من جومعت .. فهو تعريض محرم (¬2)، وهذا يدل على أن بعض التعريض حرام، وقال بعضهم: التعريض بالجماع تصريح بالخطبة. 3499 - قول " التنبيه " [ص 161، 162]: (ويحرم على الرجل أن يخطب على خطبة أخيه إذا صرح له بالإجابة) فيه أمور: أحدها: تبرك بلفظ الحديث في التعبير بأخيه، لكنه مخرج للذمي، والأصح: أنه في ذلك كالمسلم، فتحرم الخطبة على خطبته خلافًا لابن حربويه؛ ولذلك أطلق " المنهاج " و" الحاوي " تحريم الخطبة على الخطبة (¬3). ثانيها: محل ذلك: ما إذا لم يأذن له كما صرح به " المنهاج " (¬4)، ولم يتعرض له " الحاوي "، وكذا إذا ترك الخطبة ورغب عنها كما في " الروضة " وأصلها (¬5). ثالثها: أبهم " التنبيه " و" المنهاج " المعتبر تصريحه بالإجابة، وهو الولي المجبر إن كانت مجبرة، والسيد إن كانت رقيقة، والمرأة إن انتفى الإجبار والرق، والسلطان في المجنونة، وقد صرح به " الحاوي " [ص 454] فقال: (أجاب المجبر أو غير المجبرة أو السلطان في المجنونة نطقًا) وأورد في " المهمات " ما إذا كان الخاطب غير كفء .. فالنكاح متوقف على رضا الولي والمرأة معًا، فالمعتبر في تحريم الخطبة إجابتها، وأن اعتبار إجابة المجبر مبني على أنه المجاب فيما إذا عين كفئًا وعينت كيره، وهو الأصح. ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 161). (¬2) الأم (5/ 37). (¬3) الحاوي (ص 454)، المنهاج (ص 373). (¬4) المنهاج (ص 373). (¬5) فتح العزيز (7/ 484)، الروضة (7/ 31).

رابعها: أن مقتضى عبارتهما إجابة البكر نطقًا كغيرها، وبه صرح " الحاوي " (¬1)، لكن نص الشافعي على الاكتفاء بسكوتها، فقال: فوجدنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه إذا كانت المرأة راضية، ورضاها إذا كانت ثيبًا .. أن تأذن بالنكاح بنعم، وإن كانت بكر .. أن تسكت، فيكون ذلك إذنًا، حكاه في " المهمات " (¬2). خامسها: يرد على الثلاثة: أنه لا بد مع الإجابة من الإذن للولي في تزويجها له، فإن لم تأذن له في ذلك .. فلا تحرم، نص عليه في " الأم " وفي " الرسالة " كما في " المهمات " (¬3)، والذي في " أصل الروضة " الاكتفاء بأحدهما (¬4). سادسها: يرد عليهم أيضًا: أن شرط التحريم: أن تكون الخطبة الأولى جائزة، فإن كانت محرمة؛ كالتي في العدة .. لم تحرم الخطبة عليها، ذكره في " البحر "، وكذا لو خطب خمسًا مرتبًا فأَذِنَّ .. قال الصيمري: تحل الخامسة، واختار النووي تحريم الجميع؛ فإنه قد يرغب في الخامسة (¬5). سابعها: شرط تأثير إذنها في التحريم: أن يكون لمعين، فلو أذنت لوليها أن يزوجها بمن شاء .. جاز وحل لكل أحد خطبتها على خطبة غيره، نص عليه كما حكاه في " البحر ". ثامنها: قال في " المهمات ": نصوا على استحباب خطبة أهل الفضل من الرجال، فيأتي في التحريم ما سبق في المرأة. قلت: إذا خطبت المرأة الرجل وأجابها إلى التزويج بها .. لم يمتنع على امرأة أخرى خطبته؛ لأن جمعه بين امرأتين لا مانع منه؛ فلعل صورته: أن تكون المجابة يكمل بها العدد الشرعي، أو يكون لا يريد إلا تزوج واحدة وفي خطبة الثانية له إذا أجابها الامتناع من تزوج الأولى التي أجابها قبل ذلك بمقتضى ما يريد فعله، وإن لم يكن ممنوعًا منه شرعًا. وقد أورد على " الحاوي ": أنه لم يعتبر صريح الإجابة، ومقتضاه: الاكتفاء بالتعريض بها، وأصح القولين خلافه كما صرح به " التنبيه " (¬6). وجوابه: أن التعريض ليس إجابة. 3500 - قول " المنهاج " [ص 373]: (فإن لم يجب ولم يُرَدَّ .. لم يحرم في الأظهر) عبارة ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 454). (¬2) انظر " الأم " (5/ 162). (¬3) الأم (5/ 163)، الرسالة (ص 311). (¬4) الروضة (7/ 31). (¬5) انظر " الروضة " (7/ 32). (¬6) التنبيه (ص 161).

" الروضة " وأصلها: قيل: يجوز قطعًا، وقيل: على القولين (¬1)، أي: في التعريض بالإجابة، قال الرافعي: فأقام ذلك مقيمون طريقين، ويمكن ألَّا يجعل خلافًا فحمل الأول على ما لم يقترن به مايشعر بالرضا (¬2)، وإجراء الخلاف فيما اقترن به مايشعر بالرضا، وأسقط ذلك في " الروضة " (¬3). وقال الرافعي في (البيع): إن السكوت العاري عما يشعر بالإنكار كالرضا في الخطبة (¬4). 3501 - قول " المنهاج " [ص 373]: (ومن استشبر في خاطب .. ذكر مساوئه بصدق) فيه أمور: أحدها: أن ذلك لا يختص بالخاطب، بل لو استشير في مخطوبة .. كان كذلك، قال فى " أصل الروضة ": وكذا من أراد نصيحة غيره، ليحذر مشاركته ونحوها. انتهى (¬5). ومن ذلك: التحذير من مجاورة شخص أو الرواية عنه أو القراءة عليه، وذلك وارد أيضًا على قول " الحاوي " [ص 454]: (لا ذكر مساوئ الخاطب). ثانيها: أن مقتضاه: أنه لا يذكرها إلا بعد الاستشارة، وليس كذلك، بل ينصحه ابتداء؛ ولذلك لم يتعرض " الحاوي " للاستشارة (¬6). ثالثها: يرد عليهما: أن محله: عند الاحتياج إليه، فلو حصل الغرض بقوله: لا يصلح لك مصاهرته ونحوه .. وجب الاقتصار عليه، ولم يجز ذكر عيوبه، قاله النووي في " الأذكار " (¬7). رابعها: أن مقتضى عبارتهما: ذكر جميع مساوئه، قال شيخنا ابن النقيب: والذي يظهر أنه يذكر منها ما يحصل المقصود من إعلام المستشير بما يقتضي النفرة، فإن علم أنه لا ينفر إلا بذكر الكل .. ذكره، قال: ولم أره في هذا المحل (¬8). قلت: الكلام المتقدم أنه لا يذكر شيئًا من مساوئه إلا مع الاحتياج إليه يدل عليه. خامسها: مقتضى عبارة " الحاوي ": أنه لا يجب ذكرها؛ فإنه اقتصر على نفي الحرمة (¬9)، وكذا اقتصر في " الروضة " وأصلها على جواز ذكرها (¬10)، وعبارة " المنهاج " محتملة للوجوب ¬

_ (¬1) فتح العزيز (7/ 485)، الروضة (7/ 31). (¬2) انظر " فتح العزيز " (7/ 485). (¬3) الروضة (7/ 31). (¬4) انظر " فتح العزيز " (4/ 130). (¬5) الروضة (7/ 32). (¬6) الحاوي (ص 454). (¬7) الأذكار (ص 270، 271). (¬8) انظر " السراج على نكت المنهاج " (5/ 317). (¬9) الحاوي (ص 454). (¬10) فتح العزيز (7/ 487)، الروضة (7/ 32).

والجواز، وصرح النووي في " الأذكار " و" الرياض " بالوجوب (¬1)، وفي " شرح مسلم ": ليس من الغيبة المحرمة، بل من النصيحة الواجبة (¬2)، وفي " الروضة " في (البيع) مثله، وسبقه إليه الشيخ عز الدين بن عبد السلام، قال السبكي: كأنه إنما أهمله لظهوره؛ فإنه لا تردد فيه، فليحمل كلام " المنهاج " عليه، وقال شيخنا الإمام البلقيني: الظاهر وجوبه. سادسها: دخل في عبارتهما ما لو كان المستشار هو الخاطب استشير في نفسه، قال في " المهمات ": فهل يجب عليه الإخبار بعيوبه أم يستحب، أم لا يجب ولا يستحب؟ فيه نظر. سابعها: قال شيخنا الإمام البلقيني: محل جواز ذكر المساوئ: إذا لم تأذن في العقد، فإن أذنت .. فلا، وقد نص عليه الشافعي فقال: ولا يكون لها أن تستشيره وقد أذنت لأحدهما (¬3). 3502 - قول " المنهاج " [ص 374]: (ولو خطب الولي، فقال الزوج: " الحمد لله والصلاة على رسول الله، قَبِلتُ " .. صح النكاح على الصحيح، بل يستحب ذلك. قلت الصحيح: لا يستحب) ما صححه من عدم الاستحباب يخالفه قول " أصل الروضة " هنا بعد تصحيحه الصحة: وبه قطع الجماهير، وقالوا: للنكاح خطبتان مسنونتان، إحداهما تتقدم العقد والأخرى تتخلل، وهي: أن يقول الولي: بسم الله والصلاة على رسول الله، أوصيكم بتقوى الله، زوجتك فلانة، ثم يقول الزوج مثل ذلك، ثم يقول: قبلت. انتهى. فتبع الرافعي على استحباب تخلل الخطبة بزيادة الوصية بالتقوى (¬4)، ولذلك قال " الحاوي " [ص 454] (وندب تخلل التحميد والصلاة) وصحح السبكي وفاقًا للماوردي: عدم الصحة (¬5). 3503 - قول " المنهاج " [ص 374]: (فإن طال الذكر الفاصل .. لم يصح) فيه أمران: أحدهما: قال الرافعي: كان يجوز أن يقال: إذا كان الذكر مقدمة للقبول .. وجب ألَّا تضر إطالته؛ فإنه لا يشعر بالإعراض (¬6). وأجاب عنه السبكي: بأن مقدمة القبول التي قام الدليل عليها هي: الحمد له والصلاة، لا ما زاد. ثانيهما: لو لم يطل الفاصل لكن كان لا يتعلق بالعقد ولا يستحب فيه .. بطل العقد على الأصح ¬

_ (¬1) الأذكار (ص 270، 271)، رياض الصالحين (ص 279). (¬2) شرح مسلم (10/ 97). (¬3) انظر " الرسالة " (ص 310). (¬4) فتح العزيز (7/ 489)، الروضة (7/ 35). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (9/ 165). (¬6) انظر " فتح العزيز" (7/ 489).

فصل [في قبول النكاح وبقية شروط العقد]

في " الروضة " هنا (¬1)، لكن صحح في (الخلع) خلافه (¬2)، وكذا في الاستثناء في الطلاق عن الإمام، فقال: لا ينقطع الإيجاب والقبول بتخلل كلام يسير في الأصح، وينقطع الاستثناء به في الأصح (¬3). وقد لا يرد التصحيح الأول على عبارة " المنهاج " لأن المتبادر إلى الفهم منه: أن المراد: الذكر المتعلق بالعقد، ومحل المنع: إذا صدر الكلام من القابل الذي يطلب منه الجواب، فإن كان من المتكلم .. ففيه وجهان، حكاهما الرافعي في (الخلع) (¬4)، واقتضى إيراده أن المشهور أنه لا يضر. فصلُ [في قبول النكاح وبقية شروط العقد] 3504 - قول " المنهاج " [ص 374]: (وقبول؛ بأن يقول الزوج: " تزوجت "، أو " نكحت "، أو " قبلت نكاحها "، أو " تزويجها ") فيه أمور: أحدها: أنه لا ينحصر القبول في الزوج، فقد يكون القابل من يقوم مقامه من ولي أو وكيل. ثانيها: أن قوله: (تزوجت أو نكحت) ليس قبولًا حقيقة، وإنما هو قائم مقامه، فكان ينبغي تقديم القبول الحقيقي، وهو: (قبلت نكاحها أو تزويجها) كما فعل " الحاوي " (¬5). ثالثها: تعبيره وتعبير " الحاوي " (بقبلت نكاحها) (¬6) قال شيخنا ابن النقيب: أطبقوا عليه، وكان ينبغي أن يقول: (إنكاحها) ليقبل ما أوجبه الولي؛ ولهذا قالوا: لا يصح إلا بلفظ التزويج أو الإنكاح؛ أي: منهما؛ فالإنكاح مصدر أنكح كما أن التزويج مصدر زوج، وأما النكاح فهو اسم لمجموع العقد من إيجاب وقبول؛ كالزواج أو للوطء، وقول الولي: أنكحتك؛ أي: جعلتك ناكحًا، فليقبل منه هذا الجعل، أو يقول: نكحتها، فهانه مطاوع أنكح، ثم حكى عن جماعة أنه يقال: نكح نكاحًا. انتهى (¬7). قلت: وبهذا يحصل الجواب عما أورده، وقد يجاب عنه أيضًا: بأنه لا يقبل نفس الصادر من ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 35). (¬2) الروضة (7/ 395). (¬3) انظر " نهاية المطلب " (12/ 182). (¬4) انظر " فتح العزيز " (8/ 409، 410). (¬5) الحاوي (ص 454). (¬6) الحاوي (ص 454). (¬7) انظر " السراج على نكت المنهاج " (5/ 321).

الولي وهو الإنكاح، وإنما يقبل الأمر الذي أصدره إليه وهو النكاح. 3505 - قوله: (ويصح تقدم لفظ الزوج) (¬1) يستثنى منه: (قبلت نكاحها أو تزويجها) فإنه لا يصح تقديمه. 3506 - قول " التنبيه " [ص 159]: (وإن عقد بالعجمية وهو يحسن العربية .. لم يصح) الأصح: الصحة؛ ولذلك أطلق " المنهاج " تصحيح صحته بالعجمية (¬2)، وهو معنى قول " الحاوي " [ص 454]: (ومعناها) أي: معنى الألفاظ المذكورة، والمراد بالعجمية: ما عدا العربية من اللغات، وشرطه: أن يفهم كل منهما معناه، وكذا الشهود، فإن لم يفهمه فأخبره بمعناه ثقة .. فوجهان بلا ترجيح في " الروضة " وأصلها (¬3). وفي " الكفاية ": إن أخبره فتعلم .. صح، وإن لم يتعلمه وصار بحيث لو سمعه ثانيًا لعرف معناه .. فوجهان. وقال شيخنا الإمام البلقيني: الراجح: البطلان كما في العجمي الذي ذكر لفظ الطلاق وأراد به معناه وهو لا يعرفه، قال: وصورة المسألة: أنه لا يفهم معناه إلا بعد إتيانه به، فلو قال شخص للقابل: معنى هذا اللفظ كذا، فأتى به بعد علمه بمدلوله .. صح إن لم يطل الفصل وكان الموجب عالمأ بمدلول لفظه. 3507 - قول " المنهاج " [ص 374]: (لا كناية قطعًا) القطع من زيادته على " المحرر "، وهو صحيح، فإن قلت: يقدح فيه وجه في صحة النكاح بالكتابة لغائب .. قلت: قال السبكي: المصحح يجعل الكتابة صريحًا لا كناية. 3508 - قول " التنبيه " [ص 159]: (فإن قال: " زوجتك " أو " أنكحتك "، فقال: " قبلت "، ولم يقل: " نكاحها " ولا " تزويجها " .. فقد قيل: يصح، وقيل: لا يصح) الأصح: أنه لا يصح، وعليه مشى " المنهاج " (¬4)، وهو مفهوم " الحاوي " (¬5)، وفي بعض نسخ " التنبيه ": (وقيل: على قولين)، وليست في " الكفاية " وهي أصح الطرق، وتعبير " المنهاج " بالمذهب (¬6) لا يدل على ترجيح طريقة قطع ولا خلاف، وفهم من قوله: (ولم يقل: " نكاحها " ولا " تزويجها ") أنه لو قال غير اللفظين؛ كقوله: (قبلت النكاح، أو التزويج، أو قبلتها) .. ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 374). (¬2) المنهاج (ص 374). (¬3) فتح العزيز (7/ 493)، الروضة (7/ 36). (¬4) المنهاج (ص 374). (¬5) الحاوي (ص 454). (¬6) المنهاج (ص 374).

فهو كاقتصاره على: (قبلت)، وهو الذي يقتضيه حصر " المنهاج " في قوله [ص 374]: (وقبول؛ بأن يقول: ... إلى آخره) فإنه لم يذكر ذلك في ألفاظ القبول، وكذا حصر " الحاوي " الألفاظ، ولم يذكره منها (¬1)، والذي في " الروضة " وأصلها: أن الخلاف فيه بالترتيب، وأولى بالصحة (¬2)، لكن نص الشافعي في " الأم " على أنه لا يصح، فقال: ولا يكون نكاحًا؛ بأن يقولط: (قد قبلتها) حتى يصرح بما وصفت؛ أي: من قولى: تزوجتها أو نكحتها (¬3). وقال شيخنا الإمام البلقيني: المعتمد في قبلتها: الإبطال، وحكى الوزير بن هبيرة إجماع الأئمة الأربعة على الصحة فيما إذا قال: رضيت نكاحها. قال السبكي: ويجب التوقف في هذا النقل، والذي يظهر أنه لا يصح، وقال في البيع: مأخذ ما حكاه إن صح .. أن لفظ النكاح موجود، وهو المتعبد به، لا لفظ (قبلت). 3509 - قول " المنهاج " [ص 374]: (ولو بشر بولد فقال: " إن كان أنثى .. فقد زوجتكها " .. فالمذهب: بطلانه) خرج بذلك ما لو بشر بأنثى فقال: (إن صدق المخبر .. فقد زوجتكها) .. فإنه يصح كما قال البغوي: قال: وليس تعليقًا، بل تحقيق، ومثله: لو أخبر بموت إحدى زوجاته الأربع فقال: (إن صدق المخبر .. تزوجت بنتك) .. قال الرافعي: ويجب أن يفرض في تيقن صدقه وإلا .. فهو تعليق (¬4). قال السبكي: هو تعليق سواء تيقن صدقه أم لا لصورة التعليق. 3510 - قول " التنبيه " [ص 161]: (ولا يصح نكاح الشغار؛ وهو: أن يزوج الرجل وليته من رجل على أن يزوجه ذاك وليته ويكون بضع كل واحدة منهما صداقًا للأخرى) مقتضاه: الصحة فيما إذا لم يجعل البضع صداقًا، والبطلان ولو سميا مالًا مع جعل البضع صداقًا، وهو الأصح فيهما كما في " المنهاج " (¬5)، وتعبيرهما بـ (على) مثال، فلو قال: زوجتك وتزوجت بنتك .. كان كذلك، وتعبير " التنبيه " بـ (الولية) أعم من تعبير " المنهاج " بـ (البنت) (¬6)، وهذا واضح، وكلامهما يقتضي حصر الشغار في شرط أن يزوجه الآخر وليته، لكن في " شرح المختصر " لابن داوود: أن من الشغار أن يقول: زوجتك بنتي على أن تزوج ابني بنتك، وقول " المنهاج " [ص 375]: (فيقبل) يقتضي الاكتفاء بقوله: قبلت العقدين جميعًا، وكذا في ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 454). (¬2) فتح العزيز (7/ 494، 495)، الروضة: (7/ 37). (¬3) الأم (5/ 244). (¬4) انظر " فتح العزيز " (7/ 499). (¬5) المنهاج (ص 375). (¬6) التنبيه (ص 161)، المنهاج (ص 375).

" الروضة " وأصلها (¬1)، وفيه نظر، وعبارة " الكفاية ": فيقبل أو يقول مثله، وقول " الحاوي " [ص 454]: (مطلقًا) يقتضي البطلان بقوله: على أن تزوجني بنتك وإن لم يضم إليه التشريك في البضع؛ لأنه ليس مطلقًا، بل هو مشروط بشرط، والأصح عند الرافعي والنووي الصحة كما تقدم (¬2)، لكن قال شيخنا الإمام البلقيني: نص الشافعي على البطلان. 3511 - قول " التنبيه " [ص 159]: (ولا يصح النكاح إلا بحضرة شاهدين ذكرين حرين مسلمين عدلين) أهمل " المنهاج " كونهما مسلمين مكلفين (¬3)، وإن ذكره " المحرر " استغناءً عنه بالعدالة (¬4)، وزاد ذكر السمع والبصر، ولا بد منهما، وأهملا معًا: النطق، وفي اشتراطه وجهان بلا ترجيح في " الروضة "، وبناهما الرافعي على قبول شهادته (¬5)، ومقتضاه: اعتباره؛ فإن الأصح: عدم قبول شهادة الأخرس، وصححه هنا الشيخ أبو حامد، وصحح مقابله القاضي أبو الطيب، ويجري الوجهان في ذي الحرفة الدنيئة. ويشترط أيضًا: التيقظ، وقد تناول هذه الشروط كلها قول " الحاوي " [ص 455]: (سميعين مقبولي شهادة نكاح) وإنما قيد بشهادة النكاح؛ لتخرج المرأة؛ فإنها من أهل الشهادات في الجملة، وقوله: (سميعين) حشو غير محتاج إليه، فإن في قبول الشهادة غنية عنه، وإذ قد ذكره .. فليذكر بقية الشروط المندرجة في قبول الشهادة تفصيلًا، ولو عقد بخنثى ثم بانت ذكورته .. فوجهان كالاقتداء، ومقتضاه: تصحيح البطلان، لكن صحح النووي هنا الصحة (¬6)، وعكس ذلك في " الكفاية "، فأبطل النكاح وصحح الصلاة، وقال: شرط النكاح: تحقق الشرائط حالة العقد، وقد يفرق بأن خطر النكاح في نظر الشرع آكد؛ لتعديه بغير العاقد؛ ولهذا صحت الصلاة بالاجتهاد مع الاشتباه، بخلاف النكاخ. 3512 - قول " المنهاج " [ص 375]: (والأصح: انعقاده بابني الزوجين وعدويهما) المراد: ابنا الزوج أو ابنا الزوجة وعدو الزوج أو عدو الزوجة، أما لو حضر العقد ابناه وابناها أو عدواه وعدواها .. فإنه يصح قطعًا كما قاله في " الروضة " (¬7) لكن فيه وجه في " التتمة " لأنه لم يوجد شاهدان يقبلان على كل منهما. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (7/ 504)، الروضة (7/ 41). (¬2) انظر " فتح العزيز " (7/ 504)، و" الروضة " (7/ 41). (¬3) المنهاج (ص 375). (¬4) المحرر (ص 290). (¬5) فتح العزيز (7/ 518)، الروضة (7/ 45). (¬6) انظر " الروضة " (7/ 49). (¬7) الروضة (7/ 45، 46).

3513 - قول " التنبيه " [ص 159]: (فإن عقد بشهادة مجهولين .. جاز على المنصوص) محمول على مجهول العدالة في الباطن دون الظاهر وهو المعبر عنه بالمستور، أما مجهول الإسلام .. فلا ينعقد به، وكذا مجهول الحرية ومجهول العدالة في الظاهر أيضًا على الصحيح فيهما؛ ولذلك قال " المنهاج " [ص 375]: (وينعقد بمستوري العدالة على الصحيح، لا مستوري الإسلام والحرية) و" الحاوي " [ص 455]: (ولو مستور العدالة، لا الإسلام والحرية) وهنا أمور: أحدها: ما ذكرته من أن المستور من عرف بالعدالة ظاهرًا؛ أي: بالمخالطة، لا باطنًا؛ أي: بالتزكية عند الحاكم، هو الذي ذكره الرافعي أولًا، ثم قال: وربما قبل من يجهل حاله، ثم قال: ويشبه ألَّا يكون بينهما خلاف بحمل الثانية على من يجهل حاله بالنسبة إلى الباطنة، لكنه بعد ذلك اقتضى كلامه الاكتفاء بمجهول الحال في الظاهر أيضًا؛ فإنه بعد أن حكى قول البغوي: لا ينعقد بمن لا تعرف عدالته ظاهرًا .. قال: وهذا كأنه مصور فيمن لا يعرف إسلامه، وإلا .. فالظاهر من حال المسلم الاحتراز من أسباب الفسق (¬1)، وما ذكره الرافعي بحثًا نص عليه الشافعي كما حكاه في " البحر "، وعبارته: ولو حضر رجلان مسلمان العقد ولا يعرف حالهما من الفسق والعدالة .. انعقد النكاح بهما في الظاهر، نص عليه في " الأم " (¬2) لأن الظاهر من المسلمين العدالة. انتهى. وقال في " المهمات ": إنه الصواب، وذلك ينافي قولي فيما سبق: إنه لا ينعقد بمجهول العدالة في الظاهر، وللنووي هنا زيادة غير مفيدة قد بسطت الرد عليها في موضع آخر (¬3)، ويتحصل في تفسير المستور أوجه: أحدها: أنه من عرفت عدالته ظاهرًا لا باطنًا، وهو الذي يدل عليه كلام الرافعي أولًا (¬4)، وقال النووي: إنه الحق (¬5). الثاني: أنه من علم إسلامه ولم يعلم فسقه وهو الذي بحثه الرافعي (¬6)، وحكاه الروياني عن النص، وصوبه في " المهمات "، وقال السبكي: إنه الذي يظهر من كلام الأكثرين ترجيحه. الثالث: أنه من عرفت عدالته باطنًا في الماضي وشك فيها وقت العقد .. فتستصحب، وصححه السبكي. ثانيها: قال ابن الصلاح: محل الخلاف في الانعقاد بالمستور: ما إذا كان العاقد غير الحاكم، ¬

_ (¬1) انظر " التهذيب " (5/ 263)، و " فتح العزيز " (7/ 520). (¬2) الأم (5/ 22). (¬3) انظر " الروضة " (7/ 47). (¬4) انظر " فتح العزيز " (7/ 520). (¬5) انظر " الروضة " (7/ 47). (¬6) انظر " فتح العزيز " (7/ 520).

فإن عقد الحاكم .. لم ينعقد بهما جزمًا؛ لأنه لا يشق عليه البحث، وحكى في " التتمة " فيه طريقين، أصحهما: إجراء الخلاف فيه. قال السبكي: فإما أن يكون ابن الصلاح رجح طريق القطع، أو لم يبلغه غيرها، واختار السبكي: عدم اكتفاء الحاكم بالمستور، لكن السبكي يثبت الخلاف وابن الصلاح ينفيه. ثالثها: ما جزمنا به من عدم الانعقاد بمجهول الإسلام جزم به الرافعي والنووي (¬1)، لكن جزم القاضي أبو الطيب في القضاء من " تعليقه " بانعقاده به، حكاه في " المهمات " وقال: سلك في " التنبيه " مسلك شيخه، ولم يقف ابن الرفعة على مستنده، فظن أن أحداً لم يقل به، فحمله على غير ما يقتضيه كلامه قلت: وكذا النووي؛ فإنه عبر في " تصحيحه " عن عدم انعقاده بمجهول الإسلام بالصواب. 3514 - قول " المنهاج " [ص 375]: (ولو بان فسق الشاهد عند العقد .. فباطل على المذهب، وإنما يتبين ببينة) قال شيخنا ابن النقيب: هو في المستور واضح، وفيمن تثبت عدالته ببينة شرط الجارحة أن تفسر لتقدم على المعدلة (¬2). قلت: اشتراط تفسير الجرح لا فرق فيه بين أن يعارض ببينة عدالة أم لا؟ فحيث اكتفينا بالستر .. لا يقدح فيه الجرح الذي ليس مفسرًا عند من يشترط تفسيره، لكنَّ تَرَدُّدَ الإمام في زوال الستر بإخبار عدل بفسقه وزواله بذلك - وهو الذي قال الإمام: إنه الظاهر (¬3)، ورجحه شيخنا الإمام البلقيني كما علقته عنه - يشهدُ للاكتفاء بزوال الستر بغير المفسر، على أن ابن الصلاح قد ذكر في " علوم الحديث ": أن الجرح غير المفسر وإن لم يقبل؛ فإنه يحدث ريبة توجب التوقف عن قبوله حتى يبحث عنه ويتبين لنا صحته من فساده (¬4)، وما أورده ابن النقيب إن صح .. قد لا يرد على قول " الحاوي " [ص 455]: (أو بأن بحجة) فإنه قد يقال: الجرح غير المفسر عند من يرده ليس بحجة. 3515 - قول " المنهاج " [ص 375]: (أو اتفاق الزوجين) استثنى منه في " الكافى ": ما إذا تعلق به حق الله تعالى؛ بأن طلق ثلاثًا ثم تقارّا على عدم شرط .. فإنه لا يقبل، فلا تحل إلا بمحلل، فلو أقاما عليه بينة .. لم تسمع. 3516 - قول " الحاوي " [ص 455]: (فإن عرف فسقه أحد الزوجين أو بأن بحجةٍ أو تذكُّرٍ .. بطل) فيه أمور: ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (7/ 521)، و " الروضة " (7/ 47). (¬2) انظر " السراج على نكت المنهاج " (5/ 332). (¬3) انظر " نهاية المطلب " (12/ 55). (¬4) مقدمة ابن الصلاح (ص 108).

أحدها: أنه يتناول ما إذا اعترف الزوج بفسق شاهد العقد وأنكرت المرأة، وقوله فيه: (بطل) قد يفهم تجدد البطلان، وليس كذلك، بل يتبين بطلانه من الأول " ولذلك قال " المنهاج " [ص 375]: (ولو اعترف به الزوج وأنكرت .. فُرق بينهما) وهي فرقة. فسخ لا تنقص العدد عند العراقيين، ومال إليه الإمام والغزالي، وصححه النووي (¬1)، وقيل: هي طلقة بائنة تنقص العدد، وبنى الرافعي الأول على تصديق مدعي الفساد في البيع، والثاني على تصديق مدعي الصحة (¬2)، ومقتضى البناء: تصحيح الثاني، واستشكلهما السبكي، فإن كلًا من الفسخ والطلاق يقتضي وقوع عقد صحيح، وهو ينكره فليؤول الفسخ على الحكم بالبطلان والطلاق الظاهر لا الباطن. ثانيها: ويتناول ما إذا اعترفت به المرأة وأنكر الزوج، لكن صحح النووي في هذه الصورة: تصديقه بيمينه، فلا ترثه، ولا مهر إن مات أو طلق قبل الدخول، ولها بالوطء الأقل من المسمى ومهر المثل، فإن نكل وحلفت .. فرق بينهما (¬3)، وقيد في " المهمات " قولنا: لا مهر قبل الدخول بما إذا لم يعطه لها، فإن أعطاها .. فلا استرداد كما في نظيره المذكور في آخر (الرجعة)، وهو ما إذا قال: طلقتها بعد الدخول، وقالت: قبله. ثالثها: لو اقتصر على معرفة الفسق المذكور أولًا .. أغناه عن التذكر الذي ذكره بعد ذلك؛ فإنه يتناول ما إذا كان عارفًا بفسقه وقت العقد، وما إذا كان يعرفه ثم نسيه ثم تذكره، وما إذا تجددت له معرفته بعد ذلك، وكأنه أراد أولًا: ما إذا كان عارفًا به وقت العقد، أو تجددت له معرفته بعد ذلك، فاحتاج إلى ذكر الصورة الأخرى بقوله: أو تذكر، وهو حشو وموهم. 3517 - قول " المنهاج " [ص 375]: (وعليه نصف المهر إن لم يدخل بها، وإلا .. فَكُلُّهُ) ينبغي فيما إذا دخل بها وكان مهر المثل أزيد من المسمى .. أن تجب لها الزيادة، لكنها منكرة لها، فيتخرج فيه الخلاف فيمن أقر لشخص بشيء وهو ينكره، قلته بحثًا. 3518 - قوله: (ويستحب الإشهاد على رضا المرأة حيث يعتبر رضاها، ولا يشترط) (¬4) أحسن من قول " الحاوي " [ص 455]: (لا شهادة رضاها) فإنه اقتصر على نفي الاشتراط من غير تصريح بالاستحباب. وقال شيخنا الإمام البلقيني: لو كان المزوج الحاكم أو نائبه .. فالذي أفتيت به: أنه لا بد من ظهور إذنها له؛ إما بمشافهة وإما بشهادة وإما بإخبار حاكم ونحو ذلك، فأما إذا لم يظهر له ذلك ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (12/ 56)، و " الوسيط " (5/ 56)، و " الروضة " (7/ 48). (¬2) انظر " فتح العزيز " (7/ 523). (¬3) انظر " الروضة " (7/ 48، 49). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 375).

فصل [في اشتراط الولي في النكاح]

بطريق شرعي .. فإنه يكون عقده باطلًا؛ لأمورٍ يطول شرحها، وقال في الولي الخاص: لا يجوز له الإقدام عليه تهورًا، بل لا بد من ظنه ذلك ولو بإخبار واحد. فصلٌ [في اشتراط الولي في النكاح] 3519 - قولهم - وهو في " التنبيه" و" الحاوي " في حد الزنا -: (إن الوطء في نكاح بلا ولي يوجب الحد) (¬1) قال الماوردي: محله: ما إذا لم يحكم قاض ببطلانه، فإن حكم ببطلانه، وفرق بينهما، فوطئها بعد ذلك .. فعليه الحد، ويمتنع على الحنفي بعد ذلك الحكم بصحته (¬2)، ويرد على قول " التنبيه " [ص 242]: (وإن وطئ في نكاح مختلف في إباحته؛ كالنكاح بلا ولي ولا شهود) أن الحد إنما يسقط بأحدهما خاصة، فلو اجتمعا .. حد قطعًا، فكأن (الواو) في كلامه بمعنى (أو). 3520 - قوله: (وقيل: إن وطئ في نكاح بلا ولي وهو يعتقد تحريمه .. حد) (¬3) حكى في " الوسيط " عن الصيرفي إيجابه على الحنفي مع اعتقاده الحل بظهور الأخبار فيه؛ كشرب النبيذ (¬4)، لكن المشهور: تقييد هذا الوجه بمعتقد التحريم. 3521 - قول " المنهاج " [ص 375]: (ويُقبل إقرار الولي بالنكاح إن استقل بالإنشاء) قد يتناول ما إذا استقل بالإنشاء وزال ذلك؛ بأن كانت ثيبًا فادعى أنه زوجها وهي بكر، مع أنه لا يقبل في هذه الحالة، فلو عبر كما في " المحرر " بقوله: (إذا كان مستقلًا بالإنشاء) (¬5) لم ترد على هذه الصورة؛ لأن المراد: وصفه به حين الإقرار. 3522 - قوله - والعبارة له - و" الحاوي ": (ويقبل إقرار البالغة العاقلة بالنكاح على الجديد) (¬6) قد يفهم أنه يكفي مطلق الإقرار، وهو المذهب في " الروضة " في (الدعاوى) (¬7)، وحكاه الرافعي هناك عن تصحيح " الوسيط " (¬8)، وصححه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: إنه ظاهر نصوص ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 242)، و" الحاوي " (ص 584)، و" المنهاج " (ص 375). (¬2) انظر " الحاوي الكبير " (9/ 48). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 242). (¬4) الوسيط (6/ 444). (¬5) المحرر (ص 291). (¬6) انظر " الحاوي " (ص 460)، و " المنهاج " (ص 375). (¬7) الروضة (12/ 15). (¬8) انظر " فتح العزيز " (13/ 165).

الشافعي، لكن صحح الرافعي والنووي هنا: أنه لا بد أن تقول: زوجني ولي بحضرة عدلين ورضاي إن كان شرطًا (¬1). قال شيخنا الإمام البلقيني: والذي ظهر لي حمل ما في الدعاوى على إقرارها في جواب الدعوى، والذي هنا على الإقرار المبتدأ، والأصح: أنه لا يتأثر بتكذيب الولي والشاهدين إذا عينتهما، فلو أقرت لزوج وأقر وليها لآخر؛ فهل يقبل إقراره أم إقرارها؟ وجهان، أم السابق أم يبطلان جميعًا" احتمالان للإمام (¬2)، ولم أر فيها ترجيحًا. 3523 - قولهم: (إن للأب والجد عند عدمه تزويج البكر صغيرة وكبيرة بغير إذنها) (¬3) شرطه: أن يزوجها من كفء بمهر مثلها، وألَّا يكون الزوج معسرًا، كما حكاه الرافعي عن القاضي حسين، وأقره (¬4)، وألَّا يكون بينها وبين الولي عداوة ظاهرة، قاله ابن كج، ونقله الحناطي عن ابن المرزبان، قال: ويحتمل جوازه. وفي " المهمات ": عن الماوردي والروياني: أنه على ولايته مع العداوة: وفي " الكفاية ": عن الحناطي: وجهان، وغلطه شيخنا الإسنوي، وقال: إنما حكاهما الجيلي. وينبغي أن يعتبر في الإجبار أيضًا: انتفاء العداوة بينها وبين الزوج، قلته بحثًا، وهو واضح. واختار السبكي لنفسه أن علة الإجبار: البكارة مع الصغر جميعًا، قال: وهو رأي ابن حزم، لكن مأخذنا غير مأخذه، قال: ولم نر أحدًا من أهل المذهب قال بمقالتنا، وهي خلاف مذهب الشافعي؛ فإنه اعتبر البكارة خاصة، وأبي حنيفة؛ فإنه اعتبر الصغر خاصة، والله أعلم. وعبر " الحاوي " [ص 456] بـ (غير الموطوءة) لأنها المراد بالبكر ولو خلقت بلا بكارة كما حكاه في " الروضة " من زيادته عن الصيمري (¬5). وقال الماوردي: إنه لا خلاف فيه، وسواء زالت البكارة بوطء حلال أو حرام كما صرح به " المنهاج " (¬6)، وكذا وطء الشبهة، ولم تتناوله عبارته، وقد يرد على " الحاوي " الموطوءة في الدبر؛ فإنها بكر على الصحيح مع صدق اسم الوطء عليه. 3524 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (ويكفي في البكر سكوتها) (¬7) فيه أمور: ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (7/ 533)، و" الروضة " (7/ 51). (¬2) انظر " نهاية المطلب " (12/ 514). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 157)، و " الحاوي " (ص 456)، و " المنهاج " (ص 375). (¬4) انظر " فتح العزيز " (7/ 537). (¬5) الروضة (7/ 55). (¬6) المنهاج (ص 376). (¬7) انظر " التنبيه " (ص 157)، و" الحاوي " (ص 457)، و" المنهاج " (ص 376).

أحدها: قد يتناول سكوتها مع التزويج بحضورها، وذلك لا يكفي على الأصح، والمراد: السكوت بعد الاستئذان؛ ولذلك قال في " المحرر ": (يكفي السكوت بعد المراجعة) (¬1). ثانيها: أنه يتناول ما إذا استؤذنت في التزويج بغير كفء، وكذا حكاه الرافعي في آخر النكاح عن " فتاوى القاضي حسين "، وأقره (¬2)، وقال هنا: لو استأذنها أبوها في غير كفء .. فهل يكفي السكوت؟ فيه الوجهان؛ أي: المذكوران في غير الأب، ومقتضاه: تصحيح الاكتفاء، وفي " زيادة الروضة " في الكفاءة أنه المذهب، وفيها أيضًا عن " البيان " قال أصحابنا المتأخرون: إذا استاذن الولي البكر في أن يزوجها بغير نقد البلد أو بأقل من مهر المثل .. لم يكن سكوتها إذنًا في ذلك (¬3). ثالثها: يستثنى منه: ما إذا اقترن بسكوتها بكاءٌ مع الصياح وضرب الخد، فلا يكون رضا، ويختص " المنهاج " بأنه أطلق محل الخلاف في قوله [ص 376]: (في الأصح) وهو في غير الأب والجد، أما فيهما .. فيكفي السكوت قطعًا حيث استأذنا استحبابًا. 3525 - قول " التنبيه " [ص 158]: (ثم المولى) قيده في " الكفاية " بكونه رجلًا، ولا يحتاج إليه؛ لقوله أولًا: (ولا يصح النكاح إلا بولي ذكر) (¬4) وفي " المنهاج ": أن المرأة لا تزوج غيرها، ثم ذكر أنه يزوج عتيقة المرأة من يزوج المعتقة ما دامت حية (¬5)، واحترز عنه " الحاوي " فاستثنى من العصبة: المعتق المشكل أو الأنثى (¬6)، وتعبير "التنبيه " بالمولى أحسن من تعبير "المنهاج " بالمعتق (¬7)، لتناوله من عَتَقَ عليه من أصل وفرع، ومن لم يعتق الزوجةَ، بل أعتق أصلها في ولاء الانجرار، وأيضًا: فإعتاق عبد بيت المال سائغ، والولاء للمسلمين، فالمعتق هنا غير الولي. 3526 - قول " المنهاج " [ص 376]: (ثم عصبته كالإرث) قال السبكي: يحتمل ثلاثة معانٍ: أحدها: القياس على الإرث، والثاني: أن الترتيب هنا كالترتيب في الإرث، والثالث: أن ترتيب عصبة المعتق في التزويج كترتيب عصبة النسب، فعلى هذا الثالث .. يستثنى منه: أن جد النسب أولى من الأخ، وأصح القولين هنا: أن أخا المعتق أولى من جده، والثاني: يستويان كالقولين في إرثهما، وأن الابن هنا يزوج بخلاف النسب. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 291). (¬2) انظر " فتح العزيز " (8/ 226). (¬3) الروضة (7/ 56)، وانظر " البيان " (9/ 181). (¬4) التنبيه (ص 158). (¬5) المنهاج (ص 375). (¬6) الحاوي (457). (¬7) التنبيه (ص 158)، المنهاج (ص 376).

قلت: وأن الشقيق هنا يقدم قطعًا، وقيل: قولان كالنسب، وقيل: يستويان قطعًا، وأن العم مقدم على أبي الجد في الولاء كما نص عليه في " البويطي "، وهو المذهب كما ذكره شيخنا الإمام البلقيني، وفي النسب ليس كذلك، ولا يرد ذلك على قول " الحاوي " [ص 457]: (بترتيب الإرث) لأنه لم يفصل في التزويج لا عصبة النسب ولا عصبة الولاء، بل أحال الكل على الإرث، وذلك معروف فيه. 3527 - قول " المنهاج " [ص 376]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 457]: (ويزوج عتيقة المرأة من يزوج المعتقة ما دامت حية) قوى السبكي أنه يزوجها ابن المعتقة في حياتها بناء على ما صححه في الولاء من ثبوته للعصبة في حياة المعتقة معها، قال: فيقدم الابن في التزويج؛ لأنه مقدم في الولاء على الأب. 3528 - قول " المنهاج " [ص 376]: (ولا يعتبر إذن المعتقة في الأصح) و" الحاوي " [ص 457]: (في حياتها بلا إذن) اختار السبكي مقابله إذا قلنا: يزوجها الأب؛ لأنه لم يزوج بالولاء، بل كما كان قبل العتق، وهو قبله لا يزوج إلا بإذنها، وعلى هذا: إن لم تأذن .. ناب السلطان عنها في الإذن، قال: ولا نعلم من أوجب إذنها إذا قلنا: الابن يزوج. 3529 - قول " المنهاج " [ص 376]: (فإن فُقِدَ المعتق وعصبته .. زوَّج السلطان، وكذا يُزوج إذا عضل القريب والمعتق) اقتصر هنا على هذين الموضعين، وذكر بعد ذلك: أنه يزوج عند غيبة الولي مسافة القصر وإحرامه، وإرادته تزوج موليته والمجنونة البالغة عند فقد الأب والجد، وقد ذكرها " الحاوي " مجموعة خلا الأخيرة، فأفردها (¬1)، وذكر " التنبيه " منها: الغيبة والعضل والمجنونة (¬2). وبقي عليهم جميعًا مسائل: الأولى والثانية: عند تعزز الولي أو تواريه. الثالثة: عند حبسه ومنع الحابس له الناس من الوصول إليه. الرابعة: فقده حيث لا يقسم ماله. الخامسة: المستولدة المسلمة التي لكافر يزوجها الحاكم بإذن سيدها. السادسة: أنه يزوج أمة محجوره. السابعة: حالة الإغماء إذا كانت قدر مسافة القصر كما قال الإمام (¬3)، وقال شيخنا الإمام ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 456). (¬2) التنبيه (ص 158). (¬3) انظر " نهاية المطلب " (12/ 105، 106).

البلقيني: إنه المعتمد، وقال البغوي وغيره: ينتظر إفاقته كالنائم (¬1)، وهو المذكور في " المنهاج " بعد ذلك (¬2). والمراد بالسلطان: من له سلطنة الحكم بالنسبة لمن هو في محل حكمه كما عبر به " الحاوي " (¬3) ولذلك عبر " التنبيه " بالحاكم (¬4)، ومراده: ما ذكرته، وحكى الإمام خلافًا في أن تزويجه حالة العضل بالولاية أم بالنيابة عن الولي؛ وأجرى هذا الخلاف حيث زوج مع وجود الولي الخاص وأهليته (¬5)، وذكر له في " الكفاية " فائدتين: إحداهما: عند الغيبة إن قلنا بالولاية .. زوج الأبعد، أو بالنيابة .. زوج القاضي. الثانية: عند العضل لو أذنت لحاكم بلد الولي وهى في بلد ليست في حكمه .. زوجها إن قلنا بالنيابة دون الولاية، وفي حاشيتها فائدتين: الأولى: إذا زوج الحاكم والولي الغائب في وقت واحد بالبينة .. قدم الولي إن قلنا بالنيابة؛ وإن قلنا بالولاية .. بطلا كوليين، أو قدم الحاكم لقوة ولايته وعمومها؛ كما لو قال الولي: كنت زوجتها في الغيبة .. فإن نكاح الحاكم يقدم كما صرحوا به. الثانية: إذا زوج القاضي في غيبة العاضل لثبوت العضل لديه حيث قلنا به، ثم ثبت ببينة أنه كان رجع عن العضل قبل التزويج؛ فإن قلنا بالنيابة .. خرج على عزل الوكيل، وإن قلنا بالولاية .. خرج على عزل القاضي. واعلم: أن محل تزويج السلطان بالعضل: إذا لم يتكرر كما في " الروضة " وأصلها في آخر الكلام على الفاسق، فقال: وليس العضل من الكبائر، وإنما يفسق به إذا عضل مرات، أقلها فيما حكى بعضهم: ثلاث، وحينئذ .. فالولاية للأبعد (¬6)، وللرافعي في (الشهادات) في الكلام على الإصرار ما يخالف هذا بعمومه (¬7)، وهل المراد بالثلاث هنا: الأنكحة أو بالنسبة إلى عرض الحاكم ولو في نكاح واحد؛ قال في " المهمات ": فيه نظر. 3530 - قول " التنبيه " [ص 158]: (وإن عضلها وقد دعت إلى كفء) أي: البالغة العاقلة كما قال في " المنهاج " (¬8)، وذلك يرد أيضًا على قول " الحاوي " [ص 457]: (وعليه الإجابة) وإنما ¬

_ (¬1) انظر " التهذيب " (5/ 284). (¬2) المنهاج (ص 377). (¬3) الحاوي (ص 456). (¬4) التنبيه (ص 158). (¬5) انظر " نهاية المطلب " (12/ 47). (¬6) فتح العزيز (7/ 556)، الروضة (7/ 65). (¬7) انظر " فتح العزيز " (13/ 9). (¬8) المنهاج (ص 376).

تنبيه [في التحكيم]

يحصل العضل إذا دعت بالغة عاقلة إلى كفء وامتنع، ولا بد من ثبوت العضل عند الحاكم، قال البغوي: بأن تحضر هي والخاطب والولي، ويأمره القاضي بالتزويج، فيمتنع، أو يسكت (¬1). قال الرافعي: وكأنه إذا تيسر ذلك، فإن تعذر حضوره بتعزز أو توار .. فليثبته بالبينة كسائر الحقوق، وفي " تعليق أبي حامد " ما يدل عليه. انتهى (¬2). وقد صرح بذلك البغوي نفسه في " فتاويه "، وحكاه عنه الرافعي في آخر (الإيلاء)، فقال: إنه لا تكفي فيه البينة حتى يمتنع بين يديه، فإن تعذر إحضاره بتعزز أو توار .. أثبته بالبينة، قال: ويحتمل أن يقال: يثبت بالبينة وإن تيسر إحضاره، والأول أصح (¬3). قال ابن الرفعة: فتحصل وجهان. 3531 - قول " المنهاج " [ص 376]: (ولو عينت كفئًا وأراد الأب غيره .. فله ذلك في الأصح) المراد: المجبر؛ ليدخل الجد ويخرج الأب غير المجبر فيما إذا كانت ثيبًا؛ ولذلك عبر به " الحاوي " في قوله: [ص 458] (أو عضل؛ لا المجبر من معين) واختار السبكي مقابله، وهو تقديم من عينته هي، وحكى لفظ " المنهاج ": (الولي) (¬4)، ثم بين أن محل الخلاف في المجبر كما ذكرناه، والذي في نسخ " المنهاج " (¬5): (الأب) كما ذكرته، والله أعلم. تَنْبِيْهٌ [في التحكيم] فهم من اعتبارهم في الولي أن يكون عاصب نسب أو ولاء أو حاكمًا: أنه لا يكفي فيه أن يكون مُوَلَّى من جهتها، وروى يونس بن عبد الأعلى: أن الشافعي قال: إذا كان في الرفقة امرأة لا ولي لها فولت أمرها رجلًا حتى زوجها .. جاز، قال العبادي في " طبقاته ": من أصحابنا من أنكره، ومنهم من قبله، وقال: إنه تحكيم، والمحكم قائم مقام الحاكم. وقال النووي: التحكيم صحيح بناء على الأظهر في جوازه في النكاح، لكن يشترط في المحكم كونه صالحًا للقضاء، وهذا يعسر في مثل هذه الحالة، فالذي نختاره صحة النكاح إذا ولت أمرها عدلًا وإن لم يكن مجتهدًا، وهو ظاهر نصه الذي نقله يونس، وهو ثقة. انتهى (¬6). ¬

_ (¬1) انظر " التهذيب " (5/ 284). (¬2) انظر " فتح العزيز " (7/ 543). (¬3) انظر " فتح العزيز " (9/ 250). (¬4) المنهاج (ص 376). (¬5) المنهاج (ص 376). (¬6) انظر " الروضة " (7/ 50).

فصل [في موانع الولاية]

قال في " المهمات ": فالصحيح: جوازه سفرًا وحضرًا مع وجود القاضي ودونه؛ لأنه الصحيح في التحكيم كما هو مذكور في القضاء، وسواء كان السفر طويلًا أم قصيرًا. قلت: ومراده: ما إذا كان المحكم صالحًا للقضاء، فأما هذا الذي اختاره النووي فشرطه: السفر، وفقد القاضي، وصحح السبكي إنكار رواية يونس، وأنها لا تزوج عند فقد الحاكم؛ ويدل له: ما رواه البيهقي في " المبسوط " عن الشافعي: أنه قال: وإن ولت امرأة ثيب نفسها رجلًا .. فليس له أن يزوجها، وإن زوجها فرفع ذلك إلى السلطان .. فعليه أن يفسخه، وسواء طال أو قصر، وجاء الولد أولم يأت. فصلٌ [في موانع الولاية] 3532 - قول " المنهاج " [ص 377] و" الحاوي " [ص 457]: (لا ولاية لمجنون) و" التنبيه " [ص 158]: (ضعيف) والمراد: ضعف العقل، يتناول بإطلاقه متقطع الجنون، وهو الأصح في " أصل الروضة " (¬1)، وحكى الرافعي تصحيحه عن ابن كج والإمام والغزالي (¬2)، ومقابله عن البغوي (¬3)، وجعله في " الشرح الصغير " الأشبه، وفي " التذنيب " الظاهر (¬4)، وفي " المطلب ": أنه ظاهر نصه في " الأم "، وإذا قلنا به .. فالصحيح انتظار إفاقته، وقيل: يزوج الحاكم، وقال الإمام: هو كالغيبة (¬5)، فتقاس مدته بمدتها وفاقًا وخلافًا، فلو أفاق المجنون وبقيت آثار خبل يُحْمَلُ مثلها ممن لا يعتريه الجنون على حدة في الخلق، ففي (¬6) عود ولايته وجهان، قال في " الروضة ": لعل الأصح: استدامة حكم الجنون إلى أن يصفو من [الخبل] (¬7). 3533 - قول " التنبيه " [ص 158]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 457]: (ولا يجوز أن يكون الولي سفيهًا) يتناول غير المحجور عليه، لكن قال الرافعي: ينبغي ألَّا تزول ولايته (¬8)، ويوافقه قول " المنهاج " [ص 377]: (وكذا محجور عليه بسفه) وفي المسألة وجهان حكاهما الماوردي ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 62). (¬2) انظر " نهاية المطلب " (12/ 106)، و " الوجيز " (5/ 71). (¬3) فتح العزيز (7/ 550)، وانظر " نهاية المطلب " (12/ 106)، و " الوجيز " (5/ 71)، و" التهذيب " (5/ 283). (¬4) التذنيب (ص 613). (¬5) انظر " نهاية المطلب " (12/ 107). (¬6) في النسخ: (وفي)، ولعل الصواب ما أثبت. (¬7) الروضة (7/ 63)، وفي (أ)، (ج)، (د): (الخلل)، والمثبت من (ب)، وهو الموافق لما في " الروضة ". (¬8) انظر " فتح العزيز " (7/ 551).

والروياني (¬1)، وصحح صاحب " الذخائر " وابن الرفعة أنه لا يلي أيضًا، وهو ظاهر نص " المختصر " (¬2)، واختاره السبكي، قال: وظاهر نصه في " الأم " بقاء ولايته (¬3)، وقول " المنهاج " [ص 377]: (على المذهب) كذا هو في " الروضة " (¬4)، وهو يقتضي أن في المسألة طريقين، والذي في الرافعي: المشهور: لا يلي، وفي " المهذب " وجه (¬5)، وذلك لا يدل على طريقين. 3534 - قول " المنهاج " [ص 377]: (ومتى كان الأقرب ببعض هذه الصفات .. فالولاية للأبعد) فيه أمران: أحدهما: كان ينبغي تأخير ذلك عن الفسق واختلاف الدين؛ ليعود إليهما أيضًا؛ فإن الولاية تنتقل فيهما إلى الأبعد؛ ولذلك قال " الحاوي " [ص 457]: (والرق والصبا والجنون والعته والسفه والفسق واختلاف الدين نقل إلى الأبعد) وكذا ذكر في " التنبيه " قوله [ص 158]: (وإن خرج الولي عن أن يكون وليًا .. انتقلت الولاية إلى من بعده) بعد ذكر جميع ما تقدم، ومنه: الفسق واختلاف الدين. ثانيهما: يرد عليهم: أنه إنما تنتقل الولاية إلى الأبعد بسبب الصغر في النسب، فأما في الولاء إذا كان للمعتقة ابن صغير وجد أو أخ كبير .. ففي " الكفاية " في الولاء: أن الشافعي نص على أن الجد لا يزوج، ولم يتعرض لمن يزوج، قال شيخنا الإمام البلقيني: والظاهر أن الحاكم يزوج. 3534/ 1 - قول " المنهاج " [ص 377]: (والإغماء إن كان لا يدوم غالبًا .. انتظر إفاقته، وإن كان يدوم أيامًا .. انتظر، وقيل: الولاية للأبعد) موافق لإطلاق " الحاوي " أن الإغماء لا ينقل للأبعد (¬6)، وهو الذي حكاه الرافعي عن " التهذيب " وغيره، وحكى عن الإمام أنه ينبغي إن كانت مدة يعتبر فيها إذن الولي الغائب وقطع المسافة ذهابًا ورجوعًا .. انتظرت إفاقته، وإلا .. فيزوج الحاكم، ويرجع في معرفة مدته إلى أهل الخبرة (¬7)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه المعتمد. 3534/ 2 - قول " التنبيه " [ص 158]: (وهل يجوز أن يكون الولي أعمى؟ قيل: يجوز، ¬

_ (¬1) انظر " الحاوي الكبير " (9/ 64). (¬2) مختصر المزني (ص 165). (¬3) الأم (5/ 15). (¬4) الروضة (7/ 63). (¬5) فتح العزيز (7/ 551)، وانظر " المهذب " (2/ 36). (¬6) الحاوي (ص 457). (¬7) فتح العزيز (7/ 551)، وانظر " نهاية المطلب " (12/ 105، 106)، و " التهذيب " (5/ 284).

وقيل: لا يجوز) الأصح: جوازه، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " (¬1)، وخص أبو على الفارقي الخلاف بما إذا لم تر المرأة الزوج، فإن رأته ورضيت به .. ولي قطعًا. واستشكل ابن معن الخلاف، وقال: ينبغي إذا رأته ورضيت به .. أن يصح قطعًا، وإلا .. فلا قطعًا، وفي " الكفاية ": إن قلنا: يلي والصداق عين .. لم يثبت المسمى إن منع بيع الغائب، وتناول إطلاقهم القاضي، لكن لا يحتاج للتنبيه عليه؛ لانعزاله بالعمى، فلو ولى القاضي العقود أعمى .. فلم أر التصريح به، وظاهر إطلاقهم في القضاء منعه، وهو الظاهر، ويجري خلاف الأعمى في الأخرس إن كانت له إشارة مفهمة. 3535 - قولهم: (ولا ولاية لفاسق) (¬2) فيه أمران: أحدهما: تبع " المنهاج " و" الحاوي " فيه " المحرر " فإنه قال: إنه الظاهر من أصل المذهب (¬3)، وحكى في " الشرح " عن الروياني وغيره أنه ظاهر المذهب، لكنه قال: أفتى أكثر المتأخرين لا سيما الخراسانيون: بأنه يلي (¬4)، وصححه الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وفي زيادة " الروضة " عن الغزالي: أنه قال: إن كان بحيث لو سلبناه الولاية لانتقل إلى حاكم يرتكب ما نفسقه به .. ولي، وإلا .. فلا، وقال النووي: وهذا الذي قاله حسن، وينبغي العمل به (¬5)، واختاره ابن الصلاح في " فتاويه " (¬6)، وقواه السبكي تفريعًا على انعزال القاضي بالفسق، قال: وأما إن لم نعزله به .. فهو أولى من الفاسق القريب. ثانيهما: يستثنى من منع ولاية الفاسق: الإمام الأعظم .. فالأصح تفريعًا على أنه لا ينعزل بالفسق - وهو الأصح -: أنه يزوج بناته وبنات غيره بالولاية العامة، وفي " التتمة " عن الأصحاب: أنه يزوج بنات غيره دون بناته، وقال السبكي: إذا قلنا: إن القاضي لا ينعزل بالفسق .. كان كالإمام، واختار تبعًا للقاضي حسين أن يولي الإمام الفاسق قاضيًا ليزوج، ولا يباشر التزويج بنفسه، قال: وكذا أقول إذا ولى قاضيًا لا يصلح، وحيث منعنا ولاية الفاسق .. فقال البغوي: إذا تاب .. زوج في الحال (¬7)، وذكر المتولي نحوه في العضل، وقال الرافعي: القياس وهو المذكور في (الشهادات): اشتراط الاستبراء (¬8). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 457)، المنهاج (ص 377). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 158)، و" الحاوي " (ص 457)، و" المنهاج " (ص 377). (¬3) المحرر (ص 292). (¬4) فتح العزيز (7/ 556). (¬5) الروضة (7/ 64). (¬6) فتاوى ابن الصلاح (2/ 424). (¬7) انظر " التهذيب " (5/ 283). (¬8) انظر " فتح العزيز " (7/ 555).

3536 - قول " التنبيه " [ص 158]: (ولا يجوز أن يكون ولي المسلمة كافرًا، ولا ولي الكافرة مسلمًا، إلا السيد في تزويج الأمة والسلطان في نساء أهل الذمة) فيه أمور: أحدها: الظاهر أن الاستثناء مختص بالجملة الأخيرة؛ فإن المسألة الثانية من المستثنى تختص بالأخيرة قطعًا، فكذلك الأولى، وجعله في " الكفاية " منهما، ويوافقه استدراك النووي في " تصحيحه " أن الأصح: أن الكافر لا يزوج أمته المسلمة (¬1)، والحق: أنه لا حاجة لاستدراكها؛ لاختصاص الاستثناء بالأخيرة، وأن الأولى باقية على عمومها. ثانيها: استشكل استثناء مسألة تزويج السيد المسلم أمته الكافرة؛ فإن تزويجه مفرع على أنه يزوج بالملك، وهو الأصح، والاستثناء من الولاية؛ ولهذا لم يستثنها " الحاوي "، وأطلق أن اختلاف الدين ينقل الولاية للأبعد (¬2)، وقال قبل ذلك: (ويزوج المسلم أمته الكافرة لا الكافر أمته المسلمة) (¬3) ويرد عليه مسألة السلطان، لكنه ظاهر إطلاقه ولاية السلطان عند فقد عصبة النسب والولاء، إلا أنه محمول على جعله اختلاف الدين مانعًا من الولاية، فهي واردة عليه. ثالثها: تناول إطلاق " التنبيه " و" الحاوي " تزويج المسلم أمته المجوسية أو الوثنية (¬4) وهو ما صححه الشيخ أبو على، وصرح به البارزي تبعا لصاحب " التعليقة " في المجوسية، وصحح البغوي المنع فيهما. رابعها: استثنى في " الروضة " من زيادته صورة ثالثة وهي: تزويج أمة موليته (¬5)، ويستثنى رابعة، وهي: تزويج المسلم الكافرة المملوكة لمحجوره المسلم وكان المزوج أبًا أو جدًا كما هو معروف في موضعه. خامسها: مفهومه أن الكافر يلي الكافرة، وبه صرح " المنهاج "، وهو محمول على العدل في دينه، وتعبيره بقوله [ص 377]: (ويلي الكافر الكافرة) أعم من قول " المحرر ": (والكافر يلي نكاح ابنته الكافرة) (¬6) لأنه لا فرق بين البنت وغيرها، لكن يترجح تعبير " المحرر " بتقديمه الاسم؛ لدلالته على الحصر، فكأنه قال: االكفر لا يلي إلا الكافرة، ولفظ " المنهاج " لا يفيد الحصر، فيكون ساكتًا عن تزويج الكافر المسلمة وعكسه، ذكره السبكي. سادسها: ظاهر كلامهم أنه يجوز أن يكون ولي اليهودية نصرانيًا وبالعكس، وقال الرافعي: ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (2/ 12). (¬2) الحاوي (457). (¬3) الحاوي (ص 455). (¬4) التنبيه (ص 158)، الحاوي (ص 455). (¬5) الروضة (7/ 67). (¬6) المحرر (ص 292).

يمكن أن يلحق بالإرث، ويمكن أن يمنع (¬1)، وقال في " الكفاية ": قطع أصحابنا بأنه لا يؤثر كالإرث، وحكاه في " المهمات " عن الماوردي والروياني والإمام (¬2)، وفي " التتمة ": إن قلنا: الكفر ملة واحدة .. زوج، أو ملل .. فلا، وصحح ابن يونس في " النبيه " المنع، وقال في " المهمات ": يحسن المنع في المجبرة دون غيرها بناء على أن شرط المجبر ألَّا يكون عدوًا للمجبرة. سابعها: وظاهر كلامهم أيضًا: أنه يجوز أن يكون ولي الحربية ذميًا وبالعكس، وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم أقف على نقل في ذلك، وقياس ما ذكروه في الإرث: أن يمنع ولاية الحربي على الذمية وبالعكس، قال: وذو العهد كالذمية، على الأصح. ثامنها: محل تزويج السلطان نساء أهل الذمة: إذا لم يكن لهن ولي خاص، فمن لها منهن ولي خاص .. زوجها وليها إن كان خاطبها ذميًا قطعًا، وكذا إن كان مسلمًا في الأصح. 3537 - قول " المنهاج " [ص 377]: (وإحرام أحد العاقدين أو الزوجة يمنع صحة النكاح) لو قال: (أو أحد الزوجين) .. لكان أحسن، ليتناول ما إذا كان الزوج محرمًا ووكيله حلالًا، وقد ذكره بعد من زيادته فقال: (ولو أحرم الولي أو الزوج فعقد وكيله الحلال .. لم يصح) (¬3)، واقتصر " الحاوي " على ذكر إحرام الولي سواء باشر العقد أم لا (¬4)، وفي " التنبيه " في (الحج) [ص 72]: (ويحرم عليه أن يتزوج أو يزوج) فلم يتناول الوكيل الحلال والولي محرم. ويستثنى من إحرام الولي: ما إذا أحرم الإمام الأعظم .. فللقضاة ونوابهم تزويج من هو في ولايته العامة حالة إحرامه على أحد وجهين، حكاهما الماوردي من غير ترجيح. وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه الأصح، فلو كان السيد محرمًا فأذن لعبده الحلال في التزويج، أو كان ولي السفيه محرمًا فأذن له في التزويج وهو حلال .. قال شيخنا الإمام البلقيني: لم أقف فيه على نقل، والأقرب: المنع، قال: ولو كان الولي حلالًا فزوج أمة المحجور عليه المحرم وهي حلال والزوج حلال .. فالصواب: الصحة. انتهى. ولو وكل حلال حرمًا ليوكل حلالًا بالتزويج .. صح على الأصح؛ لأنه سفير محض ليس إليه من العقد شيء. 3538 - قول " المنهاج " [ص 377]: (ولا ينقل الولاية في الأصح) الخلاف خاص بنقل ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (7/ 557). (¬2) انظر " نهاية المطلب " (12/ 49، 50). (¬3) المنهاج (ص 377). (¬4) الحاوي (ص 458).

الولاية، وقد فرع عليه قوله: (فيزوج السلطان عند إحرام الولي) وقوله: (لا الأبعد) (¬1)، لا يحتاج إليه؛ فقد جزم بالأصح المتقدم. 3539 - قول " التنبيه " [ص 158]: (أو غاب عنها زوجها الحاكم ولم تنتقل الولاية إلى من بعده) ثم قال: (وقيل: إن كانت الغيبة إلى مسافة لا تقصر فيها الصلاة .. لم تزوج حتى يُستأذن) هذا هو الأصح، ونص عليه في " الإملاء "، وعليه مشى " الحاوي " و" المنهاج " (¬2) وتعبيره بقوله: (ولو غاب الأقرب إلى مرحلتين) (¬3) أحسن من تعبير " الحاوي " بقوله [ص 458]: (وإن غاب سفر قصر) لأنه قد تكون غيبته معصية، فلا يكون سفر قصر، وهي مرحلتان، ولا يرد ذلك على " التنبيه " لأنه اعتبر القصر من حيث المسافة خاصة، فلا يرد عليه امتناع القصر بسبب آخر، وهو المعصية، ولم يصرح " الحاوي " بأن مراده سفر القصر من حيث المسافة، ثم ما ذكروه في الغيبة هو فيما إذا عرف مكانه وأمكن الوصول فإن كان مفقودًا لا تعرف حياته ولا موته .. زوجها السلطان أيضًا، فإذا انتهى الأمر إلى غاية يحكم فيها بموته وقسم ماله بين ورثته .. انتقلت الولاية إلى الأبعد، وإن عرف مكانه وتعذر الوصول إليه لخوف في الطريق أو فتنة .. ففي الجيلي عن " الحلية ": أنه يجوز له التزويج بدون مراجعة في الأصح. قال في " الكفاية ": ويعضده ما حكيته عن الأصحاب في الوديعة إن تعذر الوصول إلى مالكها بمثل هذا السبب عند إرادة الموح سفرًا بمنزلة ما إذا كان مالك الوديعة مسافرًا. 3540 - قول " التنبيه " [ص 158]: (ويجوز للولي أن يوكل من يزوج) قد يتناول توكيل غير المجبر قبل إذنها له في التزويج، والأصح: منعه؛ ولذلك قال في " المنهاج " [ص 378]: (ولو وكل قبل استئذانها في النكاح .. لم يصح على الصحيح). 3541 - قول " التنبيه " [ص 158]: (وقيل: لا يجوز لغير الأب والجد إلا بإذنها) أي: في التوكيل، ولا بد من تقييد الأب والجد بكونهما مجبرين، فغير المجبر منهما كغيرهما في مجيء هذا الوجه فيه. 3542 - قوله: (ويجب أن يعين الزوج في التوكيل في أحد القولين) (¬4) الأظهر: أنه لا يجب، وعليه مشى " المنهاج " (¬5)، ومحلهما: إذا أطلقت الإذن للولي، أو كان مجبرًا، فأما إذا عينته لغير المجبر .. فليعينه الولي للوكيل، فإن لم يفعل وزوج من غيره .. لم يصح، وإن اتفق التزويج ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 377). (¬2) الحاوي (ص 458)، المنهاج (ص 377). (¬3) المنهاج (ص 377). (¬4) انظر " التنبيه " (158، 159). (¬5) المنهاج (ص 377).

منه .. فالأظهر: المنع أيضًا، وظاهر كلامهم طرد الخلاف وإن رضيت بترك الكفاءة. قال الإمام: والقياس: تخصيصهما بمن لم ترض، وإلا .. لم يشترط (¬1). وقال شيخنا الإمام البلقيني: بل القياس الإطلاق؛ لأن المعنى المقتضي للتعيين اختلاف الرغبات بالنسبة إلى الأشخاص، وذلك لا يختلف بالكفء وغيره؛ ولهذا لو وكل الرجل في قبول النكاح .. ففي اشتراط التعيين وجهان مختلف في الترجيح فيهما، وليس من جهة الكفاءة، بل من الجهة التي قدمناها. 3543 - قول " المنهاج " [ص 377]: (ويحتاط الوكيل فلا يزوج غير كفء) يرد عليه أنه لا يزوج كفئًا أيضًا، وقد طلبها أكفاء منه، فلو زوج غير كفء أو كفئًا مع خطبة أكفاء منه .. لم يصح على الأصح. وقال شيخنا الإمام البلقيني: الصواب؛ القطع به وإن جرى الخلاف في الولي؛ لأن قضية الإطلاق الحمل على المصلحة كما إذا أطلق .. يبيع بثمن المثل. 3544 - قوله: (وغير المجبر إن قالت له: " وَكِّل " .. وَكَّلَ) (¬2) يتناول ما إذا قالت: (زوج ووكّل) وما إذا قالت: (وكّل) وسكتت عن التزويج، وما إذا قالت: (وكّل ولا تزوج) وقد نقل الإمام هذه الأخيرة عن الأئمة: بطلان الإذن (¬3). 3545 - قوله: (وإن قالت: " زوجني " .. فله التوكيل في الأصح) (¬4) مخالف لظاهر النص؛ حيث قال: جاز للولي الذي لا أمر للمرأة معه أن يوكل، وهذا للأب خاصة في البكر، ولم يجز لولي غيره للمرأة معه أمر أن يوكل، أبٌ في ثيب، ولا غير أب إلا بأن تأذن له أن يوكل بتزويجها؛ فيجوز بإذنها، حكاه شيخنا الإمام البلقيني. 3546 - قوله: (وليقل وكيل الولي: " زوجتك بنت فلان ") (¬5) أي: وإن لم يقل: موكلي؛ هذا إذا كان الزوج يعلم الوكالة، وإلا .. اشترط، قاله في " التتمة ". 3547 - قول " التنبيه " [ص 158]: (وإن كانت مجنونة؛ فإن كانت صغيرة .. جاز للأب والجد تزويجها، وإن كانت كبيرة .. جاز للأب والجد والحاكم تزويجها) اقتصر في الكبيرة على الجواز، وهو واجب عند الحاجة، وقد صرح به " المنهاج " فقال [ص 378]: (ويلزم المجبر تزويج مجنونة بالغة) و" الحاوي " فقال بعد ذكر الأب ثم الجد [ص 456]: (ولزمه تزويج المجنونة التائقة، ثم ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (12/ 112، 113). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 378). (¬3) انظر " نهاية المطلب " (12/ 115). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 378). (¬5) انظر " المنهاج " (ص 378).

السلطان المجنونة بالحاجة) وعبارته أحسن من عبارة "المنهاج" هنا من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه قد يفهم من لفظ الإجبار اختصاص ذلك بالبكر؛ فإنها التي تجبر، وليس كذلك، فلا فرق هنا بين البكر والثيب. ثانيها: أنه لم يعتبر الحاجة مع ذكره لها في المجنون ولا بد منها في المجنونة أيضاً بالنسبة للوجوب. ثالثها: أنه لم يذكر تزويج الحاكم للمجنونة، لكن ذكر "المنهاج" المسألة بعد ذلك في فصل آخر، وعبر بعبارة سالمة من الأمور الثلاثة فقال: (ويزوج المجنونة أب أو جد إن ظهرت مصلحة، ولا تشترط الحاجة، وسواء صغيرة وكبيرة، ثيب وبكر، فإن لم يكن أب وجد .. لم تزوج في صغرها، فإن بلغت .. زوجها السلطان في الأصح للحاجة، لا لمصلحة في الأصح) (¬1) وقد تفهم عبارة "التنبيه" مساواة الحاكم للأب والجد في تزويج المجنونة الكبيرة، وليس كذلك؛ فإنهما يزوجانها بالمصلحة، والحاكم لا يزوجها إلا بالحاجة كما أفصح به "الحاوي" (¬2)، وقول "الحاوي" [ص 456]: (وشاور الأقارب) ظاهره الوجوب، وبه صرح البغوي والخوارزمي، وقال الإمام بالاستحباب (¬3)، وصححه الروياني، وقال: إنه ظاهر النص، ويوافقه قولهم في الخطبة على الخطبة: إن المعتبر رد السلطان وإجابته، ثم هذا كله في المطبقة، فلو كان جنونها متقطعاً .. فلا تزوج حتى تفيق فتأذن، ويشترط وقوع العقد حال الإفاقة، وصرح "المنهاج" و"الحاوي" بأنه لا يلزم تزويج الصغيرة المجنونة (¬4)، لكن لو ظهرت الغبطة فيه .. ففيه احتمالان للإمام، ومال إلى الوجوب. 3548 - قول "المنهاج" [ص 378]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 456]: (ومجنون ظهرت حاجته) يرد عليه أن محله: في المطبق، وأن الحاكم يزوجه أيضاً عند فقد الأب والجد، وقد ذكرهما "التنبيه" فقال [ص 157]: (وإن كان مجنونًا؛ فإن كان يفيق في وقت .. لم يزوج إلا بإذنه، وإن كان لا يفيق وهو محتاج .. زوجه الأب أو الجد أو الحاكم) وفي احتياج الحاكم إلى مشاورة الأقارب ما تقدم في المجنونة، وهو في "الروضة" وأصلها (¬5)، وزعم في "المهمات" أن الرافعي أغفله، وليس كذلك، والمراد بحاجته إلى النكاح: إما ظهور رغبته فيهن بدورانه حولهن ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 380، 381). (¬2) الحاوي (ص 456). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (12/ 46). (¬4) الحاوي (ص 456)، المنهاج (ص 378). (¬5) فتح العزيز (8/ 13)، الروضة (7/ 95، 96).

وتعلقه بهن، أو يتوقع شفاؤه بالوطء، أو بأن يحتاج لخدمته ولا يوجد في محارمه من يحصل ذلك، وتكون مؤنة النكاح أخف من ثمن جارية. واستشكل الرافعي هذا: بأن الزوجة لا يلزمها خدمته، فربما تمتنع، أو لا تفي إن وعدت (¬1). وأجاب بعضهم: بأن طبعها يدعوها إلى خدمته. وقال شيخنا الإمام البلقيني: ظاهر كلامهم أن الوصي لا يزوج المجنون، ويعضده نص الإمام، لكن في "الشامل" في الوصايا ما يقتضي أنه يزوجه، وهو الأقرب في الفقه؛ لأنه ولي المال، وإنما أراد الشافعي وأصحابه إخراج العصبات لا الوصي؛ فإنه قائم مقام الأب. 3549 - قول "المنهاج" [ص 378]: (ويلزم المجبر وغيره إن تعين إجابة ملتمسة التزويج) شرطه: أن تكون بالغة، وقد ذكره في العضل، فقال: (إذا دعت بالغة عاقلة) وأوردناه هناك على عبارتي "التنبيه" و"الحاوي" (¬2). 3550 - قول "المنهاج" [ص 378]: (وإذا اجتمع أولياء في درجة .. استحب أن يزوجها أفقههم وأسنهم برضاهم) فيه أمور: أحدها: عبارة "التنبيه" [ص 158]: (وإن استوى اثنان في الدرجة والإدلاء .. فالأولى: أن يقدم أسنهما وأعلمهما وأفضلهما) فزاد الاستواء في الإدلاء؛ ليحترز به عن نحو أخوين أحدهما شقيق والآخر لأب؛ فإنهما مستويان في الدرجة مع أن الولاية للشقيق؛ لتميزه بالإدلاء بالأم، فكان ينبغي لـ"المنهاج" الاحتراز عن ذلك أيضاً، وقد يقال: ليسا في درجة واحدة ولا حاجة للاحتراز. ثانيها: ليس في عبارته إفصاح عن تقديم الأفقه على الأسن؛ فإن الواو لا تدل على الترتيب، وقد صرح بذلك "الحاوي" فقال [ص 459]: (وقدم الأفقه ثم الأسن) ويرد عليه الأورع، وقد ذكره الرافعي بينهما فقال: الأفقه ثم الأورع ثم الأسن (¬3)، وحمل في "الكفاية" عبارة "التنبيه" المتقدمة على الترتيب؛ أي: يقدم الأسن ثم الأعلم ثم الأفضل، وليس في عبارته ما يدل عليه، وهو مخالف لكلام الرافعي والنووي (¬4). ثالثها: صورة ذلك: أن تأذن المرأة لكل من الأولياء منفرداً، أو تقول: أذنت في تزويجي من فلان، فمن شاء منكم .. فليزوجني به، وكذا لو قالت: رضيت بفلان زوجاً على الأصح، وقيل: ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (8/ 12). (¬2) التنبيه (ص 157)، الحاوي (ص 458). (¬3) انظر "فتح العزيز" (8/ 3). (¬4) انظر "فتح العزيز" (8/ 3)، و"الروضة" (7/ 87).

لا تزوج في هذه الصورة، أما لو أذنت لأحدهم .. لم يزوج غيره، ولو قالت: زوجوني .. اشترط اجتماعهم في الأصح. 3551 - قولهم: (فإن تشاحوا .. أُقرع) (¬1) شرطه: أن تأذن لجميعهم كما تقدم، وأن يتحد الخاطب، فإن تعدد ورغب كل ولي في خاطب .. فالتزويج ممن رضيت به، فإن رضيتهما .. أمر الحاكم بالتزويج من أصلحهما، قاله البغوي (¬2) والرافعي في "الشرح الصغير"، وقال المارودي والروياني والمتولي: يزوجها السلطان بأصلحهما وهما عاضلان؛ لامتناع كل من التزويج ممن رضيه الآخر، وعليه حمل قوله عليه الصلاة والسلام: " فإن اشتجروا .. فالسلطان ولي من لا ولي له" (¬3)، ولا يقرع؛ لئلا يصير قارعاً بين الزوجين. 3552 - قول "التنبيه" [ص 158]: (فإن خرجت القرعة لأحدهما فزوج الآخر .. فقد قيل: يصح، وقيل: لا يصح) الأصح: الصحة، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، ولا يخفى أن الصورة عند إذنها لكل منهم، وقد قيده به "المنهاج" (¬5) و"الكفاية"، قال الرافعي: وهل يختص البطلان بقرعة السلطان أم يعم؟ فيه تردد للإمام (¬6)، وعلى الصحة: يكره في قرعة السلطان دون غيره، قاله الإمام بحثاً (¬7)، وخرج بقيد خروج القرعة لأحدهما ما لو بدر واحد وزوج مع التنازع قبل القرعة .. فإنه يصح قطعاً بلا كراهة، قاله القاضي مجلي. 3553 - قول "المنهاج" [ص 378]: (ولو زوجها أحدهم زيداً والآخر عمراً) المسألة بأحوالها الخمسة محلها كما قال المارودي: ما إذا كانا كفئين، فإن كانا غير كفئين .. فنكاحهما باطل، أو أحدهما كفء .. فنكاحه هو الصحيح ولو تأخر (¬8). 3554 - قوله - والعبارة له - و"الحاوي": (ولو سبق معين ثم اشتبه .. وجب التوقف حتى يتبين) (¬9) قال شيخنا الإمام البلقيني: المختار عندي في هذه الصورة عند اليأس من التبين: عدم التوقف، والمصير إلى إنشاء الفسخ. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 158)، و"الحاوي" (ص 459)، والمنهاج" (ص 378). (¬2) انظر "التهذيب" (5/ 282). (¬3) أخرجه أبو داوود (2083)، والترمذي (1102)، وابن ماجه (1879)، والنسائي في "الكبرى" (5394)، وأحمد (24251) من حديث سيدتنا عائشة رضي الله عنها. (¬4) الحاوي (ص 459)، المنهاج (ص 378). (¬5) المنهاج (ص 378). (¬6) انظر "فتح العزيز" (8/ 3، 4). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (12/ 95، 96). (¬8) انظر "الحاوي الكبير" (9/ 121، 122). (¬9) انظر "الحاوي" (ص 459، 460)، و "المنهاج" (ص 378).

3555 - قول "الحاوي" فيما إذا التبس السابق في إنكاح وليين [ص 459]: (ولا نفقة) تبع فيه الإمام؛ فإنه صححه (¬1)، وكلام "الوسيط" (¬2) يقتضى ترجيحه أيضاً، والذي في "الوجيز" أنهما يتفقان (¬3)، وبه أجاب ابن كج، وليس في "الروضة" وأصلها إفصاح بترجيح (¬4). 3556 - قول "المنهاج" [ص 378]: (فإن ادعى كل زوج علمها بسبقه .. سُمعت دعواهما بناءً على الجديد - وهو قبول إقرارها بالنكاح -) فيه أمور: أحدها: كذلك لو ادعى ذلك إحداهما فقط .. كانت دعواه مسموعة، وهو مفهوم من ذكر المبني عليه وهو قبول إقرارها بالنكاح. ثانيها: لو عبر بقوله: (علمها بأنه السابق، أو بسبق نكاحه) .. لكان أحسن؛ لاحتمال عود الضمير في قوله: (بسبقه) (¬5) على مطلق النكاح، فيتناول دعوى كل علمها بسبق أحدهما من غير تعيين، ومن المعلوم أن هذه دعوى لا تسمع لعدم الفائدة فيها، لكن المراد: علمها بسبق نكاحه كما في "المحرر" (¬6)، وقال شيخنا ابن النقيب: لو قال: (علمها السابق) .. لكان أحسن (¬7)، وهذه عبارة مدخولة؛ فإنه لا تسمع دعوى كل علمها بالسابق حتى يقرن به، وأنه هو السابق، فما ذكرناه أولاً أولى. ثالثها: خرج بذلك دعوى أحدهما على الآخر، فلا تسمع خلافا للصيدلاني وغيره، والدعوى على الولي مع أنها مسموعة إذا كان مجبراً على الأصح؛ لما تقدم من قبول إقرار المجبر دون غيره. 3557 - قوله: (فإن أنكرت .. حلفت) (¬8) يحتمل أن تحلف لكل واحد منهما يميناً، وأن تحلف لهما يميناً واحدة، وبالأول قال البغوي (¬9)، وصححه السبكي، وبالثاني قال القفال والإمام والغزالي وغيرهم إن حضرا، لكن اعتبر الإمام رضاهما بها (¬10)، وإن حضر أحدهما وحلفها ثم جاء الآخر .. ففي تحليفها له وجهان جاريان في كل اثنين ادعيا شيئاً واحداً كما قال الرافعي هنا (¬11)، ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (12/ 129). (¬2) الوسيط (5/ 89). (¬3) انظر "الوجيز" (2/ 14). (¬4) فتح العزيز (8/ 5)، الروضة (7/ 89). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 378). (¬6) المحرر (ص 294). (¬7) انظر "السراج على نكت المنهاج " (5/ 363). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 378). (¬9) انظر "التهذيب" (5/ 292). (¬10) انظر "نهاية المطلب" (12/ 134، 135)، و "الوسيط" (5/ 91). (¬11) انظر "فتح العزيز" (8/ 8).

وجزم في (اللعان) فيما إذا ادعيا عليه مالاً فأنكر .. بأنه يحلف لكل منهما يميناً (¬1)، وكذا في (الدعاوى) (¬2)، فإن رضوا بيمين واحدة .. فالأصح عند النووي: المنع (¬3)، وينبغي أن يقال: إن حلفت أنها لا تعلم أنه السابق .. فللآخر تحليفها قطعاً، وإن حلفت أنها لا تعلم السابق .. فهو موضع الخلاف في أنه هل يحتاج إلى يمين للآخر أم لا؟ 3558 - قول "الحاوي" [ص 460]: (فإن حلفت بجهل السابق .. فالنكاح لمن حلف) تبع فيه الإمام والغزالي؛ فإنهما قالا: إن التداعي بين الزوجين والتحالف إنما ينكر ابتداء، فأما بعد الدعوى عليها وحلفها .. فيتداعيان، فإن حلفا أو نكلا .. استمر الإشكال، وإن حلف أحدهما فقط .. قضي له بالنكاح (¬4)، لكن الذي نص عليه في "الأم" وقال به العراقيون والماوردي كما حكاه ابن الرفعة: أنه لا تحالف بينهما مطلقاً، ويبقى الإشكال (¬5)، وصرح ابن الرفعة تفريعاً عليه بأنه يبطل النكاحان. 3559 - قول "المنهاج" [ص 378]: (وإن أقرت لأحدهما .. ثبت نكاحه. وسماع دعوى الآخر وتحليفها له يبنى على القولين فيمن قال: "هذا لزيد بل لعمرو" هل يغرم لعمرو؟ إن قلنا: نعم .. فنعم) هو الأصح فيهما. 3560 - قول "التنبيه" [ص 159]: (ولا يجوز لأحد أن يتولى الإيجاب والقبول في نكاح واحد، وقيل: يجوز للجد أن يوجب ويقبل في تزويج بنت ابنه بابن ابنه) هذا الوجه هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" (¬6)، و"الحاوي" ذكره في (البيع) لكنه عبر بالوالد (¬7)، ومراده: الجد، وشرطه: كون الابن صغيراً أو مجنوناً، وكون بنت الابن بكراً أو مجنونة، وكون أبويهما ميتين أو مسلوبي الولاية لفسق ونحوه. وأفهم كلامهم أنه لا يجوز في غير هذه الصورة، فلو وكل الولي والخاطب واحداً أو وكله في تزويج بنته من نفسه فتولى الطرفين .. لم يصح على الصحيح، ولو تولى الطرفين في تزويج عبده بأمته .. صح إن قيل: له إجباره، والأصح: خلافه. وفى "البحر": لو أراد الحاكم تزويج مجنون بمجنونة .. لا نص فيه، والقياس: أن لا يتولى الطرفين ولا يحتمل على المذهب غيره. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (9/ 388). (¬2) انظر "فتح العزيز" (13/ 283). (¬3) انظر "الروضة" (12/ 91). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (12/ 134)، و "الوسيط" (5/ 91). (¬5) الأم (5/ 16). (¬6) المنهاج (ص 379). (¬7) الحاوي (ص 259).

فصل [في اعتبار الكفاءة]

3561 - قول "المنهاج" [ص 379]: (فلو أراد القاضي نكاح من لا ولي لها .. زوَّجه من فوقه من الولاة أو خليفته) كذا من هو مثله في بلده أو غيرها وفى معناه: الإمام الأعظم، فيزوجه خليفته القاضي، وفي الإمام وجه أنه يزوج نفسه، حكاه في "التنبيه" (¬1)، وفى معنى إرادتهما التزويج: ما لو أراد أحدهما تزويج من لا ولي لها لابنه الصغير. فَصْلٌ [في اعتبار الكفاءة] 3562 - قول "التنبيه" [ص 159]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 459]: (ولا يزوج أحد من الأولياء المرأة من غير كفء إلا برضاها ورضا سائر الأولياء) المراد: الذين لهم ولاية حال العقد؛ ولهذا عبر "المنهاج" [ص 379] ب (الأولياء المستوين)، لكن كلام الأصحاب يقتضي أن الأبعد لا يكون وليًا مع الأقرب، وحينئذ .. فقوله: (المستوين) زيادة بيان، لا احتراز، وقد يقال: إن الأبعد ولي أيضاً، لكن الأقرب مقدم عليه فيحتاج إلى الاحتراز عنه، فإن قيل: لم لا يجب رضا الأبعد للقرابة وإن لم يكن له الاَن حق لما يلحقه من العار؟ قلت: لأن القرابة تنتشر كثيراً فيشق اعتبارها، ولا ضابط نقف عنده، فقصر على الأقرب. 3563 - قول "التنبيه" [ص 159]: (فإن زوجها من غير كفء بغير رضاها أو بغير رضا بقية الأولياء .. فالنكاح باطل، وقيل: فيه قولان، أحدهما: أن النكاح باطل، والثاني: أنه صحيح ولها الخيار) فيه أمور: أحدها: أن الأصح: طريقة القولين، وأصحهما: بطلان النكاح، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). ثانيها: صورة المسألة: إذا كان الولي مجبراً، أو كان غير مجبر أذنت له من غير تعيين زوج وجوزناه وهو الأصح، وقد ذكر "المنهاج" التصويرين، إلا أنه في تصوير غير المجبر قال: (برضاها دون رضاهم) (¬3)، وقد عرفت أنه يتصور مع رضاها في إذنها من غير تعيين، وقال في تفريع الضعيف فيما إذا كان بغير رضا بقية الأولياء: (ولهم الفسخ) (¬4)، وفيما إذا كان بغير رضاها: (وللبالغة الخيار، وللصغيرة إذا بلغت) (¬5). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 159). (¬2) الحاوي (ص 459)، المنهاج (ص 379). (¬3) المنهاج (ص 379). (¬4) المنهاج (ص 379). (¬5) المنهاج (ص 379).

ثالثها: قد ظهر بذلك أن قوله في تفريع الضعيف: (ولها الخيار) ناقص؛ لاختصاصه بصورة ما إذا كان ذاك بغير رضاها، أما إذا كان بغير رضا بقية الأولياء .. فالخيار لهم كما ذكره "المنهاج" (¬1)، وتناولت عبارة "التنبيه" القاضي، فمقتضاها: أن له تزويج من لا ولىّ لها من غير كفء برضاها، والأصح في "المنهاج": بطلانه (¬2)، وعليه مشى "الحاوي" (¬3)، وقال بالصحة الشيخ أبو محمد والإمام والغزالي (¬4)، ومال إليه السبكي إلا أنه توقف آخراً بعد الكلام على حديث فاطمة بنت قيس، وقال بالصحة شيخنا الإمام البلقيني أيضًا، وقال: إن ما صححه الرافعي والنووي من البطلان ليس بالمعتمد، وليس للشافعي نص شاهد به، ولا وجه له، وهو مخالف لمذهب أكثر العلماء. انتهى (¬5). ثم اعلم: أن محل الخلاف: عند تزويج القاضي لفقد الولي، فلو زوج لغيبة الولي أو عضله أو إحرامه .. لم يكن له ذلك قطعاً، وذلك شاهد للوجه الآخر، ولو كان في الولي مانع من فسق ونحوه وليس بعده إلا القاضي فزوج من غير كفء برضاها .. فظاهر إطلاقهم طرد الوجهين. قال السبكي: ولو قيل: إنه كالعضل .. لم يبعد. 3564 - قول "التنبيه" [ص 159]: (والكفاءة في الدين والنسب والصنعة والحرية) أهمل السلامة من العيوب المثبتة للخيار، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬6) ثم هو على عمومه فيما إذا كانت الكفاءة لحق المرأة كالمجبرة أو غيرها إذا أطلقت الإذن وصححناه، لكن استثنى منه البغوي: التعنين؛ لعدم تحققه، وإطلاق الجمهور - وبه صرح الشيخ أبو حامد -: أنه لا فرق، وصوب في "المهمات" استثناء البغوي، لما رجحوه من أن الرجل قد يعن عن امرأة دون أخرى وفي نكاح دون آخر مع اتحاد المرأة، حتى يثبت للمرأة الفسخ بالعنة في النكاح مع علمها بعنيته؛ إما عن غيرها أو عنها نفسها في نكاح آخر. قال: وما قاله أبو حامد هو على القول الآخر، وهو الاكتفاء بما ثبت من العنة، وأما الكفاءة التي هي حق للولي .. ففي الجنون وكذا الجذام والبرص في الأصح، لا في الجب والعنة، وسيأتي بيانه في (الخيار)، وقول "الحاوي": (وليست النسيبة) إلى قوله: (كفء غيرٍ) (¬7) كان ينبغي أن يقول: (وليست غير النسيبة ... ) إلى آخره ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 379). (¬2) المنهاج (ص 379). (¬3) الحاوي (ص 459). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (12/ 98)، و"الوسيط" (5/ 83، 84). (¬5) انظر "فتح العزيز" (7/ 580)، و"الروضة" (7/ 84). (¬6) الحاوي (ص 459)، المنهاج (ص 380). (¬7) الحاوي (ص 459).

(كفؤاً لها)، فإن المتبادر إلى الفهم عرفاً من قولنا: ليس زيد كفئاً لعمرو: أن عمراً أشرف، وهذا عكس المراد هنا. 3565 - قول "التنبيه" [ص 159]: (ولا حرة بعبد) و"الحاوي" [ص 459]: (وليست الحرة كفء غيرٍ) كذا الحرة الأصلية مع العتيق، وقد ذكرها "المنهاج" (¬1)، وكذا من مس الرق أحد آبائه وولد حراً .. ليس كفئاً لمن لم يمس الرق أحد آبائها على المذهب، وعلى هذا من مس الرق أباه أو جداً له قريباً .. ليس كفئاً لمن مس جداً بعيداً لها، واستشكله السبكي، وكذا من مسه الرق وعتق .. ليس كفئاً لمن عتق أبوها كما ذكره أبو محمد بن الحسين، وانفرد به، قال ابن الصلاح: وأظنه ابن القاضي حسين، ومن مس الرق أما له أو جدة .. قال الرافعي: يشبه أنه كذلك (¬2)، ووافقه ابن الرفعة، وفي كلام الماوردي ما يؤيده (¬3)، وفي "الروضة": المفهوم من كلامهم أنه لا يؤثر، وصرح به في "البيان" (¬4)، والمدبر والمكاتب والمبعض كالقن، وهل العبد كفء للمبعضة؟ فيه وجهان، حكاهما الماوردي (¬5)، وصحح في "الذخائر": أنه ليس كفئاً لها. 3566 - قول "التنبيه" [ص 159]: (ولا هاشمية بغير هاشمي) دخل في غير الهاشمي المطلبي، مع أنه كفء للهاشمية، وقد صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬6)، ومقتضى كلامهم: أن غير قريش من العرب أكفاء، وحكاه الرافعي عن جماعة (¬7)، وقال النووي: إنه مقتضى كلام الأكثرين (¬8)؛ لكن قال الرافعي: يقتضي اعتبار النسب في العجم اعتباره فيمن سوى قريش من العرب (¬9)، قال النووي: وذكر الشيخ إبراهيم المروذي: أن غير كنانة ليسوا أكفاء لكنانة (¬10)، واستدل له السبكي بقوله عليه الصلاة والسلام: " إن الله اصطفى من العرب كنانة "، قال: وهو حديث صحيح (¬11)، وقال الماوردي والروياني: قال البصريون من أصحابنا: غير قريش ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 380). (¬2) انظر "فتح العزيز" (7/ 574). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (9/ 104). (¬4) الروضة (7/ 80)، وانظر "البيان " (9/ 200، 201). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (9/ 104). (¬6) الحاوي (ص 459)، المنهاج (ص 380). (¬7) انظر "فتح العزيز" (7/ 575). (¬8) انظر "الروضة" (7/ 80، 81). (¬9) انظر "فتح العزيز" (7/ 575). (¬10) انظر "الروضة" (7/ 81). (¬11) أخرجه مسلم (2276) بلفظ: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ... الحديث".

متكافئون، وقال البغداديون: بالتفاضل؛ فيفضل مضر على ربيعة، وعدنان على قحطان؛ اعتباراً بالقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬1). وقال في "المهمات": اعتبار النسب في الكفاءة أضيق منه في الإمامة العظمى؛ ولهذا قال: سووا بين قريش في الإمامة، ولم يسووا بينها في الكفاءة، وقد جزم الرافعي في الإمامة: بأنه إذا لم يوجد قرشي مستجمع الشروط .. نصب كناني، فإن لم يكن .. فمن ولد إسماعيل؛ فإن تعذر .. انتقلنا إلى العجم (¬2)، فتقديم الكناني في النكاح أولى، ومقتضى كلام "التنبيه" و"الحاوي": عدم اعتبار النسب في العجم، والأصح: خلافه، وقد صرح به "المنهاج" (¬3). 3567 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (فليس فاسق كفء عفيفة) (¬4) قد يفهم أنه لا يعتبر ذلك في آبائهما، وبه صرح ابن الرفعة، وقال: فمن أبوه كافر .. كفء لمن أبوها مسلم، ولكن في "أصل الروضة": أن من أسلم بنفسه ليس كفئاً لمن لها أبوان فأكثر في الإسلام في الأصح، وفي معنى الفسق والعفة: أن المبتدع ليس كفئاً للسُّنِّية (¬5)، وقال في "المهمات": الذي يتوجه عند زيادة الفسق أو اختلاف نوعه عدم الكفاءة، قيل: ولا يشك أن الفسق بالقتل والسكر ليس في تعدي المفسدة والنفرة؛ كالعقوق وترك الصلاة ونحوهما. 3568 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (فصاحب حرفة دنيئة ليس كفء أرفع منه) (¬6) قد يفهم منه أنه لا يضره حرفة أبيه الدنيئة، لكن قال الرافعي: الحرفة الدنية في الآباء والاشتهار بالفسق مما يُعيَّر به الولد؛ فيشبه أن من حرفة أبيه دنية أو مشهور بفسق مع بنت من ليس كذلك؛ كمن أسلم بنفسه مع بنت المسلم، ثم قال: والحق: بأن يجعل النظر في حق الآباء ديناً وسيرة وحرفة من حيز النسب (¬7)، وفي "المهمات" عن " الإشراف" للهروي: الجزم بخلافه، وأن ذلك لا أثر له، وجعل مثله: ولد (¬8) المعيب كابن الأبرص ونحوه؛ قال الإمام والغزالي: لا عبرة بالانتساب لعظماء الدنيا والظلمة المستولين على الرقاب وإن تفاخر الناس بهم (¬9)، قال الرافعي: ولا يساعد ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (9/ 102). (¬2) انظر "فتح العزيز" (11/ 72). (¬3) المنهاج (ص 380). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 159)، و "الحاوي" (ص 459)، و "المنهاج" (ص 380). (¬5) الروضة (7/ 81). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 159)، و"الحاوي" (ص 459)، و"المنهاج" (ص 380). (¬7) انظر "فتح العزيز" (7/ 576). (¬8) في النسخ: (ولذا)، ولعل الصواب ما أثبت. (¬9) انظر "نهاية المطلب" (12/ 154)، و "الوسيط" (5/ 85).

فصل [في نكاح المحجور عليه بالسفه ونحوه]

عليه كلام النقلة في العظماء، قال في "التتمة" في الكفاءة: وللعجم عرف في الكفاءة؛ فيعتبر عرفهم (¬1). قلت: تتمة كلام "التتمة": وهو أنهم يقدمون الأمراء والرؤساء والقضاة والعلماء على السوقة، فيعتبر عرفهم، ولا لجعل السوقة أكفاء لهؤلاء الأصناف، وقال في "المهمات": عدم اعتبار الانتساب للظلمة واضح وللعظماء ممنوع، وأقل مراتب الإمرة: أن تكون كالحرفة، وصاحب الحرفة الخسيسة لا يكافئ النفيسة. 3569 - قول "المنهاج" [ص 380]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 456]: (وليس له تزويج ابنه الصغير أمة، وكذا معيبة) المراد: العيب المثبت للخيار في النكاح، فلو زوجه عمياء أو عجوزاً أو مفقودة بعض الأطراف .. ففيه وجهان بلا ترجيح في "الروضة" وأصلها (¬2)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: الأصح: أنه لا يجوز؛ فقد نص عليه في "الأم" (¬3). فَصْلٌ [في نكاح المحجور عليه بالسفه ونحوه] 3570 - قول "المنهاج" [ص 380]: (وله تزويج صغير عاقل أكثر من واحدة) لم يتقدم ما يعود عليه هذا الضمير، والمراد: الأب، ثم الجد كما صرح به "المحرر" و"التنبيه" و"الحاوي" (¬4)، وأطلق "التنبيه" تزويجه (¬5)، وصرح "الحاوي" بأنه يزوجه أربعًا (¬6). 3571 - قول "التنبيه" [ص 158]: (وإن كان سفيهًا وهو محتاج إلى النكاح .. زوجه الأب أو الجد أو الحاكم) فيه أمور: أحدها: أنه أطلق السفيه، وكذا فعل "الحاوي" (¬7)، والمراد: المحجور عليه بالسفه؛ كما عبر به "المنهاج" (¬8)، فخرج سفيه لا حجر عليه؛ بأن بلغ رشيداً ثم سفه، ولم يعد الحجر عليه، وشرطناه وهو الأصح .. فتصرفه نافذ، وجوز ابن الرفعة مجيء خلاف فيه من خلاف في أن دخول ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (7/ 578). (¬2) فتح العزيز (7/ 581)، الروضة (7/ 85). (¬3) الأم (5/ 19). (¬4) التنبيه (ص 158)، المحرر (ص 295)، الحاوي (ص 456). (¬5) التنبيه (ص 158). (¬6) الحاوي (ص 456). (¬7) الحاوي (ص 458). (¬8) المنهاج (ص 381).

وقت الشيء هل يقوم مقامه؛ كرمي الجمار؟ وكذلك: من بلغ سفيهاً ولم يتصل به حكم، وهو المهمل .. فيزوجه كسائر تصرفاته، وفيها خلاف، ولا يرد ذلك على "التنبيه" لأنه ذكره في أقسام غير جائز التصرف، وغير المحجور عليه جائز التصرف. ثانيها: قد يفهم من عبارته ومن قول "الحاوي" [ص 458]: (بالحاجة): الاكتفاء بدعواه الاحتياج للنكاح، وليس كذلك في الأصح، بل لا بد من ظهور الحاجة بغلبة الشهوة بأمارات تدل عليها، أو باحتياجه إلى من يخدمه بالشرط المتقدم في المجنون، وفيه ما تقدم. والحق: أن عبارتهما لا تفهم ذلك، بل تقتضي ثبوت الاحتياج، ولم يتعرض "المنهاج" لاعتبار الحاجة في تزويج السفيه، وهو وارد عليه. ثالثها: قد يفهم تزويجه بغير إذنه، وهو محكي عن العراقيين، والأصح: خلافه؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 381]: (وإن قَبِلَ له وليّه .. اشترط إذنه في الأصح) وهو مفهوم من قول "الحاوي" [ص 458]: (وعكسه) أي: عكس تزويجه بإذن الولي، وهو تزويج الولي له بإذنه. رابعها: مقتضى كلامه: أن الحاكم إنما يزوجه عند فقد الأب والجد؛ ومحل هذا: ما إذا بلغ سفيهاً، فإن بلغ رشيداً ثم أعيد الحجر عليه .. فالأصح: أن الذي يليه هو الحاكم كما ذكروه في (الحجر)، وأحالوا الأمر هنا عليه، وحكى الرافعي هنا: التصريح به عن أبي الفرج الزاز (¬1). خامسها: مقتضى كلامه: أنه لا يزوجه الوصي، وهو الذي ذكره النووي في "الروضة" من زيادته، فقال: الأصح: أنه إن كان له أبٌ أو جدٌ .. فالتزويج إليه، وإلا .. فلا يجوز أن يزوجه إلا القاضي أو من فوض القاضي إليه تزويجه، وممن جزم بذلك الشيخ أبو محمد. انتهى (¬2). لكن كلام الرافعي هنا يدل على تزويج الوصي؛ فإنه قال: والكلام فيمن يلي أمر السفيه سبق في الحجر (¬3)، وصرح بذلك في الوصايا، وحذفه من "الروضة" هناك، وحكي عن نص الشافعي في "الأم" و"المختصر" (¬4)، ونقله شيخنا الإمام البلقيني عن الشيخ أبي حامد والماوردي وصاحب "الذخائر"، ومال إليه، وصنف فيه تصنيفاً سماه "الجواب الوجيز عن تزويج الوصي للسفيه"، وهو ظاهر إطلاق "المنهاج" و"الحاوي" الولي. 3572 - قول "المنهاج" [ص 381]: (فإن زاد .. فالمشهور: صحة النكاح بمهر المثل من المسمى) وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 458]: (ولغا الزائد) ويوافقه قول "التنبيه" في ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (8/ 19). (¬2) الروضة (7/ 100). (¬3) انظر "فتح العزيز" (8/ 19). (¬4) الأم (4/ 121)، مختصر المزني (ص 146).

(الصداق) [ص 166]: (ولا يتزوج السفيه بأكثر من مهر المثل، فإن زاد .. بطلت الزيادة)، ومقتضاه: ثبوت قدر مهر المثل من عين المسمى، وقال ابن الصباغ: القياس بطلان المسمى والرجوع إلى مهر المثل، ويوافقه قول "المنهاج" في الصداق [ص 397]: (ولو نكح لطفل بفوق مهر المثل .. فسد المسمى، والأظهر: صحة النكاح بمهر المثل)، وقول "الحاوي" هناك فيما يوجب فساد الصداق [ص 478]: (ولابنه بأكثر)، وأما قول "التنبيه" هناك أيضاً [ص 165، 166]: (ولا يزوج ابنته الصغيرة ولا ابنه الصغير بأكثر من مهر المثل، فإن نقص ذلك وزاد هنا .. وجب مهر المثل وبطلت الزيادة) .. فإنه يقتضي صدره - وهو قوله: (وجب مهر المثل) (¬1) - إلغاء المسمى، وآخره - وهو قوله: (وبطلت الزيادة) (¬2) - وجوب قدر مهر المثل من المسمى كما تقدم في السفيه، وهذا الثاني هو الذي فهمه في "المهمات"، وقال: إن صاحب "التنبيه" سوى بينهما، وحكم ببطلان الزائد فقط، وأقره النووي في "تصحيحه". وقال السبكي: في تصوير المسألة بين الأصحاب وابن الصباغ نظر؛ فإن الولي إن لم يتعرض لمهر .. فالعقد إنما يكون على الذمة، ولا يصح إلا بمهر المثل لا بمسمى غيره؛ فلا يتحقق الخلاف، وإن أذن في عين هي أكثر من مهر المثل .. فينبغي أن يبطل في الزائد، وفي الباقي خلاف تفريق الصفقة، أو هو كبيعه بالإذن عيناً من ماله، قال: ويمكن أن يصور بقوله: (أنكح فلانة وأصدقها من هذا المال) فأصدق منه أكثر من مهر مثلها، لكن يأتي فيه الخلاف في إذنه في البيع، قال: وقد يصور بما إذا لم ينص على المهر، وعقد على زائد من غير نقد البلد .. فعند ابن الصباغ: يرجع إلى مهر المثل من نقد البلد، وعند غيره: يصح في قدر مهر المثل مما سمى. 3573 - قول "المنهاج" [ص 381]: (ولو قال: انكح بألف ولم يعين امرأة .. نكح بالأقل من ألفٍ ومهر مثلها) و"الحاوي" [ص 458]: (بأقل مهر اللائقة والمعين) أورد عليه: أن مقتضاه: عدم الصحة فيما إذا نكح بما عينه الولي، وهو مهر مثلها؛ لاشتراطهما الأقلية، والحق: أن هذا لا يرد؛ لأن المراد: الأقلية إن كان أحد الأمرين أقل من الآخر، فأما إذا استويا .. فلا أقلية، وفى قول "الحاوي" [ص 458]: (اللائقة) إشارة إلى أنه لو نكح شريفة يستغرق مهرها ماله .. لم يصح، وقد ذكره "المنهاج" [ص 381] بعد ذلك بقوله: (وينكح بمهر المثل من تليق به) وظاهره: أنه لو فعل غير ذلك .. لم يصح جزماً، وفيه وجهان: اختيار الإمام والغزالي بطلان النكاح (¬3)، ولو أراد "المنهاج" عود الخلاف إلى هذه .. لعطفه على ما قبله، فقال: (وأنه ينكح) وقد يفهم ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 166). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 166). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (12/ 58)، و "الوسيط" (5/ 96).

من قوله: (وينكح) (¬1) أنه لا يوكل، وكذا قاله ابن كج، وفيه احتمال لابن الرفعة. 3574 - قول "المنهاج" [ص 381]: (ولو نكح السفيه بلا إذن .. فباطل، فإن وطئ .. لم يلزمه شيء) يشمل المهر، وصرح به "الحاوي" (¬2)، واستشكله الرافعي؛ لأنه حق للزوجة، وقد تزوَّج جاهلة بحاله (¬3). وأجاب عنه بعضهم: بأن حقها بطل بتمكينها، ونقل الماوردي: أن محل الخلاف عند البصريين: عند جهلها، وإلا .. فلا مهر قطعاً، وعند البغداديين: أنه في الحالين (¬4). وصورة سقوط المهر: أن تكون المرأة رشيدة، فإن كانت سفيهة .. وجب لها مهر المثل كما ذكره النووي في "فتاويه". قال شيخنا الإسنوي في "التنقيح": وينبغي أيضاً استثناء من زوجت بالإجبار؛ فإنه لا تقصير من جهتها؛ فإنها لم تأذن والتمكين واجب عليها، وهذه صورة لا مهر في الوطء فيها مع انتفاء الحد، وقد ذكر "الحاوي" معها صورتين أخرتين: الأولى: أن يزوج عبده أمته. والثانية: أن يعتقها مريض وهي ثلث ماله وينكحها ويموت .. فلا مهر فيهما (¬5). وبقيت صورة رابعة، وهي: ما إذا نكح كافر كافرة بالتفويض واعتقد أن لا مهر ثم أسلما، وهي مذكورة في نكاح المشركات. وخامسة، وهى: وطء النبي صلى الله عليه وسلم، فمن خصائصه: أنه لا يجب عليه مهر وإن لم يكن العقد بلفظ الهبة. وسادسة بحثها الرافعي فيما لو أصدق الحربي امرأته مسلمًا استرقوة وأقبضها إياه ثم أسلما وانتزع من يدها .. أنه لا يجب مهر كما لو أصدقها خمراً وأقبضها ثم أسلما (¬6). قال في "التوشيح": وبقيت صور لا عقر فيها ولا حد، ولكن فيها التعزير؛ منها: وطء الميتة على خلاف في الحد، ومنها: وطء جاريته المرتدة، ومنها: وطء أخته المملوكة على خلاف فيه، ومنها: وطء الموقوفة على خلاف فيه، ومنها: وطء البائع الجارية المبيعة؛ ففي كل من وجوب الحد والمهر خلاف، ثم قال: ومما ينبغي النظر فيه أيضاً أنه هل المراد بالعقر: المهر ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 381). (¬2) الحاوي (ص 458). (¬3) انظر "فتح العزيز" (8/ 18). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (9/ 471). (¬5) الحاوي (ص 459). (¬6) انظر "فتح العزيز" (8/ 101).

فيرد أيضاً وطء المملوكة، أو المال مطلقاً فلا يرد؟ لأن وطئه صادر بعد ملكه بعوض من شراء أو ميراث أو غيرهما. انتهى. 3575 - قول "التنبيه" في كثير من نسخه [ص 157]: (وإن كان يكثر الطلاق .. سُرِّي بجارية) و"الحاوي" [ص 458]: (وإن كان مطلاقاً .. سُرِّي بأمة) صوابه: حذف الباء، وكذا هو في نسخة الشيخ من "التنبيه"، نبه عليه النووي في "تحريره" (¬1)، لكنه عبر به في "الروضة" أيضاً (¬2)، ومقتضى هذا الكلام: أنه لا يسري ابتداءً، والظاهر جوازه، وأنه إنما أريد بالتقييد بكثرة الطلاق: تعين التسري. 3576 - قول "المنهاج" [ص 381]: (ومن حجر عليه بفلس .. يصح نكاحه، ومؤن النكاح في كسبه) أي: فإن لم يكن له كسب .. ففي ذمته إلى فك الحجر عنه. 3577 - قول "المنهاج" [ص 381]: (ونكاح العبد بلا إذن سيده باطل، وبإذنه صحيح)، وقول "التنبيه" [ص 157]: (وإن كان كبيراً .. تزوج بإذن المولى) لا فرق فيه بين أن يكون السيد ذكراً أو أنثى، وفي تناول اللفظ للأنثى نظر، وقد صرح بذلك "الحاوي" بقوله [ص 455]: (ونُطق السيدة) وأشار إلى أنه لا يكفي سكوتها ولو كانت بكراً. 3578 - قول "التنبيه" [ص 157]: (وإن كان عبداً صغيراً .. زوجه المولى) ثم قال في العبد الكبير: (وهل للمولى أن يجبره على النكاح؟ فيه قولان، أصحهما: أنه ليس له إجباره) (¬3) الأصح عند الرافعي والنووي: أنه يجري في الصغير القولان في الكبير (¬4)، والأظهر: المنع، والمجنون في معنى الصغير؛ ولهذا أطلق "المنهاج" قوله [ص 382]: (والأظهر: أنه ليس للسيد إجبار عبده على النكاح) وعليه مشى "الحاوي" (¬5)، بل حكى الدزماري طريقة ثالثة، وهي: القطع بمنع تزويج الصغير؛ لأن في الكبير غرضاً ظاهراً، وهو الصيانة، بخلافه، لكن ذكر الرافعي في (الرضاع): أنه لو زوج مستولدته من عبده الصغير، فأرضعته بلبن السيد .. حرمت على السيد والصغير معاً (¬6)، وفي التحليل عن الأئمة - إن أَسْلَمَ - طريق في الباب، وأدفعه للعار والغيرة: أن تزوج بعبد طفل للزوج أو غيره، وتستدخل حشفته، ثم تملكه ببيع أو هبة .. فينفسخ النكاح، ¬

_ (¬1) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 250). (¬2) الروضة (7/ 100). (¬3) التنبيه (ص 157). (¬4) انظر "فتح العزيز" (8/ 21)، و"الروضة" (7/ 102). (¬5) الحاوي (ص 455). (¬6) انظر "فتح العزيز" (9/ 589).

ويحصل التحليل إذا اكتفينا بوطء الصغير، لكنه قال عقبه: ويتعلق بأصل آخر، وهو إجبار العبد الصغير. قال في "المهمات": وهو تصرف منه مناف لكلامهم، ورجح في "المهمات" تزويج العبد الصغير، وقال: إنه نص الشافعي والأصحاب والقياس الجلي. 3579 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (وله إجبار أمته بأيّ صفة كانت) (¬1) يستثنى منه: أنه ليس له تزويجها لمن به عيب يثبت الخيار، وقد صرح به "التنبيه" بعد ذلك في (باب الخيار في النكاح) و (الرد بالعيب) (¬2)، والمراد أيضاً: الكاملة الرق، أما المبعضة .. فلا تجبر. 3580 - قولهما: (وقيل: إن كانت محرمة عليه .. لزمه تزويجها) (¬3) المراد: التحريم المؤبد كما ذكره ابن الرفعة وغيره، وقيد ابن يونس في "النبيه" الوجوب بالبلوغ؛ لانتفاء الحاجة مع الصغر، وهو واضح. 3581 - قول "التنبيه" في المكاتبة [ص 158]: (وإن دعت إلى تزويجها .. فقد قيل: يجب، وقيل: لا يجب) صحح ابن الرفعة الأول، والنووي الثاني (¬4). 3582 - قول "المنهاج" [ص 382]: (ولا يُزَوِّج وليٌ عَبْدَ صبيٍّ) كذلك المجنون والسفيه، فلو عبر بـ (المحجور) .. لكان أولى، والصبية والمجنونة والسفيهة كذلك. 3583 - قول "التنبيه" في أمة المرأة [ص 158]: (فإن كانت المرأة غير رشيدة .. فقيل: لا تزوج، وقيل: يزوجها أب المرأة أو جدها) الأصح الثاني، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 382]: (ويزوج أمته في الأصح) أي: أمة الصبي، والصبية في معناه، وتعبير "التنبيه" بغير الرشيدة أعم (¬5)، لكنه خاص بالأنثى، فلو عبر بـ (المحجور): لكان أعم، وإنما يجوز ذلك بشرط الغبطة؛ ولهذا قال الحاوي [ص 455]: (ووليه بالمصلحة). وفي وجه ثالث: يزوج أمة الصبية دون أمة الصبي، وحكي عن النص، قال الإمام: ويجوز تزويج أمة الثيب الصغيرة وإن لم تزوج السيدة، وليس للأب تزويج أمة بنته البكر البالغة قهراً وإن زوج السيدة (¬6). قال الرافعي: وهذا يوافق وجهاً للأصحاب في أن ولي المال يزوج أمة الصغير والمجنون، ¬

_ (¬1) انظر"التنبيه" (ص 158)، و"الحاوي" (ص 455)، و"المنهاج" (ص 381). (¬2) التنبيه (ص 162). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 158)، و"المنهاج" (ص 382). (¬4) انظر "الروضة" (7/ 105). (¬5) التنبيه (ص 158). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (12/ 164، 165).

والأظهر: أن الذي يزوجها هو ولي النكاح الذي يلي المال، وعلى هذا لا يزوج الأب أمة الثيب الصغيرة، انتهى (¬1). 3584 - قول "التنبيه" [ص 159]: (وإن كانت حرة .. لم يجز - أي العزل عنها - إلا بإذنها، وقيل: يجوز من غير إذنها) الثاني هو الأصح، وعليه مشى "الحاوي" [473] وقال الإمام: وحيث حرمنا .. فذاك إذا نزع بقصد أن يقع الإنزال خارجاً تحرزاً عن الولد، فأما إذا عنَّ له أن ينزع لا على هذا القصد .. فيجب القطع بأن لا يحرم (¬2). * * * ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (8/ 26). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (12/ 505).

باب ما يحرم من النكاح

باب ما يَحْرُم من النّكاح 3585 - قال ابن الرفعة: المراد بالتحريم هنا: عدم الصحة، قال السبكي: لا ضرورة إلى هذا، بل التحريم هنا على حقيقته ومعه عدم الصحة. 3586 - قول "التنبيه" [ص 160]: (ويحرم على الرجل نكاح الأم والجدات ... إلى آخره) ولا معنى لتخصيص ذلك بالرجل .. فإن التحريم شامل للنوعين؛ ولهذا أطلق "المنهاج" فقال [ص 383]: (تحرم الأمهات ... إلى آخره) واكتفيا بتفصيل المحرمات عن ذكر ضابطهن، وذكر لهن "الحاوي" ضابطين فقال [ص 460]: (وحرم من النسب والرضاع غير ولد الخؤولة والعمومة) ثم قال [ص 461]: (أو على الرجل أصوله وفصوله وفصول أول أصوله، وأول فصل من كل أصل) ويرد على الضابط الثاني ما ورد على "التنبيه" في التقييد بالرجل، وأنه لا بد من تقييد قوله [ص 461]: (وأول فصل من كل أصل) بقوله: (بعده) أي: بعد أول الأصول؛ للاحتراز عن التكرار بدخول الأخوات. 3587 - قول "الحاوي" [ص 460]: (لا ولد الزنا على الأب) احترز به عن الأم؛ فإنه يحرم عليها نكاح ولدها من الزنا، لكن أورد عليه: أن انتفاء الحرمة لا يختص بالأب؛ فإن أقاربه كذلك، لكن يعرف حكمهم من حكمه؛ لإدلائهم به، وعبر "المنهاج" عن ذلك بقوله [ص 383]: (والمخلوقة من زناه تحل له، ويحرم على المرأة ولدها من زنا) وقد يفهم منه الحل المستوي الطرفين، وليس كذلك، بل هو مكروه. 3588 - قول "المنهاج" [ص 383]: (وكل من أرضعتك، أو أرضعت من أرضعتك، أو من ولدك، أو ولدت مرضعتك، أو ذا لبنها .. فأم رضاع) يرد على هذا الضابط: من أرضعت ذا اللبن. 3589 - قول "التنبيه" [ص 160]: (وما حرم من ذلك بالنسب حرم بالرضاع) استثنى "المنهاج" و"الحاوي" من ذلك أربع صور، فقال المنهاج [ص 383]: (ولا يحرم عليك من أرضعت أخاك ونافلتك، ولا أم مرضعة ولدك وبنتها) وعبر "الحاوي" عن الأخيرة بأخت الولد (¬1)، وهو الذي عبر به الرافعي (¬2)، وحذف في "التعجيز" أم الحافد، وزاد ثلاث مسائل، وهي: أم العم، وأم الخال، وأخو الابن، وصورة هذه الأخيرة في امرأة لها ابن، ثم إن ابنها ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 461). (¬2) انظر "فتح العزيز" (8/ 31).

ارتضع من امرأة أجنبية لها ابن .. فذلك الابن أخو ابن المرأة المذكورة أولاً، ولا يحرم عليها أن تتزوج بهذا الذي هو أخو ابنها. وقال النووي في "الروضة": كذا قال جماعة من أصحابنا تستثنى الصور الأربع، وقال المحققون: لا حاجة إلى استثنائها؛ لأنها ليست داخلة في الضابط؛ ولهذا لم يستثنها الشافعي وجمهور الأصحاب ولا اسْتُثْنِيَتْ في الحديث الصحيح: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" (¬1) لأن أم الأخ لم تحرم لكونها أم أخ، وإنما حرمت لكونها أماً أو حليلة أب، ولم يوجد ذلك في الصورة الأولى، وكذا القول في باقيهن (¬2)، وسبقه إليه الرافعي فقال في (الرضاع): قد يقال: المراد: ما يحرم من النسب، والتحريم في تلك الصور ليس من جهة النسب، وإنما هو من جهة المصاهرة (¬3). 3590 - قول "المنهاج" [ص 383]: (وعكسه) أي: لا تحرم عليك أخت أخيك لأمك لأبيه، وهو من زيادته على "المحرر" و" الشرحين". 3591 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وكذا بناتها - أي: الزوجة - إن دخلت بها) (¬4) قد يفهم حل المنفية باللعان إذا لم يدخل بالملاعنة؛ لأنها بنت زوجة لم يدخل بها، ولم يثبت كونها بنتاً، والأصح: تحريمها، وقد ذكرها "الحاوي" قبل ذلك فقال [ص 460]: (كالمنفية) أي: باللعان. وقال شيخنا الإمام البلقيني: الأقرب عندي: أن المحرمية لا تثبت لها، وإن ثبتت الحرمة .. قال: ولم أقف فيه على نقل صريح، وظاهر كلامهم إن الربيبة لا تحرم باستدخال أمها ماء الزوج، لكن في "الروضة" وأصلها (¬5) الجزم بأن استدخال الماء يثبت المصاهرة، ومقتضاه: تحريم الربيبة. وقال شيخنا الإمام البلقيني: هذا الموضع مما أخالف فيه، وأجزم بعدم تحريم الربيبة بذلك؛ فإنه لم يوجد دخول. واعلم: أن الثلاثة لما ذكروا محرمات المصاهرة .. لم يقيدوا ذلك بالنكاح الصحيح، وقيده به في "المحرر" فقال: (ويحرم بالنكاح الصحيح أمهات الزوجة ... إلى آخره) (¬6)، وقال في ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2502)، ومسلم (1447). (¬2) الروضة (7/ 110، 111). (¬3) انظر "فتح العزيز" (9/ 577). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 160)، و"الحاوي" (ص 460)، و "المنهاج" (ص 383). (¬5) فتح العزيز (8/ 37)، الروضة (7/ 114). (¬6) المحرر (ص 297).

"الدقائق": الصواب: حذف لفظ (الصحيح) كما حذفها "المنهاج" فإن حرمة المصاهرة تثبت بالنكاح الفاسد. انتهى (¬1). قال في "المهمات": وهو غلط، وتقييد "المحرر" هنا صحيح، لكنه قال بعده: (ويحرم بالدخول في النكاح الصحيح بنات الزوجة ... إلى آخره) (¬2)، والتقييد هنا غير صحيح، فلا فرق في التحريم بالدخول بين الصحيح والفاسد، فأراد النووي التنبيه على الثاني .. فانتقل نظره إلى الأول فغلط. انتهى بمعناه. 3592 - قول "التنبيه" [ص 160]: (ومن دخل بها الأب بملك أو شبهة) المراد: الشبهة القائمة به لا بالمرأة؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 383]: (بشبهة في حقه - قيل: أو حقها -) و"الحاوي" [ص 461]: (بشبهته) فأضاف الشبهة إليه. 3593 - وقوله: (كما في العدة والنسب) (¬3) أورد عليه: أن ملك اليمين لا عدة فيه. وجوابه: أن مراده: أن الاعتبار في الشبهة به كما أن الاعتبار بحاله فى العدة والنسب، وليس المراد: أنها كالزوجة في العدة والنسب. وأورد على قوله [ص 461]: (كالزوجة) أنه يقتضي ثبوت المحرمية في وطء الشبهة حتى يجوز النظر والخلوة والمسافرة، وكذا صححه الإمام (¬4)، والأصح عند الجمهور وحكوه عن النص: خلافه؛ ولهذا اقتصر "التنبيه" و"المنهاج" على الحرمة (¬5). 3594 - قوله: (وفي المهر بشبهتها) (¬6) استثنى منه شيخنا الإمام البلقيني: ما لو وطئها في النكاح بلا ولي .. فإنه يجب لها المهر وإن اعتقدت التحريم؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة: " فإن أصابها .. فلها المهر بما استحل من فرجها" وهو حديث صحيح (¬7). 3595 - قول "التنبيه" [ص 160]: (فإن لمسها بشهوة أو وطئها فيما دون الفرج .. ففيه قولان) فيه أمور: أحدها: أن الأظهر: عدم التحريم بذلك، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 461]: (لا الملموسة) و"المنهاج" فقال [ص 384]: (وليست مباشرة بشهوة كوطء في الأظهر) والتقييد ¬

_ (¬1) الدقائق (ص 68). (¬2) المحرر (ص 297). (¬3) انظر "الحاوي" (ص 461). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (12/ 230). (¬5) التنبيه (ص 160)، المنهاج (ص 383). (¬6) انظر "الحاوي" (ص 461). (¬7) أخرجه الشافعي في "مسنده" (1/ 275)، والدارمي في "سننه" (2184)، والحميدي في "مسنده" (228).

بالشهوة ليس في "المحرر"، قال في "الدقائق": ولا بد منه (¬1). قلت: قال الإمام: منهم من أرسل ذكر الملامسة ولم يقيده بالشهوة، فيجوز الاكتفاء بها كما في نقض الطهارة (¬2). قال السبكي: وإطلاق نص الشافعي يقتضيه، وذكر الرافعي في الكلام على الإتيان في الدبر: أن القول بأن المباشرة بشهوة كالوطء قوي (¬3). ثانيها: ما حكيته من عبارته هو الذي وقفت عليه وأورده غير واحد بلفظ: (فإن لمسها بشهوة فيما دون الفرج) ليس فيه: (أو وطئها)، وأوردوا عليه: أنه لا فرق في اللمس بين الفرج وغيره، وبتقدير أن تكون عبارته كما حكوه .. فما احترز بقوله: (فيما دون الفرج) إلا عن الوطء. ثالثها: ظاهر كلامه التحريم بالوطء في الدبر؛ لأنه فرج، وكذا هو مقتضى عبارة "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، وهو الأصح. 3595/ 1 - قول "المنهاج" [ص 384]: (ولو اختلطت مَحْرَمٌ بنسوة قرية كبيرة .. نكح منهن، لا بمحصورات) عبارة "الحاوي" [ص 461]: (معدودات) والمراد بهن: ما لا يعسر عدهن بمجرد النظر، ومثل الغزالي ما لا يعسر عدُّهُ بالعشرة والعشرين، وعكسه بالألف، قال: وبين الطرفين أوساط تلحق بأحدهما بالظن، وما وقع فيه الشك .. استفت فيه القلب (¬5). 3596 - قولهما: (ويحرم جمع المرأة وأختها أو عمتها أو خالتها) (¬6) لا يختص تحريم الجمع بهذه الصور، فيحرم أيضاً .. الجمع بين المرأة وخالة أحد أبويها أو عمة أحد أبويها، وضابطه: كل امرأتين بينهما قرابة أو رضاع لو كانت إحداهما ذكراً .. لحرمت المناكحة بينهما، واحترز بالقرابة والرضاع عن المصاهرة؛ فإنه يجوز الجمع بين المرأة وأم زوجها أو زوجة ولدها، وذكر في "الروضة" بدل المثال الثاني بنت زوجها، وكلاهما صحيح (¬7). قال الرافعي (¬8): وقد يستغنى عن قيد القرابة والرضاع بأن يقال: يحرم الجمع بين كل امرأتين ¬

_ (¬1) الدقائق (ص 68). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (12/ 239). (¬3) انظر "فتح العزيز" (8/ 175). (¬4) الحاوي (ص 461)، المنهاج (ص 384). (¬5) انظر "الوجيز" (2/ 103). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 160)، و"المنهاج" (ص 384). (¬7) الروضة (7/ 118). (¬8) انظر "فتح العزيز" (8/ 42).

أيتهما قدرت ذكراً .. حرمت عليها الأخرى؛ فإن أم الزوج وإن حرمت عليها إذا قدرت ذكراً زوجة الابن .. لا تحرم على زوجة الابن لو قدرت ذكراً أم الزوج؛ لأنها حينئذ أجنبية، وأسقط ذلك في "الروضة" (¬1)، واعتمده "الحاوي" فقال [ص 462]: (وثنتين أيةٌ فرضت ذكراً بينهما مُحَرِّمٌ). ونقضه بعضهم بالمرأة وأمتها، فيجوز جمعهما، وأيتهما قدرت ذكراً .. لم تنكح الأخرى. 3597 - قول "المنهاج" [ص 384]: (فإن جمع بعقد .. بطل، أو مرتباً .. فالثاني) محله: ما إذا عُلمت السابقة، فلو جهلت .. بطلا أيضاً، ولو علمت الأولى ثم نسيت .. اجتنبهما. 3598 - قوله في ملك الأختين: (فإن وطئ واحدة .. حرمت الأخرى حتى يُحَرِّم الأولى ببيعٍ) (¬2) لو عبر بـ (زوال الملك) كما فعل "الحاوي" (¬3) .. لكان أولى؛ ليتناول الهبة مع الإقباض والعتق والوقف. 3599 - قول "المنهاج" عطفاً على المنفي [ص 384]: (وكذا رهن في الأصح) أي: مع الإقباض؛ فإنه محل الخلاف، فإن لم يقع إقباض .. لم تحل الثانية قطعاً. 3600 - قول "التنبيه" [ص 160]: (وإن وطئ أمة بملك اليمين ثم تزوج أختها أو عمتها أو خالتها .. حلت المنكوحة وحرمت المملوكة) فيه أمران: أحدهما: أنه لا يتقيد ذلك بأن يطأها. ثانيهما: لا يختص هذا الحكم بأن يكون التزوج متأخراً، فلو تقدم .. كان الحكم كذلك؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 384]: (ولو ملكها ثم نكح أختها أو عكس .. حلت المنكوحة دونها) وكأن "التنبيه" إنما عبر بذلك لفهم غير المذكور من طريق الأولى. 3601 - قول "المنهاج" [ص 384]: (فإن نكح خمساً معاً .. بطلن) محله: ما إذا لم يكن فيهن أختان، فإن كان .. بطل فيهما، وفي الباقيات قولا تفريق الصفقة، وأصحهما: الصحة؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 462]: (ولو فيه أختان .. فيهما). 3602 - قول "التنبيه" هنا [ص 161]: (وتحرم المطلقة ثلاثاً على من طلقها) أي: حتى تنكح زوجاً غيره ويطأها؛ وذلك في الحر، أما العبد: فيحصل التحريم بطلاقه ثنتين، وقد بين ذلك في (باب الرجعة) فقال: (وإن طلق الحر امرأته ثلاثاً، أو طلق العبد امرأته طلقتين .. حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره، ويطأها في الفرج، وأدناه: أن يغيب الحشفة في الفرج) (¬4) وفيه أمور: ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 118). (¬2) انظر"المنهاج" (ص 384). (¬3) الحاوي (ص 462). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 183).

أحدها: أن المراد بالفرج: القبل دون الدبر، وقد صرح بذلك "المنهاج" (¬1)، وهو من زيادته على "المحرر" من غير تمييز، ولم يفصح "الحاوي" بذلك، بل اقتصر على قوله [ص 462]: (حتى يولج قدر الحشفة). ثانيها: لا بد مع ذلك من الانتشار كما صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، وسواء قوي الانتشار وضعيفه، فيستعين بأصبع، قال في "الروضة": فإن لم يكن انتشار أصلاً؛ لتعنين أو شلل أو غيرهما .. لم يحلل على الصحيح، وبه قطع الجمهور (¬3). وقال السبكي: المراد: سلامة العضو من العنة والشلل، وأن يكون له قوة الانتشار، وأما الانتشار بالفعل .. فلم يشترطه أحد. ثالثها: المراد: تغييب الحشفة إن كانت موجودة، فإن كانت مقطوعة .. اكتفي بإيلاج قدرها من بقية الذكر على الصحيح، وقد ذكره "التنبيه" بعده، وكذلك قال "المنهاج" [ص 384]: (حشفته أو قدرها) وهو أحسن من قول "الحاوي" [ص 462]: (حتى يولج قدر الحشفة) لأن القدر إنما هو عند الفقد كما تقدم. ويرد عليهم معاً أمور: أحدها: أن الاكتفاء بتغييب الحشفة أو قدرها محله: في الثيب، أما البكر: فأدناه: أن يفتضها بآلته كما حكاه الرافعي عن البغوي وأقره (¬4)، وحكاه المحاملي عن نصه في "الأم" (¬5)، ولم يتعرض له الجمهور، وأوّل بعضهم النص على أن الغالب إزالتها بتغييب الحشفة، وعن الماوردي: أن إصابة البكر الافتضاض، وليس بشرط في الإباحة، بل شرط في التقاء الختانين الذي هو شرط الإباحة (¬6). ثانيها: يستثنى من كلامهم: ما إذا وطئها في حال ردته ثم عاد إلى الإسلام .. فالأصح: أنها لا تحل؛ لاضطراب النكاح، ولو طلقها رجعياً باستدخال الماء قبل الدخول بناء على ثبوت الرجعة باستدخال الماء - وفيه اختلاف ترجيح - ثم وطئها في العدة .. لم تحل للأول وإن راجعها فيها على الأصح المنصوص، وعن ابن المنذر: أن حديث رفاعة دال على أنه إذا واقعها وهي مغمى عليها لا تحس باللذة .. لا تحل. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 384). (¬2) الحاوي (ص 462)، المنهاج (384). (¬3) الروضة (7/ 124، 125). (¬4) انظر "التهذيب" (5/ 466)، و"فتح العزيز" (8/ 51). (¬5) الأم (5/ 275). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (10/ 328).

ثالثها: لا بد مع ذلك من فراق الثاني وانقضاء عدته، وإنما أغفلوا ذكره؛ لوضوحه، أو لأن تحريم الطلاق الثلاث قد ارتفع وخلفه تحريم زوجية الغير أو عدته. 3603 - قول "التنبيه" [ص 183]: (وإن طلقها ثلاثاً وغاب عنها، فادعت أنها تزوجت بزوج أحلها له ولم يقع في قلبه صدقها .. كره له أن يتزوجها) أي: ولو كذبها الزوج الثاني، وصدق في أنه لا يلزمه إلا نصف المهر، أما لو كذبها الزوج الثاني والولي والشهود .. ففي "الروضة" من زيادته عن إبراهيم المروذي: أنها لا تحل على الأصح (¬1)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: الأصح عندنا: الحل، وشاهده نص الشافعي، وهو قوله: ولو ذكرت أنها نكحت نكاحاً صحيحاً وأصيبت ولا يعلم .. حلت له (¬2)، قال شيخنا: ويشهد له أيضًا تفريعهم على الجديد في إقرارها، قال: وجزم بما صححناه أبو الفرج الزاز، وفي "تهذيب البغوي" في صورة تكذيب الزوج والشهود: الحل من غير ذكر خلاف. انتهى. وقال في "المطلب": لا فرق بين أن يصدقها الولي والشهود أو يكذبوها. نعم؛ إذا كذبها الولي .. فيظهر أنه لا يحل له الإقدام على تزويجها من الأول، ويزوجها الحاكم. انتهى. وهو موافق لما تقدم عن شيخنا من الجواز مع تكذيب الكل. قال في "المطلب": ولا خلاف في أنها إذا ادعت نكاح زوج معين وأنه طلقها، فكذبها في الطلاق فقط .. أن القول قوله، فلا تحل للأول في الظاهر. نعم؛ لو علم طلاقها .. حلت له في الباطن. انتهى. ولا يخفى أن محل حلها: إذا مضى زمن يمكن فيه ذلك، ومحله أيضاً: بالنسبة إلى الزوج المطلق أو إلى الحاكم أيضاً، ولكن أقامت بينه على الطلاق من الثاني، فأما إذا اعترفت بذلك بين يدي الحاكم ولم تقم عليه بينة .. فإنه لا يزوجها كما حكاه الرافعي قبل (باب دعوى النسب) عن "فتاوى البغوي"، وأقره (¬3)، وقد حكاه البغوي عن القاضي حسين، لكن في "فتاوى القاضي حسين": أنها إذا ادعت علم الولي بوفاة زوجها أو طلاقه إياها، فأنكر .. حلفت، وزوجها الحاكم أو أمره بتزويجها. 3604 - قوله: (وإن تزوجها على أنه إذا أحلها طلقها .. ففيه قولان، أحدهما: أنه يبطل، والثاني: لا يبطل) (¬4) الأصح: البطلان، وقد ذكره "المنهاج"، وعبر عنه بقوله: (ولو نكح ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 128). (¬2) انظر "الأم" (5/ 251). (¬3) انظر "فتح العزيز" (13/ 292). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 161).

فصل [في نكاح الأمة]

بشرط أنه إذا وطئ طلق) (¬1) وهو أحسن من تعبير "التنبيه"، فالمعتبر في البطلان شرط الطلاق إذا وطئ وإن لم يكن فيه إحلالها لغيره. فَصْلٌ [في نكاح الأمة] 3605 - قول "التنبيه" [ص 161]: (يحرم على الرجل نكاح جاريته) كذا لو ملك بعضها فقط، وقد صرح بذلك "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). 3606 - قول "التنبيه" [ص 161]: (ويحرم على العبد نكاح مولاته) كذا لو كانت تملك بعضه فقط، وقد صرح بذلك "المنهاج" و"الحاوي" أيضاً (¬3). 3607 - قول "التنبيه" [ص 161]: (فإن تزوجت الحرة بعبد ثم اشترته .. انفسخ النكاح) كذا لو اشترت بعضه، ثم محل الانفساخ: أن يتم البيع، فإن فسخ في زمن الخيار .. فالنكاح بحاله، إلا إذا قلنا: إن الملك للمشتري .. ففيه خلاف، وهذا أيضاً إذا اشترته بغير (الصداق)، فإن اشترته بعين الصداق قبل الدخول .. فالأصح: أنه لا يصح الشراء ولا ينفسخ النكاح بل يستمر، وسيأتي ذلك في الصداق، ولا يختص هذا أيضاً بالشراء، فحصول الملك في الزوج أو الزوجة بأي سبب كان؛ كالشراء في انفساخ النكاح، وإنما ذكر الشراء؛ لأنه الغالب، وهو ظاهر إطلاق "المنهاج" و"الحاوي" أنه لا ينكح من يملكه أو بعضه، فإنه شامل للابتداء والدوام وللملك بأي سبب كان. 3608 - قول "التنبيه" [ص 160، 161]: (ويحرم على الحر نكاح الأمة المسلمة إلا أن يخاف العنت ولا يجد صداق حرة) لو حذف وصف الأمة أولاً بالإسلام وذكره في شروط الجواز كما فعل غيره .. لكان أولى؛ فإن تقييد التحريم بالمسلمة يفهم حل الكافرة، وليس كذلك، لكنه قال قبل ذلك: (ويحرم على المسلم نكاح الأمة الكتابية) (¬4) ويفهم من كونه لا يجد صداق حرة: ألاَّ يكون تحته حرة، وظاهر إطلاق "الحاوي" أنه لا فرق في الحرة التي تحته بين أن تصلح للاستمتاع أم لا (¬5)، وسبقه إليه "المحرر" فقال: (والأحوط المنع وإن كانت لا تصلح للاستمتاع) (¬6)، لكن خالفه "المنهاج" من غير تنبيه على أنه من زيادته فقال في شروط الجواز: (ألا تكون تحته حرة ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 384). (¬2) الحاوي (ص 462)، المنهاج (ص 385). (¬3) الحاوي (ص 475)، المنهاج (ص 385). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 160). (¬5) الحاوي (ص 463). (¬6) المحرر (ص 298).

تصلح للاستمتاع، قيل: ولا غير صالحة) (¬1) وكأنه فهم من جعل "المحرر" مقابله أحوط أنه أصح، وفيه نظر؛ فالظاهر أن "المحرر" إنما أشار بكونه أحوط إلى ترجيحه، وكيف يقتصر في كتاب التزم فيه التنصيص على ما صححه المعظم على ضعيف من غير ذكر مقابله؟ ! وليس في "الروضة" و"الشرحين" تصريح بترجيح، وإنما نقلا ترجيح التقييد بصلاحية الاستمتاع عن صاحب "المهذب" والقاضي حسين، والقطع به عن ابن الصباغ وجماعة من العراقيين، ومقابله عن قطع الإمام والغزالي والبغوي (¬2). أما الحرة التي يقدر على نكاحها وليست تحته .. فالأصح: اشتراط صلاحيتها للاستمتاع بها كما صححه في "أصل الروضة" (¬3)، وعليه مشى "المنهاج" (¬4)، وكذا "الحاوي" فقال عطفاً على المنفي: (ورتقاء) (¬5) وقد يقال: إنه مستثنى من الأمرين معاً: أن يكون تحته حرة، أو يقدر عليها، لكن الصورة التي قبلها والتي بعدها إنما هي في الحرة المقدور عليها، لا التي تحته، وذلك ينفي استثناءها منهما معاً، وتعبير "المنهاج" بالعجز عن حرة (¬6)، و"الحاوي" في محل المنع بالقدرة عليها (¬7) أحسن من قول "التنبيه" [ص 161]: (ولا يجد صداق حرة) فإنه قد يجد صداق حرة ولا يجد في البلد خلية عن زوج، أو يجدها لكن لا ترضى بنكاحه؛ لنقصه أو لغير ذلك، فيجوز له نكاح الأمة قطعاً. ودخل في عبارتهم: الحرة الكتابية، وهي في ذلك كالمسلمة على الأصح، لكن قال ابن حزم في " المحلى": إن للشافعي في ذلك قولين، وإن آخر قوليه: الجواز، وابن حزم ثقة فيما ينقل؛ فلعله اطلع على نص للشافعي لم يطلع عليه أصحابه. 3609 - قول "الحاوي" [ص 463]: (وبعيدة الغيبة) لا يختص الجواز ببعد غيبتها، بل لو قربت وخشي الزنا في مدة قصدها .. جاز له نكاح الأمة؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 385]: (فلو قدر على غائبة .. حلت أمة إن لحقه مشقة ظاهرة في قصدها، أو خاف زناً مدته) وضبط الإمام المشقة: بأن ينسب متحملها في طلب زوجة إلى الإسراف ومجاوزة الحد (¬8). ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 385). (¬2) فتح العزيز (8/ 56)، الروضة (7/ 129)، وانظر "نهاية المطلب" (12/ 257)، و"الوجيز" (2/ 17)، و"التهذيب" (5/ 384). (¬3) الروضة (7/ 129). (¬4) المنهاج (ص 385). (¬5) الحاوي (ص 463). (¬6) المنهاج (ص 385). (¬7) الحاوي (ص 463). (¬8) انظر "نهاية المطلب" (12/ 263).

3610 - قول "المنهاج" [ص 385]: (ولو وجد حرة بمؤجل .. فالأصح: حل أمة) محل الخلاف: أن يتوقع القدرة على ذلك المؤجل عند المحل، وإلا .. فتحل الأمة قطعاً، ومراد "التنبيه" و"الحاوي" بالعنت: الزنا (¬1)، كما صرح به "المنهاج" (¬2)، والمراد بخوفه كما قال الإمام: أن يتوقعه لا على سبيل الندور، فإن غلبت الشهوة وضَعُف التقوى .. فخائف، وإن ضعفت وله دين أو مروءة أو حياء يمنعه .. فلا، وإن غلبت وقوي التقوى .. فكذا في أصح احتماليه (¬3)، وقطع به في "الوجيز" (¬4)، والثاني: إن ضره الصبر أو أمرضه .. حلت الأمة، وجزم به في "الوسيط" مذهباً، قال: هالا .. فالصبر أحسن ولا يبعد أن يترخص (¬5)، ويخرج بخوف الزنا المجبوب؛ فإنه لا يتصور منه، فلا ينكح الأمة عند الإمام والمتولي (¬6)، وصحح الروياني الجواز له وللخصي إن خافا الإثم، وفي "فتاوى القاضي حسين": أنه ليس للعنين نكاح الأمة، لكن في "القواعد" للشيخ عز الدين بن عبد السلام: أن الممسوح له نكاح الأمة بناء على الأصح أنه لا يلحقه الولد (¬7)، وفي "أصل الروضة": من استجمع شروط نكاح الأمة ليس له نكاح أمة (¬8) صغيرة لا توطأ على الأصح؛ لأنه لا يأمن بها العنت (¬9)، وطرد الجيلي ذلك في الرتقاء والقرناء، وهو واضح. 3611 - قول "المنهاج" [ص 385]: (فلو أمكنه تَسَرَّ .. فلا خوف في الأصح) عبر في "الروضة" بالمذهب (¬10)، ولو قال كما في "المحرر": (لم ينكح الأمة) (¬11) .. لكان أحسن؛ فإنه لا يحسن جعل الوجهين في الخوف؛ فإن التسري المقدور عليه يمنع منه قطعاً؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 463]: (أو أمن العنت ولو بسرية). 3612 - قول "المنهاج" [ص 385]: (ويحل لحر وعبد كتابيين أمة كتابية على الصحيح) وهو ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 161)، الحاوي (ص 463). (¬2) المنهاج (ص 385). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (12/ 261). (¬4) الوجيز (2/ 18). (¬5) الوسيط (5/ 120). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (12/ 261). (¬7) قواعد الأحكام في إصلاح الأنام (2/ 30). (¬8) في النسخ: (الأمة)، ولعل الصواب ما أثبت. (¬9) الروضة (7/ 132). (¬10) الروضة (7/ 131، 132). (¬11) المحرر (ص 299).

مفهوم "التنبيه" و"الحاوي" (¬1) يفهم أنه يشترط في جواز نكاح الحر الكتابي الأمة خوف العنت وفقد طول الحرة؛ لأنهم جعلوا الكتابي في ذلك كالمسلم إلا في نكاح الأمة الكتابية، وهذا هو الذي فهمه السبكي، وقال: لم يصرح الرافعي والنووي وغيرهما باعتبار هذين الشرطين في الحر الكتابي، وهما خوف العنت وفقد طول الحرة. وقال شيخنا الإمام البلقيني: ظاهر القرآن يدل على أن الشروط إنما تعتبر في حق المؤمن؛ بدليل قوله: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ... } إلى آخره، قال: والذي أعتقده أن الشروط إنما تعتبر في حق المؤمنين الأحرار. 3613 - قول "التنبيه" [ص 161]: (وإن جمع بين حرة وأمة .. ففيه قولان، أحدهما: أنه يبطل النكاح فيهما، والثاني: أنه يصح في الحرة ويبطل في الأمة) الأصح: الثاني كما في "المنهاج"، وعليه مشى "الحاوي" (¬2)، وهو تكرير؛ لدخول المسألة في عبارته في البيع، وصورة المسألة في الحر، أما العبد: فله الجمع بينهما قطعاً، وصورة "المنهاج" فيمن لا تحل له الأمة، ومقتضاه: الحل قطعاً في الحر الذي تحل له الأمة؛ كمن وجد حرة تسمح بمؤجل أو بدون مهر المثل أو بلا مهر، أو وجد طول حرة كتابية وقلنا: إن ذلك لا يمنع الأمة، وليس كذلك، فتبطل الأمة والحرة، قيل: على القولين، وهو الأظهر عند الإمام والرافعي في "الشرح الصغير" (¬3)، وقال جماعة: يبطل قطعا بجمعه من له أفراد كل منهما، فبطلتا كالأختين، وجزم الجرجاني في "المعاياة" بصحتهما كما اقتضاه مفهوم "المنهاج"! . وقال ابن الصلاح: إنه لا يعرف لغيره، وقال ابن الرفعة: ولم أره في غيره. قال السبكي: وهو في "الشافي" له أيضاً. قال شيخنا ابن النقيب: وحكاه في "البحر" عن القاضي الطبري (¬4)، وحكى في "الذخائر" طريقة رابعة، وهي: القطع بصحة نكاح الحرة وبطلان نكاح الأمة، والمراد: جمعهما في عقد، فلو فصّل؛ بأن قال: زوجتك بنتي بألف، وزوجتك أمتي بمائة، فقبل نكاح البنت فقط، أو قبل البنت ثم الأمة .. صح نكاح البنت قطعاً، ولو قدمت الأمة في تفصيلهما إيجاباً وقبولاً .. صحتا حيث جازت الأمة كقبول الحرة بعد صحة نكاح الأمة، ولو فصل الإيجاب فجمع القبول أو عكسه .. فكتفصيلهما، وقيل: كجمعهما. ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 463)، الحاوي (ص 161). (¬2) الحاوي (ص 463)، المنهاج (ص 385). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (12/ 267). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (6/ 32).

فصل [نكاح الكتابية والمشركة]

فَصْلٌ [نكاح الكتابية والمشركة] 3614 - قول "المنهاج" [ص 385]: (يحرم نكاح من لا كتاب لها كوثنية) ظاهر إطلاقه تحريمها على الكتابي أيضاً، وكذا يقتضيه إطلاق "الحاوي" و"الروضة" وأصلها (¬1)، وقيد "التنبيه" ذلك بالمسلم فقال [ص 160]: (ويحرم على المسلم نكاح المجوسية والوثنية) ومقتضاه: حلها للكتابي، وفي ذلك وجهان في "الكفاية". وهل تحرم الوثنية على الوثني؟ قال السبكي: ينبغي إن قلنا: إنهم مخاطبون بالفروع .. حرمت، وإلا .. فلا حل ولا حرمة، فعلى التحريم يأثم بوطئها. 3615 - قول "المنهاج" [ص 385]: (ومجوسية) يقتضي أن المجوس لا كتاب لهم، وفيه قولان، رجح في "الروضة" وأصلها (¬2) أنه كان لهم كتاب فرفع، قال السبكي: وهو المختار، وقد رأيته، ورأيته في كتاب "اختلاف الحديث" صريحاً. انتهى (¬3). وحكى ابن الرفعة أن المنصوص في "الأم" و"المختصر": أنه لا كتاب لهم (¬4)، فيحمل لفظ "المنهاج" على أنه لا كتاب لهم الآن، ومقابله على أنه كان لهم فرفع كما هو صريح لفظه، ولم يتعرض "التنبيه": و"المحرر" و"الحاوي" لذلك، بل اقتصروا على أنه لا يحل نكاحها، وظاهر مفهوم "التنبيه": حل الكتابية مطلقاً (¬5)، وفصل "المنهاج" فقال [ص 386]: (فإن لم تكن الكتابية إسرائلية .. فالأظهر: حلها إن عُلم دخول قومها في ذلك الدين قبل نسخه وتحريفه) وفيه أمران: أحدهما: أن مقتضاه: حل الإسرائلية ولو علم دخول قومها بعد النسخ والتحريف، وليس كذلك، فمتى لم يدخل قومها إلا بعد النسخ .. لم تحل؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 464]: (أو إسرائلية قبل النسخ) وعبارة "الروضة": وأما الدخول بعد بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم .. فلا تفارق فيه الإسرائلية غيرها (¬6). ثانيهما: أن مقتضاه: أنه متى علم دخول قومها في ذلك الدين قبل نسخه لكن بعد تحريفه .. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (8/ 72)، الحاوي (ص 464)، الروضة (7/ 135). (¬2) فتح العزيز (8/ 75)، الروضة (7/ 135). (¬3) اختلاف الحديث (4/ 173، 174). (¬4) الأم (4/ 173، 174)، مختصر المزني (1/ 277). (¬5) التنبيه (ص 160). (¬6) الروضة (7/ 138).

لا تحل مطلقاً، وليس كذلك، بل محله: ما إذا دخلوا في المحرف، فإن تمسكوا بالحق منه وتجنبوا المحرف .. حل نكاحها؛ وهذا وارد أيضاً على قول "الحاوي" [ص 464]: (عُلم آمن أول آبائها قبل التحريف) ومقتضى عبارتهما: التحريم إذا شك هل دخلوا قبل التحريف أو بعده، وهو كذلك، وكذا تحرم ذبائحهم لكن يقرون بالجزية، وقال "السبكي": ينبغي الحل فيمن علم أصل دخولهم وجهل وقته، وإلا .. فما من كتابي اليوم لا يعلم أنه إسرائلي إلا ويحتمل فيه ذلك، فيؤدي إلى ألاَّ تحل ذبائح أحد منهم اليوم ولا مناكحته، بل ولا في زمن الصحابة؛ كبني قريظة والنضير وقينقاع، قال: وطلب مني بالشام منعهم من الذبح فأبيت، ومنعهم قبلي محتسب بفتوى بعضهم، ولا بأس بالمنع إن رآه مصلحة، وأما الفتوى به .. فجهل (¬1). انتهى. 3616 - قول "المنهاج" [ص 386]: (ويجبر على غسل حيض ونفاس) يفهم اختصاص ذلك بالكتابية، لا سيما وقد قال بعده: (وتجبر هي ومسلمة على غسل ما نجس من أعضائها) مع أن ذلك لا يختص بها، فالمسلمة كذلك؛ ولذلك قال "التنبيه" في مطلق الزوجة [ص 159، 160]: (وله أن يجبرها على ما يقف عليه الاستمتاع، كالغسل من الحيض وترك السكر) بل لا يختص ذلك بالزوجة؛ فإن الأمة كذلك. نعم؛ تختص الكتابية بنيابة الزوج عنها في النية بخلاف المسلمة العاقلة. قال القاضي أبو الطيب: ولا أعلم من فرق بين الشافعي والحنفي، فللحنفي إجبارها وإن جاز عنده وطء الحائض قبل الغسل؛ لأنه قد يحتاط للوطء. قال شيخنا الإمام البلقيني: وفيه نظر. قلت: وجهه: أن هذا يتوقف عليه كمال الاستمتاع لا أصله على عقيدته، فهو محل الخلاف، والله أعلم. 3617 - قول "التنبيه" [ص 160]: (وأما ما يكمل به الاستمتاع؛ كالغسل من الجنابة واجتناب النجاسة وإزالة الوسخ والاستحداد .. ففيه قولان) فيه أمور: أحدها: الأظهر: إجبارها عليه؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 386]: (وكذا جنابة وترك أكل خنزير في الأظهر) لكن أفهم كلامه اختصاص ذلك بالكتابية كما تقدم، وكذا فرض الرافعي الخلاف في غسل الجنابة في الكتابية، وقال: أما المسلمة: فهي مجبرة على الغسل من الجنابة، كذا أطلقه البغوي (¬2). قال النووي: ليس هو على إطلاقه، بل هو فيما إذا طال بحيث حضر وقت صلاة، فأما إذا لم ¬

_ (¬1) في النسخ: (فمحتمل)، والتصويب من "تحفة المحتاج" (7/ 324)، و"نهاية المحتاج" (6/ 291). (¬2) فتح العزيز (8/ 74)، وانظر "التهذيب" (5/ 379).

تحضر صلاة .. ففي إجبارها القولان، وهما مشهوران، حتى في "التنبيه"، والأظهر من القولين: الإجبار. انتهى (¬1). وقد عرفت أن "التنبيه" لم يخص المسألة بالمسلمة، بل أطلق القولين، فتناول المسلمة والذمية، لكن عرفنا بذلك أن محل القولين في المسلمة: إذا لم تحضر صلاة، فإن حضرت .. وجب قطعاً، وليس ذلك لحقه، بل لحق الله تعالى. ثانيها: أطلق الخلاف في اجتناب النجاسة، وقد قال "المنهاج" [ص 386]: (وتجبر هي ومسلمة على غسل ما نجس من أعضائها) فلم يجعل ذلك موضع خلاف، وصرح في "الروضة" وأصلها بنفي الخلاف في ذلك، وعبارة "الروضة": ومتى تنجس فمها أو عضو آخر .. فله إجبارها على غسله بلا خلاف، ليمكنه الاستمتاع به؛ وله منعها من لبس جلد الميتة قبل دباغه ولبس ما له رائحة كريهة. انتهى (¬2). لكن اعترض ذلك في "المهمات" وقال: فيه قولان حكاهما في "التنبيه". انتهى. وقد يقال: هما مسألتان، فالخلاف الذي في "التنبيه" في إجبارها على اجتنابه، والجزم الذي في "الروضة" في إجبارها على غسله بعد مخامرته، وهذا مقتضى اللفظ، وفقهه واضح. ثالثها: محل الخلاف في الأوساخ: إذا لم تفحش، فإذا فحشت بحيث أدت إلى النفرة .. أجبرت على إزالتها قطعاً، وعبر عنه شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" بالصواب (¬3)، وأجاب عنه في "التوشيح": بأن ذلك يقف عليه الاستمتاع، فقد دخل في عبارة "التنبيه" أولاً، وكلامه هنا فيما يتوقف عليه كمال الاستمتاع. 3618 - قول "التنبيه" [ص 160]: (وهل تحرم المولودة بين الكتابي والمجوسية؟ فيه قولان) الأظهر: التحريم، كما ذكره "المنهاج" وعليه مشى "الحاوي" (¬4)، وسوى في "المحرر" بين هذه الصورة وعكسها في إجراء الخلاف (¬5)، والمعروف في عكسها الجزم بالتحريم كما هو في "التنبيه" و"المنهاج" (¬6). 3619 - قول "المنهاج" [ص 160]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 464]: (وإن خالفت السامرة اليهود، والصابئون النصارى في أصل دينهم .. حَرُمْنَ، وإلا .. فلا) ليس فيه بيان ما إذا شككنا ¬

_ (¬1) انظر "الروضة" (7/ 136). (¬2) فتح العزيز (8/ 74)، الروضة (7/ 137). (¬3) تذكرة النبيه (3/ 273). (¬4) الحاوي (ص 464)، المنهاج (ص 386). (¬5) المحرر (ص 300). (¬6) التنبيه (ص 160)، المنهاج (ص 386).

أيخالفونهم في الأصول أم الفروع؟ والمجزوم به في "الروضة" وأصلها أنهم لا يناكحون (¬1). وقال شيخنا الإمام البلقيني: ظاهر كلام الشافعي في "المختصر" الحل؛ حيث قال: والصابئون والسامرة من اليهود والنصارى إلا أن يعلم أنهم يخالفونهم في أصل ما يحلون من الكتاب ويحرمون .. فيحرموا كالمجوس (¬2). 3620 - قول "التنبيه" [ص 165]: (وإن انتقل المشرك من دين إلى دين يقر أهله عليه .. ففيه قولان، أحدهما: يقر عليه، والثاني: لا يقر) فيه أمران: أحدهما: أنه لا بد في تصوير المسألة من أن يكون الدين المنتقل عنه يقر أهله عليه، وتعبيره بالمشرك قد ينافي ذلك، لكن يساعده قوله في التفريع عليه: (والثاني: الإسلام أو الدين الذي كان عليه) (¬3) فدل على أن كلامه في الانتقال عن دين يقر أهله عليه، وقد صرح بهذه الصورة "المنهاج" فقال [ص 386]: (ولو تهود وثني أو تنصر .. لم يُقَرَّ، ويتعين الإسلام كمسلم ارتد). ثانيهما: الأظهر: أنه لا يقر، كذا في "المحرر" و"المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، لكن صحح في "الشرح الصغير" مقابله، وهو أنه يقر بالجزية، ونقل تصحيحه في "الكبير" عن القاضي أبى حامد والبغوي ونص "المختصر" ولم ينقل فيه تصحيح الآخر عن أحد، وبناهما المتولي وغيره على أن الكفر ملة أو ملل، ورده الرافعي (¬5). قال ابن الرفعة: والشافعي في (كتاب الجزية) من "الأم" منع الانتقال مع تصريحه بأن الكفر ملة واحدة، وهو يضعف البناء (¬6). 3621 - قول "التنبيه" [ص 165]: (وما الذي يقبل منه؟ فيه قولان، أحدهما: الإسلام، والثانى: الإسلام أو الدين الذي كان عليه) الأظهر: الأول، كذا في "الشرح الصغير" وحكاه في "الكبير" عن الإمام (¬7)، وعليه مشى "المحرر" و"المنهاج" و"الحاوي" (¬8)، وعبارة "الروضة" في أصل المسألة: هل يقر بالجزية أم لا يقبل منه إلا الإسلام أو الدين الذي انتقل منه؟ فيه أقوال: ¬

_ (¬1) فتح العزيز (8/ 77)، الروضة (7/ 139). (¬2) مختصر المزني (ص 169). (¬3) انظر"التنبيه" (ص 165). (¬4) المحرر (ص 300)، الحاوي (ص 464)، المنهاج (ص 386). (¬5) انظر "مختصر المزني" (ص 169)، و"التهذيب" (5/ 381)، و"فتح العزيز" (8/ 81). (¬6) الأم (4/ 184). (¬7) فتح العزيز (8/ 81)، وانظر "نهاية المطلب" (12/ 251، 252). (¬8) المحرر (ص 300)، الحاوي (ص 464)، المنهاج (ص 386).

أظهرها: الأول، ثم الثاني، ثم قال: قلت: الأصح: لا يقبل منه إلا الإسلام. انتهى (¬1). فقوله: (أظهرها: الأول) هو ما صححه في "الشرح الصغير"، ونقل تصحيحه في "الكبير" عن القاضي أبي حامد والبغوي كما تقدم (¬2)، وقوله: (ثم الثاني) هو ما صححه في "الصغير" تفريعاً على عدم التقرير، وحكاه في "الكبير" عن الإمام (¬3)، ففي إطلاقه هذا التصحيح عن "الشرح الكبير"، نظر فإن أبى الإسلام على الأول، أو الإسلام وما كان عليه على الثاني .. فالأشبه في "الروضة" وأصلها - وصرح بتصحيحه في "الشرح الصغير" -: أنه يلحق بالمأمن (¬4)، وعليه مشى "الحاوي" في (الجزية) فقال بعد ذكر الاغتيال: (لا إن توثن) (¬5)، وقيل: يقتل في الحال، وصححه في "الوجيز" (¬6) و"الذخائر"، وجزم به الماوردي في (السرقة)، وعليه مشى "الحاوي" هنا فقال بعد ذكر المنتقلة من التهود إلى التنصر وعكسه: (والصابئة السامرة إن خالفت الأصول، وتهدر) (¬7)، وقوله بعده: (ولا تقرر) (¬8) غير محتاج إليه، وقواه السبكي، واستشكل الأول: بأنا إن قلنا: يقر .. فَلِمَ نخرجه من بلادنا؟ وإن قلنا: لا يقر .. فَلِمَ يبقى؟ فتبليغه المأمن مع عدم تقريره على ما انتقل إليه وعنه لا أدري كيف هو؟ ! فإنه إذا طلب عقد الذمة إن أجبناه .. لزم التقرير، وإلا .. فهو مقتول لا محالة. انتهى. قلت: وهذا الثاني هو الموافق للمصحح فيمن فعل ما ينتقض به عهده: أنه لا يبلغ المأمن، بل يقتل في الحال. 3622 - قول "المنهاج" [ص 386]: (ولا تحل مرتدة لأحد) كذا المرتد، وقد صرح به "التنبيه" [ص 160]، فقال: (لا يصح نكاح المحرم والمرتد والخنثى المشكل). 3623 - قوله: (وهو الذي له فرج الرجل وفرج المرأة، ويبول منهما دفعة واحدة، ويميل إلى الرجال والنساء ميلاً واحداً) (¬9) فيه أمور: أحدها: أنه لا ينحصر في ذلك؛ فالذي له مجرد ثقبة مشكل أيضاً. ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 140). (¬2) فتح العزيز (8/ 81)، وانظر "التهذيب" (5/ 382). (¬3) فتح العزيز (8/ 81)، وانظر "نهاية المطلب" (12/ 251، 252). (¬4) فتح العزيز (8/ 81)، الروضة (7/ 140، 141). (¬5) الحاوي (ص 615). (¬6) الوجيز (2/ 197، 198). (¬7) الحاوي (ص 464). (¬8) انظر "الحاوي" (ص 464). (¬9) انظر "التنبيه" (ص 160).

ثانيها: لو بال منهما دفعة واحدة، لكن انقطع من أحدهما قبل الآخر .. فالأصح: أن الاعتبار بالمتاخر انقطاعاً، فلو كان أحدهما أسبق خروجاً والآخر أبطأ انقطاعاً .. فالحكم للأسبق خروجاً على الأصح. ثالثها: كلامه يقتضي الحصر في البول منهما دفعة واحدة، وليس كذلك، فلو بال من هذا مرة ومن الآخر أخرى .. فهو مشكل إن استويا، فإن بال من أحدهما أكثر .. فالعبرة به، وكذا لو كان سبق أحدهما تارة والآخر أخرى .. اعتبر الأكثر، فإن استويا .. فمشكل. * * *

باب نكاح المشرك

باب نكاح المشرك 3624 - المراد بالمشرك هنا: كل كافر كتابياً كان أو غيره، وسمعت من شيخنا الإمام البلقيني: أن المشرك والكتابي كما يقول أصحابنا في الفقير والمسكين: إن جمع بينهما في اللفظ .. اختلف مدلولهما، وإن اقتصر على أحدهما .. تناول الآخر. 3625 - قول التنبيه [ص 164]: (إذا أسلم أحد الزوجين الوثنيين أو المجوسيين، أو أسلمت المرأة والزوج يهودي أو نصراني) أخرج به ما لو أسلم الرجل والمرأة يهودية أو نصرانية والحكم في هذه استمرار النكاح، وقد صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، لكن شرطه فيما إذا كان حراً: أن تكون حرة، فلو كانت أمة .. اشترط كونها ممن يحل له نكاحها، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الإسلام استقلالاً أو بالتبعية، لكن لو أسلمت المرأة مع أبي الطفل أو عقبه .. بطل النكاح كما قال البغوي (¬2)، لتقدمها في الأولى؛ لأن إسلام الابن عقب الأب. واستشكله الرافعي: بأن ترتب الولد على الأب لا يقتضي تقدماً زمانياً (¬3). قال السبكي: وهو مبني على ما صححوه من كون العلة الشرعية مع المعلول، والمختار عندي: تقدمها، فيتجه قول البغوي، وكذا قال شيخنا الإمام البلقيني: ما قاله البغوي في ذلك هو الفقه؛ فإن الحكم للتابع متأخر عن الحكم للمتبوع، فلا يحكم للولد بالإسلام حتى يصير الأب مسلماً، وأما في الثانية: فلأن إسلامها متأخر؛ فإنه قوليٌّ، فيتأخر عن إسلام الابن الذي هو حكمي. 3626 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (فيقر على نكاح في عدة هي منقضية عند الإسلام) (¬4) أما إذا كانت العدة باقية .. فلا تقرير؛ لبقاء المفسد، وخص العبادي في "الرقم" ذلك بعدة النكاح، وقال في عدة الشبهة بالتقرير وإن بقيت؛ لأن الإسلام لا يمنع الدوام مع عدة الشبهة. قال الرافعي: ولم يتعرض الجمهور لهذا الفرق (¬5)، قال بعضهم: ويوافقه إطلاق "المنهاج" بعد ذلك قوله [المنهاج 387]: (وكذا لو قارن الإسلام عدة شبهة على المذهب) فإنه يتناول الشبهة المقارنة للعقد والطارئة بعده. قلت: لم يرد إلا الطارئة بعده، ولولا ذلك .. لم يصح التعبير فيه بالمذهب، وقد قرر قبل ذلك ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 465)، المنهاج (ص 387). (¬2) انظر "التهذيب" (5/ 391). (¬3) انظر "فتح العزيز" (8/ 87). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 165)، و "الحاوي" (ص 465)، و"المنهاج" (ص 387). (¬5) انظر "فتح العزيز" (8/ 90).

في المفسد المقارن للعقد أنه لا بد أن يكون زائلاً عند الإسلام، وعبارة "الحاوي" صريحة في إرادة الشبهة الطارئة؛ حيث قال [ص 465]: (وقرر لا إن قارن المفسد لا الطارئ إسلام أحدٍ) فاستثنى المفسد الطارئ من بين المفسدات. وصور الرافعي المسألة بما إذا وطئت بشبهة بين الإسلامين، واستشكل القفال عروض هذه الشبهة؛ فإن أحدهما إذا أسلم .. جرت في عدة النكاح، وهي متقدمة على عدة الشبهة، فإسلام الآخر يكون في عدة النكاح لا في عدة الشبهة. نعم؛ لو حبلت بالشبهة .. تقدمت عدة الشبهة وأمكن اقترانها بإسلام الآخر، وحينئذ .. يندفع النكاح اعتباراً بالابتداء. وأجيب عن الإشكال: بأن التصوير لا يختص بترتيب إسلامها، بل لو وطئت بالشبهة ثم أسلما معاً في عدتها .. كان من صُوَرِها، وأيضاً: لو أسلم أحدهما .. لم يتيقن جريانها في عدة النكاح إلا بالإصرار إلى انقضائها، أما لو أسلم المتخلف في العدة .. فإنه يتبين أن الماضي ليس عدة النكاح، بل عدة الشبهة (¬1). وإنما قلنا: أسلما معاً؛ لأنهما لو أسلما مرتباً في عدة الشبهة .. كانت عدة النكاح مقدمة على الصحيح، فيعود الإشكال، فإذا أسلما معاً .. دام النكاح، ولم يبق إلا تأثير عدة الشبهة على رأي. ويرد على إطلاق "الحاوي" (¬2) أنه لا يضر مقارنة المفسد الطارئ ما لا يجوز تقرير النكاح معه؛ كالرضاع ونحوه، ويكفي في الإفساد مقارنة العدة لإسلام أحدهما ولو لم يقع إسلام الآخر إلا بعد انقضائها، أما المفسد الطارئ؛ كاليسار وأمن العنت في الأمة .. فإنه يجب اقترانه بإسلامهما على المذهب، وكذا لو قارن اليسار أو أمن العنت نكاح المشرك .. لم يمنع من التقرير، إلا إن استمر حتى قارن إسلامهما، كما صرح به الإمام، وحكاه عن الأصحاب (¬3)، وعليه مشى "الحاوي" حيث قال بعد ما تقدم [ص 465، 466]: (واليسار أو أمن العنت في الأمة وإن طرأ إسلامهما) فسوى في اليسار وأمن العنت بين القديم والطارئ. ويرد عليهم: أنه لو كان المفسد زائلاً عند الإسلام لكن اعتقدوا مع ذلك فساده .. فلا يقرون عليه. 3627 - قول "المنهاج" [ص 387]: (ولو أسلم ثم أحرم ثم أسلمت وهو مُحْرِمٌ .. أُقِرَّ على ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (8/ 92، 93). (¬2) الحاوي (ص 465). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (12/ 300، 301).

المذهب) لا يفهم منه ترجيح طريقة القطع بالتقرير، فإن الاصح فيه: طريقة القولين، والطريقة الأخرى: القطع بعدم التقرير، وتعبيره بقوله: (ثم أحرم) أحسن من تعبير "الروضة" وأصلها بالواو (¬1)، للتنصيص على أن إحرامه بعد الإسلام، لكن سهل الأمر في ذلك أن إحرام الكافر لا يصح. وخرج بهذا التصوير ما لو أسلما معاً ثم أحرم .. فإنه يقر جزماً، فلو قارن إحرامه إسلامها .. فهل يقر جزماً أو من خلاف؟ قال السبكي: لم أر فيه نقلاً، والأقرب: الثاني. 3628 - قول "التنبيه" [ص 165]: (وإن أسلم الزوجان وبينهما نكاح متعة .. لم يقرّا عليه) محله: ما إذا لم يعتقدوا تأبيده، وإلا .. فيقر قطعاً، وهو داخل في قول "المنهاج" [ص 387] و"الحاوي" [ص 465]: (ومؤقت إن اعتقدوه مؤبداً). 3629 - قول "التنبيه" [ص 165]: (وإن قهر حربي حربية على الوطء أو طاوعته؛ فإن اعتقدا ذلك نكاحاً .. أقرا عليه، وإلا .. فلا) خرج به ما إذا كانا ذميين .. فلا يفيد قهر بعضهم لبعض شيئاً؛ لأنا مأمورون بكفهم عن ذلك، وقد ذكر ذلك "الحاوي" إلا أنه ذكره في صحة أنكحة الكفار، ولو ذكره في تقريرهم على أنكحتهم .. لكان أحسن، وعبارته: (ونكاح الكفر صحيح ولو غصباً لا في الذميين) (¬2)، فلو قهر ذمي حربية .. كان كقهر الحربي حربية، ولو قهر الحربي ذمية .. فهو كقهر الذمي ذمية؛ لأن على الإمام دفع أهل الحرب عن أهل الذمة، وقد ذكر هاتين الصورتين الأخيرتين شيخنا الإمام البلقيني. والأولى منهما واردة على عبارة "التنبيه" لأن مفهومه فيها عدم التقرير، والثانية واردة على عبارة "الحاوي" لأنه لم يستثن من التقرير على الغصب إلا الذميين، وقد عرفت أنه يستثنى غصب الحربي الذمية .. فإنه لا يقر عليه أيضاً. 3630 - قول "المنهاج" [ص 387] و"الحاوي" [ص 465]: (ونكاح الكفار صحيح)، عبارة "الروضة" وأصلها: (محكوم له بالصحة) (¬3). قال السبكي: ونِعِمَّا هي، ثم اختار أنها إن وقعت على وفق الشرع .. فصحيحة قطعاً، مع علمه بتصريح بعض الأصحاب بالخلاف فيه، وإلا .. فمحكوم لها بالصحة، ولا نقول: إنها صحيحة؛ لأن الصحة حكم شرعي، ثم حكى الرافعي عن مقتضى كلام المتولي وغيره تخصيص ¬

_ (¬1) فتح العزيز (8/ 93)، الروضة (7/ 147). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 465). (¬3) فتح العزيز (8/ 97)، الروضة (7/ 150).

الخلاف في ذلك بما يُفْسِدُ مثلَه الإسلامُ، وصوبه النووي، وفهم الرافعي من كلام الإمام طرده في الجميع (¬1). قال النووي: لم يصرح أحد بطرده ولا الإمام، ولكنه ألزم القائل بالفساد بأنه يلزمه طرده فيما يوافق الشرع أيضاً، ولهم الانفصال عنه بأن الظاهر إخلالهم بالشروط، فإن تصور علمنا بوجودها .. حكمنا بالصحة قطعاً (¬2). قال شيخنا الإمام البلقيني: وصواب العبارة: (وإن حصل علمنا باجتماعها) فالتصور لا يلزم منه الحصول. انتهى. وسيأتي من كلام الماوردي والروياني التصريح بوجود الخلاف مع وجود شروط الصحة، وقال الأصحاب تفريعاً على قول الفساد: لا نفرق بينهم لو ترافعوا إلينا، ونقرهم بعد الإسلام رخصة وخشية من التنفير. قال السبكي: هذا إذا ترافعوا في شيء من لوازم النكاح، أما إذا ترافعوا إلينا في صحته وفساده ورضوا بحكمنا .. حكمنا بمقتضى شرعنا، وفرقنا بينهم إن اقتضاه الشرع كالمجوس فى المحارم، ونأمر من تحته أكثر من أربع باختيار أربع، أو أختان باختيار أحدهما، قال: وإن لم يسلموا ولا ترافعوا ولكن تجاهروا به .. ففي فسخه وجهان، وإن لم يتجاهروا .. لم يتعرض لهم، قال: وما أظن أحداً يقول بالفساد مطلقاً وإن جمعت الشرائط، كما أن صحتهما مطلقاً وإن فقدت الشرائط بعيد، لكن هذا محتمل إن لم نكلفهم بالفروع، بخلاف عكسه؛ لاحتمال فيه. انتهى. وفي المسألة طريقة أخرى برفع الأقوال وجعل المسألة على أحوال؛ إن وجدت الشرائط وانتفت الموانع .. فصحيحة، وعكسه فاسد، وإن فقدا .. لم نقل بالصحة، ولكن نقرهم عليها، صححها الروياني، وحكاها الماوردي عن الجمهور (¬3)، وغلط من جعلها أقوالاً. 3631 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (وأما الفاسد كخمر؛ فإن قبضته قبل الإسلام .. فلا شيء لها، وإلاَّ .. فمهر مثل) (¬4) يستثنى من ذلك: ما لو أصدقها حراً مسلماً استرقوه ثم أسلما قبل قبضه أو بعده .. فإنه لا يقر بيدها، ولها مهر المثل. قال الرافعي: وقياس ما سبق أن يخرج من يدها، ولا ترجع بشيء كما تراق الخمر المقبوضة (¬5)، وأورده شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" بلفظ: الصواب، ثم ذكر استشكال ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (12/ 289)، و"فتح العزيز" (8/ 97، 98)، و"الروضة" (7/ 150). (¬2) انظر "الروضة" (7/ 150). (¬3) انظر"الحاوي الكبير" (9/ 309). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 167)، و "الحاوي" (ص 465)، و"المنهاج" (ص 388). (¬5) انظر "فتح العزيز" (8/ 101).

الرافعي (¬1)، وقال في "التنقيح": والذي قاله إشكال قوي، فليطلب الفرق. قلت: الفرق أنا نقر الخمر في أيديهم ولا نقرهم على استرقاق الحر؛ فلهذا وجب فيه المهر دون ذاك، وأشار في "المهمات" لهذا الفرق، وقد نص الشافعي في (سير الواقدي) من "الأم" على ما ذكره الأصحاب في مسألتي الخمر والحر، وأَلْحَقَ بالحُرِّ في ذلك عبد المسلم ومكاتبه وأم ولده (¬2)، وقد يخرج الحر بقول "الحاوي" [ص 465]: (في نحو خمر) لأن الحر ليس نحو الخمر في ذلك كما بيناه، والمسألة في "التنبيه" في (الصداق) وعبارته [ص 167]: (وإن كانا ذميين وعقدا على مهر فاسد) ولا معنى لتقييد ذلك بالذميين؛ فالحربيان كذلك. 3632 - قولهما - والعبارة لـ"المنهاج" -: (وإن قبضت بعضه .. فلها قسط ما بقي من مهر المثل) (¬3) لم يبينا كيفية التقسيط، هل هو باعتبار القيمة أو غيرها؟ وذكر "الحاوي" أنه باعتبار القيمة فقال [ص 465]: (ومهر المثل قسط ما لم يقبض قيمة) وهو خلاف المنقول عند اتحاد الجنس، وعبارة "أصل الروضة": وطريق التقسيط: أن ينظر، فإن سميا جنساً واحداً وليس فيه تعدد؛ كزق خمر قبضت نصفه ثم أسلما .. وجب نصف مهر المثل، وإن تعدد المسمى؛ كزقي خمر قبضت أحدهما؛ فإن تساويا في القدر .. فكذلك، وإلا .. فهل يعتبر الكيل أو الوزن أو العدد؟ أوجه، أصحها: الأول، فإن أصدقها خنزيرين .. فهل يعتبر عددهما أو قيمتهما بتقدير ماليتهما؟ وجهان، أصحهما: الثاني، وإن سميا جنسين فأكثر؛ كزقي خمر وكلبين، وثلاث خنازير، وقبضت أحد الأجناس .. فهل ينظر إلى الأجناس وكل جنس ثلث، أم إلى الأعداد فكل فرد سبع، أم إلى القيمة بتقدير المالية؟ أوجه، أصحها: الثالث، وحيث اعتبرنا تقويمها .. فهل طريقه أن يقدر الخمر خلاً والكلب شاة والخنزير بقرة أم الكلب فهداً؛ لاشتراكهما في الاصطياد، والخنزير حيواناً يقاربه في الصورة والفائدة، أم تعتبر قيمتها عند من يجعل لها قيمة؛ كتقدير الحر عبداً في الحكومة؟ فيه أوجه، أصحها: الثالث. انتهى (¬4). 3633 - قول "التنبيه" - وهو في عقد الذمة - و"المنهاج" - والعبارة له -: (ولو ترافع إلينا ذمي ومسلم .. وجب الحكم) (¬5) كذا معاهد ومسلم. 3634 - قول "التنبيه" [ص 239]: (وإن تحاكم بعضهم مع بعض .. ففيه قولان، أحدهما: ¬

_ (¬1) تذكرة النبيه (3/ 287). (¬2) الأم (4/ 266). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 167)، و"المنهاج" (ص 388). (¬4) الروضة (7/ 153). (¬5) التنبيه (ص 239)، المنهاج (ص 388).

فصل [فيمن أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة]

يجب الحكم بينهم، والثاني: لا يجب) الأظهر كما في "المنهاج": وجوب الحكم، وعليه مشى "الحاوي" (¬1). ويجري القولان في ترافع الذمي والمعاهد، وقيل: يجب قطعاً، ومحل القولين: ما إذا اتحدت مِلَّتُهُمَا، فإن اختلفت .. فالأصح: القطع بالوجوب؛ لأنهما قد لا يجتمعان على حاكم، فيدوم النزاع، وقد يفهم من مقابل الأصح - وهو: عدم الوجوب - تركهما على النزاع، وليس كذلك، بل إما أن يحكم أو يردهما إلى حاكمهم. 3635 - قول "التنبيه" في عقد الذمة فيما لو تبايعوا بيوعاً فاسدة [ص 239]: (وإن ترافعوا إلى حاكم لهم، فألزمهم التقابض، ثم ترافعوا إلى حاكم المسلمين .. أمضى ذلك الحكم في أحد القولين) هو الأصح. فصلٌ [فيمن أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة] 3636 - قول "التنبيه" [ص 164]: (وإن أسلم الحر وتحته أكثر من أربع نسوة وأسلمن معه .. اختار منهن أربعاً) المراد بإسلامهن معه: المقارنة إن كان قبل الدخول، وفى العدة إن كان بعد الدخول، واشتراط الإسلام محله: إذا كن غير كتابيات، فإن كن كتابيات يحل نكاحهن .. فلا يضر بقاؤهن على الكفر. وقد أوضح ذلك "المنهاج" فقال [ص 388]: (أسلم وتحته أكثر من أربع وأسلمن معه أو في العدة أو كن كتابيات .. لزمه اختيار أربع، ومندفع من زاد) ودخل في إسلامهن في العدة ما إذا سبق إسلامه، وهو المتبادر إلى الفهم، وما إذا سبق إسلامهن ثم أسلم هو في العدة، ولا يخفى أن مراد "المنهاج": الحر؛ فالعبد لا يختار غير اثنتين، وقد صرح به "التنبيه" و"الحاوي" (¬2). 3637 - قول "التنبيه" فيما إذا أسلم وتحته أم وبنت، وأسلمتا معه [ص 164]: (وإن لم يدخل بواحدة منهما .. ففيه قولان، أحدهما: يثبت نكاح البنت ويبطل نكاح الأم، والثاني - وهو الأصح -: أنه يختار أيتهما شاء وينفسخ نكاح الأخرى) تبع في ترجيح التخيير بينهما الشيخ أبا حامد ومن تابعه، لكن المرجح في "المحرر" و"المنهاج": تعين البنت، وعليه مشى "الحاوي" (¬3)، ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 466)، المنهاج (ص 388). (¬2) التنبيه (ص 165)، الحاوي (ص 466). (¬3) المحرر (ص 302)، الحاوي (ص 466)، المنهاج (ص 388).

وفى "أصل الروضة": إنه الأظهر عند الأكثرين (¬1)، والذي في "الشرحين" أن الأئمة بنوهما على صحة أنكحتهم؛ إن صححناها .. تعينت البنت، وإلا .. تخير (¬2). قال الرافعي: قضية هذا البناء ترجيح تعين البنت، وإليه ذهب أبو على والصيدلاني والإمام والغزالي والبغوي وغيرهم، ورجح الشيخ أبو حامد ومن تابعه التخيير، ووافقهم الشيخ أبو إسحاق الشيرازي (¬3). وفي معنى إسلامهما: ما إذا كانتا كتابيتين. 3638 - قول "التنبيه" [ص 164]: (وإن دخل بالأم دون البنت .. ففيه قولان أحدهما: ينفسخ نكاحهما وحرمتا على التأبيد، والثاني: يثبت نكاح الأم وينفسخ نكاح البنت) الأظهر: الأول، وعليه مشى "المنهاج" (¬4)، وهو مبني على صحة أنكحتهم، ووقع في حكاية "الكفاية" كلام "التنبيه" تصحيح الثاني، وليس ذلك في أكثر النسخ. 3639 - قول "التنبيه" [ص 164]: (فإن أسلم وتحته أربع إماء فأسلمن معه) أي: إما مقارناً أو في العدة إن كان بعد الدخول ولو سبق إسلامهن إسلامه، وقد أوضح ذلك "المنهاج" بقوله [ص 389]: (أو إماء وأسلمن معه أو في العدة .. اختار أمة إن حلت له عند اجتماع إسلامه وإسلامهن) أي: فلو أسلم وتحته ثلاث إماء فأسلمت واحدة وهو معسر يخاف العنت، ثم أسلمت الثانية في عدتها وهو موسر أو آمن، ثم أسلمت الثالثة وهو معسر خائف .. اندفعت الثانية ويتخير بين الأولى والثالثة. 3640 - قول "المنهاج" - والعبارة له - و"الحاوي" فيما لو أسلم وتحته حرة وإماء: (وإن أصرت - أي: الحرة - فانقضت عدتها .. اختار أمة) (¬5)، أي: إن كان ممن يحل له نكاح الأمة، وقد صرح به مع وضوحه "التنبيه" (¬6). 3641 - قول "المنهاج" [ص 389]: (ولو أسلمت وعتقن ثم أسلمن في العدة .. فكحرائر؛ فيختار أربعاً) لا يختص بهذا التصوير، وضابطه: أن يطرأ العتق قبل اجتماع إسلامهن وإسلام الزوج؛ فيشمل هذه الصورة، وما إذا أسلمن ثم عتقن ثم أسلم، وما إذا عتقن ثم أسلمن ثم ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 157). (¬2) فتح العزيز (8/ 108). (¬3) فتح العزيز (8/ 108)، وانظر "نهاية المطلب" (12/ 309، 310)، و"الوجيز" (2/ 21)، و"التهذيب" (5/ 396). (¬4) المنهاج (ص 388). (¬5) الحاوي (ص 466)، المنهاج (ص 389). (¬6) التنبيه (ص 164، 165).

أسلم، وما إذا عتقن ثم أسلم ثم أسلمن، فلو تأخر عتقهن عن الإسلامين؛ بأن أسلم ثم أسلمن، أو عكسه ثم عتقن .. استمر حكم الإماء عليهن، فتتعين الحرة إن كانت، وإلا .. اختار واحدة من الإماء فقط بشرطه. 3642 - قول "التنبيه" فيما لو أسلم عبد وتحته أربع نسوة [ص 165]: (فإن أسلم وأعتق ثم أسلمن، أو أسلمن فأعتق ثم أسلم .. ثبت نكاح الأربع) لا يخفى أن محله: إذا كن حرائر، ومن باب أولى ما إذا عتق أولاً، وكذا لو أسلم معه واحدة ثم عتق ثم أسلم الباقيات، أما لو أسلم معه اثنتان ثم عتق .. تعينتا للنكاح؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 467]: (وكالحر إن عتق ولم يسلم أو ثنتان، وإلا .. تعينتا). 3643 - قول "الحاوي" [ص 467]: (وبعدهما تدفع المتأخرة عن عتقها) أي: والأمة التي عتقت بعد إسلامها وإسلام الزوج تدفع نكاح المتأخرة عن عتقها لا غير، حتى لو أسلم على أربع إماء فأسلمت معه اثنتان وتخلفت اثنتان فعتقت واحدة من المتقدمتين وأسلمت المتخلفتان على الرق .. اندفع نكاحهما؛ لأن تحت زوجهما حرة عند إسلامهما وإسلام الزوج، ولا تندفع الرقيقة المتقدمة؛ لأن عتق صاحبتها كان بعد إسلامها وإسلام الزوج، فلا يؤثر في حقها، بل يختار واحدة منهما، كذا ذكره الغزالي، وتبعه الرافعي والنووي (¬1). وقال ابن الصلاح في "مشكل الوسيط": استقر الرأي بعد البحث والتنقير على الحكم على الغزالي بأنه ساهٍ في هذه المسألة على المذهب، وصوابه: أنه لا يندفع نكاح المتخلفتين، بل يتخير بين الأربع؛ لأن عتق إحدى المتقدمتين كان بعد اجتماعهما على الإسلام، والقاعدة: أن مثل هذا العتق لا يجعلها كالحرائر، بل يبقى حكمها حكم الإماء في حقها وحق غيرها، وكان منشأ السهو أنه سبق وهمه إلى أنه لما كان عتق المتقدمة واقعاً قبل اجتماع الزوج والمتخلفتين في الإسلام .. التحقت بالحرائر في حق المتخلفتين، وهذا خطأ؛ لأن الاعتبار في ذلك باجتماع العتيقة نفسها والزوج في الإسلام لا باجتماع غيرها والزوج، وهذه العتيقة كانت رقيقة عند اجتماعها هي والزوج في الإسلام، فكان حكمها حكم الإماء في حقها وحق غيرها. انتهى (¬2). ويوافق ما ذكره ابن الصلاح قول الفوراني: لو أسلم وتحته إماء وأسلمت معه واحدة ثم عتقت ثم أسلم البواقي .. تخير بين الكل؛ لأنها في حالة الاجتماع في الإسلام كانت أمة. انتهى. وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه الصواب. 3644 - قول "المنهاج " [ص 389]: (والاختيار: "اخترتك"، أو "قررت نكاحك"، أو ¬

_ (¬1) انظر "الوجيز" (2/ 21)، و"فتح العزيز" (8/ 111)، و"الروضة" (7/ 160، 161). (¬2) مشكل الوسيط (5/ 146).

"أمسكتك"، أو "ثبتك")، قال الرافعي بعد ذكر هذه الألفاظ وغيرها: وكلام الأئمة يقتضي أن الكل صريح، لكن الأقرب: أن (اخترتك)، و (أمسكتك) من غير تعرض للنكاح كناية. انتهى (¬1). فعلى ما رجحه الرافعي قد خلط "المنهاج" ألفاظ الصريح بالكناية، ومقتضى هذا الكلام: صحة الاختيار بالكناية، وقد منعه الروياني؛ لأنه كالابتداء، وينبغي إن جعل كالدوام مجيء خلاف كالرجعة بها. وفي بعض نسخ "المحرر": (اخترتك) (¬2) كما في "المنهاج"، وفي بعضها: (اخترت) بغير كاف؛ أي: اخترت أو قررت نكاحك، فيكون حذف مفعول الأول لدلالة الثاني، والتقدير: اخترت نكاحك، فزاد "المنهاج" الكاف؛ فصار كناية. 3645 - قول "التنبيه" [ص 164]: (وإن وطئها .. فقد قيل: هو اختيار، وقيل: ليس باختيار) الأصح: أنه ليس باختيار، وعليه مشى "الحاوي" (¬3). 3646 - قول "المنهاج" [ص 389]: (ولا يصح تعليق اختيارٍ ولا فسخٍ) محله: ما إذا أراد بالفسخ الحل بلا طلاق، فإن أراد به الطلاق .. جاز تعليقه، وهو داخل في قوله قبل ذلك: (والطلاق اختيار) (¬4) فإنه يتناول الصريح والكناية والمنجز والمعلق، وقد صرح به "الحاوي" فقال [ص 467]: (والطلاق وإن علق) ثم قال: (لا الاختيار) أي: لا يصح تعليقه، ثم قال: (والفسخ بتفسيره) (¬5) والظاهر أنه معطوف على الطلاق؛ أي: أن الفسخ إذا كان بتفسير الطلاق .. فهو تعيين، ويصح تعليقه، ويجوز أن يكون معطوفاً على الاختيار؛ أي: أن الفسخ بتفسير الاختيار؛ أي: اختيار الفراق لمجرد الحل لا يصح تعليقه. 3647 - قول "المنهاج" [ص 389]: (ولو حصر الاختيار في خمس .. اندفع من زاد) مثال؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 468]: (وجاز الحصر في بعض). 3648 - قول "المنهاج" [ص 389]: (وعليه التعيين) يحتمل أنه من تمام ما قبله؛ أي: تعيين أربع من الخمس، ويوافقه قول "المحرر": (فيندفع غيرهن ويؤمر بالتعيين فيهن) (¬6)، وأيضاً: فإن وجوب التعيين قد تقدم أول الفصل في قوله: (لزمه اختيار أربع) (¬7)، ويحتمل أنه كلام مبتدأ ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (8/ 119). (¬2) المحرر (ص 303). (¬3) الحاوي (ص 467). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 389). (¬5) انظر "الحاوي" (ص 467). (¬6) المحرر (ص 303). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 388).

يشمل هذه وغيرها، ويؤيده أن النووي عمل بخطهِ فاصلة قبله، وأنه عطف عليه (¬1). 3649 - قوله: (ونفقتهن حتى يختار) (¬2) وهذا لم يتقدم ذكره؛ فجعله مستأنفاً شاملاً لهذه المسألة، وغيرها أولى. 3650 - قول "التنبيه" [ص 164]: (فإن لم يفعل - أي: الاختيار - أجبر عليه) لم يبين كيفية الإجبار، وفي "المنهاج" [ص 389]: (فإن ترك الاختيار .. حبس) وفي "الحاوي" [ص 468]: (وحبس له، وعزر إن أصر)، قال الأصحاب: ويعزر ثانياً وثالثاً ... وهكذا حتى يختار بشرط تخلل مدة يبرأ بها عن ألم الأول، وهذا الذي ذكره الأصحاب من وجوب الاختيار تمسكوا فيه؛ لورود الأمر في حديث غيلان. وقال السبكي: الذي أفهمه منه: أن "أمسك" للإباحة و"فارق" للوجوب (¬3)، لحقهن في رفع الحبس عنهن، ولمنع الجمع بين العشرة؛ فإنه الحرام، والواجب ضده، فالسكوت مع الكف عن الكل لا محذور فيه، إلا إذا طلبن إزالة الحبس .. فيجب كسائر الديون، وإلا .. لم يجب، فينبغي حمل كلامهم عليه. انتهى. 3651 - قول "الحاوي" [ص 468]: (فإن مات قبله .. اعتدت كل الأقصى) أي: اعتدت كل واحدة الأقصى من عدتي الفراق والوفاة، محله: في غير الحامل إذا كانت مدخولاً بها ذات أقراء، فأما الحامل .. فتعتد بوضع الحمل، وأما غير المدخول بها وذات الأشهر .. فتعتد عدة الوفاة، وقد ذكر ذلك "المنهاج" فقال [ص 389]: (اعتدت حامل به، وذات أشهر وغير مدخول بها بأربعة أشهر وعشر، وذات أقراء بالأكثر من الأقراء وأربعة أشهر وعشر) واعلم: أن الأشهر معتبرة من موته، والأصح: اعتبار الأقراء من وقت إسلامهما إن أسلما معاً، والا .. فمن إسلام السابق. قال شيخنا الإمام البلقيني: والمراد: الأكثر من أربعة أشهر وعشر وما بقي من الأقراء، صرح به البغوي (¬4)، وهو ظاهر. 3652 - قولهما - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ويوقف نصيب زوجات حتى يصطلحن) (¬5) محله: إذا كن مسلمات، فإن كن كوافر .. فلا وقف، فلو أسلم معه أربع وتخلف أربم كتابيات .. فالأصح: لا وقف أيضاً، بل تقسم التركة بين غيرهن من الورثة؛ لأن استحقاق الزوجات غير ¬

_ (¬1) انظر "الروضة" (7/ 147). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 389). (¬3) يعني به قوله صلى الله عليه وسلم لغيلان الثقفي فيما أخرجه ابن حبان (4157) وغيره عن سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما: "أمسك أربعاً، وفارق سائرهن". (¬4) انظر "التهذيب" (5/ 407). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 164)، و "المنهاج" (ص 389).

فصل [في إسلام أحد الزوجين]

معلوم، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 468]: (أو تخلف أربع كتابيات) ووجه مقابله: أن استحقاق غيرهن من الزائد غير معلوم، وارتضاه ابن الصباغ. قال الرافعي: وهو قريب من القياس (¬1)، وقال النووي: المختار المقيس هو الأول (¬2). وادعى في "التوشيح" أن عبارة "التنبيه" أحسن من عبارة "المنهاج" لإفصاحه بأن موته قبل الاختيار، وليس كذلك؛ فـ "المنهاج" أيضاً إنما ذكر كلامه هذا بعد قوله: (فإن مات قبله) أي: قبل الاختيار، وإن عبارة "المنهاج" أحسن؛ لدلالتها على أن شرط الوقف: أن يكن وارثات، وليس كذلك، بل عبارتهما في ذلك سواء، والله أعلم. 3653 - قول "الحاوي" [ص 468]: (وجاز بالتفاوت) يستثنى منه: ما إذا كان فيهن طفلة أو مجنونة وصالح عنها وليها .. فلا يجوز مع التفاوت، والأصح: أن له النقص في الصلح عن ربع الموقوف، لكن لا ينقص عن ثمنه. فَصْلٌ [في إسلام أحد الزوجين] 3654 - قول "المنهاج" [ص 389]: (ولو أسلمت أولًا فأسلم في العدة أو أصر .. فلها نفقة العدة على الصحيح)، عبر في "الروضة": بالمشهور، وقيل: الصحيح (¬3)، فرجح كون الخلاف قولين، فإن قيل: لو أسلمت قبل الدخول .. سقط المهر مع إحسانها. قلت: قال المتولي: المهر عوض العقد فسقط بتفويت العاقد معوضه وإن كان معذوراً؛ كأكل البائع المبيع مضطراً، والنفقة للتمكين، وإنما يسقط للتعدي، ولا تعدي هنا. 3655 - قول "التنبيه" في (النفقات) [ص 208]: (وإن ارتدت .. سقطت نفقتها، فإن أسلمت قبل انقضاء العدة .. فقد قيل: لا تستحق، وقيل: على قولين) الأصح: القطع بأنها لا تستحق، وبه جزم "المنهاج" (¬4)، وعليه مشى "الحاوي" بقوله [ص 468]: (وردتها). وقال الرافعي: إنه لا يجيء هنا القول المتقدم (¬5)، واعترضه النووي بأن في "المهذب" وغيره طريقين، أحدهما: طرد القولين (¬6)، وهو الذي نقلناه عن "التنبيه". ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (8/ 125). (¬2) انظر "الروضة" (7/ 171). (¬3) الروضة (7/ 172). (¬4) المنهاج (ص 389). (¬5) انظر "فتح العزيز" (8/ 128). (¬6) انظر "الروضة" (7/ 172).

باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد

باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد 3656 - قولهم: (إذا وجد أحد الزوجين بالآخر جنوناً) (¬1) يتناول المتقطع، وهو كذلك، قال الإمام: ولم يتعرضوا لاستحكامه ولم يراجعوا الأطباء في إمكان زواله، ولو قيل به .. لم يبعد (¬2). 3657 - قولهم: (أو جذاماً أو برصاً) (¬3) يتناول المستحكم وغيره، لكن قال الشيخ أبو محمد: إن أوائل البرص والجذام لا يثبت الخيار، وإنما يثبت إذا استحكما، وتبعه ابن الرفعة، قالا: والاستحكام في الجذام يكون بالتقطع، وتردد الإمام في ذلك، وجوز الاكتفاء باسوداده، وحكم أهل المعرفة باستحكامه (¬4). 3658 - قولهم: (وإن وجدت المرأة زوجها عنيناً) (¬5) محله: في البالغ العاقل، فلا تسمع دعوى العنة من امرأة صبي أو مجنون؛ لأمور: منها: أن الفسخ يعتمد إقرار الزوج، وقولهما لغو، وقد صرح بذلك غير واحد، وهو واضح. 3659 - قولهم: (أو مجبوباً) (¬6) أي: مقطوع جميع الذكر أو بعضه، وبقي منه دون الحشفة، فإن بقي قدرها فأكثر .. فلا خيار على المذهب، كما في "الروضة" وأصلها (¬7)، وقال بعضهم: صواب العبارة: أن يبقى منه ما يمكن أن يولج منه قدر الحشفة، صرح به جماعة، وصحح الماوردي عدم الخيار فيما إذا بقي ما يقدر على إيلاجه، ولم يقيده بقدر الحشفة (¬8). 3660 - قول "التنبيه" [ص 163]: (وإن جب بعض ذكره وبقي ما يمكن الجماع به فادعى أنه يمكنه الجماع به .. فقد قيل: القول قولها، وقيل: قوله) هذا الثاني هو الأصح، ويرد على حصرهم العيب المختص بالمرأة في الرتق والقرن ثالثٌ ذكره الرافعي في (الديات)، فحكى عن الغزالي: أنه إذا كانت المرأة لا تحتمل الوطء إلا بالإفضاء؛ لضيق المنفذ بحيث يخالف العادة .. فله الخيار كما في الجب، قال: والمشهور من كلام الأصحاب - وقد تقدم في (الصداق) -: أنه لا فسخ بمثل ذلك، ثم قال: ويشبه أن يقال: إن احتملت وطء نحيف مثلها .. فلا فسخ، وإن ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 162)، و"الحاوي" (ص 469)، و"المنهاج" (ص 390). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (12/ 409، 410). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 162)، و"الحاوي" (ص 469)، و"المنهاج" (ص 390). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (12/ 408). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 162)، و"الحاوي" (ص 469)، و"المنهاج" (ص 390). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 162)، و"الحاوي" (ص 469)، و"المنهاج" (ص 390). (¬7) فتح العزيز (8/ 161)، الروضة (7/ 195). (¬8) انظر "الحاوي الكبير" (9/ 340).

كان ضيق المنفذ، بحيث يحصل به الإفضاء من كل واطئ .. فهذا كالرتق، وينزل ما قاله الأصحاب على الحالة الأولى، وما ذكره الغزالي على الثانية (¬1). قال في "المهمات": وهذا التوسط الذي ذكره في المرأة لا شك في جريانه في الرجل أيضاً. انتهى. وفهم من قولهما: (وجد) (¬2) أن محل الخيار: إذا جهل أحدهما عيب الآخر، فإن علم به .. فلا خيار له، وصرح بذلك "الحاوي" (¬3)، ولو زاد العيب الذي رضىِ به في الأصح؛ فإن رضاه به رضاً بما يتولد منه. واستثنى في "الكفاية" عن "التتمة": ما إذا حدث ذلك العيب بمكان آخر، وقد يقال: لا استثناء؛ فإنه عيب آخر، ولا يثبت الخيار أيضاً فيما إذا لم يعلم بالعيب إلا بعد موت المعيب في الأصح؛ لانتهاء النكاح بالموت، ولا فيما إذا علم بالعيب بعد زواله؛ لانتفاء الضرر، وقد ذكرهما "الحاوي" (¬4). 3661 - قول "التنبيه" [ص 162]: (وإن وجد أحدهما بالآخر عيباً من هذه العيوب وبه مثله .. فقد قيل: يفسخ، وقيل: لا يفسخ) الأصح: الفسخ، وعليه مشى "المنهاج"، وهو ظاهر إطلاق "الحاوي" (¬5)، والمراد: مماثلته له في الجنس والقدر والمحل والفحش. قال الرافعي: فإن كان أحدهما أكثر أو أفحش .. وجب أن يثبت الخيار من غير خلاف، وقد ذكر ذلك بحثاً (¬6)، وقد حكاه ابن الرفعة عن القاضي حسين نقلاً، وعليه يدل تعبير "التنبيه" و"المنهاج"، بالمثل (¬7). قال الرافعي والنووي: وهذا في غير الجنون، أما إذا كانا مجنونين .. فلا يمكن إثبات الخيار لواحد منهما (¬8)، واعترضه ابن الرفعة: بأنه يمكن في المنقطع حال الإفاقة. قال في "المهمات": لا شك أن الرافعي ذهل عن ثبوت الخيار بالمنقطع. قلت: المنقطع لا يوصف حال الإفاقة بالجنون، فما أراد الرافعي فيما يظهر إلا المطبق. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (10/ 408). (¬2) انظر "التنبيه" (162)، و"المنهاج" (390). (¬3) الحاوي (ص 469). (¬4) الحاوي (ص 469). (¬5) الحاوي (ص 469)، المنهاج (ص 390). (¬6) انظر "فتح العزيز" (8/ 136). (¬7) التنبيه (ص 162)، المنهاج (ص 390). (¬8) انظر "فتح العزيز" (8/ 136)، و"الروضة" (7/ 178).

وقال شيخنا ابن النقيب: يمكن أيضاً في المطبق للولي (¬1)، ويجري مثل هذا الخلاف فيما لو كان مجبوباً وهي رتقاء، وقطع بعضهم بالمنع؛ لعدم الطريق إلى الوطء. والله أعلم 3662 - قول "التنبيه" [ص 162]: (وإن وجد أحدهما الآخر خنثى .. ففيه قولان) الأظهر كما في "المنهاج": أنه لا خيار، وقيده بأن يكون واضحاً (¬2)، وهو من زيادته على "المحرر"، ولا بد منه؛ فإن المشكل لا يصح نكاحه، وقد صرح به "التنبيه" في (باب ما يحرم من النكاح) (¬3)، فلم يحتج إلى تقييده هنا، والأصح: أن محلهما: إذا اختار الذكورة بغير علامة فيزوج امرأة، أو عكسه؛ لأنه قد يخرج بخلافه، فإن اتضح بعلامة .. فلا خيار. 3663 - قول "التنبيه" [ص 162]: (وإن حدث العيب بالزوج .. كان لها أن تفسخ) يتناول الجب ولو كانت الزوجة هي الجابة لذكر زوجها، وهو الأصح يستثنى منه: العنة بعد الدخول .. فلا خيار بها، كما صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬4). 3664 - قول "التنبيه" [ص 162]: (وإن أرادت أن تتزوج بمجذوم أو أبرص .. فقد قيل: له منعها، وقيل: ليس له منعها) الأصح: الأول، وهو موافق لتصحيح "المنهاج": أن الولي يتخير بمقارن جذام وبرص (¬5)، فمسألة "التنبيه" في المنع من ابتداء النكاح، ومسألة "المنهاج" في فسخه بعد عقده، وقد ذكر "الحاوي" المسألتين فقال [ص 469]: (وللولي بالعام المقارن؛ كمنع النكاح). 3665 - قول "التنبيه" [ص 162]: (ولا يصح الفسخ بهذه العيوب إلا على الفور)، و"المنهاج" [ص 390]: (والخيار على الفور) المراد به إن صح: المطالبة والرفع إلى الحاكم على الفور. 3666 - قولهم: (والفسخ قبل دخولٍ يُسقط المهر) (¬6) يتناول فسخه بعيبها وفسخها بعيبه: واستشكل السبكي الأول، وقال: هلاَّ تشطر كتطليقه، وكونه بسببها معارض بفسخها بعيبه، فإما أن يحال على المباشرة .. فيتشطر إذا فسخ، ويسقط إذا فسخت، أو على السبب .. فبالعكس. وأجاب: بأن المهر منه في مقابلة منفعتها، ولا عوض منها مقابلاً لمنفعته، وهذا يقتضي عدم فسخها، لكن أثبته الشرع على خلاف القاعدة دفعاً لضررها مع سلامة ما عقدت عليه، وهو ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (6/ 83). (¬2) المنهاج (ص 390). (¬3) التنبيه (ص 160). (¬4) الحاوي (ص 469)، المنهاج (ص 390). (¬5) المنهاج (ص 390). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 162)، و "الحاوي" (ص 470)، و"المنهاج" (ص 390).

العوض، فترده كما عاد بضعها سالماً، وأما فسخه: فعلى القاعدة المقتضية رد العوضين. 3667 - قول "المنهاج" [ص 390]: (وبعده .. الأصح: أنه يجب مهر مثل إن فسخ بمقارن) عبارة "الروضة": (الصحيح المنصوص) (¬1)، ولم يبين "المنهاج" مقابله - وهو قول مخرج -: أنه المسمى، ووجه: أنه إن فسخ بعيبها .. فمهر المثل، أو فسخت بعيبه .. فالمسمى. قال شيخنا ابن النقيب: وهذا الذي لا يتجه غيره؛ لأنه بذل المسمى في التمتع بسليمة، وقد استوفاه، فلم يعدل عنه إلى مهر المثل؛ اللهم إلا أن يقال: إنما رضيت بهذا المسمى لظنها سلامته، ومهر مثلها أكثر منه، وحيئنذ .. فينبغي وجوب الأكثر منهما (¬2). 3668 - قول "التنبيه" [ص 162]: (وإن كان بعيب حدث قبل الوطء .. سقط المسمى ووجب مهر المثل) يقال: كيف يتمكن من الفسخ بعد الوطء واشتغاله بالوطء مفوت للفور؟ وجوابه: أن صورة المسألة أنه وطء غير عالم بحدوث العيب؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 390]: (أو بحادث بين العقد والوطء جهله الواطئ) ثم إن هذا مفرع على الجديد: في أن له الفسخ بعيبها الحادث، فإن قيل: الفسخ إن رفع العقد من أصله .. فليجب مهر المثل بكل حال، أو من حينه .. فالمسمى كذلك، فما وجه التفصيل؟ قلت: أجاب عنه السبكي بأن اختيارنا هنا وفى (الإجارة) أنه يرفعه من حين حدوث سببه لا من أصل العقد ولا من حين الفسخ؛ فيستقيم التفصيل المذكور؛ ولأن المعقود عليه فيهما المنافع، وهي لا تقبض حقيقة إلا بالاستيفاء، بخلاف البيع، فإن القبض فيه مقرر وفسخه بالردة والرضاع والإعسار من حينه. 3669 - قول "التنبيه" [ص 162]: (وهل يرجع به على من غره؟ فيه قولان) فيه أمور: أحدها: أن الجديد: أنه لا رجوع كما ذكره "المنهاج"، ومشى عليه "الحاوي" (¬3). ثانيها: الظاهر أن الضمير في قوله: (به) يعود على مهر المثل؛ لأنه أقرب مذكور قبله، وكذا في "التتمة"، وقال: إن غرم المسمى .. فلا رجوع جزماً؛ لأنه سلم له بدل ما ملكه بالعقد وهي الوطأة الأولى، وسوى البغوي بينهما (¬4)، وهو الأصح في "أصل الروضة" (¬5) ولذلك أطلق "المنهاج" المهر (¬6)، فتناول المسمى ومهر المثل. ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 186). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (6/ 87). (¬3) الحاوي (ص 470)، المنهاج (ص 390). (¬4) انظر "التهذيب" (5/ 455، 456). (¬5) الروضة (7/ 181). (¬6) المنهاج (ص 390).

ثالثها: محل الخلاف: في العيب المقارن، أما الحادث: فلا رجوع به جزماً؛ لعدم التغرير. رابعها: دخل في قوله: (من غره) الولي والزوجة دون غيرهما؛ فانه غير عاقد ولا معقود عليه، وصوّر في "التتمة" التغرير منها: بأن تسكت عن ذكر عيبها، ويظهر للولي معرفة الخاطب به، وصوّره أبو الفرج الزاز: بأن تعقد بنفسها ويحكم به حاكم، ثم لفظ الرجوع الذي استعمله الأصحاب يشعر بالدفع إليها ثم الاسترداد منها، لكن ذكر الشيخ أبو حامد والإمام: أنه لا معنى لذلك (¬1)، ومعنى الرجوع: عدم الغرم لها، لكن هل يجب لها أقل ما يصلح أن يكون مهراً؟ وجهان، أصحهما في زيادة "الروضة": لا (¬2). وقال شيخنا الإمام البلقيني: الظاهر مقابله، وحكاه عن صاحب "البيان" (¬3)، فلو كان الولي جاهلاً بالعيب .. ففي الرجوع عليه وجهان. محلهما: في غير المحرم؛ كابن العم والمعتق والقاضي. 3670 - قول "التنبيه" [ص 162]: (ولا يجوز إلا بالحاكم) قد يفهم تعينه للفسخ، وهو وجه حكاه في "الذخائر"، والمشهور خلافه، والمراد: تعين الرفع إلى الحاكم؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 391]: (ويشترط في العنة رفعٌ إلى حاكم وكذا سائر العيوب في الأصح)، وكذا عبر "الحاوي" بالرفع إلى حاكم (¬4). قال الرافعي: وعلى الوجهين يجوز التأخير إلى أن يفسخ عند القاضي (¬5). 3671 - قول "المنهاج" [ص 391]: (وتثبت العنة بإقراره أو ببينة على إقراره) قد يقال: العمل بالبينة على إقراره عمل بإقراره؛ فهو داخل في الإقرار المذكور أولاً؛ ولذلك اقتصر "التنبيه" و"الحاوي" على الإقرار بالعنة (¬6). وجوابه: أن المراد: إقراره عند الحاكم حين الدعوى، فلم يتناول البينة على إقراره، ولم يذكر "التنبيه" ثبوته باليمين المردودة بعد نكوله، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬7) ولعله سكت عنه؛ لأنه في معنى الإقرار. ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (12/ 417). (¬2) الروضة (7/ 182). (¬3) البيان (9/ 298). (¬4) الحاوي (ص 472). (¬5) انظر "فتح العزيز" (8/ 165). (¬6) التنبيه (ص 163)، الحاوي (ص 472). (¬7) الحاوي (ص 472)، المنهاج (ص 391).

قال أصحابنا: ولها أن تحلف إذا بانت لها عنته بالقرائن والممارسة. 3672 - قول "التنبيه" [ص 163]: (وإذا أقر بالتعنين .. أجل سنة من يوم المرافعة) إنما يكون ابتداؤها من ضرب القاضي المدة بعد ثبوته؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 391]: (وإذا ثبتت .. ضرب له القاضي سنة) وإنما يكون ضرب المدة بعد طلبها، كما صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، ويكفى فيه قولها: (أنا طالبة حقي على موجب الشرع) وإن جهلت تفصيل الحكم، فلو سكتت .. لم يضرب، إلا إن يحمل القاضي سكوتها على دهش أو جهل .. فلا بأس بتنبيهها. 3673 - قول "المنهاج" [ص 391]: (فإذا تمت - أي: من غير وطء - رفعته إليه)، وقال الماوردى: لو سكتت بعد مضي السنة مدة لم ترفعه إلى الحاكم .. لم يبطل حقها من الفسخ، فلها بعد ذلك رفعه (¬2). 3674 - قول "التنبيه" [ص 163]: (فإن جامعها - وأدناه: أن يغيب الحشفة في الفرج - .. سقطت المدة) المراد: القبل، قال في "التهذيب": وهذا في الثيب، أما البكر: فلا بد من الافتضاض (¬3)، قال الرافعي: وهذا يدل على أن الافتضاض لا يحصل بتغييبها، وتغييب قدر الحشفة من مقطوعها كتغييب الحشفة على الأصح، كنظائره (¬4). 3675 - قول "المنهاج" [ص 391]: (فإن قال: "وطئت" .. حُلف) يستثنى منه: ما إذا شهد أربع من القوابل بأنها باقية على بكارتها .. فالقول قولها مع يمينها، وقد ذكره "التنبيه" و"الحاوي" (¬5). وإيجاب يمينها هو المرجح في "الشرح الصغير"، وليس في "الروضة" وأصلها تصريح بترجيح، وفيهما: أن ظاهر النص عدم التحليف (¬6)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إن ظاهر النص: تحليفها. 3676 - قول "المنهاج" [ص 391]: (فإن نكل .. حُلفت) قال الرافعي - وتبعه في "الروضة" -: وفيه الخلاف الذي سبق (¬7)، يعني: في قول "المنهاج" [ص 391]: (وكذا بيمينها ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 472)، المنهاج (ص 391). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (9/ 374). (¬3) التهذيب (5/ 466). (¬4) انظر "فتح العزيز" (8/ 164). (¬5) التنبيه (ص 163)، الحاوي (ص 472). (¬6) فتح العزيز (8/ 168، 169)، الروضة (7/ 202). (¬7) انظر "فتح العزيز" (8/ 169)، و"الروضة" (7/ 202).

بعد نكوله في الأصح) وفي مجيئه نظر؛ فإنها تحلف هناك على العنة التي مستندها فيها قرائن الأحوال وقد تتخلف، وهنا على ترك الوطء وهو محسوس، فكيف يأتي الخلاف؟ ذكره السبكي، وتعجب من الرافعي كيف وقع منه هذا؟ وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم أر من ذكر هذا الخلاف، ولكن إذا نظر إلى احتمال أن يطأها نائمة .. أمكن أن يأتي خلاف ضعيف، لكنه لا ينظر إلى إنكاره في الشريعة .. فسقط. قلت: لعل أصل الخلاف في الموضعين أن اليمين المردودة كالإقرار .. فيحلف، أو كالبينة .. فلا يحلف؛ لأن كلأ من العنة وعدم الوطء لا يمكن إقامة البينة عليه. 3677 قول "الحاوي" [ص 472]: (والقول لنافي الوطء لا إن أتت بولد ولم يلاعن وفي العنة والإيلاء) كذا حكاه الرافعي والنووي عن الأئمة (¬1)، ويرد عليه مسائل: الأولى: إذا تزوجها بشرط البكارة فقالت: زالت بوطئك .. فالقول قولها بيمينها؛ لدفع الفسخ، وقوله بيمينه؛ لدفع كمال المهر، حكاه الرافعي عن البغوي، وأقره (¬2). الثانية: إذا قال لطاهر: أنت طالق للسُّنَّةِ، ثم قال: لم يقع؛ لأني جامعتك فيه، وأنكرت .. قال إسماعيل البوشنجي: مقتضى المذهب: قبول قوله؛ لبقاء النكاح، حكاه عنه الرافعي (¬3)، وأجاب بمثله القاضي في "فتاويه" فيما إذا قال: (إن لم أنفق عليك اليوم .. فأنت طالق) ثم ادعى الإنفاق .. فيقبل؛ لعدم الطلاق لا لسقوط النفقة، لكن في "فتاوى ابن الصلاح": أن الظاهر الوقوع في هذه المسألة (¬4). الثالثة: إذا ادعت المطلقة ثلاثاً أن الزوج الجديد أصابها .. قُبل؛ لتحل للمطلق، لا لاستقرار المهر، ذكره الرافعي في التحليل (¬5). الرابعة: إذا عتقت تحت عبد وقلنا بالخيار إلى الوطء فادعاه وأنكرت .. ففي المصدق وجهان في الرافعي بلا ترجيح؛ لتعارض الأصلين: بقاء النكاح، وعدم الوطء (¬6). 3678 قول "المنهاج" [ص 391]: (فإن حلفت أو أقر .. استقلت بالفسخ) يشترط على الأصح بعد حلفها أو إقراره: أن يقول القاضي: ثبتت العنة أو حق الفسخ، فاختاري، ولم يتعرض لذلك "الحاوي" أيضاً (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (8/ 168)، و"الروضة" (7/ 203). (¬2) انظر "فتح العريز" (8/ 169). (¬3) انظر "فتح العزيز" (8/ 506). (¬4) فتاوى ابن الصلاح (2/ 450، 451) مسألة (411). (¬5) انظر "فتح العزيز" (8/ 54). (¬6) انظر "فتح العزيز" (8/ 160). (¬7) الحاوي (ص 472).

3679 - قول "المنهاج" [ص 391]: (ولو اعتزلته أو مرضت أو حبست في المدة .. لم تحسب) يتناول ما إذا استغرق ذلك المدة، وما إذا وجد في بعضها وزال، وقد قال الرافعي في الصورة الثانية: القياس استئنافها، أو مضي ذلك الفصل من قابل (¬1). قال ابن الرفعة: وفيه نظر؛ لأنه يلزم منه الاستئناف أيضاً؛ فلعل المراد: أنه لا يمتنع انعزالها عنه في غيره من السنة الأخرى بخلاف الاستئناف. 3680 - قول "الحاوي" [ص 472]: (لا إن رضيت) أي: بالمقام معه، فإنه يسقط خيارها. محله: إذا كان الرضا بعد انقضاء المدة، أما لو رضيت قبل ضربها، أو في أثنائها .. فإنه لا يسقط حقها من الفسخ بعد المدة في الأصح؛ ولذلك قال "التنبيه" [ص 163]: (وإن اختارت المقام معه قبل انقضاء الأجل .. لم يسقط خيارها على المنصوص) و"المنهاج" [ص 391]: (ولو رضيت بعدها به .. بطل حقها) فذكر كل منهما إحدى الحالتين بالمنطوق والأخرى بالمفهوم، وقوله: (بعدها) (¬2) من زيادته على "المحرر". 3681 - قول "الحاوي" [ص 469]: (وعنة قبل الوطء) أي: في ذلك النكاح، فلو وجد الوطء في نكاح سابق .. لم يمنع الفسخ، وقد ذكره بعد ذلك بقوله: (أو وطئ في نكاح سابق) (¬3). 3682 - قول "التنبيه" [ص 163]: (وإن تزوج امرأة وشرط أنه حر فخرج عبداً .. فهل يصح النكاح؟ فيه قولان) ثم قال: (وإن شرط أنها حرة فخرجت أمة .. ففيه قولان) (¬4) فيه أمور: أحدها: الأظهر: صحة النكاح في الصورتين كما ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬5). ثانيها: قد يفهم منه اختصاص ذلك بشرط الحرية، وليس كذلك، وقد قال "الحاوي" [ص 470]: (وخلف شرط الإسلام والنسب والحرية)، فزاد: الإسلام والنسب، وقد يفهم اختصاصه بما ذكر أو بصفة كمال، وليس كذلك؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 391]: (ولو نكح وشرط فيها إسلامٌ، أو في أحدهما نسب أو حرية، أو غيرهما فأُخلف .. فالأظهر: صحة النكاح) فدخل تحت قوله: (غيرهما) بقية الأوصاف، وقد يتوقف في ذلك؛ لأنه لا عموم فيه، فأحسن منه قول "التصحيح": وأنه إذا شرط في أحدهما وصف فخرج أعلى منه أو أنزل .. صح النكاح (¬6)، ومع ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (8/ 166). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 391). (¬3) الحاوي (ص 472). (¬4) التنبيه (ص 163). (¬5) الحاوي (ص 470)، المنهاج (ص 391). (¬6) تصحيح التنبيه (2/ 28).

ذلك فقد يفهم اختصاص الخلاف بشرط صفة كمال أو نقص، وليس كذلك؛ فإنه مطرد في شرط ما لا يتعلق به كمال ولا نقص، ويدل على أن "التنبيه" أراد التمثيل بشرط الحرية دون التقييد: أنه حكى القولين بعد ذلك فيما إذا تزوج امرأة وشرط أنها أمة فخرجت حرة، أو على أنها كتابية فخرجت مسلمة (¬1). ثالثها: لا يخفى أن محل الخلاف فيما إذا شرط أنه حر فخرج عبداً: أن يكون السيد أَذِنَ له في النكاح، وإلا .. لم يصح قطعاً، وقال الفارقي: المسألة مفروضة فيما إذا عينت الزوج وشرطت صفته، وكذا قال صاحب "الوافي": إن محل الخلاف فيما إذا أذنت في التزويج من معين، فإن أذنت في التزويج من غير معين لكنه متصف بصفة مخصوصة فخرج على خلافها .. بطل العقد قطعاً، وتعليل "المهذب" يرشد لذلك (¬2). رابعها: ولا يخفى أن محل الخلاف في الصورة الثانية: فيما إذا كان المزوج السيد والزوج ممن يحل له نكاح الأمة، وأطلق "الحاوي" (¬3) خلف شرط الإسلام، ولا يخفى أن محله فيما إذا شرط فيه: أن تكون كتابية، فلو كانت مسلمة فأخلف .. لم يصح قطعاً، وفيما إذا شرط فيها: أن يظهر كونها كتابية؛ فلو بانت وثنية .. لم يصح جزماً. واقتضى كلام "المنهاج" أن اشتراط الإسلام فيه لا يتصور فيه الصحة مع خلف الشرط، وقد عرفت تصويره بأن تكون كتابية، وأطلق "الحاوي" ثبوت الخيار بخلف شرط الإسلام والنسب والحرية (¬4)، وفصّل "المنهاج" فقال [ص 391]: (ثم إن بان خيراً مما شرط .. فلا خيار، وإن بان دونه .. فلها خيار وكذا له في الأصح)، وكلام "التنبيه" يوافقه؛ فإنه جزم بثبوت الخيار لها فيما إذا شرط أنه حر فخرج عبداً تفريعاً على الصحة، وصحح ثبوته له فيما إذا خرجت أمة، لكنه حكى الخلاف في ذلك قولين (¬5)، وهو في "المنهاج" وجهان (¬6)، وجزم بعدم الخيار فيما إذا شرط أنها أمة فخرجت حرة، أو كتابية فخرجت مسلمة، وفي "أصل الروضة" فيما إذا بان دونه .. أن الغزالي أطلق في ثبوت الخيار قولين، وقال سائر الأصحاب: إن شرط فيه نسب شريف فأخلف بدونه وهو دون نسبها .. فلها ولأوليائها الخيار، كان كان مثل نسبها أو فوقه .. فلا خيار لها في ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 163). (¬2) المهذب (2/ 50). (¬3) الحاوي (ص 470). (¬4) الحاوي (ص 470). (¬5) التنبيه (ص 163). (¬6) المنهاج (ص 391).

الأظهر، وقيل: قطعاً (¬1)، وهذا التصحيح إنما حكاه الرافعي عن البغوي (¬2)، لكنه أرسله في "الشرح الصغير"، ورجح الشافعي رضي الله عنه ثبوت الخيار فقال: إنه أشبه القولين، وبه أقول، حكاه شيخنا الإمام البلقيني. وإن أخلف نسب الزوجة .. فالأصح: أنه كعكسه، فيثبت له إن كان دون نسبه، وإلا .. ففيه القولان، وقيل: لا خيار له قطعاً، كان شرطت حريته فخرج عبداً وهي حرة .. فلها ولأوليائها الخيار، أو أمة .. فوجهان، وقيل: يثبت قطعاً، قال الإمام والمتولي: والخيار لسيدها دونها عكس العيوب؛ لأن له إجبارها على نكاح عبد لا معيب (¬3)، وإن شرط حريتها فخرجت أمة .. فله الخيار إن كان حراً دون ما إذا كان عبداً على المذهب. ويرد ذلك على "التنبيه" فإنه أطلق تصحيح ثبوت الخيار له ثم قال [ص 163]: (وقيل: إن كان الزوج عبداً .. فلا خيار له قولاً واحداً والأول أصح). انتهى. وإن شرطت في الزوج صفة أخرى فبان دونها .. فلها الخيار، وإن شرطت فيها .. ففي ثبوت الخيار له قولان؛ لتمكنه من الطلاق، قال في "الروضة" من زيادته: الأظهر: ثبوته (¬4). 3683 - قول "التنبيه" [ص 163]: (وإن تزوج امرأة وبان أنها أمة وهو ممن يحل له نكاح الأمة، أو بأن أنها كتابية .. فقد قيل: فيهما قولان، أحدهما: أن له الخيار، والثاني: أنه لا خيار له، وقيل: في الأمة لا خيار له، وفي الكتابية يثبت له الخيار) الطريقة الثانية هي النص فيهما، لكن الأرجح: الطريقة الأولى، وأظهر القولين: عدم الخيار، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 391]: (ولو ظنها مسلمة أو حرة فبانت كتابية أو أمة وهي تحل له .. فلا خيار في الأظهر) و"الحاوي" فقال [ص 470]: (لا خلف الظن) وتعبيرهما بالظن لا بد منه، وأهمله "التنبيه"، ودخل في عبارة "الحاوي" ما لو ظنته كفئاً فاذنت في تزويجها منه فبان غير كفء، لفسق أو دناءة نسب أو حرفة أو عيب أو رق. واقتضى كلامه: أنه لا خيار لها في جميع ذلك، وهو مقتضى إطلاق الغزالي، وفصّل "المنهاج" في ذلك فقال تبعاً لـ "المحرر" فيما إذا بان فسقه أو دناءة نسبه وحرفته: (لا خيار لها) وزاد: (أنه لو بان معيباً أو عبداً .. فلها الخيار) (¬5)، وقد ذكر الرافعي ذلك على طريق البحث، ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 184)، وانظر "الوجيز" (2/ 23). (¬2) انظر "التهذيب" (5/ 307)، "فتح العزيز" (8/ 145). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (12/ 453). (¬4) الروضة (7/ 185). (¬5) المحرر (ص 305)، المنهاج (ص 391).

لكن قال فيما لو بان عبداً: ليكن الحكم فيه كما لو نكحها ظاناً حريتها فبانت أمة، وقد تقدم أنه لا خيار فيه، قال: لكن جانب المرأة أولى بالخيار (¬1). وقال في "الروضة" من زيادته: هذا الذي ذكره الغزالي ضعيف، وفي "فتاوى" صاحب "الشامل": لو تزوجت حرة برجل نكاحاً مطلقاً فبان عبداً .. فلها الخيار، وذكر غيره نحوه، وأنكروا على الغزالي هذه المسألة، وذكر الرافعي قبيل (الصداق) عن "فتاوى القاضي حسين" فيما لو بان فاسقاً .. أنه يصح النكاح؛ لوجود الإشارة إلى عينه، وعن البغوي: أن لها الفسخ كما لو بان معيباً، قال: وعجب من الرافعي كيف قال هنا ما قال مع نقله عن البغوي هذا؟ ! (¬2) وقال السبكي: عجب كيف وافق في "المنهاج" الرافعي مع نقله هذا! انتهى. وفي "النهاية": لو بان غير كفء؛ أي: لدناءة نسبه كما أوضحه في أثناء كلامه .. فلا خيار اتفاقا، ولو بان عبداً .. ترددوا فيه (¬3). وهذا يوافق بحث الرافعي، وما نقله النووي عن "فتاوى" صاحب "الشامل" هو أيضًا في "الشامل" و"التتمة"، وعن الماوردي: لو اعتقدت فيه كمال الأحوال فبان بخلافه؛ فإن كان غير كفء .. خيرت، أو كفئاً .. فلا، إلا الرق .. فوجهان (¬4). قال السبكي: فالمراتب ثلاث: إحداها: فوات فضيلة لا خيار به اتفاقاً وإن ظن؛ كأنصارية ظنته قرشياً فبان أنصارياً. الثانية: أحد العيوب الخمسة تثبته كان لم يظن عدمه. الثالثة: ما يعد عيباً للنقص؛ كالدناءة والفسق والرق، فكلام البغوي يقتضي الخيار به، والرافعي مصرح بعدمه في الفسق والدناءة. وقال شيخنا الإمام البلقيني: ما ذكره الغزالي ليس بضعيف، وقد قال الشافعي في رواية "البويطي": وإذا تزوج العبد امرأة ولم يذكر لها الحرية ولا غيرها فقالت: ظننتك حراً .. فلا خيار لها، وقد قيل: لها الخيار. انتهى، قال شيخنا: وهذا هو المعتمد والصواب؛ لأنها قصرت بترك البحث، وحينئذ .. يرجح تشبيه الرافعي، وقد جزم "المنهاج" بخلافه، والمعتمد: نص صاحب المذهب. انتهى. 3684 - قول "التنبيه" في خلف الشرط [ص 163]: (وهل يرجع به على من غيره؟ فيه قولان) ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (8/ 147). (¬2) الروضة (7/ 185)، وانظر "التهذيب" (5/ 299)، و "فتح العزيز " (8/ 226). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (12/ 458). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (9/ 142).

الأظهر: لا، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 391]: (ومتى فُسخ بخلف .. فحكم المهر والرجوع به على الغار ما سبق في العيب). 3685 - قول "المنهاج" [ص 391]: (والمؤثر تغرير قارن العقد) فيه أمران: أحدهما: المراد: مقارنته للعقد مشروطاً فيه؛ فلو قارنه لا على سبيل الشرط فيه .. لم يؤثر. المراد: التأثير في بطلان النكاح على قول وثبوت الخيار على الأظهر؛ أما بالنسبة إلى الرجوع بالمهر على القديم .. فالتغرير السابق فيه كالمقارن، قاله الغزالي (¬1). وقال الإمام: لا يشترط وجوده بين الإيجاب والقبول، ولا صدوره من العاقد، وإنما يشترط اتصاله بالعقد، فلو قال: (هي حرة) ترغيباً في نكاحها ثم زوجها بوكالة متصلاً .. فتغرير، فلو لم يقصد الترغيب ثم اتفق العقد بعد أيام .. فلا، فإن قاله لا لترغيب واتصل، أو لترغيب وتراخى .. ففيه تردد (¬2). قال الرافعي: ويشبه ألاَّ يعثبر الاتصال كإطلاق الغزالي، والفرق بين بطلان العقد والرجوع: أن باب الضمان أوسع؛ بدليل رجوعه على قول بمجرد السكوت (¬3). قال ابن الرفعة: وقوله يحتاج إلى تأمل؛ لأن الرجوع إنما هو إذا قلنا ببطلان العقد، أو بالصحة والخيار .. ففسَخَ، أما لو لم يفسخ .. فالواجب المسمى ولا رجوع على أحد، فيلزم إذا ذكر قبل العقد، وقلنا: لا يؤثر .. أن العقد صحيح ولا خيار، ويجب المسمى بحكم دوام العقد؛ فلا رجوع، فلا وجه للتفرقة بين الرجوع وغيره، وأبلغ منه قول أبي الطيب وغيره: حيث وجب المسمى .. لا رجوع، فيشمل ذلك وغيره؛ لكن تقدم ترجيح التسوية بين الرجوع بالمسمى ومهر المثل. قال شيخنا ابن النقيب: وحاصله يرجع إلى أنه إنما يرجع إذا كان التغرير مقارناً، والله أعلم (¬4). 3686 - قول "الحاوي" [ص 470]: (والولد حر) أي: إن انعقد قبل العلم برقها كما صرح به "المنهاج" (¬5)، وكذا قول "التنبيه" [ص 163]: (وإن أتت بولد .. لزمه قيمته) محمول على ما إذا كان حراً؛ بأن أتت به لأقل من ستة أشهر من حين العلم. ¬

_ (¬1) انظر "الوسيط" (5/ 168). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (12/ 430، 431). (¬3) انظر "فتح العزيز" (8/ 149). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (6/ 100). (¬5) المنهاج (ص 391).

ويرد عليه وعلى قول "المنهاج" [ص 391]: (وعلى المغرور قيمته لسيدها): أنه قد يفهم إلزامه بدفع القيمة في الحال، ومحله: في الحر، أما العبد: فهي في ذمته إلى العتق في الأصح، وقد صرح به "الحاوي" (¬1). 3687 - قولهما: (ويرجع بها على الغار) (¬2) محله: بعد الغرم، كما صرح به "الحاوي" (¬3). 3688 - قول "المنهاج" [ص 391]: (والتغرير بالحرية لا يتصور من سيدها، بل من وكيله أو منها) لأنه إذا قال: هي حرة .. عتقت. قال ابن الرفعة: وهو يفهم أنه صريح في الإنشاء، وفيه نظر إن لم يقصده به؛ لأن هذه صيغة وصف لا إنشاء، وقد يكون الوصف صحيحاً إن سبقته الحرية، وقد لا إن لم تسبقه. انتهى. وقال في "المهمات": بل يتصور من السيد فيما لو كان اسمها حرة أو كانت مرهونة أو جانية وهو معسر، فزوجها بإذن المرتهن وشرط حريتها، أو أراد بالحرية العفة عن الزنا .. فإن ذلك صارف عن العتق، فهذه أربع صور. انتهى. وزاد في "التنقيح" خامسة، وهي: لو كان مالكها سفيهاً وزوجها بإذن وليه، وصوره الجيلي يقول السيد: هذه أختي، وفيه نظر؛ فإنه لا يدل على الحرية. وفهم من قول "التنبيه" [ص 163]: (لزمه قيمتة يوم الوضع): أنها لو وضعته ميتاً .. لم يلزمه شيء؛ لأنه لا قيمة له؛ ومحله: فيما إذا كان الوضع بغير جناية، فإن كان بجناية .. لزم عاقلة الجاني غرة الجنين، ويغرم المغرور عشر قيمة الأم للسيد؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 391]: (ولو انفصل الولد ميتاً بلا جناية .. فلا شيء فبه)، وأفصح به "الحاوي" فقال [ص 470]: (وبجنايةِ .. عُشر قيمة الأم). 3689 - قول "التنبيه" [ص 163]: (وإن تزوج عبد بأمة ثم أعتقت الأمة .. ثبت لها الخيار) كذا يثبت لها الخيار إذا كان الزوج مبعضاً، وتعبير "المنهاج" عن ذلك بقوله [ص 392]: (أو من فيه رق) أحسن من تعبير "الحاوي" بقوله [ص 471]: (تحت من مسه الرق) فإنه لا يلزم من ذلك وجود رقه حين عتقها. ويستثنى من ذلك: ما لو أعتقها مريض قبل الدخول، وهي ثلث ماله بالصداق .. فلا خيار لها؛ لأنها لو فسخت .. سقط مهرها، فيضيق الثلث عن الوفاء بها، فلا تعتق كلها؛ فلا يثبت الخيار، وقد استثناه "الحاوي" فقال [ص 471]: (لا عن مريض قبل الوطء وهي ثلث ماله). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 470). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 163)، و "المنهاج" (ص 391). (¬3) الحاوي (ص 470).

3690 - قول "التنبيه" [ص 163]: (وفي وقته ثلاثة أقوال، أحدها: أنه على الفور) هو الأظهر كما في "المنهاج "، وعليه مشى "الحاوي" (¬1)، والمراد: الفور المفصل في الرد بالعيب والشفعة. ويستثنى: خيار الصبية والمجنونة؛ فإنه يتأخر إلى تكليفهما، ولا يختار الولي شيئاً، وقد ذكره "الحاوي" (¬2). 3691 - قول "التنبيه" [ص 163]: (والثالث: أنه إلى أن يطأها) أي: باختيارها، أو يصرح بما يبطله، فإن وطئها مكرهة؛ بأن أمسك فاها .. لم يبطل خيارها، قال الصيدلاني: وليس الحكم مقصوراً على الوطء؛ بل متى وجد منها ما فيه دلالة الرضا؛ بأن يباشرها أو ينقلها إلى موضع أو يضاجعها وهي طائعة .. فذلك كله رضا منها، وكذا قال في "الذخائر": أنه يكتفي بالتمكين من الوطء، واختار السبكي هذا القول. 3692 - قول "الحاوي": [ص 471] (وجهل العتق عذرٌ) محله: ما إذا لم يكذبها ظاهر الحال؛ بأن تكون مقيمة مع سيدها في موضع واحد ولا غرض له في إخفاء ذلك؛ ولهذا قال " التنبيه" [ص 163]: (ومثله يجوز أن يخفى عليها)، وهو أحسن من قول "المنهاج" [ص 392]: (إن أمكن) فإن الامكان موجود مع تكذيب ظاهر الحال. 3693 - قول "التنبيه" [ص 163]: (وإن ادعت الجهل بالخيار .. ففيه قولان، أحدهما: يقبل، والثاني: لا يقبل) الأظهر كما في "المنهاج": القبول، وعليه مشى "الحاوي" (¬3)، وخص الماوردي الخلاف بمن يحتمل صدقها وكذبها، أما من علم صدقها؛ كالعجمية .. فقولها مقبول قطعاً، ومن علم كذبها بمخالطة الفقهاء .. فقولها غير مقبول قطعاً (¬4). 3694 - قول "الحاوي" [ص 471]: (لا بالعيب) أي: لا تعذر في الجهل بثبوت الخيار بالعيب، وهذا في عيب المبيع، أما عيب أحد الزوجين .. فالأصح: إلحاقه بادعاء الجهل بثبوت الخيار بالعتق. 3695 - قوله: (وعلى الفور) (¬5) أي: لا تعذر أيضاً في دعواها الجهل بكون خيار العتق على الفور مع علمها بثبوت أصل الخيار، كذا ذكره الغزالي (¬6)، وقال في "البسيط": إنه مأخوذ من كلام الإمام. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 471)، المنهاج (ص 392). (¬2) الحاوي (ص 471). (¬3) الحاوي (ص 471)، المنهاج (ص 392). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (9/ 277). (¬5) انظر "الحاوي" (ص 471). (¬6) انظر "الوجيز" (2/ 24).

قال الرافعي: وقد يوجه بأن الغالب أن من علم أصل الخيار علم فوريته، قال: ولم أر لغيره تعرضاً لهذه الصورة. نعم؛ في "الرقم" للعبادي: إن كانت قديمة العهد بالإسلام وخالطت أهله .. لم تعذر، وإلا .. فقولان (¬1): قال في "المهمات": قد ذكرها في "الشامل" في (اللعان)، وحكى فيها قولين كجهل أصل الخيار، ولم يفصل بين أن تكون قريبة العهد بالإسلام أم لا، وفصل الرافعي في دعوى الجهل بخيار العيب بين قرب الإسلام أو الناشئ في بادية بعيدة؛ فيقبل منه، وإلا .. فلا (¬2)، خلاف ما أطلق هنا، وأجاب في دعوى الجهل بالفورية بالقبول مطلقا عكس ما حكاه هنا عن الغزالي؛ وعلله: بأنه يخفى على العوام، وفيه نظر؛ لأن حكم العيب أشهر من حكم العتق، وقد استدركه النووي في العيب، وقال: شرطه أن يكون مثله ممن يخفى عليه، وكذلك الشفعة. انتهى (¬3). وفي "التنبيه" في (لحاق النسب) [ص 191]: (وإن قال: لم أعلم بأن في النفي، أو لم أعلم أن النفي على الفور؛ فإن كان قريب العهد بالإسلام .. قبل منه، وإن كان يجالس العلماء .. لم يقبل، وإن كان من العامة .. فقد قيل: يقبل، وقيل: لا يقبل)، وذكر الرافعي مثله فيما إذا قال: لم أعلم أن في النفي، إلا أنه عبر بكونه فقيهاً، واقتضى كلامه ترجيح القبول في العوام؛ فينه شبهه بالعتق (¬4)، ولم يذكر ما إذا قال: لم أعلم أن النفي على الفور، وأقر النووي في "تصحيحه التنبيه" على ذلك، وقال في "المهمات": ينبغي طرد هذا التفصيل فيما تقدم من النظائر. 3696 - قول "التنبيه" [ص 163]: (وإن أعتقت وهي في عدة من طلاق رجعي فلم تفسخ أو اختارت المقام معه .. لم يسقط خيارها)، قال في "الكفاية": في ذكر المسألة الثانية غنية عن الأولى؛ ولذلك اقتصر عليها "الحاوي" فاستثنى من المطلقة رجعيًّا الإجازة (¬5). 3697 - قول "التنبيه" [ص 163، 164]: (وإن أعتقت فلم تفسخ حتى أعتق الزوج .. ففيه قولان، أحدهما: ببطل خبارها، والثاني: لا ببطل) الأصح: الأول، وعليه مشى "الحاوي" (¬6)، لكن جعل الماوردي محله: إذا علمت بعتقها وأخرت الفسخ، وقال: إن ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (8/ 160، 161). (¬2) انظر "فتح العزيز" (4/ 253). (¬3) انظر "الروضة" (3/ 478). (¬4) انظر "فتح العزيز" (9/ 417). (¬5) الحاوي (ص 471). (¬6) الحاوي (ص 471).

فصل [في إعفاف الأصل]

لم تعلم به .. فالخيار باق على الأقاويل كلها (¬1). 3698 - قول "التنبيه" [ص 164]: (وإن طلقها الزوج قبل أن تختار الفسخ .. ففيه قولان، أحدهما: أنه يقع، والثاني: أنه موقوف) الأصح: الأول، وأطلق العراقيون الخلاف كما حكاه "الذخائر"، وجعل المراوزة محله في الطلاق البائن، وقالوا: إن الرجعي يقع قطعاً، ويجري هذا الخلاف في طلاق المعيب قبل فسخ الزوجة، وقال الشيخ أبو حامد: لا خلاف في نفوذ طلاقه، وتخصيص "التنبيه" ذلك بمسألة العتق يوافقه. 3699 - قولهما: (وإن فسخت بعد الدخول بعتق بعده .. وجب المسمى) (¬2) في "الروضة" وأصلها فيما لو فسخت بعد الدخول بعتق بعده: وجه أنه يجب مهر المثل (¬3)، فلم لم يطرده هنا؟ وأيّ فرق بين الصورتين؟ ذكره في "المهمات". والظاهر: أن المجزوم به في العتق مفرع على المصحح في العيب. فصلٌ [في إعفاف الأصل] 3700 - قول "المنهاج" [ص 392]: (يلزم الولد إعفاف الأب والأجداد على المشهور) كذا في "الروضة" (¬4)، ولو قال: (على النص) .. لكان أحسن؛ فإنه منصوص، ومقابله مخرج، ومحله: في الحر كما صرح به "الحاوي" (¬5) فالرقيق لا يجب إعفافه. 3701 - قول "المنهاج" [ص 392]: (بأن يعطيه مهر حرة) أي: ولو كتابية على الأصح، ويستثنى من كلامه: الحرة الشوهاء؛ فلا يحصل الإعفاف بتهيئتها، وقد صرح بها "الحاوي" (¬6)، والعجوز في معناها، فلو تزوج الأب في يساره بمهر في ذمته ثم أعسر قبل دخول وامتنعت الزوجة حتى تقبض .. فقال شيخنا الإمام البلقيني: يجب على الابن دفعه؛ لحصول الإعفاف بذلك، وإن كان إنما وجب على الأب لوجود مقتضى الإعفاف، والصرف للموجودة أولى من السعي في أخرى، قال: وعلى هذا لو تزوج في إعساره ولم يطالب الابن بالإعفاف، ثم طالبه به .. فينبغي أن يلزم الابن القيام به لا سيما إذا جهلت الإعسار وأرادت الفسخ، قال: وحيث تزوج بعلم الابن ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (9/ 367). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 164)، و "المنهاج" (ص 392). (¬3) فتح العزيز (8/ 158)، الروضة (7/ 193). (¬4) الروضة (7/ 214). (¬5) الحاوي (ص 474). (¬6) الحاوي (ص 473).

حالة وجوب الإعفاف .. فهل يصح ضمان الابن المهر؟ يحتمل ألاَّ يصح؛ للزومه له، وأن يصح؛ لأنه لا يتعلق بذمته، حتى لو أعسر .. ليس للمرأة أن تطالبه بالمهر، ولم أقف على نقل فيه، ويحتمل تعلقه بالولد ولو أعسر. انتهى. فلو لم يقدر الابن إلا على مهر أمة .. فهل يسقط وجوب الإعفاف أو يبذله الابن؟ قال شيخنا الإمام البلقيني: لم أقف على نقل في ذلك، والأقيس: الثاني. 3702 - قول "المنهاج" [ص 392]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 473، 474]: (أو يُملكه أمة) لا يخفى أنه لا بد أن تحل له؛ بألاَّ تكون موطوءة للابن ولا مجوسية. 3703 - قول "المنهاج" [ص 392]: (ثم عليه مؤنتهما) كذا هو بخط المصنف بالتثنية؛ أي: الأب ومن أعفه بها من زوجة أو أمة، وفي بعض النسخ: (مؤنتها) بالإفراد؛ يعني: التي أعفه بها، وهو موافق لـ"المحرر" (¬1) وأحسن كما قال السبكي؛ لأن مؤنة الأب تؤخذ من بابها، قال في "التوشيح": بل هو المتعين؛ لأنه لا يلزم من إعفاف الأب وجوب نفقته؛ لإمكان قدرته على النفقة دون النكاح، وأيضاً فقوله: (ثم عليه مؤنتهما) يقتضي أن إيجاب مؤنته ناشئ عن إعفافه طارئ عليه، وليس كذلك؛ فإن وجوب نفقة الأب لا ارتباط له بذلك. انتهى. قلت: لا يتعين مع تثنية الضمير عوده على الأب والمعف بها؛ فقد يعود على المنكوحة والأمة وإن كان الأحسن في مثل ذلك إفراد الضمير، لكن وقع له في غير هذا الموضع تثنيته، وهو على حد قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا}، والمراد بالمؤنة: النفقة والكسوة، قال البغوي؛ ولا يلزمه الأدم ولا نفقة الخادم؛ لأن فقدهما لا يثبت الخيار (¬2)، قال الرافعي: وقياس قولنا: إنه يتحمل ما لزم الأب .. وجوبهما؛ لأنهما يلزمان الأب مع إعساره (¬3). 3704 - قوله: (وإنما يجب إعفاف فاقد مهرٍ) (¬4) أي: وعاجز عن تحصيله، فإن قدر عليه بكسب .. قال الشيخ أبو علي: لا يلزم الابن، وجزم به الرافعي في "الشرح الصغير"، وقال في "الكبير": ينبغي أن يكون فيه الخلاف في النفقة، ولو قدر على ثمن سرية لا على مهر حرة .. قال الرافعي: فالوجه أنه لا يجب إعفافه (¬5)، وتوافقه عبارة "الحاوي"حيث قال [ص 473، 474]: (ويهيء مستمتعاً لأصل حر فقده) فجعل المدار على فقد ما يتمكن به من الاستمتاع، لا خصوص المهر. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 306). (¬2) انظر "التهذيب" (6/ 386). (¬3) انظر "فتح العزيز" (10/ 71). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 392). (¬5) فتح العزيز (8/ 190، 191).

3705 - قول "المنهاج" [ص 392]: (محتاج إلى نكاح) المراد بحاجته: أن يكون بحيث يخاف العنت أو يشق عليه الصبر كما صرح به "الحاوي" (¬1). قال الإمام: ويحتمل اشتراط خوف العنت كنكاح الأمة، والأول: أظهر (¬2)، حكاه الرافعي (¬3)، وأسقطه في "الروضة" (¬4)، ويدخل في حاجة النكاح ما لو كان تحته صغيرة أو عجوز أو رتقاء ولم تندفع حاجته بها، وقد صرح به "الحاوي"، ولكن لا يلزم الابن إلا مؤنة واحدة، وقد ذكر الرافعي والنووي أن هذا هو القياس، ولم ينقلاه (¬5)، وخرجه ابن الرفعة على الخلاف في أن من هذا حاله .. هل ينكح الأمة؟ فلو احتاج الأب إلى النكاح لا للتمتع بل للخدمة لمرض .. فقال ابن الرفعة: يجب على الولد إعفافه، قال: ويشبه أن لا يجيء فيه الخلاف. قال السبكي: وهو صحيح إذا تعينت الحاجة إليه، لكنه لا يسمى إعفافاً. انتهى. وقد تندرج هذه الصورة في قول "المنهاج" [ص 392]: (محتاج إلى نكاح)، ولا تندرج في تعبير "الحاوي": خوف العنت ومشقة الصبر (¬6). 3706 - قول "المنهاج" [ص 392]: (ويصدق إذا ظهرت الحاجة بلا يمين) كذا في "الروضة" (¬7)، وعبارة "المحرر" و"الشرحين": (إذا أظهر الحاجة) (¬8) وبينهما فرق؛ فإن ظهورها لنا يتوقف على قرائن، وإظهارها يكتفى فيه بقوله وإن لم يترجح عندنا؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 474]: (بقوله فقط). 3707 - قول "المنهاج" [ص 392]: (ويحرم عليه وطء أمة ولده) أحسن من تعبير "المحرر" بالابن (¬9)؛ لأنه لا يتناول البنت، والولد متناول لهما، والأمر في ذلك قريب؛ لوضوحه. 3708 - قوله: (والمذهب: وجوب مهرٍ لا حد) (¬10) سكت عن التعزير، وصرح "الحاوي" بثبوته (¬11)، وقد يفهم من الاقتصار على نفي الحد، ثم محل وجوب المهر: ما إذا تأخر الإنزال عن ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 474). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (12/ 209). (¬3) انظر "فتح العزيز" (8/ 191). (¬4) الروضة (7/ 216). (¬5) انظر "فتح العزيز" (8/ 191)، و"الروضة" (7/ 216). (¬6) الحاوي (ص 474). (¬7) الروضة (7/ 216). (¬8) المحرر (ص 306)، فتح العزيز (8/ 191) ولفظ "المحرر": (ويصدق إذا ظهرت الحاجة). (¬9) المحرر (ص 307). (¬10) انظر "المنهاج" (ص 392). (¬11) الحاوي (ص 473).

تغييب الحشفة كما هو المعهود غالباً؛ فإن قارنه .. فقد اقترن موجب المهر بالعلوق، قال الإمام: فينبغي أن يجعل المهر كقيمة الولد، أي: فلا يجب في الأصح. 3709 - قول "المنهاج" [ص 393]: (فإن كانت مستولدة للابن .. لم تصر مستولدة للأب، وإلا .. فالأظهر: أنها تصير) محل صيرورتها أم ولد للأب: إذا كان حراً، فإن كان رقيقاً .. لم تصر أم ولد له، وقد صرح به "الحاوي" (¬1). 3710 - قول "المنهاج" [ص 393]: (ونكاحها) معطوف على (وطء) أي: يحرم وطء أمة ولده ونكاحها، وهو أحسن من قول "التنبيه" [ص 161]: (ويحرم على الرجل نكاح جارية ابنه) لما بينا من أنه لا يتناول البنت، والمراد: ولد النسب دون ولد الرضاع. 3711 - قول "التنبيه" [ص 161]: (وإن اشتراها ابنه .. فقد قيل: ينفسخ، وقيل: لا ينفسخ) الأصح: أنه لا ينفسخ، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 393]: (فلو ملك زوجة والده الذي لا تحل له الأمة .. لم ينفسخ النكاح في الأصح) وتعبيره بالملك أعم من تعبير "التنبيه" بالشراء، والولد أعم من الابن كما تقدم، وتقييد محل الخلاف بكونه لا تحل له الأمة ذكره الرافعي والنووي وابن الرفعة والسبكي. وقال في "المهمات": إنه تقييد لا فائدة له، وقال في "التوشيح": ويمكن أن يقال: له معنى، وهو تخصيص الخلاف بوالد لا تحل له الأمة؛ ليخرج والداً تحل له الأمة؛ فإن ملك الولد زوجته هذه .. لا يوجب فسخ النكاح قطعاً، ولا يطرقه هذا الخلاف؛ إذ لا معنى لانفساخه؛ فإنه يجوز له ابتداء نكاحها، فما ظنك بدوامه؛ فيستفاد منه مسألتان: إحداهما: إذا كان الأب عبداً وتحته جارية فاشتراها ابنه .. فلا ينفسخ النكاح قطعاً. الثانية: إذا كان الابن معسراً والأب ممن تحل له الأمة فاشترى ابنه زوجته .. لم ينفسخ قطعاً، وقال شيخنا ابن النقيب: الذي ظهر لي على ما فهمته من تعليل الرافعي وتصريح غيره وإن كان فيه بعد عن عبارة المنهاج": أن الأب إذا كان ممن تحل له الأمة .. لا ينفسخ جزماً، ويكون المراد بالأمة التي تحل أو لا تحل: هذه الأمة المشتراة التي هي زوجة الأب، فالألف واللام فيه للعهد؛ أي: إن كان الأب بحيث يجوز له ابتداء نكاحها؛ بأن كان عبداً .. فإن للعبد نكاح أمة ولده؛ لعدم وجوب إعفافه، وحاصله: أن الخلاف الذي في "المنهاج" وغيره مفرع على أن الأب لا ينكح أمة ولده كما في "التنبيه" وغيره ممن جزم بأنه لا ينكحها (¬2)، وتردد في الانفساح إذا طرأ ملك الابن لها؛ فإن قلنا: ينكحها وهو المحترز عنه .. لم ينفسخ نكاحها؛ فمسألة "المنهاج" فرد من أفراد ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 473). (¬2) التنبيه (ص 161).

فصل [في نكاح الرقيق]

نكاح أمة الولد، ونكاح أمة الولد أخص من نكاح مطلق الأمة، وعبارة المتولي، في "التتمة" صريحة فيما حملت عليه؛ فإنه قال: إذا تزوج الأب بجارية فاشتراها ابنه، وقلنا: إن الأب لا يتزوج بجارية ابنه .. هل يبطل النكاح؟ فيه وجهان، وأصرح منه عبارة "التهذيب" فإنه قال: إذا ملكَها ابنه؛ فإن كان الأب رقيقاً .. لا ينفسخ النكاح وإن كان حراَّ، وقلنا بظاهر المذهب: أنه لا يجوز أن ينكح جارية الابن .. ففي انفساخه وجهان، أصحهما: لا؛ لأن حكم الدوام أقوى. انتهى (¬1). فصلٌ [في نكاح الرقيق] 3712 - قول "المنهاج" [ص 393] و"الحاوي" [ص 475]: (السيد بإذنه في نكاح عبده لا يضمن مهراً ونفقة)، قال السبكي لو قالوا: (لا يضمن بإذنه في نكاح عبده) .. لكان أحسن؛ لتسلط النفي على الضمان بالإذن، فهو نفي لكون الإذن سببا للضمان، وهو المقصود، وتلك محتملة لهذا، ومحتملة أيضاً لكون الإذن سبباً لنفي الضمان، وليس بمقصود، وقول "المنهاج" [ص 393]: (في الجديد) يقتضي أن القديم أنه ضامن لهما، وهو الذي صححه أبو الفرج الزاز، قال: فيطالبان، ويصح إبراء العبد فيبرأ به السيد؛ لكن قطع البغوي بأنه على السيد ابتداءً، فلا يطالب به سواه (¬2)، ولو أبرأت العبد .. فهو لغو، وأنكر الإمام الأول؛ لأنه ضمان ما لم يجب، فطريقه طريق تعلق العهدة كتعلقها بالسيد في بيع المأذون (¬3)، واستحسنه الرافعي (¬4)، فإن استدرك بأن الأصح: تعلق العهدة، وهنا المصحح الجديد .. فرق بأن بيع المأذون لسيده ونكاحه لنفسه، وضمان ما لم يجب صحيح في القديم. 3713 - قوله: (وهما في كسبه بعد النكاح المعتاد والنادر. فإن كان مأذوناً له في تجارة .. ففيما بيده من ربح وكذا رأس مال في الأصح) (¬5) فيه أمران: أحدهما: قيد الكسب بكونه بعد النكاح، ولم يقيد الربح بذلك، فدل على تعلقه بالربح الحاصل قبل النكاح أيضاً، وهو كذلك على الأصح، ولا بد في الكسب أيضاً من كونه بعد الحلول ¬

_ (¬1) السراج على نكت المنهاج (6/ 116: 118)، وانظر "التهذيب" (5/ 332). (¬2) انظر "التهذيب" (5/ 269، 270). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (12/ 65). (¬4) انظر "فتح العزيز" (8/ 204، 205). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 393).

إن كان مؤجلاً، فينظر في كسب كل يوم فيؤدى منه النفقة، فإن فضل شيء .. صرف إلى المهر، وما فضل للسيد، ولا يدخر للنفقة، كذا رتب الرافعي تبعاً للإمام (¬1)، وفي "الوسيط": يكتسب للمهر أولاً ثم للنفقة (¬2). ثانيهما: ظاهر عبارته أنهما في الكسب مطلقاً وفي مال التجارة أيضاً إن كان مأذوناً له، فلو كان مكتسباً مأذوناً .. تعلق بهما، وهو الذي يقتضيه قول "الحاوي" في العبد المأذون [ص 286]: (ويؤدي من كسبه قبل الحجر، ومال التجارة ... ) إلى أن قال: (والمهر والنفقة)، قال السبكي: وهو ظاهر؛ فإذا لم يكف من أحدهما .. كمل من الآخر، وعبارة "التنبيه" [ص 166]: (ومهر امرأته في كسبه إن كان مكتسباً، وفيما في يده إن كان مأذوناً له في التجارة). 3714 - قول "التنبيه" [ص 166]: (وإن لم يكن مكتسباً ولا مأذوناً له في التجارة .. ففي ذمته إلى أن يعتق في أحد القولين أو يفسخ النكاح، وفي ذمة السيد في الآخر) الأظهر: الأول كما في "المنهاج" (¬3)، وتردد الرافعي في أن هذا الخلاف قولان أو وجهان (¬4)، وذلك يقتضي أنهما غير القولين المتقدمين الجديد والقديم، ويؤيده اختصاص هذين القولين بما إذا لم يكن مكتسباً ولا مأذوناً له، واطراد القولين الأولين. 3715 - قول "المنهاج" [ص 393] و"الحاوي" [ص 475]: (وله المسافرة به)، زاد "المنهاج" [ص 393]: (ويفوت الاستمتاع) ولو عبر عنه بقوله: (ولو فات الاستمتاع) .. لكان أحسن، وهذا هو مراده، ولا يلزم من سفره به فوات الاستمتاع؛ فقد يستصحبها العبد معه؛ فإن له ذلك والكراء في كسبه؛ فإن لم تخرج معه .. فلا نفقة، وإن لم يطالبها بالخروج معه .. فالنفقة بحالها. 3716 - قوله: (وإذا لم يسافر .. لزمه تخليته ليلاً للاستمتاع) (¬5) يأتي فيه ما سنذكره في قوله: (وسلمها للزوج ليلاً) (¬6). 3717 - قول "التنبيه" [ص 166]: (وإن تزوج بغير إذنه ووطئ .. ففي المهر ثلاثة أقوال، أحدها: يجب حيث يجب المهر في النكاح الصحيح، والثاني: أنه يتعلق بذمته، والثالث: أنه يتعلق برقبته يباع فيها) فيه أمران: ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (12/ 65)، و"فتح العزيز" (8/ 202). (¬2) الوسيط (5/ 202). (¬3) المنهاج (ص 393). (¬4) انظر "فتح العزيز" (8/ 202). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 393). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 393).

أحدهما: أن صورة المسألة: أن يأذن له في النكاح مطلقاً، فينكح فاسداً، فإن لم يأذن له في النكاح أصلاً .. لم يجيء في المهر القول الأول، قال ابن يونس: ولم يحك الأول في ذلك فيما بلغنا غير الشيخ، إلا فيما إذا أذن له الولي في النكاح فنكح نكاحاً فاسداً، قال صاحب "المطلب": قد صرح به الماوردي وغيره. ثانيهما: الأظهر: القول الثاني، وعليه مشى "المنهاج" [ص 393] و"الحاوي" [ص 475] فقالا: (ولو نكح فاسداً ووطئ .. فمهر مثل في ذمته) وهو يتناول صوراً: منها: ما لو نكح فاسداً بتصريح السيد بالإذن له في الفاسد، وقد قال الرافعي في هذه الصورة: قياس هذه المسائل: تعلقه بالكسب أيضاً كما لو نكح بالإذن نكاحاً صحيحاً بمسمى فاسد (¬1). 3718 - قول "الحاوي" [ص 475]: (ولا حدَّ) لا يحتاج إلى ذكره هنا لمعرفته من بابه للشبهة. 3719 - قول "المنهاج" [ص 393] و"الحاوي" [ص 474]: (وإذا زوج أمته .. استخدمها نهاراً)، قد يفهم تعين ذلك بنفسه، وليس كذلك، بل له إجارتها، واستشكل في "المهمات" استخدامها: بأنه يحرم عليه النظر لها والخلوة بها، قال: وسبق في (العارية) تحريم إعارة جارية للخدمة على الأصح؛ لأنه مظنة الخلوة، والمدرك في الموضعين واحد. قلت: لا يلزم من استخدامها النظر والخلوة (¬2). ويجوز استئجار أمة غيره وحرة للخدمة، ويحترز عن النظر والخلوة، والله أعلم. 3720 - قوله: (وسلمها للزوج ليلاً) (¬3) قد يفهم أنه من الغروب، ونص الشافعي في رواية "البويطي" على أن وقته مضي الثلث الأول من الليل، وقال ابن الصباغ: يسلمها إذا فرغت من الخدمة بحكم العادة، ويوافقه قولهم في الإجارة فيما إذا استأجر رجلاً للخدمة: أنه يمكث عنده من الليل ما جرت به العادة، واستحسن السبكي تحكيم العادة في ذلك، وقال: ليحمل عليه الكلامان. 3721 - قوله: (ولو أخلا في داره بيتاً وقال للزوج: "تخلو بها فيه" .. لم يلزمه في الأصح) (¬4) تبع "المحرر" في حكاية الخلاف وجهين (¬5)، وحكاه في "الروضة" و"الشرحين" ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (8/ 206). (¬2) في (ج): (فائدة: ذكر في "الروضة" في أول (كتاب النكاح) [7/ 23]: أنه يجوز النظر إلى الأمة المزوجة إلا ما بين السيرة والركبة على الأصح، فتأمل ذلك؛ فإن هذه العبارة تدفع الاستشكال من أصله). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 393). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 393). (¬5) المحرر (ص 308).

قولين (¬1)، وعلى الأصح: لو كانت محترفة فقال الزوج: تحترف للسيد في بيتي - أي: وسلموها ليلاً ونهاراً - .. فليس له ذلك في الأصح، كذا فرعه في "الروضة" وأصلها على الأصح في مسألة "المنهاج" (¬2)، ولم يفرعه في "الشرح الصغير" عليه، بل جعلها مسألة مستقلة فيما يظهر من عبارته. 3722 - قوله "التنبيه" [ص 166]: (وإن قتلت نفسها .. فقد قيل: فيه قولان، أحدهما: يسقط مهرها، والثاني: لا يسقط، وقيل: إن كانت حرة .. لم يسقط، وإن كانت أمة .. سقط) الأشهر كما ذكره الرافعي: طريقة القولين (¬3)، ومع ذلك فالأصح في الأمة: السقوط، وفي الحرة: عدم السقوط، وعلى ذلك مشى "الحاوي" [ص 474] و"المنهاج" [ص 394] فقال: (والمذهب: أن السيد لو قتلها أو قتلت نفسها قبل دخول .. سقط مهرها، وأن الحرة لو قتلت نفسها، أو قتل الأمة أجنبي أو ماتت .. فلا) وهذا مما يستشكل؛ لأن التفصيل بين الحرة والأمة هو تقرير النصين بعينه، فكيف يستقيم مع تصحيحه أن يكون الصحيح طريقة الترجيح؟ فإن مقتضى الترجيح: أن يكون الصحيح: السقوط فيهما أو عدمه فيهما؛ وذلك لأنه إن ظهر بين الصورتين فرق .. فلا وجه إلا التقرير، وإن لم يظهر بينهما فرق .. فلا وجه إلا التخريج، ويكون الراجح في الصورتين متحداً. وصورة ما إذا قتلت الأمة نفسها من زيادة "المنهاج" على "المحرر"، وهل يختص قتل السيد بالعمد أو يعم الخطأ حتى وقوعها في بئر حفرها عدواناً؟ قال شيخنا الإمام البلقيني: لم أر من تعرض لذلك، والظاهر من كلامهم أنه لا فرق. 3723 - قول "الحاوي" [ص 474]: (كبوطء الأب أمته المزوجة من ابنه قبل الدخول) حكاه الرافعي عن البغوي (¬4)، وأن سقوط المهر في هذه الصورة مفرع على قولنا: إن قتل السيد أمته يسقط المهر، وهو يفهم أن التفريع على القول الآخر يخالفه، وليس كذلك؛ لأن عدم السقوط إنما جاء في قتل السيد أمته؛ لأنها فرقه حصلت بانتهاء العمر .. فقررت المهر، وهذا المعنى مفقود في هذه الصورة، ونظيرها ما لو كان مالك الأمة امرأة وتزوجها ابن المالكة وهو عبد فأرضعت المالكة أمتها .. فإنه يسقط المهر؛ لحصول الفرقة من مستحق المهر، ذكره شيخنا الإمام البلقيني. 3724 - قول "المنهاج" [ص 394]: (ولو باع مزوجة .. فالمهر للبائع) أي: وإن لم يدخل بها ¬

_ (¬1) فتح العزيز (8/ 194، 195)، الروضة (7/ 218). (¬2) فتح العزيز (8/ 195)، الروضة (7/ 218). (¬3) انظر "فتح العزيز" (8/ 196). (¬4) انظر "فتح العزيز" (8/ 197).

إلا بعد البيع، وهذا في النكاح الصحيح، أما الفاسد: فإن وطئت بعد البيع .. فمهر المثل للمشتري، أو قبله .. فللبائع، وقد ذكره "الحاوي" (¬1). 3725 - قول "المنهاج" [ص 394]: (ولو زوج أمته بعبده .. لم يجب مهر) ظاهره أنه لم يجب شيء أصلاً، وهو الأصح، وعليه مشى "الحاوي" (¬2)، وقيل: وجب ثم سقط، وتقدم ذكر بقية المسائل التي لا مهر فيها ولا حد عند ذكر نكاح السفيه بلا إذن، والله أعلم. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 475). (¬2) الحاوي (ص 458، 459).

كتاب الصداق

كتابُ الصَّدَاق 3726 - قول "التنبيه" [ص 165]: (المستحب: ألاَّ يعقد النكاح إلا بصداق) فيه أمور: أحدها: أنه يوهم استحباب صداق يثبت ويستقر؛ فيرد عليه ما إذا زوج عبده بأمته؛ فإنه لا سبيل إلى استقرار الصداق فيه، ولا يرد ذلك على قول "المنهاج" [ص 395]: (يسن تسميته في العقد) فإنه اقتصر على مجرد التسمية، كذا قيل، وفيه نظر؛ فإنه لا يلزم من عقد النكاح به لزومه، فهو في ذلك كـ "المنهاج". ثانيها: اقتصر "التنبيه" و"المنهاج" على استحبابه، ولا يلزم من ذلك أن يكون تركه مكروهاً، وذكر الماوردي والمتولي أنه يكره إخلاء النكاح منه (¬1). ثالثها: تناول كلامهما ما إذا زوج عبده بأمته، وهو الجديد كما في "الروضة" (¬2)، وحكاه في "التتمة" و"المطلب" عن الأصحاب، وذكر النشائي أنه كذلك في النسخ المعتمدة من الرافعي، وأنه الحق (¬3). قال في "التوشيح": وهو منازع في المقامين؛ أما الأول: فلأن الذي في نسخة والده الشيخ عز الدين النشائي وقد أحكم مقابلتها على عدة نسخ، وهي أتقن النسخ: أن الجديد: عدم الاستحباب، والنسخة التي اختصر منها النووي نسخة البادرائية، وليست معتمدة، قال: وهذا ما ذكر الوالد رحمه الله أن الأكثرين نقلوه، وقال: إن قول "الروضة": (الجديد: الاستحباب) تبع فيه بعض النسخ الرافعي، وليس بصحيح، قال: وأما الثاني: فالذي يظهر من جهة الفقه أنا إن قلنا: لا يجب رأساً - وهو الأرجح - .. فلا تستحب التسمية، وذكره أخو الكذب، وإن قلنا: يجب ثم يسقط .. ففيه احتمال؛ لعدم الفائدة، ودعوى أن به يتميز عن السفاح لا ينهض حجة؛ لأن التمييز حاصل بولي مرشد وشاهدي عدل وإيجاب وقبول. انتهى. وكذا قال شيخنا الإسنوي في "التنقيح": إن ذلك انعكس على النووي، قال: وهو غلط لا شك فيه؛ فإن الموجود لأئمة المذهب أن الاستحباب هو القديم، صرح به ابن الصباغ والمتولي والروياني وابن الرفعة، وحكى في "التوشيح": أنه نقل عن الشافعي أنه نص في "الإملاء"، وهو من الجديد فيما يترجح على الاستحباب، فيكون له في الجديد قولان، وأن البيهقي في ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (9/ 393). (¬2) الروضة (7/ 102). (¬3) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 141)، و "فتح العزيز" (8/ 21) وفيها: أن الجديد: أنه لا يستحب.

"المبسوط" أفهم كلامه في حكاية القديم وجوب التسمية، فقال: وقال في القديم: وإذا زوج عبده أمته .. فلا يجوز إلا بشهود ومهر، وإن كان هو يملك المهر للسُّنة في ذلك. انتهى. رابعها: أورد عليه شيخنا الإسنوي: أنه لا يكفي في الاستحباب مطلق الصداق، بل يستحب ألاَّ ينقص عن عشرة دراهم. وأجاب عنه النشائي: بأن تلك سنة أخرى، فلا ترد، وإلا .. لورد مجاوزته خمس مئة درهم، والمنقول خلافه (¬1). 3727 - قول "التنبيه" [ص 165]: (وما جاز أن يكون ثمناً .. جاز أن يكون صداقاً) و"الحاوي" [ص 477]: (الصداق كالثمن) أحسن من قول "المنهاج" [ص 395]: (وما صح مبيعاً ... صح صداقاً) لأن الصداق بالثمن أشبه، وتعبير "المحرر" بقوله: (عوضاً في البيع) يتناولهما، وقال الغزالي: كل عين مملوكة يصح بيعها أو منفعة متقومة تصح الإجارة عليها حتى تعليم القرآن (¬2)، فإن انتهى في القلة إلى حد لا يتمول .. فسدت التسمية، وقد أورد عليهم جعل رقبة العبد صداقاً لزوجته الحرة، وجعل أم الطفل صداقاً لزوجته، وجعل أحد أبوي الصغيرة صداقاً لها؛ فإن ذلك لا يصح مع صحة البيع في هذه الصور، أورده في "الكفاية" على قول "التنبيه" بعد ذلك [ص 166]: (ويجوز أن يكون الصداق عيناً تباع). وجوابه: أن هذه الأشياء يصح جعلها صداقاً في الجملة، وإن امتنع في هذه الصور .. فلمانع آخر. 3728 - قول "التنبيه" [ص 166]: (وديناً يسلم فيه) أورد بعضهم الأثمان؛ فإنه لا يصح السلم فيها على وجه مرجوح، ويجوز جعلها صداقاً، ولا يرد؛ فإن الشيخ جزم بجواز السلم فيها. 3729 - قول "المنهاج" [ص 395]: (وإذا أصدق عيناً فتلفت في يده .. ضمنها ضمان عقد، وفي قول: ضمان يد فعلى الأول: ليس لها بيعه قبل قبضه) أتى بالضمير في قوله: (بيعه) وما بعده مذكراً فيعود على الصداق وإن لم يتقدم في كلامه إلا العين، وأعاد عليها بالتأنيث في قوله: (فتلفت)، وذلك جائز أن يفرض صورة ثم يفرع عليها ما هو أعم منها؛ لكن يرد عليه أن الدين يصح الاعتياض عنه في الأصح، ويشكل قوله: (ولو تلف) فإن الدين لا يمكن تلفه؛ فلو أنث الجميع .. لكان أحسن، وقد فرض "المنهاج" المسألة في العين، وكذا في "الروضة" وأصلها (¬3)، والقولان لا يختصان بها، ولكن أكثر أثرهما في العين، وهذا هو الخلاف الذي في ¬

_ (¬1) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 141). (¬2) انظر "الوسيط" (5/ 215). (¬3) فتح العزيز (8/ 234)، الروضة (7/ 250).

"التنبيه" في قوله [ص 166]: (وإن هلك الصداق قبل القبض .. رجعت إلى مهر المثل في أصح القولين، وإلى قيمة العين في القول الآخر) فالرجوع إلى مهر المثل هو ضمان العقد، وإلى القيمة هو ضمان اليد، والمراد: إذا كانت العين من ذوات القيم؛ فإن كانت مثلية .. رجعت إلى مثلها على قول ضمان اليد، والمراد: هلاكه بنفسه، أو بفعل الزوج؛ فإن كان بفعل أجنبي .. تخيرت، أو بفعلها .. فقابضةٌ، وقد ذكره "المنهاج" (¬1)، وقوله: (وإن أتلفته .. فقابضةٌ) (¬2) ليس من تتمة تفريع ضمان العقد، بل هو على القولين معًا، ولم يقيدوا ذلك بأن تكون عالمة، وقيدوه بذلك في إتلاف المشتري، وحكوا في الجاهل خلافاً يظهر مجيئه هنا. 3730 - قوله: (وإن أتلفه أجنبي .. تخيرت على المذهب) (¬3) يقتضي أن في المسألة طريقين، والمنقول في ذلك قولان كالبيع، لكن الرافعي بحث طريقة قاطعة، فقال: يجوز أن يقال: إنما تخيرت على قول ضمان العقد وليس لها على مقابله إلا طلب المثل أو القيمة؛ كإتلاف الأجنبي المستعار في يد المستعير. انتهى (¬4). وذلك يقتضي القطع بعدم الخيار بناء على ضمان اليد، وتبعه السبكي، فقال: إنه متجه؛ لكن منعه شيخنا الإمام البلقيني، قال: فإن في ثبوت الخيار وإن قلنا بضمان اليد فائدةً، وهو أنها تفسخ ليعود الصداق إلى ملك الزوج، حتى لا يلزمها مؤنة تجهيزه لو كان عبداً وقد مات، وإنما اجتمع الخيار مع ضمان اليد؛ لأن الصداق على هذا القول بمنزلة النِّحْلَة، ثم قال: فإن قلت: فليس في العطية ضمان يد فكيف انتزع القول بضمان اليد منه؟ قلت: هذا سؤال صعب، ويمكن أن يجاب عنه: بأن القياس: أن لا يضمن ما تلف في يده تفريعاًعلى شبه العطية كما لو تلف في يد الواهب ما وهبه، لكن لما كان في مقابلة بضع .. فلا بد من قبضه، فإذا تلف قبل القبض .. ضمنّا من هو في يده، وهو الزوج حتى لا يستولي على بضعها إلا بمقابل تستولي هي عليه، ولا كذلك الهبة. انتهى. 3731 - قوله: (فإن فسخت الصداق .. أخذت من الزوج مهر مثل) (¬5) محله: مع التفريع على ضمان العقد، أما على ضمان اليد: فتأخذ منه المثل أو القيمة ويرجع الزوج على المتلف. 3732 - قوله: (وإلا .. غَرَّمت المتلف) (¬6) يقتضي أنه ليس لها تغريم الزوج، وهو كذلك على ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 395). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 395). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 395). (¬4) انظر "فتح العزيز" (8/ 236). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 395). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 395).

ضمان العقد؛ فأما على ضمان اليد .. فلها تغريمه وهو يرجع على المتلف. 3733 - قوله: (وإن أتلفه الزوج .. فكتلفه، وقيل: كالأجنبي) (¬1) ترجيح لطريقة الجزم بالانفساخ هنا، وأحاله في "الروضة" وأصلها على إتلاف البائع هل هو كالآفة أو كإتلاف الأجنبي؟ قال: والمذهب: الأول (¬2)، وفي "الشرح الصغير": أن الثاني هو الأصح، والمصحح في "الروضة" في (البيع): الانفساخ؛ لكن من طريقة القولين، وهذا اضطراب (¬3). واعلم: أن تلفه بآفة بعد مطالبتها به وامتناعه من تسليمه بلا عذر كإتلافه. 3734 - قوله: (ولو أصدق عبدين فتلف أحدهما قبل قبضه .. انفسخ فيه لا في الباقي على المذهب) (¬4) لا يخفى أن محله: ما إذا كان بآفة سماوية؛ فإن أتلفته .. فقابضة لقسطه، أو أجنبي .. تخيرت. 3735 - قوله: (ولها الخيار، فإن فسخت .. فمهر مثل) (¬5) تفريع على الأظهر، وهو ضمان العقد، أما على ضمان اليد .. فتأخذ قيمتهما. 3736 - قوله: (وإلا .. فحصة التالف منه) (¬6) أي: من مهر المثل، وهو على ضمان العقد أيضاً، ولها على ضمان اليد قيمة التالف. 3737 - قوله: (ولو تعيب قبل قبضه .. تخيرت على المذهب، فإن فسخت .. فمهر مثل، وإلا .. فلا شيء) (¬7) تفريع على ضمان العقد، أما على ضمان اليد: فإن فسخت .. فلها قيمته، وإلا .. فلها الأرش. 3738 - قوله: (والمنافع الفائتة في يد الزوج لا يضمنها وإن طلبت التسليم فامتنع على ضمان العقد) (¬8) يقتضي أنه يضمنها على ضمان اليد، وكذا قال الرافعي: إن عليه أجرة المثل من وقت الامتناع (¬9)، وقال الغزالي: لا يضمنها على القولين إلا إذا قيل: إنها تضمن ضمان الغصب؛ يعني: بالأقصى (¬10). ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 395). (¬2) فتح العزيز (8/ 236)، الروضة (7/ 251). (¬3) الروضة (3/ 500). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 395). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 395). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 395). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 395). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 395، 396). (¬9) انظر "فتح العزيز" (8/ 241). (¬10) انظر "الوسيط" (5/ 219).

3739 - قول "التنبيه" [ص 166]: (ولها أن تمتنع من تسليم نفسها إلى أن تقبض) محله كما في "المنهاج": في المهر المعين والدين الحال دون المؤجل (¬1)، وكذا قال "الحاوي" [ص 477]: (إلى تسليم غير المؤجل) ومحله: في البالغة العاقلة، ولولي الصغيرة والمجنونة مثل ذلك، وقد ذكره "الحاوي" (¬2)، ويستثنى من ذلك مسائل: إحداها: لو كانت أمة وأوصى لها سيدها بمهرها .. فلا حبس لها؛ لأنها ملكته بالوصية لا على أنه مهر. الثانية: لو زوج أم ولده فعتقت بموته .. فلا حبس أيضاً؛ لأن الصداق ليس لها، إنما هو للوارث. الثالثة: لو باع أمته بعد تزويجها .. فالمهر له، ولا حبس له، لخروجها عن ملكه، ولا للمشتري؛ لأن المهر ليس له. 3740 - قول "المنهاج" [ص 396]: (فلو حل قبل التسليم .. فلا حبس في الأصح) تبع فيه "المحرر" (¬3)، وحكاه في "الكبير" عن الشيخ أبي حامد وأصحابه وصاحبي "التهذيب" و"التتمة" وأكثر الأئمة (¬4)، لكن صحيح في "الشرح الصغير" مقابله، وصوبه في "المهمات"، وقول "الحاوي" [ص 477]: (إلى تسليم غير المؤجل) يوافق الأول، لدلالته على أن المؤجل لا حبس فيه، وقد يقال: إنه يوافق الثاني؛ لأنه بعد الحلول غير مؤجل، ونظير المسألة: ما إذا باع بثمن مؤجل وحل قبل التسليم، والأصح باتفاق الرافعي في كتبه كلها والنووي: أنه لا حبس له، وما لو اشترى سلعة بثمن مؤجل وأفلس ولم يتفق للحاكم بيعها حتى حل الأجل .. ففي جواز الفسخ الآن وجهان، قال في "الروضة": أصحهما: الجواز، قاله في "الوجيز" (¬5). 3741 - قول "المنهاج" [ص 396]: (ولو قال كُلٌّ: "لا أسلم حتى تسلم" .. ففي قول: يجبر هو) محله: ما إذا كانت متهيئة للاستمتاع لا كَمُحْرِمَة ومريضة، وسيأتي الكلام في الصغيرة، ومنهم من نفى هذا القول؛ ولهذا لم يحكه في "التنبيه". قال ابن الرفعة: وهو صحيح لا يتجه غيره إذا كان الصداق عيناً وقلنا: إنه مضمون ضمان عقد كما إذا كان الثمن عيناً، أما إذا قلنا بضمان اليد، أو كان ديناً .. اتجه جريانه. انتهى. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 396). (¬2) الحاوي (ص 477). (¬3) المحرر (ص 310). (¬4) فتح العزيز (8/ 244)، وانظر "التهذيب" (5/ 520). (¬5) الروضة (4/ 129).

ولا يجيء هنا قول بإجبار المرأة على وزان إجبار البائع هناك؛ لفوات البضع بالتسليم، فلا يمكن استدراكه. 3742 - قول "التنبيه" تفريعاً على قول عدم الإجبار [ص 166]: (فإن تمانعا .. لم تجب نفقتها) كان ينبغي أن يقول: (فإن منعته) لأن سقوط النفقة مرتب على منعها فقط؛ فلا وجه لترتيبه على تمانعهما. 3743 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (والأظهر: يجبران، فيؤمر بوضعه عند عدل، وتؤمر بالتمكين، فإذا سلمت .. أعطاها العدل) (¬1) استشكله ابن الرفعة: بأن العدل إن كان نائباً عنها في القبض .. فقد آل الأمر إلى إجبار الزوج، وهو القول الأول، وإن لم يكن نائباً عنها .. فقد أجبرت أولاً، وقد تقدم نفي هذا القول، قال: ويمكن أن يجاب: بأنه نائبها، وبه صرح الجيلي، لكنه ممنوع من التسليم إليها وهي ممنوعة من التصرف فيه قبل تمكينه، بخلاف القول الأول؛ فإنها تتصرف فيه بمجرد قبضه، وقال ابن الرفعة أيضاً: إن القول بإجبار الزوج موافق لقولهم: لها أن تمتنع من تسليم نفسها حتى تقبض، ويخالفه القولان الآخران؛ أما مخالفة القول بإجبارهما له .. فظاهر، وأما مخالفته عدم الإجبار .. فلأن مقتضى الكلام الأول: أن امتناعها يكون بحق، فتستحق النفقة، ومقتضى الثاني: أنه بغير حق، فلا نفقة، قال: والجمع بينهما متعذر. قال شيخنا ابن النقيب: وكأن هذا جنوح إلى ما توهمته طائفة في البيع أن الخلاف في الابتداء بالتسليم خلاف في ثبوت حق الحبس، وتقدم أن الأكثرين على خلافه؛ فتأمله (¬2). 3744 - قولهم - والعبارة لـ "التنبيه" -: (فإن تبرعت وسلمت نفسها حتى وطئها .. سقط حقها من الامتناع) (¬3) خرج به ما إذا وطئها مكرهة .. فلها بعد ذلك الامتناع في الأصح، قال في "الروضة" وأصلها: ويجري الوجهان فيما لو سلم الولي صغيرة أو مجنونة قبل قبض صداقها إذا بلغت أو أفاقت بعد الدخول (¬4). وقال شيخنا الإمام البلقيني: لا ينبغي أن يأتي هذا التصحيح في الصغيرة والمجنونة إذا سلم الولي بالمصلحة؛ فإن تسليمه كتسليمها، وحينئذ .. فالأصح: أنه ليس لها الامتناع إذا زال النقص بعد الوطء؛ كما لو عفى الولي عن الشفعة ثم زال الحجر .. ليس له الأخذ على الأصح. 3745 - قول "الحاوي" [ص 477]: (ومن بادر .. أجبر الآخر، وإن امتنع .. رجع لا هي بعد ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 166)، و"الحاوي" (ص 477)، و"المنهاج" (ص 396). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (6/ 140). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 166)، و"الحاوي" (ص 477)، و"المنهاج" (ص 396). (¬4) فتح العزيز (8/ 246)، الروضة (7/ 260).

الوطء) يتناول ما إذا بادر الزوج فسلم المهر فامتنعت من التمكين، وإنما يرجع فيه تفريعاً على أنه يجبر على ذلك كما صرح به "المنهاج" (¬1)، أما إذا قلنا: لا يجبر .. فلا يرجع على الأصح؛ لأنه متبرع بدفعه كمعجل الدين المؤجل، وقد يفهم من عبارة "الحاوي" أنه ليس للصغيرة والمجنونة بعد الوطء بتسليم الولي الامتناع بعد زوال النقص، وهو الذي بحثه شيخنا كما تقدم قريباً. 3746 - قول "المنهاج" [ص 396]: (ولا تسلم صغيرة) أي: لا تطيق الوطء؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 477]: (وتمهل لتطيق)، وقد يفهم ذلك من قول "المنهاج" بعده [ص 396]: (ولا مريضة حتى يزول مانع الوطء) فينه راجع إليهما؛ فدل على أن المراد: صغر يمنع الوطء، وفي معنى المريضة: الهزيلة التي تتضرر بالوطء، فلو قال: سلموها لي ولا أقربها .. قال الغزالي: لا يجاب (¬2)، وقال البغوي: يجاب في المريضة دون الطفلة (¬3). 3747 - قول "التنبيه" [ص 166]: (ويستقر بالموت أو الدخول) أوضحه "المنهاج" بقوله [ص 396]: (ويستقر المهر بوطء وإن حرم كحائض) وكذا قال "الحاوي" [ص 477]: (بالوطء وإن حرم) ودخل في عبارتهما الوطء في الدبر، وخرج بها المباشرة فيما دون الفرج، وهو الأصح فيهما. وأورد في "المهمات" على الأصحاب: أنهم اكتفوا في الاستقرار بالوطء ولا بد معه من قبض العين؛ لأن المشهور: أن الصداق قبل القبض مضمون ضمان عقد كالمبيع كما قالوا: إن المبيع قبل القبض غير مستقر، وإن كان الثمن قد قبض .. فكذلك الصداق. قلت: المراد بالاستقرار هنا: الأمن من سقوط كل المهر أو بعضه بالتشطر، وفي البيع: الأمن من الانفساخ؛ فالمبيع إذا تلف قبل القبض .. انفسخ البيع، والصداق المعين إذا تلف قبل القبض .. لم يسقط المهر بل يجب بدل البضع، وهو مهر المثل على ضمان العقد، وبدل المعين على ضمان اليد؛ فافترق البابان، والله أعلم. 3748 - قولهما - والعبارة لـ"المنهاج" -: (لا بخلوة في الجديد) (¬4) يفهم أن مقابله: تقررها بمجرد الخلوة، وهو الأصح تفريعًا عليه، وقيل: أثر الخلوة تصديقها إذا ادعت الوطء، ويشترط خلوها من مانع حسي؛ كجب ورتق، وعادي؛ كحضور ثالث، وفي الشرعي؛ كالحيض ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 396). (¬2) انظر "الوسيط" (5/ 225). (¬3) انظر "التهذيب" (5/ 521)، وفي (ج): (وفي "الوسيط" (5/ 225): المنع فيهما؛ لأنه ربما وطئ فيصير زانٍ، وهذا موافق لإطلاق الكتاب). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 166)، و "المنهاج" (ص 396).

فصل [في مهر المثل]

والإحرام ونهار رمضان وجهان، جزم المتولي وغيره بالتقرير، وحكى الغزالي مقابله عن المحققين (¬1). فصلٌ [في مهر المثل] 3749 - قول "المنهاج" [ص 396]: (نكحها بخمر أو حر أو مغصوب .. وجب مهر مثل، وفي قول: قيمته) فيه أمور: أحدها: تبع "المحرر" في طرد القولين في الخمر (¬2)، لكن حكى في ذلك في "الروضة" و"الشرحين" طريقين من غير ترجيح (¬3)، الثانية قاطعة بمهر المثل؛ لعدم القيمة، وتقديرها بتغيير الصفة والخلقة بعيد؛ فهو كالمجهول، بخلاف الرق المقدر في الحر؛ فإنه شيء حكمي. ثانيها: قال الشيخ أبو حامد وجماعة: القولان فيما إذا قال: أصدقتك هذا العصير أو العبد جاهلاً أو عالماً، أو قال: أصدقتك هذا، أما إذا قال: هذا الخمر أو الحر .. فالعبارة فاسدة؛ فيجب مهر المثل قطعاً، وصحح هذه الطريقة في "الروضة" في (الخلع) (¬4)، وقد يفهم من قول "التنبيه" [ص 166]: (أو كان عبداً فخرج حراً) فإنه يشعر بأن محل الخلاف: إذا لم يصرح بالحرية في نفس العقد، ويوافقه قوله بعد ذلك: (وإن تزوجها على مهر فاسد .. وجب لها مهر المثل) (¬5) لكن أشار في "الكفاية" إلى أنه هنا جرى على القولين مطلقاً، وأنه مخالفٌ لما ذكره بعد ذلك، وهذا الإشعار الذي ذكرته بتصوير المسألة واضح، والله أعلم. ثالثها: لو عبر بدل القيمة بـ (البدل) .. لكان أولى؛ فإن الخمر يقدر عصيراً ويجب مثله، وتقدم في نكاح المشرك وجه أنها تقدر خلاً، ولم يذكروا التقدير بالعصير هناك، قال الرافعي: والوجه: التسوية، وهناك وجه باعتبار قيمتها عند من يراه؛ فلا يبْعد مجيئه هنا (¬6)، وهذا يرد على "التنبيه" أيضاً، وعبارة "الحاوي" [ص 478]: (ويوجب فساده بألاَّ يملك؛ كحر وخمر ومغصوب) إلى أن قال: (مهر المثل)، فذكر المغصوب في أمثلة ما لا يملك، والمراد: أنه ¬

_ (¬1) انظر "الوسيط" (5/ 226). (¬2) المحرر (ص 310، 311). (¬3) فتح العزيز (8/ 251)، الروضة (7/ 264). (¬4) الروضة (7/ 390). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 167). (¬6) انظر "فتح العزيز" (8/ 252).

لا يملك للعاقد، وإلا .. فهو مملوك في نفسه، وتبع في ذلك الغزالي (¬1)، وقد اعترضه الرافعي، وقال: وكأن المراد: ألاَّ يقبل تمليك هذا الشخص (¬2). 3750 - قول "المنهاج" [ص 397]: (ولو قال: "زوجتك بنتي وبعتك ثوبها بهذا العبد" .. صح النكاح، وكذا المهر والبيع في الأظهر) هذه مكررة تقدمت في (البيع)، والمستفاد هنا تصويرها، وعبارته تقتضي الجزم بصحة النكاح، وهو مفرع على المذهب: أنه لا يفسد بفساد الصداق؛ فإن قلنا بمقابله .. بطل أيضاً، وصورة المسألة: أن يكون ولي مال ابنته أو وكيلًا عنها. 3750/ 1 - قوله: (ولو نكح بألف على أن لأبيها - أو أن يعطيه - ألفاً) (¬3) هو بالياء المثناة من تحت؛ فأما إذا قرئ بالتاء ثالثة الحروف .. فهو وعد منها لأبيها، وقد أزال هذا الاشتباه قول "الحاوي" [ص 478]: (أو أعطيه) بالهمز. 3751 - قول "المنهاج" [ص 397]: (وسائر الشروط إن وافق مقتضى النكاح أو لم يتعلق به غرض .. لغا) لا يفهم من لغوه فيما إذا وافق مقتضى النكاح البطلان؛ فإنه مؤكد لمقتضى العقد، وإنما المراد: أنه لا يؤثر في النكاح ولا في الصداق، وقد أوضح ذلك بقوله عقبه: (وصح النكاح والمهر) (¬4)، وهذه قاعدة مطردة في سائر الأبواب، إلا أن ابن الرفعة استثنى منها: شرط الصلاة لوقتها في الإجارة المقدرة بزمن، قال: ففي الصحة خلاف لا يأتي هنا؛ لأنه ثم مناف لمقتضى العقد، وهو الاتصال، وبحث معه السبكي فيه. 3752 - قول "المنهاج" [ص 397]: (ولو أخل؛ كألا يطأ أو يطلق .. بطل النكاح) فيه أمور: أحدها: ما ذكره من البطلان في شرط ترك الوطء تبع فيه "المحرر" (¬5)، وفي "الشرح الصغير": إنه الأشبه، وكذا في "التنبيه"، وهو فيه في (باب ما يحرم من النكاح)، وعبارته: (وإن تزوج وشرط عليه ألاَّ يطأها .. بطل العقد) (¬6)، وقيل: إن قوله: (عليه) أي: فيه، والضمير عائد على العقد؛ كما قيل في قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} أي: في ملكه؛ لكن صحيح في "الروضة" وأصلها و"تصحيح التنبيه": البطلان فيما إذا شرطت ذلك الزوجة، والصحة فيما إذا شرطه الزوج؛ لأنه حقه؛ فله تركه، والتمكين عليها (¬7)، وعليه مشى ¬

_ (¬1) انظر "الوسيط" (5/ 228، 229). (¬2) انظر "فتح العزيز" (8/ 252). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 397). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 397). (¬5) المحرر (ص 311). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 161). (¬7) فتح العزيز (8/ 254)، الروضة (7/ 127)، تصحيح التنبيه (2/ 23).

"الحاوي" فقال [ص 479]: (وشرطها: ألاَّ يطأ)، وحكاه "التنبيه" بعد ذلك وجهاً فقال [ص 161]: (وقيل: إن شرط ترك الوطء أهل الزوجة .. بطل العقد)، ومراده بأهلها: وليها العاقد؛ فإن الشرط إنما يؤثر إذا وجد في صلب العقد من العاقد فلذلك عدل عن الزوجة إلى وليها العاقد، وكان ينبغي له تقديم هذا القول، وذكره عقب تلك المسألة. قال ابن يونس: وتأخيره سهو من الناسخ، ثم قال الرافعي: ولك أن تقول: إذا شرط أحدهما شرطاً؛ فإن لم يساعده صاحبه .. لم يتم العقد، وإن ساعده .. فالزوج بالمساعدة تارك لحقه، فهلا كانت مساعدته كشرطه، وهي بالمساعدة مانعة حقه؛ فهلا كانت مساعدتها كشرطها (¬1). قال السبكي: وهذا ضعيف؛ لأن الاشتراط إلزام والمساعدة التزام، والشرط على الملتزم للملزم ولا ينعكس. وقال شيخنا ابن النقيب: هذا إن ظهر فيما إذا شرطت هي، فلا يظهر فيما إذا شرط هو؛ لأن شرطه التزام لا إلزام؛ فإذا شرطت وساعدها .. فليؤثر في عدم البطلان؛ فإن المؤثر فيه من طرفه التزام ترك حقه، وحاصله: أن الشارط إنما يكون ملزماً إذا كان الحق له، أما إذا كان عليه .. فهو ملتزم، وكذا المساعد إنما يكون ملتزماً إذا كان الحق عليه؛ أما إذا كان له .. فهو ملزم (¬2). ثانيها: عن "فتاوى البغوي" في المأيوس من احتمالها الجماع: أنه لو شرط في العقد ألاَّ يطأها .. لم يبطل العقد؛ لأنه من قضيته، وكذا لو لم تحتمله في الحال فشرط أن لا يطأ إلى الاحتمال، وهذا إن صح وارد على إطلاق "التنبيه" و"الحاوي" أيضاً، وفقهه واضح. ثالثها: مسألة ما إذا شرط أن يطلق تقدم فيها في "المنهاج" و"التنبيه" أيضاً عند التحليل قولان، وقد يحمل المذكور هنا على ما إذا شرط التطليق من غير وطء .. فيصير كشرط عدم الوطء، وفيه بعد؛ فإن الرافعي قال: وإن شرط أن يطلقها أو ألاَّ يطأها .. فقد في التحليل (¬3)، والذي مر هو شرط التطليق إذا وطئها، والظاهر أنه لا فرق بينهما؛ ولهذا أطلق "الحاوي" أنه يفسد بشرط الطلاق. 3753 - قول "المنهاج" [ص 397]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 478]: (ولو نكح نسوة بمهر .. فالأظهر: فساد المهر، ولكل مهر مثل)، لو عبرا بامرأتين فأكثر .. لكان أحسن، ويستثنى من ذلك: ما لو زوج أمتيه بعبد بمهر واحد؛ فإنه يصح الصداق جزماً؛ لاتحاد المستحق، وقد يؤخذ ذلك من قول "المنهاج" [ص 397]: (ولكل مهر مثل) لأن المهر في نكاح ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (8/ 53). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (6/ 150). (¬3) انظر "فتح العزيز" (8/ 254).

الأمة للسيد لكنه لم يمتنع مع استحقاق السيد أن يقال: وجب للأمة المهر لو لم يكن إلا أنها سبب فيه. 3754 - قول "المنهاج" [ص 397]: (ولو نكح لطفل بفوق مهر مثل، أو أنكح ثيباً لا رشيدة، أو رشيدة بكراً بلا إذن بدونه .. فسد المسمى، والأظهر: صحة النكاح بمهر المثل) فيه أمور: أحدها: في معنى الطفل: المجنون، وذلك يرد أيضاً على قول "التنبيه" [ص 165]: (ولا ابنه الصغير بأكثر من مهر المثل) ولذلك أطلق "الحاوي" قوله [ص 478]: (ولابنه بأكثر) ولا يرد عليه الكبير العاقل؛ لما علم من أنه لا يزوجه إلا بإذنه. ثانيها: محل ذلك: ما إذا كان من مال الابن، فإن كان من مال الأب .. ففيه احتمالان للإمام (¬1)، أورد الغزالي والبغوي الصحة (¬2)، وتبعهما "الحاوي" فقال [ص 478]: (لا من ماله)، ورجح المتولي وغيره البطلان كما لو أصدق عنه أمة. ثالثها: مقتضى كلامه في مسألة الطفل: فساد جميع المسمى، وكذا في "الحاوي" (¬3)، لكن في "التنبيه" وجب مهر المثل، وبطلت الزيادة (¬4)، وأقره في "التصحيح"، وقد تقدم ما في ذلك في نكاح السفيه. رابعها: يتبادر إلى الفهم في قوله: (أو أنكح ثيباً) (¬5) أنه بالثاء المثلثة من الثيوبة؛ لذكره البكر في مقابلتها؛ لكن نقل عن نسخة المصنف أنه ضبطه بالباء الموحدة ثم النون ثم التاء المثناة من فوق، وعبر عنه "المحرر" بقوله: (ابنته الصغيرة أو المجنونة) (¬6) فعدل عنه "المنهاج" إلى قوله [ص 397]: (لا رشيدة)، وهو أعم؛ لشموله البالغة العاقلة غير الرشيدة؛ فإن إذنها بدون مهر المثل غير معتبر، وعبارة "التنبيه" [ص 165]: (ولا يزوج ابنته الصغيرة بأقل من مهر المثل) فاقتصر على الصغيرة، وعبارة "الحاوي" [ص 478]: (ويعقد دون مهر المثل) وفيها اتساع؛ لتناولها العقد للرشيدة بإذنها؛ لكنه إنما أراد غير الرشيدة، أو الرشيدة المجبرة بغير إذنها كما فصله "المنهاج" (¬7) وكأنه أهمل ذلك لوضوحه. 3755 - قول "الحاوي" [ص 479]: (والواجب مهر العلانية) محله: ما إذا عقد به العقد ولم ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (13/ 90). (¬2) انظر "الوسيط" (5/ 234)، و"التهذيب" (5/ 504). (¬3) الحاوي (ص 478). (¬4) التنبيه (ص 166). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 397). (¬6) المحرر (ص 311). (¬7) المنهاج (ص 397).

يقع في السر إلا مجرد توافق، فأما إذا عقد سراً ثم أظهر في العلانية أكثر منه .. فالواجب مهر السر؛ ولذلك أطلق "التنبيه" و"المنهاج": أن الواجب ما عقد به العقد (¬1). 3756 - قول "الحاوي" في مفسدات النكاح [ص 479]: (ودون المأمور ومهر المثل إن أطلق) تبع فيه "المحرر" فإنه جزم به في الأولى، وصححه في الثانية (¬2)، واستدرك عليه "المنهاج" فقال [ص 398]: (الأظهر: صحة النكاح في الصورتين بمهر المثل)، ولم يصحح في "الروضة" في الأولى - وهي النقص عن المأمور - شيئاً، وإنما ذكر من زيادته: أن البطلان طريق الخراسانيين، والصحة طريق العراقيين، وصحح في الثانية - وهي النقص عن مهر المثل عند الإطلاق في "أصل الروضة" - الصحة، وكلام الرافعي يدل عليه؛ فإنه قال: فيه قولان كما سبق؛ يعني: في مسألة صحيح فيها الصحة (¬3). 3757 - قول "التنبيه" [ص 161]: (ولا يصح نكاح العبد على أن تكون رقبته صداقاً للمرأة) محله: في الحرة؛ فيصح في الأمة إذ لا تضاد، وصرح به "الحاوي" فقال [ص 479]: (وللعبد الحرة برقبته) وقد يفهم ذلك من قول "التنبيه": (للمرأة) فإن الصداق في هذه الصورة للسيد، لكنه يصح إضافته إليها كما تقدم قريباً، والله أعلم. وقال شيخنا الإمام البلقيني: الذي يظهر من جهة التحقيق في الصورة الأولى صحة النكاح والصداق، ثم ينفسخ النكاح كما في قوله: إن بعتك .. فأنت حر جزماً، وكما في: إن راجعتك .. فأنت طالق على الأصح، وفائدته في التعليقات ونحوها، وأن المرأة تستحق نصف رقبته على وجه، بناء على أنها إذا اشترت زوجها .. يتشطر الصداق، قال: ويشهد له ما قاله الشيخ أبو على فيما إذا اشترت الحرة زوجها بالصداق قبل الدخول .. أنه يصح البيع ثم ينفسخ النكاح، وإن كان النص والجمهور على خلافه. 3758 - قول "التنبيه" [ص 167]: (وإن أعتق أمته بشرط أن يتزوجها ويكون عتقها صداقها .. عتقت) شرطه: أن تقبل هذا الشرط على الاتصال. 3759 - قوله: (فإن تزوجته .. استحقت مهر المثل) (¬4) صورته: أن تتزوجه على ذلك؛ أي أن الصداق هو العتق؛ فإن تزوجته على القيمة التي وجبت له عليها وعرفا قدرها وجنسها .. صح المسمى. ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 166)، المنهاج (ص 397). (¬2) المحرر (ص 312). (¬3) فتح العزيز (8/ 271)، الروضة (7/ 276). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 167).

فصل [في التفويض]

فصلٌ [في التفويض] 3760 - قول "التنبيه" [ص 167]: (وإن فوضت المرأة بضعها من غير بدل .. لم يجب لها المهر بالعقد) فيه أمران: أحدهما: أن محله: في الرشيدة الحرة، فلا يصح تفويض غير الرشيدة سواء أكانت سفيهة أو صبية مميزة، فإذا أذنت السفيهة لذلك .. استفاد به الولي الإذن في العقد، ولغا التفويض، وذلك يرد أيضاً على "الحاوي" فإنه لم يقيده بالرشيدة (¬1)، وقيده به "المنهاج". وأما الأمة: فأمرها في التفويض متعلق بالسيد، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 398]: (وكذا لو قال سيد أمة: " زوجتكها بلا مهر") وهو يفهم أنه لو سكت عن المهر .. لم يكن تفويضاً، وليس كذلك، بل هو تفويض أيضاً، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 479]: (وإن زوج السيد بلا مهر، أو سكت عنه). ثانيهما: أنه لا بد في عدم وجوب المهر مع تفويض الرشيدة أن يزوج الولي وينفي المهر، أو يسكت عنه كما صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، وكذا لو زوج بدون مهر المثل أو بغير نقد البلد كما ذكره "الحاوي" (¬3)، أما لو سمى لها الولي قدر مهر المثل من نقد البلد .. صح بالمسمى، وقد أورد ذلك شيخنا ابن النقيب على قول "المنهاج" [ص 398]: (وإذا جرى تفويض صحيح .. فالأظهر: أنه لا يجب شيء بنفس العقد) ولا يرد لقوله أول الفصل: (قالت رشيدة: "زوجني بلا مهر"، فزوج ونفى المهر أو سكت .. فهو تفويض صحيح) (¬4) فاعتبر في حقيقة التفويض أن ينفي الولي المهر أو يسكت عنه، وقال ابن النقيب في قوله: (فهو تفويض صحيح): هذا ظاهر إذا سميناها مفوَّضة - بفتح الواو - أي: فوض الولي أمرها، أي: أهمله، أما إذا قيل: مفوِّضة - بكسر الواو - .. فهو حاصل بقولها قبل أن يزوجها كذلك (¬5). قلت: القصد بيان التفويض الشرعي دون اللغوي، فلا يرد ذلك على كل حال. واعلم: أن ظاهر عبارة "التنبيه" أنه يعتبر في التفويض نفي المرأة المهر، وبه صرح "المنهاج" و"الحاوي" (¬6)، فلو قالت: (زوجني) ولم تذكر المهر بنفي ولا إثبات .. فقال ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 479). (¬2) الحاوي (ص 479)، المنهاج (ص 398). (¬3) الحاوي (ص 479). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 398). (¬5) انظر "السراج على نكت المنهاج" (6/ 156). (¬6) الحاوي (ص 479)، المنهاج (ص 398).

الرافعي: الذي ذكره الإمام وغيره: أنه ليس بتفويض؛ لأن النكاح يعقد بمهر على الغالب؛ فيحمل الإذن على الغالب، وفي كتب العراقيين ما يقتضي كونه تفويضاً (¬1)، وعبر في "الروضة" ببعض كتب العراقيين (¬2). وقال في "الشرح الصغير": الظاهر أنه ليس بتفويض. وقال السبكي: الذي يظهر أنه تفويض. وقال في "المهمات": إنه الصواب المفتى به؛ فقد نص عليه الشافعي في "الأم" (¬3). وقال شيخنا الإمام البلقيني: قوله: (في بعض كتب العراقيين) تقتضي أنه لم يقف على تصريح في ذلك، وفيه وجهان حكاهما الماوردي، قال ابن أبي هريرة: هو تفويض، وقال أبو إسحاق المروزي: ليس بتفويض، قال: وصور الماوردي المسألة بما إذا تزوجها ولم يسم لها مهراً في العقد ولا شرط فيه أن ليس لها مهراً. انتهى (¬4). وقد يقال: قول "التنبيه" [ص 167]: (من غير بدل) إنما يقتضي عدم ذكر البدل لا التصريح بنفيه؛ فيوافق المحكي عن العراقيين، ولما ذكر الرافعي أن من التفويض سكوت السيد عن المهر في تزويج الأمة، قال: وقد يقوى بهذا ما ذكره العراقيون (¬5). قال ابن الرفعة: ولك أن تفرق بأن المرأة إذا أطلقت الإذن .. جاز أن يحمل على أن الولي يذكر المهر؛ فلذلك لم يجعل تفويضاً ولا كذلك السيد؛ فإنه لم يكن له من يَخْلُفُه .. فعد تفويضاً. انتهى. ولم يتعرضوا لتفويض المكاتبة والمريضة، وقال شيخنا الإمام البلقيني: مقتضى القواعد: أن تفويض المكاتبة برضا السيد صحيح كالتبرع بالإذن، وأما تفويض المريضة؛ فإن صحت .. فصحيح، وإن ماتت قبل الدخول .. كان تبرعاً على الوارث، فإن لم يجز الورثة .. فلها مهر المثل ويستوي القولان. انتهى. وتناول كلامهم ما لو صرحت بنفي المهر في الحال وعند الدخول وزوجها الولي كذلك، وهو أحد وجهين، حكاهما الرافعي والنووي، وثانيهما: أنه تفويض فاسد، فيجب مهر المثل؛ لاقتضاء الشروط الفاسدة في النكاح مهر المثل، وحكياه عن أبي إسحاق، ولم يحكيا الأول عن أحد ولا ذكرا ترجيحاً (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (8/ 274). (¬2) الروضة (7/ 279، 280). (¬3) الأم (5/ 69). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (9/ 473، 474). (¬5) انظر "فتح العزيز" (8/ 275). (¬6) انظر "فتح العزيز" (8/ 275)، و"الروضة" (7/ 280).

3761 - قول "المنهاج" [ص 398]: (ويعتبر بحال العقد في الأصح) تبع فيه "المحرر" (¬1)، وكذا في "الشرح الصغير"، لكن في "أصل الروضة": أن الأظهر: أنه يجب أكثر مهر من العقد إلى الوطء (¬2)، وعبارة "الشرح الكبير": أصحهما على ما ذكر الروياني، وهو الذي أورده ابن الصباغ بحالة العقد، ثم قال الرافعي: وقضيته إيجاب مهر ذلك اليوم سواء كان أقل أو أكثر، لكن ذكر المعتبرون أنه إن كان أكثر .. وجب، أو أقل .. لم يقتصر عليه كإتلاف المقبوض بشراء فاسد، فالعبارة المطابقة للغرض: وجوب أكثر مهر من يوم العقد إلى الوطء، أو أكثر مهر من يوم العقد ويوم الوطء، وذكر الحناطي نحوه. انتهى (¬3). فأسقط في "الروضة" العبارة الثانية، وهي: أكثر مهر من يوم العقد ويوم الوطء (¬4)، ومقتضاها: أنه لا تعتبر الحالة المتوسطة بينهما، وحكى الرافعي في سراية العتق عن الأكثرين: اعتبار حالة العقد دون الأكثر، وقد يجمع بينهما بأن المعتبرين هنا غير الأكثرين، والله أعلم. 3762 - قول "الحاوي" [ص 479]: (إن لها حبس نفسها لتسليم المفروض) في "المنهاج" تبعاً لـ"المحرر": إنه الأصح (¬5)، وكذا صححه في "الروضة" من زيادته (¬6)، والذي في "الشرح": أن الروياني قال: إنه ظاهر المذهب، وهو الجواب في "التهذيب"، ونقل الإمام عن الأصحاب مقابله، وهو الذي أورده الغزالي (¬7)؛ لأنها سامحت بأصل المهر، فكيف يليق بها المضايقة بالتقدم؟ 3763 - قول "المنهاج" [ص 398]: (ولا يصح فرض أجنبي من ماله في الأصح) احترز بقوله: (من ماله) عن الوكيل والولي؛ فإن كان هذا الاحتراز لا بد منه .. ورد ذلك على قول "الحاوي" [ص 479، 480]: (ولغا فرض الأجنبي) والحق: عدم الاحتياج إليه؛ فإن الوكيل والولي لا يعدان أجنبيين. 3764 - قول "التنبيه" [ص 398، 399]: (فإن فرض لها مهراً .. صار ذلك كالمسمى في العقد في جميع ما ذكرناه) محله: في الفرض الصحيح كما قيده به "المنهاج"، فأما الفاسد؛ ¬

_ (¬1) المحرر (ص 312). (¬2) الروضة (7/ 281). (¬3) فتح العزيز (8/ 277). (¬4) الروضة (7/ 281). (¬5) المحرر (ص 312)، المنهاج (ص 398). (¬6) الروضة (7/ 282، 283). (¬7) فتح العزيز (8/ 280)، وانظر "نهاية المطلب" (13/ 172)، و"الوسيط" (5/ 223، 224)، و "التهذيب" (5/ 520).

كالخمر .. فلا يؤثر في تشطير إذا طلق قبل الوطء، بخلاف الفاسد المسمى في العقد؛ حيث يوجب مهر المثل، ويقتضي التشطير قبل الوطء. 3765 - قول "التنبيه" [ص 167]: (وإن مات أحدهما قبل الفرض والدخول .. ففيه قولان، أحدهما: أنه يجب لها مهر المثل، والثاني: لا يجب) صحح النووي: وجوبه، والرافعي: عدم وجوبه، كذا في "المحرر" (¬1)، وحكاه في "الشرح الصغير" عن الأكثرين، وفي "الكبير" عن ترجيح العراقيين والإمام والبغوي والروياني، وعن ترجيح صاحب "التقريب" والمتولي الوجوب (¬2)، ومفهوم قول "الحاوي" [ص 479]: (وجب مهر المثل بالوطء) عدم وجوبه بالموت كترجيح الرافعي (¬3)، وفي "الروضة": الحديث صحيح، قال الترمذي: حسن صحيح، فلا وجه للقول الآخر معه (¬4). وقال السبكي: عدم الوجوب هو المشهور في المذهب، والوجوب هو الحق، وقيل: إن الشافعي رجع إليه. انتهى. وحكى الرافعي والنووي في المسألة أربع طرق: إن ثبت الحديث .. وجب المهر، وإلا .. فقولان؛ إن لم يثبت .. لم يجب، وإلا .. فقولان؛ إن ثبت .. وجب، وإلا .. فلا (¬5)، وهو ظاهر لفظ "المختصر" إطلاق قولين، وهو أشبهها. قال في "المهمات": ونص في "الأم" على الثالثة، وهي إن ثبت .. وجب، وإلا .. فلا، وقال: ولم أحفظه بعد من وجه يثبت. انتهى (¬6). وفي "المستدرك" للحاكم عن شيخه أبي عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ أنه قال: لو حضرت الشافعي رضي الله عنه .. لقمت على رؤوس أصحابه وقلت: قد صح الحديث فقل به (¬7)، وناقش النشائي "تصحيح التنبيه" في تعبيره في ذلك بالأصح؛ لنقل الرافعي في "الصغير" مقابله عن الأكثرين، وقال: لفظ (المختار) أليق، وعلى الوجوب: هل يعتبر مهر المثل يوم العقد أو يوم الموت أو أكثرهما؟ فيه أوجه بلا ترجيح في "الروضة" (¬8). ¬

_ (¬1) المحرر (ص 312)، وانظر "فتح العزيز" (8/ 278)، و"الروضة" (7/ 282). (¬2) فتح العزيز (8/ 278)، وانظر "نهاية المطلب" (13/ 106)، و"التهذيب" (5/ 506). (¬3) انظر "فتح العزيز" (8/ 278، 279). (¬4) الروضة (7/ 282). (¬5) انظر "فتح العزيز" (8/ 278)، و"الروضة" (7/ 281). (¬6) الأم (5/ 68). (¬7) مستدرك الحاكم (2/ 196). (¬8) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 143)، وانظر "تصحيح التنبيه" (2/ 37)، و"الروضة" (7/ 282).

واعلم: أنه يستثنى من كلامهم في التفويض هنا: ما لو نكح كافر تفويضاً مع اعتقاد أن لا مهر للمفوضة بحال ثم أسلما .. ففي "الروضة" وأصلها في نكاح المشرك: أنه لا مهر وإن كان الإسلام قبل المسيس (¬1)؛ لأنه قد سبق استحقاق وطء بلا مهر، ويخالفه ما ذكره الرافعي هنا عن "التتمة": أنه لو نكح ذمي ذمية على أن لا مهر لها وترافعا إلينا .. حكمنا بحكمنا في المسلمين (¬2)، وجزم به في "الروضة" (¬3)، فإذا أوجبنا فيما إذا لم يسلما مع اعتقادهما عدمه .. فكيف لا توجب إذا أسلما مع أنهما صارا يعتقدان وجوبه لو أنشأه الآن؟ قاله في "المهمات". وقال شيخنا الإمام البلقيني: الظاهر أن المذكور هنا فيما إذا لم يسلما بخلاف ما سبق. قلت: الصورة كذلك إلا أنه مشكل كما تقدم، والمقصود إِبْدَاءُ معنى يقتضيه؛ فإن المتبادر إلى الفهم عكسه، ثم قال شيخنا: ويحتمل أن هذا فيما إذا لم يعتقدا أن لا مهر لها بحال، بخلاف ما سبق. قلت: يرد هذا أن الرافعي قال بعد الحكاية عن "التتمة": وقال أبو حنيفة: إن اعتقدوا أن النكاح لا يخلوا عن المهر .. فكذلك، وإن جوزوا خلوه عن المهر .. فلا مهر لها. انتهى (¬4). وهذا يقتضي أنه لا فرق في المحكي عن "التتمة" بين الحالتين، والأحسن عندي: الجمع بين الكلامين، فإن المذكور هنا في الذميين كما صرح به في التصوير، والمذكور في نكاح المشرك في الحربيين، والمعنى يساعده؛ لالتزام الذمي أحكام الإسلام بخلاف الحربي، والله أعلم. 3766 - قول "المنهاج" [ص 399]: (وأقربهن: أختٌ لأبوين ثم لأبٍ ثم بنات أخ، ثم عماتٌ كذلك) أي: لأبوين ثم لأب، وهو أحسن من قول "المحرر": (ثم بنات الأخوة كذلك، ثم العمات) (¬5) لأن المذكور بعدهما يعود إليهما، والمذكور بعد الأول لا يعود للثاني، ولم يذكرا بنات العم كذلك، أي: لأبوين ثم لأب، ولا بد عند التفصيل من ذكره، وهكذا بنات أولاد العم. 3767 - قول "الحاوي" [ص 480]: (وتعتبر قرابة الأب) لم يذكر حكم ما إذا لم يكن لها قرابة أب، وقد ذكره "المنهاج" فقال [399]: (فإن فُقد نساء العصبة أو لم ينكحن أو جُهل مهرهن .. فأرحامٌ كجداتٍ وخالاتٍ) ولم يذكر ما إذا لم يكن لها قرابة أصلاً، وقد ذكره "التنبيه": (فإن لم يكن ¬

_ (¬1) فتح العزيز (8/ 102، 103)، الروضة (7/ 154). (¬2) انظر "فتح العزيز" (8/ 285). (¬3) الروضة (7/ 286). (¬4) انظر "فتح العزيز" (8/ 285). (¬5) المحرر (ص 313).

لها أقارب من النساء .. اعتبر بنساء بلدها، ثم بأقرب النساء شبهاً بها) (¬1) وقوله قبل ذلك: (فإن لم يكن لها نساء عصبات) (¬2) أحسن من قول "المنهاج" [ص 399]: (فإن فقد نساء العصبة) لإيهامه أن المراد بفقدهن: موتهن، وليس كذلك، والمراد إنما هو: عدم وجودهن أصلاً؛ فإنهن لو كن ميتات .. اعتبرن بعد موتهن، وقال ابن داوود: قال أصحابنا: يعتبر نساء العصبة إلا بنت الابن، وفي أم الأب وجهان، ولما مثل "المنهاج" الأرحام بالجدات والخالات .. عرفت الأم من طريق الأولى. وقد فصل ذلك الماوردي، فقال: يبدأ باعتبار الأم ثم بناتها، وهن الأخوات للأم، ثم أمها وهي الجدة للأم؛ فإن اجتمعت أم أب وأم أم .. فقيل: يعتبر أم الأب وقيل: أم الأم وقيل: هما سواء، ثم بعد الجدات الخالات، ثم بنات الأخوات، ثم بنات الأخوال. انتهى (¬3). قال شيخنا الإمام البلقيني: وهو فقه متجه. انتهى. وذكر ابن الرفعة: أن المعتبر من الأقارب ثلاث، وتوقف فيما إذا لم يكن منهن إلا واحدة أوثنتان. 3768 - قول "التنبيه" [ص 167]: (في السن والمال والجمال والثيوبة والبكارة والبلد) قد يفهم منه الحصر فيما ذكره، وليس كذلك، فيعتبر أيضاً: العقل والعفة وكل صفة يختلف بها الغرض؛ ولذلك قال "المنهاج" بعد ذكر بعض الصفات [ص 399]: (وما اختلف به غرض) ولم يفصل "الحاوي" ذلك وعبر بقوله [ص 480]: (وما تتفاوت به الرغبة) ودخل في إجمالهما البلد، وصرح به "التنبيه" كما تقدم (¬4). فإن كان عصبتها ببلدين هي في أحدهما .. اعتبر بمن في بلدها، فإن كن كلهن بغير بلدها .. اعتبر بهن لا بأجنبيات بلدها، كذا في "الروضة" و"الشرحين" تبعاً لـ"التهذيب" وغيره (¬5). وقال الماوردي وابن الصباغ: إنما يعتبر نساء العصبة إذا كن ببلدها، وإلا .. لم يعتبرن؛ لأنه قيمة متلف فيعتبر محل الإتلاف (¬6). واستشكله مجلي: بأن البلد مؤخرة عن القرابة، وقال المتولي: إذا كانت عتيقة .. اعتبرت بعتيقة مثل مواليها في الدرجة. ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 167). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 167). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (9/ 492). (¬4) التنبيه (ص 167). (¬5) التهذيب (5/ 510)، فتح العزيز (8/ 287)، الروضة (7/ 287). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (9/ 492).

3769 - قول "المنهاج" [ص 399]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 480]: (ولو سامحت واحدة .. لم تجب موافقتها)، قال الرافعي: إلا أن يكون لنقص دخل في النسب وفترت الرغبات (¬1). 3770 - قولهما أيضاً: (ولو خفضن للعشيرة فقط .. اعتبر) (¬2) لا يختص ذلك بالعشيرة بل لو خفضن للشريف أو العالم أو غيرهما .. اعتبر، بل ذكر الماوردي أنهن لو سامحن غير العشيرة دون العشيرة .. اعتبر، قال: ويكون ذلك في القبيلة الدنيئة، قال: وكذا لو سامحن الشباب دون الشيوخ (¬3). وقال ابن يونس: يعتبر المهر بحال الزوج أيضاً من اليسار والعلم والفقه والنسب، فقد يخفف عن العالم والعفيف، ويثقل على غيره، وذكر بعضهم: أن المهر الواجب بالعقد يجوز أن يختلف دون الواجب بالإتلاف؛ كوطء الشبهة ونحوه، واستحسنه في "البحر"، وجعله في "الحلية" القياس القوي والاختيار. 3771 - قولهما أيضاً - والعبارة لـ"المنهاج" -: (فإن تكرر - أي: الوطء في نكاح فاسد - .. فمهر في أعلى الأحوال، ولو تكرر وطء بشبهة واحدة .. فمهر) (¬4) قال الرافعي: كما أن الوطآت في النكاح الصحيح لا تقتضي إلا مهراً واحداً (¬5). قال في "المهمات": وهذا القياس الذي استند إليه عجيب؛ لأن وطئات النكاح استيفاء لحق سبق بعقد واقع على مسمى معين، وأما هنا: ففي غير ملك، وكل وطئة انتفاع غير الأول، والشبهة لا تدفع الغرامة، وإنما تدفع العقوبة، وأيضاً فالموجب هنا هو الوطء؛ إذ لا عقد، ولا يمكن تأخير الوجوب عن الأول، ولا بد للثاني من أثر. 3772 - قول "التنبيه" [ص 168]: (وإن وطئ امرأة بشبهة أو في نكاح فاسد أو أكره امرأة على الزنا .. وجب عليه مهر المثل) أورد عليه: أن ظاهر عبارته أن المعتبر قيام الشبهة به، وليس كذلك؛ فالاعتبار في المهر بقيام الشبهة بها، وأيضاً: فإن أريد اتحاد المهر والوطء متعدد .. فالأصح في الإكراه: خلافه، أو تعدده .. فقد عرفت أن المنقول في الفاسد والوطء بشبهة واحدة خلافه. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (8/ 287). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 480)، و "المنهاج" (ص 399). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (9/ 492، 193). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 480)، و"المنهاج" (ص 399). (¬5) انظر "فتح العزيز" (8/ 288، 289).

فصل [في سقوط المهر وتشطره]

3773 - قول "المنهاج" [ص 399]: (ولو تكرر وطء الأب والشريك وسيد مكاتبة .. فمهر، وقيل: مهور) محل ما رجحه في المكاتبة: إذا لم تحمل .. فتخير بين المهر والتعجيز وتصير أم ولد فتختار المهر؛ فإذا كان كذلك فوطئها مرة أخرى .. خيرت؛ فإن اختارت المهر .. وجب لها مهر آخر، وهكذا سائر الوطئات، نص عليه الشافعي وآخر عبارته في ذلك: وكلما خيرت فاختارت الصداق ثم أصابها .. فلها صداق آخر كناكح المرأة نكاحاً فاسداً يوجب مهراً واحداً؛ فإذا فرق بينهما وقضى بالصداق ثم نكحها نكاحاً آخر .. فلها صداق آخر، حكاه في "المهمات" (¬1)، وقال: هي فائدة مهمة، ويؤخذ منها ترجيح تعدد المهر في جارية الابن (¬2). وحكى شيخنا الإمام البلقيني هذا النص؛ إلا أنه لم يحك أوله الذي يعلم منه أن صورة المسألة: أن تحبل. 3774 - قوله: (وقيل: إن اتحد المجلس .. فمهر، وإلا .. فمهور) (¬3) هو رأي القاضي حسين والبغوي، ورجحه السبكي. فصل [في سقوط المهر وتشطره] 3775 - قول "التنبيه" [ص 166]: (وإن وردت فرقة من جهتها قبل الدخول؛ بأن ارتدت أو أسلمت .. سقط مهرها) كذا لو كانت من جهة الزوج، لكن بسببها كفسخه بعيبها وقد صرح به "المنهاج" فقال [ص 400]: (منها أو بسببها .. كفسخه بعيبها) واقتصر "الحاوي" في سقوط المهر على كونه بسببها، ورأى أن الحاصل منها هو بسببها (¬4)، وهو داخل في قول "التنبيه" في الخيار في النكاح [ص 162]: (ومتى وقع الفسخ؛ فإن كان قبل الدخول .. سقط المهر) فإنه يتناول فسخه بعيبها وفسخها بعيبه، ودخل في الفرقة من جهتها ما لو ارتدا معاً .. فالأصح سقوط مهرها، وأهمل ذلك في "الروضة" لأن الرافعي إنما ذكره في المتعة استطراداً (¬5). 3776 - قوله "التنبيه" [ص 166]: (وإن اشترت زوجها .. فقد قيل: يسقط النصف، وقيل: لا يسقط) المراد: النصف الذي يسلم لها لو كانت الفرقة من جهة الزوج، والأصح: الأول، وهو ¬

_ (¬1) انظر "الأم" (8/ 59). (¬2) في (ج): (على خلاف ما رجحه الرافعي بحثاً). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 399). (¬4) الحاوي (ص 482). (¬5) انظر "فتح العزيز" (8/ 331).

السقوط، وعليه مشى "الحاوي" فقال في أمثلة ما هو بسببها [ص 482]: (وشراءها) والخلاف قولان كما بينه الرافعي في نكاح العبد (¬1)، وأهمله هنا، وصورة المسألة: أن تكون حرة وتشتريه بغير الصداق، فلو كانت أمة مأذونة أو اشترته بإذن سيدها .. صح البيع واستمر النكاح؛ لأن الملك للسيد، ولو اشترته بعين الصداق؛ بأن يكون السيد قد ضمنه في ذمته أو دفع إليه السيد عيناً له ليصدقها زوجته فأصدقها إياها ثم اشترته بها؛ فإن قلنا بسقوط الجميع وهو الأصح .. بطل البيع، واستمر النكاح، وإن قلنا بالتشطير .. فالأظهر: الصحة، والهبة في ذلك كالشراء؛ فلو قالا: (وملك زوجها) .. كان أعم. 3777 - قول "التنبيه" [ص 166]: (وإن اشترى زوجته .. سقط كله، وقيل: يسقط النصف) ثم قال: (والأول أصح) صحيح الرافعي والنووي (¬2) الثاني، وعليه مشى "الحاوي" [ص 482]، وفي معنى شرائها: اتهابها. 3778 - قول "التنبيه" [ص 166]: (ومتى ثبت .. له الرجوع بالنصف) قد يفهم أن الشطر لا يعود بنفس الطلاق، وإنما له خيار الرجوع، وهو وجه، والصحيح: عوده بنفس الطلاق، وقد صرح به "المنهاج" (¬3)، وهو مقتضى قول "الحاوي" [ص 481]: (ويرجع إلى الزوج نصف المهر) و"التنبيه" أولاً [ص 166]: (سقط نصف المهر). 3779 - قول "التنبيه" [ص 166]: (فإن كان باقياً على جهته .. رجع في نصفه) قد يفهم أنه لو أصدق ذمي ذمية خمراً فتخلل، أو جلد ميتة فدبغ، ثم أسلما أو ترافعا إلينا، وقد طلقها قبل دخول .. أنه لا يرجع في نصفه؛ لأنه ليس باقياً على جهته، لكن الأصح: الرجوع في نصفه، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 482]: (كخمر تخللت، وجلد ميتة دبغ في ذميين أسلما) ووقع في "شرح الرافعي الكبير" و"الروضة": أنه لو أصدقها عصيراً فتخمر في يده ثم تخلل ثم أسلما أو ترافعا إلينا .. يلزمه قيمة العصير، ولا عبرة بتخلل الخمر (¬4)، والظاهر أنه سبق قلم؛ ولعله من ناسخ؛ فالذي يليق وجوب الخل نفسه، وكذا في "الشرح الصغير"، ويؤيده من "الشرح الكبير" قوله عقبه: ولو أصدقها خمراً فصارت خلاً عندها، ثم طلقها قبل الدخول .. فالأصح: الرجوع إلى نصف الخل (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (8/ 207). (¬2) انظر "فتح العزيز" (8/ 290، 291)، و "الروضة" (7/ 289). (¬3) المنهاج (ص 400). (¬4) فتح العزيز (8/ 307)، الروضة (7/ 303). (¬5) فتح العزيز (8/ 307).

3780 - قول "الحاوي" [ص 481]: (وإن أدى غيره) أي: يرجع النصف إلى الزوج وإن أدى الصداق غيره. محله: ما إذا كان المؤدي أباً أو جداً والمؤدى عنه طفلاً أو مجنوناً، أما إذا كان المؤدي أجنبياً أو كان أباً أو جداً والمؤدى عنه مكلفاً .. فإنه يرجع نصف المهر إلى المؤدي لا إلى الزوج في الأصح، وفي نظيره من البيع، وهو ما إذا تبرع أجنبي بوفاء الثمن ثم رد المشتري المبيع بعيب وجهان، وقطع الجرجاني في "المعاياة" بأنه للمشتري؛ لتقدير دخوله في ملكه. 3781 - قول "التنبيه" [ص 166]: (وإن كان فائتاً أو مستحقاً بدين أو شفعة .. رجع إلى نصف قيمته) محله: في المتقوم، أما المثلي: فالرجوع إلى نصف مثله؛ ولهذا عبر "الحاوي" بالبدل (¬1)، وهو شامل لهما، وأوضح ذلك "المنهاج" فقال [ص 400]: (من مثلٍ أو قيمةٍ). ومحل الرجوع في بدل المستحق: إذا لم يصبر إلى زوال الاستحقاق؛ كانفكاك الرهن وانقضاء مدة الإجارة كما ذكره "الحاوي" (¬2)، لكن محل لزوم الرضا بِصَبرِه: أن يتسلم العين ثم يسلمها إلى المرتهن أو المستأجر، وإلا .. فلها ألاَّ ترضى به وتدفع إليه نصف القيمة، لخطر الضمان تفريعاً على أنه في يدها مضمون بعد الطلاق، وهو الأصح، كذا في "الروضة" وأصلها (¬3). وقال في "المهمات": إنه غير مستقيم؛ لأنه إذا لم يرجع .. لم ينتقل الملك إليه؛ فكيف ينقطع الضمان عن المرأة بتسلمه وإعطائه؟ قال: وإنما ذكر صاحبا "الشامل" و"التتمة" هذا التفصيل بين التسلم وعدمه في الإجارة إذا رجع في الحال. 3782 - قول "التنبيه" [ص 166، 167]: (أقل ما كانت من يوم العقد إلى يوم القبض) مخالف لقول "المنهاج" [ص 401]: (ومتى رجع بقيمة .. اعتبر الأقل من يومي الإصداق والقبض) و"الحاوي" [ص 482، 483]: (وأقل قيمة يومي الوجوب والقبض) فلم يعتبر الحالة المتوسطة بينهما، واعتبرها "التنبيه" دون يومي الإصداق والقبض (¬4)؛ لأن الظاهر عدم دخول ابتداء الغاية وانتهائها، والذي في "المنهاج" و"الحاوي" هو الموجود في سائر كتب الرافعي والنووي، إلا أن الرافعي ذكر في (الزكاة) استطراداً أن المعتبر: قيمة يوم القبض (¬5)، وحكاه في "المهمات" عن نص "الأم" في مواضع، وقال: إنه المفتى به (¬6). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 484). (¬2) الحاوي (ص 483). (¬3) فتح العزيز (8/ 315)، الروضة (7/ 311). (¬4) التنبيه (ص 166، 167). (¬5) انظر "فتح العزيز" (3/ 30). (¬6) الأم (5/ 61).

3783 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (وإن تعيب في يدها؛ فإن قنع به، وإلا .. فنصف قيمته سليماً) (¬1) كذا في "الروضة" وأصلها (¬2)، وهو محمول على المتقوم، أما المثلي: ففيه مثل نصفه كما صرح به ابن الصباغ وغيره، وجزم به في "المطلب"، وهو واضح معلوم من المذكور في التلف، ويزيد "التنبيه" أمرين: أحدهما: أن محل القناعة به ناقصاً: إذا لم يكن تعيبه بجناية وبأخذ أرشها، فإن كان كذلك .. فالأصح: رجوعه في نصف الأرش، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬3). ثانيهما: أنه عبر بقوله: (وإن كان ناقصاً) فتناول نقصان الجزء؛ كما إذا أصدقها عبدين وقبضتهما وتلف أحدهما في يدها ثم طلقها قبل الدخول .. والأصح في هذه الصورة: أنه يرجع في نصف الباقي ونصف قيمة التالف، ولا يرد على "المنهاج" لتعبيره بالتعيب، وأما "الحاوي": فإنه وإن عبر بالنقص لكنه ذكرها بعد ذلك بقوله: (وقسطهما إن تلف البعض) (¬4). 3784 - قولهم - والعبارة لـ"التنبيه" -: (وإن كان زائداً زيادة منفصلة؛ كالولد والثمرة .. رجع في نصفه دون زيادته) (¬5) محله في الولد: في غير الجواري، وفيهن إذا كان في سن التمييز، فإن كان دونه .. فلا رجوع في نصف الأم وإن وافقت الزوجة؛ لأنه يتضمن التفريق، ويرجع إلى نصف القيمة، حكاه في "الروضة" وأصلها عن "الشامل" و"التتمة" (¬6)، وصرح به أيضاً الروياني وغيره، ونص عليه في "الأم" (¬7) كما حكاه في "المهمات"، وحكى الروياني وجهاً آخر: أنه يجوز التفريق إلا أن تكون مرضعة، وفي قول: يباعان وله نصف ثمن الأم. ومحل قولنا: إنه لا يرجع في الولد .. إذا لم يكن حملاً عند العقد، فإن كان مجتناً حين العقد منفصلاً عند الطلاق .. رجع في نصفه أيضاً؛ لأن للحمل قسطاً من الثمن في البيع، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 481]: (بالحمل المنفصل) ومحله: إذا رضيت الزوجة؛ لأنه زاد بالولادة؛ فإن أبت .. رجع إلى نصف قيمته يوم الانفصال، وإنما يرجع في نصف الأم في هذه الصورة .. إذا رضيت الزوجة برجوعه في نصف الولد أو كان في سن التمييز؛ وإلا .. فيرجع إلى نصف قيمتها؛ لئلا يحصل التفريق. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 167)، و"الحاوي" (ص 483)، و"المنهاج" (ص 400). (¬2) فتح العزيز (8/ 294)، الروضة (ص 7/ 292). (¬3) الحاوي (ص 483)، المنهاج (ص 400). (¬4) الحاوي (ص 484). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 167)، و"الحاوي" (ص 483)، و"المنهاج" (ص 400). (¬6) فتح العزيز (8/ 296)، الروضة (7/ 293). (¬7) الأم (5/ 62).

3785 - قول "التنبيه" [ص 167]: (وإن كان زائداً زيادة متصلة؛ كالسمن والتعليم .. فالمرأة بالخيار بين أن ترد النصف زائداً وبين أن تدفع إليه قيمة النصف) عبر "المنهاج" و"الحاوي" بنصف القيمة (¬1)، وكذا عبر به "التنبيه" في التلف كما تقدم (¬2)، وهي عبارة الشافعي وأكثر الأصحاب (¬3)، وفي "أصل الروضة": إنها الصواب؛ فإن قيمة النصف أقل؛ لأن التشقيص عيب، قال: ووقع في كلام الغزالي: قيمة النصف، وهو تساهل. انتهى (¬4). قال في "المهمات": بل قاله عن قصد تبعاً لإمامه؛ فإنه جزم في "النهاية" بأنه يرجع بقيمة النصف لا بعكسه؛ وعلله بأنه لم يفته إلا ذلك. قلت: في "النهاية": إن الفقهاء تساهلوا في ذلك؛ أي: في قولهم: نصف القيمة، قال: ومرادهم: قيمة النصف، وهو أقل من نصف القيمة (¬5)، وقد مال ابن الرفعة والسبكي والإسنوي والبلقيني إلى هذا؛ لأن الواجب للزوج بالطلاق نصف الصداق، وقد تعذر أخذه، فيأخذ قيمته، وهو قيمة النصف لا نصف القيمة؛ ومال إليه النووي في (كتاب الوصية) فقال: القياس: قيمة النصف، وهي أقل (¬6). وأيده ابن الرفعة: بأن الشريك الموسر إذا أعتق .. غرم قيمة النصف لا نصف القيمة، صرح به في "المهذب" (¬7). قلت: عبر في "التهذيب" بقيمة النصف، ولم يقل: نصف القيمة، وإن كان كلامه دالاً عليه. وقال في "التوشيح": الفرق بين نصف القيمة وقيمة النصف صحيح إن أريد بقيمة النصف: قيمته منفرداً، وبنصف القيمة: قيمة الكل مجموعاً كما هو ظاهر الإطلاق، ويحتمل أن يراد بقيمة النصف: قيمته مجموعاً، وبنصف قيمة الكل: قيمته مجموعاً أيضاً، وحينئذ .. فلا فرق، ويحتمل: أن يراد بقيمة النصف: قيمته مجموعاً، وبنصف قيمة الكل: قيمته منفرداً؛ فهذه معان تحتملها هذه العبارة، ولا يصح الفرق إلا على واحد منها، والأولى: ألاً يحمل عليه؛ لأنا رأينا من عبر بهذه العبارة قد عبر بالأخرى؛ كصاحب "التنبيه" فإنه عبر بنصف القيمة فيما إذا كان ناقصاً ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 483)، المنهاج (ص 400). (¬2) التنبيه (ص 124). (¬3) انظر "الأم" (5/ 62). (¬4) الروضة (7/ 295)، وانظر "الوسيط" (5/ 249، 250). (¬5) نهاية المطلب (13/ 48، 49). (¬6) انظر "الروضة" (6/ 146). (¬7) المهذب (2/ 58).

وبقيمة النصف فيما إذا كان زائداً، ولا فرق بين الزيادة والنقص في ذلك، فدل على أن العبارتين عنده تؤديان معنى واحداً. انتهى. 3786 - قول "المنهاج" [ص 400]: (وإن زاد ونقص؛ ككبر عبد وطول نخلة) صورته: أن تَقِلّ مع ذلك ثمرتها لكبرها، فهو زيادة في الحطب نقص في الثمرة، ولا يفهم ذلك من عبارته. 3787 - قوله: (وحرثها زيادة) (¬1) محله: ما إذا كانت معدة للزراعة كما صرح به في "المحرر" (¬2)، وإلا .. فهو نقص محض، وكأن "المنهاج" أطلقه لتقدم الزرع، فأشعر بأن الكلام في أرض الزراعة. 3788 - قوله: (وحمل أمة وبهيمة زيادة ونقص) (¬3) كذا صحيح في "أصل الروضة" هنا (¬4)، وعليه مشى "الحاوي" فذكر الحمل في أمثلة الزيادة المتصلة وفي أمثلة النقص (¬5)، ولو أهمله فيهما وذكره في أمثلة ما لا يرجع فيه إلا بتوافقهما .. لكان أحسن، وفرق في "الروضة" وأصلها في خيار النقص في البيع، فجعله عيباً في الأمة دون بقية الحيوانات (¬6). 3789 - قول "الحاوي" في أمثلة النقص [ص 483]: (وإعادة صنعة أخرى) لو قال: (وإبدال صنعة بأخرى) .. لكان أحسن؛ لأمرين: أحدهما: أن لفظ الإعادة لا يستعمل إلا في إعادة القيمة. والثاني فيه: أن الإعادة سبب امتناع الزوج من الرجوع إلى العين، وإنما سبب امتناعه فوات الصنعة القديمة. 3790 - قوله: (بتوافق في نخل أثمرت) (¬7) محله: ما إذا أراد الزوج الرجوع في نصف النخل مع قطع الثمرة أو إرادته الزوجة مع إبقاء الثمرة؛ فلا بد من توافقهما على ذلك، أما لو أراد الزوج الرجوع مع إبقاء الثمرة إلى الجذاذ، أو أرادته الزوجة مع قطعها الثمرة .. أجبر الآخر، وقد ذكر "المنهاج" الصورتين فقال [ص 401]: (فإن قطعت .. تعين نصف النخل، ولو رضي بنصف النخل وتبقيه الثمرة إلى جذاذه .. أجبرت في الأصح) ومحل ما ذكره في الأولى: ما إذا بادرت بالقطع، أو قالت: أقطعه لترجع، ولم يمتد زمن القطع، ولم يحدث به نقص في الشجر بانكسار غصن أو سعف. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 400). (¬2) المحرر (ص 314). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 400). (¬4) الروضة (7/ 296). (¬5) الحاوي (ص 483). (¬6) الروضة (3/ 160). (¬7) انظر "الحاوي" (ص 482).

3791 - قول "الحاوي" [ص 482]: (وأمة ترضع ولدها) صريح في الرجوع في نصف الأم بتوافقهما، مع أن ذلك ممتنع إذا كان قبل سن التمييز كما تقدم عن ابن الصباغ والمتولي وعن النص، وقد نبه على ذلك في "الروضة" وأصلها (¬1). 3792 - قول "المنهاج" [ص 401]: (ولو أصدق تعليم قرآن وطلق قبله - أي: قبل التعليم - .. فالأصح تعذر تعليمه) أحسن من قول "الحاوي" [ص 478]: (وتعذره؛ كأن أصدق تعليم القرآن فبانت) لأمرين: أحدهما: أن ذلك لا يختص بالطلاق البائن؛ فالرجعي كذلك. ثانيهما: قد يتوهم من تعريف القرآن اختصاص ذلك بإصداق تعليم جميعه؛ فالتنكير في ذلك أولى. نعم؛ لا بد أن يكون في تعليمه كلفة، لا كقوله: {ثُمَّ نَظَرَ}، وتقدم في أوائل (النكاح) مخالفة هذا لقول "المنهاج" هناك: إنه يباح النظر للتعليم، وتقدم كلام السبكي في الجمع بينهما، ونزيد هنا أموراً: أحدها: قال في "المهمات": إن تعذر التعليم هنا صحيح لا لما ذكروه من تحريم النظر والخلوة؛ بل لأن القيام بتعليم نصف مشاع لا يمكن، والقول باستحقاق نصف معين تحكم لا دليل عليه، ويؤدي إلى النزاع؛ فإن السورة الواحدة مختلفة الآيات في الطول والقصر والصعوبة والسهولة؛ فتعين البدل. قلت: هذه العلة خاصة بما إذا طلق قبل الدخول، وقد صرحوا بتعذر التعليم ولو بعد الدخول والمستحق بعد الدخول تعليم الكل، وقد نص في "البويطي" على هذه العلة، إلا أنه صورها بالطلاق قبل الدخول، وعبارته: (وإن كان تعليم قرآن فطلقها قبل أن يدخل بها .. رجعت عليه بنصف صداق المثل؛ لأن تعليم النصف لا يوقف على حده كما يوقف على حد جميعه، فإن كان يوقف على حده .. يجعل امرأة تعلمها نصفها) حكاه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: لعله فيما إذا كان الالتزام في الذمة، أما في العين: فيبعد الاستبدال، فيعلمها من وراء حجاب. انتهى. ثانيها: قال السبكي: يستثنى: ما إذا كانت آيات يسيرة يمكن تعليمها في مجلس واحد بحضور محرم ومن وراء حجاب؛ فالصواب: أنه لا يتعذر، وهو ما ذكره الإمام في "النهاية" (¬2). ثالثها: يستثنى أيضاً: ما ذكره شيخنا الإمام البلقيني، قال: لو كانت صغيرة لا تشتهى، أو صارت محرماً برضاع حصلت به الفرقة، أو عقد عليها بعد ذلك .. ينبغي ألاَّ يتعذر التعليم؛ لفقد ¬

_ (¬1) فتح العزيز (8/ 296)، الروضة (7/ 293). (¬2) نهاية المطلب (13/ 27).

العلة، ولو أبرأته عقب الطلاق مما في ذمته لها من التعليم .. برئ. رابعها: يتعين أن تكون صورة المسألة: أن يصدقها تعليم ذلك بنفسه، أما لو أصدقها ذلك في ذمته .. لم يتعذر التعليم بالطلاق، وقد تقدم حمل شيخنا نص "البويطي" على ذلك. خامسها: لا يختص ذلك بتعليم قرآن، بل تعليم الفقه والشعر والخط وسائر الأمور كذلك، فلو أطلقوا التعليم .. لكان أحسن، مع أن ذكر القرآن إنما هو تمثيل. سادسها: المراد: أن يصدقها تعليمها هي قرآناً، فلو أصدقها تعليم ولدها .. لم يصح؛ كما لو شرط الصداق لولدها، إلا أن يكون قد وجب عليها تعليمه، ولو أصدقها تعليم عبدها .. قال البغوي: لا يصح (¬1)، وقال المتولي: يصح، وصححه في "الروضة" وأصلها (¬2)، ونص عليه الشافعي في "الأم" في أول (الصداق) كما حكاه شيخنا الإمام البلقيني؛ فحيث صححنا إصداقها تعليم غيرها .. لا يتعذر ذلك بالطلاق؛ فكان ينبغي التصريح في التصوير بأن الصداق تعليمها. 3793 - قول "المنهاج" [ص 401]- والعبارة له - "والحاوي" [ص 482]: (فإن كان زال وعاد .. تعلق بالعين في الأصح)، يسأل عن الفرق بينه وبين ما إذا زال ملك الولد في الهبة ثم عاد .. فإن الأصح: امتناع رجوع الأب، والفرق: أن حق الأب انقطع بزوال ملك الولد، فلم يعد، وحق الزوج لم ينقطع؛ بدليل رجوعه في البدل، فعاد بالرجوع، وحاصله: أن حق الزوج في العين والمالية، وحق الأب في العين فقط. 3794 - قولهما - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ولو وهبته له ثم طلق .. فالأظهر: أن له نصف بدله) (¬3) لا يختص ذلك بالطلاق وما في معناه، بل لو ارتد (¬4) .. جرى الخلاف بالنسبة للكل؛ ولهذا ذكره "الحاوي" بعد ذكر المشطر والمسقط (¬5)، ورجح البغوي مقابله (¬6)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: رجحه قبله المزني، وقال الشافعي: إنه الأحسن (¬7). 3795 - قول "المنهاج" [ص 401]: (وعلى هذا: لو وهبته النصف .. فله نصف الباقي وربع بدل كله) هو معنى قول "الحاوي" [ص 484]: (وقسطهما إن تلف البعض أو وهبت)، وفي معناه ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (5/ 482). (¬2) فتح العزيز (8/ 310)، الروضة (ص 7/ 306). (¬3) انظر "الحاوي" (ص 484)، و"المنهاج" (ص 401). (¬4) في (ب)، (ج): (ارتدت). (¬5) الحاوي (ص 482). (¬6) انظر "التهذيب" (5/ 482). (¬7) انظر "الأم" (5/ 60).

قوله بعده: (والخلع بنصفه يفسد نصف البدل) (¬1) وهذا المذكور في المسألتين هو قول الإشاعة، وقد صحيح الرافعي والنووي في نظير ذلك في الإقرار والرهن قول الحصر، وحكيا في (العتق) في شروط السراية عن الإمام: أنه استحسن قول أبي حنيفة في ذلك: أنه يحمل في البيع على ما يملكه؛ لأن الظاهر أنه لا يبيع ما لا يملك وفي الإقرار على الإشاعة؛ لأنه إخبار، وأجاب به الغزالي (¬2)، وقال النووي: إنه الراجح (¬3). وفي "المهمات": إن الفتوى على التفصيل؛ لقوة مدركه، أو على الإشاعة مطلقاً، وهو الحق؛ لكونه قول الأكثرين، وأما الحصر مطلقاً: فلا وجه له. انتهى. 3796 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ولو كان ديناً فأبرأته .. لم يرجع عليها على المذهب) (¬4) قد يفهم أنها لو عبرت بلفظ الهبة أو التمليك .. رجع عليها، والأصح: التسوية. 3797 - قول "المنهاج" [ص 401]: (وليس لولي عفوٌ عن صداقٍ على الجديد) يفهم أن القديم: جوازه مطلقاً، وعبارة "التنبيه" [ص 167]: (وفيه قول آخر: أنها إن كانت بكراً صغيرة أو مجنونة فعفى الأب أو الجد عن حقها .. صح العفو)، وما ذكره في المجنونة قول، والأظهر عند الرافعي والنووي تفريعاً على القديم: أنه لا يصح العفو عن صداق المجنونة؛ وعللوه بأنه يرجى في العفو عن صداق البالغة ترغيب الخاطبين فيها، وتخليصها من زوجها؛ ليتزوجها خير منه، والمجنونة لا يكاد يرغب في نكاحها (¬5). ومقتضى اعتبار الصغر: أنه لا يصح العفو عن صداق البالغة السفيهة، وكذا نقله الرافعي عن "التتمة" (¬6)، لكن في "الكفاية" عن الإمام وغيره: أنها كالصغيرة (¬7)، وصوبه شيخنا الإمام البلقيني؛ لظاهر القرآن؛ ولأنه يرغب فيها كالصغيرة. انتهى. وبقيت شروط أخرى: أحدها: أن يكون قبل الدخول. الثاني: أن يكون بعد الطلاق، كذا صححه الرافعي والنووي هنا (¬8)، لكن قال الرافعي في ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 484). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (19/ 206)، و"الوسيط" (5/ 265)، و"فتح العزيز" (13/ 324). (¬3) انظر "الروضة" (12/ 119). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 167)، و"الحاوي" (ص 484)، و"المنهاج" (ص 401). (¬5) انظر "فتح العزيز" (8/ 321)، و"الروضة" (7/ 316). (¬6) انظر "فتح العزيز" (8/ 321) (¬7) انظر "نهاية المطلب" (13/ 152)، و"فتح العزيز" (8/ 322). (¬8) انظر "فتح العزيز" (8/ 322)، و"الروضة" (7/ 316).

فصل [في المتعة]

أواخر الباب الرابع من الخلع: الأقوى: الاكتفاء بالعفو المقارن للطلاق، إلا أنه عبر عن ذلك بعبارة مختلفة تعرف بمراجعته (¬1). وزاد شيخنا الإمام البلقيني على ذلك فقال: الأرجح على القديم: جواز العفو قبل الطلاق؛ لعدم التقييد في الآية، والعفو مع قيام الصحبة سبب لدوامها غالباً، بخلاف ما بعد الطلاق؛ فإن فائدته متوهمة، وهو الحمل بذلك على الرغبة فيها. الشرط الثالث: أن يكون الصداق ديناً على الصحيح، وقال شيخنا الإمام البلقيني: اشتراط الدين يخالفه ظاهر القرآن. فصل [في المتعة] 3798 - قول "التنبيه" [ص 168]: (وإن طلقت بعد المسيس .. فهل لها المتعة مع المهر؟ فيه قولان) أظهرهما: الوجوب، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، وعن علي رضي الله عنه: إيجاب المتعة لكل مطلقة (¬3). قال السبكي: وهو عندي قوي جداً؛ لظاهر الآية. 3799 - قول "التنبيه" [ص 168]: (وكل فرقة وردت من جهة الزوج بإسلام أوردة أو لعان أو خلع، أو من جهة أجنبي كالرضاع .. فحكمه حكم الطلاق في إيجاب المتعة) فيه أمران: أحدهما: ينبغي أن يزاد في قوله: (من جهة الزوج): (لا بسبب فيها) للاحتراز عن الفسخ بعيبها، وقد أطلق "التنبيه" بعد ذلك أن الفسخ بالعيب لا متعة فيه. ثانيهما: أن صورة الرضاع مشكلة .. فكيف تجب المتعة مع الصغر، وقد تقرر أنها مختصة بالتفويض أو الدخول؟ ! وكلامهما مستحيل ممن هي في سن الرضاع، وصورتها في أمة صغيرة زوجها سيدها بالتفويض، ذكره الرافعي في (الرضاع) (¬4). وبقي له شرط، وهو: أن يكون زوجها عبداً؛ فإن الحر لا ينكح أمة صغيرة في الأصح، ذكره في "المهمات"، ويتصور أيضاً في زوج صغير أرضعته أم الزوجة، وعبر عن ذلك "المنهاج" ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (8/ 265). (¬2) الحاوي (ص 484)، المنهاج (ص 401). (¬3) أخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (2/ 103)، وأخرج مالك (1188) وعبد الرازق (1224) وابن أبي شيبة (4/ 140) والبيهقي في "السنن الكبرى" (14268) من حديث سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يقول: (لكل مطلقة متعة إلا التي تطلق وقد فرض لها صداق، ولم تمس .. فحسبها نصف ما فرض). (¬4) انظر "فتح العزيز" (9/ 585).

فصل [في الاختلاف]

بقوله [ص 401]: (وفرقة لا بسببها كطلاق) و"الحاوي" بقوله [ص 484]: (ولمفارقة لا بسببها) وأورد على ذلك: ما إذا اشترى زوجته .. فإنه لا متعة في الأصح، وقد صرح بالمسألة "التنبيه" مع أنها فرقة لا بسببها (¬1)، ولذلك وجب لها الشطر إذا كان قبل الدخول في الأصح، وعليه مشى "الحاوي" (¬2)، لكن "التنبيه" ذهب إلى سقوطه كما تقدم (¬3)، وهو ظاهر ببادئ الرأي؛ فإن الضابط في وجوبها وفي التشطير شيء واحد، وهو كون الفرقة منسوبة للزوج؛ فيقال: إن نسبت إليه .. فينبغي إيجابهما، أو إليها .. فينبغي نفيهما. لكن قال الرافعي في نكاح العبد: الفرق بين المسمى والمتعة: أن المسمى وجب بالعقد، والعقد جرى في ملك البائع؛ فإذا ملكها الزوج .. كان له الشطر، والمتعة إنما تجب بالفراق، والفراق حصل في ملك الزوج، فكيف نوجب له على نفسه المتعة؟ ولذلك لو باعها من أجنبي ثم طلقها الزوج قبل المسيس .. يكون نصف المهر للبائع، ولو كانت مفوضة .. تكون المتعة للمشتري (¬4). ويرد على "الحاوي" أنه أطلق المتعة للمفارقة، ومحله: في المفارقة بغير الموت، أما به .. فلا متعة، وقد نقل الرافعي والنووي الإجماع على ذلك (¬5)، لكن حكى الواحدي في تفسيره "البسيط" قولين في المفوضة إذا مات عنها زوجها قبل الدخول والفرض. 3800 - قول "التنبيه" [ص 168]: (وتقدير المتعة إلى الحاكم يقدرها على حسب ما يرى، على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) يقتضي اعتبار حال الزوج فقط، والأصح: اعتبار حالهما، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬6). فصل [في الاختلاف] 3801 - قول "التنبيه" [ص 168]: (وإن اختلفا في قدر المسمى ... تحالفا) كذلك لو اختلفا في صفته، وقد صرح به "المنهاج" (¬7)، واستغنى بالصفة عن الجنس كدراهم أو دنانير؛ فإنهما ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 168). (¬2) الحاوي (482). (¬3) التنبيه (ص 168). (¬4) انظر "فتح العزيز" (8/ 208). (¬5) انظر "فتح العزيز" (8/ 329)، و"الروضة" (7/ 321). (¬6) الحاوي (ص 484)، المنهاج (ص 402). (¬7) المنهاج (ص 402).

يتحالفان أيضاً، وقد تناول ذلك جميعه قول "الحاوي" في البيع [ص 288]: (في صفة عقد). 3802 - قول "التنبيه" [ص 168]: (ويبدأ بيمين الزوج، وقيل: فيه ثلاثة أقوال) الأصح: طريقة الأقوال، وأصحها: البداءة بالزوج، والخلاف في الاستحباب في الأصح، وقد صرح به "الحاوي" (¬1). 3803 - قول "المنهاج" [ص 168]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 484]: (ويتحالف وارثاهما)، قد يفهم أنه كتحالف الزوجين، وليس كذلك؛ فإن الزوجين يحلفان على البت في النفي والإثبات، والوارثان يحلفان على البت في الإثبات، ونفي العلم في النفي، قال الرافعي: وأحسن بعض الشارحين فقال في الوارث: عندي أنه يحلف على البت فيهما؛ لأن من قطع بألف .. قطع بأنه غير ألفين، فلا معنى لقوله: لا أعلم أنه نكحها بألفين مع قوله: ولقد نكحها بألف (¬2). ويجوز أنه جرى عقدان، وذلك يمنعه من القطع بالنفي، بخلاف العاقد نفسه، وفي "النهاية" وغيرها: تحلف المرأة يميناً يشتمل على الجزم ونفي العلم فتقول: لا أعلم أبي زوجني بألف، ولقد زوجني بألفين (¬3). قال شيخنا ابن النقيب: وهو ظاهر؛ لأنها تحلف على فعل غيرها لا سيما من زوجت صغيرة (¬4). 3804 - قول "التنبيه" [ص 168]: (فإذا حلفا .. لم ينفسخ النكاح، ووجب مهر مثل) يفهم أن الصداق ينفسخ بنفس التحالف، وليس كذلك؛ بل لا بد من فسخه، وحينئذ .. فيجب مهر مثل؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 402]: (ثم يُفسخ المهر ويجب مهر مثل) و"الحاوي" [ص 288]: (ثم فسخ الحاكم أو من أراد منهما). 3805 - قول "المنهاج" [ص 402]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 484]: (ولو ادعت تسمية فأنكرها .. تحالفا في الأصح)، قال الرافعي: إنما يحسن وضع المسألة إذا ادعت أكثر من مهر المثل؛ أي؛ لأنه بإنكار التسمية يقول: الواجب مهر المثل، فيتفقان (¬5). قال ابن الرفعة: بل يحسن الإيراد، وإن ادعت قدر مهر المثل إذا كان من غير نقد البلد. قال شيخنا الإمام البلقيني: ويحسن وضعها إذا كان المسمى معيناً، ولو كان يساوي مهر المثل أو أنقص منه. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 288). (¬2) انظر "فتح العزيز" (8/ 334). (¬3) نهاية المطلب (13/ 134). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (6/ 189). (¬5) انظر "فتح العزيز" (8/ 334، 335).

قال الرافعي: والقياس: مجيء الوجهين في عكسه (¬1). قال شيخنا ابن النقيب: وينبغي أن يصور بما إذا ادعى دون مهر المثل على قياس ما تقدم (¬2). قلت: أو قدره من غير نقد البلد أو عيناً معينة كما تقدم. واعلم: أن صورة المسألة: ألاَّ يدعي التفويض؛ فإن ادعاه .. فكذلك إن أوجبنا المهر في التفويض بالعقد، وإلا .. فالأصل عدم التسمية من جانب والتفويض من جانب، كذا في "أصل الروضة" (¬3). قال شيخنا الإمام البلقيني: لم يبين فيه الحكم، وكأنه أحاله على ما إذا اختلفا في عقدين؛ فإن كلاً يحلف على نفي مدعى الآخر. 3806 - قولهما أيضاً: (ولو ادعت نكاحاً ومهر مثل فأقر بالنكاح وأنكر المهر أو سكت .. فالأصح: تكليفه البيان) (¬4) عبارة "أصل الروضة": حكى الغزالي وجهين - أي: في "الوجيز" - أحدهما - وينسب إلى القاضي حسين -: لها المهر إذا حلفت، وأصحهما عند الغزالي: لا، بل يتحالفان؛ لأنه قد ينكحها بأقل متمول، وما قاله لا يكاد يتصور؛ فإن التحالف: أن يحلف كل على إثبات ما يدعيه ونفي ما زعمه صاحبه، والمفروض من الزوج إنكار مطلق، ولم يذكر الروياني الخلاف هكذا بل قال: قال مشايخ طبرستان: يصدق الزوج وعليها البينة، والحق: أنه لا يسمع إنكاره؛ لاعترافه بما يقتضي المهر، ولكن يكلف البيان، قال: ورأيت جماعة من المحققين بخراسان والعراق يفتون به، وهو القويم. انتهى (¬5). وهو بالواو من الاستقامة، وصحفه بعضهم بالدال، وبهال: فالجديد إذاً خلافه، وقد ظهر أن مقابل الأصح: تصديق الزوج أو هي أو التحالف، قيل: ولا يعرف حكاية التحالف وجهاً إلا في "الوجيز" (¬6)، وذكره في "الوسيط" و"البسيط" إشكالاً بعد نقله مقالة القاضي (¬7). وقال شيخنا ابن النقيب: هذه المسألة قريبة الشبه من التي قبلها في المعنى وإن اختلفا في الصورة، فليحرر الفرق بينهما (¬8). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (8/ 335). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (6/ 190). (¬3) الروضة (7/ 324). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 485)، و"المنهاج" (ص 402). (¬5) الروضة (7/ 325)، وانظر "الوجيز" (2/ 37). (¬6) الوجيز (2/ 37). (¬7) الوسيط (5/ 271). (¬8) انظر "السراج على نكت المنهاج" (6/ 192).

قلت: هناك إنما أنكر التسمية، ومقتضاه: لزوم مهر المثل، فإذا كان مدعاها زائداً عليه أو من غير جنسه .. فقد اختلفا في المهر فتحالفا، وأما هنا .. فإنه أنكر المهر أصلاً، ولا سبيل إليه مع الاعتراف بالنكاح؛ فلهذا كان الأصح: تكليفه البيان، فإن ذكر أنقص مما ذكرت .. جاء التحالف، وإن أصر على الإنكار .. حلفت وقضى لها. 3807 - قول " المنهاج " [ص 402]: (ولو اختلف في قدره زوجٌ ووليُّ صغيرةٍ أو مجنونةٍ .. تحالفا في الأصح) إنما يحلف الولي إذ ادعى زيادة على مهر المثل والزوج معترف بمهر المثل، أما إذا اعترف الزوج بزيادة على مهر المثل .. فلا تحالف؛ لئلا يرد إلى مهر المثل، وكذا إذا ادعى دون مهر المثل؛ فإن مهر المثل يجب بلا تحالف؛ ولهذا قال " الحاوي" [ص 484]: (أو ولي الصغيرة والمجنونة زيادة على مهر المثل، والزوج قدره). وقال في " المهمات ": لا يستقيم ذلك إذا فرعنا على الصحيح المنصوص: أن الزوج هو الذي يبدأ؛ فإنه إذا حلف .. فقد أثبت بيمينه مهر المثل، فلا يحتاج في إثباته إلى يمين الولي، ويصير كما إذا اتفقا على زيادة المسمى على مهر المثل ولكن اختلفا في قدرها .. فإنه لا تحالف، قال: وينبغي في صورة ادعائه أقل من مهر المثل التحالف. قلت: إنما منع التحالف في صورة اتفاقهما على زيادة على مهر المثل واختلافهما في قدرها؛ لأنه يفضي إلى النقص عما يقوله الزوج بالرجوع إلى مهر المثل، وأما في دعوى الزوج قدرهُ والولي زيادة عليه .. فلا ضرر في التحالف، وقد يحصل النفع بمشروعيته؛ بأن ينكل الزوج فينفرد الولي بالحلف ويأخذ لها الزيادة. وقول شيخنا: إن الصحيح: أن الزوج هو البادئ، فهذا أولاً: استحباب كما تقدم، وثانياً: أنه سواء بدأ أو ثنى لا تكمل القضية إلا بوجود اليمينين، وأما صورة ادعائه أقل من مهر المثل .. فيظهر ما قاله الرافعي: إن كان الذي ادعاه الولي مهر المثل (¬1)، وما قاله شيخنا: إن كان أكثر منه؛ لما قررناه من عدم الضرر مع احتمال النفع بتقدير النكول، وإذا جعلت هذا ضابط التحالف هنا .. اتضح لك أمره، والله أعلم. ثم حكى الرافعي عن الحناطي في دعوى الولي مهر المثل أو أكثر وذكر الزوج أكثر من ذلك وجهين في أنهما يتحالفان أو يؤخذ بما يقوله الزوج (¬2)، قال شيخنا في " المهمات ": لا وجه للتحالف. قلت: هو كما قال، والله أعلم. 3808 - قول "الحاوي" [ص 484]: (أو قال: " أصدقتك أباك "، وقالت: " أمي " .. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (8/ 338). (¬2) انظر "فتح العزيز" (8/ 338).

تحالفا) حكى الرافعي في " الكبير " تصحيحه عن الغزالي (¬1)، وأرسل تصحيحه في " الصغير " وفي " أصل الروضة " (¬2)، وفي " المهمات ": أنه ينبغي الجزم به؛ لأن في الرافعي في التحالف في البيع: أنه إن كان الثمن معيناً .. تحالفا بلا خلاف، والبضع هنا معين. 3809 - قول " المنهاج " [ص 402]: (ولو قالت: " نكحني يوم كذا بألف، ويوم كذا بألف"، وثبت العقدان بإقراره أو بينة .. لزم ألفان) كذا لو ثبتا بيمينها بعد نكوله، وقول " الحاوي " [ص 485]: (وإن أتت ببينة ألفين) .. لم يذكر فيه الإقرار ولا اليمين المردودة. وقد يقال: أراد بالبينة: بيان ذلك بأحد الطرق الثلاثة لا خصوص البينة، ولا يمكن ذلك في عبارة " المنهاج " لضمه الإقرار إلى البينة. وقال شيخنا الإمام البلقيني: لزوم الألفين مشكل؛ لأن الفرقة لا بد منها لصحة العقد الثاني، والأصل عدم الدخول، فإلزام ألف عن العقد الأول مع إثبات الفرقة يخالف الأصل المذكور؛ لا يقال: قد تحقق مسمى العقد والأصل البقاء؛ لأن الفرقة المقدرة تمنع هذا الأصل، لا يقال: فعلى الزوج دعوى المسقط؛ لأنا نقول: على القاضي أن يحتاط لحكمه بالإلزام فيستفصل أهناك دخول أم لا؟ وقد قال الماوردي: إنه لا ينبغي للحاكم أن ينبهه عليه (¬3)، ومقتضاه: أن الحاكم يلزم بالألفين، ولا ينبه الزوج، وهو من المشكلات، وفي الرافعي تشبيهه بمطالبة المودع بالوديعة حتى يدعي تلفاً أو رداً (¬4) وفيه نظر؛ للزوم تقدير الفرقة هنا، فلزم الاستفصال، والزوج يدعي أن لا فرقة .. فكيف يحسن أن يقول: لم أدخل؟ 3810 - قولهما أيضاً: (وإن قال: " كان الثاني تجديد لفظٍ لا عقداً " .. لم يقبل (¬5) لكن له تحليفها على نفي ذلك في الأصح، وقد صرح به " الحاوي " (¬6). استشكله شيخنا الإمام البلقيني: بأنه تعارض هنا أصل - وهو بقاء النكاح الأول وبراءة ذمة الزوج من صداق الثاني - وظاهر - وهو أن النكاح الثاني جرى على الصحة - فينبغي تخريجه على تقابل الأصل والظاهر، قال: وأيضاً فيجوز أن يكون الطلاق رجعياً، واستعمل الزوج مع الولي لفظ الإنكاح بصداق، فيتجه خلاف دعوى الصحة والفساد. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (8/ 341). (¬2) الروضة (7/ 329). (¬3) انظر " الحاوي الكبير " (9/ 466). (¬4) انظر " فتح العزيز " (8/ 340). (¬5) انظر " الحاوي " (485)، و" المنهاج " (402). (¬6) الحاوي (ص 485).

باب الوليمة

بابُ الوليمة 3811 - كذا بوب في " التنبيه " (¬1)، وبوب صاحب " النبيه " (باب مأدبة العرس)، وعلله في " التنويه " بأمرين: أحدهما: أن الأكثر على أن الوليمة لا تختص بالعرس، بل هي عامة في كل دعوة، وليس ذلك بمراد هنا. الثاني: أن فيه بيان أن المأدبة عامة في كل دعوة، وعقد له " المنهاج " فصلاً في آخر (الصداق) (¬2). 3812 - قول " التنبيه " [ص 168]: (الوليمة على العرس واجبة على ظاهر النص، وقيل: لا تجب، وهو الأصح) بَيّن أن الأصح: خلاف ظاهر النص، وفي " المنهاج " [ص 402]: (وليمة العرس سنة، وفي قول أو وجه: واجبة)، وفي " الحاوي " [ص 485]: (الوليمة سنة)، ولم يقيد ذلك بالعرس، والتردد في أن مقابل الأصح: قول أو وجه، سبقه إليه الرافعي (¬3)، وصحح الجرجاني في " الشافي ": أن الخلاف قولان، والمذهب: القطع في سائر الولائم بندبها، وطرد بعضهم فيها قول الوجوب، وهو بعيد. 3813 - قول " التنبيه " [ص 168]: (والسنة أن يولم بشاة، وبأيّ شيء أولم من الطعام .. جاز) حكى في " أصل الروضة " عن ابن الصباغ وغيره: أن أقلها للمتمكن: شاة، ولغيره: ما يقدر عليه (¬4)، وفي " التحرير " للجرجاني: يستحب شاة سليمة من العيوب، ينزع لحمها من العظم ولا يكسر، ويفرق لحمها على الفقراء، ويطبخ منه، ويُطْعم (¬5). قال شيخنا الإسنوي في " التنقيح ": ولم أر هذه الأوصاف إلا له. 3814 - قوله: (ومن دُعي إلى وليمة .. لزمه الإجابة) (¬6) قال في " المنهاج " [ص 403]: (وإنما تجب أو تسن بشرط: ألا يخص الأغنياء، وأن يدعوه في اليوم الأول، وألا يحضره لخوف أو طمع في جاهه، وألا يكون ثم من يتأذى به ولا تليق به مجالسته ولا منكر، فإن كان يزول بحضوره .. فليحضر) وذكر " الحاوي " هذه الشروط الخمسة بزيادة سادس، وهو: أن يكون ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 168). (¬2) المنهاج (ص 402). (¬3) انظر " فتح العزيز " (8/ 345). (¬4) الروضة (7/ 333). (¬5) التحرير (1/ 199). (¬6) انظر " التنبيه " (ص 168).

الداعي مسلماً (¬1)، وذكر " التنبيه " في بقية الباب منها ثلاثة: أن يُدعى في اليوم الأول، وأن يكون الداعي مسلماً، وألا يكون هناك معصية لا يقدر على إزالتها (¬2). وبقيت عليهم شروط أخرى: أحدها: أن يخصه بالدعوة؛ فلو قال: ليحضر من شاء، أو قال لمعين: أحضر من شئت، فقال لغيره: (أحضر) .. لم تجب الإجابة، ولا تستحب، وقد يقال: علم هذا من قولهم: (دعي) فإن هذا لم يدع، وإنما مكن من الحضور، وذكر في " البحر " أنه لو قال: إن رأيت أن تحملني .. لزمته الإجابة. ثانيها: ألاَّ يعتذر إلى الداعي ويرضا بتخلفه، فإن كان كذلك .. زال الوجوب، قال في " التوشيح ": كذا أطلقوه، فهل هو على إطلاقه وإن اعتذر بما ليس عذراً لرضا الداعي، أو لا يجوز له الاعتذار إلا بعذر شرعي؟ فيه نظر. قلت: الصواب الأول؛ لأن العذر الشرعي كاف في عدم الوجوب، لا يحتاج معه إلى رضا الداعي، والمسقط هنا رضاه فقط؛ لأن الحق له، فلو غلب على ظنه أن الداعي لا يتألم بانقطاعه .. ففيه تردد، حكاه في " الذخائر ". ثالثها: ألاَّ يسبق الداعي غيره، فإن دعاه اثنان .. أجاب الأسبق، فإن جاءا معاً .. أجاب الأقرب رحماً، ثم داراً. رابعها: ألاَّ يدعوه من أكثر ماله حرام، فمن هو كذلك .. تكره إجابته، فإن علم أن عين الطعام حرام .. حرمت، وإلا .. فلا، قال في " التتمة ": فإن لم يعلم حال الطعام وغلب الحلال لم تتأكد الإجابة أو الحرام أو الشبهة .. كرهت. انتهى. وفيما ذكره في الشبهة نظر. خامسها: قال إبراهيم المروزي: لو دعته أجنبية وليس هناك محرم له ولا لها، ولم تخل به، بل جلست في بيت وبعثت الطعام مع خادم إليه إلى بيت آخر من دارها .. لم يجبها مخافة الفتنة، حكاه عنه في زيادة " الروضة "، وأقره (¬3). قال السبكي: وهو الصواب، إلا أن يكون الحال على خلاف ذلك كما كان سفيان الثوري وأضرابه يزورون رابعة العدوية، ويسمعون كلامها، قال: فإذا وجدت امرأة مثل رابعة ورجل مثل سفيان .. لم يكره لهما ذلك. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 485). (¬2) التنبيه (ص 169). (¬3) الروضة (7/ 337).

قلت: أين مثل سفيان ورابعة؟ ! بل الضابط: أن يكون الحضور إليها لأمر ديني مع أمن الفتنة، وقال في " المهمات ": إن أراد المروزي: تحريم الإجابة .. فممنوع، وأن أراد: عدم الوجوب .. فلا حاجة لتقييده بعدم وجود محرم؛ لأن هنا مانعاً آخر من الوجوب، وهو عدم العموم. انتهى بمعناه. سادسها: ألاَّ يكون المدعو قاضياً. سابعها: قال الماوردي: يشترط أن يكون الداعي مكلفأ حراً رشيداً، وإن أذن ولي المحجور .. لم تجب إجابته أيضاً؛ لأنه مأمور بحفظ ماله، ولو أذن سيد العبد .. فكالحر (¬1). ثامنها: أن يكون المدعو حرًا، فلو دعا عبداً .. لزمه إن أذن سيده، وكذا المكاتب إن لم يضر حضوره بكسبه؛ فإن ضر وأذن سيده .. فوجهان، والمحجور كالرشيد. تاسعها: ألاَّ يكون معذوراً بمرخص في ترك الجماعة، ذكره الماوردي والروياني، قالا: ولو اعتذر بِحَرٍّ أو بردٍ؛ فإن منعا غيره من التصرف .. عذر، وإلا .. فلا (¬2). عاشرها: قال في " التوشيح ": ينبغي أن يتقيد أيضاً بما إذا دعاه في وقت استحباب الوليمة دون ما إذا دعاه في غير وقتها، قال: ولم نر في صريح كلام الأصحاب تعين وقتها (¬3)، واستنبط الوالد رحمه الله من قول البغوي: ضرب الدف في النكاح جائز في العقد والزفاف قبل وبعد، قريبا منه أن وقتها موسع من حين العقد، قال: والمنقول عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم: أنها بعد الدخول. انتهى. وبوب البيهقي في " سننه " على وقت الوليمة، وذكر فيه حديث أنس: (بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلني، فدعوت رجالاً ... ) الحديث (¬4)، وقال النووي في " شرح مسلم ": اختلف العلماء في وقت فعلها، فحكى القاضي عياض: أن الأصح عند مالك وغيره: أنه يستحب فعلها بعد الدخول، وعن جماعة من المالكية: استحبابها عند العقد وعن ابن حبيب: استحبابهما عند العقد وبعد الدخول، ثم قال بعد ذلك بنحو ورقتين: سبق أنها تجوز قبل الدخول وبعده. انتهى (¬5). ولم يسبق له ذلك، ثم إن أريد: أنه لا تجب الإجابة فيما إذا عملت الوليمة قبل العقد .. فهو ¬

_ (¬1) انظر " الحاوي الكبير " (9/ 558). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (9/ 559). (¬3) في حاشية (ج): (فائدة: وما نفاه من تصريح الأصحاب متعقب بأن الماوردي صرح بأنها عند الدخول. انتهى من " فتح الباري " [9/ 231]). (¬4) سنن البيهقي الكبرى (7/ 260) حديث (14285). (¬5) شرح مسلم (9/ 217، 222).

واضح، ولكن لا يحتاج إلى ذكره؛ لأنها ليست وليمة عرس، وإن أريد: أنا إذا استحببنا أن يكون بعد الدخول فعملت قبله، لا تجب الإجابة .. فهو ممنوع؛ لأنها وليمة عرس، وإن عدل بها صاحبها عن الأفضل .. فهو كمن أولم بغير شاة مع التمكن منها، فإن صح هذا الشرط .. كملت الشروط ستة عشر. وقد أورد على " التنبيه " (¬1) أن مقتضاه: اطراد ذلك في سائر الولائم، وليس كذلك على المذهب؛ ولهذا قيد " المنهاج " بوليمة العرس (¬2)، ولا يرد ذلك عليه؛ لأنه قيدها في أول كلامه بوليمة العرس .. فانحط عليه بقية كلامه. نعم؛ يرد ذلك على " الحاوي " فإنه أطلق أولاً وآخراً (¬3)، لكنه إنما أراد: وليمة النكاح؛ لأن الوليمة وإن استعملت في كل دعوة لسرور حادث .. فالأشهر: استعمالها عند الإطلاق في النكاح وتقيد في غيره، وهذا إن نفعه في وجوب الإجابة .. ورد عليه في سنية الوليمة؛ فإنه لا يختص بالعرس، على أن الشيخ أبا حامد والمحاملي وصاحب " البيان " طردوا الوجوب في بقية الولائم (¬4)، واختاره السبكي لظواهر الأحاديث. 3815 - قول " المنهاج " [ص 403]: (بشرط: ألاَّ يخص الأغنياء) قد يرد عليه: أن المعتبر أن يدعو جميع عشيرته أو جيرانه أو أهل حرفته غنيهم وفقيرهم، فلو كانوا كلهم أغنياء .. استمر وجوب الإجابة مع أنه خص الأغنياء، لكن لم يخصهم من حيث إنهم أغنياء، بل من حيث إنهم عشيرته، وعبر " الحاوي " عن - ذلك بقوله [ص 485]: (في عامتها)، والمراد بالعموم: ما ذكرناه، لا عموم جميع الناس؛ فإنه متعذر. وقال ابن داوود: لو خصه دون نظرائه الذين يوحشهم تخصيصه .. لم تلزمه الإجابة، وقد يقال: هذا شرط غير ما تقدم؛ لأن نظراء المدعو الذين يوحشهم تخصيصه قد لا يكونون من عشيرة الداعي ولا جيرانه ولا أهل حرفته، وفيه بعد، فإنهم لا يكونون نظراءه إلا بمشاركته في أحد هذه الأمور كما شارك هو الداعي في أحدها. 3816 - قول " المنهاج " [ص 403]: (فإن أولم ثلاثة .. لم تجب في الثاني) لا يلزم منه استحباب الإجابة، ومثله في ذلك عبارة " الحاوي " (¬5)، وصرح " التنبيه " باستحبابها (¬6)، قال ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 168). (¬2) المنهاج (ص 402). (¬3) الحاوي (ص 485). (¬4) البيان (9/ 482). (¬5) الحاوي (ص 485). (¬6) التنبيه (ص 168).

الرافعي: واستحبابها فيه أخف - أي: من الأول - إن قيل: بندبه (¬1)، وفي " التعجيز " في وجوب إجابة يومين قولان، قال في " شرحه ": أصحهما: الوجوب، وبه قطع الجرجاني، قال: وقال سائر النقلة: يكره في الثاني كالثالث، والأول أصح عندي؛ لوصف النبي صلى الله عليه وسلم الثاني بأنه معروف. قال شيخنا ابن النقيب: فأغرب بالخلاف في إيجاب الثاني وكراهته، ولم أره لغيره (¬2). 3817 - قول " التنبيه " [ص 168]: (ومن دُعي في اليوم الثالث .. فالأولى له ألاَّ يجيب) في "المنهاج " [ص 403]: (إنه يكره)، وقال السبكي: ظاهر عبارة " التنبيه " أنه سواء كان المدعو في اليوم الثالث هو المدعو في اليوم الأول أم لا، وظاهر عبارة " البيان ": أنه إنما يكره إذا كان هو المدعو أولاً، قال: ولا تصريح في كلام أصحابنا بذلك، وإنما رأيت للمالكية فيه خلافاً. انتهى (¬3). وقال بعضهم: فيه وجهان حكاهما ابن يونس في " تعجيزه ". وقال شيخنا ابن النقيب: إن الثاني بعيد؛ فإن الفاعل وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالرياء، فلا يساعد عليه (¬4). 3818 - قول "المنهاج " [ص 403] و" الحاوي " [ص 485]: (وألا يكون ثم من يتأذى به) مخالف لقول الماوردي: ليس من الشروط ألاَّ يكون عدواً للمدعو، ولا أن يكون في الدعوة من هو عدو له (¬5)، فأي تأذ أشد من مجالسة العدو، والظاهر أن ما ذكره الماوردي غير معتمد، وكذلك قول الروياني: إن الزحام ليس عذراً؛ فإنه مما يتأذى به. 3819 - قوله " التنبيه " [ص 169]: (وإن دُعي إلى موضع فيه معاص من زمر أو خمر ولم يقدر على إزالته .. فالأولى ألاَّ يحضر، فإن حضر .. فالأولى أن ينصرف، فإن قعد ولم يستمع واشتغل بالحديث وأكل .. جاز) هذا طريق العراقيين، وحكاه البيهقي عن أصحابنا، وقال المراوزة: لا يجوز الحضور، وصححه الرافعي والنووي (¬6)، وزاد في " الروضة ": أن الأول غلط لا يثبت عن كل العراقيين، وإنما قاله بعضهم، وهو خطأ، ولا يغتر بجلالة صاحب " التنبيه " ونحوه ممن ذكره. انتهى (¬7). ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (8/ 347). (¬2) انظر " السراج على نكت المنهاج " (6/ 198). (¬3) البيان (9/ 485). (¬4) انظر " السراج على نكت المنهاج " (6/ 199). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (9/ 559). (¬6) انظر " فتح العزيز " (8/ 348)، و" الروضة " (7/ 334، 335). (¬7) الروضة (7/ 335).

ونازعه في ذلك شيخنا الإمام البلقيني، وقال: إنه ظاهر نص الشافعي في " الأم " و" المختصر " فقال: وإذا دعي الرجل إلى الوليمة وفيها المعصية من السكر وما أشبهه .. نهاهم؛ فإن نَحَّوا ذلك عنه، وإلا .. لم أحب له أن يجلس، وإن علم قبل أن ذلك عندهم .. فلا أحب له أن يجيب، ولا يدخل مع المعصية، قال: وجزم به الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وصاحب " البيان " وغيرهم، وحكى فيه الماوردي والروياني وجهين، ورجحا المنع وليسا من العراقيين. انتهى (¬1). وإذا فرعنا على تحريم الحضور فلم يعلم حتى حضر .. نهاهم؛ فإن لم ينتهوا .. فليخرج، وفي جواز القعود وجهان، كذا في " الروضة "، وزاد: أن أصحهما: التحريم (¬2). واعترضه شيخنا ابن النقيب: بأنه هو مخالف للرافعي من وجهين: أحدهما: تفريعه الوجهين على الوجه القائل بالتحريم في التي قبلها، والرافعي لم يفرعهما عليه؛ يؤخذ ذلك من قوله: فيه الوجهان. والثاني: تنكيره الوجهين، فاحتاج إلى التصحيح، وظاهر " الشرح " التصحيح؛ فإنه عرفهما تعريف العهد (¬3). واقتصر في " المهمات " على الاعتراض الأول، وقال: فإن جوزنا الحضور .. جوزنا العقود، وإلا .. فلا، وهو المتجه في المعنى. قلت: وقد يقال: إن ظاهر عبارة الرافعي أن هذا من تتمة الوجه الثاني؛ فهو مفرع عليه، وتوجيه تجويز القعود إذا لم يعلم مع التفريع على منع الدخول إذا علم أنه قد يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء، والشارع إنما أمر في إنكار المنكر بفعله باليد ثم باللسان ثم بالقلب، ولم يأمر بمفارقة مكان المنكر، والله أعلم. فإن كان هناك نبيذ مختلف فيه فشربه من يعتقد حرمته .. أنكر عليه في الأصح، أو من يعتقد حله .. فالمنقول: أنه لا ينكر، واختار السبكي الإنكار؛ لضعف دليله. 3820 - قول " الحاوي " في تمثيل المنكر [ص 485]: (كفرش حرير) أحسن من قول " المنهاج " [ص 403]: (فراش حرير) لأن المحرم الفرش الذي هو المصدر لا الفراش نفسه؛ فقد يكون مطوياً ولا إنكار فيه، ثم محل ذلك: في الفرش للرجال، أما النساء .. فالأصح: حل افتراشهن، خلافًا للرافعي (¬4)، فلو كانت الدعوة للنساء .. لم يكن هذا من المنكر على الأول. ¬

_ (¬1) الأم (6/ 181)، مختصر المزني (ص 184)، البيان (9/ 487)، الحاوي الكبير (9/ 562، 563). (¬2) الروضة (7/ 335). (¬3) السراج على نكت المنهاج (6/ 200)، وانظر "فتح العزيز" (8/ 348). (¬4) انظر " فتح العزيز " (8/ 348).

3821 - قول " التنبيه " [ص 169]: (وإن حضر في موضع فيه صور حيوان؛ فإن كان على بساط يداس أو مخاد توطأ .. جلس، وإن كان على حائط أو ستر معلق .. لم يجلس) فيه أمور: أحدها: أنه سكت عن بيان حكم غير الأربعة المذكورة؛ لكنه يلحق بكل من القسمين ما هو في معناه، وقد زاد " المنهاج " في الأول: الأرض، وفي الثاني: السقف والوسادة والثوب الملبوس (¬1). وبقي من الأول: الطبق والخوان (¬2) والقصعة، ذكرها الرافعي بحثاً (¬3)، وصرح الغزالي بالأولين، فقال في " الإحياء ": لا بأس بالطبق والخوان (¬4)، وأتى " الحاوي " بما يقتضي الحصر فقال [ص 485]: (وصور حيوان لا على فرش ومتكإٍ) فيرد عليه الأرض والطبق والخوان والقصعة، وتعبيره بالمتكأ بيان لمراد " التنبيه " بقوله [ص 196]: (مخاد توطأ) فالمراد بوطئها: الاتكاء عليها لا دوسها، وعبر " المنهاج " في الجائز بالمخدة، وفي الممنوع بالوسادة (¬5)، وهما لفظان مترادفان، فصار لفظه مشكلاً، ومراده: الجواز في المخدة الصغيرة التي يتكأ عليها، والمنع في الوسادة الكبيرة المنصوبة، كما عبر به في " أصل الروضة " (¬6)، وتعبيره في " المنهاج " لا يدل عليه، وتردد في " المهمات " في الإبريق؛ لكونه يمتهن بالاستعمال، لكن لا يجعل عليه شيء، ومال إلى المنع، فقال: إنه المتجه، وعندي: أن الدنانير الرومية التي عليها الصور من القسم الذي لا ينكر؛ لامتهانها بالإنفاف والمعاملة، وقد كان السلف رضي الله عنهم يتعاملون بها من غير نكير، فلم تحدث الدراهم الإسلامية إلا في زمن عبد الملك بن مروان كما هو معروف، وهذا الذي ذكرناه من التفصيل هو المعروف في المذهب. واستشكل السبكي الجواز في المفرش ونحوه، وأوّل الأحاديث التي فيه، وقال: حديث: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة " (¬7) على عمومه. انتهى. وهو على بعده من المذهب بعيد من الدليل؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقر عائشة رضي الله عنها على جعل الستر الذي فيه تصاوير مرفقتين، وكان يرتفق عليهما مع إنكاره عليها تعليقه ستراً، والحديث في " صحيح مسلم " وغيره، لكن قوى النووي في " شرح مسلم " تحريم استعمال ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 403). (¬2) الخوان: الذي يأكل عليه، معرب. انظر " لسان العرب " (13/ 146). (¬3) انظر " فتح العزيز " (8/ 348، 349). (¬4) إحياء علوم الدين (2/ 340). (¬5) المنهاج (ص 403). (¬6) الروضة (7/ 335). (¬7) أخرجه البخاري (3053)، (3144) ومسلم (2106).

الصورة ولو في الفرش، وقال: إن الأظهر: امتناع الملائكة من دخول البيت الذي فيه صورة مطلقاً (¬1)، فللسبكي في ذلك سلف وإن كان الحق خلاف ما قال؛ لما ذكرناه، والله أعلم. ثانيها: لو قال: (لم يدخل) .. لكان أحسن؛ فإن تعبيره يوهم الدخول من غير جلوس، وليس كذلك. ثالثها: إذا حملنا الجلوس على الدخول .. فظاهره تحريم الدخول فيما فيه الصور المنصوبة، وهو مفهوم من قول " المنهاج " [ص 403]: (إنه من المنكر)، وبه صرح " الحاوي " فقال [ص 485]: ) ويحرم الحضور) وهذا هو الذي يقتضيه نظم " الوجيز " (¬2)، وحكاه في " البيان " عن عامة الأصحاب (¬3)، لكن في " الشرح الصغير " عن الأكثرين: أنهم مالوا إلى الكراهة، وكلامه في " الكبير " يفهمه (¬4)، وادعى في " المهمات " أنه الصواب، ويفهم من ذلك حكم الحضور فيما فيه فرش حرير. رابعها: محل المنع: ما لم يكن مقطوع الرأس كما صرح به " المنهاج " (¬5)، ولم يذكره " الحاوي " أيضاً، وقد يقال: يخرج بقطع الرأس عن أن يكون صورة حيوان، قال في " أصل الروضة ": ولو كانت الصورة في الممر دون موضع الجلوس .. فلا باس بالدخول والجلوس، ولا تترك الإجابة لذلك (¬6). قال السبكي: ولعله فيمن لا يقدر على إزالته، وإلا .. فينبغي أن يلزمه إزالته. قلت: الكلام في إجابة الدعوة، ولا شك في أنه لا يمتنع منها بأن في طريقه مُحَرَّماً، والذي في الممر هو في طريقه، وأما تغيير المنكر: فمعروف في موضعه، وليس الأصحاب في هذا الموضع بصدد بيان حكمه، والله أعلم. 3822 - قول " المنهاج " [ص 403]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 485]: (ويحرم تصوير حيوان)، أي: مطلقاً، وفي " المحرر ": (على الحيطان ونحوها) (¬7)، لكن صحح النووي في زيادة " الروضة ": تحريمه في الأرض ونسج الثياب ونحوها (¬8)، فلذلك أطلق في " المنهاج " ¬

_ (¬1) شرح مسلم (14/ 81). (¬2) الوجيز (2/ 38). (¬3) البيان (9/ 488). (¬4) فتح العزيز (8/ 350). (¬5) المنهاج (ص 403). (¬6) فتح العزيز (8/ 350). (¬7) المحرر (ص 317). (¬8) الروضة (7/ 336).

تحريمه، وحكى الرافعي فيه وجهين بلا ترجيح من عنده (¬1). 3823 - قول " التنبيه " [ص 196]: (وإن دُعي مسلم إلى وليمة كافر .. لم تلزمه الإجابة) أحسن من قول " الحاوي " [ص 485]: (تجب إجابة المسلم) لأنه قد يدخل في عبارته الكافر إذا دعاه المسلم مع أنه لا تلزمه الإجابة جزماً كما قال الماوردي والروياني، وعللاه بأنه لم يلتزم أحكامنا إلا عن تراض، وقيد " التنبيه " المدعو بكونه مسلماً (¬2)، وهو المتبادر إلى الفهم من عبارة " الحاوي " وإن لم يصرح به (¬3)، فلو رضي ذميان بحكمنا .. أخبرناهما بإيجاب الإجابة، وهل يجبر المدعو أم لا؛ فيه قولان، ذكره الماوردي والروياني. 3824 - قول " المنهاج " [ص 403]: (ولا تسقط إجابة بصوم) وهو مفهوم من " التنبيه " و" الحاوي " (¬4)، استثنى منه شيخنا الإمام البلقيني: ما إذا كانت الدعوة في نهار رمضان في أول النهار والمدعوون كلهم مكلفون صائمون، قال: فلا تجب الإجابة؛ إذ لا فائدة في ذلك إلا رؤية طعامه والقعود من أول النهار إلى آخره مُشق، فإن أراد هذا .. فليدعهم عند الغروب، قال: وهذا واضح. 3825 - قول " التنبيه " [ص 169]: (ومن دُعي وهو صائم صوم تطوع .. استحب له أن يفطر) محله: ما إذا شق على الداعي صيامه كما ذكره " المنهاج " و" الحاوي " (¬5)، وعبر عنه في " التصحيح " بـ (الصواب) (¬6) فاقتضى عدم الخلاف فيه، لكن في " الكفاية ": أنه لا فرق بين أن يثقل على الداعي تركه أم لا، وقال الخراسانيون: إن شق أو ألح عليه .. استحب، وإلا .. فلا. انتهى. فخص التفصيل بالخراسانيين، واقتضى أن الإلحاح عندهم كاف في ترجيح الفطر وإن ظهر منه عدم المشقة بتركه. 3826 - قول " التنبيه " [ص 169]: (وإن كان مفطراً .. لزمه الأكل، وقيل: لا يلزمه) صحح في " الروضة " وأصلها: الاستحباب فقط (¬7)، وكذا في " شرح مسلم " في (الوليمة)، لكن ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (8/ 350). (¬2) التنبيه (ص 169). (¬3) الحاوي (ص 485). (¬4) التنبيه (ص 169)، الحاوي (ص 485). (¬5) الحاوي (ص 485)، المنهاج (ص 403). (¬6) تصحيح التنبيه (2/ 43). (¬7) فتح العزيز (8/ 351)، الروضة (7/ 337).

صحح فيه في (كتاب الصوم): لزوم الأكل (¬1)، وقال في " التصحيح ": إنه المختار (¬2)، وعلى الوجوب: فيحصل بلقمة، وحكى الماوردي وجهاً أنه فرض كفاية، ثم هذا في وليمة العرس، ولفظ المتولي يقتضي تعميم الخلاف في سائر الولائم، وهو منقاس على أصل من يوجب الإجابة فيها. 3827 - قول " الحاوي " [ص 485]: (ويأكل بالقرينة) أحسن من قول " المنهاج " [ص 403]: (ويأكل الضيف مما قدم له بلا لفظ) لأنه قد لا يكون هناك لفظ ولا فرينة، بل تدل القرينة على عدم الأكل؛ كما إذا كان ينتظر حضور غيره .. فالمنقول: أنه لا يأكل ما لم يحضر أو يأذن باللفظ. 3828 - قول " الحاوي " [ص 485]: (وجاز الرجوع قبل الأكل) يقتضي أنه لا يملك بمجرد وضعه له، وقد منع القفال الملك مطلقاً، وقال: إنما هو إتلاف بإذن، وصححه في " أصل الروضة " في (الأيمان)، لكن حكيا عن الأكثرين هنا الملك (¬3). ثم هل يملك بالوضع أو بالأخذ أو بالوضع في الفم أو بالمضغ أو بالازدراد يتبين حصوله قبله؟ أوجه، قال في " الروضة " وأصلها: وضعف المتولي سوى الوجه الأخير (¬4)، وذكر بعض شارحي " الحاوي " أن مقتضاه: ترجيح هذا الوجه الأخير؛ لكن في " الشرح الصغير ": إن الذي رجح الملك بالوضع بالفم، ومقتضى ما صححه النووي في أخذ النثار الملك بالأخذ، وينبني على هذه الأوجه التمكن من الرجوع. قال في " المهمات ": ولا بد من استثناء العبد هنا على المعروف، بل في جواز قبوله هذه الإباحة بغير إذن السيد نظر. قلت: لا شك في الجواز مع انتفاء الضرر والريبة. 3829 - قول " التنبيه " [ص 168]: (والنثر مكروه) في " الحاوي " [ص 485]: (إنه جائز) وتقييده ذلك بالسكر لا معنى له إلا أن يكون مثالاً، وفي " أصل الروضة " عن المسعودي: أن من ذلك نثر الدراهم والدنانير (¬5)، وفي " المنهاج " [ص 403]: (ويحل نثر سكر وغيره في الإملاك، ولا يكره في الأصح) زاد في " أصل الروضة ": بل تركه أولى (¬6)، ولا يفهم ذلك من عبارة " المنهاج "، وفي وجه: أنه مستحب. ¬

_ (¬1) شرح مسلم (8/ 28). (¬2) تصحيح التنبيه (2/ 44). (¬3) فتح العزيز (8/ 352). (¬4) فتح العزيز (8/ 352)، الروضة (7/ 338، 339). (¬5) فتح العزيز (8/ 357). (¬6) فتح العزيز (8/ 355).

3830 - قول " الحاوي " [ص 485]: (ولفظه) أي: جائز، زاد " المنهاج " [ص 403]: (وتركه أولى) وكذا في الروضة وأصلها (¬1)، لكن نص الشافعي على أنه مكروه، حكاه في زيادة " الروضة " في (الشهادات) بواسطة " الشامل "، ولم يذكر هناك غيره (¬2)، ولفظه كما حكاه في " المهمات ": وأما أنا فأكرهه من قبل أنه لا يأخذه إلا بغلبة لمن حضره؛ إما بفضل قوة، وإما بفضل قلة حياء (¬3)، ولما ذكر في " أصل الروضة " أنه خلاف الأولى .. استثنى من ذلك: ما إذا عرف أن الناثر لا يؤثر بعضهم على بعض، ولم يقدح الالتقاط في مروءته، ثم جزم بكراهة أخذه من الهواء بالملاء والأزر. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (8/ 355)، الروضة (7/ 342). (¬2) الروضة (11/ 232). (¬3) انظر " الأم " (6/ 210).

كتاب القسم والنشوز

كتابُ القسْمِ والنُّشُوز 3831 - كذا في " المنهاج " (¬1)، وزاد " التنبيه " في التبويب: (عشرة النساء)، وصدر الباب بذكرها (¬2)، ولم يذكرها " المنهاج " فلهذا لم يترجم لها، وقد يقال: لم يحتج لذلك؛ لأن المذكور تفصيل العشرة؛ فذكر القسم الذي هو معروف من جهته وقسيمه الجور، وذكر النشوز الذي هو الجور من جهتها وقسيمه المعروف، وهما تفصيل المعاشرة؛ فإنها إما بمعروف وإما بغيره؛ ولهذا قال بعضهم: إن لفظ القسم والنشوز في " التنبيه " زيادة، وإن عشرة النساء تغني عنه. 3832 - قول " المنهاج " [ص 404]: (يختص القسم بزوجات) صوابه: يختص الزوجات بالقسم؛ لأن الباء تدخل على المقصور، وعبارة " المحرر ": (حق القسم للزوجات) (¬3)، و" الحاوي " [ص 486]: (يجب القسم للزوجات)، ومرادهما: بالمعنى الذي فصلاه بعد ذلك، لا أنه يجب ابتداء، وقول " التنبيه " [ص 169]: (لا يجب عليه أن يقسم لنسائه) أي: ابتداء، ومراد " المنهاج ": اختصاص الزوجات بوجوب ذلك؛ فإنه مستحب في الإماء كما صرح به " الحاوي " (¬4)، وقال في " التنبيه " [ص 169]: (والمستحب: ألاَّ يعطلهن، وأن يسوي بينهن). 3833 - قول " المنهاج " [ص 404]: (ولو أعرض عن الواحدة .. لم يأثم) و" الحاوي " [ص 487]: (وندب المبيت لواحدةٍ) يستثنى منه: ما ذكره في " البسيط ": أنه لو بانت منه اللواتي ظلم لهن وبقيت المظلومة وحدها .. قال: عندي: أنه يقضي لها وإن كنا لا نوجب الإقامة عند الفردة؛ لأنه حق لها استقر؛ فلا يسقط ببينونة غيرها، قال: ولم أر المسألة مسطورة. واعتُرض عليه: بأن المتولي في " التتمة " صرح بالمسألة وقال: إنه لا قضاء إلا أن يعيد المظلوم لها. 3834 - قولهما: (وتستحق القسم مريضةٌ) (¬5) وهو داخل في قول " الحاوي " [ص 486]: (وإن امتنع الوطء شرعاً أو طبعاً)، قال شيخنا الإمام البلقيني: يستثنى منه: ما إذا أراد السفر ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 404). (¬2) التنبيه (ص 169). (¬3) المحرر (ص 318). (¬4) الحاوي (ص 487). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 169)، و" المنهاج " (ص 404).

بجميع نسائه فتخلفت واحدة للمرض .. فإنه لا قسم لها وإن كانت تستحق النفقة، صرح به الماوردي (¬1). 3835 - قول " المنهاج " [ص 404]: (لا ناشزة) أي: ولو كانت غير آثمة بنشوزها؛ لكونها مجنونة، واستثنى " الحاوي " معها: المعتدة (¬2)، والمراد: عن وطء شبهة، وقد حكاه الرافعي والنووي عن المتولي من غير مخالفة؛ وعلله في " التتمة " بحرمة الخلوة بها (¬3)، وفي " المطلب " أنه تفريع على المشهور، وهو تحريم الاستمتاع بها. ويستثنى أيضاً: المجنونة التي يخشى منها، والأمة التي لا نفقة لها عليه، والمحبوسة كما ذكره شيخنا الإمام البلقيني، وقاسه على النفقة. وقد ذكر النووي في (النفقات): أنه لا نفقة لها (¬4)، وحكى في (التفليس) عن " فتاوى ابن الصباغ ": أنه إن ثبت بالبينة .. لم يسقط، وصوّرها في دين استدانته بغير إذن الزوج، ثم اختار النووي سقوطها في صورتي البينة والإقرار (¬5)، قال شيخنا: ويزداد القسم بأنها إن استحقته في الحبس .. لزم أحد أمرين: إما الإضرار بالزوج، أو ترفه المحبوسة؛ ولأنها تمنع منه كما في التفليس في نظيره من الرجل من " فتاوى ابن الصباغ "، وجعل الغزالي النظر في ذلك للقاضي (¬6)، وإن استحقت القضاء .. أضر ببقية الزوجات، قال شيخنا: ولم يذكروا الصغيرة، ومقتضى القواعد: أنها لا تستحق القسم كالنفقة، قال: ولم يذكروا الصائمة. قلت: أمرها واضح؛ فإنه لا شك في وجوب القسم لها، لا سيما وعماد القسم الليل ولا صيام فيه، وبتقدير أن يكون عماد القسم في حقها النهار؛ لكون زوجها أتونياً (¬7) ونحوه .. فيحصل مع الصوم الاستمتاع بغير الوطء والأنس، والله أعلم. ولو حبس الزوج وقسم لإحدى زوجاته في الحبس .. لزمه ذلك للباقيات، فإن امتنعت واحدة من الحضور .. سقط حقها، قاله ابن الصباغ. 3836 - قول " المنهاج " [ص 404]- والعبارة له - " والحاوي " [ص 486]: (وله دعاؤهن) ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (9/ 590). (¬2) الحاوي (ص 486). (¬3) انظر " فتح العزيز " (8/ 361)، و" الروضة " (7/ 345). (¬4) انظر " الروضة " (9/ 60). (¬5) انظر " الروضة " (4/ 140). (¬6) انظر " فتاوى الغزالي " (ص 55) مسألة (51). (¬7) الأتوني بفتح الهمزة وتشديد المثناة من فوق: هو وقَّادُ الحَمَّام، نسبة إلى الأتون، وهو الذي يوقد به النار. انظر " أسنى المطالب " (3/ 231).

استثنى منه الماوردي: ما لو كانت ذات قدر وخَفَر ولم تعتد البروز، قال: فلا يلزمها إجابته، وعليه أن يقسم لها في بيتها (¬1)، وفي " النهاية " ما يشير إليه (¬2)، واستغربه في " البحر ". 3837 - قول " الحاوي " [ص 487]: (ولا يمضي إلى بعضٍ ويدعو بعضاً) قال في " المنهاج " [ص 404]: (إلا لغرضٍ؛ كقرب مسكنِ من مضى إليها أو خوفٍ عليها) وتقدم قول الماوردي: إن ذات القدر والخفر يقسم لها في بيتها (¬3)، فلو فعل ذلك بالقرعة؛ ليدعو من خرجت القرعة لها إلى منزله .. قال الرافعي: وجب أن يجوز (¬4)، وعبر عنه في " الروضة " بقوله: ينبغي القطع بالجواز (¬5). واستشكله السبكي، وفرق بينه وبين السفر: بأن السفر عذر، فإن كان هنا عذر أيضاً .. فذاك. قال شيخنا ابن النقيب: وما قاله الرافعي بحثاً منقول عن النص، ورأي الإمام القطع به، وقال: هذا التفاوت محتمل؛ لأن تفاوت المناصب والأقدار قد يقتضي هذا (¬6). قلت: إن أراد بالنسبة إلى الزوجات .. فلا يفيد شيئاً؛ فقد تخرج القرعة لغير ذات المنصب، وإن أراد بالنسبة إلى الزوج أن منصبه ينافي خروجه من بيته كل ليلة .. فممكن. 3838 - قول " المنهاج " [ص 404]: (ويحرم أن يقيم بمسكن واحدةٍ ويدعوهن إليه) لو رضين كلهن بذلك .. جاز، فلو عبر كعبارة " الروضة ": (لم تلزمهن الإجابة) (¬7)، أو قال: (إلا برضاهن) كما قال في التي بعدها .. لكان أحسن، فإن أَجَبْن .. قال ابن داوود: فلصاحبة البيت المنع وإن كان ملكه؛ لأن حق السكنى لها؛ ولهذا قلت أولا: (رضين كلهن) أي: ومنهن صاحبة المسكن. 3839 - قولهما: (وأن يجمع ضرتين في مسكنٍ إلا برضاهما) (¬8) أي: ولو ليلة واحدة، ولا يلزمهما الاستمرار على الرضا، فلهما الرجوع بعده. ويستثنى منه: ما إذا أسكنهما حجرتين من دار واحدة أو علواً وسفلاً بشرط انفصال المرافق، وقد ذكره " الحاوي " (¬9)، ولا بد مع ذلك أن يليق بحالهما. ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (9/ 579). (¬2) نهاية المطلب (13/ 251، 252). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (9/ 579). (¬4) انظر " فتح العزيز " (8/ 362). (¬5) الروضة (7/ 346). (¬6) السراج على نكت المنهاج (6/ 210)، وانظر " نهاية المطلب " (13/ 252). (¬7) الروضة (7/ 346). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 169)، و" المنهاج " (ص 404). (¬9) الحاوي (ص 487).

وأورد في " المهمات ": أنه يحرم الجمع بين زوجة وسرية في سكن واحد كما ذكره الروياني في " البحر "، وكلامهم يوهم خلافه، إلا أن يحمل الضرة على السرية أيضاً، لكن في " الصحاح ": أن الضرة: الزوجة (¬1)، وعبر في " الروضة " ب (الزوجة) (¬2) وفي " التنبيه " ب (المرأة) (¬3). 3840 - قول " الحاوي " [ص 486]: (على العاقل) أي: يجب القسم على الزوج العاقل، ويدخل فيه المراهق، والمراد: الوجوب على وليه؛ بحيث لو جارَ .. كان الإثم على وليه دونه، وأما الصغير الذي لا يتأتى منه الوطء ولا يزوج للمعاشرة عادة .. فقال شيخنا الإمام البقليني: الظاهر من كلامهم: أنه لا يجب على وليه أن يطوف به؛ لعدم المقصود من القسم. 3841 - قوله: (والولي) (¬4) أي: في حق المجنون، وقو له: (بأن يطوف بمجنونٍ مأمونٍ لم يضره الوطء) (¬5) فيه أمران: أحدهما: أنه لا يتعين الطواف به، بل له دعاؤهن إلى منزله كما في العاقل، قال في " أصل الروضة ": أو يطوف به على بعضهن ويدعوا بعضهن (¬6)، فيحتمل أن يكون بشرطه المذكور في العاقل، وأهمله هنا؛ لسبقه، ويحتمل اغتفار ذلك في المجنون؛ لأنه لا ينسب إلى ميل، والجنون عذر كما تقدم في قرب مسكن من مضى إليها أو خوف عليها، وهذا أظهر. ثانيهما: أن ذلك واجب على الولي إن رأى منه ميلاً إلى النساء، أو قال أهل الخبرة: ينفعه غشيانهن، وإلا .. فهو جائز، ولم يبين ذلك " الحاوي " لأنه لا تعلق له بالقسم، إنما هو لمصلحة المجنون. 3842 - قوله: (ولا يخص وقت الإفاقة إن ضُبِطَ) (¬7) أي: بأن يجن يوماً ويفيق يوماً ... فلا يخص وقت الإفاقة بواحدة والجنون بأخرى، ثم قال البغوي وغيره: تطرح أوقات الجنون ويقسم في الإفاقة، ولو أقام في الجنون .. فلا قضاء ولا اعتداد به (¬8)، وقال المتولي: يراعي القسم في أيام الإفاقة، ويراعيه الولي في الجنون، ولكل واحدة نوبة من هذا ونوبة من هذا، قال الرافعي: ¬

_ (¬1) الصحاح (2/ 720). (¬2) الروضة (7/ 348). (¬3) التنبيه (ص 169). (¬4) انظر " الحاوي " (ص 486). (¬5) انظر " الحاوي " (ص 486). (¬6) الروضة (7/ 347). (¬7) انظر " الحاوي " (ص 486). (¬8) انظر " التهذيب " (5/ 538).

وهذا حسن (¬1)، وعبارة " الحاوي " محتملة لهما، وحملها في " التعليقة " على الأول، وهي إلى الثاني أقرب. 3843 - قوله: (وإلا .. قضى للأخرى) (¬2) أي: إن لم تنضبط الإفاقة وقسم الولي لواحدة في الجنون وأفاق في نوبة الأخرى .. قضى للأولى ما جرى في الجنون؛ لنقصه، حكاه في " أصل الروضة " عن الغزالي، وأقره (¬3)، والغزالي قال: إن في كلام الشافعي ما يدل عليه (¬4). 3844 - قولهما - والعبارة لـ " التنبيه " -: (وعماد القسم الليل لمن معيشته بالنهار) (¬5) محله: في المقيم، أما المسافر: فعماده وقت النزول من ليل أو نهار قليلاً كان أو كثيراً، وقد ذكره " الحاوي " فقال [ص 487]: (وللمسافر وقت النزول). 3845 - قول " التنبيه " [ص 170]: (وإن دخل بالليل .. لم يجز إلا لضروة) زاد " المنهاج " [ص 404]: (كمرضها المخوف)، وعبارة " الحاوي " [ص 487]: (فيدخل فيه على الضرة لمرض مخوفٍ زماناً يسيراً) فخص المرض المخوف وقيده بالزمن اليسير، ولو ضبط بالضرورة وجعل المرض المخوف مثالاً .. لكان أولى؛ ليدخل فيه الحريق وشدة الطلق وغيرهما، وعبارة " أصل الروضة ": ويجوز الدخول للضرورة بلا خلاف، قال في " الشامل ": هي مثل أن تموت أو تكون منزولاً بها، وقال الشيخ أبو حامد: هي كالمرض الشديد، وقال الغزالي: هي كالمرض المخوف، قال: وكذا المرض الذي يحتمل كونه مخوفاً فيدخل ليتبين الحال، وفي وجه: لا يدخل حتى لا يتحقق أنه مخوف. انتهى (¬6). 3846 - قول " المنهاج " [ص 404]: (وحينئذ: إن طال مكثه .. قضى، وإلا .. فلا) يفهم اختصاص القضاء عند طول المكث بما إذا دخل لضرورة، لكن إذا قضى مع الضرورة .. فبدونها أولى، فكان الأحسن: لو أطلق القضاء مع الطول؛ كقول " التنبيه " [ص 170]: (فإن دخل وأطال .. قضى) " والحاوي " [ص 487]: (وإلا .. قضى بقدره). وجوز شيخنا ابن النقيب في عبارة " المنهاج " أن يريد الدخول لغير ضرورة، وأن يريد الدخول لضرورة، وأن يريدهما (¬7). ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (8/ 364). (¬2) انظر " الحاوي " (ص 486). (¬3) الروضة (7/ 348). (¬4) انظر " الوسيط " (5/ 289). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 169)، و" المنهاج " (ص 404). (¬6) الروضة (7/ 349)، وانظر " الوسيط " (5/ 290). (¬7) انظر " السراج على نكت المنهاج " (6/ 212).

والمتبادر إلى الفهم منه ما ذكرته، وبتقدير: أن يريدهما .. فلا يبقى لقوله: (حينئذ) معنى، وبتقدير: أن يريد الدخول لغير ضرورة .. فلا يفهم منه القضاء مع الضرورة، لا بطريق أولى ولا بمساواة، فالحمل على الضرورة وأخذ غيرها من طريق الأولى حسن، والله أعلم. وعن القاضي حسين تقدير القدر المَقْضِي: بثلث الليل، والصحيح: أنه لا يتقدر. 3847 - قول " التنبيه " [ص 170]: (وإن دخل وجامعها وخرج .. فقد قيل: لا يقضي، وقيل: يقضي بليلة، وقيل: يقضي بأن يدخل في يوم الموطوءة فيجامع كلما جامعها) صحح النووي في " تصحيحه ": أنه يقضي مثل تلك المدة ولا يكلف الجماع، وتبعه شيخنا الإسنوي (¬1). وقال النشائي: التصوير كما فرض في " الكفاية " فيما إذا كان الدخول والجماع في زمان يسير، ويوضحه قوله قبل ذلك: (فإن دخل وأطال .. قضى) وحينئذ .. فالأصح: لا قضاء، فالذي في " التصحيح " وهمٌ. انتهى (¬2). وحاصل هذا: أن الزمن اليسير إن لم يجامع فيه .. فلا يُقضى قطعاً، وإن جامع فيه .. فهو موضع الخلاف، والأصح: لا قضاء، وهو مفهوم تقييد " المنهاج " القضاء بطول المكث؛ إذ لم يُفَصّل مع عدم الطول بين الجماع وغيره، وصرح به " الحاوي " فقال [ص 487]: (لا إن قل وعصى) أي: بالوطء، وذكر الإمام أن اللائق بالتحقيق القطع بإباحة الوطء وصرف التحريم إلى إيقاع المعصية، لا إلى ما وقعت المعصية به (¬3). وقرّبه بعضهم: بأن تحريم الوطء ليس لعينه، بل لأمر خارج. 3848 - قول " التنبيه " [ص 196]: (فإن دخل بالنهار إلى غير المقسوم لها لحاجة .. جاز) أحسن من قول " المنهاج " [ص 404]: (لوضع متاعٍ ونحوه) لعمومه، ومن قول " الحاوي " [ص 487]: (لمهمٍّ) لإيهامه اعتبار قدر زائد على الحاجة. 3849 - قول " المنهاج " [ص 405]: (والصحيح: أنه لا يقضي إذا دخل لحاجة) وعليه يدل قول " الحاوي " [ص 487]: (وإلا .. قضى بقدره) ظاهره: عدم القضاء وإن طال، وكذا أطلقه في " الروضة " وأصلها (¬4)، وجزم به الماوردي (¬5)، لكن الذي في " الشامل " و" المهذب " و" البيان ": وجوبه (¬6). ¬

_ (¬1) تصحيح " التنبيه " (2/ 47)، وانظر " تذكرة النبيه " (3/ 294). (¬2) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه " (ق 145). (¬3) انظر " نهاية المطلب " (13/ 247)، وفيه: (صرف التحريم إلى إيقاع المغيظة، لا إلى ما وقعت المغيظة به). (¬4) فتح العزيز (8/ 366)، الروضة (7/ 350). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (9/ 577). (¬6) المهذب (ص 2/ 68)، البيان (9/ 518).

3850 - قول " المنهاج " [ص 405]: (وأن له ما سوى وطءٍ من استمتاعٍ) مخالف لتعبير " الروضة " فيه بالأصح (¬1). 3851 - قوله: (وأنه يقضي إن دخل بلا سببٍ) (¬2) يقتضي التعبير فيه بالصحيح؛ لعطفه على ما عبر فيه بذلك، ولو عبر فيه بالنص .. لكان أولى؛ لأن الرافعي نقله عن حكاية المحاملي له عن نص " الإملاء " (¬3)، ونقله شيخنا الإمام البلقيني عن نص " الأم " أيضاً، وقيده بما إذا لم يكن الزمان يسيراً، قال: وذلك يظهر من الدخول في الليل. انتهى (¬4). ويرد ذلك على إطلاق " الحاوي " القضاء عند الدخول نهاراً لغير مُهِمٍّ (¬5). 3852 - قول " المنهاج " [ص 405]: (ولا تجب تسوية في الإقامة نهاراً) قال شيخنا ابن النقيب: أي: في قدرها، كما هو في " المحرر " و" الروضة " و" الشرحين "، وأما أصل الإقامة: فلم أر من ذكره (¬6). 3853 - قول " التنبيه " [ص 170]: (وإن كان له امرأتان فقسم لإحداهما وطلق الأخرى قبل أن يقسم لها .. أثم، فإن تزوجها .. لزمه أن يقضي حقها) فيه أمران: أحدهما: صورة المسألة: أن يتزوجها والأخرى في نكاحه، فلو لم تكن في نكاحه بل نكح جديدة .. تعذر القضاء؛ لأنه إنما يقضي من نوبة التي ظلم بسببها، كذا قيده في " أصل الروضة " (¬7)، ومقتضاه: أنه لا يتعذر إذا لم ينكح جديدة، لكن الذي في " البحر " وغيره: تعذره ولو لم ينكح جديدة؛ لخلوص الحق لها. قال شيخنا ابن النقيب: ويظهر أنه كموت المظلوم بسببها، والجمهور - هناك خلافاً للماوردي - على تعذر القضاء (¬8). ثانيهما: كان ينبغي أن يقول: (فإن عادت إليه) ليشمل الرجعية أيضاً، وعبر " الحاوي " بقوله [ص 487، 488]: (ولو بعد تجديد من نُوَبِ المظلوم بها) فيرد عليه الثاني دون الأول. نعم؛ يرد عليه في الأول: أنه لا يختص الحكم بالظلم، فلو لم يكن ظلم؛ كما لو أقام ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 350). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 405). (¬3) انظر " فتح العزيز " (8/ 366). (¬4) الأم (5/ 190). (¬5) الحاوي (ص 487). (¬6) السراج على نكت المنهاج (6/ 216)، وانظر " المحرر " (ص 318)، و" فتح العزيز " (8/ 366)، و" الروضة " (7/ 349). (¬7) الروضة (7/ 361). (¬8) انظر " السراج على نكت المنهاج " (6/ 214).

تنبيه [لا يختص القضاء بحال مكثه عند الضرة]

للضرورة وطال، أو بات لتمريضها عند فقد ممرض .. كان الحكم كذلك. قال في " الكفاية ": ويتجه القضاء لها فيما إذا طلقها من غير سؤالها، أما إذا كان به .. فيتجه ألاَّ يُحكم بالإثم كما قيل في الطلاق في زمن الحيض على رأي. 3854 - قول " الحاوي " [ص 488]: (ولو تم بالليل .. خرج إلى نحو مسجد) محله: ما إذا لم يخف لصاً ونحوه، فإن خاف .. قعد. تنبيهٌ [لا يختص القضاء بحال مكثه عند الضرة] قد يفهم من كلامهم اختصاص القضاء بما إذا كان مكثه عند الضرة، وليس كذلك، بل لو خرج ليلاً وأطال لضرورة أو غيرها ولم يدخل للضرة .. لزم قضاؤه من الليلة القابلة، قال الرافعي: والأولى أن يقع في وقته، فيقضي لأول الليل أوله، ولآخره آخره، ويكون في باقي الليل في نحو مسجد ما لم يخف لصاً ونحوه، فيعذر في الإقامة (¬1)، وصرح جماعة بأن مراعاة الوقت ندب، وجماعة بأنه واجب. 3855 - قول " المنهاج " [ص 405]: (وأقل نوب القسم ليلة) من زيادته على " المحرر " من غير تمييز. 3856 - قوله - والعبارة له - و" الحاوي ": (ويجوز ثلاثاً، ولا زيادة) (¬2) محله: ما إذا كان بغير رضاهن، وقد اعتمد الأصحاب في منع الزيادة على الثلاث قول الشافعي في " المختصر ": (وأكره مجاوزة الثلاث) (¬3). قال الرافعي: وذلك محمول عند أكثرهم على المنع والتحريم، وقالوا: إنه موضح في " الأم " (¬4)، وقال السبكي: إنه ظاهر نصه في " الأم ". قلت: عبارة " الأم ": (وأكره مجاوزة الثلاث من العدد من غير أن أُحَرِّمَهُ، وذلك أنه قد يموت قبل [أن] (¬5) يعدل للثانية ويمرض، وإن كان هذا قد يكون فيما دون الثلاث) (¬6)، حكاه شيخنا الإمام البلقيني وغيره، وهو صريح في عدم التحريم. ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (8/ 376). (¬2) انظر " الحاوي " (ص 487)، و " المنهاج " (ص 405). (¬3) مختصر المزني (ص 185). (¬4) انظر " فتح العزيز " (8/ 368). (¬5) زيادة من " الأم ". (¬6) الأم (5/ 190).

وقول " المنهاج " [ص 405]: (على المذهب) يفهم أن مقابله: القول بالزيادة مطلقاً، وقال السبكي: ينبغي ألاَّ يؤخذ على إطلاقه، فإنه إذا طالت المدة جداً .. لم يبق له معنى، وقال الإمام: لا شك أنه لا يجوز أن يبني القسم على خمس سنين مثلاً، وقال صاحب " التقريب ": يقسم سبعاً سبعا، وقال الشيخ أبو محمد: لا يبلغ مدة التربص في الإيلاء. انتهى (¬1). لكن في " البسيط ": أن منهم من قال: لا تقدير بزمان ولا توقيت أصلاً، وإنما التقدير إلى الزوج، حكاه في " المهمات ". 3857 - قول " المنهاج " [ص 405]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 487]: (والصحيح: وجوب قرعة للابتداء) قد يدخل فيه قضاء ما دون ليلة لاثنتين والطواف على الجميع في ساعة، ولا نقل فيه، وهو محتمل. 3858 - قول " المنهاج " [ص 405]: (لحرَّةٍ مِثْلا أمةٍ) زاد " الحاوي " [ص 487]: (لا إن عتقت قبل تمام ليلتها) أي: فتلتحق بالحرة وتكون مثلها في القسم، ومفهومه: أنها إذا لم تعتق إلا بعد تمام ليلتها .. لا يكمل لها كقسم الحرة، بل يبيت عند الحرة ليلتين ثم يسوي بعد ذلك، وبه قطع الإمام والمتولي والغزالي والسرخسي (¬2)، ومنع البغوي تكميل الليلتين، وقال: إن عتقت في الأولى من ليلتي الحرة .. أتمها واقتصر عليها، وإن عتقت في الثانية .. خرج من عندها في الحال (¬3)، وعلى نحو هذا جرى الشيخ أبو حامد وأصحابه وصاحب " المهذب " (¬4). وقد تفهم عبارتهما: أن له زيادة الحرة على ليلتين ويجعل الأمة على النصف منها، لكن في " التنبيه " [ص 169]: (ويقسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة) وظاهره: تعينه؛ وهو كذلك؛ لأن الزيادة عليه تؤدي إلى تبعيض الليلة على الأمة فيما إذا جعل للحرة ثلاثاً، أو إلى زيادة الحرة على الثلاث فيما إذا جعل للأمة ليلتين؛ فإنه يكون للحرة حينئذ أربع، وكلاهما ممتنع كما تقدم، وصار ذلك مفهوماً من " المنهاج " و" الحاوي " من ذكرهما هذين الأمرين، ثم لا يخفى أنه لا يقسم للأمة إلا إذا وجبت لها النفقة، فإن لم تجب لها؛ لعدم تسليمها أو لعدم تسليمها نهاراً على الأصح .. لم يجب لها قسم، والمبعضة كالقنة، قاله الماوردي (¬5). 3859 - قول " التنبيه " [ص 170]: (وإن تزوج امرأة وعنده امرأتان قد قسم لهما .. قطع الدور للجديدة) لا يخفى أن ذكر المرأتين مثال، فلو كان في نكاحه ثلاث أو واحدة .. كان الحكم كذلك. ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (13/ 245). (¬2) انظر " نهاية المطلب " (13/ 234)، و " الوسيط " (5/ 293). (¬3) انظر " التهذيب " (5/ 535). (¬4) المهذب (2/ 67). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (9/ 575).

3860 - قوله: (فإن كانت بكراً .. أقام عندها سبعاً ولا يقضي، وإن كانت ثيباً .. فهو بالخيار بين أن يقيم سبعاً ويقضي وبين أن يقيم ثلاثاً ولا يقضي) (¬1) فيه أمران: أحدهما: أنه يقضي اختصاص حق الزفاف بما إذا كان في نكاحه غيرها يبيت عندها، وهو ظاهر كلامهم وتصويرهم وتفريعهم، وصرح به البغوي في " فتاويه "، وحكاه عنه الرافعي والنووي، وأقراه، لكنهما صححا: أنه لو نكح جديدتين ولم يكن في نكاحه غيرهما .. وجب لهما حق الزفاف سواء زفتا معاً أو على الترتيب (¬2). قال في " المهمات ": وهذه هي تلك بعينها إلا أن تلك في امرأة وهذه في امرأتين، ولا أثر لذلك. وقال النووي في " شرح مسلم ": الأقوى المختار: وجوب حق الزفاف مطلقًا؛ للحديث الصحيح: " إذا تزوج الثيب .. أقام عندها ثلاثاً، وإذا تزوج البكر .. أقام عندها سبعاً " (¬3)، وعبارة " المنهاج " قد توافق ذلك؛ فإنه قال [ص 405]: (وتُخَصُّ بكرٌ جديدةٌ عند زفافٍ بسبعٍ بلا قضاءٍ، وثيبٌ بثلاثٍ)، وكذا قول " الحاوي " [ص 487]: (وللبكر الجديدة سبعٌ، وللثيب ثلاث) فإنهما لم يصرحا بتخصيص ذلك بما إذا كان في نكاحه غيرها. ثانيهما: أن ظاهر كلامه فيما إذا أقام عند الثيب سبعاً .. أنه يقضي السبع، ومحله: فيما إذا كان باختيارها، فإن لم يكن باختيارها .. قضى الزائد على الثلاث فقط؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 405]: (ويسن تخييرها بين ثلاثٍ بلا قضاءٍ، وسبعٍ بقضاءً) وأصرح منه قول " الحاوي " [ص 487]: (وإن سبَّع بطلبها .. قضى لغيرها، وإلا .. قضى الزائد). واعلم: أنه يعتبر فيها الموالاة، فلو فرقها؛ ليلة عندها وليلة في نحو مسجد وهكذا .. لم تحسب في الأصح فيوفيها حقها متوالياً ثم يقضي ما فرق للباقيات. 3861 - قول " التنبيه " [ص 170]: (وإن تزوج امرأتين وزفتا إليه مكاناً واحداً .. أقرع بينهما) كان ينبغي لو قال: (زماناً واحداً) فإن الاعتبار في ذلك بالزمان، ولا يلزم من اتحاد المكان اتحاد الزمان، وقال الماوردي: العبرة بحال العقد، فالسابقة به مُقدمة (¬4)، وبه جزم ابن يونس في " النبيه "، ورجحه الروياني مع اعترافه بأن الأشهر: الاعتبار في السبق بالإدخال عليه. 3862 - قول " التنبيه " [ص 169]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 486]: (وإن سافرت المرأة ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 170). (¬2) انظر " فتح العزيز " (8/ 374)، و" الروضة " (7/ 356). (¬3) شرح مسلم (10/ 44، 45)، والحديث أخرجه البخاري (4915)، (4916) ومسلم (1461) من حديث سيدنا أنس رضي الله عنه موقوفاً. (¬4) انظر " الحاوي الكبير " (9/ 588).

بغير إذنه .. سقط حقها من القسم) محله: ما إذا لم تكن معه؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 405]: (ومن سافرت وحدها بغير إذنه .. ناشزةٌ). ويستثنى من ذلك: ما إذا كانت أمة فسافر بها السيد بعد أن بات عند الحرة ليلتين .. فإنه لا يسقط حقها من القسم، بل عليه قضاؤه عند التمكن، حكاه في " أصل الروضة " عن المتولي من غير مخالفة (¬1). قال شيخنا الإمام البلقيني: ولا يخالف ما ذكره قبل ذلك عن ابن كج وأبي الفرج أن الأمة إنما تستحق القسم إذا استحقت النفقة؛ لأنها استحقت حقها لما قسم للحرة وقد كانت تستحق النفقة، فلما سافر السيد بها .. لم يسقط ذلك حقها الثابت، وليس كالناشزة؛ لتقصير تلك. واستثنى السبكي أيضاً: ما لو خَرِبَ البلد وانجلى أهله، ولم يمكنها الإقامة والزوج غائب .. قال: فينبغي ألاَّ تكون ناشزة؛ كخروجها من البيت إذا أشرف على السقوط. 3863 - قول " التنبيه " [ص 169]: (وإن سافرت بإذنه .. سقط حقها في أحد القولين دون الآخر) الجديد الأظهر: السقوط، ومحله: ما إذا كان في حاجتها، فإن كان في حاجته .. لم يسقط حقها قطعا، بل يقضي لها، وقد أوضح ذلك " المنهاج " فقال [ص 405]: (وبإذنه لغرضه .. يقضي لها، ولغرضها .. لا في الجديد)، وتقييد محل الخلاف بما إذا كان لغرضها من زيادة " المنهاج " على " المحرر " من غير تمييز كما نبه عليه في " الدقائق " (¬2)، لكن قد أوضحه في " المحرر " في (النفقات) (¬3)، وقول " الحاوي " [ص 486]: (أو سافرت لا بإذنه؛ كلغرضها) أي: بإذنه. 3864 - قول " التنبيه " [ص 169]: (وإن أراد الانتقال من بلد إلى بلد فسافر بواحدة وبعث البواقي مع غيره .. فقد قيل: يقضي لهن، وقيل: لا يقضي) الأصح: القضاء، وهو مفهوم قول " الحاوي " [ص 488]: (وإن سافر لا لنقلةٍ ببعضٍ بقرعةٍ) وذكر ابن يونس وتبعه في " الكفاية " أن محل الخلاف: ما إذا كان بقرعة، وإلا .. قضى قطعاً، وقال صاحب " المعين ": هو ما أبهمه كلام " البيان " والجيلي (¬4)، وأطلق " المنهاج " أن من سافر لنُقلةٍ .. حرم أن يستصحب بعضهن، ولم يتعرض للقضاء (¬5). وفيما علّق عن الأمام وجهان في أنه يخرج عن الظلم بتغير عزم النقلة؛ أم يستمر حكمه حتى ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 354). (¬2) الدقائق (ص 69). (¬3) المحرر (ص 377). (¬4) البيان (9/ 523، 524). (¬5) المنهاج (ص 405).

يرجع إليهن؟ (¬1) وقال شيخنا الإمام البلقيني: الأرجح: الاستمرار 3865 - قول " التنبيه " [ص 169]: (وإن سافر بواحدة بغير قرعة .. قضى) وهو مفهوم " المنهاج " و" الحاوي " (¬2). يستثنى منه: ما إذا تركها في بلد وفارقها، كما حكاه الرافعي عن " فتاوى البغوي " ثم قال الرافعي: ويحتمل أن يقال: لا يقضي إلا ما بات عندها، ويحتمل أن يقال: يقضي وإن خلفها في بلد (¬3). وقال شيخنا الإمام البلقيني: الاحتمال الثاني هو الأصح. 3866 - قول " التنبيه " [ص 169]: (وإن سافر - أي؛ لغير النقلة - بالقرعة .. لم يقض) أي: مدة السفر ذهاباً، وكذا رجوع في الأصح، أما مدة الإقامة .. فيقضيها؛ ولهذا قال " الحاوي " [ص 488]: (لا مدة الإقامة)، وعبارة " المنهاج " [ص 405]: (فإن وصل المقصد وصار مقيماً .. قضى مدة الإقامة، لا الرجوع في الأصح)، وقوله: (وصار مقيماً) أي: بعزم الإقامة المؤثرة فيه؛ إما عند وصوله أو في أول سفره سواء أقام بالفعل أم لا، وإلا .. لم يصر مقيماً بمجرد وصوله في الأصح كما تقدم، وكذا الحكم لو نوى الإقامة المؤثرة قبل وصول المقصد، أما لو أقام في مقصد أو غيره من غير نية .. فقال الإمام والغزالي: إن أقام يوماً .. لم يقضه (¬4)، قال الرافعي: والأقرب قول البغوي: (إن زاد على مقام المسافرين .. قضى الزائد) ولو أقام لشغل ينتظره .. ففي القضاء خلاف كالترخص، وبعد ما يترخص فيه يقضي (¬5). وذكر شيخنا الإمام البلقيني: أنه لا يقضي مدة الإقامة إلا إن كانت بنية النقلة كما هو ظاهر نص " الأم " و" المختصر "، وهو التحقيق، وحكى الماوردي فيه وجهين. انتهى (¬6). وفي " أصل الروضة " عن البغوي فيما لو عزم على الإقامة فكتب إلى الباقيات يستحضرهن .. وجهان في وجوب القضاء من وقت كتابته (¬7). وقال شيخنا الإمام البلقيني: الأصح بل الصواب: وجوب القضاء. انتهى. وأورد على " المنهاج ": أن محل الخلاف في قضاء مدة الرجوع إذا صار مقيماً، فإن عاد من ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (13/ 265) (¬2) الحاوي (ص 488)، المنهاج (ص 405). (¬3) انظر " فتح العزيز " (8/ 383). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (13/ 267)، و" الوجيز " (2/ 45). (¬5) انظر " التهذيب " (5/ 543، 544)، و" فتح العزيز " (8/ 382). (¬6) الأم (5/ 193)، مختصر المزني (ص 186)، وانظر " الحاوي الكبير " (9/ 593، 594). (¬7) الروضة (7/ 364)، وانظر " التهذيب " (5/ 544).

فوره .. فلا قطعاً، ولا يرد ذلك عليه؛ لأنه فرض المسألة فيما إذا صار مقيماً، وقيد الغزالي كونه لا يقضي مدة السفر بما إذا كان مرخصاً، قال الرافعي: فيقتضي القضاء في سفر المعصية (¬1). واعلم: أنه إذا طرأ له سفر بعد المبيت عند إحدى الزوجتين دون الأخرى، فخرجت القرعة لصاحبة النوبة الباقية .. لا تدخل نوبتها في مدة السفر، بل إذا رجع .. وفاها نوبتها، ذكره شيخنا الإمام البلقيني، وقال: وفي نص الشافعي في " الأم " ما يشهد له (¬2). 3867 - قول " المنهاج " [ص 405]: (فإن رضي ووهبت لمُعينةٍ .. بات عندها ليلتيهما) أي: كلاً في وقتها بلا موالاة إن انفصلتا؛ ولهذا قال " الحاوي " [ص 488]: (ويصلُ إن اتصلتا). قال ابن الرفعة: وإنما يتجه ذلك إذا كانت ليلة الواهبة متأخرة، فإن كانت متقدمة وأراد تأخيرها .. اتجه الجواز قطعا، وإليه يُرشد قولهم في التعليل؛ لأن فيه تأخير حق من بينهما. قال شيخنا ابن النقيب: وكذا لو كانت متاخرة فأخر نوبة الموهوبة إليها برضاها تمسكاً بالعلة المذكورة (¬3). 3868 - قول " المنهاج " [ص 405]: (وقيل: يُواليهما) قال الرافعي: وقياسه: أنه إذا كانت ليلة الواهبة أسبق، وبات فيها عند الموهوبة .. أنه يجوز أن يقدم ليلتها ويبيتها متصلة بها (¬4). قال شيخنا ابن النقيب: ولم يظهر لي جَعْل ذلك قياس هذا الوجه؛ فإنه عينه (¬5). قلت: حكى الرافعي هذا الوجه فيما إذا كانت ليلة الموهوبة أسبق .. أنه يقدم إليها ليلة الواهبة، ثم قاس عليه ما إذا كانت ليلة الواهبة أسبق، فليس المقيس عين المحكي وإن اتفقا في التوجيه والمدرك، ومن أطلق في حكاية هذا الوجه أنه يواليهما .. فقد أتى بعبارة تتناول المنقول والمقيس. 3869 - قولهم - والعبارة لـ " التنبيه " -: (وإن وهبت للزوج .. جعله لمن شاء منهن) (¬6) وفي " المحرر ": إنه الأقرب (¬7)، وفي " أصل الروضة ": قطع به العراقيون والروياني وغيره، وإليه ميل الأكثرين (¬8)، لكن رجح في " الشرح الصغير ": المنع، وأنه يسوي بينهن، ويجعل الواهبة ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (8/ 383). (¬2) الأم (5/ 193). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (6/ 226). (¬4) انظر " فتح العزيز " (8/ 377). (¬5) انظر " السراج على نكت المنهاج " (6/ 226). (¬6) انظر " التنبيه " (ص 169)، و " الحاوي " (ص 488)، و " المنهاج " (ص 405). (¬7) المحرر (ص 320). (¬8) الروضة (7/ 359).

كالمعدومة، فقال: إنه الأشبه، وأشار في " الوسيط " إلى تخصيص الوجهين بقولها: (وهبتك، فخصِّص من شئت) (¬1) وبها صور الإمام (¬2)، فإن اقتصرت على (وهبتك) .. امتنع التخصيص قطعاً، قال الرافعي: ولو باتها كل دَوْرٍ عند واحدة .. لم يبعد تجويزه (¬3). قال شيخنا ابن النقيب: قوله: (لم يبعد) صرح به المتولي فقال: والثاني: يسوي؛ بأن يبيت عند كل منهن ساعة، أو لا يبيتها عند واحدة أصلاً، أو يخص بها كل دور واحدة (¬4). 3870 - قول " التنبيه " [ص 169]: (فإن رجعت في الهبة .. عادت إلى الدور من يوم الرجوع) محله: ما إذا علم الزوج برجوعها، فإن لم يعلم به حتى مضت نُوبٌ .. لم يستحق قضاء الفائت قبل العلم في الأصح؛ ولذلك قال " الحاوي " [ص 488]: (وما فات قبل خبره .. ضاع). 3871 - قوله: (كإباحة الثمار) (¬5) أي: كما يضيع ما يتناوله من أبيحت له الثمار قبل علمه بالرجوع حتى لا يغرمه، تبع فيه " الوجيز "، لكن قطع الصيدلاني بأنه يغرم؛ لأن الغرامات لا فرق فيها بين العلم والجهل، قال الرافعي: وإليه مال الإمام، ولا يبعد ترجيحه (¬6). واعترضه في " المهمات " بأن الذي في " النهاية " الجزم بعدم الغرم (¬7)، وقال في " التنقيح ": المرجح: عدم الضمان كما في " الحاوي "، وله نظائر: منها: ما إذا استعمل المستعير العارية بعد الرجوع جاهلاً .. فلا أجرة عليه، حكاه الرافعي في آخر (العارية) عن القفال (¬8). ومنها: ما إذا رمى إلى مسلم تَتَرَّسَ به المشركون .. ففي " الشرح " و" الروضة ": أنه إن علم إسلامه .. وجبت ديته، وإلا .. فلا (¬9). ومنها: إذا باشر الولي القصاص من الحامل جاهلاً بحملها، فتلف الحمل .. فالأصح في " الروضة " وغيرها: أن الدية على السلطان؛ لتقصيره في البحث، ثم تحملها العاقلة (¬10). ¬

_ (¬1) الوسيط (5/ 299)، وفيه: (وهبت منك، فخصص من شئت). (¬2) انظر " نهاية المطلب " (13/ 238). (¬3) انظر " فتح العزيز " (8/ 377). (¬4) انظر " السراج على نكت المنهاج " (6/ 228). (¬5) انظر " الحاوي " (ص 488). (¬6) انظر " فتح العزيز " (8/ 378). (¬7) انظر " نهاية المطلب " (13/ 237). (¬8) انظر " فتح العزيز " (5/ 394). (¬9) فتح العزيز (11/ 400)، الروضة (10/ 246). (¬10) الروضة (9/ 227، 228).

فائدة [في النزول عن الوظائف]

ومنها: إذا قتل مسلمًا ظن كفره بدار الحرب .. فلا قصاص قطعاً، ولا دية على الأظهر في " المنهاج " وغيره (¬1). ومنها: إذا أمر السلطان رجلاً يَقتل بغير حق والمأمور لا يعلم .. فلا دية على القاتل (¬2). ومنها: إذا جُنَّ المُحْرِم ثم قتل صيداً .. فلا يجب الجزاء في الأصح من زيادة " الروضة " (¬3)، مع أن الإتلاف لا فرق فيه بين المجنون والعاقل، وقال شيخنا الإمام البلقيني: الأصح عندي: عدم الغرم، والفرق بينه وبين الوكيل: أن التصرف للموكل، فإذا عزل الوكيل .. انعزل في حق الموكل، وترتب عليه: أنه لا يصح تصرفه. وأما المبيح: فلا يؤثر رجوعه؛ لأن التصرف عليه لا له، فحقه أن يُعلم المبيح له بالرجوع، فماذا لم يعلمه .. لا رجوع، ومحل كون الغرامات يستوي فيها العلم والجهل: إذا لم يكن المغروم له مقصراً، فإن نسب لتقصير .. لم يرجع كالمبيح، وكذا لو لم يُنسب إلى تقصير لكن منع من الرجوع أمر آخر؛ كما لو أنفق على زوجته ثم بأن فساد النكاح .. لا يرجع بما أنفق؛ لأنها كانت في حبسه، وكذا في عبد لم يخرج عتقه من الثلث ثم يظهر للمعتق مال .. فلا يرجع الوارث بما أنفق. فائدة [في النزول عن الوظائف] قال السبكي: عمت البلوى في زمننا بالنزول عن الوظائف، ولا شك أنه لا يشبه حق القسم، قال: والذي يظهر لي أن النزول بعوض لا يجوز، وكذا بغير عوض؛ أعني: لا يصح ولا يلزم، وهذا لا شك فيه إذا لم يتساويا فيما يجب من صفة الوظيفة، أو تساويا ولم يوافق الناظر عليه لمصلحة رآها، ويحتمل أن يجيء فيه وجه بعيد بالجواز إذا رضي الناظر وأمضاه، وإذا لم يُمضه .. فهل يسقط حق النازل فيولي الناظر من شاء، أم لا؛ لأنه ترك لزيد، فإذا لم يتم .. فهو على حقه؟ فيه احتمال، قال: والأقرب: الثاني، وعلى التقديرين: له تولية غيره إن رآه مصلحة، وليس للمنزول له حق إن لم يوافقه الناظر، فإن وافقه .. فالظاهر: أن له حقاً كالمرأة الموهوبة إذا رضي الزوج، وليس ذلك بتصرف النازل؛ فإن ذلك ليس له بل للناظر ثم في هذا الزمان يتمسك بالنزول بعد موت النازل، ويظهر أنه ليس متمسكاً. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 471). (¬2) انظر " مغني المحتاج " (4/ 12)، و" حاشية الرملي " (3/ 236). (¬3) الروضة (3/ 153، 154).

فصل [في النشوز وما يتعلق به]

نعم " إن رأى الناظر أهليته .. فلا بأس بجبر مقصد الميت بموافقته، قال: وسيأتي في (الخلع) زيادة عليه. انتهى. 3872 - قول " التنبيه " [ص 169]: (وله أن يمنع زوجته من الخروج من منزله) محله: ما إذا أيسر بالنفقة؛ فإن أعسر بها .. فلها الخروج لتحصيلها، وكذا تخرج لاستعدائها القاضي عليه إذا منعها حقها. 3873 - قوله: (فإن مات لها قريب .. استحب له أن يأذن لها في الخروج) (¬1) يستثنى منه: ما لو غلب على ظنه تعاطيها ما لا يحل؛ من نياحة وغيرها .. فيحرم عليه حينئذ الإذن لها. فصلٌ [في النشوز وما يتعلق به] 3874 - قول " المنهاج " [ص 406]: (ظهرت أمارات نشوزها .. وعظها بلا هجرٍ) قد يقتضي تحريم هجرها في المضجع في هذه الحالة، وكلام " التنبيه " و" الحاوي " يقتضيه أيضاً (¬2)، ولا شك في تحريمه إذا فوت حقًا لها من قسم أو غيره، وإلا .. فيظهر عدم تحريمه؛ لأن الاضطجاع معها حقه، فله تركه. 3875 - قول " التنبيه " [ص 170]: (وإن ظهر ذلك مرة واحدة .. ففيه قولان، أحدهما: يهجرها ولا يضربها، والثاني: يهجرها ويضربها) فيه أمور: أحدها: أن المراد: الهجر في المضطجع كما صرح به " المنهاج " و" الحاوي " (¬3)، والمراد به: أن يهجر فراشها، فلا يضاجعها فيه، وحكى الماوردي في تفسيره مع ذلك أربعة أقوال أخر: أحدها: ألاَّ يجامعها، والثاني: ألاَّ يكلمها ويوليها ظهره فيه، والثالث: أن يقول لها فيه هُجراً؛ أي: إغلاظ القول، والرابع: أن يربطها بالهِجَار، وهو حبل يُربط به البعير (¬4). أما الهجر في الكلام: ففي " أصل الروضة " أنه ممنوع، قال: وفيما عُلّق عن الإمام حكاية وجهين في أنه محرم أو مكروه، قال: وعندي أنه لا يحرم ترك الكلام أبداً، لكن إذا كُلم .. فعليه أن يجيب، وهو كابتداء السلام وجوابه، ولمن ذهب إلى التحريم أن يقول: لا منع من ترك الكلام بلا قصد، فأما بقصد الهجران .. فحرام؛ كما أن الطيب ونحوه إذا تركه الإنسان بلا قصد لا يأثم، ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 169). (¬2) التنبيه (ص 170)، الحاوي (ص 489). (¬3) الحاوي (ص 489)، المنهاج (ص 406). (¬4) النكت والعيون (1/ 482).

ولو قصد بتركه الإحداد .. أثم، وحُكي عن نص الشافعي: أنه لو هجرها بالكلام .. لم يزد على ثلاثة أيام، فإن زاد .. أثم. زاد النووي: الصواب: الجزم بتحريم الهجران فيما زاد على ثلاثة أيام وعدم التحريم في الثلاثة، وهذا في الهجران لغير عذر شرعي، فإن كان عذر؛ بأن كان المهجور مذموم الحال لبدعة أو فسق أو نحوهما، أو كان فيه صلاح لدين الهاجر أو المهجور .. فلا يحرم. انتهى (¬1). وفي " المهمات ": أن الإمام في " النهاية " نقل عن شيخه: المنع في الزيادة على الثلاث، ثم قال: وفيه نظر عندي، ولو رأى استصلاحها في مهاجرتها في النطق .. فلست أرى ذلك ممنوعاً، وهو أهون من الضرب (¬2)، قال: فالخلاف في " النهاية " على غير ما حكاه عنه؛ فإن الكراهة لا ذكر لها بالكلية، قال: ومقتضى كلام الرافعي: إثبات الخلاف في الزيادة على ثلاث، وهو واضح؛ فإنه يقصد الإصلاح، فجُوّز على وجهٍ كالأجنبي؛ فإنه يجوز فيه في هذه الحالة جزماً، وحُرّم على وجهٍ؛ لأن تأديبها يحصل بابلغ من ذلك، وهو هجر المضجع، بخلاف الأجنبي، قال: واستدراك النووي مردود. وقال شيخنا الإمام البلقيني: الصواب: عدم الجزم بالتحريم فيما زاد على ثلاثة أيام في الناشزة؛ فإنه لعذر شرعي، وهو إزالة الضرر. ثانيها: الأظهر: جواز ضربها في هذه الحالة، وصححه النووي في " المنهاج " و" تصحيح التنبيه " (¬3)، وفي زيادة " الروضة ": إنه المختار الموافق لظاهر القرآن (¬4)، وحكى في " الشرح الصغير ": ترجيحه عن ابن الصباغ وصاحب " المهذب " (¬5)، ولم يذكر ترجيحاً يخالفه، وحكى في " الكبير ": ترجيح المنع عن الشيخ أبي حامد والمحاملي (¬6)، وقال في " المحرر ": إنه الأولى (¬7)، وحكاه الماوردي عن الجديد (¬8)، وقواه السبكي، وعليه مشى " الحاوي " فإنه قيد الضرب بالتكرر (¬9). ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 367)، وانظر " الأم " (5/ 194). (¬2) نهاية المطلب (13/ 279). (¬3) المنهاج (ص 406)، تصحيح التنبيه (2/ 48). (¬4) الروضة (7/ 369). (¬5) المهذب (2/ 69). (¬6) فتح العزيز (8/ 388). (¬7) المحرر (ص 320). (¬8) انظر " الحاوي الكبير " (9/ 597). (¬9) الحاوي (ص 489).

ثالثها: محل جواز الضرب: أن يظن صلاحها به، هالا .. فلا يجوز، كما ذكره الرافعي في (التعزير) (¬1)، وعليه مشى " الحاوي " فقال [ص 489]: (إن نجع) (¬2). 3876 - قول " المنهاج " [ص 406]: (فإن تكرر .. ضرب) قال في " التنبيه " [ص 170]: (ضرباً غير مبرح) و" الحاوي " [ص 489]: (لا مخوفاً)، وحكى الروياني عن الأصحاب: أنه يضربها بمنديل ملفوف أو بيده، لا بسياط ولا بعصا، وفي " النهاية ": لو كانت لا تنكف إلا بالضرب المبرِّح .. ليس له أن يبرِّح بها (¬3)، وحكى في (التعزير) عن المحققين: أنه لا يضربها أصلاً، وطرده في كل تأديب (¬4). 3877 - قول " المنهاج " [ص 406]: (فإن أساء خلقه وآذاها بلا سببٍ .. نهاه، فإن عاد .. عزَّره) حكاه في " الروضة " وأصلها عن " التتمة "، وعن " الشامل " وغيره: أنه يسكنهما بجنب ثقة ينظرهما ويمنعه من التعدي، قال: والقولان متقاربان (¬5). ومفهومه: أنه لا يعزّره في المرة الأولى وإن كان حراماً، وقال السبكي: القياس: جواز تعزيره إذا طلبت، قال: ولعل ذلك؛ لأن إساءة الخلق بين الزوجين تكثر؛ فالتعزير يورث وحشة، فينهاه عسى أن ينصلح، فإذا عاد .. تعيّن التعزير. 3878 - قول " الحاوي " [ص 489]: (وبتعديه .. حيل بينهما) تبع فيه الغزالي (¬6)، قال الرافعي والنووي: لم يتعرضوا لها (¬7)، واعترضه في " المهمات ": بأن الإمام قد صرح بها أيضاً (¬8). قلت: وصرح الروياني في " البحر " بالمنع منها. 3879 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (وإن اشتد الشقاق .. بعث حكماً من أهله وحكماً من أهلها) (¬9) ليس في عبارتهم إفصاح عن كون هذا البعث واجباً أو مستحباً، وقد قال البغوي: عليه بعثهما (¬10)، قال الرافعي: وظاهره الوجوب، وحجته: الاَية، وقال الروياني: يستحب (¬11)، ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (11/ 292). (¬2) يقال: أنجع إذا نفع، ونجع فيه القول والخطاب والوعظ: عمل فيه ودخل وأثر. انظر " لسان العرب " (8/ 348). (¬3) نهاية المطلب (13/ 278). (¬4) نهاية المطلب (17/ 347). (¬5) الروضة (7/ 370). (¬6) انظر " الوجيز " (2/ 46). (¬7) انظر " فتح العزيز " (8/ 390)، و" الروضة " (7/ 370). (¬8) انظر " نهاية المطلب " (13/ 280). (¬9) انظر " التنبيه " (ص 170)، و" الحاوي " (ص 489)، و" المنهاج " (ص 406). (¬10) انظر " التهذيب " (549/ 5). (¬11) انظر " فتح العزيز " (8/ 390)، والآية هي قوله تعالى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}.

زاد النووي: الأصح أو الصحيح: الوجوب (¬1). قال في " المهمات ": بل الصحيح: الاستحباب؛ فقد نص عليه الشافعي كما حكاه في " البحر "، وكيف يتمسك بعبارة محتملة لمتأخر وكلام إمام المذهب ناصّ على خلافه؟ ! وقال شيخنا الإمام البلقيني: نص الشافعي في " الأم " أظهر في الوجوب مما قاله البغوي؛ حيث قال: (فَحَقَّ عليه)، وهو مقتضى قوله: لما أمر الله تعالى، وصرح الماوردي بالوجوب. انتهى (¬2). وظاهر " المنهاج " و" الحاوي " وجوب كونهما من أهلهما، وصرح " التنبيه " بأن ذلك أولى، وهو كذلك، وإنما لم يجعل شرطاً؛ لأن القرابة لا تشترط في الحاكم ولا في الوكيل. وقال شيخنا الإمام البلقيني: مقتضى كلامهم: أنه لا يبعث الحكمين إلا إذا كان الزوج بالغًا عاقلًا والمرأة رشيدة؛ لعدم إمكان الطلاق منه وعدم إمكان البذل منها، وعندي: لا يمتنع بذلك بَعْثُهما؛ لئلا يؤدي إلى لزوم الضرر، وكما يجوز فسخ النكاح بإعسار الصغير عن النفقة، ويكون طلادا على قول مخرج. انتهى. 3880 - قول " التنبيه " [ص 170]: (بعث الحاكم حرين مسلمين عدلين) قال النووي في " نكته ": كان يكتفي بذكر العدلين عن الحرين والمسلمين إلا أنه ذكره تأكيداً. انتهى. وبقي علمه: أنه يشترط اهتداؤهما إلى التصرف على الأصح. 3881 - قوله: (وهما وكيلان لهما في أحد القولين ... وهما حكمان من جهة الحاكم في القول الآخر ... وهو الأصح (¬3). الذي صححه الرافعي والنووي الأول (¬4)، وعليه مشى " المنهاج " (¬5)، وقال البيهقي: إنه أصح قولي الشافعي (¬6)، وقد يفهم اقتصار " الحاوي " على وصفهما بأنهما حكمان: موافقة القول الثاني، لكنه تبع لفظ الآية الكريمة (¬7)، والله أعلم. ¬

_ (¬1) انظر " الروضة " (7/ 371). (¬2) انظر " الأم " (5/ 194)، و" الحاوي الكبير " (9/ 602). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 170). (¬4) انظر " فتح العزيز " (8/ 391)، و" الروضة " (7/ 371). (¬5) المنهاج (ص 406). (¬6) انظر " الأم " (5/ 116)، و" سنن البيهقي الكبرى " (7/ 307). (¬7) الحاوي (ص 489).

كتاب الخلع

كتابُ الخُلْع 3882 - قول " المنهاج " [ص 407]: (هو فرقة بعوضٍ بلفظ طلاقٍ أو خلع) فيه أمور: أحدها: قال السبكي: أكثر الكتب ساكتة عن هذا التفسير، ولم يذكره الأكثرون، وعبارة " المحرر ": الفرقة بين الزوجين على عوض يأخذه الزوج، تارة بلفظ الخلع وأخرى بلفظ الطلاق. انتهى (¬1). فلم يذكره تفسيراً، وفي " الشرح " نحوه، وذلك لا يقتضي أنه بلفظ الطلاق يسمى خلعاً، بخلاف صارة " المنهاج "، وهي أصوب. قلت: عبارة " الشرح " للرافعي: (وفُسّر الخلع في الشريعة: بالفرقة على عوض يأخذه الزوج) (¬2)، وكذا في " الروضة " (¬3)، فدخل في ذلك ما كان بلفظ طلاق وما كان بلفظ خلع، ودخل فيه أيضاً: لفظ المفاداة، ولفظ الفسخ مع النية، فهي أوسع من عبارة " المنهاج " لترك التقييد بالطلاق والخلع، فدخل فيها غيرهما مما ذكرناه. لكن أورد عليها: أنه لو قيل: (راجعٌ إلى الزوج) بدل (يأخذه الزوج) .. لكان أولى؛ ليتناول ما إذا خالعها على ما ثبت لها عليه من قصاص أودين أو نحوهما. وفي " فتاوى القفال ": أنه إذا علق الطلاق على البراءة مما لها عليه .. كان بائناً، أو على البراءة مما لها على غيره .. كان رجعياً، حكاه عنه الرافعي في أواخر تعليق الطلاق (¬4). ثانيها: أنه ليس المراد: لفظ الطلاق بعينه، بل: كل لفظ يقع به الطلاق صريحاً كان أو كناية. ثالثها: زاد الماوردي في هذا التعريف: بعوض مقصود (¬5)، ليخرج الدم ونحوه. 3883 - قول " التنبيه " [ص 171]: (ويكره الخلع إلا في حالين) ثم قال: (والثاني: أن يحلف بالطلاق الثلاث على فعل شيء لا بد منه فيخالعها، ثم يفعل المحلوف عليه، ثم يتزوجها) فيه أمور: أحدها: كان ينبغي أن يقول: (أن يحلف بما زاد على واحدة) ليدخل الحلف بطلقتين، قاله النووي في " نكته ". ¬

_ (¬1) المحرر (ص 321). (¬2) فتح العزيز (8/ 394). (¬3) الروضة (7/ 374). (¬4) انظر " فتح العزيز " (9/ 152). (¬5) الذي في " الحاوي الكبير " (3/ 10): (افتراق الزوجين على عوض)، وليست فيه كلمة: (مقصود).

ثانيها: الأحسن أن يقول: (على ألاَّ يفعل شيئًا لا بد له منه)، حكاه في " الكفاية " عن الجيلي، ثم قال: ولا يحتاج إليه؛ لأن المراد من الحلف هنا: التعليق، وإذا كان كذلك .. فيكون التقدير: أن يعلق طلاقها على فعل شيء لا بد منه، وقد استقام الكلام. ثالثها: ظاهر كلامه: حصول الخلاص بالخلع ولو كان المحلوف على فعله مقيداً بمدة، وخالف في ذلك بعض المتأخرين؛ فقال السبكي: دخلت على ابن الرفعة، فقال: استفتيت في من حلف بالطلاق الثلاث لا بد أن يفعل كذا في هذا الشهر، فخالع في الشهر؟ فأفتيت: بتخلصه من الحنث، ثم ظهر لي أنه خطأ، ووافقني البكري على التخلص، فبينت له أنه خطأ (¬1)، قال السبكي: فبحثت معه وجنحت إلى التخلص، وهو لا يلوي عليه، وقال: الصواب: أنه ينتظر، فإن لم يفعل حتى مضى الشهر .. بأن وقوع الثلاث قبيل الخلع وبطل الخلع. ثم سألت الباجي، ولم أذكر له كلامه .. فوافقه؛ لتمكنه منه ولم يفعله، ثم رأيت في الرافعي في فروع في آخر (الطلاق): لو قال: إن لم تخرجي الليلة من الدار فأنت طالق، ثم خالع مع أجنبي في الليل وجدد؛ ولم تخرج .. لم تطلق؛ لأن الليل كله محل اليمين، ولم يمض كله، وهي زوجته حتى تطلق، ولو قال: إن لم تأكلي هذه التفاحة اليوم فأنت طالق، وقال لأمته: إن لم تأكلي التفاحة الأخرى فأنت حرة، فالتبستا، فخالع وباع في اليوم ثم جدد واشترى .. تخلص (¬2)، وهذا مخالف لقول ابن الرفعة والباجي. قال السبكي: وخطر لي الفرق بين (إن لم أفعل)، و (لأفعلن): أن الأول تعليق على العدم ولا يتحقق إلا بالآخر، فإذا صادفها الآخر بائناً .. لم تطلق وليس هنا إلا جهة حنث فقط؛ فإنه إذا فعل .. لا نقول: برَّ، بل لم يحنث؛ لعدم شرطه، وأما (لأفعلن) فالفعل مقصود، وهو إثباتٌ جُزئيٌّ، وله جهة برٍّ وهي فعله، وجهة حنثٍ بالسلب الكلي الذي هو نقيضه، والحنث بمناقضة اليمين وتفويت البرِّ، فإذا التزمه وفوته بخلع من جهته .. حنث؛ لتفويته البر باختياره، هذا نهاية ما خطر لي، ولم أجد له مستنداً من كلام الناس، فإن صح .. فالصيغ ثلاث: حلف على النفي، وحلف على الإثبات بـ (إن لم أفعل) ويفيد فيهما الخلع، وحلف ب (لأفعلن) ولا يفيد فيه الخلع. انتهى. 3884 - قوله: (يصح الخلع من كل زوج بالغ عاقل) (¬3) أورد عليه النووي: أنه لا بد أن يقول: مختار، فقال: الصواب: أن خلع المكره باطل (¬4). ¬

_ (¬1) في (1): (ووافقني أيضاً القمولي، فبينت له أنه خطأ). (¬2) انظر " فتح العزيز " (9/ 157، 159). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 171). (¬4) انظر " تصحيح التنبيه " (2/ 53).

قال النشائي: ولا يرد؛ فإنه بينه في الطلاق، وقال هنا: إنه إن كان بلفظ الطلاق .. فهو طلاق، وفيه كفايةٌ. انتهى (¬1). وأحال " المنهاج " ذلك على الطلاق، فقال: (شرطه: زوجٌ يصح طلاقه) (¬2)، وجعل السبكي قول " المحرر ": (يشترط لصحتها - أي: الفرقة - في الزوج: أن يكون ممن ينفذ طَلاقه) (¬3) أقوم من عبارة " المنهاج " لأن الزوج ركن لا شرط، وكونه ينفذ طلاقه شَرْطٌ فيه؛ فلا يصح من صبي ومجنون ومكره. وجعل الغزالي أركانه خمسة: عاقدين، وعوضين، وصيغة (¬4)؛ لأن حكم العاقدين فيه يختلف كثيراً، وكذا العوضان، وعدها في البيع ثلاثة؛ لأن حكم العاقدين والعوضين فيه لا يختلف غالباً. 3885 - قولهما - والعبارة لـ " التنبيه " -: (وإن كان الزوج سفيهاً فخالع .. صح خلعه ووجب دفع المال إلى وليه) (¬5) فيه أمران: أحدهما: أنه يكفي دفعه إليه بإذن الولي كما حكاه الرافعي والنووي عن ترجيح الحناطي (¬6)، قال صاحب " المطلب ": وهو ما يفهمه نصه في " الأم " (¬7)، وحكاه شيخنا الإمام البلقيني عن تصحيح الروياني في " الكافي "، وصحح صاحب " الانتصار " مقابله. ثانيهما: قال الدّزماريُّ: صورة المسألة: أن يقول: (طلقت على ألف) فتقبل، أما لو قال: (إن دفعت لي ألفاً أو هذا فأنت طالق) .. فيجوز لها دفع ذلك إليه، دون وليه والفرق من وجهين: أحدهما: أنه كان مالكا لما في الذمة قبل الدفع، بخلاف هذا. الثاني: أنها لو دفعت هذا إلى الولي .. لم تطلق؛ لعدم وجود المعلق عليه. انتهى. وصرح به قبله الماوردي والروياني (¬8). 3886 قول " المنهاج " [ص 407]: (ولو خالع عبد .. صح ووجب دفع العوض إلى مولاه) ¬

_ (¬1) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه " (ق 145). (¬2) المنهاج (ص 407). (¬3) المحرر (ص 321). (¬4) انظر " الوجيز " (2/ 49). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 1717)، و" المنهاج " (ص 407). (¬6) انظر " فتح العزيز " (8/ 411)، و" الروضة " (7/ 384). (¬7) الأم (5/ 200). (¬8) انظر " الحاوي الكبير " (10/ 85).

قال في " التنبيه " [ص 171]: (إلا أن يكون مأذوناً له) أي: في قبضه. ويستثنى أيضاً: ما لو قال العبد: إن دفعت لي كذا فأنت طالق .. فإنها تدفع إليه لا إلى مولاه، كما صرح به الماوردي والروياني (¬1)، وسبق في السفيه مثله، والمدبر والمعلق عتقه بصفة كالقن، وأما المكاتب: فيسلم العوض إليه؛ لصحة يده واستقلاله، وذكر في " المحرر " مع العبد والسفيه: المحجور بالفلس (¬2)، فحذفه " المنهاج " لأن في بيان حكمهما ما يغني عنه. 3887 - قول " المنهاج " [ص 407]: (وشرط قابله: إطلاق تصرفه في المال) كذا ملتمسُهُ؛ فإنَّ باذل المال تارة يكون قابلاً مجيباً، وتارة يكون ملتمساً مبتدئاً؛ فيكون حينئذ موجباً والزوج قابلاً (¬3)، وقد تناول ذلك قول " التنبيه " [ص 171]: (ويصح بذل العوض في الخلع من كل زوجة جائزة التصرف في المال) ثم قال [ص 171]: (ويصح الخلع مع الزوجة ومع الأجنبي) وشرط الأجنبي: جواز التصرف كالزوجة، فعبارة " المنهاج " أخصر وأحسن لو قال: (باذله). وشرط الخلع مع الأجنبي: أن نقول: إن الخلع طلاق؛ فإن قلنا: إنه فسخ .. لم يصح مع الأجنبي؛ فلا بد من قيد الزوجية. 3888 - قول " التنبيه " في الأمة [ص 171]: (وإن خالعت بغير إذنه .. ثبت العوض في ذمتها إلى أن تعتق) لم يفصح عن العوض، وأوضحه " المنهاج " فقال [ص 407]: (وللزوج في ذمتها: مهر مثل في صورة العين - وفي قول: قيمتها - وفي صورة الدين: المسمى، وفي قول: مهر المثل) وفيه أمور: أحدها: محل ما ذكره في العين: ما إذا نجز الطلاق؛ فإن قيده بتمليك تلك العين .. لم تطلق، نبه عليه الماوردي (¬4). ثانيها: محل قوله: (وفي قول: قيمتها): أن تكون متقومة، فإن كانت مثلية .. فمثلها. ثالثها: ما صححه في صورة الدين من المسمى صححه أيضاً في " أصل الروضة " (¬5)، لكن الأظهر في " المحرر ": وجوب مهر المثل أيضاً كمسألة العين (¬6)، وهو الأرجح في " الشرح الصغير "، ومشى عليه " الحاوي " فقال [ص 490]: (ومع الأمة بلا إذن يوجب مهر المثل)، ونقل في " الكبير ": وجوب المسمى عن العراقيين والقفال وأبي على، ثم قال: لكن نظم الكتاب ¬

_ (¬1) انظر " الحاوي الكبير " (10/ 85). (¬2) المحرر (ص 321). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (6/ 243). (¬4) انظر " الحاوي الكبير " (10/ 84). (¬5) الروضة (7/ 384). (¬6) المحرر (ص 321).

يقتضي ترجيح مهر المثل، وهو الذي في " التهذيب " والموافق لما مر في الشراء والضمان؛ فإنا بيَّنا أن الأصح فيهما: البطلان. انتهى (¬1). وقد تبين بذلك أن اختصاره في كتابيه معا غير مطابق لأصله، فـ " المنهاج " مخالف لأصله صريحاً، والترجيح في " الروضة " زيادة بلا تمييز مع مخالفته لـ " المحرر " و" الشرح الصغير "، وفرق بين هذا وبين الشراء بغير إذن السيد: بأنه لو صح الشراء .. لم يمكن جعل المبيع للعبد؛ لكونه لا يملك، ولا للسيد؛ لكونه غير من لزمه الثمن، ولا يجيء ذلك هنا؛ فإن الخلع من الأجنبي يصح مع أن البضع لا يحصل له. واعلم: أن الأمة لو خالعت بمال وشرطته إلى وقت العتق .. فسد ووجب مهر المثل بعد العتق مع كونها عند الإطلاق لا تطالب به إلا بعد العتق؛ لثبوت ذلك التأجيل بالشرع، فلا تضر جهالته. قال السبكي: وهذا عجيب؛ لأنه يوافق مقتضى العقد ويفسده. 3889 - قول " التنبيه " [ص 171]: (وإن كانت أمة فخالعت بإذن السيد .. لزمها المال في كسبها أو مما في يدها من مال التجارة) محله: ما إذا لم يعين لها السيد عيناً؛ فإن عين .. تعلق بالعين، وإن قدر ديناً .. لزمها الوقوف عنده، فإن زادت .. صح أيضاً، لكن تتعلق الزيادة بذمتها، وكذا إذا أطلق فزادت على مهر المثل، وقد أوضح ذلك " المنهاج " فقال [ص 407]: (وإن أذن وعيّن عيناً له أو قدَّر ديناً فامتثلت .. تعلق بالعين وبكسبها في الدين، وإن أطلق الإذن .. اقتضى مهر المثل من كسبها). لكن أهمل ذكر مال التجارة، وهو مثل الكسب، واستوفى ذلك " الحاوي " فقال [ص 494]: (ومن الأمة بالإذن مما عين، وكسبها ومال تجارتها ما قدّر ديناً ومهر المثل إن أطلق والزائد في ذمتها). 3890 - قول " التنبيه " [ص 171]: (وإن كانت مكاتبة فخالعت بغير إذن السيد .. فهي كالأمة، وإن خالعت بإذنه .. فقد قيل: هو كهبتها، وفيها قولان، وقيل: لا يصح قولاً واحداً) صحح النووي في " تصحيحه ": عدم الصحة فقال: (والأصح: أن اختلاع المكاتبة بإذنٍ كهو بلا إذنٍ) (¬2) وكذا قال في " الروضة " هنا: إنه المذهب المنصوص (¬3)، وعليه مشى " الحاوي " فقال في صور مهر المثل [ص 490]: (والمكاتبة ولو بإذن) لكن صحح في " الروضة " في الكتابة تبعاً ¬

_ (¬1) فتح العزيز (8/ 412)، وانظر " التهذيب " (5/ 577). (¬2) تصحيح التنبيه (2/ 54). (¬3) الروضة (7/ 385).

لأصله: أنه على قولي التبرعات بالإذن، وأن الأصح: الصحة (¬1)، وهو الذي يدل عليه إطلاق " المنهاج " في بابه، والذي في الرافعي هنا: أنه على قولي التبرعات، لكنه نقل المنع عن النص، فلا تناقض في كلامه (¬2). غايته: أنه نبه على أن النص خلاف المصحح، ولو اقتصر في " الروضة " على أنه المنصوص .. وافق الرافعي، لكنه زاد لفظة: (المذهب) فوقع الخلل، ثم أخذ منه في " تصحيح التنبيه "، وصحح السبكي ما في (الكتابة). وقال في " المهمات ": إن المذكور هنا في " الروضة " غلط، وقال الشيخ عز الدين النشائي: إنه وهم، لكن مال ولده الشيخ كمال الدين إلى غير ذلك (¬3). واعلم: أن عدم الصحة هنا لا يرجع إلى الخلع؛ فإنه واقع، إنما هو بالنسبة إلى الإذن، نبه عليه في " الكفاية " وهو حق لا بد منه. 3891 - قول " التنبيه " [ص 171]: (فإن كانت سفيهة .. لم يجز خلعها) ظاهره وقوع الطلاق الرجعي، لكن شرطه: قبولها، وقد صرح بذلك " المنهاج " و" الحاوي " (¬4)، وقد يتوهم منه أنه يلتحق به أيضاً: ما إذا قال لها: إن أبرأتيني من صداقك فأنت طالق، فقالت في الحال: أبرأتك .. فيقع الطلاق رجعياً، قال شيخنا الإمام البلقيني: وقد رأيت أبا البقاء السبكي يتوهم ذلك وقال: إن الشيخ تقي الدين السبكي كان يفتي به، قال شيخنا: ورأيت الشاميين لما قدمت عليهم - يعني: سنة تسع وستين - يتوهمون ذلك كالشيخ عماد الدين الحسباني وغيره، قال شيخنا: وليس كذلك، فلا يقع الطلاق هنا أصلاً؛ لأن الصفة المعلق عليها وهي الإبراء لم توجد .. فلا طلاق، قال: وقد صرح بذلك الخوارزمي في " الكافي " في أواخر (الخلع) انتهى. فلو قال لها: إن أعطيتيني ألفاً فأنت طالق .. فلشيخنا أيضاً فيه احتمالان، أرجحهما: أنها لا تطلق بالإعطاء؛ فإنه لا يحصل به الملك، وليست كالأمة؛ لأن تلك يلزمها مهر المثل بخلاف السفيهة، والاحتمال الثاني: أن ينسلخ الإعطاء عن معناه إلى معنى الإقباض فتطلق رجعياً كخلع السفيهة. انتهى. ومحل قولنا: بوقوع الطلاق الرجعي: ألاَّ يجعل فسخاً؛ فإن جعل فسخاً .. لم يقع شيء، حكاه في " الكفاية " عن " التتمة ". ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 281). (¬2) انظر " فتح العزيز " (8/ 413). (¬3) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه " (ق 145، 146). (¬4) الحاوي (ص 493)، المنهاج (ص 407).

3892 - قول "الحاوي" [ص 493]: (ومن المريضة نفذ) أحسن من قول " المنهاج " [ص 407]: (ويصح اختلاع المريضة) لأن الواجب مهر المثل في بعض الصور، ولو كان صحيحاً .. لوجب المسمى؛ فالتعبير بالنفوذ أولى، وهو الذي في " المحرر " و" الروضة " وأصلها (¬1)، ولو بطل .. لم يترتب عليه أثر أصلاً، ويحتمل أن يقال: هو صحيح حيث بانت والفاسد عوضه، وفي كلام الشافعي والماوردي ما يؤيده (¬2)، وتعبير " المنهاج " أحسن؛ حيث صرح بأن المراد: مرض الموت (¬3). 3893 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (ولا يحسب من الثلث إلا زائداً على مهر المثل) (¬4) قال الرافعي: وقد جعلوا خلع المكاتبة تبرعاً، فقضيته الاعتبار من الثلث وإن كان بمهر المثل أو أقل، قال: فقال الأئمة: تصرف المريض أوسع وملكه أتم؛ بدليل جواز صرفه المال في شهواته ونكاح الأبكار بمهور أمثالهن وإن عجز عن وطئهن، ويلزمه نفقة الموسرين، والمكاتب لا يتصرف إلا بقدر الحاجة ويلزمه نفقة المعسرين (¬5). 3894 - قول " المنهاج " [ص 407]: (ويصح عوضه قليلاً وكثيراً ديناً وعيناً ومنفعة) ليس فيه ضابط ذلك، وقد ضبطه " التنبيه " فقال [ص 172]: (وما جاز أن يكون صداقاً من قليل وكثير وعين ودين ومال ومنفعة يجوز أن يكون عوضاً في الخلع) وأورد عليه: أن ذى هـ المال بعد العين يقتضي أنه يجوز أن تكون العين غير مال؛ ولعل مراده بالمال: ما يبذل المال في مقابلته وإن لم يكن عيناً؛ كالعفو عن القصاص .. فإنه يجوز جعله صداقاً. وعبارة " الحاوي " [ص 491]: (بعوضٍ متمولٍ معلومٍ؛ كألف) وأشار بالتمثيل إلى أنه يُكتفى بإبهام المميز من دراهم وغيرها لفظاً إذا نويا نوعا، وقد ذكره " المنهاج " في أواخر الباب فقال: (ولو خالع بالف ونويا نوعاً .. لزم، وقيل: مهر مثلٍ) (¬6)، ويشترط أيضاً: القدرة على التسليم وغيرها من شروط العوض؛ فضبط " التنبيه " (¬7) بالصداق أولى. 3895 - قول " التنبيه " [ص 172]: (وإن ذكر بدلاً فاسداً .. بانت ووجب مهر المثل) أورد عليه ¬

_ (¬1) المحرر (ص 321)، فتح العزيز (8/ 415)، الروضة (7/ 387). (¬2) انظر " الحاوي الكبير " (10/ 106). (¬3) المنهاج (ص 407). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 173)، و" الحاوي " (ص 493)، و" المنهاج " (ص 407). (¬5) انظر " فتح العزيز " (8/ 415). (¬6) المنهاج (ص 412). (¬7) في (أ)، (ب)، (ج): (المنهاج)، والمثبت من (د)، وهو الصواب.

شيخنا الإسنوي في " تصحيحه " فقال: والصواب فيما إذا خالعها على مهر فاسد غير مقصود كالدم والحشرات: أن الطلاق يقع رجعياً. وقال النشائي: قد يخرج بالفاسد الباطل؛ بأن لا يقصد كالدم .. فلا بينونة، ويؤيده إطلاق " الكفاية " وغيرها أن وكيلها إذا خالع بعوض فاسد .. وجب مهر المثل (¬1). وعبارة " المنهاج " [ص 407]: (ولو خالع بمجهول أو خمر .. بانت بمهر المثل)، وكذا ذكر " الحاوي " المجهول في صور وجوب مهر المثل (¬2)، ومحله: إذا لم يكن فيه تعليق، أو علق بإعطاء مجهول يمكن إعطاؤه مع الجهالة، أما إذا قال: إن أبرأتينى من صداقك فأنت طالق أو من دينك وهو مجهول فأبرأته. لم تطلق؛ لأن الإبراء لم يصح. واعلم: أنه إذا خالع على معلوم ومجهول .. فسد المسمى كله ووجب مهر المثل، وذلك في " الروضة " وأصلها في آخر الباب الثاني من الخلع فيما لو أضاف إلى الإرضاع والحضانة نفقته مدة، بأن خالعها على كفالة ولده عشر سنين ترضعه منها سنتين وتنفق عليه تمام العشر وتحضنه، ولم يصف النفقة والكسوة بصفات السلم، أو كان ذلك مما لا يجوز السلم فيه، قال هناك: فالمسمى فاسد، والرجوع إلى مهر المثل بلا خلاف. انتهى (¬3). وهذا بخلاف ما إذا خالع على صحيح وفاسد معلوم جاء فساده من غير الجهالة؛ فإنه تُفَرَّق الصفقة .. فيصح في الصحيح ويفسد في الفاسد، ويجب ما يقابله من مهر المثل، ذكره في " الروضة " وأصلها في الخلع على الصداق قبل الدخول (¬4)، فلو خالعها على ما في [كفها] (¬5) ولم يكن فيه شيء .. ففي لا أصل الروضة " عن " الوسيط ": أنه يقع الطلاق رجعياً، قال: والذي نقله غيره وقوعه بائناً بمهر المثل، ويشبه أن يكون الأول فيما إذا كان عالماً بالحال، والثاني فيما إذا ظن أن في [كفها] شيئًا، زاد النووي: المعروف الذي أطلقه الجمهور؛ كأصحاب " الشامل " و" التتمة " و" المستظهري " و" البيان " وغيرهم وقوعه بائناً بمهر المثل، وهو مقتضى كلام إمام الحرمين (¬6). وقال في " المهمات ": الذي ذهب إليه من الوجوب بمهر المثل كيف يُجامع ما ذهب إليه هو ¬

_ (¬1) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه " (ق 146). (¬2) الحاوي (ص 490). (¬3) الروضة (7/ 401، 403). (¬4) الروضة (7/ 319). (¬5) في (ب)، (ج)، (د): (كمها)، والمثبت من (أ) ومن مصادر التخريج. (¬6) الروضة (7/ 389)، وانظر " نهاية المطلب " (13/ 497)، و " الوسيط " (5/ 326، 327)، و " حلية العلماء " (2/ 908)، و" البيان " (10/ 24).

وغيره من أن الخلع على الدم يقع رجعياً؟ ! انتهى. وفي " أصل الروضة " أيضاً في أوائل (الخلع) عن " فتاوى البغوي " وجهان فيما لو اختلعت نفسها على بقية صداقها فخالعها عليه ولم يكن بقي لها عليه شيء .. هل تحصل البينونة بمهر المثل؟ ورجح الحصول (¬1). وفيها أيضاً في أواخر (الخلع) عن " فتاوى القفال ": لو خالعها بمهرها بعد أن أبرأته منه؛ فإن جهلت الحال .. فهل يلزمها مهر المثل أم بدل المسمى؟ فيه القولان، ولو علمت .. نظر: إن جرى لفظ الطلاق؛ كقوله: طلقتك على صداقك .. فهل يقع بائنًا ويعود الخلاف فيما يلزمها أم يقع رجعياً؟ وإن جرى لفظ الخلع؛ فإن أوجبنا المال في لفظ الطلاق .. فهنا أولى، وإلا .. فوجهان، بناء على أن لفظ الخلع هل يقتضي ثبوت مال (¬2)؟ وفي " الكافي " للخوارزمي: إن جهل .. بانت وعليها مهر المثل، وإن علم .. فرجعي ولا شيء عليها. قال شيخنا الإمام البلقيني: ظاهره اعتبار علم الزوج وجهله، وهو الحق؛ ويؤيده بحث الرافعي في مسألة المخالعة على ما في كمها. 3896 - قول " الحاوي " [ص 492]: (وبإعطاء الحر) أي: والخلع بإعطاء الحر في قوله: إن أعطيتيني هذا الحر فأنت طالق، فأعطته .. رجعي، تبع فيه الغزالي (¬3)، لكن الأشبه في " شرحي الرافعي ": وقوعه بائناً بمهر المثل كهذا المغصوب، وصححه في " أصل الروضة " (¬4). 3897 - قوله: (أو إن طلقتني فأنت بريء، فطلق .. رجعي) (¬5) كذا جزم به الرافعي في أوائل الباب الرابع؛ وعلله: بأن تعليق الأبراء لا يصح، ثم قال: ولا يبعد أن يقال: هذا عوض فاسد، فأشبه ما إذا ذكر خمراً أو خنزيراً، وحكاه في أواخر الباب الخامس عن " فتاوى القاضي حسين " أن عليها مهر المثل؛ لأنه لم يطلق مجاناً، بل بالإبراء وظن صحته (¬6). وفي " المهمات " عن " تعليق القاضي ": أنه رجعي، بخلاف ما في " فتاويه "، وعن " " الكافي " للخوارزمي وجهان، وفي " المهمات ": أن وقوعه رجعياً هو المشهور. ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 376، 377). (¬2) الروضة (7/ 437). (¬3) انظر " الوسيط " (5/ 340). (¬4) فتح العزيز (8/ 419)، الروضة (7/ 390). (¬5) انظر " الحاوي " (ص 493). (¬6) انظر " فتح العزيز " (8/ 446، 447، 476).

3898 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (فلو قال لوكيله: " خالعها بمئة " .. لم ينقص منها) (¬1) يقتضي أن له الزيادة، وقد جزموا بذلك مع جزمهم في التوكيل بالبيع من معين يمنع الزيادة على ما عُيِّن؛ وعلته: قصد المحاباة وهي آتية هنا، ذكره شيخنا الإمام البلقيني وقال: إلا أن يفرق؛ بأن الزوج متعين أبداً بخلاف المشتري، فإذا عينه .. ظهر قصد المحاباة. قلت: وقد يفرق؛ بأن الخلع ليس من المعاوضات المبنية على المعاينة تارة والمحاباة أخرى، فلم ينظر فيه للتعيين. 3899 - قول " التنبيه " [ص 173]: (وإن وكل الزوج في الخلع - أي: وأطلق - فنقص عن مهر المثل .. وجب مهر المثل في أحد القولين، وفي القول الآخر: الزوج بالخيار بين أن يقر الخلع على ما عقد، وبين أن يترك العوض ويكون الطلاق رجعياً) صحح النووي في " تصحيح التنبيه " الأول، وجعله في " الروضة " الأظهر (¬2)، وصحح " المنهاج " تبعاً لـ " المحرر " قولاً ثالثاً، وهو: عدم وقوع الطلاق أصلاً، وعليه مشى " الحاوي " (¬3)، وعبارة الرافعي في " الكبير ": رجح صاحب " التهذيب ": عدم الوقوع، وكأنه أقوى توجيهاً، لكن العراقيون والروياني وغيرهم رجحوا الوقوع، وعبارة " الصغير ": رجح بعضهم الوقوع، والأقوى: المنع، وإليه ذهب البغوي (¬4). وقال السبكي: إنه المختار، وفي "المهمات": الفتوى على ما في " الروضة " استناداً للأكثرين. 3950 - قول " التنبيه " [ص 173]: (وإن قدر له البدل فخالع بأقل منه أو على عوض فاسد .. لم يقع الطلاق) هو النص، ونص فيما إذا أطلق فنقص عن مهر المثل .. وقوعه بمهر المثل (¬5)، فقيل: بتقرير النصين، والأصح عند الرافعي والنووي: التسوية بينهما، وجعلهما على قولين، والأصح بالاتفاق في النقص عن المقدر: عدم الوقوع، وفي النقص عن مهر المثل عند الإطلاق ما تقدم، وحكاية الخلاف في الأولى، والقطع في الثانية طريقة ثالثة (¬6)، قال النشائي: لم أرها في غير " التنبيه ". انتهى (¬7). ويتُعجب من تصحيح التخريج مع تصحيح الوقوع في صورة وعدمه في أخرى؛ فإنه عين التقرير، وقد تقدم نظير ذلك. ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 173)، و" الحاوي " (ص 497)، و" المنهاج " (ص 408). (¬2) تصحيح التنبيه (2/ 56)، الروضة (7/ 391). (¬3) المحرر (ص 322)، الحاوي (ص 496)، المنهاج (ص 408). (¬4) فتح العزيز (8/ 421)، وانظر " التهذيب " (5/ 579). (¬5) انظر " الأم " (5/ 205). (¬6) انظر " فتح العزيز " (8/ 421)، و" الروضة " (7/ 391). (¬7) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 147).

3901 - قوله: (وإن وكلت المرأة في الخلع .. لم يخالع الوكيل على أكثر من مهر المثل) (¬1) قد يفهم أنه لو زاد عليه .. لم تطلق، وليس كذلك، بل الأصح: أنها تبين بمهر المثل، وقد ذكره " الحاوي " (¬2). 3902 - قول " التنبيه " [ص 172، 173]: (فإن قدرت له العوض فزاد عليه .. وجب مهر المثل في أحد القولين، ويجب في الثاني أكثر الأمرين من مهر المثل أو القدر المأذون فيه) فيه أمور: أحدها: الأصح: الأول، كذا أطلق في " التصحيح " (¬3)، ومحله: ما إذا أضاف المال إليها كما سنذكره. ثانيها: صورة المسألة: أن يقول: (اختلعتها من مالها بوكالتها)، وكذا صورها " المنهاج "، فال: (وإن أضاف الوكيل الخلع إلى نفسه .. فَخُلْعُ أجنبيٍّ والمال عليه، وإن أطلق .. فالأظهر: أن عليها ما سمّت وعليه الزيادة) (¬4)، وكذا ذكره " الحاوي " (¬5)، وقال السبكئي: قد يتوهم من عبارة " المنهاج " وغيره أن الوكيل ليس عليه إلا الزيادة على ما سمّت، ولحس كذلك، وعبارة الرافعي توضحه؛ فإنه قال: ثبت على الوكيل ما سماه وفيما عليها منه قولان (¬6)، فإيجاب المسمى بكماله على الوكيل لا نزاع فيه؛ أعني: مسمى الوكيل؛ لأنه التزمه بعقده، وقال شيخنا الإمام البلقيني: قوله: (أطلق) أي: اللفظ، ولكنه لا بد أن ينويها كما صرح به في " النهاية " (¬7). ثالثها: يرد على " التنبيه " و" المنهاج ": أن الصواب في حكاية القول الثاني: أن الواجب أكثر من الماذون فيه ومن أقل الأمرين مما سماه الوكيل ومهر المثل، فيزاد عليهما ما لم يزد مهر المثل على ما سماه الوكيل. 3903 - قول " التنبيه " [ص 173]: (وإن خالع على مهر فاسد .. وجب مهر المثل) قال في " الكفاية ": صوابه: (عوض فاسد) إذ لا مدخل للمهر في الخلع، لكن لما قرر أنه كالصداق .. أطلقه عليه. ¬

_ (¬1) انظر التنبيه (ص 172). (¬2) الحاوي (صر، 496). (¬3) تصحيح التنبيه (2/ 56). (¬4) المنهاج (ص 408). (¬5) الحاوي (ص 496). (¬6) انظر " فتح العزيز " (8/ 424). (¬7) نهاية المطلب (13/ 483).

فصل [في الطلاق بلفظ الخلع أو المفاداة]

3954 - قول " المنهاج " [ص 408]: (ويجوز توكيله ذمياً) لم يحترز به عن الحربي، فلا فرق بينهما في ذلك كما نص عليه في " المختصر " (¬1)، فلو عبر (بكافر) .. لكان أولى، وفي زيادة " الروضة " في (الوكالة) وجهان في صحة توكيل كافر في طلاق مسلمة (¬2). 3905 - قوله: (ولا يجوز توكيل محجور عليه في قبض العوض) (¬3) أي: محجور بسفه، قال في " التتمة ": فإن فعل .. كان مضيعاً لماله، وتبرأ المرأة بالدفع إليه، حكاه عنه الرافعي، وأقره (¬4)، وحمله السبكي على ما إذا كان العوض معيناً أو غير معين؛ لكنه علق الطلاق بدفعه؛ فإن خالع بمال في ذمتها .. قال: ينبغي ألاَّ يصح القبض؛ لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح؛ فإذا تلف .. كان على المرأة، ويبقى حق الزوج في ذمتها. فَصْلٌ [في الطلاق بلفظ الخلع أو المفاداة] 3906 - قول " التنبيه " [ص 171]: (وإن كان لفظ الخلع أو المفاداة أو الفسخ، فإن نوى به الطلاق .. فهو طلاق، وإن لم ينو به الطلاق .. ففيه ثلالة أقوال، أحدها: أنه طلاق، والثاني: أنه فسخ، والثالث: أنه ليس بشيء) فيه أمور: أحدها: الأظهر في الخلع: الأول، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 408]: (الفرقة بلفظ الخلع طلاق) ثم قال: (ولفظ الخلع صريحٌ، وفي قولٍ: كنايةٌ) (¬5). ثانيها: لا يخفى أن محل الخلاف: في لفظ الخلع الذي لم يُقرن به لفظ طلاق، أما لو قال: (خالعتك على طلقة بألف) .. فهو طلاق بلا خلاف. ثالثها: ظاهر كلامهما: أن الخلع صريح في الطلاق وإن لم يقرن به عوض، ولا سيما قول " المنهاج " بعد ذلك [ص 408]: (فعلى الأول: لو جرى بغير ذكر مالٍ .. وجب مهر المثل في الأصح)، وعليه مشى " الحاوي " (¬6)، لكن قال " التنبيه " بعد ذلك [ص 171]: (ولا يصح الخلع إلا بذكر العوض)، قال في " الكفاية ": والمراد من عدم الصحة هنا: عدم البينونة بناء على أن مطلقه لا يقتضي المال. انتهى. ¬

_ (¬1) مختصر المزني (ص 190). (¬2) الروضة (4/ 299). (¬3) انظر " المنهاج " (ص 408). (¬4) انظر " فتح العزيز " (8/ 428). (¬5) المنهاج (ص 408). (¬6) الحاوي (ص 490).

وهو الذي في " أصل الروضة " فقال: وإذا قلنا: لفظ الخلع صريح .. فذاك إذا ذكر المال، فإن لم يذكره .. فكناية على الأصح (¬1)، وكذا في " تصحيح التنبيه " أن لفظ الخلع مع العوض صريح في الطلاق (¬2). وجعل شيخنا ابن النقيب كلام " الروضة " الذي حكيته مخالفاً لقول " المنهاج " [ص 408]: (لو جرى بغير ذكر مال .. وجب مهر المثل في الأصح) وعليه بنيت كلامي أولاً (¬3)، والحق: أنه لا منافاة بينهما " فإنه ليس في " المنهاج " أنه صريح مع عدم ذكر المال، فلعل مراده: أنه جرى بغير ذكر مال مع وجود مصحح له وهو اقتران النية به، ويدل على ذلك أنه في " الروضة " عقب ما تقدم عنه، قال: وهل يقتضي الخلع المطلق الجاري بغير ذكر المال ثبوت المال؟ وجهان، اْصحهما عند الإمام والغزالي والروياني: نعم، ثم قال: فإن أثبتنا المال " فإن جعلناه فسخاً أو صريحاً في الطلاق أو كناية ونوى .. وجب مهر المثل وحصلت البينونة، وإن جعلناه كناية ولم ينو .. لغا. انتهى (¬4). ولذلك جمع شيخنا الإسنوي في " تصحيح التنبيه " بين ذكر الكلامين، فقال بعد ذكر ما قدمته عن تصحيح النووي عطفاً على ما عبر فيه بالأصح: وصحة الخلع بدون ذكر العوض، ولكن يجب مهر المثل. انتهى (¬5). ومراده: مع اقتران النية، وإنما حصل هذا التوهم من إطلاق " المنهاج " تصحيح وجوب مهر المثل فيما لو جرى بغير ذكر مال من غير أن يصرح باعتبار النية في ذلك، ولا بأن الخلع عند عدم ذكر المال كناية، لكنه في " الروضة " أوضح ذلك وبين الأمرين كما حكيته، وعبارة " الحاوي " في ذلك قوية الإيهام، فإنه قال [ص 490]: (إن مطلق الخلع يوجب مهر المثل)، ومقتضاه: أنه لا يحتاج معه إلى نية ولا ذكر مال " فإنه إنما يكون مطلقاً بذلك، وقد يقال: إنما أراد الإطلاق في اللفظ: بالخلو عن ذكر المال، ولا ينافي ذلك اقتران النية به، لكن ليس في كلامه ما يدل على اعتباره. رابعها: القول بأن الخلع فسخ نصره الشيخ أبو حامد في الخلاف، لكنه قال مع ذلك: الصحيح: أنه طلاق؛ لأنه قوله الجديد، وقد نص عليه في أكثر كتبه، وهو قول أكثر أهل العلم. انتهى. ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 376). (¬2) تصحيح التنبيه (2/ 55). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (6/ 263). (¬4) الروضة (7/ 376)، وانظر " نهاية المطلب " (13/ 299)، و" الوجيز " (2/ 48). (¬5) تذكرة النبيه (3/ 298).

وهذا مخالف لقول " الروضة ": إن الشيخ أبا حامد رجحه (¬1)، ولو عبر بأنه نصره كتعبير الرافعي .. لكان أولى، ولا يلزم من نصره في الخلاف وذكر أدلته ترجيحه، وقال أبو مخلد البصري: إن به الفتوى، وأفتى به من المتأخرين الشيخ تاج الدين الفركاح وولده الشيخ برهان الدين. خامسها: الأظهر في المفاداة: أنه طلاق أيضاً؛ ولذلك قال " المنهاج " [ص 408]: (والمفاداة كخلع في الأصح). سادسها: رجح النووي في " تصحيحه ": أن لفظ الفسخ كناية في الطلاق، وجزم به في " أصل الروضة " تفريعا على أن الخلع طلاق، وكذا جزم به " المنهاج " (¬2)، وحكاية الخلاف في أن لفظ الفسخ صريح في الطلاق أو كناية فيه لا يعرف إلا في " التنبيه " (¬3) ولذلك قال في " الكفاية ": لم أر ذلك لأحدهما فيما وقفت عليه إلا ما حكاه الجيلي، وقال: إنه الأصح في الكتب. انتهى. وحينئذ .. فيعترض على تصحيح النووي في تعبيره في ذلك بالأصح، وكان ينبغي تعبيره فيه بالصواب. سابعها: قال في " الكفاية ": كان من حقه تقديم ما إذا لم ينو به الطلاق على ما إذا نواه به؛ فإن هذه مفرعة على تلك. 3907 - قول " المنهاج " فيما إذا بدأ بصيغة معاوضة [ص 409]: (ويُشترط قبولها بلفظ غير منفصل) أورد عليه: ما إذا قال: (أنت طالق على ألف) فأعطته ألفاً .. فإن ابن الصباغ والمتولي قالا: إنها تطلق وليس هناك لفظ، وكلام ابن داوود يقتضي أنه منصوص. 3908 - قوله: (ولو اختلف إيجاب وقبول؛ كـ " طلقتك بألف " فقبلت بألفين .. فلغوٌ) (¬4) هو الصحيح في " الروضة " تبعا لقول الرافعي: إنه الظاهر بعد نقله عن البغوي وغيره، ثم نقل عن " الشامل ": أنه يصح، ولا يلزمها إلا ألف (¬5)، وحكاه القمولي عن القاضي أبي الطيب والمتولي أيضاً. ثم ذكر " المنهاج " على سبيل الاستثناء من هذه القاعدة: ما لو قال: (طلقتك ثلاثاً بألف) ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 375). (¬2) تصحيح التنبيه (2/ 55)، الروضة (7/ 375)، المنهاج (ص 408). (¬3) التنبيه (ص 171). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 409). (¬5) الروضة (7/ 380)، وانظر " التهذيب " (5/ 566)، و" فتح العزيز " (8/ 404، 405).

فقبلت واحدة بألف .. وقال: (فالأصح: وقوع الثلاث ووجوب ألف) (¬1) وهذه الصورة ترد أيضاً على قول " التنبيه " [ص 172]: (فإذا قال: " خالعتك على ألف " ... ) إلى أن قال: (لم يصح حتى يوجد القبول) وخلط " الحاوي " مسائل بُدْأتِهِ وبُدْأتِهَا وأخرج ما يستثنى منهما من التوافق، فقال: (ونحو قبول موافق، أو إن طلبت ثلاثاً بألف فطلق واحدة بثُلثِه، أو طلق ثلاثاً بألف فقبلت واحدة به، أو طلبتا فأجاب واحدة، أو خالعتُكِ وضرَّتَكِ، لا خالعتكما، فقبلت) (¬2) فهذه أربع صور، وبقي عليه صورة خامسة وهي: ما لو قالت: (طلقني بألف) فقال: (طلقتك بخمس مئة) .. فالأصح: وقوعه بخمس مئة. 3909 - قول " التنبيه " [ص 171، 172]: (ويجوز على الفور وعلى التراخي) ليس مراده: التخيير بينهما، وإنما هو باعتبار الصيغ كما بينه بالمثال فقال: (فإذا قال: " خالعتك على ألف " و" أنت طالق على ألف " أو " إن ضمنت لي ألفاً " أو " إن أعطيتيني ألفاً " و" إذا أعطيتيني ألفاً " فأنت طالق .. لم يصح حتى يوجد القبول عقب الإيجاب وله أن يرجع فيه قبل القبول) (¬3) قال في " الكفاية ": أي: والعطية ذكره في الفورية والرجوع، وهو فى الأول مُسَلّم وفي الثاني ممنوع؛ فلا يجوز الرجوع عن التعليق كما ذكره " المنهاج " و" الحاوي " (¬4)، وقال شيخنا الإسنوي في " تصحيحه " عطفاً على ما عبر فيه بالأصح: وامتناع الرجوع قبل القبول فيما إذا قال: إن أعطيتيني أوإذا أعطيتيني على عكس ما في " التنبيه ". انتهى (¬5). وقد عرفت أن " التنبيه " لم يصرح بذلك، وإنما هو من تحميل شارحه له، والوضع بين يديه كالإعطاء على الأصح، وقد صرح به " المنهاج " و" الحاوي " وإن أوهم كلام " التنبيه " خلافه. ويستثنى من اعتبار الفور في العطية: ما لو كانت الزوجة أمة كما في " الروضة " وأصلها عن المتولي؛ وعلله: بأنه لا ملك لها ولا يد غالباً، قال: بخلاف قوله لها: (إن أعطيتيني خمراً) يشترط فيه الفور (¬6). وأنكر ابن الرفعة مقالته وقال: لا فرق بين الحرة والأمة وكذا أنكره شيخنا الإمام البلقيني، قال: والمبعضة والمكاتبة والمأذون لها في التجارة كالحرة، ولا يأتي فيهن خلاف المتولي. قال المتولي: ولو أعطته ألفًا من كسبها .. بانت؛ لوجود الصفة، وعليه رده للسيد، ويطالبها ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 409). (¬2) الحاوي (ص 491). (¬3) التنبيه (ص 172). (¬4) الحاوي (ص 492)، المنهاج (ص 409). (¬5) تذكرة النبيه (3/ 299). (¬6) فتح العزيز (8/ 406)، الروضة (7/ 381).

بمهر المثل إذا عتقت، لكنهما حكيا بعد ذلك عن البغوي: أنها لا تطلق؛ لأنها أعطته ما لا تملك، وبالأول قال القاضي حسين. 3910 - قولهم في التعليق: (بمعنى: أنه لا يشترط فيه الفورية) (¬1) محله: ما إذا كان في الإثبات، وقد يفهم ذلك من تمثيل " التنبيه " و" المنهاج "، فأما في النفي كقوله: (متى لم تعطيني ألفاً فأنت طالق) .. فإنه للفور، فإذا مضى زمن يمكن فيه الإعطاء فلم تعطه .. طلقت، ذكره الماوردي (¬2). 3911 - قول " المنهاج " و" الحاوي " فيما إذا بدأت: (فلها الرجوع) (¬3) قال ابن الرفعة: رأيت في " الأم " ما ينازع في جواز رجوعها (¬4)، قال السبكي: وأنا رأيته أيضاً، وجزم الغزالي والرافعي بجوازه، فلينظر ما يقتضيه كلام باقي الأصحاب (¬5). 3912 - قول " المنهاج " [ص 409]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 496]: (ولو طلبت ثلاثاً بألف، فطلق طلقة بثُلُثِهِ. فواحدة بِثُلُثِهِ) لا يختص هذا الحكم بما إذا قال: (بثلثه)، بل لو اقتصو على قوله: (طَلقتك واحدة). ء كان الحكم كذلك في وقوع واحدة بثلثُه؛ ولذلك لم يقيده " التنبيه " به، بل قال [ص 409]: (فطلقها طلقة). ومحل ما ذكروه أيضاً: فيما إذا كان يملك عليها الثلاث، فإن لم يملك عليها إلا واحدة .. استحق جميع الألف على الأصح، وقد ذكره " المنهاج " بعد ذلك (¬6)، و" الحاوي " بقوله [ص 496]: (أو أفاد الكبرى). 3913 - قول " الحاوي " [ص 496]: (وإن طلبت ثلاثاً بألف، فطلق وأحدة بألف وثنتين مجاناً .. لا تقع الأولى) تبع فيه الغزالي؛ فإنه قال: إنه القياس بعد أن ذكر أن المشهور: وقوع الأولى بثلث الألف وعدم وقوع الثنتين؛ لبينونتها (¬7)، وتبع إمامه؛ فإنه قال: إنه القياس الحق (¬8)، قال الرافعي: وهو حسن متجه، قال: وقول الأئمة: إن الأولى تقع بالقسط، ولا يقع الباقي للبينونة بعيد. انتهى (¬9). ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 172)، و" الحاوي " (ص 429)، و" المنهاج " (ص 409). (¬2) انظر " الحاوي الكبير " (10/ 46). (¬3) الحاوي (ص 429)، المنهاج (ص 409). (¬4) الأم (5/ 203). (¬5) السراج على نكت المنهاج (6/ 269)، وانظر " فتح العزيز " (8/ 407). (¬6) المنهاج (ص 411). (¬7) انظر " الوجيز " (2/ 53). (¬8) انظر " نهاية المطلب " (13/ 400). (¬9) انظر " فتح العزيز " (8/ 454).

فتبع " الحاوي " ذلك وترك المنقول. 3914 - قول " التنبيه " [ص 172]: (وإن خالعها على مال وشرط فيه الرجعة .. سقط المال وثبتت الرجعة في أصح القولين، وفيه قول آخر: أنه لا تثبت الرجعة، بل يسقط المسمى ويجب مهر المثل) فيه أمور: أحدها: كان ينبغي التعبير بالعوض؛ لأنه أعم من المال. ثانيها: تعبيره بالسقوط يقتضي الثبوت، وليس كذلك. ثالثها: نقل في " الروضة " وأصلها القطع بالأول عن الجمهور (¬1). رابعها: قد يدخل في عبارته ما لو خالعها بعوض على أنه متى شاء رده وكان له الرجعة، وقد نص فيه الشافعي على البينونة بمهر المثل وجزم به بعضهم؛ لأنه رضي بسقوط الرجعة هنا، ومتى سقطت .. لا تعود، وقيل: بطرد الخلاف (¬2). وعبارة " المنهاج " [ص 409]: (وإذا خالع أو طلق بعوض .. فلا رجعة، فإن شرطها .. فرجعيٌّ ولا مال، وفي قول: بائن بمهر المثل) فيرد عليه الأخيران دون الأولين. 3915 - قول " المنهاج " [ص 409، 410]: (ولو قالت: " طلقني بكذا " وارتدت فأجاب؛ إن كان قبل دخول أو بعده وأصرت حتى انقضت العدة .. بانت بالردة ولا مال، وإن أسلمت فيها .. طلقت بالمال) خرج بعطفه الإجابة بالفاء ما إذا أجاب قبلها .. فإنها تطلق ويجب المال، وكذا لو وقعا معاً، وقال السبكي في هذه الصورة الثانية: تظهر بينونتها بالردة، ولم أره للأصحاب، قال المتولي: ومثله لو سألته فارتد هو (¬3). 3916 - قول " المنهاج " [ص 410]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 492]: (ولا يضر تخلل كلام يسير بين إيجاب وقبول) يتناول ما لو كان أجنبيا عن العقد، وهو مقتضى كلام " الروضة " وأصلها في الخلع والطلاق، لكن في (البيع): يشترط ألاَّ يطول الفصل بين الإيجاب والقبول، ولا يتخللهما كلام أجنبي عن العقد، فإن طال أو تخلل .. لم ينعقد (¬4)، وكذا في أوائل (الخلع) (¬5)، ومقتضاه: أن تخلل الكلام اليسير الأجنبي يقدح، ويوافقه قول " شرح المهذب " في (البيع): ولو تخللت كلمة أجنبية .. بطل العقد (¬6)، وكذا في " أصل الروضة " في أوائل ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 398). (¬2) انظر " الروضة " (7/ 398). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (6/ 272). (¬4) الروضة (3/ 340). (¬5) الروضة (7/ 395). (¬6) المجموع (9/ 160).

فصل [في قوله: أنت طالق وعليك ألف]

(النكاح) في الكلام على الخطبة: ولو تخلل كلام يسير لا يتعلق بالعقد ولا يستحب فيه .. بطل العقد على الأصح (¬1). وحيث قلنا: إن الكلام الأجنبي يضر .. فمحله إذا كان من المخاطب المطلوب منه الجواب، فإن كان من المتكلم .. فوجهان، واقتضى إيراد الرافعي أن المشهور: أنه لا يضر، ثم حكى عن البغوي التسوية بينهما (¬2). فَصْلٌ [في قوله: أنت طالق وعليك ألف] 3917 - قول " التنبيه " [ص 171]: (وإن قال: " أنت طالق وعليك ألف " .. وقع الطلاق رجعياً ولا شيء عليها) له شروط: أحدها: أن يبتدئ بذلك؛ فلو سبق طلبها؛ بأن قالت: (طلقني بألف)، فقال: (أنت طالق وعليك ألف) .. استحق الألف؛ لأن السؤال كالمعاد؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 410]: (ولم يسبق طلبها بمالٍ) وقال: (وإن سبق .. بانت بالمذكور) (¬3). ثانيها: ألاَّ يتفقا على إرادة الإلزام، فلو قال: أردت بهذا اللفظ: ما يراد بـ (طلقتك على ألف) وصدقته على ذلك .. فالأصح: أنها تبين منه بالعوض الذي ذكره، ويصير المعنى: ولي عليك ألف عوضاً عنه؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 410]: (فإن قال: أردت ما يراد " بطلقتك بكذا " وصدقته .. فكهو في الأصح) أي: فكما قال، فيقع بائنًا بالمسمى، وهي عبارة قلقة لا يفهم منها المقصود إلا بتوقيف، فقد يفهم أن المراد: أن هذه الصورة كالتي قبلها في وقوعه رجعياً بلا عوض، وهو خلاف المراد، وعبر " الحاوي " عن ذلك بقوله [ص 494]: (والإخبار والشرط التزام لا صريح إلزام) بمعنى: أن الإخبار من الرجل بقوله: (ولي عليك) ليس صريحاً في الإلزام، وذلك يقتضي أنه كناية فيه، فيقبل عند اتفاقهما عليه، لكن ما ذكره في الشرط نحو قوله: (خالعتك على أن لي عليك ألفاً) تبع فيه الغزالي؛ فإنه قال: إنه يقع رجعياً (¬4)، لكن الأكثرون على أنه يقع بائناً بالألف، وعليه مشى " المنهاج "، وعبر عنه بالمذهب (¬5). ثم هذا الخلاف في الشرط الإلزامي كما مثلنا، فأما الشرط التعليقي كقوله: (أنت طالق إن ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 35). (¬2) انظر " التهذيب " (5/ 571، 572)، و" فتح العزيز " (8/ 410). (¬3) المنهاج (ص 410). (¬4) انظر " الوجيز " (2/ 51). (¬5) المنهاج (ص 410).

أعطيتيني ألفاً) .. فإنه صريح في الإلزام قطعاً ويرد على " الحاوي " أيضاً: الشرط الأول، وهو سبق طلبها؛ فإنه لم يذكره. وقال الرافعي فيما ذكرناه في الشرط الثاني: مقتضاه: أنه لو قال: بعتك ولي عليك كذا) .. أن يصح بناء على صحته بالكناية (¬1). قال ابن الرفعة: وهو يشعر بالمنع إن لم يصححه بها، وفيه نظر؛ لأن الكناية هنا في العوض لا في صيغة العقد التي هي محل الخلاف هناك، أما إذا لم تصدقه .. فلا يلزمها المال قطعاً سواء قبلت أم لا، وفيما إذا قبلت .. احتمال للسبكي في أن قبولها كتصديقها ويقع الطلاق في الظاهر مؤاخذة له، هذا هو المنقول، قال السبكي: وفيه نظر؛ لأن هذه الجملة كما تحتمل العطف تحتمل الحال، فتكون مقيدة وقد ادعى إرادة ذلك، فكيف يقع الطلاق مع هذا الاحتمال؟ وأما فيما بينه وبين الله تعالى .. فيقطع بعدم الوقوع. ثالثها: ألاَّ يشيع في العرف استعمال هذا اللفظ في طلب العوض وإلزامه، فإن شاع .. فهو كقوله: (طلقتك على ألف)، حكاه الرافعي والنووي عن المتولي، ولم يعترضاه (¬2)، وهذا إن صح وارد على " المنهاج " و" الحاوي " أيضاً، لكنه مخالف لنقلهما عن الأكثرين تقديم اللغة على العرف، ويقوي كلام المتولي فيما إذا قصد ذلك؛ لتَقَوِّي كلٍّ من العرف والقصد بالآخر، وقد سئلت عمن قال لزوجته: (أبرئيني وأنت طالق) وقصد تعليق الطلاق على البراءة، وهذا اللفظ شائع عرفاً في التعليق، وأجبت فيه بالحمل على التعليق، والله أعلم (¬3). 3918 - قول " المنهاج " [ص 410]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 495]: (ولو قال: " طلقي نفسك إن ضمنت لي ألفاً "، فقالت: " طلقت وضمنت " أو عكسه .. بانت بألف) هذا هو المشهور، وذهب الماوردي إلى اشتراط تقديم الضمان (¬4)، ومال إليه شيخنا الإمام البلقيني بحثاً، ثم قال: ولو قيل: تقول: (طلقت ضامنة) على معنى أن يكون الطلاق في حالة الالتزام لم يبعد، لكن لفهم المعنى صار منظوراً إليه، وطرح النظر إلى ظاهر اللفظ. انتهى. ويعتبر وقوعهما في مجلس التواجب في الأصح، وقيل: في مجلس العقد ما لم يتفرقا، وهو المعتبر في خيار المجلس في البيع، ورجحه القاضي أبو الطيب، وقيل: لها أن تطلق نفسها متى شاءت. ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (8/ 433). (¬2) انظر " فتح العزيز " (8/ 433، 434)، و" الروضة " (7/ 404). (¬3) انظر " حاشية الرملي " (3/ 253). (¬4) انظر " الحاوي الكبير " (10/ 58).

قال الرافعي: ولم يختلفوا في اشتراط الضمان في المجلس، واشتراطه فيه دون التطليق مشكل؛ فإنه مجرد وعد لا التزام فيه (¬1). نعم؛ في " النهاية " و" التتمة " وجه - إذا قلنا: التفويض إليها توكيل - أن الضمان على التراخي، فإذا ضمنت .. ملكت أن تطلق؛ كقوله لرجل: (طلقها إن ضمنت لي ألفاً) .. فإنه متراخ (¬2). وقال ابن الرفعة: إنه لا يجوز أن يفرق بين الضمان والتطليق، فيكون أحدهما في مجلس التواجب ويؤخر الآخر عنه، بل يجب تواليهما تعجيلاً أو تأخيراً إن لم يعتبر الفور، وقال: إن كلام القاضي والإمام والغزالي مصرح به. 3919 - قول " الحاوي " [ص 495]: (وأنت طالق على ألف إن شئت فقالت: " شئت أو قبلت ") تبع فيه الغزالي؛ فإنه صحح أن أحد هذين اللفظين كافٍ، ولا يجب الجمع بينهما (¬3)، وهو مقتضى كلام الشيخ أبي محمد، وقيل: لا بد من الجمع بينهما، وقطع المتولي بأنه يتعين لفظ المشيئة خاصة، واختاره الإمام (¬4)، وقال النووي: هو الأصح، بل الصحيح (¬5) , وقال شيخنا الإمام البلقيني: يشهد له نص الشافعي في " المختصر " في موضعين (¬6). 3920 - قول " المنهاج " [ص 410، 411]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 494]: (وإن قال: " إن أقبضتيني " .. فقيل: كالإعطاء، والأصح: كسائر التعليق فلا يملكه، ولا يُشترط للإقباض مجلسٌ. قلت: ويقع رجعياً، ويُشترط لتحقق الصفة أخذٌ بيده منها) فيه أمور: أحدها: أنه وقع في موضع من الرافعي و" الروضة " أن التعليق على الإقباض كالتعليق على الإعطاء (¬7)، والمعتمد: هو المذكور هنا. ثانيها: أن محل ذلك: ما إذا لم يقترن به ما يدل على الاعتياض؛ كأن يقول: (إن أقبضتينى كذا وجعلتيه لي) أو (لأصرفه في حاجتي) وما أشبه ذلك، حكاه الرافعي عن " التتمة "، ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (8/ 434، 435). (¬2) نهاية المطلب (13/ 417). (¬3) انظر " الوجيز " (2/ 51). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (13/ 374، 375). (¬5) انظر " الروضة " (7/ 407). (¬6) مختصر المزني (ص 188، 189). (¬7) فتح العزيز (8/ 428)، الروضة (7/ 408).

وأقره (¬1)، وقال في " الروضة ": إنه متعين (¬2). وقال في " المهمات ": هو استدراك كما أطلقه غيره، كذا ذكره في " الشرح الصغير "، وعبر بأنه كالإعطاء بلا خلاف. ثالثها: قال شيخنا الإمام البلقيني: اشتراط أخذه منها إنما هو في صورة: (إن قبضت منك)، وكلام جمع من الأصحاب يدل على ذلك، أما لو قال: (إن أقبضتيني) فوضعته بين يديه .. فهو كاف لإيقاع الطلاق رجعياً؛ لأنها أقبضته. وقال في " النهاية ": إذا قال: (إن أقبضتيني) فجاءت به وأوقعته بين يديه .. فهذا إقباض، ولا يشترط في تحقيق الإقباض أن يقبض الزوج بالبراجم (¬3). 3921 - قول " المنهاج " [ص 411]: (ولو مكرهة) إنما ذكره الرافعي وتبعه في " الروضة " فيما إذا قال: (إن قبضت منك) لا في قوله: (إن أقبضتيني). قال السبكي: فإن فرض الإكراه من أجنبي .. فلا شك في عدم وقوع الطلاق؛ لأن الإقباض الاختياري لم يوجد منها، والإقباض بالإكراه الملغي شرعاً لا اعتبار به، فذكره في " المنهاج " على هذا التقدير سهو، وإن فُرِضَ الإكراه من الزوج على الإقباض المعلق عليه .. فالحق أيضاً: عدم الوقوع، وفيه احتمال بعيد ضعيف مستمد من أنه المالك للطلاق، ثم قال: وعلى كل تقدير لم أجد مخرجاً لقول " المنهاج ": (ولو مكرهة)، وهو محمول على السهو، قال: وليس كما إذا أكره الزوج رجلاً على طلاق زوجته .. فإن الأصح: الوقوع فيه؛ لأنه مبالغة في الإذن. وقال شيخنا الإمام البلقيني: فيما لو قال: (إن أقبضتيني) فأقبضته مكرهة .. القولان فيما إذا وجد المعلق عليه بالإكراه في نظير ما نحن فيه من (إن دخلت الدار فأنت طالق) وأصح القولين: أنها لا تطلق، قال: وهذا هو الذي جرى عليه الإمام في " النهاية " (¬4) والغزالي في " البسيط " وصاحب " الذخائر "، وهو مقتضى كلام " التتمة "، قال: وما وقع في زيادة " المنهاج " وهمٌ انتقل له من قوله: (إن قبضت) إلى قوله: (إن أقبضتيني). 3922 - قول " التنبيه " [ص 172]: (وإن قال: " إن أعطيتيني عبداً من صفته كذا " فأنت طالق، فأعطته عبداً على تلك الصفة .. بانت) شرطه: أن يستوعب صفات السلم كما صرح به " المنهاج " (¬5)، ولم يصرح " الحاوي " باعتبار وصفه، ولا بد منه. ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (8/ 428، 439). (¬2) الروضة (7/ 408). (¬3) نهاية المطلب (13/ 391). (¬4) نهاية المطلب (13/ 391). (¬5) المنهاج (ص 411).

3923 - قول " التنبيه " [ص 172]: (فإن كان معيباً .. فله أن يرده ويرجع إلى مهر المثل في أحد القولين، وإلى قيمة العبد في القول الآخر) الأصح الأول، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " على قلاقة في لفظه (¬1). 3924 - قول " المنهاج " [ص 411]: (ولو قال: " عبداً " .. طلقت بعبدٍ، إلا مغصوباً في الأصح) فيه أمور: أحدها: أنه يقتضي حصر الاستثناء في المغصوب، وليس كذلك، وقد قال " التنبيه " [ص 172]: (وإن أعطته مكاتباً أو مغصوباً .. لم تطلق)، وذكر " الحاوي " الصورتين أيضاً (¬2)، وليس في " المحرر " ما يقتضي الحصر. وفي معنى ذلك: المشترك والمرهون، وكذا المستأجر إذا لم نجوز بيعه. ثانيها: محله: ما إذا اقتصر على قوله: (إن أعطيتيني عبداً)، فلو ضم إليه وصفه بكونه مغصوباً .. ففيه خلاف مرتب، وأولى بالوقوع، ومقتضى إيراد السبكي ترجيحه. ثالثها: صورة المسألة: أن تغصب عبداً لغيرها، فتعطيه إياه، أما إذا أعطته عبداً لها مغصوباً .. فقال الماوردي: قال أبو حامد الإسفراييني: لا تطلق؛ لأنه لا يصح أن يملك بالعقد؛ كالمكاتب، والذي أراه أنها تطلق تغليباً للصفة، ويجوز بيعه من غاصبه على أنه يخرج بدفعه عن الغصب (¬3)، قال الروياني بعد نقل ذلك: وذكر القفال مثله في كل مغصوب، وفيه نظر. 3925 - قول " التنبيه " [ص 172]: (وإن قال: " إن أعطيتيني هذا العبد " فأنت طالق، فأعطته وهي تملكه .. بانت، فإن كان معيباً .. فله أن يرده ويرجع بمهر المثل في أحد القولين) هو الأصح. 3926 - قول " الحاوي " [ص 494، 495]: (وخالعتك على هذا الثوب وهو مروىٌّ (¬4)، أو على هذا الثوب المرويِّ، أو على أنه مرويٌّ، وهو هرويٌّ (¬5)، وله رده) ما ذكره في الصورتين الأوليين مخالف للمنقول الذي حكاه الرافعي عن البغوي؛ وعلله: بأنه لا تغرير من جهتها ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 494)، المنهاج (ص 411). (¬2) الحاوي (ص 495). (¬3) انظر " الحاوي الكبير " (10/ 60). (¬4) المرْوي - بإسكان الراء بلا خلاف، ولا يجوز فتحها -: منسوب إلى مرو، المدينة المشهورة بخراسان، وانظر " المجموع " (9/ 275). (¬5) الهروي - بفتح الهاء والراء وكسر الواو وتشديد الياء -: منسوب إلى هراة، وهي إحدى مدن أفغانستان المشهورة. وانظر " تهذيب الأسماء " (3/ 355).

ولا اشتراط منه (¬1)، ثم قال الرافعي: وقد يقال: قوله: (وهو كذا) أفاد الاشتراط في قوله: (إن أعطيتيني هذا الثوب وهو كذا) حتى لا يقع الطلاق، إذا لم يكن كذلك .. فلم لم يفد الاشتراط في قوله: (خالعتك)؟ ثم أجاب عنه: بأنه في قوله: (إن أعطيتيني) دخل على كلام غير مستقل، تمامه: (فأنت طالق)، فيقيّدُ ما دخل عليه، بخلاف قوله: (خالعتك على هذا الثوب) فإنه كلام مستقل، فجعل قوله: (وهو مروي) جملة برأسها، ولم يتقيد به الأول (¬2). واقتصر " التنبيه " على الصورة الثالثة، ثم قال: (وإن خرج كتاناً .. بانت، ويجب رد الثوب) (¬3) نسبه الرافعى للعراقيين (¬4)، وصححه في " أصل الروضة " (¬5)، ولم يعترضه في " التصحيح "، واعترض فى " المهمات " على تعبير " الروضة " بقوله: قطع به العراقيون؛ لأن صاحب " التنبيه " منهم، وقد حكى فيه وجهين. 3927 - قوله: (ويرجع إلى مهر المثل في أحد القولين) (¬6) هو الأصح، والمروي بإسكان الراء ولا يجوز فتحها قطعاً، قاله النووي في " شرح المهذب " في (بيع الغرر) (¬7). 3928 - قول " المنهاج " [ص 411]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 490]: (ولو قالت: " طلقني غداً بألف " فطلق غداً أو قبله .. بانت بمهر المثل) فيه أمور: أحدها: أن الذي في " المحرر ": (طلقني غداً ولك عليّ ألف) (¬8) زاد في " الروضة " وأصلها: (أو إن طلقتني غداً .. فلك عليّ ألف) أو (خذ هذا الألف على أن تطلقني غداً) فأخذه، ولم يتعرض للتصريح بهذه الصورة، وهي قوله: (طلقني غداً بألف) والحكم فيها واضح، ولكن أردت التنبيه على أنها ليست في مطولات كلام الرافعي والنووي، وعبارة " أصل الروضة " هنا: لم يصح ولم يلزم الطلاق؛ لأنه سَلَمٌ في الطلاق، والطلاق لا يثبت في الذمة (¬9). ثانيها: نازع شيخنا الإمام البلقيني في البينونة فيما إذا طلق قبله، وقال: إنه غير مُسَلّم معنى ¬

_ (¬1) انظر " التهذيب " (5/ 559). (¬2) انظر " فتح العزيز " (8/ 445). (¬3) التنبيه (ص 172). (¬4) انظر " فتح العزيز " (8/ 444). (¬5) الروضة (7/ 414). (¬6) انظر " التنبيه " (ص 172). (¬7) المجموع (9/ 275). (¬8) المحرر (ص 325). (¬9) الروضة (7/ 424).

ونقلاً، أما المعنى: فلأن غرضها بقاء العصمة واستمرار حقوقها إلى ذلك الوقت، واليوم مثال، فالشهر والسنة كذلك، وإذا ظهرت المخالفة .. وقع الطلاق رجعياً، وبه جزم الماوردي (¬1). قال: وفي " النهاية ": لو عجل الطلاق قبل الوقت .. ففي استحقاقه العوض احتمال؛ من جهة أنه من وجه خالف غرضها، ومن وجه عجل الفراق، ونظره الإمام بما إذا قالت: (خالعني) فطلقها وقلنا: الخلع فسخ (¬2)، وقد صحح الرافعي والنووي في هذه المسألة: أنه لا يقع الطلاق، وقضيته هنا أن يقع رجعياً. انتهى (¬3). ثالثها: خص القاضي حسين والبغوي ذلك بمن طلق جاهلاً بالبطلان؛ فإن علم .. فرجعي (¬4)، وكذا ذكر المتولي، وصرح بأن محله: إذا لم يذكر مالاً، فإن ذكره .. فمبتدئ، وضعفه الإمام، واستشهد بالخلع على الخمر وسائر الأعواض الفاسدة، قال: والذي قطع به الأصحاب البينونة بمهر المثل علم الفساد أو جهله (¬5)، ولم يصرح في " الروضة " وأصلها بترجيح شيء من ذلك. 3929 - قول " المنهاج " [ص 411]: (وقيل: في قول: بالمسمى) قال شيخنا الإمام البلقيني: إنه وهم، وإن صواب القول الثاني: إيجاب بدل المسمى. 3930 - قوله: (وإن قال: " إذا دخلت .. فأنت طالق بألف "، فقبلت ودخلت .. طلقت على الصحيح بالمسمى) (¬6) لا بد من كون القبول على الفور على الصحيح، بخلاف الدخول. 3931 - قوله: (وفي وجهٍ أو قولٍ: بمهر المثل) (¬7) كذا في " المحرر " (¬8)، والمرجح في " الروضة " و" الشرحين ": أنه وجه (¬9). 3932 - قولهم: (ويصح اختلاع أجنبي) (¬10) محله: ما إذا أتى بلفظ الطلاق أو بلفظ الخلع، وقلنا: إنه طلاق، فإن جعلناه فسخاً .. لم يصح؛ لأن الفسخ بلا سبب لا ينفرد به الزوج فلا يصح طلبه منه. ¬

_ (¬1) انظر " الحاوي الكبير " (10/ 73). (¬2) نهاية المطلب (13/ 438). (¬3) انظر " فتح العزيز " (8/ 403)، " الروضة " (7/ 378). (¬4) انظر " التهذيب " (5/ 572). (¬5) انظر " نهاية المطلب " (13/ 437). (¬6) انظر " المنهاج " (ص 411). (¬7) انظر " المنهاج " (ص 411). (¬8) المحرر (ص 325). (¬9) فتح العزيز (8/ 461)، الروضة (7/ 426). (¬10) انظر " التنبيه " (ص 171)، و" المنهاج " (ص 411)، و" الحاوى " (ص 496).

فائدتان [تتعلقان بخلع الأجنبي]

فَائِدَتَان [تتعلقان بخلع الأجنبي] إحداهما: جعل الماوردي رغبة الأجنبي في نكاح تلك المرأة غرضاً صحيحاً في مخالعته (¬1)، قال السبكي: وقد يُستنكر ذلك، وقد يجاب: بأن سعد بن الربيع قال لعبد الرحمن بن عوف: (انظر أي زوجتي شئت أنزل لك عنها) (¬2)، فإذا فُرض مثل هذا بقصد صالح .. فلا بأس، قال السبكي: فأخذت من هذا جواز بذل المال لمن بيده وظيفة ليستنزله عنها له أو لغيره، أو لمجرد استنقاذها منه وكان لا يمكن نزعها منه إلا بذلك، فإن كان غير أهل .. حرم عليه الأخذ، لوجوب الترك عليه، وإلا .. جاز، قال: وما برحت أفكر فيه؛ لعموم البلوى به، والذي استقر رأيي عليه هذا، لكن بالنسبة إلى الحل بين الباذل والآخذ لإسقاط حقه منها، وأما تعلق حق المنزول له بها .. فلا، بل الأمر فيه إلى الناظر يفعل المصلحة من امتناع وإمضاء، فلو شرط الباذل على النازل حصولها له .. لم يجز، فلو رضي النازل والمنزول له والناظر بذلك العوض من غير شرط .. جاز، قلته استنباطاً من مسألة الخلع، وقواه عندي كلام الماوردي السابق. انتهى (¬3). ثانيهما: سئل شيخنا الإمام البلقيني عما لو قال أجنبي لزوج امرأتين: طلق إحداهما على ألف في ذمتي، فأجاب: بأن هذا السؤال لا يصح؛ لأن الأجنبي في الخلع فرع الزوجة. ولو قال لزوجتيه: (إحداكما طالق بألف) فقبلتا .. لم يصح كما قاله البغوي (¬4)، قال: فإذا أجابه الزوج .. فمقتضى كلام البغوي: أنه لا يقع شيء، والأرجح عندنا: وقوعه رجعياً إذا علم فساد هذا " كما لو خالع مع أجنبي فقال له: طلقها على هذا المغصوب أو الحر .. فإن الأرجح: أنه يقع رجعياً. 3933 - قول " المنهاج " [ص 411]: (وهو كاختلاعها لفظاً وحكماً) استثني منه على وجه: ما لو قال: (طلقها ولك ألف) ولم يقل: (عليّ) فإن لم يلزم في الزوجة .. فأولى، وإن لزمها .. فوجهان. ¬

_ (¬1) انظر " الحاوي الكبير " (10/ 80). (¬2) أخرجه البخاري (1943) من حديث عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعدٍ عن أبيه عن جده قال: قال عبد الرحمن بن عوفٍ رضي الله عنه: (لما قدمنا المدينة .. آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع، فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الأنصار مالاً فأقسم لك نصف مالي وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها، فإذا حلت .. تزوجتها، قال: فقال عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك ... الحديث). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (6/ 285، 286). (¬4) انظر " التهذيب " (5/ 566).

3934 - قوله: (ولوكيلها أن يختلع له) (¬1) أي: بالتصريح أو النية، فإن صرح بوكالتها أو نواها .. فلها، وإن لم يصرح بشيء ولا نواه .. قال الغزالي: وقع للوكالة، وفي كلام الشافعي والأصحاب ما يدل له، وقال الرافعي: القياس الظاهر: وقوعه له (¬2). 3935 - قول " التنبيه " [ص 171]: (وليس للأب والجد ولا لغيرهما من الأولياء أن يخلع الطفلة بشيء من مالها) فيه أمور: أحدها: لو اقتصر على ذكر الأب .. لفهم غيره من طريق الأولى. ثانيها: المجنونة والسفيهة كالطفلة. ثالثها: مقتضاه: أنه لا أثر لذلك، ومحله: ما إذا صرح بأنه بالولاية، فإن صرح بالاستقلال .. فهو خلع بمغصوب، فيقع بائناً بمهر المثل على الأصح، وقد سلم " المنهاج " من جميع ذلك، فقال [ص 411]: (وأبوها كأجنبي فيختلع بماله، فإن اختلع بمالها وصرح بوكالةٍ أو ولاية .. لم تطلق، أو استقلالٍ .. فخلعٌ بمغصوبٍ). وبقي: ما إذا لم يصرح بشيء؛ فإن لم يذكر أنه من مالها .. فهو خلع بمغصوب، وإن ذكر أنه منه .. وقع الطلاق رجعياً، وقد ذكره " الحاوي " فقال [ص 493]: (ومن الأب مطلقاً بما ذكر أنه من مالها .. رجعي) ومحل ذلك أيضاً: إذا لم يختلع الأب بصداقها، فإن اختلع بصداقها .. فالمنصوص وقوعه رجعياً، ولا يبرأ من صداقها، ولا شيء على الأب، إلا أن يضمن له درك ذلك .. فيقع بائناً وعليه مهر المثل؛ كالاختلاع بمغصوب، كذا حكاه في " الروضة " وأصلها عن إطلاق الجمهور من العراقيين وغيرهم (¬3)، ونص عليه في " الأم " (¬4). وفرق الإمام والغزالي بين أن يضمن له البراءة عن الصداق فتطلق رجعياً ولا شيء على الأب، وبين أن يصرح بالمقصود فيقول: وأنا ضامن للصداق إن طولبتَ به .. أديتُ عنك، فيقع بائناً، وعلى الأب مهر المثل (¬5)، وعليه مشى " الحاوي " فقال في أوائل الباب [ص 490]: (ومع الأب بشرط الضمان إن طولب بالمهر عليه) أي: على الأب، وأشار بذلك إلى الصورة الثانية، ثم قال بعد ذلك: (أو أنه ضامن براءته عليه .. رجعي) (¬6) وأشار بذلك إلى الصورة الأولى. وقال شيخنا الإمام البلقيني في اختلاع الأب بصداقها: إنما يقع رجعياً إذا اختلع بالصداق ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 411). (¬2) انظر " الوسيط " (5/ 351)، و" فتح العزيز " (8/ 463). (¬3) الروضة (7/ 429، 430). (¬4) الأم (5/ 199). (¬5) انظر " نهاية المطلب " (13/ 429)، و" الوجيز " (2/ 54). (¬6) الحاوي (ص 493).

فصل [في الاختلاف]

نفسه، فإن عبر بالصداق على معنى مثل الصداق وكانت قرينة تقتضي ذلك من حوالة الزوج على الأب وقبول الأب لها بحكم أنها تحت حجره .. فالذي أفتيت به في ذلك ونحوه: أن الطلاق يقع بائناً بمثل الصداق، وتقدير المثل في ذلك متعين كما في قوله: بعت بما اشتريت وربح درهم مثلاً، وكقوله عليه الصلاة والسلام: " فإن باعه .. فهو أحق به بالثمن " (¬1)، قال: والخلاف في: (بعت بما باع به فلان فرسه) و (أوصيت له بنصيب ابني) ما لم تكن قرينة تدل على إرادة المثل، فمع القرينة يصح قطعاً. انتهى (¬2). فَصْل [في الاختلاف] 3936 - قول " المنهاج " [ص 412]: (ادعت خلعاً فأنكر .. صُدِّق بيمينه) قد يفهم أنه لو عاد وصدقها .. لم يستحق العوض، وقد صرح الماوردي باستحقاقه؛ لأن الطلاق لزمه وهي معترفة به (¬3). 3937 - قولهما - والعبارة لـ" المنهاج " -: (وإن قال: " طلقتك بكذا " فقالت: " مجاناً " .. بانت ولا عوض) (¬4) محله: ما إذا حلفت، وهو واضح، وقد يفهم أنه ليس لها نفقة العدة، وليس كذلك، قال الماوردي: ولو عادت واعترفت بأنه طلق بالعوض .. لزمها دفعه إليه (¬5). 3938 - قول " المنهاج " [ص 412]: (وإن اختلفا في جنس عوضه أو قدره ولا بينة .. تحالفا) أحسن من عبارة " التنبيه " حيث لم يصرح بعدم البينة، لكنه زاد: (ما لو اختلفا في عينه أو في تعجيله أو في عدد الطلاق الذي وقع به الخلع) (¬6) فهو من هذه الجهة أحسن، وقد تناول ذلك كله قول " الحاوي " في (البيع) [ص 288]: (إن اختلف المتعاقدان أو الوارث في صفة عقد معاوضةٍ اتفقا على صحته ولا بينة أو لكلٍّ بينةٌ). 3939 - قول " المنهاج " [ص 412]: (ولو خالع بألف ونويا نوعاً .. لزم، وقيل: مهر مثل) فيه أمور: أحدها: أن صورة المسألة: ألاَّ يكون في البلد نقد غالب؛ فإن كان .. حمل عليه. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1608)، واللفظ للبيهقي في " السنن الكبرى " (11353). (¬2) انظر " حاشية الرملي " (3/ 261). (¬3) انظر " الحاوي الكبير " (10/ 89). (¬4) انظر " التنبيه " (173)، و" المنهاج " (ص 412). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (10/ 89) (¬6) التنبيه (ص 173).

ثانيها: أنه مثل بإبهام الجنس ثم صور بإبهام النوع، وكأن ذلك إشارة إلى أن الحكم لا يختلف، وهو كذلك عند الجمهور، واغتفر بعضهم إبهام النوع دون الجنس؛ لكثرة الاختلاف في الأجناس، فلو اشتد الإبهام؛ كقوله: (خالعتك على ألف شيء) فقبلت ونويا شيئاً معيناً .. فقال القاضي حسين: التسمية فاسدة؛ لشدة الإجمال، فيرجع إلى مهر المثل، قال الرافعي: ويمكن أن ينازعه غيره (¬1). ثالثها: قال الشيخ أبو محمد: إنما تؤثر النية عند نيتهما نوعاً إذا تواطآ قبل العقد على ما يقصدانه ولا أثر لحصول التوافق من غير تواطءٍ، قال الرافعي: واعترضوا عليه وراعوا مجرد التوافق (¬2)، وقال النووي: هو الأصح، وقول الجويني ضعيف (¬3). 3940 - قوله: (ولو قال: " أردنا دنانير " (¬4)، فقالت.: " بل دراهم أو فلوساً " .. تحالفا على الأول، ووجب مهر المثل بلا تحالف على الثانى) (¬5) مقتضاه: تفريع الخلاف في هذه على التي قبلها، فإن قلنا هناك بلزوم المنوي .. تحالفا، وإن قلنا: بمهر مثل .. فكذلك هنا، وعبارة " المحرر " تقتضي تفريع الخلاف في هذه الصورة على الصحيح في التي قبلها، لا تفريع الخلاف على الخلاف؛ فإنه قال: ولو قال: (خالعتك على ألف) فقبلت، ثم قال الزوج: (أردنا الدنانير) وقالت: (أردنا الدراهم أو الفلوس) .. فأصح الوجهين: أنهما يتحالفان، والثاني: أنه يجب مهر بلا تحالف. والصورة مفرعة على أن الخلع يقبل الإبهام في لفظ الألف وهو الأظهر، ومراده بذلك: لزوم المنوي عند الاتفاق عليه. 3941 - قول " التنبيه " [ص 173]: (وإن قال: " خالعتك على ألف في ذمتك "، فقالت: " على ألف في ذمة زيد " .. بانت؛ وتحالفا في العوض) القول بالتحالف مفرع على جواز بيع الدين لغير من هو عليه كما في " الروضة " وأصلها (¬6)، ومقتضاه: أن الأصح: عدم التحالف؛ لأن الأظهر: أنه لا يصح بيعه لغير من هو عليه وإن كان الأصح من زوائد " الروضة " في البيع: الصحة (¬7). ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (8/ 469). (¬2) انظر " فتح العزيز " (8/ 469). (¬3) انظر " الروضة " (7/ 432). (¬4) انظر " فتح العزيز " (8/ 469). (¬5) انظر " المنهاج " (ص 412). (¬6) فتح العزيز (8/ 473)، الروضة (7/ 435). (¬7) الروضة (3/ 514).

قال في " الكفاية ": ويمكن أن يجعل صورته ما إذا ادعت المرأة بالخلع بطريق الوكالة عن زيد والإضافة إليه، وقد صورها الجيلي بذلك. 3942 - قوله: (وإن قال: " طلقتك بعوض "، فقالت: " طلقتني بعد مضي الخيار " .. بانت والقول قولها في العوض) (¬1) المراد: بعد زمان لا يعد فيه كلامك جواباً لسؤالي، فسمي الزمان الصالح لجواب الخطاب فيه زمان الخيار؛ لتمكن كل منهما فيه من إتمام العقد وعدمه. ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 173).

كتاب الطلاق

كتابُ الطَّلاق 3943 - قول " المنهاج " [ص 413]: (يشترط لنفوذه التكليف إلا السكران) فيه أمور: أحدها: أن استثناء السكران من اشتراط التكليف من زيادته على " المحرر " و" الشرحين "، وذكره في " الروضة " بحثاً فقال: قد اقتصر على اشتراط التكليف الغزالي وغيره، وقد يورد عليه: السكران؛ فإنه يقع طلاقه على المذهب، وهو غير مكلف كما قاله أصحابنا وغيرهم في كتب الأصول، ولكن مرادهم: أنه غير مخاطب حال السكر، ومرادنا هنا: أنه مكلف بقضاء العبادات بأمر جديد (¬1). قال السبكي: ولا حاجة لهذه الزيادة؛ لأن مذهب الشافعي أن السكران مكلف. وقال شيخنا ابن النقيب: صرح الجويني في " الفروق " والقاضي في " فتاويه " والبغوي كلهم في (الأذان) وابن الصباغ والجرجاني وابن أبي عصرون وصاحب " الاستقصاء " وغيرهم كلهم في (الطلاق) بأنه مكلف؛ لقوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} الآية، وأجاب عنها في " المستصفى ". انتهى (¬2). ويوافق تكليف السكران قول " الحاوي " [ص 497]: (إنما يصح طلاق المكلف وإن سكر). ثانيها: أهمل هو و" الحاوي " أنه يشترط في المطلق أن يكون زوجاً، وذكره " التنبيه " هنا (¬3) و" المنهاج " في (الخلع) (¬4)، وينفذ من غير الزوج إذا كان نائباً عنه؛ إما بالوكالة أو شرعاً كالقاضي في المولى. ثالثها: يشترط أيضاً: أن يكون مختاراً، وقد ذكره " التنبيه " و" الحاوي " هنا (¬5) و" المنهاج " في (البيع)، فقال من زيادته: (وعدم الإكراه بغير حق) (¬6)، وذكر " المنهاج " مسألة المكره بعد ذلك إلا أنه لم يذكر ذلك في شروط المطلق. 3944 - قول " التنبيه " [ص 174]: (ويقع الطلاق بالصريح) أي: بغير نية كما صرح به ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 23). (¬2) السراج على نكت المنهاج (6/ 294)، وانظر " الفروق " (1/ 312)، و" التهذيب " (2/ 52)، و" المستصفى " (1/ 160). (¬3) التنبيه (ص 173). (¬4) المنهاج (ص 407). (¬5) التنبيه (ص 173)، الحاوي (ص 497). (¬6) المنهاج (ص 210).

" المنهاج " (¬1)، ودل عليه قول " التنبيه " بعده: (والكناية مع النية) ويشترط قصد حروف الطلاق لمعنى الطلاق، فلو لفظ أعجمي به بالعربية وهو لا يدري معناه، لكنه نوى به الطلاق .. لم يقع في الأصح، وقد ذكره " المنهاج " بعد ذلك (¬2). فإن قلت: قد ساوى الصريح الكناية في اعتبار القصد. قلت: الذي تميزت به الكناية عن الصريح أن يقصد الإيقاع بذلك اللفظ؛ وقد حكى الرافعي في الكناية عن البوشنجي: أن الطلاق إنما يقع بقوله: (أنت عليّ حرام) إذا نوى حقيقة اللفظ وقصد إيقاعه (¬3). واستثنى في " المطلب " من قولهم: بوقوع الطلاق بالكناية مع النية: السكران، وقد يقال: لا يتصور منه النية، وبتقدير تصورها منه .. فكيف لا يقع طلاقه؟ 3945 - قولهما: (الصريح: الطلاق والفراق والسراح) (¬4) كذا الخلع على الأصح مع ذكر المال، وكذا إن لم يذكر على ما تقدم، وكذا المفاداة على ما تقدم في الخلع، وقد ذكرهما " الحاوي " هنا، وذكر أيضاً: (حلال الله علي حرام) (¬5) وهو في ذلك تابع للرافعي، لكن بشرط اشتهاره في الطلاق (¬6) ولم يذكره، وقد ذكره " المنهاج " بقيد الاشتهار، وصحح أنه كناية (¬7)، وحكاه في " الروضَة " عن قطع العراقيين والمتقدمين (¬8)، ونص عليه الشافعي، وأطلق " التنبيه " أن قوله: (أنت حرام) كناية (¬9)، وقال النشائي: إنه مبني على أن الاشتهار في الطلاق لا يلحقه بالصريح (¬10)، وفيه نظر؛ فإن محل ذلك: في قوله: (أنت على حرام) فأما قوله: (أنت حرام) كما في " التنبيه " .. فإنه كناية قطعاً كما صرح به البغوي (¬11)، وذكر " الحاوي " أيضاً (نعم) في جواب: (طلقت) لطلب الإنشاء (¬12)، وفيه نظر؛ فإن الصريح هو لفظ الطلاق المقدر بعده المدلول عليه بلفظ: (نعم). ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 413). (¬2) المنهاج (416). (¬3) انظر " فتح العزيز " (8/ 524). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 174)، و" المنهاج " (ص 413). (¬5) الحاوي (498). (¬6) انظر " فتح العزيز " (8/ 514، 515). (¬7) المنهاج (ص 413). (¬8) الروضة (8/ 25). (¬9) التنبيه (ص 174). (¬10) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه " (ق 148). (¬11) انظر " التهذيب " (6/ 30). (¬12) الحاوي (ص 498).

3946 - قول " التنبيه " [ص 175]: (وإن قال لها: " أنت الطلاق " .. فقد قيل: هو صريح، وقيل: هو كناية) الأصح: أنه كناية، وقد ذكره " المنهاج " (¬1)، ويدل عليه أن " الحاوي " لم يذكره في الصرائح. 3947 - قول " المنهاج " [ص 413]: (وترجمة الطلاق بالعجمية صريح على المذهب) كذا سائر اللغات؛ ولهذا قال " الحاوي " [ص 498]: (وترجمتها) ولم يقيد، وكأن " المنهاج " أراد بالعجمية: ما عدا العربية. وتناولت عبارة " الحاوي " ترجمة غير الطلاق من الفراق والسراح والخلع، وقد ذكرها " المحرر " (¬2)، واكتفى " المنهاج " بالطلاق؛ كأنه لإشعاره بباقيها، لكن الخلاف في غير الطلاق بالترتيب وأولى بعدم الصراحة، قال الإمام: وهذا أظهر (¬3)، وبه أجاب الروياني في " الحلية ". 3948 - قول " التنبيه " [ص 174]: (فإن ادعى أنه أراد طلاقاً من وثاق أو فراقاً بالقلب أو تسريحاً من اليد .. لم يقبل في الحكم وقبل فيما بينه وبين الله تعالى) يستثنى منه: ما إذا كان ثم قرينة؛ كما لو قال لها ذلك وهو يحلها من وثاق .. فالأصح: القبول في الظاهر أيضاً، ولو صرح بذلك في لفظه فقال: (أنت طالق من وثاق) وكذا باقيها .. خرج عن الصراحة إلى الكناية. قال المتولي: هذا في الظاهر، وأما فيما بينه وبين الله تعالى .. فشرطه: قصد الإتيان بهذه الزيادة من أول اللفظ، فإن عنت له في أثنائه .. فوجهان يأتيان في الاستثناء وغيره، وإن لم تعن له إلا بعد الفراغ .. طلقت، قال: وكذا الكلام إذا لم يتلفظ بها ونواها .. فعلى هذا التفصيل، وفي كلام الماوردي ما قد يخالفه؛ فإنه قال: إن الآتي بالصريح وهو (طلقتك) قد يندم، فيصله بقوله: (من وثاق)، ثم قال: لا معنى لهذا التوهم؛ لأن الكلام المتصل يتعلق الحكم بجميعه؛ كقولنا: (لا إله إلا الله)، لا نقول: كَفَرَ أولاً، فخاف، فاستدرك (¬4)، ونقل في " البحر " هذا السؤال والجواب عن الشافعى (¬5). قلت: والحق أنه لا يخالفه؛ لأن هذا إنما هو في الظاهر، ولو اعترف الآتي بكلمة التوحيد بأنه كان قصده النفي المطلق ثم عن له بعد فراغ النفي الإثبات .. حكمنا بكفره، ولم يدخل في الإسلام بما أتى به من الإثبات، بل لا بد من تجديد لفظ كامل، والله أعلم. 3949 - قول " التنبيه " في ألفاظ الكناية [ص 174]: (واعزبي) هو بالعين المهملة والزاي، كذا ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 413). (¬2) المحرر (ص 326). (¬3) انظر " نهاية المطلب " (14/ 60). (¬4) انظر " الحاوي الكبير " (10/ 157). (¬5) بحر المذهب (10/ 51، 52).

ضبطه النووي، قال: ووقع في غير " التنبيه ": (اغربي) بغين معجمة وراء. انتهى (¬1). وجمع " المنهاج " و" الحاوي " بينهما (¬2). 3950 - قول " التنبيه " [ص 175]: (وإن قال: " كلي واشربي " .. فقد قيل: هو كناية، وقيل: ليس بشيء) الأصح: الأول، وعليه مشى " الحاوي " (¬3). 3951 - قول " المنهاج " [ص 414]: (والإعتاق كناية طلاق) ليس المراد: هذا اللفظ بعينه، بل: سائر ألفاظه الصريحة والكناية، فهو أعم من قول " الحاوي " في الكنايات [ص 498]: (وحرة ومعتقة). 3952 - قول " المنهاج " [ص 414]: (وعكسه) كقول " الحاوي " في (العتق) [ص 699، 700]: (وألفاظ الطلاق)، ويستثنى منه: ما لو قال لعبده: (اعتد) أو (استبرئ رحمك) ونوى .. فإنه لغو؛ لاستحالته في حقه. نعم؛ هو كناية في الأمة على الأصح (¬4). 3953 - قول " الحاوي " [ص 499]: (وأنت حرام .. يوجب الكفارة) كان ينبغي أن يزيد فيه لفظة: (عليّ) كما فعل " المنهاج " فإن البغوي قال: إن قوله: (أنت حرام) بدون (عليّ) كناية قولاً واحداً (¬5)، ومقتضاه: أنه لا يوجب الكفارة إلا بنية التحريم، ومع زيادة (عليّ) فينبغي تقييده بما إذا لم يشتهر لفظ الحرام في الطلاق، فإن اشتهر فيه .. فهو صريح في الطلاق على طريقة الرافعي (¬6)، وتبعه " الحاوي " فعد في الصرائح (حلال الله على حرام) (¬7)، وقوله: (أنت على حرام) مع الاشتهار مثله، ومتى كان صريحاً في الطلاق .. لم يوجب الكفارة، لكن الصحيح عند النووي وغيره: أنه كناية مطلقاً كما تقدم (¬8). 3954 - قول " المنهاج " [ص 414]: (أو نواهما .. تخير) يتناول نيتهما دفعة ومرتباً، وقد قال ابن الحداد فيما إذا نواهما مرتباً: إنه إن تقدم الظهار .. حصلا، أو الطلاق وهو بائن .. بانت فقط، أو رجعي .. فالظهار موقوف؛ فإن راجع .. فصحيح، والرجعة عود، وإلا .. فلغو. ¬

_ (¬1) انظر " تحرير ألفاظ التنبيه " (ص 264). (¬2) الحاوي (ص 499)، المنهاج (ص 413). (¬3) الحاوي (ص 499). (¬4) انظر " التهذيب " (6/ 32). (¬5) انظر " التهذيب " (6/ 30). (¬6) انظر " فتح العزيز " (8/ 514، 515). (¬7) الحاوي (ص 498). (¬8) انظر " الروضة " (8/ 25، 26).

وقال الشيخ أبو على: هذا التفصيل فاسد؛ لأن اللفظ إذا لم يجز أن يراد به التصرفان .. فلا فرق بين المعية والتعاقب، وأيضاً: إذا نواهما على التعاقب .. فكل نية مقارنة لبعض اللفظ لا لكله، وفيه خلاف سيأتي، كذا في " الروضة " وأصلها (¬1)، ولما أطلق في " الشرح الصغير " و" المحرر " .. علمنا أن الراجح عنده مقالة الشيخ أبي على، وتعبير " المحرر " بقوله: (نواهما معاً) (¬2) لا يحترز به عن الترتيب؛ فإنه صادق بالمعية والترتيب كما حُكي عن الشافعي وغيره. فإذا قلت: (جاء الزيدان معاً) .. لا يقتضي مجيئهما في زمن واحد، لكن استعمال الفقهاء بخلافه. قال شيخنا ابن النقيب: وكأنه محكي عن ثعلب؛ أي: اتحاد زمن مجيئهما (¬3). وقال شيخنا الإمام البلقيني في قول ابن الحداد: (فالظهار موقوف): ليس بصحيح، وإنما هو صحيح ناجز، قال: وقوله: (فإن راجع .. فصحيح) ممنوع؛ فالصحة ثابتة قبل الرجعة، قال وقوله: (والرجعة عود) يقال عليه: الآن عندكم كما صح الظهار، فلا يكون عائداً على مقتضى ما قلتم حتى يمضي زمان يتأتى فيه صحة الظهار، ويمكن أن يطلق فيه (¬4) فلا يطلق، قال: وقوله: (وإلا .. فلغو) ليس بصحيح، بل هو صحيح قبل ذلك، قال: ومقتضى كلامه الاستواء وهو ممتنع هنا. انتهى. وقول " المنهاج " [ص 414]: (وقيل: طلاق، وقيل: ظهار) من زيادته؛ فإن " المحرر " لم يذكر مقابل المرجح. 3955 - قوله فيما لو قال لأمته: (أو تحريم عينها أو لا نية .. فكالزوجة) (¬5) أي: فيوجب كفارة يمين، هو داخل في قول " الحاوي " أولاً [ص 499]: (إنه يوجب الكفارة). ويستثنى منه: ما لو قاله لأمته التي هي أخته .. فلا كفارة؛ لصدقه في وصفها، ولو كانت الأمة معتدة أو مرتدة أو مجوسية أو مزوجة .. ففي الكفارة وجهان، أو حائضاً أو نفساء أو صائمة .. وجبت على المذهب. 3956 - قول " المنهاج " [ص 414]: (وشرط نية الكناية: اقترانها بكل اللفظ) هو ظاهر قول " التنبيه " [ص 174]: (فإن نوى به الطلاق .. وقع) ثم قال " المنهاج " [ص 414]: (وقيل: يكفي بأوله)، وعليه مشى " الحاوي " فقال [ص 499]: (بنية تقترن بأوله)، وصحح في " أصل ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 28). (¬2) المحرر (ص 326). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (6/ 302). (¬4) في النسخ: (الظهار يمكن أن ... )، ولعل إثبات الواو هو الصواب. (¬5) انظر " المنهاج " (ص 414).

الروضة " خلافهما، فقال: ولو اقترنت بأول اللفظ دون آخره أو عكسه .. طلقت في الأصح (¬1)، والذي في الرافعي نقل ترجيح الوقوع في اقترانها بأوله عن الإمام والغزالي، قال: وسكتا عن الترجيح في اقترانها بآخره خاصة، وهو يشعر بأنهما رأيا فيه البطلان (¬2)، وفي " الشرح الصغير " في الأولى: الأظهر: الوقوع وميل الإمام في الثانية إلى ترجيح عدمه، ثم حكى الرافعي عن المتولي أنه قرب الخلاف في الأولى من الخلاف فيما إذا اقترنت نية الصلاة بأول التكبير دون آخره، والخلاف في الثانية من الخلاف في نية الجمع في أثناء الصلاة، قال الرافعي: وقضيته أنه إذا كان الوقوع في الأولى أظهر .. ففي الثانية أولى؛ لأن الأظهر في اقتران النية بأول التكبير: الانعقاد، وفي الجمع: الصحة، كذا وقع في الرافعي (¬3). ولعله (عدم الانعقاد) ليطابق المصحح في الصلاة؛ وليكون في الثانية أظهر، وهذا هو الذي حمل النووي على تصحيح الطلاق فيهما، وما صححه في " المنهاج " تبع فيه قول " المحرر ": (إنه رُجِّح) (¬4) ولعله سبق قلم؛ فإنه مخالف لترجيح " الصغير "، ولحكاية " الكبير " عن الإمام والغزالي. وقال في " التوشيح ": إن تعبير " الروضة " يفهم أنه لا يُكتفى بوجودها في أثنائه؛ لأن الصور ثلاث: وجودها في أول اللفظ فقط، وفي آخره فقط، وفي أثنائه فقط، ولا شك أن حكم أثنائه حكم آخره، فصواب العبارة: أن يقال: يكتفى بها قبل فراغ اللفظ. واعلم: أن الرافعي مثل اقترانها بأوله دون آخره؛ بأن توجد عند قوله: (أنت) دون (طالق)، ولا يخفى أن قوله: (طالق) سبق قلم؛ فإنه صريح، ثم إن المعتبر اقترانها بلفظ الكناية؛ إما كله أو بعضه؛ لأن القصد منها: تفسير إرادة الطلاق به، فلا عبرة باقترانها بلفظة (أنت). قال في " المهمات ": وقد صرح بهذا البندنيجي والماوردي وصاحب " الشامل " (¬5)، وفيما حكاه عن صاحب " الشامل " نظر؛ فإن عبارته في ذلك مثل الرافعي. قال في " المطلب ": ومن ذلك يخرج وجهان في اعتبار النية عند قوله: (أنت) وأيد الاكتفاء بها عند (أنت) بما إذا وقع (أنت) في زمن الطهر و (طالق) في زمن الحيض؛ فإن ابن سريج قال: يكون الطلاق سنياً، ويحصل لها قرء واحد. 3957 - قول " المنهاج " [ص 414]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 499]: (ويُعتدُّ بإشارة أخرس في العقود والحلول) كذا الأقارير والدعاوى. ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 32). (¬2) فتح العزيز (8/ 526)، وانظر " نهاية المطلب " (14/ 67) و" الوجيز " (2/ 60). (¬3) انظر " فتح العزيز " (8/ 526). (¬4) المحرر (ص 327). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (10/ 164).

3958 - قول " المنهاج " [ص 414]: (فإن فهم طلاقه بها كل أحد .. فصريحة، وإن اختص بفهمه فطنون .. فكنايةٌ) لو قال كـ " الحاوي " [ص 499، 500]: (والصريح ما يفهم الكل، والكناية الفطن) .. لكان أحسن، ليتناول غير الطلاق، ثم إن انقسام إشارته إلى صريح وكناية حكاه الرافعي عن الإمام وآخرين، قال: ومنهم من أدار الحكم على إشارته وأوقع الطلاق بها نوى أو لم ينو، قال: وكذا فعل البغوي (¬1). ولم يصحح في " الروضة " و" الشرحين " واحدة من المقالتين، وظاهر إطلاقهما العمل بإشارته وإن قدر على الكتابة (¬2)، وكذا أطلقه الجمهور، وصرح بذلك الإمام (¬3)، وشرط المتولي عجزه عن كتابة مفهمة، وإلا .. فالكتابة هي المعتبرة، وينبغي أن يكتب مع ذلك: إني قصدت الطلاق. 3959 - قول " المنهاج " [ص 414]: (ولو كتب ناطقٌ طلاقاً) لم يحترز به عن الأخرس؛ فإن الأخرس أيضاً كذلك، بل أولى؛ فالصحيح: أنها في حقه كناية، فيقع إذا نوى، وإن لم يشر، وقيل: لا بد من إشارته مع النية، وقيل: هي صريحة في حقه (¬4). 3960 - قول " التنبيه " [ص 179]: (وإن كتب الطلاق ونوى وكتب: " إذا جاءك كتابي .. فأنت طالق " فجاءها وقد انمحى موضع الطلاق وبقي غيره .. لم يقع، وإن انمحى غير موضع الطلاق وبقي موضع الطلاق .. فقد قيل: يقع، وقيل: إن كتب: " إن أتاك كتابي " .. وقع، وإن كتب: " إن أتاك كتابي هذا " .. لم يقع) صحح في " أصل الروضة " في الصورة الأولى - وهي ما إذا انمحى موضع الطلاق -: عدم الوقوع، وقال في الثانية - وهي ما إذا انمحى غير موضع الطلاق -: فيه الأوجه الثلاثة، والوقوع هنا أولى، وبه قال أبو إسحاق؛ لوصول المقصود، قال: ويحسن الاعتماد على الوجه الثالث في الصورتين (¬5). وأقر النووي في " تصحيحه التنبيه " على عدم الوقوع في الأولى، وصحح في الثانية هذا التفصيل (¬6). ودخل في عبارته: ما لو بقي مع موضع الطلاق جميع المقاصد ولم ينمح سوى السوابق واللواحق؛ كالبسملة والحمد والصلاة، والأصح في هذه الصورة: الوقوع مطلقاً، كما نقله الرافعي عن الإمام (¬7)، وأرسل تصحيحه في " الشرح الصغير "، وصححه في " أصل ¬

_ (¬1) فتح العزيز (8/ 535)، وانظر " نهاية المطلب " (14/ 72)، و" التهذيب " (6/ 37). (¬2) في النسخ: (الكناية)، ولعل الصواب ما أثبت في هذا الموضع والموضعين اللذين بعده. (¬3) انظر " نهاية المطلب " (14/ 72). (¬4) انظر " السراج على نكت المنهاج " (6/ 310). (¬5) الروضة (8/ 43). (¬6) تصحيح التنبيه (2/ 69). (¬7) فتح العزيز (8/ 541)، وانظر " نهاية المطلب " (14/ 80).

فصل [تفويض الطلاق]

الروضة " (¬1)، ومشى " الحاوي " على الوقوع في الثانية دون الأولى مطلقاً فقال: (وبلوغ الكتاب وبقيَ سطر الطلاق) (¬2) ثم المراد: انمحاءٌ لا تمكن معه القراءة. 3961 - قول " المنهاج " [ص 414]: (وإن كتب: " إذا قرأت كتابي " وهي قارئةٌ، فقرأته .. طلقت) قال الإمام: المعتبر أن تطلع على ما فيه، واتفق علماؤنا على أنها إذا طالعته وفهمت ما فيه .. طلقت وإن لم تتلفظ. قوله: (وإن قُرئ عليها .. فلا في الأصح) (¬3) هذا بخلاف القاضي، فإذا كتب إليه من ولاه: (إذا قرأت كتابي .. فأنت معزول) فَقُرئ عليه .. فإنه ينعزل وإن أحسن الكتابة في الأصح؛ ولهذا قال " الحاوي " [ص 511]: (وقراءته وهو أميٌّ) أي: وقراءة غير المعلق بقراءته إذا اكان المعلق بقراءته أمياً كقراءة المعلق بقراءته، ثم قال: (ولعزل القاضي مطلقاً) (¬4). قال في " المهمات ": والصواب: التسوية وعدم العزل والطلاق. انتهى. وأبدى بعضهم في الفرق: أن العادة في الحكام أن تُقرأ عليهم المكاتيب. 3962 - قول " المنهاج " [ص 414]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 511]: (وإن لم تكن قارئة فقرئ عليها .. طلقت) استشكله في " المهمات " لأن الصحيح في التعليق بالمستحيل: أنه لا يقع، وهذا أولى منه؛ لأنه ممكن في نفسه وقد علق عليه ولم يخرجه عن مدلوله، فإن أراد الاطلاع عليه .. فمسلم، وليس الكلام فيه. انتهى. ثم صورة ذلك: أن يعلم المُعلق أنها أمية، فلو لم يعلم أهي قارئة أم أمية .. قال الرافعي: فيجوز أن ينعقد التعليق على قراءتها بنفسها نظراً إلى حقيقته، ويجوز أن ينعقد على الفهم والإطلاق؛ لأنه القدر المشترك بين الناس، قال: والأول أقرب (¬5). فَصْل [تفويض الطلاق] 3963 - قول " التنبيه " [ص 174]: (وإن قال لامرأته: " طلقي نفسك " فقالت في الحال: " طلقت نفسي " .. طلقت) فيه أمران: ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 43). (¬2) الحاوي (ص 511). (¬3) انظر " المنهاج " (ص 414). (¬4) الحاوي (ص 511). (¬5) انظر " فتح العزيز " (8/ 540).

أحدهما: قد يفهم أنه لو زاد في التفويض فقال: " إن شئت " .. لم يصح، وليس كذلك؛ ولهذا قال " الحاوي " [ص 513]: (وطلقي نفسك أو إن شئت). ثانيهما: أنه يفهم أنها لو اقتصرت على قولها: (طلقت) .. لم تطلق، والأصح في " الكفاية " خلافه، ويوافقه أن في " المنهاج " و" الروضة " وأصلها فيما لو قال: (أبيني نفسك) فقالت: (أبنت) ونويا .. الوقوع (¬1)، فإذا اكتُفي بذلك في الكناية .. ففي الصريح أولى. 3964 - قول " التنبيه " [ص 174]: (فإن أخرت ثم طلقت .. لم يقع، إلا أن يقول: " طلقي نفسك متى شئت ") إنما ذكره الرافعي والنووي تفريعاً على قول التوكيل؛ فإنهما رجحا على قول التمليك - وهو الأظهر -: اعتبار الفور، وعلى قول التوكيل: جواز التأخير، ثم استثنيا من الخلاف على قول التوكيل هذه الصورة، فقالا: أما لو قال: (طلقي نفسك متى شئت) .. فيجوز التأخير قطعاً. انتهى (¬2). والذي في " التنبيه " مشكل؛ لأن اشتراط الفور تفريع على التمليك، ولا فرق في اشتراط الفور في قبول عقد التمليك بين أن يصرح الموجب بجواز تأخيره أم لا. قال في " الكفاية ": ويمكن أن يجاب عنه: بأن الطلاق يقبل التعليق .. فجاز أن يتسامح في تمليكه، بخلاف سائر التمليكات. 3965 - قوله: (وإن قال: " اختاري " .. فهو كناية يفتقر إلى القبول في المجلس على المنصوص، وقيل: يفتقر إلى القبول في الحال) (¬3) الأصح: الثاني، وتفريقه بين التفويض بالتصريح .. فيعتبر في قبوله الفور، وبين التفويض بالكناية .. فيكتفى فيه بالمجلس، لا يظهر له معنى، وقد قال ابن القاص وغيره تفريعاً على التمليك بالاكتفاء بالمجلس ولم يخص ذلك بالكناية، وهو منصوص الشافعي، لكن حمله الجمهور على مجلس التواجب، وهو ما يربط الإيجاب بالقبول، وغلط القاضي حسين من حمله على المجلس الذي يناط بمنتهاه انقطاع خيار المجلس. وأجاب في " الكفاية " عن " التنبيه ": بأن لفظ (اختاري) يشعر بالتروّي، فاقتضى الإمهال بوضعه، بخلاف (طلقي). ومقتضى هذا الجواب: أنه لا يلتحق بها بقية ألفاظ الكنايات؛ كـ (أبيني نفسك)، ولا قائل في ألفاظ الكنايات بالفرق. 3966 - قول " المنهاج " [ص 415]: (ولو قال: " طلقي " ونوى ثلاثاً فقالت: " طلقت " ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 415)، الروضة (8/ 48). (¬2) انظر " فتح العزيز " (8/ 544، 545)، و" الروضة " (8/ 46). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 174).

فصل [في سبق اللسان بالطلاق وحكم طلاق المكره والسكران]

ونوتهن .. فثلاثٌ، وإلا .. فواحدةٌ في الأصح) صورة محل الخلاف: أن ينوي هو الثلاث ولا تنوي هي عدداً، أما إذا لم ينو واحد منهما العدد، أو نوته هي دونه .. فلا يقع إلا واحدة قطعاً، وهاتان الصورتان تدخلان تحت قوله: (وإلا) فإن الذي أثبته قبل ذلك نية العدد المخصوص منهما، فيصدق نفيه بهذه الصور. وقد يرد على عبارته أيضاً: ما إذا نوت ثنتين .. فإنهما يقعان، وفي " فتاوى البغوي ": لو قال: (طلقي نفسك ثلاثاً) فطلقت واحدة فراجع .. فلها أن تطلق ثانية وثالثة. قال في " المهمات ": والصواب: تقييده بالحال؛ لأن الصحيح: أنه تمليك .. فلا بد فيه من الفور. 3967 - قول " التنبيه " [ص 173]: (وله أن يوكل من يطلق) أي: تنجيزاً في معيّنة كما قدمته في (الوكالة). 3968 - قوله: (فإن وكل امرأة في طلاق زوجته .. فقد قيل: يصح، وقيل: لا يصح) (¬1) الأصح: الصحة. 3969 - قوله: (وللوكيل أن يطلق متى شاء إلى أن يعزله) (¬2) قال شيخنا الإسنوي في " التنقيح ": يدخل فيه ما لو طلقها وهي حائض .. فيحتمل - وهو الظاهر - ألاَّ ينفذ؛ لتحريمه، ويحتمل تنفيذه؛ كطلاق الموكل، فلو وكله ليطلق في الحيض .. فيظهر أنه لا يصح؛ لظهور قصد المعصية، وقد يقال بجوازه؛ للتنصيص عليه. فَصْل [في سبق اللسان بالطلاق وحكم طلاق المكره والسكران] 3970 - قول " الحاوي " [ص 497]: (لا إن سبق لسانه) قد يفهم قبول ذلك ظاهراً بلا قرينة، وليس كذلك؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 415]: (ولا يُصدَّقُ ظاهراً إلا بقرينةٍ) وأوضح ذلك في " الروضة " وأصلها فقال: فإذا قال: (طلقتك) ثم قال: سبق لساني وإنما أردت: (طلبتك) .. فالنص: أنه لا يسعها أن تقبل منه، وعن الماوردي وغيره: أن هذا في المتهم، فإن ظنت صدقه بأمارة .. فلها القبول، ولا مخاصمة، ولمن سمعه وعرف الحال .. ألاَّ يشهد عليه، قال الروياني: وهذا هو الاختيار (¬3). ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 173، 174). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 174). (¬3) الروضة (8/ 53)، وانظر " الحاوي الكبير " (10/ 154)، و" بحر المذهب " (10/ 49).

3971 - قول " المنهاج " [ص 415]: (ولو كان اسمها طالقاً فقال: " يا طالق " وقصد النداء .. لم تطلق، وكذا إن أطلق في الأصح) المراد: أن يكون اسمها طالقاً حين النداء، فلو سميت بذلك ثم غير اسمها إلى غيره ثم خاطبها به بعد التغيير .. طلقت إن قصد الطلاق أو أطلق، فإن قصد نداءها بالاسم القديم .. لم تطلق، ذكره الرافعي في أول (العتق) في نظير المسألة من العتق (¬1). والمخالفة بين الصورتين في حالة الإطلاق: إن كان الاسم قائماً .. لم تطلق، وإلا .. طلقت. 3972 - قوله: (ولو خاطبها بطلاقٍ هازلاً أو لاعباً) (¬2) يقتضي تغايرهما، وعبارة " المحرر ": (على سبيل الهزل واللعب) (¬3) وذلك يقتضي اتحادهما، ويوافقه قول " الروضة " وأصلها: وصورة الهزل: أن يلاعبها بالطلاق؛ بأن تقول في معرض الدلال والاستهزاء: (طلقني) فيقول: (طلقتك) .. فتطلق. انتهى (¬4). فجعل اللاعب تصويراً للهازل؛ ولهذا قال " الحاوي " [ص 497]: (وإن هزل) فاقتصر على الهزل، وقوله: (كغير النكاح) (¬5) يعني: أن النكاح لا يصح مع الهزل، تبع فيه الغزالي؛ فإنه قال في " الوجيز ": إنه المشهور (¬6)، لكن الأصح في " أصل الروضة ": صحة النكاح مع الهزل كغيره، وهو مقتضى كلام الرافعي (¬7)، وقد ورد الحديث فيه بأن هزله جد، وصححه الحاكم في " مستدركه " (¬8). 3973 - قوله: (أو ظنها غير زوجته) (¬9) زاد " المنهاج " [ص 415]: (بأن كانت في ظلمةٍ، أو نكحها له وليُّه أو وكيله ولم يعلم) محل الوقوع: في الظاهر، وأما في الباطن: ففيه وجهان بناهما المتولي على الإبراء من المجهول؛ إن لم يصح .. لم يقع باطناً (¬10). 3974 - قول " المنهاج " [ص 416]: (ولو لفظ عجميٌّ به بالعربية ولم يعرف معناه .. لم يقع) لو عبر كـ " الحاوي " بقوله [ص 497]: (أو لُقِّنَ بلا فهم) .. لكان أعم؛ ليتناول نطق العربي به ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (13/ 306، 307). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 415). (¬3) المحرر (ص 328). (¬4) الروضة (8/ 54). (¬5) انظر " الحاوي " (ص 497). (¬6) الوجيز (2/ 62). (¬7) فتح العزيز (8/ 553)، الروضة (8/ 54). (¬8) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثٌ جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة ". أخرجه أبو داوود (2194)، والترمذي (1184)، وابن ماجه (2039)، والحاكم (2800). (¬9) انظر " الحاوي " (ص 497). (¬10) انظر " الروضة " (8/ 55).

بالعجمية بلا فهم وغيرها من الصور؛ ولهذا عبر في " الروضة " بقوله: إذا لُقِّنَ كلمة الطلاق بلغة لا يعرفها، وهذا شامل، قال المتولي: وهذا إذا لم يكن مخالطاً لأهل ذلك اللسان؛ فإن خالطهم .. لم يقبل ظاهراً، ويدين (¬1). 3975 - قول " المنهاج " [ص 416]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 497]: (ولا يقع طلاق مكره) قيده " التنبيه " بأن يكون الإكراه بغير حق (¬2)، فلو أكره بحق .. وقع؛ ومثلوه: بإكراه القاضي المولى بعد المدة وامتناعه من الفيئة على الطلاق، واستشكله الرافعي وغيره: بأنه لا يؤمر بالطلاق عيناً، بل به أو بالفيئة، ولو أكره شخص على أن يطلق أو يُعتق، ففعل أحدهما .. نفذ، وأيضاً: فمحل الاحتراز: إذا قيل: إن الإكراه يكون بغير القتل والقطع، وإلا .. فالقاضي لا ينتهي في حق المولى إلى ذلك (¬3)، ولهذا الإشكال أسقط من " الشرح الصغير " و" المحرر " مسألة المولى، فلم يذكرها في صورة الإكراه بحق، ولكن ذكرها البغوي وغيره (¬4)، وأيضاً فالاحتراز إنما هو تفريع على الضعيف؛ فإن الأصح: أن الحاكم هو الذي يطلق على المولى الممتنع، وحينئذ .. لا إكراه أصلاً. وقد يستثنى من عدم وقوع طلاق المكره مسائل: منها: ما لو نوى المكره الطلاق حال تلفظه به .. فإنه يقع في الأصح، وقد يقال: ليس هذا مكرهاً. ومنها: لو قال: طلق زوجتي وإلا قتلتك، فطلقها .. فإنه يقع في الأصح؛ لأنه أبلغ في الإذن مع كونه مكرهاً على ذلك بغير حق. ومنها: ما لو أكره الوكيل بالطلاق على إيقاعه .. ففيه احتمالان لأبي العباس الروياني، لكن أصحهما عنده: عدم الوقوع. 3976 - قول " التنبيه " [ص 173]: (كالتهديد بالقتل أو القطع أو الضرب المبرح) فيه أمور: أحدها: في معنى ذلك أيضاً: الحبس وإتلاف المال؛ ولهذا عبر " المنهاج " بقوله [ص 416]: (ويحصل بتخويفٍ بضربٍ شديدٍ أو حبسٍ أو إتلاف مالٍ ونحوها)، وعبارة " الحاوي " [ص 497]: (بمحذور) فتناول جميع ذلك، ودخل فيه أيضاً: الإكراه بالضرب القليل أو الشتم وهو من ذوي ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 56). (¬2) التنبيه (ص 173). (¬3) انظر " فتح العزيز " (8/ 557). (¬4) انظر " التهذيب " (6/ 75).

الأقدار؛ فإن ذلك محذور في حق ذلك الرجل دون غيره، وقد ذكره " التنبيه " بعد ذلك، وقال: (المذهب: أنه لا يقع طلاقه) (¬1). ودخل في ذلك قول " المنهاج " [ص 416]: (ونحوها)، وهو من زيادته على " المحرر "، وصحح في " الروضة " من زيادته: أن المعتبر أن يكرهه على فعل ما يؤثر العاقل الإقدام عليه حذراً مما هدده به، وقد يكون الشيء إكراهاً في شيء دون شيء وشخص دون شخص، ففي الطلاق يُكتفى بالقطع، وكذا الحبس الطويل، وصفع ذوي المروءة، وتسويد وجهه، والطواف به في الأصح، لا إتلاف المال في الأصح، وفي القتل لا يكفي التخويف بالحبس وقتل الولد وإتلاف المال، والتخويف بجميع ذلك إكراه في إتلاف المال، وقال النووي مع تصحيحه هذا الوجه: إن في بعض تفصيله نظراً (¬2). ثانيها: يستثنى من القتل والقطع: ما إذا كانا مستحقين؛ كما إذا قال ولي القصاص لمن عليه القصاص: طلق زوجتك وإلا اقتصصت منك .. فلا يكون إكراهاً، ذكره في " الكفاية ". ثالثها: قال في " المنهاج " [ص 416]: (شرط الإكراه: قُدرةُ المُكْرِه على تحقيق ما هدد به بولايةٍ أو تغلُّبٍ، وعجز المُكْرَهِ عن دفعه بهربٍ وغيره، وظنه أنه إن امتنع .. حققه) وأورد شيخنا الإسنوي ذلك على عبارة " التنبيه " بلفظ: (الصواب) (¬3)، فإن ورد عليه .. فهو وارد على " الحاوي " أيضاً؛ فإنه لم يذكره، وقد يقال: لا يرد ذلك عليهما؛ فإنه متى انتفت هذه الأمور أو بعضها .. فلا محذور ولا إكراه، بل المطلق مختار، وحينئذ .. فتصريح " المنهاج " بها زيادة إيضاح. 3977 - قول " المنهاج " [ص 416]: (ولا تشترط التورية؛ بأن ينوي غيرها، وقيل: إن تركها بلا عذرٍ .. وقع) كذا جعل الرافعي محل الوجهين: ما إذا لم يكن عذر، فأما مع العذر؛ كالدهشة والغباوة .. فلا يقع قطعاً (¬4)، وهو بحث للإمام بعد أن نقل عن الأصحاب إطلاقهما، وأطلقهما أيضاً القاضي حسين والفوراني والبغوي والمتولي وابن الصباغ والجرجاني والروياني وغيرهم (¬5). 3978 - قول " الحاوي " [ص 497]: (كغير إسلام الحربي) يرد عليه: المرتد؛ فإنه يصح إكراهه على الإسلام أيضاً، وقد يقال: هو مفهوم من طريق الأولى، وإنما قصد إخراج الذمي، ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 173). (¬2) الروضة (8/ 6159). (¬3) انظر " تذكرة النبيه " (3/ 307). (¬4) انظر " فتح العزيز " (8/ 559). (¬5) انظر " نهاية المطلب " (14/ 157)، و" التهذيب " (6/ 75)، و" بحر المذهب " (10/ 120).

ويصح أيضاً الإكراه على بيع المال لوفاء الحق وعلى إيتاء الغير حقه. 3979 - قوله: (والإفطار) (¬1) أي: ويبيح الإكراه الإفطار في نهار رمضان، وفي معناه: الخروج من صلاة الفرض .. فيباح بالإكراه أيضاً. 3980 - قوله عطفاً على ما يصح من الطلاق: (أو سَكِرَ) (¬2) أي: متعدياً؛ ولذلك قال " المنهاج " [ص 416]: (ومن أثم بمزيل عقله من شرابٍ أو دواءٍ .. نفذ طلاقه وتصرفه له وعليه قولاً وفعلاً على المذهب) و" التنبيه " [ص 173]: (ومن زال عقله بسبب يعذر فيه؛ كالمجنون والنائم والمبرسم .. لا يصح طلاقه، ومن زال عقله بسبب لا يعذر فيه؛ كالسكران ومن شرب ما يزول به عقله لغير حاجة .. وقع طلاقه، وقيل: فيه قولان، أشهرهما: أنه يقع طلاقه) وفيه أمران: أحدهما: قال في " الكفاية ": اعتُرض على جعله النوم مزيلاً للعقل، وهو ساتر له فقط، لكن الصحيح في حد العقل: أنه صفة يتهيأ بها لإدراك النظريات العقلية، وهي من قبيل العلوم الضرورية، وهذا يتناول النوم. ثانيهما: الأصح في السكران: طريقة القولين، كذا صححه الرافعي، وحكاه عن الأكثرين (¬3)، لكن في " البيان ": أن الأكثر على الطريقة الأولى (¬4). 3980/ 1 - قول " التنبيه " [ص 175]: (وإن قال لها: " دمك طالق " .. لم تطلق) الأصح: وقوع الطلاق، وعليه مشى " الحاوي " و" المنهاج "، وعبر عنه (بالمذهب) (¬5)، وما حكيته من لفظ " التنبيه " هو كذلك في " الكفاية "، وقال: إنه الموجود في النسخ، لكن المضبوط عن نسخة المصنف كما قال النووي: (دمعك) بدل (دمك) (¬6). 3981 - قول " التنبيه " [ص 175]: (فإن قال: " أنا منك طالق "، أو فوض الطلاق إليها فقالت: " أنت طالق " .. فهو كناية لا الطلاق إلا بالنية) المراد: أن ينوي الزوج إضافة الطلاق إليها، وإلا .. فقد عُرف أن الكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية؛ ولذلك قال " المنهاج " [ص 416]: (ولو قال: " أنا منك طالقٌ " ونوى تطليقها .. طلقت، وإن لم ينو طلاقاً .. فلا، وكذا إن لم ينو إضافته إليها في الأصح)، و" الحاوي " [ص 499]: (وأنا منك طالق ونوى طلاقها) وتصويرهم يقتضي أنه لا بد من لفظة (منك)، وقال في " المهمات ": إنها ليست شرطاً؛ لانتظام هذا العمل ¬

_ (¬1) انظر " الحاوي " (ص 498). (¬2) انظر " الحاوي " (ص 497). (¬3) انظر " فتح العزيز " (8/ 564). (¬4) البيان (10/ 70). (¬5) الحاوي (ص 500)، المنهاج (ص 416). (¬6) انظر " تحرير ألفاظ التنبيه " (ص 264).

فصل [في تعليق الطلاق]

بدونها خلاف ما يوهمه كلام الرافعي و" الروضة "، قال: ولذلك حذفها الدارمي في " الاستذكار "، وحينئذ: فإن كانت له زوجة واحدة وقصد طلاقها .. فواضح، وإن كان له زوجات وقصد طلاق واحدة منهن .. وقع على واحدة، وُيعين. 3982 - قول " المنهاج " [ص 416]: (ولو قال: " أنا منك بائن " .. اشترط نية الطلاق، وفي الإضافة الوجهان) قد يقال: إنه يغني عنه ما ذكره في قوله: (أنا منك طالق)، فإنه إذا اشترطت النية هناك مع صراحة الطلاق .. فمع لفظ البينونة أولى. 3983 - قول " المنهاج " [ص 416] و" الحاوي " [ص 499]: (ولو قال: " استبرئي رحمي منك " .. فلغو) كذا صور في " الروضة " وأصلها (¬1)، وصورها في " الشرح الصغير " بقوله: استبرئي الرحم التي كانت لي. انتهى. وهذا ذكره الرافعي في " الكبير " تعليلاً فقال: أحدهما: يقع، والمعنى: استبرئي الرحم التي كانت لي. والثاني: لا؛ لأن اللفظ غير منتظم (¬2). فَصْل [في تعليق الطلاق] 3984 - قول " التنبيه " [ص 180]: (وإن قال: " إن دخلت الدار .. فأنت طالق "، ثم بانت منه، ثم تزوجها، ثم دخلت الدار .. ففيه ثلاثة أقوال، أحدها: تطلق، والثاني: لا تطلق، والثالث: إن عادت إليه بعد الثلاث .. لم تطلق، وإن عادت قبلها .. طلقت، والأول أصح) صحح في (الخلع): الثاني، فقال: (فإن خالعها ولم يفعل المحلوف عليه وتزوجها .. ففيه قولان، أصحهما: أنه يتخلص من الحنث) (¬3)، وكذا صححه " المنهاج " (¬4)، وقد يفهمه قول " الحاوي " [ص 498]: (لغير البائنة) فالبينونة المقارنة للتعليق مانعة من صحته، والطارئة عليه مبطلة حكمه. وادعى شيخنا ابن النقيب أن قول " المنهاج " [ص 417]: (ولو علقه بدخول فبانت ثم نكحها ثم دخلت .. لم يقع إن دخلت في البينونة) كلام متدافع لا ينتظم مع قوله: (ثم نكحها ثم دخلت) (¬5) ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 67). (¬2) فتح العزيز (8/ 573). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 171). (¬4) المنهاج (ص 417). (¬5) انظر " السراج على نكت المنهاج " (6/ 334).

أي؛ لأنه صرح بأن الدخول بعد النكاح .. فكيف يُفصِّل بعد ذلك بين أن تدخل في البينونة أم لا؟ وهو عجيب! ؟ لأن الكلام في الدخول الواقع في النكاح الثاني هل يقع به الطلاق أم لا؟ والحكم أنه إن سبق دخول في البينونة .. فلا طلاق قطعاً؛ لأن اليمين انحلت، وإن لم يسبق دخول .. فالأظهر: أنه لا طلاق أيضاً، وعبارة " المحرر " و" الشرحين " في ترجيح هذا القول: (إنه اْقوى توجيهاً واختاره مختارون) (¬1)، قال في " الشرحين ": منهم الإمام وابن الصباغ، واختار جماعة الوقوع وجماعة التفصيل (¬2). 3985 - قول " التنبيه " [ص 182]: (وإن طلق امرأته ثلاثاً في المرض ومات .. لم ترث في أصح القولين) حكم المطلقة بما دون الثلاث قبل الدخول أو بعده بعوض حكم المطلقة ثلاثاً، فلو عبر (بالبينونة) كما فعل " المنهاج " (¬3) .. لكان أولى، والمراد: المرض المخوف، وفي معناه: كل حالة يعتبر التبرع فيها من الثلث، وقوله: (ومات)، أي: منه، وقد عبر " المنهاج " (بمرض موته) (¬4). 3986 - قول " التنبيه " تفريعاً على القديم [ص 182]: (وإلى متى ترث؟ فيه ثلاثة أقوال) لم يرجح الرافعي والنووي وابن الرفعة منها شيئاً (¬5)، وقد رجح الشافعي رحمه الله: الثالث، وهو أنها ترثه ما لم تتزوج، حكاه عنه البيهقي (¬6)، وقال القلعي في " الغوامض ": إن الثاني أقيس، وهو أنها ترثه ما لم تنقض العدة، ونقله ابن الصباغ عن " الأم " (¬7). وقال في " التوشيح ": الذي يظهر من كلام الرافعي وهو - الفقه تفريعاً على القديم - رجحان الأول، وهو أنها ترث أبداً؛ فقد رُجّح فيما إذا أبان أربعاً في مرضه ثم نكح أربعاً .. أن الميراث للصنفين جميعاً؛ فكما لم يُستبعد ميراث ما زاد على العدد الشرعي .. كذلك لا يُستبعد ميراث امرأة من رجلين، كيف وقد عقلنا عدتها من رجلين في اجتماع العدتين، وتقديم " التنبيه " له أيضاً في الذكر عند التفريع يشعر بأنه الأرجح عنده. انتهى. 3987 - قوله: (وإن سألته الطلاق الثلاث .. فقد قيل: لا ترث، وقيل: على قولين) (¬8) ¬

_ (¬1) المحرر (ص 330)، فتح العزيز (8/ 578). (¬2) فتح العزيز (8/ 578). (¬3) المنهاج (ص 417). (¬4) المنهاج (ص 417). (¬5) انظر " فتح العزيز " (8/ 583)، و" الروضة " (8/ 72، 715). (¬6) انظر " معرفة السنن والآثار " (5/ 501)، و" السنن الكبرى " للبيهقي (7/ 362). (¬7) الأم (5/ 254). (¬8) انظر " التنبيه " (ص 182).

فصل [في تعدد الطلاق بنية العدد وما يتعلق به]

الأصح: الأول، وهو القطع بعدم الإرث، وإذا كان ذلك بخلع معها .. فهو آكد من مطلق سؤالها، ولا معنى لتقييد ذلك بالثلاث كما تقدم. 3988 - قوله: (وإن علق طلاقها على صفة تفوت بالموت؛ بأن قال: " إن لم أتزوج عليك .. فأنت طالق ثلاثاً " .. فهل ترثه؟ على قولين) (¬1) اعترضه ابن يونس في " التنويه " وقال: مَثّل الصفة التي تفوت بالموت بصفة تتحقق بالموت؛ فإن الصفة في هذا المثال: عدم التزوج عليها، وهو يتحقق بالموت، لا أنه يفوت به. 3989 - قوله: (وإن علق طلاقها على صفة لا بد لها منه؛ كالصوم والصلاة .. فهي على قولين) (¬2) صوابه: (لا بد لها منها)، وتنكير " التنبيه " القولين في هذه المسائل إشارة منه إلى طردهما وإن ورثنا المطلقة في المرض؛ إذ لو كانا هما القولين في أصل المسألة .. لقال: (على القولين)، وقد صرح بذلك الجيلي، ذكره في " الكفاية ". قال شيخنا الإسنوي في " التنقيح ": ويسأل على القول القديم عن الفرق بينه وبين ما إذا باع النصاب فراراً من الزكاة؟ فإنها لا تجب بلا خلاف. انتهى. وقد يُفرق ببناء حقوق الآدميين على المضايقة، بخلاف حقوق الله تعالى؛ فإنه يغلب فيها المسامحة. فَصَل [في تعدد الطلاق بنية العدد وما يتعلق به] 3990 - قول " التنبيه " [ص 175]: (إذا خاطبها بلفظ من ألفاظ الطلاق ونوى به طلقتين أو ثلاثاً .. وقع) حذف صاحب " التنبيه " قوله: (إذا خاطبها) ليعم ما إذا أشار لزوجته ولو نائمة أو مجنونة وقال: " هذه طالق " .. فإنه يقع وإن لم يكن مخاطباً لها ولا مكلماً؛ لأنها غير قابلة للخطاب، وكذا يرد ذلك على قول " المنهاج " [ص 417]: (قال: " طلقتك "، أو " أنت طالق " ونوى عدداً .. وقع) فإنه عبر بلفظ الخطاب، فهو مثال؛ ولهذا قال " الحاوي " [ص 503]: (وإن نوى عدداً .. ما نوى). 3991 - قول "التنبيه " [ص 175]: (إلا قوله: "أنت واحدة" - أي: بالرفع، كما قيده النووي (¬3) فإنه لا يقع به أكثر من طلقة، وقيل: يقع به ما نوى) الثاني هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج " (¬4). ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 182). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 182). (¬3) انظر " تحرير ألفاظ التنبيه " (ص 264). (¬4) المنهاج (ص 418).

3992 - قوله: (ولو قال: " أنت طالق واحدة " ونوى عدداً .. فواحدة، وقيل: المنوي) (¬1) تبع فيه " المحرر " فإنه قال: (إنه رُجّح) (¬2)، وعليه مشى " الحاوي " فقال [ص 503]: (لا: " أنت واحدة ") أي: طالق واحدة، وهو مضبوط فيه بالنصب؛ أي: فلا يقع المنوي، ثم قال: (لا إن نوى توحُّدَها بالثلاث) (¬3) أي: فيقع المنوي، وقد حكى الرافعي في " شرحيه " ترجيح وقوع الواحدة عن الغزالي، وحكى عن البغوي وغيره وقوع المنوي، وصححه في " أصل الروضة " (¬4). ولو قال: (أنت واحدةً) بالنصب وحذف لفظة: (طالق) .. فظاهر إيراد " الحاوي " وقوع واحدة، ولم يصرح به الرافعي، والظاهر أنه كقوله: (أنت طالق واحدة) إذا نوى به الطلاق، فلو قال: (أنت طالق واحدة) بالرفع .. فهو كقوله: (أنت واحدة)، وقد تقدم فيه ترجيح وقوع المنوي. وقال الشيخ برهان الدين بن الفركاح: الذي يظهر من حيث التعليل: أن يُقرأ ذلك بالرفع وبالخفض وبالنصب وبالسكون وتكون كلها على وجهين؛ فارتفع (واحدة) على أنه خبر، وانتصب على أنه مفعول ثان وانخفض على تقدير: (أنت ذات واحدة)، ويكون قد حذف الجار وأبقى المجرور على حاله، كما قيل لبعضهم: كيف أصبحت؟ قال: خير؛ أي: بخير، والسكون على الوقف. انتهى. وقال في " التوشيح ": كذلك قوله: (أنت اثنتان) إذا نوى به ثلاثاً .. فيجيء فيما يظهر فيه الخلاف هل يقع ما نوى أو لا يقع إلا اثنتان؟ 3993 - قول " المنهاج " [ص 418]: (ولو أراد أن يقول: " أنت طالق ثلاثاً " فماتت قبل تمام طالقٌ .. لم يقع، أو بعده قبل ثلاثٍ .. فثلاثٌ، وقيل: واحدةٌ، وقيل: لا شيء) في معنى موتها: إسلامها، وردتها قبل الدخول، وأخذ شخص على فيه قبل أن يقول: (ثلاثاً)، وما صححه من وقوع ثلاث تبع فيه " المحرر " فإنه قال: (إنه رجح) (¬5)، ونقل تصحيحه في " الروضة " عن البغوي، وفي " الشرحين " عن البغوي، ثم قال: وقال البوشنجي: مقتضى الفتوى: إن نوى الثلاث بـ (أنت طالق) وقصد تحقيقه باللفظ .. فثلاث، وإلا .. فواحدة، وكذا ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 417). (¬2) المحرر (ص 331). (¬3) الحاوي (ص 503). (¬4) فتح العزيز (9/ 4)، الروضة (8/ 76)، وانظر " التهذيب " (6/ 34). (¬5) المحرر (ص 331).

قال المتولي في تعبيره عن هذا الوجه. انتهى (¬1). وقال في " التوشيح ": يظهر ترجيح ما قاله البوشنجي؛ وكأنه تحقيق مناط، ثم قال: والذي يظهر أن موتها قبل تمام (ثلاثاً) وبعد الشروع فيها كموتها قبل الشروع فيها، وإن لم أره مصرحاً به، ثم قال: وقد يقال: بوقوع الثلاث إذا شرع في لفظ (ثلاثاً) وماتت في أثنائه، وإن لم يقع إذا لم يكن قد شرع فيه كما قيل فيما لو قال: (أنت طالق إن) ثم ماتت. فقال: أردت أن أقول: (إن دخلت الدار) .. أنه يقبل؛ لوجود بعض لفظ التعليق (¬2). أما لو قال: (أنت طالق) على عزم الاقتصار عليه، فماتت، فقال: (ثلاثاً)، فقال الإمام: لا شك أن الثلاث لا تقع، وتقع الواحدة (¬3)، وخرج الرافعي وجهاً: أن الاستثناء يعمل، ولا تقع الواحدة أيضاً (¬4). 3994 - قوله: (وإن قال: " أنت طالق أنت طالق أنت طالق " وتخلل فصل .. فثلاثٌ) (¬5) لا يخفى أن ذلك في المدخول بها، وقد صرح به بعد ذلك، وصرح به " التنبيه " أولاً (¬6) لكنه لم يذكر هذا القيد، وهو أن يتخلل فصل، فيقع حينئذ ثلاث بلا تفصيل، وقد ذكرهما معا " الحاوي " فقال [ص 507]: (وما تكرر تعدَّدَ، لا إن أكد بلا اختلافٍ وفصلٍ، أو قبل الوطء)، والمراد بالفصل: ما كان فوق سكوت التنفس ونحوه، فإن ادعى حينئذ التأكيد .. لم يقبل ظاهراً، ويدين، والمراد بنية التأكيد في عبارة " التنبيه ": أن ينوي تأكيد الأولى بالأخريين؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 418]: (وإن قصد بالثانية تأكيداً وبالثالثة استئنافاً أو عكس .. فثنتان، أو بالثالثة تأكيد الأولى .. فثلاث في الأصح). وبقي: ما لو قصد بالثانية الاستئناف ولم يقصد بالثالثة شيئاً، أو بالثالثة الاستئناف ولم يقصد بالثانية شيئاً، والأظهر: وقوع ثلاث فيهما، ولم يصوب الأصحاب بالزيادة على ثلاث. وقال في " التوشيح ": فيما لو كرر أربعاً .. يتجه أن يقال: لا يسمع منه إرادة التأكيد بالرابعة؛ لأنه لا يصلح له؛ فقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: إن العرب لا تؤكد أكثر من ثلاث مرات، وفي كلام إمام الحرمين في " البرهان " ما يشهد له (¬7)، وإنما سمعنا إرادة ¬

_ (¬1) فتح العزيز (9/ 5)، الروضة (8/ 76) وانظر " التهذيب " (6/ 34). (¬2) انظر " حاشية الرملي " (30/ 287). (¬3) انظر " نهاية المطلب " (14/ 94). (¬4) انظر " فتح العزيز " (9/ 6). (¬5) انظر " المنهاج " (ص 418). (¬6) التنبيه (ص 176). (¬7) البرهان (1/ 339).

التأكيد في الثاني والثالث؛ لأنه لفظ يصلح له. وقال شيخنا الإمام البلقيني: الحكم عندي في ذلك كالحكم في صورة تكريره ثلاثاً، ولا ينبغي أن يتخيل أن الرابعة يقع بها طلقة لفراغ العدد؛ لأنه إذا صح التأكيد بما يقع لولا قصد التأكيد .. فلأن يؤكد بما لا يقع عند عدم قصد التأكيد أولى. انتهى. 3995 - قول " التنبيه " [ص 176]: (وإن أتى بثلاثة ألفاظ، مثل: إن قال: " أنت طالق وطالق فطالق " .. وقع بكل لفظة طلقة) أورد عليه: أن هذا ليس مثال تغاير الألفاظ، وإنما فيه تغاير حروف العطف، ومثال تغاير الألفاظ: (أنت مطلقة، أنت مسرحة، أنت مفارقة)، وفي ذلك وجهان، أصحهما: أنه كقوله: (أنت طالق أنت طالق أنت طالق)، وقيل: يقع هنا الثلاث قطعاً، حكاه الحناطي. فإن أجبت عنه: بأنه إنما أراد: ألفاظ العطف لا ألفاظ الطلاق .. فهو مردود؛ لأنه إنما أتى بحرفي عطف .. فكيف يسميهما ثلاثة ألفاظ؟ وقال صاحب " المهذب " في هذه الصورة: لو قال: قصدت التأكيد .. دين، وتبعه صاحبا " البيان " و" الاستقصاء " وابن أبي عصرون وغيرهم (¬1)، وعن مجلي: أن الأصحاب خالفوه. 3996 - قول " المنهاج " [ص 418]: (ولو قال: " طلقة بعد طلقةٍ أو قبلها طلقةٌ " .. فكذا في الأصح) أي: يقع ثنتان في موطوءة وطلقة في غيرها، وفي " التنبيه " [ص 175]: (لو قال: " أنت طالق طلقة قبلها طلقة " وادعى أنه أراد: قبلها طلقة في نكاح آخر أو من زوج آخر، فإن كان ذلك .. قُبل منه، وإن لم يكن .. لم يقبل منه) فيقيد بذلك كلام " المنهاج ". 3997 - قوله: (ولو قال: " نصف طلقة في طلقة " .. فطلقة بكل حال) (¬2) كذا في كثير من نسخه، وهو محكي عن خطه، ولا يستقيم ذلك؛ فإنه يقع عند قصد المعية طلقتان، وصوابه: (نصف طلقة في نصف طلقة)، وهذا هو الذي في " المحرر " و" الروضة " وبعض نسخ " المنهاج " (¬3)، وفي هذه الصورة لا يقع غير طلقة ولو قصد المعية؛ ولعله سقط لفظ (نصف) من الظرف من خط المصنف عن غير قصد؛ فإن ذلك واضح على أن في " المهمات " في التصوير الثاني أيضاً أن القياس: وقوع طلقتين عند قصد المعية؛ لأن التقدير: (أنت طالق نصف طلقة مع نصف طلقة) وهو لو صرح بهذا .. كان كما لو قال: (نصف طلقة ونصف طلقة)، وبحث ذلك أيضاً شيخنا الإمام البلقيني. ¬

_ (¬1) المهذب (2/ 85)، البيان (10/ 117). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 418). (¬3) المحرر (ص 232)، الروضة (8/ 85)، المنهاج (ص 418).

3998 - قوله: (ولو قال: " طلقة في طلقتين " ... إلى آخره) (¬1) صور الإمام المسألة بالموطوءة، ولم يتعرض لغيرها (¬2). قال ابن الرفعة: فيتجه أن يجيء في وقوع ما زاد على الواحدة الخلاف في (طلقة مع طلقة) أي: فيكون الراجح: أنه لا فرق في ذلك بين الموطوءة وغيرها، وهو مقتضى إطلاقهما. 3999 - قول " التنبيه " [ص 176] و" الحاوي " [ص 506]: (ولو قال: " أنت طالق نصفي طلقة " .. وقعت طلقة) قال في " المنهاج " [ص 419]: (إلا أن يريد كل نصفٍ من طلقةٍ) أي: فيقع طلقتان. 4000 - قول " التنبيه " [ص 176]: (وإن قال: " نصف طلقتين " .. فقد قيل: طلقة، وقيل: طلقتان) الأصح: طلقة، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " (¬3). 4001 - قول " التنبيه " [ص 176]: (وإن قال: " أنت طالق ثلاثة أنصاف طلقة " .. فقد قيل: يقع طلقة، وقيل: يقع طلقتان) الأصح: وقوع طلقتين، وعليه مشى " الحاوي " و" المنهاج "، وهي والتي بعدها في عبارته معطوفتان على ما عبر فيه بالأصح كما هو موضح في " المحرر " (¬4)، وكل هذا إذا لم يزد على أجزاء طلقتين؛ كخمسة أثلاث وسبعة أرباع، فإن زاد؛ كسبعة أثلاث أو تسعة أرباع .. كان الخلاف في طلقة أو ثلاث، قاله النووي في " الروضة " من زوائده (¬5). وقال شيخنا الإمام البلقيني: الأصح عندي فيما إذا قال: (ثلاثة أنصاف طلقة): أنه لا يقع إلا طلقة؛ فإن الأجزاء المذكورة تصح أن تقع في وصية ووقف، فيقضى فيها بقسمة المال الواحد عليها باعتبار العول، وكذا صحح في قوله: (على ثلاثة أنصاف درهم): أنه لا يلزمه إلا درهم. 4002 - قول " الحاوي " [ص 506]: (وأوقعت عليكن أو بينكن ما لم يزد العدد) محله: ما إذا لم ينو توزيع كل طلقة عليهن؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 419]: (فإن قصد توزيع كل طلقة عليهن .. وقع في ثنتين ثنتان، وفي ثلاثٍ وأربعٍ ثلاثٌ). 4003 - قوله: (فإن قال: " أردت ببينكن: بعضهن " .. لم يُقبل ظاهراً في الأصح) (¬6) فيه أمران: ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 418). (¬2) انظر " نهاية المطلب " (14/ 174). (¬3) الحاوي (ص 506)، المنهاج (ص 419). (¬4) المحرر (ص 333). (¬5) الروضة (8/ 86). (¬6) انظر " المنهاج " (ص 419).

أحدهما: محل تصحيح عدم القبول: إذا أخرج بعضهن عن الطلاق، وعطل بعض الطلاق، أما إذا لم يعطل بل فاضل فقال: (أردت طلقتين لهذه وتوزيع الثالثة على الباقيات) .. فالأصح: القبول (¬1). ثانيهما: أن كلامه يفهم الجزم بعدم القبول فيما إذا أراد ذلك في قوله: (عليكن)، وهو ما حكاه الرافعي عن الإمام والبغوي وغيرهما، ثم قال: وقد ذكرنا وجهاً في (كل امرأة لي طالق أو نسائي طوالق)، وقال: (أردت بعضهن) .. أنه يُقبل، فيجري في (أوقعت عليكن) فقول البغوي وغيره مفرع على الصحيح هناك (¬2). قلت: لكن الأصح في دعوى إرادة البعض في قوله: (نسائي طوالق): القبول ظاهراً أيضاً إذا كان هناك قرينة؛ كتقدم مخاصمة كما سيأتي. وقال شيخنا الإمام البلقيني: لا يلزم من قبول تخصيص عموم (نسائي طوالق) القبول في قوله: (أوقعت عليكن) لأنه خطاب شفاهي نص في الأربع، وقد صحح الرافعى في (أربعتكن طوالق): أنه لا يدين في قوله: (نويت بقلبي: " إلا فلانة ") ولم يحك فيه هذا الوجه بالقبول ظاهراً (¬3). 4004 - قول " الحاوي " [ص 506]: (وعلى الرابعة إن أشركها ونوى طلاقها) أي: يقع عليها طلقة. محله: ما إذا أراد تشريكها معهن في أصل الطلاق أو أطلق، فلو أراد أنها تشارك كل واحدة في طلاقها .. طلقت ثلاثاً. 4005 - قول " التنبيه " [ص 176]: (وإن قال: " أنت طالق من واحدة إلى الثلاث " .. وقعت طلقتان) أقره النووي في " تصحيحه "، وهو موافق للمرجح في الضمان والإقرار، لكن حكى في " الروضة " هنا عن البغوي وأقره: وقوع ثلاث (¬4)، وكذا صححه البغوي في البابين المذكورين (¬5). وحكى الرافعي في (الإقرار) في قوله: (له عليّ من درهم إلى عشرة) .. لزوم تسعة عن العراقيين والغزالي (¬6)، فلعله سكت عن ذلك في الطلاق؛ لمعرفته مما تقدم، وقد قال في ¬

_ (¬1) انظر " السراج على نكت المنهاج " (6/ 348). (¬2) فتح العزيز (9/ 23)، وانظر " نهاية المطلب " (14/ 193)، و" التهذيب " (6/ 86). (¬3) انظر " فتح العزيز " (8/ 504). (¬4) الروضة (8/ 85)، وانظر " التهذيب " (6/ 83). (¬5) انظر " التهذيب " (4/ 179، 239). (¬6) انظر " فتح العزيز " (5/ 314).

فصل [في الاستثناء في الطلاق]

(الطلاق): فيه أوجه كما بينا في الإقرار (¬1)، وذلك يشعر بأن الراجح في الطلاق كالراجح في الإقرار. وقال الروياني: وقوع ثنتين أقرب إلى المذهب، ووقوع واحدة أقيس (¬2). فَصْل [في الاستثناء في الطلاق] 4006 - قول " التنبيه " في (الأيمان) [ص 198]: (وإن عن له الاستثناء في أثناء اليمين .. فقد قيل: يصح، وقيل: لا يصح) الأصح في " المنهاج ": أنه يصح فقال من زيادته [ص 419]: (ويُشترط أن ينوي الاستثناء قبل فراغ اليمين في الأصح) وكذا صححه في " الروضة " من زيادته أيضاً، واقتضى نقله عن الرافعي: أنه لا يكتفي بذلك، بل لا بد من اتصال نية الاستثناء بأول الكلام فقال: وهل يشترط قرن نية الاستثناء بأول اللفظ؟ فيه وجهان، أصحهما - وادعى أبو بكر الفارسي الإجماع عليه -: أنه لا يعمل بالاستثناء حتى يتصل بأول الكلام. انتهى (¬3). وعبارة الرافعي: وهل يشترط أن يكون قصد الاستثناء مقروناً بأول الكلام؟ وجهان، أحدهما: لا، ولو بدا له الاستثناء بعد تمام المستثنى منه فاستثنى .. حكم بموجبه، وأصحهما - وادعى أبو بكر الفارسي الإجماع عليه -: أنه لا يعمل به، ويقع الطلاق؛ لأن الاستثناء مُنشأ بعد لحوق الطلاق. انتهى (¬4). فتصويره أولاً يقتضي أن الخلاف في اشتراط اتصاله بأول الكلام، وتعليله ثانياً يقتضي أنه في اتصاله باللفظ وإن لم يقترن بأوله، وتعبير " الروضة " عن الأصح بقوله: (حتى يتصل بأول الكلام) من تصرفه، وليس في كلام الرافعي كما عرفته، وقد صرح الرافعي في (الأيمان) بأن الخلاف في اشتراط وجود نية الاستثناء قبل فراغ اللفظ، وأن هذا هو الذي سبق في (الطلاق) (¬5)، وكلام الإمام والغزالي يدل على ذلك، ونص الشافعي على ما صححه النووي فقال: (ولا تنفع الثُّنْيَا إلا أن ينو بها صاحبها عندما يعقد أو قبل أن يفرغ من اليمين، فأما إذا لم ينوها إلا بعد الفراغ .. لم تنفعه) انتهى (¬6). ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (9/ 18). (¬2) انظر " بحر المذهب " (10/ 130). (¬3) الروضة (8/ 91). (¬4) انظر " فتح العزيز " (9/ 26). (¬5) انظر " فتح العزيز " (12/ 232). (¬6) انظر " الأم " (7/ 62).

فلو قال: أنت طالق ثلاثاً، ولا تطلقي واحدة أو ثلاثاً لا واحدة، وقصد بذلك ما يقصد بالاستثناء .. فقال شيخنا الإمام البلقيني: الذي يظهر أنه لا يقع إلا طلقتان، قال: ولم أر من تعرض له. 4007 - قوله: (ولو قال: " أنت طالق ثنتين وواحدة إلا واحدة " .. فثلاثٌ) (¬1) قال في " المهمات ": ينبغي - تفريعاً على أن الاستثناء عقب الجمل يعود إليها - أن يقع طلقتان. قلت: الظاهر أن هذا ليس من صور العود إلى الكل، وكيف يستثني واحدة ويصيرها ثنتين؟ وإنما يستقيم ذلك بتقدير، وهو (إلا واحدة من كل الطلاقين) ولا دليل على ذلك، بخلاف بقية صور الاستثناء المتعقب للجمل، وينبغي أن يقيد بهذا كلامهم في عودها للكل، وتمثيلهم يدل على ذلك، والله أعلم. واعلم: أن الرافعي والنووي صححا فيما إذا عطف بعض العدد على بعض في المستثنى أو المستثنى منه .. أنه لا يجمع بينهما (¬2)، ووافقهما شيخنا الإمام البلقيني في المستثنى منه، وخالفهما في المستثنى، فقال: يجمع ما لم يصل إلى الاستغراق، ثم استشهد بما لو قال: (أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة وواحدة) (¬3)، فحكيا عن الشيخ أبي على أنه قال: اتفق الأصحاب على أنه يجمع بينهما، ويصحان، ولا يقع إلا ما بقي بعد الاستثناء، وهو واحدة. قلت: لا معنى لهذا؛ لأنه إنما تظهر ثمرة هذا الخلاف عند الاستغراق، فأما إذا لم يستغرق .. فإنه يستوي الحكم مع الجمع والتفريق، فكونه في هذه الصورة لا يقع إلا طلقة ليس مفرعاً على الجمع، بل هو على التفريق كذلك أيضاً، والله أعلم. 4008 - قول " التنبيه " [ص 176]: (وإن قال: " أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً إلا ثنتين " .. فقد قيل: يقع ثلاث، وقيل: يقع طلقتان) الأصح: الثاني، وعليه مشى " المنهاج " (¬4). وسُئِلْتُ عمن كلف شخصاً المبيت عنده ليالي فحلف أنه لا يبيت عنده غير تلك الليلة المستقبلة .. هل يحنث بترك المبيت عنده فيها؟ فأجبت: بأن مقتضى قاعدتنا: أن الاستثناء من النفي إثبات أن يكون المبيت تلك الليلة محلوفاً عليه أيضاً، فيحنث بتركه، لكن أفتى شيخنا الإمام البلقيني بحضوري فيمن حلف لا يشكو غريمه إلا من حاكم شرعي .. هل يحنث بترك شكواه مطلقاً؟ فأجاب: بعدم الحنث؛ لأن مقصوده إنما ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 420). (¬2) انظر " فتح العزيز " (9/ 27)، و" الروضة " (8/ 92). (¬3) في النسخ: (واحدة واحدة)، ولعل الصواب ما أثبت. (¬4) المنهاج (ص 420).

هو نفي الشكوى من غير حاكم الشرع، ويوافقه تصحيح النووي في " الروضة " من زيادته في (الإيلاء) فيمن حلف لا يطأ في السنة إلا مرة .. أنه لا يحنث بترك الوطء مطلقاً، وهو ناظر للمعنى مخالف للقاعدة المتقدمة، ومقتضاه في المسألة التي سُئِلْتُ عنها: أنه لا يحنث بترك المبيت تلك الليلة؛ لأن قصده إنما هو نفي الزيادة على ليلة لا إثبات الليلة، فيخرج عن مقتضى اللفظ؛ لما يفهم منه عرفاً، وقد يقال في هذه الصورة: لما كان الحلف على مستقبل .. كان نقيض الامتناع المحلوف عليه التخيير في المستثنى؛ فلهذا لم يحنثه بتركه، بخلاف الماضي والحال، والله أعلم. 4009 - قول " التنبيه " [ص 176]: (وإن قال: " أنت طالقاً خمساً إلا ثلاثاً " .. فقد قيل: تطلق ثلاثاً، وقيل: طلقتين (الأصح: الثاني، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " (¬1). 4010 - قول " التنبيه " [ص 176]: (وإن قال: " أنت طالق إن شاء الله "، أو " أنت طالق إن لم يشأ الله " .. لم يقع) شرطه: أن يقصد تعليق الطلاق على مشيئة الله أو على عدم مشيئته كما صرح به " المنهاج " (¬2)، وعليه يدل قول " الحاوي " [ص 507]: (أو علق، لا المشكوك؛ كـ " إن شاء الله "، أو " إلا أن يشاء الله "، أو " إن لم يشأ الله ") فلو سبقت الكلمة إلى لسانه؛ لتعوده بها، أو أتى بها بقصد التبرك أو إشارة إلى أن كل شيء بمشيئته .. طلقت، وكذا تطلق لو لم يعلم هل قصد التعليق أم لا؟ لأن الأصل عدمه، قال بعضهم: ولو خرج على تقابل الأصل والظاهر .. لم [ينعقد] (¬3)؛ لأن ظاهر اللفظ يقتضي الاستثناء. 4011 - قول " التنبيه " [ص 176]: (وإن قال: " أنت طالق إلا أن يشاء الله " .. فالمذهب: أنه يقع، وقيل: لا يقع) الوقوع مذهب العراقيين، وصححه البغوي (¬4)، لكن الذي صححه الإمام وغيره: عدم الوقوع (¬5)، وفي " المحرر " و" الشرحين ": إنه الأقوى (¬6)، وصححه " المنهاج "، وعليه مشى " الحاوي " (¬7). 4012 - قوله: (وإن قال: " أنت طالق، أو لا " .. لم يقع شيء) (¬8) أورد عليه شيخنا ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 507)، المنهاج (ص 420). (¬2) المنهاج (ص 420). (¬3) في (ج)، (د): (يبعد). (¬4) انظر " التهذيب " (6/ 98). (¬5) انظر " نهاية المطلب " (14/ 216، 217). (¬6) المحرر (ص 334)، فتح العزيز (9/ 37). (¬7) الحاوي (ص 507)، المنهاج (ص 420). (¬8) انظر " التنبيه " (ص 176).

الإسنوي في " تصحيحه ": أن الأصح: الوقوع فيما إذا كان ذلك في معرض الإنشاء كما في " الروضة " في (كتاب الإقرار) (¬1)، وهو كما نقل، والعجب أنه في " تنقيحه " إنما نقل ذلك عن الرافعي بواسطة ابن الرفعة، لكن الرافعي في أوائل الباب الثالث من (الإقرار) بعد مضي نحو ورقة من الموضع المتقدم قال: لو قال: " عليّ ألف، أو لا " .. لزمه الألف؛ لأنه غير منتظم (¬2). وقال النووي: هو غلط، وقد صرح صاحبا " التهذيب " و" البيان " بأنه لا يلزمه في هذه الصورة شيء كما لو قال: (أنت طالق، أو لا) فإنه لم يجزم بالالتزام، وما يبعد أن يكون الذي في كتاب الرافعي تصحيفاً من النساخ أو تغييراً مما في " التهذيب "، وكيف كان: فالصواب الذي يقطع به: أنه إذا قال: ألف، أو لا .. فلا شيء عليه. انتهى (¬3). وفي " أصل الروضة " في الباب الثاني في أركان الطلاق: قال: (أنت طالق ثلاثاً أو لا) بإسكان الواو .. لا يقع شيء، قال المتولي: هو كما لو قال: هل أنت طالق؟ انتهى (¬4). فاختلف كلام الرافعي في ذلك من ثلاثة أوجه: أطلق في الطلاق عدم الوقوع، وفي الموضع الثاني من (الإقرار) في نظير المسألة ما يقتضي الوقوع، وفصل في الموضع الأول من الإقرار بين الإنشاء والإقرار، وهو الحق، فيحمل إطلاقاه على تفصيله. وعلى التفصيل لو أطلق فلم يفسر بإقرار ولا إنشاء .. قال الهروي في " الإشراف ": يمكن أن يقال: إنه يحمل على الإخبار حتى لا يقع لقرينة التشكيك، والأصل بقاء النكاح. قال في " المهمات ": وهو ظاهر منقاس، ولم يطلع النشائي إلا على الموضع الثاني من الإقرار، فقال: وقع في الرافعي في (كتاب الإقرار) أنه يقع، وحكاه في " الكفاية "، وهو وهمٌ نبه عليه النووي، وقد ذكره الرافعي في " شرحه الصغير " على الصواب (¬5). وتبعه في " التوشيح " فذكر مثل ذلك، وقد عرفت أن ما حكياه عن الرافعي في (الإقرار) ليس في عين المسألة، وإنما هو في نظيرها، وفاتهما الموضع الأول، وعليه الاعتماد، والله أعلم. فلو قال: (أنت طالق واحدة أو لا شيء) .. قال ابن الصباغ: قياس قول أبي العباس: أنه لا يقع شيء؛ لأن (واحدة) صفة للطلاق، وصفة الشيء راجعة إليه، فصار كقوله: (أنت طالق أو لا شيء) أما لو قال: (أنت طالق أوَّلاً - بتشديد الواو وفتحها - وهو يعرف العربية .. فإنه يقع. ¬

_ (¬1) تذكرة النبيه (3/ 317)، وانظر " الروضة " (4/ 392). (¬2) انظر " فتح العزيز " (5/ 334). (¬3) الروضة (4/ 397)، وانظر " التهذيب " (4/ 250)، (6/ 37)، و" البيان " (13/ 428). (¬4) الروضة (8/ 39). (¬5) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه " (ق 149).

فصل [في الشك في الطلاق أو العدد]

4013 - قوله: (وإن قال: " أنت طالق ثلاثاً " واستثنى بعضها بالنية .. لم يقبل في الحكم) (¬1) يقتضي أنه يدين، والأصح: خلافه. فَصْل [في الشك في الطلاق أو العدد] 4014 - قول " المنهاج " [ص 420]: (شك في طلاق .. فلا، أو فى عددٍ .. فالأقل، ولا يخفى الورع) قال في " التنبيه " فيما إذا شك في طلاق [ص 181]: (والورع أن يراجع)، وقال فيما إذا شك في عدد: (الورع إن كانت عادته أن يطلق ثلاثاً .. أن يبتدئ إيقاع الثلاث) واعترض عليه في كلا الصورتين، أما الأولى: فإنما يكون الورع الرجعة فيما إذا أمكنت وكانت له رغبة في نكاحها، فإن لم تمكن؛ بأن كان قبل الدخول .. فالورع: تجديد نكاحها إن كانت له رغبهَ ووافقت عليه، وحيث لا رغبة أو لم توافق عليه .. فالورع تنجيز طلاقها، وقد قال الشافعي في " الأم ": إذا قال الرجل: أنا أشك أطلقت امرأتي أم لا؟ قيل له: الورع أن تطلقها. انتهى (¬2). وهو محمول على ما ذكرناه، وقال ابن الرفعة: وما ذكره الأصحاب من أن الورع الرجعة تفريع على الصحيح: أن الرجعة تصح حيث يجهل شرطها، وتوقف على البيان كما هو مذكور في العدد عند الكلام في اجتماع عدتين على حامل بحمل يجهل حال من هو منه، أما إذا قلنا: لا يصح مع الجهل .. فلا يجعل الاحتياط لأجل الشك في الشرط، وإنما يحصل؛ بأن يطلقها طلقة معلقة على عدم التطليق فيما مضى، ثم يراجعها، وإذا جرى الوجهان في الرجعة .. فتجديد النكاح مرتب عليها وأولى بعدم الحصول، ثم قال: وعلى الجملة فالصحيح ما قالوه، ونص الشافعي يشهد له. قال في " التوشيح ": وقد يمنع دعوى أن الصحيح ما قالوه؛ فإنه إذا ثبت تخريج خلاف في صحة الرجعة .. عاد ذلك بورع ثانٍ، فيقال: الورع: التوقي من مظان الخلاف .. فكيف يأتي بما هو مختلف فيه في حصول الرجعة به؟ انتهى. وأما الصورة الثانية: فقال النووي في " تصحيحه ": (الصواب: أن الورع أن يبتدئ إيقاع طلقتين لا ثلاثاً) (¬3)، وحمل ابن الرفعة كلام " التنبيه " على الشاك في أصل الطلاق دون من تحقق بعضه وشك في زيادته. ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 177). (¬2) الأم (5/ 262). (¬3) تصحيح التنبيه (2/ 73).

قال النشائي وصاحب " التوشيح ": والحمل على هذا أولى من إلزام الشيخ الخطأ (¬1). قلت: كيف يستقيم هذا الحمل مع قوله: شك هل طلق طلقة أو أكثر؟ ! . وقال شيخنا ابن النقيب: في الحالين نظر، وينبغي أن يكفيه في الورع في الصورة الأولى - أي: وهي ما إذا شك هل طلق ثلاثاً أم لم يطلق شيئاً - أن ينجز طلقة فقط؛ لتحل بها لغيره بيقين ويترك نكاحها، فإن رغب فيها .. فالورع ألاَّ ينكحها إلا بعد زوج، وفي الصورة الثانية - أي: وهي ما إذا شك هل طلق طلقة أو أكثر؟ - يكفيه في الورع أن يترك نكاحها، فإن رغب فيها .. فبعد زوج. انتهى (¬2). 4015 - قول " الحاوي " [ص 508]: (وفي عبدٍ واشترى ثالثٌ .. عتق النصف) أي: إذا علق شريكان في عبد عتق نصيبهما بنقيضين كما لو قال أحدهما: إن كان هذا الطائر غراباً .. فنصيبى منه حر، وقال الآخر: إن لم يكن غراباً .. فنصيبى منه حر، ولم يتبين الحال فاشترى ثالث نصيبهما .. عتق عليه النصف، وفيه أمور: أحدها: أنه محمول على ما إذا كانت الشركة في العبد مناصفة، فلو كانت مثالثة أو مرابعة أو غير ذلك .. كان المحكوم بعتقه أقل النصيبين. ثانيها: مفهومه أنه إذا لم يشتره ثالث واستمر على ملكهما .. لم يعتق منه شيء، ومحله: ما إذا كانا معسرين، فإن كانا موسرين وقلنا: بتعجيل السراية .. عتق العبد؛ لتحقق حنث أحدهما، فيعتق نصيبه ويسري ويوقف الولاء، وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً وقلنا: بتعجيل السراية .. عتق نصيب المعسر قطعاً؛ إذ لا يخلو الحال عن حنثه أو حنث صاحبه وسراية العتق إلى نصيبه. ثالثها: ومفهومه أنه إذا لم يشتره ثالث بل أحدهما .. لا يعتق شيء، وليس كذلك، فلو اشترى أحدهما نصيب صاحبه .. عتق أحد النصيبين. رابعها: ولا ينحصر الأمر في الشراء؛ فالهبة والإرث كذلك، وقال الأصحاب فيما حكاه ابن الرفعة فيما إذا كانا معسرين: أنهما لو تبادلا إحدى الحصتين بالأخرى وصححناه .. تصرف كل منهما فيما انتقل إليه كما كان يتصرف فيما نقله عنه، واستشكل ابن الرفعة جواز هذا التبادل؛ للقطع بفساد أحد العوضين. 4016 - قوله: (وفي عبدين واشترى أحدهما .. يمتنع عنهما) (¬3) أي: إذا اجتمعا في ملكه، ¬

_ (¬1) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه " (ق 151). (¬2) انظر " السراج على نكت المنهاج " (6/ 357). (¬3) انظر " الحاوي " (ص 508).

وقيل: إنما يمتنع التصرف في المشترى دون الأول، قال النووي: كذا نقلهما الإمام وآخرون، ورجحوا الأول، وهو أفقه، وقطع أبو حامد وسائر العراقيين أو جماهيرهم بتعين العتق في المشترى، أما لو باع أحدهما عبده ثم اشترى الآخر .. ففي " البسيط ": لم أره مسطوراً، والقياس: نفوذ تصرفه فيه، قال النووي: أما على طريقة العراقيين: فيعتق الثاني بلا شك، وعلى الأخرى: يحتمل ما قاله (¬1) ويحتمل إبقاء الحجر في الثاني إلى التبيين، وهو أقيس؛ احتياطا للعتق، وقد ذكر في " الوسيط " احتمالين، أحدهما: ما ذكره في " البسيط "، والثاني: عدم النفوذ فيه. انتهى (¬2). وما حكاه عن " البسيط " جزم به الماوردي فقال: لو ابتاع كل منهما عبد الآخر ولم يتكاذبا .. جاز لكل منهما أن يتصرف في الذي اشتراه وجهاً واحداً، ذكره في " المهمات " (¬3). 4017 - قول " المنهاج " [ص 420]: (ولو طلق إحداهما بعينها ثم جهلها .. وُقِفَ حتى يتذكر) لو عبر بـ (النسيان) كـ " المحرر " و" الحاوي " (¬4) .. لكان أحسن؛ فإنه المراد، وأما الجهل: فإنه مقارن؛ كطلاقها في ظلمة أو من وراء حجاب .. فلا يعبر فيه بـ (ثم) وإن كان حكم النسيان والجهل في ذلك واحداً، وعبارة " التنبيه " [ص 181]: (ثم أشكل عليه). 4018 - قول " المنهاج " [ص 420]: (ولا يطالب ببيانٍ إن صدقناه في الجهل) أي: فلو كذبناه وبادرت واحدة فقالت: أنا المطلقة .. لم يقنع منه بقوله: نسيت، أو لا أدري، بل يطالب بيمين جازمة أنه لم يطلقها، فإن نكل .. حلفت، وقضى لها. واعترض شيخنا الإمام البلقيني على قولهم: (لم يقنع) بقوله: (نسيت المعينة): بأنه أخبر بما عنده، والتهور في التبيين من غير تحقيق ممتنع. 4019 - قولهما: (وإن قال لها ولأجنبية: " إحداكما طالق "، وقال: " قصدت الأجنبية " .. قُبل) (¬5) زاد " المنهاج ": (في الأصح) عبر في " الروضة ": بالصحيح المنصوص في " الإملاء "، وبه قطع الجمهور، فلو لم ينو بقلبه واحدة .. ففي " فتاوى البغوي ": تطلق زوجته (¬6)، وفي " المهمات ": يتجه أن محله: إذا لم يقع على الأجنبية طلاق منه ولا من غيره، وإلا .. فلا يحمل على زوجته؛ لصدق كلامه عليهما صدقاً واحداً، والأصل بقاء الزوجية؛ ويؤيده ¬

_ (¬1) أي: في " البسيط ". (¬2) الروضة (8/ 100، 101)، وانظر " نهاية المطلب " (14/ 273، 274) و" الوسيط " (5/ 420). (¬3) انظر " الحاوي الكبير " (10/ 278). (¬4) المحرر (ص 334)، الحاوي (ص 508). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 181)، و" المنهاج " (ص 421). (¬6) الروضة (8/ 102).

ما في الرافعي في (العتق): أنه إذا أعتق عبداً ثم قال له ولعبد آخر له: أحدكما حر .. لم يقتض ذلك عتق الآخر (¬1). 4020 - قول " المنهاج " [ص 421]: (وعليه البدار بهما) أي: بالبيان والتعيين و" الحاوي " [ص 508]: (وعصى بالتأخير) محله: في الطلاق البائن، أما الرجعي: فلا يلزمه فيه في الحال بيان ولا تعيين على الأصح في " أصل الروضة " و" الشرح الصغير " تبعاً للإمام (¬2)، وفي " المهمات ": ينبغي أن محله: إذا كانت العدة قائمة، فإن انقضت .. طولب؛ لحصول البينونة. قلت: لا يحتاج للتنبيه على هذا؛ فهو مرادهم بلا شك، وقد صرحوا به في قولهم: لا يلزمه في الحال، ثم قال ابن الرفعة في الطلاق البائن: لو استمهل .. أمهل؛ فإن الروياني قال في المسلم على أكثر من أربع: يمهل إذا استمهل ثلاثة أيام، وقال في " المهمات ": ينبغي أن محله: إذا نسي أو أبهم، فإن عين ولم يدع النسيان .. فلا وجه للإمهال، وقال شيخنا الإمام البلقيني: لا نسلم اللزوم ولا العصيان بالتأخير ما دامت العدة قائمة، ثم حكى عن أبي الفرج الزاز: أنه حكى عن عامة الأصحاب أنه لا يجبر على البيان، بل يُكتفى بأن يوقف عنهما جميعاً، خلافاً للقفال. 4021 - قولهم: (وعليه نفقتهما) (¬3) زاد " المنهاج " تبعاً لـ" المحرر ": (في الحال) (¬4)، قال شيخنا ابن النقيب: لم أفهم ما أراد بالحال (¬5). قلت: كأنه أراد: تلك الحال، وهي حال الإبهام إلى أن يبين أو يعين كما صرح به " التنبيه " و" الحاوي "، فتعبيرهما أظهر. 4022 - قول " الحاوي " [ص 508]: (وبه يتبين وقوعه باللفظ) يتناول الطلاق المعين والمبهم، وفي الثاني خلاف بيّنه " المنهاج " فقال [ص 421]: (ويقع الطلاق باللفظ، وقيل: إن لم يعين .. فعند التعيين)، وقال الرافعي: رجح الثاني مرجحون منهم الشيخ أبو على، وقال: إنه ظاهر المذهب، وذهب الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والروياني وغيرهم إلى ترجيح الأول، والنفس إلى قبوله أسرع (¬6)، وفي " المحرر ": إنه أقرب (¬7)، وقال النووي: إنه الصواب (¬8). ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (13/ 377). (¬2) الروضة (8/ 103)، وانظر " نهاية المطلب " (14/ 273). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 181)، و" الحاوي " (ص 508)، و" المنهاج " (ص 421). (¬4) المحرر (ص 335). (¬5) انظر " السراج على نكت المنهاج " (6/ 360). (¬6) انظر " فتح العزيز " (9/ 45)، و" بحر المذهب " (10/ 169). (¬7) المحرر (ص 335). (¬8) انظر " الروضة " (8/ 104).

4023 - قول " التنبيه " في الطلاق المبهم [ص 181]: (وإذا عين .. وجبت العدة من حين الطلاق، وقيل: من حين التعيين، والأول أصح) لكن صحح في " أصل الروضة " في هذه الصورة: أنه من حين التعيين (¬1)، وفرع عليه شيخنا الإمام البلقيني أن له الرجعة في هذه العدة التي من حين التعيين، ولا نظر إلى تقصيره بترك التعيين. 4024 - قوله في الطلاق المبهم: (فإن وطئ إحداهما .. تعين الطلاق في الأخرى على ظاهر المذهب، وقيل: لا يتعين) (¬2) الأصح: الثاني، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " (¬3)، وحكاه صاحب " الشامل " عن النص، لكن نقل الماوردي الأول عن الأكثرين (¬4)، وحكاه المحاملي عن سائر الأصحاب. 4025 - قول " المنهاج " [ص 421]: (ولو قال مشيراً إلى واحدة: " هذه المطلقة " .. فبيان) كذا لو قال: (هذه الزوجة) .. كان بياناً للطلاق في الأخرى كما جزم به في " الروضة " وأصلها (¬5)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنما يحكم بذلك إذا كان بائناً؛ فإن الرجعية زوجة، إلا إذا ظهر من لفظه ما يقتضي أن تلك هي المطلقة. 4026 - قوله: (أو " أردت هذه وهذه "، أو " هذه بل هذه " .. حكم بطلاقهما) (¬6) فيه أمور: أحدها: كذلك لو قال: (هذه هذه) من غير حرف عطف، أو (هذه مع هذه)، واقتصر " التنبيه " و" الحاوي " على ذكر صورة (بل) (¬7)، فلو عطف بـ (الفاء) أو بـ (ثم) .. فقال القاضي حسين والبغوي والمتولي: تطلق الأولى فقط؛ لأنهما للترتيب (¬8). واعترض الإمام: بأنه اعترف بطلاقهما كـ (الواو) (¬9). وقال الرافعي: والحق الاعتراض (¬10)، وقال النووي: قول القاضي أظهر (¬11)، ومال في ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 104). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 181). (¬3) الحاوي (ص 508)، المنهاج (ص 421). (¬4) انظر " الحاوي الكبير " (10/ 281). (¬5) الروضة (8/ 105). (¬6) انظر " المنهاج " (ص 421). (¬7) التنبيه (ص 181)، الحاوي (ص 509). (¬8) انظر " التهذيب " (6/ 110). (¬9) انظر " نهاية المطلب " (14/ 250). (¬10) انظر " فتح العزيز " (9/ 48). (¬11) انظر " الروضة " (8/ 106).

" المطلب " إلى ترجيحه، وقال في " المهمات ": إنه المتجه من جهة البحث. ولو قال: (أردت هذه بعد هذه) .. فقياس الأول: أن تطلق المشار إليها أولاً وحدها، وقياس الاعتراض: الحكم بطلاقهما في الصورتين، أما لو قال: (هذه أو هذه) .. استمر الإبهام وطولب بالبيان. ثانيها: في قوله: (حكم بطلاقهما) إشارة إلى أن هذا في ظاهر الحكم وتطلق في الباطن المنوية، وبه صرح الإمام (¬1). ثالثها: هذا في الطلاق المعين؛ ويدل عليه قوله: (فبيانٌ) (¬2) فأما في الطلاق المبهم .. فالمطلقة هي الأولى سواء عطف بالواو أو الفاء أو ثم أو بل؛ لأنه إنشاء اختيارٍ وليس بإخبار، وليس له إلا اختيار واحدة، وقد صرح بذلك " التنبيه " و" الحاوي " (¬3). 4027 - قول " المنهاج " [ص 421]: (ولو ماتتا أو إحداهما قبل بيانٍ وتعيينٍ .. بقيت مطالبته لبيان الإرث) يقتضي بظاهره: أنه له في موت إحداهما تعيين الحية والميتة، وأنه لا فرق في ذلك بين الطلاق المنجز والمعلق، وهو في المنجز والمعلق الذي تقدم فيه وجود صفة التعليق على موت إحداهما واضح، أما المعلق الذي تقدم فيه موت إحداهما على الحنث؛ كقوله: (إن جاء زيد .. فإحداكما طالق)، أو (الطلاق يلزمني لا يدخل فلان الدار) وله زوجتان؛ فإذا وجدت الصفة .. لا تطلق إلا إحداهما كما في " فتاوى النووي "، فهل تتعين الحية نظراً إلى حالة وقوع الطلاق، أو له تعيين الميتة نظراً لحالة التعليق؟ قال شيخنا الإمام البلقيني: لم أقف فيه على نقل، والأصح في نظائره: أن العبرة بحالة التعليق، فقضيته: أن يصح تعيين الميتة وإن وجد الحنث بعد موتها. 4028 - قول " التنبيه " [ص 181]: (فإن ماتت المرأتان قبل التعيين .. وُقِف من كل واحدة منهما نصيب الزوج، وإن مات الزوج .. وقف لهما من ماله نصيب زوجة) محله: ما إذا كانتا ممن يرثان منه، فلو كانت إحداهما كتابية والأخرى والزوج مسلمان .. فالأصح في نظيره من نكاح المشركات: أنه لا يوقف شيء، وهذا مثله، لكن نقل فى " الكفاية " عن اختيار صاحب " الشامل " في هذه المسألة: الوقف، ولم ينقل ترجيحاً بخلافه. 4029 - قوله: (فإن قال الوارث: " أنا أعرف الزوجة " .. فهل يرجع إليه؟ فيه قولان، ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (14/ 251). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 421). (¬3) التنبيه (ص 181)، الحاوي (ص 509).

وقيل: يرجع إليه في الطلاق المعين ولا يرجع في المبهم) (¬1) صحح في " تصحيح التنبيه ": الرجوع إليه في المعين دون المبهم (¬2)، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 421]: (ولو مات .. فالأظهر: قبول بيان وارثه لا تعيينه) وعبارة " المحرر ": (وقيامه مقامه في البيان أظهر منه في التعيين) انتهى (¬3). وليس فيه تصريح بترجيح، وعبارة " أصل الروضة ": فيه قولان، وقيل: يقوم في البيان قطعاً والقولان في التعيين، وقيل: لا يقوم في التعيين والقولان في البيان؛ لأنه إخبار يمكن الاطلاع عليه، بخلاف التعيين؛ فإنه اختيار شهوة، فلا يخلفه الوارث كما لو أسلم على أكثر من أربع نسوة ومات، وقال القفال: إن مات والزوجتان حيتان .. لم يقم الوارث قطعاً لا في البيان ولا في التعيين؛ إذ لا غرض له في ذلك؛ فإن الإرث لا يختلف بزوجة وزوجتين. وإن ماتت إحداهما ثم الزوج ثم الأخرى وعين الوارث الأولى للطلاق .. قُبل قوله قطعاً؛ لأنه يضر نفسه، وإن عين الأولى للنكاح أو مات الزوج وقد ماتتا .. فيه القولان، ثم يعود الترتيب المذكور في البيان والتعيين، والأظهر حيث يثبت قولان: أنه يقوم، وحيث اختلف في إثبات القولين: المنع. انتهى (¬4). وإثبات القولين على الطريقين هو فيما إذا مات الزوج بعدهما أو بينهما وعين الأولى للنكاح، والاختلاف في إثبات القولين فيما إذا مات وهما حيتان أو مات بين موتيهما وعين الأولى للطلاق؛ فإن القفال لا يوافق على الخلاف فيهما، بل يقطع في الثانية بالقيام، وفي الأولى بعدمه. ومقتضى تعبير " الروضة " وأصلها: ترجيح منع قيام الوارث مقامه فيما إذا مات بين موتهما وعين الأولى للطلاق؛ لأنه رجح المنع حيث اختلف في إثبات القولين، وقد اختلف هنا في إثبات القولين لكن المنع هنا بعيد؛ لإضراره بنفسه كما تقدم، وكأن المراد: الاختلاف في إثباتهما بالقطع بعدم قيام الوارث مقامه، لا الاختلاف في ذلك بالقطع بقيامه مقامه؛ فقيامه هنا مقامه أظهر منه في صورة الاتفاق على إثبات الخلاف، فأهمل ذلك لوضوحه. ومشى " الحاوي " على طريقة القفال لترجيح الغزالي لها فقال: (أو إحداكما طالق أو حُرٌّ .. عَيَّنَ، والوارث، لا إن مات أولاً) (¬5)، ويجوز في إطلاقه التعيين في الطلاق المعين، أو سكت عن مسألة الطلاق المعين؛ لفهمهما من طريق الأولى، وعطف الوارث على الضمير المستتر في ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 181). (¬2) تصحيح " التنبيه " (2/ 74). (¬3) المحرر (ص 335). (¬4) الروضة (8/ 109، 110). (¬5) الحاوي (ص 508).

قوله: (عَيَّنَ) من غير تأكيد ولا فصل، وهو ضعيف في العربية، ومقتضى كلامه: أن الوارث لا يقوم مقامه في تعيين العتق عند موته أولاً كالطلاق، وصرح به في " العجاب "، وأقره عليه القونوي والبارزي، وهو خلاف ما في " التعليقة " فإن فيها قيامه مقامه، وهو الموافق لإطلاق الرافعي في (باب العتق) (¬1)؛ لأن للوارث غرضاً في رق عبد وحرية آخر .. ففارق الزوجين. 4030 - قول " التنبيه " [ص 181]: (فإن ماتت إحداهما ثم مات الزوج ثم ماتت الأخرى .. رجع إلى وارث الزوج؛ فإن قال: الأولة مطلقة والثانية زوجة .. قبل منه، وإن قال: الأولة زوجة والثانية مطلقة .. فهل يقبل منه؟ قولان) صحح النووي في " تصحيحه ": الرجوع إليه في المعين دون المبهم (¬2)، وقوله: (الأولة) لغة ضعيفة، والأفصح: الأولى، وقوله: (ثم ماتت الأخرى) لا يتقيد الحكم به، فلو لم تمت .. كان الحكم كذلك. نعم؛ يظهر أثره في العدة؛ فإنها إذا كانت حرة .. تعتد بأبعد الأجلين من الأشهر والأقراء. 4031 - قولهما - والعبارة لـ" المنهاج " -: (ولو قال: " إن كان غراباً .. فامرأتي طالق، وإلا .. فعبدي حر " وجهل .. مُنع منهما إلى البيان، فإن مات .. لم يُقبل بيان الوارث على المذهب) (¬3) قال السرخسي: محل الخلاف: ما إذا قال الوارث: حنث في الزوجة؛ فإن عكس .. قُبل قطعاً؛ لإضراره بنفسه، قال الرافعي: وهو حسن (¬4)، وقال النووي: قد قال به أيضاً غير السرخسي وهو متعين (¬5). ورده في " المهمات " من جهة النقل؛ بأن مقتضى كلام الأصحاب خلافه؛ ولهذا نقله ابن يونس عن بعض المتأخرين، وقال في " الكفاية ": إنه يلائم كلاماً ذكره الشيخ أبو حامد في نظير المسألة، وطريق الإطلاق يلائم كلام أبي الطيب، ومن جهة المعنى؛ بأنه قد لا يكون في تعيين الحنث في الزوجة تهمة؛ فقد ترثه هي بأن يكون الطلاق رجعياً ويتأخر موتها، وقد لا يكون بينهما توارث لرق أو اختلاف دين، وقد يكون الطلاق بائناً أو رجعياً ولكن مات الزوج بعد انقضاء العدة، وقد يزيد الإرث على قيمة العبد، وقد يكون في تعيين الحنث في العبد تهمة فيما إذا قتله قاتل وهو وارثه وكانت ديته زائدة على قيمته وعلى حصتها من الإرث، وقد لا ترث المرأة من الزوج؛ بأن يطلقها بعد ذلك طلاقاً بائناً، قال: ويبقى النظر في أنا نقبله مطلقاً كما أطلقه الأصحاب أو نرده مع ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (13/ 313). (¬2) تصحيح التنبيه (2/ 74). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 181)، و" المنهاج " (ص 421). (¬4) انظر " فتح العزيز " (9/ 55). (¬5) انظر " الروضة " (8/ 112).

فصل [في الطلاق السني والبدعى]

التهمة خاصة، يتجه تخريجه على إقرار الخنثى بالذكورة أو الأنوثة في محل التهمة، وفيه اضطراب. وقال شيخنا الإمام البلقيني: ليس ما قاله السرخسي متعيناً؛ فإن القرعة داخلة وللعبيد بها حق في العتق وللميت حق في رقه إذا كان عليه دين ليوفى منه دينه .. فلا يقبل قول الوارث والحال ما ذكر، فإن لم يكن هناك ما يمنع من ذلك .. تعين ما قال السرخسي وغيره. 4032 - قول " التنبيه " [ص 182]: (وإن خرج على الزوجة .. لم تطلق ويملك التصرف في العبد، وقيل: لا يملك) صحح " المنهاج " الثاني فقال [ص 421]: (والأصح: أنه لا يرق) وقال شيخنا الإمام البلقيني: نص الشافعي صريح في أنه يرق. انتهى. واستثنى في " المطلب " من ذلك: الزوجة فقال: لا تستحق شيئاً من العبد بحال، وعلى القول: بأنه لا يرق .. يبقى الإبهام كما كان، وقال ابن أبي هريرة: لا نزال نعيد القرعة حتى تخرج على العبد، قال الإمام: وهو غلط (¬1). قال شيخنا الإمام البلقيني: لم يقل ابن أبي هريرة ذلك، وإنما الذي ظهر لي بمقتضى ما وجدته أنه تعاد القرعة بين العبد والوارث، وفي " المهمات ": أن في تعليقه الذي علقه عنه أبو على الطبري: الجزم بالمشهور المعروف. فَصْل [في الطلاق السني والبدعى] 4033 - قول " المنهاج " [ص 422]: (الطلاق: سنيٌّ وبدعيٌّ) يقتضي انقسامه إلى قسمين فقط: سني؛ وهو ما لا يحرم، وبدعي؛ وهو ما يحرم، وهو أحد الاصطلاحين، والاصطلاح الثاني: انقسامه ثلاثة أقسام: سني وبدعي وغيرهما، وعليه مشى " التنبيه " فقال [ص 174]: (ويقع الطلاق على ثلاثة أوجه: طلاق السنة، وطلاق البدعة) فذكرهما ثم قال: (وطلاق لا سنة فيه ولا بدعة، وهو طلاق الصغيرة والآيسة والتي قد استبان حملها وغير المدخول بها) وقيد ابن الرفعة قوله: (والتي استبان حملها) فقال: أي: منه؛ ليحترز به عما إذا كان الحمل من غيره؛ بأن نكح حاملاً من الزنا ووطئها وطلقها، أو وطئت منكوحته بشبهة وحبلت منه ثم طلقها زوجها وهي طاهر .. فإنه يكون بدعياً؛ لأن العدة تقع بعد وضع الحمل والنقاء من النفاس، فلا تشرع عقب الطلاق في العدة. ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (14/ 267).

وسلم " الحاوي " من ذلك بقوله [ص 513]: (ولمن لا تعتد الطهر والفسخ لا، ولا) أي: لا سني ولا بدعي، وهذه تعتد بالطهر، وانقسامه ثلاثة أقسام هو الذي قال الرافعي: إنه المشهور المستعمل، قال: وربما أفهم كلامهم أنهم يعنون بذلك: أنهن لا يجتمع لهن حالتا سنة وبدعة، بل لا يكون طلاقهن إلا سنياً، وهذا يستمر على تفسير السني بالجائز، والبدعي بالمحرم (¬1). 4034 - قول " المنهاج " [ص 422]: (ويحرم البدعي، وهو ضربان) أهمل للبدعي ضرباً ثالثاً، وهو: ما لو كان له زوجتان وقسم لإحداهما ثم طلق الأخرى قبل المبيت عندها .. فإنه يأثم كما حكاه الرافعي في (القسم) عن المتولي، وقال: وهذا سبب آخر لكون الطلاق بدعياً (¬2)، زاد في " الروضة " هناك: هذا النقل غير مختص بالمتولي، بل مشهور حتى في " التنبيه " (¬3)، وكرر في " الروضة " ذكره هنا منبهاً على أنه سبب آخر لتحريم الطلاق (¬4)، وهذا وارد على " الحاوي " وعلى " التنبيه " أيضاً، وإن كان قد ذكره في بابه كما تقدم. 4035 - قول " التنبيه " [ص 174]: (وهو أن يطلقها في الحيض من غير عوض، أو في طهر جامعها فيه من غير عوض) فيه أمور: أحدها: لو قيد بأن تكون ممسوسة كما فعل " المنهاج " (¬5) .. لكان أولى، وإن كان قد ذكر بعد ذلك هو و" الحاوي " أن طلاق غير المدخول بها لا سنة فيه ولا بدعة (¬6). ثانيها: يستثنى من الطلاق في الحيض: ما لو قال: (أنت طالق مع آخر حيضك) .. فإنه سني، ولو قال: (مع آخر طهرك) .. فهو بدعي على الأصح فيهما، وقد ذكره " المنهاج " و" الحاوي " (¬7)، ولو أتى بـ (في) بدل (مع) .. فهي كـ (مع) عند الجمهور، وقال المتولي: في آخر الحيض بدعي قطعاً، وفي آخر الطهر سني قطعاً؛ ولعدم الفرق في ذلك بين (مع) و (في) قال " الحاوي " [ص 512]: (وآخر الطهر لا الحيض). ثالثها: أن العوض إنما يخرج الطلاق عن كونه بدعياً إذا كان من الزوجة، فإن كان من أجنبي .. فلا، بل هو بدعي في الأصح، وقد ذكره " المنهاج "، وأشار إليه " الحاوي " بقوله [ص 512، 513]: (لاختلاعها). ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (8/ 489). (¬2) انظر " فتح العزيز " (8/ 378). (¬3) الروضة (7/ 361). (¬4) الروضة (8/ 9). (¬5) المنهاج (ص 422). (¬6) التنبيه (ص 174)، الحاوي (ص 513). (¬7) الحاوي (ص 512)، المنهاج (ص 422).

رابعها: أنه لو لم يجامعها فيه ولكن استدخلت ماءه فيه .. فهو بدعي في الأصح، وقد ذكره " الحاوي " (¬1)، وهو وارد على " المنهاج " أيضاً. خامسها: أنه لو لم يطأها في ذلك الطهر، ولكن وطئها في حيض قبله .. فهو بدعي في الأصح، وقد ذكره " الحاوي " (¬2)، وعبر " المنهاج " عنه بقوله [ص 422]: (فلو وطئ حائضاً وطهرت فطلقها .. فبدعي في الأصح) والمراد: أنه طلقها قبل أن يطأها، وقد دل ذلك على تعبيره بالفاء. سادسها: في معنى الحيض في ذلك: النفاس، وقد ذكره " الحاوي " (¬3)، وأهمله " المنهاج " أيضاً. سابعها: لو طولب المُولي بالطلاق فطلق .. قال الإمام والغزالي وغيرهما: ليس بحرام؛ لأنها طالبة راضية (¬4)، قال الرافعي بعد حكايته: ويمكن أن يقال: بتحريمه؛ لأنه أحوجها بالإيذاء إلى الطلب، وهو غير مُلجأ؛ لتمكنه من الفيئة - أي: باللسان - فلو طلق الحاكم عليه إذا قلنا به .. فلا شك في عدم تحريمه. ولو رأى الحكمان الطلاق في الشقاق فطلقا في الحيض .. ففي " شرح مختصر الجويني ": أنه لا يحرم (¬5). ويرد ذلك على الثلاثة؛ لعدم ذكرهم لها، ثم إن الرافعي عدها من قسم طلاق السنة، وذكرها في " الكفاية " من القسم الثالث الذي لا سنة فيه ولا بدعة عند من أثبته، وقد يقال: خرج طلاق القاضي في الإيلاء والحكمين في الشقاق بقوله: (أن يطلقها) (¬6). 4036 - قول " الحاوي " [ص 513]: (والنظر بالوقوع) أي: والنظر في الطلاق المعلق إلى حال وقوعه بوجود الصفة لا إلى التعليق، فلا بدعة في تعليقه ولو في الحيض بنحو الدخول، فإن وجدت الصفة وهي حائض .. كان بدعياً. ظاهره: كونه بدعياً في جميع الأمور حتى في الإثم؛ لذكره ذلك عقب قوله: (بدعي حرام) لكن قال النووي: معنى كونه بدعياً: أنه يسمى بدعياً، وترتب عليه أحكام البدعي إلا أنه لا إثم فيه ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 512). (¬2) الحاوي (ص 512). (¬3) الحاوي (ص 512). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (14/ 11)، و" الوسيط " (5/ 362، 363). (¬5) انظر " فتح العزيز " (8/ 483). (¬6) التنبيه (ص 174).

باتفاق الأصحاب في كل الطرق، إلا ما حكى عن القفال؛ أي: من قوله: إن تعليق الطلاق بدعي. انتهى (¬1). وكلام الرافعي يوافقه؛ فإنه قال: ويمكن أن يقال: إذا تعلقت الصفة باختياره .. أثم بإيقاعه في حالة الحيض. انتهى (¬2). وذلك يقتضي اختصاص الإثم بهذه الصورة على طريق البحث لا النقل. 4037 - قولهم: (ومن طلق بدعياً .. سُنَّ له الرجعة) (¬3) لا يفهم منه أن تركها مكروه، وبه صرح الإمام فقال: مع استحبابها لا تقول: تركها مكروه (¬4)، وقال النووي: في هذا نظر، وينبغي أن يقال: تركها مكروه؛ للحديث الصحيح الوارد فيها ولدفع الإيذاء (¬5)، زاد " المنهاج " [ص 422]: (ثم إن شاء .. طلق بعد طهر)، وتعليق ذلك بالمشيئة من زيادة " المنهاج "؛ لأن عبارة " المحرر " قد تفهم استحباب هذا الطلاق (¬6)، وكأنه أهمل ذلك؛ لوضوحه، ثم مقتضى كلامه: أنه إذا طلق في الحيض وراجع .. له طلاقها في الطهر التالي لتلك الحيضة، وفيه وجهان حكاهما الرافعي، وقال: أصحهما: المنع، وبه قطع المتولي؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، ثم قال الرافعي: وكأن الوجهين في أنه هل يتأدى به الاستحباب بتمامه، فأما أصل الإباحة والاستحباب: فينبغي أن يحصل بلا خلاف؛ لاندفاع ضرر تطويل العدة (¬7). قال النووي: صرح الإمام وغيره بأن الوجهين في الاستحباب، قال الإمام: قال الجمهور: يستحب ألاَّ يطلقها فيه، وقال بعضهم: لا بأس به، وأما قول الغزالي في " الوسيط ": هل يجوز أن يطلق في هذا الطهر؟ فيه وجهان، ففاسد أو مؤول، فلا يغتر بظاهره. انتهى (¬8). وعبارة " البسيط " لا تقبل التأويل؛ فإنه قال: أحدهما: يجوز، والثاني: يحرم، وكذا قال في " الذخائر ": هل يحرم؟ وقال شيخنا ابن النقيب: إن تعبير " المحرر " بقوله: (بعد الطهر) بالتعريف يفهم أن المنع يزول بالشروع في الطهر، وأن " المنهاج " خلص منه فيما يظهر بتنكير الطهر (¬9). ¬

_ (¬1) انظر " الروضة " (8/ 6). (¬2) انظر " فتح العزيز " (8/ 487). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 174)، و" الحاوي " (ص 513)، و" المنهاج " (ص 422). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (14/ 13). (¬5) انظر " الروضة " (8/ 5). (¬6) المحرر (ص 336). (¬7) انظر " فتح العزيز " (8/ 485). (¬8) الروضة (8/ 4)، وانظر " نهاية المطلب " (14/ 15، 16)، و" الوسيط " (5/ 363). (¬9) انظر " السراج على نكت المنهاج " (6/ 374، 375).

وعبارة " الحاوي " [ص 513]: (وندبت الرجعة إلى الطهر) وحمله شراحه على أن معناه: أنه بالطهر يزول تحريم الطلاق كعبارة " المنهاج "، وقال القونوي بعد حكايته بحث الرافعي المتقدم: فعلى هذا لا إشكال في قول " الحاوي ": (ونُدبت الرجعة إلى الطهر) لأن أصل الندب يحصل بذلك، وإنما كماله في انتظار الطهر الثاني. انتهى. والذي يقتضيه لفظه: أن استحباب الرجعة ينقطع بالطهر، وبه صرح الماوردي فقال: محل استحباب الرجعة وإن أطلقها الشافعي: إن طلقت حائضاً تلك الحيضة، فإذا طهرت منها .. سقط الاستحباب؛ لأنها صارت في طهر لا يحرم فيه طلاقها، وإن طلقت طاهراً بعد جماع بقية الطهر والحيضة بعده، ويسقط الاستحباب في الطهر الثاني. انتهى (¬1). وأما إباحة الطلاق في الطهر الثاني لتلك الحيضة .. فليس في عبارته ما يدل عليه. 4038 - قول " التنبيه " في طلاق السنة [ص 174]: (هو أن يطلقها في طهر لم يواقعها فيه) يرد عليه: ما إذا وطئها في حيض قبله، أو قال لها: (أنت طالق في آخر طهرك)، أو استدخلت ماءه .. فإن ذلك كله بدعي على الأصح كما تقدم، مع أنه طهر لم يواقعها فيه. 4039 - قول " المنهاج " [ص 422]: (فيما لو قال لحائض: " أنت طالق للسنة " .. فحين تطهر) محله: ما إذا لم يطأها في ذلك الحيض كما تقدم. 4040 - قوله - والعبارة له - " والحاوي ": (ولو قال: " أنت طالق طلقة حسنة أو أحسن الطلاق أو أجمله " .. فللسنة) (¬2) قال في " التنبيه " [ص 177]: (إلا أن ينوي ما فيه تغليظ عليه) أي: بأن يكون في حال البدعة فينوي الوقوع في الحال؛ لأن طلاقها حسن جميل لسوء خلق ونحوه. 4041 - قول " المنهاج " [ص 422]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 513]: (أو أقبح الطلاق أو أفحشه .. فللبدعة) قال في " التنبيه " [ص 177]: (إلا أن ينوي ما فيه تغليظ عليه) أي: بأن يكون في حال سنة وينوي الوقوع في الحال؛ لأن طلاقها قبيح لحسن خلق ونحوه، وقول " التنبيه " [ص 177]: (أسمج الطلاق وأقبحه) لو عبر بـ (أو) .. لكان أولى، ليستقل كل ذلك بإفادة المقصود؛ لأن الأسمج هو: الأقبح. 4042 - قول " الحاوي " [ص 514]: (ولا تقبل إرادة التفريق على الأقراء في ثلاثٍ وثلاثٍ للسُّنَّة) قال في " المنهاج " [ص 423]: (إلا ممن يعتقد تحريم الجمع) (¬3) ونقله الرافعي عن ¬

_ (¬1) انظر " الحاوي الكبير " (10/ 124). (¬2) انظر " الحاوي " (ص 513)، و" المنهاج " (ص 422). (¬3) أي: جمع الطلقات الثلاث في قرء واحد كالمالكي. انظر " مغني المحتاج " (3/ 312)، و " نهاية المحتاج " (7/ 9).

فصل [في أنواع من تعليق الطلاق]

"التتمة" وأقره في ثلاث للسنة، وأطلق في ثلاث عدم القبول (¬1). 4043 - قول "التنبيه" [ص 177]: (وإن قال: "نسائي طوالق" واستثنى بعضهن بالنية .. لم يقبل في الحكم، وقيل: يقبل) الأصح: القبول فيما إذا دلت على ذلك قرينة؛ بأن خاصمته واحدة منهن وقالت: (تزوجت عليّ) فقال: (كل امرأة لي طالق)، وقال: (أردت غيرها)، وقد صرح بذلك "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). 4044 - قول "الحاوي" [ص 514]: (أو في مطلق التعليق شهرًا) أي: إذا قال لها: (إن كلمت زيدًا .. فأنت طالق)، ثم قال: (أردت التكليم شهرًا) .. قُبل، هو المنصوص، لكن فسره الغزالي بالقبول باطنًا (¬3)، وجزم به في "الشرح الصغير"، وفي "الروضة" وأصلها في غير موضع، وظاهر "الحاوي" تبعًا لـ "الوجيز" القبول ظاهرًا، وصوبه النووي في موضع من "الروضة" (¬4)، وهو مشكل حيث لا قرينة. فصل [في أنواع من تعليق الطلاق] 4045 - قول "التنبيه" [ص 177]: (من صح منه الطلاق .. صح أن يعلق الطلاق على شرط) أورد عليه: الوكيل؛ فإنه يصح منه التنجيز ولا يصح منه التعليق ولو وكل فيه على الصحيح؛ ولهذا قيده في "الكفاية" بأن يكون بطريق الاستقلال. وأجيب عنه: بأن التعليق من قبيل الأيمان، وقد سبق المنع في (الوكالة). 4046 - وقوله: (ومن لم يصح منه الطلاق .. لم يصح أن يعلق الطلاق على شرط) (¬5) أورد عليه: العبد لا يصح أن يطلق ثالثة، ولو علقها على إعتاق السيد له .. صح في الأصح. 4047 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (قال: "أنت طالق في شهر كذا" .. وقع بأول جزءٍ منه) (¬6) قال الرافعي: لم يذكروا هنا خلافًا أخذًا مما سبق في (السلم) مع اتجاه التسوية (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (8/ 501). (¬2) الحاوي (ص 514)، المنهاج (ص 423). (¬3) انظر "الوجيز" (2/ 59). (¬4) الروضة (8/ 19). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 177). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 179)، و "الحاوي" (ص 500)، و"المنهاج" (ص 423). (¬7) انظر "فتح العزيز" (9/ 61).

قلت: سبق في (السلم) وجه هو الأصح هناك فيما إذا أجل بشهر كذا .. أنه يبطل؛ وعلل بجهالة المحل. قال شيخنا ابن النقيب: ولا اتجاه له هنا؛ لصدق الصفة بالأول (¬1). قلت: إذا صدقت الصفة بالأول .. فينبغي الصحة في السلم كتعليق الطلاق، وقد صُحح في (السلم): أنه لو أَقَّت بجمادى أو بالعيد .. صح، وحمل على الأول. 4048 - قول "التنبيه" [ص 179]: (وإن قال: "أنت طالق في أول آخر رمضان" .. فقد قيل: تطلق في أول ليلة السادس عشر، وقيل: أول اليوم الأخير) الأصح: الثاني، وعليه مشى "الحاوي" (¬2)، ولو قال: (في آخر أوله) .. طلقت في آخر اليوم الأول على الأصح، وقد ذكره "الحاوي" (¬3)، ولو قال: (آخر أول آخر الشهر) .. طلقت عند غروب الشمس في اليوم الأخير على الأصح، ولو قال: (أول آخر أول الشهر) .. طلقت عند استهلال الشهر. 4049 - قول "الحاوي" [ص 500]: (وليلة القدر .. بمضي ليالي العشر الأخير) محمول على ما إذا قاله قبل مضي شيء من لياليه، فإن قاله بعد مضي بعضها ولو ليلة .. لم تطلق إلا بمضي سنة، نبه عليه في "الروضة" في (الاعتكاف) (¬4)، وصاحب "التعليقة" والبارزي هنا. 4050 - قوله: (وثلاثًا كلَّ سنةٍ أو كلَّ يومٍ واحدةً .. واحدةٌ حالًا وأخرى أول المحرم إن عنى العربية، وصبيحة الغد) (¬5) لا يخفى أن ذلك فيما إذا كانت مدخولًا بها وراجعها بعد الطلاق، أو امتد زمن العدة إلى وقت وقوع الطلقة الأخيرة. 4051 - قول "المنهاج" [ص 423] و"الحاوي" [ص 500]: (فيما لو قال نهارًا: "إذا مضى يوم" .. ففي مثل وقته من غده) قال الرافعي: كذا أطلقوه، وفيه تلفيق اليوم من البعضين المفرقين، وقد سبق في (الاعتكاف) أنه لو نذر أن يعتكف يومًا .. لم يجز تفريق ساعاته في أصح الوجهين. انتهى (¬6). والفرق بينهما: أن اليوم المنذور اعتكافه ليس محمولًا على الزمان المتصل بالنذر، بل يجوز تأخيره عنه، بخلاف التعليق؛ فهو محمول عند الإطلاق على الزمان المتصل به بلا خلاف؛ فلو قال في الاعتكاف: يومًا من هذا الوقت .. ساوى التعليق، وجاز تفريق ساعاته بلا خلاف. ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (6/ 382). (¬2) الحاوي (ص 500). (¬3) الحاوي (ص 500). (¬4) الروضة (2/ 390). (¬5) انظر "الحاوي" (ص 500). (¬6) انظر "فتح العزيز" (9/ 63).

وقد حكى صاحب "المطلب": الاتفاق على المسألة المتقدمة، ثم قال: واتفقوا على أنه لو قال: (أنت طالق في كل يوم طلقة) .. أنها تطلق في الحال طلقة، وفي ابتداء اليوم الثاني أخرى، وكذا في ابتداء اليوم الثالث، قال: وقياس تنزيل اليوم المنكر على يوم كامل بالتلفيق ألاَّ تطلق الثانية، وكذا الثالثة حتى يمضي من اليوم الثاني والثالث ما تكمل به ساعات اليوم الأول والثاني. انتهى. وهو عجيب؛ لأنه في مسألتنا علق على مضي اليوم .. فلا بد من كماله، وفي مسألته علق على اليوم وهو صادق بأوله .. فلا تشابه بينهما. 4052 - قول "المنهاج" [ص 423]: (أو "اليوم" فإن قاله نهارًا .. فبغروب شمسه، وإلا .. لغا) هو بالرفع؛ أي: إذا مضى اليوم، وفي "التتمة" فيما إذا قاله ليلًا .. أنه يقع الطلاق؛ لأنه ليس في يوم حتى يحمل الألف واللام عليه؛ لكونه معهودًا فحمل على الجنس، ولا يمكن بقاؤهما حتى ينقضي جنس أيام الدنيا؛ فهي صفة مستحيلة. انتهى. وهو على طريقته في وقوع الطلاق عند تعليقه على صفة مستحيلة، لكن الأصح: خلافه، أما إذا قال: (أنت طالق اليوم) بالنصب .. فإنها تطلق في الحال ليلًا كان أو نهارًا؛ لأنه أوقعه وسمى الزمان بغير اسمه، فلغت التسمية، حكاه في "الروضة" وأصلها عن المتولي (¬1)، وصور القاضي حسين في "تعليقه" المسألة بـ (أنت طالق هذا اليوم)، وحكى فيها وجهين، أصحهما: الوقوع؛ تغليبًا للإشارة، ومقتضاه: أنه لو خلا عن الإشارة .. لم يقع. 4053 - قول "التنبيه" [ص 179]: (فيما إذا كان التعليق في أثناء شهر .. اعتبر بالعدد) وهو مفهوم من كلام "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). محله: في غير اليوم الأخير، فإن كان فيه وحصل بعده شهر هلالي .. فالصواب الذي قاله صاحب "التتمة" وغيره: أنه يكفي، كما ذكره الرافعي في (السلم) (¬3). 4054 - قول "المنهاج" [ص 423]: (أو قال: "أنت طالق أمس" وقصد أن يقع في الحال مستندًا إليه .. وقع في الحال) كذا لو قصد إيقاعه أمس، أو قال: (لم أرد شيئًا) أو جن، أو خرس ولا إشارة له مفهمة قبل التفسير، وقد تناول جميع هذه الصور قول "الحاوي" [ص 503، 504]: (وبالأمس .. حالًا)، وقول "التنبيه" [ص 179]: (وإن قال: "أنت طالق أمس" .. طلقت في الحال). ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 119). (¬2) الحاوي (ص 500)، المنهاج (ص 423). (¬3) انظر "فتح العزيز" (4/ 399، 400).

4055 - قول "المنهاج" في المسألة [ص 423]: (أو قال: "طلقتك في نكاحٍ آخر" فإن عُرِف .. صُدِّق بيمينه، وإلا .. فلا) كذا الحكم فيما لو قال: أردت أن زوجًا آخر طلقها في نكاح سابق؛ ولهذا قال "الحاوي" قبل كلامه المتقدم [ص 501]: (وفي الماضي، وبائنة، ومن غيرٍ ببينةٍ) ففرق أحوال المسألة في موضعين، وعبر في الموضع الأول بالماضي، وفي الموضع الثاني بالأمس، فلا يقال: إن في كلامه تكرارًا، ولا تناقضًا، ولو جمع أحوال المسألة .. لكان أولى، وهذا الذي في "المنهاج" و"الحاوي" هو الذي في "المحرر" و"الشرح الصغير" (¬1)، لكن الذي في "الروضة" وأصلها: أنه إن لم يعرف ذلك وكان محتملًا .. فينبغي أن يقبل، ولا تطلق وإن كان كاذبًا، ألا ترى أنه لو ابتدأ فقال: طلقك في الشهر الماضي زوج غيري .. لا يحكم بوقوع الطلاق وإن كذب. انتهى (¬2). وهذا البحث هو للإمام، وقد حكاه عنه في "الشرح الصغير"، والذي حكاه الإمام عن الأصحاب هو الذي في "المحرر" و"الحاوي"، وهو عدم القبول، ثم قال: وفي القلب منه شيء، فذكر هذا البحث (¬3). وصرح بعدم القبول أيضًا القاضي حسين والبغوي والمتولي والروياني وغيرهم (¬4)، فالعجب من الرافعي في "الشرح الكبير" في اقتصاره على بحث الإمام، وجعله لنفسه، وتركه المنقول عن الأصحاب الذي جزم به هو في "المحرر"، ومتابعة "الروضة" له على ذلك (¬5). 4056 - قول "الحاوي" [ص 503]: (وإن أحييتِ ميتًا، لا إن صعدتِ السماء) أي: يقع الطلاق حالًا في تعليقه بصفة مستحيلة عقلًا؛ كقوله: (إن أحييت ميتًا) لا في المستحيلة عرفًا؛ كقوله: (إن صعدت السماء) تبع فيه المتولي، لكن الذي صححه الإمام وجماعة: أنه لا يقع فيهما (¬6)، وعبارة "أصل الروضة": أصحها: لا يقع؛ أما في العرفي: فباتفاق الأصحاب وهو المنصوص، وأما في العقلي: فعند الإمام وجماعة خلافًا للمتولي، ثم قال: والمستحيل شرعًا كالمستحيل عقلًا؛ كقوله: (إن نسخ صوم رمضان)، وصحح الرافعي في (الأيمان) فيما لو حلف لا يصعد السماء .. أن يمينه لا ينعقد، فيطرد هنا. 4057 - قول "المنهاج" في أدوات التعليق [ص 424]: (ولا يقتضين فورًا إن علق بإثبات في غير ¬

_ (¬1) المحرر (ص 337). (¬2) الروضة (8/ 121). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (14/ 119). (¬4) انظر "التهذيب" (6/ 48)، و"بحر المذهب" (10/ 94). (¬5) فتح العزيز (9/ 67)، الروضة (8/ 121). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (14/ 117، 118).

خلع إلا "أنت طالق إن شئت") يقتضي أنها في الخلع تقتضي الفور، ومراده: ما قدمه في (الخلع)، وهو: أن بعض الصيغ تقتضيه، وهي: (إنْ)، و (إذا)، أما (متى)، و (متى ما)، و (أي) .. فلا تقتضيه، وقوله: (إلا "أنت طالق إن شئت") كذا (إذا شئت)، بخلاف (متى شئت)، وستأتي المسألة. 4058 - قوله: (فلو قال: "إذا طلقتك .. فأنت طالق" ثم طلق، أو علق بصفة فَوُجدت .. فطلقتان) (¬1) محله: في المدخول بها، وقد دل عليه قوله بعده: (أو "كلما وقع طلاقي" فطلق .. فثلاث في ممسوسة وفي غيرها طلقة) لكن لو قيد الأولى؛ ليفهم منه القيد في الثانية .. لكان أحسن، وقد فعل ذلك "التنبيه"، وأحسن منهما تعبير "المحرر" فإنه قال بعد ذكر الصورتين: (وذلك في ممسوسة)، وصرح "الحاوي" فيهما بهذا القيد، وبألَّا يكون الطلاق خلعًا، فقال: (و "إن طلقت"، أو "كلما" فطلق .. ثنتان، وقبل الوطء، وفي الخلع .. واحدةٌ) (¬2). 4059 - قول "التنبيه" [ص 178، 179]: (وإن كان له عبيد ونساء فقال: "كلما طلقت امرأة .. فعبد من عبيدي حر، وإن طلقت امرأتين .. فعبدان حران، وإن طلقت ثلاثًا .. فثلاثة أعبد أحرار، وإن طلقت أربعًا .. فأربعة أعبد أحرار" فطلق أربع نسوة .. عتق خمسة عشر عبدًا على ظاهر النص، وقيل: عشرة، وقيل: سبعة عشر) الأصح في هذه الصورة: أنه يعتق ثلاثة عشر عبدًا فقط، وليس فيها وجه: يعتق سبعة عشر، ولا خمسة عشر، فذكرهما وهمٌ. نعم؛ في بعض نسخ "التنبيه" التعبير بـ (كلما) في التعليقات الأربعة، كما حكاه الشيخ برهان الدين بن الفركاح، وحينئذ .. فنقل الأوجه فيها صحيح، والأصح فيها: ما قال: إنه ظاهر النص، وهو عتق خمسة عشر، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 424]: (إنه الصحيح)، وقال في "المهمات": إن اشتراط (كلما) في التعليقات الأربعة قاله الأصحاب وتبعهم الرافعي والنووي، وهو غلط، والصواب: اشتراطه في الأول والثاني خاصة؛ لأن الثلاثة والأربعة لا يتصور فيهما التكرار (¬3). وذكر شيخنا ابن النقيب: أنه لو أتى بـ (كلما) في غير الأخيرة .. كان كما لو أتى بها في الكل؛ فإنه لا أثر لها في الأخيرة، وأنه لو أتى بها في الأولى والثانية فقط .. ففيها ثلاثة أوجه: عتق خمسة عشر وهو الأصح، وسبعة عشر، وعشرة. أو في الأولى والثالثة فقط .. فكذكرها في الأولى فقط بزيادة ستة عشر، أو بها في الثالثة فقط .. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 424). (¬2) الحاوي (ص 501). (¬3) انظر "فتح العزيز" (9/ 80)، و"الروضة" (8/ 133).

فعشرة، وقيل: ثلاثة عشر، أو بها في الثانية فقط .. فاثنا عشر، وقيل: أربعة عشر، وقيل: عشرة، أو في الثانية والثالثة .. فكما في الثانية فقط بزيادة سبعة عشر. قال الرافعي: واعلم أن العبيد المحكوم بعتقهم في المسألة مبهمون، والرجوع في التعيين إليه، قال شيخنا ابن النقيب: أي: يجب تعيين ما يعتق بالواحدة وبالثنتين وبالثلاث وبالأربع؛ فإن فائدة ذلك تظهر في الأكساب إذا طلق مرتبًا لا سيما مع التباعد، ولم أر من نبه عليه، وهو واضح. انتهى (¬1). وقال في "المطلب": في كلام الرافعي هذا إذا كان يملك أكثر من العبيد الذين قيل: يعتقهم، فإن لم يملك أكثر من ذلك العدد .. فلا إبهام إن طلقهن دفعة مطلقًا، ولا إبهام إن طلقهن على الترتيب في آخر الأمر. نعم؛ هو في أول الأمر ثم يزول بتكميل التطليق. انتهى. ويرد عليه ما قدمته عن ابن النقيب، ولا يخفى أن قول "المنهاج" [ص 424]: (إن طلقت واحدة) أي: من نسائي، وقوله: (فعبد حر) أي: من عبيدي، ولا بد من التصريح بذلك، وكذا هو في "المحرر" (¬2)، وأهمله "المنهاج" لوضوحه. 4060 - قول "التنبيه" [ص 179]: (وإن قال: "إن لم أطلقك .. فأنت طالق" .. فالمنصوص: أنها لا تطلق إلا في آخر العمر) أي: عمر الزوج أو الزوجة، فمن مات منهما أولًا .. حكم بالطلاق قبيل موته، ومحل ذلك: إذا لم يطرأ عليه ما يمنع نفوذ طلاقه، فإن جن .. لم يحكم بالطلاق في الحال، فإن اتصل بالموت .. تبين طلاقها قبيل الجنون، وكذا يحصل اليأس في الطلاق بالفسخ والانفساخ إذا كان المعلق رجعيًا؛ لتمكن الفسخ بعده، فيقع قبله إذا مات ولم يحصل تجديد وطلاق بعده؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 501]: (وإن لم أطلق .. قبيل الموت والجنون إن مات فيه، والفسخ إن كان رجعيًا، ومات بلا تجديد بطلاق)، وذكره "المنهاج" مجملًا فقال [ص 424]: (وقع عند اليأس)، وقد عرفت أن لليأس أسبابًا. 4061 - قول "الحاوي" [ص 502]: (وإذا لم أطلق .. بعد لحظة) لو عبر كـ "التنبيه" بقوله [ص 179]: (إذا مضى زمن يمكنه أن يطلق، فلم يطلق) أو كـ "المنهاج" بقوله [ص 424]: (فعند مضي زمن يمكن فيه ذلك الفعل) .. لكان أولى؛ لأنه: لا يلزم من مضي لحظة إمكان المحلوف عليه، وقد أحسن "المنهاج" في التعبير بقوله [ص 424]: (ولو علق بنفي فعل .. فالمذهب: أنه ¬

_ (¬1) السراج على نكت المنهاج (6/ 392: 394)، وانظر "فتح العزيز" (9/ 81). (¬2) المحرر (ص 338).

إن علق بـ "إن" كـ "إن لم تدخلي" .. وقع عند اليأس من الدخول، أو بغيرها .. فعند مضي زمن يمكن فيه ذلك الفعل) من وجهين: أحدهما: إتيانه بقاعدة عامة، وهي التعليق بنفي فعل، ولم يقتصر على مثال مخصوص، وهو الطلاق. ثانيهما: تصريحه بأن غير (إن) من الأدوات يخالفها في ذلك، ومع ذلك فاعترض عليه: بأنه لا يحسن تسويته بين (إذا) وغيرها من الصيغ؛ لشهرة الخلاف فيها وغرابته في غيرها، ولذلك جزم "التنبيه" باعتبار الفور في أي وقت، ثم ذكر أن المنصوص في (إن): التراخي، وفي (إذا): الفور (¬1). ومما يدخل في عبارة "المنهاج": ما لو علق بنفي الدخول بـ (إن) ثم أبانها واستمرت البينونة إلى الموت ولم تدخل الدار، والذي في "الروضة" وأصلها في هذه الصورة: أنه لا يحكم بوقوع الطلاق قبل البينونة، بخلاف قوله: (إن لم أطلقك) لعدم إمكان الطلاق بعد البينونة بخلاف غيره (¬2)، وفي "المهمات": أنه غلط، وأن الصواب: وقوعه قبيل البينونة كغيره، وحكاه عن "البسيط"، ومال إليه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: ينحل تعليقه إلى قوله: (إن لم أفعل كذا قبل الموت .. فأنت طالق) في حال العصمة، فإذا كان الطلاق المعلق رجعيًا .. وقع، والله أعلم. قلت: ويوافق ما صوبه في "المهمات" من حيث المدرك ما صححوه فيمن حلف ليأكلن هذا الرغيف غدًا، فتلف في الغد بعد تمكنه من أكله .. من أنه يحنث. ويرد عليهم جميعًا: أنه لو أراد بـ (إذا) ما يراد بـ (إن) دُيِّنَ، وكذا يقبل ظاهرًا في الأصح، وحيث قيل بالفور فأكره على الامتناع؛ كإمساكٍ على فيه ونحوه .. فعلى الخلاف في حنث المكره. 4062 - قول "المنهاج" [ص 424]: (ولو قال: "أنت طالق أن دَخَلْتِ أو أَنْ لم تدخلي" بفتح "أَنْ" .. وقع في الحال) كذا في "المحرر" (¬3)، ومقتضاه: أنه لا فرق في ذلك بين عارف اللغة وغيره، وكذا صححه في "الروضة" وأصلها في التعليق بالمشيئة (¬4)، ورجح الرافعي هنا في التعليق بنفي الفعل: الحمل على التعليق فيمن لا يعرف اللغة إذا قال: قصدت التعليق، ورجح النووي: الحمل على التعليق فيمن لا يعرف اللغة مطلقًا، فقال: إنه أصح، وبه قطع الأكثرون (¬5). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 179). (¬2) الروضة (8/ 136). (¬3) المحرر (ص 338). (¬4) فتح العزيز (9/ 34)، الروضة (8/ 96). (¬5) انظر "فتح العزيز" (9/ 85)، و"الروضة" (8/ 136، 137).

فصل [في أنواع أخرى من التعاليق]

واستدركه "المنهاج" على "المحرر" فقال: (إلا في غير نَحْوِيٍّ .. فتعليق في الأصح) (¬1)، وعليه مشى "التنبيه" فقيد الوقوع في الحال (¬2) و"الحاوي" فقيده بمعرفة اللغة (¬3). 4063 - قوله: (و "أن طلّقتُ" .. ثنتان) (¬4) محله: فيمن يعرف اللغة، أما من لا يعرفها .. ففيه ما تقدم قريبًا. 4064 - قوله: (وإلا أن يدخل زيدٌ الدار، وعُلم موته قبله) (¬5) يقتضي أنه إذا لم يعلم ذلك، بل شك فيه .. لا تطلق؛ للشك في الصفة الموجبة للطلاق، وهو اختيار الإمام (¬6). وقال الرافعي: إنه أوجه وأقوى، والنووي: إنه الأصح، مع اعترافهما بأن الأكثرين على الوقوع (¬7)، وصحح النووي: الوقوع في أوائل (الأيمان) وأواخره (¬8)، وعليه مشى "الحاوي" في الأيمان فقال [ص 647]: (أو إلا أن يشاء زيد، فمات أو شك) وجعله صاحب "التعليقة " من صور عدم الحنث، وهو مردود لا يساعد عليه لفظه، وفي "المهمات": أن الفتوى على الوقوع؛ فقد نص عليه في "الأم" فقال بعد التصوير بقوله: (والله لأفعلن كذا إلا أن يشاء فلان): فإن مات فلانٌ أو خرس أو غاب عنَّا مَعْنَى فلانٍ حتى يمضي وقت يمينه .. حنث؛ لأنه إنما يُخْرِجُهُ من الحِنْث مشيئة فلانٍ (¬9). فصل [في أنواع أخرى من التعاليق] 4065 - قول "المنهاج" [ص 424]: (علق بحمل؛ فإن كان حملٌ ظاهرٌ .. وقع) المراد بظهوره: أن تدعيه ويصدقها، أما لو شهد به أربع نسوة .. ففي "فتاوى القفال": أنها لا تطلق؛ لأن الطلاق لا يقع بقول النسوة، وأقره عليه في "الروضة" وأصلها (¬10)، ويوافقه ما في الرافعي في ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 424). (¬2) التنبيه (ص 180). (¬3) الحاوي (ص 503). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 504). (¬5) انظر "الحاوي" (ص 504). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (14/ 215). (¬7) انظر "فتح العزيز" (9/ 38)، و "الروضة" (8/ 98). (¬8) انظر "الروضة" (11/ 6، 77، 78). (¬9) الأم (7/ 62). (¬10) الروضة (9/ 149).

(الشهادات): أنه لو علق بولادتها فشهد بها أربع نسوة .. لم تطلق (¬1)، وإن ثبت النسب، لكن في "البيان" في الولادة: مقتضى المذهب: أنها تطلق (¬2). 4066 - قوله: (وإلا؛ فإن ولدت لدون ستة أشهرٍ من التعليق .. بأن وقوعه) (¬3) وهو داخل في عبارة "الحاوي" أيضًا (¬4)، نازع فيه ابن الرفعة، وقال: إن كمال الولد ونفخ الروح فيه يكون بعد أربعة أشهر كما شهد به الخبر، فإذا أتت به لخمسة أشهر مثلًا .. احتمل العلوق به بعد اليمين، قال: والستة أشهر معتبرة لحياة الولد غالبًا. قلت: ليس في الحديث أن نفخ الروح يكون بعد الأربعة تحديدًا، بل لفظه: "ثم يأمر الله الملك، فينفخ فيه الروح" (¬5)، فإتيانه بـ (ثم) دل على تراخي أمر الله بذلك، ولا نعرف مدة التراخي؛ فلما استنبط الفقهاء من القرآن الكريم: أن أقل مدة الحمل: ستة أشهر .. علمنا أنها مدة التراخي، وأن نفخ الروح عندها، والله أعلم. 4067 - قول "التنبيه" [ص 178]: (وإن قال: "إن كنت حاملًا .. فأنت طالق" .. حرم وطؤها حتى يستبرئها، وقيل: يكره) الأصح: الثاني؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 504]: (ولا يحرم الوطء) ثم محل ذلك: في غير الآيسة، أما هي .. فالأصح: أنه لا حاجة فيها لاستبراء؛ اكتفاءً بدلالة اليأس. 4068 - قول "الحاوي" [ص 504]: (وإن كنت حائلًا .. إن مضت الأقراء) الأصح: اعتبار مضي حيضة لا ثلاثة أقراء؛ أي: أطهار، ثم على ذلك الوجه لا يخفى اعتبار الأشهر بدل الأقراء في التي لا حيض لها، وأنها إن كانت في سن لا يحتمل الحمل .. وقع الطلاق في الحال. 4069 - قوله: (أو مع الوطء لستة أشهر منه) (¬6) أي: تطلق أيضًا إن ولدت مع وطئه لها بعد التعليق لستة أشهر فأكثر ولأربع سنين فأقل من الوطء، كذا صححه الرافعي والنووي (¬7)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: الذي أعتقده رجحان أنها لا تطلق في هذه الصورة؛ لأنه وإن احتمل حدوثه من الوطء. إلا أنه يحتمل أن تكون حاملًا قبل الوطء، والأصل بقاء النكاح، والطلاق لا يقع بالشك. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (13/ 51). (¬2) البيان (10/ 156). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 424). (¬4) الحاوي (ص 504). (¬5) أخرجه البخاري (3036)، ومسلم (2643) من حديث سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. (¬6) انظر "الحاوي" (ص 504). (¬7) انظر "فتح العزيز" (9/ 87)، و "الروضة" (8/ 138).

4070 - قول "التنبيه" [ص 178]: (وإن قال: "إن كنت حائلًا .. فأنت طالق" ولم يكن قد استبرأها قبل ذلك .. حرم وطؤها حتى يستبرئها بثلاثة أقراء، وقيل: بطهر، وقيل: بحيضة) الأصح: الثالث، وقال صاحب "المطلب": الراجح - وهو الذي اقتصر عليه الماوردي - أنه بثلاثة أقراء (¬1). 4071 - قولهما - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وإن قال: "إن كنت حاملًا بِذَكَرٍ .. فطلقةً ... " إلى آخره) (¬2) مقتضى كلامهما وكلام غيرهما: أنها إذا أتت به لدون ستة أشهر، وكان الحمل حين الحلف علقة أو منيًا .. أنه يقع الطلاق مع كون الحمل إذ ذاك لا يوصف بكونه ذكرًا أو أنثى، وإن تخيل في الجواب عنه أن الله تعالى أجرى عليه حكم الذكر والأنثى في قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} .. فاليمين لا تُنَزَّل على ذلك كما ذكروه في (الأيمان)، ذكره ابن الرفعة في "المطلب". وقد يقال: إنه كان ذكرًا أو أنثى من حين وقوع النطفة في الرحم، وبالتخطيط ظهر ذلك، والله أعلم. 4072 - قول "المنهاج" [ص 425]: (وإن قال: "كلما ولدت" فولدت ثلاثةً من حملٍ .. وقع بالأوَّلين طلقتان وانقضت بالثالث، ولا يقع به ثالثةٌ على الصحيح) كان ينبغي أن يقول: (على المشهور أو المذهب) فإنه محكي عن "الأم" وعامة كتبه (¬3)، وهو المذهب في "أصل الروضة" (¬4). 4073 - قوله: (ولو قال لأربع: "كلما وَلدَتْ واحدةٌ .. فصواحبها طوالق") (¬5) كذا في "المحرر" و"الروضة" التعليق بـ (كلما) (¬6)، قال شيخنا ابن النقيب: وليس ذلك؛ لكون (كلما) للتكرار، فليكن كذلك مع التعليق بـ (إن)، فلو مثل بها .. لكان أحسن (¬7). 4074 - قول "التنبيه" [ص 178]: (وإن قال لأربع نسوة: "أيتكن وقع عليها طلاقي .. فصواحباتها طوالق"، ثم قال لإحداهن: "أنت طالق" .. طلقن ثلاثًا ثلاثًا) شرطه: أن يكن مدخولًا بهن، وقوله: (صواحباتها) لغة قليلة، والأفصح: صواحبها. ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (10/ 145). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 178)، و "المنهاج" (ص 424). (¬3) الأم (5/ 222). (¬4) الروضة (8/ 142). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 425). (¬6) المحرر (ص 338، 339)، الروضة (8/ 144). (¬7) انظر "السراج على نكت المنهاج" (6/ 403).

4075 - قوله: (وإن قال: "إن حضت .. فضرتك طالق" فقالت: "حضت" فكذبها .. فالقول قوله، ولم تطلق الضرة) (¬1) قد يفهم اختصاص ذلك بتعليق طلاق الضرة؛ لاتهامها فيه، وليس كذلك، بل لو علق طلاق زوجته على حيض أجنبية فادعت الأجنبية الحيض .. فالقول قوله في تكذيبها أيضًا، وكذلك عبر "المنهاج" بقوله [ص 425]: (ولا تُصَدَّق في تعليق غيرها). 4076 - قول "التنبيه" [ص 177]: (وإن قال: "إن حضتما حيضة .. فأنتما طالقان" .. لم يتعلق بهما طلاق، وقيل: إذا حاضتا .. طلقتا) صحح الرافعي والنووي: أنه يُلغى قوله: (حيضة)، فإذا ابتدأ بهما الدم .. طلقتا (¬2). وفي "المهمات": أنه مخالف للقواعد؛ فإنا إن نظرنا إلى التقييد بالحيضة، وأن اشتراكهما فيها محال .. لزم تصحيح عدم الوقوع، وإن نظرنا إلى المعنى - وهو تمام الحيضة من كل واحدة - .. لزم توقف الوقوع على تمامهما، فالتصحيح الخارج عنهما مشكل. 4077 - قول "الحاوي" [ص 504]: (وإن حضت .. بأول المستأنف) أي: ولا يقع الطلاق في الحال فيما إذا كانت حائضًا حين التعليق. قال الرافعي: إلا أنه سيأتي في (الأيمان): أن استدامة اللبس والركوب .. لبس وركوب؛ فليكن الحكم كذلك هنا (¬3). وفرق شيخنا الإمام البلقيني بينهما؛ بأن الموجود هنا تعليق مجرد عن الحلف .. فلا يكون الدوام فيه كالابتداء؛ لأن التعليق يقلب المضي إلى الاستقبال، والمذكور هناك حلف، ولو قال: (إن ركبت .. فأنت طالق) .. انحل إلى منعها من الركوب، ومن حلف لا يركب وهو راكب .. فقد تقرر أنه يحنث، فالحلف في الطلاق كذلك. 4078 - قوله: (وفي كل قرءٍ طلقة في طهر الطفلة والآيسة) (¬4) هو مبني على أن الطهر: الانتقال، لا المُحْتَوَشُ بدمين، وهو مخالف لما صححوه في (العدد): أن القرء هو المُحْتَوَشُ بدمين (¬5). 4079 - قول "التنبيه" [ص 179]: (وإن قال: "متى وقع عليك طلاقي .. فأنت طالق قبله ثلاثًا" ثم قال لها: "أنت طالق" .. لم تطلق، وقيل: تطلق طلقة، وقيل: تطلق ثلاثًا) فيه أمور: ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 177). (¬2) انظر "فتح العزيز" (9/ 100)، و "الروضة" (8/ 153). (¬3) انظر "فتح العزيز" (9/ 100). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 507). (¬5) انظر "الروضة" (8/ 366).

أحدها: الأصح: الثاني، وهو وقوع المُنَجَّز فقط؛ ففي "المحرر": أنه الأولى، وفي "الشرحين": يشبه أن تكون الفتوى به أولى، وصححه النووي في "تصحيح التنبيه" (¬1)، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، لكن ظاهر كلام "الروضة"، وأصلها: أن الأكثرين على الأول، قال: ونقله صاحب "الإفصاح" عن نص الشافعي (¬3). قال شيخنا الإسنوي في "التنقيح": فإذا كان صاحب مذهبنا قد نص عليه، وقال به أكثر الأصحاب - خصوصًا الشيخ أبو حامد شيخ العراقيين، والقفال شيخ المراوزة - .. كان هو الصحيح، ونقله أيضًا في "النهاية" عن معظم الأصحاب (¬4)، وذكر في "المهمات" نحوه، ونصره السبكي أولًا، وصنف فيه تصنيفين، ثم رجع عنه، ونصر الوجه الثالث، وهو أنها تطلق ثلاثًا؛ المنجز، وطلقتان من المعلق، إلا أن يفضي إلى أن تكون العدة انقضت بينهما، ورد على من قال: إن التعليق باطل؛ لأنه إذا فسخ نكاحها، ثم تزوجها غيره ودخل بها، ثم رجعت إلى الأول بعقد جديد، ثم طلقها في النكاح الثاني؛ فإن قلنا: القَبْليَّة مضيقة .. تخرّج على عود الحنث: إن عاد .. دار، وإلا .. فلا، ووقع المنجّز، وإن قلنا: القبلية متسعة .. بأن وقوع الثلاث في النكاح الأول، وبطلان الفسخ، ونكاح الأجنبي صحيح؛ لأنها بائن بالثلاث، ورجوعها إلى الأول صحيح؛ لحصول التحلل، ووقوع الثلاث في النكاح الأول؛ لأن المعلق عليه تطليق غير مقيد به، والمعلق مقيد بالقبلية، قال: فقد بأن بهذه المسألة أن التعليق ليس محالًا كما ظنه بعضهم، فإذا نجز واقتضى الحال الدور .. تعارض معنا ما يقتضي إلغاء إما المنجز وإما المعلق، وإلغاء المعلق أولى؛ لأنه ناشئ عن تصرفه، ووقوع المنجز ناشئ عن حكم الشرع، وهو في نظر الشرع أقوى من المعلق؛ فترجح عند التعارض، قال: وإنما قلت: تكمل الثلاث عند الإمكان؛ لصحة التعليق. ثانيها: أطلق "التنبيه" و"المنهاج" الوجه بطلاقها ثلاثًا، ومحله: في المدخول بها بناء على الأصح: أنها المنجز وتتمتها من المعلق، فأما إذا قلنا: بوقوع الثلاث المعلقة .. فلا فرق حينئذ بين أن تكون مدخولًا بها أم لا. ثالثها: تصوير المسألة؛ بأن يقول: (فأنت طالق قبله ثلاثًا) عليه جميع الأصحاب، وصورها السبكي بما إذا قيد القبلية فقال: (فأنت طالق قُبيله بلحظة)، وقال: إنما قيدنا؛ لأنه لو أطلق .. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 339)، فتح العزيز (9/ 116)، تصحيح التنبيه (2/ 68). (¬2) الحاوي (ص 509)، المنهاج (ص 425). (¬3) الروضة (8/ 165). (¬4) نهاية المطلب (14/ 284).

كانت القبلية متسعة، حتى لو فسخ نكاحها بعيب ثم تزوجها وطلقها في النكاح الثاني .. تبين وقوع الطلاق في النكاح الأول، ويكون نكاحها الثاني صحيحًا؛ لأنها كانت بائنًا بالطلاق، وطلاقها الثاني صحيح وإن لم يكن مملوكًا حين التعليق؛ لأنه إنما يشترط ملك المعلق لا المعلق عليه، قال: هكذا يظهر لي وإن لم يذكره الأصحاب، قال: ففي هذه الصورة لا يكون التعليق مستحيلًا، بخلاف ما إذا قيد القبلية؛ لاستحالة اجتماع الشرط والمشروط. انتهى. رابعها: صور "التنبيه" المسألة: بأن يقول: (إن وقع عليك طلاقي)، وهذا يتناول تطليقه بنفسه وتوكيله، بخلاف تعبير "المنهاج" و"الحاوي" بـ (طلقت) فإنه لا يتناول طلاق الوكيل؛ ففي تصويرهما لو طلق الوكيل .. نفذ قطعًا. قال الرافعي: وسمعت بعضهم يقول في المباحثة: ينبغي أن لا يقع طلاق الوكيل على الوجه الأول؛ أي القائل بأنه يلغو؛ لأنه إذا لم ينفذ منه .. فكذلك وكيله؛ كما لا يزوج وكيل الولي في إحرامه (¬1). قلت: وهو بحث ضعيف؛ لأنه ينفذ طلاقه بالتعليق؛ بأن يقول لها: (إن دخلت الدار .. فأنت طالق)، ثم يقول: (إذا طلقتك .. فأنت طالق قبله طلاقًا) ثم تدخل الدار .. فيقع الطلاق المعلق بدخول الدار قطعًا، فدل على نفوذ طلاق الزوج، وأما امتناعه في تلك الصورة الخاصة عند بعضهم؛ فلمدرك يخصها. 4080 - قول "الحاوي" [ص 509]: ("وإن طلقت أو آليت أو ظاهرت أو راجعت أو فسخت .. فأنت طالق قبله ثلاثًا" .. باطل) يقتضي أنه لا يقع شيء من الطلاق في مسألة الإيلاء وما بعدها؛ لبطلان التعليق وهو مقتضى قول "المنهاج" [ص 425]: (ففي صحته الخلاف) أي: فعلى المرجح عنده تقع التصرفات المنجزة فقط، وتبع الرافعيَّ والنوويَّ على ذلك ابن الرفعة (¬2). وقال شيخنا ابن النقيب: يظهر أن يقال: إن قلنا: إن الثلاث الواقعة هي الثلاث المعلقة .. لم يقع هنا شيء، وإن قلنا: بوقوع المنجزة ويكمل كما هو المصحح .. فينبغي هنا وقوع طلقتين (¬3). قلت: أي: إن كانت مدخولًا بها، فأما غير المدخول بها: فإنها تبين بالطلاق .. فلا تقع هذه التصرفات، والله أعلم. 4081 - قول "المنهاج" [ص 426]: (ولو علقه بمشيئتها خطابًا .. اشتُرطت على فور) يستثنى منه: ما إذا قال: (أنت طالق متى شئت) .. فإنه لا يشترط في مشيئتها الفور. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (9/ 112). (¬2) انظر "فتح العزيز" (9/ 113)، و"الروضة" (8/ 163، 164). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (6/ 410).

ولا يرد ذلك على قول "التنبيه" [ص 180]: (وإن قال لها: "إن شئت .. فأنت طالق" فقالت في الحال: "شئت" .. طلقت) لتصويره المسألة بـ (إن). 4082 - قول "المنهاج" [ص 426]: (أو غيبةً) أحسن من قول "المحرر": (غائبة) (¬1) فإنه لا يشترط غيبتها، وإنما يشترط كون الصيغة للغائب؛ كقوله: (هي طالق إن شاءت) ولو كانت هي حاضرة. 4083 - قوله: (أو بمشيئة أجنبي .. فلا في الأصح) (¬2) محل الخلاف: ما إذا كان بصيغة خطاب، فإن كان بلفظ الغيبة؛ مثل: إن شاء زيد .. لم يشترط الفور جزمًا، قاله الرافعي (¬3). لكن قال الماوردي في قوله: (إن رضي زيد): إنه يشترط رضاه على الفور (¬4). 4084 - قول "التنبيه" فيما لو قال: أنت طالق إن شاء زيد [ص 176، 177]: (وإن خرس فأشار .. لم تطلق، وعندي: أنه يقع في الأخرس)، صححه في "المهذب"، وكذا الرافعي والنووي اعتبارًا بحال المشيئة، وهو فيها معتبر الإشارة، والخلاف في ذلك وجهان مشهوران (¬5). 4085 - قولهما - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ولو قال: "أنت طالق ثلاثًا إلا أن يشاء زيدٌ طلقةً" فشاء طلقةً .. لم تطلق) (¬6) كذا لو شاء طلقتين أو ثلاثًا؛ لأنه شاء واحدة وزيادة؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 508]: (فشاء واحدة أو أكثر)، فلو قال: (أردت أنه إذا شاء واحدة .. وقعت) .. قُبل ووقعت طلقة، أو (أردت أنه إذا شاء واحدة .. لم تقع تلك الواحدة) .. وقع طلقتان. 4086 - قول "التنبيه" في (الأيمان) [ص 198]: (وإن حلف لا يدخل هذه الدار فدخلها ناسيًا أو جاهلًا .. ففيه قولان) ثم قال: (وإن أكره حتى دخل .. ففيه قولان) يتناول الحلف بالله وبالطلاق، وقوله هنا فيما لو قال: (إن قدم فلان .. فأنت طالق): (وإن أكره حتى قدم .. ففيه قولان) (¬7) محله: فيما إذا قصد منعه من القدوم، وكان ممن يبالي بتعليقه وعلم به على ما سيأتي، والأصح: عدم الحنث، وعليه مشى "الحاوي" و"المنهاج" فقال [ص 426]: (ولو علق بفعله ففعل ناسيًا للتعليق أو مكرهًا .. لم تطلق في الأظهر)، ولم يذكر الجاهل بأن ذلك هو المحلوف عليه وهو مثلهما. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 340). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 426). (¬3) انظر "فتح العزيز" (9/ 106). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (10/ 144). (¬5) المهذب (2/ 97)، وانظر "فتح العزيز" (9/ 107)، و"الروضة" (8/ 158). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 176)، و"المنهاج" (ص 426). (¬7) التنبيه (ص 179).

وقال الرافعي: ذكر صاحب "المهذب" والروياني وغيرهما: أن الأظهر في (الأيمان): عدم الحنث، ويشبه أن الطلاق مثله، وقطع القفال بوقوع الطلاق؛ لوجود الصفة، ولا يجيء فيه الخلاف الذي في (الأيمان) فإن التعويل فيها على هتك حرمة الاسم، ولا هتك مع الإكراه والنسيان، وظاهر المذهب: طرده هنا (¬1). قال النووي: ورجح في "المحرر": عدم الحنث في الطلاق واليمين جميعًا، وهو المختار؛ للحديث الحسن: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، والمختار: عمومه، فيعمل به إلا فيما خص بدليل؛ كغرامة المتلفات (¬2). قال شيخنا ابن النقيب: هذا الحديث بهذا اللفظ؛ قيل: لم يوجد، والمشهور فيه: "إن الله وضع عن أمتي ... إلى آخره"، وفي رواية: "وضع لي عن أمتي"، وقال بعضهم: رواية: "رفع عن أمتي" قيل: إنها في "الأحكام الكبرى" لعبد الحق، ولم أرها. انتهى (¬3). واعلم: أنه إذا حلف أنه لم يفعل كذا في الماضي ثم تبين أنه فعله .. ففيه القولان في الناسي، ذكره الرافعي في أوائل (الأيمان) والنووي في "الروضة" من زيادته في أواخر (الطلاق) (¬4)، وصحح ابن الصلاح: الحنث في الماضي والمستقبل. 4087 - قول "المنهاج" [ص 426]: (أو بفعل غيره ممن يبالي بتعليقه وعلم به .. فكذلك، وإلا .. فيقع قطعًا) فيه أمور: أحدها: أنه دخل في قوله: (وإلا) ما إذا لم يبال بتعليقه ولم يعلم به، وما إذا علم بتعليقه ولم يبال به، وما إذا بالى بتعليقه ولم يعلم به، والقطع بالوقوع في الثالثة مردود، وقد استشكله السبكي، وقال: كيف يقع بفعل الجاهل قطعًا ولا يقع بفعل الناسي على الأظهر مع أن الجاهل أولى بالمعذرة من الناسي؟ ! قال: وقد بحث الشيخ الإمام علاء الدين الباجي في ذلك هو والشيخ زين الدين بن الكتناني في درس ابن بنت الأعز، وكان ابن الكتناني مصممًا على ما اقتضته عبارة "المنهاج" والباجي في مقابلته، قال السبكي: والصواب: أن كلام "المنهاج" محمول على ما إذا قصد الزوج مجرد التعليق ولم يقصد إعلامه؛ ليمتنع، وقد أرشد الرافعي إلى ذلك؛ فإن عبارته وعبارة النووي في "الروضة": ولو علق بفعل الزوجة أو أجنبي؛ فإن لم يكن للمعلق بفعله شعور بالتعليق، ولم يقصد الزوج إعلامه. انتهى (¬5). ¬

_ (¬1) فتح العزيز (9/ 146)، وانظر "المهذب" (2/ 139). (¬2) الروضة (8/ 193)، وانظر "المحرر" (ص 340). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (6/ 415). (¬4) انظر "فتح العزيز" (12/ 229)، و"الروضة" (8/ 203). (¬5) فتح العزيز (9/ 146)، الروضة (8/ 193).

ففي قوله: (ولم يقصد إعلامه) ما يرشد إلى ذلك. انتهى. وقال في "المهمات": أشار بقوله: (ولم يقصد الزوج إعلامه) إلى قصد الحث والمنع، وعبر عنه به؛ لأن قاصده يقصد إعلام الحالف بذلك ليمتنع منه؛ ولهذا لما تكلم على القيود .. ذكر الحث والمنع عوضًا عن الإعلام. والظاهر أنه معطوف بـ (أو) لا بـ (الواو) حتى لا يكون المجموع شرطًا؛ فإن الرافعي شرط بعد ذلك لعدم الوقوع شروطًا ثلاثة: شعوره، وأن يبالي، وأن يقصد الزوج الحث والمنع، وما اقتضاه كلام الرافعي من الحنث إذا لم يعلم المحلوف عليه رجحه الصيدلاني فيما جمعه من طريقة القفال، فقال: فإن قصد منعه؛ فإن لم يعلم القادم حتى قدم .. حنث الحالف، وإن علم به ثم نسي .. فعلى قولين، ومنهم من قال: على قولين بكل حال. انتهى. وكذلك الغزالي في "البسيط" فقال: أما إذا علق بفعلها في غيبتها .. فلا أثر لنسيانها، وإن كانت مكرهة .. فالظاهر: الوقوع؛ لأن هذا في حكم التعليق لا قصد المنع، ومنهم من طرد الخلاف؛ لأن المكره عليه كالمعدوم، وهذا ما اختاره القاضي. انتهى. وخالف الجمهورُ فخرجوه على القولين الشيخ أبو حامد والمحاملي وصاحبا "المهذب" و"التهذيب" والجرجاني والخوارزمي. انتهى كلام "المهمات". وقال شيخنا ابن النقيب: القسم الثالث - وهو ما إذا بالى ولم يعلم - ليس في "الروضة" و"الشرح" هنا، ومقتضى "المنهاج": الوقوع فيه قطعًا، فليحرر (¬1). وتُوافق عبارة "المنهاج" في ذلك مفهوم قول "الحاوي" [ص 512]: (ومن مكرهٍ وناسٍ وجاهلٍ مبالٍ (¬2) به شَعَرَ). ثانيها: ليس المراد بالمبالاة بتعليقه: خشية العقوبة من مخالفة أمره ونحوها، بل المراد بها: كون المحلوف عليه بحيث يُراعِي الحالفَ ويحرص على إبرار قسمه ولو حياءً لمكارم الأخلاق؛ فلو نزل عظيمٌ قريةً فحلف بعض أهلها لا يرحل عنها حتى يضيفه .. فالمحلوف عليه يبالي بحلفه بالتقرير الذي ذكرناه. ثالثها: يشترط مع المبالاة والعلم: قصد المعلِّق مَنْعَه دون التعليق بصورة الفعل، وقد صرح به الرافعي، فقال: وليعتبر مع ذلك قصده الحث والمنع، وكذا فعل ابن الصباغ والإمام (¬3). ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (6/ 416). (¬2) في كل النسخ: (مبالي) ولعل الصواب ما أثبت. (¬3) انظر "نهاية المطلب" (14/ 142)، و "فتح العزيز" (9/ 146).

فصل [في التعليق بالأكل والعدد ونحو ذلك]

رابعها: ذكر الرافعي والنووي بعد هذا: أنه لو علق بدخول طفل أو بهيمة أو سنور، وحصل خوله كرهًا .. لم تطلق. انتهى (¬1). وهو مخالف لما تقرر هنا؛ لأن هذه لا شعور عندها ولا مبالاة. فصل [في التعليق بالأكل والعدد ونحو ذلك] 4088 - قول "المنهاج" [ص 427]: (ولو علَّق بأكل رمانةٍ وعلَّق بنصفٍ فأكلت رمانةً .. فطلقتان) صورته: أن يكون التعليق بـ (إن) كما في "المحرر" (¬2)، وكذا نحوها مما لا يقتضي تكرارًا، أما لو علق بـ (كلما) .. طلقت ثلاثًا؛ لأنها أكلت رمانة ونصف رمانة مرتين. 4089 - قول "الحاوي" [ص 509]: (وبالفعل بـ "إن" و"إذا" لا بالطلوع .. حَلِف) أي: التعليق بالفعل وعدمه. محله: ما إذا قُصِد به حث أو منع أو تحقيق خبر، فكان ينبغي التعبير بذلك كما في "المنهاج" (¬3)، وعبارة "التنبيه" [ص 178]: (وإن قال: "إذا حلفت بطلاقك .. فأنت طالق" ثم قال لها: "إن خرجت من الدار، أو إن لم تخرجي، أو إن لم يكن هذا كما قلت .. فأنت طالق" .. طلقت) فالأول مثال للمنع، والثاني للحث، والثالث لتحقيق الخبر، وقد يقع التعليق بالفعل ولا يقصد به الحث ولا المنع ولا تحقيق الخبر؛ كقوله: إذا قدم السلطان أو جاء الحاج، وقد يقع التعليق بطلوع الشمس مثلًا ويكون حلفًا؛ لتضمنه تحقيق خبر كما إذا تنازعا في طلوعها، فقال: (إن طلعت الشمس .. فأنت طالق)، وبنى "الحاوي" كلامه على أن الغالب من التعليق بالفعل الحلف وبالطلوع ونحوه خلافه، فجرى على الغالب، ولو عبر كـ "المنهاج" .. لطابق ولم يرد عليه شيء كما قدمته، والله أعلم. 4090 - قول "التنبيه" [ص 175]: (وإن قال له رجل: "طلقت امرأتك" فقال: "نعم" .. طلقت) محله: ما إذا قصد السائل بذلك التماس الإنشاء، وقد قيده به "الحاوي" (¬4). واستشكل: بأن هذا اللفظ غير صالح لالتماس الإنشاء. وجوابه: أن الصيغة وإن كان وضعها الخبر .. فقد تستعمل في الإنشاء كسائر صيغ العقود ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (9/ 147)، و"الروضة" (8/ 193). (¬2) المحرر (ص 341). (¬3) المنهاج (ص 427). (¬4) الحاوي (ص 498).

والفسوخ؛ فإنها من حيث اللفظ خبر ومن حيث الاستعمال إنشاء، أما لو قصد السائل استخباره .. فهو إقرار بالطلاق، فإن قال: أردت ماضيًا وراجعت .. صدق بيمينه، ذكره في "المنهاج" (¬1)، أما إذا قال: وجددت .. فهو كما إذا قال: أنت طالق في الشهر الماضي وفسر بذلك، وقول "المنهاج" فيما إذا قيل ذلك التماسًا [ص 427]: (وقيل: كناية) يقتضي أنه وجه، وكذا في "المحرر" (¬2)، لكن حكاه في "الروضة" وأصلها قولًا (¬3). 4091 - قول "التنبيه" [ص 175]: (وإن قال: "ألك زوجة" فقال: "لا" .. لم يكن شيئًا) أي: فلا يقع به الطلاق وإن نواه، كذا حكاه الرافعي عن نصه في "الإملاء" وعن كثير من الأصحاب، لكن صحح النووي في "تصحيحه": أنه كناية، ثم قال الرافعي: ولا بأس لو فرق بين أن يكون السائل مستخبرًا أو ملتمسًا إنشاء الطلاق كما في (نعم) (¬4). 4092 - قوله في (الأيمان): (وإن حلف لا أكلت رغيفين، فأكلهما إلا لقمة .. لم يحنث) (¬5) يقتضي الحنث بما هو أقل من لقمة، لكن عبارة "المنهاج" [ص 427]: (فبَقِيَ لُبَابةٌ .. لم يقع)، وعبارة "الحاوي" [ص 510]: (بترك شيء) أي: يحصل البر بذلك، وفي "الروضة" هنا: فأكلته إلا فتاتًا، قال القاضي حسين: لا يحنث، وقال الإمام: إن بقي قطعة تحس ولها موقع .. لم يحنث، وربما ضُبط بأن تسمى قطعة خبز، فإن دق مُدركه .. لم يظهر له أثر في بر ولا حنث، قال: وهذا مقطوع به عندي عرفًا، فالوجه: تنزيل إطلاق القاضي عليه (¬6)، وعبارته في (الأيمان): فبقي ما يمكن التقاطه وأكله .. لم يحنث (¬7). 4093 - قول "الحاوي" [ص 510]: (وبتمييز نوىً من نوى فبدَّدَتْ) أي: علق الطلاق بعدم تمييز نواه من نواها، فقال: (إن لم تميزي نوايَ من نواكِ .. فأنت طالق) فبدَّدَت: النوى وفرَّقته .. لم تطلق. محله: ما إذا لم يقصد تعيينًا كما صرح به "المنهاج" (¬8) أي: التمييز الذي يحصل به تعيين نواه من نواها. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 427). (¬2) المحرر (ص 341). (¬3) الروضة (8/ 179، 180). (¬4) فتح العزيز (9/ 132)، تصحيح التنبيه (2/ 60). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 198). (¬6) الروضة (8/ 182)، وانظر "نهاية المطلب" (14/ 322). (¬7) الروضة (11/ 37). (¬8) المنهاج (ص 427).

4094 - قول "المنهاج" [ص 427]: (ولو كان بفمها تمرةٌ فعلَّق ببلعها ثم برميها ثم بإمساكها فبادرت مع فراغه بأكل بعضٍ ورمي بعضٍ .. لم يقع) إتيانه بـ (ثم) في قوله: (ثم برميها) يوهم أنه يشترط تأخير يمين الرمي عن يمين البلع، وليس كذلك، وإنما يشترط تأخير يمين الإمساك عنهما، فلو علق به أولًا أو ثانيًا ولم تبادر بأكل البعض حتى فرغ من الأيمان .. حنث في يمين الإمساك؛ ولذلك عبر "الحاوي" بقوله [ص 510]: (وابتلاع تمرة في فيها وقذفها ثم إمساكها). واعلم: أن كلامهما يفهم الحنث بأكل جميعها، وهو يقتضي أن الأكل ابتلاع. قال شيخنا ابن النقيب: وهو واضح، لكني لم أر من ذكره، وقد يُنازع فيه إذا ذكر التمرة في يمينه، فإن الأكل فيه مضغ يزيل اسم التمرة، فلم يبتلع تمرة؛ فليحرر، وأما عكسه وهو قوله: (إن أكلت .. فأنت طالق) فابتعلت .. فإنه لا يحنث في الأصح؛ لأنه يقال: ابتلعت ولم تأكل، قاله المتولي، كذا في "الروضة" هنا، وقال في (الأيمان): لو حلف لا يأكل السكر فبلعه بلا مضغ .. فقد أكله؛ كما لو ابتلع الخبز على هيئته (¬1). 4095 - قول "الحاوي" [ص 510، 511]: (وإن لم تَصْدُقيني في حال سرقة بسرقتُ وما سرقتُ .. بَرَّ) محله: ما إذا لم يقصد تعريفًا كما صرح به "المنهاج" (¬2). 4096 - قوله: (ولو قال: "إن لم تخبريني بعدد حبِّ هذه الرمانة قبل كسرها" .. فالخلاص .. أن تذكر عددًا يُعلم أنها لا ينقص عنه، ثم تزيد واحدًا واحدًا حتى تبلغ ما يُعلم أنها لا تزيد عليه) (¬3) استشكله في "المهمات"، وقال: ينبغي أن يبر بأيّ عدد ذكرته له؛ لأن الخبر يقع على الصدق والكذب كما تقرر في الأصول والفقه. قال شيخنا الإمام البلقيني: وإنما خرج عن هذه القاعدة؛ لوجهين: أحدهما: أن القرينة ترشد إلى أن المراد: الذكر، لا مطلق الخبر. الثاني: أن الإخبار إن كان لِمَا وقع معدودًا أو مفعولً؛ كرمي الحجر .. فلا بد فيه من الإخبار بما وقع، وإن كان يحتمل الوقوع وعدمه؛ كقدوم زيد .. كفى فيه الإخبار المطلق. انتهى. فلو قال: (إن لم تَعُدِّيه) .. ففيه وجهان: أحدهما: أنه كقوله: إن لم تخبريني بعدده. والثاني: يجب أن تبتدئ من الواحد وتزيد إلى أن تنتهي إلى اليقين. ¬

_ (¬1) السراج على نكت المنهاج (6/ 424)، وانظر "الروضة" (8/ 182)، (11/ 42). (¬2) المنهاج (ص 428). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 428).

قال الإمام: واكتفوا على الوجهين باللسان، ولم يعتبروا توالي العدد فعلًا، قال: ولست أراه كذلك. نعم؛ لو كان يرمق الواحد بعد الواحد ويضبط .. فهذا يقام مقام النقل باليد (¬1). 4097 - قوله: (ولو قال لثلاث: "من لم تخبرني بعدد ركعات فرائض اليوم والليلة" .. لم يقع) (¬2) كذا جزم به، وعبارة "المحرر": (وقيل: لا تطلق) (¬3)، وحكاه في "الروضة" وأصلها عن القاضي حسين والمتولي، ولم يحك ما يخالفه (¬4). 4098 - قول "الحاوي" [ص 510]: (وبالنزول من سُلَّم والصعود والوقوف بالطفرة والحمل) (¬5) قُيد ذلك بما إذا لم يكن ذلك بأمرها. وجوابه: أنه ليس المراد بذلك: أن تحمل وينزل بها من السلم، بل يحملها واقف على الأرض ويضعها بالأرض. 4099 - قوله: "لا حُقْبٍ وعصرٍ) (¬6) أي: إذا قال: أنت طالق بعد حُقْبٍ أو عصرٍ .. لم تطلق بعد لحظة، تبع فيه بحث الرافعي، وهو خلاف المنقول؛ فإن الرافعي حكى عن الأصحاب: أنه يقع بمضي لحظة، ثم قال: وهو بعيد لا وجه له، ومشى "التنبيه" في ذلك على المنقول، فقال في (الأيمان) فيمن حلف لا يكلم فلانًا حقبًا: (بر بأدنى زمان) (¬7)، ولم يبين الرافعي - على استبعاده - ما يحصل به الحنث، وقد ذكر أهل اللغة: أن الحقب: ثمانون سنة، وذكر بعضهم: أن العصر: ثلاثون سنة (¬8). 4100 - قول "المنهاج" [ص 428] فيما لو خاطبته بمكروه فقال: "إن كنت كذلك .. فأنت طالق" وأراد التعليق: (اعتبرت الصفة، وكذا إن لم يقصد في الأصح) محل الوجهين في "الروضة" وأصلها: ما إذا عم العرف بالمكأفاة، وهو الخلاف في أنه يراعي اللفظ أو العرف، والأصح: مراعاة اللفظ، أما إذا لم يعم العرف بذلك .. اعتبرت الصفة جزمًا (¬9). ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (14/ 320). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 428). (¬3) المحرر (ص 324). (¬4) الروضة (8/ 184). (¬5) الطفرة: الوثبة. انظر "مختار الصحاح" (ص 165). (¬6) انظر "الحاوي" (ص 502). (¬7) التنبيه (ص 197). (¬8) انظر "فتح العزيز" (9/ 142) (¬9) الروضة (8/ 185).

4101 - قوله: (والسفه: منافي إطلاق التصرف) (¬1) تبع فيه "المحرر" (¬2)، وعبارة "الروضة" وأصلها: ويمكن أن يحمل السفه على ما يوجب الحجر (¬3). 4102 - قوله: (والخسيس: قبل: من باع دينه بدنياه) (¬4) قاله أبو الحسن العبادي، وقال: أخس الأخساء: من باع آخرته بدنيا غيره (¬5). 4103 - قول "التنبيه" [ص 179]: (فإن قال: "إن رأيت الهلال .. فأنت طالق" فرآه غيرها .. طلقت) كذا لو لم يره أحد، ولكن تم العدد، والمقصود: ثبوت دخول الشهر؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 511]: (ورؤية غيره الهلال وتمام العدد) ويستثنى من كلامهما: ما إذا قال: أردت بالرؤية المعاينة .. فإنه يقبل باطنًا، وكذا في الظاهر على الأصح، إلا أن تكون عمياء .. فلا يقبل ظاهرًا على الأصح، وسواء علق بالعربية أو بالعجمية عند الإمام (¬6)، وقال القفال: إن علق بالعجمية .. حمل على المعاينة دون العلم سواء أكان بصيرًا أم أعمى؛ لأن العرف المذكور لم يثبت إلا في العربية، وهو المذكور في "التتمة"، وإيراد البغوي يقتضي ترجيحه (¬7). 4104 - قول "التنبيه" [ص 180]: (وإن قال: "إن كلمت فلانًا .. فأنت طالق" فكلمته مجنونًا أو نائمًا .. لم تطلق) الأصح فيما إذا كلمته مجنونًا: الطلاق، وقد جزم به في "الروضة" وأصلها (¬8). 4105 - قوله: (وإن كلمته بحيث يسمع إلا أنه تشاغل بشيء فلم يسمع .. طلقت) (¬9) كذا لو لم يتشاغل لكن كان هناك لغط مانع من السماع أو ذهول لشغل قلب؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 511]: (والكلام بالذهول واللغط المانع من السماع). 4106 - قول "التنبيه" [ص 180]: (وإن كلمته أصم فلم يسمع للصمم .. فقد قيل: تطلق، وقيل: لا تطلق) صحح النووي في "تصحيحه": أنها لا تطلق، وصحح الرافعي في "الشرح الصغير": أنها تطلق (¬10)، وجزم به في "الروضة" وأصلها في (كتاب الجمعة) (¬11). ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 428). (¬2) المحرر (ص 342). (¬3) الروضة (8/ 186). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 428). (¬5) انظر "الروضة" (8/ 185)، و "السراج على نكت المنهاج" (6/ 427). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (14/ 113). (¬7) انظر "التهذيب" (6/ 49). (¬8) فتح العزيز (9/ 145)، الروضة (8/ 191). (¬9) انظر "التنبيه" (ص 180). (¬10) تصحيح التنبيه (2/ 70). (¬11) الروضة (2/ 28).

قال شيخنا الإسنوي: ورأيته في "التتمة" هناك منقولًا عن النص. 4107 - قوله: (وإن قال: "أنت طالق لرضا فلان" .. طلقت في الحال، وإن قال: أردت إن رضي فلان .. قبل منه، وقيل: لا يقبل) (¬1) الأصح: عدم القبول؛ ولهذا أطلق "الحاوي" الوقوع في الحال في قوله [ص 503]: (لرضا زيد). 4108 - قول "التنبيه" [ص 180]: (وإن قال: "من بشرني بكذا .. فهي طالق" فأخبرته امرأته بذلك وهي كاذبة .. لم تطلق) لم تعتبر في البشارة سوى كونها صدقًا، ويعتبر مع ذلك كونها هي الخبر الأول في الأصح، فلو أخبره قبلها بذلك غيرها أو شاهدَ الحال قبل إخبارها .. لم تطلق؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 511]: (والبشارة: الخبر الأول الصدق)، وزاد في "الكفاية": أن يكون سارًا، قال: لأن العرف يقتضي ذلك، وإن كانت البشارة من تغير البشرة ولو بشر، وحكى الماوردي في اشتراطه وجهين، ثم صحح في قوله: (من بشرني بخبر زيد): أن المكروه ليس ببشارة إن كان الحالف صديقًا له، وإن كان عدوًا .. فبشارة (¬2). قال في "المهمات": وسكت عن انتفائهما، ويتجه فيه: عدم الوقوع. 4109 - قول "الحاوي" [ص 502]: (وإن كَلَّمتِ إن دَخَلْت .. إن دخلت ثم كلمت) هو قول الجمهور المصحح هنا والموافق للعربية، لكن في الرافعي في (التدبير): عن الأكثرين في قوله: (أنت حر إذا متُّ إن شئت) فأخر المشيئة عن الموت، ثم قال: وليجر هذا الخلاف في سائر التعليقات؛ كقوله: إذا دخلت الدار .. فأنت طالق إن كلمت فلانًا (¬3). * * * ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 180). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 407). (¬3) فتح العزيز (13/ 413).

كتاب الرجعة

كتابُ الرَّجْعَة 4110 - قول "المنهاج" [ص 429]: (شرط المرتجع: أهلية النكاح بنفسه) و"الحاوي" [ص 515]: (إنما يراجع من ينكح) يرد عليه: المُحْرِم؛ فإنه يراجع في الأصح وليس أهلًا للنكاح. 4111 - قول "المنهاج" [ص 429]: (ولو طلق فجن .. فللولي الرجعة على الصحيح حيث له ابتداء النكاح) يقتضي أن المسألة منقولة، وكذا في "المحرر" فإنه جزم بذلك ثم قال: (وفيه وجه) (¬1) ويوافقه كلام الجيلي في "شرح التنبيه" (¬2)، لكن إنما ذكر ذلك في "الروضة" وأصلها بحثًا فقال: ينبغي أن يجوز للولي الرجعة حيث يجوز له ابتداء النكاح، لكن إذا جوزنا التوكيل بالرجعة وهو الصحيح (¬3). قال في "التوشيح": وقد يقال: ينبغي جوازه وإن لم نجوّز التوكيل في الرجعة؛ لأن تصرف الولي ليس بالوكالة، بل بالولاية، فهو أقوى، قال: وأما اعتبار حيثية جواز ابتداء النكاح .. فظاهر إذا أجرينا الرجعة مجرى ابتداء النكاح، أما إن قلنا: استدامة .. فقد يقال بجوازها، وإن كان المجنون بحاله .. لا يجوز الابتداء له، ولا يقال: الولي يتصرف بالمصلحة ولا مصلحة للمجنون إلا في حالة يجوز فيها الابتداء له؛ لأن المصلحة قد تكون في الرجعة، وإن كان في تلك الحالة لا يجوز الابتداء وهذا؛ لأنه يشترط في ظهور المصلحة ابتداء ما لا يشترط دوامًا؛ لأنه في الابتداء يلزمه مآلًا، بخلاف الرجعة؛ فلعل مصلحة عرضت في الدوام لا تنهض بتسويغ الابتداء، ولكن بتسويغ الارتجاع. 4112 - قول "التنبيه" [ص 182]: (ولا تصح الرجعة إلا بالقول، وهو أن يقول: "راجعتها" أو "ارتجعتها" أو "رددتها") فيه أمران: أحدهما: أنه أورد على حصره الرجعة في القول: أنها تصح بالكتابة (¬4) تفريعًا على الجديد: أنه لا يشترط فيها الإشهاد؛ فإنها من جملة الكنايات، وقد صرح بذلك "الحاوي" (¬5)، وهو داخل في قول "المنهاج" [ص 429]: (فتصح بكناية) وأما قوله بعده: (ولا تحصل بفعل) فقد أشار إلى ¬

_ (¬1) المحرر (ص 343). (¬2) انظر "مغني المحتاج" (3/ 336). (¬3) الروضة (8/ 214، 215). (¬4) في كل النسخ: (بالكناية)، ولعل الصواب ما أثبت. (¬5) الحاوي (ص 516).

تقييده بتمثيله بقوله: (كوطءٍ) أي: وما في معناه، والجواب عن "التنبيه": أن مراده: حصر الصريح. ثانيهما: أنه يقتضي حصر القول فيما ذكره من الألفاظ، وقد أهمل (رجعتها)، وهو فعلها الأصلي، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، وقال الروياني: إنها من زيادة القفال (¬2). ولابد من التصريح بالمرأة المراجعة إما بضمير غيبة كما مثل "التنبيه"، أو خطاب كما مثل "المنهاج"، أو ظاهر؛ كـ (راجعت فلانة، أو زوجتي)، وقول "الحاوي" [ص 515]: (بـ "رجعت" و"راجعت" و"ارتجعت" ... إلى آخره) تسمُّح، وقد فهم ذكرها من قوله أولًا: (طالقًا) (¬3)، وسوّى "المنهاج" بين الرد والإمساك في حكاية الخلاف فيهما (¬4)، وجزم "التنبيه" بالرد، وحكى الخلاف في الإمساك، وصحح: صحة الرجعة به (¬5)، وذكر النووي التصحيح في "تصحيحه" زيادة تأكيد (¬6)، ولعل نسخ "التنبيه" في ذلك مختلفة، فلم يذكر التصحيح في بعضها. وقال في "المهمات": الصواب: أنه كناية؛ فقد قال في "البحر": إن الشافعي نص عليه في عامة كتبه (¬7)، وتعبير "المنهاج" بـ (الأصح) يقتضي أن الخلاف في الرد وجهان، قال شيخنا الإمام البلقيني: وليس كذلك، بل الخلاف قولان، وقد ذكرهما في "الأم" في ترجمة كيف تثبت الرجعة. انتهى (¬8). ولم يطلع في "المهمات" إلا على أحد النصين؛ فقال معترضًا على تصحيح صراحة الرد: نص في "الأم" على خلافه. انتهى. وظاهر كلامهما حصر ألفاظ الرجعة فيما ذكراه، وفي "الحاوي" بعد ذكر هذه الخمسة [ص 515]: (ومعناها) أي: وبألفاظ تكون بمعناها من أيّ لغة كانت؛ إذ الصحيح: صحة الرجعة بغير العربية من اللغات كغيرها من التصرفات، و (ارتددتك) مثل (رددتك)، ذكره الروياني (¬9). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 515)، المنهاج (ص 429). (¬2) انظر "بحر المذهب" (10/ 207). (¬3) الحاوي (ص 515). (¬4) المنهاج (ص 429). (¬5) التنبيه (ص 182). (¬6) تصحيح التنبيه (2/ 76). (¬7) بحر المذهب (10/ 207). (¬8) الأم (5/ 244). (¬9) انظر "بحر المذهب" (10/ 207).

4113 - قول "التنبيه" [ص 182]: (وإن قال: "تزوجتها" أو "نكحتها" .. فقد قيل: لا يصح، وقيل: يصح، والأول أظهر) يقتضي عدم الصحة مطلقًا، وصحح "المنهاج": أنهما كنايتان (¬1)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 516]: (وكناية كـ "تزوجت" و"أعدت الحِلَّ" و"رفعت التحريم"، وَكتابة) ويجري الخلاف فيما إذا جرى العقد على صورة الإيجاب والقبول. قال الروياني: لكن الأصح هنا: الصحة؛ لأنه آكد في الإباحة (¬2)، وكذا صححه النووي في "فتاويه"، وظاهر كلام "التنبيه": أنه لا يشترط في الرد أن يقول: (إليّ) كالرجعة، وهو الأشهر كما في "الكفاية"، لكن الأصح: اشتراطه، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 429]: (وليقل: "رددتها إليّ أو إلى نكاحي") لكن ليس في عبارته إفصاح باشتراطه، ومقتضى كلامه: أنه لا يشترط ذلك في الإمساك، وفي "الروضة" وأصلها: يشبه أن يجيء في اشتراط الإضافة فيه وجهان كالرد، وجزم البغوي بعدم الاشتراط، ومشى "الحاوي" على الاشتراط (¬3) فيه أيضًا فقال [ص 515]: (وإليّ أو النكاح رددت وأمسكت). 4114 - قول "المنهاج" [ص 429]: (والجديد: أنه لا يشترط الإشهاد) تبع فيه "المحرر" (¬4)، وهو يقتضي أن مقابله قديم، قال الرافعي: وكذا ذكره جماعة؛ منهم الإمام، لكن الأثبت - وهو الذي ذكره العراقيون -: أن قوله في القديم و"الأم": عدم الاشتراط، ونسبوا الاشتراط إلى "الإملاء". انتهى (¬5). وكذلك عبر في "الروضة" بالأظهر (¬6). 4115 - قول "المنهاج" [ص 429]: (وتختص الرجعة بموطوءة) يقتضي أنه لا تصح رجعة من استدخلت ماء الزوج، لكن الأصح: وجوب العدة بذلك، ومقتضاه: ثبوت الرجعة به، وقد جزم به في "الروضة" في الكلام على العنة (¬7)، وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 515]: (في العدة)، لكن صحح في "الروضة" في موانع النكاح: عدم ثبوت الرجعة مع تصحيحه فيه وجوب العدة (¬8)، فتستثنى حينئذ من عبارة "الحاوي". ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 429). (¬2) انظر "بحر المذهب" (10/ 208). (¬3) الروضة (8/ 215)، وانظر "التهذيب" (6/ 115). (¬4) المحرر (ص 343). (¬5) فتح العزيز (9/ 175)، وانظر "الأم" (7/ 84)، و"نهاية المطلب" (14/ 353). (¬6) الروضة (8/ 216). (¬7) الروضة (7/ 199). (¬8) الروضة (7/ 114).

4116 - قول "التنبيه" [ص 182]: (بعد الدخول) قد يريد به: الوطء، فتكون كعبارة "المنهاج"، أو ما يوجب العدة، فتكون كـ "الحاوي". 4117 - قولهم: (باقيةٍ في العدة) (¬1) يرد عليه أمران: أحدهما: لو وطئها الزوج في العدة .. استأنفت عدة، وأولها فراغه من الوطء، كما حكاه الرافعي في (العدد) عن المتولي، ولم يعترضه، ودخلت فيها البقية، ولا يراجع إلا في تلك البقية، لا في الزائد، وقد ذكره "المنهاج" بعد ذلك (¬2)، ومرادهم بالعدة: عدة الطلاق، والزائد: عدة ذلك الوطء. ثانيهما: لو كان يخالط الرجعية مخالطة الأزواج من غير وطء وقلنا ببقاء العدة - وهو الأصح - .. فلا رجعة له بعد انقضاء الأقراء أو الأشهر، وسيأتي في العدد، ولم يتعرض "التنبيه" و"المنهاج" لاشتراط كون الرجعة في معينة، والأصح: اشتراطه، فلو طلق إحدى امرأتيه مبهمة ثم قال قبل التعيين: (راجعت المطلقة منكما) .. لم يصح، وقد صرح به "الحاوي" فقال [ص 515]: (لا مبهمة). 4118 - قول "المنهاج" [ص 429]: (وإذا ادعت وضع حمل لمدة إمكان، وهي ممن تحيض لا آيسةٌ .. فالأصح: تصديقها بيمين) أي: فيما يرجع إلى انقضاء العدة، فأما في النسب والاستيلاد: إذا ادعت الأمة الولادة .. فلا بد فيه من بينة. 4119 - قوله: (وإن ادعت ولادةَ تامٍّ .. فإمكانه ستة أشهرٍ ولحظتان من وقت النكاح) (¬3) عبارة "الروضة": من حين إمكان اجتماع الزوجين بعد النكاح، وقال: لحظة لإمكان الوطء ولحظة للولادة (¬4)، ولم يتعرض "الحاوي" لابتدائها، وهو فيه في (العدد) (¬5). 4120 - قول "المنهاج" [ص 430]: (أو سِقْطٍ مصوَّرٍ .. فمئة وعشرون يومًا ولحظتان) عبارة "الحاوي" كـ "الروضة": أربعة أشهر ولحظتان (¬6)، ولعل مراده بالعدد؛ فإن عبارة الرافعي: مئة وعشرون يومًا، وهي أربعة أشهر ولحظتان من يوم النكاح (¬7)، وفي "الروضة": من إمكان ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 182)، و"الحاوي" (ص 515)، و"المنهاج" (ص 429). (¬2) المنهاج (ص 430). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 430). (¬4) الروضة (8/ 218). (¬5) الحاوي (ص 531). (¬6) الحاوي (ص 531)، الروضة (8/ 218). (¬7) انظر "فتح العزيز" (9/ 179).

الاجتماع كما تقدم في الستة (¬1)، وفي "الروضة" وأصلها في الكلام على عدة الصغيرة والآيسة: اعتبار شهرين (¬2). 4121 - قول "المنهاج" [ص 430]: (أو انقضاء أقراءٍ؛ فإن كانت حرة وطُلقت في طهر .. فأقل الإمكان اثنان وثلاثون يومًا ولحظتان) محله: في غير المبتدأة، أما المبتدأة: فأقل الإمكان في حقها ثمانية وأربعون يومًا ولحظة؛ بناء على الأصح: أن الطهر ما احتوشه وإن، وقد ذكره "الحاوي" (¬3). ثم قد يفهم كلامهما أن لحظة الحيض من العدة، وليس كذلك؛ فالأصح: أنها ليست منها، وإنما هي لتيقن تمامها، فلا تصح الرجعة فيها، وحكى الرافعى قولًا: أنه لا يحكم بانقضاء العدة بمجرد الطعن في الدم آخرًا، بل يشترط يوم وليلة (¬4). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إن النص المذكور في "البويطي" وفي "الأم" في اختلاف على وابن مسعود، ولفظه: إن أقل زمان يمكن فيه انقضاء العدة ثلاثة وثلاثون يومًا (¬5)، قال شيخنا: وهذا نص صريح، وهو أولى؛ للاحتياط، بخلاف القول المكتفي بالطعن، وإن كان ذاك أكثر نصوصه. 4122 - قول "المنهاج" [ص 430]: (أو أمة وطلقت في طهر .. فستة عشر يومًا ولحظتان) محله: في غير المبتدأة أيضًا، أما المبتدأة: فأقل الإمكان في حقها اثنان وثلاثون يومًا ولحظة، بناء على اشتراط الاحتواش كما تقدم في نظيره، وقد ذكره "الحاوي" (¬6). 4123 - قول "المنهاج" [ص 430]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 532]: (وتصدق إن لم تخالف عادةً دائرةً، وكذا إن خالفت في الأصح) حكاه الرافعي والنووي عن تصحيح الأكثرين، وقال الشيخ أبو محمد: إن مقابله هو المذهب، وقال الروياني: إنه الاختيار في هذا الزمان (¬7)، ونص عليه الشافعي كما حكاه في "المهمات" فقال: وإن لم تكن هي ولا أحد من النساء يذكرن مثل هذا .. لم تصدق (¬8). ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 218). (¬2) الروضة (8/ 370). (¬3) الحاوي (ص 532). (¬4) انظر "فتح العزيز" (9/ 180). (¬5) الأم (7/ 173). (¬6) الحاوي (ص 532). (¬7) فتح العزيز (9/ 181)، الروضة (8/ 220)، وانظر "بحر المذهب" (10/ 204). (¬8) انظر "الأم" (5/ 246).

4124 - قولهم في وطء الرجعية: (ويجب مهر مثل) (¬1) ظاهره مهر واحد ولو تكرر الوطء، وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم نر من تعرض له، والقياس على ما ذكروه في الوطء في النكاح الفاسد ووطء الأب والشريك والمكاتب: أنه لا يجب إلا مهر واحد. 4125 - قول "التنبيه" [ص 182، 183]: (وإن اختلفا فقال: "راجعتك قبل انقضاء العدة" وقالت: "بل انقضت عدتي ثم راجعتني" فإن كانت المرأة سبقت بدعوى انقضاء العدة ثم قال الرجل: "كنت راجعتك" .. فالقول قولها، وإن سبق الرجل بدعوى الرجعة ثم ادعت هي انقضاء العدة .. فالقول قوله، وإن أقرا معًا .. فالمذهب: أن القول قول المرأة) محله: ما إذا لم يتفقا على وقت الانقضاء ولا وقت الرجعة، بل تنازعا في السبق بلا اتفاق، فإن اتفقا على وقت الانقضاء؛ كيوم الجمعة، وقال: (راجعت يوم الخميس) فقالت: (بل السبت) .. صدقت بيمينها، أو على وقت الرجعة؛ كيوم الجمعة، وقالت: (انقضت الخميس)، وقال: (السبت) .. صدق بيمينه، ذكره "المنهاج" هنا و"الحاوي" في (العدد) (¬2)، وكذا في "الروضة" وأصلها (¬3)، لكنهما ذكرا في (العدد) فيما إذا ولدت فطلقها واختلفا في المتقدم منهما: أنهما إن اتفقا على وقت أحدهما .. فالعكس مما تقدم، وإن لم يتفقا .. صدق الزوج، والمدرك واحد، وهو التمسك بالأصل (¬4)، وحيث صدقت فكانت أمة .. قال المتولي: المعتبر تصديق السيد، وقال البغوي: تصديقها ولا أثر لقول السيد (¬5)، واختار الشاشي ما ذكره المتولي، وقواه النووي (¬6)، لكنه خلاف نص الشافعي؛ حيث قال: وهكذا لو كانت زوجته أمة فصدقته .. كانت كالحرة في جميع أمرها، ولو كذبه مولاها .. لم أقبل قوله؛ لأن التحليل بالرجعة والتحريم بالطلاق فيها ولها. انتهى (¬7). قال شيخنا الإمام البلقيني: وجزم به الفوراني في "الإبانة"، وهو مقتضى إطلاق الجمهور. انتهى. وهل المراد: سبق الدعوى عند حاكم أم لا؟ اختلف فيه فقهاء اليمن، فقال ابن عجيل: نعم، وقال الحضرمي: يظهر من كلامهم أنهم لا يريدونه. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 182)، و"الحاوي" (ص 516)، و"المنهاج" (ص 430). (¬2) الحاوي (ص 532)، المنهاج (ص 430). (¬3) فتح العزيز (9/ 187، 188)، الروضة (8/ 223، 224). (¬4) فتح العزيز (9/ 457)، الروضة (8/ 383). (¬5) انظر "التهذيب" (6/ 121). (¬6) انظر "الروضة" (8/ 228). (¬7) انظر "الأم" (5/ 247).

قلت: هو ظاهر كلامهم، وهذا كله إذا لم تنكح زوجًا بعد العدة، فإن نكحت .. فقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 532]: (وإذا ادعى الرجعة بعد العدة ونكاحها وأقام بينةً .. فهي له، ويجب لها مهر المثل على الثاني إن دخل بها، وله تحليفها دونه، فإن أقرت أو نكلت وحلف .. غرَّمها مهر المثل ولا تُجعل زوجته) انتهى. وفي سماع دعواه على الزوج الثاني وجهان، قطع المحاملي وغيره من العراقيين بسماعها، وصحح الإمام: عدمه (¬1)، ثم قال "الحاوي" [ص 532]: (لا إذا ادعى على امرأةٍ تحت رجلٍ أنها زوجته، فقالت: "طلقتني" .. تُجعل زوجته، ويحلف أنه لم يطلق) وتبع فيه الرافعي؛ وعلله: بأنه لم يحصل الاتفاق على عدم الطلاق، وهنا حصل، والأصل عدم الرجعة، ووافقه النووي (¬2). وقال في "المهمات": كيف يستقيم ذلك مع سبق تعلق حق الأول؟ وقد صحح الرافعي فيمن باع شيئًا ثم اعترف بأنه كان ملكًا لغيره: بأنه لا يقبل؛ لأنهما قد يتواطآن على ذلك، قال: فلعل المسألة مصورة بما إذا ثبت نكاح الأول. وقال شيخنا الإمام البلقيني: يجب تقييده بما إذا لم تكن المرأة أقرت بالنكاح لمن هي تحته، ولا ثبت ذلك بالبينة، فإن وُجد أحدهما .. لم تنزع منه جزمًا. 4126 - قول "الحاوي" [ص 516]: (وإن أنكرت رضا النكاح وعادت .. صُدِّقت) تبع فيه الغزالي؛ فإنه رجحه (¬3)، لكن المنصوص - كما حكاه الرافعي عن القاضي أبي الطيب -: أنها لا تصدق (¬4)، ثم إن هذا صريح في قبول قولها: أنها لم تكن راضية بعقد النكاح، لكن في "فتاوى البغوي": أنه لا يقبل قولها بعدما دخلت عليه وأقامت معه، حكاه عنه الرافعي والنووي، وقالا: كأنه جعل الدخول بمنزلة الرضا، ذكراه قبيل (الصداق) (¬5). * * * ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (14/ 356). (¬2) انظر "فتح العزيز" (9/ 191)، و "الروضة" (8/ 225). (¬3) انظر "الوجيز" (2/ 76). (¬4) انظر "فتح العزيز" (9/ 193). (¬5) انظر "فتح العزيز" (8/ 224)، و "الروضة" (7/ 245).

كتاب الإيلاء

كتابُ الإيلاء 4127 - قول "المنهاج" [ص 432]: (هو حلف زوجٍ يصح طلاقه لَيَمْتَنِعَنَّ من وطئها مطلقًا، أو فوق أربعةِ أشهرٍ) فيه أمور: أحدها: كذا قيده "الحاوي" أيضًا بالزوج (¬1)، للاحتراز عما لو قال لأجنبية: والله لا أطؤك؛ فإن الأصح: أنه إذا تزوجها .. لا يكون موليًا؛ لأنه لا يتحقق فيه قصد الإيذاء وهي أجنبية، وإن كان يلزمه الكفارة إذا وطء، ويوافقهما قول "التنبيه" [ص 183]: (كل زوج صح طلاقه وهو قادر على الوطء صح إيلاؤه). واعترضه ابن الرفعة: بأنه لا حاجة لذكر الزوج، بل تركه أولى كما فعل في الظهار؛ فإن لفظه يخرج الرجعية إذا قلنا: الطلاق الرجعي قاطع. انتهى. ولو قال: (إن تزوجتك .. فو الله لا وطئتك) .. فهو كتعليق الطلاق بالملك، قاله الرافعي والنووي، وقال شيخنا الإمام البلقيني: التحقيق: أنه يكون موليًا (¬2). ثانيها: أن تعبير "المنهاج" و"التنبيه" بقولهما: (يصح طلاقه) أحسن من قول "المحرر": (ويشترط في الزوج التكليف) (¬3) لدخول السكران في العبارة الأولى؛ لأنه يصح طلاقه دون الثانية؛ لأنه غير مكلف، كذا قاله شيخنا ابن النقيب (¬4)، وهو تابع في كون السكران غير مكلف النووي (¬5)، لكن الحق: أنه مكلف، ونص عليه الشافعي، ولم يتعرض "الحاوي" لذلك؛ اكتفاء بما ذكره في (الحجر). وقد يرد على التعبير بصحة الطلاق: ما إذا قال: (إذا وقع عليك طلاقي .. فأنت طالق قبله ثلاثًا) وفرعنا على انسداد باب الطلاق .. فإنه زوج لا يصح طلاقه ومع ذلك يصح إيلاؤه. وجوابه: أن المراد: صحة طلاقه في الجملة لا في الصورة الخاصة. ثالثها: المراد في عبارته وعبارة "الحاوي": الوطء في القبل، فلو حلف على تركه في الدبر أو فيما دون الفرج .. لم يكن موليًا، صرح به "التنبيه"، واحترز عنه بتعبيره أولًا بـ (الجماع في الفرج) (¬6). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 517). (¬2) انظر "فتح العزيز" (9/ 196)، و "الروضة" (8/ 229). (¬3) المحرر (ص 345). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (6/ 446). (¬5) انظر "الدقائق" (ص 71). (¬6) التنبيه (ص 183).

رابعها: كان ينبغي أن يقول: (قادر على الوطء) كما فعل "التنبيه" (¬1) ليحترز عن إيلاء المجبوب والإيلاء من الرتقاء والقرناء وإن كان قد ذكرها بعد ذلك؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 517]: (من وطءٍ ممكنٍ). خامسها: قوله: (مطلقًا، أو وفوق أربعة أشهر) قد يقال: إن الثانية مغنية عن الأولى؛ ولذلك اقتصر عليها "التنبيه" لأنه إذا أطلق ولم يقيد .. تناول جميع الأزمنة، ومن ذلك فوق أربعة أشهر. سادسها: قد يرد على ذلك: ما لو قيد بمستبعد الحصول؛ كنزول عيسى عليه السلام .. فإنه ليس مطلقًا، ولا هو مقيد بزيادة على أربعة أشهر، ومع ذلك فينعقد به الإيلاء كما سيأتي؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 517]: (مطلقًا، أو أكثر من أربعة أشهر، أو حتى ينزل عيسى عليه السلام أو يخرج الدجال ... إلى آخر كلامه) فزاد ذلك على الإطلاق والتقييد بأكثر من أربعة أشهر، وقد يقال: لا يرد ذلك؛ لأنه إنما صح الإيلاء فيه؛ للعلم بتأخر حصول ذلك عن أربعة أشهر. سابعها: هذه الأشهر هلالية، فلو حلف لا يطؤها مئة وعشرين يومًا .. لم يحكم في الحال بأنه مول؛ فإذا مضت أربعة هلالية ولم يتم ذلك العدد؛ لنقص الأهلة أو بعضها .. تبين حينئذ كونه موليًا، ذكره شيخنا الإمام البلقيني، وقال: لم أر من تعرض له. ثامنها: ظاهر كلامهم الاكتفاء في صحة إيلائه بزيادة على أربعة أشهر وإن قلَّت، وبه صرح الإمام، وقال: ولا يعتبر أن تكون الزيادة بحيث تتأتى المطالبة في مثلها، قال: وفائدته أنه يأثم (¬2). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه عجيب لا يوافق عليه، قال: والذي يقتضيه نص الشافعي رضي الله عنه في "الأم" و"المختصر": أنه لا يكون موليًا إلا بالحلف على ما فوق أربعة أشهر بزمان يتأتى فيه الوقف والمطالبة، وصرح به الماوردي فقال: والمولي من لم يقدر على الإصابة بعد الوقف إلا بالحنث، وفي كلام الروياني في "البحر" ما يوافق كلام الإمام. انتهى (¬3). وعبارة "التنبيه" [ص 183]: (الإيلاء: أن يحلف بالله يمينًا تمنع الجماع في الفرج أكثر من أربعة أشهر) وقال قبل ذلك: (كل زوج صح طلاقه وهو قادر على الوطء صح إيلاؤه) فحصل الغرض من مجموع كلاميه، واقتصاره على الحلف بالله يرد عليه: الحلف بصفة من صفاته، وقد ذكر بعده تعليق الطلاق ونحوه على الوطء، وصحح فيه: أنه إيلاء، وكأنه أراد أولًا: بيان الإيلاء المتفق عليه. ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 183). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (14/ 386). (¬3) الأم (5/ 270)، مختصر المزني (ص 199)، الحاوي الكبير (10/ 380)، بحر المذهب (10/ 225).

4128 - قول "التنبيه" [ص 183]: (وإن كان غير قادر لشلل أو جَبٍّ .. ففيه قولان، أحدهما: يصح إيلاؤه، والثاني: لا يصح) الأظهر: عدم الصحة، وقد فهم من قول "الحاوي" [ص 517]: (وطءٍ ممكنٍ)، وصرح به "المنهاج" فقال [ص 432]: (ولو آلى من رتقاء، أو قرناء، أو آلى مجبوبٌ .. لم يصح على المذهب) وإنما عبر بالمذهب؛ لأن فيه طريقين أخريين: القطع بالصحة، والقطع بالبطلان، والأصح: طريقة القولين، ولو جُبّ بعد الإيلاء .. لم يبطل إيلاؤه على المذهب، والمراد: مجبوب كل الذكر كما قيد به في "المحرر" (¬1)، أو لم يبق قدر الحشفة، أما إذا بقي له قدرها .. صح إيلاؤه، وقد تناوله إطلاق "المنهاج" المجبوب، ولا يرد على "التنبيه" لأنه قادر، ولا على "الحاوي" لأن وطأه مُمكن. ويصح الإيلاء من الصغيرة على الجديد، لكن لا تضرب المدة حتى تدرك، قاله الرافعي والنووي (¬2)، والإدراك في اللغة: البلوغ، وبه عبر في "الكفاية"، لكنها تضرب عند سن يحتمل الجماع كما ذكراه بعد ذلك، فيحمل الإدراك على الوصول إلى هذا السن. قال شيخنا الإمام البلقيني: فلو حلف أنه لا يطأ الصغيرة مدة يتحقق انقضاؤها قبل وصولها إلى الإمكان .. فينبغي ألَّا ينعقد الإيلاء، قال: ويدخل في العموم: المتحيرة، والمُحْرِمة، والمظاهَرُ منها قبل التكفير وإن طالت مدة الصوم؛ لاحتمال حدوث اليسار، وإن بَعُدَ مكان الإحرام من مكة؛ لاحتمال التحلل، والموطوءة بشبهة، لكن لو كانت صغيرة بنت سبع فوطئها اثنان بشبهة وهي زوجة .. فعليها ستة أشهر للعدتين، فلو حلف زوجها على ترك وطئها خمسة أشهر مثلًا .. لم يكن موليًا؛ لتحقق انقضاء زمن الإيلاء مع قيام المانع، قال: ولو حلف زوج المشرقية بالمغرب لا يطؤها .. كان موليًا؛ لاحتمال الوصول على غير العادة، ولا تضرب المدة إلا بعد الاجتماع، قال: ولو آلى مرتد أو مسلم من مرتدة .. فعندي: ينعقد اليمين، فإن جمعهما الإسلام في العدة وكان قد بقي من المدة أكثر من أربعة أشهر .. فهو مول، وإلا .. فلا. 4129 - قول "المنهاج" [ص 432]: (وإن قال: "والله؛ لا وطئتك أربعة أشهر، فإذا مضت .. فو الله لا وطئتك أربعة أشهر" وهكذا مرارًا .. فليس بمولٍ في الأصح) ليس تكريره ذلك مرارًا شرطًا في جريان الخلاف؛ فالتصوير المذكور قبل قوله: (وهكذا مرارًا) كافٍ؛ ولذلك اقتصر عليه "التنبيه" (¬3)، ودل عليه قول "الحاوي" [ص 517]: (أو أكثر من أربعة أشهرٍ في ¬

_ (¬1) المحرر (ص 345). (¬2) انظر "فتح العزيز" (9/ 197)، و"الروضة" (8/ 229). (¬3) التنبيه (ص 184).

يمينٍ)، قال الإمام: وفي تأثيمه - تفريعًا على الأصح - احتمالان (¬1)، وصحح النووي: التأثيم (¬2). قال في "المطلب": فلو قال: (والله؛ لا وطئتك أربعة أشهر، فإذا مضت .. فلا وطئتك أربعة أشهر) .. كان موليًا وجهًا واحدًا لا يكاد يختلف فيه؛ لأنها يمين واحدة اشتملت على أكثر من أربعة. 4130 - قول "المنهاج" [ص 432]: (ولو قال: "والله؛ لا وطئتك خمسة أشهر، فإذا مضت .. فو الله؛ لا وطئتك سنة" .. فإيلاءان لكُلٍّ حُكْمُهُ) كذا في "الروضة" وأصلها (¬3)، لكن في "المحرر": (ستة أشهر) (¬4)، وكلاهما صحيح لا يختلف حكمه، فإذا أريد موافقة "المنهاج" لـ "المحرر" .. فليقرأ: (ستة) بالتاء المثناة من فوق؛ أي: ستة أشهر. 4131 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ولو قيد بمستبعد الحصول في الأربعة؛ كنزول عيسى عليه السلام .. فمولٍ) (¬5) في مذاكرة أهل اليمن أنه ينبغي فيما إذا قال ذلك بعد خروج الدجال .. ألَّا يكون موليًا؛ لأن بين خروجه ونزول عيسى عليه السلام أربعين يومًا، وبهذا القدر لا يكون موليًا. قلت: هذا صحيح إن قال في اليوم الثاني من أيام الدجال، فإن قاله في اليوم الأول .. فينبغي أن يكون موليًا إن كان قد بقي أكثر من أربعة أشهر باعتبار الأيام المعهودة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر: بأن اليوم الأول من أيامه كسنة، والثاني كشهر، والثالث كجمعة، والباقي كالأيام المعهودة، فسئل ذلك اليوم الذي كسنة يكفينا فيه صلاة يوم؟ فقال: "لا، اقدروا له قدره"، والحديث في "صحيح مسلم" (¬6)، فعلم حكم سائر الأمور من الصلاة، والله أعلم. 4132 - قول "التنبيه" [ص 184]: (وإن قال: "لا وطئتك حتى أمرض أو يموت فلان" .. لم يكن موليًا) الأصح في قوله: (حتى يموت فلان): أنه مولٍ كما لو قال: (حتى أموت أو تموتي)، وعليه مشى "الحاوي" (¬7)، وقد ترد صورة التقييد بالموت على قول "المنهاج" [ص 432]: (وكذا لو شك في الأصح). ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (14/ 386). (¬2) انظر "الروضة" (8/ 246). (¬3) فتح العزيز (9/ 225)، الروضة (8/ 246). (¬4) المحرر (ص 345). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 184)، و"الحاوي" (ص 517)، و"المنهاج" (ص 432). (¬6) صحيح مسلم (2937). (¬7) الحاوي (ص 517).

4133 - قول "المنهاج" [ص 432، 433]: (ولفظه صريح وكناية. فمن صريحه: تغييب ذكرٍ بفرجٍ، ووطءٌ، وجماعٌ وافتضاضُ بكرٍ) فيه أمور: أحدها: أن هذه الصرائح منها ما لا يدين فيه، وهو تغييب الذكر بالفرج. ومنها: ما يدين فيه، وهو الوطء والجماع، فلو قال: (أردت: الوطء بالقدم، أو الاجتماع في مكان .. دُيِّنَ)، فلو قال فيهما: (بذكري) .. فهما من القسم الأول، وافتضاض البكر بالذكر من الأول، وبغير ذِكْر (الذكر) من الثاني، وقد صرح بذلك "التنبيه"، إلا أن كلامه اقتضى أنه لا تديين في الافتضاض وإن لم يقل: (بذكري) (¬1)، وليس كذلك، وفي "الحاوي" [ص 517]: (كإيلاج وتغييب الحشفة في الفرج، والنيك بلا تديينٍ) ومقتضاه: التديين في غيرها، ومنه افتضاض البكر، لكنه لم يذكر من القسم الأول (لا أفتضك بذكري). ثانيها: لو عبر "المنهاج" و"التنبيه": بتغييب الحشفة في الفرج كما فعل "الحاوي" .. لكان أحسن؛ لأنه لو حلف على تغييب الذكر وغيبها فقط .. لم يحنث مع تحصيل المقصود؛ ولهذا لو حلف لا يستوفي الإيلاج .. لم يكن موليًا، وقد صرح به "التنبيه" وغيره، وجمع في "الروضة" بين الأمرين فقال: (لا أغيب في فرجك ذكري أو حشفتي) (¬2). ثالثها: بقي من الصرائح التي لا تديين فيها: النيك، وقد ذكره "التنبيه" و"الحاوي" (¬3)، وقيده في "المهذب" بالفرج (¬4)، ومن الصريح التي يدين فيها: الإصابة، وقد ذكره "الحاوي" (¬5)، واستشكل شيخنا الإمام البلقيني: عدم التديين في القسم الأول؛ لأنه قد يريد ألَّا يفعل ذلك في غير المأتي، قال: وإذا دين مع إلغاء الحقيقة الشرعية في قوله: (أنت طالق)، وقال: (أردت من وثاق) .. فلأن يدين هنا أولى، قال: بل ينبغي أن يقبل منه في الظاهر؛ لأن غايته تخصيص. 4134 - قول "التنبيه" في الكنايات [ص 184]: (لتَطُولَنَّ غيبتي عنك) و"الحاوي" [ص 517]: (أَبْعُد عنك) يشترط فيهما مع نية الوطء: نية مدة الإيلاء أيضًا. 4135 - قول "المنهاج" [ص 433]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 518]: (ولو قال: "عن ظهاري إن ظاهرت" .. فليس بمولٍ حتى يُظاهر) خرج بقوله: (عن ظهاري) ما لو اقتصر على ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 183). (¬2) الروضة (8/ 250). (¬3) التنبيه (ص 183)، الحاوي (ص 517). (¬4) المهذب (2/ 106). (¬5) الحاوي (ص 517).

قوله: (إن ظاهرت)، وقد حكى في "أصل الروضة" عن المتولي: أنه مولٍ في الحال (¬1). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه ليس بالصحيح، وفي كلام الرافعي ما ينبه على ذلك، وهو قوله: وهو كما تقدم أنه لو قال: (إن وطئتك .. فعبدي حر بعد سنة) .. يكون موليًا في الحال، قال شيخنا: وقد تقدم أن الأوجه في هذه الصورة: أنه لا يكون موليًا في الحال. 4136 - قولهما أيضًا: (ولو قال: "والله لا أجامع كل واحدةٍ منكنَّ" .. فمول من كل واحدةٍ) (¬2) قد يفهم أنه لو وطئ واحدة .. لم تنحل اليمين ولم يرتفع الإيلاء في الباقيات، وبه صرح الإمام؛ وعلله: بأن صيغته تتضمن تخصيص كل منهن بالإيلاء على وجه لا يتعلق بصواحبها، وكأنه قال: (والله؛ لا أجامع هذه، ووالله؛ لا أجامع هذه) إلى آخرهن، لكن الأصح عند الأكثرين: انحلال اليمين وارتفاع الإيلاء في الباقيات كما لو قال: (لا أجامع واحدة منكن) (¬3). قال الرافعي: ولك أن تقول: إن أراد الحالف: المعنى الذي قاله الإمام .. فالوجه: بقاؤه في حق الباقيات، وإلا .. فليكن كقوله: (لا أجامعكن) فلا حنث إلا بوطء جميعهن، وفي كونه موليًا في الحال الخلاف السابق. انتهى (¬4). ومنع ذلك شيخنا الإمام البلقيني، وقال: الحلف الواحد على المتعدد يوجب تعلق الحنث بأي واحد وقع، فاليمين الواحدة لا يتبعض فيها الحنث، ومتى حصل فيها حنث .. حصل الانحلال، قال: وقد ذكر ذلك الروياني في "البحر"، وقال: إنه ظاهر مذهب الشافعي. انتهى (¬5). ولم يذكر "التنبيه" هذه الصورة، وإنما ذكر ما إذا قال: (والله؛ لا أصبت واحدة منكن)، وقال: (وإن قال: "أردت واحدة بعينها" .. قُبل) (¬6)، وذكرهما "الحاوي" وقال في الثانية [ص 519]: (وإن أراد مبهمة .. عيّن) فظهر مخالفة (لا أصبت واحدة) لقوله: (لا أصبت كل واحدة) في قبول قوله: (أردت واحدة فقط) فإن أراد معينة .. بيّن، أو مبهمة .. عيّن. 4137 - قول "التنبيه" [ص 184]: (وإن قال: "إن أصبتك .. فأنت طالق"، ثم قال لأخرى: "أشركتك معها" .. صار موليًا من الثانية) محله: ما إذا قصد تعليق طلاق الثانية بوطئها نفسها، فلو نوى تعليق طلاق الأولى بوطء الثانية معها، أو نوى طلاق الثانية بوطء الأولى معها .. فلا إيلاء ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 223). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 519)، و "المنهاج" (ص 433). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (14/ 437). (¬4) انظر "فتح العزيز" (9/ 214). (¬5) بحر المذهب (10/ 252، 253). (¬6) التنبيه (ص 184).

فصل [فيما يترتب على صحة الإيلاء]

من الثانية، وكلامه في الأولى لغو؛ لصدوره بعد كمال التعليق، وفي الثانية معمول به، ولو نوى تعليق طلاق الأولى بوطء الثانية وحدها .. فقد علقه بصفتين، كل واحدة منهما مستقلة به، فيصير موليًا من الثانية أيضًا، كما ذكره الشيخ أبو حامد في "تعليقه"، ولم يتعرض الرافعي والنووي لهذه الصورة. 4138 - قوله فيما إذا قال: (إن أصبتك .. فو الله لا أصبتك): (وفيه قول آخر: أنه يكون موليًا في الحال) (¬1) الأصح كما قال الرافعي والنووي: القطع بخلافه. 4139 - قوله: (وإن قال: "والله لا أصبتك إن شئت" فقالت في الحال: "شئت" .. صار موليًا) (¬2) شرطه: أن تكون مكلفة. فصل [فيما يترتب على صحة الإيلاء] 4140 - قول "التنبيه" [ص 184]: (وإذا صح الإيلاء .. ضربت له مدة أربعة أشهر) قد يفهم توقف ذلك على ضرب القاضي، وليس كذلك؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 433]: (يمهل أربعة أشهر بلا قاض) و"الحاوي" [ص 519]: (فإن مضت) إلى أن قال: (طالبته) وأراد "التنبيه" بالضرب: الإمهال، وقد يفهم كلامه أن ابتداءها من الإيلاء مطلقًا، وهو كذلك في غير الرجعية، أما فيها: فمن وقت الرجعة، وقد صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬3). 4141 - قول "التنبيه" [ص 184]: (فإن كان هناك عذر من جهتها؛ كالمرض - أي: الذي يمنع الوطء - والحبس - أي: حيث يتعذر الوصول إليها - والإحرام - أي: بالفرض كما في "التتمة" - والصوم الواجب، والاعتكاف، والنفاس .. لم تحسب المدة) ما ذكره في النفاس ظاهر كلام "الكفاية": أنه المشهور، وهو المفهوم من اقتصار "المنهاج" و"الحاوي" على الحيض (¬4). وقال شيخنا الإمام البلقيني: صححه الماوردي والروياني (¬5)، وله قوة، وهو الأصح، وحكى الرافعي عن تصحيح البغوي: أنه لا يمنع احتساب المدة كالحيض، وصححه في "الشرح الصغير" و"أصل الروضة" و"تصحيح التنبيه" (¬6)، وفي قطع الرافعي والنووي بأن الحيض لا يمنع احتساب ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 184). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 184). (¬3) الحاوي (ص 519)، المنهاج (ص 433). (¬4) الحاوي (ص 519)، المنهاج (ص 434). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (10/ 393، 394)، و"بحر المذهب" (10/ 262). (¬6) الروضة (8/ 253)، تصحيح التنبيه (2/ 79).

المدة نظر؛ فإن في "الذخائر" عن بعض الأصحاب: أنه إذا قارن ابتداء المدة .. منع الاحتساب، وأنه حمل عليه نص "المختصر"، نقله عنه ابن الرفعة (¬1). 4142 - قول "الحاوي" [ص 519]: (ولم تنحل بزوال ملك العبد، ولم يطأ .. طالبته) فيه أمران: أحدهما: لا يختص ذلك بزوال ملك العبد، بل هو مثال، وضابطه: زوال المحذور الملتزم عتقًا أو بينونة أو غيرهما. ثانيهما: أنه يوهم أن اليمين لا تنحل بالوطء، وليس ذلك مراده، وإنما مراده: أن من شرط المطالبة: ألَّا يطأها في المدة، فإن وطئ .. انحلت اليمين وسقطت المطالبة، فلو قال: (والوطء) عطفًا على زوال الملك .. لكان أحسن، وعبارة "المنهاج" [ص 434]: (فإن وطئ في المدة، وإلا .. فلها مطالبته). 4143 - قول "التنبيه" [ص 185]: (فإذا انقضت المدة .. وُقِفَ وطولب بالفيئة) ثم قال: (وإن لم يفئ .. طولب بالطلاق) صريح في أنه يطالب بالفيئة عينًا، فإن امتنع .. طولب بالطلاق، وكذا في "الوجيز" (¬2) و"الحاوي" فقال [ص 519]: (طالبته به لا غيرٌ)، ويوافقه ما حكاه الرافعي عن المتولي: أنه ليس لها المطالبة بالطلاق ابتداء؛ لأنه ليس بحق لها، وإنما حقها الاستمتاع، ثم قال الرافعي بعد هذا: إنها تطالب بالفيئة أو الطلاق، وحكى عن الإمام: أنه ليس لها توجيه الطلب نحو الفيئة وحدها؛ فإن النفس قد لا تطاوع، بل يجب أن تكون المطالبة مترددة (¬3)، واقتصر في "الروضة" على هذا الكلام الثاني وأسقط الأول (¬4)، وعكس في "الشرح الصغير"، واعتمد "المنهاج" الثاني فقال [ص 434]: (فلها مطالبته بأن يفيء أو يطلق) وتبعه شيخنا الإسنوي في "تصحيحه"، وعبر عنه بالصواب (¬5)، وهو عجيب! ؛ فقد عرفت وجود الخلاف في ذلك، بل المطالبة بالفيئة عينًا ثم بالطلاق عينًا هو القياس في منع الدعوى المرددة، والعجب أنه في "المهمات" لما ذكر أن الرافعي في "الشرح الصغير" اقتصر على ذكر المطالبة بالفيئة أولًا ولم يذكر الكلام الثاني .. قال: وهو يبين لك أن العمدة على غير المذكور في "الروضة". انتهى. فكيف جعل في تصحيحه المذكور في "الروضة" صوابًا ومقابله خطأ؟ ! وفهم من تعبير "المنهاج" و"الحاوي": أن المطالبة للزوجة لا لولي المراهقة والمجنونة وسيد الأمة، وهو ¬

_ (¬1) مختصر المزني (ص 200). (¬2) الوجيز (2/ 80). (¬3) فتح العزيز (9/ 238، 241)، وانظر "نهاية المطلب" (14/ 452). (¬4) الروضة (8/ 255). (¬5) تذكرة النبيه (3/ 330).

كذلك، بل صرح به "الحاوي" بقوله [ص 519]: (لا غيرٌ) أي: لا غيرها كما شرحوه عليه، وقول "التنبيه": (وُقِف) قال ابن يونس: لم تظهر لي فائدته، وقال غيره: هو زيادة إيضاح وبيان أن لها وقفه ومرافقته، ولم يذكره في "المهذب". 4144 - قول "المنهاج" [ص 434]: (ولو تركت حقها .. فلها المطالبة بعده) محله: ما إذا لم تنقض مدة اليمين. 4145 - قول "التنبيه" [ص 185]: (فإن جامع، وأدناه أن يغيب الحشفة في الفرج .. فقد أوفاها حقها) فيه أمور: أحدها: المراد بالفرج في عبارته وعبارة "الحاوي": القبل، كما عبر به "المنهاج" (¬1)، فهو أحسن من تعبير "المحرر" بـ (الفرج) (¬2)، وهذا من المواضع التي يفارق حكم الدبر فيها القبل، ومنها: الحل، والتحليل، والإحصان، والتعيين، وتغيير إذن البكر، وإيجاب الغسل بخروج المني من دبر المرأة بعد جماعها، وثبوت النسب، وكون الطلاق بدعيًا فيما إذا طلقها في طهر وطئها فيه في الدبر، وفي كون المفعول به في الدبر إذا كان صائمًا في نهار رمضان لا كفارة عليه قطعًا وفي القبل خلاف، ولا يرجم المفعول به مع الإحصان، بل يجلد، بخلاف القبل، ولا يكون الخارج منه حيضًا، بخلاف القبل ولا يحل النظر إلى دبر الزوجة - كما قال الدارمي في "الاستذكار" - وإن جاز النظر إلى قبلها، فهذه ثلاث عشرة مسألة. قال في "المهمات": وما ذكروه من عدم الفيئة بالإتيان في الدبر غير صحيح؛ لأنه إذا حلف على ترك الوطء .. حنث بالوطء في الدبر، فتنحل اليمين وتسقط المطالبة، كما لو ماطلها حتى انقضت مدة الحلف .. فإن المطالبة تسقط، قال: وينبغي فرضها في الحلف على ترك الوطء في القبل. قلت: هذا تنبيه حسن؛ لكن لا يقال: إن ما ذكروه غير صحيح؛ فإنه لا يلزم من سقوط المطالبة حصول الفيئة الذي عبر به "المنهاج" و"الروضة" وأصلها، ولا إيفاؤها حقها الذي عبر به "التنبيه". نعم؛ عبر "الحاوي" بقوله [ص 520]: (وتسقط بتغييب الحشفة في الفرج) فلا ينبغي حمل الفرج في عبارته على القبل كما قررناه أولًا؛ لما عرفته من سقوط المطالبة بالتغييب في الدبر أيضًا؛ لانحلال اليمين. ثانيها: أورد في "الكفاية" على "التنبيه": أن مقتضاه: أنها لو نزلت عليه وهو نائم ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 520)، المنهاج (ص 434). (¬2) المحرر (ص 347).

فاستدخلت ذكره .. لا تحصل الفيئة؛ لأنه نسب الفعل إليه، ولم يوجد منه، وهو وجه، والأصح: الحصول. قلت: هذا مبني على أن لفظة: (يُغيب) بضم الياء المثناة من تحت أوله، وفاعله ضمير يعود على المولي، وقوله: (الحشفة) منصوب على المفعولية، فحينئذ .. يكون نسب الفعل إليه، والذي نحفظه من لفظة: (تغيب) بفتح التاء المثناة من فوق، وقوله: (الحشفة) مرفوع على الفاعلية، فليس فيه نسبة الفعل إليه، وهو حينئذ؛ كتعبير "المنهاج" و"الحاوي" بـ (تغييب الحشفة) (¬1)، وزاد "الحاوي" التصريح بالمسألة، فقال [ص 520]: (ولو نزلت عليه). ثالثها: يرد على تعبيرهم بـ (الحشفة): تغييب قدرها من مقطوعها. رابعها: مقتضى كلامهم: الاكتفاء بذلك في حق البكر وإن لم يفتضها، قال في "الكفاية": ومن شرط في البكر إذهاب العذرة كما نص عليه الشافعي .. فذاك؛ لأن تغييب الحشفة لا يمكن غالبًا إلا به، قال: وقد صرح بما أشرت إليه ابن الصباغ والمحاملي وغيرهما. 4146 - قول "الحاوي" [ص 520]: (ولو نزلت عليه، وأُكره، وجُنَّ، بلا حنثٍ وانحلالٍ) أي: في الصور الثلاثة، ولو اقتصر على أحد اللفظين .. لكان أولى؛ للزوم عدم الانحلال عدم الحنث. وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم يفرقوا بين أن يكون نائمًا أو عالمًا ساكتًا، وصرح به المتولي، وهو مقتضى كلام الأصحاب؛ وكأنهم بنوه على أن حقيقته منع أن يفعل بنفسه ولم يوجد ذلك، فلو قال: (لا يغيب)، أو (لا يدخل ذكري في فرجك) .. امتنع تصوير مسألة المستيقظ على التفريع المذكور، ثم استشكل شيخنا المذكور حصول الفيئة مع عدم انحلال اليمين؛ لأن اليمين إذا كانت قائمة .. فالزوج خائف من أن يطأ .. فيلزمه المحذور من كفارة أو غيرها. ثم أجاب عنه: بأن حكم الإيلاء يسقط بدخول الذكر، ولا يتكرر حكمه، وقال شيخنا: المذكور فيما لو وطئ وهو مجنون لو أفاق بعد ذلك .. صار ممتنعًا من الوطء خوفًا من لزوم الكفارة، فتطالبه بالوطء بعد أربعة أشهر، فإن وطء، وإلا .. أُمر بالطلاق، قال: وليس لنا موضع يطالب فيه بوطء بعد وطء إلا في المجنون والمكره والنائم والناسي. انتهى. 4147 - قول "المنهاج" [ص 434]: (ولا مطالبة إن كان بها مانع؛ كحيضٍ ومرضٍ، وإن كان فيه مانعٌ طبعيٌ؛ كمرض .. طُولب) يعتبر في المرض القائم بها: ألَّا يمكن معه الوطء، ولا يشترط ذلك في مرضه، بل لو خاف من الوطء زيادة العلة أو بُطء البرء .. كان كعجزه عنه، ولم يمثل "التنبيه" و"الحاوي" هنا المانع به والمانع بها. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 520)، المنهاج (ص 434).

وقال شيخنا الإمام البلقيني: جزم الرافعي والنووي في خائف زيادة العلة أو بطء البرء أنه يفيء باللسان، فنقلاه إلى البدل جزمًا (¬1)، وحكوا الخلاف في نظيره من التيمم مع أن الصلاة حق لله تعالى، وهي تتكرر وليس هناك أصل آخر يعدل إليه، وفي الإيلاء الحق لآدمي وهو المرأة، وهو غير متكرر فيه أصل آخر يعدل إليه وهو الطلاق، قال: وكلام الشافعي في "الأم" يقتضي أن بطء البرء ونحوه لا ينتقل للفيئة باللسان؛ فإنه قال: فإن كان يقدر على الجماع بحالٍ .. فلا فيء له إلا فيء الجماع، وإن كان لا يقدر عليه .. فاء بلسانه (¬2)، قال شيخنا: وكان الفرق أنه في الإيلاء لا يفوت الأصل بالكلية؛ بدليل: أنه متى قدر .. طولب بالوطء، بخلاف نظيره في (التيمم). 4148 - قول "التنبيه" [ص 185]: (وإن كان العذر فيه .. فاء فيئة معذور، وهو أن يقول: "لو قدرت .. لفئت") اكتفاؤه في الفيئة بهذا الكلام، قال في "الكفاية": لم أره لغيره، إلا فيما لا يزول كالجب على ما حكاه الإمام، ثم ضعفه الإمام وقال: إنه عبث؛ إذ لا فائدة في إمهال المجبوب (¬3)، وفي "المنهاج" [ص 434]: (بأن يقول: "إذا قدرت .. فئت")، وهو الذي اعتبره في "الروضة" وأصلها، ثم قالا: واعتبر الشيخ أبو حامد أن يقول مع ذلك: (ندمت على ما فعلت) (¬4). وفي "الكفاية": أن المحاملي زاد أيضًا: (لو قدرت .. لفئت)، ونقل شيخنا الإمام البلقيني عن تعليق الشيخ أبي حامد اعتبار الأمور الثلاثة أيضًا، قال في "الكفاية": واعتبر الإمام الأول والثالث، وأما اعتبار الثالث وحده: فليس إلا في "التنبيه" ولهذا قال شيخنا الإسنوي في "تصحيحه": والصواب في فيئة المعذور: أنه لا يقول: (لو قدرت .. لفئت)، بل يَعِدُها في المستقبل فيقول: (إذا قدرت .. فئت). إلى آخر كلامه (¬5). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إن الذي في "التنبيه" قريب لا ينكر؛ لأنه يصير بالقرينة مصروفًا للمستقبل ونادمًا على الماضي، قال تعالى: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}، والمراد: حصول الإيمان من غير نظر إلى الماضي. 4149 - قول "التنبيه" في المظاهر [ص 185]: (فإن قال: "أمهلوني حتى أطلب رقبة فأعتق ثم أطأها" .. أنظر ثلاتة أيام) كذا لو كان يكفر بالإطعام، وهذا بخلاف الصوم؛ لطول المدة، ولو قال: (إلى ثلاثة أيام) .. لكان أولى؛ لأنه يجوز النقص بحسب الحاجة. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (9/ 239)، و "الروضة" (8/ 254). (¬2) الأم (5/ 275). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (14/ 469). (¬4) فتح العزيز (9/ 197)، الروضة (8/ 254). (¬5) تذكرة النبيه (3/ 329).

4150 - قول "الحاوي" [ص 519]: (فإن أبى - أي: الوطء المذكور في قوله: "طالبته به" - .. طَلَّق القاضي) يقتضي أنه لا يأمره بالطلاق، وليس كذلك، بل لا يطلق إلا بعد أمره بالطلاق وامتناعه منه؛ ولهذا قال "التنبيه" [ص 185]: (وإن لم يف .. طولب بالطلاق) ثم قال: (فإن لم يطلق .. ففيه قولان) وأما "المنهاج": فإنه جعل المطالبة أولًا بالفيئة أو الطلاق كما تقدم، ثم قال [ص 434]: (وإن أبى الفيئة والطلاق .. فالأظهر: أن القاضي يطلق عليه) ولم يفصح عن مقابله، وهو أنه يجبر عليه، وقد صرح به "التنبيه" (¬1). 4151 - قوله: (وإن لم يراجع حتى انقضت العدة وبانت ثم تزوجها .. فهل يعود الإيلاء على الأقوال الثلاثة التي ذكرناها في الطلاق؟ ) (¬2) تقدم أن الأصح منها: عدم العود، ثم إن هذا الخلاف إنما تظهر ثمرته في توجه مطالبتها، أما الحنث .. فلا خلاف في أنه يحنث به. 4152 - قوله: (وإن لم يكن عذر يمنع الوطء فقال: (أنظروني) .. أنظر يومًا أو نحوه في أحد القولين، وثلاثة أيام في القول الآخر) (¬3) الأظهر: الأول؛ ولهذا قال "المنهاج" عطفًا على ما عبر فيه بالأظهر [ص 434]: (وأنه لا يمهل ثلاثة) وكذا في "الحاوي" (¬4)، ومحله: ما إذا لم يكن عذر، كما صرح به "التنبيه". 4153 - قول "المنهاج" [ص 434]: (وأنه إذا وطئ بعد مطالبةٍ .. لزمه كفارة يمين) يقتضي أنه إذا وطئ بدون مطالبة .. يلزمه الكفارة قطعًا، ولم يتعرض في "الروضة" وأصلها للإفصاح عن هذا التفريع، وحكى في "الكفاية" فيه طريقين: الوجوب قطعًا، وطرد الخلاف، والثانية هي مقتضى كلام "التنبيه" فإنه قال [ص 185]: (وإذا جامعها؛ فإن كانت اليمين بالله تعالى .. لزمته الكفارة في أصح القولين) ولم يقيد ذلك بما إذا كان بعد الطلب، ومقتضى كلام "الكفاية": ترجيح التسوية أيضًا. 4154 - قول "التنبيه" [ص 185]: (وإن كانت اليمين على صوم أو عتق .. فله أن يخرج منه بكفارة يمين وله أن يَفِيَ بما نذر) هو نذر لجاج، وسيأتي إيضاحه في النذور بما فيه من اختلاف الترجيح، ولو عبر بقوله: (على قربة) .. لكان أعم وأخصر، ثم هذا إذا كان العتق بصيغة الالتزام؛ مثل: (إن وطئتك .. فعلي عتق عبد)، فإن كان بتعليق؛ مثل: (إن وطئتك .. فعبدي حر) .. فإنه يعتق بالوطء (¬5). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 185). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 185). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 185). (¬4) الحاوي (ص 520). (¬5) في (ج): (قال في "الكفاية": كما تطلق زوجته إذا حلف بطلاقها).

4155 - قوله: (وإن كانت بالطلاق الثلاث .. طلقت ثلاثًا، وقيل: إن كانت اليمين بالطلاق .. لم يجامع) (¬1) قيد ابن الرفعة الطلاق المذكور ثانيًا بكونه ثلاثًا، وقال: إنما قلنا ذلك وإن كان الاستمتاع بالرجعية حرام؛ لأنه قال من بَعْدُ: إنه يُحَد على رأي إذا فعله بعد ما نزع، والرجعي لا خلاف فيه مع أن غيره صرح بأن محل الخلاف في الثلاث. انتهى. وحذف ابن يونس في "النبيه" لفظ الثلاث من الأولى، وعلله في "التنويه": بأنه لا يشترط في تصوير المسألة أن يكون الطلاق بائنًا. 4156 - قوله: (فإن جامع .. لزمه النزع، فإن استدام .. لزمه المهر) (¬2) صحح الرافعي والنووي: عدم لزوم المهر (¬3). 4157 - قوله: (فإن أخرجه ثم عاد .. لزمه المهر) (¬4) محله: ما إذا كان عالمًا بالتحريم وهي جاهلة أو عالمة ولم تقدر على دفعه، فأما إذا علمت وقدرت على دفعه .. فلا مهر لها؛ لأنها زانية. 4158 - قوله: (وقيل: يلزمه الحد، وقيل: لا يلزمه) (¬5) الأصح: الأول، وعبارة النووي في "تصحيحه": والأصح: أنه إذا نزع ثم أولج عالمين بالتحريم .. وجب عليهما الحدّ ولا مهر، وإن جهلا .. وجب المهر ولا حدّ، وإن علم وجهلت، أو عجزت عن دفعه .. وجب المهر، والمرجح: أنه يُحَدُّ، وإن علمت وقدرت على دفعه وَجَهِلَ .. فالمرجح: أنها تُحدّ ولا مهر. انتهى (¬6). قال في "التوشيح": لم يبين مع عده هذه الصور كلها مراد الشيخ منها؛ كأنه رآه واضحًا، وقال في "الكفاية": مراده: إذا كان عالمًا بالتحريم وهي جاهلة أو عاجزة عن الدفع. * * * ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 185). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 185). (¬3) انظر "فتح العزيز" (9/ 207)، و"الروضة" (8/ 234). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 185). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 185). (¬6) تصحيح التنبيه (2/ 81)، وما ذكره المصنف هو نص الإسنوي في "تذكرة النبيه" (3/ 331)، أما نص النووي في "تصحيحه": (وإن علم وجهلت، أو عجزت عن دفعه .. وجب المهر، والأصح: أنه لا تحد، وإن علمت وقدرت على دفعه وجهل .. فالأصح: أنها تحد ولا مهر).

كتاب الظهار

كتابُ الظِّهار 4159 - قول "التنبيه" [ص 185]: (والظهار: هو أن يشبه امرأته) كذلك جزؤها كالشعر على الجديد؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 521]: (تشبيه المكلف غير البائنة وجزءها كالشعر)، وهو أعم من قول "المنهاج" [ص 435]: (وقوله: "رأسك أو ظهرك أو يدك عليّ كظهر أمي" ظهارٌ في الأظهر). 4160 - قول "التنبيه" [ص 185]: (بظهر أمه أو بعضو من أعضائها) يشمل عضوًا يذكر للتكريم كالعين، وكذا الرأس في الأصح، والأصح: أنه كناية، وعليه مشى "الحاوي" (¬1) ولذلك قال "المنهاج" [ص 435]: (وكذا "كعينها" إن قصد ظهارًا، وإن قصد كرامةً .. فلا، وكذا إن أطلق في الأصح) وقول شيخنا الإسنوي في "تصحيحه": الأصح: عدم صحة الظهار بقوله: (كعين أمي) (¬2) يقتضي أنه لا يصح صريحًا ولا كناية، وليس كذلك كما تقدم، وكيفية نية الكناية هنا: أن ينوي أنها كعين أمه في التحريم، وتعبير "التنبيه" بالعضو يخرج الشعر ونحوه، وليس كذلك؛ ولذلك عبر "الحاوي" بجزء، وهو متناول له. 4161 - قول "التنبيه" [ص 185]: (فيقول: "أنت عليّ كظهر أمي") يقتضي أنه لا بد في الصراحة من ذكر الصلة، وليس كذلك، فلو قال: (أنت كظهر أمي) .. كان صريحًا، كما ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬3)، ويدخل في الأم الجدات وإن علون من الجهتين، وصرح به "المنهاج" فقال [ص 435]: (والتشبيه بالجدة ظهارٌ). 4162 - قول "التنبيه" [ص 186]: (وإن شبهها بامرأة حرمت عليه بمصاهرة أو رضاع) إلى أن قال: (وإن لم تحل له أصلًا .. فعلى قولين) الأظهر: أنه مظاهر؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 435]: (والمذهب: طرده في كل مَحْرَمٍ لم يطرأ تحريمها) وعبارته تقتضي طرد الطرق في محارم النسب كالأخت والعمة، ولم يحك في "الروضة" وأصلها فيهن إلا قولين، والطرق إنما هي في محارم الرضاع والمصاهرة، وعبارة "الحاوي" [ص 521]: (بجزء محرم أنثى لم تكن حلًا). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 521). (¬2) تذكرة النبيه (3/ 332). (¬3) الحاوي (ص 521)، المنهاج (ص 435).

4163 - قول "التنبيه" [ص 186]: (فإن قال: "إذا تظاهرت من فلانة .. فأنت عليّ كظهر أمي" وفلانة أجنبية، فتزوجها ثم ظاهر منها .. صار مظاهرًا من الزوجة) مفهومه أنه لو خاطبها بظهار وهي أجنبية .. لم يصر مظاهرًا من الزوجة، وهو كذلك إلا أن يريد اللفظ، كما صرح به "المنهاج" (¬1). 4164 - قول "التنبيه" [ص 186]: (وإن قال: "إذا تظاهرت من فلانة الأجنبية .. فأنت على كظهر أمي" ثم تزوجها وظاهر منها .. فقد قيل: يصير مظاهرًا من الزوجة، وقيل: لا يصير، وهو الأصح) الأصح: الأول، وهو أنه يصير مظاهرًا، ويحمل قوله: (الأجنبية) على التعريف لا الشرط، وعليه مشى "المنهاج" (¬2). 4165 - قول "التنبيه" [ص 186]: (وإن قال: "أنت طالق كظهر أمي"، وقال: "أردت الطلاق والظهار" فإن كان الطلاق رجعيًا .. صارت مطلقة ومظاهرًا منها) محله: ما إذا أراد الطلاق بـ (أنت طالق) والظهار بـ (كظهر أمي)، فإن عكس، أو نواهما بمجموع كلامه .. طلقت، ولا ظهار، ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬3). 4166 - قول "التنبيه" [ص 186]: (وإن قال: "أنت علي حرام كظهر أمي" ونوى الطلاق والظهار .. كان طلاقًا وظهارًا) محله: ما إذا أراد الطلاق بقوله: (أنت علي حرام) والظهار باللفظ الثاني كما تقدم في نظيره؛ فإن عكس .. حصل الظهار قطعًا، ولا تطلّق على الصحيح، وإن نواهما بمجموع كلامه أو بقوله: (أنت على حرام) .. لم يثبتا معًا، بل الظهار على وجه والطلاق على وجه، والصحيح - وبه قال ابن الحداد والجمهور -: أنه يتخير فيثبت ما اختاره منهما، وقال شيخنا الإمام البلقيني: الذي رأيته في كلام ابن الحداد في "الفروع" إنما هو في صورة: (أنت عليّ حرام)، أما مع قوله: (كظهر أمي) .. فالأصح عندي - والله أعلم -: أنه يكون مظاهرًا؛ لأن النيتين تعارضتا فتساقطتا وبقى اللفظ على مقتضاه لو لم تكن نية، والأصح فيه: أنه يكون مظاهرًا. انتهى. وقيد في "الكفاية" حصول الظهار بما إذا كان الطلاق رجعيًا كما قيده "التنبيه" و"المنهاج" في قوله [ص 436]: (أنت طالق كظهر أمي) ولعل السكوت عنه هنا؛ لفهمه مما تقدم على أنه اعتُرِض تقييدهما هناك بعدم الاحتياج إليه؛ لما تقرر من أن البائن لا يلحقها طلاق ولا ظهار. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 435). (¬2) المنهاج (ص 436). (¬3) الحاوي (ص 521)، المنهاج (ص 436).

فصل [في العود]

فصل [في العود] 4167 - قولهما - والعبارة لـ "التنبيه" -: (والعود: هو أن يمسكها بعد الظهار زمانًا يمكنه أن يطلق فيه فلا يطلق) (¬1) فيه أمران: أحدهما: أن محل ذلك: في غير الرجعية وفي غير الظهار المؤقت؛ فالعود في الرجعية بالرجعة وفي الظهار المؤقت بالوطء في المدة، وقد ذكرهما "التنبيه" بعد ذلك، إلا أنه صحح في الظهار المؤقت: أنه كغيره كما سيأتي، وذكر "المنهاج بعد ذلك الظهار المؤقت، وذكرهما "الحاوي" هنا، فقال عطفًا على (أمسكها) [ص 522]: (أو راجع، أو وطئ في مدة المؤقت). ثانيهما: يستثنى من كلامهم جميعًا: ما إذا كرر لفظ الظهار وقصد به التأكيد .. فالأصح: أنه ليس بعود مع أنه كان يمكن الإتيان بلفظ الطلاق بدل التأكيد. 4168 - قول "الحاوي" [ص 521]: (وعقيب المعرفة إن علّق بفعل غيرٍ) أي: إنما يكون الإمساك عودًا فيما إذا علق الظهار بفعل غيره بعد معرفته بوجود المعلق عليه، فإذا وجد ولم يعرف هو به .. فلا عود، وهذا بخلاف ما إذا علقه بفعل نفسه ونسي على المشهور؛ لأنه بسبيل من أن يتذكر تصرفه فلا يعذر في نسيانه، وعن صاحب "التهذيب" وغيره: تخريج الصورتين على حنث الناسي والجاهل (¬2). قال الرافعي: وهذا أحسن، وهو الذي أورده صاحب "التتمة" (¬3). واعترضه في "الروضة": بأن الذي ذكره في "التتمة" في التعليق بفعل غيره .. أنه لا يصير عائدًا على المذهب، ثم قال: وقيل: يخرج على الناسي، قال: والفرق أن الشخص يشتبه عليه فعل غيره، وقلّ ما يشتبه عليه حال نفسه. انتهى (¬4). ونقل الرافعي في أواخر الباب الأول: فيما لو علق الظهار على دخولها الدار، فدخلت وهو مجنون أو ناس .. عن ابن القطان تخريجه على الخلاف، وعن ابن كج أنه قال: عندي أنها تلزم بلا خلاف، وإنما يؤثر الإكراه والنسيان في فعل المحلوف على فعله، قال الرافعي: وهذا هو الوجه. انتهى (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 186)، و "المنهاج" (ص 436). (¬2) التهذيب (6/ 160). (¬3) انظر "فتح العزيز" (9/ 274). (¬4) الروضة (8/ 273). (¬5) انظر "فتح العزيز" (9/ 261، 262).

وعبر في "الروضة" بأنه الصواب (¬1)، وهذا مخالف لما صدر به كلامه هناك من الجزم بعدم العود، ولما استحسنه من التخريج على الخلاف، إلا أن يقال: الكلام هناك في الجهل بوجود المعلق عليه، وهنا في نسيان الظهار، لكن المدرك واحدًا؛ فلذلك عده شيخنا الإسنوي في "المهمات" وشيخنا الإمام البلقيني اختلافًا، ورد شيخنا الإمام البلقيني ما قال الرافعي: أنه الوجه، والنووي: أنه الصواب، وقال: إنه مخالف للمنقول والمعنى، قال: والصواب: القطع بأنه لا يكون عائدًا. 4169 - قول "التنبيه" [ص 186]: (فإذا وجد ذلك .. وجبت الكفارة واستقرت) قال في "الكفاية": احترز بهذه التتمة عن مذهب أبي حنيفة؛ فإنها عنده لا تستقر في الذمة. قال النشائي: لكن قوله: (وجبت) تكرار (¬2)، وقال بعضهم: يجوز أن يحترز بها عن أحد القولين في المعسر، لكن الأصح: استقرارها في ذمته. وقال في "التوشيح": ويمكن أن يقال: أفهم قوله: (وجبت) بعد صيغة (إذا) التي فيها معنى الشرط: أن وجوب الكفارة على الفور، وقد تضمن كلام الرافعي أنها على التراخي، وقول القفال: (إن كل كفارة سببها معصية على الفور) قد ينازع فيه؛ فإن الظهار معصية؛ قال الوالد رحمه الله في تفسيره: وقد يُدفع هذا بأن السبب هو العود أو مجموعهما على الخلاف فيه، والعود ليس بحرام. انتهى. 4170 - قوله: (وإن كانت الزوجة أمة فابتاعها الزوج عقب الظهار .. فقد قيل: إن ذلك عود فلا يطؤها بالملك حتى يكفر، وقيل: ليس بعود) (¬3) الأصح: الثاني، كما ذكره "المنهاج"، وعليه مشى "الحاوي" (¬4)، أما لو اشتغل بالمساومة وتقرير [الثمن] (¬5) .. فهو عائد في الأصح. قال الإمام: ومحلهما: إذا كان الشراء متيسرًا، وإلا .. فالاشتغال بتسهيله لا ينافي العود عندي (¬6). وقال صاحب "المعين" اليمني: إذا قلنا ببقاء ملك البائع في مدة الخيار .. كان عائدًا وجهًا واحدًا، وفيما ذكره نظر. 4171 - قول "التنبيه" [ص 186]: (وإن كان قذفها، ثم ظاهر منها، ثم لاعنها .. فقد قيل: ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 266). (¬2) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 154). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 186). (¬4) الحاوي (ص 522)، المنهاج (ص 436). (¬5) في (أ)، (ج): (اليمين)، والمثبت من باقي النسخ و"سراج على نكت المنهاج" (6/ 470). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (14/ 517).

إنه صار عائدًا، وقيل: لم يصر عائدًا) الأصح: الثاني، وقد ذكره "المنهاج" (¬1)، وقد يفهم كلامهما أنه لا يشترط سبق المرافعة، والأصح: خلافه. 4172 - قول "التنبيه" [ص 186]: (فإن راجعها، أو بانت ثم تزوجها، وقلنا: بعود الظهار .. فهل تكون الرجعة والنكاح عودًا أم لا؟ فيه قولان) أظهرهما: أن الرجعة عود دون تجديد النكاح، كما ذكره في (الرجعة) "المنهاج" و"الحاوي"، وفي (النكاح) "الحاوي" (¬2). 4173 - قول "التنبيه" [ص 186]: (وإن ظاهر الكافر من امرأته فأسلم عقب الظهار .. فقد قيل: إسلامه عودٌ، وقيل: ليس بعود) الأصح: الثاني، وصورة المسألة: أن تسلم هي أيضًا عقب الظهار مع إسلامه، أو تكون قد أسلمت وتخلف عنها ثم ظاهر منها وأسلم عقب ظهاره، أما إذا تراخى إسلامها عن الظهار؛ فإن كانت وثنية .. لم يكن عودًا قطعًا؛ لأنه إن كان قبل الدخول .. بانت، أو بعده .. فهي جارية إلى البينونة، وإن كانت كتابية .. فإسلامه عود قطعًا؛ لدوام الزوجية، وذكر بعضهم: أن عبارة "التنبيه": (فأسلما)، وفي "مذاكرة أهل اليمن": صوابه: (فأسلمت) فإن إسلامها يشعت النكاح كما يشعت الطلاق الرجعي، وإسلامه مصلح للنكاح كما تصلحه الرجعة. وقال في "التوشيح": كلامه يقتضي تعقيب (¬3) إسلامه الظهار، وهو ما اقتضاه كلام ابن يونس، والحق: الاكتفاء به إذا وقع في العدة. قلت: إذا لم يقع عقب الظهار .. لم يكن عودًا قطعًا؛ فإن العود قد حصل قبله. 4174 - قولهم - والعبارة لـ "التنبيه" -: (وإذا وجبت الكفارة .. حرم وطؤها إلى أن يكفر) (¬4) محله: في الظهار المطلق، أما في المؤقت .. فحتى يكفر أو تنقضي المدة، فإذا انقضت .. حل الوطء؛ لارتفاع الظهار، وبقيت الكفارة في ذمته، كذا في "الروضة" وأصلها (¬5). وقال شيخنا الإمام البلقيني: تبع فيه الرافعي البغوي والمتولي (¬6)، وهو بعيد من ظاهر القرآن والسنة وظاهر نص الشافعي؛ فإن الله تعالى عمم حكم المظاهرين بتحريم المسيس قبل التكفير، فمن قال: (أو انقضت المدة) فقد زاد شرطًا ليس في القرآن وذكر الآمدي وغيره: أن الآية نزلت ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 436). (¬2) الحاوي (ص 522)، المنهاج (ص 436). (¬3) في النسخ: (تعقب)، ولعل الصواب ما أثبت، والله أعلم. (¬4) انظر "التنبيه" (ص 187)، و "الحاوي" (ص 522)، و "المنهاج" (ص 436). (¬5) فتح العزيز (9/ 277)، الروضة (8/ 274). (¬6) انظر "التهذيب" (6/ 163).

في سلمة بن صخر (¬1)، وكان ظاهر مؤقتًا، ووطئ، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقربها حتى تكفر" (¬2)، لكن الذي في الأحاديث أن سببها أوس بن الصامت، وكان ظهاره غير مؤقت. 4175 - قول "التنبيه" [ص 187]: (وهل تحرم المباشرة بشهوة فيما دون الفرج؟ فيه قولان، أصحهما: أنها لا تحرم) حكاه الرافعي في "شرحيه" عن الأكثرين، وقطع به بعضهم (¬3)، لكن في "المحرر": أن الأولى: التحريم (¬4)، وعليه مشى "الحاوي"، فقال [ص 522]: (كالحائض)، واستدرك في "المنهاج" على "المحرر" فقال [ص 436]: (الأظهر الجواز)، وتناول كلام "التنبيه" وزيادة "المنهاج" الاستمتاع بما بين السرة والركبة، وفيه احتمالان للإمام، أقواهما عنده: أنه على الخلاف في الحائض (¬5). 4176 - قول "التنبيه" [ص 187]: (وإن ظاهر منها ظهارًا مؤقتًا فأمسكها زمانًا يمكن فيه الطلاق .. صار عائدًا، وقيل: لا يصير عائدًا) الأصح: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬6)، فلو قيد الظهار بمكان .. فهل هو كالزمان؟ قال شيخنا الإمام البلقيني: لم أر من تعرض لذلك، والقياس: أنه كالظهار المؤقت، وإذا قلنا: يتقيد بذلك المكان .. لم يكن عائدًا في ذلك الظهار إلا بالوطء في ذلك المكان، ومتى وطئها فيه .. حرم وطؤها مطلقًا حتى يكفر. انتهى. 4177 - قول "الحاوي" [ص 522]: (حتى يكفر بعدد المحلِّ، أو اللفظ، لا للتأكيد متصلًا) يفهم أنه إذا طلق في تكرير (أنت عليّ كظهر أمي) ولم ينو استئنافًا ولا تأكيدًا .. أنه تتعدد الكفارة، والأصح: خلافه. 4178 - قول "المنهاج" [ص 437]: (وأنه بالمرة الثانية عائدٌ في الأول) يقتضي أن الخلاف فيه قولان؛ فإنه عطفه على ما عبر فيه بالأظهر، لكن الذي في "الروضة" وأصلها أن الخلاف فيه وجهان، والله أعلم (¬7). * * * ¬

_ (¬1) انظر "الإحكام" للآمدي (2/ 258). (¬2) أخرجه أبو داوود (2223)، والترمذي (1199)، والنسائي (3457)، وابن ماجه (2065)، والحاكم (2817) من حديث سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما. (¬3) فتح العزيز (9/ 267). (¬4) المحرر (ص 350). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (14/ 509). (¬6) الحاوي (ص 521)، المنهاج (ص 437). (¬7) فتح العزيز (9/ 280)، الروضة (8/ 276).

كتاب الكفارة

كتابُ الكفّارة 4179 - قول "المنهاج" [ص 438] و"الحاوي" [ص 522]: (يُشترط نيتها لا تعيينها) أوضحه "التنبيه" بقوله [ص 188]: (ويكفيه في النية أن ينوي العتق أو الصوم أو الإطعام عن الكفارة) ويشترط مقارنة نية الإعتاق والإطعام لهما، كما صححه في "الروضة" وأصلها (¬1)، ومنعه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: نص الشافعي يخالفه؛ حيث قال في "الأم": بنيةٍ يُقَدِّمُهَا قبل العتق أو معه. انتهى (¬2). وما رجحه شيخنا تبعًا للنص جعله البندنيجي المذهب، وصححه في "شرح المهذب" في (الزكاة) (¬3)، وقال القفال في "فتاويه": عندي أنه لا بد من التعيين فيما إذا كان عليه صوم يمين وصوم كفارة ظهار؛ لاختلاف المقدار دون ما إذا كان عليه صوم شهرين عن الظهار والجماع والقتل، وقدم "المنهاج" ذكر النية على خصال الكفارة، وهو أحسن كما قال الرافعي (¬4)، وأخره "التنبيه" عنها، وذكره "الحاوي" تبعًا للغزالي في أثنائها، ولا وجه له. 4180 - قول "التنبيه" في رقبة الكفارة [ص 187]: (سليمة من العيوب التي تضر بالعمل) عبارة "الروضة": (تضر بالعمل إضرارًا بينًا) (¬5)، وعبارة "الحاوي" [ص 522]: (سليمة عن مُخِلٍّ بالعمل)، وعبارة "المنهاج" [أص 438]: (بلا عيب يُخل بالعمل والكسب). 4181 - قولهما: (وتجزئ العوراء) (¬6) قال في "الروضة" من زيادته: أي: إذا لم يضعف نظر السليمة، فإن ضعف وأضر بالعمل إضرارًا بينًا .. لم يجزئه، قاله في "الأم"، وقال الماوردي: إن منع ضعف البصر الخط وإثبات الوجوه القريبة .. منع، وإلا .. فلا (¬7). قال في "التوشيح": ولك أن تقول: كلامنا في مجرد العور. 4182 - قول "التنبيه" [ص 187]: (فإن كانت مقطوعة البنصر والخنصر .. لم تجز) قد يفهم أن ¬

_ (¬1) فتح العزيز (9/ 293)، الروضة (8/ 279). (¬2) الأم (5/ 281). (¬3) المجموع (6/ 168). (¬4) انظر "فتح العزيز" (9/ 295). (¬5) الروضة (8/ 284). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 187)، و "المنهاج" (ص 438). (¬7) الروضة (8/ 285)، وانظر "الأم" (5/ 282)، و"الحاوي الكبير" (10/ 492).

ذلك في الرِّجل أيضًا، وبه صرح الماوردي (¬1)، واعترضه في "الروضة" بأن قال: المعروف في طريقة الخراسانيين الإجزاء في قطع جميع أصابع الرجلين (¬2)، وبه صرح "المنهاج" و"الحاوي" (¬3)، والمراد: قطعهما من يد واحدة، فلو قُطِعَت خنصر من يد وبنصر من أخرى .. أجزأت، كما ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬4). 4183 - قول "التنبيه" [ص 187]: (ويجزئ من يجن ويفيق) محله: ما إذا كان زمن الجنون أقل، وكذا لو استويا في الأصح، فإن كان زمن الجنون أكثر .. لم يجز، كما ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬5). قال في "التوشيح": ومما يوضح أن هذا هو مراد "التنبيه" فلا يورد عليه ما إذا كان زمن الجنون أكثر أمران: أحدهما: قوله في "المهذب": فإن كان زمن الجنون أكثر .. لم يجزئه؛ لأنه يضر به إضرارًا بينًا (¬6). والثاني: قوله هنا: (التي تضر بالعمل) (¬7). قلت: الإيراد على اللفظ لا على الإرادة، وقال شيخنا الإمام البلقيني: كلام الشافعي في "الأم" يقتضي إطلاقه جواز من تقطع جنونه من غير تقييد، ولو قيل به .. لم يبعد. انتهى (¬8). وعبر شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" عن عدم إجزاء من جنونه أكثر بـ (الصواب) (¬9)، ويرد عليه: ما تقدم من إطلاق "الأم"، وأن في "الكفاية" في شرح عبارة "التنبيه": هكذا لفظ ابن الصباغ وظاهر نص الشافعي على ما حكاه الإمام من غير تفريق بين أن يكون زمن الإفاقة أقل أو أكثر أو مساويًا (¬10). ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (10/ 493). (¬2) الروضة (8/ 284، 285). (¬3) الحاوي (ص 522)، المنهاج (ص 438). (¬4) الحاوي (ص 522)، المنهاج (ص 438). (¬5) الحاوي (ص 522)، المنهاج (ص 438). (¬6) المهذب (2/ 115). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 187). (¬8) الأم (5/ 282). (¬9) تذكرة النبيه (3/ 337). (¬10) قال الإمام: ونص الشافعي على من كان يجن ويفيق فإعتاقه مجزئ، وهذا ظاهر إن قل زمان الجنون وكثر زمان الإفاقة، فأما إذا كان زمان الجنون أكثر .. فما نرى الشافعي يقول ذلك رضي الله عنه، وإن استوى الزمانان في النُّوَب .. فظاهر النص الإجزاء، وفيه احتمالٌ من طريق المعنى. انظر "نهاية المطلب" (14/ 556).

قال في " الروضة ": واختار صاحب " الحاوي " طريقة حسنة، فقال: إن كان زمن الجنون أكثر .. لم يجزئه، وإن كانت الإفاقة أكثر؛ فإن كان يقدر على العمل في الحال .. أجزأ، وإن كان لا يقدر على العمل إلا بعد حين .. لم يجزئ، قال: ويجزئ المغمى عليه؛ لأن زواله مرجوٌّ (¬1). 4184 - قول " التنبيه " [ص 187]: (ولا يجزئ المريض المأيوس منه) قد يفهم تحتم منع إجزائه، لكن لو برأ .. بأن الإجزاء في الأصح، كما ذكره " المنهاج " و" الحاوي " (¬2)، بخلاف ما لو أعتق أعمى، فأبصر .. فإنه لا يجزئ، كما ذكره في " أصل الروضة " في (الضحايا) (¬3)، والفرق: تحقق اليأس في العمى، وعود البصر نعمة جديدة، بخلاف المرض، أما عكسه - وهو إعتاق من يُرجى، فيموت - .. فالأصح: إجزاؤه أيضًا؛ لوجود الرجاء حالة الإعتاق، والموت يجوز أن يكون بهجوم علة. 4185 - قول " التنبيه " [ص 187]: (والأخرس إذا فهمت إشارته) موافق لقول " الحاوي " [ص 522]: (وخَرس مفهِمًا)، لكن عبارة " الروضة " وأصلها: (ويجزئ الأخرس الذي يفهم الإشارة) (¬4) فاعتبرا فهمه لإشارة غيره، وقد يقال: فهمه إشارة غيره وفهم غيره إشارته متلازمان لا يوجد أحدهما بدون الآخر، وقد يمنع ذلك. وقال صاحب " المعين ": هذا إذا كان إسلامه تبعًا لأحد أبويه، أو كان كبيرًا فأشار بالإسلام وصلى، وهل يكفي مجرد الإشارة من غير صلاة؟ وجهان، أما إذا لم يثبت إسلامه إلا بالإشارة قبل البلوغ .. فلا يجزئ عتقه على الأصح. 4186 - قول " التنبيه " [ص 187]: (وإن جمع الصمم والخرس .. لم يجزئه) كلام " الروضة " وأصلها يقتضي إجزاءه مع جمعهما إذا فهم الإشارة؛ فإنه بعد قوله: (ويجزئ الأخرس الذي يفهم الإشارة) قال: وعن القديم: منعه؛ فقيل: قولان، والصحيح: أنهما على حالين، فالإجزاء فيمن يفهم الإشارة والمنع فيمن لا يفهمها، وقيل: الإجزاء إذا لم ينضم إلى الخرس صمم، والمنع إذا انضم، وحكى ابن كج عن ابن الوكيل: القطع بالمنع إذا انضم، وقولين إذا تجرد الخرس. انتهى (¬5). ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 284)، وانظر " الحاوي الكبير " (10/ 493). (¬2) الحاوي (ص 522)، المنهاج (ص 438). (¬3) الروضة (3/ 218). (¬4) الروضة (8/ 285). (¬5) الروضة (8/ 285).

فانظر كيف جعل المنع عند جمعهما مرجوحًا. 4187 - قوله: (وإن اشترى من يعتق عليه بالقرابة ونوى الكفارة .. لم يجزئه) (¬1) أحسن من قول " المنهاج " [ص 438]: (ولا يجوز شراء قريبٍ بنية كفارةٍ) إذ ليس فيه تصريح بأن ذلك القريب يعتق عنه وإن كان هذا واضحًا، ولو عبرا بالتملك .. لكان أعم، فإن هبته له، وإرثه وقبول الوصية به كذلك. 4188 - قول " التنبيه " [ص 187]: (ولا يجزئ المكاتب) محله: في المكاتب كتابة صحيحة، كما ذكره " المنهاج " و" الحاوي " (¬2)، أما المكاتب كتابة فاسدة .. فيجزئ. 4189 - قول " الحاوي " [ص 522]: (كاملة الرق) خرج به: العبد الموصى بمنفعته، والمستأجر إن قلنا: لا يرجع على السيد بأجرة منافعه بعد العتق، وهو الأصح. وقال في " المهمات ": كيف يستقيم ذلك في المستأجر والموصى بمنفعته مدة مع ما سبق من إجزاء المريض الذي لا يقدر على العمل ولكنه يُرجى، وكذا الصغير والمجنون إذا لم يكن جنونه أكثر من إفاقته، ولو كان مجنونًا حالة الإعتاق .. لا يمكنه الاكتساب، ونفقة الجميع في بيت المال؟ وقال شيخنا الإمام البلقيني: المنع في الوصية المؤقتة بعيد، والأقرب: الجواز، وبناء الرجوع على مسألة المستأجر انفرد به صاحب " التتمة "، وهو مردود، والأقرب: الجواز، وإن قلنا: لا يرجع بأجرة منافعه؛ لأن ذلك لا يضر بالعمل، وإنما يمنع حصول المنافع للعتيق، وذلك غير معتبر كما في الصغير. 4190 - قول " التنبيه " [ص 187]: (ولا يجزئ المغصوب) صحح الرافعي: إجزاءه (¬3)، وعليه مشى " الحاوي " (¬4)، وقال النووي: أكثر العراقيين على أنه لا يجزئ قطعًا؛ لعدم استقلاله كالزمن، وجمهور الخراسانيين على الإجزاء؛ لتمام الملك والمنفعة، وفيه وجه ثالث قاله صاحب " الحاوي ": إن قدر العبد على الخلاص بهرب وإن لم يقدر على العود إلى سيده .. أجزأه عن الكفارة؛ لقدرته على منافع نفسه، وإن لم يقدر على الخلاص .. فالإجزاء موقوف وإن لم يكن عتقه موقوفًا، كالغائب إذا عُلمت حياته بعد موته، وهذا الذي قاله قوي جدًا (¬5). ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 187). (¬2) الحاوي (ص 522)، المنهاج (ص 438). (¬3) انظر " فتح العزيز " (9/ 307). (¬4) الحاوي (ص 522). (¬5) الروضة (8/ 290، 291)، وانظر " الحاوي الكبير " (10/ 475).

وخص في " الكفاية " الخلاف بالعاجز، وجزم في القادر على الخلاص بالإجزاء، وهو مخالف لما تقدم من كونه وجهًا ثالثًا. 4191 - قول " الحاوي " [ص 522]: (ورُهِنَ) أي: يجوز إعتاق المرهون، استثنى منه في " الروضة " من زوائده في (الرهن): ما لو أعتقه عن كفارة غيره .. قال: فلا يعتق؛ لأنه بيعٌ، قاله القاضي حسين في " فتاويه " (¬1). قال في " المهمات ": وكذا لو أعتقه عن غيره بلا عوض؛ لأنه هبة للرهن وهو ممتنع. 4192 - قول " التنبيه " [ص 187]: (وفي الغائب الذي انقطع خبره قولان) الأصح: عدم الإجزاء، وعليه مشى " الحاوي " (¬2)، فإن تواصل خبره بعد ذلك .. بأن الإجزاء، وفي الجيلي عن " الحاوي ": أنه إذا انقطع خبره لخوف في الطريق .. الإجزاء قطعًا. 4193 - قول " التنبيه " [ص 187]: (وإن أعتق نصف عبدين .. فقد قيل: يجزئه، وقيل: لا يجزئه، وقيل: إن كان الباقي حرًا .. أجزأه، فين كان عبدًا .. لم يجزئه) الأصح: الثالث، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي "، وحكى ابن الصباغ عن الأكثرين: الجواز، وصور " المنهاج " المسألة: بأن يكون المعتق معسرًا (¬3). وقال شيخنا الإمام البلقيني: فيه تعقب؛ لأن اسم الرقبة إن كان موجودًا .. فينبغي أن يجزئ ذلك عن الموسر أيضًا، وإن لم يكن موجودًا .. فلا ينبغي أن يجزئ عن المعسر. قلت: هذا عجيب؛ فإنه لا يخفى أن التفرقة بينهما إنما هي لأنه إذا كان موسرًا .. عتق عليه باقيهما. 4194 - قول " المنهاج " [ص 439]: (وإن قال: " أعتقه عني على كذا " ففعل .. عتق عن الطالب وعليه العوض) كذا لو لم يشرط عوضًا ولا نفاه .. فالأصح: الرجوع أيضًا، كما لو قال: (اقض ديني) ولم يشترط الرجوع، وخص الإمام والسرخسي هذا الخلاف بمن قال: (أعتقه عن كفارتي) ليكون كالدين، فإن قال: (عني) ولا عتق عليه .. أطلق السرخسي: أنه لا شيء عليه، وخرجه الإمام على أن الهبة هل تقتضي الثواب؟ (¬4) 4195 - قوله: (ومن ملك عبدًا أو ثمنه فاضلًا عن كفاية نفسه وعياله نفقةً وكسوةً وسكنى وأثاثًا لا بد منه .. لزمه العتق) (¬5) فيه أمران: ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 77). (¬2) الحاوي (ص 522). (¬3) المنهاج (ص 438). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (14/ 543، 544). (¬5) انظر " المنهاج " (ص 439).

أحدهما: محله فيمن ملك عبدًا: ألَّا يحتاج إلى خدمته، فإن احتاج لذلك؛ لزمانة أو مرض أو كبر أو ضخامة أو منصب لا يليق معه أن يخدم نفسه .. لم يلزمه العتق، وقد ذكره " التنبيه " فقال [ص 187]: (وإن كان عادمًا للرقبة وثمنها أو واجدًا وهو محتاج إليه للخدمة) و" الحاوي " فقال [ص 523]: (أو ملك محتاجًا إليه لمرضٍ ومنصبٍ). ثانيهما: أنه لم يقيد النفقة والكسوة بمدة؛ وقال الرافعي: لم يُقدِّروا لهما مدة، فيجوز اعتبار مدة العمر، ويجوز اعتبار سنة؛ ويؤيده قول البغوي: يُترك له ثوب الشتاء وثوب الصيف (¬1)، وصوب النووي: الثاني (¬2). وقال ابن الرفعة: قد تعرض له الأصحاب بقولهم في كفارة اليمين: إذا لم تكن له كفاية على الدوام .. أخذ من الصدقة والكفارة؛ ولا يكفر بالمال. وقال الشيخ زين الدين بن الكتناني في " حواشي الروضة ": قد صرح البغوي بالاحتمال الثاني، وجزم به في " فتاويه " في (الأيمان) وقاسه على الزكاة، قال: وفي اعتبار الكفارة بالزكاة نظر؛ لمشي الزكاة على سد الخلة، وأقل مدة تدفع حاجة الفقر سنة، وأما الكفارة بعتق الرقبة: فالانتقال عنها منوط بعدم الوجدان. قال في " التوشيح ": ثم إن البغوي إنما اعتبر السنة؛ لأنه لا يعتبرها في الزكاة، والنووي صحح في الزكاة: أن الاعتبار بكفاية العمر (¬3)، فإن اعتبرها بها .. فليسوّ بينهما، وإلا .. فليست مثلها، ثم هذا التردد من الرافعي قد نقله خلافًا في (كتاب الحج)، فقال في استئجار المعضوب باعتبار كونه فاضلًا عن نفقة العيال وكسوتهم يوم الاستئجار لا بعد فراغ الأجير من الحج إلى إيابه: وفي اعتبار مدة الذهاب وجهان، أصحهما: لا يعتبر (¬4). فانظر كيف لم يعتبر لا السنة ولا العمر الغالب، وهو ما ذكره ابن الكتناني بحثًا. وقال في " المهمات ": اعتبار النووي للسنة لا يلائم نقله عن الجمهور ووافقهم عليه: أن من له رأس مال لو بيع فصار مسكينًا .. كفر بالصوم. واستثنى في " المهمات " من التكفير بالمال: السفيه ولو كان موسرًا، وإن كان إطلاقهم هنا يشمله؛ فإن الرافعي ذكر في (الحجر): أنه كالمعسر، حتى إذا حلف وحنث .. كفر بالصوم (¬5). ¬

_ (¬1) فتح العزيز (9/ 315)، وانظر " التهذيب " (6/ 177). (¬2) انظر " الروضة " (8/ 296). (¬3) انظر " الروضة " (2/ 324). (¬4) انظر " فتح العزيز " (3/ 304). (¬5) انظر " فتح العزيز " (5/ 79).

4196 - قول " التنبيه " [ص 187]: (وإن كان واجدًا لما يصرفه في العتق في بلده عادمًا له في موضعه .. فقد قيل: يكفر بالصوم، وقيل: لا يكفر) الأصح: الثاني كسائر الكفارات، صححه النووي في " تصحيحه " (¬1)، وأشار الغزالي والمتولي إلى ترجيحه (¬2)، وجزم به الماوردي (¬3)، وعليه مشى " الحاوي " (¬4). وقال شيخنا الإمام البلقيني: ينبغي أن يقيد بحالة لا يعد فيها معسرًا، فلو اقتضت الغيبة عده معسرًا؛ حتى يصرف إليه من سهم أبناء السبيل ومن سهم الفقراء والمساكين، وحتى تفسخ الزوجة ذلك (¬5) النكاح، وحتى للبائع الفسخ على الأصح: فينبغي أن يجوز له التكفير بالصوم؛ لأنه معسر في هذه الحالة، ويتأكد الأمر في الظهار؛ لتضرره بفوات الاستمتاع، قال: ولم أر من تعرض لذلك، وكأنهم رأو أن الكفارة لا توقيت فيها. انتهى. وذكر صاحب " المعين " اليمني: أن محل الخلاف: إذا بلغت مسافة المال شهرين فأكثر، وقال: إنه مفهوم من كلام الأصحاب. وكأنه أخذه من تعليلهم بالمشقة في ترك الوطء، وحكاه صاحب " المذاكرة " عن الغزالي، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إن هذا غلط لا يصح. 4197 - قول " التنبيه " [ص 187، 188]: (وإن اختلف حاله ما بين أن يجب إلى حال الأداء، فكان موسرًا في إحدى الحالين معسرًا في الأخرى .. اعتبرت حاله عند الوجوب في أصح الأقوال، وتعتبر حاله عند الأداء في الثاني) الأصح: الثاني، كما ذكره " المنهاج "، ومشى عليه " الحاوي " (¬6). قول " التنبيه " [ص 188]: (ويعتبر أغلظ الحالين في الثالث) مقتضاه: أنه إذا تخلل اليسار الحالتين ثم زال ... أنه لا عبرة به، وبه صرح الإمام، وأشار إلى أنه متفق عليه (¬7)، وعبارة الأكثرين في حكايته: أنه يعتبر أغلظ حاله من الوجوب إلى الأداء، نبه على ذلك في " الكفاية ". وقد يجاب: بأن، ظاهر كلام " التنبيه " فرض المسألة في حالين لا أحوال؛ حيث قال: ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (2/ 86). (¬2) انظر " الوجيز " (2/ 88). (¬3) انظر " الحاوي الكبير " (10/ 461). (¬4) الحاوي (ص 523). (¬5) في (ب)، (ج)، (د): (بملك) والمثبت من (أ)، وفي " حاشية الرملي " (3/ 367): (بذلك) ولعله الصواب، والله أعلم. (¬6) الحاوي (ص 523)، المنهاج (ص 439). (¬7) انظر " نهاية المطلب " (14/ 568).

(فكان موسرًا في إحدى الحالين معسرًا في الأخرى) (¬1). 4198 - قوله: (وقيل: يلزمه أن ينوي في الصوم التتابع في كل ليلة، وقيل: في أول الصوم، والصحيح: أنه لا يلزمه ذلك) (¬2) ذِكْرُ هذا التصحيح مكرر؛ للتصريح به في قوله: (ويكفيه في النية ... إلى آخره) نبه عليه في " التحرير " (¬3). 4199 - قوله: (وإن خرج بما يمكن التحرز عنه؛ كالعيد وشهر رمضان .. بطل التتابع) (¬4) فيه تجوز؛ فإنه إذا شرع في وقت يعلم دخول ما يقطع التتابع قبل فراغه منه .. لم ينعقد ابتداء عن الكفارة؛ لتحقق عدم الشرط؛ ولذلك قال في " المحرر ": (لو ابتدأ بصوم الشهرين قريبًا من مجيء رمضان .. لم يُعتد به عن الكفارة) (¬5)، وأسقطه " المنهاج ". نعم؛ لو صام الأسير بالاجتهاد ووافق آخر صومه ذلك .. فعن ابن كج: إلحاقه بالمرض. 4205 - قول " التنبيه " [ص 188]: (وإن أفطر بما لا يمكن الاحتراز منه كالمرض .. ففيه قولان) الأظهر: بطلانه، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 439]: (إنه الجديد). ثم يستثنى من كلام " التنبيه ": الحيض والنفاس والجنون والإغماء؛ فإنها لا تقطع التتابع مع أنه لا يمكن التحرز منها، وقد ذكر ذلك " المنهاج " فقال [ص 439]: (لا بحيضٍ وكذا جنونٌ على المذهب). وقد يقال: كيف يتصور الحيض في كفارة الظهار؟ (¬6). وجوابه: أنه لا يتصور، وإنما ذلك استطراد بذكر كفارة القتل ووقاع رمضان إن ألزمناها به كفارة، أما كفارة اليمين إذا أوجبنا فيها التتابع على القديم .. فهل ينقطع بالحيض؛ فيها ثلاث طرق، إجراء قولين، والقطع بكل منهما. وعذر " المنهاج " عن ذكر الحيض هنا: أنه يتكلم على مطلق الكفارة؛ ولذلك أفرد لها بابًا، وقال النووي: أطلق الجمهور أن الحيض لا يقطع، وذكر المتولي: أنها لو كانت لها عادة طهر تمتد شهرين فشرعت في وقت يتخلله الحيض .. انقطع (¬7). ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 187). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 188). (¬3) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 272). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 188). (¬5) المحرر (ص 354). (¬6) في حاشية (ج): (لأنه لا يحسب على النساء، قال الزركشي: بل قد يتصور في المرأة؛ بأن تصوم عن قريبها الميت أو العاجز في كفارة الظهار بناء على القديم المختار. انتهى، قال الزركشي: قلت: حكاه في " الشامل " عن الأصحاب). (¬7) انظر " الروضة " (8/ 302).

4201 - قول " التنبيه " [ص 188]: (وإن أفطر بالسفر .. فقد: قيل يبطل، وقيل: على قولين) هما القولان في المرض، والمذهب: بطلانه، ولم يرجح الرافعي واحدًا من الطريقين (¬1)، وذكر أبو القاسم عمر بن محمد الجزري في " فتاويه " - وهو من أصحاب الغزالي -: أن من أفطر في صوم الكفارة عامدًا وهو جاهل بقطع التتابع .. لا ينقطع التتابع، وقال: هذا يقع لي ولا أحفظ فيه مسطورًا. انتهى. وكيف يُعذر بجهل ذلك مع النص عليه في القرآن؟ ! 4202 - قوله: (وإن لم يستطع الصوم لكبر، أو مرض لا يُرجى زواله .. كفر بالطعام) (¬2) حكى في " المنهاج " اعتبار كون المرض لا يُرجى زواله عن الأكثرين (¬3)، وقال الإمام والغزالي وغيرهما: يجوز بمرض يدوم شهرين في غالب الظن (¬4)، وصححه في " الروضة " من زوائده (¬5)، وقول " الحاوي " [ص 523]: (ومرضٍ يدوم) محتمل لهما، وهو إلى الأول أقرب؛ لأنه لم يقيد دوامه بمدة، وعبر " التنبيه " و" المنهاج " بالإطعام اتباعًا للفظ القرآن، والمراد: تمليكهم، كما صرح به " الحاوي " (¬6)، ويدل له قول " التنبيه " [ص 188]: (وإن غداهم وعشاهم بذلك .. لم يجزئه). 4203 - قول " التنبيه " [ص 188] و" الحاوي " [ص 523]: (ستين مسكينًا) اتبعا فيه لفظ القرآن، والفقير في معناه، وقد صرح به " المنهاج " فقال [ص 439]: (أو فقيرًا). 4204 - قول " التنبيه " [ص 188]: (فيطعم ستين مسكينًا لكل مسكين مدا) أحسن من قول " المنهاج " [ص 439] و" الحاوي " [ص 523]: (ستين مسكينًا ستين مدًا) فإن عبارتهما لا تنافي التفاوت بينهم؛ بأن يطعم واحدًا مدين وآخر نصف مد مع أنه لا يجوز؛ فلو عبر " الحاوي " بمثل قوله في كفارة اليمين: (أو يُمَلِّك عشرة مساكين مُدًّا مدًّا) (¬7) .. لكان أصوب. 4205 - قول " التنبيه " [ص 188]: (ولا يجوز دفعه إلى من تلزمه نفقته) لو حذف (الهاء) في (تلزمه) .. لكان أولى؛ ليندرج فيه من هو في نفقة غيره، نبه عليه في " التحرير " (¬8)، لكنه عبر به في " الروضة " (¬9). ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (9/ 324). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 188). (¬3) المنهاج (ص 439). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (14/ 572)، و " الوجيز " (2/ 89). (¬5) الروضة (8/ 308). (¬6) الحاوي (ص 523). (¬7) الحاوي (ص 647). (¬8) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 271). (¬9) الروضة (8/ 306).

4206 - قوله: (فإن أخرج من دون قوت البلد من حب تجب في الزكاة .. ففيه قولان) (¬1) الأصح: أنه لا يجزئ. 4207 - قوله: (فإن كان قوت البلد مما لا زكاة فيه؛ فإن كان أقطًا .. فعلى قولين) (¬2) الأصح: الإجزاء. 4208 - قوله: (وإن كان لحمًا أو لبنًا .. فقد قيل: لا يجوز، وقيل: على قولين) (¬3) الأصح: عدم الإجزاء، كما ذكره النووي في " تصحيحه " هنا (¬4)، والذي في " أصل الروضة ": أن فيهما خلافًا مرتبًا على الأقط، وأولى بالمنع (¬5)، وصحح في (الفطرة): إجزاء اللبن (¬6)، وهو مخالف لما رجحه هنا، وعبر " المنهاج " عن ذلك كله بعبارة مجملة شاملة، فقال [ص 439]: (مما يكون فطرةً). 4209 - قول " التنبيه " [ص 188]: (وإن كان كافرًا .. كَفّر بالمال دون الصوم) قد يفهم منه جواز انتقاله عند العجز عن الإعتاق إلى الإطعام من غير نظر إلى عجزه عن الصوم وقدرته عليه، وليس كذلك، بل المنقول: أنه لا ينتقل إلى الإطعام إلا عند عجزه الحسي كالمسلم؛ فإنه قادر على الصوم بالإسلام، أما إذا كان مرتدًا .. ففي تكفيره بالعتق والإطعام قولان. قال الرافعي: ويصحان من الكافر بغير نية؛ أي: بغير نية التقرب، أما نية التمييز: فيشبه أن تعتبر كما في قضاء الديون (¬7)، وجزم في " الروضة " بهذا، إلا أنه أسقط قضاء الديون (¬8). ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 188). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 188). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 188). (¬4) تصحيح التنبيه (2/ 88). (¬5) الروضة (8/ 307). (¬6) انظر " الروضة " (2/ 302). (¬7) انظر " فتح العزيز " (9/ 295). (¬8) الروضة (8/ 280، 281).

كتاب اللعان

كتابُ اللِّعان 4210 - قول " المنهاج " [ص 440]: (يسبقه قذف) كذا نفي ولد. 4211 - قول " الحاوي " [ص 524]: (قذف المكلف ... ) إلى أن قال: (بالنيك، وإيلاج الحشفة في الفرج) أي: مع الوصف بالتحريم فيهما، كما قيده في " الروضة " وأصلها (¬1)، وذى " المنهاج " الثانية، فقال [ص 440]: (والرمي بإيلاج حشفةٍ في فرج مع وصفه بالتحريم)، وكان إهمال " الحاوي " ذلك؛ لوضوحه. وقال شيخنا الإمام البلقيني: لا يكفي ذلك في الصراحة؛ لتناوله وطء زوجته وهي معتدة عن شبهة أو حائض أو نفساء ونحو ذلك مما ليس صريحًا في القذف، فلا يبنغي أن يعد ذلك صريحًا إلا بأن ينضم إليه ما يقتضي الزنا، فإن قيل: فقول الأجنبي: (لست ابن فلان) يكون به على النص المقرر قاذفًا لأمه .. قلنا: لغلبة استعماله في القذف بخلاف الوصف بالتحريم. 4212 - قول " المنهاج " [ص 440]: (أو دُبُرٍ) أي: ومن الصريح الرمي بإيلاج حشفة في دبر وإن لم يصفه بالتحريم؛ لأنه لا يكون إلا محرمًا، ولم يصرح بهذه الصورة في " الروضة " وإن اقتضاها كلامه. 4213 - قول " التنبيه " في الصرائح [ص 243]: (يا لوطي) خالفه فيه الرافعي، فجزم بأنه كناية (¬2)، لكن اعترضه النووي فقال: قد غلب استعماله في العرف لإرادة الوطء في الدبر، فينبغي أن يقطع بأنه صريح، وإلا .. فيخرج على الخلاف فيما إذا شاع لفظ في العرف؛ كـ (حلال الله عليّ حرام) وأما احتمال إرادة أنه على دين قوم لوط .. فلا يفهمه العوام، ولا يسبق إلى فهم غيرهم، فالصواب: الجزم بأنه صريح، وبه جزم في " التنبيه " وإن كان المعروف في المذهب أنه كناية. انتهى (¬3). لكنه اعترض في " التصحيح " على " التنبيه " وقال: الصواب: أنه كناية (¬4). ويتعجب من تعبيره بالصواب عن الصراحة والكناية، وقد استغرب ذلك في " المهمات " وغيرها وقال شيخنا ابن النقيب: كان الأحسن: أن يقول: المختار: أنه صريح، ¬

_ (¬1) فتح العزيز (9/ 335)، الروضة (8/ 311). (¬2) انظر " فتح العزيز " (9/ 335). (¬3) انظر " الروضة " (8/ 311، 312). (¬4) تصحيح التنبيه (2/ 232).

فيُعلم قوة صراحته دليلًا، وتصحيح كنايته مذهبًا (¬1). قلت: لا اصطلاح له في لفظ الصواب في " الروضة "، وأما في " التصحيح ": فقد أتى بلفظ (الصواب) في موضعه؛ لأنه المعروف في المذهب كما قاله في " الروضة "، فأراد بالصواب في " الروضة ": ترجيحه من حيث الدليل، وفي " التصحيح ": ترجيحه من جهة المذهب، لكن في " الكفاية " عن " الكافي " وجه أنه صريح، ويعترض بذلك على تعبيره في " التصحيح " عن كونه كناية بالصواب؛ لوجود الخلاف في ذلك، وفي بعض نسخ " التنبيه " بدله: (يا لائط). 4214 - قول " الحاوي " في أمثلة الكناية [ص 525]: (زَنَأْتَ) (¬2) يتناول ما إذا اقتصر عليه، وما إذا ضم إليه: (في الجبل)، وقد جزم به في الثانية " التنبيه " و" المنهاج "، وصححاه في الأولى (¬3)، وما إذا ضم إليه: (في البيت) وهو قذف على الصحيح، كما قاله الرافعي (¬4)، قال النووي: هذه عبارة البغوي، وقال غيره: إن لم يكن للبيت درج يصعد إليه فيها .. فقذفٌ قطعًا، وإن كان .. فوجهان (¬5). وقد يقال: لم تتناول عبارة " الحاوي " سوى صورة الإطلاق، وقوله: (في الجبل) مأخوذة من طريق الأولى، فلا يرد عليه صورة قوله: (في البيت) وفي " أصل الروضة " في صورة الإطلاق: أنه نسب كونه قذفًا إلى نصه في " الجامع الكبير " (¬6). قال شيخنا الإمام البلقيني: وجزم به الجرجاني في " التحرير " (¬7)، وهو قوي بالنص، ولكن المعنى يساعد الأول. 4215 - قول " المنهاج " [ص 440]: (و " زنيت في الجبل " صريحٌ في الأصح) قد يفهم صراحة قوله: (يا زانية في الجبل) بالياء، لكن نص الشافعي على أنه كناية، حكاه في زيادة " الروضة "، وقال: إنه المعتمد (¬8). 4216 - قوله في الكنايات: (وقوله: " يا فاجر "، " يا فاسق "، ولها: " يا خبيثة ") (¬9) ¬

_ (¬1) انظر " السراج على نكت المنهاج " (7/ 26). (¬2) زنات في الجبل: مهموز؛ أي: صعدت. انظر " الدقائق " (ص 71). (¬3) التنبيه " ص 243 "، المنهاج (ص 440). (¬4) انظر " فتح العزيز " (9/ 341). (¬5) انظر " التهذيب " (6/ 221)، و " الروضة " (8/ 316). (¬6) الروضة (8/ 316). (¬7) التحرير (2/ 157). (¬8) الروضة (8/ 316)، وانظر " الأم " (5/ 296). (¬9) انظر " المنهاج " (ص 440).

لا معنى لهذا التفريق؛ فقوله للمرأة: (يا فاجرة)، (يا فاسقة)، وللرجل: (يا خبيث) كناية أيضًا، وقد ذكر " التنبيه " قوله للرجل: (يا خبيث) (¬1). 4217 - قول " المنهاج " [ص 440]: (ولقرشيٍّ: يا نَبَطِيُّ) مثال، فلو قاله لعربي غير قرشي .. كان كذلك، وكذا لو قال لنبطي: (يا قرشي)، أو (يا عربي) .. فهو كناية في قذف أمه، فلو قال: (أردت أنه نبطي اللسان أو الدار) وكذبه المقذوف؛ فإن حلف القاذف .. فلا حد، وإلا .. حلف المقذوف أنه أراد نفيه فيحد له. 4218 - قوله: (ولزوجته: " لم أَجِدْكِ عذراء ") (¬2) مفهومه: أنه لو قال ذلك لأجنبية .. لم يكن كناية، ويوافقه قول " أصل الروضة ": لو قال لزوجته: (لم أجدك عذراء)، أو (وجدت معك رجلًا) .. فليس بصريح على المشهور، وحُكي عن القديم: أنه صريح، ولو قاله لأجنبية .. فليس بصريح قطعًا؛ لأنه قد يريد زوجها. انتهى (¬3). فهذا التعليل يقتضي في مسألة الأجنبي أنها مصورة بقوله: (وجدت معك رجلًا)، لا بقوله: (لم أجدك عذراء)، لكن في " الكفاية ": قوله للأجنبية: (ليست عذراء)، أو (وُجِد معك رجل) كناية، فلو قاله الزوج لزوجته .. فكذا في الأصح، وفي القديم: هو صريح. انتهى. فإن صح ذلك .. لم يكن لتقييد " المنهاج " بالزوج فائدة؛ لأن الأجنبي كذلك، بل أولى؛ لأنه مجزوم به فيه، بخلاف الزوج. قال شيخنا ابن النقيب: وقد أطلقوا المسألة، ويظهر أنها مصورة فيمن لم يُعلم لها تقدم افتضاض مباح، فإن عُلم .. فليس بشيء جزمًا (¬4). قلت: هذا واضح لا بد منه. 4219 - قول " التنبيه " في الكناية [ص 243]: (أو " يا حلال بن الحلال " وهما في الخصومة) فيه أمران: أحدهما: الأصح: أنه ليس بكناية، بل تعريض، وليس بقذف وإن نواه، وعليه مشى " المنهاج " و " الحاوي " (¬5)، ونقل شيخنا الإمام البلقيني عن نص " الأم " في التعريض بالخطبة: (وقلنا: لا نَحُد أحدًا في تعريضٍ إلا بارادة التصريح بالقذف) (¬6)، وقال: هذا يدل على خلاف ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 243). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 440). (¬3) الروضة (8/ 312). (¬4) انظر " السراج على نكت المنهاج " (28/ 7). (¬5) الحاوي (ص 525)، المنهاج (ص 440). (¬6) الأم (5/ 37).

ما صححوه من أنه لا حد في التعريض وإن نوى القذف. ثانيهما: قد يفهم من قوله: (وهما في الخصومة) أنهما إذا لم يكونا في خصومة .. لا يكون كناية، وليس كذلك، وإنما أراد: أن الخصومة لا تصيره صريحًا كما صار إليه مالك رحمه الله. 4220 - قول " المنهاج " [ص 440]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 525]: (وقوله: " زنيت بكِ " إقرارٌ بزنًا وقذفٌ) رأي الإمام أنه ليس صريحًا في القذف؛ لاحتمال كون المخاطب مكرهًا (¬1). قال الرافعي: وهذا قوي؛ ويؤيده أنه لو قال لها: (زنيت مع فلان) .. كان قاذفًا لها دون فلان، قال: والمعروف في المذهب الأول (¬2). 4221 - قولهما أيضًا: (ولو قال لزوجته: " يا زانية "، فقالت: " رنيت بكَ " أو " أنت أزنى مني " .. فقاذفٌ وكانيةٌ) (¬3) قال شيخنا الإمام البلقيني: ظاهره أنها ليست مقرةً بالزنا أيضًا، وهو المنصوص في " الأم " و" المختصر " (¬4)، واتفق عليه الأصحاب، ولكنه مشكل؛ لأن قولها (¬5) إقرار صريح بالزنا، وجعلوا (بك) صريحًا في القذف إذا كان ابتداء كلام، وجعلوا الجواب بذلك رافعًا لصريح الإقرار بالزنا، والظاهر القذف، وكان ينبغي ألَّا يكون رافعًا لصريح الإقرار بالزنا. 4222 - قولهم في الصرائح: (زنى فرجك) (¬6) وفي " المنهاج " و" الحاوي ": (أو ذكرك) محله: في غير الخنثى المشكل، فأما فيه: فإنما يكون صريحًا إذا جمعهما، فلو اقتصر على أحدهما .. فقال صاحب " البيان ": مقتضى المذهب: أنه كإضافته إلى اليد (¬7)، حكاه عنه الرافعي في (باب حد القذف)، وارتضاه (¬8)، والنووي من زيادته هنا، وأقره (¬9). 4223 - قول " التنبيه " [ص 243]: (وإن قال: " زنا يدك أو رجلك " .. لم يحد) أي: إن لم ينو القذف، ولهذا ذكر " المنهاج " أنه كناية (¬10)، فهي أحسن من عبارة " التنبيه " لأنها قد توهم عدم الحد مطلقًا. ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (15/ 87). (¬2) انظر " فتح العزيز " (9/ 337). (¬3) انظر " الحاوي " (ص 525)، " المنهاج " (ص 440). (¬4) الأم (5/ 294)، مختصر المزني (ص 213). (¬5) أي: قولها: (زنيتُ). (¬6) انظر " التنبيه " (ص 243)، و " الحاوي " (ص 524)، و " المنهاج " (ص 441). (¬7) البيان (12/ 412). (¬8) انظر " فتح العزيز " (11/ 168). (¬9) انظر " الروضة " (8/ 317). (¬10) المنهاج (ص 441).

4224 - قول " المنهاج " [ص 441]: (ولولد غيره: " لست ابن فلان " صريح، إلا لمنفيٍّ بلعان) فيه أمران: أحدهما: قيده " الحاوي " فقال عطفًا على النفي [ص 524]: (وللمنفيِّ إن قصد نفيه شرعًا) أي: فإن أراد تصديق الزوج في دعواه زناها .. فقاذف، وهذا لا ينافي كلام " المنهاج " لأنه نفى عن هذه الصورة الصراحة، وذلك يصدق بما ذكره " الحاوي "، لكن عبارته أحسن؛ لإفصاحها بالمقصود. ثانيهما: محل ذلك: ما إذا كان قبل أن يستلحقه النافي، فإن كان بعد استلحاقه .. فهو قذف صريح، وهذا وارد على " الحاوي " أيضًا. قال الرافعي: وقد يقال: إذا كان أحد التفاسير المقبولة أن الملاعن نفاه .. فالاستلحاق بعد النفي لا ينافي كونه نفاه، فلا يبعد ألَّا يُجعل صريحًا ويقبل التفسير به (¬1). قال النووي: هذا حسن من وجه، وهو قبول التفسير، وضعيف من وجه، وهو قوله: ليس بصريح، والراجح فيه: ما قاله صاحب " الحاوي ": أنه قذف عند الإطلاق، فيحد من غير سؤال، فإن ادعى احتمالًا ممكنًا؛ كقوله: لم يكن ابنه حين نفاه .. قبل بيمينه ولا حد، قال: والفرق بينه وبين ما قبل الاستلحاق: أنه لا يحد هناك حتى يسأل؛ لأنه كناية (¬2). 4225 - قول " التنبيه " [ص 243]: (وإن قال: " أنت أزنى الناس " .. لم يحد من غبر نية) قد يفهم أنه يحد فيما إذا نوى أن الناس كلهم زناة وهو أزنى منهم، والجمهور على خلافه، لتحقق كذبه؛ ولذلك أفصح " الحاوي " بالمراد، فقال [ص 524]: (وأنث أزنى من الناس وفيهم زناة) وينفي هذا التوهم عن " التنبيه " أنه صرح بعد ذلك بأنه لو قذف جماعة لا يجوز أن يكون كلهم زنا: .. عزّر (¬3). 4226 - قول " التنبيه " [ص 243]: (وإن قال: " زنى بدنك " .. لم يحد على ظاهر النص، وقيل: يحد، وهو الأظهر) لا يحتاج مع تصريحه بالأظهر إلى بيان الراجح. وقوله: (إن الأول ظاهر النص) لا يقتضي ترجيحه، والمراد: أنه ظاهر النص في القديم. 4227 - قوله: (وإن قال: " وطئك فلان وأنت مكرهة " .. فقد قيل: يعزر، وقيل: لا يعزر) (¬4) الأول هو الأصح. ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (9/ 346). (¬2) الروضة (8/ 320)، وانظر " الحاوي الكبير " (11/ 90). (¬3) التنبيه (ص 244). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 244).

4228 - قوله: (وإن قذفه فحد ثم قذفه ثانيًا بزنا آخر .. فقد قيل: يحد، وقيل: يعزر) (¬1) الثاني هو الأصح، وصحح ابن يونس: الأول. 4229 - قوله فيما لو قذف أجنبية ثم تزوجها ثم قذفها ثانيًا: (وإن بدأت وطالبته بالثاني ثم بالأول فلم يلاعن ولم يقم البينة .. فعلى قولين) (¬2) الأصح منهما: لزوم حدين. 4230 - قوله: (وإن قذف مجهولًا، فقال: هو عبد، وقال المقذوف: أنا حر .. فالقول قول القاذف، وقيل: فيه قولان) (¬3) الأصح: طريقة القولين، وأصحهما: تصديق المقذوف، واقتصر (في باب اللقيط) على طريقة القولين (¬4)، وأعاد المسألة هنا؛ لبعد العهد بها. 4231 - قوله: (وإن قال: " زنيت وأنت نصراني " فقال: " لم أزن [ولا كنت] (¬5) نصرانيًا " ولم يعرف حاله .. ففيه قولان، أحدهما: يحد، والثاني: يعزر) (¬6) الأصح: الأول. 4232 - قول " المنهاج " [ص 441]: (ويحد قاذف محصنٍ، ويعزر غيره) وقول " الحاوي " [ص 525]: (ولغيرٍ التعزير) لو قالا كما في " المحرر ": (ويعزر قاذف غيره) (¬7) .. لكان أحسن، فإن المتبادر للفهم من عبارتهما: أن غير قاذف المحصن يعزر، وهذا يتناول من لم يقذف أحدًا، وعبارة " التنبيه " بعد ذكره حد قاذف المحصن [ص 243]: (فإن قذف صغيرًا أو مجنونًا أو عبدًا أو كافرًا أو فاجرًا أو من وطئ وطئًا حرامًا لا شبهة فيه .. عزّر) ثم قال: (وإن وطئ بشبهة .. فقد قيل: يحد، وقيل: يعزر) أي: إذا قذف من وطئ بشبهة، والأصح: أنه يخد، كذا أطلقه النووي في " تصحيح التنبيه " (¬8). وأورد عليه شيخنا الإسنوي في " تصحيحه " فقال: لكنه إذا وطئ محرما بملك اليمين .. فإنه شبهة؛ لأنه لا يُحدُّ على الصحيح في " التصحيح " وغيره من كتبه، ومع ذلك فإن قاذفه لا يحد على الصحيح في " الروضة " و" المنهاج " وأصليهما. انتهى (¬9). وقول " المنهاج " [ص 441]: (والمحصن: مكلف، حر، مسلم، عفيف عن وطءٍ يحد به) ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 244). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 244). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 243). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 135). (¬5) في (د): (ولم أكن). (¬6) انظر " التنبيه " (ص 243). (¬7) المحرر (ص 355). (¬8) تصحيح التنبيه (2/ 230). (¬9) تذكرة النبيه (3/ 471)، وانظر " الروضة " (8/ 321، 322)، و" فتح العزيز " (9/ 348)، و " المحرر " (ص 356)، و" المنهاج " (ص 441)، و " تصحيح التنبيه " (2/ 230).

فصل [في بيان حكم قذف الزوج ونفي الولد جوازا أو وجوبا]

يقتضي أن الواطئ بشبهة محصن كما صرح به " التصحيح " (¬1)، لكنه صرح بالمسألة التي أوردها الإسنوي عقبها (¬2)، فصارت كالاستثناء منها، فقال: (وتبطل العفة بوطء مَحْرَمٍ مملوكةٍ على المذهب) (¬3). وقال شيخنا الإمام البلقيني: يستثنى من ضابط إيجاب الحد: الحنفي الواطئ في نكاح عقيدته حله، والجارية المشتركة. 4233 - قول " المنهاج " [ص 441]: (ولو زنى مقذوف .. سقط الحد) لا يختص ذلك بالزنا، بل متى وطئ وطئًا حرامًا يسقط العفة .. كان كذلك، نص عليه في " الأم " و" المختصر " (¬4) ولذلك قال " التنبيه " [ص 243]: (وإن قذف عفيفًا فلم يحد حتى زنا أو وطئ وطئًا حرامًا .. لم يحد) ولا بد من تقييد الوطء الحرام بأن يسقط العفة كما ذكرته؛ للاحتراز عن وطء الصائم والمحرم والحائض. 4234 - قوله: (ومن زنا مرة ثم صلح .. لم يعد محصنًا) (¬5) يستثنى منه: ما لو جرت صورة الزنا من صبي أو مجنون .. فإن حصانته لا تسقط، فمن قذفه بعد الكمال .. حد. 4235 - قول " التنبيه " [ص 244]: (وإن قذف عبدًا .. ثبت له التعزير، وإن مات .. فقد قيل: يسقط، وقيل: ينتقل إلى السيد) الأصح: انتقاله إلى السيد. 4236 - قول " الحاوي " [ص 525]: (وحُلِّف أنه لم يزن) ظاهره: أنه لا فرق في ذلك بين أن يعجز القاذف عن بينة الزنا أم لا، وبه صرح في " الروضة " (¬6)، وصور الرافعي المسألة بالعجز (¬7)، وتبعه صاحب " التعليقة "، ومقتضاه: عدم الحلف مع قدرة القاذف على البينة، والأول هو الصواب. فصلٌ [في بيان حكم قذف الزوج ونفي الولد جوازًا أو وجوبًا] 4237 - قول " المنهاج " [ص 441]: (له قذف زوجة علم زناها أو ظنه ظنًا مؤكدًا) محله: ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (2/ 230). (¬2) تذكرة النبيه (3/ 471). (¬3) المنهاج (ص 441). (¬4) الأم (5/ 295)، مختصر المزني (ص 214). (¬5) انظر " المنهاج " (ص 441). (¬6) الروضة (8/ 325). (¬7) انظر " فتح العزيز " (9/ 352).

ما إذا كان في نكاحه؛ ولذلك قيده " الحاوي " (¬1)، وذلك إذا لم يكن هناك ولد، فإن كان .. فله النفي وإن لم يكن في نكاحه. 4238 - قول " المنهاج " [ص 441]: (كشياع زناها بزيدٍ مع قرينةٍ؛ بأن رآهما في خلوةٍ) مثل قول " الحاوي " [ص 526]: (باستفاضةٍ مع مخيلةٍ؛ كالرؤية معه في خلوةٍ) وزاد " الحاوي ": (وتحت شعارٍ ومراتٍ كثيرةٍ) (¬2) وأشار بذلك إلى حصول الظن برؤيتهما تحت شعار أو رؤيتها معه مرات كثيرة في محل الريبة، وإن لم ينضم إلى ذلك استفاضة زناه بها .. فتكون الرؤية تحت شعار ومرات كثيرة كا لاستفاضة مع رؤية مرة، وتبع فيه الإمام والغزالي (¬3). فقوله: (وتحت شعار) ليس معطوفًا على قوله: (في خلوة) وإن تبادر ذلك إلى الفهم، بل على قوله: (باستفاضة) والتقدير: باستفاضة مع مخيلة، برؤية وتحت شعار، فكلاهما يبيح القذف، وفيه مع ذلك تعسف؛ لحذف المصدر وإبقاء معموله في محل الالتباس. 4239 - قول " المنهاج " [ص 441]: (ولو أتت بولد علم أنه ليس منه .. لزمه نفيه) أحسن من قول " الحاوي " [ص 526]: (ونفي الولد إن تيقن) لعدم تصريحه بلزوم ذلك، واحتماله جوازه فقط وعدم الإفصاح بالمتيقن، وإن دلت القرينة على أن المراد: تيقن انتفائه عنه، وهما معًا أحسن من قول " التنبيه " [ص 191]: (ومن لحقه نسب يعلم أنه من زنا .. لزمه أن ينفيه) لأنه لا يختص بذلك، بل المدار على أن يعلم أنه ليس منه وإن لم يعلم أنها زنت. 4240 - قول " المنهاج " [ص 442]: (وإن ولدته لفوق ستة أشهر من الاستبراء .. حل النفي في الأصح) فيه أمور: أحدها: تبع في اعتبار هذه المدة من الاستبراء " المحرر "، وكذا في " الشرح " (¬4)، وقال النووي: وكذا فعل القاضي حسين والإمام والبغوي والمتولي، والصحيح: ما قاله المحاملي وصاحب " المهذب " و" العدة " وآخرون: أن الاعتبار في الستة الأشهر من حين يزني الزاني بها؛ لأن مستند اللعان زناه، فإذا ولدت لدون ستة أشهر من حين زنا، ولأكثر من ستة أشهر من الاستبراء .. تيقنا أنه ليس من ذلك الزنا، فيصير وجوده كعدمه، فلا يجوز النفي (¬5). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إذا كانت عنده ريبة من الزاني قبل ذلك واستبرأها وأتت بولد لأكثر من ستة أشهر من حين الاستبراء ورأى بعد الاستبراء القرينة المبيحة للقذف .. فلا حاجة أن يعتبر ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 526). (¬2) الشعار: ما ولي الجسد من الثياب. انظر " لسان العرب " (4/ 413). (¬3) انظر " نهاية المطلب " (15/ 10)، و " الوسيط " (6/ 83). (¬4) المحرر (ص 356)، فتح العزيز (9/ 359). (¬5) الروضة (8/ 329)، وانظر " نهاية المطلب " (15/ 134)، و " التهذيب " (6/ 230)، و" المهذب " (2/ 121).

وقت زنا الزاني؛ لأنه قد يزني بها في خفية بعد الاستبراء لزمن يحدث من زناه الولد، ويعاود الزنا فيراه الزوج في المرة التي لا تحتمل الحدوث فيها، فيرجح ما ذكره القاضي حسين ومن تبعه. ثانيها: قال شيخنا الإمام البلقيني تفريعًا على ما في " المنهاج ": الأحسن أن يزاد: (بحيث تحتمل حدوثه بعد الاستبراء) وذلك يستدعي لحظة بعد الاستبراء ولحظة بعد الأشهر، فيعتبر ستة أشهر ولحظتان. ثالثها: المراد: الاستبراء بحيضة، وهل يحسب ابتداء الأشهر من ابتداء الدم أم من انقطاعه؟ قال شيخنا ابن النقيب: لم أر من ذكره، والذي يظهر أنه من طروئه؛ لأنه الدال على البراءة (¬1). رابعها: تبع في ترجيح حل النفي في هذه الصورة مطلقًا " المحرر " (¬2)، وكذا في " الشرح الصغير " أنه أظهر، وإلى ترجيحه ذهب في " الوجيز "، وقال في " الكبير ": هو المذكور في " التهذيب "، والراجح في " الوجيز "، وكلام العراقيين يوافقه أو يقرب منه (¬3)، والذي في " أصل الروضة ": أن الأصح: أنه إن رأى بعد الاستبراء القرينة المبيحة للقذف .. جاز، بل وجب، وإلا .. لم يجز، قال: وصححه الغزالي، وبه قطع العراقيون، وبالأول قطع البغوي (¬4). والذي في " الروضة " هو المعتمد؛ فإن الذي في " الوجيز " هو الوجه الثاني المفصل (¬5)، وحكاه في " البسيط " عن العراقيين. قال في " المهمات ": وكأنه سقط من كلام الرافعي لفظة، وهي: (الثاني) أي: والراجح عند صاحب الكتاب: الثاني، قال: وذلك لا يتأتى في عبارته في " الشرح الصغير ". وقال شيخنا ابن النقيب: كأن لفظة (الأول) في كتابي الرافعي سبق قلم، وصوابه: (الثاني) لكنه لا يوافق حينئذ تصحيح " المحرر " (¬6). قلت: متى جعلنا لفظة: (الأول) في كلام الرافعي في " الكبير " سبق قلم وصوابه: (الثاني) .. لم يصح ذلك في النقل عن " التهذيب " فإنه إنما صحح الأول، فما ذكره في " المهمات " من سقوط لفظة (الثاني) بعد نقل تصحيح " التهذيب " للأول أولى، والله أعلم. ومشى " الحاوي " على ما في " الوجيز " و" الروضة " فقال: (بمخيلة) (¬7). ¬

_ (¬1) انظر " السراج على نكت المنهاج " (7/ 35). (¬2) المحرر (ص 356). (¬3) فتح العزيز (9/ 359). (¬4) الروضة (8/ 329)، وانظر " التهذيب " (6/ 230). (¬5) الوجيز (2/ 92). (¬6) انظر " السراج على نكت المنهاج " (7/ 36). (¬7) الحاوي (ص 526).

فصل [في كيفية اللعان وشروطه وثمراته]

4241 - قول " التنبيه " [ص 191]: (وإن رأى فيه شبهًا بغيره .. فقد قيل: له نفيه؛ وقيل: ليس له ذلك) الأصح: الثاني، ومحل الخلاف في الرافعي: مع مخيلة الزنا، وجزم بالمنع بدونها (¬1)، لكن في " الكفاية " إجراء الخلاف مطلقًا. 4242 - قول " المنهاج " [ص 442]: (ولو علم زناها واحتمل كون الولد منه ومن الزنا .. حرم النفي، وكذا القذف واللعان على الصحيح) قال الرافعي: إن الإمام نقله عن العراقيين والقاضي، قال الإمام: والقياس جوازه، قال الرافعي: فحصل وجهان، المشهور منهما: المنع؛ لأن اللعان حجة ضرورية لدفع النسب أو الفرقة حيث لا ولد؛ لئلا يحدث ولد على الفراش الملطخ، فلا فائدة له مع حصول الولد، والفراق ممكن بالطلاق (¬2). قال النووي: هذا النقل عن العراقيين مطلقًا غير مقبول؛ ففي " المهذب ": إن غلب على ظنه أنه ليس منه؛ بأن كان يعزل ورأى فيه شبه الزاني .. لزمه نفيه باللعان، يعني: بعد قذفها، وإن لم يغلب على ظنه .. لم ينفه، وفي " الحاوي ": إذا وطئ ولم يستبرء ورآها تزني .. فهو بالخيار بين اللعان بعد القذف والإمساك، وأما الولد: فإن ظن أنه ليس منه .. نفاه، أو أنه منه .. لم يجز نفيه، وإن لم يظن أحد الأمرين .. جاز تغليب حكم لشبهه، قال النووي: وهذا هو القياس الجاري على قاعدة الباب (¬3). 4243 - قول " التنبيه " في لحاق النسب في الأمة [ص 191]: (وإن قال: " كنت أطأ وأعزل .. لحقه) وقول " المنهاج " في (الاستبراء) [ص 453]: (ولو قال: " وطئت وعزلت " .. لحقه في الأصح) لا يختص بالأمة؛ ولذلك أطلق " المنهاج " هنا فقال [ص 442]: (ولو وطئ وعزل .. حرم على الصحيح) أي: النفي. 4244 - قول " التنبيه " [ص 191]: (وإن قال: " كنت أطأ فيما دون الفرج " .. فقد قيل: يلحقه، وقيل: لا يلحقه) لا يختص بالأمة أيضًا، والأصح: أنه لا يلحقه. فصلٌ [في كيفية اللعان وشروطه وثمراته] 4245 - قول " التنبيه " [ص 189]: (واللعان: أن يأمره الحاكم ليقول أربع مرات: " أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به ") فيه أمور: ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (9/ 360). (¬2) فح العزيز (9/ 361، 362)، وانظر " نهاية المطلب " (15/ 13). (¬3) الروضة (8/ 331)، وانظر " المهذب " (2/ 121)، و" الحاوي الكبير " (11/ 18).

أحدها: أن أمر الحاكم بذلك ليس هو اللعان، وإنما اللعان: قول هذه الكلمات بأمر الحاكم، فكان ينبغي التعبير بذلك؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 442]: (اللعان: قوله كذا وكذا) ثم قال بعد ذلك: (ويشترط فيه أمر القاضي، ويُلَقِّن كلماته) (¬1)، وعبارة " الحاوي " في تفسيره [ص 526]: (أربعًا أشهد بالله إني لمن الصادقين فيه) ولم يتعرض لاشتراط أمر القاضي، لكنه مفهوم من كونه يمينًا. ثانيها: لا يكفي قوله: (فيما رميتها به) بل لا بد أن يقول: (من الزنا) ولذلك صرح به " المنهاج " (¬2)، واكتفى " الحاوي " بالضمير في قوله: (فبه) (¬3) وهو عائد على ما رماها به من الزنا، ولو أفصح بذلك .. لكان أحسن. ثالثها: عبر عن المرأة بالضمير في قوله: (رميتها) وعبر " المنهاج " باسم الإشارة فقال [ص 442]: (هذه)، وعبارة " أصل الروضة ": (زوجتي) (¬4). وحكي عن البندنيجي والمتولي وغيرهما: أنه يقول: (زوجتي هذه)، وأجحف " الحاوي " في ذلك كما قدمت عبارته. رابعها: يستثنى من ذلك: ما إذا ادعت عليه القذف فأنكره، أو سكت فأثبتته بالبينة .. فلا يقول: (فيما رميتها به)، وإنما يقول: (فيما أثبتت على من رميي إياها بالزنا)، ذكره الرافعي والنووي (¬5)، وهذا وارد على " المنهاج " و" الحاوي " أيضًا. 4246 - قول " التنبيه " [ص 189]: (ويسميها إن كانت غائبة) زاد " المنهاج " [ص 442]: (ورفع نسبها بما يميزها) وفي " تعليق الشيخ أبي حامد ": (بما يميزها عن سائر زوجاته إن كان في نكاحه غيرها). قال في " أصل الروضة ": وقد يشعر هذا بالاستغناء بقوله: (فيما رميت به زوجتي) عن الاسم والنسب إذا لم يكن تحته غيرها (¬6). قال ابن الرفعة: إن صح ذلك .. فشرطه علم الحاكم بها. وقال شيخنا الإمام البلقيني: لا إشعار له بذلك؛ لاحتمال إرادة زوجة كانت قبلها، وكلام أبي حامد على المبالغة في الاحتياط، فلا يشعر بالتخفيف. انتهى. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 442). (¬2) المنهاج (ص 442). (¬3) الحاوي (ص 526). (¬4) الروضة (8/ 350). (¬5) انظر " فتح العزيز " (9/ 390)، و " الروضة " (8/ 348). (¬6) الروضة (8/ 350، 351).

والمراد: الغيبة عن البلد أو المجلس. 4247 - قول " المنهاج " [ص 442] و" الحاوي " [ص 526]: (والخامسة: " أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ") زاد " المنهاج " [ص 442]: (فيما رماها به من الزنا) ولو عبرا بضمير المتكلم في قوله: (على) وفي قوله: (كنت) كما في " التنبيه " و" الروضة " (¬1) .. لكان أحسن؛ فإنه اللفظ الذي يأتي به. 4248 - قولهما - والعبارة لـ " المنهاج " -: (وإن كان ولد ينفيه ... ذكره في الكلمات فقال: " وإن الولد الذي ولدنه، أو هذا الولد من الزنا ليس مني ") (¬2) يقتضي عدم الاكتفاء بقوله: (من زنا) وهو الذي حكاه الرافعي عن كثيرين، وحكاه في " الكفاية " عن الأ كثرين، وحكى الرافعي عن تصحبح البغوي الاكتفاء به (¬3) وصححه في " الشرح الصغير " والنووي في " أصل الروضة " من غير تنبيه على أنه من زيادته (¬4). 4249 - قول " المنهاج " [ص 442] و" الحاوي " [ص 526]: (والخامسة: " أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ") لو عبرا بضمير المتكلم كما فعل " التنبيه " [ص 189] .. لكان أولى؛ لأنه اللفظ الذي تأتي به كما تقدم. 4250 - قول " التنبيه " [ص 190]: (فإن أبدل لفظ الشهادة بالحلف أو القسم .. فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز) الأصح: الثاني، وقد ذكره " المنهاج " (¬5)، ويرد عليهما معًا: أن صواب العبارة: (لفظ الحلف بالشهادة) لأن الباء تدخل على المتروك. 4251 - قول " التنبيه " [ص 190]: (وإن أبدلت لفظ الغضب باللعنة .. لم يجز، وإن أبدل الزوج لفظ اللعنة بالغضب .. فقد قبل: يجوز، وقيل: لا يجوز) الأصح: عدم الجواز، وقد ذكره " المنهاج " إلا أنه أجرى الخلاف في الصورتين معًا (¬6)، وقطع " التنبيه " في الأولى، وطريقه في عبارته ما تقدم من إدخال الباء على غير المتروك، وأما قول " المنهاج " [ص 442]: (أو غضبٍ بلعنٍ، أو عكسه) فالأمر فيه قريب؛ فإنهما مسألتان في كل مسألة متروك. 4252 - قول " المنهاج " [ص 443]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 526]: (ويُغلَّظ بزمان؛ وهو بعد عصر جمعة) محمول على ما إذا وافقه، أو لم يتأكد الطلب، وقول " التنبيه " [ص 190]: ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 189)، الروضة (8/ 351). (¬2) انظر " الحاوي " (ص 526)، و " المنهاج " (ص 442). (¬3) انظر " التهذيب " (6/ 209)، و " فتح العزيز " (9/ 395). (¬4) الروضة (8/ 351). (¬5) المنهاج (ص 442). (¬6) المنهاج (ص 442).

(بعد العصر) بلا تقييد بعصر الجمعة محمول على ما إذا تأكد الطلب .. فلا يؤخر إلى عصر الجمعة، وقد صرح بهذا التفصيل القفال وغيره، والمراد: بعد صلاة العصر. 4253 - قول " الحاوي " [ص 526]: (وعند المقام بمكة) تبع فيه الغزالي (¬1)، والذي في " التنبيه " و" المنهاج " وغيرهما: بين الركن والمقام (¬2)، وهو المعتمد. 4254 - قولهما: (والمدينة: عند المنبر) (¬3) هذا لفظ الشافعي، وقال في موضع آخر: على المنبر (¬4)، وللأصحاب في صعوده أوجه، أصحهما: يصعد، كذا في " أصل الروضة " (¬5)، وحكى الرافعي تصحيحه عن البغوي (¬6)، ومشى " الحاوي " على الأول، بل زاده اتساعًا فقال: (وبين المنبر والمدفن بالمدينة) (¬7). 4255 - قول " المنهاج " [ص 443]: (وغيرها: عند منبر الجامع) زاده " الحاوي " اتساعا كما فعل فيما تقدم فقال [ص 526]: (ومقصورة الجامع) أي: وهي المقصورة المحيطة بالمنبر، وقال بعضهم: أراد بالمقصورة: المنبر، وقال الرافعي: طرد المتولي الخلاف في صعود المنبر في غير المدينة. انتهى (¬8). ومقتضاه: ترجيح صعوده كما تقدم في المدينة. وعبارة " التنبيه " [ص 190]: (عند المنبر أو على المنبر). 4256 - قول " الحاوي " [ص 526]: (ولو زنديقًا) أي: يغلظ على الملاعن ولو كان زنديقًا، وفي معناه: المعطل، وقد تبع فيه الغزالي (¬9)، وهو ظاهر إطلاق " التنبيه " و" المنهاج "، لكن حكى الرافعي عن النص والأكثرين: أنه لا يغلظ عليه بالمكان، وقال: إذا لم يغلظ في المكان .. ففي الزمان والجمع أولى (¬10). 4257 - قول " المنهاج " [ص 443، و" الحاوي " [ص 526]: (وحائض: بباب المسجد) و" التنبيه " [ص 190]: (وإن كان أحدهما جنبًا .. لاعن علي باب المسجد) محله: في ¬

_ (¬1) انظر " الوجيز " (2/ 96). (¬2) التنبيه (ص 190) المنهاج (ص 443). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 190)، و " المنهاج " (ص 443). (¬4) انظر " مختصر المزني " (ص 209). (¬5) الروضة (8/ 356). (¬6) انظر " التهذيب " (6/ 208)، و" فتح العزيز " (9/ 404). (¬7) الحاوي (ص 526). (¬8) انظر " فتح العزيز " (9/ 405). (¬9) انظر " الوجيز " (2/ 96). (¬10) انظر " فتح العزيز " (9/ 403).

المسلمين، أما أهل الذمة .. فيمكنون من المكث في المسجد واللعان فيه مع الجنابة والحيض على الأصح، كذا في " أصل الروضة " (¬1) هنا، وقال الرافعي: إنه سبق في الصلاة كذلك (¬2)، والذي سبق هناك الجزم بمنع الحائض وتصحيح الجواز في الجنب فقط، وكل ذلك إذا رأى الحاكم التعجيل، فإن رأى التأخير إلى زواله .. جاز، قاله المتولي. 4258 - قول " التنبيه " [ص 190]: (وإن ترك التغليظ بالمكان .. ففيه قولان) الأظهر: جوازه، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 443]: (إنه سنة) و " الحاوي " فقال [ص 526]: (إنه أولى) وجزم " التنبيه " بجواز ترك التغليظ بالزمان ترجيح لطريق القطع فيه، والأصح: طرد الخلاف. 4259 - قول " التنبيه " [ص 190] و" الحاوي " [ص 527]- والعبارة له -: (وعند الخامسة يضع واحدٌ يده على فيه) أي: ويأتي من ورائه، صرح به الإمام والغزالي حتى في " الوجيز " (¬3)، وأسقطه الرافعي كأنه ذهول، وتبعه النووي على إسقاطه، وسمعت شيخنا الإمام البلقيني في درسه يميل إلى أن الشخص يضع يده على في نفسه إشارة إلى انكفاف الملاعن عن الخامسة؛ لينزجر بذلك، لا أنه يضع يده على في الملاعن، وهو بعيد. 4260 - قول " التنبيه " [ص 188]: (يصح اللعان من كل زوج بالغ عاقل) كان ينبغي أن يقول: (مختار) ليخرج المكره، وقد يفهم ذلك من كونه يمينًا، وقد وفى بذلك قول " المنهاج " [ص 443]: (شرطه: زوج يصح طلاقه) وأورد في " الكفاية " أنه يشمل ما إذا اعتقل لسانه وزواله مرجو، والأصح: انتظاره ثلاثة أيام، ولا يُكتفى بالإشارة. 4261 - قول " التنبيه " [ص 189]: (وإن كان قد سمى الزاني وذكره في اللعان .. سقط ما وجب عليه من حده، وإن لم يسمه .. ففيه قولان، أحدهما: يسقط عنه حده، والثاني: لا يسقط) الأصح: عدم السقوط، وعليه يدل قول " الحاوي " [ص 528]: (ويسقط الحد، وللأجنبي إن ذكر فيه). 4262 - قولهما - والعبارة لـ " المنهاج " -: (ويتعلق بلعانه: فرقة، وحرمة مؤبدة وإن أكذب نفسه، وسقوط الحد عنه، ووجوب حد زناها، وانتفاء نسب نفاه بلعانه) (¬4) قد يفهم منه حصر أحكامه في هذه الخمسة، وهو ظاهر قول " أصل الروضة ": ويتعلق بلعان الزوج خمسة أحكام، وأورد عليه النووي من زيادته المسألة المتقدمة، وهي سقوط حد الزاني بها عن الزوج إن سماه في ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 355). (¬2) انظر " فتح العزيز " (9/ 403). (¬3) انظر " نهاية المطلب " (15/ 57)، و" الوسيط " (6/ 106)، و" الوجيز " (2/ 96). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 189)، و" المنهاج " (ص 443).

لعانه، وكذا إن لم يسمه على وجه (¬1)، وقد ذكره " التنبيه " و" الحاوي " كما تقدم، وسقوط حصانتها في حق الزوج إن لم تلاعن هي، وقد ذكره " الحاوي " (¬2). وتشطير الصداق قبل الدخول، واستباحة نكاح أختها وأربع سواها في عدتها، وزاد شيخنا الإمام البلقيني: سقوط النفقة في العدة إذا لم تكن حاملًا من الزوج، وأنه لا يلحقها طلاق في العدة ولا خلع ولا ظهار ولا إيلاء، وأنه لو مات أحدهما في العدة .. لم يرثه الآخر، ولا يتخرج فيه خلاف الغار، وأنها تخطب في عدتها بالتعريض لا بالتصريح، وأنه يعود لها حق الحضانة بمجرده كالطلاق البائن، ولا يأتي فيه خلاف المزني في الرجعية، ولو وصفت الفرقة بأنها بائن .. لاستغنى عن ذلك، وبه عبر " التنبيه " فقال [ص 189]: (وبانت منه). واعلم: أن " الحاوي " قال في وجوب حد زناها: (ولو ذمية إن رضيت بحكمنا) (¬3) ومقتضاه: أنه لا يجب حد الزنا بذلك على الذمية إذا لم ترض بحكمنا، وحكي عن النص واختاره الغزالي، لكن الأظهر: أنه لا يشترط رضاها؛ ولذلك أطلقه " التنبيه " و" المنهاج "، وظاهر كلام الرافعي والنووي فيما إذا قذفها بزنا إضافة إلى ما قبل النكاح ولاعن لنفي النسب إن صححناه: أن الأصح: أنه لا يجب عليها حد الزنا؛ لأن الأصح: أنها لا تلاعن (¬4)، وقول " المنهاج " [ص 443]: (وإن أكذب نفسه) يعود للمذكورين قبله، وهما الفرقة، والحرمة المؤبدة، ويقتضي في المذكورات بعده تغير الحكم بإكذابه نفسه، وهو معروف في سقوط الحد عنه وانتفاء النسب، فيعودان، وأما في وجوب حد زناها .. فقال ابن الرفعة: لم أره مصرحًا به، لكن في كلام الإمام ما يفهم سقوطه في ضمن تعليل. 4263 - قول " التنبيه " في لحاق النسب [ص 190]: (وإن لم يمكن أن يكون منه؛ بأن يكون له دون عشر سنين) موافق للفظ الشافعي (¬5)، وأخذ بعضهم بظاهره، والأصح: أنها إن أتت به وله تسع سنين وستة أشهر ولحظة تسع الوطء .. لحقه. 4264 - قوله: (أو أتت به امرأته لدون ستة أشهر من حين العقد) (¬6) كذا لو ولدته لستة أشهر من العقد، فكان ينبغي التعبير به كما فعل " المنهاج " (¬7) ولذلك قال " الحاوي " في العدد: (وإمكان ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 356). (¬2) الحاوي (ص 528). (¬3) الحاوي (ص 528). (¬4) انظر " فتح العزيز " (9/ 369)، و" الروضة " (8/ 335). (¬5) انظر " مختصر المزني " (ص 208). (¬6) انظر " التنبيه " (ص 191). (¬7) المنهاج (ص 443).

فصل [سقوط الحد باللعان وما يتعلق بلحاق النسب]

الولد الكامل ستة أشهر والصورة أربعة، واللحم ثمانون يومًا) ثم قال: (ولحظتان في الكل) (¬1). 4265 - قول " التنبيه " [ص 191]: (أو أتت به مع العلم بأنه لم يجتمع معها) معترض من جهة اللفظ؛ فقد قال الحريري في " درة الغواص ": لا يقال: اجتمع فلان مع فلان، بل: اجتمع فلان وفلان، وعبارة " المنهاج " [ص 443]: (أو طلق في مجلسه، أو نكح وهو بالمشرق وهي بالمغرب) والتعبير بعدم الاجتماع أعم. 4266 - قول " المنهاج " [ص 444]: (وله نفي حمل وانتظار وضعه) محله: ما إذا ادعى بعد وضعه أنه لم يتحقق فأخر ليتحقق، أما لو قال: علمته ولدًا ولكني قلت: لعله يموت، فأُكْفَى اللعان .. لحقه، صرح به " الحاوي " فقال [ص 527]: (حالًا لا في الحمل، لا إن قال: عرفت) و" التنبيه " في لحاق النسب (¬2)، ولا ينافي ذلك قوله في اللعان: (وإن قذفها وانتفى عن حملها .. فله أن يلاعن، وله أن يؤخر إلى أن تضع) (¬3) لأن المذكور في اللعان أنه نفى وتأخر اللعان، وفي لحاق النسب لم ينف؛ فاحتاج إلى التقييد. 4267 - قول " التنبيه " [ص 191]: (فإن قال: لم أعلم أن لي النفي، أو لم أعلم أن النفي على الفور وكان من العامة .. فقد قيل: يقبل، وقيل: لا يقبل) الأصح: القبول، كذا في " تصحيح التنبيه " (¬4) و" الكفاية "، وألحقه الرافعي بخيار المعتقة (¬5). 4268 - قول " التنبيه " فيما إذا أخر النفي لعذر [ص 191]: (أو كان غائبًا ولم يمكنه أن يسير) يخرج ما إذا أمكن سيره ولكن أراد التأخير ليرجع إلى بلده والأصح في " الشرح الصغير ": جوازه؛ فقد يريد الانتقام منها بالشهرة. فصلٌ [سقوط الحد باللعان وما يتعلق بلحاق النسب] 4269 - قول " التنبيه " [ص 188]: (فإذا قذف زوجته من يصح لعانه فوجب عليه الحد أو التعزير وطولب به .. فله أن يسقطه باللعان) محله: في تعزير التكذيب الواجب بقذف ذمية أو رقيقة أو نحوهما؛ ولذلك قال " المنهاج " [ص 444]: (إلا تعزير تأديب لكذب؛ كقذف طفلة لا توطأ) وقد ذكره " التنبيه " بعد ذلك فقال [ص 189]: (وإن قذفها بالزنا ومثلها لا يُوطأ .. عُزِّرَ ولم يلاعن) ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 531). (¬2) التنبيه (ص 191). (¬3) التنبيه (ص 189). (¬4) تصحيح التنبيه (2/ 94). (¬5) انظر " فتح العزيز " (9/ 417).

ومقتضى كلامهما: أن اللعان جائز فقط لا واجب، وبه صرح الماوردي، لكن قال في " الكفاية ": قد يظهر وجوب اللعان إذا لم تكن بينة. انتهى. وصرح الشيخ عز الدين بن عبد السلام بوجوب اللعان حيث لا بينة. 4270 - قول " التنبيه " فيما لو أبانها وقذفها بزنا أضافه إلى حال النكاح [ص 189]: (وإن كان حملًا لم ينفصل .. فقد قيل: لا يلاعن حتى ينفصل، وقيل: فيه قولان) الأصح: طريقة القولين، وأصحهما: أنه يلاعن، وهو مقتضى قول " الحاوي " [ص 527]: (ولو حملًا) وكذا نقله في " الروضة " وأصلها عن ترجيح الأكثرين (¬1)، لكن صحح في " الشرح الصغير ": أنه لا يلاعن قبل الانفصال، وهو مقتضى قول " المنهاج " [ص 444]: (لاعن إن كان ولد يلحقه). 4271 - قوله فيما لو قذف زوجته بزنا أضافه إلى ما قبل النكاح: (وإن كان هناك ولد .. فقد قيل: لا يلاعن، وقيل: يلاعن وهو الأصح) (¬2) أقره النووي في " تصحيحه " عليه، وهو داخل في قول " الحاوي " [ص 527]: (إنما يلاعن لنفي نسبٍ ممكن) ونقله في " الشرح الصغير " عن ترجيح الأكثرين، وحكاه في " الكبير " عن القاضي أبي الطيب والإمام والروياني وغيرهم، وحكى نفي اللعان عن الشيخ أبي حامد وجماعة (¬3)، ورجحه في " المحرر " و" المنهاج " (¬4)، وفي زيادة " الروضة ": إنه أقوى (¬5)، وفي " المهمات ": إن الفتوى على اللعان؛ لكونه قول الأكثرين. 4272 - قول " المنهاج " تفريعًا على أنه لا يلاعن [ص 444]: (لكن له إنشاء قذف ويلاعن) زاد في " الروضة " وأصلها: فإن لم يفعل .. حد (¬6). قال في " الكفاية ": ومفهومه أنه إذا أنشأ قذفًا ولاعن .. أنه لا يحد، وقضية كلام القاضي حسين أنه يحد. 4273 - قول " التنبيه " [ص 189]: (وإن انتفى عن ولدها وقال: " وطئك فلان بشبهة " .. عرض الولد على القافة، ولم يلاعن لنفيه) فيه أمور: أحدها: محل العرض على القائف: ما إذا اعترف به الواطئ كذا في " الروضة " وأصلها هنا (¬7)، وقالا في دعوى النسب: إنه لا يكفي اعتراف الزوج والواطئ، بل لا بد من إقامة بينة ¬

_ (¬1) فتح العزيز (9/ 372)، الروضة (8/ 337). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 189). (¬3) فتح العزيز (9/ 373)، وانظر " نهاية المطلب " (15/ 30)، و " بحر المذهب " (10/ 365). (¬4) المحرر (ص 359)، المنهاج (ص 444). (¬5) الروضة (8/ 337). (¬6) فتح العزيز (9/ 373)، الروضة (8/ 337). (¬7) فتح العزيز (9/ 383)، الروضة (8/ 343).

بالوطء؛ لأن للمولود حقًا في النسب، قالا: ولو كان المدعى نسبه بالغًا واعترف بجريان وطء الشبهة .. وجب أن يغني عن البينة (¬1). ثانيها: ومحل عدم اللعان: ما إذا اعترف به الواطئ وألحقه القائف به، فلو ألحقه بالزوج .. فلا لعان أيضًا كما جزم به الرافعي والنووي (¬2)، وجزم ابن الرفعة في " الكفاية " وقبله الروياني في " البحر " بأنه يلاعن، وصوبه شيخنا الإمام البلقيني، وتبع " التنبيه " العراقيين في عدم اشتراط تصديق الواطئ كما حكاه في " الكفاية " عن الإمام. ثالثها: أن صورة المسألة: أن يدعي الاشتباه عليهما، فلو نسبها إلى الزنا والواطئ إلى الشبهة .. فهو قاذف لها؛ فله أن يلاعن لدرء الحد؛ ولهذا قال " الحاوي " [ص 527، 528]: (وشبهة من الجانبين واعتراف الواطئ، وإمكان اللحوق به) ومقتضاه: أن الشبهة إذا كانت منهما .. لا لعان لرفع التعزير، ومقتضى إيراد الرافعي ترجيح خلافه. 4274 - قول " التنبيه " [ص 190]: (فإذا تلاعنا ثم قذفها الزوج .. عزر ولم يلاعن علي ظاهر المذهب) فيه أمور: أحدها: أن الخلاف الذي أشار إليه بقوله: (على ظاهر المذهب) يعود للتعزير، ومقابله أنه يحد، وأما اللعان: فلا خلاف فيه؛ ففيه تقديم وتأخير كما قيل في قوله تعالى: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى}. نعم؛ في الجيلي عن " مختصر الجويني " و" الخلاصة " طرد الخلاف فيه أيضًا. ثانيها: صورة المسألة: أن يقذفها بذلك الزنا أو يطلق، فلو قذفها بزنا آخر .. فالمذهب: أنه يحد، وقيل: يعزر، وعلى كل حال: فليس له اللعان؛ لأنها بائن ولا ولد، وقد ترد هذه الصورة على قول " الحاوي " [ص 528]: (وتسقط حصانتها في حقه). ثالثها: خرج بقوله: (تلاعنا) صورتان: إحداهما: أن يلاعن هو فقط ولا تعارض هي لعانه بلعان .. فلا يلزمه إلا التعزير، وقيل: يجب الحد إن قذفها بزنا آخر. الثانية: أن لا يلاعن، بل يحد للقذف، فإن قذفها بذلك الزنا .. عزر، ولا يلاعن لإسقاط هذا التعزير على الأصح، وإن قذفها بزنا آخر .. فالأصح عند البغوي: أنه يعزر، وحكاه عن عامة العلماء (¬3)، وعند أبي الفرج الزاز أنه يحد. وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه المعتمد، وعلى الوجهين: لا يلاعن علي الأصح، ومال ¬

_ (¬1) فتح العزيز (13/ 300)، الروضة (12/ 104). (¬2) انظر " فتح العزيز " (9/ 383)، و " الروضة " (8/ 343). (¬3) انظر " التهذيب " (6/ 201).

شيخنا الإمام البلقيني إلى مقابله، وقال: الصواب: أنه لو قذفها بزنا حادث على فراشه بعد الحد .. أنه يحد له، وأنه يلاعن لدفعه لا توقف فيه؛ فإنه زوج قاذف تناولته الآية الشريفة، فخروجه من اللعان لا وجه له، وذلك ظاهر من القواعد، ولا يلزم من ظهور كذبه في تلك الدعوى وإقامة الحد عليه بامتناعه من اللعان كذبه في القذف الثاني بالزنا الحادث، والله أعلم. 4275 - قوله: (وإن اشترك اثنان في وطء امرأة فأتت بولد لو انفرد كل واحد منهما به لحقه .. عرض على القائف) (¬1) صورته: أن يدعياه ويقيم كل منهما بينة أنه منه أو ولد على فراشه، وألَّا يكون أحدهما زوجًا؛ فهو للزوج إن ادعاه، وإن قال: إنه ابن الآخر .. فلا بد في العرض على القائف من اعتراف الآخر أو بينة بالوطء على ما تقدم. 4276 - قول " الحاوي " [ص 528]: (قذف بكرًا، فتزوجت آخر، ووطئها، ثم قذفها، ولاعنا ولم تلاعن .. فتجلد ثم ترجم) هو قول ابن الحداد، وقال الشيخ أبو على: إنه ظاهر المذهب، وصححه في " أصل الروضة " (¬2)، وقيل: يُكتفى بالرجم، وبه جزم " الحاوي " في حد الزنا (¬3)، وسيأتي التنبيه عليه هناك أيضًا. ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 192). (¬2) الروضة (8/ 340، 341). (¬3) الحاوي (ص 585).

كتاب العدد

كتابُ العِدَد 4277 - قول " التنبيه " [ص 199]: (إذا طلق الرجل امرأته بعد الدخول .. وجبت عليها العدة) فيه أمران: أحدهما: أن ذلك لا يختص بالطلاق، بل يتعدى إلى كل فرقة في الحياة ولو بفسخ؛ ولهذا قال " الحاوي " [ص 529]: (بفراق حياة زوج) و" المنهاج " [ص 445]: (بفرقة حي بطلاق وفسخ) زاد " المحرر ": (اللعان) (¬1)، وكذا في " الروضة " وأصلها (¬2)، ولم يذكره " المنهاج " لدخوله في الفسخ. ثانيهما: المراد بالدخول: الوطء، وفي معناه: استدخالها منيه، وقد ذكره " المنهاج " و" الحاوي " (¬3)، ودخل في عبارتهما ما لو كان مني زوجها الذي استدخلته من زنا، وهو احتمال للبغوى بعد أن نقل أنه لا عدة في هذه الصورة. 4278 - قول " المنهاج " [ص 445]: (وإن تَيقَّن براءةَ الرحمِ) زاد في " المحرر ": (حتى لو علق على براءة الرحم يقينا ووجدت الصفة .. وجبت العدة إذا كانت مدخولًا بها) (¬4) وأسقط "المنهاج " مسألة التعليق؛ لفهمها مما ذكره وذكرها " الحاوي " (¬5)، ولم يتعرض " المنهاج " و" الحاوي " للعدة بوطء الشبهة، وذكره " التنبيه " فقال [ص 200]: (ومن وطئت بشبهة .. وجبت عليها عدة المطلقة) والمراد: شبهة النكاح، لكن لو وطئ حرة يظنها أمته .. فإنها تعتد بثلاثة أقراء على المشهور في " الشرح الصغير "، وفي معنى الوطء: استدخالها مني من تظنه زوجها، كذا قال الرافعي هنا (¬6)، وفيه نظر؛ فإن الاعتبار في وجوب العدة بالاشتباه عليه لا عليها، وقول " الحاوي " [ص 529]: (تعتد الحرة بفراق حياة زوج استدخلت ماءه، أو وطء) يقتضي مخالفة الأمة لها في سبب العدة، وليس كذلك، وإنما تخالفها في كيفية العدة؛ ولذلك قيد " الحاوي " بها، ولو أطلق أولًا كما فعل " التنبيه " و" المنهاج " (¬7) ثم فَصَّل بين الحرة والأمة في كيفية العدة .. لأصاب. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 360). (¬2) فتح العزيز (9/ 423)، الروضة (8/ 365). (¬3) الحاوي (ص 529)، المنهاج (ص 445). (¬4) المحرر (ص 360). (¬5) الحاوي (ص 529). (¬6) فتح العزيز (9/ 423، 424). (¬7) التنبيه (ص 200)، المنهاج (ص 445).

4279 - قول " المنهاج " [ص 445]: (وعدةُ حرةٍ ذاتِ أقراءٍ ثلاثة) أي: ثلاثة أقراء، قال شيخنا ابن النقيب: وكان الأحسن أن يقول: (ذات قروء ثلاثة أقراء) لأن القروء جمع كثرة والأقراء جمع قلة (¬1). وقال بعضهم: التعبير بثلاثة قروء أولى؛ لموافقة نظم القرآن العظيم؛ ولأن ابن الأنباري قال: القروء من الأضداد؛ فجمع القرء إذا كان للطهر قروء؛ ولهذا قال تعالى: {ثَلَاثَةَ} بالتاء؛ لأنه لمذكر. وقال الأعشى: [من بحر الطويل] لِمَا ضاع فيها من قروءِ نِسَائِكا وجمع القرء إذا كان للحيض أقراء، قال عليه الصلاة والسلام: " دعي الصلاة أيام أقرائك " (¬2). انتهى. وعبر " التنبيه " و" الحاوي " بالأقراء (¬3)، وقول " المنهاج " [ص 445]: (والقرء: الطهر) أراد: القرء المذكور جمعه في الآية، وأما أصله في اللغة .. فالأصح: أنه مشترك بين الطهر والحيض، وعبارة " الحاوي " [ص 529]: (ثلاثةَ أقراءٍ أطهارٍ) وعبارة " التنبيه " [ص 200]: (وإن كانت من ذوات الأقراء .. اعتدت بثلاثة أطهار). 4280 - قول " التنبيه " [ص 200]: (ومتى يحكم بانقضاء العدة؟ قيل: فيه قولان، أحدهما: إن كان الطلاق في طهر .. انقضت العدة بالطعن في الحيضة الثالثة، وإن كان في الحيض .. انقضت العدة بالطعن في الحيضة الرابعة) الأصح: طريقة القولين، وأصحهما: الأول، وعليه مشى " المنهاج " (¬4) وأورد في " الكفاية " على " التنبيه " أن قوله: (إن كان الطلاق فى طهر) يصدق على ما لو وقع في آخر الطهر بقوله: أنت طالق في آخر جزء من أجزاء طهرك، والأصح: أنه لا يعتد به قرءًا، فيحمل على ما إذا بقي بعد الطلاق منه بقية، وذلك قد يرد على قول " المنهاج " [ص 445]: (فإن طُلِّقَت طَاهِرًا) ولا يرد على قول " الحاوي " [ص 530]: (وباقي الطهر الأول واحد) لدلالته على أنه لا بد من بقية بعد الطلاق. 4281 - قول " التنبيه " [ص 200]: (والثاني: لا تنقضي حتى تحيض يومًا وليلة) كان ينبغي أن يعبر بقوله [ص 200]: (حتى يمضي) كما فعل في " التنبيه " [ص 200] مختصره؛ لأن علته أنا ¬

_ (¬1) انظر " السراج على نكت المنهاج " (7/ 48، 49). (¬2) أخرجه الدارقطني (1/ 212). (¬3) التنبيه (ص 200)، الحاوي (ص 529). (¬4) المنهاج (ص 445).

لا نعلم قبل يوم وليلة كونه حيضًا؛ ولذلك عبر " المنهاج " عنه بقوله [ص 445]: (وفي قول: يشترط يوم وليلة). 4282 - قول " المنهاج " [ص 445]: (وهل يُحْسَبُ طُهرُ مَن لم تَحِضْ قرءًا؟ قولان؛ بنَاء على أن القَرْءَ انتقالٌ من طهرٍ إلى حيضٍ، أم طُهرٌ مُحْتَوَشٌ بِدَمَيْنِ؟ والثاني: أظهر) أي: في المبنى، وهو عدم حسبانه قرءًا؛ فقد قال في " أصل الروضة ": إنه أقرب إلى ظاهر النص (¬1)، وقال في " الشرح الصغير ": إنه الأظهر، وصححه في " تصحيح التنبيه " (¬2)، وعليه مشى " الحاوي " فقال [ص 529]: (تحتوش الدم)، لكن صحح " التنبيه " مقابله، فقال فيما إذا حاضت الصغيرة في أثناء الشهر: (ويحتسب بما مضى طهرًا، وقيل: لا يحتسب، والأول أصح) (¬3) وفي المبني عليه، وهو أن القرء طهر محتوش بدمين؛ فقد صححه في " المحرر " و" أصل الروضة " (¬4)، وحكاه في " الشرح الصغير " عن الأكثرين، وفي " الكبير " عن البغوي والروياني وغيرهما، قال: وفيه مخالفة لما سبق في الطلاق أن الأكثرين أوقعوا الطلاق في الحال إذا قال للتي لم تحض: (أنت طالق في كل قرء)، ويجوز أن يجعل ترجيحهم لوقوع الطلاق لمعنى يختص بتلك الصورة لا لرجحان القول بأن الطهر هو الانتقال، وذكر لنا شيخنا الإمام البلقيني أن المعنى في ذلك: أن القرء اسم للطهر .. فوقع الطلاق لصدق الاسم والاحتواش شرط انقضاء العدة؛ لتكرر الدلالة على براءة الرحم بأطهار احتوشتها الدماء. قال الرافعي: واعلم أن قولهم: القرء: هو الطهر المحتوش ليس مرادهم: الطهر بتمامه؛ لأنه لا خلاف أن بقية الطهر تحسب طهرًا، وإنما مرادهم: هل يعتبر من الطهر المحتوش شيء، أم يكفي الانتقال؟ والمكتفون بالانتقال قالوا: الانتقال وحده قرء، فإن وجد شيء قبله من الطهر .. أدخلوه في القرء؛ ولهذا قالوا: لو قال للتي لم تحض: (أنت طالق في كل قرء طلقة) طلقت في الحال تفريعًا على هذا القول، ولم يؤخروا الوقوع إلى الحيض للانتقال (¬5). قلت: قد أخر الوقوع إلى الحيض للانتقال السرخسي والمتولي كما حكاه قبل ذلك في الطلاق، والله أعلم. 4283 - قول " المنهاج " [ص 445]: (ومتحيرة: بثلاثةِ أشهرٍ في الحال، وقيل: بعد اليأس) فيه أمران: ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 371). (¬2) تصحيح التنبيه (2/ 116). (¬3) التنبيه (ص 200). (¬4) المحرر (ص 360)، الروضة (8/ 366). (¬5) فتح العزيز (9/ 429).

أحدهما: محل الخلاف: في تحريم نكاحها، وأما الرجعة والسكنى: فإلى ثلاثة أشهر فقط جزمًا. ثانيهما: أن الأشهر هنا بالأهلة، فإن وقع في الأثناء .. اعتبر الباقي قرءًا إن كان أكثر من خمسة عشر يومًا، وإلا .. فلا في الأصح، فتبتدئ من الهلال؛ ولهذا قال " الحاوي " [ص 530]: (وللناسية أكثر الشهر الأول واحد) ثم هذا في الحرة، أما الأمة .. فقال شيخنا الإمام البلقيني: وقع لبعض من تكلم على " الحاوي الصغير " أنها تعتد بشهر ونصف، وهذا قد يتخرج على أن الأشهر أصل في حقها، وليس بالمعتمد؛ فالفتوى على أنها إن طلقت في أول الشهر .. فلا بد من شهرين، أو وقد بقي أكثره .. اعتدت بباقيه والثاني، أو دون الأكثر .. لم يحسب، فتعتد بشهرين بعد هذه البقية على قياس قولهم، وعلى ما بحثناه تنقضي عدتها إذا دخلت في النصف الثاني بعد الشهر المتوسط. 4284 - قول " التنبيه " [ص 200]: (وإن كانت أمة؛ فإن كانت من ذوات الأقراء .. اعتدت بقرأين) كذلك المبعضة؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 445]: (وأمِّ ولدٍ ومكَاتَبَةٍ وَمَن فِيها رِقٌّ: بقرأين) و" الحاوي " [ص 531]: (وغير الحرة قرأين). 4285 - قول " التنبيه " [ص 200]: (فإن أعتقت في أثناء العدة؛ فإن كانت رجعية .. أتمت عدة حرة، وإن كانت بائنة .. ففيه قولان) فيه أمور: أحدها: الأظهر في البائن: أنها تكمل عدة أمة. ثانيها: أنه قطع في الرجعية بإتمام عدة حرة، وطرد فيه الرافعي والنووي الخلاف (¬1). ثالثها: قوله: (بائنة) ضبط كذلك عن نسخة المصنف، وهي لغة، والأفصح: بائن، وقد سلم " المنهاج " من ذلك كله فقال [ص 445]: (وإن عتقت في عدة رجعةٍ .. كملت عدة حرةٍ في الأظهر، أو بينونة .. فأمةٍ في الأظهر) لكن اعترض عليه: بأنه لا يطابق " المحرر " فإنه ليس فيه ترجيح في البائن (¬2)، وفي " الشرح الكبير " نقل تصحيحه عن البغوي وجماعة ومقابله عن اختيار المزني وتصحيح أبي إسحاق والمحاملي وصاحب " المهذب " وغيرهم (¬3). فقول " الروضة ": (فيه ثلاثة أقوال، أصحها: التفصيل) (¬4)، فيه زيادة من غير تمييز. نعم؛ هو مقتضى إيراد " الشرح الصغير "، وعليه مشى " الحاوي " فقال [ص 529]: (أو فيها ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (9/ 430)، و " الروضة " (8/ 368). (¬2) المحرر (ص 361). (¬3) فتح العزيز (9/ 430، 431). (¬4) الروضة (8/ 368).

رجعية)، لكن رجح الشافعي رضي الله عنه في البائن أيضًا أنها تكمل عدة حرة، فقال: إنه أشبه القولين بالقياس (¬1)، حكاه شيخنا الإمام البلقيني. أما عكسه وهو رق الحرة في أثناء العدة لالتحاقها بدار الحرب .. ففيه وجهان في " التتمة " هل تكمل عدة حرة أو ترجع إلى عدة أمة؟ وبالثاني قال ابن الحداد. 4286 - قول " التنبيه " [ص 200]: (وإن كانت ممن لا تحيض لصغر أو إياس .. اعتدت بثلاثة أشهر) لا معنى لتقييد ذلك بالصغر، فلو بلغت بالسن ولم تحض .. اعتدت بالأشهر أيضًا، بل لو ولدت ولم تر نفاسًا .. فالأصح عند النووي أيضًا: أنها تعتد بثلاثة أشهر، قال: بل حكى الرافعي في آخر الباب عن " فتاوى البغوي " أن التي لم تحض لو ولدت ونفست .. تعتد بثلاثة أشهر، ولا يجعلها النفاس من ذوات الأقراء، ولم يحك الرافعي هناك خلافه (¬2)، ولذلك اقتصر " المنهاج " و" الحاوي " على قولهما: (لم تحض) (¬3) وهو الموافق لنظم القرآن الكريم، ووقع في الرافعي في موضع من العدد: أن التي تحمل .. لا تعتد بالأشهر، فإذا حملت .. بأن أن عدتها لم تنقض بالأشهر (¬4)، وهو مخالف ما تقدم. 4287 - قول " التنبيه " في الأمة [ص 200]: (وإن كانت من ذوات الشهور .. ففيها ثلاثة أقوال، أحدها: ثلاثة أشهر، والثاني: شهران، والثالث: شهر ونصف) الأصح: الثالث، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " (¬5)، وعبارة " أصل الروضة ": قال المحاملي: أظهرها: الأول، واختاره الروياني، قال: ولكن القياس وظاهر المذهب: شهر ونصف، وعليه جمهور أصحابنا الخراسانيين (¬6). 4288 - قول " التنبيه " [ص 200]: (فإن انقطع دمها لغير عارض وهي ممن تحيض .. ففيه قولان، أحدهما: أنها تقعد إلى [الياس] (¬7) ثم تعتد بالشهور) هو الأظهر، وفي " المنهاج ": إنه الجديد (¬8)، وهو مقتضى إطلاق " الحاوي " الاعتداد بثلاثة أقراء لغير التي لم تحض والناسية والآيسة (¬9)، وعبر " المنهاج " بقوله [ص 446]: (لا لعلة) وقيد في " الكفاية " قول " التنبيه ": (لغير عارض) بقوله: أي معروف، وكذا في " نكت النووي "، وقال: إنه احترز به عن ¬

_ (¬1) انظر " الأم " (5/ 218). (¬2) انظر " الروضة " (8/ 370). (¬3) الحاوي (ص 530)، المنهاج (ص 445). (¬4) انظر " فتح العزيز " (9/ 452). (¬5) الحاوي (ص 531)، المنهاج (ص 446). (¬6) الروضة (8/ 371). (¬7) في (ج)، (د): (الإياس). (¬8) المنهاج (ص 446). (¬9) الحاوي (ص 530).

فصل [بيان عدة الحامل]

الرضاع، ومن نقل عن النووي أنه ذكره في " نكته " من كلام الشيخ .. فقد غلط. 4289 - قول " التنبيه " [ص 200]: (والقول الثاني: تقعد إلى أن تعلم براءة الرحم، ثم تعتد بالشهور، وفي قدر ذلك قولان، أحدهما: تسعة أشهر) هو الأصح تفريعًا على هذا القول، وعلى ذلك مشى " المنهاج " (¬1). 4290 - قول " التنبيه " [ص 200]: (وفي الإياس قولان، أحدهما: إياس أقاربها، والثاني: إياس جميع النساء) رجح الرافعي في " المحرر " الأول، فقال: (إنه أقرب إلى الترجيح) ومشى عليه " الحاوي " وعبرا بعشيرتها (¬2)، والمراد: من الأبوين، ورجح النووي في " المنهاج " من زيادته وفي " أصل الروضة " الثاني (¬3). وقال الرافعي: إن إيراد أكثرهم يقتضي ترجيحه، وفي " الشرح الصغير ": إنه أرجح عند الأثرين، قال الإمام: ولا يمكن طوف العالم، وإنما المراد: ما بلغنا خبره (¬4)، ثم الأشهر على هذا: أن أقصى سن اليأس: اثنان وستون سنة (¬5). فصلٌ [بيان عدة الحامل] 4291 - قول " التنبيه " [ص 199]: (ومن وجبت عليها العدة وهي حامل .. اعتدت بوضع الحمل) قال " المنهاج " [ص 446]: (بشرط نِسْبَتِهِ إلى ذي العدَّة ولو احتمالًا؛ كمنفي بلعان، وانفصال كله حتى ثاني توءمين) وعبارة " الحاوي " [ص 531]: (بتمام وضع حمل يمكن منه ولو نَفَى) وقال في " التوشيح ": لا حاجة لذكر انفصال كله؛ فإنه لا يقال: وضعت إلا إذا انفصل كله. 4292 - قول " الحاوي " [ص 531]: (وإمكان الولد الكامل كالأقصى بين التوءمين ستة أشهر) تبع فيه " الوجيز " (¬6)، واعترضه الرافعي، وقال: هذه المدة أقل الحمل، وإذا تخللت ستة أشهر .. كان الثاني حملًا آخر، والشرط أن يكون المتخلل أقل من ستة أشهر (¬7)، ولذلك قال ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 446). (¬2) المحرر (ص 361)، الحاوي (ص 530). (¬3) المنهاج (ص 446)، الروضة (8/ 372). (¬4) في حاشية (ج): (والمراد: نساء زماننا دون غيرهن. " عجالة "). (¬5) فتح العزيز (9/ 441)، وانظر " نهاية المطلب " (15/ 165). (¬6) الوجيز (2/ 100). (¬7) انظر " فتح العزيز " (9/ 447).

" المنهاج " [ص 446]: (ومتى تَخَلَّلَ دُون سِتة أشهر .. فتوءمان). 4293 - قول " التنبيه " [ص 199، 200]: (فإن وضعت ما لم يتصور فيه خلق آدمي وشهد القوابل أن ذلك خلق آدمي .. فقد قيل: تنقضي به العدة، وقيل: فيه قولان) الأصح: طريقة القولين؛ فقد قال الرافعي: يشبه أنه الراجح، وأصح القولين: انقضاء العدة به (¬1)، وعبارة " المنهاج " [ص 446]: (فإن لم تكن صورةٌ وَقُلْنَ: هي أصل آدميٍّ انقضت على المذهب) وعبارة " الحاوي " [ص 531]: (ولحما) وهو محمول على ما ذكرناه. 4294 - قوله: (ولو ولدت بعده لأقل من أربع سنين من الطلاق .. لحق الزوج) (¬2) فيه أمور: أحدها: أن مقتضاه: أنها لو ولدته لأربع سنين .. لم يلحقه، وليس كذلك؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 447]: (ولو أبانها فولدت لأربع سنين .. لحقه، أو لأكثر .. فلا) و" التنبيه " فيما لا يلحق [ص 191]: (أو أتت بولد لأكثر من أربع سنين)، وفي هذه الصورة لو استلحقه .. لحقه، نص عليه في " الأم " (¬3)، وقال الماوردي: لا يلحقه (¬4)، حكاه شيخنا الإمام البلقيني. ثانيها: أنه اعتبر هذه المدة من الطلاق، وكذا حكاه الرافعي عن إطلاقهم، ثم قال: وقال أبو منصور التميمي: ينبغي أن يقال: لأربع سنين من وقت إمكان العلوق قبيل الفراق، قال: وهذا قويم، وفي إطلاقهم تساهل (¬5)، ويوافق هذا قول " التنبيه " [ص 191]: (من حين اجتمع معها). لكن يرد على لفظه: أن الحريري قال: لا يقال: اجتمع فلان مع فلان، وأن ذلك يصدق بابتداء الاجتماع؛ فكان ينبغي أن يقول: (من حين فارقها) ولوافق هذا أيضًا قول صاحب " المعين ": هذه المدة تعتبر من وقت إمكان العلوق قبيل الطلاق؛ لئلا يلزم منه أن تكون مدة الحمل أكثر من أربع سنين؛ لتقدم العلوق على الطلاق، ولم يصرح " المنهاج " بابتدائها، لكن يفهم من لفظه أنها من الإبانة. ثالثها: أن قوله: (بعده) أي: بعد انقضاء العدة يتناول ما إذا ذكرت انقضائها بالوضع ثم ادعت ولادة لستة أشهر فأكثر من ذلك الوضع ولأربع سنين فأقل من الفراق، والحكم أنه لا يقبل ولا يلحقه كما ذكره الرافعي في (اللعان)، فيحمل كلام " الحاوي " على الأقراء والأشهر، ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (9/ 448). (¬2) انظر " الحاوي " (ص 531). (¬3) الأم (5/ 222). (¬4) انظر " الحاوي الكبير " (11/ 206). (¬5) انظر " فتح العزيز " (9/ 451).

ولا يرد ذلك على " التنبيه " و" المنهاج " لأنهما لم يصوراه بأن يكون بعد انقضاء العدة، وقد يرد على إطلاقهما. 4295 - قول " التنبيه " [ص 191]: (وإن وطئها ثم طلقها طلاقًا رجعيًا ثم أتت بولد لأكثر من أربع سنين .. ففيه قولان، أحدهما: لا يلحقه، والثاني: يلحقه) الأظهر: الأول، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 447]: (ولو طلق رجعيًا .. حُسِبَت المُدّةُ من الطلاق، وَفِي قول: مِن انصِرَامِ العِدّةِ)، وهو ظاهر إطلاق " الحاوي " أنها من الطلاق. 4296 - قول " التنبيه " [ص 191]: (وإن أبانها وانقضت عدتها، ثم تزوجت بآخر، ثم أتت بولد لستة أشهر من حين النكاح الثاني .. فهو للزوج الثاني) لا معنى للتقييد بالإبانة، فلو طلق رجعيًا وانقضت عدتها .. كان الحكم كذلك؛ ولذلك أطلق " المنهاج " في قوله [ص 447]: (ولو نكحت بعد العدة) ومثله قول " الحاوي " [ص 531]: (والناكح إن أمكن). 4297 - قول " المنهاج " [ص 447]: (ولو نكحت في العدة فاسدًا) لو قال كـ " المحرر ": (ولو نكحت فاسدًا؛ بأن نكحت في العدة) (¬1) .. لكان أولى؛ لأن النكاح في العدة لا يكون إلا فاسدًا. 4298 - قوله: (فولدت للإمكان من الثاني - أي: دون الأول - .. لحقه) (¬2) محله: ما إذا كان طلاق الأول بائنًا، فإن كان رجعيًا .. ففيه قولان، أحدهما: كذلك، والثاني: أن فراش الأول باق، فيعرض الولد على القائف، ولا ترجيح فيها في " الروضة " وأصلها (¬3). وقال شيخنا الإمام البلقيني بعد نقله نص الشافعي على الثاني وحده: وهذا هو الذي ينبغي الفتوى به. 4299 - قول " الحاوي " [ص 531]: (وفي الفاسد .. ألحق القائف) محله: ما إذا أمكن كونه من كل منهما كما أفصح به " المنهاج " (¬4). 4300 - قول " التنبيه " [ص 192]: (فإن لم تكن قافة) قد يفهم منه عدمها في الدنيا، وبه صرح الفوراني، لكن الذي حكاه الرافعي عن الروياني: أن المراد: ألَّا يوجد في موضع الولد وما قرب منه، وهو مسافة يوم وليلة (¬5). ¬

_ (¬1) المحرر (ص 362). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 447). (¬3) فتح العزيز (9/ 455)، الروضة (8/ 381). (¬4) المنهاج (ص 447). (¬5) انظر " فتح العزيز " (9/ 467).

فصل [في تداخل العدتين]

فصلٌ [في تداخل العدتين] 4301 - قول " التنبيه " [ص 202]: (وإن وطئها الزوج في العدة بشبهة .. استأنفت العدة ودخلت فيها البقية) إنما قال: بشبهة؛ ليشمل البائن؛ فإن الرجعية لا تحتاج فيها إلى شبهة، فنفس عدته شبهة، وقوله بعده: (وله الرجعة فيما بقي من العدة الأولى) (¬1) إنما يأتي في الرجعية؛ ولهذا قيد ابن يونس في " النبيه " المسألة بكونها رجعية؛ لتصح معه الرجعة في بقية الأولى، وفي " المنهاج " [ص 447]: (جاهلًا أو عالمًا في الرجعيّه) والتقييد بالرجعية في العالم فقط. 4302 - قول " التنبيه " [ص 202]: (فإن حبلت من الثاني .. فقد قيل: تدخل فيها البقية وله الرجعة إلى أن تضع) هو الأصح، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 447]: (فإن كانت إحداهما حملاً والأخرى أقراءً .. تَدَاخَلَتَا في الأصح) وهو شامل لتأخر الحمل كـ " التنبيه " وتقدمه، وكذا قول " الحاوي " [ص 533]: (وإنما تكفي الأخيرة المتفقة أو الحمل لشخصٍ). ويرد عليهم جميعًا: أن محل ذلك: ما إذا كانت لا ترى الدم على الحمل أو رأته ولم نجعله حيضًا، فأما إذا رأته وقلنا: إنه حيض - وهو الأصح - .. فلا تدخل الأقراء الباقية من العدة الأولى في الحمل، بل تنقضي العدة الأولى بفراغها سواء تقدمت أو تأخرت، وتكون الرجعة دائرة معها، فلو فرغت قبل الوضع .. لم يكن له الرجعة بعد ذلك، ولو وضعت قبل فراغها .. فله الرجعة قبل الوضع وبعده إلى تمامها بلا خلاف كما حكاه الرافعي عن البغوي، وأرسله في " أصل الروضة " (¬2)، لكن في " المهذب " فيما قبل الوضع وجهان (¬3)، وكذا في كلام الماوردي (¬4)، كذا أورده صاحب " التعليقة على الحاوي " وشيخنا الإسنوي في " تصحيحه " و" تنقيحه " (¬5)، وهو الذي تقتضيه عبارة " الروضة " وأصلها و" الكفاية " فإنهم بعد حكاية الخلاف المتقدم في التداخل قالوا: جميع ما ذكرناه فيما إذا كانت لا ترى الدم على الحمل، أو تراه وقلنا: ليس بحيض، فإن جعلناه حيضًا .. فذكروا ما تقدم (¬6). ومقتضاه: تفريع هذا على الوجهين معًا، وذكر النشائي في " نكته " وشيخنا ابن النقيب: أنه مفرع على عدم التداخل، وهو المرجوح، واستدل عليه النشائي بتعليل الرافعي و" الكفاية " ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 202). (¬2) فتح العزيز (9/ 460)، الروضة (8/ 385)، وانظر " التهذيب " (6/ 266). (¬3) المهذب (2/ 1040). (¬4) انظر " الحاوي الكبير " (11/ 295). (¬5) تذكرة التنبيه (3/ 371، 372). (¬6) فتح العزيز (9/ 460)، الروضة (8/ 385).

وغيرهما انقضاء العدة بالأقراء مع الحمل: بأن الحكم بعدم التداخل ليس إلا لرعاية صورة العدتين تعبُدًا، وقد حصل، وبالغ النشائي في ذلك حتى قال: إن إيراد ذلك خطأ فاضح (¬1). وتردد في ذلك شيخنا الإمام البلقيني فقال: إن الأول هو الذي يظهر من إطلاق كلام الرافعي والنووي، وفهمه بعض المصنفين، ثم قال: والظاهر الثاني؛ لأمور: أقربها: أن الماوردي فرّعه على عدم التداخل خاصة، وإليه يشير كلام القاضي حسين في " تعليقه " وإن لم يصرح به. 4303 - قول " التنبيه " [ص 202]: (وقيل: لا تدخل، فتعتد بالحمل عن الوطء، فإذا وضعت .. أكملت عدة الطلاق بالأقراء) يستثنى منه: ما إذا رأت الدم على الحمل وجعلناه حيضًا كما تقدم. 4304 - قوله تفريعًا على هذا: (وهل له الرجعة في الحمل؟ ) (¬2) الأصح: أن له ذلك. 4305 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (فإن كانَ حَمْلٌ .. قَدَّمَتْ عِدتَهُ) (¬3) يقتضي أنه إذا كان للمطلق .. فله الرجعة قبل الوضع. واستثنى الروياني من ذلك: حالة اجتماع الواطئ بها، حكاه عنه في " الروضة " وأصلها من غير اعتراض عليه (¬4). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه متعقّبٌ؛ لأنه إذا كان الاعتداد بالحمل .. فكيف يتصور الخروج من عدته؟ قال: ولو سلمنا الخروج من العدة .. لم يزد على ما إذا كانت العدة بالحمل لوطء الشبهة، وذلك لا يمنع الرجعة عند الشيخ أبي حامد ومن تابعه، وهو الأقرب. انتهى. وما قال شيخنا أنه الأقرب نقل في " أصل الروضة " تصحيح مقابله عن الماوردي والبغوي، ولم يرجح من عنده شيئًا (¬5)، ودخل في إطلاقهم عدم التداخل فيما إذا كانت العدتان لشخصين: ما لو كانا حربيين ثم أسلمت مع الثاني، أو ترافعا إلينا بعد دخولهما بأمان، والنص فيه: الاكتفاء بعدة واحدة، ورجحه البندنيجي والبغوي (¬6)، ونظم " الوجيز " إليه أقرب (¬7)، ورجح مقابله الإمام ¬

_ (¬1) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 161)، السراج على نكت المنهاج (7/ 60). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 202). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 202)، و" الحاوي " (ص 533)، و " المنهاج " (ص 447). (¬4) فتح العزيز (9/ 464)، الروضة (8/ 387). (¬5) الروضة (8/ 387)، وانظر " التهذيب " (6/ 268). (¬6) انظر " التهذيب " (6/ 271). (¬7) الوجيز (103).

فصل [انقطاع العدة بمخالطة الرجعية]

والروياني والأودني في " المناظرة " (¬1)، وعلى الأول: فهل تسقط بقية عدة الأول أم تدخل في الثانية؛ رجح النووي من زيادته: الأول (¬2)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه مخالف لنص " الأم " حيث قال: (وتدخل فيها العدة من الذي قبله) (¬3) وللقواعد لما فيه من إسقاط الثابت بلا دليل، ويعارض كونه حربيًا أن الآخر حربي والاستيلاء إنما يؤثر في الأملاك والاختصاصات، قال شيخنا المذكور: فلو كان أحدهما حربيًا والآخر مسلمًا أو ذميًا .. فالخلاف جارٍ أيضًا، ذكر الزاز بعضه، وأجريت الباقي عليه. فصلٌ [انقطاع العدة بمخالطة الرجعية] 4306 - قول " الحاوي " [ص 534]: (وتنقطع بمخالطة الرجعية) فيه أمور: أحدها: المراد: مخالطة الزوج، فلو خالطها أجنبي .. انقضت العدة، كما صرح به " المنهاج " من زيادته (¬4)، ومحله: ما إذا كان بغير شبهة، فإن خالط بشبهة .. ففي " الروضة " وأصلها: أنه يجوز أن تمنع الاحتساب، كما سبق أنها في زمن الوطء بالشبهة خارجة عن العدة (¬5)، ومقتضاه: أنها غير منقولة، وهي عين المسألة المذكورة بعده في قوله: (ولو نكح معتدة بظن الصحة ووطئ .. انقطعت من حين وطئ، وفي قول أو وجه: من العقد) (¬6). ثانيها: صورة ذلك: أن تكون في عدة أقراء أو أشهر، كما صرح به " المنهاج " (¬7)، فلو كان في عدة حمل .. انقضت. ثالثها: قيده " المنهاج " بقوله [ص 448]: (بلا وطء) لأنه محل الأوجه، فلو وطئ البائن .. انقضت العدة قطعًا؛ لأنه زنا لا حرمة له، ولو وطئ الرجعية .. لم تشرع في العدة ما دام يطأ كما حكاه في " الروضة " وأصلها عن المتولي (¬8)، وسبقه إليه القاضي حسين، وقال: إنه لا خلاف فيه، ولم يحتج " الحاوي " لتقييده؛ لعدم حكايته الخلاف، والحكم على الفتوى لا يختلف. ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (15/ 270). (¬2) انظر " الروضة " (8/ 393). (¬3) الأم (5/ 50). (¬4) المنهاج (ص 448). (¬5) فتح العزيز (9/ 474)، الروضة (8/ 395). (¬6) المنهاج (ص 448). (¬7) المنهاج (ص 448). (¬8) فتح العزيز (9/ 473)، الروضة (8/ 394).

رابعها: مقتضاه: أَنَّ له الرجعة ولو انقضت الأقراء أو الأشهر، لقيام العدة، لكن قال في " المنهاج " [ص 448]: (لا رجعة بعد الأَقْرَاءِ والأَشْهُرِ)، وحكاه في " المحرر " عن المعتبرين (¬1)، وفي " الشرح الصغير " عن الأئمة، لكنه في " الشرح الكبير " حكاه عن " فتاوى البغوي " أنه قال: الذي عندي أنه لا رجعة له بعد الأقراء وإن لم تنقض العدة " عملًا بالاحتياط في الجانبين، قال: وفي " فتاوى القفال " ما يوافقه. انتهى (¬2). وما حكاه عن البغوي هو رأيه بعد أن نقل عن الأصحاب أن له الرجعة، وكذا قال بثبوت الرجعة القاضي حسين، وفي " المهمات ": إنه المعروف الذي به الفتوى، وقال شيخنا الإمام البلقيني: هو قياس إيقاع الطلاق، وقال: على الأول الأحوط أنه لا يتزوج أختها، ولا أربعًا سواها؛ لتعديه بالمخالطة التي منعت انقضاء العدة، قال: ولا تجب النفقة والكسوة؛ لأنها بائن بالنسبة إلى أنه لا يجوز رجعتها، دال: ولا يصح خلعها، لبذلها العوض في غير فائدة، قال: وليس لنا امرأة يلحقها الطلاق ولا يصح خلعها إلا هذه، ولم أر من تعرض له. واعلم: أن المخالطة التي ذكرها " الحاوي " بمعنى المعاشرة التي ذكرها " المنهاج "، ويكفي فيها كما قال في " البسيط ": الخلوة وإن لم تتصل، كالخلوة ليلًا دون النهار، ولا يضر دخول دار هي فيها. 4307 - قول " التنبيه " [ص 202]: (وإن تزوجت في العدة ووطئها الزوج وهي حائل .. انقطعت العدة) محله: ما إذا جهل العدة أو تحريم المعتدة؛ لقرب عهده بالإسلام، فلو علم .. فهو زانٍ لا يقطع وطؤه عدة الأول؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 448]: (ولو نكح معتدةً بظنِّ الصحةِ وَوَطِئَ .. انقطعت من حين وطئ، وفي قول أو وجهٍ: من العقد) رجح في " الشرحين ": كونه وجهًا، وجزم به في " الروضة " (¬3). 4308 - قوله: (فلو وَضَعَت ثم طَلَّقَ .. استأنَفَت، وقيل: إن لم يَطَأ بعد الوضعِ .. فلا عِدَّةَ) (¬4) صحح في " أصل الروضة ": القطع بخلافه (¬5). 4309 - قول " التنبيه " [ص 202]: (وإن تزوج المختلعة في أثناء العدة ثم طلقها قبل الدخول .. فقد قيل: تبني على العدة، وقيل: فيه قولان، أحدهما: تبني، والثاني: تستأنف) قال في " الكفاية ": المنقول: البناء، وقول الاستئناف لم أره إلا في " التنبيه "، وهو مذهب أبي حنيفة، ¬

_ (¬1) المحرر (ص 363). (¬2) فتح العزيز (9/ 474). (¬3) فتح العزيز (9/ 475)، الروضة (8/ 395، 396). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 448). (¬5) الروضة (8/ 398).

فصل [في العدد]

وقد صرح الإمام والماوردي بالاتفاق على البناء (¬1)، وقال النووي في " نكت التنبيه ": القول بأنها تستأنف غريب جدًا، لكن قوله في " التصحيح ": (الأصح: أن المختلعة تبني) يقتضي أنه رأى ثبوت الخلاف، وإلا .. لعبّر بالصواب، وتبعه على ذلك شيخنا الإسنوي في " تصحيحه " (¬2). وقال لنا شيخنا الإمام البلقيني: لم ينفرد " التنبيه " بهذه الطريقة؛ فقد حكاها أبو الفرج الزاز في " تعليقه " فقال: وقد خُرّج فيه قول آخر: أنه يلزمها استئناف العدة. فصلٌ [في العدد] 4310 - قول " المنهاج " [ص 448]: (عدَّةُ حُرَّةٍ حَائِلٍ لِوفاةٍ وإن لم تُوطَأْ: أربَعَةُ أَشهرٍ وعَشَرَةُ أيامٍ بِلَيَالِيهَا) كذا إذا كانت حاملًا بحملٍ لا يجوز أن يكون منه، كما صرح به " التنبيه " (¬3)، وقد أشار إليه " المنهاج " بقوله بعده [ص 448]: (وحاملٍ: بوَضعِهِ بشِرطِهِ السَّابقِ) أي: وهو أن ينفصل بتمامه، وأن يكون منسوبًا إليه ظاهرًا أو احتمالًا، كما صرح به في " المحرر " (¬4)، وقد أطلق " الحاوي " أولًا أنها تعتد بموت الزوج أربعة أشهر وعشرًا، ثم قال: (والكل بتمام وضع حمل يمكن منه) (¬5)، وتبع " التنبيه " و" الحاوي " لفظ التنزيل في التعبير بعشر، وأفصح " المنهاج " بالمقصود في قوله: (وعَشَرَةُ أيامٍ بلياليها). 4311 - قول " التنبيه " [ص 200]: (وإن كانت أمة .. اعتدت بشهرين وخمس ليال) اعترضه النووي في " تصحيحه " فقال: (الصواب: أن عدة الوفاة للأمة شهران وخمسة أيام بلياليها، كما أن عدة الحرة أربعة أشهر وعشرة أيام) (¬6). وقال في " تحريره ": إنه غلط (¬7)، وليس كذلك؛ فإن مراده: خمس ليالٍ بأيامها، كما قال في الحرة: عشر؛ فإن حذف التاء يدل على إرادة الليالي، فلم لا أعترض عليه هناك؟ وقد ذكر الماوردي: أن العرب تطلق الليالي وتريد: بأيامها، وعكسه (¬8)، فلا يقال في هذا: ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (5/ 200)، و " الحاوي الكبير " (11/ 229). (¬2) تصحيح التنبيه (2/ 124)، تذكرة النبيه (3/ 372). (¬3) التنبيه (ص 200). (¬4) المحرر (ص 346). (¬5) الحاوي (ص 530، 531). (¬6) تصحيح التنبيه (2/ 118). (¬7) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 285). (¬8) انظر " الحاوي الكبير " (1/ 432).

إنه غلط، وقد عبّر هو في " الروضة " بقوله: والأمة تعتد بنصف عدة الحرة، وهو شهران وخمسة أيام (¬1)، والمراد: بلياليها، فَهَلَّا غلّط نفسه هناك في الاقتصار على الأيام كما غلّط " التنبيه " في الاقتصار على الليالي؟ بل اقتصار " التنبيه " هو الموافق للفظ التنزيل، وعبارة " الحاوي " مثله؛ فإنه عبر في الحرة بعشر كما تقدم، وقال في غير الحرة: إنها على النصف (¬2)، وتعبيره بغير الحرة أعم من تعبيرهما بالأمة؛ لتناول المبعضة، وقد احترز في " المنهاج " عن هذا الذي اعترض به فقال بعد قوله في الحرة: عشرة أيام بلياليها: (وأَمَةٍ: نِصفُهَا) (¬3). 4312 - قول " التنبيه " [ص 200]: (وإن طلق إحدى امرأتيه بعد الدخول بها ومات قبل أن يبين .. وجب على كل واحدة منهما أطول العدتين من الأقراء والأشهر) محله: ما إذا كان الطلاق بائنًا وكانتا من ذوات الأقراء، فإن كان رجعيًا أو كانتا من ذوات الأشهر .. اعتدتا لوفاة، كما لو كان قبل الدخول، وقد صرح بذلك " المنهاج " (¬4). ويرد ذلك على قول " الحاوي " [ص 530]: (ومبهمة الطلاق أقصاهما) مع زيادة أن محله أيضًا: في المدخول بها، كما صرح به " التنبيه " (¬5)، ولا يخفى أن ذلك في غير الحامل، أما هي: فتعتد بوضع الحمل، فلو اختلف حالهما فكانت إحداهما حاملًا أو ممسوسة أو ذات أقراء، والأخرى بخلافها .. عملت كل واحدة بمقتضى الاحتياط. 4313 - قولهما في زوجة المفقود (¬6): (والثاني: أنها تصبر أربع سنين ثم تعتد عدة الوفاة) (¬7) قد يفهم الاكتفاء بالأربع من غير ضرب قاضٍ، وقد رجحه بعضهم كما حكاه الرافعي، قال: وإيراد كثير من الأئمة يشعر بترجيح الافتقار إلى ضرب القاضي، وأنه لا يُعتَد بما مضى قبله. واقتصر في " الروضة " على أنه أصحهما عند كثير من الأئمة، ولم يذكر ترجيح مقابله عن أحد (¬8)، وذلك يشعر بموافقة الكثير، ثم الأصح: أنه لا بد بعد ضرب المدة من الحكم بعدها بوفاته. 4314 - قول " التنبيه " [ص 200]: (وهل تحل في الباطن؟ فيه قولان) عبارة الرافعي: وجهان ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 399). (¬2) الحاوي (ص 530، 531). (¬3) المنهاج (ص 448). (¬4) المنهاج (ص 449). (¬5) التنبيه (ص 200). (¬6) انظر " فتح العزيز " (9/ 486). (¬7) انظر " التنبيه " (ص 200)، و " المنهاج " (ص 449). (¬8) الروضة (8/ 401).

أو قولان، ولم يذكر ترجيحًا (¬1)، وصحح الجيلي: الحل في الباطن أيضًا. وفي " المهمات ": أن الأكثرين مائلون (¬2) إليه هنا، وفي حكمه في كل مسألة مختلف (¬3) فيها، قال: ذكره الرافعي في (دعوى الدم) و (الدعاوى)، وجزم فيهما بأن الخلاف وجهان، وشرع النووي في زيادة " الروضة " في ذكر الأصح، فلم يتحرر له وترك بياضًا للخبر، وفي بعض نسخ " الروضة " تصحيح المنع، حكاه النشائي (¬4). 4315 - قول " المنهاج " [ص 449]: (ولو نَكَحَت بعد الترَبُّصِ والعِدةِ فبانَ مَيْتًا .. صح على الجديدِ في الأصحِّ) الذي في " المحرر " و" الروضة " وأصلها: وجهان بناءً على الخلاف فيمن باع مال أبيه ظانًا حياته فبان ميتًا (¬5)، فأطلق " المنهاج " التصحيح كالمصحح هناك. 4316 - قولهما: (وبجب الإحداد على معتدَّةِ وفاةٍ) (¬6) قد يفهم خروج الذمية والمجنونة والصغيرة، وليس كذلك، فيمنع الولي الصغيرة والمجنونة ما يمتنع منه غيرهما. 4317 - قول " التنبيه " [ص 201]: (وفي المطلقة البائن قولان، أحدهما - وهو الأصح -: أنه لا يجب) يقتضي الجزم بأن المفسوخ نكاحها لا إحداد عليها، والأصح: طرد القولين فيها، وفي بعض نسخ " التنبيه " [ص 201]: (وفي عدة البائن) وهي أولى؛ لتناولها لها، وكذا عبر " المنهاج " بـ (البائن) (¬7). 4318 - قول " المنهاج " [ص 449]- والعبارة له - " والحاوي " في (الإحداد) [ص 530]: (تركُ لُبْسِ مَصبُوغٍ لِزينةٍ) فصله " التنبيه " فقال [ص 201]: (ولا تلبس الأحمر ولا الأزرق الصافي، ولا الأخضر الصافي، ولا الأصفر) وخرج بذلك: الأسود والأزرق والأخضر المشبعان الكدران. 4319 - قول " المنهاج " [ص 449]: (وَيَحرمُ حَلْيُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَكَذا لُؤلُؤٌ في الأصح) قد يخرج التحلي بغيرها، لكن لو تحلت بنحاس ونحوه وموهته بذهب أو فضة أو ما يشبههما بحيث لا يظهر إلا بالتأمل، أو كانت ممن تتحلى بالنحاس ونحوه .. حرم. وهذا داخل في إطلاق " التنبيه " و" الحاوي " التحلي (¬8). ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (9/ 486). (¬2) في كل النسخ: (ما يكون)، وهو تصحيف ظاهر، والصواب ما أثبت. (¬3) الضمير في (حكمه) يعود على الحاكم، أي: الأكثرون مائلون إلى نفوذ حكم الحاكم في الباطن في كل مسألة مختلف فيها. (¬4) انظر " نكت النبيه على أحكام التنبيه " (ق 160). (¬5) المحرر (ص 365)، فتح العزيز (9/ 487)، الروضة (8/ 401). (¬6) انظر " التنبيه " (ص 200، 201)، و" المنهاج " (ص 449). (¬7) المنهاج (ص 449). (¬8) التنبيه (ص 201)، الحاوي (ص 530).

ويستثنى منه: ما لو لبسته ليلًا ونزعته نهارًا .. فإنه يجوز، لكن يكره لغير حاجة، فلو فعلته لإحراز المال .. لم يكره، حكاه في " أصل الروضة " عن الروياني عن بعض الأصحاب، ولم يخالفه (¬1). 4320 - قول " المنهاج " [ص 449]: (وطيبٌ في بدنٍ وثوبٍ وطعامٍ وَكُحلٍ) أحسن من قول " التنبيه " [ص 201]: (ولا تتطيب)، والأمر هنا على ما فصَّل في الإحرام؛ ولذلك قال " الحاوي " [ص 530]: (بمحرم الإحرام)، ويستثنى من ذلك: استعمالها عند الطهر من الحيض قليلًا من قسط أو أظفار، وهما نوعان من البخور كما ورد به الحديث، وذكره الرافعي (¬2)، وأسقطه في " الروضة "، وذكره في " شرح مسلم " فقال: هما نوعان من البخور، وليسا من مقصود الطيب، رُخص لها فيه لإزالة الرائحة الكريهة لا للتطيب (¬3). قال في " المهمات ": ويظهر إلحاق المُحْرِمة إذا طهرت من حيض أو نفاس بالمعتدة، بل أولى لقِصر زمن الإحرام؛ ولأن التطيب فيه أخف؛ بدليل وجوب إزالته إذا شرعت في العدة، بخلاف الإحرام. قلت: قصر زمن الإحرام لا يقتضي أن المحرمة أولى بالجواز من المعتدة، بل بالمنع؛ لأنه لقصره لا يتكرر فيه الحيض، بل قد يخلو عنه، والله أعلم. واستثنى في " الكفاية " من الطيب: حالة طهر المعتدة من الحيض، وظاهره عدم اختصاصه بهذين النوعين، وهو بعيد. ويستثنى من تحريم الطيب أيضًا: الحاجة؛ كالاكتحال، ذكره في " النهاية " (¬4). 4321 - قول " المنهاج " [ص 449] و" الحاوي " [ص 530]: (واكتحالٌ بإثمدٍ) زاد " التنبيه " [ص 201]: (الصبر) وهو الأصفر، فيحرم على السوداء وكذا البيضاء في الأصح، أما الأبيض - وهو التوتياء ونحوه -: فلا يحرم على السوداء، وكذا البيضاء على الصحيح. 4321/ 1 - قول " المنهاج " [ص 449]: (إلا لحاجةٍ كَرَمَدٍ) قد يفهم جوزاه مطلقًا مع أنها إنما تستعمله ليلًا وتغسله نهارًا، كما صرح به " التنبيه "، و" الحاوي " (¬5). نعم؛ لو دعت الضرورة إليه نهارًا أيضًا .. جاز. ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 406). (¬2) انظر " فتح العزيز " (9/ 492). (¬3) شرح مسلم (10/ 119). (¬4) نهاية المطلب (15/ 251). (¬5) التنبيه (ص 201)، الحاوي (ص 530).

فصل [في سكنى المعتدة]

4322 - قول " التنبيه " [ص 201]: (ولا تختضب) قيده " المنهاج " فقال [ص 449]: (وَخِضَابُ حِنَّاءً وَنَحْوِهِ) أي: كزعفران وورس، وظاهر كلامهما المنع منه في جميع البدن، وبه صرح ابن يونس، لكن حكى الرافعي عن الروياني: أنه إنما يحرم فيما يظهر كالوجه واليدين والرجلين، لا فيما تحت الثياب، وأقره عليه (¬1). وقال شيخنا الإمام البلقيني: فيه نظر؛ فإن شعر الرأس مما تحت الثياب، وفي حديث أم سلمة في أبي داوود والنسائي: " ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء؛ فإنه خضاب" قلت: بأي شيء أمتشط يا رسول الله، قال: " بالسدر تُغلِّفين به رأسك " (¬2)، قال: وهذا يدل على منع الحناء ولو كان تحت الثياب. ولا يُرَدّ هذا: بأن الشعر يبدو منه شيء؛ لأنه لو اعتبر ذلك .. لاقتصر المنع على ما يبدو، لا يقال: لسد الذريعة؛ لأن إطلاق التعليل بأنه خضاب ينافي ذلك. 4323 - قول " المنهاج " [ص 449]: (وَيَحِلُّ تجميلُ فِراشٍ وأثاثٍ، وتنظيفٌ بِغَسْلِ رَأْسٍ، وَقَلْمٍ، وإزالَةِ وَسَخٍ) علله الرافعي: بأنها ليست من الزينة (¬3)، لكن جعلها في (الجمعة) من الزينة (¬4)، فكأنها ليست من الزينة المحرمة هنا، ومن الزينة المطلوبة هناك. 4324 - قول " التنبيه " [ص 201]: (ولا ترجل الشعر) أي: لا تمشطه بالدهن، فلو قال كـ " الحاوي " [ص 530]: (ودهن الشعر) .. لكان أولى، وفي " المنهاج " [ص 450]: (ويحل امتشاط) أي: بلا دهن، فإطلاق " التنبيه " المنع محمول على فعله بدهن، و" المنهاج " الحل محمول على انتفائه. 4325 - قول " المنهاج " [ص 450]: (وحمام إن لم يكن فيه خروج مُحرَّمٌ) تقييد حسن، لكنه ليس فيه " الروضة " (¬5). فصلٌ [في سكنى المعتدة] 4326 - قول " المنهاج " [ص 450]: (تجب سُكنَى لِمُعتَّدةِ طَلاَقٍ ولو بائنٍ إلا نَاشِزَةً) أي: بأن نشزت ثم طلقها، كذا قاله القاضي حسين والمتولي، وزاد: أنها لو نشزت في العدة .. فلا سكنى ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (9/ 496). (¬2) سنن أبي داوود (2305)، سنن النسائي (3537). (¬3) انظر " فتح العزيز " (9/ 496). (¬4) انظر " فتح العزيز " (2/ 314). (¬5) الروضة (8/ 408).

أيضًا، فلو عادت إلى الطاعة .. عاد استحقاقها، وقال الإمام: إذا طلقها في مسكن النكاح .. فعليها ملازمته، فإن أطاعت .. استحقت السكنى، وعبر بعضهم عنه: بأنها إن نشزت على الزوج في بيته .. فلها السكنى في العدة، وإن خرجت من بيته واستعْصت عليه .. فلا سكنى، حكى ذلك كله في " أصل الروضة " (¬1). وقال شيخنا ابن النقيب: ينبغي أن تستثنى الصغيرة التي لا تحتمل الجماع أيضًا، فلا سكنى لها إن قلنا: لا نفقة كما هو الأصح (¬2)، وكذلك الأمة حيث لا نفقة. قلت: هما مصرح بهما في " الروضة " وأصلها كذلك (¬3)، فلا معنى لذكرهما بحثًا. 4327 - قول " التنبيه " في النفقات [ص 209]: (وإن توفي عنها .. لم تجب لها النفقة في العدة، وفي السكنى قولان) الأظهر: وجوبها، وعليه مشى " المنهاج " هنا (¬4) و" الحاوي " في النفقات فقال [ص 543]: (إلى آخر العدة). 4328 - قول " المنهاج " [ص 450]: (وَفَسْخٍ على المَذهَبِ) هو داخل في قول " الحاوي " في (النفقات) [ص 543]: (إلى آخر العدة)، وحكاه في " الروضة " وأصلها عن " التتمة " (¬5)، لكن صححا في (باب الخيار) في النكاح: عدم الوجوب، قالا هناك: هاذا لم نوجب السكنى فأراد أن يسكنها حفظًا لمائه .. فله ذلك وعليها الموافقة، قاله أبو الفرج السرخسي (¬6). 4329 - قول " التنبيه " [ص 209]: (وإن وطئ امرأة بشبهة .. لم نجب لها السكنى، وفي النفقة قولان) أظهرهما: أنها لا تجب، ولا يخفى أن محلهما: إذا حملت، وإلا .. فلا وجوب قطعًا، وهما مبنيان على أن النفقة لها أو للحمل. 4330 - قول " المنهاج " [ص 450]: (وتسكُنُ في مسكني كانت فيهِ عند الفُرْقَةِ)، وقول " الحاوي " [ص 534]: (وتلازم مسكن الفراق) أوضح في المقصود من قول " التنبيه " [ص 201]: (وتجب العدة في المنزل الذي وجبت فيه) لأنه اعترض عليه: بأنه لا يزيد على قولك: وتجب العدة حيث وجبت، وهو لا يكاد يفيد، والمراد: يجب الاعتداد في المكان الذي لاقاها فيه أصل وجوبه، وذلك حيث لم يمنع مانع من هدم وغيره، كما سَيُذكر، ثم ظاهر كلامهم تناول الرجعية، ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 410)، وانظر " نهاية المطلب " (15/ 217). (¬2) انظر " السراج على نكت المنهاج " (7/ 72). (¬3) فتح العزيز (9/ 499)، الروضة (8/ 409). (¬4) المنهاج (ص 450). (¬5) فتح العزيز (9/ 498)، الروضة (8/ 409). (¬6) فتح العزيز (8/ 143)، الروضة (7/ 183).

وبه صرح في " النهاية " (¬1)، لكن في " المهذب " و" الحاوي " وغيرهما من كتب العراقيين: أن للزوج أن يُسكِنها حيث شاء؛ لأنها في حكم الزوجات، حكاه في " الكفاية "، وجزم به النووي في " نكت التنبيه ". 4331 - قول " الحاوي " [ص 534]: (لا لحاجة الطعام) فيه أمور: أحدها: أن جواز خروجها لا يختص بحاجه الطعام؛ ولذلك قال " المنهاج " [ص 450]: (لِشِرَاءِ طَعَامٍ وَغَزْلٍ وَنَحوِهِ) و" التنبيه " [ص 201]: (لقضاء حاجة، كشراء القطن وبيع الغزل) وقال شيخنا الإمام البلقيني: تخرج للاستفتاء وللتصدق، فقد خرجت الفارعة واستفتت ولم ينكر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرجت خالة جابر وهي مطلقة ثلاثًا، وقال لها رسول الله صلى الله عليه سلم: " خذي نخلك وتصدقي " (¬2). ثانيها: أن محل جواز الخروج لذلك: في النهار دون الليل، كما صرح به " التنبيه " و"المنهاج" (¬3). نعم، لو لم يمكنها ذلك نهارًا .. لم تمنع منه ليلًا، للضرورة، وفي " شرح التنبيه " للعامري: أن المنع ظاهر عند نوم الناس، وأما في أول الليل: فيتجه إلحاقه بالنهار، وفيما قاله نظر؛ لأنه مظنة الفساد أيضًا. ثالثها: محله: في المتوفى عنها والمطلقة البائن، كما صرح به " التنبيه " و" المنهاج " (¬4)، أما الرجعية: فيلزم الزوج القيام بكفايتها، فلا تخرج إلا بإذنه. رابعها: يجوز الخروج ليلًا أيضًا إلى دار جارة لغزل وحديث ونحوهما بشرط أن ترجع وتبيت في بيتها، ذكره " المنهاج " (¬5)، وهو وارد على " التنبيه " أيضًا. خامسها: يرد على الثلاثة: الحامل البائن إذا قلنا: تعجل نفقتها يومًا بيوم، وهو الأصح، فهي مكفية، فلا تخرج إلا بإذنه أو لضرورة كالرجعية، قاله المتولي، وأقره عليه الرافعي والنووي (¬6). وقال السبكي: إنه مفروض فيما إذا حصل لها النفقة، فلا تخرج بعد لأجل النفقة، ولكن لها الخروج لبقية حوائجها من شراء القطن وبيع الغزل، لاحتياجها إليه في غير النفقة، قال: وكذلك ¬

_ (¬1) نهاية المطلب (15/ 217). (¬2) أخرجه مسلم (1483). (¬3) التنبيه (ص 201)، المنهاج (ص 450). (¬4) التنبيه (ص 201)، المنهاج (ص 450). (¬5) المنهاج (ص 450). (¬6) انظر " فتح العزيز " (9/ 511)، و " الروضة " (8/ 416).

إذا أعطيت النفقة دراهم واحتاجت إلى الخروج لشراء الأدم بها، قال: والضابط: منع الخروج قطعأ عند عدم الحاجة، وجوازه قطعًا عند الضرورة، ومحل الخلاف: عند الحاجة، قال: ولم أر من جوَّز الخروج بلا حاجة إلا ابن المنذر. انتهى، حكاه عنه ابنه في " التوشيح ". سادسها: يرد عليهم أيضًا: أن محل الجواز: فيمن ليس لها من يقضي حاجتها، فإن كان .. لم يجز الخروج إلا لضرورة، قاله الإمام وغيره فيما حكاه في " الكفاية " (¬1)، وعبارة " الروضة " وأصلها تدل على ذلك؛ حيث قيدا الخروج بالحاجة، ولا حاجة مع وجود من يقوم بها. 4332 - قول " التنبيه " [ص 201]: (ولا يجوز نقلها من المسكن الذي وجبت فيه العدة إلا لضرورة) أعم من قول " المنهاج " [ص 450]: (وتنتقلُ من المسكنِ لِخوفٍ من هدمٍ أو غرق) لعدم الانحصار في ذلك؛ فإنها تنتقل أيضًا إذا خافت اللصوص أو الحريق أو نحو ذلك. 4333 - قول " المنهاج " [ص 450]: (أو على نفسها) يخرج المال ونفس غيرها؛ كولدها الصغير مثلًا؛ ولذلك قال " الحاوي " [ص 534، 535]: (وخوف النفس والمال) وهو متناول لمال غيرها أيضًا، ويدخل فيه أيضًا: الهدم والغرق والحرق واللصوص، فهي عبارة شاملة. 4334 - قول " المنهاج " [ص 450]: (أو تَأَذَّتْ بالجيرانِ، أو هُمْ بها أَذَىً شديدًا) أعم من قول " التنبيه " [ص 201]: (أو بذاءة على أحمائها) فإن البذاءة: الفحش، والأحماء: أقارب الزوج، أما لو بذئ أحماؤها عليها .. نُقِلوا دونها، ثم قال البغوي في بذائها على أحمائها: تسقط سكناها وعليها العدة في بيت أهلها (¬2)، والذي ذكره العراقيون والجمهور: أن الزوج ينقلها إلى مكان آخر، ومحل نقلها بالبذاءة على أحمائها: ما إذا كانت في دار تَسَع جميعهم، فلو كانت تسعها فقط .. نقل الأحماء، وكذا لو كانت في دار أبويها فبذئت على أحمائها .. نقلوا أيضًا دونها؛ لأنها أحق بدار أبويها، وكذا لو بذئت على الأبوين أو بذأ الأبوان عليها .. لا ينقل أحد منهم؛ لأن الشر والوحشة لا تطول بينهم، ولم يقيد ابن يونس في " مختصره " البذاءة بكونها على أحمائها؛ ليتناول البذاءة على الزوج وغيره. 4335 - قول " الحاوي " [ص 534]: (والهجرة) استثنى منه المتولي: ما إذا كانت في موضع لا تخاف على نفسها ولا دينها .. فلا تخرج حتى تعتدّ، حكاه عنه في " أصل الروضة "، وأقره (¬3). 4336 - قوله: (وإقامة الحد) (¬4) محله: في البرزة، أما المخدرة: فيبعث الحاكم إليها ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (15/ 254). (¬2) انظر " التهذيب " (6/ 256). (¬3) الروضة (8/ 416). (¬4) انظر " الحاوي " (ص 534).

نائبًا، أو يحضر إليها بنفسه، جزم به في " أصل الروضة " (¬1) ولهذا قال " التنبيه " [ص 201]: (وإن وجب عليها حق يختص بها وهي برزة .. خرجت). 4337 - قوله: (وإن أمرها بالانتقال إلى موضع آخر فانتقلت ثم طلقها قبل أن تصير إلى الثاني .. فقد قيل: تمضي، وقيل: هي بالخيار بين المضي وبين العود) (¬2) الأصح: الأول، وعليه مشى " الحاوي " فقال [ص 534]: (والمأذون إن كانت في الطريق) و" المنهاج " فقال [ص 450]: (اعتدت فيه على النص) ولو قال " الحاوي ": (وإن كانت في الطريق) .. لكان أولى؛ لأن ذلك هو موضع الخلاف ولأجله قيد به حاكي الخلاف، وأما هو: فليس حاكيًا للخلاف، فلا معنى لتقييده، والاعتبار ببدنها لا بالأمتعة والخدم، فلو عادت إلى الأول لنقل متاع فطلقها فيه .. اعتدت في الثاني، قال الإمام: هذا إذا دخلت الثاني دخول استقرار، فإن كانت تتردد بينهما لنقل الأمتعة وطلقت في الأول .. ففيه احتمالان (¬3). 4338 - قول " المنهاج " [ص 450]: (أو بغير إذنٍ .. ففي الأوَّلِ) أي: وإن وصلت إلى الثاني، ويستثنى منه: ما إذا أذن لها بعد الوصول إليه أن تقيم به .. فإنه كالنقلة بإذنه. 4339 - قول " التنبيه " [ص 201]: (وإن أذن لها في السفر فخرجت ووجبت العدة قبل أن تفارق البلد .. فقد قيل: عليها أن تعود، وقيل: لها أن تمضي في السفر ولها أن تعود) الأصح عند الجمهور: الأول، والثاني ظاهر النص كما قال الرافعي، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه صريح النص، وفي وجه ثالث: إن كان سفر حج .. لم يلزمها، أو غيره .. لزمها، واستغربه الرافعي (¬4)، واقتصر عليه الشافعي رضي الله عنه في " الأم " (¬5) كما نقله في " المطلب "، وقيده في " الذخائر " بحجة الفرض، أما لو وجبت في الطريق .. فلها الرجوع والمضي، جزم به " المنهاج " (¬6). قال الشيخ أبو حامد: والرجوع أفضل، وقيل: محل التخيير بعد سفر يوم وليلة وقبلها يجب العود، وليس بشيء، ومحل الخلاف: في سفر غير النقلة؛ ففي النقلة يجب العود جزمًا؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 450]: (وكذا لو أَذِنَ - أي: في النقلة - ثم وجبت قبل الخروج)، ثم قال [ص 450]: (ولو أذن في انتقال إلى بلدٍ .. فَكَمَسْكَنٍ) أي: فإن طلق بعد الوصول إلى الثاني .. فالعدة ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 417). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 201). (¬3) انظر " نهاية المطلب " (15/ 231، 232). (¬4) انظر " فتح العزيز " (9/ 502). (¬5) الأم (5/ 228). (¬6) المنهاج (ص 450).

فيه، أو قبل مفارقة عمران الأول .. ففيه، أو بينهما .. فعلى الخلاف، وفي " النهاية " عن النص: أنها لو خرجت مسافرة مع الزوج فطلقها، أو مات عنها في أثناء الطريق .. لزمها الرجوع، فتعتد في مسكن النكاح (¬1). قال شيخنا الإمام البلقيني: وليس هذا في " المختصر " ولا " الأم "، وإن كان الحكم فيه ما ذكره الإمام. 4340 - قولهم - والعبارة لـ " التنبيه " -: (فإن كان السفر لقضاء حاجة .. لم تقم بعد قضائها) (¬2) هو الأصح عند الرافعي والنووي، لكن ظاهر ترجيح " الشرح الكبير " أن لها أن تقيم بعدها إلى تمام مدة المسافرين؛ فإنه حكاه عن " التهذيب " و" الوسيط " وغيرهما، قال: ونقله الروياني عن بعضهم، وغلَّط قائله (¬3)، وعبارة " الشرح الصغير ": في " التهذيب " وغيره لها إقامة هذه المدة، ومنهم من نازع فيه، وقال: نهاية سفرها قضاء الحاجة لا غير. وقال شيخنا الإمام البلقيني: إن الذي في " التهذيب " و" الوسيط " ظاهر نص " الأم " (¬4). 4341 - قول " التنبيه " [ص 201]: (وإن قُدِّر لها مقام مدة .. ففيه قولان، أحدهما: لا تقيم أكثر من ثلاثة أيام، والثاني: تقيم المدة التي أذن لها فيها) الأصح: الثاني، وعليه مشى " الحاوي " (¬5). 4342 - قول "التنبيه" فيما إذا بقي من العدة ما يُعلم أنه ينقضي قبل أن تعود إلى المنزل [ص 201]: (فقد قيل: لا يلزمها العود، وقيل: يلزمها) الأصح: الثاني. وقد يفهم قول " المنهاج " [ص 450]: (ثم يجب الرجوع لتعتدَّ البقيَّةَ في المسكَنِ) مقابله، ومحل وجوب الرجوع: إذا أمكنها ذلك ولم يكن الطريق مخوفًا. 4343 - قوله: (ولو قالت: " نَقَلْتنِي " فقال: " بل أَذِنْتُ لِحاجةٍ " .. صُدِّقَ على المذهب) (¬6) قد يفهم تصديق وارثه أيضًا؛ لأنه خليفته، والمنقول تصديقها؛ لأنها أعرف بذلك من الوارث، وقد ذكره " التنبيه " و" الحاوي " (¬7)، أما إذا اختلفا في أصل الإذن .. فالمصدق الزوج ووارثه. 4344 - قول " المنهاج " [ص 451]: (ومنزلُ بَدَويَّةٍ وبيتُها من شعرٍ كَمَنْزِلِ حَضَرِيَّةٍ) فيه أمران: ¬

_ (¬1) نهاية المطلب (15/ 239). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 201)، و" الحاوي " (ص 535)، و " المنهاج " (ص 450). (¬3) فتح العزيز (9/ 502، 503)، الروضة (8/ 411)، وانظر " التهذيب " (6/ 259)، و" الوسيط " (6/ 160). (¬4) الأم (5/ 228). (¬5) الحاوي (ص 535). (¬6) انظر " المنهاج " (ص 451). (¬7) التنبيه (ص 202)، الحاوي (ص 535).

أحدهما: لا يخفى أن الشعر مثال؛ فالوبر والصوف ونحوهما كذلك. ثانيهما: محل ذلك: ما إذا كان أهلها على ماء لا يظعنون عنه إلا لحاجة، فلو كانوا يرتحلون عنه شتاءً أو صيفًا كلهم .. ارتحلت معهم، فإن ارتحل بعضهم؛ فإن كان الباقون أهلها وفيهم قوة .. أقامت، وإن ارتحل أهلها وفي الباقين قوة .. فالأصح: أنها تتخير؛ ولذلك قال " الحاوي " فيما تُخَيَّر فيه [ص 535]: (أو رحل قوم البدوية، أو تقيم في قريةٍ) أي: إذا رحلت البدوية حيث يجوز لها ذلك، فلها الإقامة في قرية، بخلاف البلدية المأذون لها في السفر ليس لها الإقامة بقرية في الطريق. واعلم: أن عبارة " أصل الروضة ": (قوة وعدة) (¬1)، ومقتضاها: أنه لا عبرة بالقوة وحدها، وقال شيخنا الإمام البلقيني: هذا بعيد، وإنما يحال ذلك على الأمن، فإذا غلب على ظنها ما يخالفه .. جاز الانتقال، قال: ومحل التخيير: في الوفاة والطلاق البائن، أما الرجعية: إذا كان مطلقها من المقيمين واختار إقامتها .. فله ذلك، وهو ظاهر نص " الأم " (¬2)، وفيه توقف؛ لتقصيره بترك الرجعية. 4345 - قول " التنبيه " [ص 202]: (وإن أحرمت بإذنه ثم طلقها؛ فإن كان الوقت مضيقًا .. مضت في حجها، وإن كان الوقت واسعًا .. أتمت العدة) الأصح فيما إذا كان واسعًا: أنها مخيرة بين إتمام العدة والمضي في حجها، وعليه مشى " الحاوي "، لكنه أطلقه (¬3)، ومحله: مع الاتساع، فأما مع الضيق .. فتمضي في حجها كما تقدم، وتحسب العدة مع ذلك. 4346 - قول " المنهاج " [ص 451]: (ولا يصحُّ بيعُهُ إلا في عدَّةِ ذات أشهرٍ .. فكمستأجرٍ) أي: ففيه القولان، والأصح: الصحة؛ ولذلك قال " الحاوي " [ص 536]: (ويبيع إن اعتدت بالأشهر) وإذا قلنا به فحاضت في أثنائها وانتقلت إلى الأقراء .. خُرِّج ذلك على اختلاط الثمار المبيعة بالحادثة حيث لا يغلب التلاحق، والأصح: أنه لا ينفسخ، بل يُخير المشتري. وقال شيخنا الإمام البلقيني: هذا التخريج غير مسلّم؛ لأن الشركة الطارئة لا تقتضي تجهيل أصل المبيع عند التلاحق، وهنا طريان الأقراء أو الحمل يؤدي إلى جهالة المنافع المستثناة، ومقتضاه: بطلان البيع هنا، وهو أرجح. 4347 - قول " الحاوي " [ص 534]: (وتلازم مسكن الفراق ولو للوارث إن رضي) قد يقتضي أن ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 413). (¬2) الأم (5/ 229). (¬3) الحاوي (ص 535).

السلطان لو عين لها مسكنًا .. لم يلزمها ملازمته، وكذا ذكره الغزالي (¬1)، قال الرافعي: وهو خلاف المنصوص المشهور، فلو أسكنها أجنبي متبرعًا ولم يكن ذا ريبة .. فعن الروياني: أنه كالوارث، قال النووي: وفيه نظر (¬2). 4348 - قوله: (وإن أفلس .. ضاربت بأجر الأقراء، والأقل إن لم تستقر) (¬3) محله: ما إذا سبق إفلاسه الفراق، فإن كان بعده .. قدمت بحق السكنى، واستثنى منه شيخنا الإِمام البلقيني: ما إذا طلق رجعيًا ثم حجر عليه بالإفلاس ثم مات .. فإنها تنتقل لعدة الوفاة، ولا تقدم على الغرماء، بل تضارب كسبق الإفلاس. 4349 - قول "المنهاج" [ص 451]: (فإن رجَعَ المُعيرُ ولم يرضَ بأجُرَةٍ .. نُقِلَتْ) كذا لو طلب أكثر من أجرة المثل، والمراد: نقلها إلى أقرب ما يوجد. 4350 - قول "التنبيه" [ص 201]: (فإن وجبت وهي في مسكن لها .. وجب لها الأجرة) فيه أمران: أحدهما: أن مقتضاه: وجوب ملازمة مسكنها، وهو صريح قول "المنهاج" [ص 451]: (استمرت) وكذا هو "المهذب" و "التهذيب" (¬4)، وقال في "الشامل" و "التتمة": يجوز ولا يجب، فلو طلبت أن يسكنها في غيره .. أجيبت، وهذا هو الأصح. ثانيهما: أن مقتضاه: تقرّر الأجرة في ذمته وإن لم تطلبها, وليس كذلك، بل الأصح في السكنى مطلقًا: سقوطها بمضي الزمان؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 451]: (وطلبت الأجرة)، وهو الذي يفهمه قول "الحاوي" [ص 536]: (واستقرض القاضي على الغائب، ثم هي، وترجع إن أشهدت). 4351 - قول "المنهاج" [ص 451]: (فإن كان مسكنُ النكاح نَفِيسًا .. فله النقل إلى لائقٍ بها، أو خسيسًا .. فلها الامتناع) المراد: النقل إلى أقرب المواضع الممكنة؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 535]: (وإن لم يَلِقْ بها .. فما قرب). 4352 - قول "التنبيه" [ص 201]: (وإن وجبت وهي في مسكن للزوج .. لم يجز أن يسكن معها إلا أن يكون في الدار ذو رحم محرم لها، أو له، ولها موضع تنفرد به) فيه أمور: أحدهما: أنه لا يشترط كونه ذا رحم - أي: قرابة - بل يكفي محرم الرضاع أو المصاهرة؛ ¬

_ (¬1) انظر "الوسيط" (6/ 158). (¬2) انظر "فتح العزيز" (9/ 521)، و "الروضة" (8/ 424). (¬3) انظر "الحاوي" (ص 536). (¬4) المهذب (2/ 147)، التهذيب (6/ 256).

ولذلك اقتصر "المنهاج" و "الحاوي" على اعتبار المحرمية (¬1). ثانيها: يعتبر في محرمها كونه ذكرًا، وفي محرمه كونه أنثى، وقد صرح بذلك "المنهاج" (¬2)، لكن في الأول نظر؛ لجواز خلوة رجل بامرأتين، ومقتضاه: ألا يتقيد محرمها بكونه ذكرًا. ثالثها: اعتبر "المنهاج" في المحرم كونه مميزًا (¬3)، واشترط الشافعي رضي الله عنه البلوغ، قال القاضي أبو الطيب؛ لأن من لم يبلغ .. لا تكليف عليه، فلا ينكر الفاحشة، وقال الشيخ أبو حامد: يكفي عندي المراهق، وهذا والذي قبله يردان على "الحاوي" أيضًا. رابعها: يكفي أن يكون هناك زوجة أخرى له أو أمة، ذكره "المنهاج" (¬4) و "الحاوي" وزاد: (ومن يحتشمها) (¬5) والمراد: أنه لو كان هناك امرأة ليست زوجة لا أمة ممن يحتشم جانبها؛ أي: لحياء منها أو خوف .. جاز له الدخول أيضًا، وعبارة "أصل الروضة": والنسوة الثقات كالمحرم على الصحيح، ويكفي حضور المرأة الواحدة الثقة على الأصح، وبه قطع صاحب "الشامل" وغيره. انتهى (¬6). ومن هذا الكلام يُعلم الاكتفاء بمحرمها من النساء إذا كانت ثقة؛ فإنها أولى من الأجنبية، وذلك يرد على اعتبار "المنهاج" في محرمها كونه ذكرًا، وجوز بعضهم في قول "الحاوي": (يحتشمها) عود الضمير لجميع من تقدم؛ فيدل على اعتبار التمييز في المحرم أو البلوغ، وهو بعيد. خامسها: أنه اعتبر مع وجود المحرم أن يكون لكل منهما موضع ينفرد به، وهذا شامل لما إذا استقل كل من الموضعين بالمرافق، ومع هذا فلا يحتاج لمحرم ولا غيره، وقد صرح بذلك "المنهاج" فقال [ص 451]: (ولو كان في الدار حُجرةٌ فسَكَنَها أحدُهُما والآخرُ الأُخرى؛ فإن اتحدت المرافقُ كمطبخٍ ومُستراحٍ .. اشتُرِط مَحْرَمٌ، وإلا .. فلا) و "الحاوي" فقال بعد ما تقدم [ص 535، 536]: (أو انفردت بمفردة المرافق) وحكى في "الكفاية" عن القاضي حسين والروياني في اتحاد المرافق: عدم الجواز وإن كان محرم. سادسها: قد يفهم من إطلاقهم الجواز بهذه الشروط استواء الطرفين، وليس كذلك، بل هو مكروه. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 535)، المنهاج (ص 451). (¬2) المنهاج (ص 451). (¬3) المنهاج (ص 451). (¬4) المنهاج (ص 451). (¬5) الحاوي (ص 535). (¬6) الروضة (8/ 418).

4353 - قول "المنهاج" [ص 451]: (وينبغي أن يُغلَقَ ما بينهما من بابٍ، وألا يكون مَمَرُّ إحداهما على الأُخرى) تبع فيه "المحرر" (¬1)، وظاهره الاستحباب؛ ولذلك لم يتعرض له "الحاوي"، لكن عبر في "الشرح الصغير" بالاشتراط، وكذا في "الروضة" وأصلها نقلًا عن البغوي والمتولي وغيرهما، قالا: وهذا حسن، ويؤيده ما ذكره الأئمة أنه لو كانت الدار واسعة ولم يكن فيها إلا بيت والباقي صفة .. لم يجز أن يساكنها وإن كان معها محرم، فإن بني حائلًا وكان الباقي لها سكن مثلها .. فله ذلك، ثم إن كان بابه خارجًا .. لم يحتج لمحرم، وإلا .. اشترط (¬2). 4354 - قول "الحاوي" [ص 536]: (ويخلو رجلٌ بنسوةٍ ثقاتٍ) فيه أمور: أحدها: أنه قد يفهم منعه بامرأتين ثقتين، وليس كذلك، فقد حكى الرافعي عن الأصحاب جوازه (¬3)، وقد يفهم ذلك من قول "الحاوي" بعده [ص 536]: (لا بواحدة). ثانيها: أن في "الروضة" وأصلها في (صلاة الجماعة): أنه لا يجوز أن يخلو بالنساء غير ذي محرم (¬4)، والمعتمد هو المذكور هنا، أو يحمل المذكور هناك على غير الثقات جمعًا بين الكلامين. ثالثها: أنه يفهم تحريم خلوة رجال أو رجلين بامرأة، وهو كذلك، ولو بَعُد مواطأتهم على الفاحشة، كما صرح بترجيحه مع ذلك في "شرح المهذب" (¬5)، لكنه في "شرح مسلم" أوّل قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مُغِيْبَةٍ إلا ومعه رجل أو رجلان" (¬6) على جماعة تبعد مواطأتهم على الفاحشة؛ لصلاح أو مروءة أو غيرهما (¬7). * * * ¬

_ (¬1) المحرر (ص 367). (¬2) فتح العزيز (9/ 514)، الروضة (8/ 419)، وانظر "التهذيب" (6/ 257). (¬3) انظر "فتح العزيز" (9/ 514). (¬4) فتح العزيز (2/ 143)، الروضة (1/ 340). (¬5) المجموع (4/ 241). (¬6) أخرجه مسلم (2173). (¬7) شرح مسلم (14/ 155).

باب الاستبراء

بابُ (¬1) الاسْتِبْراء 4355 - قول "المنهاج" [ص 452]: (يجبُ بسببين: أحدُهُما: مِلكُ أمةٍ بِشِرَاءٍ أو إِرثٍ أو هِبَةٍ أو سَبيٍ أو ردٍّ بعيبٍ أو تحالفٍ أو إقالةٍ) فيه أمران: أحدهما: أن هذه أمثلة، ولا انحصار له فيها؛ فقد يملكها بوصية أو برد بخيار الرؤية أو برجوع في الهبة؛ ولهذا أطلق "التنبيه" و "الحاوي" الملك (¬2)، وقال شيخنا الإِمام البلقيني: لم أر من تعرض لجارية القراض إذا انفسخ واستقل بها المالك، وكذا في زكاة التجارة إذا أخرج الزكاة، وقلنا: المستحق شريك بالواجب بقدر قيمته في غير الجنس. قال: وينبغي أن يجب الاستبراء فيهما؛ لتجدد الملك والحل. ثانيهما: أن محل ذلك: ألاَّ تكون الأمة زوجًا له، فلو اشترى زوجته .. جاز وطؤها من غير استبراء؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 537]: (ملك غير الزوجة)، وقد ذكرها "التنبيه" و "المنهاج" بعد ذلك (¬3)، ومحله: في الحر، أما المكاتب: فإذا اشترى زوجته .. انفسخ نكاحها كما حكاه الماوردي، وليس له الوطء دون إذن سيده، فإن أذن .. ففيه قولان، فإن قلنا: يجوز .. اتجه وجوب الاستبراء، وأيضًا: فلو اشترى الحر زوجته بشرط الخيار .. فالمنصوص: أنه لا يجوز وطؤها في زمن الخيار، وفيه وجه. 4356 - قول "التنبيه" [ص 203]: (وإن كاتب أمته ثم رجعت إليه بالفسخ .. لم يطأها حتى يستبرئها) و "الحاوي" [ص 537]: (ورفع الكتابة الصحيحة)، أعم من قول "المنهاج" [ص 452]: (ويجبُ في مَكَاتَبَةٍ عُجِّزَتْ) لأنه لا يتناول ما إذا فسخت هي بلا عجز. قال شيخنا الإِمام البلقيني: وكذا جارية المكاتب العائدة إلى السيد بفسخ الكتابة يحتاج السيد إلى استبرائها. 4357 - قول "المنهاج" [ص 452]: (وكذا مرتدةٌ في الأصح) أي: إذا عادت للإسلام، وكذا إذا ارتد السيد ثم أسلم، وقد ذكر الصورتين "التنبيه" (¬4) وجمعهما "الحاوي" بقوله [ص 537]: (وزوال الردة). قال شيخنا الإِمام البلقيني: وكذا لو أسلمت جارية الكافر، ثم أسلم هو .. فيحتاج إلى ¬

_ (¬1) في (أ): (كتاب). (¬2) التنبيه (ص 202)، الحاوي (ص 537). (¬3) التنبيه (ص 202)، المنهاج (ص 452). (¬4) التنبيه (ص 203).

الاستبراء في الأصح؛ لحدوث الحل، ولم أر من تعرض له. 4358 - قول "التنبيه" [ص 203]: (وإن كانت مزوجة أو معتدة .. لم يصح استبراؤها حتى يزول النكاح وتنقضي العدة) و "الحاوي" [ص 537]: (بعد عدة المعتدة وطلاق المزوجة) أحسن من قول "المنهاج" [ص 452]: "ولو ملك مُزَوَّجَة أو مُعْتدَّةً .. لم يجب) لإفهامه ببادئ الرأي عدم الوجوب مطلقًا، وإن كان قد قال بعده: (فإن زالا .. وجب في الأظهر) (¬1)، لكن العبارة المتقدمة أرشق وأدل على المراد. ويستثنى من عبارتهم جميعًا: ما لو كانت معتدة منه .. فإنه يجب استبراؤها قطعًا. 4359 - قول "التنبيه" فيما لو زوج أمته [ص 203]: (وإن طلقت بعد الدخول فاعتدت من الزوج .. فقد قيل: يدخل الاستبراء في العدة، وقيل: لا يدخل، بل يلزمه أن يستبرئها) الأصح: الثاني، وهو" خل في قول "الحاوي" [ص 537]: (وزوال الزوجية). 4360 - قول "التنبيه" [ص 203]: (وأما تزويجها؛ فإن كان قد وطئها المالك أو من ملكها من جهته .. لم يحل تزويجها قبل الاستبراء) أحسن من قول "المنهاج" [ص 452]: (ويحرم تزويجُ أمةٍ موطوءة) لأنه قد يفهم اختصاص ذلك بأن يكون هو الذي وطئها. ويستثنى منه: تزويجها ممن يجب الاستبراء بسبب وطئه كما إذا زوجها المشتري من البائع الواطئ قبل أن يستبرئها، كما جزم به في "أصل الروضة" (¬2)، وقال في "التوشيح": فيه نظر؛ فإن الولد كان ينعقد بماء البائع قبل البيع حرًا؛ لأنه ولد أم ولد، وبعد البيع والزواج رقيقًا؛ لأنه يتبع أمه في الرق، وإذا جرى لنا قول فيمن اشترى زوجته أنه يجب عليه الاستبراء مع أن ولده منها بعد أن كان ينعقد رقيقًا صار ينعقد حرًا .. فلأن يجري في هذه الصورة مع أن الأمر بالعكس أولى، بل الذي يظهر: ترجيح وجوب الاستبراء. قال شيخنا الإِمام البلقيني: فلو أتت بولد، قال المشتري: هو من النكاح، وقال البائع: من ملك اليمين؛ فإن لم يكن البائع استبرأها قبل البيع .. فالقول قوله بيمينه إن علم المشتري بأنه وطئها، وقول المشتري إن لم يُعلمه بذلك، وإن استبرأها قبل البيع وأتت به لأقل من ستة أشهر من حين الاستبراء ولأكثر من ستة أشهر من حين العقد .. صدق المشتري. 4361 - قول "التنبيه" [ص 203]: (وإن أعتق أم ولده في حياته أو مات عنها .. لزمها الاستبراء) يستثنى منه: ما إذا تزوجها هو .. فيجوز بلا استبراء في الأصح، وقد ذكره "المنهاج" (¬3)، وجمع ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 452). (¬2) الروضة (8/ 434). (¬3) المنهاج (ص 452).

"الحاوي" بين هذه الصورة والتي قبلها بقوله [ص 537]: (يحرم تزويج الموطوءة، وزائلة الفراش من غيرٍ)، وقول "التنبيه" [ص 203]: (في حياته) تأكيد لا فائدة له؛ إذ لا يمكن أن يكون ذلك إلا في حياته. 4362 - قول "المنهاج" [ص 452]: (ولو أعتقها أو مات عنها وهي مُزَوَّجَةٌ .. فلا استبراءَ) كذا إذا كانت معتدة، وقد صرّح به "التنبيه" (¬1)، ودل على ذلك قول "الحاوي" [ص 537]: (وزائلة الفراش) لأنها إذا كانت مزوجة أو معتدة .. ليست فراشًا للسيد، فلم يزل فراشها بموته أو عتقه. ويستثنى من عبارة "التنبيه": ما لو أعتقها أو مات عنها وهي في عدة وطء شبهة .. فالأصح: الوجوب، ولا يرد ذلك على "الحاوي" لأنها ليست فراشًا لواطئ الشبهة. 4363 - قول "التنبيه" [ص 203]: (فإن مات السيد والزوج أحدهما قبل الآخر ولم يعلم السابق منهما؛ فإن كان بين [مدتهما (¬2)] شهران وخمس ليالٍ فما دون ذلك .. لم يلزمها الاستبراء) قال النووي: صوابه: خمسة أيام بلياليها (¬3)، قال في "الكفاية": ولا مؤاخذة في الحكم؛ لأن دون عدة الأمة كقدرها، والظاهر: أن مراده قدرها كما في "المهذب" (¬4). قلت: وقد عبر في عدة الأمة بذلك، وسبق تأويله بأن المراد: بأيامها، وفي "المهمات": إن الفتوى على أن حكم الشهرين وخمس ليالٍ بأيامها كحكم أكثر منها في لزوم الاستبراء مع عدة الوفاة بحيضة؛ إما بعدها أو فيها؛ فقد نص عليه في "المختصر" (¬5)، فإن صح ذلك .. فعبارة "التنبيه" صحيحة بلا تأويل. 4364 - قوله: (وإن كانت حائلًا .. استبرأها بحيضة في أصح القولين) (¬6) قد يفهم منه الاكتفاء ببعضها كالعدة، وليس كذلك؛ ولهذا قيدها "المنهاج" و "الحاوي" بالكمال (¬7). 4365 - قول "الحاوي" [ص 537]: (وإن وطئ وانقطع بالحمل) صورته: أن يكون ذلك بعد مضي مدة أقل الحيض، صرح به في "النهاية" (¬8)، ولم يتعرض الرافعي لذلك إلا أنه نقل عن "الوسيط" ما يدل عليه، وهو تعليله بتمام الحيضة (¬9)، وجزم القفَّال في "فتاويه" بأن الوطء ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 203). (¬2) في (أ): (موتهما)، والمثبت من باقي النسخ. (¬3) انظر "تحرير ألفاظ التنبيه" (ص 287). (¬4) المهذب (2/ 154). (¬5) مختصر المزني (ص 225). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 203). (¬7) الحاوي (ص 537)، المنهاج (ص 452). (¬8) نهاية المطلب (15/ 338). (¬9) الوسيط (6/ 166)، وانظر "فتح العزيز" (9/ 530).

والاستمتاع يقطعان الاستبراء ويستمر التحريم إلى أن ينعزل عنها ويستبرئها. 4366 - قول "التنبيه" [ص 203]: (وإن كانت ممن لا تحيض لصغر أو إياس .. استبرأها بثلاثة أشهر في أصح القولين، وبشهر في القول الآخر) الأصح عند الجمهور: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" و "الحاوي" (¬1)، أما إذا لم تحض لعارض وهي ممن تحيض .. فكنظيرها في العدة. 4367 - قول "التنبيه" [ص 202]: (فإن كانت حاملًا .. استبرأها بوضع الحمل) أي: ولو من زنا في الأصح، كما صرح به "المنهاج" و "الحاوي" (¬2)، ومحل استبرائها بالوضع: ما إذا كانت مَسْبيَّة أو زال عنها فراشُ سيدٍ، فإن مُلِكت بشراء وهي حامل من زوج أو وطء شبهة .. فقد سبق أن لا استبراء في الحال؛ لكونها مُزوَّجة أو معتدة، فإذا وضعت وزال النكاح .. وجبت في الأظهر، ذكره "المنهاج" (¬3). 4368 - قول "التنبيه" [ص 203]: (وإن ملكها بمعاوضة .. لم يصح استبراؤها حتى يقبضها) صحح في "المنهاج": حسبانه قبل القبض (¬4)، ويرد عليه: أنه يفهم صحته قبل لزوم الملك؛ بأن يوجد في زمن الخيار مع التفريع على أن الملك للمشتري أو موقوف، وليس كذلك؛ ولهذا اعتبره "الحاوي" فقال [ص 537]: (بعد لزوم الملك) ودخل في عبارته أيضًا: ما لو اشترى العبد المأذون جارية وعليه دين ومضى زمن الاستبراء قبل وفاء الدين .. فإنه لا يُعتد به في الأصح، فيحتاج السيد في وطئها إلى استبراء بعد وفاء الدين، ومفهوم "التنبيه" حصوله قبل القبض فيما ملك بغير معاوضة، وهو كذلك في الإرث، وكذا في الوصية بعد الموت والقبول، ولا ترد الهبة؛ لأنها لا تملك إلا بالقبض. وقول "المنهاج" [ص 453]: (إن ملَكَ بإرثٍ، وكذا شراءٌ في الأصح، لا هبةٌ) يقتضي من جهة اللفظ: حصول الملك في الهبة قبل القبض، وعبارة "الروضة" صريحة فيه (¬5)، وليس كذلك؛ ولعله أشار بذلك إلى خروجه أولًا بقوله: (بعد الملك) لا استثناءه مما حصل فيه الملك، وهذا هو اللائق به، والله أعلم. واعلم: أن ما ذكرناه هنا من امتناع الاستبراء قبل لزوم الملك يخالف إطلاقهم في البيع أنه إذا شرط الخيار للمشتري وحده .. فالملك له، ويحل له الوطء؛ فإنه يلزم من الحل الاكتفاء بالاستبراء في زمن الخيار، وجمع في "المطلب" بينهما: بأن المراد بالحل هناك: ارتفاع التحريم المستند ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 537)، المنهاج (ص 453). (¬2) الحاوي (ص 537)، المنهاج (ص 453). (¬3) المنهاج (ص 453). (¬4) المنهاج (ص 453). (¬5) الروضة (8/ 427).

إلى ضعف الملك وانقطاع سلطنة البائع فيما يتعلق بحقه، وأن نفي التحريم لمعنى آخر، وهو الاستبراء. 4369 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ويحرم الاستمتاعُ بالمستبرَأَةِ إلا مَسْبِيَّةٌ؛ فيحلُّ غيرُ وطءٍ) (¬1) نص الشافعي على خلافه، فقال: وإذا اشترى جارية من المغنم أو وقعت في سهمه أو في سوق المسلمين .. لم يُقبِّلها ولم يباشرها ولم يتلذذ بشيء منها حتى يستبرئها، حكاه في "المهمات" (¬2). واعلم: أن الماوردي ألحق بالمسبية: من لا يمكن أن تحبل، والحامل من الزنا، والمشتراة وهي مزوجة وطلقها زوجها قبل الدخول، والمزوجة إذا طلقها زوجها بعد الدخول وأوجبنا الاستبراء بعد انقضاء العدة (¬3). وقال شيخنا الإِمام البلقيني بعد نقله عنه صورة الحامل من الزنا: ويلزم عليه أنه لو اشترى صبيّة أو من صبي أو امرأة بحيث يستحيل ظهورها مستولدة لأحد .. أن لا يحرم الاستمتاع بغير الوطء مع أن المسبية قد يظهر أنها أم ولد لمسلم، فيظهر أن لا ملك للسابي عليها؛ وكأنهم لم يلتفتوا لذلك لندوره. انتهى. وفي "الاستقصاء" وجه: أن المشتراة من حربي كذلك؛ إذ لا حرمة لمائه، ولا يُفهم من تحريم الاستمتاع تحريم الخلوة بها، وإن كان قد حُكي عن السبكي توقف فيها؛ وكأنه ورع؛ فإن المنقول الجواز، صرح به الجرجاني في "الشافي"، وعليه يدل قول الرافعي: إنه لا يحال بينه وبينها (¬4). 4370 - قول "المنهاج" [ص 453]: (وإذا قالت: "حِضتُ" .. صُدِّقَت: ولو مَنَعَتِ السَّيِّدَ فقال: "أَخْبَرتْنِي بتمام الاستبراءِ" .. صُدِّقَ) قد يفهم استواءهما مع أنها تصدق بلا يمين، ولها في الصورة الثانية تحليفه في الأصح. 4371 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ولا تصيرُ أَمَةٌ فِرَاشًا إلا بِوطءٍ) (¬5) قد يفهم أنه لو كان السيد مجبوب الذكر باقي الأنثيين .. لم يلحقه الولد؛ لعدم إمكان الوطء منه، وهو خلاف إطلاقهم لحاق الولد به، فإن صح ذلك .. حمل على ما إذا كان من زوجة. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 203)، و "الحاوي" (ص 537)، و "المنهاج" (ص 453). (¬2) انظر "الأم" (4/ 273). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 350). (¬4) انظر "فتح العزيز" (9/ 542). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 191)، و "الحاوي" (ص 538)، و "المنهاج" (ص 453).

وقال شيخنا الإِمام البلقيني: لم أقف على تصريح بذلك، والأقرب عندي: أنه يلحقه إلا أن ينفيه باليمين. 4372 - قول "التنبيه" في لحاق النسب [ص 191]: (وإن وطئها .. لحقه، ولا ينتفي عنه، إلا أن يدير الاستبراء ويحلف عليه) صحح في "المنهاج": أنه يحلف أن الولد ليس منه (¬1)، وعليه مشى "الحاوي"، وعبارته [ص 538]: (ولو ادعت أمية الولد .. حلف أنه ليس منه) وكلامه تبعًا للغزالي يشعر باشتراط دعواها الاستيلاد (¬2)، قال الرافعي: والأكثرون لم يتعرضوا له. انتهى (¬3). وقيل: يجمع بينهما في اليمين، ومحل كلامهم: ما إذا أتت به لستة أشهر فأكثر من الاستبراء إلى أربع سنين، فلو ولدته لدون ستة أشهر من الاستبراء .. لحقه، وليس له نفيه باللعان. * * * ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 453). (¬2) انظر "الوجيز" (2/ 109). (¬3) انظر "فتح العزيز" (9/ 548).

كتاب الرضاع

كتابُ الرّضاع 4373 - قول "المنهاج" [ص 454]: (إنما يثبُتُ بلبنِ امرأةٍ حيَّةٍ بلغتْ تسع سنينَ) أي: حكم الرضاع، وهو تحريم النكاح وثبوت المحرمية المفيدة لجواز النظر والخلوة دون سائر أحكام النسب؛ كالميراث والنفقة والعتق بالملك وسقوط القصاص ورد الشهادة وغيرها، كذا في "الروضة" وأصلها هنا (¬1). ويوافقه كلام ابن الرفعة؛ فإنه قال: إنما ذكر "التنبيه" تحريم النكاح وحل النظر والخلوة وإن علم مما سبق؛ ليفيد أنه لا يثبت به غير ذلك؛ كولاية النكاح والمال والإرث والنفقة وسائر الأحكام (¬2). وفاتهم هنا أنه يثبت به عدم نقض الطهارة باللمس على الأظهر، نبه عليه شيخنا ابن النقيب (¬3)، لكنه مستفاد من ذكر المحرمية وخرج بتعبيرهم بالمرأة: الرجل والبهيمة، فلو شرب من بهيمة صغيران .. لم يثبت بينهما أخوة؛ لأن الأخوة فرع الأمومة، فإذا لم يثبت الأصل .. لا يثبت الفرع، كذا علل به الرافعي (¬4). وذكر في "المهمات" أنه صرح بعد ذلك بعكسه؛ حيث قال فيما لو كان له خمس مستولدات، فارتضع صبي من كل رضعة: فالأصح أنه يصير أبًا له، ويجوز أن تثبت الأبوة دون الأمومة كعكسه. قلت: ولا تناقض بينهما؛ لأن المذكور أولًا: أن الأخوة لا تثبت بدون الأمومة، والمذكور ثانيًا: أن الأبوة تثبت بدون الأمومة. 4374 - قول "التنبيه" [ص 204]: (وإن حُلب منها في حياتها ثم سُقي الصبي بعد موتها .. حرم) و "الحاوي" [ص 539]: (حُلب حياتها) أحسن من قول "المنهاج" [ص 454]: (ولو حَلَبَت فأوجر بعد موتها .. حَرَّمَ في الأصح) لأنه لا يتناول ما إذا حلبه غيرها منها، وعبر في "الروضة" بـ (الصحيح المنصوص) (¬5). ¬

_ (¬1) فتح العزيز (9/ 553)، الروضة (9/ 3). (¬2) التنبيه (ص 204). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (7/ 84). (¬4) انظر "فتح العزيز" (9/ 554). (¬5) الروضة (9/ 3).

4375 - قول "التنبيه" [ص 204]: (وإن ثار لها لبن من وطء من غير حمل .. ففيه قولان؛ أحدهما: يحرم، والثاني: لا يحرم) فيه أمور: أحدها: أنه لا يتقيد ذلك بكونه من وطء، بل لو كانت بكرًا .. كان كذلك. ثانيها: أن الأصح: التحريم، وهو داخل في إطلاق "المنهاج" و "الحاوي" المرأة (¬1). ثالثها: عبر النووي في "التصحيح" عن الراجح بالصواب (¬2)، فاقتضى إنكار مقابله، ويوافقه قول "الكفاية": لم أره فيما وقفت عليه من كتب الأصحاب إلا ما حكاه مجلي وجهًا، وحكاه الرافعي في البكر (¬3). وقال في "المطلب": الأشبه: أنه لم يقصد إجراء القولين مع مطلق التحريم، بل في تحريم خاص، وقوله: (أحدهما: يحرم) أي: على الواطئ، كما تحرم المرضعة على المنصوص، (والثاني: لا يحرم) أي: على الواطئ، وإن حرمت المرضعة؛ لانعدام أثر وطئه بالنسبة إلى النسب الذي هو متعلقه في حالة العمل والرضاع فرعه، ووجود اللبن الذي هو متعلق الأم في الرضاع، قال: وهذا لم يحضرني في "الكفاية" ومن العجيب اعتراض شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" على النووي في تعبيره في "تصحيحه" بالصواب: بأن في "التنبيه" قولين؛ فإن النووي يرد على "التنبيه" فكيف يرد بكلام "التنبيه" عليه؟ ! وإنما يحصل الرد عليه بكلام غير الشيخ، والله أعلم (¬4). 4376 - قولهما فيما لو جُبِّنَ اللبن: (حَرَّم) (¬5) قال في "الكفاية": يظهر تقييده بما إذا أُطعم من المختلط خمس دفعات. قلت: هذا لا شك فيه، ولا يحتاج لتكرير ذكر الخمس عند كل صورة، وعبارة "الحاوي" صريحة في ذلك؛ حيث قال [ص 539]: (حصول لبن امرأة، وما حصل منه، خمسًا). 4377 - قول "المنهاج" [ص 454]: (ولو خُلِطَ بمائعٍ .. حَرَّمَ إن غَلَبَ) المراد بغلبته: ظهور إحدى صفاته من طعم أو لون أو رائحة، فلو لم يظهر شيء .. قدر مخالفًا في لون قوي، كذا استنبطه الحليمي، وعرضه على القفال الشاشي وابنه، فارتضياه، ثم وجده لابن سريج. 4378 - قوله - والعبارة له - و "الحاوي": (فإن غُلِبَ وَشرِب الكلَّ، قيل: أو البعض .. حَرَّمَ ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 539)، المنهاج (ص 454). (¬2) تصحيح التنبيه (2/ 129). (¬3) انظر "فتح العزيز" (9/ 555). (¬4) تذكرة النبيه (3/ 376). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 204)، و "المنهاج" (ص 454).

على الأظهر) (¬1) محل الخلاف في البعض: إذا لم يتحقق وصول اللبن إلى الجوف، كما صوره "التنبيه" بقوله [ص 204]: (وإن وقعت قطرة في حب ماء فأسقي الصبي بعضه .. لم يحرم) فإن تحققنا لانتشاره في الخليط لكثرته، أو كان الباقي أقل من اللبن .. حرم شرب البعض قطعًا، قاله الإِمام وغيره (¬2)، لكن يشترط كون اللبن قدرًا يمكن أن يسقى منه خمس دفعات لو انفرد على الأصح عند السرخسي، حكاه عنه الرافعي، ولم يخالفه (¬3). وذكر شيخنا الإِمام البلقيني: أن القولين في شرب الكل لا يعرفان في طريقة العراقيين ولا المراوزة، إلا في كلام البغوي وأبي الفرج الزاز والخوارزمي، قال: وكلام الشافعي في "الأم" و "المختصر" صريح في التحريم غالبًا كان أو مغلوبًا، وقد رد قول من فرق بين الغالب والمغلوب (¬4). 4379 - قول "التنبيه" [ص 204]: (وإن حقن .. ففيه قولان) الأظهر: أنه لا يحرم، كما ذكره "المنهاج" (¬5)، وعليه مشى "الحاوي" (¬6)، ويجريان في الوصول إلى المثانة بالتقطير في الإحليل وإلى الجوف من جرح في البطن. نعم؛ لو وصل إلى المعدة من خرق في الأمعاء أو إلى الدماغ من مأمومة .. حرم قطعًا. 4380 - قولهم - والعبارة لـ "التنبيه" -: (فارتضع منها طفل له دون الحولين خمس رضعات) (¬7) قد يُفهم أنه لو تَمّ الحولان في الرضعة الأخيرة .. لا تحريم، والأصح: خلافه، لكن نص الشافعي رحمه الله في "الأم" يوافق الأول؛ حيث قال: وإذا لم تتم له الخامسة إلا بعد استكمال سنتين .. لم يحرم، حكاه شيخنا الإِمام البلقيني (¬8). وابتداء هذين الحولين من انفصال الولد بتمامه كما قال الرافعي: إنه القياس، وجزم به في "أصل الروضة" (¬9)، وقال الروياني: من ابتداء خروجه، وحكاه النووي في "نكت التنبيه" عن الصيمري، ولم يحك سواه، وحكى ابن كج فيه وجهين. ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 539)، و "المنهاج" (ص 454). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (15/ 358). (¬3) انظر "فتح العزيز" (9/ 557). (¬4) الأم (5/ 29)، مختصر المزني (ص 227). (¬5) المنهاج (ص 454). (¬6) الحاوي (ص 539). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 204)، و "الحاوي" (ص 539)، و "المنهاج" (ص 454). (¬8) الأم (5/ 29). (¬9) فتح العزيز (9/ 561)، الروضة (9/ 7).

4381 - قول "التنبيه" [ص 204]: (وإن قطعت المرأة عليه .. لم يعتد بذلك رضعة، وقيل: يعتد به) الأصح: أنه يعتد به، ومفهوم قول "المنهاج" [ص 454]: (فإن قطع إعراضًا .. تعدد) موافقة الأول، فلو قامت لشغل خفيف ثم عادت .. اتحد جزمًا. 4382 - قوله - والعبارة له - "والحاوي": (أو للهوٍ وعاد في الحال .. فلا) (¬1) قيده في "الروضة" ببقاء الثدي في فيه، قال: بأن يلهو عن الامتصاص والثدي في فمه (¬2). وقال في "المهمات": ليس ذلك بشرط؛ فقد قال الشافعي في "المختصر": فإن التقم الثدي فلهي قليلًا ثم أرسله ثم عاد إليه .. كانت رضعة واحدة (¬3). 4383 - قولهما أيضًا: (أو تحول من ثدي إلى ثدي) (¬4) محله: ما إذا كان ذلك من امرأة واحدة، فلو تحول من ثدي امرأة إلى ثدي امرأة أخرى .. فقد قال في "التنبيه" [ص 204]: (قيل: لا يعتد بواحدة منهما، وقيل: يحسب من كل واحدة منهما رضعة) والأصح: الثاني. 4384 - قوله: (وإن حلبت لبناً كثيرًا في دفعة وفرق في خمس أوان وأوجر الصبي في خمس دفعات .. ففيه قولان، أحدهما: أنها رضعة، والثاني: خمس رضعات) (¬5) الأصح: الأول، وعليه مشى "المنهاج" (¬6)، ولم يتعرض هو ولا الرافعي لتفريقه في خمس أوان، والظاهر: أن ذلك مجرد تمثيل وتصوير. 4385 - قول "التنبيه" [ص 204]: (وإن حلبت خمس دفعات وخلطت وأوجر الصبي في دفعة واحدة .. فهو رضعة، وقيل: فيه قولان) الأصح: الأول، ومشى "المنهاج" على طريقة القولين، وصحح أولهما (¬7)، ولم يتعرض هو ولا الرافعي للخلط، والظاهر أنه مثال كما تقدم. 4386 - قوله: (فيما لو شك هل رضع في حولين أم بعد؟ فلا تحريم، وفيه قول أو وجه) (¬8) رجح في "الشرح الصغير" أنه قول، فقال: قولان، ويقال: وجهان. 4387 - قول "التنبيه" [ص 204]: (وصارت المرأة أمًا له) بعد قوله: (صار ولدًا لها)، ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 539)، و "المنهاج" (ص 454). (¬2) الروضة (9/ 8). (¬3) مختصر المزني (ص 227). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 539)، و "المنهاج" (ص 454). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 204). (¬6) المنهاج (ص 454). (¬7) المنهاج (ص 454). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 454).

وقوله: (وصار الرجل أبًا له) بعد قوله: (صار الطفل ولدًا له) يسأل عن فائدة ذكره مع كونه معلومًا من الأول. وأجاب عنه في "الكفاية": بأنه يجوز أن يكون توطئة لذكر من ينتشر التحريم إليه. قال في "التوشيح": وعندي في جوابه أن باب الرضاع حكم شرعي، فلا يلزم من صيرورة الرضيع ولدًا لها صيرورتها أمًّا له حكمًا، ولو لزم ذلك .. لما احتاج "المنهاج" وسائر الكتب بعد قولهم: (إن آباء المرضعة من نسب أو رضاع أجداد الرضيع) إلى قولهم: (وأمهاتها جداته، وأولادها إخوته وأخواته، وإخوتها وأخواتها أخواله وخالاته، وأبو ذي اللبن جده، وأخوه عمه وكذا الباقي) (¬1) واختصار التطويل الذي في "التنبيه" و "المنهاج" أنه ينتشر التحريم عن كل من المرضعة والفحل إلى أصوله وفروعه وحواشيه، وينتشر من الرضيع إلى فروعه فقط دون أصوله وحواشيه، وبذلك عبر ابن يونس في "النبيه"، وقول "المنهاج" [ص 454]: (وتسري الحرمة إلى أولاده) أي: أولاد الرضيع. 4388 - قوله: (ولو كان بدل المستولدات بناتٌ أو أخواتٌ .. فلا حرمة في الأصح) (¬2) عبر في "الروضة" بـ (المذهب) (¬3). 4389 - قول "التنبيه" [ص 204]: (وإن كان الحمل ثابت النسب من رجل .. صار الطفل ولدًا له) وقول "الحاوي" [ص 539]: (على من ينتسب إليه من دَرَّ عليه اللبن) أعم من قول "المنهاج" [ص 455]: (واللبن لمن نُسِبَ إليه ولدٌ نزل به بنكاحٍ أو وطء شبهةٍ) لتناولهما ملك اليمين، بخلاف "المنهاج". ويرد عليهم جميعًا: أن النسب بالإمكان، ويشترط في حرمة الرضاع على الأب ثبوت الدخول كما صرح به ابن القاص، فقال: متى حل فرج .. لحق الولد بالأب لستة أشهر فصاعدًا وإن لم يعرف دخول، وليس كذلك الرضاع لا يُلحق الولد بالأب قبل الدخول. وقال شيخنا الإِمام البلقيني: إنه مقتضى كلام الأصحاب، ثم حكى عن القاضي حسين: أنه لو نزل لها لبن قبل أن يصيبها .. ثبتت حرمة الرضاع في حقها دون الزوج، ولو كان بعد ما أصابها - أي: ولم تحبل - .. فالمذهب: ثبوته في حقها دونه، وقال في رواية حرملة: ثبتت في حقه أيضًا، والصحيح: الأول. انتهى. وهذا قدر زائد على الدخول، وقد تقدم أن صاحب "المطلب" حمل عليه القولين اللذين في ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 204)، المنهاج (ص 455). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 454، 455). (¬3) الروضة (9/ 10).

"التنبيه" فيما إذا ثار لها لبن من وطء من غير حمل. 4395 - قول "المنهاج" [ص 455]: (ولو نفاه بلعانٍ .. انتفى اللبن) قد يفهم أنه لو عاد واستلحق الولد .. لم يلحق الرضيع، وليس كذلك، قال الرافعي: ولم يذكروا هنا الوجهين المذكورين في نكاح التي نفاها, ولا تبعد التسوية (¬1). قال شيخنا الإِمام البلقيني: قد ذكرهما أبو الفرج الزاز في "تعليقه"، ولكنه وهم؛ فإن الوجهين في المنفية شرطهما: ألاَّ يكون دخل بأمها، فلا بد من وجود الشرط هنا، ومتى وجد الشرط .. فلا تحريم في الرضاع؛ فإن شرط حرمة الرضاع: تحقق الإصابة في الزوجة بخلاف الولد نفسه، كما قدمناه عن ابن القاص، وهو مقتضى كلام غيره. 4391 - قول "التنبيه" [ص 205]: (وإن وطئ رجلان امرأة) أي: وطئا يلحق به النسب؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 455]: (ولو وُطِئت منكوحةٌ بشبهةٍ، أو وطئ اثنانِ بشبهة) ولا يخفى أن الاثنين مثال، وكذا في قول "الحاوي" [ص 539]: (وإن احتمل من اثنين). 4392 - قول "التنبيه" [ص 205]: (فإن مات المولود ولم يثبت نسبه .. ففي الرضيع قولان، أحدهما: أنه ابنهما، والثاني: أنه لا يكون ابن واحد منهما) الأصح: الثاني، والمراد: أنه ليس ابن واحد منهما على التعيين، بل ابن أحدهما مبهمًا كما قال البندنيجي. 4393 - قوله: (وهل للرضيع أن ينتسب إلى أحدهما؟ فيه قولان، أحدهما: ينتسب) (¬2) هو الأصح، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 539]: (ينتسب الرضيع إن أُيِسَ عن نسبه). 4394 - قوله: (وإن أراد أن يتزوج بنت أحدهما .. فقد قيل: لا يحل، وقيل: يحل) (¬3) الأصح: الأول، وهذا مفرع على المرجوح في المسألة قبلها، وهو عدم الانتساب، قاله النووي في "نكته"، والحق: أنه لا يختص به، بل يأتي على الأصح، وهو: جواز الانتساب إذا لم ينتسب. 4395 - قوله: (وإن كان لها لبن من زوج فتزوجت بآخر وحملت منه وزاد لبنها فأرضعت صبيًا .. ففيه قولان، أحدهما: أنه ولد الأول، والثاني: أنه ابنهما) (¬4) الأصح: الأول. 4396 - قوله: (وإن انقطع لبنها من الأول ثم حملت من الثاني وعاد لبنها وأرضعت صبيًا .. ففيه ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (9/ 577). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 205). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 205). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 204).

فصل [في فسخ النكاح بالرضاع]

ثلاثة أقوال، أحدها: أنه ابن الأول، والثاني: أنه ابن الثاني، والثالث: أنه ابنهما) (¬1) الأصح: الأول، وعليه مشى "المنهاج" وعبارته [ص 455]: (وقبلها - أي: قبل الولادة - للأول إن لم يدخل وقت ظهور لبن حمل الثاني، وكذا إن دخل، وفي قول: للثاني، وفي قول: لهما)، وقد عرفت من كلام "التنبيه" أن صورة هذه الأقوال: أن يكون انقطع لبنها من الأول، والمراد: الانقطاع مدة طويلة، أما إذا لم ينقطع - وهي المذكورة في "التنبيه" أولًا - أو انقطع قليلًا ثم عاد .. ففيها القولان اللذان في "التنبيه"، وزيادة قول ثالث، وهو: أنه إن زاد اللبن .. فلهما، وإلا .. فللأول، ولم يحتج "التنبيه" لذكر هذا الثالث المفصل؛ لأنه صور المسألة بزيادته، وعرفنا من "المنهاج" أن صورة "التنبيه": أن يكون زيادة اللبن أو حدوثه بعد دخول وقت ظهور لبن حمل الثاني. واعلم: أن وطء الشبهة والملك كالنكاح فيما ذكرناه وإن توهم من التقييد بالزوج خلافه. فصل [في فسخ النكاح بالرضاع] 4397 - قول "التنبيه" [ص 205]: (ومن أفسد على الزوج نكاح امرأة بالرضاع .. لزمه نصف مهر مثلها، وقيل: فيه قول آخر: أنه يلزمه مهر مثلها) فيه أمور: أحدها: عبر ابن يونس في "النبيه" بالقطع بدل الإفساد، وعلله في "التنويه" بأن فيه إشارة إلى ارتفاع النكاح من حين الرضاع، بخلاف لفظ الفساد؛ فإنه يوهم فساده من أصله، وعبر "المنهاج" [ص 455]: بـ (انفساخ النكاح) و "الحاوي" [ص 540]: بـ (دفع النكاح). ثانيها: لزوم النصف هو المنصوص المعتمد، وعليه مشى "المنهاج" و "الحاوي" (¬2)، ووقع في "الروضة" وأصلها في (الحج) في الكلام على فدية الأذى لزوم المهر (¬3)، وهو وهم، أو محمول على إطلاق اسم الكل على البعض؛ لأنه ليس بصدد ذلك، وإنما ذكره للفرق بينه وبين مسألة أخرى لا يُغرم فيها شيء من المهر. ثالثها: قوله: (وقيل: فيه قول آخر) يقتضي ترجيح القطع بالأول، وفي "المنهاج" [ص 455]: (وفي قولٍ: كُلُّهُ) فجزم بطريقة الخلاف. رابعها: محل ذلك: في غير المدخول بها، فإن كانت مدخولًا بها .. لزمه جميع مهر المثل؛ ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 204، 205). (¬2) الحاوي (ص 540)، المنهاج (ص 455). (¬3) فتح العزيز (4/ 474)، الروضة (3/ 135).

ولذلك قال "الحاوي" [ص 540]: (وجميعه للموطوءة)، وصور "المنهاج" المسألة أولًا بالصغيرة التي لا يتأتي الدخول بها، ثم قال في الكبيرة [ص 456]: (فإن كانت - أي: موطوءة - .. له على المرضعةِ مهرُ مثلٍ في الأظهر). خامسها: تناول كلامهم جميعًا ما إذا كانت مكرهة على الإرضاع، وهو الذي حكى في "الروضة" وأصلها تصحيحه عن "البحر"، وأقراه (¬1)، وصححه في "الكفاية"، لكن الأصح في (الجنايات) في الإكراه على الإتلاف وهذه من أفراده: أن للمالك مطالبة أيهما شاء، غير أنه إذا طولب المتلف .. رجع على الأمر، فإذا جمعنا بين الكلامين .. قلنا: اللزوم هنا ليس لزوم قرار بل طريق، والقرار على المكرِه بكسر الراء، والله أعلم. 4398 - قول "المنهاج" [ص 455]: (ولو رضعت من نائمةٍ .. فلا غُرمَ ولا مَهرَ للمُرتَضِعة) يخرج ما لو ارتضعت من مستيقظة ساكتة، لكن الأصح عند النووي: أنها كالنائمة؛ لعدم الفعل. وقد يقال: إن قول "الحاوي" [ص 540]: (لا إن دبت الصغيرة) موافق له؛ لأنه يشمل ما لو دبت فرضعت من متيقظة ساكتة، لكن في "المهمات": أن تصحيح النووي هذا غلط؛ فقد جزم في صدر المسألة بأن التمكين من الرضاع كالإرضاع، قال: وهو الحق؛ فقد جعلوا مثل هذا تمكينًا منسوبًا إليه فيما إذا أتلف شخص وديعة تحت يده، أو صبّ في جوفه وهو صائم مفطرًا، أو حمله فدخل به الدار المحلوف عليها. 4399 - قول "المنهاج" [ص 456]: (ولو زوَّجَ أمَّ ولدِه عبدَهُ الصغيرَ فأرضعَتْهُ لبَنَ السيِّدَ .. حَرُمَت عليه وعلى السيدِ) هذا مفرع على مرجوح؛ لأن الأصح: أن السيد لا يجوز له إجبار عبده الصغير على النكاح، وقد ظهر بذلك أن ما حكاه المزني عن الشافعي رضي الله عنه من أنها لا تحرم عليه، وغلطه الأصحاب في نقله .. ليس بغلط، بل صحيح معتمد، وقد خرجه الشيخ أبو على بتخريجات، هذا أولاها، والله أعلم. 4400 - قوله: (ولو كان تحتهُ صغيرةٌ وكبيرةٌ فأرضعنهَا .. انفَسَخَنَا) (¬2) تقدمت هذه المسألة أول الفصل، وإنما ذكرت هناك لأجل الغرم، وهنا لتأييد التحريم وعدمه. 4401 - قول "التنبيه" [ص 205]: (وإن كان له امرأتان صغيرتان فأرضعت امرأة إحداهما بعد الأخرى .. ففيه قولان، أحدهما: ينفسخ نكاحهما، والثاني: ينفسخ نكاح الثانية) الأصح: الأول، وعليه مشى "المنهاج" (¬3) و "الحاوي" بقوله [ص 540]: (ولزوجتيه كيف ارتضعتا) وهو ¬

_ (¬1) فتح العزيز (9/ 586)، الروضة (9/ 22). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 456). (¬3) المنهاج (ص 456).

فصل [في دعوى الرضاع وما يثبت به]

القديم، ومقابله الجديد، فهذه المسألة مما يُفتى فيه على القديم، وصورة المسألة: أن تكون المرضعة أجنبية، فإن كانت زوجة له .. ففيه تفصيل بسطه "المنهاج" (¬1). فصل [في دعوى الرضاع وما يثبت به] 4402 - قول "المنهاج" [ص 457]: (قال: "هند بنتي" .. حَرُمَ تَنَاكُحُهُمَا) شرطه: ألا يكذبه الحس؛ كأن تكون أسنّ منه، كما قال في الإقرار بالنسب: (اشترط لصحته ألا يكذبه الحس) (¬2)، وهذا وارد أيضًا على إطلاق "الحاوي" [ص 540]: (ولو بقوله) وهو واضح. 4453 - قول "المنهاج" [ص 457]: (وإن ادَّعى رَضَاعًا فَأَنْكَرَتِ .. انفسخ ولها المُسَمَّى إن وطئ، وإلا .. فنصفُهُ) له طريق إلى إسقاط ذلك؛ بأن يحلفها قبل الوطء، وكذا بعده إن نقص مهر المثل عن المسمى، فإن نكلت .. حلف ولزمه مهر المثل فقط إن وطئ، وإلا .. فلا شيء. 4404 - قول "الحاوي" [ص 540]: (وبقولها) محله: فيما إذا زوجت بغير رضاها؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 457]: (وإن ادعته فأنْكَرَ .. صُدَّق بيمينه إن زُوِّجت برضاها، وإلا .. فالأصحُّ: تصديقُهَا)، وكذلك ذكره "الحاوي" قبيل (الصداق) فقال [ص 476]: (ودعوى الراضية محرمية بلا عذر لا تقبل)، ولم يطلق الرافعي في "شرحيه" فيها تصحيحًا، بل نقل كلًا منهما عن جماعة (¬3). والمراد بتزويجها برضاها: ما إذا أذنت لوليها في رجل بعينه، أما إذا أذنت في التزويج مطلقًا واكتفينا به ثم ادعت المحرمية .. فكالتي زوجت بغير رضاها، ومحل تصديقها فيما إذا زوجت بغير رضاها: إذا لم تمكنه، فإن مكنته .. فكتزويجها برضاها. 4405 - قول "الحاوي" [ص 540]: (المهر) أي: يدفع قولها: بيننا رضاع محرم المهر؛ أي: يسقطه، محله: في غير الموطوءة، وفيها بالنسبة إلى المسمى؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 457]: (ولها مهر المثل إن وطئ، وإلا .. فلا شيء) ثم فيه أمران: أحدهما: أنه إنما يكون لها مهر المثل إذا دخل بها غير عالمة، فإن كانت عالمة .. فلا مهر لها كما سبق في النكاح. ثانيهما: يستثنى من كونها لا تأخذ المسمى: ما إذا كان الزوج دفعه إليها .. فليس له طلب ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 456). (¬2) المنهاج (ص 285). (¬3) فتح العزيز (9/ 598).

رده؛ لزعمه أنه لها، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 540]: (والمقبوض لا يسترد المنكر) قال الرافعي: ويشبه أن يجيء فيه الخلاف فيما إذا أقر لغيره بمال وهو ينكره (¬1). 4406 - قول "المنهاج" [ص 457]: (ويثبت بشهادة أربع نسوة) قال المتوفي: هذا إذا تنازعا في الشرب من الثدي، فإن تنازعا في الشرب من ظرف .. لم تقبل النسوة المتمحضات. نعم؛ يقبلن في أن اللبن الذي في الظرف لبن فلانة (¬2). 4407 - قول "المنهاج" [ص 457] و "الحاوي" [ص 540]: (ويثبت بشهادة المرضعة إن لم تطلب الأجرة) المراد: شهادتها مع غيرها لا وحدها. 4408 - قول "المنهاج" [ص 457]: (والأصح: أنه لا يكفي "بينهما رضاع مُحَرِّمٌ"، بل يجب ذكر وقتٍ وعددٍ، ووصولِ اللبن جوفَهُ) فيه أمور: أحدها: جعل في "الروضة" هذا الكلام مسألتين: الواحدة: أنه أطلق جماعة - منهم الإِمام - أن الشهادة المطلقة أن بينهما رضاعًا محرمًا أو حرمة الرضاع أو أخوّته أو بنوّته .. مقبولة، وقال الأكثرون: لا تقبل، بل يشترط التفصيل والتعرض للشرائط، وهو ظاهر النص، وصححه البغوي (¬3). قال الرافعي: ويحسن أن يتوسط، فيقبل إطلاق فقيه يوثق بمعرفته دون غيره، وينزل الكلامان عليه، أو يخص الخلاف بغير الفقيه (¬4). الأخرى: إذا شهد على فعل الرضاع والارتضاع .. لم يكف، وكذا في الإقرار، بل لا بدّ من التعرض للوقت والعدد؛ كخمس رضعات في الحولين (¬5). وقال في "المطلب": لا يكفي على هذا كونه فقيهًا، بل لا بد مع فقهه من كونه على رأي القاضي، وكلاهما مقلد؛ فإن كانا مجتهدين .. ففيه نظر؛ لأنه قد يتغير اجتهاد أحدهما عند الشهادة، قال: ولذلك نظير ذكره ابن أبي الدم، فقال: لو شهد أن فلانًا يستحق على فلان كذا ولم يذكر مستنده في الاستحقاق .. ففي سماعه ثلاثة أوجه: أحدها: إن كان فقيهًا على مذهب القاضي .. سمعت، وإلا .. فلا؛ لاختلاف الناس في الأسباب الملزمة. قلت: وكذا اعتبروا في قبول الإخبار عن نجاسة الماء أن يكون فقيهًا موافقًا. ثانيها: أن اقتصاره على العدد يفهم أنه لا يشترط وصفها بالتفرق، وعبارة "البحر": خمس ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (9/ 598). (¬2) انظر "الروضة" (9/ 36). (¬3) الروضة (9/ 37، 38)، وانظر "التهذيب" (6/ 317). (¬4) انظر "فتح العزيز" (9/ 602). (¬5) الروضة (9/ 38).

رضعات متفرقات، قال الرافعي: وفي التعرض للرضعات ما يغني عن ذكر التفرق (¬1)، ونازعه ابن الرفعة فقال: قد يكون أطلقها باعتبار المصة والمصتين، والمأخذ في الاشتراط كون ذلك مختلفًا فيه، قال: وينبغي أن يطرقه التفصيل بين أن يكون المطلق للرضعات فقيهًا أم لا. ثالثها: عبارته تقتضي الجزم باشتراط وصول اللبن جوفه تفريعًا على اشتراط التفصيل، وليس كذلك، بل فيه وجهان، وقد صرح بذلك في "المحرر" فقال: (والأظهر: أنه يشترط ذكر وصول اللبن إلى الجوف) (¬2) فكان ينبغي لـ "المنهاج" أن يقول: (وكذا ذكر وصول اللبن إلى جوفه في الأصح). رابعها: ذكر الرافعي قبل ذلك أن المرضعة إذا لم تدع الأجرة؛ فإن لم تتعرض لفعلها بأن شهدت بأخوة الرضاع بينهما أو على أنهما ارتضعا منها .. فيقبل. انتهى (¬3). ومقتضاه: قبول الشهادة المطلقة بذلك؛ ولعله محمول على التفصيل المذكور هنا. * * * ¬

_ (¬1) انظر"فتح العزيز" (9/ 603). (¬2) المحرر (ص 374). (¬3) انظر "فتح العزيز" (9/ 601).

كتاب النفقات

كتابُ النّفقات 4409 - في "أصل الروضة": لوجوب النفقة ثلاثة أسباب: ملك النكاح، واليمين، وقرابة البعضية (¬1)، وأورد في "المهمات" على الحصر: الهدي والأضحية المنذورين ينتقل ملكهما للفقراء مع وجوب نفقتهما على الناذر، ونصيب الفقراء بعد الحول وقبل الإمكان يجب نفقته على المالك كما يقتضيه كلامهم، وخادم الزوجة والحيوان المستعار نفقته على المستعير عند القاضي حسين، لكن أوجبها الماوردي والعمراني على المالك، وهو القياس، وبه جزم في "الكفاية". ومما لم يذكره: ما لو أشهد صاحب الحق جماعة على القاضي وخرج بهم ليؤدوا عند قاضي بلد آخر فامتنعوا في أثناء الطريق حيث لا شهود ولا قاض .. فليس لهم ذلك، ولا أجرة أيضًا؛ لأنهم ورطوه. نعم؛ تجب نفقتهم وكذا دوابهم، ذكره في "أصل الروضة" قبيل القسمة عن البغوي (¬2)، وأما وجوب نفقة خادم الزوجة .. فهو من علق النكاح. 4410 - قولهما: (فإن كان موسرًا .. لزمه مدان) (¬3) استثني منه: الموسر المكاتب، وكذا المبعض في الأصح لا يجب عليهما إلا نفقة المعسرين، وقد ذكرهما "الحاوي" فقال [ص 542]: (على المسكين والمكاتب وممسوس الرق) لكن كلام الرافعي يقتضي أن المبعض معسر ولو أكثر ماله، قال: لنقص حاله (¬4). قلت: إلا أن المفروض كونه موسرًا بالتفسير المذكور هنا، وقد ألحقه الرافعي في الكفارة بالموسرين، وأوجب عليه التكفير بما عدا العتق من المال، وذكر في نفقة الأقارب عن "البسيط": أن الظاهر وجوبها عليه، وهل تلزمه نفقة تامة أو نصفها؟ وجهان، قال النووي: الأصح: نفقة كاملة؛ لأنه كالحر (¬5)، وذلك يخالف المذكور هنا. 4411 - قول "المنهاج" [ص 458]- والعبارة له - و "الحاوي" [ص 542]: (ومسكينُ الزكاةِ مُعْسِرٌ، وَمَن فوقَهُ إن كان لو كُلِّف مُدَّينِ رَجَعَ مِسكينًا .. فَمتوسِّطٌ، وإلا .. فمُوسِرٌ) تبعًا فيه قول ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 40). (¬2) الروضة (11/ 199). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 207)، و "المنهاج" (ص 458). (¬4) انظر "فتح العزيز" (10/ 6). (¬5) انظر "فتح العزيز" (10/ 86).

الرافعي: إنه أحسنها (¬1)، وهو الذي ذكره الإِمام والغزالي (¬2)، لكن فاته من كلام الإِمام: أن من لا يستحق سهم المساكين لقدرته على الكسب .. لا يملك مال معسر أيضًا وإن حصل بكسبه أضعاف ما يحتاج إليه، وقد ذكره في "أصل الروضة" بعد ذلك (¬3)، وأن الإِمام إنما قال في المتوسط: لو كُلّف مدّين .. لأوشك أن ينحط للإعسار (¬4)، وقد عرفت أنه عنده أعم من المسكنة؛ لشموله صاحب الكسب الواسع، فإنه معسر وليس مسكينًا. 4412 - قول "التنبيه" [ص 207]: (من الحب المقتات في البلد) لو عبر كـ "الحاوي" [ص 542]: بـ (حبّ غالب قوت البلد) .. لكان أولى، وأحسن منهما قول "المنهاج" [ص 458]: (الواجبُ: غالبُ قوتِ البلد) لتناوله الأقط في حق أهل البادية الذين يقتاتونه. 4413 - قول "الحاوي" [ص 542]: (ثم اللائق به) أي: إذا لم يكن غالب .. وجب اللائق، هو أحسن من قول "المنهاج" [ص 458]: (فإن اختلف .. وجب لائقٌ به) لأنه لا بد من تقييده بألاَّ يكون هناك غالب، وقد يُفهم من اقتصار "التنبيه" على الحب: أنه لا تجب مؤنة الطحن والخبر، وليس كذلك، بل يجبان في الأصح كما صرح به "المنهاج" و "الحاوي" (¬5)، لكن للإمام احتمالان في استحقاق المؤنة فبما لو باعت الحبَّ أو أكلته حبًا (¬6). 4414 - قول "التنبيه" [ص 207]: (ويجب تسليم النفقة إليها في أول النهار) عبر في "المهذب" بطلوع الشمس (¬7)، ووقع ذلك في الرافعي في (الضمان) (¬8)، والمعتمد: طلوع الفجر، وهو مقتضى قوله: (أول النهار)، وعبارة "الحاوي" [ص 542]: (صبيحة كل يوم)، وأفصح به "المنهاج" بالنسبة إلى اليسار والإعسار فقال [ص 458]؛ (ويعتبرُ اليسارُ وغيرُهُ طلوعَ الفجر). وقال الماوردي: الوقت الذي تستحق فيه نفقة يومها هو أول أوقات التصرف فيه؛ لأنها إن طالبت مع طلوع فجره .. خرجت عن العرف، وإن أخرت إلى الغروب .. أضرّ بها (¬9). وقال في "البسيط" تبعًا للإمام: معنى قولهم: إن النفقة تجب بطلوع الفجر: أنه إن قدر .. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (10/ 6). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (15/ 423)، و "الوجيز" (2/ 114). (¬3) الروضة (9/ 41). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (15/ 423). (¬5) الحاوي (ص 543)، المنهاج (ص 458). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (15/ 433). (¬7) المهذب (2/ 162). (¬8) انظر "فتح العزيز" (5/ 150). (¬9) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 457، 458).

وجب عليه التسليم، وإن ترك .. عصى، ولكن لا يُحبس ولا يخاصم (¬1). وقال شيخنا الإِمام البلقيني: اعتبروا في اليسار وغيره وقت الوجوب، ولم يعتبروا وقت الأداء؛ لأنه قد يتأخر فيقتضي الإضرار إما بالزوجة أو بالزوج، بخلاف الكفارات؛ فإن فيها ثلاثة أقوال، قال: ولو قيل: يُنظر إلى وقت الاستقرار بمضي الليل التابع للنهار .. لم يبعد، ويكون بتقدير ثبوت خلاف هنا نظير الخلاف في أن العبرة في قيمة المتقوَّم في الشفعة بوقت العقد أم بوقت استقراره بانقطاع الخيار؟ والأرجح هناك: الأول. 4415 - قول "التنبيه" [ص 207]: (فإن رضيت بأخذ العوض .. جاز على ظاهر المذهب) قال "المنهاج" [ص 458]: (إلا خبزًا ودقيقًا على المذهب) وفاته: استثناء السويق؛ وعلله في "الروضة" وأصلها: بأنه ربا (¬2)، ومقتضاه: اختصاص المنع بالجنس، فلو اعتاضت عن الحنطة دقيق شعير .. جاز، وتعبير "المنهاج" مع ذلك أحسن من قول "الحاوي" [ص 543]: (وتعتاض الدرهم عنه) فإنه لا يختص الاعتياض بالدرهم. واعلم: أنه قد تشمل عبارتهم الاعتياض من غير الزوج، ولا يجوز قطعًا. 4416 - قول "المنهاج" [ص 458]- والعبارة له - و "الحاوي" [ص 541]: (ولو أكَلَتْ معهُ [على العادة] (¬3) .. سقطت نفقتُها في الأصح) تبعًا فيه "المحرر" فإنه قال: (إنه الأولى) (¬4)، وفي "الشرح الصغير" تبعًا لـ "الوجيز": إنه أحسن (¬5)، وصرح بتصحيحه من زيادة "الروضة" (¬6)، لكن في "الشرحين": إن مقابله أقيس، وهو الذي ذكره في "البحر" (¬7). وقال شيخنا الإِمام البلقيني: الوجهان لا يُعرفان في طريقة العراقيين، ولم يذكرهما من المراوزة إلا الإمام والغزالي. وقال في [الذخائر]: محلهما: فيما إذا لم تأخذه عوضًا، فإن أخذته عوضًا .. سقطت نفقتها وجهًا واحدًا، وعندي الأمر بعكسه: إن أخذته عوضًا .. فالوجهان، وإن لم تأخذه عوضًا ولا استيفاء .. لم تسقط نفقتها وجهًا واحدًا، وفي "أصل الروضة" في تعليل عدم السقوط؛ لأنه لم يؤد الواجب وتطوع بغيره (¬8). ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (15/ 469). (¬2) فتح العزيز (10/ 22، 23)، الروضة (9/ 54). (¬3) في (أ): (كالعادة). (¬4) المحرر (ص 375). (¬5) الوجيز (2/ 115). (¬6) الروضة (9/ 53). (¬7) فتح العزيز (10/ 21). (¬8) الروضة (9/ 53).

قال شيخنا المذكور: ومقتضاه: عدم رجوعه عليها, ولم يقل به أحد إذا فعله على أنه نفقتها، بل إذا لم تسقط نفقتها .. وجب له بدل ما أتلفته عليه فيتحاسبان ويؤدي كل منهما ما عليه، وممن جزم بذلك الشيخ أبو حامد والبندنيجي. انتهى. وقال الإِمام: إذا قلنا بالسقوط .. فكأن نفقتها مترددة بين الكفاية إن أرادت وبين التمليك على قياس الأعواض إن طلبت، قال: وهو حسن غامض (¬1). وقال في "المهمات": التصوير بالأكل معه على العادة يشعر بأنها إذا أتلفته أو أعطته غيرها .. لم تسقط، وبأنها إذا أكلت دون الكفاية .. لم تسقط، وبه صرح في "النهاية"، وهل لها المطالبة بالجميع أو التفاوت؟ فيه نظر. 4417 - قول "المنهاج" [ص 458]: (إلا أن تكون غير رشيدةٍ ولم يأذنْ وليُّها) عبر في "أصل الروضة" بالصّغيرة (¬2)، وعبارته هنا تتناول السفيهة، لكن الأصح: أن للأمة قبض نفقتها. وقال شيخنا الإِمام البلقيني: ينبغي أن تكون السفيهة كالأمة كما جُعل قبض السفيهة والعبد في عوض ما خالعا عليه واحدًا وإن اعتبر هناك الإذن، وذكر في "المهمات" أن التعبير بالصغيرة ناقص؛ لخروج السفيهة والمجنونة، وأن الصواب: التعبير بغير الرشيدة. 4418 - قول "الحاوي" [ص 542]: (وقرب مكيلة زيت أو سمن) تبع في التعبير بالمكيلة الشافعي (¬3)، فقيل: أراد بها: الأوقية، وحمل الأصحاب ذلك على التقريب، وإليه أشار بقوله: (وقرب) فقالوا: لا يتقدر الأدم، بل هو مفوّض إلى فرض القاضي واجتهاده، فينظر في جنس الأدم ويقدر منه باجتهاده ما يحتاج إليه المسند من الحب، فيفرضه على المعسر، وضِعْفه على الموسر، ويجعل المتوسط بينهما؛ ولذلك قال "التنبيه" [ص 207]: (ويجب الأدم بقدر ما تحتاج إليه من إدام البلد) والمراد: الأدم الغالب؛ ولذلك قال "المنهاج": (ويجب أُدْمُ غالبِ البلد؛ كزيتٍ وسمنٍ وجُبنٍ وتمرٍ، ويختلف بالفصول، ويُقدِّره قاض باجتهاده، ويفاوت بين موسر وغيره)، قال في "أصل الروضة": وقد تغلب الفواكه في أوقاتها .. فتجب، قال: ويشبه أن يقال: لا يجب الأدم في اليوم الذي يعطيها اللحم، ولم يتعرضوا له، ويحتمل أن يقال: إذا أوجبنا على الموسر اللحم كل يوم .. يلزمه الأدم أيضًا؛ ليكون أحدهما غداءً والآخر عشاءًا على العادة (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (15/ 434). (¬2) الروضة (9/ 53). (¬3) انظر "الأم" (5/ 88). (¬4) الروضة (9/ 42، 43).

قلت: وينبغي على هذا أن يكون الأدم يوم إعطاء اللحم على النصف من عادته. 4419 - قول "الحاوي" [ص 542]: (ورطل لحم للأسبوع) - أي: على المعسر - ورطلين على الموسر أي: فالمتوسط بينهما عليه رطل ونصف، تبع فيه تعبير الشافعي برطل في الأسبوع (¬1)، وحملوه على المعسر، وقال جمهور الأصحاب: إنما قال الشافعي ذلك على عادة أهل مصر؛ لعزة اللحم عندهم يومئذ، فأما حيث يكثر .. فيزداد على عادة تلك البقعة؛ ولذلك قال "التنبيه" [ص 207]: (على حسب عادة البلد) زاد "المنهاج" [ص 458]: (يليق بيسارِه وإعسارِه). 4425 - قول "الحاوي" [ص 542]: (وتُبدِل إن تبرمت) هو بضم التاء المثناة من فوق وكسر الدال؛ أي: تبدل هي إن شاءت، ولا يلزم الزوج الإبدال؛ فلذلك ضبطته لئلا يُتوهم غير المراد، ولو حذف "الحاوي" ذلك .. لكان أولى؛ فإنه مع إيهامه ليس فيه حكم شرعي؛ فإن ذلك راجع لاختيارها. 4421 - قول "المنهاج" [ص 459]- والعبارة له - و "الحاوي": (فيجبُ قميصٌ وسراويلُ وخمارٌ ومُكَعَّبٌ) أحسن من قول "التنبيه" [ص 207]: (ومقنعة ومداسُ للرِّجْل) لأنه قد يتوهم أن المراد بالمقنعة: النقاب؛ ولأن المداس لا يكون إلا للرجل، وفي "نكت التنبيه" للنووي: قيل: إنه احترز به عن مداس الخف؛ فإنه لا يجب لها مداس الخف ولا الخف، ويجب ذلك في السنة مرتين، وليس في عبارتهم هنا إفصاح به. وقال في "المنهاج" في أواخر الفصل [ص 460]: (وتُعطى الكسوة أول شتاء وصيف). وعبارة "التنبيه" [ص 207]: (ويجب تسليم الكسوة في أول الفصل). 4422 - قولهما: (ويزيد في الشتاء جبة) (¬2) أي: محشوة، ولم يذكره "الحاوي"، وقال لي شيخنا الإِمام البلقيني: نص الشافعي رضي الله عنه على أن الجبة إنما تجب بحسب الحاجة لا في كل فصل. انتهى (¬3). وأفهم كلامهما نفي الزائد عليها, لكن لو لم تكف الجبة الواحدة؛ لشدة البرد .. فقياس الباب الزيادة، قاله الرافعي بحثًا (¬4)، وصرح به الخوارزمي نقلًا فقال: جبة أو جبتان على قدر شدة البرد، وفي "أصل الروضة": وقد يقام الإزار مقام السراويل، والفرو مقام الجبة إذا كانت العادة لبسهما، كذا قاله المتولي، وعن "المنهاج" للحليمي: أن السراويل لا تجب في الصيف وإنما تجب في الشتاء (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "الأم" (5/ 88). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 207)، و "المنهاج" (ص 459). (¬3) انظر "الأم" (5/ 88). (¬4) انظر "فتح العزيز" (10/ 14). (¬5) الروضة (9/ 47).

وفي "الحاوي" للماوردي: أن نساء أهل القرى إذا جرت عادتهن ألاَّ يلبسن في أرجلهن شيئًا في البيوت .. لا يجب لأرجلهن شيء (¬1). قال لي شيخنا الإِمام البلقيني: ولم أجد من صرح بوجوب الكوفيّة، وهي واجبة. 4423 - قول "الحاوي" [ص 543]: (بجبة حرير وكتان بالعادة) قيده "المنهاج" تبعًا لـ "المحرر" باعتياده لمثله فقال: (فإن جرت عادة البلد لِمثلِه بِكَتَّانٍ أو حرير .. وجب في الأصح) (¬2) وقد يقال: لفظ العادة يغني عن هذا القيد؛ فإنه إذا لم يُعتد لمثله .. فلا عادة بالنسبة إليه. قال الأصحاب: فلو اعتيد لبس الثياب الرقيقة التي لا تستر ولا تصح الصلاة فيها .. لم يعطها منه، لكن من صفيقها الذي يقرب منها في الجودة. 4424 - قول "التنبيه" [ص 207]: (ويجب لامرأة الموسر: ملحفة، وكساء تتغطى به، ووسادة، ومضربة محشوة بقطن لليل، وزَلِّيَّة أو لِبْد تجلس عليه بالنهار، ولامرأة المعسر كساء أو قطيفة) يقتضي أنه لا يجب لامرأة المعسر آلة النوم والجلوس، وهو ظاهر نص "المختصر" (¬3)، لكن الجمهور على أنه يجب لها النازل من ذلك، ولامرأة المتوسط ما بينهما؛ ولهذا أطلق "المنهاج" و "الحاوي" وجوب ذلك، ولم يذكرا الملحفة، وذكرا بدل الكساء: اللحاف، وقيداه بالشتاء (¬4). وفي "أصل الروضة": قال المتولي: على الموسر طنفسة في الشتاء ونطع في الصيف، وعلى المتوسط زلية، وعلى الفقير حصير في الصيف ولبد في الشتاء (¬5). قال الرافعي: ويشبه أن الطنفسة والنطع بعد بسط زلية أو حصير؛ فإن الطنفسة والنطع لا يبسطان وحدهما (¬6). قال الماوردي: ولو لم يعتادوا في الصيف لنومهم وغطائهم غير لباسهم .. لم يلزمه شيء آخر (¬7). وفي "فتاوى ابن عجيل" من فقهاء اليمن: أنه يجب أن تكون الكسوة جديدة، فلو أراد في أول ¬

_ (¬1) الحاوي الكبير (11/ 430). (¬2) المحرر (ص 375)، المنهاج (ص 459). (¬3) مختصر المزني (ص 231). (¬4) الحاوي (ص 543)، المنهاج (ص 459). (¬5) الروضة (9/ 48). (¬6) انظر "فتح العزيز" (10/ 15). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 433).

المدة أن يكسوها كسوة بالنية تكفي لنصف المدة ويعطيها لبقية المدة كسوة أخرى بالية .. لم يكن له ذلك، وهو واضح. واعترض شيخنا الإِمام البلقيني على قول "المنهاج" [ص 459]: (ويجب ما تقعدُ عليه، وكذا فراشٌ النوم في الأصح) وكذا في "الروضة" وأصلها، فقال: هذا عكس ما يوجد في التصانيف في الطريقين؛ فالموجود فيها الجزم بوجوب فراش النوم، والخلاف فيما تقعد عليه نهارًا (¬1). 4425 - قول "التنبيه" [ص 207]: (ويجب لها ما تحتاج إليه من الدهن للرأس) مقتضاه: عدم وجوبه للجسد، لكن صرح الماوردي بوجوبه له أيضًا (¬2)، حكاه عنه في "الكفاية" ولذلك أطلق "المنهاج" و "الحاوي" إيجاب الدهن (¬3). قال الرافعي: وإذا كانوا يعتادون المطيب بالورد والبنفسج .. وجب (¬4)، وعبر عنه في "الروضة" بالتطيب (¬5) وهو غير مستقيم. 4426 - قولهم: (والمشط) (¬6) المراد به: الآلة المعروفة، وذكر الماوردي أن المراد به: آلته من الأفاوِيهِ إذا كان ذلك عادة بلادهم (¬7). 4427 - قول "التنبيه" [ص 207]: (ولا يجب عليه ثمن الطيب) أي: الذي يقصد للزينة، أما الذي يقصد لقطع الزهومة إذا لم ينقطع بالماء والتراب .. فيلزمه؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 459]: (ومَرْتَكٌ ونحوه لدفع صُنَانٍ) (¬8)، وكذا في "الحاوي" (¬9)، ومرادهما: إذا لم يندفع بالماء والتراب كما ذكرته، ولو أعطاها طيب الزينة .. فعليها استعماله. 4428 - قول "الحاوي" [ص 543]: (وأجرة الحمام لشدة البرد) تبع فيه الغزالي (¬10)، والأصح: وجوبها بدون ذلك، إلا إذا كانت ممن لا يعتاد دخولها؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 459]: (والأصح: وجوب أجرَةِ حمَّامٍ بحَسَبِ العادَةِ) ثم يحتمل أن يكون اعتبار العادة بالنسبة إلى ¬

_ (¬1) فتح العزيز (10/ 16)، الروضة (9/ 48). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 428). (¬3) الحاوي (ص 543)، المنهاج (ص 459). (¬4) انظر "فتح العزيز" (10/ 18). (¬5) الروضة (9/ 50). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 207)، و "الحاوي" (ص 543)، و "المنهاج" (ص 459). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 428). (¬8) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 429). (¬9) الحاوي (ص 543). (¬10) انظر "الوجيز" (2/ 115).

الأصل، وهو الذي تدل عليه عبارة "الروضة" وأصلها (¬1)، ويحتمل أنه بالنسبة إلى القدر، وقد قال الماوردي: إنما يجب في الشهر مَرَّةٌ، حكاه عنه الرافعي، وأقره (¬2). 4429 - قول "المنهاج" [ص 459]: (وثمن ماء غُسْلِ جِمَاعٍ وَنِفَاسٍ) معطوف على ما عبر فيه بالأصح، والمراد: جماع منه، كما صرح به القفال، وعليه يدل كلامهم. 4435 - قوله: (لا حيضٍ واحتلامٍ في الأصحِّ) (¬3) تبع "المحرر" في إجراء الخلاف فيهما (¬4)، لكنه في "شرحيه" إنما حكى الخلاف في الحيض، وجزم في الاحتلام بعدم الوجوب (¬5). وقال في "الروضة": إنه لا يلزم قطعًا (¬6)، قال الرافعي: وينظر على هذا القياس في ماء الوضوء إلى كون السبب منه؛ كاللمس أم لا؟ (¬7) قال لي شيخنا الإِمام البلقيني: ولم يتعرضوا لماء الشرب، وهو واجب. 4431 - قوله: (ولها آلاتُ أكلٍ وشُربٍ وطبخٍ؛ كَقِدْرٍ وقَصْعَةٍ وكُوزٍ وجَرَّةٍ ونحوِها) (¬8) قيدها "الحاوي" بكونها من خزف وحجر (¬9)، ومقتضاه: أنه لا يجب كونها من نحاس، وفيه احتمالان للإمام: أحدهما: المنع، وأنه من رعونات الأنفس. والثاني: أنه يجب للشريفة للعادة (¬10). 4432 - قولهم - والعبارة لـ "التنبيه" -: (وإن كانت المرأة ممن تخدم .. وجب لها خادم واحد) (¬11) فيه أمور: أحدها: المراد: أن تكون ممن تخدم في بيت أبيها، فلو كانت ممن لا تخدم فيه ثم صارت عنده ممن تخدم .. لم يلزمه إخدامها كما صرح به الشيخ أبو حامد، وجزم به في "الشرح الصغير". ¬

_ (¬1) فتح العزيز (10/ 19)، الروضة (9/ 51). (¬2) فتح العزيز (10/ 19). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 459). (¬4) المحرر (ص 376). (¬5) فتح العزيز (10/ 19). (¬6) الروضة (9/ 51). (¬7) انظر "فتح العزيز" (10/ 19). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 459). (¬9) الحاوي (ص 543). (¬10) انظر "نهاية المطلب" (15/ 444). (¬11) انظر "التنبيه" (ص 207)، و "الحاوي" (ص 542)، و "المنهاج" (ص 459).

ثانيها: قيد الماوردي الوجوب بسكان الأمصار دون البوادي؛ فإنهن يعتدن خدمة أنفسهن، وفيه نظر؛ فكثير من أهل البدو يعتدن الخدم، ثم إن كانت تلك ممن لا تخدم .. فلا إخدام كما تقدم، فلا فرق في ذلك بين الحضرية والبدوية. ثالثها: أطلق "المنهاج" و "الحاوي" إخدامها، وقيده "التنبيه" بخادم واحد كما تقدم، وهو كذلك، فله أن يمنع الزائدة من الدخول إليها ولو أعطت هي أجرتها. رابعهأ محل ذلك: أن تكون حرة كما قيده "الحاوي"، فالأمة لا يجب إخدامها ولو كانت جميلة، صرح به بعضهم، وقال بعضهم: لا يحتاج للتنبيه على ذلك؛ فإن الأمة لا تخدم في العادة، وفيه نظر؛ فبعض الإماء يُخدمن لجمالهن وترفههن. خامسها: اشتراط أن تكون ممن تُخدم محله: في وقت الرفاهية، فلو احتاجت للخدمة لمرض أو زمانة .. وجب إخدامها كما صرح به "المنهاج" (¬1)، وحينئذ .. فلا يتقيد بواحدة، بل هو بحسب الحاجة. سادسها: قيده الماوردي أيضًا بما إذا لم يتبرع أحد، فإن وجد .. فلا (¬2)، وفيه نظر إذا لم ترض هي بذلك؛ لما فيه من المنة عليها، ذكره في "المطلب". سابعها: قول "التنبيه": (خادم) يتناول الذكر والأنثى، وظاهر تعبير "المنهاج" و "الحاوي" اختصاص ذلك بالأنثى، وفي "أصل الروضة": يشترط كون الخادم امرأة أو صبيًا أو محرمًا لها، وفي مملوكها والشيخ الهم اختلاف، وفي الذمية وجهان؛ لأن النفس تعاف استخدامها. انتهى (¬3). ويستثنى من الصبي: المراهق؛ فله حكم البالغ في الأصح، وفي معنى هؤلاء: الممسوح - وهو مقطوع الذكر والانثيين معًا - بناء على حل نظره وهو الأصح، والراجح في مملوكها: الجواز، بخلاف الشيخ الهم والذمية، وتعليل منع الذمية بالعيافة لا يناسب عدم الجواز، إنما يصلح لعدم إجبارها عليها، وذاك خلاف آخر ليس في كلام الرافعي، حكاه في "البيان" (¬4)، ذكر ذلك كله في "المهمات". وقال الماوردي: إن كانت الخدمة متعلقة بخارج الدار دون داخله .. اكتفي بالذمية، ذكره احتمالًا؛ فهو وجه ثالث، وهو حسن (¬5). ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 459). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 420). (¬3) الروضة (9/ 44). (¬4) البيان (11/ 211، 212). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 419).

واعلم: أن أبا الفرج الزاز ذكر أن المراد بإخدامها: الطبخ والغسل ونحوهما، دون حمل الماء للشرب والمستحم؛ لأن الترفع عن ذلك رعونة لا عبرة بها. وقال البغوي: المراد به: حمل الماء إلى المستحم وصبه على يدها، وغسل خرق الحيض ونحوها، أما الطبخ والكنس والغسل .. فعلى الزوج فعله بنفسه أو غيره (¬1). قال الرافعي: والاعتماد على ما ذكره البغوي (¬2)، وقال النووي: الذي أثبته الزاز من الطبخ والغسل ونحوهما هو فيما يختص بالمخدومة، والذي نفاه البغوي هو فيما يختص بالزوج؛ كغسل ثيابه والطبخ لأكله ونحوه، والطرفان متفق عليهما, ولا خلاف بين الجميع في ذلك (¬3). وقال شيخنا الإِمام البلقيني: هذا التوفيق عجيب؛ فإن الذي نفاه البغوي ليس فيما يختص بالزوج كغسل ثيابه والطبخ لأكله؛ فإن ذلك لا يقال فيه: إنه على الزوج، والبغوي قال: إنه على الزوج، وما للإنسان لا يقال: إنه عليه. 4433 - قول "التنبيه" [ص 208]: (وتجب عليه نفقة الخادم وفطرته وكسوته) محله: ما إذا لم تكن مملوكة له .. فنفقتها عليه بالملك لا بكونها خادم الزوجة، ولا مستأجرة .. فلا نفقة لها، إنما لها أجرتها، وقد أوضح ذلك "المنهاج" (¬4)، وأشار إليه "الحاوي" (¬5)، لكن قوله: (وإنفاق أمتها) (¬6) لا معنى لتخصيصه؛ فالإنفاق على الحرة التي صحبتها للخدمة كذلك. قال الرافعي: موضع نفقة الخادم: إذا أخدمها [بخادمها] (¬7) المملوكة لها أو الحرة، فإن كانت مملوكة لها .. فتملك الزوجة نفقة مملوكتها كما تملك نفقة نفسها، وإن كانت حرة .. فيجوز أن يقال: تملك نفقتها كما تملك الزوجة نفقة نفسها، ويجوز أن يقال: تملكها الزوجة لتدفعها إلى الخادمة، وعلى هذا: فلها التصرف في المأخوذ وتكفي مؤنة الخادمة (¬8). 4434 - قول "الحاوي" [ص 542]: (ومَنٍّ على الموسر) أراد به: المد والثلث الذي صرح به "التنبيه" و "المنهاج" (¬9)، لكنه خلاف مدلول المنّ؛ فإنه رطلان عند أهل اللغة. ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (6/ 332). (¬2) انظر "فتح العزيز" (10/ 12). (¬3) انظر "الروضة" (9/ 45، 46). (¬4) المنهاج (ص 459). (¬5) الحاوي (ص 542). (¬6) الحاوي (ص 542). (¬7) كذا في جميع النسخ، وفي "فتح العزيز": (بخادمتها). (¬8) انظر "فتح العزيز" (10/ 21). (¬9) التنبيه (ص 208)، المنهاج (ص 459).

4435 - قوله: (ولها كسوةٌ تليقُ بحالها) (¬1) فصله "التنبيه" فقال [ص 208]: (ويجب لخادم امرأة الموسر من الكسوة: قميص ومقنعة وخف، ولا بجب لها سراويل، ويجب لها كساء غليظ أو قطيفة أو وسادة، ولخادم امرأة المعسر عباءة أو فروة) وصرح "الحاوي" بالخف؛ لأنها تختص بإيجابه؛ لاحتياجها للخروج بخلاف الزوجة. وظاهر "التنبيه" أنه لا يجب لخادم امرأة المعسر القميص والمقنعة والخف، والذي في "الروضة" وأصلها إطلاق ذلك من غير فرق (¬2). وقال في "الكفاية": سكت "التنبيه" تبعًا للأصحاب عن خادم امرأة المتوسط، ويحتمل أن تلحق بخادم امرأة المعسر في القدر كما في النفقة، ويحتمل أن يزاد. انتهى. وإنما يجب لها الخف إذا كانت تخرج إلى الطريق، ويجب لها حينئذ ما تلتحف به، ويجب لها أيضًا في الشتاء جبة أو فروة بحسب العادة. 4436 - قول "التنبيه" [ص 208]: (ويجب عليه أدمه من دون جنس آدم المرأة على المنصوص وقيل: يلزمه من جنس أدمها)، الأصح: أنه من جنس أدمها, لكن دون نوعه، وقال بعضهم: مراده بالجنس: النوع؛ فإنه لا خلاف في الجنس، وفي استحقاقها اللحم وجهان، قال الرافعي: وربما بُنيا على الوجهين في التسوية في الأدم، فإن قلنا: إن إدامها مثل إدام المخدومة .. فلها اللحم، وإلا .. فلا. انتهى (¬3). ومقتضاه: أن الأصح: عدم وجوبه لها. 4437 - قوله: (ولا يجب للخادم الدهن والسدر والمشط) (¬4) قال في "المنهاج" [ص 459]: (فإن أكثر وسخٌ وتأذَّت بقملٍ .. وجب أن تُرَفَّه) كذا استدركه القفال، واستحسنوه، وأطلق صاحب "العدة" في الدهن والمشط وجهين، وقال الفوراني: ليس لها المشط وإن تأذت بالهوام، وذلك يرد على تعبير شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" عن وجوبه لها في هذه الحالة بالصواب (¬5). 4438 - قول "التنبيه" [ص 207، 208]: (لو قال الزوج: "أنا أخدمها بنفسي" .. لم يلزمها الرضا به)، قال القفال وغيره: له ذلك فيما لا يُستحى منه، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 543]: (وله خدمة لم تستحيي منه) والأصح: المنع مطلقًا، وفرع القفال على التفصيل: أنه لو تولى بنفسه ما لا يُستحيى منه فقد تولى بعض عمل الخادم .. فهل تستحق تمام النفقة أم لا؟ ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 459). (¬2) فتح العزيز (10/ 17)، الروضة (9/ 49). (¬3) انظر "فتح العزيز" (10/ 11). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 208). (¬5) تذكرة النبيه (3/ 383).

وجهان، وعلى الثاني: قال الرافعي: يحتمل التشطير والتوزيع على الأفعال (¬1)، وأقامها في "الروضة" أوجهًا (¬2). 4439 - قول "الحاوي" [ص 543]: (وله منعها من دخول أبويها) قال شيخنا الإِمام البلقيني: الأقرب: اختصاصه بحال قيام الزوجية دون المطلقة ولو رجعيًّا؛ لفقد الاستمتاع ولاختصاص المسكن بها، قال: ولم أقف فيه على نقل. 4440 - قول "المنهاج" [ص 460]: (وما دام نفعُهُ؛ ككسوةٍ وظُرُوفِ طعام ومُشطٍ تمليك، وقيل: إمتَاعٌ) تبع فيه "المحرر" فإنه قال بعد ترجيح التمليك في الكسوة: (وفي معناه: الفرش وظروف الطعام) (¬3)، وهي طريقة البغوي (¬4)، وألحق الغزالي الفرش والظروف بالمسكن، وأخرجها عن حيز الخلاف (¬5)، وتبعه "الحاوي" (¬6). 4441 - قول "المنهاج" [ص 460]: (وتُعطى الكسوة أول شتاء وصيفٍ) محله: فيما لا يبقى سنة فأكثر، أما ما يبقى سنة فأكثر؛ كالفرش والبسط والمشط .. فيُجدد في وقته، وكذا جبة الإبريسم لا تجدد كل شتوة، وعليه تطريتها على العادة، وكذا يرد ذلك على قول "التنبيه" [ص 207]: (وإن بقيت بعد المدة .. لزمه التجديد). 4442 - قوله: (فإن أعطاها كسوة مدة وتلفت قبلها .. لم يلزمه إبدالها) (¬7) لا فرق في ذلك بين أن يكون تلفها بتقصير منها أم لا. وأما قول "المنهاج" [ص 460]: (فإن تلِفَت فيه بلا تَقْصِيرٍ .. لم تُبْدَل) فإنه ليس للاحتراز عما إذا كان بتقصير منها؛ فإن ذلك أولى بعدم الإبدال. نعم؛ لو بليت لسخافتها .. وجب إبدالها كما في "الكفاية" ولعل ذلك مراد "المنهاج" بقوله: (بلا تقصير) أي: منه. 4443 - قولهما - والعبارة لـ "التنبيه" -: (فإن أعطاها الكسوة ثم ماتت قبل انقضاء الفصل .. لم يرجع) (¬8) وهو مفهوم من قول "الحاوي" [ص 543]: (وبالموت للمستقبل) أي: يسترد ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (10/ 12). (¬2) الروضة (9/ 45). (¬3) المحرر (ص 377). (¬4) انظر "التهذيب" (6/ 335). (¬5) انظر "الوجيز" (2/ 115). (¬6) الحاوي (ص 543). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 207). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 207)، و "المنهاج" (ص 460).

فصل [فيما يوجب النفقة ويسقطها]

بالموت نفقة اليوم المستقبل وكسوة الفصل المستقبل؛ فإنه يدل على أنه لا يسترد بالموت نفقة اليوم والفصل القائمين، وحكم موته هو وبينونتها منه بطلاق وغيره كذلك، ولا يختص ذلك بالزوجة، بل المطلقة البائن الحامل إذا دفع لها كسوة فصل ثم وضعت الولد بعد شهر ونحوه .. لم يسترجع منها ما دفعه إليها على الأصح كما صرح به النووي في "فتاويه" (¬1). لكن لو حصل الموت أو البينونة في أثناء الفصل قبل القبض .. فهل يستحق الكل أو القسط؟ حكي عن "الإيضاح" للصيمري: القسط، وحكاه البالسي في "شرح التنبيه" عن بعض المتأخرين بحثًا، ورده، وحكي عن "فتاوى الغزالي" ما يقتضي الكل. وقال شيخنا الإِمام البلقيني: إنه القياس، قال: ولا يُهوَّل عليه بأن يحصل ذلك بعد مضي لحظة من الفصل؛ لأن ذلك جُعل وقتًا للإيجاب، فلا فرق بين أن يمضي بعده كثير من الزمان أو قليل أو لم يمض شيء، قال: والقول بالتقسيط وإن كان يظهر في بادئ الرأي إلا أنه يلزم عليه الفرق بينه وبين النفقة والفرق بينه وبين ما إذا دفع ثم حصل فراق، وأيضًا: فالتقسيط في النفقة لم يعهد إلا على وجه في الأمة والحرة لو سلمت نفسها ليلًا لا نهارًا، وأما تقسيط الكسوة: فليس بمنقول، فيرجح بمقتضى ذلك إيجاب الكل، قال: وعليه لو نشزت في أثناء الفصل .. استرد، وعلى التقسيط .. [يسقط] (¬2) من يوم النشوز لا قبله، وإطلاق "الحاوي" يقتضي سقوط الكل في النفقة والكسوة؛ فيدل لإيجاب الكل في مسألة الموت والطلاق. انتهى. وأشار بذلك إلى قول "الحاوي" [ص 543]: (وبالنشوز يسترد) وظاهره استرداد الجميع. فصل [فيما يوجب النفقة ويسقطها] 4444 - قول "الحاوي" [ص 541]: (يجب للممكنة) و "المنهاج" [ص 460]: (الجديد: أنها تجب بالتمكين لا العقد) قيده "التنبيه" بالتمكين التام (¬3)، واحترز به عما ذكره بعده، وهو ما إذا سلم الأمة ليلًا لا نهارًا .. فلا يلزمه نفقه في الأصح، وقد يقال: لا يحتاج لهذا القيد؛ لأن ذاك لا يسمى تمكينًا، وهل يحتاج لذلك عند العقد على البائن الحامل أم يستمر الوجوب استصحابًا لما تقدم؟ فيه نظر، ومقابل الجديد: وجوبها بالعقد، وهو القديم، وقال البويطي في ¬

_ (¬1) فتاوى النووي (ص 153، 154) مسألة (264). (¬2) في (ب): (يقسط)، وفي (ج): (قسط)، والمثبت من (أ)، (د). (¬3) التنبيه (ص 208).

"مختصره": آخر قولي الشافعي: لها النفقة من يوم عقد النكاح، وهو أحب القولين إليَّ؛ لأنها ممنوعة من الرجال بسببه. قال شيخنا الإِمام البلقيني بعد حكايته: فصار هذا القول جديدًا مختارًا. قال الإِمام: التمكين: أن تقول المستقلة أو أهل المحجور عليها: متى أديت الصداق .. دفعناها لك (¬1)، وحكي نحوه عن الشافعي رضي الله عنه. وهل له إسكانها؟ قال ابن الصلاح: الذي يظهر أن له ذلك، وجواز امتناعها من تسليم نفسها والحالة هذه لا يسقط عنها ما للزوج من حق حبس المسكن، وفي إيجاب نفقتها ما يوضحه. 4445 - قول "التنبيه" [ص 208] و "الحاوي" [ص 541]: (ولو رتقاء) كذا القرناء، وألحق بهما البغوي المفضاة (¬2). 4446 - قولهما أيضًا: (ومريضة) (¬3) أي: لم يكن المرض بسببها، فلو تسببت في المرض ثم استمر .. ففيه تردد للإمام (¬4). 4447 - قول "التنبيه" [ص 208]: (ولا تجب النفقة إلا يومًا بيوم) و "الحاوي" [ص 542]: (صبيحة كل يوم) استثني منه: ما إذا أراد سفرًا طويلًا .. ففي "فتاوى البغوي": أن لها مطالبته بنفقتها لمدة ذهابه ورجوعه؛ كما لا يخرج إلى الحج حتى يترك لها هذا القدر (¬5)، وهذا غريب؛ فإن الأصح: جواز سفر من عليه دين مؤجل يُعلم أنه يحل قبل رجوعه وإن لم يستأذن غريمه ولم يترك وفاء، لكن تقدم التصريح بمسألة الحج عن الدارمي في "الاستذكار". 4448 - قول "التنبيه" [ص 208]: (وقال في القديم: تجب بالعقد، إلا أنه لا يجب التسليم إلا بالتمكين يومًا بيوم) يقتضي أنه ليس لها المطالبة بالنفقة مع السكوت عن التمكين، وهو الذي حكاه في "النهاية" - عن العراقيين، وضعفه (¬6)، وقال المراوزة: إنما يشترط عدم النشوز، فلها المطالبة حال السكوت، وجمع الرافعي والنووي بين هذين الأمرين المتنافيين، فقالا: القديم: يجب بالعقد ولا يتوقف على التمكين، لكن لو نشزت .. سقطت، فالعقد موجب والنشوز مسقط، وإذا حصل التمكين .. استقر الواجب يومًا فيومًا. انتهى (¬7). ¬

_ (¬1) انظر نهاية المطلب (15/ 450). (¬2) انظر "التهذيب" (6/ 342)، وفيه: (مضناة لا تحتمل الجماع). (¬3) انظر التنبيه (ص 208)، و "الحاوي" (ص 541). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (15/ 483). (¬5) في حاشية (ج): (قال الإسنوي في "الألغاز": وقياس الأقارب كذلك). (¬6) نهاية المطلب (15/ 448). (¬7) انظر "فتح العزيز" (10/ 26)، و "الروضة" (9/ 57).

4449 - قوله: (فلو ضمن عنه نفقة مدة معلومة .. جاز) (¬1) أي: على القديم، وهو: وجوبها بالعقد، لكن لا يضمن إلا نفقة المعسرين على الأصح وإن كان موسرًا؛ لأنها المتيقن. 4450 - قول "المنهاج" [ص 460]: (وإن عرضت .. وجبت من بلوغ الخبر) قال شيخنا الإِمام البلقيني: لا بد مع ذلك من مضي زمن إمكان المجيء إلى المنزل الذي هي فيه؛ فقد يكون في أقصى البلد وهي في الطرف الآخر، قال: وإنما تجب إذا كان ذلك عند طلوع الفجر مثلًا أو عقبه، فلو كان ليلًا .. فلا وجوب إلى طلوع الفجر. وقال في "المهمات": لو حصل العقد والتمكين وقت الغروب .. فالقياس: الوجوب بالغروب؛ لأن النفقة في مقابلة اليوم والليلة. 4451 - قول "التنبيه" [ص 208]: (وإن كان الزوج غائبًا وعرضت نفسها عليه ومضى زمان لو أراد المسير لكان قد وصل .. وجبت النفقة من حينئذ) يقتضي الاستغناء عن الرفع إلى الحاكم، لكن في "المنهاج" [ص 460]: (فإن غاب .. كتب الحاكم لحاكم بلده ليعلمه فيجيء أو يوكل، فإن لم يفعل ومضى زمن وصوله .. فَرَضَهَا القاضي) وذكر "الحاوي" مثل ذلك فيما إذا عادت إلى الطاعة في غيبته بعد نشوزها بحضوره (¬2)، وكتابة الحاكم متوقفة على رفعها الأمر إليه وإظهارها تسليم نفسها. قال المتولي: فإن لم يُعرف موضعه .. كتب إلى حكام البلاد التي تردها القوافل من بلده في العادة ليُعرَّف، فإن لم يظهر .. فرض نفقتها في ماله الحاضر ويأخذ منها كفيلًا؛ لاحتمال موته أو طلاقه. 4452 - قول "التنبيه" [ص 208]: (وتجب النفقة إذا سلمت نفسها إلى الزوج أو عرضت نفسها عليه) قال في "المنهاج" [ص 460]: (المعتبر في مجنونةٍ ومراهقةٍ عرض وليٍّ) ويستثنى منه: ما إذا عرضت المراهقة نفسها فتسلمها .. فإنه تجب نفقتها، فإن لم يتسلمها .. فلا، وكذا لو سلمت البالغة نفسها للزوج المراهق فتسلمها بغير إذن الولي. 4453 - قولهما: (وتسقط بنشوز) (¬3) يتناول ما لو نشزت بعض النهار؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 460]: (ولو بعض يوم)، وهو الذي حكاه الرافعي عن ترجيح بعضهم، وقال: هو أوفق لما سبق في مسألة الأمة (¬4)، وصحح النووي في آخر النكاح من زيادته: القطع به (¬5)، وعليه يدل قول ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 208). (¬2) الحاوي (ص 541). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 208)، و "المنهاج" (ص 460). (¬4) انظر "فتح العزيز" (10/ 30). (¬5) انظر "الروضة" (7/ 219).

"المنهاج" بعده [ص 460]: (ولو بمنع لمس بلا عذر) فإن محاولة اللمس لا تكون في جميع النهار، ويوافقه قول "الحاوي" أيضًا [ص 543]: (وبالنشوز يسترد) فإن ظاهره استرداد الجميع. وقال السرخسي: يجب لها بقسط زمن الطاعة. 4454 - قول "الحاوي" في مسقط النفقة [ص 541]: (أو منعت الوطء أو الاستمتاع) كان ينبغي أن يقول: (بلا عذر) كما فعل "المنهاج"، ثم قال: (وعبالة زوج أو مرض يضر معه الوطء عذر) (¬1) ومراده: في الامتناع من الوطء، وأما في الزفاف: فالثاني عذر دون الأول؛ لأن المرض يُرجى زواله. 4455 - قول "الحاوي" [ص 541]: (أو خرجت بلا إذن) قال في "المنهاج" [ص 461]: (إلا أن يُشْرِفَ على انهدامٍ) وكذا لو كان لغير الزوج فأخرجها منه صاحبه، أو خرجت في غيبة الزوج إلى بيت أبيها لزيارة أو عيادة لا على وجه النشوز كما ذكره "المنهاج" بعد ذلك (¬2)، وجزم به في "المحرر" و "الشرح الصغير"، وحكاه في "الروضة" وأصلها عن البغوي (¬3). 4456 - قول "التنبيه" [ص 208]: (أو سافرت بغير إذنه) يستثنى منه: ما إذا كانت معه كما ذكره الرافعي في (قسم الصدقات) حين ذكر أنها إذا سافرت مع الزوج .. لا تعطى من سهم ابن السبيل؛ فإنه علله: بأنها إن سافرت بإذنه مكفيّة بنفقته أو بغير إذنه .. فالنفقة عليه؛ لأنها معه، ولا تعطى مؤنة السفر؛ لأنها عاصية بالخروج، لكنه أشار إلى التوقف فيه بقوله: هكذا ذكروه، وتبعه في "الروضة"، ولم يذكر هذه الإشارة (¬4). قال شيخنا الإِمام البلقيني: والتحقيق فيه أنه إن منعها من الخروج فخرجت ولم يقدر على ردها .. سقطت نفقتها، وإلا .. فلا، وهذا يرد أيضًا على مفهوم قول "المنهاج" [ص 461]: (وسفرها بإذنه معه أو لحاجته .. لا يُسْقِط) فإنه اعتبر فيما إذا كان معه أن يكون بإذنه وعلى قول "الحاوي" [ص 541]: (أو خرجت بلا إذن) فإنه يتناول خروجها للسفر. 4457 - قول "التنبيه" [ص 208]: (وإن سافرت بإذنه .. ففيه قولان) الأظهر: أنه لا نفقة، ومحل الخلاف: إذا كان ذلك لحاجتها وليست معه، فإن كان لحاجته .. وجبت النفقة قطعًا، وإن كان لحاجتها لكنها معه .. فالجمهور على القطع بالوجوب، وكلام "التنبيه" يقتضي طرد الخلاف فيه، وبه قال ابن الوكيل، وعلى الأول مشى "المنهاج" فقال [ص 461]: (وسفرها بإذنه معه أو ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 460). (¬2) المنهاج (ص 461). (¬3) المحرر (ص 377)، فتح العزيز (10/ 32)، الروضة (9/ 61)، وانظر "التهذيب" (6/ 346). (¬4) فتح العزيز (7/ 380)، الروضة (2/ 310).

لحاجته .. لا يُسْقِط، ولحاجتها .. يُسْقِط في الأظهر)، وعبارة "الحاوي" [ص 541]: (ولغرضها دونه) أي: دون الزوج، فلو سافرت بإذنه لحاجتهما معًا (¬1) .. فمقتضى المرجح في (الأيمان) فيما إذا قال لزوجته: (إن خرجت لغير الحمام .. فأنت طالق) فخرجت لها ولغيرها .. أنها لا تطلق: عدم السقوط هنا، لكن نص "الأم" و "المختصر" يقتضي السقوط؛ حيث قال: وإذا سافرت الحرة بإذنه أو بغير إذنه .. فلا قسم لها ولا نفقة، إلا أن يكون هو الذي أشخصها .. فلا يسقط عنه نفقتها ولا قسمها (¬2). وعندي: أن أخذ المسألة من نظيرها المشارك لها في المدرك أولى من التمسك بظاهر لفظ النص في قوله: هو الذي أشخصها؛ لإمكان تأويله، والله أعلم. 4458 - قول "التنبيه" [ص 208]: (وإن ارتدت .. سقطت نفقتها، فإن أسلمت قبل انقضاء العدة .. فقيل: لا تستحق، وقيل: على قولين) الأصح: الطريقة الأولى، وقد جزم بها الرافعي في نكاح المشركات، ونفى الثانية (¬3)، ورد عليه في "الروضة": بأن صاحب "المهذب" وغيره ذكروها (¬4). ثم الطريقان في نفقة مدة الردة، أما بعد عودها إلى الإِسلام وهو غائب .. فقال الرافعي: فيه خلاف (¬5)، وهو طريقان كما بينه في "الشرح الصغير"، والظاهر فيه: نعم، وإن لم يرفع الأمر إلى حاكم، وهذا بخلاف ما لو نشزت فغاب فأطاعت .. فإنها لا تجب في الأصح إلا بالرفع إلى الحاكم، وبلوغ الخبر كالابتداء، ذكره "الحاوي" فيهما (¬6)، والفرق: أن سقوطها بالردة وقد زالت وفي النشوز بالخروج عن اليد، فلابد من عودها. 4459 - قول "التنبيه" [ص 208]: (وإن كانت صغيرة .. ففيه قولان، أصحهما: أنها لا تجب) موافق لتعبير "المنهاج" بالأظهر (¬7)، وكذا في "الروضة" وأصلها (¬8)، لكن حكاهما في "المحرر" وجهين (¬9)، ومحل الخلاف: فيما إذا كانت لا توطأ، فأما إذا أمكن وطؤها وسلّمت ¬

_ (¬1) في حاشية (ج): (قال الإِمام البلقيني: لم أر فيها نقلًا، والذي يظهر تخريجها على مسألة الأيمان التي ذكرها المنكت، ثم قال: ورأيت نص الشافعي بخلاف ما أثبته أولًا). (¬2) الأم (5/ 191)، مختصر المزني (ص 185). (¬3) انظر "فتح العزيز" (8/ 128). (¬4) الروضة (7/ 173). (¬5) انظر "فتح العزيز" (10/ 32). (¬6) الحاوي (ص 541). (¬7) المنهاج (ص 461). (¬8) فتح العزيز (10/ 33)، الروضة (9/ 61). (¬9) المحرر (ص 378).

إليه بشرطه .. استحقت، وذلك يرد أيضًا على إطلاق قول "الحاوي" [ص 541]: (لا صغيرة). 4460 - قول "التنبيه" في مسقط النفقة [ص 208]: (أو أحرمت) أي: بغير إذنه وسافرت؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 461]: (وإحرامها بحج أو عمرة بلا إذن نشوز إن لم يملك تحليلها، وإن ملك .. فلا حتى تخرج فمسافرة لحاجتها) وهو يملك تحليلها في النفل قطعًا وفي الفرض على الأظهر، وقد عرف حكم سفرها لحاجتها، وقد ظهر بذلك أن المسقط للنفقة السفر لا الإحرام؛ ولذلك لم يذكره "الحاوي" في مسقط النفقة. 4461 - قول "المنهاج" [ص 461]: (أو بإذنٍ .. ففي الأصح: لها نفقةٌ ما لم تخرج) يقتضي أن الخلاف وجهان، وكذا في "الروضة" وأصلها (¬1)، لكنه في "المحرر" جعلهما قولين (¬2). ويستثنى من قوله: (ما لم تخرج) ما إذا كانت معه؛ فإن نفقتها مستمرة كما تقدم فيما إذا كان لحاجتها بإذنه؛ لتقدم إذنه في الإحرام المقتضي للخروج، بل لا أثر بعد ذلك للنهي عنه، وقال القفال: لا نفقة مع النهي عنه قطعًا. 4462 - قول "التنبيه" في مسقط النفقة [ص 208]: (أو صامت تطوعًا) محله: فيما إذا امتنعت من الإفطار بعد أمرها به؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 541، 542]: (أو صامت بمنعه) أي: مع منعه و "المنهاج" [ص 461]: (ويمنعها صوم نفل، فإن أبت .. فناشزةٌ في الأظهر) وتبع "المحرر" في أن الخلاف قولان (¬3)، لكن عبر في "الروضة" بالأصح تبعًا لحكاية الرافعي في "الشرحين" له وجهين (¬4). وفيه وجه ثالث: إن دعاها للأكل فأبت .. لم تسقط، أو للجماع فأبت .. سقطت، وخص الماوردي السقوط بأمرها به في صدر النهار دون آخره (¬5)، واستحسنه الروياني. ويستثنى من صوم النفل: الراتب؛ بمعرفة وعاشوراء كما استثناه "الحاوي" (¬6)، لا صوم الاثنين والخميس، وفي زيادة "الروضة" في أواخر الصوم: أنه لا يجوز لها الصوم إلا بإذنه (¬7)، وفي "شرح المهذب": مقتضى المذهب فيما لو صامت: الجزم بعدم الثواب وإن كان صحيحًا كما في الصلاة في الدار المغصوبة (¬8). ¬

_ (¬1) فتح العزيز (10/ 34)، الروضة (9/ 61). (¬2) المحرر (ص 378). (¬3) المحرر (ص 378). (¬4) فتح العزيز (10/ 36)، الروضة (9/ 62). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 443). (¬6) الحاوي (ص 541). (¬7) الروضة (2/ 388). (¬8) المجموع (6/ 419).

4463 - قول "المنهاج" [ص 461]: (والأصح: أن قضاءً لا يتضيق كنفل فبمنعها) كان ينبغي التعبير بالمذهب؛ ففي "الروضة": قطع به الأكثرون، وقيل: وجهان (¬1). 4464 - قول "الحاوي" [ص 542]: (أو نذرًا بعد النكاح) أي: متعلقا بوقت معين، فأما إذا لم يتعلق بوقت معين .. فيسقط فعله النفقة ولو نذرته قبل النكاح؛ ولذلك قال "التنبيه" [ص 208]: (أو عن نذر في الذمة أو نذر يتعلق بزمان بعينه نذرنه بعد النكاح) ولا يخفى أن محل ذلك: ما إذا لم يكن النذر بإذنه، وينبغي أن يستثنى: ما إذا نذرت صومًا متتابعًا بغير إذنه وشرعت فيه بإذنه .. فلا يكون له منعها من بافيه كما ذكروه في نظيره من (الاعتكاف)، وحيث سقطت النفقة بالصوم .. فهل يسقط الكل أو النصف؟ وجهان، صحح النووي: الأول (¬2). 4465 - قول "المنهاج" [ص 461]: (وأنه لا منع من سننٍ راتبةٍ) أي: بلا تطويل. 4466 - قول "التنبيه" [ص 208]: (وإن طلقها طلقة رجعية .. وجب لها النفقة والسكنى) لا معنى لتقييده بطلقة، فلو طلقها طلقتين .. كان كذلك إذا كان الطلاق رجعيًا، ولا يتقيد ذلك بالنفقة والسكنى؛ فيجب لها جميع ما يجب للزوجة إلا مؤن [التنظيف] (¬3)، ولذلك قال "المنهاج" [ص 461]: (وتجب لرجعية المؤن إلا مؤنة تنظيف)، وهذا وارد على "الحاوي" أيضًا؛ لإطلاقه وجوب المؤن، ومنها مؤنة التنظّف إلى البينونة. 4467 - قول "التنبيه" في المطلقة البائن [ص 208]: (وإن كانت حاملًا .. وجبت، ولمن تجب؟ فيه قولان، أحدهما: لها، والثاني: للحمل (الأظهر: الأول، وعليه مشى "المنهاج" (¬4)، ويوافقه قول "الحاوي" [ص 541]: (وإن مات) فإن استمرار وجوب النفقة للحامل بعد وفاة مطلقها مبني على أن النفقة لها، وهو مع ذلك أحد وجهين. قال الغزافي: إنه أقيسهما (¬5)، وهو المنقول عن الشيخ أبي عليّ، وصحح الإِمام مقابله، وهو المنقول عن ابن الحداد؛ لأنها كالحاضنة للولد، ولا تجب نفقة الحاضنة بعد الموت (¬6)، ولم يصرح الرافعي هنا من عند نفسه بترجيح (¬7)، لكنه جزم في "شرحيه" في عدة الوفاة بعدم السقوط كما في "الحاوي"، وتبعه في "الروضة" على ذلك (¬8)، ويرد على "الحاوي" أن قوله أولًا [ص ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 62). (¬2) انظر "الروضة" (9/ 63). (¬3) في (ب)، (د): (التنظف). (¬4) المنهاج (ص 461). (¬5) انظر "الوجيز" (2/ 118). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (15/ 507). (¬7) انظر"فتح العزيز" (10/ 44). (¬8) فتح العزيز (9/ 482)، الروضة (8/ 399).

فصل [في الإعسار بمؤن الزوجة]

541]: (ووضعت) قد يقتضي وجوب النفقة للحامل ولو كانت متوفى عنها؛ فإنه لم يخص بذلك المطلقة، لكن قوله بعده: (وإن مات) قرينة على أن كلامه أولًا في مفارقة الحياة، وقد صرح "المنهاج" بذلك فقال [ص 462]: (ولا نفقة لمعتدة وفاة وإن كانت حاملًا) وكما تستحق البائن الحامل النفقة تستحق الأدم والكسوة كما في زيادة "الروضة" عن المتولي، وأقره (¬1). وهل تستحق الخادم إن كانت ممن تخدم؟ فيه وجهان، بناهما ابن المرزبان على أن نفقتها للحمل أم للحامل. 4468 - قول "التنبيه" [ص 208، 209]: (وهل تدفع إليها يومًا بيوم أو لا يجب شيء منها حتى تضع؟ فيه قولان) الأظهر: الأول، وعليه مشى "المنهاج"، لكن تعبيره بقوله: (وقيل: حين تضع) (¬2) يقتضي أن الخلاف وجهان، وكذا في "المحرر" (¬3)، ولكنه في "الشرحين" و "الروضة" قولان كما في "التنبيه" (¬4). فصل [في الإعسار بمؤن الزوجة] 4469 - قول "المنهاج" [ص 462]: (أعسر بها؛ فإن صبرت .. صارت دينًا عليه، وإلا .. فلها الفسخ على الأظهر) الضمير في قوله: (بها) عائد على النفقة كما أفصح به "التنبيه" و "الحاوي" (¬5)، ويفهم ذلك من ذكر "المنهاج" الكسوة والسكنى والأدم بعد ذلك، ولا فسخ بمدة ماضية في الأصح، وقد صرح به "الحاوي" (¬6)، وفهم من تعبير "التنبيه" بالإعسار (¬7) و "الحاوي" بالعجز (¬8) أنه لا فسخ بمنع موسر حضر أو غاب، وهو الأصح كما صرح به "المنهاج" (¬9)، ومع ذلك: فيرد عليه: أنه لو غاب وجهل حاله في الأعسار واليسار .. كان كما لو عرف يساره في عدم الفسخ في الأصح. ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 68). (¬2) المنهاج (ص 462). (¬3) المحرر (ص 379). (¬4) فتح العزيز (10/ 45)، الروضة (9/ 68). (¬5) التنبيه (ص 209)، الحاوي (ص 543). (¬6) الحاوى (ص 543). (¬7) التنبيه (ص 209). (¬8) الحاوي (ص 543). (¬9) المنهاج (462).

وفي "فتاوى ابن الصلاح": أنه لا يكفي شهادة البينة بأنه سافر عنها وهو معسر، قال: فلو شهدت بإعساره الآن بناء على الاستصحاب .. جاز لها ذلك إذا لم تعلم زواله، وجاز الفسخ حينئذ (¬1). ويرد على اعتبارهم الإعسار: أن تعذر النفقة من جهته كذلك، وإن لم يكن معسرًا .. ففي "فتاوى ابن الصلاح": أن الفتيا على أنه مهما كانت واجبة النفقة عليه وتعذرت منه عليها؛ لعدم مال حاضر له مع عدم إمكان أخذها منه حيث هو بكتاب حكمي وغيره؛ لكونه لم يعرف موضعه، أو عرف لكن تعذرت مطالبته، عُرف حاله في اليسار والإعسار أو لم يُعرف .. فلها الفسخ بالحاكم كما في الثابت عسره؛ فإن تعذر النفقة بذلك كتعذرها بالإعسار، قال: والفرق بينهما بأن الإعسار عيب فرق ضعيف، قال: ولصاحب الغزالي أبي الحسن بن الشهرزوري الدمشقي مسألة صنفها في تصحيح ذلك وتقريره. انتهى (¬2). 4470 - قول "المنهاج" [ص 462]: (ولو تبرع رجل بها .. لم يلزمها القبول) فيه أمران: أحدهما: أنه يستثنى منه: ما إذا كان المتبرع أبًا أو جدًا للزوج وهو محجوره .. فإنه يجب القبول؛ لأن المدفوع يدخل في ملك المؤدى عنه في هذه الحالة، ويكون الولي كأنه وهب له وقبل كما ذكروه في مواضع، ذكره في "المهمات". ثانيهما: أن محله: فيما إذا دفعها إليها، فلو دفعها للزوج وسلمها هو لها .. فلا فسخ؛ لانتفاء المنة عليها، ذكره الخوارزمي في "الكافي". 4471 - قوله: (وقدرته على الكسب كالمال) (¬3) أي: فلا فسخ معه، ولو امتنع منه .. فإنه يجبر عليه، وكذا لو مرض إن رجي برؤه في نحو ثلاثة أيام، وإلا .. تخيرت، والحالة أنه يكسب كل يوم قدر النفقة، فلو كان يكسب في يوم نفقة الأسبوع فتعذر العمل في أسبوع لعارض .. تخيرت على الأصح كما قاله المتولي. 4472 - قول "التنبيه" [ص 209]: (وإن أعسر بالأدم .. لم تفسخ) حكاه في "أصل الروضة" عن اعشرين اعتمادًا على أن الرافعي حكاه عن الشيخ أبي حامد والقفال والإمام والغزالي والبغوي وغيرهم، ومقابله عن الداركي والروياني (¬4)، وصرح في "الشرح الصغير" بتصحيح عدم الفسخ، ¬

_ (¬1) فتاوى ابن الصلاح (2/ 456) مسألة (422). (¬2) فتاوى ابن الصلاح (2/ 454) مسألة (417). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 462). (¬4) فتح العزيز (10/ 52)، الروضة (9/ 75)، وانظر "نهاية المطلب" (15/ 463)، و "الوجيز" (2/ 119)، و "التهذيب" (6/ 356).

وهو الذي يدل عليه كلام "الحاوي" (¬1)، لكنه صحح في "المحرر" الفسخ (¬2)، فاستدرك عليه في "المنهاج" (¬3)، وقال الماوردي: إن انساغ القوت للفقراء دائماً بلا آدم .. لم تفسخ، وإلا .. فسخت (¬4). 4473 - قول "التنبيه" [ص 209]: (وإن أعسر بالسكنى .. احتمل أن تفسخ واحتمل ألاَّ تفسخ) هما وجهان منقولان، والأصح: الأول، وعليه مشى "المنهاج" و "الحاوي" (¬5). وتوجيه الثاني بأنها لا تعدم مسجدًا أو نحوه عجيب؛ لأن المسجد ليس مُعدًا للإيواء. 4474 - قول "التنبيه" [ص 209]: (وإن أعسر بنفقة الخادم .. لم تفسخ ويصير ذلك دينًا في ذمته)، قال شيخنا الإِمام البلقيني: محل بقائه دينًا في ذمته: ما إذا كانت الخادمة موجودة ولم ينفق عليها، فإن مضى الزمان بغير خادم .. لم يتقرر في ذمته شيء. 4475 - قول "المنهاج" [ص 462]- والعبارة له - و "الحاوي" [ص 544]: (وفي إعساره بالمهر أقوال، أظهرها: تفسخ قبل وطء لا بعده) شرطه: ألاَّ تقبض شيئًا من المهر، فإن قبضت بعضه .. لم يكن لها الفسخ؛ لأنه استقر له من البضع بقسطه، فلو فسخت .. لعاد لها البضع بكماله؛ لأنه لا يمكن التشريك فيه، قاله ابن الصلاح في "فتاويه" (¬6)، واعتمده في "المهمات"، وخالفه البارزي قاضي حماة، وتوقف فيه في "المطلب" في (الفلس)، وقال السبكي في "شرح المنهاج" قبل (الوليمة): المختار عندي في الإعسار ببعضه: أنه كالإعسار بكله، وهو يختار في كله عدم الفسخ مطلقًا، قال: فيثبت لها الخيار على المذهب، ولا يثبت عندي وفاقًا لابن الرفعة. انتهى. ومن يُثبت لها الفسخ بكله دون بعضه .. يجعل اللام في "المنهاج" و "الحاوي" للعهد، والمراد: الجميع، ويخرج بذلك المفوضة .. فلا خيار لها قبل الفرض؛ لأنها لا تستحق مهرًا بالعقد على الأظهر. 4476 - قول "التنبيه" [ص 209]: (وإن اختارت الفسخ .. ففيه قولان، أحدهما: تفسخ في الحال) وقول "المنهاج" [ص 462]: (في قول: يُنجَّز الفسخ) قد يفهم المبادرة إليه في الحال، والأقرب على هذا القول: لا، فعلى هذا: هل تؤخره إلى نصف النهار أم آخره أم آخر الليلة ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 543). (¬2) المحرر (ص 379). (¬3) المنهاج (ص 462). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 457). (¬5) الحاوي (ص 543)، المنهاج (ص 462). (¬6) فتاوى ابن الصلاح (2/ 427) مسألة (365).

بعده؟ فيه احتمالات، أرجحها عند الغزافي: الثالث (¬1). 4477 - قول "التنبيه" [ص 209]: (والثاني: تفسخ بعد ثلاثة أيام، وهو الأصح) قد يفهم استقلالها به، وليس كذلك؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 462]: (ولا فسخ حتى يثبت عند قاض إعساره فيفسخه أو يأذن لها فيه) و "الحاوي" [ص 544]: (ثم القاضي يفسخ أو يمكنها منه صبيحة الرابع). 4478 - قول "المنهاج" [ص 462]: (إلا إن يسلم نفقته) قد يفهم تعذر الفسخ بذلك عليها مطلقًا، وليس كذلك؛ فلها الفسخ في الخامس؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 544]: (وإن سلم له .. ففي الخامس) أي: إن لم يسلم نفقته، وظاهر كلامهما منع فسخها في اليوم الرابع ولو توافقا على جعل المأخوذ عما مضى، وفي هذه الحالة احتمالان للرافعي (¬2). 4479 - قول "المنهاج" [ص 463]: (وعليها الرجوع ليلًا) أي: إلى منزل الزوج، حكاه في "الروضة" وأصلها عن الروياني فقط، قال الروياني: وليس لها منعه من الاستمتاع، وقال البغوي: لها ذلك، قال الرافعي: وهو أقرب (¬3)، وحينئذ .. فلا تستحق نفقة مدة الامتناع ولا تثبت في ذمته. 4480 - قولهم - والعبارة لـ "التنبيه" -: (وإن اختارت المقام ثم عنّ لها أن تفسخ .. جاز) (¬4) محله: فيما بعد يوم الاختيار، أما يوم الاختيار: فلا خيار لها فيه، صرح به البندنيجي، وحكاه عنه في "الكفاية"، وقال شيخنا الإسنوي في "التنقيح": هو ظاهر، وتعليلهم يقتضيه، ثم إنما يكون لها الفسخ بعد تجديد الإمهال على القول به، وإذا رضيت بالمقام معه .. لم يلزمها تمكينه ولها الخروج، قاله البغوي وغيره (¬5)، ويعود فيه ما سبق عن الروياني: من أنه ليس لها منعه من الاستمتاع؛ فإنه لم يفرق في ذلك بين مدة الإمهال وما بعدها، وسبقه إليه الماوردي في الحالتين (¬6)، ومال إليه في "المهمات"، فإن مكنته .. ثبت في ذمته ما على المعسر من طعام وادام وغيرهما. 4481 - قول "المنهاج" [ص 463]: (ولو رضيت بإعساره بالمهر .. فلا) أي: فلا فسخ بعده؛ لأن الضرر لا يتجدد، والحاصل مَرْضِيٌّ به. ¬

_ (¬1) انظر "الوجيز" (2/ 120). (¬2) انظر "فتح العزيز" (10/ 59). (¬3) فتح العزيز (10/ 59)، الروضة (9/ 78)، وانظر "التهذيب" (6/ 359). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 209)، و "الحاوي" (ص 544)، و "المنهاج" (ص 463). (¬5) انظر "التهذيب" (6/ 359). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 460).

يفهم أنها لو نكحته عالمة بإعساره بالصداق .. لم تفسخ، وهو الذي صححه الرافعي والنووي (¬1)، وقال في "المهمات": إن المذهب خلافه؛ فقد حكى العمراني في الزوائد في المسألة قولين: الجديد: ثبوت الفسخ، والقديم: عدم ثبوته. 4482 - قوله: (ولا فسخ لولي صغيرة ومجنونة) (¬2) لم يحترز به عن البالغة العاقلة، فوليها أولى بعدم الفسخ. 4483 - قوله: (ولو أعسر زوج أمة بالنفقة .. فلها الفسخ، فإن رضيت .. فلا فسخ للسيد في الأصح) (¬3) خرج بالنفقة المهر، فلو أعسر به وأثبتنا الفسخ .. فهو للسيد. * * * ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (10/ 60)، و "الروضة" (9/ 79). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 463). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 463).

باب نفقة الأقارب

بابُ نفقة الأقارب 4484 - قول "التنبيه" [ص 209]: (يجب على الأولاد نفقة الوالدين) هو بكسر الدال، وهو أحسن من قول "المنهاج" [ص 463]: (يلزمه نفقة الوالد وإن علا) فإنه لا يتناول الأم، بخلاف لفظ "التنبيه" فإنه يتناولها بالتغليب، وقد زاد ذلك إيضاحًا بقوله بعده: (ذكورًا كانوا أو إناثًا) (¬1)، وعبر "الحاوي" بالبعض (¬2)، وهي عبارة مختصرة شاملة. واستثني من ذلك: ما إذا كان القريب المحتاج مكاتبًا .. فليس على الولد نفقته على الأصح من زيادة "الروضة" هنا؛ لبقاء أحكام الرق (¬3)، لكن كلام "الروضة" وأصلها في أول (قسم الصدقات) صريح في أن عليه نفقته (¬4). 4485 - قول "التنبيه" [ص 209، 210]: (ولا تجب إلا على من فضل عن نفقته ونفقة زوجته) أحسن من قول "المنهاج" [ص 463]: (بفاضل عن قوته وقوت عياله) فإن النفقة أعم من القوت، ولا يتقدم على القريب إلا الزوجة، ولفظ (العيال) قد يوهم خلافه، وعبارة "الحاوي" [ص 544]: (فضل عن قوته وزوجته) فعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار، وفيه خلاف لأهل العربية، ووافق "التنبيه" في التعبير بالزوجة و "المنهاج" في التعبير بالقوت، وفي "الروضة" وأصلها عن "البسيط": الظاهر أنه يلزم المبعض نفقة القريب (¬5)، وصحح النووي من زيادته: لزوم نفقة تامة، ورجح في "الروضة" أيضًا: لزوم نفقة المبعض المحتاج على قريبه الحر بقدر حريته (¬6). 4486 - قول "المنهاج" [ص 463]: (في يومه) تبع فيه "المحرر" (¬7)، وفي "الشرحين" و "الروضة" و "الكفاية" وغيرها: يومه وليلته (¬8). قوله: (ويباع فيها ما يباع في الدين) (¬9) أي: من عقار وغيره، وفي كيفية بيع العقار وجهان: أحدهما: يباع كل يوم جزء بقدر الحاجة. ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 209). (¬2) الحاوي (ص 544). (¬3) الروضة (9/ 97). (¬4) فتح العزيز (7/ 380)، الروضة (2/ 310). (¬5) فتح العزيز (10/ 86)، الروضة (9/ 97). (¬6) الروضة (9/ 97). (¬7) المحرر (ص 380). (¬8) فتح العزيز (10/ 66)، الروضة (9/ 83). (¬9) انظر "المنهاج" (ص 463).

والثاني: أن ذلك يشق، فيقترض إلى أن يجتمع ما يَسْهُل البيع له، وصححه النووي في نظيره من مسألة العبد، فليُصحح هنا (¬1). 4487 - قوله: (ويلزم كَسُوبًا كَسْبُهَا في الأصح) (¬2) عبر في "الروضة" بالصحيح، وقطع به الأكثرون، ومقابله وجهان: أحدهما: لا يلزمه. والثاني: يلزم الولد للوالد دون العكس، كذا في بعض نسخ "الروضة" (¬3)، والصواب المنقول عن نسخة المصنف عكسه، وهو الموافق لنقل الرافعي عن "التتمة" (¬4)، والفرق: أن نفقة الوالد مواساة، فلا يُكلّف الكسب لها، وسبب حصول الولد الاستمتاع، فألحقت نفقته بنفقة الزوجة. 4488 - قول "المنهاج" [ص 463]: (ولا يجب لمالك كفايته ولا مكتسبها) أي: بالفعل؛ بأن يكون قادرًا على الكسب ويفعله، وقول "الحاوي" [ص 544]: (لبعضٍ .. لا شيء له ولو كسوبًا) أي: بالقدرة، لكنه لم يتعاط الكسب بالفعل، وتبع في إطلاق وجوب نفقة البعض القادر على الكسب، ولا يفعله "المحرر" فإنه قال: (إنه الأحسن) (¬5)، ونقل الرافعي عن "العدة": أن الفتوى اليوم عليه (¬6). وصحح "التنبيه": عدم وجوبها في هذه الحالة مطلقًا فقال [ص 209]: (فأما الوالدون: فلا تجب نفقتهم إلا أن يكونوا فقراء زمنى أو فقراء مجانين، فإن كانوا فقراء أصحاء .. ففيه قولان، أصحهما: أنها لا تجب) ثم قال في الأولاد: (فإن كانوا فقراء أصحاء بالغين .. لم تجب نفقتهم، وقيل: فيه قولان) والأصح: طريقة القولين، وأصحهما: عدم الوجوب، والمصحح في "الشرحين": التفصيل، فتجب للوالد دون الولد، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 463]: (إنه أظهر) ولم يفرقوا على الطريقة المشهورة بين كسب وكسب، ومنهم من جعل الخلاف أولًا في اشتراط العجز عن كسب يليق به، فإن شُرط ذلك .. ففي اشتراط العجز عن كل كسب بالزمانة وجهان، ورأوا الأعدل الأقرب: الاكتفاء بعجزه عما لا يليق به، وأوجبوا النفقة مع القدرة على الكسب ونحوه، وهذا حسن، قاله الرافعي والنووي (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "الروضة" (9/ 83، 84). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 463). (¬3) الروضة (9/ 84). (¬4) فتح العزيز (10/ 52). (¬5) المحرر (ص 380). (¬6) انظر "فتح العزيز" (10/ 68). (¬7) انظر "فتح العزيز" (10/ 68، 69)، و "الروضة" (9/ 85).

وفي معنى الزمن: المريض والأعمى، وكذا الصحيح المشتغل عن الكسب بالتصرف في مال الولد ومصلحته، نبه عليه ابن الرفعة. 4489 - قول "المنهاج" [ص 464]: (وهي الكفاية) أي: فيعتبر حاله في السن والرغبة والزهادة، ولا يشترط انتهاؤه إلى حد الضرورة، ولا يقتصر معه على سد الرمق، بل يعطيه ما يتمكن معه من التردد والتصرف؛ ولهذا عبر "الحاوي" بقوله [ص 544]: (ما يستقل به)، ومنه يفهم أنه لا يجب إشباعه، وبه صرح في "الوجيز" (¬1)، وحكى الرافعي في نفقة الرقيق ثلاثة أوجه: أحدها: هذا، وكلامه يقتضي ترجيحه. والثاني: يجب ما يكفي مثله غالبًا، ولا يعتبر كفايته في نفسه. والثالث: إن أَثَّرَ فقد الزيادة في قُوَّته وبدنه .. لزمت، وإلا .. فلا، قال: وينبغي أن تجيء هذه الأوجه في نفقة القريب (¬2). ومن التعبير بالكفاية يفهم وجوب الكسوة والسكنى بما يليق به، ومؤنة الخادم إن احتاج إليه، والأدم، وهو كذلك، إلا أن في "التهذيب" نزاعًا في الأدم (¬3)، ويجب أيضًا أجرة الطبيب وثمن الأدوية، صرح به الرافعي في (قسم الصدقات) (¬4). ولا يفهم شيء من ذلك من تعبير "الحاوي"، فلو مضت مدة لم ينفق فيها على خادم القريب مع قيامه بالخدمة؛ فإن أسقطنا نفقة خادم الزوجة بمضي الزمان كما قال المتولي .. فهي أولى، وإن لم نسقطها كما هو النص .. لم تسقط نفقة الخادم هنا وإن سقطت نفقة القريب، ويزيد التابع على المتبوع، قاله شيخنا الإِمام البلقيني، قال: ويحتمل أن تسقط، والأول أقرب؛ لأنها عوض الخدمة، بخلاف نفقة القريب. 4490 - قول "التنبيه" [ص 210]: (وإن مضت مدة ولم ينفق فيها على من تلزمه نفقته من الأقارب .. لم تصر دينًا في ذمته) استثنى منه "المنهاج" و "الحاوي": ما إذا فرضها القاضي (¬5)، و "المنهاج" وحده: ما إذا أذن في اقتراضها لغيبة أو منع (¬6)، وفي كلا الصورتين نظر. أما الأولى: فقد ذكرها "المنهاج" [ص 464]: (ولا تفسير دينًا إلا بفرض قاض أو إذنه في ¬

_ (¬1) الوجيز (2/ 121). (¬2) انظر "فتح العزيز" (10/ 110). (¬3) التهذيب (6/ 386). (¬4) انظر"فتح العزيز" (7/ 379). (¬5) الحاوي (ص 545)، المنهاج (ص 464). (¬6) المنهاج (ص 464).

اقتراض لغيبة أو منع) و "الحاوي" [ص 545]: (وتستقر بفرض القاضي) قاله الغزالي، وتبعه الرافعي والنووي في كتبهما (¬1)، قال النسائي: وقد رده والدي رحمه الله فيما علقه على "الوسيط" نقلًا وعقلًا (¬2). وقال في "المهمات": لم أر أحدًا استثناه، بل صرح ابن القاص وأبو على الطبري والمحالمي والقزويني في "الحيل" وأبو إسحاق الشيرازي في "التذكرة" والغزالي في "تحصين المآخذ" - كلاهما في الخلاف - ونصر المقدسي ومحمد ابن يحيى بعدم استقرارها بفرض القاضي، ونقل عن البندنيجي في "المعتمد"، وكلام الرافعي في (زكاة الفطر) يدل عليه (¬3)، وهو مقتضى تعليلهم بأنها مواساة لإحياء النفس، وقد حييت فيما مضى. وأيضًا: فنفقة القريب إمتاع كما حكاه الرافعي عن الأئمة (¬4)، فيستحيل مصيره دينًا كما قاله الإمام (¬5). وأيضًا: فإن أريد بالفرض: الإيجاب .. فهو تحصيل الحاصل، وإن أريد به: التقدير .. لم يؤثر إلا في قدر المأخوذ لا في صفة الوجوب وهي السقوط بمضي الزمان، وكيف يجوز للقاضي تقدير غير المقدر؟ قال: ولم يحك ابن الرفعة مع اطلاعه استقرارها بفرض القاضي إلا عن الرافعي، وعبارة الرافعي: ويستثنى ما إذا فرض القاضي أو أذن في الاستقراض وكان مراده: إذا اقترض - بالقاف - فتصحف، ويدل عليه أمران: أحدهما: وجودها في بعض نسخه بالقاف. الثاني: أن البغوي والمتولي صرحا باستثناء الاقتراض، وأنه لا يستثنى غيره (¬6)، وقد علمت كثرة نقل الرافعي عنهما. انتهى كلام "المهمات" بمعناه مختصرًا. وقال ابن الرفعة: فرض القاضي وعدمه عندنا سيان. قال السبكي: وهو ممنوع، ولو كان كذلك .. لما جاز له أن يفرض، وفائدة الفرض: تقدير قدر مخصوص بعد أن كان الواجب محتملًا له، وأما ثبوته في الذمة واستقراره .. فهو محل النظر، وهو الذي نفاه ابن الرفعة، وقال في "التوشيح": الذي تحصل لي من كلام الوالد أنه موافق على أنها لا تستقر بمجرد فرض القاضي، ولكن نقول: كلام الغزالي يحتمل أمرين، أظهرهما: أن ¬

_ (¬1) انظر "الوجيز" (2/ 121)، و "فتح العزيز" (10/ 70)، و "الروضة" (9/ 85). (¬2) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 165). (¬3) انظر "فتح العزيز" (3/ 150). (¬4) انظر"فتح العزيز" (10/ 70). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (15/ 464). (¬6) انظر "التهذيب" (6/ 387).

محل استقرارها بفرض القاضي: ما إذا استقرض القريب .. فإنه يبقى دينًا عليه، فيحمله القريب عنه وإن لم يكن دين المقرض في ذمة القريب الموسر بل في ذمة المستقرض مستندًا إن إذن القاضي أو فرضه، ولولا الفرض أو الإذن .. لم يعرف القدر الذي يتحمله عنه، قال: ويؤخذ من ذلك أنه بعد فرض القاضي أو إذنه لو اتفق صوم المفروض له يومًا أو أضافه شخص بحيث اندفعت حاجته ذلك اليوم .. لم تجب نفقته فيه وإن كان القاضي قد فرضها، ويجتمع بذلك كلام الغزالي وغيره، فيكون الإطلاقان صحيحين. والاحتمال الثاني: أن يكون كلام الغزالي محله في يوم واحد رفع القريب المحتاج قريبه الغني إلى القاضي فقضى عليه بنفقة ذلك اليوم وفرضها، فيجب عليه بذلك دفع ما فرضه القاضي، قال: وليس فيه تصريح بأن نفقة الغد وبعد الغد تستقر بذلك. نعم؛ لو ماطله الغني بعد قضاء القاضي ذلك اليوم حتى انقضى واندفعت حاجته .. ينبغي أن تسقط كما أطلقه غير الغزالي، وكلام الغزالي يقتضي عدم سقوطه، قال: والأحسن ما حملناه عليه أوّلًا، وجعلِه على عمومه في ذلك اليوم وبعده بشرط وجود الاستقراض لها؛ إما على الغني وإما على الفقير؛ ليرجع به على الغني، ويكون المستقر في ذمة الغني نفس نفقة القرابة لا المُقترض لأجلها على هذا التقدير الثاني، ويصح الاستثناء. انتهى. وأما الصورة الثانية: فلا حاجة لاستثنائها؛ لأن المقترض يدخل في ملك المقترض عليه أولًا ثم يأخذ من تجب له، ذكره في "المهمات"، وقال السبكي: إن تعبيرهم في هذه الصورة يقتضي أنه بمجرد ذلك يصير دينًا في الذمة، قال: والظاهر أنه لو تأخر الاستقراض بعد إذن القاضي ومضي زمان لم تستقر فيه .. فيجب حمله على أن المراد: أَذِنَ في الاستقراض فاستقرض، وكذا تقدير القاضي؛ فالقاضي يصدر عنه الفرض أو الإذن ثم يحصل الاستقراض بعد ذلك، ولا شك بعد الاستقراض في الثبوت في الذمة، ويحتمل أن يقال بين الإذن والاستقراض: إذا قرب الزمان .. يحكم بأن النفقة صارت دينًا ليقترض عليها؛ لأنه إنما يقترض على من عليه دين، وكذلك بعد الفرض؛ لأن المقصود به الاستقراض، فإذا استقرض عقيبه .. كان الاستقراض عن دين ثابت، وإن تخلل زمان بين ذلك وبين الاستقراض .. سقطت نفقة ذلك الزمان المتخلل فقط، إلا أن تكون الحاجة فيه باقية .. فتضاف إلى الزمان الذي بعد الاستقراض؛ كبعض يوم يستقرض لجميع نفقة ذلك اليوم للحاجة إليها. انتهى. 4491 - قول "التنبيه" [ص 209]: (ومن وجبت نفقته .. وجبت نفقة زوجته) يستثنى منه: زوجة الولد .. فلا تجب نفقتها في الأصح، وادعى في (زكاة الفطر) من "شرح المهذب لما عدم الخلاف فيه، وحكم المستولدة حكم الزوجة، ولو كان للأب زوجتان .. فالأصح: أن على الابن

نفقة إحداهما، يدفعها إليه وهو يوزعها عليهما. قال الإِمام: وليس له أن يحتكم، فيدفع إلى واحدة منهن كما قال العراقيون (¬1). وهل الواجب على الابن نفقة معسر نظرًا إلى حال الأب، أم ننظر إلى حال الابن، أم نعتبر الكفاية؛ لأنها وجبت تبعًا لمن نفقته على الكفاية؟ قال شيخنا الإِمام البلقيني: الظاهر الأول، ويجب على الولد أيضًا كسوة زوجة الأب. قال البغوي: ولا يلزم الأدم ولا نفقة الخادم؛ لأن فقدهما لا يثبت الخيار (¬2)، وقد تقدم الخلاف في الفسخ بالأدم، وقال الرافعي: القياس الوجوب (¬3). 4492 - قوله: (وإن امتنعت - أي: الأم - من إرضاع ولدها .. لم تجبر عليه) (¬4) محله: في غير اللبأ؛ فتجبر على سقي اللّبَأ، وكذا اللبن إن لم يوجد غيرها؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 464]: (وعلبها إرضاع ولدها اللِّبَأ، ثم بعده إن لم يوجد إلا هي أو أجنببة .. وجب إرضاعه) وقد يفهم من ذلك وجوبه عليها بلا أجرة، وليس كذلك، بل لها أجرة إرضاع اللبأ إن كان لمثله أجرة على الصحيح، وأجرة ما بعده إن لم توجد متبرعة؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 545]: (وعلى الأم إرضاع اللبأ ثم إن تعينت بالأجرة إن لم يتبرع غيرٌ). 4493 - قول "الحاوي" [ص 545]: (وله منعها إن وُجِدت أخرى) محله: في زوجته التي في نكاحه، وتبع في ذلك الرافعي (¬5)، وقد استدرك عليه "المنهاج" فقال [ص 464]: (الأصح: ليس له منعها، وصححه الأكثرون)، ولم يحكه في "الروضة" عن الأكثرين، وإنما قال: إنه الأصح، وممن صححه البغوي والروياني في "الحلية"، وبه قطع الدارمي والقاضي أبو الطيب في "المجرد" والمحاملي والفوراني وصاحب "التنبيه" والجرجاني (¬6). قال شيخنا الإِمام البلقيني: وجزم به الخوارزمي في "الكافي"، وأشار إلى ترجيحه أبو الفرج الزاز والماوردي بتصدير كلامه به، وفي نص "الأم" و "المختصر" في مسألة المفقود ما يشير إليه، ثم صحح الماوردي التفصيل، فإن كان سبب المنع الاستمتاع وفي أوقاته .. أجيب، وإلا .. فلا، واستحسنه الروياني في "الكافي". انتهى. وفي "الكفاية" نقل ما صححه الرافعي عن الأكثرين، والظاهر أنه وهم، ويوافق تصحيح ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (15/ 524). (¬2) انظر "التهذيب" (6/ 386). (¬3) انظر "فتح العزيز" (10/ 71). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 210). (¬5) انظر "فتح العزيز" (10/ 73). (¬6) الروضة (9/ 88).

النووي ما صححه الرافعي بعد هذا: أنه ليس له تسليم ولده من أمته إلى مرضعة غيرها للتفريق بينهما، وعبارة "التنبيه" [ص 210]: (لم يمنعها) وهي محتملة للتحريم والكراهة، قال في "المهمات"، وحملها على الكراهة أولى؛ لتصريحه به في "المهذب" (¬1). 4494 - قول "التنبيه" [ص 210]: (وإن طلبت - أي: الأم - الأجرة .. فقد قيل: يجوز استئجارها وقيل: لا يجوز) الأصح: الجواز، ثم إن لم يمنع الإرضاع الاستمتاع ولم ينقصه .. كان لها مع الأجرة النفقة، وإلا .. فلا نفقة، قاله البغوي وغيره (¬2)، قال الرافعي: ويشبه مجئ الخلاف فيمن سافرت بإذنه لحاجتها (¬3). 4495 - قوله: (وقيل: إن كان للأب من ترضعه من غير أجرة .. ففيه قولان، أصحهما: أن الأم" أحق) (¬4) صحح الرافعي والنووي أن له انتز اعه (¬5)، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬6). 4496 - قول "المنهاج" [ص 464]: (والوارثان يستويان أم يوزع بحسبه؟ وجهان) ليس فيهما ترجيح في كلام الرافعي والنووي، لكنهما رجحا فيما إذا اجتمع أبوه وأمه والمحتاج كبير - تفريعاً على التوزيع عليهما -: أنه يجعل أثلاثا بحسب الإرث (¬7)، وكذلك مشى عليه "الحاوي" هنا فقال [ص 545]: (وللتساوي وُزّع) أي: بحسب الإرث ولا يُسوّى، واختاره في "العجاب"، وهذا موضع ثان في "المنهاج" بلا ترجيح (¬8)، وسبق له في موقف الإمام والمأموم فيما يمنع المرور دون الرؤية وجهان بلا ترجيح أيضًا (¬9)، ولا ثالث لهما فيه إلا ما كان مفرعًا على ضعيف. 4497 - قول "التنبيه" [ص 210]: (وإن كان له أم أب وأم أم .. فقد قيل: هما سواء، وقيل: النفقة على أم الأب) الأصح: الأول، وهو ظاهر اعتبار "المنهاج" و"الحاوي" القرب (¬10)، فإنهما مستويان فيه. 4498 - قول "التنبيه" [ص 210]: (وإن كان له ما ينفق على واحد وله أب وأم .. فقد قيل: الأم" أحق، وقيل: الأب أحق) الأصح: الأول، وعليه مشى "الحاوى" فقال [ص 545]: (وفي ¬

_ (¬1) المهذب (2/ 167). (¬2) انظر "التهذيب" (6/ 388). (¬3) انظر "فتح العزيز" (10/ 74). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 210). (¬5) انظر "فتح العزيز" (10/ 75)، و"الروضة" (9/ 89). (¬6) الحاوي (ص 545)، المنهاج (ص 464). (¬7) انظر "فتح العزيز" (10/ 77)، و"الروضة" (9/ 92). (¬8) المنهاج (ص 464). (¬9) المنهاج (ص 123). (¬10) الحاوي (ص 545)، المنهاج (ص 464).

الأخذ يُعكس) وهو مخالف لما ذكر في زكاة الفطر من تقديم الأب، وقد سبق الكلام عليه هناك. 4499 - قول "التنبيه" [ص 210]: (وإن كان له ابن وأب .. فقد قيل: الابن أحق، وقيل: الأب أحق) الأصح في "تصحيح التنبيه" وفي "الروضة" وأصلها في (زكاة الفطر): الثاني (¬1)، وقد يؤخذ ذلك من قول "الحاوي" [ص 545]: (وفي الأخذ يُعكس)، وحكى في "الروضة" وأصلها عن اختيار القفال استواءهما، ولم يحك ترجيحاً بخلافه (¬2)، ومحل الخلاف: في البالغ، فأما في الصغير: فله جزماً. وقال شيخنا الإمام البلقيني: ينبغي إذا كان الابن صغيراً والأب مجنوناً أو زمناً أن يسوى بينهما. 4500 - قول "التنبيه" [ص 210]: (وإن كان له ابن وابن ابن .. فقد قيل: الابن أحق، وقيل: يجعل بينهما) الأصح: الأول، كذا حكى ابن يونس وابن الرفعة لفظ "التنبيه"، وأورد البالسي لفظة: (فالابن أحق، وقيل: يجعل بينهما) فلا يُحتاج إذاً لاستدراك تصحيح؛ ولهذا لم يذكره النووي في " تصححيه ". قال في "التهذيب": فإن كان الأبعد زمناً .. قدم، حكاه عنه الرافعي، وأقره (¬3). وقال الماوردي والروياني: إن كان الأبعد مريضاً أو رضيعاً .. قدم. 4501 - قول "الحاوي" [ص 545]: (وللأم أخذه والإنفاق من مالها لترجع، والاستقراض عليه) يفهم أن لها الرجوع في الإنفاق من مالها وإن لم تشهد على ذلك، وفيه وجهان في "الروضة" وأصلها بلا ترجيح (¬4)، وجزم البارزي في "توضيحه" تبعاً لـ "التعليقة" بوجوب الإشهاد، وهو مقتضى ترجيهم في إنفاق المالك في المساقاة عند هرب العامل، وجزم به "الحاوي" في استقراض القريب غير الأم" فقال بعده [ص 545]: (وللقريب إن عجز عن القاضي إن أشهد). * * * ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (2/ 143). (¬2) فتح العزيز (10/ 83)، الروضة (9/ 95). (¬3) التهذيب (6/ 385)، وانظر "فتح العزيز" (10/ 83). (¬4) فتح العزيز (10/ 72)، الروضة (9/ 87).

باب الحضانة

باب الحضانة 4502 - قول "المنهاج" [ص 464]: (الحضانة: حفظ من لا يستقل وتربيته) و"الحاوي" [ص 546]: (والمحضون من لا يستقل) أي: بأمره؛ لعدم تمييزه، يشمل الطفل والكبير المجنون أو المخبول، فهو أعم من قول "التنبيه" [ص 211]: (إذا تنازع النساء في حضانة الطفل) وفيه شيء آخر، وهو أن ظاهره الانحصار في تنازع النساء، وليس كذلك؛ فقد يقع التنازع بين امرأة ورجل أو بين رجلين. 4503 - قولهم: (قدمت الأم) (¬1) يستثنى منه: ما لو كان للمحضون زوجة كبيرة أو للمحضونة زوج كبير ولأحدهما استمتاع بالآخر .. فالزوجة أو الزوج أولى بالكفالة من جميع الأقارب كما حكاه في "الروضة" وأصلها عن الروياني (¬2)، وسبقه إليه الماوردي (¬3)، وقال في "التوشيح": رأيت بخط الشيخ تاج الدين الفركاح الفتيا بخلافه. ويستثنى منه أيضًا: ما إذا كان المحضون رقيقاً .. فحضانته لسيده، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 546]: (وللسيد بقدر رقه). 4504 - قول "التنبيه" في الأم" وأم الأب وأم الجد [ص 211]: (ثم أمهاتها) أي: المدليات بالإناث كما صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، وقد صرح به "التنبيه" بعد ذلك بقوله [ص 211]: (ولا حق لأم أب الأم). 4505 - قول "التنبيه" [ص 211]: (الأقرب فالأقرب) و"المنهاج" [ص 464]: (يقدم أقربهن) لو قالا كـ "الحاوي" [ص 546]: (القربى فالقربى) .. لكان أولى؛ فإنها تأنيث القريب، كالبعدى والطولى تأنيث الطويل والبعيد. ويستثنى من تقديم الجدات: ما إذا كان للمحضون المجنون بنت .. فلها الحضانة إذا لم يكن له أبوان، حكاه في "الروضة" وأصلها عن ابن كج (¬5). 4506 - قول "المنهاج" [ص 465]: (وتقدم أخت على خالة) أي: على القولين معًا كما صرح به "التنبيه" في حكايتهما (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 211)، و"الحاوي" (ص 546)، و"المنهاج" (ص 464). (¬2) فتح العزيز (10/ 103، 104)، الروضة (9/ 110). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 509). (¬4) الحاوي (ص 546)، المنهاج (ص 464). (¬5) فتح الحزيز (10/ 103)، الروضة (9/ 110). (¬6) التنبيه (ص 211).

4507 - قول "المنهاج" [ص 465]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 546]: (وخالةٌ على بنت أخ وأختٍ، وبنت أخٍ وأخت على عمة) هذا هو المحكي في "الروضة" وأصلها في اجتماع محض الإناث عن الإمام والغزالي والبغوي (¬1)، ورجحه في "الشرح الصغير"، وصحح الروياني: تقديم العمة على بنت الأخ والأخت، وهو مقتضى عبارة "التنبيه" فإنه ذكر العمة بعد الخالة، ولم يفصل بينهما بأحد (¬2). وقال في "الكفاية": هو الأرجح ومقتضى كلام أكثرهم. وقال شيخنا الإمام البلقيني: يشهد له نص الشافعي في "الأم" و"المختصر" فإنه جعل بعد الأخوات من الجهات الثلاث الخالة ثم العمة، وقدم الأصحاب الخالة على بنت الأخ والأخت؛ لنص الشافعي على أن الخالة بعد الأخت، فينبغي تقديم العمة أيضاً؛ لأن الشافعي جعلها بعد الخالة من غير واسطة، وهذا هو الذي يظهر أنه مذهب الشافعي، فتصحيح الروياني صحيح، بل هو الذي ينبغي أن يعتمده المفتي على مذهب الشافعي. انتهى (¬3). وخالف الأمرين معا في "الروضة" في اجتماع الذكور والإناث، فقال هناك: ثم بعد الإخوة بنات الأخوات ثم بنو الإخوة، وتقدم بنت الأخ على ابن الأخت اعتبارًا بمن تحضن لا بمن تدلي به، فإن فقدوا كلهم .. فالحضانة للخؤولة ثم العمومة، وحكاه الرافعي عن تصحيح الروياني (¬4). وقال في "المهمات": اعتمد على الموضع الأول، وقال البارزي: الصواب: الأول، وكلام الرافعي آخراً مؤول. وقال شيخنا الإمام البلقيني: عندي له جواب، وهو: أن محله: فيما إذا اجتمع ابن الأخ وبنت الأخت مع الخالة وفرعنا على أن العصبات مقدمون على من عدا الأصول؛ فابن الأخ مسقط للخالة وأخته تحجبه في الحضانة فقدمت على الخالة حينئذ على الأصح، قال: على أن الذي أعتقده تقديم الخالة على بنت الأخت، وهو الذي جرى عليه "الحاوي". 4508 - قول "المنهاج" [ص 465]: (والأصح: تقديم أخت من أب على أخت من أم) عبر في "الروضة" بالصحيح المنصوص (¬5)، وكذا في "التنبيه" [ص 211]: (إنه المنصوص). 4509 - قول "المنهاج" [ص 465]: (وخالة وعمة لأب عليهما لأم) قال شيخنا ابن النقيب: ¬

_ (¬1) فتح العزيز (10/ 101)، الروضة (9/ 108)، وانظر "نهاية المطلب" (15/ 559)، و"الوجيز" (2/ 123)، و"التهذيب" (6/ 398). (¬2) التنبيه (ص 211). (¬3) الأم (5/ 92)، مختصر المزني (ص 235). (¬4) الروضة (9/ 113)، وانظر "فتح العزيز" (10/ 108). (¬5) الروضة (9/ 109).

كذا في "المحرر"، وأُصْلِحَت إليه في أصل المصنف، ويوجد في النسخ عكسه (¬1)، وكأنها كتبت من الأصل قبل الإصلاح، وعبارة "الروضة" و"الشرحين": إن قدمنا الأخت للأم .. فكذا هنا، وإن قدمنا الأخت للأب .. فأصح الوجهين هنا: تقديم التي هي لأب، وقيل: التي لأم، وقيل: لا حضانة لخالة لأب ألبتة (¬2). 4510 - قوله: (وسقوط كل جدة لا ترث) (¬3) عطفه على ما عبر فيه بالأصح، وعبر في "الروضة" بالصحيح المنصوص (¬4)، وفي معناها: كل أنثى تدلي بذكر لا يرث؛ كبنت العم للأم وبنت ابن البنت، كذا في "الروضة" وأصلها، لكنهما صححا بعد ذلك: استحقاق بنت الخال الحضانة (¬5)، ولا يستقيم مع ما تقدم؛ لإدلائها بذكر غير وارث. 4511 - قول "التنبيه" [ص 211]: (وأما الإخوة وبنوهم والأعمام وبنوهم .. فإنهم كالأب والجد في الحضانة، يقدم الأقرب منهم فالأقرب على ترتيب الميراث للعصبات) فيه أمور: أحدها: يستثنى من بني الإخوة: ابن الأخ للأم، ومن الأعمام وبنيهم: العم للأم وابنه، فلا حق لهم في الحضانة؛ ولهذا قال"الحاوي" [ص 546]: (ثم ولد ولد الأبوين، ثم الأب، ثم بنات ولد الأم) فلم يجعل لبني ولد الأم حضانة، لكن دخل في عبارته ابن الأخت منهما، ولا حضانة له، وقد استدركه البارزي عليه، ثم قال: (ثم ولد الجد لأبوين ثم لأب ثم العمة لأم)، ولم يجعل للعم للأم ولا لبنيه حضانة، و"المنهاج" [ص 465]: (وتثبت لكل ذكرٍ مَحْرَمٍ وارث على ترتيب الأرث، وكذا غير محرم؛ كابن عم على الصحيح) فاعتبر في حضانة الذكور الإرث، وهؤلاء غير وارثين، ثم قال: (فإن فُقد الإرث والمحرمية أو الإرث .. فلا في الأصح) (¬6). وعبارة "الروضة" في الأولى طريقان: المذهب: لا حضانة، وقيل: وجهان (¬7)، فلا يحسن التعبير فيها بالأصح. ثانيها: قال في "الكفاية": إن أُجْرِيَ على ظاهره .. لزم منه عند اجتماع الرجال والنساء أن يُقَدَّموا بعد الآباء والأمهات على جميع النساء من الأخوات والخالات والعمات ومن يُدلى بهن من ¬

_ (¬1) أي في النسخ: (وخالة وعمة لأم عليهما لأب) وقد أصلحت في أصل المصنف إلى (وخالة وعمة لأب عليهما لأم). (¬2) السراج على نكت المنهاج (7/ 132، 133)، وانظر "المحرر" (ص 383)، و "فتح العزيز" (10/ 102)، و"الروضة" (9/ 109). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 465). (¬4) الروضة (9/ 109). (¬5) فتح العزيز (10/ 103)، الروضة (9/ 109، 110). (¬6) المنهاج (ص 465). (¬7) الروضة (9/ 111).

بناتهن، وهو وجه حكاه جماعة، والأصح: خلافه، وإن حمل على أصل الحضانة دون المنزلة .. كان ذلك مع ظاهر ما قدمه من قوله: (ثم الأخوات ثم الخالة ثم العمة) على ظاهر النص يقتضي أنه لا يتقدم أحد على الأخوات بعد الخالة، وهو وجه حكاه في "المهذب" (¬1)، وصحح الماوردي والروياني: استحقاق الأقرب فالأقرب حتى تقدم بنات الإخوة والأخوات على الخالات والعمات (¬2). قلت: وعليه مشى "المنهاج" بقوله [ص 465]: (فالأصح: الأقرب) و"الحاوي" بتقديم ولد ولد الأبوين على ولد الجد كما تقدم (¬3)، لكن يشكل عليه أن الرافعي حكى أن القولين - يعني: القديم والجديد - متفقان على تقديم جنس الأخوات على الخالات، وعلى أن الخالات يتقدمن على بنات الأخوات وبنات الأخوة والعمات (¬4)، فكيف يمكن أن يجعل هذا أصح مع مخالفته للقديم والجديد؟ ! ثالثها: أنه أطلق الحضانة لابن العم، وكذا أطلقه "الحاوي" (¬5)، وقال في "المنهاج" [ص 465]: (ولا تُسلِّم إليه مشتهاةٌ بل إلى ثقة يعيّنها). قال في "أصل الروضة": فإن كانت له بنت .. سُلِّمت إليه (¬6). قال في "المهمات": ولا بد من كونها ثقة كالأجنبية، وهو مقتضى "المحرر" و"المنهاج" أي: لإطلاقهما تسليمها إلى ثقة فدخلت فيه البنت (¬7). قلت: الظاهر أنه لا يحتاج إلى تقييد البنت بكونها ثقة؛ فغيرتها على قريبتها وأبيها تغني عن ذلك، ولا نُسلم دخول البنت في عبارة "المنهاج" فلم يرد بالثقة إلا أجنبية، وحكمهما مختلف؛ لأنها تسلم إلى الأجنبية الثقة، وتسلم إلى الأب عند وجود بنت له بأيّ صفة كانت فيما يظهر، وصوب في "المهمات" أن الثقة هي التي تتسلمها بإذنه، قال: فإن كانت مميزة غير بالغة .. فهو الذي يتسلم. قلت: لا يقال في غير البالغة: إنها ثقة، وهذا يقوي ما ذكرناه من تسليمها إليه مع وجود بنت له ولو كانت غير ثقة، والله أعلم. ¬

_ (¬1) المهذب (2/ 170). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 518). (¬3) الحاوي (ص 546). (¬4) انظر "فتح العزيز" (10/ 102، 103). (¬5) الحاوي (ص 546). (¬6) الروضة (9/ 111). (¬7) المحرر (ص 383).

4512 - قول "التنبيه" [ص 211]: (وقيل: تقدم الأخت للأب والأم ثم الأخت للأم ثم الخالة على الأب، وهو الأظهر) الأصح: تقديمه عليهن، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي"، وقال في "التنبيه" أوّلاً [ص 211]: (إنه ظاهر النص)، وعبارة"المنهاج" في هذا الوجه [ص 465]: (الأخت من الأم) ولا معنى لهذا التقييد؛ فالأخت الشقيقة أولى بذلك، وطرد أيضًا في الأخت للأب، ولم يذكرها "التنبيه" كما تقدم. 4513 - قول "الحاوي" [ص 546]: (شرط الحاضن: الحرية) أحسن من قول "التنبيه" [ص 211] و "المنهاج" [ص 465]: (لا حضانة لرقيق) لدلالته على نفي الحضانة عن المبعض؛ لأنه ليس حرًّا، بخلاف عبارتهما؛ فإنه ليس رقيقًا؛ وكان مرادهما: من فيه رق، وحضانة المبعض لقريبه ومالك بعضه، فإن اتفقا بمهايأة أو استئجار حاضنة أو رضي أحدهما بالآخر، وإلا .. استأجر الحاكم عليهما. ويندرج في عبارتهم: المدبر والمكاتب والمستولدة ولو على ولدها من سيدها في الأصح. ويستثنى من ذلك: ما لو أسلمت أم ولد كافر .. فإن ولدها يتبعها، وحضانته لها ما لم تتزوج كما حكاه الرافعي في (أمهات الأولاد) عن أبي إسحاق المروزي، ولم يذكر ما يخالفه (¬1). قال في "المهمات": وكان المعنى فيه: فراغها؛ لمنع السيد من قربانها مع وفور شفقتها. 4514 - قول "الحاوي" [ص 546]: (شرط الحاضن: العقل) و"المنهاج" [ص 465]: (لا حضانة لمجنون) يتناول متقطع الجنون، وهو كذلك، إلا أن يندر ويقل زمنه؛ كيوم في سنين. 4515 - قولهما: (وفاسق) (¬2) يفهم أنه لا يشترط تحقق العدالة الباطنة، بل يكتفى بالستر - وهو العدالة الظاهرة - حتى يتبين الفسق، وبه صرح الماوردي والروياني (¬3)، ويوافقه كلام النووي في "زيادة الروضة" في (الحجر)، فإنه حكى وجهين في احتياج الحاكم إلى ثبوت عدالة الأب والجد؛ لثبوت ولايتهما، وقال: ينبغي أن يكون الراجح: الاكتفاء بالعدالة الظاهرة (¬4). قال في "المهمات": فإذا اكتفى بذلك في المال .. فالحضانة أولى؛ لأن احتراز الأب على ذات الطفل أشد من احترازه على ماله بالاستقراء. انتهى. واشتراط "الحاوي" الأمانة يقتضي أنه لا بد من ثبوتها (¬5)، وبه صرح النووي في "فتاويه" ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 591). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 211)، و"المنهاج" (ص 465). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 503، 504). (¬4) الروضة (4/ 187). (¬5) الحاوي (ص 546).

فقال: إنه لا بد من ثبوت أهلية الأم للحضانة عند القاضي إذا نازعها الأب أو غيره من المستحقين، وسبقه إليه البغوي فقال: لا يقبل قولها في الأهلية إلا ببينة، ورده في "المهمات" (¬1). وعبارة "أصل الروضة": يشترط كونها أمينة، لكنه عقبه بقوله: فلا حضانة لفاسقة (¬2)، وقال في "التوشيح": سُئلت عن كلام الماوردي والنووي، وأفتيت: بأنهما إن تنازعا في الأهلية بعد تسلمها الولد .. فلا ينزع من يدها، ويقبل قولها في الأهلية، وإن كان قبل .. لم يسلم إليها إلا بعد الثبوت. 4516 - قولهم: (إنه لا حضانة لكافر على مسلم) (¬3) يقتضي أن للمسلم حضانة الكافر، وهو كذلك على الصحيح. قال شيخنا الإمام البلقيني: وقد يستشكل: بأنه لا يثبت للمسلم ولاية النكاح على قريبته الكافرة، قال: ولعل الجواب: أن القصد بالولي في النكاح طلب الكفء وعدم دخول العار، وكفرها قاطع لذلك، وهنا المقصود به الشفقة على الصغير والمجنون، وفيه نظر. انتهى. 4517 - قول "التنبيه" [ص 212]: (ولا حق للمرأة إذا نكحت حتى تطلق، إلا أن يكون الزوج جد الطفل) فيه أمور: أحدها: يستثنى من سقوط الحضانة بالنكاح: ما لو خالع زوجته بالف وحضانة الصغير سنة، فتزوجت في أثناء السنة .. فليس له انتزاعه منها؛ لأن الإجارة عقد لازم، حكاه في "الروضة" وأصلها في آخر (الخلع) عن "فتاوى القاضي حسين" (¬4)، وهو واضح، وليس الاستحقاق هنا بالقرابة، بل بالإجارة، ويرد ذلك على إطلاق "المنهاج" و"الحاوي" أيضًا. ثانيها: بقاء الحضانة فيما إذا كان الزوج جد الطفل في "أصل الروضة" عن نص الشافعي، وعلله: بانه ولي تام الشفقة قائم مقام الأب (¬5)، ومنه يؤخذ أن محله: في أب الأب، فلو كان أبا الأم .. بطل حقها، وبه صرح النووي في "فتاويه" و"تحريره" (¬6). قال في "الكفاية": وهو الذي يظهر من كلام الأئمة؛ لتصويرهم المسألة: بأن يتزوج رجل بامرأة ويتزوج ابنه بابنتها من غيره، ثم يجيء لابنه ولد منها، ثم تموت الأم أو يقوم بها مانع من ¬

_ (¬1) فتاوي النووي (ص 155). (¬2) الروضة (9/ 100). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 211)، و"الحاوي" (ص 546)، و"المنهاج" (ص 465). (¬4) فتح العزيز (8/ 476)، الروضة (7/ 437). (¬5) الروضة (9/ 100). (¬6) فتاوى النووي (ص 155)، تحرير ألفاظ التنبيه (ص 291).

الحضانة .. فتنتقل إلى أم الأم وهي زوجة الجد، قال: وفي الجيلي حكاية عن "البحر" و"الحلية" أنه لا فرق بن الجدين. قال شيخنا ابن النقيب: وكلام القاضي حسين يفهمه أيضاً (¬1). وقال شيخنا الإسنوي في "تنقيحه": وقد رأيت "الحلية" للروياني فلم أجد ما قاله مذكوراً فيها، بل فيها كما في "التنبيه" وغيره. وقال شيخنا الإمام البلقيني بعد نقله ما تقدم عن "فتاوى النووي": وهو مقتضى كلام الأئمة، وخالف في ذلك الجرجاني في "التحرير" فذهب إلى استحقاقها الحضانة إذا كانت منكوحة جد الطفل لأمه (¬2). ثالثها: لا يختص ذلك بجد الطفل، بل كل من له مدخل في حضانته كذلك؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 546]: (وإن نكحت - لا من له حق الحضانة - .. بطل الحق) وعبارة "المنهاج" [ص 465]: (وناكحة غير أبي الطفل إلا عمه وابن عمه وابن أخيه في الأصح) وكأنه أراد: الأب وإن علا؛ ليدخل فيه الجد، والمراد: أب الأب كما تقدم. قال شيخنا ابن النقيب: وإنما يتصور تزوجها بابن أخيه في غير الأم وأمهاتها: بأن تتزوج أخته لأمه بابن أخيه لأبيه؛ فإن الأصح: أن أخته لأمه مقدمة على الأخ للأب، وهذه ليست في "الروضة"، لكن ضابطه يشملها، وهو قوله: (بأن تنكح قريبًا للطفل له حق الحضانة) (¬3). ويرد على حصر "المنهاج": ما إذا تزوجت أخته لأمه بأخيه لأبيه (¬4). رابعها: يرد على الثلاثة: أن محل بقاء الحضانة حيث نكحت من له حضانة: إذا رضي من نكحته بحضانتها، وله الامتناع من ذلك. خامسها: محل سقوطها فيما إذا نكحت من لا حضانة له: إذا لم يرض الأب بذلك، فإن رضي به .. بقي حق الأم كما نقله الرافعي عن "التهذيب" (¬5)، وصححه في "الكفاية". 4518 - قول "المنهاج" [ص 465]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 546]: (وإن كان رضيعاً .. اشتُرِط أن ترضعه على الصحيح) قال شيخنا الإمام البلقيني: المراد: إذا كانت ذات لبن كما صرح به في "المحرر" (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (7/ 137). (¬2) التحرير (2/ 202). (¬3) الروضة (9/ 100). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (7/ 137). (¬5) التهذيب (6/ 394)، وانظر "فتح العزيز" (10/ 107). (¬6) المحرر (ص 383).

تنبيه [موانع الحضانة]

وحاصله أنه إن لم يكن لها لبن .. فلا خلاف في استحقاقها، وإن كان لها لبن وامتنعت .. فالصحيح: أنه لا حضانة لها، قال: وإذا رضيت بإرضاعه بأجرة ووجد الأب متبرعة .. فالحكم على جواب الأكثرين: أنه لا حضانة للأم في هذه الحالة؛ لأن للوالد الانتزاع. تنبيه [موانع الحضانة] ذكر الثلاثة من موانع الحضانة: الرق، والفسق، والكفر على المسلم، ونكاح من لا حق له في الحضانة، وزاد "المنهاج" و"الحاوي": الجنون، والامتناع من إرضاع الرضيع (¬1). وبقي عليهم جميعاً: المرض الذي لا يُرجى زواله؛ كالسل والفالج إن شغله أَلَمُهُ عن كفالته وتدبير أمره، فإن أثر عسر الحركة والتصرف .. أسقط الحضانة أيضًا فيمن يباشر بنفسه دون من يشير ويباشر غيره، وكذلك العمى كما صرح به عبد الملك بن إبراهيم المقدسي الهمداني من أئمة أصحابنا ومن أقران ابن الصباغ، وفي كلام الإمام إيماء إليه؛ حيث قال: إنها مراقبة على اللحظات (¬2)، لكن ذهب في "المهمات" إلى ثبوت الحضانة للعمياء؛ فإنه لا يلزمها تعاطيها بنفسها، بل لها الاستنابة فيها، وقد صرحوا بأنه يجوز استئجار أعمى للحفظ إجارة ذمة لا إجارة عين. وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم يذكروا المستأجرة ولا الموصى بمنفعتها إذا عتقت، وفيهما بحث. 4519 - قول "المنهاج" [ص 466]: (فإن كَمُلَت ناقصةٌ أو طلقت منكوحةٌ .. حضنت) شرطه في الطلاق: رضا الزوج بدخوله بيته إن كان البيت له، بخلاف رضاه في صلب النكاح؛ فإنه يشوش الاستمتاع؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 546]: (وله منع دخوله داره) قال شيخنا الإمام البلقيني: فلو وطئت بشبهة أو كانت محرمة أو مظاهراً منها قبل التكفير .. ففيه تفصيل ذكرته في " ذكر المستند في تخيير الولد ". 4520 - قول "المنهاج" [ص 466]: (وإن غابت الأم أو امتنعت .. فللجدة على الصحيح) مثال، ولا يختص الحكم به، فمتى امتنع الأقرب .. كانت لمن يليه لا للسلطان على الصحيح. 4521 - قول "التنبيه" [ص 211]: (وإذا بلغ الصبي سبع سنين وهو يعقل .. خير بين الأبوين) فيه أمور: ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 211)، الحاوي (ص 546)، المنهاج (ص 465). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (15/ 555).

أحدها: أنه أراد بالصبي: الذكر والأنثى؛ بدليل: أنه قسمه بعد ذلك إلى ابن وبنت، وقد صرح ابن حزم الظاهري بتناوله لهما (¬1)، وإن اشتهر خلافه، وعبر "المنهاج" و"الحاوي" بـ (المميز) وأدخلا فيه الذكر والأنثى أيضًا (¬2). ثانيها: أنه اعتبر بلوغه سبعاً بشرط العقل، وعلقه "المنهاج" و"الحاوي" بالتمييز (¬3)، وقال الأصحاب: إن سن التمييز غالباً سبع أو ثمان تقريبا، وقد يتقدم على السبع وقد يتأخر عن الثمان، ومدار الحكم التمييز لا سنه. ثالثها: لا يخفى أن شرطه: أن يكونا بصفات الحضانة ويتنازعا؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 466]: (فإن كان في أحدهما جنون أو كفر أو رق أو فسق أو نكحت .. فالحق للآخر). رابعها: قال في "الكفاية": يعتبر أيضاً أن يكون عارفاً باسباب الاختيار، وإلا .. أُخِّر إلى حصول ذلك، وهو موكول إلى اجتهاد القاضي. خامسها: المراد بالأبوين: الأب والأم وإن علوا؛ بدليل قوله بعده: (فإن لم يكن له أب ولاجد وله عصبة غيرهما .. خير بين الأم وبينهم على ظاهر المذهب) (¬4) وهو أعم من اقتصار"المنهاج" على الأخ والعم، لكنه زاد: التخيير بين الأب والأخت أو الخالة في الأصح (¬5). ووقع في "الروضة" أن هذا إذا قدمناهما عليه، والذي في الرافعي: إذا قدمناه عليهما (¬6)، وهو الصواب، وإلا .. يكون تفريعًا على ضعيف؛ فإن الأصح: تقديمه عليهما، وليس في قول "الحاوي" [ص 546]: (ومُختار المميز) إفصاح عن المخير بينهما. 4522 - قول "المنهاج" [ص 466]: (وإن اختار أحدهما ثم الآخر .. حُوِّل إليه) زاد "التنبيه" [ص 211]: (فإن عاد واختار الأول .. أعيد إليه) قال في "الروضة" وأصلها: فإن أكثر التنقل بحيث يظن أن سببه قلة تمييزه .. جعل عند الأم كما قبل التمييز، وكذا لو بلغ وهو على نقصانه وجهله. انتهى (¬7). وخالف الإمام وقال: لا وجه إلا إتباعه؛ فإن ذلك لا ينكر في حال الصبي (¬8)، وكذا الماوردي ¬

_ (¬1) انظر "المحلى" (1/ 88). (¬2) الحاوي (ص 546)، المنهاج (ص 466). (¬3) الحاوي (ص 546)، المنهاج (ص 466). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 211). (¬5) المنهاج (ص 466). (¬6) فتح العزيز (10/ 96)، الروضة (9/ 104). (¬7) فتح العزيز (10/ 96)، الروضة (9/ 104). (¬8) انظر "نهاية المطلب" (15/ 547).

فقال: وعلى هذا أبداً كلما اختار واحداً بعد واحد .. حُوِّل إليه (¬1). 4523 - قول "التنبيه" [ص 212]: (وإن أراد الأب أو الجد الخروج إلى مسافة تقصر فيها الصلاة بنية المقام والطريق آمن وأرادت الأم المقام .. كان الأب والجد أحق به والعصبة من بعده) فيه أمور: أحدها: أن قوله: (إلى مسافة) يشمل البلد وغيرها، وأورد في "الكفاية" لفظ "التنبيه": (إلى بلد) وقال: احترز به عن الانتقال إلى بادية؛ فالأم أحق به، وأطلق "المنهاج" ودا الحاوي" النقلة، لكن عبر "المنهاج" بعده بالبلد المقصود (¬2). ثانيها: اعتبار مسافة القصر جواب الشيخ أبي حامد والقفال والماوردي، وأفتى به ابن الصلاح (¬3)، لكن ضعفه "المنهاج" (¬4)، ورجح أن السفر القصير في ذلك كالطويل؛ ولهذا أطلق "الحاوي" النقلة (¬5). وقال شيخنا الإمام البلقيني: الفتوى به أحق، والمعنى يساعده، وهو أنه يحصل فوات النسب بالقريب كالبعيد. ثالثها: يعتبر أمن البلد المقصود أيضًا كما صرح به "المنهاج" ولعله مأخوذ من باب أولى، ولم يذكر "الحاوي" الأمن في الطريق ولا المقصد؛ وكأنه أهمله لوضوحه. رابعها: لا يختص ذلك بسفر الأب، بل لو أرادت الأم سفر النقلة .. كان مع الأب أيضاً؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 466]: (ولو أراد أحدهما سفر نُقلةٍ .. فالأب أولى) و"الحاوي" [ص 546]: (إن سافرت، أو هو لنُقلةٍ). خامسها: أنه أطلق العصبة، وقال "المنهاج" [ص 466]: (ومحارم العصبة في هذا كالأب، وكذا ابن عمٍّ لذكرٍ، ولا يُعطَى أنثى، فإن رافقته بنته .. سُلِّم إليها)، وما ذكره من التسليم لبنته حكاه في "أصل الروضة" عن "الشامل" (¬6)، وقريب منه ما تقدم عن "الروضة" فيما إذا كانت الحضانة لابن العم: أنه إن كانت له بنت .. سلمت إليه (¬7). ومحل كونه لا يعطى أنثى: إذا بلغت حد الشهوة كما حكاه في "أصل الروضة" عن "التتمة" (¬8)، ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 509). (¬2) الحاوي (ص 546)، المنهاج (ص 466). (¬3) انظرا الحاوي الكبير" (11/ 504)، و"فتاوى ابن الصلاح" (2/ 692) مسألة (1062). (¬4) المنهاج (ص 466). (¬5) الحاوي (ص 546). (¬6) الروضة (9/ 107). (¬7) الروضة (9/ 111). (¬8) الروضة (ص 9/ 111).

ويوافقه قول "المنهاج" فيما تقدم [ص 465]: (ولا تسلم إليه مشتهاة)، ولم يذكر "الحاوي" انتزاع العصبة عند النقلة. سادسها: يستثنى من انتزاع العصبة: ما لو أراد الأخ النقلة وهناك ابن أخ أو عم مقيمان .. فليس للأخ انتزاعه من الأم، بخلاف الأب والجد؛ لكمال عنايتهما، حكاه في "الروضة" وأصلها عن المتولي (¬1)، ويخالفه قول الماوردي: أنه إذا انتقل أقارب عصبته وأقام أباعِدُهم .. فالمنتقلون أولى به (¬2). وقال شيخنا الإمام البلقيني: وهو الأصح، ويشهد له ظاهر نص "الأم" و"المختصر" (¬3)، وهو مقتضى إطلاق الأصحاب، وما تقدم عن المتولي من مفرداته التي هي غير معمول بها. 4524 - قول "التنبيه" [ص 212]: (وإذا بلغ الغلام .. ولي اْمر نفسه) له شرطان: أحدهما: أن يكون رشيداً، فلو كان غير رشيد .. فأطلق جماعة أنه كالصبي، وقال ابن كج: إن لم يحسن تدبير نفسه .. فالأمر كذلك، وإن كان إخلال الرشد لعدم صلاح الدين .. فالصحيح: أنه يسكن حيث شاء، وقيل: تدام حضانته إلى ارتفاع الحجر عنه، قال الرافعي: وهذا التفصيل حسن (¬4)، واستشكله ابن الرفعة: بأن السفه إذا كان في الدين .. فالعار اللاحق بسببه أشدُّ، واعتناء الشارع بدفعه أتم، فإذا كان لهما المنع من الانفراد بسبب تدبير (¬5) المال .. فلصيانة الدين أولى. ثانيهما: ألَّا يكون أمرد يخاف من انفراده فتنة وتنقدح تهمة، فإن كان كذلك .. منع من مفارقة الأبوين، حكاه في "العُدة" عن الأصحاب، قال في "الروضة": والجد كالأبوين في حق الأمرد، وكذا ينبغي أن يكون الأخ والعم ونحوهما؛ لاشتراك الجميع في المعنى (¬6). 4525 - قول "التنبيه" [ص 212]: (وإن بلغت الجارية .. كانت عند أحدهما حتى تتزوج) أي: وتُزف إلى الزوج، وفيه بعد ذلك أمور: أحدها: أن محل ذلك: في البكر كما قيده به "الحاوي" (¬7)، أما الثيب: فتسكن حيث شاءت، إلا مع التهمة والريبة .. فللعصبات منعها من الانفراد، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 546]: (وعلى الثيب عند التهمة للعصبة)، وقد يفهم التقييد بالبكارة من قول "التنبيه": (حتى تتزوج). ¬

_ (¬1) فتح العزيز (10/ 99)، الروضة (9/ 107). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 523). (¬3) الأم (5/ 93)، مختصر المزني (ص 235). (¬4) انظر "فتح العزيز" (10/ 93). (¬5) في (د): (تبذير). (¬6) الروضة (9/ 103). (¬7) الحاوي (ص 546).

ثانيها: قوله: (عند أحدهما) أي: الأب والأم إن افترقا، وتختار من شاءت منهما، فإن اجتمعا .. فعندهما، وعبارة "الحاوي" [ص 546]: (وعلى البكر ولاية الإسكان للأب والجد) فلم يذكر الأم، ومقتضاهما: عدم تعدي ذلك للأخ والعم، وفيه وجهان حكاهما البغوي، وقال النووي: أرجحهما: ثبوتها (¬1). ثالثها: ظاهره وجوب ذلك؛ فإن لفظه خبر ومعناه الأمر، وأصرح منه في ذلك عبارة "الحاوي" المتقدمة، وهو الذي صححه ابن كج والإمام والغزالي (¬2)، وذهب العراقيون إلى عدم الوجوب، وإنما تكره لها المفارقة. قال في "المهمات": وعليه الفتوى؛ فقد نقله الماوردي عن نص الشافعي فقال: وأكره للجارية أن تعتزل أبويها حتى تتزوج؛ لئلا تُسبقَ إليها ظنة ولا تتوجه إليها تهمة وإن لم تجبر على المقام معهما (¬3). 4526 - قول "التنبيه" [ص 212]: (ومن بلغ منهما معتوهاً .. كان عند الأم) محله: ما إذا لم يكن له زوج أو زوجة، فإن كان .. فهو أحق بكفالته كما حكاه الماوردي (¬4). * * * ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (6/ 396)، و"الروضة" (9/ 102). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (15/ 547)، و"الوجيز" (2/ 123). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 511). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 509).

باب نفقة الرقيق والبهائم

باب نفقة الرقيق والبهائم 4527 - قول "التنبيه" [ص 210]: (ومن ملك عبداً أو أمة .. لزمه نفقتهما وكسوتهما) أي: بقدر الكفاية من غير تقدير؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 467]: (عليه كفاية رقيقه نفقة وكسوة) ويرد عليهما: بقية المؤن، ومن ذلك: ماء الطهارة .. فالأصح: وجوبه له، وفي كلام القاضي حسين والبغوي: عدم وجوبه في السفر. قال شيخنا الإمام البلقيني: وهذا يقتضي أن الخلاف إنما هو في السفر، أما في الحضر .. فيلزمه قطعًا؛ لئلا يبقى القضاء لازمًا للعبد، وهذا مما لا بد منه، وعبارة "الحاوي" [ص 547]: (ويجب للرقيق قدر الكفاية بالعادة) فلم يقيد ذلك بالنفقة والكسوة، وهو أحسن. ويرد على إطلاقهم: المكاتب .. فلا تجب نفقته؛ لاستقلاله ولو كانت كتابته فاسدة، وقد يفهم ذلك من كون "المنهاج" فصل فقال [ص 467]: (ومدبراً ومستولدة) ولم يذكر المكاتب. ويستثنى من إطلاقهم أيضًا: الأمة المزوجة حيث أوجبنا لها النفقة، أو أعسر الزوج ولم تفسخ ومنعنا السيد من الفسخ، ويندرج في عبارتهم: الآبق، وهو المذهب. 4528 - قول "التنبيه" [ص 210]: (فإن كانت الأمة للتسري .. فضلت على أمة الخدمة في الكسوة) فيه أمور: أحدها: أن مقتضاه: اختصاص التفضيل بأمة التسري، وكذا في "الوجيز" و"البيان" وغيرهما (¬1)، ومال إليه في "المهمات"، لكن قال الرافعي: لفظ الشافعي وعامة الأصحاب: أن ذات الجمال والفراهة تفضل، ولم يفرقوا بين السرية وغيرها، بل صرح صاحب "التهذيب" بنفي الفرق (¬2). وقال في "التوشيح": لا ينبغي أن يفهم منه التقييد بمن يُتسرى بها، بل الصالحة لذلك، وهي كلل جميلة يُتسرى بمثلها في العادة، ويوضح أن ذلك مراده قول المحاملي في "المقنع": من تتخذ منهن للتسري والاستمتاع .. تكون كسوتها أرفع حالاً من التي تتخذ للخدمة، فقوله: (تتخذ) في الموضعين ظاهر في أن مثلها يتخذ لذلك. انتهى. ثانيها: أن التفضيل لا يختص بالكسوة؛ فالطعام كذلك كما جزم به الرافعي والنووي (¬3)، ومال (¬4) في "المهمات" و"التوشيح" إلى الاختصاص كما قيد به "التنبيه" و"الوجيز". ¬

_ (¬1) الوجيز (2/ 124)، البيان (11/ 270). (¬2) فتح العزيز (10/ 112)، وانظر "التهذيب" (6/ 402). (¬3) انظر "فتح العزيز" (10/ 112)، و"الروضة" (9/ 116). (¬4) في النسخ: (وقال)، ولعل الصواب ما أثبت.

وقال في "المهمات": صرح به في "النهاية" و"المهذب" و"البيان"، وزاد فقال: كما لا يستحب تفضيلها بالطعام (¬1). وقال في "التوشيح": هو ظاهر إيراد المحاملي وغيره. وقال ابن الرفعة: فيما ذكره الرافعي نظر؛ لأن جنسه غالب قوت البلد، فكيف يطرقه التفضيل؛ قال: نعم يجوز أن يقال: إذا كان الغالب الأدون .. أعطي من الأعلى. ثالثها: أنه يقتضي وجوب التفضيل، وكذا في "الوجيز" (¬2)، وصرح به الإمام نقلاً عن الأصحاب (¬3)، وهو ظاهر إيراد المحاملي، ومال إليه في "المهمات"، لكن المجزوم به في "أصل الروضة" الاستحباب، وقال الرافعي: لفظ الوجوب لم يستعمله أكثر الأئمة (¬4). 4529 - قول "الحاوي" [ص 547]: (والخشن في الكسوة) محمول على أن الغالب في جنس كسوتهم ذلك، فلو اعتيد لهم الناعم .. وجب؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 467]: (من غالب قوت رقيق البلد وأدمهم وكسوتهم) وُيراعى فيه حال السيد أيضاً من يسار وإعسار، فلو أكل السيد أو لبس دون المعتاد بخلاً أو رياضة .. لزمه للرقيق رعاية الغالب على الصحيح. 4530 - قول "المنهاج" [ص 467]: (وبسن أن يناوله مما يتنعم به من طعامٍ وأدمٍ وكسوة) قال في "المحرر": (سيما إذا عالج الطعام وولي الطبخ) (¬5)، وفي "التنبيه" [ص 210]: (ويستحب أن يجلس الغلام الذي يلي طعامه معه، فإن لم يفعل .. أطعمه منه)، فجعل إجلاسه معه مقدما على مناولته، وعبارة "الحاوي" [ص 547]: (والأولى أن يجلسه معه للأكل، أو يروّغ له لقمة) فسوّى بينهما، والمراد: لقمة كبيرة تسد مسداً، لا صغيرة تهيج الشهوة ولا تقضي النهمة. قال الرافعي: وأشار الشافعي في ذلك إلى ثلاث احتمالات: أحدها: أنه يجب الترويغ والمناولة، فإن أجلسه معه .. فهو أفضل. وثانيها: أن الواجب أحدهما، لا بعينه، وأصحهما: أنه لا يجب واحد منهما، ومنهم من نفى الخلاف في الوجوب، وذكر قولين في أن الإجلاس أفضل أو هما متساويان؛ ، والظاهر الأول؛ ليتناول القدر الذي يشتهيه (¬6). وفي "المهمات" أن الشافعي رجح الأول فقال: إنه أولى بمعنى الحديث. ¬

_ (¬1) نهاية المطلب (15/ 570)، المهذب (2/ 168)، البيان (11/ 270). (¬2) الوجيز (2/ 124). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (15/ 570). (¬4) فتح العزيز (10/ 112)، الروضة (9/ 116). (¬5) المحرر (ص 385). (¬6) انظر "فتح العزيز" (10/ 111، 112).

4531 - قول "المنهاج" [ص 467]: (ويبيع القاضي فيها ماله) ليس المراد: بيع جميع ماله في الحال، وفي كيفيته وجهان: أحدهما: يبيع شيئا فشيئا. والثاني: يستدين عليه، فإذا اجتمع شيء صالح .. باع وهو الأصح، فإن لم يمكن بيع بعضه .. باع جميعه، قاله الماوردي (¬1). 4532 - قوله: (فإن فُقد المال .. أمره ببيعه أو إعتاقه) (¬2) يأمره قبل ذلك بإجارته، وقول "الحاوي" [ص 547]: (فإن امتنع .. بيع عليه أو أوجر) يقتضي التسوية بينهما، وليس كذلك؛ ولهذا قال "التنبيه" [ص 210]: (أكري عليه إن أمكن إكراؤه، وإن لم يمكن .. بيع عليه). 4533 - قول "التنبيه" [ص 210، 211]: (وإن كانت له أم ولد ولم يمكن إكراؤها ولا تزويجها .. فيحتمل أن تُعتَق عليه، ويحتمل ألاَّ تُعتَق) هما وجهان للأصحاب، وأصحهما: الثاني، وينفق عليها من بيت المال، والصورة فيما إذا لم يكن لها كسب ولا شيء لسيدها، كذا ذكره النووي في "التصحيح" (¬3)، لكنه في "الروضة" تبعاً للرافعي فرض الخلاف مع القدرة على الكسب وإمكان التزويج، فقال: إذا عجز عن نفقة أم ولده .. فعن الشيخ أبي زيد: أنه يجبر على عتقها أو تزويجها إن وجد راغب فيها، وقال غيره: لا يجبر عليه، بل يخليها؛ لتكسب وتنفق على نفسها، زاد في "الروضة": هذا الثاني أصح، فإن تعذرت نفقتها بالكسب .. فهي في بيت المال (¬4). واعلم: أن لفظ "التنبيه": (تُعتَق) بضم أوله وفتح ثالثه؛ فإن القائل بالعتق وهو الأودني لم يقل: أنها تعتق بمجرد ذلك، وإنما قال: إنه يجبر على عتقها. 4534 - قول "المنهاج" [ص 467]: (ويُجبر أمته على إرضاع ولدها) قيده في "المحرر" بكونه منه (¬5)، وكذا في "الروضة" وأصلها (¬6)، وقد يفهمه قول "الحاوي" [ص 547]: (وتجبر المستولدة برضاع ولدها) أي: الذي أولدها إياه؛ ولذلك عدل عن الأمة إلى المستولدة، لكنه قال في "أصل الروضة" بعد ذلك: فلو لم يكن منه بل مملوك له من زوج أو زنا .. فحكم الإرضاع ما ذكرنا، وإن كان حراً .. فله طلب الأجرة على الإرضاع، ولا يلزمه التبرع به، ولو ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 532). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 467). (¬3) تصحيح التنبيه (2/ 145). (¬4) فتح العزيز (10/ 64)، الروضة (9/ 82). (¬5) المحرر (ص 385). (¬6) فتح العزيز (10/ 113)، الروضة (9/ 117).

رضي بأن ترضعه مجانًا .. لم يكن لها الامتناع. انتهى (¬1). وقد ظهر بهذا التفصيل أن له الإجبار مطلقاً، وأن التقييد بكونه منه لا يختلف به الحكم في الإجبار. 4535 - قولهم - والعبارة لـ"التنبيه" -: (ولا يسترضع الجارية إلا ما فضل عن ولدها ((¬2) محله: فيما إذا كان الولد منه أو مملوكًا له، أما لو كان مملوكًا لغيره أو حرًّا .. فله أن يسترضعها من شاء، ويمنعها إرضاع ولدها؛ لأن إرضاعه على مالكه أو والده، حكاه في "الكفاية" عن الماوردي، وأقره (¬3). 4536 - قول "المنهاج" [ص 467]: (ولا يكلف رقيقه إلا عملاً يطيقه) و"الحاوي" [ص 547]: (ويكلفه ما يطيق) و"التنبيه" [ص 210]: (ولا يكلفه من الخدمة ما يضر به) عبر في "الروضة" بقوله: ما لا يطيق الدوام عليه، قال: ولا يجوز أن يكلفه عملاً يقدر عليه يوماً ويومين ثم يعجز عنه. انتهى (¬4). وهو صريح في أنه لا يجوز تكليفه عملاً في يوم لو كلفه مثله في اليوم الثاني .. لعجز عنه وإن لم يكلفه به في اليوم الثاني، وليس ذلك مطابقًا لعبارة الرافعي؛ فإنه إنما قال: ولا يكلفه الأعمال الشاقة إلا في بعض الأوقات، ولا ما إذا قام به يومًا أو يومين .. عجز وضعف شهراً أو شهرين (¬5). 4537 - قول "التنبيه" [ص 210]: (ويريحه في وقت القيلولة) أي: في الصيف كما قيده به في "أصل الروضة"، قال: ويستعمله في الشتاء في النهار مع طرفي الليل، ويتبع في جميع ذلك العادة الغالبة، وعلى العبد بذل المجهود وترك الكسل (¬6). 4538 - قوله: (ومن ملك بهيمة .. وجب عليه القيام بعلفها) (¬7) هو بفتح اللام؛ أي: ما تُعلَفه، أما بالإسكان .. فهو المصدر، وليس مراداً هنا، قاله النووي (¬8)، وقال غيره: يجوز فيه الوجهان، وكذا يجب سقيها، صرح به "المنهاج" (¬9)، ويقوم مقامهما: تخليتها للرعي وورود الماء إن اكتفت بذلك، ولا مانع من ثلج وغيره، فإن لم يكفها .. أضاف إليه من العلف ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 118). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 210)، و"الحاوي" (ص 547)، و"المنهاج" (ص 467). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 530). (¬4) الروضة (9/ 119). (¬5) انظر "فتح العزيز" (10/ 114). (¬6) الروضة (9/ 119). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 210). (¬8) انظر "تحرير ألفاظ التنبيه" (ص 290). (¬9) المنهاج (ص 467).

ما تتم به الكفاية؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 547]: (وعلف السائمة بالجدب) أي: فمع الخصب يكفي الرعي إذا استغنت به، ولم يذكر السقي. 4539 - قول "التنبيه" [ص 210]: (ولا يحمل عليها ما يضر بها) قال فى "الروضة" من زيادته: يحرم تحميلها ما لا تطيق الدوام عليه وإن كانت تطيقه يوماً ونحوه كما سبق في الرقيق، وفيه ما تقدم (¬1). 4540 - قوله: (ولا يحلب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها) (¬2) المراد: الفاضل عن القدر الذي يتضرر بتركه؛ ولهذا عبر "المنهاج" بقوله [ص 467]: (ولا يحلب ما ضر ولدها) و"الحاوي" [ص 547]: (ولا يضر بالنتاج بنزف اللبن)، قال الروياني: ونعني بالري: ما يقيمه حتى لا يموت. قال الرافعي: وقد يتوقف في الاكتفاء بهذا، قال المتولي: ولا يجوز الحلب إذا كان يضر البهيمة؛ لقلة العلف (¬3). 4541 - قول "المنهاج" [ص 467]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 547]: (وما لا روح له؛ كقناةٍ ودارٍ لا تجب عمارتها) لكن قال المتولي: يكره ترك عمارتها حتى تخرب، وكذا لا يجب سقي الزرع والشجر، لكن يكره تركه عند الإمكان. وعللوه: بأنه إضاعة مال، وقد صرحوا في غير هذا الموضع بتحريم إضاعة المال، وكأن التحريم إذا كان بفعل؛ كإلقاء المال في البحر، والكراهة إذا كان بترك فعل؛ كهذه الصورة؛ لمشقة العمل، والله أعلم. ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 120). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 210). (¬3) انظر "فتح العزيز" (10/ 115).

تحرير الفتاوي على «التنبيه» و «المنهاج» و «الحاوي» المسمى النكت على المختصرات الثلاث تأليف الإمام الحافظ الفقيه الأصولي ولي الدين أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي الكردي المهراني القاهري الشافعي - رحمه الله تعالى - (762 هـ - 826 هـ) تحقيق عبد الرحمن فهمي محمد الزّواوي [المجلد الثالث]

دَارُ المِنْهَاجِ لبنان - بيروت - فاكس: 786230 الطَبعَة الأولَى 1432 هـ - 2011 م جميع الحقوق محفوظة للناشر دَارُ المِنْهَاجِ لِلنَّشْرِ وَالتَّوْزِيع لِصَاحِبهَا عُمَرْ سَالِمْ بَاجْخَيفْ وَفَّقَهُ الله تَعَالى المملكة العربية السعودية - جدة حي الكندرة - شارع أبها تقاطع شارع ابن زيدون هاتف رئيسي: 6326666 - الإدارة: 6300655 المكتبة: 6322471 - فاكس: 6320392 ص. ب: 22943 - جدة: 21416 لا يسمح بإعادة نشر هذا الكتاب أو أي جزء منه, وبأيِّ شكل من الأشكال, أو نسخه, أو حفظه في أي نظام إلكتروني أو ميكانيكي يمكن من استرجاع الكتاب أو أي جزء منه, وكذلك لا يسمح بالاقتباس منه أو ترجمته إلى أي لغة أخرى دون الحصول على إذن خطي مسبقاً من الناشر www.alminhaj.com E-Mail: [email protected]

تَحْرِيرُ الفَتَاوِي عَلى «التَّنبيهِ» وَ «المِنْهَاجِ» وَ «الحَاِوي» [3]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

كتاب الجنايات

كتاب الجِنايات 4542 - كذا عبر به "التنبيه" و"الروضة" (¬1)، وهو أحسن من تعبير "المنهاج" و"المحرر" بالجراح (¬2)؛ لأن الجناية قد تكون بغير جراح؛ كالمثقل والتجويع ونحوهما، لكن الجراح أغلب طرقها؛ فلذلك عبر به "المنهاج". 4543 - قول "التنبيه" [ص 213]: (الجناية ثلاث: خطأ، وعمد، وعمد خطأ) أحسن من قول "المنهاج" [ص 468]: (الفعل المزهق) لتناوله غير المزهق، وقد ذكره "المنهاج" بقوله بعد ذلك [ص 475]: (يشترط لقصاص الطرف ما شُرط للنفس). 4544 - قول "التنبيه" [ص 214]: (والعمد: أن يقصد الجناية بما يقتل غالباً) يرد عليه: أنه لا بد من قصد الشخص المجني عليه بعينه، فلو قصد شخصاً فأصاب غيره .. فهو خطأ، وكذا لو قصد إصابة أحد رجلين كما في "الروضة" وأصلها في أوائل (الجنايات) وفي الكلام على المنجنيق (¬3)، واعتمده في "المهمات". وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه الأرجح المعتمد، وصحح في "الروضة" من زيادته قبيل (الديات): وجوب القصاص (¬4)، وانعكس ذلك على النشائي (¬5)، ومشى "المنهاج" على الأول فقال [ص 468]: (وهو - أي: العمد -: قصد الفعل والشخص بما يقتل غالباً؛ جارحٌ أو مُثَقَّل) و"الحاوي" فقال [ص 555]: (وفي العمد بأن قصد الفعل والشخص، المحض، بأن يهلك غالباً) ثم قال: (وبجارح كثيراً) ومع ذلك فأورد عليهما شيخنا الإمام البلقيني: أنه لا بد مع قصد الشخص من أن يعرف أنه إنسان، ثم حكى عن "الصحاح" أن الشخص: سواد الإنسان وغيره تراه من بعيد (¬6)، قال: فلو رمى شخصًا اعتقده نخلة فكان إنسانًا .. لم يكن عمداً على الصحيح، وبه قطع الشيخ أبو محمد. وقال السبكي: إن أريد بما يقتل غالباً: الآلة .. ورد غرز الإبرة في مقتل أو في غيره مع الورم والألم إلى الموت؛ فإنه عمد والآلة لا تقتل غالبًا، وإن أريد: الفعل .. ورد إذا قطع أنملة إنسان ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 213)، الروضة (ص 9/ 122). (¬2) المحرر (ص 386)، المنهاج (ص 468). (¬3) فتح العزيز (10/ 120، 458)، الروضة (9/ 123، 342). (¬4) الروضة (9/ 254). (¬5) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 168). (¬6) الصحاح (30/ 1042).

فسرت الجراحة إلى النفس، أو غرز إبرة في غير مقتل وأعقبت ورمًا .. فالقصاص واجب والفعل لا يقتل غالبًا، ثم قال: اعتبار الآلة مطلقًا لا معنى له وإن صرح به القفال الشاشي في "محاسن الشريعة" (¬1) والجويني في "مختصر المختصر" والفوراني والمتولي، ألا ترى أنه لو ضربه بعصا صغيرة في مقتل أو في غيره، في شيخ كبير أو ضعيف، أو حر شديد أو برد شديد، أو والى به الضرب ضى مات بحيث كان ذلك الفعل بتلك الآلة في ذلك الشخص يقتل غالباً .. فإنه يجب القود، وأيضا فقد يضربه بمثقل كبير ضربة خفيفة لا يقتل مثلها غالبا لكنه يحتمل ويتفق الموت منها، قال: فلا ينبغي أن يغتر بكلام من ذكرنا؛ فإن مرادهم: أن القصاص لا يختص بالآلة المحددة خلافًا لأبي حنيفة، فاسترسلوا في كلام لم يقصدوا مفهومه، قال: وأما مسألة قطع الأنملة فصعبة، قال الإمام: وإيجاب القصاص فيها لا توقيف فيه، وإنما تلقاه العلماء من تصرفهم في العمد (¬2). قال السبكي: وليس استشكال الضابط بأولى من استشكال الحكم فيها إذا لم يرد توقيف، إلا أن يكون فيه إجماع، قال: ومع تسليم الحكم لا يمكن الجواب عنها، إلا بأن يقال: المراد بما يقتل غالبا في المحدد: الآلة، وفي المثقل: الفعل، وقد يستفاد ذلك من كلام صاحب "التنبيه" إذ وافق على الحد المذكور، ثم قال: فإن جرحه بما له مَوْر من حديد أو غيره فمات منه .. وجب القود، ولم يفصّل، ثم ذكر المثقل وفصل فيه، وكذلك صاحب "التهذيب" قال: وهذا إن كان مدركه أن المحدد يقتل في الغالب؛ فذلك شيء لا تنقاد النفس لقبوله (¬3). قال ابن الصباغ: ألا ترى أن الناس يحتجمون ويفتصدون، أفترى ذلك يقتل في الغالب وهم يقدمون عليه؛ ! وإن كان مدركه مزيد احتياط في المحدد .. فسيأتي الكلام عليه. وخص "الحاوي" اعتبار الهلاك غالباً بالمثقل، واكتفى في الجارح بالهلاك كثيراً، وتبع فيه الغزالي (¬4). وقال السبكي: هو الذي يدل عليه نصه في "الأم"، ويوافقه كلام كثير من الأصحاب تصريحا وتعريضا. وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه كلام لا يقوم عليه دليل ولا شاهد من نصوص صاحب المذهب، مع كون شيخنا يوافقه على اختصاص اعتبار الهلاك غالبا بالمثقل، لكنه يكتفي في ¬

_ (¬1) محاسن الشريعة (ص 527). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (16/ 41). (¬3) التهذيب (7/ 32). (¬4) الحاوي (ص 555)، وانظر "الوجيز" (2/ 126).

الجارح بأن يكون له وقع وتأثير بحيث يظهر القتل به، وقال: إنه صريح نص الشافعي في "الأم". وظاهر نص "المختصر" ومقتضى كلام الأصحاب، وقال: إن قول "المنهاج" [ص 468]: (بجارح أو مثقل) زيادة على "الروضة" وأصلها، وإن اعتبار القتل غالبًا في الجارح لا يعرف في كلام الشافعي ولا أحد من أصحابه، ومع ذلك: فيخرج عن هذا التقييد التجويع ونحوه، فكان حذفه أولى. ثم أورد على نفسه: أن في "أصل الروضة" في شريك السبع أن الخلاف فيما إذا كان جرح السبع يقتل غالباً (¬1). ثم أجاب عنه: بانه إنما اعتبر فيه أن يقتل غالبًا؛ لأنه ليس بجارح عادة. وأورد شيخنا الإمام البلقيني أيضاً على تفسير العمد بما تقدم: أن العمد يتعلق به القصاص والدية المغلظة وإيجاب القصاص على شريك المتعمد فيتقيد كلامهم بأمرين: أحدهما: أن من قصد الفعل والشخص بما يقتل غالبًا بجهة حكم ثم ظهر الخلل في مستند الحكم بلا تقصير؛ كما لو ظهر الشاهدان عبدين أو فاسقين .. فأظهر القولين: أن حكمه حكم الخطأ حتى تجب الدية مخففة على العاقلة، قال: والقياس المعتمد: أن شريكه كشريك المخطئ، ولم أر من تعرض له. ثانيهما: لو رمى إلى حربي فأسلم ثم أصابه السهم فمات .. فالأصح في "الروضة": أن الواجب دية خطأ (¬2)، لكن المعتمد: أنها حالّة في مال الرامي، ولو اقتص الوكيل جاهلاً بعزله أو بعفو الموكل .. فالدية مغلظة على المشهور حالّة على الوكيل على الأصح فيهما، وشريكه شريك متعمد على المعتمد وإن لم يذكروه. 4545 - قول "التنبيه" [ص 213، 214]: (فالخطأ: أن يرمي إلى هدف فيصيب إنساناً) مثال، ولا ينحصر الخطأ فيه، وعبارة "المنهاج" [ص 468]: (فإن فُقِدَ قَصْدُ أحدهما؛ بأن وقع عليه فمات، أو رمى شجرة فأصابه .. فخطأ) ويرد عليه: ما لو رمى إلى شخص ظنه شجرة فبان إنسانًا .. فهو خطأ على الصحيح كما تقدم. قال شيخنا الإمام البلقيني: وكذلك يرد عليه ما ثبت فيه حكم الخطأ مما تقدم مع أنه قصد الفعل والشخص بالقتل، وكذلك خطأ التعزير والأدب والطب وغيرها مما هو مقرر في (ضمان الولاة)، ولا بد فيه أيضًا من كون الفعل فيه له مدخل في الإهلاك، والوقوع عليه ليس مثالاً لفقد قصد أحدهما، بل لفقدهما، وقصد الشخص دون الفعل متعذر. ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 162). (¬2) الروضة (9/ 256).

4546 - قول "التنبيه" [ص 214]: (وعمد الخطأ: أن يقصد الجناية بما لا يقتل غالبًا) لم يذكر الشخص كما فعل في العمد، وعبارة "المنهاج" [ص 468]: (قَصَدهما بما لا يقتل غالباً) ولابد مع ذلك من أن يكون له مدخل في الإهلاك، وألأَ يكون مأذوناً فيه شرعًا كالتعزير ونحوه. وأيضاً فلو قال الشاهدان الراجعان: لم نعلم أنه يقتل بقولنا، وكانا ممن يخفى عليهما ذلك .. فحكمه حكم شبه العمد مع وجود قصد الشخص والفعل بما يقتل غالبًا. 4547 - قول "المنهاج" [ص 468]: (ومنه: الضرب بسوطٍ أو عصا) محله في العصا الصغيرة بشروط، أما الكبيرة التي تقتل غالباً .. فيجب بها القصاص، وقد فصل ذلك "التنبيه" فقال [ص 214]: (وإن ضربه بمثقل كبير أو بمثقل صغير في مقتل أو في رجل ضعيف، أو في حر شديد أو برد شديد، أو والى به الضرب فمات .. وجب عليه القود) ودخل في الضعيف ما لو لم يعلم بضعفه وهو الأصح، وقد ذكره "المنهاج" بعد ذلك (¬1). وخرج بالموالاة ما لو فرَّقها حتى مات، وفيه وجهان في "أصل الروضة" بلا ترجيح (¬2)، وقال المسعودي: لو ضربه ضربة وقصد ألَّا يزيده عليها، فشتمه المضروب، فضربه ثانية، ثم شتمه فضربه ثالثة حتى قتله .. فلا قصاص؛ لعدم المولاة، قال الرافعي: وينبغي ألَّا ينظر إلى صورة الموالاة، ولا تقدر مدة التفريق، بل يعتبر أثر الضربة السابقة والآلام الحاصلة بها، فإن بقيت ثم ضربه أخرى .. فهو كما لو والى (¬3). قال شيخنا الإمام البلقيني: هذا ممنوع؛ فإنه في كل ضربة لم يقصد الفعل والشخص بما يقتل غالبا، بخلاف ما لو قصد ولاء الضرب ووالى الضربات .. فإنا نوجب عليه القصاص نظراً إلى قصد الشخص والفعل بمجموع فعل يقتل غالباً، والضربة السابقة لا قصاص بها، فكيف يجب القصاص بالتي بعدها، وهي لو كانت قاتلة .. لكان كالجارح جراحتين إحداهما عمد والأخرى خطأ؟ ! 4548 - قول "التنبيه" [ص 214]: (وإن غرز إبرة في غير مقتل؛ فإن بقي منها ضَمِناً - أي: متألمًا - حتى مات .. وجب القود) يقتضي أنه لا يشترط مع ذلك حصول ورم، وكذا صححه النووي في "شرح الوسيط"، وكذا قال شيخنا الإمام البلقيني: الصحيح: أنه يجب إذا كان مثله يقتل غالبًا، واشترطه في "الروضة" وأصلها (¬4)، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 468]: (وكذا بغيره إن تورم وتألم حتى مات) واعتمده شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" (¬5)، واقتصر "الحاوي" ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 471). (¬2) الروضة (9/ 126). (¬3) انظر "فتح العزيز" (10/ 126، 127). (¬4) فتح العزيز (10/ 124)، الروضة (9/ 125). (¬5) تذكرة النبيه (3/ 400).

على الورم فقال [ص 555]: (وغرز إبرة بورمٍ) ولم يذكر الألم؛ للزومه للورم. 4549 - قول "التنبيه" [ص 214]: (وإن مات في الحال .. فقد قيل: يجب، وقيل: لا يجب) الأصح: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 468]: (فشبه عمد، وقيل: عمد، وقيل: لا شيء) وهو مفهوم تعبير "الحاوي" المتقدم. قال في "المنهاج" [ص 468]: (ولو غرز فيما لا يؤلم كجلدة عقب .. فلا شيء بحال) ولمحل الخلاف أيضاً شرطان: أحدهما: في "الرقم" للعبادي أن الغرز في بدن الصغير والشيخ الهمّ ونضو الخلق .. يوجب القصاص بكل حال، وجعل التفصيل والخلاف في غيرهم. ثانيهما: في "الكفاية" عن جماعة: أن محل الخلاف: فيما إذا لم يبالغ في إدخالها، فإن بالغ فيه .. وجب القود جزماً (¬1). 4550 - قول "المنهاج" [ص 468]: (ولو حبسه ومنعه الطعام والشراب والطلب حتى مات؛ فإن مضت مدة يموت مثله فيها غالباً جوعاً أو عطشاً .. فعمدٌ) كذا لو منعه أحدهما فمات بسبب منعه، أما إذا منعه الماء دون الطعام فامتنع من الأكل خوفاً من العطش فمات جوعاً .. فلا قصاص قطعاً ولا دية في الأصح (¬2)، ولو حبسه ولم يمنعه شيئًا فترك الأكل خوفاً أو حزنا والطعام والماء عنده، فمات جوعا أو عطشا، أو مات حتف أنفه أو بحية أو بهدم؛ فإن كان عبداً .. ضمنه باليد، وإن كان حراً .. لم يضمنه، ولو حبسه وعرّاه فمات بالبرد .. فكما لو منعه الأكل، قاله القاضي حسين. 4551 - قوله: (وإلا؛ فإن لم يكن به جوعٌ وعطشٌ سابقٌ .. فشبه عمدٍ، وإن كان به بعض جوعٍ وعطشٍ وعلم الحابس الحال .. فعمدٌ، وإلا .. فلا في الأظهر) (¬3) المراد: أنه حبسه مدة إذا أضيفت إلى مدة جوعه أو عطشه السابق .. بلغت المدة القاتلة، فإن كان مجموع المدتين لا يبلغ ذلك .. فهو كما لو لم يكن به شيء سابق، ذكره شيخنا ابن النقيب، وقال: قلته تفقهًا، ولا بد منه، وهو مرادهم بلا شك (¬4). قلت: هو معلوم مما ذكره في القسم الذي قبله، وعلى هذا أيضًا يحمل قول "الحاوي" [ص 555]: (وتجويع جائع بعلمه) ولم يذكر التعطيش، وهو مثله، وقد يفهم من تعبير "المنهاج" ¬

_ (¬1) في حاثية (ج): (قال في "العجالة": وعبارة الرافعي صريحة في جريان الخلاف في هذه الحالة). (¬2) في حاثية (ج): (فائدة: ولو منعه الطعام وحده .. فيتجه إلحاقه بما لو منعهما. قاله ابن الملقن في "العجالة"). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 468). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (7/ 148).

بالعمد وعدمه: أنه إذا آل الأمر إلى الدية .. وجبت دية العمد كاملة إن قلنا: عمد، ودية شبه العمد كاملة إن قلنا بمقابله، ولكن الأظهر في "أصل الروضة" تفريعًا على عدم القصاص: أنه يجب نصف العمد أو شبه العمد؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 555]: (وإن جهل النصف). 4552 - قول "التنبيه" [ص 214]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 682]: (وإن شهد على رجل فقتل بشهادته ثم رجع وقال: تعمدت ذلك .. وجب عليه القود) شرطه أن يقول: تعمد صاحبي أيضاً، فلو اقتصر على قوله: (تعمدت) .. فلا. 4553 - قول "المنهاج" [ص 469]: (فلو شهدا بقصاص فقتل ثم رجعا وقالا: تعمدنا .. لزمهما القصاص) فيه أمران: أحدهما: اعتبر في "أصل الروضة" مع التعمد أن يقولا: وعلمنا أنه يقتل بقولنا (¬1)، فإن لم يقولا ذلك .. ففي (باب الرجوع عن الشهادة): إن كانوا ممن لا يخفى عليهم ذلك .. وجب القصاص، وإن جاز خفاؤه عليهم لقرب إسلامهم .. فالذي قاله الأصحاب: أنه شبه عمد، ومال الإمام إلى وجوب القصاص، وحكاه الروياني وجهًا شاذاً مأخوذاً من ضرب المريض ضربا يقتل المريض دون الصحيح ولم يعلم مرضه (¬2)، وأشار إليه "الحاوي" بقوله [ص 682]: (أو ما (¬3) علمت يقتل بقولي) وقد عرفت أن محله: مع جواز خفائه عليه، فلو قالوا: لم نعلم أنه يقتل بشهادتنا؛ لظهور أمور فينا يقتضى ردها ولكن الحاكم قصر .. فقال شيخنا الإمام البلقيني: هو شبه عمد كالذي قبله، ولم أر من تعرض له. ثانيهما: أنه يرد على مفهومه ما لو قال كل منهما: تعمدت ولا أعلم حال صاحبي، أو اقتصر على (تعمدت) .. فإنه يلزمهما القصاص كما في "أصل الروضة" في رجوع الشهود عن البغوي وغيره (¬4). 4554 - قول "المنهاج" [ص 469]؛ (إلا أن يعترف الولي بعلمه بكذبهما) فيه أمور: أحدها: أن المراد: اعترافه بعلمه بذلك حين القتل، وهو مفهوم من تعبير "المحرر" بلفظة (كان) (¬5)، أما لو اعترف بعلمه به بعد القتل .. لم يسقط القصاص عنهما. ثانيها: يرد على حصره ما لو اعترف القاضي بعلمه بكذبهما حين الحكم أو القتل دون الولي .. فالقصاص على القاضي دون الشهود ولو اعترفوا. ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 129). (¬2) الروضة (11/ 299، 300). (¬3) في النسخ: (لا ما)، ولعل الصواب ما أثبت من "الحاوي". (¬4) الروضة (11/ 299). (¬5) المحرر (ص 386).

ثالثها: المراد بالولي هنا: ولي المقتول، أما لو قال ولي القاتل: أنا أعلم كذبهما في رجوعهما وأن مورثي قتل .. فلا قصاص عليهما، وهذا واضح. واعلم: أن المقتضي لوجوب القصاص عليهما هو رجوعهما مع اعترافهما بالتعمد، لا كذبهما، حتى لو تيقنا كذبهما؛ بأن شاهدنا المشهود بقتله حيأ .. فلا قصاص عليهما؛ لاحتمال عدم تعمدهما. 4555 - قول "التنبيه" [ص 214]: (وإن أكره رجلاً على أكل سم فمات منه .. وجب عليه القود) يتناول إيجاره وإكراهه حتى أكله بنفسه، وفي الثانية قولان حكاهما الداركي وغيره وحكى الرافعي عن "العدة": أن أصحهما: الوجوب، ثم قال: والوجه أن يكون كإكراهه على قتل نفسه (¬1)، ومقتضاه: تصحيح عدم الوجوب، وأرسل في "الروضة" تصحيح الوجوب، وهو مخالف لما ذكر بعده أنه الوجه (¬2)، وهو الذي صرح في "الكفاية" بنقله عن تعليق القاضي حسين و"التتمة" و"النهاية" (¬3)، كذا اقتصر في "المهمات" على هذا النقل، لكن الرافعي قد ذكر هذا البحث بعد ذلك نقلًا فقال بعد حكاية القولين في إكراهه على قتل نفسه: ويجري القولان فيما لو في "الروضة" على ذلك (¬4). وقال شيخنا الإمام البلقيني: ليس الوجه أن يكون كإكراهه على قتل نفسه؛ لأن شرب السم قد يُرجى منه الشفاء، بخلاف قتل النفس؛ فكان الأظهر هنا: وجوب القصاص بخلاف إكراهه على قتل نفسه، وجزم الشيخ أبو حامد وغيره بالوجوب في صورة السم، وهو مقتضى نص "الأم" (¬5)، قال: وينبغي أن محل القولين: إذا علم الشارب أنه سم قاتل، فإن لم يعلم .. وجب القصاص على المكره قطعًا. انتهى. وقد عرفت أن ما بحثه منقول، والله أعلم. 4556 - قوله: (وإن قال: لم أعلم أنه سم قاتل .. ففيه قولان) (¬6) الأصح: الوجوب. 4557 - فوله: (وإن خلط السم بطعام فاطعمه رجلاً، أو خلطه بطعام لرجل فأكله فمات .. ففيه قولان) (¬7) فيه أمور: ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (10/ 131). (¬2) الروضة (9/ 130). (¬3) نهاية المطلب (16/ 59). (¬4) فتح العزيز (10/ 131)، الروضة (9/ 130). (¬5) الأم (6/ 42). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 214). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 214).

أحدها: أن الأصح: عدم الوجوب، كذا صححه في "الروضة" و"المحرر" و"المنهاج" و"تصحيح التنبيه" (¬1)، والذي في "شرح الرافعي" نقل ترجيح الوجوب عن الروياني وغيره، قال: ومال الإمام وغيره إلى ترجيح المنع؛ وهو قياس ما سبق في مسائل التغرير والمباشرة (¬2). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إن الوجوب مذهب الشافعي؛ فإنه رجحه فقال: إنه أشبههما (¬3). ثانيها: أن محل الخلاف: في البالغ العاقل، فلو فعل ذلك بصبي أو مجنون .. وجب القصاص قطعًا، ذكره في "المنهاج" (¬4)، ومثلهما الأعجمي الذي يعتقد وجوب الطاعة فيما أمر به، قال الرافعي: ولم يفرقوا في الصبي بين المميز وغيره، ولا نظروا إلى أن عمده عمد أو خطأ، قال: وللنظر فيه مجال (¬5). قال شيخنا الإمام البلقيني: والذي نص عليه في "الأم" وصرح به الشيخ أبو حامد عن النص والماوردي والمحاملي في "التجريد" وابن الصباغ والسرخسي والمتولي وغيرهم أن إيجاب القصاص إنما هو في غير المميز، فأما المميز .. فكالبالغ (¬6)، وفي "أصل الروضة" عن البغوي فيما لو أمر مجنوناً له تمييز بقتل شخص .. أنه لا شيء على الآمر سوى الإثم (¬7)، فإن صح ما قاله البغوي .. اقتضى أن المجنون الذي له تمييز هنا كالعاقل. ثالثها: قيد "المنهاج" المسألة الثانية بما إذا كان الغالب أكله منه (¬8)، وكذا في "الروضة" وأصلها (¬9)، وأسقطه في "المحرر". وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم يذكر الشافعي هذا القيد، وليس بمعتبر؛ لأن من رمى إلى شخص فقتله .. لا يعتبر أن تكون الإصابة غالبة، بل العبرة في المرمي به أن يكون سلاحاً ينهر الدم ويشق اللحم أو غيره يقتل غالبا من غير غلبة الإصابة، كذلك هنا. رابعها: شرطه: ألَّا يعلم الضيف حال الطعام، فإن علم أنه مسموم .. فلا شيء على الذي ضيفه، ذكره في "المنهاج" (¬10). ¬

_ (¬1) المحرر (ص 386، 387)، المنهاج (ص 469)، الروضة (9/ 130)، تصحيح التنبيه (2/ 157)، تذكرة النبيه (3/ 403). (¬2) فتح العزيز (10/ 131)، وانظر "نهاية المطلب" (16/ 65). (¬3) انظر "الأم" (6/ 43). (¬4) المنهاج (ص 469). (¬5) انظر "فتح العزيز" (10/ 131). (¬6) الأم (6/ 43). (¬7) الروضة (9/ 141)، وانظر "التهذيب" (7/ 68). (¬8) المنهاج (ص 469). (¬9) فتح العزيز (10/ 131)، الروضة (9/ 131). (¬10) المنهاج (ص 469).

خامسها: تسويته بين الصورتين في حكاية القولين كذلك هو في "المنهاج" (¬1)، وفي الثانية طريقة قاطعة بنفي القصاص، ومال إليها شيخنا الإمام البلقيني؛ لأن الشافعي حكى القولين في الأولى، وقال: أشبههما: إيجاب القود، وجزم في الثانية بعدم القود، ثم قال: وفيها قول آخر: أنها كالمسألة الأولى، قال: وهو ظاهر في ترجيح الطريقة القاطعة بالمنع (¬2). سادسها: أنهما أطلقا السم، ويعتبر كونه يقتل غالباً كما نص عليه الشافعي والأصحاب، وفيه وجه أو قول في "الروضة" (¬3) لأن للسم نكاية في الباطن كالجراحة. 4558 - قول "المنهاج" [ص 469]: (ولو ألقاه في ماء لا يُعَدُّ مغرقاً كمنبسطٍ فمكث فيه مضطجعاً حتى هلك .. فَهَدَرٌ) قيده في "الروضة" فقال: بأن كان راكداً في موضع منبسط (¬4). قال في "المهمات": ولا حاجة إليه، والصواب: حذفه كما في "المحرر". قلت: عبارة الرافعي: بأن كان واقفاً (¬5)، وهو صفة للملقى، ففهم في "الروضة" أنه صفة للماء .. فعبر بالركود، وهو فهم عجيب! 4559 - قوله: (وإن أمكنته - أي: السباحة - فتركها .. فلا دية في الأظهر) (¬6) تبع "المحرر" في أن الخلاف قولان (¬7)، وهو الصواب؛ فهما في "الأم" (¬8)، وفي "الروضة" وأصلها: وجهان أو قولان (¬9). 4560 - قوله: (ولا قصاص في الصورتين، وفي النار وجه) (¬10) أجراه الأكثرون في الماء أيضاً؛ فلا اختصاص له بالنار. 4561 - قوله: (ولو حفر بئراً فردَّاه فيه آخر .. فالقصاص على المردي فقط) (¬11) يوهم تعلق القصاص بالحافر لو انفرد، وليس كذلك؛ فالحفر شرط، والشروط لا يتعلق بها قصاص، وعبارة "الروضة" وأصلها: (فالضمان على المردي دون الحافر) (¬12)، وهي أولى. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 469). (¬2) انظر "الأم" (6/ 43). (¬3) الروضة (9/ 130). (¬4) الروضة (9/ 131). (¬5) فتح العزيز (10/ 133). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 469). (¬7) المحرر (ص 387). (¬8) الأم (6/ 6، 7). (¬9) فتح العزيز (10/ 133)، الروضة (9/ 132). (¬10) انظر"المنهاج" (ص 469). (¬11) انظر "المنهاج" (ص 469). (¬12) فتح العزيز (10/ 138)، الروضة (9/ 133).

ولا يخفى أن وجوب القصاص على المردي إذا كانت التردية يحصل منها القتل غالبا. 4562 - قول "التنبيه" [ص 214]: (وإن طرحه في لجة فالتقمه حوت قبل أن يصل إلى الماء .. ففيه قولان، أحدهما: يجب القود، والثاني: لا يجب) الأظهر: الوجوب، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، وعبارة "الروضة": على الصحيح المنصوص، وخرج الربيع قولاً: أنه لا قصاص (¬2). ومقتضى كلاما "التنبيه": أنه لو كان ذلك بعد وصوله إلى الماء .. وجب قطعًا، وبه يشعر كلام الشيخ أبي حامد وغيره، والصحيح: أنه لا فرق؛ ولذلك أطلقه "المنهاج" و"الحاوي". وخرج باللجة: ما لو كان غير مغرق .. فلا قصاص قطعًا، وبه جزم "المنهاج" (¬3)، وعليه مشى "الحاوي" (¬4)، لكن لو علم الملقي بالحوت .. كان كالمغرق، صرح به في "الوسيط" واقتضاه كلام الرافعي (¬5). وخرج بقولهم: (فالتقمه) ما لو ألقمه فاه .. فيجب القصاص قطعاً. وقال شيخنا الإمام البلقيني: قد يكون الماء في نفسه مغرقاً ويمكنه التخلص منه بسباحة وغيرها، فكان ينبغي أن يقول: لا يمكنه التخلص منه في الأغلب كما عبر به الشافعي رضي الله عنه (¬6). 4563 - قول "المنهاج" [ص 470] و"الحاوي" [ص 553]: (ولو أكره على رمي شاخصٍ علم المكرِه أنه رجلٌ وظنه المكرَه صيدا .. فالأصح: وجوب القصاص على المكرِه) قال شيخنا الإمام البلقيني: إنه مفرع على وجه مرجوح أن المكرَه كالآلة، والأصح: أنه شريك، قال: فالأصح المعتمد في الفتوى: أنه لا قصاص على المكرِه؛ لأنه شريكُ مخطئٍ، ثم حكاه عن "تعليق القاضي حسين" و"التهذيب" و "النهاية" و"البسيط" (¬7)، ويوافقه كلام "المنهاج" [ص 470]: (فيما إذا أكره بالغ مراهقًا .. فإنه لم يوجب القصاص على البالغ إلا إذا قلنا: عمد الصبي عمد). 4564 - قوله: (أو على صعود شجرة فزلق ومات .. فشبه عمد، وقيل: عمد) (¬8) قال بالأول ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 555)، المنهاج (ص 469). (¬2) الروضة (9/ 134). (¬3) المنهاج (ص 469). (¬4) الحاوي (ص 555). (¬5) الوسيط (6/ 267)، وانظر "فتح العزيز" (10/ 138، 138). (¬6) انظر "الأم" (6/ 7). (¬7) نهاية المطلب (16/ 119)، التهذيب (7/ 67). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 470).

الفوراني والبغوي (¬1)، وعليه مشى "الحاوي" (¬2)، وبالثاني الغزالي (¬3). قال شيخنا الإمام البلقيني: والذي عندنا أن الأصح: أنه خطأ محض؛ لأن من الصور التي ذكرها الرافعي: أن يكرهه على صعود سلم أو نزول منحدر فتزلق رجله (¬4)، وهذا ليس بشبه عمد؛ إذ لا مدخل لصعود السلم أو نزول المنحدر في الإهلاك، ولا بصعود الشجرة الصغيرة ولا الطويلة للعارف بذلك، وإنما هذا تولد من قضية سليمة، فهو خطأ محض، ولو قيل: لا يلزم المكره شيء .. لكان له وجه. 4565 - قول "التنبيه" [ص 221]: (وإن أمر السلطان رجلاً أن ينزل إلى بئر أو يصعد إلى نخلة لمصلحة فوقع ومات .. وجب ضمانه) قال الرافعي: وجوب الضمان على جعلنا أمر السلطان إكراهاً، وقضية كلام الجمهور تصريحاً ودلالة: أنه ليس بإكراه (¬5)، وصرح في "الشرح الصغير" بأنه الأظهر. قال في "الكفاية": لو كان هذا هو المأخذ .. لما أوجبه العراقيون؛ لأنهم لم يجعلوا أمره إكراهاً. 4566 - قول "المنهاج" [ص 470]: (أو على قتل نفسه .. فلا قصاص في الأظهر) قال شيخنا الإمام البلقيني: الصواب: القطع به، ولم أقف على القولين في منصوصات الشافعي، ولا يعرفان إلا في كلام البغوي والخوارزمي (¬6)، وحكاهما أبو الفرج الزاز وجهين، وجعل محلهما: ما إذا خؤفه بمثل ذلك القتل، فإن خوفه بعقوبة فوق القتل؛ كالإحراق والتمثيل .. فهو إكراه، ووافقه الرافعي في "الشرح الصغير" فقال: يشبه أن يكون ذلك إكراهاً، قال شيخنا: وهو غير معتبر؛ لأن نفسه ذاهبة على كل تقدير منه أو من مكرهه. وسكوت "المنهاج" عن نفي الدية في هذه الصورة مع نفيها في الصورة التي بعدها يشعر بثبوتها هنا، وفي "الروضة" وأصلها: أن عليه نصف الدية إن أوجبنا الضمان على المكره، وجميعها إن لم نضمنه (¬7). قال شيخنا الإمام البلقيني: وهو مردود، والصواب: عدم وجوبها؛ لعدم الإكراه حقيقة، وبه ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (7/ 67). (¬2) الحاوي (ص 553). (¬3) انظر "الوجيز" (2/ 127). (¬4) انظر "فتح العزيز" (10/ 142). (¬5) انظر "فتح العزيز" (10/ 146). (¬6) انظر "التهذيب" (7/ 67). (¬7) فتح العزيز (10/ 143)، الروضة (9/ 137).

صرح القاضي حسين والبغوي (¬1)، وقال الإمام والغزالي: إنه ليس بإكراه في الحقيقة، والقاتل مختار (¬2)، قال شيخنا: وهو واضح لا خفاء به، ومقتضاه: أنه لا يجب عليه كفارة، ولكنه أثم بما جرى منه، وكذا قال في "المهمات": إنه لا يستقيم، قال: والمسألة في "التهذيب" على الصواب، فلما نقلها الرافعي منه .. جعل تفريع أحد القولين للآخر. 4567 - قوله: (وإن قال: "اقتلني وإلا قتلتك" .. فالمذهب: لا قصاص، والأظهر: لا دية) (¬3) فيه أمور: أحدها: يستثنى من الخلاف: ما إذا قتله دفعًا حيث تعين ذلك .. فلا قصاص ولا دية قطعاً؛ ففي "أصل الروضة" عن الأئمة: أن للمأمور دفع الآمر ولا شيء عليه إذا أتى الدفع على نفسه، قال: فعلى هذا: إذا قتله دفعاً .. ينبغي أن يحكم بأنه لا قصاص ولا دية بلا تفصيل ولا خلاف، وقد أشار إليه أبو الحسن العبادي فقال: إذا قال: (اقتلني وإلا قتلتك) فإن همّ بقتله .. فهو استسلام، وإن قتله .. فهو دفع، ويمكن أن يقال: موضع التفصيل والخلاف ما إذا أمكنه الدفع بغير القتل، وإنما لا يلزمه شيء إذا لم يمكنه الدفع بغيره. قال شيخنا الإمام البلقيني: وهذا متعقب؛ فإنه إذا أمكنه الدفع بغير القتل .. لا يتحقق الإكراه، وإنما الذي يظهر أن موضع الخلاف ما إذا قتله بمقتضى الإكراه لا على قصد الدفع عن نفسه كما يدفع الصائل الطالب لنفسه، فهنا لا يلزمه شيء قطعا. ثانيها: كان ينبغي أن يقول فيهما: على المذهب؛ لأن الخلاف فيهما معاً طريقان، ذكره شيخنا الإمام البلقيني. ثالثها: لا يختص ذلك بالإكراه، فلو اقتصر على قوله: (اقتلني) .. فلا قصاص على المذهب، ولا دية في الأظهر أيضاً. نعم؛ لو كان الآذن عبداً .. لم يسقط الضمان، وفي القصاص إذا كان المأذون له عبداً وجهان. 4568 - قوله: (ولو قال: "اقتل زيداً أو عمراً " .. فليس بإكراه) (¬4) قال شيخنا الإمام البلقيني: الأصح: أنه إكراه؛ فإنه لا يتخلص من قتله إلا بقتل واقع على معين، وليس كإكراهه على طلاق إحدى زوجتيه؛ فإنه يمكن أن يقول: أحدهما طالق، فإذا طلق معينة .. كان مختاراً، وهذا اختيار القاضي حسين بعد أن حكى الأول عن الأصحاب، وحكى أبو الحسن العبادي في ذلك وجهين. ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (7/ 67). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (16/ 118)، و"الوجيز" (2/ 128)، و"الوسيط " (6/ 264). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 470). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 470).

فصل [في اشتراك اثنين في فعل مزهق]

فصل [في اشتراك اثنين في فعل مزهق] 4569 - قول "المنهاج" [ص 470]: (وجد من شخصين معاً فعلان مزهقان مذففان؛ كَحَزٍّ وَقَدٍّ، أو لا كقطع عضوين .. فقاتلان) بقي: لو كان أحدهما مذففاً دون الآخر .. قال في "أصل الروضة": قياس ما سنذكره: أن يكون المذفف هو القاتل (¬1). قال شيخنا الإمام البلقيني: لم يذكر ما يقتضي القياس المذكور؛ فإن المذكور في صورة الترتيب لا دلالة له على صورة المعية؛ فإن التذفيف على معنى الانتهاء إلى حركة المذبوح لا يؤثر ما بعده ولا ما قبله لقطعه أثره، وفي "أصل الروضة" في آخر (الصيد والذبائح) فيما إذا كانت إحداهما مذففة وشككنا في الأخرى هل أثرت أم لا؟ عن القفال: أنهما قاتلان، وعن الإمام: استبعاده، وأن الوجه تخصيص القصاص بصاحب المذففة (¬2). 4570 - قوله: (ولو قتل مريضاً في النزع وعيشه عيش مذبوح .. وجب القصاص) (¬3) قد يخالفه قول النووي من زيادة "الروضة" في (الفرائض) عن الأصحاب: أن من صار في حال النزع .. فله حكم الميت (¬4). وقوله في (الوصية): إن من وصل إلى ذلك في حيّز الأموات (¬5). وجوابه: حمل ما في الفرائض على من صار إلى تلك الحالة بجراحة، وما في الوصية على ترك الاعتداد بقوله. فصل [في قتل من ظن كفره] 4571 - قول "المنهاج" [ص 471]: (قتل مسلماً ظن كفره بدار الحرب .. لا قصاص، وكذا لا دية في الأظهر) فيه أمران: أحدهما: صورة المسألة: أن يكون القاتل مسلمة، فلو كان ذمياً لم يستعن به المسلمون .. وجب عليه القصاص على الأرجح المعتمد، كما قال شيخنا الإمام البلقيني، قال: وفي نص الشافعي ما يشهد له. ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 145). (¬2) الروضة (30/ 265)، وانظر "نهاية المطلب" (18/ 145). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 471). (¬4) الروضة (6/ 38). (¬5) الروضة (6/ 123).

ثانيهما: أنه لا يكفي ظنه كفره، بل لابد من ظن حرابته، فلو ظنه ذمياً .. فقد ذكر في "المنهاج" عقبه [ص 471]: (أنه لو قتل من عهده ذمياً فبان خلافه .. فالمذهب: وجوب القصاص) ولو لم يظن كونه ذمياً ولا حربياً .. وجب القصاص على الأرجح، قاله شيخنا الإمام البلقيني. واعلم: أن الرافعي قال في ظن كفره: بأن كان عليه زي الكفار أو رآه يعظم آلهتهم (¬1)، فأما كونه عليه زي الكفار: فاقتضى كلام الرافعي في الردة: موافقة الحنفية على أنه ردة، لكن رجح النووي خلافه. وأما تعظيم آلهتهم: فقد حكاه الرافعي عن البغوي، وأطلقه في "الروضة"، لكن في (باب الردة) أن تعظيم الأصنام بالسجود والذبح ردة (¬2)، وقال في "المهمات": الظاهر أنه على سبيل المثال، وقال شيخنا الإمام البلقيني: قد يحمل على ما إذا كان مكرها على التعظيم والقاتل لا يدري، أو يكون فعل من الخدمة لمواضعها من كنس وغيره ما لا يقتضي كفراً. 4572 - قوله: (أو بدار الإسلام .. وجبا) (¬3) يستثنى منه: ما إذا كان مع كونه بدار الإسلام في صف أهل الحرب .. فلا قصاص قطعا، ولا دية في الأظهر؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 552]: (في دار الحرب، أو صفّهم). 4573 - قول "المنهاج" [ص 471]: (وفي القصاص قول) شرطه: أن يعهده حربيا، وإلا .. فيجب القصاص قطعاً، بخلاف ما إذا كان بدار الحرب .. فإنه يكفي فيه ظن كونه حربياً وإن لم يعهده كذلك. 4574 - قول "التنبيه" [ص 213]: (وإن قتل حر عبداً أو مسلم ذمياً ثم قامت البينة أنه كان قد أعتق أو أسلم .. ففي القود قولان) الأظهر: الوجوب، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 471]: (أو من عهده مرتداً أو ذمياً أو عبداً أو ظنه قاتل أبيه فبان خلافه .. فالمذهب: وجوب القصاص)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إن تعبيره بالمذهب يقتضي ترجيح طريقة القطع في الجميع، وليس كذلك، بل الصحيح في صورة المرتد والذمي والعبد: إثبات القولين، ولم يصر أحد إلى القطع في الجميع، وقوله في "الروضة": (وقيل: يجب القصاص في الجميع) (¬4) متعقب. وفيما ذكره شيخنا نظر؛ فالتعبير بالمذهب إنما يقتضي على اصطلاحه أن في المسألة طريقين أو ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (10/ 155). (¬2) الروضة (10/ 65). (¬3) انظر"المنهاج" (ص 471). (¬4) الروضة (9/ 147).

طرقًا في الجملة، لا على أن الراجح: القطع بما ذكره، وتعبير "التنبيه" بأنه أعتق أو أسلم أحسن من قول "المنهاج" [ص 471]: (فبان خلافه) لصدق هذه العبارة على ما إذا تبين أنه غير الذي عهده بتلك الصفة، ولا خلاف هنا في وجوب القصاص، وتصريحه أيضاً بأن القاتل حر ومسلم أحسن من عبارة "المنهاج" لصدقها على ما إذا كان القاتل عبداً أو ذمياً، ولا إشكال هنا في وجوب القصاص، لحصول المكافأة، ولو كان المقتول على الصفة التي كان يعهده عليها، لكن قول "المنهاج" [ص 471]: (عهده ذمياً أو عبداً) أحسن من قول "التنبيه" [ص 213]: (عبداً أو ذمياً) لأنه تبين أنه حر ومسلم. وقال شيخنا الإمام البلقيني: المتجه فيما إذا ظنه قاتلاً بغير عهد: أنه يقتل به قطعاً كما إذا ظنه مرتدًا فلم يكن، وإنما يساوي ما سبق أن يعهده قاتل أبيه ويظن بقاء القصاص عليه، فيتبين سقوط القصاص عنه بعفو وكيله أو شريكه في الإرث. انتهى. وأصل هذا في كلام الرافعي، حيث قال: والمفهوم مما أورده - يعني: الغزالي - فيما إذا ظنه حربياً أو مرتداً من غير أن يعهده كذلك، ولم يكن كذلك: القطع بوجوب القصاص، والوجه: التسوية بينهما وبين من ظنه قاتل أبيه، إما في القطع أو إثبات القولين، قال: وقد يرجح القطع بالوجوب فيما إذا قال: تبينت أن أبي كان حياً حين قتلته، مع أن أصل الظن أو الشبهة قائم (¬1). 4575 - قول "المنهاج" [ص 471]: (ولو ضرب مريضاً جهل مرضه ضرباً يفتل المريض .. وجب القصاص) استثنى منه شيخنا الإمام البلقيني ما إذا ضربه في تأديب، وحكاه عن "الوسيط" (¬2). 4576 - قوله: (ويشترط لوجوب الفصاص في الفتيل: إسلامٌ أو أمانٌ) (¬3) أحسن من قول "الحاوي" [ص 548]: (معصوم بإيمانٍ وأمان) لأن أحدهما كاف، وعبارة "الحاوي" أحسن من وجه آخر؛ لأنه تكلم على الضمان الذي هو أعم وتكلم "المنهاج" على القصاص الذي هو أخص، فلو عبر بالضمان .. لكان أولى، لكنه عقبه بقوله: (فيهدر حربي ومرتد) (¬4) ولا يخفى أن إهدار المرتد إنما هو على غير مرتد مثله، وسيأتي في كلامهم. وقال شيخنا الإمام البلقيني: يشترط في القتيل مع الإسلام والأمان: ألاَّ يكون صائلاً أو قاطع ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (10/ 156). (¬2) الوسيط (6/ 257، 258). (¬3) انظر"المنهاج" (ص 471). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 471).

طريق لا يندفع شره إلا بالقتل .. فهو غير معصوم في تلك الحالة مع أنه مسلم، فإن كان ذميًا .. انتقض عهده بقطع الطريق إن شرط انتقاض عهده به، وإلا .. فلا، وهل ينتقض عهده بالصيال أو يقال: هو مهدر مع بقاء عهده؛ الثاني هو المعتمد؛ وهو مقتضى كلام الشافعي وأصحابه، وأما في الهدنة والأمان .. فمقتضى المنقول: انتقاض عهده وأمانه، ولا يقال في الصائل وقاطع الطريق: إنهما معصومان بالنسبة لغير المصول عليه والمقطوع عليه الطريق، بل هما مهدران مطلقاً إذا تعين قتلهما لدفع شرهما. وأورد في "المهمات" على الحصر في الإيمان والأمان: ضرب الرق على أسير، وقال شيخنا الإمام البلقيني: لا يرد؛ فإنه صار مالاً للمستحقين المسلمين ومال المسلمين في أمان. 4577 - قول "المنهاج" [ص 471]: (ومن عليه قصاص كغيره) أي: بالنسبة إلى غير مستحق القصاص، أما بالنسبة إليه .. فهدر؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 548]: (كالقاتل، ويد السارق على غير المستحق) وأورد عليهما شيخنا الإمام البلقيني من عليه قصاص؛ لأنه قتل في قطع الطريق، إذا قتله غير المستحق .. لا يقتل به، إلا إن كان مثله في تحتم القتل، وما ذكره "الحاوي" من أن يد السارق معصومة بالنسبة لغير المسروق منه، فإذا قطعها .. قطعت يده، صرح به الماوردي، لكن المجزوم به في "الروضة" وأصلها في (باب السرقة) أنه لا قطع مطلقاً، وهو ظاهر؛ لاستحقاقها القطع (¬1). 4578 - قول "التنبيه" [ص 220]: (ومن قتل من وجب رجمه بالبينة، أو انحتم قتله في المحاربة .. لم تلزمه الدية) يستثنى منه: ما إذا كان القاتل ذميًا أو مستأمنًا أو زانياً محصنًا .. فعليه القصاص؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 471]: (والزاني المحصن إن قتله ذميٌّ .. قُتل، أو مسلم .. فلا في الأصح) وفيه أمور: أحدها: لا يختص ذلك بالذمي، بل لو قتله زان محصن .. قتل به في الأصح مع كونه مسلماً، وكذا يقتل به المرتد في الأصح؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 548]: (والزاني المحصن على الذمي ومثله والمرتد). ثانيها: استثنى شيخنا الإمام البلقيني من قتل الذمي بالزاني المحصن ما إذا كان الزاني المحصن ذمياً كتابيًا وكان الذمي القاتل له ليس زانياً محصنًا ولا وجب قتله بقطع طريق ونحوه .. قال: فلا يقتل به على المعتمد به، وتعليلهم بأنه لا تسلط له على المسلم ولا حق له في الواجب عليه يدل عليه، قال: والقياس أنه لا فرق بين أن يكون القاتل كتابيًا أو مجوسيًا. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (11/ 245)، الروضة (10/ 151).

ثالثها: تعبيره بالأصح مخالف لتعبير "الروضة" بالصحيح المنصوص (¬1)، فكان ينبغي أن يقول: (على النص). رابعها: قال القاضي أبو الطيب: محل الخلاف: إذا قتله قبل أمر الإمام بقتله، فإن كان بعده .. فلا قصاص قطعاً، حكاه عنه في زيادة "الروضة" (¬2). قال شيخنا الإمام البلقيني: وفيه توقف فيما إذا قتله بالسيف بعد أمر الإمام برجمه، أو عين لرجمه جماعة فرجمه غيرهم. خامسها: صحح النووي في "تصحيح التنبيه": التفصيل بين أن يثبت زناه بالبينة .. فلا يقتل به، أو بالإقرار .. فيقتل به (¬3). وقال شيخنا الإمام البلقيني: لا اعتماد عليه، والإطلاق هو المعتمد. نعم؛ لو قتله بعد رجوعه عن الإقرار .. لم يقتل به كما نقل في "أصل الروضة" تصحيحه عن ابن كج (¬4). لكن قال شيخنا الإمام البلقيني: الأصح: أنه يقتل به، وفي نص الشافعي فيمن قتله بعد أمر الإمام ما يشعر به. قلت: بل هو صريح فيه؛ فإنه قال: لا شيء على قاتله؛ لأنه لا يحل حقن دم هذا أبداً حتى يرجع عن الإقرار بكلامٍ إن كان .. قضي عليه بماقراره ... إلى آخر كلامه (¬5). قال شيخنا: أما لو قتله بعد رجوع الشهود .. قتل به جزماً، إلا إذا ظن بقاء شهادتهم .. فهو كظن بقاء الردة، وقد تقدم، قال: فلو قتله قبل أمر الحاكم بقتله ثم رجع الشهود وقالوا: تعمدنا .. فالأقوى الأقيس: أنه يقتل به دون الشهود، ولم يذكروه. سادسها: محل الخلاف: فيما إذا ثبت زناه ببينة أو إقرار، فلو رآه يزني وعلم أنه محصن .. لم يقتل بلا خلاف، نص عليه كما حكاه شيخنا الإمام البلقيني. 4579 - قولهما - والعبارة لـ"المنهاج" -: (وفي القاتل: بلوغٌ وعقلٌ) (¬6) لو قال: (كونه ملتزما للأحكام) .. لكان أولى؛ ليدخل الحربي في الضابط، ثم يفصله كما في "الروضة" (¬7)، ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 148). (¬2) الروضة (9/ 148). (¬3) تصحيح التنبيه (2/ 167). (¬4) الروضة (10/ 96). (¬5) انظر "الأم" (6/ 71). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 213)، و"المنهاج" (ص 471). (¬7) الروضة (9/ 149).

وإن كان "المنهاج" قد قال بعد ذلك [ص 472]: (ولا قصاص على حربي) وصرح "الحاوي" بأنه لا قصاص على الحربي ولا كفارة (¬1). 4580 - قول "التنبيه" [ص 213]: (ويجب على من زال عقله بمحرم، وقيل: فيه قولان (الأصح: طريقة القولين، وأصحهما: الوجوب، وعبارة "المنهاج" [ص 471]: (والمذهب: وجوبه على السكران) ولا يعرف منه هل الراجح طريقة القطع أو الخلاف؛ ويرد عليه: أن محل الخلاف: في غير المعذور بسكره، أما من أكره على شرب الخمر أو جهل كونها خمراً .. فلا شيء عليه، وأن المتعدي بشرب دواء يزيل العقل كالسكران، ولا يرد ذلك على تعبير "التنبيه". 4581 - قوله: (ولا يجب القصاص على المسلم بقتل الكافر) (¬2) أعنم من قول "المنهاج" [ص 472]: (فلا يقتل مسلم بذمي) لكنه إذا لم يقتل بالذمي .. فبالمعاهد والحربي أولى. 4582 - قوله: (ويقتل ذمي بذمي وإن اختلفت ملتهما) (¬3) يقتضي أن الكفر ملل، والمذهب: أنه ملة واحدة، إلا أن يريد: بمقتضى زعمهما. 4583 - قوله: (فلو أسلم القاتل .. لم يسقط القصاص) (¬4) أي: فيما إذا قتل ذمي ذمياً، وكلامه يقتضي الجزم بذلك؛ فإنه حكى الخلاف في التي بعدها دونها، وكذا في "الروضة" وأصلها (¬5)، لكن فيه وجه في "الكفاية"، ونقله شيخنا الإمام البلقيني قولاً عن رواية الربيع، وقال: لم أر من ذكره، بل ذكر أن الخلاف يأتي أيضًا فيما إذا قتل ذمي مسلما ثم أسلم من الوجه الصائر إلى إسقاط القصاص بالتوبة، وهو في (كتاب قاطع الطريق) فإن الإسلام من أعظم التوبات. 4584 - قوله: (ولو جرح ذمي ذميًّا ثم أسلم الجارح ثم مات المجروح .. فكذا في الأصح) (¬6) يقتضي أن الخلاف وجهان، وكذا في "الروضة" وأصلها (¬7)، لكن حكاه القاضي حسين وغيره قولين، وحكى شيخنا الإمام البلقيني النص على أنه لا يسقط، قال: وإذا كان له قولان في إسلام القاتل .. ففي الجراحة أولى. ومحل الخلاف: في قصاص النفس، فأما قصاص الطرف: فيجب قطعًا. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 551). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 213). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 472). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 472). (¬5) فتح العزيز (10/ 160) "الروضة" (9/ 150). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 472). (¬7) فتح العزيز (10/ 160)، الروضة (9/ 150).

4585 - قوله: (وفي الصورتين إنما يقتص الإمام بطلب الوارث) (¬1) لا يخفى أن محله؛ إذا لم يسلم الوارث. 4586 - قول "التنبيه" [ص 213]: (فإن قتل المرتد ذمياً .. ففيه قولان) الأظهر: وجوب القصاص، وعليه مشى "المنهاج" (¬2). 4587 - قوله: (وبمرتد) (¬3) أي: الأظهر: قتل مرتد بمرتد، يقتضي أن الخلاف قولان، وكذا في "المحرر" (¬4)، لكن في "الروضة" وأصلها أنه وجهان (¬5). قال شيخنا الإمام البلقيني: ووهم صاحب "المطلب" فذكر أن الخلاف في ذلك حكاه في "الأم" قولين. 4588 - قول "التنبيه" [ص 213]: (وإن قتل ذمي مرتداً .. فقد قيل: يجب القود، وقيل: لا يجب) الأصح: أنه لا يجب، وعليه مشى "المنهاج" (¬6)، وعبارته تقتضي أن الخلاف فيه قولان، وكذا في "الروضة"، لكن في أصلها قولان أو وجهان (¬7)، وتعبير "التنبيه" يقتضي أنهما وجهان، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه الموجود في تصانيف الطريقين. وقد يفهم من إيجاب القود وجوب الدية إذا عفي على مال أو كان خطأ، والأصح: خلافه؛ لأنه لا قيمة لدمه، وإنما أوجبنا القصاص؛ لأن الذمي يقتله عناداً لا تديُّناً؛ فإنه يعتقده محقون الدم، بخلاف المسلم فقتلناه به زجراً وسياسة. قال الرافعي: وقد يقال: هذا المعنى إن اقتضى الفرق بين المسلم والذمي في القصاص .. اقتضاه في الدية، فيقال: لا قيمة لدمه في حق المسلم دون الذمي، وليس في التوجيه المذكور ما يوجب الفرق بين القصاص والدية (¬8). 4589 - قول "المنهاج" [ص 472]: (ولا يقتل حر بمن فيه رق) أحسن من قول "التنبيه" [ص 213]: (ولا يجب القصاص على الحر بقتل العبد) لتناوله المبعض وغيره. 4590 - قول "المنهاج" [ص 472]: (ويقتل قن ومدبر ومكاتبٌ وأم ولدٍ بعضهم ببعض) ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 472). (¬2) المنهاج (ص 472). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 472). (¬4) المحرر (ص 390). (¬5) فتح العزيز (10/ 162)، ولم أقف عليه في "الروضة". (¬6) المنهاج (ص 472). (¬7) فتح العزيز (10/ 162)، ولم أقف عليه في "الروضة". (¬8) انظر "فتح العزيز" (10/ 162).

و"الحاوي" [ص 567]: (لم يفْضُله لدى الإصابة بإسلام وحرية وأصليَّتهِ) أورد عليه شيخنا الإمام البلقيني: أن المكاتب لا يقتل بعبده الذي تكاتب عليه، كما إذا ملك أباه على الأصح في "الروضة" وأصلها، وقال في "الشرح الصغير": الأقوى الوجوب، وقال في "الشرح الكبير": إنه يحكى عن إشارة النص (¬1)، قال البارزي: فلو قال "الحاوي": (لم يفضله بإسلام وحرية وسيادته) .. لوافق الأصح، وأما قوله قبل ذلك: (ولو مكاتباً وأباً؛ بأن يشتري المكاتب أباه وقتله) (¬2) فإنما ذكره لنفي الضمان. 4591 - قول "المنهاج" [ص 472]: (ومن بعضه حر لو قتل مثله .. لا قصاص) و"الحاوي" [ص 569]: (أو اشتركا حرية ورقاً) زاد "المنهاج": (وقيل: إن لم تزد حرية القاتل .. وجب) هذا الوجه قال في "أصل الروضة": إنه أشبههما عند المتقدمين، وبه قال الشيخ أبو حامد والماوردي، قال: وأصحهما عند المتأخرين - وهو اختيار القاضي أبي الطيب -: لا قصاص (¬3). قال شيخنا الإمام البلقيني: والمسألة من قاعدة الحصر والإشاعة، فمن حصر الحرية في الحرية والرق في الرق .. حكم بوجوب القصاص، بشرط ألَّا تكون الحرية من القاتل أكثر، ومن أشاع .. منع، والإشاعة هي المعتمد عليها في المذهب في إبطال قاعدة مد عجوة، والمصححة في (البيع) ومجزوم بها في (القراض)، ولكن الأصح في (الفلس) و (الوصية): الحصر. 4592 - قول "التنبيه" [ص 213]: (وإن جنى حر على رجل لا يعرف رقه ولا حريته، فقال الجاني: هو عبد، وقال المجني عليه: أنا حر .. فالقول قول المجني عليه، وقيل: فيه قولان) الأصح: طريقة القولين، وأصحهما: تصديق المجني عليه، لكن يخالفه ما حكاه في "أصل الروضة" عن "البحر" أنه لو قتل حر من لا يعلم أنه حر أو عبد .. فلا قصاص؛ للشبهة. 4593 - قول "المنهاج" [ص 472]: (ولا بقتل ولد وإن سفل) أخصر وأعم من قول "التنبيه" [ص 213]: (ولا يجب القصاص على الأب والجد ولا على الأم والجدة بقتل الولد وولد الولد) ومع ذلك فلو قال: (ولا بقتل فرع) .. لكان أحسن، والمذهب كما في "النهاية": أنه لم يجب القصاص أصلاً، وقيل: وجب ثم سقط (¬4)، فلو قتل منفيه باللعان .. ففي وجوب القصاص عليه وجهان في "أصل الروضة" فيما يحرم من النكاح عن حكاية المتولي (¬5). ¬

_ (¬1) فتح العزيز (10/ 165)، الروضة (9/ 151). (¬2) الحاوي (ص 551). (¬3) الروضة (9/ 150، 151). (¬4) نهاية المطلب (16/ 22). (¬5) الروضة (7/ 109).

4594 - قول "المحرر": (وكذا لو قتل من يرثه ولد القاتل كما لو قتل زوجة ابنه أو زوجته وله منها ولد) (¬1) أسقطه في بعض نسخ "المنهاج" وذكره في بعضها. واعلم: أن عبارة "المنهاج" تقتضي أن الولد لا يكافئ أباه؛ لذكره هذا في فروع المكافأة، وبه قال بعضهم، لكن قال في "البسيط": إنه فاسد، واستدل بأن الولد يكافئ عمه وعمه يكافئ أباه، ومكافئ المكافئ مكافئ. قال ابن الرفعة: وقوله عليه الصلاة والسلام: "المسلمون تتكافأ دماؤهم" (¬2) يدل عليه. 4595 - قول "التنبيه" [ص 213]: (وإن وجب القصاص على رجل فورث القصاص ولده .. لم يستوف) يقتضي أن الولد يرث القصاص الواجب على والده ثم يسقط، والقياس كما قال ابن الرفعة: يقتضي عدم إرثه؛ لأن المسقط قارن سبب الملك وجزم به قبل صدقة المواشي فقال: لا يجب شيء أصلاً، ولا يخفى أن ذكر الرجل مثال. 4596 - قول "المنهاج" [ص 472]: (ويقتل بوالِديهِ) يستثنى منه: والد المكاتب الذي هو ملكه كما تقدم. 4597 - قوله: (ولو تداعيا مجهولاً فقتله أحدهما؛ فإن ألحقه القائف بالآخر .. اقتص، وإلا .. فلا) (¬3) فيه أمران: أحدهما: رجح شيخنا الإمام البلقيني: أنه لا يقتص من القاتل بإلحاق القائف بالآخر؛ لأن قول القائف حجة على خلاف القياس، فيقتصر بها على مجرد لحاق النسب؛ كثبوت هلال رمضان بواحد لا يتعدى لحلول الدين ونحوه، وقال: إنه ظاهر نص "الأم"، وبه جزم الماوردي، وهو المعتمد، قال: وقول صاحب "المطلب" فيما إذا رآه القائف قبل القتل هذه لا خلاف فيها؛ أي: في جواز الإلحاق لا في القود. ثانيهما: أنه دخل في قوله: (وإلا .. فلا) ما إذا ألحقه بثالث، والمجزوم به في "الروضة" وأصلها: وجوب القصاص في هذه الصورة أيضاً (¬4)، لكن قال شيخنا الإمام البلقيني: إنه مردود؛ فإنه لا يثبت بذلك نسب الملحق به، بل يترك حتى يبلغ لو كان حياً وينتسب، وقد تعذر ذلك هنا؛ فلا إلحاق. 4598 - قوله: (ولو قتل أحد الأخوين الأب والآخر الأم معاً .. فلكل واحد قصاص، ويُقَدَّم ¬

_ (¬1) المحرر (ص 390). (¬2) أخرجه أبو داوود (2751) وابن ماجه (2685) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. (¬3) انظر "المنهاج" (ص 472). (¬4) فتح العزيز (10/ 167)، الروضة (9/ 153).

بقرعةٍ، فإن اقتص بها، أو مبادراً .. فلوارث المقتص منه قتل المقتص إن لم نُوَرّث قاتلاً بحق، وكذا إن قتلا مرتباً ولا زوجية، وإلا .. فعلى الثاني فقط) (¬1) فيه أمور: أحدها: أن المراد: الأخوان الشقيقان؛ ولهذا عرّف الأب والأم، وتمام التصوير أن يكونا حائزين، فلو كان معهما وارث آخر .. لم يتم التفريع المذكور. ثانيها: لا يخفى أن القرعة عند التنازع، فلو طلب القصاص أحدهما دون الآخر .. أجيب الطالب. ثالثها: يستغنى عن القرعة أيضاً فيما إذا قطع كل منهما من مقتوله عضواً وماتا بالسراية معاً .. فلكل منهما طلب قطع عضو الآخر حالة قطع عضوه، ذكره شيخنا الإمام البلقيني، ثم إذا مات الأخوان بالسراية معاً أو مرتباً .. وقع قصاصاً. رابعها: ويستغنى عنها أيضاً فيما لو قتلاهما معاً في قطع طريق .. فللإمام أن يقتلهما معاً؛ لأنه حد وإن غلب فيه معنى القصاص، لكنه لا يتوقف على الطلب، ذكره شيخنا الإمام البلقيني أيضًا. خامسها: لوارث المقتص منه قتل المقتص وإن ورثنا القاتل بحق إذا كان محجوباً؛ كأن يكون لذلك الأخ ابن، ذكره في "الروضة، وأصلها (¬2). سادسها: قوله: (وكذا إن قتلا مرتباً ولا زوجية) يقتضي أن التقديم بالقرعة هنا أيضاً، لكن الأرجح عند النووي: أنه يبدأ بالقاتل الأول (¬3)، ولكن قال شيخنا الإمام البلقيني: المعتمد عندنا الإقراع، وهو الذي يفتى به؛ لأن تقديم أحد الحقين في الإيجاب لا يوجب التقديم في الاستيفاء؛ فإن من أتلف مال رجل ثم مال آخر وضاق ماله عنهما .. لا يقدم أولهما، وإنما قيل بالأول فيما إذا قتل جماعة؛ لأن ذاته صارت كالمرتهنة بقصاص الأول، وهنا وجب لكل منهما قصاص على صاحبه وهما متنازعان في التقديم .. فتعين الإقراع، ويمكن حمل كلام "المنهاج" على مجرد إيجاب القصاص لكل منهما على الآخر؛ بدليل قوله: (وإلا .. فعلى الثاني). ثم محل ذلك: في غير قطع الطريق، فأما فيه .. فلا حاجة لإقراع ولا تقديم مبتدئ، وللإمام قتلهما معاً كما تقدم. سابعها: قوله (وإلا .. فعلى الثاني فقط) أي: كانت الزوجية بين الأبوين قائمة، فهو نفي لنفي الزوجية، وإنما اختص القصاص بالثاني؛ لأن الأول ورث من أمه شيئاً مما ورثته من قصاص أبيه الثابت عليه .. فسقط الكل. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 473). (¬2) فتح العزيز (10/ 169)، الروضة (9/ 154). (¬3) انظر "الروضة" (9/ 154).

قال شيخنا الإمام البلقيني: ومحل هذا: إذا لم يكن هناك مانع من إرث، ومنه الدور، حتى لو تزوج الرجل بأمهما في مرض موته ثم وجد القتل المذكور من الولدين .. فلكل منهما القصاص على الآخر مع وجود الزوجية، وعلى هذا: ففي صورة الدور لو ماتت الزوجة أولاً .. لم يمتنع الزوج من إرثها، فإن كان هو المقتول أولاً .. فكل منهما يستحق القصاص على الآخر، وإن كانت هي المقتولة أوَّلًا .. فالقصاص على الثاني، قال: فليتنبه لذلك؛ فإنه من النفائس. قال شيخنا المذكور في "حواشيه": ولم يصر أحد من الأصحاب إلى أنهما يوكلان ويقتص وكيلاهما معاً؛ لأن شرط دوام استحقاق كل منهما قتل صاحبه: أن يكون حياً بصفة الاستحقاق عند قتل غريمه، قال: فلو قتلهما الوكيلان معا .. فهل يقع الموقع؛ لم أقف على نقل فيه. 4599 - قول "المنهاج" [ص 473]: (وللولي العفو عن بعضهم على حصته من الدية باعتبار الرؤوس) وقول "الحاوي" [ص 556]: (والرؤوس إن شارك) يستثنى منه: ما إذا كان الضرب بالسياط أو العِصِي الخفيفة، وكانت ضربات كل واحد منهم قاتلة لو انفردت .. فالأظهر: أن التوزيع على عدد الضربات لا الرؤوس، هذه عبارة الرافعي (¬1)، وعبر عنه في "الروضة" بقوله: كانت الضربات كل واحدة منهن قاتلة (¬2)، وهو غير مستقيم؛ لتصويره أولًا أن الضرب بعصي خفيفة، وأيضأ: فلا نظر حينئذ للعدد، بل يقطع باعتبار الرؤوس كما في الجراح. وإن لم يكن ضرب كل واحد قاتلًا وتواطؤوا وفرعنا على إيجاب القصاص وهو الأصح .. فهل يتوزع على عدد الضربات على الأرجح كالتي قبلها أم على عدد الروس؟ قال شيخنا الإمام البلقيني: القياس الأول. 4600 - قول "التنبيه" [ص 215]: (وإن جرح نفسه وجرحه آخر، أو جرحه سبع وجرحه آخر .. ففيه قولان، أحدهما: يجب القود على الجارح، والثاني: لا يجب) الأصح في الأولى: الوجوب، وعليه مشى "المنهاج" (¬3)، وأما الثانية: فمقتضى كلام "الروضة" وأصلها فيها ترجيح الوجوب أيضاً؛ لأنه حكى فيها طريقين، أشهرهما: طرد القولين في شريك الحربي، والأظهر فيه: وجوب القصاص، والثانية: القطع بعدم القصاص، وصححها القاضي حسين والإمام والغزالي (¬4). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنها غير صحيحة؛ فقد نص في "الأم" على إيجاب القصاص على شريك السبع. انتهى. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (10/ 185). (¬2) الروضة (9/ 166). (¬3) المنهاج (ص 473). (¬4) فتح العزيز (10/ 180، 181)، الروضة (9/ 162)، وانظر "نهاية المطلب" (16/ 79)، و"الوجيز" (2/ 131).

لكن رجح في "تصحيح التنبيه" عدم وجوبه (¬1)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 568]: (لا خاطئاً أو سبعاً) والفرض فيما إذا كان جرح السبع يحصل منه الموت غالباً، وإلا .. فشريك شبه العمد، ومحل الطريقين على ما يقتضيه كلام الإمام: أن يقصده السبع، أما لو وقع عليه بلا قصد .. فلا قصاص قطعاً، وقال البغوي: لا فرق (¬2). وتعبير "الحاوي" بالخاطئ لغة في المخطئ حكاها أبو عبيدة وغيره، لكن المشهور: أنه فاعل ما لا ينبغي عمداً؛ ولذلك عبر "التنبيه" و"المنهاج" بـ (المخطئ). 4601 - قول "المنهاج" [ص 473]: (ولو داوى جرحه بسم مُذففٍ .. فلا قصاص على جارحه) أي: في النفس، وعليه قصاص الجراحة إن اقتضت القصاص، وإلا .. فأرشها. 4602 - قول "التنبيه" [ص 215]: (وإن جرحه واحد جراحة وداوى هو جرحه بسم غير موح ولكنه يقتل غالباً، أو خاط الجرح في لحم حي .. فقد قيل: لا يجب القود على الجارح، وقيل: على قولين) فيه أمران: أحدهما: الأصح: طريقة القولين، وأظهرهما: الوجوب، وعليه مشى في الأولى "المنهاج" فقال [ص 473]: (فشريك جارح نفسه، وقيل: شريك مخطىٍ) و"الحاوي"، لكنه أطلق وجوب القصاص فيما إذا شارك مداويًا (¬3)، وهو محمول على ما إذا كان يقتل غالباً وعلم حاله، وقد صرح بهما "المنهاج" (¬4)، وصرح "التنبيه" بالأول كما قد عرفت. ثانيهما: قال الجيلي: الصواب في التعبير أن يقال: في جلد حيّ؛ إذ لا يخاط على لحم، وقال غيره: إنهم احترزوا باللحم عن الجلد؛ فإنه إذا خاط في جلد حي .. فليس بشريك. 4603 - قول "التنبيه" [ص 215]: (وإن خاط الجرح من له عليه ولاية .. ففيه قولان، أحدهما: يجب القود على الولي والجارح، والثاني: لا يجب على الولي ولا على الجارح) صحح النووي في "تصحيحه": أنه لا قود على الولي، ولم يتعرض للجارح (¬5)، وكلامه في "الروضة" وأصلها يقتضي تصحيح الوجوب على الجارح؛ فإنهما بنياه على ما لو تولاه المجروح، والأصح: الوجوب فيه كما تقدم (¬6). وفي "الكفاية": أن النووي صحح أنه لا قصاص على الجارح، وليس كما نقل عنه، ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (2/ 158). (¬2) انظر "التهذيب" (7/ 48). (¬3) الحاوي (ص 568). (¬4) المنهاج (ص 473). (¬5) تصحيح التنبيه (2/ 158). (¬6) فتح العزيز (10/ 184)، الروضة (9/ 165).

فصل [في تغير حال المجني عليه من وقت الجناية]

ولا يخفى أن محل الخلاف: ما إذا لم يكن أبا ولا جداً، فإن كان أبا أو جداً .. فلا قود عليه، وفي الضمان وجهان. 4604 - قول "التنبيه" [ص 215]: (وإن اشترك جماعة في قتل واحد .. قتلوا به) محله: ما إذا كان فعل كل منهم لو انفرد لقتل، أما لو كان ضرب كل واحد غير قاتل .. فالأصح: أنهم إن تواطئوا على ذلك .. وجب القصاص، وإلا .. فلا، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬1). 4605 - قول "المنهاج" [ص 473]: (ومن قَتَل جمعاً .. قُتِل بأوّلهم) أي: إن لم يعف، فإن عفى .. قتل بالثاني، وهكذا. فصل [في تغير حال المجني عليه من وقت الجناية] 4606 - قول "المنهاج" [ص 474]: (جرح حربياً أو مرتداً أو عبد نفسه فأسلم وعتق ثم مات بالجرح .. فلا ضمان) صورته: أن يكون الجارح مسلما أو ذمياً، فإن كان مرتداً .. وجب القصاص كما تقدم، وتجب الدية هنا على الأصح وإن لم تجب في قتل المرتد مرتداً في الأصح، ولا يرد ذلك على قول "الحاوي" [ص 548]: (معقِّبُ تلفِ معصومٍ لدى التلف والإصابة) لأن المرتد ليس معصومًا بالنسبة لمرتد آخر. 4607 - قول "المنهاج" [ص 474]: (وقيل: تجب ديةٌ) يقتضى أنه في مسألة العبد وجه، وهو في "الروضة" قول (¬2)، لكن الرافعي قال: إنه مخرَّج (¬3)، فصح التعبير عنه بكل منهما، وهي دية حر ومسلم مخففة على العاقلة كما في المسألة عقبها، وعبارة "المحرر" تفهم ذلك (¬4)، وأن كونها مخففة على العاقلة يعود للمسألتين، بخلاف عبارة "المنهاج". 4608 - قوله: (ولو رماهما فأسلم وعتق .. فلا قصاص) (¬5) كان ينبغي أن يقول (رماهم) ليعود الضمير على الحربي والمرتد وعبد نفسه، ولكنه أعاد الضمير على عبد نفسه والكافر بصفتيه، ويرد ذلك على قول "الحاوي" [ص 567]: (لم يفضله لدى الإصابة بإسلام وحرية) لما عرفته من أنه لا قصاص مع كونه لم يفضله حال الإصابة بواحد منهما. 4609 - قول "المنهاج" [ص 474] (والمذهب: وجوب دية مسلمٍ مخففةٍ على العاقلة) نص ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 568)، المنهاج (ص 473). (¬2) الروضة (9/ 167). (¬3) انظر "فتح العزيز" (10/ 187). (¬4) المحرر (ص 391). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 474).

في "الأم" في صورة المرتد على أنها حالة على الجاني (¬1)، حكاه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: إنه المذهب، والحربي مثله، وعبد نفسه أولى، ولم يذكر "المنهاج" حكم عبد نفسه؛ لأنه زاده على "المحرر"، وكان ينبغي أن يقول: (مسلم أو حر). 4610 - قولهما فيما لو ارتد المجروح ومات بالسراية: (ويجب قصاص الجرح في الأظهر ((¬2) تبعا فيه الشيخ أبا حامد، ولكن قال شيخنا الإمام البلقيني: ليس بمعتمد، وإنما نص في "الأم" على إيجاب القصاص (¬3)، ومقابله وجه خرجه ابن سريج. 4611 - قول "المنهاج" [ص 474]: (فيستوفيه قريبه المسلم) المراد: وارثه لولا الردة، فيخرج عنه قريبه الذي ليس وارثا، ويدخل فيه ذو الولاء، فكان ينبغي التعبير بذلك. 4612 - قوله: (وقيل: الإمام) (¬4) يوهم ضعفه، وليس كذلك؛ فقد عزاه ابن كج والماوردي للأكثرين، لكن الرافعي حكى الأول عن الأكثرين (¬5). 4613 - قول "التنبيه" [ص 213]: (وإن قطع مسلم يد مسلم ثم ارتد المجني عليه ورجع إلى الإسلام ومات ولم يمض عليه في الردة زمان يسري فيه الجرح .. فيه قولان، أصحهما: يجب القود) صحح الرافعي والنووي: أنه لا يجب (¬6)، وعليه مشى"المنهاج" لكنه جعل الوجوب وجهاً فقال: (وقيل: إن قصرت الردة .. وجب) (¬7) والذي في "الروضة" وأصلها حكايته قولاً. وضبطُ القصير بما لم يمض في الردة زمان يسري فيه الجرح .. أوضحُ، وتخصيص الخلاف بهذه الحالة طريقة الأكثرين، وأجراهما مطلقاً ابن سريج وابن سلمة وابن الوكيل. وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه أصح؛ لأنه نص في "الأم" على القولين فيما إذا جرح ذمي مستامنًا في بلاد الإسلام، ثم لحق المجروح بدار الحرب، ثم رجع إلينا بأمان (¬8)، قال: وهذا زمان طويل، والحمل على أنه كان بجوار دار الحرب ثم عاد إلينا وجدد العهد عن قرب حملٌ بعيد. 4614 - قوله: (وتجب الدية، وفي قول: نصفها) (¬9) قال الرافعي: قال أكثرهم: موضع ¬

_ (¬1) الأم (6/ 48). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 213)، و "المنهاج" (ص 474). (¬3) الأم (6/ 39). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 474). (¬5) انظر "فتح العزيز" (10/ 191). (¬6) انظر "فتح العزيز" (10/ 193)، و"الروضة" (9/ 170). (¬7) المنهاج (ص 474). (¬8) الأم (6/ 45). (¬9) انظر "المنهاج" (ص 474).

الخلاف ما إذا طالت مدة الإهدار، أما إذا قصرت .. فلا خلاف في وجوب الدية (¬1)، وحكى الإمام طرد الخلاف (¬2). 4615 - قوله: (ولو جرح مسلم ذميًا فأسلم أو حر عبدًا فعتق ومات بالسراية .. فلا قصاص، وتجب دية مسلم) (¬3) كان ينبغي أن يقول: (حر) وكذلك قال في "المحرر" (¬4). لا يغني عن ذلك في العبد إذا عتق أن يقول: دية مسلم؛ لجواز أن يكون العتيق كافراً. 4616 - قوله: (وهي لسيد العبد) (¬5) الضمير عائد على دية المسلم، ولكن قد يكون العتيق كافراً كما تقدم، ثم إنه لا يتعين حق السيد في الذمة، بل للجاني العدول إلى قيمتها وإن كانت الإبل موجودة؛ نظرًا إلى أن حق السيد إنما هو في القيمة، هذا هو الذي رجحه الإمام والغزالي (¬6). 4617 - قوله: (فإن زادت على قيمته .. فالزيادة لورثته) (¬7) محله: فيما إذا لم يكن للجرح أرش مقدر، فإن كان له أرش مقدر؛ كالموضحة .. فللسيد على أصح القولين أقل الأمرين من الدية ومن نصف عشر قيمة العبد، وكلامه في صورة قطع اليد يقتضيه، فإن لم يكن مقدراً ولكنه تابع لمقدر؛ كالجرح على إصبع مثلاً .. فله الأقل من الدية ومن عشر ناقصاً شيئاً باجتهاد الحاكم؛ لأنه لا يمكن زيادة التابع على المتبوع. 4618 - قوله: (ولو قطع يده فعتق فجرحه آخران ومات بسرايتهم .. فلا قصاص على الأول إن كان حراً، ويجب على الآخرين) (¬8) فيه أمران: أحدهما: أنه لا حاجة للتقييد بكونه حراً؛ فإنه فرض المسألة لعود الضمير في قوله: (قطع) على الحر في قوله: (أو حر عبداً). ثانيهما: لا حاجة لقوله: (فجرحه آخران) فلو جرحه واحد فقط .. وجب عليه القصاص، وإنما أثر تعدد الجناية بعد العتق في الواجب للسيد، ولم يتعرض له "المنهاج"، وفيه قولان في "الأم" و"المختصر"، أصحهما: أن له الأقل من ثلث دية حر ونصف قيمته عبداً، والثاني: له الأقل من ثلث دية حر وثلث قيمته عبداً، واختاره المزني (¬9). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (10/ 193). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (16/ 97). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 474). (¬4) المحرر (ص 392). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 474). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (16/ 12، 113)، و"الوجيز" (2/ 132). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 474). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 474). (¬9) الأم (6/ 50)، مختصر المزني (ص 238).

فصل [شروط قود الأطراف والجراحات وما يتعلق بها]

4619 - قول " التنبيه " [ص 220]: (ومن قتل مسلمًا تترس به المشركون في دار الحرب .. فقد قيل: إن علم أنه مسلم .. وجبت ديته، وإن لم يعلم .. لم تجب) هو الأصح. فصلٌ [شروط قود الأطراف والجراحات وما يتعلق بها] 4620 - قول " المنهاج " [ص 475]: (يشترط لقصاص الطرف والجرح ما شُرط للنفس) أخصر وأعم من قول " التنبيه " [ص 215]: (ومن لا يجب عليه القصاص في النفس لا يجب عليه القصاص في الطرف ... إلى آخره) ومع ذلك فأورد عليه شيخنا الإمام البلقيني أمرين: اْحدهما: إذا قلع سن من لم يثغَر .. فإنه لا يفسد غالبًا، ومع ذلك إذا بان فساد المنبت .. وجب القصاص على النص كما سيأتي. ثانيهما: إذا جنى المكاتب على عبده في الطرف .. فله القصاص منه كما نص عليه في " الأم "، سواء تكاتب عليه أم لا، مع أنه لا يقتل به على الأصح كما تقدم (¬1)، قال شيخنا: ولم أر من تعرض لاستثنائهما. 4621 - قول " التنبيه " [ص 224]: (والشجاج في الرأس عشرة) يقتضي أنها لا تأتي في الوجه، لكنه قال بعده: (والموضحة ما توضح العظم في الرأس والوجه) (¬2) ومقتضاه: أن غيرها لا يأتي في الوجه، وعبارة " المنهاج " [ص 475]: (وشجاج الرأس والوجه عشر) ومقتضاه: إمكان جميعها في الوجه، وهو كذلك بالنسبة للجبهة، ويتصور ما عدا المأمومة والدامغة في الخد وقصبة الأنف واللحي الأسفل. 4622 - قول " التنبيه " [ص 224]: (فالحارصة: ما تشق الجلد ولا تدمي) لم يفصح " المنهاج " بأنها لا تدمي؛ ولعله أشار لذلك بقوله: (ما شق الجلد قليلًا) (¬3) " وقول " التنبيه " [ص 224]: (والدامية: ما تشق الجلد وتدمي) مثل قول " المنهاج " [ص 475]: (وداميةٌ تدميه) وإن لم يفصح بشق الجلد؛ للزومه لخروج الدم، ويعتبر فيها ألَّا يقطر الدم كما نص عليه الشافعي وأهل اللغة، فإن سال .. فدامعة - بالعين المهملة - وفسر الإمام والغزالي الدامية بالسيلان (¬4)، ¬

_ (¬1) الأم (8/ 73). (¬2) التنبيه (ص 224). (¬3) انظر " المنهاج " (ص 475). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (16/ 187)، و " الوجيز " (2/ 133).

وليس بصواب كما قال النووي (¬1)، لكن سبقهما إليه ابن الأعرابي كما حكاه عنه الصيدلاني، وقاله القاضي حسين والجوهري في " الصحاح " في أحد جوابيهما (¬2). 4623 - قولهما: (والهاشمة: ما تهشم العظم) (¬3) أي: بعد الإيضاح، وقد أوضحه " التنبيه " بقوله [ص 224]: (وإن ضربه بمثقل فهشم العظم ولم يجرح .. لزمه خمس من الإبل). 4624 - قول " التنبيه " [ص 224]: (والمنقلة: ما لا تبرأ إلا بنقل العظم) قال في " الكفاية ": أي: يُنْقَل ما أزالته الجناية عن موضعه ليرد إلى موضعه كما قال البندنيجي والماوردي (¬4)، أو بنقله عن الرأس بالكلية كما دل عليه كلام " المختصر " فإنه قال: تكسره حتى يتشظى فينقل من عظمه ليلتئم (¬5)، وعبارة " المنهاج " [ص 475]: (ومنقلة تنقله) وعبارة " أصل الروضة ": وهي التي تنقل العظم من موضع إلى موضع، ويقال: هي التي تكسر وتنقل، ويقال: هي التي تكسر العظم حتى يخرج منها فراش العظام، والفراشة: كل عظم رقيق، وفراش الرأس عظام رقاق تلي القحف (¬6). 4625 - قول " المنهاج " [ص 475]: (ولو أوضح في باقي البدن أو قطع بعض مارنٍ أو أذنٍ ولم يُبِنْهُ .. وجب القصاص في الأصح) فيه أمور: أحدها: أنه يقتضي أن الخلاف في ذلك وجهان، وهو في " الروضة " وأصلها في الأخيرتين قولان وفي الأولى وجهان (¬7)، لكن نص في " الأم " و" المختصر " في الأولى على إيجاب القصاص، ومقتضى كلام " الأم " أنه اتفاق (¬8). ثانيها: سيأتي من كلام شيخنا الإمام البلقيني أن الأكثرين على أنه لا قصاص في الأليتين وإن أوضح العظم، قال: فيمكن استثناؤه من الإيضاح، ويمكن ألَّا يستثنى؛ لأنه ليس بإيضاح كامل، ولانفراد الأليتين بحكم مستقل. ثالثها: لا معنى للتقييد بما إذا لم يُبِنْه؛ فإنه لو أبانه .. وجب القصاص أيضًا بخلافٍ، وعبر عنه في " الروضة " بقوله: على الصحيح (¬9). ¬

_ (¬1) انظر " الروضة " (9/ 179)، وقال الدكتور عبد العظيم الديب: (الصواب مع الإمام والغزالي، وأهل اللغة يشهدون لهما لا للإمام النووي ... ) انظر حاشية " نهاية المطلب " (16/ 187). (¬2) الصحاح (3/ 1209). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 224)، و " المنهاج " (ص 475). (¬4) انظر " الحاوي الكبير " (12/ 235). (¬5) مختصر المزني (ص 245). (¬6) الروضة (9/ 180). (¬7) فتح العزيز (10/ 209، 210)، الروضة (9/ 183). (¬8) الأم (6/ 8)، مختصر المزني (ص 242). (¬9) الروضة (9/ 183).

ولو بقي معلقًا بجلدة فقط .. وجب القصاص أو كمال ديته كما في " الروضة " وأصلها؛ لأنه أبطل فائدة العضو، ثم إذا انتهى القطع في القصاص إلى تلك الجلدة .. حصل القصاص، ثم يراجع أهل الخبرة في تلك الجلدة، وتفعل مصلحته من قطع أو ترك (¬1). 4626 - قوله: (ويجب في القطع من مفصل حتى في أَصل فخذٍ ومنكبٍ إن أمكن بلا إجافةٍ، وإلا .. فلا على الصحيح) (¬2) أطلق موضع الخلاف، وهو مقيد بما إذا أجاف الجاني بقطعه من الفخذ أو المنكب، وقال أهل النظر: يمكن أن يجاف مثل تلك الجائفة بلا زيادة، كذا في " الروضة " وأصلها، وفي " الروضة ": إن هذا الوجه شاذ (¬3)، وفيه نظر؛ فقد حكاه في " النهاية " عن الأصحاب في الطرف (¬4). 4627 - قول " المنهاج " [ص 475]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 574]: (وكذا أليان وشفران في الأصح) فيه أمران: أحدهما: نقل الإمام الاتفاق على أنه لا قصاص في الأليتين (¬5)، وفي " التتمة ": إنه المذهب، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه المعتمد عند الأكثرين. ثانيهما: أنه جعل الخلاف في الشفرين وجهين، وقد نص في " الأم " على إيجابه (¬6)، وجزم به "التنبيه " (¬7). 4628 - قول " المنهاج " [ص 475]: (وله قطع أقرب مفصل إلى موضع الكسر) فيه أمور: أحدها: قيده شيخنا الإمام البلقيني بأن يحصل بالكسر انفصال العضو، قال: وقد ذكر بعده ما يدل عليه في قوله: (ولو كسر عضده وأبانه) (¬8) قال: فلو حصل الكسر من غير انفصال .. فليس له أن يقطع أقرب مفصل إلى موضع الكسر، لكن في " الحاوي " [ص 570]: (وأقرب مفصل بالهشم) وشرحه في " التعليقة " بأنه لو هشم عظم ساعده أو ساقه .. قطع من الجاني اليد من الكوع ورجله من الكعب، ولا يقطع من المرفق والركبة، وتبعه القونوي، وهو مخالف لما ذكره شيخنا من التقييد بانفصال العضو، والله أعلم. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (10/ 213)، الروضة (9/ 183). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 475). (¬3) فتح العزيز (10/ 1212)، الروضة (9/ 182). (¬4) نهاية المطلب (16/ 186). (¬5) انظر " نهاية المطلب " (16/ 406، 407). (¬6) الأم (6/ 75). (¬7) التنبيه (ص 227). (¬8) انظر " المنهاج " (ص 476).

ثانيها: عبارته وعبارة " الحاوي " تقتضي أنه إذا كسر عظم العضد .. لا يمكن من قطع الكوع، وسيأتي في " المنهاج " تصحيح الجواز، لكن صحح شيخنا الإمام البلقيني مقابله كما سيأتي. ثالثها: قد يفهم من قولهما: (أقرب مفصل) (¬1) أنه يعتبر إتحاده، وليس كذلك، فلو كسر العظم من نفس الكوع .. فله التقاط الأصابع وإن تعددت المفاصل كما جزم به في " الروضة " وأصلها (¬2). قال شيخنا الإمام البلقيني: وفيه نظر، قال: ولو أراد أن يلقط الأنامل العليا أو التي قبلها .. فهل يجيء فيه الخلاف في العدول من المرفق إلى الكوع، أم يقطع هنا بالمنع؛ لأنه تعددت المفاصل؟ ولنا مندوحة عن ذلك بأن يقطع من أصول الأصابع، هذا محتمل، والأرجح: الأول. 4629 - قول " المنهاج " فيما لو قطعه من كوع فالتقط أصابعه [ص 476]: (والأصح: أن له قطع الكف بعده) كذا حكاه في " الروضة " وأصلها عن البغوي، لكنه حكى عن الإمام فيما لو قطع الجاني من المرفق فقطعه المجني عليه من الكوع، ثم أراد بعده قطع المرفق .. أنّا لا نسعفه بذلك أصلًا، قال: وجعله في " التهذيب " على وجهين؛ أي: المتقدم ذكرهما، قال الرافعي: ولا بد من التسوية بين الصورتين (¬3). قال شيخنا الإمام البلقيني: والأصح: أنه لا يمكن من ذلك في الصورتين، ويعضده أنه لو كسر الجاني العضد فقطعه المجني عليه من الكوع ثم أراد العود إلى المرفق .. لم يمكن منه جزمًا. 4630 - قوله فيما لو كسر عضده: (فلو طلب الكوع .. مُكِّن في الأصح) (¬4) قال في " المحرر ": إنه رجح (¬5)، وحكاه في " الروضة " وأصلها عن البغوي (¬6)، وقال في " الشرح الصغير ": إن مقابله أولاهما، وقال في " الروضة " وأصلها: إن إيراد الروياني وغيره يشعر بترجيحه (¬7). قال شيخنا الإمام البلقيني: وما ذكره في " المحرر " و" المنهاج " أرجح. 4631 - قول " التنبيه " [ص 219]: (وإن كان لطمه حتى ذهب الضوء .. فعل به مثل ذلك) ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 570)، المنهاج (ص 475). (¬2) فتح العزيز (10/ 216)، الروضة (9/ 185). (¬3) فتح العزيز (10/ 214، 215)، الروضة (9/ 184)، وانظر " نهاية المطلب " (16/ 221)، و" التهذيب " (7/ 108). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 476). (¬5) المحرر (ص 394). (¬6) فتح العزيز (10/ 215)، الروضة (9/ 184)، وانظر " التهذيب " (7/ 107). (¬7) فتح العزيز (10/ 215)، الروضة (9/ 184).

شرطه: أن تكون تلك اللطمة تذهب الضوء غالبًا؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 476]: (ولو لطمه لطمة تذهب ضوءه غالبًا فَذَهَبَ .. لطمه مثلها) وكذا حكاه الرافعي عن نص " الأم "، ونسبه في " المهذب " إلى بعض الأصحاب، ثم قال: ويحتمل ألَّا يقتص باللطمة، واستحسنه الرافعي، وجعله البغوي وجهًا وصححه (¬1). ثم محل القصاص بها: ما إذا ذهب من العينين، فلو ذهب من إحداهما .. لم يلطم؛ لاحتمال أن يذهب منهما، وقول " المنهاج " [ص 476]: (فإن لم يذهب .. أُذهِبَ) أي: إن أمكن، وإلا .. أخذت الدية، وصرح به " التنبيه " (¬2). 4632 - قول " المنهاج " [ص 476]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 559]: (والسمع كالبصر يجب القصاص فيه بالسراية) حكاه في " أصل الروضة " عن تصحيح الإمام نقلًا ومعنى (¬3)، ونص الشافعي على خلافه فقال: ولا قود في ذهاب السمع؛ لأنه لا يُوصِّل إلى القود فيه (¬4)، حكاه عنه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: هو المعتمد، وبه جزم في " المهذب "، ولا توقف فيه (¬5). 4633 - قول " المنهاج " [ص 476]: (وكذا البطش والذوق والشم في الأصح) و" الحاوي " [ص 564]: (والحواس والبطش) قال شيخنا الإمام البلقيني: الأصح في الثلاثة: أنه لا قصاص فيها؛ لأنه لا مقر لها ولا حد لها يوقف عليه، فهي كالسمع الذي نص على أنه لا قصاص فيه، وجزم في " المهذب " بأنه لا قصاص في الشم، وهذا واضح لا توقف فيه. انتهى (¬6). وقال الإمام: ولا يبعد إلحاق الكلام بالحواس، فيكون أولى من البطش (¬7). ¬

_ (¬1) فتح العزيز (10/ 218، 219)، وانظر " الأم " (6/ 7)، و " المهذب " (2/ 187)، و" التهذيب " (7/ 95). (¬2) التنبيه (ص 219). (¬3) الروضة (9/ 186)، وانظر " نهاية المطلب " (16/ 208). (¬4) انظر " الأم " (6/ 68). (¬5) المهذب (2/ 180). (¬6) المهذب (2/ 180). (¬7) انظر " نهاية المطلب " (16/ 208).

باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

بابُ كيفيّة القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 4634 - قال شيخنا الإمام البلقيني: الترجمة غير مطابقة للمذكور في الباب، والمطابق له (باب المماثلة في القصاص ومستوفيه والاختلاف بين الجاني وخصمه). قلت: كيفية المماثلة فيه والاختلاف فيه إنما يكون بين الجاني وخصمه، فكلا العبارتين مؤد للغرض، والله أعلم. 4635 - قول " المنهاج " [ص 477]: (ولا زائدٌ بزائدٍ في محلٍّ آخر) مفهومه: قطعه به إذا كان في محله، ويستثنى منه: ما إذا كانت زائدة الجاني أتمّ؛ بأن يكون لها ثلاث مفاصل ولزائدة المجني عليه مفصل أو مفصلان، فلا يقطع بها؛ لأنه أعظم من تفاوت المحل. قال في " أصل الروضة ": نقلوه عن النص (¬1). 4636 - قول " التنبيه " [ص 216]: (ولا زائد بأصلي) محله: ما إذا لم يكن في محل الأصلي، فإن كان في محله .. أخذ به من غير أرش. 4637 - قول " المنهاج " [ص 477]: (ولا يضر تفاوت كِبَرٍ وطولٍ وقوةِ بطشٍ في أصليٍّ، وكذا زائدٌ في الأصح) يستثنى منه: ما إذا كانت أصابع إحدى يديه وكفها أقصر من الأخرى .. فلا قصاص في القصيرة إذا قطعها صاحب اليد المستوية مع الأخرى؛ لأنها ناقصة، وفيها دية ناقصة حكومة، حكاه في " أصل الروضة " عن البغوي، وأقره (¬2). قولهم: (بوجوب القصاص في الموضحة) (¬3) محله: ما إذا كان على رأس المجني عليه الجناية شعر، فإن لم يكن .. لم يُمَكَّنْ من القصاص؛ لما فيه من إتلاف شعر لم يتلفه الجاني، نص عليه في " الأم " (¬4)، واقتصر عليه في " الروضة " وأصلها (¬5)، لكن ذكر الماوردي: أنا نحلق موضع الشجة من رأس الجاني قبل إيضاحها سواء كان على رأس المجني عليه شعر أم لم يكن (¬6)، وظاهر نصه في " المختصر " يدل عليه (¬7). قال ابن الرفعة: وطريق الجمع بين النصين: أن يحمل الأول على ما إذا كان عدم الشعر برأس ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 189). (¬2) الروضة (9/ 203)، وانظر " التهذيب " (7/ 112). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 215)، و " الحاوي " (ص 561)، و " المنهاج " (ص 477). (¬4) الأم (6/ 64). (¬5) فتح العزيز (10/ 226)، الروضة (9/ 192). (¬6) انظر " الحاوي الكبير " (12/ 171). (¬7) مختصر المزني (ص 242).

المشجوج لفساد منبته، والآخر على ما إذا لم يكن لأجل ذلك، بل كان محلوقًا. 4638 - قول " المنهاج " [ص 477]: (ولو زاد المقتص في موضحة على حقه .. لزمه قصاص الزيادة) محله: ما إذا لم تكن الزيادة باضطراب المقتص منه، فإن كانت باضطرابه .. فلا ضمان، فلو قال: تولدت باضطرابك، وأنكر .. ففي المصدق منهما وجهان بلا ترجيح في " الروضة " (¬1). قال شيخنا الإمام البلقيني: الأرجح: تصديق المقتص منه، ثم إنه إنما يقتص في الزيادة بعد اندمال موضحته التي في رأسه. 4639 - قوله: (ولو أوضحه جمعٌ .. أوضح من كل واحد مثلها، وقبل: قِسْطُهُ) (¬2) فيه أمور: أحدها: كان ينبغي التعبير بقوله: (ولو اشترك جمع في موضحة) لصدق عبارته بما إذا انفرد كل واحد بإيضاح جزء، ولا خلاف هنا في إيضاح كل بقدر موضحته. ثانيها: محل الوجه بالقسط: ما إذا أمكن، وإلا .. تعين الأول، ذكره شيخنا الإمام البلقيني بحثًا، وهو واضح. ثالثها: مقتضاه: أن الخلاف وجهان، وكذا في " المحرر " (¬3)، وهو في " الروضة " وأصلها احتمالان للإمام بلا ترجيح، ونقلا عن البغوي القطع بالأول (¬4)، وحكى شيخنا الإمام البلقيني الأول عن نص " الأم " (¬5). رابعها: قد يتوهم منه ترجيح أنه إذا آل الأمر للدية .. وجب على كل واحد دية موضحة كاملة، وهو الذي رجحه الإمام، لكن الذي قطع به البغوي إيجاب القسط، وصوبه شيخنا الإمام البلقيني، وحكاه عن قطع الماوردي، وقال: إنه مقتضى نص " الأم " فإنه جعله كالنفس، والنفس لا تتعدد ديتها فكذلك الموضحة، ووقع في " الروضة " عن كل من الإمام والبغوي عكس ما نقلناه عنه، وهو غلط، وذكره الرافعي على الصواب. 4640 - قولهما: (ولا نقطع صحيحة بشلاء) (¬6) محمول على اليد والرجل، أما الذَّكر .. فقد صرحا به بعد ذلك، وأما الأنف والأذن .. فأصح القولين: أنه يؤخذ الصحيح منهما بالمستحشف، وهو الأشل، وقد ذكره في " التنبيه " (¬7)، لكن نازع فيه شيخنا الإمام البلقيني ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 191). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 477). (¬3) المحرر (ص 395). (¬4) فتح العزيز (10/ 226)، الروضة (9/ 191)، وانظر " نهاية المطلب " (16/ 200، 201)، و " التهذيب " (7/ 27). (¬5) الأم (6/ 22، 23). (¬6) انظر " التنبيه " (ص 216)، و " المنهاج " (ص 477). (¬7) التنبيه (ص 216).

وقال: إنه غير معتمد، قال: والصحيح في (الديات): أنه إذا جنى على أذن فاستحشفت .. لزمته ديتها، وإن قطع مستحشفة .. لزمته حكومة، فكيف يستقيم أخذ الصحيحة بها؟ ويرد ذلك على " المنهاج " بتقدير العموم في كلامه على مقتضى تصحيح " الروضة " و" التنبيه " (¬1)، والله أعلم. واعلم: أنه يستثنى من ذلك أيضًا: ما إذا كانت النفس مستحقة الإزهاق للمجني عليه .. فلا منع حينئذ من أخذ الصحيحة بالشلاء ولا الشلاء بالصحيحة وإن لم تنحسم العروق، ويطرد ذلك في جميع صور رعاية المماثلة في الأطراف، فتؤخذ حينئذ كاملة الأصابع بناقصتها أو فاقدتها، ذكره الرافعي في كيفية المماثلة (¬2). قال شيخنا الإمام البلقيني: وخرجت على ذلك أنه تقطع اليمين باليسار إذا كان فاقد اليسار، قال: وقد يتوقف في هذا، والأرجح: المنع. 4641 - قول " المنهاج " [ص 477]: (فلو فعل .. لم يقع قصاصًا، بل عليه ديتها، فلو سرى .. فعليه قصاص النفس) محله: ما إذا لم يأذن الجاني، فإن أذن في قطعها فسرى إلى النفس .. فلا قصاص في النفس، ثم إن كان الجاني قال: (اقطع) وأطلق .. كان القاطع مستوفيًا، ولا شيء عليه، وإن قال: (اقطعها عوضًا عن يدك أو قصاصًا) .. فوجهان، قطع البغوي بأن عليه نصف الدية وله الحكومة؛ لأنه لم يبدلها مجانًا، والثاني: لا شيء على المجني عليه، وكان الجاني أدى الجيد عن الرديء وقبضه المستحق، كذا في " الروضة " وأصلها (¬3). لكن قال شيخنا الإمام البلقيني: الصواب إجراء الخلاف في الصور الثلاث، والأصح فيها: أنه لا يقع قصاصًا. 4642 - قول " التنبيه " [ص 216]: (وتؤخذ الشلاء بالصحيحة) قال في " المنهاج " [ص 478]: (إلا أن يقول أهل الخبرة: " لا ينقطع الدم "). 4643 - قوله: (والصحيح: قطع ذاهبة الأظفار بسليمتها) (¬4) يقتضي جريان خلاف فيه، ولا وجه له، ولم يحكه غيره، وعبارة " المحرر ": (والظاهر أن سليمة الأظفار لا تقطع بالتي لا أظفار لها وتقطع هي بالسليمة) (¬5) فلزم من تقديم " المنهاج " الثانية على الأولى هذا الخلل، ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 216)، الروضة (9/ 195، 196). (¬2) فتح العزيز (10/ 279). (¬3) فتح العزيز (10/ 227)، الروضة (9/ 193)، وانظر " التهذيب " (7/ 108، 109). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 478). (¬5) المحرر (ص 395).

والأقيس كما قال شيخنا الإمام البلقيني: أن له حكومة الأظفار، قال: ولم أر من تعرض له. 4644 - قوله: (دون عكسه) (¬1) حكاه الرافعي عن العراقيين وغيرهم، ونسب إلى النص (¬2)، وقال الإمام على سبيل الاحتمال: القياس جريان القصاص وإن عدمت الأظفار (¬3)، وجزم به في " الوجيز " (¬4)، وترك المنقول الظاهر. وحكى شيخنا الإمام البلقيني النص عن " الأم "، ولفظه: (وإذا قطع الرجل أنملة الرجل ولا ظفر للمقطوع أنملته فسأل القصاص .. لم يكن له ذلك) (¬5) فكان ينبغي أن يقول: (على النص)، وتعبير " المنهاج " بـ (ذاهبة الأظفار) كتعبير " الوسيط " بـ (مقلوعة الأظفار) (¬6) ومقتضاه: زوالها بعد وجودها. قال في " المطلب ": ولفظ النص: (وإن لم يكن له أظفار) وفيه تخريج الإمام، ولا يلزم من إجراء القصاص في التي لم يخلق لها أظفار إجراؤه في التي خلقت أظفارها وأزيلت، ويشهد له التفرقة بين قلة البطش من أصل الخلقة وبالجناية، قال: نعم؛ حكى القاضي الحسين في " تعليقه " النص في حالة قلع الأظفار. قلت: وقد قدمت لفظ النص: (ولا ظفر للمقطوع) وهو صادق بما إذا كان فقده أصليًا وعارضًا، والظاهر أنه لا فرق، والله أعلم. 4645 - قوله: (وفي قلع السن قصاصٌ، لا في كسرها) (¬7) حكاه الرافعي عن البغوي وغيره، قال: وحكى ابن كج عن نصه في " الأم " أنه إذا كسر بعض سنه وقال أهل الخبرة: يمكن استيفاؤه بلا زيادة ولا صَدْع في الباقي .. اقتص منه، وقطع به في " المهذب ". انتهى (¬8). وحكاه في " الكفاية " عن الماوردي أيضًا، وحكى شيخنا الإمام البلقيني هذا النص في " الأم "، ولفظه: (وإذا كسر الرجل من الرجل من نصفها .. سألت أهل العلم؛ فإن قالوا: يقدر على كسرها من نصفها بلا إتلاف لبقيتها ولا صدع .. أحد، وإن قالوا: لا يقدر على ذلك .. لم أحده) (¬9)، قال شيخنا: وهذا هو الثابت عن رسول الله صلى الله وسلم في قصة الرُّبَيِّع لما كسرت ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 478). (¬2) انظر " فتح العزيز " (10/ 228، 229). (¬3) انظر " نهاية المطلب " (16/ 252)، وانظر تعليق الدكتور عبد العظيم الديب حاشية (6). (¬4) الوجيز (2/ 135). (¬5) الأم (6/ 63). (¬6) الوسيط (6/ 295). (¬7) انظر" المنهاج " (ص 478). (¬8) فتح العزيز (10/ 233)، وانظر " الأم " (6/ 63)، و " التهذيب " (7/ 102)، و" المهذب " (2/ 180). (¬9) الأم (6/ 63).

ثنية امرأة .. فأمر عليه الصلاة والسلام بكسر ثنيتها (¬1)، والمذهب: القطع به. 4646 - قولهم - والعبارة لـ " التنبيه " -: (فإن قلع سن صغير لم يثغر .. لم يجز أن يقتص حتى يؤيس من نباتها) (¬2) أورد عليه شيخنا الإمام البلقيني أمرين: أحدهما: لو قلعها استصلاحًا لا جناية ثم بان فساد المنبت .. لم يجب القصاص؛ لأنه منزل منزلة الخطأ، ولا قصاص في خطأ ولا شبه عمد. ثانيهما: أن مقتضاه: أنها لو عادت ناقصة .. لا قصاص، لكن إذا قلنا بإيجاب القصاص في كسر السن - وهو النص كما تقدم - .. اقتص هنا فيما زاد على قدر الناقصة إن أمكن، ويشترط في القصاص في السن شروط: أحدها: ألَّا تصل في الصغر إلى حد تبطل به منفعتها بحيث لاتصلح للمضغ، فالتي هي كذلك .. لا تقلع بها سن فيها منفعة. ثانيها: ألَّا يكون فيها نقص ينقص به أرشها؛ كأن يكون ثناياه كرباعيته أو انقص أو إحدى ثنيتيه أنقص من أختها .. فلا تقلع بها سن ليست كذلك، بناءً على أنه لا يكمل فيها الأرش، وهو قول الأكثرين. ثالثها: ألَّا تكون مضطربة اضطرابًا شديدًا بهرم أو مرض أو جناية غير القالع .. فلا يقلع بها إلا مثلها. رابعها: أن يكون السن التي يقتص منها مثغورة، فلو قلع بالغ لم يثغر سن مثغور بالغ .. فقال شيخنا الإمام البلقيني: قواعد المذهب تقتضي عدم القصاص؛ لأنها ليست عضو قصاص، والمنقول في " أصل الروضة " عن ابن كج: تخيير المجني عليه بين الأرش والقصاص بلا أرش، وعن أبي الفرج الزاز، التخيير بين القصاص في الحال بشرط أنه لا حق له فيما يعود وبين الصبر إلى أن يصير مثغورًا (¬3)، قال شيخنا: والتحقيق أنه ليس له سوى الأرش؛ لعدم المماثلة. فإن سقطت ونبتت أخرى قبل أخذ الأرش .. فهل له القصاص لحصول التساوي أم لا لعدم وجوبه حالة الجناية؟ يحتمل تخريجه على الخلاف فيما لو قطع يد شلاء ثم شلت يده، والأرجح فيها: ثبوت القصاص، ويحتمل الفرق بأن اليد كانت هناك موجودة ولكن تبدلت صفتها، ويحتمل أن تكون هذه أولى بالقصاص من صورة الشلل. انتهى. وقول " المنهاج " [ص 478]: (ولا يُستوفى له في صغره) غير محتاج إليه؛ فسيأتي في قوله ¬

_ (¬1) انظر " صحيح البخاري " (2556)، و " صحيح مسلم " (1675). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 219)، و " الحاوي " (ص 561)، و" المنهاج " (ص 478). (¬3) الروضة (9/ 201).

(ويُنتظر غائبهم وكمال صبيهم) (¬1) فلو مات قبل بلوغه .. اقتص وارثه في الحال، ولو مات قبل اليأس وقبل تبين الحال .. فلا قصاص، وفي الدية وجهان. 4647 - قول " التنبيه " [ص 216]: (ولا تؤخذ كاملة الأصابع بناقصة الأصابع) قد يفهم منع القصاص وتعين الدية، وليس كذلك؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 478]: (ولو قطع كاملٌ ناقصةً؛ فإن شاء المقطوع .. أخذ دية أصابعه الأربع، وإن شاء .. لقطها). 4648 - قوله: (والأصح: أن حكومة منابتهن تجب إن لقط لا إن أخذ ديتهن) (¬2) موافق لتعبير " الروضة " في الحالة الأولى بالأصح، لكنه مخالف لتعبيره في الثانية بالصحيح (¬3)، ونص الشافعي على الحالة الأولى؛ فكان ينبغي التعبير فيها بالنص. 4649 - قوله: (وأنه تجب في الحالين حكومة خمس الكف) (¬4) أي: حالة اللقط وحالة أخذ الدية، والذي في " الروضة " وأصلها الجزم في الأولى بالوجوب والتعبير في الثانية بالصحيح (¬5). وحكى شيخنا الإمام البلقيني عن نص " الأم " إيجاب الحكومة بالنسبة لجميع الكف (¬6)، ونازع شيخنا في إيجاب حكومة خمس الكف، وقال: الواجب خمس الحكومة لا حكومة الخمس؛ لأن حكومة خمس الكف أقل من خمس الحكومة، والواجب في صورة اللقط حكومة كاملة أربعة أخماسها عن منبت أصابعه التي قطعت من المجني عليه، ووقع في " المحرر " و" الروضة " وأصلها حكومة خمسها الذي يقابل منبت أصبعه الباقية (¬7)، قال شيخنا: وهو وهم، والصواب: منبت أصبعه الثانية؛ لأن الحكومة تجب لحق المجني عليه، والنظر إلى كفه لا إلى كف الجاني، وأما في صورة أخذ الدية .. فقد دخلت أربعة أخماس الحكومة في دية الأصابع الأربع، فبقي له خمس الحكومة. 4650 - قوله: (ولو قطع كفًا بلا أصابع .. فلا قصاص إلا أن تكون كفه مثلها) (¬8) إن حمل على حالة الجناية؛ اقتضى أنه لو سقطت أصابع الجاني بعد الجناية .. لم يقطع كفه، وليس كذلك؛ فالمذهب: ثبوت القصاص، وإن حمل قوله: (يكون) على تصير .. أمكن، ويؤخذ منه ما وجد كذلك بطريق الأولى، لكنه بعيد. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 479). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 478). (¬3) الروضة (9/ 202). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 478). (¬5) الروضة (9/ 202). (¬6) الأم (6/ 53). (¬7) المحرر (ص 396)، فتح العزيز (10/ 239)، الروضة (9/ 202). (¬8) انظر " المنهاج " (ص 478).

فصل [في الاختلاف]

4651 - قوله: (ولو قطع فاقد الأصابع كاملها .. قطع كفه وأخذ دية الأصابع) (¬1) في " أصل الروضة " أن ابن كج حكاه عن النص (¬2). وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم أقف عليه منصوصًا، والتحقيق: أنه لا يأخذ دية الأصابع كاملة، بل يأخذها ناقصة حكومة الكف ويقطع الكف؛ لئلا يؤدي إلى أخذ زيادة على ما يستحقه؛ فإن دية الأصابع تستتبع الكف. 4652 - قوله: (ولو شلت إصبعاه فقطع يدًا كاملة؛ فإن شاء .. لقط الثلاث السليمة وأخذ دية إصبعين) (¬3) يقتضي الاكتفاء بذلك مع أنه بقي له ثلاثة أخماس حكومة الكف، وقد يفهم ذلك مما تقدم فيما لو قطع كامل ناقصة. فصلٌ [في الاختلاف] 4653 - قول " التنبيه " في (باب الدعوى والبينات) [ص 262]: (وإن قطع ملفوفًا فادعى الولي أنه قتله وادعى الضارب أنه كان ميتًا .. ففيه قولان، أصحهما: أن القول قول الضارب) الأصح: تصديق الولي، وعليه مشى " المنهاج " (¬4)، وفيه أمور: أحدها: قد يفهم من ترجيح تصديق الولي إيجاب القصاص، وقد قال النووي من زيادته: تجب الدية دون القصاص، ذكره المحاملي والبغوي، وقال المتولي: هو على الخلاف في استحقاقه بالقسامة (¬5)، والأصح فيه: المنع، لكنه ذكر في " أصل الروضة " في آخر (باب الشهادة على الدم) نفي القصاص عن الشيخ أبي حامد، وإيجابه عن السرخسي والقاضي أبي الطيب وغيرهما (¬6)، وذلك يفهم نقل إيجاب القصاص عن الأكثرين، ورجحه شيخنا الإمام البلقيني تفريعًا على هذا القول. ثانيها: رجح شيخنا الإمام البلقيني تصديق الجاني، وحكى عن الماوردي أن الربيع تفرد بنقل مقابله، وعن القاضي أبي الطيب أنه نسبه للقديم، قال: وممن صحح تصديق الجاني الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والشيخ أبو إسحاق في " التنبيه " والروياني، قال: ولم أجد في ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 478). (¬2) الروضة (9/ 203). (¬3) انظر " المنهاج " (ص 478). (¬4) المنهاج (ص 479). (¬5) الروضة (9/ 210). (¬6) الروضة (10/ 41).

تصنيف من الطريقين تصحيح ما صححه الرافعي والنووي. ثالثها: قال شيخنا الإمام البلقيني: محل الخلاف: فيما إذا عُهدت للملفوف حياة، وإلا .. فالمصدق الجاني قطعًا كالسقط. رابعها: ظاهر قول " المنهاج " [ص 479]: (بيمينه) الاكتفاء بيمين واحدة، وبه صرح ابن الصباغ، وليس كذلك، بل لا بد من خمسين يمينًا، قاله شيخنا الإمام البلقيني. 4654 - قول " التنبيه " [ص 217]: (وإن اختلفا في الشلل؛ فإن كان ذلك في عضو ظاهر .. فالقول قول الجاني، وإن كان في عضو باطن .. فالقول قول المجني عليه، وقيل: فيهما قولان) محل تصديق الجاني في العضو الظاهر: إذا أنكر أصل السلامة، فإن ادعى حدوث الشلل .. فالقول قول المجني عليه أيضًا؛ ولذلك قال " المنهاج " [ص 479]: (فالمذهب: تصديقه إن أنكر أصل السلامة في عضو ظاهر، وإلا .. فلا) وأورد عليه شيخنا الإمام البلقيني: أن الراجح في المسألة طريقة القولين، إلا في تصديق الجاني في إنكار أصل السلامة في عضو ظاهر؛ فإن الأصح: القطع به، فتصديق المجني عليه في حدوث النقص وفي العضو الباطن ليس مقطوعاً به، وإنما هو على أصح القولين، ولا يرد ذلك عليه؛ لأن تعبيره بالمذهب لا يدل على ترجيح طريقة القطع بما ذكره، وإنما يدل على أن في المسألة طريقين أو طرقًا في الجملة، والله أعلم. 4655 - قوله: (أو يديه ورجليه فمات وزعم سراية، والولي اندمالًا ممكنًا أو سببًا .. فالأصح: تصديق الولي) (¬1) فيه أمور: أحدها: كان ينبغي التعبير بالنص دون الأصح؛ فإنه المنصوص في " الأم " و" المختصر " (¬2). ثانيها: أنه لم يتعرض ليمين الولي، وقد قطع الأكثرون باعتبارها، وذكر ابن الصباغ والروياني وغيرهما أنه إن مضت مدة طويلة لا يمكن أن تبقى الجراحة فيها غير مندملة .. فالقول قوله بلا يمين، وإن أمكن الاندمال وعدمه .. فلا بد من يمين. قال الرافعي: ويشبه أن يقال: ليس لمدة الاندمال ضبط، وقد تبقى الجراحة سنين، فلا بد من اليمين، وهو الذي في " التهذيب " وغيره (¬3)، وأسقط في " الروضة " هذا البحث. ثالثها: أن محل تصديقه فيما إذا ذكر سببًا: ما إذا عينه أو لم يعينه وأمكن الاندمال في المدة، فإن لم يعينه ولا أمكن الاندمال .. لم يصدق، قاله الصيدلاني، وكلام الإمام يقتضي ترجيحه (¬4). ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 479). (¬2) الأم (6/ 71)، مختصر المزني (ص 243). (¬3) فتح العزيز (10/ 251، 252)، وانظر " التهذيب " (7/ 122). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (16/ 284، 285).

رابعها: قال شيخنا الإمام البلقيني: الأصح المعتمد: أنه إذا ادعى سببًا غير الاندمال وعينه .. أن القول قول الجاني؛ لأن الأصل عدمه، ويحمل نص " المختصر ": (وقال الولي: مات من غيرهما) على الاندمال كما هو مقتضى نص " الأم "، قال: فإن لم يعين السبب وأمكن الاندمال .. ففيه تردد، والأرجح: تصديقه كدعوى المودع التلف مطلقًا؛ فإنه يحمل على الخفي ويحلف. 4656 - قوله: (وكذا لو قطع يده وزعم سببًا والولي سرايةً) (¬1) فيه أمران: أحدهما: يستثنى من كلامه: ما إذا كان السبب الذي ادعاه الجاني هو الاندمال مع إمكانه .. فالأصح: تصديقه، وكأنه أراد بالسبب غير الاندمال الممكن؛ لعطفه عليه في المسألة قبلها. ثانيهما: أن مقتضاه: تصديق الولي، وهو الأصح في " أصل الروضة " (¬2)، ولم يحكِ الرافعي تصحيحه إلا عن البغوي (¬3)، وهو مشكل بما تقدم من تصحيح تصديق الولي في قطع اليدين والرجلين، فقياسه: تصديق الجاني هنا؛ لأن الأصل عدم وجوب الزيادة التي يدعيها الولي، وأما على ما صححه شيخنا الإمام البلقيني هناك من تصديق الجاني .. فقياسه هنا: تصديق الولي، قال شيخنا المذكور: فإن كان السبب مطلقًا وأمكن الاندمال .. فالقول قول الجاني بيمينه على ما سبق في الصورة قبلها. 4657 - قول " الحاوي " [ص 563]: (وإن حلف أنه بعد الاندمال .. فأرشان) أي: وإن أوضحه موضحتين وحلف المجني عليه أن الجاني رفع الحاجز بعد الاندمال .. وجب على الجاني أرشان، ومحله: ما إذا مضت مدة يمكن فيها ذلك، فإن لم يمكن .. فالمصدق الجاني بيمينه، وقد ذكر ذلك " المنهاج "، لكنه عبر عنه بقوله [ص 479]: (ولو أوضح موضحتين ورفع الحاجز وزعمه قبل اندمال .. صُدق إن أمكن، وإلا .. حُلِّف الجريح وثبت أرشان) فوضع التقييد بالإمكان في غير موضعه، وإنما يحتاج إليه في الحالة الثانية، وهي دعوى المجني عليه: أَنَّ رفعه بعد الاندمال .. فيصدق إن أمكن ذلك، وإنما يقال في الحالة الأول: صُدق إن لم يمكن الاندمال. وعبارة " أصل الروضة ": قال الأصحاب: إن قصر الزمان .. صدق الجاني بيمينه (¬4). واستشكله شيخنا الإمام البلقيني بأنه إن كان المراد: ما إذا لم يمكن الاندمال .. فلا معنى للتحليف، بل يصدق بلا يمين، وإن كان مع إمكان الاندمال .. أشكل بما تقدم تصحيحه في صورة قطع اليدين والرجلين من تصديق الولي. ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 479). (¬2) الروضة (9/ 212). (¬3) فتح العزيز (10/ 252)، وانظر " التهذيب " (7/ 122). (¬4) الروضة (9/ 213).

فصل [ثبوت حق القصاص للوارث]

فصلٌ [ثبوت حق القصاص للوارث] 4658 - قول " المنهاج " [ص 479]: (الصحيح: ثبوته لكل وارث) فيه أمور: أحدها: أن محل الخلاف: في قصاص النفس، أما قصاص الطرف: إذا مات مستحقه .. فإنه يثبت لجميع الورثة قطعًا، قال شيخنا الإمام البلقيني: ويحتمل جريان الخلاف الذي في النفس، لكن لم يذكروه. ثانيها: كان ينبغي التعبير بالمنصوص؛ فقد نص عليه في كتبه كلها. ثالثها: لو قال: (لجميع الورثة) .. لكان أولى؛ لإفهام عبارته ثبوت كل القصاص لكل وارث، وليس كذلك. رابعها: قد يثبت القصاص لغير وارث، وذلك فيما إذا ارتد المجروح ومات بالسراية .. فالأظهر: وجوب القصاص في الجرح، ويستوفيه قريبه المسلم، فيستثنى ذلك من كلامه إن حمل كلامه على النفس والطرف. خامسها: محل ذلك: في غير قطع الطريق، فأما فيه .. فالقصاص متحتم بشرطه، وهو متعلق بالإمام دون الورثة. 4659 - قول " المنهاج " [ص 479]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 569]: (ويُنتظر غائبهم وكمال صبيهم ومجنونهم، ويحبس القاتل ولا يُخلى بكفيل) و" التنبيه " [ص 217]: (وإن كان القصاص لصبي أو معتوه .. حبس القاتل حتى يبلغ الصبي ويفيق المعتوه) محله: في غير قاطع الطريق كما تقدم. 4660 - قول " التنبيه " [ص 217]: (فإن كان الصبي أو المعتوه فقيرين محتاجين إلى ما ينفق عليهما .. جاز لوليهما العفو على الدية) صحح في " الروضة " وأصلها في (كتاب اللقيط): أنه لا يجوز لولي الصبي، بخلاف المعتوه، ولم يذكراها هنا، بل أحالاها على المذكور هناك، وإطلاق الولي يشمل الوصي، والمنقول عن الجويني فيه المنع، وجعل " التنبيه " الخلاف فيما إذا كانا محتاجين، وجعله الرافعي مع الغنى، فأما مع الفقر .. فيجوز قطعًا (¬1). 4661 - قول " المنهاج " [ص 479]: (وليتفقوا على مستوف) شرطه: أن يكون غير كافر فيما إذا كان المقتول مسلمًا. 4662 - قوله: (وإلا .. فقرعة) (¬2) أي: عند التنازع، ومحله: ما إذا كان القصاص بجارح أو ¬

_ (¬1) فتح العزيز (6/ 410)، الروضة (5/ 346). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 479).

مثقل يحصل باجتماعهم عليه زيادة تعذبيه، فإن كان بإغراق أو تحريق أو رمي صخرة عليه .. فللورثة الاجتماع عليه، ولا حاجة لقرعة. وقد يفهم منه أن من خرجت له القرعة .. استبد بالاستيفاء، وليس كذلك، بل الصحيح: أنه لا بد من إذن الباقين؛ لأن القصاص مبني على الإسقاط، بخلاف من خرجت له القرعة في التزويج .. فإنه لا يحتاج لإذن الباقين. 4663 - قوله: (يدخلها العاجز) (¬1) تبع فيه " المحرر " فإنه قال: إنه الأظهر (¬2)، ونقل في " الشرح " تصحيحه عن البغوي، وتصحيح مقابله عن ابن كج وأبي الفرج والإمام (¬3)، فلذلك نقل في " أصل الروضة " تصحيح عدم دخوله عن الأكثرين (¬4)، وصححه في " الشرح الصغير "، وعليه مشى " الحاوي " فقال [ص 569]: (ويقرع للقادرين) ونص عليه في " الأم " (¬5)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: هو المعتمد في الفتوى. 4664 - قولهما - والعبارة لـ " المنهاج " -: (ولو بدر أحدهم فقتله .. فالأظهر: لا قصاص) (¬6) لمحل الخلاف شروط: أحدها: أن يكون عالمًا بتحريم القتل، فإن جهل .. فلا قصاص قطعًا كما في " الروضة " وأصلها (¬7)، لكن مال شيخنا الإمام البلقيني إلى جريانه مع الجهل بالترتيب، وأولى بعدم الوجوب؛ قال: وكلام الإمام ظاهر فيه (¬8)، وعلى إطلاق الخلاف جرى أكثر المصنفين، ويدل له جريان قول مخرج في الوكيل بجريان القصاص إذا قتل بعد عفو الموكل جاهلًا بذلك. ثانيها: ألَّا يحكم حاكم بمنع المبادر من القود، فإن قتله بعد الحكم بذلك .. وجب القود قطعًا. ثالثها: أن لا يحكم حاكم باستقلاله بالقود، فإن حكم له بذلك حاكم .. فلا قود عليه قطعًا، وفي كلام الماوردي ما يقتضي إجراء الخلاف في الصورتين معًا (¬9)، وهو مردود، قاله شيخنا الإمام البلقيني. ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 479). (¬2) المحرر (ص 397). (¬3) فتح العزيز (10/ 257)، وانظر " نهاية المطلب " (16/ 147)، و" التهذيب " (7/ 28، 29). (¬4) الروضة (9/ 215). (¬5) الأم (6/ 20). (¬6) انظر " التنبيه " (ص 217)، و " المنهاج " (ص 479). (¬7) فتح العزيز (10/ 258)، الروضة (9/ 216). (¬8) انظر " نهاية المطلب " (16/ 149، 150). (¬9) انظر " الحاوي الكبير " (12/ 121).

4665 - قول " التنبيه " [ص 217]: (وممن يأخذ؟ فيه قولان، أحدهما: من أخيه المقتص، والثاني: من تركة الجاني) الأظهر: الثاني، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " (¬1). 4666 - قول " التنبيه " [ص 217]: (وإن عفا أحدهما ثم اقتص الآخر قبل العلم بالعفو أو بعد العلم وقبل الحكم بسقوط القود .. ففيه قولان، أحدهما: أنه يجب القود، والثاني لا يجب) الأظهر: الأول، وعليه مشى " المنهاج "، لكنه عبر عن المرجوح بقوله: (وقيل: لا إن لم يعلم وبحكم قاضٍ به) (¬2) وفيه أمران: أحدهما: أن مقتضاه: أن الخلاف في حالة الجهل بالعفو وجهان، وليس كذلك، بل هو قولان منصوصان في " الأم " (¬3). ثانيهما: أن مقتضاه: اختصاص جريان هذا الوجه أو القول باجتماع الأمرين؛ انتفاءِ العلم بالعفو وانتفاءِ الحكم بالسقوط، وليس كذلك، بل أحدهما كاف كما دلت عليه عبارة " التنبيه "، وعبارة " أصل الروضة ": وإن لم يحكم به .. لزمه أيضًا على المذهب، وقيل: لا؛ لشبهة اختلاف العلماء، وإن جهله؛ فإن قلنا: لا قصاص إذا علمه .. فهنا أولى، وإلا .. فوجهان (¬4). وليس فيها ترجيح في هذه الحالة، ومقتضى كلامهما: القطع بإيجاب القصاص فيما إذا كان بعد العلم بالعفو وبعد الحكم بالسقوط، به صرح في " الروضة " وأصلها (¬5). قال شيخنا الإمام البلقيني: وهو عندي مقيد بما إذا علم المبادر بالحكم، فإن لم يعلم .. اتجه الخلاف. 4667 - قول " التنبيه " [ص 218]: (ولا يجوز استيفاء القصاص إلا بحضرة السلطان) المعتبر إذنه - كما عبر به " المنهاج " (¬6) - دون حضوره، وقول " الحاوي " [ص 573]: (ويقع دون الوالي وعُزِّر) يحتمل الإذن والحضور، وذكر الماوردي أنه إذا تعين لواحد استيفاء القصاص .. اعتبر في استيفائه عشرة أشياء، فذكر منها: حضور الحاكم الذي حكم له بالقود أو نائب عنه، ويوافقه قول الشافعي: (ينبغي للحاكم أن يعرف بموضع رجل مأمون على القود) (¬7) فإنه يشعر بحضوره أو بحضور نائب عنه. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 570)، المنهاج (ص 479). (¬2) المنهاج (ص 479). (¬3) الأم (6/ 21). (¬4) الروضة (9/ 216). (¬5) فتح العزيز (10/ 259)، الروضة (9/ 216). (¬6) المنهاج (ص 479). (¬7) انظر " الأم " (6/ 56).

وقال في " الكفاية ": إلا بحضرة السلطان، أي: أو إذنه، فاكتفى بأحد الأمرين، وفي " المطلب " اعتبار الحضور والإذن معًا، وكذا في بعض نسخ " الكفاية "، ويندرج في تعبير " التنبيه " بـ (السلطان) و" المنهاج " بـ (الإمام) القاضي، وبه صرح الماوردي، ثم يستثنى من ذلك مسألتان: أحدهما: السيد، فيقيم القصاص على عبده كما هو مقتضى تصحيح الرافعي والنووي أنه يقيم عليه حد السرقة والمحاربة، ثم قالا: وأجرى جماعة منهم ابن الصباغ الخلاف المذكور في القتل والقطع قصاصًا (¬1). الثانية: قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في آخر " قواعده ": لو انفرد بحيث لا يرى .. ينبغي أن لا يمنع منه، ولا سيما إذا عجز عن إثباته (¬2)، ويوافقه قول الماوردي: أن من وجب له على شخص حد قذف أو تعزير وكان بعيدًا عن السلطان في بادية نائية .. أن له استيفاءه إذا قدر عليه بنفسه (¬3). ويستثنى من ذلك أيضًا: المضطر حيث يقتله ليأكله كما سيأتي في بابه. 4668 - قول " التنبيه " [ص 218]: (فإن كان من له القصاص يحسن الاستيفاء .. مكنه منه) محله: في النفس دون الطرف كما في " الحاوي " و" المنهاج " (¬4)، لكن تعبيره فيه بالأصح معترض؛ لأنه منصوص في " الأم " (¬5)، وقيد الرافعي منع تمكينه من الطرف بما إذا كان الطالب المجني عليه (¬6)، ولا معنى له؛ فإن الحيف متوقع من وارثه أيضًا إذا مات قبل الاستيفاء؛ فلذلك أطلقه غيره. 4669 - قول " المنهاج " [ص 480]: (وإن قال: " أخطأت " وأمكن .. عزله ولم يعزره) و" الحاوي " [ص 573]: (وعُزل خطأً) قال شيخنا الإمام البلقيني: إنه مخالف لنص " الأم " ولما عليه الفتوى عند أئمة المذهب، قال في " الأم ": (ولو جاء يضرب عنقه فضرب رأسه مما يلي العنق أو كتفيه وقال: "أخطأت " .. أُحَلِّف ما عمد ما صنع ولم يُعاقب، وقيل: اضْرِب عنقه) (¬7)، قال: ولا يخالفه نص " المختصر " و" الأم " أيضًا، وهو قوله: (وجبره الحاكم على أن يأمر من ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (11/ 164، 165)، و" الروضة " (10/ 103). (¬2) قواعد الأحكام في إصلاح الأنام (2/ 327). (¬3) انظر " الحاوي الكبير " (13/ 454). (¬4) الحاوي (ص 572)، المنهاج (ص 479). (¬5) الأم (6/ 61، 62). (¬6) انظر " فتح العزيز " (10/ 266). (¬7) الأم (6/ 20).

يحسن ضرب العنق) (¬1) فإنه يدل على أنه لا يحسن، وعلى اختلاف هاتين الحالتين - وهما الفرق بين أن يحسن أم لا - حمل العراقيون كلام الشافعي. وفي " النهاية ": من عرفت مهارته في ضرب الرقاب .. ينبغي ألَّا يعزل في خطأ اتفق له بلا خلاف (¬2). 4670 - قول " المنهاج " [ص 480] و" الحاوي " [ص 573]: (وأجرة الجلاد على الجاني) محله: ما إذا لم يمكن ذلك من سهم المصالح كما نص عليه في " الأم " و" المختصر " (¬3)، وعليه مشى " التنبيه " فقال [ص 218]: (إن لم يوجد من يتطوع .. استؤجر من خمس الخمس، فإن لم يكن .. استؤجر من مال الجاني) وقول " المنهاج " [ص 480]: (على الصحيح) فيه نظر؛ لأنه منصوص كما تقدم، ومقابله قول أيضًا كما رجحه شيخنا الإمام البلقيني. 4671 - قول " المنهاج " [ص 480]: (ويقتص على الفور، وفي الحرم) يستثنى منه: ما إذا التجأ إلى المسجد الحرام، قال الإمام: أو إلى غيره من المساجد .. فيخرج منه ويقتل (¬4)؛ لأنه تأخير يسير، وفيه صيانة للمسجد؛ ولذلك قال " الحاوي " [ص 573]: (ويخرج من المسجد) وفيه وجه ضعيف أنه تبسط الأنطاع، ويقتل فيه تعجيلًا للوفاء، ولو التجأ إلى نفس الكعبة أو إلى ملك إنسان .. أخرج قطعًا. قال شيخنا الإمام البلقيني: وكذلك لو التجأ إلى مقابر المسلمين ولا يمكن قتله إلا بإراقة الدم عليها. 4672 - قول " المنهاج " [ص 480]: (والحر والبرد والمرض) ظاهره تناول قصاص النفس والطرف، وبه قطع الغزالي والبغوي وغيرهما، ونقل الروياني في " جمع الجوامع " أنه نص في " الأم " على أنه يؤخر قطع الطرف لهذه الأمور، كذا في " الروضة " وأصلها (¬5). قال شيخنا الإمام البلقيني: وظاهره ترجيح الأول، والنص الذي نقله الروياني موجود في " الأم "، وهو المعتمد، وفي " التتمة ": لا يجوز استيفاء الطرف في حر أو برد شديد إذا لم تقع الجناية في مثله، فلو وقعت في مثله .. استوفي قصاص ذلك قطعًا؛ للمماثلة، ومقتضاه: أن المرض كذلك، قال شيخنا: وقد لا تتحقق المماثلة في المرض والحر والبرد الشديدين؛ لاختلاف الأمزجة، فينبغي أن يتوقف عن القصاص مطلقًا في الحالات المذكورة كما أطلقه الشافعي. ¬

_ (¬1) مختصر المزني (ص 240). (¬2) نهاية المطلب (16/ 148). (¬3) الأم (6/ 60)، مختصر المزني (ص 243). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (16/ 306). (¬5) الأم (6/ 58)، فتح العزيز (10/ 270)، الروضة (9/ 225).

4673 - قول " المنهاج " [ص 480]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 573]: (وتُحبس الحامل في قصاص النفس أو الطرف) محله: ما إذا طلبه المستحق، بخلاف الحبس لانتظار الغائب وكمال الصبي والمجنون؛ فإنه متعلق بنظر السلطان، وهذا بنظر المستحق. 4674 - قول " الحاوي " [ص 573]: (وينتظر وضع الحمل، ووجود مرضعة) أي: بعد سقي اللبأ كما صرح به " التنبيه " و" المنهاج " (¬1)، وقد يفهم من التعبير بالمرضعة اعتبار كونها آدمية، وليس كذلك، فلو استغنى ببهيمة .. كان كذلك، وقد تناول هذا تعبير " التنبيه " و" المنهاج " بالاستغناء بغيرها (¬2). وفي معنى ذلك: فطمه للحولين كما صرح به " المنهاج " (¬3)، وحمله في " المطلب " على ما إذا تضرر الولد بفطمه قبلهما، فإن لم يتضرر وفطم قبلهما إما بتوافق الأبوين أو برضا السيد في ولد الأمة .. جاز حينئذ قبلها. واعلم: أن " المنهاج " صرح بأن ذلك في قصاص النفس والطرف، وهو ظاهر إطلاق " التنبيه " و" الحاوي "، ونازع فيه شيخنا الإمام البلقيني في الطرف، وقال: هو شيء ذكره القاضي حسين والبغوي، وهو مردود؛ فإن قصاص الطرف لا يقتضي فوات الروح، وكيف يؤخر قطع أنملة منها أو أذنها حتى يستغنى الولد بغيرها، أو فطام لحولين؟ فإن قيل؛ لأن فيه تغييرًا لمزاجها، فيخاف على الولد .. قلنا: التغيير في مثل هذا يسير، ولا يضر غالبًا، فيحتمل. 4675 - قول " التنبيه " [ص 218]: (وإن ادعت الحمل .. فقد قيل: يقبل قولها، وقيل: لا يقبل حتى تقيم بينة بالحمل) الأصح: الأول، وعليه مشى " الحاوي " (¬4) و" المنهاج "، وعبارته: (والصحيح: تصديقها في حملها بغير مخيلة) (¬5) والمراد بالمخيلة: شهادة النسوة به أو إقرار المستحق كما صرح به الرافعي (¬6)، فهو كتعبير غيره بدعواها، وهنا أمور: أحدها: أن القبول منصوص عليه في " الأم " (¬7)، فلا ينبغي التعبير عنه بالصحيح. ثانيها: قال في " النهاية ": لا أدري إن اعتمدوا قولها .. يؤمرون بالصبر إلى انقضاء مدة ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 218)، المنهاج (ص 480). (¬2) التنبيه (ص 218)، المنهاج (ص 480). (¬3) المنهاج (ص 480). (¬4) الحاوي (ص 573). (¬5) المنهاج (ص 480). (¬6) انظر " فتح العزيز " (10/ 272). (¬7) الأم (6/ 22).

الحمل وإلى ظهور المخايل، والأظهر: الثاني؛ فإن التأخير إلى أربع سنين من غير ثبت بعيد (¬1). قال شيخنا الإمام البلقيني: وما رجحه الإمام هو مقتضى نص " الأم "، فإذا حصل الاستبراء - كما قال الشافعي - وظهر عدم الحمل .. أقمنا القصاص عليها حينئذ، وذلك بمضي حيضة على مقتضى ما صححوه في (الطلاق) في قوله: (إن كنت حاملًا .. فأنت طالق) وفيه هناك وجهان آخران: أحدهما: بطهر، والثاني: بثلاثة أطهار، والأوجه آتية هنا. ثالثها: محل تصديقها: حيث أمكن أن تكون حاملًا عادة، فلو كانت آيسة .. لم تصدق، وهو معنى قول الشافعي: انتظر بالقود منها حتى تُستبرأ أو يعلم أنه لا حمل بها (¬2). رابعها: كلام الإمام المتقدم يقتضي منع الزوج من وطئها؛ لئلا يقع حمل يمنع استيفاء حق ولي الدم؛ فإنه ما دام يغشاها فاحتمال الحمل موجود، وإن زادت المدة على أربع سنين. 4676 - قول " التنبيه " فيما إذا اقتُص من الحامل فتلف الجنين من القصاص [ص 218]: (فإن لم يعلم واحد منهما .. فقد قيل: على الإمام، وقيل: على الولي) الأصح: الأول. 4677 - قول " المنهاج " [ص 480]: (ومن قتل بمحددٍ أو خنقٍ وتجويعٍ ونحوه .. اقتص به) قد يفهم أنه لو قتل بمثقل؛ كحجر وخشب .. لم يقتل به، وليس كذلك، وكأنه ترك التصريح به؛ لدلالة ما ذكره في الخنق ونحوه، وقد صرح به " التنبيه " فقال [ص 219]: (وإن غرَّق أو حرّق أو قتل بالخشب أو بالحجر .. فله أن يقتله بالسيف، وله أن يفعل به مثل ما فعل) ودخل في قول " الحاوي " [ص 570]: (أو مثل فعله). 4678 - قول " التنبيه " [ص 219]: (فإن قتل باللواط أو سقي الخمر .. فقد قيل: يقتل بالسيف، وقيل: يعمل في اللواط مثل الذكر من الخشب فيقتل به، وفي الخمر يسقى الماء فيقتل به) الأصح: الأول، وعليه مشى " الحاوي " و" المنهاج " وعبر ب (الأصح) (¬3)، وعبارة " الروضة ": (الصحيح) (¬4). ولا يخفى أن شرط القصاص في اللواط: أن يقتل غالبًا؛ بأن يلوط بصغير، قال المتولي: ومحل القول بإيلاج خشبة فيه: أن يتوقع موته بذلك، وإلا .. فيتعين السيف، وصرح به أيضًا الإمام (¬5). ¬

_ (¬1) نهاية المطلب (16/ 159). (¬2) انظر " الأم " (6/ 22). (¬3) الحاوي (ص 570)، المنهاج (ص 480). (¬4) الروضة (9/ 229). (¬5) انظر " نهاية المطلب " (16/ 182).

وقد تفهم عبارة " التنبيه " تعين الماء على القول الآخر، والذي في الرافعي وغيره: يوجر مائعًا من خل أو ماء أو نحوهما (¬1). وقول " التنبيه " [ص 219]: (سقي الخمر) مثل قول " الحاوي " [ص 570]: (إيجار خمر) واقتصر " المنهاج " على قوله [ص 480]: (وخمر) فقال بعضهم: أراد: إدخال ما إذا غرقه في دن خمر .. فيجري فيه الخلاف، وتصحيح المنع، وليس كذلك، بل هذا داخل في قسم التغريق فيما يظهر، فيفعل به مثله قطعًا، وقد يخرج بتعبيرهم بالخمر: البول حتى يقتل به، ووجهه إباحته للضرورة، بخلاف الخمر، وفيه وجهان بلا ترجيح في كلام الرافعي، لكنه صحح في " أصل الروضة " من غير تمييز: تعيّن السيف (¬2). 4679 - قول " الحاوي " [ص 570]: (لا باللواط، وإيجار خمرٍ، وسحرٍ، وبمسموم، ومُثلَةٍ) يقتضي منع القصاص بالسيف المسموم والمثلة ولو فعلهما الجاني، وعلى ذلك شرحه القونوي والبارزي، والذي في " الروضة " وأصلها تصحيح منع الاستيفاء بالسيف المسموم من غير تصويره بأن يكون الجاني فعل ذلك (¬3)، وذكر الماوردي فيما إذا قتل بسيف مسموم (¬4) يفتت ويمنع الغسل والدفن .. احتمال وجهين في جواز فعل مثل ذلك: الجواز؛ لإمكانه، والمنع؛ لتعذر غسله (¬5)، وهو حق لله تعالى، واحتمال تعدي ضرره إلى من يغسله ويكفنه، وحكى القاضي في (باب حد الزنا) وجهين فيما لو شهد أربعة على محصن بالزنا، فرجم، ثم رجعوا. أو واحد منهم .. هل يتعين في قتله السيف أو يجوز رجمه؟ 4680 - قول " التنبيه " [ص 219]: (فإن فعل به ذلك فلم يمت .. ففيه قولان، أحدهما: يقتل بالسيف، والثاني: يكرر عليه مثل ما فعل إلى أن يموت، إلا في الجائفة وقطع الطرف) صحح في " تصحيح التنبيه ": الثاني (¬6)، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 480]: (ولو جوع كتجويعه فلم يمت .. زِيد) و" الحاوي " فقال [ص 571]: (ويزاد إن بقي) وتبعا فيه " المحرر " فإنه قال: (إنه رجح) (¬7)، لكنه لم ينقل في " الروضة " وأصلها تصحيحه إلا عن البغوي فقط، وقيل: يفعل به الأهون منهما. ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (10/ 276). (¬2) فتح العزيز (10/ 276)، الروضة (9/ 229). (¬3) فتح العزيز (10/ 276)، الروضة (9/ 222). (¬4) في النسخ: (بالسيف مسموم)، ولعل الصواب ما أثبت. (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (12/ 140)، وفي حاشية (ج): (قال الزركشي: وأصحهما: الجواز). (¬6) تصحيح التنبيه (2/ 165). (¬7) المحرر (ص 298).

قال الرافعي: وترجيح هذا قريب، وعبر في " الروضة " بقوله: وهذا أقرب (¬1). وقال شيخنا الإمام البلقيني: ما صححه " المنهاج " في التجويع مخالف لنص " الأم " و" المختصر "، وإنما هو قول خرجه المزني، وتخريجه مرجوح، وعبارة الشافعي في منع الشراب: (فإن مات في تلك المدة، وإلا .. قتل بالسيف) (¬2)، فقال المزني: (القياس على ما مضى أول الباب: أن يمنعه الطعام والشراب حتى يموت، كما قال في النار والحجر والخنق بالحبل: حتى يموت) (¬3)، قال شيخنا: وليس هذا بالقياس؛ فإن النار محرقة تتلفه بإسراع، وكذا الخنق بالحبل، وليس الجوع من المتلف بإسراع، وكم ممن يجوع أيامًا كثيرة ولا يموت، لا سيما من ألفه؛ فالصواب كما قال الشافعي في صورة الجوع: أنه يقتل بالسيف. انتهى. والاستثناء في قول " التنبيه " [ص 219]: (إلا في الجائفة وقطع الطرف) منقطع؛ لأن كلامه فيما إذا غرّق أو حرّق أو قتل بالخشب أو الحجر، وليسا داخلين في ذلك، وقد يدخل في قول " الحاوي " [ص 571]: (ويزاد) الجائفة أيضًا، والأصح خلافه. 4681 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (ومن عدل إلى سيفٍ .. فله) (¬4) هو مبني على أن السيف أسهل في الصور كلها، وهو المشهور، وأشار الإمام إلى وجه أنه لا يعدل من الخنق إلى السيف، ومال شيخنا الإمام البلقيني إلى مثل ذلك، فقال: إذا عدل من الأخف من السيف إلى السيف؛ كما إذا عدل من التغريق إلى السيف .. منع من ذلك؛ لأن في السيف زيادة لم يصنع الجاني مثلها، فلا يجوز العدول عن المثل الذي هو أسهل من السيف. واعلم: أن المراد بالسيف: حز الرقبة على المعهود، فلو عدل إلى ذبحه؛ كالبهيمة .. لم يجز؛ لهتك الحرمة، قاله الماوردي (¬5) وابن الرفعة في " المطلب "، وحمله بعضهم على ما إذا لم يكن القاتل قد فعل ذلك. 4682 - قول " التنبيه " [ص 218]: (وإن قطعه فمات منه .. قطعت يده؛ فإن مات، وإلا .. قتل) فيه أمران: أحدهما: أنه لا يتعين ذلك؛ فله قتله ابتداء. ثانيهما: أنه لا يتعين بعد قطع يده انتظار السراية؛ فله بعد ذلك المبادرة إلى حز رقبته، قاله ¬

_ (¬1) فتح العزيز (10/ 277، 278)، الروضة (9/ 230)، وانظر " التهذيب " (7/ 94). (¬2) الأم (6/ 7). (¬3) مختصر المزني (ص 241). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 219)، و " الحاوي " (ص 570)، و" المنهاج " (ص 480). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (12/ 110، 111).

الرافعي وغيره (¬1)، لكن في " الكفاية ": أن مقتضى كلام غير الشيخ من العراقيين أيضًا انتظار السراية، وفي " المطلب ": أنه ظاهر النص في " المختصر "، وعليه جرى البندنيجي والمحاملي، لكن اختلفوا في أنه واجب أم لا؟ وجهان، حكاهما ابن داوود، وفي " التتمة ": له قتله قبل مضي المدة إن اندمل الجرح أو ظهرت أماراته، وإلا .. فلا. وهذا الإيراد مبنى على أن معنى قوله: (فإن مات) أي: بعد مضي مثل المدة التي سرت فيها جنايته، وقد يقال: لا دلالة له على ذلك، وعبارة " المنهاج " [ص 480]: (ولو قطع فسرى .. فللولي حز رقبته، وله القطع ثم الحز، وإن شاء .. انتظر السراية). وبنى شيخنا الإمام البلقيني انتظار السراية على أنها تقع قصاصًا، وهو المرجح كما سيأتي، فإن قلنا: لا يقع قصاصًا - وهو ما حكاه ابن كج عن عامة الأصحاب - .. لم تنتظر السراية، قال: ولم أر من تعرض له. 4683 - قول " التنبيه " [ص 218]: (وإن قطع يد رجل من الذراع، أو أجافه فمات .. ففيه قولان، أحدهما: يقتل، والثاني: يجرح كما جرح؛ فإن مات، وإلا .. قتل) صحح في " المنهاج " الأول تبعًا لقول " المحرر ": إنه رجحه كثيرون (¬2)، وصحح في " تصحيح التنبيه ": الثاني (¬3)، وعليه مشى " الحاوي " بقوله [ص 570]: (أو مثل فعله) وقال في " أصل الروضة ": إنه الأظهر عند الأكثرين؛ لكون الرافعي نقل تصحيحه عن الشيخ أبي حامد وغيره من العراقيين والروياني، ولم ينقل تصحيح مقابله إلا عن البغوي (¬4)، ولم يذكر في " الشرح الصغير " ترجيح البغوي أصلًا. وقال شيخنا ابن النقيب: كأنه انقلب عليه في " المحرر " (¬5) وكذا قال شيخنا الإمام البلقيني: الذي يظهر أن الذي في " المحرر " وهم، وأنه أراد أن يقول: رجح كثير الأول، فانتقل إلى الثاني سهوًا، قال: والمعتمد في الفتوى: أنه يفعل به كفعله؛ فإن الشافعي جزم به في موضع، ونص على القولين في موضع آخر (¬6)، وذلك يدل على ترجيح المجزوم به. ويستثنى من محل الخلاف: ما إذا قال: (افعل به مثل ذلك، فإن لم يمت .. عفوت عنه) .. ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (10/ 281). (¬2) المحرر (ص 399)، المنهاج (ص 480). (¬3) تصحيح التنبيه (2/ 164). (¬4) فتح العزيز (10/ 279)، الروضة (9/ 231). (¬5) انظر " السراج على نكت المنهاج " (7/ 204). (¬6) انظر " الأم " (6/ 12)، و " مختصر المزني " (ص 240).

فلا يمكن منه كما قاله الماوردي (¬1)، وحكاه الرافعي عن البغوي في الجائفة (¬2). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه ظهر من كلام الشافعي؛ حيث قال: وإن قالوا: نجرحه جائفة ولا نقتله .. لم يتركوا ذلك (¬3). واعلم: أن تعبير " التنبيه " يوهم أن المراد: قطع جميع الذراع بفصله من المرفق، وليس كذلك، وإنما المراد: كسره؛ ولهذا عبر في " النبيه " مختصره بـ (كسر الذراع) و" المنهاج " بـ (كسر العضد) (¬4). 4684 - قول " المنهاج " [ص 480]: (فإن لم يمت .. لم تزد الجوائف في الأظهر) تبع " المحرر " في أن الخلاف قولان (¬5)، وهو في " الروضة " وأصلها وجهان، وصوب شيخنا الإمام البلقيني القطع بأنه لا تزاد الجوائف. 4685 - قوله: (ولو اقتص مقطوعٌ ثم مات سرايةً .. فلوليه الحز وله عفوٌ بنصف دية) (¬6) فيه أمران: أحدهما: أن القطع قد لا يوجب نصف الدية، فكان ينبغي التعبير بقطع اليد كما عبر به " الحاوي " (¬7)، ولا يخفى أنه مثال. ثانيهما: محل ما ذكره هو و" الحاوي " من العفو بنصف دية: أن تستوي الديتان، فلو قطعت امرأة يد رجل، فاقتص منها ثم مات الرجل .. فالأصح في " الروضة " وأصلها في أواخر (باب العفو عن القصاص): أن لوليه العفو على ثلاثة أرباع الدية؛ لأنه استحق دية رجل سقط منها ما استوفاه، وهو يد امرأة بربع يد رجل، ومثله لو قطع ذمي يد مسلم فاقتص منه ثم مات المسلم .. فعلى الأصح: يستحق خمسة أسداس دية مسلم (¬8). قال شيخنا ابن النقيب: وقياس ذلك في عكس المسألة إذا قطع رجل يد امرأة فاقتصت منه ثم ماتت بالسراية .. أن الأصح: أن وليها إذا أراد العفو على مال .. لم يكن له شيء، ولم أر ذلك مسطورًا (¬9). ¬

_ (¬1) انظر " الحاوي الكبير " (12/ 146). (¬2) فتح العزيز (10/ 279)، وانظر " التهذيب " (7/ 94). (¬3) انظر " الأم " (6/ 12). (¬4) المنهاج (ص 480). (¬5) المحرر (ص 399). (¬6) انظر " المنهاج " (ص 480). (¬7) الحاوي (ص 567). (¬8) فتح العزيز (10/ 304)، الروضة (9/ 247). (¬9) انظر " السراج على نكت المنهاج " (7/ 205).

وقال شيخنا الإمام البلقيني في " حواشيه ": عندي أن الأرجح خلافه؛ لأنه لم يكن مستحقًا لغير قطع اليد وإزهاق روح الآدمي، فإذا قطع يده .. فقد استوفى ما يقابل نصف النفس، فيجب له نصف الدية الكاملة، وقال الماوردي: إنه أشبه (¬1). 4686 - قول " المنهاج " [ص 480]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 567]: (ولو قطعت يداه فاقتص ثم مات .. فلوليه الحز، فإن عفا .. فلا شيء) محله أيضًا: إذا استوت الديتان، فلو كان الجاني امرأة على رجل .. وجب نصف دية رجل على الأصح. قال شيخنا الإمام البلقيني: واعلم أن التصوير بأن يقتص ثم يموت بالسراية ليس بقيد، حتى لو مات بالسراية قبل أن يقتص فقطع وارثه في الصورة الأولى يدًا وفي الثانية اليدين .. فالحكم فيهما سواء. قال شيخنا المذكور في " حواشيه ": فلو لم يمت المجني عليه بالسراية، بل بحز الرقبة من الجاني .. فالذي يظهر بمقتضى القواعد: أن للولي العفو على مال؛ لعدم التداخل إذا فرعنا عليه، والأصح فيما لو قطع يد رجل فعفى المجني عليه على ديتها ثم عاد الجاني وحز رقبته قبل الاندمال: وجوب القصاص، لكن الأصح: أنه لا يصح عفوه إلا على الباقي من الدية لا على جميعها. 4687 - قول " التنبيه " [ص 219]: (ومن اقتص في الطرف ثم سرى إلى نفس الجاني .. لم يجب ضمان السراية) أحسن من قول " المنهاج " [ص 480]: (إنه هدر) لمخالفته لما ذكره بعد ذلك من وقوعه قصاصًا في صورة موتهما معًا. وصورة سبق المجني عليه؛ فإنه لم يقع في هاتين الصورتين هدرًا مع كونه لم يجب ضمانه. 4688 - قولهما - والعبارة لـ" التنبيه " -: (وإن اقتص في الطرف ثم سرى إلى نفس المجني عليه ثم إلى نفس الجاني .. فقد استوفى حقه) (¬2) وهو مفهوم قول " الحاوي " [ص 572]: (وإن مات الجاني أولًا .. لم يقع قصاصًا) هو المشهور كما قال الرافعي، وصححه النووي، لكن حكى ابن كج عن عامة الأصحاب: أنه لا يقع قصاصًا (¬3). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه القياس؛ لأن سراية الجاني مهدرة، والمهدر لا يقع قصاصًا، وسراية المجني عليه مضمونة. انتهى. وسوّى في " المنهاج " بين هذه الصورة وبين ما إذا ماتا معًا سرايةً، وهو مفهوم قول " الحاوي " المتقدم، وصحح شيخنا الإمام البلقيني في هذه الصورة: أنه لا يقع قصاصًا؛ لأن ¬

_ (¬1) انظر " الحاوي الكبير " (12/ 125). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 219)، و" المنهاج " (ص 280). (¬3) فتح العزيز (10/ 281)، الروضة (9/ 233).

القصاص إنما يقع بعد وجوبه، فإذا ماتا معًا .. فقد مات الجاني قبل وجوب قصاص النفس؛ فالحكم بأنه اقتص منه بعيد. 4689 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (وإن تأخر .. فله نصف الدية في الأصح) (¬1) أي: والصورة في قطع يد، فإن كانت في قطع يدين .. فلا شيء، وإن كانت في موضحة .. فتسعة أعشار دية ونصف عشرها؛ فإنه أخذ بقصاص الموضحة نصف العشر. 4690 - قول " المنهاج " [ص 480]: (ولو قال مستحق يمين: " أخرجها " فأخرج يسارًا وقصد إباحتها .. فمهدرة) فيه أمور: أحدها: لا يخفى أنه لا بد أن يكون المخرج عاقلًا؛ ويدل لذلك قوله: (وقصد إباحتها) ولهذا قال " التنبيه " [ص 219، 220]: (وإن كان القصاص على مجنون فقال: " أخرج يمينك " فأخرج اليسار فقطعها؛ فإن كان المقتص عالمًا .. وجب عليه القصاص، وإن كان جاهلًا .. وجبت عليه الدية) وصورته: أن يجني عاقلًا ثم يُجنّ. ثانيها: وصورته أيضًا: أن يكون حرًا، فلو كان عبدًا .. لم تهدر يساره بإباحتها قطعًا، وفي سقوط القصاص إذا كان القاطع عبدًا وجهان في "الروضة " وأصلها في مسائل الإكراه بلا ترجيح (¬2). قال شيخنا الإمام البلقيني: والأرجح: سقوطه. ثالثها: اعتبر في " الروضة " وأصلها مع قصد إباحتها: أن يعلم أنها اليسار، وأنها لا تجزئ، وتردد شيخنا الإمام البلقيني في أن ذلك قيد لا بد منه، فيرد على " المنهاج "، أو تصوير لا يحتاج له؛ فالمعتبر: قصد الإباحة، وأما علمه بأنها تجزئ أم لا .. فلا يحتاج إليه؛ لأنه لم يجعلها قصاصًا، والأقرب عندي: الثاني، وبنى شيخنا ابن النقيب على أنه قيد، وقال: إنه يفهم مما ذكره في " المنهاج " عقبه (¬3)، وفيه نظر. رابعها: لم يتعرض لقصاص اليمين، وهو باقٍ كما كان، صرح به في "المحرر" (¬4)، وقد يقال: قوله بعد الصورة التي بعدها: (ويبقى قصاص اليمين) (¬5) راجع إليهما، فلم يسقطه، وهو محمول على ما إذا لم يظن القاطع إجزاءها، فإن ظن ذلك .. فالأصح: سقوطه قصاصًا، ويعدل إلى ديتها، وطردا فيما إذا علم القاطع عدم الإجزاء شرعًا، لكنه جعلها عوضًا، وهذه أولى بالسقوط. ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 219)، و " الحاوي " (ص 572)، و " المنهاج " (ص 480). (¬2) الروضة (9/ 235). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (7/ 206). (¬4) المحرر (ص 399). (¬5) المنهاج (ص 480).

4691 - قوله: (وإن قال: " جعلتها عن اليمين وظننت إجزاءها " فكذبه .. فالأصح: لا قصاص في اليسار، وتجب دية، ويبقى قصاص اليمين) (¬1) ليس مطابقًا لما في " المحرر " ولا لـ" الروضة " وأصلها، وعبارة " المحرر ": (وقال القاطع: عرفتُ أن المخرج اليسار، وأنها لا تجزئ) (¬2) فظنه النووي بفتح التاء في قوله: (عرفت) فعبر عنه بقوله: (فكذبه)، وهو وهم، وإنما هو بضمها، ولو كان كما توهمه .. لم يكن معرفة المخرج بأنها اليسار مضادًا لقوله: (جعلتها عن اليمين) حتى يُجعل تكذبيًا له، وليست الصورة التي في " المنهاج " مذكورة في " الروضة " في أحوال المسألة؛ فإنه لما ذكر قول المخرج: جعلتها عن اليمين وظننت إجزاءها .. قال: (فيسأل المقتص)، وله في جوابه ألفاظ: أحدها: أن يقول: (ظننت أنه أباحها بالإخراج) .. فلا قصاص عليه في اليسار، وفيه احتمال للإمام، ويبقى قصاص اليمين قطعًا. الثاني: فذكر الصورة المتقدمة عن " المحرر ". الثالث: أن يقول: (قطعتها عن اليمين وظننتها تجزئ كما ظنه المخرج) .. فالصحيح: أنه لا قصاص في اليسار، وأنه يسقط قصاص اليمين، ولكل واحد منهما دية ما قطعه الآخر (¬3). وظن شيخنا ابن النقيب أن هذه صورة " المحرر "، وأخذ يناقش " المنهاج " في تعبيره فيها بالأصح مع تعبير " الروضة " فيها بالصحيح (¬4)، وهو مردود كما عرفته. ثم قال في " الروضة ": الرابع: أن يقول: (ظننت المخرجة اليمين) .. فلا قصاص في اليسار على المذهب، وتجب الدية على الأصح، ويبقى قصاص اليمين على المذهب (¬5). وقد ظهر لك استواء الصور كلها في بقاء قصاص اليمين إلا الثالثة التي ظنها ابن النقيب صورة "المحرر" و"المنهاج "، وذلك مما يقوى التعجب منه؛ لاختلاف حكمهما مع اختلاف تصويرهما. 4692 - قول " التنبيه " [ص 219]: (فإن وجب له القصاص في اليمين فقال: " أخرج يمينك " فأخرج يساره عمدًا فقطعه .. لم يجزئه عما عليه) يقتضي بقاء قصاص اليمين، وقد زاده إيضاحًا بقوله: (غير أنه لا يقتص منه في اليمين حتى تندمل المقطوعة) (¬6) ويستثنى منه: ما لو قال كل من ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 480). (¬2) المحرر (ص 399). (¬3) الروضة (9/ 235، 236). (¬4) انظر " السراج على نكت المنهاج " (7/ 208). (¬5) الروضة (9/ 236). (¬6) التنبيه (ص 219).

المخرج والقاطع: (ظننت إجزاءها عن اليمين) .. فالصحيح: سقوط قصاصها، وهي التي ظنها ابن النقيب صورة " المحرر " كما تقدم. 4693 - قول " الحاوي " [ص 575]: (ومن استُحِق يمينه وأخرج اليسار .. لا قصاص فيها) يستثنى منه مسألتان: إحداهما: أن يقول المخرج: دُهشتُ فظننتها اليمين، ويقول المقتص: ظننت أن المخرج قصد الإباحة .. فالذي حكاه الرافعي عن البغوي: وجوب القصاص، وقال: إنه المتجه، قال: وقياس مثله في الحال الثاني: أن لا يجب (¬1)، ومال شيخنا الإمام البلقيني إلى هذا القياس فقال: إنه القياس السديد، وما ذكره البغوي ممنوع. الثانية: ما لو علم المقتص في صورة دهشة المخرج أنها اليسار، وأنها لا تجزئ عن اليمين .. فالأصح: وجوب القصاص، وترد هذه الثانية أيضًا على " التنبيه " فإنه قال في صور منها [ص 219]: (ما إذا قال المخرج: فعلت ذلك غلطًا، وإن قطع - أي: المقتص - وهو عالم .. فالمذهب: أنه لا قصاص). 4694 - قول " الحاوي " [ص 575]: (وفي اليمين إن أخذ عوضًا بل الدية) يستثنى من وجوب الدية: ما إذا قصد بإخراجها الإباحة؛ فإنها مهدرة كما تقدم. 4695 - قوله: (ويقع حدًا بدهشةٍ، وظنٍّ) (¬2) أي: يجزئ قطع اليسار عن اليمين في حد السرقة إذا أخرجها بدهشة أو ظن إجزائها عن اليمين، أما لو قصد بإخراجها الإباحة .. فإنها لا تقع حدًا؛ كذا استدركه القاضي حسين على الأصحاب، وحمل إطلاقهم عليه، وتبعه في " الوجيز " (¬3)، وإطلاق الأصحاب يقتضي وقوعه حدًا مطلقًا، وفي " أصل الروضة " في حد السرقة قال القاضي أبو الطيب وآخرون: إن قال المخرج: (ظننتها اليمين، أو أن اليسار تجزئ) .. سقط بها القطع على الأظهر، وإن قلنا: لا يسقط فقال القاطع: (علمت أنها اليسار وأنها لا تجزئ) .. لزمه القصاص، وإن قال: (ظننت أنها اليمين، أو أنها تجزئ) .. لزمته الدية، وقال الشيخ أبو حامد: يراجع القاطع أولًا، فإن قال: (علمت أنها اليسار وأنها لا تجزئ) .. لزمه القصاص وبقي القطع واجبًا في اليمين، وإن قال: (ظننتها اليمين، أو أن اليسار تجزئ) .. لزمه الدية، وفي سقوط قطع اليمين القولان، وكلام القاضي (¬4) وغيره يوافق ¬

_ (¬1) فتح العزيز (10/ 286)، الروضة (9/ 123، 124). (¬2) انظر " الحاوي " (ص 575). (¬3) الوجيز (2/ 139). (¬4) كذا في النسخ، وقال في " الروضة ": (وكلام الإمام ... ) فليتنبه.

فصل [موجب العمد القود]

هذا الطريق، إلا أن القصاص إنما يلزم القاطع وإن علم الحال إذا لم يوجد من المخرج بدل وإباحة. انتهى (¬1). فصلٌ [موجب العمدِ القودُ] 4696 - قول " المنهاج " [ص 481]: (موجب العمد القود، والدية بدل عند سقوطه، وفي قول: أحدهما مبهمًا) فيه أمران: أحدهما: يستثنى من محل الخلاف: كل موضع وجب فيه القود ولا دية فيه؛ كقتل المرتد مرتدًا .. ففيه القود ولا دية في الأصح، وكذا إذا قطع يدي الجاني .. فإنه لم يبق له سوى حز رقبته، ولا يتمكن من العفو على الدية، فيقطع بوجوب القود، ولا يأتي القولان. ثانيهما: قال شيخنا ابن النقيب: إذا قتل الوالد ولده، أو المسلم الذمي .. فهل نقول: الواجب الدية عينًا عكس القاعدة، أو هو كغيره فيجب القود عينًا في الأصح ويعدل إلى الدية؛ لأن الأبوة وشرف الدين مسقط؟ لم أر من تعرض له، وللنظر فيه مجال، والظاهر الأول (¬2). 4697 - قول " التنبيه " [ص 217]: (وإن عفا مطلقًا .. ففيه قولان، أحدهما: لا تجب، والثاني: تجب وهو الأصح) هذا الخلاف مبني على أن الواجب القود عينا أو أحد الأمرين، فإن قلنا بالأول .. لم تجب الدية، وهو المصحح عند الرافعي والنووي والأكثرين (¬3)، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 481]: (وعلى الأول لو أطلق العفو .. فالمذهب: لا دية). واعترض عليه: بأن مقتضاه: ترجيح طريقة القطع، لكن الأرجح: طريقة الخلاف، وهو الذي في الرافعي. وفي الاعتراض نظر؛ لأن اصطلاح " المنهاج " في التعبير بالمذهب الدلالة على أن في المسألة طريقين أو طرقًا من غير دلالة على الراجح منها، غير أن المذكور يكون هو الراجح في الجملة، وصحح النووي في " نكته على التنبيه ": أن الواجب أحد الأمرين، ولا اعتماد على ذلك. ويستثنى من ذلك: ما لو اختار الدية بعد العفو على الفور .. ففي " أصل الروضة " عن ابن كج: أنه تثبت الدية، ويكون اختيارها بعد العفو كالعفو عليها، قال: وحكي عن النص أن هذا الاختيار يكون عقب العفو، وعن بعض الأصحاب: أنه يجوز فيه التراخي (¬4). ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 151). (¬2) انظر " السراج على نكت المنهاج " (7/ 210). (¬3) انظر " فتح العزيز " (10/ 291)، و " الروضة " (9/ 241). (¬4) الروضة (9/ 241).

قال شيخنا الإمام البلقيني: وهذا المحكي عن بعض الأصحاب ذكره الماوردي قولًا للشافعي (¬1)، قال: وقضية كلام الرافعي والنووي أن هذا النص هو المعتمد تفريعًا على أنه لا تثبت الدية بنفس العفو. 4698 - قول " التنبيه " [ص 217]: (وإن اختار القصاص ثم اختار الدية .. لم يكن له ذلك على المنصوص، وقيل: له ذلك) مفرع على أن الواجب أحد الأمرين، ومع ذلك فالأصح: أن له الدية؛ لأنه استحق أعلا الأمرين .. فله العدول إلى أدناهما، أما إذا فرعنا على الأصح: أن الواجب القود عينًا .. فله ذلك قطعًا. 4699 - قول " المنهاج " [ص 481]: (ولو عفا على غير جنس الدية .. ثبت إن قبل الجاني، وإلا .. فلا) يقتضي أنه مختص بالتفريع على الأول، وليس كذلك، بل هو جار على القولين، فكان ينبغي تقديمه على قوله: (وعلى الأول لو أطلق العفو) (¬2). 4700 - قوله: (ولو تصالحا عن القود على مئتي بعيرٍ .. لغا إن أوجبنا أحدهما، وإلا .. فالأصح: الصحة) (¬3) حمله في " المهمات " على ما إذا كانت تلك الإبل بالصفة الواجبة في جناية العمد، فإن كانت بغير صفتها؛ إما معينة أو في الذمة .. فينبغي الجزم بالصحة كما جزم به في " أصل الروضة " فيما لو صالح على عبد أو ثوب، وظاهره جواز ذلك ولو زادت قيمته على الدية؛ فإنه قال بالجواز وإن لم تكن الدية معلومة لهما (¬4). 4701 - قوله: (ولو قال رشيدٌ: " اقطعني " ففعل .. فهدرٌ) (¬5) مقتضاه: أن السفيه ليس كذلك مع أنه لا فرق فيه بين الرشيد والسفيه، والذي لا تأثير لإذنه هو الصبي، وكذا العبد في إسقاط المال، وتقدم في إسقاط القصاص وجهان، وأن شيخنا الإمام رجح سقوطه، ولو قال " المنهاج ": (حر مكلف) .. لوفى بالمقصود، وعبارة " المحرر ": (المالك لأمره) (¬6). 4702 - قوله: (فإن سرى أو قال: " اقتلني " .. فهدرٌ، وفي قولٍ: تجب ديةٌ) (¬7) يقتضي أنها دية كاملة، وهو كذلك في الثانية بناء على ثبوتها للورثة ابتداء، وأما في الأولى .. فإنما تجب نصف ¬

_ (¬1) انظر " الحاوي الكبير " (12/ 99). (¬2) المنهاج (ص 481). (¬3) انظر " المنهاج " (ص 481). (¬4) الروضة (9/ 250). (¬5) انظر " المنهاج " (ص 481). (¬6) المحرر (ص 400). (¬7) انظر " المنهاج " (ص 481).

دية، كذا حكي عن ابن الرفعة، لكن صرح الرافعي والنووي بإيجاب الدية الكاملة على هذا القول في الصورتين (¬1). قال شيخنا الإمام البلقيني: وهو كذلك موجود في تصانيف الطريقتين، ولم يقل أحد منهم أن الواجب على هذا القول نصف الدية. 4703 - قول " التنبيه " [ص 217]: (وإن قطع اليدين من الجاني ثم عفا عن القصاص .. لم تجب الدية، وإن قطع إحداهما ثم عفا عن القصاص .. وجب له نصف الدية) محله: ما إذا عفى على الدية، أو مطلقًا وقلنا: الواجب أحدهما، أما إذا قلنا: الواجب القود عينًا .. ففي استحقاقه طريقان، أحدهما: لا قطعا، والثانية: طرد الخلاف، ثم جميع ذلك فيما إذا استوت دية الجاني والمجني عليه، أما لو كانت دية الجاني أقل؛ بأن كان امرأة والمقتول رجلًا .. ففي الصورة الأولى؛ إن قلنا: موجب العمد أحد الأمرين .. فله مطالبتها بنصف الدية، وإن قلنا: موجبه القود .. لم يستحق شيئًا؛ لأنه لو قتلها .. لكان مستوفيًا، وقد استوفى ما يوازي نفسها، وفي الصورة الثانية إن قلنا: الواجب أحد الأمرين .. طالبها بثلاثة أرباع الدية، وإلا .. طالبها بنصفها. 4704 - قوله: (وإن قطع إصبع رجل فقال: " عفوت عن هذه الجناية وما يحدث منها " ... إلى آخره) (¬2) فيه أمران: أحدهما: أنه يفهم اختصاص ما ذكره من الأحكام بأن يقول: وما يحدث منها، وليس كذلك، فسواء ذكرها أم لا. ثانيهما: صور " المنهاج " و" الروضة " وأصلها المسألة بأن يعفو عن قوده وأرشه (¬3)، قال في " أصل الروضة ": ولو قال: (عفوت عن هذه الجناية) ولم يزد .. نص في " الأم " أنه عفو عن القصاص، وعن الأصحاب: أنه تفريع على قولنا: موجب العمد القود، فإن قلنا: أحد الأمرين .. ففي بقاء الدية احتمالان للروياني. انتهى (¬4). وسبق الروياني إلى الاحتمالين المحاملي، وجزم الماوردي بأنه عفو عنهما على هذا القول (¬5). ¬

_ (¬1) فتح العزيز (10/ 296)، الروضة (9/ 242، 243). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 218). (¬3) المنهاج (ص 481)، الروضة (9/ 243). (¬4) الروضة (9/ 243)، وانظر " الأم " (6/ 15). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (12/ 98).

4705 - قول " المنهاج " في المسألة [ص 481]: (وإن سرى .. فلا قصاص) المراد: إلى النفس كما صرح به " المحرر " و" التنبيه " (¬1)، فإنه لو سرى إلى بعض الأعضاء .. لم يجب قصاص مطلقاً وإن لم يعف، وعليه يدل قول " التنبيه " فيما لو سرى إلى الكف [ص 218]: (وجبت دية بقية الأصابع)، وقول " المنهاج " [ص 481]: (ضمن دية السراية في الأصح) فدل على أنه لا يجب قصاصها. 4706 - قول " المنهاج " [ص 481]: (وأما أرش العضو: فإن جرى لفظ وصية؛ كـ " أوصيت له بأرش هذه الجناية " .. فوصية لقاتل) قال شيخنا الإمام البلقيني: هذا لا يناسب ما فرض الكلام فيه، من أنه عفى عن قود القطع وأرشه. قلت: ولذلك لم يفصل " التنبيه "، وإنما حكى خلافًا فقال [ص 218]: (وهل تسقط الدية؟ فقد قيل: إن ذلك وصية للقاتل وفيها قولان، وقيل: هو إبراء، فيصح في أرش الأصبع ولا يصح في النفس، فيجب عليه تسعة أعشار الدية) والثاني هو الأصح. 4707 - قول " المنهاج " [ص 481]: (أو لفظ إبراءٍ أو إسقاطٍ، أو عفوٍ سقط، وقيل: وصيةٌ) قال شيخنا الإمام البلقيني: هذا الذي ذكر أنه وجه ضعيف هو نص " الأم " حيث قال: (ولو جرحه رجل عمدًا ثم عفا المجروح عن القود القتل والقصاص في الجرح، ثم مات من الجرح؛ فمن لم يُجِز الوصية للقاتل .. أبطل العفو، وجعل الدية ثابتة؛ لأن هذه وصية لقاتل) (¬2)، قال شيخنا: وهذا هو الحق؛ فإنه لا فرق بين أن يوصي للقاتل، أو يهبه في مرض موته، أو يعفو عن دين له عليه، كما لا يفترق حال الوارث في ذلك. انتهى. 4708 - قوله: (وتجب الزيادة عليه إلى تمام الدية، وفي قول: إن تعرض في عفوه لما يحدث منها .. سقطت) (¬3) محل هذا الخلاف: إذا جرى لفظ العفو أو الإبراء، أما إذا جرى لفظ الوصية؛ كقوله: (أوصيت بأرش هذه الجناية وبأرش ما يحدث منها) .. ففيه قولا الوصية للقاتل، أصحهما: الصحة، فيجيء في جميع الدية ما ذكر في دية العضو المجني عليه. قال في " الروضة ": وهذا كله إذا كان الأرش دون الدية، أما إذا قطع يديه فقال: (عفوت عنها وما يحدث منها) فإن لم تصح الوصية .. وجبت الدية بكمالها، وإن صححناها .. سقطت بكمالها إن وفى بها الثلث، سواء صححنا الإبراء عما لم يجب أم لا (¬4). ¬

_ (¬1) المحرر (ص 400)، التنبيه (ص 218). (¬2) الأم (6/ 10). (¬3) انظر " المنهاج " (ص 481). (¬4) الروضة (9/ 243، 244).

قال ابن الرفعة: وعلى من صحح العفو عن أرش الإصبع دون القدر الزائد عليه من الدية؛ لكونه إبراء سؤالٌ لا يكاد يندفع، ويحتاج في تقريره إلى تجديد العهد بأصلين: أحدهما: أن الإبراء عن المجهول غير صحيح على المذهب. والثاني: أن الجراحات إذا سرت إلى النفس وأفضى الأمر إلى الدية .. لا نظر إلى أروشها، سواء كانت مقدرة أو غير مقدرة، بل الواجب كما قال الإمام: دية واحدة عن النفس، لا عن الأطراف (¬1)، ولا يختلف مذهبنا في ذلك، وإذا كان كذلك .. فالإبراء حصل عما قابل الإصبع من الدية، وقد تبينا بآخر الأمر أن لا مقابل لها، ولو قيل: بأن لها مقابلًا .. فليس هو عشرًا من الإبل، بل جزء من الدية، وهو مجهول، وقضية ذلك أن لا يصح فيما ادعوه، ثم أطال ابن الرفعة في جواب ذلك ورد الأجوبة. 4709 - قوله: (ومن له قصاص نفسٍ بسرايةِ طرفٍ لو عفا عن النفس .. فلا قطع له) (¬2) نازع فيه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: المعتمد: أنه له القطع، وصرح به في " البسيط " فقال: فإن عفا عن النفس .. فله القطع؛ ويدل له نص الشافعي على أنه لو قطع مسلم يد مسلم فارتد المجروح ومات بالسراية .. أنه يقتص من الجاني المسلم في الطرف وإن كانت النفس قد سقط قصاصها (¬3)، فلم يجعل سقوط القصاص في النفس التي ماتت بالسراية مقتضيًا لسقوط القصاص في الطرف، قال شيخنا: وما ذكره " المنهاج " لم أره في كلام أحد قبل الرافعي إلا البغوي والخوارزمي (¬4)، وتعليل الرافعي بأن المستحق هو القتل، والقطع طريقه، وقد عفا عن المستحق مردود؛ فلا يتعين القطع في طريق القتل، بل له حز الرقبة ابتداء وقطع الطرف ثم حز الرقبة بعده (¬5). 4710 - قوله: (ولو قطعه ثم عفا عن النفس مجانًا، فإن سرى القطع .. بان بطلان العفو، وإلا .. فيصح) (¬6) لا حاجة لقوله: (مجانًا) فإنه لا فرق بين العفو مجانًا أو على عوض غير الدية أو على ما بقي من الدية بعد المقطوع، وتبين بطلان العفو مبني على أن السراية تقع قصاصًا، وهو الذي في " المنهاج " كما تقدم، فإن قلنا بما حكاه ابن كج عن عامة الأصحاب، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه القياس أنها لا تقع قصاصًا .. فلا يتبين بطلانه، بل إن كان مجانًا .. فالسراية مهدرة، أو على عوض غير الدية أو على ما بقي من الدية .. استقر العوض. ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (16/ 435، 436). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 482). (¬3) انظر " الأم " (6/ 45). (¬4) انظر " التهذيب " (7/ 126). (¬5) انظر " فتح العزيز " (10/ 303). (¬6) انظر " المنهاج " (ص 482).

4711 - قوله: (ولو وكل ثم عفا فاقتص الوكيل جاهلًا .. فلا قصاص عليه، والأظهر: وجوب دية) (¬1) قيده الماوردي بأن يكون على مسافة يمكن إعلام الوكيل بالعفو فيها، فلو كان على مسافة عشرة أيام وعفا الموكل قبل القصاص بخمسة أيام .. كان عفوه باطلًا لا حكم له (¬2). قال شيخنا الإمام البلقيني: ومقتضاه: أن لا يجب على الوكيل الدية قطعًا، وهذا وإن لم يتعرض له غيره فتعليلهم قد يرشد إليه. 4712 - قوله: (وأنها عليه لا على عاقلته) (¬3) يقتضى أن الخلاف في ذلك قولان، وعبر في " الروضة " بالأصح، ثم الوجهان مفرعان على قولنا: إنها مغلظة كما هو أظهر القولين، فإن قلنا: مخففة .. فهي على العاقلة (¬4). 4713 - قوله: (والأصح: أنه لا يرجع على العافي) (¬5) يقتضي أن الخلاف وجهان، وكذا في " الروضة " (¬6)، لكنه في " شرح الرافعي " طريقان: قولان، والقطع بعدم الرجوع (¬7). ورجح شيخنا الإمام البلقيني طريقة القطع، قال: وفي بعض نسخ " المنهاج ": (وأنه لا يرجع بها على العافي) فيكون من جملة ما الخلاف فيه قولان، قال: ومحل الخلاف: ما إذا لم ينسب الموكِل إلى تقصير في الإعلام، فإن نسب إلى تقصير .. فالأرجح: أن الوكيل يرجع عليه؛ لأنه لم ينتفع بشيء، بخلاف الزوج المغرور لا يرجع بالمهر على من غرّه في الأظهر؛ لانتفاعه بالوطء، وكذا إذا قدم طعامًا مغصوبًا ولم يقل: هو مغصوب .. فإن الآكل لا يرجع في الأظهر؛ لانتفاعه بالأكل. 4714 - قوله: (ولو وجب قصاص عليها فنكحها عليه .. جاز وسقط، فإن فارق قبل الوطء .. رجع بنصف الأرش، وفي قول: بنصف مهر المثل) (¬8) أنكر شيخنا الإمام البلقيني هذا القول الثاني، وقال: لم أقف عليه في شيء من كتب الطريقين إلا في " تهذيب البغوي " ومن تبعه (¬9)، وهو شذوذ من البغوي مردود عليه خارج عن قاعدة المذهب؛ فإن المستحق للزوج عند الفراق قبل ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 482). (¬2) انظر " الحاوي الكبير " (12/ 113). (¬3) انظر " المنهاج " (ص 482). (¬4) الروضة (9/ 248). (¬5) انظر " المنهاج " (ص 482). (¬6) الروضة (9/ 249). (¬7) فح العزيز (10/ 306، 307). (¬8) انظر " المنهاج " (ص 482). (¬9) التهذيب (7/ 130).

الدخول إنما هو بدل التالف لا بدل البضع، وقد نص في " الأم " على المسألة بعينها، وصرح بأنه يرجع بنصف الأرش (¬1). قلت: ويوافقه ما في " أصل الروضة " فيما لو أصدقها تعليم سورة، فعلمها ثم طلقها قبل الدخول .. أنه يرجع عليها بنصف أجرة التعليم (¬2). ¬

_ (¬1) الأم (6/ 17). (¬2) الروضة (7/ 307).

كتاب الديات

كتابُ الدّيات 4715 - قولهما - والعبارة لـ " التنبيه " -: (دية الحر المسلم مئة من الإبل) (¬1) كان ينبغي أن يقولا: (الذكر) ولعلهما سكتا عن ذلك لفهمه من النطق به مذكرًا، ثم محل ذلك: إذا لم يكن في القاتل رق، فإن كان رقيقًا لغير المقتول أو مكاتبًا ولو له .. فالواجب أقل الأمرين من قيمة الرقيق والدية على الأظهر، وإن كان مبَعّضًا .. لزمه لجهة الحرية القدر الذي يناسب الحرية من نصف أو ثلث، ويتعلق بالقدر الرقيق أقل الأمرين من الحصة من الدية والحصة من القيمة. 4716 - قولهم: (مُثَلّثَة في العمد) (¬2) يقتضي اختصاص ذلك بدية النفس ولو ناقصة، وليس كذلك؛ فالأطراف يأتي فيها عند العمد المحض وانتفاء القصاص التثليث على الجاني، نص عليه في " الأم " و" المختصر "، واتفق عليه الأصحاب. 4717 - قولهم: (ومُخَمَّسَة في الخطأ)، والعبارة لـ " المنهاج ": (عشرون بنت مخاض، وكذا بنات لبون وبنو لبون وحقاق وجذاع) (¬3) هو المنقول، لكن اختار شيخنا الإمام البلقيني على أصل الشافعي وجوب عشرين من بني مخاض بدل بني اللبون؛ لأنه أقل ما قيل في ذلك، قال به ابن مسعود وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق، وإنما أوجب الشافعي بني اللبون؛ لاعتقاده أنه أقل ما قيل؛ فإنه لم يبلغه مذهب ابن مسعود في ذلك، وسبقه إلى اختيار ذلك لهذا المدرك ابن المنذر (¬4)، وكلام البيهقي يقتضي ذلك وإن لم يصرح به (¬5)، ولم يصح في ذلك حديث مرفوع، والله أعلم. 4718 - قول " التنبيه " [ص 223]: (فإن قتل في الحرم) أي: حرم مكة، كما صرح به " المنهاج " و" الحاوي " (¬6)، ولا يلتحق بذلك حرم المدينة على الصحيح، واختار شيخنا الإمام البلقيني إلحاقه به؛ لأن الخلاف في ذلك مبني على الخلاف في ضمان صيده، والمختار عند النووي: ضمانه صيده بسلب الصائد (¬7)، وفي كلامهم معًا أمور: أحدها: أن ظاهر كلام " التنبيه " و " المنهاج " يقتضي أنه لا فرق بين أن يكون القاتل والمقتول ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 222)، و " المنهاج " (ص 483). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 222)، و " الحاوي " (ص 556)، و" المنهاج " (ص 483). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 222، 223)، و " الحاوي " (ص 552)، و " المنهاج " (ص 483). (¬4) انظر " الإشراف على مذاهب العلماء " (7/ 392، 393). (¬5) انظر " معرفة السنن والآثار " (6/ 202). (¬6) الحاوي (ص 553)، المنهاج (ص 483). (¬7) انظر " الروضة " (3/ 169).

في الحرم أو أحدهما فقط فيه، وصرح به " الحاوي " بقوله [ص 553]: (رميًا أو إصابة) وهذا هو المنقول، وألحق به في " المطلب " ما إذا جرحه والمجروح في الحرم فخرج المجروح إلى الحل ومات فيه. قال شيخنا الإمام البلقيني: ومقتضى الإلحاق بالصيد: أنه لو كان بعض القاتل أو المقتول في الحل وبعضه في الحرم، أو قطع السهم في مروره هواء الحرم وهما في الحل .. غلظت الدية، قال شيخنا: وعندي أن إلحاق ذلك بالصيد بعيد، وأن الاعتبار بأن يكون القتيل أو الجريح في الحرم سواء أكان القاتل أو الجارح في الحرم أم لا، وهو ظاهر نص الشافعي في كتبه وكلام كثير من أصحابه. ثانيها: أنه لا يختص التغليظ بالقتل؛ فالجراح في الحرم مغلظة وإن لم يمت منها، وقد نص عليه في " المختصر " فقال: (وكذلك التغليظ في النفس والجراح في الشهر الحرام والبلد الحرام وذي الرحم) (¬1)، وصرح به الشيخ أبو حامد. ثالثها: مقتضى كلامهم: أنه لا تغليظ في الجنين ولو قتل في الحرم، وبه صرح الشيخ أبو حامد، لكن نص في " الأم " على خلافه، فقال: (وقيمة الغرة نصف عشر دية الرجل المسلم، وذلك في العمد وعمد الخطأ خمس من الإبل خمساها وهو بعيران قيمة خلفتين، وثلاثة أخماسها قيمة ثلاث جذاعٍ وحقاقٍ من إبل عاقلة الجاني)، ثم قال: (وفي الخطأ عن قيمتها: خمس من الإبل أخماسًا قيمة بنت مخاض وقيمة بنت لبون وقيمة ابن لبون ذكر وقيمة حقة وقيمة جذعة) (¬2). 4719 - قول " الحاوي " [ص 553]: (ولذي رحم) يقتضي الاكتفاء بذلك وإن لم يكن محرمًا، وبه قال الشيخ أبو حامد، وحكي عن القفال، واختاره الشيخ أبو محمد والروياني، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه الأرجح، وحكاه عن ظاهر نص " الأم " و" المختصر " فإنه لم يعتبر فيهما إلا كونه ذا رحم (¬3)، لكن صحح الرافعي والنووي اشتراط المحرمية أيضًا (¬4)، وحكى القاضي حسين إجماع الأصحاب عليه، وعليه مشى " التنبيه " و" المنهاج " (¬5)، ولا تغليظ لمحرمية الرضاع والمصاهرة قطعًا. ¬

_ (¬1) مختصر المزني (ص 244). (¬2) الأم (6/ 109). (¬3) الأم (6/ 113)، مختصر المزني (ص 244). (¬4) انظر " فتح العزيز " (10/ 316)، و " الروضة " (9/ 255). (¬5) التنبيه (ص 223)، المنهاج (ص 483).

4720 - قول " التنبيه " [ص 223]: (ولا يؤخذ فيها معيب ولا مريض) و" الحاوي " [ص 556]: (لا المعيب)، قال في " المنهاج " [ص 483]: (إلا برضاه) والمراد: العيب المثبت للرد في البيع. 4721 - قول " المنهاج " [ص 483]: (ويثبت حَمْلُ الخلفة بأهل الخبرة) و" الحاوي " بقول [ص 553]: (أهل البصر) المراد: عدلان منهم. 4722 - قول " المنهاج " [ص 483]: (والأصح: إجزاؤها قبل خمس سنين) يقتضي أن الخلاف وجهان، وهو في " الروضة " وأصلها قولان، ولم يعتبروا لنهاية سنها حدًا (¬1)، وروى النسائي بإسناد رجاله ثقات في حديث مرفوع: " منها أربعون ثنية إلى بازل عامها كلهن خلفة" (¬2) ومقتضاه: أنها لا تجزئ إذا جاوزت بازل عام، وذلك بعد تسع سنين، وقد يكون بعد ثمان؛ لأن البازل ما فطرنا به؛ أي: انشق، وذلك في السنة التاسعة، وربما بزل في الثامنة. وقد اعتبر ذلك شيخنا الإمام البلقيني وقال: لم يبلغ الشافعي رضي الله عنه هذا الخبر بهذه الزيادة، ولو بلغه وثبت عنده .. لقال به، قال: ووهم صاحب " المطلب " فقال: إن مقتضى هذا الحديث: ما حمل بعد استكمال خمس سنين وما بعدها إلى إحدى عشرة سنة؛ لأنه الذي يقال فيه بازل عام ثم بازل عامين وهكذا. 4723 - قولهما - والعبارة لـ " التنبيه " -: (وإن كان للقاتل أو العاقلة إبل .. وجبت الدية منها، وإن لم يكن لهم إبل .. وجبت من غالب إبل البلد) (¬3) فيه أمور: أحدها: أن مقتضاه: أنه لا يعدل إلى غالب إبل البلد إلا إذا لم يكن للقاتل أو العاقلة إبل، ومقتضى كلام " الروضة " وأصلها: أنه مخير بينهما؛ فإنه قال فيما إذا كان يملك إبلًا من غير غالب إبل البلد: أخذت أيضًا من أي صنف كانت، هذا هو الصحيح، وبه قطع الأكثرون، وهو ظاهر نصه في " المختصر "، فقوله أيضًا يدل على قبول إبل البلد؛ ويدل له قوله بعده: ولو دفع نوعًا غير ما في يده .. أجبر المستحق على قبوله إذا كان غالب إبل البلد أو القبيلة كذلك، وحكاه الرافعي عن البغوي (¬4)، ويوافقه قول " الحاوي " [ص 556]: (من غالب إبل البلد أو إبله). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه ليس بمعتمد. ثانيها: مقتضاه: أنه إذا تفرقت العاقلة في البلدان أو القبائل .. أخذت حصة كل واحد منهم من ¬

_ (¬1) فتح العزيز (10/ 321)، الروضة (9/ 260). (¬2) سنن النسائي (4794). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 223)، و " المنهاج " (ص 483). (¬4) فتح العزيز (10/ 322، 323)، الروضة (9/ 260، 261)، وانظر " مختصر المزني " (ص 244)، و " التهذيب " (7/ 139).

غالب إبل بلدته أو قبيلته، وهو كذلك، لكن حكى الرافعي عن أبي الفرج الزاز أنه قال: هذا لا يتحقق تصوره في تفرق الآحاد؛ فإن الواجب على الواحد منهم لا يبلغ ما يؤخذ به الإبل، وإنما يظهر التصوير إذا كان بطن في قبيلة أو بلدة وبطنٌ في أخرى (¬1). قال شيخنا الإمام البلقيني: ومقتضاه: أنه عند تفرق الآحاد يتعذر رعاية غالب البلد، فيحتمل أن يراعى حينئذ غالب أقرب بلد إلى الكل، فإن تفرقوا بحيث كان لكل واحد بلد أقرب .. تعذر أيضًا رعاية أقرب البلاد، فينتقل إلى القيمة كما لو عدمت الإبل، والمصير إلى أن يؤخذ من إبل كل واحد بقدر الواجب عليه بحيث تتكثّر الأشقاص على المستحق بعيد؛ لما فيه من النقص الداخل عليه، قال: ومقتضى هذا: أنه لو كان للعاقلة إبل مختلفة وأخذنا من كل واحد الواجب عليه شقص بعير بحيث تتكثّر الأشقاص .. سقط اعتبار إبله أيضًا، قال: فأما لو تعددت الجناة في العمد وكل واحد في بلد ولا إبل له، أو كانوا في بلد ولكل واحد إبل تخالف إبل الآخر .. فهل نقول: تؤخذ الأشقاص لتعدد الجناة بخلاف العاقلة فإنها تحملت عن الجاني الواحد، أو يراعى حق المجني عليه فيؤخذ له قيمة الإبل بالكامل منهم للتعذر؟ لم أر من تعرض لهذا، والأول أرجح. انتهى. ثالثها: أنه يدخل في ذلك بيت المال إذا انتهى الحال إليه في الدية ولم يكن له إبل .. فمقتضاه: أنه يجب منه غالب إبل البلد، ورجح شيخنا الإمام البلقيني: أن الواجب في هذه الحالة القيمة، وأن اعتبار غالب إبل البلد متعذر؛ لأن المراد ببيت المال في حق من لا وارث له إذا مات: أهل البلد الذي يموت فيه دون غيرهم، وإلى الآن لم يمت الجاني، وإذا أريد ببيت المال: جهة الإسلام .. كان اعتبار بلد بعينها دون غيرها تحكمًا. رابعها: ذكر شيخنا الإمام البلقيني أن كل من أوجبنا عليه أن يفدي بأقل الأمرين من القيمة وأرش الجناية .. لا يقضى عليه بالإبل، فإذا كان الأقل القيمة دفعها من النقد أو الأرش .. فالخيار له إن شاء أعطى الأرش إبلًا وإن شاء أعطى بقدر الأرش من قيمة العبد نقدًا، قال: ولم أر من صرح به، ثم ذكر من كلامهم ما يدل عليه. خامسها: أن مقتضاه: أنه إذا لم يكن له إبل يؤخذ الواجب منها لعيب فيها .. الانتقال إلى غالب إبل بلده، وليس كذلك، بل يتعين نوع إبله، وعليه تحصيله سليمًا، نص عليه في " الأم " (¬2)، كذا أورده شيخنا الإمام البلقيني، وهو مخالف لما قدمناه عن مقتضى كلام " الروضة " وأصلها من تخييره بين إبله وإبل البلد (¬3)، وتقدم عنه أنه ليس بمعتمد. ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (10/ 322). (¬2) الأم (6/ 114). (¬3) فتح العزيز (10/ 322، 323)، الروضة (9/ 260، 261).

وهذه الأمور الأربعة إن صحت .. وردت على " الحاوي " أيضًا، ويختص " التنبيه " و" الحاوي " بأن قولهما: (إبل بلد) يخرج عنه من ليس من أهل البلاد، وهو البدوي، فالعبرة بقبيلته؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 483]: (أو قبيلة بدوي) فلو لم يكن في بلده ولا لقبيلته إبل .. وجب من غالب إبل أقرب البلاد إليه، وقد صرح به " المنهاج " و" الحاوي " (¬1). ومحله: فيما إذا قربت المسافة ولم تعظم مؤنة النقل، فإن بعدت وعظمت المؤنة والمشقة .. لم يلزمه، وسقطت المطالبة بالإبل، كما جزم به في " الروضة " وأصلها، قال: وأشار بعضهم إلى ضبط البعيد بمسافة القصر، وقال الإمام: لو زادت مؤنة إحضارها على قيمتها في موضع العزة .. لم يلزمه تحصيلها، وإلا .. فيلزم (¬2). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إجراء هذا الكلام على ظاهره متعذر، وتأويله: أنه إذا زادت بمؤنة إحضارها على قيمتها في موضع العزة .. فلا بد من إدخال الباء على مؤنة؛ ليستقيم المعنى. واعلم: أن المذكور هنا قد يظن مخالفته؛ لقولهم في العاقلة إن على غني نصف دينار، ومتوسط ربع دينار كل سنة من الثلاث وليس كذلك، وقد قال الرافعي والنووي هناك: يشبه أن يكون المرعي في إيجاب الربع والنصف مقدارهما، لا أنه يجب على العاقلة بذل الدنانير بأعيانها؛ لأن الإبل هي التي تجب في الدية، وما يؤخذ يصرف إلى الإبل، وللمستحق ألا يقبل غيرها. انتهى (¬3). 4724 - قول " المنهاج " [ص 483]: (ولا يعدل إلى نوع وقيمة إلا بتراضٍ) و" التنبيه " [ص 223]: (فإن تراضيا على أخذ العوض عن الإبل .. جاز) فيه أمران: أحدهما: قال في " البيان ": كذا أطلقوه، وليكن مبنيًا على جواز الصلح عنها، حكاه عنه في " الروضة " وأصلها من غير اعتراض عليه (¬4)، وجزم به الرافعي قبل ذلك بأربعة أوراق (¬5)، ومقتضاه: تصحيح المنع؛ فإن الأصح: منع الصلح عن إبل الدية إذا لم توجب الجناية قصاصًا، وحمل ذلك في " المطلب " على حالة العلم بصفاتها مع العلم بأسنانها ومقاديرها؛ فإن الغزالي قال في الصلح في هذه الحالة بالصحة جزمًا، وإن حكى الخلاف في حالة الجهل بالصفة. ورده شيخنا الإمام البلقيني: بأن العلم بصفاتها جاء من قضية الواقع المعين، والواقع المعين لم يقع أخذ القيمة عنه؛ لأن ذلك يستدعي أن يملكه مستحق الإبل، ثم يأخذ عنه القيمة حيث يجوز ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 556)، المنهاج (ص 483). (¬2) فتح العزيز (10/ 322)، الروضة (9/ 260)، وانظر " نهاية المطلب " (16/ 321). (¬3) انظر " فتح العزيز " (10/ 479)، و" الروضة " (9/ 356، 357). (¬4) البيان (11/ 489)، فتح العزيز (10/ 323)، الروضة (9/ 261). (¬5) انظر " فتح العزيز " (10/ 320).

بيعه، وإنما وقع أخذ القيمة عن الذي في الذمة وهو مجهول الصفة، قال شيخنا: وجواب ما قاله صاحب " البيان ": أن الصلح عن إبل الدية وقع على عوض غير قيمتها وهي مجهولة الصفة، فجاء الخلاف في الاعتياض عنها، وأما التراخي على أخذ القيمة .. فإنه يُنزل الإبل منزلة العدم، ولو عدمت .. عدل إلى قيمتها على المذهب، قال: وقد نص في " الأم " على جواز أخذ القيمة بالتراضي مع وجود الإبل (¬1). ثانيهما: أورد عليه شيخنا الإمام البلقيني: أن العدول من نوع إلى نوع بالتراضي اعتياض؛ ولهذا صححوا في السلم: أنه لا يجوز أن يستبدل عنه غير نوعه، والاعتياض عن إبل الدية لا يصح في الأصح، ثم ذكر أن هذا الإيراد على النووي على طريقته وإن كان الفتوى عند الشيخ في (السلم) على الجواز، وكلام الشافعي رضي الله عنه يقتضيه، والله أعلم. 4725 - قولهما - والعبارة لـ" المنهاج " -: (ولو عدمت .. فالقديم: ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم) (¬2) فيه أمور: أحدها: أنه يقتضي التخيير بينهما، والجمهور أن على أهل الذهب ذهبًا، وعلى أهل الورق ورقًا. ثانيها: أن مقتضى " المنهاج ": استواء المغلظة وغيرها، وأنه لا يزاد للتغليظ شيء، وهو الأصح في " الروضة " وأصلها (¬3)، لكن صحح شيخنا الإمام البلقيني مقابله، وعليه مشى" التنبيه " فقال [ص 223]: (ويزداد التغليظ قدر الثلث). ثالثها: أنه صريح في توقف إيجاب النقدين على عدم الإبل، وكذا حكاه الأكثرون عن القديم، لكن قال شيخنا الإمام البلقيني: إنه يقرب من خرق الإجماع، وإن النقدين يجبان ابتداءً مع وجود الإبل على القديم، لا بالتخيير، بل بالنظر إلى حالة من يلزمه. 4726 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (والجديد: قيمتها) (¬4) أورد عليه شيخنا الإمام البلقيني: أنه يعدل على الجديد إلى القيمة أيضًا فيما إذا بيعت في البلد وما قرب منه هي والنوع الغالب في أقرب البلاد إليه بأكثر من ثمن المثل. 4727 - قول " المنهاج " [ص 483]: (بنقد بلده) قال شيخنا ابن النقيب: لم أدر أي بلد هو؛ أبلد الجاني أم المجني عليه أم الولي القابض أم الذي يجب التحصيل منه؟ لم أر تصريحا بشيء منه (¬5). ¬

_ (¬1) الأم (6/ 114). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 223)، و " المنهاج " (ص 483). (¬3) فتح العزيز (10/ 325)، الروضة (9/ 262). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 223)، و " الحاوي " (ص 556)، و" المنهاج " (ص 483). (¬5) انظر " السراج على نكت المنهاج " (7/ 225).

وقال شيخنا الإمام البلقيني: كلامه يوهم أن المراد: بلد من لزمته كما سبق في قوله: (وإلا .. فغالب إبل بلده) وليس كذلك، فالمراد هنا: بلد العدم المفهوم من قوله: (فإن عدمت). وفي " أصل الروضة ": هل تعتبر قيمة موضع الوجود أم موضع الإعواز لو كانت فيه إبل؟ وجهان: أصحهما: الثاني (¬1). قال شيخنا الإمام البلقيني: ومحل الخلاف: أن تعدم الإبل في بلد الجاني وفي أقرب البلاد إليه، وتوجد في بلد لا يجب النقل من مثله .. فهل تعتبر قيمة موضع الوجود الذي لا يجب النقل من مثله، أم موضع الإعواز وهو أقرب البلاد؛ قال: واعتبار موضع الوجود غلط فاحش، وموضع الإعواز مشكل؛ إذ ليس به شيء تعتبر قيمته، إلا أن يحمل على أنه به نوعًا معيبا .. فيقوم سليمًا باعتبار موضع الإعواز. 4728 - قولهم: (ودية اليهودي والنصراني ثلث دبة السلم) (¬2) المراد: من تحل مناكحته، فمن لا يعرف دخول أصوله في ذلك الدين قبل النسخ أو بعده، أو قبل التحريف أو بعده .. لا يناكح، ويقر بالجزية، وتجب فيه دية مجوسي. 4729 - قولهما: (ومجوسي ثلثا عُشر مسلم) (¬3) لو عبرا بثلث خمس كما عبر به " الحاوي " (¬4) .. لكان أولى؛ لتصويب الحساب له؛ لكونه أخصر؛ فإن في الثلثين تكريرًا ليس في الثلث. 4730 - قول " التنبيه " [ص 223]: (ومن لم تبلغه الدعوة .. فالمنصوص: أنه إن كان يهوديًا أو نصرانيًا .. وجب ثلث الدية) محمول على ما إذا تمسك من ذلك بغير مبدل، فإن تمسك بالمبدل .. فالواجب فيه دية مجوسي؛ ولذلك قال " الحاوي " [ص 556، 557]: (ومن لم تبلغه دعوة نبي أو دعوتنا وبذل .. ثلث الخمس، وإن لم يبدِّل .. فدية دينه) و" المنهاج " [ص 484]: (والمذهب: أن من لم يبلغه الإسلام إن تمسك بدين لم يُبدّل .. فدية دينه، وإلا .. فكمجوسي) لكن تعبيره بالمذهب يقتضي أن الخلاف فيه طريقان، وهو في " الروضة " وأصلها وجهان (¬5)، وقد عرفت أن " التنبيه " حكى أحدهما عن النص، ورجح شيخنا الإمام البلقيني ما اقتضاه كلام " التنبيه " من وجوب ثلث الدية ولو تمسك بمبدل، وقال: إنه ظاهر النص، ورجحه جماعة، ودخل في قول " المنهاج " [ص 484]: (وإلا .. فكمجوسي) من لم تبلغه دعوة ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 262). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 223)، و" الحاوي " (ص 556)، و" المنهاج " (ص 484). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 223)، و " المنهاج " (ص 483). (¬4) الحاوي (ص 557). (¬5) فتح العزيز (10/ 332)، الروضة (9/ 259).

فصل [في الشجاج التي تجب فيها الحكومة]

نبي أصلًا، وليست في " المحرر "، وهي التي فيها في " الروضة " وأصلها طرق، فكان تعبير " المنهاج " بالمذهب باعتبار مجموع المسألة. فصلٌ [في الشجاج التي تجب فيها الحكومة] 4731 - قول " التنبيه " [ص 224]: (والموضحة: ما توضح العظم في الرأس والوجه، وفيها خمس من الإبل) قيد ذلك " المنهاج " بقوله [ص 484]: (لحر مسلم) وأهمل التقييد بكونه ذكرًا، ولم يذكرا معًا صفاتها، ولا كونها مغلظة أو مخففة، ولو عبرا كـ " الحاوي " [ص 572] بـ (نصف عشر ديته) .. لتناول جميع ذلك، ولم يحتج لتقييده بشيء. واعلم: أنه قد يفهم من كلامهم أن المراد بالرأس والوجه هنا: مدلولهما في الوضوء، وليس كذلك، فيدخل في الرأس هنا العظم الناتئ خلف الأذن، وهو الخُشّاءُ، وفي الوجه ما تحت المقبل من اللحيين، وليس ذلك داخلًا في الوضوء. وقال شيخنا الإمام البلقيني: إن موضع الأذنين ليس من الرأس ولا من الوجه، ولو أزال الأذنين وأوضح مع ذلك العظم الذي تحت أطراف الأذنين .. وجب مع ذلك أرش موضحتين. وقول " التنبيه " [ص 224]: (في الرأس والوجه) مع قوله أولًا [ص 224]: (الشجاج في الرأس عشرة) يفهم أن باقي الشجاج لا يجري في الوجه، وليس كذلك، بل كله يجري في الجبهة، وكذلك ما سوى الدامغة والمأمومة يجري في الخد وقصبة الأنف واللحي الأسفل. 4732 - قول " المنهاج " [ص 484]: (وهاشمةٍ مع إيضاحٍ عشرةٌ) أحسن وأخصر من قول " التنبيه " [ص 224]: (والهاشمة: ما تهشم العظم، فيجب فيها عشر من الإبل، فإن ضربه بمثقل فهشم العظم ولم يجرح .. لزمه خمس من الإبل) فإنه قد يجرح ولكن لا ينتهي إلى الإيضاح .. فلا يجب سوى خمس، ولو عبرا بعشر الدية .. لكان أولى؛ لما تقدم. وفي " أصل الروضة " عن " الرقم " وغيره: أن موضع الوجهين ما إذا لم يحوج الهشم إلى بط وشق لإخراج العظم أو تقويمه، فإن أحوج إليه .. فالذي أتى به هاشمة يجب فيها عشر من الابل (¬1). قال شيخنا الإمام البلقيني: وله وجه؛ لأن جنايته هي السبب في الإيضاح، ويحتمل أن يقال: هو من فعل المجروح، فلا يضمَنه الجاني، وهذا أرجح. 4733 - قول " المنهاج " [ص 484]: (ولو أوضح فهشم آخر، ونقل ثالث، وأمَّ رابعٌ .. فعلى ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 264).

كل من الثلاثة خمسةٌ) كان ينبغي أن يقول: (وهشم) كما في " المحرر " (¬1) فإن التعبير بالفاء يقتضي تعقب الهشم للإيضاح، ولا يختص الحكم به، بل لو تأخر عنه كثيرًا أو تقدم عليه .. لم يختلف الحكم. وقوله: (والرابع إتمام الثلث) (¬2) يقتضي تأخر الاستيفاء منه ليحصل الإتمام، وليس كذلك، فلو عبر كـ " المحرر " بتمام الثلث (¬3) .. لكان أولى، وحكاه بعضهم عن النسخ الصحيحة من " المنهاج "، فلو خرق خامس خريطة الدمغ .. ففي " التهذيب ": أن عليه دية النفس؛ كالحز بعد قطع غيره (¬4)، قال الرافعي: وهذا على طريقة من جعل الدامغة مذففة. 4734 - قول " التنبيه " [ص 224]: (وتجب في هذه الخمسة الحكومة، ولا يبلغ بحكومتها أرش الموضحة) هو ظاهر النص وقول الجمهور كما حكاه الماوردي (¬5)، ورجحه شيخنا الإمام البلقيني، وحمله " المنهاج " على ما إذا لم تعرف نسبتها من الموضحة، فقال: (والشجاج قبل الموضحة إن عُرفت نسبتها منها .. وجب قسط من أرشها، وإلا .. فحكومة) (¬6) كذا اقتصر على إيجاب القسط، وقال في " أصل الروضة " بعد نقله ذلك عن الأكثرين: فإن شككنا في النسبة .. أوجبنا اليقين، ثم قال: قال الأصحاب: ويعتبر مع ذلك الحكومة، فيجب الأكثر من الحكومة والقسط. انتهى. والذي حكاه الشيخ أبو حامد ومن تابعه عن أبي إسحاق: أن إيجاب أكثر الأمرين إنما هو فيما إذا عرف بعض النسبة وشك في الباقي. وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه لا يقوم عليه دليل. 4735 - قول " المنهاج " [ص 484]: (وفي جائفة ثلث دية، وهو: جرح ينفذ إلى جوفٍ؛ كبطنٍ وصدرٍ وثغرةِ نحرٍ وجبينٍ وخاصرةٍ). فيه أمور: أحدهما: أنه لا بد من تقييد الجوف بأن يكون فيه قوة محيلة للغذاء أو الدواء، فالنافذة إلى جوف الذكر وداخل الفم أو الأنف بهشم الخد والقصبة وغيرهما وإلى بيضة العين من الجفن ليست جائفة في الأصح؛ ولذلك قال " الحاوي " [ص 560]: (بجوف قوّتُهُ محيلةٌ) وذكر بعضهم أن هذه الصور خرجت بقول " التنبيه " [ص 224]: (إلى جوف البدن) وقد ذكر بعد ذلك وصولها إلى باطن الفم بهشم الخد، فقال: (وإن طعن في وجنته فهشم العظم ووصلت الجراحة إلى الفم .. ففيه ¬

_ (¬1) المحرر (ص 403). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 484). (¬3) المحرر (ص 403). (¬4) التهذيب (7/ 143). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (12/ 154). (¬6) المنهاج (ص 484).

قولان: أحدهما: أنها جائفة، والثاني: يلزمه أرش هاشمة) (¬1)، والثاني هو الأصح، ويلزمه مع ذلك حكومة لما زاد، ذكره في " الروضة " وأصلها (¬2). ثانيها: ظاهر كلامهم الاقتصار على ثلث الدية، ويستثنى منه: ما إذا نفذت من غير الضلع فكسرت الضلع، أو لذع الحديد كبده أو طحاله، أو شرط بطنه بسكين ثم أجافه في آخر الشرط .. فيجب في الصور الثلاث مع الثلث حكومة، كما ذكره الماوردي (¬3)، وخالف في " الروضة " وأصلها في الصورة الثالثة (¬4)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: وما ذكره الماوردي أرجح. ثالثها: قول " المنهاج " [ص 484]: (وجبين) كذا فيما وقفنا عليه بباء موحدة ثم ياء مثناة من تحت ثم نون، وهو تصحيف، والذي في نص " الأم ": (جنب) (¬5) فثناه بعضهم، وقال: (جنبين) فتصحفت بجبين، ولا جائفة في الجبين بلا خلاف، إنما الواصلة إلى جوف الدماغ تعطى حكم الجائفة، وليست جائفة، وهو في بعض نسخ " المنهاج " على الصواب. 4736 - قول " التنبيه " [ص 224]: (فإن أوضح موضحتين وبينهما حاجز .. فعليه عشر من الإبل) المراد: حاجز كامل بلحم وجلد؛ ولذلك قال " المنهاج " [ص 484]: (بينهما لحم وجلد، قيل: أو أحدهما)، و" الحاوي " [ص 563]: (بحاجز اللحم والجلد). 4737 - قول " التنبيه " [ص 224]: (فإن عمت الرأس ونزلت إلى الوجه .. فقد قيل: يلزمه خمس، وقيل: عشر) الأصح الثاني، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " (¬6). 4738 - قول " التنبيه " [ص 224]: (وإن خرق بينهما .. رجعت إلى خمس) محله: ما إذا كان ذلك قبل الاندمال، وفي معنى خرقه بينهما: تآكل الحاجز، وقد ذكره " الحاوي " فقال: [ص 563] (لا إن رفع أو تآكل) ودخل في عبارتهما: ما لو رفع الحاجز خطأ، وهو الأرجح في زوائد " الروضة " (¬7)، وقيل: يلزمه أرش ثالث. 4739 - قول " المنهاج " [ص 484]: (ولو وَسَّع موضحته .. فواحدة على الصحيح، أو غيره .. فثنتان) يجوز في قوله: (غيره) الرفع، أي: وسعها غيره، وهو موافق لـ " المحرر " (¬8)، ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 224). (¬2) فتح العزيز (10/ 338)، الروضة (9/ 266). (¬3) انظر " الحاوي الكبير " (13/ 240). (¬4) فتح العزيز (10/ 338)، الروضة (9/ 266). (¬5) الأم (6/ 79). (¬6) الحاوي (ص 562)، المنهاج (ص 484). (¬7) الروضة (9/ 269). (¬8) المحرر (ص 404).

والنصب، وهو بمعناه؛ أي: وسع هو موضحة غيره، وحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه؛ كقوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} والجر؛ أي: وسع موضحة غيره، فيكون معطوفًا على الضمير المجرور، ونقل الوجهان الأخيران عن خط المصنف. 4740 - قول " التنبيه " [ص 224]: (وإن أوضح موضحتين ثم خرق بينهما في الباطن .. فقد قيل: إنه يجب عليه أرش موضحتين، وقيل: أرش موضحة) الأصح: الثاني، وهو موافق لما تقدم عن " المنهاج " و" الحاوي " أن المراد: حاجز اللحم والجلد (¬1). 4741 - قول " المنهاج " [ص 484، 485]: (ولو نفذت في بطنٍ وخرجت من ظهره .. فجائفتان في الأصح) يقتضي أن الخلاف وجهان، وكذا في " أصل الروضة "، ثم قال: ويقال: قولان (¬2)، وكان ينبغي أن يقول: (على النص) فقد نص في " الأم " على أنهما جائفتان (¬3). 4742 - قوله: (ولو أوصل جوفه سنانًا له طرفان .. فثنتان) (¬4) شرطه: أن يكون الحاجز بينهما سليمًا، كما ذكره في " الروضة " وأصلها (¬5)، ثم إن هذا يصدق بما إذا أوصله من منفذ مفتوح؛ فكان ينبغي أن يقول: (ولو طعن جوفه بسنان) ولا يرد ذلك على قول " الحاوي " [ص 562]: (وتتعدد بتعدد الجائفة صورة). 4743 - قولهم: (وفي الأذنين الدية) (¬6) إنما يقتصر عليها إذا لم يحصل مع استئصالهما إيضاح، فلو أوضح العظم .. وجب أيضًا أرش موضحة، وفي تعبير " المنهاج " عن ذلك بالمذهب مناقشة؛ فإن المسألة ليس فيها طريقان، وإنما فيها نص مشهور وقول مخرج، أو وجه ضعيف. 4744 - قول " التنبيه " [ص 224]: (وإن ضرب الأذن فشلت .. وجبت الدية في أحد القولين، والحكومة في الآخر، وإن قطع أذنًا شلاء .. ففيه قولان: أحدهما: تجب الدية، والثاني: تجب الحكومة) الأظهر في الأولى: وجوب الدية، وفي الثانية: وجوب الحكومة، وعليه مشى " المنهاج " (¬7)، وإليه أشار " الحاوي " بقوله [ص 559]: (وأذن لمنع الهوام) فعُلم من كون المنفعة المعتبرة فيها منع الهوام وجوب الدية فيها إذا أشلها؛ لزوالها بعدم الإحساس، لكن نازع شيخنا الإمام البلقيني في ترجيح إيجاب الدية في الأولى، وقال: لم ينقله الرافعي إلا عن البغوي، ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 563)، المنهاج (ص 484). (¬2) الروضة (9/ 270). (¬3) الأم (6/ 79). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 485). (¬5) فتح العزيز (10/ 344)، الروضة (9/ 270). (¬6) انظر " التنبيه " (ص 224)، و" الحاوي " (ص 559)، و" المنهاج " (ص 485). (¬7) المنهاج (ص 485).

والجمهور لم يرجحوا شيئًا، ونص الشافعي في " الأم " يقتضي ترجيح إيجاب الحكومة، ثم بسط ذلك (¬1). 4745 - قول " المنهاج " [ص 485]: (وفي كل عين نصف دية ولو عين أحول وأعمش وأعور) يوهم أن العين العوراء فيها نصف الدية، وليس كذلك، وإنما هو في الأخرى، واحترز بذلك عمن يقول: في عين الأعور كل الدية، وأيضًا فلا يقال في الأعور: في كل عين له نصف دية؛ لأنه إنما له عين واحدة. 4746 - قوله: (وكذا من بعينيه بياضٌ لا ينقص الضوء، فإن نقص .. فقِسْطٌ، فإن لم ينضبط .. فحكومةٌ) (¬2) قد يفهم أن مراده: أن من بعينه بياض ينقص الضوء إذا أذهب جانٍ ضوءها .. لم يجب عليه إلا قسط الدية باعتبار نقص الضوء، فإن لم ينضبط .. فحكومة، وليس كذلك، بل يجب في مثل هذه العين الدية كاملة، كما هو ظاهر كلام " الوجيز " (¬3). قال الرافعي: لكن ذكرنا في فقء العين التي فيها بياض: أنه إن نقص الضوء .. فلا تكمل الدية، فليكن في إذهاب ضوء العين وفيها بياض مثل ذلك (¬4)، وأسقط ذلك في " الروضة "، وما بحثه الرافعي صرح به الماوردي (¬5)، وكلام الشافعي في " الأم " يشير إليه أيضًا (¬6)، وظهر بذلك أنه لو حمل كلام "المنهاج" على ذلك .. لم يمنع منه مانع، لكن مقتضى مطابقته لـ " المحرر " (¬7): أن مراده: ما إذا نقص ضوء العين بالجناية، فإن انضبط .. وجب قسط، وإن لم ينضبط .. فحكومة. ويرد ذلك على إطلاق " التنبيه " أن في نقص الضوء الحكومة (¬8)، وأورد شيخنا الإمام البلقيني على " المنهاج " أمرين: أحدهما: أنه إذا انضبط بعض النقص ولم ينضبط كله .. فإنه يؤخذ بنسبة ما نقص من الدية قطعا، إلا أن تزيد الحكومة على القسط .. فتجب الحكومة، قال: وإنما لم يجب أرش المنضبط وحكومة غير المنضبط؛ لأن إفراد غير المنضبط بالحكومة قد لا ينضبط، فنظرنا إلى الجناية كلها، فإن اتفق إمكان إفراد غير المنضبط بالحكومة .. وجب المقدر وحكومة غير المنضبط. ¬

_ (¬1) انظر " الأم " (6/ 84)، و " التهذيب " (7/ 146)، و " فتح العزيز " (10/ 356). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 485). (¬3) الوجيز (2/ 148). (¬4) انظر " فتح العزيز " (10/ 394). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (12/ 254). (¬6) الأم (6/ 122). (¬7) المحرر (ص 404). (¬8) التنبيه (ص 225).

ثانيهما: أن محل الحكومة في غير المنضبط: ما إذا لم يعد الجاني ويجني جناية أخرى تذهب ما بقي من الضوء، فإن عاد قبل الاندمال وأذهب ما بقي .. وجب عليه نصف الدية، وينقص منها ما أخذ أوَّلًا، قال: ولم أر من تعرض لذلك. 4747 - قول " التنبيه " [ص 225]: (وفي أحد المنخرين نصف الدية، وقيل: ثلث الدية) الأصح: الثاني، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " (¬1)، وتعبير " التنبيه " و" المنهاج " يوهم أن الخلاف وجهان، وليس كذلك، بل هو قولان، نص على الثلث في " الأم "، ونقل النص على النصف سُليم وصاحب " المهذب " (¬2)، وكذا هو في " الروضة " وأصلها (¬3). 4748 - قول " التنبيه " [ص 225]: (فإن قطع المارن وبعض القصبة .. لزمه دية وحكومة) الأصح: اندراج حكومة القصبة في دية المارن، كذا صححه في " أصل الروضة "، والرافعي قال: ذكر الإمام أن فيه وجهين، وأن المذهب الظاهر منهما: الاندراج، ثم ذكر بحثًا يقتضي أنه يجب مع دية المارن أرش منقلة، قال: وكذا حكى ابن كج عن نص " الأم " (¬4). وحذفه من " الروضة "، بل في " الكفاية " عن الماوردي: أنه قد تزيد الحكومة على أرش المنقلة (¬5)، ونص في " الأم " على إيجاب الحكومة، فقال: (وإذا قُطع من العظم المتصل بالمارن شيء .. كانت فيه حكومة مع دية المارن) (¬6). 4749 - قوله: (وإن ضرب الأنف فشل المارن .. ففيه قولان كالأذن) (¬7) الأظهر: وجوب الدية. 4750 - قول " المنهاج " - والعبارة له، وقد سقط من بعضه نسخه - و" الحاوي ": (وهي - أي: الشفة - في عرض الوجه إلى الشدقين، وفي طوله ما يستر اللثة في الأصح) (¬8) في " أصل الروضة ": إنه الأصح المنصوص، وبه قطع الأكثرون (¬9)، لكن قال شيخنا الإمام البلقيني: إن نص " الأم " يقتضي أن حَدَّ (¬10) الشفتين إلى محل الارتتاق من أعلى وأسفل، وهو من الأوجه ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 560)، المنهاج (ص 485). (¬2) المهذب (2/ 202). (¬3) فتح العزيز (10/ 360). (¬4) فتح العزيز (10/ 368، 369)، الروضة (9/ 277)، وانظر " نهاية المطلب " (16/ 354). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (12/ 187). (¬6) الأم (6/ 119). (¬7) انظر " التنبيه " (ص 225). (¬8) انظر " الحاوي " (ص 560)، و" المنهاج " (ص 485) حاشية (1). (¬9) الروضة (9/ 274). (¬10) في النسخ: (أحد)، ولعل الصواب ما أثبت.

المقابلة للأصح هنا؛ فإنه قال: (والشفة كل ما زَايَلَ جلد الذقن والخدين من أعلى وأسفل مستدير بالفم كله مما ارتفع عن الأسنان واللثة) (¬1) فاعتبر مزايلة الخدين من أعلاه، وذلك واصل إلى محل الارتتاق، وقوله: (مما ارتفع عن الأسنان واللثة) يبين ذلك؛ فإن الذي ارتفع عن الشيء هو ما كان فوقه، أما ما كان قبالته .. فلا يقال: ارتفع عنه، وإنما يقال فيه: يستره أو يوازيه، واعتبر الشافعي الاستدارة بالفم كله، وذلك يقتضي نزوله على مقتضى الاستدارة على آخر الفم في العرض، قال: وهذا الذي نزلنا نص الشافعي عليه هو المعتمد. 4751 - قول " التنبيه " [ص 225] و" الحاوي " [ص 559]: (وفي اللسان الدية) يتناول لسان الطفل، وبه صرح " المنهاج " ثم قال: (وقيل: شرط طفلٍ ظهور أثر نطقٍ بتحريكه لبكاءٍ ومصٍّ) (¬2) ومقتضاه: أنه وجه، قال شيخنا الإمام البلقيني: وليس وجهًا، بل هو ظاهر نص " الأم " و" المختصر " (¬3)، قال: والذي يظهر من كلام كثير من أصحاب الطريقين ترجيح إيجاب الحكومة في قطع لسان المولود عقب ولادته قبل أن يتحرك لسانه ثم يسقط ذلك، ومال إليه، قال: ومحل الخلاف: ما إذا لم يبلغ وقت التحريك، فإن بلغ وقت التحريك ولم يوجد .. فالواجب الحكومة، قال: ووقت التحريك هو ما بعد الولادة في الزمن القريب منها الذي يحرك المولود فيه لسانه لبكاءٍ ومصٍّ ونحوهما. 4752 - قول " المنهاج " [ص 485]: (ولأخرس حكومة) محله: ما إذا لم يذهب بقطعه الذوق، أو كان ذاهب الذوق، فأما إذا قطعه فذهب ذوقه .. وجبت الدية للذوق، وهذا مفهوم من قوله: (إن في الذوق الدية) (¬4). 4753 - قول " التنبيه " [ص 226]: (وإن قطع اللسان فأخذ الدية ثم نبت .. رد الدية في أحد القولين) الأصح: أنه لا يردها. 4754 - قوله: (وفي كل سن خمس من الإبل) (¬5) المراد: إذا كانت لذكر حر مسلم كما عبر به " المنهاج " (¬6)، ولو قال: (نصف عشر ديته) كما عبر به " الحاوي " (¬7) .. لتناول جميع الصور، واستفيد به التغليظ والتخفيف. ¬

_ (¬1) الأم (6/ 124). (¬2) المنهاج (ص 485). (¬3) الأم (6/ 120)، مختصر المزني (ص 245). (¬4) المنهاج (ص 487). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 226). (¬6) المنهاج (ص 485). (¬7) الحاوي (ص 572).

4755 - قول "المنهاج" [ص 485]: (وفي سن زائدة الحكومة) لو عبر ب (الشاغية) كما عبر به "المحرر" و"الحاوي" (¬1) .. لكان أولى، وهي التي خالف نباتها نبات الأسنان؛ لأن تعبيره بالزائدة يشمل الزائدة على الغالب في الفطرة، وهي اثنان وثلاثون، وتلك فيها وجهان بلا ترجيح في "الروضة" وأصلها: أحدهما: فيها خمس من الإبل، والثاني: حكومة (¬2)، وصحح شيخنا الإمام البلقيني الأول؛ لإطلاق الخبر، وهو داخل في إطلاقهم السن. 4756 - قول "المنهاج" [ص 485]: (وحركة السن إن [نقصت] (¬3) .. فالأصح كصحيحة) فيه أمران: أحدهما: أنه يقتضي أن الخلاف وجهان، وهو في "الروضة" وأصلها قولان (¬4). ثانيهما: قال شيخنا الإمام البلقيني: لم أجد ما صححه في كلام أحد من المصنفين، والأصح بمقتضى نصوص الشافعي وقاعدته: إنه إن لم يمكن المضغ عليها ولم يبق فيها إلا جمال .. فالواجب حكومة، وإن بقي بعض المضغ .. فكالصحيحة. قلت: هذا لا ينافي كلامه؛ لأن التي لم يبق فيها إلا جمال قد بطلت منفعتها، وقد قدم أن فيها الحكومة. 4757 - قول "المنهاج" فيما لو قلع سن صغير [ص 485]: (والأظهر: أنه لو مات قبل البيان .. فلا شيء) فيه أمران: أحدهما: أنه قد يفهم أنه لا تجب حكومة، وليس كذلك. ثانيهما: في "أصل الروضة": أن الخلاف في ذلك وجهان، وقيل: قولان، لكن الرافعي في آخر الكلام قال: لو قلع سن صغير فطلع بعضها ومات الصغير قبل أن يتم نباتها .. فعليه من الدية قسط ما لم ينبت إن قلنا بوجوب الدية فيما إذا مات قبل النبات، والحكومة إن قلنا: لا تجب هناك الدية، حُكي هذا التصوير والتفريع عن نص الشافعي، وذلك يقوي رواية من روى الخلاف في المسألة قولين، وقد حكاهما ابن كج عن "الأم"، وأسقط ذلك في "الروضة" (¬5). قال شيخنا الإمام البلقيني: والقولان في "الأم" في ترجمة أسنان الصبي (¬6)، فالذي في "المنهاج" هو الصحيح. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 405)، الحاوي (ص 575). (¬2) فتح العزيز (10/ 375، 376)، الروضة (9/ 282). (¬3) في (ج): (قفت). (¬4) فتح العزيز (10/ 373)، الروضة (9/ 280). (¬5) فتح العزيز (10/ 373)، الروضة (9/ 279، 280). (¬6) الأم (6/ 127).

4758 - قول "التنبيه" [ص 226]: (وإن قلع سن كبير فضمن ثم نبت .. ففيه قولان: أحدهما: يرد ما أخذ. والثاني: لا يرد) الأظهر: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" (¬1). 4759 - قوله: (ولو قلعت الأسنان .. فبحسابه، وفي قول: لا يزيد على دية إن اتحد جانٍ وجنايةٌ) (¬2) قد يقتضى أنه لو جنى عليه جانيان دفعة واحدة .. لم يأت هذا القول فيه، وليس كذلك، فالظاهر كما قال في "المطلب": إجراء القولين أيضاً، وإنما يقطع بالتعدد عند تعدد الجاني إذا جنى بعد جناية الأول. وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم أقف على هذا القول في شيء من كتب الشافعي؛ ولهذا حكاه ابن الصباغ والماوردي وغيرهما وجهًا، وحكايته وجها أرجح، وعليه جرى العراقيون. 4760 - قوله: (ولا يدخل أرش الأسنان في دية اللحيين في الأصح) (¬3) كان ينبغي أن يقول: (على النص) فقد نص عليه في "الأم" و"مختصري المزني والبويطي" (¬4)، وحكى في "الوسيط" مقابله قولاً (¬5)، ويوافقه بعض نسخ "المحرر" فإنه نقل في ذلك قولين (¬6). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه غير معروف، قال: ولا فرق في هذا الحكم بين سن من لم يَثْغَر وغيره؛ لأنا إنما كنا ننتظر سن من لم يثغر لبقاء منبتها، والمنبت هنا قد زال. قال: ولم أر من نبه على ذلك، وهو واضح. 4761 - قول "المنهاج" [ص 486]: (وكل يد نصف دية إن قطع من كف) كان ينبغي أن يقول: (من كوع) كما عبر به غيره، أو يقول: (كفاً) كما قال "التنبيه" [ص 226]: (وفي الكفين والأصابع الدية) ومع ذلك فيرد: أنه لو قطع الأصابع وحدها .. وجبت نصف الدية، لكنه ذكره بعد ذلك. 4762 - قولهما: (وكل إصبعٍ عشرةُ أبْعِرَةٍ، وأنملةٍ ثلث العشرة، وأنملة إبهام نصفها) (¬7) المراد: من صاحب الدية الكاملة، وهو الذكر الحر المسلم، والمراد: الإصبع غير الزائدة. 4763 - قول "المنهاج" [ص 486]: (وحشفةٌ كذكرٍ، وبعضها بقسطه منها، وقيل: من ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 485). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 485). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 486). (¬4) الأم (6/ 124، 125)، مختصر المزني (ص 245). (¬5) الوسيط (6/ 344). (¬6) المحرر (ص 405). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 226)، و "المنهاج" (ص 486).

الذكر) يقتضي أن الخلاف وجهان، وليس كذلك، بل هو قولان. نص عليهما في "الأم" (¬1)، وكذلك حكاهما في "التنبيه" (¬2)، وكذا في بعض نسخ "المحرر" (¬3)، ورجح في "أصل الروضة" طريقة القطع بالأول، ثم حكى طريقة الخلاف وجهين، ثم حكى عن المتولي: أن هذا إذا لم يختل مجرى البول، فإن اختل .. فالأكثر من قسط الدية وحكومة فساد المجرى (¬4). وتعقبه شيخنا الإمام البلقيني: بأن القطعة من الحشفة التي لها الحصة المعلومة لا تدخل في الحكومة، بل يجب أرشها بالنسبة على ما سبق، ويجب لفساد المجرى حكومة. 4764 - قول "المنهاج" [ص 486]: (وكذا حكم بعض مارنٍ وحلمةٍ) أي: هل يجب بقسطه من المارن فقط أو من المارن والقصبة؟ وهل يجب بالقسط من الحلمة فقط أو من الحلمة والثدي؟ وحكى الخلاف في "أصل الروضة" طريقين (¬5). وقال شيخنا الإمام البلقيني: ما ذكره في المارن إنما يجيء على قولنا: إن القصبة تندرج في دية المارن، ونص في "الأم" على خلافه (¬6)، فما ذكره هنا مفرع على الدخول، وهو الأصح في "الروضة"، وهو خلاف النص المعتمد. 4765 - قول "الحاوي" [ص 559]: (والجلد كالنفس) قيده "المنهاج" فقال [ص 486]: (إن بقي حياةٌ مستقرةٌ وحزَّ غير السالخ رقبته) وقال شيخنا الإمام البلقيني: لا حاجة إليه؛ فقد يحصل تشقق يزيل الجلد خاصة من غير أن يكون قاتلاً، وقد رأينا من يتمزع غالب جلده بالحرارة التي تخرج إلى سطح جسده ثم يفيق منها، قال: ويتصور في السالخ أيضًا بأن يكون إحدى الجنايتين عمداً والأخرى خطأ .. فإن الأصح: أنهما لا يتداخلان. انتهى. وذهب الماوردي إلى أن في سلخ الجلد حكومة لا تبلغ دية النفس (¬7)، وحكاه شيخنا الإمام البلقيني عن النص (¬8)، وقال: إنه المعتمد. 4766 - قول "التنبيه" [ص 226]: (وإن قطع اللحم الناتئ على الظهر .. لزمته الدية) يعني: جانبي السلسلة، وفي "الكفاية" تبعًا لابن يونس: لا ذكر لهذه المسألة في الكتب المشهورة. ¬

_ (¬1) الأم (6/ 121). (¬2) التنبيه (ص 227). (¬3) المحرر (ص 405). (¬4) الروضة (9/ 287). (¬5) الروضة (9/ 277). (¬6) الأم (6/ 118). (¬7) انظر "الحاوي" (12/ 305). (¬8) انظر "الأم" (6/ 82).

فرع [في دية المعاني]

فَرْعٌ [في دية المعاني] 4767 - قولهم: (في العقل دية) (¬1) كذا أطلقوه، وقال المتولي: ذلك إذا تحقق الزوال وعدم العود بقول أهل الخبرة، فإن توقع عوده .. انتظر، فإن مات .. ففي الدية وجهان كسن المثغور، كذا في "الروضة" وأصلها عنه (¬2)، وصوابه: كسن غير المثغور، وسيأتي في النطق ما يوافقه، لكن سيأتي في السمع أنه إنما ينتظر إذا قذر أهل الخبرة لعوده مدة، وأن الإمام استثنى: ما إذا قدروا مدة يغلب على الظن انقراض العمر قبل فراغها، وقال: الوجه: ألاَّ ينتظر هذه المدة، بل تؤخذ الدية (¬3). 4768 - قول "التنبيه" [ص 225]: (فإن نقص ما يعرف قدره؛ بأن يجن يوماً ويفيق يوماً .. وجب بقسطه) يقتضي أنه لا يعرف قدره إلا بالزمان، لكن في "الروضة" وأصلها: أنه قد يتأتى بغير الزمان؛ بأن يقابل صواب قوله ومنظوم فعله بالخطأ المطروح منهما، وتعرف النسبة بينهما .. فيجب قسط الزائل (¬4). واستبعده شيخنا الإمام البلقيني: بأن الأفعال والأقوال لا تنضبط، بخلاف الزمان. 4769 - قوله: (فإن ذهب العقل بجناية لا أرش لها مقدر .. دخل أرش الجناية في دية العقل) (¬5) قال في "الكفاية": لم يوافقه عليه أحد من المصنفين إلا القاضي حسين في "تعلقيه"، وقد حكاه عنه الإمام، وقال: إنه ليس بشيء (¬6)، والجمهور على خلافه حكوا القولين في الصورتين ما إذا كان أرش الجناية مقدراً، وما إذا كان غير مقدر، والأصح فيهما: عدم الدخول، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 486]: (فإن زال بجرح له أرش أو حكومة .. وجبا، وفي قول: يدخل الأقل في الأكثر)، وقوله: (له أرش) أي: مقدر؛ فإن الحكومة أيضاً أرش، لكنه غير مقدر. لكن صحح شيخنا الإمام البلقيني طريقه "التنبيه"، وقال: إنها ظاهر نص "الأم" (¬7)، وفي كلام الشيخ أبي حامد ما يقتضيها، وعكس في "الروضة" وأصلها هذه الطريقة وهما، فقال: ¬

_ (¬1) انظر"التنبيه" (ص 225)، و"الحاوي" (ص 559)، و"المنهاج" (ص 485). (¬2) فتح العزيز (10/ 386، 387)، الروضة (9/ 289، 290). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (16/ 435). (¬4) فتح العزيز (10/ 386)، الروضة (9/ 289). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 225). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (16/ 349). (¬7) الأم (6/ 82).

وقيل: إن لم يكن أرش الجناية مقدراً .. لم يدخل قطعاً (¬1)، وصوابه: دخل قطعاً. وقوله: (يدخل الأقل في الأكثر) لا يفهم منه حكم المساوي؛ بأن قطع يديه فزال عقله، والحكم فيه على هذا القول التداخل أيضًا كما نقله شيخنا الإمام البلقيني عن مقتضى نص "الأم"، وحكاه في "الكفاية" عن النص صريحاً، وقال شيخنا: الظاهر أنه وَهِمَ فيه، وقطع في "المهذب" في التساوي بإيجاب ديتين (¬2)، ورُدّ. 4770 - قول "المنهاج" [ص 486]: (ولو ادُّعي زواله؛ فإن لم ينتظم قوله وفعله في خلواته .. فله دية بلا يمين) فيه أمور: أحدها: كيف يدعي وهو مجنون لا تصح دعواه؟ فينبغي أن يقرأ مبنيا لما لم يسم فاعله؛ أي: ادعى ذلك من له ولاية الدعوى، وهو الولي. ثانيها: قال شيخنا الإمام البلقيني: لا بد من كون الجناية تحتمل زوال العقل بها، وإلا .. لم تسمع الدعوى، ويحمل على الاتفاق كحصول الموت بصفعة خفيفة (¬3). ثالثها: نازع شيخنا الإمام البلقيني في هذا الحكم، وقال: لم يذكره الشافعي ولا متقدموا أصحابه، وإنما ذكره الإمام (¬4) والصواب: أنه لا بد من إقامة الولي البينة بجنونه. قلت: وقد يقال: ذلك لا ينافي ما ذكره المصنف؛ لأنه ليس المراد: عدم انتظام قوله وفعله بمجرد الدعوى، بل لا بد من ثبوته عند القاضي ببينة أو بعلمه عند من يجوز الحكم بالعلم. رابعها: محل عدم اليمين في المطبق كما هو فرض المسألة، فإن كان متقطعاً وادعى زمن الإفاقة .. حلف فيه، ويرد ذلك أيضًا على قول "الحاوي" [ص 560]: (ولا يُحلّف). 4771 - قولهم: (وفي السمع دية) (¬5) فيه أمران: أحدهما: أن محله: ما إذا لم يتوقع عوده، فإن توقع إلى مدة قدّرها أهل الخبرة .. انتظرت، قال الإمام: بشرط ألاَّ يظن استغراقها العمر فأكثر (¬6)، قال في "التهذيب": فلو مات قبل تلك المدة .. فهو كما لو انتظرنا البصر لمدة فمات قبلها (¬7)، وسيأتي. ثانيهما: لو قال أهل الخبرة: لطيفة السمع باقية ولكن ارتتق بالجناية داخل الأذن ارتتاقاً ¬

_ (¬1) فتح العزيز (10/ 388)، الروضة (9/ 290). (¬2) المهذب (2/ 202). (¬3) انظر "مغني المحتاج" (4/ 69). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (16/ 347). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 224)، و"الحاوي" (ص 559)، و"المنهاج" (ص 486). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (16/ 435). (¬7) التهذيب (7/ 149).

لا وصول إلى زواله .. فالأصح: وجوب حكومة لا دية، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 560]: (لا تعطيله). 4772 - قول "المنهاج" [ص 486]: (ولو ادَّعَى زواله وانزعج للصباح في نومٍ وغفلةٍ .. فكاذب) يوهم أن حقه اندفع لمجرد ذلك، وكذا يقتضيه قول "التنبيه" [ص 225]: (سقط دعواه) وليس كذلك، بل لا بد من حلف الجاني؛ لاحتمال أن الانزعاج بسبب آخر، كذا في "الروضة" وأصلها (¬1)، ونص عليه في "الأم" (¬2). وقال شيخنا الإمام البلقيني: الذي يظهر - والله أعلم - أنه لا يحلف خصمه عند ظهور كذبه قطعا، وأوّل النص على ما إذا لم يقطع بكذبه. 4773 - قول "التنبيه" [ص 225]: (وإن جني عليه جناية فادعى فيها ذهاب البصر وشهد بذلك شاهدان من أهل الخبرة .. وجبت الدية) فيه أمران: أحدهما: أن محله: في العمد، فأما في الخطأ .. فيكفي شهادة رجل وامرأتين، وشاهد ويمين. ثانيهما: أنه يفهم أنه لا سبيل إلى معرفته إلا بالبينة، وفي "الحاوي" [ص 560]: (والحواس بصوتٍ منكرٍ بغنةً، وتقريبِ حديدةٍ) فلم يذكر البينة، بل اقتصر على الامتحان كالسمع، وفي "المنهاج" [ص 487]: (وإن ادعى زواله .. سُئل أهل الخبرة، أو يمتحن بتقريب عقرب أو حديدةٍ محماة من عينه بغتةً، ونُظرَ هل ينزعج؟ ) فخير بينهما، واقتضى ثبوته بكل منهما، وجعل ذلك في "أصل الروضة" خلافاً، فقال: وجهان: أحدهما - وهو نصه في "الأم" -: يراجع أهل الخبرة؛ فإنهم إذ وقفوا الشخص في مقابلة عين الشمس ونظروا في عينيه .. عرفوا أن الضوء ذاهب أم موجود، بخلاف السمع لا يراجعون فيه؛ إذ لا طريق لهم إليه. والثاني: يمتحن بتقريب حية ... إلى آخره، ثم قال: وقال المتولي: الأمر إلى خيرة الحاكم؛ إن أراد مراجعتهم .. فعل، وإن أراد امتحانه .. فعل. انتهى (¬3). وعبارة الرافعي في "الكبير": يمكن أن يقدر في هذا اختلاف قول أو وجه، ورد في "التتمة" الأمر إلى خيرة الحاكم. انتهى (¬4). ¬

_ (¬1) فتح العزيز (10/ 395)، الروضة (9/ 291). (¬2) الأم (6/ 68). (¬3) الروضة (9/ 293). (¬4) فتح العزيز (10/ 392).

فتوقف في ذلك، وجزم في "المحرر" بالتخيير (¬1)، وفي "الشرح الصغير" بمقابله، فقال بعد ذكر المقالتين: وقيل: يتخير الحاكم. وقال شيخنا الإمام البلقيني: ليس في المسألة خلاف، والذين قالوا: يمتحن أرادوا: في حالة ما إذا لم يظهر لهم شيء، أو عدموا .. فتتعين مراجعتهم عند إمكانها كما نص عليه، قال: والامتحان هنا لا يجدي شيئاً؛ فقد يحول بينه وبين الرؤية أغشية، فلا يبصر مع بقاء الضوء، فيتعين أهل الخبرة كما نص عليه. وحاصل كلام شيخنا القطع بالبينة عند إمكانها، والخلاف عند تعذرها، وأن الصحيح مع تعذرها: أنه لا يكفي الامتحان. واعلم: أن المراد: ذهاب البصر أصلاً، فلو قال أهل الخبرة بعوده بعد مدة .. انتظرت، وقد صرح بذلك "التنبيه" فقال [ص 225]: (وإن قالا: ذهب ولكن يرجى عوده إلى مدة .. انتظر إليها، وإن مات قبل انقضائها .. وجبت الدية) ونص الشافعي على إيجاب القصاص أيضاً، وفي "الروضة" وأصلها عن البغوي: أنه لا يجب للشبهة (¬2). 4774 - قوله: (وإن نقص الضوء .. وجبت الحكومة) (¬3) محله: ما إذا لم يعرف قدره، فإن عرف .. وجب بقسطه من الدية؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 487]: (وإن نقص) ويدخل فيه ما إذا نقص ضوء إحداهما فقط، وفي "أصل الروضة" هنا بعد أن قال: لو أبصر بالصحيحة من مئتي ذراع وبالعليلة من مئة ذراع .. فموجبه التنصيف، لكن لو قال أهل الخبرة: إن المئة الثانية تحتاج إلى مثلي ما تحتاج إليه المئة الأولى؛ لقرب الأولى وبُعد الثانية .. وجب ثلثا دية العليلة، قال الشافعي: وما أرى ذلك يضبط (¬4). قال شيخنا الإمام البلقيني: وقياسه .. أن يجب ثلثا الدية الكاملة لو كان النقص من العينين. 4775 - قول "المنهاج" [ص 487]: (وفي الشم دية على الصحيح) يقتضي أن الخلاف وجهان، وبه صرح "المحرر" (¬5)، وكذا في الرافعي عن "التقريب"، وعن منصور التميمي قولان (¬6)، وقد نص على الدية في "الأم" و"المختصر"، وأشار في "الأم" إلى القول الآخر، ¬

_ (¬1) المحرر (ص 406). (¬2) فتح العزيز (10/ 391)، الروضة (9/ 292)، وانظر "التهذيب" (7/ 149). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 225). (¬4) الروضة (9/ 294). (¬5) المحرر (ص 406). (¬6) فتح العزيز (10/ 394).

وهو الحكومة بقوله: قيل: فيه الدية (¬1). 4776 - قوله: (وفي بعض الحروف قسطه) (¬2) أي: موزعاً على ما يحسنه منها كما صرح به "الحاوي" بقوله [ص 562]: (وما يحسن من ثمانية وعشرين حرفاً) ودل عليه قول "المنهاج" بعده [ص 487]: (ولو عجز عن بعضها خلقةً أو بآفةٍ سماويةٍ .. فدية، وقيل: قسط) وعلم منه أن محل كلام "الحاوي": ما إذا كان بغير جناية، فلو كان نقص بعض الحروف بجناية .. وزع على الكل. ويرد عليهما: أن محل هذا: فيما إذا بقي بعد الذاهب كلام مفهوم، فإن لم يبق كلام مفهوم .. فكذلك، كما قال في "التتمة": إنه المشهور في المذهب، والمنصوص في "الأم"، لكن في "التهذيب": إنه يجب كمال الدية لفوات منفعة الكلام (¬3)، وهو المحكي عن أبي إسحاق والقفال. وعن الروياني: أنه المذهب، ونقل عن مقتضى إيراد الرافعي في "الشرح الصغير"، وصححه شيخنا الإمام البلقيني، ورد ما قاله المتولي، وقال: إن نص "الأم" بخلافه؛ فإنه قال: (وإذا ذهب بعض كلام الرجل .. اعتبر عليه بأصول الحروف من التهجي) (¬4)، قال: فلم يوزع على الحروف إلا مع بقاء بعض الكلام. ويوافقه قول "التنبيه" [ص 225]: (وإن ذهب بعض الكلام .. وجب بقسطه يقسم على حروف لغته)، وهو أعم من قول "المنهاج" [ص 487]: (والموزع عليها ثمانية وعشرون حرفاً في لغة العرب) وهو أوضح من قول "الحاوي" [ص 562]: (وما يحسن من ثمانية وعشرين حرفاً) لاقتضاء إطلاقه اطراد ذلك في كل لغة، فعبارة كل منهما أحسن من الأخرى من وجه. وأورد شيخنا الإمام البلقيني على قول "المنهاج" [ص 487]: (في لغة العرب) أنه لو عرف المجني عليه معها لغة غيرها، وذهب حروف من كل منهما، وكانت تلك اللغة أكثر حروفاً .. فالتوزيع على الأكثر، كما رجحه شيخنا؛ لأن الأصل براءة ذمة الجاني، فلا يلزم إلا باليقين، وفي "الروضة" وأصلها وجهان في المسألة بلا ترجيح: هل يوزع على الأكثر، أو الأقل؟ (¬5). 4777 - قول "التنبيه" [ص 226]: (وإن قطع النصف وذهب ربع الكلام .. وجب نصف الدية) كذا عكسه كما صرح به "المنهاج" (¬6)، وتناولهما معاً قول "الحاوي" [ص 562]: (وأكثرهما للسان) والضمير لقسط الجرم وقسط ما يحسن، ونبه شيخنا الإمام البلقيني على أن تعبير الشافعي ¬

_ (¬1) الأم (6/ 119)، مختصر المزني (ص 245). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 487). (¬3) التهذيب (7/ 154). (¬4) الأم (6/ 119). (¬5) فتح العزيز (10/ 396)، الروضة (9/ 296). (¬6) المنهاج (ص 487).

والأصحاب بربع الكلام مجاز، والمراد: ربع أحرف كلامه؛ لأن الكلام هو اللفظ المفيد فائدة يحسن السكوت عليها. 4778 - قول "المنهاج" [ص 487] و"الحاوي" [ص 559]: (وفي الصوت دية) قال شيخنا الإمام البلقيني: لم يذكره غير الإمام (¬1)، وهو مردود، ويكاد أن يكون خرقاً للإجماع. 4779 - قول "المنهاج" في الذوق [ص 487]: (ويدرك به حلاوةٌ وحموضةٌ ومرارةٌ وملوحةٌ وعذوبةٌ) قال في "التوشيح": اعلم أن الحكماء قالوا: الجسم إما لطيف أو كثيف أو معتدل، والفاعل فيه إما الحرارة أو البرودة أو المعتدل بينهما، فيفعل الحار في الكثيف مرارة، وفي اللطيف حرافة، وفي المعتدل ملوحة، والبرودة في الكثيف عفوصة، وفي اللطيف حموضة، وفي المعتدل قبضاً، والكيفية المعتدلة في الكثيف حلاوة، وفي اللطيف دسومة، وفي المعتدل تفاهة، وكأن الفقهاء ذكروا أصول الطعوم؛ ولذلك قال بعض الحكماء: إن أصولها أربعة: الحلاوة، والمرارة، والحموضة، والملوحة، وأن ما عداها مركب منها، ولم يذكر الحكماء العذوبة، وقد يقال: إنها التفاهة، وفيه نظر. وقال الماوردي: ربما فرعها الطبيب إلى ثمانية، ولا نعتبرها في الأحكام؛ لدخول بعضها في بعض كالحرافة مع المرارة (¬2). قال في "التوشيح": كان الطب يشهد لأن هذه الزيادات توابع، وإذا فات متبوع واحد منها .. فاتت، وإذا أخذت دية المتبوع .. دخل التابع تحته، وقد يقال: ينبغي أن يجيء لنا خلاف في أنه هل تجب حكومة للتابع أو تدخل تحت دية المتبوع كما في نظائره؟ . انتهى (¬3). 4780 - قول "المنهاج" [ص 487] و"الحاوي" [ص 559]: (وتجب الدية في المضغ) أي: بأن يجني على أسنانه فتخدر وتبطل صلاحيتها للمضغ، كتعذر البطش بإشلال اليد، أو بأن يصلب مغرس اللحيين فتمتنع حركتهما مجيئاً وذهاباً؛ كتعذر المشي لكسر الصلب. قال الرافعي: ويشبه أن يجيء في تكميل الدية في السن المعطلة بتصلب المغرس الخلاف فى تكميل الدية في الرجل المعطلة بكسر الصلب (¬4). وقال شيخنا الإمام البلقيني: انفرد بإيجاب الدية في المضغ الفوراني والإمام والغزالي (¬5)، ولم يجيء فيه خبر ولا أثر، ولم ينص عليه الشافعي، بل نص على ما يرده، ثم بسط ذلك. ¬

_ (¬1) انظر"نهاية المطلب" (16/ 370). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (12/ 264). (¬3) انظر "حاشية الرملي" (4/ 63، 64). (¬4) انظر "فتح العزيز" (10/ 403). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (16/ 434)، و"الوجيز" (2/ 148).

4781 - قول "المنهاج" [ص 487]: (وقوة إمناءٍ بكسر صُلْبٍ) و"الحاوي" [ص 559]: (والإمناء) نازع فيه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: الأصح بل الصواب: خلافه؛ لأن الإمناء هو الإنزال. فإذا أبطل قوة الإنزال ولم يذهب نفس المني .. وجبت الحكومة دون الدية؛ فإنه قد يمتنع الإنزال بما يسد طريقه .. فيشبه ارتتاق الأذن بحيث لا يسمع، لكن السمع باق ولا دية فيه على الأصح، قال: ولم يذكر هذه العبارة إلا الغزالي في "الوسيط" و"الوجيز" (¬1)، وعبارة "البسيط": فأبطل منيه، وكذا تكلم الفوراني والإمام على إذهاب المني، والأرجح فيه: إيجاب الدية، ولا يلزم من ذهاب قوه الإمناء ذهاب المني بالكلية (¬2). 4782 - قول "المنهاج" [ص 487]: (وقوة حَبَلٍ) تبع فيه "المحرر" (¬3)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم يذكره أحد، وإنما عبر الغزالي بقوله: (منفعة الإمناء والإحبال به) (¬4)، وأراد به: منفعة واحدة، وذكر الإحبال ليشير إلى فوات النسل .. فاعتقد الرافعي أنه للمرأة، فقال في "الشرح": ولو أبطل من المرأة قوة الإحبال .. وجبت عليه ديتها (¬5)، وعبر عنه في "المحرر" بـ (قوة الحبل) (¬6)، وعبارة "الحاوي" [ص 559]: (والإمناء، والإحبال) وهو محتمل للتأويل، بخلاف "المنهاج". 4783 - قول "المنهاج" [ص 487]: (وذهاب جماع) صوّروه بما إذا لم ينقطع ماؤه وبقي الذكر سليماً، فكأنهم أرادوا بذهابه: بطلان الالتذاذ به والرغبة فيه؛ ولذلك عبر "الحاوي" [ص 559] بـ (التلذذ بالجماع) وصورها الإمام والغزالي بإبطال شهوته، واستبعدا إبطالها مع حركة الذكر وسيلان المني (¬7)، وعبارة "الثنبيه" [ص 226]: (وإن كسر صلبه فعجز عن الوطء .. لزمته الدية) وعبارة الشافعي رضي الله عنه مثله (¬8). 4784 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (وفي إفضائها من الزوج وغيره دية - وهو: رفع ما بين مدخل ذكر ودبر، وقيل: ذكر وبول -) (¬9) كذا صحح الأول في "أصل الروضة" (¬10)، وهو ¬

_ (¬1) الوسيط (6/ 352)، الوجيز (2/ 149). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (16/ 436، 437). (¬3) المحرر (ص 407). (¬4) انظر "الوسيط" (6/ 352). (¬5) فتح العزيز (10/ 404). (¬6) المحرر (ص 407). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (16/ 434). (¬8) انظر "الأم" (6/ 81). (¬9) انظر "التنبيه" (ص 227)، و"الحاوي" (ص 559)، "المنهاج" (ص 487). (¬10) الروضة (9/ 303).

الأظهر في "المحرر" (¬1)، والأشبه في "الشرح الصغير"، لكن جزم بالثاني في "الروضة" وأصلها في مثبتات الخيار في النكاح (¬2)، ونقل في "الشرح الكبير" هنا كلاً منهما عن جماعة، ولم يصرح بتصحيح (¬3)، وصحح المتولي أن كلاً منهما إفضاء يوجب كمال الدية، فإن أزالهما .. فديتان. وقال الماوردي ما معناه: إن من أوجب الدية في الثاني .. أوجبها في الأول من طريق الأولى، بخلاف العكس (¬4)، ووافقه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: الأصح: هو المذكور هنا، وأما الذي في (النكاح) .. فاقتصر فيه على تفسير الشيخ أبي حامد وأتباعه؛ لأنه الغالب في الإفضاء، والقصد منه عدم ثبوت الخيار، وإذا قلنا بالثاني، فصار بولها لا يستمسك .. لزم الجاني مع الدية حكومة، صرح به في "أصل الروضة" (¬5). وقياسه: إيجاب الحكومة على الأول أيضاً إذا لم يستمسك الغائط، وهو واضح. 4785 - قول "التنبيه" [ص 227]: (وفي إذهاب العذرة الحكومة) أي: إذا أذهبها غير الزوج بغير الوطء؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 487]: (ومن لا يستحق افتضاضها فأزال البكارة بغير ذَكَرٍ .. فأرشها، أو بذَكَرٍ لشبهةٍ أو مكرهةً .. فمهر مثل ثيباً وأرش البكارة) وكذا في "الروضة" وأصلها هنا (¬6)، لكنهما جزما في البيوع المنهي عنها بوجوب مهر بكر وأرش بكارة فيما إذا وطئ الجارية في الشراء الفاسد (¬7)، واختاره السبكي في (الغصب) من "شرح المنهاج". وقول "التنبيه" فيما لا يجوز بيعه [ص 90]: (وإن كانت جارية فوطئها .. لزمه المهر وأرش البكارة إن كانت بكراً) يحتمل التصحيحين؛ فقد يريد مهر ثيب كالتصحيح الأول، ومهر بكر كالتصحيح الثاني، وكذا قول "الحاوي" هنا [ص 559]: (بالمهر؛ كأرش البكارة لا على الزوج) يحتملها، لكن دخل في عبارته ما إذا طاوعت، ولا مهر إذاً ولا أرش إن لم تكن أمة كما سيأتي. وقول "المنهاج" [ص 487]: (وقيل: مهر بكر) يحتمل أن يريد: مع أرش البكارة، فيوافق ما في (البيوع المنهي عنها)، ويحتمل الاقتصار عليه، وهو المصحح في "أصل الروضة" في (الرد بالعيب) (¬8). ¬

_ (¬1) المحرر (ص 407). (¬2) فتح العزيز (8/ 136) , الروضة (7/ 178). (¬3) فتح العزيز (10/ 405). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (12/ 293). (¬5) الروضة (9/ 303). (¬6) فتح العزيز (10/ 407)، الروضة (9/ 304). (¬7) فتح العزيز (4/ 123)، الروضة (3/ 409). (¬8) الروضة (3/ 490).

وفرق الماوردي بين الحرة والأمة، فجعل في الأمة في البيع الفاسد مهر بكر وأرش بكارة، وفي الحرة مهر بكر فقط؛ لأن الحرة لا تدخل تحت اليد (¬1)، وحكى شيخنا الإمام البلقيني عن نص "الأم" أنه قال: فإن افتضها رجل بفرجه .. فعليه مهر مثلها؛ لإصابته وحكومةٌ على ما وَصَفْتُ (¬2)، قال: فالضمير في قوله: (مهر مثلها) يعود على البكر، ولم يقبل تأويل القاضي حسين وغيره لذلك، قال: والمذهب المعتمد: أنه يجب مهر بكر وأرش بكارة في المكرهة ونحوها كما تقدم عن النص، ومهر بكر فقط في صورة الشبهة تنزيلاً لذلك منزلة وطء البكر في النكاح الصحيح. قال شيخنا: ويستثنى من الشبهة: شبهة النكاح الفاسد؛ فإنه لا خلاف أن الواجب فيه مهر بكر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في النكاح بلا ولي: "فإن أصابها .. فلها المهر بما استحل من فرجها" (¬3) ولم يوجب لها أرشاً، قال: ومقتضى "المنهاج": أن لا يجب شيء من ذلك عند انتفاء الشبهة والإكراه، وهو صحيح في الحرة، أما الأمة: فيجب الأرش إذا قلنا: يفرد عن المهر كما ذكروه في (الغصب). وفي إيجاب الزيادة على مهر مشلها وهي ثيب إذا طاوعت عالمة بالحال وجهان بلا ترجيح في "الروضة" (¬4)، ورجح شيخنا الوجوب، قال؛ لأن الذي يسقط بمطاوعة الأمة إنما هو المهر المتمحض للوطء، أما ما فيه شيء متعلق بإذهاب شيء من الجسد .. فلا. 4786 - قول "الحاوي" [ص 560]: (كالنطق) أي: لا تجب الدية بتعطيله كما إذا أذهب سمع صبي فتعطل لذلك نطقه؛ لأن نطق الصبي إنما هو بواسطة سماعه من أبويه وغيرهما. 4787 - قوله: (والمشي) (¬5) أي: وكذا المشي لو تعطل بكسر صلب إنسان .. لم تجب فيه إلا الحكومة، كذا في "التعليقة"، وقال في "المصباح": لا تجب الدية على الأصح، بل الحكومة، ويوافقه ما حكاه الرافعي في أثناء الكلام على النطق عن "التتمة": أنه لو كسر صلبه فتعطل مشيه والرجل سليمة .. لم يلزمه بتعطل المشي دية أخرى (¬6)، وأسقطه في "الروضة". ومقتضاه: وجوب الدية في كسر الصلب دون إبطال المشي، ويخالفه فيهما قول الرافعي بعد ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (5/ 317، 318). (¬2) الأم (6/ 79). (¬3) أخرجه أبو داوود (2083) والترمذي (1102) وابن ماجه (1879) وأحمد (24251) من حديث سيدتنا عائشة رضي الله عنها. (¬4) الروضة (5/ 60). (¬5) الحاوي (ص 560). (¬6) انظر "فتح العزيز" (10/ 396).

فرع [تداخل ديتين فأكثر]

ذلك: ولو كسر صلبه وشلت رجله .. قال في "التتمة": يلزمه الدية؛ لفوات منفعة المشي، وحكومة؛ لكسر الظهر، ويخالف ما إذا كانت الرجل سليمة حيث لا تجب مع الدية الحكومة؛ لأن المشي منفعة في الرجل، فإذا شلت الرجل ففواتها لشلل الرجل .. فأفرد كسر الصلب بالحكومة، وإذا كانت سليمة ففوات المشي لخلل الصلب .. فلا يفرد بحكومة، قال: وهذا يوافق ما ذكر ابن الصباغ: أنه لو كسر صلبه فشل ذكره .. يجب حكومة للكسر ودية لشلل الذكر، ثم قال: وفي هذا تصريح بأن مجرد الكسر لا يوجب الدية، وإنما تجب الدية إذا فات به المشي أو الماء أو الجماع (¬1). وعليه مشى "المنهاج" فذكر أن في المشي دية، و"التنبيه" فقال [ص 226]: (وإن كسر صلبه فلم يطق المشي .. لزمه الدية) ثم ذكرا أنه لو كسر صلبه فذهب مثيه وجماعه .. لزمه ديتان (¬2)، لكن الذي في "الحاوي" موافق لنظيريه اللَّذَيْن ذكرهما معه، وهما: تعطيل السمع والنطق بدون ذهابهما، ويوافقه أن الأصح فيما لو كسر صلبه فتعطل مشيه ثم قطع قاطع رجليه: أنه تجب الدية في قطعهما؛ لأنهما صحيحتان. فرعٌ [تداخل ديتين فأكثر] 4788 - قول "المنهاج" [ص 488]: (أزال أطرافاً ولطائف تقتضي ديات فمات سراية .. فديةٌ) ينبغي أن يقول: (منها) كما في "المحرر" (¬3) ليخرج ما إذا مات سراية من بعضها بعد اندمال بعض .. فلا يدخل المندمل في دية النفس قطعاً، وكذا لو مات من سراية بعضها قبل اندمال شيء منها؛ كما لو جرحه جرحاً خفيفاً لا مدخل له في السراية وجائفة فمات منها قبل اندمال ذلك الجرح .. فلا يدخل أرشه في دية النفس كما اقتضاه قول "المحرر" و"الروضة" وأصلها: فمات منها (¬4)، لكن نص الشافعي رضي الله عنه في الثانية يقتضي الاندراج، حكاه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: إنه المعتمد. 4789 - قوله: (وكذا لو حزه الجاني قبل اندمال في الأصح) (¬5) يقتضي أن الخلاف وجهان، وهو في "المحرر" و"الشرح" قولان، ثم نقل المصحح عن النص، ومقابله عن تخريج ابن ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (10/ 409). (¬2) التنبيه (ص 226)، المنهاج (ص 488). (¬3) المحرر (ص 408). (¬4) (ص 408)، فتح العزيز (10/ 411)، الروضة (9/ 306، 307). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 488).

فصل [فيما تجب فيه الحكومة وقدرها]

سريج وقول الإصطخري واختيار الإمام، وكذا في "الروضة" بعد أن حكاهما وجهين (¬1)، فحاصله أنه نص ومخرج، فكان ينبغي أن يقول في "المنهاج" و"الروضة": (على النص) والنص المذكور هو في "المختصر" في صفة قتل العمد (¬2)، وممن حكى الخلاف في ذلك قولين القفال في "شرح التلخيص". 4790 - قوله: (فإن حز عمداً والجنايات خطأ أو عكسه .. فلا تداخل في الأصح) (¬3) يقتضي أن الخلاف وجهان، وقد حكاه قولين القاضي حسين والإمام والغزالي وغيرهم (¬4). واعلم: أن مقتضى عبارة "المنهاج" وغيره: أنه لو مات بسقوط من سطح ونحوه .. وجوب الديات كلها؛ لأنه لم يسقط دية ما دون النفس إلا بالسراية، وحز الجاني قبل الاندمال. وهو الذي أفتى به شيخنا الإمام البلقيني، وفرق بينه وبين اعتبار التبرع في المرض المخوف من الثلث ولو مات بسقوط من سطح: بأن التبرع صدر عند الخوف من الموت .. فاستمر حكمه، قال: ولم أر من تعرض لذلك، وفي زيادة "الروضة" في الطلاق فيما لو طلق زوجته بائناً وهو مريض ثم قتله قاتل .. عن "المهذب": أنها لا ترث على القديم، وعن "الشامل" و"التتمة": أنها ترث (¬5). فصلٌ [فيما تجب فيه الحكومة وقدرها] 4791 - قول "المنهاج" [ص 488]: (تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه) فيه أمران: أحدهما: أن المراد: الجناية الموجبة للمال؛ ليخرج عن ذلك ما يوجب التعزير المجرد؛ كقلع سن من ذهب، ولهذا قال "الحاوي" بعد ذكر هذه المسألة [ص 575]: (وفي غيرٍ الحكومةُ) أي: غير ما تقدم مما يوجب الضمان بمال مقدر أو التعزير المجرد. ثانيهما: كان ينبغي أن يضم لما فيه مقدر ما عرفت نسبته من مقدر؛ فإنه يؤخذ في هذا الثاني بنسبته من المقدر، ولا يرد ذلك على "الحاوي" أيضاً وإن كان قد ذكر من أمثلة ما فيه الحكومة المتلاحمة، وقد تعرف نسبتها من مقدر؛ بأن يكون بقربها موضحة، فيجب فيها أكثر الأمرين مما يقتضيه التقسيط ومن الحكومة؛ لقوله بعد ذلك: (وإن أمكن تقديره بما له مقدر .. فأكثر قسطه، والحكومة) (¬6). ¬

_ (¬1) المحرر (ص 408)، فتح العزيز (10/ 411)، الروضة (9/ 307)، وانظر " نهاية المطلب" (16/ 72، 73). (¬2) مختصر المزني (ص 238). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 488). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (16/ 73)، و "الوجيز" (2/ 149). (¬5) الروضة (8/ 75)، وانظر "المهذب" (2/ 25). (¬6) الحاوي (ص 576).

فإن قلت: والإيجابُ بالنسبة لمقدر حكومةٌ أيضًا كما نص عليه الشافعي. قلت: المراد: الحكومة التي يقدر الحر فيها رقيقاً، وهي التي فسرها بعده، وهذه ليست كذلك؛ ولهذا لما ذكر "المنهاج" هذا الحكم عند الكلام على الشجاج .. قال: (والشجاج التي قبل الموضحة إن عرفت نسبتها منها .. وجب قِسْطٌ من أرشها، وإلا .. فحكومة) (¬1) فلم يسم الإيجاب بالنسبة لمقدر حكومة، ويرد الأمران على قول "التنبيه" [ص 227]: (وفي الجراحات سوى ما ذكرناه الحكومة). وقد يقال: لا يرد الأول؛ لأن مثل قلع سن من ذهب لا جراحة فيه، وقد يقال: بل فيه جراحة إذا نبت عليه اللحم. ويرد عليه أيضاً: أنه تجب الدية أيضاً في إذهاب الصوت والمضغ والإمناء وقوة الإحبال والجلد على ما قدمته فيها، مع أنها قد تنشأ عن جراحه، وأنه تجب الحكومة في كسر العظام أو نقلها فيما عدا الرأس والوجه، وقد لا يكون فيها جراحة. 4792 - قول "التنبيه" [ص 227]: (وفي الشعور كلها الحكومة) شرطه: فساد المنبت بحيث لا تعود أو تعود ناقصة؛ ولهذا قيد "الحاوي" ضمان لحية المرأة بفساد المنبت (¬2)، أما لو عادت كما كانت .. فلا تجب حكومة بلا خلاف، كما في "أصل الروضة" (¬3)، لكن في "البويطي": (وليس في الشعر أرش معلوم، وفيه حكومة إن نبت كما كان بقدر الألم والشين، وإن لم يعد كما كان .. ففيه حكومة أكثر من ذلك) حكاه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: وبه يتأيد كلام "التنبيه"، وحكى القاضي حسين وجهاً ثالثاً: أنه إن حصل للمجني عليه ألم بالإزالة .. وجبت، وإلا .. فلا، وجمع في "الكفاية" الأوجه الثلاثة، وذلك يرد على تعبير شيخنا الإسنوي عنه بالصواب (¬4). ثم هذا في الشعر الذي فيه جمال. أما ما لا جمال في بقائه، بل في ذهابه؛ كشعر الإبط .. ففيه وجهان، صحح الماوردي منهما: أنه لا حكومة فيه. واعلم: أن ظاهر كلامهم أنه لا قصاص في نتف الشعر، وبه صرح الماوردي في أسنان إبل الخطأ وتقويمها؛ وعلله باختلاف الناس فيه كثافة وخفة وطولاً وقصراً، وفي جماله ذهاباً وبقاء (¬5)، لكنه قال في القصاص في الشجاج: فاما إن قلع شعره قلعاً لم يعد نباته؛ فإن أمكن فيه ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 484). (¬2) الحاوي (ص 576). (¬3) الروضة (9/ 309). (¬4) تذكرة النبيه (3/ 431). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (12/ 301).

القصاص حتى يذهب فلا يعود نباته .. اقتص منه (¬1). 4793 - قول "الحاوي" في أمثلة ما تجب فيه الحكومة [ص 575]: (ولسان الأخرس) محله: ما إذا لم يذهب الذوق بقطع لسانه أو كان قد بطل ذوقه من قبل، فلو ذهب بقطعه الذوق .. وجبت الدية، وهذا معلوم مما سبق. 4794 - قوله: (وسن صبي) (¬2) أي: لم يثغر ولم يفسد منبتها. 4795 - قوله: (وتسويد سن) (¬3) كذا لو اخضرت أو اصفرت، لكن حكومة الاخضرار أقل من الاسوداد، والاصفرار أقل من الاخضرار، فلو عبر ب (تغير لونها) .. لكان أعم. 4796 - قوله: (وقوة الإرضاع) (¬4) كذا لو لم ينقطع لكن انتقص .. فتؤخذ حكومة تليق به. 4797 - قول "المنهاج" [ص 488]: (وهي جزءٌ نسبته إلى دية النفس - وقيل: إلى عضو الجناية - نسبة نقصها من قيمته لو كان رقيقاً بصفاته) فيه أمور: أحدها: كان ينبغي أن يقول: (جزء من الدية) كما فعل "المحرر" و"الحاوي" (¬5)، وكذا قال في "التنبيه" [ص 227]: (وجب بقسطه من الدية) فذكر "المنهاج" الدية في النسبة لا في المأخوذ منه. ثانيها: يستثنى من قوله: (وقيل: إلى عضو الجناية) الرأس، فلو كانت الجراحة فيه .. فليس له دية، وفيه شجاج عديدة، والمعتبر منها على هذا الوجه الموضحة، فتعتبر نسبتها منها كما حكاه الرافعي عن الشيخ أبي إسحاق (¬6)، وأسقطه في "الروضة" وأهمل الرافعي من كلام صاحب "المهذب" أنها إن كانت في الجسد .. اعتبر نسبتها من الجائفة (¬7). ثالثها: يستثنى من كلام الثلاثة في اعتبار النسبة: ما إذا قطع أنملة لها طرفان .. فيجب فيها مع دية الأنملة حكومة لا تعتبر بالنسبة، بل يوجب فيها الحاكم ما يؤدي إليه اجتهاده، جزم به في "أصل الروضة" (¬8). رابعها: مقتضى كلامهم: التقويم بالنقد، وعليه جرى الأصحاب، لكن نص الشافعي رحمه الله على التقويم بالإبل، فقال في إذهاب العذرة: فيقال: لو كانت أمة تسوى خمسين من ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (12/ 173). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 575). (¬3) انظر "الحاوي" (ص 575). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 575). (¬5) المحرر (ص 408)، الحاوي (ص 575). (¬6) انظر "فتح العزيز" (10/ 348). (¬7) المهذب (2/ 209). (¬8) الروضة (9/ 308).

الإبل .. كم يُنقصها ذهاب العذرة من القيمة؟ فإن قيل: العشر .. وجب خمس من الإبل، وإن قيل: أكثر أو أقل .. وجب (¬1)، حكاه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: هو صحيح جار على أصله في الديات أن الإبل هي الأصل، فلا حاجة للتقويم بالنقد، وربما يتفاوت فيكون قيمته بالنقد معيبًا أقل من تقويمه بالإبل أو أكثر، قال: ولم أر من ذكر ذلك من الأصحاب. خامسها: لا يستقر التقويم إلا بحكم حاكم، فلو اجتهد فيه غيره .. لم يستقر، صرح به الماوردي (¬2)، وهو مقتضى كلام غيره، ولم يتعرض الثلاثة للتصريح بذلك، لكن قول "المنهاج" بعده [ص 488]: (نقص الحاكم شيئاً بالاجتهاد) يقتضيه. 4798 - قول "المنهاج" [ص 488]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 576]: (فإن كانت لطرفٍ له مقدرٌ .. اشترط ألا تبلغ مُقَدَّره، فإن بلغته .. نقص القاضي شيئاً باجتهاده) أورد عليه شيخنا الإمام البلقيني: أن الرأس ليس له مقدر وفيه عدة شجاج، والمعتبر في حكومته ألا تبلغ أرش الموضحة. انتهى. وقد يقال: لا يرد؛ لأن للرأس مقدرات الموضحة أقلها، فاعتبر بها أخذاً باليقين. وأورد أيضًا: أنه لا بد من الاحتراز عن تساوي الجنايتين المتفاوتتين كالمتلاحمة والسمحاق إذا فرض النقص في كل منهما بنصف العشر .. فتنقص حكومتهما عن ذلك حتى لا يبلغا أرش الموضحة ويكون النقص في السمحاق أقل، قال: وهذا لا بد منه وإن لم يذكروه، وقد ذكروا في (الزكاة) قريباً منه. انتهى. وقد يدخل في قوله: (شيئاً) أقل متمول، وصرح الإمام بأنه لا يكفي (¬3)، وقال الماوردي: أقله ما يجوز أن يكون ثمناً أو صداقاً (¬4). 4799 - قول "المنهاج" [ص 488]: (أو لا تقدير فيه كفخذٍ .. بألاَّ تبلغ دية نفس) فيه أمور: أحدها: أنه دخل فيما لا تقدير فيه ما هو تابع لمقدر والشرط فيه ألاَّ تبلغ دية ذلك المقدر، وقد ذكر ذلك "الحاوي" فقال [ص 575]: (ناقص عن دية المجروح اجتهاداً ومتبوعه) فحكومة جرح الكف لا تبلغ دية الأصابع الخمس؛ ويجوز أن تبلغ دية إصبع كما قال الرافعي: إنه الأشبه، والنووي: إنه الأصح (¬5) , وصحح الإمام مقابله (¬6)، وتبعه في "الكفاية"، ونص عليه الشافعي ¬

_ (¬1) انظر "الأم" (6/ 79). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (12/ 302). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (16/ 418). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (12/ 303). (¬5) انظر "فتح العزيز" (10/ 349)، و"الروضة" (9/ 308). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (16/ 432).

رضي الله عنه، فقال: ولا أبلغ بحكومة كفه دية إصبع (¬1)، حكاه عنه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: إن له نصاً آخر بخلافه، لكنه محتمل، وهذا نص، وهو المعتمد. ثانيها: تمثيله لما لا تقدير فيه بالفخذ مخالف لنص الشافعي؛ حيث قال: ولا يبلغ بحكومة الذراع أرش يد، وهذا هكذا في الفخذ والساق، وقال قبل ذلك: وهكذا إن كان في الذراع أو العضد أو الساق أو القدم .. لم يبلغ قدر يدٍ تامةٍ ولا رجلٍ تامةٍ (¬2)، حكاه عنه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: لو مثل بالظهر والكتف .. كان أصوب. ثالثها: قال شيخنا الإمام البلقيني: اشتراط ألاَّ يبلغ دية نفس محال؛ فكيف يصل جزء الشيء إلى تمامه ولا يتصور ذلك إلا إذا لم تصر له قيمة بالكلية؛ وهذا محال. فما من حي إلا وله قيمة، وبتقدير فرض أنه لا قيمة .. يبقى قوله: (جزءٌ) غير معتبر، وكان يقال: وعند انتفاء الجزء .. لا بد من النقص عن الدية، قال: ولم أر من تعرض لذلك، قال: وإنما يتجه هذا لو كانت الحكومة مجرد اجتهاد من غير تقويم. رابعها: أورد عليه شيخنا أيضاً: أن مقتضاه: أن جرح البطن يجوز أن تبلغ حكومته إلى ما ينقص عن دية النفس، وجزم في "الروضة" وأصلها بأنه لا تبلغ أرش جائفة (¬3). قلت: كيف يرد ذلك وفي البطن ما له أرش مقدر وهو الجائفة؟ فهو داخل في كلامه الأول، والله أعلم. 4800 - قول "الحاوي" [ص 576]: (وإن لم ينقص - أي: بعد الاندمال - .. تقدر دامية) محله: ما إذا لم يظهر نقصان إلا في حال سيلان الدم، فإن ظهر نقصان في غيره .. اعتبر أقرب الأحوال إلى الاندمال؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 488]: (اعتبر أقرب نقص إلى الاندمال)، وعبارة "التنبيه" [ص 227]: (وإن كانت الجناية مما لا ينقص بها شيء بعد الاندمال ويخاف منه التلف حال الجناية؛ كالإصبع الزائدة وذكر العبد .. قوم حال الجناية؛ فما نقص .. وجب) وليس فيه إفصاح عن اعتبار أقرب نقص إلى الاندمال. بل هو كـ"الحاوي" في اعتبارها دامية؛ لأنها حال الجناية، ويزداد بالتمثيل بذَكَرِ العبد؛ فإنه على الجديد في أن جراح العبد من قيمته كجراح الحر في ديته تجب فيه القيمة، فلا حكومة؛ فإما أن يكون مفرعاً على القديم أن الواجب فيه ما نقص، أو يريد: ما إذا كان أشل، ومقتض اقتصار "المنهاج" على اعتبار أقرب نقص إلى الاندمال؛ لأنه لو لم يكن هناك نقص؛ كالسن الزائدة ولحية المرأة .. لم يجب شيء، وليس ¬

_ (¬1) انظر "الأم" (6/ 53). (¬2) انظر "الأم" (6/ 84). (¬3) فتح العزيز (10/ 349)، الروضة (9/ 308).

كذلك، بل يقوم في السن وله سن زائدة ثابتة فوق الأسنان وليس خلفها أصلية، ثم يقوم مقلوع الزائدة ويظهر التفاوت؛ لأن الزائدة تسد الفرجة ويحصل بها نوع جمال. وفي لحية المرأة تقدر لحية عبد كبير يتزين باللحية، وقد ذكر "التنبيه" و"الحاوي" حكم لحية المرأة (¬1)، وفي "التهذيب": إنه يعتبر سنه في التقويم، وألاَّ ينقص قدر حكومة لحية المرأة عن الرجل (¬2)، وكلام غيره ينازع فيه. فلو كانت الجراحة خفيفة لا تؤثر في حال سيلان الدم .. ففي "الوسيط": أنا نلحقها باللطم والضرب؛ للضرورة، وفي "التتمة": أن الحاكم يوجب شيئاً بالاجتهاد، ورجحه شيخنا الإمام البلقيني، فترد هذه الصورة عليهم على مقتضى هذا الترجيح. 4801 - قول "المنهاج" [ص 488]: (والجرح المقدر كموضحة يتبعه الشين حواليه) هو معنى قول "الحاوي" [ص 576]: (والمقدر للشين) أي: الحكومة جزء ناقص عن المقدر للشين حوالي ما ليس له أرش مقدر، وخرج بقولنا: ما ليس له أرش مقدر: الشين حول الموضحة ونحوها، ويرد عليهما أمران: أحدهما: لا بد أن يكون في محله، فلو تعدى شين الموضحة إلى القفا .. ففي استتباعه وجهان بلا ترجيح في "الروضة" وأصلها (¬3)، ورجح شيخنا الإمام البلقيني أنه لا يستتبعه. ثانيهما: يستثنى منه: ما لو أوضح جبينه وأزال حاجبه .. فعليه الأكثر من أرش موضحة وحكومة للشين وإزالة الحاجب، حكاه في "أصل الروضة" عن المتولي، وحكاه شيخنا الإمام البلقيني عن نص الشافعي في رواية البويطي، وأن البويطي قال: ليس له إلا أرش موضحة. 4802 - قول "المنهاج" [ص 488]: (وما لا يتقدر يُفرد بحكومة في الأصح) أي: الشين الذي حوله، قال شيخنا ابن النقيب: وفي تصويره عسر؛ فإنا نحتاج تقويمه سليماً ثم جريحًا بلا شين، فيجب التفاوت، هذه حكومة الجرح، ثم يقوم جريحاً بشين فيجب التفاوت بين قيمته جريحاً بشين وجريحاً بلا شين، وهذه حكومة الشين، وينبغي أن يقوم سليماً ثم جريحاً بشين، ويجب ما بينهما؛ ولعله لا يختلف مع ما تقدم، فلا فائدة إذاً في قولنا .. يفرد بحكومة. نعم؛ تظهر فائدته لو عفى عن إحدى الحكومتين .. فيجب الأخرى، هذا ما ظهر لي بحثاً. انتهى (¬4). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 227)، الحاوي (ص 576). (¬2) التهذيب (7/ 168). (¬3) فتح العزيز (10/ 354)، الروضة (9/ 311). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (7/ 248).

وقال شيخنا الإمام البلقيني: الأقيس عندنا: إيجاب حكومة واحدة جامعة لهما، وفي نظير ذلك من العيوب في البيع نظر، وتظهر فائدة حكومتين وحكومة واحدة فيما لو زاد على المقدر، فعلى إيجاب حكومتين لا يحتاج إلى نقص إذا نقصت كل واحدة منهما عن المقدر، وعلى إيجاب حكومة واحدة لا بد من النقص، وأورد شيخنا المذكور على عبارة "المنهاج": المتلاحمة؛ فإنها ليست بمقدرة شرعاً دائماً، وهي كالموضحة في استتباع الشين إذا قدرنا أرشها بالنسبة إلى الموضحة على الأصح في "أصل الروضة" هنا (¬1)، لكن نص في "الأم" على أنه ينظر إلى الشين أيضًا (¬2). ثم قال شيخنا: فإن قيل: أراد ما قدر ولو بالنسبة إلى جرح غيره .. فلا يرد عليه هذا على طريقته .. قلنا: قوله: كموضحة ينفي هذا، ولو سكت عن التشبيه .. كان الجواب قريباً. قلت: هذا تمثيل، فيلحق به ما في معناه، فالجواب قريب مقبول ولا إيراد. قال شيخنا: ومثل ذلك الجراحات على البدن إذا أمكن تقديرها بجائفة بقربها، وقلنا: إنها تتقدر بالنسبة، وأوجبنا ما يقتضيه التقسيط .. فالشين تابع لا يفرد بحكومة، وإن كانت الحكومة أكثر .. فقد وفينا حق الشين. 4803 - قوله: (وفي نفس الرقيق قيمته، وفي غيرها ما نقص إن لم يتقدر من الحر، وإلا .. فنسبته من قيمته، وفي قول: ما نقص) (¬3) فيه أمور: أحدها: تقدم ذلك في (الغصب) بعبارة هي أوضح مما هنا، وكلامه هناك فيما إذا سبق الإتلاف يد عادية؛ ولهذا فصل في المقدر بين أن تتلف هي أو يتلفها متلف، وأما هنا .. ففي الإتلاف بلا يد عادية. ثانيها: أن قوله: (وإلا .. فنسبته من قيمته) عبارة ملتبسة، وعبارة "المحرر": (جزء من القيمة نسبته إليها نسبة الواجب في الحر إلى الدية) (¬4) ففي يديه قيمته، وفي إحداهما نصفها، وفي جفنه ربعها، وفي إصبعه عشرها، وفي موضحته نصف عشرها، وفي أنملته ثلث عشرها، وعبارة "التنبيه" [ص 227]: (وما ضمن من الحر بالدية ضمن من العبد والأمة بالقيمة). ثالثها: أورد شيخنا الإمام البلقيني على قوله: (ما نقص إن لم يتقدر من الحر) أن مقتضاه: إيجاب ما نقص فيما إذا لم يتقدر، لكنه تابع لمقدر كجراحة في كفه، لكن مقتضى ما صححه الرافعي والنووي في حكومة الكف في الحر: أنه لا يبلغ بها دية الأصابع (¬5): أنه يجب النقص هنا ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 311). (¬2) الأم (6/ 84). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 488). (¬4) المحرر (ص 409). (¬5) فتح العزيز (10/ 349)، الروضة (9/ 308).

عن النصف، ومقتضى ما حكاه شيخنا عن النص: أنه لا يبلغ دية إصبع (¬1): أنه [يجب] (¬2) النقص هنا عن العشر. رابعها: وأورد عليه أيضًا: الجرح في رأس العبد أو وجهه أو بطنه إن قلنا: يجب في الحر الحكومة التقويمية .. فيعتبر ألاَّ تبلغ أرش موضحة، وإن قلنا: الواجب النسبة إن عرف قدر ذلك من موضحه أو جائفة .. فكذلك تجب النسبة في العبد، ولا يطلق فيه ضمان ما نقص. خامسها: أورد أيضاً على قوله: (وإلا .. فنسبته من قيمته) أن محله: في جناية واحدة أو جنايتين بعد اندمال الأولى، فإن لم تندمل الأولى؛ كما لو قطع يد عبد قيمته ألف درهم فصار يساوي ثمان مئة درهم .. فإنا نغرمه على الأظهر خمس مئة؛ لأنها نصف القيمة، فإذا قطع آخر يده قبل الاندمال .. لا نغرمه أربع مئة، بل نصف ما أوجبنا على الأول، وهو مئتان وخمسون؛ لأن الجناية الأولى لم تستقر وقد أوجبنا نصف القيمة، فكأنه انتقص نصف القيمة كما جزم به في "أصل الروضة"، وحكاه الرافعي عن "التهذيب" وغيره (¬3)، لكن قال شيخنا: إنه لا يظهر وجهه، وأن مقتضى إطلاق القاضي حسين والإمام: أنه يجب على الثاني نصف قيمته حال جنايته، وارتضاه؛ فلا إيراد (¬4). 4804 - قوله: (ولو قُطع ذكره وأنثياه .. ففي الأظهر: قيمتان) (¬5) مقابله ذكر في (الغصب) أنه قديم، وأنكره بعضهم، وجعله بعضهم مخرجاً؛ فلا يحسن التعبير بالأشهر، بل ينبغي أن يقول: (المذهب أو النص أو الجديد)، والله أعلم. 4805 - قول "التنبيه" [ص 227]: (وإن قطع يد عبد ثم أعتق ثم مات .. وجب فيه دية حر، للمولى منه أقل الأمرين من نصف الدية أو نصف القيمة) الأصح: أن له الأقل من نصف القيمة وكمال الدية؛ لأنا إن اعتبرنا وقت الجناية .. فنصف القيمة، أو الموت .. فكل الدية؛ فأقلهما هو المتيقن، والمراد: موته بالسراية، أما لو اندمل القطع ومات بسبب آخر .. فللسيد على الجاني نصف القيمة. * * * ¬

_ (¬1) انظر "الأم" (6/ 53). (¬2) في (د): (لا يجب). (¬3) التهذيب (7/ 172، 173)، فتح العزيز (10/ 414)، الروضة (9/ 312، 313). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (16/ 443). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 488).

باب ما تجب به الدية من الجنايات

باب ما تجب به الدّية من الجنايات 4806 - قول "التنبيه" [ص 220]: (إذا أصاب رجلاً بما يجوز أن يقتل فمات منه .. وجبت الدية) قيل: إنه يشمل العمد المحض، قال في "الكفاية": وهو تفريع على اختياره أن موجب العمد أحد الأمرين. قال في "التوشيح": يبعد أن يقال: العمد المحض يجوز أن يقتل، وإنما أراد بهذه اللفظة: ما لا قصاص فيه، وله عقد الباب. 4807 - قول "المنهاج" [ص 489]: (صاح على صبي لا يُميِّز على طرف سطحٍ فوقع بذلك فمات .. فديةٌ مغلظة على العاقلة، وفي قول: قصاص) فيه أمور: أحدها: تقييد الصبي بكونه غير مميز يقتضي أن المميز ليس كذلك، لكن قوله بعد ذلك: (ومراهق متيقظ كبالغ) (¬1) يقتضي أن غير المراهق ليس كالبالغ ولو كان مميزاً؛ ولذلك أطلق "التنبيه" الصبي، و"الحاوي" الطفل (¬2)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم يعتبر الشافعي ولا أحد من أصحابه عدم التمييز في ذلك، وأفصح في "النهاية" عن المقصود، فقال: وما ذكره الأصحاب في صبي لا يميز إن كان ضعيف التمييز بحيث يبعد منه أن يتماسك، فإن كان مراهقا .. فهو في معنى الكبير. انتهى (¬3). فدل على أن من نفى التمييز أراد به: التمييز الكامل الذي يحصل مع البلوغ أو المراهقة، لا أصل التمييز، والله أعلم. ثانيها: قوله: (على طرف سطح) تبع فيه الرافعي (¬4)، ومقتضاه: أنه لو كان في وسطه .. فهو كالأرض، وعبر "التنبيه" بقوله [ص 220]: (فوقع من سطح) فلم يقيد بطرفه، وقد يقال: الفاء في قوله: (فوقع) يدل على أنه كان في طرفه؛ لتعقيب الوقوع منه للصياح. ثالثها: لا يتقيد ذلك بالسطح، بل لو كان على بئر أو نهر .. كان كذلك كما ذكره في "أصل الروضة" (¬5) ولذلك قال "الحاوي" [ص 550]: (فسقط من علو). رابعها: اقتصر "التنبيه" و"المنهاج" على سقوطه (¬6)، وفي "الحاوي" [ص 550]: (ارتعد ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 489). (¬2) التنبيه (ص 220)، الحاوي (ص 550). (¬3) نهاية المطلب (16/ 447). (¬4) انظر "المحرر" (ص 409)، و "فتح العزيز" (10/ 415). (¬5) الروضة (9/ 313). (¬6) التنبيه (ص 220)، المنهاج (ص 489).

فسقط) وكذا في "المحرر" و"الروضة" وأصلها (¬1)، ومقتضاه: اشتراط الارتعاد؛ ليظهر به أن السقوط من خوف الصيحة، وقد اعتبره "المنهاج" في قوله [ص 489]: (ولو صاح على صيد فاضطرب صبي وسقط). خامسها: قال شيخنا الإمام البلقيني: قد يتخيل أن الموت قيد، وليس كذلك، فلو ذهب بذلك مشي رجليه أو بطش يديه أو ضوء عينيه .. فهو مضمون كما نص عليه في "الأم" فقال: ضمن ما أصابه (¬2). سادسها: كذا حكاهما في "المحرر" قولين (¬3)، وعبارته في "الشرح": فيه وجهان، ويقال: قولان (¬4)، فلذلك قال في "الروضة": في الأصح، وقيل: الأظهر (¬5). وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم يثبت العراقيون فيه خلافاً، وحكاه القاضي والإمام وجهين (¬6)، والغزالي قولين (¬7)، وليس بمعتمد؛ فالخلاف إن ثبت وجهان. ويرد على "التنبيه" و"الحاوي": أنه لو صاح على صيد فاضطرب الصبي وسقط من علو .. وجبت ديته مع كونه لم يصح عليه، ولا يرد ذلك على "المنهاج" لذكره له بعد ذلك، وقال: (فدية مخففة على العاقلة) (¬8). فإن قلت: لعلهما إنما قيدا لذلك؛ لأن تلك مغلظة. قلت: لم يتعرضا لتغليظ ولا تخفيف. 4808 - قول "التنبيه" [ص 220]: (أو صاح على بالغ وهو غافل فوقع ومات .. وجبت الدية) سوى بين الغافل والصغير، والأصح: خلافه، وأنه لا تجب دية البالغ مطلقاً، وهو مفهوم تقييد "الحاوي" بالطفل، وصرح به "المنهاج" فقال [ص 489]: (ولو كان بأرض، أو صاح على بالغ بطرف سطحٍ .. فلا دية في الأصح) وفيه أمور: أحدها: قال شيخنا الإمام البلقيني: مقتضاه: أن الصبي الذي على الأرض لا يتعلق به من صيحته ضمان، وليس كذلك، فلو زال عقله .. وجب الضمان كما هو مقتضى نص "الأم"، وعليه جرى الشيخ أبو حامد وغيره. ¬

(¬1) المحرر (ص 409)، فتح العزيز (ص 10/ 415)، الروضة (9/ 313). (¬2) الأم (6/ 82). (¬3) المحرر (ص 409). (¬4) فتح العزيز (10/ 415). (¬5) الروضة (9/ 313). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (16/ 446). (¬7) انظر "الوجيز" (2/ 149). (¬8) المنهاج (ص 489).

قلت: وذكره "التنبيه" فقال [ص 220]: (وإن صاح على صبي فزال عقله .. وجبت الدية) و"الحاوي" فقال [ص 550]: (وصاح على طفل فجن) لكن لا يرد على "المنهاج" لأن قوله: (ولو كان) أي: الصبي الذي صيح عليه فمات، فكيف ترد عليه مسألة الجنون، وهي غير المفروض؛ غاية الأمر أنه لم يذكر مسألة الجنون. ثانيها: أنه أهمل وصف البالغ بكونه عاقلاً، ولا بد منه، قال في "أصل الروضة": والمجنون والمعتوه والذي يعتريه الوسواس والنائم والمرأة الضعيفة كالصبي الذي لا يميز (¬1). قال شيخنا الإمام البلقيني: ولا بد أيضاً من أن يكون متماسكاً في وقوفه. ثالثها: كان ينبغي أن يقول: (على النص) لأن الشافعي نص عليه في البالغ، وقيد الصبي بكونه على طرف سطح، ففهم منه عدم الضمان فيما إذا كان على الأرض. رابعها: أن كلامه يفهم نفي القصاص قطعاً وهو صحيح في البالغ، صرح به فيه القاضي حسين، وأما في الصبي الذي على الأرض .. فكلام "أصل الروضة" يقتضي إثبات خلاف فيه؛ فإنه حكى فيه وجهاً: أنه كالسقوط من سطح (¬2)، ومقتضاه: وجوب القصاص على قول أو وجه، وصرح به القاضي حسين فقال: وإذا صاح بصبي على الأرض فسقط ومات .. يجب الضمان والقود على ما ذكرناه، وعبر في "المحرر" بنفي الضمان (¬3)، فيحتمل مقابله الضمان بالدية أو بالقصاص. 4809 - قوله: (ومراهق متيقظ كبالغ) (¬4) نازع فيه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: أناط الشافعي عدم الضمان بالبلوغ مع العقل، والضمان بالصبي بشرطه، وصار الصبي وصفاً ضابطاً لحكمةٍ، لا حكمةً مجردة لعدم الانضباط، فلا يُخرِج من صور الصبي أحداً وإن كان مراهقاً؛ لأنه لم يكمل عقله. 4810 - قول "التنبيه" [ص 220]: (وإن صاح على صبي فزال عقله) و"الحاوي" [ص 550]: (وصاح على طفل) لم يقيداه بكونه غير مميز كما لم يقيداه في السقوط من طرف سطح، وكذا لم يقيده في "أصل الروضة" إلا أنه عبر بالصغير، ومراده به: مطلق الصبي، فإنه قال عقبه: وإن كان بالغاً .. فعلى الأوجه مع تقييده مسألة السقوط بأن يكون غير مميز (¬5)، فيحتمل أنه ترك القيد هنا اعتماداً على ذكره هناك، وهو أقرب، ويحتمل الفرق بينهما بأن تأثير الصياح في زوال العقل أشد ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 314). (¬2) الروضة (9/ 313). (¬3) المحرر (ص 409). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 489). (¬5) الروضة (9/ 314).

من تأثيره في السقوط من علو، فيكتفى في ضمان العقل بعدم البلوغ وإن كان مميزاً، وفيه نظر؛ فإن السقوط قد يعرض من رجفة ودهشة وإن لم يزال العقل. وقيد بعض شراح "التنبيه" كلامه في مسألة زوال عقل الصبي بكونه غير مميز كما فعل في سقوطه من علو، وقد عرفت أن الشافعي والأكثرين لم يقيدوهما بذلك، والله أعلم. ويعود في البالغ أنه لا بد من كونه عاقلاً مستيقظاً كما تقدم في السقوط. 4811 - قولهما: (ولو طلب السلطان من ذُكرت بسوءً فأجهضت .. ضُمن الجنين) (¬1) فيه أمور: أحدها: لا اختصاص لذلك بطلب السلطان، بل لو فزعها إنسان بشهر سيف ونحوه .. ضمن جنينها، وقد قال الشافعي رضي الله عنه؛ لأن معروفاً أن المرأة تسقط من الفزع، وقد تناول هذا قول "الحاوي" في الإجهاض [ص 557]: (ولو بتخويف). ثانيها: لا يتقيد ذلك بطلبها هي، بل لو طلب رجلاً عندها ففزعت فأجهضت .. ضمن أيضاً، نص عليه كما نقله شيخنا الإمام البلقيني. ثالثها: قال شيخنا الإمام البلقيني: ولا يتقيد بأن تذكر بسوء، بل مجرد طلب السلطان كاف في الضمان، نص عليه، قال شيخنا: فلو طلبها في دين فأسقطت .. ضمن إن كانت مخدرة؛ لتعديه، أو غير مخدرة لكنه يخاف من سطوته، فإن لم يخف من سطوته وهي غير مخدرة .. فلا ضمان، قال: وينبغي للحاكم أن يسأل هل هي حامل قبل أن يطلب؟ ولم أر من يفعله، وهو حسن. قلت: ولهذا جرت العادة أن يكتب في القصص التي يطلب فيها الإعداء على امرأة: وهي برزة غير حامل؛ فهو احتياط حسن، والله أعلم. رابعها: أورد عليه شيخنا أيضاً: أنه يقتضي قصور الضمان على الجنين، مع أنها لو ماتت من الإجهاض .. ضمنها أيضًا، خلاف ما لو ماتت بلا إجهاض. 4812 - قول "المنهاج" [ص 489]: (ولو وضع صبياً في مسبعةٍ فأكله سبعٌ .. فلا ضمان، وقيل: إن لم يمكنه انتقالٌ .. ضمن) فيه أمور: أحدها: أنه يقتضي أنه لو كان بالغاً .. لم يجب الضمان قطعاً، وبه صرح في "أصل الروضة" ثم قال: ويشبه أن يقال: الحكم منوط بالقوة والضعف لا بالصغر والكبر (¬2). قال شيخنا الإمام البلقيني: وهو متعين، والتقييد بالصبي لا معنى له، فلو قيد رجلاً وألقاه في ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 220، 221)، و"المنهاج" (ص 489). (¬2) الروضة (9/ 315).

مسبعة فأكله السبع .. ضمنه بالدية عند جماعة، فدل على أن الاعتبار بالقوة والضعف لا بالصبي والبلوغ، إلا من جهة أن الصبي مظنة الضعف، فإذا وجد الضعف في البالغ - ومنه أن يقيّد - .. اتجه الخلاف. انتهى. وقال في "المهمات": جزم في "المهذب" بأنه إذا ألقى حراً مشدوداً في مسبعة فقتله السبع .. أنه عمد، وهذا عين ما بحثه الرافعي، بل هو أبلغ؛ لجعله عمداً، فلا معنى لنفي الخلاف. انتهى (¬1). فإن قلت: إذا كان تقييد "المنهاج" لأجل محل الخلاف .. فلم قيد "الحاوي" مع كونه لا يحكي الخلاف، فقال [ص 550]: (لا إن وضعه - أي: الطفل - في مسبعة فافتُرِس)؟ قلت؛ لأنه محل الخلاف وإن لم يحكه، ويؤخذ البالغ منه من باب أولى، ويحتمل عود الضمير في كلامه على المجني عليه بأي صفة كان. ثانيها: تناول تعبيرهما ما لو ألقاه في زبية السبع وهو فيها، والحكم في تلك وجوب القصاص أو الدية عند امتناعه، وقد ذكره "التنبيه" فقال [ص 220]: (وإن ألقاه على أفعى، أو ألقاها عليه، أو على أسد، أو ألقاه عليه فقتله .. وجبت ديته) لكن الأصح: عدم وجوب الدية في مسألة الأفعى إلا إن أنهشها إياه؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 555]: (وإنهاش حية تقتل غالباً، وجمعه بسبُع في ضيِّقٍ) ولا بد من تقييد عبارة "التنبيه" بأن يكون في مضيق كما قال "الحاوي". ثالثها: صحح شيخنا الإمام البلقيني فيما إذا لم يمكنه التخلص: وجوب الدية، وقال: إنه المعتمد في الفتوى، وحكاه عن "المهذب" و"الحاوي" في أحد جوابيه و"الوسيط" (¬2). رابعها: محل عدم الضمان أيضاً: في الحر، فلو كان عبداً .. ضمنه باليد إن استمرت إلى الافتراس بالتكتيف ونحوه. خامسها: كان ينبغي أن يقول: (وقيل: إن لم يمكنه تَخَلُّصٌ ... ) فقد يمكنه الانتقال ولا يمكنه التخلص مما أوقعه فيه. 4813 - قول "التنبيه" [ص 220]: (وإن طلب بصيراً بالسيف فوقع في بئر .. لم يضمن، ولو طلب ضريراً فوقع في بئر .. ضمن) محله في البصير: مع العلم بها؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 489]: (فلو وقع جاهلاً لعمىً وظلمةٍ .. ضمن) وفي الضرير: مع الجهل بها، فلو علم بها .. لم يضمن، كما صرح به غير واحد، وعبر عنه النووي والإسنوي في "تصحيحيهما" بالصواب (¬3)، ¬

_ (¬1) المهذب (2/ 192)، وانظر "فتح العزيز" (10/ 419). (¬2) المهذب (2/ 176)، الحاوي الكبير (12/ 43)، الوسيط (6/ 356، 357). (¬3) تصحيح التنبيه (2/ 170)، تذكرة النبيه (3/ 417).

فالعبرة إنما هو بالعلم بها والجهل كما عبر به في "النبيه مختصر التنبيه" فقد يعلمها الأعمى ويجهلها البصير. ثم محل ما ذكراه: في البالغ العاقل، فلو كان المطلوب صبيا أو مجنونا .. بني على أن عمدهما عمد أو خطأ، إن قلنا: خطأ .. ضمن، وإلا .. فلا. فإن قلت: هذا الإيراد على مرجوح؛ لأن الأصح: أن عمدهما عمد. قلت: بل هو على الأصح في حالة؛ ففي "أصل الروضة" في شريك الصبي والمجنون عن القفال وغيره: أن الخلاف في صبي يعقل عقل مثله ومجنون له نوع تمييز، فأما من لا تمييز له بحال .. فعمده خطأ وشريكه شريك مخطئ قطعاً، قال: وعلى هذا جرى الأئمة منهم البغوي (¬1). 4814 - قول "المنهاج" [ص 489]: (وكذا لو انخسف به سقفٌ في هربه في الأصح) كان ينبغي أن يقول: (على النص) فقد نص عليه في "الأم" (¬2)، أما لو ألقى نفسه على السقف من علو فانخسف به لثقله .. فكإلقاء نفسه في بئر. 4815 - قولهما: (وإن سُلم الصبي إلى السابح فغرق في يده .. وجبت الدية) (¬3) فيه أمور: أحدها: أنه قد يفهم أنه لو علمه الولي السباحة فغرق منه .. لا ضمان، وليس كذلك، فحكم الولي وغيره في ذلك سواء. ثانيها: قد يفهم من لفظ التسليم أنه لو أخذه السابح بيده .. ارتقى الحال عن الدية، وليس كذلك؛ ولهذا عبر "الحاوي" بقوله [ص 550]: (وعلّمه السباحة فغرق) فسلم من الأمرين. ثالثها: محل ذلك: ما إذا لم يقع من السابح تقصير، فلو رفع يده من تحته عمداً فغرق .. وجب القصاص، قاله شيخنا الإمام البلقيني. رابعها: المراد: وجوب الدية على السابح، صرح به الماوردي وغيره (¬4)، وبحث شيخنا الإمام البلقيني أن يكون الولي وعاقلته طريقاً في الضمان إذا سلمه إليه. 4816 - قول "التنبيه" [ص 220]: (وإن غرق البالغ مع السابح .. لم تجب ديته) كذا قاله العراقيون والبغوي، وقال في "الوسيط": لو خاض معه اعتماداً على يده فاهمله .. احتمل أن يجب الضمان (¬5)، وحمل شيخنا الإمام البلقيني عدم الضمان على ما إذا لم يقصر السابح كما قال في ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 163)، وانظر (التهذيب) (7/ 177، 178). (¬2) الأم (6/ 82). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 220)، و"المنهاج" (ص 489). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (12/ 339). (¬5) الوسيط (6/ 357).

الصبي، قال: فأما لو رفع يده من تحته في الموضع المغرق عمداً فغرق .. فعليه الدية، بل القصاص؛ لأنه هو الذي أغرقه. 4817 - قول "المنهاج" [ص 489]: (ويضمن بحفر بئر عدوان) فيه أمور: أحدها: المراد بالعدوان: أن يحفرها بملك غيره أو مشترك بلا إذن أو في شارع ضيق أو واسع لمصلحة نفسه بغير إذن الإمام، فكان الأحسن لما ذكر هذه المسائل بعد ذلك أن يعدل عن قوله: (فمضمون) إلى قوله: (فعدوان) كما فعل "المحرر" (¬1) فإن المذكور بعد ذلك تفسير العدوان، فأما ضمان العدوان .. فقد ذكره أولاً، فلا معنى لتكراره مع إيهامه أن هذه الصور غير حفر العدوان. ثانيها: أنه لا يضمن بمجرد حفر العدوان حتى يستمر العدوان إلى السقوط فيها، فلو رضي المالك بإبقائها .. زال الضمان في الأصح، وكذا لو اشترى المتعدي تلك البقعة من مالكها، وكذا لو منعه المالك من الطم كما قاله المتولي، ورجحه شيخنا الإمام البلقيني، لتضمنه الرضا بإبقائها خلافاً للإمام (¬2). ثالثها: يشترط في الضمان أيضاً: ألاَّ يتعدى الداخل على ما رجحه شيخنا الإمام البلقيني، وفي المسألة وجهان في "أصل الروضة" بلا ترجيح (¬3)، فإن أذن له المالك في الدخول وعرفه بالبئر .. فلا ضمان، وإن لم يعرف بها .. فهل يضمن الحافر أو المالك؟ وجهان في "تعليق القاضي حسين" بلا ترجيح، قال شيخنا الإمام البلقيني: والأرجح: أنه على المالك؛ لأنه مقصر؛ لعدم إعلامه، فإن كان ناسياً .. فعلى الحافر. 4818 - قوله: (لا في ملكه وموات) (¬4) فيه أمران: أحدهما: قيد في"التنبيه" الحفر في موات بقوله [ص 221]: (ليتملكها أو لينتفع بها) وكذا في "أصل الروضة" (¬5)، وكأنه للاحتراز عن حفرها عبثاً؛ فإنه عدوان يضمن به. ثانيهما: يحتمل أن مراده: لا في ملكه وموات فلا عدوان فيه، وهو الموافق لعبارة "المحرر" (¬6)، أو فلا ضمان فيه وإن كان عدواناً. قال شيخنا الإمام البلقيني: وعلى كل من الاحتمالين يرد ما إذا حفر حفرة واسعة في ملكه قريباً من أرض جاره بحيث يؤدي إلى إضرار أرض جاره .. فإنه يكون متعدياً ضامناً لمن وقع في موضع ¬

_ (¬1) المحرر (ص 410). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (16/ 563). (¬3) الروضة (9/ 317). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 489). (¬5) الروضة (9/ 317). (¬6) المحرر (ص 410).

التعدي، قال: وكلامهم في إحياء الموات شاهد لهذا، قال: ويرد عليه على الاحتمال الأول ما لو حفر في ملكه المرهون المقبوض بغير إذن المرتهن، أو في ملكه الذي آجره إجارة صحيحة .. فهو حفر عدوان، ولا ضمان لو سقط فيه إنسان غير متعد بالدخول، قال: فلو سقط المستأجر .. ففيه نظر، والقياس: أنه لا يضمن. قلت: إنما ينبغي أن يكون الحفر في المرهون تعدياً إذا نقصت به قيمة الأرض، وإلا .. فلا منع منه، والله أعلم. 4819 - قول "التنبيه" [ص 221]: (وإن حفر بئراً في ملكه فاستدعى رجلاً فوقع فيها فهلك؛ فإن كانت ظاهرة .. لم يضمن، وإن كانت مغطاة .. ففيه قولان) الأظهر: أنه يضمن إن لم يعلمه بها، ولا رأى أثراً يدل عليها أو كان أعمى، وقول "المنهاج" [ص 489]: (ولو حفر بدهليزه بئراً ودعا رجلاً فسقط .. فالأظهر: ضمانه) هو من الصور الداخلة في عبارة "التنبيه" لأن ملكه أعم من دهليزه، لكنه غاير في "أصل الروضة" بينهما، فقال فيما إذا حفر في ملك نفسه: فلو دخل ملكه داخلٌ بإذنه وتردى فيه .. لم يجب ضمانه إذا عرفه المالك أن هناك بئراً، أو كانت مكشوفة والداخل متمكن من التحرز، فأما إذا لم يعرّفه والداخل أعمى أو الموضع مظلم .. ففي "التتمة": أنه كما لو دعاه إلى طعام مسموم فأكله. ولو حفر بئراً في دهليز داره ودعا إليها رجلاً فتردى فيها .. ففي الضمان قولان سبقا في أول (الجنايات)، أظهرهما: الوجوب. انتهى (¬1). ثم في عبارة "المنهاج" أمور: أحدها: أن مقتضاها: أنه لا قصاص في الصورة التي ذكرها؛ لذكره في موجبات الدية، وهو الأظهر في "أصل الروضة" (¬2)، لكن ذكرها "الحاوي" في موجب القصاص فقال: (وتغطية بئر الممر) ويوافقه أن الشافعي رضي الله عنه رجح في تقديم الطعام المسموم لبالغ عاقل من غير بيان حاله: وجوب القصاص، فقال: إنه أشبههما (¬3)، وقد جمع في "أصل الروضة" بين هاتين المسألتين، ورجح فيهما عدم القصاص كما تقدم، ومقتضى ترجيح الشافعي في نظيرها وجوب القصاص ترجيحه فيها. ثانيها: لا بد من تقييده بألا يعلمه بها ولا يرى أثراً يدل عليها؛ لظلمة أو تغطية أو كان أعمى كما تقدم في عبارة "التنبيه". ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 316، 317). (¬2) الروضة (9/ 316، 317). (¬3) انظر "الأم" (6/ 42، 43).

ثالثها: قد يفهم من تعبيره بالرجل أن الصبي ليس كذلك، وقد عبر به في "أصل الروضة" هنا، لكنه عبر في صدر كلامه بالداخل (¬1)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: لو كان صبياً غير مميز .. ضمنه قطعاً، بل يجب القصاص عند التكافؤ وكذلك المكره، وقول "المنهاج": (ودعاه) يخرج الإكراه. انتهى. وحمل بعضهم كلام "الحاوي" على ما إذا كان الداخل غير مكلف. 4820 - قول "التنبيه" [ص 221]: (وإن كان في داره كلب عقور فاستدعى إنساناً فعقره .. فعلى القولين) أي: في البئر المغطاة، ومقتضاه: تصحيح الضمان، وكذا صححه النووي في "تصحيحه"، لكن في "الروضة" الجزم بأنه لا قصاص ولا ضمان، قال: ولا يجعل على الخلاف الذي سبق في حفر البئر في الدهليز وتغطية رأسها؛ لأن الكلب يفترس باختياره، ولأنه ظاهر يمكن دفعه بالعصا والسلاح. انتهى (¬2). وهذا إذا لم يعلم الداخل أنه عقور، فإن علم ذلك .. فلا ضمان جزماً، وكذلك لو كان مربوطاً فصار إليه المستدعى جاهلاً بحاله. 4821 - قول "التنبيه" [ص 221]: (وإن حفر بئراً في طريق المسلمين .. وجب الضمان) أي: لمصلحة نفسه؛ بدليل قوله بعد ذلك: (وإن حفر البئر في طريق واسع لمصلحه الناس) (¬3) ويستثنى من الضمان: ما إذا كان غير ضار؛ لسعة الطريق أو انعطاف موضع البئر وأذن فيه الإمام كما ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، وقال في "أصل الروضة": إنه الأصح، وبه قطع العراقيون والمتولي والروياني، قال: وهذا جار على ما سبق في (إحياء الموات) أن الأصح الذي عليه الأكثرون: أنه يجوز أن يقطع الإمام من الشوارع ما لا ضرر فيه، وأن للمقطع أن يبني فيه (¬5). ولم يسبق له ذلك في (إحياء الموات)، والذي سبق هناك: أن لإِقطاع الإمام مدخلاً في الشوارع بالنسبة إلى الارتفاق بالجلوس فيها على الأصح عند الجمهور، وهو المنصوص (¬6)، وظاهر كلامهم: إذن الإمام قبل الحفر، لكن حكى أبو الفرج الزاز عن الأكثرين أن إجازة الإمام ذلك وتقريره بعد وقوعه ينزل منزلة الإذن المقارن، وصرح به الشيخ أبو حامد في الحفر لمصلحة عامة. وقال شيخنا الإمام البلقيني: ومقتضى الفقه: عدم الفرق بينه وبين الحفر لمصلحة نفسه. ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 316، 317). (¬2) الروضة (9/ 144). (¬3) التنبيه (ص 221). (¬4) الحاوي (ص 549، 550)، المنهاج (ص 489). (¬5) الروضة (9/ 318). (¬6) الروضة (9/ 295).

4822 - قول "التنبيه" [ص 221]: (وإن حفر البئر في طريق واسع لمصلحة الناس، أو بنى مسجداً أو علق قنديلاً في مسجد أو فرش فيه حصيراً ولم يأذن له الإمام في شيء من ذلك فهلك به إنسان .. فقد قيل: يضمن، وقيل: لا يضمن) الأصح: عدم الضمان، وعليه مشى "المنهاج" في البئر فقال: (إذا كان بغير إذن الإمام لمصلحة عامة .. فلا في الأظهر)، وهو مفهوم قول "الحاوي" [ص 549، 550]: (ولغرضه دون إذن الإمام) وهنا أمور: أحدها: أن كلام "التنبيه" يقتضي أن الخلاف وجهان، وصرح به في "المهذب" (¬1)، وسبقه إليه الشيخ أبو حامد، وحكاه في "الروضة" و"المنهاج" قولين (¬2)، وحكى الرافعي في "الشرح" الخلاف في ذلك (¬3). ثانيها: قد عرفت أن تقرير الإمام عليه بعد فعله كابتداء الإذن فيه كما صرح به الشيخ أبو حامد، وحكاه الزاز عن الأكثرين. ثالثها: محل الخلاف: ما إذا لم ينهه الإمام عن ذلك، فإن نهاه ففعل .. كان ضامناً، ذكره أبو الفرج الزاز، وهو ظاهر. رابعها: ما ذكره "التنبيه" في بناء المسجد هو فيما إذا بناه للمسلمين، فإن بناه لنفسه .. فكالحفر له، ذكره في "الكفاية". 4823 - قول "المنهاج" [ص 490]: (ومسجدٌ كطريقٍ) يقتضي أنه يجوز أن يحفر فيه بئراً لمصلحة نفسه خاصة بإذن الإمام، قال شيخنا الإمام البلقيني: وهذا لا يقوله أحد، قال: وأما الحفر للمصلحة العامة .. فلا يجوز أيضًا؛ لأن الواقف إنما جعل المسجد للصلاة، فإن حفر بالوعة لاحتياج المسجد إليها على وجه لا يخل بمقصود الواقف في الصلاة .. لم أمنع من ذلك. انتهى. 4824 - قوله: (وما تولد من جناحٍ إلن شارعٍ فمضمونٌ) (¬4) مثل قول "الحاوي" في المضمونات [ص 550]: (كالإشراع) وفيه أمران: أحدهما: أنه قد يفهم أنه يجب به ضمان الكل سواء سقط الكل أو البارز فقط، وليس كذلك، بل هو كالميزاب؛ إن سقط كله .. فالواجب النصف، أو الخارج فقط .. ضمن الكل. ثانيهما: قد يفهم الضمان ولو تولد الهلاك منه بغير سقوطه؛ كما إذا صدمه راكب شيء عال. أو سقط منه حيوان؛ كفأر ونحوه فتلف بذلك شيء، وليس كذلك، فلا ضمان فيهما كما ذكره ¬

_ (¬1) المهذب (2/ 193). (¬2) الروضة (9/ 318)، المنهاج (ص 490). (¬3) فتح العزيز (10/ 423). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 490).

شيخنا الإمام البلقيني، وقال: لم أر من تعرض له، والقياس ما ذكرته، ولا يرد شيء من ذلك على قول "التنبيه" [ص 221]: (وإن أخرج روشناً إلى الطريق فوقع على إنسان ومات .. ضمن نصف الدية، وإن تقصف من خشبه الخارج شيء فهلك به إنسان .. ضمن جميع الدية). لكن يرد عليه: أن الروشن في اللغة: الكوة كما ذكره في "الصحاح"، فتعبيرهما بالجناح أولى؛ ولهذا عبر به ابن يونس في "النبيه" وهي عبارة "المهذب" (¬1)، لكن قال النووي في "التحرير": الروشن: الخارج من الخشب (¬2)، ثم كلام "التنبيه" صريح في أن الضمان على المخرج للروشن؛ أي: عاقلته، ومقتضاه: استمرار ذلك ولو باعه، وكذا حكاه في "أصل الروضة" عن البغوي (¬3). وقال شيخنا الإمام البلقيني: الأصح عندي: لزومه لعاقلة المالك له حالة التلف، قال: ولو تعلق بعاقلة الواضع كما قال البغوي .. لتعلق بعاقلة الصانع الذي وضعه للمالك. انتهى. ولا يرد ذلك على عبارة "المنهاج" و"الحاوي" لأنهما أطلقا الضمان ولم يبينا المضمون عليه، وإن أورده شيخنا الإمام البلقيني على "المنهاج". 4825 - قول "المنهاج" [ص 490]: (ويحل إخراج الميازيب إلى شارع) فيه أمران: أحدهما: محله: ما إذا كانت عالية لا تضر بالمارة كما في الجناح. ثانيهما: قيده شيخنا الإمام البلقيني بالمسلم، قال: فيمتنع على الذمي كالجناح على الأصح، قال: ويحتمل ترتيبها على الجناح؛ لأن الجناح يمشي عليه الذمي ويقعد وينام، فكان أشد من إعلاء بنائه، بخلاف الميزاب، قال: والأرجح: أنه لا فرق (¬4). 4826 - قوله: (وإن سقط كله .. فنصفه في الأصح) (¬5) يقتضي أن الخلاف وجهان، وهو في "أصل الروضة" وجهان أو قولان (¬6)، وحكاه الماوردي قولين، قال: وقال الشافعي: لا أبالي بأي طرفيها أصابه؛ لأنه قتله بثقلها (¬7). 4827 - قول "التنبيه" [ص 221]: (وإن بنى حائطاً في ملكه فمال إلى الطريق فلم ينقضه حتى وقع على إنسان فقتله .. لم يجب الضمان على ظاهر المذهب، وقيل: يضمن) شرطه: أن يمكنه ¬

_ (¬1) المهذب (2/ 193). (¬2) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 300). (¬3) الروضة (9/ 321)، وانظر "التهذيب" (7/ 208، 209). (¬4) انظر "حاشية الرملي" (4/ 72). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 490). (¬6) الروضة (9/ 320). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (12/ 382، 383).

هدمه أو إصلاحه، كما صرح به "المنهاج" (¬1)، وتعبيره عنه بـ (قيل) يقتضي أن مقابله وجه بمقتضى إصلاحه، وكذا في "الروضة" وأصلها أن الخلاف وجهان، لكن الأول هو المنصوص في "المختصر" (¬2)، وسوى في "أصل الروضة" بين ميله إلى الشارع وميله إلى ملك جاره (¬3)، ومقتضاه: تصحيح عدم الضمان في الثانية أيضاً، لكن صحح فيها شيخنا الإمام البلقيني: الضمان. 4828 - قول "المنهاج" [ص 490]: (ولو سقط بالطريق فعثر به شخص أو تلف مال .. فلا ضمان في الأصح) قال شيخنا الإمام البلقيني: محله: ما إذا لم يقصر في رفعه، فإن قصر في رفعه .. كان ضامناً؛ لتعديه بالتأخير. 4829 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ولو طرح قمامات وقشور بطيخ بطريق .. فمضمون على الصحيح) (¬4) فيه أمور: أحدها: محله: ما إذا كان المتعثر بها جاهلاً بها، فلو علم بها ومشى عليها قصداً .. فلا ضمان. ثانيها: قال الرافعي: ولك أن تقول قد: يوجد بين العمارات مواضع معدة لذلك، تسمى الساباطات والمزابل، وتعد من المرافق المشتركة بين سكان البقعة، فيشبه أن يقطع بنفي الضمان إذا كان الإلقاء فيها؛ فإنه استيفاء منفعة مستحقة، ويخص الخلاف بغيرها (¬5). ورده شيخنا الإمام البلقيني: بأن تلك المزابل إن كانت في منعطف غير داخل في حكم الشارع .. فلا حاجة لذكرها؛ لأن الكلام في الشارع، وإلا .. فليس لهم فعل ذلك فيها حتى يقال: قد استوفوا منفعة مستحقة. ثالثها: تعبير "المنهاج" بالصحيح يقتضي ضعف مقابله، وقد قال في "أصل الروضة": إنه قطع به الجمهور (¬6)، لكن نازع في ذلك شيخنا الإمام البلقيني، وقال: إن مقابله قوي؛ لفعل الناس له في الأعصار والأمصار من غير إنكار، وذلك يدل على أنه من مرافق الشارع، ثم بسط ذلك، ثم قال: والأصح عندنا في قشور البطيخ: أنه يقتضي الضمان، وفي القمامة غيره: أنها لا تقتضي ضماناً. 4830 - قول "الحاوي" [ص 549]: (ورشَّ ماءً لا لعامِّ مصلحةٍ) أي: فلا يضمن فيما إذا كان لعام مصلحة. محله: ما إذا لم يجاوز العادة. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 490). (¬2) مختصر المزني (ص 249). (¬3) الروضة (9/ 321). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 221)، و"الحاوي" (ص 549)، و"المنهاج" (ص 490). (¬5) انظر "فتح العزيز" (10/ 429). (¬6) الروضة (9/ 322).

4831 - قول "التنبيه" [ص 221]: (فإن حفر بئراً ووضع آخر حجراً فعثر إنسان بالحجر ووقع في البئر فمات .. وجب الضمان على واضع الحجر) و"الحاوي" [ص 551]: (وأول الشرطين؛ كحفرٍ ونصب نصلٍ فيه) محله: ما إذا كان الأول - أي: في الإتلاف - متعدياً كما صرح به "المنهاج"، قال [ص 490]: (فإن لم يتعد الواضع .. فالمنقول: تضمين الحافر) قال الرافعي: وينبغي أن يقال: لا يتعلق بالحافر والناصب كما سنذكره فيما لو حفر بئراً عدواناً وحصل حجر على طرف البئر بحمل السيل أو بوضع حربي أو سبع فعثر رجل بالحجر ووقع في البئر فهلك .. فلا ضمان على أحد، قال: ويدل عليه أن المتولي قال: لو حفر بئراً في ملكه ونصب غيره فيها حديدة فوقع رجل في البئر فجرحته الحديدة ومات .. فلا ضمان على واحد منهما. انتهى (¬1). فكيف يقال: المنقول: كذا، وهذا نقل آخر يخالفه؟ ! وقد عبر في "الروضة" وأصلها بالمنقول مع ذكرهما كلام المتولي هذا (¬2)، فكأنهما أرادا: المنقول المشهور، وفرق شيخنا الإمام البلقيني بين مسألتنا ومسألة السيل: بأن الأول فعل ممن يقبل الضمان، فإذا سقط عنه لعدم تعديه .. لم يسقط عن المتعدي، بخلاف السيل ونحوه؛ فإنه ليس متهيّأ للضمان أصلاً، فسقط الضمان بالكلية، ثم خالف ما ذكره الرافعي في مسألة السيل، وإن ذكره القاضي حسين وغيره، وصحح: أنه يضمن حافر البئر وفاقاً لما جزم به الماوردي فيما إذا برزت بقلة من الأرض فعثر بها مار وسقط على الحديدة المنصوبة بغير حق فمات .. أن ضمانه على واضع الحديدة (¬3)، قال شيخنا: وهو القوي الجاري على القواعد. انتهى. وادعى شيخنا ابن النقيب أن قول "المنهاج" [ص 490]: (عدواناً) يعود إلى وضع الحجر فقط؛ فإن الحافر لا شيء عليه سواء حفر متعدياً أم في ملكه، ثم قال في قوله: (فالمنقول: تضمين الحافر) أي: إذا كان متعدياً (¬4)، فصرف الدلالة الظاهرة عن مدلولها، ثم احتاج بعد ذلك إلى تقديرها، فالصواب: عوده إليهما كما هو قاعدة الشافعي رضي الله عنه ويدل لذلك أنه في "الروضة" وأصلها في تصوير هذه المسألة صورها بأن يكون حفر البئر عدواناً (¬5)، والله أعلم. 4832 - قول "المنهاج" [ص 490]: (ولو وضع حجراً وآخران حجراً فعثر بهما .. فالضمان أثلاث، وقيل: نصفان) رجح شيخنا الإمام البلقيني: الثاني؛ لأن التعثر بالحجرين، فالتوزيع عليهما؛ لأنهما اللذان لاقيا البدن، وليس هذا كالجراحات التي لها نكاية في الباطن، بل ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (10/ 431، 432). (¬2) فتح العزيز (10/ 431)، الروضة (9/ 325). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (12/ 372). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (7/ 258). (¬5) فتح العزيز (10/ 432)، الروضة (9/ 324).

هو إلى صورة الضربات أقرب، بل أولى بالحكم فيها. 4833 - قول "المنهاج" [ص 490]: (ولو عثر بقاعدٍ أو نائمٍ أو واقفٍ بالطريق، وماتا أو أحدهما .. فلا ضمان إن اتسع الطريق) تبع فيه "المحرر" (¬1)، وهو وهمٌ لا يعرف في غيره، والمجزوم به في "الروضة" وأصلها أن على عاقلة العاثر دية القاعد والنائم والواقف، وأما العاثر: فإنه هدر، وسواء كان القاعد أو الواقف بصيراً أو أعمى، وسواء أكان في طريق واسع كما صوره "المنهاج"، أو في ملكه أو في موات (¬2)، لكن حكى شيخنا الإمام البلقيني الخلاف في ذلك، قال: بل صحح القاضي حسين والإمام والغزالي في "البسيط": أنه يهدر دم القاعد والنائم أيضاً، وإنما تجب دية الواقف، وهو ظاهر النص (¬3). 4834 - قول "التنبيه" [ص 222]: (وإن قعد في طريق ضيق فعثر به إنسان وماتا .. وجب على كل واحد منهما دية الآخر) الذي في "الروضة": أن المذهب المنصوص: أن دم القاعد مهدر (¬4)، وعليه مشى "الحاوي" فقال في المضمون [ص 549]: (كأن قعد فتعثر به ماشي وهدر) أي: القاعد، وبقائم عكس، لكنه أطلق هذا الكلام، ومحله: في الضيق، فإن كان واسعاً .. فبالعكس كما تقدم، وعليه مشى "المنهاج" أيضًا فقال [ص 490]: (وإلا .. فالمذهب: إهدار قاعد ونائم لا عاثر بهما، وضمان واقف لا عاثر به) ونازع شيخنا الإمام البلقيني في أن هذا هو المذهب، وقال: لم يصححه غير البغوي (¬5)، قال: والذي يعتمد عليه في ذلك نصه في "الأم"، وهو: إهدار العاثر، وضمان الواقف والقاعد والنائم (¬6)، وأنه يستوي في ذلك اتساع الشارع وضيقه. وذهب العراقيون إلى أنه إذا وقف أو قعد في طريق ضيق فعثر به إنسان وماتا .. فعلى كل واحد منهما دية الآخر، حكاه ابن الصباغ عن نصه في القديم، وقال: فأما قوله الجديد الذي نقله المزني: فدية الصادم هدر، فأكثر أصحابنا قالوا: إنما أراد: إذا كان الطريق واسعاً. انتهى. وهذا كله إذا لم يكن من الواقف فعل، فإن كان؛ بأن انحرف إلى الماشي فأصابه في انحرافه وماتا، فهما كماشيين اصطدما .. فعلى كل واحد منهما نصف دية الآخر. واعلم: أنا حيث قلنا في هذا الفصل: يجب الضمان .. فالمراد: أنه يتعلق الضمان بفعله، وهو مضروب على عاقلته. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 411). (¬2) فتح العزيز (10/ 433)، الروضة (9/ 326). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (16/ 481). (¬4) الروضة (9/ 326). (¬5) انظر "التهذيب" (7/ 183). (¬6) الأم (6/ 86).

فصل [في الاصطدام]

4835 - قول "الحاوي" [ص 549]: (كلٌّ في شارع) كذلك المسجد، لكن لو جلس فيه لأمر ينزه المسجد عنه، أو نام غير معتكف .. فهو كما لو نام في الطريق، حكاه في "أصل الروضة" عن البغوي، وأقره (¬1). فصل [في الاصطدام] 4836 - قول "التنبيه" [ص 222]: (وإن اصطدما فماتا .. وجب على كل واحد منهما نصف دية الآخر) لا يخفى أن الكلام في الحرين، وصرح به "المنهاج و"الحاوي" (¬2)، وسنتكلم عليه بعد ذلك، وقوله: (وجب على كل واحد منهما) أي: يتعلق بفعله، وهو مضروب على العاقلة، وهي دية مخففة إن كان بلا قصد، ومغلظة مع القصد، وقد صرح بذلك "المنهاج" فقال [ص 490]: (اصطدما بلا قصد .. فعلى عاقلة كلٍّ نصف دية مخففةٍ، وإن قصدا .. فنصفها مغلظة) أي: على العاقلة أيضاً كما يفهمه كلامه، وصرح به في "المحرر" (¬3)، وهذا الذي ذكرناه من أنها مع القصد على العاقلة أيضاً هو الذي نص عليه في "الأم" (¬4)، وحكاه الرافعي عن الأكثرين؛ لأن الغالب أن الاصطدام لا يفضي إلى الموت، فلا يتحقق فيه العمد المحض؛ ولذلك لا يتعلق به القصاص إذا مات أحدهما دون الآخر، وذهب أبو إسحاق إلى أنه عمد، وتجب الدية في تركتهما، واختاره الإمام والغزالي (¬5)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 577]: (وعلى عاقلة كلٍّ نصف دية الآخر، لا إن تعمدا) ثم قال شيخنا الإمام البلقيني: إنه لو كان أحدهما ضعيفاً وحركته ضعيفة بحيث يقطع بأنه لا أثر لحركته مع الآخر .. فهو كالواقف، فيهدر القوي، وعلى عاقلته دية الضعيف كما سيأتي عن الإمام في الدابتين (¬6). 4837 - قول "المنهاج" [ص 490] و"الحاوي" [ص 577] فيما إذا مات مركوباهما: (وفي تركة كل نصفُ قيمة دابة الآخر) قال الإمام: لكن لو كانت إحدى الدابتين ضعيفة بحيث يقطع أنه لا أثر لحركتها مع قوة الدابة الأخرى .. لم يتعلق بحركتها حكم؛ كغرز الإبرة في جلدة العقب مع الجراحات العظيمة، حكاه عنه في "أصل الروضة" (¬7)، وهو محتمل للقيد والوجه، وجعله شيخنا ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 327)، وانظر "التهذيب" (7/ 184). (¬2) الحاوي (ص 577)، المنهاج (ص 490). (¬3) المحرر (ص 411). (¬4) الأم (6/ 86). (¬5) فتح العزيز (10/ 441)، وانظر "نهاية المطلب" (16/ 466، 467)، و "الوجيز" (2/ 151). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (16/ 466). (¬7) الروضة (9/ 332).

الإمام البلقيني قيداً، ثم أورد عليه قول الشافعي رضي الله عنه: (وسواء كان أحد الراكبين على فيل والآخر على كبش، أو كانا على دابتين سواء ومتقاربتين) (¬1) ثم قال: للإمام أن يقول: للكبش حركة لها وقع، والكلام في دابة ضعيفة يقطع بأنه لا أثر لحركتها مع الدابة الأخرى. قلت: للكبش حركة لكن مع صدمة الفيل .. فلا، والله أعلم. 4838 - قول "المنهاج" في الصبيين والمجنونين [ص 491]: (وقيل: إن أركبهما ولي .. تعلق به الضمان) فيه أمور: أحدها: قد يفهم أن المراد: ولي المال. وليس كذلك، بل المراد هنا كما قال شيخنا الإمام البلقيني: ولي الحضانة الذكر، قال: وذلك ظاهر من قول الشافعي رضي الله عنه: (أو حملهما عليها أبواهما أو ولياهما في النسب) (¬2)، قال: ومن ذلك يؤخذ أن المعتق لا يدخل في ذلك، ولا كل الإناث، ولا كل ذكر لا حق له في الحضانة، ويدخل السلطان في ذلك؛ لأن له الحضانة، وإنما قيد الشافعي بالنسب؛ لإرادته الولاية الخاصة، وقد عرف انتقال الحضانة للسلطان عند فقد القريب، قال: وقد عرف أن ولاية النسب هنا لا تكون إلا بالحضانة؛ فلذلك قلنا: إن المراد به: ولي الحضانة، ولم أر من تعرض لذلك. ثانيها: قال في "أصل الروضة": الوجهان مخصوصان بما إذا ظهر ظن السلامة، فأما إذا أركبه الولي دابة شرسة جموحاً .. فلا شك أنه يتعلق به الضمان (¬3). ثالثها: قال في "أصل الروضة" أيضاً: كذا أطلق جماعة الوجهين، وخصهما الإمام لإركاب لزينة أو حاجة غير مهمة، فأما إذا مست حاجة أرهقت إلى إركابه للنقل من مكان إلى مكان .. فلا ضمان قطعاً (¬4). قال شيخنا الإمام البلقيني: وينبغي أن يضاف إلى ذلك: ألاّ ينسب الولي إلى تقصير فى ترك من يكون معهما ممن جرت العادة بإرساله مع الصبيان. رابعها: فهم من تعبيره بـ (قيل) أن المرجح وجه أيضًا، وبه صرح في "أصل الروضة" (¬5)، وليس كذلك، بل نص عليه في "الأم" (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "الأم" (6/ 85). (¬2) انظر "الأم" (6/ 86). (¬3) الروضة (9/ 334). (¬4) الروضة (9/ 334)، وانظر "نهاية المطلب" (16/ 479). (¬5) الروضة (9/ 333، 334). (¬6) الأم (6/ 86).

4839 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ولو أركبهما أجنبي .. ضمنهما ودابتيهما) (¬1) فيه أمور: أحدها: قال شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه": الذي يظهر لي - والله أعلم بالصواب - أن الصبيين إذا كانا حرين .. فالحر لا يدخل تحت اليد، والركوب ليس من الشروط المقتضية للضمان فضلاً عن الإركاب؛ وحينئذ .. فينبغي ألاَّ يضمن المركب من أركبه ولا من تلف بمن أركبه، وسواء أقلنا: عمد الصبي عمد أم خطأ، ويكون كما لو ركبا بأنفسهما. ثانيها: قال شيخنا المذكور في "تصحيحه": هذا مشكل على تصحيح المصنف فيمن وضع صبياً في مسبعة بحيث لا قدرة له على التخلص، فافترسه السبع .. من أنه لا ضمان وصححنا هناك خلافه، وهذه المسألة تشهد لنا؛ فإن الإركاب مع كون الصبي يستمسك في الركوب على الدابة يبعد فيه الهلاك، وطرح الصبي في الأرض المذكورة يقرب فيه الهلاك. ثالثها: قال شيخنا في "تصحيحه" أيضًا: محل ضمان الأجنبي: إذا كان مثلهما لا يضبط الدابة، فإن كان يضبطها .. فهو كما لو ركبا بأنفسهما، قال الشافعي رضي الله عنه: (فإن حملهما أجنبيان ومثلهما لا يضبط الدابة .. فدية من أصابا على عاقلة الذي حملهما؛ لأن حملهما عدوانٌ عليهما، فيضمن ما أصابا في حملهما) (¬2). رابعها: قال في "الوسيط": لو تعمد الصبي والحالة هذه .. احتمل أن يحال الهلاك عليه إذا قلنا: عمده عمد؛ لأن المباشرة مقدمة على السبب، قال الرافعي: وهذا احتمال حسن، فإن قيل به .. فحكمه كما لو ركبا بأنفسهما، والاعتذار عنه تكلف (¬3). 4840 - قول "المنهاج" [ص 491] و"الحاوي" [ص 578]: (وعبدان مهدران) فيه أمور: أحدها: يستثنى من ذلك: ما إذا امتنع بيعهما مطلقاً؛ كابني مستولدتين أو موقوفين أو منذور إعتاقهما فلا يهدران؛ لأنهما حينئذ كالمستولدتين، وحكم المستولدتين أن على سيد كل واحدة فداء النصف الذي جنت عليه مستولدته للآخر بأقل الأمرين من قيمتها وأرش الجناية؛ لأنه باستيلادها مانع من بيعها، وإن كان لفظ العبد يتناول الأمة .. استثنيت المستولدتان أيضاً، وقد ذكرها "الحاوي" فقال [ص 578]: (وتقاصتا في مستولدتين، وإن ساوتا مئتين، ومئةً فضل خمسون). ثانيها: ويستثنى أيضًا: المغصوبان، فعلى الغاصب فداء كل نصف منهما بأقل الأمرين. ثالثها: استثنى شيخنا الإمام البلقيني مع هاتين الصورتين: ما إذا أوصى أو وقف لأرش ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 222)، و "الحاوي" (ص 578)، و "المنهاج" (ص 491). (¬2) الوسيط (6/ 363). (¬3) انظر"فتح العزيز" (10/ 444).

ما يجنيه العبدان، قال: فيصرف منه لسيد كل عبد نصف قيمة عبده، قال: وهذا وإن لم يتعرضوا له فقهه واضح. 4841 - قول "المنهاج" [ص 491]: (أو سفينتان .. فكدابتين، والملاحان كراكبين إن كانتا لهما، فإن كان فيهما مال لأجنبي .. لزم كلاً نصف ضمانه، وإن كانتا لأجنبي .. لزم كلاً نصف قيمتهما) محله: فيما إذا كان الاصطدام بفعل الملاحين، أو قصّرا في الضبط مع إمكانه، أو سيرا في ريح شديدة، فإن لم يكن شيء من ذلك .. فذكر "التنبيه" فيه قولين: ثانيهما: أنه لا ضمان، وهذا الثاني هو الأظهر (¬1)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 578]: (وغلبة الريح بحلفه تُهدر). ويرد عليه وعلى "المنهاج" في إطلاقهما أن الملاح كالراكب: أن الملاحين لو تعمدا الاصطدام بما يعده أهل الخبرة مفضياً إلى الهلاك فغرقا .. فنصف دية كل منهما في تركة الآخر، بخلاف المصطدمين؛ فإنه على عاقلته كما تقدم، وقد ذكر ذلك في "أصل الروضة" بالنسبة لإيجاب القصاص لأولياء الركاب على الملاحين (¬2). قال شيخنا الإمام البلقيني: ويجري حكم العمد في الدية أيضاً بالنسبة إليهما، ولو مات أحدهما بما صدر من التعمد دون الآخر .. وجب القصاص على الحي بناء على إيجاب القصاص على شريك جارح نفسه، وهو المعتمد، قال شيخنا أيضاً: وقضية التشبيه: أن الراكبين لو كانا صبيين أقامهما الولي، أو أجنبي في السفينتين .. أن الحكم كذلك، ولم أر أحداً ذكره، والذي يقتضيه الفقه: القطع هنا بأنه لا ضمان على الولي والأجنبي. انتهى. ثم ما أطلقوه من أن على كل ملاح ضمان نصف المال. قال في "الكفاية": كذا أطلقوه، والمراد به: استقرار الضمان وإلا .. فلمالك كل سفينة مطالبة ملاحها بكل ضمانها، ولمالك كل مطالبة قائد سفينته بكل ضمانه، وقرار الضمان في النصف من ذلك على كل منهما، صرح به الفوراني وغيره، ووجهه تقصير كل منهما، فدخلت سفينته وما فيها في ضمانه، وقد شاركه في الإتلاف غيره، فضمنا نصفين، وقول "التنبيه" في المسألة [ص 222]: (وقيل: القولان إذا لم يكن منهما فعل، فأما إذا سيرّا السفن ثم اصطدما .. وجب الضمان قولاً واحداً، وقيل: القولان في الجميع) نبه النووي في "التحرير" على أن كلامه الأخير تكرار؛ لأنه حكى القولين في الجميع (¬3)، فقال بعضهم: لو قال: (فقيل: القولان إذا لم يكن منهما فعل) بالفاء .. لاستقام. 4842 - قول "المنهاج" [ص 491]: (ولو أشرفت سفينةٌ على غرق .. جاز طرح متاعها، ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 222). (¬2) الروضة (9/ 336). (¬3) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 301).

ويجب رجاء نجاة الراكب، فإن طرح مال غيره بلا إذنٍ .. ضمنه، وإلا .. فلا) فيه أمور: أحدها: قال في "أصل الروضة": ويجب إلقاء ما لا روح فيه لتخليص ذي الروح، ولا يجوز إلقاء الدواب إذا أمكن دفع الغرق بغير الحيوان، وإذا مست الحاجة إلى إلقاء الدواب .. ألقيت لإبقاء الآدميين، والعبيد كالأحرار (¬1). ثانيها: استشكل ذلك شيخنا الإمام البلقيني: بأنه إن جعلت الخيرة في عين المطروح للملاح ونحوه .. فهو غير لائق، وإن توقف على إذن صاحبه .. فقد لا يأذن، فيحصل الضرر، ثم قال: إنه يحتاج إلى إذن المالك في حالة الجواز (¬2) دون الوجوب (¬3)، فلو كانت لمحجور .. لم يجز إلقاؤها في محل الجواز، ويجب في محل الوجوب. ولو كانت مرهونة أو لمحجور عليه بفلس أو لمكاتب أو لعبد مأذون عليه ديون .. وجب إلقاؤها في محل الوجوب، وامتنع في محل الجواز إلا باجتماع الراهن والمرتهن، أو السيد والمكاتب أو السيد والمأذون والغرماء في الصور المذكورة، فلو رأى الولي في محل الجواز أن إلقاء بعض أمتعة محجوره يسلم به باقيها .. فقياس قول أبي عاصم العبادي: فيما لو خاف الوصي استيلاء غاصب على المال فله أن يؤدي شيئا لتخليصه: جوازه هنا، والله أعلم. ثالثها: أن قوله: (رجاء نجاة الراكب) إن كان تعليلاً للمسألتين .. فكيف تصلح هذه العلة الواحدة للجواز تارة والوجوب أخرى؟ ، وإن كان للوجوب فقط .. فكيف يستقيم الجواز بدون ذلك؟ أورده شيخنا الإمام البلقيني بمعناه، ثم قال: والذي يقال في ذلك: أنه إن حصل هول خيف منه الهلاك مع غلبة السلامة .. جاز إلقاء غير ذات الروح رجاء نجاة الراكب، وإن غلب الهلاك مع ظن النجاة بالطرح .. وجب. رابعها: لا بد من تقييد الراكب بكونه محترماً؛ ليخرج الحربي والمرتد والزاني المحصن وغيرهم، فلا يلقى مال محترم لنجاة راكب غير محترم، ويرد على قول "الروضة": (ويجب إلقاء ما لا روح فيه لتخليص ذي الروح) (¬4) الكلب العقور والخنزير، فلا يلقى لأجلهما ما لا روح فيه. 4843 - قول "التنبيه" في (باب الضمان) [ص 106]: (وإن قال: ألق متاعك في البحر وعلى ضمانه فألقاه .. لزمه ضمانه) أهمل له شرطين: أحدهما: أن يقوله في حال إشراف السفينة على الغرق. ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 338). (¬2) في (ج): (وهي ما إذا حصل هول خيف منه الهلاك مع غلبة السلامة). (¬3) في (ج): (وهي ما إذا غلب الهلاك إن لم يطرح). (¬4) الروضة (9/ 338).

والثاني: ألاَّ يختص نفع الإلقاء بالملقي فقط، فإن اختص به .. لم يصح الضمان، وقد ذكرهما "المنهاج" فقال [ص 491]: (وإنما يضمن ملتمسٌ لخوف غرقٍ، ولم يختص نفع الألقاء بالملقي) و"الحاوي" فقال [ص 579]: (ومن قال لخوف الغرق: ألق متاعك ضامناً .. لزمه، لا إن احتاج الملقي فقط) ولم يتعرضا لإلقائه، كما صرح به "التنبيه" و"المحرر" (¬1) لوضوحه. ولكن فائدة ذكره: أنه لابد أن يلقيه صاحبه أو مأذونه، فلو ألقاه شخص بغير إذنه أو سقط بريح أو غيرها .. لم يلزم القائل شيء، ثم في كلامهم أمور: أحدها: قال شيخنا الإمام البلقيني: لا بد من الإشارة إلى ما يلقيه، فيقول: هذا، أو يكون المتاع معلوماً للقائل، فإن لم يكن معلوماً .. فلا يضمن إلا ما يلقيه بحضرته، ولا بد من استمراره على الضمان، فلو رجع عنه قبل الإلقاء .. لم يلزمه شيء، قال: ولم أر من تعرض له. ثانيها: أنهم لم يبينوا المضمون هل هو المثل ولو صورة كالقرض، أو القيمة مطلقاً، أو المثل في المثلي والقيمة في المتقوم؟ وصرح في "الروضة" بالقيمة. ذكره في صيغة الضمان، فقال: أو على أني ضامن قيمته، وفى الحكم: فقال: قال البغوي: تعتبر قيمة الملقى قبل هيجان الأمواج؛ فإنه لا قيمة للمال في تلك الحال. ولا تجعل قيمة المال في البحر وهو على خطر الهلاك كقيمة البر (¬2). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إن سمى ثمناً حالاً أو مؤجلاً .. لزمه ما سمى، وإلا .. فإن قلنا: إن الضامن لا يملك الملقى - وبه صرح الإمام وهو الأرجح - .. لزمه مثله إن كان مثلياً، وقيمته إن كان متقوماً كالشراء الفاسد، وإن قلنا: يملكه - وهو ما صرح به الماوردي - .. لزمته قيمته من النقد باعتبار تلك الحالة لا قبل الهيجان خلافاً للبغوي، ثم قال: وعلى الجملة فالأرجح: ما قال الإمام من عدم الملك، والأرجح على هذا: ضمان القيمة مطلقاً وتعذر ضمان المثل؛ لأنه لا مثل لمشرف على هلاك إلا مشرف على هلاك، وذاك بعيد، فتعينت القيمة، قال: ولم أر من حقق ذلك. ثالثها: ما جزم به "المنهاج" و"الحاوي" من عدم اللزوم فيما إذا اختص نفعه بالملقي فقط ذكره القفال والقاضي حسين والبغوي وغيرهم (¬3)، ولم يحك فيه الرافعي والنووي خلافاً، وحكى أبو الفرج الزاز في "تعليقه" عن بعض الأصحاب تصحيح هذا الضمان، وعن الشيخ أبي على: أنه على وجهين كما لو قال: أعتق عبدك عني وعليّ قيمته. قال شيخنا الإمام البلقيني: وقضيه هذا البناء تصحيح الصحة كالأصح هناك، قال: والأصح ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 106)، المحرر (ص 412). (¬2) الروضة (9/ 339)، وانظر "التهذيب" (7/ 188). (¬3) انظر "التهذيب" (7/ 189).

عندنا: الصحة، وللإنسان قصد في أن يسعى بدفع شيء من ماله في نجاة غيره. 4844 - قول "الحاوي" [ص 579]: (وأنا والركبان ضامنون .. لزمه حصته ولزمهم حصتهم إن رضوا) ينبغي حمله على ما إذا قصد الإخبار عن ضمان سبق منهم وصدقوه، فإن قصد الإنشاء ورضوا به .. فقيل: يلزمهم، ورجحه في "الوسيط"، وقال: يسامح فيه للحاجة، بخلاف سائر العقود (¬1)، والظاهر كما قال الرافعي خلافه؛ لأن العقود لا توقف، وفي "أصل الروضة": إنه الصحيح (¬2). ولو أذن له في الإلقاء فألقاه .. فهل تلزمه الحصة أم الجميع؛ لأنه باشر الإتلاف؟ وجهان بلا ترجيح في "الروضة" (¬3)، أما لو زاد على قوله: (أنا والركبان ضامنون كل واحد منا على الكمال. أو على أني ضامن وكل واحد منهم ضامن) .. فعليه ضمان الجميع، وكذا يلزمه الجميع على الأصح إذا قال: أنا ضامن وركاب السفينة، أو على أن أضمنه أنا والركاب، أو قال: وأنا ضامن وهم ضامنون. 4845 - قولهما: (ولو عاد حجر منجنيق فقتل أحد رماته .. هُدِرَ قسطه، وعلى عاقلة الباقين الباقي) (¬4) استثنى منه شيخنا الإمام البلقيني: ما إذا حصل ذلك بأمر صنعه رفقاؤه، وقصدوا الرفيق المذكور بسقوطه عليه، وغلبت إصابته .. فهو عمد لا تحمله العاقلة، بل في أموالهم، ولا قصاص عليهم؛ لأنهم شركاء مخطئ، قال: ولم ينبه عليه أحد، وكأنهم تركوه؛ لأنه لا يتصور عندهم، ونحن صورناه، فلا خلاف بيننا وبينهم. 4846 - قول "المنهاج" [ص 491]: (أو غيرهم ولم يقصدوه .. فخطأٌ، أو قصدوه .. فعمدٌ في الأصح إن غلبت الإصابة) أحسن من قول "الحاوي" [ص 579]: (وإن أصاب واحداً وقصدوه قادرين .. فعمدٌ، وعلى مبهمٍ شبهُهُ، وإلا .. فخطأ) لأنه يتناول واحداً من الرماة، ولم يصور الأصحاب فيه العمد كما تقدم، فما أراد إلا واحداً من غيرهم، فأفصح "المنهاج" بذلك، وأيضاً فلا يختص الحكم بإصابة واحد؛ فقول "المنهاج": (غيرهم) أعم، وقوله: (قادرين) هو كقول "المنهاج": (إن غلبت الإصابة)، وقوله: (وعلى مبهم شبهه) أي: شبه عمد، هي الصورة الخارجة بمفهوم قول "المنهاج": (إن غلبت الإصابة) وقول "الحاوي": (قادرين) فإن مراده بها: ما إذا قصدوا واحداً والغالب أنه لا يصيبه وهم قادرون على إصابة غير معين، فلم يقصدوا مبهماً، ولكن لا يقع رميهم إلا على مبهم، ففي تعبيره عن ذلك قلق. ¬

_ (¬1) الوسيط (6/ 365). (¬2) فتح العزيز (10/ 455)، الروضة (9/ 341). (¬3) الروضة (9/ 341). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 579)، و "المنهاج" (ص 491).

ونازع شيخنا الإمام البلقيني في اعتبار غلبة الإصابة، وقال: ذكره جماعة، وهو غير معتبر على أصل الشافعي؛ لأن الغلبة إنما تعتبر في الآلة أن تهلك غالباً لا في إصابتها، فمتى أمكنت الإصابة وحصلت .. وجب القود كما لو رمى شخصاً بسهم قد يصيبه وقد لا يصيبه، فأصابه فقتله، أو ألقى حجراً من سطح على مار قد يصيبه وقد لايصيبه فأصابه فقتله .. فيجب القود فيهما، وقول "المنهاج": (في الأصح) تبع فيه "المحرر" و"الشرح الصغير" (¬1)، والذي في "الشرح الكبير": إنه الذي قطع به الصيدلاني والإمام والغزالي والمتولي، ورجحه البغوي والروياني، وقطع العراقيون بمقابله، وهو أنه شبه عمد، قال الرافعي: ويشبه أن يقال: الخلاف راجع إلى أنه هل يتصور تحقيق هذا القصد في المنجنيق؟ (¬2). وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم يثبت أحد من المصنفين في الطريقين هذا الخلاف، وإنما بعض العراقيين يقول: لا يتصور قصد رجل بعينه بالمنجنيق، وإنما يتفق وقوعه ممن وقع، وخالفهم آخرون فقالوا: إن ذلك يتصور. 4847 - قول "التنبيه" [ص 222]: (وإن وقع رجل في بئر فجذب ثانياً والثاني ثالثاً والثالث رابعاً وماتوا - أي: بوقوع بعضهم على بعض - .. وجب للأول ثلث الدية على الثاني، والثلث على الثالث ويهدر الثلث) محله: فيما إذا كان الوقوع في البئر غير مهلك، فإن كان مهلكاً، فالأول هلك بصدمة البئر أيضًا .. فديته أرباع، ربع على عاقلة الحافر إن كان الحفر عدوانا، فإن لم يكن عدواناً .. هدر أيضاً، والأرباع الباقية على ما ذكر في الأثلاث، ولا أثر للصدمة في حق الباقين، فديتهم على ما هي عليه، أما إذا كانت البئر واسعة فلم يقع بعضهم فوق بعض .. فدية كل مجذوب على عاقلة جاذبه، ودية الأول على عاقلة الحافر إن كان متعدياً. 4848 - قول "الحاوي" [ص 579]: (وإن تزلق وجذب ثانياً، وهو ثالثاً .. هدر ثلث الأول، وثلثاه على الحافر والثاني) لا يخفى أن محله: إذا كان الحافر متعدياً، وإلا .. هدر ثلث آخر، والله أعلم. 4849 - قول "التنبيه" [ص 222]: (وإن تجارح رجلان فماتا .. وجب على كل واحد منهما دية الآخر) محله فيما إذا كان ذلك خطأ أو شبه عمد، فإن كان عمداً .. فدم كل منهما هدر، قاله القاضي حسين فيما حكاه عنه في "الكفاية". * * * ¬

_ (¬1) المحرر (ص 412). (¬2) فتح العزيز (10/ 458)، وانظر "نهاية المطلب" (16/ 479)، و"الوجيز" (2/ 152).

باب العاقلة

باب العاقلة 4850 - قول "التنبيه" [ص 228]: (والعاقلة العصبات ما عدا الأب والجد والابن وابن الابن) لو عبر كـ "المنهاج" بقوله [ص 491]: (إلا الأصل والفرع) .. لكان أعم وأحسن منهما. 4851 - قول "الحاوي" [ص 554]: (وبعضية الجاني والمعتق مانعة) لدلالتها على أنه لو كان لها ابن هو ابن ابن عم .. لم يعقل أيضاً، وهو الأصح، ويرد عليهم جميعاً: أن في "أصل الروضة" عن المتولي من غير مخالفة: أن ذوي الأرحام يتحملون عند عدم العصبات إذا قلنا بتوريثهم، وهو الذي صححه النووي إذا لم ينتظم أمر بيت المال كما تقدم (¬1). 4852 - قول "التنبيه" [ص 228]: (ولا يعقل بنو أب وهناك من هو أقرب منهم) محله: ما إذا كان المضروب عليهم يفي بالواجب وهو الثلث، فإن بقي منه شيءٌ .. ضرب على من بعد الأقرب، وقد صرح به "المنهاج" فقال [ص 492]: (ويقدم القرب، فإن بقي شيءٌ .. فمن يليه) وإليه أشار "الحاوي" بقوله [ص 554]: (بترتيبهم إن وفوا). 4853 - قول "التنبيه" [ص 228]: (وإن اجتمع جماعة في درجة واحدة وبعضهم غيب .. ففيه قولان، أصحهما: أنهما سواء) لا يختص ذلك بما إذا كانوا في درجة، بل لو كان الغائب أقرب درجة من الحاضر .. فأصح الطريقين: طرد القولين، والمراد بالغيبة: ما يمنع التحصيل في سنة، حكاه الرافعي عن الغزالي، قال: وكلام الشافعي والأصحاب لا يساعد عليه؛ فإنهم فرضوا فيما إذا كان القاتل بمكة والعاقلة بالشام، وحكوا فيه الخلاف (¬2)، وأسقط ذلك من "الروضة". 4854 - قول "المنهاج" [ص 492]: (ثم معتق) وهو داخل في عموم العصبات في عبارة "التنبيه"، شرطه: أن يكون ذكراً؛ فالمعتقة لا تعقل، وإنما يعقل عاقلتها، وقد ذكره "المنهاج" بعده بقوله [ص 492]: (وعتيقها يعقله عاقلتها)، ودل عليه تعبير "الحاوي" باولياء النكاح (¬3)، فيتحمل المعتق عند فقد عصبة النسب، أو إذا لم يكن فيهم كفاية، كما صرح به "المحرر" (¬4)، ودل عليه قول "الحاوي" [ص 554]: (بترتيبهم إن وفوا). 4855 - قول "المنهاج" [ص 492]: (ثم عصبته) أي: عند فقده، أو مع وجوده إذا بقي من الواجب شيء كسائر العصبات، وقد دخل في قول "الحاوي" [ص 554]: (بترتيبهم إن وفوا)، ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 350). (¬2) انظر"فتح العزيز" (10/ 493). (¬3) الحاوي (ص 553، 554). (¬4) المحرر (ص 412).

ونص عليه في "المختصر" فقال: (فإن عجزت - أي: عصبات النسب - عن بعض .. حملت الموالي المعتقون الباقي، فإن عجزوا عن بعض ولهم عواقل .. عقلت عواقلهم" (¬1). وفي "أصل الروضة" عن الإمام والغزالي المنع؛ إذ لا حق لهم في الولاء ولا بالولاء في حياته، وتردد الإمام فيما لو لم يبق المعتق وضربنا على عصبته .. فهل يخص بالأقربين؛ لأنهم أهل الولاء والإرث، أم يتعدى إلى الأباعد كعصبة الجاني؟ ورجح الاحتمال الثاني، وجزم به الغزالي، وصرح صاحب "الشامل" و"التتمة" وغيرهما بالضرب عليهم. انتهى (¬2). وقد عرفت المنصوص المعتمد، وما قاله الإمام مردود. ويستثنى من عصبة المعتق: أصله وفرعه في الأصح، وقد صرح به "الحاوي" فقال [ص 554]: (وبعضية الجاني والمعتق مانعة) لكن قال شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه": الأصح عندي: أنهما يتحملان؛ لأن المعتق يتحمل، وهما كنفس المعتق لا كنفس الجاني، ولا نسب بينهما وبين الجاني بأصلية ولا فرعية، إلا أنه في "تصحيح المنهاج" قال: إن الأول هو مقتضى النص؛ حيث قال: (وقضى عمر بن الخطاب على على بن أبي طالب رضي الله عنهما بأن يعقل عن موالي صفية بنت عبد المطلب، وقضى للزبير بميراثها؛ لأنه ابنها) (¬3)، ولم يتعرض لتصحيح ما صححه في "الحواشي"، قال شيخنا المذكور: وإذا لم يوجد معتق من جهة الآباء .. انتقلنا إلى معتق الأم، ثم إلى عصبته غير أصوله وفروعه، ثم إلى موالي الجدات من جهة الأم ومن جهة الأب، وموالي الذكور المدلين بالإناث؛ كالجد أبي الأم، ومن جرى مجراه. انتهى. 4856 - قولهما: (ولا يحمل عتيق في الأظهر) (¬4) وهو مقتضى تخصيص "الحاوي" ذلك بأولياء النكاح، وذكر شيخنا الإمام البلقيني أنه خلاف نص "الأم" و"مختصر المزني والبويطي"، ولا يعرف في شيء من كتب الشافعي، ثم حكى عن الشيخ أبي حامد: أن الذي نص عليه هنا أنهم يتحملون، وحكى أبو إسحق أن الشافعي قال في موضع آخر: إنهم لا يعقلون، قال: ولست أدري أين قال الشافعي هذا! إلا أنه لا يختلف أصحابنا أن المسألة على قولين، قال شيخنا: ومع قوله: أنه لا يدري أين قاله الشافعي صححه، قال شيخنا: والمذهب: ما نص عليه في كتبه، قال: ويعقل ولده ولا يعقل أبوه. 4857 - قول "التنبيه" [ص 228]: (فإن لم يكن من يعقل .. وجب في بيت المال) أي: إن كان ¬

_ (¬1) مختصر المزني (ص 249). (¬2) الروضة (9/ 351)، وانظر "نهاية المطلب" (16/ 542)، و "الوجيز" (2/ 153). (¬3) الأم (6/ 115)، مختصر المزني (ص 248). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 228)، و "المنهاج" (ص 492).

الجاني مسلمًا، كما صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، والذمي والمستأمن تجب الدية في مالهما على المذهب، قال شيخنا الإمام البلقيني: وينبغي أن يعبر كعبارة الشافعي رضي الله عنه في "الأم" و"المختصر": أن العقل على جماعة المسلمين (¬2)، قال شيخنا: ولا أثبت هذا المال في بيت المال مطلقاً، بل لما هو لهم بطريق الإرث، وكذا سهم المصالح من الفيء والغنيمة على الظاهر. 4858 - قول "التنبيه" [ص 228]: (فإن لم يكن .. فقد قيل: يجب على الجاني، وقيل: لا يجب عليه) الأصح: الأول، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬3)، وهنا أمور: أحدها: أن معنى قول "التنبيه": (فإن لم يكن) و"المنهاج": (فإن فقد) أي: مال بيت المال كما صرح به "المحرر"، فقال: (فإن لم يكن فيه مال .. أخذ الواجب من الجاني" (¬4) ومقتضاه: أنه لو كان فيه مال امتنع المتكلم فيه من بذله للمجني عليه ظلماً .. لم يؤخذ من الجاني، قال شيخنا الإمام البلقيني: وليس كذلك، بل يؤخذ من الجاني وينزل منع الظلمة منزلة الفقد، ولم أر من تعرض له. ثانيها: ظاهر عبارة "التنبيه" يقتضي أن الخلاف وجهان، وتعبير "المنهاج" بالأظهر يقتضي أنه قولان، وعبارة "الروضة": فيه وجهان بناء على أن الدية تجب على العاقلة أولاً أم على الجاني ثم تحملها العاقلة؛ وفيه وجهان، ويقال: قولان، وأصحهما: تؤخذ من الجاني. انتهى (¬5). وللأصحاب اضطراب في أن هذا الخلاف وجهان أو قولان، وسببه أن الخلاف المبني عليه مستنبط من كلام الشافعي. ثالثها: قال شيخنا الإمام البلقيني: لم أقف على الإيجاب على الجاني المسلم في كلام الشافعي، وإنما قال: إنه على جماعة المسلمين، والذي نقوله على مقتضى مذهبه: أنا إذا لم نجد في بيت المال مال وراثة، وصرف سهم المصالح فيما هو أهم من هذا .. ثبت التحمل على جماعة المسلمين الموسرين والمتوسطين، وحيث يعذر الاستيعاب .. اجتهد الإمام، وضرب الواجب على من يراه على مقتضى التأجيل، هذا هو الظاهر من نصوص الشافعي، والمعنى يساعده؛ لأن بين المسلم وجماعة المسلمين موالاة. انتهى. رابعها: كما يحمل الجاني عند الفقد يحمل مع الوجود، ومع وجود العصبة الخاصة حيث لم ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 555)، المنهاج (ص 492). (¬2) الأم (6/ 116)، مختصر المزني (ص 249). (¬3) الحاوي (ص 555)، المنهاج (ص 492). (¬4) المحرر (ص 413). (¬5) الروضة (9/ 357).

يَفِ المضروب عليهم بثلث الدية كما قد عرف في نظائره، وحيث أخذ من الجاني .. فهي مؤجلة عليه كالعاقلة وبيت المال. والأصح: أنه لا يؤخذ من أبيه وابنه شيء. 4859 - قول "المنهاج" [ص 492]: (ومؤجل على العاقلة دية نفس كاملة ثلاث سنين) فيه أمران: أحدهما: أن مقتضى عبارته: أنه لا بد من تاجيل بضرب الحاكم، وليس كذلك بلا خلاف. ثانيهما: أن التقييد بالعاقلة يخرج الجاني، وليس كذلك، بل هي مؤجلة عليه أيضًا إذا أخذت منه، وقد سلم من الأمرين "التنبيه" بقوله [ص 228]: (فإن كان دية نفس كاملة .. فهو مؤجل في ثلاث سنين) و"الحاوي" بقوله [ص 553، 555]: (يؤخذ آخر كل سنة قدر ثلثها من أولياء النكاح) إلى أن قال: (ثم الجاني). 4860 - قول "التنبيه" [ص 228]: (وإن كانت دية نفس ناقصة كدية الجنين والذمي والمرأة .. فقد قيل: هي كدية النفس الكاملة في ثلاث سنين، وقيل: هي كأرش الطرف إذا نقص عن الدية) الأصح: الثا ني، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬1). 4861 - قول "التنبيه" [ص 228]: (وإن جنى على عبد .. ففيه قولان، أصحهما: أن القيمة في ماله) الأظهر: أنها على العاقلة، وعليه مشى "المنهاج" (¬2)، وهو مقتضى إطلاق "الحاوي" (¬3). 4862 - قول "المنهاج" [ص 492]: (والأطراف في كل سنة قدر ثلث الدية) أهمل من "المحرر" أن أروش الجراحات كذلك، وكذا الحكومات، وأنه إن كان الواجب أقل من الثلث .. ضرب في سنة، وإن كان أكثر من الثلث ولم يزد على الثلثين .. ضرب الثلث في آخر السنة الأولى والباقي في آخر الثانية (¬4)، وقد صرح بذلك "التنبيه" أيضاً (¬5). 4863 - قول "المنهاج" [ص 492]: (وأجل النفس من الزهوق، وغيرها من الجناية) محله: في غير النفس: فيما إذا لم يسر، فإن سرت من عضو إلى عضو؛ بأن قطع إصبعه فسرت إلى كفه .. فهل ابتداء المدة من سقوط الكف أم من الاندمال. أم أرش الإصبع من يوم القطع وأرش الكف من يوم سقوطها؛ فيه ثلاثة أوجه، وبالأول قطع البغوي (¬6)، وبالثاني الشيخ أبو حامد وأصحابه، وعليه مشى "التنبيه" فقال [ص 228]: (وابتداؤها من وقت الاندمال) لكنه أطلقه، ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 555)، المنهاج (ص 492). (¬2) المنهاج (ص 492). (¬3) الحاوي (ص 555). (¬4) المحرر (ص 414). (¬5) التنبيه (ص 228). (¬6) انظر "التهذيب" (7/ 196).

وهو محمول على ما إذا سرى، فإن لم يسر .. فمن الجناية كما تقدم، ووافقه النووي في "التصحيح" على أنها فيما إذا سرى من وقت الاندمال (¬1)، والوجه الثالث اختاره القفال والإمام والغزالي والروياني (¬2)، ومشى عليه "الحاوي" فقال [ص 553]: (وللجرح منه ولسراية منها) ورجحه شيخنا الإمام البلقيني، وليس في "أصل الروضة" تصريح بترجيح من عند نفسه (¬3)، ومتى أخذت عبارة "المنهاج" في السراية على إطلاقها .. لم توافق واحداً من هذه الأوجه؛ فلذلك حملناها على غير حالة السراية. 4864 - قول "التنبيه" [ص 229]: (ومن مات من العاقلة قبل محل النجم .. سقط ما عليه) أي: من قسط ذلك النجم، أما ما قبله .. فلا يسقط بعد استقراره، وقول " المنهاج " [ص 492]: (ومن مات ببعض سنة .. سقط) أبعد من هذا الإيهام. 4865 - قول "التنبيه" [ص 228]: (ولا يعقل فقير ولا صبي ولا معتوه ولا كافر عن مسلم ولا مسلم عن كافر) أهمل اعتبار الحرية، ولا بد منه، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 492]: (ورقيق) وفهم منه أن المكاتب لا يعقل، ولم يثعرضوا للتصريح بالمبعض، وقال شيخنا الإمام البلقيني: الظاهر أنه لا يتحمل؛ لأنه ناقص بالنسبة إلى النصرة، قال: فإن أعتقه مالك الباقي فلم يسر عليه .. احتمل أن يحمل عنه معتقه بالنسبة إلى نصفه الحر، واحتمل ألاَّ يتحمل عنه، قال: والأول أرجح. 4866 - قول "المنهاج" [ص 492]: (ويعقل يهودي عن نصراني وعكسه في الأظهر) كذا صححه في "المحرر" و"الشرح الصغير" و"الروضة" (¬4)، وليس في "الشرح الكبير" ترجيح (¬5)، والمراد: الذمي والمستأمن إن زادت مدة العهد على أجل الدية ولم ينقطع قبل مضي الأجل. فالحربي لا يعقل ولا يعقل عنه، قال المتولي: فلو كان لذمي أقارب حربيون وقدر الإمام على الضرب عليهم .. بُني على أن اختلاف الدار يمنع التوارث؛ إن قلنا: نعم .. فلا ضرب، وإلا .. فوجهان، حكاه عنه في "أصل الروضة" (¬6). وتعجب منه شيخنا الإمام البلقيني؛ فإن التغريم تضمين، والحربي لا يضمن ما يتلفه بنفسه؛ ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (2/ 184). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (16/ 510، 511)، و "الوجيز" (2/ 155). (¬3) الروضة (9/ 361، 362). (¬4) المحرر (ص 414)، الروضة (9/ 355). (¬5) فتح العزيز (10/ 476). (¬6) الروضة (9/ 355).

فلأن لا يضمن ما يتلفه قريبه أولى، ولا يخفى أنه لا عقل على المرأة، والخنثى مثلها، فإن بان ذكراً .. فهل يغرم حصته التي أداها غيره؟ وجهان، قال في "أصل الروضة": لعل أصحهما: نعم (¬1)، قال شيخنا الإمام البلقيني: بل الأصح: أنه لا يغرم؛ لأن التحمل مبني على الموالاة والمناصرة الظاهرة، وقد كان هذا في ستر الثوب كالأنثى، فلا نصرة به. 4867 - قولهم: (على الغني نصف دينار، والمتوسط ربع كل سنةٍ من الثلاث) (¬2) قال الرافعي: يشبه أن يكون المرعي في وجوب النصف أو الربع قدرهما، لا أنه يلزم العاقلة عين الذهب؛ لأن الإبل هي الواجب، وما يؤخذ يصرف إليها، ويوضحه قول المتولي: نصف دينار أو ستة دراهم (¬3). قال البغوي: ويضبط الغنى والتوسط بالعادة، ويختلف بالبلاد والزمان (¬4)، ورأى الإمام أن الأقرب اعتباره بالزكاة، فمن ملك عشرين ديناراً أو ما يساويها آخر الحول؛ أي فاضلاً عن مسكنه وثيابه وسائر ما لا يباع في الكفارة .. فغني، أو دونها فاضلاً عن حاجاته .. فمتوسط (¬5)، ويشترط أن يملك شيئاً فوق المأخوذ منه، وهو الربع؛ لئلا يصير فقيرًا، وعلى هذا الثاني مشى "الحاوي" فقال [ص 553]: (من مالك فاضل عن حاجته عنده - أي: عند آخر الحول - ربع دينار وعشرين نصف) وقوله: (عشرين) معطوف على قوله: (فاضل عن حاجته) أي: يعتبر في إيجاب النصف مع ذلك ملكه عشرين ديناراً، وفي عبارته اختصار بإجحاف. 4868 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ويعتبران - أي: الغنى والتوسط - آخر الحول) (¬6) خرج به غيرهما من الأوصاف، وهي الكفر والرق والصبا والجنون، فلو كان يأخذ هذه الصفات أول الحول وصار في آخره بصفة الكمال .. فهل تؤخذ منه حصته من واجب تلك السنة وما بعدها؛ فيه أوجه، أصحها: لا، والثاني: نعم، والثالث: لا يؤخذ منه حصته تلك السنة ويؤخذ منه حصة ما بعدها. وقال شيخنا الإمام البلقيني: هذا الثالث عندي أرجح، فلو طرأ عليه الجنون في أثناء حول .. سقط واجب ذلك الحول، ولم يسقط واجب الذي قبله، حكاه الرافعي عن "التتمة" (¬7)، وأسقطه في "الروضة". ¬

_ (¬1) الروضة (9/ 355). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 229)، و"الحاوي" (ص 553)، و"المنهاج" (ص 492). (¬3) انظر "فتح العزيز" (10/ 479). (¬4) انظر "التهذيب" (7/ 197). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (16/ 516). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 229)، و"الحاوي" (ص 553)، و"المنهاج" (ص 492). (¬7) انظر "فتح العزيز" (10/ 479).

فصل [جناية العبد وتعلقها برقبته]

قال شيخنا الإمام البلقيني: ولو أن الحر الذمي نقض العهد، فاسترق .. سقط عنه حصة الحول الذي طرأت فيه الحرابة، ولا يسقط ما مضى. انتهى. وترد هاتان المسالتان على قول "الحاوي" [ص 553، 554]: (من أولياء النكاح، من الفعل إلى الفوت) فإن هذين كانا بصفة ولاية النكاح من فعل الجناية إلى فوت النفس بالموت، ومع ذلك لا يتحملان قسط تلك السنة، والله أعلم. 4869 - قول "التنبيه" [ص 229]: (وإن زاد عددهم على قدر الثلث .. ففيه قولان: أحدهما: يقسط عليهم وينقص كل واحد منهم من النصف والربع، والثاني: بقسط الإمام على من رأى منهم) الأظهر: الأول، وعليه مشى "الحاوي" بقوله [ص 553]: (أو حصة القليل). فصلٌ [جناية العبد وتعلقها برقبته] 4870 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (مال جناية العبد يتعلق برقبته) (¬1) يستثنى منه: ما إذا كان العبد غير مميز، أو أعجمياً يعتقد وجوب طاعة السيد، فامره بها، فالجاني هو السيد، ولا يتعلق الضمان برقبته في الأصح، كما ذكره في "أصل الروضة" في (الرهن)، وفي (الجنايات)، وفي مسائل الإكراه (¬2). لكن نازع فيه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: نص في "الأم" على خلافه، فقال في أمر السيد العبد المرهون بالجناية: (وإن كان العبد صبياً أو أعجمياً فبيع في الجناية .. كُلِّف السيد أن يأتي بمثل قيمته ثمناً، ويكون رهناً مكانه، إلا أن يشاء أن يجعلها قصاصاً من الحق) (¬3). قال في "أصل الروضة" في الإكراه: ولو أن مثل هذا الصبي أو المجنون قتل أو أتلف مالاً من غير أمر أحد .. ففي تعلق الضمان بهما الخلاف السابق في التعلق برقبة العبد؛ لأنه يشبه إتلاف البهيمة العادية، ذكره الشيخ أبو محمد (¬4). قال شيخنا الإمام البلقيني: وهو عندنا متعقب؛ فالأصح ومقتضى النص: أنه يتعلق برقبته، قال: وعلى مقتضى تصحيح المصنف يكون خطأ تحمله العاقلة كإتلاف البهيمة، وبه صرح الإمام في (الإقرار). انتهى (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 228)، و "الحاوي" (ص 552)، و "المنهاج" (ص 493). (¬2) الروضة (4/ 104)، (9/ 140، 141). (¬3) الأم (3/ 180). (¬4) الروضة (9/ 141). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (7/ 58).

تنبيه [لو كان العبد المأمور بجناية مرهونا مقبوضا بالإذن]

فلو بريء عن بعضه .. انفك بقسطه، بخلاف المرهون، ذكره الرافعي في (الوصايا) (¬1). 4871 - قول "التنبيه" [ص 228]: (ومولاه بالخيار بين أن يسلمه فيباع في الجناية، وبين أن يفديه؛ فإن أراد الفداء .. فداه في أحد القولين باقل الأمرين من قيمته وأرش الجناية، وبأرش الجناية بالغًا ما بلغ في الآخر) الأظهر: الأول، وعليه مشي "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، واستثني منه شيخنا الإمام البلقيتي مسائل: أحدها: إذا كان العبد غير مميز أو أعجميًا يعتقد وجوب الطاعة وأمره سيده بذلك .. قال: فلا يفديه بالأقل، بل أرش الجناية بالغًا ما بلغ. الثانية: إذا اطلع السيد على اللقطة في يد العبد، وقررها، وفرعنا على الأظهر: أنه لا يصح التقاطه، فتلفت عنده، أو أتلفها .. تعلق الضمان برقبة العبد وسائر أموال السيد، وكذا لو لم يقرها عنده، ولكنه أهمله وأعرض عنه فتلفت، أو أتلفها على الأصح المعتمد، وهو منقول الربيع. الثالثة: إذا أمر أجنبي العبد الذي لا يميز أو الأعجمي الذي يري طاعة الآمر .. تعلق برقبته وبالأجنبي على مقتضي النص، خلافًا لما صححه في "الروضة" (¬3)، فيباع في الجناية بالغًا ما بلغ الأرش، فإن بقي منه شيء .. فعلي الأجنبي الآمر. تَنْبِيهٌ [لو كان العبد المأمور بجناية مرهونًا مقبوضًا بالإذن] محل ذلك أيضًا: ما إذا لم يكن مرهونًا مقبوضًا بالإذن، فإن كان كذلك واعترف الراهن بجنايته وأنكرها المرتهن .. فالقول قول المرتهن بيمينه، فيباع في الدين، ولا شيء على الراهن للمقر له. 4872 - قول "المنهاج" [ص 493]: (ولو أعتقه أو باعه وصححناهما أو قتله .. فداه بالأقل، وقيل: القولان) كذا في "أصل الروضة" ترجيح طريقة القطع (¬4)، لكن جزم في البيوع بطريقة القولين، ذكره في بيع العبد الجاني (¬5)، ولم يفصح "التنبيه" و"المنهاج" عن وقت اعتبار القيمة، وقد يتبادر إلى الفهم من عبارتهما اعتبار وقت الجناية، وهو الذي حكاه البغوي عن النص، وقال القفال: ينبغي اعتبارها يوم الفداء؛ لأن ما نقص قبله لا يؤاخذ به السيد، وحمل ¬

_ (¬1) فتح العزيز (7/ 233). (¬2) الحاوي (ص 552)، المنهاج (ص 493). (¬3) الروضة (9/ 140). (¬4) الروضة (9/ 363). (¬5) الروضة (3/ 358).

النص على ما إذا صدر من السيد منع من بيعه حال الجناية ثم نقصت قيمته (¬1)، وعليه مشي "الحاوي" فقال [ص 576]: (بأقل القيمة يوم الفداء). قال شيخنا الإمام البلقيني: وهو متجه، وقضية ذلك: أنه لو حصل من السيد منع وزادت قيمته .. أن النظر إلى وقت الفداء؛ لتعلق حق المجني عليه بالزيادة. 4873 - قول "التنبيه" [ص 228]: (وإن جنى مكاتب؛ فإن كان على أجنبي .. فدي نفسه بأقل الأمرين، وإن كان على مولاه .. فدي بأقل الأمرين في أحد القولين، وبأرش الجناية في الآخر) الأصح: طرد القولين في الأجنبي أيضًا، وأصحهما: فيهما الفداء بأقل الأمرين، إلا إذا أعتقه السيد بعد الجناية وفي يده وفاء .. فالمذهب: القطع بالثاني. 4874 - قوله: (فإن لم يفد .. بيع في الجناية، وانفسخت الكتابة) (¬2) فيه أمران: أحدهما: أن محل بيعه فيها: إذا كانت قيمته قدر أرشها أو أنقص، فإن كانت أزيد .. بيع منه بقدر الجناية، واستمر الباقي مكاتبًا. ثانيهما: ظاهر كلامه أنه لا حاجة إلى تعجيزه، والذي في كتب الرافعي والنووي: أن القاضي يعجّزه بطلب مستحق الأرش (¬3). 4875 - قول "المنهاج" [ص 493]: (ولا يتعلق بذمته مع رقبته في الأظهر) قال في "أصل الروضة": إنهما مستنبطان من قواعد الشافعي رحمه الله، ويقال: وجهان (¬4)، وصرح الإمام بأنهما ليسا منصوصين (¬5). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إن كلام الشافعي في "الأم" يشهد لخلو ذمة العبد عن التعلق بالأرش، ولم أقف على مقابله في كلام الشافعي، وعبر الماوردي عن الخلاف بعبارة أخرى، فقال: في الأرش وجهان: أحدهما: أنه يجب ابتداء في رقبته. والثاني: وجب ابتداء في ذمته ثم انتقل إلى رقبته (¬6)، قال شيخنا المذكور: ويستثني منه: ما لو أقر السيد بأنه جنى على عبد قيمته ألف جناية خطأ، وقال العبد: قيمته ألفان .. فنص في ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (7/ 174). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 228). (¬3) انظر "فتح العزيز" (13/ 521)، و"الروضة" (12/ 262). (¬4) الروضة (9/ 362). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (16/ 455). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (7/ 42).

"الأم" على أنه يلزم العبد بعد العتق القدر الزائد على ما أقر به سيده (¬1)، قال شيخنا: فقد اجتمع في هذه الصورة التعلق بالرقبة والتعلق بالذمة على المذهب، لكن لم يتحد محل التعلق. 4876 - قوله: (ولو جني ثانيًا قبل الفداء .. باعه فيهما أو فداه بالأقل من قيمته والأرشين) (¬2) محله: ما إذا لم يمنع من بيعه مختارًا للفداء، فإن منع .. لزمه أن يفدي كلًّا منهما كما لو كان منفردًا، صرح به الرافعي في الكلام على جناية المستولدة (¬3)، وأسقطه في "الروضة"، ولكن ذكر قبل ذلك: أنه لو امتنع السيد من تسليمه للبيع .. كان مختارًا للفداء (¬4)، وهذا لا يلزم منه ما صرح به الرافعي في الكلام على المستولدة. 4877 - قوله: (ولو اختار الفداء .. فالأصح: أن له الرجوع وتسليمه) (¬5) هو معنى قول "الحاوي" عطفًا على المنفي [ص 577]: (والاختيار) أي: ولا باختياره الفداء؛ فإنه لا يلزمه، وفيه أمور: أحدها: أن محل الخلاف: ما إذا كان العبد حيًا، فإن مات .. فلا رجوع بحال، وقد يقال: لا يرد ذلك على "المنهاج" لقوله: (وتسليمه) ومع الموت لا يمكن التسليم. ثانيها: قال شيخنا الإمام البلقيني: ومحله أيضًا: ما إذا لم تنقص قيمته بعد اختيار الفداء، فإن نقصت .. لم يمكن من الرجوع والاقتصار على تسليم العبد قطعًا؛ لأنه فوت باختياره ذلك القدر من قيمته، فإن قال: أنا أسلمه وأغرم النقص .. قبل. ثالثها: قال شيخنا أيضًا: لو كان يتأخر بيعه تأخرًا يضر بالمجني عليه وللسيد أموال غيره .. فليس له الرجوع قطعًا؛ للضرر الحاصل للمجني عليه بالتأخير. رابعها: عبر في "الروضة" بالصحيح (¬6)، فدل على ضعف مقابله، وهو أولي. 4878 - قولهما: (وإن جنت أم الولد .. فداها المولي بأقل الأمرين) (¬7) زاد "المنهاج": (وقيل: القولان) استثني شيخنا الإمام البلقيني من ذلك: أم ولده التي تباع؛ لأنه استولدها وهي مرهونة رهنًا لازمًا وهو معسرٌ إذا جنت جناية توجب مالًا متعلقًا بالرقبة .. فإنه يقدم حق المجني عليه على المرتهن، فإذا قال الراهن: أنا أفديها على صورة لا يكون فيها موسرًا يسارًا ينفذ به الاستيلاد ¬

_ (¬1) الأم (6/ 27). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 493). (¬3) انظر "فتح العزيز" (10/ 501). (¬4) الروضة (9/ 363). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 493). (¬6) الروضة (9/ 364). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 228)، و "المنهاج" (ص 493).

في حق المرتهن .. فيأتي القولان قطعًا، وإن لم يذكروه؛ لأنه بفدائها مانع للمجني عليه من بيعها، فتصير كالقن، فإذا فداها .. استمرت مرهونة، فإن وفي الدين من غيرها .. نفذ الاستيلاد، وإن بيعت في الدين .. استمر الرق في حق مشتريها، فإن ملكها الراهن .. نفذ الاستيلاد في الأظهر. 4879 - قول "المنهاج" [ص 493]: (وجناياتها كواحدة في الأظهر) هو معنى قول "الحاوي" [ص 577]: (وإن غرم القيمة فجنت .. استرد وَوُزِّع) وليس المراد: استرداد الكل، بل بحسب ما يقتضيه الحال، واستثنى شيخنا الإمام البلقيني من ذلك: أم الولد المرهونة المتقدم ذكرها لو جنت مرة بعد أخرى .. لا نقول: جناياتها كواحدة؛ لأنه يمكن بيعها، بل هي كالقن يجني جناية ثم أخرى قبل الفداء، فيقطع فيها بأن السيد إما أن يسلمها لتباع في الجنايتين، وإما أن يفديها بأقل الأمرين من قيمتها وأرش الجنايتين، ورجح شيخنا المذكور: القول الثاني، وهو: أنه يلزمه لكل جناية فداء، وحكي عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: والقول الثاني أحب إلينا، واختاره المزني والربيع، وصححه البغوي والخوارزمي (¬1)، قال شيخنا: وهو المذهب الجاري على القواعد. * * * ¬

_ (¬1) انظر "مختصر المزني" (ص 247)، و "التهذيب" (7/ 176).

باب ودية الجنين

بابُ ودية الجنين 4880 - قول "التنبيه" [ص 223]: (ودية الجنين غرة) إن: انفصل ميتًا كما صرح به "المنهاج" (¬1) و"الحاوي" بقوله [ص 557]: (لا حياته)، ويدل عليه ذكر "التنبيه" بعد ذلك حكم ما لو ألقته حيًا، والمراد: الجنين المحكوم بحريته وإسلامه كما صرح به "الحاوي"، وقد ذكر "المنهاج" بعد ذلك حكم الرقيق وغير المسلم، وذكر "التنبيه" حكم الرقيق، ويرد عليهما أيضًا: أنه يعتبر أن تكون الأم معصومة حال الجناية، فلو جني على حربية فأسلمت ثم أجهضت .. لم تجب الغرة على الأصح في "الروضة" وأصلها (¬2)، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 557]: (لا حربية فأسلمت وأجهضت). قال في "الروضة" من زيادته: قال البغوي: ويجري الوجهان فيما لو جني السيد على أمته الحامل من غيره فعتقت ثم ألقت الجنين (¬3). قال شيخنا الإمام البلقيني: ومراد البغوي: إذا كان الحمل ملكًا للجاني، فقد لا يكون ملكه؛ بأن يكون من زوج غر بحريتها، أو واطيء بشبهة ظنها حرة، قال شيخنا: لكن نص "الأم" فيما إذا ضرب أحد الشريكين جارية حاملًا من زوج أو زنا ثم أعتقها فأجهضت .. أنه يضمن الغرة الكاملة (¬4)، يقتضي إيجاب الغرة في هاتين الصورتين على الجاني، وهو الذي حكاه الرافعي والنووي في تلك المسألة عن ميل أكثر الناقلين، لكنهما صححا خلافه (¬5)، والنص هو المعتمد اعتبارًا بحال الإجهاض؛ فإنه لا تتحقق الجناية على الجنين إلا به. 4881 - قول "المنهاج" [ص 493]: (إن انفصل ميتًا بجناية في حياتها أو موتها) إن تعلق قوله: (في حياتها أو موتها) بقوله: (انفصل) .. فلا إشكال، وإن تعلق بقوله: (بجناية) .. تناول ما إذا ضرب بطن ميتة فألقته ميتًا، وبه قال القاضي أبو الطيب؛ لأنه قد يبقي في جوف الميتة حيًا، والأصل بقاء الحياة، وهو ظاهر إطلاق "التنبيه" و"الحاوي" أن في الجنين غرة (¬6)، وقال البغوي: لا شيء في هذه الحالة (¬7)، وحكي في "الروضة" المقالتين بلا ترجيح (¬8)، ورجح ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 493). (¬2) فتح العزيز (10/ 513)، الروضة (9/ 371). (¬3) الروضة (9/ 372)، وانظر "التهذيب" (7/ 215). (¬4) الأم (6/ 107). (¬5) انظر "فتح العزيز" (10/ 517)، و"الروضة" (9/ 372، 373). (¬6) التنبيه (ص 223)، الحاوي (ص 557). (¬7) انظر "التهذيب" (7/ 212). (¬8) الروضة (9/ 367، 368).

شيخنا الإمام البلقيني مقالة البغوي؛ لأن الإيجاب لا يكون بالشك، قال: وقول الأول: الأصل بقاء الحياة ممنوع؛ لأنا لم نعلم له حياة حتى نقول: الأصل بقاؤها. 4882 - قول "المنهاج" [ص 493]: (وكذا إن ظهر بلا انفصال في الأصح) يقتضي أن الخلاف وجهان، وكذا في "الروضة" وأصلها (¬1)، وليس كذلك، فالأصح منصوص عليه في "الأم" (¬2). 4883 - قول "التنبيه" [ص 223]: (وإن ألقته حيًا ثم مات .. وجب فيه دية كاملة) كذا أطلق، وقيده "المنهاج" فقال [ص 493]: (أو حيًا وبقي زمنًا بلا ألم ثم مات .. فلا ضمان، وإن مات حين خرج أو دام ألمه ومات .. فدية نفسٍ) ولم يعتبر مع الألم الورم، وهو يشهد لما قدمنا تصحيحه في مسألة الإبرة عن "شرح الوسيط" للنووي. 4884 - قول "التنبيه" [ص 223]: (وإن اختلفا في حياته .. فالقول قول الجاني) اعترض عليه: بأنه ينبغي أن يقول: (العاقلة) لأنهم الغارمون؛ فإن قتل الجنين لا يتصور فيه العمد. 4885 - قول "الحاوي" [ص 557]: (واثنين لبدنين) حكاه في "الروضة" وأصلها عن الإمام والغزالي والبغوي وغيرهم، قال: وحكي الروياني عن نص الشافعي خلافه (¬3)، والنص المذكور في "الأم" في دية الجنين، ولفظه: (وإذا ألقت جنينين يجمعهما شيء من خلق الآدمي .. لم يلزم عاقلته إلا دية جنين واحد، وذلك أن تُلقي بدنين مفترقين في رأسٍ واحدٍ ... إلى آخر كلامه) (¬4) فكيف يعدل عن نص إمام المذهب؟ ! 4886 - قوله: (بدا في بعضه التخطيط) (¬5) يقتضي أنه لا بد من ظهوره، ولا يكتفي بالصورة الخفية التي تختص بمعرفتها القوابل، وليس كذلك كما صرح به "المنهاج" (¬6)، لكن قال شيخنا الإمام البلقيني: إنه خلاف نص الشافعي رضي الله عنه في "الأم" في دية الجنين، ولفظه: (وأقل ما يكون به السقط جنينًا فيه غرة: أن يبين من خلقته شيء يفارق المضغة أو العلقة إصبع أو ظفر أو عين، أو ما بان من خلق ابن آدم) (¬7). 4887 - قول "التنبيه" [ص 223]: (وإن ألقته مضغة وشهد القوابل أنه خلق آدمي .. ففيه ¬

_ (¬1) فتح العزيز (10/ 507)، الروضة (9/ 368). (¬2) الأم (6/ 110). (¬3) فتح العزيز (10/ 508)، الروضة (9/ 368)، وانظر "نهاية المطلب" (16/ 625)، و"الوجيز" (2/ 156)، و"التهذيب" (7/ 212). (¬4) الأم (6/ 108). (¬5) انظر "الحاوي" (ص 557). (¬6) المنهاج (ص 493). (¬7) الأم (6/ 107).

قولان: أحدهما: أنه يجب الغرة، والثاني: لا يجب) الأظهر: الثاني، وهو مفهوم "الحاوي" (¬1)، وعليه مشي "المنهاج"، لكن تعبيره بقوله: (قيل: أو قلن: "لو بقي لتصور") (¬2) يقتضي أنه وجه. 4888 - قول "التنبيه" [ص 223]: (ولا يقبل في الغرة ما له دون سبع سنين) خالفه "المنهاج" و"الحاوي" فاعتبرا التمييز (¬3)، وقد يحصل قبل هذا السن، لكن قال شيخنا الإمام البلقيني: إنه ليس بمعتمد، فلا بد من هذا السن مع التمييز، وقد نص عليه في "الأم" فقال: (ولهم أن يؤدوا الغرة مستغنية بنت سبع أو ثمان، ولا يؤدونها في سن دون هذه السن؛ لأنها لا تستغني بنفسها دون هذا السن، ولا يُخير المولود بين أبويه إلا في هذه السن) (¬4). 4889 - قول "التنبيه" [ص 223]: (ولا يقبل خصي ولا معيب) من ذكر العام بعد الخاص؛ لأن الخصاء عيب؛ فإن المراد: العيب المثبت للرد في البيع كما صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬5)، وذلك يفهم التفصيل في الكافر بين أن يكون مرتدًا أو جارية مجوسية أو وثنية أو غير ذلك، إلا أنه في بلاد الإسلام بحيث تقل الرغبة في الكافر، وتنقص قيمته فلا يجزئ، وبين أن يكون غيره فيجزيء كما ذكروه في الرد بالعيب، لكن في "الروضة" وأصلها: أنه لا يجبر المستحق على قبول الكافر (¬6)، ومقتضاه: اشتراط الإسلام مطلقًا، واستغربه في "المهمات"، وقال: لا أعلم أحدًا ذكره غير الرافعي. 4890 - قول "التنبيه" [ص 223]: (ولا كبير ضعيف) أي: بالهرم؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 557]: (لم يضعف بهرم) و"المنهاج" [ص 493، 494]: (لم يعجز بهرم) وتعبيره بالأصح يقتضي أن الخلاف وجهان، ولشي كذلك؛ فإن الأصح منصوص في "الأم" (¬7)، وأفصح "التنبيه" عن مقابله فقال [ص 223]: (وقيل: لا تقبل الجارية بعد عشرين سنة ولا العبد بعد خمس عشرة سنة) قال النووي: كذا ضبطوه بخمس عشرة؛ وعللوه: بانه لا يدخل على النساء، وكان ينبغي ضبطه بالبلوغ، ولا يقبل من بلغ لدون هذا السن (¬8). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 557). (¬2) المنهاج (ص 493). (¬3) الحاوي (ص 557)، المنهاج (ص 493). (¬4) الأم (6/ 109). (¬5) الحاوي (ص 557)، المنهاج (ص 493). (¬6) فتح العزيز (10/ 522)، الروضة (9/ 376). (¬7) الأم (6/ 109). (¬8) انظر "الروضة" (9/ 376).

4891 - قول "المنهاج" [ص 494]: (ويشترط بلوغها نصف عشر الدية) أي: بلوغ قيمتها؛ ولذلك قال "التنبيه" [ص 223]: (قيمته نصف عشر دية الأب أو عشر دية الأم) و"الحاوي" [ص 557]: (يساوي خمس إبل). 4892 - قول "المنهاج" [ص 494]: (وقيل: لا يشترط، فللفقد قيمتها) يقتضي أنه وجه، وليس كذلك؛ فقد حكاه في "التنبيه" قولًا (¬1)، وكذلك في "الروضة" وأصلها، وعبارته: فإن لم توجد الغرة .. فطريقان، أصحهما: قولان، أظهرهما: يجب خمس من الإبل، والثاني: قيمة الغرة (¬2). 4893 - قول "المنهاج" [ص 494]: (وقيل: إن تعمد .. فعليه) يفهم أن الجناية قد تكون عمدًا محضًا ومع ذلك يجب على العاقلة في الأصح، وليس كذلك، بل الخلاف مبني على تصور العمد في الجناية على الجنين، فالمذهب: أنه لا يتصور، وإنما يكون خطا أو عمد خطأ؛ لأنه لا يتحقق وجوده في حياته حتى يقصد، وعبارة "المحرر": (ولا يكون عمدًا محضًا على ظاهر المذهب) (¬3). 4894 - قوله: (والجنين اليهودي والنصراني الأصح: غرة كثلث غرة مسلم) (¬4) يقتضي أنه وجه، وهو منصوص الشافعي رضي الله عنه. 4895 - قول "المنهاج" [ص 494] و"الحاوي" [ص 558]: (والرقيق عشر قيمة أمه) أحسن من تعبير "التنبيه" [ص 223] بـ (جنين الأمة) فإنه قد يكون حرًا مع كون أمه أمة، فيجب فيه الغرة، لكن ذاك معلوم مما قدمته في وجوب الغرة. 4896 - قولهم: (يوم الجناية) (¬5) قال في " أصل الروضة ": الصحيح المنصوص: تعتبر قيمتها أكثر ما كانت من حين الجناية إلى الإجهاض، والذي صححه الرافعي في "الشرح": قيمة يوم الجناية، لكنه علله: بأن قيمته حينئذ أكمل غالبًا، قال: فإن فرضت زيادة القيمة مع تواصل الآلام .. اعتبرنا تلك الزيادة، ثم قال: وحقيقة هذا الوجه النظر إلى أقصي القيم. انتهى. فلذلك عبر به في "الروضة" (¬6). 4897 - قول "المنهاج" [ص 494]: (لسيدها) كان ينبغي أن يقول: (لسيده) أي: الجنين؛ ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 223). (¬2) فتح العزيز (10/ 523، 524)، الروضة (9/ 376، 377). (¬3) المحرر (ص 416). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 494). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 223)، و"الحاوي" (ص 558)، و"المنهاج" (ص 494). (¬6) فتح العزيز (10/ 515، 516)، الروضة (9/ 372).

فقد يكون لشخص أوصى له به وتكون الأم لآخر، فالبدل لسيده لا لسيدها، وبني "المنهاج" كلامه على الغالب أن الحمل المملوك ملك لمالك الأم. 4898 - قوله: (فإن كانت مقطوعة، والجنين سليم .. قُوِّمت سليمة في الأصح) (¬1) قد يفهم أن النظر للجنين، حتى لو كان مقطوعًا .. قومت الأم مقطوعة، وليس كذلك، فالأصح: أنها تقوم سليمة أيضًا، فلو قال: (وعكسه) .. حصل المقصود، وعبر "الحاوي" عن ذلك بقوله [ص 558]: (لا عكسه) أي: في الصورة لا في المعنى، والمسألة الأولى واردة على إطلاق "التنبيه" أن في جنين الأمة عشر قيمة الأم (¬2). 4899 - قول "المنهاج": (وتحمله العاقلة في الأظهر) مكرر تقدم في الكلام على العاقلة. * * * ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 494). (¬2) التنبيه (ص 223).

باب كفارة القتل

بابُ كفّارة القتل 4900 - قول "الحاوي" [ص 548، 551]: (معقِّب تلفِ معصومٍ يوجب الكفارة في النفس) قد يرد عليه نساء أهل الحرب وصبيانهم؛ فإنه لا كفارة بقتلهم مع تحريمه، وقد صرح به "المنهاج" (¬1)، وأشار إليه "التنبيه" بقوله [ص 229]: (إذا قتل من يحرم قتله لحق الله) فإن تحريم قتل هؤلاء إنما هو لحق المسلمين، وقد يقال: من هو كذلك لا يطلق عليه أنه معصوم؛ ولذلك لا يتعلق به ضمان، وظاهر كلامهم: وجوبها على الفور، وحكي الرافعي عن المتولي: أنها ليست على الفور، وهو المشهور في المذهب كما قال في "الكفاية". ويستثنى من كلامهم: الجلاد إذا جرى على يده قتل بغير حق بأمر الإمام مع جهل الجلاد بالحال .. فلا كفارة عليه كما جزم به في "الروضة" وأصلها في قتل الحامل؛ وعلله: بأنه سيف الإمام وآلة سياسته (¬2). 4901 - قول "المنهاج" [ص 494]: (وإن كان القاتل صبيًا، ومجنونًا) قد يفهم إعتاق الولي عنهما من مالهما، وبه صرح في "أصل الروضة" هنا (¬3)، لكن يخالفه قوله في (الصداق): لو لزم الصبي كفارة قتل فأعتق الولي عنه عبدًا لنفسه .. لم يجز؛ لأنه يتضمن دخوله في ملكه وإعتاقه عنه، وإعتاق عبد الطفل لا يجوز (¬4). 4902 - قوله: (وعامدًا، أو مخطئًا) (¬5) و"التنبيه" [ص 229]: (عمدًا أو خطأ) كان ينبغي أن يذكرا شبه العمد. 4903 - قول "المنهاج" [ص 494]: (ومتسببًا) كان ينبغي أن يذكر الشرط كما فعل "الحاوي" (¬6)، إلا أن يدعي دخوله في السبب بتأويل. 4904 - قول "المنهاج" في المقتول [ص 494]: (وذمي) كان ينبغي ذكر المستأمن أيضًا، وقد دخل في قول "التنبيه" [ص 229]: (من يحرم قتله لحق الله) و"الحاوي" [ص 548]: (بإيمان وأمان)، وقد دخل في عبارتهم الإذن في قتل نفسه، صحت الكفارة بقتله في الأصح، وقد يفهم قول "المنهاج" فيما تقدم: أنه هدر خلافه. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 494). (¬2) فتح العزيز (10/ 274)، الروضة (9/ 228). (¬3) الروضة (9/ 380). (¬4) الروضة (7/ 274). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 494). (¬6) الحاوي (ص 549).

4905 - قول "المنهاج" عطفًا على المنفي [ص 494]: (وباغ) أي: في حالة القتال، وقد يفهم أن الباغي إذا قتل العادل في حالة القتال .. لزمته الكفارة، والأصح: خلافه، فكان ينبغي أن يقول: (وباغ وعادل في القتال) لكن نقل شيخنا الإمام البلقيني عن النص: أنه لا يلزم الباغي الكفارة ولو قتل في غير حالة القتال مع وجود المنعة والتأويل، وسيأتي ذلك في (قتال البغاة). 4906 - قول "التنبيه" [ص 229]: (وإن اجتمع جماعة في قتل رجل واحد .. وجب على كل واحد منهم كفارة، وقبل: فيه قول آخر: أنه يجب عليهم كفارة) يقتضي أن في المسألة طريقين: أحدهما: حاكية لقولين، وأن الراجح: طريقة القطع، والمنقول في "الروضة" وأصلها: أن الخلاف وجهان (¬1)، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 494]: (وعلى كل من الشركاء كفارةٌ في الأصح) لكن قال الماوردي: إن وجوب كفارة على كل واحد هو منصوص الشافعي في كتبه (¬2). 4907 - قول "التنبيه" [ص 229]: (فإن لم يستطع - أي: الصيام - .. ففيه قولان، أحدهما: يطعم ستين مسكينًا كل مسكين مدًا من طعام، والثاني: لا يطعم) الثاني هو الأظهر، وعليه مشي "المنهاج" هنا و"الحاوي" في (كفارة الظهار) (¬3)، وعلى هذا: فلو مات قبل الصوم .. أخرج من تركته لكل يوم مد، لا بطريق البدلية، بل كمن فاته صوم شيء من رمضان. * * * ¬

_ (¬1) فتح العزيز (10/ 536)، الروضة (9/ 381). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 68). (¬3) الحاوي (ص 523)، المنهاج (ص 494).

باب ودعوى الدم والقسامة

بابُ (¬1) ودعوى الدّم والقسامة 4908 - قول "المنهاج" [ص 495]: (يُشترط أن يُفصِّل ما يدعيه من عمدٍ وخطأٍ) كان ينبغي أن يقول: (وشبه عمد). كما ذكره "التنبيه" و"الحاوي" (¬2). 4909 - قولهما: (وانفرادٍ وشركةٍ) (¬3) إن أريد: تفصيل الشركة ببيان عدد الشركاء .. فالأصح: أنه يجب في القتل الموجب للقود، وإن أريد: إطلاقها .. ورد أنه لا خلاف في البيان فيما يوجب الدية؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 665]: (بحصر لا في العمد). 4910 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (فإن أطلق .. استفصله القاضي) (¬4) قد يفهم وجوبه، والذي في "أصل الروضة ": الصحيح المنصوص، وبه قطع الجمهور: يستفصل، وربما وجد في كلام الأئمة ما يشعر بوجوب الاستفصال، وإليه أشار الروياني، وقال الماسرجسي: لا يلزم الحاكم أن يصحح دعواه، ولا يلزمه أن يستمع إلا إلى دعوى محرره، وهذا أصح. انتهى (¬5). وعبارة الشافعي رضي الله عنه: (وينبغي للحاكم) (¬6)، وقال الماوردي: يلزم الحاكم الاستفصال في العمد وشبه العمد، وحكي وجهين في الخطأ، وصحح: أنه يلزمه (¬7). وهل يختص هذا الاستفصال بالدماء؛ لخطرها، أو يتعدي إلى غيرها من الدعاوي؟ قال شيخنا الإمام البلقيني: إنه محتمل، والقياس: الثاني، وظاهر كلامهم: أنه لا يكتفي بكتابة رقعة بالمدعي والدعوي بما فيها، وفيه وجهان في "الكفاية". 4911 - قول "المنهاج" [ص 495]: (فلو قال: "قتله أحدهم" .. لم بحلفهم القاضي في الأصح) لو قال: (لم يسمع الدعوي) .. لكان أولي، مع أنه مفهوم من اشتراط تعيين المدعي عليه، ومن قوله بعده: (ويجريان في دعوي غصب) (¬8) وعبارة "الحاوي" [ص 665]: (على معين) وهو مفهوم من قول "التنبيه" [ص 261]: (وإن ادعى قتلًا .. ذكر القائل). ¬

_ (¬1) في (د): (كتاب). (¬2) التنبيه (ص 261) , الحاوي (ص 665). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 261)، و"المنهاج" (ص 495). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 261)، و"الحاوي" (ص 665)، و"المنهاج" (ص 495). (¬5) الروضة (10/ 4). (¬6) انظر "الأم" (6/ 93). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 36). (¬8) المنهاج (ص 495).

ويستثنى من كلامهم: ما إذا ظهر لوث في حق جماعة .. ففي "أصل الروضة" في أول مسقطات اللوث: أنه لو قال: (القاتل أحدهم ولا أعرفه) .. فلا قسامة، وله تحليفهم، فإن حلفوا إلا واحدًا .. فنكوله يشعر بأنه القاتل، ويكون لوثأ في حقه، فإذا طلب المدعى أن يقسم عليه .. مكن منه على الأصح. انتهى (¬1). فيستفاد من قوله: (وله تحليفهم) سماع الدعوي مع الإيهام؛ فإن التحليف فرع الدعوي، لكن في "المهمات" أن المذكور هناك خلاف الصحيح، وأن الرافعي قلد فيه الغزالي ذاهلًا عما تقدم، والغزالي ممن يصحح سماع الدعوى على غير معين. 4912 - قول "المنهاج" [ص 495]: (ويجريان في دعوي غصبٍ وسرقةٍ وإتلافٍ) ضابطه: أن يكون سبب الدعوي ينفرد به المدعي عليه، فيجهل تعيينه، بخلاف دعوي القرض والبيع وسائر المعاملات؛ لأنها تنشأ بالاختيار. قال شيخنا الإمام البلقيني: ولو نشأت عن معاملة وكيله أو عبده المأذون وماتا، أو صدرت عن مورثه .. احتمل إجراء الخلاف للمعنى، واحتمل ألا يجري؛ لأن أصلها معلوم، قال: ولم أر من تعرض لذلك. 4913 - قوله: (وإنما تسمع من مكلف ملتزم) (¬2) لا يختص ذلك بدعوي الدم، بل يأتي في كل دعوي، وعلى ذلك مشي "الحاوي" (¬3)، وأورد عليه شيخنا الإمام البلقيني أمرين: أحدهما: أن المعاهد ليس بملتزم؛ ولهذا لا يقطع بالسرقة على الأظهر، ولا توقف في سماع دعواه بماله الذي استحقه على مسلم أو ذمي أو مستأمن مثله، ولا في دعواه دم مورثه الذمي والمستأمن. ثانيهما: أن امتناع سماع دعوي الحربي لا يتحقق؛ لأنه إن كان مع استحقاقه لما يدعي من دم ذمي أو معاهد ورثه في حال ذمته، ثم نقض العهد، والتحق بدار الحرب، ثم جاء يطلب مستحقه .. فطلبه لذلك يؤمّنه، فتنتفي الحرابة، وإن كان لأنه لا يستحق شيئًا من ذلك .. فممنوع؛ فقد يستحقه في حال ذمته ثم ينقض العهد ويلتحق بدار الحرب، بل ويستحقه في حرابته، فإذا اقترض حربي من حربي أو اشتري منه ثم أسلم المقترض أو المشتري، أو دخل إلينا بأمان .. فالمنصوص المعتمد: أن دين الحربي باقٍ، ولو اقترض منهم مسلم في دار الحرب شيئًا أو اشتراه ليبعث إليهم ثمنه، أو أعطوه شيئًا ليبيعه بدار الإسلام ويبعث ثمنه إليهم .. لزمه ذلك، ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 12). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 495). (¬3) الحاوي (ص 665).

وحينئذ .. فتسمع دعوى الحربي بذلك، لكنه يصير في أمان بطلب ذلك كما تقدم. وبتقدير تسليم أنه لا يستحق شيئًا من ذلك .. فإخراجه من الدعوي ليس من جهة الالتزام، بل لأنه لم يثبت له حق، وفي "المهمات": أن قول الرافعي والنووي: أنه لا تسمع دعوي حربي (¬1) ذهول عن قواعد مذكورة في السير؛ فقد نصوا هناك على أن الحربي لو دخل إلينا بأمان وأودع عندنا مالًا ثم عاد للاستيطان .. لم ينتقض الأمان فيه على الصحيح، حتى لو كان من ذلك عبد كافر فقتله كافر .. طالبه الحربي بالقصاص أو الدية، وكذا لو أسلم العبد ولم يتفق بيعه فقتله مسلم، ثم ذكر ما تقدم من اقتراض حربي أو مسلم، من حربي شيئًا، وعبارة "التنبيه" [ص 261]: (لا تصح الدعوى إلا من مطلق التصرف فيما يدعيه) وأورد عليه أمور (¬2): أحدها: أنه تسمع دعوي السفيه بالمال الثابت له بسبب الجناية، فإذا آل الأمر إلى القبض .. قبضه الولي كما في "أصل الروضة" في دعوي الدم (¬3)، وهو مقتضي كلام "المنهاج" و"الحاوي"، ونقل ابن الرفعة عن القاضي حسين: أنها لا تسمع. ثانيها: دعوي الرقيق العتق أو تعليقه بصفة أو الاستيلاد أو التدبير .. فالمذهب في زيادة "الروضة" في آخر الباب الأول من (الدعاوي): أنها تسمع. ثالثها: دعوي المرأة النكاح؛ فإنها غير مطلقة التصرف فيه، والمنقول: الصحة إن اقترن بها دعوي حق من حقوق الزوجية؛ كمهر ونفقة وغيرهما، وكذا إن لم تقترن في الأصح. رابعها: دعوي الحسبة فيما تقبل فيه شهادة الحسبة، فيه وجهان حكاهما الرافعي في (الشهادات)، لكن جزم في (الدعاوي) بأنها لا تسمع (¬4)، وهو المعتمد، وإن أوهم كلامه في السرقة خلافه؛ فهو مُأَوَّل. خامسها: دعوي المفلسِ المالَ مسموعة. سادسها: حكي في "التوشيح" عن والده: أنه كان يسمع دعوي كل مستحقي الوقف وإن لم يكن ناظرًا، قال: وفي "تعليقة القاضي الحسين" بعد أن ذكر ما إذا ادعى المدعي أن هذه الدار وقف عليَّ: له أن يجيء كل شهر ويدعي عليه أجرة الدار، فيقول: أستحق عليه كذا وكذا درهمًا ما يكون أجرة مثل تلك الدار. 4914 - قول "المحرر": (ولا تسمع الدعوى على الصبي والمجنون، وتسمع على المحجور ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (11/ 6)، و "الروضة" (10/ 5). (¬2) في (د): (وأورد عليه شيخنا الإمام البلقيني أمور). (¬3) الروضة (10/ 5). (¬4) انظر "فتح العزيز" (11/ 61)، (13، 36).

عليه بالفلس والسفه والرق) (¬1) عدل عنه "المنهاج" إلى قوله [ص 495]: (على مثله) أي: مكلف ملتزم، ولم يتعرض في "الروضة" وأصلها لاشتراط الالتزام في المدعي عليه، وكذا لم يتعرض له "الحاوي"، بل اقتصر على التكليف (¬2). وقال شيخنا الإمام البلقيني: تصح الدعوى على المستأمن وإن لم يكن ملتزمًا، وكذا على الحربي بإتلاف في حال التزامه، ولا تصح الدعوى عليه بإتلاف في حال حرابته. انتهى. ومقتضى كلام "المنهاج": سماع دعوى الدم على السفيه، وبه صرح في "المحرر"، وفيه تفصيل، وهو أنه إن كان هناك لوث .. سمعت، ويقسم المدعي، وإلا؛ فإن ادعى ما يوجب القصاص .. سمعت؛ لأن إقراره به مقبول، وإلا .. سمعت أيضًا، ثم إن قبلنا إقراره بالإتلاف .. حكم عليه إن أقر أو بالبينة، وإلا - وهو الأصح - .. حكم عليه بالبينة إن أنكر، وله أن يحلفه إن قلنا: يمين الرد كالبينة، فربما نكل، وإن قلنا: كالإقرار .. فلا في الأصح، كذا في "الروضة" وأصلها (¬3)، وذكر شيخنا الإمام أمرين: أحدهما: أنا إذا فرعنا على أن إقرار السفيه بالإتلاف لا يقبل .. لم تسمع الدعوى، وقال: إنه قضية البناء المعتبر، ثم قال: ولو قيل: تسمع الدعوى؛ فإن قامت البينة .. فذاك، وإن لم تقم البينة وحلف السفيه .. انقطعت الخصومة، وإن لم يحلف ونكل .. لم ترد اليمين .. لكان له وجه. ثانيهما: أنا إذا جعلنا النكول مع اليمين المردودة كالبينة .. فهو تقديري لا يتعدي إلى ثالث على المشهور، ومال السفيه بمنزلة الثالث، فلا يؤخذ بمجرد البينة التقديرية. 4915 - قول "المنهاج" [ص 495]: (ولو ادعى انفراده بالقتل ثم ادعى على آخر .. لم تُسمع الثانية) أحسن من قول "الحاوي" [ص 665]: (كانفراده بقتل ثم شركة آخر) لتناول الأولى دعواه على آخر انفرادًا، فلو قال "الحاوي": (ثم آخر) .. لتناول الشركة والانفراد، وكان أخصر وأعم كـ "المنهاج". ويستثنى من كلامه: ما إذا صدقه الثاني .. فإنه يؤاخذ بإقراره وتسمع الدعوى عليه على الأصح في "أصل الروضة" (¬4)، ولهذا قال في "الحاوي" [ص 665]: (ويؤاخذ المصدق)، وقد يفهم كلامهما بقاء الدعوى الأولى بحالها، وليس كذلك، فلو لم يقسم على الأول ولم يمض حكم .. لم ¬

_ (¬1) المحرر (ص 418). (¬2) الحاوي (ص 665). (¬3) فتح العزيز (11/ 8)، الروضة (10/ 6). (¬4) الروضة (10/ 7).

يمكن العود إليه، جزم به في "الروضة" وأصلها (¬1)، وسكت عما إذا كان ذلك بعد الحكم وأخذ المال. وقال فيه شيخنا الإمام البلقيني: إن قال: إن الأول ليس قاتلًا .. رد عليه المال، وإن قال: إنهما مشتركان فيه .. فهل يرد القسط فقط، أو نقول: يرتفع ذلك من أصله وتنشأ أقسامه على الاشتراك الذي ادعاه آخرًا؟ هذا موضع تردد، وقياس الباب: الثاني. وفي "أصل الروضة" لو قال: ظلمته بالأخذ .. سئل؛ فإن قال؛ كذبت في الدعوى وليس قاتلًا .. رد المال، وإن قال: أردت أن معتقدي أن المال لا يؤخذ بيمين المدعي .. لم يرده؛ لأن النظر إلى عقيدة الحاكم دون الخصم (¬2). قال شيخنا الإمام البلقيني: فإن مات ولم يسأل .. فالظاهر أن الوارث يرد المال، ولم يتعرضوا له. 4916 - قول "الحاوي" [ص 665]: (وإن فسّر بغيرٍ) أعم من قول "المنهاج" [ص 495]: (أو عمدًا ووصفه بغيره) لتناول الأول ما إذا ذكر خطأ أو شبه عمد وفسره بعمد، وحكم الكل واحد، وقول "المنهاج" [ص 495]: (لم يبطل أصل الدعوى في الأصح) و"الحاوي" [ص 665]: (بقي أصلها) قد يفهم بطلان الوصف، وأنه لا بد من دعوي جديدة، وليس كذلك؛ فالذي في "الروضة" وأصلها: أنه يعتمد تفسيره ويمضي حكمه (¬3)، وكان ينبغي أن يقول "المنهاج": (بطلت الدعوى بالعمد، وبقيت الدعوى بما فسره) و"الحاوي": (بقي أصلها بما فسره). ودخل في عبارة "المنهاج" تفسير العمد بالخطأ وبشبه العمد، وقال شيخنا الإمام البلقيني: الموجود في كلام الأصحاب تخصيص الخلاف بما إذا ادعى العمد ثم فسر بعمد الخطأ، إلا الماوردي؛ فإنه جعل الخلاف في التفسير بالخطأ، وعندي أنه تترتب الثانية على الأولى، فإن منعنا في الأولى .. ففي الثانية أولي، وإن جوزنا في الأولى .. فهنا وجهان؛ لأن العمد قد يلتبس بعمد الخطأ، بخلاف الخطأ المحض، والأصح: أنه يقسم؛ لاشتراكهما في الرجوع من الأغلظ إلى الأخف. ونازع شيخنا فيما إذا ادعى خطأ وفسر بعمد؛ فإنه انتقال من الأدنى إلى الأعلى، ومقتضى إيجاب القصاص على قول في القسامة أو في غير اللوث باليمين المردودة، وذلك شديد المنافاة للخطأ، فيرتب هذا على عكسه، وأولى بألَّا يقسم، قال: ولم يفصلوا بين العارف، فلا يقبل منه ¬

_ (¬1) فتح العزيز (11/ 9)، الروضة (10/ 7). (¬2) الروضة (10/ 7). (¬3) فتح العزيز (11/ 10)، الروضة (10/ 7).

الانتقال إلا إذا ادعى سبق لسان ونحوه، وبين غيره، فيقبل منه، ولا بين أن يذكر تأويًا أو لا، وللنظر فيه مجال بمقتضي النظائر. انتهى. 4917 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وتثبت القسامة في القتل بمحل لوث) (¬1) محله: ما إذا لم يُعرف أن القاتل غير المدعى عليه ببينة أو إقرار أو علم الحاكم، قيده بذلك شيخنا الإمام البلقيني، وهو واضح؛ ويدل له ما ذكره في "الروضة" وأصلها في مسقطات اللوث: أنه لو قامت بينة بعد إقسام المدعي، وحُكْم القاضي بموجب القسامة على أن القاتل غيره .. نقض الحكم واسترد المال (¬2)، ويوافقه قول "الحاوي" [ص 686]: (إنه لو قامت بينة بغيبته .. نقض الحكم بها). 4918 - قول "المنهاج" [ص 495]: (وهو: قرينة لصدق المدعي) أحسن من قول "التنبيه" [ص 266]: (واللوث: أن يوجد القتيل في محلة أعدائه ... إلى آخره) لإيهامه الانحصار فيما ذكر، مع أنه لا ينحصر فيه، ومع ذلك فأورد عليه شيخنا البلقيني: أنه لا يكفي مطلق قرينة لصدق المدعي، بل لا بد فيها من أن يغلب ويوقع في القلب صدقه، وحكي نصوصًا للشافعي توافقه، وكلامًا للماوردي يدل عليه، ويوافقه قول "أصل الروضة": إنه قرينة تثير الظن وتوقع في القلب صدق المدعي (¬3)، و"الحاوي" [ص 685]: (قرينةٌ مغلّبةٌ) ولا يرد ذلك عندي على "المنهاج" فإنها لا تكون قرينة لصدقه إلا مع الغلبة والوقوع في القلب، فأما القرينة المرجوحة إما لضعفها أو لمعارضة ما هو أقوى منها .. فإنها لا تدل على الصدق، فليست قرينة لصدقه، وكلامهم في مسقطات اللوث يدل له، والله أعلم. 4919 - قول "المنهاج" [ص 495]: (بأن وجد قتيل في محلة أو قرية صغيرة لأعدائه) و"الحاوي" [ص 685]: (كقتيل في محلة عدو) فيه أمور: أحدها: وجود بعض القتيل كافٍ إذا تحقق موته، سواء وجد رأسه أو بدنه، أقله أو أكثره، ذكره في "أصل الروضة" قبيل كيفيه القسامة، قال: وإذا وجد بعضه في محلة وبعضه في أخرى .. فللولي أن يعين ويقسم (¬4). ثانيها: أنه يكفي أن يكونوا أعداء لقبيلته كما جري في الأنصار واليهود، ذكره شيخنا الإمام البلقيني، وحكاه عن النص. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 226)، و"الحاوي" (ص 685)، و"المنهاج" (ص 495). (¬2) فتح العزيز (11/ 20)، الروضة (10/ 14). (¬3) الروضة (10/ 10). (¬4) الروضة (10/ 106).

ثالثها: أنه لو وجد بقربها .. كان كذلك كما قاله المتولي، وهذه الثلاثة واردة على "التنبيه" أيضًا. رابعها: اعتبر في "التنبيه" ألَّا يخالطهم غيرهم (¬1)، وقال في "أصل الروضة": الصحيح: أنه ليس بشرط، وإنما يشترط ألَّا يساكنهم غيرهم (¬2)، وتبعه شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" فاستدرك ذلك على "التنبيه" (¬3)، لكنه خالف ذلك في "شرح مسلم"، فحكي عن الشافعي اعتبار ألَّا يخالطهم غيرهم (¬4)، وفي "المهمات": إنه الصواب الذي عليه الفتوي؛ فقد نص عليه الشافعي وذهب إليه جمهور الأصحاب، بل جميعهم إلا الشاذ، ثم بسط ذلك، وكذا قال شيخنا الإمام البلقيني: إنه المذهب المعتمد. ويشترط ألَّا يكون المخالط لهم صديقًا للمقتول، ولا من أهله، فإن كان كذلك .. لم تمتنع القسامة، قاله ابن أبي عصرون في "المرشد" وغيره، وقضية خيبر تدل له؛ فإن أخاه كان معه، فيلحق به ما في معناه، وقال العمراني في "الزوائد": لو لم يدخل ذلك الموضع غير أهله .. لم يشترط فيه العداوة. 4920 - قول "المنهاج" [ص 495]: (أو تفرق عنه جمع) قال شيخنا الإمام البلقيني: إنه كلام ناقص، والموجود في كلام "المختصر": (وكذلك لو دخل نفر بيتًا أو صحراء وحدهم، أو صفين في حرب أو ازدحام في جماعة، فلا يفترقون إلا وقتيل بينهم) (¬5) وهو معنى نص "الأم" و"البويطي" (¬6)، فاعتبر أن يكونوا وحدهم، وجري على ذلك الشيخ أبو حامد وغيره، وزاد الماوردي على ذلك، فقال: أن تدخل جماعة بيتًا أو بستانًا محظورًا ينفردون فيه، ثم قال؛ لأن ما انفردوا فيه من الدار والبستان ممنوع من غيرهم إلا بإذنهم (¬7). ومعني قوله: (محظورًا): أن يكون له حظيرة دائرة تمنع من دخول غير الجماعة من ناحية أخرى، وهو ظاهر نص "البويطي" حيث قال: وكذلك البيت الذي لا منفذ له. انتهى. ولذلك قال "الحاوي" [ص 685]: (أو جمع محصور) وعبارة "التنبيه" [ص 266]: (أو تتفرق جماعة عن قتيل في دار) وقد يقال: إنما احترز "الحاوي" عما إذا تفرقا عنه جمع لا يتصور ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 266). (¬2) الروضة (10/ 11). (¬3) تذكرة النبيه (3/ 519). (¬4) شرح مسلم (11/ 145). (¬5) مختصر المزني (ص 251). (¬6) الأم (6/ 90). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 9).

اجتماعهم على القتيل .. فلا تسمع الدعوى عليهم، وهو الذي ذكره الرافعي في عبارة "الوجيز"، لكن لو ادعى الولي على عدد منهم يتصور اجتماعهم .. قال الرافعي: فينبغي أن تسمع ويمكن من القسامة؛ كما لو ثبت لوث على محصورين فادعى على بعضهم (¬1). 4921 - قول "الحاوي" [ص 685]: (أو صفِّ الخصم المقاتل) محله: ما إذا التحم القتال أو كان يصل سلاح أحد الصفين إلى الآخر رميًا أو طعنًا أو ضربًا، وإلا .. فإنما يكون لوثًا في حق أهل صفه هو؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 495]: (فإن التحم قتالٌ .. فلوثٌ في حق الصف الآخر، وإلا .. في حق أهل صفه) ويرد عليه: ما إذا لم يلتحم ولكن وصل سلاح أحدهما. 4922 - قول "الحاوي" [ص 685]: (أو صحراء برجل بسكين) لم يتعرض تبعًا لـ "الوجيز" لتلطيخها بالدم، وقال الرافعي: لا يبعد ألَّا يشترط، لكن أكثرهم تعرض له (¬2)، ومحله أيضًا: ما إذا لم يكن هناك ما يمكن إحالة القتل عليه من سبع أو غيره، فإن كان .. لا لوث، وعبارة "التنبيه" [ص 266]: (أو يُري القتيل في موضع لا عين فيه ولا أثر، وهناك رجل مخضب بالدم) فاعتبر التلطيخ بالدم، وألَّا يكون هناك غيره، ولا يرد عليه ما أورده ابن يونس في "التنويه" من أن ظاهره التناقض؛ لأن الرجل عين والدم الذي يخضب به أثر؛ لأن المراد: نفي ما عدا ذلك الرجل، ولا يخفى أنه لا بد أن يكون القتيل طريًا. 4923 - قولهما - والعبارة لـ "المنهاج": (وشهادة العدل لوثٌ) (¬3) يقتضي اعتبار صيغة الشهادة عند حاكم بعد دعوي، وليس كذلك؛ ففي "أصل الروضة": سواء تقدمت شهادته على الدعوى أو تأخرت (¬4)، وذكره الرافعي بحثًا، وقال: إن في لفظ "الوجيز" إشعارًا به (¬5). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه مقتضى كلام الشافعي والأصحاب، وفي "المهمات" عن "النهاية" عن الأصحاب أن سبيلها سبيل سائر الشهادات، ثم رأي هو لنفسه ما ذكره الرافعي (¬6)، والاكتفاء بالمتقدم على الدعوى يقتضي أنه لا تعتبر صيغة الشهادة، وممن صرح به الصيدلاني كما نقله شيخنا الإمام البلقيني، وفي "المهمات": أنه حكي وجهين في الاكتفاء بصيغه الخبر، ونقل الرافعي عن "التتمة" حمل كونه لوثًا على ما إذا فرعنا على أن الحكم باليمين والشهادة مرجحة، فإن قلنا: الحكم بالشهادة أو بهما .. لم يكن لوثًا، ولكن يحلف المدعي مع شاهده إلا أنه لا يثبت ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (11/ 17). (¬2) انظر "فتح العزيز" (11/ 17). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 266)، و"المنهاج" (ص 495). (¬4) الروضة (10/ 11). (¬5) فتح العزيز (11/ 17). (¬6) نهاية المطلب (17/ 15، 16).

القصاص، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إذا شهد العدل عند الحاكم على الوجه المعتبر وكان في خطأ أو شبه عمد .. لم يكن لوثًا، صرح به الماوردي (¬1)، وهو ظاهر؛ لأن مقتضي اللوث نقل اليمين إلى جانب المدعي، وهي هنا في جانبه ابتداء، وقول الرافعي: إن شهد العدل الواحد بعد دعوي المدعي .. فاللوث حاصل (¬2) يمكن حمله على العمد المحض؛ لعدم ثبوته بشاهد ويمين، وفي "النهاية" عن الأصحاب: لو أقام شاهدًا واحدًا وأراد أن يقدره لوثًا .. حلف خمسين يمينًا، أو لا .. حلف معه على قياس اليمين مع الشاهد، ثم استشكله: بأنا إن قلنا: يحلف مع الشاهد خمسين يمينًا .. فلا فائدة في هذا التقسيم، وإن قلنا: يمينًا واحدة والقتل خطأ .. فلا معنى لتقسيم إرادته، ويكفيه يمين واحده (¬3)، قال شيخنا: وجوابه: أن فائدة التقسيم أنا عند جعله لوثًا .. لا يحتاج إلى لفظ شهادة ولا تقدم دعوي ولا استدعاء، وإذا لم نجعله لوثًا .. احتجنا إلى ذلك. 4924 - قول "المنهاج" [ص 495]: (وكذا عبيد أو نساء) فيه أمور: أحدها: ظاهره اعتبار صيغة الشهادة، وأصرح منه في ذلك قول "التنبيه" [ص 266]: (أو شهد جماعة من النساء أو العبيد بذلك) مع أنها لا تعتبر في العدل كما تقدم فكيف بالعبد والمرأة. ثانيها: تناول إطلاقهما ما لو جاؤوا مجتمعين، وكذا صححه في "أصل الروضة" (¬4)، وعبارة الرافعي: إنه أقوى، لكنه قال: إن مقابله أشهر (¬5)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه ظاهر نص "الأم" و"المختصر" حيث قال: أو تأتي ببينة متفرقة من المسلمين من نواحي لم يجتمعوا (¬6)، قال: والمعروف عند الأصحاب الجري على اعتبار تفرقهم وهو المذهب، وقول الرافعي: إن مقابله أقوى ممنوع، بل الأقوي لتحصيل الظن المؤكد: اشتراط تفرقهم. انتهى. وفي "المهمات": إن الفتوى على اشتراط تفرقهم، قال: ويشترط أيضًا ألَّا يمضي زمان يمكن فيه اتفاقهم؛ بأن يتفرقوا ثم يخبروا كما حكاه في "البيان" عن أكثر الأصحاب (¬7)، وهو ظاهر. ثالثها: مقتضى عبارتهما: أنه لا يكتفى باثنين، وهو مقتضى عبارة "الروضة" وأصلها، ثم قالا: وفي "التهذيب": أن شهادة عبدين أو امرأتين كشهادة الجمع، وفي "الوجيز": أن ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 12). (¬2) انظر "فتح العزيز" (11/ 17). (¬3) نهاية المطلب (17/ 15، 16). (¬4) الروضة (10/ 11). (¬5) فتح العزيز (11/ 16). (¬6) الأم (6/ 90)، مختصر المزني (ص 251). (¬7) البيان (13/ 237).

القياس أن قول واحد منهم لوث (¬1)، وعليه مشي "الحاوي" فقال [ص 685]: (وقول راو) وفي "النهاية" و"البسيط" عن الأصحاب اعتبار عدد يبعد عن التواطؤ (¬2)، فإن صح ذلك .. تقيد به كلام "التنبيه" و"المنهاج"، وفي "المهمات": إن الحكم ما ذكره البغوي من الاكتفاء باثنين؛ فقد جزم به الماوردي (¬3)، وحكاه عنه في "البحر"، وارتضاه، وجزم به الخوارزمي في "الكافي" ومحمد بن يحيي في "المحيط"، وفي "الذخائر" عن اختيار الإمام: الاكتفاء بواحد. رابعها: لم يصرحا في النساء والعبيد بأن يكونوا ممن تقبل روايتهم، ولا بد منه، وهو مفهوم من قول "المنهاج" بعده [ص 495]: (وقول فسقةٍ وصبيانٍ وكفارٍ لوثٌ في الأصح). ونازع في ذلك شيخنا الامام البلقيني، وقال: الأصح: أنه ليس بلوث، وقال الشيخ أبو محمد: ليس بلوث من الكفار، قال شيخنا: وهذا له تعلق بظاهر النص في التقييد بالمسلمين. انتهى. ويوافقه قول "الحاوي" [ص 685]: (وصبية وفسقة) فلم يذكر الكفار، ولا يقال: هم مندرجون في لفظ الفسقة؛ لمغايرتهم لهم عرفًا، ولا يلزم من قبول مطلق الفسقة قبول الكفار، وأيضًا فالكافر قد يكون عدلًا في دينه. 4925 - قوله: (وإن لم يكن أثر جرحٍ وتخنيقٍ) (¬4) ينبغي حمله على نفي هذين الأثرين بخصوصهما لا على نفي الأثر مطلقًا؛ فإنه لا قسامة إذًا على الصحيح، وحمله صاحب "التعليقة" على العموم، ثم استدرك عليه، وقال البارزي: تبع في ذلك "الوجيز"، والظاهر أن مراده - يعني: الغزالي -: أنه لا يبطل بانتفاء الأثر مطلقًا؛ فإنه قال في "الوسيط": وليس من مبطلات اللوث عندنا ألَّا يكون على القتيل أثر؛ لأن القتل [بالتخنيق] (¬5) ممكن بحيث لا يظهر أثره (¬6)، لكنه خلاف الأصح، وفي "المهمات": أن المذهب المنصوص وقول الجمهور: ثبوت القسامة وإن لم يوجد أثر أصلًا، ثم بسط ذلك. 4926 - قول "التنبيه" [ص 226]: (وإن ادعى أحد الوارثين القتل على واحد في موضع اللوث وكذبه الآخر .. سقط اللوث في أحد القولين، ولم يسقط في الآخر) رجح الرافعي والنووي ¬

_ (¬1) فتح العزيز (11/ 16)، الروضة (10/ 11)، وانظر "الوجيز" (2/ 159)، و "التهذيب" (7/ 225). (¬2) نهاية المطلب (17/ 11). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 12). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 685، 686). (¬5) في جميع النسخ: (بالتحقيق)، والمثبت من "الوسيط". (¬6) الوسيط (6/ 401).

الأول (¬1)، وعليه مشى "الحاوي" فقال عطفًا على المنفي [ص 686]: (وكُذِّب وارثٌ) و"المنهاج" فقال [ص 495]: (بطل اللوث، وفي قولٍ: لا، وقيل: لا يبطل بتكذيب فاسقٍ) ورجح شيخنا الإمام البلقيني الثاني، قال؛ لأن الشافعي رضي الله عنه قطع به في موضع من "الأم" و"المختصر"، واختاره المزني (¬2)، وقدمه الشافعي في كل موضع، وصححه البغوي (¬3)، والدليل يعضده، ثم إن الأول مقيد بقيدين: أحدهما: أن محله فيما إذا لم يثبت اللوث بشاهد واحد في خطأ أو شبه عمد، فإن كان كذلك .. لم يبطل بتكذيب أحدهما قطعًا، ذكره شيخنا الإمام البلقيني، وهو واضح. ثانيهما: محله أيضًا في المعين لا في أهل محلة ونحوهم ثبت في حقهم لوث، فعين أحد الوارثين واحدًا منهم وكذبه الآخر، وعين غيره ولم يكذبه أخوه فيما قال .. فلا يبطل حق الذي كذب من الذي عينه؛ لبقاء أصل اللوث، وانخرامه إنما هو في ذلك المعين الذي تكاذبا فيه، ولاسيما إذا كالن القتل خطأ أو شبه عمد وعاقلة المعينين واحدة كأب وابن، ذكره شيخنا الإمام البلقيني أيضًا، وقال: لا بد منه، والنص يشهد له. 4927 - قول "المنهاج" [ص 495]: (ولو قال أحدهما: "قتله زيد ومجهول") أي: عندي، فلو عبر بقوله: (لا أعرفه) كما عبر به غيره .. لكان أولى. 4928 - قوله: (ولو ظهر لوث بأصل قتلٍ دون عمدٍ وخطأ .. فلا قسامة في الأصح) (¬4) صورته: أن يفصل الدعوى ويظهر اللوث بأصل القتل دون صفته، أو لا يفصل ويحتمل جهالة الدعوى، قال الرافعي: وهذا يدل على أن القسامة على قتل موصوف يستدعي ظهور اللوث في قتل موصوف، وقد يفهم من إطلاق الأصحاب الاكتفاء بظهوره في أصل القتل، وله أن يقسم على القتل الموصوف، قال: وليس ببعيد، وكما لا يعتبر ظهوره فيما يرجع إلى الانفراد والاشتراك لا يعتبر في ظهور العمد والخطأ (¬5). قال شيخنا الإمام البلقيني: وهذا الذي بحثه الرافعي هو الذي يظهر من كلام الشافعي وأصحابه، فمتي ظهر لوث وفصل الولي .. سمعت الدعوى وأقسم بلا خلاف، ومتي لم يفصل .. لم تسمع ولم يقسم على الأصح. 4929 - قول "التنبيه" [ص 267]: (وإن كان الدعوى في طرت. فاليمين على المدعى عليه، ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (11/ 21)، و "الروضة" (10/ 14). (¬2) الأم (6/ 94، 95)، مختصر المزني (ص 252). (¬3) انظر "التهذيب" (7/ 243). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 496). (¬5) انظر "فتح العزيز" (11/ 19).

وفي التغليظ بالعدد قولان) الأظهر: نعم، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 686]: (كسائر أيمان الجراح). 4930 - قول "المنهاج" [ص 496]: (ولا يقسم في إتلاف مال العبد في الأظهر) رجح شيخنا الإمام البلقيني القطع به، وقال: نص في "الأم" و "مختصر المزني" و "البويطي" عليه (¬1)، ولم أقف على مقابله، وحكاه الماوردي عن المحققين (¬2)، وقول "التنبيه" [ص 266]: (ويقضي له بالدية) يفهم مقابله، وقد يقال: بناه على الغالب. 4931 - قول "التنبيه" [ص 266، 267]: (وإن ادعى القتل على رجل مع اللوث وأقر آخر أنه قتله .. لم يسقط حق الولي من القسامة) قال في "الكفاية": أي: إذا لم يطالبه بموجب إقراره، فإن طالبه .. بطل اللوث بالنسبة للأول، ووجب رد ما أخذه منه. 4932 - قول "المنهاج" [ص 496]: (وهي: أن يحلف المدعي على قتلٍ ادعاه خمسين يمينًا) فيه أمران: أحدهما: أورد عليه شيخنا الإمام البلقيني: أنه قد يكون الحالف غير المدعي فيما إذا أوصى للمستولدة سيدها بقيمة عبده وهناك لوث .. فلها الدعوى بذلك على المنصوص المعتمد، وليس لها أن تقسم على الأظهر، وإنما يقسم الوارث، وهذه واردة أيضًا على قول "التنبيه" [ص 266]: (حلف المدير خمسين يمينًا) وقد ذكر "المنهاج" بعد ذلك من يقسم بقوله [ص 496]: (ومن استحق بَدَلَ الدم .. أقسم) وأفصح به "الحاوي" بقوله [ص 685]: (كالوارث ولو في العبد الموصَي بقيمته). ثانيهما: أورد عليه شيخنا أيضًا: الجنين، فيقسم عليه في محل اللوث كما صرح به الماوردي (¬3)، واقتضاه كلام غيره، ولا يسمى هذا قتيلًا، إنما يطلق القتيل على من تحققت فيه الحياة المستقرة، وفيما ذكره شيخنا في ذلك انظر؛ فالأقسام يجيء في قد الملفوف مع أنا لا نتحقق فيه حالة القتل حياة مستقرة، وقد يقال: المراد: تحقق الحياة المستقرة في الجملة، وقد تحققت قبل ذلك، بخلاف الجنين، والله أعلم. 4933 - قول "المنهاج" [ص 496]: (ولا يشترط موالاتها على المذهب) كذا في "الروضة"، ثم قال: وقيل: وجهان، وأخذه من قول الرافعي: وهو الذي أورده أكثرهم (¬4)، وقد يقال: ¬

_ (¬1) الأم (6/ 91)، مختصر المزني (ص 251). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 18). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 24). (¬4) فتح العزيز (11/ 25)، الروضة (10/ 17).

لا يدل ذلك على القطع؛ فلعلهم جزموا بالصحيح، وكان ينبغي أن يقول: (على النص) فإنه منصوص في "الأم" و"المختصر" (¬1)، وذكر في "المطلب" أن مقابله منصوص أيضًا، ونازعه في ذلك شيخنا الإمام البلقيني. 4934 - قوله: (ولو مات .. لم يبن وارثه على الصحيح) (¬2) كان ينبغي أن يقول: (على النص) فإنه منصوص في "الأم" و"المختصر" (¬3). 4935 - قول "التنبيه" [ص 266]: (فإن كان المدعي جماعة .. ففيه قولان، أحدهما: يحلف كلل واحد منهم خمسين يمينًا، والثاني: تقسم عليهم الخمسون على قدر مواريثهم ويجبر الكسر) الثاني هو الأظهر، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، وأورد شيخنا الإمام البلقيني: أن ظاهر العبارة التوزيع بحسب الإرث المحكوم به جزمًا، وليس كذلك، وإنما هو بحسب الإرث المحتمل، فإذا كانت الورثة أبناء وولدًا خنثى .. فلا توزع الخمسين (¬5) بحسب الإرث الناجز، بل يحلف الابن ثلثي الخمسين ويأخذ النصف، ويحلف الخنثى نصف الخمسين ويأخذ الثلث، ويوقف الباقي، قال: والضابط الاحتياط في الطرفين الحلف بالأكثر والأخذ بالأقل، وإليه أشار "الحاوي" بقوله [ص 685]: (الخنثى الأكثر وأخذ الأقل ووُقِف الباقي) وذكر شيخنا أيضًا أن مقابل الأظهر ليس منصوصًا للشافعي، وأن تخريجه ضعيف. 4936 - قول "المنهاج" [ص 496]: (ولو غاب .. حَلَفَ الآخر خمسين وأخذ حصته، وإلا .. صبر للغائب) هو معنى قول "الحاوي" [ص 685]: (والحاضر فُرض حائزًا) قال في "المهمات": إنما يتجه إذا قلنا: إن تكذيب بعض الورثة لا يمنع القسامة، وهو رأي البغوي، فإن قلنا: يمنع - وهو الصحيح - .. تعين انتظارهم؛ لأن توافق الورثة شرط، والبغوي قال ذلك على طريقته، فوافقه الرافعي ذهولًا. قلت: بل إيراد "المهمات" هو الذهول؛ فإن الرافعي قال في توجيه رأي البغوي: أنه لو كان أحد الوارثين صغيرًا أو غائبًا .. كان للبالغ الحاضر أن يقسم مع احتمال التكذيب من الثاني إذا بلغ أو قدم، وقال في توجيه الأصح: وفيما إذا كان صغيرًا أو غائبًا .. لم يوجد التكذيب الجازم للظن، ¬

_ (¬1) الأم (6/ 92)، مختصر المزني (ص 252). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 496). (¬3) الأم (6/ 92)، مختصر المزني (ص 252). (¬4) الحاوي (ص 685)، المنهاج (ص 496). (¬5) تنازعت النسخ بين (يوزع) و (توزع)، واتفقت على (الخمسين)، ولعل صواب العبارة إما: (تُوزعَّ الخمسون)، أو (نُوزِّع الخمسين)، والله أعلم.

فكان كما إذا ادعى ولم يساعد الآخر ولم يكذب .. كان للمدعي أن يقسم. انتهى (¬1). وهو دال على أن حلف البعض مع غيبة الباقي متفق عليه على الرأيين معًا. 4937 - قول "التنبيه" [ص 266]: (فإن لم يكن لوث .. حلف المدعي عليه يمينًا واحدة في أحد القولين، وخمسين يمينًا في الآخر) الأظهر: الثاني، وعليه مشى "الحاوي" و"المنهاج"، لكنه عبر فيها بالمذهب (¬2)، وليس فيها في "الروضة" إلا قولان، لكن في الرافعي طريقة قاطعة بالتعدد أسقطها في "الروضة" (¬3)، ورجحها شيخنا الإمام البلقيني، وعبر "المنهاج" بالمذهب أيضًا في اليمين المردودة على المدعي وعلى المدعي عليه مع لوث واليمين مع شاهد (¬4)، وهو مردود في الأولى والثالثة؛ فليس فيهما إلا قولان. نعم؛ في الثانية طريقان، والأصح فيها: القطع بالتعدد، وبه جزم "التنبيه"، ثم قال [ص 266]: (وإن كانوا جماعة .. ففيه قولان، أحدهما: يحلف كل واحد منهم خمسين يمينًا، والثاني: يقسم عليهم الخمسون على عدد رؤوسهم) والأظهر: الأول، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 686]: (بلا توزيع). 4938 - قول "المنهاج" [ص 496]: (ولو ادعى عمدًا بلوثٍ على ثلاثة حضر أحدهم .. أقسم عليه خمسين وأخذ ثلث الدية، فإن حضر آخر .. أقسم عليه خمسين، وفي قول: خمسًا وعشرين إن لم يكن ذكره في "الأيمان"، وإلا .. فينبغي الاكتفاء بها بناء على صحة القسامة في غيبه المدعى عليه، وهو الأصح) فيه أمور: أحدها: أنه يفهم أن الخلاف في الأقسام على الثاني خمسين أو خمسًا وعشرين قولان، وهو في "الروضة" وجهان، ويقال: قولان (¬5)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إن الأول قول، والثاني وجه. ثانيها: أن عبارته توهم أن قوله: (إن لم يكن ذكره في الأيمان) تقييد للقول الضعيف، وليس كذلك، بل هو متعلق بقوله: (أقسم) وقد رد شيخنا الإمام البلقيني هذا البحث، وقال: إن كان غائبًا في مسافة القضاء على الغائب .. فلا حاجة لإعادة شيء من الأيمان قطعًا، وإن كان فيما دونها .. لم يعتد بما تعلق بالغائب قطعًا، وإن ذكره في الأيمان؛ لعدم تقدم دعوي عليه، وهذا الخلاف المبني عليه إنما هو فيما إذا ادعى عليه ثم غاب عن مجلس الحكم وقت الأيمان، وعبارة ¬

_ (¬1) فتح العزيز (11/ 21، 22)، وانظر "التهذيب" (7/ 241). (¬2) الحاوي (ص 687)، المنهاج (ص 496). (¬3) فتح العزيز (11/ 36)، الروضة (10/ 29). (¬4) المنهاج (ص 496). (¬5) الروضة (10/ 23).

فصل [ما يثبت به موجب القصاص]

"أصل الروضة": أصحهما: نعم كالبينة، ومقتضاه: القطع بسماع البينة في غيبة المدعي عليه، لكن الأصح في "الروضة" في القضاء على الغائب: منعه (¬1). ثالثها: أنكر شيخنا الإمام البلقيني هذا الخلاف المحكي في صحة القسامة في غيبة المدعي عليه، وبتقدير ثبوته فهو ضعيف جدًا ينبغي التعبير عن مقابله بالصحيح. رابعها: أنه لم يفصح عن حكم الثالث إذا حضر، وهو: أنه يقسم عليه خمسين على المرجح، وسبعة عشر على مقابله. 4939 - قوله: (ومن ارتد .. فالأفضل تأخير أقسامه ليُسلم) (¬2) لو عبر بـ (الأولى) كما في "الروضة" وأصلها (¬3) .. لكان أولي، والمراد: ردته بعد موت المجروح، أما لو مات قبلها .. فإنه لا يقسم؛ لأنه لا يرث. فَصْلٌ [ما يثبت به موجب القصاص] 4940 - قول "المنهاج" [ص 497]: (إنما يثبت موجب القصاص بإقرار أو عدلين) أورد على حصره ثبوته بحلف المدعي عند نكول المدعي عليه وبعلم القاضي؛ فإنه جائز في غير حدود الله تعالى على الأظهر. 4941 - قوله: (والمال بذلك أو برجل وامرأتين أو ويمين) (¬4) يرد عليه الأمران المتقدمان، ويقع في بعض النسخ: (أو يمين) بغير واو، ولا بد منها؛ والمراد: جنس اليمين؛ لما تقدم أن الأيمان في الجراح متعددة مطلقًا. 4942 - قوله: (ولو عفا عن القصاص ليقبل للمال رجل وامرأتان .. لم يُقبل في الأصح) (¬5) كان ينبغي أن يقول: (على النص) والمراد: عفو يوجب المال، وقوله: (ليقبل للمال رجل وامرأتان) تصوير، ولا يختص الحكم بأن يكون علة العفو ذلك، وفي معنى ذلك: قبول شاهد ويمين؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 672]: (ولموجب القصاص وإن عُفِيَ رجلين) وهو داخل في قول "التنبيه" [ص 270]: (وإن شهد في قنل العمد شاهد وامرأتان .. لم يثبت القصاص ولا الدية). 4943 - قول "المنهاج" [ص 497]: (ولو شهد هو وهما بهاشمة قبلها إيضاحٌ .. لم يجب ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 18، 23). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 496، 497). (¬3) فتح العزيز (11/ 47)، الروضة (10/ 28). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 497). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 497).

أرشها على المذهب) كذا لا يجب الأرش بشاهد ويمين، وقد تناول ذلك قول "الحاوي" فيما لا يثبت برجل وامرأتين ولا بشاهد ويمين: (وهشم سُبق بإيضاح) (¬1) والمراد: أن يكون ذلك من شخص واحد بجناية واحدة، فلو كان من جانيين أو من جان واحد في مرتين .. ثبت أرش الهاشمة بذلك؛ ففي "أصل الروضة" عن الإمام: لو ادعى أنه أوضح رأسه ثم عاد وهشمه .. فينبغي أن يثبت أرش الهاشمة برجل وامرأتين؛ لأنها لم تتصل بالموضحة ولم تتحد الجناية، قال: ولو ادعى مع القصاص مالًا من جهة لا تتعلق بالقصاص وأقام على الدعوتين رجلًا وامرأتين .. فالمذهب: ثبوت المال، وبه قطع الجمهور (¬2). 4944 - قول "المنهاج" [ص 497]: (فلو قال: "ضربه بسيف فجرحه فمات" .. لم يثبت حتى يقول: "فمات منه" أو "فقتله") يرد على حصره ما لو قال: (فمات مكانه) فقد نص في "المختصر" على أنه يثبت به القتل (¬3)، وحكاه في "أصل الروضة"، ثم قال: وفي لفظ الإمام ما يشعر بنزاع فيه (¬4)، وحكي شيخنا الإمام البلقيني أن لفظ النص في "الأم": أنهر دمه ومات مكانه من ضرْبِهِ (¬5)، قال: وهو أقوى مما نقله المزني، وكأن المزني أخل من "الأم" بقوله: (من ضربه) فأتبعوه من غير تنقيب عليه، فعلي هذا لا يرد ذلك على "المنهاج"، ولا يرد ذلك على "التنبيه" على كل حال؛ لأنه لم يقل: (فجرحه) ولا يمكن مع ذلك ثبوت القتل بقوله: (فمات مكانه)، وأيضًا فالذي لا يثبت مع قوله: (جرحه) بدون قوله: (فمات منه) أو (فقتله) هو القتل، لكن يثبت الجرح، فلو ادعى الولي أنه مات من الجراحة وادعي الجاني أنه مات بسبب آخر ولم يدع الاندمال .. فالأصح: تصديق الولي، فيحلف المستحق خمسين يمينًا، وله القود بشرطه. 4945 - قول "المنهاج" [ص 497]: (ويشترط لموضحةٍ: "ضربه فأوضح عظم رأسه"، وقيل: يكفي: "فأوضح رأسه") تبع فيه "المحرر" فإنه جعله أقوى (¬6)، لكن في "الروضة" وأصلها الجزم بالاكتفاء باللفظ الثاني، ثم قالا: وحكي الإمام والغزالي أنه يشترط التعرض لوضوح العظم، ولا يكفي إطلاق الموضحة؛ فإنها من الإيضاح، وليست مخصوصة بإيضاح العظم، وتنزيل ألفاظ الشاهد على ألفاظ اصطلح عليها الفقهاء لا وجه له. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 673). (¬2) الروضة (10/ 32)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 97). (¬3) مختصر المزني (ص 254). (¬4) الروضة (10/ 32)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 100). (¬5) الأم (6/ 18). (¬6) المحرر (ص 421).

نعم؛ لو كان الشاهد فقيها وعلم القاضي أنه لا يطلقها إلا على ما يوضح العظم .. ففيه تردد للإمام (¬1)، وحكى شيخنا الإمام البلقيني الاكتفاء بذلك عن نص "الأم" و"المختصر" (¬2)، قال: وعليه جري الجمهور، وقول الإمام: إن الإيضاح لفظ اصطلح الفقهاء عليه ممنوع؛ فهو لغوي مشهور أناط به الشرع الأحكام، فهو كصرائح الطلاق يقضي بها مع الاحتمال، فماذا شهد بأنه سرح زوجته .. قضى بطلاقها، وإن كان يحتمل أن يكون سرح رأسها. 4946 - قول "الحاوي" فيما يثبت برجل وامرأتين وشاهد ويمين [ص 672]: (كموضحة عجز عن تعيينها) أي: تعيين موضعها، يثبت به المال وإن لم يثبت القصاص، عد من أفراده، والذي في "الروضة" وأصلها هنا إنما هو تصحيح ثبوت أرش الموضحة في شهادة البينة الكاملة بالإيضاح مع العجز عن تعيين موضعها، لا في شهادة البينة الناقصة لذلك، بل صرح الرافعي في أثناء التوجيه بأنه لا يكتفي بالبينة الناقصة في ذلك لإثبات الإرش، فقال: كما لو شهد رجل وامرأتان على موضحة عمدًا لا يثبت الأرش كما لا يثبت القصاص (¬3). 4947 - قول "المنهاج" [ص 497]: (ويثبت القتل بالسحر بإقرار لا بينة) قد يفهم أنه لا مدخل للبينة في ذلك أصلًا، لكن في "الكفاية": أن ما ينشأ عن السحر قد يثبت بالبينة؛ كان يقول: (سحرته بكذا) فيشهد عدلان من السحرة بعد توبتهما أن هذا الذي أقر أنه سحره به يقتل غالبًا. وقال شيخنا الإمام البلقيني: يضاف إلى الإقرار ما لو قال: أمرضته بسحري ولم يمت به بل بسبب آخر، وحكى عن نص "الأم": أن للمستحق أن يقسم أنه مات منه ويأخذ الدية، ونازع فيما نقله في "الروضة" وأصلها عن نص "المختصر": أنه لوث، وفي قولهما: أنه لا بد من ثبوت أنه بقي متألمًا إلى موته، وقال: إنما يحتاج لذلك إذا قال الساحر: بريء منه، فإن لم يقل: بريء منه .. لم يحتج إلى بينة استمرار الألم به (¬4). 4948 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" هنا -: (ولو شهد لمورثه بجرح قبل اندمال .. لم يقبل، وبعده يقبل) (¬5) أحسن من قول "المنهاج" في (الشهادات) في أمثلة التهمة [ص 569]: (وبجراحة مُوَرِّثِهِ) لشموله ما بعد الاندمال، ولا يخفى أن القبول بعد الاندمال إنما هو من غير الأصول والفروع، فلا معنى لإيراده؛ لوضوحه، فلو شهد قبل الاندمال وهو محجوب عن الإرث بغيره ثم صار وارثًا قبل قضاء القاضي بشهادته .. لم يقض، وإن كان بعده .. لم يُنقض. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (11/ 54)، الروضة (10/ 33)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 101)، و "الوجيز" (2/ 161). (¬2) الأم (6/ 99)، مختصر المزني (ص 254). (¬3) فتح العزيز (11/ 54)، الروضة (10/ 33). (¬4) فتح العزيز (11/ 57)، الروضة (9/ 347، 348)، وانظر "مختصر المزني" (ص 255). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 269)، و"الحاوي" (ص 670)، و"المنهاج" (ص 497).

واستثنى ابن أبي عصرون من منع قبول شهادة الوارث بالجرح قبل الاندمال: ما لو كان على المجروح دين يستغرق أرش الجراحة ولا مال له؛ لانتفاء التهمة حينئذ، وهو مردود؛ لأن الدين لا يمنع الإرث؛ ولأن صاحب الدين قد يبريء منه. 4949 - قول "التنبيه" [ص 270]: (وإن شهد الوارث للموروث في المرض - أي: بمال - لم يقبل، وقيل: يقبل) الأصح: القبول، وهو الذي في "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، ووقع في "شرح ابن يونس" بعد قول "التنبيه": (في المرض ثم برى) وليس ذلك في النسخ المشهورة، ولا هو في "الكفاية"، واعترضه صاحب "التنويه": بأنه لا فرق بين أن يبرأ من ذلك المرض أم لا، قال: ولم يذكره في "المهذب" ولا مشاهير الكتب. 4950 - قول "التنبيه" [ص 270]: (ولا تقبل شهادة الدافع عن نفسه ضررًا؛ كشهادة العاقلة على شهود القتل بالفسق) محله: في غير العمد؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 670]: (والعاقلة بفسق شهود الخطأ)، ولو قالا كـ "المنهاج" [ص 497]: (بفسق شهود قتل يحملونه) .. لكان أحسن؛ ليتناول شبه العمد، وقد أطلق "المنهاج" في الشهادات كـ "التنبيه" (¬2)، فلو كان الشاهدان من فقراء العاقلة .. فالنص: ردها، أو من أباعدهم وفي الأقربين وفاء .. فالنص: قبولها، فقيل: قولان فيهما، والمذهب: تقريرهما؛ لأن الغِنَي غير مستبعد، وموت القريب مستبعد؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 670]: (ولو فقراء لا أباعد) فإن أراد "المنهاج": الحمل بالفعل .. ورد عليه الفقراء، أو بالقوة .. ورد عليه الأباعد. 4951 - قول "المنهاج" [ص 497]: (ولو شهد اثنان على اثنين بقتله؛ فإن صدق الولي الأولين .. حكم بهما) اعترض عليه شيخنا الإمام البلقيني: بأنه لا يتوقف الحكم بهما على تصديق الولي؛ لصدور شهادتهما في محلها، واستدل لذلك بقوله في "الأم": وإن ادعوا - أي: الأولياء - شهادتهما، فشهدا قبل أن يشهد الآخر؛ إن قبلت شهادتهما، وجعلت المشهود عليهما اللذين شهدا بعد ما شهد عليهما بالقتل دافعين عن أنفسهما بشهادتهما، وأبطلت شهادتهما (¬3). وفي "أصل الروضة": أنه اعترض على تصوير المسألة: بأن الشهادة لا تسمع إلا بعد تقدم دعوي على معين، وأنه أجيب عنه بجوابين ضعفهما، وثالث قاله الجمهور: أن صورتها: أن يدعي الولي القتل على رجلين ويشهد له اثنان، فيبادر المشهود عليهما، فيشهدان على الشاهدين بأنهما القاتلان، وذلك يورث ريبة للحاكم، فيراجع الولي ويسأله احتياطًا، ثم ذكر له تصويرًا ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 670)، المنهاج (ص 497). (¬2) المنهاج (ص 569). (¬3) الأم (6/ 19).

آخر، وهو: أن يكون المدعي وكيل الولي، ولم يعين له أحدًا - ويفرع على الأصح في التوكيل في الخصومة من غير بيان الخصم - فللولي الدعوى على الشاهدين اللذين استشهد بهما الوكيل، لكن لا تقبل عليهما شهادة الخصمين اللذين ادعى الوكيل عليهما؛ للتهمة (¬1). 4952 - قول "التنبيه" [ص 266]: (فإن شهد شاهد أنه قتله بسيف وشهد آخر أنه قتله بعصا .. فقد قيل: هو لوث، وقيل: ليس بلوث) الأصح: الثاني، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 686]: (لا إن تكاذب شاهدان بآلة وزمن ووصفٍ) و"المنهاج" فقال [ص 498]: (ولو اختلف شاهدان في زمان أو مكان أو آلة أو هيْئَة .. لغت، وقيل: لوث) ومقتضاه: أن المرجوح وجه، والذي في كلام الرافعي ثلاث طرق: القطع باللوث (¬2)، والقطع بعدمه، والأعدل قولان، أصحهما على ما في الكتاب و"التهذيب": ليس بلوث، وعبارة "الروضة": لا يكون لوثًا على المذهب (¬3). * * * ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 35، 36). (¬2) فتح العزيز (11/ 65)، وانظر "الوجيز" (2/ 162)، و"التهذيب" (7/ 257). (¬3) الروضة (10/ 39).

كتاب البغاة

كتابُ البُغاة 4953 - قول "المنهاج" [ص 499]: (هم مخالفو الإمام) و"الحاوي" [ص 580]: (فرقة خالفت الإمام) و"التنبيه" [ص 229]: (إذا خرج على الإمام طائفة) قيده في "الروضة" وأصلها بإمام العدل، ويؤخذ ذلك من تعريفه (¬1)، وكذا قيده الشافعي في "الأم" و، "المختصر" (¬2)، لكن في "الكفاية" عن القفال: أنه لا فرق في ذلك بين العادل والجائر، ويوافقه قول النووي في "شرح مسلم": إن الخروج عليهم وقتالهم حرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين (¬3). وادعاء الإجماع مردود؛ لخروج الحسين على يزيد بن معاوية، وابن الزبير على عبد الملك بن مروان، ومع كل منهما خلق كثير من السلف، والمختار: التفصيل بين أن يمكن خلع الجائر بلا حرب كثير ولا فتنة عظيمة، فيجوز، بل يجب، وبين ألَّا يمكن ذلك إلا بحرب كثير وفتنة عظيمة، ففيه توقف، ومال شيخنا الإمام البلقيني في هذه الحالة الثانية إلى أنه إن كانت المفاسد الصادرة منه ومن أتباعه تربو على الفتنة .. ففيه احتمال، والأرجح: جواز الخروج عليه، بل استحبابه، وإن كانت المفسدة في الفتنة والحرب أعظم .. فيقوي الاحتمال هنا، وعلى الأرجح: الأولى ألَّا يفعل. 4954 - قول "المنهاج" [ص 499]: (بخروج عليه وترك الانقياد أو منع حق توجه عليهم) تفصيل لمخالفته وبيان لها، فالمخالفة بأحد أمرين: إما الخروج عليه، وهو الذي عبر "التنبيه" عنه بقوله [ص 229]: (ورامت خلعه) وإما منع حق من غير خلع له، وقد ذكره "التنبيه" بقوله [ص 229]: (أو منعت الزكاة أو حقًا توجه عليها) وهو من ذكر العام بعد الخاص، ولكون هذا الكلام ليس فيه احتراز عن شيء ولا زيادة قيد لم يذكره "الحاوي". وأورد شيخنا الإمام البلقيني أن من صور البغاة التي لم تتناولها عبارتهم: الفرقتين من المؤمنين اللتين اقتتلتا فاصلح بينهما المؤمنون غيرهما ثم بغت إحداهما على الأخرى، وقد نص عليها الشافعي في "الأم" و"المختصر" (¬4). قلت: قد اندرجت هذه الصورة في مخالفة الإمام؛ فإن من الأمور التي يحمل الإمام الناس ¬

_ (¬1) فتح العزيز (11/ 69)، الروضة (10/ 50). (¬2) الأم (4/ 216)، مختصر المزني (ص 256). (¬3) شرح مسلم (12/ 229). (¬4) الأم (4/ 214)، مختصر المزني (ص 255).

عليها ألَّا يمكن أحدًا من سل سيفه على أحد، واستيفاء أمور الدماء من متعلقات الإمام ليست للآحاد، فهذه الفرقة وإن لم تخرج على الإمام فقد منعت حقًا توجه عليها، وهو كف أيديهم عن إخوانهم إلا بعد الرفع للإمام، فلا يرد، واعتبر "التنبيه" في البغاة أن يكونوا مسلمين (¬1)، وكذا قال "الحاوي" [ص 580]: (لا المرتد) لكن قال في "التنبيه" في قتل المرتد [ص 231]: (وإن امتنع بالحرب وأتلف .. ففيه قولان كأهل البغي) ومقتضاه: تصحيح عدم الضمان في المتلف وقت الحرب، ولم يعترضه النووي في "تصحيحه"، وحكاه في "الروضة" عن بعضهم (¬2)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه المذهب المعتمد، لكن حكي ابن الرفعة عن الجمهور تصحيح الوجوب، وصححه في "المهمات"، وقال شيخنا الإمام البلقيني: يخرج من كلام الرافعي ثلاث طرق: قولان، والقطع بالتضمين وعدمه، ومن كلام غيره طريق رابع، وهي: أن فيهم قولين غير قولي البغاة، وأصحهما: الضمان، وإذا قلنا: إنهم كالبغاة .. فليس ذلك مطلقًا، وإنما هو بالنسبة إلى ضمان الإتلاف، وأيضًا فإن المرتدين لا تأويل لهم. 4955 - قول "المنهاج" [ص 499]: (بشرط شوكة لهم) قيدها "الحاوي" بقوله [ص 580]: (يمكنها مقاومته) والظاهر أنه بيان للشوكة لا قيد فيها، فمتي لم يمكنها مقاومته .. لا يكون شوكة؛ ولهذا قال شيخنا الإمام البلقيني: إن تعبير "المنهاج" لا يعرف منه المقصود، وفي "المحرر": (أن يكون لهم عدد وشوكة بحيث يحتاج الإمام في ردهم إلى الطاعة إلى عدد من الرجال ونصب قتال) (¬3)، ولم يصرح "التنبيه" بهذه اللفظة، بل اكتفي بقوله [ص 229]: (وامتنعوا بالحرب)، والمقصود لا يختلف، ولم يعتبر "التنبيه" غير ذلك، وزاد "المنهاج" [ص 499]: (أن يكون لهم تأويل) لكنه ذكر بعد ذلك أنه إذا لم يكن لهم تأويل .. فهم كالبغاة (¬4). وفي "أصل الروضة": أن في ضمان ما أتلفوه طريقين: أحدهما: الوجوب قطعًا، وأصحهما: طرد القولين كالباغي (¬5)، وقيد "الحاوي" التأويل بأن يكون باطلًا ظنًا (¬6)، ليخرج المقطوع ببطلانه؛ كالمرتد ومانع حق الشرع والخوارج، والمراد: الحق المقطوع به كالزكاة اليوم؛ فإن المانع لها معاند لا تأويل له. وقال شيخنا الإمام البلقيني: الذي يظهر من كلام الشافعي إطلاق التأويل، وهو الأرجح. ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 229). (¬2) الروضة (10/ 57). (¬3) المحرر (ص 422). (¬4) المنهاج (ص 499). (¬5) الروضة (10/ 56، 57). (¬6) الحاوي (ص 580).

4956 - قول "المنهاج" [ص 499] و"الحاوي" [ص 580]: (ومطاع فيهم) حكاه الرافعي عن الإمام أنه قال: يجب القطع بأن الشوكة لا تحصل إذا لم يكن لهم متبوع مطاع؛ فإن رجال النجدة وإن كثروا .. فلا قوة لهم ولا شوكة إذا لم يصدروا ولم يجتمعوا على رأي. انتهى (¬1). ومقتضاه: أن المطاع شرط لحصول الشوكة، وليس شرطًا آخر غير الشوكة. 4957 - قول "المنهاج" [ص 499]: (قيل: وإمام منصوب) يقتضي أنه وجه، وقيل: إنه قول، وعبارة "أصل الروضة": وجهان، ويقال: قو لان، أصحهما عند الأكثرين: لا يشترط (¬2)، وأسقط من كلام الرافعي: أن الجديد: الاشتراط، وإليه ميل صاحبي "التهذيب" و"التتمة" (¬3). وقال شيخنا الإمام البلقيني: ذكر الشافعي الإمام مرة، وسكت عنه أخرى، وهو عندنا محمول على أن الفرقة التي تريد خلعه لا بد فيها من إمام، والتي تمنع حقا لا يحتاج فيها لإمام، ولم أر من حرره كذلك. 4958 - قول "المنهاج" [ص 499]: (ولو أظهر قومٌ رَأْيَ الخوارج - كترك الجماعات وتكفير ذي كبيرة - ولم يقاتلوا .. تركوا، وإلا .. فقطاع طريق) أي: وإن قاتلوا .. فقطاع طريق، وهو مفهوم قول "التنبيه" [ص 230]: (وإن أظهر قوم رأي الخوارج ولم يتعرضوا لذلك بحرب .. لم يتعرض لهم) ويوافقه إطلاق "الحاوي" أن الخوارج ليسوا بغاة (¬4). ويرد على الحالة الأولى: أن القاضي الحسين نقل عن الأصحاب: أنه إنما لا يتعرض لهم إذا لم يكن على المسلمين ضرر منهم، وإلا .. فيتعرض لهم حتى يزيل ذلك عن المسلمين، وعلى الحالة الثانية: أن شيخنا الإمام البلقيني قال: إن كونهم قطاع طريق انفرد به البغوي والمتولي (¬5)، وهو طريق حكاه القاضي حسين، ومذهب الشافعي أن الخوارج إذا تأولوا وقامت لهم الشوكة ونصبوا إمامًا ولم نجعلهم مرتدين وقاتلوا .. أن لهم حكم البغاة، وكلامه في "الأم" و"المختصر" يدل عليه (¬6)، وجرى عليه الشيخ أبو حامد وأتباعه. 4959 - قول "التنبيه" [ص 230]: (فإن ولوا قاضيًا .. نفذ من حكمه ما ينفذ من حكم الجماعة) و"الحاوي" [ص 580]: (وفي الشهادة والقضاء كالعدل) محله: فيما لم يستحل ¬

_ (¬1) فتح العزيز (11/ 81)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 127). (¬2) الروضة (10/ 52). (¬3) فتح العزيز (11/ 81)، وانظر "التهذيب" (7/ 279). (¬4) الحاوي (ص 580). (¬5) انظر "التهذيب" (7/ 280). (¬6) الأم (4/ 217)، مختصر المزني (ص 257).

دماءنا، فإن استحلها .. لم تقبل شهادته، ولم ينفذ قضاؤه، وقد صرح بذلك "المنهاج" (¬1)، والاستثناء في كلامه عائد لمسألتي الشاهد والقاضي، وأورد عليه شيخنا الإمام البلقيني: أنه أطلق قبول شهادة البغاة، وفصل في قضاء قاضيهم، فجعل الاستثناء متعلقًا بالأخيرة فقط، وهو خلاف قاعدتنا، ويشترط أيضًا مع عدم استحلاله دماء أهل العدل: ألَّا يكون خطابيًا وهم صنف من الروافض يشهدون بالزور ويقضون به لموافقيهم، فمتى كان منهم .. لم تقبل شهادته، ولم ينفذ قضاؤه لموافقيه، ونازع شيخنا الإمام البلقيني في الشرط الأول، وقال: المذهب المعتمد: نفوذ قضاء قاضيهم ولو كان ممن يستحل دماء أهل العدل بالتأويل، وإنما يمتنع حكمه على أهل العدل إذا كان ممن يستحل الحكم عليهم بالباطل؛ ليتوصل بذلك إلى إراقة دم العادل وإتلاف ماله ونحوهما. 4960 - قول "المنهاج" [ص 499]: (ويحكم بكتابه بسماع البينة في الأصح) يقتضي أن الخلاف وجهان، وكذا في "المحرر" (¬2)، لكن في "الروضة" وأصلها أنه قولان، وفي "أصل الروضة" أيضًا: لو ورد من قاضي البغاة كتاب على قاضينا ولم يعلم أنه ممن يستحل دماء أهل العدل أم لا .. ففي قبوله والعمل به قولان، حكاهما ابن كج، قال: واختيار الشافعي منهما المنع (¬3). وقال شيخنا الإمام البلقيني: محل قبول قضاء قاضيهم وكتابه في الفرقة التي خلعت الإمام ونصبت غيره، فأما الأخرى .. فلا قاضي لها ينفذ حكمه ولا يعمل بكتابه. 4961 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ولو أقاموا حدًا وأخذوا زكاة وخراجًا وفرقوا سهم المرتزقة على جندهم .. صح) (¬4) قيده شيخنا الإمام البلقيني بقيدين: أحدهما: أن محله: في إمام الفرقة الباغية، فأما آحاد رعيته التي لم يجعل له ذلك، أو الفرقة التي منعت واجبًا عليها من غير خروج على الإمام .. فلا يقع شيء من هذا الموقع بفعلها؛ ولهذا عبر [الشافعي] (¬5) بإمامهم (¬6). ثانيهما: أن محله: في الزكاة ما إذا كانت غير معجلة، أو كانت معجلة لكن استمرت شوكتهم حتى وجبت، فلو زالت شوكتهم قبل الوجوب .. لم يقع ما تعجلوه موقعه؛ لأن وقت الوجوب لم ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 499). (¬2) المحرر (ص 422). (¬3) فتح العزيز (11/ 83)، الروضة (10/ 54). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 230)، و "الحاوي" (ص 580)، و "المنهاج" (ص 499). (¬5) في (ب)، (ج): (الحاوي). (¬6) انظر "الأم" (4/ 220).

يكونوا أهلًا للأخذ، قال: ولم أر من تعرض لذلك، وقد أشار الشافعي رضي الله عنه إليه بقوله: بصدقة عامة (¬1). 4962 - قول "التنبيه" [ص 230]: (فإن ادعى من عليه زكاة أنه دفع الزكاة عليهم .. قُبل قوله مع يمينه، وقيل: يحلف مستحبًا، وقيل: يحلف واجبًا) الأصح: الأول، وهو خلاف ظاهر قول "المنهاج" [ص 500]: (صدق بيمينه) وينبغي حذف الواو من (قيل) الأولى، أو جعلها فاء، ونص في "الأم" على أن تحليفه عند الارتياب به (¬2). 4963 - قول "التنبيه" [ص 230]: (وإن ادعى من عليه خراج أنه دفعه إليهم .. فقد قيل: بقبل قوله، وقيل: لا يقبل) الثاني هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" (¬3)، ومحل الخلاف: في المسلم، أما الكافر .. فلا يقبل فيه قوله كما صرح به الماوردي (¬4)، ثم لا يخفي أن المراد: الدفع إلى إمامهم أو من فوض إمامهم إليه ذلك. 4964 - قول "المنهاج" [ص 500]: (ويصدق في حد إلا أن يثبت ببينة، ولا أثر له في البدن) حكاه في "أصل الروضة" عن المتولي (¬5). قال شيخنا الإمام البلقيني: وهو ضعيف؛ فإن الأثر لم يتعين أن يكون من الحد، فلا يصدق إذا ثبت ببينة إلا أن يقيم بينة على استيفائه. 4965 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وما أتلفه باغ على عادل وعكسه إن لم يكن في قتال .. ضمن، وإلا .. فلا، وفي قول: يضمن باغ) (¬6) فيه أمور: أحدها: نازع شيخنا الإمام البلقيني في ضمان الباغي ما أتلفه على العدل في غير القتال، وقال: إن مذهب الشافعي المنصوص عليه في كتبه: أن الذي تتلفه البغاة على أهل العدل مع قيام شوكة البغاة وتأويلهم ونصبهم الإمام من دم ومال على التاويل لا يجب عليهم ضمان شيء منه وإن لم يكن في حال القتال، وإنما الذين يعتبر في عدم ضمانهم أن يكون الإتلاف في حال القتال هم أهل العدل أو البغاة المانعون للحق، ثم بسط وذكر أن كلام "التنبيه" موافق له، فإنه قيد إتلاف أهل العدل بحال الحرب، ولم يقيد إتلاف أهل البغي بذلك، لكن شارحه ابن الرفعة قيده بذلك، وقال: لو أتلف كل من الفريقين على الآخر شيئًا في غير القتال .. ضمنوه وجهًا واحدًا. ¬

_ (¬1) انظر "الأم" (4/ 220). (¬2) الأم (4/ 220). (¬3) المنهاج (ص 500). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 133، 134). (¬5) الروضة (10/ 55). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 230)، و"الحاوي" (ص 580)، و"المنهاج" (ص 499).

ثانيها: قال الإمام: القولان فيما أتلف بسبب القتال وتولد منه هلاكه، فلو أتلف في القتال ما ليس من ضرورة القتال .. وجب ضمانه قطعًا كالمتلف قبل القتال، حكاه عنه في "أصل الروضة"، وأقره (¬1)، وذكر نحوه أبو الفرج الزاز في "تعليقه"، حكاه عنه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: إنه ظاهر، لكنه حمله على العادل والباغي مانع الحق دون الباغي الذي خلع الإمام ونصب غيره؛ فإنه لا ضمان عليه عنده مطلقًا كما تقدم. ثالثها: ظاهره طرد القول بضمان الباغي في القصاص، وهو المصحح في "الروضة" وأصلها (¬2)، وفيه طريقة قاطعة بإسقاط القصاص، صححها شيخنا الإمام البلقيني. رابعها: يستثني من إطلاقه: ما لو أتلف الباغي على العادل بُضْع أمته بالوطء .. ففي "أصل الروضة": أنه يلزمه الحد، فإن أولدها .. فالولد رقيق غير نسيب، وإن كانت مكرهة .. فهل يجب المهر؟ قيل: فيه القولان في ضمان المال، وقال البغوي: ينبغي أن يجب قطعًا كما لو أتلف المأخوذ بعد الانهزام (¬3). ومنع شيخنا الإمام البلقيني لزوم الحد، وكون الولد رقيقًا غير نسيب في المتأول الذي يعتقد حل الوطء، قال: وتخريج ذلك على القولين في ضمان المال متعقب؛ لأن محلهما على طريقتهم فيما تلف حال القتال بمقتضي الضرورة، ويعتبر على طريقتنا التأويل مع الشوكة. انتهى. والحق أن ذلك لا يرد؛ لأن إتلاف البضع بالوطء لا تعلق له بالقتال، والكلام إنما هو فيه. 4966 - قول "المنهاج" [ص 499]: (وعكسه - أي: ذو الشوكة بلا تأويل - كباغ) أي: فلا يضمن في الأظهر، وقال شيخنا الإمام البلقيني: انفرد به الإمام والغزالي، وهو مخالف لنصوص الشافعي والأصحاب في الطريقين أنه ضامن كقطاع الطريق (¬4). 4967 - قولهما - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ولا يقاتل البغاة حتى يبعث إليهم أمينًا) إلى أن قال: (فإن أصروا .. نصحهم ثم آذنهم بالقتال) (¬5) أهمل من "الروضة" وأصلها بعد النصح وقبل الإيذان بالقتال دعاءهم إلى المناظرة (¬6)، وأجمل "الحاوي" ذلك بقوله [ص 580]: (ونُقدِّم النذير). 4968 - قول "المنهاج" [ص 499]: (ولا يقاتل مدبرهم ولا مثخنهم وأسيرهم) لو قال: (لا ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 56)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 136). (¬2) فتح العزيز (11/ 86)، الروضة (10/ 55). (¬3) الروضة (10/ 56)، وانظر "التهذيب" (7/ 282). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (17/ 131، 132)، و "الوجيز" (2/ 164). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 229)، و "المنهاج" (ص 499). (¬6) فتح العزيز (11/ 90)، الروضة (10/ 57).

يقتل) .. لكان أحسن، وقد عبر "المحرر" في الأولى بالقتال، وفي الآخرين بالقتل (¬1)، وقد يتجه في المدبر المقاتلة بخلاف المثخن والأسير، واستعمال قاتل هنا؛ كعاقبت اللص وطارقت النعل ونحوهما غير معروف، والذي ورد في الأثر: "لا يتبع مدبرهم" (¬2)، وفي رواية: "لا يقتل مدبرهم" (¬3)، وبذلك عبر الشافعي وأصحابه (¬4)، وعبارة "التنبيه" [ص 229]: (ولا يتبع في الحرب مدبرهم، ولا يذفف على جريحهم) و"الحاوي" [ص 580]: (ولا يَتْبَعُ المدبر) والمراد: المدبر غير متحرف لقتال أو متحيز إلى فئة قريبة، فإن كان إلى فئة بعيدة .. فلا يتبع في الأصح، وقد يقال: هذا ليس بمدبر، وكما لا يقتل مدبرهم لا يقتل من ألقي سلاحه وأعرض عن القتال، وقد يفهم من منع قتل هؤلاء وجوب القصاص بقتلهم، وفي الرافعي في قتل الأسير وجهان، وصحح النووي: أنه لا قصاص (¬5)، ونص عليه في "البويطي" كما حكاه الروياني في "البحر". 4969 - قول "التنبيه" [ص 229]: (وإن أسر منهم رجلًا .. حبسه إلى أن تنقضي الحرب) اعتبر في "المنهاج" مع انقضاء الحرب تفرق جمعهم (¬6)، وزاد "الحاوي" على ذلك: أن يؤمن اجتماعهم ولا يتوقع عودهم فقال [ص 580]: (إن أُمِنْ) وفي ذلك وجهان، وعبارة "أصل الروضة": فإن توقع عودهم .. ففي الإطلاق الوجهان السابقان؛ أي: فيما لو بطلت شوكتهم في الحال ولم يؤمن اجتماعهم في المال (¬7)، ورجح شيخنا الإمام البلقيني أنه لا يطلق حتى يؤمن اجتماعهم أخذًا بالاحتياط، قال: ويدل له ما ذكروه في رد السلاح والخيل من اعتبار أمن غائلتهم بعودهم إلى الطاعة أو تفرق شملهم، وقال الرافعي هنا: وهو وقت إطلاق الأسرى (¬8)، وأسقطه في "الروضة"، وهو صريح في أن وقتهما واحد. 4970 - قول "التنبيه" [ص 230]: (وإن أسر امرأة أو صبيًا .. خلاه على المنصوص، وقيل: يحبس) الأصح: حبسهما أيضًا إلى انقضاء الحرب، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 581]: (وغيرًا كالنساء بعد الحرب) وهو الذي في "المحرر" و"الروضة" وأصلها (¬9)، لكن خالف في "المنهاج" فجعلهما كغيرهما في أنه لا يكتفى في إطلاقهما بانقضاء الحرب، بل لا بد من تفرق ¬

_ (¬1) المحرر (ص 423). (¬2) أخرجه الحاكم (2662)، والبيهقي في "الكبرى" (16532). (¬3) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (16523). (¬4) انظر "الأم" (4/ 216). (¬5) فتح العزيز (11/ 91)، الروضة (10/ 58). (¬6) المنهاج (ص 499). (¬7) الروضة (10/ 59). (¬8) انظر "فتح العزيز" (11/ 92). (¬9) المحرر (ص 423)، فتح العزيز (11/ 91)، الروضة (10/ 59).

جمعهم (¬1)، ثم ظاهر عبارة "التنبيه": أن العبد البالغ كالحر، وأن المراهق كغيره من الصبيان، لكن في "أصل الروضة": أطلق جماعة أن العبيد والمراهقين كالنساء، وقال الإمام والمتولي: إن كان يجيء منهم قتال .. فهم كالرجال في الحبس والإطلاق، وهذا حسن (¬2). قال شيخنا الإمام البلقيني: وما استحسنه مخالف لمقتضي نص الشافعي في تسوية العبيد والمراهقين إذا لم يقاتلوا بالنساء. انتهى. ثم لا يخفي أن محل الحبس فيمن لم يطع باختياره، وقد صرح به "المنهاج" (¬3)، وأن الصبي والمرأة إذا قاتلا .. التحقا بالرجال؛ ولهذا عبر "الحاوي" [ص 580، 581] بـ (أهل القتال وغيرهم). 4971 - قول "الحاوي" [ص 580]: (كردِّ السلاح والخيل بلا استعمال إن أُمن) محل منع الاستعمال في غير الضرورة؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 500]: (ولا يُستعمل في قتال إلا لضروره) لكنه يفهم منع استعماله في غير القتال ولو لضرورة، وفيه انظر، وفي "أصل الروضة" تشبيه ذلك بأكل مال الغير لضرورة (¬4)، ومقتضاه: لزوم أجرة الاستعمال على المستعمل. 4972 - قول "التنبيه" [ص 230]: (ولا يقاتلهم بما يعم؛ كالمنجنيق والنار إلا لضرورة) أحسن من قول "المنهاج" [ص 500]: (بعظيم) لأنه لا يلزم من كونه عظيمًا أن يعم، وعبارة "أصل الروضة": بما يعم ويعظم أثره (¬5)، وهذا مراد "المنهاج" بالعظم، وفسر "المنهاج" الضرورة فقال [ص 500]: (بأن قاتلوا به أو أحاطوا بنا) وفي كلا الصورتين انظر، أما الأولى: فلا يكفي قتالهم به حتى ينضم إليه تعذر دفعهم بغيره؛ كالانتقال إلى موضع آخر، وإليه أشار في "أصل الروضة" بقوله: واحتجنا إلى المقاتلة بمثلها دفعًا (¬6)، وأما الثانية: فلا بد مع الإحاطة بنا إلى الاضطرار إلى ذلك لخوف الاصطدام؛ ولهذا قال في "الروضة": أحاطوا بنا واضطررنا إلى الرمي بالنار ونحوها (¬7)، وعبارة الشافعي: (أو يحيطون به فيخاف الاصطدام على من معه) (¬8) ولهذا قال "الحاوي" [ص 581]: (ويقاتل بالمنجنيق والنار إن خيف الاصطدام) ولم يذكر ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 499). (¬2) الروضة (10/ 59)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 146، 147). (¬3) المنهاج (ص 499). (¬4) الروضة (10/ 59). (¬5) الروضة (10/ 59). (¬6) الروضة (10/ 59، 60). (¬7) الروضة (10/ 60). (¬8) انظر "الأم" (4/ 219).

الأولى؛ لدخولها في الثانية بالشرط المتقدم، فالمدار حينئذ على خوف الاصطدام خاصة، والله أعلم. وعبارتهم تقتضي منع قتالهم بالعام بلا ضرورة، لكن عبارة الشافعي: (أَحَبُّ إليّ أن يتوقَّي ذلك منهم ما لم تكن ضرورة) (¬1)، ومقتضاها: الجواز، إلا أنه فرض ذلك في المتحصنين، فالذين هم في صحراء يحرم قتالهم بعام، ذكره شيخنا الإمام البلقيني، وفيه انظر؛ فالمتحصنون أولي بالمنع؛ لأنه لا يمكنهم الهرب، بخلاف الذين في صحراء، والله أعلم. 4973 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ولا يستعان عليهم بمن يري قتلهم مدبرين) (¬2) يستثني منه: ما لو احتاج إلى الاستعانة بهم .. فيجوز بشرطين: أحدهما: أن يكون فيهم جرأة وإقدام. والثاني: أن يتمكن من منعهم لو اتبعوه، كذا في "الروضة" وأصلها (¬3)، وفي "تعليق القاضي حسين" عن الأصحاب عن الشافعي: التفصيل بين أن يكون بالإمام قوة تضبطهم أم لا، فاقتضي على شرط واحد، وقال شيخنا الإمام البلقيني: الذي نص عليه في "الأم" اعتبار القوة للإمام، وألَّا يوجد غيرهم يكفي كفايتهم، وأن يكونوا أَجْرَأ في قتالهم من غيرهم. انتهى. وزاد الماوردي: اشتراط أن يثق بما شرط عليهم ألَّا يتبعوا مدبرًا، ولا يقتلوا جريحًا (¬4)، والاستعانة عند عدم الحاجة غير جائزة كما في "الروضة" وأصلها (¬5)، لكن عبارة الشافعي: (ولا أحب أن يقاتلهم) مع تعبيره في الاستعانة بالكافر بعدم الجواز (¬6). 4974 - قول "المنهاج" [ص 500]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 581]: (ولو استعانوا علينا بأهل حرب وأمّنوهم .. لم ينفذ أمانهم علينا، ونفذ عليهم في الأصح) المراد: أمّنوهم على أن يقاتلونا معهم، فلو أمنوهم أولًا .. صح الأمان علينا أيضًا، فإذا استعانوا بهم علينا .. انتقض أمانهم علينا، نص عليه. ويستثنى من عدم نفوذ الأمان: ما إذا قالوا: ظننا أنه يجوز لنا أن نعين بعض المسلمين على بعض، أو أنهم المحقون، أو أنهم استعانوا بنا في قتال كفار .. فالأصح في "أصل الروضة": أنا ¬

_ (¬1) انظر "الأم" (4/ 219). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 230)، و"الحاوي" (ص 581)، و"المنهاج" (ص 500). (¬3) فتح العزيز (11/ 93)، الروضة (10/ 60). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 130). (¬5) فتح العزيز (11/ 93)، الروضة (10/ 60). (¬6) انظر "الأم" (4/ 219).

نبلغهم المأمن ونقاتلهم قتال البغاة، ولا نتعرض لهم مدبرين (¬1)، ولهذا قال "الحاوي" [ص 581]: (وإن ظنها المحقة .. نترك المدبر) لكن يشترط مع ظنها المحقة: أن يقولوا: وظننا أن لنا إعانة المحق؛ ذكره الرافعي، وأهمله في "الروضة" (¬2). 4975 - قول "المنهاج" [ص 500]: (ولو أعانهم أهل الذمة عالمين بتحريم قتالنا .. انتقض عهدهم، أو مكرهين .. فلا، وكذا إن قالوا: "ظننا جوازه" أو "أنهم محقون" على المذهب، ويُقَاتَلون كبغاةٍ) فيه أمور: أحدها: أن قوله: (انتقض عهدهم) وقول "الحاوي" [ص 581]: (بطل) يقتضي انتقاضه مطلقًا حتى في حق أهل البغي، وهو الذي ذكره البغوي وغيره (¬3)، وفي "البيان": أنه ينبغي أن يكون في انتقاضه في حق البغاة الخلاف في أهل الحرب (¬4)، لكنا نقول: كان الأمان هناك خاصًا ابتداءً بأهل البغي .. فنفذ عليهم خاصة، والذمة هنا كانت مطلقة .. فانتقضت مطلقًا. ثانيها: أن قوله: (عالمين بتحريمه) احترز به عما ذكره آخرًا من قولهم: ("ظننا جوازه" أو "أنهم محقون") ويخالفه قول "الحاوي" [ص 581]: (وإن جهل الحق) لكنه عقبه بقوله: (إن لم يبد عذرًا) وحمله من تكلم عليه على قولهم: ("ظننا جوازه" أو "أنهم محقون") وهذه هي صورة جهل الحق، فكيف اجتمع هذان الكلامان المتناقضان؟ ينبغي النظر في هذا. ثالثها: عبارته تقتضي أنه لا خلاف في أن المكره لا ينتقض عهده، وليس كذلك، بل فيه الطريقان، وعبارة "الروضة" فيه: وإن قالوا: كنا مكرهين .. لم ينتقض على المذهب (¬5)، فكان ينبغي لـ "المنهاج" الجمع بين هذه المسألة والتي بعدها بعبارة واحدة. رابعها: أن تعبيره بقوله: (أو مكرهين) مع قوله في التي بعدها: (قالوا: ظننا) وتعبير "الحاوي" بقوله [ص 581]: (وإن أكره .. فكهي) أي: كالباغية، مع قوله في الأخرى: (إن لم يبد عذرًا) يقتضي ثبوت الإكراه، وليس كذلك، بل يكفي ذكرهم ذلك. خامسها: قوله: (ويقاتلون كبغاة) قد يفهم أنهم لا يضمنون ما أتلفوه في حال القتال كالبغاة، وليس كذلك، وأقوي من ذلك في هذا الإيهام قول "الحاوي" [ص 581]: (وإن أكره .. فكهي) لأن "المنهاج" صرح بأن تشبيههم بالبغاة في قتالهم، وضمان الإتلاف شيء آخر، بخلاف ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 61). (¬2) فتح العزيز (11/ 94). (¬3) انظر "التهذيب" (7/ 285). (¬4) البيان (12/ 32). (¬5) الروضة (10/ 61).

"الحاوي" فإنه أطلق تشبيه المكره بالباغي، فالظاهر منه استواء جميع الأمور في ذلك، وهل يجب عليهم القصاص؟ فيه وجهان بلا ترجيح في "الروضة" وأصلها (¬1)، وصحح شيخنا الإمام البلقيني الوجوب، وقال: إنه ظاهر نص الشافعي رحمه الله. 4976 - قول "التنبيه" [ص 229]: (ويتجنب قتل ذي رحمه) قال في "الكفاية": إلا أن يقصد المحرم قتله .. فلا يكره إذ ذاك قتله. * * * ¬

_ (¬1) فتح العزيز (11/ 95)، الروضة (10/ 62).

باب أدب السلطان

بابُ أدب السلطان 4977 - قول "التنبيه" [ص 249]: (وينبغي أن يكون الإمام ذكرًا بالغًا عاقلًا عدلًا عالمًا بالأحكام الشرعية كافيًا كما يتولاه من أمر الرعية وأعباء الأمة وأن يكون من قريش) فيه أمور: أحدها: أن المراد: اشتراط ذلك كما صرح به "المنهاج" (¬1)، ودل عليه كلام "الحاوي" (¬2)، وصرح به "التنبيه" بعد ذلك في قوله [ص 249]: (فإن اختل شرط من ذلك .. لم تصح التولية). ثانيها: أهمل "المنهاج" اشتراط العدالة، وذكرها "الحاوي" بقوله [ص 658]: (أهل للشهادات)، ولا يقال: إن "التنبيه" و"الحاوي" أهملا ذكر الإسلام؛ فقد دخل في العدالة، فلو فعل "المنهاج" كما فعلا من اشتراط العدالة وإهمال التصريح بالإسلام لدخوله تحت العدالة .. لكان أولي، وقد يقال: دل على ذلك بقوله بعده: (وباستيلاء جامع الشروط، وكذا فاسق) (¬3) فإنه يدل على أن العدالة من الشروط، وقد يقال: لا يدل على ذلك؛ لدلالة اعتبار العدالة على أنه لا يصح ولاية المستور، ولا تدل عبارة "المنهاج" هذه على ذلك. ثالثها: المراد العلم بالأحكام الشرعية بالاجتهاد كما صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬4). رابعها: دخل في "الكفاية" لما يتولاه الشجاعة والرأي والسمع والبصر والنطق، وقد صرح به "المنهاج" (¬5)، ودخلت في قول "الحاوي" أيضًا [ص 658]: (كاف) وإن كان قد جمع في هذه اللفظة بين كفاية القضاء وكفاية الإمامة؛ فالمراد بهما فيهما مختلف؛ فالشجاعة معتبرة في الإمامة دون القضاء، فالتصريح بذكرها أولى، وقد يقال: دخل في تعبير "التنبيه" و"الحاوي" اشتراط سلامته من نقص يمنع استيفاء الحركة وسرعة النهوض؛ لأنه لا كفاية بدون ذلك، وهو الأصح في "أصل الروضة" (¬6)، ولم يدخل ذلك في تفصيل "المنهاج"، وفي "الروضة" من زيادته: إن ضعف البصر إن منع معرفة الأشخاص .. منع انعقاد الإمامة واستدامتها، وإلا .. فلا (¬7)، فقد يورد ذلك عليهم، وقد يقال: لا يرد؛ لأنه بمنزلة فاقد البصر. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 500). (¬2) الحاوي (ص 658). (¬3) المنهاج (ص 500). (¬4) الحاوي (ص 658)، المنهاج (ص 500). (¬5) المنهاج (ص 500). (¬6) الروضة (10/ 42). (¬7) الروضة (10/ 42).

خامسها: اشتراط كونه قرشيًا ذكره "المنهاج" أيضًا (¬1)، وأهمله "الحاوي"، ومحله: عند وجود قرشي مستجمع للشروط، وإلا .. فكنابي، فإن لم يوجد .. فرجل من ولد إسماعيل عليه السلام، فإن لم يوجد .. ففي "التهذيب": أنه يولي رجل من العجم، وفي "التتمة": أنه يولى جرهمي، وجرهم أصل العرب، فإن لم يوجد .. فرجل من ولد إسحاق عليه السلام (¬2). 4978 - قول "التنبيه" [ص 249]: (وإن زال شيء من ذلك بعد التولية .. بطلت ولايته) يستثنى منه: الفسق، فلا تبطل ولايته بطروه، وعليه مشى "الحاوي" (¬3)، وأشار إليه "التنبيه" في دفع الزكاة إلى الإمام الجائر (¬4). 4979 - قول "التنبيه" [ص 248، 249]: (ولا تنعقد الأمامة إلا بتولية الإمام قبله أو باجتماع جماعة من أهل الاجتهاد على التولية) فيه أمور: أحدها: يرد على حصره في الأمرين ثالث، وهو: الشوكة، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 500]: (واستيلاء جامع الشروط، وكذا فاسق وجاهل في الأصح) قال الشيخ عز الدين في "القواعد": لو استولى الكفار على إقليم، فولوا القضاء رجلًا مسلمًا .. فالذي يظهر انعقاده، قال: ولو ابتلينا بولاية امرأة أو صبي فولى قاضيًا .. ففي نفوذه وقفة (¬5). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إن العبد أولى بانعقاد الولاية له بالشوكة من الفاسق، قال: والأخبار الصحيحة تقتضي انعقادها لعبد يقود الناس بكتاب الله تعالى، قال: ولو قامت الشوكة لامرأة .. فالظاهر أنه ينعقد ما يصدر منها؛ للضرورة. ثانيها: عبر ابن يونس في "النبيه" بدل قوله: (بتولية الإمام قبله): (بعهده) قال في "التنويه"؛ لأنها توهم أن الثاني يكون إمامًا في الحال تنفذ أحكامه فيمن ولاه، وليس كذلك، فالمراد: أن يعقد له في حياته الخلافة بعده، ويشترط قبول المعهود إليه، والأصح: أن وقت قبوله ما بين عهد الخليفة وموته، كذا في "الروضة" (¬6). وقال شيخنا الإمام البلقيني: ينبغي أن يكون الأصح: اعتبار القبول على الفور، وليس هذا كالإيصاء، ولو شبه بالإيصاء .. فلا يكون قبوله إلا بعد الموت على ما رجح في الوصاية. انتهى. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 500). (¬2) انظر "الروضة" (10/ 42). (¬3) الحاوي (ص 659). (¬4) التنبيه (ص 62). (¬5) قواعد الأحكام في إصلاح الأنام (1/ 121، 122). (¬6) الروضة (10/ 45).

ولو أوصى إليه بالإمامة .. فوجهان بلا ترجيح في "الروضة" (¬1)؛ لأنه بالموت خرج عن الولاية، فلا يصح منه تولية غيره، واستشكله الرافعي بالوصي (¬2). ثالثها: أن عبارته تقتضي الاكتفاء ببعض أهل الاجتهاد، وليس كذلك؛ ولهذا قال "المنهاج": (والأصح: بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم، وشرطهم صفة الشهود) والمراد: أهل الحل والعقد بذلك البلد، ولا يشترط ذلك في جميع البلاد، بل إذا بويع لواحد ببلد .. وجب على من بلغه الخبر الطاعة، وذكر الماوردي أنه يشترط فيهم أيضًا العلم والرأي، قال النووي: وهو كما قال (¬3). فإن قلت: قد قال أولًا: من العلماء. قلت: (من) البيانية إذا دخلت على أشياء .. يختلف اعتبار اجتماعها بحسب الحال، وهنا لا يعتبر لنا الأمر فيه على التيسير. رابعها: مقتضي كلامهما: اعتبار عدد، وفي "أصل الروضة": إنه لا يعتبر، حتى لو تعلق الحل والعقد بواحد مطاع .. كفت بيعته؛ لانعقاد الإمامة (¬4). خامسها: يشترط مع ذلك: الإشهاد على البيعة إن كان العاقد واحدًا دون ما إذا كان جمعًا، كما صححه في "الروضة" من زيادته، وفي "الإرشاد" لإمام الحرمين: قال أصحابنا: يشترط حضور الشهود؛ لئلا يُدَّعَي عقد سابق؛ ولأن الإمامة ليست دون النكاح، لكن اختيار الإمام انعقادها بواحد (¬5). 4980 - قول "التنبيه" [ص 249]: (وإن عقد لهما معًا أو لم يعلم الأول منهما .. استؤنفت التولية) قد يفهم جواز استئناف تولية ثالث، والأصح من زيادة "الروضة": منعه. 4981 - قوله: (ولا يتخذ حاجبًا ولا بوابًا) (¬6) محله: في وقت انتصابه للحكم، أما في أوقات الخلوة .. فلا كراهة فيه، وكذا عند الزحمة أيضًا. 4982 - قوله: (وينظر في أموال الفيء والخراج والجزية) (¬7) هما نوعان من الفيء، وعطفهما عليه يوهم خلاف ذلك. ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 44). (¬2) انظر "فتح العزيز" (11/ 73). (¬3) انظر "الروضة" (10/ 43). (¬4) الروضة (10/ 43). (¬5) الروضة (10/ 43). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 249). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 249).

4983 - قوله: (ويصرف ذلك في الأهم فالأهم من المصالح ... إلى آخره) (¬1) الأصح: صرف الفيء لأجناد المسلمين، والذي للمصالح هو خمس الخمس كما ذكره في (قسم الفيء) (¬2). * * * ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 249). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 235).

كتاب الردة

كتابُ الرِّدَّة 4984 - قول "المنهاج" [ص 501]: (هي: قطع الإسلام بنيةٍ أو قولِ كفرٍ أو فعلٍ، سواء قاله استهزاءً أو عنادًا أو اعتقادًا) فيه أمور: أحدها: أن قوله (بنية) ليس في "المحرر" و"الروضة" و"الشرحين" و"الحاوي"، وذكره ليدخل في الضابط العزم على الكفر في المستقبل؛ فإنه كفر في الحال. ثانيها: كان ينبغي تأخير ذكر القول عن الفعل كما في "الحاوي" (¬1) لأن التقسيم فيه. ثالثها: تعبيره بـ (أو) في قوله: (أو عنادًا أو اعتقادًا) أحسن من تعبير "الحاوي" بـ (الواو) (¬2) لأن أحدها كاف، وأورد شيخنا الإمام البلقيني عليهما أمورًا: أحدها: أن عبارتهما لا تتناول كفر المنافق؛ فإنه لم يسبق له إسلام صحيح. ثانيها: أن ذلك لا يتوقف على قطعه الإسلام بنفسه، فولد المرتدين المنعقد في ردتهما صحح النووي: أنه مرتدٌ إذا لم يكن له أصل مسلم (¬3)، لكن سيأتي تصحيح أنه مسلم. ئالئها: أن المنتقل من كفر إلى كفر حكمه حكم المرتد في أنه لا يقبل منه إلا الإسلام، فإن لم يفعل .. قتل. 4985 - قول "المنهاج" [ص 501]: (أو أحل مُحَرَّمًا بالإجماع وعكسه، أو نفي وجوب مجمعٍ عليه، أو عكسه) و"الحاوي" [ص 582]: (وجحد مجمع) كذا أطلقه الرافعي (¬4)، وقيده النووي في "الروضة" بأن يعلم من دين الإسلام ضرورة، وإن لم يكن فيه نص في الأصح (¬5)، يخالف ما لو لم يعرفه إلا الخواص، ولو كان فيه نص؛ كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب، وتحريم نكاح المعتدة؛ فإنه لا يكفر بجحده، ونازعه شيخنا الإمام البلقيني في التمثيل بنكاح المعتدة؛ لشهرته، وقال شيخنا أيضًا: ينبغي أن يقول: بلا تأويل؛ ليخرج البغاة والخوارج الذين يستحلون دماء أهل العدل وأموالهم، ويعتقدون تحريم دمائهم على أهل العدل، والذين أنكروا وجوب الزكاة عليهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتأويل؛ فإن الصحابة رضي الله عنهم لم ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 582). (¬2) الحاوي (ص 582). (¬3) انظر "الروضة" (10/ 77). (¬4) انظر "فتح العزيز" (11/ 98). (¬5) الروضة (10/ 65).

يكفروهم، قال البارزي: ويشترط أن يكون ممن لا يجوز أن يخفي عليه ذلك الحكم كما لو كان قريب العهد بالإسلام؛ فإنه لا يكفر. وأجيب عن ذلك: بأن لفظ الجحد في عبارة "الحاوي" يخرجه (¬1)، فإنه في اللغة: إنكار شيء سبق الاعتراف به. 4986 - قول "المنهاج" [ص 501]: (ولو ارتد فجن .. لم يقتل في جنونه) يستثنى منه: ما إذا استتيب قبل جنونه فلم يتب وجن .. فإنه لا يحرم قتله، ولا يقال: خرجت هذه الصورة بإتيانه بالفاء الدالة على التعقيب في قوله: (فجن) لأن الظاهر أنه إنما قصد بذلك الاختصار؛ بدليل تعبيره في "المحرر" و"الروضة" وأصلها بـ (ثم) (¬2)، قال البغوي: وهذا احتياط، فلو قتل .. فهدر (¬3). قال في "المهمات": وظاهره الاستحباب، وهو غير مستقيم؛ فإن تصحيح وجوب الاستتابة ينفيه. 4987 - قول "التنبيه" [ص 231]: (وتصح ردة السكران، وقيل: فيه قولان) صحح في "الروضة" وأصلها طريقة القولين (¬4)، وأصحهما: الصحة، وقول "المنهاج" [ص 501]: (والمذهب: صحة ردة السكران) لا يدل على ترجيح طريقة القطع، وإنما يدل على أن في المسألة طريقين أو طرقًا من غير بيان الراجح منها. 4988 - قول "المنهاج" [ص 501]: (وتقبل شهادة بردة مطلقًا، وقيل: يجب التفصيل) و"الحاوي" [ص 582]: (ويُقبل مطلق شهادة الردة) فيه أمور: أحدها: قال في "المهمات": المعروف وجوب التفصيل، صرح به القفال والماوردي والغزالي وصاحبا "المهذب" و"البيان" والشاشي وابن أبي عصرون، وهو مقتضي كلام القاضي أبي الطيب (¬5)، وأجاب الرافعي في تعارض البينتين بنحوه (¬6)، ويؤيده أن الأصح: أن الشهادة على الجرح لا تقبل إلا مفسرة، والإخبار بتنجيس الماء لا يقبل من غير الفقيه الموافق إلا مع بيان السبب، وأن الأكثرين على أن الشهادة على الرضاع لا تقبل إلا مع التعرض للشرائط. انتهى. وصححه أيضًا السبكي، ومال إليه الشيخ برهان الدين بن الفركاح، وقال شيخنا الإمام ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 582). (¬2) المحرر (ص 425)، فتح العزيز (11/ 107)، الروضة (10/ 71). (¬3) انظر "التهذيب" (7/ 295). (¬4) فتح العزيز (11/ 107)، الروضة (10/ 71). (¬5) الحاوي الكبير (13/ 177)، الوجيز (2/ 165)، المهذب (2/ 221)، البيان (12/ 42). (¬6) انظر "فتح العزيز" (11/ 108، 109).

البلقيني: إن الخلاف الذي خرج الإمام عليه هذا وهو الخلاف في اشتراط تفصيل الشهادة في (البيع) ونحوه لا يعرف، قال: والتخريج غير صحيح، والأصل المخرج عليه ليس بثابت. ثانيها: قال شيخنا الإمام البلقيني: محل الخلاف في الشهادة بالردة عن الإيمان، فلو شهدا بأنه ارتد ولم يقولا: عن الإيمان؛ أو كفر ولم يقولا: بالله .. فلا تقبل هذه الشهادة قطعًا، قال: وقد قاتل الصديق رضي الله عنه أهل الردة، وهم ضربان: ضرب ارتدوا عن الإيمان، وضرب ارتدوا عن أداء الواجب عليهم، وأطلق الناس على الجميع أهل الردة، ونص الشافعي على ذلك، وقال: (هو لسان عربي، فالردة: الارتداد عما كانوا عليه بالكفر، والارتداد بمنع الحق، ومن رجع عن شيء .. جاز أن يقال: ارتد عن كذا) (¬1). ثالثها: استثنى شيخنا أيضًا من محل الخلاف: ما إذا كان الشاهدان من الخوارج الذين يكفرون بارتكاب الكبائر، فلا تقبل شهادتهما إلا مفصلة قطعًا. رابعها: كذا حكي "المنهاج" الخلاف وجهين، وهو في "الروضة" قولان (¬2)، قال في "المهمات": وهما مخرجان، فلا اعتراض عليه، وقال شيخنا الإمام البلقيني: ليس في المسألة قولان ولا وجهان إلا من تخريج الإمام الذي لا يصح، والمسألة مقطوع فيها بوجوب التفصيل، وهو المعتمد الذي لا يجوز غيره. 4989 - قوله: (فعلى الأول: لو شهدوا بردة فأنكر .. حُكِمَ بالشهادة) (¬3) لا يختص هذا التفريع بالأول، بل يأتي على الوجه الثاني إذا فصَّلا وأنكر، وكان ينبغي أن يقول: (لو شهدا) بالتثنية بدل الجمع. 4990 - قول "التنبيه" [ص 231]: (وأما المكره: فلا تصح ردته، وكذا الأسير في يد الكفار) قال ابن الرفعة: أي: مقيدًا أو محبوسًا، قال: وهذا ما حكاه الرافعي عن النص (¬4)، لكن في كلام الأصحاب ما يقتضي خلافه؛ فإنهم قالوا فيمن شهد بردته: إن ادعى الإكراه وشهدت له قرينة الحال بأنه كان في أسر الكفار أو محفوفًا بجماعة منهم وهو مستشعر .. صدق بيمينه، وإلا؛ بأن كان في دار الإسلام أو في دار الحرب وهو آمن .. لم يقبل قوله، قال: وهذا يقتضي أن محل عدم الحكم بردته: إذا ادعى الإكراه مع كونه في أيدي الكفار، أما قبل الدعوى واليمين .. فلا. انتهى. وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 501]: (ولو قال: "كنت مكرهًا" واقتضته قرينةٌ كأسر ¬

_ (¬1) انظر "الأم" (4/ 215). (¬2) الروضة (10/ 72). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 501). (¬4) انظر "فتح العزيز" (11/ 109).

كفار .. صُدق بيمينه، وإلا .. فلا) وعبر عنه شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" بلفظ الصواب، فقال: الصواب صحة ردة الأسير في يد الكفار على عكس ما في "التنبيه"، إلا أن يدعي إكراهًا .. ففي "الروضة": أنه يسمع، وممن أنكر كلام الشيخ ابن الرفعة أيضًا (¬1)، واعترض النشائي على التعبير في ذلك بالصواب؛ لأن الرافعي مع قوله: وفيما سقناه دلالة بينة على أنه لو شهدوا بالردة على الأسير ولم يدع الإكراه .. يحكم بردته، أشار إلى حكاية وجه عن القفال (¬2)، وحمل في "التوشيح" كلام "التنبيه" على أن المراد: عدم الحكم بردته ظاهرًا لا باطنًا، وظن أن ذلك يخلصه من دفع الإيراد، وليس كذلك؛ لأنا لا نحكم به في الظاهر إلا بعد دعواه وحلفه عليه كما تقدم، والله أعلم. 4991 - قول "المنهاج" [ص 501]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 582]: (ولو قالا: "لَفَظَ لَفْظَ كفرٍ" فادعي إكراهًا .. صدق مطلقًا) أي: بدون قرينة على ذلك، حكاه في "الروضة" وأصلها عن الشيخ أبي محمد وأنهم تابعوه (¬3)، قال شيخنا الإمام البلقيني: وهو متعقب، وقد حكيا بعده عن النص: أنه لو شهد الشهود على أنه تلفظ بالكفر وهو محبوس أو مقيد .. لم يحكم بكفره، وإن لم يتعرض الشهود للإكراه (¬4)، وهذا يرد كلام أبي محمد، قال: وفي "أصل الروضة" في الإكراه في الطلاق: أنه لو تلفظ بالطلاق ثم قال: كنت مكرهًا وأنكرت .. لم يقبل قوله، إلا أن يكون محبوسًا أو كان هناك قرينة أخرى (¬5)، قال: ولذلك نقول هنا: إنه لا بد من قرينة الإكراه إذا وقعت الشهادة عليه بالتلفظ بالكفر، ثم لا يخفي أن المراد: تصديقه بيمينه كالتي قبلها. 4992 - قول "المنهاج" [ص 501]: (ولو مات معروف بالإسلام عن ابنين مسلمين فقال أحدهما: "ارتد فمات كافرًا" فإن بيّن سبب كفره .. لم يرثه ونصيبه فيء، وكذا إن أطلق في الأظهر) هو معنى قول "الحاوي" [ص 583]: (ونصيب من قال: "مات أبونا كافرًا" فيء) وتبعا في هذا التصحيح "المحرر" (¬6)، لكن الأظهر في "الروضة" و"الشرح الصغير" وكذا في "الكبير" ثم قال: هكذا نقله صاحب الكتاب: أنه يستفصل، فإن ذكر ما هو كفر .. كان فيئًا، ¬

_ (¬1) تذكرة النبيه (3/ 442)، وانظر "الروضة" (10/ 73، 74). (¬2) انظر "فتح العزيز" (11/ 109)، و"نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 176، 177). (¬3) فتح العزيز (11/ 109)، الروضة (10/ 73). (¬4) فتح العزيز (11/ 109)، الروضة (10/ 73). (¬5) الروضة (8/ 61). (¬6) المحرر (ص 425).

وإن ذكر ما ليس بكفر .. صرف إليه (¬1)، وأسقط الرافعي تتمة هذا القول من كلام الغزالي، وهي: أنه إذا لم يفسَّر .. يوقف، وحمل صاحب "التعليقة" والبارزي كلام "الحاوي" على ما إذا بيّن السبب ولو بعد الاستفصال، والأظهر: أنه لو قال مات كافرًا لأنه كان يشرب الخمر ويأكل الخنزير .. ورثه. 4993 - قول "التنبيه" [ص 231]: (ومن ارتد عن الإسلام .. استحب أن يستتاب في أحد القولين، ويجب في الآخر (الأظهر: الوجوب، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، ودخل في إطلاقهم الاستتابة في حالة السكر، وهو الذي صححه الماوردي والروياني (¬3). 4994 - قول "التنبيه" [ص 231]: (وفي مدة الاستتابة قولان) أي: سواء قلنا: يجب أو يستحب، وتصحيح كونها في الحال هو في "التنبيه"، وعليه مشى "المنهاج" (¬4) و"الحاوي" فقال [ص 582]: (بلا مهلٍ). 4995 - قول "المنهاج" [ص 502]: (فإن أصرَّا .. قُتلا) و"التنبيه" [ص 231]: (فإن أقام على الردة .. وجب قتله) مقتضاه: أنه لو قال: لي شبهة فأزيلوها .. لم يلتفت لكلامه، وهو الأصح عند الغزالي (¬5)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 582]: (بلا مناظرة، يُسلِمُ وتُحَلُّ شبهته) وحكى الروياني عن النص مناظرته، كذا في الرافعي (¬6)، وعكسه في "الروضة"، فجعل الأصح عند الغزالي: المناظرة، والمحكي عن النص عدمها (¬7)، واختار السبكي المناظرة ما لم يظهر منه التسويف والمماطلة. 4996 - قول "التنبيه" [ص 231]: (فإن كان حرًا .. لم يقتله إلا الإمام) كذا نائبه في ذلك. نعم؛ إن قاتل في منعة .. قال الماوردي: جاز أن يقتله كل من قدر عليه كالحربي (¬8). 4997 - قوله: (وإن قتله غيره بغير إذنه .. عزر) (¬9) محله: ما إذا لم يكافئه، فإن قتله مثله .. فالمذهب: وجوب القصاص. 4998 - قوله: (وإن قتله إنسان ثم قامت البينة أنه كان قد رجع إلى الإسلام .. ففيه قولان، ¬

_ (¬1) فتح العزيز (11/ 111)، الروضة (10/ 74). (¬2) الحاوي (ص 582)، المنهاج (ص 502). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 176، 177). (¬4) المنهاج (ص 502). (¬5) انظر "الوجيز" (2/ 165). (¬6) فتح العزيز (11/ 116، 117). (¬7) الروضة (10/ 76، 77). (¬8) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 447). (¬9) انظر "التنبيه" (ص 231).

أحدهما: يجب عليه القود، والثاني: لا يجب إلَّا الدية) (¬1) الأظهر: الأول، وقد تقدم ذلك في أول (الجنايات). 4999 - قوله: (وإن كان عبدًا .. فقد قيل: يجوز للسيد قتله، وقيل: لا يجوز) (¬2) الأصح: الأول، وحكى القاضي حسين الثاني عن الأصحاب، وضعفه القاضي أَبو الطيب. 5000 - قول "المنهاج" [ص 502]: (فإن أسلم .. صح وتُرِك) كان ينبغي أن يقول: (أسلما) أي: المرتد والمرتدة كما فعل في قوله: (فإن أصرّا .. قتلا) (¬3). 5001 - قول "التنبيه" [ص 231]: (وإن تكرر منه ثم أسلم .. عُزِّر) نص عليه الشافعي رحمه الله تعالى، إلَّا أني أرى إذا فعل هذا مرة بعد أخرى .. أن يعزر، ومقتضاه: أنَّه لا يعزر بفعله مرة واحدة، وقد حكى ابن يونس الإجماع عليه، فلا يغتر بمن يفعله من القضاة. 5502 - قول "الحاوي" في قاذف نبيٍّ [ص 582]: (ولا شيء إن أسلم) قاله أَبو إسحاق، ورجحه في "الوجيز"، وأقره في "التعليقة"، قال: حتَّى لو كان القذف بما يوجب الحد .. لا يجب، وقال الفارسي: يقتل حدًا، وقال الصيدلاني: يجلد ثمانين، ولو عرّض بالقذف .. فهو كالصريح، قاله الإمام وغيره. 5003 - قول "التنبيه" [ص 231]: (وإن علقت منه كافرة بولد في حال الردة .. فهو كافر) حكى الرافعي عن البغوي: أنَّه صحح أنَّه مسلم (¬4)، وأطلق تصحيحه في "المحرر" (¬5)، وعليه مشى "الحاوي" (¬6)، وصححه في "أصل الروضة"، ثم قال من زيادته: كذا صححه البغوي، فتابعه الرافعي، والصحيح: أنَّه كافر، وبه قطع جميع العراقيين، ونقل القاضي أَبو الطيب: أنَّه لا خلاف فيه، وإنَّما الخلاف في أنَّه أصلي أو مرتد، والأظهر: أنَّه مرتد. انتهى (¬7). ويرد عليه أن الرافعي لم يصححه من عند نفسه، وإنَّما حكاه عن البغوي، فهو كما قال في "المهمات": يختصر ويتصرف، ثم ينسى فيستدرك، وعبارة "المنهاج" [ص 502]: (الأظهر: مرتد، ونقل العراقيون الاتفاق على كفره) وهو مخالف لما في "الروضة" فإن الذي فيها كما تقدم: أن ناقل الاتفاق أَبو الطيب، وأما غيره فقاطع به. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 231). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 231). (¬3) المنهاج (ص 502). (¬4) فتح العزيز (11/ 121)، وانظر "التهذيب" (7/ 293). (¬5) المحرر (ص 426). (¬6) الحاوي (ص 582). (¬7) الروضة (10/ 77).

وقال شيخنا الإمام البلقيني: ما قال: إنه الأظهر ليس بمعتمد؛ لأن الولد إذا انعقد من الكافرين الأصليين وله جد مسلم .. يجعل مسلمًا تبعًا لجده، فلأن يتبع حالة أَبويه في الإسلام التي كانت قبل الردة أولى، وتبعية الأَبوين في غير الإسلام إنما تكون في كفر أصلي، والتبعية في الردة ضعيفة أو محالة، وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بأن كل مولود يولد على الفطرة (¬1)، لم يخرج من ذلك إلَّا مولود الأَبوين الكافرين الأصليين، فبقي ولد المرتدين على الفطرة، فوجب أن يكون مسلمًا، قال: ونصوص الشَّافعي رضي الله عنه قاضية بذلك، ثم بسطه، ثم قال: فوجب القول على مذهب الشَّافعي بأنه مسلم، وبطل القول بانه كافر أصلي؛ لنصه في جميع كتبه على أنَّه لا يسبى، والذين أثبتوا هذا القول قالوا: إنه يسبى، ولم يصح القول بأنه مرتد. انتهى. واعلم: أن "التنبيه" فرض المسألة فيما إذا كانت الأم كافرة (¬2)، و"المهذب" فيما إذا كانت ذمية (¬3)، و"المنهاج" فيما إذا كانت مرتدة أيضًا (¬4)، وقد يفهم منه: أنَّها لو كانت أصلية .. لا يكون الحكم كذلك، وقد سوى في "البيان" بينهما (¬5)، وقال البغوي: لو كان أحدهما مرتدًا والآخر أصليًا؛ فإن قلنا في المرتدين: إنه مسلم .. فكذا هنا، وإن قلنا: مرتدًا وأصلي .. فهو هنا أصلي يقر بالجزية إن كان الأصلي يقر بها (¬6). 5054 - قول "التنبيه" [ص 231]: (وفي استرقاق هذا الولد قولان) هما مبنيان على صفة كفره، فإن قلنا: أصلي .. جاز استرقاقه، وجوز الإمام عقد الجِزيَةَ له إذا بلغ (¬7)، ومنعه البغوي وغيره (¬8)، وإن قلنا: مرتدًا .. لم يسترق، ولا يقتل حتَّى يبلغ فيستتاب، فإن أصر .. قتل، والأصح: أنَّه مرتد كما تقدم، وأنكر شيخنا الإمام البلقيني القول بأنه كافر أصلي كما تقدم. 5005 - قول "التنبيه" [ص 231]: (وإن ارتد وله مال .. فقد قيل: فيه قولان، أحدهما: أنَّه باق على ملكه، والثاني: أنَّه موقوف؛ فإن رجع إلى الإسلام .. حكم بأنه له، وإن لم يرجع .. حكم بأنه قد زال بالردة، وقيل: فيه قول ثالث: أنَّه يزول بنفس الردة) الأصح: طريقة إثبات الأقوال الثلاثة، وعليه مشى "المنهاج" (¬9)، وأصحها: الوقف، وعليه مشى "المنهاج" تبعًا ¬

_ (¬1) انظر "صحيح البخاري" (1292)، (1293)، و"صحيح مسلم" (2658). (¬2) التنبيه (ص 231). (¬3) المهذب (2/ 223). (¬4) المنهاج (ص 502). (¬5) البيان (12/ 59). (¬6) انظر "التهذيب" (7/ 294). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (17/ 175). (¬8) انظر "التهذيب" (7/ 293). (¬9) المحرر (ص 426).

لـ"المحرر" (¬1)، وصححه النووي في "أصل الروضة" و"التصحيح" (¬2)، مع أن الرافعي في "شرحيه" لم ينقل تصحيحه إلَّا عن البغوي فقط (¬3)، وقال في (كتاب التدبير): إن بعضهم روى عن الشَّافعي أنَّه قال: أشبه الأقوال بالصحة: زوال الملك بنفس الردة، وبه أقول (¬4)، وفي "الشرح الصغير" للرافعي في الكتابة: أن الأشبه على الجملة: بطلانها. قال شيخنا الإمام البلقيني: وهذا فيه ترجيح الزوال، وهو الذي صححناه، وهو الذي قال الشَّافعي: إنه أشبه الأقوال بأن يكون صحيحًا، وأنه به نقول، وعليه ينطبق كلام الشيخ أبي حامد في (التدبير)، وصححه في "المهذب" (¬5)، وصحح المزني والماوردي: بقاء ملكه (¬6)، قال شيخنا: والذي تلخص لنا من مجموع متفرقات كلام الشَّافعي رضي الله عنه أن على قول زوال الملك يبقى له فيه حق وعلق، وتجب الزكاة إن رجع إلى الإسلام، ويستوي مع قول الوقف في هذا، وأن على قول بقائه تصرفاته نافذة ما لم يحجر عليه الحاكم، وتجب الزكاة إن لم يعد للإسلام، وإن شئت قلت: يعطى في النفقات والغرامات حكم الباقي قطعًا، وفي منع التصرف بعد الحجر حكم الزائل قطعًا، وفي بقاء الملك مجردًا عما ذكر ثلاثة أقوال، وفي الزكاة قولان: أحدهما: يجب. والثاني: إن عاد إلى الإسلام .. وجبت على قول زوال الملك والوقف، وإن لم يعد .. لم يجب؛ لأنه ليس زوالًا إلى ذمي معين؛ ولهذا لم ينص الشَّافعي على أن الزكاة لا تجب مطلقًا، قال: ولم أر من حرر هذا على ما حررته. 5006 - قول "المنهاج" [ص 502]: (والأصح: يلزمه غُرْمُ إتلافه فيها، ونفقة زوجاتٍ وُقِفَ نكاحهن وقريبٍ) فرع الوجهين في "الروضة" على قول الزوال (¬7)، وظاهره الجزم به على قول البقاء، وهو واضح، وفي تعبيره بالأصح نظر؛ فقد نص على ذلك في "الأم" و"المختصر" (¬8). 5007 - قول "التنبيه" [ص 231]: (وأما تصرفه .. ففيه ثلاثة أقوال، أحدها: ينفذ، والثاني: لا ينفذ، والثالث: إنه موقوف) الأصح: وقف ما يحتمل الوقف وبطلان ما لا يحتمله، وعليه ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 502). (¬2) الروضة (10/ 78)، تصحيح التنبيه (2/ 197). (¬3) فتح العزيز (11/ 122). (¬4) فتح العزيز (13/ 416). (¬5) المهذب (2/ 223). (¬6) انظر "مختصر المزني" (ص 260)، و"الحاوي الكبير" (13/ 160). (¬7) الروضة (10/ 79). (¬8) الأم (6/ 161)، مختصر المزني (ص 260).

مشى "الحاوي" فقال [ص 582]: (ويبطل تصرف لا يوقف) و"المنهاج" فقال [ص 502]: (وإذا وقفنا ملكه .. فتصرفه إن احتمل الوقف كعتقٍ وتدبيرٍ ووصيةٍ موقوفٌ، إن أسلم .. نفذ، وإلَّا .. فلا، وبيعه وهبته ورهنه وكتابته باطلة) وفيه أمور: أحدها: نازع شيخنا الإمام البلقيني في أن ملك المرتد يوقف، وإن قاله جمع من الأصحاب، ورجح: أن مراد الشَّافعي به: وقف الحاكم له تحت يد عدل، وبه قال آخرون. ثانيها: كلام "المنهاج" في وصية صدرت منه حال الردة، فلو أوصى قبل ردته بشيء ومات على الردة .. فقال شيخنا الإمام البلقيني: الذي تقتضيه القواعد: أن وصيته لا تنفذ، ولم أر من صرح به، وقد ذكرته في "التدريب" في الوصية. ثالثها: رجح شيخنا الإمام البلقيني وقف الكتابة على قول الوقف وفاقًا لما في "الشرحين" في الكتابة (¬1)، خلافًا لما فيهما في الردة، وفي "المحرر" و"المنهاج" في الموضعين (¬2)، وذكر الرافعي: أنَّه وقف تبَيُّن، ونازعه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: إنما هو وقف صحة، وقال: إن الكتابة مشتملة على العتق، فهي كالخلع المشتمل على الطلاق، وخلع المرتد بعد الدخول موقوف خلافا للمتولي. 5008 - قول "المنهاج" [ص 502]: (وعلى الأقوال: يُجعل ماله مع عدل، وأمته عند امرأة ثقة) قال شيخنا الإمام البلقيني: لم يصرح فيه بالمقصود على قول بقاء الملك، وهو ضرب الحجر عليه كما نص الشَّافعي رضي الله عنه، ولا يحصل المقصود بمجرد الوضع. انتهى. وفي "المهذب": أنا إذا قلنا: بزوال ملكه .. نزعنا المال من يده، ووضعناه في بيت المال، وصرفناه مصارف الفيء، ولا يوقف على نهاية أمره (¬3). 5009 - قول "التنبيه" [ص 231]: (وإن ارتد إلى دين يزعم أهله أن محمدًا صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى العرب .. لم يصح إسلامه حتَّى يأتي بالشهادتين ويبرأ من كل دين خالف الإسلام) يقوم مقام براءته من كل دين يخالف الإسلام شهادته أن محمدًا رسول الله إلى جميع الخلق كما حكاه الرافعي عن البغوي، وأقره (¬4). 5010 - قوله: (وإن امتنع بالحرب وأتلف .. ففيه قولان كأهل البغي) (¬5) مقتضاه: تصحيح عدم الضمان، وصححه شيخنا الإمام البلقيني، لكن حكى ابن الرفعة عن الجمهور تصحيح ¬

_ (¬1) فتح العزيز (13/ 461). (¬2) المحرر (ص 426)، المنهاج (ص 502). (¬3) المهذب (2/ 223). (¬4) فتح العزيز (11/ 117)، وانظر "التهذيب" (7/ 297). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 231).

الضمان، وصححه في "المهمات"، وقد تقدم في قتال أهل البغي. 5011 - قوله: (وإن أقام وارثه بيّنة أنَّه صلى بعد الردة؛ فإن كانت الصلاة في دار الإسلام .. لم يحكم بإسلامه) (¬1) هو مفهوم قول "الحاوي" [ص 583]: (وطوعًا وصلى ثم حُكم بدينه) ومحله كما استدركه النووي في "الروضة": ما إذا لم تسمع منه صيغة الشهادة، فإن سمعناها منه .. كان إسلامًا مطلقًا (¬2). 5012 - قول "الحاوي" [ص 583]: (لا الأصليّ) أي: لا يحكم بإسلامه بصلاته في دار الحرب، هذا هو الصحيح، لكن حكى المتولي عن نص الشَّافعي: الحكم به كالمرتد، وذهب إليه القاضي أَبو الطيب، وقال المحاملي: يحكم به في الظاهر، فإن ادعى خلافه .. رجعنا إليه، ومحل عدم الحكم باسلامه: إذا لم يسمع منه صيغة الشهادة كما تقدم. 5513 - قوله: (وإن ارتد أسير كرهًا، فأفلت ولم يجدد؛ إن عُرِضَ .. كُفِّرَ) (¬3) عرض الإسلام عليه أطلقه الأصحاب، وقيده ابن كج بما إذا كان معرضًا عن الطاعات والجماعات، وصرح بأن العرض المذكور مستحب، ووقع في "التعليقة" أنَّه واجب، والحكم بكفره من يوم العرض، وللإمام فيه احتمال (¬4). * * * ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 231). (¬2) الروضة (10/ 75). (¬3) انظر "الحاوي" (ص 583). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (17/ 173).

كتاب الزنا

كتابُ الزِّنا 5014 - قول "المنهاج" [ص 503]: (إيلاج الذكر بفرج محرّم لعينه خالٍ عن الشبهة مشتهًى .. يوجب الحد) و"الحاوي" [ص 584]: (بإيلاج فرج في فرج محرم لعينِهِ مشتهًى بلا ملك وظنه وتحليل عالم ... إلى آخره) يرد عليه أمور: أحدها: المراد: إيلاج الحشفة إن وجدت، وإلَّا .. فقدرها من مقطوعها، قال شيخنا الإمام البلقيني: فلو ثنى ذكره وأولج قدر الحشفة .. ففي ترتيب الأحكام عليه توقف، والأرجح: الترتب إن أمكن. ثانيها: أن عبارتهما تتناول إيلاج المرأة؛ كاستدخالها ذكر نائم، فينبغي أن يقولا: (إيلاج ذكر آدمي) ليخرج استدخالها ذكر بهيمة؛ فلا حد به. ثالثها: ويشترط أيضًا كونه متصلًا؛ ليخرج المقطوع، وأصليًا؛ ليخرج الزائد، ومحلِّلًا؛ ليخرج ما لا يمكن انتشاره، أورده شيخنا الإمام البلقيني، وقد يخرج ذلك بقولهما: (مشتهىً). رابعها: يستثنى من الشبهة: جارية بيت المال بوطئها؛ لأنه يستحق فيه النفقة دون الإعفاف، ذكره في "أصل الروضة" في (السير) (¬1)، قال شيخنا الإمام البلقيني: قد تكون جارية بيت المال من سهم المصالح .. ففيه الوجهان في وطء جارية من الخمس أو قبل إفراز الخمس، والأصح فيها أيضًا: وجوب الحد. خامسها: أنَّه يدخل في قول "الحاوي": (وظنه) أي: ظن الملك، ما لو ظن ملك بعضها بالشركة، وفيه تردد للإمام، حكاه الرافعي من غير ترجيح (¬2)، وزاد في "الروضة": أن الظاهر الجاري على القواعد وجوب الحد (¬3)، لغلبة الحرمة، فكان من حقه الامتناع، وكذا في "المطلب": أنَّه الظاهر. لكن في "المهمات": أن الصحيح: عدم الوجوب كما لو سرق مال غيره على ظن أنَّه لأبيه أو ابنه، أو أن الحرز ملكه .. فإن الأصح في "أصل الروضة": أنَّه لا حد فيها (¬4)، قال: وهي نظير مسألتنا إن لم تكن إياها، وقد اعتبر هنا أمرأنعتقده نحن مسقطا، بخلاف ما إذا علم التحريم واعتقد ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 273). (¬2) فتح العزيز (11/ 146، 147)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 206). (¬3) الروضة (10/ 95). (¬4) الروضة (10/ 120، 121).

عدم الحد، أو سرق دنانير يظنها فلوسًا؛ فإنه اعتقد أمرًا نعتقده موجبًا، وكذا قال شيخنا الإمام البلقيني: ظاهر نص "المختصر" يشهد لعدم الحد؛ حيث قال في الصداق: (إلَّا أن تكون أمة فيطأها قبل الدخول، ويقول: كنت أراها لا تملك إلَّا نصفها حتَّى يدخل، فيقوم عليه الولد يوم سقط، ويلحق به، ولها مهر مثلها عليه) (¬1)، قال شيخنا: فجعل اعتقاد أن له شركة بالنصف ينفي عنه حكم الغاصب، ويثبت عليه المهر وقيمة الولد، وذلك يقتضي إسقاط الحد. 5015 - قول "التنبيه" [ص 241]: (ومن لاط وهو من أهل حد الزنا .. ففيه قولان: أحدهما: يجب عليه الرجم، والثاني: يجب عليه الرجم إن كان محصنًا، والجلد والتغريب إن لم يكن محصنًا) الأظهر: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، فهو داخل في ضابطهما المتقدم، وذكره "المنهاج" بعد ذلك أيضًا فقال [ص 503]: (ودبر ذكر وأنثى كقبل على المذهب) ويرد عليه أمور: أحدها: أنَّه يستثنى منه: دبر زوجته أو مملوكته؛ فإن الواجب فيه التعزير فقط على المذهب، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 584]: (لا الزوجة والمملوكة) وقد يفهم ذلك من قول "المنهاج" [ص 503]: (وكذا كل جهة أباح بها عالم). ثانيها: أن مسألة اللواط ذات قولين كما تقدم، فمن أين جاء التعبير بالمذهب؟ ولعل ذلك؛ لأجل قول ثالث اختلفوا في إثباته، وهو: التعزير فقط، وأسقطه في "الروضة"، وفي ذلك بُعْد. ثالثها: أن الدبر ليس كالقبل بالنسبة إلى المفعول به، فالمفعول به إنما يجلد ويغرب ولو كان محصنًا، سواء كان رجلًا أو امرأة، وهذا وارد على "التنبيه" و"الحاوي" و"التصحيح" أيضًا. 5016 - قول "الحاوي" [ص 584]: (والمملوكة المحرمة بنسب) كذلك برضاع أو مصاهرة؛ ولهذا أطلق "المنهاج" قوله [ص 503]: (وكذا مملوكته المحرم)، وقول "التنبيه" [ص 241، 242]: (وإن وطئ بملك اليمين .. ففيه قولان، أحدهما: يحد، والثاني: يعزر وهو الأصح) يتناول أخته من الرضاع، لكنه لا يشمل محرمية المصاهرة ولا بقية المحارم؛ فعبارة "المنهاج" أشملها. 5017 - قول "المنهاج" [ص 503]: (ومكره في الأظهر) فيه أمور: أحدها: أنَّها مسألة دخيلة هنا، كان ينبغي ذكرها عند الشروط مع التكليف ونحوه، كما قال "التنبيه" [ص 241]: (إذا زنا البالغ العاقل المختار). ¬

_ (¬1) مختصر المزني (ص 180). (¬2) الحاوي (ص 584)، المنهاج (ص 503).

ثانيها: أن تعبيره بالأظهر يقتضي أن الخلاف قولان، وكذا في "المحرر" و"الوجيز" (¬1)، لكنه في "الشرحين" وجهان (¬2)؛ فلهذا عبر في "الروضة" بالأصح (¬3)، وحكى الماوردي والروياني إسقاط الحد عن المكره عن مذهب الشَّافعي، وإيجابه عن بعض الأصحاب (¬4)، وذلك يقتضي أن الخلاف قول ووجه. ثالثها: أن محل الخلاف: في الرجل، أما المرأة: فلا يجب عليها الحد قطعًا. قول "الحاوي" [ص 584]: (ودون ولي وشهود) يفهم سقوط الحد مع خلو العقد عن ولي وشهود معًا، وليس كذلك، وإنَّما يسقط إذا خلا عن أحدهما فقط؛ لشبهة أبي حنيفة في عدم اعتبار الولي، ومالك في عدم اعتبار الشهود، فلو عبرب (أو) .. لكان أولى. وكذا يرد ذلك على قول "التنبيه" [ص 242]: (وإن وطئ في نكاح مختلف في إباحته؛ كالنكاح بلا ولي ولا شهود) على أن في عبارته ما يرشد إلى مراده انتفاء أحدهما فقط من وجهين: أحدهما: قوله: (مختلف في إباحته) فإن المختلف في إباحته فاقد أحدهما فقط، أما فاقد كل منهما .. فمجمع على تحريمه. ثانيهما: قوله بعد ذلك: (وقيل: إن وطئ في النكاح بلا ولي وهو يعتقد تحريمه .. حد) (¬5) ولم يبال شيخنا الإسنوي بهاتين القرينتين، فأورد ذلك على "التنبيه"، وقال: (الصواب: وجوب الحد فيما إذا وطئ في نكاح بلا ولي ولا شهود) (¬6)، واقتصر "المنهاج" على التمثيل بنكاح بلا شهود (¬7)، فلا إيراد عليه، لكن شاححه شيخنا الإمام البلقيني في قوله: (على الصحيح) (¬8) وقال: إن مقتضى المنقول: أنَّه لا يجب الحد في الوطء بلا شهود قطعًا، وإن كان قوله: (على الصحيح) راجعًا للقاعدة .. فهو أولى بالاعتراض بأنه لا خلاف فيها ولا في هذا المثال، إنما الخلاف في النكاح بلا ولي، وقيد محل الخلاف في درء الحد بشبهة عالم بما إذا لم يحكم حاكم بإبطاله أو صحته، فإن حكم بإبطاله وفرق بين الزوجين .. فقال الماوردي: إنهما زانيان عليهما الحد؛ لأن شبهة العقد قد ارتفعت بحكم الحاكم بينهما بالفرقة (¬9)، قال شيخنا: وإن ¬

_ (¬1) الوجيز (2/ 169)، المحرر (ص 427). (¬2) فتح العزيز (11/ 149). (¬3) الروضة (10/ 95). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 241). (¬5) التنبيه (ص 242). (¬6) تذكرة النبيه (3/ 465). (¬7) المنهاج (ص 503). (¬8) المنهاج (ص 503). (¬9) انظر "الحاوي الكبير" (9/ 48).

حكم بالصحة حيث لا ينقض .. فلا حَدّ قطعًا، قال: وهذا مقيد عند المحققين بأن يكون للعالم في تلك الجهة مستند متماسك. 5018 - قول "التنبيه" [ص 241]: (وإن وطئ أجنبية ميتة .. فقد قيل: يحد، وقيل: لا يحد) الأصح: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، وتقييد "التنبيه" بالأجنبية يفهم عدم الحد إذا كانت مباحة له في حياتها بملك أو زوجية، وكذا صححه النووي في "نكت الوسيط"، لكن صحح في "شرح المهذب": عدم الحد مطلقًا، وجعل هذا الوجه المفصل ضعيفًا (¬2). 5019 - قول "التنبيه" [ص 241]: (وإن أتى بهيمة .. ففيه قولان؛ كاللواط، وقيل: فيه قول ثالث: أنَّه يعزر) الأظهر: هذا القول الثالث كما في "المنهاج" (¬3)، وقطع به بعضهم، وعليه مشى "الحاوي" (¬4)، وقال في "المطلب": إنه الصحيح عند عامة الأصحاب، ونازعه شيخنا الإمام البلقيني في ذلك، وصحح وجوب الحد؛ فإن الشَّافعي رضي الله عنه نص عليه في الحدود، وكلامه في غيره محتمل. 5020 - قول "التنبيه" [ص 241]: (فإن كانت البهيمة تؤكل .. وجب ذبحها وأكلت، وقيل: لا تؤكل) صحح في "الروضة" حل أكلها (¬5)، وكذا صححه الإمام والبغوي وغيرهما (¬6)، وفي "المطلب" تبعا للرافعي: أن الشيخ أبا حامد صحح أنَّها حرام (¬7)، قال شيخنا الإمام البلقيني: ولم أجد ذلك في "تعليقه". 5021 - قوله: (وإن كانت لا تؤكل .. فقد قيل: تذبح، وقيل: لا تذبح) (¬8) الأصح: الثاني، كذا صححه الرافعي والنووي (¬9)، وقال في "المطلب": صرح الأصحاب بتصحيح عدم قتلها. قال شيخنا الإمام البلقيني: وما قاله مردود؛ فلم يصرح الأصحاب بذلك، قال: والأصح على أن الحجة بالخبر: أنَّها تقتل مطلقًا، وعلى أن الحجة مجرد القياس: لا تقتل مطلقًا، قال: ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 584)، المهاج (ص 503). (¬2) المجموع (2/ 152). (¬3) المنهاج (ص 503). (¬4) الحاوي (ص 584). (¬5) الروضة (10/ 92). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (17/ 199، 200)، و"التهذيب" (7/ 243). (¬7) انظر "فتح العزيز" (11/ 143). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 241). (¬9) انظر "فتح العزيز" (11/ 143)، و"الروضة" (10/ 92).

وقد احتججنا بالخبر، وحملناه على المحصن من جهة القياس، وذلك يقتضي قتل البهيمة مطلقًا. 5522 - قول "المنهاج" [ص 503]: (ويحد في مَحْرَمٍ وإن كان تزوجها) أعم من قول "الحاوي" [ص 584]: (ونكح الأم). 5023 - قول: "التنبيه" [ص 241]: (إذا زنى العاقل البالغ المختار وهو مسلم أو ذمي أو مرتد .. وجب عليه الحد) يشترط أيضًا: العلم بتحريمه، وقد ذكره بعد ذلك فقال: (وإن زنى بامرأة وادعى أنَّه جهل تحريم الزنا؛ فإن كان يجوز أن يخفى عليه؛ بأن يكون قريب العهد بالإسلام أو نشأ في بادية بعيدة .. لم يحد) (¬1) وخرج بجهل التحريم ما لو علمه وجهل الحد، وقد تردد فيه الإمام، وحكاه عنه الرافعي (¬2)، وقال النووي: الصحيح: الجزم بوجوب الحد، وهو المعروف في المذهب والجاري على القواعد (¬3)، وجزم به الرافعي في نظيره من شرب الخمر، وعبارة "المنهاج" [ص 503]: (وشرطه التكليف - إلَّا السكران - وعلم تحريمه) فصرح باشتراط العلم بتحريمه، وقد عرفت أن الجهل بذلك إنما يقبل ممن يمكن خفاؤه عليه عادة، وفي كلامه مع ذلك أمران: أحدهما: ما اقتضاه كلامه من أن السكران غير مكلف تقدم له نظيره في الطلاق، وتقدم الرد عليه فيه هناك. ثانيهما: يشترط مع ذلك أيضًا: كونه ملتزمًا للأحكام؛ ليخرج الحربي والمستأمن، وقد ذكره "التنبيه" بقوله [ص 241]: (وهو مسلم أو ذمي أو ومرتد). 5024 - قول "المنهاج" [ص 503]: (وهو - أي: المحصن - .. مكلف حر ولو ذمي غَيَّب حشفته بقُبُلٍ في نكاح صحيح لا فاسد في الأظهر، والأصح: اشتراط التغييب حال حرية وتكليف) مثل قول "الحاوي" [ص 585]: (المكلف الحر المصيب بعدهما بصحيح نكاح) إلَّا أن تعبير "المنهاج" بتغييب حشفة بقبل أوضح من تعبير "الحاوي" بالإصابة، وأنه يرد على تعبير "المنهاج": إدخالها حشفته وهو نائم، وإدخاله فيها وهي نائمة؛ فإنه يحصل الإحصان للنائم أيضًا وإن لم يكن التغييب حالة التكليف، ولا يرد ذلك على تعبير "الحاوي" بالإصابة؛ لأن الإصابة في هاتين الصورتين بعد التكليف، لكن يرد عليه: من بلغ وهو نائم، وأصيب في حالة النوم، أو أصاب حال الجنون الطارئ بعد التكليف، وأنه لا معنى لاشتراط "المنهاج" التكليف في الإحصان بعد اشتراطه التكليف في مطلق وجوب الحد، بخلاف "الحاوي" فإنه لم يتقدم له ذلك. ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 242). (¬2) فتح العزيز (11/ 150)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 206). (¬3) انظر "الروضة" (10/ 95).

بقي أمر مشترك بينهما، وهو: أنهما اعتبرا في المحصن كونه حرًا، ولم يعتبر ذلك "التنبيه"، بل قال [ص 241]: (إنه من وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل) فاعتبر الحرية حالة الإصابة لا حالة الزنا، ومقتضاه: أنَّه لو أحصن ذمي ثم نقض العهد والتحق بدار الحرب واسترققناه فزنا .. أنَّه يحد حد المحصن، وإن كان رقيقًا حالة رجمه، وبذلك صرح شيخنا الإمام البلقيني، وقال: إن المراد: الحرية حالة التحصين لا حالة الزنا، لكنه مخالف لما في "الروضة" وأصلها: أن شرط الإحصان ثلاثة: التكليف، والحرية، والوطء في نكاح صحيح (¬1)، وحكى في "الكفاية" ذلك عن القاضي أبي الطيب، وأن الماوردي قال: إنه مذهب الشَّافعي، وعليه جمهور أصحابه (¬2)، ثم ألزم في "الكفاية" "التنبيه" هذه الصورة، قال: وقد صرح القاضي حسين وغيره بأن عليه جلد خمسين والتغريب إن رأيناه؛ لأن الاعتبار في الحدود بحالة الوجوب، قال: فيجب أن يقال: (هو: من وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل في حالة الوطء وحالة الزنا)، قال: ويدخل في ذلك ما إذا وطئ في نكاح صحيح وهو كذلك، ثم نقض العهد واسترق، ثم عتق فزنا .. فإنه يرجم اتفاقًا كما صرح به القاضي حسين. انتهى فما أدري من أين أخذ شيخنا ما قاله" ولعله أراد هذه الصورة التي حكى في "الكفاية" فيها الاتفاق، أو أنَّه زنا قبل الرق حالة كونه ذميًا محصنًا حرًا، لكن ينافي الصورتين معًا قوله: (إن المراد: الحرية حالة التحصين لا حالة الزنا)، ويختص "المنهاج" بأمور: أحدها: أنَّه لو قال: (ولو ذميًا) .. لكان أولى من قوله: (ذمي) لاحتياج الرفع إلى تكلف، بل لو حذف هذه اللفظة .. لكان أولى؛ لأن الحربي إذا أصاب في حالة حرابته وبلوغه وعقله في أنكحتهم .. محصن وإن لم يكن ذميًا، فلو عقدت له ذمة فزنى .. رجم؛ فالذمة شرط لإقامة الحد عليه لا لكونه محصنًا. ثانيها: أن قوله: "لا فاسد في الأظهر) (¬3) يقتضي قوة الخلاف، وتعبير "الروضة" عنه بأنه المشهور وبه قطع الجمهور يقتضي ضعفه (¬4)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: كونه لا يحصل التحصين بالوطء في الفاسد هو المعروف في الطريقين، ونسب القاضي حسين مقابله إلى أبي ثور مذهبًا له، لا أنَّه نقله عن الشَّافعي، ولا نعرف حكاية القولين إلَّا في كلام الفوراني والإمام والغزالي (¬5). ¬

_ (¬1) فتح العزيز (11/ 131)، الروضة (10/ 90). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (9/ 385، 388). (¬3) المنهاج (ص 503). (¬4) الروضة (10/ 86). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (17/ 184)، و"الوجيز" (2/ 166).

ثالثها: أن قوله: (الأصح: اشتراط التغييب حال حرية وتكليف) (¬1) يقتضي أنَّه وجه، وأن مقابله قوي، وليس كذلك فيهما؛ فهو نص الشَّافعي في "الأم" و"المختصر" (¬2)، ومقابله ضعيف. رابعها: يرد عليه أن مقتضاه: أن الإصابة حال سكره لا يحصل بها التحصين؛ لأنه غير مكلف على طريقته، وإن كان الراجح خلافه كما تقدم، لكنه ألحق السكران وإن كان غير مكلف عنده بالمكلفين في إيجاب الحد عليه، فكذلك في التحصين. وأورد عليهم معًا أمور: أحدها: أن تعبيرهم لا يتناول الأنثى. وجوابه: أن المراد: الجنس؛ فيتناولها لا سيما قول "التنبيه" [ص 241]: (من وطئ) فإنه شامل لهما، وأما التذكير بعد ذلك؛ فلمراعاة اللفظ، إلَّا أن يقال: المرأة ليست واطئة، وإنما هي موطوءة. ثانيها: أن عبارتهم تتناول الحرية في الظاهر؛ كاللقيط الساكن والعتيق في مرض الموت مع أنهما لا يرجمان، والمراد: من استقرت حريتهما، قال شيخنا الإمام البلقيني: ولم أر من تعرض لهذين الفرعين، ولا بد من التنبيه عليهما. قلت: قد يقال: لم تتناولهما عبارتهم؛ لأنهما ليسا محققي الحرية، ولا بد من تحققها؛ لأنها شرط، وهذا شأن الشروط. ثالثها: أنَّه دخل في عبارتهم وطء من لا يوطأ مثلها مع عدم تمييزها، وقد تردد في ذلك شيخنا الإمام البلقيني، وقال: الأرجح: أنَّه لا يصير به محصنًا، وكذا لو استدخلت المرأة حشفة زوجها الفطيم .. لا تصير محصنة. قلت: كلامهم قد يخالف ذلك؛ ففي "أصل الروضة" بعد حكاية الخلاف في إصابة الكامل الناقص: قال الإمام: هذا الخلاف في صغيرة أو صغير لا يشتهيه الجنس الآخر، فإن كان مراهقًا .. حصل قطعًا. انتهى (¬3) فالتي لا تشتهى هي التي لا يُوطأ مثلها، إلَّا أن يقال: صورة تردد الشيخ ليس في كل من لا يشتهى، بل بقيد كونه غير مميز، ويختص كلام الإمام بوجود التمييز، والله أعلم. 5025 - قول "المنهاج" عطفًا على ما عبر فيه بالأصح [ص 503]: (وأن الكامل الزاني بناقصٍ محصنٌ) فيه أمران: ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 503). (¬2) الأم (4/ 288)، مختصر المزني (ص 261). (¬3) الروضة (10/ 87)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 184).

أحدهما: أنَّه يقتضي أن الخلاف وجهان، وكذا في "المحرر" (¬1)، وهو في "الروضة" وأصلها قولان (¬2). ثانيهما: كان ينبغي أن يقول: (المصيب لناقص) لأن المراد: إذا كان أحد الزوجين في حال إصابته كاملًا؛ أي: مكلفًا حرًا، والآخر ناقصًا؛ أي: بخلاف ذلك .. هل يحصل الإحصان للكامل وإن لم يحصل للناقص؟ الأظهر: نعم، وأما الكامل الزاني بناقص .. لا يصير بذلك محصنًا بلا شك، والمعنى واضح، وإنما الإيراد على التعبير، وقد قيل: إنها بالبناء؛ أي: الدخول بدل الزاني، وهو حسن، وقال السبكي: هذه عبارة قلقة ومقصودة، وأن الزاني الكامل المصيب لناقصة محصن؛ فالوجه في التعسف لتصحيح كلامه: أن يجعل بناقص معلقًا بالكامل على سبيل التجوز، حكاه عنه ولده في "التوشيح"، وقال: وما أحسن اعترافه بالتعسف في هذا المحمل، وحاصله: أن الذي يكمل بوطء في نكاح ناقص هل يكون كاملًا محصنًا؟ وهذا أحسن ما حمل عليه كلامه، وإلَّا .. فلا يبقى له وجه. 5026 - قول "التنبيه" [ص 241]: (إلى مسافة تقصر فيها الصلاة) و"الحاوي" [ص 585]: (مرحلتي جهةٍ شاء) مقتضاه: أنَّه لو رأى تغريبه إلى ما فوق مسافة القصر .. لم يجز، وبه قال المتولي، إذا كان هناك موضع صالح، لكن الصحيح: الجواز مطلقًا، وبه قطع الجمهور؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 503]: (إلى مسافة قصر فما فوقها) وقد غرب عمر رضي الله عنه إلى الشام، وعثمان رضي الله عنه إلى مصر (¬3). 5027 - قول "المنهاج" [ص 503]: (وإذا عين الإمام جهة .. فليس له طلب غيرها في الأصح) كان ينبغي أن يقول: (لم يعدل إلى غيرها) فإن له طلب غيرها قطعًا، لكن الإمام بالخيرة في إجابته إليها، ويرد ذلك على قول "الحاوي" [ص 585]: (مرحلتي جهة شاء) واستثنى شيخنا الإمام البلقيني من ذلك: ما إذا صادفنا من وجب عليه التغريب محرمًا أو خارجًا لجهاد تعين عليه، ولو غربناه إلى جهة أخرى فإنه الحج أو الجهاد .. قال: فيجاب إذا طلب جهة قصده، ولا يصار إلى تفويت مقصده عليه، ولا إلى تأخير التغريب حتَّى يفرغ. 5028 - قول "المنهاج" [ص 503]: (ويغرب غريب من بلد الزنا إلى غير بلده) و"الحاوي" [ص 585]: (لا بلده) كذا لا يغرب إلى بلد بينه وبين بلده دون مسافة القصر؛ فحكمها حكم بلده، فلو لم يكن للغريب وطن؛ بأن هاجر حربي عند إسلامه ولم يتوطن بلدًا .. قال المتولي: يتوقف ¬

_ (¬1) المحرر (ص 428). (¬2) فتح العزيز (11/ 133)، الروضة (10/ 86). (¬3) انظر "الروضة" (10/ 88).

الإمام حتَّى يتوطن ثم يغربه، حكاه عنه في "أصل الروضة"، وأقره (¬1). وتعقبه شيخنا الإمام البلقيني وقال: يغربه من بلد الزنا كمسافر زنا في طريقه؛ فإنه يغربه من غير أن يتوقف حتَّى يرجع إلى بلده أو يقيم في موضع، ونازع شيخنا أيضًا في قول الرافعي والنووي: إن المسافر يغرب إلى غير مقصده (¬2)، وقال: لا يحجر على الإمام في ذلك، بل إذا رأى الإمام تغريبه في جهة مقصده .. لم يمنع من ذلك، ولا سيما إذا كان مسافرًا للحج أو للجهاد .. فلا ينبغي تفويت مقصوده، ويكفي في التنكيل أن يمنع من العودة والتصرف في السفر يمنة ويسرة. 5029 - قول "الحاوي" [ص 585]: (والمرأة بمحْرَم) تبع فيه "الوجيز" (¬3)، ويرد عليه: الزوج؛ فهو في ذلك كالمحرم، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 504]: (ولا تغرب امرأة وحدها في الأصح، بل مع زوج أو مَحْرَمٍ) وكذا النسوة الثقات كما جزموا به في الحج، وهذا أولى؛ لكونه على الفور والحج على التراخي، وحكى في "أصل الروضة" في ذلك وجهين بلا ترجيح عند أمن الطَّرِيقِ، قال: وربما اكتفى بعضهم بواحدة ثقة (¬4). قال شيخنا الإمام البلقيني: وهو المعتمد تفريعًا على أنَّها لا تخرج وحدها، قال: ونص الشَّافعي في "الأم" في باب حج المرأة والعبد صريح في الاكتفاء في الحج بالمرأة الواحدة (¬5)، وصرح به الماوردي والنووي في "شرح المهذب" (¬6)، قال: ونص في موضعين من "الأم" على تغريبها وحدها، وأن النهي عن سفرها وحدها إنما هو فيما لا يلزمها (¬7)، قال: ولم أقف على نص للشافعي يخالفه. انتهى. ومحل ذلك مع الأمن كما قيد به الإمام والغزالي موضع الوجهين (¬8). 5530 - قولهما: (وإن كان عبدًا .. فحده جلد خمسين) (¬9) لو عبرا (بمن فيه رق) ليتناول المبعض وغيره .. لكان أولى، وقد سوى في ذلك بين القن والمدبر وأم الولد، وإنَّما قال: "لا المكاتب وحر البعض) (¬10) لأجل أن السيد لا يقيم الحد عليهما، وكلامه فيه، وأما بالنسبة إلى ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 89). (¬2) انظر "فتح العزيز" (11/ 137)، و "الروضة" (10/ 89). (¬3) الوجيز (2/ 167). (¬4) الروضة (10/ 87). (¬5) الأم (2/ 117). (¬6) الحاوي الكبير (4/ 363)، المجموع (7/ 55). (¬7) الأم (2/ 117)، (6/ 134). (¬8) انظر "نهاية المطلب" (17/ 181)، و"الوجيز" (2/ 167). (¬9) انظر "التنبيه" (ص 241)، و"المنهاج" (ص 504). (¬10) الحاوي (ص 586).

تنصيف حد الحر .. فهما كالقن في ذلك، وقيد شيخنا الإمام البلقيني وجوب الحد على العبد والأمة بالإسلام، وقال: إن حكم الكافرين كالمعاهد؛ لأنهما لم يلتزما الأحكام بالذمة؛ إذ لا جزية عليهما، والمعاهد لا يحد، فكذا العبد والأمة الكافران، قال: ونص الشَّافعي في "الأم" يقتضي ذلك؛ لأنه فسر الإحصان في الأمة بالإسلام (¬1). 5031 - قول "التنبيه" [ص 241]: (وفي تغريبه ثلاثة أقوال) الأظهر: الثالث، وهو: وجوب تغريب نصف عام، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). 5032 - قول "المنهاج" [ص 504]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 586]: (ويثبت ببينة، أو إقراره) كذا بلعان الزوج في حق المرأة إن لم تلاعن كما سبق في بابه، والمراد: الإقرار الحقيقي دون التقديري، وهو اليمين المردودة بعد نكول الخصم؛ فإنه لا يثبت به الزنا، ولكن يسقط به الحد عن القاذف، ويثبت به مهر المثل في صورة دعوى الإكراه على الزنا .. فالأصح: أنَّه يشترط في الإقرار بالزنا التفسير. 5033 - قول "المنهاج" [ص 504]: (ولو قال: لا تحدوني أو هرب .. فلا في الأصح) أي: لا يسقط الحد، لكن يخلى في الحال ولا يتبع؛ ولذلك قال "التنبيه" [ص 243]: (فإن رجم فهرب .. لم يتبع) ونبه في "التصحيح" على أن هذا فيمن ثبت زناه بالإقرار، فإن ثبت بالبينة .. فإنه يتبع، وهو كذلك، وليس المراد: ترك إقامة الحد عليه مطلقًا، ولكن الإعراض عنه احتياطًا، فإن رجع، وإلا .. حد. نعم؛ لو اتبع الهارب فرجم .. فلا ضمان، ومقتضى عبارة "المنهاج": قوة الخلاف، وليس كذلك، بل مقابل الأصح ضعيف جدًا، وعبارة الشَّافعي رحمه الله توافق الأول؛ حيث قال: (حتَّى يرجع عن الإقرار بكلام) (¬3)، قال شيخنا الإمام البلقيني: ومحل الخلاف: في هرب مشعر بالرجوع؛ كهربه عند إقامة الحد عليه، فلو هرب على وجه لا إشعار له بالرجوع .. لم يسقط الحد قطعًا. 5034 - قول "المنهاج" [ص 504]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 584]: (ولو شهد أربعة بزناها وأربع أنَّها عذراء .. لم تحد هي ولا قاذفها) قال شيخنا الإمام البلقيني: محله: فيما إذا لم تكن غوراء بحيث يمكن تغييب الحشفة مع بقاء البكارة، فإن كانت كذلك .. حُدَّتْ؛ لثبوت الزنا، قال: ولا يتوقف ذلك على أربع نسوة، فلو شهد به رجلان. كان كذلك. ¬

_ (¬1) الأم (6/ 155). (¬2) الحاوي (ص 586)، المنهاج (ص 504). (¬3) انظر "الأم" (6/ 71).

5035 - قول "التنبيه" [ص 242]: (ولا يقيم الحد على الحر إلَّا الإمام أو من فوض إليه الإمام) كذلك المبعض والمكاتب كما صرح بهما "المنهاج" و"الحاوي"، والعبد الموقوف كله أو بعضه بناء على أن الملك فيه لله تعالى، وهو الأظهر، وعبد بيت المال، والموصى بإعتاقه إذا زنى بعد موت الموصي وقبل إعتاقه، وهو يخرج من الثلث بناء على أن أكسابه له، وهو المذهب، والرقيق المسلم لكافر كمستولدته، ذكر ذلك كله شيخنا الإمام البلقيني. 5036 - قول "التنبيه" [ص 242]: (ويجوز للمولى أن يقيم الحد على عبده وأمته) يفهم أنَّه لا يتعين عليه ذلك، بل للإمام فعله أيضًا، وبه صرح "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، والمراد بالمولى: بقدر الحد وكيفيته؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 586]: (إن علم حكم الحد). ويستثنى من المولى: المحجور عليه ولو بسفه، فليس له ذلك، ويقيمه عنه وليُّه ولو وصيًا وقيمًا بناء على أنَّه إصلاح، وهو الأصح، والمراد: سيده عند إقامة الحد، فلو زنا ثم باعه .. أقام المشتري الحد عليه بطريقه. 5037 - قول "التنبيه" [ص 242]: (وقيل: إن ثبت بالإقرار .. جاز له، وإن ثبت بالبينة .. لم يجز) اعترضه في "الكفاية" بما معناه: أن هذا الخلاف ليس معروفًا، بل المنقول: أن له الحد مطلقًا، والخلاف إنما هو في أن له سماع البينة أم لا كما مشى عليه "المنهاج" (¬2)، وللسيد أن يقيم عليه حد الشرب والقذف، وفى الأول وجه طرد في الثاني، وقطع السرقة والمحاربة وقتله في الردة في الأصح وقتله في قطع الطَّرِيقِ وصَلْبَه كما قال شيخنا الإمام البلقيني: إنه الأرجح. 5038 - قول "المنهاج" [ص 504]: (فإن تنازعا .. فالأصح: الامام) يقتضي أنهما وجهان منقولان، وإنَّما هما احتمالان للإمام (¬3). 5039 - قول "التنبيه" [ص 242]: (فإن كان المولى فاسقًا أو امرأة .. فقد قيل: لا يقيم، وقيل: يقيم وهو الأصح) الأصح: أنَّه يقيم كما صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، وهو في "التنبيه" أيضًا، وإنَّما نبهت عليه؛ لأنه قد يتحرف بسبب تقديمه النفي أولًا، وفى معناهما: الكافر، وقد صرح به "المنهاج" (¬5)، ويستثنى منه: ما إذا كان الزاني من رقيقه مسلمًا؛ كمستولدته ونحوها؛ فإنه لا يحده بحال كما جزم به في "أصل الروضة" (¬6)، فإن كان كافرًا .. فلا ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 586)، المنهاج (ص 504). (¬2) المنهاج (ص 504). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (17/ 211، 212). (¬4) الحاوي (ص 586)، المنهاج (ص 504). (¬5) المنهاج (ص 504). (¬6) الروضة (10/ 104).

حد عليه قهرًا، فإن اعتقد سيده أن عليه الحد .. حده على مقتضى عقيدته. 5040 - قول "التنبيه" [ص 242]: (وإن كان مكاتبًا .. فقد قيل: يقيم، وقيل: لا يقيم وهو الأصح) الأصح: أنَّه يقيم، وعليه "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، لكن نص الشَّافعي على خلافه؛ وعلله: بأن الحد لا يكون إلى غير حر، والمراد: أن يكون السيد مكاتبًا، أما لو كان السيد مكاتبًا - بكسر التاء - والعبد مكاتَبًا - بالفتح - .. فإقامة الحد عليه للإمام خاصة كما ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، وقد تقدم، ولم يتعرضوا لعبد المبعَّض، وقال شيخنا الإمام البلقيني: مقتضى النص المتقدم: أنَّه لا يقيمه عليه؛ لأنه غير حر، ويحتمل أن يقيمه عليه كما تجب عليه الزكاة فيما ملكه ببعضه الحر، والأرجح: الأول. 5041 - قول "المنهاج" عطفًا على ما عبر فيه بالأصح [ص 504]: (وأن السيد يعزر) فيه أمور: أحدها: أنَّه يقتضي أنَّه لا نص فيه للشافعي، وليس كذلك؛ فقد نص عليه، فقال: (وللمكاتَب أن يؤدب عبده) (¬3). ثانيها: أن تعبيره بالأصح يقتضي قوة مقابله، وليس كذلك؛ ففي "أصل الروضة": أنَّه ضعيف (¬4). ثالثها: أنَّه أطلق الخلاف، ومحله: في حقوق الله تعالى، وله أن يؤدبه لحق نفسه قطعًا، وقد جعله في "أصل الروضة" أصلًا مقيسًا عليه (¬5). 5042 - قوله: (ويسمع البينة بالعقوبة) (¬6) يقتضي أن السيد لا يحده بعلمه، ويوافقه تخريجه ذلك في "شرح مسلم" على القضاء بالعلم في الحدود (¬7)، وقد ذكر الرافعي أيضًا هذا البناء، لكنه عقبه بقوله: الأظهر: نعم (¬8)، ومراده: ترجيح ذلك هنا، وإن كان الأظهر في القاضي خلافه؛ ولهذا قال في "أصل الروضة": فلو شاهده السيد .. فله إقامتها في الأصح. انتهى (¬9) والفرق أن الحاكم إنما منع من القضاء بالعلم مطلقًا للتهمة، وهذا مفقود في السيد، ومن منع ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 586)، المنهاج (ص 504). (¬2) الحاوي (ص 586)، المنهاج (ص 504). (¬3) انظر "الأم" (8/ 71). (¬4) الروضة (10/ 103). (¬5) الروضة (10/ 103). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 504). (¬7) شرح مسلم (11/ 211). (¬8) انظر "فتح العزيز" (11/ 166). (¬9) الروضة (10/ 104).

في حدود الله تعالى؛ فلأنه مندوب إلى ستره، فليس له هتكه بإقامة الحد عليه بلا بينة، والسيد إنما يقيمه سرًا من غير هتك. وقال شيخنا الإمام البلقيني: يمكن أن يقال: إن قلنا: السيد يقيم الحد استصلاحًا .. أقامه بعلمه قطعًا، وإن قلنا: ولاية .. فوجهان، والأصح: أنَّه يقيمه بعلمه. انتهى وتبعت أولًا في إيرادي ذلك على "المنهاج" شيخنا المذكور، والحق: أنَّه لا يرد، ولا يلزم من ذكر الخلاف في سماع البينة التي هي طريق لإثبات الحد بالاتفاق منع غيرها من الطرق، والله أعلم. 5043 - قوله: (والرجم بمدرٍ وحجارةٍ معتدلةٍ) (¬1) و"الحاوي" [ص 585]: (بحجارة معتدلة) يقتضي منع الصخرة الكبيرة والحصيات الخفيفة، وبه صرح الإمام والغزالي (¬2)، وهو مقتضى كلام "الروضة" وأصلها (¬3)، ومنع ذلك شيخنا الإمام البلقيني، ومال: بل يُرمى بالخفيف والثقيل على حسب ما يتفق مما يجده الرامي؛ ففي "صحيح مسلم" من حديث أبي سعيد في قصة ماعز: (فرميناه بالعظام والمدر والخزف)، قال: (فاشتد واشتددنا خلفه حتَّى أتى عُرْض الحَرَّةِ، فانتصب لنا، فرمشِاه بجلاميد الحَرَّة، يعني: الحجارة حتَّى سكت) (¬4) قال شيخنا: ففيه أنهم رموه بالعظام والمدر والخزف بحسب ما وجدوا في ذلك الموضع، فلما وجدوا في الحرة الحجارة الكبار وهي الجلاميد .. رجموه بها، فدل على أنَّه لا يضيق في ذلك، وأنه بحسب ما يجده الذي يرجمه؛ وفي رواية عبدِ الرزاق عن ابن جريج: "أن ماعزًا لم يقتل حتَّى رماه عمر بلحي بعير، قام رأسه، فقتله) (¬5) وفي رواية للبيهقي: (أن عبدِ الله بنُ أنيس رماه بوظيف حمار أي: وهو مستدق الذراع والساق فصرعه، ورماه الناس حتَّى قتلوه) (¬6) وفي "صحيح مسلم": (أن خالد بنُ الوليد رمى رأس الغامدية بحجر فنضح الدم على وجهه) (¬7) قال: ولعل الإمام أراد: البداءة بالصخرة الكبيرة والاستمرار على الرمي بالحصيات الخفيفة. 5044 - قول "التنبيه" [ص 243]: (وإن ثبت الحد بالبينة .. استحب أن تُحفر له حفيرة) المشهور: الجزم بأنه لا يحفر للرجل، والخلاف إنما هو في المرأة، والصحيح فيها: هذا ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 504). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (17/ 189، 190)، و "الوجيز" (2/ 169). (¬3) فتح العزيز (11/ 156)، الروضة (10/ 99). (¬4) صحيح مسلم (1694). (¬5) مصنف عبدِ الرزاق (13339). (¬6) سنن البيهقي الكبرى (16735). (¬7) صحيح مسلم (1695).

التفصيل، وعلى هذا مشى "المنهاج" (¬1)، وهو الذي في كتب الرافعي والنووي (¬2)، لكن في "الأحكام السلطانية" للماوردي مثل ما في "التنبيه" (¬3)، إلَّا أنَّه حكى ذلك في "الحاوي" عن اختيار العراقيين، وأراد بهم: المخالفين لأصل المذهب، لا أصحابنا، ثم قال: وهذا عندنا غير مختار في رجم الرجل، سواء رجم بشهادة أو إقرار (¬4)، وذكر ابن يونس أن في بعض نسخ "التنبيه": (يحفر لها) وأن هذه النسخة هي الصحيحة. قال ابن الرفعة: وما ذكره من تصحيح هذه النسخة تظهر صحته؛ لأن النووي لم ينبه في هذا الموضع على شيء، فلو كان لفظ الشيخ بالتذكير .. لنبه على ذلك على عادته، وحكى في "التوشيح" عن نسخة صحيحة عليها خط المصنف رحمه الله بالصحة له بالتذكير، واستشكل شيخنا الإسنوي في "التنقيح" المنقول بما في "صحيح مسلم": (أن ماعزًا حفر له) (¬5)، مع أن زناه ثبت بالإقرار، وما في "سنن أبي داوود": (أن فتى محصنًا اعترف بالزنا فحفر له ورجم) (¬6)، قال في "التوشيح": لكن قد ثبت في "صحيح مسلم" أيضًا من حديث أبي سعيد الخدري: (فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد، فما حفرنا له) (¬7)، قال: وهذه الرواية عندنا أرجح؛ لتظافر الأحاديث على أنَّه هرب، واتبعوه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: "فهلا تركتموه"، قال: ويؤيدها - أعني في عدم الحفر - ما رواه النَّسائي من حديث أبي هريرة: (أنَّه اضطجع في ظل شجرة ورُجم حتَّى مات). ومال شيخنا الإمام البلقيني إلى أن الإمام يتخير في الحفر للرجل؛ إن شاء .. حفر له وإن شاء .. لم يحفر، قال: وهو الموافق لمقتضى الأحاديث الصحيحة، بل يمكن أن يدعي في ذلك السنة، قال: ولو بلغ الشَّافعي رضي الله عنه الحديثان اللذان فيهما الحفر .. لقال به تخييرًا أو سنة، قال: ويمكن الجمع بين الراويتين - أي: في حديث ماعز - أنَّه حفر له حفرة صغيرة، فلما رجم .. هرب منها، ولا ينافي ذلك قوله في رواية البيهقي من حديث بريدة: (فجعل فيها إلى صدره) (¬8) لأنه لا يمتنع أن يهرب من الحفيرة المذكورة؛ لأنه ليس المراد: أن يرد عليه التراب ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 504). (¬2) انظر "المحرر" (ص 429)، و"فتح العزيز" (11/ 157)، و"الروضة" (10/ 99). (¬3) الأحكام السلطانية (ص 293). (¬4) الحاوي الكبير (13/ 202). (¬5) صحيح مسلم (1695). (¬6) سنن أبي داوود (4435). (¬7) صحيح مسلم (1694). (¬8) سنن البيهقي الكبرى (16742).

بحيث لا يتمكن من الخروج، وناقش شيخنا المذكور "المنهاج" في قوله [ص 504]: (والأصح: استحبابه إن ثبت ببينة) وقال: العبارة الوافية: (إن لم يثبت بإقرارها) ليشمل ما إذا وجب عليها الحد بلعان الزوج .. فإنه كالبينة؛ لأنه لا يستحب لها أن تلاعن بعد امتناعها كما لا يستحب للشهود الرجوع بعد شهادتهم، قال: ويحتمل أن يجعل كإقرارها؛ لأنها متمكنة من إسقاط الحد باللعان، وصحح شيخنا المذكور: استحباب الحفر لها ولو ثبت بالإقرار؛ فإن في "صحيح مسلم" من حديث بريدة الأمر بالحفر للغامدية مع أن زناها بالإقرار (¬1)، قال: ولا يحل أن يثبت في مذهب الشَّافعي ما يخالف السنة الصحيحة. 5045 - قول "التنبيه" [ص 242، 243]: (فإن وجب الرجم في الحر أو البرد أو المرض؛ فإن كان قد ثبت بالبينة .. رجم، وإن ثبت بالإقرار .. فالمنصوص: أنَّه يؤخر إلى أن يبرأ ويعتدل الزمان، وقيل: يقام عليه) صحيح "المنهاج" الثاني، فقال [ص 504]: (ولا يؤخر لمرض وحر وبرد مفرطين، وقيل: يؤخر إن ثبت بالإقرار) وكذا قال "الحاوي" [ص 585]: (وإن مرض، وفي الحر والبرد المفرطين) وقيد التأخير بأن يكون الحر والبرد مفرطين، واستفدنا من "التنبيه" أن التأخير منصوص، فلا ينبغي التعبير عنه بقيل على اصطلاحه. وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم أقف عليه في "الأم"، وما أظنه يصح عن الشَّافعي، وإنَّما هو وجه حكاه ابن أبي هريرة، وعدم التأخير منصوص "المختصر"، فالمسألة ذات قولين إن صح نص "الأم"، وهنا أمور: أحدها: أن محل الخلاف: في المرض الذي يُرجى برؤه، ولا خلاف في رجمه في المرض الذي لا يرجى زواله، ذكره شيخنا الإمام البلقيني، قال: وما وقع في "شرح التنبيه" لابن يونس عن الشيخ أبي حامد: أنَّه إن كان مريضًا .. أخّر الرجم، سواء رجي برؤه أم لا، نقلٌ غير صحيح، ولم يقله الشيخ أَبو حامد. ثانيها: ومحل الخلاف أيضًا ما إذا لم يرتد بعد ذلك، ولم يتحتم قتله في المحاربة، فإذا وُجد أحدهما .. رجم قطعًا، ذكره شيخنا أيضًا. ثالثها: ظاهر كلامهما وجوب التأخير على ذلك الوجه، وليس كذلك، وإنَّما هو مستحب، قاله شيخنا المذكور، وقال: لم أر من تعرض له هنا، وتعرضوا له في الجَلْد. 5046 - قول "الحاوي" [ص 585]: (ويؤخر الجلد) أي: في المرض والحر والبرد المفرطين، فيه أمران: ¬

_ (¬1) صحيح مسلم (1695).

أحدهما: أن هذا التأخير مستحب؛ فقد قال في "التنبيه" [ص 242]: (فإن جلده في هذه الأحوال فمات .. فالمنصوص: أنَّه لا يضمن) وكذا قال في "المنهاج" [ص 504]: (فلا ضمان على النص فيقتضي أن التأخير مستحب) لكن في "زيادة الروضة": المذهب: وجوب التأخير مطلقًا (¬1)، يعني: سواء أوجبنا الضمان أم لا. قال شيخنا الإمام البلقيني: وهو مخالف لقول الشَّافعي رضي الله عنه في "الأم": (وإذا وقع على رجل حَدٌّ، فضربه الإمام وهو مريض أو في برب شديدٍ أو حَرٍّ شديدٍ .. كرهت ذلك) (¬2) فتصريحه بالكراهة يدل على أنَّه لا يجب التأخير، ثم صوب شيخنا أن الاستحباب فيما إذا كان الجلد في المرض أو الحر أو البرد لا يهلك غالبا ولا كثيرًا، والوجوب فيما إذا أهلك غالبًا أو كثيرًا. ثانيهما: أن محل التأخير: في مرض يرجى برؤه، قال في "التنبيه" [ص 242]: (وإن كان نضو الخلق أو مريضًا لا يرجى برؤه .. جلد بأطراف الثياب وإثكال النخل)، وقال في "المنهاج" [ص 504]: (فإن لم يُرج برؤه .. جلد لا بسوط، بل بعثكال عليه مائة غصن، فإن كان خمسين .. ضرب مرتين، وتمسه الأغصان أو ينكبس بعضها على بعض ليناله بعض الألم) وحذف ابن يونس في "النبيه" إضافة الإثكال إلى النخل كما فعل "المنهاج" لأن الإثكال لا يطلق إلَّا على شمراخ النخل كما نبه عليه في "تنويهه"، قال: وغلطناه في قوله: (أطراف الثياب) (¬3) إذ لا يكاد يوجد لغيره؛ وهذا لأن الإمساك بطرف ثوبه لا أثر له في الإيلام، ولا يسمى جلدًا، وكذا أنكر على الشيخ ابن عمه في "شرحه" والنووي في "نكته"، وقال ابن الرفعة: إنه صرح به جماعة من الأئمة، ولا التفات إلى من قال: إنه لم يره إلَّا في "المستظهري" (¬4)، وفي "أصل الروضة": ولا يتعين العثكال، بل له الضرب بالنعال وأطراف الثياب، كذا حكاه ابن الصباغ والروياني وغيرهما (¬5). قال شيخنا الإمام البلقيني: وهو عندي متعقب في النعال إذا كان ألمها أكثر من ألم العثكال، وأما أطراف الثياب .. فالظاهر أن أمرها مساو للعثكال أو أخف منه، وفي الحديث في شارب الخمر: (أنهم ضربوه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم بالنعال وأطراف الثياب) وفي معنى المرض الذي لا يرجى برؤه: إذا كان البلد شديد الحر أو البرد دائما كما صرح به الماوردي، فقال: فإن كان في بلاد الحر التي لا يسكن حرها أو البرد التي لا يقل بردها .. لم يؤخر حده، ولم ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 102). (¬2) الأم (6/ 87). (¬3) التنبيه (ص 242). (¬4) حلية العلماء (3/ 1135). (¬5) الروضة (10/ 100).

ينقل إلى البلاد المعتدلة؛ لما فيه من تأخير الحد، ولكن يخفف، ويقابل إفراط الحر وإفراط البرد بتخفيف الضرب حتَّى يسلم فيه من القتل (¬1). وفي معنى المريض ونحوه: النفساء، ومن به جرح أو ضرب .. فإنه يؤخر حتَّى يبرأ، نص عليه في "مختصر المزني"، فقال: (ولا يقام حد الجلد على كذا ولا كذا ولا في أسباب تلف) (¬2)، وهو شامل لما ذكرناه. 5047 - قول "النبيه" [ص 242]: (ولا تجلد المرأة في حال الحبل حتَّى تضع وتبرأ من ألم الولادة) لا بد مع ذلك من انقطاع دم النفاس أيضًا. 5048 - قوله: (وإن وجب الرجم وهي حامل .. لم ترجم حتَّى تضع ويستغني الولد بلبن كيرها) (¬3) الأصح: أنَّها لا ترجم حتَّى تفطمه هي، وإن وجدت مرضعة غيرها، ثم يوجد له كا فلة، وعليه مشى "الحاوي" في (الجنايات) فقال [ص 573]: (وفي الحد الفطام، وكافل). 5049 - قول "التنبيه" [ص 242]: (ويتوقى الوجه والرأس) الأصح: أنَّه لا يتوقى الرأس. 5050 - قوله: (ولا يقيم الحد في المسجد) (¬4) أي: على سبيل الكراهة كما قاله في "الكفاية"، وحكاه عن القاضي أبي الطيب وابن الصباغ، لكن مقتضى كلام الرافعي تحريمه. 5051 - قوله في حد الخمر: (وإن زنى وهو بكر فلم يحد حتَّى زنى وهو محصن .. جلد ورجم، ويحتمل أن يقتصر على رجمه) (¬5) أقره النووي في "تصحيحه" على الأول، وهو في "الروضة" وأصلها محكي عن تصحيح البغوي وغيره (¬6)، وحكاه في "الكفاية" عن البندنيجي وآخرين، والاحتمال المذكور وجه منقول، صححه الإمام والغزالي (¬7)، وعليه مشى "الحاوي" في حد الزنا فقال [ص 585]: (ودخل فيه - أي: في الرجم - حد البكر) لكنه خالفه في اللعان فقال آخر الباب: (قذف بكرًا، فتزوجت آخر، ووطئها، ثم قذفها، ولاعنا ولم تلاعن .. فتجلد ثم ترجم) (¬8). ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 214). (¬2) مختصر المزني (ص 261). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 243). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 242). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 248). (¬6) فتح العزيز (11/ 271)، الروضة (10/ 166)، وانظر "التهذيب" (7/ 405). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (17/ 179)، و"الوجيز" (2/ 179). (¬8) الحاوي (ص 528).

كتاب حد القذف

كتابُ حَدِّ القّذْف 5052 - قول "المنهاج" [ص 505]: (شرط حد القاذف: التكليف إلَّا السكران) فيه أمران: أحدهما: ما اقتضاه كلامه من أن السكران غير مكلف ذكره في غير موضع، وسبق الرد عليه فيه في الطلاق. ثانيهما: يشترط مع ذلك أيضًا كونه ملتزمًا للأحكام؛ ليخرج الحربي، وقد ذكره "التنبيه" بقوله [ص 243]: (وهو مسلم أو ذمي أو مستأمن أو مرتد) ولو عبر بالالتزام كما ذكرنا .. لكان أخصر. 5053 - قول "المنهاج" [ص 505]: (ولو استقل المقذوف بالاستيفاء .. لم يقع الموقع) و"الحاوي" [ص 525]: (وإن استوفى المقذوف) و"التنبيه" [ص 244]: (ولا يستوفي حد القذف إلَّا بحضرة السلطان) يستثنى منه: ما لو كان المقذوف مالك القاذف .. فله حده، كما في "أصل الروضة" قبل حد القذف (¬1). قال شيخنا الإمام البلقيني: ولم يخرجه على أن إقامة الحد على عبده ولاية أو استصلاح؛ لأنا وإن قلنا: ولاية .. فهو بمنزله الأب أو الجد الذي يقتص من مال ولده الثمن لنفسه فيما باعه منه. قلت: ولعل سببه ما قدمناه أن له تأديته لحق نفسه قطعًا، فله حده لحق نفسه قطعًا، وقال الماوردي في صول الفحل: من كان ببادية بعيدة وقدر على استيفاء الحد والتعزير بنفسه من غير مجاوزة فيه .. جاز له استيفاؤه كالدين (¬2). 5054 - قول "التنبيه" [ص 244]: (وإن قال لرجل: اقذفني فقذفه .. فقد قيل: يجب الحد، وقيل: لا يجب) الأصح: أنَّه لا يجب، وعليه مشى "الحاوي" فقال عطفًا على المنفي [ص 525]: (أو أباحه). ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 107). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 454).

كتاب قطع السرقة

كتابُ قطع السّرقة 5055 - كذا في "المنهاج" (¬1)، وفي "التنبيه" [ص 244]: (حد السرقة)، ولو قالا: (كتاب السرقة) كما فعل "المنهاج" في (كتاب الزنا) .. لكان أخصر وأعم؛ لتناوله أحكام نفس السرقة. 5056 - قول "التنبيه" [ص 245]: (والنصاب ربع دينار أو ما قيمته ربع دينار) قيد ذلك "المنهاج" و"الحاوي" بكونه خالصًا (¬2)، ومثله ما لو كان مغشوشًا خالصه كذلك، وقيده "الحاوي" أيضًا بكونه مضروبًا (¬3)، وأورد عليه: أنَّه لا يحتاج إليه مع قوله: (دينار) لأن اسم الدينار إنما يقع على المضروب، وأورد شيخنا الإمام البلقيني على "المنهاج" في إخلاله بكونه مضروبًا، وذلك يدل على صدق اسم الدينار بدونه، وهو خلاف ما صرح به الرافعي وغيره (¬4)، وأطلق "التنبيه" و"المنهاج" القيمة، وقيدها "الحاوي" مع غيرها بقوله: (قطعًا)، وتبع في ذلك ما حكاه في "أصل الروضة" عن الإمام أنَّه قال: الذي أرى الجزم بأنه لا تجب ما لم يقطع المقومون ببلوغها نصابًا، وللمقومين قطع واجتهاد، والقطع من جماعة لا يَزلّون معتبر، ومن جماعة لا يبعد الزلل منهم فيه احتمالان: أحدهما: يكفي كما تقبل الشهادة مع احتمال الغلط. والثاني: المنع؛ لأن الشهادة تستند إلى معاينة (¬5). لكن قال شيخنا الإمام البلقيني: إن ذلك ليس بمعتمد؛ لأن القتل قصاصًا أثبته الشرع بشاهدين وإن جاز عليهما الغلط، ومتى ثبتت القيمة بشاهدين من غير شهادة تعارض شهادتهما .. قطعته وإن لم أقطع بالقيمة كسائر البينات. قلت: قد عرفت الفرق باستناد غير شهادة القيمة إلى المعاينة بخلافها، فلا بد من تقويها بالقطع، والله أعلم. وعبارة "الحاوي" [ص 587]: (بسرقة قدر ربع دينار خالص مضروب قطعًا) وأورد في هذا المحل عليه: ما لو سرق ربعًا سبيكةً لا يساوي ربعًا مضروبًا .. فإنه لا قطع على الأصح في ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 506). (¬2) الحاوي (ص 587)، المنهاج (ص 506). (¬3) الحاوي (ص 587). (¬4) انظر "فتح العزيز" (11/ 175). (¬5) الروضة (10/ 112)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 224).

"المحرر" و"المنهاج" (¬1)، وسنتكلم عليه مع أنَّه يصدق أنَّه قدر ربع دينار، فلو عبر بالقيمة .. لكان أصرح في المقصود. 5057 - قول "المنهاج" [ص 506]: (ولو سرق ربعًا سبيكة لا يساوي ربعًا مضروبًا .. فلا قطع في الأصح) تبع في ترجيحه "المحرر" (¬2)، ونقل في "الشرح" ترجيحه عن الإمام وغيره، وصححه في "أصل الروضة"، وحكى الرافعي ميل جماعة إلى ترجيح القطع؛ منهم البغوي، وفي "البيان": إنه المذهب (¬3). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه ظاهر نصوص الشَّافعي على ربع دينار من غير اشتراط أن يكون مضروبا، قال: وهو المذهب المعتمد، وعليه أكثر الأصحاب، وقال الشيخ أَبو حامد: لا يختلف فيه المذهب، وقال الماوردي: إنه ظاهر المذهب (¬4)، وحكاه البندنيجي وصاحب "المهذب" عن عامة الأصحاب (¬5)، ونحوه في "الشامل" و"الحلية" للشاشي (¬6)، وحكاه البغوي والخوارزمي والعمر إني عن الأكثرين (¬7)، وصححه الهروي، واختاره في "المرشد". انتهى أما عكسه، وهو خاتم زنته دون ربع وقيمته ربع بالصنعة .. فقال في "أصل الروضة": إنه لا قطع فيه على الصحيح (¬8)، وليس في "الشرحين" فيه تصحيح، بل مقتضى كلامه تصحيح القطع فيه، وإن صحح في عكسه عدمه؛ فإنه بنى القطع فيه على اعتبار العين، ومقابله على اعتبار القيمة، وبناهما في عكسه على العكس (¬9)، وذكر في "المهمات": أن ذلك غلط فاحش وذهول عجيب؛ فإنه عقبه بقوله: والخلاف في المسألتين راجع إلى الاعتبار بالوزن أم بالقيمة (¬10)، فكيف يصح مع هذا البناء عدم القطع فيهما؟ " وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه ليس بغلط فاحش، بل هو فقه مستقيم، وإن لم يعطه كلام الرافعي؛ فإن الوزن لا بد منه، وهل يعتبر مع ذلك في غير المضروب أن تبلغ قيمته ربع دينار ¬

_ (¬1) المحرر (ص 432)، المنهاج (ص 506). (¬2) المحرر (ص 432). (¬3) فتح العزيز (11/ 175، 176)، الروضة (10/ 110)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 223)، و"التهذيب" (7/ 593)، و"البيان" (12/ 438). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 278). (¬5) المهذب (2/ 277). (¬6) حلية العلماء (3/ 1142). (¬7) انظر "التهذيب" (7/ 593)، و"البيان" (12/ 438). (¬8) الروضة (10/ 110). (¬9) فتح العزيز (11/ 176). (¬10) الروضة (10/ 110).

مضروب؟ فيه الخلاف الذي في السبيكة، أما إذا نقص الوزن في عين الذهب ولكن قيمته بصنعته تساوي ربع دينار مضروب .. فهذا يضعف فيه الاكتفاء بالقيمة، وصار على اعتبار القيمة وجهان: أحدهما: أنَّه لا بد من مراعاة الوزن. والثاني: يكفي بلوغ القيمة ربع دينار وإن نقص الوزن من نفس الذهب، وهذا ضعيف جدًا؛ لأن النصاب معتبر من عين الشيء كما في نصاب الزكاة، ويؤيد هذا أن الإصطخري المخالف في صورة السبيكة إنما نصبوا خلافه في سبيكة زنتها ربع مثقال، ونصب الشيخ أَبو حامد خلافه فيما نقص بضربه، وذلك يقتضي مراعاة الوزن والقيمة، ومن خرج على كلام الإصطخري النظر إلى القيمة وحدها .. كان نظرًا ضعيفًا، ولم أر أحدًا ذكر تخريج ذلك إلَّا الإمام ومن تبعه (¬1)، وهو منفرد بذلك، وقد تنبه في "الوسيط" لشيء من هذا، فقال بعد حكاية الوجهين في السبيكة: ولو سرق خاتمًا قيمته ربع وزنته سدس .. وجب القطع إن اعتبرنا التقويم، وإن اعتبرنا الوزن .. فلا قطع (¬2)، وإن نظرنا إلى العين .. لم يجب، ومن ذلك يظهر أن النظر إلى العين أو الوزن لا يوجب القطع، وأن النظر إلى القيمة المجردة يقتضي القطع، وهو ضعيف، قال: فظهر أن الذي في "الروضة" صواب، وأن الغالط من غلطه. انتهى واعلم: أن المعتبر في كون قيمة المسروق ربع دينار حالة السرقة، فلو نقصت قيمته بعد ذلك .. لم يسقط القطع، ذكره في "التنبيه" (¬3)، وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 587]: (لدى الإخراج من الحرز). 5058 - قول "التنبيه" [ص 245]: (وإن نقب الحرز وأخذ دون النصاب وانصرف ثم عاد وأخذ تمام النصاب .. فقد قيل: يقطع، وقيل: لا يقطع، وقيل: إن اشتهر خراب الحرز .. لم يقطع، وإن لم يشتهر .. قطع) الأصح: أنَّه يقطع، ومحل الخلاف: ما إذا لم يتخلل علم المالك وإعادة الحرز، فإن وجدا أو أحدهما .. فلا قطع، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 506]: (فإن تخلل علم المالك وإعادة الحرز .. فإخراج الثاني سرقة أخرى، ولا قطع في الأصح) و"الحاوي" فقال [ص 589]: (ودفعاتٍ بلا تخلل علم المالك كالنقب والأخراج ليلة أخرى) وظاهر كلامهما: أنَّه لا فرق في القطع بين أن يشتهر خراب الحرز أم لا، وهو صريح كلام "أصل الروضة" فإنه جعل الفرق بين اشتهار الحرز وعدمه وجهًا مرجوحًا (¬4)، وقد استدرك "المنهاج" على قول "المحرر": ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (17/ 223). (¬2) الوسيط (6/ 459). (¬3) التنيه (ص 245). (¬4) الروضة (10/ 111).

ولو نقب وعاد في ليلة أخرى فسرق .. قطع في الأصح (¬1)، فقال: (قلت: هذا إذا لم يعلم المالك النقب ولم يظهر للطارقين، وإلَّا .. فلا يقطع قطعًا) (¬2) وهذا الاستدراك وارد على إطلاق "الحاوي" في النقب أيضًا، وكذا قال في "أصل الروضة": إن علم صاحب الحرز بالنقب أو كان ظاهرًا يراه الطارقون وبقي كذلك .. فلا قطع؛ لانتهاك الحرز، وإلَّا .. فيقطع على الأصح (¬3). وذكر شيخنا الإمام البلقيني: أن ما في "المنهاج" هنا غير مستقيم؛ لأنه إذا اشتهر ذلك .. فلا يقطع. انتهى والحاصل: أن ظهور ذلك واشتهاره كعلم المالك .. فلا قطع معه، وذكر شيخنا الإمام البلقيني في كلامه على الموضع الثاني من "المنهاج": أن في المسألة طريقين، وقد ذكر ذلك البغوي: إحداهما: إثبات الخلاف مطلقًا وإن تخلل علم المالك والطارقين. والثانية: القطع عند التخلل المذكور بعدم القطع، قال: وكأن من قال: يقطع مطلقًا - وهو ابن سريج - نظر إلى أن الحرز قد انتهك بفعل السارق، فكل ما فيه محرز بالنسبة إليه وإن تخلل الإطلاع، ومن قطع بعدم القطع رأى أن انتهاك الحرز صير ما فيه غير محرز مطلقًا، قال: وهذا أوجه، لكن النقل عن ابن خيران يخالفه، فهو ضعيف من جهة المعنى صحيح من جهة النقل، والله أعلم (¬4). 5059 - قول "المنهاج" [ص 506]: (ولو سرق خمرًا أو خنزيرًا أو كلبًا أو جلد ميتة بلا دبغ .. فلا قطع) يستثنى منه: ما لو دبغه السارق في الحرز وصار يساوي نصاب سرقة، وقلنا: بجواز بيعه وهو الجديد، وبأنه للمغصوب منه إذا دبغه الغاصب وهو الأصح .. فالأرجح: أنَّه يقطع، وقد تناوله مفهوم قوله: (بلا دبغ) وفيه احتمال؛ لأنه حالة السرقة غير مدبوغ وحالة الإخراج من الحرز مدبوغ، وطرد شيخنا الإمام البلقيني هذا الخلاف فيما إذا صار الخمر خلًّا بعد وضع السارق يده قبل الإخراج، قال: ولم يذكروه. 5060 - قوله: (فإن بلغ إناء الخمر نصابًا .. قطع على الصحيح) (¬5) كان ينبغي أن يقول: (على النص) ففي "أصل الروضة": إنه الأصح المنصوص (¬6)، وذكر شيخنا الإمام البلقيني: أن محل الخلاف فيه: ما إذا لم يكن الخمر محترمًا، فإن كان محترمًا لمسلم أو خمرًا لذمي لا يراق .. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 435). (¬2) المنهاج (ص 508). (¬3) الروضة (10/ 133، 134). (¬4) انظر "التهذيب" (7/ 693). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 506). (¬6) الروضة (10/ 116).

قطع قطعًا، قال؛ لأنهم وجهوا عدم القطع بأن ما في الإناء يستحق الإراقة، فيصير شبهة في دفع القطع، وهذا لا يأتي في التي لا تراق، قال: ولو كان إناء الخمر من ذهب أو فضة .. فمقتضى إيراد الماوردي وابن الصباغ وغيرهما: الجزم بأنه يقطع (¬1)، ولكن بطريقه خلاف من جهة أنَّه إذا لم يجز اتخاذه وهو الأصح .. يصير كآلات الملاهي. 5061 - قول "التنبيه" [ص 245]: (وإن سرق طنبورًا أو مزمارًا يساوي مفصَّلُه نصابًا .. قطع، وقيل: لا يقطع فيه بحال) صحح الرافعي في "المحرر" الثاني (¬2)، مع نقله في "شرحيه" الأول عن الأكثرين (¬3)، فلذلك استدركه فيه في "المنهاج"، وصحح القطع بالشرط المذكور (¬4)، وعليه مشى "الحاوي"، فقال عطفا على ما لا قطع فيه [ص 590]: (وجائز الكسر بقصده أو قلَّ رضاضه). لكن مال شيخنا الإمام البلقيني إلى عدم القطع فيه مطلقًا، وتمسك بإطلاق الشَّافعي رضي الله عنه عدم القطع فيها، وبأن الأكثرين على إبطال بيع آلات الملاهي ولو عُدَّ رضاضها مالًا، وبأن الحرز الذي هي فيه كلا حرز بالنسبة إليها؛ فلا يجب القطع بسرقتها، وقال الروياني في "الكافي" بعد حكاية النص المشهور، وقال في موضع آخر: إلَّا أن تبلغ قيمتها مخلّعة ربع دينار، قال شيخنا الإمام البلقيني: ولم أقف على هذا النص الذي ذكره ولا ذكره غيره. 5062 - قول "الحاوي" [ص 587]: (مِلكَ غيرٍ لدى الإخراج من الحرز، بلا شرك) تبع فيه الغزالي (¬5)، وقال الرافعي: لك أن تقول: في اشتراطه كونه ملك الغير غنية عن هذا الشرط؛ لخروج المشترك عنه؛ فإنه لا يصدق أن يقال في المشترك: إنه مملوك لغير السارق (¬6)، ولهذا اقتصر "المنهاج" على قوله [ص 506]: (الثاني: كونه ملكًا لغيره) وفي قول "الحاوي" [ص 587]: (لدى الإخراج من الحرز) و"المنهاج" [ص 506]: (قبل إخراجه من الحرز) ما يقتضي أنَّه لو ملكه بعد إخراجه من الحرز .. لم يسقط القطع، لكن لو وقع الملك قبل الرفع إلى القاضي .. لم يمكن استيفاء القطع؛ فإنه يتوقف على مطالبة المسروق منه بالمال، ذكره في "الروضة" وأصلها (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 307، 308). (¬2) المحرر (ص 432، 433). (¬3) فتح العزيز (11/ 184). (¬4) المنهاج (ص 506). (¬5) انظر "الوجيز" (2/ 171). (¬6) انظر "فتح العزيز" (11/ 188). (¬7) فتح العزيز (11/ 180)، الروضة (10/ 114).

5063 - قول "المنهاج" [ص 507]: (الثالث: عدم شبهة فيه؛ فلا قطع بسرقة مال أصل وفرع) أعم من تعبير "التنبيه" بالأب والابن (¬1)، وتناولت عبارتهما ما لو كان الأصل والفرع رقيقًا سرق من مال فرعه أو أصله الحر؛ لإطلاق الشَّافعي والأصحاب، ويؤيده أن المنقول: أنَّه لو وطئ الأصل العبدُ جاريةَ فرعه الحر التي ليست موطوءة الفرع .. لم يحد؛ للشبهة مع وجود الرق، ذكر ذلك شيخنا الإمام البلقيني، وقال: لم أر من صرح به هنا، لكنه استثنى من ذلك: ما لو نذر إعتاق عبده غير المميز فسرقه أصل الناذر أو وفرعه .. فقال: يقطع؛ وعلله بأن شبهة استحقاق النفقة إنما تتعلق بالمال الذي لمالكه تصرف فيه، ولا تصرف له في هذا، وإن لم يَزُل ملكه عنه، وليس كالمستولدة وولدها؛ لأن للمالك إجارتهما، قال: ولم أر من تنبه له. 5064 - قولهم: (إن العبد لا يقطع بسرقة مال سيده) (¬2) كذا مال أصل سيده أو فرعه. 5065 - قول "التنبيه" [ص 246]: (وإن سرق أحد الزوجين من الآخر .. فقد قيل: يقطع، وقيل: فيه أقوال: أحدها: يقطع، والثاني: لا يقطع، والثالث: بقطع الزوج دون الزوجة) الأصح: طريقة الأقوال، وأصحها: القطع، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬3)، ولا يخفى تقييده بأن يكون محرزًا عنه، وقال شيخنا الإمام البلقيني: الذي عندنا: أن مذهب الشَّافعي في ذلك: أنَّه لا قطع على واحد منهما؛ لاختياره له، وبسط دليله، وذكر مقابله مختصرًا من غير إقامة دليل ولا بسط، وإن كان الأرجح في القياس: أن يقطع الزوج دون الزوجة. 5066 - قول "التنبيه" [ص 246]: (ومن سرق مالًا فيه شبهة؛ كمالِ بيت المال .. لم يقطع) محله: فيما إذا كان السارق مسلمًا والمسروق لم يفرز لطائفة معينة، ويرد ذلك على قول "الحاوي" [ص 590]: (والفقير من بيت المال والغني من المصالح) ويزيد أمرًا آخر، وهو: أنَّه إنما فرق بين الغني والفقير؛ لظنه أن مال الصدقات من أموال بيت المال، فذكر أن الفقير لا يقطع بسرقة مال بيت المال مطلقًا، وأن الغني لا يقطع به إذا كان من سهم المصالح، وهو خمس الخمس، ومال الصدقات ليس من أموال بيت المال، ومال بيت المال شيئان: خمس خمس الغنيمة والفيء، ومال من مات من المسلمين ولا وارث له مستغرق، ولا فرق فيهما بين الغني والفقير، وعبارة "المنهاج" [ص 507]: (ومن سرق مال بيت المال؛ إن أفرز لطائفة ليس هو منهم .. قطع، وإلَّا .. فالأصح: أنَّه إن كان له حق في المسروق؛ كمال المصالح وكصدقةٍ وهو ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 246). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 246)، و"الحاوي" (ص 587)، و"المنهاج" (ص 507). (¬3) الحاوي (ص 587)، المنهاج (ص 507).

فقيرٌ .. فلا، وإلَّا .. قطع) ويرد عليه مما تقدم أمران: أحدهما: اختصاص ذلك بالمسلم. الثاني: أن مال الصدقة ليس من أموال بيت المال، ويزيد أمورًا أخر: أحدها: أن ما ذكره فيما قرر لطائفة قال شيخنا الإمام البلقيني: محله: في طائفة لها مستحق مقدر بالأجزاء في مال مشاع بصفة؛ كذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والمقرر من الأخماس الأربعة من الفيء للمرتزقة تفريعًا على أنَّه ملكهم، فأما إذا أفرز الإمام من سهم المصالح لطائفة من العلماء أو القضاة أو المؤذنين شيئًا من ذلك .. فلا أثر لهذا الإفراز؛ إذ لا سهم لهم مقدر يتولى الإمام إفرازه لهم، والحكم فيه كما لو كان مشاعًا، قال: ولم أر من تعرض له، ولا بد منه. ثانيها: في معنى ما لو كان السارق ممن أفرز لهم ذلك المال: ما لو كان أصلًا أو فرعًا أو عبدًا لأحدهم، وكذا كل من لا يقطع بسرقة مال بيت المال .. لا يقطع أصله ولا فرعه ولا عبده بسرقته منه. ثالثها: يستثنى من قطع الغني بأخذه من الصدقات: ما لو كان غارمًا لإصلاح ذات البين أو غازيًا، وذلك يرد على "الحاوي" أيضًا. 5067 - قول "التنبيه" [ص 246]: (وإن سرق القناديل أو الحصر - أي: التي للمسجد - .. فقد قيل: يقطع، وقيل: لا يقطع) الأصح: أنَّه لا يقطع، ومحله: في القناديل التي تسرج دون التي للزينة، فتلك يقطع بها، وعلى هذا مشى "المنهاج" فقال [ص 507]: (والمذهب: قطعه بباب مسجد وجذعه لا حُصُرِهِ وقناديل تسرج) لكن في تعبيره بالمذهب نظر، ومحل ذلك: في المسلم، أما الكافر: فيقطع بها بلا خلاف، وقد دخل ذلك في قول "الحاوي" [ص 587]: (بلا شرك وحق) فقوله بعد ذلك فيما يقطع فيه: (ولمسجد) (¬1) أراد به: الجذع والباب دون القناديل والحصر. 5068 - قول "التنبيه" [ص 246]: (وإن سرق شيئًا موقوفًا .. فقد قيل: يقطع، وقيل: لا يقطع) الأصح: أنَّه يقطع، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، والخلاف في نفس الموقوف، فلو سرق غلة الوقف .. قطع قطعا، ولا يخفى أن محله: فيما إذا لم يكن السارق من الموقوف عليهم ولا أصلًا لأحدهم ولا فرعًا ولا عبدًا. 5069 - قول "الحاوي" [ص 589]: (وأم ولد) صوره "المنهاج" فقال [ص 507]: (سرقها ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 589). (¬2) الحاوي (ص 589)، المنهاج (ص 507).

نائمة أو مجنونة) وإنَّما صور بذلك؛ لأنها بالغ، لكن ولدها من زوج أو زنا التابع لأمه في العتق بموت السيد يجيء فيه الوجهان إذا كان صغيرًا، ويجريان فى المنذور إعتاقه والموصى بعتقه إذا سرق بعد موت السيد بشرط صغر أو نوم أو جنون. 5070 - قول "المنهاج" [ص 507]: (الرابع: كونه محرزًا بملاحظةٍ أو حصانةٍ موضعِهِ) يقتضي التفاء بالحصانة بلا ملاحظة، وليس كذلك؛ فقد قال بعده: (وإن كان بحصن .. كفى لَحْظٌ معتادٌ) (¬1) فدل على أن اعتبار اللحظ لا بد منه إلَّا أنَّه يحتاج في غير الحصن إلى دوامه، ويكتفى في الحصن بالمعتاد؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 587]: (بلحاظٍ مبالىً به دائم في الصحراء، أو معتادٍ بحصانةٍ) وأورد شيخنا البلقيني: أن الإحراز يكون بثالت غير الملاحظة والحصانة، وهو ما نزل منزلة الملاحظة، وذلك في النائم على ثوبه؛ فإنه لا ملاحظة منه، وليس الثوب بموضع حصين، ولكن نُزِّل نومه عليه منزلة ملاحظته. ويكفي في جواب هذا الإيراد قوله: (إنه منزل منزلة الملاحظة) فالتعبير بالملاحظة يغني عن ذكر ما نُزِّل منزلتها. 5071 - قول "المنهاج" [ص 507]: (فإن كان بصحراء أو مسجد .. اشترط دوام لحاظٍ) و"الحاوي" [ص 587]: (بلحاظ مبالًى به دائم في الصحراء والشارع والمسجد والسكة المنسدة) يقتضي أن الفترات العارضة للإنسان في العادة تقدح في هذا اللحاظ، فلو تغفله وأخذ في تلك الفترة .. لم يقطع، والمشهور: أن ذلك لا يقدح، وأن السارق منه يقطع؛ فينبغي التعبير باللحاظ المعتاد في مثله. 5072 - قول "المنهاج" [ص 507]: (وإصطبلٌ حرز دواب لا آنيةٍ وثيابٍ) كقول "الحاوي" [ص 588]: (كدابة الإصطبل) وفيه أمور: أحدها: أنَّه لو عبر بالفاء فقال: (فإصطبل) .. لكان أحسن؛ لأنه أخذ في تفصيل ما أجمله أولًا. ثانيها: اختار شيخنا الإمام البلقيني في الإصطبل أنَّه كالدار، فيفصل فيه بين أن يكون متصلًا بالعمارة أم لا، ويعود فيه ما سيأتي فيها. ثالثها: استثنى شيخنا الإمام البلقيني من الآنية والثياب: آنية الإصطبل كالسطل وثياب الغلام وآلات الدواب من سروج وبرادع ولجم ورجال جمال وقربة السقاء والراوية ونحو ذلك مما جرت العادة بوضعه في إصطبلات الدواب. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 507).

5073 - قول "المنهاج" [ص 507]: (وعرصة دارٍ وصُفَّتُها حرز آنية وثياب بذلة لا حلي ونقد) كقول "الحاوي" [ص 588]: (وإناء الصحن كثوب البذلة) اختار شيخنا الإمام البلقيني أنهما حرز للحلي والنقود أيضًا، وتمسك بإطلاق قول الشَّافعي رضي الله عنه في "الأم" و"المختصر": (والبيوت المغلقة حرز لما فيها) (¬1)، قال: وعليه جرى الشيخ أَبو حامد، وهو المذهب المعتمد، قال: وإنَّما يتخذ الناس لنقودهم وحليهم حرزًا خاصًا غير الصفة من أجل عائلتهم لا من أجل السارق، فالعادة أن الدار المحكمة الباب العالية البناء حرز لذلك وإن لم يوضع في خزانة أخرى مغلقة. 5074 - قول "المنهاج" [ص 507]: (ولو نام بصحراءَ أو مسجدٍ على ثوبٍ أو توسد متاعًا .. فمحرز) فيه أمران: أحدهما: التمثيل بالصحراء والمسجد يشعر بأن المراد: موضع مباح، وكذا قيده به الشَّافعي رضي الله عنه والقاضي حسين كما حكاه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: وهذا قد يفهم من الكلام في الغاصب، ولكن التنبيه عليه حسن. ثانيهما: دخل في إطلاق المتاع ما لو كان فيه دراهم أو دنانير أو نحوها، وقال الماوردي في هذه الصورة: لا يكون وضعه تحت رأسه إذا نام حرزًا له حتَّى يشده في وسطه (¬2)، وهو مقتضى ما ذكره المصنف في الحلي والنقد في الصحن والصفة، وقال شيخنا الإمام البلقيني: ليس ذلك عندنا بمعتمد، ولا فرق عندنا في ذلك؛ فجميع ما يوضع تحت رأسه محرز به؛ لأن المدرك في إحرازه أنَّه إذا جرّه السارق .. انتبه النائم، وذلك يقتضي الاستواء، وفي "أصل الروضة": أنَّه لو أخذ الخاتم من إصبع النائم .. قطع (¬3)، ولم يفرق بين خاتم وخاتم، وقد يكون فيه فص يساوي ألفًا أو أكثر. 5075 - قوله: (فلو انقلب فزال عنه .. فلا) (¬4) يشمل ما لو كان انقلابه عنه بفعل السارق؛ بأن رفعه عن الثوب أولًا ثم سرقه، وبذلك صرح في "الروضة" وأصلها (¬5)، لكن قال شيخنا الإمام البلقيني: إنه ممنوع لم يسبق البغوي إليه أحد؛ فإن السارق إذا أزال الحرز بالنقب والفتح ونحوهما، ثم سرق .. يقطع اتفاقًا، ولم يقل أحد بأنه إنما يقطع إذا سرق مع قيام الحرز، فبطل ما قاله البغوي؛ لإفضائه إلى مُخَالَفَةُ ما اتفقوا عليه، وذكر شيخنا أيضًا: أن مقتضى عبارة ¬

_ (¬1) الأم (6/ 149)، مختصر المزني (ص 263). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 287). (¬3) الروضة (10/ 122). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 507). (¬5) فتح العزيز (11/ 197)، الروضة (10/ 122).

"المنهاج" في هذه الصورة: القطع؛ لأنه أطلق الحرز فيما توسد عليه، ولم يخرج عنه إلَّا صورة الانقلاب. قلت: وفيه نظر؛ لأن الانقلاب قد يكون بغير فعل أحد، وقد يكون بفعل فاعل؛ إما السارق وإما غيره، فالحق: أن مقتضى عبارة "المنهاج" في ذلك "الروضة"، والله أعلم. 5076 - قوله: (وثوب ومتاع وضعه بقربه بصحراء إن لاحظه .. محرز، وإلَّا .. فلا) (¬1) فيه أمور: أحدها: أن هذا مكرر تقدم ذكره في قوله: (فإن كان بصحراء أو مسجد .. اشترط دوام لحاظ) (¬2). ثانيها: لم يقيد "الحاوي" ذلك بكونه بقربه (¬3)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: مقتضى نصوص الشافعي وكلام أصحابه: أنَّه يكتفي بأن ينظر إليه من غير اعتبار القرب. ثالثها: إنما يكتفي بالملاحظة إذا لم يكن هناك زحام شاغل، وقد ذكره "الحاوي" (¬4) ولعله مفهوم من تعبير "المنهاج" بالصحراء؛ لأن الغالب خلو الصحاري. رابعها: قال شيخنا الإمام البلقيني: شرط الملاحظة: كون الملاحظ بحيث يراه السارق حتَّى يمتنع من السرقة إلَّا بتغفله، فإن كان في موضع لا يراه السارق .. فلا قطع؛ إذ لا حرز يظهر للسارق حتَّى يمتنع من السرقة. 5577 - قول "المنهاج" [ص 507]: (ودار منفصلةٌ عن العمارة إن كان بها قويّ يقظان .. حرز مع فتح الباب وإغلاقه، وإلَّا .. فلا) يقتضي أنَّه إذا كان فيها قوي نائم والباب مغلق .. ليست حرزًا، وهو مقتضى إطلاق الإمام والبغوي (¬5)، لكن الذي أجاب به الشيخ أَبو حامد ومتابعوه أنَّها حرز، وهو مقتضى قول "الحاوي" [ص 588]: (وبحافظ بلا فتح ونوم) لأنه لم يخرجها عن الحرز إلَّا عند اجتماع الأمرين، وقال الرافعي في "الشرح الصغير": إنه أقرب، وفي "زيادة الروضة": إنه أقوى (¬6). وقال شيخنا الإمام البلقيني: هو الأرجح في الفتوى، وقد نص في "الأم" فيما إذا نزل في صحراء فضرب فسطاطًا وآوى فيه متاعه واضطجع فيه؛ فإن سُرق الفسطاط أو المتاع من جوف ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 507). (¬2) المنهاج (ص 507). (¬3) الحاوي (ص 587). (¬4) الحاوي (ص 587). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (17/ 228)، و"التهذيب" (7/ 367). (¬6) الروضة (10/ 123).

الفسطاط .. فأقطعُ فيه؛ لأن اضطجاعه فيه حرز للمتاع والفسطاط (¬1)، وسيأتي في "المنهاج" في الخيمة بالصحراء أنَّها إذا شُدّت أطنابها وأرخيت أذيالها .. فالمتاع الذي فيها محرز بشرط حافظ قوي فيها ولو نائم (¬2)، ولا يقال: الخيمة لا توضع للدوام في الصحراء، بخلاف الدار؛ لأن أهل الخيام قد لا يظعنون صيفًا ولا شتاء، والحكم مستمر فيهم، ثم استثنى شيخنا من موضع الخلاف .. الدواب؛ فإنها محرزة في الدار التي فيها حافظ قوي نائم والباب مغلق. 5078 - قول "التنبيه" [ص 245]: (فإن سرق الثياب والجواهر ودونها أقفال في العمران .. قطع) يتناول ما إذا لم يكن فيها أحد، ومحله حينئذ: في النهار زمن الأمن، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 507]: (ومتصلة حرز مع إغلاقه وحافظ ولو نائم، ومع فتحه ونومه غير حرز ليلًا، وكذا نهارًا في الأصح، وكذا يقظان تَغفَّله سارق في الأصح، فإن خلت .. فالمذهب: أنَّها حرز نهارًا زمن أمن وإغلاقه، فإن فقد شرط .. فلا) وعبارة "الحاوي" [ص 587، 588]: (كدار وغلقت نهارًا) أي: زمن أمن، وذكر شيخنا الإمام البلقيني: أن هذا شذ به البغوي، فتابعه عليه الرافعي والنووي (¬3)، قال: والذي نص عليه الشَّافعي رضي الله عنه في "الأم" و"المختصر" وجرى عليه شراح"المختصر ": أن المغلقة حرز وإن لم يكن صاحبها فيها (¬4)، ولا فرق في ذلك بإن الليل والنهار، ولا بين الأمن والخوف، وقال في "التوشيح" فيما لو أغلق بابه ووضع المفتاح في بخش فأخذه السارق وفتح به الباب وسرق: الظاهر أن وضع المفتاح هنا تفريط فيكون شبهة تدرأ القطع، قال: ولم أجد المسألة منصوصة، فإن صحت .. وجب استثناؤها من قولهم: إن الدار المغلقة نهارًا حرز، وفي عبارة "المنهاج" مع ذلك أمور: أحدها: كان ينبغي أن يقول: (ولو نائمًا) على أنَّه خبر كان المحذوفة بعد لو. ثانيها: يستثنى من فتح الباب مع نوم الحارس: ما إذا كان فيها بيت مغلق .. فهو حرز لما فيه كما حكاه الشيخ أَبو حامد عن أبي إسحاق المروزي، ولم يتعقبه، وجزم به ابن الصباغ في "الشامل" والقاضي حسين في "تعليقه"، وقد يقال بعد تسليمه: إنه لا يرد؛ لأن باب ما جعلناه في حرز ليس مفتوحًا. ثانيها: يستثنى من الصورة المذكورة أيضًا: باب الدار؛ فهو بتركيبه في حرز وإن لم يكن في الدار أحد، حكاه أَبو حامد عن أبي إسحاق، وجزم به ابن الصباغ والقاضي حسين، ونفى الدارمي ¬

_ (¬1) الأم (6/ 148). (¬2) المنهاج (ص 508). (¬3) انظر "التهذيب" (7/ 367)، و"فتح العزيز" (11/ 199)، و"الروضة" (10/ 124). (¬4) الأم (6/ 149)، مختصر المزني (ص 263).

الخلاف فيه، فأما أَبواب التي داخله؛ فإن كانت مغلقة .. فهي في حرز، وإن كانت مفتوحة .. فقال ابن المرزبان: هي في حرز، وقال أَبو إسحاق: ليست في حرز، حكاه عنهما الدارمي. رابعها: ألحق شيخنا الإمام البلقيني بإغلاق الباب ما إذا كان مردودًا وخلفه نائم بحيث لو فتح .. لأصابه، وانتبه، وقال: إنه أبلغ من الضبة والمتراس، قال: وكذا لو كان نائمًا أمام الباب بحيث لو فتح .. لانتبه بصريره، وفي "الاستذكار" للدارمي: فإن نام على باب مفتوح .. فحرز إذا كان له صرير. خامسها: أورد شيخنا المذكور أيضًا أن الليل يدخل بغروب الشمس، وينبغي أن يكون لساعة أو ساعتين من أوله حكم النهار في جريان الخلاف؛ لاطراد العادة بفتح الباب فيه. سادسها: رجح شيخنا المذكور: أنَّها مع نومه وفتحه حرز نهارًا إذا سرق من الموضع الذي فيه النائم بحيث يراه لو كان منتبهًا؛ لأنه يعد عند العامة حرزًا، وقد قال الشَّافعي رضي الله عنه: أنظر إلى المسروق، فإن كان في الموضع الذي تنسبه العامة إلى أنَّه في مثل ذلك الموضع محرز .. فأقطع فيه (¬1). سابعها: محل الخلاف: في اليقظان الذي تغفّله سارق: ما إذا لم تدم الملاحظة، بل كان يتردد في الدار، فلو أدامها بحيث يحصل الإحراز بمثله في الصحراء .. فحرز قطعًا، كذا في "أصل الروضة" (¬2)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إن نفي الخلاف ممنوع؛ ففي تمام الملاحظة وجه بالقطع، وهو آتٍ هنا. ثامنها: أورد شيخنا أيضًا على قوله في الخالية: (نهارًا زمن أمن) (¬3) أن من الغروب إلى ساعة ونحوها في انتشار الناس في حكم النهار، ومن طلوع الفجر إلى قريب الأسفار في حكم الليل كما تقدم عنه نظيره في الأمر الخامس. 5079 - قول "المنهاج" [ص 508]: (وخيمة بصحراء إن لم تشد أطنابها وترخى أذيالها .. فهي وما فيها كمتاعٍ بصحراء، وإلَّا .. فمحرز بشرط حافظ قوي فيها ولو نائم) فيه أمور: أحدها: أن اعتبار شد الأطناب وإرخاء الأذيال إنما هو بالنسبة لما فيها، فاما بالنسبة إليها .. فهي محرزه بدون إرخاء الأذيال، كما ذكره في "الروضة" وأصلها (¬4)، وهذا وارد أيضًا على قول "الحاوي" [ص 588]: (وخيمة بإرسال أذيال وشد أطناب). ¬

_ (¬1) انظر "الأم" (6/ 148). (¬2) الروضة (10/ 124). (¬3) المنهاج (ص 507). (¬4) فتح العزيز (11/ 202)، الروضة (10/ 127).

ثانيها: أنَّه اعتبر في الحافظ كونه قويًّا، وليس ذلك في "المحرر"، وعبارة "الروضة" وأصلها تقتضي أنَّه يشترط إما القوة وإما إمكان الاستغاثة؛ فإنه قال: قال الأئمة: والشرط أن يكون هناك من يتقوى به؛ أي: من هو فيها، فإن كانت في مفازة بعيدة عن الغوث وهو ممن لا يبالي به .. فليست بحرز (¬1)، وأطلق "الحاوي" الحافظ اعتمادًا على ما فهم من قوله: (بلحاظ مبالًا به) (¬2) من كونه لا بد أن يكون مبالًا به إما بقوة أو باستغاثة. ثالثها: أنَّه اعتبر كون الحافظ فيها، وذلك غير مشترط؛ ولذلك أطلقه "الحاوي" كما تقدم، بل يكتفي بكونه بقربها ولو كان نائمًا، فإن كان مستيقظًا .. لم يعتبر القرب، بل يكفي أن يكون في موضع تحصل منه الملاحظة ويراه السارق بحيث ينزجر به. قال شيخنا الإمام البلقيني: وهو جلي، وقال شيخنا ابن النقيب في قوله: (ولو نائم): أي: سواء نام فيها أو بقربها، كذا في "الروضة" وينبغي أن يكون جلوس المستيقظ بقربها أولى، وعبارة "الروضة" لا تعطيه؛ فإنه قال: فإن كان صاحبها في نفسها مستيقظًا أو نائما أو نام بقربها .. قطع بسرقتها أو سرقة ما فيها. انتهى (¬3). ففهم أن النوم بقربها للاحتراز عن الاستيقاظ بقربها، وهو فهم عجيب؛ وإنَّما هو للاحتراز عن الاستيقاظ بالبعد منها؛ فإنه كاف بالشرط المتقدم، والله أعلم. فإن قلت: كيف أطلق "الحاوي" الحافظ وفيه هذا التفصيل؟ قلت: قد يقال: لا يكون حافظًا في العرف إلَّا بهذا التفصيل، ويرد على "الحاوي": أنَّه أطلق هذا الحكم في الخيمة، ومحله: في الصحراء، فاما الخيمة المضروبة في العمارة .. فكمتاع بين يديه في السوق. 5080 - قول "المنهاج" [ص 508]: (وماشية بابنية مغلقة متصلة بالعمارة محرزة بلا حافظ)، و"الحاوي" [ص 588]: (وماشية ببناء مغلق متصل بالعمارة) أطلقاه هنا، وقيداه في الدار المتصلة بالعمارة؛ بأن يكون نهارًا، وفيده "المنهاج" أيضًا بأن يكون زمن أمن، ولا يظهر بينهما فرق؛ ولذلك رجح شيخنا في تلك الإطلاق كما تقدم. 5081 - قول "التنبيه" [ص 245]: (أو الجمال من الرعي ومعها راع) شرطه: أن يراها، كما صرح به "المنهاج، فقال [ص 508]: (وإبل بصحراء محررة بحافظ يراها) أي: فإن لم ير بعضها لكونه في وهدة أو خلف جبل .. فذلك البعض غير محرز، ولو نام أو تشاغل عنها .. لم تكن ¬

_ (¬1) فتح العزيز (11/ 202)، الروضة (10/ 127). (¬2) الحاوي (ص 587). (¬3) السراج على نكت المنهاج (7/ 353، 336)، وانظر "الروضة" (10/ 127).

محرزة، ولو لم يبلغ صوته جميعها .. ففي "المهذب" وغيره: أن ما لم يبلغه صوته غير محرز (¬1)، وسكت آخرون عن اعتبار الصوت اكتفاء بالنظر؛ لأنه إذا قصد ما يراه .. أمكنه العدو إليه، وفي "الشرح الصغير": الأشبه الاكتفاء بالرؤية. قال شيخنا الإمام البلقيني: ويخرج من هذا الكلام اعتبار أن تكون الإبل في موضع بحيث يمكنه العدو إلى قاصدها لياخذ منها ودفعه عن مقصوده، والخيل والبغال والحمير في المرعى كالإبل، وكذا الغنم إذا ارتفع الراعي بحيث يراها ويبلغها صوته وإن تفرقت؛ ولهذا عبر "الحاوي" بالماشية (¬2). 5082 - قول "المنهاج" [ص 508]: (ومقطورة يُشترط التفات قائدها إليها كل ساعة بحيث يراها، وألا يزيد قطار على تسعة) فيه أمور: أحدها: لم يذكر "الحاوي" اشتراط التفاته كل ساعة، وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم يعتبره الشَّافعي رضي الله عنه، وهو مشق على القائد، فلا يعتبر، ويكفي في خوف السارق أن يتوقع التفاته، فيمتنع لهذا التوقع. ثانيها: وبتقدير اعتباره .. فيستثنى منه: ما إذ كان في ممر الناس من الأسواق وغيرها .. فيكفي في إحرازه رؤية الناس، ولا يحتاج لالتفات، كما صرح به في "النهاية" (¬3). ثالثها: اعتبار تسعة بتقديم التاء مشى عليه "الحاوي" أيضًا (¬4)، وفي "مشكل الوسيط" لابن الصلاح: أن الأصح: أنَّه سبعة بسين ثم باء موحدة، وعليه أهل العرف (¬5)، والأصح في "أصل الروضة": توسط ذكره السرخسي: أنَّه في الصحراء لا يتقيد القطار بعدد، وفي العمران تعتبر العادة، وهي من سبعة إلى عشرة، فإن زاد .. فالزِّيادة غير محرزة (¬6). وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم يعتبر ذلك الشَّافعي رضي الله عنه في شيء من كتبه ولا جمع كثير من الأصحاب منهم الشيخ أَبو حامد وأتباعه، وقال القاضي حسين: ولو كان في فضاء مستو وطول القطار وجرت العادة بالواحد يفعل ذلك .. فذلك حرز لها، وقال الماوردي: الأغلب أنَّه يكون في ثلاثة من الإبل، فإن تجاوزت .. فإلى أربعة، وغايته خمسة إن كان في الجمال فضل جلد وشهامة (¬7). ¬

_ (¬1) المهذب (2/ 279). (¬2) الحاوي (ص 588). (¬3) نهاية المطلب (17/ 230). (¬4) الحاوي (ص 588). (¬5) مشكل الوسيط (6/ 469). (¬6) الروضة (10/ 128، 129). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 283).

قال شيخنا الإمام البلقيني: وهذا له وجه، قال: وظهر بذلك أن التقييد بالتسع أو السبع ليس بمعتمد. انتهى وقيد "الحاوي" ذلك تبعا لـ "الوجيز" بقوله: (في صحراء خالية؛ وسكة مستوية) (¬1) وقال الرافعي: اعتبر - أي "الوجيز" - كون الصحراء خالية؛ إشارة إلى أنَّه لو كان في المارة كثرة .. حصل الإحراز بنظرهم، وقوله: (وسكة مستوية) ليقع نظره على الكل إذا لاحظ؛ أي: فإن لم ير البعض؛ لحائل .. فذلك البعض غير محرز (¬2). 5083 - قول "الحاوي" [ص 588، 589]: (وإلَّا واحدٌ) قال صاحبا "التعليقة" و"المصباح": أي: وإن لم يكن في صحراء خالية ولا سكة مستوية .. فالمحرز منها واحد. قال في "المصباح": وهو البعض الذي في نظر القائد. وقال في "الوجيز": إن كان يلاحظ ما وراءه .. فالمحرز بالقائد الأول (¬3). وقال في "التعليقة": المراد من الصحراء: الموضع المنبسط الواسع، قال: وقد شرط فيها الخلو عن زحمة الزاحمين، ولم يشترط ذلك في السكة؛ لأن الغالب فيها الخلو عن الزحمة، فذكر الصحراء مثالًا لما يغلب فيه الخلو عن الزحمة، وهذا خلاف ما ذكره الرافعي في اعتبار كون الصحراء خالية (¬4). 5084 - قوله: (وبالراكب مركوبه وما أمامه وواحد خلفه) (¬5) تبع فيه الغزالي (¬6)، وهو مذهب أبي حنيفة كما نقله الرافعي عنه، ونقل عن المذهب: أنَّه لما بين يديه كسائق ولما خلفه كقائد (¬7)، فينبغي أن محل كلام "الوجيز" و"الحاوي": على ما إذا لم يلاحظ ما وراءه، أو يكون المراد بقوله: (وواحد خلفه): أي: فأكثر. 5085 - قول "المنهاج" [ص 508]: (وغير مقطورة ليست محرزة في الأصح) هو مفهوم من قول "الحاوي" [ص 588]: (والقطار تسعة بالقائد) فإن معناه: أن القطار وهو تسعة محرز بالقائد، فدل على أنَّه لا يحصل الإحراز إلَّا بالتقطير، وحكى هذا في "أصل الروضة" عن قطع البغوي، قال: وسوى صاحب "الإفصاح" بين المقطورة وغيرها، وبه أخذ الروياني (¬8). ¬

_ (¬1) الوجيز (2/ 173)، الحاوي (ص 588). (¬2) انظر "فتح العزيز" (11/ 204). (¬3) الوجيز (2/ 173). (¬4) انظر "فتح العزيز" (11/ 204). (¬5) انظر "الحاوي" (ص 589). (¬6) انظر "الوجيز" (2/ 173). (¬7) انظر "فتح العزيز" (11/ 203). (¬8) الروضة (10/ 128)، وانظر "التهذيب" (7/ 643).

قال في "الشرخ الصغير": وهي أولى. وقال شيخنا الإمام البلقيني: الأصح: أنَّها محرزة إذا كان سائقها حافظًا لها، ولا فرق بين أن يكون في صحراء أو بنيان، قال: وقد جرت عادة العرب في الصحاري والأبنية بسوق إبلهم من غير تقطير. وقال في "المهمات": الفتوى على الأول؛ فقد نص عليه في "الأم"، فقال: وأي إبل كانت لرجل تسير وهو يقودها، فيقطر بعضها إلى بعض، فسرق منها أو مما عليها شيء .. قطع فيه، ثم قال بعد ذلك: فلو اضطجع مضطجع في صحراء ووضع ثوبه بين يديه أو أرسل رجل إبله ترعى أو تمضي على الطَّرِيقِ ليست مقطرة، فسرق من هذا شيء .. لم يقطع؛ لأن العامة لا ترى هذا حرزًا (¬1). 5086 - قول "التنبيه" [ص 245]: (أو الكفن من القبر) قيده "المنهاج" بأن يكون ببيت، وكذا بمقبرة بطرف عمارة في الأصح، لا بمضيعة في الأصح (¬2)، وكذا قال "الحاوي" [ص 589]: (والكفن الشرعي لا بقبر ضائع) وفي "المحرر" و"الشرح الصغير": إنه الأظهر (¬3)، والذي في "الروضة" وأصلها: قطع به صاحب "المهذب" والغزالي، وعزاه الإمام إلى جماهير الأصحاب، واختار مقابله القفال والقاضي حسين، ورجحه العبادي (¬4). وقال شيخنا الإمام البلقيني: ليس هذا التقييد في كلام الشَّافعي، وممن جرى على ظاهر النص الشيخ أَبو حامد والقاضي أَبو الطيب والبندنيجي والشيخ في "التنبيه" وابن الصباغ في "الشامل"، وهو الذي يعتمد في الفتوى، وإن كان الغزالي ضعفه، ثم في كلام "المنهاج" أمور: أحدها: أنَّه يوهم التسوية في الحكم بين المحرز ببيت والذي بمقبرة بطرف عمارة، مع أن الأول يقطع به، وإن زاد على خمسة أثواب، بل لا يختص ذلك بالكفن؛ فغيره من الثياب والدراهم والجواهر وغيرها محرزة فيه أيضًا، بخلاف الثاني؛ فإنه ليس حرزًا لما زاد على الأثواب الخمسة التي تلي الميت على الأصح؛ ولذلك قيده "الحاوي" بالشرعي (¬5)، وإطلاقه مدخول؛ لورود القسم الأول عليه، إلَّا أن يقال: إن كلامه فيما ليس بحرز إلَّا للكفن، والأول حرز مطلقًا، وقال أَبو الفرج الزاز: لو غالى في الكفن بحيث جرت العادة ألأَ يخلى مثل ذلك بغير حارس .. لا قطع على سارقه. ¬

_ (¬1) الأم (6/ 148، 149). (¬2) المنهاج (ص 508). (¬3) المحرر (ص 435). (¬4) فتح العزيز (11/ 205)، الروضة (10/ 130)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 56)، و"المهذب" (2/ 278)، و"الوجيز" (2/ 173). (¬5) الحاوي (ص 589).

ثانيها: محل الوجهين في المقبرة بطرف العمارة ألَّا يكون لها حارس، فإن كان .. وجب القطع. ثالثها: قيد الماوردي القبر بأن يكون عميقًا على معهود القبور، فإن دفن قريبًا من ظاهر الأرض .. لم يقطع (¬1)، ويخالفه قول البغوي في "فتاويه": أنَّه لو وضع على وجه الأرض ووضعت الحجارة عليه .. فهو كالدفن حتَّى يقطع بسرقة الكفن خصوصًا ما إذا كان الحفر متعذرًا، وفي زيادة "الروضة": ينبغي ألَّا يقطع إذا لم يتعذر الحفر؛ لأنه ليس بدفن (¬2). ولو طرح على الأرض فسفت الريح التراب عليه .. لم يقطع؛ لأنه لا يسمى دفنًا، قال الرافعي: وقد يتوقف في هذا (¬3). 5087 - قول "التنبيه" [ص 245]: (وإن سرق المتاع من الدكاكين وفي السوق حارس .. قطع) محله: في الليل، واستثنى منه الماوردي زمن انتشار الفساد وقلة الأمن .. فلا تكون حوانيت البزازين والصيارف حرزًا فيه لأموالهم ليلًا، بل ينقلونها إلى منازلهم أو خاناتهم، حكاه عنه في "الكفاية"، ولم يعترضه (¬4). 5088 - قوله: (أو سرق الثياب من الحمام وهناك حافظ) (¬5) له شروط: أحدها: استحفاظ الحارس. والثاني: أن يدخل السارق للسرقة، فلو دخل على العادة ثم سرق .. فلا قطع، ذكرهما في "أصل الروضة" ناقلًا للأول عن البغوي وغيره من غير مُخَالَفَةُ (¬6)، وعبر شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" عن اشتراطهما بلفظ: الصواب (¬7)، ويرد عليه: أن البغوي قال في "فتاوى شيخه القاضي حسين" بعد نقله عن الأصحاب اشتراط الاستحفاظ: الأصح: تضمنينه وإن لم يستحفظ للعادة؛ فيكون الذي في "التهذيب" حكاية المذهب، والمختار عنده خلافه. والثالث: أن يخرج السارق الثياب من الحمام، حكاه في "الروضة" في آخر الباب عن "فتاوى الغزالي" (¬8). ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 317). (¬2) الروضة (10/ 153). (¬3) انظر "فتح العزيز" (11/ 248). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 288). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 245). (¬6) الروضة (10/ 141)، وانظر "التهذيب" (7/ 683). (¬7) تذكرة النبيه (3/ 474). (¬8) الروضة (10/ 153)، وانظر "فتاوى الغزالي" (ص 111، 112) مسألة (155).

فصل [فيما يمنع القطع وما لا يمنعه]

فَصْلٌ [فيما يمنع القطع وما لا يمنعه] 5089 - كذا في "المنهاج" (¬1)، وكان ينبغي تأخيره إلى قوله: (ولا بُقطع مختلس) (¬2) لأنه أول الركن الثاني، ويذكر ما قبل ذلك من المسائل في الفصل الذي قبله. 5595 - قول "المنهاج" [ص 508]: (يقطع مؤجر الحرز) فيه أمران: أحدهما: علله الرافعي بأن المنافع مستحقة للمستأجر، قال: وفيه إعلام بأن التصوير فيمن استحق بالإجارة إيواء المتاع، دون من استأجر لزراعة فآوى إليها ماشيته مثلًا (¬3). وقال ابن الرفعة: إن فيه نظرًا. قال في "التوشيح": ولعل وجهه أن اليد على الحرز للمستأجر ولا حق للمؤجر في تلك المدة، بل هو كالأجنبي، فلا فرق بين أن يستحق المستأجر إيواء المتاع أم لا، وليس لغاصب الحرز؛ فإنه لا يد له عليه. انتهى. ونازع شيخنا الإمام البلقيني في هذا المثال، وقال: العادة تقضي بأن من استأجر للزراعة .. يدخل فيها هو ومواشيه ورجاله وآلاته، وذلك لا منع منه قطعًا، فيقطع المؤجر بسرقته قطعا إذا كان محرزًا؛ فلذلك مثله في "تصحيح المنهاج" بما لو استأجر موضعًا لزرع الحنطة مثلًا، فغرس فيه أشجارًا، فدخل المالك فسرق منها .. فإنه لا يقطع؛ لأن ذلك الغراس ليس محرزًا لاستحقاقه القطع. ثانيهما: قال شيخنا الإمام البلقيني: محله: فيما إذا لم يثبت له خيار الفسخ بطريق معتبر، فإن ثبت على وجه لا يبطل بالتأخير؛ كما لو بلغه ليلًا إفلاس المستأجر، فسرق تلك الليلة من الحرز .. ففيه خلاف المعير؛ لتمكنه من فسخ الإجارة كما أن المعير متمكن من الرجوع في العارية، قال: ولم أر من تعرض له. 5091 - قوله: (وكذا معيره في الأصح) (¬4) كان ينبغي أن يقول: (على المنصوص) كما في "التنبيه" (¬5) فقد نص عليه في "الأم" و"المختصر"، ثم فيه أمران: أحدهما: محل الخلاف في عارية له الرجوع فيها، فإن كانت لازمة يمتنع الرجوع فيها .. قطع قطعا؛ كالمؤجر الذي لا يتمكن من فسخ الإجارة. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 508). (¬2) المنهاج (ص 508). (¬3) انظر "فتح العزيز" (11/ 208). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 508). (¬5) التنبيه (ص 245).

ثانيهما: لو استعمله المستعير في غير المأذون فيه؛ كأن استعار للزرع، فغرس، فسرق المعير من الغراس .. لم يقطع على الأصح كما تقدم في صورة المؤجر. واعلم: أن في معنى دوام الإجارة والعارية: ما إذا انقضتا لكن لم يتمكن المستأجر والمعير من الانتقال والتفريغ، فاما بعد التمكن والتفريط في الانتقال .. فلا قطع على المالك في الأصح؛ لأنهما صارا غاصبين، فدخل ذلك في قولهم: (ولو غصب حرزًا .. لم يقطع مالكه). 5092 - قول "التنبيه" [ص 246]: (وإن سرق المغصوب منه من مال الغاصب من الحرز المغصوب، أو المسروق منه من مال السارق .. فقد قيل: يقطع، وقيل: لا يقطع) الأصح: أنَّه لا يقطع، وبه جزم "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، وقال في "الكفاية": إنه الذي أورده الماوردي والقاضي أَبو الطيب والبندنيجي وابن الصباغ والفوراني والإمام وصاحب "الكافي" والرافعي، وادعى الإمام أنَّه مما لا شك فيه، ولم أر ما يخالفه في شيء مما وقفت عليه. انتهى (¬2) قال في "التوشيح": ولك أن تقول: تصريح الشيخ بحكايته وجهًا كاف، وقد أتى النووي في "التصحيح" بلفظ: أن الأصح: عدم القطع؛ فدل على أن مقابله وجه، ولو كان مجزومًا به .. لقال: الصواب. انتهى (¬3). وفهم من تقييد "التنبيه" محل الخلاف بأن يكون السارق المغصوب منه: أنَّه لو كان السارق أجنبيًا .. قطع قطعًا، وليس كذلك، بل هذه الصورة الثانية هي محل الخلاف في كلام الرافعي والنووي، والأصح فيها في "المنهاج": أنَّه لا قطع، وعليه مشى "الحاوي" (¬4). 5093 - قول "المنهاج" [ص 508]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 587]: (ولو غصب مالًا وأحرزه بحرزه فسرق المالك منه مال الغاصب .. فلا قطع في الأصح) قال شيخنا الإمام البلقيني: ليس بالأصح، والأصح: أنَّه يقطع؛ لئلا يؤدي إلى أن من غصب من شخص فلسًا ووضعه في حرزه الذي فيه النقود والحلي .. أن المالك يسرق جميع ما هنالك ولا يقطع، وهذا خرق عظيم، لا يصار إليه ولا يعول عليه؛ ويؤيده ما في "أصل الروضة": أن صاحب الدين إذا أخذ مقدارًا لا بقصد استيفاء الحق مع جحد المديون أو مطله .. قطع على الأصح (¬5)، وأن الراهن أو المؤجر أو المعير أو المودع أو مالك القراض لو سرق مع مال نفسه نصابًا آخر لزمه القطع (¬6)، وأما ما صححه ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 587)، المنهاج (ص 508). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (17/ 249)، و"الحاوي الكبير" (13/ 123)، و"فتح العزيز" (11/ 209). (¬3) تصحيح التنبيه (2/ 240). (¬4) الحاوي (ص 587)، المنهاج (ص 508). (¬5) الروضة (10/ 119). (¬6) الروضة (10/ 113، 114)

في "الروضة" وأصلها: من أن المشتري إذا لم يقبض العين المعينة وأدى ثمنها؛ أنَّه إذا سرق معها مالكٌ آخر لم يقطع في الأصح (¬1) .. فهو نظير المصحح هنا، وهو غير معتمد، والمعتمد أنَّه يقطع. 5094 - قول "التنبيه" [ص 246]: (وإن سرق الأجنبي المال المغصوب من الغاصب، أو المسروق من السارق .. فقد قيل: يقطع، وقيل: لا يقطع) الأصح: أنَّه لا يقطع، وعليه مشى "المنهاج" (¬2)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه ليس بمعتمد، بل الأصح: أنَّه إن أخذه بنية السرقة .. قطع، أو بنية رده على مالكه .. فلا قطع كما تقدم في صاحب الدين إذا أخذ لا بنية استيفاء الحق، وقد جعل البغوي محل الوجهين: في غير أخذه بنية الرد على المالك، وجزم فيها بعدم القطع (¬3)، وأشار الإمام وغيره إلى بناء الخلاف على أن الأجانب هل لهم انتزاعه لمالكه حسبة؟ (¬4) ومقتضى هذا البناء: أنَّه إذا لم يكن معرضًا للضياع .. يقطع قطعًا؛ لأنه يمتنع الأخذ قطعًا. وقال شيخنا الإمام البلقيني: إن البناء المذكور غير صحيح، والأصح: أنَّه يقطع وإن أجزنا له الأخذ؛ لأنه لم يأخذه على القصد المذكور. 5095 - قول "التنبيه" [ص 246]: (ولا قطع على من خان أو جحد) يُسأل عن الفرق بينهما؛ فإن الذي يظهر اتحادهما، وقد اقتصر "المنهاج" على الجاحد (¬5)، وقد فرق بينهما بأن الجاحد من ينكر أصل الوديعة، والخائن من يأخذ بعضها، وقد يقال: هو جحد في ذلك البعض. 5096 - قول "المنهاج" [ص 508]: (ولو نقب وعاد في ليلة أخرى فسرق .. قُطع في الأصح) لا يخفى أن محل الخلاف: ما إذا لم يُعَد الحرز، فلو أعيد فسرق .. قُطع قطعًا، وقد ذكر ذلك "المنهاج" فيما لو سرق نصابًا بدفعات، فقال: (فإن تخلل علم المالك وإعادة الحرز .. فالإخراج الثاني سرقة أخرى) (¬6). 5097 - قوله من زيادته: (هذا إذا لم يعلم المالك النقب ولم يظهر للطارقين، وإلَّا .. فلا يقطع قطعًا) (¬7) فيه مُخَالَفَة لقوله في أول الباب: (ولو أخرج نصابًا من حرز مرتين) (¬8) فإن مقتضى ¬

_ (¬1) فتح العزيز (11/ 180)، الروضة (10/ 114). (¬2) المنهاج (ص 508). (¬3) انظر "التهذيب" (7/ 375). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (17/ 249). (¬5) المنهاج (ص 508). (¬6) المنهاج (ص 506). (¬7) المنهاج (ص 508). (¬8) المنهاج (ص 506).

كلامه هنا: أن ظهور ذلك للطارقين كعلم المالك، ومقتضى كلامه هناك: خلافه، وقد تقدمما في ذلك هناك. 5098 - قول "التنبيه" [ص 245]: (وإن نقب أحدهما ودخل الآخر فأخرج المتاع .. لم يقطع واحد منهما، وقيل: فيه قولان كالمسألة قبلها، وإن نقب واحد فانصرف وجاء آخر فسرق .. لم يقطع واحد منهما) تناول الصورتين معًا قول "المنهاج" [ص 508]: (ولو نقب وأخرج غيره .. فلا قطع) ويستثنى من عدم قطع الثاني: ما لو كان في الحرز حافظ بقرب النقب يلاحظ المتاع .. فيقطع الآخذ، إلَّا إن كان ذلك الحافظ نائما في الأصح، وقول "التنبيه" [ص 245]: (وقيل: فيه قولان كالمسألة قبلها) أي: وهي: ما لو نقبا ودخل أحدهما فوضع المتاع في وسط النقب وأخذه الخارج؛ مقتضاه: أن أحد القولين: أنهما يقطعان، وجعل الرافعي هذه الطريقة حاكية للخلاف في قطع الثاني خاصة (¬1)، ونسبه شيخنا الإمام البلقيني في ذلك إلى الوهم، وليس كذلك؛ فقد سبقه إليه الإمام (¬2)، ورجحه بعضهم، ولم يستحضر شيخنا الإمام البلقيني المسألة الثانية في "التنبيه"، فذكرها بحثًا، وقال: ينبغي أن يختص الخلاف فيها بقطع الثاني، وقد عرفت النقل من "التنبيه" بالجزم في هذه الصورة بعدم قطع واحد منهما، وأنه لا يأتي فيها تلك الطريقة، وذكر ذلك صاحب "المعين" بحثًا، وقال: لعل الخلاف إذا تواطأا على ذلك. 5099 - قول "المنهاج" [ص 508]: (ولو تعاونا في النقب وانفرد أحدهما بالإخراج، أو وضعه ناقب بقرب النقب فأخرجه آخر .. قُطع المخرج) قد يفهم كلامه في الصورة الثانية أن المراد: أخرجه آخر لا مدخل له في النقب، وليس كذلك، بل المراد: أن يخرجه ناقب آخر، فلو قال: (الآخر) بالتعريف .. لاندفع هذا الإيهام، وحاصله: أنهما إذا تعاونا في النقب لإخراج أحدهما صورتان: إحداهما: أن ينفرد أحدهما بالدخول، فيدخل، فيأخذ المال ويخرج به، وهي قوله: (وانفرد أحدهما بالإخراج). والثانية: أن يدخل أحد الشريكين في النقب يده فيه فيخرج المال، وهي قوله: (فاخرجه آخر) وبسبب (¬3) هذا الإيهام جعل في "المهمات" هذا مناقضًا لقول "المنهاج" قبله [ص 508]: (ولو نقب وأخرج غيره .. فلا قطع) وقال: إذا لم يقطع فيما إذا كان هو الداخل والسارق .. فطريق الأولى: ألَّا يقطع مع عدم الدخول وتقريب الناقب له من النقب. انتهى. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (11/ 212). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (17/ 234). (¬3) في النسخ: (وسبب)، ولعل الصواب ما أثبت، والله أعلم.

وقد عرفت أن الصورتين لم يتواردا على محل واحد، فتلك فيما إذا لم يكن للمخرج مدخل في النقب، وهذه فيما إذا كان له مدخل فيه، وقوله: (أو وضعه) معطوف على قوله: (وانفرد أحدهما بالأخراج) فهو من تتمة مسألة التعاون في النقب ولو عبرب (الآخر) كما في "المحرر" (¬1) .. لزال هذا الإيهام كما قدمته، والله أعلم. 5100 - قول "التنبيه" [ص 245]: (وإن نقب رجلان فدخل أحدهما فأخذ المتاع ووضعه في وسط النقب وأخذه الخارج .. ففيه قولان، أحدهما: يقطعان، والثاني: لا يقطعان) الأظهر: الثاني، ومحل الخلاف: ما إذا ساوى المتاع نصابين، هالا .. فلا قطع قطعًا، وعلى ذلك مشى "المنهاج" فقال [ص 509]: (ولو وضعه بوسط نقبه فأخذه خارج وهو يساوي نصابين .. لم يقطعا في الأظهر) وعبارته موهمة؛ لأن المراد: أن الواضع له بوسط النقب منفرد بالنقب، والآخذ الخارج لا مدخل له في النقب، وليس كذلك، وإنما أراد: أن الواضع له في النقب أحد الناقبين والخارج شريكه في النقب، فهي من أحوال مسألة التعاون في النقب، فكان ينبغي أن يقول: (ولو وضعه أحد الناقبين بوسط النقب فأخرجه الآخر). 5101 - قول "المنهاج" [ص 509]: (ولو رماه إلى خارج حرز .. قطع) يخرج ما إذا رماه من بيت مغلق إلى صحن دار بابها مغلق، ومن إحدى داري المالك إلى دار له أخرى، وستأتي الأولى في كلامه، وألحق بها الدارمي في "الاستذكار" الثانية، ويرد عليه: ما إذا رماه إلى دار غير المالك .. فيقطع ولو كانت حرزًا مع ذلك. فيستثنى من رميه إلى خارج حرز: ما لو وقع في نار فاحترق، أو ماء فغرق .. ففي "الاستذكار" للدارمي عن ابن القطان: أنَّه لا قطع، وعن ابن المرزبان: أنَّه يقطع، قال الدارمي: وعندي إن رمى بها للنار والماء عالمًا .. فلا قطع، وإن لم يقصد إلَّا إخراجها لأخذها .. قطع، حكاه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: هذا الذي ذكره الدارمي أرجح، ولم أر من تعرض لهذا الفرع غيره، وقال: لو رماه فانكسر .. فعلى قول ابن القطان تعتبر قيمته مكسورًا، وابن المرزبان صحيحًا، وقال: إن أخذه رجل قبل أن يقع على الأرض .. قطع الرامي دون الآخذ. 5102 - قول "المنهاج" [ص 509] و"الحاوي" [ص 590]: (أو وضعه بماء جار .. قطع) كذا لو وضعه بماء راكد وحرّكه حتَّى خرج به، أما لو حرّكه غيره .. قطع المحرّك دون الواضع. 5103 - قول "التنبيه" [ص 245]: (وإن تركه في ماء راكد فتفجر وجرى وخرج مع الماء إلى خارج الحرز .. فقد قيل: يقطع، وقيل: لا يقطع) الأصح: أنَّه لا يقطع. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 435).

5104 - قول "المنهاج" [ص 509]: (أو ظهر دابة سائرة) كذا لو سيّرها، وقد صرح به "المحرر " و"الحاوي" (¬1)، وحذفه "المنهاج" لفهمه من طريق الأولى. 5105 - قول "التنبيه" [ص 245]: (وإن ترك المال على بهيمة ولم يَسُقها فخرجت البهيمة بالمال .. فقد قبل: يقطع، وقيل: لا يقطع) الأصح: أنَّه لا يقطع، وعليه مشى "المنهاج" (¬2)، وهو مفهوم "الحاوي" (¬3). قال شيخنا الإمام البلقيني: ومحله فيما إذا لم يستول عليها وكان الباب مفتوحًا، فإن استولى عليها وكان الباب مغلقًا ففتحه لها .. فلا توقف في وجوب القطع؛ لأنها صارت تحت يده من حين الاستيلاء، ولما فتح لها الباب وهي تحمله فخرجت .. كان الإخراج منسوبا إليه، قال: وقضية هذا: أنَّه لو كانت الدابة له أو مستأجرة معه أو مستعارة وخرجت وهو معها .. أن يقطع؛ لأنها تحت يده، ففعلها منسوب إليه؛ ولهذا لو أتلفت شيئًا بيدها أو رجلها وهو معها .. كان ضامنًا له، فكذلك يكون سارقًا لما خرجت به وهو معها، ولم أر من تعرض لذلك. 5106 - قول "المنهاج" [ص 509]: (أو عرّضه لريح هابةٍ فأخرجته .. قُطع) منعه شيخنا الإمام البلقيني، قال: وليس تعريضه للريح مما يقتضي العادة أن تخرج به، بخلاف الماء الجاري. 5107 - قول "التنبيه" [ص 245]: (وإن نقب الحرز وقال لصغير لا يعقل: أخرج المال، فأخرجه .. وجب القطع) مثله: المجنون والأعجمي الذي يعتقد وجوب طاعة الآمر له. 5108 - قوله (وإن ابتلع جوهرة في الحرز وخرج .. فقد قيل: يقطع، وقيل: لا بقطع) (¬4) الأصح: وجه ثالث: أنَّها إن خرجت منه بعد ذلك .. قطع، وإلَّا .. فلا، وعليه مشى "الحاوي" (¬5)، وصححه في "أصل الروضة" مع كون الرافعي إنما نقل تصحيحه عن الإمام والروداني (¬6). 5109 - قول "التنبيه" [ص 245]: (وإن سرق حرًا صغيرًا وعليه حلي يساوي نصابًا .. فقد قبل: يقطع، وقيل: لا يقطع) الأصح: أنَّه لا يقطع، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 509]: (ولو سرق صغيرًا بقلادة .. فكذا في الأصح) و"الحاوي" فقال [ص 590]: (أو حرًا بثوبه) وفيه أمور: ¬

_ (¬1) المحرر (ص 436)، الحاوي (ص 590). (¬2) المنهاج (ص 509). (¬3) الحاوي (ص 590). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 245). (¬5) الحاوي (ص 590). (¬6) فتح العزيز (11/ 215)، الروضة (10/ 136)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 237، 238).

أحدها: كان ينبغي أن يقيد محل الخلاف بكونه غير مميز، وفي معناه: المجنون والأعجمي الذي لا تمييز له كما ذكروه في سرقة العبد الصغير. ثانيها: الزيادة والحلي مثال، والمدار على أن يكون ما معه من ثيابه وغيرها يبلغ نصابًا .. ففيه الخلاف. ثالثها: كان ينبغي لـ"المنهاج" أن يصور المسألة بكونه حرًا، وأن يعبر بالصحيح؛ لأن الخلاف ضعيف جدًا. رابعها: محل الخلاف: ما إذا لم يجاوز ما يليق به، فإن جاوزه .. قطع إن أخذ الصبي من حرز الحلي، وإلَّا .. فلا، ذكره في "الكفاية". خامسها: محل الخلاف أيضًا: أن يكون ذلك للصبي، فلو كان لغيره؛ فإن أخذه من حرز مثل ما عليه .. قطع، وإلَّا .. فلا وجها واحدًا فيهما، قاله الماوردي (¬1). سادسها: محل الخلاف أيضًا: فيما إذا سرق الصبيَّ من حرز مثله؛ بأن يكون في دار، أو على بابها بحيث يُرى، أو يكون مع حافظ، وإلَّا .. لم يقطع قطعًا، صرح به الماوردي (¬2)، وقيد الإمام الوجهين بما إذا كان الصبي نائمًا أو مربوطًا عند الحمل (¬3)، ولا يحتاج إلى ذلك مع كونه غير مميز، والنوم أو الربط يجعل المميز كغير المميز. 5110 - قول "المنهاج" [ص 509]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 590]: (ولو نام عبد على بعير فقاده وأخرجه عن القافلة .. قُطع، أو حُرٌّ .. فلا في الأصح) أي: فيهما؛ فيه أمور: أحدها: أنَّه أطلق العبد والحر، ومحل الخلاف فيهما: إذا كانا مستقلين؛ بأن يكونا بالغين عاقلين. ثانيها: يستثنى من العبد: المكاتب كتابة صحيحة .. فهو كالحر؛ لاستقلاله. ثالثها: المراد: أخرجه عن القافلة إلى مَضيعة، فلو أخرجه عنها إلى قافلة أخرى أو بلدة .. لم تجيء فيه الأوجه. 5111 - قول "الحاوي" عطفا على ما قطع فيه [ص 590]: (أو خرج - أي: العبد المميز - مكرهًا) تبع فيه تصحيح بعض نسخ الرافعي، لكن أكثرها لا ترجيح فيه، والأولى في "الشرح الصغير"، والأصح في "أصل الروضة": وجوب القطع في هذه الصورة (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 304). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 304). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (17/ 251). (¬4) الروضة (10/ 138).

5112 - قول "التنبيه" [ص 245]: (وإن كان المال محرزًا ببيت في دار وأخرجه منه إلى الدار وهي مشتركة بين سكان .. قطع، وإن كان الجمبع لواحد وباب الدار مفتوح .. قطع، وإن كان مغلقًا .. فقد قيل: يقطع، وقيل: لا يقطع) الأصح: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" (¬1)، وهو مفهوم قول "الحاوي" [ص 590]: (ورمي من بيت مغلق إلى صحن الدار المفتوحة وترك). قال الرافعي: وهذا ظاهر إذا لم يوجد من السارق تصرف في باب الدار؛ بأن تسور الجدار ودخل، أما إذا فتح الباب المغلق ثم أخرج المتاع إلى الصحن .. فالحرز الذي يهتكه السارق كالحرز الدائم بالنسبة إليه، فيكون كالنقل إلى الصحن وباب الدار مغلق، هذا ما رآه الإمام أصح، فإن أغلق الباب بعد فتحه .. فهو أظهر. انتهى (¬2). فعلى هذا: المراد: المفتوح بنفسه لا ما فتحه هو، سواء تركه مفتوحًا أم أغلقه؛ ونازع في ذلك شيخنا الإمام البلقيني فيما إذا لم يغلقه، وقال: قوله: (الحرز الذي يهتكه السارق كالحرز الدائم بالنسبة إليه) هو فيما إذا عاد، أما بالنسبة إلى غيره .. فلا يكون حرزًا، ونبه شيخنا على أن كلامهم هنا مخالف لقولهم: إن الصحن ليس حرزًا للنقد ولا للحلي، قال: والمذكور هنا هو النص المعتمد، قال: وينبغي تقييد وجه القطع بما لا يكون الصحن حرزًا له، فلو كان الصحن حرزًا له .. فلا يقطع قطعًا. 5113 - قول "المنهاج" [ص 509]: (وبيت خان وصحْنُهُ كبيتٍ ودارٍ في الأصح) تبع فيه "المحرر" (¬3)، وفي "الشرح الصغير": إنه الأظهر، وحكاه في "أصل الروضة" عن قطع البغوي والغزالي وغيرهما، وعن قطع صاحب "المهذب" وغيره: أنَّه يقطع بكل حال؛ لأن الصحن ليس حرزًا لصاحب البيت، بل هو مشترك كالسكة المنسدة (¬4)، وحكاه شيخنا الإمام البلقشِي عن نصه في "الأم" و"المختصر" حيث قال: (وإن أخرجه من البيت والحجرة إلى الدار، والدار للمسروق وحده .. لم يقطع حتَّى يخرجه من جميع الدار؛ لأنها حرز لما فيها، ولو كانت مشتركة وأخرجه من الحجرة إلى الدار .. فليست الدار بحرز لأحد من السكان، وقطع) (¬5) قال: وعليه جرى الشيخ أَبو حامد وأتباعه، ومنهم صاحبا "المهذب" و"الشامل" وغيرهما، وهو المعتمد في الفتوى، ومحل الخلاف: ما إذا كان السارق من غير السكان، فإن كان منهم .. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 509). (¬2) انظر "فتح العزيز" (11/ 222). (¬3) المحرر (ص 436). (¬4) الروضة (10/ 140)، وانظر "المهذب" (2/ 278)، و"الوجيز" (2/ 174)، و"التهذيب" (7/ 683). (¬5) الأم (6/ 149)، مختصر المزني (ص 263).

فصل [إقامة الحد على الذمي والمعاهد]

قطع مطلقًا؛ لأن ما في الصحن ليس محرزًا عنه، وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 588]: (وعرصة الدار لا للساكن). 5114 - قول "التنبيه" [ص 246]: (وإن وهبه منه .. قطع) محله: ما إذا كان ذلك بعد الرفع إلى الحاكم، فإن كان قبله .. لم يقطع. فَصْلٌ [إقامة الحد على الذِّمِّيُّ والمعاهد] 5115 - قول "الحاوي" [ص 591]: (ولذمي بالترافع) أي: إنما يقطع الذِّمِّيُّ بسرقة مال ذمي إذا ترافعا إلينا، تبع فيه الإمام (¬1)، لكن في "التهذيب" وغيره: أنا إذا ألزمنا حاكمنا الحكم بينهم .. حده في الزنا وقطعه في السرقة وإن لم يرض، وإلَّا .. اشترط رضاه، سواء سرق من مسلم أو ذمي؛ ولذلك أطلق "التنبيه" قطع الذِّمِّيُّ (¬2)، و"المنهاج" قطع الذِّمِّيّ بمال الذِّمِّيّ (¬3). 5116 - قول "المنهاج" [ص 509]: (وفي معاهد أقوال: أحسنها: إن شُرط قطعه .. قطع، وإلَّا .. فلا) كذا في "المحرر" (¬4)، واستحسنه في "الشرح الكبير"، وقال في "الصغير": إنه الأقرب، لكن في "الشرح الكبير": إن المنصوص في أكثر كتب الشَّافعي: أنَّه لا يقطع مطلقًا (¬5)، وفي " أصل الروضة": إنه أظهرها عند الأصحاب (¬6)، ولذلك استدركه "المنهاج" فقال [ص 509]: (الأظهر عند الجمهور: لا قطع) وهو مفهوم قول "التنبيه" [ص 244]: (وهو مسلم أو ذمي أو مرتد) وعليه مشى "الحاوي" (¬7)، والمراد بالمعاهد: المهادن؛ بدليل عطف "الروضة" وأصلها عليه من دخل بأمان (¬8)، وفسر الشيخ أَبو حامد في "تعليقه" المعاهد: بالداخل بأمان، وذكر شيخنا الإمام البلقيني: أن إثبات الأقوال في المهادن لم نجده منصوصًا للشافعي رضي الله عنه، وأن منصوصاته في أهل الهدنة: أنَّه لا يجب الحكم بينهم إلَّا برضاهم. ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (17/ 267). (¬2) التنبيه (ص 244). (¬3) المنهاج (ص 509). (¬4) المحرر (ص 436). (¬5) فتح العزيز (11/ 225، 226). (¬6) الروضة (10/ 142). (¬7) الحاوي (ص 591). (¬8) فتح العزيز (11/ 225)، الروضة (10/ 142).

فصل [فيما تثبت به السرقة]

فَصْلٌ [فيما تثبت به السرقة] 5117 - قول "المنهاج" [ص 509]: (وتثبت السرقة بيمين المدعي المردودة في الأصح) تبع فيه "المحرر" (¬1)، وحكاه الإمام عن الأصحاب (¬2)، وقطع به الغزالي وإبراهيم المروزي (¬3)؛ لكن ذهب ابن الصباغ والعمراني وغيرهما إلى خلافه (¬4)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 592]: (وتثبت بالمردودة لا القطع) وجزم به في "الروضة" وأصلها في اليمين في (الدعاوى) (¬5). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه المعتمد؛ لنص الشَّافعي رضي الله عنه في "الأم" و"المختصر" على أنَّه لا يثبت القطع إلَّا بشاهدين أو إقرار السارق. 5118 - قول "المنهاج" [ص 509]: (والمذهب: قبول رجوعه) أي: بالنسبة إلى القطع دون المال. 5119 - قول "الحاوي" [ص 592]: (وللقاضي تعريض بإنكاره؛ كما إخالك سرقت، ما لم تظهر) أي: السرقة باعترافه بها، تبع فيه الغزالي (¬6)، وحكاه الإمام عن الجمهور (¬7)، وليس كما قال كما نبه عليه الرافعي (¬8)، بل الذي أجاب به المعظم: أن له التعريض بالرجوع بعد الاعتراف، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 509]: (ومن أقر بعقوبة لله تعالى .. فالصحيح: أن للقاضي أن يعرض له بالرجوع)، وحكى الرافعي عن الأصحاب تقييد ذلك بأن يكون المقر جاهلًا بالحد؛ إما لقرب عهده بالإسلام أو لكونه نشأ في بادية بعيدة عن أهل العلم (¬9)، وأسقط ذلك في "الروضة". وقال شيخنا الإمام البلقيني: معناه: أن يكون جاهلًا بأن حد الله تعالى يندب إلى ستر موجبه، وأنه يسقط برجوعه؛ في ن عبارة النص في "المختصر": (ولو ادعى على رجل من أهل الجهالة بالحد .. لم أر بأسًا أن يعرّض له؛ بأن يقول: لعله لم يسرق) (¬10) وشرحه الشيخ أَبو حامد في "تعليقه": بأن يكون ممن لا يعرف أنَّه مندوب إلى ستر ذلك، وأنه إذا اعترف به فثبت عليه .. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 436). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (17/ 270). (¬3) انظر "الوجيز" (2/ 175). (¬4) انظر "البيان" (12/ 484، 485). (¬5) الروضة (12/ 38). (¬6) انظر "الوجيز" (2/ 176). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (17/ 279). (¬8) انظر "فتح العزيز" (11/ 233). (¬9) انظر "فتح العزيز" (11/ 233). (¬10) مختصر المزني (ص 312).

سقط برجوعه، وشرحه الماوردي على أنَّ المراد: الجهل بوجوب الحد، واستبعده شيخنا الإمام البلقيني، ثم أورد على نفسه: أن الفرق بين الجاهل بجواز الرجوع وعدمه وجه ضعيف، وقد ذكره في "الشرح" و"الروضة" ثالث الأوجه (¬1)، ثم أجاب عنه: بأنه ضعيف في طريقة الإمام الذي تحكي ثلاثة أوجه، وينقل عن الجمهور أنَّه لا يعزض بعد الإقرار، وأما في الطريقة التي حكاها الرافعي عن عامة الأصحاب .. فإنه متعين فيها، ولزم من إسقاطه هذا القيد في "الروضة" عن عامة الأصحاب أن يكون الثالث ضعيفًا مطلقًا، وليس كذلك، بل هو ضعيف في طريقة الإمام، وهو المجزوم به في طريقة غيره. واعلم: أنَّه يستثنى من التعريض بالإنكار قبل الاعتراف ما إذا كان ذلك في سرقة ادعاها صاحبها .. فلا يعرّض بالإنكار المطلق، بل بالإنكار المقتضي لعدم القطع خاصة، حكاه القاضي حسين عن الأصحاب، ولا يخفى أن محله: في الرشيد؛ فإن السفيه لا يقبل اعترافه بالنسبة إلى المال. 5120 - قول "المنهاج" [ص 509]: (ولا يقول: "ارجع") يُوهم أنَّه من تتمة ما قال: إنه الصحيح، وليس كذلك، بل هو مجزوم به في الرافعي وغيره (¬2)، وقول "التنبيه" في (الإقرار) [ص 274]: (ويستحب للإمام أن يلقنه الرجوع عن ذلك) أراد به: التعريض دون التصريح، ومع ذلك: فالأصح: أنَّه لا يستحب، وإنَّما يباح خاصة كما تقدم عن "المنهاج" وغيره، وهل يجوز التعريض للشهود بالتوقف في حدود الله تعالى؛ صحح النووي: الجواز إن رأى المصلحة فيه، وإلا .. فلا (¬3). 5121 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ولو أقر بلا دعوى أنَّه سرق مال زيدٍ الغائب .. لم يقطع في الحال، بل ينتظر حضوره في الأصح) (¬4) استثنى منه شيخنا الإمام البلقيني: ما إذا كان الغائب سفيهًا .. فإنه لا ينتظر حضوره؛ لأنه لو اعترف بأنه أباحه له .. لم يؤثر، وإذا طلب وليه المال .. قطع، وقال: هذا هو الذي تقتضيه القواعد، واحتمال إسقاط القطع بإباحة السفيه بعيد، قال: وأما ما في "الروضة" وأصلها عن ابن كج من انتظار بلوغ الصبي وإفاقة المجنون عند سرقة مالهما: إذا انتظرنا حضور الغائب (¬5)، فهو غير معتمد؛ لتعذر الإباحة منهما، فيكفي طلب الولي، وتختص عبارة "المنهاج" بأمور: أحدها: أنَّه لا معنى لقوله: (بلا دعوى) فلو تقدم إقراره دعوى حِسبة إذا سمعناها كما قاله ¬

_ (¬1) فتح العزيز (11/ 233)، الروضة (10/ 145). (¬2) انظر فتح العزيز" (11/ 233). (¬3) انظر "الروضة" (10/ 145). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 246)، و "الحاوي" (ص 591)، و"المنهاج" (ص 510). (¬5) فتح العزيز (11/ 241)، الروضة (10/ 148).

القاضي حسين، أو دعوى وكيل الغائب الذي وكله وكالة تتناول هذه القضية من غير شعور له بها .. كان كذلك، ذكره شيخنا الإمام البلقيني، ثم قال: فإن قيل: يحترز به عن دعوى وكيل الغائب الذي وكله بعد علمه بالسرقة؛ فإنه لا ينتظر حضور الغائب؛ لاندفاع احتمال الإباحة بتوكيله بعد علمه بذلك .. قلنا: فيكون المفهوم عامًا والمراد به خاص، فإن قيل: يكون المفهوم أنَّه إذا تقدمت دعوى فيه تفصيل .. قلنا: الظاهر تعميم المفهوم أو إطلاقه، فتعين ذكر ما يخالف الظاهر، قال: وفي "الاستذكار" للدارمي: إن قلنا: من شرطه حضوره، فحضر وكيله .. فوجهان. ثانيها: أنَّه لا يكفي حضوره، بل لا بد من طلبه. ثالثها: في تعبيره بالأصح نظر؛ لأن المسألة ذات نصوص وطرق، وقد عبر "التنبيه" فيها بالمذهب، ولكن لا اصطلاح له في ذلك، وإنَّما يفهم بذلك الترجيح خاصة. 5122 - قول "المنهاج" [ص 510]: (أو أنَّه أكره أمة غائبٍ على الزنا .. حد في الحال) يوهم أن الإكراه قيد في المسألة، وليس كذلك، فلو قال: (زنيتُ بأمة فلان) ولم يذكر إكراهًا .. كان الحكم كذلك، غير أن ذكر الإكراه فيه حق للسيد، وهو المهر، وهذا منفصل عن الحد، وعبارة "الحاوي" [ص 591]: (بطلب المالك لا في الزنا). 5123 - قول "المنهاج" [ص 510]: (فلو شهد رجل وامرأتان .. ثبت المال ولا قطع) محله: ما إذا شهدوا بعد دعوى المالك أو وكليه، فلو شهدوا حسْبة .. لم يثبت بشهادتهم المال أيضًا؛ لأن شهادتهم مفضية إلى المال، وشهادة الحسبة بالنسبة إلى المال غير مقبولة. 5124 - قوله: (ويشترط ذكر الشاهد شروط السرقة) (¬1) استثنى شيخنا الإمام البلقيني من إطلاقه مواضع: أحدها: أن من شروط القطع كون المسروق نصابًا، وهذا لا يشترط أن يذكره الشاهد، بل يكفي تعيين المسروق، ثم الحاكم ينظر فيه، فإذا ظهر له أنَّه نصاب .. عمل بمقتضاه. قلتُ: لا بد من قيام البينة بأن قيمته نصاب، فرجع الأمر إلى شاهدي السرقة أو غيرها. ثانيها: ومن شروط السرقة: كون المسروق ملكًا لغير السارق، وهذا لا يشترط في شهادة الشاهد، بل يكفي أن يقول: سرق هذا، ثم المالك يقول: هذا ملكي، والسارق يوافقه، فيقطع. قلت: لم يحصل القطع بمجرد البينة، بل مع ضميمة اعتراف السارق بأنه ملك المسروق منه. ثالثها: ومن شروطها: عدم الشبهة، ومقتضاه: اعتبار أن يقول في شهادته: ولا أعلم له فيه ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 510).

فصل [في صفة القطع وما يتعلق بها]

شبهة، وقد حكاه في " أصل الروضة" عن القاضي أبي الطيب وغيره، ثم قال: قال صاحب "الشامل": وليكن هذا تأكيدًا؛ لأن الأصل عدم الشبهة (¬1). 5125 - قوله: (ولو اختلف شاهدان؛ كقوله: "سرق بكرة"، والآخر: "عشية" .. فباطلة) (¬2) أي: بالنسبة إلى القطع، وكذا قول "المحرر": "لم يثبت بشهادتهما شيء) (¬3) أي: من القطع، ولو قالا كـ "التنبيه" في اختلاف الشهود: (لم يجب الحد) (¬4) .. لكان أحسن؛ لأنه المقصود، قال في "التنبيه" [ص 273]: (فإن حلف المسروق منه مع الشاهد .. قضى له) أي: بالغرم، وعبارة "الروضة": وللمشهود له أن يحلف مع أحدهما فيغرمه (¬5)، والمراد: حلفه مع من وافقت شهادته دعواه والحق في زعمه كما بينه في "الكفاية". 5126 - قوله: (وإن قامت البينة عليه من غير مطالبة .. فقد قيل: يقطع وهو المنصوص، وقيل: لا يقطع، وقيل: فيه قولان) (¬6) الأصح: أنَّه لا يقطع، وطريقة القطع بالقطع قال في "الكفاية": لا ذكر لها فيما وقفت عليه؛ أي: فضلًا عن أن يكون هي المنصوصة، وأورد الجيلي لفظ "التنبيه": (فقد قيل: لا يقطع، وهو المنصوص، وقيل: يقطع، وهذا هو الصواب) وعليه جرى في "المهذب" (¬7)، وهذا يقتضي أن شهادة الحسبة في حقوق الله تعالى - ومنها السرقة - مسموعة، وهو الصحيح، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 591]: (وتسمع الشهادة بغيبته وتعاد للمال) أي: وتعاد الشهادة بعد حضور المسروق منه لإثبات المال لا للقطع؛ لأن شهادة الحسبة لا تقبل في الأموال، فيقطع بعد حضوره من غير إعادة بينة؛ لأنا قد سمعناها أولًا، وإنَّما انتظرنا؛ لتوقع ظهور ما يسقط ولم يظهر. فَصْلٌ [في صفة القطع وما يتعلق بها] 5127 - قول "المنهاج" [ص 510]: (وتقطع يمينه) محله: فيما إذا لم تكن شلاء، فإن كانت شلاء .. رُجع لأهل الخبرة، فإن قالوا: ينقطع الدم وتستد أفواه العروق .. قطعت واكتُفي بها، ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 146). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 510). (¬3) المحرر (ص 430). (¬4) التنبيه (ص 273). (¬5) الروضة (10/ 147). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 246). (¬7) المهذب (2/ 282).

وإلَّا .. لم تقطع؛ لأنه يؤدي إلى فوات الروح (¬1)، وعلى الأول يحمل قول "الحاوي" [ص 591]: (واكتفي بالشلاء) وعلى الثاني يحمل قول "التنبيه" [ص 246]: (ومن سرق ولا يمين له أو كانت وهي شلاء .. قطع رجله اليسرى) فإطلاق كل منهما مدخول. 5128 - قول "الحاوي" [ص 591]: (وكفان والأصلية إن أمكن) أي: لو كان على المعصَم كفان ولم تتميز الأصلية عن الزائدة، أو تميزت ولم يمكن استيفاء الأصلية بدونهاء. فإنهما يقطعان، هذا اختيار الإمام بعد أن حكى عن الأصحاب قطعهما مطلقًا (¬2)، وفي "التهذيب": أنَّه إن تميزت الأصلية .. قطعت، وإلا .. فإحداهما فقط، فإن سرق ثانيًا .. قطعت الأخرى، ولا يقطعان بسرقة واحدة، بخلاف الإصبع الزائدة؛ فإنه لا يقع عليها اسم يد (¬3). قال الرافعي: وهذا أحسن (¬4)، وقال النووي: إنه الصحيح المنصوص، وقد جزم به جماعة منهم القاضي أَبو الطيب وصاحب "البحر" والشيخ نصر المقدسي وغيرهم، ونقله القاضي والمقدسي عن نص الشَّافعي رضي الله عنه (¬5). قال في "شرح المهذب": وأما قول الغزالي في (كتاب السرقة): قال الأصحاب: نقطعهما جميعًا .. فغير موافق عليه، بل أنكروه، وردوه، فالصواب: التفاء بإحداهما. انتهى (¬6). فعلى ترجيح الرافعي والنووي قد ترد هذه الصورة على قول "التنبيه" [ص 246] و"المنهاج" [ص 510]- والعبارة له -: (فإن سرق ثانيًا بعد قطعهما .. فرجله اليسرى)، ويقال: محله ما إذا لم يكن له يد أخرى على المعصم الأيمن، وقد يقال: إنما تكلما على الخلقة المعتادة الغالبة. 5129 - قول "التنبيه" [ص 246]: (فإذا قطع .. حسم بالنار) قد يفهم أنَّه يفعل به ذلك بغير دهن، فيخالف قولَ "المنهاج" [ص 510]: (ويغمس محل قطعه بزيتٍ أو دهنٍ مغلىً) و"الحاوي" [ص 591]: (يغمس في زيت مغلىً) وقد يقال: أراد: فعل ذلك بواسطة الدهن المغلى، وقد قال الماوردي في الغمس في الدهن المغلى: هذا إذا كان حضريًا، فإن كان بدويا .. حسم بالنار؛ لأنه عادتهم (¬7)، وقال في قاطع الطَّرِيقِ: وإذا قُطع .. حسم بالزيت المغلي وبالنار بحسب العرف فيهما. انتهى (¬8). ¬

_ (¬1) في حاشية (ج): (قال في "الروضة" [10/ 150]: ويكون كمن لا يمين له، وحينئذ .. فيقطع رجله اليسرى). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (17/ 263). (¬3) التهذيب (7/ 863). (¬4) انظر "فتح العزيز" (11/ 247). (¬5) انظر "الروضة" (10/ 152). (¬6) المجموع (1/ 449، 450). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 243). (¬8) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 363).

يدل على اعتبار عادة أهل تلك الناحية، ثم قد تفهم عبارة "التنبيه" وجوب ذلك، وفي "الحاوي" [ص 591]: (ندبًا) وفي "المنهاج" [ص 510]: (قيل: هو تتمة للحد، والأصح: أنَّه حق للمقطوع؛ فمؤنته عليه، وللإمام إهماله) وفيه أمور: أحدها: كون مؤنته عليه إذا قلنا: إنه حق له، ذكره الإمام، واقتصر الرافعي على حكايته (¬1)، وذكر شيخنا الإمام البلقيني: أن المعروف في الطريقين أنَّها في بيت المال وإن قلنا: حق للمقطوع، وحكاه عن العراقيين والماوردي والروياني والقاضي حسين والبغوي (¬2). ثانيها: أن مقتضاه: أنَّه على الوجه الأول، وهو كونه تتمة للحد ليست مؤنته على المقطوع، وليس كذلك؛ ففي "أصل الروضة" على هذا الوجه: أنَّه على الخلاف في مؤنة الجلاد، والأصح في مؤنة الجلاد: أنَّها على المجلود والسارق، فهو على طريقته على الوجهين معًا على المقطوع (¬3). ثالثها: قيد شيخنا الإمام البلقيني كون الإمام له إهماله بما إذا لم يؤد إلى تلفه؛ بأن أغمي عليه وليس له من يقوم بحاله، أو كان على حال يتعذر عليه حسم نفسه .. فلا يجوز للإمام إهماله. 5130 - قولهم - والعبارة لـ"التنبيه" -: (وإن كانت له يمين بلا أصابع .. قطع الكف) (¬4) في "المنهاج": (إنه الأصح) وفي "التنبيه": (إنه المنصوص) وفي الرافعي: إن الخلاف قولان، حكى الأول الحارث ابن سريج، والثاني القاضي أَبو حامد (¬5)، وعبارة "الروضة": وجهان أو قولان (¬6)، وصحح شيخنا الإمام البلقيني: أنَّه لا يكتفي بها، وحكاه عن اختيار القاضي أبي حامد، وأن القاضي الحسين قال: إنه المذهب، ثم إن الخلاف لا يختص بذهاب الأصابع مع بقاء جميع الكف، بل هو جار وإن لم يبق إلَّا بعض الكف إذا بقي محل القطع كما في "الروضة" وأصلها (¬7). 5131 - قول "المنهاج" [ص 510]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 591]: (وتقطع يد زائدة إصبعًا) يقتضي أنَّه لا تقطع زائدة إصبعين وأكثر، وليس كذلك؛ فالإصبع مثال، وَإِذا كان "الحاوي" يقطع كفين كما تقدم عنه (¬8) .. فكف واحدة زائدة خمس أصابع أولى بذلك، وقول ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (17/ 264)، و"فتح العزيز" (11/ 243). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 243)، و"التهذيب" (7/ 843). (¬3) الروضة (10/ 149). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 246)، و"الحاوي" (ص 591)، و"المنهاج" (ص 510). (¬5) فتح العزيز (11/ 244، 245). (¬6) الروضة (10/ 150). (¬7) فتح العزيز (11/ 245)، الروضة (10/ 150). (¬8) الحاوي (ص 591).

"المنهاج" [ص 510]: (في الأصح) يقتضي قوة الخلاف، وليس كذلك، بل هو ضعيف نقلًا ومعنى كما ذكر شيخنا الإمام البلقيني. 5132 - قول "المنهاج" [ص 510] و"الحاوي" [ص 591]: (ولو سرق فسقطت يمينه بآفة .. سقط القطع) كذا بجناية؛ ولهذا أطلق "التنبيه" ذهابها (¬1). فإن قيل: الجناية آفة أيضًا .. قلنا: هذا خلاف المتبادر إلى الفهم منه، وبتقدير صحته .. فلا حاجة للتقييد بالآفة. 5133 - قول "التنبيه" [ص 246، 247]: (وإن وجب عليه قطع اليمين فقطع اليسار عمدًا .. قطعت يمينه، وأقيد من القاطع من يساره، وإن قطع سهوًا .. غرم الدية، وفي يمين السارق قولان: أحدهما: يقطع، والثاني: لا يقطع) قال النووي في "تصحيحه": الأصح: أنَّه إذا قطعها الجلاد عمدًا أو سهوًا .. أجزأت عن اليمين ولا قصاص على القاطع ولا دية (¬2). قال في "المهمات": وهو يقتضي بعمومه تصحيح الإجزاء في صورتين: إحداهما: إذا قطع الجلاد من غير إخراج السارق، وليس كذلك اتفاقا. الثانية: إذا قال المخرج: علمت أنَّها اليسار وأنها لا تجزئ، مع أنَّه ليس الأمر أيضًا كذلك، وكلام الرافعي في القصاص يقتضي أنَّه لا فرق في الصورة الثانية بين أن يكون الإخراج على قصد حسبانها عن اليمين أم لا (¬3)، وهو واضح؛ لأن القصد المذكور مع علمه بأنه لا يقع لا أثر له. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ويزاد عليه اعتراض ثالث، وهو: أنَّه في "التنبيه" ألزم الجلاد دية اليد، وحكى في قطع اليمين قولين، فصحح في "التصحيح" إجزاء اليسار؛ وقضيته أن يكون مع إيجاب الدية، ولكن الجديد: الإجزاء ولا دية. قلت: وقد صرح في "التصحيح" بأنه لا دية، فكيف يقال: إن قضيته إيجاب الدية؟ والله أعلم. وكان ينبغي للنووي أن يبين أن محل ما صححه في صورة خاصة، وهي: أن يقول الجلاد للسارق: أخرج يمينك، فيخرجها ظانأ أنَّها اليمين أو أن اليسار تجزئ عن اليمين؛ فإنه محل الخلاف، والصحيح كما تقدم. 5134 - قوله: (ولا يقطع السارق - أي: الحرّ - إلَّا الإمام أو من فوض إليه الإمام) (¬4) قد يفهم ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 246). (¬2) تصحيح التنبيه (2/ 244). (¬3) انظر "فتح العزيز" (10/ 285). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 246).

أنَّه لو قطعه قاطع بغير إذن الإمام .. فعليه القصاص، وهو مقتضي قول "الحاوي" في أول (الجنايات) [ص 548]: (إن يد السارق معصومة على غير المستحق) لكن المنقول: أنَّه لا قصاص عليه، قال الرافعي: هكذا أطلق، ويشبه جعل وجوب القصاص على الخلاف في الزاني المحصن (¬1). قال ابن الرفعة: والذي جزم به الماوردي الوجوب، ثم حمل كلام الماوردي على ما إذا لم يقصد القاطع استيفاء الحد، وكلام غيره على ما إذا قصد. قال في "المطلب": ويرشد إليه ما ذكره الماوردي فيما إذا قتل قاطع الطَّرِيقِ مرتدًا فإن علم بردته .. لم يقتل جزما، وإلَّا .. ففيه الخلاف في قتل غير المكافئ، قال: ويستأنس له بما إذا قتل الإمام عبدًا اشتراه مرتدًا في يد البائع قبل القبض، فإن قصد قتله عن الردة .. وقع عنها وانفسخ البيع، وإن لم يقصد .. جعل قابضأ للمبيع واستقر عليه الثمن، كما حكاه الرافعي قبيل (الديات) عن "فتاوى البغوي" (¬2)، ثم قال: ولو قيل: يحمل ما أطلقه الماوردي على ما إذا كان القاطع ذميًا والسارق مسلمًا، وكلام غيره على ما إذا كان القاطع مسلمًا .. لم يبعد كما قلنا بمثله في قتل الزاني المحصن. * * * ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (11/ 245). (¬2) انظر "فتح العزيز" (10/ 311).

كتاب قاطع الطريق

كتابُ قاطع الطَّريق 5135 - قول "المنهاج" [ص 511]: (هو مسلم مكلف له شوكة) فيه أمور: أحدها: أن مقتضاه: أن الكفار ليس لهم حكم القطاع وإن أخافوا السبيل وتعرضوا للأنفس والأموال، وبه صرح في "الروضة" وأصلها (¬1)، ولا وجه لذلك في الذِّمِّيُّ، فإن كان لانتقاض عهدهم بذلك وأنا نقتلهم كالحربيين .. فليس كذلك؛ لأن الصحيح: أن العهد لا ينتقض به إلَّا إذا شرط عليهم تركه وشرط عليهم الانتقاض به لو فعلوه، وبتقدير الانتقاض فسيأتي أن من انتقض عهده بذلك أو غيره .. يقام عليه ما يقتضيه ذلك الشيء، ثم يفعل فيه بعد ذلك من القتل أو غيره ما ذكروه، وكذلك يجري حكم القطاع على المرتدين. وأما المعاهدون فينتقض عهدهم به، ويقام عليهم الحدود إذا ظفرنا بهم؛ فالصواب: التعبير بالتزام الأحكام بدل الإسلام؛ لإخراج الحربي فقط؛ فإنه لا يضمن نفسًا ولا مالكٌ؛ ولهذا لم يشترط "التنبيه" و"الحاوي" الإسلام في ذلك، لكن يرد عليهما الحربي. ثانيها: اعتبار الشّركة يقتضي اشتراط العدد، والمنقول في "الروضة" وأصلها: أنَّه لا يشترط، بل الواحد إذا كان له فضل قوة يغلب بها الجماعة وتعرض للنفوس والأموال مجاهرًا .. فهو قاطع (¬2)، ولهذا اعتبر "الحاوي" القوة دون الشّركة (¬3)، فلا يرد عليه ذلك. ثالثها: قد يفهم من تعبيره اعتبار الذكورة، وليس كذلك (¬4)، بل لو اجتمع نسوة لهن شوكة وقوة .. فهن قاطعات طريق، هذه عبارة "الروضة" (¬5)، ويرد عليه أن المرأة الواحدة تكون قاطعة طريق كما تقدم. رابعها: فإن قلت: قد أهمل شرطًا رابعًا، وهو: فقد الغوث .. قلت: قد ذكره بعد قوله: (وحيث يلحق غوث ليس بقطاع) (¬6) كذا في كثير من النسخ: (ليس بقطاع)، وصوابه: (ليسوا بقطاع) كما في بعض النسخ، أو: (ليس بقاطع)، وعبارة "الحاوي" [ص 593]: (قاطع الطَّرِيقِ ¬

_ (¬1) فتح العزيز (11/ 249)، الروضة (10/ 154). (¬2) فتح العزيز (11/ 249)، الروضة (10/ 154). (¬3) الحاوي (ص 593). (¬4) في حاشية (ج): (فائدة: ذكر في "العجالة" أن مقتضى كلام المصنف: أنَّه لا يشترط الذكورة ولا شهر السلاح ولا العدد؛ حيث لم يذكر ذلك في شروطه. انتهى). (¬5) الروضة (10/ 155). (¬6) المنهاج (ص 511).

معتمد القوة في المغالبة بالبُعد عن الغوث) فذكر وصفين، وأهمل التكليف والتزام الأحكام، كأنه لوضوحهما، وعبارة "التنبيه" [ص 247]: (من شهر السلاح وأخاف السبيل في مصر أو غيره) فكأنه أشار للقوة وفقد الغوث بإخافة السبيل، وسكت عن التكليف والالتزام؛ لوضوحه، وعبارة "أصل الروضة": ولا يشترط شهر السلاح، بل الخارجون بالعصي والحجارة قطاع؛ لأنها تأتي على النفس كالمحدد، وذكر الإمام أنَّه يكتفي بالوكز والضرب بجمع الكف، وفي "التهذيب" نحوه: وكلام جماعة يقتضي أنَّه لا بد من آلة (¬1). واعلم: أن "المنهاج" لم يفصح عن المقصود، فليس كل مسلم مكلف له شوكة فاقد غوث قاطع طريق، بل لا بد مع ذلك من إخافته السبيل كما صرح به "التنبيه"، وأشار إليه "الحاوي" بقوله [ص 593]: (معتمد القوة في المغالبة)، وعبارة "أصل الروضة" لما تكلم على الشّركة: قطاع الطَّرِيقِ: طائفة مترصدون في المكامن للرفقة، فإذا رأوهم .. برزوا قاصدين الأموال (¬2). وقال شيخنا الإمام البلقيني: ظاهره اعتبار قصد الأموال في حدهم، وبه صرح بعضهم، ولكن الظاهر مما ذكروه في الخوارج: أن العبرة بإخافة السبيل بقصد أخذ المال "فقد ذكروا أنهم إذا قاتلوا .. فلهم حكم قطاع الطَّرِيقِ، وقالوا فيما إذا بعث إليهم الإمام واليًا فقتلوه: فعليهم القصاص، وهل يتحتم قتل قاتله كقاطع الطَّرِيقِ؛ لأنه شهر السلاح، أم لا؛ لأنه لم يقصد إخافة السبيل؟ وجهان، وصحح النووي من زيادته: أنَّه لا يتحتم (¬3). قلت: ويشهد لذلك ما حكاه الرافعي عن أبي منصور بنُ مهران: أن الغالب أن قاطع الطَّرِيقِ يقصد المال أو النفس لعداوة اشتدت بين قوم وقوم (¬4). 5136 - قول "المنهاج" [ص 511]: (والذين يغلبون شرذمة بقوتهم قطاع في حقهم، لا لقافلة عظيمة) يفهم أنَّه لو تساوت الفرقتان .. لم يكن لهم حكم القطاع، والأصح في "الروضة" وأصلها: خلافه (¬5). وقال شيخنا الإمام البلقيني: الذي ظهر لنا والله أعلم من الكتاب والسنة وكلام الشَّافعي وأصحابه ومقتضى العادة: أنَّه متى كان احتمال غلبة قطاع الطَّرِيقِ ممكنًا إمكانًا غير نادر .. كان كافيًا في إثبات هذه العقوبات في حقهم، ولا يشترط القطع بغلبتهم، ولا غلبة الظن؛ لأن إخافة السبيل قائمة في هذه الحالة وعليها المدار، قال: ولم أر من حرر هذا الموضع. ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 155، 156)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 299)، و"التهذيب" (7/ 400). (¬2) الروضة (10/ 154). (¬3) انظر "الروضة" (10/ 51). (¬4) انظر "فتح العزيز" (11/ 264). (¬5) فتح العزيز (11/ 249)، الروضة (10/ 154).

5137 - قول "المنهاج" [ص 511]: (ولو علم الإمام قومًا يخيفون الطَّرِيقِ ولم يأخذوا مالًا ولا نفسًا .. عزرهم بحبس وغيره) ثم قال بعد أسطر: (ومن أعانهم وكثَّر جمعهم .. عزر بحبس وتغريب وغيرهما، وقيل: يتعين التغريب) (¬1) تبع فيه "المحرر"، وكذا في "الروضة" وأصلها (¬2)، وذكر شيخنا الإمام البلقيني: أن الوجهين المذكورين في الصورة الثانية إنما يعرفان في الصورة الأولى وأن الثانية محل جزم، [فذكر الخلاف] (¬3) في غير موضعه، وأسقطه من موضعه، ثم بسط ذلك، وظاهر قوله على الوجه الضعيف: (يتعين التغريب) أنَّه لا يفعل به في البلد المنفيّ إليه ضرب ولا حبس ولا غيرهما، وفيه وجهان في الرافعي بلا ترجيح (¬4)، وقال في "الشرح الصغير": الأشبه جواز الاقتصار على النفي، وفي "الروضة": الأصح: أنَّه إلى رأي الإمام وما اقتضتْه المصلحة (¬5). 5138 - قوله: (وإذا أخذ القاطع نصاب السرقة .. قطع يده اليمني ورجله اليسرى) (¬6) وقول "الحاوي" [ص 593]: (بأخذ ربع دينار) يرد عليهما: أنَّه لا بد أن يكون المأخوذ من حرز، فلو كان المال ضائعًا تسيّر به الدواب بلا حافظ، أو كانت الجمال مقطورة ولم تتعهد كما شرط في السرقة .. فلا قطع على الصحيح خلافًا لابن خيران، ومن انتفاء الشبهة، وقد صرح بذلك "التنبيه" فقال [ص 247]: (وإن أخذ نصابًا لا شبهة له فيه وهو ممن يقطع في السرقة). ونقل شيخنا الإمام البلقيني انتفاء الشبهة عن "الاستذكار" للدارمي، وقد عرفت أنَّه في "التنبيه"، قال: والقياس اعتبار طلب المالك المال كالسرقة، وفي "الأم" ما يقتضيه؛ فإنه قال في (السرقة): (إن لم يحضر - يعني: صاحب المال - .. حبس السارق حتَّى يحضر، فيدعي أو يُكذِّب الشاهدين) وقال بعد ذلك: (وكذلك يشهد الشاهدان على قطاع الطَّرِيقِ) إلى قوله: (ويحضر أهل المتاع) (¬7). وإطلاق "التنبيه" و"المنهاج" قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى محله: إذا وجدا، فلو فقد أحدهما .. اكتفي بقطع الأخرى، ولهذا قال "الحاوي" [ص 593]: (أو ما وُجد) وفي معنى الفقد: أن تكون شلاء لا تحسم عروقها لو قطعت، وصحح الماوردي في فقد إحداهما: الانتقال ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 511). (¬2) المحرر (ص 438)، فتح العزيز (11/ 252)، الروضة (10/ 156). (¬3) في (د): (فذكر الرافعي هذا الخلاف). (¬4) فتح العزيز (11/ 256). (¬5) الروضة (10/ 158). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 511). (¬7) الأم (6/ 153).

إلى قطع يده اليسرى ورجله اليمنى (¬1)، وهو غريب. 5139 - قول "الحاوي" [ص 593]: (أو فقدتا) أي: الأوليان، وهما اليد اليمنى والرجل اليسرى فيقطع اليد اليسرى والرجل اليمنى. محله فيما إذا فُقدتا قبل أخذ المال، فإن فقدتا بعده .. سقط القطع. 5140 - قولهم: (فإن قَتَلَ .. قُتِل حتمًا) (¬2) لا يخفى أن محله: فيما إذا كان عمدًا وقتل مكافئًا له، وقد صرح "الحاوي" بالثاني فقال [ص 594]: (فلا يقتل بغير كفء) وذكره "المنهاج" بعد ذلك. وقال شيخنا الإمام البلقيني: إن قتل لا لأخذ المال .. لم يتحتم القتل كما هو مقتضى نص الشَّافعي في "الأم"، واعتبر هذا الشرط البندنيجي وغيره، ويمكن أن يجيء فيه وجه بالتحريم كما هو مذكور في الذين قتلوا الوالي من البغاة. 5141 - قول "المنهاج" [ص 511]: (فإن قتل وأخذ مالًا .. قنل ثم صُلب) يشترط كون المال نصاب سرقة، كما هو مذكور في "الروضة" وأصلها (¬3)، وقباسه اعتبار الحرز وانتفاء الشبهة وطلب المالك، وقد دل قول "الحاوي" [ص 594]: (وبالجمع) أي: بين السرقة والقتل المتقدم ذكرهما، وقد يفهمه قول "التنبيه" [ص 247]: (وأخذ المال) بالتعريف، فينحط على المال المتقدم ذكره. وقال شيخنا الإمام البلقيني: عندي أن اعتبار النصاب في الصلب لا يقوم عليه دليل، ولم أجد في نصوص الشَّافعي اعتباره إلَّا في قطع اليد والرجل، ثم حكى عن الماوردي أنَّه قال: عندي أنَّه يصلب وإن أخذ أقل من ربع دينار؛ لأنه إذا انفرد بأخذ المال .. صار مقصودًا، فاعتبر فيه شرط القطع من أخذ النصاب، وإذا اقترن بالقتل .. صار تبعًا؛ فلم يعتبر فيه أخذ النصاب؛ لأنه لا يستحق فيه القطع، وكذا قال الماوردي أيضًا: إنه لا يعتبر فيه الحرز (¬4). 5142 - قول "الحاوي" [ص 594]: (ثم يصلب ثلاثة) أحسن من قول "المنهاج" [ص 511]: (ثلاثًا) لأن الأيام مذكرة، فيثبت فيها التاء، لكنه لما حذف المعدود .. جاز الوجهان؛ كقوله: "ثم أتبعه ستا من شوال" (¬5). وعبارة "التنبيه" [ص 247]: (ولا يصلب أكثر من ثلاثة أيام) ومقتضاه: أنَّه لا يتعين الثلاثة، ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 358). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 247)، و "الحاوي" (ص 594)، و"المنهاج" (ص 511). (¬3) فتح العزيز (11/ 254)، الروضة (10/ 156). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 593). (¬5) أخرجه مسلم (1164) من حديث سيدنا أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه مرفوعًا.

ولكنها غاية الصلب، ثم يستثنى مما ذكروه: ما إذا خيف التغير قبل الثلاث .. فالأصح في "أصل الروضة": أنَّه ينزل (¬1). 5143 - قول "المنهاج" [ص 511]: (وفي قول: يصلب قليلًا ثم يُنْزل ويقتل) وعبارة "المحرر" فيه: (يصلب صلبًا لا يموت منه ثم يقتل) (¬2) فقول "المنهاج": (قليلًا ثم ينزل) ليس في "المحرر"، والذي في "الروضة": وعلى هذا كيف يقتل؟ أيترك بلا طعام وشراب حتَّى يموت، أم يجرح حتَّى يموت، أم يترك مصلوبًا ثلاثًا ثم ينزل ويقتل؟ فيه أوجه. انتهى (¬3). فالوجه الثالث أقرب إلى ما في "المنهاج" فإن الثلاثة قليل، وعبارة "التنبيه" [ص 247]: (وقيل: يصلب حيًا ويمنع من الطَّعام والشراب حتَّى يموت) وهو الوجه الأول. 5144 - قول "المنهاج" [ص 511]: (وقتل القاطع يُغلّب فيه معنى القصاص، وفي قول: الحد) و"الحاوي" [ص 594]: (ويقع قصاصًا بأحكامه) يستثنى منه: تحتم قتله، وأن للسلطان استيفاءَه من غير احتياج لطلب الورثة؛ فإنه غُلّب فيهما معنى الحد قطعًا. ولو قتل جماعة مرتبًا .. قُتل بالأول، ولو عفا ولي الأول .. لم يسقط كما حكاه في "الروضة" وأصلها عن البغويّ (¬4). قال شيخنا الإمام البلقيني: ومقتضى هذا: أن قتله تحتم قطعًا، وهذا يقتضي تغليب الحد بالنسبة إلى ذلك قطعا، لكن هل يشترك مع الأول غيره حتَّى لا يجب للباقين دية، أو تجب لهم الدية؛ إن قلنا بتغليب الحد .. فالأول، أو القصاص .. فالثاني، قال: ويستثنى من محل الخلاف على الطريقة المعتمدة: أنَّه يغلّب معنى القصاص قطعًا فيما إذا تاب قبل القدرة وقد قتل، فيسقط تحتم القتل، ويبقى القصاص قطعًا، وفي طريقة ضعيفة: لا يبقى شيء أصلًا، وبه جزم في "الروضة" في تفريع القولين، وذكر الطريقة المرضية قبل بصفحة، فقال: للولي أن يقتص وله أن يعفو على المذهب (¬5). 5145 - قول "التنبيه" في أوائل (الجنايات) [ص 213]: (ومن قتل من لا يقاد به في المحاربة .. ففيه قولان، أحدهما: يجب القود، والثاني: لا يجب (الأظهر: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬6)، ومقتضى كلامهما: الوجوب تفريعًا على تغليب الحد، ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 157). (¬2) المحرر (ص 438). (¬3) الروضة (10/ 157). (¬4) فتح العزيز (11/ 263)، الروضة (10/ 161)، وانظر "التهذيب" (7/ 403). (¬5) الروضة (10/ 159، 161). (¬6) الحاوي (ص 594)، المنهاج (ص 511).

ويستثنى منه: ما إذا كان المقتول غير معصوم؛ كالمرتد والزاني المحصن وقاطع طريق تحتم قتله .. فإنه لا قود ولو غلبنا الحد، وكذا لو قتل عبد نفسه .. فلا قصاص قطعًا كما قاله أَبو إسحاق، واختاره الصيدلاني، واقتصر عليه البغوي، وأجرى فيه ابن أبي هريرة والقاضي حسين الخلاف، وهو مقتضى إطلاق الأكثر (¬1)، وصحح شيخنا الإمام البلقيني الطريقة الأولى في المكاتب ومأذون ركبته ديون؛ لأن العبد له والمال له، والطريقة الثانية فيما إذا كان العبد مستأجرًا أو معارًا. 5146 - قول "المنهاج" [ص 511] و"الحاوي" [ص 594]: (ولو مات .. فَدِيَةٌ) يقتضي انتفاءها تفريعا على تغليب الحد، وبه صرح في "الروضة" وأصلها (¬2)، لكن صحح شيخنا الإمام البلقيني وجوبها ولو غلبنا الحد. 5147 - قول "المنهاج" [ص 511]: (ولو قتل جمعًا .. قتل بواحد، وللباقين ديات) أورد عليه شيخنا الإمام البلقيني أمرين: أحدهما: أن الذي ذهب إليه جمهور العراقيين تغليب الحد هنا. حتَّى لا يجب للباقين شيء. ثانيهما: أن مقتضاه: جو أز قتله بغير الأول، وليس كذلك؛ فالمحكي في "الروضة" وأصلها عن البغوي: تحتم قتله بالأول ولو عفا وليه (¬3)، قال شيخنا: ولا يختص بالبغوي، بل كل من حكى هذا الوجه .. يحكيه كذلك. 5148 - قوله - والعبارة له - و"الحاوي": (ولو عفا وليُّه بمال .. وجب وسقط القصاص ويقتل حدًا) (¬4) اعترضه شيخنا الإمام البلقيني: بأن المنصوص وعليه الجمهور: أنَّه لا يصح عفو الولي لا بمال ولا بغيره، قال: ولم أر هذا التفريع إلَّا في كلام الفوراني، وتبعه الإمام والغزالي والرافعي (¬5)، وهو غير معتمد، بل غلط، واستحقاق العافي المال لا في مقابلة حصلت للدافع .. من أكل المال بالباطل، ولا يصح تشبيهه به بما إذا استحق القصاص على مرتد فعفى على مال حيث استحق المال، وإن كان مقتولًا بالردة؛ لانفكاك أحد السببين عن الآخر، وهما القصاص والردة؛ ولأنه إذا أسلم .. لم يقتل، بخلاف من تحتم قتله. 5149 - قول "المنهاج" [ص 511]: (ولو قتل بمثقل أو بقطع عضو .. فُعِلَ به مثله) قال شيخنا ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (11/ 262)، و"الروضة" (10/ 160). (¬2) فتح العزيز (11/ 262، 263)، الروضة (10/ 160، 161). (¬3) فتح العزيز (11/ 263)، الروضة (10/ 161)، وانظر "التهذيب" (7/ 403). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 594)، و"المنهاج" (ص 511). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (17/ 310)، و"الوجيز" (2/ 178)، و"فتح العزيز" (11/ 263).

الإمام البلقيني: انفرد بذلك البغوي (¬1)، ولم ينص عليه الشَّافعي؛ ولا ذكر له في كتب الطريقين، والذي يقتضيه كلام الشَّافعي: أنَّه يقتل بالسيف، ولا نظر إلى المماثلة؛ لأن المماثلة إنما تعتبر في القصاص المحض الذي يتخير فيه الولي بين القتل والعفو، وهذا متحتم، فكان بالسيف كالمرتد، ولو راعينا المماثلة .. لزم أنَّه إذا حرقه وأخذ ماله .. حرق وفات الصلب، وأيضًا فالمماثلة لاختيار الولي؛ فيلزم تأخير القتل إلى بلوغ الصبي وإفاقة المجنون وحضور الغائب، وليس ذلك بمعتبر قطعًا، ولم يصح في قصة العرنيين أنهم إنما سملت أعينهم؛ لسملهم أعين الرعاء، وعلى طريقة البغوي: فلا يتعين فعل مثله؛ فللإمام العدول للقتل بالسيف كالولي الخاص، وقد تفهم عبارة "المنهاج" خلافه. 5150 - قول "التنبيه" [ص 247]: (وإن جنى قاطع الطَّرِيقِ جناية توجب القصاص فيما دون النفس .. ففيه قولان، أحدهما: يتحتم القصاص، والثاني: لا يتحتم) الأظهر: الثاني كما في "المنهاج"، وعليه مشى "الحاوي" (¬2)، وعبر النووي في "تصحيحه" بقوله: لم يتحتم القتل (¬3)، قال شيخنا الإسنوي: وهو غلط (¬4). قلت: لا يخفى أن مراده: القصاص؛ فإنه لا مجال للقتل الحقيقي هنا، وفي بعض نسخ "التصحيح": (لم يتحتم) بدون ذكر القتل، وفيه ضمير يعود على القصاص، وأورد شيخنا الإمام البلقيني على "المنهاج" أمورًا: أحدها: أنَّه قال: (ولو جرح فاندمل) (¬5) لكنه في "الروضة" وأصلها حكى عن ابن الصباغ إجراء القولين فيما لو قطع يده ثم قتله قبل الاندمال (¬6)، لكن تعقبه شيخنا من جهة أن قضية عدم التحتم تخيير الولي في اليد بين قطعها والعفو، وأخذ ديتها وانتظار بلوغه وعقله وحضوره، وهو بعيد، قال: والذي ينطبق عليه كلام الأصحاب في الطريقين اعتبار الاندمال. ثانيها: أنَّه قال: (لم يتحتم قصاص)، وصوابه: لم يتحتم الجرح. قلت: وكذا عبر "التنبيه" بالقصاص (¬7)، وأراد به: قصاص الجرح، فلا إيراد. ثالثها: أن تعبيره بالأظهر يقتضي قوة الخلاف، وهو ضعيف منكر لم أقف عليه في شيء من ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (7/ 407). (¬2) الحاوي (ص 594)، المنهاج (ص 512). (¬3) تصحيح التنبيه (2/ 245). (¬4) انظر " تذكرة النبيه" (3/ 482). (¬5) المنهاج (ص 512). (¬6) فتح العزيز (11/ 264، 265)، الروضة (10/ 161، 162). (¬7) التنبيه (ص 247).

منصوصات الشَّافعي، وقال القاضي الطَّبري: لا يعرف للشافعي إلَّا أنَّه لا يتحتم، حكاه الرافعي (¬1)، ووقع في "المطلب": أنَّه معزو لسائر كتبه الجديدة، وهو وهم، وحكاه الدارمي في "الاستذكار" عن ابن سريج، فجعله وجهًا، وحكى الغزالي في "الوجيز" الخلاف أوجهًا (¬2). 5151 - قول "التنبيه" [ص 247]: (فإن تاب قبل أن يقدر عليه .. سقط انحتام القتل والصلب وقطع الرجل، وقيل: يسقط قطع اليد، وقيل: لا يسقط) الأصح: الأول، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 594]: (وسقط إن تاب قبل الظفر، لا القصاص والغرم) وعبارة "المنهاج" توهم خلافه؛ حيث قال [ص 512]: (وتسقط عقوبات تخص القاطع بتوبته قبل القدرة عليه) فإن قطع اليد لا يخص قاطع الطريق، لكن في "الروضة": إن قطع اليد يسقط على المذهب (¬3)، والعذر "للمنهاج" أن قطع اليد ليس عقوبة كاملة، وإنَّما هو جزء عقوبة؛ فإن المجموع منه ومن قطع الرجل عقوبة واحدة، فإذا سقط بعضها .. سقط كلها؛ ولعل عبارة "المنهاج" هي التي غرت ابن الرفعة حتَّى نقل في "الكفاية" عن النووي اختيار أنَّه لا يسقط قطع اليد. 5152 - قول "المنهاج" [ص 512]: (لا بعدها على المذهب) يقتضي استواء التوبة التي قبل القدرة والتي بعدها، وليس كذلك؛ فإن الأولى يكتفي بمجردها، والثانية يشترط معها إصلاح العمل كما قاله جماعة من العراقيين والبغوي والروياني، وصححه الرافعي في "الشرح الصغير"، ونسبه الإمام إلى القاضي حسين، ونسب مقابله إلى سائر الأصحاب، وقوله: (على المذهب) ينبغي رجوعه إلى ما قبل القدرة أيضًا؛ فمقابله قولان في الحالين، لكن عبارة "المحرر" كالصريحة في العود إلى ما بعد القدرة فقط (¬4)، وهو ظاهر عبارة "المنهاج". 5153 - قول "التنبيه" في آخر حد الخمر [ص 248]: (ومن وجب عليه حد الزنا أو السرقة أو الشرب وتاب وأصلح ومضى عليه سنة .. سقط عنه الحد في أحد القولين، ولم يسقط في الآخر) الأظهر: الثاني كما في "المنهاج"، فقال [ص 512]: (ولا تسقط سائر الحدود بها في الأظهر) وفيه أمور: أحدها: أن المراد: حدود الله تعالى كما فصله "التنبيه". ثانيها: أنَّه لا بد مع ذلك من إصلاح العمل كما قدمناه في توبة القاطع بعد القدرة، وصرح به هنا "التنبيه" كما تقدم. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (11/ 264). (¬2) الوجيز (2/ 178). (¬3) الروضة (10/ 160). (¬4) المحرر (ص 439).

فصل [في اجتماع الحدود]

ثالثها: أن الذي نص عليه في "الأم" تقييد القولين بما قبل الرفع إلى القاضي (¬1)، وفيه طريقان .. إحداهما: كذلك، ورجحها شيخنا الإمام البلقيني، والثانية: طردهما في الحالين. رابعها: أن شيخنا الإمام البلقيني رجح السقوط؛ لأن الشَّافعي رضي الله عنه جزم به في موضعين من "الأم"، وقال في "مختصر المزني": وبه أقول (¬2)، وصححه صاحب "المهذب" والماوردي (¬3). خامسها: أن محل الخلاف في ظاهر الحكم، فأما فيما بينه وبين الله تعالى .. فيسقط بلا خلاف؛ لأن التوبة تسقط أثر المعصية، قاله النووي من زيادته في السرقة (¬4)، وكلامهم في الشهادات يوافقه. فَصْلٌ [في اجتماع الحدود] 5154 - قول "المنهاج" [ص 512]: (ومن لزمه قصاص وقطع وحد قذف وطالبوه .. جُلد ثم قطع ثم قتل) المراد: قصاص في النفس؛ ويدل له قوله: (ثم قتل)، والمراد: قطع قصاص لآدَمِيٍ لا لله تعالى؛ كقطع السرقة؛ ويدل له قوله: (لا قطعه بعد جلده إن غاب مستحق قتله) (¬5) ليس المعتبر في الجزم الغيبة، بل عدم رضا مستحق القتل بالتعجيل، فلو رضي بالتعجيل ولو في الغيبة .. جاء الخلاف الآتي، ولو حضر ولم يرض .. جُزِم بامتناع التعجيل. 5155 - قوله: (وكذا لو حضر وقال: "عجلوا القطع" - أي: وأنا أبادر إلى القتل - في الأصح) (¬6) هذا الخلاف تردد للإمام، وقد قيده بمن خيف موته بالموالاة بحيث يتعذر القصاص في النفس ورأى الجزم بالبدار في غير ذلك (¬7)، وقول "الروضة" وأصلها: ورأي الإمام تخصيص الوجهين (¬8) يوهم أنهما للأصحاب، وهو المقيد لهما، وليس كذلك، بل هما له. وقال شيخنا الإمام البلقيني: عندي أن الذي ذكره الإمام من الاحتمالين ممنوع، والصواب: ¬

_ (¬1) الأم (6/ 131). (¬2) الأم (6/ 146، 152)، (7/ 56)، مختصر المزني (ص 265). (¬3) المهذب (2/ 285)، الحاوي الكبير (13/ 370). (¬4) انظر "الروضة" (10/ 146). (¬5) المنهاج (ص 512). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 512). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (17/ 183). (¬8) فتح العزيز (11/ 267)، الروضة (10/ 163).

القطع بالتأخير وإن رضي المستحق؛ لأن الإمهال المشروع على طريق الإيجاب تحقيقًا حق للذي يقيم عليه العقوبة، فلا يبادر برضا المستحق، وقول "المنهاج": (الأصح) يقتضي قوة الخلاف، وهو ضعيف أو غلط. 5156 - قوله: (ولو أخر مستحق طرفٍ .. جلد، وعلى مستحق النفس الصبر حتَّى يُستوفى الطرف) (¬1) قال في "الوسيط": لا صائر إلى أن مستحق النفس يسلط على القتل، ويقال لصاحب الطرف؛ بادر إن شئت، وإلَّا .. ضاع حقك، ولو قيل به .. كان منقدحًا (¬2). وقال شيخنا الإمام البلقيني: والذي نقوله: أن لمستحق النفس أن يقول لمستحق الطرف: إما أن تستوفي أو تعفو أو تأذن لي في التقدم، ويجبره الحاكم على أحد هذه المذكورات، فإن أَبى ذلك كله .. مكّن الحاكم مستحق النفس من القتل؛ لأنه ظهر الضرر من مستحق الطرف، وليس له عذر يمنعه من ذلك، ومستحق القتل طالب حق أثبته الله سبحانه له بقوله: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا}. 5157 - قوله: (فإن بادر فقتل.؛ فلمستحق الطرف ديته) (¬3) أي: في تركة المقتول لا على المبادر. 5158 - قوله: (ولو أخر مستحق الجلد .. فالقياس: صبر الآخرين) (¬4) تبع فيه الرافعي (¬5)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: ليس هذا بالقياس بالنسبة إلى القطع؛ لأنه يمكن أن يقطع، ثم لا يفوت الجلد؛ لأنه يمكن استيفاؤه بعد البرء من القطع، وصاحب الجلد مقصر بعد أن يرفع إلى الحاكم، ويقال له: إما أن تستوفي أو تعفو أو تأذن لصاحب القطع في التقدم. 5159 - قول "التنبيه" [ص 248]: (وإن اجتمع عليه حدان فأقيم أحدهما .. لم يقم الآخر حتَّى يبرأ من الأول) وفي بعض النسخ: (حتَّى يبرأ ظهره) وهو خارج مخرج الغالب؛ لأنه مكان الحدود غالبًا، ولا يتقيد الحكم، ومحل ذلك: فيما إذا كان الثاني غير قتل؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 594]: (وفُرّق غير القتل) وهو يقتضي أنَّه إذا اجتمع عليه حدود قذف لجماعة .. لا يوالى بين حدودهم، بل يمهل بين كل حدين حتَّى يبرأ، وقد قال في "أصل الروضة": هكذا ذكره البغوي وغيره، لكن سبق في القصاص أنَّه يوالى بين قطع الأطراف قصاصًا، وقياسه: أن يوالى بين الحدود (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 512). (¬2) الوسيط (6/ 503). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 512). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 512). (¬5) انظر "المحرر" (ص 440). (¬6) الروضة (10/ 164)، وانظر "التهذيب" (7/ 405).

واعترضه في "المهمات": بأنه إنما يوالي في القصاص إذا كان لواحد دون ما إذا كان لجماعة كما هو نظير مسألتنا؛ فإنه لا يوالي؛ لأنه لم يجتمع خطر القطعين على واحد حتَّى يقابل بمثله، ذكره الرافعي قبل العفو عن القصاص (¬1)، وأسقطه في "الروضة". وقال شيخنا الإمام البلقيني: نقله ذلك عن البغوي وغيره قصور؛ فقد نص عليه الشَّافعي فيما إذا قال: يا زانية بنت الزانية، فقال: ولو طالبتا جميعًا .. حُدّ للأم مكانه، وقيل: له الْتَعِن لامرأتك، فإن لم يلتعن .. حبس حتَّى يبرأ جلده، فإذا برأ .. حُد، إلَّا أن يلتعن (¬2). وفرّق الماوردي بين الحد والقطع بفرقين: أحدهما: أن الحد مقدر بالشرع .. فوجب الوقوف عليه؛ لئلا يختلط بزيادة، والقصاص مقدر بالجناية .. فجاز الجمع بينهما؛ لأنه لا يختلط بزيادة. والثاني: أنَّه جمع بين القصاصين؛ لأنهما يجتمعان في حق شخص واحد، ولم يجمع بين الحدين؛ لأنهما لا يجتمعان في حق شخص واحد (¬3). وضعف شيخنا الفرقين، وفرق: بأن جناية القاطع إتلاف، فأتلف عليه من غير تأخير، وجناية القاذف إيذاء فلم يحد إلَّا متفرقًا. انتهى. وقد عرفت أن حكم المسألتين عند اختلاف المستحق مستوٍ، فلا حاجة لهذه الفروق، والله أعلم. 5160 - قوله: (ثم الأسبق) (¬4) يقتضي أنَّه إذا قذف جماعة مرتبًا .. حد للأول فالأول، وقد ذكر ذلك في "الروضة" وأصلها بحثًا (¬5)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: كأنه لم يقف على نقل في ذلك، وهو موجود في كثير من التصانيف، قال: ويستثنى منه: ما إذا كان حد الأول قابلًا لإسقاطه باللعان .. فلا يتقدم على النص المعتمد السابق في تقديم حد الأم على البنت. 5161 - قول "المنهاج" [ص 512]: (ولو اجتمع حدود لله تعالى .. قدم الأخف فالأخف) داخل في قول "الحاوي" [ص 594]: (ثم الأخف) لتناول عبارة "الحاوي" حقوق الآدميين أيضًا، وفصله "التنبيه" بقوله [ص 248]: (فيبدأ بحد الشرب، ثم يجلد في الزنا، ثم يقطع في السرقة) وقد يفهم كلامه قطعه قبل التغريب، وقال في "الكفاية": ولم أر لأصحابنا تعرضًا له. 5162 - قول "التنبيه" [ص 248]: (وإن اجتمع قطع السرقة وقطع المحاربة .. قطعت يده اليمنى ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (10/ 270). (¬2) انظر "الأم" (5/ 288). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (11/ 40). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 594، 595). (¬5) فتح العزيز (11/ 268)، الروضة (10/ 164).

للسرقة، وهل تقطع الرجل معها؛ قيل: تقطع، وقيل: لا تقطع) الأصح: قطعها معها؛ أي: ولاء. 5163 - قوله: (وإن كان مع الحدود قتل في المحاربة .. فقد قيل: يوالي بين الحدود وقيل: لا يوالى) (¬1) الأصح: الثاني، وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 594]: (وفرّق غير القتل). 5164 - قوله "التنبيه" [ص 248]: (وإن كان معها حد قذف .. فقد قيل: يُبدأ به قبل حد الشرب، وقيل: يبدأ بحد الشرب) الأصح: الأول "كما في "المنهاج" (¬2)، وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 594]: (ثم للآدمي ثم الأخف) وقال شيخنا الإمام البلقيني: ليس وجهًا عندنا، بل هو منصوص؛ لأن الشَّافعي نص على الابتداء بحقوق الآدميين ثم حقوق الله تعالى. 5165 - قول "المنهاج" [ص 512]: (وأن القصاص قتلًا وقطعًا يقدم على الزنا) قال شيخنا ابن النقيب: المشكل فيه شموله تصحيح تقديم قتل القصاص على حد الزنا، ولم أره الآن مصرحًا به (¬3). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إذا كان حد الزنا يوجب الجلد .. قدم على القتل، نص عليه، ولا خلاف فيه. قلت: وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 594]: (وقُدِّم - أي: غير القتل - ثم الآدمي) فجعل تقديم الآدمي فيما إذا تساوت، فأما إذا كان فيها قتل وغيره .. قدم غير القتل ولو كان لله تعالى والقتل لآدمي، وأورد شيخنا على "المنهاج" إيرادين آخرين: أحدهما: أنَّه لا ينبغي التعبير فيه بالأصح؛ لنص الشَّافعي على أنَّه يبدأ بحقوق الآدميين مما ليس بقتل، ثم حق الله تعالى فيما لا نفس فيه، ثم القتل من ورائها. ثانيهما: إن كان حد الزنا رجمًا .. فلا خلاف في تقديم القطع قصاصًا عليه؛ فإدخاله في الخلاف غير مستقيم، وإن كان جلدًا .. فهو محل الخلاف في صورة القطع، وليس محل خلاف في صورة الرجم. * * * ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 248). (¬2) المنهاج (ص 512). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (7/ 583).

كتاب الأشربة

كتاب الأشربة 5166 - قول "المنهاج" [ص 513]: (كل شراب أسكر كثيره .. حَرُمَ قليله) أي: وكثيره كما صرح به "التنبيه" (¬1)، وأهمله "المنهاج" لوضوحه، وتناولهما قول "الحاوي" [ص 596]: (مُسكر جِنسٍ). 5167 - قول "التنبيه": (ومن شرب المسكر وهو بالغ عاقل مسلم مختار .. وجب عليه الحد) يعتبر أيضًا: كونه عالمًا بأنها خمر، وبتحريمها، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). 5168 - قوله: (دون ضرورة عطش، وإساغة لقمة، وعذر تداوٍ) (¬3) ما ذكره من عدم الحد في شربه للتداوي حكاه في "أصل الروضة" عن القاضي حسين والغزالي، وإن حكمنا بالتحريم؛ لشبهة الخلاف (¬4)، وقال النووي في "تصحيح التنبيه": إنه المختار (¬5)، وقال الإمام: أطلق الأئمة المعتبرون أقوالهم في طرقهم أن التداوي حرام موجب للحد (¬6)، ثم ذكر في "أصل الروضة" في شربها للعطش: إذا لم نجوزه .. ففي الحد الخلاف كالتداوي (¬7). واعلم: أن الحد لا يختص بالشرب، بل لو أكله بخبز أو ثرد فيه خبزًا وأكل الثريد أو طبخ اللحم بالخمر وأكل المرقة .. حد بذلك، بخلاف ما لو أكل اللحم المطبوخ بها .. فإنه لا يحد؛ لأن عين الخمر لم تبق فيه. ويستثنى منه أيضًا: ما لو شربه في ماء والخمر مستهلك فيه .. فإنه لا يحد كما حكاه في "أصل الروضة" عن الإمام، وجزم به في (الرضاع) (¬8). 5169 - قول "المنهاج" عطفًا على المنفي [ص 513]: (وكذا حقنة وسعوط في الأصح) قال شيخنا الإمام البلقيني: ما صححه في السعوط ممنوع؛ فإنه يحصل به ما يحصل بالشرب، وهو واصل إلى المحل الذي يتأثر بالشرب، وأما الاحتقان؛ فإن قيل: إنه يحصل منه سكر بوجه عام .. فإنه يحد به أيضًا، ويكون ما أطلقه الأصحاب من أنَّه لا يحد بالحقنة محمولًا ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 247). (¬2) الحاوي (ص 596)، المنهاج (ص 513). (¬3) انظر "الحاوي" (ص 596). (¬4) الروضة (10/ 170). (¬5) تصحيح التنبيه (2/ 248). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (17/ 263). (¬7) الروضة (10/ 170). (¬8) الروضة (10/ 169)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 330).

على ما إذا لم يحصل بذلك سكر بوجه ما. 5170 - قوله: (ومن غص بلقمة .. أساغها بخمر إذا لم يجد غيرها) (¬1) أي: وجوبًا. 5171 - قوله: (والأصح: تحريمها لدواءٍ وعطش) (¬2) يفهم أنَّه وجه، وهو منصوص كما في "الروضة" وأصلها (¬3)، والأصح: أن الجوع كالعطش، ومحل الخلاف في التداوي: في القليل الذي لا يسكر، وألَّا يجد ما يقوم مقامها مع إخبار طبيب مسلم أو معرفة المريض. 5172 - قول "الحاوي" [ص 596]: (يضرب أربعين) محله: في الحر فأما العبد .. فعشرين، وقد صرح به "التنبيه" و"المنهاج" (¬4). 5173 - قول "التنبيه" [ص 247]: (وبضرب في حد الشرب بالأيدي والنعال وأطراف الثياب، وقيل: يجوز بالسوط، والمنصوص الأول) الأصح: جواز السوط أيضًا، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي"، بل حكى "المنهاج" وجهًا: أنَّه يتعين السوط (¬5)، وفي قول "التنبيه": (إن المنصوص الأول) نظر؛ فقد قال في "الكفاية" بعد قوله: (وكذا قاله القاضي أَبو الطيب والبندنيجي وابن الصباغ): وكأنهم أخذوه من قول "المختصر ": وإن ضرب بنعل أو طرف ثوب أو رداء وما أشبهه. انتهى (¬6). ولم يحك الرافعي والنووي هذا إلَّا وجهًا (¬7)، وقال الشَّافعي كما في "المختصر": (يضرب المحدود بسوط بين سوطين لا جديد ولا خلق) (¬8)، ومقتضى ذلك: أنَّه لا فرق بين المحدود في الخمر وغيره. 5174 - قول "المنهاج" [ص 513]: (ولو رأى الإمام بلوغه ثمانين .. جاز في الأصح) محله: في الحر، أما العبد .. فغاية بلوغه أربعون، وقد صرح به "التنبيه" (¬9)، وفي التعبير بالأصح نظر، فنصوص "الأم" و"المختصر" قاضية بذلك، بنقله ذلك عن الصحابة (¬10)، ومقتضى قول "التنبيه" [ص 247]: (إن بلغ بالحد) أن الزائد حد، والأصح: أنَّه تعزير؛ ولذلك قال ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 513). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 513). (¬3) فتح العزيز (11/ 277)، الروضة (10/ 169). (¬4) التنبيه (ص 247)، المنهاج (ص 513). (¬5) الحاوي (ص 596)، المنهاج (ص 513). (¬6) مختصر المزني (ص 266). (¬7) فتح العزيز (11/ 283)، الروضة (10/ 171). (¬8) مختصر المزني (ص 267). (¬9) التنبيه (ص 247). (¬10) الأم (6/ 180)، مختصر المزني (ص 266).

"المنهاج" [ص 513]: (والزِّيادة تعزيرات) وهو أحسن من قول "المحرر": (تعزير) (¬1) لأن القائل بأنها حد أورد أن التعزير لا يجوز أن يبلغ أربعين. فيجاب: بأنها تعزيرات على أنواع صدرت منه من هذيان وغيره. وقال شيخنا الإمام البلقيني: التعزيرات لا بد من تحقق سببها ولم يتحقق السبب فالمسألة معضلة، وقوله: (والزِّيادة) أي: المذكورة في قوله: (ولو رأى الإمام بلوغه ثمانين) فلا يقال: كلامه يقتضي أنَّه تجوز الزِّيادة على الثمانين، وليس كذلك، وقوله: (وقيل: حد) (¬2) قد يفهم أنَّه لا يضمن لو مات بها، قال شيخنا الإمام البلقيني: ولم يقل بذلك أحد من أئمة المذهب. 5175 - قوله: (ويحد بإقراره أو شهادة رجلين) (¬3) في "تعليق الشيخ أبي حامد" طريق ثالث، وهي: أن نعلم شربه من إناء شرب منه غيره فسكر. قال الرافعي: (وليكن هذا بناء على القضاء بالعلم) (¬4)، قال شيخنا الإمام البلقيني: والمحكي عن أبي حامد هو النص في "الأم" و"المختصر" (¬5). 5176 - قوله: (ويكفي في إقرار وشهادة: "شرب خمرًا") (¬6) هذا في الشهادة، أما في الإقرار .. فيقول: (شربت خمرًا)، ومثله: (شربت ما شرب منه غيري فسكر منه)، ونازع شيخنا الإمام البلقيني في التفاء بالتنكير؛ لجواز إرادة المجاز، قال: والموجود في نص الشَّافعي وكلام الأصحاب: شرب الخمر (¬7)، قال: فإن قيل: التعريف لا يمنع المجاز .. قلنا: يبعد مع التعريف ولا يبعد مع التنكير، على أنا نقول في صورة التعريف: لا بد أن يأتي بما يرفع المجاز؛ فقد يتجوز بالخمر على ما يصير خمرًا، فإن كان هناك ما يخرج هذا المجاز .. حددناه، وإلَّا .. فلا، ونبه شيخنا على أمرين آخرين: أحدهما: أنَّه ينبغي أن يزيد في الشهادة: من غير أن يسيغ بها ما غص به، وإن لم يشترط في الشهادة كونه عالمًا مختارًا، وقد قال في "الأم": إنما يعاقب الناس على اليقين (¬8)، ولا يقين إذا لم يذكر ذلك. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 441). (¬2) المنهاج (ص 513). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 513). (¬4) انظر "فتح العزيز" (11/ 280). (¬5) الأم (6/ 144)، مختصر المزني (ص 265). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 513). (¬7) انظر "الأم" (6/ 144). (¬8) الأم (6/ 144).

ثانيهما: أن مقتضى كلامه: أنَّه يسوغ للشاهد في شرب النبيذ أن يقول: (شرب خمرًا) لقوله أول الباب: (كل شراب أسكر كثيره .. حرم قليله، وحد شاربه) (¬1) ثم قال هنا: (ويكفي - يعني: في إيجاب الحد على شارب ما ذكر -: "شرب خمرًا") (¬2) وهذا لا يسوغ للشاهد قطعًا، ولو قلنا: إن اسم الخمر يتناوله حقيقة؛ لأن الشارب قد يعتقد إباحة القدر الذي لا يسكر .. فيكون مع ذلك مقبول الشهادة، وإطلاق شرب الخمر عليه يقتضي فسقه ورد شهادته. 5177 - قوله: (ولا يحد حال سكره) (¬3) لم يبين هل ينعقد بالحد لو وقع أم لا؟ وفيه وجهان حكاهما في "الكفاية" عن القاضي حسين، وقال شيخنا الإمام البلقيني: الأصح: الإجزاء؛ ففي "صحيح البخاري": عن عقبة بنُ عامر قال: (جيء بالنعمان - أو بابن النعمان - وهو سكران، وأمر من في البيت أن يضربوه، فضربوه بالجريد والنعال) (¬4)، وعن أبي هريرة قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم بسكران، فأمر بضربه ... الحديث) (¬5)، قال: وهذان صريحان أو ظاهران، أو الأول صريح والثاني ظاهر في جواز إقامة الحد عليه في حال سكره إذا كان على الحالة التي لم يصل فيها إلى أن يصير ملقى لا حراك به. 5178 - قوله: (ويفرقه على الأعضاء إلَّا المقاتل والوجه، قيل: والرأس) (¬6) يقتضي أن استثناء الرأس وجه ضعيف، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 596]: (ويفرق على البدن، لا الوجه والمقتل). قال شيخنا الإمام البلقيني: وليس كذلك، بل هو نص الشَّافعي في "مختصر البويطي"، وقد نقله القاضي أَبو الطيب في "تعليقه"، وصححه، وقال: إذا اتقينا الفرج؛ لأنه مقْتل .. فالرأس بذلك أولى؛ لأنه موضع شريف، وفيه مقتل ويخاف من ضربه نزف الماء في العين وزوال العقل، وحكاه أيضًا ابن الصباغ والروياني في "الكافي"، وقال: إن مقابله خطأ، وجزم به الخوارزمي في "الكافي"، قال شيخنا: ولا نص للشافعي يخالفه؛ فهو المعتمد. قلت: وعليه مشى "التنبيه" في حد الزنا (¬7)، واعلم: أن الرافعي علل كونه لا يجتنب الرأس بأنه مستور بالشعر (¬8)، ومقتضاه: أنَّه لو لم يكن عليه شعر لقرع أو حلق رأس .. اجتنبه قطعًا. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 513). (¬2) المنهاج (ص 513). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 513). (¬4) صحيح البخاري (2191)، (6393). (¬5) صحيح البخاري (6399). (¬6) انظر " المنهاج " (ص 513). (¬7) التنبيه (ص 242). (¬8) انظر "فتح العزيز" (11/ 286).

5179 - قول "المنهاج" [ص 513]: (ولا تجرد ثيابه) قد يفهم أنَّه يترك عليه الجبة المحشوة والفروة، وليس كذلك؛ ولهذا قال "التنبيه" [ص 242]: (ولا يجرد، بل يكون عليه قميص) وفي " أصل الروضة": قميص أو قميصان. 5180 - قول "الحاوي" [ص 596]: (ولاءً) و"المنهاج" [ص 513]: (ويوالي الضرب بحيث يحصل زجرٌ وتنكيلٌ) ضبطه الإمام فقال: إن لم يحصل به ألم له وقع؛ كسوط أو سوطين كل يوم .. لم يكف، وإن حصل؛ فإن لم يتخلل ما يزول به الألم الأول .. كفى، وإن تخلل .. لم يكف في الأصح، حكاه عنه في " أصل الروضة"، وأقره (¬1). 5181 - قول "التنبيه" في حد الزنا [ص 242]: (ولا يقيم الحد في المسجد) عبر بمثل ذلك في "الروضة" وأصلها، قالا: ويسقط الفرض لو أقيم كما لو صلى في مكان مغصوب. انتهى (¬2) وكلامهم يشعر بتحريمه، لكن في "أصل الروضة" في (القضاء): أنَّه مكروه (¬3)، ونص عليه في "الأم" فقال: وإذا كرهت له أن يقضي في المسجد .. كنت لأن يقيم الحد في المسجد أو يعزر أكره (¬4). ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 173)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 359، 360). (¬2) فتح العزيز (11/ 287)، الروضة (10/ 172). (¬3) الروضة (11/ 138). (¬4) الأم (6/ 198).

باب التعزير

بابُ التَّعزير 5182 - قولهما: (ومن أتى معصية لا حد فيها ولا كفارة .. عزر) (¬1) وقول "الحاوي" [ص 596]: (ويعزّر الإمام لمعصية غيرها) يعني: غير ذوات الحدود المتقدم ذكرها، يستثنى منه مسائل: الأولى: ذوو الهيئات في عثراتهم؛ فقد قال في "الأم" بعد روايته حديث عائشة: "تجافوا لذوي الهيئات عن عثراتهم" (¬2): (سمعت من أهل العلم من يعرف هذا الحديث ويقول: يتجافى للرجل ذي الهيئة عن عثرته ما لم تكن حدًا، قال: وذوو الهيئات الذين يقالون عثراتهم الذين ليسوا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة) (¬3). وحكى في "الشامل" عن الشَّافعي فيما إذا كتب بعض المسلمين إلى المشركين .. فاختار الإمام: أنَّه إن كان من ذوي الهيئات .. لم يعزر؛ لحديث حاطب بنُ أبي بلتعة (¬4)، وهذه صورة مما تقدم، وكذلك ما ذكره الشيخ عَزَّ الدين بنُ عبدِ السلام في "قواعده": أنَّه إذا صدرت الصغيرة من بعض أولياء الله تعالى .. لا يجوز للأئمة والحكام تعزيرهم عليها، بل تقال عثرتهم، وتستر زلتهم (¬5)، قال: وقد جهل أكثر الناس فزعموا أن الولاية تسقط بالصغيرة، ولم يعلقه الشَّافعي بالأولياء؛ لأن ذلك لا يطلع عليه. وحكى الماوردي في ذوي الهيئات وجهين: أحدهما: أنهم أصحاب الصغائر دون الكبائر. والثاني: أنهم الذين إذا أتوا الذنب .. ندموا عليه وتابوا منه، والمعتمد ما ذكره الشَّافعي من أنهم لا يعرفون بالشر، قال الماوردي: وفي عثراتهم وجهان: أحدهما: أنَّها صغائر الذنوب التي لا توجب الحدود. والثاني: أنَّها معصية زل فيها مطيع (¬6). الثانية: الأصل لا يعزر لحق الفرع كما لا يحد بقذفه، وإن لم يسقط حق الإمام من ذلك، صرح به الماوردي. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 248)، و"المنهاج" (ص 514). (¬2) أخرجه الشافعي في "مسنده" (1/ 363). (¬3) الأم (6/ 145). (¬4) انظر "الأم" (4/ 250)، وفي (ب)، (ج): (حاطب بنُ بلتعة). (¬5) قواعد الأحكام في إصلاح الأنام (1/ 210). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 440).

الثالثة: إذا وطئ امرأته أو أمته في دبرها .. فلا يعزر أول مرة، وإنَّما يُنهى، فإن عاد .. عزر، نص عليه في "المختصر" (¬1)، وصرح به جماعة. الرابعة: إذا رأى من يَزْنِي بزوجته وهو محصن، فقتله في تلك الحالة .. فلا تعزير عليه وإن افتات على الإمام؛ لأجل الحميّة والغيظ، حكاه ابن الرفعة عن ابن داوود، ونقل الماوردي والخطابي في مقالة عن الشَّافعي: أنَّه يحل له قتله فيما بينه وبين الله تعالى إذا لم تكن بينة، وإن كان يقاد به في الظاهر، وهو منصوص عليه في "الأم" (¬2). الخامسة: إذا نظر شخص إلى بيت غيره وجوزنا رمي عينيه، فلم يرتدع .. ضربه بالسلاح ونال منه ما يردعه، قال الرافعي عن النص: ولو لم ينل منه صاحب الدار .. عاقبهُ السلطان (¬3)، هذا لفظه، ومقتضاه: عدم التعزير إذا نال منه وكأنه حد هذه المعصية، وقد يقال: هذا نوع تعزير شرعا لصاحب المنزل، فإذا لم يستوفه .. فللإمام استيفاؤه. السادسة: إذا دخل واحد من أهل القوة إلى الحمى الذي حماه الإمام للضعفة ونحوهم، فرعى منه .. قال القاضي أَبو حامد: لا تعزير عليه ولا غرم وإن كان عاصيًا، كذا في "المهمات"، وكلام أبي حامد في زيادة "الروضة" في (إحياء الموات) ليس فيه: (وإن كان عاصيًا)، وإنَّما فيه: لكن يمنع من الرعي (¬4). وقال شيخنا الإمام البلقيني: ليس هذا بعاصٍ، وإنَّما فعل مكروهًا، ولا تعزير فيه، فإن قيل: الافتيات على الإمام معصية .. قلنا: الإمام إنما فعل ذلك لمصلحة الضعفاء لا لتحريمه على غيرهم، فلم يصل إلى رتبة المعصية، على أنا لو سلمنا أنَّه معصية .. فمنعه وإخراج دوابه تعزير، فيكتفى بمثل ذلك في نحو هذا. السابعة: إذا ارتد ثم أسلم .. فإنه لا يعزر أول مرة، نقل ابن المنذر الاتفاق عليه، وذكره "التنبيه" بقوله [ص 231]: (فإن تكرر ذلك منه .. عزر). ويجاب عنه: بأن الردة حدها القتل، فإذا أسلم .. سقط الحد، فلا تعزير، وأما إذا تكررت .. فإنه لم يقابل التكرير بشيء، فقوبل بالتعزير. الثامنة: إذا كّلف السيد عبده ما لا يطيق .. فإنه يحرم عليه، ولا يعزر أول مرة، وإنَّما يقال له: لا تعد، فإن عاد .. عزر، ذكره الرافعي في آخر الباب الأول من (اللعان) (¬5). ¬

_ (¬1) مختصر المزني (ص 174). (¬2) الأم (6/ 30). (¬3) انظر "فتح العزيز" (11/ 322). (¬4) الروضة (5/ 293، 294). (¬5) انظر "فتح العزيز" (9/ 553، 356).

التاسعة: إذا طلبت المرأة نفقتها بطلوع الفجر .. قال في "النهاية": الذي أراه أن الزوج إن قدر على إجابتها .. فهو حتم، ولا يجوز تأخيره وإن كان لا يحبس ولا يوكل به، ولكن يعصي بمنعه (¬1). العاشرة: إذا عرّض أهل البغي بسب الإمام .. لم يعزروا على الأصح من "زيادة الروضة" (¬2)، قال في "البحر": وكان سببه أن التعزير ربما كان مخرجًا لما عندهم ومهيجًا له، فيفتح بسببه باب القتال. ويرد عليهم أيضًا: أن التعزير قد يكون في غير معصية، وذلك في صور: إحداها: الصبي والمجنون يعزران إذا فعلا ما يعزر عليه البالغ، وإن لم يكن فعلهما معصية، نص عليه في الصبي، وذكره القاضي حسين في المجنون. ثانيها ة قال الماوردي في "الأحكام السلطانية": يمنع المحتسب من يكتسب باللهو ويؤدب عليه الآخذ والمعطي (¬3)، وظاهره تناول اللهو المباح. ثالثها: نفي المخنث نص عليه الشَّافعي، مع أنَّه لا معصية فيه إذا لم يتقصده، وإنما فُعل للمصلحة. رابعها: قال شيخنا الإمام البلقيني: حبس الحاكم من ثبت عليه الدين ولم يظهر منه تقصير ولم تثبت ملاءته، وادعى الإعسار ولم يثبت ما ادعاه، لا وجه له إلَّا أن يدعي أن هذا طريق في الظاهر بين الناس إلى خلاص الحقوق، فيفعل هذا عملًا بأن الظاهر الملاءة؛ لأن ثبوت الدين بطريق المعاملة ونحوها يدل على الملاءة، أما حبس من ظهرت ملاءته ومطله .. فلمعصيته. وأورد على "التنبيه" و"المنهاج" اجتماع التعزير والكفارة في مسائل: الأولى: الجماع في [شهر] (¬4) رمضان؛ فإنه يجب فيه التعزير مع الكفارة كما حكى البغوي في "شرح السنة" إجماع الأمة عليه (¬5)، وفي "شرح المسند" للرافعي ما يقتضيه، وجزم به ابن يونس في "شرح التعجيز" (¬6)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: هذه الدعوى التي ذكرها البغوي غير صحيحة؛ فإنه عليه الصلاة والسلام لم يعزر المجامع في نهار رمضان، ولم يذكر ذلك أحد من ¬

_ (¬1) نهاية المطلب (15/ 469). (¬2) الروضة (10/ 51). (¬3) الأحكام السلطانية (ص 339). (¬4) في (د): (نهار). (¬5) شرح السنة (6/ 284). (¬6) في حاشية (ج): (وقال بعضهم: إن التعزيز إنما جاء لهتك حرمة رمضان، والكفارة لأخذ الإثم، كذا قاله ابن الملقن في "شرح العمدة").

الأئمة القدماء في خصوص المسألة؛ فالصحيح: أنَّه لا يعزر، وجزم به ابن الرفعة في "الكفاية"، وهو المعتمد، ووهم من جعله وهمًا (¬1). الثانية: جماع الحائض يعزر فاعله بلا خلاف، كما حكى في "المهمات" التصريح به عن بعض الأصحاب مع القول بوجوب الكفارة، وقد عرفت أن الجديد: عدم الكفارة؛ فالاستثناء إنما هو على القديم. الثالثة: المظاهر يجب عليه التعزير مع الكفارة، وقال شيخنا الإمام البلقيني: الكفارة تجب بالعود أو الظهار، والعود شرط فيه أو بهما؟ أوجه، فإن قلنا بالعود .. عزر، أو بالظهار .. فالأصح: لا، أو بهما .. فوجهان. الرابعة: إذا قتل من لا يقاد به؛ كابنه وعبده .. وجب التعزير كما نص عليه في "الأم" مع الكفارة، وأجاب عنه في "المهمات": بأن كفارة القتل ليست للمعصية، بل لإعدام النفس؛ بدليل إيجابها في الخطأ، فيبقى التعمد خاليًا عن زاجر، فأوجبنا فيه التعزير، قال: وهذا يقتضي إيجاب التعزير في محرمات الإحرام إن كانت إتلافًا كالحلق والصيد، دون الاستمتاع كاللبس والطيب؛ ولذلك اتضح ما ذكره الأصحاب من الكفارة والتعزير في اليمين الغموس، فالتعزير للكذب والكفارة لانتهاك الاسم المعظم حيث أكد الكذب به، وبذلك أجاب ابن عبدِ السلام وابن الصلاح، قال: ومثله ذكره ابن عبدِ السلام في "القواعد الصغرى": أنَّه لو زنى بأُمَّه في جوف الكعبة في رمضان وهو صائم معتكف محرم .. لزمه العتق والبدنة، ويحد للزنا، ويعزر لقطع رحمه وانتهاك حرمة الكعبة. انتهى (¬2) ولا يرد شيء من هذه الصور على "الحاوي" لأنه لم يعتبر في إيجاب التعزير انتفاء الكفارة، وكذا فعل الشيخ أَبو حامد والماوردي وابن الصباغ والقاضي حسين والبغوي والغزالي، حكاه عنهم شيخنا الإمام البلقيني، ثم قال بعد ذكره نص الشَّافعي على وجوب التعزير على قاتل من لا يقاد به: ظهر بهذا النص أن هذه الزِّيادة، وهو قوله: (ولا كفارة) (¬3) ليس معتمدة على المذهب. وأورد عليهم: اجتماع الحد والتعزير في شارب الخمر؛ فإن الحد أربعون، والزِّيادة إلى الثمانين تعزير كما تقدم، وقد صرح "المنهاج" بالمسألة (¬4)، وإنَّما الإيراد على إطلاقه هنا، وقد لا يرد على "الحاوي" لقوله [ص 596]: (ويعزر الإمام لمعصيةٍ غيرها) وذلك لا ينافي التعزير مع شيء قدمه. ¬

_ (¬1) في حاشية (ج): (هو الإسنوي). (¬2) الفوائد في اختصار المقاصد (ص 72). (¬3) المنهاج (ص 514). (¬4) المنهاج (ص 514).

واعلم: أن الإمام حكى عن المحققين فيما لو علم أن التأديب لا يحصل إلَّا بالضرب المبرح .. أنَّه ليس له الضرب، لا المبرح؛ لأنه مهلك، ولا غيره؛ لعدم إفادته (¬1)، وعليه مشى "الحاوي" في النشوز، فقال: (ضرب إن نجع) (¬2) ومقتضى ذلك: استثناؤه من عبارة "التنبيه" و"المنهاج" هنا، لكن قال الرافعي: يشبه أن يضرب ضربا غير مبرح؛ إقامة لصورة الواجب، وإن لم يفد التأديب (¬3)، وأهمل في "الروضة" هذا البحث، وهو بحث حسن، ويقوى بما قاله المحققون: أنَّه لو قتل نحيفًا بضربات تقتل مثله غالبا، وتيقنا أو ظننا ظنا مؤكدأ أن الجاني لا يموت بتلك الضربات .. فلا تراعى المماثلة، بل يقتل بالسيف، حكاه الرافعي عن الإمام (¬4)، وكذا لو لاطَ بصبي فمات وقلنا: يدس في دبره خشبة قريبة من آلته .. فلا يفعل إذا لم يتوقع موته بذلك، بل يقتل بالسيف، حكاه الرافعي عن "التتمة" (¬5). 5183 - قول "المنهاج" [ص 514]: (بحبس أو ضرب أو صفع أو توبيخ) فيه أمور: أحدها: أنَّه يقتضي أنَّه ليس له الجمع بينها ولا بين نوعين منها، وليس كذلك؛ ففي "أصل الروضة": أن له الجمع بين الحبس والضرب (¬6)، ولذلك قال "الحاوي" [ص 596]: (حبسا ولومًا وجلدًا). ثانيها: ظاهر عبارتهما التخيير بين هذه الأمور، وليس كذلك، بل لا يرقى إلى مرتبة وهو يرى ما فى ونها كافيًا، حكاه الإمام عن الأصحاب، وأقره في "الروضة" وأصلها (¬7)، وقد يدل عليه قول "المنهاج" بعده [ص 514]: (ويجتهد الإمام في جنسه وقدره) فإن المراد: الاجتهاد في الأصلح واللائق. ثالثها: ظاهر كلامهما أنَّه لا يتعين للحبس مدة، وليس كذلك، بل شرطها النقص عن سنة، وقد نص عليه في "الأم" في قتل المؤمن الكافر، فقال: (ولا يبلغ بحبسه سنة) (¬8)، ولم يطلع الإمام على هذا النص، فحكاه في "الغياثي" عن بعض الفقهاء، وقال: إنه فالممد، وليس التغريب حدًا كاملًا، وإنَّما هو جزء من حد، وحكى ابن الرفعة عن الزبيري تقديرها بستة أشهر، وهو محمول على العبد، ومع ذلك: ففي التعبير تساهل؛ فالمعتبر نقصها عن ستة أشهر. ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (17/ 347). (¬2) الحاوي (ص 489). (¬3) انظر "فتح العزيز" (11/ 293). (¬4) فتح العزيز (10/ 278)، وانظر "نهاية المطلب" (16/ 181). (¬5) انظر "فتح العزيز" (10/ 276). (¬6) الروضة (10/ 174). (¬7) فتح العزيز (11/ 289)، الروضة (10/ 174)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 362). (¬8) الأم (6/ 38).

رابعها: أنهما لم يذكرا التعزير بالنفي، وذكره في "الروضة" في حد الزنا، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نفى المخنثين، وهو تعزير (¬1)، وفي قطع الطَّرِيقِ، فقال في "المعين": الأصح: أن الإمام يعزره باجتهاده بالحبس أو التغريب أو سائر وجوه التأديب كسائر المعاصي، وحكى في "الكفاية" عن الماوردي وغيره جواز التعزير بالنفي وفي "اختلاف الحديث" للشافعي: أن من اشترط خلاف ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن بلغه نهيه عنه .. عاصٍ، وفي المعاصي حدود وآداب، فكان من أدب العاصين: أن يعطل عليهم شروطهم ليتنكلوا عن مثله ويتنكل بها غيرهم، وكان هذا من أيسر الأدب (¬2). قال شيخنا الإمام البلقيني: وهذا النوع الذي ذكره الشَّافعي لم أر من تعرض له في التعزير، إلَّا أن يدخل ذلك تحت التوبيخ؛ لأن إبطال شرطه من جملة التوبيخ. 5184 - قول "المنهاج" [ص 514]: (وقيل: إن تعلقت بآدمي .. لم يكف توبيخ) الذي في "الروضة": إذا طلبه الآدمي .. فهل يجب؟ وجهان: أحدهما: يجب، وهو مقتضى كلام صاحب "المهذب". والثاني: لا، وهو ما أطلقه أَبو حامد وغيره، ومقتضى كلام البغوي ترجيحه، وقال الإمام: قدر التعزير وما به التعزير إلى رأي الإمام، ولا يكاد يظهر جنايته عنده .. إلَّا وبّخه وأغلظ عليه، فيؤول الخلاف إلى أنَّه هل يجوز الاقتصار على التوبيخ؟ (¬3) 5185 - قول "التنبيه" [ص 248]: (غير أنَّه لا يبلغ به أدنى الحدود) أي: في حقه، فإن كان عبدآ .. نقص عن عشرين، وإن كان حرًا .. نقص عن أربعين كما صرح به "المنهاج" (¬4)، وهو معنى قول "الحاوي" [ص 596، 597]: (ناقصًا عن أدنى حده) وحمل الإصطخري ذلك في "تصنيفه" في أدب القضاء على الضرب بالدرة، قال: فإن ضرب بالسوط .. فأحب ألَّا يزاد على العشرة، وفي "الصحيحين": عن أبي بردة بنُ نيار قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يجلد فوق عشرة أسواط إلَّا في حد من حدود الله" (¬5)، واقتصر التِّرمِذي على تحسينه (¬6)، وقال ابن المنذر: في إسناده مقال، وقال أَبو محمد الأصيلي: اضطرب ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 90). (¬2) اختلاف الحديث (ص 521). (¬3) الروضة (10/ 176)، وانظر "المهذب" (2/ 288)، و"نهاية المطلب" (17/ 349)، و"التهذيب" (7/ 428، 429). (¬4) المنهاج (ص 514). (¬5) البخاري (6458)، مسلم (1708). (¬6) سنن التِّرمِذي، باب ما جاء في التعزير (1463).

إسناده (¬1)، وقال الماوردي: لم يثبت هذا الحديث عند الشَّافعي من وجه يجب العمل به، فإن صح وثبت .. فقد اختلف أصحابنا في وجوب العمل به على وجهين: أحدهما - وهو ظاهر قول ابن سريج -: أن العمل به واجب، لا تجوز الزِّيادة في التعزير على عشر جلدات، ويكون هذا مذهب الشَّافعي (¬2). وقال صاحب "التقريب": هذا خبر صحيح، لو بلغ الشَّافعي .. لقال به، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه المختار على أصل الشَّافعي في اتباع الخبر. 5186 - قول "التنبيه" [ص 248]: (وإن رأى ترك التعزير .. جاز ذلك) محله: فيما إذا كان لحق الله أو لحق آدمي ولم يطلبه؛ فإن كان لآدمي وطلبه .. وجبت إقامته، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 597]: (ويهمل لا للعبد بطلبه)، وحكاه في "أصل الروضة" عن مقتضى كلام "المهذب" (¬3). قال شيخنا الإمام البلقيني: ويوافقه كلام القاضي أبي الطيب والماوردي والصيدلاني، وهو الصحيح، ثم حكى في "الروضة" عدم الوجوب عن إطلاق الشيخ أبي حامد وغيره، قال: ومقتضى كلام البغوي ترجيحه (¬4). 5187 - قول "المنهاج" فيما لو عفا مستحق تعزير [ص 514]: (فله في الأصح) أي: فللإمام إقامته، و"الحاوي" [ص 597]: (وإن عُفِيَ) قد يفهم منه أن للإمام إقامته بغير طلب؛ لأنه إذا جاز بعد العفو .. فقبل الطلب أولى، وليس كذلك؛ فالمنقول في "الروضة" وأصلها في (باب اللعان): أنَّه لا يستوفيه إلَّا بعد الطلب (¬5)، والفرق: أنَّه بالعفو يسقط حقه، فيبقى حق الإصلاح للإمام، وقبل الطلب الإصلاح منتظر لم يُؤيَسْ منه، ولو أقيم .. لفات عليه حق الطلب وحصول التشفي. * * * ¬

_ (¬1) انظر "التلخيص الحبير" (4/ 79). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 439). (¬3) الروضة (10/ 176)، وانظر "المهذب" (2/ 288). (¬4) الروضة (10/ 176)، وانظر "التهذيب" (7/ 428). (¬5) فتح العزيز (9/ 365)، الروضة (8/ 333).

كتاب الصيال وضمان الولاة

كتابُ الصِّيال وضمان الولاة 5188 - كذا في "المنهاج" (¬1)، وكان ينبغي أن يزيد في التَّرجمة: (وإتلاف البهائم) كما في "الروضة" (¬2)، لذكره حكمه فيه، وأما حكم الختان .. فإنما ذكر توطئة لبيان حكم ما إذا ختنه فمات، وهو من ضمان الولاة. 5189 - قول "التنبيه" - وهو في قتال أهل البغي -[ص 230]: (ومن قصد قتل رجل .. جاز للمقصود دفعه عن نفسه، وهل يجب ذلك؛ قيل: يجب، وقيل: لا يجب) فيه أمور: أحدها: لا يخفى أن المراد القاصد بغير حق، وتعبير "المنهاج" و"الحاوي" بـ (الصيال) (¬3) يفهم ذلك. ثانيها: محله: ما إذا لم يمكنه الهرب، فإن أمكن .. وجب، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 515]: (فإن أمكن هربٌ .. فالمذهب: وجوبه) وقد يفهم منه إثبات طريقة قاطعة بالوجوب، وليس كذلك، وإنَّما فيه طريقة القولين، وهي الأصح، وحمل نص الهرب على ما إذا تيقن النجاة به، والنص الآخر على ما إذا لم يتيقن، ولو عبر بالأظهر .. لكان أحسن؛ وقد يقال: الهرب من جملة الدفع؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 601]: (بصياح وهرب) ومحل إيجاب الهرب: في غير الصائل الحربي والمرتد؛ ففيهما لا يجب الهرب، بل لا يجوز في الحالة التي يحرم فيها الفرار. ثالثها: الخلاف قولان، والأظهر: أنَّه لا يجب الدفع كما ذكره "المنهاج" (¬4)، وكذا رجح في "الروضة" وأصلها أنَّه قولان (¬5)، لكن نازع فيه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: ليس بمعتمد، ولم يذكره إلَّا الإمام والغزالي والزاز (¬6)، والذي ذكره الشيخ أَبو حامد والعراقيون والماوردي والقاضي حسين والبغوي وغيرهم: أنَّه وجهان (¬7)، قال: والذي عندنا أن جواز الدفع منصوص "الأم" و"المختصر" (¬8)، وأما وجوبه: فلم أقف عليه في كلام الشَّافعي، وعن القاضي حسين: إن ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 515). (¬2) الروضة (10/ 177). (¬3) الحاوي (ص 600)، المنهاج (ص 515). (¬4) المنهاج (ص 515). (¬5) فتح العزيز (11/ 314)، الروضة (10/ 188). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (17/ 673، 368)، "الوجيز" (2/ 185). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 455)، و"التهذيب" (7/ 432). (¬8) الأم (6/ 177)، مختصر المزني (ص 268).

أمكن دفعه بغير قتله .. وجب، وإلَّا .. فلا، ومال شيخنا الإمام البلقيني إلى هذا، واستثنى: ما إذا أمكن الدفع بغير القتل من محل الخلاف، وقال: إنه يجب قطعًا، وحكاه عن "التتمة"، وقال: إنه لا بد منه، وأيده ترجيحهم وجوب الهرب. رابعها: محل الخلاف: فيما إذا كان القاصد مسلمًا، فإن كان كافرًا أو بهيمة .. وجب الدفع، قال النووي في "تصحيحه": قطعًا (¬1)، وسبقه إليه نفي الخلاف القاضي حسين، وأشار الروياني إلى خلاف في الكافر، قال في "الروضة": وهو غلط، والصواب الأول، وبه قطع الأصحاب (¬2)، وقال في "المطلب": لعل ما قاله الروياني في الذِّمِّيُّ، فأما الحربي: فلا يجوز الاستسلام له أصلًا، وكذلك المرتد؛ لوجوب قتله. وعبر "المنهاج" بقوله [ص 515]: (ويجب عن بُضْعِ، وكذا نفسٌ قصدها كافر أو بهيمةٌ، لا مسلمٌ في الأظهر) وظاهره عود الخلاف للكافر والبهيمة أيضًا؛ لذكره لهما بعد قوله: (كذا)، وليس كذلك، وعبارة "الحاوي" [ص 600]: (والبهيمة والمجنون والكافر عن النفس) فزاد ذكر المجنون، وفي معناه: الصبي، وإلحاق المجنون والصبي بالبهيمة والكافر طريقة حكاها الرافعي، ثم قال: والأشبه طرد القولين (¬3)، وعبر في "الروضة" بقوله: والمذهب: طرد القولين (¬4)، ومقتضاه: ترجيح جواز الاستسلام، لكن صحح شيخنا الإمام البلقيني تلك الطريقة، وحكاها عن جزم الماوردي (¬5)، وقال: هو الذي يقوى في التوجيه من جهة أنهما لم يبوءا بالإثم، فأشبها البهيمة. وأجيب عن "التنبيه": بأن البهيمة لم تدخل في كلامه؛ لتعبيره ب (من)، وهي للعقلاء. خامسها: قيد شيخنا الإمام البلقيني المسلم بكونه محقون الدم، فلو كان غير محقون؛ كالزاني المحصن وتارك الصلاة ومن تحتم قتله في قطع الطَّرِيقِ .. وجب الدفع قطعا، وحكى عن القاضي حسين والإمام والغزالي تقييد الخلاف بكونه محقون الدم (¬6). سادسها: تعبيره بالمقصود يقتضي أن غيره ليس كذلك، مع أن أصح الطرق أن الدفع عن نفس غيره كالدفع عن نفسه وجوبًا وجوازًا؛ ولهذا لم يقيد "المنهاج" و"الحاوي" ذلك بنفسه، بل أطلق "الحاوي" [ص 600]: (النفس) بالتعريف، و"المنهاج" [ص 515]: (نفسًا) بالتنكير، ثم ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (2/ 192). (¬2) الروضة (10/ 188). (¬3) انظر "فتح العزيز" (11/ 315). (¬4) الروضة (10/ 189). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 455). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (17/ 673)، و"الوسيط" (6/ 529).

صرح به بعد ذلك، فقال: (والدفع عن غيره كهو عن نفسه، وقيل: يجب قطعًا) (¬1) ويزاد عليه طريقة ثالثة، وهي: أنَّه لا يجب قطعًا، حكاها في "أصل الروضة"، ومحل الخلاف: إذا لم يخف على نفسه كما جزم به في "أصل الروضة"، وحكاه الرافعي عن إبراهيم المروذي وغيره (¬2)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: ولا بد منه، إلَّا إذا كان في قتال الحربيين أو المرتدين .. فلا يسقط الوجوب بذلك. 5190 - قول "الحاوي" [ص 600]: (الصائلُ يُدفع ولو عن المال) هو في المال جائز؛ بدليل قوله بعده: (ويجب عن البضع) (¬3)، وقد صرح به "المنهاج" فقال [ص 515]: (لا يجب الدفع عن مال)، وهو أعم من تعبير "التنبيه" بقوله [ص 230]: (وإن قصد ماله) لتناوله مال غير الدافع، ولو أنَّه مال الصائل، ومحل ذلك: ما إذا كان لم يكن المال حيوانًا، فإن كان حيوانًا .. وجب الدفع عنه؛ كما إذا رآه يشدخ رأس حمار ولو أنَّه للشادخ على الأصح في "أصل الروضة"، وحكاه الرافعي عن البغوي (¬4). 5191 - قول "المنهاج" [ص 515] و"الحاوي" [ص 600]: (ويجب عن البضع) أعم من قول "التنبيه" [ص 230]: (وإن قصد حريمه .. وجب عليه الدفع عنه) لتناوله بضعه وبضع أجنبية ولو أمة، وشرط البغوي للوجوب: ألَّا يخاف على نفسه (¬5)، ولم يتعقبه الرافعي والنووي، وقال شيخنا الإمام البلقيني: هو قيد معتبر، تقدم نظيره في الدفع عن غيره. 5192 - قول "المنهاج" [ص 515]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 600]: (ولو سقطت جرة ولم تندفع عنه إلَّا بكسرها .. ضمنها في الأصح) قال شيخنا الإمام البلقيني: إنه لم يسبق الرافعي إلى تصحيحه أحد (¬6)، قال: والأصح عندنا: أنَّه لا ضمان على الكاسر؛ لأمور: منها: أنَّها كانت مشرفة على الانكسار لو سقطت على الأرض، وقد كانت تضرّ بالساقطة عليه لو لم يكسرها، فما كسرها إلَّا وهي آيلة إلى الكسر، مع أنَّه دافع للضرر عن نفسه، وأشار إلى ذلك القاضي حسين، فقال في تعليله؛ لأن من حقه أن يتأخر ولا يدفعه، فلم يُلْزمه بالضمان إلَّا حيث أمكنه أن يتأخر، ومقتضاه: أنَّه إذا لم يمكنه التأخر .. لا ضمان، وحاول في "المطلب" تخريجه على الخلاف فيما لو ألقاه من شاهق، فقده آخر بنصفين، حتَّى يجري وجه ثالث بوجوب الضمان عليها. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 515). (¬2) فتح العزيز (11/ 316، 317)، الروضة (10/ 189). (¬3) الحاوي (ص 600). (¬4) فتح العزيز (11/ 317)، الروضة (10/ 189)، وانظر "التهذيب" (7/ 433). (¬5) انظر "التهذيب" (7/ 431، 432). (¬6) انظر "فتح العزيز" (11/ 313).

ورده شيخنا الإمام البلقيني: بأن الإلقاء في صورة القد كان مضمونًا، وقيد شيخنا محل الخلاف بقيدين: أن يكون على غير روشن ونحوه، وألَّا يضعها صاحبها مائلة أو على وجه يغلب على الظن سقوطها؛ ففي هاتين الصورتين لا ضمان قطعًا. 5193 - قول "الحاوي" [ص 600]: (وبهيمة تمنع الجائع من طعام) أي: فيضمن كالجرة، قال الرافعي: ويمكن أن يجعل الأصح هنا: الإهدار؛ كما إذا عم الجراد المسالك، فوطئه المُحْرِم (¬1). 5194 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ويُدفع الصائل بالأخف) (¬2) فيه أمران: أحدهما: قال الماوردي: هذا التدريج في غير الفاحشة، أما من أولج في الفرج .. فيجوز أن يبدأ بالقتل؛ فانه في كل لحظة مواقع، ثم فيه وجهان محتملان: أحدهما: للدفع، فيختص بالرجل ولو بكرًا. والثاني: حد، فتقتل المرأة الثيب وتجلد البكر، وأما الرجل .. فيقتل كذلك، والأظهر: قتله مطلقًا (¬3). ثانيهما: قال شيخنا الإمام البلقيني: محله: ما إذا كان معصومًا فإن لم يكن معصومًا؛ كالحربي والمرتد .. فلا يجب عليه مراعاة الأخف، وله العدول إلى القتل؛ إذ لا حرمة له تقتضي مراعاة الأخف، وكذا حكم كل من لا يقتل به من تارك الصلاة وزانٍ محصن. 5195 - قول "التنبيه" [ص 230]: (وإن عض يد إنسان، فنزعها منه، فسقطت أسنانه .. لم يضمن) محله: ما إذا لم يمكن تخليصها بدون ذلك، فإن أمكن بدونه .. ضمن؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 515]: (خلصها بالأسهل من فك لحييه وضرب شدقيه، فإن عجز فسلها فندرت أسنانه .. فهدرٌ) و"الحاوي" [ص 601]: (وفك لحيي من عض يده أو ضرب شدقيه، ثم سل يده وإن ندرت أسنانه) لكن مقتضى "الحاوي": التخيير بينهما، وليس كذلك؛ فالفك مقدم على الضرب؛ لأنه أسهل. فإن قلت: وقد ذكره "التنبيه" أيضًا فقال [ص 230]: (وإن لم يقدر على تخليصها إلَّا بفك لحييه، ففكهما .. لم يضمن). قلت: أراد "المنهاج" و"الحاوي" بفك لحييه: رفع أحدهما عن الآخر بلا جرح، وهذا مقدم على ضرب شدقيه، فليس له ضربهما إذا أمكن التخليص بالرفع، وأراد "التنبيه": فك ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (11/ 313). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 230)، و"الحاوي" (ص 601)، و"المنهاج" (ص 515). (¬3) انظر " الحاوي الكبير" (13/ 458).

أحدهما عن الآخر بفصل وإبانة، وهذا أشد من سل اليد حتَّى تندر الأسنان؛ ولهذا اعتبر في عدم الضمان به ألَّا يقدر على تخليصها إلَّا بذلك، ورفع أحد اللحيين عن الآخر أهون الأمور، فيفعل بلا شرط. وظاهر عبارة "المنهاج" و"الحاوي"الحصر فيما ذكر اه، وليس كذلك؛ فالصحيح في "أصل الروضة": أنَّه إذا لم يمكنه التخلص إلَّا ببعج بطنه أو فقأ عينه أو عصر خصييه .. جاز (¬1)، وهذا كفك اللحيين الذي ذكره "التنبيه". فإن قلت: ففي "مختصر المزني" عن الشَّافعي: فإن بعج بطنه بسكين أو فقأ عينيه بيديه أو ضربه في بعض جسده .. ضمن، قال المزني: قلت أنا: لا يضمن (¬2). قلت: إنما قال الشَّافعي هذا فيما إذا أمكن دفعه بدون ذلك؛ بدليل أنَّه قال في "الأم": (فإن ترك شيئًا مما وصفنا له وبعج بطنه ... إلى آخره) (¬3) فدل على أن صورته فيما إذا ترك ما هو أسهل من ذلك مع التمكن منه، وإنَّما خالفه المزني؛ لظنه أنَّه قال ذلك مع العجز عما هو دونه، ذكره شيخنا الإمام البلقيني بمعناه، ثم قال: وعندي في فقأ العينين نظر؛ فإن مثل ذلك لا يدوم كعصر الخصية، فلا يكون حاملًا للعاض على ترك العض؛ فالإقدام عليه مع هذا الاحتمال ممتنع، ثم ذكر شيخنا: أن شرط هذه المسألة: ألَّا يكون المعضوض مرتدًا ولا متحتم القتل في قطع الطَّرِيقِ ونحوهما، فمن هو كذلك .. ليس له أن يفعل بالعاض ما يؤدي إلى سقوط أسنانه، قال: ولا توقف عندي فيه، وإن وقف من وقف فيه، ولا يخفى أن ذكر اليد مثال، فعض سائر الأعضاء كذلك؛ ولهذا لم يذكر اليد في بعض نسخ "الحاوي". 5196 - قول "التنبيه" [ص 230]: (وإن اطلع رجل في بيت رجل وليس بينهما محرمية .. جاز رمي عينه) فيه أمور: أحدها: الأصح: أنَّه لو كان الناظر امرأة أو مراهقًا .. كان الحكم كذلك؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 515]: (ومن نظر) و"الحاوي" [ص 601]: (ناظر) لكن يدخل في عبارتهما: غير المراهق، مع أنَّه لا يجوز رميه ولو كان مميزًا، وقال الشيخ زين الدين بنُ الكتناني: كيف يجوز رمي المراهق وهو غير مكلف؟ قال: ولو كان في الدار محرم للناظر أو زوجة أو متاع .. لم يُرم؛ لأجل الشبهة فأي شبهة أقوى من عدم التحريم، فالقول بجواز رميه غفلة، مع أن نظره لا يحرم. ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 188). (¬2) مختصر المزني (ص 268). (¬3) الأم (6/ 29).

قال في "التوشيح": وجوابه: أن كونه غير مكلف لا يعصمه من الرمي؛ فإن الرمي ليس للتكليف، بل لدفع مفسدة النظر، فسواء أوقع النظر من مكلف أو غيره ممن يحصل به المفسدة، وقوله: (ولو كان في الدار محرم .. لم يُرْمَ لأجل الشبهة) قلنا: تلك شبهة في المحل المنظور فيه، وأما المراهق .. فلا شبهة له في المحل، وقوله: (نظر المراهق لا يحرم) الصحيح عند الرافعي والنووي: أن نظره كنظر البالغ (¬1)، وفي الحقيقة الوجهان في رمي المراهق هما الوجهان في نظره؛ إن جوزناه .. لم يرمِ، وإن لم نجوزه وهو الأصح: جاز رميه؛ فلا اعتراض على الرافعي، ولا غفلة منه، بل ممن قال: إن نظر المراهق لا يحرم. وقال شيخنا الإمام البلقيني: المراهق في حرمة النظر كالبالغ، وهذا تعزير له، والتعزير لا يتوقف على التكليف، وقيد شيخنا المذكور مسألة المرأة بما إذا كانت الناظرة كافرة والمنظور إليها مسلمة، وفرعنا على منع نظر الكافرة للمسلمة، أو نظرت المرأة المسلمة لما يمتنع عليها أن تنظر إليه، فحينئذ .. تُرمى. ثانيها: لا يخفى أن ذكر الرجل ثانيًا مثال؛ فالمرأة أولى بذلك. ثالثها: محله: ما إذا كان صاحب البيت مكشوف العورة، وإلَّا .. فالأصح: أنَّه لا يجوز الرمي، إلَّا أن يكون هناك امرأة فيرمي، ولو كانت مستترة؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 515]: (ومن نظر إلى حُرَمِهِ في داره) و"الحاوي" [ص 601]: (ورمي عين ناظر حرمه) ويرد عليهما: الرجل المكشوف العورة، وتردد شيخنا فيما لو كان المنظور إليه خنثى مشكلًا؛ أي: إلى غير عورته، وقال: الأقرب أنَّه لا يرميه. رابعها: يمتنع أيضًا فيما إذا كان له هناك مَحْرَم أو زوجة، ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، وعبر عنه في "التصحيح" بالصواب (¬3)، وفيه نظر؛ فالخلاف موجود في ذلك، وشرطه في المحرم: أن تكون غير متجردة، وإلَّا .. فيرمي، وفي معناهما: ما لو كان له هناك متاع، ذكره في "أصل الروضة" (¬4). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه ممنوع؛ فإن مثل ذلك لا يقتضي الشبهة؛ بدليل ما لو كان الساكن في الدار مستأجرًا والناظر المالك .. فإنه يجوز رميه كما قاله أَبو الفرج السرخسي، وأقره عليه في "أصل الروضة"، وكذا المستعير على أحد وجهين في "أصل ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (11/ 325)، و"الروضة" (10/ 193). (¬2) الحاوي (ص 601)، المنهاج (ص 515). (¬3) تصحيح التنبيه (2/ 193). (¬4) الروضة (10/ 193).

الروضة" بلا ترجيح (¬1)، لكن صححه شيخنا الإمام البلقيني، قال: وقد ذكر القاضي الحسين صورة المؤجر والمعير، وقال: إن ذلك يقرب من السرقة، والصحيح في السرقة: القطع، وكذا يمتنع الرمي فيما إذا كان محرمًا لحرم صاحب الدار وما بين سرتهن وركبتهن مستور. خامسها: شرط الرمي: ما إذا كان النظر من كوة أو نَقْب كما عبر به "المنهاج" (¬2)، وعبر "الحاوي" [ص 601] بـ (الثقبة)، وهي فيما يظهر أعم؛ لأنه يدخل فيها شىّ الباب، ولا بد من تقييد ذلك بالضيق، فلو كانت واسعة بحيث يُنسب صاحب الدار إلى تفصير في ذلك؛ فإن نظر مارًا .. لم يجز رميه، وكذا لو وقف ونظر متعمدًا في الأصح، وكذا لو نظر من باب الدار المفتوح .. لا يجوز، لكن قيده "الوجيز" بما إذا لم يقدم الإنذار، فله الرمي مع تقديم الإنذار (¬3)، وتبعه الرافعي (¬4) و"الحاوي" فقال [ص 601]: (فإن فتح الباب .. قدم الإنذار)، وأسقطه في "الروضة". سادسها: استثنى شيخنا الإمام البلقيني من كلامهم: ما إذا كان النظر بقصد الخطبة أو شراء الأمة حيث يباح النظر، فلا يجوز رميه، وهو واضح. سابعها: ظاهر كلامهم أن هذا أمر مستحق لصاحب الدار، ولكن لو كان الحاضر أبا الزوجة أو أخاها أو غيرهما من محارمها .. فالقياس: ثبوت هذا الأمر له، ولا يتعدى إلى الأجنبي، نبه عليه شيخنا الإمام البلقيني. قلت: ولا ينبغي أن يتوقف في جواز الرمي للمرأة المنظورة أيضًا، والله أعلم. ثامنها: اعتبر "المنهاج" أن يكون النظر عمدًا، فليس له رمي من وقع بصره اتفاقًا، لكن شرطه: أن يعلم بذلك صاحب الدار، فلو ادعى المرمي عدم القصد .. فلا شيء على الرامي؛ لأن الاطلاع حصل والقصد باطن، قال الرافعي: وهو ذهاب إلى جواز الرمي من غير تحقق القصد، وفي كلام الإمام ما يدل على المنع حتَّى يتبين الحال، وهو حسن (¬5). 5197 - قول "المنهاج" بعد قوله [ص 515]: (بشرط عدم مَحْرَمٍ وزوجة للناظر): (قيل: واستتار الحُرَمِ، قيل: وإنذار قبل رميه) عبارة ملتبسة؛ لأنه اعتبر في الشرط الأول العدم، فإن اعتبرناه في الوجهين الآخرين .. لم يستقم في الثاني؛ إذ ليس الشرط على ذلك الوجه في جواز الرمي: عدم الإنذار، بل وجود الإنذار وإن لم نعتبره في الوجهين .. لم يستقم في الأول؛ إذ ليس ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 193، 194). (¬2) المنهاج (ص 515). (¬3) الوجيز (2/ 186). (¬4) انظر "فتح العزيز" (11/ 326). (¬5) فتح العزيز (11/ 323)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 376).

فصل [ضمان الولاة]

الشرط على ذلك الوجه في جواز الرمي: استتار الحُرَم، بل عدم استتارهن، فظهر اعتبار العدم في استتار الحرم، والوجود في الإنذار قبل الرمي؛ فيكون قوله: (واستتار) معطوفًا على (مَحْرَم)، وقوله: (وإنذار) معطوفًا على (عدم) أي: بشرط إنذار قبل رميه، فلو أفصح عن المقصود .. لزال هذا الإلباس، وأيّ فائدة في اختصار كلمة واحدة، وإيقاع في لبس عظيم. واعلم: أن تضعيف اعتبار الإنذار إنما هو إذا لم يوجد تقصير بفتح الباب أو اتساع الكوة ونحوهما، فإن وجد ذلك .. فلا بد من الإنذار كما تقدم، والله أعلم. فَصْلٌ [ضمان الولاة] 5198 - قول "المنهاج" [ص 551]: (ولو عزّر وليٌّ ووَالٍ وزوج ومُعَلِّمٌ .. فمضمونٌ) و"الحاوي" بعد ذكر تعزير الإمام والأب ومأذونه والسيد: (فإن سرى .. ضمن) (¬1)، أعم من قول "التنبيه" في (باب ما تجب به الدية) من (الجنايات) [ص 220]: (وإن ضرب الوالد ولده، أو المعلم الصبي، أو الزوج زوجته، أو ضرب السلطان رجلًا في غير حد، فأدى إلى الهلاك .. وجبت الدية) لكن دخل في تعبيرهما ما لا مدخل له في الهلاك؛ كتوبيخ غير الحامل والحبس والنفي والصفعة الخفيفة؛ لذكرهما قبل ذلك أن التعزير يكون بالحبس والتوبيخ، ثم أطلقا التعزير هنا مع أن هذا ليس مضمونًا بلا خلاف، ولا يرد ذلك على "التنبيه" لتعبيره بالضرب. ويستثنى من كلامهم معًا ثلاثة أمور ذكرها شيخنا الإمام البلقيني: الأول: إذا اعترف بما يقتضي التعزير وطلب بنفسه من الوالي أن يعزره فعزره بطلبه .. لم يكن مضمونًا؛ لإذنه. الثاني: إذا عزر زوجته الأمة بإذن سيدها .. فلا ضمان. الثالث: إذا عزر المعلم الرقيق بإذن مالكه، كما حكاه في "أصل الروضة" عن البغوي: أنَّه لو كان مملوكًا فضربه بإذن سيده .. لم يضمن؛ لأنه لو أذن في قتله فقتله .. لم يضمنه (¬2). 5199 - قول "المنهاج" [ص 515]: (ولو حَدَّ مقدَّرًا .. فلا ضمان) لا معنى لوصف الحدّ بالتقدير إلَّا التأكيد؛ لأن الحد لا يكون إلَّا مقدرًا؛ ولهذا لم يصفه به "التنبيه" و"الحاوي"، وكأنه احترز عن حد الشرب، فسنتكلم عليه. 5200 - قول "المنهاج" [ص 516]: (ولو ضرب شارب بنعال وثياب فمات .. فلا ضمان على ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 596، 597). (¬2) الروضة (10/ 177).

الصحيح) كان ينبغي أن يقول: (على النص) فإنه منصوص الشَّافعي في "الأم" و"المختصر" (¬1). قال شيخنا الإمام البلقيني: ولا يجوز إثبات مقابله عندي؛ لأنه مخالف للسنة الصحيحة، وادعاء نسخه بالجلد باطل، ولو صح .. لكان عدولًا إلى الأخف، وذلك لا يقتضي الضمان. 5201 - قوله: (وكذا أربعون سوطًا على المشهور) (¬2) قال شيخنا الإمام البلقيني: إنه مخالف لنص الشَّافعي رضي الله عنه في "الأم" حيث قال: (فديته على عاقلة الإمام) (¬3)، قال: ولم أجد له نصًا بعدم الضمان وحكى الماوردي عن الجمهور ما يقتضي التضمين. 5202 - قول "التنبيه" تفريعًا على منع الضرب في حد الخمر بالسوط [ص 248]: (فإن ضربه بالسوط فمات .. فقد قيل: يضمن بقدر ما زاد عل ألم النعال، وقيل: يضمن جميع الدية) الثاني هو الأصح، وفي "الكفاية": أن النووي اختار أنَّه يضمن نصف الدية، ولم أره في كلامه، وفيها أيضًا عن الإمام أنَّه الذي ذهب إليه المحققون، وليس كذلك؛ فالذي نقله الإمام عنهم ضمان الجميع (¬4). 5203 - قوله: (فإن ضرب الحر أحدًا وأربعين فمات .. ففيه قولان، أحدهما: يضمن نصف ديته، والثاني: يضمن جزءًا من أحد وأربعين جزءًا من ديته) (¬5) الأصح: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 516]: (وجب قسطه بالعدد) وقال الرافعي: إن كلام الأئمة إلى ترجيحه أَمْيَلُ (¬6). وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم أقف على ترجيحه في كلام من الأصحاب، والأصح بمقتضى نص "الأم" و"المختصر": إيجاب نصف الدية؛ فإنه قاسه على ما إذا ضربه رجل ثمانين وضربه آخر واحدة ومات من ذلك .. فإن الضمان عليهما نصفين، وإذا ثبت ذلك في الأصل المقيس عليه إما قطعًا وإما مرجحًا .. ثبت أن الأرجح هنا: التوزيع بالتنصيف يحسب المضمون وغير المضمون، قال: والميل الذي استشعره الرافعي إنما جاء من جهة من يقيس إيجاب النصف على صورة الجراحة، ثم يفرق في القول الثاني بأن نكاية الجراحات في الباطن والضربات في الظاهر، وقد عرفت أن الشَّافعي إنما قاسه على ما لا يدخله هذا الفرق، إلَّا أن يخالفوا النص ويوجبوا على الرجلين الدية مقسطة على عدد ضربيهما، والمعتمد: نص صاحب المذهب، ثم قال شيخنا: ¬

_ (¬1) الأم (6/ 87)، مختصر المزني (ص 266). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 516). (¬3) الأم (6/ 87). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (17/ 335)، و"الروضة" (10/ 177، 178). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 247). (¬6) انظر "فتح العزيز" (11/ 298).

ومحل هذا الخلاف: ما إذا ضربه الزائد مع بقاءِ ألم الضرب الأول، فإن ضربه الحد كاملًا وزال ألم الضرب، ثم ضربه الزائد فمات .. ضمن ديته كلها بلا خلاف. 5204 - قول "المنهاج" [ص 516]: (ويجريان في قاذف جُلد أحدًا وثمانين) قال شيخنا الإمام البلقيني: مقتضاه: أن القولين منصوصان في الزِّيادة على الأربعين في شرب الخمر، وأنهما يجريان في هذه الصورة، وليس كذلك، وإنَّما النص عليهما في هذه الثانية، وأطلق في الأولى ضمان عاقلة الإمام الدية، ولم يرد بذلك كل الدية، وإنَّما أراد بعضها. 5205 - قول "الحاوي" [ص 597]: (والأب ومأذونه الصغير) كذلك المعتوه في معنى الصغير؛ فللأب تأديبه بما يضبطه، والأم إذا كان الصبي في كفالتها يشبه أن تكون كالأب، قاله الرافعي. 5206 - قول "المنهاج" [ص 516]: (ولمستقل قطع سلعة إلَّا مخوفة لا خطر في تركها، أو الخطر في قطعها أكثر) (¬1) فيه أمور: أحدها: قال شيخنا ابن النقيب: المستقل هو: البالغ العاقل (¬2)، وفهم ذلك من عبارة "الروضة" وأصلها؛ فإنه جعل في مقابلته الموليَّ لصغر أو جنون (¬3)، ويوافقه عبارة "الحاوي" فإنه عبر بدل المستقل بالعاقل، فقال [ص 598]: (وللعاقل قطع سلعة ليس أخطر) أي: ليس قطعها أخطر من تركها، ولا يخفى اعتبار البلوغ مع العقل. وقال شيخنا الإمام البلقيني: ليس المراد: المستقل المطلق بل المستقل بنفسه، وهو كذلك في بعض نسخ "المنهاج"، وهو: البالغ العاقل الحر ولو مع السفه، أو المكاتب، أو الموصى بإعتاقه بعد موت الموصي وقبل إعتاقه إذا جعلنا كسبه له، بخلاف المنذور إعتاقه أو المشروط إعتاقه؛ لأن كسبه لمالكه، فليس مستقلًا بنفسه، وبخلاف العبد الموقوف؛ فإنه ليس مستقلًا بنفسه، قال: وإن شئت .. قلت: هو المكلف الحر أو الرقيق الذي كسبه له، قال: وفي "الروضة" في (الجنايات) فيما إذا خاط جرحه في لحم ميت: ولو تولاه الإمام في مجروح؛ فإن كان بالغًا رشيدًا .. فكذلك؛ لأنه لا ولاية له عليه (¬4)، ومقتضاه: أن السفيه ليس مستقلًا بنفسه في ذلك، وليس كما اقتضاه كلامه. ثانيها: مقتضى كلامهما الجواز إذا استوى الخطر في القطع والترك، ونازع فيه شيخنا الإمام ¬

_ (¬1) السلعة: غدة تخرج بين اللحم والجلد تكون بقدر الحمصة إلى الجوزة فما فوقها. انظر "فتح العزيز" (11/ 300). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (7/ 370). (¬3) فتح العزيز (11/ 301)، الروضة (10/ 179). (¬4) الروضة (9/ 164).

البلقيني، وقال: لم يسبق الرافعي إلى ترجيحه أحد (¬1)، والأصح: المنع، وهو اختيار الشيخ أبي حامد. ثالثها: مقتضى كلامهما: أن ذلك لا يجب، قال شيخنا الإمام البلقيني: لكن إذا كان الخوف في الترك أكثر وقال الأطباء: إن لم يقطع .. حصل أمر يفضي إلى الهلاك .. فإنه يجب كما يجب دفع المهلكات، ويحتمل الاستحباب. 5207 - قول "المنهاج" [ص 516]: (ولأبٍ وجَدٍّ قطعها من صبي ومجنون مع الخطر إن زاد خطر الترك، لا لسلطان، وله ولسلطان قطعها بلا خطرٍ، وفصدٌ وحجامةٌ) فيه أمران: أحدهما: مقتضاه: أن وصي الأب والجد ليس له شيء من ذلك، ويخرج من كلام الماوردي فيه وجهان، حكاهما في (الضمان) (¬2)، ونقل ذلك شيخنا الإمام البلقيني إلى الجواز، وقال: وفيه نظر؛ لأنه لا شفقة له على محجوره كالأب أو الجد. نعم؛ لو كانت الأم وصية أو قلنا: تلي .. اتجه أن تنزل منزلة الأب، ثم قال: والأصح عندي في الوصي وأمين الحكم: أنهما كالحاكم. ثانيهما: قال شيخنا المذكور: حيث يطلق السلطان .. فالمراد به: الإمام ونوابه، إلَّا في هذا الموضع، قال الماوردي: حكي وجهين في تنزيل القاضي والأمير منزلة الإمام، وحكى في أمين الحاكم وجهين، ذكره في الضمان قود أو دية (¬3)، فنقلناه إلى الجواز وعدمه، وعبارة "الحاوي" [ص 598]: (وللأب والجد بلا خطر، أو حيث الترك أخطر، وفصد الصغير وحجامته) فيرد عليه الأمر الأول، وفاته ذكر أن للسلطان قطع السلعة حيث لا خطر، والفصد والحجامة، قال في "التعليقة": فلو قال: (وللولي بلا خطر من الصغير، وفصده وحجامته، وحيث الترك أخطر للأب والجد) .. كان موافقًا لما ذكره الأئمة. 5208 - قول "المنهاج" [ص 516]: (فلو مات بجائز من هذا .. فلا ضمان في الأصح) كان ينبغي أن يقول: (الصحيح) لضعف مقابله، وهو في "أصل الروضة" محكي عن الجماهير (¬4). 5209 - قول "التنبيه" [ص 214، 215]: (وإن قطعها - أي: السلعة - حاكم أو وصي من صغير فمات .. ففيه قولان، أحدها: يجب عليه القود، والثاني: يجب عليه الدية) الأظهر: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 516]: (ولو فعل سلطانٌ بصبيٍّ ما مُنع منه .. فدية مغلظة في ماله) ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (11/ 301). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 430). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 429، 430). (¬4) الروضة (10/ 180).

لكن مال شيخنا الإمام البلقيني إلى وجوب القصاص فيما إذا كان الخوف في القطع أكثر، وحكاه عن جزم الماوردي في غير الإمام؛ كالأمير والقاضي، وحكى فيما إذا كان إمامًا وجهين (¬1)، ومقتضى فرضه المسألة في السلطان: أن الأب والجد ليسا كذلك؛ إما لانتفاء الدية؛ أو لأنها على العاقلة، وليس كذلك، بل لو فعلا الممنوع .. فالدية عليهما في مالهما؛ فلا معنى لتقييد ذلك بالسلطان، وذكر الماوردي أن محل الخلاف فيما إذا كان ترك القطع أخوف، وقد عرفت أن الخلاف في ضمان الوصي قولان في "التنبيه"، وتقدم من كلام شيخنا حكاية وجهين من كلام الماوردي، والله أعلم. 5210 - قول "التنبيه" في العاقلة [ص 228]: (وما يجب بخطأ الإمام .. فهو في بيت المال في أحد القولين، وعلى عاقلته في الآخر) الأظهر: الثاني، ومحل الخلاف: فيما إذا وجب بخطئه في الأحكام، وعليه مشى "الحاوي" و"المنهاج" (¬2)، لكن تعبيره بقوله: (وما وجب بخطأ الإمام في حد أو حكم) (¬3) يخرج التعزير، وذكر شيخنا الإمام البلقيني أن مذهب الشَّافعي: القطع بانه على العاقلة، وقال: لم أجد له إثبات قولين في ذلك؛ فإثباتهما ضعيف، وإن جرى عليه جمع كثير من الأصحاب، ومحل الخلاف أيضًا: فيما إذا لم يسرف المعزر، ولا ظهر منه قصد القتل، فإن كان كذلك .. تعلق به القصاص، والدية المغلظة في ماله. 5211 - قول "الحاوي" [ص 597]: (وما لم يَجُزْ كالحكم بعبدين بتقصير) هو أعم من قول "المنهاج" [ص 516]: (ولو حده بشاهدين فبانا عبدين أو ذميين أو مراهقين؛ فإن قصَّر في اختبارهما .. فالضمان عليه) لأنه يدخل فيما لم يجز ما إذا بانا عدوين للمشهود عليه أو أصلين أو فرعين للمشهود له أو امرأتين أو فاسقين أو تبين أحدهما فقط بهذه الصفة أو حده في الزنا بأربعة فبانوا أو بعضهم كذلك؛ فعبارة "المنهاج" طويلة غير مستوعبة، ولو عبر بالكافرين .. لكان أعم؛ فالحربي في ذلك كالذميّ، إلَّا فيما يتعلق بالخلاف في التضمين؛ فإنه يجري في المستأمن دون الحربي الذي لا أمان له، فلو بأن أن الطالب للحد أصل للحاكم أو فرع له، وقد أقر المدعى عليه أو قامت البينة المعتبرة .. فقال شيخنا الإمام البلقيني: الذي يظهر والله أعلم أنَّه لا يتعلق بالحاكم من ذلك ضمان؛ لأن شأن الحاكم البحث عن الشهود، وليس من شانه البحث عن الخصم بالنسبة لما يندر ولا يخطر بباله من كون الخصم أصلًا للحاكم أو فرعًا له. وذكر شيخنا أيضًا: أن الذي نص عليه الشَّافعي أن كون الضمان عليه إنما هو فيما إذا تعمد، ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 429). (¬2) الحاوي (ص 597)، المنهاج (ص 516). (¬3) المنهاج (ص 516).

فأما إذا أخطأ .. فهو على العاقلة، ولو قصر، قال: وهو مقتضى كلام "الروضة" وأصلها؛ حيث قال: إن قصّر في البحث عن حالهما .. فالضمان عليه لا يتعلق ببيت المال ولا بالعاقلة أيضًا إن تعمد (¬1). ثم ظاهر كلام "المنهاج" أنَّه لا قود على الإمام، وبه صرح "الحاوي" (¬2)، وقال الإمام فيما إذا تعمد في القصاص: تردد، والراجح وجوبه (¬3). وقال شيخنا الإمام البلقيني: بل يجب قطعًا، فلا تردد، وليس صورة البينة التي لم يبحث عنها الإمام ولم يظهر له شرط الحكم بها شبهةً مانعة من القصاص، وظاهر كلامهما أنَّه لا ضمان على المشهود له، وبه صرح في "أصل الروضة" قبيل (الدعوى والبينات) (¬4)، لكن قال شيخنا الإمام البلقيني: إنه محمول على غير العالم، فإن قال: كنت عالمًا بأن الشاهدين ذميان أو نحوهما ممن لا تقبل شهادته ولكن قصدت الوصول إلى حقي بذلك .. فلا توقف في أنا ندخله في ضمان الدية على المعتمد. وأفهم كلامهما أيضًا أنَّه لا ضمان على المزكين، وهو الذي في "أصل الروضة" قبيل الدعوى والبإينات عن العراقيين؛ وعللوه: بأن الحكم غير مبني على شهادتهم (¬5)، لكن المعتمد ما في "أصل الروضة" في (القصاص): أن المزكي الراجع يتعلق به القصاص والضمان على الأصح؛ لأنه بالتزكية يلجئ القاضي إلى الحكم المقتضي للقتل (¬6). 5212 - قول "المنهاج" [ص 516]: (فإن ضَمَّنَّا عاقلة أو بيت المال .. فلا رجوع على الذميين والعبدين في الأصح) فيه أمران: أحدهما: أنَّه يقتضي أن الخلاف وجهان، وليس كذلك، بل هو إما قولان كما حكاه أَبو الفرج الزاز، أو طريقان؛ فقد حكى في "أصل الروضة" قبيل (الدعوى والبينات) عن العراقيين: أنهم قطعوا بعدم الضمان (¬7)، أو قول ووجه، هو الظاهر؛ فقد نص على عدم الرجوع في "مختصري المزني والبويطي" (¬8)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم أقف على مقابله منصوصًا. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (11/ 307)، الروضة (10/ 183). (¬2) الحاوي (ص 597)، المنهاج (ص 516). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (17/ 340). (¬4) الروضة (11/ 308). (¬5) الروضة (11/ 308). (¬6) الروضة (11/ 298). (¬7) الروضة (11/ 308). (¬8) مختصر المزني (ص 313).

ثانيهما: أنَّه سكت عن المراهقين، وأشعر بمفهومه بالقطع بالرجوع عليهم أو بعدمه، وليس كذلك؛ ففيهم خلاف، والصحيح: عدم الرجوع، قال في "الحاوي" [ص 598]: (والرجوع على الفاسق المعلن) ومفهومُه أنَّه لا يجوز الرجوع على بقية من لا يجوز الحكم بشهادته. 5213 - قول "المنهاج" [ص 516]: (ومن حجم أو فصد بإذن .. لم يضمن) المراد: إذن من يُعتبر إذنه. 5214 - قوله: (وقَتْل جلاد وضَربُه [بأمر] (¬1) الإمام كمباشرة الأمام إن جهل ظلمه وخطأه، يلا .. فالقصاص، والضمان على الجلاد إن لم يكن إكراه) (¬2) يفهم أنَّه إذا كان هناك إكراه .. لا شيء على الجلاد، وليس كذلك، بل يجب عليه مع الإكراه أيضًا، ومراده: ما لم يكن إكراه، فلا يختص الجلاد بذلك، وحذف هذا القيد أولى كما فعل "التنبيه" حيث قال [ص 214]: (وإن علم .. وجب القود على المأمور)، و"الحاوي" حيث قال [ص 598]: (وضمن الجلاد إن علم). 5215 - قولهم - والعبارة لـ"التنبيه" -: (ويجب الختان) (¬3) يستثنى منه: الخنثى المشكل؛ فيحرم ختانه على الأصح في زيادة "الروضة" (¬4)، وقال ابن الرفعة، المشهور: أنَّه يجب ختن فرجيه جميعًا (¬5). 5216 - قول "المنهاج" في المرأة [ص 516] (بجزء من اللحمة بأعلى الفرج) أحسن من قول "الحاوي": [ص 598، (ومسمَّاه للمرأة) لتعيينه محل القطع. 5217 - قولهما أيضًا: (بعد البلوغ) (¬6) أهملا شرطًا آخر، وهو: العقل، فلو بلغ مجنونًا .. لم يجب ختانه، ذكره شيخنا الإمام البلقيني، وقال: لم أر من تعرض له، ولو قالا: (بعد التكليف) .. لكان أولى، وفي "أصل الروضة" عن الإمام: أنَّه لو كان البالغ المكلف ضعيف الخلقة بحيث لو خُتِن خيف عليه .. لم يختن، بل ينتظر حتَّى يصير بحيث يغلب على الظن سلامته (¬7). قال شيخنا الإمام البلقيني: وهذا شرط لأداء الواجب، لا أنَّه شرط للوجوب، ومحتمل أن يجعل شرطًا للوجوب، فيكون للوجوب على هذا ثلاث شرائط: البلوغ، والعقل، وعدم الخوف عليه بالختان. ¬

_ (¬1) في (ح): (بإذن). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 516). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 14)، و"الحاوي" (ص 598)، و"المنهاج" (ص 216). (¬4) الروضة (10/ 181). (¬5) في حاشية (ج): (كلام ابن الرفعة ضعيف). (¬6) انظر "الحاوي" (ص 598)، و"المنهاج" (ص 516). (¬7) الروضة (10/ 181)، وانظر " نهاية المطلب" (17/ 553).

5218 - قول "الحاوي" [ص 599]: (وتقديمه أولى) أي: في سابعه - كما صرح به "المنهاج" (¬1) -، إن أطاقه، ولا يحسب يوم الولادة من السبعة على الأصح في زوائد "الروضة" هنا، وحكاه عن الأكثرين (¬2)، وفي "المهمات": أن عليه الفتوى؛ فإنه المنصوص للشافعي في "البويطي"، لكن صحح في "شرح مسلم" في خصال الفطرة: حسبانه (¬3)، وصححه أيضًا في "أصل الروضة" و"شرح المهذب" بالنسبة للعقيقة (¬4)، وهي نظيره؛ فإن العقيقة والختان وحلق رأس المولود وتسميته يستحب فعلهن يوم السابع، ويحتمل أن يريد "الحاوي": أن تقديمه على البلوغ أولى. 5219 - قول "المنهاج" [ص 516]: (ومن ختنه في سن لا يحتمله .. لزمه قصاص) محله: ما إذا علم أنَّه لا يحتمله، فإن ظن أنَّه يحتمله .. فلا قصاص. 5220 - قوله: (إلَّا والدًا) (¬5) كذا لو كان مالكًا أو مسلمًا والمختون كافرًا، فلو قال: (إن كان ممن تقبل به) .. لكان أعم. 5221 - قوله: (فإن احتمله وختنه وليٌّ .. فلا ضمان في الأصح) (¬6) يقتضي أنَّه لو ختنه أجنبي .. وجب الضمان، وفي "أصل الروضة" ما يقتضي أن كلام البغوي يقتضي ترجيح تضمينه؛ فإنه قال: يحتمل أن يبني على ختن الإمام في الحر الشديد؛ إن ضمناه .. ضمن هنا، وإلَّا .. فلا، وبناه السرخسي على الجرح اليسير، هل فيه قصاص؟ إن قيل: نعم .. فهو عمد، وإلَّا .. فشبه عمد (¬7). وتعقب في "المطلب" كلام البغوي: بأن تعدّي الإمام لأجل الزمان لا لعدم الولاية، وتعدّي الأجنبي لعدم الولاية؛ ولذلك لم يسقط عنه الماوردي وأَبو الفرج في "الأمالي" الضمان. وقال شيخنا الإمام البلقيني: ما ذكره السرخسي من الخلاف في الجرح اليسير غير معروف، وفي "المطلب": أنَّه أشار به إلى غرز الإبرة، وقال شيخنا: عندي - والله أعلم - أنَّه إنما جرى الخلاف في الختان والحجامة؛ لأنهما معتادان مطلوبان شرعًا، وفيهما السلامة غالبًا، وما كان كذلك .. ففي دخول القود فيه تردد، لا لكون الموجود جرحًا يسيرًا، ومال شيخنا إلى عدم ¬

_ (¬1) المنهاج ص 516). (¬2) الروضة (10/ 181). (¬3) شرح مسلم (148/ 3). (¬4) الروضة (3/ 229)، المجموع (8/ 322، 323). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 516). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 516). (¬7) الروضة (10/ 182)، وانظر "التهذيب" (7/ 428).

فصل [ضمان الدواب والبهائم]

الخلاف، فقال: بل يقطع بأنه ضامن، بل يقتص منه على المعتمد؛ فإن جراحة العمد إذا سرت إلى النفس .. أوجبت القصاص وإن لم تقتل غالبًا. فَصْلٌ [ضمان الدواب والبهائم] 5222 - قول "الحاوي" عطفًا على المضمون [ص 601]: (وعض ورمح بالمالك) لا يختص ذلك بالعض والرمح، بل الضرب باليد والإتلاف بالذنب كذلك، ولا بالمالك، بل لو كان معها أجير أو مستأجر أو مستعير أو غاصب .. فهو كالمالك في ذلك؛ ولهذا قال "التنبيه" [ص 221]: (وإن كان معه دابة فأتلفت إنسانًا بيدها أو رجلها .. وجب عليه ضمانه) فلم يخص ذلك بالمالك، لكن يرد عليه: أنَّه لا يختص الضمان بإتلاف الإنسان، ولا بكونه باليد أو الرجل؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 517]: (من كان معه دابة أو دواب .. ضمن إتلافها نفسًا ومالًا ليلًا ونهارًا) فعبارته في هذا أحسن العبارات، ومع ذلك: فأورد عليها: صيد الحرم والإحرام وشجر الحرم؛ فإنه يضمنه، وليس نفسًا ولا مالكٌ، وقد ينازع في كونه غير مال. وأورد عليهم جميعًا أمور: أحدها: أنَّه يستثنى منه ذلك ما إذا كان صبيًا أو مجنونًا أركبه أجنبي .. فإن الضمان إنما يتعلق بالأجنبي الذي أركبه كما تقدم ذكره في (الجنايات)، وقيده الشَّافعي رضي الله عنه بأن يكون مثلهما لا يضبط الدابة. ثانيها: يستثنى منه: ما إذا نخسها إنسان بغير إذن راكبها فرمحت وأتلفت .. فالضمان على الناخس على الصحيح، ولو غلبته الدابة فاستقبلها إنسان وردها فأتلفت في انصرافها .. فالضمان على الراد. ثالثها: ويستثنى منه أيضًا ما إذا لم يكن ذلك في حياتها، فإن سقطت ميتة فأهلكت نفسًا أو مالًا .. فلا ضمان على الراكب كما حكاه في "أصل الروضة" عن البغوي (¬1)، وقد يقال: لم تتناول عبارتهم هذه الصورة. رابعها: مقتضى المعية التي في كلامهم: أنَّه لو كان معها سائق وقائد .. فالضمان عليهما بالسوية، وهو كذلك، وأنه لو كان معها سائق أو قائد مع راكب .. أن الضمان عليهما، وهو أحد وجهين في كلام الرافعي والنووي بلا ترجيح، والثاني: تخصيص الضمان بالراكب وهو الأصح؛ لأن الرافعي بناه على الخلاف في تنازع الراكب والسائق في الدابة، تجعل في يديهما أو تختص ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 202).

بالراكب (¬1)، والمذهب في الرافعي في آخر (الصلح): أن اليد للراكب، فرضه في تنازع الراكب والقائد (¬2)، وأسقط ذلك في "الروضة". خامسها: حكى ابن المنذر في "الإشراف": أن أبا ثور حكى عن الشَّافعي: أن رمح الدابة من غير أن يفعل بها شيئًا غير مضمون، قال ابن المنذر: وبه أقول (¬3)، وحكى المرعشي في "ترتيب الأقسام" قولًا عن الشَّافعي: أنَّه لا يضمن من هو مع الدابة إلَّا ما أوطأها عليه متعمدًا، حكاه عنه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: وهذا وإن كان غير معروف في الكتب .. فهو مستقيم ثم اختار شيخنا: أنَّه لا يضمن إلَّا أن ينسب إلى تقصير؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "جرح العَجْمَاءِ جُبَارٌ" (¬4)، وهو في "الصحيحين" (¬5). ويرد على "التنبيه" و"المنهاج": ما إذا كانت الدابة معه في مسكنه ولو بإجارة أو إعارة فدخل فيه إنسان فرمحته أو عضته .. فلا ضمان، ولا يرد ذلك على "الحاوي" لتقييده الضمان بكونه في الطرق. 5223 - قول "المنهاج" [ص 517]: (ولو بالت أو راثت بطريق فتلف به نفس أو مال .. فلا ضمان) هو احتمال للإمام جزم به هنا في (ضمان البهائم) (¬6)، لكنه في (الديات) بين أنَّه احتمال، وأن الأصحاب على الضمان (¬7)، وجزم به الرافعي في (محرمات الإحرام)، فقال عطفًا على ما فيه الضمان: وكذا لو بالت في الطَّرِيقِ فزلق به صيد وهلك؛ كما لو زلق به آدمي أو بهيمة، وأسقط في "الروضة" قوله: كما لو زلق به آدمي أو بهيمة (¬8). قال شيخنا الإمام البلقيني: وصرح بإيجاب الضمان في بول الدابة وروثها السائرة مع الراكب أو القائد أو السائق ابن القاص والشيخ أَبو حامد، نقلاه عن النص والماوردي والبندنيجي والشيخ في "المهذب" وابن الصباغ والقفال في "شرح التلخيص" وأَبو الفرج الزاز وصاحب "التتمة"، وبسط ذلك، ثم قال: فظهر أن المسألة مذكورة في كتب الطريقين على خلاف ما جزم به المصنف وأصله، ولم يستحضر المنقول في المسألة حين كتابة هذا الموضع. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (11/ 331)، و"الروضة" (10/ 198). (¬2) انظر "فتح العزيز" (5/ 121). (¬3) الإشراف علق مذاهب العلماء (7/ 449). (¬4) العجماء: الدابة، وجُبارٌ: هدرٌ. انظر "البيان" (12/ 85). (¬5) البخاري (1428)، (6514) ومسلم (1710) من حديث سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه. (¬6) انظر "نهاية المطلب" (17/ 387). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (16/ 570). (¬8) فتح العزيز (3/ 500)، الروضة (3/ 150).

5224 - قول "المنهاج" [ص 517]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 602]: (ويحترز عما لا يعتاد؛ كركضٍ شديدٍ في وحلٍ، فإن خالف .. ضمن ما تولد منه) مقتضاه: أنَّه لا ضمان في المتولد من معتاد. وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه بحث للإمام، بناه على ما قدره من أنَّه لا ضمان فيما يتلف ببولها وروثها (¬1)، وقد تقدم رده، والذي يقتضيه قياس المذهب: الضمان، وإطلاق نصوص الشَّافعي والأصحاب قاضية، وما في "أصل الروضة" من أنَّه لو ركض دابته فأصاب شيء من موضع السنابك - أي: طرف مقدم الحافر - عين إنسان وأبطل ضوءها .. لا ضمان إن كان موضع ركض (¬2)، ممنوع، بل هو مضمون مطلقًا، قال: وعلى مقتضى بحث الإمام: فالركض الشديد إذا تولد منه ما يحصل به التلف .. كاف في الضمان وإن لم يكن في وحل. 5225 - قول "المنهاج" [ص 517]: (ومن حمل حطبًا على ظهره أو بهيمة فحك بناء فسقط .. ضمنه) قال شيخنا الإمام البلقيني: يستثنى منه ما إذا بناه مائلًا على صورة مضرة بالمار .. فلا ضمان؛ لأنه مستحق الإزالة، قال: فلو بناه مستويًا ثم مال على صورة مضرة بالمار .. فالأرجح فيه أيضًا: عدم الضمان. 5226 - قول "الحاوي" [ص 601]: (وفي الطرق بتخريق حطب من خلف بلا تنبيه) فيه أمور: أحدها: أنَّه لو كان الذي يخرق ثوبه أعمى .. فهو كما لو كان التخريق من خلفه. ثانيها: أن محل تخصيص الضمان بالأعمى والمستدبر ما إذا لم يكن زحام، فإن كان زحام .. ضمن مطلقًا، وقد ذكرهما "المنهاج" (¬3). ثالثها: إنما يضمن للأعمى والمستدبر الكل إذا لم يكن من صاحب الثوب جدبة أيضًا، فإن كان منه ذلك .. ضمن له النصف فقط، ويسقط ما يقابل جَدْبته. رابعها: قال في "المنهاج" [ص 517]: (وإنَّما يضمنه إذا لم يقصر صاحب المال، فإن قصر؛ بأن وضعه بطريق أو عرَّضه للدابة .. فلا) وقال شيخنا الإمام البلقيني: محل انتفاء الضمان: ما إذا لم يتعمد صاحب الدابة ما يقتضي إتلافه، فإن تعمد .. لزمه الضمان. 5227 - قول "التنبيه" في الدابة [ص 211]: (وإن لم يكن معها؛ فإن كان بالنهار .. لم يضمن ما يتلفه، وإن كان بالليل .. ضمن) فيه أمور: أحدها: أنَّه يستثنى من عدم الضمان نهارًا: ما إذا كانت المراعي متوسطة المزارع، أو كانت ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (17/ 387، 388). (¬2) الروضة (10/ 199). (¬3) المنهاج (ص 517).

البهائم ترعى في حريم السواقي .. فيجب ضمان ما تفسده إذا أرسلها بلا راع؛ لاعتياد الراعي في مثل ذلك، وهذا وارد على "المنهاج" أيضًا، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 601]: (ومتلف بهيمة سُرّحت جوار مزرع واتسع المرعى)، لكن تقييده ذلك باتساع المرعى تبع فيه الغزالي (¬1)، ولم يعتبره الرافعي ولا غيره، قال البارزي: ولا يظهر اتجاهه، وعبر في "تيسيره " بقوله: اتسع المرعى أو ضاق، ثم قال: ويحتمل أن الغزالي والمصنف أراد به: التصوير، لا التقييد، فإنه إذا ضمنا مع اتساع المرعى وجواز انتشار الداواب فيه وبُعدها عن المزارع .. فمع ضيق المرعى أولى، ونبه على ذلك أيضًا صاحب "التعليقة" فقال: ما أشعر به من اشتراط اتساع المرعى ليس كذلك؛ فإن الضيق كالواسع في ذلك، قال: فالأولى أن يحمل قوله: (واتسع) على أنَّه حال، وكذا قال القونوي: الواو في قوله: (واتسع المرعى) للحال. قلت: وهذا لا يدفع الإيراد؛ فإن الحال قيد، لكن نازع شيخنا الإمام البلقيني في اعتبار هذا من أصله، وقال: الأصح عندنا: ما أطلقه الشَّافعي ومعظم الأصحاب من عدم الضمان نهارًا من غير نظر إلى ذلك في وسط المزارع أم لا. ثانيها: يرد عليهم جميعًا: أن محل عدم الضمان: ما إذا رعت في موات أو مملوك لأصحابها، فإن أرسلت في موضع مغصوب فانتشرت منه إلى غيره فافسدته .. كان مضمونًا على من أرسلها، ذكره شيخنا الإمام البلقيني، وقال: وقد قال القاضي حسين: إذا خلاها في ملك الغير، فسواء كان ليلًا أو نهارًا .. فهو مضمون؛ لأنه مُتعدٍ في إرساله. ثالثها: ويرد عليهم أيضًا: أن محل عدم الضمان: إذا كان الإرسال بالصحراء، فإن كان بالبلد فأتلفت شيئًا .. ضمنه على الأصح في "أصل الروضة" (¬2)، وحكى في "المطلب" عدم الضمان عن الجمهور. قال شيخنا الإمام البلقيني: وكأنه أخذه من حكاية الرافعي له عن غير أبي الطيب بنُ سلمة (¬3)، قال: وهذا لا ينبغي أن يؤخذ منه النقل عن الجمهور. رابعها: ومحل عدم الضمان أيضًا: إذا جرت عادة البلد بإرسال المواشي نهارًا، فإن اعتادوا حفظها ليلًا ونهارًا .. وجب الضمان ولو أتلفت نهارًا، ذكره شيخنا الإمام البلقيني، وقال: لم أر من تعرض له. خامسها: ومحل عدم الضمان أيضًا ما إذا لم يكن وديعة أو كان لها أجير يحفظها، فمتى أرسل ¬

_ (¬1) انظر "الوجيز" (2/ 187). (¬2) الروضة (10/ 197). (¬3) انظر "فتح العزيز" (11/ 329).

الوديعة فأتلفت .. لزمه الضمان ولو نهاراً، ولو استأجر رجلًا لحفظ دوابه فأتلفت زرعا ليلًا أو نهاراً .. فعلى الأجير الضمان، حكاه الرافعي عن "فتاوى البغوي"، وعلله: بأن عليه حفظها في الوقتين (¬1). وفي معناهما: ما لو كانت تحت يد مستأجر أو مستعير أو مرتهن أو عامل قراض أو أمين بوجه ما أو غاصب أو مالك راهن قد استعارها من المرتهن .. فكل هؤلاء مأمورون بالاحتياط والحفظ، وقال الرافعي في الأولى: يشبه أن يقال: عليه حفظها بحسب ما يحفظ المالك (¬2)، وقال النووي من زيادته: ينبغي ألاَّ يضمن الأجير والمودع إذا أتلفت نهاراً؛ لأن على صاحب الزرع حفظه نهاراً، وتفريط الأجير إنما يؤثر في أن مالك الدابة يضمنه (¬3). ورد شيخنا في "تصحيح المنهاج" كلام الرافعي في صورة الوديعة بأن المودع مأمور بالاحتياط في الحفظ بخلاف المالك، قال: وما ذكره النووي في الأجير والمودع مردود في غير الزرع، فإنه لا يجيء فيه التعليل بأن على صاحب الزرع حفظه نهاراً، وقوله: (وتفريط الأجير إنما يؤثر في أن مالك الدابة يضمنه) ممنوع، بل يؤثر أيضاً في ضمان ما تتلفه الدابة التي لم يحتط في حفظها الاحتياط المأمور به، قال: وقد جعل الشافعي والأصحاب الدابة التي أركبها أجنبي صبيًا أو مجنونا تحت يده وإن كان غائباً عنها؛ ولذلك جعلوه ضامنًا لما تتلفه، ولو كان كما قال النووي .. لم يضمن؛ لأن تفريطه إنما يؤثر في ضمان الدابة دون ما يحدث منها. سادسها: ويستثنى من عدم الضمان أيضاً: ما لو تكاثرت المواشي بالنهار حتى عجز أصحاب الزرع عن حفظها .. فحكى فيه الماوردي وجهين بلا ترجيح، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأرجح: وجوب الضمان على أصحاب المواشي، لخروج هذا عن مقتضى العادة، وهي المعتبرة على الأصح. سابعها: ويستثنى من عدم الضمان أيضًا: ما إذا ربطها في الطريق على بابه أو غيره .. فيلزمه الضمان مطلقاً، ولو كان الطريق واسعًا على الصحيح المنصوص. ثامنها: ويستثنى من الضمان ليلاً: ما ذكره في "المنهاج" بقوله [ص 517]: (إلاَّ ألاَّ يُفرط في ربطها، أو حضر صاحب الزرع وتهاون في دفعها، وكذا إن كان الزرع في محوط له باب تركه مفتوحاً في الأصح) وقد ذكر "التنبيه" الأولى بقوله عقبه [ص 221، 222]: (وإن انفلتت بالليل فأتلفت؛ فإن كان بتفريط منه في حفظها .. ضمن، وإن لم يكن بتفريط منه .. لم يضمن)، ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (11/ 335). (¬2) انظر "فتح العزيز" (11/ 335). (¬3) انظر "الروضة" (10/ 201).

واقتصر "الحاوي" على استثناء الثالثة فقال [ص 601]: (لا في بستان مفتوح) وتعبير "المنهاج" يقتضي عدم الخلاف في الأولين، وليس كذلك؛ فالخلاف في الأولى في "البيان"، والثانية في "أصل الروضة" (¬1). تاسعها: ويستثنى مع ذلك أيضًا: ما لو خلاها في موضع بعيد لم تجر العادة بردها منه إلى المنزل ليلًا؛ كالجبال والمفاوز شهراً أو شهرين للرعي .. فلا ضمان، ولو أفسدت ليلًا كما حكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن الدارمي والقاضي حسين. عاشرها: يستثنى من الدواب الحمام وغيره من الطير .. فلا ضمان بإتلافهما مطلقاً، حكاه في "أصل الروضة" عن ابن الصباغ، وعلله: بأن العادة إرسالها (¬2)، ويدخل في ذلك النحل، وقد أفتى شيخنا الإمام البلقيني في نحل لإنسان قتلت جملاً لآخر بعدم الضمان، وعلله: بأن صاحب النحل لا يمكنه ضبطها، والتقصير من صاحب البعير. حادي عشرها: محل الضمان ليلًا وعدمه نهاراً في بلد جرت عادتهم بإرسال المواشي نهاراً وحفظها ليلًا، فلو جرت العادة في ناحية بالعكس .. فالأصح: أنه ينعكس الحكم، فيضمن ما أتلفه بالنهار دون الليل. 5228 - قول "الحاوي" [ص 602]: (وهرة - أي: ومُتْلَف هرَّةٍ - تُفسِدُ الأطعمة والطيور يُضمن) محله: ما إذا عهد ذلك منها كما صرح به "المنهاج" (¬3)، والمراد: أن يعهده الضامن؛ لأنه حينئذ مقصر بإرسالها، وقول "المنهاج" [ص 517]: (ضمن مالكها) لا يتقيد به؛ فكل من يؤديها ضامن بشرطه، ويستثنى منه: تضمينه ما إذا ربطها فانفلت بغير تقصير منه. 5229 - قول "الحاوي" [ص 602]: (ولا تُقتل) أي: في حال سكونها، فلو قصدت الحمام ونحوه فقتلت في الدفع .. فلا ضمان، وليس هذا إباحة للقتل، بل للقتال، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) البيان (12/ 87)، الروضة (10/ 196). (¬2) الروضة (10/ 197). (¬3) المنهاج (ص 517).

كتاب السير

كتاب السير 5230 - كذا في "المنهاج" (¬1)، ولو عبر بقتال المشركين كما في "التنبيه" (¬2) أو الكفار كما في " النبيه " أو بالجهاد .. لكان أولى؛ لأنه المقصود، وإنما عبر بذلك؛ لأن الأحكام المذكورة فيه متلقاة من سير رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته. 5231 - قول "التنبيه" [ص 231، 232]: (الجهاد فرض على الكفاية) محله: ما إذا كان الكفار ببلادهم، فإن دخلوا بلدة إسلام .. لزم أهلها ومن كان منهم دون مسافة القصر الدفع بالممكن، وكذا من على مسافة القصر إن لم يكف أهلها ومن يليهم، وكذا يتعين الجهاد فيما لو أسروا مسلماً وتوقعنا خلاصه، وقد ذكرهما "المنهاج" و"الحاوي" (¬3)، وسيأتي الكلام عليهما، وقد يدل على الأولى قول "التنبيه" [ص 232]: (فإن أحاط العدو بهم وتعين الجهاد .. جاز من غير إذنهم) وقد يقال: لا يلزم من دخولهم بلدة إسلام الإحاطة بهم. 5232 - قول "المنهاج" [ص 518]: (كان الجهاد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض كفاية، وقيل: عين، وأما بعده .. فللكفار حالان) فيه أمور: أحدها: أن كونه في عهده فرض كفاية إنما هو بعد الهجرة، أما قبلها .. فكان ممنوعا منه، ثم صار بعد الهجرة مباحاً، ثم أمر بقتال من قاتله، ثم أبيح الابتداء به في غير الأشهر الحرم، ثم أمر به مطلقاً. ثانيها: أنه يقتضي أن الخلاف في ذلك وجهان، وبه صرح في "المحرر" و"الروضة" وأصلها (¬4)، لكن نص في "الأم" على كونه فرض كفاية (¬5). ثالثها: كلامه يقتضي أن الجهاد لا يكون في عهده عليه الصلاة والسلام فرض عين، وليس كذلك، بل إذا أحاط العدو بالمسلمين كما وقع في قضية الأحزاب .. صار فرض عين كما تقدم في دخول الكفار بلاد الإسلام. رابعها: الظاهر أن القائل بأنه فرض عين لا يقول باستمرار ذلك إلى وفاته عليه الصلاة والسلام؛ فإنه يلزم عليه النسخ بعد وفاته، وإنما يقول به حين كان عدد المسلمين قليلاً، فلما كثروا .. صار ¬

(¬1) المنهاج (ص 518). (¬2) التنبيه (ص 231). (¬3) الحاوي (ص 609)، المنهاج (ص 519). (¬4) المحرر (ص 446)، فتح العزيز (11/ 344)، الروضة (10/ 208). (¬5) الأم (4/ 161).

فرض كفاية، وكلام القاضي حسين والماوردي والروياني والدارمي وغيرهم يفهم ذلك، وإن لم يصرحوا به. 5233 - قوله في تفسير كونه فرض كفاية: (إذا فعله من فيهم كفاية .. سقط الحرج عن الباقين) (¬1) قيده "الحاوي" بأن يكون كل سنة مرّة (¬2)، وفي "التنبيه" [ص 232]: (وأقل ما يجب في السنة مرّة) وفي "أصل الروضة": أنه تحصل الكفاية بشيئين: أحدهما: أن يشحن الإمام الثغور بجماعة يكافئون من بإزائهم من الكفار. الثاني: أن يدخل الإمام دار الكفر غازياً بنفسه أو بجيش يؤمّر عليهم من يصلح لذلك، وأقله مرة واحدة في كل سنة، وحكاه عن نص الشافعي والأصحاب، ثم قال: وقال الإمام: المختار عندي في هذا: مسالك الأصوليين، وأنهم قالوا: الجهاد دعوة قهرية، فيجب إقامته على حسب الإمكان، حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم، ولا يختص بالمرة الواحدة، وإذا أمكنت الزيادة .. لا يعطل الفرض، وما ذكره الفقهاء حملوه على العادة الغالبة، وهي: أن الأموال والعدد لا تواتي لتجهيز الجنود في السنة أكثر من مرة. انتهى (¬3). ولك أن تقول: المذكور في "الروضة" هو ما يحصل به الحراسة، وهو غير الجهاد. 5234 - قول "المنهاج" [ص 518]: (وبعلوم الشرع؛ كتفسير وحديث، والفروع) إن كان قوله: (والفروع) معطوفا على: (تفسير) .. اقتضى أن يكون بقي من علوم الشرع شيء لم يذكره، وليس كذلك، وإن كان معطوفاً على: (علوم الشرع) .. اقتضى أن الفروع ليست منها، وليس كذلك. ثم اعلم أن كون علم الفروع من فروض الكفايات إنما هو في غير القدر المحتاج إليه، فأما ذاك .. فتعلمه فرض عين؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 609]: (كظاهرِ علمِ صنعتِهِ). 5235 - قول "الحاوي" [ص 603]: (والأمر بالمعروف) زاد "المنهاج" [ص 518]: (والنهي عن المنكر) وهو داخل في الأمر بالمعروف؛ ولذلك حذفه "الحاوي"، فزيادة "المنهاج" له إيضاح، قال الرافعي: والمراد منه: الأمر بواجبات الشرع والنهي عن محرماته (¬4)، لكن صحح النووي من زيادته: أنه يجب على المحتسب الأمر بصلاة العيد، وإن قلنا: إنها سنة؛ وعلله: بأن الأمر بالمعروف هو الأمر بالطاعة لا سيما ما كان شعارًا ظاهراً (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 518). (¬2) الحاوي (ص 603). (¬3) الروضة (10/ 208، 209)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 397). (¬4) انظر " فتح العزيز" (11/ 352). (¬5) انظر "الروضة" (10/ 217).

وقد يجاب عنه: بأنه ذكر أولا موضع الإجماع، ثم ذكر موضع الخلاف، قالوا: ولو نُصب لذلك واحد .. تعين عليه، وهو المحتسب، ولا يسقط بعلمه أو ظنه أنه لا يفيد، وفي "المهمات": لا نعرف أحدًا قال به، بل نقل الإمام في "الشامل في أصول الدين" عن القاضي أبي بكر: أنهم أجمعوا على عدم الوجوب، ولم يخالفه فيه، وإنما ينكر المجمع عليه، إلا أن يرى الفاعل تحريمه .. فالصحيح في "أصل الروضة" في (الوليمة): أنه كالمجمع عليه (¬1)، ويشكل عدم إنكار المختلف فيه إذا لم يره الفاعل؛ بأن الصحيح: حد الحنفي بشرب النبيذ مع أن الإنكار بالفعل أبلغ من الإنكار بالقول. 5236 - قول "المنهاج" [ص 518]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 603]: (وإحياء الكعبة كل سنة بالزيارة) كذا عبر به في "المحرر" (¬2)، وعبارة "الروضة" وأصلها: بالحج (¬3)، قال الرافعي: كذا أطلقوه، وينبغي أن تكون العمرة كالحج بل الاعتكاف، والصلاة في المسجد الحرام؛ فإن التعظيم وإحياء البقعة يحصل بكل ذلك (¬4)، قال النووي: لا يحصل مقصود الحج بذلك؛ لفوات الوقوف والرمي والمبيت وإحياء تلك البقاع بالطاعات (¬5). قال في "المهمات": وهو غير ملاق له؛ فإن الكلام في إحياء الكعبة لا في إحياء هذه البقاع، وإن كان المتجه في الصلاة والاعتكاف ما ذكره .. فإنه ليس فيهما إحياء الكعبة، ولو كان الاعتكاف داخل الكعبة؛ لعدم الاختصاص، والمتجه: أن الطواف كالعمرة، وأجاب شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن بحث الرافعي: بأن المقصود الأعظم ببناء البيت الحج، فكان إحياؤه به بخلاف العمرة والاعتكاف والصلاة والطواف. 5237 - قول "الحاوي" [ص 603]: (ودفع الضر عن المسلمين) زاد "المنهاج" [ص 518]: (ككسوة عارٍ وإطعام جائعٍ إذا لم يندفع بزكاةٍ وبيت مالٍ) كذا لو اندفعت بنذر أو وقف أو وصية، وظاهر كلامهما وجوب دفع الضرر وإن لم يبق لنفسه شيئًا، لكن في "زيادة الروضة" عن الإمام في "الغياثي": أنه يجب على الموسر المواساة بما زاد على كفاية سنة (¬6)، ومقتضاه: أنه لا يتوجه فرض الكفاية بمواساة المحتاج على من ليس معه زيادة على كفاية سنة، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهذا لا يقوله أحد. ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 335). (¬2) المحرر (ص 446). (¬3) فتح العزيز (11/ 353)، الروضة (10/ 221). (¬4) فتح العزيز (11/ 353، 354). (¬5) الروضة (10/ 221). (¬6) الروضة (10/ 222).

5238 - قول "المنهاج" [ص 518] و"الحاوي" [ص 603]: (وتحمل الشهادة) محله: ما إذا حضر إليه المتحمل عليه، فإن دعي إليه .. فالأصح: المنع، إلا أن يكون الداعي قاضياً أو معذوراً بمرض ونحوه. 5239 - قولهما أيضاً: (وأداؤها) (¬1) قد يرد عليه ما لو كان في الواقعة جماعة وطلب الأداء من اثنين .. فإنه يلزمهما في الأصح، وقد ذكره "المنهاج" في (الشهادات) (¬2). 5240 - قول "المنهاج" [ص 518]: (وجواب سلام على جماعة) أحسن من قول "الحاوي" [ص 603]: (على الجمع) لأن جواب السلام على الاثنين فرض كفاية أيضًا، مع أنهما جماعة وليسا جمعا، وأما جواب السلام على الواحد .. فإنه فرض عين، ويستثنى منه: ما إذا كان المسلّم أو المسلَّم عليه أنثى شابة والآخر رجلاً ولا زوجية بينهما ولا محرمية ولا رق .. فلا يجب الرد، ثم إن سلم هو .. لم يجز لها الرد، وإن سلمت هي .. كره له الرد. ويستثنى منه أيضًا: وجوب السلام على المجنون والسكران، في وجوبه وجهان بلا ترجيح في "أصل الروضة" (¬3)، ورجح شيخنا في "تصحيح المنهاج": أنه لا يجب، إلا أن يخاف من تركه شر .. فيجب " دفعا للشر، وصحح في "شرح المهذب" في (الجمعة): أنه لا يجب الرد عليهما ولا يستحب (¬4)، وكذا لا يجب الرد على الفاسق إذا كان في تركه زجر، ولا على المرتد والحربي. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم أر في كلامهم التصريح بإيجاب الرد على الذمي، والظاهر أنه يسن الرد عليه ولا يجب، وفي الرافعي في الجزية عن البغوي: أنه لا يجاب (¬5)، وقال النووي: الصحيح بل الصواب: أنه يجاب بما ثبت في الأحاديث الصحيحة: "وعليكم" (¬6). 5241 - قول "المنهاج" [ص 518]: (ويسن ابتداؤه، لا على قاضي حاجةٍ وأكلٍ وفي حمامٍ، ولا جواب عليهم) و"الحاوي" [ص 610]: (والسلام - لا على المصلي، وقاضي الحاجة، وفي الحمام - سنة) فيه أمور: أحدها: أن "المنهاج" أطلق الأكل كما فعل الجويني والقاضي حسين والمتولي، وحمله الإمام على مَنْ اللقمة في فيه، وكان يمضي زمان في المضغ والابتلاع، ويعسر الجواب في الحال، ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 603)، و"المنهاج" (ص 518). (¬2) المنهاج (ص 572). (¬3) الروضة (10/ 230). (¬4) المجموع (4/ 507). (¬5) انظر "فتح العزيز" (11/ 374). (¬6) انظر "الروضة" (10/ 326).

أما بعد البلع وقبل وضع لقمة أخرى .. فلا منع (¬1)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وما ذكره الإمام أرجح. قلت: وجزم به النووي في "الأذكار" (¬2). ثانيها: ما ذكراه في الحمام، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم يقم عليه دليل، ولا سيما إذا كان في الموضع الذي يوضع فيه الثياب، والمعتمد عندنا: أنه كغيره، وفي توجيه الرافعي ما يقتضي أنه ليس الكلام في موضع نزع الثياب. ثالثها: يستثنى أيضًا: المجامع، وهو مفهوم من قاضي الحاجة من طريق الأولى إن لم يكن داخلأ في مسماه، وسلام رجل على شابة أجنبية وسلامها عليه، والسلام على الكافر، وفي زيادة "الروضة": المختار: أنه لا يبدأ المبتدع بالسلام إلا لعذر أو خوف مفسدة (¬3)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم يتعرضوا للمجنون والسكران، والظاهر أنه لا يسن ابتداء السلام عليهما، وقالوا: لا يسلم على من هو في الأذان أو الإقامة أو الخطبة، فلو سلم على المؤذن .. لم يجب حتى يفرغ، وهل الإجابة بعد الفراغ واجبة أو مستحبة؛ لم يصرحوا به، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الذي يظهر أنه لا يجب، وأطلق الغزالي أنه لا يسلم على المصلي (¬4)، ولم يمنعه المتولي، لكن قال: إذا سلم عليه .. لم يرد حتى يفرغ، ويجوز أن يجيب في الصلاة بالإشارة، نص عليه في القديم، وقيل: يجب الرد بعد الفراغ، والصحيح: أنه لا يجب الرد مطلقًا، فإن قال في الصلاة: (عليكم السلام) .. بطلت، أو: (عليهم السلام) .. لم تبطل، وفي حاضر الخطبة - تفريعا على الجديد: أنه لا يحرم الكلام - ثلاثة أوجه، أصحها عند البغوي: وجوب الرد، والثاني: استحبابه، والثالث: جوازه، وقطع الإمام بأنه لا يجب الرد، ورجح شيخنا في "تصحيح المنهاج" مقالة البغوي، قال: والقياس: أن هذا يعم كل خطبة، قال: والأرجح: أن الخلاف في غير الخطيب، أما الخطيب .. فلا يجب عليه الرد قطعا؛ لاشتغاله، وفي "أصل الروضة": أنه إذا سُلّم على الملبي .. رد، نص عليه، وزاد النووي: أنه يكره التسليم عليه في حالة التلبية (¬5)، ومقتضاه: أنه لا يجب عليه الرد، ويحمل النص على الاستحباب، وفي زيادة "الروضة" عن الواحدي المفسر: الأولى: ترك السلام على القارئ، فإن سلّم عليه .. كفاه الرد ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (17/ 421). (¬2) الأذكار (ص 198). (¬3) الروضة (10/ 231). (¬4) انظر "الوجيز" (2/ 189). (¬5) الروضة (10/ 232).

بالإشارة، ولو رد باللفظ .. استأنف الاستعاذة وقرأ، قال: وفيما قاله نظر، والظاهر أنه يسلَّم عليه، ويجب الرد (¬1). رابعها: قول "المنهاج" [ص 518]: (ولا جواب عليهم) قد يفهم استواء حكمهم، وليس كذلك، فيكره لقاضي الحاجة والمجامع، ويندب للاَكل ومن في الحمام، وفي الرافعي فيمن سلم على قاضي الحاجة .. هل يستحق الجواب بعد الفراغ؛ فيه جوابان (¬2)، وأسقطه من "الروضة"، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأرجح: أنه لا يستحق، ولكن إن خيف أمر .. رد عليه بعد الفراغ. 5242 - قولهم - والعبارة لـ "التنبيه" -: (ولا يجب الجهاد إلا على ذكر، حر، بالغ، عاقل، مستطيع) (¬3) أهملوا اشتراط كونه مسلماً؛ لوضوحه، وقد نبه عليه في "الكفاية"، وتعبير "التنبيه" و"الحاوي" باشتراط الذكورة (¬4)، أحسن من قول "المنهاج" [ص 518]: (ولا جهاد على امرأة) لخروج الخنثى بالعبارة الأولى دون الثانية. ويرد على "التنبيه": أن وصف الحرية لا يعتبر إذا دخل الكفار بلاد الإسلام، وإن حصلت المقاومة بالأحرار على الأصح، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" بعد ذلك (¬5)، وسيأتي ما فيه. 5243 - قول "المنهاج" [ص 518]: (ولا جهاد على مريض) و"الحاوي" [ص 603]: (بلا مرض) قيده "التنبيه" بالمريض الذي لا يقدر على القتال (¬6)، وفي معناه: ما إذا لم يقدر على القتال إلا بمشقة شديدة، وخرج بذلك الصداع ووجع الضرس والحمى الخفيفة ونحوها. 5244 - قول "التنبيه" [ص 232]: (إنه لا جهاد على الأعرج) قيده "المنهاج" و"الحاوي بالعرج البين (¬7)، ليخرج عرج يسير لا يمنع المشي ولا الركوب؛ فإنه يجب معه الجهاد. 5245 - قول "المنهاج" [ص 518]: (وأقطع) أي: اليد بكمالها أو معظم أصابعها، ولا يضر قطع أصابع الرجلين إذا أمكنه المشي من غير عرج بيّن. 5246 - قوله: (وأشل) (¬8) أي: أشل اليد أو أشل معظم أصابعها. ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 232). (¬2) فتح العزيز (11/ 376). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 232)، و"الحاوي" (ص 603)، و"المنهاج" (ص 518). (¬4) التنبيه (ص 232)، الحاوي (ص 603). (¬5) الحاوي (ص 604)، المنهاج (ص 519). (¬6) التنبيه (ص 232). (¬7) الحاوي (ص 603)، المنهاج (ص 518). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 518).

5247 - قوله: (وكل عذر منع وجوب حج منع الجهاد، إلا خوف الطريق من كفار، وكذا من لصوص مسلمين على الصحيح) (¬1) يقتضي منع خوف لصوص المسلمين وجوب الحج مطلقًا، ومحله: فيما إذا عم الخوف أهل ناحيته، فإن اختص بإنسان .. لم يمنع ذلك إيجاب الحج عليه، حتى إذا مات ولم يحج .. قضي من تركته كما نص عليه في "الأم" (¬2). 5248 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (والدين الحال يُحرّم سفر جهادٍ وغيره إلا بإذن غريمه) (¬3) له شرطان: أحدهما: أن محله: في الموسر، فأما المعسر .. فليس له منعه على الصحيح في "أصل الروضة"، وحكى الرافعي عن ابن كج: أنه المذهب (¬4)، لكن في "الكفاية" عن الأصحاب خلافه. ثانيهما: أن محله: إذا لم يستنبْ من يقضي دينه من مال حاضر، فإن فعل ذلك .. فله السفر بغير إذنه. 5249 - قول "التنبيه" [ص 232]: (وقيل: يجوز في الدين المؤجل أن يجاهد بغير إذنه) يقتضي أن الأصح: منعه في المؤجل أيضًا، وليس كذلك كما صرح "المنهاج" بتصحيحه (¬5)، وهو مقتضى تقييد "الحاوي" بالحال (¬6)، وقال النووي في "تصحيحه": ورجحه المصنف في (باب التفليس) (¬7)، وقال شيخنا الإسنوي في "التنقيح": ما قاله ممنوع، فإن الذي جوزه الشيخ في التفليس إنما هو السفر لا نفس الجهاد، فإنه قال: (وقيل: يمنع من سفر الجهاد) (¬8)، والذي منعه هنا إنما هو نفس الجهاد، فإنه قال: (ولا يجاهد) (¬9)، ولم يتعرض للسفر، فليسا مسألة واحدة كما ذكر، فأي ضرورة إلى ارتكاب دعوى التناقض في كلام الشيخ مع تغاير المحكوم عليه، وسبقه إلى الإشارة لذلك في "الكفاية". 5255 - قول "المنهاج" في الدين المؤجل [ص 519]: (وقيل: يمنع سفراً مخوفاً) أعم من تعبير "التنبيه" بالجهاد (¬10)، وقيد هذا الوجه في "الروضة" بألاَّ يقيم كفيلاً بالدين (¬11). ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 518). (¬2) الأم (2/ 120). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 232)، و"الحاوي" (ص 603)، و"المنهاج" (ص 519). (¬4) فتح العزيز (11/ 358)، الروضة (10/ 210). (¬5) المنهاج (ص 519). (¬6) الحاوي (ص 603). (¬7) تصحيح التنبيه (2/ 201). (¬8) التنبيه (ص 101). (¬9) التنبيه (ص 232). (¬10) التنبيه (ص 232). (¬11) الروضة (10/ 211).

5251 - قولهما - والعبارة لـ "التنبيه" -: (ولا يجوز لمن أحد أبويه مسلم أن يغزو إلا بإذنه) (¬1) يفهم اختصاص ذلك بالأبوين، وليس كذلك؛ فسائر الأجداد والجدات في ذلك كالأبوين، ولو مع وجودهما في الأصح؛ ولذلك عبر "الحاوي" بأصل مسلم (¬2)، وظاهر كلامهم اعتبار ظهور الإسلام؛ فهو الذي تعلق عليه الأحكام، لكن لو علم الولد نفاقهما .. جاز له سفراً لجهاد بغير إذنهما ولو كانا مسلمين في الظاهر، نص عليه في "الأم" (¬3) كما حكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وتناول كلامهم الأصل الرقيق، وهو كذلك على الصحبح، فلو كان الولد رقيقا .. اعتبر في سفر الجهاد وغيره إذن سيده لا أبويه، قاله الماوردي، قال: ويلزم المبعض استئذان الأبوين بما فيه من الحرية والسيد بما فيه من الرق (¬4). 5252 - قول "المنهاج" [ص 519]: (لا سفر تعلم فرض عين، وكذا كفاية في الأصح) هو مقتضى إطلاق "الحاوي" قوله [ص 603]: (لا للعلم)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ويستثنى منه: ما إذا كان السفر مخوفاً .. فإنه لا يسافر لطلب فرض الكفاية، والظاهر سقوط فرض العين عنه كالحج، وما إذا كانت نفقة الأبوين أو أحدهما لازمة له .. فيجب استئذانهما، إلا أن يستنيب في الإنفاق عليهما من مال حاضر، صرح به الماوردي (¬5)، قال شيخنا: وقضيته: أنه لو كان الفرع تجب نفقته على الأصل .. لم يجز له أن يسافر إلا بإذنه إن كان الفرع أهلاً للإذن، وأن يستنيب في الإنفاق عليه من مال حاضر، ثم ذكر أن القياس: أنه لو أداه نفقة ذلك اليوم وسافر في بقيته .. كان كالمديون بدين مؤجل. انتهى. وصحح السبكي في كتاب له في بر الوالدين: أنه يمتنع السفر لتعلم فرض الكفاية إذا منعاه (¬6) صريحاً. 5253 - قول "الحاوي" [ص 603]: (كسفر البحر والبادية المخطرة للتجارة) يقتضي أنه لا يمنعه سفر التجارة في غيرهما، ولذلك صححه الرافعي والنووي (¬7)، لكن صحح السبكي: أن لهما منعه من سفر التجارة ولو غلب الأمن. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 232)، و"المنهاج" (ص 519). (¬2) الحاوي (ص 603). (¬3) الأم (4/ 163). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 124). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 124، 125). (¬6) في النسخ: (منعناه)، ولعل الصواب ما أثبت، والله أعلم. (¬7) انظر "فتح العزيز" (11/ 361)، و"الروضة" (10/ 211، 212).

5254 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (فإن أذن أبواه والغريم ثم رجعوا .. وجب الرجوع إن لم يحضر الصف) (¬1) يستثنى منه صور: أحدها: أن يخاف على نفسه أو ماله .. فلا يجب الرجوع، فلو أمكنه أن يقيم بقرية في الطريق .. لزمه، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 603]: (فإن عجز .. أقام قرية). ثانيها: أن يخاف انكسار قلوب المسلمين .. فلا يجوز الرجوع، بل يحرم. ثالثها: أن يكون خروجه بجُعْلٍ مع السلطان .. فلا يرجع كما حكاه في "الكفاية" عن الماوردي (¬2)، ونص عليه في "الأم" (¬3) كما حكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج". 5255 - قول "التنبيه" [ص 232]: (وإن كان قد حضر الصف .. ففيه قولان) الأظهر: أنه لا يرجع، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 519]: (فإن شرع في قتال .. حرم الانصراف في الأظهر) وعليه مشى "الحاوي" بقوله [ص 603]: (لا من القتال) ولو عبرا كـ "التنبيه" بحضور الصف .. لكان أولى؛ لأنه لا يتوقف ذلك على القتال حقيقة، بل التقاء الفريقين كاف في ذلك، وعبر في "الروضة" بالأصح (¬4)، وهو يقتضي أن الخلاف وجهان، والرافعي قال في "الشرح": فيه قولان أو وجهان (¬5)، وجزم في "المحرر" بأنه قولان (¬6)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم نقف للشافعي رضي الله عنه على نص في عين المسألة، ولكنه لما أجاز الرجوع في غير ما استثناه .. احتمل أن يكون مطلقاً، واحتمل أن يكون ما لم يحضر الصف، فكان الظاهر أن الخلاف وجهان، قال: ومحل الخلاف ما لم يخش انكسار المسلمين، فإن خشي ذلك .. حرم الانصراف. 5256 - قول "المنهاج" [ص 519]: (الثاني: يدخلون بلدة لنا فيلزم أهلها الدفع بالممكن) لا يتوقف ذلك على دخولها، بل لو أظلوا عليها ونزلوا بها قاصدين لها .. كان الحكم كذلك، وكذا لو نزلوا على خراب أو جبل في دار الإسلام بعيد عن البلدان كما حكاه الإمام عن الأصحاب، واختار خلافه (¬7)، وقال النووي: هذا الذي اختاره الإمام ليس بشيء، وكيف يجوز تمكين الكفار من الاستيلاء على دار الإسلام مع إمكان الدفع؟ (¬8). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 232)، و"الحاوي" (ص 603)، و "المنهاج" (ص 519). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 128). (¬3) الأم (4/ 164). (¬4) الروضة (10/ 213). (¬5) فتح العزيز (11/ 364). (¬6) المحرر (ص 447). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (17/ 415). (¬8) انظر "الروضة" (10/ 216).

قلت: لم يجوز الإمام في اختياره تمكينهم من دار الإسلام، بل قال: إنه فرض كفاية يجب القيام به، وإنما نفى كونه فرض عين، وعلى الأول مشى "الحاوي" فقال [ص 609]: (ولو خراب الإسلام) فلو صار بينهم وبين بلاد الإسلام دون مسافة القصر .. فقال الماوردي: يتعين فرض القتال على أهل الثغر (¬1)، ومنعه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: الأرجح: بقاء فرض الكفاية، ونازع شيخنا المذكور في أصل هذا الحكم، وقال: جرى نحو ذلك غزوة الأحزاب، ولم ينقل فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعلم كل وأحد من أهل المدينة بتعين الجهاد عليه، وإنما الحال مستمر على فرض الكفاية، وأطلق الشافعي أن الجهاد فرض كفاية، ولم يستثن من ذلك إلاَّ حالة الزحف التي يحرم فيها الفرار، وقال فيما لو غزا المشركون بلاد المسلمين: لا يضيق على المسلمين أن يتحصنوا من العدو وإن كانوا قاهرين للعدو، وفيما يرون إذا ظنوا ذلك أزيد في قوتهم ما لم يكن العدو يتناول من المسلمين أو أموالهم شيئاً في تحصنهم عنهم، قال شيخنا: وهذا يخالف القول بأن الجهاد صار فرض عين، والمذهب المعتمد ما نص عليه صاحب المذهب، وبه صرح القفال، فقال في هذه الصورة: فإن قامت به طائفة". سقط الفرض عن الباقين، وإن لم يقم به أحد .. خرجوا أجمعين. 5257 - قول "المنهاج" في هذه الحالة [ص 519]: (فإن أمكن تأهب لقتال .. وجب الممكن حتى على الفقير وولدٍ ومَدِين وعبد بلا إذن) و "الحاوي" [ص 609]: (فرض على كل قوي، وزال الحجر) ثم قال "المنهاج" [ص 519]: (وقيل: إن حصلت مقاومة بأحرار .. اشترط إذن سيده) وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا الذي ضعفه هو المعتمد في الفتوى، وهو مقتضى نص الشافعي؛ فإنه جعل تولي المسلمين لو غزاهم المشركون كتولي المسلمين من الزحف، ولم يجعل العبد الغازي بغير إذن سيده آثماً بالتولي من الزحف؛ فلذلك لا يتوجه إليه الخطاب فيما إذا وطئ الكفار بلاد الإسلام وأمكنت المقاومة بالأحرار، قال: وهذان الوجهان لم أرهما إلا في "النهاية" بلا ترجيح (¬2)، وقال الرافعي فيما رجحه: إنه أليق بفقه الباب وأشبه (¬3)، قال شيخنا: وهو ممنوع؛ فالأليق بفقه الباب والأشبه: أنه لا يتوجه الخطاب للعبيد في هذه الحالة؛ لقيام الأحرار بالمطلوب، ولا سيما وقد نص الشافعي على ذلك فوجب اطراح ما يخالفه، ولا ينبغي أن يعد وجهًا. 5258 - قول "المنهاج" [ص 519]: (وإلا؛ فمن قُصِدَ .. دَفَعَ عن نفسه بالممكن إن علم أنه إن أخذ قتل، وإن جوز الأسر .. فله أن يستسلم) محله في الرجل، فأما المرأة إذا علمت امتداد اليد ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 144). (¬2) نهاية المطلب (17/ 429، 430). (¬3) انظر "فتح العزيز" (11/ 366).

إليها بالفاحشة .. فعليها الدفع وإن قتلت، أما إذا لم تقصد بالفاحشة في الحال وتوقعته بعد السبي .. قال الرافعي: فيحتمل جواز الاستسلام الآن، وتدفع حينئذ (¬1). ومحل الاستسلام عند تجوز الأسر: إذا كان لو امتنع .. لقُتل، وإلا .. فلا يجوز الاستسلام. 5259 - قوله: (ومن هو دون مسافة قصر من البلد كأهلها) (¬2) يقتضي أنه يصير عليهم فرض عين، حتى على الفقير والولد الذي له أصل حي مسلم والمديون والعبد من غير اعتبار إذن، وأنه يجري في العبيد الخلاف فيما إذا حصلت المقاومة بالأحرار. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهذا شيء لم يقل به أحد، والإمام الذي سلك هذه الطريقة الضعيفة لم يذكر جميع ذلك صريحا وإن اقتضاه كلامه، واعتبر وجود الزاد فيمن هو دون مسافة القصر. 5260 - قوله: (ومن على المسافة .. تلزمهم الموافقة بقدر الكفاية إن لم يكف أهلها ومن يليهم، قيل: وإن كفوا) (¬3) مقتضى التعبير: أن المعنى: قيل: وإن كفوا .. تلزمهم الموافقة بقدر الكفاية، وهذا غير مستقيم؛ فكان ينبغي أن يقول: (ومن على المسافة .. قيل: تلزمهم الأقرب فالأقرب، والأصح: إن كفى أهلها .. لم تلزمهم). 5261 - قول "الحاوي" [ص 609]: (أو أسرت مسلماً يُرجى خلاصه .. فرض على كل قوي) أحسن من قول "المنهاج" [ص 519]: (ولو أسروا مسلماً .. فالأصح: وجوب النهوض إليهم لخلاصه إن توقعناه) لأن تعبير "المنهاج" قد يفهم أن الخلاف في كونه فرض كفاية، وليس كذلك، وإنما الخلاف في فرض العين، وتعبير "الحاوي" صريح في ذلك، وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج": أن هذا الخلاف لا وجود له في شيء من كتب الطريقين، وإنما هو تردد للإمام (¬4)، قال: ولا توقف عندنا في أنه لا يكون فرض عين في هذه الصورة، وليس للولد والعبد والمديون الخروج بغير إذن، وحيث كان الجهاد فرض كفاية .. فهو مستمر بحاله، وهذا هو الظاهر من كلام الشافعي وأصحابه؛ والدليل على هذا: أنه كان في الحديبية عند المشركين أسرى رجال ونساء، وجاء بعض الرجال قبل عقد الصلح، وكانت المقاومة ممكنة؛ بدليل قول عمر رضي الله عنه: (فلم نعطِ الدَّنية في ديننا) (¬5) مع أن في الأعصار تقع أسرى المسلمين في يد الكفار ولم فسمع أن جيشا من جيوش المسلمين تحرك لخلاص أولئك الأسرى. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (11/ 366). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 519). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 519). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (17/ 414، 415). (¬5) أخرجه البخاري (3011)، ومسلم (1785).

فصل [في الاستعانة على الغزو]

فصل [في الاستعانة على الغزو] 5262 - قول "التنبيه" [ص 232]: (ويكره أن يغزو أحدٌ إلا بإذن الإمام) هو نص الشافعي في "المختصر" (¬1)، وقال في "المنهاج" [ص 519]: (أو نائبه) وعبارة "الحاوي" [ص 606]: (ويكره استقلالاً) وعبارة الإمام: استحب ألَّا يخرجوا إلا بإذن الإمام. واستثنى منه شيخنا في "تصحيح المنهاج" مواضع: أحدها: أن يفوته المقصود بذهابه للاستئذان. الثاني: إذا عطل الإمام الغزو وأقبل هو وجنده على أمور الدنيا كما يشاهد. الثالث: إذا غلب على ظنه أنه لو استأذن .. لم يؤذن له. 5263 - قول "التنبيه" [ص 232]: (ولا يستعين بمشرك، إلا أن يكون في المسلمين قلة، والذي بستعبن به حسن الرأي في المسلمين) و"المنهاج" [ص 519]: (وله الاستعانة بكفار نؤمن خياننهم، ويكونون بحيث لو انضمت فرقتا الكفر .. قاومناهم) و"الحاوي" [ص 603]: (وله أن يستعين بكافر مأمون) ذكر الرافعي أن الشرط المذكور في "التنبيه" أولًا والشرط المذكور في "المنهاج" ثانياً يكاد أن يتنافيان؛ لأنهم إذا قلوا حتى احتاجوا لمقاومة إحدى الفئتين إلى الاستعانة بالأخرى .. فكيف يقدرون على مقاومتهما معا لو التأمتا؟ (¬2) وقال النووي: لا منافاة؛ فالمراد: أن يكون المستعان بهم فرقة لا يكثر العَدوُّ بهم كثرة ظاهرة (¬3). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": في هذا الجواب لين، ثم أجاب: بأن الكفار إذا كانوا مئتين مثلاً وكان المسلمون مئة وخمسين .. ففيهم قلة بالنسبة لاستواء العددين، فإذا استعانوا بخمسين كافراً .. فقد استوى العددان، ولو انحاز هؤلاء الخمسون إلى العدو فصاروا مئتين وخمسين .. أمكن المسلمين مقاومتهم؛ لعدم زيادتهم على الضعف، قال: وأيضاً ففي كتب جمع من العراقيين اعتبار الحاجة من غير ذكر القلة، والحاجة قد تكون للخدمة، فلا يتنافى الشرطان. انتهى. وذكر بعضهم: أن الشرط المذكور في "التنبيه" ثانياً، وهو: حسن رأي المستعان به في المسلمين هو الشرط المذكور في "المنهاج" أولًا، والمقتصر عليه في "الحاوي"، وهو أمن ¬

_ (¬1) مختصر المزني (ص 272). (¬2) انظر "فتح العزيز، (11/ 381). (¬3) انظر "الروضة" (10/ 239).

خيانته، لكن جعلهما في "الروضة" وأصلها شرطين (¬1)، وحكى في "الروضة" من زيادته على الماوردي شرطاً آخر، وهو: أن يخالفوا معتقد العدوّ؛ كاليهود مع النصارى (¬2). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": كلام الشافعي يدل على أن ذلك غير معتبر؛ فقد غزا صفوان بن أمية وهو مشرك في غزوة حنين وهم مشركون. واعلم: أن عبارتهم تتناول النساء والصبيان، وفي "الروضة" وأصلها قولان في جواز إحضار نساء أهل الذمة وصبيانهم من غير ترجيح (¬3). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأصح عندنا: الجواز؛ فقد جزم به في "الأم" فقال: (ونساء المشركين في هذا وصبيانهم كرجالهم لا يحرم أن يشهدوا القتال) (¬4)، قال: وما ذكره الرافعي عن القفال من القولين لم أقف عليه. 5264 - قول "التنبيه" في المرأة والعبد والصبي [ص 232]: (وإن حضروا .. جاز) فيه أمور: أحدها: مراده: المرأة المسلمة، وفي جواز إحضار نساء أهل الذمة وصبيانهم ما تقدم قريباً. ثانيها: إنما يجوز حضور العبد بإذن الإمام وسيده؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 519]: (وله - أي: الإمام - الاستعانة بعبيد بإذن السادة) و"الحاوي" [ص 603، 604]: (وله أن يستعين بعبد بإذن) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يستثنى منه: العبد الموصى بمنفعته لبيت المال؛ فللإمام الاستعانة به بغير إذن السيد المالك للرقبة، وكذا السفر به بغير إذن المالك على الأصح في "أصل الروضة" في الوصية بالمنافع (¬5)، وكذا المكاتب كتابة صحيحة، وله أن يسافر به بناء على أن للمكاتب السفر بغير إذن السيد، وهو الأظهر. ثالثها: أن شرط جواز حضور الصبي: أن يكون بإذن الإمام، وقيده "الحاوي" بالمراهق (¬6)، و"المنهاج" بالمراهق القوي (¬7)، وقال الرافعي: ظاهر ما نقله القفال عن الشافعي يقتضي جواز إحضار الذريّة مطلقاً، إلاَّ مَن لا يميز .. يجب ألاَّ يجوز إحضاره (¬8)، وأسقط ذلك في "الروضة"، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إذا حصلت من المميز إعانة ورأى الإمام ¬

_ (¬1) فتح العزيز (11/ 381)، الروضة (10/ 239). (¬2) الروضة (10/ 239)، وانظر "الحاوي الكبير" (14/ 132). (¬3) فتح العزيز (11/ 384)، الروضة (10/ 240). (¬4) الأم (4/ 167). (¬5) الروضة (6/ 188). (¬6) الحاوي (ص 604). (¬7) المنهاج (ص 519). (¬8) انظر "فتح العزيز" (11/ 384).

استصحابه .. جاز، ونص في "الأم" على ما يقتضيه (¬1)، قال: واعتبار القوة مردود، والمعتبر حصول المنفعة بهم وإن لم يكونوا أقوياء، قال: ومحله ة إذا لم يكن له أصل حي مسلم، فإن كان .. فإذنه معتبر في البالغ؛ ففي المراهق بطريق الأولى. قلت: وقد يجعل قول "الحاوي" [ص 604]: (بإذن) راجعًا للمراهق والعبد المذكورين قبله على قاعدة الشافعي؛ ويكون لهذا المعنى أطلق الإذن. قال شيخنا: وليس للوصي منعه من ذلك، والأمر فيه للإمام. قال في "المهمات": وفيه إشكال مع ما قالوه في المنع من إركاب ماله في البحر الملح وإن كان الغالب السلامة. قلت: في هذا تمرين على العبادة، بخلاف التجارة بماله؛ لا عبادة فيها مع التعزير، والله أعلم. 5265 - قول "المنهاج" [ص 519]: (وله بذل الأُهبة والسلاح من بيت المال ومن ماله) لا يختص الحكم بالإمام؛ فللآحاد بذله من ماله؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 604]: (ولكل تركيب المسلم ببذل أُهبة). 5266 - قول "المنهاج" [ص 519]: (ولا يصح استئجار مسلم لجهاد) مكرر، تقدم في (الإجارة) (¬2)، وا قتصر "الحاوي" على ذكره هناك (¬3)، وهو داخل في قول "التنبيه" [ص 232]: (ولا يجاهد أحد عن أحد) فإنه يتناول ما إذا كان بعوض وغيره، ويستثنى منه موضعان: أحدهما: العبد، فيه وجهان إن قلنا: (لو وطئ الكفار دارنا .. يتعين على العبيد) .. فهم كالأحرار، وإلا .. جاز، حكاه في "أصل الروضة" عن الإمام (¬4)، ومقتضاه: ترجيح المنع؛ لأن الأصح: تعيينه عليهم لو وطئ الكفار دارنا، لكن تقدم عن شيخنا: أنه رجح في "تصحيح المنهاج" خلافه؛ فلذلك صحح هنا الإجارة إذا آجره مالكه، وصدرت الإجارة مع الإمام. ثانيهما: غير البالغ ذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج" أنه لو أجره وليه .. صح؛ فإنه لا يتعين عليه بحضور الصف، ثم استشكله بمنع التغرير بماله في البحر، ثم أجاب عنه: بتمكين النبي صلى الله عليه وسلم من هو دون البلوغ من حضور الجهاد، وعرضه عليه، ورضخه له، وذلك يدل على أن مثل هذا مما يحرص عليه ويتدرب به، ثم ظاهر كلامهم امتناع استئجار المسلم للجهاد ولو ¬

_ (¬1) الأم (4/ 167). (¬2) المنهاج (ص 310). (¬3) الحاوي (ص 379). (¬4) الروضة (10/ 241)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 429، 430).

وردت الإجارة على ذمته، لكن يشكل بجواز إلزام ذمة من لم يحج الحج عن غيره، وحائض خدمة مسجد، وإن امتنع ذلك في إجارة العين. 5267 - قول "المنهاج" [ص 519]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 379]: (ويصح استئجار ذمي للأمام) فيه أمور: أحدها: أنه لا يختص بالذمي، بل يجوز مع المعاهد أيضاً بهُدنة أو أمان، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: في كلام الشافعي والأصحاب ما يقتضيه. ثانيها: أن محل جواز استئجاره: حيث تجوز الاستعانة، فإن استأجره حيث يمتنع .. فالإجارة باطلة. ثالثها: أن مقتضى كلامهما: استمرار الإجارة ولو أسلم، لكن مقتضى ما في "أصل الروضة" فيما لو استأجر طاهراً لخدمة المسجد، فحاضت، من انفساخ الإجارة: انفساخها هنا (¬1)، وإليه ذهب شيخنا في "تصحيح المنهاج". رابعها: يرد على إطلاقهما: أنه لا يصح استئجاره من مال نفسه، بل ولا من سائر أموال بيت المال، وإنما يستاجره من شيء مخصوص، وهو خمس الخمس، وقد ذكر ذلك "الحاوي" فيما إذا أخرجه قهراً .. قال: (له الأجر من خمس الخمس) (¬2). خامسها: ليست هذه الإجارة على قياس سائر الإجارات، فلو تعذر سفر الجيش لصلح صدر قبله .. كان عذراَ في فسخ الإجارة، وإن كانت الإجارة لا تنفسخ بالعذر، ويسترجع الإمام منهم ما دفعه إليهم، وإن كان الصلح بعد رده لهم دار الحرب .. لم يسترجع منهم شيئاً؛ لأن مسير الجيش إليهم أثر في الرهبة المفضية للصلح، وإن كان ذلك بعد خروجهم من دار الإسلام وقبل دخولهم أرض الحرب .. ففي استحقاقهم من الأجرة بقدر المسافة وجهان حكاهما الماوردي. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والأرجح في نظيرها من (الحج): أنه لا يستحق شيئاً، فكذلك الأرجح هنا، وإن كان ترك الجهاد لانهزام العدو استحقوا (¬3) الأجرة وإن تركوه مع الحاجة إليه .. ردوا من الأجرة بالقسط، وصحح شيخنا تقسيطه على قطع المسافة من بلد الإجارة والقتال في دار الحرب. 5268 - قول "الحاوي" [ص 604]: (فإن أخرج الذمي لا المسلم قهرًا .. له الأجر) قال الرافعي: كذا أطلقوه في المسلم، وفصّل البغوي فقال: إن تعين عليه .. فكذلك، وإلا .. فله ¬

_ (¬1) الروضة (5/ 184). (¬2) الحاوي (ص 604). (¬3) في النسخ: (واستحقوا)، ولعل الصواب ما أثبت، والله أعلم.

أجرة الذهاب، وهو تفصيل حسن؛ فليحمل الإطلاق عليه (¬1). 5269 - قوله: (وإن عين شخصاً لدفن وغسل .. من تركته، ثم بيت المال، ثم سقط) (¬2) هذا التفصيل استدركه الإمام والغزالي (¬3)، وأطلق مطلقون أنه لا أجرة له، قال الرافعي: والتفصيل حسن؛ فليحمل الإطلاق عليه (¬4). 5270 - قول "التنبيه" [ص 232]: (ولا يقاتل من لم تبلغه الدعوة حتى يعرض عليه الدين) قال ابن يونس في "التنويه": كلامه يقتضي وجوب عرض الدين عليه؛ أي: يعرفه إياه بأحكامه وتفاصيله، وليس كذلك، وإنما هو مستحب كما صرح به في "المهذب" وغيره؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أغار على بني المصطلق وهم غافلون (¬5). 5271 - قوله: (ويقاتل أهل الكتابين والمجوس إلى أن يسلموا أو يبذلوا الجزية) (¬6) محله: قبل نزول عيسى عليه السلام، فأما بعده .. فلا يقبل منهم إلا الإسلام. 5272 - قوله: (ويتجنب قتل أبيه وابنه؛ إلا أن يسمع منهم ما لا يصبر عليه من ذكر الله تعالى وذكر رسوله صلى الله عليه وسلم) (¬7) عبر في قتال البغاة بقوله: (ويتجنب قتل رحمه) (¬8) وتبع في التعبيرين "المختصر" (¬9)، ولا فرق بين البابين كما قاله الأصحاب، نبه عليه في "الكفاية". وهذا التجنب على وجه الاستحباب؛ ولذلك عبر "المنهاج" بقوله [ص 519]: (ويكره لغازٍ قتل قريب، ومَحْرَمٍ أشدُّ) وعبارة "الحاوي" نحوه (¬10)، والمراد: المحرم القريب، أما غير القريب من المحارم .. فقال شيخنا ابن النقيب: لم أر من ذكر المنع من قتله (¬11)، ولم يذكر "المحرر" و"الحاوي" الاستثناء الذي في "التنبيه"، واستدركه "المنهاج" بقوله [ص 520]: (إلا أن يسمعه يسب الله أو رسوله). ¬

_ (¬1) فتح العزيز (11/ 386)، وانظر "التهذيب" (7/ 457). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 604). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (17/ 431)، و"الوجيز" (2/ 190). (¬4) انظر "فتح العزيز" (11/ 386). (¬5) المهذب (2/ 231). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 232). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 232). (¬8) التنبيه (ص 229). (¬9) مختصر المزني (ص 258، 269). (¬10) الحاوي (ص 606). (¬11) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 13).

5273 - قول "المنهاج" [ص 520]: (ويحرم قنل صبي ومجنون وامرأة وخنثى مشكل) محله: ما لم يقاتلوا كما صرح به "المحرر" و"التنبيه" (¬1)، إلا أنه لم يذكر المجنون والخنثى، وليس هذا دفعاً كالصائل، بل يقتلون إذا قاتلوا وإن أمكن دفعهم بغيره. 5274 - قول "المنهاج" [ص 520]: (ويحل قتل راهب وأجير وشيخ وأعمى وزَمن لا قتال فيهم ولا رأي في الأظهر) فيه أمور: أحدها: أنه يقتضي أن محل القولين في الراهب: إذا لم يكن فيه رأي ولا قتال، وليس كذلك، بل هما جاريان فيه مطلقًا كما أطلقهما في "المختصر" (¬2)، وجرى عليه الأصحاب المعتبرون، قاله شيخنا في "تصحيح المنهاج"، ويوافقه عبارة "التنبيه" حيث قال [ص 232]: (وفي قتل الشبوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال فيهم وأصحاب الصوامع قولان، أصحهما: أنهم يقتلون). ثانيها: اعترضه شيخنا في "تصحيح المنهاج" بأن المعتمد: القطع بجواز قتل الأجير، وهي طريقة العراقيين، وكذلك الأعمى والضعيف، ولا سيما إن كان الضعيف مرجو الإفاقة. ثالثها: واعترضه أيضًا بأن من يثبت القولين في الأجير .. لا يخصهما بما إذا لم يكن فيه رأي ولا قتال. رابعها: نقل شيخنا ابن النقيب: أن الذي رآه في نسخ "المنهاج": (وشيخ وضعيف) بالواو، وأنه رآه كذلك في نسخة "المصنف" بخطه، لكنه مضروب عليه؛ أعني: المعطوف وحرف العطف، وهو قوله: (وضعيف)، قال: والذي رأيته في "المحرر" و"الروضة": (والشيخ الضعيف) بلا واو (¬3). 5275 - قول "التنبيه" [ص 232]: (ويجوز بياتهم ونصب المنجنيق عليهم ورميهم بالنار) و"المنهاج" [ص 520]: (وإرسال الماء عليهم ورميهم بنار ومنجنيق وتبييتهم في غفلة) و"الحاوي" [ص 604]: (ومنجنيق وتحريق وتغريق) محله: في غير مكة، فلو تحصن بها أو بموضع من حرمها طائفة من الحربيين .. لم يجز قتالهم بما يعم، كما نص عليه في "الأم" في (سير الواقدي) (¬4)، وحمل أبو الفرج الزاز الجواز في غيرها على ما إذا كان بالإمام إليه حاجة أولم يكن فيهم إلا المقاتلة، فإن لم يكن به إليه حاجة وكان فيهم النساء والصبيان .. كره، حكاه عنه ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 232)، المحرر (ص 448). (¬2) مختصر المزني (ص 272). (¬3) السراج على نكت المنهاج (8/ 14)، وانظر "المحرر" (ص 448)، و"الروضة" (10/ 243). (¬4) الأم (4/ 244).

شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: إنه معتمد، قال: وإنما لا يكون البيات مكروها إذا كان له به حاجة، وإلا .. فهو مكروه وإن لم يكن فيهم إلا المقاتلة؛ لأنه لا يأمن في سواد الليل أن يقتل مسلما من أهل الجيش ظناً أنه كافر. 5276 - قول "التنبيه" [ص 232]: (وإن كان معهم قليل من أسارى المسلمين .. لم يمتنع من رميهم، وإن كانوا كثيراً .. لم يرمهم إلا إذا خاف شرهم) طريقة، والمرجح: الجواز لو كانوا كثيرأ؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 520]: (فإن كان فيهم مسلم أسير أو تاجر .. جاز ذلك على المذهب) و"الحاوي" [ص 604]: (ولو فيهم مسلم)، وعبارة "أصل الروضة": فيه طرق: المذهب: أنه إن لم يكن ضرورة .. كره، ولا يحرم في الأظهر، وإن كانت لخوف ضررهم، أو لم يحصل فتح القلعة إلا به .. جاز، ثم ذكر طريقين آخرين، ثم قال: والمذهب: الجواز وإن علم أنه يصيب مسلما، وهو نص "المختصر" (¬1). وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج" أن نص "الأم" و"المختصر" الجواز عند الضرورة، ولا خلاف فيه، وأما عند عدم الضرورة .. فقضية نص "الأم" التحريم، وقضية نص "المختصر" أنه غير بيّن التحريم، ولكنه مكروه؛ فإطلاق الجواز على المذهب مخالف النصين جميعاً، قال: والمعتمد عندنا في صورة ألَّا يمكن فتح القلعة إلا بذلك: أنها ليست حالة ضرورة، وفي نص "الأم" ما يقتضيه (¬2). 5277 - قول "التنبيه" [ص 232]: (وإن تترسوا بالنساء والصبيان في القتال .. لم يمتنع من قتالهم) محله: ما إذا دعت إلى ذلك ضرورة، فإن لم تدع إليه ضرورة .. فالأظهر: تركهم، وعبارة "المنهاج" [ص 520]: (وإن دفعوا بهم عن أنفسهم ولم تدع ضرورة إلى رميهم .. فالأظهر: تركهم) وكان ينبغي الاقتصار على انتفاء الضرورة؛ فهو المعتبر، وأما الدفع بهم عن أنفسهم .. فليس شرطاً في ذلك؛ وكأنه تصوير للمسألة؛ ويدل على ذلك أن عبارة "أصل الروضة": وإن لم يكن ضرورة؛ بأن كانوا يدفعون بهم عن أنفسهم واحتمل الحال تركهم (¬3)، ومن العجيب أن "الحاوي" أهمل الشرط الذي هو الضرورة، وذكر التصوير المشترك بين جواز الرمي وعدمه وهو الدفع، فقال: (وإن تترسوا بالنساء لا دفعًا .. ضُرب الترس) (¬4) وخالف هذا الترجيح في زيادة "الروضة"، فقال: إن الراجح: الجواز (¬5)، ورجحه شيخنا في "تصحيح المنهاج". ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 245). (¬2) الأم (4/ 244)، مختصر المزني (ص 271). (¬3) الروضة (10/ 244). (¬4) الحاوي (ص 606). (¬5) الروضة (10/ 245).

5278 - قول "التنبيه" [ص 232، 233]: (وإن تترسوا بهم - أي: بأسارى المسلمين - في حال القتال .. لم يمتنع من قتالهم، غير أنه يتجنب أن يصيبهم) محله: فيما إذا دعت إليه ضرورة؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 520]: (وإن تترسوا بمسلمين؛ فإن لم ندع ضرورة إلى رميهم .. تركناهم، وإلا .. جاز رميهم في الأصح) وتعبيره بالأصح يقتضي قوة الخلاف، وأنه وجهان، وليس كذلك؛ فالتجويز هو نص "الأم" و"المختصر" (¬1)، وقد عبر في "الروضة" بالصحيح المنصوص (¬2)، وعبارة "الحاوي" [ص 606]: (وإن تترسوا بالمسلمين في الصف ولو تركوا انهزمنا، لا كافر بمسلم .. ضُرب الترس) فقيد الجواز بأن يكونوا لو تركوا .. انهزمنا، وهي صورة الضرورة، واستثنى من ذلك مسألة، وهي: ما لو تترس كافر بمسلم .. فلا يجوز قتل المسلم، قال في "الوجيز": وإن خفنا على أنفسنا؛ فإن دم المسلم لا يباح بالخوف (¬3)، وأراد به: ما إذا لم يعم الخوف، وإلا .. يلزم من الكف مفسدة كلية، واحترز بقوله: (في الصف) عما إذا تترسوا بهم في نحو قلعة عند محاصرتها .. فلا نرمي الترس؛ لأنا في غنية عن فتحها. 5279 - قول "المنهاج" [ص 520]: (ويحرم الانصراف عن الصف إذا لم يزد عدد الكفار على مثْلَيْنَا إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة) فيه أمور: أحدها: أن التعبير بالانصراف عن الصف هو كذلك في"الحاوي" (¬4)، ومقتضاه: أنه لو لقي مسلم مشركين .. فله الانصراف مطلقًا؛ إذ لا صف، وهو كذلك في "الروضة" وأصلها، قال: إن طلباه .. فله الفرار، وإن طلبهما .. فهل له أن يولي بعد ذلك؛ وجهان، أصحهما: نعم؛ لأن فرض الجهاد والثبات إنما هو في الجماعة، وحكاه الرافعي عن تصحيح "البحر" (¬5). وقال الماوردي: إنه الظاهر من مذهب الشافعي (¬6)، لكن قول "التنبيه" [ص 233]: (وليس للمسلم أن ينصرف عن اثنين إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة) يقتضي منع الفرار في هذه الصورة، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج"؛ إنه الأظهر بمقتضى نص الشافعي في "مختصر المزني" فإنه حكى عن ابن عباس: أن من فرّ من ثلاثة .. فلم يفز، ومن فر من اثنين .. فقد فرّ، ثم قال الشافعي: هذا مثل معنى التنزيل، فإذا فرّ الواحد من الاثنين .. فأقل، وساق الكلام على ذلك (¬7). ¬

_ (¬1) الأم (4/ 244)، مختصر المزني (ص 271). (¬2) الروضة (10/ 246). (¬3) الوجيز (2/ 191). (¬4) الحاوي (ص 606). (¬5) فتح العزيز (11/ 405، 406)، الروضة (10/ 249). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 181). (¬7) مختصر المزني (ص 271).

ثانيها: محل ذلك: مع القدرة، فيجوز الانصراف مع العجز، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 607]: (ومن عجز بمرض أو لم يبق معه السلاح أو مات فرسه عاجزاً عن القتال رَاجِلاً) فإن أمكنته الحجارة .. امتنع الانصراف على الأصح عند النووي من زيادته، لكنه في "أصل الروضة" في الباب الأول جعله وجهاً ضعيفاً (¬1). ثالثها: يستثنى من كلامهم معا: العبد إذا شهد القتال بغير إذن سيده .. فلا يحرم عليه الفرار، وكذلك النساء إذا شهدن القتال ثم ولين .. فلا يأثمن بالتولي، نص عليه في "الأم" (¬2) كما حكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج". رابعها: يستثنى من كلامهم أيضًا: أنه يجوز فرار مئة من ضعفائنا عن مئة وتسعة وتسعين من أبطالهم على الأصح في اعتبار المعنى، كما سيأتي في عكسه في عبارة "المنهاج" و"الحاوي" أنه يحرم انصراف مئة بطل عن مئتين وواحد ضعفاء في الأصح (¬3)، ففي "أصل الروضة": أنه يجري الخلاف في عكسه، وذكر هذا المثال (¬4). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وأخذا عكسه في الصورة والمعنى، ولكن عكسه في المعنى يشمل هذا ومئة ضعفاء مع مئتين من أبطالهم، وسيأتي في كلام شيخنا ترجيح اعتبار العدد دون المعنى، والله أعلم. خامسها: اشترط "الحاوي" في جواز التحيز إلى فئة: ألاَّ تنكسر؛ أي: الفئة المنصرف عنها بانصرافه، فإن انكسرت بذلك .. فلا يجوز الانصراف (¬5)، وتبع في ذلك "الوجيز" (¬6)، وفي كلام الإمام ما يشعر به (¬7)، قال الرافعي: ولم يتعرض له المعظم (¬8). 5280 - قول "المنهاج" [ص 520]: (ويجوز إلى فئة بعيدة في الأصح) عبر في "الروضة" بالصحيح (¬9)، وكان ينبغي التعبير بالنص؛ فإنه المنصوص في "الأم" و"المختصر" (¬10)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محله: ما إذا لم يجد فيه قرينة، فإن وجد .. امتنع التحيز إلى ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 213، 248). (¬2) الأم (4/ 170). (¬3) الحاوي (ص 606)، المنهاج (ص 520). (¬4) الروضة (10/ 248). (¬5) الحاوي (ص 607). (¬6) الوجيز (2/ 191). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (17/ 448، 449). (¬8) انظر "فتح العزيز" (11/ 402). (¬9) الروضة (10/ 247). (¬10) الأم (40/ 170)، مختصر المزني (ص 271).

البعيدة قطعًا، وفي كلام الشيخ أبي حامد عن الشافعي ما يقتضي هذا؛ إذ قال: قال الشافعي: إلا أنهم ينحازون إلى الأقرب فالأقرب منهم، قال شيخنا: وإطلاق ذلك كما في النص وكلام هؤلاء الأصحاب يؤدي إلى أن الجيش أو بعضه ينصرف من وجه العدو بعد الزحف إلى الفئة البعيدة من إمام وغيره بلا سبب، وهذا لا يقوله أحد. 5281 - قوله: (ويشارك متحيز إلى قريبةٍ في الأصح) (¬1) وهو مفهوم "الحاوي" (¬2)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه مخالف لنص "الأم" حيث قال: فإن قالوا: ولينا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة .. كانت عليهم سهامهم فيما غُنم قبل أن يولوا، ولو غنموا بعد التولية شيئاً ثم عادوا .. لم يكن لهم سهامهم فيما غنم بعدهم؛ لأنهم لم يكونوا مقاتلين ولا رِدْءًا (¬3)، قال: وظاهر النص أنه في المتحيز إلى فئة قريبة؛ لقوله: (ثم عادوا) وإذا حمل على الأعم .. حصل لنا العمل بظاهر النص، ونقل في "الروضة" وأصلها النص في المتحيز إلى البعيدة (¬4)، وليس كما ذكراه. 5282 - قول "التنبيه" [ص 233]: (وإن كان بإزائه أكثر من اثنين وغلب على ظنه أنه لا يهلك .. فالأولى أن يثبت، وإن غلب على ظنه أنه يهلك .. فالأولى أن ينصرف، وقيل: يجب عليه) حمل الإمام هذين الوجهين على ما إذا كان في الثبات نِكاية، قال: فإن كان فيه الهلاك المحض من غير نكاية .. وجب الفرار قطعاً (¬5)، وقال النووي: إنه الحق (¬6)، ثم كلام "التنبيه" يقتضي جواز الانصراف عند الزيادة على الضعف مطلقًا، وبه صرح "المنهاج"، واستثنى منه صورة، فقال: (فإن زاد على مثلين .. جاز الانصراف، إلا أنه يحرم انصراف مئة بَطَلٍ عن مئتين وواحد ضعفاء في الأصح) (¬7) وذكر "الحاوي" مثله (¬8)، وفي هذا الاستثناء أمران: أحدهما: أن كلامهما يقتضي تخصيص الاستثناء بهذا التصوير، وليس الأمر كذلك، قاله شيخنا في "تصحيح المنهاج"، قال: وإنما العبرة عند من استثنى هذا الاستثناء بأن يكون مع المسلمين من القوة ما يغلب به على الظن أنهم يقاومون من بإزائهم من العدو الزائد على مثليهم ويرجون الظفر بهم. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 520). (¬2) الحاوي (ص 607). (¬3) الأم (4/ 170). (¬4) فتح العزيز (11/ 404)، الروضة (10/ 248). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (17/ 454). (¬6) انظر الروضة" (10/ 249). (¬7) المنهاج (ص 520). (¬8) الحاوي (ص 606).

ثانيهما: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ما صححه من إرادة الحال على المعنى مخالف لظواهر نصوص الشافعي التي احتج عليها بظاهر القرآن، وما نقله عن ابن عباس وعليه جرى جمهور أصحاب الطريقين، وهو المعتمد في الفتوى. 5283 - قول "المنهاج" [ص 520]: (وتجوز المبارزة) و"الحاوي" [ص 606]: (إنها لا تكره) قيده "التنبيه" بأن يعرف من نفسه بلاء في الحرب (¬1). 5284 - قول "التنبيه" [ص 233]: (وإن بارز كافر .. استحب لمن عرف من نفسه بلاءً في الحرب أن يخرج إليه) اعتبر "المنهاج" لذلك شرطاً آخر، وهو: أن يكون بإذن الإمام (¬2)، وفي معناه: إذن أمير الجيش، وعبر "المنهاج" عن الشرط الأول: بأن يكون ممن جرّب نفسه (¬3). واعترضه شيخنا في "تصحيح المنهاج": بأنه لا يكفي ذلك، بل لا بد معه أن يعرف قوته وجرأته كما صرح به في "الروضة" وأصلها (¬4). وأقول: المراد: أن يجرب نفسه فيعرف منها القوة والجرأة، وليس المراد: أن يجربها فيعرف منها الضعف والخور، فالمعنى مع هذا مفهوم لا يحتاج للتصريح به، وزاد الماوردي شرطاً ثالثاً، وهو: ألاَّ يدخل بقتل المبارز ضرر على المسلمين بهزيمة تحصل لهم؛ يعني؛ لأنه كبيرهم، فإن كان كذلك .. لم يجز أن يبارز (¬5)، قال شيخنا: وهذا لا بد منه، قال: ويحتمل أن يقال بالكراهة خاصة، واستثنى شيخنا المذكور من ذلك أيضًا: ما إذا كان عبداً أو ذا أصل مأذونا له في الجهاد من غير تصريح بالإذن في المبارزة .. فلا يستحب له. 5285 - قول "التنبيه" [ص 233]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 612]: (وإن شرط ألاَّ تقاتله غيره .. وُفّيَ له بالشرط) كذا لو جرت العادة بأن من بارز لا يقاتله غير من برز إليه .. فتجعل العادة كالشرط على الأصح في "أصل الروضة"، ولم يصرح الرافعي بترجيح من الوجهين، وإنما قال: الذي أورده الروياني في "جمع الجوامع" أنه كالمشروط (¬6). قال في "الكفاية": وحكاه الماوردي والبندنيجي وابن الصباغ عن النص، وغيرهم عن نصه في "سير الواقدي"، واختاره في "المهذب" (¬7). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 233). (¬2) المنهاج (ص 520). (¬3) المنهاج (ص 520). (¬4) فتح العزيز (11/ 407)، الروضة (10/ 250). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 252). (¬6) فتح العزيز (11/ 468)، الروضة (10/ 284، 285). (¬7) المهذب (2/ 237)، وانظر "الحاوي الكبير" (14/ 252، 253).

5286 - قولهما أيضًا: (إلا أن يثخن المسلم أو ينهزم منه) (¬1) يفهم أن المراد: انهزام الكافر، لكن حكم انهزام المسلم كذلك؛ فالمراد: انهزام أحدهما، وفي قول "التنبيه" [ص 233]: (فيجوز قتاله) تجوّز؛ فإن إعانة المسلم حينئذ واجبة، وعبر "الحاوي" بالفعل (¬2). 5287 - قول "التنبيه" [ص 233]: (وإن شرط ألَّا يتعرض له حتى يرجع إلى الصف .. وُفّيَ له بذلك) يستثنى منه: ما إذا أعان الكافرَ جمعٌ من الكفار من غير أن يمنعهم من ذلك: وما إذا أثخن المسلم وأراد التذفيف عليه، وإن شرط له ذلك .. فإنه شرط فاسد لا يعمل به، وقد ذكر ذلك "الحاوي، (¬3)، وما إذا ولى عنه المسلم فتبعه. 5288 - قول "التنبيه" [ص 234]: (ويجوز قطع أشجارهم وتخريب ديارهم) أوضحه "المنهاج" بقوله [ص 520]: (لحاجة القتال والظفر بهم) وقال الماوردي: إذا علمنا أنّا لا نصل إلى الظفر بهم إلا بفعل ذلك .. وجب (¬4)، وصوبه شيخنا في "تصحيح المنهاج". 5289 - قول "المنهاج" [ص 520]: (وكذا إن لم يُرج حصولها لنا، فإن رُجي .. نُدب الترك) فيه أمران: أحدهما: أن المعتبر ظن حصولها لنا، لا مجرد الرجاء؛ ولذلك قال "التنبيه" [ص 234]: (فإن كلب على الظن أنه يحصل لهم .. فالأولى ألاَّ يفعلوا ذلك) و"الحاوي" [ص 606]: (ويكره إهلاك مال ظن حصوله للمسلمين). ثانيهما: قد عرفت أن الاقتصار على استحباب الترك هو الذي في "التنبيه"، وكذا "المحرر" و"شرح الرافعي" (¬5)، وحكاه الشيخ أبو حامد عن النص، وأن في "الحاوي" الكراهة، وكذا في "أصل الروضة" (¬6)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه ليس بمعتمد. 5290 - قول "التنبيه" [ص 234]: (ولا يجوز قتل البهائم إلا إذا قاتلوا عليها) زاد "المنهاج" صورة أخرى فقال [ص 521]: (أو غنمناه وخفنا رجوعه إليهم وضرره) وتناول الصورتين قول "الحاوي" [ص 606]: (وتُقتل الخيل للحاجة) وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج" في الصورة الثانية: إنها لا تساوي الأولى في جواز العقر، ولكنا نذبحه للأكل إن كان مأكولاً، فإن لم نتمكن من ذبحه .. لم نتلفه بغير الذبح ولو خفنا رجوعه إليهم وضرره، وكذا غير المأكول لا نذبحه، ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 233)، و"الحاوي" (ص 612). (¬2) الحاوي (ص 612). (¬3) الحاوي (ص 612). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 186). (¬5) المحرر (ص 450)، فتح العزيز (11/ 424). (¬6) الروضة (10/ 258).

فصل [حكم أسرى الكفار]

قال: هذا مذهب الشافعي الذي ذكره في كتبه، وجرى عليه أصحابه، وما ذكره الرافعي والنووي في ذلك ليس بمعتمد (¬1)، وقد سبقهما إليه الماوردي وصاحب "المهذب" (¬2)، لكن صورة المسألة: بأن يكون الكفار مشاة ونخشى استرجاعهم الخيل وركوبها، والتقوي علينا بها، وهما في ذلك مخالفان لظاهر النص، والمعتمد ما قررناه، هذا معنى كلامه. 5291 - قول "التنبيه" [ص 324]: (وتقتل الخنازير) أي: وجوبًا إن كانت تعدو على الناس، وإلا .. فوجهان، ظاهر نص الشافعي: أنه لا يجب، بل يتخير فيه، ذكره في البيع من "شرح المهذب" (¬3)، أما الاقتناء .. فلا يجوز بحال. 5292 - قوله: (وتراق الخمور وتكسر الملاهي) (¬4) قد يخرج ظروف الخمر، والمنقول: أنها إن جاوزت قيمتها أو ساوت مؤنة حملها .. كسرت، وإلا .. حُملت. 5293 - قوله: (ويتلف ما في أيديهم من التوراة والإنجيل) (¬5) قد يشمل الإحراق، والصحيح في "البحر": المنع؛ لما فيها من اسم الله تعالى، لكن هذا المعنى موجود فيما نقش عليه القرآن، وإحراقه جائز مع الكراهة. فصل [حكم أسرى الكفار] 5294 - قول "المنهاج" [ص 521]: (نساء الكفار وصبيانهم إذا أسروا .. رقوا) لا يخفى أن المراد: النساء الكافرات؛ ولهذا عبر "التنبيه" بقوله [ص 233]: (وإن أسر امرأة .. رقت) و"الحاوي" بقوله [ص 605]: (رق غيرٌ) أي: غير الأسير الكامل الذي سنذكره، وعبارته أشمل؛ لدخول المجنون فيها، ولم يصرحوا بذكر الخنثى، وهو كالمرأة، وقال أبو الفتوح: يجوز المن عليه مجانا. ثم محل ذلك في النساء: إذا لم يقاتلن، فإن قتلت حربية مسلمًا ثم ظفرنا بها .. جاز للإمام قتلها كما تقدم بيانه، فلو قتلت ذميًا .. فقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": أمكن أن يقال بقتلها أيضًا، ولكن الدلالة من السنة إنما وردت فيما إذا قتلت مسلمًا، وفي جواز سبي الراهبة وجهان بناء على قتل ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (11/ 423)، و"الروضة" (10/ 258). (¬2) الحاوي الكبير (14/ 190)، المهذب (2/ 240). (¬3) المجموع (221/ 9). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 234). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 234).

الراهب، كذا في "أصل الروضة" (¬1)، وقد عرفت أن الأظهر: قتله، فيكون الأرجح: سبيها. 5295 - قول "المنهاج" [ص 521]: (وكذا العبيد) و"الحاوي" [ص 605]: (ورق غير) فيه أمور: أحدها: ظاهره أن المراد: عبيدهم الكفار كما سبق في النساء، وليس كذلك، بل المراد هنا: عبيدهم ولو كانوا مرتدين أو مسلمين؛ فإن عبد الحربي لو أسلم في دار الحرب ولم يخرج ولا قهر سيده .. لم يزل ملكه عنه، وإذا سُبي .. يسترق، ولا يجوز المن عليه. ثانيها: أن العبد لا يتجدد له رق كالمرأة والصبي، بل يستمر رقه، وعبارتهما تُفهِم خلافه. ثالثها: أن محل ذلك: إذا لم يقتل مسلماً، فإن قتل مسلمًا ثم سُبي .. فلنا قتله كما تقدم في المرأة. 5296 - قول "التنبيه" [ص 233]: (وإن أسر حرًا) أي: بالغاً عاقلاً ذكراً؛ ولهذا عبر "المنهاج" [ص 521] بـ (الأحرار الكاملين) وزاده "الحاوي" إيضاحاً، فعبر [ص 604] ب (الأسير الكامل) وفسره بأنه الرجل الحر العاقل. 5297 - قول "التنبيه" [ص 233]: (فللإمام أن يختار فيه ما يرى المصلحة فيه) و "الحاوي" [ص 604]: (بالمصلحة) المراد بها: الأحظ للمسلمين كما عبر به "المنهاج" (¬2)، قال في "أصل الروضة": وليس التخير بالتشهي، بل يلزم الإمام أن يجتهد، ويفعل من هذه الأمور الأربعة ما هو الحظ للمسلمين (¬3)، وحكى شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن نص الشافعي في "الأم" في ترجمة الغلول: أنه مستحب (¬4)، ومال إليه شيخنا، وقال: كيف يلزم هذا وأبو عزة إنما نزله النبي صلى الله عليه وسلم لبناته، وأخذ عليه عهداً ألَّا يعود لقتاله، وليس للمسلمين في ذلك حظ. انتهى (¬5). ويقوم مقام الإمام في هذا الاختيار أمير الجيش. 5298 - قول "الحاوي" تبعاً لـ "المحرر": (والفداء بالرجال) (¬6) كذا في "الروضة" وأصلها (¬7)، ويرد عليه: أنه يجوز أن يفدي به امرأة أو صبياً؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 521]: (وفداء بأسرى). ويرد عليهم معا: أنه لا بد من اعتبار الإسلام في ذلك؛ ولهذا قال في "التنبيه" [ص 234]: ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 244). (¬2) المنهاج (ص 521). (¬3) الروضة (10/ 251). (¬4) الأم (4/ 260). (¬5) انظر "الأم" (4/ 238). (¬6) المحرر (ص 449)، الحاوي (ص 604). (¬7) فتح العزيز (11/ 410)، الروضة (10/ 251).

(أو بمن أسر من المسلمين) وكذا نص عليه الشافعي والأصحاب. 5299 - قول "الحاوي" [ص 607]: (وفي الكامل قبل الحكم) أي: تجب القيمة أيضاً في قتل الأسير الكامل قبل حكم الإمام فيه بشيء؛ لا يعرف هذا في مذهب الشافعي، وإنما حكاه الماوردي والعمراني عن الأوزاعي (¬1)، والمعروف في المذهب أنه لا شيء عليه سوى التعزير، نص عليه الشافعي وتابعه الأصحاب. 5300 - قول "التنبيه" [ص 234]: (وإن أسلم في الأسر .. سقط قتله، وبقي الخيار في الباقي في أحد القولين، ويرق في الآخر) الأظهر: الأول، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، وفيه أمور: أحدها: أن محله: ما إذا لم يختر فيه الإمام قبل إسلامه المن أو الفداء، فإن اختار ذلك ثم أسلم .. لم يتخير في الباقي، بل يتعين ما اختاره. ثانيها: شرط جواز الفداء في هذه الصورة: أن يكون له عزٌّ أو عشيرة يسلم بها دينه ونفسه. ثالثها: أنكر شيخنا في "تصحيح المنهاج" القول بتعين الرق، وقال: إنما أخذه من أثبته من نص "المختصر، (¬3)، وإن أسلموا بعد الإسار .. رقوا، وإنما أراد به: أن اختيار الإمام ذلك، ولا يمنع إسلامه الرق كما يمنع القتل؛ بدليل قوله في "الأم": (ولم يخرجه إسلامه من الرق إن رأى الإمام استرقاقه) (¬4). 5301 - قولهما - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وإسلام كافر قبل ظفر به يعصم دمه وماله وصغار ولده) (¬5) كذا مجانينهم، وقد ذكره "الحاوي" (¬6) وسكت عن عصمة دمه؛ لوضوحه، والأنثى في ذلك كالذكر، والجد والجدة كذلك في الأصح، ولو كان الأقرب حيا، والمراد: الأولاد الأحرار، كما نبه عليه في "الكفاية". 5302 - قول "المنهاج" [ص 521] و"الحاوي" [ص 604]: (لا زوجته) خالفه "المنهاج" حيث قال بعده [ص 521]: (وزوجته على المذهب) (¬7) أي: لا يجوز إرقاق زوجة مسلم، وفي ¬

_ (¬1) انظر (البيان) (12/ 153)، و"الحاوي الكبير" (14/ 178). (¬2) الحاوي (ص 604)، المنهاج (ص 521). (¬3) مختصر المزني (ص 271). (¬4) الأم (4/ 253). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 233)، و"المنهاج" (ص 521). (¬6) الحاوي (ص 604). (¬7) في حاشية (ج): (فائدة: عبارة "المنهاج" مثل عبارة الحاوي؛ فإنه قال: (لا زوجته على المذهب)، وأما رجوع إحدى المسألتين إلى الأخرى .. فليس الكلام فيه، وإنما الكلام في أنها تخالف عبارة "الحاوي" وقد تبين لك أن لا مخالفة). انتهى.

"أصل الروضة": أن الخلاف في أن إسلام الحربي هل يعصم زوجته؟ يجيء في استرقاق حربية نكحها مسلم وهي في دار الحرب (¬1)، فالمسألتان عندهم واحدة، وغاير بينهما "المنهاج" (¬2)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والمذكور هنا هو المعتمد (¬3). 5303 - قول "المنهاج" [ص 521]: (فإن استرقت .. انقطع نكاحه في الحال) يقتضي أن في استرقاقها خيرة، وليس كذلك، بل ترق بمجرد الأسر، فكان صواب العبارة أن يقول: فإن قلنا: (لا يعصمها عن الرق) ولهذا قال "الحاوي" [ص 604]: (فإن سُبيت .. انقطع نكاحه). 5304 - قول "المنهاج" [ص 521]: (ويجوز إرقاق زوجة الذمي) يقتضي أنه لا بد من إرقاقها، وليس كذلك، بل ترق بمجرد سبيها، فصواب العبارة: (ويرق زوجة الذمي). 5305 - قوله: (وكذا عتيقُهُ في الأصح) (¬4) كذا ينبغي أن يقول: على النص؛ لأنه منصوص "الأم" كما حكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج". 5306 - قوله: (لا عتيق مسلم) (¬5) أي: ولو كان حين أعتقه كافراً لكنه أسلم قبل الأسر، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وقل من تعرض لهذا الفرع. 5307 - قوله - والعبارة له - و"الحاوي": (وإذا سُبي الزوجان أو أحدهما .. انفسخ النكاح إن كانا حرين) (¬6) فيه أمور: أحدها: أن محله في سبي الزوج: ما إذا كان صغيراً أو مجنونًا أو اختار الإمام رقه؛ ولهذا قال "التنبيه" [ص 234]: (وإن استرقه وكان له زوجة .. انفسخ نكاحها) أما لو مَنّ الإمام على الكبير أو فادى به .. استمرت الزوجية. ثانيها: التقييد بكونهما حرين يقتضي عدم الانفساخ فيما إذا كان أحدهما حراً والآخر رقيقًا، وليس كذلك، فلو كانت حرة وهو رقيق وسبيت وحدها أو معه .. انفسخ أيضًا؛ لأن إطلاق الإخبار محل السبايا يشمل مَنْ زوجها عبد. ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 253). (¬2) في حاشية (ج): (تبعاً للمحرر؛ حيث قال قبل سطرين: (لا زوجته على المذهب)، وقال الزركشي: الصواب: أنهما على حد سواء، والتحاق الثانية بالأولى في عدم الاعتصام، وقد نقله في البحر عن النص، وجزم به جمهور العراقيين، منهم الجرجاني). (¬3) في حاشية (ج): (فائدة: نقل شيخنا قاضي القضاة علم الدين البلقيني أبقاه الله تعالى في "مختصر التدريب" عن "تصحيح المنهاج" لوالده خلاف ما نقله المصنف، فقال: والمذهب المعتمد: أنه لا فرق بين زوجة من أسلم قبل الأسر ومن كان مسلماً وله زوجة من الحكم برقها لمجرد السبي خلافاً لما في "المنهاج". انتهى ولعله ... أراد أن يقول: هناك، فسقطت الكاف من الكتابة، فرفعت المخالفة في النقل). (¬4) انظر " المنهاج" (ص 521). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 521). (¬6) انظر "الحاوي" (ص 604)، و"المنهاج" (ص 521).

قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وكلام الشافعي في "الأم" في الاستبراء دال على ذلك، والحكم في عكسه كذلك إن كان الزوج غير مكلف أو مكلفاً وأرقّه الإمام؛ لأن العلة في انفساخ النكاح زوال ملكه عن أملاكه، فزوجته كذلك فلا يرد ذلك على "الحاوي" لأنه أطلق أولاً انفساخ النكاح بسبي الزوجين أو أحدهما، ثم قال: (لا الرقيقين) (¬1) فدخل في كلامه أولاً: ما إذا كان أحدهما حراً والآخر رقيقاً. ثالثها: نازع شيخنا في "تصحيح المنهاج" فيما إذا كانا رقيقين، وقال: الأصح عندنا بمقتضى إطلاق الإخبار ونصوص الشافعي: أن النكاح ينفسخ بسبيهما أو بسبي الزوجة، فإن سبي الزوج وحده .. ففيه تردد، والأرجح: أنه لا ينفسخ، وتعليل الانفساخ في سبي الزوج الحر بزوال ملكه عن أملاكه؛ فزوجته أولى .. لا يأتي في العبد. 5308 - قول "المنهاج" [ص 521]: (وإذا أُرِقَّ وعليه دين .. لم يسقط) محله: ما إذا كان لمسلم، وكذا الذمي كما أجاب به الإمام والغزالي (¬2)، وذكر البغوي فيه وجهين، فإن كان لحربي .. سقط على الصحيح؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 605]: (لا لحربي). 5309 - قولهما أيضًا: (فيُضَى من ماله إن غنم بعد إرقاقه) (¬3) أي: لا إن غنم قبله، وكذا لو غنم معه كما صححه في "أصل الروضة" (¬4)، وهو داخل في مفهومهما، لكن رجح شيخنا في "تصحيح المنهاج" أنه يقضى مما غنم مع رقه، وأورد شيخنا أيضًا: ما إذا لم يغنم ماله أصلاً، بل عتق وأخذه، قال: فيقضى منه الدين المذكور، قال: ولم أر من تعرض لذلك، وهو متعين. قلتُ: هو واضح لا يحتاج لاستدراك؛ لأنهم إنما تكلموا على ما إذا تزاحم أرباب الدين والغنيمة، ولا مزاحمة هنا، فإذا كان الدين .. لم يسقط وماله بيده كيف لا يُقضى منه؟ ! 5310 - قول "الحاوي" [ص 605]: (وسقط له عنه) أي: سقط الدين للحربي عن الحربي فيما إذا استُرق أحدهما، حكاه في "الروضة" وأصلها عن "التهذيب" (¬5)، ونازع فيه شيخنا في "تصحيح المنهاج" فيما إذا استرق صاحب الدين؛ لأن سقوط دينه عن الحربي لمجرد زوال الملك منتقض بالمرتد لا يسقط دينه وإن قلنا بزوال ملكه، قال: وهو الذي يقتضيه عموم لفظ "الوسيط" الذي نقله في "الروضة" وأصلها: فيما إذا استرق من له الدين .. من أنه لا تبرأ ذمة من عليه ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 604، 605). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (17/ 526)، و"الوجيز" (2/ 191، 192). (¬3) انظر "الحاوي" (ص 605)، و"المنهاج" (ص 521). (¬4) الروضة (10/ 255). (¬5) فتح العزيز (11/ 418)، الروضة (10/ 256).

الدين، بل هو كودائع الحربي المسبي (¬1)، قالا: ولم ينص في "الوسيط" على حال من عليه الدين، والإمام أجاب بذلك فيما إذا كان الذي عليه الدين مسلماً، قالا: وقد يفهم من هذه الجملة أنه إن كان دين المسترق على مسلم .. طولب به، أو على حربي .. سقط (¬2)، قال شيخنا: وهذا مخالف لتصريح صاحب "التهذيب" ولعموم لفظ "الوسيط" وللدليل الذي قررناه، قال: والمعتمد ما قررناه. 5311 - قول "المنهاج" [ص 521]: (ولو اقترض حربي من حربي أو اشترى منه ثم أسلما أو قبلا جزية .. دام الحق) قال الرافعي: لا يخفى أنه فيما إذا كان القرض أو الثمن مالاً، بخلاف ما إذا كان خمراً أو خنزيراً (¬3)، وذكره "الحاوي" فقال [ص 605]: (لا خمر) ومفهومهما: أنه لو أسلم أحدهما أو قبل جزية .. لا يدوم الحق، وليس كذلك فيما إذا أسلم صاحب الدين قطعًا، وفيما إذا أسلم المديون على الأظهر. 5312 - قول "المنهاج" [ص 521]: (ولو أتلف عليه فأسلما .. فلا ضمان في الأصح) هو مفهوم قول "الحاوي" [ص 605]: (دينُ عقدهما) وفيه أمور: أحدها: أن محل الخلاف: فيما إذا كان اعتقادهم ضمان ذلك المتلف، وإلا .. فلا ضمان قطعًا، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: هذا يخرج من توجيه مقابل الأصح بأنه لازم عندهم، فكأنهم ترضوا عليه. ثانيها: لا يختص ذلك بما إذا أسلما، بل لو أسلم المتلف .. جرى الخلاف كما في "أصل الروضة" (¬4)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وإذا ثبت الخلاف مع إسلام المتلف .. فمع إسلام المتلف عليه أولى، وقد أطلق ذلك في "الوجيز" (¬5)، قال شيخنا: وإن لم يسلم واحد منهما .. فلم يتعرض لها أحد من الأصحاب، والذي عندنا: أنه إن تحاكموا إلينا بعد الأمان .. جاء الخلاف، وإن لم يتحاكموا إلينا .. فلا نتعرض لهم بإلزام ولا بغيره. ثالثها: أن تعبيره بالأصح يقتضي قوة الخلاف، وليس كذلك؛ فقد قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه ضعيف جداً، بل لا يثبت نقله وجها، وبسط ذلك. 5313 - قول "المنهاج" [ص 522]: (والمال المأخوذ من أهل الحرب قهراً غنيمة) تقدم الكلام عليه في (قسم الفيء والغنيمة). ¬

_ (¬1) الوسيط (7/ 29). (¬2) فتح العزيز (11/ 418)، الروضة (10/ 256)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 526). (¬3) انظر "فتح العزيز" (11/ 419). (¬4) الروضة (10/ 257). (¬5) الوجيز (2/ 192).

5314 - قوله: (وكذا ما أخذه واحدٌ أو جمعٌ من دار الحرب سرقةً على الأصح) (¬1) يقتضي أن الخلاف وجهان، وليس كذلك؛ فالأصح نص عليه في "الأم"، واقتضى كلامه أن مقابله أنه فيءٌ، والذي في "الروضة" وأصلها أن مقابله أنه للآخذ (¬2)، وعبارة "المنهاج" محتملة لهما، وقد يقال: قرينة قرنه باللقطة يقتضي أنه للآخذ، وعلى هذا الوجه: لو كان المسروق حراً بالغاً عاقلاً .. فهل ينفرد به الآخذ ويرق بالأخذ أو يتخير الإمام فيه؛ قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم أر من تعرض له. 5315 - قوله: (أو وُجد كهيئة اللقطة على الأصح) (¬3) فيه أمران: أحدهما: أطلق محل الخلاف، وهو مقيد بقيدين: أحدهما: ألاَّ يكون مأخوذاً بالقهر والغلبة، فإن كان كذلك .. فهو غنيمة قطعًا. الثاني: ألَّا يكون مأخوذاً بقوة الجند، فإن أخذ بقوتهم .. لم يجيء فيه وجه باختصاصه بالآخذ، بل يكون فيئاً، صرح به الإمام والغزالي (¬4). ثانيهما: تصحيح أنه غنيمة، قال في "أصل الروضة": إنه الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور (¬5)، وليس كذلك، فلم ينص الشافعي على أنه غنيمة، وإنما نص على أنه لا يكون لمن أخذه، وذلك محتمل للغنيمة والفيء، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والأرجح: أنه فيء. 5316 - قوله: (فإن أمكن كونه لمسلم .. وجب تعريفه) (¬6) فيه أمران: أحدهما: أن مقتضاه: أنه بعد التعريف يمتلكه الآخذ كقاعدة اللقطة، وليس كذلك، بل الجمهور على أنه غنيمة، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الذي أقوله: أنه إن كان الانجلاء عنه بالإيجاف .. فغنيمة قطعا، أو بالإرهاب والإرعاب .. ففيء قطعا، فإن انتفى الأمران .. كان فيئاً على الأرجح. ثانيهما: مقتضاه: وجوب تعريفه سنة، إلا أن يكون حقيراً كما في اللقطة، وهو ما في "أصل الروضة" عن "المهذب" و"التهذيب"، وعن الشيخ أبي حامد: يعرفه يوماً أو يومين، وعن الإمام: يكفي بلوغ الأخبار إلى الأجناد إذا لم يكن هناك مسلم سواهم، ولا ينظر إلى احتمال مرور التجار (¬7)، ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 522). (¬2) فتح العزيز (11/ 425)، الروضة (10/ 260). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 522). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (17/ 445)، و"الوجيز" (2/ 192). (¬5) الروضة (10/ 260). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 522). (¬7) الروضة (10/ 261)، وانظر "المهذب" (2/ 241)، و"نهاية المطلب" (17/ 441)، و"التهذيب" (5/ 179).

وحكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن نص "الأم" في "سير الواقدي" أنه قال: (يُعَرَّف، فإن عرفه المسلمون .. فهو لهم، وإن لم يعرفوه .. فهو مغنم) (¬1)، قال شيخنا: فهذا هو المعتمد، وهو خارج عن قاعدة اللقطة، فتستثنى هذه الصورة من إطلاق التعريف سنة في غير الحقير. 5317 - قول "التنبيه" [ص 234]: (ويجوز أكل ما أصيب في الدار من الطعام) قيده "المنهاج" بأن يعتاد أكله عموماً (¬2) و"الحاوي" بما يؤكل عادة (¬3)، للاحتراز عن الفانيذ والسكر والأدوية التي يندر الحاجة إليها؛ فإنه إن احتاج إليها مريض ممن شهد الوقعة .. أخذ ما يحتاج إليه بالقيمة، قال الرافعي: وينبغي أن يراجع أمير الجيش فيه (¬4)، ولم يفصح "التنبيه" عن الذي يجوز له ذلك، وقال في "المنهاج" [ص 522]: (وللغانمين) و"الحاوي" [ص 607]: (ويتبسط شاهد الوقعة) وظاهره تناول من له سهم ومن له رضخ، وهو ظاهر إطلاق الشافعي والأصحاب، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لكن مقتضى نص الشافعي: أن الذمي ليس له ذلك؛ حيث قيده بالمسلمين، وهو اللائق بالقواعد. 5318 - قول "المنهاج" [ص 522]: (وذبح مأكولٍ لِلَحْمِهِ) أي: فيجب رد جلده إلى المغنم إلا ما يؤكل معه، ولا يتخذ منه سِقاء ولا شِرَاكا، وهو مثل قول "التنبيه" [ص 234]: (وذبح ما يؤكل للأكل) ولذلك قال "الحاوي" [ص 608]: (ورد الجلد). ونازع شيخنا في "تصحيح المنهاج" في إطلاق ذبح المأكول، وقال: المعتمد منعه مع تيسر السوق، إلا عند الاضطرار كما هو مقتضى السنة الصحيحة الثابتة في "صحيح البخاري" وغيره عن رافع بن خديج قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة، فأصاب الناسَ جوعٌ، فأصبنا إبلاً وغنما، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخريات الناس، فعجلوا فذبحوا ونصبوا القدور، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقدور فأكفئت، ثم قسم فعدل عشراً من الغنم ببعير) (¬5)، قال: ونقله الشيخ أبو حامد عن نص الشافعي في "سير الواقدي"، وجرى عليه الشيخ أبو حامد، قال شيخنا: وقول "المنهاج" عطفاً على ما عبر فيه بالصحيح [ص 522]: (وأنه لا تجب قيمة المذبوح) يقتضي أنه لا خلاف في جواز الذبح، وإنما الخلاف في وجوب قيمة المذبوح، وهذا ضعيف. 5319 - قول "المنهاج" عطفاً على ما عبر فيه بالصحيح [ص 522]: (وأنه لا يختص الجواز ¬

_ (¬1) الأم (4/ 264). (¬2) المنهاج (ص 522). (¬3) الحاوي (ص 607). (¬4) انظر "فتح العزيز" (11/ 428). (¬5) صحيح البخاري (2356)، (2910)، (5179).

بمحتاجٍ إلى طعام وعلف) عبر عنه في "الروضة" بالأصح (¬1)، وحكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن نص الشافعي في "الأم". واعلم: أن الاحتياج لذلك لا بد منه، والخلاف إنما هو في أنه هل يجوز ذلك مع إمكان الاستغناء عنه بغيره؛ فعبارته ليست وافية بذلك. 5320 - قوله: (وأنه لا يجوز ذلك لمن لحق الجيش بعد الحرب والحيازة) (¬2) يقتضي جوازه لمن لحق بعد الحرب قبل الحيازة، وكذا تقتضيه عبارة "الروضة" (¬3)، لكن تخصيص "الحاوي" ذلك بشاهد الوقعة يقتضي خلافه (¬4)، ويوافقه أن الأصح: عدم استحقاقه في هذه الصورة من الغنيمة، فيحتاج على طريقة "المنهاج" إلى الفرق بين التبسط والغنيمة. 5321 - قول "الحاوي" [ص 607]: (وملك مجاناً) أي: وملك شاهد الوقعة ما يتبسط فيه مما يجوز التبسط فيه مجاناً، كذا أوضحه البارزي وغيره تبعاً لـ "التعليقة"، وهو خلاف المنقول؛ فإن الذي في الرافعي وغيره في عدة مواضع أنه يباح له الأخذ ولا يملكه (¬5)، إلا أن يريد: أنه بعد الأخذ يصير ملكأله كما في الضيف على اختلاف فيه، ولم ير من تعرض لذلك، والله أعلم. 5322 - قول "التنبيه" [ص 234، 235]: (وإن خرجوا إلى دار الإسلام ومعهم شيء من الطعام .. ففيه قولان، أحدهما: يجب رده إلى المغنم، والثاني: لا يجب) الأظهر: الأول، وعليه مشى "الحاوي"، و"المنهاج" (¬6)، لكن عبارته تقضي أن الخلاف وجهان، وليس كذلك، وإنما هو قولان كما في "التنبيه"، وكذا هو في "الروضة" وأصلها (¬7). 5323 - قول "المنهاج" [ص 522]: (وموضع التبسط دارهم، وكذا ما لم يصل عمران الإسلام في الأصح) و"الحاوي" [ص 607]: (قبل الرجوع إلى عمران الإسلام) فيه أمور: أحدها: أن محله: ما إذا كان الجهاد في دارهم، فإن كان في دار الإسلام .. جاز التبسط كما ذكره القاضي حسين، وارتضاه شيخنا في "تصحيح المنهاج". ثانيها: يستثنى منه ما إذا لم يصل عمران الإسلام ولكن وصل لبلد كفار أهل هُدنة لا يمتنعون من متابعة من يطرقهم من المسلمين .. فقال الإمام: الظاهر وجوب الكف عن أطعمة المغنم في ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 263). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 522). (¬3) الروضة (10/ 263، 264). (¬4) الحاوي (ص 607). (¬5) فتح العزيز (11/ 430). (¬6) الحاوي (ص 607)، المنهاج (ص 522). (¬7) فتح العزيز (11/ 430، 431)، الروضة (10/ 264).

دارهم؛ لكونها في قبضة الإمام، حكاه عنه في "أصل الروضة" من غير اعتراض (¬1). ثالثها: يستثنى من عمران الإسلام العمران الذي ليس فيه ما يحتاجون إليه من الطعام والعلف؛ فإنه لا أثر له في منع التبسط على الأصح؛ لبقاء المعنى. 5324 - قول "المنهاج" [ص 522]: (ولغانم رشيد ولو محجور عليه بفلس الإعراض عن الغنيمة قبل قسمة) فيه أمور: أحدها: أن اعتبار الرشد ليس في "المحرر"، وليس في كلام الشافعي، وقد اعتبره "الحاوي" أيضاً تبعاً لقول الإمام: في صحة إعراض السفيه تردد (¬2)، ولعل الظاهر المنع، فلو فك حجره قبل القسمة .. صح إعراضه، وقد حكاه عنه في "الروضة" وأصلها، وأقره (¬3)، وإنما فرعه الإمام على أنه يملك لمجرد الاغتنام؛ فإنه قال بعد كلامه المتقدم: وإن قلنا: لا ملك للغانم .. فقد ينقدح عليه تردد؛ بأن حقه من المغنم هل يسقط بالإعراض (¬4)؟ وصرح به في "البسيط" فقال: والسفيه يلزم حقه على قولنا: يملك، ولا يسقط بالإعراض إلا على قولنا: إنه لا يملك. انتهى. وسيأتي أن الأصح: أنه لا يملك إلا بالقسمة؛ فيكون الأصح: صحة إعراضه؛ ولذلك لا يجب، قال - فيما إذا عفا السفيه عن القصاص وأطلق، وفرعنا على أن الواجب القود عيناً مع أنه كان يمكنه جلب المال بالعفو عنه -: وقد سوّوا بينه وبين المحجور عليه بالفلس هناك، فينبغي التسوية بينهما هنا؛ ولذلك قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن المعتمد في المذهب: صحة إعراض السفيه قبل القسمة وقبل اختيار التملك؛ لأنه لم يملك شيئا، وإنما ثبت له حق التملك ونحن لا نلزمه بذلك، وكذا قال في "المهمات": الراجح: الجواز. ثانيها: يستثنى منه: العبد؛ فلا يصح إعراضه، وإنما المعتبر إعراض مالكه؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 608]: (والمعرض المكلف الرشيد الحر أو السيد) ولو حذف التكليف .. لاستغني عنه بالرشد، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يصح إعراض المكاتب، ولا يتخرج على الخلاف في تبرعاته، إلا عند من اعتبر رشد المعرض، ولو أوصى بإعتاق عبده وهو يخرج من الثلث فاستحق الرضخ .. يصح إعراضه عنه، بناء على النص أن كسبه قبل إعتاقه يكون له إذا أعتق، والمبعض إن كان بينه وبين سيده مهايأة، فالاعتبار بمن وقع الاستحقاق في نوبته بناء على الأصح، ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 264)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 442). (¬2) الحاوي (ص 608). (¬3) فتح العريز (11/ 435)، الروضة (10/ 267)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 517). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (17/ 517).

وهو دخول الناذر في المهايأة، وإلا .. فيصح إعراضه عن المختص به دون المختص بالمالك، قال شيخنا: ولم أر في كلامهم التعرض لشيء من ذلك. ثالثها: كان ينبغي أن يقول: (قبل قسمة واختيار بملك) كما عبر به "الحاوي" (¬1). رابعها: لا يجوز جر قوله: (ولو محجور) على أنه صفة لغانم، بل هو منصوب بـ (كان) المحذوفة بعد لو، ورفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف بعيد. قول "المنهاج" [ص 522]: (والأصح: جوازه بعد فرز الخمس) يقتضي أن الخلاف وجهان، وليس كذلك؛ فالمصحح منصوص، ومقابله خرّجه ابن سريج عليه كما في "الروضة" وأصلها (¬2). 5325 - قوله: (وجوازه لجميعهم) (¬3) وهو ظاهر إطلاق "الحاوي" (¬4)، نازع فيه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: الصحيح عندنا: أنهم إن أعرضوا عنه دفعة واحدة .. لم يصح، وإن أعرضوا على الترتيب .. صح الإعراض، إلى أن يبقى واحد، فتستقر الأخماس الأربعة عليه، وليس له أن يعرض عنها، وفي "النهاية": أن الخلاف في إعراض السالب كالخلاف في إعراض جميع الغانمين (¬5)، وسيأتي تصحيح أنه لا يصح إعراض السالب. 5326 - قول "الحاوي" [ص 608]: (لا كل ذوي القربى) يقتضي صحة إعراض بعضهم، وهو مقتضى تعبير "الوجيز" بلفظ الجميع (¬6)، وبه صرح البارزي تبعًا لـ "التعليقة"، وليس كذلك، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه ليس بمعتمد، ولا فرق بين إعراض جميعهم وبعضهم؛ لأنهم يستحقونه بلا عمل؛ فاشبه الإرث، وقول "المنهاج" [ص 522]: (وبطلانه من ذوي القربى) يحتمل أن يريد: من كلهم؛ فيكون كـ"الحاوي"، وأن يريد: الجنس؛ فيتناول صدوره من بعضهم. 5327 - قول "المنهاج" [ص 522]: (والمعرض كمن لم يحضر) و، "الحاوي" [ص 608]: (فُرض عدماً) يقتضي أن حصته لبقية الغانمين، لكن قال في "أصل الروضة" بعد تعبيره بمثل ذلك: وضم نصيبه إلى المغنم (¬7)، وذلك يقتضي أن خمسه لأهل الخمس، وأربعة أخماسه لبقية ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 608). (¬2) فتح العزيز (11/ 434)، الروضة (10/ 266). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 522). (¬4) الحاوي (ص 608). (¬5) نهاية المطلب (17/ 510، 511). (¬6) الوجيز (2/ 193). (¬7) الروضة (10/ 267).

الغانمين، وهو موافق لقول الرافعي: المراد بالباقين: باقي المستحقين، لا باقي الغانمين (¬1)، وصار آخر كلام "الروضة" - وهو قوله: وضم نصيبه إلى المغنم - مخالفاً لأوله، وهو قوله: قدر وكانه لم يحضر، والذي في "المنهاج" هو المعتمد، وحكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن "النهاية" (¬2)، لكنه عبر بعد ذلك بعبارة أوقعت الرافعي في عبارته المتقدمة، وليست مأخوذة على ظاهرها. 5328 - قول "التنبيه" [ص 235]: (ومتى يملك ذلك؛ فيه قولان، أحدهما: أنه بانقضاء الحرب، والثاني: بانقضاء الحرب وحيازة المال) قال في "المنهاج" [ص 522]: (ولا تملك إلا بقسمة، ولهم التملك) وأوضحه في "الروضة" بقوله: لكن لهم أن يتملكوا بين الحيازة والقسمة (¬3)، وذلك يقتضي حصول الملك بأحد الأمرين؛ ولذلك عبر في "تصحيح التنبيه" بأن الأصح: أنها لا تملك إلا بالقسمة أو اختيار التملك (¬4)، وعبارة "الحاوي" [ص 608]: (ولا ملك) أي: قبل القسمة، وعبارة "المحرر" و"الشرح": ولكن يملكون إن تملكوا (¬5)، ومعناها: أنه يثبت لهم حق التملك، فحولها في "الروضة" إلى ما حكيته. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وليس هذا مراد صاحب هذا الوجه؛ فإنه يقول: لا ملك إلا بالقسمة، وفرف بين ثبوت حق التملك وبين أن لهم أن يتملكوا، وتعبير "المنهاج" يحتمل أن يوافق ما في "الروضة"، فلا يستقيم وأن يريد به: أن لهم حق التملك .. فهو صحيح، ثم قال في لا أصل الروضة": واعلم أن في كلام الأصحاب تصريحا بأن الغانمين وإن لم يملكوا الغنيمة؛ فمن قال منهم: اخترت ملك نصيبي .. ملكه؛ فإذت الاعتبار باختيار التملك لا بالقسمة، وإنما تعتبر القسمة؛ لتضمنها اختيار التملك، ثم ذكر بعد ذلك: أن للإمام أن يقسم الغنيمة قسمة تحكم، فيخص بعضهم ببعض الأنواع وببعض الأعيان، وحينئذ .. فقولنا: يملك بالقسمة معناه: في غالب الأمر، وهو إذا رضي الغانم بالقسمة أو قبل ما عينه له الإمام، فأما إذا رد .. فينبغي أن يصح رده، وذكر فيه البغوي خلافاً، فقال: إذا أفرز الإمام الخمس وأفرز نصيب كل واحد منهم، أو أفرز لكل طائفة شيئاً معلوماً .. فلا يملكونه قبل اختيار التملك على الأصح، حتى لو ترك بعضهم حقه .. صُرف إلى الباقين (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (11/ 435). (¬2) نهاية المطلب (17/ 509). (¬3) الروضة (10/ 267). (¬4) تصحيح التنبيه (2/ 207). (¬5) المحرر (ص 451)، فتح العزيز (11/ 436). (¬6) الروضة (10/ 268).

قال في "المهمات": نص الشافعي وجماعة على أنهم يملكون أيضاً بإفراز الإمام مع قبضه لهم، وكذا بدون القبض مع حضورهم، وحكاه عنهم في (الزكاة) من "الكفاية". 5329 - قول "المنهاج" [ص 522]: (وقيل: يملكون) أي: قبل القسمة وبعد الحيازة. 5330 - قوله: (وقيل: إن سلمت إلى القسمة .. بأن ملكهم، وإلا .. فلا) (¬1) قد يفهم أن كلاً منهم يملك حصته على التعيين، وهو ضعيف كما في "أصل الروضة" بعد حكايته عن الإمام: أنهم إذا اقتسموا .. بأن أنهم ملكوا الغنيمة ملكاً مشاعا، ثم بالقسمة تميزت الحصص (¬2). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والتحقيق عندنا: أنهم إذا اقتسموا باختيارهم .. بأن أنهم ملكوا الغنيمة ملكا مبهما، ثم بالقسمة ينزل الملك على ذلك المعين. 5331 - قوله: (ويملك العقار بالاستيلاء كالمنقول) (¬3) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه ليس بمعتمد؛ ففي ملكهم العقار الأوجه السابقة، وقوله: (كالمنقول) كلام متهافت؛ لأن المنقول لا يملك بالاستيلاء، بل فيه الأوجه، وهي جارية في العقار؛ ولو قال: (ويملك العقار بما يملك به المنقول) .. لكان وافياً بالمقصود. 5332 - قول "الحاوي" [ص 609]: (ولاَ حَدَّ إن وطئ - أي: بعض الغانمين - ويجب كل المهر) محل إيجاب كل المهر: إذا لم ينحصر الغانمون ولم يفرز الخمس، فإن انحصروا .. سقطت حصة الواطئ، وغرم حصة الخمس وحصة غيره من الغانمين، وإن أفرز الإمام الخمس وعين لكل طائفة شيئاً وكانت الجارية معينة لجماعة مخصوصين فوطئها أحدهم قبل اختيارهم تملكها .. غرم حصة غيره من الغانمين لا الخمس، وإن كان بعد اختيارهم التملك .. فهو كوطء الجارية المشتركة، فيغرم قسط شركائه. 5333 - قوله: (والولد حر نسيب) (¬4) هو ما صححه الرافعي في "الشرح الصغير"، واقتضاه كلامه في "الكبير" (¬5)، وقيل: إن كان معسراً .. فالحر منه قدر حصته، والباقي رقيق، وهو موافق لما ذكره "الحاوي" في النكاح في وطء الأب جارية الابن (¬6). 5334 - قوله: (ونفذ إيلاد نصيبه) (¬7) المذهب في "أصل الروضة": أنه لا ينفذ موسراً كان أو ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 522). (¬2) الروضة (10/ 267)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 508). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 522). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 609). (¬5) فتح العزيز (11/ 442). (¬6) الحاوي (ص 473). (¬7) انظر (الحاوي) (ص 609).

معسراً، لكن لو ملكها بسهمه أو بسبب آخر .. فالأظهر: نفوذه (¬1)، وفي "المهمات": أنه انعكس ذلك على صاحب "الروضة"، والذي في الرافعي ترجيح نفوذه (¬2)، وبتقدير عدم النفوذ في الحال .. فهل يثبت إذا ملكها بعد ذلك؛ لا ترجيح فيها في الرافعي هنا، والصحيح في نظائره: عدم النفوذ، فوهم في "الروضة" في الموضعين. 5335 - قوله في آخر (قسم الغنيمة): (والكلاب قُسِمت عدداً، وإن لم يمكن .. أُقرع) (¬3) المراد: الكلاب المنتفع بها، ومحل قسمتها: عند المشاححة، فلو أرادها بعضهم ولم ينازع .. أعطيها، وقد صرح بذلك "المنهاج" فقال [ص 522]: (ولو كان فيها كلبٌ أو كلابٌ تنفع وأراده بعضهم ولم يُنازع .. أعطيه، وإلا .. قسمت إن أمكن، وإلا .. أقرع) ولم يبين كيفية قسمتها، وصرح "الحاوي" بأنه بالعدد، وهو المنقول، قال الرافعي: وقد مر في (الوصية) أنه يعتبر قيمتها عند من يرى لها قيمة وينظر إلى منافعها، فيمكن أن يقال بمثله هنا (¬4). والمراد: أرادها بعض الغانمين أو أهل الخمس كما هو مصرح به في "المحرر" و"الروضة" وأصلها (¬5)، ولكن نص الشافعي على خلافه، فقال في "الأم" في "سير الواقدي": (وما أصيب من الكلاب .. فهو مغنم إن أراده أحد لصيد أو ماشية أو زرع، وإن لم يكن من الجيش من يريده لذلك .. لم يكن لهم حبسه؛ لأن من اقتناه لغير هذا .. كان آثماً، وإنما رأيت لصاحب الجيش أن يخرجه ويعطيه أهل الأخماس من الفقراء والمساكين ومن ذُكر معهم إن أراده أحد منهم لزرع أو ماشية أو صيد، فإن لم يرده .. قتله أو خلاه) (¬6) حكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج" وقال: الأرجح: ما أطلقه الشافعي وقدماء العراقيين من تفويض ذلك إلى رأي الإمام؛ يخص به من شاء من الغانمين لما يظهر له، فإن لم يُرِدْه أحد من الغانمين .. أعطاه لبعض أهل الخمس، فإن لم يُرِدْه أحد منهم .. خلاه أو قتله، وليس لأهل الغنيمة في ذلك نزاع، والأمر مفوض إلى رأي الإمام. 5336 - قول "التنبيه" [ص 240، 241]: (أرض السواد: ما بين حديثة الموصل إلى عبَّادان طولاً، وما بين القادسية إلى حلوان عرضاً) قال الرافعي: كذا أطلقه مطلقون، وفيه تساهل؛ لأن أرض البصرة كانت سبخة أحياها عثمان بن أبي العاص وعتبة بن غزوان بعد فتح العراق، وهي ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 270). (¬2) فتح العزيز (11/ 440، 441). (¬3) انظر "الحاوي" (ص 445). (¬4) انظر "فتح العزيز" (11/ 424). (¬5) المحرر (ص 450)، فتح العزيز (11/ 424)، الروضة (10/ 259). (¬6) الأم (4/ 264).

داخلة في هذا الحد، فلا بد من استثنائها (¬1)، وقد استثناها البغوي وغيره (¬2)، وفي إطلاقه تساهل أيضاً، والثابت وعبر عنه في "الروضة" بالصحيح: ما أورده صاحب "المهذب" وغيره: أن البصرة ليس لها حكم السواد إلا في موضع من شرقي دجلتها يسمى الفرات، وموضع من غربي دجلتها يسمى نهر الصراة (¬3)، ولم يذكر ذلك في "المحرر" فاستدركه عليه "المنهاج" فقال [ص 523]: (الصحيح: أن البصرة وإن كانت داخلة في حد السواد .. فليس لها حكمه إلا في موضع غري دجلتها وموضع شرقيها) وعبر في "الروضة" بعذيب القادسية (¬4)، وكذا عبر به الماوردي والروياني (¬5)، وهو مخالف لتعبير "التنبيه" و"المنهاج" وغيرهما بالقادسية، وفي "الشامل": أنه في العرض من منقطع الجبال بحلوان إلى طرف القادسية المتصل بالعذيب من أرض العرب، ومن تخوم الموصل إلى ساحل البحر ببلاد عبَّادان من شرقي دجلة. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ومن قيد .. فكلامه مقدم على من أطلق؛ لزيادة العلم، قال: وأغرب أبو الفرج الزاز فقال: حده من القادسية إلى حلوان طولاً، ومن تكريت إلى أهواز عرضا، وفي "الاستذكار" للدارمي: من القادسية إلى عقبة حلوان، ومن الموصل إلى الخشبات، وليست الأهواز منها، وفي "الشامل" لابن الصباغ إدخال شرقي دجلة في حد السواد دون غربيها الذي يلي البصرة، وتعبير "المنهاج" بسواد العراق يريد به: سواد كسرى، ولكنه اشتهر بسواد العراق، وسواد كسرى أزيد منه، والعراق أقصر من السواد بخمسه، والسواد أطول من العراق بربعه؛ لأن جملة سواد العراق بالتكسير عشرة آلاف فرسخ، وسواد كسرى اثنا عشر ألف فرسخ وخمس مئة فرسخ، فزاد سواد كسرى بخمس نفسه، ونقص سواد العراق ربع نفسه، ذكره الماوردي (¬6). 5337 - قول "المنهاج" [ص 522، 523]: (والصحيح: أن سواد العراق فُتح عنوة وقُسِّم ثم بذلوه وَوُقِفَ على المسلمين) يقتضي أنه وجه، وليس كذلك، بل هو نص الشافعي؛ ولهذا قال "التنبيه" [ص 241]: (وهي وقف على المسلمين على المنصوص) وظاهر قول "المنهاج": (وقسم ثم بذلوه) دخول أهل الخمس في ذلك، وفي قول "المحرر": (بين الغانمين) (¬7) إخراج ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (11/ 453). (¬2) انظر "التهذيب" (7/ 489). (¬3) المهذب (2/ 264)، الروضة (10/ 276). (¬4) الروضة (10/ 276). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (6/ 77)، (14/ 256). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 256، 257). (¬7) المحرر (ص 451).

أهل الخمس، وفيهما إشكال، أما الأول؛ فلأن في مستحقي الخمس من لا يمكن البذل منه، وأما الثاني: فكيف يمنع أهل الخمس منه بغير طريق شرعي، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وعندي أن عمر رضي الله عنه استنزل الغانمين عن الأخماس الأربعة وفعل في أربعة أخماس الخمس، وهي ما عدا سهم المصالح طريقة شرعية أخرجتهم عن حقهم في الأرض، ثم صيّر الكل لمصالح المسلمين، ولم يحتج أن يخرج الخمس عن المصالح بطريق شرعي ثم يعيده إليها، لكن لما صدر منه الوقف .. احتمل أن يكون على أربعة وعشرين خمسًا، واحتمل أن يكون على الكل، وهو الظاهر، فإن كان سهم المصالح لا يصير وقفًا إلا بالإيقاف .. فقد فعله، وإلا .. فإطلاق وقف الكل فيه اختيار في سهم المصالح وإنشاء فيما عداه، قال: ولم أر من حرر ذلك على هذا الوجه. 5338 - قول "الحاوي" [ص 609]: (أوجر مؤبدًا للحاجة) أحسن من قول "المحرر": (أوجرت من ساكنيها) (¬1) و"التنبيه" [ص 241]: (وما يؤخذ منها باسم الخراج أجرة) و"المنهاج": (وخراجه أجرة تؤدَّى كل سنة) لإفصاحه بالمقصود؛ لصدق الأجرة على أجرة المثل، والمنقول: أنها مسماة، ولكن استشكله شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: المعتمد عندنا في ذلك: أنه لم يصح عن عمر رضي الله عنه أنه أوقع [إجارة] (¬2) على ما ذكروه ولا بيعاَ، وإنما أقرها في أيدي أهلها بالخراج المضروب وهو أجرة، وليس ذلك بإجارة لازمة على التأبيد. 5339 - قول "المنهاج" عطفًا على ما عبر فيه بالصحيح [ص 523]: (وأن ما في السواد من الدور والمساكن يجوز بيعه) وهو مفهوم قول "التنبيه" [ص 240]: (أرض السواد) و"الحاوي" [ص 609]: (أرض العراق) وإن أورده النووي في "تصحيحه" على "التنبيه" (¬3) نازع فيه شيخنا في "تصحيح المنهاج" وقال: الذي نقطع به على مذهب الشافعي الذي نص عليه في "سير الواقدي": أن الدور والمساكن التي وقع الفتح وهي موجودة .. لا يجوز بيعها؛ فهي من الغنيمة، ويجوز بيع ما علم إنشاء عمارته بعده، وأما المشكوك فيه .. فظاهر اليد يدل على الملك، وكون الأصل أنها موجودة عند الفتح يرده أنه استصحاب معكوس، وهو ضعيف جداً. 5340 - قوله: (وفتحت مكة صلحًا، فدورها وأرضها المحياة ملك يباع) (¬4) أورد عليه شيخنا في "تصحيحه" أموراً: ¬

_ (¬1) المحرر (ص 451). (¬2) في (ج): (تجارة)، وفي (د): (الإجارة). (¬3) تصحيح التنبيه (2/ 224). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 523).

فصل [في الأمان]

أحدها: أن مقتضاه: صدور عقد صلح، وليس كذلك، وانما دخلها عليه الصلاة والسلام قهراً بغير قتال، إلا في أسفلها .. فإنه وقع فيه بعض قتال، ولم يكن له أثر في فتحها؛ لحصوله من غير احتياج إليه، وفي " مختصر البويطي " عن الشافعي رضي الله عنه: أنه عليه الصلاة والسلام دخلها عنوة، وقد كان تقدم منه بمر الظهران لأبي سفيان: من دخل داره .. فهو آمن، ومن أغلق بابه .. فهو آمن، ومن ألقى سلاحه .. فهو آمن، ومن أعطى أماناً على نفسه .. فهو آمن على نفسه وماله، واحتج بقوله عليه الصلاة والسلام: "وهل ترك لنا عقيل من رباع" (¬1) لأنه لا يورث إلا ما كان الميت مالكًا له، قال شيخنا: وللصلح حالتان: إحداهما: أن يكون على أن تكون البلد للمسلمين، وتقر في أيدي أهليها بخراج يؤدونه. والثانية: أن يكون البلد لهم يؤدون خراجه، قال: ولم يتفق شيء من الحالتين في مكة، ولو اتفقت الحالة الأولى .. كانت الأرض والدور وقفاً؛ إما بنفس الاستيلاء على الأصح عندنا، وإما بوقف الإمام على ما رجحه الرافعي والنووي (¬2)، فيؤدي ذلك إلى أنه لا تباع أرضها ولا دورها، وهو خلاف مذهب الشافعي، وأيضًا فالمشركون لا يضرب عليهم جزية، فلا يقر في أيديهم أرض بالخراج، ولكن من أسلم قبل الفتح .. فداره على ملكه لم تخرج عنه باستيلاء الكفار، ومن أسلم بعده .. أجرى عليه حكم الأمان. ثانيها: أن تعبيره بالفاء يقتضي ترتب كونها ملكا على الصلح، وليس كذلك، بل مقتضى الصلح: أنها وقف؛ لأنها فيءٌ، وهو وقف إما بنفس حصوله، واما بإيقافه كما تقدم. ثالثها: ومقتضاه: أنها على العنوة لا تباع، وليس كذلك؛ لأن المفتوح عنوة غنيمة مخمسة، والصواب: أنه عليه الصلاة والسلام أقرَّ الدّورَ بِيَدِ أهلها على الملك الذي كانوا عليه، ولا نظر في ذلك إلى أنها فتحت صلحاً أو عنوة، ولا يرد شيء من ذلك على قول "الحاوي" [ص 609]: (ومكة ملك) لأن ذلك ثابت لها على كل حال، وهو المقصود، وليس متفرعا على الصلح ولا على عنوة، والله أعلم. فصل [في الأمان] 5341 - قول "التنبيه" [ص 233]: (ومن أمنه مسلم بالغ عاقل مختار .. حرم قتله) فيه أمور: أحدها: أن محله أمان الآحاد في ما إذا كان المؤمّن واحدًا أو عددًا محصوراً كما صرح به ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2893)، (4032)، ومسلم (1351). (¬2) انظر "فتح العزيز" (11/ 450)، و"الروضة" (10/ 275).

"المنهاج" و "الحاوي" (¬1)، فلا يجوز أمان أهل ناحية وبلدة، وضابطه: ألاَّ ينسد به باب الجهاد في تلك الناحية، قال الإمام: ولو أمن مئة ألف من المسلمين مئة ألف من الكفار .. فكل واحد لم يؤمّن إلا واحداً، لكن إذا ظهر انسداد أو نقصان .. فأمان الجميع مردود (¬2)، قال الرافعي: ولك أن تقول: إن أمنوهم معاً .. فرد الجميع ظاهر، وإن آمنوا متعاقبين .. فينبغي أن يصح أمان الأول فالأول إلى ظهور الخلل، على أن الروياني ذكر أنه لو أمّن كل واحد واحداً .. جاز وإن كثروا حتى زادوا على عدد أهل البلدة (¬3)، قال النووي: المختار: أنه يصح أمان المتعاقبين إلى أن يظهر الخلل، وهو مراد الإمام. انتهى (¬4). وفي النكاح عن الغزالي: أن كل عدد لو اجتمعوا في صعيد لعسُر على الناظر عددهم بمجرد النظر؛ كالألف .. فغير محصور، وإن سهل؛ كالعشرة والعشرين .. فمحصور؛ وبين الطرفين أوساط يلحق بأحدها بالظن، وما وقع فيه الشك .. استفتي فيه القلب (¬5). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": النظر إلى القلة والكثرة لا إلى الحصر وغيره، والرجوع في القلة والكثرة إلى العرف، هذا على مقتضى ما قاله الأصحاب، والأرجح عندنا: الجواز من غير تقييد بما ذكروه، لكن لا يصل إلى ما يتعلق بالولاية العامة، قال: ولم يقيد الشافعي أمان الآحاد من حر وعبد بالمحصور. ثانيها: أنه لم يذكر سوى تحريم قتله مع أنه يفيد أيضًا منع الاسترقاق والمفاداة، وقد يفهم ذلك من إطلاق "المنهاج" و"الحاوي" صحة تأمينه، ومن تصريحهما بأنه لا يدخل في الأمان ما معه من أهله وماله إلا بالشرط (¬6). ثالثها: يستثنى منه: من تامينه يضر المسلمين كجاسوس، كما صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬7). رابعها: يستثنى من كلام الثلاثة: الأسير، فلا يجوز للآحاد أمانه ولا المنّ عليه كما جزم به في "الروضة" وأصلها (¬8)، وقيده الماوردي بغير الذي أسره، فيجوز للذي أسره تامينه إذا كان باقياً في ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 611)، المنهاج (ص 523). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (17/ 474، 475). (¬3) انظر "فتح العزيز" (11/ 457). (¬4) انظر "الروضة" (10/ 279). (¬5) انظر "الروضة" (7/ 116، 117). (¬6) الحاوي (ص 611)، المنهاج (ص 523). (¬7) الحاوي (ص 611)، المنهاج (ص 523). (¬8) فتح العزيز (11/ 457)، الروضة (10/ 279).

يده لم يقبضه الإمام، كما يجوز قتله، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وقد يمنع جواز قتله، فيترتب عليه منع أمانه. خامسها: يستثنى منه أيضًا: المرأة؛ ففي عقد الأمان لها استقلالًا وجهان في "أصل الروضة" بغير ترجيح (¬1)، وقياسه: جريانه في العبد، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": المعتمد عندنا الجزم بجواز عقد الأمان للمرأة والعبد استقلالاً. 5342 - قول "التنبيه" [ص 233]: (ومن أمنه أَسِير قد أطلق باختياره .. حرم قتله) مخالف لقول "الحاوي" [ص 611]: (لا الأسير) و"المنهاج" [ص 523]: (ولا يصح أمان أسير لمن هو معهم في الأصح) ومحل الخلاف: في المختار، فلو كان مكرهاً .. لم يصح قطعاً، وذلك مفهوم من اشتراطه أولًا الاختيار؛ ولذلك قال شيخنا الإسنوي في "تصحيح التنبيه": الأصح: بطلان أمان الأسير الذي قد أُطلق من الحبس والقيد وبقي عندهم ممنوعا من الخروج، وإن كان أمانه باختيار، على عكس ما في "التنبيه" لأنه مقهور في أيديهم. وقال النشائي في "نكته": الأسير نوعان: أحدهما: أسير الدار، وهو الذي أُطلق من القيد والحبس، وأمنوه على أن لا يخرج من دارهم فبقي فيها عاجزأ عن الخروج، وهي مسألة "التنبيه"، وقوله: (باختياره) متعلق بقوله: (أمنه) فيصح أمانه كما صرح به في "الكفاية"، وإن حكى أن بعضهم أطلق الخلاف. الثاني: أسير القيد أو الحبس الذي قد أخرجه الشيخ بقوله: (قد أطلق) كما صرح به في "الكفاية"، والأصح: أنه لا يصح أمانه، وهذا هو النوع الذي في الرافعي كما أشار إليه في "الكفاية"، فليت المستدرك فهمه (¬2). قلت: فإن صح ذلك .. ورد على إطلاق "المنهاج" و"الحاوي"، وقبلهما الرافعي، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محل تصحيح بطلان أمانه: ما إذا لم يكن في أمان ممن هو في أسره، فإن كان في أمان منه .. صح أمانه إياه إذا صدر منه مع معرفته وجه النظر، وفي كلام الرافعي ما يقتضيه؛ فإنه (¬3) وجّه المنع بأنه مقهور في أيديهم؛ لا يعرف وجه النظر والمصلحة، وبأن الأمان يقتضي أن يكون المؤمّن آمنّا، والأسير في أيديهم ليس بآمن (¬4)، وصرح الماوردي بذلك فقال بعد حكايته عن الشيخ أبي حامد: أنه إذا أمن غير مكره .. صح، وإن لم يكن في أمان منه .. ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 279). (¬2) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 179). (¬3) في النسخ: (بأنه)، ولعل الصواب ما أثبت، والله أعلم. (¬4) انظر "فتح العزيز" (11/ 464).

لم يصح أمانه؛ لأن الأمان ما اقتضى التساوي فيه. 5343 - قول "المنهاج" [ص 523]: (ويصح بكل لفظ يفيد مقصوده) قسمه في "أصل الروضة" إلى صريح؛ كأجَرْتُكَ، أو أنت مُجَار، أو أمَّنتك، وأنت آمنٌ، أو في أماني، أو لا بأس عليك، أو لا خوف عليك، أو لا تخف، أو لا تفزع، وقال الماوردي: هما كناية، أو قال بالعجمية: مترس، وإلى كناية؛ كقوله: أنت على ما تحب، أو كن كيف شئت، ولا بد في الكناية من نية، ومنها الكتابة، ولا بد فيها من نية (¬1). 5344 - قول "المنهاج" [ص 523]: (ويشترط علم الكافر بالأمان) تبع فيه القاضي والبغوي (¬2)، ونازع شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: لم يعتبره الشافعي ولا العراقيون، والسنة الصحيحة ترده، والمعتبر علم المسلمين لا علم ذلك الكافر، ومن العجيب ما ذكره الإمام والرافعي: أنه لو قتله المؤمّن قبل علمه بالأمان .. جاز (¬3). 5345 - قوله: (وكذا - أي: يبطل الأمان - إن لم يقبل في الأصح) (¬4) و"الحاوي" [ص 611]: (بقبولٍ) نازع فيه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: إنه مخالف لمقتضى نصوص الشافعي رضي الله عنه؛ فإنه لم يعتبر القبول، ولما عليه السلف والخلف، قال: ولم أجد اعتباره في كلام العراقيين ومن تبعهم. وقال شيخنا ابن النقيب: الذي في "الروضة" و"الشرحين": قال الإمام: فيه تردد، قال الإمام: والرأي الظاهر اشتراط قبوله، وبه قطع الغزالي، واكتفى البغوي بالسكوت؛ فإطلاق "المنهاج" الوجهين والتصحيح فيه نظر؛ فإن أصله تردد للإمام، والترجيح بحث له، والغزالي فرعه له، والمنقول ما في "التهذيب". انتهى (¬5). 5346 - قول "المنهاج" [ص 523]: (وتكفي إشارة مفهمة للقبول) لا معنى لتقييده بالقبول؛ فالإيجاب كذلك؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 611]: (ولو إشارة مفهمة فيهما) وفي معنى الإشارة: ما إذا بدتْ عليه مخايل القبول، كما صرح به الإمام (¬6). 5347 - قول "المنهاج" [ص 523]: (ويجب ألَّا تزيد مدته على أربعة أشهر) و"الحاوي" [ص 611]: ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 279). (¬2) انظر "التهذيب" (7/ 480). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (17/ 472)، و "فتح العزيز" (11/ 461). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 523). (¬5) السراج على نكت المنهاج (8/ 31)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 472)، و"الوجيز" (2/ 194)، و"التهذيب" (7/ 480)، و"فتح العزيز" (11/ 461)، و"الروضة" (10/ 280). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (17/ 472).

(أربعة أشهر) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه يقتضي أن أمان الآحاد لا بد من تقييده بهذه المدة فما دونها، وهذا لم يقله الشافعي ولا أحد من أصحابه القدماء، وإنما التبس ذلك على بعضهم، فخلط أمان الإمام بأمان الآحاد، وقد قال الماوردي في أمان الآحاد: إنه ليس له تقدير مدته، وينظر الإمام فيه، فإن كان من المصلحة إقراره .. أقرّه على الأمان، وقرر له مدة مُقامه (¬1). 5348 - قول "المنهاج" [ص 523]: (وفي قول: يجوز ما لم تبلغ سنة) يقتضي أن بلوغه سنة محل قطع بالمنع، وكذا هو في "الروضة" وأصلها في الهُدنة (¬2)، لكن الرافعي هنا أدخل السنة في الخلاف (¬3)، فأصلحه في "الروضة" من غير تمييز، وعبر بالصواب كما هنا (¬4). 5349 - قوله: (ولا يجوز أمان يضر بالمسلمين كجاسوسٍ) (¬5) و"الحاوي" [ص 611]: (لا جاسوساً) يقتضي أن شرط الأمان: انتفاء الضرر دون ظهور المصلحة، وبه صرح في "أصل الروضة" (¬6)، لكن قال القاضي حسين في " تعليقه ": قال أصحابنا: إنما يجوز إذا اتصل بالمصلحة، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو الأرجح في النظر، ثم لا يخفى أن ذلك في أمان الآحاد، أما أمان الإمام .. فلا يجوز إلا بالنظر للمسلمين، نص عليه. 5350 - قول "المنهاج" [ص 523]: (وليس للإمام نبذ الأمان إن لم يخف خيانة) لا يختص ذلك بالإمام؛ فالمؤتمن له من الآحاد كذلك؛ ولذلك قال في "أصل الروضة": هو لازم من جهة المسلمين (¬7)، وقال القاضي حسين: هو لازم من جهة المؤمن، لا يجوز له نبذه إلا بعذر. 5351 - قوله: (ولا يدخل في الأمان ماله وأهله بدار الحرب، وكذا ما معه منهما في الأصح إلا بشرط) (¬8) و"الحاوي" [ص 611]: (بأهل ومال معه إن شُرط) فيه أمور: أحدها: كونه لا يدخل في الأمان أهله وماله بدار الحرب ذكره في "النهاية" (¬9)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم أره لأحد قبله، ونصوص الشافعي تقتضي بإطلاقها حصول الأمان في المال حيث كان، وكذلك كلام أصحاب الطريقين. ثانيها: كونه لايدخل في الأمان ما معه منهما إلا بشرط أطلق تصحيحه في ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 340). (¬2) الروضة (10/ 335). (¬3) انظر "فتح العزيز" (11/ 462). (¬4) الروضة (10/ 281). (¬5) نظر "المنهاج" (ص 523). (¬6) الروضة (10/ 281). (¬7) الروضة (10/ 281). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 523). (¬9) نهاية المطلب (17/ 491).

"الروضة" (¬1) أيضًا، وقال في "المحرر" و"الشرح الصغير": إنه رُجح (¬2)، ولم ينقل الترجيح في "الشرح الكبير" إلا عن الإمام، وقال: وفيه مزيد نورده في خاتمة الكتاب (¬3)، والذي ذكره هناك وجهان بلا ترجيح، ثم قال: وفي "البحر" تفصيل حسن، وهو أنه إذا أطلق الأمان .. يدخل فيه ما يلبسه من ثياب، وما يستعمله في حرفته من الآلات، وما ينعقد في مدة الأمان؛ للعرف الجاري بذلك، أو مركوبه إن كان لا يستغني عنه، ولا يدخل غير ذلك (¬4)، وقال الرافعي في أثناء الباب وتبعه في "الروضة": لو دخل كافر دارنا بأمان أو ذمة .. كان ما معه من المال والولد في أمان، فإن شرط الأمان فيهما .. فهو تأكيد (¬5). وقال في "المهمات": إن الراجح: الدخول مطلقًا، وحكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن نص البويطي أنه قال: ومن أعطي أماناً على نفسه .. فهو اَمن على نفسه وماله، قال شيخنا: وهذا النص يتناول ما حضر وما غاب في دار الحرب وغيرها، قال: وفي "الأم" في "سير الواقدي": (وإذا قَدِمَ الحربي دار الإسلام بأمان فمات .. فالأمان لنفسه وماله، ولا يجوز أن يُؤخذ من ماله شيء، وعلى الحاكم أن يرده إلى ورثته حيث كانوا) (¬6)، قال شيخنا: والمراد بما معه: ما في دار الإسلام وإن لم يكن معه، وبالأهل: صغار أولاده، وأما زوجته .. فلا تدخل، إلا إذا صرح بذكرها. ثالثها: كلامهما يقتضي أنه لا يدخل بالشرط إلا ما معه، وليس كذلك، بل يدخل بالشرط ما بدار الحرب إذا كان ذلك من الإمام أو من يقوم مقامه بالولاية العامة، حكاه في "أصل الروضة" عن الماوردي، وأقره (¬7). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وعندنا يدخل في الإطلاق من أمان الآحاد؛ فعند الشرط أولى. رابعها: مقتضى إطلاقهما أن الأهل والمال مقيدان بمدة أمان النفس، وليس كذلك؛ فقد ذكر الماوردي أن أمانه على ماله غير مقدر، وفي ذريته وجهان، قال شيخنا: والأرجح: أنه لا يتقدر في الذرية؛ إذ لا جزية عليهم. ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 281). (¬2) المحرر (ص 452). (¬3) فتح العزيز (11/ 463). (¬4) انظر "الروضة" (10/ 295). (¬5) فتح العزيز (11/ 475)، الروضة (10/ 289). (¬6) الأم (4/ 278). (¬7) الروضة (10/ 289).

خامسها: تعبير "الحاوي" بقوله [ص 611]: (أهل ومال) أحسن من تعبير "المنهاج" [ص 523، بـ (ماله وأهله) لأنه يخرج عنه ما إذا كان معه مال لغيره، وقد ذكر الربيع أنا لا نتعرض له في ماله ولا في مال غيره الذي معه. 5352 - قول "التنبيه" [ص 231]: (من لا يقدر على إظهار الدين في دار الحرب وقدر على الهجرة .. وجب عليه أن يهاجر) أحسن من تعبير "المنهاج" [ص 524] بـ (دار الكفر) لأنه يدخل في تعبيره بلد الهُدنة؛ فهي دار كفر، إلا أن أهلها ليسوا أهل حرب، وقد ذكر شيخنا الإمام البلقيني: أنه لا تجب الهجرة منها؛ لأن شرط رد الرجال المسلمين إليهم، وردُّ النبي صلى الله عليه وسلم أبا جندل وأبا بصير - على معنى أنه مكنهم منها - دليلٌ على أنه لا تحرم الإقامة في بلد الهدنة لمن لا يقدر على إظهار دينه. انتهى وعليه يدل تعبير "التنبيه" بدار الحرب، واستثنى شيخنا أيضًا من كلامهما: ما إذا كان في مقامه مصلحة للمسلمين، قال: فلا يجب عليه الهجرة، وتجوز له الإقامة، بل ترجح على الهجرة؛ فقد قيل: إن إسلام العباس كان قبل بدر، وكان يكتم إسلامه، ويكتب بأخبار المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتقوى به المسلمون، وكان يحب الهجرة، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مقامك بمكة خير" (¬1). 5353 - قولهما: (ومن قدر على إظهار الدين .. استحب له أن يهاجر) (¬2) محله: ما إذا لم يرج ظهور الإسلام هناك بمقامه، فإن رجا .. فالأفضل أن يقيم، وإن قدر على الامتناع في دار الحرب والاعتزال .. وجب عليه المقام بها؛ لأن موضعه دار الإسلام، فلو هاجر لصار دار حرب .. فيحرم ذلك، حكاه في زيادة "الروضة" عن الماوردي، وأقره (¬3). وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه معتمد، قال: وذكر الماوردي: أنه إذا تساوى حاله في المقام والهجرة؛ بأن لم يرج بهجرته نصره المسلمين ولا بمقامه ظهور الإسلام .. فهو بالخيار بين المقام والهجرة (¬4)، قال شيخنا: وفيه نظر؛ فالهجرة إلى دار الإسلام أرجح. 5354 - قول "المنهاج" [ص 524]: (ولو أطلقوه على أنهم في أمانه .. حرم - أي: اغتيالهم - فإن تبعه قوم .. فليدفعهم) كذلك عكسه، وهو: ما إذا شرطوا أنه في أمان منهم ولم يستأمنوه .. فيحرم عليه اغتيالهم؛ لأن الأمان لا يكون في أحد الطرفين، وقد اقتصر "الحاوي" على الثانية، ¬

_ (¬1) ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب" (2/ 812)، والمزي في "تهذيب الكمال" (14/ 226). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 231)، و "المنهاج" (ص 524). (¬3) الروضة (10/ 282)، وانظر "الحاوي الكبير" (14/ 104). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 104).

فقال [ص 614]: (وقتل تابعه دفعاً لا غيراً إن أمّنُوه) واستثنى الشافعي رضي الله عنه في "الأم" من ذلك: ما إذا قالوا: قد أمناك ولا أمان لنا عليك (¬1)، وهو يدل على أن الأمان قد يكون من جانب واحد، والذي في "المحرر": ما إذا أمنوه وأمنهم، وفي بعض نسخه عطفه ب (أو)، فيكون فيه التصريح بالمسألتين (¬2). 5355 - قول "المنهاج" [ص 524]: (ولو شرطوا ألَّا يخرج من دارهم .. لم يجز الوفاء) لا يخفى أن محله: فيما إذا لم يقدر على إظهار دينه هناك؛ لكونه سبق قريبًا أن الهجرة للقادر على إظهار دينه مستحبة. 5356 - قوله: (ولو عاقد الإمام علجاً يدل على قلعة وله منها جارية .. جاز) (¬3) فيه أمور: أحدها: أن العلج هو: الكافر الغليظ الشديد كما في "أصل الروضة" (¬4) فالتقييد به يقتضي أنه لا يصح هذا العقد مع مسلم، وبه صرح "الحاوي" فقال [ص 613]: (وإن دل علج لا مسلم)، وهو الذي صححه الإمام (¬5)، لكن ذهب العراقيون إلى الجواز؛ ولهذا أطلق "التنبيه" قوله [ص 234]: (ويجوز أن يشرط لمن دله على قلعة جعلاً) لكنه قال بعده: (فإن كان المجعول له كافراً .. جاز أن يجعل له جعلاً مجهولاً) (¬6) فدل على أنه لا يجوز أن يجعل للمسلم جعلاً مجهولاً، وهو موافق لتصحيح الإمام، وذكر شيخنا الإسنوي في "التنقيح": أن الأصح في "الروضة": قول العراقيين، وأشار النشائي وصاحب "التوشيح" إلى توهيمه في ذلك، وأن التصحيح ليس في "الروضة" (¬7)، لكن كلامه في "الروضة" وأصلها فى (الغنيمة) يقتضيه؛ فإنه بعد أن ذكر أن النفل زيادة مال على سهم الغنيمة مثل للنفل بامور: منها المذكور هنا (¬8)، وقد علم أن السهم لا يكون إلا لمسلم؛ فيلزم من إطلاقه وتعبيره بالسهم جوازه مع المسلم. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه الأصح، وعليه مشى شيخنا الإسنوي في "تصحيح التنبيه" (¬9)، قال الإمام: والوجهان مفرعان على تجويز استئجار المسلم للجهاد، وإلا .. فلا ¬

_ (¬1) الأم (4/ 247). (¬2) المحرر (ص 452). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 524). (¬4) الروضة (10/ 285). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (17/ 477). (¬6) التنبيه (ص 234). (¬7) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 180). (¬8) الروضة (6/ 368). (¬9) تذكرة النبيه (3/ 451).

تصح هذه المعاملة مع مسلم، ولا يستحق أجرة المثل (¬1). قال شيخنا الإمام البلقيني: وما قاله ممنوع؛ فإن هذا ليس من الاستئجار للجهاد في شيء، وإنما هذا نظير من يستأجره الإمام من المسلمين؛ لدلالة الطريق إلى الكفار، وذلك جائز. ثانيها: المراد: الدلالة على قلعة بعينها كما صوره في "الروضة" وأصلها، وكلام الثلاثة يقتضي جوازه على قلعة مبهمة، وذكر شيخنا الإسنوي في "التنقيح": أن كلام "التنبيه" في قلعة مبهمة. انتهى. فلو ذكرها مبهمة في قلاع معينة .. فكلام شيخنا في "تصحيح المنهاج" يميل إلى الجواز؛ لقلة الغرر في ذلك. ثا لثها: تعبير "المنهاج" [ص 524] و"الحاوي" [ص 613] ب (الجارية) مثال، وتعبير "التنبيه" [ص 234] ب (الجعل) حسن؛ لشموله. 5357 - قول "المنهاج" [ص 524]: (فإن فتحت بدلالته .. أعطيها) المراد: أن يفتحها من شارطه، فلو فتحها طائفة أخرى بالطريق التي دلنا عليها .. فلا شيء له؛ لأنه لم يجر معهم شرط؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 613]: (وفتحنا به لا غيرنا) وأن يكون الفتح عنوة، فلو فتحت صلحاً .. فقد ذكرها "الحاوي" بعد ذلك فقال [ص 613]: (وإن شرط زعيمها أمان أهله وهي منه، ولم يرض واحد بعوض .. رُدّ ورد إلى مامنه) وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محل هذا: ما إذا كانت الجارية ملكاً لصاحب القلعة، فإن لم تكن ملكاً له .. فكيف يكون له أخذ العوض عن شيءٍ ليس في ملكه، والذي ينبغي في هذه الحالة: أن تسلم للدليل، ولا شيء لصاحب القلعة. انتهى. ولا يرد ذلك على تعبير "التنبيه" لأنه قال [ص 234]: (وإن فتحت صلحاً فامتنع صاحب القلعة من تسليم الجارية وامتنع المجعول له من قبض قيمتها .. فسخ الصلح) فلم يذكر في عبارته أخذ صاحب القلعة عوضاً عن الجارية، لكن تعبير "الحاوي" [ص 613] ب (العوض) أعم من تعبير "التنبيه" [ص 234] ب (القيمة)، وعبر ابن يونس في "النبيه" ب (البدل)، وقال في "التنويه": هو أولى من القيمة؛ ليتناول غيرها من جواري القلعة؛ فإنه لو رضي بها .. جاز كما في "المهذب" (¬2). 5358 - قول "المنهاج" [ص 524]: (أو بغيرها .. فلا في الأصح) وهو مفهوم لفظ "الحاوي" المتقدم، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه ممنوع، بل ظواهر نصوص الشافعي رضي الله ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (17/ 480). (¬2) المهذب (2/ 244).

عنه وإطلاق الأصحاب الاستحقاق، وهو الصواب، والرافعي إنما نقل هذا الترجيح في "شرحه" عن ابن كج (¬1). 5359 - قول "الحاوي" [ص 613]: (وقيمتها إن ماتت) أي: بعد الظفر؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 524]: (أو بعد الظفر قبل التسليم .. وجب بدلٌ). 5360 - قول "التنبيه" [ص 234]: (وإن ماتت قبل الفتح .. ففيه قولان، أحدهما: يدفع إليه قيمتها، والثاني: لا شيء له) الأظهر: الثاني كما في "المنهاج" (¬2)، وكذا في الرافعي، ورجح في " أصل الروضة" طريقة القطع به (¬3)، ولولا تقييدنا كلام "الحاوي" بما بعد الظفر (¬4) .. لتناول هذه الصورة، ورجح شيخنا في "تصحيح المنهاج": القطع بوجوب البدل عكس المرجح في "الروضة"، وقال: إنه المنصوص في "الأم" و"المختصر"، وليس له نص يخالفه. 5361 - قول "المنهاج" [ص 524]: (وإن أسلمت .. فالمذهب: وجوب بدل) يتناول إسلامها قبل العقد وبعده، سواء أكان قبل الظفر أم بعده؛ ولذلك أطلق "الحاوي" إسلامها (¬5)، واستثنى شيخنا في "تصحيح المنهاج" من ذلك مسألتين: إحداهما: أن تسلم قبل العقد، ويعلم بذلك، وبأنها قد فاتته .. فلا شيء له؛ لأنه عمل متبرعاً. ثانيهما: أن يسلم بعد العقد والظفر .. ففي "الروضة" وأصلها بناؤه على شراء الكافر عبداً مسلماً إن جوزناه .. سلمناها إليه، ثم يؤمر بإزالة الملك، وإن لم نجوزه .. لم تسلم إليه (¬6). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": هذا البناء عندنا مردود؛ بل يستحقها قطعاً؛ لأنه استحقها بالظفر وقد كانت إذ ذاك كافرة، فلا يرتفع ذلك بإسلامها كما لو ملكها ثم أسلمت، ولكن لا تسلم إليه، بل يؤمر بإزالة الملك كما لو أسلم العبد الذي باعه المسلم للكافر قبل القبض، ولكن هناك يقبضه له الحاكم، وهنا لا يحتاج إلى قبض. انتهى. ويوافق ذلك تقييد "التنبيه" إسلامها بكونه قبل الفتح (¬7). 5362 - قول "المنهاج" [ص 524]: (وهو أجرة مثل، وقيل: قيمتها) فيه أمور: ¬

_ (¬1) فتح العزيز (11/ 469). (¬2) المنهاج (ص 524). (¬3) فتح العزيز (11/ 471)، الروضة (10/ 286). (¬4) الحاوي (ص 613). (¬5) الحاوي (ص 613). (¬6) فتح العزيز (11/ 473)، الروضة (10/ 288). (¬7) التنبيه (ص 234).

أحدها: إنما ذكر في "المحرر" هذا الخلاف فيما إذا ماتت، وكذا في "الروضة" وأصلها (¬1)، فذكره في إسلامها غير مطابق لأصله. ثانيها: ذكر الإمام أن إيجاب أجرة المثل مبني على أنه مضمون ضمان عقد، وقيمتها مبني على ضمان اليد (¬2)، وتبعه في "المحرر" (¬3)، فمشى عليه "المنهاج"، لكنه قال في "الشرح" وتبعه في "الروضة": هكذا قاله الإمام، ولكن الأظهر من قولي الصداق: وجوب مهر المثل، والموجود لجمهور الأصحاب هنا قيمة الجارية (¬4)، وعليه مشى "التنبيه" فقال [ص 234]: (وإن فتحت عنوة وأسلمت الجارية قبل الفتح .. دفع إليه قيمتها) و"الحاوي" فقال [ص 613]: (وقيمتها إن ماتت أو أسلمت) ونص عليه في "الأم" في آخر (سير الواقدي) فقال: (وإن كانت الجارية قد أسلمت قبل أن يُظفر بها .. فلا سبيل إليها، ويعطى قيمتها، كأن ماتت .. عُوِّض منها بالقيمة) (¬5) حكاه في "المهمات"، وقال: كأن الرافعي حالة تصنيف "المحرر" لم يستوعب المسألة من الشرح، بل نظر أوائلها فقط. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن المعتمد القطع به، قال: والسبب في امتناع مجيء أجرة المثل هنا: أن هذه المعاملة سومح فيها للحاجة إلى نكاية الكفار والفتح على المسلمين، فنظر فيها إلى الذي انصب قصد الدال إليه، وهو الجارية؛ فحيث غرمنا عوضها .. فهو قيمتها؛ لأن الدال إنما يشترط شيئاً زائداً كثيراً على أجرة مثله في العادة، فإذا تخيل أنه لا يحصل له إلا أجرة مثله .. يفر وفات المقصود. ثالثها: قوله: (وقيل: قيمتها) يقتضي أنه وجه، وهو في "المحرر" قول (¬6)، ولهذا وقع في بعض نسخ "المنهاج": (وفي قول). رابعها: قال في "أصل الروضة": محل الخلاف: إذا كانت جارية معينة، فإن كانت مبهمة ومات كل من فيها من الجواري وأوجبنا البدل .. فيجوز أن يقال: يرجع بأجرة المثل قطعاً؛ لتعذر تقويم المجهول، ويجوز أن يقال: تسلم إليه قيمة من تسلم إليه قبل الموت (¬7). 5363 - قول "التنبيه" [ص 234]: (فإن كان المجعول له كافراً .. جاز أن يجعل له جعلاً مجهولاً) ¬

_ (¬1) المحرر (ص 453)، فتح العزيز (11/ 471)، الروضة (10/ 286، 287). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (17/ 478، 479). (¬3) المحرر (ص 453). (¬4) فتح العزيز (11/ 472، 473). (¬5) الأم (4/ 285). (¬6) المحرر (ص 453). (¬7) الروضة (10/ 287).

محله: فيما إذا كان من القلعة، فإن كان مما في أيدي المسلمين .. لم يجز أن يكون مجهولاً؛ للقدرة على نفي الجهالة، وتقدم أن الراجح: جواز الجعل المجهول من القلعة ولو مع مسلم. 5364 - قوله: (وإن حاصر قلعة فنزل أهلها على حكم حاكم .. جاز، ويجب أن يكون الحاكم حراً مسلماً ثقة من أهل الاجتهاد) (¬1) ظاهره أن المراد: الاجتهاد في الأحكام الشرعية: وقد قال الرافعي: أطلقوا أنه يشترط كونه عالماً، وربما قالوا: فقيهاً، وربما قالوا: مجتهداً، قال الإمام: ولا أظنهم شرطوا أوصاف الاجتهاد المعتبرة في المفتي؛ ولعلهم أرادوا: التهدِّي إلى طلب الصلاح وما فيه النظر للمسلمين. انتهى (¬2). ولهذا قال "الحاوي" [ص 613]: (بصير بمصالح القتال) ويشترط فيه أيضًا: الذكورة، والبلوغ، والعقل، وقد ذكرها "الحاوي" (¬3)، وقد تستنبط من كونه من أهل الاجتهاد. 5365 - قول "التنبيه" [ص 234]: (فإن حكم بعقد الذمة .. لم يلزم، وقيل: يلزم) الأصح: الثاني، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 613]: (وبالجزية .. أُجبر). 5366 - قول "التنبيه" [ص 234]: (وإن حكم بقتل الرجال ورأى الإمام أن يمن عليهم .. جاز) قد يفهم جواز استرقاقهم، وليس كذلك؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 613]: (وبه - أي: بالقتل - لم يُرق) وهذا أسير يجوز قتله والمن عليه والاسترقاق. 5367 - قول "التنبيه" [ص 234]: (وإن أسلموا بعد الحكم .. سقط القتل وبقي الباقي) صوره القاضي أبو الطيب بما إذا حكم بقتل الرجال وسبي الذرية وأخذ الأموال، ويجوز أن يكون مراده: سقط القتل إن كان قد حكم به، وبقي الباقي إن كان المحكوم به غير القتل، وكذا صور الجيلي والنووي في "نكته"، وعبارة "الحاوي" [ص 613]: (ويُرق المحكوم به إن أسلم). 5368 - قول "التنبيه" [ص 234]: (وإن مات الحاكم قبل الحكم .. رُدوا إلى القلعة) محله: ما إذا لم يتفقوا على حاكم غيره. 5369 - قوله فيما إذا غلب الكفارُ المسلمين على أموالهم وغنمت: (وإن لم يعلم حتى قسم .. عوّض صاحبها من خمس الخمس) (¬4) المراد بصاحبها: من وقعت في سهمه، وليس المراد به: مالكها كما في قوله أولاً: (فإن استرجعت .. وجب ردها على أصحابها) (¬5) فإن المراد هناك: ملاكها. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 234). (¬2) فتح العزيز (11/ 479، 480)، وانظر "نهاية المطلب" (17/ 541). (¬3) الحاوي (ص 613). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 235). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 235).

باب عقد الذمة وضرب الجزية

باب (¬1) عقد الذمة وضرب الجزية 5370 - كذا في "التنبيه" (¬2)، وحذف ابن يونس في "النبيه" ضرب الجزية؛ لأنها من موجبات عقد الذمة، فلا يترجم بها بابه، واقتصر "المنهاج" على الجزية (¬3). 5371 - قول "المنهاج" [ص 525]: (صورة عقدها: "أقركم بدار الإسلام أو أذنت في إقامتكم على أن تبذلوا جزية وتنقادوا لحكم الإسلام") فيه أمور: أحدها: عبارة "المحرر" و"الروضة" وأصلها: (أقررتكم) (¬4) بصيغة الماضي، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا يكفي المضارع، إلا أن يقصد به العاقد الحال والمستقبل؛ لانسلاخه عن معنى الوعد. ثانيها: لا يختص ذلك بدار الإسلام؛ فقد يقرهم بالجزية في دار حرب؛ ولذلك لم يقيده "الحاوي" بدار الإسلام، وحينئذ .. فيجب الذب عنهم إن اتصلت دارهم بدار الإسلام أو شرط الذب عنهم، وإلا .. فلا. ثالثها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم يتعرض فيه لعصمة الدماء، ولا بد منه في عقد الجزية، وقد ذكره في "الأم". انتهى. ولم يتعرض لذلك في "الحاوي" أيضاً. رابعها: أطلق دار الإسلام، ولا ينبغي إطلاقه في العقد، بل يقيد بغير الحجاز وإن ذكر ذلك في الأحكام، لكن الشأن في ذكره في العقد؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 615، 616]: (إذن الإمام ونائبه القرار في غير مكة والمدينة واليمامة وقُراها كالوَجّ والطائف) كذا وقع في "الحاوي": (الوج) بألف ولام؛ وهي عجمة، وصوابه: (وج) بحذفها كما نطق به في (الحج). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": فإن قيل: فإذا أطلق ولم يستثن .. يفسد العقد أو يفسد الإطلاق ويتقيد بغير الحجاز؟ قلنا: هذا محتمل، والأرجح: الثاني. خامسها: مقتضاه: أنه لو ضم إلى ذلك: ما شئت أو ما شاء الله أو ما شئتم .. لم يصح، وهو في الأوليين كذلك، ويصح في الثالثة؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 615، 616]: (مطلقاً أو ما شاء، لا الإمام). ¬

_ (¬1) في (ج)، (د): (كتاب). (¬2) التببيه (ص 236). (¬3) المنهاج (ص 525). (¬4) المحرر (ص 454)، فتح العزيز (11/ 492)، الروضة (10/ 297).

سادسها: مقتضى هذا التعبير: اختصاصه بلفظ الخطاب، وليس كذلك، فلو عقد لغائبين فرضوا بذلك عند بلوغ الخبر .. جاز، وكلام الشافعي رضي الله عنه يدل له؛ ولذلك لم يعبر "الحاوي" بلفظ الخطاب. سابعها: أطلق هو و"التنبيه" بذل الجزية، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا بد من اشتراط القيام بها رأس كل سنة من العقد؛ لئلا يؤدي إلى الجهالة بوقت استحقاق الأداء. انتهى. ويوافقه قول "الحاوي" [ص 616]: (كل سنة) وظاهره اشتراط ذكر ذلك في العقد، وقال شيخنا: ويحتمل على بعد أن لا يحتاج إلى ذكره، وينزل العقد عليه. ثامنها: أطلق الثلاثة الانقياد لأحكام الإسلام، وهو مقيد في النص بما رأيناه يلزمهم، وقيده في "المهذب" بحقوق الآدميين في الحقوق والمعاملات وغرامات المتلفات (¬1)، وفي "النهاية": قال العراقيون: المراد بإجراء الأحكام: أنهم إذا فعلوا ما هو محظور في دينهم .. فيجري حكم الله تعالى عليهم إذا كان لا يتعلق بدعوى؛ كما لو زنا أحدهم وثبت زناه عند حاكمنا .. فإنه يقيم عليه الحد ولا حاجة لرضاه، وهذا حسن، ولم أر للمراوزة خلافه، فأما ما يستحلونه: فمنقسم للخمر وغيره .. فلا يقيم عليهم حدًا لشرب كان رضوا بحكمنا ... إلى آخر كلامه (¬2). 5372 - قول "المنهاج" [ص 525]: (والأصح: اشتراط ذكر قدرها) فيه أمران: أحدهما: أنه يفهم قوة مقابله، وهو الصحة والتنزيل على الأقل، وليس كذلك، بل هو ضعيف، وقد استبعده في "النهاية" (¬3). ثانيهما: أنه يفهم أنه لا خلاف في اشتراط الانقياد لأحكام الإسلام، وليس كذلك، بل فيه خلف ذكره القاضي حسين والإمام (¬4). 5373 - قوله: (ولا يصح مؤقتاً) (¬5) يستثنى منه: ما لو قال: ماشئتم .. فإنه يصح كما تقدم، وقد ذكره "الحاوي" (¬6). 5374 - قول "المنهاج" [ص 525] و"الحاوي" [ص 616]: (ويشترط لفظ قبول) لذا يكفي الاستيجاب والإيجاب؛ بأن يقول: قرّرني، فيجيبه. قلت: لو قال: سألتك أن تؤمنني على كذا فأمنه .. كان كافياً كما ذكره الشافعي، وفي معناه: ¬

_ (¬1) المهذب (2/ 253). (¬2) نهاية المطلب (18/ 34، 35). (¬3) نهاية المطلب (18/ 33، 34). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (18/ 33، 34). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 525). (¬6) الحاوي (ص 615).

أن تقررني، قال شيخنا في"تصحيح المنهاج": وليس قوله: سألتك أن تبيعني استيجاباً فدل على أن المقصود هنا ما يدل على الرضا وإن لم يكن قبولاً في غيره. 5375 - قول "المنهاج" [ص 525]: (ولو وُجد كافرٌ بدارنا فقال: "دخلت لسماع كلام الله تعالى" أو "رسوله" أو "بأمان" .. صُدّقَ) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محله: فيما إذا ادعى ذلك قبل أن يصير في قبضة الإمام، فإن صار في قبضته أسيراً .. فلا يصدق إلا ببينة، قال الروياني: وما اشتهر أن الرسول آمِنٌ .. هو في رسالة فيها مصلحة المسلمين من هدنة وغيرها، فإن كان في وعيد وتهديد .. فلا، ويتخير فيه بين الخصال الأربع كالأسير. وقال النووي: ليس ما ادعاه بمقبول، والصواب: أنه لا فرق، وأنه آمن مطلقاً (¬1). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو المعتمد؛ فإن رسولَي مسيلمة حضرا بكتابه وليس فيه مصلحة للمسلمين، وقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: "لولا أن الرسل لا تقتل .. لضربت أعناقكما" رواه البيهقي (¬2). 5376 - قوله: (وعليه الإجابة إذا طلبوا، إلا جاسوساً نخافه) (¬3) قال الرافعي: فلو خاف غائلتهم وأن ذلك مكيدة .. لم يجبهم (¬4)، ولعله المراد بقوله: (إلا جاسوساً نخافه) واستثنى مع ذلك أموراً: أحدها: الأسير الكامل يتخير فيه الإمام بين الأمور الأربعة ولا تجب عليه إجابته لعقد الجزية كما نص عليه في "الأم"، حكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، والأظهر في "أصل الروضة" في هذه الصورة: تحريم القتل دون الاسترقاق (¬5)، ومقتضاه: أنه لا يجب تقريره بالجزية، وتردد شيخنا في جواز إجابته لذلك، ثم رجح: أنه إن كان له من يحارب عنه؛ كملك له جيش أو مطاع صاحب عشيرة .. جاز تقريره؛ لأن له قوة في المعنى، وإلا .. فلا، قال: ولم أر من تعرض له. ثانيها: ظاهر كلام الأصحاب أن الذمي إذا انتقض عهده كذلك تفريعاً على الأظهر أنه كالأسير، ورجح شيخنا: أنه أولى بأن لا يجاب إلى الجزية من الأسير؛ لزيادته عليه بنقضه العهد، ولو اطلعنا على حربي دخل دارنا بغير أمان فبذل الجزية .. وجب قبولها على المذهب في "أصل الروضة" (¬6)، ورجح شيخنا: أنه لا يجب إجابته، بل لا يجوز، إلا إذا كان له بعشيرته قوة كما تقدم في الأسير. ¬

(¬1) انظر "الروضة" (10/ 299). (¬2) سنن البيهقي الكبرى (18556). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 525). (¬4) انظر "فتح العزيز" (11/ 497). (¬5) الروضة (10/ 298). (¬6) الروضة (10/ 298).

ثالثها: إذا نزل أهل قلعة على حكم حاكم فحكم بالقتل أو الإرقاق .. لم يجب تقريرهم بالجزية لو طلبوا، وهل للإمام تقريرهم؟ تردد فيه شيخنا، وقال: لم أره منقولًا، والأرجح هنا: الجواز؛ لأنهم في قوة؛ بدليل أنهم إذا لم يتم الأمر .. يردون إلى قلعتهم. 5377 - قوله: (ولا تعقد إلا لليهود والنصارى والمجوس وأولاد من تهود أو تنصر قبل النسخ أو شككنا في وقته) (¬1) فيه أمور: أحدها: اعترضه شيخنا في "تصحيح المنهاج": بأنه كلام لا يظهر منه المقصود، وصواب العبارة: (ولا تُعقد إلا ليهودي أو نصراني أو مجوسي إن دخل هو أو أحد أصوله في التهود أو التنصر قبل النسخ ... إلى آخره) وعبارة "التنبيه" مثلها؛ فإنه قال [ص 237]: (ويجوز أن يعقد لليهود والنصارى والمجوس ولمن دخل في دين اليهود والنصارى ولم يعلم هل دخل قبل النسخ والتبديل أو بعده) بخلاف عبارة "الحاوي" فإنه قال [ص 615]: (زعم التمسك بكتاب كالمجوس لم يعلم اختيار (¬2) جده حين نُسِخ) فجعل ذلك قيداً لا معطوفاً على ما تقدم. ثانيها: يرد عليهم جميعًا: إذا تهود الأصل أو تنصر قبل النسخ لكن انتقلت ذريته عن دين أهل الكتاب بعد نزول القرآن أو قبله .. فلا تعقد لهم جزية كما نص عليه في "الأم" (¬3). ثالثها: دخل في تعبير "المنهاج" بالأولاد و"الحاوي" (بالجد) ما إذا كان الداخل في التهود أو التنصر قبل النسخ أباً له أو أماً، وهو مقتضى قول "المنهاج" الآتي [ص 525]: (ومن أحد أبويه كتابي والآخر وثني على المذهب) لكن عبارة "الروضة" وأصلها: دخل آباؤهم (¬4)، وهكذا في نص الشافعي (¬5)، ومقتضاه: أنه لو دخل الأب في التنصر بعد النسخ ودخلت الأم فيه قبله .. لم يقر المتولد منهما بالجزية، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه المعتمد في الفتوى. رابعها: لم يذكر "التنبيه" و "المنهاج" إلا التهود والتنصر قبل النسخ دون التمجس؛ لأنه لم ينتقل أحد من العرب إلى المجوسية، ولو ذكر ليعرف حكمه .. لكان أحسن، وقد تناولته عبارة "الحاوي" المتقدمة، وعبارة الشافعي رضي الله عنه تتناوله أيضاً. خامسها: ذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج" أن الشافعي رحمه الله إنما علق ذلك على نزول الفرقان لا على النسخ، وهو المعتمد؛ لتأخر النسخ في الأحكام عن البعثة. سادسها: ظاهر قولهم: (بعد النسخ) أن التهود بعد بعثة عيسى عليه السلام لا يقر بالجزية، ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 525). (¬2) في "الحاوي": (اختار). (¬3) الأم (4/ 175). (¬4) فتح العزيز (11/ 507)، الروضة (10/ 305). (¬5) انظر "الأم" (4/ 175).

وهو الأصح في "الروضة" وأصلها (¬1)، لكن نص في "الأم" على اعتبار الدخول قبل نزول الفرقان مطلقاً (¬2). سابعها: الأصح: تقرير الداخل بعد التبديل مطلقاً، وذكر "التنبيه" له مع النسخ يفهم خلافه؛ ولهذا اقتصر "المنهاج" و"الحاوي" على النسخ. 5378 - قول "التنبيه" [ص 237]: (ومن تمسك بدين إبراهيم وشيث وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام .. فقد قيل: يعقد لهم، وقيل: لا يعقد لهم) الأصح: الأول، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 525]: (وكذا زاعم التمسك بصحف إبراهيم وزبور داوود عليهم السلام) وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 615]: (زعم التمسك بكتاب)، وقال الماوردي بعد ذكر الوجهين: وإطلاقهما عندي غير صحيح، والواجب اعتبار كتابهم، فإن تضمن تعبداً وأحكاماً يكتفي به أهله عن غيره .. كان كالتوراة والإنجيل في ثبوت حرمته وإقرار أهله، وإلا .. لم يجز إقرارهم عليه (¬3)، وهو المفهوم من تعبير "التنبيه" بالدين؛ لأنه لا يمكن التمسك بدين إلا بعد معرفة أحكامه. 5379 - قول "المنهاج" [ص 525]: (ومن أحد أبويه كتابي والآخر وثني على المذهب) لا يخفى أن محله: ما إذا اختار دين أهل الكتاب، فإن اختار التوثن .. لم يقر، وإن لم يختر شيئاً .. فهل نقول: لا يعقد له حتى يختار دين أهل الكتاب، أو طلبه عقد الجزية اختيار لدين أهل الكتاب؟ قال شيخنا في "تصحيحه": هذا محتمل، والأرجح: الأول، ولم أَرَ مَنْ تعرض لذلك، وتقدم أن نصوص الشافعي على اعتبار الآباء، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم أجد له نصاً شاهداً لجواز تقرير من أبوه وئني وأمه كتابية بالجزية ويوافق ما ذكره شيخنا: قول "التنبيه" [ص 237]: (ولا يعقد لمن ولد بين وثني وكتابية، وفيمن ولد بين كتابي ووثنية قولان، أصحهما: أنه يعقد له) فجعل الثانية محل الخلاف، وقطع في الأولى بالمنع. 5380 - قوله: (وأما السامرة والصابئة .. فقد قيل: يجوز أن يعقد لهم، وقيل: لا يجوز) (¬4) المذهب في "أصل الروضة": أنهم إن خالفوا اليهود والنصارى في أصول دينهم .. فليسوا منهم، وإلا .. فمنهم، وهكذا نص عليه، وعليه يحمل النصان الآخران، وهذا فيما إذا لم يكفرهم اليهود والنصارى، فإن كفروهم .. لم يقروا قطعاً، فإن أشكل أمرهم .. ففي تقريرهم احتمالان ذكرهما الإمام، الأصح: الجواز (¬5). ¬

_ (¬1) فتح العزيز (11/ 507)، الروضة (10/ 305). (¬2) الأم (4/ 175). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 288). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 237). (¬5) الروضة (10/ 306)، وانظر "نهاية المطلب" (18/ 11).

5381 - قول "التنبيه" [ص 237]: (ولا يؤخذ من امرأة) كذلك الخنثى، كما صرح به "المنهاج" (¬1)، ويدل عليه تعبير "الحاوي" بالذكر، فلو بانت ذكورة الخنثى .. ففي الأخذ منه للسنين الماضية وجهان، قال النووي: ينبغي تصحيح الأخذ (¬2)، وجزم به في شرح "المهذب" في (نواقض الوضوء) (¬3). وقال في "المهمات": ينبغي تصحيح عكسه؛ فإنه لو دخل حربي دارنا وبقي سنة ثم اطلعنا عليه .. لا نأخذ منه شيئاً لما مضى على الصحيح؛ لعدم التزامه، فهذا أولى؛ لتحققنا الأهلية هناك دون هنا. قلت: لعل صورته أن يكون صدر معه عقد جزية في حال إشكاله، ثم تبين بظهور حاله صحة العقد كما لو عقد النكاح بخنثيين ثم بانت ذكورتهما، وقد أشار لذلك شيخنا الإمام البلقيني. 5382 - قول "التنبيه" [ص 237]: (ولا عبد) كذلك المبعض؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 525]: (ومن فيه رق) ويوافقه تعبير "الحاوي" بالحر (¬4). 5383 - قول "الحاوي" [ص 616]: (دون زمن الجنون المتقطع) محله: ما إذا كثر زمنه، فإن قل؛ كساعة من شهر .. فلا عبرة به؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 525]: (فإن تقطع جنونه قليلاً؛ كساعة من شهر .. لزمته، أو كثيراً؛ كيوم ويوم .. فالأصح: تلفيق الإفاقة، فإذا بلغت سنة .. وجب) وفرض "التنبيه" الخلاف أيضاً في الكثير فقال: (وإن كان منهم من يجن يوما ويفيق يوماً .. فالمنصوص: أنه تؤخذ منه الجزية آخر الحول، وقيل: تلفق أيام الإفاقة، فإذا بلغ قدرها حولاً .. وجبت عليه الجزية وهو الأظهر) (¬5)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والذي نقوله: أن جنونه أياماً في أثناء الحول لا يؤثر، ويجب عليه جميع الجزية، ولا يحسب له نظير أيام الجنون من السنة الثانية كما نص عليه، فإن أكثر التقطع .. قضي بموجب النص الآخر، والأرجح: اعتبار التلفيق، وليس في عبارة "التنبيه" و"المنهاج" ولا غيرهما ضابط القليل والكثير، وظاهر كلامهما في الكثير التعليق على الأيام التي بلغت سنة، فتكون عددية، وليس كذلك، وإنما هي سنة هلالية، ومهما كان فيها من أيام الجنون يحسب ويؤخذ بقدره من الإفاقة التي بعدها، فإذا كان في السنة الهلالية سبعة أشهر ناقصة وخمسة تامة .. فالناقصة خارجة من البين، ويلفق أيام الجنون من السنة التي بعدها، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: ليس هذا كالأشهر المنكسرة، فينكسر ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 525). (¬2) انظر "الروضة" (10/ 302). (¬3) المجموع (2/ 65). (¬4) الحاوي (ص 615). (¬5) التنبيه (ص 238).

الجميع؛ لأن الأشهر هناك أجل والأجل هنا سنة، فلا يكون التلفيق من الأشهر مقتضياً لانكسارها. 5384 - قولهما: (فيما لو بلغ ابن ذمي وبذلها .. عقد له) (¬1) يتناول ما إذا بلغ سفيهاً، وفيه تفصيل، حاصله أن للسفيه أن يعقد بدينار بغير زيادة، وأن عقده إنما يكون عند إباء وليه، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وعبارة "أصل الروضة": المذهب: أنه لا يصح عقد السفيه والولي بالزيادة (¬2). 5385 - قول "التنبيه" [ص 237، 238]: (وفي الشيخ الفاني والراهب قولان، وفي الفقير الذي لا كسب له قولان، أحدهما: لا تجب عليه، والثاني: تجب، ويطالب به إذا أيسر) الأظهر في الكل: الوجوب، وهو ظاهر إطلاق "الحاوي" (¬3)، وصرح به "المنهاج" فقال [ص 526]: (والمذهب: وجوبها على زَمِنٍ وشيخٍ هرمٍ وأعمىً وراهبٍ وأجيرٍ وفقيرٍ عجز عن كسبه، فإذا تمت سنة وهو معسر .. ففي ذمته حتى يوسر) وفي تعبيره في الفقير بالمذهب نظر؛ فليس فيه إلا قولان، كذا في "الروضة" وأصلها (¬4)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ومحل الخلاف في الشيخ ونحوه: إذا لم يكن ذا رأي، فإن كان ذا رأي .. فإنه تضرب عليه الجزية قولاً واحداً، وقد قيد محل الخلاف بذلك الشيخ أبو حامد والقاضي حسين. 5386 - قول "المنهاج" [ص 526]: (ويُمنع كل كافر من استيطان الحجاز) لو عبر بالمقام كما في "التنبيه" (¬5)، أو بالإقامة كما في "الروضة" (¬6)، أو بالقرار كما في "الحاوي" (¬7)، أو بالسكنى كما عبر به الشافعي رضي الله عنه (¬8) .. لكان أولى؛ فإن الاستيطان أخص منها، ولا يتقيد الحكم به، فمطلق الإقامة كذلك، ثم محل هذا في غير حرم مكة، فأما حرم مكة .. فيمنعون من دخوله مطلقاً، وقد ذكره الثلاثة بعد ذلك. 5387 - قولهما: (وهو مكة والمدينة واليمامة وقُرَاها) (¬9) وعبارة "التنبيه" [ص 238]: (ومخاليفها)، وهي عبارة الشافعي رضي الله عنه (¬10)، وهي بمعناها. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 237)، و"المنهاج" (ص 525). (¬2) الروضة (10/ 301). (¬3) الحاوي (ص 617). (¬4) فتح العزيز (11/ 504)، الروضة (10/ 307). (¬5) التنبيه (ص 238). (¬6) الروضة (10/ 308). (¬7) الحاوي (ص 615). (¬8) الأم (4/ 177). (¬9) انظر "التنبيه" (ص 238)، و"المنهاج" (ص 526). (¬10) انظر "الأم" (4/ 178).

قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن الضمير في قوله: (وقراها) يعود على الحجاز، وهذه بلاد الحجاز لا نفس الحجاز، وفيما ذكره نظر، والظاهر عوده على مكة والمدينة واليمامة، وأن قراها من نفس الحجاز، ويوافق ذلك قول "الحاوي" [ص 616]: (في غير مكة والمدينة واليمامة وقراها) فإنه ليس في كلامه ذكر الحجاز حتى يتخيل عود الضمير إليه، وأيضاً فالحجاز مذكر فكيف يعاد عليه الضمير مؤنثًا؟ ! 5388 - قول "المنهاج" [ص 526]: (وقيل: له الإقامة في طرقه الممتدة) كان ينبغي التعبير عنه بما بين البلاد مما ليس موضع إقامة عادة؛ فإن الطرق الممتدة لا يجوز إقامة أحد بها، لا مسلم ولا كافر، ومحل هذا الوجه: في الذمي وفي غير الحرم؛ فإن الكلام ليس فيه؛ بدليل ذكره بعد ذلك. 5389 - قولهما - والعبارة لـ"التنبيه" -: (فإن أذن لهم في الدخول لتجارة أو رسالة .. لم يقيموا أكثر من ثلاثة أيام) (¬1) المراد: غير يومي الدخول والخروج؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 616]: (ومن إقامة الحجاز مدتها) أي: مدة الإقامة، والثلاثة غير يومي الدخول والخروج، وليست مدة إقامة، ثم محل ما ذكروه في التجارة: في الذمي، أما الحربي .. فلا يمكن من دخول الحجاز للتجارة، قاله شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وحكى نصاً للشافعي يقتضيه، قال: وعلى مقتضاه جرى الأصحاب، ودخل في عبارتهم المرأة؛ فهي في ذلك كالرجل، وقد نص عليه، وقل من ذكره، ولو تنقل من قرية إلى قرية وأقام بكل واحدة ثلاثاً .. لم يمنع، وقد يفهم كلامهم خلافه. 5390 - قول "المنهاج" [ص 526]: (ويمنع دخول حرم مكة، فإن كان رسولاً .. خرج إليه الإمام أو نائب يسمعه) هو المراد يقول "الحاوي" [ص 616]: (وللرسولِ خرجَ سامعٌ). 5391 - قولهم: (فإن دُفن .. نُبِشَ وأُخرج) (¬2) محله: ما لم يتقطع، فإن تقطع .. لم ينبش كما قاله الجمهور ونص عليه الشافعيَ (¬3)، وفي "الكافي" للخوارزمي بعد ذكر هذا: وقيل: قال الشافعي في موضع: إن أمكن النبش وجمع عظامه .. نُبِش ورمي عظامه إلى الحل. 5392 - قول "المنهاج" [ص 526]: (وإن مرض في غيره من الحجاز وعظُمت المشقة في نقله .. تُرك) عبارة "الحاوي" [ص 616]: (لا إن مرض وشق نقله) فاعتبر مطلق المشقة لا عظمها، والأول هو الموافق لتعبير "الروضة"، وقوله: وجواب جمهور الأصحاب أنه لا ينقل مطلقاً (¬4)، أي: مع عظم المشقة في نقله، وإن كانت عبارته توهم خلاف ذلك، وترد هذه ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 238)، و"المنهاج" (ص 526). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 239)، و"الحاوي" (ص 616)، و"المنهاج" (ص 526). (¬3) انظر "الأم" (4/ 178). (¬4) الروضة (10/ 310).

فصل [في الجزية]

المسألة على إطلاق "التنبيه" أنهم يمنعون من المقام في الحجاز. 5393 - قول "المنهاج" [ص 526]: (فإن مات وتعذر نقله .. دفن هناك) محله: في الذمي، فأما الحربي .. فلا يجب دفنه، بل في وجه: لا يجوز، وتغرى الكلاب عليه، فإن دفن؛ فلئلاَّ يتأذى الناس بريحه، فهذا يوارى مواراة الجيف، والمرتد كالحربي. واحترز بتعذر نقله عما إذا مات في طرف الحجاز .. فإنه ينقل، قال الرافعي: وأطلق أكثرهم أنه يدفن فيه، وقال البغوي: إن أمكن نقله قبل التغير .. نقل، وإلا .. فلا، وقال الرافعي: إنه تفصيل جيد (¬1). 5394 - قول "التنبيه" [ص 239]: (ولا يدخلون سائر المساجد إلا بإذن) أورد عليه: أنه إن أراد بسائر: الجميع .. انتقض بالمسجد الحرام؛ فإنهم لا يدخلون بإذن ولا غيره، وإن أريد به: الباقي .. فلم يتقدم لغيره من المساجد ذكر ليكون هذا باقيه. وأجيب عنه: بأن المراد: الباقي، وقد دخل المسجد الحرام في عموم الحرم، وإنما يجوز الإذن؛ للحاجة، لا للأكل والشرب، وجلوس الحاكم إذن إن كان له خصومة. 5395 - قوله: (وإن كان جنباً .. فقيل: لا يمكن من اللبث في المسجد، وقيل: يمكن) (¬2) الثاني هو الأصح. فصل [في الجزية] 5396 - قولهما: (أقل الجزية دينار) (¬3) قال الرافعي: هذا هو المنصوص الموجود في كتب الأصحاب، قال الغزالي تبعاً للإمام: أو اثنا عشر درهماً نقرة خالصة مصكوكة، يتخير الإمام بينهما، قال الإمام: ولم يقابل الدينار في غيرها إلا بعشرة، قال: ورأيت في كلام الأصحاب أن الأصل الدينار ولا يقبل الدراهم إلا بالقيمة كالسرقة، قال: وهو متجه، ولولا قضاء عمر رضي الله عنه بالترديد بينهما .. لما كان للدرهم وجه، والأخبار كلها ذاكرة للذهب (¬4). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": كلامه يقتضي أن الذهب متعين لصحة العقد، وليس كذلك؛ فإن العقد يجوز على المتقومات والمثليات إذا كانت قيمتها لا تنقص عن دينار خالص ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (7/ 514)، و "فتح العزيز" (11/ 516، 517). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 239). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 237)، و"المنهاج" (ص 526). (¬4) فتح العزيز (11/ 519)، وانظر "نهاية المطلب" (18/ 18)، و"الوجيز" (2/ 199).

مضروب، وقد قال الشافعي رضي الله عنه فيما حكاه البيهقي: صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران على حلل يؤدّونها إليه، فدل صلحه إياهم على غير الدنانير أنه يجوز ما صولحوا عليه (¬1)، وهو مقتضى كلام الأصحاب في صورة تضعيف الصدقة، وسيأتي ذكرها. وقول "الحاوي" [ص 616]: (بقدر دينار وأكثر) يحتمل أن يشير به إلى ما ذكره الإمام والغزالي من التخيير بينه وبين اثني عشر درهماً، وإلى ما ذكره شيخنا من جوازه على ما كان قيمته ديناراً من أي شيء كان، والأول أقرب؛ لاعتياده متابعة الغزالي، والثاني مقتضى لفظه. واستثنى شيخنا في "تصحيح المنهاج" من ذلك مسألتين: إحداهما: أن في "أصل الروضة" في صورة تضعيف الصدقة عند ذكر الإشكال الثاني: أنه وإن وفى المأخوذ بدينار لكل رأس .. فربما كان فيهم من لا يملك مالاً زكويًّا، فيكون قد قرر بلا جزية، ولا يجوز وإن بذل غيره أكثر من دينار، كما لو قال واحد: خذوا مني عشرة دنانير على أن لا جزية على تسعة معي .. أن الأكثرين أجابوا عنه بأن المأخوذ من أصحاب الأموال الزكوية مأخوذ عنهم وعن الآخرين، ولبعضهم أن يلتزم عن نفسه وعن غيره، وغرضنا تحصيل دينار عن كل رأس، وقال أبو إسحاق: لا يجوز؛ لأن فيه تقرير بعضهم بلا مال، وأُجري الوجهان فيما لو التزم واحد عشرة دنانير عنه وعن تسعة (¬2)، قال شيخنا: لكن نص في "الأم" على أن أحداً من رجالهم لا يكون خلياً من الجزية (¬3)، وهو شاهد لأبي إسحاق، فالاستثناء على الأول، ونظير ذلك مصالحتهم وهم في بلادهم على أداء الخراج، وضرب ذلك على أراضيهم. الثانية: إذا افتتح الإمام أرضاً عنوة أو صلحاً على أن الأرض للمسلمين، فساقى أهلَها على الشجر وما يتبعها .. فإنه يجوز أن يقيموا في تلك الأرض سنين بلا جزية، أو بجزية منطوية مع الشطر من التمر والزرع في مقابلة العمل، ولا يشترط في هذه الجزية أن تبلغ ديناراً لكل رأس، قال شيخنا: وذلك يستنبط من قضية خيبر، وقد أشار الشافعي رضي الله عنه إليه (¬4)، وهو متعيّن لا بد منه، ولم ينقل عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا عن صاحبيه رضي الله عنهما أنهم أخذوا منهم غير ما صدرت عليه المعاملة، فمن ادعى أخذ الجزية منهم .. فعليه البيان، وحكى شيخنا ما في "أصل الروضة" عن "البحر" عن ابن أبي هريرة: أنه أسقط الجزية عن أهل خيبر؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ساقاهم، وجعلهم خولاً، وقول "البحر" هذا شيء تفرد به، والمساقاة معاملة ¬

_ (¬1) انظر "معرفة السنن والآثار" (7/ 121)، (5526)، و"سنن البيهقي الكبرى" (18459). (¬2) الروضة (10/ 316، 317). (¬3) الأم (4/ 200). (¬4) انظر "الأم" (4/ 189).

لا تقتضي إسقاط الجزية (¬1)، ثم قال شيخنا: خيبر من الحجاز؛ فإقامة اليهود فيها متعذرة في زماننا، وكلام ابن أبي هريرة هو في أولئك الذين صدرت معهم المعاملة، فهو قريب مما قررناه. انتهى. ويمكن أن يندرج في عبارة "التنبيه" و"المنهاج" ما إذا صولحوا صلحاً فاسداً .. فلا يجب المسمى، بل دينار، وهذا هو المنقول في "أصل الروضة"، لكن حكى شيخنا عن النص: أنه ليس له أن يأخذ من أحد منهم إلا ما صالحه عليه، ثم حكى نصاً آخر لفظه: (دعاهم إلى أن يعطوا الجزية على ما يصلح) (¬2) وهذا موافق لـ"الروضة"، ثم رجح شيخنا حمل الأول على ما إذا كان المسمى ناقصاً عن دينار، والثاني على ما إذا زاد عليه، قال: ولم أر من تعرض لذلك. 5397 - قول "المنهاج" [ص 526]: (ويستحب للإمام مماكسةٌ حتى يأخذ من متوسطٍ دينارين وغنيٍّ أربعاً) فيه أمور: أحدها: المراد: المماكسة حتى يعقد على صفة التوسط بدينارين وعلى صفة الغنى بأربعة، فيأخذ عند تمام الحول منهم ما عقد عليه إن وجدت الصفة آخر الحول؛ فإن الاعتبار بوقت الأخذ لا بوقت العقد، حكاه في "أصل الروضة" عن النص (¬3)، ونقل ابن الرفعة عن الأصحاب: أنه ليس للعاقد إذا قدر على العقد بمئة دينار أن ينقص منها دانقاً. ثانيها: قال الإمام: محل المماكسة: إذا لم يعلم الكافر جواز الاقتصار على دينار، فإن علم .. تُطلب (¬4) الزيادة استماحة (¬5)، فإن امتنعوا من بذل ما زاد على دينار .. وجب تقريرهم بالدينار، وهو معنى قول "الحاوي" [ص 617]: (فإن منع .. قَبِلَ). ثالثها: يستثنى من المماكسة: السفيه؛ فإنه لا يعقد له بأكثر من دينار كما تقدم، ويستثنى ذلك أيضاً من قول "التنبيه" [ص 237]: (وأكثره ما وقع عليه التراضي) ولذلك قال "الحاوي" [ص 617]: (وله أن يماكس لا لسفيهٍ) لكنه قال قبل ذلك: (بدينار وأكثر) (¬6) ولم يقيده، فلو ذكر القيد هناك .. لكان أحسن. 5398 - قول "المنهاج" [ص 526]: (ولو عقدت بأكثر ثم علموا جواز دينارٍ .. لزمهم ما التزموه، فإن أبوا .. فالأصح: أنهم ناقضون) فيه أمور: ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 307). (¬2) انظر "الأم" (4/ 207). (¬3) الروضة (10/ 312). (¬4) في بعض النسخ: (بطلب)، وفي أخرى: (بطلنا)، ولعل الصواب ما أثبت من "روضة الطالبين" (10/ 312). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (18/ 18). (¬6) الحاوي (ص 616).

أحدها: أنه يقتضي تخصيص الخلاف في النقض بما إذا علموا ذلك بعد العقد، وكذا في "الروضة" وأصلها (¬1)، ولم يقيده بذلك في "التهذيب"، وإنما فرضه في امتناعهم عن الزيادة (¬2)، ولهذا قال "الحاوي" [ص 617]: (فإن زاد .. لم ينفع الندم) إلا أنه لم يتعرض للنقض. ثانيها: كان ينبغي أن يقول: (على النص) فإنه منصوص في "الأم" (¬3)، أو (على الصحيح) إن لم يطلع على النص؛ لأن الخلاف ضعيف ولا سيما مع العلم. ثالثها: محل ذلك: في غير المدفوع باسم الصدقة؛ ففي "أصل الروضة": وإذا شرط ضعف الصدقة، وزاد على دينار، ثم سألوه إسقاط الزيادة وإعادة اسم الجزية .. أجيبوا على الصحيح (¬4). قلت: ويمكن أن يكون محل ذلك بالنسبة إلى السنة المستقبلة، أما ما استقر واجبه .. فلا يغير، والله أعلم. رابعها: قد يفهم من النقض تخير الإمام فيه بين الأمور الأربعة كما سيأتي، وهو كذلك، لكن لو عاد وطلب العقد بدينار .. أجبناه، قال في "أصل الروضة": هكذا ذكره البغوي، وأطلق الإمام أنه لا يغتال، فإن طلب التجديد بدينار .. أجيب (¬5)، وحكى شيخنا في "تصحيح المنهاج" مثل مقالة البغوي عن النص. 5499 - قول "المنهاج" [ص 526]: (ولو أسلم ذمي أو مات بعد سنين .. أخذت جزيتهن من تركته) أي: في صورة الموت، وتؤخذ في صورة الإسلام منه، فسكت عن حكم أحد التصويرين، وعبارة "التنبيه" [ص 238]: (ومن مات منهم أو أسلم بعد الحول .. أخذ منه جزبة ما مضى) فقد يقال: أجاب عن الصورتين؛ لأن الأخذ من تركته أخذ منه، وقد يقال: ذكر جواب الإسلام دون الموت عكس "المنهاج"، وأحسن "الحاوي" بقوله [ص 617]: (وإن مات أو أسلم أو جن .. أخذ لما مضى) فضم إليهما الجنون، وذكر حكم الكل. ثم محل الأخذ من تركته: ما إذا كان له وارث، وإلا .. فتركته كلها فيء؛ فلا معنى لأخذ الجزية منها، ولو كان له وارث غير مستغرق .. أخذ من نصيب الوارث ما يتعلق به من الجزية، وسقطت حصة بيت المال. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (11/ 520)، الروضة (10/ 312). (¬2) التهذيب (7/ 499). (¬3) الأم (4/ 202). (¬4) الروضة (10/ 318). (¬5) الروضة (10/ 312)، وانظر "نهاية المطلب" (18/ 19)، و"التهذيب" (7/ 499).

5400 - قول "المنهاج" [ص 526]: (ويُسوَّى بينها وبين دين آدمي على المذهب) كذا في "الروضة" وأصلها (¬1)، وعبارة "الحاوي" [ص 617]: (ويسوَّى بالديون)، وكذا في "المحرر" (¬2)، ومقتضى الأولى: تقديم الزكاة عليها، ومقتضى الثانية: تسويتهما. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن الأول أظهر؛ فتكون عبارة "المنهاج" أحسن، ثم إن كان كلامهما في صورة الموت .. اقتضى تقديم دين الآدمي عليهما قطعاً في حالة حجر الفلس، والمنصوص في "الأم" و"المختصر": الاستواء؛ حيث قال في الإعسار بالجزية: (فالسلطان غريم من الغرماء، ليس بأحق بماله من غرمائه ولا غرماؤه منه) (¬3)، وإن كان كلامهما فيهما .. فهو مخالف لقوله في (الأيمان): إن الخلاف لا يجري في المحجور عليه بفلس، بل يقدم حق الآدمي ويؤخر حق الله تعالى (¬4). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والظاهر حمل كلامه على الموت، وكذا صورها في "الروضة" تبعاً لـ"الشرح"، ويقاس عليه صورة الحجر بالفلس ويختص كلام "الروضة" في (الأيمان) بحقوق الله تعالى التي على التراخي؛ ككفارة اليمين؛ حيث لا تعدي يقتضي الفورية، فأما الواجبة على الفور؛ كالزكاة والجزية .. ففيها الخلاف، والمذهب: التسوية بين الجزية وديون الآدميين في حالتي الموت وحجر الفلس. 5401 - قول "التنبيه" [ص 238]: (ومن مات أو أسلم في أثناء الحول .. فقد قيل: يؤخذ منه لما مضى، وقيل: فيه قولان، أحدهما: أنه لا يجب عليه شيء، والثاني: يجب لما مضى بقسطه وهو الأصح) الأصح: طريقة القولين، وأصحهما: الوجوب بالقسط كما ذكره؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 526]: (أو في خلال سنة .. فقسطٌ، وفي قول: لا شيء) وهو داخل في عبارة "الحاوي" المتقدمة؛ فإن قوله: (أخذ لما مضى) يتناول السنة الكاملة وبعضها، وقوله بعد ذلك: (لا القسط من أهل الجزية) (¬5) أي: ليس للإمام أخذ القسط في أثناء الحول ممن لم يطرأ عليه موت ولا إسلام ولا جنون، بل هو مستمر على أهلية الجزية، فلو حجر عليه بفلس في أثناء السنة .. فمقتضى كلامهم: أنه لا يؤخذ منه ذلك الوقت القسط، وهو الجاري على القواعد، لكن نص في "الأم" على الأخذ، فقال: (وإن فلسه لأهل دينه قبل تحول الحول عليه .. ضرب مع ¬

_ (¬1) فتح العزيز (11/ 522)، الروضة (10/ 313). (¬2) المحرر (ص 456). (¬3) الأم (4/ 180)، مختصر المزني (ص 277). (¬4) انظر "الروضة" (11/ 25). (¬5) الحاوي (ص 617).

غرمائه بحصة جزيته لما مضى عليه من الحول) (¬1) حكاه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: هذا فرع حسن لم أر من تعرض له. 5402 - قول "الحاوي" [ص 618]: (وأخذ لحيته، وضرب لهازمه مطأطأ الرأس في الأداء) تبع فيه الرافعي، وعبارة "المنهاج" في اختصاره لـ"المحرر": (وتؤخذ بإهانةٍ، فيجلس الآخذ ويقوم الذمي ويطأطئ رأسه ويحني ظهره، ويضعها في الميزان، ويقبض الآخذ لحيته، ويضرب لهزمته) (¬2) ثم اعترضه "المنهاج" فقال [ص 527]: (هذه الهيئة باطلة، ودعوى استحبابها أشد خطأ) وقال في "الروضة": لا نعلم لها أصلاً معتمداً، وإنما ذكرها طائفة من الخراسانيين، وقال الجمهور: تؤخذ برفق كالديون، فالصواب: الجزم بأنها باطلة مردودة على مخترعها، فلم تنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الخلفاء الراشدين، وقد قال الرافعي في أول (كتاب الجزية): الأصح عند الأصحاب: تفسير الصَّغَار بالتزام الأحكام. انتهى (¬3). ونص عليه الشافعي فقال: (ولم أسمع مخالفاً في أن الصَّغَار أن يعلو حكم الإسلام على حكم الكفر) (¬4) وعلى ذلك مشى "التنبيه" فقال [ص 237]: (ويؤخذ ذلك منهم برفق كما تؤخذ سائر الديون)، وهنا أمور: أحدها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محل هذا: في غير ما أخذت فيه الجزية باسم الصدقة؛ فتلك لا يأتي فيها الوجهان؛ لأنهم أنفوا من اسم الجزية .. فبالأولى أن يأنفوا من هذا الفعل، ولم أر من تعرض لذلك هنا، ولا بد منه. ثانيها: قوله: (فيجلس الآخذ) أي: المسلم؛ فإنه لا يكون المستوفي لها إلا مسلماً سواء قلنا بهذه الطريقة أم لا، بل لا يكون إلا عدلاً، ذكره شيخنا أيضاً، وقال: لم أر من تعرض له، وقوله: (ويضعها في الميزان) أي: في الموزونات، فلو أحضر ثوباً أو غيره .. وضعه في يد الآخذ أو حيث يأمره به، وقوله: (ويقبض لحيته) فلو لم يكن له لحية .. هل يقبض من مجمع اللحيين؟ لم يتعرضوا له، قال شيخنا أيضاً: والظاهر أنه لا يقبض شيئاً؛ لأن قبض ذلك ليس بإهانة في العرف، بخلاف اللحية، وقوله: (ويضرب لهزمتيه) هما مجتمع اللحم بين الماضغ والأذن، ومقتضاه: أنه يضرب في كل لهزمة ضربة، وهو مقتضى قول "الحاوي" [ص 618]: (وضرب لهازمه) قال الرافعي: ويشبه أن يكفي الضرب في أحد الجانبين، ولا يراعى الجمع ¬

_ (¬1) الأم (4/ 180). (¬2) المحرر (ص 456)، المنهاج (ص 526، 527). (¬3) الروضة (10/ 316)، وانظر "فتح العزيز" (11/ 492). (¬4) انظر "الأم" (4/ 279).

بينهما (¬1)، قال شيخنا أيضاً: والظاهر أنه يضربه بالكف مفتوحاً. ثالثها: قول "المنهاج": (ودعوى استحبابها أشد خطاً) كان ينبغي أن يقول: (بطلاناً) ويزيد: (ودعوى إيجابها أشد) ولم يبين هل هي محرمة أو مكروهة؟ قال شيخنا ابن النقيب: ولم أر من تعرض له، ومقتضى أنها كسائر الديون: تحريمُها (¬2). 5403 - قول "المنهاج" [ص 527]: (وكله مستحب، وقيل: واجب، فعلى الأول: له توكيل مسلم بالأداء، وحوالته عليه، وأن يضمنها) فيه أمور: أحدها: أنه يقتضي جواز توكيل ذمي على الوجهين، وكذا قول "الحاوي" [ص 618]: (ويتوكل فيه المسلم) لكن قال الإمام: الوجه طرد الخلاف في توكيل ذمي (¬3). ثانيها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": التحقيق صحة التوكيل على الثاني أيضاً، ولكن لا يمكن الوكيل من الدفع، وفائدته فيما لو أسلم الموكل .. فقد سقطت عنه الإهانة، فيؤدي وكيله حينئذ. ثالثها: قال شيخنا أيضاً: تصح الحوالة جزماً، ثم المحال عليه يحيل بذلك على المحيل بدين آخر ثبت عليه، والضمان أولى بالصحة؛ لأنه لا يمنع مطالبة الأصيل. 5404 - قول "التنبيه" [ص 237]: (ويجوز أن يشرط عليهم بعد الدينار ضيافة من يمر بهم من المسلمين) و"الحاوي" [ص 617]: (ويزيد ضيافة المسلم المارّ) فيه أمران: أحدهما: أنه يستحب ذلك مع الإمكان كما صرح به "المنهاج" (¬4). ثانيهما: أن محل الضيافة على الغني والمتوسط، دون الفقير في الأصح كما ذكره "المنهاج" أيضاً (¬5)، وكان ينبغي أن يقول: (على النص) فقد نص عليه في "الأم" (¬6). 5405 - قوله: (وقيل: يجوز منها) (¬7) تختص الضيافة على هذا الوجه بأهل الفيء، حكاه الرافعي عن الروياني (¬8)، وأسقطه في "الروضة". 5406 - قولهم: (ويذكر عدد الضيفان) (¬9) يقتضي أنه لا حصر لذلك، ويوافقه قول "أصل ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (11/ 527). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 46). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (18/ 17). (¬4) المنهاج (ص 527). (¬5) المنهاج (ص 527). (¬6) الأم (4/ 179). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 527). (¬8) انظر "فتح العزيز" (11/ 524). (¬9) انظر "التنبيه" (ص 237)، و"الحاوي" (ص 617)، و"المنهاج" (ص 527).

الروضة": ثم إن تساووا في الجزية .. تساووا في الضيافة، وإن تفاوتوا .. فاوت بينهم؛ فيجعل على الغني ضيافة عشرين مثلاً، وعلى المتوسط عشرة، ثم قال: ولو شرط عدد الضيفان على جميعهم، وقال: يضيفون في كل سنة ألف مسلم .. قال الروياني: يكفي ذلك، ثم هم يوزعونها، أو يتحمل بعضهم عن بعض (¬1). لكن حكى شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن النص في "الأم" أنه قال: (وعلى الموسع أن ينزل كل من مر به ما بين ثلاثة إلى ستة لا يزيدون على ذلك، وعلى الوسط أن ينزل كل من مر به رجلين وثلاثة لا يزيد عليهم) (¬2). 5407 - قولهما: (رجالاً وفرساناً) (¬3) لم يذكره "الحاوي"، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا معنى له؛ لأن الأضياف لا يختلف عددهم ولا حالهم بكونهم رجالاً وفرساناً، وإنما الذي يتعلق بالفرسان علف دوابهم، وقد ذكره بعد ذلك. 5408 - قول "التنبيه" [ص 237]: (ويبين قدر الطعام والأدم) و"المنهاج" [ص 527، - والعبارة له - و"الحاوي" [ص 617، 618]: (وجنس الطعام والأدم، وقدرهما) قيده الشافعي رضي الله عنه بأنه يكون من نفقة عامة أهله؛ مثل الخبز والخل والزيت والجبن واللبن والحيتان والبقول المطبوخة (¬4)، وقال الماوردي: جنسه غالب قوتهم وأدمهم، وقدر الأدم: أكثره أربعة أرطال، وأقله رطلان، والثلاثة وسط، وقدر الأدم معتبر بالعرف الغالب (¬5). 5409 - قول "المنهاج" [ص 527]: (ولكل واحدٍ كذا) لو حذف الواو .. لكان أولى؛ لأنه بيان لما تقدم. 5410 - قولهم: (والعلف) (¬6) يقتضي أنه يشترط بيان جنسه وقدره، وليس كذلك؛ فيكفي الإطلاق، ويحمل على التبن والحشيش، ولا يجب الشعير إلا مع التصريح به، وإن ذكره .. بيّن قدره، ولا يعلف لكل واحد سوى دابة واحدة كما نص عليه (¬7). 5411 - قول "المنهاج" [ص 527]: (ومنزل الضيفان؛ من كنيسةٍ وفاضل مسكن) يقتضي تخصيص الإنزال بمن عليه الضيافة، وهم الأغنياء والمتوسطون، وليس كذلك؛ فقد نص الشافعي ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 314). (¬2) الأم (4/ 199). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 237)، و "المنهاج" (ص 527). (¬4) انظر "الأم" (4/ 199). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 306). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 237)، و "الحاوي" (ص 618)، و "المنهاج" (ص 527). (¬7) انظر "الأم" (4/ 199).

رضي الله عنه على أنهم إذا كثروا .. أنزلهم أهل الحاجة في فضل مساكنهم، وليست عليهم ضيافة (¬1)، وكذا قال في "الروضة": أو من بيوت الفقراء الذين لا يضيفون (¬2)، ولا يرد ذلك على "التنبيه" و"الحاوي" لإطلاقهما الضيافة كما تقدم. 5412 - قولهم: (ولا يزاد على ثلاثة أيام) (¬3) هذا هو المشهور من نصوص الشافعي رضي الله عنه (¬4)، لكن له نص آخر يدل على أنه يجوز اشتراط أكثر من ثلاث، وفي "أصل الروضة" بعد ذكره عدم الزيادة على ثلاث: وقال ابن كج: يشترط على المتوسط ثلاثة أيام، وعلى الغني ستة، وقال الإمام: إذا حصل التوافق على الزيادة .. فلا منع (¬5). 5413 - قول "التنبيه" [ص 237]: (ويقسم ذلك على عددهم وعلى قدر جزاهم) أي: على عددهم إن استوت جزاهم، وإلا .. فعلى قدرها. 5414 - قوله: (ويجوز أن يضرب الجزية على الأراضي - أي: على ما يخرج منها من ثمر وزرع - وعلى مواشيهم) (¬6) أي: الزكوية فيأخذها باسم الزكاة مضاعفة؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 618]: (ويضعف الزكاة بدله) أي: بدل الدينار، و"المنهاج" [ص 527]: (ويُضَعِّف عليهم الزكاة؛ عن خمسة أبعرة: شاتان، وخمس وعشرين: بنتا مخاضٍ، وعشرين ديناراً: دينارٌ، ومئتي درهم: عشرة وخُمُسُ المعشرات) أي: إن سقيت بلا مؤنة، وإلا .. فعشرها، وهنا أمران: أحدهما: إنما يقتصر على التضعيف إذا وفى الحاصل بقدر دينار لكل رأس، وإلا .. زاد إلى ثلاثة أضعاف وأكثر، ويجوز الاقتصار على قدر الزكاة أو أقل إذا حصل الوفاء بالدينار؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 619]: (فزاد إن نقص عن دينار لكل، ويُنصف إن وفى) واستحب جماعة زيادة شيء على قدر الصدقة؛ لإسقاط اسم الجزية، واستبعد الإمام المنع؛ لما فيه من التشبيه بالمسلمين في المأخوذ، وحط الصَّغَار بلا غرض مالي (¬7). ثانيهما: إن أريد: تضعيف الزكاة في كل شيء .. استثني منه زكاة الفطر، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم يتعرض لها عمر رضي الله عنه في التضعيف ولا الشافعي ولا أحد من ¬

_ (¬1) انظر"الأم" (4/ 199). (¬2) الروضة (10/ 314). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 237)، و"الحاوي" (ص 617)، و"المنهاج" (ص 527). (¬4) انظر "الأم" (4/ 199). (¬5) الروضة (10/ 314)، وانظر "نهاية المطلب" (18/ 21). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 237). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (18/ 69، 70).

الصحابة، وإن أريد: في الأموال التي ذكرها "المنهاج" .. ورد عليه زكاة التجارة والمعدن والركاز؛ فقد نص في "الأم" و"المختصر" على تضعيفها عليهم (¬1)، وإن أريد: مطلق الأموال الزكوية .. اقتضى عدم الأخذ من المعلوفة، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو بعيد، ولم أره في كلام الشافعي ولا أصحابه، واقتضى اطراد سائر أحكام الزكاة فيه، وفي كثير منها نظر وبُعْد. 5415 - قول "المنهاج" [ص 527]: (ولو وجب بنتا مخاض مع جبران .. لم يُضَعِّف الجبران في الأصح) فيه أمور: أحدها: صورة ذلك: أن يكون واجبه بنتي لبون؛ لكون إبله ستة وثلاثين، فيفقدهما، فله النزول إلى بنتي مخاض مع دفع الجبران، والصعود إلى حقتين مع أخذه، فظهر أنه لم يجب بنتا مخاض عيناً. ثانيها: قد يفهم من قوله: (لم يضعف الجبران) وكذا قول "الحاوي" [ص 618]: (لا الجبران) أنه يؤخذ مع بنتي مخاض جبران واحد، وهو شاتان أو عشرون درهماً، وليس كذلك، والمراد: أن يؤخذ جبرانان بلا تضعيف، فيؤخذ مع كل رأس شاتان أو عشرون درهماً، فكان ينبغي أن يقول: (مع جبرانين .. لم يضعَّفا) وقد وقع في "الروضة " وأصلها هنا تخليط لا يفهم معه المراد؛ سببه سقوط شيء من المسودة (¬2). ثالثها: كان ينبغي أن يقول: (على النص) فقد نص على ذلك في "الأم" (¬3)، وبتقدير عدم الاطلاع عليه .. فيعبر بالصحيح؛ لأن مقابله ضعيف جداً، قال في "الوسيط": إنه غلط (¬4). رابعها: مقتضى كلامه: أن الخيرة في ذلك للمالك كما في الزكاة، لكن نص الشافعي هنا على أن الخيرة للإمام (¬5)، فقد يكون موافقاً لذلك القول، وقد يفرق باتهام الكافر، فلم يفوض الأمر إلى خيرته. 5416 - قول "المنهاج" [ص 527]: (ولو كان بعض نصاب .. لم يجب قسطه في الأظهر) يفهم تخصيصهما بما نقص عن نصاب، وليس كذلك، بل يجريان في الأوقاص التي بين النصب أيضاً، ومحله: فيما إذا لم يخالط غيره، فإن خلط عشرين شاة بعشرين لآخر .. أخذ منه شاة؛ لأن الخلطة تقتضي على كل واحد نصف شاة، فضعفنا ذلك، وكان ينبغي التعبير بالمشهور؛ لأن مقابله ضعيف جداً. ¬

_ (¬1) الأم (4/ 200)، مختصر المزني (ص 278). (¬2) فتح العزيز (11/ 530)، الروضة (10/ 318). (¬3) الأم (4/ 201). (¬4) الوسيط (7/ 76). (¬5) انظر "الأم" (4/ 201).

فصل [جملة من أحكام عقد الذمة]

فصل [جملة من أحكام عقد الذمة] 5417 - قول "المنهاج" [ص 527]: (يلزمنا الكف عنهم، وضمان ما نتلفه عليهم نفساً ومالاً) يرجع ذكر النفس والمال إلى الكف والضمان، لكن الكف لا يختص بالمال، فنكف عن خمرهم وخنازير أيضاً إذا لم يظهروها؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 619]: (ويأمن نفساً ومالاً وزوجة وطفلاً وخمراً). 5418 - قول "التنبيه" [ص 239]: (وعلى الإمام حفظ من كان منهم في دار الإسلام) كذا لو انفردوا ببلد بجوارنا في الأصح؛ ولهذا أطلق "الحاوي" قوله [ص 620]: (وندفع عنه الكافر إن لم نشترط عدمه) و"المنهاج" [ص 527]: (ودفع أهل الحرب عنهم، وقيل: إن انفردوا ببلد .. لم يلزمنا الدفع) وهذا الوجه مقيد بأمور: أحدها: إن انفردوا ببلد في جوار دار الإسلام؛ فإن كانوا في وسط دار الحرب .. لم يجب الذب عنهم قطعاً. الثاني: أن يجري العقد مطلقاً، فإن جرى بشرط أن يذب عنهم أهل الحرب .. وجب الوفاء بالملتزم، وفيه احتمال للإمام (¬1). الثالث: ألاَّ يمر أهل الحرب بشيء من دار الإسلام، ومحل إطلاق "الحاوي": أنه إذا شرط عدم الدفع عنهم .. لم يجب ما إذا انفردوا عن المسلمين وعن أهل الحرب ببلد ولم يكن ممر من يقصدهم من أهل الحرب على المسلمين، فإن لم ينفردوا ببلد، أو انفردوا وكان ممر أهل الحرب القاصدين لهم على المسلمين .. لم يصح الشرط ولا العقد، وهو مفهوم من قوله في الجهاد: (وإن دخلتْ ولو خراب دار الإسلام .. فُرض على كل قوي) (¬2) لأن أهل الذمة إذا كانوا في بلاد الإسلام، أو في موضع يمر أهل الحرب على دار الإسلام .. فلا بد وأن يدخل من يقصدهم دار الإسلام. 5419 - قول "المنهاج" [ص 528]: (ونمنعهم إحداث كنيسة في بلد أحدثناه) فيه أمران: أحدهما: أن المراد: ما كان للتعبد، فإن كان لنزول المارة .. فقال الماوردي: يجوز إن كانت لعموم الناس، فإن قصروها على أهل دينهم .. ففيه وجهان (¬3). ثانيهما: قالوا مع منع الإحداث: لا ينقض ما يوجد فيها الآن من ذلك إذا لم يعرف إحداثه؛ ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (18/ 36). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 609). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 392).

لاحتمال أنه كان في قرية أو برية فاتصلت بالعمارة. 5420 - قوله: (وما فتح عنوة .. لا يحدثونها فيه، ولا يُقرُّون على كنيسة فيه في الأصح) (¬1) سبقه إلى تصحيحه الشيخ أبو حامد والمحاملي، وقطع به جمع من المراوزة، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ولكنه مخالف لنص "الأم" و"المختصر" فإنه قال بعد ذكر الكنيسة: (إنما يصالحهم على ذلك في بلادهم التي وجدوا فيها، ففتحوها عنوة أو صلحاً) (¬2)، قال: وممن صحيح جواز التقرير على الكنيسة القائمة في صورة الفتح عنوة الماوردي (¬3)، وقال الروياني في "الكافي": وإن فتحها المسلمون عنوة .. يجوز للإمام إقرار الكفار فيها باستطابة أنفس الغانمين، وإقرارهم على مالهم من البيع والكنائس من غير أن يحدثوا غيرها كما فعل عمر رضي الله عنه في أرض العراق، وغلط من قال بخلافه. 5421 - قول "الحاوي" [ص 620]: (وتُبقَّى في بلدنا إن شُرط) المراد ببلدنا هنا: ما فتح صلحاً على أن يكون للمسلمين وهم يسكنونه بخراج، وأجحف في الاختصار في تعبيره عن ذلك، وأوضحه "المنهاج" بقوله [ص 528]: (أو صلحاً بشرط الأرض لنا وبشرط إسكانهم وإبقاء الكنائس .. جاز) ومفهومهما: أنهم لو صولحوا على إحداث الكنائس في البلد المذكور .. لم يجز، وبه صرح الماوردي (¬4)، لكن في "أصل الروضة" عن الروياني وغيره جوازه (¬5). 5422 - قول "المنهاج" [ص 528]: (أو لهم .. قُرَّرَتْ، ولهم الإحداث في الأصح) كان ينبغي أن يقول: (على النص) فقد نص عليه في "الأم" (¬6). 5423 - قول "الحاوي" [ص 620]: (ويرمُّ ويعيد) أي: حيث جوز الإبقاء، وإنما ذكر هو جواز الإبقاء حيث فتح؛ ليكون لهم أو لنا وهم يسكنونه، ولم يتعرض لتقريرها في بلد الإسلام، فلا يفهم منه جواز الرم والإعادة مطلقاً. 5424 - قول "التنبيه" [ص 238]: (ولا يمنعون من إعادة ما استهدم منها، وقيل: يمنعون) ظاهره مواففة ما حكاه شيخنا عن النص والماوردي والروياني من جواز تقريرها فيما فتح عنوة (¬7)؛ لأن إعادة ما استهدم فرع جواز التقرير، وقد يقال: إنما كلامه فيما فتح صلحاً، وقال السبكي في ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 528). (¬2) الأم (4/ 206)، مختصر المزني (ص 277، 278). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 321). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 321). (¬5) الروضة (10/ 323). (¬6) الأم (4/ 206). (¬7) انظر "الأم" (4/ 206)، و"الحاوي الكبير" (14/ 321).

تصنيف له سماه "كشف الدسائس": الصواب: أن الضمير في كلامه يعم المسألتين؛ أي: مسألة ما إذا تهدم بعض كنيسته .. هل يمنع من ترميمها؟ وما إذا انهدمت كنيسة .. هل يمنع من إعادتها؟ قال في "التوشيح": وحاصل اختياره في مصنفاته في هدم الكنائس أنه لا يجوز التمكين من الترميم رأساً، وقال في قول الرافعي: لا منع من إعادتها إذا استرمت (¬1): أن الشيخ أبا حامد قد حكى الخلاف في ذلك، وليس مجزوماً به، بل مختلف فيه، والحق المنع، وقال في تعبير الرافعي وغيره بالجواز: أن فيه تسمحاً، والمراد: عدم المنع؛ فإن الجواز حكم شرعي، ولم يرد الشرع بإباحة بقاء الكنائس، وادعى أن الأمة مجمعة على أنا لا نأذن في ذلك، قال: وفرق بين الإذن وعدم الاعتراض، وقال في قول "المنهاج" [ص 528]: (ولهم الإحداث في الأصح) أن فيه أيضاً تجوزاً، ومراده: عدم المنع، قال: وعبارة "المحرر" سالمة من ذلك (¬2) ومن تمام تحقيقاته: أنه ادعى أن من جوز الترميم والإعادة بما تهدم نفسه لا بآلات جديدة، قال: وذلك هو مدلول لفظ الإعادة والترميم، وطالب من يدعي خلاف ذلك بنقل عن واحد من علماء الشريعة، قال: وبالجملة: مشهور مذهبنا: التمكين، والحق عندي خلافه، قال في "التوشيح": ومن واضحات أدلته: قول عمر رضي الله عنه في شروطه: ولا يجدد ما خرب منها، قال: فهذا يقتضي عدم تجديد ما خرب من الكنائس، سواء أكان الذي خرب كنيسة بجملتها أم بعض كنيسة. انتهى. وقال شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه": التحقيق في ذلك ما صححه الماوردي: أنه إن صارت دارسة .. فلا تعاد؛ لما فيه من معنى الإنشاء، وإن بقي منها جدران وآثار .. أعيدت (¬3). 5425 - قول "التنبيه" [ص 238]: (ويمنعون أن يعلوا على المسلمين في البناء) المراد: جيرانهم المسلمون، لا كل مسلم؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 528]: (ويمنعون وجوباً - وقيل: ندباً - من رفع بناء على بناء جارٍ مسلمٍ) وكذا قيده "الحاوي" بالجار (¬4)، والمنع لحق الدين، فلا يجوز برضا الجار. 5426 - قول "التنبيه" [ص 238]: (ولا يمنعون من المساواة، وقيل: يمنعون) الأصح: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" و "الحاوي" (¬5)، لكن حكى شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن نص "الأم" الاستحباب فقط، وعبارته: (وأحب أن يجعلوا بناءهم دون بناء المسلمين ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (11/ 539). (¬2) في حاشية (ج): (حيث قال: "ولا يمنعون من الإحداث في الأظهر"). المحرر (ص 457). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 321). (¬4) الحاوي (ص 620). (¬5) الحاوي (ص 620)، المنهاج (ص 528).

بشيء) (¬1)، قال شيخنا أيضاً: ومحل ما أطلقوه من منع الرفع والمساواة: فيما إذا كان بناء المسلم مما يعتاد للسكنى، فلو كان قصيراً لا يعتاد للسكنى؛ لأنه لم يتم بناؤه، أو لأنه هدمه، أو انهدم إلى أن صار كذلك .. لم يمنع الذمي من بناء جداره على أقل ما يعتاد السكنى؛ لئلا يتعطل عليه حق السكنى الذي عطله المسلم باختياره، أو تعطل عليه لإعساره، ثم إن بناه المسلم دونه مما لا يعتاد للسكنى .. لم يكلفه النقض عن أقل المعتاد؛ فإما أن يرفع بناءه أو يترك بناء الذمي بحاله. 5427 - قول "المنهاج" عطفاً على ما عبر فيه بالأصح [ص 528]: (وأنهم لو كانوا بمحلة منفصلة .. لم يُمنعوا) عبر عنه في "الروضة" بالصحيح (¬2). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو مخالف لظاهر النص في "الأم" و"المختصر" حيث قال: (ولا يحدثون بناء يطيلون به بناء المسلمين) (¬3) ولم يفرق بين المتصل والمنفصل، ثم قال في "الأم": (وإن كانوا في قرية يملكونها منفردين .. لم يمنعهم إحداث كنيسة ولا رفع بناء) (¬4)، قال شيخنا: يدل على منعهم من الرفع في دار الإسلام ولو كانوا منفردين بمحلة أو قرية، وهذا هو المعتمد في الفتوى. قلت: إذا كان المراد: الرفع على بناء الجار .. فكيف يتصور ذلك في القرية المنفردة ولا جيران فيها؟ ! بل كيف يتصور في المحلة المنفصلة ولو كانت في البلد؟ ! لأن لفظ الانفصال يدل على أنه لا ملاصق لهم من شيء من الجوانب، وقد قال في "أصل الروضة": كطرف من البلد منقطع عن العمارة. انتهى (¬5). فإن لاصقت دور البلد من أحد جوانبها .. اعتبرنا في ذلك الجانب ألاَّ يرتفع فيه بناء أهل الذمة على بناء من يجاورهم من المسلمين دون بقية الجوانب؛ إذ لا جار لهم فيها، والله أعلم، وأفتيت بمنع بروز الذمي في البحر والخلجان ونحوهما على جار له مسلم؛ لما فيه من الاطلاع على عورة المسلم، والتعظيم عليه، وهو المعنى المعتبر في منع الإعلاء، بل قياس منع المساواة في البناء: منع المساواة في البروز، وفيه بعد، والله أعلم. 5428 - قول "التنبيه" [ص 238]: (وإن ملكوا داراً عالية .. أقروا عليها) قد يفهم أنه لو انهدمت .. كان له إعادتها كما كانت، وليس كذلك، بل يمنع من الرفع ومن المساواة في الأصح، وحيث يقرون عليها يمنعون من طلوع سطوحها إلا بعد تحجيره، وإن لم يؤمر المسلمون بتحجير ¬

_ (¬1) الأم (4/ 206). (¬2) الروضة (10/ 325). (¬3) الأم (4/ 206)، مختصر المزني (ص 277). (¬4) الأم (4/ 206). (¬5) الروضة (10/ 325).

أسطحتهم، ويمنع صبيانهم من الإشراف وإن لم يمنع صبيان المسلمين من ذلك، حكاه في "الكفاية" عن الماوردي (¬1). 5429 - قول "التنبيه" [ص 238]: (ويركبون البغال) و"الحاوي" [ص 620]: (ويركب لا الخيل) يفهم جواز ركوب النفيس من البغال، وبه صرح "المنهاج" (¬2)، وقال في "أصل الروضة": قطع به كثيرون، وحكى المنع منها عن الفوراني والإمام والغزالي (¬3). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": البغال في هذا الزمان لا يركبها في الغالب إلا أعيان المسلمين أو من يتشبه بهم؛ فيمنع أهل الذمة من ذلك، لا توقف عندنا في الفتوى بذلك، ولم يتعرض الشافعي رضي الله عنه للتصريح بذلك، وإنما قال في "الأم" و"المختصر": (وأن يفرقوا بين هيئاتهم في اللباس والمركب وبين هيئات المسلمين) (¬4) وكلام الشافعي هذا شاهد لنا بالمنع من ركوب البغال النفيسة. 5430 - قول "المنهاج" [ص 528] و"الحاوي" [ص 620]: (ويركب بركاب خشب) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هو في ركاب خسيس، فأما الركاب من الخشب النفيس الذي جرت عادة أعيان المسلمين بالركوب .. فيمنعون منه. 5431 - قول "التنبيه" [ص 238]: (عَرْضاً) أي: يجعل رجليه من جانب، قال في "أصل الروضة": وعن الشيخ أبي حامد: أن لهم الركوب على الاستواء، ويحسن أن يتوسط بين أن يركب إلى مسافة قريبة من البلد أو إلى مسافة بعيدة (¬5). قال في "التوشيح": وينبغي ألاَّ يسامح إلا إذا بعد، وليس كالمسافر سفراً طويلاً؛ حيث يقصر من حين مفارقة البنيان، انتهى. وفي "أصل الروضة": عن ابن كج: أن هذا كله في الذكور البالغين، فأما النساء والصغار .. فلا يلزمون الصَّغار كما لا جزية عليهم (¬6)، لكن ذكر في تمييز اللباس: أن النساء يؤخذن بالغيار وشد الزنار (¬7) والتمييز في الحمام (¬8)، فعلى هذا: الإلزام بهذا الصغار مطلق بلا استثتاء. ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 325). (¬2) المنهاج (ص 528). (¬3) الروضة (10/ 325)، وانظر "نهاية المطلب" (18/ 54)، و"الوجيز" (2/ 202). (¬4) الأم (4/ 206)، مختصر المزني (ص 277). (¬5) الروضة (10/ 325). (¬6) الروضة (10/ 325). (¬7) الغيار: أن يخيطوا على ثيابهم الظاهرة ما يخالف لونه لونها، والزنار: خيط غليظ على أوساطهم خارج الثياب. انظر "الروضة" (10/ 326). (¬8) الروضة (10/ 326).

5432 - قولهما: (ويُلجؤون إلى أضيق الطرق) (¬1) عبر عنه "الحاوي" بقوله [ص 620]: (وترك صدر الطريق) أي: بحيث لا يقع في وهدة ولا يصدمه جدار، ثم محل ذلك مع الزحمة، وإلا .. فلا حرج، وظاهر قول "الحاوي" [ص 620]: (وترك صدر الطريق) يخالفه. 5433 - قولهما: (ولا يصدر في مجلس) (¬2) محله: ما إذا كان فيه مسلم. 5434 - قول "المنهاج" [ص 528] و"الحاوي" [ص 620]: (ويؤمر بالغيار) قد يفهم أن لبسه كله غيار، وليس كذلك؛ ولهذا قال "التنبيه" [ص 238]: (ويلزمهم أن يتميزوا عن المسلمين في اللباس، فإن لبسوا قلانس .. ميزوها عن قلانس المسلمين بالخرق) وعبارة "أصل الروضة": وهو أي: الغيار أن يخيطوا على ثيابهم الظاهرة ما يخالف لونه لونها، وتكون الخياطة على الكتف دون الذيل، هكذا أطلق، ويشبه أن يقال: لا يختص بالكتف، والشرط الخياطة في موضع لا يعتاد، وإلقاء منديل ونحوه كالخياطة، ثم الأولى باليهود: العسلي وهو الأصفر، وبالنصارى: الأزرق أو الأكْهَبْ، ويقال له: الرمادي، وبالمجوس: الأسود والأحمر. انتهى (¬3). قال شيخنا: وما ذكره من إلقاء منديل ونحوه ممنوع؛ لعدم استقراره، وما ذكره من الأولى لا دليل عليه. 5435 - قول "المنهاج" [ص 528]: (والزنار فوق الثياب) محله: في الرجل، أما المرأة .. فتشده تحت الإزار كما صرح به "التنبيه" (¬4)، وحكاه الرافعي عن "التهذيب" وغيره، وحكى عن الشيخ أبي حامد أنها تجعله فوق الإزار، قال: على الأول، وأشار بعضهم إلى اشتراط ظهور شيء منه (¬5)، وقال النووي: هذا لا بد منه، وإلا .. فلا يحصل كثير فائدة (¬6). قلت: وهو لا ينافي قول من قال: تشده تحته، فيصدق مع ظهور بعضه أنه مشدود تحت الإزار، والجمع بين الزنار والغيار تأكيد؛ فللإمام الاقتصار على شرط أحدهما. 5436 - قول "التنبيه" [ص 238]: (ويكون في رقابهم خاتم من رصاص أو نحاس أو جرس يدخل معهم الحمام) قد يفهم أنه يكون في رقابهم دائمًا حتى في الحمام، والذي في "الحاوي" [ص 620]: (وفي الحمام جُلجلاً أو خاتم حديد في عنقه)، وعبارة "المنهاج" [ص 528]: (وإذا دخل حماماً فيه مسلمون أو تجرد عن ثيابه .. جُعل في عنقه خاتم حديد أو رصاص ونحوه). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 238)، و"المنهاج" (ص 528). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 238)، و"المنهاج" (ص 528). (¬3) الروضة (10/ 326). (¬4) التنبيه (ص 238). (¬5) فتح العزيز (11/ 544)، وانظر "التهذيب" (7/ 508). (¬6) انظر "الروضة" (10/ 327).

وقوله: (ونحوه) منصوب عطفاً على قوله: (خاتم)، وقول "التنبيه": (أو جرس) هو بالرفع عطفاً على خاتم، وقد أفصح عن ذلك قول "الحاوي" [ص 620]: (جلجلاً أو خاتم حديد) ومراد "المنهاج": إذا تجرد بحضور المسلمين. 5437 - قول "التنبيه" [ص 238]: (ويكون في عنقها خاتم يدخل معها الحمام) مبني على جواز دخولها الحمام مع المسلمات، والأصح: المنع منه. 5438 - قولهم: (ويمنعون من إظهار خمر وخنزير وناقوس) (¬1) لا يخفى أن محله ما إذا كانوا في أمصار المسلمين، فإن كانوا في قرية يملكونها منفردة .. لم يمنعوا من ذلك كما نص عليه في "الأم" (¬2)، وصرح به "التنبيه" بعد ذلك. 5439 - قول "المنهاج" [ص 528]: (ويُمنع من إسماع المسلمين شركاً وقولهم في عزير والمسيح، ومن إظهار خمر وخنزير وناقوس وعيد، ولو شرطت هذه الأمور فخالفوا .. لم ينتقض العهد) يحتمل أن يكون معناه: شُرط عليهم ألاَّ يفعلوها، وأن يكون معناه: شرط انتقاض العهد بها، ولا إشكال في الأولى، وبنى الإمام الثانية على التأقيت؛ إن صح .. صح وانتقض بها، وإلا .. فباطل من أصله (¬3). قال الرافعي: والحكاية عن الأصحاب عدم الانتقاض وفساد الشرط ويتأبد العقد، ويحمل ذلك على التخويف (¬4). ورد شيخنا في "تصحيح المنهاج" تخريج الإمام؛ لموافقته في زناه بمسلمة على جريان الخلاف، ومنه: أنه إن شرط الانتقاض .. انتقض، وإلا .. فلا، ولم يذكر فيه الإمام تخريجه على تأقيت عقد الذمة، وكيف يتخرج على التأقيت مع أن الشرط قد لا يوجد فيستمر عقد الذمة؟ قال شيخنا: وتبع الرافعي في الحكاية عن الأصحاب الإمام والغزالي، ومقتضى نص "الأم": أنه إذا شرط عليهم فيها الانتقاض .. عمل بمقتضى الشرط؛ فإنه قال في صورة كتاب جزية: (وعلى أن أحداً منكم إن ذكر محمداً صلى الله عليه وسلم أو كتاب الله عز وجل أو دينه بما لا ينبغي أن يذكره به .. فقد برئت منه ذمة الله، ونقض ما أعطى عليه الأمان، وحل ماله ودمه كما تحل أموال أهل الحرب ودماؤهم، ثم قال: وعلى أن ليس لكم أن تظهروا في شيء من أمصار المسلمين الصليب، ولا تعلنوا بالشرك، ولا تبنوا كنيسة، ولا تضربوا بناقوس، ولا تظهروا قولكم بالشرك ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 238)، و"الحاوي" (ص 620)، و"المنهاج" (ص 528). (¬2) الأم (4/ 206). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (18/ 42، 43). (¬4) انظر "فتح العزيز" (11/ 546).

في عيسى ابن مريم ولا غيره لأحد من المسلمين، ثم قال: فإن غيرتم أو بدلتم .. فذمة الله بريئة منكم) (¬1) قال شيخنا: وحكى الماوردي في ذلك قولين. انتهى. وقال شيخنا ابن النقيب: سيأتي أن في ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالسوء طرقاً؛ فذكر الله أولى بذلك، وهذه الأمور تتضمن ذكره تقدس وتعالى بالسوء؛ فلا يتمشى ما ذكروه هنا من إلحاق ذلك بإظهار الخمر، إلا إذا قلنا بالطريقة الآتية، وهي: أن السوء الذي يتدينون به لا ينقض قطعاً (¬2). 5440 - قول "المنهاج" [ص 528] و"الحاوي" [ص 620]: (وينتقض بالقتال) أي: إن لم يكن لهم فيه شبهة كما تقدم ذكره في قتال البغاة. 5441 - قولهم - والعبارة لـ"التنبيه" -: (وإن امتنعوا من أداء الجزية أو التزام أحكام الملة .. انتقض عهدهم) (¬3) كذا أطلقوه، وخصه الإمام في الامتناع من الجزية بالقادر، أما العاجز إذا استمهل .. فلا ينقض، قال: ولا يبعد أخذها من الموسر قهراً ولا ينتقض، ونخص قولهم بالمتغلب المقاتل، ورأى في الامتناع من الالتزام أنه إن امتنع منها هارباً .. فلا، أو راكناً إلى قوة وعدة .. دُعي إلى الانقياد، فإن قاتل .. انتقض بالقتال، وأسند ذلك لمن قدمه، فحكى عن القاضي حصْر النقض في القتال (¬4). ونقل ابن كج قولين في منع إجراء الأحكام، وقد يفهم من تعبير "الحاوي" عن التزام أحكام الملة بالتمرد موافقة الإمام في عدم الانتقاض بالامتناع منها هارباً، وقد يفهم من تعبير "التنبيه" و"المنهاج" في الامتناع من الجزية بضمير الجمع، وفي الزنا بضمير الإفراد: أن الواحد لو امتنع من أدائها مع التزامها .. لا ينقض عهده، وهو ما عزاه الرافعي للماوردي (¬5). وقال في "الكفاية": ذكره الإمام احتمالاً بعد نقله عن الأصحاب الانتقاض، وعبارة "الحاوي" [ص 620]: (وينتقض بالقتال، ومنع الجزية) ثم قال: (وبشرطه إن زنا بمسلمة) (¬6) فهي شاملة للقتال والمنع من الآحاد. 5442 - قول "التنبيه" [ص 239]: (وإن زنا أحد منهم بمسلمة، أو أصابها بنكاح، أو آوى عيناً للكفار، أو دل على عورة المسلمين، أو فتن مسلماً عن دينه، أو قتله، أو قطع عليه الطريق؛ ¬

_ (¬1) الأم (4/ 197، 198). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 53). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 239)، و"الحاوي" (ص 620)، و"المنهاج" (ص 528). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (18/ 37، 38). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 317)، و"فتح العزيز" (11/ 547). (¬6) الحاوي (ص 620).

نظر: فإن لم يكن شرط ذلك في عقد الذمة .. لم ينتقض العهد، وإن شرط عليهم .. فقد قيل: ينتقض عهدهم، وقيل: لا ينتقض عهدهم) الأصح: الأول، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، والمراد: اشتراط انتقاض العهد بها كما أفصح به "المنهاج"، وهو معنى قول "الحاوي" [ص 620]: (وبشرطه) أي: بشرط الانتقاض، وفي "أصل الروضة": أصحهما: لا ينتقض، ثم قال: وهل المعتبر في الشرط الامتناع منه أم الانتقاض به؟ صرح الإمام والغزالي بالثاني، وكثيرون بالأول، ولا يبعد أن يتوسط فيقال: إن شرط الانتقاض .. فالأصح: الانتقاض، وإلا .. فالأصح: خلافه (¬2). قال في "المهمات": وهذا الترجيح الأخير منافٍ لتصحيحه الانتقاض مع الشرط؛ ولهذا لم يذكر الرافعي ذلك التصحيح، بل حكى عن طائفة الانتقاض، وعن آخرين المنع، ثم ذكر هذا الترجيح، وهو توسط بينهما، فأخذ في كل حالة يقول طائفة (¬3)، وهنا أمور: أحدها: لا يخفى في الزنا إقامة الحد، فلو رجم لإحصانه وفرعنا على الانتقاض .. فهل يصير ماله فيئاً؟ وجهان، بَيَّضَ في "الروضة" لبيان أصحهما (¬4)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأصح، بل الصواب: أنه يصير فيئاً. ثانيها: المراد: الزنا بمسلمة مع علمه بإسلامها حالة الزنا، والقياس: أن لواطه بغلام مسلم كذلك. ثالثها: المراد: إصابة المسلمة بنكاح عقده عليها حال إسلامها حالة الإصابة، فلو عقد على كافرة ثم أسلمت بعد الدخول فأصابها في العدة .. لم ينقض عهده؛ فقد يسلم فيستمر نكاحه؛ فأمره أخف. رابعها: زاد في "أصل الروضة" بعد قوله: (فتن مسلماً عن دينه): ودعاه إلى دينهم (¬5)، وقال في "المهمات": صدره يقتضي أنه لا بد من انتقال المسلم عن الإسلام، وآخره يقتضي الاكتفاء بدعائه إليه، فهل المعتبر الأول أو الثاني؟ قلت: لا نسلم أن قوله: (فتن مسلماً عن دينه) يقتضي حصول الردة، وإنما المراد: دعاؤه إليه فبيّن بقوله: (ودعاه إلى دينهم) المراد بقوله: (فتن مسلماً) للاحتراز عما لو أراه نصرانية افتتن هو بها وارتد بسببها عن دينه، فلو قال: (فإن دعاه إلى دينهم) .. لكان أولى، وقد عبر ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 620، 621)، المنهاج (ص 528). (¬2) الروضة (10/ 329)، وانظر "نهاية المطلب" (18/ 41)، و"الوجيز" (2/ 203). (¬3) انظر "فتح العزيز" (11/ 547، 548). (¬4) الروضة (10/ 329، 330). (¬5) الروضة (10/ 329).

"الحاوي" بقوله [ص 620]: (ودعا المسلم إلى دينه) وهي عبارة وافية بالمقصود مع اختصار؛ فهي أحسن من تعبير "التنبيه" و"المنهاج" بـ (فتن المسلم عن دينه) (¬1). خامسها: مقتضى تقييد "التنبيه": أنه لو قتل ذمياً أو قطع عليه الطريق .. لم يكن كذلك، وأقره عليه النووي في "تصحيحه" (¬2)، لكن عبر "الحاوي" بقوله [ص 620]: (وقطع الطريق، وقتل موجب القصاص) وكذا عبارة "الروضة" وأصلها (¬3)، وهو متناول لفعل ذلك مع الذمي، وقيد في "الأم" و"المختصر" قطع الطريق بكونه على مسلم (¬4)، وفي معناه: القتل أيضاً. 5443 - قول "التنبيه" [ص 239]: (وإن ذكر الله عز وجل أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو دينه بما لا يجوز .. فقد قيل: ينتقض عهده، وقيل: إن لم يشرط .. لم ينتقض، وإن شُرط .. فعلى الوجهين) الأصح: الطريقة الثانية، والأصح في الشرط: الانتقاض، وجمع "المنهاج" بين هذه المسألة والتي قبلها، وقال فيهما: (الأصح: أنه إن اشترط انتقاض العهد بها .. انتقض، وإلا .. فلا) (¬5) وأطلق محل الخلاف، وكذا في "الأم" و"المختصر" (¬6)، وصحح في "أصل الروضة" أن محله: فيما إذا ذكره بما لا يتدين به، فأما ما يتدين به .. فلا ينتقض به. ظهاره قطعاً (¬7)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 620، 621]: (وسب الرسول عليه السلام وذكر مخالف دينهم). وقال في "التوشيح": لا ينبغي أن يفهم من عدم الانتقاض أنه لا يقتل؛ فإن ذلك لا يلزم، وقد حقق ذلك الوالد رحمه الله في كتاب "السيف المسلول على من سب الرسول صلى الله عليه وسلم"، وصحح: أنه يقتل وإن قلنا بعدم انتقاض العهد. انتهى (¬8). 5444 - قول "التنبيه" [ص 239]: (ومن فعل ما يوجب نقض العهد .. رد إلى مأمنه في أحد القولين، وقُتل في الحال في القول الآخر) فيه أمور: أحدها: أن محل الخلاف: فيمن انتقض عهده بغير قتال، وقد ذكر ذلك "المنهاج" فقال [ص 528]: (ومن انتقض عهده بقتال .. جاز دفعه وقتاله) وعبارة "أصل الروضة": فلا بد من دفعهم والسعي في استئصالهم (¬9)، وهي أحسن؛ فإنه لا يُقتصر بدفعهم وقتالهم على الجواز، بل هو ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 239)، المنهاج (ص 528). (¬2) تصحيح التنبيه (2/ 217). (¬3) فتح العزيز (11/ 548)، الروضة (10/ 329). (¬4) الأم (4/ 197)، مختصر المزني (ص 277). (¬5) المنهاج (ص 528). (¬6) الأم (4/ 197)، مختصر المزني (ص 277). (¬7) الروضة (10/ 330). (¬8) السيف المسلول (ص 287). (¬9) الروضة (10/ 331).

واجب، وقد تقدم أن الجهاد عند دخول طائفة من أهل الحرب دار الإسلام فرض عين، ولا فرق بينها وبين التي كانت لها ذمة ثم انتقضت. ثانيها: لو كان ذلك ينبذ العهد .. فالأصح: القطع بالرد إلى مأمنه، وقد ذكره "المنهاج" (¬1). ثالثها: الأظهر: القول الثاني، ولا يتعين القتل، بل يتخير الإمام فيه بين القتل والاسترقاق والمن والفداء، لكن لو أسلم قبل الاختيار .. امتنع الرق، وقد ذكر ذلك "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، وحمله (¬3) شيخنا في "تصحيح المنهاج" على غير صورة القتال، فإن قاتلونا .. جرى عليهم حكم غيرهم من الأسراء في أنه لا يمتنع إرقاق من أسلم منهم قبل اختيار الإمام فيه، ويشكل على عدم تبليغه المأمن أن الذي حكاه الرافعي عن ابن كج والروياني وغيرهما تبليغ المهادن والداخل بأمان المأمن إذا انتقض عهده مع أن حق الذمي آكد منه (¬4)، والفرق مشكل. رابعها: يستثنى من تخيير الإمام فيه: ما إذا طلب تجديد العهد .. فيجب إجابته إلى عقد الذمة، ولا يجوز قتله، ذكره الرافعي في (حد السرقة) (¬5). 5445 - قول "التنبيه" [ص 239]: (ويجعل الإمام على كل طائفة منهم رجلاً يكتب أسمائهم) يشترط كونه مسلماً. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 529). (¬2) الحاوي (ص 621)، المنهاج (ص 528). (¬3) في النسخ: (وحمل)، ولعل الصواب ما أثبت، والله أعلم. (¬4) انظر "فتح العزيز" (11/ 562، 563). (¬5) انظر "فتح العزيز" (11/ 225).

باب الهدنة

باب الهدنة (¬1) 5446 - قول "التنبيه" [ص 239]: (لا يجوز عقد الهدنة إلا للإمام أو لمن فوض إليه الإمام) محله في عقدها للكفار مطلقاً أو لكفار إقليم، فأما لأهل بلدة خاصة .. فيجوز لوالي الإقليم أيضاً كما ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، وهنا أمور: أحدها: قال في "أصل الروضة": وكأنه مأذون فيه بتفويض مصلحة الإقليم إليه. انتهى (¬3). وهذا التعليل يقتضي أن له فعله بغير إذن الإمام؛ ولذلك أوردناه على"التنبيه"، وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج" أن هذا مخالف لنص "الأم" و"المختصر" فإنه اقتصر فيهما على الإمام ونائبه، ولم يذكر والي الإقليم (¬4)، قال: وهذا التوجيه قابل للنزاع؛ فقد لا يخطر ذلك بالبال عند التولية، وأيضاً فإذا أمكنت مراجعة الإمام من غير ضرر .. تعينت، وقال الماوردي في ولاة الثغور الذين تضمن تقليدهم الجهاد وحده: وليس لأحدهم عقد الهدنة إلا قدر فترة الاستراحة، وهي أربعة أشهر، ولا يجوز سنة، وفيما بينهما قولان (¬5)، وصدر به في "الكفاية" كلامه غير ناقل له عن الماوردي، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو طريق غير ما سبق. ثانيها: مرادهما أهل بلدة في إقليمه كما صرح به في "أصل الروضة" (¬6)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ويرد عليه ما لو لم تكن في إقليمه ولكن مجاورة له، ورأى المصلحة لأهل إقليمه في الهدنة معها؛ لأنه من مصالح إقليمه. ثالثها: قال الرافعي: القصور على بلدة واحدة في ذلك الإقليم لا معنى له؛ فإن الحاجة قد تدعو إلى مهادنة أهل بلاد في ذلك الإقليم، وتكون المصلحة في ذلك (¬7). رابعها: قال شيخنا أيضاً: ينبغي على مقتضى ما قالوه: ألاَّ يختص ذلك بوالي إقليم، بل من ولاَّه الإمام القيام بمصالح بلدة مجاورة للعدو .. جازت له الهدنة؛ لأنه فوض إليه مصلحة بلدة، وهذا منها. 5447 - قول "المنهاج" [ص 530]: (وإنما تعقد لمصلحة؛ كضعفنا بقلة عدد وأهبة، أو رجاء ¬

_ (¬1) في (ح): (كتاب الهدنة). (¬2) الحاوي (ص 622)، المنهاج (ص 530). (¬3) الروضة (10/ 334). (¬4) الأم (4/ 189)، مختصر المزني (ص 279). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 369). (¬6) الروضة (10/ 334). (¬7) انظر "فتح العزيز" (11/ 554).

إسلامهم، أو بذل جزية، فإن لم يكن .. جازت أربعة أشهر) يتبادر إلى الفهم منه أن مراده: فإن لم يكن مصلحة، وإياه فهم شيخنا في "المهمات"، وهذا باطل؛ فإنه إذا انتفت المصلحة .. لم يجز عقدها مطلقاً، وإنما مراده: أن المصلحة قد توجد مع ضعفنا بقلة عدد وأهبة، وقد يكون مع قوتنا رجاء إسلامهم أو بذل جزية؛ ففي الحالة الثانية وهي القوة .. تعقد أربعة أشهر؛ فقوله: (فإن لم يكن) أي: ضعف، وأحسن "التنبيه" في التعبير عن هذا فقال [ص 239، 240]: (وإذا رأى في عقدها مصلحة .. جاز، ثم ينظر: فإن كان مستظهراً .. فله أن يعقد أربعة أشهر، ثم قال: وإن لم يكن مستظهراً .. جاز أن يهادنهم عشر سنين) وأطلق "الحاوي" عقدها أربعة أشهر ثم قال: (ولضَعْفٍ عشر سنين) (¬1) فعلم أن مراده أولاً: مع القوة كما عرف من عادته، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج" مشيراً إلى ما فهمه في "المهمات" من عبارة "المنهاج": إن هذا لا يتخيله من له تأمل، وما ظننت أحداً يتخيله فضلاً عن الجزم به. قلت: الإيراد على الألفاظ ولفظ "المنهاج" يعطي ما ذكره وإن لم يكن مراده، والله أعلم. واقتصر الثلاثة على اعتبار المصلحة، واعتبر الرافعي أن يكون بالمسلمين إليه حاجة وفيه مصلحة، ثم قال: وقد تكون - أي: المصلحة - مع القوة. انتهى (¬2). وهو دال على أن المصلحة مع القوة، وتنتهي مع الضعف إلى الحاجة، ولما لم يتوقف عقد الذمة عليها .. صح أن المعتبر المصلحة، والصحيح عند انتفاء المصلحة والمضرة: أنه لا يجب، بل يجتهد فيه الإمام، قال الإمام: وما يتعلق باجتهاده لا يعد واجباً وإن لزمه رعاية الأصلح (¬3). 5448 - قول "التنبيه" [ص 240]: (وفيما بينهما أي: الأربعة والسنة - قولان) الأظهر: منعه، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": نصوص الشافعي رضي الله عنه متفقة في الهدنة عند القوة على أنها لا تجوز فوق أربعة أشهر، والقول الآخر محكي عن (سير الواقدي)، والذي في (سير الواقدي) ليس في الهدنة، وإنما هو في ترك وثني يقيم في دار الإسلام (¬5)، فعلى هذا: لا يثبت هذا القول هنا، وبتقدير إثباته .. فلا أكتفي في دون السنة بلحظة، بل أشترط أن يكون دونها بزمان يمكن الجهاد فيه في تلك السنة، نظراً إلى أن الجهاد فرض كل سنة، قال: ولم أر من تعرض لذلك. 5449 - قول "المنهاج" [ص 530] و"الحاوي" [ص 622]: (ولضَعْفٍ تجوز عشر سنين فقط) ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 622). (¬2) انظر "فتح العزيز" (11/ 554). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (18/ 79). (¬4) الحاوي (ص 622)، المنهاج (ص 530). (¬5) الأم (4/ 283).

عبارة "التنبيه" [ص 240]: (وإن لم يكن مستظهراً، أو كان ولكن يلزمه مشقة في غزوهم؛ لبعدهم) فزاد حالة المشقة، ومرادهم: أن العشر غاية المدة، ولا يجوز الوصول إليها إلا عند الاحتياج لها، فلو اندفعت الحاجة بدون ذلك .. لم تجز الزيادة عليه. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ويستثنى من المدتين المذكورتين: الهدنة مع النساء خاصة؛ فإنهن يجوز أن يعقد لهن الهدنة من غير تقييد؛ لانتفاء المعنى المذكور في التقييد. 5450 - قول "المنهاج" [ص 530]: (ومتى زاد على الجائز .. فقولا تفريق الصفقة) يتناول صورتي القوة والضعف، وقد نص في "الأم" في الأولى على التفريق فقال: (وليس له أن يقول: لا أفي لك بأربعة أشهر؛ لأن الفساد إنما هو فيما جاوزها) (¬1)، وفي الثانية على البطلان فقال: (وإن هادنهم إلى أكثر منها .. فالهدنة منتقضة) (¬2)، واختار شيخنا في "تصحيح المنهاج" تقرير النصين، وفرق بأن الأشهر الأربعة منصوصة في القرآن، وأما في صورة الضعف .. فأمر اجتهادي بحسب الحاجة، وقال: لم أر أحداً تعرض لذلك، وهو طريق راجح. 5451 - قوله: (وإطلاق العقد يفسده) (¬3) يقتضي أنه لا خلاف فيه؛ لحكايته الخلاف فيما بعده، وليس كذلك؛ ففيه وجه أنه يصح، وينزل عند الضعف على عشر، وعند القوة على سنة أو أربعة أشهر قولان. 5452 - قوله: (وكذا شرط فاسد على الصحيح) (¬4) كان ينبغي أن يقول: (على النص) فإنه منصوص عليه في "الأم" و "المختصر" (¬5). 5453 - قوله في أمثلته: (أو بدفع مال إليهم) (¬6) استثنى منه في "أصل الروضة": ما إذا دعت ضرورة إلى بذل مال؛ بأن كانوا يعذبون الأسرى في أيديهم ففديناهم، أو أحاطوا بنا وخفنا الاصطلام .. فيجوز بذل المال ودفع أعظم الضررين بأخفهما، قال: وفي وجوب بذل المال عند الضرورة وجهان بناء على وجوب دفع الصائل، قال النووي من زيادته: ليس هذا البناء بصحيح، وقد سبق أن الصائل إذا كان كافراً .. وجب دفعه قطعاً، ثم الخلاف في وجوب الدفع هناك بالقتال وهنا بالمال، والأصح: وجوب البذل هنا للضرورة. انتهى (¬7). ¬

_ (¬1) الأم (4/ 191). (¬2) الأم (4/ 189). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 530). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 530). (¬5) الأم (4/ 196)، مختصر المزني (ص 279). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 530). (¬7) الروضة (10/ 335).

وأشار لاستثناء ذلك في "الحاوي" بقوله [ص 622]: (والتزام مال بلا خوف)، وقد نص على استثنائهما في "الأم" و"المختصر"، ولم يقيد الفداء بتعذيبهم الأسرى، ومقتضاه: جوازه وإن لم يوجد التعذيب. وقال في "المهمات": دعواه بطلان البناء مردود؛ فقد ذكره القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وصاحب "البيان" وغيرهم، ومحل القطع بوجوب دفع الكافر: إذا قصد النفس ولم يندفع إلا بالقتل، وهو هنا يندفع بالمال، وللخلاف هنا وجه؛ فإن الذل كما يحصل بالاستسلام يحصل ببذل مال، وقوله: (ثم الخلاف في وجوب الدفع بالقتال وهنا بالمال) مراده به: أن الخلاف مع انتفائه في حق الكافر وثبوته في حق المسلم خاصة إنما صورته في المسلم في القتال وهنا في بذل المال، فكيف يأتي؟ ، وجوابه ما ذكرناه أن مجيء الخلاف فيه أيضاً ظاهر، وتصحيحه وجوب البذل هنا مخالف لقوله آخر (السير): إن قل الأسرى مستحب، وممن جزم بجوازه فقط القاضي حسين والإمام والغزالي. انتهى. وحمل شيخنا في "تصحيح المنهاج" استحباب فك الأسرى على ما إذا لم يعاقبوا، فإن عوقبوا .. وجب، وقال: إن المراد: الخلاف فى دفع الصائل على غير الدافع، والخلاف فيه معروف؛ لأن الإمام يدفع الصائل على المسلمين بما يدفعه من المال، وبتقدير بذله من المحاط بهم، فكل واحد يعطي عن نفسه وعن غيره. 5454 - قولهما - والعبارة لـ"المنهاج" -: (وتصح الهدنة على أن ينقضها الإمام متى شاء) (¬1) لا يختص ذلك بالإمام، بل لو عقدها على أن لفلان نقضها متى شاء .. صح أيضاً، بشرط كون فلان مسلماً عدلاً ذا رأي؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 622]: (أو ما شاء مسلمٌ عدل ذو رأي). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والمقصود أنه مع القوة يحتاج إلى نقضها عند انقضاء الأربعة، ومع الضعف عند انقضاء العشر أو انتهاء الحاجة، وفيما قبل ذلك يتخير، ولم أر من صرح بذلك. 5455 - قول "التنبيه" [ص 240]: (وعلى الإمام أن يدفع عنهم الأذية من جهة المسلمين، ولا يلزمه دفع الأذية عنهم من جهة أهل الحرب) سكت عن أهل الذمة، ومفهومه فيهم متدافع، وكذا قول "المنهاج" [ص 530]: (ومتى صحت .. وجب الكف عنهم) والمنقول: أنه يجب دفع أذى أهل الذمة عنهم أيضاً؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 623]: (ويمنع الإمامُ من قصدهم مسلماً وذمياً) ولا يختص ذلك بالإمام العاقد، بل يتعدى إلى من بعده من الأئمة، فإن رآه من بعده ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 240)، و"المنهاج" (ص 530).

فاسداً .. قال الروياني: إن كان فساده بالاجتهاد .. لم ينقضه، أو بنص أو إجماع .. نقضه، ولو انفردوا ببلد بطرف بلاد الإسلام .. لم يجب ذب أهل الحرب عنهم ولو أمكن، ذكره في "الكفاية". 5456 - قول "المنهاج" [ص 530]: (أو ينقضوها بتصريح، أو قتالنا، أو مكاتبة أهل الحرب بعورة لنا، أو قتل مسلم) قد يقتضي الحصر فيما ذكره، وليس كذلك؛ فقد زاد عليه في "أصل الروضة" إيواء عيون الكفار وأخذ مال أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم قال: قال الإمام: والمضرات التي اختلف في انتقاض عقد الذمة بها ينتقض العهد بها بلا خلاف؛ لأن الهدنة ضعيفة غير متأكدة ببذل الجزية (¬1). 5457 - قوله: (وإذا انتقضت .. جازت الإغارة عليهم وبياتهم) (¬2) فيه أمران: أحدهما: أن محله: فيما إذا كانوا في بلادهم، فأما من في بلادنا .. فلا يغتال ويبلغ المأمن كذا في "الروضة" وأصلها (¬3). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": نص "الأم" يخالفه؛ حيث قال: (كانوا في وسط دار الإسلام وفي بلاد العدو، وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة) (¬4)، قال: والمعتمد ما نص عليه. ثانيهما: ظاهره جواز ذلك وإن لم يعلموا أنه ناقض، وهو الأصح في "أصل الروضة" (¬5)، وقال الرافعي: إنه الموافق لإطلاق المعظم، ثم قال: وينبغي أن يقال: إذا لم يعلموا أنه خيانة .. لا ينتقض العهد إلا إذا كان المأتي به بما لا يشك في مضادته للهدنة كالقتال (¬6). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والذي نقوله: أنه إذا كان الغالب أن ذلك مما تعرفه الأنفس أنها خالفت ما صدر منها .. فإنه ينتقض به العهد، وإن لم يعلموه؛ لأنهم مقصرون باقدامهم عليه، ولكن ينذرون، فإن قالوا: نجدد صلحاً .. أجابهم إليه. 5458 - قولهم - والعبارة لـ"التنبيه" -: (وإن خيف منهم نقض العهد .. جاز أن ينبذ إليهم عهدهم) (¬7) الأصح في الخوف: أنه لا ينتقض إلا بحكم حاكم بذلك، وكلامهم يوهم خلافه. ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 337)، وانظر "نهاية المطلب" (18/ 101). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 530). (¬3) فتح العزيز (11/ 560)، الروضة (10/ 337). (¬4) الأم (4/ 186). (¬5) الروضة (10/ 337). (¬6) انظر "فتح العزيز" (11/ 560). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 240)، و"الحاوي" (ص 623)، و "المنهاج" (ص 530).

5459 - قول "التنبيه" [ص 240]: (وإن جاءت مسلمة .. لم يجز ردها إليهم) كذا لو جاءت كافرة وأسلمت عندنا .. لا يجوز ردها إليهم. 5460 - قول "المنهاج" [ص 530 - 531]: (ولا يجوز شرط رد مسلمة تأتينا منهم، فإن شُرط .. فسد الشرط، وكذا العقد في الأصح) هو داخل في قوله فيما تقدم: (وكذا شرط فاسد) وقد عبر فيه بالصحيح (¬1)، وهو مخالف لتعبيره فيه هنا بالأصح، وكان ينبغي أن يقول: (على النص) فقد نص عليه في كتبه. 5461 - قول "التنبيه" [ص 240]: (وإن جاء زوجها يطلب ما دفع إليها من الصداق، . ففيه قولان: أحدهما: يجب رده إليه، والثاني: لا يجب) الأظهر: الثاني، وعليه مشى "الحاوي" (¬2) و"المنهاج"، وعبارته: (وإن شرط رد من جاءنا، أو لم يذكر رداً فجاءت امرأة .. لم يجب دفع مهر إلى زوجها في الأظهر) (¬3) وفيه أمور: أحدها: لا يخفى أن المراد: فجاءت امرأة مسلمة، وكذا لو جاءت كافرة فأسلمت عندنا كما تقدم، وكذا لو ارتدت بعد إسلامها وجاء زوجها يطلبها قبل أن تقتل كما نص عليه. ثانيها: أنه خص محل الخلاف بهذين التصويرين .. فاقتضى وجوب دفع المهر فيما لو شرط رد النساء، وليس كذلك، فكان ذكر هذه الصورة أولى؛ لأنهما يفهمان منها بطريق الأولى. نعم؛ لو شرط عدم الرد .. فلا غرم قطعاً. ثالثها: أن مقتضاه: أن مقابل الأظهر: وجوب دفع مهر؛ إما المسمى أو مهر المثل، وكلاهما غير صحيح، وإنما الواجب على ذلك القول ما دفعه الزوج من الصداق المسمى؛ ولهذا عبر به "التنبيه". رابعها: محل الخلاف: عند طلب الزوج كما صرح به "التنبيه"، وكذا وكيله، فلو طلبها غير الزوج من المحارم وغيرهم .. لم يجب الدفع قطعاً، وأطلق "المنهاج" محل الخلاف (¬4)، وإن كانت أمة وكان زوجها عبداً ولم يفسخ بالعتق .. فلا بد من طلب الزوج والمالك الذي أعطى المهر، نص عليه في "الأم" (¬5). خامسها: محل الخلاف: ما إذا جاءت بلد الإمام أو نائبه، فلو جاءت بلداً ليس فيها الإمام ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 530). (¬2) الحاوي (ص 623). (¬3) المنهاج (ص 531). (¬4) المنهاج (ص 531). (¬5) الأم (4/ 195، 196).

ولا نائبه .. فعلى أهل البلد منعها حسبة، ولا يغرمون المهر ولا الإمام، نص عليه في "الأم" (¬1)، وحكى الرافعي عدم غرم الإمام عن ابن كج، ثم قال: والأحسن ما حكاه البغوي وغيره: أنه إن قال عند المهادنة: (من جاءني منكم مسلماً .. رددته) .. لم يلزمه شيء، وإن قال: (من جاء من المسلمين، أو من جاءنا) .. وجب (¬2). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهذا التفصيل ليس بحسن، والمعتمد ما أطلقه في "الأم". سادسها: ومحل الخلاف أيضاً: مع بقاء العدة، فلو كان بعد انقضائها .. لم يدفع له شيء قطعاً، ذكره الرافعي بحثاً (¬3)، وحكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن نص "الأم" (¬4). سابعها: ومحل الخلاف أيضاً: ما إذا لم يخالعها قبل الطلب أو يطلقها طلاقاً بائناً، فإن فعل ذلك بعد الطلب .. لم يسقط حقه على ذلك القول. ثامنها: ومحل الخلاف أيضاً: ما إذا كانت حية عند الطلب، فإن ماتت قبله .. لم يستحق شيئاً، ذكره والذي قبله في "أصل الروضة" (¬5). 5462 - قول "التنبيه" [ص 240]: (وإن جاء منهم مسلم .. لم يجب رده إليهم) يستثنى منه: ما إذا شُرط ذلك .. فيجب رده في صورتين: إحداهما: إذا كانت له عشيرة تحميه وطلبته عشيرته. الثانية: أن يطلبه غير عشيرته، لكنه يقدر على قهر طالبه، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 623]: (ويفي بالشرط الصحيح؛ كردِّ رجل حر قادر على طالبه، أو ذي عشيرة إن طلبت) و"المنهاج" فقال [ص 531]: (ويرد من له عشيرة طلبته إليها لا إلى غيرها، إلا أن يقدر المطلوب على قهر الطالب والهرب منه)، ولم يصرح "المنهاج" بوجوبه بالشرط، ثم ليس المراد بالرد: إلزامه بذلك، وقد أوضحه "المنهاج" بقوله [ص 531]: (ومعنى الرد: أن يخلي بينه وبين طالبه، ولا يُجبر على الرجوع، ولا يلزمه الرجوع). وفي "أصل الروضة" فيمن لا عشيرة له وغلب على الظن أنه يُذَل ويهان (¬6)، فاحتمل أن يكون شرطاً زائداً، أو أن يكون وصفاً لازماً لمن لا عشيرة له غالباً. ¬

_ (¬1) الأم (4/ 195). (¬2) فتح العزيز (11/ 568)، وانظر "التهذيب" (7/ 525). (¬3) انظر"فتح العزيز" (11/ 568). (¬4) الأم (4/ 196). (¬5) الروضة (10/ 344). (¬6) الروضة (10/ 345).

ونازع شيخنا في "تصحيح المنهاج" في الصورة الثانية، وقال: هذا شيء ذكره البغوي ومن تبعه (¬1)، وهو غير صحيح، فلا يرد إلا إذا طلبته عشيرته، وقول "المنهاج" [ص 531]: (وكذا عبد وحر لا عشيرة له على المذهب) يقتضي أن في العبد طريقين، وليس فيه في "الروضة" إلا وجهان، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": كان ينبغي التعبير فيه بالنص؛ لأنه نص في "الأم" على عدم رده. وأورد على قول "الحاوي": (كرد رجل حر قادر على طالبه) أن مقتضاه: أنه إذا عقد بشرط رد من جاءنا من المسلمين أو من الرجال المسلمين منهم مطلقاً من غير تفصيل .. أنه لا يصح العقد؛ لأنه يدخل فيه من يجوز رده ومن لا يجوز، وبه صرح أصحابنا البغداديون، وكلام الإمام والغزالي يقتضي الصحة (¬2)، وكذا الرافعي (¬3)، ونقله العمراني عن المسعودي، وصوبه (¬4) الفوراني (¬5). 5463 - قول "المنهاج" [ص 531]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 623]: (وله قتل الطالب، ولنا التعريض له به لا التصريح) قيده شيخنا في "تصحيح المنهاج" فيهما بأن يكون ذلك بغير حضرة الإمام، وأشار في "المحرر" لخلاف فيهما بتعبيره بالظاهر (¬6)، فجزم بذلك "المنهاج"، وأسقط ذلك الخلاف، وقال في "الدقائق": إن قول "المحرر": (والظاهر أن له قتل الطالب) فيه إشارة إلى احتمال فيه، ولم يُرد إثبات خلاف فيه. انتهى (¬7). والاحتمال المذكور للإمام، وقد أقامه الرافعي وجهاً، وأعلم له بالواو (¬8)، وقد أكثر "المنهاج" من عد احتمالات الإمام وجوهاً، وعبر فيها بالأصح، والله أعلم. 5464 - قول "المنهاج" [ص 531]: (والأظهر: جواز شرط ألاَّ يردوا) أي: من جاءهم مرتدًا منا. استثني منه: النساء، وقد صرح به "الحاوي" فقال [ص 623]: (لا المرأة)، واستثنى شيخنا في "تصحيح المنهاج" شيئين آخرين: ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (7/ 525). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (18/ 93)، و"الوجيز" (2/ 205). (¬3) انظر "فتح العزيز" (11/ 573). (¬4) في النسخ: (وصوابه)، ولعل الصواب ما أثبت. (¬5) انظر "البيان" (12/ 312). (¬6) المحرر (ص 460). (¬7) الدقائق (ص 75). (¬8) فتح العزيز (11/ 574)، وانظر "نهاية المطلب" (18/ 96).

أحدهما: العبيد، فقال: لا بد من ردهم على ملاكهم، قال: وذكر الماوردي أنهم يغرمون قيمتهم؛ تفريعاً على أنه لا يجب عليهم تسليمهم ولا التمكين منهم (¬1)، قال: والمعتمد ما ذكرناه. الثاني: الأحرار المجانين بعد الردة الذين ذهبوا إليهم في حال جنونهم يطالبهم بردهم؛ لأن مجيئهم إليهم لم يكن باختيارهم، فلا أثر له، فإن ذهبوا في حال عقلهم ثم جنوا هناك .. لم نطالبهم بردهم، قال: ولم أر من تعرض لذلك. 5465 - قول "التنبيه" [ص 240]: (وإن دخل حربي إلى دار الإسلام من غير أمان .. جاز قتله واسترقاقه) يستثنى منه: ما إذا دخل لرسالة أو سماع قرآن .. فله حكم الأمان، وقد ذكرهما "الحاوي" (¬2)، وعبر عنهما النووي في "تصحيحه" بالصواب (¬3)، وفيه نظر؛ ففي "الكفاية": أن كلام القاضي أبي الطيب والبندنيجي وغيرهما يفهم أن دخوله لأداء رسالة يتوقف على الإذن، وكلام غيرهم - منهم ابن الصباع والإمام - يقتضي خلافه. وفي معناهما أيضاً: ما لو دخل ليبذل الجزية .. فهو في أمان، ذكره في "الكفاية"، وعبر ابن يونس في "النبيه" بأنه كالأسير؛ ليشمل جواز فدائه والمن عليه. 5466 - قول "التنبيه" [ص 240]: (وإن استأذن في الدخول ورأى الإمام المصلحة في الإذن .. جاز أن يأذن له، فإن دخل .. جاز أن يقيم اليوم والعشرة) محله: ما إذا لم تنقض حاجته إلا في هذه، فإن انقضت في دونها .. لم يمكن من الإقامة بمطلق الإذن؛ للغرض السابق، ذكره في "الكفاية". 5467 - قوله: (وإن طلب أن يقيم مدة .. جاز أن يأذن له في المقام أربعة أشهر، ولا يجوز سنة وفيما بينهما قولان) (¬4) الأظهر: أنه لا يجوز، وقد تقدم ذلك من كلام "المنهاج" و"الحاوي" في أمان الآحاد. 5468 - قول "التنبيه" [ص 240]: (وفي حد السرقة والمحاربة قولان) الأظهر: أنه لا يجب، وعليه يدل كلام "الحاوي" في (السرقة) (¬5)، واستحسن الرافعي أنه إن شرط عليهم القطع؛ إذا سرق .. قطع، وإلا .. فلا. ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (14/ 368). (¬2) الحاوي (ص 612). (¬3) تصحيح التنبيه (2/ 220). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 240). (¬5) الحاوي (ص 591).

5469 - قول "التنبيه" [ص 240]: (فإن رجع إلى دار الحرب بإذن الإمام في تجارة أو رسالة .. فهو باق على الأمان في نفسه وماله) كذا الزيادة، ولم يتعرض في "المهذب" لاعتبار إذن الإمام، وكذا سكت عنه غيره. نعم؛ لو عقد الإمام على تكرره مدة .. كان آمناً في كل دفعة. 5470 - قوله فيما إذا رجع للاستيطان: (فإن أودع مالاً في دار الإسلام .. لم ينتقض الأمان فيه، ويجب رده إليه) (¬1) قد يفهم أنه لا يجوز دخوله لأخذه، وليس كذلك؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 611]: (وطلبه يُؤمِّنه) أي: طلب المال، ويحتمل عوده على المالك أو الوارث؛ لقوله قبله: (وإن مات .. فلوارثه) (¬2) وحينئذ .. فعوده على الوارث أظهر، وهو المذكور في "شرحي الرافعي" والموافق لعبارة "الوجيز" (¬3). 5471 - قول "التنبيه" [ص 240]: (فإن قتل ومات في دار الحرب .. ففي ماله قولان: أحدهما: أنه يرد إلى ورثته، والثاني: يغنم ويصير فيئاً) الأظهر: الأول، وعليه مشى "الحاوي" (¬4)، ولا يخفى أنه إذا لم يكن له وارث .. فهو فيء قطعاً. 5472 - قول "التنبيه" [ص 240]: (وإن أُسِر واسترق .. صار ماله فيئاً) الذي في الرافعي بناء هذه المسألة والتي بعدها - وهي ما إذا مات في الأسر - على التي قبلها، وهي ما إذا مات في دار الحرب على حريته، فإن قلنا هناك بالأظهر: أنه لورثته .. وقف هنا؛ فإن عتق .. فهو له، وإن مات رقيقاً .. فالأظهر: أنه يكون فيئاً، وإن قلنا هناك: يكون فيئاً .. فهنا قولان: أحدهما: هذا. والثاني: يوقف؛ لاحتمال أن يعتق ويعود، بخلاف الموت، فإن عتق .. سلم إليه، وإلا .. فهو فيء على الأصح، وقيل: للسيد (¬5). وفي "أصل الروضة": أن ابن الصباغ قطع بهذا القول الثاني (¬6)، قال في "الكفاية": ولم أره فيه، وذكر في "الكفاية": أن قول "التنبيه" أولاً [ص 240]: (وإن أسر واسترق .. صار ماله فيئاً) تفريع على القول في المسألة قبلها بأنه فيء؛ فكان الأحسن حينئذ: أن يكون بالفاء، فيقال: (فإن أسر). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 240). (¬2) الحاوي (ص 611). (¬3) الوجيز (2/ 196)، فتح العزيز (11/ 477، 478). (¬4) الحاوي (ص 611). (¬5) فتح العزيز (11/ 476، 477). (¬6) الروضة (10/ 291).

وظهر بما ذكرناه أن قول "الحاوي" [ص 611]: (فإن رق. . ففيء) محله: فيما إذا مات على رقه، وأما ما دام حياً. . فلا يحكم بكونه فيئاً، بل هو موقوف، وأن قوله بعده: (وإن مات. . فلوارثه) (¬1) أي: مات على حريته. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 611).

كتاب الصيد والذبائح

كتابُ الصَّيُد والذّبائح كذا في "التنبيه" و"المنهاج" تقديم الصيد في الترجمة على الذبائح، لكنهما قدَّما في ذكر الأحكام الذبائح على الصيد (¬1). 5473 - قول "المنهاج" [ص 532]: (ذكاة الحيوان المأكول بذبحه في حَلْقٍ أو لَبَّةٍ إن قُدر عليه، وإلا .. فبعَقْرٍ مُزهِقٍ) فيه أمران: أحدهما: أورد على حصره الجنين الذي يوجد في بطن أمه ميتاً؛ فإنه لم يذبح ولا عقر، وهو حلال، ولا يحصل الجواب بذكره له في الأطعمة؛ لأن الإيراد على حصره هنا، وقد يقال: الكلام في الذكاة استقلالاً، والحل في الجنين بطريقة التبعية، فلو خرج رأسه وفيه حياة مستقرة .. فقال القاضي والبغوي: لا يحل إلا بذبحه؛ لأنه مقدور عليه، وقال القفال: يحل؛ لأن خروج بعض الولد كعدم خروجه في العدة وغيرها (¬2)، وصححه النووي (¬3)، فلو خرج رأسه ميتاً، فذبحت الأم قبل انفصاله .. حل كما قاله البغوي حكاه ابن الرفعة، ثم قال: وقد يمنع حله. ثانيهما: أن كلامه هنا يقتضي تسمية الكل ذبحاً، وقوله بعد ذلك: (ويسن نحر إبل وذبح بقر وغنم) (¬4) يقتضي أن المسنون في الإبل لا يسمى ذبحاً، وفسر الذبح: بأنه قطع الحلق، وهو أعلى العنق، والنحر: بأنه قطع اللبة، وهي أسفل العنق. 5474 - قول "المنهاج" [ص 532]: (وشرط ذابح وصائد حل مناكحته) أحسن وأخصر من قول "التنبيه" [ص 82]: (ولا تحل ذكاة المجوسي والمرتد ونصارى العرب وعبدة الأوثان) وأحسن منهما قول "الحاوي" [ص 624]: (من نناكحه وأمةٍ كتابيةٍ) لإشارته لاستثناء الأمة الكتابية من تحريم ذبيحة من لا تحل مناكحته؛ فإنها لا يحل نكاحها وذبيحتها حلال، وإن كان "المنهاج" ذكر المسألة عقبه، لكن ذكرها في الضابط أولى، على أنه قد أورد على عبارتهما أمور: أحدها: أمهات المؤمنين رضي الله عنهن لا تحل مناكحتهن وتحل ذبيحتهن، أورده في "المهمات"، وقال: ينبغي أن يقول في الضابط: من لا تحل مناكحته لنقصه، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": كن يحل نكاحهن للمسلمين قبل أن ينكحهن، وبعد أن نكحهن، فالتحريم ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 82)، المنهاج (ص 532). (¬2) انظر "التهذيب" (8/ 26). (¬3) انظر "الروضة" (3/ 279، 280). (¬4) المنهاج (ص 533).

على غيره لا عليه، فهو رأس المسلمين صلى الله عليه وسلم، فلا يورد ذلك إلا قليل البصيرة. ثانيها: كان ينبغي تقييد حل المناكحة بالمسلمين؛ فإن تناكح أهل الكتاب جائز. ثالثها: يرد عليه أيضاً ذبح المحرم أو صيده أو الحلال في حرم مكة للصيد؛ فإنه ميتة على الجديد. 5475 - قول "المنهاج" [ص 532]: (ويحل ذبح صبي مميز، وكذا غير مميز، ومجنون وسكران في الأظهر) فيه أمور: أحدها: أن محله في غير المميز إذا أطاق الذبح، فإن لم يُطق .. لم يحل، نص عليه في "الأم" و"المختصر" (¬1)، قاله شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقد يقال: لا حكم للمعجوز عنه، وإنما يحكم على ما يدخل تحت القدرة. ثانيها: تبع في الترجيح "المحرر" (¬2)، وصححه في "الروضة" من زوائده (¬3)، ولم يصحح في "الشرحين" شيئاً، بل قوة كلامه في "الشرح الصغير": ترجيح المنع؛ فإنه قال: فيه قولان، أظهرهما عند الإمام وجماعة: المنع، وزاد في "الكبير": وقطع الشيخ أبو حامد وصاحب "المهذب" بالحل (¬4)، وكذا صحح شيخنا في "تصحيح المنهاج" طريقة القطع بالحل. ثالثها: قال البغوي: إن كان للمجنون أدنى تمييز أو للسكران قصد .. حل قطعاً (¬5). رابعها: قد يفهم أنه لا كراهة في ذكاة المجنون والسكران، ولا سيما وقد قال بعده: (وتكره ذكاة أعمى) (¬6) وليس كذلك، بل تكره ذكاتهما، وبه صرح في "التنبيه" (¬7)، ونص عليه الشافعي، فلو قال "المنهاج": (وتكره كالأعمى) .. لكان أخصر وأحسن. 5476 - قول "التنبيه" [ص 82]: (ثم أرسله من هو من أهل الذكاة) يقتضي حل اصطياد الأعمى؛ لأنه من أهل الذكاة كما تقدم، وليس كذلك؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 624]: (وإرسال بصير) وقال "المنهاج" [ص 532]: (ويحرم صيده برمي وكلب في الأصح) وفيه أمور: أحدها: تعبيره (بالأصح) يقتضي أنه وجه، وليس كذلك، بل هو مقتضى نص "الأم" حيث ¬

_ (¬1) الأم (2/ 229، 240)، مختصر المزني (ص 284). (¬2) المحرر (ص 461). (¬3) الروضة (3/ 238). (¬4) فتح العزيز (12/ 7)، وانظر "المهذب" (1/ 252). (¬5) انظر "التهذيب" (8/ 6). (¬6) المنهاج (ص 532). (¬7) التنبيه (ص 82).

قال: (وإذا أصابت الرمية الصيد والرامي لا يراه فذبحته أو بلغت ما شاءت .. لم يأكله، وجد به أثراً من غيرها أو لم يجده) (¬1). ثانيها: أطلق موضع الخلاف، وفي "أصل الروضة": الأشبه أنه مخصوص بما إذا أخبره بصير بالصيد، فأرسل الكلب أو السهم، وكذا صورها في "التهذيب"، وأطلق الوجهين جماعة. انتهى (¬2). وقال الإمام: عندي أن الوجهين مخصوصان بما إذا أدرك حسن الصيد، وبنى إرساله عليه (¬3). قال في "المهمات": وتعبيره وتعبير الرافعي قاصران عن المعنى، والصواب: التعبير بعبارة تعمهما. ثالثها: مقتضى كلام الثلاثة: حل صيد المجنون والصبي والسكران، ويخالفه أن في "الروضة" وأصلها: أن الوجهين في الأعمى يجريان في اصطياد الصبي والمجنون (¬4)، ومقتضاه: استواء الترجيح، لكن صحيح في "شرح المهذب": حل اصطيادهما (¬5)، وقال الشافعي رضي الله عنه عنه في "الأم": ولا بأس بصيد الصبي، حكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج" (¬6). 5477 - قول "التنبيه" [ص 82]: (ولا يحل من الحيوان المأكول شيء من غير ذكاة إلا السمك والجراد) قال في "شرح المهذب": لا يرد على الحصر الصيدُ الذي قتله جارحة أو سهم، وكذا الحيوان الذي يتردى في بئر أو يندُّ؛ فإنه يقتل حيث أمكن؛ فإن ذلك ذكاة لهما، قال: وكذا الجنين في بطن أمه؛ فإن ذكاة أمه ذكاة له كما ورد به الحديث (¬7). وأورد ابن الرفعة على الحصر: ما لو خرج رأس ميتاً فذبحت الأم قبل انفصاله .. فإنه يحل كما قاله البغوي، ثم قال: وقد يمنع حله، وعبارة "المنهاج" [ص 532]: (وتحل ميتة السمك والجراد ولو صادهما مجوسي) فلم يأت بحصر صريح. وأورد عليهما: أن مقتضى كلامهما: أن غير السمك من حيوان البحر لا تحل ميتته، وليس كذلك في الأصح، ويدل على انقسام حيوان البحر إلى السمك وغيره قول "المنهاج" في أول (الأطعمة) [ص 539]: (حيوان البحر السمك منه حلال كيف مات، وكذا غيره في الأصح)، لكن ¬

_ (¬1) الأم (2/ 228). (¬2) الروضة (3/ 238، 239)، وانظر"التهذيب" (8/ 22). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (18/ 179). (¬4) فتح العزيز (12/ 7)، الروضة (3/ 239). (¬5) المجموع (9/ 73). (¬6) الأم (2/ 229). (¬7) المجموع (9/ 69).

الأصح في "أصل الروضة" و"شرح المهذب": أن اسم السمك يقع على جميع حيوان البحر (¬1). وأجيب عن عبارة "المنهاج": بأن المراد: ما ليس على صورة السمك المشهورة؛ بدليل قول الرافعي في "الشرح" والنووي في "شرح المهذب": وما ليس على صورة السمك المشهورة (¬2). واستُثني من حل ميتة السمك مسألتان: أحدهما: إذا وجدت سمكة في جوف أخرى ميتة .. حلت، إلا أن تنقطع وتتغير في الأصح؛ لأنها كالروث والقيء. ثانيهما: في زيادة "الروضة" في تحريم الصيد على المحرم عن الروياني عن الأصحاب: أنه إذا قتل الجراد .. يحرم؛ ففي تحريمه على غيره قولان في ذبح المحرم الصيد (¬3)، لكن قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": المعتمد أنه لا يحرم على غيره، وفي زيادة "الروضة": أنه لو ذبح مجوسي سمكة .. حلت، وهو الموافق لقول "المنهاج" هنا [ص 532]: (ولو صادهما مجوسي). 5478 - قول "المنهاج" [ص 532]: (وكذا المتولد من طعام؛ كخل وفاكهة إذا أكل معه في الأصح) ليس في "المحرر"، وقال في "الدقائق": إن "المحرر" أشار إلى هذا بقوله: (ما تحل ميتته كالسمك والجراد) فأشار إلى ميتة حلال سواهما (¬4). وهذا يدل على أن "المنهاج" أراد بقوله: (وكذا الدود) يعني: ميتة الدود، ولم يتعين إرادة "المحرر" الدود؛ لأن الصيد الميت بالضغطة والجنين استثناهما الرافعي في الميتات؛ فالظاهر أنه أرادهما. ومقتضى كلام "المنهاج" و"الدقائق" تحريم أكله حياً مع الطعام، وليس كذلك، بل يحل، ولا يجيء فيه الخلاف في ابتلاع السمكة حية، ولولا كلامه في "الدقائق" .. لحمل على الأعم من كونه حياً وميتاً، والأليق ذكر هذا في الأطعمة، وقيد شيخنا في "تصحيح المنهاج" حل أكله معه بألاَّ ينقله أو يسحبه من موضع من الطعام إلى آخر، فإن فعل .. فكالمنفرد، فيحرم في الأصح. 5479 - قوله: (ولا يُقطع بعض سمكة، فإن فعل أو بلع سمكة حية .. حل في الأصح) (¬5) فيه أمور: ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 274)، المجموع (9/ 29). (¬2) فتح العزيز (12/ 141)، المجموع (9/ 29). (¬3) الروضة (3/ 155). (¬4) الدقائق (ص 75)، وانظر "المحرر" (ص 461). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 532).

أحدها: قال شيخنا ابن النقيب: قوله: (ولا يقطع بعض سمكة) أي: يحرم هذا الفعل (¬1). قلت: يوافق ذلك قول "النهاية": لا شك أن ذلك غير سائغ؛ فإنه في معنى التعذيب (¬2)، لكن عبارة الرافعي: لا ينبغي، وعبارة "الروضة": يكره (¬3). ثانيها: قوله: (فإن فعل) أي: مع حياة الباقي، فإن لم يبق في الباقي حياة .. فلا خلاف في الحل، وكلام الرافعي يدل عليه. ثالثها: تعبيره بالأصح يقتضي أنه وجه، وقد حكاه الشيخ أبو حامد في صورة المتطوع عن نص "الأم". رابعها: الخلاف ضعيف جداً، كان ينبغي التعبير عنه بالصحيح إن لم يطلع على النص. خامسها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": مقتضاه: أن لنا وجهاً في ابتلاع السمكة حية: أنها لا تحل، وليس كذلك، بل هي حلال قطعاً، وإنما الخلاف في أن هذا الفعل هل يحرم؟ وكلام الرافعي يشهد له، ولكن ذكر الإمام والغزالي خلافه (¬4)، وهو غير معروف. 5480 - قول "أصل المنهاج": (ولو تردى بعير ونحوه في بئر ولم يمكن قطع حلقومه .. فَكَنَادٍّ) (¬5) يقتضي أنه كالناد في إرسال السهم والجارحة، وكذا يقتضيه إطلاق "الحاوي" قوله [ص 624]: (وإرسال بصير جارحة) بعد قوله: (كإبل شرد أو تردى) وبه قال البصريون، لكن صحح الروياني: أنه لا يحل بإرسال الجارحة عليه، وقال الرافعي بعد حكايته عنه: ولك أن تتوقف فيه (¬6)، واقتصر على نقله عنه في "الشرح الصغير" من غير ذكر هذا التوقف، ومن غير ذكر ترجيح البصريين، واستدركه في "المنهاج" فقال من زيادته [ص 533]: (الأصح: لا يحل بإرسال الكلب، وصححه الروياني والشاشي). ونازعه في "المهمات" في النقل عن الشاشي، وقال: إنما نقل الشاشي تصحيحه عن الماوردي. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن ما صححه النووي مخالف لظواهر نصوص الشافعي ولمقتضى إطلاق كثير من الأصحاب ... ثم بسط ذلك، ثم قال: فالمذهب المعتمد: هو الحل. 5481 - قول "المنهاج" [ص 533]: (ومتى تيسر لحوقه بعدوٍ أو استغاثة بمن يستقبله .. فمقدور ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 68). (¬2) نهاية المطلب (18/ 157). (¬3) فتح العزيز (12/ 9)، الروضة (3/ 239). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (18/ 158)، و"الوجيز" (2/ 206). (¬5) المحرر (ص 462)، المنهاج (ص 532). (¬6) فتح العزيز (12/ 11).

عليه) يفهم أنه متى تعسر ذلك .. كان غير مقدور، وليس كذلك، بل لا بد من تحقق العجز عنه في الحال؛ ولذلك عبر "الحاوي" [ص 624] بـ (المعجوز عنه). 5482 - قول "المنهاج" [ص 533]: (ويكفي في الناد والمتردي جرح يفضي إلى الزهوق، وقبل: يشترط مذففٌ) فيه أمران: أحدهما: لا يختص هذا الخلاف بالناد والمتردي، بل يجري في الوحشي بطريق الإصابة كما صرح به الإمام والغزالي (¬1). ثانيهما: هذا الخلاف إنما هو في الرمي، فأما في إرسال الكلب .. فلا يشترط التذفيف قطعاً. 5483 - قوله: (وإن مات بتقصيره؛ بألا يكون معه سكين أو غُصبت أو نشبت في الغِمد .. حرم) (¬2) رجح شيخنا في "تصحيح المنهاج": الحل فيما إذا غصبت بعد الرمي، أو كان الغمد معتاداً غير ضيق فنشبت لعارض. 5484 - قوله: (ولو رماه فَقَدَّه نصفين .. حلاَّ) (¬3) أي: قطعتين، ولا يشترط تساويهما، بل الشرط ألاَّ يبقى في واحدة منهما حياة مستقرة. 5485 - قوله: (فيما لو أبان منه عضواً بغير مذفف، ولم يتمكن من ذبحه ومات بالجرح .. حل الجميع، وقيل: يحرم العضو) (¬4) تبع فيه "المحرر" (¬5)، وصحح في "الروضة" و"الشرحين": تحريم العضو (¬6)، وعليه مشى "الحاوي" بقوله [ص 625]: (وللمبان بمذفف) وهو الحق؛ أنَّه أبين من حي؛ كقطع ألية شاة ثم ذبحها. 5486 - قول "المنهاج" [ص 533]: (وذكاة كل حيوان قدر عليه: بقطع كل الحلقوم - وهو مخرج النفس - والمريء؛ وهو مجرى الطعام) و"الحاوي" [ص 624]: (تمام الحلقوم والمريء) تبعا في هذا التعبير الغزالي؛ فإنه عبر بتمام (¬7)، ونبه الرافعي على أنه لا يحتاج إليه؛ فإنه إذا ترك بعضهما .. لم يكن قاطعاً لهما (¬8)، ولهذا لم يذكر "التنبيه" هذه اللفظة، وعبر بالحلقوم والمريء (¬9). ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (18/ 130)، و"الوجيز" (2/ 206). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 533). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 533). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 533). (¬5) المحرر (ص 462). (¬6) فتح العزيز (12/ 13، 14)، الروضة (3/ 242). (¬7) انظر "الوجيز" (2/ 212). (¬8) انظر "فتح العزيز" (12/ 83). (¬9) التنبيه (ص 82).

ويرد عليهما: أنه يشترط مع ذلك أن يصادف القطع كون المذبوح ذا حياة مستقرة، قال الإمام: في ابتداء الذبح خاصة (¬1)، وفي أثناء كلام النووي ترجيحه (¬2)، ولهذا قال "الحاوي" [ص 624]: (المزهق حياة مستقرة) وقوة كلام الغزالي وغيره تقتضي اشتراط استقرار الحياة بعد القطع، وحكاه في "الكفاية" عن الماوردي والغزالي، وأنه مقتضى نصه في "المختصر" (¬3). 5487 - قول "الحاوي" [ص 624]: (وظناً، بشدة حركة، وانفجار دم، وآخر) أي: ولو كان وجود الحياة المستقرة بطريق الظن، وذلك بشدة حركة وانفجار دم وعلامات أخر، تبع فيه الإمام (¬4)، وقال النووي: الأصح: الاكتفاء بشدة الحركة، وهو مقتضى كلام الرافعي (¬5). ويستثنى من اعتبار استقرار الحياة: ما لو انتهى الحيوان بالمرض إلى حركة المذبوح .. فإن ذبحه كاف. 5488 - قول "التنبيه" [ص 82]: (والمستحب أن يقطع الأوداج كلها) قال في "التحرير": أنكر عليه؛ لأنهما ودجان فقط (¬6)، ولذلك عبر "المنهاج" بقوله [ص 533]: (ويستحب قطع الودجين، وهما: عرقان في صفحتي العنق). وأجيمب عن "التنبيه": بأن إطلاق لفظ الجمع على الاثنين مستعمل إما حقيقة أو مجازاً، وفي الرافعي: أنه يقال للحلقوم والمريء معهما: الأوداج، لكن لا يقال في قطع الحلقوم والمريء: إنه مستحب (¬7). 489 ء - قول "المنهاج" [ص 533]: (ولو ذبحه من قفاه .. عصى، فإن أسرع فقطع الحلقوم والمريء وبه حياة مستقرة .. حل، وإلا .. فلا) كان ينبغي أن يقول: (فوصل إلى الحلقوم) لما قدمناه من أن العبرة بوجود الحياة المستقرة في ابتداء الذبح خاصة. 5490 - قول "التنبيه" [ص 82]: (والمستحب أن ينحر الإبل ويذبح البقر والغنم)، قال في "المنهاج" [ص 533]: (ويجوز عكسه) وظاهره بلا كراهة، وهو المشهور كما في "أصل الروضة" (¬8). ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (18/ 182). (¬2) انظر "الروضة" (3/ 202). (¬3) مختصر المزني (ص 284)، وانظر "الحاوي الكبير" (15/ 99)، و"الوجيز" (2/ 212). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (18/ 185). (¬5) انظر "فتح العزيز" (12/ 82)، الروضة (3/ 204). (¬6) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 164). (¬7) فتح العزيز (12/ 80). (¬8) الروضة (3/ 207).

قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو ممنوع؛ فقد نص في "الأم" على الكراهة (¬1)، ولم أقف على النص على مقابله، وفي "الكافي" للروياني: المنصوص: أنه يكره، وقال بعض أصحابنا: لا يكره، وكأنه أشار به للشيخ أبي حامد، وجزم الماوردي بأنه أساء (¬2). 5491 - قولهما: (وأن يكون البعير قائماً معقول ركبةٍ) (¬3) أي: اليسرى كما صرح به في شرح "المهذب" (¬4). 5492 - قولهما: (والبقرة والشاة مضجعة لجنبها الأيسر) (¬5) كذلك الخيل والصيود، قاله في "شرح المهذب" (¬6). 5493 - قول "التنبيه" [ص 82]: (ولا يذبح بسكين كال، فإن ذبح بها .. حل) هو مفهوم من استحباب "المنهاج" و"الحاوي" تحديد الشفرة (¬7)، ومحل الحل: ألاَّ يكون كلالها غير قاطع إلا بشدة اعتماد وقوة الذابح، فإن كان كذلك .. لم يحل، ويشترط أيضاً: ألاَّ ينتهي الحيوان قبل استكمال قطع حلقومه ومريئه إلى حركة مذبوح. 5494 - قول "الحاوي" [ص 626]: (ونُدب سرعة القطع) تبع الرافعي في استحبابه (¬8)، لكن مقتضى إيراده في موضع آخر وجوبه. 5495 - قولهما: (ويوجه إلى القبلة ذبيحته) (¬9) الأصح: أنه يوجه المذبح دون الوجه؛ ليمكنه هو أيضاً الاستقبال؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 626]: (وتوجيه المذبح). 5496 - قولهما: (وأن يقول: "باسم الله") (¬10) لا يختص ذلك بحالة الذبح، بل يسمى أيضاً عند الرمي إلى الصيد أو إرسال الكلب إليه؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 626]: (لدى فعله) أي: من الذبح أو الرمي أو الإرسال؛ لأنه ابتداء الفعل، ويتأدى الاستحباب أيضاً بالتسمية عند عض الجارحة أو إصابة السهم، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 626]: (أو العض أو الإصابة)، ¬

_ (¬1) الأم (2/ 217). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (4/ 377). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 82)، و"المنهاج" (ص 533). (¬4) المجموع (9/ 82). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 82)، و"المنهاج" (ص 533). (¬6) المجموع (9/ 82). (¬7) الحاوي (ص 626)، المنهاج (ص 534). (¬8) انظر "فتح العزيز" (12/ 83). (¬9) انظر "التنبيه" (ص 82)، و"المنهاج" (ص 534). (¬10) انظر "التنبيه" (ص 82)، و"المنهاج" (ص 534).

فصل [في بعض شروط الآلة والذبح والصيد]

وقوله: (وندب تسمية الله تعالى وحده) (¬1) أي: لا يقول: باسم الله، واسم محمد، كما صرح به "المنهاج" (¬2) فإن ذلك لا يجوز، وقال الرافعي: إن أراد: أذبح باسم الله وأتبرك باسم محمد .. فينبغي ألاَّ يحرم، وقول من قال: لا يجوز يحمل على كراهة اللفظة، قال: وتنازع جماعة من فقهاء قزوين فيه، هل تحل ذبيحته أم لا؟ وهل يكفر أم لا؟ والصواب ما بيناه (¬3). ولم يرد "الحاوي" الاحتراز بذلك عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنها مستحبة كما صرح به "التنبيه" و"المنهاج"، ومقتضى كلامهما: أنها من سنن الذبح. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والذي قاله الشافعي في "الأم": (والتسمية على الذبيحة باسم الله، فإذا زاد بعد ذلك شيئاً من ذكر الله عز وجل .. فالزيادة خير، ولا أكره مع تسميته على الذبيحة أن يقول: صلى الله على رسول الله، بل أحبه له، وأحب له أن يكثر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في كل الحالات) (¬4)، وبسط ذلك، قال شيخنا: وقصد الشافعي بذلك المبالغة في مخالفة مالك في قوله: لا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مع التسمية على الذبيحة، لا أنه أثبت أن ذلك سنة من سنن الذبح، ولا توقف أن الإكثار من الصلاة والسلام عليه مطلوب، وإنما الكلام في السنن في محل خاص، ولم يذكر الشافعي ذلك في الوضوء والتيمم والغسل ونحوها. فصَلٌ [في بعض شروط الآلة والذبح والصيد] 5497 - قول "المنهاج" [ص 534]: (يحل ذبح مقدور عليه) كذا في "المحرر" (¬5)، ولو عبر كما في "الروضة" بقوله: (لا يحل مقدور عليه إلا بالذبح في الحلق أو اللبة) (¬6) .. لكان أصوب وأحسن. 5498 - قول "التنبيه" [ص 82]: (ويجوز الذبح بكل ما له حد يقطع إلا السن والظفر) مقتضاه: جواز الذبح بسائر العظام، وليس كذلك؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 534]: (إلا ظفراً وسناً وسائر العظام) و"الحاوي" [ص 624]: (بجارح لا عظم)، وقال في "شرح المهذب": ينكر على "التنبيه" قوله: (إلا السن والظفر) لاقتضائه جواز الذبح بالعظام المحددة سوى السن، ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 626) ذ. (¬2) المنهاج (ص 534). (¬3) انظر "فتح العزيز" (12/ 85). (¬4) الأم (2/ 239). (¬5) المحرر (ص 463). (¬6) الروضة (3/ 240).

وهذا لا يجوز بلا خلاف؛ فكان حقه أن يقول: إلا العظم والظفر أو إلا الظفر والسن وسائر العظام (¬1)، لكنه قال في "تصحيحه": الأصح: أن الذبح بالعظم لا يجزئ (¬2)، وذلك بدل على وجود الخلاف فيه، وظاهر نص "الأم" و"المختصر" الإجزاء في بقية العظام؛ فإنه لم يستثن فيهما سوى الظفر والسن (¬3)، وحكاه الماوردي عن الشافعي رضي الله عنه صريحاً أنه قال فيمن ذبح بالعظم: كرهته، ولا يبين لي أن يحرم؛ لأنه لا يقع عليه اسم سن ولا ظفر، قال الماوردي: وفيه عندي نظر (¬4). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": بل هذا النص هو المذهب المعتمد، وهو مقتضى نص "الأم" و"المختصر"، وعليه العمل في الطريقين. انتهى. وفي الرافعي: لو ركب عظم على سهم وجعل نصلاً له فقتل به صيداً .. لم يحل، وعن "الحاوي": أن الشافعي قال: كرهته لي، ولا يبين لي أن يحرم (¬5)، ولم يذكر في "الروضة" المحكي عن "الحاوي"، وقال: لم يحل على المشهور (¬6)، وقد عرفت أن الذي في "الحاوي" عن الشافعي: حل الذبح بالعظم مطلقاً، سواء جعل نصل سهم وقتل به صيداً أم لا. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": قول "الروضة": (على المشهور) يقتضي إثبات قولين، ومن أثبت قولين في ذلك. قال في "الكفاية": ويستثنى من السن والظفر: ما قتله الكلب بظفره ونابه. قلت: لا يصح الاستثناء؛ لأن الكلام في الذبح، وقتل الكلب بظفره ونابه ليس من الذبح؛ ولهذا قال النشائي: وفي إيراده على لفظ الذبح بُعْدٌ مع أنه يأتي في الكتاب (¬7). 5499 - قول "المنهاج" [ص 534]: (فيما لو جرحه نصل وأثر فيه عُرْضُ السهم في مروره ومات بهما .. حَرُمَ) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه ممنوع؛ فإنه إذا جرحه النصل ثم مر السهم فأثر فيه عرضه .. كان ذلك من ضرورة الرمي، فأشبه ما لو خرق بالنصل ونفذ السهم من ذلك الخرق؛ فإن مثل هذا لا يؤثر قطعاً، والذي في "الروضة" وأصلها: أن يصيب الصيد طرف من النصل، فيجرحه، ويؤثر فيه عُرْضُ السهم في مروره (¬8)، وهذا يمكن القول بتحريمه، والمعتمد ¬

_ (¬1) المجموع (9/ 79). (¬2) تصحيح التنبيه (1/ 267). (¬3) الأم (2/ 235)، مختصر المزني (ص 282). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 29). (¬5) فتح العزيز (12/ 15)، وانظر "الحاوي الكبير" (15/ 29). (¬6) الروضة (3/ 243). (¬7) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 75). (¬8) فتح العزيز (12/ 17)، الروضة (3/ 244).

عندنا في ذلك: أن كلاً من التصويرين لا تحريم فيه إذا كان الجرح لو انفرد .. كان مؤثراً، وأيضاً فقد يكون عرض السهم رقيقاً بحيث يكون محدداً، ولا توقف في حِله، وما ذكره الرافعي والنووي لم أقف عليه في كلام غيرهما، ونص "الأم" يقتضي خلافه. 5500 - قوله: (أو أصابه سهم فوقع بأرض أو جبل ثم سقط منه) (¬1) لو عبر بدل أرض بسطح كما في "المحرر" (¬2) .. لكان أولى؛ لأن المتبادر إلى الفهم منه: وقع بأرض ولم ينتقل عنها، وأن قوله: (ثم سقط منه) يعود للجبل؛ لإفراده الضمير، وقد قال عقبه: (أنه لو أصابه سهم بالهواء فسقط بأرض ومات .. حل) (¬3) فإن حمل كلامه أولاً على أنه وقع بأرض عالية ثم سقط منها .. فليس في عبارته ما يدل عليه، ثم هنا أمران: أحدهما: أن عبارة "المحرر": (فتدهور منه) (¬4)، ويفهم من ذلك التكرر، بخلاف لفظ السقوط، وقد جعل أبو الفرج الزاز موضع التحريم ما إذا كثر ترديه، وحكى فيما إذا لم يسقط إلا مرة واحدة وجهين، وقال: الظاهر أنه لا يحرم. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو مقتضى كلام غيره؛ لأنهم يصورن هذا بالتدهور، وكذا في "الروضة" تبعاً لـ" الشرح" (¬5)، ولكن ظاهر نص "الأم" يخالفه؛ فإنه قال: (لو وقع على جبل فتردى من موضعه الذي وقع عليه قليلاً أو كثيراً .. كان متردياً لا يؤكل) (¬6)، فمقتضى هذا: أن عبارة "المنهاج" جيدة. انتهى. ولهذا أطلق "التنبيه" التردي (¬7). ثانيهما: محل ذلك: ما إذا لم يَنْتَه الصيد بإصابة السهم إلى حركة المذبوح، فإن كان كذلك .. لم يكن لما يعرض بعده أثر. 5501 - قول "المنهاج" [ص 534]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 625]: (ولو أصابه سهم بالهواء فسقط بأرض ومات .. حل) فيه أمران: أحدهما: محل ذلك: إذا جرحه السهم في الهواء جرحاً مؤثراً، فلو لم يجرحه، بل كسر جناحه، أو جرحه جرحاً لا يؤثر فعطل جناحه فوقع ومات .. لم يحل. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 534). (¬2) المحرر (ص 463). (¬3) المنهاج (ص 534). (¬4) المحرر (ص 463). (¬5) فتح العزيز (12/ 17)، الروضة (3/ 244). (¬6) الأم (2/ 236). (¬7) التنبيه (ص 83).

ثانيهما: قد يخرج بقوله: (فسقط بأرض) ما لو سقط بماء، ويوافقه قول "التنبيه" [ص 83]: (وإن رمى صيداً فأصابه السهم ووقع في ماء فمات .. لم يحل) ومحله: في غير طير الماء؛ ففي "أصل الروضة" فيما إذا رمى طير الماء: إن كان على وجه الماء فأصابه ومات .. حل، والماء له كالأرض، وإن كان خارج الماء ووقع فيه بعد إصابة السهم .. ففي حله وجهان، ذكرهما في "الحاوي"، وقطع في "التهذيب" بالتحريم، وفي "شرح مختصر الجويني" بالحل، فلو كان الطائر في هواء البحر .. قال في "التهذيب": إن كان الرامي في البر .. لم يحل، وإن كان في سفينة .. حل. انتهى (¬1). وحكى شيخنا في "تصحيح المنهاج" فيما إذا كان الطير في هواء الماء عن أبي الفرج الزاز عن عامة الأصحاب: أنه لا يحرم، قال شيخنا: وهو الصحيح سواء كان الرامي في البر أم البحر، وحمل قوله عليه الصلاة والسلام في حديث عدي بن حاتم - وهو في "صحيح مسلم" -: "وإن وجدته قد وقع في الماء .. فلا تأكله" (¬2) على غير طير الماء، أو على طيره الذي لا يكون في هوائه. 5502 - قول "المنهاج" [ص 534]: (ويحل الاصطياد بجوارح السباع والطير) المراد به: أن ما أخذته بشرطه الآتي يحل أكله، وتعبير "التنبيه" و"الحاوي" يدل على ذلك، فأما الاصطياد بمعنى إثبات الملك .. فلا يختص بذلك، بل يحصل بأي طريق تيسر. 5503 - قول "المنهاج" [ص 534]: (ككلب وفهد وباز وشاهين) كذلك النمر، قال في "شرح المهذب": وقوله في "الوسيط": (فريسة الفهد والنمر حرام) غلط مردود، وليس وجهاً في المذهب، بل هما كالكلب، نص عليه الشافعي وكل الأصحاب، وقول الإمام: إن النمر يَبعُد تعلمه؛ لعدم انقياده، فإن تصور نادراً .. فكالكلب، لا يخالف ما قدمناه (¬3). 5504 - قوله "التنبيه" [ص 82]: (وإن علم جارحة بحيث إذا أغراه على الصيد .. طلبه، وإذا أشلاه .. استشلى، وإذا أخذ الصيد .. أمسكه على صاحبه وخلى بينه وبينه) إلى أن قال: (حل) فيه أمور: أحدها: فُسّر الإشلاء في كلامه: بأن يدعو الصيد للعود؛ ويدل لذلك ذكره له في مقابله الإغراء، لكن الشافعي في "الأم" و"المختصر" استعمله بمعنى الإغراء فقال: (أن يُدعى فيجيب، ويُشلى فيطير) (¬4). ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 245)، وانظر "التهذيب" (8/ 24، 25). (¬2) صحيح مسلم (1929). (¬3) المجموع (9/ 89)، وانظر "مختصر المزني" (ص 281)، و"نهاية المطلب" (18/ 109)، و"الوسيط" (7/ 110). (¬4) الأم (2/ 227)، مختصر المزني (ص 281).

وكلام أهل اللغة يوافق الأول، قال في "الصحاح": قال ثعلب: وقول الناس: أشليت الكلب على الصيد، خطأ، وقال أبو زيد: أشليت الكلب: دعوته، وقال ابن السكيت: لا يقال: أشليته؛ أي: بمعنى أغريته، إنما الإشلاء: الدعاء، ثم قال: وقول زياد الأعجم: أتينا أبا عمرو فأشلى كلابه ... علينا فكدنا بين بيتيه نؤكل يُروى: فأغرى كلا به. انتهى (¬1). وفي "المحكم": أشليت الشاة والكلب: دعوتهما باسمَيْهما؛ وكذلك استشليتهما، وأشلى دابته إذا أراها المخلاة لتأتيه، وأشليت الناقة إذا دعوتها لتحلبها. انتهى (¬2). وعبر "المنهاج" و"الحاوي" عن ذلك بالانزجار (¬3)، وهو واضح. ثانيها: مقتضاه: اعتبار الاستشلاء، وهو الانزجار في جارحة السباع والطير، وهو مقتضى كلام "الحاوي" أيضاً (¬4)، لكن قال الإمام: لا مطمع في انزجار جوارح الطير بعد الطيران (¬5)، وعليه مشى "المنهاج" تبعاً لـ"المحرر" (¬6)، لكن مقتضى تعبيره: أنه لا يشترط في جارحة الطير شيء من هذه الشروط؛ حيث قال: (بأن تنزجر جارحة السباع بزجر صاحبه وتسترسل بإرساله، وتمسك الصيد ولا تأكل منه) (¬7) لكن لا شك في اعتبار الاسترسال بإرساله في جارحة الطير أيضاً، والأظهر أيضاً: اشتراط ترك الأكل منها، وقد ذكره "المنهاج" عقبه؛ فدل على أن ما اقتضاه تعبيره غير مقصود، وإنما قصد تخصيص الانزجار بجارحة السباع، لكن عبارته لا تؤديه؛ فكان حقه تقديم المشترك بينهما، ثم ذكر المقيد بجارحة السباع بعده على أن نص الشافعي رضي الله عنه في "الأم" مصرح بخلاف مقالة الإمام؛ فإنه قال بعد ذكر جارحة السباع والطير: (أن يُجمع أن يُدعى فيجيب، ويُستشلى فيطير، ويأخذ فيَحْبِس)، وفي "مختصر المزني" نحوه (¬8). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ولم يخالف أحد من الأصحاب هذا النص، واعتبر في "البسيط" الانزجار في الطير أيضاً، ثم ذكر مقالة الإمام بلفظ: قيل. ¬

_ (¬1) الصحاح (6/ 2395). (¬2) المحكم (8/ 104). (¬3) الحاوي (ص 624)، المنهاج (ص 534). (¬4) الحاوي (ص 624). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (18/ 105). (¬6) المحرر (ص 463)، المنهاج (ص 534). (¬7) المنهاج (ص 534). (¬8) الأم (2/ 227)، مختصر المزني (ص 281).

ثالثها: المراد بإمساك الصيد: ألاَّ تخليه يذهب، وقد ذكره "المنهاج" أيضًا (¬1) وأهمله "الحاوي"، ولا بد منه. رابعها: الظاهر أنه أراد بتخليته بينه وبين عدم الأكل منه، وقد صرح باعتباره "المنهاج" و"الحاوي"، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وإنما يمنع إذا كان عقب القتل أو قبله مع حصول القتل، فاما إذا كان أكل بعد أن أمسكه وقتله، أو أكل ولم يقتله .. فإن هذا لا يضر في التعليم كما لا يؤثر في تحريم ما أكل منه لو جرى ذلك بعد التعليم، ولم يتعرضوا لذلك هنا، ومقتضى تعبير "المنهاج" الجزم في جارحة السباع باعتبار عدم الأكل منه، وحكاية القولين في جارحة الطير، وحكى في "أصل الروضة" الخلاف فيهما، إلا أنه عبر في السباع بالمشهور، وفي الطير بالأظهر (¬2)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا نعرف الخلاف في ذلك في شيء من كلام الشافعي. خامسها: لم يذكر للتعليم حداً، وفي "المنهاج" [ص 534]: (يشترط تكرر هذه الأمور بحيث يظن تأدب الجارحة) قالوا: والرجوع في عدد ذلك إلى أهل الخبرة بطباع الجوارح، ومقتضى كلام البغوي والغزالي: اعتبار ذلك ثلاث مرات (¬3)، وقد يشير إليه قول "الحاوي" [ص 624]: (مراراً). 5505 - قول "التنبيه" [ص 82]: (وإن أكل الجارحة من الصيد .. ففيه قولان) الأظهر: أنه يحرم؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 534]: (ولو ظهر كونه معلماً ثم أكل من لحم صيد .. لم يحل ذلك الصيد في الأظهر) و"الحاوي" [ص 626]: (لا ما أكل منه). قال الإمام: وددت لو فُصّل بين أن يأكل بنفس الأخذ أو ينكف زماناً ثم يأكل، لكن لم يتعرضوا له (¬4). قال النووي: فصل الجرجاني وغيره فقالوا: إن أكل عقب القتل .. فالقولان، وإلا .. حل قطعاً (¬5)، وحكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن الشيخ أبي حامد والدارمي والماوردي، قال: وهو مقتضى كلام ابن الصباغ، وصرح به في "البيان" (¬6)، قال: ويلحق بهذا ما إذا أمسكه وأكل منه ولم يقتله .. فإنه لا يحرم قولاً واحداً. انتهى. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 534). (¬2) الروضة (3/ 246). (¬3) انظر "الوسيط" (7/ 108)، و"الوجيز" (2/ 207)، و"التهذيب" (8/ 16). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (18/ 113). (¬5) انظر "الروضة" (3/ 247). (¬6) البيان (4/ 542).

وفهم من كلامهما: أنه لا ينعطف التحريم على ما اصطاده قبله، وهو كذلك، وقد يفهم من عبارة "المنهاج" أن الذي يأكل منه بعد هذا الصيد حرام قطعاً، وليس كذلك، إلا أن يصير الأكل له عادة .. فيحرم ما أكل منه الآن جزماً، وفي تحريم ما أكل منه من قبل وجهان، قال في "الروضة" وأصلها: قد يرجح منهما التحريم (¬1)، وجعله في "الشرح الصغير" أقوى؛ ولهذا قال في "الحاوي" [ص 626]: (وما قبله إن اعتاد) وقد يخرج بتعبير "المنهاج" باللحم: الحشوة، وهي طريقة؛ لأنها غير مقصودة، والأصح: أنه على القولين؛ فلذلك أطلق "التنبيه" و"الحاوي" الأكل منه. 5506 - قول "المنهاج" [ص 534]: (ويشترط تعليم جديد) أورد عليه شيخنا في "تصحيح المنهاج" أنه إن كان مفرعاً على القولين .. خالف المنقول؛ فإنه إنما يحتاج إلى الاستئناف عقب هذه المرة إذا فرعنا على التحريم، وإن كان مفرعاً على الأظهر .. اقتضى أن على مقابله لا يشترط تعليم جديد مطلقاً، وليس كذلك، بل متى فرعنا على مقابل الأظهر وتكرر الأكل بحيث يصير عادة له، أو اكتفينا بالتكرر مرتين أو ثلاثاً .. احتاج إلى استئناف التعليم على هذا القول أيضاً. 5507 - قول "التنبيه" [ص 82، 83]: (وإن كان الجارحة كلباً .. غسل موضع الظفر والناب) يجب تتريبه أيضاً وقد ذكره "المنهاج" (¬2)، ومرادهما: الغسل سبعاً، وقد صرح "الحاوي" بذلك في الطهارة (¬3)، وتعبير "المنهاج" يفهم أنه لا خلاف في نجاسته، وليس كذلك؛ فالخلاف فيه في "الروضة" وأصلها، ومقتضى تعبيره بالأصح أن الخلاف في العفو (¬4) وجهان، وكذا حكاه الرافعي عن أكثرهم، قال: وقال الصيدلاني: قولان منصوصان (¬5)، ورجحه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: إن في "الأم" كلاماً يشهد له (¬6). 5508 - قول "التنبيه" [ص 82]: (وإن قتل الجارحة الصيد بثقلها .. ففيه قولان) الأظهر: الحل، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬7)، لكن قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": جزم الشافعي رضي الله عنه في "مختصر البويطي" بالتحريم، فهو مذهبه، واختاره المزني، والعمل به أولى من العمل بمقابله، قال: ومحل الخلاف: ما إذا لم تجرح الصيد، فإن جرحت ثم تحاملت ¬

_ (¬1) فتح العزيز (12/ 22)، الروضة (3/ 247). (¬2) المنهاج (ص 534). (¬3) الحاوي (ص 119). (¬4) في النسخ: (العقود)، ولعل الصواب ما أثبت، انظر "فتح العزيز" (12/ 23). (¬5) فتح العزيز (12/ 23)، الروضة (3/ 248). (¬6) الأم (2/ 227). (¬7) الحاوي (ص 625)، المنهاج (ص 534).

عليه وقتلته .. حل بلا خلاف، وكلام "الروضة" وأصلها يدل لذلك (¬1)، ونص عليه في "الأم" و"المختصر" (¬2). 5509 - قول "المنهاج" [ص 535]: (فيما لو استرسل كلب بنفسه فأغراه صاحبه فزاد عدوه .. لم يحل في الأصح) كان ينبغي أن يقول: (على النص) فقد نص عليه في "الأم" (¬3)، حكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، قال: ومحله: ما إذا لم ينعرج، فإن انعرج .. حل، نص عليه في "الأم", ولم أر من تعرض له من الأصحاب. قلت: في "أصل الروضة": أنه لو زجره صاحبه لما استرسل، فانزجر ووقف، ثم أغراه فاسترسل وقتل الصيد .. حل بلا خلاف، فانعراجه هو معنى انزجاره ووقوفه، قال في "أصل الروضة": فإن كان الإغراء وزيادة العدو بعد ما زجره فلم ينزجر .. فعلى الوجهين، وأولى بالتحريم، وبه قطع العراقيون (¬4). 5510 - قوله: (ولو أرسل سهماً لاختبار قُوَّته أو إلى غرضٍ فاعترض صيد فقتله .. حرم في الأصح) (¬5) يقتضي أن الخلاف وجهان، وليس كذلك، بل هو قولان، والأصح: منصوص "الأم" و"المختصر"، حكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، قال: وقوله: (فاعترض صيد) إنه قيد لمحل الوجهين وإنه لو كان هناك صيد .. حل، وليس كذلك، وإنما المعتبر أن ينوي أنه يصطاد كما نص عليه في "الأم" و"المختصر" (¬6)، وفي "أصل الروضة" من صور الخلاف: ما إذا كان يرى الصيد ولكن رمى إلى الهدف أو ذئب ولا يقصد الصيد (¬7). 5511 - قول "التنبيه" [ص 83]: (وإن أرسل كلباً - أي: على شيء يحسبه حجراً فكان صيداً - .. فقد قيل: يحل، وقيل: لا يحل) الأصح: الحل، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 625]: (وظن ثوباً وبشراً وخنزيراً). 5512 - قول "التنبيه" [ص 83]: (وإن أرسل كلباً أو سهماً على صيد فقتل غيره .. حل) و"المنهاج" [ص 535]: (وإن قصد واحدة فأصاب غيرها .. حلت في الأصح) و"الحاوي" [ص 625]: (أو نوعه) قال في "المهمات": هو خلاف ما نص عليه الشافعي في "البويطي" فقال: ¬

_ (¬1) فتح العزيز (12/ 16)، الروضة (3/ 244). (¬2) الأم (2/ 236)، مختصر المزني (ص 282). (¬3) الأم (2/ 229). (¬4) الروضة (3/ 249). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 535). (¬6) الأم (2/ 228)، مختصر المزني (ص 281). (¬7) الروضة (3/ 250، 251).

وإن نوى صيداً بعينه في جماعة صيد فقتل غيره .. فلا يأكل، وقد قيل: يأكل. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الذي صححه منصوص "الأم" و"المختصر" (¬1)، ومقابله نص عليه في "البويطي" فالخلاف قولان. 5513 - قول "التنبيه" [ص 83]: (وإن أصاب صيداً فجرحه جرحاً لم يقتله ثم كاب عنه فوجده ميتاً .. حل في أحد القولين، ولا يحل في الآخر) الأظهر كما في "المنهاج": التحريم (¬2)، وعليه مشى "الحاوي" (¬3)، وذكر الرافعي أن أصحابنا العراقيين وغيرهم إلى ترجيحه أميل (¬4)، لكن في "الروضة" من زيادته: أن الحل أصح دليلاً، وثبتت فيه أحاديث صحيحة، ولم يثبت في التحريم شيء، وقد علق الشافعي الحل على صحة الحديث (¬5)، وعبر عنه في "التصحيح" بالمختار (¬6)، وفي "شرح المهذب" بالصحيح أو الصواب (¬7)، وفي "شرح مسلم" بأنه أقوى وأقرب إلى الأحاديث الصحيحة (¬8). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن المذهب المعتمد هو التحريم كما هو الأصح عند جمهور الأصحاب من العراقيين، وقول النووي: إنه لم يثبت في التحريم شيء، ممنوع؛ ففي "سنن البيهقي" بطريق حسنة في حديث عدي بن حاتم: "إذا رأيت سهمك فيه ولم تر فيه أثراً غيره وتعلم أنه قتله" (¬9) فهذا تقييد لبقية الروايات المطلقة، وهو دال على التحريم في محل النزاع، وصحح في "الروضة" من زيادته في المحرم يجرح الصيد ثم يغيب عنه ثم يجده ميتاً، ولم يدر أمات بجراحته أو بحادث: أنه يغرم أرش الجرح (¬10)، وقياس ما صححه هنا من الحل: أنه يلزمه الجزاء كاملاً إحالة على السبب الظاهر، فإن قيل: الغرم لا يثبت إلا بيقين .. قلنا: وكذلك الحل. انتهى. ويوافق التحريم في المدرك ما إذا مشط المحرم رأسه فانتتف منه شعر وشك هل انتتف بالمشط أم كان منتتفاً؛ فإن الأصح: أنه لا فدية، ولم يحيلوه على السبب، كما أن المحرم هنا لم يحمل ¬

_ (¬1) الأم (2/ 228)، مختصر المزني (ص 281). (¬2) المنهاج (ص 535). (¬3) الحاوي (ص 626). (¬4) انظر "فتح العزيز" (12/ 35). (¬5) الروضة (3/ 253). (¬6) تصحيح التنبيه (1/ 269). (¬7) المجموع (9/ 110). (¬8) شرح مسلم (13/ 79). (¬9) سنن البيهقي الكبرى (18686). (¬10) الروضة (3/ 162).

فصل [فيما يملك به الصيد]

الموت على السبب الظاهر، وهو جرح السهم، ويوافق الحل تصديق الولي في قد الملفوف والتنجيس في وجود الماء متغيراً بعد بول ظبية فيه؛ للإحالة على السبب الظاهر فيهما. واعلم: أن محل الخلاف ما إذا لم يكن قد أنهاه بالجرح إلى حركة مذبوح، فإن كان كذلك .. حل قطعاً، وعليه يدل قول "التنبيه" [ص 83]: (فجرحه جرحاً لم يقتله) ومحل الخلاف أيضاً ما إذا لم يجد فيه غير جرحه، فإن وجده في ماء أو بجراحة أخرى .. حرم قطعاً. فصَلٌ [فيما يملك به الصيد] 5514 - قول "التنبيه" [ص 83]: (وإن أخذ صيداً أو أزال امتناعه .. ملكه) اقتصر "الحاوي" على الثاني؛ لفهم الأول منه بطريق الأولى، فقال: (والصيد يملك بإبطال منعتِهِ) (¬1)، وفصله "المنهاج" بقوله [ص 535]: (يملك الصيد بضبطه بيده، وبجرح مذففٍ، وبإزمانٍ وكسر جناحٍ، وبوقوعه في شبكة نصبها، وبإلجائه إلى مضيق لا يفلت منه) وبقي عليه من الصور: أن يرسل كلباً على صيد فيثبته فيملكه، جزم به في "الروضة" (¬2)، وهنا أمور: أحدها: أن محل هذا إذا لم يكن عليه أثر ملك؛ كوشم وقص جناح وقرط ونحوها، فإن كان كذلك .. لم يملكه. ثانيها: لا يخفى أن محل هذا في غير صيد الحرمين، وفي غير المحرم. ثالثها: ومحله أيضاً في غير المرتد؛ فصيد المرتد موقوف بناء على الأصح أن ملكه موقوف، فإن عاد إلى الإسلام .. تبين أنه ملكه من حين الأخذ، وإلا .. فهو باق على الإباحة، قاله المتولي، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": المعتمد: أنه لأهل الفيء وإن فرعنا على زوال ملكه، وهو الذي قال الرافعي: إنه أشبه الأقوال (¬3)، فقال المتولي: هو على الإباحة، وقال الإمام: ظاهر القياس: أنه لأهل الفيء. رابعها: تعبير "المنهاج" بالبناء للمفعول أحسن من تعبير "التنبيه" و"الحاوي" لأنه يدخل فيه المالك في صيد العبد غير المكاتب، والموكل في صيد الوكيل بناء على صحة التوكيل في الاصطياد، وهو الأصح، بخلاف تعبيرهما؛ فإن مقتضاه: ملك العبد والوكيل، ولو كان الآخذ غير مميز .. أمره غيره بالأخذ، ففيمن له الملك؟ وجهان في "تعليق القاضي حسين"، والمذكور ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 626). (¬2) الروضة (3/ 254). (¬3) انظر "فتح العزيز" (13/ 416).

في "التهذيب" و"البحر": أنه للآخذ، ذكره في "الكفاية". خامسها: أطلق "المنهاج" كسر الجناح، ومحله: فيما إذا عجز عن الطيران والعدو جميعاً، ويكفي للملك إبطال شدة العدو وصيرورته بحيث يسهل لحاقه. سادسها: وأطلق أيضاً وقوعه في شبكة نصبها، ولا بد أن يكون نصبها للصيد، وكذا هو في "المحرر" و"الروضة" وأصلها (¬1)، وألاَّ يقدر على الخلاص منها، فلو تخلص بقطعه الشبكة .. عاد للإباحة، فيملكه من اصطاده، وإلا .. لم يزل ملكه عنه، ذكره الماوردي (¬2)، وقال في "الوسيط": لو أفلت من الشبكة .. لا يزول ملكه عنه على الصحيح (¬3). 5515 - قول "المنهاج" [ص 535]: (ولو وقع صيد في ملكه وصار مقدوراً عليه بتوحل وغيره .. لم يملكه في الأصح) فيه أمران: أحدهما: لا يتقيد ذلك بأن تكون الأرض ملكه، بل لو كانت مستأجرة أو مستعارة أو مغصوبة وهي تحت يد الغاصب .. كان الحكم كذلك، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقد يتوقف في الغاصب إلا أن يكون له في الأرض المغصوبة مزرعة وتوحل فيها، وقد عبر في "أصل الروضة" بقوله: (لو توحل صيد بمزرعته) (¬4) وهو يقتضي ما ذكرناه، فلو غصب أرضاً ولم يزرع بها شيئاً فجاءت الأمطار فصيرتها ذات توحل .. فكيف يجري وجه بأن الصيد المتوحل للغاصب؟ ! ثانيهما: قال الإمام: محل الخلاف: ما إذا لم [يكن] (¬5) سقي الأرض بما يقصد به توحل الصيود، وإلا .. فهو كنصب الشبكة، وكلام الروياني يقتضيه، كذا في "أصل الروضة" هنا (¬6)، لكنه حكى في (إحياء الموات) عن الإمام عكسه (¬7)، كذا في "المهمات". وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا تناقض بينهما؛ فالمذكور في الإحياء قصد التملك، والمذكور هنا أن يكون التوحل مما يقصد به في العادة الاصطياد، ويوافق الأول قول "الحاوي" [ص 626]: (كأن عشش في بنائه بقصده). 5516 - قوله: (ودونه - أي: دون القصد - وإلى واسع كالتحجر) (¬8) يقتضي أولوية صاحب ¬

_ (¬1) المحرر (ص 464)، فتح العزيز (12/ 37)، الروضة (3/ 2504). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 40). (¬3) الوسيط (5/ 281). (¬4) الروضة (3/ 255). (¬5) في (ب)، (ج): (يمكن). (¬6) الروضة (3/ 255)، وانظر "نهاية المطلب" (18/ 151). (¬7) الروضة (5/ 291). (¬8) انظر "الحاوي" (ص 627).

الدار، وأن غيره لو أخذه .. ملكه كما في "البحر"، وهو مقتضى كلام "أصل الروضة" هنا (¬1)، وصححه من زيادته في أوائل (إحياء الموات) (¬2)، لكنه صحح خلافه في أواخر (الوليمة) (¬3)، وفي "الوسائل" لأبي الخير بن جماعة: أنه لو استأجر سفينة فدخل فيها سمك .. فهل هو للمستأجر؛ ليده وملكه منفعتها، أو للمالك؛ لأن هذه ليست من المنافع التي تقع الإجارة عليها؟ وجهان. 5517 - قول "التنبيه" [ص 83]: (ومن ملك صيداً ثم أرسله .. لم يزل ملكه عنه في أصح الوجهين) و"المنهاج" [ص 535]: (وكذا بإرسال المالك له في الأصح) زاد في "الروضة" أنه المنصوص (¬4)، وهو وهم؛ فإن المنصوص: زواله إن قصد إخراجه عن ملكه، ذكر الروياني في "التجربة" أن الشافعي نص عليه في "المبسوط" ولذلك حكاه الرافعي (¬5)، فكيف يفتى بخلاف النص؟ ! وهذا وارد على قول "الحاوي" أيضاً [ص 627]: (وإن أفلت) وذكر النشائي أن لفظ "التنبيه": (في أصح القولين) ثم قال: المشهور وجهان كما في "المهذب". انتهى (¬6). وذكر بعضهم أنهما قولان مخرجان للأصحاب، ثم محل الخلاف في مالك مطلق التصرف، فأما الصبي أو المجنون أو المحجور عليه بسفه أو فلس أو المكاتب الذي لم يأذن له سيده .. فإنه لا يزول ملكه قطعاً، فلو قال مطلق التصرف عند إرساله: أبحته لمن يأخذه .. فلمن أخذه أكله بلا ضمان، لكن لا ينفذ تصرفه فيه. 5518 - قول "الحاوي" [ص 627]: (كان أعرض عن كسرَةٍ) أي: فإنه لا يزول ملكه عنها، تبع فيه الرافعي (¬7)، وقال النووي: الأرجح: أنه - أي: الآخذ - يملك الكسرة والسنابل ونحوها، ويصح تصرفه فيها بالبيع وغيره، وهذا ظاهر أحوال السلف (¬8). 5519 - قوله: (لا جلد ميتة) (¬9) أي: لو أعرض عن جلد ميتة فأخذه غيره ودبغه .. مَلَكَه، كذا صححه في "الروضة" وغيرها (¬10)، والرافعي إنما قال: إنها أولى بثبوت الملك للآخذ من ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 255). (¬2) الروضة (5/ 288). (¬3) الروضة (7/ 343). (¬4) الروضة (3/ 256). (¬5) انظر "فتح العزيز" (12/ 41). (¬6) نكت البيه على أحكام التنبيه (ق 77)، وانظر "المهذب" (1/ 257). (¬7) انظر "فتح العزيز" (12/ 42). (¬8) انظر "الروضة" (3/ 257). (¬9) انظر "الحاوي" (ص 627). (¬10) الروضة (3/ 257).

مسألة الكسرة ونحوها؛ لأنه لم يكن ملكاً للأول، وإنما كان له نوع اختصاص، والاختصاص المجرد يضعف بالإعراض (¬1). 5520 - قول "المنهاج" [ص 535]: (ولو تحول حمامه إلى برج غيره .. لزمه رده) أي: لزم ذلك الغير رده، لا بد من تقييد؛ بأن يأخذه ذلك الغير، كما هو في عبارة الشافعي رضي الله عنه في "المختصر" (¬2) فإنه إذا لم يأخذه .. لم يدخل تحت يده وبتقدير دخوله تحت يده .. فهو كتطيير الريح ثوباً إلى داره، فهو أمانة شرعية لا يلزم ردها بحيث يباشر ذلك ويتحمل مؤنته، وإنما عليه إعلام المالك بذلك، وتمكينه من أخذه كالوديعة الاختيارية. 5520/ 1 - قوله: (فإن اختلط وعسر التمييز .. لم يصح بيع أحدهما وهبته شيئاً منه لثالث) (¬3) فيه أمران: أحدهما: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه كلام فيه نقص؛ لأن الصورة: تحول حمامه إلى برج غيره، فلا يصح بيع صاحب البرج الذي وقع فيه الاختلاط، وتمام التصوير: فإن انتقل من حمام كل واحد منهما إلى برج صاحبه واختلط وعسر التمييز. قلت: لا نقص في تصوير "المنهاج" فقد حصل الاختلاط في هذا البرج، فلا يختص الحكم بصاحب البرج لوجود حمام للآخر فيه، ولا يحتاج في تمام التصوير إلى حصول اختلاط في برجين، والله أعلم. ثانيهما: قال شيخنا أيضاً: محله: ما إذا باع أو وهب شيئاً معيناً بالشخص، ثم لم يظهر أنه ملكه؛ ولهذا وَجّهُوا إبطال ذلك بأنه لا يتحقق الملك فيما باعه، فأما إذا باع شيئاً معيناً بالجزء؛ كنصف ما يملكه، أو باع جميع ما يملكه والثمن فيهما معلوم .. صح؛ لأنه يتحقق الملك فيما باعه، وحل المشتري هنا محل البائع، كما لو باعا من ثالث مع جهل الأعداد .. فإنه يصح كما سيأتي إذا كان الثمن معلوماً، ويحتمل الجهل في المبيع للضرورة. قلت: الفرق بينهما أن جملة المبيع للمشتري معلومة، وما يلزمه لكل منهما من الثمن معلوم، وإن لم يعلم قدر ما اشتراه من كل منهما، فاغتفر الجهل بذلك للضرورة، مع أنه لا يترتب على الجهل به مفسدة، فلا يلزم من اغتفار الجهل به اغتفار الجهل بجملة ما اشتراه المشتري، والله أعلم. أما لو باع أو وهب شيئاً معيناً بالشخص الثالث ثم ظهر أنه ملكه .. فإنه يصح، وهو أولى بالصحة مما لو باع مال أبيه على ظن حياته فبان موته. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (12/ 42). (¬2) مختصر المزني (ص 282). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 535).

5521 - قول "المنهاج" [ص 535]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 628]: (ويجوز لصاحبه في الأصح) نازع فيه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: إنه ليس بصحيح. 5522 - قول "المنهاج" [ص 535]: (فإن باعاهما والعدد معلوم والقيمة سواء .. صح، وإلا .. فلا) فيه أمور: أحدها: ما ذكره من البطلان عند الجهل بعدد ما لكل منهما جزم به الرافعي والنووي في كتبهما (¬1)، وحكاه ابن الرفعة عن الإمام فقط، فقال: والوجه عندي: عدم الصحة، قال: فالطريق أن يقول كل منهما: بعتك الحمام الذي لي في هذا البرج بكذا، فيكون الثمن معلوماً، ويحتمل جهل المبيع للضرورة، كذا في "النهاية": (الحمام الذي لي) (¬2)، وليس في "الروضة" و"الشرحين" لفظة: (لي) (¬3)، ولا بد منها؛ ولهذا التصوير قال "الحاوي" [ص 628]: (أو باع بعلم القيمة) فهذا يتناول ما إذا علم كل منهما عدد ما له، وما إذا لم يعلم لكنه باعه بثمن معين، وهذه واردة على "المنهاج"، وهي مشكلة؛ لأن مقتضى كلامهم: أنه إذا ابتدأ بذلك أحدهما .. كانت صحته موقوفة على الآخر، وهو خلاف القواعد. ثانيها: مقتضى كلامه: أنه إذا عُلم العدد ولم تستو القيم .. لم يصح، وقد أكَّدَه بقوله: (وإلا .. فلا) فإنه صريح في البطلان عند فقد أحد الأمرين، وهو مقتضى كلام "الروضة" أولاً؛ فإنه اعتبر الوصفين، لكنه لم يتكلم بعد ذلك إلا على جهل العدد، وقال شيخنا ابن النقيب: إن ما اقتضته عبارة "المنهاج" في ذلك ظاهر (¬4)، لكن قال في "المهمات": إن اشتراط تساوي القيمة لا معنى له مع اشتراط توزيع الثمن على أعدادها. قلت: ولا يرد ذلك على "المنهاج" لأنه لم يذكر توزيع الثمن على أعدادها. ثالثها: قوله: (باعاهما) أي: حماميهما، قال في "أصل الروضة": أو باعا بعضه (¬5)، والرافعي ذكره في آخر المسألة استداركا على "الوجيز" (¬6)، قال في "المهمات": التفسير الذي ذكره لا يأتي في البعض سواء كان معيناً بالجزئية كالنصف لزيادة الجهل؛ فإنه كان مجهولاً بين اثنين فيصير بين ثلاثة، أو بإفراد شيء منه كعشرة مثلاً؛ لأن كل واحد لا يدري ما له من ملك العشرة فيكون الجهل باقيا أيضاً. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (12/ 44). (¬2) نهاية المطلب (18/ 156)، وفيه: (بعتك الحمام التي). (¬3) لفظة: (لي) موجودة في "الروضة". فتح العزيز (12/ 44)، الروضة (3/ 259). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 80). (¬5) الروضة (3/ 259). (¬6) انظر "فتح العزيز" (12/ 45).

قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وجوابه: أن المراد: بعض معين بالجزئية، ولا جهل حينئذ، وكونه كان مجهولاً بين اثنين فصار ثلاثة، لا يقتضي إبطال العقد، وقد سبق أنه يجوز أن يبيع أحدهما من ثالث نصف ملكه فيه، فكذلك يجوز أن يبيع كل واحد منهما من ثالث نصف ملكه، ولا تضر كثرة الشركاء، وليس ذلك مقتضياً للإبطال. 5523 - قول "الحاوي" [ص 628]: (أو التقارّ) أي: بأن يقر كل منهما لصاحبه بعدد فيتصالحان على ذلك؛ ليمكن توزيع الثمن، وهذا معنى قول "الوسيط": إنهما لو تصالحا على شيء .. صح البيع، واحتمل الجهل بقدر المبيع (¬1). 5524 - قول "المنهاج" فيما لو جرح الصيدَ اثنان متعاقبان [ص 535، 536]: (وإن أزمن - أي: الأول - .. فله، ثم إن ذَفَّفَ الثاني بقطع حلقوم ومريء .. فهو حلال، وعليه للأول ما نقص بالذبح) أي: وهو ما بين قيمته زمناً ومذبوحاً، قال الإمام: وإنما يظهر التفاوت إذا كان فيه حياة مستقرة، فإن كان متألماً بحيث لو لم يذبح لهلك .. فما عندي أنه ينقص منه بالذبح شيء (¬2). وتعقبه شيخنا في "تصحيح المنهاج": بأن الكلام في إزمان الأول، وفرض الإمام في تذفيفه، فلا يجيء بعده تذفيف. قلت: وجوابه: أنه لا يلزم من كون جراحة الأول مزمنة فقط ألاَّ ينتهي بها الإزمان إلى ألاَّ يصير فيه حياة مستقرة، فلا يلزم من وجود هذه الحالة أن يكون جراحة الأول مذففة، ثم تعقبه شيخنا أيضاً: بأن الجلد ينقص بالقطع، فيجب على الثاني نقصه، وإن وصل إلى حالة التذفيف، وعلى هذا: فلا يتعين في ضمان النقص أنه ما بين قيمته زمناً ومذبوحاً. 5525 - قوله: (وإن ذفف لا بقطعهما، أو لم يذفف ومات بالجرحين .. فحرام، ويضمنه الثاني للأول) (¬3) أي: يضمن جميع قيمته، وهذا صحيح فيما إذا ذفف الثاني، فأما إذا لم يذفف .. فلا يضمن الجميع في الأصح، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 627]: (وإن لم يذفف ومات بهما فكعبد يعاد من عشرة إلى تسعة فجرح .. ضَمِنَ عشرةً من تسعةَ عشرَ جزءاً من عشرة، والآخر تسعة منها) وصورة المسألة المبني عليها: أن يجني جان على عبد قيمته عشرة دنانير فعادت بالجناية إلى تسعة، ثم جرحه جانٍ آخر جناية أرشها دينار أيضاً ومات بالجرحين .. يجمع بين قيمتي يوم الجنايتين، فيكون تسعة عشر، ويقسم على هذا العدد ما فوتته الجنايتان، وهو عشرة دنانير، فعلى الأول عشرة أجزاء من تسعة عشرة جزءاً من عشرة دنانير، وعلى الثاني تسعة أجزاء من تسعة ¬

_ (¬1) الوسيط (7/ 121). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (18/ 133، 134)، وفيه: (أنه لا ينقص منه شيء). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 536).

عشر جزءاً من عشرة، وهذا أحد أوجه ستة محكية في "أصل الروضة" تصريح بلا ترجيح، لكنه حكى إطباق العراقيين على ترجيحه (¬1)، فإذا ظهر هذا .. ففي مسألة الصيد أيضاً يجمع بين القيمتين، لكن الجارح الأول فيها مالك .. فلا ضمان عليه؛ لسقوط حصته، بل على الثاني، ثم محل ذلك: ما إذا تمكن من ذبحه فلم يذبحه، فلو لم يتمكن الأول من ذبحه .. لزم الثاني تمام قيمته زمناً. ومقتضى كلامهم: أنه لو ساوى سالماً عشرة وزمناً تسعة .. وجوب تسعة، وقال صاحب "التقريب": إذا ساوى سليماً عشرة وزمناً تسعة ومذبوحاً ثمانية .. ينبغي أن يجب ثمانية ونصف، وصححه الرافعي (¬2)، قال الإمام: وفيه نظر (¬3)، وإن تمكن من ذبحه .. لزم الثاني أرش جرحه إن نقص. 5526 - قول "الحاوي" [ص 627، 628]: (فإن أزمنا .. فللثاني، وإن جرح الأول ثانياً .. ضمن الربع) محله: ما إذا لم تكن هذه الجراحة الثانية مذففة، وتمكن الثاني من ذبحه، فإن كانت مذففة؛ فإن أصاب المذبح .. حل، وعليه للثاني ما نقص من قيمته بالذبح، وإلا .. حرم، وعليه قيمته مجروحاً بجراحته الأولى وجراحة الثاني، وكذا إن لم يذفف ولم يتمكن الثاني من ذبحه. 5527 - قول "المنهاج" [ص 536]: (وإن جرحا معاً وذففا أو أزمنا .. فلهما) كذلك إذا أزمن أحدهما وذفف الآخر، وقد تناوله قول "الحاوي" [ص 628]: (كأن تساويا) فإن المراد: تساوي الجرحين في سبب الملك، والإزمان مملك كما أن التذفيف بمذفف مملك، وكذلك لو احتمل أن يكون الإزمان بهما أو بأحدهما، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 628]: (وإن احتمل ملكاً واستحلا) أي: يستحب أن يستحل كل واحد الآخر تورعاً. 5528 - قول "المنهاج" [ص 536]: (وإن ذفف واحدٌ وأزمن آخر وجُهل السابق .. حرم على المذهب) محله: ما إذا كان في غير المذبح، فإن كان في المذبح .. فهو حلال جزماً، وقد يتناوله قول "الحاوي" أولاً [ص 627]: (لا في المذبح) لكن كلامه إنما هو عند معرفة السابق؛ بدليل قوله بعده: (وضمن الثاني قيمته) (¬4). ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 263). (¬2) انظر "فتح العزيز" (12/ 52). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (18/ 143). (¬4) الحاوي (ص 627).

كتاب الأضحية

كتابُ الأضحية 5529 - قولهما: (الأضحية سنة) (¬1) فيه أمران: أحدهما: قد يفهم أنها سنة عين، وليس كذلك، وإنما هي سنة على الكفاية، إذا أتى بها واحد من أهل البيت .. تأدت السنة عنهم. ثانيهما: لم يُبَيْنا من هي سنة في حقه، إلا أن "المنهاج" أشار إلى بعض ذلك بقوله في آخر الباب: (ولا تضحية لرقيق) (¬2)، وبيانه: أنها إنما تسن للحر القادر، وكذا المبعض بما ملكه بحريته، ولا بد من اعتبار الإسلام، فلا تتعلق سنة الأضحية بالكافر، وقال في "الأم": إنه لا يضحى عما في البطن (¬3). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ويظهر من ذلك أن سنتها تتعلق بمن يولد عند دخول وقت الأضحية، فمن كان حملاً ذلك الوقت ثم انفصل بعد في يوم النحر أو ما بعده .. لم تتعلق به سنة الأضحية، قال: ولم أر من تعرض لذلك، وخرجته من زكاة الفطر. انتهى واستثنى العبدري من ذلك: الحاج بمنى؛ فإنه لا أضحية في حقه؛ لأن ما ينحر بمنى يكون هديا لا أضحية، قال النووي: وهو فاسد مخالف لنص الشافعي في "البويطي" على أنها سنة للحاج بمنى، من كان معه هدي ومن لم يكن، وصرح به القاضي أبو حامد وغيره، وفي "الصحيحين": (أنه عليه الصلاة والسلام ضحى في منى عن نسائه بالبقر) (¬4). 5530 - قول "التنبيه" [ص 81]: (إلا أن ينذر) قال في "الكفاية": يرد على حصره قوله: جعلت هذه الشاة أضحية؛ فإنها تجب، وليس بنذر، بل ألحقوه بالتحرير، وقد ذكر الغزالي الصورتين (¬5)، وجمعهما قول "المنهاج" [ص 537]: (لا تجب إلا بالالتزام) لكن مقتضاه: أنه لو قال: التزمت الأضحية، أو هي لازمة لي .. لزمته. قال في "التوشيح": ولا قائل به فيما أحسبُ. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا يساعد عليه المنقول؛ فإن قوله: (التزمت ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 81)، و"المنهاج" (ص 537). (¬2) المنهاج (ص 538). (¬3) الأم (2/ 226). (¬4) صحيح البخاري (290)، (5228)، صحيح مسلم (1211)، وانظر "الروضة" (3/ 228، 229). (¬5) في النسخ: (في الصورتين)، ولعل الصواب ما أثبت، والله أعلم. انظر "الوجيز" (2/ 211).

الأضحية) لم يشتهر اشتهار: (الطلاق لازم لي) فهو كناية قطعاً لا يلزم بمجرده، بل بنيّة، بخلاف نظيره من الطلاق؛ ففيه خلاف. وفي "أصل الروضة" عن "البحر": لو قال: (إن اشتريت شاة .. فـ لله عليَّ أن أجعلها أضحية) .. فهو نذر مضمون في الذمة، فإذا اشترى شاة .. فعليه جعلها أضحية، ولا تصير بالشراء أضحية، ولو عين فقال: (إن اشتريت هذه الشاة .. فلله عليّ جعلها أضحية) .. فوجهان (¬1)، والأقيس في "شرح المهذب": أنه لا يلزمه تغليباً لحكم التعين، وقد أوجبها قبل الملك (¬2)، ولا بد من تقييد المسألة بأن يقصد الشكر على حصول الملك، فإن قصد الامتناع .. فهو نذر لجاج كما ذكره الرافعي في نظيره من نذر إعتاق العبد إذا ملكه (¬3)، ولم يذكر في "المهذب" قوله: (إلا أن ينذر) كأنه لفهمه من كونها سنة، ومن ذَكَرَه رفع به توهم الوجوب بحمل السنة على الطريقة التي هي أعم من الواجب والمندوب، ونص على أن الشراء بنيّة التضحية لا يصير أضحية بذلك ما لم يلتزمها بالنذر. واعلم: أن الواجبة بالنذر أو بجعلها أضحية غير التي تسن التضحية بها؛ فإنه لا يشترط فيها السلامة، فلو نذر التضحية بمعينة أو صغيرة أو جعلها أضحية .. وجب ذبحها؛ لالتزامه، وتكون قربة وتفريق لحمها صدقة، ويختص ذبحها بيوم النحر، ويجري مجرى الأضحية في الصرف على الأصح فيهما. 5531 - قول "التنبيه" [ص 81]: (والمستحب لمن دخل عليه عشر ذي الحجة وأراد أن يضحي ألاَّ يحلق رأسه ولا يقلم ظفره) يرد عليه أن ذلك لا يختص بشعر الرأس ولا بالحلق، وقد سلم "الحاوي" من الأول بقوله [ص 631]: (وترك المضحي الحلق والقلم عشر ذي الحجة)، ويوافقه قوله في بعض نسخ "التنبيه" أو أكثرها: (شعره)، وسلم منهما "المنهاج" بقوله [ص 537]: (ويسن لمريدها ألاَّ يزيل شعره ولا ظفره في عشر ذي الحجة حتى يضحي). ويرد عليهم جميعاً: أن سائر أجزاء البدن كالشعر، حكاه في زيادة "الروضة" عن إبراهيم المروذي (¬4)، وفي "شرح مسلم" عنه وعن غيره (¬5)، وقال في "المهمات": ما يزال من أجزاء البدن قد تكون إزالته واجبة؛ كختان البالغ وقطع يد السارق والجاني بعد الطلب ونحوها، وقد تكون مستحبة؛ كختان الصبي، وقد يباح كقلع السن الوجعة والفصد والحجامة ونحوهما؛ فإن ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 192). (¬2) المجموع (8/ 276). (¬3) انظر "فتح العزيز" (8/ 575). (¬4) الروضة (3/ 210). (¬5) شرح مسلم (13/ 139).

الدم من الأجزاء كما صرحوا به في الطلاق، فتأخير الواجب لا يجوز فضلاً عن كونه مستحباً. وأما الثاني: فالتضحية من مال الصبي ممتنعة. وأما الثالث: فالأمر بها مبناه الآلام فيه بعد؛ فقد يقال: صورته فيما إذا كان في بيت المضحي صبي .. فإنه تحصل السنة في حقه بتضحية صاحب البيت، وقد يمنع، وهو الأوجه؛ فإن الأحاديث وعبارات الأئمة إنما دلت عليه في حق من أراد التضحية، وهذا لم يُردها، وأقرب ما يصور به الفصد والحجامة وقطع السلعة ونحو ذلك مما يؤتي به بغير ألم عاجل. انتهى. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": المراد به: قطع جلدة ونحوها مما لا يضر قطعها، ولا حاجة له في قطعها، ولا يتناول فصداً ولا حجامة، ومن أدخل ذلك في هذا الموضع فقد أخطأ، ثم استدل بقوله في رواية الشافعي وابن ماجه: "فلا يمس من شعره ولا من بشره شيئاً 0" (¬1)، وهو أحد ألفاظ "مسلم" أيضاً، قال: والبشرة تعم أجزاء البدن غير الشعر والظفر. انتهى. ومراد "التنبيه" و"الحاوي": استحباب ترك ذلك حتى يضحي كما صرح به "المنهاج" (¬2)، وتقييده هو و"الحاوي" ذلك بعشر ذي الحجة يفهم أنه لو لم يضح يوم النحر .. فلا بأس بالحلق في أيام التشريق، وإن كان على عزم التضحية في بقيتها، وليس كذلك؛ ولهذا لم يقيده "التنبيه" و"الروضة" وأصلها بعشر ذي الحجة، فلو ضحى يوم النحر وعزمه التضحية بعد ذلك .. فهل يكف عن أحدهما للتضحية الثانية أم لا؟ مقتضى التعليل ببقائها لتشملها المغفرة أو بالتشبه بالمحرمين: زوال هذا الاستحباب؛ لحصول المقصود. وقال شيخنا الإسنوي في "التمهيد": يتجه تخريجه على مسألة أصولية، وهي: أن الحكم المعلق على معنى كلي هل يكفي فيه أدنى المراتب؛ لتحقق المسمى فيه أم يجب الأعلى احتياطاً؟ والصحيح: القول الأول (¬3)، وتردد شيخنا في "تصحيح المنهاج" فيما لو أخر الناذر التضحية بمعين إلى انقضاء أيام التشريق، ورجح بقاء الكراهة؛ لأن عليه أن يذبحها قضاء، وفيما لو نذر التضحية ولم يُرد فعلها. واعلم: أن هذا الاستحباب مؤكد، فلو خالفه .. كره، وقيل: يحرم. 5532 - قول "التنبيه" [ص 81]: (والأفضل أن يذبحها بنفسه، فإن لم يحسن .. فالأفضل أن يشهد ذبحها) مقتضاه: أنه لا ينتقل للاستحباب الثاني إلا من لا يحسن، وعبارة "المنهاج" [ص 537]: (وإلا .. فيشهدها) ومعناه: إن لم يذبح بنفسه؛ إما لعجز أو غيره، ويوافقه قول ¬

_ (¬1) صحيح مسلم (1977)، سنن ابن ماجه (3149)، مسند الشافعي (1/ 175). (¬2) في حاشية (ج): (وكذا في بعض نسخ "التنبيه"). (¬3) التمهيد (ص 263).

"الحاوي" [ص 631]: (وأن يضحي أو يشهد) ومقتضاه: تأدي الاستحباب بالحضور مع الإحسان، ويستثنى من ذلك: المرأة؛ فالأولى أن تستنيب، ذكره في "شرح المهذب" هنا (¬1)، وفي "تصحيح التنبيه" في صفة الحج (¬2)، وذكر بعضهم أن الخنثى في ذلك كالمرأة. 5533 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ولا تصح إلا من إبل وبقر وغنم) (¬3) لا يخفى أن المراد: البقر الإنسية ولو كانت جاموساً دون بقر الوحش وإن دخل في اسم البقر، حتى يحنث بأكله فيما إذا حلف لا يأكل لحم بقر، فلو تولد بين أنثى من البقر وذكر من الغنم مثلاً ولد واستكمل سنتين .. فقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": القياس إجزاؤه؛ لأن كلاً من أصله يضحى به؛ ولهذا لم يستثنوا هنا وفي الزكاة إلا المتولد بين الغنم والظباء. 5534 - قول "التنبيه" [ص 81]: (ويجزئ في الأضحية الجذعة من الضأن، وهي: ما لها سنة أشهر) الأصح: أنها ما لها سنة ودخلت في الثانية، وعليه مشى "المنهاج" (¬4)، لكن ذكر العبادي والبغوي: أنه لو أجذع قبل السنة - أي: سقطت أسنانه - .. أجزأ (¬5)، ويكون الإجذاع هنا كالاحتلام الذي يسبق خمس (¬6) عشرة، وهو ظاهر كلام "الحاوي" فإنه لم يعتبر إلا كونه جذعاً من غير تقييد سن (¬7)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": واختاره الروياني، وهو الأصح المعتمد. 5535 - قول "التنبيه" [ص 81]: (والثنية من المعز: ما لها سنة) الأصح: أنها ما له سنتان ودخل في الثالثة، وعليه مشى "المنهاج" (¬8)، وقد تقدم أن الواجبة بالنذر أو بجعلها أضحية تجزئ مع صغرها عن هذا السن. 5536 - قول "المنهاج" [ص 537]: (ويجوز ذكر وأنثى) لا يفهم منه أفضلية الذكر، وقد صرح به "الحاوي" فقال [ص 631]: (وذكر أكمل). 5537 - قول "المنهاج" [ص 537]: (والبعير والبقرة عن سبعة) لو قال: (أو البقرة) .. كان أولى؛ فإن كلًّا منهما يجزئ عن سبعة كما صرح به "التنبيه" (¬9)، وهو معنى ¬

_ (¬1) المجموع (8/ 298). (¬2) تصحيح التنبيه (1/ 253). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 81)، و"الحاوي" (ص 629)، و"المنهاج" (ص 537). (¬4) المنهاج (ص 537). (¬5) انظر "التهذيب" (8/ 39). (¬6) في النسخ: (خمسة)، ولعل الصواب ما أثبت. (¬7) الحاوي (ص 629). (¬8) المنهاج (ص 537). (¬9) التنبيه (ص 81).

"الحاوي" [ص 629]: (ويجزئ عن سبعة) أي: ثني الإبل والبقر. 5538 - قول "التنبيه" [ص 81]: (وأفضلها البدنة، ثم البقرة، ثم الجذع من الضأن، ثم الثنية من المعز) قد يرد عليه: أن سبعاً من الغنم أفضل من بدنة؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 631]: (والأولى سبع غنم، ثم بدنة، ثم بقرة) وقد يقال: لا يرد؛ لأن الكلام في الأضحية الواحدة وسبع الغنم سبع ضحايا؛ ولهذا لم يذكره "المنهاج" في أول كلامه، بل جزم بأن أفضلها بعير، ثم قال: (وسبع شياهٍ أفضل من بعير) (¬1). وقول "المنهاج" [ص 537]: (ثم بقرة) قال في "الدقائق": إنه زائد (¬2)، قال شيخنا ابن النقيب: وقد رأيته في "المحرر" فلعل النسخ فيه مختلفة (¬3). 5539 - قولهم: (لا يجزئ فيها معيب) (¬4) تقدم أنه يستثنى منه: ما لو نذر التضحية بمعيبة (¬5)، أوجعلها أضحية .. فإنه يذبحها مع العيب. 5540 - قولهما: (إن المراد بالعيب هنا: ما ينقص اللحم) (¬6) اقتصر عليه "التنبيه"، وفصله "المنهاج" بعده، واقتصر "الحاوي" على التفصيل (¬7)، ولم يذكر هذا الضابط، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن فيه إلباساً؛ فإنه إن أريد: ما حصل نقص اللحم بسببه .. ورد عليه أنه لو أخذ الذئب فلقة يسيرة من فخذها أو من عضو كبير .. فإنه تجوز التضحية بها مع نقصان اللحم، وأن العوراء البين عورها لا تجزئ، ولو كانت سمينة، لم يحصل نقص في لحمها، وكذا لو انكسرت رجل الحيوان وهو تحت السكين قبل ذبحه .. فلا يجزئ في أضحية التطوع على الأصح، وإن أريد: الذي من شأنه أن ينقص اللحم وإن لم يحصل نقص .. ورد عليه الفحل الذي كثر نزوانه والأنثى التي كثرت ولادتها؛ فإن ذلك مظنة النقص، ومع ذلك يجزئان، وكذلك تجزئ الحامل مع أن شأن الحمل تنقيص اللحم، كذا قال ابن الرفعة: إنه المشهور، قال: وعدم إجزائها وجه حكاه العجلي، وجزم في الزكاة من "شرح المهذب" بعدم إجزائها، وعزاه للأصحاب (¬8)، وحكاه في "المهمات" عن الشيخ أبي حامد والمتولي والعمراني والبندنيجي في "الذخيرة" وصاحب ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 537). (¬2) الدقائق (ص 75). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 85). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 81)، و"الحاوي" (ص 629)، و"المنهاج" (ص 537). (¬5) كذا في (د)، والذي في (ب) و (ج): (بمعينة). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 81)، و"المنهاج" (ص 537). (¬7) الحاوي (ص 629). (¬8) المجموع (5/ 383).

"الاستقصاء"، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": أخرجت من نصوص الشافعي التصريح بجواز الأضحية بالحامل، واتفاق الأصحاب على ذلك، وذلك ما لم يحصل فيه نقص أو حصل نقص يسير، فإن حصل نقص فوق اليسير ودون الفاحش .. فهو محل الخلاف الذي ذكره العجلي، وإن حصل نقص فاحش وتفاحش نقصان اللحم .. فهذه يمنع الأضحية بها. 5541 - قول "المنهاج" [ص 537]: (فلا تجزئ عجفاء) هي التي ذهب مخها من شدة هزالها، فإن قل هزالها ولم يذهب مخها .. أجزأت، كذا أطلقه كثيرون، وقال الماوردي: إن كان خلقياً .. أجزأت، أو لمرض .. فلا (¬1)، وقال الإمام: لا يعتبر العجف البالغ، وضبطه: بألاَّ يرغب في لحمها الطبقة العليا في زمن الرخاء (¬2)، وعبر "الحاوي" عن ذلك بأنه لا يجزئ بيّن الهزال (¬3). 5542 - قوله: (ومجنون لا يرعى) (¬4) مقتضاه: أنه لو رعى يسيراً .. أجزأ، لكن الذي في "الروضة" وأصلها: أنه ورد النهي عن التولاء، وهي المجنونة التي [تستدير في] (¬5) المرعى ولا ترعى إلا قليلاً فتهزل (¬6)، ولذلك أطلق "المنهاج" أنه لا تجزئ المجنونة (¬7). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا الحكم لم يذكره الشافعي في شيء من كتبه، ولم يذكروا فيه حديثاً ثابتاً، والبهائم لا يطلب منها العقل، وإذا كانت التولاء سمينة .. جازت الأضحية بها، فإن كانت هزيلة .. امتنعت كالعجفاء. 5543 - قول "المنهاج" [ص 537]: (ومقطوعة بعض أذن) محله: ما إذا أبين، وقد ذكر بعده أنه لا يضر شق أذن، ثم إن ذلك لا يختص بالأذن، فلو قال كـ"الحاوي" [ص 629]: (وفائت جزء) .. لكان أحسن، فلو خلقت بلا أذن .. لم يجز، جزم به في "أصل الروضة" (¬8)، ونص عليه في "الأم" (¬9)، بخلاف المخلوقة بلا ألية أو بلا ذنب أو بلا ضرع .. فإنها تجزئ في الأصح، لكن صحح شيخنا في "تصحيح المنهاج": عدم الإجزاء في الأخريين، وجزم الماوردي والبغوي ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 82). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (18/ 164). (¬3) الحاوي (ص 629). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 629). (¬5) في (ب)، (د): (تستدبر). (¬6) فتح العزيز (12/ 66)، الروضة (3/ 195). (¬7) المنهاج (ص 537). (¬8) الروضة (3/ 196). (¬9) الأم (2/ 225).

بعدم الإجزاء في المخلوقة بلا ذنب (¬1)، وزاد البغوي فجزم بعدم إجزاء المخلوقة بلا ألية أيضاً (¬2). 5544 - قول "الحاوي" فيما لا يجزئ [ص 629]: (وأعورُ) أحسن من تقييد "المنهاج" العور بالبيّن (¬3)، فإنه غير محتاج إليه؛ لأن المدار في عدم الإجزاء على ذهاب الضوء من إحدى العينين وإن بقيت الحدقة. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن أراد بالبين: ذهاب الحدقة أو نورها كله .. اقتضى أنه لو غطى البياض أكثر الحدقة .. لم يمنع، وليس كذلك؛ فقد جزم الماوردي والروياني فيه بالمنع (¬4)، وإن أراد بالبين: ما في العينين من ضعف البصر .. فالجمهور كما في "أصل الروضة" على أن ذلك لا يمنع (¬5). 5545 - قول "الحاوي" [ص 629]: (لا بيّن الجرب) يقتضي أنه لا يضر يسيره، وتبع في ذلك "المحرر" (¬6)، لكن استدرك عليه "المنهاج" فقال [ص 537]: (الصحيح المنصوص: يضر يسير الجرب)، وصححه في "أصل الروضة" (¬7)، وعبارة الرافعي: قضية ما أورده المعظم صريحاً ودلالة ونقلوه عن نصه في الجديد: أنه يمنع يسيراً كان أو كثيراً (¬8). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وما ذكره عن المنصوص يقتضي أن اليسير من الجرب غير بيّن، وليس كذلك؛ فنص "الأم" يخالفه فقال: (والجرب قليله وكثيره مرض بيّن مفسد للحم وناقص للثمن) (¬9). 5546 - قول "المنهاج" [ص 537] و"الحاوي" [ص 629]: (ألاَّ يضر فقد قرون) قد يستثنى منه: ما إذا انكسرت وأثر انكسارها في اللحم .. فهو كالجرب، كما حكاه في "أصل الروضة" عن القفال (¬10)، وقد يقال: لا حاجة لاستثناء ذلك؛ لقوله أولاً: (وشرطها سلامة من عيب ينقص لحماً) (¬11). ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 83)، و"التهذيب" (8/ 41). (¬2) انظر "التهذيب" (8/ 41). (¬3) المنهاج (ص 537). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 81). (¬5) الروضة (3/ 195). (¬6) المحرر (ص 466). (¬7) الروضة (3/ 194). (¬8) انظر "فتح العزيز" (12/ 65). (¬9) الأم (2/ 223). (¬10) الروضة (3/ 196). (¬11) المنهاج (ص 537).

5547 - قول "التنبيه" [ص 81]: (ويدخل وقتها إذا انبسطت الشمس يوم النحر ومضى وقت صلاة العيد والخطبتين) فيه أمران: أحدهما: المراد بانبساطها: ارتفاعها كرمح، كما صرح به في "المحرر" (¬1)، وهذا موافق لقول "التنبيه" [ص 45]: (إن صلاة العيد إنما يدخل وقتها بارتفاع الشمس) لكن الأصح: دخول وقتها بالطلوع، فيعتبر قدر العيد والخطبتين من الطلوع؛ ولهذا استدرك "المنهاج" هنا فقال [ص 537]: (ارتفاع الشمس فضيلة، والشرط طلوعها، ثم مُضِيُّ قدر الركعتين والخطبتين)، ونازعه شيخنا في "تصحيح المنهاج" في قوله: (إن ارتفاع الشمس فضيلة) وقال: تعجيل النحر مطلوب، فلا يعتبر في فضيلة الارتفاع، بل السنة عند الشافعي التعجيل في صلاة النحر. ثانيهما: يعتبر في صلاة العيد كونها خفيفة، وفي الخطبتين كونهما خفيفتين؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 629]: (بين مضي قدر ركعتين وخطبتين خفيفات من طلوع شمس النحر وآخر أيام التشريق)، وهو أحسن من قول "المنهاج" [ص 537]: (ثم مضي قدر ركعتين وخطبتين خفيفتين) فإن ظاهره عدم اعتبار الخفة في الركعتين، وليس كذلك، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": المذهب المعتمد عندنا: اعتبار ركعتين على المعتاد بالتكبير والفاتحة والسورة، وإنما أوردنا عليه أن يقول: خفيفات على ما ذكره هو في "الروضة"، وادعى أنه المذهب. انتهى (¬2). وقال الإمام: ما أرى من يعتبر خفة الصلاة يكتفي بأقل المجزى (¬3)، وظاهر ما في "الشامل" خلافه، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهذا المحكي عن "الشامل" ليس بمعتمد. 5548 - قول "التنبيه" [ص 81]: (وأفضلها البيضاء ثم الصفراء ثم السوداء) ذكر في "المهذب" موضع الصفراء: العفراء (¬4)، وهي بمعناها، وقد ذكر في "أصل الروضة" الصفراء (¬5)، وفسرها بأنها التي لا يصفو بياضها، وذكر في "شرح المهذب" البلقاء بين العفراء والسوداء (¬6)، وليس ذكر السوداء لتقدمها على شيء بعدها، وإنما هو زيادة إيضاح. 5549 - قوله: (وإن نذر أضحية معينة) (¬7) صوّره "المنهاج" بقوله [ص 538]: (فقال: "لله عليّ أن أضحي بهذه") وفي معناه: لو قال: جعلتها أضحية .. فحكمه كذلك، وقد جمع بينهما ¬

_ (¬1) المحرر (ص 466). (¬2) الروضة (3/ 199). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (18/ 177). (¬4) المهذب (1/ 238)، وفيه: (الغبراء). (¬5) فتح العزيز (12/ 73)، الروضة (3/ 197)، وفيهما: (العفراء). (¬6) المجموع (8/ 290). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 81).

"الحاوي" فقال [ص 629، 630]: (وتعيّن بجعله أضحية، ونذر المعين). 5550 - قول "التنبيه" [ص 81]: (زال ملكه عنها ولم يجز بيعها) اعتُرض بأن امتناع بيعها مفهوم من زوال ملكه عنها، فلا فائدة فيه، وقال في "الكفاية": له فوائد: منها: إفادة التنصيص على مخالفة أبي حنيفة؛ إذ جوز البيع ومنع زوال الملك. ومنها: أن الملك قد يزول ويسلط من زال ملكه عنه على بيعه؛ كمن نذر أن يهدي إلى الحرم شيئاً معيناً، فنفى توهم إلحاق هذه بتلك. ومنها: أنه جزم بجواز الركوب، وشرب فاضل اللبن عن الولد، والانتفاع بالصوف المضر بقاؤه مع أن زوال الملك ياباه، فنفى توهم أن يكون البيع أيضاً كذلك. قال في "التوشيح": ولك أن تقول على الأول: إنما يحسن لو كان أبو حنيفة يجوز البيع مع الموافقة على زوال الملك، أما إذا منع زوال الملك .. فجواز البيع عنده مستفاد من بقاء الملك، وأما الأخريان .. فقريبتان، والحاصل: أنه لا يلزم من زوال الملك امتناع البيع؛ لجواز كونه بولاية أو نيابة؛ كما أن الواقف يزول ملكه على المذهب، ثم له النظر والتصرف على خلاف فيه، فقد يقال: يزول الملك وله بيعها وشراء أجود منها، فنفى توهم ذلك. انتهى. 5551 - قول "الحاوي" [ص 630]: (ولمعيبة صرف مصرفها) قد يفهم أنه يختص ذبحها بوقت الأضحية، وبه صرح الرافعي والنووي، قالا: فلو ذبحها قبله .. تصدق بلحمها، ولم يأكل منه شيئاً، وعليه قيمتها يتصدق به (¬1). واستشكله في "المهمات" لأنها ليست أضحية حقيقة، بل حكمها كحكمها، وهو لو صرح في نذر التصدق بيوم .. جاز التقدم عليه بغير الملفوظ به، وهو في المقدر أولى. وقد يقال: سكوت "الحاوي" عن الوقت يدل على أنه ليس في ذلك كالمصرف. 5552 - قول "المنهاج" [ص 538]: (فإن تلفت قبله .. فلا شيء عليه) يفهم أنها لو تلفت في الوقت .. ضمنها، ومحله: ما إذا كان بعد التمكن من ذبحها، فإن تلفت في الوقت قبل التمكن من ذبحها .. فلا شيء عليه أيضاً، وإطلاق "التنبيه" و"الحاوي" أنه لا يضمنها إذا تلفت (¬2)، محمول على ما ذكرناه، هذا هو المنقول، وقول النووي من زيادته فيما إذا ضلت بعد مضي بعض أيام التشريق: الأرجح: أنه ليس بتقصير كمن مات في أثناء وقت الصلاة الموسع لا يأثم على الأصح (¬3)، مخالف لما تقدم، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه ليس بمعتمد. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (12/ 99)، و"الروضة" (3/ 216). (¬2) التنبيه (ص 81)، الحاوي (ص 630). (¬3) الروضة (3/ 219).

5553 - قول "المنهاج" [ص 538]: (فإن أتلفها .. لزمه أن يشتري بقيمتها مثلها ويذبحها فيه) قد يفهم منه أنه لو لم يجد مثلها إلا بأكثر من قيمتها .. لم يلزمه شراؤه، وليس كذلك، بل يلزمه أكثر الأمرين من قيمتها وأضحية مثلها؛ ولهذا عبر "الحاوي" بقوله [ص 631]: (أكثر القيمة والمثل) و"التنبيه" بقوله [ص 81]: (ضمنها بأكثر الأمرين من قيمتها أو أضحية مثلها) وقال في "الكفاية" تبعاً لـ"التحرير": كذا في "التنبيه" وسائر كتب الفقه، والأجود حذف ألف (أَوْ) لأنه على تقدير إثباتها يكون معناه: (أكثر الأمرين من قيمتها أو أكثرهما من أضحية) ومعلوم أن هذا غير منتظم (¬1). واعترضه الشيخ برهان الدين بن الشيخ تاج الدين: بأن صيغة الأجود تقتضي جواز غيره، وقوله: (غير منتظم) يقتضي منعه، وبأن إثبات الألف جائز بمعنى آخر، وهو أن يكون قوله: (من قيمتها ... إلى آخره) بياناً للأكثر، لا للأمرين؛ فكأنه قال: وهو - أي: وأكثر الأمرين - هو قيمتها أو أضحية مثلها، ويعلم من بيان الأمرين بطريق اللزوم، وقد قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ}، وقال: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى}، وقال: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى}، وفي حديث ذي اليدين: (صلى إحدى صلاتي العشاء الظهر أو العصر) (¬2). قال في "التوشيح" ما ذكره محتمل حسن، والنووي لم يمنعه؛ ولذلك عبر بالأجود، وإنما ادعى اقتضاء العبارة لما ذكره ولا ريب أنها ظاهرة فيه، وقوله: (غير منتظم) لا ينافي كون الأجود حذف الألف؛ لأن معنى كلامه إثبات الألف يفهم كذا، وإفهام كذا غير منتظم؛ فالأجود حذف الألف دفعاً لهذا، وقد يبقى ويُؤَول الكلام بالطريق التي أفادها الشيخ برهان الدين. نعم؛ قول النووي: إن الألف موجودة في سائر الكتب لعله أراد الغالب، وإلا .. فهي محذوفة في الرافعي. 5554 - قول "التنبيه" [ص 81]: (إن زادت القيمة على مثلها تصدق بالفاضل، وقيل: يشتري به اللحم ويتصدق به، وقيل: يشارك في ذبيحة أخرى) الأصح: الثالث، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 631]: (أو زاد ولا كريمة .. فشقصٌ) ومحله: فيما إذا أمكن، أما إذا لم يمكن .. فقال في "الشامل": ينبغي أن يكون فيه الوجهان الأولان، ومحل الخلاف: فيما إذا لم يمكن أن يشتري بالفاضل أضحية كاملة، فإن أمكن ولو من غير الجنس .. لزمه قطعاً، ثم ظاهر المشاركة في ذبيحة أخرى الإجزاء، ولو كان بجزء لا يجزئ في الأضحية كالمشاركة في شاة، وهو الذي حكى ¬

_ (¬1) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 162). (¬2) أخرجه بهذا اللفظ البيهقي في "سننه الكبرى" (3675)، وأصله في البخاري (1169).

في "الكفاية" عن الإمام وغيره التصريح به، وهو مقتضى إطلاق الرافعي هنا (¬1)، لكنه خالفه في (الوقف) فقال في أثناء مسألة: بخلاف ما إذا أتلف الأضحية ولم يوجد بقيمتها إلا شقص شاة؛ لأنه لا يضحي بشقص الشاة (¬2). 5555 - قول "الحاوي" [ص 630]: (وإن عيّب .. صرفه وضحى سليمة) حمله القونوي وغيره على المعين ابتداء، وعما في الذمة، وليس كذلك في الثانية، بل لا يلزمه ذبحه، وينفك عن الاستحقاق على الأصح، ونسب للنص، والحق أن كلام "الحاوي" إنما هو في المعيّن ابتداء، وقد ذكر المعين عما في الذمة بقوله بعده: (وإن عيّن لنذر .. أبدل بها) (¬3) ومراده: ما إذا حصل له العيب بعد ذلك، وإن كان ظاهر عبارته الإبدال من غير عيب، لكنه متى حمل على ذلك .. خالف الأصح الذي عليه الأكثرون: أنه يتعين بالتعيين، ولا يجوز إبداله، ووقع في موضع من الرافعي و"الروضة" ما يقتضي الانفكاك في المعينة ابتداءً أيضاً (¬4). قال في "المهمات": والظاهر أنه سهو. 5556 - قول "التنبيه" [ص 81]: (وله أن يركبها) قيده في "أصل الروضة" بأن يكون بغير إجحاف (¬5)، ومعناه كما في "الكفاية": ألاَّ يلحقها بذلك مشقة، قال في "التوشيح": ولا يختص بالهدي والأضاحي؛ فلا يجوز تحميل الدواب ما يضر بها، وهو في "التنبيه" في بابه. انتهى. وصحح في "شرح المهذب": أنه لا يجوز إلا لحاجة، وقال: إنه ظاهر النص (¬6)، وحكى الماوردي عن الشافعي أنه قال: ويركب الهدي إن اضطر إليه ركوباً غير قادح، ويحمل المضطر عليها (¬7). قال في "المهمات": فعلى هذا لا يجوز ذلك لقادر على المشي ركب مترفهاً، ولا لقادر على غيرها بملك أو إجارة، قال: وفي الإعارة نظر، قال الماوردي: وكذلك لو ركبها من غير ضرورة .. جاز ما لم يهزلها (¬8)، وحمله في "التوشيح" على الحاجة، وقال: الذي يظهر حرمة ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (12/ 93). (¬2) انظر "فتح العزيز" (6/ 294، 295). (¬3) الحاوي (ص 630). (¬4) فتح العزيز (12/ 102)، الروضة (3/ 218). (¬5) الروضة (3/ 226). (¬6) المجموع (259/ 8، 260). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (4/ 376). (¬8) انظر "الحاوي الكبير" (4/ 377).

الركوب لا لحاجة أصلاً؛ لأنه عبث وإتعاب حيوان بلا فائدة، قال: ولا اختصاص لهذا بالهدي والأضاحي. 5557 - قول "المنهاج" [ص 538]: (وولد الواجبة يذبح) أحسن من قول "التنبيه" [ص 81]: (فإن ولدت .. ذبح معها ولدها) لأمرين: أحدهما: أنه يتناول الهدي، ويتناول المعينة بالنذر ابتداء، وما إذا عينها عما في ذمته وهو الأصح في الثانية، وفيها وجهان آخران: أحدهما: أنه لا يجب ذبح ولد المعينة عما في الذمة. والثاني: يبيعها ما دامت حية، بخلاف عبارة "التنبيه" فإنه لا يتناول الهدي ولا المعينة عما في الذمة. الأمر الثاني: أن عبارة "التنبيه" تقتضي أنه لا يجب ذبح ولدها إلا معها، وكذا عبارة "المحرر" (¬1)، فأسقط "المنهاج" لفظة: (معها) ليشمل ما لو ماتت الأم .. فإنه يذبح جزماً في المعينة ابتداءً، وعلى الصحيح في المعينة عما في الذمة. 5558 - قول "المنهاج" [ص 538] و"الحاوي" [ص 631]: (وله أكل كله) صريح في أن الكلام في ولد الواجبة، وهو مشكل؛ لأن وجوب ذبحه مع جواز أكله مدركه أنه كالجزء من الأم .. فجاز أكله كعضو منها، فيلزم من جواز الأكل من الواجب وهو خلاف ما تقرر، وفي "أصل الروضة": في الأكل منه ومن أمه أوجه، صحح الروياني: أن لكل منهما حكم ضحية، فيتصدق من كل منهما بشيء، والثاني: يكفي التصدق من أحدهما، والثالث: لا بد من التصدق من الأم؛ لأنها الأصل، وصححه الغزالي، قال: ويشترك الثاني والثالث في جواز أكل جميع الولد (¬2). فرض في "شرح المهذب" هذه الأوجه في أضحية التطوع، وقال: إن المختار ما صححه الروياني، ثم قال: والأصح على الجملة: أنه يجوز أكل جميعه (¬3). وجعل ابن الرفعة محل الأوجه إذا قلنا: يجوز الأكل من الواجبة، وأنه لا يأكل الكل، فأفهم أنا إذا قلنا: لا يأكل الواجبة .. لا يأكل من الولد، وحكى شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن بعضهم أنه اعتقد أن الأوجه في الواجبة والتطوع، قال شيخنا: والخلاف إنما هو في الواجبة كما في كلام الماوردي والإمام ومن تبعه، قال: ولا خلاف أن أضحية التطوع لا يلزمه ذبح ولدها، وأنه لو ¬

_ (¬1) المحرر (ص 467). (¬2) الروضة (3/ 225، 226). (¬3) كذا في جميع النسخ، وفي المجموع (8/ 260، 261) طبعة دار الفكر، (8/ 332) طبعة مكتبة الإرشاد: (والأصح على الجملة: أنه لا يجوز أكل جميعه).

ذبحه .. لا يقع أضحية، قال: وهل يختص أكل ولد الواجبة جميعه بالذي أوجب دون وارثه، فيتعين عليه التصدق به، أو يجوز للوارث ما كان لمورثه؟ الأرجح: الثاني، ولم أر من تعرض لذلك. 5559 - قولهما: (وله أن يشرب من لبنها ما فضل عن ولدها) (¬1) قال الماوردي: مع الكراهة، قال الشافعي: ولو تصدق به .. كان أحب إليّ (¬2). ويستثنى من الفاضل: ما ينهك لحمها، وعبارة الشافعي في "المختصر": (ولا يشرب من لبنها إلا الفضل عن ولدها وما ينهك لحمها) (¬3)، ومقتضاه: أنه لو مات الولد أو فطم .. كان له شرب ما لا ينهك لحمها. 5560 - قول "التنبيه" [ص 81]: (فإن كان صوفها يضر بها إلى وقت الذبح .. جاز له أن يجزه وينتفع به) يفهم أنه لو كان بعد وقت الذبح ولا حاجة بها لإبقائه .. أنه لا يُجَزُّ، ومفهوم كلام الرافعي خلافه (¬4). 5561 - قول "المنهاج" في المنذور [ص 538]: (لزمه ذبحه فيه) قد يفهم أنه لو فات الوقت .. لا يذبحه، وليس كذلك، بل يذبحه بعده قضاءً، وقد صرح به "التنبيه" فقال [ص 81]: (فإن لم يذبحها حتى فات الوقت .. لزمه أن يذبحها) وقال قبل ذلك فيمن لم يضح حتى فات الوقت: (وإن كان منذوراً .. لزمه أن يضحي) (¬5) فحمل بعضهم كلامه أولاً على الملتزمة في الذمة، والثاني على المعينة ابتداءً؛ دفعاً للتكرار، ولو قال: (واجباً) بدل (منذوراً) .. لكان أولى؛ ليدخل الواجب بالتعيين؛ كقوله: جعلتها أضحية. 5562 - قول "المنهاج" [ص 538]: (فإن تلفت قبله .. بقي الأصل عليه في الأصح) كان ينبغي أن يقول: (على المذهب) ففي "أصل الروضة" طريقان: قطع الجمهور بوجوب الإبدال لمن اشترى بدينه سلعة من المديون فتلفت قبل القبض، وقيل: وجهان، نقلهما الإمام (¬6). والضمير في قوله: (قبله) عائد إلى الذبح لا إلى الوقت؛ فإنها لو تلفت في الوقت قبل الذبح .. بقي الأصل عليه أيضاً، ومحل الخلاف: ما إذا لم يكن تلفها بعد أيام التشريق مع إمكانه الذبح في وقته، فإن كان كذلك .. بقي الأصل بلا خلاف. ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 631)، و"المنهاج" (ص 538). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (4/ 376). (¬3) مختصر المزني (ص 284). (¬4) انظر "فتح العزيز" (12/ 113). (¬5) التنبيه (ص 81). (¬6) الروضة (3/ 212).

5563 - قوله: (وتشترط النية عند الذبح إن لم يسبق تعيين) (¬1) كذا في "المحرر" (¬2)، والذي في "الروضة": النية شرط في التضحية، وهل يجوز تقديمها على الذبح، أم يجب قرنها به؟ وجهان، أصحهما: الجواز (¬3). وقال الرافعي: قضية ما ذكره عن الإمام أنهما كالوجهين في تقدم النية على تفرقة الزكاة. وقيدهما في "شرح المهذب" في الزكاة بما إذا نوى بعد إفراز المال وقبل الدفع (¬4)، قال في "المهمات": فتكون الأضحية كذلك، ثم قال في "الروضة": ولو قال: جعلت هذه الشاة ضحية .. فهل يكفيه التعيين والقصد عن نية الذبح؟ وجهان، أصحهما عند الأكثرين: لا، ولو التزم ضحية في ذمته ثم عين شاة عما في ذمته؛ فإن قلنا: تتعين .. فالوجهان، وإلا .. فلا بد من النية عند الذبح، كذا عبر في "الروضة" (¬5)، وعبارة الرافعي: فلا بد من نية الذبح (¬6)، وبينهما تفاوت، وسيأتي ما يخالف عدم الاكتفاء بالتعيين عن نية الذبح في الاكتفاء بذبح أجنبي المعينة. وقول الرافعي في تعليله: إن ذبحها لا يفتقر إلى نية، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": قوله (إن لم يسبق تعيين) فيه إلباس؛ لاحتمال أن يريد به: إن لم يسبق تعيين الأضحية، بقوله: هذه أضحي بها، وأن يريد به: إن لم يسبق تعيين بنذر، وأن يريد به: إن لم يسبق تعيين عن نذر في الذمة، وأيضاً فيحتمل: إن سبق تعيين .. لم يشترط النية، أو تشترط ولكن لا عند الذبح، فأما الصورة الأولى: فيجوز فيها تقديم النية على الذبح بعد التعيين، ولم يذكره في "الروضة" وأصلها، وهو مقتضى ما سبق عن "شرح المهذب" في الاكتفاء بنية الزكاة بعد إفراز المال، ولا يكفي التعيين المذكور عن النية بلا خلاف، وأما صورتا النذر: فلا يغني التعيين فيهما عن النية عند الذبح على الأصح في "أصل الروضة"، ونحن نخالف في ذلك. قلت: كيف يكتفي بتقديم النية على الذبح في المعين بلا نذر دون المعين بنذر، وقد عرفت أن الذي في "الروضة": تصحيح جواز التقديم، ولم يقيده بشيء، وظهر أن قول "المنهاج": (إن لم يسبق تعيين) أي: فلا نشترط النية عند الذبح فيما إذا سبق تعيين سواء أكان بنذر أم بغيره، وينبغي إطلاق "الروضة" نصحبح الجواز على ما إذا سبق تعيين، والله أعلم. وعبارة "الحاوي" في ذلك [ص 629]: (بنيّة وإن تقدمت)، وهي موافقة لما في "الروضة". ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 538). (¬2) المحرر (ص 466). (¬3) الروضة (3/ 200). (¬4) المجموع (6/ 168). (¬5) الروضة (3/ 200). (¬6) انظر "فتح العزيز" (12/ 78).

5564 - قول "المنهاج" [ص 538]: (وكذا إن قال: "جعلتها أضحية" في الأصح) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا نعرف هل هو تشبيه لقوله: (إن لم يسبق تعيين) .. فيكون: (كذا إن قال: "جعلتها أضحية" في الأصح) فإنه يكون كسبق التعيين فلا يحتاج إلى النية، أو فيجوز تقديم النية، أو تشبيه لقوله: (وتشترط النية عند الذبح) أي: وكذا إن قال: "جعلتها أضحية" .. فتشترط النية عند الذبح، وهذا الكلام غير مستقيم، وكلامه يوهم اختصاص الخلاف بما بعد (كذا)، وليس كذلك؛ ففي التي قبلها أيضاً خلاف. انتهى. وفهم في "المهمات" الثاني، فقال: وصحح في "المنهاج" أنه لا يكفي، وكذا حكاه في "أصل الروضة" عن تصحيح الأكثرين (¬1)، واضطرب كلامه في ذلك في "شرح المهذب" (¬2). 5565 - قوله: (وإن وكل بالذبح .. نوى عند إعطاء الوكيل أو ذبحه) (¬3) يوهم عدم جواز النية من الوكيل، وليس كذلك، بل له تفويض النية له كما يفوض الذبح إليه؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 629]: (لا إن وكل مسلماً بهما) أي: بالذبح والنية، والتقييد بالمسلم لأجل النية، ولا بد من تقيده أيضاً بأن يكون عاقلاً صاحياً، فكل من المجنون والسكران لا تصح نيته. 5566 - قول "المنهاج" [ص 538]: (وله الأكل من أضحية تطوع) فيه أمران: أحدهما: أنه يقتضي تحريم أكله من الواجب، وبه صرح "التنبيه" و"الحاوي" (¬4)، وصححه في "شرح المهذب" (¬5)، وحكى الماوردي عن أكثر الأصحاب الجواز (¬6)، وصححه شيخنا في ["شرح المنهاج"] (¬7)، وهو مقتضى قول "المنهاج" في ولد الواجبة [ص 538]: (وله أكل كله) وقال الرافعي: يشبه أن يتوسط فيرجح في المعين الجواز، وفي المرسل المنع سواء عين عنه ثم ذبح، أو ذبح بلا تعيين؛ لأنه عن دين في الذمة، فأشبه الجبرانات، وإلى هذا ذهب صاحب "الحاوي", وهو مقتضى سياق الشيخ أبي على (¬8). ومشى على تصحيح هذا التفصيل شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" (¬9)، وقال في "التنقيح": إن الرافعي قرره في "الشرح"، وكذا النووي في "شرح المهذب" و"الروضة"، وقد عرفت أنه ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 200). (¬2) المجموع (8/ 299). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 538). (¬4) التنبيه (ص 81)، الحاوي (ص 631). (¬5) المجموع (8/ 307). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (4/ 187). (¬7) في (ج): (تصحيح المنهاج). (¬8) انظر "فتح العزيز" (12/ 107). (¬9) تذكرة النبيه (3/ 72).

في "الشرح" و"الروضة" بحث، وأن المصحح في "شرح المهذب": المنع مطلقاً. وقال في "المهمات": خالف الرافعي ذلك في المعينة فقال فيما إذا [تعينت] (¬1) يوم النحر قبل التمكن: فيذبحها ويتصدق بلحمها، ونقل بعد ذلك عن "التهذيب" ما يوافقه، وذكر في الكلام على ولد الأضحية ما حاصله: أنه يجوز الأكل في المعينة عما في الذمة. انتهى (¬2). ثم هذا كله في غير نذر المجازاة، فلا يجوز في نذر المجازاة الأكل مطلقاً على المذهب، وفي غير نذر اللجاج؛ كقوله على وجه الغضب: (إن كلمت زيداً .. فـ لله عليّ أن أضحي بهذه الشاة) فإذا كلمه واختار وفاء ما التزمه .. لم يجز الأكل منها قطعاً؛ لأنه ككفارة اليمين، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: لم يتعرضوا له هنا، وذكر في "المطلب" التفريع على ما إذا قلنا: يلزمه الوفاء بما عينه، ونحن ذكرنا التفريع على التخيير، وهو الأصح. ثانيهما: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محل الأكل من أضحية تطوع: ما لم يرتد، فإن ارتد .. لم يكن له الأكل من أضحيته التي تطوع بها قبل الردة، وقال الشافعي رضي الله عنه في "البويطي": ولا يطعم منها أحد على غير دين أهل الإسلام. 5567 - قول "المنهاج" [ص 538] و"الحاوي" [ص 631]: (وإطعام الأغنياء، لا تمليكهم) قد عرفت مما تقدم أنه لابد من تقييد الأغنياء بأن يكونوا مسلمين، ونازع شيخنا الإمام البلقيني في أنه ليس له تمليكهم وقال: إنما ذكره الإمام من تفقهه، وظاهر نصوص الشافعي رضي الله عنه والأصحاب وعمل الناس في الأعصار والأمصار على خلافه، والقياس على صدقة التطوع وعلى من يأخذ الزكاة مع الغنى كالغارم يدل على خلافه، وقد نازع ابن الصلاح الإمام فيما ذكره، وقال: إن فيه نظراً، وما أطلقه غيره من جواز الإهداء إلى الأغنياء ظاهره الهدية المفيدة للملك لا الإطعام على وجه الضيافة، وفي "المطلب": الظاهر مع ابن الصلاح، قال شيخنا: ويستثنى من كلام الإمام، ضحية الإمام من بيت المال؛ فيملك الأغنياء ما يعطيهم منها، وقال: ما أظن الإمام يخالف في هذه الصورة. 5568 - قول "التنبيه" [ص 81]: (والمستحب أن يأكل الثلث ويهدي الثلث ويتصدق بالثلث في أحد القولين، وفيه قول آخر: أنه يأكل النصف ويتصدق بالنصف) الأصح في "تصحيح التنبيه": الأول (¬3)، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 538]: (ويأكل ثلثاً، وفي قول: نصفاً) ولم يبين تمام القسمة، وقد أفصح عنه "التنبيه"، وقيل: يتصدق بالثلثين، وعليه مشى "الحاوي" ¬

_ (¬1) كذا في جميع النسخ، وفي "فتح العزيز": (تعيبت). (¬2) انظر "فتح العزيز" (12/ 99). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 265).

فقال [ص 631]: (والتصدق بالباقي) أي: الأولى التصدق بالباقي بعد اللقمة ثم قال: (والكمال بالثلثين) (¬1) أي: وكمال الشعار يحصل بالتصدق بالثلثين، وإن كان الأفضل الأول. وهذا التفاوت الذي بين عبارتي "التنبيه" و"الحاوي" هو اختلاف بين الأصحاب في التعبير عن القول الجديد، وقال الرافعي في "التذنيب": إن المشهور التصدق بالثلثين (¬2). وقال في "أصل الروضة": يشبه ألاَّ يكون اختلافاً في الحقيقة، لكن من اقتصر على التصدق بالثلثين ذكر الأفضل، أو توسع فعد الهدية صدقة، قال: والمفهوم من كلام الأصحاب أن الهدية لا تغني عن التصدق بشيء إذا أوجبناه، وأنها لا تحسب من القدر الذي يستحب التصدق به (¬3). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ويستثنى من أكل الثلث أو النصف: تضحية الإمام من بيت المال. 5569 - قول "المنهاج" [ص 538]: (والأصح: وجوب تصدق ببعضها) كان ينبغي التعبير بالأظهر؛ فإن في "البحر" حكاية مقابله عن رواية ابن القاص عن النص، وفي "المطلب": كأن مستند ابن القاص في حكايته عن النص كونه نص في القديم على ما حكاه البندنيجي على أنه لو أكل الكل .. لا يضمن، وقد يدخل في تعبيره بـ (بعضها) وتعبير "التنبيه" بـ (أدنى جزء) (¬4) العظم والجلد، ولا شك في عدم إجزائهما. وتردد شيخنا في "تصحيح المنهاج" في الشحم وجلد السميط الذي يمكن أكله، ورتب الألية على الشحم، وقال: إنها أولى بالجواز، فتعبير "الحاوي" بقوله [ص 631]: (ويجب تمليك الفقير اللحم نياً أقل شيء) حسن؛ لتصريحه باللحم، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ولم يتعرضوا للقديد، والظاهر أنه لا يجزئ. 5570 - قول "الحاوي" [ص 631]: (والتصدق بالباقي) أي: بعد اللقمة أحسن من قول "المنهاج" [ص 538]: (والأفضل: بكلها إلا لقماً يتبرك بأكلها) وقد خير في "أصل الروضة" بينهما، فقال: إلا لقمة أو لقماً (¬5). 5571 - قول "المنهاج" [ص 538]: (ولا تضحية لرقيق) أي: كامل الرق، فيجوز تضحية المبعض كما تقدم أول الباب. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 631). (¬2) التذنيب (ص 630). (¬3) الروضة (3/ 223، 224). (¬4) التنبيه (ص 81). (¬5) الروضة (3/ 223).

5572 - قوله: (فإن أذن سيده .. وقعت له) (¬1) يوهم وقوعها للعبد؛ لقرب ضميره في قوله: (سيده) وإنما تقع للسيد. 5573 - قوله: (ولا يضحي مكاتب بلا إذن) (¬2) أي: فبالإذن القولان في تبرعه به. 5574 - قوله: (ولا تضحية عن الغير بغير إذنه) (¬3) هذا هو المشهور المجزوم به هنا، لكن في "أصل الروضة" في (الوصية) بعد ذكر الصدقة عنه: وهذا القياس يقتضي جواز التضحية عن الميت؛ لأنها ضرب من الصدقة، وأطلق أبو الحسن العبادي جواز التضحية عن الغير، وروى فيه حديثاً، لكن في "التهذيب": لا تجوز التضحية عن الغير بغير إذنه، وكذا عن الميت، إلا أن يكون أوصى به. انتهى (¬4). ويستثنى من التضحية عن الغير بغير إذنه صور: أحدها: المعينة بالنذر إذا ذبحها أجنبي وقت التضحية .. وقعت الموقع على المشهور في "أصل الروضة" (¬5)، فيفرق صاحبها لحمها؛ لأنه مستحق الصرف إلى هذه الجهة، فلا يشترط فعله، كردّ الوديعة؛ ولأن ذبحها لا يفتقر إلى نية، فإذا فعله غيره .. أجزأ، وقد ذكرها "الحاوي" فقال [ص 631]: (وإن ذبح أجبني وقتها .. فضحية، وضمن أرش الذبح). الثانية: تضحية الولي من ماله عن محاجيره، ذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج" أن مقتضى قول "الأم": (ولا يضحى عما في البطن) (¬6) جوازه، وقال الماوردي: ولا يجوز لولي الطفل والمجنون أن يضحي عنهما من أموالهما (¬7)، فمفهومه: جوازه من ماله. الثالثة: أضحية واحد من أهل البيت يحصل بها سنة الكفاية لهم كما تقدم، وإن لم يصدر من بقيتهم إذن، وفي زيادة "الروضة" عن "العدة": لو أشرك غيره في ثواب أضحيته وذبح عن نفسه .. جاز (¬8). الرابعة: الإمام يضحي عن المسلمين من بيت المال، صرح به الماوردي (¬9). ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 538). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 538). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 538). (¬4) الروضة (6/ 202). (¬5) الروضة (3/ 214). (¬6) الأم (2/ 226). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 125). (¬8) الروضة (3/ 201). (¬9) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 125).

5575 - قوله: (ولا عن ميت إن لم يوص بها) (¬1) لا يخفى أنه من ذكر الخاص بعد العام، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ذكر ذلك البغوي، ومستنده أن علياً رضي الله عنه كان يضحي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (أمرني فلا أدعه أبداً) رواه أبو داوود والترمذي، واستغربه (¬2)، ثم قال شيخنا: والذي يقتضيه مذهب الشافعي: أنه لا يضحى عن الميت مطلقاً؛ وهو الأرجح، وحديث على إن صح. . محمول على خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وكون الأصل عدم التخصيص إنما هو فيما ثبت فيه تشريع بطريق العموم. انتهى. وحيث ضحى عن الميت. . لا يجوز الأكل من الأضحية؛ لتعذر إذن الميت، بل يجب التصدق بجميعها، قاله القفال في "فتاويه". ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 538). (¬2) سنن أبي داوود (2790)، سنن الترمذي (1495).

باب العقيقة

بابُ العَقِيقة 5576 - قول "المنهاج" [ص 538]: (يُسن أن يعُق) لم يبين الذي يسن له ذلك، وكذا لم يبينه "الحاوي"، وفي "التنبيه" أنه من ولد له (¬1)، وهذا يتناول الأم، والمجزوم به في "أصل الروضة" أنه من تلزمه نفقته (¬2)، ومقتضاه: أنها لا تعق إلا عند [إعسار] (¬3) الأب، والمراد: من تلزمه نفقته حقيقة لإعسار الولد، أو بتقدير إعساره فيما إذا كان موسراً .. فإنهم صرحوا بأنه لا يعق من مال المولود لو كان موسراً، فدل على ما ذكرناه، فهذا الولد الموسر لا يلزم أباه نفقته، ومع ذلك فهو الذي يعق عنه. قال الرافعي: وأما عق النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين .. فمتأول. قال النووي: تأويله أنه عليه الصلاة والسلام أمر أباهما بذلك، وأعطاه ما عق به، أو أن أباهما كان عند ذلك معسراً، فيكونان في نفقة جدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى (¬4). ولا بد أيضاً من تقدير [إعسار] (¬5) أمهما في تلك الحالة، وقد ذكره في "شرح المهذب" (¬6)، وهو في بعض نسخ "الروضة"، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": اختصاص ذلك بمن تلزمه النفقة، ذكره الماوردي وغيره (¬7)، ولم أجده في كلام الشافعي وأكثر أصحابه، والأقرب عندي: أن ذلك يتعلق بالأصول، لا على ترتيب النفقة، ولكن أولاهم به الأب، ثم أبوه، ثم الأم، ثم الجد للأم، ولو ذبح الأبعد .. وقع الموقع، ولا أأوّل الحديث. ودخل في قولهم: من تلزمه نفقته: الأب الكافر؛ فيعق عن ولده المسلم بإسلام أمه أو غير ذلك، وذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: كما يتعلق به إخراج زكاة الفطر عنه على الأصح، قال: ولم أر من تعرض لهذا. 5577 - قول "الحاوي" [ص 632]: (من الولادة إلى البلوغ) موافق لقول "أصل الروضة": ويجزئ ذبحها قبل فراغ السبعة، ولا يحسب قبل الولادة، بل تكون شاة لحم، ولا تفوت بتأخرها عن السبعة، لكن الاختيار ألاَّ يؤخر إلى البلوغ، ثم قال أبو عبد الله البوشنجي من أصحابنا: إن لم ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 82). (¬2) الروضة (3/ 230). (¬3) في (ب)، (ج): (اعتبار). (¬4) انظر "الروضة" (3/ 230). (¬5) في (ب)، (ج): (اعتبار). (¬6) المجموع (8/ 324). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 129).

تُذبح في السابع .. ذُبحت في الرابع عشر، وإلا .. ففي الحادي والعشرين، وقيل: إذا تكررت السبعة ثلاث مرات .. فات وقت الاختيار، فإن أخرت حتى بلغ .. سقط حكمها في حق غير المولود، وهو مخير في العقيقة عن نفسه، واستحسن القفال الشاشي أن يفعلها، ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة، ونقلوا عن نصه في "البويطي": أنه لا يفعل ذلك، واستغربوه: قال النووي: رأيت نصه في نفس كتاب "البويطي" قال: (ولا يعق عن كبير) هذا لفظه، وليس مخالفاً لما سبق؛ فإن معناه: لا يعق عنه غيره، وليس فيه نفي عقه عن نفسه (¬1). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الظاهر أنه مطلق، ثم قال في "أصل الروضة" بعد ذلك: فلو كان المنفق عاجزاً عن العقيقة فأيسر في السبعة .. استحب له العق، وإن أيسر بعدها وبعد مدة النفاس .. فهي ساقطة عنه، وإن أيسر في مدة النفاس .. ففيه احتمالان للأصحاب؛ لبقاء أثر الولادة (¬2). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": فعلى المذكور أولاً إذا أيسر المنفق في أي وقت كان قبل البلوغ .. استحب له أن يفعلها. قلت: لا منافاة بين الكلامين؛ لأن كلامه أولاً في أصل العقيقة، وثانياً فيمن توجهت السنية إليه وقت الولادة، فما دام المولود غير بالغ .. فمخاطبة من تلزمه نفقته بعقيقته على سبيل الاستحباب باقية، والذي يتوجه إليه هذا الاستحباب هو من تلزمه نفقته بشرط اليسار في السبعة، أو في مدة النفاس على أحد الاحتمالين، ولا يتوجه إليه الاستحباب بيساره بعد مدة النفاس، بل ينتقل الاستحباب لمن بعده؛ ولهذا حين ذكر البلوغ .. عبر بسقوط حكمها، وحين ذكر انقضاء مدة النفاس .. قال: فهي ساقطة عنه، ولم يقل: سقط حكمها مطلقاً، بل حكمها مستمر، لكن على غير هذا المعسر طول مدة النفاس، والله أعلم. 5578 - قولهما - والعبارة لـ"المنهاج" -: (عن غلام بشاتين، وجارية بشاة) (¬3) فيه أمور: أحدها: أنه يفهم أنه لا تحصل السنة عن الغلام بشاة، وليس كذلك، بل يحصل به أصل السنة؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 632]: (وشاتان، وللأنثى شاة أحبُّ) وقد تفهم عبارته أنه يستحب للخنثى شاتان؛ لأنه قرر ذلك ثم استثنى منه الأنثى خاصة، وقال بعضهم: الخنثى كالأنثى فيما يظهر، وفيه احتمال. ثانيها: قيده شيخنا في "تصحيح المنهاج" بأن يكون حراً نسيباً إلى أصله، قال: فلو كان رقيقاً ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 229). (¬2) الروضة (3/ 230). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 82)، و"المنهاج" (ص 538).

وضعته جارية الإنسان أو زوجته الرقيقة .. لم تتعلق سنة العقيقة بوالده؛ لأنه لا يلزمه نفقته، ولا بمالكه؛ لأنه لا ينسب إليه، ولو كان حراً إلا أنه لا ينسب لصاحب الفراش .. لم يسن له العق عنه. نعم؛ يسن للأم إذا لزمتها نفقته. ثالثها: ظاهره أنه لا تتأدى السنة في العقيقة بغير الشاة، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ولم يقل به أحد من الشافعية، وقال في "التوشيح": قاله أبو نصر البندنيجي في كتاب "المعتمد"، ونصه: ليس للشافعي نص في غير الغنم في العقيقة، وعندي لا تجزئ غيرها، وأبو نصر هذا من أكابر تلامذة أبي إسحاق الشيرازي. انتهى. ومقتضى قول "الحاوي" المتقدم: (وشاتان، وللأنثى شاة أحبُّ) مع قوله أولاً: (والعقيقة كهي) (¬1) - أي: كالأضحية - تأدي السنة بالإبل والبقر أيضاً، لكن مقتضاه: ترجيح الشياة عليهما، والأصح: تفضيل الإبل ثم البقر كالأضحية. قال الرافعي: وينبغي أن تتأدى السنة بسبع بدنة أو بقرة (¬2). 5579 - قول "التنبيه" [ص 82]: (ويفرق على الفقراء) فيه أمران: أحدهما: أن مقتضاه: تفرقة الجميع عليهم، لكن في "المنهاج" [ص 538]: (وسنهما وسلامتهما والأكل والتصدق كالأضحية) ومقتضاه: أكل الثلث، وهو مقتضى قول "الحاوي" [ص 632]: (العقيقة كهي)، ولم يذكر "المنهاج" الهدية، ولا دخلت في عبارة "الحاوي" أيضاً؛ لأن رأيه في الأضحية التصدق بالثلثين، وذكرها في "الروضة" وأصلها (¬3)، ودخل في عبارة "الحاوي" سائر أحكام الأضحية. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم نجد للشافعي رضي الله عنه نصاً يقتضي التثليث في العقيقة، وجاءت أحاديث في إعطاء القابلة رجلها، وذكر في "أصل الروضة": أنه مستحب (¬4)، فخرجت العقيقة عن تثليث الأضحية إن كانت الرجل قبل التثليث، وإن كانت من ثلث الهدية .. فليس ذلك كالأضحية، قال: وفي إعطاء القابلة الرجل والنهي عن إعطاء الجزار من الأضحية شيئاً دلالة على المسامحة في العقيقة، وإذا أهدي للغنى من العقيقة شيء .. ملكه، وفي الأضحية كلام الإمام وما تعقبناه به، والفرق: أن الأضحية ضيافة عامة من الله تعالى للمؤمنين، فلا يملكها الأغنياء بالهدية، بخلاف العقيقة. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 632). (¬2) انظر "فتح العزيز" (12/ 118). (¬3) فتح العزيز (12/ 110)، الروضة (3/ 224). (¬4) الروضة (3/ 233).

ثانيهما: أن مقتضاه: تفرقته نياً كالأضحية، لكن في "المنهاج" [ص 538]: (ويسن طبخها)، وفي "الحاوي" [ص 632]: (والتصدق بالمطبوخ من الدعوة أحبُّ)، وهو الصحيح في "أصل الروضة" (¬1)، والمحكي عن الجمهور في "شرح المهذب" أي: أنه لا يتصدق بلحمها نياً، بل مطبوخاً (¬2). ونازع شيخنا الإمام البلقيني في ذلك، وقال: ليس فيه خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أثر عن صحابي نحتج به، وما في "المهذب" عن عائشة لم نقف له على إسناد (¬3)، ونقل البغوي عن الشافعي: أنه يطبخها بحموضة (¬4)، لا يعرف في شيء من كتبه، ولم يذكره غيره، وبتقدير ثبوته فليس فيه أنه سنة، وإنما فيه جواز الطبخ، ولا خلاف في جواز طبخ أكثرها، وتمسك شيخنا بأن المارودي قال: إن لم نجوز ما دون الجذعة والثنية .. وجب التصدق بلحمها نياً (¬5)، وأن الإمام قال: إن أوجبنا التصدق بقدر .. وجب تمليكه نياً (¬6)، وهما محكيان في "أصل الروضة" (¬7)، لكنه صحح خلافهما كما تقدم، وقال شيخنا: إن المحكي في "شرح المهذب" عن الجمهور لم أجده في كلام أحد من الأصحاب، ولا يوجد في تصنيف، والعجب أن في "المهذب": ويستحب أن يطبخ من لحمها طبيخاً حلواً (¬8)، وهو مباين لنقل شارحه عن الجمهور! فإن كان عنده موافقاً له .. فممنوع، أو مخالفاً .. فكان ينبغي التنبيه عليه. 5580 - قول "المنهاج" [ص 538]: (ولا يُكسر عظم) و"الحاوي" [ص 632]: (بلا كسر عظم) قد يفهم كراهته، وليس كذلك في الأصح؛ ولهذا قال "التنبيه" [ص 82]: (ويستحب نزع اللحم من غير أن يكسر العظم) والمراد: استحباب ذلك ما أمكنه. 5581 - قول "التنبيه" [ص 82]: (فإن كان غلاماً .. عق عنه بشاتين ... إلى آخره) بعد قوله: (المستحب لمن ولد له ولد أن يحلق رأسه يوم السابع) يتبادر إلى الفهم منه أن العقيقة يوم السابع، لكنه لم يصرح به، وصرح بذلك "الحاوي" فقال [ص 632]: (وفي السابع أحب) لكنه لم يبين هل يحسب يوم الولادة من السبعة أم لا، فظاهر قول "المنهاج" [ص 538]: (وأن تذبح يوم سابع ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 231). (¬2) المجموع (8/ 322). (¬3) المهذب (1/ 241). (¬4) انظر "التهذيب" (8/ 49). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 128). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (18/ 206). (¬7) الروضة (3/ 231). (¬8) المهذب (1/ 241).

ولادته) حسبان يوم الولادة منها، وهو الأصح في "أصل الروضة" هنا (¬1)، لكنه صحح في الختان من زيادته: أنه لا يحسب (¬2)، ونقل هنا من زيادته عن نص الشافعي في "البويطي": أنه لا يحسب (¬3)، وقال في "شرح المهذب" مع نقله فيه هذا النص: إن المذهب: أنه يحسب (¬4). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وكيف استقام له بعد أن عرف النص أن يقول: إن المذهب غيره، وليس للشافعي نص يخالفه مع أن نص "البويطي" إنما حكاه الشافعي عن مالك، لكن لما لم يتعقبه .. كان العمل به في مذهبه أولى. وظاهر كلامهم: استحبابها في السابع وإن مات المولود قبله، وهو المذكور في "شرح المهذب" فقال: تستحب عندنا، وقال الحسن البصري ومالك: لا تستحب (¬5)، لكن في "الكفاية": مذهبنا أنها لا تستحب، فهذان نقلان متباينان، ويوافق ما في "الكفاية" قول "أصل الروضة": ويستحب أن يعق عمن مات بعد الأيام السبعة والتمكن من الذبح، وقيل: يسقط بالموت. انتهى (¬6). فإن مفهومه سقوطها عمن مات قبل السابع أو بعده وقبل التمكن من الذبح. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن مقتضى كلام "المنهاج" عدم استحبابها إذا مات قبله، وفي "أصل الروضة": ولا يترك تسمية السقط، ولا من مات قبل تمام السبعة (¬7)، وهو موافق لما في "شرح المهذب" (¬8)، وإن كانت المسألتان مختلفتين، وقال بعضهم في السقط الذي لم يتميز كونه ذكراً أو أنثى: يسمى بما يصلح لهما؛ كحمزة وطلحة وهند. 5582 - قول "المنهاج" [ص 538] و"الحاوي" [ص 632]: (ويُسَمَّى فيه) قال البيهقي في "سننه" بعد ذكره ما يدل عليه: إن ما جاء في تسميته حين يولد أصح، فذكر حديث أنس، قال: (ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد) وفيه: (وسماه عبد الله)، وحديث أبي موسى الأشعري: (ولد لي غلام، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم) (¬9) فهذان حديثان ثابتان في "الصحيحين" يدلان على التسمية يوم ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 229). (¬2) الروضة (10/ 181). (¬3) الروضة (3/ 229). (¬4) المجموع (8/ 323). (¬5) المجموع (8/ 340). (¬6) الروضة (3/ 232). (¬7) الروضة (3/ 232). (¬8) المجموع (8/ 327). (¬9) سنن البيهقي الكبرى (9/ 305).

الولادة (¬1)، وذكر ابن عبد البر في "الاستيعاب" حديث أنس: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولد لي الليلة غلام فسميته إبراهيم باسم أبي إبراهيم"، وقال: إنه أصح من قول الزبير بن بكار: أنه سماه يوم سابعه (¬2). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إذا ثبتت الأحاديث الصحيحة بالتسمية يوم الولادة .. فهو السنة، وليس للشافعي نص يخالفه. 5583 - قول "المنهاج" [ص 538]: (ويحلق رأسه) و"الحاوي" [ص 632]: (وحَلْق شعره) لم يصرحا بكونه يوم السابع، وصرح به "التنبيه" (¬3)، وجزم به في "أصل الروضة" (¬4)، وحكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن الأخبار والآثار والنص واتفاق الأصحاب؛ فكان ينبغي أن يقولا: (فيه) كما فعلا في التسمية. 5584 - قول "المنهاج" [ص 538]: (بعد ذبحها) حكاه الرافعي عن البغوي، قال: والذي رجحه الروياني ونقله عن النص: أنه يكون قبل الذبح (¬5)، قال في "الروضة": وبهذا قطع المحاملي في "المقنع"، وبالأول قطع صاحب "المهذب" والجرجاني في "التحرير"، وفي الحديث إشارة إليه، فهو أرجح (¬6). ومال شيخنا في "تصحيح المنهاج" إلى كونه قبل الذبح؛ للنص، وحكاه عن الشيخ أبي حامد، وقال: إنه المذهب؛ فإنه ليس في ذلك الجانب نص للشافعي، ثم ذكر أن الماوردي حكى عن الشافعي أنه قال: وهذا - أي: حلق شعره والتصدق بزنته - أحب ما صُنع بالمولود بعد الذبح (¬7)، ثم أوَّله شيخنا على أن الشافعي إنما أراد: اجتناب صنع الجاهلية في تدمية رأسه يوم العقيقة ثم حلقه؛ لأن تأخير الحلق عن الذبح سنة. قلت: وفي التأويل انظر، بل هما نصان، وفي المسألة قولان، والله أعلم. وذكر في "الكفاية" أن مقتضى عبارة "التنبيه" كونه قبل الذبح. 5585 - قول "المنهاج" [ص 538] و"الحاوي" [ص 632]: (ويتصدق بزنته ذهباً أو فضة) عبارة ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (5150)، (5153)، صحيح مسلم (2144)، (2145). (¬2) الاستيعاب (1/ 54). (¬3) التنبيه (ص 82). (¬4) الروضة (3/ 232). (¬5) فتح العزيز (12/ 119)، وانظر "التهذيب" (8/ 50). (¬6) الروضة (3/ 232)، وانظر "المهذب" (1/ 241)، و"التحرير" (1/ 200). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 130).

"أصل الروضة": ذهباً، فإن لم يتيسر .. ففضة (¬1). 5586 - قول "المنهاج" [ص 538]: (ويُؤذن في أذنه حين يولد) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هو مقيد بمقتضى الأدلة بالأذن اليمنى؛ لحديث عائشة: (كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله) (¬2)، وهذا داخل في شأنه كله. قلت: وروى ابن السني عن الحسين بن عليّ مرفوعاً: (من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى .. لم تضره أم الصبيان" (¬3)، وحكى استحبابه في "أصل الروضة" عن عمر بن عبد العزيز وبعض أصحابنا (¬4)، وفي "الأذكار" عن جماعة من أصحابنا (¬5). 5587 - قوله: (ويحنك بتمر) (¬6) قال في "أصل الروضة": فإن لم يكن تمر .. فحلو غيره (¬7)، وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج": أن التحنيك مختص بالصبيان، فلم يجيء في السنة تحنيك الإناث، قال: ولهذا قال البغوي: إذا وُلد صبي .. يستحب أن يحنك (¬8)، قال شيخنا: والحكمة فيه: أن الذكر تطلب فصاحته واشتداد حنكه وحلاوة لسانه، بخلاف الأنثى. قلت: إنما كانوا يحملون الصبيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لاعتنائهم بهم دون الإناث، فالظاهر أنهم كانوا يحنكوهن في البيوت؛ تسوية بينهن وبين الذكور، والله أعلم. 5588 - قول "الحاوي" [ص 632]: (ويكره تلطبخ رأسه بالدم) هو المنقول في "الروضة" وأصلها (¬9)، قال في "المهمات": لكن المشهور: تحريم التضمخ بالنجاسة، ويحرم على الولي أن يفعل به شيئاً من المحرمات على المكلفين؛ كسقيه خمراً أو إدخال فرجه في فرج محرم ونحو ذلك. ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 232). (¬2) أخرجه البخاري (166)، ومسلم (268). (¬3) أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (6780)، وقال الحافظ في "التلخيص الحبير" (4/ 149): أم الصبيان: هي التابعة من الجن. (¬4) الروضة (3/ 233). (¬5) الأذكار (ص 225). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 538). (¬7) الروضة (3/ 233). (¬8) انظر "التهذيب" (8/ 51). (¬9) فتح العزيز (12/ 118)، الروضة (3/ 232).

كتاب الأطعمة

كتابُ الأَطعِمة 5589 - قول "المنهاج" [ص 539]: (حيوان البحر السمك منه حلال كيف مات) يفهم توقف الحل على موته، وليس كذلك، وقد تقدم في "المنهاج" في (الصيد والذبائح) أنه يحل بلع سمكة حية في الأصح (¬1)، ولهذا قال "الحاوي" هنا [ص 633]: (وحيوان البحر حياً وميتاً). 5590 - قول "التنبيه" [ص 84]: (وما سواهما - أي: ما سوى السمك والضفدع - .. فقد قيل: يؤكل، وقيل: لا يؤكل، وقيل: ما أكل شبهه من البر أكل، وما لا يؤكل شبهه من البر لا يؤكل) فيه أمور: أحدها: الأصح: الأول، وعليه مشى "المنهاج" فقال بعد ما تقدم [ص 539]: (وكذا غيره في الأصح) و"الحاوي" فأطلق حيوان البحر كما تقدم (¬2)، وظاهر كلامهم: حل ما يتقوى بنابه في البحر، ويوافقه تصحيحهم حل خنزير البحر. ثانيها: أن كلام "التنبيه" و"المنهاج" صريح في انقسام حيوان البحر إلى سمك وغيره، وهو مخالف لتصحيحه في "أصل الروضة" أن السمك يقع على جميعها (¬3)، وقد يحمل كلام "الروضة" على الإطلاق اللغوي أو الشرعي، و"التنبيه" و"المنهاج" على العرف. ثالثها: أن "المنهاج" و"الحاوي" لم يستثنيا من حيوان البحر شيئاً، واستثنى "التنبيه" الضفدع (¬4)، وذكره "الحاوي" هو والسرطان والسلحفاة في الحشرات (¬5)، وذكر "التنبيه" و"الحاوي" التمساح فيما يتقوى بنابه (¬6)، وذكر الرافعي أن تحريم التمساح للخبث والضرر (¬7)، وقال "المنهاج" عقب ما تقدم [ص 539]: (وما يعيش في بر وبحر كضفاع وسرطان وحية .. حرام). واعترض: بأنه كان ينبغي أن يذكر التمساح هنا، وبأن الحية لا تعيش في البحر، واعترض على "التنبيه": بأنه لا يحتاج إلى استثناء الضفدع؛ لأن المراد بحيوان البحر: هو ما يعيش في الماء ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 532). (¬2) الحاوي (ص 633). (¬3) الروضة (3/ 274). (¬4) التنبيه (ص 84). (¬5) الحاوي (ص 636). (¬6) التنبيه (ص 83)، الحاوي (ص 635). (¬7) انظر "فتح العزيز" (12/ 143).

وعيشه خارجه عيش المذبوح، والضفدع ليس كذلك كما تقدم، وقد تحرر أنا إن اعتبرنا مجرد كونه في البحر .. استثنينا من الحل الضفدع والسرطان والسلحفاة والتمساح، وإن فسرنا حيوان البحر بما تقدم .. لم يحتج إلى استثناء شيء منها، وقد ظهر بهذا الاستثناء حل شيئين: أحدهما: الحوت الرقيق المشبه للحية في البر، وهو: نوع من السمك لا سم فيه .. فإنه حلال بالاتفاق كما حكاه البغوي وغيره، وهو مستثنى من الوجه الثالث في "التنبيه" و"المنهاج" المفصل بين ما أكل شبهه في البر وغيره. ثانيهما: القِرش بكسر القاف، ومنهم من ضبطه بفتحها وبالشين المعجمة، وهو: اللخَم بفتح الخاء المعجمة، وقد صرح المحب الطبري في "شرح التنبيه" بحله فقال: لا أرى التمساح يتقوى بنابه، ولا ينبغي تعليل تحريمه بذلك؛ فإن في البحر حيواناً كبيراً يفترس بنابه كالقرش ونحوه وهو حلال، ولا ريب في أن البحري مخالف للبري. انتهى. وذكر ابن الأثير في "نهاية غريب الحديث" أن في الحديث حديث عكرمة: اللخَم حلال، وقال: وهو ضرب من سمك البحر يقال: اسمه القرش (¬1). رابعها: كلام "التنبيه" و"المنهاج" يقتضي أن الخلاف أوجه، وليس كذلك؛ فالأول المرجح نص عليه في "الأم" و"المختصر"، والثاني والثالث ذكر القاضي أبو الطيب والإمام والغزالي وغيرهم أنهما قولان أيضاً، وعبارة "أصل الروضة": أنها ثلاثة أوجه، ويقال: أقوال (¬2)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": عندي أن الخلاف قولان ووجه؛ لأني لم أجد في نصوص الشافعي ما يقتضي هذا الثالث، وكذا فعل أبو الفرج الزاز في "تعليقه". خامسها: كلامهما يقتضي أن الوجه الثاني: الحرمة مطلقاً ولو ذكّي، وفيه احتمالان للبغوي، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأرجح: أنه حلال؛ لأن غايته أن يكون برّياً فتحرم ميتته وتحل ذبيحته. سادسها: تمثيل "المنهاج" ما لا يؤكل مثله في البر بالحمار، تبع فيه "المحرر" (¬3)، وليس في "الشرح"، وحكاه في زيادة "الروضة" عن صاحبي "الشامل" و"التهذيب" وغيرهما (¬4)، ونازعه شيخنا في "تصحيح المنهاج" في النقل عن "الشامل"، وقال: إن الذي في "التهذيب" شذوذ، والصواب: إلحاقه بالوحشي؛ لأن هذا وحشي أيضاً، فإلحاق الوحشي بالوحشي أولى. ¬

_ (¬1) النهاية في غريب الأثر (4/ 244). (¬2) الروضة (3/ 274). (¬3) المحرر (ص 468)، المنهاج (ص 539). (¬4) الروضة (3/ 275)، وانظر "التهذيب" (8/ 52).

5591 - قول "التنبيه" [ص 83]: (وسنور البر قيل: يؤكل، وقيل: لا يؤكل) الأصح: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" (¬1) ولذلك أطلق "الحاوي" تحريم الهرة (¬2)، فتناول الإنسية والوحشية. 5592 - قول "الحاوي" فيما يحل [ص 633]: (والدلق) هو ابن مقرض، وهو في ذلك مخالف لكلام الرافعي في "شرح الكبير" فإنه قال بعد ذكر حل الأرنب واليربوع: والوجهان يجريان في ابن مقرض، وهو الدلق، وفي ابن آوى أيضاً، وفي "تعليق" الشيخ أبي حامد: أن الأشبه بالمذهب: حله، لكن الذي رجحه أبو على الطبري والبغوي والروياني: المنع؛ لأن رائحته كريهة، والعرب تستخبثه، وهذا ما حكى الإمام عن المراوزة القطع به. انتهى (¬3). وتبعه في "الروضة" فقال: ويحرم ابن آوى وابن مقرض على الأصح عند الأكثرين. انتهى (¬4). لكن قول الرافعي: (والوجهان يجريان في ابن مقرض) يدل على سقوط شيء؛ لأنه لم يتقدم ذكر وجهين، وقد علم ذلك من "الشرح الصغير" فإنه حكى وجهين في ابن عرس، وقال: الأظهر: الحل، ثم قال: ويجري الوجهان في ابن مقرض، وهو الدلق، وفي ابن آوى، لكن الأظهر في ابن آوى التحريم. انتهى. ومقتضاه: حل الدلق؛ فالذي في "الحاوي" هو الصواب، ولزم على السقوط الذي وقع في الرافعي أنه ليس فيه ولا في "الروضة" ذِكر ابن عرس، مع أنه في "الوجيز" وغيره من المختصرات (¬5). 5593 - قول "التنبيه" [ص 83]: (ولا يؤكل ما يتقوى بنابه) و"الحاوي" [ص 635]: (وناب يعدو به) أحسن من قول "المنهاج" [ص 539]: (وكل ذي ناب من السباع) لكونه لم يذكر تقوّيه ولا عدوانه به. 5594 - قول "التنبيه" في أمثلة ذلك [ص 83]: (والزرافة) قال في "شرح المهذب": إنها حرام بلا خلاف، وإن بعضهم عدّها من المتولد بين المأكول وغيره (¬6). وفي "الكفاية": منع ما في "التنبيه"، وأن البغوي أفتى بحلها، ومنهم من غير لفظها فقال: ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 539). (¬2) الحاوي (ص 635). (¬3) فتح العزيز (12/ 132، 133)، وانظر "نهاية المطلب" (18/ 211)، و"التهذيب" (8/ 57، 58). (¬4) الروضة (3/ 272). (¬5) الوجيز (2/ 215). (¬6) المجموع (9/ 26).

ليست الزرافة بالفاء، بل بالقاف، وقال السبكي: إنه ليس بشيء، وحكى ابن يونس في "النبيه" فيها وجهين، وأنكر موفق الدين حمزة الحموي تحريمها، وقال السبكي في "الحلبيات": المختار: حلها، وهو ما في "فتاوى القاضي الحسين" و"تتمة التتمة"، قال: وليس في "فتاوى البغوي"، وعذر ابن الرفعة أنه أراد بـ"فتاوى البغوي": الفتاوى التي علقها البغوي عن شيخه القاضي الحسين، وهي "فتاوى القاضي حسين" المشهورة (¬1). 5595 - قول "الحاوي" فيما يحرم [ص 636]: (واللقلق) (¬2) هو الأصح في "التهذيب" (¬3)، وهو ما أورده العبادي، وصححه النووي في "أصل الروضة" (¬4)، ومال الجويني إلى أنه حلال، وصححه الغزالي (¬5)، فهذا مما خالف فيه "الحاوي" الغزالي على خلاف عادته، فنبهنا عليه لذلك. 5596 - قول "التنبيه" [ص 84]: (وأما غراب الزرع والغداف .. فقد قيل: أنهما يؤكلان، وقيل: لا يؤكلان) صحح النووي في "تصحيح التنبيه" في الأول: أنه يؤكل، وفي الثاني: أنه لا يؤكل (¬6)، فأما حل الأول فعليه مشى "المنهاج" (¬7) و"الحاوي"، وعبر عنه بالزاغ (¬8)، وأما تحريم الثاني: فهو ظاهر كلام "الحاوي" لأنه بعد ذكر حل الزاغ أطلق تحريم الغراب .. فدخل فيه الغداف، وهو صغير رمادي اللون، ولا يستفاد من عبارة "المنهاج" في ذلك شيء؛ لأنه أطلق تحريم الغراب الأبقع، وصحح حل غراب الزرع، فبقي الغداف مسكوتاً عنه، والمفهومان فيه متدافعان؛ وكذلك سكت عن ذكر الغراب الأسود، ويقال له: الغداف الكبير، وقد ذكره "التنبيه" فاستوفى ذكر الأربعة (¬9)، ولسنا ننكر تحريم الغداف الكبير؛ فإنه الأصح وقطع به جماعة، وأما الغداف الصغير .. فإن النووي اعتمد في "تصحيحه" التحريم، على أنه الأصح في "أصل الروضة" (¬10). وكلام الرافعي غير موافق له، بل مخالف؛ فإنه قال: فيه وجهان كالوجهين في النوع الذي ¬

_ (¬1) قضاء الأرب في أسئلة حلب (ص 536، 537) مسألة (64). (¬2) اللقلق: طائر أعجمي طويل العنق يأكل الحيات، والجمع: اللقالق. انظر "مختار الصحاح" (ص 251). (¬3) التهذيب (8/ 64). (¬4) الروضة (3/ 273). (¬5) انظر "الوجيز" (2/ 215). (¬6) تصحيح التنبيه (1/ 271). (¬7) المنهاج (ص 539). (¬8) الحاوي (ص 634). (¬9) التنبيه (ص 84). (¬10) الروضة (3/ 273).

قبله؛ يعني: غراب الزرع (¬1)، وقد صحح فيه الحل كما تقدم، وعبارة "الشرح الصغير": فيه الوجهان، وفي "المطلب": أن الرافعي صحح في الغداف الصغير الحل، وعمدته في ذلك هذا التشبيه، وفي "شرح المهذب": أن الرافعي صحح فيه التحريم (¬2)، وأخذ ذلك من "الروضة"، وفي "المهمات": أن الذي في "الروضة" غلط، وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج": أنه لم يصر إليه أحد من الأصحاب، وكلامهم على خلافه. 5597 - قول "التنبيه" [ص 83]: (والديك والدجاجة) من ذكر العام بعد الخاص، وهو سائغ، لكنه ينافي الاختصار، وقد اقتصر "المنهاج" على الدجاج (¬3). 5598 - قول "المنهاج" [ص 539] و"الحاوي" [ص 636]: (ويحرم بَبَّغَا وطاووس) نقل تصحيحه في "الروضة" وأصلها عن البغوي فقط (¬4). 5599 - قول "المنهاج" [ص 539]: (وحمام، وهو كل ما عب وهدر) في "الروضة" في جزاء الصيد: المراد بالحمام: كل ما عب الماء، وهو أن يشربه جرعاً، ولا حاجة إلى وصفه بالهدير مع العب؛ فإنهما متلازمان؛ ولهذا اقتصر الشافعي على العب (¬5). 5600 - قوله: (وما لا نص فيه؛ إن استطابه أهل يسار وطباع سليمة من العرب في حال رفاهية .. حل، وإن استخبثوه .. فلا، وإن جُهل اسم حيوان .. سُئِلوا وعُمِل بتسميتهم، وإن لم يكن له اسم عندهم .. اعتبر بالأشبه به) (¬6) فيه أمور: أحدها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وإن أريد: نص كتاب أو سنة .. لم يستقم؛ فقد حكم بحل الثعلب واليربوع، وتحريم الببغا والطاووس وليس فيها نص كتاب ولا سنة، ولا يرجع في ذلك لاستطابة ولا استخباث، وإن أريد: نص كتاب أو سنة أو قول عالم .. فقول العالم ليس دليلاً يُعمل به، وإن أريد: نص كتاب أو سنة أو نص الشافعي أو أحد من أصحابه .. فهو بعيد؛ لأن مثل ذلك [لا] (¬7) يطلق عليه نص في اصطلاح الأصوليين، وعبارة "أصل الروضة": لم يرد فيه نص بتحليل ولا تحريم، ولا أمر بقتله ولا نهي عنه (¬8)، ولنا فيه نزاع من وجهين: ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (12/ 136). (¬2) المجموع (9/ 22). (¬3) المنهاج (ص 539). (¬4) الروضة (3/ 273)، وانظر "التهذيب" (8/ 65). (¬5) الروضة (3/ 158). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 539). (¬7) في (ب): (مما). (¬8) الروضة (3/ 276).

أحدهما: أن في "سنن البيهقي" من حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم: أنه عليه الصلاة والسلام قال: "وما سكت عنه .. فهو عفو" (¬1) ورواه أبو داوود بإسناد صحيح عن ابن عباس (¬2)، ومقتضاه: أن السكوت عنه عفو من غير مراجعة العرب. ثانيهما: أن الذي ذكره الشافعي رضي الله عنه في ذلك: أن الله تعالى أحل لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث، لا على معنى: أنهم يراجعون، بل على معنى: أنه أحل لهم ما كانوا يستطيبونه ويأكلونه إلا ما استثنى، وحرم عليهم ما كانوا يستخبثونه (¬3). قلت: الجواب عن الترديد المتقدم: أن المراد: نص كتاب أو سنة صريحاً أو استنباطاً ودلالة، ومن ذلك الأمر بقتله أو النهي عنه، فيوافق عبارة "الروضة". وعن الحديث: أن المستخبث ليس مسكوتاً عنه، بل هو منصوص على تحريمه. وعن النزاع الثاني: أنهم إنما يراجعون؛ لمعرفة أن هذا المشكوك فيه هل هو مما كانوا يستطيبونه أو يستخبثونه؟ وعبارة "الحاوي" [ص 636]: (وإن أشكل .. روجعت) أي: العرب؛ ولم يقيدهم بشيء، وفي "التنبيه" [ص 83]: (ولا يؤكل ما تستخبثه العرب من الحشرات) ولا حاجة لتقييده بالحشرات؛ فكل مستخبثهم حرام، واعتذر عنه في "الكفاية". ثانيها: أنه يعتبر مع ذلك أن يكونوا سكان البلاد أو القرى دون أجلاف البوادي، وقد يقال: هذا هو مراد "المنهاج" بقوله [ص 539]: (أهل يسار وطباع سليمة). ثالثها: المراد: العرب الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الخطاب لهم، حكاه الرافعي عن جماعة، ثم قال: ويشبه أن يقال: يُرجع في كل زمان إلى العرب الموجودين فيه. انتهى (¬4). والمحكي عن جماعة هو منصوص الشافعي رضي الله عنه، ورد شيخنا في "تصحيح المنهاج" بحث الرافعي: بأنا إذا رجعنا إلى عرب زمن فاستطابوه، ثم إن العرب في زمن بعده استخبثوه أو بالعكس؛ فإن قضينا للسابق .. لزم ألاَّ يعتبر عرب الزمن الثاني، أو للاحق .. لزم ألاَّ يعتبر عرب الزمن الأول، وكلاهما خلاف مدعاه، فإن قيل: يعتبر السابق وصار هذا معلوم الحكم بما ظهر من عرب ذلك الزمان .. قلنا: هذا خلاف إناطة الحكم بالرجوع إلى العرب الموجودين في كل زمن. انتهى. ¬

_ (¬1) سنن البيهقي الكبرى (19175)، (19243)، (19506)، (19507)، (19508). (¬2) سنن أبي داوود (3800). (¬3) انظر "الأم" (2/ 241). (¬4) انظر "فتح العزيز" (12/ 144).

قلت: مراد الرافعي: أنه يرجع إلى العرب الموجودين في مجهول الأمر، وهذا قد عُرِفَ أمره فيما سبق، وأنه مستطاب أو مستخبث، والله أعلم. رابعها: اعترض عليه: بأن عبارته تفهم اعتبار اجتماعهم على ذلك، والمعتبر إنما هو الأكثر، فإن استويا .. قال الماوردي وأبو الحسن العبادي: تتبع قريش، فإن اختلفت قريش ولا ترجيح، أو شكوا فلم يحكموا بشيء، أو لم يجدهم ولا غيرهم من العرب .. اعتبرناه بأقرب الحيوان شبهاً به، إما في الصورة، أو في الطبع من الصيالة (¬1) والعدوان، أو في طعم اللحم، فإن استوى الشبهان، أو لم نجد ما يشبهه .. فوجهان، أصحهما: الحل (¬2). خامسها: قوله: (وإن جهل اسم حيوان .. سئلوا) (¬3) مقتضاه: عود الضمير للعرب الموصوفين بما تقدم، وليس كذلك؛ فمعرفة اسم الحيوان لا تتوقف على ذلك؛ فالضمير عائد على العرب بدون تلك الأوصاف. 5601 - قول "التنبيه" [ص 84]: (وتكره الشاة الجلالة) لا يختص بالشاة؛ فسائر الحيوانات كذلك؛ ولهذا عبر "المنهاج" و"الحاوي" بالجلالة من غير تقييد بالشاة (¬4)، وظاهر تعبير "التنبيه" و"الحاوي" بالكراهة أنها كراهة تنزيه، وهو الذي حكاه الرافعي عن الأكثرين، وصححه النووي في كتبه (¬5)، لكن صحح في "المحرر": التحريم (¬6)، فاستدرك عليه "المنهاج". وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن المصحح في "المحرر" وهو ظاهر نص "الأم" حيث قال: والجلالة منهي عن لحومها (¬7)، قال شيخنا: وهو ظاهر النهي الذي جاءت به الأخبار، وقول "المنهاج" [ص 539]: (وإذا ظهر تغير لحم جلالة) فيه أمران: أحدهما: أن مقتضاه: أنه لا اعتبار بكثرة العلف، بل بالرائحة والنتن، فإن وُجد في عرقها وغيره ريح النجاسة .. فجلالة، وإلا .. فلا، وهذا هو الصحيح في "أصل الروضة" (¬8)، لكن في "تحرير النووي" تبعاً لـ"المهذب": أن الاعتبار بكون أكثر أكلها النجاسة (¬9)، ولذلك نسب ¬

_ (¬1) في النسخ: (الصيانة)، ولعل المثبت من "المجموع" (9/ 25) هو الصواب، والله أعلم. (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 134). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 539). (¬4) الحاوي (ص 636)، المنهاج (ص 539). (¬5) انظر "فتح العزيز" (12/ 150، 151)، و"الروضة" (3/ 278). (¬6) المحرر (ص 469). (¬7) الأم (2/ 242). (¬8) الروضة (3/ 278). (¬9) المهذب (1/ 250)، تحرير ألفاظ التنبيه (ص 170).

ابن الرفعة تصحيح هذا للنووي، لكن المصحح في بقية كتبه ما قدمته. ثانيهما: أن ذلك لا يختص بلحمها، بل لبنها وبيضها كذلك، بل صرح "الحاوي" بذكر اللبن (¬1)، ويكره الركوب عليها بلا حائل، وفي "المطلب": لا خلاف أنه ليس بحرام ولو أصابه من عرقها شيء؛ لأنه لا خلاف أنها طاهرة فعرقها طاهر. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وعندي ليس كما قال، بل عرقها الذي فيه ريح النجاسة نجس؛ لتحلله من النجاسة، ولا يلزم من نجاسة عرقها نجاسة عينها؛ لأن عرقها يتحلل من النجاسة، فهو كفضلتها، فيتجه تحريم ركوبها حال عرقها؛ لتحريم التضمخ بالنجاسة، ويتنزل النهي على هذا، قال: ولم أر من تعرض لذلك. انتهى. فلو قال: حرمَت أو كرهت كما عبر به "التنبيه" و"الحاوي" .. لكان أولى. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وينبغي تعدي الحكم إلى شعرها وصوفها المنفصل في حياتها، فيكون نجسًا على القول بتحريمها تفريعًا على المذهب في نجاسة الشعر المنفصل من الحيوان غير المأكول في حياته. قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: ولو غذى شاة عشر سنين بمال حرام .. لم يحرم عليه أكلها ولا على غيره (¬2). 5602 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (فإن علفت طاهرًا فطاب .. حل) (¬3) يقتضي أنه لو طاب بدون علف .. لم يحل، وكذا قال في "أصل الروضة": لو لم تعلف .. لم يزل المنع بغسل اللحم بعد الذبح، ولا بالطبخ وإن زالت الرائحة به، وكذا لو زالت بمرور الزمان عند صاحب "التهذيب"، وقيل بخلافه (¬4). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهذا في مرور الزمان على اللحم، فلو مر على الجلالة أيام من غير أن يأكل طاهرًا فزالت الرائحة .. حلت، وإنما ذكر العلف بطاهر؛ لأن الغالب أن الحيوان لا بد له من العلف. 5603 - قول "الحاوي" [ص 637]: (لا زرع الزبل) أي: لا يكره الزرع النابت على الزبل وإن كثرت النجاسة في أصله، وليس في كلام الغزالي والرافعي نفي الكراهة، وإنما فيهما نفي التحريم (¬5)، ولا يلزم منه نفي الكراهة. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 636). (¬2) انظر "قواعد الأحكام في اصلاح الأنام" (1/ 335). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 84)، و"الحاوي" (ص 636)، و"المنهاج" (ص 540). (¬4) الروضة (3/ 278)، وانظر "التهذيب" (8/ 66). (¬5) انظر "الوجيز" (2/ 216)، و"فتح العزيز" (12/ 155، 156).

5604 - قول "المنهاج" [ص 540]: (ولو تنجس طاهر كخل) كذا سائر المائعات، ولو كانت دهنًا إذا قلنا: إنه لا يطهر بالغسل. 5605 - قوله: (ودبس ذائب) (¬1) أخرج به الجامد؛ فإنه لا يحرم جميعه، بل يزيله وما حوله ويحل الباقي، وقوله: (حرم) (¬2) أي: أكله؛ فإنه يحل الاستصباح به كما تقدم، ومفهومه: أنه لا تحريم عند انتفاء التنجيس، لكن قال الغزالي: لو وقع في قدر طبيخ جزء من لحم آدمي ميت .. لم يحل منه شيء؛ لحرمة الآدمي، وقال في "شرح المهذب": المختار الصحيح: أنه لا يحرم؛ لأنه صار مستهلكًا (¬3). 5606 - قول "التنبيه" [ص 84]: (ولا يحرم كسب الحجام) لا يُعلم منه حكمه، وهو مكروه كما صرح به "المنهاج" و"الحاوي"، وتعبيره بقوله: (ويكره الكسب بمخامرة النجاسة كالحجام) (¬4) أحسن من تعبير "المنهاج" بقوله [ص 540]: (وما كسب بمخامرة نجس؛ كحجامة وكنس .. مكروه) لأن ظاهره أن (ما) موصولة، فيكون معناه: أن المكسوب بذلك مكروه، ولا يظهر وصف نفس المكسوب بكراهة ولا غيرها، إنما تتعلق الكراهة بالكسب، فتُحمل (ما) في كلامه على أنها مصدرية، فيوافق تعبير "الحاوي"، ثم في تعبيرهما أمران: أحدهما: أن ظاهره كراهة الكسب بمخامرة النجاسة على كل أحد، وليس كذلك، بل الكراهة مختصة بالحر، وقولهما بعد ذلك: (ويطعمه رقيقه وناضحه) (¬5) لا يدل على اختصاص ذلك بالحر؛ لأن المكاتب قد يكون له رقيق وناضح، فكان ينبغي التصريح بذلك. ثانيهما: أن كلامهما صريح في أن علة الكراهة: مخامرة النجاسة، وفي "أصل الروضة": أنه الذي أطلقه جمهور الأصحاب (¬6)، لكن قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن المذهب المعتمد المنصوص في "الأم" و"المختصر" وقال به جمع من الطريقين: أن النظر إلى دناءة الحرفة، وعبارة الشافعي: (لا معنى له - أي: للنهي - إلا واحد، وهو أن من المكاسب دنِيًّا وحسنًا، فكان كسب الحجام دنيًا، فأحب له تنزيه نفسه عن الدناءة؛ لكثرة المكاسب التي هي أجمل منه، فلما زاده في أمره .. أمره أن يطعم رقيقه ويعلفه ناضحه؛ تنزيهًا له، لا تحريما عليه) انتهى (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 540). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 540). (¬3) المجموع (9/ 35، 36). (¬4) الحاوي (ص 636، 637). (¬5) انظر "الحاوي" (ص 637)، و"المنهاج" (ص 540). (¬6) الروضة (3/ 280). (¬7) مختصر المزني (ص 286).

وقول "المنهاج" [ص 540]: (وكنس) أراد به: كنس النجاسة من المراحيض وغيرها؛ بناءً على ترجيحه التعليل بمخامرة النجاسة، وقول "التنبيه" [ص 84]: (والأولى أن يتنزه الحر من أكله) مثل قول "المنهاج" [ص 540]: (ويسن ألا يأكله ويطعمه رقيقه وناضحه)، وذلك لا يدل على كراهة أكل الحر له، والمنقول الكراهة، وعبارة "الحاوي" [ص 637]: (ويطعم رقيقه وناضحه) وليس فيه تصريح بحكمه. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إطعامه ذلك لرقيقه وناضحه ليس بمسنون، وإنما هو جائز، وكذا قال الشافعي. انتهى. وتبعا في التعبير بالرقيق والناضح لفظ الحديث (¬1)، وسائر الدواب كذلك. 5607 - قول "المنهاج" [ص 540]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 633]: (ويحل جنينٌ وُجِد ميتًا في بطن مذكاة) فيه أمور: أحدها: أن محله: في جنين ظهرت صورة الحيوان فيه؛ ففي حل المضغة وجهان في "أصل الروضة" مبنيان على وجوب الغرة فيها وثبوت الاستيلاد (¬2)، يعني: لو كان من آدمية، والأصح: أنه لا يجب الغرة ولا يثبت الاستيلاد، فلا تحل مضغة الحيوان المذكى. ثانيها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محله: ما إذا لم يوجد قبل الذبح سبب يحال عليه موته، فلو ضرب حاملًا على بطنها وكان الجنين متحركًا فسكن حتى ذبحت فوجد ميتًا .. لم يحل، فلو لم يتحرك قبل ذلك ولم يعرف حاله وذبحنا الأم فوجدنا الجنين ميتًا مع احتمال أن يكون لم يدخله الروح، أو دخلته وخرجت بالضرب .. فيرجح التحريم أيضًا، قال: ولم أر من تعرض لشيء من ذلك. ثالثها: قوله: (ميتًا) كذا لو كان في حكمه؛ بأن يوجد وبه حركة مذبوح، فإن كان به حياة مستقرة .. لم يحل بدون ذبح. رابعها: مقتضاه: أنه لو أخرج الجنين رأسه وبه حياة مستقرة فلما فتح كرش الأم وُجد ميتًا .. أنه يحل، وهو الأصح في زيادة "الروضة" (¬3)، لكن صحح شيخنا في "تصحيح المنهاج" مقابله. ¬

_ (¬1) عن ابن محيصة عن أبيه أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجام، فنهاه عنها، فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى أمره أن اعلفه ناضحك ورقيقك. أخرجه أبو داوود (3422)، والترمذي (1277)، ومالك (1756)، وأحمد (23740)، وابن حبان (5154). (¬2) الروضة (3/ 280). (¬3) الروضة (3/ 279، 280).

5608 - قول "الحاوي" [ص 637]: (ويباح لخوف ومرض مخوف أكل الحرام، ويجب) المراد بالخوف الذي أطلقه أولًا: الخوف على نفسه، فلو صرح بذلك كما فعل "المنهاج" فقال [ص 540]: (ومن خاف على نفسه موتًا أو مَرضا مخوفًا) .. لكان أولى، ومرادهما: مع الاضطرار لذلك، ثم في كلامهما أمور: أحدها: يستثنى منه العاصي بسفره؛ فليس له أكل الميتة عند الاضطرار على المذهب، وضم إليه شيخنا في "تصحيح المنهاج": مراق الدم؛ كالمرتد والحربي، قال: فلا يجوز لهما تناول الميتة حتى يسلما، قال: وكذا مراق الدم من المسلمين وهو متمكن من إسقاط القتل بالتوبة؛ كتارك الصلاة ومن قتل في قطع الطريق .. فلا يأكلان من الميتة حتى يتوبا، قال: ولم أر من تعرض له، وهو متعين. ثانيها: يستثنى منه أيضًا: ما إذا أشرف على الموت .. فلا يلزمه أكل، بل ولا يحل له؛ فإنه حينئذ لا ينفع، ذكره في "أصل الروضة" (¬1). ثالثها: يضم إلى خوف الموت أو المرض المخوف ما لو خاف طول المرض على الأصح أو الأظهر في "أصل الروضة"، وما لو عيل صبره وأجهده الجوع على الأظهر من زيادة "الروضة"، قال في "أصل الروضة": ولا خلاف في الحل إذا كان يخاف على نفسه لو لم يأكل منه من جوع أو ضعف عن المشي والركوب، وينقطع عن رفقته ويضيع ونحو ذلك (¬2)، ولو جوز تلف نفسه وسلامتها على السواء .. حلت له أيضًا كما حكاه الإمام عن صريح كلامهم، وأقره عليه في "الكفاية"، وصوبه بعضهم. رابعها: قال في "المطلب": إن الجزم باعتبار خوف المرض المخوف هنا مع حكاية الخلاف في إباحة التيمم به لا يستقيم، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه يخرج من نص "الأم" وظاهر نص "المختصر" في ذلك قولان، ونص "الأم" الإباحة، قال: وإذا جريا في هذه الصورة .. فجريانهما فيما إذا خاف طول المرض أولى. خامسها: أنهما أطلقا وجوب أكل، والواجب منه سد الرمق دون الشبع، حكاه في "شرح المهذب"عن الدارمي وصاحب "البيان" وآخرين (¬3)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وينبغي أن يقيد هذا القيد بما إذا لم يخف الهلاك لو ترك الشبع؛ فإنه يلزمه الشبع على الأصح. سادسها: ظاهر إطلاقهما التخيير بين أنواع الحرام، لكن لو كانت الميتة نوعين: أحدهما من ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 282). (¬2) الروضة (3/ 282). (¬3) المجموع (9/ 38).

جنس المأكول والآخر من غيره؛ كشاة وحمار، أو إحداهما طاهرة في الحياة دون الأخرى؛ كشاة وكلب .. فهل يتخير بينهما أو تتعين الشاة؟ وجهان، قال النووي: ينبغي أن يكون الراجح: ترك الكلب والتخيير في الباقي. انتهى (¬1). وحكى الماوردي الوجه الثاني: أنه يتخير إلا أن يكون خنزيرًا (¬2)، واستحسنه شيخنا في "تصحيح المنهاج". واعلم: أنه لو عم الأرض الحرام .. جاز استعمال ما يحتاج إليه ولا يقتصر على الضرورة، قال الإمام: ولا يتبسط فيه كما يتبسط في الحلال، بل يقتصر على الحاجيّ، قال الشيخ عز الدين: صورة المسألة: أن يتوقع معرفة المستحقين في المستقبل، أما عند الإياس .. فلا يتصور؛ لأن المال حينئذ يكون للمصالح العامة (¬3). ولو اضطرت المرأة إلى الطعام فامتنع المالك من بذله إلا بوطئها زنا .. قال المحب الطبري في "شرح التنبيه": لم أر فيه نقلًا، والذي ظهر لي أنه لا يجوز لها تمكينه، وخالف إباحة الميتة في أن الاضطرار فيها إلى نفس المحرم وقد تندفع الضرورة، وهنا الاضطرار ليس إلى المحرم، وإنما جعل المحرم وسيلة إليه، وقد لا تندفع به الضرورة؛ إذ قد يُصِرُّ على المنع بعد وطئها. 5609 - قول "التنبيه" [ص 84]: (فإن اضطر إلى الميتة .. أكل منها قدر ما يسد به الرمق في أحد القولين، وقدر الشبع في الآخر) الأظهر: الأول، وعليه مشى "الحاوي" و"المنهاج" (¬4)، وقيده بقيدين: أحدهما: ألَّا يتوقع حلالًا، فإن توقع حلالًا .. لم يجز غير سد الرمق. ثانيهما: ألَّا يخاف تلفًا إن اقتصر على سد الرمق (¬5)، فإن خاف من ذلك تلفًا .. فله الشبع، وإليه أشار "الحاوي" بقوله [ص 637]: (وإن عجز عن السير ويهلك الشبع) وفيه أمور: أحدها: مقتضى كلام "المنهاج" في القيد الأول القطع عند توقع الحلال بأنه لا يجوز غير سد الرمق، وليس محل قطع، وإنما هو طريقة للإمام؛ ففي "أصل الروضة": أن أكثرهم أطلق الخلاف، وفصل الإمام والغزالي تفصيلًا حاصله: أنه إن كان ببادية وخاف إن لم يشبع لم يقطعها ويهلك .. وجب القطع بالشبع، وإن كان ببلد وتوقع الحلال قبل عود الضرورة .. وجب القطع بعدمه، وإن كان لا يظهر حصول الحلال وأمكنه الرجوع إلى الحرام مرة بعد مرة إن لم يجد ¬

_ (¬1) انظر "الروضة" (3/ 290)، "المجموع" (9/ 44). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 177). (¬3) قواعد الأحكام في إصلاح الأنام (2/ 314)، وانظر "غياث الأمم في التياث الظلم" (ص 391). (¬4) الحاوي (ص 637)، المنهاج (ص 540). (¬5) المنهاج (ص 540).

الحلال .. فهو موضع الخلاف، قال النووي: هذا التفصيل هو الراجح، والأصح من الخلاف: الاقتصار على سد الرمق (¬1). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا طريق ضعيف مخالف لظواهر نصوص الشافعي رضي الله عنه ولطريقة الجمهور، ثم هو مقيد بالخائف من الموت، فأما من خاف حدوث مرض مخوف أو طول المرض ولا يندفع إلا بالشبع .. فلا يتعين عليه الاقتصار على سد الرمق. ثانيها: أنه اقتصر في القيد الثاني على خوف التلف، فيزاد عليه: خوف حدوث مرض مخوف أو طوله إن اقتصر. ثالثها: رجح شيخنا في "تصحيح المنهاج": قول الشبع؛ للأخبار الدالة عليه، قال: وقد قال الشافعي في "اختلاف أهل المدينة وأبي حنيفة" كما نقله المزني: أن الاقتصار على سد الرمق ليس بالبيّن، وصرح في ذبائح بني إسرائيل بأن الأحب إليه أن يكون أكله على ما يقطع عنه الجوع، وأنه لا يتبين له تحريم الشبع، ويظهر من هذا أنه حيث يقول: يقتصر على ما يرد نفسه، محتمل أن يريد بذلك: الاستحباب كما صرح به؛ فقد ترجح بهذا قول الشبع، وأيضًا فإنه إذا خاف التلف إن لم يشبع .. تعيّن الشبع قطعًا، ولا يأتي قول سد الرمق، وليس لنا حالة يقطع فيها بسد الرمق، وحالة توقع الحلال تقدم ردّها، فإن قيل: فقد ذكر البندنيجي والقاضي حسين أن القول بسد الرمق مختار الشافعي .. قلنا: مختاره من جهة الاستحباب لا من جهة تحريم الشبع، وإن أجزأه ما دونه. انتهى. وهنا تنبيهان: أحدهما: ليس المراد من الشبع: ألَّا يبقى للطعام مساغ؛ فإن هذا حرام قطعًا، صرح به البندنيجي وأبو الطيب وغيرهما، بل المراد كما قال الإمام: أن يأكل حتى يكسر سورة الجوع بحيث لا يطلق عليه اسم جائع (¬2). ثانيهما: المشهور في سد الرمق: أنه بالسين المهملة، وفي "المهمات": أنه بالشين المعجمة؛ لأن الرمق بقية الروح كما قاله جماعة، وقال بعضهم: القوة. 5610 - قول "المنهاج" [ص 540]: (وله أكل آدمي ميت) يستثنى منه: ما إذا كان الميت نبيًا .. فلا يجوز الأكل منه قطعًا، حكاه في "أصل الروضة" عن إبراهيم المروذي، وهو واضح، ولا يأكل من غير النبي إلا سد الرمق قطعًا، حكاه في "أصل الروضة" عن الماوردي (¬3). ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 283)، وانظر "نهاية المطلب" (18/ 226)، و"الوجيز" (2/ 216). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (18/ 224). (¬3) الروضة (3/ 284)، وانظر "الحاوي الكبير" (15/ 175).

قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو متعقب بالقدر الذي يدفع الخوف، ولا يأكله إلا نيًا؛ لأن في طبخه أو فيه هتك حرمته، حكاه في "الروضة" عن الماوردي أيضًا (¬1)، ولو كان المضطر ذميًا والميت مسلمًا .. فهل له أكله؟ فيه وجهان، قال في زيادة "الروضة": القياس: تحريمه (¬2)، ولا بد من فقد الميتة ونحوها كما في قطع بعض المضطر. 5611 - قوله: (وقتل مرتد وحربي) (¬3) أي: لأكلهما، قد يفهم أنه ليس له قتل الزاني المحصن والمحارب وتارك الصلاة، وليس كذلك، بل له قتلهم في الأصح، وهو مفهوم من قول "الحاوي" [ص 637]: (لا معصوم) وله قتل من له عليه قصاص وأكله وإن لم يحضره السلطان. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وكذا لو كان له قصاص في طرفه .. فيجوز له قطعه وأكله. 5612 - قول "المنهاج" من زيادته مستدركا على "المحرر" [ص 540]: (الأصح: حل قتل الصبي والمرأة الحربيين لمل) و"الحاوي" [ص 637]: (وقتل صبي الحربي) تبعا فيه الإمام والغزالي (¬4)، وصحح شيخنا في "تصحيح المنهاج" تبعًا للبغوي و"المحرر" منعه (¬5)، قال: ومحل الخلاف: ما إذا لم يستول عليهما قبل القتل، فإن استولى عليهما .. صارا رقيقين معصومين، ولا يجوز له حينئذ قتلهما قطعًا. 5613 - قول "المنهاج" [ص 540]: (ولو وجد طعام غائب .. أكل وغرم) فيه أمور: أحدها: استثنى منه شيخنا في "تصحيح المنهاج": ما إذا كان الغائب مضطرًا يحضر عن قرب .. فليس له أكله، ولا يرد ذلك على قول "الحاوي" [ص 637]: (كطلب طعام غير المضطر). ثانيها: المعتبر في المحجور غيبة الولي وحضوره دون المحجور، فلا عبرة به، فلو غاب المالك وله وكيل حاضر .. فقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هل نقول: لا أثر لحضوره كما يظهر من نص "الإملاء" في حضور وكيل الولي الغائب في النكاح، أو نقول: هنا ينزل الوكيل منزلة الحاضر، فيكون كالولي؟ الثاني أرجح. ثالثها: أسقط من "المحرر" قوله: (وغرم قيمته) وهو محمول على غير المثلي، فأما المثلي .. فيغرم مثله، وذلك مقرر في (الغصب). ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 284)، وانظر "الحاوي الكبير" (15/ 175، 176). (¬2) الروضة (3/ 284). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 540). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (18/ 221)، و"الوجيز" (2/ 216). (¬5) التهذيب (8/ 69)، المحرر (ص 469).

5614 - قول "المنهاج" [ص 540]: (أو حاضرٍ مضطر .. لم يلزمه بذله إن لم يفضل عنه) يستثنى منه: ما إذا كان المضطر نبيًا .. فإنه يجب على المالك المضطر بذله، وكذلك يستثنى هذا من قول "الحاوي" [ص 637]: (كطلب طعام غير المضطر). 5615 - قول "المنهاج" [ص 540]: (فإن آثر مسلمًا .. جاز) أي: غير مُراق الدم، فلا يجوز أن يؤثر مراق الدم ويترك نفسه المعصومة تهلك. 5616 - قوله: (أو غير مضطر .. لزمه إطعام مضطر مسلم أو ذمي) (¬1) كذا المستأمن، ومحله: في غير مراق الدم؛ كالزاني المحصن والمحارب وتارك الصلاة، فلو كان المضطر من صبيان أهل الحرب أو نسائهم أو خنثى منهم أو مجنونًا .. فالقياس: أنه يلزمه إطعامهم، قاله شيخنا في "تصحيح المنهاج"، قال: ومحل التردد: ما لم يستول عليهم، فإن استولى عليهم بحيث رقوا .. لزمه ذلك قطعًا. ودخل في غير المضطر ما لو كان كذلك في الحال وإن كان قد يحتاج إليه في ثاني الحال، وهو الأصح. 5617 - قوله: (فإن امتنع .. فله قهره وإن قنله) (¬2) و"الحاوي" [ص 638]: (وقتله إن دفع هدرٌ) في معنى الامتناع: ما لو بذله بأكثر من ثمن المثل، وهذا بخلاف ما لو قتل المالك المضطر في الدفع .. فإنه يلزمه القصاص، وإن منعه فمات جوعًا .. لم يضمنه، وفيه احتمال للماوردي (¬3). 5618 - قول "الحاوي" [ص 637]: (ويجب؛ كطلب طعام غير المضطر وغصبه) تبع الغزالي في وجوب غصب طعام غير المضطر (¬4)، وقال الرافعي: إن الخلاف فيه مرتب على الخلاف في وجوب أكل من الميتة، وأولى بأن لا يجب، وخصص البغوي الخلاف بما إذا لم يكن خوف في الأخذ قهرًا، فإن كان .. لم يجب قطعًا، قال: والمذهب: أنه لا يجب القتال كما لا يجب دفع الصائل وأولى (¬5). 5619 - قول "المنهاج" [ص 540]: (وإنما يلزمه بعوض ناجز إن حضر، وإلا .. فبنسيئة) قال القاضي أبو الطيب: إن لم يحتمل الحال التأخير إلى الاتفاق على العوض فأطعمه .. لم يلزمه العوض، ثم ظاهر كلامه لزوم المسمى وإن زاد على ثمن المثل، وهو الأقيس في "أصل الروضة" والأصح عند القاضي أبي الطيب، والأصح عند الروياني: لا يلزمه إلا ثمن المثل؛ لأنه كالمكره، ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 540). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 540). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 173). (¬4) انظر "الوجيز" (2/ 216). (¬5) فتح العزيز (12/ 165، 166)، وانظر "التهذيب" (8/ 70).

واختار الماوردي: إن كانت الزيادة لا تشق على المضطر ليساره .. لزمته، وإلا .. فلا (¬1)، فهذه ثلاثة أوجه، وظاهر هذا الإطلاق جريانها في شراء الولي للمحجور المضطر، ويوافقه ما في "الروضة" في (الجزية) عن الغزالي: أن للولي أن يعقد له بالزيادة على الدينار، وليس للسفيه المنع كما يشتري له الطعام في المخمصة بثمن غال صيانة لروحه (¬2)، ويمكن أن يكون كلامه هناك في غير المضطر. وقال في "المهمات": لا وجه لوجوب البيع نسيئة، بل الصواب الجاري على القواعد: جوازه بثمن حال، غير أنه لا يطالب به في هذه الحالة، لإعساره، وفائدة الحلول: جواز المطالبة عند القدرة. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج" في البيع نسيئة: ينبغي فيما إذا كان له مال غائب أن يكون الأجل ممتدًا إلى وصوله إليه كما في نظيره من التيمم، وإن لم يكن له مال أصلًا؛ فالنسيئة هنا ليست على ظاهرها، بل المراد بها: مجرد التأخير والرضا بالذمة. 5620 - قوله: (فإن أطعمه ولم يذكر عوضًا .. فالأصح: لا عوض) (¬3) لا يخفى أن محل الخلاف: ما إذا لم يصرح بالإباحة، قال شيخا في "تصحيح المنهاج": وكذا لو ظهرت قرينة إباحة أو تصدق .. فلا عوض قطعًا. واعلم: أنه يشكل على تصحيح عدم العوض ما في "أصل الروضة" بعد ذلك من أنه لو أوجر المالك المضطر قهرًا أو وهو مغمى عليه .. استحق القيمة في أحسن الوجهين؛ لأنه خلصه من الهلاك، ولما فيه من التحريض على مثل ذلك (¬4)، وفرع في "أصل الروضة" على الأول أنهما لو اختلفا فقال: أطعمتك بعوض، فقال: بل مجانًا .. فهل يصدق المالك؛ لأنه أعرف بدفعه، أم المضطر؛ لبراءة ذمته؟ وجهان، أصحهما: الأول (¬5). ويخالفه ما في "أصل الروضة" في أوائل (القرض): أنهما لو اختلفا في ذكر رد البدل .. فالقول قول الآخذ (¬6)، وفي أواخر (الصداق): لو بعث إلى بيت من لا دين له عليه شيئًا ثم قال: بعثته بعوض، وأنكر المبعوث إليه .. فالقول قول المبعوث إليه (¬7)، ولا يخفى أن محل لزوم ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 287)، وانظر "الحاوي الكبير" (15/ 172). (¬2) الروضة (10/ 301). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 540). (¬4) الروضة (3/ 288). (¬5) الروضة (3/ 288). (¬6) الروضة (4/ 32). (¬7) الروضة (7/ 330).

العوض بذكره: ما إذا لم يكن المضطر صبيًا؛ فإنه ليس من أهل الالتزام، لكن قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يحتمل أن يلزم في هذه الصورة؛ لما فيه من تحريض صاحب الطعام على بذله للمضطر ولو صبيًا، والأول أقيس. انتهى. 5621 - قول "التنبيه" [ص 84]: (فإن وجد المضطر الميتة وطعام الغير .. أكل طعام الغير وضمن بدله إذا قدر، وقيل: يأكل الميتة، وإن وجد صيدًا وميتة وهو محرم .. ففيه قولان، أحدهما: يأكل الميتة، والثاني: يأكل الصيد) الأظهر في الصورتين: أنه يأكل الميتة؛ وعليه مشى "الحاوي"، وتعبيره بقوله: (أولى) (¬1) أراد به: التعيُّن، و"المنهاج" وعبر بالمذهب (¬2). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": تعبيره بالمذهب لا يستقيم في صورة طعام الغائب؛ فليس فيها طريقان ولا طرق، وإنما فيها ثلاثة أوجه، وقيل: أقوال: ثالثها: يتخير، ولا في صورة الحاضر؛ لأنه إذا بذل طعامه مجانًا أو بثمن مثله .. لزم المضطر قبوله، ولا يأكل الميتة، وإن لم يرض إلا بزيادة كثيرة .. لم يلزمه الشراء، ويعدل إلى الميتة، وفي صورة ضعف المالك وسهولة دفعه يكون على الخلاف فيما إذا كان المالك غائبًا. انتهى. لكن في "الكفاية" في صورة الغائب طريقة قاطعة بأكل الميتة، وفي "شرح المهذب" عن نص الشافعي: أنه إذا خاف المضطر أن الطعام الذي أحضره له غيره مسموم .. فإنه يجوز له تركه والانتقال إلى الميتة (¬3). ويرد عليهم جميعًا: أن محل الخلاف في صورة الميتة والصيد مقيد بقيدين: أحدهما: ألَّا يجد المحرم حلالًا يذبحه، فإن وجد .. لم تحل الميتة قطعًا؛ لأنه إن لم يذبحه للمحرم .. فواضح، وإن ذبحه لأجل المحرم .. فهو حرام على المحرم دون غيره؛ فتحريمه أسهل من الميتة، ذكره الشيخ أبو حامد. ثانيهما: تتعين الميتة قطعًا فيما إذا كان الصيد غير مأكول؛ كالمتولد بين الذئب والضبع وبين حماري الوحش والإنس .. فإنه يحرم على المحرم التعرض له، ويجب الجزاء فيه، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وعلله: بأن في قتله إذهاب روحه وإيجاب الفدية على المحرم، ثم هو حرام على كل أحد بلا خلاف، قال: ولم أر من تعرض لذلك. انتهى. واعلم: أن ما ذكرناه في الصيد للمحرم يجري أيضًا في صيد الحرم، ذكره في "الكفاية"، وهو واضح. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 638). (¬2) المنهاج (ص 540). (¬3) المجموع (9/ 45).

5622 - قول "الحاوي" عطفًا على المنفي [ص 637]: (وقطع فلذة منه) تبع فيه "المحرر" فإنه صحح فيه تحريم قطع بعضه لا كله (¬1)، لكنه قال في "الشرح الصغير": إن مقابله أظهر، وفي "الكبير": يشبه أن يكون أظهر، وبه قال الشيخ أبو حامد وغيره (¬2)، فلذلك أطلق تصحيحه في "أصل الروضة" (¬3)، واستدركه "المنهاج" فقال [ص 540]: (قلت: الأصح: جوازه). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والخلاف مقيد بما إذا لم يكن ذلك المقطوع يجوز قطعه في غير الاضطرار، فإن كان؛ كالسلعة واليد المتآكلة حيث جاز قطعها .. فيجوز قطع ذلك في حالة الاضطرار قطعًا، قال: ويجب تقييد الجواز بما يسد الرمق إلا إذا خاف تلفًا كما سبق، فيقطع بقدر الحاجة. قلت: في "أصل الروضة" هنا جعل محل الخلاف فيما إذا كان الخوف في القطع دون الخوف في ترك أكل، فإن كان أشد أو استويا .. لم يجز (¬4)، وصحح في قطع السلعة عند تساوي الخطرين (¬5) الجوازَ، مع جزمه في المضطر في هذه الحالة بالمنع، وهذا ينافي ما قيد به شيخنا رحمه الله موضع الخلاف، وإن كان المذكور في "الروضة" وأصلها مشكلًا. 5623 - قول "المنهاج" [ص 540]: (ومن معصوم) يفهم منه أن غير المعصوم يجوز للمضطر قطع عضو منه ليأكله، وهذا ممتنع كما صرح به الماوردي في المرتد وقاطع الطريق والزاني المحصن، وعلله بما فيه من تعذيبه، قال: فإن أكل لحمه حيًا .. كان مسيئًا إن قدر على قتله، ومعذورًا إن لم يقدر على قتله؛ لشدة الخوف على نفسه (¬6). 5624 - قول "الحاوي" [ص 633]: (حلّ الطعام الطاهر) أورد عليه أمور: أحدها: أنه لا بد من تقييده بأن يكون من غير مضر؛ ولذلك قال "التنبيه" [ص 84]: (وكل طاهر لا ضرر في أكله يحل أكله) وقال "الحاوي" بعد ذلك [ص 636]: (لا الضار؛ كالحجر والنبات). وقد أورد بعضهم على قول "التنبيه" بعده [ص 84]: (وما ضر أكله؛ كالسم وغيره .. لا يحل أكله) أنه يستثنى منه ما ينفع يسيره للدواء، وكذا من فرض أن أكل السم لا يضره. وأجيب عنه: بأنه إنما حرم المضر، فخرج من لا يضره، وما لا يضره، وضر به السم مثلًا ¬

_ (¬1) المحرر (ص 469). (¬2) فتح العزيز (12/ 164). (¬3) الروضة (3/ 284، 285). (¬4) الروضة (3/ 285). (¬5) في النسخ: (التساوي الخطر)، ولعل المثبت هو الصواب، والله أعلم. (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 176).

لا يقتضي أنه يكون مضرًا لكل شخص في كل حالة، بل هو على الأغلب. ثانيها: استثنى البغوي وغيره من ذلك: المستقذر؛ كالمخاط والمني؛ فإنه لا يحل تناوله على الأصح، والآدمي، وابتلاع الحيوان حيًّا سوى السمك والجراد، وأورد النووي في "تصحيحيه" الأولى على "التنبيه" (¬1)، وأورد غيره الأخيرتين أيضًا عليه، والحق أنه لا يرد شيء منها على "الحاوي" لخروج المستقذر والآدمي بلفظ (الطعام) فإنه لا يسمى طعامًا، ودلالة قوله بعده: (وحيوان البحر حيًّا وميتًا) (¬2) على أن حيوان البحر يحل وحيوان البر لا يحل حيًا. ولا على "التنبيه" لأن المستقذر مضر فيدخل في كلامه، وكذلك الآدمي؛ ولقوله: (ولا يحل من الحيوان المأكول شيء من غير ذكاة إلا السمك والجراد) (¬3). قال في "المهمات": واستثنى المحاملي في "اللباب" من تحريم المستقذر: الماء المستقذر؛ كالحاصل من غسل الأيدي عقب الأكل ونحو ذلك، فقال: وما يستقذر في الغالب فإنه حرام إلا الماء الآجن (¬4)، قال في "المهمات": والظاهر أن العلة في المأكول الاستقذار عارضًا، بخلاف المخاط ونحوه، وحينئذ .. فيتعدى إلى المأكول أيضًا كاللحم المنتن، وقد صرحوا به. ثالثها: أن مفهومه تحريم النجس، وبه صرح "التنبيه" (¬5)، ويستثنى منه: الدود المتولد من المأكول؛ كالفاكهة والجبن والخل إذا مات فيه؛ فإن الأصح: أنه يحل أكله معه لا منفردًا، ولا كراهة في أكل البيض المسلوق بماء نجس كما نقله في "الروضة" عن ابن الصباغ، وأقره (¬6). 5625 - قول "التنبيه" [ص 84]: (إلا جلد ما يؤكل إذا مات ودبغ .. فإنه لا يجوز أكله في أحد القولين، ويجوز في الآخر) الأول هو القديم، وصححه النووي (¬7)، والثاني هو الجديد، وصححه الرافعي (¬8)، وعليه مشى "الحاوي" (¬9)، وخرج بالمأكول: جلد ما لا يؤكل إذا دبغ .. فإنه لا يحل قطعًا، وطرد بعضهم فيه الخلاف. ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (1/ 272). (¬2) الحاوي (ص 633). (¬3) التنبيه (ص 82). (¬4) اللباب (ص 390). (¬5) التنبيه (ص 84). (¬6) الروضة (3/ 279). (¬7) انظر "الروضة" (1/ 42). (¬8) انظر "فتح العزيز" (1/ 85، 86). (¬9) الحاوي (ص 633).

كتاب المسابقة والمناضلة

كتاب المسابقة والمناضلة 5626 - كذا في "المنهاج" (¬1)، وبدأ بذكر حكمين مما يشتركان فيه، ثم قدَّم المناضلة في أشياء وأخرها في أشياء، وكان ينبغي [أن يذكر] (¬2) ما يشتركان فيه ثم يذكر أحكام المسابقة ثم المناضلة، واقتصر "التنبيه" و"الحاوي" في التبويب على المسابقة (¬3)، وأرادا: ما يشمل المناضلة على طريق التوسع، وقد قيل في قوله تعالى: {ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} أي: ننتضل، ذكره صاحب "الصحاح" (¬4). 5627 - قول "المنهاج" [ص 541]: (هما سنة) محله: فيما إذا قصد بهما التأهب للجهاد، ذكره في "أصل الروضة"، ثم زاد: أنه يكره لمن علم الرمي تركه كراهة شديدة؛ ففي "صحيح مسلم" عن عقبة بن عامر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ومن علم الرمي ثم تركه .. فليس منا، أو قد عصى" (¬5). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنهما فرض كفاية؛ لتعلقهما بالجهاد الذي هو فرض كفاية. انتهى. وفي "أصل الروضة" عن الصيمري: لا يجوز السبق والرمي من النساء؛ لأنهن لسن أهلًا للحرب. انتهى (¬6). ومقتضاه: امتناعه عليهن ولو بغير عوض؛ ولعله إنما قال ذلك في العقد عليه بعوض. 5628 - قوله: (ويحل أخذ عوض عليهما) (¬7) تعبيره هو و"التنبيه" بالعوض (¬8) أعم من تعبير "الحاوي" و"المحرر" و"الروضة" بالمال (¬9)، ويستثنى من كلامهم المرأة كما تقدم. 5629 - قول "المنهاج" [ص 541] و"الحاوي" [ص 639]: (وتصح المناضلة على سهام) أعم من تعبير "التنبيه" بالنشاب (¬10)، لاختصاصها فيما قيل بما يرمى به عن القسي الفارسية، ودخل في ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 541). (¬2) في (د): (استيفاء). (¬3) التنبيه (ص 127)، الحاوي (ص 639). (¬4) الصحاح (4/ 1494). (¬5) الروضة (10/ 350)، وانظر "صحيح مسلم" (1919). (¬6) الروضة (10/ 350). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 541). (¬8) التنبيه (ص 127). (¬9) المحرر (ص 470)، الحاوي (ص 639)، الروضة (10/ 350). (¬10) التنبيه (ص 127).

قول "التنبيه" [ص 127]: (وما أشبهها من آلة الحرب) الرمي بالمسلات والإبر، ولم يتناول ذلك قول "المنهاج" [ص 541]: (ومنافع في الحرب) لأنه قال فيه: (على المذهب) ولم يحك في "الروضة" وأصلها في العقد على المسلات والإبر خلافًا، بل جزما بجوازه (¬1)، ولم يتعرض لهما "الحاوي". وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنما ذكر ذلك الإمام والغزالي (¬2)، ولا يعرف لغيرهما، ولم يتعرض له الشافعي، ودخول ذلك في لفظ النضل بعيد، وإن كان له وجه .. فهو في الإبرة أبعد، قال: والذي يظهر - والله أعلم - امتناع ذلك في الإبرة وجوازه في المسلة إذا كان يحصل برميتها النكاية الحاصلة من السهم. 5630 - قول "المنهاج" [ص 541]: (وكذا مزاريق) (¬3) عبر في "التنبيه" بالزانات (¬4)، وفسرها في "الكفاية" بها، وجمع "الحاوي" بينهما (¬5)، وكذا في "الروضة" وأصلها (¬6)، وذلك يدل على تغايرهما. 5631 - قول "المنهاج" [ص 541]: (ورماح) تعبيره فيه بالمذهب يقتضي أن فيه طريقين، وليس كذلك؛ فليس في "الروضة" وأصلها في الرماح والسيوف غير وجهين (¬7). 5632 - قوله: (ورميٌ بأحجار) (¬8) أحسن من قول "الحاوي" [ص 639]: (والحجر) لأنه قد يفهم من إطلاقه جواز العقد على إشالة الحجر باليد ويسمى العلاج، والأكثر على خلافه، فصرح "المنهاج" بأن المراد: الرمي، وذلك يتناول الرمي باليد وبالمقلاع، أما مراماتها؛ بأن يرمي كل واحد الحجر إلى صاحبه .. فباطلة بلا خلاف. 5633 - قول "المنهاج" [ص 541]: (وكل نافع في الحرب) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": تمام العبارة أن يقول: ونكايته كنكاية السهام أو كنكاية ما ذُكر، لكن السهام أصل وما ذُكر بعد (كذا) ملحق بها (¬9). ¬

_ (¬1) فتح العزيز (12/ 175)، الروضة (10/ 351). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (18/ 233)، و"الوجيز" (2/ 219). (¬3) المزراق: رمح قصير، وهو أخف من العنزة. انظر "لسان العرب" (10/ 139). (¬4) التنبيه (ص 127)، والزانة: شبه مزراق يرمى بها الديلم، والجمع: زانات. انظر "المصباح المنير" (1/ 260). (¬5) الحاوي (ص 639). (¬6) فتح العزيز (12/ 175)، الروضة (10/ 351). (¬7) فتح العزيز (12/ 177، 178)، الروضة (10/ 351). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 541). (¬9) عبارة "المنهاج": (وتصح المناضلة على سهام، وكذا مزاريق ورماح ورمي بأحجار ومنجنيق) فالأصل في المناضلة السهام، والمذكور بعد قوله: (كذا) ملحق بالسهام.

5634 - قوله: (لا على بندق) (¬1) تبع الرافعي فيه البغوي (¬2)، وفي "الكفاية": أنه لا خلاف فيه، لكن قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأرجح: جوازه، وحكاه عن الماوردي (¬3)، ثم أورد على نفسه حديث عبد الله بن مغفل: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف) (¬4)، ثم أجاب عنه: بأن الخذف: الرمي بحصاة ونحوها بين الإصبعين؛ ولا تحصل به نكاية في العدو، بخلاف رمي البندق بالقوس؛ فإن فيه نكاية كنكاية المسلة، فيرجح فيه الجواز. 5635 - قول "المنهاج" [ص 541]: (وتصح المسابقة على خيل) لم يذكر تبعًا لأصله الإبل، وقد ذكرها "التنبيه" و"الحاوي" (¬5)، ولا خلاف فيها، وأورد شيخنا في "تصحيح المنهاج" على إطلاقهم الخيل: أن محله فيما تعتاد المسابقة به، فغيره لا يظهر بالمسابقة عليه فروسية .. فلا يجوز أخذ السبق عليه، وفي زيادة "الروضة": عن الدارمي وجهان في أنها تختص بما يسهم له، وهو الجذع أو الثني أو نطرده في الصغير أيضًا (¬6). 5636 - قول "التنبيه" [ص 127]: (وفي الفيل وجهان) الأصح: جوازه، وعليه مشى "الحاوي" و"المنهاج" إلا إنه عبر فيه بالأظهر (¬7) .. فاقتضى أن الخلاف فيه قولان، وكذا في "المحرر" (¬8)، والذي ذكره الرافعي في "الشرح" أنه وجهان، ويقال: قولان (¬9)، وعبر في "الروضة" بالمذهب (¬10). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": نصوص الشافعي في "الأم" و"المختصر" تقتضي منع المسابقة عليه (¬11)، وهو الأظهر، وقال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب: إنه ظاهر المذهب، وحكاه المحاملي عن عامة أصحابنا. قلت: وحكاه سليم في فروعه عن أكثرهم. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 541). (¬2) انظر " "التهذيب" (8/ 76)، و"فتح العزيز" (12/ 177). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 186). (¬4) أخرجه البخاري (5162)، ومسلم (1954). (¬5) التنبيه (ص 127)، الحاوي (ص 639). (¬6) الروضة (10/ 352). (¬7) الحاوي (ص 639)، المنهاج (ص 541). (¬8) المحرر (ص 470). (¬9) فتح العزيز (12/ 174). (¬10) الروضة (10/ 350). (¬11) الأم (4/ 229، 230)، مختصر المزني (ص 287).

5637 - قول "التنبيه" [ص 127]: (وفي الحمار والبغل قولان) الأظهر: جوازه، وعليه مشى "المنهاج" (¬1)، وهو داخل في تعبير "الحاوي" بالدابة (¬2). 5638 - قول "التنبيه" [ص 127]: (ولا تجوز المسابقة بين الجنسين كالخيل والإبل) وقول "الحاوي" [ص 639]: (المسابقة في جنس) يستثنى منه: البغل والحمار .. فالأصح: جواز المسابقة بينهما، ومقتضى إيراد "الكفاية": ترجيح المنع، ومفهوم "الحاوي": جواز المسابقة بين مختلفي النوع، وصرح به "التنبيه"، وقال أبو إسحاق: إن تفاوت نوعان؛ كالعتيق والهجين من الخيل، والنجيب والبختي من الإبل .. لم يجز، قال الرافعي: وهذا ينبغي أن يكون أرجح، فإن كان الجواز أشهر (¬3). قال النووي: قول الأكثرين محمول على ما إذا لم يقطع بسبقه، فقول أبي إسحاق ضعيف إن لم يُرد به هذا، فإن أراده .. ارتفع الخلاف (¬4). 5639 - قول "التنبيه" [ص 127]: (وفي الصُّراع - أي: وهو بضم الصاد كما في "الكفاية" - وجهان) الأصح: المنع، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 541]: (لا طير وصراع في الأصح) ولا يخفى أن الخلاف مع العوض، ويجوز بدونه قطعًا. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": نص الشافعي في "الأم" على ذلك؛ فلا ينبغي التعبير عنه بالأصح. 5645 - قول "التنبيه" [ص 127]: (المسابقة على عوض كالإجارة في أحد القولين) هو الأظهر، وعليه يدل قول "التنبيه" بعد ذلك [ص 128]: (إنه لو مات أحد الراكبين .. قام وارثه مقامه، وإن لم يكن له وارث .. استأجر الحاكم)، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 541]: (الأظهر: أن عقدهما لازم)، وعليه يدل قول "الحاوي" [ص 641]: (وجائزة للمحلِّل) وهو وارد على إطلاقهما. ويرد على "التنبيه" أن مقتضى التشبيه بالإجارة أنه يجب على الملتزم للمال من المتسابقين تسلميه لصاحبه قبل المسابقة كالأجرة في عقد الإجارة المطلق، وليس كذلك؛ لخطر شأن المسابقة، ولا يرد ذلك على "المنهاج" و"الحاوي". 5641 - قول "التنبيه" [ص 127]: (تصح ممن تصح منه الإجارة) يستثنى منه المرأة كما تقدم ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 541). (¬2) الحاوي (ص 639). (¬3) انظر "فتح العزيز" (12/ 186). (¬4) انظر "الروضة" (10/ 357).

عن الصيمري (¬1)، وذكره شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" عاطفًا على ما عبر فيه بالأصح (¬2)، فاقتضى خلافًا فيه. 5642 - قولهما: (فليس لأحدهما فسخه) (¬3) محله فيما إذا كان بغير سبب، فلو ظهر بالعوض المعين عيب .. فله الفسخ. 5643 - قول "التنبيه" [ص 127]: (ولا الامتناع من إتمامها) و"المنهاج" [ص 541]: (ولا ترك العمل قبل شروع وبعده) محله فيما إذا كان منضولًا أو ناضلًا وأمكن أن يدركه صاحبه ويسبقه، أما إذا لم يمكن .. فله الامتناع؛ لأنه ترك حق نفسه. 5644 - قول "المنهاج" [ص 541]: (ولا زيادةٌ ونقصٌ فيه، ولا في مال) أكثر فائدة من قول "التنبيه" [ص 127]: (ولا الزيادة فيها) وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": في الزيادة والنقص في العمل هو بالنسبة لمن التزم المال من المتعاقدين، فأما غيره .. فيجوز له ذلك إذا طلبه ورضي به الملتزم، ثم قال: فإن قيل: الملتزم قد لزم العقد في حقه، فلا ينبغي أن يجوز فيه زيادة في العمل ولا نقص؛ كالمكاتب ليس له النقص من المال ولا الزيادة فيه وإن رضي السيد، مع أن العقد في حقه جائز، ثم قال: قلنا: ذاك بالنسبة إلى المال ونحن نقول به، أما بالنسبة إلى العمل زيادة ونقصًا .. فلا يمنع بالتراضي على هذا، قال: ولم أر من تعرض له. 5645 - قول "التنبيه" [ص 127]: (ويجوز أخذ الرهن والضمين فيها) محله: فيما إذا كان العوض في الذمة، فإن كان عينًا .. لم يصح الرهن بها كما هو مذكور في الرهن، وأما الضمان؛ فإن التزم الضامن تسليم العوض وهو في يد باذله .. صح على الصحيح، وهو كالخلاف في كفالة البدن، وإن ضمن قيمتها لو تلفت .. لم يصح في الأصح، وذلك معروف في (باب الضمان). 5646 - قوله: (ولا تجوز إلا على مسافة معلومة الابتداء والانتهاء) (¬4) و"الحاوي" [ص 641]: (وعِلْم المبدأ والغاية) أوضح من قول "المنهاج" [ص 541]: (عِلْم الموقف والغاية) فإن لفظ الموقف مجمل وإن كان مراده به: المكان الذي يقفان عنده ليبتدأ منه، وقد يرد عليهم ما لو شرطا غاية وقالا: (إن لم يتفق السبق عندها .. فإلى غاية أخرى عيناها) .. فإنه يجوز في الأصح، وقد يحمل الانتهاء في عبارة "التنبيه" والغاية في عبارة "المنهاج" و"الحاوي" على الجنس دون التوحيد، ويشترط تساويهما فيهما؛ أي: في المبدأ والغاية، فلا يجعل لأحدهما مبدأ وللآخر ¬

_ (¬1) انظر "الروضة " (10/ 350). (¬2) تذكرة النبيه (3/ 196). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 127)، و"المنهاج" (ص 541). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 127).

تنبيه [في بقية شروط المسابقة]

غيره، ولا لأحدهما غاية وللآخر غيرها، وقد ذكره "المنهاج" (¬1). 5647 - قوله: (وتعيين الفرسين) (¬2) يرد عليه أن الأصح: أنه يكفي وصفها؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 645، 641]: (وتعيين المركب أو وصفه)، وتناولهما قول "التنبيه" [ص 127]: (ولا تجوز إلا على فرسين معروفين) فإن المعرفة تحصل بالوصف، بخلاف التعيين، وقول شيخنا ابن النقيب في قول "المنهاج": (وتعيين الفرسين): أي: ولو بالوصف (¬3) تكلف وتحمل للفظ ما لا يحتمله. 5648 - قول "المنهاج" [ص 541]: (وإمكان سبق كل واحد) لا يكفي مجرد الإمكان، بل لا بد أن يكون غير نادر؛ ولذلك قال "الحاوي" عطفا على المنفي [ص 640]: (وندور سبق أحد) قد يفهم ذلك من اعتبار "التنبيه" و"المنهاج" في فرس المحلل أن يكون كفؤًا لفرسيهما؛ فإنه يفهم اعتبار التكافؤ في فرسيهما، وإنما يحصل التكافؤ بما ذكرناه، فإذا قطع بسبق فرس أحدهما أو فرس المحلل أو بتخلفه .. لم يصح، كذا أطلقوه، وقال الإمام: إن أخرج المال أحدهما وكان يقطع بسبقه .. فهذه مسابقة بلا مال، أو بتخلفه .. صح في الأصح، وكأنه قال لغيره: ارم كذا، فإن أصبت منه كذا .. فلك كذا، وإن أخرجاه والمحلل قطعي التخلف .. فكالعدم؛ فيبطل، أو السبق .. فالوجهان (¬4). قال الرافعي: وهو تفصيل حسن (¬5)، وتعقبه شيخنا في "تصحيح المنهاج": بأنه إذا قطع بتخلف المخرج للمال أو بسبق المحلل .. لم تظهر الفروسية المقصودة بالعقد؛ فيبطل، وليس كقوله: إن أصبت كذا؛ فإن في ذلك تحريضًا له على الإصابة، قال: فالأظهر عندنا: ما أطلقة الأصحاب. تَنْبِيْهٌ [في بقية شروط المسابقة] أهملوا من الشروط: كون المسافة بحيث يمكن الفرسين قطعها بدون انقطاع وتعب، وإلا .. فالعقد باطل، وأن يتسابقا على الدابتين، فلو شرطا إرسالهما ليجريا بأنفسهما .. لم يصح، ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 541). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 541). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 116). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (18/ 283، 284). (¬5) انظر "فتح العزيز" (12/ 186).

ذكرهما في "أصل الروضة" (¬1)، والثاني منهما مفهوم من قول "التنبيه" [ص 128]: (وإن مات أحد الراكبين .. قام وارثه مقامه، فإن لم يكن له وارث .. استأجر الحاكم من يقوم مقامه). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ومقتضى القواعد: أن مخرج المال لا بد أن يكون مطلق التصرف، ويجوز كون الذي لم يخرج سفيهًا؛ لأنه إما آخذ لمال وإما غير غارم، والأرجح: اعتبار إسلام المتعاقدين؛ لأن هذا العقد أبيح للمسلمين ليتقووا على جهاد الكفار، ولم أر من تعرض له. انتهى. 5649 - قولهم: (إنه يجوز للإمام إخراج عوض المسابقة من مال بيت المال) (¬2) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محله مال المصالح دون غيره، قال: والأرجح: اعتبار أن يقول الإمام ذلك في العقد، ولا يكفي الإطلاق. 5650 - قول "المنهاج" [ص 542]: (وإن جاء أحدهما ثم المحلِّل ثم الآخر .. فمال الآخر للأول في الأصح) كان ينبغي أن يقول: (على النص) فإنه منصوص الشافعي في "الأم" و"المختصر" إذ فيهما: (وإن سبق أحدهما المحلل .. أحرز السابق ماله وأخذ مال صاحبه) (¬3). 5651 - قوله: (وإن تسابق ثلاثة فصاعدًا وشُرط للثاني مثل الأول .. فسد) (¬4) تبع فيه "المحرر" (¬5)، لكن الأصح في "الروضة" و" الشرحين": الصحة، وعليه مشى "التنبيه" فقال [ص 127]: (وإن كانوا ثلاثة فشرط لاثنين دون الثالث، أو أربعة فشرط لثلاثة دون الرابع .. جاز) وقول شيخنا ابن النقيب: إن في "التنبيه" مثل ما في "المنهاج" (¬6) وهم. فإن قلت: لعله حمله على ما إذا شرط للثاني دون الأول؛ فإنه لم يصرح بأنه شرط للثاني مثل الأول كما فعل "المنهاج". قلت: عبارته أعم من ذلك، فلا يجوز تخصيصها بغير دليل، والعجب أن النسائي في "نكته" لم يذكر في ذلك إلا قول "التنبيه" [ص 127]: (وإن شرط للجميع وسوى بينهم .. لم يجز) وقال: هذا في الفسكل (¬7) واضح، وأما مساواة المجلي للسابق (¬8) .. فوقع لـ "المحرر" منعه كما أطلقه ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 358). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 127)، و"الحاوي" (ص 639)، و"المنهاج" (ص 541). (¬3) الأم (4/ 230)، مختصر المزني (ص 287). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 542). (¬5) المحرر (ص 471). (¬6) انظر "السراج على نكت المنهاج" ص (8/ 118). (¬7) الفِسْكِل بكسر الفاء والكاف: الذي يجيء آخر الخيل. انظر "مختار الصحاح" (ص 211)، و"لسان العرب" (11/ 519). (¬8) يقال للسابق الأول من الخيل: المجلي. انظر "لسان العرب" (14/ 467).

الشيخ (¬1)، وأهمل قول "التنبيه" قبله [ص 127]: (وإن كانوا ثلاثة فشرط لاثنين دون الثالث ... إلى آخره) ثم لو لم يكن إلا كلام "التنبيه" الأخير .. لم يكن مساويًا لما في "المحرر" لأنه إذا لم يشرط للفسكل شيئًا أو شرط له دون ما شرطه لمن قلبه .. لم يتناوله. 5652 - قوله: (وإن شرط للجميع وسوى بينهم) (¬2) وكذا اقتصر في "التوشيح" على كلام "التنبيه" الثاني، وقال: الشرط لاثنين دون الثالث، أو ثلاثة دون الرابع ليس شرطًا للجميع، وعلى موافقة "الروضة" وغيرها جرى "الحاوي" فقال [ص 639]: (يفضل الفسكل) فلم يشترط سوى كون الفسكل - أي: الأخير - مفضولًا (¬3)، وذلك يصدق بالتسوية بين جميع من قبله، وهو ظاهر نص "الأم" و"المختصر" حيث قال: (فيجعل للسابق شيئًا معلومًا، وإن شاء جعل للمصلي (¬4) والثالث والرابع ومن يليه بقدر ما رأى). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": المعتمد عندنا: أنه يفسد من المسمى للثاني بحيث يحصل له من المسمى ما يسمى للثاني غالبًا ناقصًا عن الذي للأول، فلا يطلق الفساد كما أطلقه "المنهاج"، ولا الصحة كما في "الروضة" فإن جواز التسوية يؤدي إلى أن كلًا منهما لا يجهد على أن يسبق فيفوت المقصود، ولم يفسد العقد كله؛ لأن الصفقة يمكن تفريقها بخلاف العرايا إذا عقد على خمسة أوسق، ثم استشهد بأن الأصح في المسابقة الفاسدة: استحقاق السابق ما يتسابق بمثله في تلك المسابقة غالبًا، ثم أوّل النص المتقدم: بأن قوله: (ما رأى) أي: على وجه يحرض على الحرص على السبق، قال: وإنما يحصل ذلك بتفضيل كل سابق على مسبوقه. انتهى. وقال النشائي: ظني أن ما في "المحرر" سبق قلم (¬5)، واقتصر شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" عليه (¬6)، وكان ينبغي أن يذكر معه تصحيح "الروضة" أيضًا؛ فقد عرفت أنه المعتمد. 5653 - قول "التنبيه" [ص 127، 128]: (وإن شرط للجميع وسوى بينهم .. لم يجز، وإن فاضل فجعل للسابق عشرة وللمجلي تسعة وللمصلي ثمانبة .. فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز) الأصح: الجواز، وعليه يدل قول "الحاوي" [ص 639]: (يفضل الفسكل) فإنه يدل على أنه ¬

_ (¬1) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 117). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 127). (¬3) الروضة (10/ 353). (¬4) المصلي: تالي السابق، يقال: صلى الفرس، إذا جاء مصليًا وهو الذي يتلو السابق؛ لأن رأسه عند صلاه؛ أي: مغرز ذنبه. انظر "مختار الصحاح" (ص 154). (¬5) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 117). (¬6) تذكرة النبيه (3/ 199).

يجوز أن يشرط له أيضًا لكن دون من قبله، وقال النووي في "التحرير": يقع في أكثر النسخ: للسابق عشرة وللمصلي تسعة وللمجلي ثمانية، وفيما ضبطناه عن نسخة المصنف: للمجلي تسعة وللمصلي ثمانية وكلاهما خلاف المعروف في اللغة وكتب الفقه، وهو أن المجلي هو السابق، والمصلي الثاني والثالث التالي ... إلى آخره. انتهى (¬1). وأجيب عن "التنبيه": بأن ما ذكره من كون المجلي ثانيًا والمصلي ثالثًا هو ما ذكره الثعالبي في "فقه اللغة" (¬2) فلا اعتراض عليه إذًا. 5654 - قول "التنبيه" [ص 128]: (والسبق في الخيل إذا استوت أعناقها: أن يسبق أحدهما بجزء من الرأس من الأُذُن وغبره، وإن اختلفا في طول العنق أو كان ذلك فى الإبل .. اعتبر السبق بالكاهل) فيه أمور: أحدها: أن الأصح في الخيل: اعتبار العنق استوت أعناقها أو اختلفت، وعليه مشى "المهذب" و"المنهاج" و"الحاوي" (¬3)، قالوا: فإن استوى الفرسان في طول العنق؛ فمن سبق ببعض العنق .. فهو السابق، وإن اختلفا؛ فإن سبق الأقصر عنقًا أو الأطول بأكثر من قدر الزيادة .. فهو السابق، وإلا .. فلا، واستدركه النووي في "تصحيحه" بلفظ الصواب (¬4)، فاقتضى عدم الخلاف فيه، لكن نقل ابن الرفعة عن ابن الصباغ في "الشامل": أنه جزم بما في "التنبيه"، قال: وذكر الإمام في "النهاية" ما يقتضيه (¬5). وحمل شيخنا في "تصحيح المنهاج" اعتبارهم العنق في الخيل على ما إذا لم ترفع أعناقها عند العدو، فإن رفعت أعناقها عند العدو .. فالاعتبار في سبقها بالكتد، واستشهد على ذلك: بأنه في "الروضة" وأصلها فرق بين الإبل والخيل؛ بأن الإبل ترفع أعناقها في العدو، فلا يمكن اعتباره، والخيل تمدها (¬6)، ومقتضاه: ما ذكرناه، وجعله بعد ذلك هذا التفصيل وجها ضعيفًا لا يلائم هذا الفرق، ووقع في "تصحيح" شيخنا الإسنوي: أن الأصح في "الروضة" في الخيل عند اختلاف العنق: اعتباره بالرأس كذا رأيته بخطه، وهو سبق قلم نبهت عليه؛ لئلا يغتر به، ويدل أنه سبق قلم قوله: بالرأس أيضًا؛ فإن المذكور قبله: العنق، فأراد أن يقول: بالعنق أيضًا، فسبق قلمه (¬7). ¬

_ (¬1) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 226). (¬2) فقه اللغة (ص 225)، ونقل الثعالبي عن الجاحظ والفراء: أن أولها السابق ثم المصلي، ولم يذكر المجلي. (¬3) المهذب (1/ 417)، الحاوي (ص 639)، المنهاج (ص 542). (¬4) تصحيح التنبيه (1/ 391). (¬5) نهاية المطلب (18/ 249). (¬6) فتح العزيز (12/ 187)، الروضة (10/ 359). (¬7) تذكرة النبيه (3/ 200) وفيه: (بالعنق أيضًا).

ثانيها: قال في "التحرير": قد ينكر على "التنبيه" جَعْله الأذن من الرأس؛ فإن مذهبنا أنه عضو مستقل (¬1)، ويجاب: بأنه مجاوزة للمجاورة وكونها في تدوير الرأس. ثالثها: أنه اعتبر في الإبل السبق بالكاهل، وفي "المنهاج" [ص 542]: (بالكتف) وفي "الحاوي" و"الروضة" وأصلها: (بالكتَد) (¬2) وهو بفتح التاء على الأشهر، وهي عبارة "الأم" و"المختصر" (¬3)، فقال الشيخ أبو حامد وغيره: إنه الكاهل؛ فلذلك عبَّر به "التنبيه"، وذكر البغوي: أنه الكتف (¬4)، وهو محكي عن الربيع؛ فلذلك عبر به "المنهاج"، لكن قال الجوهري: إن الكتد: ما بين الكاهل إلى الظهر (¬5)، فعلى هذا لا يصح التعبير عنه بواحد منهما. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج" بعد ذكره أن المحكي عن الجوهري هو المشهور، وعلى هذا: فحيث اعتبرنا الكتد .. لا يكتفى بالكتف؛ لأن أول الكتف قبل أول الكاهل الذي هو مجمع الكتفين؛ لأن الكتف له دورة يتسع بها، وعند اجتماع الكتفين في الأعلى لا يكون ذلك الاتساع موجودًا؛ فالاعتبار بالكتف غير معتمد. انتهى. رابعها: مقتضى إطلاقهم: أنه لا فرق في اعتبار الكتد في الإبل بين الإطلاق وغيره، حتى لو شُرط غيره .. لبطل العقد، لكن في زيادة "الروضة": أن المسألة فيما إذا أطلقا (¬6)، وكذا في "المهذب" (¬7). 5655 - قول "المنهاج" [ص 542]: (وقيل: بالقوائم فيهما) أي: في الإبل والخيل، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يقتضي أن السبق بالقوائم مغاير لما سبق، وفي "أصل الروضة": وأما الكتد مع القدم .. فقد فرق بينهما فارقون، وأقام أحدهما مقام الآخر آخرون، وأشار الفريقان إلى أنه لا فرق بين الاعتبار بهما ولا خلاف؛ لأنهما قريبان من التحاذي، لكن بينهما مع التقارب تفاوت، ولا يبعد أن يجعل اعتبار القدم وراء اعتبار الكتد والهادي (¬8)، قال شيخنا: وقوله: (ولا يبعد ... إلى آخره) ممنوع؛ فإنه إذا كان الحال في الجميع متحدًا .. لم يستقم ما قاله، وقد ذكر الإمام أن عند الاستواء ومد العنق في العدو .. يكون السابق بالهادي سابقًا ¬

_ (¬1) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 227). (¬2) فتح العزيز (12/ 188)، الروضة (10/ 359)، الحاوي (ص 639). (¬3) الأم (4/ 230)، مختصر المزني (ص 287). (¬4) انظر "التهذيب" (8/ 81). (¬5) انظر "الصحاح" (2/ 530). (¬6) الروضة (10/ 360). (¬7) المهذب (1/ 417). (¬8) الروضة (10/ 360).

بمواقع السنابك وحينئذ يرتفع الخلاف، وقال الإمام: وكان شيخي يقطع بأن الاعتبار في التساوي في الابتداء بالأقدام لا غير، وإنما التردد في الآخر، وهذا حسن متجه لا يجوز غيره؛ فإنا إن اعتبرنا السبق بالعنق من جهة استحباب مد الفرس عنقه .. فهذا لا يتحقق في ابتداء الموقف (¬1). 5656 - قول "المنهاج" [ص 542]: (ويشترط للمناضلة بيان أن الرمي مبادرةٌ أو مُحَاطَّةٌ) مثل قول "التنبيه" [ص 128]: (وأن يعلم أن الرمي محاطة أو مبادرة أو مناضلة) إلا أنه لم يذكر المناضلة، وسيأتي الكلام عليها، لكن صحح في "الشرح الصغير" و"أصل الروضة": عدم الاشتراط، فإن أطلقا .. حمل على المبادرة (¬2)، وحكاه في "الشرح الكبير" عن البغوي فقط (¬3)، وهو مفهوم من كون "الحاوي" لم يشترط ذلك، وتبع البغوي فيه الخوارزمي في "الكافي"، وممن قال بالاشتراط الفوراني والغزالي في "الخلاصة" (¬4). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": المعتمد أنه إن كان للرماة عُرف في ذلك .. نزل الإطلاق عليه، وإلا .. فلا بد من التعيين، وعبارة النص في "الأم" و"المختصر": (وجائز أن يشترطا في ذلك محاطة أو مبادرة) (¬5) وهو دال على أنه يشترط تعيين واحد منهما، وإنما أخرجنا حالة العرف المعتاد؛ لأن ذلك ينزل منزلة الشرط، وجزم الماوردي بفساد العقد إذا لم يكن لهم عرف، وحكى الوجهين فيما إذا كان لهم عرف (¬6)، وأطلق الشيخ أبو حامد ومن تبعه الوجهين. 5657 - قول "التنبيه" [ص 128]: (والمبادرة: أن يشترط إصابة عشرة من عشرين فيبدر أحدهما إلى إصابة العشرة فينضل صاحبه) لا يخفى أنه مثال، وضابطه قول "المنهاج" [ص 542]: (وهي: أن يبدر أحدهما بإصابة العدد المشروط) ولا بد مع ذلك من استوائهما في العدد المرمى به، فلو رمى أحدهما في مثال "التنبيه" عشرين فأصاب عشرة، والآخر تسعة عشر فأصاب تسعة .. فالأول غير ناضل الآن حتى يرمي الآخر سهمه، فكان أصابه .. فلا ناضل، وإلا .. فالأول ناضل، فهذا القيد احتراز من نحو هذه الصورة، واقتصر "المنهاج" على ذكر العدد المشروط إصابته، والمذهب: أنه لا بد من ذكر عدد الرمي في العقد في المحاطة والمبادرة؛ ليكون للعمل ضبط، وقد أشار إليه "التنبيه" بقوله [ص 128]: (من عشرين)، وصرح به قبل ذلك فقال: (ولا ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (18/ 249، 250، 251). (¬2) الروضة (10/ 368). (¬3) فتح العزيز (12/ 201)، وانظر "التهذيب" (8/ 86، 87). (¬4) الخلاصة (ص 654). (¬5) الأم (4/ 231)، مختصر المزني (ص 287). (¬6) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 203، 204).

يجوز إلا على عدد من الرشق معلوم، وأن يكون عدد الإصابة معلومًا) (¬1) ويستثنى من كلامه: ما لو تناضلا على رمية واحدة وشرطا المال لمصيبها .. فإنه يصح على الأصح مع أن الواحد ليس بعدد. 5658 - قول "التنبيه" [ص 128]: (فالمحاطة: أن يحط أكثرهما إصابة من عدد الآخر، فيفضل له عدد معلوم يتفقان عليه، فينضله به) في عبارته قلق: وتقريرها: أن (من) في كلامه بمعنى عوض؛ كقوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً} أي: عوضكم، ومعناه: يسقط أكثرهما إصابة من إصابته مثل عدد إصابات الآخر، فتعبير "المنهاج" عن ذلك بقوله [ص 542]: (وهي: أن تقابَل إصابتهما ويطرح المشترك، فمن زاد بعدد كذا .. فناضل) أوضح قال شيخنا ابن النقيب: وأورد بعضهم هنا أسئلة: الأول: لو أصاب أحدهما من العشرين خمسة ولم يصب الآخر شيئًا .. فهل ينضل مع أنه لا تقابل ولا طرح لعدم الاشتراك؟ إن قيل: نعم .. انتقض حد المحاطة، وإلا .. احتاج إلى نقل. الثاني: لو شرطا النضل بواحد بعد الطرح .. فهل هي من صور المحاطة أم لا؛ لأن الواحد ليس بعدد وهو كالأول؟ . الثالث: لو شرطا بعد طرح المشترك نضل شيء من غير تعيين .. هل يجوز ويكون محاطة؟ فيه ما تقدم (¬2). 5659 - قول "الحاوي" [ص 643]: (وإن أصاب المشروط في المحاطة .. يُتم) يرد عليه نحو ما لو شرطا عشرين وشقًا على أن من زادت إصاباته على إصابات الآخر بخمسة فهو ناضل، فرمى أحدهما خمسة عشر فأصابها ورمى الآخر خمسة عشر فأصاب منها خمسة .. فالأول ناضل، ولا يكلف تمام الرمي في الأصح؛ لعدم فائدته. 5660 - قول "التنبيه" [ص 128]: (والمناضلة: أن يشترط إصابة عشرة من عشرين على أن يستوفيا جميعًا، فيرميان معًا جميع ذلك، فإن أصاب كل واحد منهما العشرة أو أكثر أو أقل .. أحرز أسبقهما، وإن أصاب أحدهما دون العشرة وأصاب الآخر العشرة أو فوقها .. فقد نضله) قال في "التحرير": كذا في النسخ قوله: (فيرميان) بالنون، والوجه حذفها؛ لعطفه على (يستوفيا) (¬3)، ولم يرد في "الكفاية" على كلام "التنبيه" شيئًا، ولم يذكر هذه الصورة في "المهذب"، بل ذكر بدلها الحوابي (¬4). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 128). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 121). (¬3) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 229). (¬4) المهذب (1/ 420).

قال شيخنا ابن النقيب: ولم أرها في غيره أيضًا. انتهى (¬1). وعلى هذا: لفظ المناضلة مشترك بين الجنس وهذا النوع، وذكر بعضهم: أن صوابه: مفاضلة بالفاء، وذكره كذلك ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (¬2)، وفي "أصل الروضة" بعد هذا الموضع بكثير عن كثير من الأصحاب: أن الرمي ثلاثة: المبادرة، والمحاطة، والحوابي، وهي: أن يشرطا أن الأقرب والأسد يسقط الأبعد، فإن ذكر أحد القرب، كذراع مثلًا .. صح، وإلا .. حمل على عادة الرماة فيه، فإن لم يكن .. بطل العقد في الأصح (¬3). 5661 - قول "المنهاج" [ص 542]: (وبيَانُ عدد نوب الرمي) و"الحاوي" [ص 640]: (والنوب) أي: أيرميان سهمًا سهمًا، أو خمسة خمسة، أو ما يتفقان عليه، كذا في "أصل الروضة" اشتراط بيان ذلك، لكنه قال في آخر كلامه: والإطلاق محمول على سهم سهم. انتهى (¬4). وهو يقتضي أنه لا يشترط بيان ذلك، بل إن شُرط .. اتبع، وإلا .. حمل على سهم سهم، وعليه مشى "التنبيه" فقال [ص 128، 129]: (ويرميان سهمًا سهمًا، وإن شرط أن يرمي أحدهما بجميع سهامه .. حملا على الشرط). واعلم: أن اتفاقهما على سهم سهم لا تتناوله عبارة "المنهاج" لما علم أن الواحد ليس بعدد، بخلاف عبارة "الحاوي" فإنه لم يذكر لفظ العدد. 5662 - قولهم - والعبارة لـ "التنبيه" -: (وأن يكون عدد الإصابة معلومًا) (¬5) شرطه: أن لا يكون نادرًا؛ ولهذا عقبه لـ "التنبيه" بقوله [ص 128]: (فإن شرط إصابة تسعة أو عشرة من عشرة .. لم يجز في أصح القولين) وادعى في "المهمات" أن الرافعي والنووي سكتا على تسعة من عشرة، وليس كذلك؛ فهي داخلة في قولهما: ولو شرط ما يمكن حصوله نادرًا .. فوجهان، ويقال: قولان، أصحهما: الفساد (¬6)، قال في "أصل الروضة": وإن شرط ما هو متيقن في العادة؛ كإصابة الحاذق واحدًا من مئة .. ففي صحة العقد وجهان، وجه المنع أن هذا العقد ينبغي أن يكون فيه خطر؛ ليتأنق الرامي في الإصابة، ولم يذكر الوجه الآخر (¬7)، لسقط وقع في الرافعي ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 122). (¬2) المغني (9/ 376). (¬3) الروضة (10/ 381). (¬4) الروضة (10/ 368). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 128)، و"الحاوي" (ص 641)، و"المنهاج" (ص 542). (¬6) فتح العزيز (12/ 198)، الروضة (10/ 365، 366). (¬7) الروضة (10/ 365).

"الكبير" (¬1)، وهو في "الصغير"، قال فيه: والأصح عند جماعة منهم صاحب الكتاب: أنه يصح ليتعلم الرمي بمشاهدة رميه، وصحح ابن الرفعة في "الكفاية" وشيخنا في "تصحيح المنهاج" مقابله؛ لأن هذا العقد إنما شرع للتحريض على تحصيل الإصابة. 5663 - قول "التنبيه" [ص 128]: (وأن يكون مدى العرض معلومًا) و"المنهاج" [ص 542]: (وبيان مسافة الرمي) محله كما في "الحاوي" [ص 641]: (حيث لا عادة)، وهو موافق الكلام "الروضة" وأصلها، حيث قال: في وجوبه قولان: أحدهما: نعم. والثاني: لا، وينزل على غالب عادة الرماة هناك، فإن لم تكن عادة .. وجب قطعًا، وعلى هذا يحمل ما أطلقه الأكثرون من اشتراط الإعلام، وليرجح من القولين التنزيل على العادة الغالبة (¬2). ويمكن أن يكون قول "المنهاج" بعد ذلك [ص 542]: (إلا أن تعقد بموضع فيه كرض معلوم .. فيحمل المطلق عليه) لا يختص بالمذكور قبله، وهو: قدر الغرض طولًا وعرضًا، بل يعود إلى هذه الصورة أيضًا على قاعدة الشافعي في عود المتعلقات للكل، فيوافق "الحاوي" وغيره. ويشترط ألَّا تكون الإصابة في تلك المسافة نادرة في الأصح، وفي "المهمات": أن اختصاص بيان مسافة الرمي بما إذا لم يكن هناك عادة مخالف لتصحيح اشتراط بيان عدد الرمي والبادئ مطلقًا، ولتصحيح أن لا يشترط بيان نوع ما يرمي به مطلقًا، قال: والمتجه استواء الجميع في اعتبار العادة أو عدم اعتبارها، وخرج في "المهمات" المسافة التي يتحقق فيها الإصابة على الخلاف في العدد الذي يتحقق إصابته، كإصابة الحاذق واحدًا من مئة، وفيه نظر، بل ينبغي الجزم بالصحة. 5664 - قول "التنبيه" [ص 128]: (فإن شرط دون مئتي ذراع .. جاز، وما زاد .. قيل: يجوز إلى مئتين وخمسين ذراعًا، وقيل: يجوز إلى ثلاث مئة وخمسين ذراعًا) الأصح: الأول، ومقتضى كلامه جريان الخلاف في المئتين أيضًا، وكذا في الجيلي، لكن الذي في الرافعي: الجزم بالجواز (¬3). 5665 - قوله: (فإن شرط الرمي إلى غير غرض وأن يكون السبق لأبعدهما رميًا .. لم يصح) (¬4) ¬

_ (¬1) فتح العزيز (12/ 198). (¬2) فتح العزيز (12/ 199)، الروضة (10/ 366، 367). (¬3) فتح العزيز (12/ 200). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 128).

هو مفهوم من اشتراط "المنهاج" بيان المسافة (¬1)، لكن الأصح: الصحة؛ لأن الإبعاد مقصود أيضًا في مقابلة القلاع ونحوها، وحصول الإرعاب وامتحان شدة الساعد، وهو مراد "الحاوي" بقوله [ص 641]: (وعلى البرتاب) وهي لفظة فارسية، والمراد بها هنا: الرمي إلى غير غرض، بل لمجرد الإبعاد. قال الإمام: والذي أراه على هذا أنه يشترط استواء القوسين في الشدة، ويراعى خفة السهم ورزانته؛ لأنهما يؤثران في القرب والبعد تأثيرًا عظيمًا (¬2). 5666 - قول "المنهاج" [ص 542]: (وقدر الغرض طولًا وعرضًا) لا بد أيضًا من بيان ارتفاعه وانخفاضه وسمكه، وقد ذكره "التنبيه" (¬3)، وعبارة "الحاوي" [ص 641]: (والغرض وارتفاعه). ويرد على "التنبيه": أن محله إذا لم يكن هناك عادة، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي" (¬4). 5667 - قول "التنبيه" [ص 129]: (وأن تكون صفة الرمي معلومة من القرع والخزق والخسق والمرق والخرم) فيه أمران: أحدهما: أن ذلك ليس شرطًا، وإنما هو ندب؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 542]: (وليبينا صفة الرمي) فأتى بلام الأمر المحتملة للندب، ثم قال: (فإن أطلقا .. اقتضى القرع) (¬5) وكذا في "المهذب" (¬6)، وكذا ذكره الماوردي (¬7)، وهو مفهوم من ترك "الحاوي" اشتراط ذلك، والذي في "الروضة" وأصلها: أن كتب كثير من الأصحاب منهم العراقيون مصرحة بأنه لا بد من ذكر ما يريدان من هذه الصفات سوى المرق والخرم، فلم يشترطوا ذكرهما، والأصح: ما ذكره البغوي أنه لا يشترط التعرض لشيء منها؛ كالمرق والخرم، وكإصابة أعلى الشن وأسفله، قال: وإذا أطلقا العقد .. حمل على القرع؛ لأنه المتعارف. انتهى (¬8). فيقال: كيف جزم "المحرر" بقول البغوي فقط مع نقله مقابله عن كثير منهم العراقيون، وشرطه فيه ذكر ما عليه المعظم (¬9)، وقال النووي: إنه وفى بما التزم، لكن تقدم عن "المهذب" موافقة " التهذيب" في ذلك أيضًا. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 542). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (18/ 282). (¬3) التنبيه (ص 128). (¬4) الحاوي (ص 641)، المنهاج (ص 542). (¬5) المنهاج (ص 542). (¬6) المهذب (1/ 418). (¬7) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 203). (¬8) فتح العزيز (12/ 199)، الروضة (10/ 366). (¬9) المحرر (ص 471).

وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": المعتمد أنه لا بد من ذكر الصفات التي يتميز بها المقصود من القرع كما هو مقتضى نص "الأم" وقال به الشيخ أبو حامد وأبو الفرج. ثانيهما: قال النووي في "التحرير": كان الأولى أن يقول: صفة الإصابة؛ لأن ما ذكره صفتها لا صفة الرمي، لكنه من توابع الرمي ومتعلقاته، فأطلق عليه اسمه مجازًا (¬1)، والعجب منه في عدوله عن تعبير "المحرر" و"الروضة" وأصلها بالإصابة إلى هذه العبارة المعترضة عنده! 5668 - قول "التنبيه" [ص 129]: (فالقرع هو: إصابة الشن) و"الحاوي" [ص 642]: (الإصابة بالنصل) أي: بلا خدش كما صرح به "المنهاج" (¬2)، وهو مفهوم من تفسير "التنبيه" الخزق: بأن يخدش ولا يثبت (¬3). 5669 - قول "الحاوي" [ص 643]: (والخسق: الخرق) مقتضاه: أنه لا يشترط في الخسق أن يثبت فيه، وليس كذلك، وقد صرح "التنبيه" و"المنهاج" بأنه يشترط فيه ثبوته فيه (¬4)، لكن قد يرد عليهما أمران: أحدهما: أنه لا يكون خاسقًا فيما لو أصاب طرف الشن فخرقه وثبت هناك. ثانيهما: أنه لا يكون خاسقًا أيضًا فيما لو لم يثقب، بل وقع في خرم هناك وثبت، والأصح في الصورتين: أنه خاسق، وقد ذكرهما "الحاوي" فقال [ص 643]: (ولو ببعض [للطرف] (¬5) أو ثبت في ثقبة) قال الرافعي في الصورة الثانية بعد تعليله بأن السهم في قوته بحيث يخرق لو صادف موضعًا صحيحًا: وقضية هذا أن لا يجعل خاسقًا لو لم تعرف قوة السهم (¬6). 5670 - قولهما: (والمرق: أن ينفذ فيه) (¬7) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه ليس بتفسير معتمد، والذي عليه كلام أهل اللغة أن المرق: أن يخرج من الجانب الآخر ويقع منه، وبه فسره الشيخ أبو حامد وابن الصباغ، وقال: إنه من الخوارج الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية؛ فلم يبق للمارق في الدين علقة كما أن السهم مرق من الرمية ولم يبق له بها علقة. ¬

_ (¬1) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 229). (¬2) المنهاج (ص 542). (¬3) التنبيه (ص 129). (¬4) التنبيه (ص 129)، المنهاج (ص 542). (¬5) في (ب)، (ج): (الطرف). (¬6) انظر "فتح العزيز" (12/ 213). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 129)، و"المنهاج" (ص 542).

تنبيه [لا تتعين صفات الرمي بالشرط]

تَنْبِيْهٌ [لا تتعين صفات الرمي بالشرط] ظاهر "التنبيه" و"المنهاج" تعين هذه الصفات بالشرط، وليس كذلك مطلقا، بل كل صفة يغني عنها ما بعدها، فالقرع يغني عنه الخزق وما بعده، والخزق يغني عنه الخسق وما بعده ... وهكذا إلى أخرها. 5671 - قول "المنهاج" [ص 542]: (ولا يشترط تعيين قوس وسهم، فإن عين .. لغا، وجاز إبداله بمثله، فإن شرط منع إبداله .. فسد العقد) فيه أمران: أحدهما: أن مراده: قوس بعينه وسهم بعينه، أما تعين نوع القوس أو السهم .. فالصحيح في "أصل الروضة" أيضًا: أنه لا يشترط، فإن تراضيا على نوع .. فذاك، أو نوع من جانب وآخر من جانب .. جاز في الأصح كالابتداء، وإن تنازعا .. فسخ العقد في الأصح، وقيل: ينفسخ (¬1). ولا يمكن تناول "المنهاج" لهذه الصورة؛ لأن التفريع المذكور بعده من أنه لو عيّن لغا، وما بعده .. لا يستقيم في تعين النوع، وعدم اشتراط تعيين النوع هو ظاهر كلام " التنبيه" فإنه قال [ص 129]: (وإن شرطا الرمي بالقسي العربية أو الفارسية أو أحدهما برمي بالعربية والآخر بالفارسية .. حملا عليه، وإن أطلقا العقد .. حملا على نوع واحد) وهو صريح في جواز إطلاق العقد، لكن حمله في "الكفاية" على ما إذا غلب هناك نوع .. فيصح ويحمل عليه، فإن لم يغلب .. بطل؛ إذ لا مرجح، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 641]: (ويعين القوس العادة ثم التوافق ثم يفسد)، لكن الذي في الرافعي: أن في المسألة وجهين أطلقهما مطلقون، وجواب أكثر: الصحة، وفي "الحاوي" ما جرى عليه الإمام والغزالي أن محل الخلاف: ما إذا لم يغلب في الناحية نوع، فإن غلب في الناحية نوع .. حمل المطلق عليه؛ كالدراهم وغيرها (¬2)، مقتضاه: ترجح الصحة ولو لم يغلب نوع، وعكسه في "الكفاية" فجعل الخلاف والتصحيح وجواب أكثر فيما إذا غلب في الناحية نوع كما تقدم، واختصر في "الروضة" كلام الرافعي بأن فيه ثلاثة أوجه، أصحها: الصحة مطلقًا (¬3). قال النشائي: فاقتضى أن فيه وجهًا مطلقًا بالبطلان ولو غلب نوع، ولم يصرح به الرافعي (¬4). قلت: هو مفهوم من كونه لما تكلم على لفظ "الوجيز" .. أعلم بالواو ولإطلاق من أطلق ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 365). (¬2) فتح العزيز (12/ 196). (¬3) الروضة (10/ 364). (¬4) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 119).

الوجهين، ومال شيخنا في "تصحيح المنهاج" إلى البطلان فيما إذا لم يغلب نوع، وقال: إن مقابله بعيد من قواعد الباب، بل من القواعد الشرعية؛ لأن العقود تصان عن مثل هذا. ثانيهما: قيد في "أصل الروضة" قوله: (وجاز إبداله بمثله) بقوله: (من ذلك النوع) (¬1)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محل هذا إذا عيّنا في عقد المناضلة نوعه، فإن لم يعينا نوعه .. فهل يقوم تعيين القوس مقام تعيين النوع؟ لم نر من تعرض لذلك، والأصح: أنه لا يقوم هنا، وليس هذا من باب إذا بطل الخصوص .. هل يبقى العموم؛ إذ لا عموم في تعيين القوس. انتهى. 5672 - قول "التنبيه" [ص 129]: (وإن تلفت القوس .. بدلت) لا معنى لتقييده بأن تتلف؛ فإنه يجوز إبدالها مع بقائها ولو كانت معينة في صلب العقد كما تقدم، ولا بد من كون الإبدال مثلها كما ذكر "المنهاج" (¬2)، فلا يجوز بأجود قطعًا ولا بما دونها في الأصح إلا برضا الشريك. 5673 - قول "التنبيه" [ص 128]: (وأن يكون البادئ منهما معلومًا) و"المنهاج" [ص 542]: (والأظهر: اشتراط بيان البادئ) و"الحاوي" [ص 640]: (وبادئه). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا موضع انفرد الرافعي بترجيحه (¬3)، وهو مخالف لصريح نص "الأم" في أنه إذا لم يبيناه .. يصح العقد ويقرع، وعبارته: (ولا يجوز في القياس إلا أن يتشارطا أيّهما يبدأ، فإن لم يفعلا .. اقترعا) (¬4) وهذا هو المعتمد، وعليه جرى القاضي أبو الطيب. انتهى. وذكر بعضهم أن ظاهر عبارة "التنبيه" و"المنهاج" أن المقدم بالشرط يقدم في كل رشق، وكذا بالقرعة، وهو الظاهر في "الشرح الصغير". وفي "الكبير" عن الإمام في ذلك وجهان، ثانيهما: أنه يقدم في الرشق الأول فقط، ولم يرجح شيئًا، ثم حكى عن الإمام أنه قال: لو صرحوا بتقديم من قدموه في كل رشق أو أخرجا القُرعة للتقديم في كل رشق .. اتبع الشرط وما أخرجته القرعة، ثم قال الرافعي: ولك أن تقول: إذا ابتدأ المقدم في النوبة الأولى .. فينبغي أن يبتدئ الثاني في الثانية بلا قرعة، ثم يبتدئ الأول في الثالثة، ثم الثاني، وهذا لأمرين: أحدهما: أنهم نقلوا نصه في "الأم": أنه لو شرط كون الابتداء لأحدهما أبدًا .. لم يجز (¬5)؛ لأن المناضلة مبنية على التساوي. ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 364). (¬2) المنهاج (ص 542). (¬3) انظر "المحرر" (ص 471). (¬4) الأم (4/ 232). (¬5) الأم (4/ 235).

والثاني: أنه يستحب كون الرمى بين غرضين متقابلين يرمي المتناضلان أو الجريان من عند أحدهما إلى الآخر، ثم يأتيان الثاني ويلتقطان السهام ويرميان إلى الأول، ثم نص الشافعي والأصحاب أنه إذا بدأ أحدهما بالشرط أو بالقرعة أو بإخراج المال ثم انتهى إلى الغرض الثاني .. بدأ الثاني في النوبة الثانية وإن كان الغرض واحدًا، وحينئذ .. فيتصل رميه في النوبة الثانية برميه في النوبة الأولى. انتهى (¬1). وعلى ذلك مشى "الحاوي" فقال [ص 640]: (الثاني ثانيًا) وهو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: الثاني؛ يعني: بادئ الرمي ثانيًا هو الثاني في الأول، يريد: أن الثاني في الرشق الأول يصير هو البادئ في الرشق الثاني. واعترض عليه بعضهم: بأنه كيف جزم ببحث للرافعي؟ ! وقد عرفت أنه ليس بحثًا محضًا، بل موافق للمنقول، وحكى شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن نص الشافعي رضي الله عنه في "الأم" أنه قال: (وإذا بدأ أحدهما من وجه .. بدأ الآخر من الوجه الذي يليه) (¬2)، ثم قال شيخنا: والأصح: أن التقديم بسهم سهم، لا بالرشق الأول، ولا في كل رشق كما هو منصوص "الأم" و"المختصر"، وجرى عليه شراح "المختصر". 5674 - قول "المنهاج" [ص 542]: (ولو حضر جمع للمناضلة فانتصب زعيمان يختاران أصحابًا .. جاز) شرطه: أن يكون قبل العقد، وصرح به "التنبيه" (¬3)، والمراد: أنهما يختاران واحد بواحد، وهكذا حتى يتم العدد، ولا يجوز أن يختار واحد جميع حزبه أولًا؛ لئلا يأخذ الحذاق. 5675 - قول "الحاوي" [ص 641]: (وتساوي الحزبين) قطع به صاحب "المهذب" و"التهذيب" وغيرهما (¬4)، لكن قطع الإمام والغزالي بأنه لا يشترط، بل يجوز أن يكون أحد الحزبين ثلاثة والثاني أربعة، والأرشاق مئة على كل حزب وأن يرامي رجل رجلين أو ثلاثة، فيرمي هو ثلاثة، وكل واحد منهم واحدًا (¬5)، ولم يصرح في "الروضة" وأصلها بترجيح أحد الوجهين (¬6)، لكن في "الشرح الصغير" عن اكثرين: اشتراطه، وذكر النشائي أنه الأصح في "أصل الروضة" (¬7)، ولم أر ذلك، وظاهر كلام "التنبيه" و" المنهاج" عدم اشتراطه. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (12/ 203، 204)، وانظر "نهاية المطلب" (18/ 257). (¬2) الأم (4/ 232). (¬3) التنبيه (ص 128). (¬4) المهذب (1/ 420)، التهذيب (8/ 94، 95). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (18/ 284)، و"الوجيز" (2/ 222). (¬6) فتح العزيز (12/ 207)، الروضة (10/ 373). (¬7) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 117).

5676 - قول "التنبيه" [ص 128]: (فإن خرج في أحد الحزبين من لا يحسن الرمي .. بطل العقد) أحسن من قول "المنهاج" [ص 542]: (فإن اختار غريبًا ظنه راميًا فبان خلافُهُ .. بطل العقد فيه) لأنه قد يقال: فلان ليس برامٍ؛ أي: معدودًا من الرماة ولكنه يحسن شيئًا من الرمي مع ضعف أو كثرة خطأ، وهذا لا يبطل العقد فيه. 5677 - قولهما: (وسقط من الحزب الآخر بإزائه واحد) (¬1) مقتضاه: سقوطه على الإبهام، وعليه يدل قول "المنهاج" بعده [ص 542]: (فإن أجازوا وتنازعوا فيمن يسقط بدله .. فسخ العقد) لكن ذكر ابن الصباغ في "الشامل" والروياني في"الكافي" أنه يسقط الذي عينه الزعيم في مقابلته؛ لأن أحد الزعيمين يختار واحدًا ويختار الآخر واحد في مقابلته، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو متعين؛ لأن الإبطال على الإبهام مع الاختلاف فيه غرر عظيم لا يحتمل مثله. 5678 - قول "المنهاج" [ص 543]: (وإذا نضل حزب .. قُسِمَ المال بحسب الإصابة، وقيل: بالتسوية) تبع فيه "المحرر" فإنه قال: إنه الأشبه (¬2)، لكن الأشبه في "الشرحين" وصححه في "أصل الروضة": الثاني (¬3)، وقطع به بعضهم، وقال شيخنا ابن النقيب: إن الذي في "المحرر" كأنه سبق قلم (¬4)، وكذا قال في "المهمات": الذي يظهر أنه سبق قلم، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": المعتمد عندنا: أنه إن أخرج المال الإمام أو أحد الرعيّة أو أحد الحزبين .. قسم بحسب الإصابة، وإن أخرجه الحزبان وهناك محلل ونضل أحد الحزبين والحزب المحلل .. قسم بينهم بالسوية. انتهى. ومحل ذلك في حالة الإطلاق، فإن شرطت القسمة على الإصابة .. عمل به، وللإمام فيه احتمال (¬5). 5679 - قوله: (فلو تلف وترٌ أو قوسٌ) (¬6) عبر عنه "التنبيه" بقوله [ص 129]: (وإن انقطع الوتر أو انكسر القوس)، وهو أوضح في المراد، وتتمة كلام "المنهاج" [ص 543]: (أو عَرَضَ شيءٌ انصدم به السهم وأصاب .. حُسب له، وإلا .. فلا يحسب عليه) محله فيما إذا لم يكن ذلك بسوء رميه، فإن كان .. حسب عليه، وقد ذكره "الحاوي" (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 128)، و"المنهاج" (ص 542). (¬2) المحرر (ص 472). (¬3) فتح العزيز (12/ 207)، الروضة (10/ 373). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 128). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (18/ 287). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 543). (¬7) الحاوي (ص 643).

قال في "أصل الروضة": ثم في كتاب ابن كج أن الانقطاع والانكسار إنما يؤثر حدوثهما قبل خروج السهم من القوس، وأما بعده .. فلا أثر له، وصور البغوي انكسار السهم فيما إذا كان بعد خروجه من القوس، وجعله عذرًا. انتهى (¬1). واقتصر في "الكفاية" على كلام ابن كج. 5680 - قول "المنهاج" [ص 543]: (ولو نقلت ريح الغرض فأصاب موضعه .. حُسب له، وإلا .. فلا يحسب عليه) فيه أمور: أحدها: محل حسبانه له ما إذا كان الشرط القرع، وقد صرح به "التنبيه"، قال [ص 129]: (وإن كان الشرط هو الخرق فثبت السهم والموضع في صلابة الغرض .. حسب له). ثانيها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا مخالف لمقتضى نص "الأم" حيث قال: (ولو رمى والشن منصوب فطرحت الريح الشن أو أزاله إنسان قبل يقع سهمه .. كان له أن يعود فيرمي بذلك السهم؛ لأن الرمية زالت) (¬2)، قال شيخنا: ومقتضاه: أنه لا يحسب له، وهذا نص صاحب المذهب، فليعتمد عليه. ثالثها: ما ذكره فيما إذا لم يصب موضع الغرض من أنه لا يحسب عليه، مخالف للمجزوم به في "الروضة" وأصلها، وعبارته: ولو أصاب الغرض في الموضع المنتقل إليه .. حسب عليه لا له. انتهى (¬3). فإصابة الغرض في الموضع المنتقل إليه هي من صُور ألَّا يصيب موضع الغرض، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والذي وقفت عليهِ من نسخ "المحرر": (حسب له، وإلا .. فلا) (¬4) من غير زيادة على ذلك، وفي "المهمات": المسألة في أكثر نسخ "المحرر" على الصواب، وفي بعضها كـ "المنهاج" فلعلها الواقعة له. 5681 - قول "التنبيه" [ص 129]: (وإن أصاب السهم الأرض فازدلف وأصاب الغرض .. حسب له في أحد القولين) هو الأظهر، وعليه مشى "الحاوي" (¬5)، وذكر النووي في "تصحيح التنبيه": أن الأصح: أنه إن لم يصب .. لم يحسب عليه (¬6)، وهذا أولًا غير محتاج إليه؛ لأنه ذكر تصحيح في مسألة لم يتعرض لها "التنبيه"، وثانيًا أنه مخالف للصحيح في "الروضة" ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 384)، وانظر "التهذيب" (8/ 91، 92). (¬2) الأم (4/ 233). (¬3) فتح العزيز (12/ 222)، الروضة (10/ 386). (¬4) المحرر (ص 472). (¬5) الحاوي (ص 643). (¬6) تصحيح التنبيه (1/ 393).

وأصلها: أنه يحسب عليه (¬1)، وعليه مشى "الحاوي" (¬2)، وحكاية "التنبيه" الخلاف في ذلك قولين مخالف لقول الرافعي: فيه وجهان (¬3)، وقيل: قولان مخرجان. 5682 - قول "الحاوي" [ص 643]: (لا إن عرض عاصف) أي: منع وصول السهم فأخطأ؛ فإنه لا يحسب عليه. أخرج بعروض العاصف ما إذا كان هابًا عند ابتداء الرمي .. فمقتضاه: أنه يحسب عليه وقد تبع في ذلك الإمام والغزالي (¬4)، وهو ظاهر النص، لكن الأصح في "الروضة" وأصلها: أنه لا يحسب عليه، وأنه لا فرق بين العارض والموجود عند ابتداء الرمي (¬5)، ولهذا أطلق "التنبيه" في هبوب الريح الشديدة أنه إن أخطأ .. لم يحسب عليه، وإن أصاب .. لم يحسب له، ولم يفرق في ذلك بين عروضها ووجودها في الابتداء (¬6). 5683 - قول "التنبيه" [ص 128]: (وإن شرط أنه إذا سبق أطعم السبق أصحابه .. لم تصح المسابقة على ظاهر المذهب) محله ما إذا شرطه المخرج، فلو شرطه المجعول له .. قال القاضي حسين: فالعقد صحيح كما لو شرط على المشتري أن يطعمه أصحابه؛ إن شرط ذلك البائع .. أبطل، أو المشتري .. فلا، وحيث شرطه المخرج؛ لو تسابقا .. استحق السابق على الشارط أجرة المثل على الأصح، وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 641]: (وفي الفاسد أجر المثل). 5684 - قول "التنبيه" [ص 128]: (وقيل: تصح إلا أنه يسقط المسمى ويجب عوض المثل) قال بعض " الشارحين": هذا غير موجود في مشاهير الكتب، وقال بعضهم: لا يعرف إلا في "التنبيه"، وإطلاق الصحة على لزوم أجرة المثل خلاف المصطلح. 5685 - قوله: (وقيل: تصح ولا يستحق شيئًا) (¬7) أي: المشروط إطعامه؛ لأن الشرط لاغ؛ فإنه لا يعود إلى المسبق، فهو وعد، وفهم النووي من ذلك أنه لا يستحق السابق عوضًا، فصرح في زوائد "الروضة" بنقل ذلك وجها عن "التنبيه" (¬8)، وهو وهم، وكيف يصح العقد ولا عوض؟ ! ¬

_ (¬1) فتح العزيز (12/ 211)، الروضة (10/ 376). (¬2) الحاوي (ص 643). (¬3) انظر "فتح العزيز" (12/ 211). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (18/ 261)، و"الوجيز" (2/ 223). (¬5) فتح العزيز (12/ 221، 222)، الروضة (10/ 385). (¬6) التنبيه (ص 129). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 128). (¬8) الروضة (10/ 359).

5686 - قوله: (فإن مات أحد المركوبين قبل الغاية .. بطل العقد) (¬1) محله فيما إذا ورد العقد على عينه، فإن ورد على موصوف .. فقال الرافعي: لا ينبغي أن ينفسخ بهلاكه (¬2). 5687 - قوله: (وإن مات أحد الراكبين .. قام وارثه مقامه) (¬3) أي: إن اختار ذلك، ومحل ذلك إذا فرعنا على الأظهر: أن هذا العقد لازم كالإجارة، فإن كان جائزًا .. انفسخ بموته، ولم ينتقل لوارثه، ولم يستأجر الحاكم. 5688 - قوله: (وإن مات الرامي .. بطل العقد) (¬4) كذا لو ذهبت يده. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 128). (¬2) انظر "فتح العزيز" (12/ 187). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 128). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 129).

كتاب الأيمان

كتابُ الأَيْمان بابُ من يصح يمينه وما يصح به اليمين 5689 - قول "المنهاج" [ص 544]: ([لا ينعقد - أي: اليمين -] (¬1) إلا بذات الله تعالى أو صفة له) موافق لإحدى الطريقتين المذكورتين في "أصل الروضة" في ضبط ما يحلف به، قال: وهي أقصرهما أنها إنما تنعقد إذا حلف بما مفهومه ذات الله تعالى أو صفة من صفاته، قال: والثانية - وهي أقرب إلى سياق "المختصر" -: أنها لا تنعقد إلا إذا حلف بالله أو باسم من أسمائه أو صفة من صفاته، قال: وأرادوا بالقسم الأول: أن يذكر ما يفهم منه ذات الله تعالى، ولا يحتمل غيره من غير أن يأتي باسم مفرد أو مضاف من أسمائه الحسنى؛ كقوله: (والذي أعبده، أو أسجد له، أو فلق الحبة، أو نفسي بيده، ومقلب القلوب) فتنعقد بذلك ظاهرًا وباطنًا وإن نوى غير الله، وفي وجه ضعيف: إن نوى غيره .. دين (¬2)، واقتصر في "الشرح الصغير" على الطريق الأول. 5695 - قوله: (كقوله: "والله"، "ورب العالمين"، "والحي الذي لا يموت"، "ومن نفسي بيده") (¬3) قال شيخنا ابن النقيب: جعله في "الروضة" من قسم الأسماء المختصة، إلا قوله: (ومن نفسي بيده)، وفي "المنهاج" يحتمل ذلك ويحتمل أنه من قسم الذات، وهو الظاهر؛ فإنه قال في "المحرر": (بذات الله أو صفة من صفاته؛ فالأول كقوله: "والذي أعبده"؛ أو "نفسي بيده"، وقوله: "والله ... إلى آخره") (¬4). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": قوله: (والذي أعبده أو نفسي بيده) مثال لما يُفهم منه ذات الله سبحانه وتعالى، ولا يحتمل غيره من غير أن يأتي باسم مفرد أو مضاف من أسمائه الحسنى، وقوله: (أو كقوله: والله ... إلى آخره) هذا هو النوع الأول؛ وهو ما يختص بالله تعالى، وهو من القسم الثاني، وهو الحلف بالأسماء. 5691 - قوله: (وكل اسم مختص به سبحانه وتعالى) (¬5) قال شيخنا ابن النقيب: الذي ينبغي أن يكون معناه: يختص به الله (¬6). ¬

_ (¬1) في (د): (لا تنعقد أي: الأيمان). (¬2) الروضة (11/ 10). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 544). (¬4) المحرر (ص 473)، وانظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 132). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 544). (¬6) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 132).

قلت: قد صرح بذلك بقوله: (سبحانه وتعالى). قال (¬1): والذي في "الروضة" وكتب الرافعي: (يختص بالله) (¬2). والأول أصوب؛ لأن الباء تدخل على المقصور، فقولنا: (يختص الله يه) أي: لا يُسمى به غيره، وهو المراد، وقولنا: (يختص بالله) أي: يُسمى الله به ولا يسمى بغيره، وليس مرادًا، والفقهاء يتساهلون في ذلك؛ لفهم المعنى (¬3). 5692 - قول "لمنهاج" [ص 544]: (وما انصرف إليه سبحانه عند الإطلاق) و"الحاوي" [ص 644]: (اسم الله الغالب) أحسن من قول "التنبيه" [ص 193]: (وإن حلف باسم له يسمى به غيره مع التقييد) وكذا في "المحرر" و"الروضة" وأصلها (¬4)؛ لأنه قد يسمى به غيره مع الإطلاق، لكن لا ينصرف إليه بمجرد الإطلاق، بل بالنية؛ ولهذا لو أراد صرفه إلى غيره .. لم ينعقد يمينه. 5693 - قول "الحاوي" في أمثلة هذا القسم [ص 644]: (والعليم، والحكيم) تبع فيه الغزالي (¬5)، قال الرافعي: ويشبه أن يُعَدّا فيما ينطلق على الله وعلى غيره على السواء؛ كالعالم والموجود (¬6)، وسيأتي، وعبر عنه في "الروضة" بالأصح (¬7). وظاهر كلام "الحاوي" فيما ينطلق عليه وعلى غيره على السواء: أنه لا ينعقد به اليمين ولو نواه، وهو الذي صححه الرافعي في "شرحيه" (¬8)، لكنه جزم في "المحرر" بأنه يمين بالنية، وتبعه "المنهاج" (¬9)، واستدركه في زيادة "الروضة" فقال: الأصح: أنها يمين، وبه قطع الرافعي في "المحرر" وصاحب "التنبيه" والجرجاني وغيرهما من العراقيين؛ لأنه اسم يُطلق على الله تعالى وقد نواه، وقولهم: (ليس له حرمة) مردود (¬10). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والذي نقوله في ذلك: أنه إن كان المذكور اسمًا يعم الواجب والممكن وليس فيه صفة مدح؛ كالحي والموجود .. فلا يكون يمينًا وإن نوى الله تعالى، وإن اختص بأولي العلم؛ كالعالم والعليم والحكيم والحليم؛ فإن نوى به الله تعالى .. كان ¬

_ (¬1) أي: ابن النقيب. (¬2) فتح العزيز (12/ 241)، المحرر (ص 473)، الروضة (11/ 10). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 132). (¬4) المحرر (ص 473)، فتح العزيز (12/ 241)، الروضة (11/ 11). (¬5) انظر "الوجيز" (2/ 224). (¬6) انظر "فتح العزيز" (12/ 242). (¬7) الروضة (11/ 11). (¬8) فتح العزيز (12/ 242). (¬9) المحرر (ص 473)، المنهاج (ص 544). (¬10) الروضة (11/ 11).

مترتبًا على ما قبله، وأولى بأن يكون يمينًا. انتهى. وقول "المنهاج" في هذا القسم [ص 544]: (إلا بنيّة) أي: بنيّة الله تعالى، وقد صرح به "التنبيه" (¬1)، وكذا هو في "الروضة" وأصلها (¬2)، ولا يكفي فيه اليمين اتفاقًا. 5694 - قول "التنبيه" [ص 194]: (وإن حلف بصفة من صفات الله لا تحتمل غيره، وهي: "وعظمة الله"، "وجلال الله"، "وكبرياء الله"، "وبقاء الله"، "وكلام الله"، "والقرآن" .. انعقدت يمينه، وإن كان يستعمل في مخلوق وهو قوله: "وعلم الله"، "وقدرة الله"، "وحق الله"، ونوى بالعلم المعلوم، وبالقدرة المقدور، وبالحق العبادات .. لم تنعقد يمينه، وإن لم ينو شيئًا .. انعقدت يمينه) الأصح في المذكورات أوّلًا: أنها كالحلف بالعلم ونحوه؛ فقد يراد بالعظمة والجلال والعزة والكبرياء: ظهور أثرها على المخلوقات، وبالكلام: الحروف والأصوات الدالة عليه، وبالقرآن: الخطبة أو الصلاة؛ ولهذا سوّى "الحاوي" بين المذكورات، قال [ص 644]: (وصفته بلا نية غير)، وعبارة "المنهاج" [ص 544]: (والصفة؛ كـ "وعظمة الله"، "وعزته"، "وكبرياه"، "وكلامه"، "وعلمه"، "وقدرته"، "ومشيئته" .. يمين، إلا أن ينوي بالعلم المعلوم وبالقدرة المقدور. ولو قال: "وحق الله" .. فيمين، إلا أن يريد العبادات). وظاهر كلامه أنه لا يقبل الصرف عن اليمين إلا العلم والقدرة والحق كما صرح به "التنبيه"، وليس كذلك كما عرفته، ومحل ما ذكروه في قوله: (وحق الله) ما إذا كان مجرورًا، فإن رفعه .. قال المتولي: إن نوى اليمين .. فيمين، وإن أطلق .. فلا، وإن نصبه وأطلق .. فوجهان. والذي أجاب به البغوي: المنع في النصب أيضًا (¬3). واعلم: أن مما يندرج في قول "الحاوي" [ص 644]: (وصفته) كلام الله، وقد صرح به حين فصل، وقرره شارحه القونوي بأن يريد بكلامه: الأصوات والحروف، ولم يذكر هذا التأويل في "الروضة" وأصلها في كلام الله كبقية الصفات، بل أطلق أنه تنعقد به اليمين؛ فلذلك كتبتُ بخطي قديمًا: أن الأصح فيما عدا الكلام: أنه مثل الحلف بالعلم والقدرة، وكان اعتمادي في ذلك على ما يفهم من "الروضة" فإنه لم يأت بعبارة شاملة لجميع الصفات، إلا قوله في أثناء الكلام: ولم يفرقوا بين الصفات. انتهى (¬4). ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 193، 194). (¬2) فتح العزيز (12/ 242)، الروضة (11/ 11). (¬3) انظر "التهذيب" (8/ 99). (¬4) الروضة (11/ 12).

ولكن الظاهر أنه لا فرق بين الكلام وغيره من الصفات؛ لأن احتمال إرادة أثرها مشترك بين الجميع، والعجب أن النووي والإسنوي لم يستدركا في ذلك على "التنبيه" شيئًا! قال النووي: ولو قال: (والمصحف) وأطلق .. فهو يمين، صرح به بعض الأصحاب، وبه أفتى أبو القاسم الدولعي خطيب دمشق، قال: لأنه إنما يقصد به الحلف بالقرآن المكتوب، ومذهب أصحابنا وغيرهم من أهل السنة: أن القرآن مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور، ولا يقصد الحالف نفس الورق والمداد؛ ويؤيده أن الشافعي رضي الله عنه استحسن التحليف بالمصحف، واتفق الأصحاب عليه، ولو لم ينعقد اليمين عند الإطلاق .. لم يحلف به (¬1). وفي "المهمات": جزم القاضي حسين والشيخ أبو على وابن أبي الدم أنه لا يكون يمينًا عند الإطلاق، ونقله الأخيران عن الأصحاب، وهو المشهور، ومقتضى كلام الماوردي وابن الصلاح في "فتاويه": انعقاده (¬2). 5695 - قول "المنهاج" [ص 544]: (وتختص التاء بالله) فيه أمران: أحدهما: أن صواب العبارة: (ويختص الله بالتاء) وقد سمع دخولها شذوذًا على غيره، فقالوا: تربي وترب الكعبة، وتالرحمن. ثانيهما: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن كان مراده: أنه لا يصح القسم بها شرعًا إلا إن دخلت على الله .. فهذا لا يستقيم، فلو قال: تالرحمن .. انعقدت يمينه، وغايته أنه استعمل شاذًا، وكذا لو قال: تحياة الله، أو تالرحيم، أو غير ذلك .. انعقدت يمينه. 5696 - قول "الحاوي" في أمثلة الكناية [ص 644]: (وبلَّه) أي: بحذف الألف، هو المنقول في "أصل الروضة" عن الشيخ أبي محمد والإمام والغزالي، قالوا: ويحمل حذف الألف على اللحن؛ لأن الكلمة تجري كذلك على ألسنة العوام والخواص، وقال النووي: ينبغي ألَّا يكون يمينًا؛ لأن اليمين لا تكون إلا باسم لله تعالى أو صفة، ولا نسلم أن هذا لحن؛ لأن اللحن: مخالفة صواب الإعراب، بل هذه كلمة أخرى. انتهى (¬3). وقال ابن الصلاح: ينبغي أن يكون يمينًا عند الإطلاق، قال: وليس لحنًا، بل لغة حكاها الزجاجي، وهي شائعة في ألسنة العامة. 5697 - قول "التنبيه" [ص 194]: (وإن قال: "أقسمت بالله"، أو "أقسم بالله" .. انعقدت يمينه) أحسن من قول "المنهاج" [ص 544]: (ولو قال: "أقسمت"، أو "أقسم"، أو ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 13). (¬2) فتاوى ابن الصلاح (2/ 478). (¬3) الروضة (11/ 10)، وانظر "نهاية المطلب" (18/ 299)، و"الوجيز" (2/ 225).

"حلفت"، أو "أحلف بالله لأفعلن" .. فيمين)، وقول "الحاوي" [ص 644]: (كأحلف، وأقسمت بالله) لعدم التصريح بلفظة: (بالله) إلا في الأخيرة مع أنها لا بد منها في الكل؛ فإنه لو لم يذكرها .. لم تنعقد يمينه ولو نواها، وإن كان هذا مراد "المنهاج" و"الحاوي"، لكن تصريح "التنبيه" به في كل لفظة أصرح. 5698 - قول "التنبيه" [ص 194]: (وإن قال: أردت بالأول الخبر عن ماضٍ وبالثاني الخبر عن مستقبل .. قبل فيما بينه وبين الله، وهل يصدق في الحكم؟ قيل: لا يصدق، وقيل: إن كان في الإيلاء .. لا يصدق، وإن كان في غيره .. صدق، وقيل: فيه قولان) الأصح: طريقة القولين، وأصحهما: القبول؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 544]: (صدق باطنًا، وكذا ظاهرًا على المذهب) وقد يفهم من تعبيره بالمذهب ترجيح طريقة القطع، وليس كذلك؛ فإن اصطلاحه في التعبير بها الدلالة على أن في المسألة طريقين أو طرقًا، وأن الراجح في الجملة ما ذكره من غير دليل على ترجيح قطع ولا خلاف. ثم محل الخلاف: ما إذا لم يُعلم له يمين ماضية، فإن علمت .. قبل في إرادتها بأقسمت أو حلفت قطعًا، وهذه المسألة واردة على إطلاق "الحاوي" لأنه لم يستثن ما إذا قال: قصدت الماضي أو المستقبل. واعلم: أنه يشكل على القبول في الإيلاء فرعان: أحدهما: أنه لو حلف وقال: لم أقصد اليمين .. صدق، وفي الطلاق والعتاق والإيلاء لا يصدق في الظاهر؛ لتعلق حق الغير به. ثانيهما: حلف لا يدخل الدار ثم قال: أردت شهرًا؛ فإن كان بطلاق أو عتاق .. لم يقبل في الحكم، ويلحق بهما الإيلاء؛ لتعلقه بحق آدمي، وإن كانت اليمين بالله تعالى ولم يتعلق بحق آدمي .. قبل ظاهرًا وباطنًا، ذكرهما في "أصل الروضة"؛ الأول في أول (الأيمان)، والثاني في أواخره (¬1). 5699 - قول "الحاوي" [ص 644]: (أو عليك بالله) محله: ما إذا قصد يمين نفسه، فإن قصد الشفاعة، أو عقد اليمين على المخاطب، أو أطلق .. فإنه ليس يمين؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 545]: (ولو قال لغيره: "أقسم عليك بالله"، أو "أسألك بالله لتفعلن" وأراد يمين نفسه .. فيمين، وإلا .. فلا) وعبارة "التنبيه" [ص 194]: (فليس بيمين إلا أن ينوي به اليمين) أي: يمين نفسه، ونازع شيخنا في "تصحيح المنهاج" في الصورتين الأخيرتين، وهما: عقد اليمين على ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 3، 81).

المخاطب، والإطلاق، ورجح فيهما: أنه يمين عند الإقران بقوله: (أقسم عليك)، وأوّل نص "الأم" و"المختصر" مع نقله عن الماوردي أنه قال في صورة الإطلاق: لا يختلف مذهب الشافعي في أنه ليس يمينًا (¬1). 5700 - قول "التنبيه" فيمن قال: إن فعلت كذا .. فأنا يهودي [ص 193]: (ويستغفر الله تعالى) يقتضي أنه ارتكب معصية، وبه صرح النووي في "الأذكار" (¬2) وابن الرفعة في "المطلب"، وحكى عن الخطابي: أنه يلزمه التوبة والاستغفار، ولا يخفى أن هذا إنما هو فيما إذا قصد تبعيد نفسه عن ذلك الأمر، فإن قصد تعليق التهود على فعل ذلك الأمر .. كفر في الحال، فإن لم يعرف قصده لموت أو غيبة .. ففي "المهمات": القياس: تكفيره إذا عري عن القرائن الحاملة على غيره؛ لأن اللفظ بوضعه يقتضيه، وكلام النووي في "الأذكار" يقتضي خلافه. 5701 - قوله: (ويقول: لا إله إلا الله) (¬3) أي: استحبابًا كما قاله النووي في "نكته"، أو وجوبًا كما قاله صاحب "الاستقصاء"، وفي "مذاكرة أهل اليمن": أنه لا بد مع هذا من قوله: (أشهد أن محمدًا رسول الله) وعلله: بأن إحدى الشهادتين لا يكتفى بها في الإيمان. انتهى. وفيه نظر؛ فإن الصورة أنه لم يخرج عن الإيمان بذلك كما تقدم تصويره، وقد يقال: هذا تجديد الإيمان على طريق الاحتياط؛ فليأت فيه بما يدخل به في الإيمان، وقد ذكر في "زيادة الروضة" عن الأصحاب: أنه إذا لم يكفر .. فليقل: لا إله إلا الله محمد رسول الله (¬4). 5702 - قوله: (وإن قال: "لعمر الله" .. انعقدت يمينه، إلا أن ينوي به غير اليمين على ظاهر المذهب، وقيل: ليس بيمين إلا أن ينوي اليمين) (¬5) الثاني هو الأصح، وعليه مشى "الحاوي" فعده في الكنايات (¬6)، وذكر في "الكفاية": أن في عبارة "التنبيه" تقديمًا وتأخيرًا، وأن قوله: (على ظاهر المذهب) يتعلق بانعقاد اليمين حالة الإطلاق، لا بما إذا نوى به غير اليمين؛ فإن تلك لا خلاف فيها. قال في "التوشيح": ولكنه جعل الاستثناء منقطعًا، ويمكن حمل كلام الشيخ على ظاهره، والمراد: ظاهر المذهب في أصل المسألة، وحاصله: أنه إن نوى الحلف .. فيمين قطعًا، أو عكسه .. فلا قطعًا، أو أطلق .. فوجهان، أصحهما: ليس بيمين. ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 279). (¬2) الأذكار (ص 285). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 193). (¬4) الروضة (11/ 7). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 194). (¬6) الحاوي (ص 644).

5753 - قول "التنبيه" [ص 194]: (وإن قال: "أشهد بالله" .. فقد قيل: هو يمين إلا أن ينوي بالشهادة غير القسم، وقيل: ليس بيمين إلا أن ينوي به اليمين) الأصح: الثاني، وعليه مشى "الحاوي" (¬1). 5704 - قول "التنبيه" [ص 194]: (وإن قال: "عليّ عهد الله وميثاقه وذمته وأمانته وكفالته لا فعلت كذا" .. فليس بيمين إلا أن ينوي به اليمين) ظاهره أنها يمين واحدة ولو نوى بها كلها اليمين، وهو المنقول، قال الرافعي: ولك أن تقول: إن قصد بكل لفظة يمينًا .. فليكن كما لو حلف على الفعل الواحد مرارًا (¬2). قال في "الروضة" وهذا الاستدراك موافق للنقل، قال الدارمي: قال ابن القطان: إذا نوى التكرار .. ففي تكرار الكفارة القولان فيمن حلف على الفعل الواحد مرارًا، وطرده في قوله: والله الرحمن الرحيم (¬3). 5705 - قوله: (وإن حلف رجل بالله فقال آخر: يميني في يمينك، أو يلزمني مثل ما يلزمك .. لم يلزمه شيء، وإن كان ذلك في الطلاق والعتاق ونوى .. لزمه ما لزم الحالف) (¬4) ذكر ابن الصباغ أن قوله: (يميني في يمينك) بمعنى: يلزمني من اليمين ما يلزمك، وحينئذ .. فجمع "التنبيه" بينهما مع اتحاد معناهما؛ ليفيد أنه لا فرق بين اللفظين، ويحتمل أن معنى قوله: (يلزمني مثل ما يلزمك) أي: من الكفارة أو الطلاق أو العتاق؛ فلا يكون معناهما حينئذ متحدًا، وفي كلام المتولي ما يقتضي وقوع الطلاق في الثانية خاصة. 5706 - قول "المنهاج" [ص 545]: (ومن سبق لسانه إلى لفظها بلا قصد .. لم تنعقد) كذا لو قصد اليمين على شيء فسبق لسانه إلى غيره، ذكره "التنبيه" قال [ص 193]: (وذلك لغو اليمين) محله فيما إذا كانت اليمين بالله تعالى في غير الإيلاء، فأما الإيلاء والحلف بالطلاق والعتاق إذا ادعى فيه سبق اللسان .. لم يقبل في الحكم. 5707 - قول "التنبيه" [ص 194]: (وإن قال: الطلاق والعتاق لازم لي ونوى ذلك .. لزمه) يقتضي أنه كناية، وأقره النووي في "التصحيح"، وحكاه في "أصل الروضة" عن البوشنجي، لكن في "أصل الروضة" عن العبادي: أنه صريح، وعن صاحب "العدة" عزوه للأكثرين، وحينئذ .. فيقع به الطلاق بغير نية (¬5). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 644). (¬2) انظر "فتح العزيز" (12/ 248). (¬3) الروضة (11/ 16). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 194). (¬5) الروضة (8/ 33).

5708 - قولهما: (ويصح على ماض ومستقبل) (¬1) يستثنى من المستقبل: ممتنع الحنث لذاته؛ كقوله: (والله لا أصعد السماء) .. فالأصح: أن يمينه لا ينعقد، بخلاف: (لأصعدن السماء) .. فالأصح: انعقاد يمينه ولزوم الكفارة في الحال. 5709 - قول "التنبيه" [ص 193]: (فإن حلف على ماض وهو صادق .. فلا شيء عليه) المراد بصدقه: موافقة ما قصده إذا احتمله اللفظ وإن خالف الظاهر، إلا أن يحلفه حاكم .. فالمعتبر موافقه ظاهر لفظ الحاكم. 5710 - قوله: (وإن كان كاذبًا .. أثم) (¬2) المراد: مع علمه بذلك؛ بدليل قوله بعده: (وهي الغموس) فإن جهل .. فلا إثم، وفي الكفارة خلاف حنث الناسي. 5711 - قول "المنهاج" [ص 545]: (وهي مكروهة إلا في طاعة) يستثنى أيضًا: الأيمان الواقعة في الدعاوى إذا كانت صادقة .. فإنها لا تكره، قال النووي: وكذا لا تكره للحاجة؛ كتوكيد كلام وتعظيمه؛ كقوله صلى الله عليه وسلم في "الصحيح": "فوالله؛ لا يمل الله حتى تملوا" (¬3)، وقوله: "والله؛ لو تعلمون ما أعلم ... " الحديث (¬4)، وهو كثير (¬5). 5712 - قوله: (فإن حلف على ترك واجب .. عصى) (¬6) استثنى منه شيخنا في "تصحيح المنهاج" مسألتين: أحدهما: الواجب الذي يمكن سقوطه كالقصاص بعد الحكم به؛ فإنه يمكن سقوطه بالعفو، واستشهد على ذلك بقول أنس بن النضر: (والله؛ لا تكسر ثنية الربيع) والحديث في "الصحيح"، وفيه أن القوم عفوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله .. لأبرّه" (¬7). ثانيهما: الواجب على الكفاية؛ كما لو حلف لا يصلي على فلان الميت حيث لم يتعين .. فإنه لا يعصي بهذا الحلف. 5713 - قول "التنبيه" [ص 193]: (فإن كان على أمر مباح .. فقد قيل: إن الأولى ألَّا يحنث، وقيل: الأولى أن يحنث) فيه أمران: ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 193)، و"المنهاج" (ص 545). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 193). (¬3) أخرجه البخاري (43) ومسلم (782). (¬4) أخرجه البخاري (997) ومسلم (901). (¬5) انظر "الروضة" (11/ 20). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 545). (¬7) أخرجه البخاري (2556) ومسلم (1675).

أحدهما: أن الأصح: الأول، وعليه مشى "المنهاج" (¬1)، وكذا في "أصل الروضة"، لكنه قال عقبه: وقد حصل مما ذكرناه أن اليمين لا تغير حال المحلوف عليه عما كان وجوبًا وتحريمًا وندبًا وكراهة وإباحة (¬2)، وهذا في الإباحة مخالف لتصحيحه: أن الأفضل عدم الحنث؛ فقد تغير حكم المحلوف عليه وصار تركه أفضل من فعله؛ ولهذا لما حكى الإمام وجهًا ثالثًا بالتخيير بينهما .. قال: إنه يعتضد بالقاعدة الكلية: أن الأيمان لا تغير الأحكام (¬3). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ومن ذلك يظهر أن الأرجح: وجه التخيير بجريانه على القاعدة، وجرى عليه القاضي حسين، وهو مقتضى كلام الفوراني في "الإبانة". ثانيهما: محل هذا الخلاف: فيما لا يتعلق بفعله ولا تركه غرض ديني؛ كدخول دار، أما إذا حلف لا يأكل طيبًا ولا يلبس ناعمًا .. فقال الشيخ أبو حامد وجماعة: هو يمين مكروهة؛ لقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} الآية، واختار القاضي أبو الطيب: أنها يمين طاعة؛ اتباعًا للسلف في خشونة العيش، وقال ابن الصباغ: يختلف ذلك باختلاف أحوال الناس، وقصودهم وفراغهم للعبادة، واشتغالهم بالضيق والسعة، قال الرافعي: وهذا أصوب (¬4). 5714 - قول "التنبيه" [ص 193]: (وإن زال - أي: عقله - بمحرم .. صحت يمينه، وقيل: فيه قولان (الأصح: طريقة القولين، وأصحهما: الصحة. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 545). (¬2) الروضة (11/ 20، 21). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (18/ 303، 304). (¬4) انظر "فتح العزيز" (12/ 262).

كتاب كفارة اليمين

كتابُ كفّارة اليمين 5715 - قول "المنهاج" [ص 545]: (له تقديم كفارة بغير صوم على حنث) يفهم أن الأفضل تأخيرها عنه، وبه صرح "التنبيه"، ولا يفهم ذلك من قول "الحاوي" [ص 648]: (ويقدم على الحنث غيرَ الصوم). 5716 - قول "التنبيه" [ص 199]: (وقيل: إن كان الحنث بمعصية .. لم يجز أن يكفر قبل الحنث، وليس بشيء) هذا الوجه رجحه في "المحرر" (¬1) مع كونه لم ينقل ترجيحه في "الشرح" إلا عن البغوي، وقال: إن مقابله - وهو جواز التقديم ولو كان الحنث معصية - هو الأقيس والأظهر عند الشيخ أبي حامد والإمام والروياني وغيرهم (¬2)، وقال في "الشرح الصغير": إنه الأظهر، وحكى في "أصل الروضة" تصحيحه عن الأكثرين (¬3)، واستدركه في "المنهاج" على "المحرر" (¬4)، وهو ظاهر إطلاق "الحاوي" (¬5). واعلم: أنه يشترط في إجزاء العتق المعجل عن الكفارة بقاء العبد حيًا مسلمًا إلى الحنث، فلو مات أو ارتد قبله .. لم يجز به. 5717 - قول "المنهاج" [ص]: (وقتل على الموت) أي: يجوز تقديم كفارة القتل على الموت لكن بعد الجرح. 5718 - قوله: (ومنذور مالي) (¬6) أي: يجوز تقديمه على المعلق عليه كالشفاء، كذا في "أصل الروضة" هنا (¬7)، لكن خالفه في تعجيل الزكاة فقال: ولو قال: (إن شفى الله مريضي .. فلله عليّ عتق رقبة) فأعتق قبل الشفاء .. لا يجزئه على الأصح (¬8)، والرافعي إنما حكى ذلك التصحيح عن ابن عبدان (¬9)، فأطلقه في "الروضة". قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو غير معتمد، والجاري على قاعدة الشافعي في تعجيل ¬

_ (¬1) المحرر (ص 474). (¬2) فتح العزيز (12/ 259)، وانظر "نهاية المطلب" (18/ 308). (¬3) الروضة (11/ 17). (¬4) المنهاج (ص 545). (¬5) الحاوي (ص 648). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 545). (¬7) الروضة (11/ 19). (¬8) الروضة (2/ 214). (¬9) انظر "فتح العزيز" (3/ 20).

الزكاة وكفارة اليمين المالية وزكاة الفطر: الجواز. انتهى. فلو قال: (إن شفى الله مريضي .. فلله عليّ أن أتصدق يوم الجمعة الذي يعقبه بكذا) فشفي المريض .. جاز إخراجه قبل يوم الجمعة؛ ففي "الروضة" في (النذر) عن الصيدلاني؛ أنه لو عيّن للصدقة وقتًا .. جاز تقديمها عليه بلا خلاف (¬1)، ويمكن تناول عبارة "المنهاج" لهذه الصورة وإن لم تتناولها عبارة "المحرر". 5719 - قولهم: (يتخير في كفارة اليمين بين عتق؛ كالظهار، وإطعام عشرة مساكين وكسوتهم) (¬2) يستثنى منه: العبد، وقد ذكروه بعد ذلك، والمحجور عليه بسفه أو فَلَسْ لا يكفر بالمال أيضًا، بل بالصوم كالمعسر، ومن مات وعليه كفارة .. فالواجب أن يخرج من تركته أقل الخصال قيمة (¬3)، ومع ذلك فلا تخيير إلا إن استوت قيمتها. 5720 - قول "المنهاج" [ص 545]: (كل مسكين مُدُّ حبٍّ من غالب قوت بلده) يخرج الأقط واللحم واللبن، وقد تقدم ما فيها في الظهار، فلو أحال على الظهار كما فعل في (العتق) وكما فعل "التنبيه" هنا (¬4) .. لكان أحسن، وعبارة "الحاوي" [ص 647]: (مدًا مدًا) ولم يذكر جنسه. 5721 - قول "التنبيه" [ص 199]: (فإن أعطاهم قلنسوة قلنسوة .. فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز) الأصح: الثاني، وعليه مشى "الحاوي" (¬5). 5722 - قول "المنهاج" [ص 545، 546]: (ولا تشترط صلاحيته للمدفوع إليه، فيجوز سراويل صغير لكبير لا يصلح له) وهو مراد "الحاوي" بقوله [ص 647]: (ولطفل). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا عندنا غير معتمد، بل الأصح في ذلك: المنع؛ لأن الله تعالى أضاف الكسوة إلى من يكسى، فلا بد أن يُعد كسوة له، وفاعل ذلك إذا قال: كسوت فلانًا .. عُدّ من الحمقى، وصحح الرافعي والنووي منع التبان (¬6)، وذلك يقتضي منع سراويل صغير لكبير، وفي "مختصر البويطي": إن شاء رجالًا وإن شاء نساء وإن شاء صبيانًا، ثوبًا لكل واحد يواري عورته من السرة إلى الركبة، فبيّن فيه أن المدفوع للرجال والنساء غير المدفوع للصبيان، وهو قوي، فينبغي تنزيل نص "الأم" و"المختصر" عليه، وفي "تهذيب البغوي": أن قول ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 309). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 199)، و"الحاوي" (ص 647)، و"المنهاج" (ص 545). (¬3) في حاشية (ج): (كما قال البغوي في "فتاويه"). (¬4) التنبيه (ص 199). (¬5) الحاوي (ص 647). (¬6) التبان: سراويل قصيرة لا تبلغ الركبة. انظر "فتح العزيز" (12/ 274)، و"الروضة" (11/ 23).

الشافعي في القديم: أنه يجب أن يعطي كل شخص ما تجوز صلاته فيه، فيكسو الرجل ثوبًا والمرأة ثوبين، وحكاه البويطي عنه، قال البغوي: وهذا أحسن الأقاويل وأولاها (¬1). 5723 - قول "الحاوي" [ص 647]: (صوفي وكتانٍ وحريرٍ وقطنٍ) يقتضي انحصار جنس الكسوة فيها، وليس كذلك؛ ففي "أصل الروضة" أنه يجزئ المتخذ من شعر أيضًا، وعن الصيدلاني: أنه يجزئ قميص اللبد في بلد جرت عادة غالب الناس أو نادرهم بلبسه، وحكى من زيادته عن الدارمي: أنه لا يجزئ ما لا يعتاد لبسه؛ كجلود ونحوها. انتهى (¬2). ومفهومه إجزاؤه إذا اعتيد، وبه جزم الماوردي والروياني، وحكيا وجهين فيما لا يعتاد من الجلود واللبود والفراء (¬3)، ولا يرد ذلك على قول "المنهاج" [ص 546]: (وقطن وكتان وحرير لامرأة ورجل) لأنه لم يقصد حصر جنس الكسوة في ذلك، وإنما أراد: أنه تجوز كسوة المسكين ما لا يجوز له لبسه كالحرير للرجل. 5724 - قول "المنهاج" [ص 546]: (ولبيسٌ لم تذهب قوته) ضابط حسن، وهو أحسن من قول"التنبيه" [ص 199]: (ولا يجزئ فيه الخلق، ويجزئ ما غسل دفعة أو دفعتين) لأنه قد يغسل أكثر من دفعتين مع بقاء قوته فيه، و"الحاوي" [ص 647]: (ولو عتيقًا، لا مخرّق، وقريب انمحاق) لأن قربه من الانمحاق وبعده منه ليس مضبوطًا، بخلاف بقاء قوته، فلو كان مهلهل النسج لا يقوى على الاستعمال .. التحق بالبالي وإن كان جديدًا؛ لأنه في معناه. قال الإمام: هذا هو الذي يظهر (¬4). 5725 - قوله: (فإن غاب ماله .. انتظره ولم يصم) (¬5) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محله عندي: ما إذا لم يُعدّ معسرًا، فلو غاب إلى مسافة القصر بحيث يُعدّ معسرًا حتى يأخذ من الزكاة، وتفسخ الزوجة بإعساره، ويفسخ البائع له بإعساره بالثمن .. كفر بالصوم، ثم استشهد لذلك بقول الشافعي رضي الله عنه في "الأم": (فأما من كان له أن يأخذ من الصدقة .. فله أن يصوم) (¬6)، لكن الشافعي قال عقب ذلك: (وإن كان غنيًا وكان ماله غائبًا عنه .. لم يكن له أن يكفر بالصوم حتى يحضره ماله أو يذهب المال) (¬7)، وهذا مخالف لما قاله الشيخ. ¬

_ (¬1) التهذيب (8/ 111). (¬2) الروضة (11/ 23). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 321). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (18/ 317). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 546). (¬6) الأم (7/ 66). (¬7) الأم (7/ 66).

فأجاب عنه: بأنه لا يكون غنيًا مع الغيبة إلا إذا كان ماله في دون مسافة القصر. وفي هذا الجواب نظر؛ فإنه غني ولو كان ماله على مسافة القصر إلا أنه مع غناه محتاج، فأخذ من الزكاة، وفسخت زوجته نكاحه؛ لتضررها، وبائعه؛ لتضرره بتأخير الثمن عنه، وأما الكفارة .. فلا حاجة به إلى تعجيلها، وهي على التراخي على المشهور، والله أعلم. 5726 - قوله: (ولا يكفر عبد بمال إلا إذا ملَّكه سيده طعامًا أو كسوة وقلنا: يملك) (¬1) أي: وأذن له في التكفير بذلك كما صرح به "التنبيه" (¬2)، وكذا لو ملكه غيرها وأذن له أن يشتري به أحدهما ويكفر به .. جاز، وكذا يجوز على هذا القول أن يكفر السيد عن العبد بالمال من غير احتياج إلى أن يملكه .. ولابد من إذن العبد كما ذكره الشيخ أبو حامد والبغوي، وفي كلام ابن الصباغ و"البيان" ما يقتضي عدم اعتباره، ثم محل ذلك: في حياة العبد، فلو مات .. فللسيد أن يكفر عنه بالإطعام أو الكسوة، فإن قلنا: لا يملك بالتمليك؛ لأن التكفير عنه في الحياة يتضمن دخوله في ملكه والتكفير بعد الموت لا يستدعي؛ وذلك لأنه ليس للميت ملك محقق؛ ولأن الرق لا يبقى بعد الموت .. فهو والحر سواء (¬3)، وقد ذكره "الحاوي" (¬4). ولا يرد على عبارتهما المكاتب؛ فإنه يكفر بالإطعام أو الكسوة بإذن السيد على الراجح؛ لأنه إذا أطلق العبد .. إنما يراد به القن، ولا سيما وقد قال "المنهاج" [ص 546]: (وقلنا: يملك) والمكاتب يملك قطعًا. 5727 - قول "المنهاج" فيما إذا ضره الصوم [ص 546]: (ووُجِدا - أي: الحلف والحنث - بلا إذن .. لم يصم إلا بإذن) و"الحاوي" [ص 648]: (وللسيد منعه) قد يوهم أنه لو صام .. لم يصح، وليس كذلك؛ ولهذا قال "التنبيه" [ص 199]: (وإن خالف وصام .. أجزأه). 5728 - قول "المنهاج" [ص 546]: (وإن أذن في أحدهما - أي: الحلف والحنث - فالأصح: اعتبار الحلف) مخالف للمصحح في "الروضة" و"الشرحين" من اعتبار الإذن في الحنث (¬5)، وعليه مشى "التنبيه" فقال [ص 199]: (وإن حلف بإذنه وحنث بغير إذنه .. فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز وهو الأصح) و"الحاوي" فقال [ص 648]: (وللسيد منعه إن امتنع خدمته، أو حنث لا بإذنه)، والصواب أن يقول: (وحنث) بالواو لا بأو؛ لأنه لا بد في منعه له من اجتماع ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 546). (¬2) التنبيه (ص 199). (¬3) انظر "فتح العزيز" (12/ 278). (¬4) الحاوي (ص 648). (¬5) فتح العزيز (9/ 321)، الروضة (8/ 300).

الأمرين: حصول الضرر له بحيث يمتنع من خدمته، وكونه حنث بغير إذنه. واستدرك شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" على "التنبيه" بما في "المحرر" و"المنهاج" (¬1) .. فاقتضى أنه [الراجح] (¬2) عنده، لكن قال النسائي في "نكته": إن الذي في "التنبيه" صرح الرافعي بعزوه للأكثرين، وصححه في "الكفاية"، ووجهه واضح، والذي في "المحرر" سبق قلم، ولو عبر بغير الأصح .. لظُن اختياره، قال: ويوضح ذلك اتفاق المصححين فيما إذا حلف بغير الإذن وحنث بالإذن على الجواز، وإنما بالغت فيه؛ لأنه قد اغتر به. انتهى (¬3). وتبعه في "التوشيح" على ذلك، وكذا قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الذي في "الروضة" هو المعتمد، وهو ظاهر نص "المختصر" إذ قال: (وليس له أن يصوم إلا بإذن مولاه، إلا أن يكون ما لزمه بإذنه) (¬4)، قال: وظاهر هذا إناطته بالحنث؛ لأن به يحصل اللزوم، قال: وهذا بخلاف الضمان؛ فإن الأصح فيه: اعتبار الإذن في الضمان لا في الأداء؛ لأنه هو المقتضي لإلزام الدين في الذمة ولا كذلك (¬5) الحلف؛ فإنه بمجرده لا يقتضي إلزام الكفارة. واعلم: أنه ليس المراد بالعبد هنا: ما يشمل الأنثى كما هو الغالب في لفظ الأصحاب، بل لفظ العبد هنا يخرج الأمة؛ فللسيد منعها من الصوم وإن لم تتضرر به للاستمتاع الناجز؛ ولهذا أطلق "الحاوي" منع الجارية، ولم يقيده بالعبد (¬6). 5729 - قول "المنهاج" [ص 546]: (ومن بعضه حر) و"الحاوي" [ص 647]: (حر البعض) أحسن من قول "التنبيه" [ص 132]: (وإن كان نصفه حرًا ونصفه عبدًا) فإن البعض أعم من النصف، واستثنى شيخنا في "تصحيح المنهاج" من منع تكفيره بالعتق .. ما إذا قال له مالك بعضه: (إذا أعتقت عن كفارتك .. فنصيبي منك حر قبل إعتاقك عن الكفارة أو معه) .. فيصح إعتاقه عن كفارة نفسه في الأولى قطعًا، وفي الثانية على الأصح. ¬

_ (¬1) تذكرة النبيه (3/ 364)، وانظر "المحرر" (ص 474)، و "المنهاج" (ص 546). (¬2) في (ج): (الأصح). (¬3) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 160). (¬4) مختصر المزني (ص 293). (¬5) في النسخ: (لذلك)، ولعل الصواب ما أثبت، والله أعلم. (¬6) الحاوي (ص 648).

باب جامع الأيمان

بابُ جامع الأيمان 5730 - قول "التنبيه" [ص 195]: (إذا قال: والله لا سكنت دارًا وهو فيها وأمكنه الخروج ولم يخرج .. حنث، وإن خرج منها بنية التحول .. لم يحنث) مقتضاه: أنه إذا لم يكن بنية التحول .. حنث، وكذا قيده ابن الصباغ. قال في "الكفاية": ولم أر لأحد تصريحًا بذلك، والذي ذكره غيرهما مجرد الخروج من غير تقييد. قلت: قيد المسألة بذلك أيضًا الشاشي في "الحيلة" (¬1) وصاحب "الاستقصاء" وابن الصلاح في "مشكل الوسيط" قال: ليقع الفرق بينه وبين الساكن الذي من شأنه أن يخرج ويعود (¬2)، قال ابن عجيل اليمني: لو أحدث النية بعد خروجه .. لم يُفده، ومشى "المنهاج" على المشهور فقال [ص 546]: (فليخرج في الحال) والمراد: من الباب، فلو خرج من سطحها مع إمكانه من الباب .. حنث كما قاله الماوردي؛ لأنه بالصعود في حكم المقيم (¬3). 5731 - قول "المنهاج" [ص 546]: (فإن مكث بلا عذر .. حنث) أحسن من قول "التنبيه" [ص 195]: (وأمكنه الخروج) لأنه قد يكون الشيء ممكنًا مع قيام العذر، وعبارة "أصل الروضة" في بيان العذر: بأن أغلق الباب، أو منع من الخروج، أو خاف على نفسه أو ماله لو خرج، أو كان مريضًا أو زمنًا لا يقدر على الخروج ولم يجد من يخرجه، ثم قال: وإن مرض وعجز بعد الحلف .. ففي الحنث الخلاف في حنث المكره. انتهى (¬4). والخروج عند الخوف ممكن مع قيام العذر، ولم يذكر سوى الأعذار الحسيّة، واعتبر الماوردي مع ذلك العذر الشرعي فقال: لا يحنث بالصلاة فيها عند ضيق الوقت (¬5). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو جارٍ على المعتمد فيمن حلف ليطأنّ زوجته في هذه الليلة. فوجدها حائضًا. انتهى. وعبارة "الحاوي" [ص 650]: (والمكث لا لنقل المتاع سكونٌ) فلم يذكر المكث لعذر، وكأنه سكت عنه لوضوحه أو لفهمه من نقل المتاع بطريق الأولى؛ فإن العذر أشد من نقل المتاع، والمكث لنقل المتاع ذكره "المنهاج" بعد ذلك، وهو وارد على "التنبيه"، لكن حكي عن ¬

_ (¬1) حلية العلماء (2/ 983). (¬2) مشكل الوسيط (7/ 228). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 345). (¬4) الروضة (11/ 30، 31). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 345).

العراقيين القطع بالحنث، وقال في "التنبيه" بعده [ص 195]: (وإن رجع لنقل القماش .. لم يحنث) فلو احتاج إلى مبيت ليلة لحفظ متاع .. فأصح احتمالي ابن كج: لا يحنث. 5732 - قول "المنهاج" [ص 546]: (ولو حلف لا يساكنه في هذه الدار، فخرج أحدهما في الحال .. لم يحنث) كذا لو لم يخرج الحالف في الحال لكن اشتغل بنقل متاع .. فإنه لا يحنث؛ كالصورة التي قبلها. 5733 - قوله: (وكذا لو بُني بينهما جدارٌ ولكل جانب مدخل في الأصح) (¬1) تبع فيه "المحرر" (¬2)، وصحح في "الشرح الصغير" الحنث، وعليه مشى "الحاوي" (¬3)، ونقل تصحيحه في "الشرح الكبير" وتبعه في "الروضة" عن الجمهور، ولم ينقل ترجيح الأول إلا عن البغوي فقط (¬4). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وأطلق محل الخلاف، وهو مقيد بأن يكون البناء بفعل الحالف أو بأمره، أو بفعلهما أو بأمرهما، فلو كان بأمر غير الحالف؛ إما المحلوف عليه أوغيره .. فإنه يحنث الحالف قطعاً؛ لأن توجيه عدم الحنث باشتغاله برفع المساكنة يقتضي ذلك. 5734 - قول "التنبيه" [ص 195]: (وإن حلف لا ساكنت فلاناً فسكن كل واحد في بيت من دار كبيرة أو خان وانفرد كل واحد بباب وغلق .. لم يحنث) مفهومه الحنث في الحال إذا لم ينفرد كل بباب وغلق، وهو الذي في "الكفاية"، لكن في "الروضة" وأصلها: أنه يشبه ألّا يشترط في الخان أن يكون لكل منهما باب وغلق كالدور في الدروب، بخلاف الدار الكبيرة (¬5)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 645]: (أو انفرد ببيت في خانٍ ودارٍ كبيرةٍ لكل بابٌ وغلق) كذا قرره شارحوه، وكان يمكن أن يكون القيد راجعاً لهما معاً؛ أعني: الخان والدار الكبيرة. 5735 - قول "التنبيه" [ص 195]: (وإن حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها، فلم يخرج .. ففيه قولان) الأظهر: أنه لا يحنث، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬6)، فلو نوى بعدم الدخول الاجتناب فأقام .. حنث في الأصح. 5736 - قول "المنهاج" [ص 546]: (أو لا يتزوج أو لا يتطهر، فاستدام .. حنث. قلت: ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 546). (¬2) المحرر (ص 475). (¬3) الحاوي (ص 645). (¬4) فتح العزيز (12/ 2809)، الروضة (11/ 32)، وانظر "التهذيب" (8/ 115). (¬5) فتح العزيز (12/ 288)، الروضة (11/ 32). (¬6) الحاوي (ص 649)، المنهاج (ص 546).

تحنيثه باستدامة التزوج والتطهر غلط؛ لذهولٍ) وعليه مشى "التنبيه" و"الحاوي" فجزما بأنه لا يحنث باستدامة التزوج والتطهر (¬1). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه ليس غلطاً، وحاول تخريجه قولًا من كون استدامة الدخول دخولًا؛ لأن الضابط لما لا يكون استدامته كابتدائه .. ألاَّ يوقت بالزمان في غير الابتداء، فلا يقال: دخلت الدار شهراً ولا تزوجت شهراً، بل من شهر كما قالوه، وليس كذلك، بل يقال: تزوجت فلانة شهراً، وإن لم يقل: دخلت شهراً .. فهو أولى بجريان الخلاف من الدخول، والتطهر يمكن قطعه بالحدث، فينزل دوامه منزلة ابتدائه، وصار معنى يمينه على هذا القول: لا أكون في الدار، ولا أكون متزوجاً، ولا أكون متطهراً، ومن رام فرقاً بين الدخول وصورتي التزوج .. لم يجده، ويشهد لذلك الخلاف في صورة التطيب مع أنه لا يقال: تطيبت شهراً، ولم ينزل دوامه في الإحرام منزلة ابتدائه، وكذلك النكاح لا ينزل دوامه في الإحرام منزلة ابتدائه. قلت: لكن "المحرر" لم يحكِ القول بأن استدامة الدخول دخول، فكيف يجزم بأن استدامة التزوج تزوج، وغاية أمره تخريجه عليه، وذلك يدل على الذهول، وإن كان ما ذكره شيخنا من التخريج ممكنا، إلا أنه لا ينفي الذهول عن "المحرر"، ويدل لذلك أيضًا أنه جزم في "شرحيه" المطولين بخلافه، والله أعلم. 5737 - قول "المنهاج" من زيادته [ص 546]: (واستدامة طيب ليس تطيباً في الأصح، وكذا وطء وصوم وصلاة) موافق لتعبير "الروضة" بقوله: (وذكر الوجهان في وطء وصوم وصلاة) (¬2) أي: المتقدمان في التطيب، وذلك يقتضي استواء الكل في الترجيح، لكن عبارة الرافعي: (وذكر وجهان) (¬3) بالتنكير، ولا يوجد من ذلك ترجيح، ورجح شيخنا في "تصحيح المنهاج" في الثلاثة الأخيرة: الحنث؛ فإنه يقال: صمت شهراً، فاندرج في الضابط المتقدم، والفرق بين الوطء والتطيب: أن استدامة الصائم الوطء بعد الفجر مع علمه بالحال حرام مبطل للصوم، بخلاف استدامة المحرم الطيب؛ فدوامه كابتدائه، وكذلك الصلاة يعتبر في دوامها ما يعتبر في ابتدائها، وصور الرافعي الحلف في الصلاة بالنسيان (¬4)، ويتصور في الأخرس أيضاً. 5738 - قولهم - والعبارة لـ"التنبيه " -: (وإن حلف لا يدخل داراً فصعد سطحها .. لم يحنث) (¬5) ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 195)، الحاوي (ص 649). (¬2) الروضة (11/ 29). (¬3) فتح العزيز (12/ 283). (¬4) انظر "فتح العزيز" (12/ 283). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 195)، و "الحاوي" (ص 649)، و "المنهاج" (ص 547).

محله: إذا لم يكن مسقفاً كله أو بعضه .. فإنه يحنث قطعاً إذا كان يصعد إليه من الدار، كذا في "أصل الروضة" (¬1)، والذي في الرافعي حكايته في المسقف كله عن "الوسيط"، وزاد عليه: المسقف بعضه (¬2)، ونازع شيخنا في "تصحيح المنهاج" في الثانية إذا صار في المكشوف، وقال: صرح الماوردي بأنه لو كان في السطح غرفة فدخلها .. حنث (¬3)، قال: وهذا يقتضي أنه ما دام في المكشوف لا حنث عليه، وقول "المنهاج" [ص 547]: (وكذا محوط في الأصح) أعم من قول "التنبيه" [ص 195]: (وقيل: إن كان محجراً .. حنث) لأن المحوط يتناول ما كان بخشب أو قصب، بخلاف المحجر، لكن قال القاضي أبو الطيب: إنه يقال للدار المحوطة: محجرة، وقال الماوردي: إن المحوط بقصب أو خشب ضعيف لا يحنث بمصيره منه قطعاً (¬4)، ومقابل الأصح: الحنث إن كان محوطاً من جوانبه الأربعة، فإن كان من جانب واحد .. فلا، وإن كان من جانبين أو ثلاثة .. فخلاف مرتب. 5739 - قول "المنهاج" [ص 547]: (ولو أدخل رجله .. لم يحنث) محله فيما إذا لم يعتمد على الداخلة فقط، فإن اعتمد عليها - أي: كان قواه عليها بحيث لو رفع الخارجة .. لم يسقط - .. حنث، صرح به البغوي في "فتاويه"، بخلاف عكسه، فإن اعتمد عليها .. ففيه نظر، قاله في "المهمات". قلت: مقتضى إطلاقهم: عدم الحنث. 5740 - قول "المنهاج" [ص 547]: (ولو انهدمت فدخل وقد بقي أساس الحيطان .. حنث) فيه أمران: أحدهما: أن مقتضاه: الحنث ببقاء الأساس المغيب في الأرض، وهو بعيد، وعبارة "الروضة" وأصلها: إن بقيت أصول الحيطان والرسوم .. حنث (¬5)، والمتبادر إلى الفهم من هذه العبارة: بقاء شاخص، وفي "التنبيه" [ص 195]: (وإن حلف لا يدخل هذه الدار فصارت عرصة فدخلها .. لم يحنث) واسم العرصة صادق مع بقاء الأساس المغيب، وفي "الكفاية" عن "التهذيب" مثل ما في "المنهاج" (¬6)، وعن الإمام: إذا انهدم بعضها؛ فإن كانت تسمى داراً خربة .. حنث بها، وإن سميت رسوم دار .. فلا (¬7). ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 27). (¬2) فتح العزيز (12/ 282)، وانظر "الوسيط" (7/ 224). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 348). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 348). (¬5) فتح العزيز (12/ 348)، الروضة (11/ 84). (¬6) التهذيب (8/ 119). (¬7) انظر "نهاية المطلب" (18/ 352).

وحكى شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن الماوردي: أنه إن لم يمنع المنهدم من سكنى شيء منها .. حنث بدخول المستهدم والعامر، وإن منع من سكناهما .. لم يحنث بدخول شيء منها، وإن منع من سكنى المستهدم دون العامر .. حنث بالعامر دون المستهدم (¬1)، قال شيخنا: وهذا هو الأرجح؛ فقد نص في "الأم" و"المختصر" على أنها إذا انهدمت حتى صارت طريقاً ثم دخلها .. لم يحنث؛ لأنها ليست بدار (¬2)، قال شيخنا: وصيرورتها طريقاً تكون مع بقاء كثير من حيطانها، ولم يجعله الشافعي رضي الله عنه حانثاً بدخوله في ذلك، وقال شيخنا قبل ذلك: إن بقاء الأساس المغيب بلا شاخص لا يقتضي الحنث بلا خلاف، ثم حكى كلام "الروضة" والبغوي والماوردي، فدل على أنه يؤوّل كلام البغوي على بقاء شاخص، ثم قال: وظهر أن الذي في "المنهاج" إن لم يؤوّل .. غير مستقيم، ومع تأويله فهو خلاف الأرجح. ثانيهما: أن ظاهره تصوير ذلك بما إذا حلف لا يدخل داراً؛ فإنه التصوير الذي بدأ به ثم رتب عليه بقية الصور، لكن الذي في "أصل الروضة": تصويره بقوله: هذه الدار (¬3)، فلو قال (داراً) .. لم يحنث بفضاء ما كان داراً، ولو قال: (هذه) فقط .. حنث بالعرصة. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الذي في "المحرر" إيراد ذلك في الذي حلف لا يدخل دار كذا (¬4)، وهو ناصٌ على محل الخلاف، وهو ما إذا حلف لا يدخل هذه الدار فانهدمت .. فإنه يحنث عند المخالفين بدخولها مطلقاً ولو صارت عرصة، ومذهبنا: التفصيل السابق، وأما إذا حلف لا يدخل داراً .. فإنه يستوي المذهبان فيها، وإنما ذكروا صورة التعيين؛ لأنها موضع الخلاف .. ففات المصنف هذا القصد. 5741 - قول "التنبيه" [ص 195]: (وإن أعيدت بنقضها فدخلها .. فقد قيل: يحنث، وقيل: لا يحنث) صحح في زيادة "الروضة" و"تصحيح التنبيه": أنه يحنث (¬5)، لكن حكى الرافعي عن الحنفية مسائل: منها: ما لو حلف لا يجلس على هذه الأسطوانة أو الحائط، فأعيدت بناؤهما بعد النقض فجلس على المعاد .. لم يحنث، ثم قال: وبجميع هذه الأجوبة نقول، إلا في مسألة، وذكر غير هذه (¬6). ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 357). (¬2) الأم (7/ 73)، مختصر المزني (ص 294). (¬3) الروضة (11/ 84). (¬4) المحرر (ص 475). (¬5) الروضة (11/ 88)، تصحيح التنبيه (2/ 103). (¬6) انظر "فتح العزيز" (12/ 351).

لكن اعترض عليه النووي: بأن القاضي أبا الطيب صرح في (الصلح) من "تعلقيه" بالحنث في هذه الصورة (¬1). 5742 - قول "المنهاج" [ص 547]: (وإن صارت فضاءً أو جعلت مسجداً أو بستاناً أو حماماً .. فلا) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": فيه إلباس؛ لاحتمال جعلها ذلك قبل هدمها أو بعده مع بقاء شيء من جدرانها أو لا، وذكرها في "المحرر" تبعاً للأصحاب في صورة دار كذا كما تقدم (¬2)، والحكم فيها: أنه إن قال: هذه الدار، فجعلت مسجداً ونحوه قبل هدمها أو بعده مع بقاء شاخص .. يخرج على الخلاف في تغليب الإشارة والعبارة، وإن لم يبق شيء منها أو كان التصوير في قوله: داراً .. لم يحنث قطعاً. 5743 - قول "الحاوي" [ص 652]: (والمضاف للملك) أحسن وأخصر وأعم من قول "المنهاج" [ص 547]: (ولو حلف لا يدخل دار زيد .. حنث بدخول ما يسكنها بملك، لا بإعارة وإجارة وغضب، إلا أن يريد مسكنه، ويحنث بما يملكه ولا يسكنه، إلا أن يريد مسكنه) لتناول غير الدار مع تطويل عبارة "المنهاج" وتقديمه ما لا يناط به الحكم، وهو قوله: (بدخول ما يسكنها) فلو قال: (حنث بدخول ما يملكه وإن لم يسكنه إلا أن يريد مسكنه) .. لكان أولى. نعم؛ في عبارة "المنهاج" زيادة، وهي: الحنث بمطلق ما يسكنه إذا أراد بالإضافة: السكنى، وقد ذكر ذلك "التنبيه" [ص 195] فقال: (وإن حلف لا يدخل دار فلان فدخل داراً يسكنها بكراء أو إعارة .. لم يحنث، إلا أن ينوي ما يسكنها، وإن حلف لا يدخل مسكن فلانٍ فدخل ما يسكنه بإجارة أو إعارة .. حنث) وهو يفهم أنه لو دخل ما يسكنه بغصب .. لم يحنث، ويوافقه قول "الحاوي" [ص 651]: (ومسكنه ومغصوبه) أي: مختلفان، لكن الأصح من زيادة "الروضة" وفي "الشرح الصغير": أنه يحنث بمغصوبه أيضًا (¬3)، والتصحيح في بعض نسخ "الكبير" أيضًا، وحمل بعضهم كلام "الحاوي" على ملكه الذي غصب منه دون ما غصبه هو. 5744 - قول "المنهاج" [ص 547]: (ولو حلف لا يدخل دار زيدٍ، أو لا يكلم عبده أو زوجته، فباعهما أو طقلها فدخل وكلم .. لم يحنث، إلا أن يقول: "داره هذه"، أو "زوجته هذه"، أو "عبده هذا" .. فيحنث، إلا أن يريد: ما دام ملكه) فيه أمور: أحدها: لا بد مع بيعهما من زوال ملكه، فلو لم يزل بخيار مجلس أو شرط لهما أو للبائع .. حنث إذا قلنا: الملك للبائع أو موقوف، وفسخ البيع؛ فإنه تبين أن الملك للبائع .. فيتبين حنث ¬

_ (¬1) انظر "الروضة" (11/ 88). (¬2) المحرر (ص 475). (¬3) فتح العزيز (12/ 315)، الروضة (11/ 53، 54).

الحالف، فلو قال: (فزال ملكه عنهما) .. لكان أحسن وأعم؛ لتناوله الهبة وغيرها. ثانيها: لا بد من تقييد الطلاق أيضاً بكونه بائناً، فلو كان رجعياً .. حنث؛ لأن الرجعية زوجة. ثالثها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج" في قوله: (إلا أن يريد ما دام ملكه): أي: فلا يحنث إذا كلمهما بعد البيع أو كلمهما بعد الطلاق، وليس الأمر كذلك، بل يحنث، وقال شيخنا ابن النقيب: قوله: (إلا أن يريد ما دام ملكه) لم أره في "الروضة"، ولا بد منه؛ فلعله في موضع آخر. انتهى (¬1). وهو وارد على قول "التنبيه" [ص 195]: (وإن حلف لا يدخل دار زيد هذه، فباعها ودخلها .. حنث) وقد صرح به الإمام، فقال: ولو نوى اعتبار الملك والإشارة .. نزل لفظه على نيته (¬2). 5745 - قول "التنبيه" [ص 195]: (وإن قال: والله؛ لا دخلت هذه الدار من بابها، فحول بابها إلى موضع آخر فدخلها .. فقد قيل: لا يحنث وهو ظاهر النص، وقيل: يحنث وهو الأظهر) الذي رجحه الرافعي والنووي الحنث كما قال: إنه الأظهر، لكنهما أطلقا الخلاف (¬3)، وقيده في "المهذب" و"التهذيب" بما إذا سد الباب الأول (¬4)، وجزم به النووي في "نكته". 5746 - قول "المنهاج" [ص 547]: (ولو حلف لا يدخلها من ذا الباب، فنزع ونصب في موضع آخر منها .. لم يحنث بالثاني، ويحنث بالأول في الأصح) التصحيح يرجع إليهما، واعترضه شيخنا في "تصحيح المنهاج" بأمور: أحدها: أنه أسقط من "المحرر" وجهاً، وهو الحمل عليهما جميعاً حتى لا يحنث إذا فقد واحد منهما (¬5)، وزاد ما ليس فيه، وهو وجه بالحنث الثاني، ولو قال: (حنث بالأول، وقيل: لا يحنث بواحد منهما) .. لوفى بما في "المحرر"، وإن أراد ذكر الأوجه الثلاثة .. فليقل: (حنث بالأول، وقيل: بالثاني، وقيل: بهما). ثانيها: كان ينبغي أن يقول: على النص؛ فإنه منصوص "الأم" و"المختصر". ثالثها: تعبيره بالأصح يقتضي قوة الخلاف، وحنثه بالثاني ضعيف جداً؛ لأن الدخول إنما يكون من المنفذ؛ فالحمل على الباب الخشب ضعيف جداً، بل باطل. 5747 - قول "التنبيه" [ص 195]: (وإن حلف لا يدخل بيتاً فدخل بيتاً من شعر أو أدم .. حنث ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 148). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (18/ 351). (¬3) انظر "فتح العزيز" (12/ 317)، و"الروضة" (11/ 55). (¬4) المذهب (2/ 133)، التهذيب (8/ 120، 121). (¬5) المحرر (ص 475).

على ظاهر النص) و"المنهاج" [ص 547]: (أو لا يدخل بيتاً .. حنث بكل بيتٍ من طين أو حجرٍ أو آجرٍّ أو خشب أو خيمةٍ) محله: فيما إذا قال ذلك بالعربية، فلو قال بالفارسية: (درخانه نشوم) .. لم يحنث بالخيمة وبيت الشعر كما حكاه الرافعي عن القفال والإمام والغزالي والروياني وغيرهم؛ لأن العجم لا يطلقون هذا الاسم إلا على المبني، وفي "التتمة" وجه: أنه لا فرق بين العربية والفارسية (¬1)، وعلى الأول مشى "الحاوي" فقال [ص 649]: (نَهْ خَانَه) وقوله: (نَه) هي فارسية بمعنى: لا، ولم يكن له حاجة إلى الإتيان بها، بل لو قال: (لا خانه) .. لكان أحسن، وأسقط هذه المسألة في "الروضة". 5748 - قول "المنهاج" [ص 547]: (ولا يحنث بغار جبل) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هو مخالف للأصل الذي اعتمده الشافعي في بيوت الشعر والجلود، وهو أنه ثبت لها اسم البيوت في قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا}، وهذا ثابت لما يكون في الجبال من ذلك؛ كقوله تعالى: {وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا}، وهذا موجود في الشام وغيرها يتخذون بيوتاً في الجبال يسكنون فيها، وهو أحق بالحنث به من الخيمة ونحوها، وقل من تعرض لغار الجبل، وهو مذكور في "التهذيب" (¬2)، وهو محمول على غار لم يتخذ للسكن، فأما ما اتخذ من ذلك سكناً .. فإنه يحنث به على أصل الشافعي رضي الله عنه. انتهى. 5749 - قول "التنبيه" [ص 198]: (وإن قال: لا دخلت على فلان، فدخل على قوم هو فيهم واستثناه بقلبه .. فقد قيل: لا يحنث، وقيل: يحنث) الأصح: أنه يحنث، وعليه مشى "الحاوي" و"المنهاج" (¬3)، لكن قوله: (وفي قول: إن نوى الدخول على غيره دونه .. لا يحنث) (¬4) مخالف لظاهر كلام "التنبيه" في أن الخلاف في ذلك وجهان، وبه صرح "المهذب" تبعاً للشيخ أبي حامد (¬5). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": المعتمد القطع بأنه يحنث، وطريق الخلاف ضعيف. 5750 - قول "التنبيه" [ص 198]: (وإن قال: لا سلمت على فلان، فسلم على قوم هو فيهم واستثناه بقلبه .. لم يحنث، وإن لم ينو شيئاً .. ففيه قولان) الأظهر: أنه يحنث، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬6)، لكن ذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج" أمرين: ¬

_ (¬1) فتح العزيز (12/ 285)، وانظر "نهاية المطلب" (18/ 344)، و"الوجيز" (2/ 227). (¬2) التهذيب (8/ 121). (¬3) الحاوي (ص 654)، المنهاج (ص 547). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 547). (¬5) المهذب (2/ 138). (¬6) الحاوي (ص 654)، المنهاج (ص 548).

فصل [في أنواع من الحلف على الأكل وعدمه]

أحدهما: أن محلهما في سلام غير الصلاة، فأما السلام في الصلاة .. فلا يحنث الحالف به سواء أكان إماماً أو مأموماً أو منفرداً والمحلوف عليه هناك غير مصل، وهذا مخالف للمنقول في "أصل الروضة": أنه لو سلم من صلاته والمحلوف عليه من المأمومين .. ففيه هذا التفصيل (¬1)، لكن رده شيخنا، وقال: إنما أخذه الرافعي من "الشامل"، وإنما ذكره في "الشامل" بحثاً فقال: إنه الذي يقتضيه المذهب، قال شيخنا: والمحلوف عليه إنما هو السلام الخاص الذي يحصل به الأنس وزوال الهجران، وهذا إنما يكون في السلام في غير الصلاة. ثانيهما: قال شيخنا: عندي في إثبات القولين في هذه الصورة وقفة؛ فإنما وجدتهما منصوصين في "الأم" و"المختصر" فيما إذا حلف لا يكلمه، فسلم على قوم هو فيهم وأطلق (¬2)، ولا يلزم من إثباتهما في هذه الصورة ثبوتهما فيما إذا حلف لا يسلم عليه؛ لأن هذا يُعد في العرف سلاماً عليه ولا يعد كلاماً له؛ فالصواب: القطع في هذه الصورة بالحنث، ثم لا يخفى أن محل الحنث إذا علم أنه فيهم، فإن لم يعلم به .. يخرج على قولي حنث الجاهل، وهو معروف مما سبق، والله أعلم. فَصْلٌ [في أنواع من الحلف على الأكل وعدمه] 5751 - قول "التنبيه" [ص 196]: (وإن حلف لا يأكل الرؤوس .. لم يحنث إلا بما يباع منفرداً وهي رؤوس الإبل والبقر والغنم) و"الحاوي" [ص 651]: (والرأس للنعم) المراد: حيث لا نية له كما صرح به "المنهاج" (¬3)، فلو قصد نوعاً ولو سمكاً وصيداً .. اختص به، أو ما يسمى رأساً .. عمَّ، قاله في "التتمة". فإن قيل: لم نر رؤوس الإبل والبقر تباع منفردة. قلت: اعتبر الشافعي رحمه الله في ذلك ما يؤكل مقصوداً غير تابع وإن اختلفت العادة في أكله، فلا تعتبر العادة في أكل، وإنما يعتبر العرف القائم في الاسم، فيعلق الحكم به، كذا قال الشيخ أبو حامد. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ويرد على هذا رؤوس الخيل؛ فإنها تؤكل مقصودة غير تابعة وإن اختلفت العادة في أكلها، فيضم إلى ذلك مع غلبة ذبح ذلك الحيوان، فيخرج الخيل، قال: ولم أر من تعرض لذلك. ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 65). (¬2) الأم (7/ 80)، مختصر المزني (ص 296). (¬3) المنهاج (ص 548).

5752 - قول "التنبيه" [ص 196]: (وإن كان في بلد تباع فيه رؤوس الصيد منفردة .. حنث بأكلها) ظاهره اعتبار نفس البلد الذي فيه العرف، وفي ذلك وجهان في "أصل الروضة": ثانيهما: أن المعتبر كون الحالف من أهله (¬1). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو الأرجح؛ لأنه يسبق إلى فهمه ما ذكر عنده من عرف بلده، وعلى الأول: فيستثنى منه: ما إذا كان الحالف من غير أهلها ولم يبلغه عرفها ثم جاء إليها .. فإنه لا يحنث بذلك قطعاً، إلا في وجه غريب حكاه في "التتمة". وقول "الحاوي" [ص 651]: (والظبي إن اعتيد، لا الطير والسمك) تخصيصه الظبي بالاعتياد دون الطير والسمك تبع فيه الغزالي (¬2)، والحكم في الجميع متحد، وقد اعترض الرافعي على الغزالي في ذلك فقال: كلامه يوهم تخصيص الاستثناء برأس الظبي، ولا يختص به، بل الحكم في الظبي والطيور واحد (¬3)، وعليه مشى "المحرر" و "المنهاج" (¬4). 5753 - قول "التنبيه" [ص 196]: (وإن كان في بلد لا تباع فيه .. فقد قيل: يحنث، وقيل: لا يحنث) صحح النووي في "تصحيح التنبيه": أنه لا يحنث (¬5)، ويوافقه قول "المنهاج" [ص 548]: (لا طير وحوت وصيد، إلا ببلد تباع فيه منفردة) لكن في "الروضة" وأصلها: إن أقوى الوجهين: الحنث، وهو أقرب إلى ظاهر النص (¬6). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": عندي أن الأرجح ما اقتضاه كلام المصنف وفاقاً للشيخ أبي حامد والروياني، قال: والأول مقيد بما إذا انتشر ذلك العرف بحيث بلغ الحالف وغيره، وإلا .. فلا حنث. انتهى. وقول "الحاوي" [ص 651]: (إن اعتيد) يحتمل اختصاص ذلك ببلد العادة فقط، فيوافق "التصحيح" و"المنهاج"، ويحتمل التعميم، فيوافق الأقوى في "الروضة". 5754 - قول "المنهاج" [ص 548]: (والبيض يحمل على مُزايل بائضه في الحياة) و"الحاوي" [ص 651]: (والبيض ما يبين في الحياة) قد يفهم منهما: أنه لا يحنث بالبيضة الخارجة من الدجاجة بعد موتها، وليس كذلك على الأصح عند النووي (¬7)، لكن المراد: الذي من شأنه ذلك، ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 37). (¬2) انظر "الوجيز" (2/ 227). (¬3) انظر "فتح العزيز" (12/ 295). (¬4) المحرر (ص 476)، المنهاج (ص 548). (¬5) تصحيح التنبيه (2/ 104). (¬6) فتح العزيز (12/ 294)، الروضة (11/ 37). (¬7) انظر "الروضة" (11/ 38).

وليس المراد: مزايل بائضه في الحياة بالفعل، ولا يرد ذلك على قول "التنبيه" [ص 196]: (لم يحنث إلا بما يفارق بائضه) لعدم تقييده، وقد يفهم من تمثيل "المنهاج" بالدجاج والنعامة والحمام (¬1)، و"الحاوي" بالنعام والعصفور (¬2) تخصيص الحنث ببيض المأكول، لكن صحح في "شرح المهذب": طهارة بيض غير المأكول، وفال: إذا قلنا بطهارته .. جاز أكله بلا خلاف (¬3)، ومقتضاه: الحنث به، لكن قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن ذلك مخالف لنص "الأم" و"النهاية" و"التتمة" و"البحر" في منع أكل بيض ما لا يؤكل لحمه ولو قلنا بطهارته، قال: وليس في كتب المذهب ما يخالف ذلك، وحينئذ .. فيأتي في الحنث بأكله الخلاف فيمن حلف لا يكل لحماً فأكل ميتة، وسيأتي. 5755 - قول "المنهاج" [ص 548]: (واللحم على نعم وخيل ووحش وطير) أي: مأكول، فما لا يؤكل؛ كميتة وخنزير وذئب وحمار .. فيه وجهان، رجح القفال وغيره: الحنث، والشيخ أبو حامد والروياني: عدمه، قال النووي: وهو أقوى (¬4). وهل يحنث المحرم بما اصطيد لأجله؟ قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم أر من تعرض له، والأقوى فيه: الحنث؛ لحله لغيره. 5756 - قوله: (وكذا كرش وكبد وطحال وقلب في الأصح) (¬5) عبر "الروضة" في الثلاث الأول بالمذهب، وكذا في الرئة والأمعاء، وفي القلب بالأصح (¬6). 5757 - قوله: (والأصح: تناوله لحم رأس ولسان) (¬7) رجح في "أصل الروضة" القطع به، فقال: على المذهب، وقيل: وجهان (¬8)، وكان ينبغي أن يقول: (ولساناً) بالنصب؛ لأن اللسان كله لحم، فلا يقال فيه: لحم لسان، وكونه من إضافة الاسم إلى ما يتّحد به معنى بتأويل، أو من عطف الجوار .. فيه بعد. 5758 - قول "التنبيه" فيما لو حلف لا يأكل لحماً [ص 196]: (وإن أكل من الشحم الذي على الظهر .. حنث) و"المنهاج" [ص 548]: (والأصح: تناوله شحم ظهر وجنب) وهو مفهوم من ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 548). (¬2) الحاوي (ص 651). (¬3) المجموع (2/ 513). (¬4) انظر "الروضة" (11/ 39). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 548). (¬6) الروضة (11/ 40). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 548). (¬8) الروضة (11/ 40).

كون "الحاوي" قيد الشحم الذي يغاير اللحم بأنه شحم البطن (¬1). نازع فيه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: الأصح عندنا: أنه لا حنث بذلك؛ لأنه في اللغة والعرف يسمى شحماً ولا يسمى لحماً، وذلك يأتي أيضًا في قول "المنهاج" [ص 548]: (وأن شحم الظهر لا يتناوله الشحم). 5759 - قول "المنهاج" [ص 548]: (والدسم يتناولهما - أي: الألية والسنام - وشحم ظهر وبطن وكل دهن) فيه أمران: أحدهما: كيف يدخل شحم الظهر في الدسم مع أنه عنده لحم، واللحم لا يدخل في الدسم؟ . ثانيهما: ينبغي تقييد الدهن بالمأكول؛ ليخرج ما لا يؤكل عادة؛ كدهن الخروع ونحوه، وما لا يؤكل شرعاً بناء على الأقوى أنه لا يحنث بأكل الميتة ونحوها. 5760 - قوله: (ولحم البقر يتناول جاموساً) (¬2) نازع فيه شيخنا في "تصحيح المنهاج" وقال: الأصح: عدم الحنث به؛ للعرف إلا أن يكون الحالف قد بلغه الأمر الشرعي حتى يكون حلفه منصباً إليه، قال: ويجري ذلك في كل موضع قدم فيه الشرعي على اللغوي والعرفي، فشرطه: معرفة الحالف بلغة الشرع في ذلك. 5761 - قوله: (ولو قال: لا آكل هذه الحنطة .. حنث بها مطبوخة) (¬3) استثنى منه شيخنا في "تصحيح المنهاج": ما إذا طبخت بحيث زال اسم الحنطة عنها .. فلا يحنث بذلك المطبوخ كما لا يحنث بدقيقها ونحوه. 5762 - قوله: (أو "لا أكلم ذا الصبي" فكلمه شيخاً .. فلا حنث في الأصح) (¬4) لا يتوقف ذلك على الشيخوخة، بل لو كلمه بعد زوال الصبا ومصيره شاباً .. كان كذلك، وفي "أصل الروضة " بعد تصحيح ذلك: وذكر الصيدلاني أن الشافعي رحمه الله نص على عدم الحنث في مسألة الحنطة والتمر، وعلى الحنث في مسألة الصبي والسخلة، فقيل: قولان، وقيل: بتقرير النصين، والفرق من وجهين: أحدهما: أن في مسألة الحنطة والتمر تبدل الاسم، وفي السخلة والصبي تبدلت الصفة، وتبدل الصفة لا يسقط الحنث. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 651). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 548). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 548). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 549).

والثاني: أن التبدل في الأول بمعالجة بخلاف الثاني. انتهى (¬1). فاعتمد شيخنا في "تصحيح المنهاج " هذا النص، وقال: كان ينبغي أن يقال: حنث على النص. 5763 - قوله: (والخبز يتناول كل خبز) (¬2) استثنى منه شيخنا: الخبز الذي يحرم أكله، وهو خبز الحشيشة المفترة على قياس عدم الحنث بأكل الميتة، وقال: لم أر من تعرض له. وبيض النووي في "الروضة" لحكم البسيس والرقاق والبقسماط (¬3)، وينبغي الحنث بها إن اعتمدنا اللغة، وعدمه إن اعتمدنا العرف. وفي "المهمات" عن الجوهري: أن البسيس هو: أن يلت السويق أو الدقيق أو الأقط المطحون بالسمن أو بالزيت، ثم يؤكل من غير طبخ، وأنشد: لا تخبزا خبزاً وبساً بساً (¬4). قال: وإذا علمت ما ذكره تفسيراً واستدلالاً .. قطعت بأنه لا يحنث بالبسيس. قلت: لكن أهل العرف لا يطلقون البسيس إلا على نوع من الرقاق يقلى بالشيرج ثم يُبَسُّ بالعسل (¬5). قال في "المهمات": وأما البقسماط .. فقد سماه الجوهري خبزاً، والرقاق في معناه. نعم؛ أهل العرف لا يسمون ذلك خبزاً. انتهى. ورجح في "أصل الروضة": عدم الحنث فيما لو أكل جوزنيقاً (¬6). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهذا الخلاف يجري في الخشكنان [والكنافة] (¬7) ونحوهما، والمكفن من هذه المادة، لكن قد يسمى بعض هذه الأنواع مخبوزاً، فيقرب الحنث فيه. 5764 - قوله (فلو ثرده فأكله .. حنث) (¬8) محله: ما إذا لم يصر في المرقة كالحشو، فإن كان كذلك فتحساه .. فلا؛ ولهذا قال في "التنبيه" [ص 196]: (وإن حلف لا يأكل الخبز فشرب الفتيت .. لم يحنث) ومقتضاه: أنه لو أكله .. حنث، وحمله في "الكفاية" على الرطب، قال: ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 60). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 549). (¬3) الروضة (11/ 39). (¬4) انظر "الصحاح" (3/ 908). (¬5) أي: يخلط بالعسل. (¬6) الروضة (11/ 39). (¬7) في جميع النسخ: (والكنا). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 549).

أما اليابس المدقوق .. فلا حنث بأكله فيما يظهر؛ لأنه استجد اسماً آخر. 5765 - قوله: (وإن حلف لا يذوق شيئاً، فمضغه ولفظه .. فقد قيل: يحنث، وقيل: لا يحنث) (¬1) الأصح: الأول. 5766 - قول "المنهاج" [ص 549]: (ولو حلف لا يأكل سوبقاً، فسفه أو تناوله بإصبع .. حنث) محله فيهما: ما إذا لاكه ثم ازدرده، فلو ابتلعه من غير لوك .. فلا يسمى أكلًا، ولا يحنث به في الأصح كما ذكره في " أصل الروضة، في أواخر (الطلاق)، لكنه قال هنا: إن ابتلع السكر من غير مضغ .. فقد أكله كما لو ابتلع الخبز على هيئته (¬2)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 651]: (وابتلاع السكر والخبز أكله). 5767 - قوله: (وإن جعله في ماء فشربه .. فلا) (¬3) كذا في "المحرر" و"أصل الروضة" (¬4)، ووقع في "شرح الرافعي" الحنث (¬5). قال شيخنا ابن النقيب: كذا رأيته فيه، وقال الشيخ برهان الدين بن الفركاح: أنه رأى ذلك في نسختين منه، وكأنه سبق قلم من النساخ، والله أعلم. وكذا قال في "المهمات": إنه غلط. نعم؛ لو كان خاثراً يؤخذ بالملاعق .. فالأصح: أنه ليس بشرب (¬6). 5768 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج " -: (ويدخل في فاكهة رطب وعنب ورمان) (¬7) مقتضاه: عدم دخول البلح والحصرم في ذلك، وبه صرح في "التتمة". قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ومحله في البلح في غير الذي احمر واصفر وحلا وصار بسراً، أو ترطب بعضه ولم يصر رطباً، فأما ما وصل إلى هذه الحالة .. فلا توقف على أصل الشافعي في أنه من الفاكهة؛ فكان ينبغي ذكر البسر والمنصّف، ولا بد من تقييد الرمان بالنضج؛ فقبل ذلك هو كالحصرم، وكذلك لا بد من تقييد الأترج بصلاحيته للتفكه به. 5769 - قول "المنهاج " [ص 549]: (ورطب ويابس) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يرد عليه الليمون إذا يبس؛ فإنه لا يتخيل أحد بقاء اسم الفاكهة عليه إن سلم كونه فاكهة حال كونه رطباً. انتهى. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 196). (¬2) الروضة (11/ 42). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 549). (¬4) المحرر (ص 476)، الروضة (11/ 42). (¬5) فتح العزيز (12/ 301). (¬6) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 154). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 197)، و "الحاوي" (ص 651)، و"المنهاج" (ص 549).

و"الحاوي" وإن قال [ص 651]: (كاليابس) لكنه لم يذكر الليمون في الفواكه، وإنما ذكره "المنهاج" من زيادته (¬1)، وقال شيخنا المذكور: لم أجده إلا في كلام "التتمة"، وهو عندنا مردود؛ فليس الليمون من الفاكهة عرفاً، وإنما يصلح به بعض الأطعمة، فهو كالملح أو الخل، وكذا ذكر في "التتمة" النارنج، قال شيخنا: وهو ممنوع عندنا كالليمون وإن كان يطلق عليهما فاكهة لغة. وقال شيخنا ابن النقيب: كذا رأيته بخط المصنف بالنون، والمعروف ليمو بغير نون (¬2). وفي "التتمة": أن الفاكهة لا تتناول اليابس، وتوقف الرافعي في إثباته (¬3)، وفي "المهمات": إنه أوجه مما رجحه الرافعي. 5770 - قول "المنهاج" [ص 549] و"الحاوي" [ص 651]: (لا قثاء وخيار) مخالف لمقتضى نص "الأم" في (باب وقت بيع الفاكهة) فإنه ذكر فيه القثاء والخربز (¬4)، وهو البطيخ، وقد صحح النووي: أن البطيخ من الفاكهة (¬5)، فكذلك القثاء، وفي معناه الخيار. 5771 - قول "المنهاج" [ص 549]: (ولا يدخل في الثمار يابس) نازع فيه شيخنا في "تصحيح المنهاج" وقال: ذكره الإمام والمتولي (¬6)، والصواب: إطلاقهما على اليابس، وفي "الأم": (وثمار الحجاز كما عملت كلها تكون تمراً وزبيباً، إلا أن يكون شيئاً لا أعرفه) (¬7)، وقال الخليل: الفاكهة: الثمار كلها، وأهل العرف يطلقون عليها ثماراً بعد اليبس. 5772 - قول "المنهاج" [ص 549]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 651]: (ولو أطلق بطيخ وتمر وجوز .. لم يدخل هندي) (¬8) فيه أمران: أحدهما: كون البطيخ لا يتناول الهندي وهو الأخضر، ذكره القاضي حسين والبغوي حملاً له على الربا؛ فإنهما جنسان (¬9)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وليس بصحيح؛ فإذا أطلق البطيخ في الديار المصرية .. تناولهما، بل في الأخضر زيادة وهو استمراره جميع السنة، بخلاف الأصفر، فينقطع أكثر السنة، فإن كان اختصاصه بالأصفر عرف العجم .. فيمكن أن يختص بلادهم. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 549). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 155). (¬3) انظر "فتح العزيز" (12/ 303). (¬4) الأم (3/ 64، 65). (¬5) انظر "الروضة" (11/ 43). (¬6) انظر "نهاية المطلب" (18/ 415). (¬7) الأم (2/ 32). (¬8) في (ج)، (د): (الهندي). (¬9) انظر "التهذيب" (8/ 131).

فصل [في أنواع من الأيمان]

ثانيهما: قال شيخنا أيضًا: إن كان في الهند أو غيره .. يغلب إطلاق الجوز على الهندي، أو حلف من يفهم عند الإطلاق منه الهندي .. فإني أحنثه به. 5773 - قول "المنهاج" [ص 549]: (والطعام يتناول قوتاً وفاكهة وأدماً وحلوى) يقتضي أنه لا يتناول الدواء، وفيه وجهان بلا ترجيح في "الروضة" (¬1)، وجزم الماوردي بأنه لا يحنث به (¬2)، ونازع شيخنا في "تصحيح المنهاج" في ذلك، وقال: عرف أهل الديار المصرية أن الطعام هو المطبوخ، فلا يحنث إلا به، ومن أمر غيره بشراء طعام، فاشترى له شيئاً من الحبوب أو الفواكه .. عد من الحمقى، والأيمان لا تناط بما يناط به الربا، وإنما ينظر فيها إلى اللغة إن لم يعارضها عرف شرعي أو عادي، قال: ونقل عن عرف الحجاز إطلاق الطعام على البر، فإن كان عرفهم هذا .. حملت أيمانهم عليه. 5774 - قوله: (ولو قال: "لا آكل من هذه البقرة" .. تناول لحمها) (¬3) قال شيخنا ابن النقيب: كذا في "الروضة"، فما أدري هل يختص به أو يتناول الشحم والألية والكبد وغيرها مما يؤكل منها؛ والذي يظهر التناول، وإنما ذكر اللحم؛ لإخراج اللبن والولد، وفي الجلد احتمال (¬4)، وجزم شيخنا في "تصحيح المنهاج" بتناوله جميع ما يُؤكل منها. 5775 - قوله: (أو "من هذه الشجرة" .. فثمرٌ دون ورقٍ وطرفِ غصنٍ) (¬5) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والجمار كالتمر، وإن أكل الورق في بلد أكلًا متعارفاً؛ كورق بعض شجر الهند - فقد أخبرني الثقة أنهم يأكلونه، وأنه مثل الحلوى أو أحسن - .. حنث به أيضًا (¬6). 5776 - قول "التنبيه" [ص 196]: (وإن حلف لا يأكل أدماً، فأكل الثمر .. لم يحنث، وقيل: يحتمل أن يحنث) هو وجه مشهور، وهو الأصح. فَصْلٌ [في أنواع من الأيمان] 5777 - قول "المنهاج" [ص 550]: (أو ليأكلن ذا الطعام غداً فمات قبله .. فلا شيء عليه) فيه أمران: ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 44). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 443). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 549). (¬4) السراج على نكت المنهاج (8/ 155، 156)، وانظر "الروضة" (11/ 55). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 549). (¬6) انظر "مغني المحتاج" (4/ 342).

أحدهما: أنه جزم هنا مع حكاية القولين فيما إذا مات في الغد قبل تمكنه من أكله، وتبع فيه البغوي (¬1)، وسوى الإمام والغزالي بينهما في إجراء الخلاف (¬2)، ورجحه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، ويوافق تسوية البغوي والرافعي والنووي في قوله: لأقضين حقك غداً بين موته قبل الغد وبعده وقبل التمكن في إجراء القولين (¬3)، ولا فرق بين أكل الطعام وقضاء الحق (¬4)، ولهذا عبر "الحاوي" بعبارة شاملة لهما ولغيرهما، فقال [ص 647]: (وأفعل غداً) وفي "التنبيه" في الحلف على الأكل غداً: (وإن تلف في يومه .. فعلى قولين في المكره) (¬5)، وفي "المنهاج" [ص 550]: (وإن تلف أو أتلفه أجنبي .. فكمكره) ولا فرق بين تلف الطعام وموت الحالف. ثانيهما: استثنى منه شيخنا في "تصحيح المنهاج": ما إذا قتل نفسه قبل مجيء الغد ذاكراً للحلف مختاراً .. فإنه يحنث كما لو أتلف الطعام قبل الغد، فإن كان مكرهاً أو ناسياً للحلف .. ففيه قولا حنث المكره والناسي، ولم أر من تعرض لذلك. 5778 - قول "التنبيه" [ص 198]: (وإن تلف من الغد وتمكن من أكله .. فقد قيل: يحنث، وقيل: على القولين وهو الأشبه) جزم في "المنهاج" بالطريقة الأولى فقال [ص 550]: (وإن مات أو تلف الطعام في الغد بعد تمكنه من أكله .. حنث) وكذا قال "الحاوي" [ص 647]: (فتمكن فعجز) وفي "الروضة": إنه المذهب؛ لأنه تمكن من البر، فصار كما لو قال: لآكلن هذا الطعام، وتمكن من أكله فلم يأكله حتى تلف .. فإنه يحنث قطعاً (¬6)، وعبارة الرافعي: الأظهر وإن ثبت الخلاف: أنه يحنث، وإليه ميل الأكثرين، والطريقة الثانية أشبه عند الروياني (¬7)، وأطلق في "الشرح الصغير" أن الأشبه طرد الخلاف، ولم ينقله عن الروياني. ونازع شيخنا في "تصحيح المنهاج" في النقل عن الأكثرين مع ثبوت الخلاف، وقال: استقر الجواب عندنا أنه لا يحنث مع بقاء وقت يمكن فيه البر لو بقي الطعام، واستدل لذلك بقول الشافعي رضي الله عنه في "الأم": (لو حلف ليعطينه حقه غداً، فمات من الغد بعلمه أو بغير علمه .. لم يحنث) (¬8)، قال: ولم يفرق بين أن يتمكن الحالف من إعطائه في الغد وبين ألاَّ يتمكن، وأشار إلى ذلك بقوله: (بعلمه أو بغير علمه). ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (8/ 136). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (18/ 367)، و"الوجيز" (2/ 230). (¬3) في (ج): (في إجراء القولين في المكره). (¬4) انظر "فتح العزيز" (12/ 333)، و"الروضة" (11/ 69). (¬5) التنبيه (ص 198). (¬6) الروضة (11/ 68). (¬7) فتح العزيز (12/ 332). (¬8) الأم (7/ 76).

5779 - قول "المنهاج" [ص 550]: (وقبله قولان كمكره) لا يخفى أن الأصح: عدم الحنث، ثم هو مقيد في الموت بألَّا يقتل نفسه كما سبق، وفي صورة تلف الطعام بألاَّ ينسب إلى تقصير في تلفه، فلو أكلته هرة أو صغير مع إمكان دفعه فلم يدفعه .. حنث. 5780 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (وإن أتلفه بأكل أو غيره قبل الغد .. حنث) (¬1) لا يخفى أن محله: فيما إذا كان ذاكراً حلفه مختاراً في أكله، وإلا .. ففيه قولا المكره. 5781 - قول "المنهاج" [ص 550]: (أو "لأقضينّ حقك عند رأس الهلال" .. فليقض عند غروب الشمس آخر الشهر، فإن قدَّم أو مضى بعد الغروب قدر إمكانه .. حنث) تبع "المحرر" في قوله: (آخر الشهر) (¬2)، وهو وهم؛ فإنه يحنث بالقضاء آخر الشهر؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 645]: (أو "أقضي حقك رأس الشهر"، فقدَّم الهلال أو أخَّر). قال الرافعي: وذكر الإمام والغزالي أن هذا لا يكاد يقدر عليه، فإما أن يتسامح فيه ويقنع بالممكن، أو يقال: التزم محالاً، فيحنث بكل حال وهذا لا ذاهب إليه، وقال بعض الأصحاب: إن له فُسْحَةً في الليلة الأولى ويومها؛ لأن اسم رأس الهلال ورأس الشهر يقع عليهما (¬3)، واقتصر في "الروضة" على المحكي عن بعض الأصحاب، وأهمل البحث الأول (¬4). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": التسامح والقناعة بالممكن هو الذي يذهب إليه ويعول عليه، وفي "الحاوي" للماوردي: فإن شرع في حمله إليه مع رأس الشهر وكان بعيد الدار منه حتى مضت الليلة أو أكثرها .. لم يحنث؛ لأنه الإمكان (¬5). 5782 - قول "المنهاج" [ص 550]: (أو لا يتكلم فسبَّح .. فلا حنث) و"الحاوي" [ص 654]: (لا التسبيح والتهليل والتكبير والدعاء) نازع فيه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: الأرجح: أنه يحنث؛ لأنه تكلم، ولكنه لم يكلم الناس، وهو لم يحلف على ألَّا يكلم الناس، وفي "الشامل" لابن الصباغ: أصحابنا لم يذكروه، والذي يقتضيه القياس: أن يحنث، فعرف بذلك (¬6) أن العراقيين لم يذكروا هذا الفرع، وفي "البيان": أن ابن الصباغ ذكر في ذلك وجهين، ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 198)، و "الحاوي" (ص 647)، و "المنهاج" (ص 550). (¬2) المحرر (ص 477). (¬3) فتح العزيز (12/ 334)، وانظر "نهاية المطلب" (18/ 371)، و"الوسيط" (7/ 249، 250). (¬4) الروضة (11/ 71). (¬5) الحاوي الكبير (15/ 373). (¬6) البيان (10/ 555).

وجزم البغوي والمتولي وغيرهما بأنه [لا] يحنث (¬1)، وحكاه الإمام عن الأصحاب، ثم ذكر مقابله احتمالًا (¬2). 5783 - قول "المنهاج" [ص 550]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 654]: (أو لا يكلمه فسلم عليه .. حنث) استثنى منه شيخنا في "تصحيح المنهاج": ما لو سلم عليه سلام التحلل من الصلاة، وهذا على طريقته، والمنقول في "أصل الروضة": عدم الحنث بذلك كما تقدم (¬3). 5784 - قول "المنهاج" [ص 550]: (وإن كاتبه أو راسله وأشار إليه بيدٍ أو غيرها .. فلا في الجديد) يقتضي أن مقابله قديم، وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج": أن القولين في "الأم" و"المختصر" (¬4)، وأطلقهما "التنبيه" فقال [ص 197]: (لم يحنث في أصح القولين) ودخل في كلامهما: إشارة الأخرس؛ فلا يحنث بها، وإنما نزلنا إشارته منزلة نطقه في العقود والفسوخ؛ للضرورة. 5785 - قول "المنهاج" [ص 550]: (وإن قرأ آية أفهمه بها مقصوده وقصد قراءة .. لم يحنث، وإلا .. حنث) يقتضي الحنث فيما إذا لم يقصد تفهيما ولا قراءة، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": المعتمد أنه لا يحنث في هذه الصورة؛ لأنه لم يكلمه، ولا ينافي هذا أنه لا يحرم على الجنب مثل ذلك، وتبطل الصلاة عند من قال بذلك؛ لأن مدركه أنه ليس بقرآن إذا لم يقصده، ولا يلزم من ذلك الحنث به؛ لأن المحلوف عليه أمر مخصوص، وهو ألاَّ يكلم زيداً، فلو حلف ألاَّ يتكلم .. حنث بذلك؛ لأنه تكلم. 5786 - قول "التنبيه" [ص 197]: (وإن حلف لا مال له وله دين .. فقد قبل: يحنث، وقبل: لا يحنث) الأصح: الحنث، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي"، ولو كان الدين مؤجلاً كما صرحا به (¬5)، ولو كان على معسر كما صرح به "الحاوي" (¬6)، وهو مقتضى إطلاق "المنهاج". واستثنى منه شيخنا في " تصحيح المنهاج": ما إذا مات المديون ولم يخلف تركة .. فإنه صار في حكم العدم، واستثنى أيضًا من مطلق الدين: الحال والمؤجل: الدين الذي للسيد على ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: (وجزم البغوي والمتولي وغيرهما بأنه يحنث)، والمثبت هو الصواب؛ لأن الذي جزم به البغوي في "التهذيب" (8/ 141): أنه لا يحنث، والذي حكاه الإمام في "النهاية" (18/ 400) عن الأصحاب: أنه لا يحنت. (¬2) انظر "نهاية المطلب" (18/ 400). (¬3) الروضة (11/ 64). (¬4) الأم (7/ 80)، مختصر المزني (ص 296). (¬5) الحاوي (ص 652)، المنهاج (ص 550). (¬6) الحاوي (ص 652).

المكاتب؛ فلا يحنث به؛ لتعليلهم الحنث بأنه تجب فيه الزكاة، ولا زكاة في هذا الدين بناء على سقوطه بالتعجيز، وهو الأصح. 5787 - قول "المنهاج" [ص 550]: (إنه يحنث بالمدبر، ومعلّق عتقه) و"الحاوي" [ص 652]: (بالمدبر) محله في مدبر الحالف، فأما مدبر مورث الحالف الذي تأخر عتقه لصفة اعتبرت في عتقه من دخول دار ونحوه .. فلا يحنث به الوارث الحالف، وكذا لا يحنث الوارث بالموصى بإعتاقه بعد موت الموصي. 5788 - قول "المنهاج" [ص 550] و"الحاوي" [ص 652]: (لا مكاتب) و"التنبيه" [ص 197]: (وإن حلف ما له رقيق أو ما له عبد وله مكاتب .. لم يحنث في أظهر القولين) ويستنى منه: المكاتب كتابة فاسدة .. فيحنث به؛ لأنه يملك التصرف فيه، صرح به الماوردي في تصوير "التنبيه"، وقول "المنهاج" [ص 550]: (في الأصح) يقتضي أن الخلاف وجهان، وقد عرفت أنه في "التنبيه" قولان، وعبارة "الروضة": على الأصح، وقيل: الأظهر، وقيل: قطعاً (¬1). 5789 - قول "المنهاج" [ص 550]: (أو ليضربنه .. فالبر بما يسمى ضرباً، ولا يُشترط إيلام) كذا في "أصل الروضة" هنا أنه لا يشترط، بخلاف الحد والتعزير؛ لأن مقصودهما الزجر، ويكتفى في اليمين بالاسم، وحُكي وجه ضعيف أنه يشترط، وقد سبق في (الطلاق). انتهى (¬2). والذي سبق في "الروضة" في الطلاق تصحيح اشتراطه (¬3)، وقال الرافعي هناك: إنه الأشهر (¬4)، لكنه هناك في "الشرح الصغير" حكى عدم اشتراطه عن الأكثرين. قال في "المهمات": وهو يقتضي أن ما وقع في "الكبير" هناك من كون الأشهر هو الاشتراط غلط حصل من سبق قلم أو تحريف من الناقلين من المسودة. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والخلل فيما وقع في الطلاق؛ فإن الذي ذكره الأصحاب في الطريقين هنا: أنه لا يشترط الإيلام، وينسبون خلاف ذلك للإمام مالك، ويقيمون الحجة للمذهب، فعرف أن الذي في "المنهاج" هنا صحيح، لكنه خالفه بقوله بعده: (فوصله ألم الكل) (¬5) فإن أوّل على أنه أراد نقل الكل .. اتفق الكلامان. 5790 - قوله: (إلا أن يقول: "ضرباً شديداً") (¬6) مقتضاه: الاكتفاء مع ذلك بالإيلام، لكن ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 52). (¬2) الروضة (11/ 76، 77). (¬3) الروضة (8/ 189). (¬4) انظر "فتح العزيز" (9/ 142). (¬5) المنهاج (ص 550). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 550).

في "التهذيب": أنه لا بد من ضرب مؤلم يسمَّى شديد (¬1). وفي "النهاية": لا بد من الإيلام الناجع، ولا حد يقف عنده في تحصيل البر، ولكن الرجوع إلى ما يسمى شديداً، وهذا يختلف لا محالة باختلاف حال المضروب (¬2). وفي "الأم" و"المختصر": (وإن لم يقل: ضرباً شديداً .. فأيَّ ضربٍ ضربه إياه لم يحنث) (¬3). 5791 - قول "المنهاج" [ص 550]: (أو ليضربنه مئة سوط أو خشبة، فشد مئة) أي: مما حلف عليه من السياط أو الخشب، ولا يكفي السياط عن الخشب وعكسه، لاختلاف الاسم" ولذلك قال "التنبيه" [ص 198]: (وإن حلف ليضربن عبده مئة سوط، فشد مئة سوط) ووقع في تمثيل الرافعي خلاف ذلك تساهلاً، فمثل بشد مئة سوط في يمين بمئة خشبة (¬4). 5792 - قول "المنهاج" [ص 550]: (أو بعثكال عليه مئة شمراخ .. بر) ظاهره البر في صورتي خشبة وسوط، وهو واضح في الأولى، أما في الثانية .. فالأصح في "الروضة" وأصلها: أنه لا يبر؛ لأن العثكال ليس أسواطاً (¬5). وقال في "المهمات": الصواب الذي عليه الفتوى: أنه يكفي كما في "المحرر" و"المنهاج" فإنه المعروف في المذهب، وقطع به الشيخ أبو حامد والبندنيجي والمحاملي والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ والبغوي وغيرهم. انتهى (¬6). على أن الرافعي قد استشكل البر في الأولى أيضاً فقال: وفيه عدول عن موجب اللفظ؛ فإنه لم يضربه مئة خشبة. انتهى (¬7). لكن في "النهاية": إن هذا متفق عليه (¬8)، ومنع شيخنا في "تصحيح المنهاج" قول الرافعي: إنه عدول عن موجب اللفظ، فإن الشماريخ من جنس الأخشاب، فكأنها نبابيت رقيقة إلا أنها ليّنة. 5793 - قول "التنبيه" [ص 198]: (وتحقق أن الكل أصابه .. بَرَّ) فيه أمران: ¬

_ (¬1) التهذيب (8/ 145). (¬2) نهاية المطلب (18/ 406). (¬3) الأم (7/ 80)، مختصر المزني (ص 296). (¬4) انظر "فتح العزيز" (12/ 340). (¬5) فتح العزيز (12/ 341)، الروضة (11/ 78). (¬6) المحرر (ص 478)، المنهاج (ص 550)، وانظر "التهذيب" (8/ 145). (¬7) انظر "فتح العزيز" (12/ 340). (¬8) نهاية المطلب (18/ 406).

أحدهما: قد يوهم أنه لا بد من إصابة بدنه، وليس كذلك، بل يكفي إصابة ملبوسه؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 550]: (إن علم إصابة الكل) ولم يذكر المفعول، فتناول البدن والملبوس. ثانيهما: أنه يكفي إصابة البعض مع التراكم؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 550]: (أو تراكم بعض على بعض فوصله ألم الكل) لكن في "المهمات": الذي نص عليه الشافعي اعتبار المماسّة لا الانكباس، وقد نقله عنه الشيخ أبو حامد والماوردي وغيرهما، قالوا: وصورة البر أن يأخذ ضغثاً مشدود الأسفل محلول الأعلى. انتهى. وعبارة النص: (فإن كان يحيط العلم أنه إذا ضربه بها ماسّتْه كلها .. فقد بر، وإن كان يحيط العلم أنها لا تماسه كلها .. لم يبر) (¬1)، وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج": أن الأرجح: ما ذكره الرافعي؛ لأن المسألة خرجت عن قاعدة الباب للتخفيف، فيكفي فيها الانكباس، ويكون ظاهر النص غير مراد؛ لصعوبة ذلك في الذي بني على التخفيف والإرخاص. 5794 - قول "التنبيه" [ص 198]: (وإن لم يتحقق .. بر) (¬2) و"المنهاج" [ص 551]: (ولو شك في إصابة الجميع .. برّ على النص) و"الحاوي" [ص 647]: (لا في تثاقل العثكال) أي: لا يحنث فيما إذا شك في تثاقل العثكال، يتناول ما إذا استوى الطرفان، وقد حكى في زيادة "الروضة" في هذه الصورة عن الدارمي وابن الصباغ والمتولي: أنه يحنث، وإنما لا يحنث على المنصوص إذا غلب على ظنه إصابة الجميع، قال: وهذا حسن ولكن الأول أصح. انتهى (¬3). ويتناول أيضاً ما إذا ترجح عدم إصابة الجميع، فهو داخل في قول "التنبيه" [ص 198]: (وإن لم يتحقق) وفي قول "المنهاج" [ص 551] و"الحاوي" [ص 647]: (شك) بناء على اصطلاح الفقهاء في حمل الشك على خلاف اليقين. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا لم ينص عليه الشافعي ولا قاله أحد من الأصحاب، ثم بسط ذلك. وقال في "المهمات": هذا لا يمكن القول به، وحمل الشك هنا على الظن، وقال: كلام الأصحاب متفق على اشتراط الظن هنا تصريحاً أو تلويحاً، ولم نجد أحداً صرح بأن المراد بالشك هو: المستوي الطرفين، واستشهد على ذلك بقول الرافعي: الضرب سبب ظاهر في الانكباس والتثقيل، والمذهب الظاهر إصابة الجميع (¬4)، والإمام والغزالي: إن قيل: لم اشترطتم غلبة ¬

_ (¬1) الأم (7/ 80). (¬2) كذا في جميع النسخ، وفي "التنبيه": (وإن لم يتحقق .. لم يبر)، وانظر كلام ابن الصلاح والنووي في المسألة الآتية. (¬3) الروضة (11/ 78). (¬4) انظر "فتح العزيز" (12/ 341).

الظن؟ قلنا: لا أقل منها (¬1)، والشيخ أبو حامد والبندنيجي: حكم بالظاهر فيه. 5795 - قول "التنبيه" [ص 198]: (والورع أن يكفر) كذا في أكثر النسخ وعليه مشى الشراح، وقال ابن الصلاح: الذي في مسودة المصنف: وإن لم يتحقق .. بر، والورع أن يكفر كما نص عليه، ثم اختار مذهب المزني، وألحق حرف (لم) وعَدَلَ عن قوله: (والورع أن يكفر) فكان من حقه أن يضرب على قوله: (والورع أن يكفر). وقال النووي: الصواب الذي ضبطناه عن نسخة المصنف: (لم يبر)، وهو المخرج، وقوله: (والورع أن يكفر) أي: لا يضربه ليبر، بل يكفر (¬2). 5796 - قوله: (وإن حلف ليضربنه مئة ضربة، فضربة بالمئة المشدودة دفعة واحدة .. فقد قيل: يبر، وقيل: لا يبر) (¬3) الأصح: الثاني، ويوافقه قول "المنهاج" [ص 551]: (أو ليضربنه مئة مرة .. لم يبر بهذا)، والذي في "المحرر": (ضربة) (¬4) كما في "التنبيه"، وهي ذات وجهين كما تقدم، وصورة "المنهاج" لا خلاف فيها. 5797 - قول "التنبيه" [ص 198]: (وإن قال: "لا فارقت غريمي" فهرب منه .. لم يحنث) قيده في "المحرر" بما إذا لم يمكنه اتباعه (¬5)، فاستدرك عليه "المنهاج" وقال [ص 551]: (الصحيح: لا يحنث إذا أمكنه اتباعه) لكن مقتضى تعبيرهم بالهروب: أنه لو فارقه بإذنه .. حنث، وليس كذلك على الأصح؛ لأنه حلف على فعل نفسه، فلا يحنث بفعل الغريم؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 646]: (لا إن فارق آخر). 5798 - قول "المنهاج" [ص 551]: (أو أفلس ففارقه ليوسر .. حنث)، قال الرافعي: وإن كان تركه واجباً؛ كما لو قال: (لا أصلي الفرض) فصلى .. حنث (¬6)، وفي "أصل الروضة" في أواخر تعليق الطلاق عن أبي العباس الروياني فيما لو قال: أنت طالق إن لم أطاك الليلة، فوجدها حائضاً أو محرمة .. عن المزني عن الشافعي: أنه لا طلاق، فاعترض وقال: يقع؛ لأن المعصية لا تعلق لها باليمين؛ ولهذا لو حلف أن يعصي الله تعالى فلم يعص .. حنث، وقيل: ما قاله المزني هو المذهب واختيار القفال، وقيل: على قولين؛ لفوات البر بالإكراه (¬7). ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (18/ 405). (¬2) انظر "تحرير ألفاظ التنبيه" (ص 282). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 198). (¬4) المحرر (ص 478)، وفيه: (مرة) كما في "المنهاج". (¬5) المحرر (ص 478). (¬6) انظر "فتح العزيز" (12/ 339). (¬7) الروضة (8/ 206).

فصل [فيما لو حلف على أمر فوكل غيره حتى فعله]

قلت: وقد يقال: اليمين وإن انعقدت على فعل الحرام .. فمحله: ما إذا صرح به، فأما إذا أطلق الفعل .. فلا يحمل إلا على الحلال؛ لأنه الأغلب المستحضر في الذهن الذي يتبادر إليه الفهم، والله أعلم. ثم محل الحنث: ما إذا لم يفارقه لمنع الحاكم له من ملازمته، فإن فارقه لذلك .. ففيه قولا المكره. 5799 - قول "التنبيه" [ص 197]: (وإن قال: لا رأيت منكراً إلا رفعتُهُ إلى القاضي فلان، ولم ينو أنه يرفع إليه وهو قاض، فعزل ثم رفع إليه .. فقد قيل: يحنث، وقيل: لا يحنث) الأصح: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 551]: (وإن لم ينو .. بر بالرفع إليه بعد عزله)، و"الحاوي" فقال [ص 654]: (أو عُزل إن لم يرده وهو قاض). 5800 - قول "المنهاج" في الصورة المذكورة [ص 551]: (فرآه ثم عُزل؛ فإن نوى ما دام قاضياً .. حنث إن أمكنه رفعه فتركه) تبع فيه "المحرر" (¬1)، والذي في "الروضة" وأصلها: إذا عزل .. لم يبر بالرفع إليه وهو معزول، فلا يحنث وإن كان تمكن؛ لأنه ربما ولي ثانياً، واليمين على التراخي، فإن مات أحدهما قبل أن يولي .. بأن الحنث، أما إذا لم يعزل ولم يرفع إليه حتى مات أحدهما بعد التمكن .. حنث. انتهى (¬2). فينبغي حمل العزل في عبارة "المنهاج" على المتصل بالموت. فَصْلٌ [فيما لو حلف على أمر فوكل غيره حتى فعله] 5801 - قولهم - والعبارة لـ"التنبيه" -: (وإن حلف لا يبيع أو لا يضرب فوكل فيه غيره حتى فعله .. لم يحنث في أظهر القولين) (¬3) رجح الرافعي والنووي: القطع به، ونفي القول الآخر (¬4)، وقال في "المهمات": ذكر الرافعي في (الخلع) عن المتولي فرعاً مقيداً لما أطلقه هنا وأقره عليه، وهو: لو قال: (متى أعطيتني ألفاً .. فأنت طالق) فبعثته على يد وكيلها فقبضه الزوج .. لم تطلق؛ لأنها لم تعط هي، ولو حضرت وقالت لوكيلها الحافظ لمالها: سلم إليه، فسلم .. طلقت، وكان تمكينها الزوج من المال المقصود إعطاء (¬5). ¬

_ (¬1) المحرر (ص 478). (¬2) فتح العزيز (12/ 336)، الروضة (11/ 72). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 198)، و"الحاوي" (ص 650)، و "المنهاج" (ص 551). (¬4) انظر "فتح العزيز" (12/ 307)، و"الروضة" (11/ 47). (¬5) انظر "فتح العزيز" (8/ 438).

5802 - قول "المنهاج" في هذه الصورة [ص 551]: (إلا أن يريد ألاَّ يفعل هو ولا غيره) قال الرافعي: كذا أطلقوه مع قولهم: إن اللفظ حقيقة لفعل نفسه، واستعماله في المعنى الآخر مجاز، وفى هذا استعمال اللفظ في الحقيقة والمجاز جميعاً، وهو بعيد عند أهل الأصول، والأولى أن يوجد معنى مشترك بين الحقيقة والمجاز، فيقال: إذا نوى ألاَّ يسعى في تحقيق ذلك الفعل .. حنث بمباشرته وبالأمر؛ لشمول المعنى وإرادة هذا المعنى إرادة المجاز فقط (¬1). قال النووي: هذا حسن، والأول صحيح على مذهب الشافعي وجمهور أصحابنا المتقدمين في جواز إرادة الحقيقة والمجاز بلفظ واحد (¬2). ولو حلف لا يبيع ولا يوكل، وكان وكّل قبل ذلك ببيع ماله، فباع الوكيل بعد يمينه بالوكالة السابقة .. ففي "فتاوى القاضي حسين": أنه لا يحنث؛ لأنه بعد اليمين لم يباشر ولم يوكل، وقياسه: أنه لو حلف على زوجته ألاَّ تخرج إلا بإذنه وكان إذن لها قبل ذلك في الخروج إلى موضع معين فخرجت إليه بعد اليمين .. لم يحنث، قال شيخنا الإمام البلقيني: وهو الظاهر. 5803 - قول "التنبيه" [ص 197، 198]: (وإن حلف لا يتزوج أو لا يطلق فوكل فيه غيره حتى فعله .. لم يحنث) أقره عليه في "التصحيح"، لكن جزم في "المنهاج" و"الحاوي" تبعاً لـ" المحرر" بأنه إذا وكل غيره في التزويج حتى فعل .. حنث (¬3)، وجزم به الرافعي في (الفصل الخامس في التوكيل في النكاح) (¬4)، وأسقطه من "الروضة" هناك، وحكى هنا تبعا للرافعي وجهين عن "التهذيب": الحنث، وعن الصيدلاني والغزالي: عدمه (¬5). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن تصحيح الحنث مخالف لمقتضى نصوص الشافعي: أن من حلف على شي ألاَّ يفعله فأمر غيره بفعله .. لم يحنث، ولقاعدته، وهي: أن النظر في ذلك إلى الحقيقة، وللدليل، وهو: أن النظر في ذلك إلى الإسناد اللغوي وهو الفاعل، ألا ترى أنه يصح منه وإن كان موكله نائماً، ولما عليه الأكثرون؛ فقد جزم بعدم الحنث أيضاً: القفال والماوردي وابن الصباغ وصاحب "البيان" (¬6)، وحكاه في "النهاية" عن قطع الأصحاب في الطرق (¬7)، قال: ولم أر أحداً اعتمد مقابله إلا البغوي، وقال الخوارزمي في "الكافي": إنه ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (12/ 309). (¬2) انظر "الروضة" (11/ 48). (¬3) المحرر (ص 478)، الحاوي (ص 650)، المنهاج (ص 551). (¬4) انظر "فتح العزيز" (7/ 569). (¬5) فتح العزيز (12/ 308)، الروضة (11/ 48)، وانظر "التهذيب" (8/ 142). (¬6) نهاية المطلب (18/ 374). (¬7) البيان (10/ 561).

المنقول في طريقنا؛ يعني: طريق المراوزة، وهو ممنوع؛ لما تقدم عن القفال والصيدلاني والإمام والغزالي، وأن الإمام قال: إن الأصحاب قطعوا به في الطرق (¬1). قال شيخنا: ولو حلفت المرأة ألاَّ تتزوج، فعقد عليها وليها؛ فإن كانت مجبرة .. فعلى قولي المكره، وإن كانت غير مجبرة وأذنت في التزويج فزوجها الولي .. حنثت في يمينها، ولم أر من تعرض للمرأة إلا الدارمي في " الاستذكار "، ولم يتحرر لي كلامه؛ لعدم وثوقي بما في النسخة؛ فإن فيها ما يقتضى أنها لا تحنث، وليس كذلك في حالة اعتبار إذنها، ولو حلف لا يراجع مطلقته، فوكل في رجعتها .. فأفتى شيخنا الإمام البلقيني: بأنه لا يحنث، وقال: إن قلنا بالحنث في التوكيل في التزويج .. فهنا أولى؛ فإنه استمرار نكاح، فالسفارة فيه أظهر، وإن قلنا هناك: لا يحنث .. فهنا تردد، والمعتمد: أنه لا يحنث. 5804 - قول "المنهاج" [ص 552]- والعبارة له - " والحاوي" [ص 650]: (لا بقبوله هو لغيره) أي: بناءً على ما جزما به في عكسه، فإن قلنا بمقابله .. حنث، كذا في "الروضة" تبعاً لأصلها تخريجاً، فقال: مقتضى الوجه الأول: الحنث، ومقتضى الثاني: المنع (¬2). ورده شيخنا في "المهمات" وشيخنا في "تصحيح المنهاج": بأن الإمام والغزالي جزما بعدم الحنث في هذه الصورة مع جزمهما في الأولى أيضاً بعدم الحنث (¬3)، قال في "المهمات": فوجب اعتماده؛ للنقل والدليل، وقال في "تصحيح المنهاج": فظهر أنه لا يحنث على الوجهين معاً. 5805 - قول "المنهاج" [ص 552]: (أو لا يبيع مال زيد فباعه بإذنه .. حنث، وإلا .. فلا) كذا لو باع بإذن الحاكم لحجر أو امتناع، ذكره في "أصل الروضة" (¬4). قال شيخنا ابن النقيب: ويظهر أن إذن الولي كذلك (¬5). وذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج" مجزوماً به، قال: وكذا لو باعه لكونه ظافراً بغير جنس حقه تفريعاً على أنه يستقل ببيعه وهو الأصح، ولم أر من تعرض له، قال: فلو قال: (فباعه بيعاً صحيحاً) .. لكان مختصراً شاملاً. وصور في " أصل الروضة" المسألة بقوله: لا يبيع لزيد مالاً (¬6)، فنازعه شيخنا في "تصحيح ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (18/ 374). (¬2) فتح العزيز (12/ 308)، الروضة (11/ 48). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (18/ 374)، و"الوجيز" (2/ 228). (¬4) الروضة (11/ 49). (¬5) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 165). (¬6) الروضة (11/ 49).

المنهاج" في الحنث فيما إذا باع بإذن الحاكم: بأنه لم يبع لزيد، إنما باع للحاكم، فهو نائب الحاكم لا الممتنع، قال: والدليل على ذلك أن الحاكم إنما يقيم في ذلك من يصلح للنيابة عنه، فالتبس عليه صورة: لا يبيع مال زيد، بصورة: لا يبيع لزيد مالاً، فتنبه له؛ فإنه من الدقائق. قلت: قد يقال: صدق أنه باع لزيد مالاً وإن كان الآذن في ذلك هو الحاكم، ويكون قوله: (لزيد) نعتاً في المعنى لقوله: (مالاً) وإن كان إعرابه حالاً؛ لتقدمه على قوله: (مالاً)، فلا فرق بين التصويرين، والله أعلم. 5806 - قول "التنبيه" [ص 197]: (وإن وهب له فلم يقبل .. لم يحنث، وإن قبل ولم يقبضه .. لم يحنث، وقيل: يحنث)، و"المنهاج" [ص 552]: (أو لا يهب له فأوجب له فلم يقبل .. لم يحنث، وكذا إذا قبل ولم يقبض في الأصح) يقتضي عدم الخلاف في الصورة الأولى، وليس كذلك؛ فقد خالف فيه ابن سريج، لكنه ضعيف، وما رجحاه في الثانية حكاه الرافعي عن البغوي (¬1)، وصححه في "الروضة" من زيادته (¬2)، ويخالفه في "أصل الروضة" في تعليق الطلاق فيما إذا قال: (إن بعته .. فهو حر) فباعه .. عتق في الحال سواء قلنا الملك للبائع أو للمشتري أو موقوف، فأوقعوا العتق بمجرد البيع وإن لم يحصل الملك، ونص عليه في "الأم". قال في "المهمات": وهو أصوب؛ ويؤيده أيضاً قولهم في (الإقرار): إن الإقرار بالهبة ليس إقراراً بالقبض على المشهور، وفي أواخر (الرهن) في الاختلاف في قبض المرهون مثله. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إيراد أكثر العراقيين يدل على الحنث من غير قبض، وصرح به البندنيجي فقال قولاً واحداً: يحنث بمجرد العقد، وحكاه في "النهاية" عن العراقيين (¬3)، قال شيخنا: ولم نجد ما يخالفه إلا في "التنبيه"، وليس في "المهذب"، قال: والأرجح من جهة النظر: أنه يحنث؛ لأن اسم الهبة إنما هو للعقد، وإنما يعتبر القبض في حصول الملك على الجديد، قال: وأما الهبة التقديرية؛ كقوله: أعتق عبدك عني مجاناً، فأعتقه مجاناً .. فإنه هبة مقبوضة، والقياس: الحنث بذلك، ولم أر من تعرض له. 5807 - قولهم - والعبارة لـ"التنبيه" -: (وإن حلف لا يهب له فتصدق عليه .. حنث) (¬4) محله في صدقة التطوع، أما الزكاة وصدقة الفطر .. فلا يحنث بهما، وتردد فيهما القفال. 5808 - قول "المنهاج" [ص 552] و"الحاوي" [ص 652]: (لا الوقف) قال شيخنا في ¬

_ (¬1) فتح العزيز (12/ 312)، وانظر "التهذيب" (8/ 148). (¬2) الروضة (11/ 51). (¬3) نهاية المطلب (18/ 408). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 197)، و"الحاوي" (ص 652)، و "المنهاج" (ص 552).

"تصحيح المنهاج": هو مقيد بألَّا يكون في الموقوف عين يملكها الموقوف عليه؛ كصوف البهيمة ووبرها ولبنها الكائن فيها عند الوقف، وكذا الثمرة غير المؤبرة على أحد القولين المحكيين في " الاستذكار " للدارمي، وكذا الحمل الكائن عند الوقف على رأي، فإن كان ذلك موجودأ عند الوقف .. حنث الواقف؛ لأنه ملك الموقوف عليه أعياناً بغير عوض، وهذا معنى الهبة؛ فحنث بذلك قال: ولم أر من تعرض له. 5809 - قول "المنهاج" [ص 552]: (أو لا يأكل طعاماً اشتراه زيد .. لم يحنث بما اشتراه مع غيره، وكذا لو قال: "من طعام اشتراه زيد" في الأصح) فيه أمور: أحدها: أن جزمه في الصورة الأولى وحكاية الخلاف في الثانية طريقة البغوي (¬1)، لكن طريقة الجمهور كما في "أصل الروضة" طرد الخلاف فيهما (¬2)، ونازع في ذلك شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: لم يطرد الخلاف في الأولى إلا الفوراني، وأنكره الإمام (¬3)، وحكى الروياني في "الكافي" الحنث في الأولى عن اختيار القاضي أبي الطيب، قال شيخنا: ولا ذكر له في طريقة العراقيين. ثانيها: عبر في "الروضة" بالصحيح (¬4)، ونص عليه في "الأم" كما حكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج" (¬5)، فكان ينبغي التعبير عنه بالنص. ثالثها: المراد بشرائه مع غيره: أنهما اشترياه مشاعاً، وليس المراد بذلك: وقوعه في حالة واحدة، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ذكر المعية يفهم أنها قيد في عدم الحنث، وليس كذلك، بل لو اشترى زيد نصفه مشاعاً ثم عمرو نصفه مشاعاً .. فلا حنث، فلو قال: (وغيره) .. لكان أخصر وأحسن. 5810 - قول "المنهاج" [ص 552]- والعبارة له - "والحاوي" [ص 651]: (ويحنث بما اشتراه سلماً) قال في "المهمات": هو مناقض لما صححه في بابه من عدم انعقاده بلفظ البيع، وقلد فيه الرافعي والنووي المتولي؛ فإنه ذكره هنا كذلك، لكنه خرجه في البيع والسلم على أن الاعتبار بصيغ العقود أو بمعانيها، ولم يرجح شيئاً. وأجاب عنه شيخنا في "تصحيح المنهاج": بأن الصيغ هناك اشتهرت في عقد، فلا ينتقل إلى غيره وإن كان صنفاً منه، ألا ترى أن التولية والإشراك بيع لكن بلفظهما، وكذا السلم بيع لكن ¬

_ (¬1) انظر "التهذيب" (8/ 133). (¬2) الروضة (11/ 46). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (18/ 346). (¬4) الروضة (11/ 46). (¬5) الأم (7/ 72).

بلفظه؛ ويدل على أنه بيع إثبات خيار المجلس فيه من قوله عليه الصلاة والسلام: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" (¬1)، قال: ولم ينفرد المتولي بذلك؛ فقد صرح به جمع كبير من الأصحاب، وحكاه في "البيان" عن الطبري (¬2)، وجزم به في "النهاية"، وقال: السلم: صنف من البيوع، ولم يغلب لقب السلم عليه غلبة تمنع اندراجه تحت مطلق الشراء (¬3). 5811 - قول "التنبيه" [ص 198]: (وإن اشترى كل واحد منهما شيئاً فخلطاه فأكل منه .. فقيل: لا يحنث حتى يأكل أكثر من النصف، وقيل: إن أكل حبة وعشرين حبة .. لم يحنث، وإن أكل كفاً .. حنث) الأصح في "أصل الروضة": الثاني (¬4)، وهو مراد "الحاوي" بقوله [ص 652]: (وممكن الخلوص من المخلوط) أي: لا يحنث بما يمكن خلوصه مما اشتراه المحلوف عليه، وعبر عنه "المنهاج" بقوله [ص 552]: (لم يحنث حتى يتيقن أكله من ماله). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم يبين بماذا يحصل التيقن، وكأنه تركه اتكالاً على حال الأكل، ولكنه قد شك وإن أكل كثيراً، وهو يشمل المصحح، ووجه الإصطخري: أنه لا يحنث إلا بأكثر من النصف عند استواء القدرين، بل هو إليه أقرب، فاتجه الإيراد عليه، قال: وعندي أن الكف إنما يحصل به غلبة الظن لا اليقين، فإن اكتفي بغلبة الظن .. فلا يعبر باليقين. 5812 - قول "المنهاج" [ص 552]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 651]: (أو لا يدخل داراً اشتراها زيد .. لم يحنث بدار أخذها بشفعة) تصويره مشكل؛ لأن أخذ كل الدار بالشفعة لا يمكن على مذهبنا، وعبارة "أصل الروضة": لم يحنث بدار ملك بعضها بالشفعة (¬5)، أي: وباقيها بالشراء كما صرح به في "البيان"، وصورها في "التتمة" بأن يأخذ دار جاره بالشفعة، ومحله بعد الحكم له بصحة الأخذ، وإلا .. فهو باطل، فلا أثر له. ورحج شيخنا في "تصحيح المنهاج": الحنث في دار ملك بعضها بشراء وبعضها بشفعة، وقال: الشفعة مثل التولية والإشراك، ولا أثر لكون الشريك يأخذ الشقص قهراً من المشتري؛ لأنه بيع شرعي (¬6). 5813 - قول "التنبيه" [ص 197]: (وإن حلف على رداء أنه لا يلبسه ولم يذكر الرداء في يمينه، فقطعه قميصاً ولبسه .. حنث، وقيل: لا يحنث) صورته كما في "المهذب" وغيره: أن يقول: ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (1973) ومسلم (1532). (¬2) البيان (5/ 395، 396). (¬3) نهاية المطلب (18/ 345). (¬4) الروضة (11/ 46). (¬5) الروضة (11/ 46). (¬6) في حاشية (ج): (كلام البلقيني ضعيف).

لا ألبس هذا الثوب (¬1)، وصوره ابن يونس بأن يقتصر على قوله: لا ألبس هذا، لكن ذكر الماوردي الاتفاق على الحنث في هذه الصورة، أما لو ذكر الرداء في يمينه؛ بأن قال: هذا الرداء .. فالأصح: عدم الحنث، ولو قال: لا ألبسه وهو رداء فقطعه قميصاً .. لم يحنث قطعاً (¬2). 5814 - قول "الحاوي" [ص 653]: (لا إن فرش أو رقد أو تدثر به، أو فتق) صورته: أن يحلف أنه لا يلبس هذا القميص، فإن حلف لا يلبس هذا الثوب ففتقه أو ارتدى به .. حنث. 5815 - قول "التنبيه" [ص 197]: (وإن حلف لا يلبس حلياً فلبس خاتماً أو مخنقة لؤلؤ .. حنث) فيه أمور: أحدها: المراد: خاتم ذهب أو فضة، ولا يحنث بخاتم حديد ونحاس. ثانيها: تناول إطلاقه ما لو لبسه الرجل في غير خنصره، وفي "أصل الروضة" فيما لو حلف لا يلبس خاتماً فجعله في غير الخنصر، عن المزني والبغوي: أنه لا يحنث كما لو حلف لا يلبس القلنسوة فجعلها في رجله، وعن الروياني عن الأصحاب: أنه يحنث (¬3)، وكلام الرافعي في (الوديعة) يقتضي رجحان عدم الحنث (¬4). ثالثها: عبر ابن يونس في "النبيه": بالجوهر بدل اللؤلؤ؛ لأنه أعم. 5816 - قوله: (وإن حلف لا صليت فأحرم بها .. حنث) (¬5) يستثنى منه: صلاة الجنازة، فلا يحنث بها، كما قاله القفال في "فتاويه"، وعلله بأنها غير معهودة. 5817 - قوله: (وإن حلف لا تسريت .. فقد قيل: لا يحنث حتى يحصن الجارية - أي: يسترها - ويطاها وينزل) (¬6) هو الأصح في "أصل الروضة"، قال: ويحكى عن نصه في "الأم"، وعبر الرافعي بسترها عن أعين الناس، والنووي بمنعها من الخروج (¬7)، فمن تتردد في بيته للضيفان خارجة عن العبارة الأولى وداخلة في الثانية. 5818 - قول "الحاوي" [ص 652]: (وغير الزكوي) أي: مال، فمن حلف لا مال له .. حنث بكل مال ولو كان غير زكوي، إلا أن ينوي شيئاً مخصوصاً .. فيحمل عليه؛ لأن العام قد يخصص بالنية. ¬

_ (¬1) المهذب (2/ 136). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 359، 360). (¬3) الروضة (11/ 60)، وانظر "التهذيب" (8/ 123). (¬4) انظر "فتح العزيز" (7/ 312). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 197). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 197). (¬7) فتح العزيز (12/ 349)، الروضة (11/ 85)، وعبر النووي بسترها عن أعين الناس مثل الرافعي.

5819 - قوله: (لا منفعة المستأجر) (¬1) كذا منفعة الموصى به، كذا صححه في "أصل الروضة" هنا (¬2)، لكنه مخالف لقوله في (الوصية): إن الأموال تنقسم إلى أعيان ومنافع (¬3). 5820 - قوله: (كدار العبد إن عتق) (¬4) مقتضاه الحنث فيما إذا قال: لا أدخل دار هذا العبد فعتق، لكن قال الرافعي: يشبه أن يكون على الخلاف فيما لو حلف لا يكلم هذا العبد فكلم بعد العتق، والأصح في تلك الصورة: أنه لا يحنث (¬5). 5821 - قوله: (وثوب من غزلها عام، لا فيما سُداه وخيطه منه) (¬6) كذا ما لحمته منه. 5822 - قوله: (وأفضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم؛ صلِّ على محمد وعلى آل محمد؛ كلما ذكره الذاكرون، وكلما سهى عنه الغافلون) (¬7) كذا نقله الرافعي عن إبراهيم المروذي (¬8)، قال النووي: ويستأنس له بأن الشافعي رضي الله عنه كان يستعمل هذه العبارة؛ ولعله أول من استعملها، ولكن الصواب والذي ينبغي أن يجزم به: أن أفضله ما يقال عقيب التشهد كما ثبت في الصحيح (¬9). 5823 - قوله: (والأشياء - بالواو - بلا إعادة النفي كالشيء) (¬10) يقتضي أنه إذا حلف لا يأكل هذا الرغيف وهذا الرغيف أنه يمين واحدة، وحكى الرافعي عن المتولي أنهما يمينان، ثم قال: وفيه توقف، ولو أوجب حرف العطف كونهما يمينين في الإثبات .. لأوجب كونهما يمينين في النفي (¬11). * * * ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 652). (¬2) الروضة (11/ 52). (¬3) الروضة (5/ 12). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 652). (¬5) انظر "فتح العزيز" (12/ 318). (¬6) انظر "الحاوي" (ص 653). (¬7) انظر "الحاوي" (ص 654). (¬8) انظر "فتح العزيز" (12/ 330). (¬9) انظر "الروضة" (11/ 66). (¬10) انظر "الحاوي" (ص 650). (¬11) انظر "فتح العزيز" (12/ 293).

كتاب النذر

كتابُ النَّذْر 5824 - هو قربة كما صرح به الرافعي في تعليل منع نذر الكافر (¬1)، وقبله المتولي والغزالي، وحكاه ابن أبي الدم عن جماعة، وقال: إنه القياس، وعليه يدل كلام النووي في "شرح المهذب" فيما إذا تلفظ بالنذر في الصلاة (¬2). وفي "المهمات": أنه يعضده النص، وهو قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ}، والقياس، وهو أنه وسيلة إلى القربة، وللوسائل حكم المقاصد، وأيضًا فإنه يثاب عليه ثواب الواجب، كما قاله القاضي حسين، وهو يزيد على النفل بسبعين درجة كما في زوائد "الروضة" في (النكاح) عن حكاية الإمام (¬3)، والنهي عنه محمول على من علم من حاله عدم القيام بما التزمه جمعاً بين الأدلة. انتهى. وفي زيادة "الروضة" في آخر الباب: صح (أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن النذر) (¬4)، وجزم في "شرح المهذب" بكراهته (¬5)، وحكاه الشيخ أبو على السنجي عن نص الشافعي رضي الله عنه، كما نقله ابن أبي الدم، ثم اختار ابن أبي الدم أنه خلاف الأولى. وفي "المطلب" في (الوكالة): أما كونه قربة .. فلا شك فيه إذا لم يكن معلقاً فإن كان معلقاً .. فلا نقول: إنه قربة، بل قد يقال: بالكراهة. انتهى. وهو مشعر بأنه لم يطلع في ذلك على نقل، وفي "الكفاية" هنا بعد نقله عن المتولي أن النذر قربة: ويمكن أن يتوسط فيقال: الذي دل عليه ظاهر الخبر كراهة نذر المجازاة، وأما نذر التبرر - وهو الذي لم يعلق على شيء - .. فيظهر أنه القربة، ثم قال: وفي "الحاوي": أن الحديث يدل على أن ما [يبتدئ به] (¬6) الشخص من البر أفضل مما يلتزمه بالنذر. انتهى (¬7). وحاصل ذلك أربعة أوجه، والله أعلم. 5825 - قول "التنبيه" [ص 84]: (لا يصح النذر إلا من مسلم بالغ عاقل) و"الحاوي" [ص ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (12/ 355، 356). (¬2) المجموع (4/ 94). (¬3) الروضة (7/ 3)، وانظر "نهاية المطلب" (12/ 7). (¬4) الروضة (3/ 334)، والحديث أخرجه البخاري (6234) ومسلم (1639) من حديث سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما. (¬5) المجموع (8/ 342). (¬6) في "الحاوي الكبير": (يبذله). (¬7) الحاوي الكبير (15/ 464).

655]: (النذر: التزام مكلف مسلم) لا يرد عليه السكران كما أورده النووي في عدة أبواب؛ لما بينا من أنه مكلف، كما نص عليه الشافعي رضي الله عنه، وقال في "الكفاية": إنه يشمل السفيه والمفلس والعبد، ولا يصح من السفيه بالمال. قلت: كذا جزم به في "الروضة" هنا (¬1)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 655]: (فيصح من المحجور عليه نذر القرب البدنية)، والمراد: حجر السفه؛ بدليل ذكر المفلس بعده، لكن جزم في "الروضة" في (الحجر) بصحة نذر السفيه المال إذا كان في الذمة (¬2)، ولا يصح النذر من المفلس في العين بناء على منع العتق منه وهو الأصح، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 655]: (ومن المفلس المالية في الذمة). قال في "الكفاية": وأما العبد .. فينبغي أن يقال: نذره المال في الذمة كضمانه؛ أي: والأصح: أنه لا يصح بغير إذن السيد، وفي العين التي يملكها على القول القديم لاغ كالعتق وغيره، والأصح: انعقاد نذره للحج كالسفيه، وغير الحج يشبه أن يكون كالحج في انعقاد النذر به. 5826 - قول "التنبيه" [ص 85]: (ومن نذر شيئاً على وجه اللجاج؛ بأن قال: "إن كلمت فلاناً .. فعليّ كذا " .. فهو بالخيار عند وجود الشرط ببن الوفاء بما نذر وبين كفارة يمين) كذا صححه النووي في كتبه (¬3)، وصحح الرافعي في "المحرر": أنه يجب فيه كفارة يمين (¬4)، ونقل تصحيحه في "الشرح الكبير" عن البغوي وإبراهيم المروذي والموفق بن طاهر وغيرهم (¬5)، وفي "الشرح الصغير" صححه كثير من المعتبرين، وعليه مشى "الحاوي" فقال في (الأيمان) عطفاً على تفسير اليمين بأنها تحقيق ما لم يجب بذكر اسم الله: (وتعليق التزام قربة، ونذر، وكفارة بفعله وتركه) (¬6). فإن قلت: هذا التفسير يصدق على نذر المجازاة، وقد ذكره "الحاوي" في (النذر) بقوله [ص 655]: (ومعلقاً بمقصود). قلت: الفرق بينهما: أنه في نذر المجازاة يرغب في السبب كشفاء المريض بالتزام المسبب، وهو القربة الملتزمة، وفي نذر اللجاج يرغب عن السبب، فكأن السبب في المجازاة ليس من ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 293). (¬2) الروضة (4/ 186). (¬3) انظر "الروضة" (3/ 294)، و "المنهاج" (ص 553). (¬4) المحرر (ص 480). (¬5) فتح العزيز (12/ 249). (¬6) الحاوي (ص 644).

فعله؛ ولهذا قال فيه: (بمقصود) أي: بأمر يقصد حصوله ولا قدرة له عليه، وفي اللجاج من فعله؟ ولهذا قال فيه: (بفعله وتركه)، واستدرك "المنهاج" على "المحرر" فقال: (إن التخيير أظهر، ورجحه العراقيون) (¬1)، وعبارة الرافعي: إيراد العراقيين يقتضي أنه المذهب (¬2). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الذي صححه في "المحرر" هو الذي أفتى به الشافعي والصحابة قبله والتابعون، ورجحه جمع كثير من أصحابه منهم الفوراني والإمام والبغوي والخوارزمي والمروذي والموفق بن طاهر وغيرهم، وهو المعتمد عندنا في الفتوى، قال: ولم أجد القول الثالث - وهو التخيير - في منصوصاته، وقد يستشعر من بعض كلامه. انتهى. وهنا تنبيهان: أحدهما: أن مقتضى قول "المنهاج" [ص 553]: (فلله على عتق أو صوم) أن اللجاج لا بد فيه من التزام قربة، وبه صرح "المحرر" و"الحاوي" (¬3)، لكن الصحيح في "أصل الروضة" فيما لو قال: (إن دخلت الدار .. فلله علي أن آكل الخبز) .. أنه من صور اللجاج، وأنه يلزمه كفارة يمين (¬4)، وسيأتي نظير ذلك في قول "المنهاج" [ص 553]: (ولو نذر فعل مباح أو تركه .. لم يلزمه، لكن إن خالف .. لزمه كفارة يمين على المرجح). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": التزام المباح في نذر اللجاج الأصح عندنا: أنه لا ينعقد، وظاهر كلام "الروضة" هنا انعقاده، وإذا قلنا: ينعقد يمينا .. فمقتضاه: أنه لا تلزمه الكفارة إلا بترك أكل الخبز بحيث يحنث، وقد ألزمه بالكفارة بمجرد الدخول، وهذا يلائم ما ذكره عن القاضي حسين في تعليقه الكفارة في نذر المباح على اللفظ من غير حنث، وقد ذكر المصنف هناك تبعاً للرافعي: أنه لا يتحقق ثبوته، وقضية هذا: أنه إذا أكل الخبز .. فلا كفارة عليه، وإلا .. فعليه كفارة. ثانيهما: مقتضى عبارة "المنهاج" و "الحاوي" تعين كفارة يمين على ذلك القول، وحكى الرافعي عن "شرح مختصر الجويني" وجهين فيما لو وفى بما التزمه .. هل تسقط الكفارة؟ وقال: الظاهر: المنع (¬5). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا الخلاف الذي ذكره لا يعرف، ولكنه يخرج مما نقله في "الكفاية" عن "النهاية"، ولم أجده فيها. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 553). (¬2) انظر "فتح العزيز" (12/ 249). (¬3) المحرر (ص 480)، الحاوي (ص 644). (¬4) الروضة (30/ 296). (¬5) انظر "فتح العزيز" (12/ 250).

نعم؛ في "التتمة": الجزم بأنه لا يجزئه الوفاء بما التزمه على هذا القول، وفي "التهذيب" و"التتمة": أنا إذا قلنا: عليه كفارة يمين، وكان العبد الملتزم عتقه معيباً أو كافراً .. لا يجزئ على هذا القول (¬1)، قال شيخنا: وعندي أن هذا خروج عن المعنى المقتضي لإيجاب الكفارة؛ فإن المعنى في ذلك: التخفيف عن المكلفين، فإن غلّظ المكلف على نفسه بإخراج ماله كله الذي هو مئة ألف مثلًا .. فالمصير إلى أن هذا لا يجزئ، ولا بد من كفارة يمين، ومن جملته إطعام عشرة مساكين خرق عظيم. فإن قيل: ينعكس هذا بأن يكون الملتزَم فلساً فتكون الكفارة أعظم منه. قلنا: ليس هذا بالغالب في نذر اللجاج. فإن قيل: هذا يؤول إلى التخيير فيتحد القولان. قلنا: ذكر الماوردي: أن الأصحاب اختلفوا على قول التخيير على وجهين: أحدهما: أن الواجب عليه أحدهما، وهما في الواجب سواء. والثاني: أن الواجب عليه كفارة وله إسقاطها بالنذر؛ لأن حكم اليمين أغلب وهي بالله تعالى أغلظ، وإن كان الوفاء بالنذر أفضل (¬2). فقد أثبت المارودي على التخيير وجهان: أن الواجب الكفارة وله إسقاطها بالنذر، وأن الوفاء أفضل وهو نفس ما جزمنا به على قول التزام الكفارة، لكن قيدنا الأفضلية بأن يكون الملتزم أكثر من الكفارة، وصار معنى الخلاف: أن الواجب الكفارة عيناً، وله أن يسقطها بالقيام بما التزم، أو الواجب أحد الأمرين، واشترط ابن يونس في "شرح التنبيه" في الوفاء بالملتزم: ألاَّ ينقص عن قيمة الكفارة، والمعتمد: جوازه وإن نقص. انتهى. وانتقد شيخنا أيضاً قول "المنهاج" [ص 553]: (ورجحه العراقيون) بأنهم لم يرجحوه على قول الكفارة، بل رجحوه على قول لزوم الوفاء؛ فإنهم لم يذكروا قول الكفارة بمعنى أنه لا يجزئ الملتزم، وإنما ذكروه جازمين عليه بأن له إسقاطها بالملتزم. 5827 - قول "المنهاج" [ص 553]: (ولو قال: "إن دخلت .. فعلي كفارة يمين أو نذر " .. لزمته كفارة بالدخول) حكى في "أصل الروضة" عن القاضي حسين وغيره في قوله: (إن دخلت .. فعلي نذر): أن هذا تفريع على قولنا في نذر اللجاج: يجب الكفارة، فإن أوجبنا الوفاء .. لزمته قربة من القرب، والتعيين إليه، وليكن ما يعينه مما يلتزم بالنذر، وعلى قول ¬

_ (¬1) التهذيب (8/ 148). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 460).

التخيير .. يتخير بين ما ذكرناه وبين الكفارة. انتهى (¬1). ومقتضاه: أن ما ذكره "المنهاج" لا يجزئ على ما رجحه من التخيير، لكن جزم الماوردي في هذه الصورة بتعين الكفارة تغليباً لحكم اليمين على النذر؛ لأن كفارة اليمين معلومة وموجب النذر المطلق مجهول؛ فلم يجز التخيير بين معلوم ومجهول (¬2)، ومنع ذلك شيخنا في "تصحيح المنهاج" فإنه ينزل على قربة من القرب التي تلزم بالنذر والتعيين إلى الناذر. وقال في حواشي "الروضة": لو كان ذلك في نذر التبرر؛ بأن قال: (إن شفى الله مريضي .. فلله عليّ نذر) .. لزمه قربة من القرب والتعيين إليه، ولو قال ابتداء من غير تعليق بشيء: (لله عليّ نذر) .. جاء فيه البطلان والصحة، وهو الأصح، ويكون اللازم بخيرته، وفي "مختصر البويطي": من قال: (لله عليّ نذر) ولم يسم له مخرجاً ولم يقل: إن فعلت أو لم أفعل .. فلا كفارة عليه؛ لأن النذر لا يكون أكثر من قوله: والله، ولو قال رجل: والله .. ما كان عليه شيء. انتهى. 5828 - قولهم - والعبارة لـ "التنبيه" -: (ومن علق النذر على أمر يطلبه؛ كشفاء المريض وقدوم الغائب .. لزمه الوفاء به عند وجود الشرط) (¬3) استثنى منه شيخنا في "تصحيح المنهاج": ما إذا نذر في حال إطلاق تصرفه نذراً مالياً، ثم حجر عليه بالسفه .. فالأقيس: أنه لا يتعلق بماله، ولا يلزم بعد رشده، ويحتمل أن يتعلق بماله؛ لأنه صدر الالتزام في حال إطلاق تصرفه، قال: وهذا بخلاف ما إذا علق الرشيد عتق عبده على صفة ثم حجر عليه بالسفه ثم وجدت الصفة .. فإنه ينفذ؛ لقوة العتق. انتهى. ولا يلزم من اللزوم عند الشرط انتفاء الإجزاء قبله، والذي في "أصل الروضة": أنه يجوز تقديمه عليه إن كان مالياً، وفي "فتاوى القفال" ما ينازع فيه (¬4)، لكن المصحح فيها في (باب تعجيل الزكاة): المنع، وعبارة "المنهاج" ظاهرة في أن نذر التبرر قسمان: ما علق على شيء، وما لم يعلق على شيء، وسمى الرافعي وغيره الأول نذر المجازاة (¬5)، وسمى "الكفاية" الأول نذر المجازاة، والثاني نذر التبرر. 5829 - قول "المنهاج" [ص 553]: (وإن لم يعلقه بشيء؛ "لله علىّ صوم " .. لزمه في الأظهر) قد يفهم أنه لا يلزم بدون قوله: (لله)، وليس كذلك؛ ولهذا صرح "التنبيه" ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 296). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 460). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 84)، و "الحاوي" (ص 655)، و"المنهاج" (ص 553). (¬4) الروضة (11/ 19). (¬5) انظر "فتح العزيز" (12/ 356).

و"الحاوي" في الذي لم يعلق بشيء بالتصويرين معاً؛ أعني: قوله: (لله) ودونها (¬1)، وكان "المنهاج" اكتفى بذكرهما في صورة نذر المجازاة. واعلم: أنه لو شُفي مريضه فقال: لله عليّ عتق رقبة لهذه النعمة .. لزمه الوفاء بالنذر قولاً واحداً كما لو علق بشفاء المريض وإن لم يوجد تعليق، ذكره القاضي حسين في "تعليقه" في آخر (الأيمان)، وحكاه عنه في "الكفاية". قال شيخنا في "تصحيج المنهاج": وكأنه نظر إلى أن هذا جزاء شكر النعمة، فأنزله منزلة المجازاة المعلقة قبل الحصول، وهذا كلام حسن معتمد. انتهى. 5830 - قول "المنهاج" [ص 553]: (ولا يصح نذر معصية) أورد عليه في "التوشيح": أن الرافعي حكى عن "التتمة": أنه لو نذر إعتاق العبد المرهون .. ينعقد نذره إن قلنا: ينفذ عتقه في الحال أو عند أداء المال، وذكروا في "الرهن": أن الإقدام على عتق المرهون لا يجوز، قال: فإن تم الكلامان .. كان نذراً في معصية منعقداً. 5831 - قول "التنبيه" [ص 84]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 655]: (ولا يصح النذر إلا في قربة) قيده "المنهاج" بألاَّ تكون واجبة (¬2)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محله في واجب العين على طريق التخصيص، فأما واجب الكفاية الذي يحتاج في أدائه إلى بذل مال ومقاساة مشقة؛ كالجهاد وتجهيز الموتى .. فإنه لازم كما في "أصل الروضة " عن الإمام، فإن لم يحتج إلى بذل مال ولا كثير مشقة؛ كصلاة الجنازة .. فالأصح: لزومه بالنذر أيضًا (¬3)، وأما واجب العين على طريق العموم كما إذا نذر الوضوء لكل صلاة؛ فإذا توضأ لصلاة عند حدث .. خرج به عن واجبي الشرع والنذر كما جزم به في "أصل الروضة" (¬4). 5832 - قول "المنهاج" [ص 553]: (ولو نذر فعل مباح أو تركه .. لم يلزمه، لكن إن خالف .. لزمه كفارة يمين على المرجح) تبع فيه قول "المحرر": (على ما رجح من المذهب) (¬5)، لكن كلام "أصل الروضة" يقتضي عدم اللزوم، فإنه قال: فيه ما سبق من نذر المعاصي والفرض (¬6)، والذي سبقه في نذر المعاصي: أنه لا كفارة فيها على المذهب، وبه قطع الجمهور، وفي نذر الفرض: أن فيه ما سبق في المعصية، وادعى صاحب "التهذيب" أن الظاهر ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 84، 85)، الحاوي (ص 655). (¬2) المنهاج (ص 553). (¬3) الروضة (3/ 301)، وانظر "نهاية المطلب" (18/ 420). (¬4) الروضة (3/ 302). (¬5) المحرر (ص 480). (¬6) الروضة (3/ 303).

وجوبها، وحكى لزوم كفارة اليمين في نذر المباح عن البغوي، ولم يعترضه (¬1). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو ممنوع؛ فقد نص في "الأم" و "المختصر" على أنه لا شيء عليه، وذلك في قوله: إن شفا الله فلاناً .. فلله عليّ أن أمشي، وهو الأرجح؛ لأن القسم بالله ليس موجوداً فيه، ولم يرد فيه نص بخصوصه يوجب الكفارة كما في التحريم، والخبر في كفارة النذر محمول على نذر منعقد، وهو نذر اللجاج؛ وذلك للتخفيف. 5833 - قوله: (ولو نذر صوم أيام .. نُدب تعجيلها) (¬2) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محله ما لم يكن عليه صوم كفارة سبقت النذر وهي على التراخي .. فإنه يندب تعجيل الكفارة، وتقدم على النذر، فإن كانت الكفارة على الفور .. وجب تعجيلها. 5834 - قوله: (فإن قيد بتفريق .. وجب) (¬3)، و"الحاوي" [ص 655]: (وصوم شهر متفرقاً) صحح شيخنا في "تصحيح المنهاج" تبعاً للإمام والغزالي: أنه لا يجب (¬4)؛ لأن التتابع أفضل وأغلظ، ثم ذكر أنه لو نذر التفريق الذي ندب إليه النبي صلى الله عليه وسلم بيوم ويوم .. ففي وجوبه احتمال، ولو قيل به .. لكان قوياً؛ لأنه نذر ما هو مندوب إليه شرعاً، بخلاف مطلق التفريق؛ فإنه غير مقصود في نفسه. 5835 - قول "التنبيه" فيما لو نذر صوم سنة بعينها [ص 85]: (وإن كانت امرأة فحاضت .. قضت أيام الحيض في أصح القولين) كذا صححه في "المحرر" (¬5)، لكنه في "الشرح الكبير" لم يحك تصحيحه إلا عن البغوي خاصة، وحكى تصحيح عدم الوجوب عن أبي على الطبري وابن القطان والروياني، وأن ابن كج نسبه إلى الجمهور (¬6)، وقال في "الشرح الصغير": إنه الأظهر عند الأكثرين، وصححه في "أصل الروضة" (¬7) فلذلك استدركه في "المنهاج" فقال [ص 554]: (الأظهر: لا يجب، وبه قطع الجمهور). ولا يلزم من عزو ابن كج والرافعي ذلك إلى الجمهور قطعهم به، وقال شيخنا الإسنوي في "تصحيحه": إن الذي في "الروضة" غلط سببه انعكاس كلام الرافعي عليه، قال: وقد أوضحته في "المهمات"، ولم يذكر ذلك في "المهمات" ولعله كان ظهر له ذلك ثم غيره؛ ولهذا قال في ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 300، 301)، وانظر "التهذيب" (8/ 151). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 553). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 553). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (18/ 446)، و "الوجيز" (2/ 233). (¬5) المحرر (ص 481). (¬6) فتح العزيز (12/ 370)، وانظر "التهذيب" (8/ 157). (¬7) الروضة (3/ 310).

"المهمات": وغالب نسخ "الرافعي الكبير" في هذه المسألة سقيمة حصل فيها إسقاط من النساخ، وقد أصلحت ما وقع لي منها، وصحح شيخنا في "تصحيح المنهاج": القضاء تنزيلًا للنذر منزلة واجب الشرع، وهو صوم رمضان، وقال: إنه المعتمد، ونازع في نقل مقابله عن الجمهور، وقال: لم نجده لأحد من العراقيين في ذلك تصحيحاً إلا لـ"التنبيه" والبندنيجي، ولا من المراوزة إلا البغوي، وصحح هؤلاء الوجوب، وهم مقابلون للثلاثة الذين حكى الرافعي عنهم عدم إيجاب القضاء، وهنا أمور: أحدها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه لم يقف على القولين، ولا على واحد منهما، والظاهر أنهما مخرجان من القولين في صورة الأثانين في العيدين والتشريق، فيكونان وجهين لا قولين. ثانيها: أن محل الخلاف فيما أفطرته بالحيض في غير رمضان، فإن كان في رمضان .. لم تقضه إلا عن رمضان فقط، وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج": أن "التنبيه" احترز عن ذلك بقوله: (وإن كانت امرأة فحاضت .. قضت أيام الحيض الواقعة في غير رمضان) ولم أقف على هذه الزيادة في "التنبيه". ثالثها: القياس: أن النفاس والإغماء في ذلك كالحيض، بخلاف الجنون؛ فلا يقضي ما فاته به في صورة النذر كرمضان، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: لم أر من تعرض لذلك (¬1). 5836 - قول "المنهاج" [ص 554]: (وإن أفطر يوماً بلا عذر .. وجب قضاؤه) مفهومه: أنه إن أفطر بعذر .. لم يجب قضاؤه، ويستثنى منه: إفطاره بالسفر؛ فيجب قضاؤه على المذهب، فإن أفطر بالمرض .. ففي "أصل الروضة": أن فيه الخلاف المتقدم في الإفطار بالحيض، ورجح ابن كج: وجوب القضاء؛ لأنه لا يصح أن تنذر صوم أيام الحيض، ويصح أن تنذر صوم أيام المرض (¬2). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ومقتضاه: أن الأصح عنده: أنه لا يجب القضاء، وليس كذلك، بل الأصح: وجوب القضاء كما صححناه في (الحيض)، وأولى، وفي "شرح الرافعي": ويشبه أن يرجح وجوب القضاء في المرض في صورة سنة معينة، ذكر ذلك في صوم الأثانين (¬3). ¬

_ (¬1) في حاشية (ج): (قلت: مسألة النفاس مصرح بها في "أصل الروضة"، وأنها كالحيض). الروضة (3/ 310). (¬2) الروضة (3/ 310، 311). (¬3) فتح العزيز (12/ 377، 378).

5837 - قوله: (ولا يجب استئناف سنة) (¬1) صوابه: ولا يجب استئناف ما مضى. 5838 - قوله: (فإن شرط التتابع .. وجب في الأصح) (¬2) أي: استئناف سنة مع احتمال عود الضمير إلى التتابع، ويكون معناه: وجب التتابع في القضاء، كذا قاله الشيخ أبو حامد، وقال القفال: لا يجب التتابع، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه أرجح؛ لأن التتابع في المعية من ضرورة الواقع، فإذا شرطه .. لم يفد في أصل المنذور شيئاً. 5839 - قوله: (أو غير معينة وشرط التتابع .. وجب. ولا يقطعه صوم رمضان عن فرضه وفطر العيد والتشريق، ويقضيها تباعاً متصلة بآخر السنة، ولا يقطعه حيض، وفي قضائه القولان) (¬3)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": القطع بإيجاب قضاء رمضان والعيد والتشريق وحكاية القولين في الحيض لا يستقيم؛ فإن أيام الحيض أولى بوجوب القضاء؛ فإنه يمكنه خلو السنة عنها ولا يمكن خلوها عن رمضان والعيد والتشريق، قال: ولم يقل بذلك أحد من الأصحاب إلا البغوي والخوارزمي والرافعي والنووي (¬4)، إلا أن منهم من لا يذكر أيام الحيض؛ لفهمها من طريق الأولى، ومنهم من يذكرها كصاحب "البيان" (¬5). 5840 - قوله: (أو يوم الاثنين أبداً .. لم يقض أثاني رمضان) (¬6) أي: الأربعة، فلو وقع فيه خمسة أثانين .. ففي قضاء الخامس القولان الآتيان في العي؛ لأن الخامس قد يقع وقد لا يقع كالعيد. 5841 - قوله: (وكذا العيد والتشريق في الأظهر) (¬7) صحح شيخنا في "تصحيح المنهاج" تبعاً للشيخ أبي حامد وأتباعه مقابله، ويوافقه "تصحيح التنبيه" فيما لو نذر أن يصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان فوافق العيد (¬8)، وسيأتي. 5842 - قول "المنهاج" [ص 554]: (فلو لزمه صوم شهرين تباعاً لكفارة .. صامهما، ويقضي أثانيهما) يتناول ما إذا سبقت الكفارة النذر، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 655]: (وفي الصوم المعين قضى ما يقع عنه كأثانين الكفارة) لكن استدرك "المنهاج" من زيادته فقال بعد قوله: (وفي ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 554). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 554). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 554). (¬4) انظر "التهذيب" (8/ 158)، و "فتح العزيز" (12/ 370، 371)، و "الروضة" (3/ 311، 312). (¬5) البيان (4/ 489). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 554). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 554). (¬8) تصحيح التنبيه (1/ 279).

قول: لا يقضي إن سبقت الكفارة النذر): (ذا القول أظهر) (¬1) وكذا صححه في "الروضة" من زيادته أيضاً (¬2)، ونازعه شيخنا في "تصحيح المنهاج" في ذلك، وقال: الأظهر المعتمد في المذهب: الوجوب، ثم بسط ذلك، وكذا قال في "المهمات": إن الصواب: الوجوب؛ فإن الربيع قد نقله عن النص، لكن يشكل عليه ما لو نذر صوم الدهر وكان عليه كفارة حين النذر؛ فإن زمانها مستثنى، كما قاله الرافعي (¬3)، وقياس ما قاله في الأثانين: أن يفدي عن النذر كما لو لزمت الكفارة بعد أن نذر. انتهى. ورجح في "الروضة" و"الشرحين" أن الخلاف وجهان، ولفظهما: وجهان، ويقال: قولان (¬4). 5843 - قول "المنهاج" [ص 554]: (أو يوماً من أسبوع ثم نسيه .. صام آخره وهو الجمعة) صريح في أن أوله السبت، وكذا في "الروضة" وأصلها هنا (¬5)، لكن في "شرح المهذب"في (صوم التطوع): أنه سُمي يوم الإثنين؛ لأنه ثاني الأيام، والخميس؛ لأنه خامس الأسبوع (¬6)، ومقتضاه: أن أوله الأحد، والصواب الأول؛ لحديث أبي هريرة في "صحيح مسلم": "خلق الله التربة يوم السبت" (¬7). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا في الذين عُرفهم أن الأسبوع أوله السبت، فأما قوم عُرفهم أن أوله الأحد .. فيجوز أن يكون نذر صوم يوم السبت، فإذا صام الجمعة .. لا يكون أداء؛ لأنه ليس المنذور، ولا قضاءً؛ لأن آخر الأسبوع عنده السبت. 5844 - قوله: (ومن شرع في صوم نفل فنذر إتمامه .. لزمه على الصحيح) (¬8) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محله فيما إذا نوى من الليل، فإن نوى في النهار قبل الزوال .. لم يلزمه الوفاء على الصحيح؛ لأنه إذا لم ينو في الليل .. فقد انعقد صومه بنية في النهار على صفة لا يقع مثلها في الواجب، فتعذر الوجوب فيها، وعبارة "المحرر" تفهمه؛ لقوله: (من أصبح صائماً عن تطوع) (¬9)، وهذا كما يقول في الصبي إذا بلغ في نهار رمضان وهو صائم: إنما يجزئه إذا كان ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 554). (¬2) الروضة (3/ 317). (¬3) انظر "فتح العزيز" (12/ 379). (¬4) فتح العزيز (12/ 378)، الروضة (3/ 317). (¬5) فتح العزيز (12/ 368)، الروضة (3/ 308). (¬6) المجموع (6/ 412). (¬7) صحيح مسلم (2789). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 554). (¬9) المحرر (ص 481).

قد نوى من الليل، قال: فإن قيل: ففي "الوجيز": لو نذر من نوى نهاراً صوم تطوع أن يتم ذلك اليوم .. لزمه (¬1). قلنا: هذا الذي وقع في "الوجيز" ليس في "الوسيط" و"البسيط" و"النهاية"، وهو يوافق رأي من لا يوجب تبييت النية في صوم النذر. انتهى. قلت: وتبع "الوجيز" في ذلك "الحاوي" فقال [ص 655]: (وإتمام ما نوى نهاراً) وقال شارحه القونوي: وليس ذلك صوم بعض يوم؛ لأن المذهب: أن الناوي من النهار صائم من أوله. 5845 - قول "التنبيه" [ص 85]: (وإن نذر أن يصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان .. لم يصح نذره في أحد القولين، ويصح في الآخر) الأظهر: الصحة، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، ثم مقتضى تقسيم "المنهاج" أحوال المسألة: أنه لا يتأتى صيامه أداء، وليس كذلك؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 656]: (ويوم يقدم زيد .. صامه بعلامة) وهو معنى قول "التنبيه" [ص 85، 86]: (فإن قدم في أثناء النهار .. نوى صومه، ويجزئه) ومراده: أنه أعلم ليلاً بقدومه نهاراً، فنوى صومه ليلاً اعتماداً على ذلك الإعلام. وقال النشائي في "نكته": التصوير فيما إذا كان متطوعاً أو ممسكاً قبل الزوال، والمنقول: وجوب صوم يوم آخر إن قلنا: يلزمه الصوم من أول اليوم، وإن قلنا: من وقت القدوم .. فكذلك في الأصح في "التهذيب" و"الشرح الصغير"، فما في "التنبيه" ضعيف على الضعيف. انتهى (¬3). وتبعه في "التوشيح"، وكذا ذكر شيخنا الإسنوي مثل هذا الاعتراض في "التنقيح"، واستدركه في "تصحيحه" على "التنبيه" (¬4)، وقد عرفت أن عبارة "التنبيه" مأوّلة بما تقدم، والله أعلم. 5846 - قول "التنبيه" [ص 86]: (وإن وافق العيد .. قضاه في أصح القولين) الأظهر: أنه لا يقضيه، وبه جزم "المنهاج" (¬5)، واستغرب شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه" ما في "التنبيه"، وقال: هو غير معروف، والمعروف أن القولين إنما هما فيما إذا نذر صوم اليوم الذي يقدم فيه فلان أبداً، فقدم يوم الاثنين مثلاً، فإذا وافق بعد ذلك عيداً .. ففي لزوم القضاء قولان. ¬

_ (¬1) الوجيز (2/ 233). (¬2) الحاوي (ص 656)، المنهاج (ص 554). (¬3) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 80)، وانظر "التهذيب" (8/ 161). (¬4) تذكرة النبيه (3/ 81). (¬5) المنهاج (ص 554).

فصل [في نذر المشي إلى مكة أو الحج والعمرة وما يتعلق به]

5847 - قول "الحاوي" [ص 656]: (واعتكف ما بقيَ) أي إذا نذر أن يعتكف يوم قدوم زيد فقدم نهاراً، ومقتضاه: أنه لا يلزمه قضاء ما مضى، لكن الأصح في الرافعي في (الاعتكاف): وجوبه (¬1)، وهو مقتضى بنائه هنا وجوب القضاء على أن مقتضى نذره صوم يوم يقدم زيد: لزوم الصوم من أول اليوم، وهو الأصح. فصلٌ [في نذر المشي إلى مكة أو الحج والعمرة وما يتعلق به] 5848 - قول "التنبيه" [ص 85]: (ومن نذر المضي إلى مكة أو إلى الكعبة .. لزمه قصدها لحج أو عمرة) لا يختص ذلك بهما؛ فجميع بقاع الحرم ولو دار أبي جهل حكمه كذلك؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 656]: (وإتيان شيء من الحرم يوجب الحج أو العمرة) وتناولت عبارتهما ما لو زاد فقال: لا حاجاً ولا معتمراً، وهو الأصح في زيادة "الروضة" و"شرح المهذب" (¬2). لكن قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأصح عندنا أنه لا ينعقد نذره؛ لأنه صرح بما ينافي نذره، فأبطل نذره، ولو نذر إتيان عرفات وأراد به التزام الحج أو إتيانها محرمًا .. لزمه الحج، وإلا .. لم ينعقد، وقيل: إن نذر إتيانها يوم عرفة .. لزمه الحج، وخرج شيخنا في "تصحيح المنهاج" على ذلك ما لو نذر إتيان الجحفة أو ذي الحليفة وأراد التزام الحج أو العمرة أو إتيانه محرماً .. انعقد نذره، قال: وقياسه: إذا قال المكي: لله عليّ الخروج إلى التنعيم أو نحوه، ونوى الإحرام بعمرة من ذلك الموضع .. لزمه. 5849 - قول "المنهاج" [ص 555]: (نذر المشي إلى بيت الله تعالى أو إتيانه .. فالمذهب: وجوب إتيانه بحج أو عمرة) مخالف للأصح في "الروضة": أنه لا ينعقد نذره، إلا أن يصف بيت الله تعالى بأنه الحرام أو ينويه (¬3)، وعليه مشى "التنبيه" فقال [ص 85]: (وإن نذر المشي إلى بيت الله تعالى ولم يقل: الحرام .. لم يلزمه المشي على ظاهر المذهب)، و"الحاوي" فقال عطفاً على المنفي [ص 655]: (وإتيان بيت الله)، ونص عليه في "الأم" فقال: (وإذا نذر أن يمشي إلى بيت الله ولا نية له .. فالاختيار أن يمشي إلى بيت الله الحرام، ولا يجب ذلك عليه إلا بأن ينويه؛ لأن المساجد بيوت الله تعالى) (¬4). ¬

(¬1) في حاشية (ج): (فائدة: الذي في الرافعي في الاعتكاف: أنه لا يجب، وقد ذكره ابن الملقن في تصحيحه، فتنبه لذلك). انظر "فتح العزيز" (3/ 267، 268). (¬2) الروضة (3/ 325، 326)، المجموع (8/ 387، 388). (¬3) الروضة (3/ 322). (¬4) الأم (2/ 256).

فيحمل إطلاق "المختصر" عليه، كما حكاه الشيخ أبو حامد عن الأكثرين، وينبغي أن يصنع ذلك في عبارة "المنهاج"، فتحمل على ما إذا صرح بأنه الحرام أو نواه؛ ويدل لذلك تعبيره فيها بالمذهب؛ فإن هذه الصورة هي ذات الطريقين: المذهب: الوجوب، وقيل: قولان، أما إذا لم يصرح بذلك ولا نواه .. فعبارة "الروضة": فيها وجهان أو قولان (¬1)، وعلى ذلك حملها شيخنا ابن النقيب، فقال: المراد والله أعلم: إذا قال: بيت الله الحرام أو نواه (¬2). وعليه مشى في "التوشيح"، فقال: لم يتكلما في "المحرر" و"المنهاج" إلا في صورة التقييد بالحرام، وإلا .. يلزم إهمالهما من هذين الكتابين أشهر الصورتين، وهو بعيد؛ فكيف يحمل الأمر عليه ثم يدعي عليهما التناقض وعلى النووي الغفلة في تقرير "التنبيه" على ذلك؟ ! ومما يدل على ذلك تعبيره في "المنهاج" بالمذهب؛ فاقتضى أن الخلاف طريقان، وإنما هو طريقان في صورة وصفه بالحرام. انتهى. وفي "أصل الروضة" عن "التتمة": أنه لو قال: أمشي ونوى بقلبه حاجاً أو معتمراً .. انعقد النذر على ما نوى، وإن نوى إلى بيت الله الحرام .. جعل ما نواه كانه تلفظ به (¬3). واعلم: أن شيخنا في "تصحيح المنهاج" قال: إن محل ما ذكروه: ما إذا كان الناذر خارج الحرم، فإن كان داخله .. لم يلزمه إتيانه بحج ولا عمرة، ويكون كنذر إتيان مسجد المدينة أو الأقصى حتى يكون الأظهر: أنه لا يلزمه إتيانه مطلقاً، فلو كان في نفس المسجد الحرام ونذر إتيانه .. لغى نذره، إلا أن يريد: بعد ما يخرج منه، قال: ويحتمل عند الإطلاق الصحة وحمله على إتيانه بعد الخروج منه، قال: ولم أر من تعرض لذلك، وهو من النفائس. 5850 - قول "التنبيه" [ص 85]: (وإن نذر المشي إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى المسجد الأقصى .. لزمه ذلك في أحد القولين دون الآخر) الأظهر: أنه لا يلزمه، صححه الرافعي في "الشرح الصغير" والنووي في "تصحيح التنبيه" (¬4)، ونقل في "الروضة" وأصلها تصحيحه عن العراقيين وغيرهم (¬5)، وعليه يدل قول "الحاوي" عطفاً على المنفي: (وإتيان بيت الله) فدل على اختصاص اللزوم ببيت الله الحرام دون سائر بيوته. 5851 - قول "التنبيه" [ص 85]: (ومن نذر الحج راكباً فحج ماشياً .. لزمه دم) هو في "الروضة" وأصلها و"الكفاية" مبني على أن الركوب أفضل، فإن جعلنا المشي أفضل أو سوينا ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 322). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 177). (¬3) الروضة (3/ 326). (¬4) تصحيح التنبيه (1/ 276). (¬5) فتح العزيز (12/ 388، 389)، الروضة (3/ 323).

بينهما .. فلا دم (¬1)، وفي "شرح المهذب": أن الشيخ أطلق وجوب الدم، وفي "البيان": أنه المذهب المشهور، وأن الخراسانيين قطعوا بأنه إنما يجب إذا قلنا: الركوب أفضل، ثم قال النووي: وكيف كان .. فالمذهب: وجوب الدم (¬2). 5852 - قوله: (ومن نذر الحج ماشياً .. لزمه الحج ماشياً) (¬3) بناه الرافعي على الأظهر عنده: أن المشي أفضل (¬4)، لكن قال النووي: الصواب أن الركوب أفضل وإن كان الأظهر لزوم المشي بالنذر؛ لأنه مقصود. انتهى (¬5). وقد يقال: كيف يكون مقصوداً مع كونه مفضولاً، وبتقدير كونه مقصوداً .. فالقصد في الركوب أكثر، فإذا عدل إلى الأعلى .. فقد أحسن. 5853 - قول "التنبيه" [ص 85]: (من دويرة أهله، وقيل: من الميقات) أي: الإحرام والمشي، والأصح: أنه إنما يلزمه الإحرام من الميقات، وأن المشي يجب في حين الإحرام سواء أحرم من الميقات أو قبله؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 555]: (فإن كان قال: "أحج ماشياً" .. فمن حيث يحرم)، قال في "الروضة": سواء أحرم من الميقات أو قبله (¬6). قال في "المهمات" وكذا بعده؛ بأن جاوزه غير مريد للنسك ثم عَنَّ له الإحرام .. فالقياس: أنه يمشي من ذلك الموضع ولا شيء عليه، قال ولو جاوزه مريداً له وهو راكب .. فيحتمل وجوب دمين. 5854 - قول "المنهاج" [ص 555]: (وإن قال: "أمشي إلى بيت الله تعالى" .. فمن دويرة أهله في الأصح) هو كقول "الحاوي" [ص 655]: (والمشي من بيته في الحج) وليس في كلامهما إلا إيجاب المشي دون الإحرام، فله أن يؤخر الإحرام إلى الميقات، وهو الأصح، وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج": أن للأصحاب في هذه المسألة طريقين: إحداهما: أنه يلزمه المشي من دويرة أهله قطعاً، وفي الإحرام منها أو من الميقات وجهان. والثانية: أن الخلاف فيهما، والمذهب: لزومهما من الميقات، وقال: إن الأولى أظهر، وإن كلام "المنهاج" مخالف لهما؛ لحكايته الخلاف في المشي، وترجيحه لزومه من دويرة أهله، ومحل الخلاف: فيمن دويرة أهله فوق الميقات، فإن كانت دونه .. أحرم منها قطعاً، ¬

_ (¬1) فتح العزيز (12/ 381)، الروضة (3/ 321). (¬2) المجموع (8/ 387)، وانظر "البيان" (4/ 496). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 85). (¬4) انظر "فتح العزيز" (12/ 381). (¬5) انظر "الروضة" (3/ 319). (¬6) الروضة (3/ 320).

والمراد بدويرة أهله: مكانه حين النذر، فلو قال مغربي هذا الكلام بالإسكندرية .. كانت الإسكندرية دويرة أهله وبيته. 5855 - قول "التنبيه" [ص 85]: (ولا يجوز أن يترك المشي إلى أن يرمي في الحج) المذهب في "أصل الروضة" وبه قطع الجمهور وهو المنصوص: أنه يلزمه المشي حتى يتحلل التحللين، وإن بقي عليه الرمي أيام منى (¬1)، وقال في "شرح المهذب": ما ذكره في "التنبيه" مخالف لما في "المهذب" وكلام الأصحاب، وأقرب ما يتناول عليه كلامه أنه أراد بالرمي رمي جمرة العقبة يوم النحر، وفرع على أن الحلق ليس بنسك، وعلى الوجه الشاذ: أنه يكفيه المشي حتى يتحلل التحلل الأول، قال: وأما رمي أيام التشريق .. فلا خلاف في الركوب قبله بعد التحللين (¬2). وقال في "الكفاية" في تأويل كلام الشيخ: أي: جمرة العقبة إذا جعله آخر التحللين. قال النشائي: وهذا محمل حسن (¬3)، وحكى الماوردي فيما لو نذر المشي إلى البيت الحرام ثلاثة أوجه: أحدها: أنه ينتهي الإيجاب بالمشي إلى البيت. والثاني: بفراغ طواف القدوم. والثالث: بالتحلل الثاني (¬4). وصحح شيخنا في"تصحيح المنهاج": الأول، ولو قال: أمشي حاجاً .. ففي "أصل الروضة": أن الصحيح: أنه كقوله: أحج ماشياً، ومقتضى كل واحد منهما: اقتران الحج والمشي (¬5). واستشكله في "المهمات"، وقال: مقتضاه في هذه الصورة: التزام مشى في حال الحج، فيصدق بمشي لحظة بعد الإحرام، بخلاف الحج ماشياً؛ فإن مدلوله إيقاع الحج في حال المشي، فيلزم منه الاستغراق. قال في "أصل الروضة": والقياس: أنه إذا كان يتردد في خلال أعمال النسك لغرض تجارة وغيرها .. فله أن يركب، ولم يذكروه (¬6). 5856 - قوله: (وبفرغ من العمرة) (¬7) لم يتقدم للعمرة ذكر، فلو قال أولاً: (ومن نذر نسكاً ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 320). (¬2) المجموع (8/ 384). (¬3) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 79). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (15/ 473). (¬5) الروضة (3/ 320). (¬6) الروضة (3/ 320). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 85).

ماشياً) .. لعم الحج والعمرة، واستقام قوله بعد: (ويفرغ من العمرة). 5857 - قولهما - والعبارة لـ" المنهاج": - (وإذا أوجبنا المشي فركب لعذر .. أجزأه وعليه دم في الأظهر) (¬1) قيده شيخنا في "تصحيح المنهاج" بأن يركب بعد الإحرام من الميقات أو غيره، أو بعد أن جاوز الميقات غير محرم مسيئاً، فإن ركب قبل الإحرام .. لم يلزمه دم؛ لأنه لم يتلبس بنسك يقتضي ارتكاب خلل فيه يوجب الدم (¬2)، ثم مال شيخنا إلى عدم وجوب الدم مطلقاً، وحكى عن البيهقي أنه قال: والذي اختاره الشافعي في (كتاب النذور) من وجوب المشي فيما قدر عليه وسقوطه فيما عجز عنه أشبه الأقاويل بحديث أبي هريرة وأنس بن مالك وأبي الخير عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو أولى به (¬3)، قال شيخنا: وهذا تصريح من البيهقي باختيار الشافعي القول بسقوط المشي عند العجز، وعدم إيجاب الدم، وشاهده (¬4) الأحاديث الصحيحة، ولم يجئ حديث في التعرض للهدي إلا من طريق ابن عباس وعقبة وأبي هريرة وعمران ابن حصين، وكلها معلولة، ثم بسط ذلك، قال شيخنا: وإذا كان الشافعي اختار هذا القول والربيع والبيهقي، والحجة له صحيحة .. فهو الأصح، وعبارة "المنهاج" تفهم أنه لا خلاف في هذه الصورة في الإجزاء، وبه صرح في "شرح المهذب" (¬5)، لكن فيه قول: أنه لا يجزئه بل عليه إذا صح أن يعيد النسك، فيمشي في موضع ركوبه الأول، ويركب في موضع مشيه، ذكره في اختلاف على وابن مسعود رضي الله عنهما. 5858 - قوله: (أو بلا عذر .. أجزأه على المشهور) (¬6) ليس الخلاف في"المحرر" (¬7). 5859 - قوله فيما إذا نذر الحج عامه: (فإن منعه مرض .. وجب القضاء) (¬8) فيه أمران: أحدهما: محله فيما إذا كان ذلك بعد الإحرام، فإن كان قبله؛ بأن مرض وقت خروج القافلة .. فلا قضاء، كما لا تستقر حجة الإسلام في هذه الحالة، حكاه في "الروضة" وأصلها عن "التتمة" (¬9). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه مخالف لنص "الأم" صريحاً و"المختصر" ظاهراً، ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 85)، و"المنهاج" (ص 555). (¬2) انظر "حاشية الرملي" (1/ 585). (¬3) انظر "سنن البيهقي الكبرى" (10/ 81)، (19918). (¬4) في النسخ: (ويشاهده)، ولعل الصواب ما أثبت، والله أعلم. (¬5) المجموع (8/ 386، 387). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 555). (¬7) المحرر (ص 482). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 555). (¬9) فتح العزيز (12/ 385)، الروضة (3/ 321).

وجرى الأصحاب على إيجاب القضاء على المريض، ولم يفصل أحد منهم بين أن يكون المرض عند خروج الناس أو بعد الإحرام، قال: فظهر بذلك أن الذي قاله في "التتمة" انفرد به، فلا يلتفت إليه، قال: وهذا التوجيه وهو قوله: (كما لا تستقر حجة الإسلام) ليس في كلام "التتمة"، وهو غير صحيح؛ فإن حجة الإسلام مستقرة والحالة هذه على المريض ومن اختص بالخوف من الآحاد، نص عليه في "الأم". ثانيهما: ومحله أيضاً في المرض الذي لم تحصل به غلبة على العقل، فإن غلب على عقله عند خروج القافلة ولم يرجع إليه عقله في وقت لو خرج فيه أدرك الحج ... لم يلزمه قضاء الحجة المنذورة، كما لا تستقر حجة الإسلام والحالة هذه في ذمته كما نص عليه في "الأم" بالنسبة لحجة الإسلام فيما حكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، قال: ونقول بمثله في المنذورة ثم ذكر فيه احتمالاً. 5860 - قوله: (أو عدوٌّ .. فلا في الأظهر) (¬1) يتناول ما إذا اختص ذلك به، وصرح به في "الروضة" وأصلها (¬2)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه مخالف لصريح نصوص الشافعي ولما عليه أكثر الأصحاب، ثم بسط ذلك، وكذا صحح في "المطلب" في الحصر الخاص وجوب القضاء، وقال شيخنا: إنه المعتمد عندي في الفتوى. 5861 - قوله: (أو صلاةً أو صوماً في وقتٍ فمنعه مرضٌ أو عدوٌّ .. وجب القضاء) (¬3) فيه أمور: أحدها: تعين الوقت للصلاة بتعيينه هو المرجح في "الشرحين" و"الروضة" و"شرح المهذب" هنا (¬4)، لكنهم جزموا في (باب الاعتكاف) بأنه لا يتعين، وعليه مشى "الحاوي" هناك فقال [ص 231]: (وللزمان فيه - أي: الاعتكاف - بتعيينه وفي الصوم، لا الصلاة والصدقة). قال في "المهمات": والتعين هو الصواب المفتى به؛ فقد نص عليه الشافعي في "البويطي"، وكذا قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه المعتمد في الفتوى، وحكاه عن نص البويطي. ثانيها: يستثنى من الصلاة ما إذا نذر فعلها في أوقات النهي في غير حرم مكة إذا فرعنا على الأصح: أنها لا تنعقد، ولو نذر صلاة مطلقة .. فله فعلها في هذه الأوقات قطعاً؛ لأن لها سبباً، ذكر ذلك في "أصل الروضة" (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 555). (¬2) فتح العزيز (12/ 385)، الروضة (3/ 321). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 555). (¬4) فتح العزيز (12/ 385)، الروضة (3/ 321)، المجموع (8/ 372). (¬5) الروضة (1/ 194).

قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ولو نذر صلاة بعضها قبل الاستواء في غير يوم الجمعة وبعضها عند الاستواء .. صح؛ لأن المنهي عنه ابتداءً ما لا سبب له في وقت النهي، فلو ابتدأ قبل النهي واستدام .. لم تبطل صلاته. ثالثها: استثنى منه شيخنا في "تصحيح المنهاج": المتحيرة، فلا يصح نذرها صلاة ولا صوماً في وقت معين؛ لاحتمال كونها فيه حائضاً، ولا يرد على ذلك أن الأصح: إباحة تنفلها بالصلاة والصوم؛ لأن ذاك لئلا ينسد عليه باب الثواب بالتطوعات، بخلاف النذر، فإنه إلزام مع الشك، قال: وهذا فقه ظاهر. رابعها: تناول كلامه ما لو غلب المرض على عقله؛ لإغماء أو جنون، فإن كان ذلك في الصلاة واستغرق الوقت .. لم يجب القضاء في الأصح لفرض الصلاة، وإن جعلنا فرض النذر أغلظ .. وجب، وإن خلا أول الوقت عن ذلك بقدر الصلاة والطهارة إن لم يمكن تقديمها، أو أخره بقدر تكبيرة وخلا عن الموانع زمناً يسعه .. وجب أيضاً كالصلاة المكتوبة، وإن كان في الصوم .. وجب قضاء الإغماء دون الجنون، ذكر ذلك شيخنا في "تصحيح المنهاج"، قال: وأما الحيض والنفاس: فإن كان في الصلاة واستغرق الوقت .. وجب القضاء، بخلاف المكتوبة؛ لتكررها، والمنذورة لا تتكرر، قال: ولم أر من تعرض لذلك، وعليه يقال: لنا امرأة فاتتها صلاة في الحيض ووجب عليها قضاؤها، وفي "المعاياة" للجرجاني: ليس لنا ذلك إلا في ركعتي الطواف فيما إذا حاضت عقب الطواف، قال شيخنا: وهذا ليس بقضاء؛ فإن هذه الصلاة لا تفوت ما دام الإنسان حياً، وأما الصوم: فإذا فات بالحيض أو النفاس .. وجب قضاؤه. 5862 - قول "التنبيه" [ص 85]: (ومن نذر أن يهدي شيئاً معيناً إلى الحرم .. وجب نقله إليه إن كان مما ينقل، وإن لم يمكن نقله .. باعه ونقل ثمنه) أحسن من قول "المنهاج" [ص 555]: (أو هدياً .. لزمه حمله إلى مكة والتصدق به على من بها) لأمور: أحدها: تصريحه بأنه معين. ثانيها: تصريحه بأن محل لزوم حمله إذا كان مما ينقل؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 657]: (ومالٍ به، وعسر النقل بثمنه) وتعبير "الحاوي" بعسر النقل أحسن من تعبير "التنبيه" بعدم إمكانه. ثالثها: أن ذلك لا يتقيد بمكة كما عبر به "المنهاج"، بل يعم سائر الحرم كما في "التنبيه"، وهو مفهوم من ذكر "الحاوي" ذلك بعد ذكر الحرم. رابعها: أن تعبير "التنبيه" بالشيء و"الحاوي" بالمال أحسن من تعبير "المنهاج" بالهدي؛ لأنه قد يتوهم منه اختصاص ذلك بالإبل والبقر والغنم، وليس كذلك.

خامسها: أن تعبير "المنهاج" بقوله: (والتصدق به) يقتضي الاكتفاء بكون ذلك الشيء مما يتصدق به وإن لم تصح هبته ولا هديته، فيدخل فيه ما لو نذر إهداء دهن نجس؛ بناءً على ما قاله النووي من أنه ينبغي أن يقطع بصحة الصدقة به بعد حكايته عن القاضي أبي الطيب المنع من ذلك (¬1)، ويدخل فيه أيضاً جلد الميتة قبل الدباغ، بل هو أولى من الدهن النجس؛ فإنه اضطرب كلام النووي في جواز هبته، لكن قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأرجح: أنه يشترط فيه أن يكون مما يهدى للآدمي، ويوافق ذلك تعبير"الحاوي" عنه بالمال، وتعبيره هو و"التنبيه" بثمنه، والنجس لا ثمن له. سادسها: أنه يرد على تعبير "المنهاج" و"الحاوي" بالتصدق به ما لو نوى صرفه إلى تطييب الكعبة أو جعل الثوب ستراً لها أو نحو ذلك .. فإنه يلزمه صرفه فيما نوى كما نص عليه في "الأم"، ولا يرد ذلك على "التنبيه" فإنه لم يذكر التصدق به، بل وجوب نقله إن أمكن. سابعها: أن "المنهاج" أطلق في قوله: (من بها) والمراد به: الفقراء أو المساكين من المسلمين، ولم يأت "التنبيه" و"الحاوي" بعبارة تشمل الأغنياء. ثامنها: قد يفهم من تعبير "المنهاج" و"الحاوي" بالتصدق به أنه يتصدق به على حاله، فيتناول النعم السليمة مع أنه لا يجوز التصدق بها حية؛ لأن في ذبحها قربة، ويجب الذبح في الحرم على الأصح، ولا يرد ذلك على "التنبيه" لاقتصاره على النقل. واعلم: أن الماوردي قال فيما لو قال: لله عليّ أن أهدي هذا المتاع .. أنه محتمل لعرف اللفظ، وهو جعله هدية، وعرف الشرع وهو كونه هدياً، فإن أراد الأول .. لم ينعقد نذره، إلا أن يقترن بقربة تختص بثواب، أو الثاني .. عمل به، وإن أطلق .. فوجهان، رجح شيخنا في "تصحيح المنهاج": أنه لا ينعقد؛ لأن الأصل بقاء ملكه، فلا يزال إلا بمحقق، وعلى هذا: فتعبير "المنهاج" بالهدي أحسن من تعبير "التنبيه" و"الحاوي" لأنه لا إشكال في الصراحة مع التصريح بلفظ الهدي، والله أعلم. 5863 - قول "التنبيه" [ص 85]: (ومن نذر النحر بمكة .. لزمه النحر بها وتفرقة اللحم علىّ أهل الحرم) لا يتقيد النحر بها، فله النحر في سائر الحرم؛ كما أن له التفرقة على غير أهل مكة من أهل الحرم، والمراد: الفقراء أو المساكين كما تقدم. 5864 - قوله: (وإن نذر النحر وحده - أي: في بلد آخر - .. فقد قيل: يلزمه النحر والتفرقة، وقيل: لا يلزمه) (¬2) الثاني هو الأصح، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 656]: (وكل بلد ¬

_ (¬1) انظر "الروضة" (3/ 349). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 85).

للتضحية) فدل على أنه لو اقتصر على نذر الذبح بها .. لم ينعقد نذره. 5865 - قول "التنبيه" [ص 85]: (وإن نذر الهدي وأطلق .. لزمه الجذع من الضأن أو الثني من المعز والإبل والبقر) ظاهره عدم إجزاء سبع بدنة أو سبع بقرة، وكلام الرافعي والنووي يقتضي الإجزاء؛ فإنهما حملاه على المجزئ في الأضحية (¬1)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 657]: (والهدي كضحية). 5866 - قول "التنبيه" [ص 85]: (وإن نذر أن يهدي .. لزمه ما ذكرناه في أحد القولين، وما يقع عليه الاسم في القول الآخر) الأظهر: الأول، وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 657]: (والهدي كضحية). 5867 - قول "التنبيه" [ص 85]: (ويستحب لمن أهدى شيئاً من البدن أن يشعرها بحديدة في صفحة سنامها الأيمن) قال النووي: الصواب: اليمنى (¬2)، قال في "الكفاية": الشيخ اتبع في ذلك الخبر، وتقديره: في صفحة سنامها من الجانب الأيمن. 5868 - قوله: (ويقلد البقر والغنم ولا يشعرها) (¬3) قال النووي في "تصحيحه": الصواب: أنه يسن في البقر المهداة الإشعار كالإبل (¬4)، وفي "الكفاية": أن في بعض النسخ: (ويستحب لمن أهدى شيئاً من البدن أو البقر أن يشعرها)، وعليها جرى ابن يونس وابن الخل، لكن قد يعكر عليه قوله: (في صفحة سنامها) فإن البقر لا سنام لها. انتهى. وأجاب بعضهم: بأنها ألحقت بما لا سنام لها من الإبل، وأطلق على الكل سنام، فيشعر موضع السنام. واعترض على "التنبيه" أيضًا: بأن ظاهره تقليد الغنم بالنعال كالإبل والبقر؛ ويؤيده قوله بعد: (فإن عطب منها شيء قبل المحل .. نحره وغمس نعله) (¬5) والمنقول: منع تقليدها بالنعال؛ لضعفها عنها. وجوابه: أنه لم يتقدم منه ذكر تقليد الإبل بالنعال، ولو سبق .. فالنحر لا يأتي في الغنم، إنما فيها الذبح. 5869 - قوله: (فإن عطب منها شيء قبل المحل .. نحره - أي: وجوباً في المنذور واستحباباً ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (12/ 400)، و"الروضة" (3/ 329، 330). (¬2) انظر "تحرير ألفاظ التنبيه" (ص 173). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 85). (¬4) تصحيح التنبيه (1/ 277). (¬5) التنبيه (ص 85).

في غيره - وخلى بينه وبين [المساكين]) (¬1) (¬2) أي: غير رفقته، فالأصح: أنه لا يجوز لفقراء الرفقة الأكل من المنذور، ثم ظاهر كلامه: أن التخلية كافية في إباحته للمساكين، لكن في زيادة " الروضة " عن " الشامل " وغيره: لا يصير مباحًا للفقراء إلا بلفظ، وهو: أن يقول: أبحته للفقراء والمساكين، قال: ويجوز لمن سمعه الأكل، وفي غيره قولان، قال في " الإملاء ": لا يحل حتى يعلم الإذن، وقال في القديم و" الأم ": يحل، وهو أظهر (¬3). 5870 - قول " المنهاج " [ص 555]: (أو التصدق على أهل بلد معين .. لزمه) قد يفهم منه أن غير الحرم لا ينذر فبه إلا التصدق، وليس كذلك، بل لو نذر الأضحية به .. تعين، وقد ذكره " الحاوي " فقال [ص 656]: (وكل بلد للتضحية) ولو نذر النحر ببلد أخرى؛ فإن لم يقل: أتصدق به على فقرائها ولا نواه .. فالأصح: أنه لا ينعقد، وإن صرح به أو نواه .. فوجهان: أحدهما: لا يجب الذبح بها، بل لو ذبح خارجها ونقل اللحم إليها طريًا .. جاز، وبه قطع صاحب " التهذيب " وجماعة (¬4). والثاني: يتعين إراقة الدم بها كمكة، وبه قطع العراقيون، وحكوه عن نص " الأم ". 5871 - قول " الحاوي " [ص 656]: (وإتيان شيء من الحرم يوجب الحج أو العمرة، وتعيينه للذبح كالصلاة) يقتضي أن غير المسجد من الحرم الذي يحرم صيده كالمسجد في تعينه بنذر الصلاة فيه، وقال بعضهم: إنه غريب لا نعلم له فيه سلفا، وفيما قاله نظر، وتعبير " المنهاج " [ص 556] بـ (المسجد الحرام) الظاهر أنه أراد به: جميع الحرم؛ فإن الأصح عند النووي: أن تضعيف الصلاة يعم جميع الحرم، ولا يختص بالمسجد ولا بمكة. 5872 - قول " المنهاج " من زيادته [ص 556]: (الأظهر: تعينهما) أي: مسجد المدينة والأقصى، يرد عليه: أن المسجد الحرام يقوم مقام كل منهما، وفي قيام كل منهما مكان الآخر ثلاثة أوجه، ثالثها: أنه يقوم مسجد المدينة مكان الأقصى دون عكسه، وهذا هو الأصح، وعليه مشى " الحاوي " في (الاعتكاف) فقال [ص 231]: (وبتعيين مسجد المدينة لأحدهما، وبتعيين المسجد الأقصى لأحدهما؛ كالصلاة). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ما ادعى أنه الأظهر ممنوع نقلًا ودليلًا، أما النقل: فقضية كلام الأكثرين ترجيح منع التعيين؛ فإنهم قالوا في التعيين القولان المذكوران في لزوم نذر ¬

_ (¬1) في (ب): (السائلين). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 85). (¬3) الروضة (3/ 191). (¬4) التهذيب (8/ 152).

الإتيان إليهما، والأصح فيه عدم اللزوم كما تقدم، ومقتضاه: أن يكون الأرجح في نذر الصلاة فيهما: عدم التعيين عند الأكثرين، وقد قال الشيخ أبو حامد: إن الحكم في نذر المشي إليهما ونذر الصلاة فيهما واحد، وقول الرافعي: لا يبعد أن يرجح التعيين كما في الاعتكاف (¬1)، متعقب؛ فإن الاعتكاف من خصوصيات المسجد؛ ولا كذلك غيره، قال: وأما الدليل: فلأن الإلزام بالصلاة في المسجدين للفضيلة يرده نذر الصوم بمكة؛ فإنه لا يلزمه بها مع أن حسنات الحرم بمئة ألف حسنة، قال: وقوله: (كالمسجد الحرام) تشبيه غير مستقيم؛ كانه لا يقوم غيره مقامه وهو يقوم مقامهما، ومسجد المدينة يقوم مقام الأقصى دون العكس كما تقدم. 5873 - قول " المنهاج " [ص 556]: (أو صومًا مطلقًا .. فيوم) كذا لو قيده بدهرٍ أو حينٍ كما جزم به في " أصل الروضة " (¬2). 5874 - قوله: (أو صدقة .. فبما كان) (¬3) قد يتناول غير المتمول مع أنه لا يكفي؛ ولذلك قال " الحاوي " [ص 655]: (والصدقة متمول). 5875 - قول " المنهاج " [ص 556]: (فعلى الأول - أي: أنه إذا نذر صلاة .. لزمه ركعتان -: يجب القيام فيهما مع القدرة) محله: ما إذا أطلق، أما لو قال: أصلي قاعدًا .. فله القعود قطعًا؛ كما لو صرح بركعة .. فتجزئه قطعًا. 5876 - قوله: (أو عتقًا .. فعلى الأول: رقبة كفارة - أي: وهي المؤمنة السليمة -، وعلى الثاني: رقبة) (¬4) أي: ولو كافرة معيبة، مقتضاه: ترجيح الأول، وقال الرافعي: قال الداركي: إنه الصحيح، وهو قضية ما رجح من لزوم ركعتين (¬5)، واستدرك عليه " المنهاج " فقال [ص 556]: (الثاني هنا أظهر)، وفي زيادة " الروضة ": إنه الأصح عند الأكثرين، وهو الراجح في الدليل (¬6)، وعليه مشى " التنبيه " فقال [ص 86]: (ومن نذر عتق رقبة .. أجزأه ما يقع عليه الاسم، وقيل: لا يجزئه إلا ما يجزئ في الكفارة). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الأظهر ما يقتضيه كلام " المحرر " (¬7)، وهو الذي اختاره المزني، وبه قال أبو إسحاق، وصححه القاضي أبو الطيب والداركي، وهو الأصح في الدليل، ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (12/ 393). (¬2) الروضة (3/ 305). (¬3) انظر " المنهاج " (ص 556). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 556). (¬5) انظر " فتح العزيز " (12/ 367). (¬6) الروضة (3/ 307). (¬7) المحرر (ص 483).

وهو الذي ينطبق عليه إيراد الشيخ أبي حامد والماوردي وصاحبي " المهذب " و" الشامل " والبغوي وغيرهم من أن أصل الخلاف المذكور أن النذر يسلك به مسلك واجب الشرع أم جائزه؟ والأصح عند الجمهور: أنه يسلك به مسلك واجب الشرع. انتهى (¬1). وفي " شرح المهذب ": أن الصحيح عند الجمهور: أن النذر ينزل في صفاته على صفات واجب الشرع إلا في الإعتاق (¬2). واعلم: أنه يستثنى من الرقاب على الثاني: المشتراة بشرط الإعتاق، وأن يشتري أصله أو فرعه بنية العتق عن النذر ومنقطع الخبر، وإن لم يمض مدة يغلب على الظن أنه لا يعيش أكثر منها، ذكر ذلك شيخنا في " تصحيح المنهاج "، وقال: لم أر من تعرض لذلك في النذر على القول الثاني، قال: ولو أعتق حملًا .. لم يجز على الأول، ويجزئ على الثاني إن انفصل لأقل من ستة أشهر، ولم أر من تعرض له. 5877 - قول " المنهاج " [ص 556]: (فإن عين ناقصة .. تعينت) يستثنى منه: ما إذا عين الناقصة بوصف الكفر؛ بأن قال: لله عليّ أن أعتق هذا العبد الكافر .. فلا يلزمه إعتاقه كما أفتى به القاضي حسين، بخلاف قوله: لله عليّ عتق هذا العبد، فكان كافرًا .. يلزمه النذر. 5878 - قوله: (أو صلاة قائمًا .. لم يجز قاعدًا) (¬3) محله: ما إذا لم يحصل له مشقة بالقيام لمرض أو كبر، فإن كان كذلك .. لم يلزمه في الأصح، وهو نظير ما نقله إبراهيم المروذي عن عامة الأصحاب في ناذر صوم رمضان في السفر، وصحح الروياني في " البحر " في الشيخ الكبير ينذر القيام: أنه يلزمه. 5879 - قوله - والعبارة له - و" الحاوي ": (أو طول قراءة الصلاة) (¬4) قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": محله ما إذا لم يكن إمامًا في مكان لا تنحصر جماعته، فإن كان كذلك .. لم يلزمه تطويل الفرائض بذلك؛ لكراهته، وتناول كلامهما: نذر ذلك في الصلاة المكتوبة بالنذر، وإفراد الصفة بالالتزام والأصل واجب، فأما لو نذر ذلك في النفل .. لم يلزمه؛ لأنه ليس بواجب، فلا يكون تطويله لازمًا بالنذر، وفي " أصل الروضة ": في نذر القيام في النوافل وجهين (¬5)، ومقتضى كلامه: أن الأصح: أنه لا يلزم. 5880 - قول " المنهاج " [ص 556]: (أو سورة معينة) أي: في الصلاة. ¬

_ (¬1) انظر " الحاوي الكبير " (15/ 503، 504)، و " المهذب " (1/ 243)، و" التهذيب " (8/ 164). (¬2) المجموع (8/ 355). (¬3) انظر " المنهاج " (ص 556). (¬4) انظر " الحاوي " (ص 655)، و" المنهاج " (ص 556). (¬5) الروضة (3/ 302).

5881 - قوله: (أو الجماعة) (¬1) أي: في الفرائض، ولو نذرها في النوافل التي لا تشرع فيها الجماعة .. لم يلزم، أو فيما شرع فيه الجماعة .. لم يلزم أيضًا في الأصح. 5882 - قوله: (والصحيح: انعقاد النذر بكل قربة لا تجب ابتداء؛ كعيادة وتشييع جنازة) (¬2)، وقول " الحاوي " [ص 655]: (بمقصود؛ كعيادة المرضى)، عبارة " الروضة ": القربات التي لم تشرع لكونها عبادة، وإنما هي أعمال وأخلاق مستحسنة رغب الشرع فيها؛ لعظم فائدتها، وقد يبتغى بها وجه الله تعالى، فينال الثواب فيها؛ كعيادة المرضى، وزيارة القادمين، وإفشاء السلام بين المسلمين، وتشميت العاطس، والصحيح: لزومها بالنذر (¬3). 5883 - قول " المنهاج " [ص 556]: (والسلام) زاد في " المحرر ": (على الغير) (¬4)، وقال في " الدقائق ": الأجود حذف (الغير) لعدم فائدته، وقد يوهم الاحتراز عن سلامه على نفسه عند دخوله بيتًا خاليًا، ولا يصح الاحتراز؛ فإنهما سواء (¬5). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": قوله: (والسلام) يريد به: ابتداء السلام، ومقتضاه: أن نذر رده ينعقد قطعًا أو لا ينعقد قطعًا، وليس كذلك؛ فإنه من فروض الكفايات التي ليس فيها بذل مال ولا كبير مشقة، والأصح: لزومها بالنذر. قلت: فليحمل قوله: (السلام) على ابتدائه، وجوابه حيث لم يتعين، والله أعلم. 5884 - قول " الحاوي " [ص 655]: (وستر الكعبة وتطييبها لا مسجدٍ) أي: غيرها، ولو مسجد المدينة والأقصى؛ فإنه لا يلزم تطييبه بالنذر كما مال إليه الإمام، وأقره الرافعي (¬6)، لكن قال النووي في " شرح المهذب ": المختار اللزوم؛ لأن تطييبها سنة مقصودة، فلزمت بالنذر كسائر القرب (¬7)، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: وحكم مشاهد العلماء والصلحاء؛ كضريح الشافعي وذي النون المصري .. حكم البيوت، لا المساجد. 5885 - قوله: (والصوم) (¬8) أي: وكمداومة الصوم .. فإنه يصح التزامه بالنذر. يتناول ما إذا نذر الصوم في رمضان في السفر، وهو اختيار القاضي حسين والبغوي (¬9)، وجزم ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 556). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 556). (¬3) الروضة (3/ 302). (¬4) المحرر (ص 483). (¬5) الدقائق (ص 76). (¬6) انظر " نهاية المطلب " (18/ 445)، و" فتح العزيز " (12/ 402). (¬7) المجموع (8/ 364). (¬8) انظر " الحاوي " (ص 655). (¬9) انظر " التهذيب " (8/ 165).

الغزالي في " الوجيز " بعدم الانعقاد (¬1)، وحكاه المروذي عن الأصحاب. قال في " شرح المهذب ": كذا أطلقوه، والظاهر أنهم أرادوا من لا يتضرر بالصوم في السفر دون من يتضرر؛ لأنه ليس بقربة إذًا (¬2). 5886 - قوله: (وركوع) (¬3) أي: كركوع وحده .. فإنه لا يلزم بالنذر، وقول الرافعي: يلزمه ركعة باتفاق المفرعين (¬4)، مراده: من فرع على الضعيف فيما إذا نذر بعض ركعة .. أنه لا يلزمه ركعة، فلا يرد ذلك على " الحاوي ". ¬

_ (¬1) الوجيز (2/ 232). (¬2) المجموع (8/ 345). (¬3) انظر " الحاوي " (ص 655). (¬4) انظر " فتح العزيز " (12/ 373).

كتاب القضاء

كتابُ القضاء 5887 - قول " المنهاج " [ص 557]: (هو فرض كفاية) أي: قبول التولية، أما إيقاع التولية للقاضي .. فهو فرض عين على الإمام وعلى قاضي الإقليم في المعجوز عنه، فإن لم يبلغ الإمام الخبر؛ لبعده عنه .. تعين فرض التولية على القاضي، وإن بلغه .. فالفرض عليهما، فأيهما ولى .. سقط الفرض، ذكره الماوردي (¬1). وأما إيقاع القضاء بين المتنازعين .. ففرض عين على الإمام بنفسه أو نائبه، وإذا ارتفعا إلى النائب .. فإيقاع القضاء بينهما فرض عين عليه، ولا يحل له الدفع إذا كان فيه تعطيل وتطويل نزاع، ذكره شيخنا في " تصحيح المنهاج "، وقول " التنبيه " [ص 251]: (ولاية القضاء فرض على الكفاية) يخرج هذا الأخير، لكنه ظاهر في إيقاع التولية؛ فيؤول على أن المراد: قبول ولاية القضاء. 5888 - قول " المنهاج " [ص 557]: (فإن تعين - أي: إنسان - .. لزمه طلبه) فحذفه؛ للعلم به، ولو أفصح به .. لكان أولى، كما قال " التنبيه " [ص 251]: (فإن لم يكن من يصلح إلا واحد .. تعين عليه، ويلزمه طلبه) و" الحاوي " [ص 658]: (ولزم متعين البلد طلبه). 5889 - قول " التنبيه " [ص 251]: (فإن امتنع .. أجبر عليه) استشكل: بأنه بامتناعه من هذا الفرض الذي هو مناط المصالح العامة بعد تعينه فاسق. وأجاب عنه الرافعي: بأنه يمكن أن يكون المراد أنه يؤمر بالتوبة أولًا، فإذا تاب .. ولي (¬2)، وهو مشكل؛ لأنه لا بد بعد توبته من مضي مدة الاستبراء، ولم يشترطوه؛ فالصواب ما أجاب به النووي: أنه لا ينبغي أن يفسق؛ لأن امتناعه غالبًا بتأويل، فلا يعصي وإن كان مخطئًا في تأويله (¬3). 5890 - قوله: (وإن كان هناك غيره .. كره أن يتعرض له، إلا أن يكون محتاجًا .. فلا يكره لطلب الكفاية، أو خاملًا .. فلا يكره لنشر العلم) (¬4) فيه أمور: أحدها: أن محل ذلك: فيما إذا كان ذلك الغير مساويًا له، فإن كان دونه .. استحب القبول، ¬

_ (¬1) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 7). (¬2) انظر " فتح العزيز " (12/ 412). (¬3) انظر " الروضة " (11/ 92). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 251).

وكذا الطلب إذا وثق بنفسه، جزم به في " الروضة " وأصلها (¬1)، وذكره شيخنا الإسنوي في " تصحيحه " بلفظ الصواب (¬2)، وذكره " الحاوي " بقوله [ص 658]: (وندب للأصلح)، وهو مأخوذ من مفهوم " المنهاج " في ذكره ما إذا كان غيره أصلح، وما إذا كان مثله، وإن كان أصلح منه .. جاز القبول بناء على جواز ولاية المفضول مع وجود الفاضل، ولكن يكره الطلب، وقيل: يحرم (¬3)، وعلى الكراهة مشى " الحاوي " و" المنهاج "، لكنه قيد ذلك بما إذا كان ذلك الأصلح يتولاه (¬4)، ولا بد منه، فإن كان لا يتولى .. فهو كالمعدوم. ولم تدرج هذه الصورة في عبارة " التنبيه " لاستثنائه من الكراهة الحاجة والخمول، وإنما استثنوها في صورة المساواة وأطلقوا الكراهة فيما إذا كان غيره أصلح، وظاهر عبارة الرافعي والنووي عدم كراهة القبول فيما إذا كان غيره أصلح؛ لأنهما إنما ذكرا الكراهة في الطلب (¬5)، لكن ذكر القاضي حسين: أنه يكره له القبول، ويكره للإمام أن يبتدأه بالتولية، ومحل الخلاف في ولاية المفضول مع الفاضل إذا لم يكن عذر، فإن كان؛ بأن كان أطوع في الناس وأقرب إلى القلوب .. انعقدت قطعًا، قاله الماوردي. ثانيها: ما ذكره من الكراهة في هذه الحالة هو الذي في " شرحي الرافعي " (¬6)، ومشى عليه " الحاوي " (¬7)، وفي " المنهاج " من زيادته (¬8)، لكن الذي في " المحرر " أن الأولى تركه (¬9)، وذكر شيخنا في " تصحيح المنهاج ": أن تصحيح الكراهة ممنوع؛ لأنه ليس هناك متعين، والداخل من الذين يصلحون للقضاء مع التساوي في طلب القضاء داخل في طلب فرض كفاية، وذلك إن لم ينته إلى الإيجاب ولا إلى الندب .. فلا أقل من انتفاء الكراهة. ثالثها: أنه اقتصر في الحاجة والخمول على انتفاء الكراهة؛ والذي في " المنهاج " و" الحاوي " ندب الطلب (¬10)، وهنا تنبيهات: أحدها: قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": يزاد على الخامل والمحتاج آخرين: ¬

_ (¬1) فتح العزيز (12/ 413)، الروضة (11/ 93). (¬2) تذكرة النبيه (3/ 491). (¬3) المنهاج (ص 557). (¬4) الحاوي (ص 659)، المنهاج (ص 557). (¬5) انظر " فتح العزيز " (12/ 412)، و" الروضة " (11/ 93). (¬6) فتح العزيز (12/ 414). (¬7) الحاوي (ص 659). (¬8) المنهاج (ص 557). (¬9) المحرر (ص 484). (¬10) الحاوي (ص 658)، المنهاج (ص 557).

أحدهما: أن يكون ذاك الذي هو مثله في الاجتهاد أو التقليد يرتكب أمورًا يضعف مدركها .. فهنا يندب الطلب، وقد يقوى الإيجاب ولا سيما إذا كانت تلك الأمور ينقض القضاء فيها. ثانيهما: إذا كان الذي مثله لا يقوم بكفاية الناس في خصوماتهم وأحوالهم إلا بجهد وتعب وتكلف وربما تأخر بعض القضايا للكثرة .. فيندب الطلب لمن يقوم بالمصالح بحيث يزول ما ذكر. ثانيها: قال شيخنا أيضًا: محل ولاية المفضول مع الفاضل في المجتهدين أو المقلدين العارفين بمدارك مقلدهما، فإن كان الفاضل مجتهدًا أو مقلدًا عارفا بمدارك إمامه والمفضول ليس كذلك .. لم يجز توليته ولا قبوله؛ ويدل لذلك توجيه الأصحاب الجواز: بأن تلك الزيادة خارجة عن الحد المطلوب. ثالثها: قال شيخنا أيضًا: المثلية والأصلحية يتناولان القوة في القيام في الحق، فإذا كان أحدهما أقوى من الآخر في القيام في الحق .. فقد يقتضي الحال هنا تعين الأقوى، ولا يتخرج على الخلاف في جواز تولية المفضول مع وجود الفاضل؛ لأن الزائد هنا محتاج إليه، بخلاف ما يتعلق بالعلم. رابعها: قال شيخنا أيضًا: في قول " المنهاج " [ص 557]: (وإن كان مثله .. فله القبول) اقتصر عليه مع أنه يندب له القبول؛ لأن في الوجوب وجهين، ومن عينه الإمام لفرض من فروض الكفايات .. يطلب منه موافقة الإمام إما وجوبًا وإما ندبًا. خامسها: محل هذا التفصيل: فيما إذا لم يكن هناك قاض متول أو كان وهو غير صالح، فإن كان وهو صالح ولو كان مفضولًا؛ إن صححنا ولايته .. حرم الطلب والطالب مجروح، حكاه في " أصل الروضة " عن الماوردي، وأقره (¬1)، وذكره " الحاوي " بقوله [ص 659]: (وحرم قبول غير المتعين بعزل غيرٍ) وليس مطابقًا لكلام الماوردي؛ فإن الماوردي إنما ذكر تحريم الطلب لا تحريم القبول. سادسها: جميع ما تقدم في الطلب بغير بذل فأما مع البذل .. فأطلق جماعة تحريمه، والصحيح: تفصيل ذكره الروياني، وهو: أنه إن تعين عليه أو ندب له .. جاز، وإلا .. فلا، لكن لهذا إذا كان متوليًا لبذل؛ لئلا يعزل، والبذل لعزل متول حرام إن كان صالحًا، وإلا .. فمندوب، والأخذ حرام مطلقًا. 5891 - قول " المنهاج " [ص 557]: (والاعتبار في التعين وعدمه بالناحية) و" الحاوي " [ص 658]: (ولزم متعين البلد طلبه) ذكر الرافعي أن طرق الأصحاب متفقة عليه، قال: وقضيته أن ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 93)، وانظر " الحاوي الكبير " (16/ 12).

لا يجب على من يصلح للقضاء طلب القضاء ببلدة أخرى لا صالح بها ولا قبوله إذا وُلِّي، ويجوز أن يفرق بينه وبين القيام بسائر فروض الكفايات المحوجة إلى السفر؛ كالجهاد وتعلم العلم ونحوهما؛ بأنه يمكن القيام بتلك الأمور والعود إلى الوطن، وعمل القضاء لا غاية له؛ فالانتقال إليه هجرة، وترك الوطن بالكلية تعذيب (¬1). قال في " المهمات ": ولم يتفقوا على ذلك؛ ففيه خلاف حكاه في " الكفاية " عن ابن الصباغ وغيره. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": هو عندنا متعقب نقلًا ودليلًا، أما النقل: فليس ما ذكره مصرحًا به في كتاب من كتب الأصحاب، لا العراقيين ولا المراوزة، وأما الدليل: فلأنه يلزم تعطل البلدة التي ليس فيها من يصلح للقضاء عن قاض، ولا يؤدي ذلك إلى هجر الوطن بلا غاية، بل الإمام ينظر فى المصالح العامة والخاصة، ويبعث قاضيًا بعد قاض، وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليًا إلى اليمن قاضيًا، وكذلك بعث أبا موسى ومعاذًا رضي الله عنهم، واستمر الخلفاء بعده على ذلك من غير أن يقول أحد من المبعوثين: إنه لا يتعلق بي أمر البلد التي تريد أن تبعثني إليها؛ لأنها ليست بلدي. 5892 - قول " التنبيه " [ص 251]: (وينبغي أن يكون القاضي ذكرًا، حرًا، بالغًا، عاقلًا، عدلًا، عالمًا بالأحكام) فيه أمور: أحدها: أن قوله: (ينبغي) بمعنى: يشترط كما عبر به " المنهاج " (¬2). ثانيها: أنه أهمل من الأوصاف المشترطة فيه الإسلام، وقد ذكره " المنهاج " (¬3)، وحذفه في " الروضة " استغناء عنه بالعدالة. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": اشتراط الإسلام إنما هو في قاضي المسلمين أو المطلق، فأما قاضي الكفار .. فلا يشترط إسلامه، وللإمام أن ينصب بينهم قاضيًا كافرًا، ثم ذكر قول " أصل الروضة ": إنه لا يصح تولية الكافر ولو على كافر، وقول الماوردي: إن ما جرت به عادة الولاة من نصب رجل بين أهل الذمة .. فهو تقليد رياسة وزعامة، لا تقليد حكم وقضاء، ولا يلزمهم حكم بإلزامه (¬4)، ثم قال شيخنا: إنه ممنوع؛ لمخالفة نصوص الشافعي رضي الله عنه، وما اشتهر بين الأصحاب، وأهمل أيضًا: كونه سميعًا بصيرًا ناطقًا، وقد ذكرها " المنهاج " (¬5)، وجمع ذلك ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (12/ 414). (¬2) المنهاج (ص 557). (¬3) المنهاج (ص 557). (¬4) الروضة (11/ 96، 97)، وانظر " الحاوي الكبير " (16/ 158). (¬5) المنهاج (ص 557).

" الحاوي " بقوله [ص 658]: (أهل القضاء والنيابة العامة أهل للشهادات)، ويستثنى من اشتراط البصر: القاضي الذي ينزل أهل القلعة على حكمه؛ فيجوز كونه أعمى كما هو مذكور في موضعه، وأهمل كونه كافيًا، وقد صرح به " المنهاج " و" الحاوي " (¬1)، وأخرجا به المغفل الذي اختل رأيه بكبر أو مرض ونحوهما، مع أنه خرج بذكر الاجتهاد، فمن هو كذلك .. ليس من أهل الاجتهاد، قاله في " المهمات ". ثالثها: المراد: كونه عالمًا بالأحكام بالاجتهاد كما صرح به " المنهاج " و" الحاوي " (¬2)، ويستثنى منه مسألتان: أحدهما: المولّى في واقعة معينة يكفيه أن يعرف الحكم فيها بطريق الاجتهاد المتعلق بتلك الواقعة بناء على أن الاجتهاد يتجزأ، وهو الأرجح، وقد أشار إلى ذلك " الحاوى " بقوله [ص 658]: (والنيابة العامة). ثانيهما: الحاكم الذي ينزل أهل القلعة على حكمه؛ ففي " أصل الروضة ": أنهم أطلقوا أنه يشترط كونه عالمًا، وربما قالوا: فقيهًا، وربما قالوا: مجتهدًا، قال الإمام: ولا أظنهم شرطوا أوصاف الاجتهاد المعتبرة في المفتي؛ ولعلهم أرادوا: [المهتدي] (¬3) إلى طلب الصلاح وما فيه النظر للمسلمين (¬4). رابعها: أهمل هو " والمنهاج " أيضًا أن يكون ممن تجوز شهادته، فمن لا تجوز شهادته من أهل البدع .. لا يجوز تقليده القضاء، وقد تناوله قول " الحاوي " [ص 658]: (أهل للشهادات)، قال الماوردي: وكذا لا يجوز تقليد من لا يقول بالإجماع أو بأخبار الآحاد، وكذا حكم نفاة القياس الذين لا يقولون بالاجتهاد أصلًا، بل يتبعون النصوص، فإن لم يجدوا .. أخذوا بقول سلفهم كالشيعة، حكاه عنه في " أصل الروضة "، وأقره (¬5)، وفيها أيضًا عن الصيمري: أنه يشترط في الشاهد أن يكون غير محجور عليه بسفه (¬6). قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ويشترط ذلك في القاضي قطعًا؛ لأن مقتضى القضاء التصرف على المحجور عليهم، قال: وأما الإكراه .. فإنه مانع من صحة القبول، إلا فيما تعين عليه. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 658)، المنهاج (ص 557). (¬2) الحاوي (ص 658)، المنهاج (ص 557). (¬3) في " نهاية المطلب "، و" الروضة ": (التهدي). (¬4) الروضة (10/ 291)، وانظر " نهاية المطلب " (17/ 541). (¬5) الروضة (11/ 98). (¬6) الروضة (11/ 245).

5893 - قول " التنبيه " [ص 251]: (وقيل: يجوز أن يكون أميًا، وقيل: لا يجوز)، الأصح: جوازه، وهو مفهوم من عدم اشتراط " المنهاج " و" الحاوي " الكتابة. 5894 - قول " المنهاج " [ص 557، 558]: (فإن تعذر جمع هذه الشروط فولَّى سلطان له شوكة فاسقًا أو مقلدًا .. نَفَذَ قضاؤه للضرورة) و" الحاوي " [ص 658]: (فإن تعذر من ولاه ذو شوكة) فيه أمور: أحدها: هذا الكلام قاله الغزالي (¬1)، واستحسنه الرافعي (¬2)، وجزم به في " المحرر " (¬3)، وقال ابن الصلاح وابن أبي الدم وابن شداد: لا نعلم أحدًا ذكر ما ذكره الغزالي، والذي قطع به العراقيون والمراوزة: أن الفاسق لا تنفذ أحكامه، ورد في " المهمات " ما قالوه؛ بأن الرافعي حكى في البغاة عن المعتبرين: أنه إن كان قاضيهم لا يستحل دماء أهل العدل وأموالهم .. نفذ حكمه، وإن استحلها .. لم ينفذ، ومنهم من أطلق نفوذه (¬4)، وبأن في " البحر " .. يحتمل وجهين: أحدهما: لا ينفذ ويتحاكمون إلى من هو أهل القضاء، فإن لم يجدوا أهلًا له .. نفذت أحكامه للضرورة، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": سبق الدارمي الغزالي إلى كلام أعم مما قال، فقال: في " الاستذكار ": إن ولي من ليس بأهل .. فعلى كل واحد عزله وتولية غيره، فإن لم يقدروا .. قضى بهم، قال: فقوله: (قضى بهم) يعني: نفذ قضاؤه للضرورة. انتهى. وقال ابن الرفعة: الحق أنه إذا لم يكن ثَمّ من يصلح للقضاء .. نفذ حكمه قطعًا، وإلا .. فتردد. ثانيها: قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": السلطان ذو الشوكة إذا ولى فاسقًا .. نفذ قضاؤه للضرورة، وإن لم يتعذر جمع هذه الشروط، هاذا تعذر جمع هذه الشروط .. فتولية المقلد صحيحة، وإن صدرت من غير ذي الشوكة. قلت: إذا تعذر جمع هذه الشروط .. لم تكن السلطنة إلا بالشوكة؛ فإن من شرطها: الاجتهاد، والفرض تعذره، فلا يوجد مع ذلك خلافة صحيحة، والله أعلم. ثالثها: قال شيخنا أيضًا: إن قاضي الضرورة لا يستحق جامكية على القضاء من بيت المال؛ لأن ذلك يتعلق به خاصة ولا ضرورة للناس تتعلق بذلك، وإذا زالت شوكة من ولاه .. انعزل؛ لزوال المقتضي لدوام ولايته. ¬

_ (¬1) انظر " الوجيز " (2/ 237)، و" الوسيط " (7/ 291). (¬2) انظر " فتح العزيز " (12/ 418). (¬3) المحرر (ص 484). (¬4) انظر " فتح العزيز " (11/ 82).

رابعها: قال في " المهمات ": التقييد بالفاسق والجاهل يشعر بأنه لا ينفذ من المرأة والكافر، وهو ظاهر، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": تنفذ أحكامها للضرورة، وفي " البحر " عن جده رواية وجهين في أن المرأة إذا قلدت القضاء على مذهب أبي حنيفة فيما يجوز أن تكون شاهدة فيه فحكمت .. هل يحل للحاكم الشافعي نقض حكمها؟ أحدهما: نعم وهو اختيار الإصطخري. والثاني: لا؛ لأنه مجتهد فيه (¬1)، قال شيخنا: وكذا ينفذ حكم الأعمى للضرورة فيما يعرفه وينضبط له، قال: ومقتضى كلام الخوارزمي في العبد والصبي: المنع جزمًا، قال: والذي عندي في العبد أنه ينفذ أحكامه للضرورة، بخلاف الصبي، لعدم صحة عبارته، وقد دخل جميع هذه الصور في قوله: (من ولاه ذو شوكة) (¬2). 5895 - قول " المنهاج " [ص 558]: (ويُندب للإمام إذا ولى قاضيًا أن يأذن له في الاستخلاف) قيده الشافعي رضي الله عنه في " مختصر المزني " بالأطراف فقال: (وأحب للإمام إذا ولى القضاء رجلاً أن يجعل له أن يولي القضاء في الطرف من أطرافه) (¬3). قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ومقتضاه أنه لا يندب له ذلك إلا بهذا القيد، وهو المعتمد. 5896 - قول " التنبيه " [ص 252]: (وإن احتاج إلى أن يستخلف في أعماله لكثرتها .. استخلف) فيه أمران: أحدهما: محله ما إذا لم ينهه عن ذلك، وقد صرح به " المنهاج " فقال [ص 558]: (فإن نهاه .. لم يستخلف) فلو كان المفوض إليه مما لا يمكنه القيام به .. ففي " الشامل " عن القاضي أبي الطيب: أن هذا النهي كالعدم، والأقرب أحد أمرين، إما بطلان التولية، وإما اقتصاره على الممكن وترك الاستخلاف، قال النووي: هذا أرجحهما (¬4)، وقال في " الكفاية ": إنه المشهور. قال شيخنا ابن النقيب: والذي يظهر أن الأقرب من كلام الرافعي أو ابن الصباغ (¬5)، وجزم في " التوشيح " بأنه من كلام الرافعي (¬6). ¬

_ (¬1) بحر المذهب (11/ 254). (¬2) الحاوي (ص 658). (¬3) مختصر المزني (ص 302). (¬4) انظر " الروضة " (11/ 119). (¬5) انظر " السراج على نكت المنهاج " (8/ 190). (¬6) انظر " فتح العزيز " (12/ 433).

وقال في " المهمات ": إطلاقهم يقتضي أنه لا فرق في تعاطي الممكن بين أن يكون إمكانه مقارنًا للتولية أو طارئًا عليها. وقال في " التوشيح ": قوله: (لم يستخلف) (¬1) يحتمل شيئين: أحدهما: شمول ولايته للممكن وغيره، ولكن لا يجوز له الاستخلاف، وهو أظهر الاحتمالين في عبارة " المنهاج ". والثاني: اقتصار ولايته على الممكن، فلا يكون قاضيًا فيما زاد، وهو أظهر الاحتمالين في قول " الروضة ": (وإما اقتصاره على الممكن وترك الاستخلاف) (¬2)، ويظهر أثر هذا فيما لو كان عاجزًا عن الولاية عن شيء ثم قدر عليه .. فعلى الأظهر من عبارة " المنهاج ": له القضاء فيه، وعلى الأظهر من عبارة " الروضة ": ليس له؛ لأن ولايته لم تشمله. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وما رجحه النووي ممنوع فيما إذا كان ذلك لاتساع العمل؛ كمصرين متباعدين كالبصرة وبغداد؛ فإنه إن قيل: صحت الولاية فيهما .. كان تصحيحًا لها مع عدم إمكان القيام بها، وإن قيل: صحت في مصر منهما غير معين .. صار كأنه قال: وليتك القضاء في إحدى البلدين، وهذا لا يصح، فلم يبق إلا بطلان التولية. وفي " الحاوي " للماوردي: هو بالخيار في النظر في أيهما شاء، فإذا نظر في أحدهما .. ففي انعزاله من الآخر وجهان محتملان (¬3). ثانيهما: قد يفهم جواز الاستخلاف في الكل، والأصح: أنه لا يجوز الاستخلاف إلا في القدر المعجوز عنه؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 558]: (استخلف فيما لا يقدر عليه لا غيره في الأصح). قال الرافعي: والقياس فيما إذا أذن له في الاستخلاف: أن يكون في القدر المستخلف فيه هذان الوجهان، إلا أن يصرح بالاستخلاف في الجميع، وقطع ابن كج بالجواز في الكل عند مطلق الإذن (¬4). وذكر في " التوشيح " أن عبارة " التنبيه " هنا أحسن من عبارة " المنهاج " لأن قوله: (وإن احتاج) (¬5) ينبي عن كونه لا يمكنه القيام بما تولاه. قلت: قول " المنهاج ": في القدر المعجوز عنه أشد دلالة على ذلك. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 558). (¬2) الروضة (11/ 119). (¬3) الحاوي الكبير (16/ 330). (¬4) انظر " فتح العزيز " (12/ 433). (¬5) التنبيه (ص 252).

5897 - قول " التنبيه " [ص 252]: (وإن لم يحتج .. فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز إلا أن يؤذن له في ذلك) الثاني هو الأصح، وعليه مشى " المنهاج " (¬1). 5898 - قول " التنبيه " [ص 252]: (استخلف من يصلح أن يكون قاضيًا) قيده " المنهاج " فقال [ص 558]: (وشرط المستخلف كالقاضي، إلا أن يستخلف في أمر خاص - كسماع بينة - فيكفي علمه بما يتعلق به)، وظاهره اشتراط الاجتهاد في ذلك الخاص، وهو قياس قاعدة الباب، لكن في " الروضة " وأصلها: أنه لا يشترط رتبة الاجتهاد فيه، وحكاه عن الشيخ أبي محمد وغيره (¬2)، واستحسن في " النهاية " كلام شيخه، ثم قال: ولكن ينبغي أن يكون مستقلًا بما يليق بسماع الدعوى وأحكام البينات، وهذا يحْوِج إلى حظ صالح من الفقه (¬3). وظاهر كلام " المنهاج " أن الخلاف في الاستخلاف جار في الأمور الخاصة أيضًا، وهو مقتضى إطلاق الأكثرين، وقطع القفال بجوازه في الخاصة للضرورة، ويوافقه جزم " الروضة " وأصلها بانعزال الخليفة في شيء خاص بموت القاضي وانعزاله، وجعل الخلاف في انعزال الخليفة العام (¬4). 5899 - قول " المنهاج " [ص 558]: (ويحكم باجتهاده أو اجتهاد مقلده إن كان مقلدًا، ولا يجوز أن يشرط عليه خلافه)، لم يبين فيما إذا شرط عليه خلافه .. هل تصح ولايته أم لا؟ وفي " أصل الروضة ": عن " الوسيط " فيما لو شرط القاضي الحنفي على النائب الشافعي الحكم بمذهب أبي حنيفة .. له الحكم في المسائل التي اتفق عليها الإمامان دون المختلف فيها، قال: وهذا حكم منه بصحة الاستخلاف، لكن قال الماوردي وصاحبا " المهذب " و" التهذيب " وغيرهم: لو شرط الإمام على القاضي مذهبًا عينه .. بطلت الولاية، وهذا يقتضي بطلان الاستخلاف هناك، وفي " فتاوى القاضي حسين ": لو شرط أن لا يقضي بشاهد ويمين ولا على غائب .. صحت التولية ولغا الشرط؛ فيقضي باجتهاده، ومقتضاه: أن لا يراعي الشرط هناك، قال الماوردي: ولو لم يقع صيغة شرط؛ كوليتك فاحكم بمذهب الشافعي، أو لا تحكم به .. قال الماوردي: صح التقليد ولغا الأمر والنهي، وفيه احتمال، قال: ولو قال: لا تحكم في قتل المسلم بالكافر والحر بالعبد .. جاز، وقد قصر عمله على باقي الحوادث، وحكى وجهين فيما لو قال: لا تقض فيهما بقصاص: أنه يلغو، أم يكون منعًا له من الحكم بالقصاص نفيًا وإثباتًا؟ انتهى (¬5). ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 558). (¬2) فتح العزيز (12/ 434)، الروضة (11/ 119). (¬3) نهاية المطلب (18/ 585). (¬4) فتح العزيز (12/ 433)، الروضة (11/ 119). (¬5) الروضة (11/ 120)، وانظر " الحاوي الكبير " (16/ 25)، و " المهذب " (2/ 291)، و " الوسيط " (7/ 292)، و" التهذيب " (8/ 195).

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": والأرجح: أنه يلغو، وإذا كان القاضي ألغا الشرط .. فإلغاء النهي أولى، قال: وتلخص من ذلك أن المعتمد في التولية بشرط أن يقضي بمذهب غيره: أن التقليد باطل، وأنه يلغو ما صدر من أمر ونهي مخالفين لعقيدة الحاكم. 5900 - قول " التنبيه " [ص 251]: (فإن تحاكم رجلان إلى رجل يصلح للقضاء، فحكماه في مال .. ففيه قولان، أحدهما: أنه لا يلزم ذلك الحكم إلا أن يتراضيا به بعد الحكم، والثاني: يلزم بنفس الحكم) الأظهر: الثاني كما في " المنهاج "، فقال [ص 558]: (ولا يُشترط الرضا بعد الحكم في الأظهر) و" الحاوي " فقال [ص 667]: (والحكم على [التراضي] (¬1) برضاه الأول)، وهل يستثنى من ذلك: ما إذا كان لا يحكم لكل منهما كالأبعاض؟ فيه وجهان حكاهما الرافعي عن السرخسي (¬2)، وينبغي ترجيح المنع؛ لأنه لا يزيد على الحاكم بالولاية. واستثنى من ذلك شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الوكيلين؛ فلا يكفي تحكيمهما، بل المعتبر تحكيم الموكلين، والوليين، فلا يكفي تحكيمهما إذا كان مذهب المحكم يضر بأحدهما، والمحجور عليه بالفلس، فلا يكفي رضاه إذا كان مذهب المحكم يضر بغرمائه، والمأذون له في التِّجارة وعامل القراض لا يكفي تحكيمهما، بل لا بد من رضا المالك، وإن كان هناك ديون .. فلا بد من رضا الغرماء، والمكاتب إذا كان مذهب المحكم يضر به .. لا بد من رضا السيد، والمحجور عليه بالسفه لا أثر لتحكيمه، قال: ولم أر من تعرض لذلك (¬3). وفي كلام " التنبيه " و" المنهاج " أمور: أحدها: أنه خرج بقول " التنبيه " [ص 251]: (رجلان) " والمنهاج " [ص 558]: (خصمان) التحكيم في التزويج فلا خصومة، وليس هناك إلا رجل واحد، وفي النص الذي حكاه يونس ابن عبد الأعلى ما يقتضي الاكتفاء بتحكيم المرأة من غير نظر إلى إدخال الزوج في التحكيم، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وكذا قال به جمع من الأصحاب، والأرجح: اعتبار إدخال الزوج في التحكيم؛ لأنه الذي يقبل، وهو ركن في النكاح، ولو كان الزوج سفيهًا .. فلابد من إذن وليه له في النكاح، والتحكيم من وليه، فإن صدر من السفيه بعد إذن الولي .. ففي الاكتفاء به تردد، والأرجح: المنع. ثانيها: مقتضى تعبيرهما برجل: أنهما لو حكما رجلين .. لم يجز، وليس كذلك، بل يجوز كما هو مجزوم به في تحكيم أهل القلعة. ¬

_ (¬1) في " الحاوي ": (الراضي). (¬2) انظر " فتح العزيز " (12/ 437). (¬3) انظر " حاشية الرملي " (4/ 288).

ثالثها: قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": محل الخلاف في غير النازلين من القلعة على حكم المحكم؛ فإنه إذا حكم بأمر .. لم يحتج بعد الحكم قطعًا، قال: ويستثنى منه أيضًا: اللعان، فإذا قلنا بدخول التحكيم فيه وهو الأظهر .. لم يشترط الرضا بعد صدور اللعان من الزوج قطعًا؛ لحصول الفرقة باللعان؛ ولهذا قال الماوردي: إذا قلنا: لابد من الرضا بعد الحكم .. لا يدخل التحكيم في اللعان. رابعها: قال شيخنا أيضًا: من العراقيين من يحكي هذا الخلاف قولين، ومنهم من يحكيه وجهين، ولم أجد للشافعي ما يقتضي إثبات القولين، وقال الماوردي: إنه نص عليهما في اختلاف العراقيين (¬1)، وليس كذلك؛ فالموجود في اختلاف العراقيين جواز هذا التحكيم وعدمه، لا اعتبار رضا جديد. 5901 - قول " التنبيه " [ص 251]: (وإن رجع فيه أحدهما قبل أن يحكم .. فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز) الأصح: الأول، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " (¬2). 5902 - قول " التنبيه " [ص 251]: (وإن تحاكما إليه في النكاح واللعان والقصاص وحد القذف .. فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز، وقيل: على القولين) الأصح: طريقة الخلاف، والأصح منه: الجواز في غير عقوبة لله تعالى من حد وتعزير، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 558]: (ولو حكم خصمان رجلًا في غير حد لله تعالى .. جاز مطلقًا) ثم قال: (وقيل: يختص بمال دون قصاص ونكاح ونحوهما)، والتقييد بغير حد الله تعالى ليس في " المحرر " (¬3)، ولا بد منه، وكان ينبغي التعبير بالعقوبة كما عبرت به؛ ليتناول التعزير، ومسألة العقوبة واردة على إطلاق " الحاوي "، وطريقة القطع بالجواز غريبة ليست في الرافعي و" الروضة "، ونسبها في " الكفاية " عن حكاية ابن الصباغ وغيره عن الأكثرين، وأن النووي صححها، ولم يصحح إلا الجواز من حيث هو، وأما القطع به .. فلم يذكره، وظاهر كلامهم أن الخلاف جار في تعاطي ذلك وإثباته، وفرض ذلك في " الكفاية " في الإثبات، ثم قال: ولو كان الترافع في النكاح لأجل العقد .. فالأصح عند الروياني وغيره: الصحة مع القدرة على الحاكم، وصور الجيلي مسألة القصاص وحد القذف بما إذا طلب المستحق .. هل له إثباته بالبينة واستيفاؤه؟ والمصحح في " الروضة " وأصلها: أنه ليس للمحكم الحبس، بل غايته الإثبات والحكم (¬4)، وعليه مشى " الحاوي " فقال [ص 667]: (بلا حبس وعقوبة). ¬

_ (¬1) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 326). (¬2) الحاوي (ص 667)، المنهاج (ص 558). (¬3) المحرر (ص 484). (¬4) فتح العزيز (12/ 437)، الروضة (11/ 122).

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ومقتضاه: أنه ليس له أن يوكل بالمستحق عليه من يلازمه، وصرح في " النهاية " عن والده الشيخ أبي محمد بأنه ليس إليه استيفاء العقوبات، وإنما إليه إثباتها؛ فإن إقامتها استقلالٌ عظيم وخرمٌ لأبهة الولاية، وصحح ما قاله والده (¬1)، وتبعه عليه الغزالي (¬2)، وحمل شيخنا في " تصحيح المنهاج " قوله: (في غير حد لله تعالى) على ما إذا كان مستقلًا، فإن كان في ضمن تحكيم في حق آدمي .. تناوله حكم المحكم، قال: وذلك في صورتين: أحدهما: إذا حكم الزوجان في اللعان، فلاعن الزوج بأمر المحكم .. توجب حد الزنا على الزوجة ضمنًا، ولها رفعه باللعان، قال: وإنما قلنا هذا؛ لأنهم وجهوا منع التحكيم في العقوبة المتمحضة لحق الله تعالى بأنه لا طالب لها متعين، فيتعذر التحكيم فيها، وفي هذه الصورة الزوج طالب لنفي حد القذف عنه، والزوجة طالبة لحد القذف، فإذا لاعن .. سقط عنه حد القذف ووجب حد الزنا عليها؛ لصحة التحكيم من الزوجين في اللعان المتضمن لإثبات حد الزنا، قال: ولم أر من تعرض لذلك، قال: ولو حكماه في أمر القذف، فأقام الزوج بنية بزناها .. سقط حد القذف عن الزوج، وفي وجوب حد الزنا عليها تردد؛ لتضمن اللعان إيجاب حد الزنا، وقد يسقط حد القذف ولا يجب حد الزنا. الثانية: حكم السارق والمالك في المال المسروق، فأنكر ونكل وحلف المالك، وقلنا: يثبت القطع باليمين المردودة عند الحاكم .. فكذلك المحكم، ولو أقام بينة .. ففي ثبوت القطع تردد. 5903 - قول " المنهاج " [ص 558]: (وفي قول: لا يجوز) جرى على طريقة القولين، ولم يحك الرافعي غيرها، لكن طريقة العراقيين القطع في المال، وحكاها في " الكفاية " عن الجمهور، وعليها مشى " التنبيه "، فلم يحك خلافًا في التحكيم في المال، وإنما حكى الخلاف في أنه يلزم بنفس الحكم أم لا (¬3). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": محل هذا القول فيما إذا لم يكن أحد المحكمين الإمام والآخر منازعه في الإمامة .. فيجوز هنا التحكيم قولًا واحدًا؛ لإجماع الصحابة في قضية على ومعاوية رضي الله عنهم، وكذا لا خلاف في تحكيم الإمام وأهل قلعة من الكفار في نزولهم على حكم فلان، وكذا إذا خلا الزمان عن قيام الإمام بأحكام الإسلام فينفذ حكم المحكم قطعًا، ذكره الإمام في " الغياثي "، قال شيخنا: وينبغي هنا أن يستوفي العقوبات المتعلقة بالآدميين ويحبس في حقوقهم. ¬

_ (¬1) نهاية المطلب (18/ 584). (¬2) انظر " الوجيز " (2/ 238). (¬3) التنبيه (ص 251).

5904 - قوله: (ولا ينفذ حكمه إلا على راض به) (¬1) و" الحاوي " [ص 667]: (والحكم على الراضي) قال في " أصل الروضة ": قال السرخسي: وإنما يشترط رضا المتحاكمين إذا لم يكن أحدهما القاضي نفسه، فإن كان .. فهل يشترط رضا الآخر؛ فيه اختلاف نص، والمذهب: أنه لا يشترط، وليكن هذا مبنيًا على جواز الاستخلاف إن جاز؛ فالمرجوع إليه نائب القاضي (¬2). وقال ابن الرفعة: لا يحسن هذا البناء؛ فإن ابن الصباغ وغيره قالوا: إن التحاكم إلى الشخص لا يكون تولية. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج " وقضية هذا البحث: أنا إن لم نجوز الاستخلاف .. اشترط الرضا من الجانبين، وهو ظاهر، قال: وقضية ذلك: أن يشترط الرضا من الجانبين في التنازع مع الإمام في مال إذا جعلناه محكمًا من متنازعين ولم يجعله نائب الإمام، وقال الشيخ أبو حامد في تحاكم عمر وأبَيّ إلى زيد بن ثابت رضي الله عنهم: فدل على أن حكمه لازم إجماعًا منهم على ذلك، وقال في " الشامل ": لا يصير برضا الإمام بحكمه حاكمًا. 5905 - قول " التنبيه " [ص 251]: (ويجوز أن يكون في البلد قاضيان وأكثر، ينظر كل واحد منهم في موضع) كذا لو اختص أحدهما بزمن أو نوع، ذكره " المنهاج "، قال [ص 558]: (وكذا إن لم يخص في الأصح، إلا أن يشرط اجتماعهما على الحكم) وفيه أمور: أحدها: أن عبارة " المنهاج " [ص 558]: (ولو نصب قاضيين) فقد يفهم اختصاص ذلك باثنين، ورفع " التنبيه " هذا الإبهام بقوله: (وأكثر) ولكنه لم يذكر لذلك حدًا، وقد قال الماوردي: إن كثروا - يعني: والصورة إثبات الاستقلال لكل واحد - .. لم يصح جزمًا، ولم يحد الكثرة بشئ، وفي " المطلب " بعد حكايته لجواز أن يناط ذلك بقدر الحاجة .. وعندي أن يرجع في ذلك إلى العرف. ثانيها: قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إن ظاهره التخصيص بمكان الحكم، وهذا لا يخلص في الجزم بالجواز؛ لأنه إذا خصص مكان الحكم، ولكن عمم مكان الطلب .. فلا يجزم فيه بالجواز؛ لأن المعنى المذكور في توجيه المنع من تنازع الخصمين في اختيارهما وفي إجابة داعيهما موجود هنا، قال: فالصواب أن يقال: وخصص كلًا منهما بمكان حكمًا وطلبًا. ثالثها: أن محل الخلاف: فيما إذا جعلهما أصلين، فإن جعل أحدهما .. أصلًا والآخر خليفة عنه .. جاز قطعًا؛ لأن المعنى المقتضي للمنع: تنازع الخصمين في اختيارهما وإجابة داعيهما، وهنا يجاب داعي الأصل كالإمام مع القاضي. ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 558). (¬2) الروضة (11/ 122).

رابعها: أن تعبيره بالأصح يقتضي أنه وجه، وقد نص عليه الشافعي كما حكاه في " البحر "، وقوة مقابله مع أنه ضعيف جدًا. خامسها: دخل في قوله: (وكذا إن لم يخص) (¬1) قسمان: أحدهما: أن ينص على التعميم، ويثبت لكل منهما الاستقلال، وفيه الوجهان، والآخر: أن يطلق، فلا يشرط اجتماعًا ولا استقلالًا؛ فقال صاحب " التقريب ": يحمل على إثبات الاستقلال تنزيلًا للمطلق على ما يجوز، وقال غيره: التولية باطلة، قال النووي: الأول أصح، وبه قطع في " المحرر " (¬2). قال شيخنا ابن النقيب: وليس في " المحرر " إلا هذا الإطلاق الذي في " المنهاج "، فهو ظاهر في التعميم (¬3). وقال في " المهمات ": ما ذكره من قطع " المحرر " غلط، بل حكى وجهين. قلت: لم يقل النووي أن " المحرر" قطع بالجواز، بل قال: إنه قطع بما قاله في " التقريب "، وهو إلحاق صورة الإطلاق بصورة إثبات الاستقلال، وتلك فيها وجهان؛ فهذه أيضًا كذلك، فلا إيراد عليه. قال في " المهمات ": ويحتاج إلى الفرق بين هذه المسألة وبين ما إذا قال الموصي: أوصي (¬4) إلى من شئت أو إلى فلان، ولم يقل: عني ولا عنك .. فصحح البغوي: أنه يحمل على كونه عن الوصي حتى لا يصح، ولم ينزل المطلق على ما يجوز. قلت: ويمكن الفرق: بأن الأصل منع وصاية الوصي إلا إن صرح الموصي بأن يوصي عنه، بخلاف تولية القضاء؛ فإنه جائز، والظاهر من اللفظ إرادة الاستقلال. سادسها: ما ذكره من البطلان عند شرط اجتماعهما على الحكم قاله في " النهاية " (¬5)، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إنه ليس بمعتمد، والذي نقوله أحد وجهين إما صحة التولية وإلغاء الشرط [وهو الأرجح] (¬6)، وإما صحة الشرط ولا يحكمان إلا بما يتفقان عليه، وهو الذي في زوائد العمراني عن القاضي أبي حامد، وقال: إنهما يجريان مجرى القاضي الواحد؛ ويؤيده صورة النزول من القلعة على حكم اثنين؛ فإنه جائز، ولا يحكمان إلا بما يتفقان عليه. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 558). (¬2) الروضة (11/ 121)، وانظر " المحرر " (ص 485). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (8/ 192). (¬4) كذا في النسخ، وهو لغة لبعض العرب، انظر " البحر المحيط " (5/ 343). (¬5) نهاية المطلب (18/ 535). (¬6) في (د): (وهو الأصح).

فصل [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه]

فصلٌ [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه] 5906 - قول " المنهاج " [ص 558]: (جن قاضٍ، أو أغمي عليه، أو عَمِيَ، أو ذهبت أهلية اجتهاده وضبطه بغفلةٍ أو نسيان .. لم ينفذ حكمه) قد يُفْهِمُ بقاءه على ولايته وإن لم ينفذ حكمه؛ كمن هو في غير ولايته، وفائدته استمرار ثوابه، وليس كذلك، فلو قال: (انعزل) كما عبر به " الحاوي " (¬1) .. لكان أولى، وهذا هو مراده؛ لقوله بعده: (فإن زالت هذه الأحوال .. لم تعد ولايته في الأصح) (¬2). ويستثنى من العمى: ما لو عمي بعد سماع البينة وتعديلها .. فالأصح: أنه ينفذ قضاؤه في تلك الواقعة إن لم يحتج إلى الإشارة، كما ذكره في " الروضة " في الشهادات (¬3)، ولا يخفى أن تعبير " المنهاج " بذهاب أهلية اجتهاده ... إلى آخره، أعم من تعبير " الحاوي " عن ذلك بالنسيان. 5907 - قول " المنهاج " [ص 558]: (وكذا لو فسق في الأصح) نازع شيخنا في " تصحيح المنهاج " في إثبات خلاف ذلك، وقال: لا يعرف في شيء من كتب الطريقين، وإنما حكى الإمام في " النهاية " عدم انعزاله عن بعض الأصوليين (¬4)، قال: والصواب الذي يقتضيه كلام الشافعي رضي الله عنه وأصحابه: القطع بالانعزال بالفسق المنافي لابتداء الولاية. 5908 - قوله: (فإن زالت هذه الأحوال لم تعد ولايته في الأصح) (¬5) قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": محله في غير المريض الذي حصل له ما يمنعه من الاجتهاد من غير حصول إغماء؛ فإنه وإن لم ينفذ حكمه فيه .. لا ينعزل إذا كان مرجو الزوال، فإذا زال المانع .. فولايته مستمرة قطعًا، ذكره الماوردي (¬6)، وهو الصواب، ولا توقف فيه. 5909 - قوله: (وللإمام عزل قاض ظهر منه خللٌ، أو لم يظهر وهناك أفضل منه أو مثله وفي عزله به مصلحة كتسكين فتنة، وإلا .. فلا) (¬7) فيه أمور: أحدها: أن ذلك لا يختص بالإمام؛ فالقاضي مع نوابه كذلك؛ ولذلك لم يقيده " الحاوي " ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 659). (¬2) المنهاج (ص 558). (¬3) الروضة (11/ 260، 261)، وفي حاشية (ج): (و " الحاوي " أيضًا فيها). (¬4) نهاية المطلب (18/ 586). (¬5) انظر " المنهاج " (ص 558). (¬6) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 335). (¬7) انظر " المنهاج " (ص 558، 559).

بالإمام (¬1)، وقال الماوردي: للقاضي عزل خليفته من غير موجب بناء على انعزاله بموته (¬2)، وكذا قال السبكي في تصنيف له: له عزله لمصلحة وغيرها؛ لأنه يستعين به، ولو باشر الأحكام كلها بنفسه .. لجاز، فكيف يحجر عليه إذا استناب أن لا يعزل إلا لمصلحة، لكن الأولى أن لا يفعله إلا لمصلحة؛ لما فيه من كسر القلوب بغير فائدة، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الأرجح عندنا: خلاف ما ذكر الماوردي. ثانيها: قد يفهم من قوله: (ظهر منه خلل) ثبوته، وليس كذلك؛ ففي " أصل الروضة " عن " الوسيط ": أنه يكفي فيه غلبة الظن (¬3)، وجزم به في " الشرح الصغير "، وعبارة " الحاوي " [ص 659]: (ويُعزل بخلل). ثالثها: محل جواز عزله بالخلل ما إذا كان غير متعين، فإن لم يصلح غيره .. لم يعزل بمجرد الخلل الذي لا يقتضي انعزاله، ذكره شيخنا في " تصحيح المنهاج "، وقال: وهذا لا توقف فيه وإن لم يصرحوا به، ولكنهم ذكروا ما يقتضيه. رابعها: قد يفهم أن قوله: (وفي عزله به مصلحة) أن يعود للصورتين قبله، وليس كذلك؛ فإنما يعود للثانية فقط، وهي ما إذا كان هناك مثله، وعبارة " الحاوي " صريحة في ذلك؛ لقوله [ص 659]: (وأصلح، ومصلحة) فعطفها عليها يقتضي أنها غيرها. خامسها: أن عبارته تقتضي أنه لا يعزل بدونه إذا كان فيه مصلحة، وليس كذلك، بل المثل والدون في هذا سواء، وقد تناول الدون قول " الحاوي " [ص 659]: (ومصلحة). سادسها: ذكر في " المحرر " في العزل بالمثل قيدًا آخر أسقطه " المنهاج "، وهو: أن لا يكون في عزله به فتنة (¬4)، ولا يستغنى عنه بقوله: (وفي عزله به مصلحة) فقد يكون الشيء مصلحة من وجه ومفسدة من جهة أخرى. 5910 - قول " المنهاج " [ص 559]: (لكن ينفذ العزل في الأصح) و" الحاوي " [ص 659]: (ودونه نفذ) لا يخفى أن محله في غير المتعين، ثم في " النهاية " عن الأصحاب: أنه إن عزله بمن هو دونه .. لم ينفذ على ظاهر المذهب، أو بمن هو مثله .. فعلى قولين، كذا رتبه القاضي، وقال الإمام: الوجه القطع بنفوذه في كل صورة (¬5). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 659). (¬2) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 233). (¬3) الروضة (11/ 126)، وانظر " الوسيط " (7/ 295). (¬4) المحرر (ص 485). (¬5) نهاية المطلب (18/ 586).

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وظهر بذلك أن الذي ذكره في " المنهاج " مخالف للطريقين معًا. 5911 - قول " المنهاج " [ص 559]: (والمذهب: أنه لا ينعزل قبل بلوغه خبر عزله) يفهم انعزاله ببلوغ خبره، وبه صرح " الحاوي " (¬1)، واستثنى منه شيخنا في " تصحيح المنهاج " ما إذا لم يبلغ نوابه خبر عزله .. فولايته مستمرة حكمًا، وإن كان لا ينفذ حكمه، ويستحق ما رتب له على الوظيفة لسدها بنائبه، قال: والقياس في عكسه: أن النائب لا ينعزل حتى يبلغ أصله خبر العزل، وينفذ حكمه كما ينفذ حكم أصله، قال: ولم أر من تعرض له. 5912 - قول " المنهاج " [ص 559]: (وإذا كتب الإمام إليه: " إذا قرأت كتابي .. فأنت معزول "، فقرأه .. انعزل) لا يتوقف ذلك على القراءة الحقيقية، فلو تأمله وعرف ما فيه .. انعزل، وفي " النهاية " في الطلاق: لم يختلف علماؤنا أنها إذا طالعته وفهمت ما فيه .. أنه يقع الطلاق وإن لم تتلفظ بشيء (¬2). 5913 - قوله: (وكذا إن قُرئ عليه في الأصح) (¬3) مخالف لنظيره في الطلاق، قال في " المهمات ": والصواب التسوية بين البابين، وعدم الاكتفاء بها. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": العزل بذلك قاله الصيدلاني، وفرق بينه وبين الطلاق: بأن تفاصيل الصفات مرعية في تعليق الطلاق، وأمر العزل يُرعى فيه الإعلام، ولا يرد على دقائق الصفات، ولو راعى الإمام غير الإعلام .. لكان في مقام [العابث] (¬4)، قال الإمام: وهو حسن، ولكن اتفق الأصحاب على التسوية بين هذا وبين الطلاق في الوفاق والخلاف (¬5). 5914 - قوله: (وينعزل بموت القاضي وانعزاله مَنْ أُذِنَ له في شغلٍ معينٍ كبيع مال [يتيم]) (¬6) (¬7)، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إن كان له يتيم .. فهذا قيم يتيم، وقيم اليتيم لا ينعزل بموت القاضي ولا بانعزاله كما سيأتي. قلت: قيم اليتيم متصرف في جميع أموره، وهذا مأذون له في قضية خاصة، وهي البيع، فلم يجعله القاضي قيمه، وإنما استعان به في أمر مخصوص، والله أعلم. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 659). (¬2) نهاية المطلب (14/ 81). (¬3) انظر " المنهاج " (ص 559). (¬4) في (ج)، (د): (الغائب) والمثبت من (ب) و" نهاية المطلب ". (¬5) انظر " نهاية المطلب " (18/ 587). (¬6) في "المنهاج ": (ميت). (¬7) انظر " المنهاج " (ص 559).

5915 - قول " المنهاج " [ص 559]: (والأصح: انعزال نائبه المطلق إن لم يؤذن له في الاستخلاف، أو قيل له: " استخلف عن نفسك "، أو أطلق، فإن قيل له: " استخلف عني " .. فلا) و" الحاوي " [ص 659]: (وبنعزل ونائبه، لا العام عن الإمام) ما ذكراه في حالة الإطلاق مخالف ما صححاه في نظيره من الوكالة من أنه يكون نائبًا عن الأول حتى لا ينعزل بعزل الثاني. قال في " المهمات ": ولعل العكس أقرب، لكن حكيا عن تصحيح البغوي فيما لو قال الموصي للوصي: أوص، وأطلق .. أنه كما لو قال: (عنك) حتى لا يصح، وصححا فيما لو قال: أعتق عبدك على ألف .. أنه كما لو قال: (عن نفسك). وذكر شيخنا في " تصحيح المنهاج ": أن التفصيل المذكور هنا لا يعرف في شيء من كتب المذهب، إلا في كلام البغوي والخوارزمي، قال: والأرجح عندنا: ما حكاه الشيخ أبو حامد عن عامة أصحابنا: بأنه لا ينعزل مطلقًا كالإمام إذا مات. وفي " أصل الروضة " عن السرخسي: أن الإمام لو نصب نائبًا عن القاضي .. لا ينعزل بموت القاضي وانعزاله؛ لأنه مأذون له من جهة الإمام، قال الرافعي: ويجوز أن يقال: إذا كان الإذن مقيدًا بالنيابة ولم يبق الأصل .. لم يبق النائب. انتهى (¬1). ويوافق هذا البحث حكاية الماوردي وجهين في أنه هل للقاضي عزل هذا الذي استنابه الإمام عن القاضي؟ فإنه متى كان له عزله .. انعزل بموته (¬2). 5916 - قول " المنهاج " [ص 559]: (ولا ينعزل قاضٍ بموت الإمام) زاد " الحاوي " [ص 659]: (وانعزاله) واستثنى منه شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ما إذا أقامه قاضيًا ليحكم بين الإمام وبين خصمائه .. فإنه ينعزل بموت الإمام؛ لزوال المعنى المقتضي لذلك، قال: ولم أر من تعرض لذلك، وفقهه واضح. قلت: ليس هذا قاضيًا عامًا، وإنما هو مأذون له في شغل معين، فينعزل بموته، ولو لم يتعذر ذلك الشغل، فكيف وقد تعذر بموت أحد الخصمين، والله أعلم. 5917 - قول " المنهاج " [ص 559]: (ولا يقبل قوله بعد انعزاله: " حكمت بكذا ") فيه أمران: أحدهما: يستثنى منه: ما إذا انعزل بالعمى .. فتقدم إن له إنشاء الحكم إذا استوفى الشروط قبله، ولم يحتج لإشارة؛ فالإقرار به أولى، ذكره شيخنا في " تصحيح المنهاج "، وقال: لم من أر من تعرض له، وهو فقه دقيق. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (12/ 443). (¬2) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 8).

ثانيهما: في معنى قوله: (حكمت بكذا) ثبت عندي كذا، وعقدت نكاح فلانة على فلان، وبعت كذا على محجوري بالحكم، فلو قال: (صرفت مال الوقف لجهته العامة، أو في عمارته التي تقتضيها الحال) .. قبل قوله بلا يمين، ولو قال: المال الذي في يد هذا الأمين سلمته له زمن قضائي، وهو لزيد، وصدقه الأمين على أنه تسلمه منه، وادعى أنه لعمرو .. فالقول قول القاضي بلا يمين، وهل يغرم الأمين لعمرو؟ فيه وجهان، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": والأرجح: أنه لا يغرم له شيئًا، ولو لم يصدقه الأمين في تسلمه منه فالقول قول الأمين. 5918 - قوله: (فإن شهد مع آخر بحكم حاكم جائز الحكم .. قبلت في الأصح) (¬1) و" الحاوي " [ص 660]: (ويشهد بشاهدٍ إن قضى به قاضٍ) محله: ما إذا لم يعلم القاضي أنه يعني نفسه؛ فإن للرافعي احتمالين في أن الخلاف فيما إذا لم يعلم القاضي أنه يعني نفسه، فإن علم .. فهو كما لو أضاف إلى نفسه، أو الخلاف فيما إذا علم، وإلا .. قبل قطعًا، وصحح النووي: الأول (¬2). لكن قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": قد يظهر أن الثاني أرجح؛ لأن القاضي إذا علم .. جاز الوجهان في الرد وعدمه، فإذا لم يعلم .. فالقبول مقطوع به؛ إذ لا خلل في لفظ الشاهد ولا في علم القاضي. انتهى. وفي " المهمات ": أن الاحتمال الثاني لا يتصور هنا؛ لأنه علل المنع؛ فإنه قد يريد نفسه، ولو كان محلهما: ما إذا علم .. لم يصح هذا التعليل؛ لأنه تعليل لمحل النزاع، ثم قال: إن كلام الأصحاب يدل على الاحتمال الثاني؛ فإن الإمام علل وجه المنع بأن الظاهر أنه يعني نفسه (¬3)، وعلله الماوردي بجواز أن يكون هو الحاكم به (¬4)، وعلل البغوي القبول بأن الظاهر أنه يريد حكم غيره (¬5)، ويوافقه قوله في " فتاويه " فيما لو باع دارًا، فغصبت من المشتري، فشهد له البائع بالملك .. يقبل، ولا يرد القاضي شهادته بعلمه أنه باعها كما لا ترد شهادة من علم أنه شهد بالملك بظاهر اليد، وإن كان لو صرح لم يقبل، فلو صرح الشاهد الآخر بأن المعزول حكم به .. قبل على الاحتمال الثاني؛ لأنا لا نعتني تفريعًا عليه إلا بتصحيح الصيغة، قاله الرافعي (¬6). قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهو مردود؛ فإن الشهادة على حاكم واحد لم يتم النصاب ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 559). (¬2) انظر " فتح العزيز " (12/ 445). (¬3) انظر " نهاية المطلب " (18/ 588). (¬4) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 338). (¬5) انظر " التهذيب " (8/ 194). (¬6) انظر " فتح العزيز " (12/ 445).

فيها، ولو علم القاضي أن المعزول يريد نفسه .. فليس قاطعًا بذلك عند أداء الشهادة؛ لجواز أن يريد غيره، فلم تتفق الشاهادتان على حاكم واحد تعين في أداء شهادتهما وَحْدَتُه. 5919 - قول " المنهاج " [ص 559]: (ولو ادعى شخصٌ على معزولٍ أنه أخذ ماله برشوةٍ أو شهادة عبدين مثلًا .. احضر وفُصِلَتْ خصومتهما) و " التنبيه " [ص 253، 254]: (فإن ادعى عليه مالًا غصبه أو رشوة أخذها على حكم .. أحضره) فيه أمران: أحدهما: قد يفهم تعين إحضاره، وليس كذلك، فله إرسال وكيله، ذكره في " المطلب "، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهو واضح؛ لأن في إحضاره من [الإهانة] (¬1) ما لا يستحقه بمجرد الدعوى. ثانيهما: قال شيخنا أيضًا: مقتضاه: أنه يحلفه هنا بلا خلاف، بخلاف الصورة التي ستأتي بعدها، وليس كذلك؛ فقد قال القاضي أبو الطيب: إن فيها الخلاف الآتي بعدها، وبه جزم ابن الصباغ، فقال: كان القول قول المعزول بلا يمين. 5920 - قول " التنبيه " [ص 254]: (وإن قال: " حكم عليّ بشهادة فاسقين أو عبدين " .. فقد قيل: يحضره، وقيل: لا يحضره حتى يقيم المدعي بينة أنه حكم عليه) فيه أمور: أحدها: محل الخلاف: ما إذا لم يذكر مالًا، وقد قيده به " المنهاج " (¬2)، فإن ادعى أنه أخذه منه بشهادتهما ودفعه إلى فلان .. أحضره قطعًا. ثانيها: الأصح في " المنهاج " و" التصحيح " الأول (¬3)، وكذا صححه في " أصل الروضة " (¬4)، مع أن الرافعي إنما نقل تصحيحه في " الشرح " عن الروياني وغيره، وتصحيح مقابله عن البغوي (¬5)، وكلامه في " الشرح الصغير " يقتضي ترجيح الثاني؛ فإنه اقتصر على حكاية ترجيحه عن البغوي، ولم ينقل ترجيح الأول عن أحد، وكذا قال في " المحرر " عن الثاني: رجحه مرجحون (¬6). قال في " الدقائق ": وليس ما في " المنهاج " مخالفًا لما في " المحرر " لأنه لا يمنع أن الأول رجحه آخرون أو الأ كثرون، قال: وقد صحح هو الأول في "الشرح " وصححه آخرون. انتهى (¬7). ¬

_ (¬1) في (ب)، (د): (الاهنة)، وفي (ج): (الاهبة). (¬2) المنهاج (ص 559). (¬3) المنهاج (ص 559)، تصحيح التنبيه (2/ 263). (¬4) الروضة (11/ 129، 130). (¬5) فتح العزيز (12/ 447)، وانظر " التهذيب " (8/ 194). (¬6) المحرر (ص 486). (¬7) الدقائق (ص 76).

وقد عرفت أنه لم يصححه في " الشرح "، وإنما حكى تصحيحه عن الروياني وغيره مع نقل تصحيح مقابله عن البغوي، وعادته في " المحرر " إذا اقتصر على حكاية ترجيح أحد الوجهين ولو مبهمًا بقوله: (رجح) .. اعتمد في " المنهاج " ترجيحه، فما باله خالف هنا عادته. وقال شيخنا الإسنوي في " التنقيح ": إن اقتضى ما في " المحرر " عكس ما صححه في " المنهاج " .. فالمخالفة واضحة، وإن لم يقتض تصحيحه من غير تنبيه عليه. وقال في " التوشيح ": هذا الثاني هو الذي ظهر من كلام الوالد رحمه الله تعالى ترجيحه، ذكره في كتاب التعريف. ثالثها: ليس المراد على الوجه الثاني: أن البينة تقام في غيبته ويحكم بها، بل المراد: أن لا يحضره إلا بعد التثبت؛ بأن يقيم بينة بعلم القاضي بها أن لدعواه حقيقة، فإذا حضر وادعى عليه .. شهدوا في وجهه. 5921 - قول " التنبيه " [ص 254]: (فإن حضر وقال: " حكمت عليه بشهادة حرين عدلين " .. فالقول قوله مع يمينه، وقيل: القول قوله من غير يمين، والأول أصح) كذا صححه في " المنهاج " من زيادته (¬1)، ولم يصرح في " الروضة " بتصحيح، وعبارته: صدق بيمينه على الأصح عند العراقيين والروياني كالمودع وسائر الأمناء، وقيل: يصدق بلا يمين، وبه قال ابن القاص والإصطخري وصاحب " التقريب " والماوردي، وصححه الشيخ أبو عاصم والبغوي (¬2). وحكى النشائي في " نكته ": أن الرافعي قال: والأحسن ما صححه الشيخ أبو عاصم ... إلى آخره (¬3)، وهو تحريف، وإنما قال: وهذا أحسن وأصح عند الشيخ أبي عاصم ... إلى آخر كلامه (¬4)، فأسقط في " الروضة " لفظة (أحسن)، وفهم في " المهمات " أن قوله: إنه أحسن من عند الرافعي غير منقول عن أبي عاصم؛ ولذلك اقتصر عليه في " الشرح الصغير " و" المحرر " فقال: أحسنهما بلا يمين (¬5)، ولم يذكر فيهما ترجيح غيره عن أحد، ويوافقه كلام " أصل الروضة " في الباب الثالث من الدعوى والبينات (¬6)، وحكى في " التوشيح " عن والده: أنه صححه، وعليه مشى " الحاوي " فقال فيمن لا يحلف [ص 687]: (والقاضي وإن عُزِلَ). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إنه الأصح المعتمد؛ فإن منصب القضاء والشهادات شرع ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 559). (¬2) الروضة (11/ 130). (¬3) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 191). (¬4) انظر " فتح العزيز " (12/ 447). (¬5) المحرر (ص 486). (¬6) الروضة (12/ 38).

للمصلحة العامة، فلا يليق بمن يقوم به تحليفه فيما يتعلق به؛ لئلا يؤدي إلى الرغبة عنه؛ ولهذا لا يحلف المتولي كما سيأتي، ثم نازع شيخنا في نسبة تصحيح التحليف للعراقيين؛ بأن صاحب " الشامل " حكى الوجهين بلا ترجيح، وجزم فيما إذا قال المدعي: أخرج عقارًا أو عينًا من يدي دفعها لفلان بغير حق، فقال المعزول: فعلت هذا بحق من بينة أو إقرار .. أن القول قول المعزول بلا يمين. 5922 - قول " المنهاج " [ص 559]: (ولو ادُّعِيَ على قاضٍ جورٌ في حكمٍ .. لم تسمع، وتشترط بينة) علله الرافعي وغيره: بأن هذا الباب لو فتح .. لاشتد الأمر، ورغب القضاة والشهود عن القضاء والشهادة (¬1). وعلله السبكي: بأن القاضي نائب الشرع، والدعوى على النائب كالدعوى على المستنيب، والدعوى على الشرع لا تسمع، فإن فرض قيام بينة عادلة .. فقد خرج عن نيابة الشرع، فتسمع إذ ذاك، قال: وهذه العلة ترد على الشيخ أبي حامد قوله: إن قياس المذهب: تحليف القاضي كسائر الأمناء، فيقال: الفرق بينه وبينهم أنه أمين الشرع، بخلافهم. وذكر شيخنا في " تصحيح المنهاج ": أن محل عدم إحضاره عند فقد البينة: إذا لم يكن المشكو إليه الإمام .. فللإمام إحضاره إن رأى ذلك؛ لأنه ليس نقصًا في حقه، قال: وكذا نائب الإمام العام، فأما قاض مثله .. فليس له ذلك، إلا إذا اشتهر جور ذلك القاضي .. فيستغنى بذلك عن البينة. 5923 - قوله: (وإن لم تتعلق بحكمه .. حَكَمَ بينهما خليفته أو غيره) (¬2) قال السبكي: هذا إذا كانت الدعوى بما لا يقدح فيه، ولا يخل بمنصبه، ولا يوجب عزله، فإن كانت بقادح .. فالقطع بأنها لا تسمع، ولا يحلف، ولا طريق للمدعي حينئذ إلا البينة، قال: ولا يعارض قولهم بسماع الدعوى على المعزول بالغصب والإتلاف؛ لأمرين: أحدها: أن الإتلاف والغصب قد يكون بغير تعمد للباطل، فليس بقادح. والثاني: أنه بعد العزل، وكلامنا هنا في حال الولاية، فالمتولي نائب الشرع، والمعزول ليس نائب الشرع الآن، قال: وسواء كانت الدعوى تتعلق بالحكم أم خارجة عنه .. فإن يده يد الشرع، ثم قال: بل أقول: سواء أكان يقدح فيه أم لا يقدح .. ينبغي أن يصان منصبه عن الابتذال بالدعوى والتحليف ما لم يظهر للقاضي عنده صحة دعوى المدعي، ومتى لم يظهر .. يبنى الأمر على الظاهر، ومتى ثبت عنده من أمانته، قال: بل أقول: كل من ثبتت عدالته وادعي عليه بدعوى .. ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (12/ 449). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 559).

فصل [في آداب القضاء وغيرها]

ينبغي للقاضي أن ينظر فيها، وفي إنكار ذلك العدل لها، فإن كان يمكن أن تكون عن سهو وغفلة أو اجتهاد وتأويل ونحوه بحيث لا يخل بعدالته .. فيسمعها ويفصلها بيمين أو ببينة كغيرها، إلا أن يظهر له من المدعي تعنت .. فيدفعه، وإن كان إنكاره لا يمكن أن يكون إلا قادحًا فيه .. فينبغي أن لا تسمع دعوى المدعي وطلبه تحليفه إلا أن يأتي ببينة، وذلك لأن ما يدعيه والحالة هذه مخالف لما ثبت من عدالته، وله طريق وهو البينة، ولم يقم لنا دليل من الشرع على أن كل دعوى مسموعة، بل على أن الناس لو أعطوا بدعواهم .. لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه. ومعنى هذا: دفع أن يعطى الناس بدعواهم، وإنما يعطى المدعي حيث يعطى بالبينة أو بإقرار المدعى عليه، وإن لم يكن كذلك .. فلا يعطى ويحلف المدعى عليه حيث تسمع دعوى المدعي، وأما متى تسمع؛ فليس في اللفظ تعرض لبيان، وهو مفوض إلى رأي القاضي، فإن رآها محتملة .. سمعها، أو مستحيلة .. ردها، وقد تختلف حال احتمالها، وهو مفوض إلى اجتهاده، وقد يستوي الأمران عنده .. فيسمعها بشروطها على من يسوغ سماع الدعوى عليه، وعند قوة كذبه ينبغي ألا يسمعها؛ فليس في الشرع ما يوجب سماع كل دعوى، ألا ترى أن في القسامة لما قوي جانب المدعي في اللوث .. كانت اليمين في جانبه، وترجح على جانب المدعى عليه؛ فلذلك إذا قوي جانب المدعى عليه .. ينبغي أن تندفع عنه اليمين حتى تقوم بينة تكون الحجة فيها أقوى من ظاهر حاله؛ فباب القسامة فتح لنا اعتماد الظنون. انتهى. فصلٌ [في آداب القضاء وغيرها] 5924 - قول " التنبيه " [ص 251]: (وإذا ولى الإمام رجلًا .. كتب له العهد) و" المنهاج " [ص 560]: (ليكتب الإمام لمن يوليه) قد يفهم وجوبه، وليس كذلك، بل هو استحباب صرح بذلك جمع من الأصحاب، ولا خلاف فيه، قاله شيخنا في " تصحيح المنهاج "؛ ولهذا لم يذكره " الحاوي "، ولا يختص ذلك بالإمام؛ فقاضي الإقليم إذا ولى نائبًا في عمل من إقليمه .. يستحب أن يكتب له تقليدًا بما فوضه إليه وبما يشترطه عليه. 5925 - قول " التنبيه " [ص 251]: (وأشهد على التولية شاهدين) أحسن من قول " المنهاج " [ص 560]: (ويُشهد بالكتاب شاهدين) لأن الاعتماد على التولية دون الكتاب، قال الأصحاب: ليس هذا على قواعد الشهادات؛ إذ ليس هناك قاض يؤدي عنده الشهادة، قاله في " أصل الروضة " (¬1). ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 131).

وفي كلام الماوردي: أن الشاهدين يشهدان عند أهل البلد بالولاية، وأقام صاحب " المطلب " هذين الكلامين وجهين. قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وعندي أنه إذا كان المدار على الإخبار، وأنه ليس على قواعد الشهادات .. فينبغي أن يكتفى بواحد؛ لأن هذا من باب الخبر، قال: ولم أر من تعرض لذلك. 5926 - قول " التنبيه " [ص 251]: (وقيل: إن كان البلد قريبًا بحيث يتصل به الخبر .. لم يلزمه الإشهاد) هو الأصح، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 560]: (وتكفي الاستفاضة في الأصح) وظاهره تبعًا " للمحرر " الاكتفاء بها ولو كان البلد بعيدًا (¬1)، لكن رجح في " الروضة " وأصلها: أن ذلك في البلد القريب، ثم قال: ومن الأصحاب من أطلقهما ولم يفرق بين القريب والبعيد، قال ويشبه أن لا يكون خلاف ويكون التعويل على الاستفاضة (¬2). ومشى " الحاوي " على الإطلاق كما سنحكي عبارته، وظاهر قول " التنبيه " [ص 251]: الم يلزمه الإشهاد) لزوم الإشهاد في غير هذه الصورة، وليس كذلك، وإنما المراد توقف الثبوت على الإشهاد؛ ولذلك قال " الحاوي " [ص 659]: (ويثبت بشاهدين أو شهرةٍ) وظاهره انحصار ثبوته في ذلك، وعليه يدل قول "المنهاج " [ص 560]: (لا مجرد كتاب على المذهب) وأراد به: القطع بذلك؛ فإن عبارة "الروضة": هو المذهب والمفهوم من كلام الجمهور، وذكر الغزالي فيه وجهين (¬3). وهذه الطريقة هي التي في " المحرر " فقال: (فيه وجهان)، أظهرهما: لا (¬4). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": مقتضاه: أن الخلاف في مجرد الكتاب، وليس كذلك، بل الخلاف في الكتاب مع قول المتولي وظهور مخايل الصدق، وهو مقتضى نصوص الشافعي، بل نصه في " الرسالة " في تثبيت خبر الواحد يقتضي الاكتفاء بقول من تولى العمل إذا كان معروفًا بالصدق عند أهل عمله (¬5). 5927 - قول " المنهاج " [ص 560]: (ويبحث القاضي عن حال علماء البلد وعدوله) زاد " التنبيه " [ص 251]: (قبل دخوله) وفي " الروضة ": إذا أراد الخروج إلى بلد قضائه .. سأل، فإن لم يتيسر .. ففي الطريق، فإن لم يتيسر .. فحين يدخل (¬6). ¬

_ (¬1) المحرر (ص 486). (¬2) فتح العزيز (12/ 450)، الروضة (11/ 131). (¬3) الروضة (11/ 131). (¬4) المحرر (ص 486). (¬5) الرسالة (ص 407). (¬6) الروضة (11/ 132).

5928 - قول " المنهاج " [ص 560]: (ويدخل يوم الإثنين) عبارة " التنبيه " [ص 251]: (والمستحب أن يدخل صبيحة يوم الإثنين) فزاد دخوله صبيحته، قال: (وإن فاته .. دخل السبت أو الخميس) (¬1)، وعبارة " الروضة ": قال الأصحاب: فإن تعسر يوم الاثنين .. فالخميس، وإلا .. فالسبت (¬2). فبيّن تقديم الخميس على السبت. 5929 - قولهم - والعبارة " للتنبيه " -: (وأول ما ينظر فيه أمر المحبسين) (¬3) قال الإمام: إنه على وجه الوجوب (¬4)، وفي الرافعي في أواخر الآداب: إنه سنة (¬5)، ولو قال " التنبيه ": (المحبوسين) .. لكان أولى من المحبسين، وأفصح. قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ومحله: ما إذا لم يكن هناك أمر أهم منه؛ كالنظر في المحاجير الجائعين الذين تحت نظره، وما أشرف على الهلاك من الحيوانات في التركات وغيرها، وما أشرف من الأوقاف وأملاك محاجيره على السقوط بحيث يتعين الفور في تداركه ونحو ذلك (¬6)، وذكر الماوردي: أنه قبل النظر في المحبسين يتسلم المحاضر والسجلات من القاضي المنصرف، وأموال الأيتام والضوال والوقوف، والذي ذكرناه أهم وأولى. انتهى (¬7). 5930 - قول " التنبيه " [ص 253]: (فمن حبس بحق .. رده إلى الحبس) و" المنهاج " [ص 560]: (فمن قال: " حبست بحق " .. أدامه) ليس على إطلاقه، بل إن كان حدًا .. أقامه، وأطلقه، وإن كان مالًا .. أمر بأدائه، فإن ادعى الإعسار .. فعلى ما سبق في التفليس، فإن لم يؤد ولم يثبت إعساره .. رد إلى الحبس، وإن أدى أو ثبت إعساره ... نؤدي عليه؛ لاحتمال خصم آخر، فإن لم يحضر أحد .. أطلق. ولا إيراد على " المحرر " لأنه عبر بقوله: (أمضي الحكم عليه) (¬8)، وهو صادق بما فصلناه. ويستثنى من ذلك: ما إذا حبس تعزيرًا ورأى القاضي إطلاقه، وقد صرح به " الحاوي " فقال [ص 660]: (وللتعزير إن رأى) وفيه تقييد لإطلاق الغزالي إطلاقه؛ فإن الرافعي قال بعد نقله عنه: ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 251). (¬2) الروضة (ص 251). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 253)، و" الحاوي " (ص 660)، و " المنهاج " (ص 560). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (18/ 570). (¬5) انظر " فتح العزيز " (12/ 451). (¬6) انظر" مغني المحتاج " (4/ 387). (¬7) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 35). (¬8) المحرر (ص 486).

وأن معظم الكتب ساكتة عنه، ولو بانت [خيانته] (¬1) عند الثاني ورأى إدامة حبسه .. فالقياس: الجواز (¬2). وفي " الكفاية " عن " الحاوي " و" البحر ": لو قال: حبسني تعزيرًا للرد كان مني .. فقد استوفى حبس التعزير بعزل الأول، وإن لم يستكمل مدة حبسه مع بقاء نظر الأول؛ لأن الثاني لا يعزر لذنب كان مع غيره (¬3)، وحكاه في " المهمات " عن " المحيط " لمحمد بن يحيى. 5931 - قول " المنهاج " [ص 560]: (أو ظلمًا .. فعلى خصمه حجة) أورد عليه: أنها عبارة غير مستقيمة، ولا مطابقة " للمحرر " فإن الذي فيه إنما هو فيما إذا قال: حبست ظلمًا (¬4)، وكذا قال في " الحاوي " [ص 660]: (وعلى خصم زاعم الظلم الحجة) ولما عبر " التنبيه " [ص 253] بقوله: (ومن حبس بغير حق) .. قال: (خلاه)، وكيف يستقيم مع الجزم بأنه محبوس ظلمًا أن يقول لخصمه: أقم حجة بما عرفنا أنه ظلم والقاضي لا يقضي بخلاف علمه؟ وإنما يستقيم هذا الحكم - وهو إلزام خصمه الحجة - إذا كان هو القائل: حبس ظلمًا، وخصمه ينازعه. كذا أورد. والحق أنه لا يرد؛ لأن قول " المنهاج ": (ظلمًا) هو معمول قول المحبوس: (حبست) فهو في ذلك " كالمحرر " و" الحاوي ". ونازع شيخنا في " تصحيح المنهاج " في هذا الحكم، وقال: إنه ممنوع؛ فإن الظاهر: أن حبس الحاكم بحق، فالمحبوس حينئذ هو المدعي وخصمه هو المدعى عليه؛ فالقول قول خصمه بيمينه، ولا يكلف حجة؛ لأن معه حجة سابقة، وقد اعترف المحبوس بها، وهي أن الحاكم حبسه، وقد جزم الفوراني بأنه لا يقبل قوله، وقال الماوردي فيما إذا ادعى أن الحاكم حبسه بغير حق لغير خصم: إن شهدت بينة بأنه حبس بحق .. عزر في جرحه لحابسه، أو ظلمًا .. نادى ثلاثًا في حضور خصم إن كان له، وأطلق بعد الثلاث إن لم يحضر، وإن لم تقم بينةٌ بأحدهما .. أعاده إلى الحبس حتى ييأس بعد الكشف من ظهور حق عليه، وطالبه بكفيل بنفسه ثم أطلقه، ثم قال: فإن قيل: فالكفالة في النفس لا تصح إلا فيمن ثبت عليه حق قبل الحبس من جملة الحقوق، فإن عدم كفيلًا .. استظهر في بقاء حبسه على طلب كفيل، ثم أطلقه عند إعوازه، وهو غاية ما يقدر عليه القاضي من استظهاره (¬5)، قال شيخنا: والذي أوقع الرافعي في جزمه بهذا الحكم المخالف ¬

_ (¬1) في " فتح العزيز " (جناية). (¬2) انظر " فتح العزيز " (12/ 453). (¬3) الحاوي الكبير (16/ 36)، بحر المذهب (11/ 160). (¬4) المحرر (ص 486). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 37).

للقواعد والشواهد كلام الغزالي تبعًا لإمامه، قال: والذي عندنا في ذلك أنه إن قال: حبست لغير خصم، فحضر رجل وقال: أنا خصمه، فأنكره .. اتجه أن القول قول المحبوس بيمينه، وعلى خصمه الحجة، وبهذا صوره ابن الصباغ وطائفة، وإن قال: حبست لفلان بغير حق .. فلا سبيل هنا إلى تصديق المحبوس بيمينه، وتكليف خصمه الحجة. انتهى. وقال الرافعي في قول " الوجيز ": (فيطلق كل من حبس بظلم) فإن المراد منه: إذا اعترف الخصم بأنه ظلمه، أو كان القاضي عالمًا وقلنا: يقضي بعلمه، فأما إذا قال المحبوس: أنا مظلوم .. فهو مذكور من بعد (¬1). قال في " المهمات ": وتخريجه الإطلاق من الحبس عند علم القاضي بالظلم على القضاء بالعلم باطل؛ فإنه ذكر بعد هذا أن القاضي لا يقضي بخلاف علمه بالإجماع، فلو رده إلى الحبس حتى يؤدي الحق المدعى به .. لكان قاضيًا بخلاف ما يعلمه. 5932 - قول " المنهاج " [ص 560]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 660]: (فإن كان غائبًا .. كتب إليه ليحضر) قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": أطلق إحضار هذا الغائب ولو بمسافة القصر فما فوقها بقضية لم يتوجه عليه فيها طلب وتعطل عليه أحواله وينفق فيها أمواله، وقد اعترف المحبوس أن القاضي حبسه للمذكور وإجابته إلى إحضاره من العجائب أن يصير المطلوب المحبوس طالبًا لمن له الحق عليه بمقتضى الظاهر من حبس القاضي المنصرف، وليس في الشريعة ما يشهد لهذا. قلت: ليس المراد إلزامه بالحضور، بل إعلامه بذلك؛ ليلحن بحجته في إدامة حبس المحبوس إن كانت له بذلك حجة. وعبارة " أصل الروضة ": وإن ذكر خصمًا غائبًا .. فقد قيل: يطلق قطعًا، والأصح: أنه على وجهين، فإن قلنا: لا يطلق .. حبس، أو يؤخذ منه كفيل ويكتب إلى خصمه في الحضور، وإن لم يفعل .. أطلق حينئذ. انتهى (¬2). وليس فيه تصريح بترجيح، لكن في بعض النسخ: على الوجهين؛ أي: فيما إذا كان خصمه ظاهرًا، ومقتضاه: تصحيح أنه لا يطلق كالحاضر، وعبارة الرافعي: فإن قلنا: يطلق .. فيحبس، أو يؤخذ منه كفيل، فذكر الكفيل تفريعًا على الإطلاق، ولم يخير بينه وبين الحبس تفريعًا على عدمه (¬3)، فعبارة " الروضة " في ذلك غير مطابقة له. ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (12/ 453). (¬2) الروضة (11/ 133). (¬3) فتح العزيز (12/ 452).

5933 - قول " الحاوي " [ص 660]: (ونودي إن زعم الجهل، فإن لم يحضر .. أطلق) أي: بعد تحليفه على ما ادعاه؛ ولذلك قال " التنبيه " [ص 253]: (ومن ادعى أنه حبس بغير خصم .. نادى عليه ثم يحلفه ويخليه) وظاهر كلامهما الاكتفاء بالنداء ساعة، وفي " تعليق القاضي الحسين ": نادى عليه ساعة أو ساعتين، وفي " الكفاية " عن " البحر ": ثلاثة أيام (¬1)، وكذا في " الحاوي " للماوردي (¬2)، ولم يتعرض الرافعي لقدر مدة النداء. قال في " الوسيط " تبعًا للإمام: وفي مدة النداء لا يحبس ولا يخلى بالكلية، بل يرتقب (¬3). 5934 - قول " المنهاج " [ص 560]: (فمن ادعى وصاية .. سأل عنها وعن حاله وتصرفه، فمن وجده فاسقًا .. أخذ منه المال) يفهم أنه لا يأخذ منه إذا شك في عدالته، وهو أحد وجهين حكاهما في " الروضة " وأصلها بلا ترجيح (¬4). وقال في " التوشيح ": الأرجح في النظر، وهو ما كتب لشاهده من صنيع الشيخ الإمام الانتزاع. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": والأرجح عندنا: أنه ينتزعه منه، قال: ومحل [الوجهين] (¬5) ما إذا لم تثبت عدالته عند الأول، فإن ثبتت وأطلق تصرفه .. لم يكن للمتولي التعرض إليه مع الشك جزمًا، بخلاف ما إذا عدل الشاهد ثم شهد في واقعة أخرى بحيث طال الزمان .. فرجح في " الروضة " وأصلها: الاحتياج إلى الاستزكاء؛ لأن طول الزمان يغير الأحوال (¬6)، والفرق: أن الوصاية قضية واحدة، وقد ثبت الحال فيها، فلا يتكرر، ولو كلفنا الوصي ذلك ... لأضررنا المحجور عليه باشتغال الوصي عنه بإثبات عدالته، ولا كذلك الشاهد (¬7)، قال: وبذلك صرح ابن الصباغ، وإن أوهم تعبير " الروضة " وأصلها خلافه. 5935 - قوله: (أو ضعيفًا .. عضده بمعين) (¬8) كذا لو كان المال كثيرًا لا يمكن الواحد حفظه والتصرف فيه، وهو راجع إلى الضعف؛ فقد يكون سببه عجز الإنسان في نفسه، وقد يكون سببه كثرة المال. ¬

_ (¬1) بحر المذهب (11/ 160). (¬2) الحاوي الكبير (16/ 36). (¬3) الوسيط (7/ 299)، وانظر " نهاية المطلب " (18/ 571). (¬4) فتح العزيز (12/ 454)، الروضة (11/ 134). (¬5) في (ج): (القولين). (¬6) فتح العزيز (12/ 509)، الروضة (11/ 174). (¬7) انظر " مغني المحتاج " (4/ 388). (¬8) انظر " المنهاج " (ص 560).

5936 - قوله: (ويتخذ مزكيًا) (¬1) لو قال: (مزكيين) كما في " الحاوي " (¬2) .. لكان أولى؛ فإنه لا يكتفى بواحد إلا إن نصب حاكمًا في الجرح والتعديل، وعبارة " التنبيه " [ص 252]: (ويتخذ قومًا من أصحاب المسائل ... إلى أخر كلامه)، وعبارة " الروضة ": ينبغي أن يكون للقاضي مزكون وأصحاب مسائل، فالمزكون المرجوع إليهم ليبينوا حال الشهود، وأصحاب المسائل هم الذين يبعثهم إلى المزكين ليبحثوا ويسألوا، وربما فسر أصحاب المسائل في لفظ الشافعي بالمزكين (¬3). 5937 - قول " المنهاج " [ص 560] و" الحاوي " [ص 660]: (وكاتبًا) قيده " التنبيه " بالاحتياج لذلك (¬4)، ومحل استحبابه: إذا لم يطلب الكاتب أجرة أو كان رزقه من بيت المال، فإن طلبها ولا رزق له عليه .. لا يعين كاتبًا. 5938 - قول " التنبيه " [ص 252]: (استحب أن يكون مسلمًا، عاقلًا، عدلًا، فقيهًا) الإسلام والعدالة شرطان، وقد صرح به " المنهاج " فقال [ص 560]: (ويشترط كونه مسلمًا، عدلًا) و" الحاوي " فقال [ص 660]: (مسلمًا عدلًا شرطًا) مع أن ذكر العدالة يغني عن الإسلام؛ فلا عدالة مع الكفر. وقولهم: (إن الكافر قد يكون عدلًا في دينه) تجوّز، وعلامة المجاز فيه لزوم التقييد، والمراد بالعقل: وفوره، لا مطلقه، كما صرح به " المنهاج ". ويشترط أيضًا كونه عارفًا بكتابة محاضر وسجلات، ذكره " المنهاج " (¬5)، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إنه مخالف لظاهر النص، ولكلام جمع من الأصحاب، وللمعنى؛ فإنه يكتب ما يمليه القاضي، فلا يشترط فيه ذلك؛ لإمكان أن يكون بإملاء الحاكم أو غيره أو نقل من نسخه، والقاضي لا بد له من الإطلاع عليه. انتهى. ولذلك لم يذكره " الحاوي " أيضًا، وحمل عليه البارزي قوله: فقيهًا، ففسره بمعرفة ما يكتب، ولا يطابق مع ذلك كلام الرافعي؛ لأن ذلك شرط عنده، وإنما ذكره " الحاوي " في المستحبات، وقال بعضهم: إن اشتراط ذلك مأخوذ من تسميته كاتبًا، وفيه نظر، واشترط الماوردي والروياني الحرية، وقد يفهم ذلك من اشتراط العدالة (¬6)، ويوافقه قول الشافعي رضي الله ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 560). (¬2) الحاوي (ص 661). (¬3) الروضة (11/ 168). (¬4) التنبيه (ص 252). (¬5) المنهاج (ص 560). (¬6) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 199).

عنه في " الأم ": (ولا ينبغي للقاضي أن يتخذ كاتبًا لأمور الناس حتى يَجْمَعَ أن يكون عدلًا جائز الشهادة) ثم قال: (فإن كتب له عنده في حاجة نفسه وضيعته دون أمر المسلمين .. فلا بأس) (¬1). قال شيخنا في " تصحيح المنهاج " بعد حكاية ذلك. ولكن المعنى القوي يقتضي جواز اتخاذ العبد كاتبًا إذا كان مسلما عدلًا؛ لأنه لا يؤدي شهادة، فاعتبار الحرية فيه بعيد. قلت: المعتاد في المسجل على القاضي أن يشهد عليه بما تضمنه الإسجال؛ ليؤدي ذلك عند قاض آخر إذا احتاج إليه، فمن هنا اعتبرت الحرية؛ لأن شهادة العبد غير مقبولة، والله أعلم. 5939 - قول " الحاوي " [ص 661]: (ومترجمين) أحسن من قول " المنهاج " [ص 560]: (ومترجمًا) مع أنه صرح بعده بأن شرطه: العدد، وظاهر كلامهما اعتبار كونهما رجلين وإن كان الحق مما يثبت برجل وامرأتين، لكن في " أصل الروضة " عن الأصحاب: الاكتفاء برجل وامرأتين فيما يثبت برجل وامرأتين، قال: وانفرد الإمام باشتراط رجلين، واختاره البغوي لنفسه (¬2). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": لم ينفرد الإمام بذلك، بل هو منصوص " مختصر المزني "، وقال به الأصحاب فيما إذا كانت الترجمة من جانب المدعي أو المدعى عليه بالإنكار أو بالإقرار في غير المال وحقه تفريعًا على اعتبار التعدد، فإن كانت من جانب المدعى عليه بالإقرار بالمال أو بحقه، ولا يختلف المذهب في أنه يكفي في ذلك رجل وامرأتان. انتهى. وقال شيخنا ابن النقيب: كذا أطلقوه، ولم يظهر لي اتخاذه على أي لغة؛ فإن اللغات لا تكاد تنحصر، ويبعد أن يحيط الشخص بجميعها، ويبعد أن يقال: يتخذ من كل لغة اثنين؛ فإن ذلك كثير مشق. فالأقرب أن يتخذ من اللغات التي يغلب وجودها في عمله، وفيه عسر أيضًا، والله أعلم (¬3). 5940 - قول " التنبيه " [ص 257]: (ولا يقبل فيه إلا قول من تقبل شهادته) يستثنى منه: الأعمى؛ فإنه يقبل في الترجمة على الأصح، مع أنه لا تقبل شهادته، وقد ذكره " المنهاج " (¬4). ومحله: فيما إذا كان أهل المجلس سكوتًا، فإن تكلم بعضهم .. لم تقبل شهادته بالترجمة قطعًا إذا احتمل الالتباس بذلك، ذكره في " المطلب "، والمراد: إذا تكلم غير المترجم عنه بتلك اللغة التي تكلم بها المترجم عنه، والله أعلم. 5941 - قول " التنبيه " [ص 257]: (فإن كان الدعوى في زنا .. ففيه قولان، أحدهما: يقبل في ¬

_ (¬1) الأم (6/ 210). (¬2) الروضة (11/ 136)، وانظر " نهاية المطلب " (18/ 490)، و" التهذيب " (8/ 187). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (8/ 201). (¬4) المنهاج (ص 560).

الترجمة اثنان، والثاني: لا يقبل إلا أربعة) الأول هو الأصح. 5942 - قول " المنهاج " [ص 560]: (واشتراط عدد في إسماع قاض به صمم) لا يخفى أنه مع ذلك يسمع رفع الصوت، وإلا .. استحالت المسألة، ولم تصح ولايته. 5943 - قول " التنبيه " [ص 249]: (ولا يتخذ حاجبًا ولا بوابًا) يستثنى: وقت الخلوة، قال الإمام: فلو جلس للقضاء وهناك زحمة؛ فإن رأى المصلحة في اتخاذه .. اتخذه، أو في الترك .. فلا (¬1)، وعبارة " الحاوي " [ص 662]: (وكره نصب بواب وحاجب إن جلس له ولا زحمة). 5944 - قول " التنبيه " [ص 252]: (ويأمره أن لا يقدم أخيرًا على أول) لا يمنع التسوية بينهما، فلو قال كمختصره " النبيه ": (ولا يقدم خصمًا إلا بسبق) .. لكان أولى؛ لأن تقديم السابق واجب. 5945 - قول " المنهاج " [ص 560]: (ويتخذ درة للتأديب) قد يفهم أنه لا يؤدب بالسياط، وهو ما في " أصل الروضة " عن " تتمة التتمة " في مشى الأدب بين يدي القاضي؛ وعلله بأن الضرب بالسياط من شأن الحدود، لكن رده الرافعي بقول الشافعي في تأديب شاهد الزور: لا يبلغ أربعين سوطًا (¬2)، وقال الماوردي: لا يجوز للزوج أن يعزر زوجته بالسياط؛ معللًا بمثل ذلك. قال في " التوشيح ": وقد يقال: يعزر بالسياط في الكبيرة التي لا حد فيها بخلاف الصغيرة، ولكن ليس ذلك بشيء، والحق الذي لا مرية فيه أن للقاضي أن يؤدب بالسوط وغيره، وما عدا ذلك غلط فاحش، نبهت عليه؛ لئلا يغتر به، أو محمول على صغائر المعاصي، ثم هو مع ذلك ضعيف. 5946 - قوله: (ويستحب أن يكون مجلسه فسيحًا، لا مسجدًا) (¬3) أي: يستحب أن لا يكون مسجدًا، والمراد: اتخاذه لذلك كما صرح به في " المحرر " و" الروضة " وأصلها (¬4)، ولذلك قال في " التنبيه " [ص 253]: (ولا يجلس للقضاء في المسجد، فإن اتفق جلوسه فيه وحضره الخصمان .. لم يكره أن يحكم بينهما) وهذا يدل على كراهة اتخاذه مجلسًا للحكم، وبه صرح " الحاوي " فقال [ص 662]: (وكره المسجد لا لمتفرقةٍ) أي: قضايا متفرقة اتفق حضورها وقت حضوره المسجد، وفي تأدية هذا اللفظ لهذا الغرض نظر. 5947 - قول " التنبيه " [ص 252]: (ولا يقضي وهو غضبان) و" المنهاج " [ص 560]: (ويكره ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (18/ 468). (¬2) فتح العزيز (12/ 469)، الروضة (11/ 144)، وانظر " الأم " (7/ 127). (¬3) انظر " المنهاج " (ص 560). (¬4) المحرر (ص 487)، فتح العزيز (12/ 460)، الروضة (11/ 138).

أن يقضي في حال غضب) وهو داخل في قول " الحاوي " [ص 662]: (وكره الحكم بما يدهش عن الفكر) استثنى منه صورتان: إحداهما: أن يكون الغضب لله تعالى كما حكاه الرافعي عن الإمام والبغوي وغيرهما، ثم قال: وظاهر كلام آخرين أنه لا فرق (¬1). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": والمعتمد الاستثناء، والفرق أن الغضب لله تعالى يؤمن معه التعدي، بخلاف الغضب لحظ النفس؛ فإنه لا يؤمن معه مجاوزة الحد. قال في " المطلب ": ولو فرق بين أن يكون ما حكم به في هذه الأحوال لا مجال للاجتهاد فيه، فلا يكره؛ لأن المحذور مأمون فيه، أو الاجتهاد فيه مجال، فيكره .. لم يبعد. ثانيهما: إذا كان الغضب يخرجه عن طريق الاستقامة .. فإنه يحرم عليه القضاء في هذه الحالة، وفي نص " الأم " ما يشهد له (¬2)، ذكره شيخنا في " تصحيح المنهاج ". 5948 - قول " المنهاج " [ص 560]: (وكل حال يسيء خُلُقُهُ) كذا في بعض النسخ، وفي نسخة المصنف: (يسوء خلقه) أي: فيها، وهذا لا يتناول عروض النوم، ولا كونه حاقنًا أو حاقبًا؛ لأن ذلك لا يسيء الخلق، فلو عبر " كالحاوي " بقوله [ص 662]: (والحكم بما يدهش عن الفكر) .. لكان أحسن، وعبارة " التنبيه " [ص 252، 253]: (ولا يقضي وهو غضبان، ولا جائع، ولا عطشان، ولا مهموم، ولا فرحان، ولا يقضي والنعاس يغلبه، ولا يحكم والمرض يقلقله، ولا وهو حاقن أو حاقب، ولا في حر مزعج ولا برد مؤلم، فإن حكم في هذه الأحوال .. نفذ حكمه). 5949 - قول " المنهاج " [ص 560]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 661]: (ويندب أن يشاور الفقهاء) محله عند اختلاف وجوه النظر وتعارض الأدلة، فأما الحكم المعلوم بنص أو إجماع أو قياس جلي .. فلا؛ ولهذا قال " التنبيه " [ص 253]: (فإن اتفق أمر مشكل .. شاورهم فيه). 5950 - قول " الحاوي " [ص 661]: (وخرج إن اجتمع الفقهاء) تبع فيه " الوجيز " (¬3)، قال الرافعي: وهو كالصريح في أنه يحضرهم قبل خروجه، وهذا وإن لم يتعرض له المعظم .. فيجوز أن يُوَجَّه بأنهم بانتظاره أولى كما في الصلاة (¬4). 5951 - قول " المنهاج " [ص 560]: (وألا يشتري ويبيع بنفسه، ولا يكون له وكيل معروف) ¬

_ (¬1) فتح العزيز (12/ 462)، وانظر " نهاية المطلب " (18/ 469)، و" التهذيب " (8/ 173). (¬2) الأم (7/ 94). (¬3) الوجيز (2/ 239). (¬4) انظر " فتح العزيز " (12/ 465).

أي: يندب ذلك، وكذا في " المحرر " (¬1)، لكن في " الحاوي ": (وكره أن يعامل بنفسه ووكيل يعرف) والكراهة هي التي في " الروضة " و" الشرحين "، ولا يختص ذلك بالبيع والشراء، بل الإجارة وسائر المعاملات كذلك، بل نص في " الأم " على أنه لا ينظر في نفقة عياله، ولا أمر ضيعته، بل يكله إلى غيره؛ ليتفرغ قلبه (¬2). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": محله فيما إذا احتمل وجود محاباة، فلو تحقق عدم المحاباة .. لم يكن مخالفًا للندب؛ لكي لا يتعاطاه في مجلس الحكم. 5952 - قولهما - والعبارة " للمنهاج " -: (فإن أهدى إليه من له خصومة .. حرم قبولها) (¬3) لا يفهم منه أنه لا يملكها، وقد صرح به " الحاوي " فقال [ص 662]: (ولا يملك) قال البندنيجي: وكذا لو أحس أنها لحكومة، ووقع في " الروضة ": أن محل تحريم هدية ذي الخصومة ما إذا كان في محل ولايته، قال: وهديته في غير محل ولايته كهدية من عادته أن يهدي له قبل الولاية .. فلا يحرم قبولها على الصحيح (¬4). وهذا غلط بلا شك، وليس مقصودًا، وإنما حصل الخلاف فيه من شيء سقط عليه من كلام الرافعي، وهذا التفصيل بين العادة وغيرها إنما هو في غير صاحب الخصومة. 5953 - قول " التنبيه " [ص 252]: (ولا يقبل هدية ممن لم يكن له عادة بالهدية له قبل الولاية) هو مفهوم من قول " الحاوي " [ص 662]: (عُهِدَ منه) وهو حرام كما صرح به " المنهاج " (¬5)، ثم لا يخفى أن محل التحريم: ما إذا كان المهدي في عمله سواء كان من أهله أم لا، فلو أرسل بها إليه في عمله من ليس من أهل عمله، ولم يدخل معها ولا حكومة له .. ففي جواز قبولها وجهان في " الكفاية " عن الماوردي. 5954 - قول " التنبيه " [ص 252]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 662]: (فإن لم يكن له خصومة - أي: من له عادة - .. جاز أن يقبل) قيده في " المنهاج " بقوله [ص 560]: (بقدر العادة)، وهو من زيادته على " المحرر " بلا تمييز، ومقتضاه: اختصاص التحريم فيما إذا زاد بالقدر الزائد، لكن قول " أصل الروضة ": (فإن زاد المهدي على قدر المعهود .. صارت هديته كهدية من لم يعهد منه الهدية) (¬6) يقتضي تحريم الكل. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 487). (¬2) فتح العزيز (12/ 465، 466)، الروضة (11/ 142)، وانظر " الأم " (6/ 199). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 252)، و" المنهاج " (ص 560). (¬4) الروضة (11/ 143). (¬5) المنهاج (ص 560). (¬6) الروضة (11/ 143).

وقال في " المهمات ": القياس تخصيص ذلك بما زاد ويخرج الباقي على تفريق الصفقة، وحينئذ .. فتصير الهدية مشتركة على الصحيح، فإن زاد في المعنى؛ كإهداء الحرير بعد أن كان يهدي الكتان .. فهل يبطل في الجميع أم يصح فيها بقدر قيمة العادة؛ فيه نظر، والاْوجه: الأول. انتهى. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": المعتمد اختصاص التحريم بالزيادة إن تميزت، وإلا .. حرم الكل. وقال شيخنا ابن النقيب: لو قال " المنهاج ": (كالعادة) .. لكان أشمل ليعم القدر والصفة (¬1). 5955 - قول " التنبيه " [ص 252]: (والأفضل أن لا يفعل) ينافي قول " المنهاج " في هذه الحالة [ص] 560: (والأولى أن يثيب عليها) فإنه جعل الأولوية في الإثابة لا في عدم القبول، وجمع " الحاوي " بين الأمرين فقال [ص 662]: (ندب أن لا يأخذ أو يثيب) فدل على حصول الاستحباب بأحد الأمرين، والله أعلم. تنبيهات: أحدها: قال في " التوشيح ": ما ينعم به الملوك على القضاة من الخلع وغيرها لا يظهر أن حكمه حكم الهدية، بل إنه حلال؛ لأنه لا يفعل لاستمالة قلب القاضي في محاكمة، لكن بشرطين: أحدهما: أن يجد القاضي من نفسه أن حاله لم يتغير في التصميم على الحق، وأنه قبل الهدية وبعدها سواء. الثاني: أن تجري عادة ذلك الملك الفعل هذا مع من هو في منصب هذا القاضي سواء تقدم له فعله مع هذا القاضي أم لا؛ لأنه إنما يهدي لصاحب المنصب من حيث هو، وخصوص هذا القاضي عنده غير معتبر. الثاني: قال السبكي في " الحلبيات ": يجوز للقاضي قبول الصدقة ممن لم يكن له عادة (¬2)، وقال في " تفسيره ": إن لم يكن المتصدق عارفًا بأنه القاضي ولا القاضي عارفًا بعينه .. فلا شك في الجواز، وإلا .. فيحتمل أن يكون كالهدية، ويحتمل الفرق بأن المتصدق إنما يبتغي ثواب الآخرة. قال في " التوشيح ": وهذا التفصيل حق. قلت: وينبغي أن يجوز له أخذ الزكاة قطعًا. الثالث: تردد السبكي في " تفسيره " فيما لو شرط واقف تدريس مدرسة للقاضي، وكان ¬

_ (¬1) انظر " السراج على نكت المنهاج " (8/ 204). (¬2) قضاء الأرب في أسئلة حلب (ص 351) مسألة (32).

للتدريس معلومٌ (¬1)، فقال: يحتمل بطلان الشرط، ويحتمل أن يقال: إن طلب القاضي التدريس من غير معلوم .. أجيب إليه، ويصح الشرط، ويحتمل أن يجاب ويأخذ المعلوم؛ لأنه ليس معينًا، قال: وهذا في حياة الواقف، أما بعد موته، أو إذا كان من غير أهل ولايته .. فلا يتخيل فيه منع، قال: وإن وقف عليه واحد من أهل ولايته وشرطنا القبول في الوقف .. فهو كالهدية، وإلا .. فينبغي الحكم بالصحة كما لو كان عليه دين فأبرأه منه، قال: فإنه يبعد أن يقال: لا يصح، قال: بل يصح، وعلى القاضي الاجتهاد في عدم الميل. قلت: ولو وفَّى عنه دينه بغير إذنه .. ينبغي أن يجوز قطعًا؛ فإن كان بإذنه بشرط عدم الرجوع .. لم يجز قطعًا، قلته بحثًا. 5956 - قول " التنبيه " [ص 252]: (ولا يحكم لنفسه) و" الحاوي " [ص 667]: (وقضى حيث شهد) لا يفهم منه أنه لو حكم .. لم ينفذ، وقد صرح بذلك " المنهاج " فقال [ص 561]: " ولا ينفذ حكمه لنفسه " واستثنى منه شيخنا في " تصحيح المنهاج " صورًا يتضمن حكمه فيها الحكم لنفسه، وهو نافذ: الأولى: أنه يحكم لمحجوره بالحكم، وإن تضمن استيلاءه على المال المحكوم به، وتصرفه فيه، وفي معناه: حكمه على من في جهته مال لوقف هو تحت نظره بطريق الحكم. الثانية: أنه يحكم لمحجوره بالوصية على الأصح في " أصل الروضة "، لكن رجح ابن الرفعة في " المطلب " وشيخنا في " تصحيح المنهاج " مقابله، وفرق في " المطلب " بين هذه والتي قبلها: بأن ولاية القاضي الذي ليس بوصي تنقطع عن المال الذي حكم فيه بانقطاع ولاية القضاء، ولا كذلك الوصي إذا تولى القضاء؛ فإن ما حكم فيه لليتيم الذي هو تحت وصيته تبقى ولايته عليه بعد العزل؛ فقويت التهمة في حقه، وضعفت في حق غيره. وفرق شيخنا في " تصحيح المنهاج " بينهما بأن الحاكم في الصورة الأولى لو شهد بالمال للمحجور عليه قبل ولايته .. لقبلنا شهادته، بخلاف الوصي يشهد قبل الولاية بالمال لمن هو موصى عليه؛ فإنه لا تقبل شهادته، وفي معنى هذه الصورة: حكمه على من في جهته مال لوقف هو تحت نظره بطريق خاص غير الحكم. الثالثة: الأوقاف التي شرط فيها النظر للحاكم أو صادفها النظر له بطريق العموم لانقراض ناظرها الخاص له الحكم بصحتها وموجبها، وإن تضمن الحكم لنفسه في الاستيلاء والتصرف. الرابعة: للإمام الحكم بانتقال ملك إلى بيت المال، وإن كان فيه استيلاؤه عليه بجهة الإمامة، ¬

_ (¬1) أي: أجرة مقدَّرة.

وللقاضي الحكم به أيضًا، وإن كان يصرف إليه في جامكيته ونحوها، وهو قريب مما إذا شهد على شخص لا وارث له سوى بيت المال بما يقتضي قتله .. فهل يجوز أن يصرف له شيء من ماله؛ صحح النووي: المنع، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ليس الأمر كما قال، وينبغي أن يعد حكمه فيما هو ناظر فيه بخصوص أو عموم صورتين مستقلتين، فتكون الصور ستة، وكذا ذكرها شيخنا في " تصحيح المنهاج ". واعلم: أن كلامهم يفهم نفوذ حكمه على نفسه، وقد قال الماوردي: إنه مقبول، وحكى وجهين في أنه إقرار أو حكم يظهر أثرهما فيما لو حكم على نفسه بشفعة، الجواز؛ فإنه يلزم على الحكم دون الإقرار، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": المعتمد أنه لا ينفذ حكمه على نفسه؛ لئلا يؤدي إلى اتحاد الحاكم والمحكوم عليه؛ ولأن الحاكم يستوفي من المحكوم عليه، والإنسان لا يستوفي من نفسه لغيره. 5957 - قولهم - والعبارة " للمنهاج " -: (ورقيقه) (¬1) استثنى منه شيخنا في " تصحيح المنهاج " صورًا: الأولى: حكمه لرقيقه بجناية عليه قبل رقه؛ بأن يجني ملتزم على ذمي ثم ينقض المجني عليه العهد، ويلتحق بدار الحرب، فيسترق، ذكره شيخنا في " تصحيح المنهاج "، وقال: لم أر من تعرض لذلك، قال: ويوقف المال إلى عتقه، فإن مات رقيقًا .. فالأظهر: كونه فيئًا. الثانية: العبد الموصى بإعتاقه الخارج عن الثلث، إذا قلنا: إن كسبه له دون الوارث، وكان الوارث حاكمًا .. فله الحكم له بطريقه. الثالثة: العبد المنذور إعتاقه. الرابعة: العبد الموصى بمنفعته للذي ورثه الحكم له بكسبه. الخامسة: إذا كان عبد الحاكم وكيلًا في دعوى، فطلب الحكم عند توجهه .. حكم له مالكه؛ لأن الحكم إنما هو للموكل، والأرجح: أنه يحكم بتسليم المال له أيضًا؛ لأن يده نائبة عن يد الموكل، فليست كيد المالك. 5958 - قول " المنهاج " [ص 561]: (وشريكه في المشترك) يستثنى منه: ما إذا حكم له بشاهد ويمين الشريك .. فإنه يجوز؛ لأن المنصوص أنه لا يشاركه في هذه الصورة، ذكره شيخنا في " تصحيح المنهاج "، وقال: لم أر من تعرض له. 5959 - قوله: (وكذا أصله وفرعه على الصحيح) (¬2) يقتضي أن الخلاف وجهان، وكذا في ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 252)، و" الحاوي " (ص 667)، و " المنهاج " (ص 561). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 561).

" المحرر " و" الشرح " (¬1)، ثم قال في " الشرح ": إن صاحب " التلخيص " عبر عن الخلاف بقولين مخرجين (¬2)، وليس في كلام " التلخيص " أنهما مخرجان، والمنع قد نص عليه في " المختصر " (¬3)، ومحل الخلاف في القضاء بغير العلم، ولا ينفذ بالعلم قطعًا كما في " أصل الروضة " (¬4). قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وإنما أوقع الرافعي في ذلك كلام الإمام، ولكن الإمام إنما منع حيث منعت شهادته لهم (¬5)، وشهادته لهم ليست ممنوعة قطعًا، بل فيها القولان: الجديد، والقديم، وهنا أمران: أحدهما: يستثنى من الحكم لأصله أو فرعه: ما إذا كان وكيلًا عن غيره كما سبق، فيما إذا كان عبد الحاكم وكيلًا. ثانيهما: مقتضاه: امتناع الحكم فقط دون الدعوى والبينة، وكذا قال القاضي حسين في " تعليقه ": إن ظاهر ما ذكره في " المختصر " أنه تسمع منه الدعوى والبينة، ولا يقضي له؛ لأنه قال: يرد حكمه (¬6)، فخص الحكم بالرد، فدل على أن ما عداه غير مردود، وحكى مع ذلك احتمالًا للقفال بالمنع، وحكى في " النهاية " في ذلك وجهين، وقال: الوجه عندنا: أنه لا ينفذ تعديله البينة، وكذلك إذا كان هو الناقل .. فلا مساغ له، ولينقل الشهادة شاهدان عن الشاهدين الأصليين (¬7). 5960 - قوله: (ويحكم لهؤلاء) (¬8) أعم من قول " المحرر ": (له ولأبعاضه) (¬9). 5961 - قوله: (أو قاض آخر) (¬10) أعم من قول " المحرر " و" الروضة " وأصلها: (أو قاضي بلدة أخرى) (¬11) لشموله ما لو كان معه في بلدة قاض آخر مستقل. 5962 - قوله: (وإذا أقر المدعى عليه أو نكل، فحلف المدعي وسأل القاضي أن يشهد على ¬

_ (¬1) المحرر (ص 487)، فتح العزيز (12/ 472). (¬2) فتح العزيز (12/ 472). (¬3) مختصر المزني (ص 302). (¬4) الروضة (11/ 145). (¬5) انظر " نهاية المطلب " (18/ 589). (¬6) مختصر المزني (ص 302). (¬7) نهاية المطلب (18/ 590). (¬8) انظر " المنهاج " (ص 561). (¬9) المحرر (ص 487). (¬10) انظر " المنهاج " (ص 561). (¬11) المحرر (ص 487)، فتح العزيز (12/ 473)، الروضة (11/ 146).

إقراره عنده أو يمينه أو الحكم بما ثبت والإشهاد به .. لزمه) (¬1) هو أنص على الوجوب من قول " المحرر ": (أجابه إليه) (¬2) وقد يتوهم من عبارتهما: أنه لو أقام المدعي بينة بما ادعاه وسأله الإشهاد به .. لم يلزمه، والأصح: اللزوم. قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وعندي أن محل الخلاف فيما إذا لم يطلب منه الحكم بذلك، فإن طلب منه .. لزمه قطعًا؛ لأن فيه زيادة تعلق بها حقه ليست في مجرد قيام البينة، قال: وأما إذا علم القاضي أن الحق على المدعي به، وطلب المدعي منه الحكم على المدعى عليه حيث يجوز القضاء بالعلم، أو طلب منه الإشهاد منه على حكمه .. فإنه يلزمه ذلك، ولا يجيء فيه خلاف البينة؛ لانتفاء المعنى الذي علل به الوجه المرجوح. انتهى. وقد يفهم كلامهما أنه ليس للمدعى عليه طلب الإشهاد بما جرى، ومحله: فيما إذا لم يكن له فيه مصلحة، فإن كان له فيه مصلحة؛ كخشية تحليف المدعي إياه .. لزم الإشهاد بذلك إذا طلبه؛ لئلا يطالبه بالحلف مرة أخرى. 5963 - قول " التنبيه " [ص 257]: (وإذا ثبت عند الحاكم حق، فسأل صاحب الحق أن يكتب له محضرًا بما جرى .. كتبه، ووقع فيه، ودفعه إليه) ثم قال: (فإن أراد أن يسجل له .. كتب له سجلًا، وحكى فيه المحضر، وأشهد على نفسه بالإنفاذ، وسلمه إليه) لم يبين هل ذلك على طريق الوجوب، أو الاستحباب؛ وفي " المنهاج " [ص 561]: (استحب إجابته، وقيل: يجب)، ومحل الخلاف: إذا كان له من بيت المال قرطاس، أو جاءَهُ به الطالب، وإلا .. لم يجب جزمًا. قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": فإن تبرع متبرع بالقرطاس .. جاء وجه الإيجاب. 5964 - قولا التنبيه " [ص 254]: (وإن كان يسوغ فيه الاجتهاد ووافق رأيه .. لم ينقضه، وإن خالفه .. ففيه قولان، أحدهما: ينقضه، والثاني: لا ينقضه) الأظهر: الثاني، وعليه مشى " المنهاج " فأطلق أنه لا ينقض ما خالف قياسًا خفيًا (¬3)، و" الحاوي " فقيد النقض بمخالفة القياس بالجلي (¬4)، وذكر بعضهم: أن الأول لا يعرف في كلام غير " التنبيه ". وأورد شيخنا في " تصحيح المنهاج " على قول " المنهاج " [ص 561]: (وإذا حكم باجتهاد ثم بان خلاف نص الكتاب أو السنة أو الإجماع أو قياس جلي .. نقضه هو وغيره، لا خفي) أمورًا: أحدها: أن قوله: (باجتهاد) يرد عليه: ما لو حكم بنص ثم بان أنه منسوخ، أو بعموم نص ثم بان خروج تلك الصورة بدليل مخصص .. فإنه ينقض أيضًا. ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 561). (¬2) المحرر (ص 487). (¬3) المنهاج (ص 561). (¬4) الحاوي (ص 662).

ثانيها: أنه يخرج بنص الكتاب أو السنة دلالة العموم؛ فإنها ليست نصًا عند الشافعية مع أنه ينقض أيضًا. ثالثها: أن تعبيره يقتضي توقف الحال على نقضه، وليس كذلك، بل الحكم المذكور وقع في نفسه غير معتبر؛ فهو منقوض من غير احتياج إلى نقض، وقول الشافعي وأصحابه في ذلك نقضه محمول على إرادة أظهر نقضه، لا أنه ينعقد حتى ينقضه القاضي. رابعها: أن قوله: (نقضه هو وغيره) يقتضي التسوية بينهما، وليس كذلك، بل يفترقان في أنه لا يتتبع قضاء غيره، وإنما ينقضه إذا رفع إليه، وله تتبع قضاء نفسه لينقضه، كذا في " أصل الروضة " (¬1). ويرد على قول " التنبيه " [ص 257]: (وإن حكم الحاكم فوجد النص أو الإجماع أو القياس الجلي بخلافه .. نقض حكمه) الإيرادان المتوسطان دون الأول والأخير، ولا يرد على قول " الحاوي " [ص 662]: (ونقض الخطأ قطعًا وظنًا بخبر واحد وقياس جلي) سوى الثالث. ثم ظاهر كلامهم نقضه من غير ترافع إليه، وهو كذلك في حقوق الله تعالى، أما حقوق الآدميين .. فالذي في " أصل الروضة " عن ابن سريج: أنه لا يلزم القاضي تعريف الخصمين صورة الحال ليترافعا إليه إن علما أنه بان له الخطأ، بل إن ترافعا إليه .. نقض، وعن سائر أصحابنا: أنه يلزمه وإن علما (¬2)، ومقتضى ذلك: أنه لا ينقضه إلا بعد الترافع، لكن في " الوسيط ": أنه ينقضه وإن لم يرفع إليه (¬3)، وذكر الماوردي وغيره نحوه. قال في " المهمات ": والذي ذكروه أوجه مما توهمه عبارة الرافعي، وتأويلها به متعين. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": يلزمه المبادرة إلى التفريق بين الزوجين، ولا يأتي هنا خلاف ابن سريج؛ للاحتياط في الإبضاع (¬4). 5965 - قوله: (كنفي خيار المجلس، والعرايا، وذكاة الجنين، والقصاص بالمثقل) (¬5) تبع في نقض الحكم بذلك الإمام والغزالي (¬6)، فإن الرافعي حكاه عنهما في الصورتين الأوليين والرابعة، ثم قال: وبمثله أجاب محققون في الحكم بصحة النكاح بلا ولي، فذكر تمام عشر نظائر، ثم قال: ومن الأصحاب من منع النقض وقال: هي مسائل اجتهادية، والأدلة فيها ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 151). (¬2) الروضة (11/ 150). (¬3) الوسيط (7/ 307). (¬4) انظر " حاشية الرملي " (4/ 304). (¬5) انظر " الحاوي " (ص 662). (¬6) انظر " نهاية المطلب " (18/ 472)، و " الوجيز " (2/ 240).

متقاربة، قال الروياني: وهو الصحيح، وكذا ذكره ابن كج في الحكم ببطلان خيار المجلس (¬1)، واقتصر في " الروضة " على ذكر تصحيح الروياني في جميع الصور (¬2)، فاقتضى كلامه موافقته، ويوافقه تصحيح الرافعي في النكاح عدم النقض في النكاح بلا ولي. 5966 - قول " التنبيه " [ص 253]: (وإن كان القاضي قبله لا يصلح للقضاء .. نقض أحكامه كلها أصاب فيها أو أخطأ)، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": محله ما إذا لم يكن هناك تولية من ذي شوكة بحيث ينفذ الحكم بالجهل، فإن كان .. لم ينقض ما أصاب فيه. 5967 - قول " المنهاج " [ص 561]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 667]: (والقضاء ينفذ ظاهرًا لا باطنًا) محل الجزم به ما ليس بإنشاء؛ بل هو تنفيذ لما قامت به الحجة؛ مثل إن حكم بشهادة زور سواء كان مالًا أو نكاحًا أو غيرهما، أما الإنشاء؛ كفسخ النكاح بالعيب وتسليط الشفيع - ووهم في " الروضة " وأصلها في تمثيله بتفريق المتلاعنين (¬3)؛ لأنه حاصل بلعان الزوج من غير تفريق القاضي - فإن ترتبت على أصل كاذب؛ كشهادة زور .. فكالأول، أو صادق؛ فإن لم يكن في محل اختلاف المجتهدين .. نفذ باطنًا أيضًا، وهذه قد لا ترد على إطلاقهما؛ لأنه ليس للقضية باطن، بخلاف ظاهرها عند أحد؛ لعدم الاختلاف فيه كما تقرر، وإن كان مختلفًا فيه .. نفذ ظاهرًا، وفي الباطن أوجه: صحح جماعة منهم البغوي وأبو عاصم: النفوذ مطلقًا، وذهب الأستاذ أبو إسحاق والغزالي إلى المنع؛ وهو مقتضى إطلاق " المنهاج " و" الحاوي "، والثالث: إن اعتقده الخصم أيضًا .. نفذ باطنًا، وإلا .. فلا. وفي " المهمات ": إن الصحيح الأول؛ فقد حكاه الرافعي في كتاب الدعاوى في الكلام على اليمين عن ميل الأكثرين، وفي دعوى الدم عن ميل كلام الأئمة، قال في " المهمات ": وإطلاقهم يقتضي أنه لا فرق في النفوذ باطنا بين ما ينقض وما لا ينقض، وفيه نظر، لكنه مستقيم؛ فإنه لا منافاة. 5968 - قول " المنهاج " [ص 561]: (ولا يقضي بخلاف علمه بالإجماع) فيه أمور: أحدها: عبارة " المحرر " و" الروضة " و" الشرحين ": (بلا خلاف) (¬4)، ولا يصح؛ فلنا وجه: أنه يقضي بالبينة إذا شهدت بما يعلم خلافه، حكاه الماوردي والروياني والشاشي وابن يونس وابن الرفعة (¬5)، وقال في " التوشيح ": كنت أسمع الوالد رحمه الله يتوقف في إثبات هذا الخلاف. ¬

_ (¬1) فتح العزيز (12/ 481). (¬2) الروضة (11/ 151، 152). (¬3) فتح العزيز (12/ 483)، الروضة (11/ 153). (¬4) المحرر (ص 488)، فتح العزيز (12/ 488)، الروضة (11/ 156). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 325).

ثانيها: قد يفهم أنه يقضي في هذه الصورة بعلمه، وليس كذلك كما صرح به الشاشي في " الحلية "، قال في " المهمات ": وفي كلام الرافعي إشارة إليه؛ فإنه أطلق منعه عن القضاء (¬1)، وكأن معناه: قوة التهمة. قلت: وكذا أطلق في " المحرر " منع القضاء (¬2)، ففات " المنهاج " منه هذه الإشارة، وصرح به أيضًا الماوردي، لكن قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إن الماوردي إنما بناه على منع القضاء بالعلم، وإن الشاشي أخذه منه (¬3)، ووهم في إطلاقه المنع من غير تفريعه على ذلك القول. وقال في " التوشيح ": قد يتوقف في منع قضائه بعلمه هنا؛ فإنه إذا تحقق كذبهم في المشهود به .. كان أولى بدفع قولهم من تحقق جرحهم، ولو تحقق جرحهم .. لرد شهادتهم وكان فيه الحكم بعلمه المعارض لشهادتهم فليحكم هنا بطريق أولى. ثالثها: قال في " المهمات ": في هذا التعبير تجوز، فإن من يقضي بشهادة شاهدين لا يعلم كذبهما ولا صدقهما قاض بخلاف علمه مع أن قضاءه نافذ بالاتفاق؛ فالصواب: بما يعلم خلافه، وبه عبر الماوردي وغيره (¬4). قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهذا الاعتراض غير صحيح؛ لأن الذي يقضي به القاضي هو الذي شهد به الشاهدان لا صدقهما، فلم يقض حينئذ على خلاف علمه ولا بما يعلم خلافه؛ فالعبارتان مستويتان على ما قررناه. رابعها: قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إن أراد العلم القطعي الذي لا يحتمل النقيض .. لم يطابق تمثيل " المحرر " له بما إذا علم أن المدعي أبرأه مما يدعيه، أو أن مدعي النكاح طلق ثلاثًا (¬5)، وإن أراد الظن .. فقد قامت عنده البينة بخلاف ظنه؛ فإذا قلنا: يقضي بعلمه .. فقد تعارض عنده ظنان؛ فكان ينبغي أن يخرج على الأقوال في تعارض البينتين، ولم نر من قال به، وإن قلنا: لا يقضي بعلمه .. فينبغي أن يقضي بما قامت به البينة؛ لأنه لم يعارضه ما يقضي به، وسيأتي من نقل الماوردي ما يشهد له. قلت: قد يريد العلم القطعي، ومثالا " المحرر " لا ينافيان ذلك، وقد يريد الظن، ولا تعارض؛ لأن علمه بالإبراء مثلًا ناقل، فلو قامت به بينة .. لكانت مقدمة؛ [فلذلك علمه] (¬6) ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (12/ 488). (¬2) المحرر (ص 488). (¬3) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 325)، و " حلية العلماء " (3/ 1168). (¬4) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 325). (¬5) المحرر (ص 488). (¬6) في (د): (فكذلك حكمه).

به مقدم بناءً على القضاء بالعلم؛ لما فيه من زيادة العلم، هاذا قلنا: لا يقضي بعلمه .. فعلمه وإن لم يصلح لإثبات الحكم يصلح لدفعه؛ لأن دفع الشيء أسهل من الحكم به، والله أعلم. خامسها: قال شيخنا أيضًا: يستثنى منه: ما لو علم القاضي الإبراء فذكره للمقر؛ فقال: أعرف صدور الإبراء منه، ومع ذلك فدينه باق عليّ، فإن القاضي يقضي على المقر بما أقر به، وإن كان على خلاف ما علمه القاضي؛ لأن الخصم قد أقر بما يدفع علم القاضي، قال: ولم أر من تعرض لذلك، وفقهه واضح. قلتُ: ليس هذا قضاء على خلاف العلم؛ لأن إقرار الخصم المتأخر عن الإبراء قد رفع حكم الإبراء، فصار العمل به، لا بالبينة ولا بالإقرار المتقدم. سادسها: قال شيخنا أيضًا: لو علم القاضي زنا المقذوف بالمشاهدة، ولم يقم القاذف بينة على زناه، وطلب المقذوف من القاضي أن يحده .. فالذي أجبت به: أن الحاكم يجيبه لذلك؛ لأن القاذف إذا لم يأت بالشهداء كاذب في علم الله تعالى؛ لقوله: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}، وإذا كان كاذبًا .. أقام عليه حد القذف، وإنما لا يقضي على خلاف علمه في الموضع الذي يقضي فيه بعلمه، وحدود الله تعالى لا يقضي فيها بعلمه، فيقضي فيها على خلاف علمه. سابعها: قد يندرج في قوله: (بخلاف علمه) حكمه بخلاف عقيدته، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهذا يمكن أن يدعي فيه اتفاق العلماء؛ لأن الحكم إنما يبرم من حاكم بما يعتقده. 5969 - قول " التنبيه " [ص 255]: (فإن علم الحاكم وجوب الحق .. فهل له أن يحكم بعلمه؟ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: يحكم، والثاني: لا يحكم، والثالث: يحكم في غير حدود الله، ولا يحكم في حدوده)، الأظهر: الثالث كما في " المنهاج "، وعليه مشى " الحاوي " (¬1)، وفي كلامهم أمور: أحدها: أن محل ذلك في غير الجرح والتعديل، فلو شهد عنده من يعرف عدالته أو جرحه .. اعتمد علمه، ولا يتخرج فيه هذه الأقوال، وقد ذكره " المنهاج " في الفصل الذي يليه، فقال: (وإذا شهد شهود فعرف عدالة أو فسقًا .. عمل به) (¬2) و" الحاوي " فقال [ص 667]: (كالتعديل)، وقد حكى غير واحد الاتفاق عليه، لكن فيه وجه ضعيف محكى فى " الروضة " وأصلها (¬3)، فظاهر كلامهم العمل بذلك، ولو كان في حدود الله تعالى. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 667، 668). (¬2) المنهاج (ص 562). (¬3) الروضة (11/ 156).

ثانيها: ومما يقضي فيه بعلمه قطعًا التواتر، كما ذكره ابن عبد السلام في " القواعد " (¬1)، والمسألة فيها وجهان في " النهاية " (¬2)، واختار شيخنا في " تصحيح المنهاج " التفصيل بين التواتر الظاهر لكل أحد؛ كوجود بغداد .. فيقضي به قطعًا، وبين التواتر المختص .. فيتخرج على خلاف القضاء بالعلم، بل ينقص عنه؛ لأن المشاهدة أقوى من الخبر وإن تواتر (¬3). ثالثها: ومنه ما في " أصل الروضة " في قسم الصدقات عن الأصحاب: أن الإمام لو علم استحقاق من طلب الزكاة .. جاز الدفع له، قال: ولم يخرجوه على القضاء بالعلم (¬4). رابعها: وفي " أصل الروضة " أيضًا في (القسامة) عن الإمام: أن القاضي لو عاين اللوث .. فله اعتماده، ولا يخرج على خلاف القضاء بالعلم؛ لأنه يقضي بالأيمان، وأقره على ذلك (¬5)، وتعقبه شيخنا في " تصحيح المنهاج ": بأن نقل اليمين من جانب المدعى عليه إلى جانب المدعي مستنده علم القاضي؛ ففيه خلاف القضاء بالعلم. خامسها: وفي المستثنى أيضًا: ما لو أقر بالمدعى في مجلس القضاء .. ففي " أصل الروضة " هنا: أنه قضاء بإقراره لا بعلم القاضي (¬6)، لكنه قال قبل ذلك: إن على القاضي إجابة من طلب منه الإشهاد بإقرار خصمه له في مجلس حكمه؛ لئلا ينكر بعد، فلا يتمكن القاضي من الحكم عليه إن قلنا: لا يقضي بعلمه، ويوافقه قول الشافعي رضي الله عنه في تصوير محل الخلاف: (فأقر في مجلس القاضي أو غير مجلسه) (¬7)، ذكره في " المهمات ". وحمل شيخنا في " تصحيح المنهاج " المذكور هنا على المستمر على إقراره، وفي غيره على الجاحد بعد ذلك، قال: ومن توهم المخالفة بينهما .. فقد أخطأ. سادسها: استثنى شيخنا في " تصحيح المنهاج ": هلال رمضان، فلو رآه القاضي وحده .. حكم بالصيام تفريعًا على ثبوته بشهادة وأحد وهو الأظهر، ولا يتخرج فيه مع ذلك قولان، والقيافة للقاضي للحكم بعلمه فيها إذا كان قائفًا تفريعًا على الاكتفاء بواحد وهو الأصح، ولا يتخرج فيه مع ذلك خلاف، ذكرهما تخريجًا مع أن المنقول في الثانية في " أصل الروضة " تخريجه على خلاف ¬

_ (¬1) قواعد الأحكام في إصلاح الأنام (2/ 70). (¬2) نهاية المطلب (18/ 488). (¬3) انظر " مغني المحتاج " (4/ 398). (¬4) الروضة (2/ 322). (¬5) الروضة (10/ 12)، وانظر " نهاية المطلب " (17/ 9). (¬6) الروضة (11/ 156). (¬7) انظر " الأم " (7/ 113).

القضاء بالعلم، لكن نازع فيه شيخنا، وقال: الصواب خلافه؛ لأن العدد ليس شرطًا في القيافة حتى ينظر إلى التقيد بالعدد. سابعها: في " أصل الروضة " عن الأصحاب: أنهم مثلوا القضاء بالعلم بما إذا ادعى عليه مالًا وقد رآه القاضي أقرضه ذلك، أو سمع المدعى عليه أقر بذلك، ومعلوم أن رؤية الإقراض وسماع الإقرار لا يفيد ثبوت اليقين بثبوت المحكوم به وقت القضاء؛ فدل على أنهم أرادوا بالعلم: الظن المؤكد، لا اليقين (¬1)، ويوافق ذلك قوله في القيافة: لو كان القاضي قائفًا .. فهل يقضي بعلمه؟ فيه الخلاف في القضاء بالعلم (¬2)، وترجيحه في القسمة تخريج قضائه في التقويم بمعرفته على خلاف القضاء بالعلم، ويخالفه قول الإمام: إذا جوزنا القضاء بالعلم .. فذلك فيما يستيقنه، لا ما يظنه، وإن غلب الظن (¬3)، وتبعه الغزالى، فقال: لا خلاف أنه لا يقضي بظنه الذي لا يستند إلى بينة (¬4)، وعكسه الماوردي فقال: إذا رأى الحاكم رجلًا يتصرف في دار مدة طويلة من غير معارضة .. جاز أن يحكم له بالملك، وفي جواز الشهادة في هذه الحالة قولان، والفرق أن الحاكم له أن يجتهد وليس للشهود أن يجتهدوا. ثامنها: أهملوا شرط القضاء بالعلم، وهو التصريح بالمستند، فيقول: علمت أن له عليك ما ادعاه، وحكمت عليك بعلمي؛ فإن اقتصر على أحدهما .. لم ينفذ الحكم، قاله الماوردي والروياني (¬5)، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وله وجه من النظر، ويحتمل عدم الاحتياج إليه. تاسعها: أن عبارة " التنبيه " صريحة في جريان الخلاف في حدود الله تعالى، وهو مقتضى قول " المنهاج " [ص 561]: (والأظهر: أنه يقضي بعلمه إلا في حدود الله تعالى)، وعبارة " المحرر ": لا تعطي ذلك؛ فإنه قال: (أصح القولين: أن القاضي يقضي بعلمه إلا في حدود الله) (¬6)، ويوافقه ترجيح " الروضة " القطع بأنه لا يقضي في حدود الله بعلمه، وقيل: قولان (¬7)، وفي " المهمات ": أن الذي في " الروضة " سهو، وأن المرجح في " الشرحين " طريقة القولين (¬8). ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 156، 157). (¬2) الروضة (12/ 102). (¬3) انظر " نهاية المطلب " (18/ 580، 581). (¬4) انظر " الوسيط " (7/ 308). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 324). (¬6) المحرر (ص 488). (¬7) الروضة (11/ 156). (¬8) فتح العزيز (12/ 487، 488).

عاشرها: يستثنى مع حدود الله: التعزيرات المتعلقة بحقه تعالى، ذكره شيخنا في " تصحيح المنهاج "، ثم قال: ولكن من ظهر له منه في مجلس الحكم ما يقضي تعزيرًا .. عزره، وهذا من القضاء بالعلم، وليس كما لو أقر؛ لأن الإقرار مستند الحكم وقاطع للعذر. حادي عشر: قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": يستثنى من قوله: (إلا في حدود الله) ما إذا صدر منه ذلك في مجلس الحكم على رؤوس الأشهاد؛ كالردة وشرب الخمر والزنا، قال: ولم يتعرضوا له، قال: وكذا إذا اعترف في مجلس الحكم بما يوجب الحدود، ولم يرجع عن إقراره .. فإنه يقضي فيه بعلمه، ولو اعترف سرًا؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: " فإن اعترفت .. فارجمها " (¬1)، ولم يقيده بأن يكون بحضور الناس. ثاني عشر: قال شيخنا أيضًا: ويستثنى منه أيضًا: ما إذا علم القاضي من مكلف أنه أسلم ثم أظهر الردة .. فقد أفتيت فيه: بأن القاضي يقضي بعلمه بالإسلام، ويرتب عليه أحكامه. 5970 - قول " المنهاج " [ص 561]: (وله الحلف على استحقاق حق أو أدائه اعتمادًا على خط مورثه إذا وثق بخطه وأمانته) قد يفهم أنه لو وجد بخط نفسه: لي على فلان كذا .. لم يجز أن يحلف حتى يتذكر، وكذا في " أصل الروضة " عن " الشامل " من غير مخالفة (¬2)، لكن يخالفه ما سيأتي في " المنهاج " في الدعاوى: (أنه يجوز البت - أي: في اليمين - بظن مؤكد يعتمد خطه أو خط أبيه) (¬3)، وكذا هو في " الروضة " وأصلها (¬4)، وقال في " المهمات ": اشتراط الثقة والأمانة لا يظهر في مسائل ذكرها الرافعي؛ فينبغي استحضارها: الأولى: لو بيع الشقص بصبرة فضة، وادعى الشفيع أنها كذا، ونكل المشتري .. جاز للشفيع الحلف اعتمادًا على نكوله. الثانية: للمشتري الحلف على عدم التسليم عند المنازعة اعتمادًا على قول البائع. الثالثة: إذا أنكر المودع التلف وتأكد ظنه بنكول المودع .. جاز أن يحلف اليمين المردودة في الأصح، وكذا نازع شيخنا في " تصحيح المنهاج " في اشتراط وثوقه بخطه وأمانته وقال: الشرط أن يحصل عنده ظن مؤكد كما ذكره في الدعاوى، قال: فإن ظن الحاصل من نكول الخصم أو شهادة الشاهد الواحد كاف في ذلك من غير احتياج إلى الخط، قال: وقد يحلف الإنسان في البيع والحوالة ونحوهما على الملك واستحقاق الدين، بناء على ما قاله البائع والمحيل؛ فالعبرة حينئذ بالظن المؤكد. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (2190) ومسلم (1697). (¬2) الروضة (11/ 159). (¬3) المنهاج (ص 579). (¬4) فتح العزيز (13/ 197)، الروضة (12/ 36).

5971 - قوله: (والصحيح: جواز رواية الحديث بخطٍّ محفوظٍ عنده) (¬1) يقتضي المنع إذا لم يكن محفوظًا عنده، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وليس كذلك، بل المعتمد عند العلماء قديمًا وحديثًا لعمل بما يوجد في السماع والإجازة تفريعًا على جوازها مكتوبًا في الطباق التي تغلب على الظن صحتها، وإن لم يتذكر السماع ولا الإجازة ولم تكن الطبقة محفوظة عنده. انتهى. ولهذا قال " الحاوي " [ص 668]: (ويروي بخطه المحفوظ) ولم يقيده بكونه عنده. 5972 - قول " التنبيه " [ص 252]: (ومن لم يتعين عليه - أي: القضاء - .. جاز أن يأخذ ما يحتاج إليه) قال في " الكفاية ": محله: ما إذا لم يوجد متبرع بالقضاء، فإن وجد وهو صالح .. فلا يجوز أن يعطى من بيت المال، صرح به الماوردي وصاحب " البيان " (¬2)، وأشار إليه البندنيجي وابن الصباغ. 5973 - قوله: (ويجوز أن يحضر الولائم) (¬3) محله في وليمة من لا حكومة له إذا لم يعملها له بخصوصه، أما وليمة من له حكومة أو عملت له بخصوصه .. فكالهدية. 5974 - قوله: (ويشهد مقدم الغائب، ويسوي بين الناس في ذلك، فإن كثرت عليه وقطعته عن الحكم .. امتنع في الكل) (¬4) الذي جزم به الرافعي والنووي في شهود مقدم الغائب أنه كعيادة المرضى يأتي منه ما لا يقطعه عن الحكم (¬5)، قال في " التوشيح ": والذي يظهر ما فعله الشيخ؛ فإن كلًا من الولائم وشهود مقدم الغائب من حقوق الداعي والقادم، وأما الجنائز والعيادة .. فمن حقوق فاعلها، وقد ذكر الماوردي هذا الفرق. انتهى (¬6). وفي " أصل الروضة ": أنه لو كان يخص بعض الناس قبل الولاية بإجابة وليمته .. فنقل ابن كج عن نص الشافعي: أنه لا بأس بالاستمرار (¬7). 5975 - قوله: (ولا يحتجب إلا لعذر) (¬8) يقتضي صرف جميع أوقاته للقضاء إلا في حالة العذر، وكذا قال القاضي حسين، قاله في " الكفاية "، قال: وذكر الماوردي أنه يجعل زمان نظره معينًا من الأيام؛ ليتأهب الناس له، فإن كثرت المحاكمات .. لزمه النظر كل يوم، ويكون وقت ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 561). (¬2) الحاوي الكبير (16/ 294)، البيان (13/ 14). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 252). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 252). (¬5) انظر " فتح العزيز" (12/ 500)، و " الروضة " (11/ 166). (¬6) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 45). (¬7) الروضة (11/ 166). (¬8) انظر " التنبيه " (ص 253)

فصل [في التسوية بين الخصمين وما يتبعها]

نظره في اليوم معروفًا، وإن قلت .. جعل يوم نظره معروفًا من الأسبوع، فإن تجدد في غير يوم النظر ما لا يمكن تأخيره فيه .. نظر (¬1)، وفي " التهذيب ": لا يجوز أن يؤخر النظر إذا وقعت لإنسان خصومة إلا لعذر. انتهى (¬2). وفي " أدب القضاء " لشريح الروياني: إن كان يقضي برزق من بيت المال .. لزمه أن يقضي في كل نهاره، إلا في وقت قضاء الحاجة والطهارة والصلاة المفروضة والنافلة المؤكدة وتناول الطعام على الوجه الذي للأجير أن يشتغل عن العمل، وقيل: يلزم ذلك على حسب العادة والعرف بين القضاة، وإذا كان متبرعًا بالقضاء .. فقد قيل: يجلس أي وقت أراد، والصحيح: أنه يعقد على عادة الحكام، ثم هل تعتبر عادة سائر حكام البلاد أو عادة حاكم تلك البلد؟ وجهان. فصلٌ [في التسوية بين الخصمين وما يتبعها] 5976 - قول " المنهاج " [ص 561] و" الحاوي " [ص 661]: (ليسوِّ بين الخصمين) و" التنبيه " [ص 253]: (ويسوي بين الخصمين) يحتمل الوجوب والاستحباب، والأول هو الصحيح الذي قطع به الأكثرون، كما في " أصل الروضة "، قال: واقتصر ابن الصباغ على الاستحباب (¬3). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الإيجاب هو ظاهر نص " الأم "، لكن نسبته لقطع الأكثرين ليس بمسلّم؛ فإنه قل من يصرح بالإيجاب، وقال بالاستحباب أيضًا القاضي أبو الطيب، وفي قصة زيد بن ثابت لما تحاكم إليه عمر وأبي بن كعب ما يشهد للاستحباب؛ فإنه وسع لعمر صدر فراشه، وقال: هاهنا يا أمير المؤمنين؛ ولم يفعل ذلك مع أبيّ، فقال له عمر: لقد جُرت (¬4)، يعني: خالفت المستحب؛ ولذلك لم يصرح بإثمه، ولا أمره بالاستغفار، ويمكن أن يقال: إن أبيًّا يعلم من زيد أنه لا يحمله ذلك على أنه يقضي بغير الحق، وكان إكرام أمير المؤمنين مطلوبًا، فلم يؤثر ذلك عند أبي، فلو علم الخصم من القاضي ما علمه أبيّ من زيد .. فلا يمتنع على القاضي تعاطي إكرام أحد الخصمين على الوجه اللائق به، ولكن التسوية مطلقًا تطلب سد الباب ما يفضي إلى انكسار قلب الآخر. انتهى. 5977 - قولهما: (في الدخول عليه) (¬5) وهو داخل في إطلاق " الحاوي " التسوية في ¬

_ (¬1) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 28). (¬2) التهذيب (8/ 173). (¬3) الروضة (11/ 161). (¬4) أخرجه البيهقي في " سننه الكبرى " (20250). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 253)، و" المنهاج " (ص 561).

الإكرام (¬1)، قال شيخنا أيضًا: محله فيما إذا جاءا معًا، ولم يكن للمدعي إلا خصم واحد، ولم يكن من أهل بيت القاضي، ودخل في حاجته، فإن حضر بطلب إحضار خصمه .. أدخله وإن كان وحده؛ لأنه ليس مقام دعوى، وإن كان للمدعي خصوم فدخل مع أحدهم وتأخر الباقون .. لم يمتنع ذلك، وفي " الأم ": (وإذا قدم الذي جاء أولًا وخصمه، وكان له خصوم فأرادوا أن يتقدموا معه .. لم ينبغ له أن يستمع إلا منه ومن خصم واحد، فإذا فرغا .. أقامه ودعا الذي جاء بعده، إلا أن لا يكون عنده كبير أحد) (¬2)، قال: وفي هذا النص الإشارة إلى ما قررناه، وإن كان من أهل بيت القاضي ممن يدخل عليه لمصلحته، فعرضت له به حاجة، فطلبه لها .. لم يحرم، لكن الأولى للقاضي إذا ظهر له أنه مع خصم له أن يمتنع عن طلبه ذلك الوقت حتى تنفصل الخصومة، قال: ولم أر من تعرض لذلك. 5978 - قول " المنهاج " [ص 561]: (وقيام لهما) وهو داخل في إطلاق " الحاوي " الإكرام (¬3)، أي: إما أن يقوم لهما أو يتركه لهما، وقال ابن أبي الدم: عندي أنه يكره؛ فإنه قد يكون أحدهما شريفًا والآخر وضيعًا، فإذا قام .. علما أنه إنما قام للشريف، فترك القيام لهما أقرب إلى العدل وأنفى للتهمة، وعلى هذا جرى سنن الحكام الماضين، فإن دخل ذو هيئة فقام له ظنًا أنه لم يأت في خصومة .. فإما أن يقوم لخصمه كقيامه له، وإما أن يعتذر بأنه لم يشعر بمجيئه مخاصمًا، حكاه عنه في " المطلب "، وقال: وهو يؤخذ من منعه من ضيافة الخصمين. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إذا كان أحدهما ممن يعتاد القيام له دون الآخر .. فينبغي ترك القيام؛ لأنه إذا قام عند دخولهما .. ظهر للحاضرين وللخصم أن القيام إنما هو للكبير، فلا تحصل التسوية، قال: وهذا أخص بما قاله ابن أبي الدم، ولا بد منه (¬4). 5979 - قول " المنهاج " [ص 561]: (وجواب سلام) هذا إذا سلّما معًا، فإن سلّم أحدهما دون الآخر .. فمقتضاه: أنه لا يجيبه، وكذا في " أصل الروضة " عن الأصحاب أنهم قالوا: يصبر حتى يسلّم الآخر، قال الرافعي: وقد يتوقف في هذا إذا طال الفصل، وقالوا: لا بأس بأن يقول للآخر: سلّم، فإذا سلّم .. أجابهما، وكأنهم احتملوا هذا الفصل للتسوية، وقيل: يجوز ترك الجواب مطلقًا واستبعده الإمام (¬5). وفي " المهمات ": أن ما حكاه عن الأصحاب لم يقل به سوى القاضي والبغوي، وقال ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 661). (¬2) الأم (6/ 214). (¬3) الحاوي (ص 661). (¬4) انظر " حاشية الرملي " (4/ 309). (¬5) فتح العزيز (12/ 493)، الروضة (11/ 161)، وانظر " نهاية المطلب " (18/ 572).

الإمام: إنه إفراط وسرف (¬1)، واستبعده الغزالي، وقال: إنه إفراط، قال في " المهمات ": ثم إن المذكور هنا يخالف قولهم في السير إن ابتداء السلام سنة كفاية، فإذا حضر جماعة وسلم أحدهم .. كفى ذلك عن سلام الباقين، وكذا قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ما حكاه عن الأصحاب وجه ضعيف، والأصح: أنه يرد السلام، ويوجهه إليهما؛ لأن ابتداء السلام سنة كفاية، فإذا سلم أحدهما .. فقد قام بالسنة عن الآخر؛ فجواب الحاكم رد على المسلّم حقيقة وعلى الآخر حكمًا، وفي " المطلب ": قد يظهر بردّ سلام أحدهما ميل من حيث أن المسلّم إنما يتجرأ على ابتداء السلام مع هيبة الحاكم، وعدم مشروعية الابتداء به؛ لاشتغال القاضي لدالة بينه وبين القاضي، فردّه عليه يؤكد ذلك، ولو فرضنا أن الابتداء مشروع .. لم يبعد من الجاهل توهم ذلك. قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهو مردود؛ فإن الجرأة بذلك ليس مما يظهر الدالة، بل يظهر إقدام المسلّم على السلام، وإذا وجه القاضي السلام عليهما .. خرج ما ذكر من التوهم. 5980 - قولهما: (ومجلس) (¬2) وهو داخل في إطلاق " الحاوي " الإكرام (¬3)، أي: يسوي بينهما في المجلس، فيجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره إن كانا شريفين، أو بين يديه، وهو الأولى على الإطلاق، ونازع شيخنا في " تصحيح المنهاج " في أن الأول تسوية؛ لأن الجالس على اليمين له مزية، وفي " سنن أبي داوود " ساكتا عليه من حديث ابن الزبير: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحَكَمِ) (¬4). 5981 - قول " التنبيه " [ص 253]: (وإن كان أحدهما مسلمًا والآخر كافرًا .. قدم المسلم على الكافر في الدخول، ورفعه عليه في المجلس) اقتصر " المنهاج " و" الحاوي " رفعه عليه في المجلس، ولم يذكرا تقديمه عليه في الدخول (¬5)، وكذا في " أصل الروضة "، ثم قال: ويشبه أن يجري الوجهان في سائر وجوه الإكرام (¬6). قال شيخنا الإسنوي في " التنقيح ": فكلام الشيخ لا يوافق بحث الرافعي؛ إذ مقتضاه العموم، ولا نقله؛ لأنه لم يستثن تقديمه عليه في الدخول. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": في " الإبانة " للفوراني نقل الوجهين في الجميع؛ إذ ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (18/ 572). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 253)، و" المنهاج " (ص 561). (¬3) الحاوي (ص 661). (¬4) سنن أبي داوود (3588). (¬5) الحاوي (ص 661)، المنهاج (ص 561). (¬6) الروضة (11/ 161).

قال: ينبغي للقاضي أن يسوي بين الخصمين في المجلس والنظر والسلام وغير ذلك، فلو كان كافرًا .. فهل يسوي بينهما؛ فيه وجهان، قال: وهذا ظاهر أو صريح في أن الخلاف في الجميع. انتهى. وسبقه إلى نقل ذلك عن الفوراني ابن الرفعة، وكذا في " المهمات "، وقد عرفت أنه لم يصرح في عبارته بالدخول. قال في " التوشيح ": وقد يقال: لا ينبغي جريانهما في الدخول، بخلاف سائر وجوه الإكرام؛ فإن في تقديم أحد الخصمين في الدخول ريبة ليست في غيره، فإن الخصم يتهم السابق إلى الدخول بالاختلاء بالحاكم في شأنه. قلت: لا يلزم من دخوله قبله الاختلاء بالحاكم، فإذا أذن لهما جميعًا .. تقدم المسلم في الدخول إكرامًا مع دخول الآخر وراءه على أثره من غير مضي زمن يأتي فيه خلوه، وأما تقدمه عليه بزمن يحتمل الخلوة .. فذاك في الحقيقة إذن لأحد الخصمين وحجب للآخر، وهذا لم يقل به أحد. وعبارة الماوردي: أحدهما: يسوي بينهما فيه؛ أي: في المجلس كما يسوي بينهما في المدخل والكلام (¬1)، وذلك يقتضي أن المدخل والكلام محل اتفاق، وكذا في " الاستقصاء " وغيره. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الأصح: تقديم المسلم في جميع وجوه الإكرام، قال: ولا خلاف أن القاضي لو جابَرَ (¬2) المسلم بالسلام دون الكافر، والكافر قاطع بأن القاضي يعظم المسلم ويذل الكافر .. فلا يحصل له في خصومته كسر قلب، ومن اقتصر على ذكر الرفع في المجلس .. فلاعتقاده أن الأثر إنما جاء فيه؛ أو لأن الرفع في المجلس مستمر حال المحاكمة، بخلاف الدخول وغيره مما لا يكون حال المحاكمة. انتهى. قال في " المهمات ": ولو كان أحدهما مرتدًا والآخر ذميًا .. فيتجه تخريجه على التكافؤ في القصاص، والصحيح: أن المرتد يقتل بالذمي دون عكسه، وتعجب شيخنا في " تصحيح المنهاج " من هذا التخريج؛ فإن التكافؤ في القصاص ليس مما نحن فيه بسبيل، ولو اعتبرناه لرفع الحر على العبد والوالد على الولد (¬3). 5982 - قول " التنبيه " [ص 253]: (ولا يعلّمه كيف يدعي) أقره عليه النووي في ¬

_ (¬1) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 276). (¬2) غير واضحة في النسخ، ولعل ما أثبت صواب، والله أعلم. (¬3) انظر " حاشية الرملي " (4/ 310).

" تصحيحه "، وفي " أصل الروضة " عن الإصطخري: إذا ادعى دعوى غير محررة .. بين له الدعوى الصحيحة، وعن غيره المنع، قال: وتعريف الشاهد كيفية أداء الشهادة على هذين الوجهين، قال في " العدة ": والأصح: الجواز (¬1). 5983 - قوله: (إذا جلس بين يدي القاضي خصمان .. فله أن يقول لهما: تكلما، وله أن يسكت حتى يبتدئا) (¬2) في قوله: (تكلما) تجوّز، والمراد: ليتكلم المدعي منكما، كما عبر به " المنهاج " و" الحاوي " (¬3)، قال في " أصل الروضة ": وله أن يقول للمدعي إذا عرفه: تكلم (¬4). قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": لكن في " الشامل ": أنه لا يقول لأحدهما بعينه تكلم؛ لأنه كسر للآخر، قال شيخنا: وهذا يعم ما إذا علم القاضي المدعي فقال له: تكلم، أو قال لواحد: تكلم ولم يعلم أنه المدعي، وهذه لا يوقف في المنع منها، وأما مع العلم .. فله وجه من الرجحان، ويوافقه إطلاق الشافعي وغيره: ليتكلم المدعي منكما، أو ما خطبكما وهنا أمران: أحدهما: قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": محل هذا: ما إذا لم يكن كل منهما مدعيًا ومدعى عليه في قضية واحدة أو قضيتين، فإن كان .. فيقول تكلما؛ ولهذا عبر به في " الأم " و" المختصر " (¬5)، وحمله بعضهم على أنه يقول ليتكلم المدعي منكما، قال شيخنا: وعندى كلام الشافعي محمول على الأعم؛ فإنه قد يكون كل منهما مدعيًا ومدعى عليه في قضية واحدة؛ كما لو اختلف المتعاقدان، فإن كانا كذلك في قضيتين ولا سابق منهما .. فيقول: ليتكلم واحد منكما برضا الآخر بتقديمه، فإن لم يتفقا .. أقرع بينهما، فمن خرجت قرعته .. قال له: تكلم، قال شيخنا: ولم نر من تعرض لذلك. ثانيهما: محل ذلك: ما إذا لم يكن سكوتهما لتعب ونحوه، قال الماوردي: إن كان السكوت للمَاهب في الكلام .. أمسك عنهما حتى يتحرر للمتكلم ما يذكر، وكذا إن كان سكوتهما لهيبة حضرتهما عن الكلام .. توقف حتى تسكن نفوسهما فيتكلما. انتهى (¬6). قال في " أصل الروضة ": ولو خاطبهما بذلك الأمين الواقف على رأسه .. كان أولى (¬7). ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 162). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 254). (¬3) الحاوي (ص 663)، المنهاج (ص 562). (¬4) الروضة (11/ 162). (¬5) الأم (6/ 214)، مختصر المزني (ص 302). (¬6) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 279). (¬7) الروضة (11/ 162).

5984 - قولهما - والعبارة " للمنهاج " -: (فإذا ادعى .. طالب خصمه بالجواب) (¬1) زاد " التنبيه " [ص 254]: (وقيل: لا يقول حتى يطالبه المدعى، وليس بشيء) وكذا في " أصل الروضة " في التسوية بين الخصمين: أنه ضعيف (¬2)، لكن في باب الدعاوى من " الشرح الصغير ": أنه أشبه، وعليه مشى " الحاوي " فقال [ص 665، 666]: (ولزم التسليم، أو مُرهُ بالخروج عن حقي أو سله جواب دعواي .. طالب بالجواب) فعلى هذا: طلب الجواب من شروط صحة الدعوى، وهذا الخلاف في الجواز كما صرح به الماوردي وصاحب " المهذب " وغيرهما؛ وعلل المنع بأنه حق المدعي، فلا يستوفى إلا بإذنه؛ والجواز بقرينة الدعوى (¬3). وقال الرافعي بعد نقل الخلاف فيه: وسواء شرطنا هذا الاقتراح أو لم نشترطه، لكنه اقترح، فيمكن أن يقال: يغني ذلك عن قوله: ويلزمه التسليم إليَّ، قال: والذي شرط ذلك إنما شرطه جوابأ على أنه لا يشترط الاقتراح المذكور (¬4). وأشار " الحاوي " لذلك بلفظة (أو)، لكن مقتضاه: جواز الاستغناء بالمعطوف عليه عن المعطوف، وهو خلاف القول باشتراط الطلب في صحة الدعوى. 5985 - قول " المنهاج " [ص 562]: (فإن أقر .. فذاك) عبارة مجملة، وكأنه أراد بها: ثبوت الحق المدعى به كما صرح به " الحاوي " فقال [ص 667]: (فإن أقر .. ثبت) وهو الأصح في " أصل الروضة "، ومقابله: أنه لا يثبت بمجرد الإقرار، ولا بد من قضاء القاضي كالثبوت بالبينة (¬5). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": هذا عندي مقيد بأن يكون الإقرار على صورة متفق عليها، فإن كان على صورة مختلف فيها .. فلا بد من القضاء بالإقرار من أجل الخلاف، وعبارة " التنبيه " [ص 254]: (وإن أقر .. لم يحكم حتى يطالبه المدعي) وهي عبارة حسنة. وفسر بها شيخنا ابن النقيب قول " المنهاج ": (فذاك) فقال؛ فللمدعي أن يطلب من القاضي الحكم عليه؛ فحينئذ .. يحكم فيقول: أخرج من حقه، أو كلفتك الخروج منه، أو ألزمتك، وما أشبه ذلك (¬6). والذي حمله على ذلك؛ كون هذا الكلام بعينه موضوعًا في " أصل الروضة " موضع قوله: ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 254)، و " المنهاج " (ص 562). (¬2) الروضة (11/ 162). (¬3) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 280)، و " المهذب " (2/ 300). (¬4) انظر " فتح العزيز " (13/ 159). (¬5) الروضة (11/ 162). (¬6) انظر " السراج على نكت المنهاج " (8/ 213).

(فذاك)، واستشكل الرافعي الخلاف المتقدم في الثبوت؛ لأنه إن كان الكلام في ثبوت الحق المدعى في نفسه .. فمعلوم أنه لا يتوقف على الإقرار؛ فكيف على الحكم بعد الإقرار؟ وإن كان المراد المطالبة والإلزام .. فلا خلاف أن للمدعي الطلب بعد الإقرار، وللقاضي الإلزام (¬1). وأجاب عنه شيخنا في " تصحيح المنهاج " باْن الكلام في ثبوت الحق المدعى به ظاهرًا عند القاضي الذي وقعت عنده الدعوى والإقرار من غير أن يقول قضيت عليه، ولا ثبت عندي الحق عليه. واعترض في " المهمات " على قوله: (لا خلاف أن للمدعي الطلب بعد الإقرار) بأن الماوردي قال: له ملازمته بعد الحكم لا قبله (¬2). 5986 - قولهما: (وإن أنكر .. فله أن يقول: " ألك بينة؟ " وله أن يسكت) (¬3) فيه أمور: أحدها: أن محل قوله: (ألك بينة؟ " في غير ما يثبت بالشاهد واليمين، فإن ثبت بشاهد ويمين .. فيقول: (ألك بينة أو شاهد مع يمينك) فإن علم جهله به .. وجب أن يقول له، وإلا .. ندب، ومحله أيضًا فيما إذا لم يكن في جانب المدعي للوث .. فيقول له: أتحلف خمسين يمينًا، وكذا الزوج المدعي على زوجته الزنا يقول له: أتلاعنها، ذكر ذلك كله شيخنا في " تصحيح المنهاج "، وقال: لم أر من تعرض له. قلت: وقد تناوله قول " الحاوي " [ص 668]: (وإلا .. سكت أو سأل الحجة)، وتناول أيضًا كل أمين تقبل دعواه، فيقول له: أتحلف؛ لأن المذكورين حجتهم ما ذكرناه من غير توقف على البينة؛ فهي عبارة حسنة شاملة. ثانيها: استثني أيضًا منه: القاذف، فيندب للقاضي أن يبين له الحال من أول الأمر تغليظًا عليه، فيقول: ألك أربعة من الشهداء يشهدون بالمعاينة؛ لعله أن يرجع عما ادعاه. ثالثها: محل السكوت: ما إذا كان المدعي يعلم ذلك الحكم، فإن جهله .. وجب إعلامه به، قال في " المطلب ": أفهم كلام " المهذب " قول ذلك للجاهل على وجه الوجوب (¬4). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": هو الذي يقتضيه القواعد. ¬

_ (¬1) في حاشية (ج): (وإن نظر ناظر إلى وجه ذكرناه في الإقرار: أن الإقرار المطلق لا يكفي للمؤاخذة، بل يسأل المقر عن سبب اللزوم، وقال: إذا كان الإقرار المطلق مختلفًا .. كان في محل النظر والاجتهاد، فاعتبر قضاء القاضي على رأي، فهذا شيء لا يختص بالإقرار بعد الدعوى في مجلس القاضي، بل ينبغي أن يطرد في محل الإقرار. هذه تكملة استشكال الرافعي). انظر " فتح العزيز " (12/ 495، 496). (¬2) انظر " الحاوي الكبير" (16/ 309). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 254)، و " المنهاج " (ص 562). (¬4) المهذب (2/ 300).

قال في " المهمات ": ومقتضى كلام " النهاية ": أن الأصح: أنه يقول للمدعي: ألك بينة مطلقًا سواء كان عالمًا أو جاهلًا (¬1)، وكلام الماوردي يقتضي أنه مخير بين أن يقول: قد أنكرك فلك بينة، أو فما عندك، والأول أولى مع الجهل، والثاني أولى مع العلم (¬2). رابعها: ظاهره التخيير بينهما، وليس كذلك، بل إن علم علمه بذلك .. فالسكوت أولى، وإن شك .. فالقول أولى، وإن علم جهله به .. وجب إعلامه كما سبق. 5987 - قول " المنهاج " [ص 562]: (فإن قال: " لي بينة وأريد تحليفه " .. فله ذلك) وهو المراد بقول " التنبيه " [ص 254]: (وإن حضرت البينة لم يطالب بإقامتها) أي: وله طلب يمين الخصم، ثم قال بعد ذلك: (فإن قال المدعي: " لي بينة غائبة " .. فهو بالخيار، فإن شاء أحلف المدعى عليه، وإن شاء صبر حتى تحضر البينة) (¬3) وقد عرفت أن هذا التخيير لا يختص بما إذا كانت البينة غائبة. واستثنى منه شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ما إذا ادعى لغيره بطريق الولاية أو النظر أو الوكالة، أو لنفسه ولكن كان محجورًا عليه بسفه أو فلس، أو مأذونًا له في التجارة، أو مكاتبًا .. فليس له ذلك في شيء من هذه الصور؛ لئلا يحلف ثم يرفعه لحاكم يرى منع البينة بعد الحلف، فيضيع الحق، إلا أن يكون غير وكيل بيت المال، ويأذن له موكله في ذلك، أو يأذن السيد للمأذون له في ذلك، وكذا الغرماء إن ركبه دين، أو يأذن السيد للمكاتب، قال: ولم أر من تعرض لذلك. قلت: قد يقال: المطالبة متعلقة بالمدعي، فلا يرفع غريمه إلا لمن يسمع البينة بعد الحلف بتقدير أن لا يفصل أمره عند القاضي الأول، إلا أن يقال: قد يضطر عند تيسير البينة إلى قاضي بهذه الصفة؛ لعدم وجود غيره، والله أعلم. ولا يرد شيء من ذلك على قول " الحاوي " [ص 690]: (وتقام البينة عنده). 5988 - قول " المنهاج " [ص 562]: (أو " لا بينة لي "، ثم أحضرها .. قبلت في الأصح) مقتضاه: جريان الوجهين في اقتصاره على قوله: (لا بينة لي) كما لو زاد عليه: (لا حاضرة ولا غائبة)، وهو الذي رجحه في " الشرح الصغير "، لكن جزم البغوي بأنه كما لو قال: (لا بينة لي حاضرة) (¬4) حتى يجزم فيها بالقبول كما هو مجزوم به في " الروضة " و" الشرحين " في التقييد ¬

_ (¬1) نهاية المطلب (18/ 574). (¬2) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 310). (¬3) التنبيه (ص 255). (¬4) انظر " التهذيب " (8/ 253).

بالحضور (¬1)، فلو قال " المنهاج ": (لا حاضرة ولا غائبة) كما فعل " الحاوي " .. لطابق " الروضة "وأصلها في جعلها محل الوجهين، وفهمت منه بقية الصور من طريق الأولى. ثم اعلم: أن شرط الوجه الآخر: أن لا يذكر لكلامه تأويلًا من جهل أو نسيان، فإن ذكر .. قبل قطعا، وشرط شيخنا في " تصحيح المنهاج " لجريان الخلاف أيضًا: أن يكون قائل ذلك مقبول الإقرار، فلو كان محجورًا .. قبلت البينة بعد ذلك بلا خلاف، وكذا لو قال ذلك وليٌّ أو وكيل؛ لأن إقرارهما لا يبطل حق غيرهما. 5989 - قول " التنبيه " [ص 254]: (وإن قال المدعى عليه بعد النكول: " أنا أحلف " .. لم يسمع) الأصح: تمكينه من الحلف إذا لم يحكم القاضي به، أو يقل للمدعي: احلف؛ ولهذا قال " الحاوي " [ص 690]: (وقضى بالنكول، أو قال للمدعي: احلف .. فالمدعي) فلم ينقل اليمين للمدعي إلا عند وجود أحد الأمرين، ولو رضي المدعي بتحليفه بعد الحكم بالنكول .. فالأصح: أن له أن يعود ويحلف. 5990 - قول " التنبيه " [ص 254]: (وإن قال المدعي بعد النكول: أنا أحلف .. لم يسمع، إلا أن يعود في مجلس آخر ويدعي وينكل المدعى عليه) قال الرافعي: هو ما أورده العراقيون والروياني والهروي، والمنع أحسن وأقوى (¬2)، وفي " الشرح الصغير ": إنه الأظهر، وفي " أصل الروضة ": إنه الأصح (¬3)، وعليه يدل قول " الحاوي " [ص 691]: (ونكول المدعي كحلف الخصم). 5991 - قولهم - والعبارة " للمنهاج " -: (وإذا ازدحم خصوم .. قُدِّم الأسبق) (¬4) فيه أمور: أحدها: قال في " أصل الروضة ": الاعتبار بسبق المدعي دون المدعى عليه، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ليس كذلك، بل لا بد أن يسبق المدعي وخصمه، فلو سبق المدعي وتأخر خصمه ثم جاء مدع آخر مع خصمه ثم حضر خصم الآخر .. فإنه يقدم المدعي الذي حضر خصمه قبل حضور خصم الآخر. ثانيها: تقديم الأسبق واجب كما هو مقتضى نص " الأم " و" المختصر "، ولفظه: (لا يقدم رجلًا جاء قبله غيره) (¬5)، وصرح الماوردي بعدم جوازه (¬6)، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ¬

_ (¬1) فتح العزيز (12/ 496)، الروضة (11/ 163). (¬2) انظر " فتح العزيز " (13/ 182). (¬3) الروضة (12/ 46). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 253)، و " الحاوي " (ص 661)، و " المنهاج " (ص 562). (¬5) الأم (6/ 214)، مختصر المزني (ص 302). (¬6) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 289).

وهو مقيد بما إذا تعين على القاضي فصل الخصومات، فإن لم يتعين عليه .. فله أن يقدم من شاء كما صرحوا به في المدرس في العلم الذي لا يجب تعليمه، وفي " أصل الروضة " عن الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب وغيرهما: أن القاضي إذا لم يكن له رزق من بيت المال فقال للخصمين لا أقضي بينكما حتى تجعلا لي رزقًا، فجعلا له رزقًا .. جاز، قال: وهذا نحو ما نقل الهروي: أن القاضي إذا لم يكن له رزق من بيت المال، وهو محتاج، ولم يتعين عليه القضاء .. أن له أن يأخذ من الخصم أجرة عمله (¬1)، قال شيخنا: وقضية هذا: أن له تقديم من جعل له الرزق وإن كان مسبوقًا. ثالثها: استثنى شيخنا في " تصحيح المنهاج " من تقديم السابق: ما إذا كان كافرًا .. فلا يقدم على المسلمين، قال: وهذا لا توقف فيه، ولم أر من تعرض له. 5992 - قولهم - والعبارة " للمنهاج " -: (فإن جُهِل أو جاؤوا معًا .. أُقرع) (¬2) محله: ما إذا لم يعسر، فإن كثروا وعسر الإقراع .. كتب أسماءهم في رقاع، ووضعت بين يديه؛ ليأخذ واحدة واحدة، فيسمع دعوى من خرج اسمه (¬3). 5993 - قول " التنبيه " [ص 253]: (فإن كان فيهم مسافرون .. قدمهم، إلا أن يكثروا .. فلا يقدمهم) قيده " المنهاج " و " الحاوي " بأن يكونوا مستوفزين (¬4)، وفسره في " أصل الروضة " بقوله: قد شدوا الرحال ليخرجوا، ولو أخروا .. لتخلفوا عن رفقتهم (¬5)، واستثنى " المنهاج " أيضًا: ما إذا كثروا (¬6)، ولم يبينا حد الكثرة، ومثله بعضهم: بأن يكونوا مثل المقيمين أو أكثر كالحجيج بمكة، وأهمله " الحاوي ". 5994 - قول " الحاوي " [ص 661]: (ثم المرأة) أحسن من قول " المنهاج " [ص 562]: (ونسوة) لإفادته أنه إذا اجتمع مسافر وامرأة .. قدمت المرأة، ولم يتعرض " التنبيه " لتقديم المرأة، وعبارة " أصل الروضة ": لو كان في الحاضرين نسوة ورأى المَاضي تقديمهن لينصرفن .. قدمهن على الصحيح، بشرط أن لا يكثرن، وتقديم المسافر والمرأة رخصة غير واجب على الصحيح، ومنهم من يشعر كلامه بالوجوب، واختار النووي أنه مستحب لا يقتصر به على ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 142، 143). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 253)، و " الحاوي " (ص 661)، و " المنهاج " (ص 562). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (8/ 214). (¬4) الحاوي (ص 661)، المنهاج (ص 562)، المستوفز: المستعجل، والوفزة: العجلة. انظر " لسان العرب " (5/ 430). (¬5) الروضة (11/ 164). (¬6) المنهاج (ص 562).

الإباحة، قال في " أصل الروضة ": وينبغي أن لا يفرق بين أن يكون المسافر والمرأة مدعيًا أو مدعى عليه (¬1). قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهو ممنوع، بل هو مختص بالمدعي؛ لأن الدعوى له، وظاهر كلامهم أنه لا تقديم بغير ذلك، لكن ذكر الماوردي: أن القاضي يقدم المريض المسبوق الذي يستضر بالصبر إن كان مطلوبًا، ولا يقدمه إن كان طالبًا؛ لأن المطلوب مجبور والطالب مخير (¬2). 5995 - قول " التنبيه " [ص 253]: (ولا يقدم السابق في أكثر من حكومة) كذلك من خرجت له القرعة؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 562]: (ولا يقدم سابق ولا قارع إلا بدعوى) وخرج به المقدم بالسفر، فقال الرافعي: يحتمل أن لا يقدم إلا بدعوى، ويحتمل أن يقدم بجميع دعاويه، ويحتمل أن يقال: إذا عرف أن له دعاوى .. فهو كالمقيم؛ لأن البعض لا يفيده والكل يضر غيره (¬3). وقال النووي: الأرجح: إن كانت قليلة أو خفيفة بحيث لا تضر بالباقين إضرارًا بينًا .. قدم بجميعها، وإلا .. فيقدم بواحدة؛ لأنها مأذون فيها، وقد يقنع بواحدة ويؤخر الباقي إلى أن يحضر (¬4). قال في " المطلب ": وقياس ما ذكره: أن يقدم بما لا يضر كما له أن يستوفيه، وعبارة " الحاوي " [ص 661]: (وقدم المسافر المستوفز، ثم المرأة، ثم السابق، ثم بالقرعة بخصومةٍ) وظاهره عود التقييد إلى جميع الصور، ولا يصح حمله على الأخيرة فقط؛ لأن السابق كذلك بلا شك. 5996 - قول " التنبيه " [ص 252]: (ولا يتخذ شهودًا مرتين لا يقبل غيرهم) ظاهره الكراهة؛ لعدّه في الآداب وعطفه على قوله: (ولا يتخذ حاجبًا) (¬5)، وهو وجه في " الكفاية "، لكن جزم في " المنهاج " بالتحريم (¬6)، وهو المذكور في " الروضة " وأصلها (¬7). 5997 - قول " المنهاج " [ص 562]: (وإذا شهد شهودٌ فعرف عدالةً أو فسقًا .. عمل به) و" الحاوي " [ص 675]: (واستزكى إن شك) و" التنبيه " [ص 255]: (وإن جهل عدالتهم .. سأل) ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 164). (¬2) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 290). (¬3) انظر " فتح العزيز " (12/ 498). (¬4) انظر " الروضة " (11/ 165). (¬5) التنبيه (ص 252). (¬6) المنهاج (ص 562). (¬7) فتح العزيز (12/ 500)، الروضة (11/ 167).

محل الاكتفاء في التعديل بعلمه: في غير أصله وفرعه، وفيهما وجهان في " أصل الروضة " بلا ترجيح. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الأرجح عندنا تفريعًا على أنه لا يقبل تزكيته لأصله ولا فرعه كما هو الصحيح في زيادة " الروضة " (¬1): أنه لا يجوز أن يحكم بشهادة أصله ولا فرعه إذا علم عدالته ولم يقم عنده بينة بها. 5998 - قول " التنبيه " [ص 254]: (فإن شهدوا وكانوا فساقًا .. قال للمدعي: " زدني في الشهود ") قال في " الكفاية ": ظاهره أنه يصغي لسماع شهادتهم وإن علم فسقهم قبل الأداء، وقد توجه: بأنه لو منعهم .. لكان هتكًا، لكن الذي صححه الرافعي والنووي: أنه لا يصغي إليهم (¬2). 5999 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (أن يكتب ما يتميز به الشاهد والمشهود له وعليه) (¬3) فيه أمران: أحدهما: قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الواجب طلب بيان عدالة الشاهد؛ ليرتب الحكم على شهادته بالطريق المعتبرة عنده، وسواء طلب البيان بهذا الطريق أم بغيره، وفي " النهاية ": لا يستريب فقيه في أن كتابة ذلك ليس أمرأ مستحقًا، فلو اتفق الهجوم على السؤال لفظًا .. لما امتنع، غير أن الأحسن ما قدمناه، وإن لم يكن في زمن الماضين .. لخبث الزمان (¬4). ثانيهما: قال شيخنا أيضًا: كتابة المشهود له وعليه [ليس من الواجب في الاستزكاء] (¬5) وإن ذكره الشافعي رضي الله عنه والأصحاب، وفي " المطلب ": أن اعتباره لينجز الحكم، ولا يقف على استكشاف عداوة ولا قرابة ولا شركة تمنع من قبول الشهادة، وإلا .. فذاك ليس من أمر الاستزكاء في شيء، حتى لو أغفله وثبتت العدالة .. بقي على القاضي النظر فيما وراء التعديل (¬6). 6000 - قول " الحاوي " [ص 676]: (وقدر المال) أحسن من قول " التنبيه " [ص 255] و" المنهاج " [ص 562]: (وقدر الدين) لشموله الأعيان، ومع ذلك فلو قال: (وما شهدوا به) .. لكان أعم؛ ليتناول النكاح والقتل وغيرهما، وقول " المنهاج " [ص 562]: (على الصحيح) يقتضي أن الخلاف وجهان، مع أن الأول منصوص " الأم " و" المختصر "، ويقتضي ضعف مقابله مع أنه قوي، وفي " النهاية ": الذي ذهب إليه معظم الأئمة أنه احتياط وليس باشتراط؛ فإن العدل ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 172). (¬2) انظر " فتح العزيز " (13/ 33)، و " الروضة " (11/ 242). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 255)، و" الحاوي " (ص 676)، و" المنهاج " (ص 562). (¬4) نهاية المطلب (18/ 491). (¬5) في (ج): (ليس من الواجب إلا في الاستزكاء)، وفي (د): (ليس من الاستزكاء). (¬6) انظر " حاشية الرملي " (4/ 313).

في اليسير عدل في الكثير (¬1)، وقال الغزالي: إنه الأشهر (¬2)، وصححه صاحبا " المرشد " و" روضة الحكام ". 6001 - قول " المنهاج " [ص 562]: (ويبعث به مزكيًا) كذا بخط النووي، وصوابه: (إلى مزك) كما في " المحرر " (¬3)، والمبعوث إنما هم أصحاب المسائل؛ ولذلك قال " التنبيه " [ص 255]: (ويدفعها إلى أصحاب المسائل) وقد قال " المنهاج " عقبه [ص 562]: (ثم يشافهه المزكي بما عنده) فإن أراد المبعوث أولًا .. لم يطابق كلام " المحرر " ولا كلام الأصحاب، وإن أراد غيره .. لزم عليه لتسميته الأول مزكيًا اتحاد المبعوث والمبعوث له، وعبارة " أصل الروضة ": ويكتب إلى كل مزك كتابًا، ويدفعه إلى صاحب مسألة، ثم قال: وهل الحكم بقول المزكين أم بقول أصحاب المسائل؟ وجهان، صحح الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وغيرهما الثاني، قال ابن الصباغ: وهذا وإن كان شهادة على شهادة فتقبل للحاجة؛ أي: مع كون شهود الأصل في البلد؛ لأن المزكي لا يلزمه الحضور فعلى هذا لا بد من اثنين من أصحاب المسائل، وعلى الأول يكفي واحد (¬4)، وحاول الرافعي نفي الخلاف فقال: إن ولي صاحب المسألة الجرح والتعديل .. فالحكم مستند إليه وحده، وإن أمره بالبحث، فبحث وشهد بما عرف .. استند إليه أيضًا، لكن يشترط هنا العدد، وإن أمره بمراجعة مزكين وإعلامه بما قالاه .. استند إليهما لا إليه، فليحضرا وليشهدا، ولا يشهد على شهادتهما؛ لأن الفرع لا يقبل مع حضور الأصل. انتهى بمعناه (¬5). قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ومقتضى كلامه في التنكير والتعريف: أنه يكتفي في البعث والتزكية بواحد، وهو خلاف نص " الأم " و" المختصر " وما عليه الأصحاب، وعبارة الشافعي رضي الله عنه: (ولا يقبل تعديله إلا من اثنين، ولا المسألة عنه إلا من اثنين) (¬6) ولهذا عبر " التنبيه " بأصحاب المسائل كما تقدم: ثم قال: (واقلهم اثنان) (¬7). 6502 - قول " التنبيه " [ص 255]: (فإن عادوا بالتعديل .. أمر من عدلهم في السر أن يعدَّلهم في العلانية) هذا على سبيل الوجوب أو الاستحباب؛ فيه خلاف في " الكفاية "، وصحح كلًا منهما طائفة، وصحح الماوردي والروياني: الاستحباب إن كان مشهورًا بين الناس بما يتميز به في الاسم ¬

_ (¬1) نهاية المطلب (18/ 492). (¬2) انظر " الوسيط " (7/ 318). (¬3) المحرر (ص 489). (¬4) الروضة (11/ 169). (¬5) انظر " فتح العزيز " (12/ 503). (¬6) الأم (6/ 205)، مختصر المزني (ص 300). (¬7) التنبيه (ص 255).

والنسب، والإيجاب في غيره، وقوله: (كما عدلهم سرًا) (¬1)، قال في " الكفاية ": ظاهره إعادة التزكية، وهو ظاهر كلام الشافعي، وصرح القاضي أبو الطيب والماوردي والبندنيجي وغيرهم بأن المراد به: جمع المزكي والمعدلين، ويقول للمزكي: هؤلاء هم الذين سئلت عنهم وزكيتهم، فيقول: نعم، أو نحوه، قال القاضي الحسين: ويشترط في التزكية سؤال القاضي عنها، فلو عدل من غير سؤال .. لم يصغ القاضي لقوله؛ لأن التعديل حسبة لا يسمع. وفي " أصل الروضة " قبيل القضاء على الغائب: تقبل شهادة الحسبة على العدالة والفسق؛ لأن البحث عن حال الشهود ومنع الحكم بشهادة الفاسق حق لله تعالى (¬2). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الذي اشتهر عند الأصحاب ترجيح ما ذهب إليه الإصطخري وغيره من أن الحكم إنما هو مستند إلى شهادة أصحاب المسائل عند الحاكم بالتزكية، وقال أبو إسحاق: إنما يحكم الحاكم بتزكية المزكين الذين يسألهم أصحاب المسائل. 6003 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (شرطه خبرة باطن من يعدله) (¬3) قال في " الكفاية ": أي في وقت الأداء أو قريبًا منه، كما قال الشافعي رضي الله عنه، قال: وهذا في المعدلين، أما أصحاب المسائل إذا اكتفينا بتعديلهم كما هو الصحيح .. فلا يشترط أن يكونوا من أهل الخبرة الباطنة، قال الماوردي: ولا يسألهم الحاكم من أين علمتم الجرح والتعديل (¬4)، وكلام ابن الصباغ قريب منه، وكذا قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إن الذي اشتهر عند الأصحاب ترجيح إسناد الحكم إلى شهادة أصحاب المسائل عند الحاكم بالتزكية مع أن أصحاب المسائل لا يخبرون باطن من يعدلونه، وقال: إن الذي في " المنهاج " إنما يجيء على وجه أبي إسحاق أن التزكية من المزكين الذين يسألهم أصحاب المسائل. قلت: بتقدير ترجيح الأول .. فقد صار أصحاب المسائل يخبرونهم الخبرة الباطنة ببحثهم وتنقيبهم عنه وإن لم يطل الزمان في ذلك، وقد قال الرافعي: إن ظاهر لفظ الشافعي اعتبار التقادم في المعرفة الباطنة، ثم قال: ويشبه أن شدة الفحص كالتقادم، فليس ذكر التقادم للاشتراط، بل لكون الغالب أن الباطن لا يعرف إلا به (¬5). 6004 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (وأنه يكفي: " هو عدل "، وقيل: يزيد: " عليَّ ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 255). (¬2) الروضة (11/ 174). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 255)، و" الحاوي " (ص 672)، و " المنهاج " (ص 562). (¬4) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 188). (¬5) انظر " فتح العزيز " (12/ 504).

ولي ") (¬1) نص في " الأم " و" المختصر " على الثاني، ولفظه: (ولا يقبل التعديل إلا بأن يقول: عدلٌ عليّ ولي) (¬2)، وقال في " الشامل ": قال أكثر أصحابنا بظاهر لفظه، وفي " أصل الروضة ": أن الأولين تأولوه، وجعلوه تأكيدًا لا شرطًا (¬3). ورجح شيخنا في " تصحيح المنهاج ": أن المعنى في هذه الزيادة تعميم تعديله وانتفاء تخصيص عدالته بشيء دون شيء، قال: وعلى هذا: فلو قال: عدل لا تختص عدالته بشيء دون شيء .. كان ذلك كافيًا؛ لتصريحه بالمقصود من: (عليّ ولي)، قال: وقد يكون بينه وبين المعدّل عداوة تمنع من قبول شهادته عليه .. فلا ينبغي أن يلزم المعدّل أن يقول: (على) لوجود العداوة المانعة من قبول قوله عليه، ولو قال المعدل ذلك على قصد التعميم .. لم يكن ذلك مقتضيًا لانتفاء العداوة بينه وبينه. وقال شيخنا ابن النقيب: ينبغي إن لاحظنا ما بين الشاهد والمزكي .. اتجه اشتراط: (لي) فقط، أو ما بينه وبين المشهود له من قرابة .. اتجه اشتراط: (له) فقط، ويشير إليه أو يسميه، وإن لوحظ الاحتياط .. اشترط: (لي وللمشهود له وعلى المشهود عليه). انتهى (¬4). 6005 - قول " التنبيه " [ص 255]: (ولا يقبل الجرح إلا مفسرًا) و" المنهاج " [ص 562]: (ويجب ذكر سبب الجرح) يقتضي أنه لا يجعل بذكر الزنا قاذفًا، وهو كذلك للحاجة كالشاهد، لكن لو لم يوافقه غيره .. فقال الرافعي: ليكن كما لو شهد ثلاثة بالزنا في كونهم قذفة قولان (¬5)، قال النووي. والمختار بل الصواب: أنه غير قاذف هنا وإن انفرد؛ لأنه مسؤول، فهو في حقه فرض كفاية أو عين، بخلاف شهود الزنا؛ فإنهم مندوبون إلى الستر، فهم مقصرون (¬6). وفي " المهمات ": أن ما ذكره النووي هو المعروف في المذهب، وكيف يجتمع وجوب ذكر الزنا ووجوب الحد عليه؟ وفرق الماوردي بين أصحاب المسائل، فلم يجعلهم قذفة، والجيران إذا لم يكمل بهم النصاب، فجعلهم قذفة؛ لأن أصحاب المسائل ندبوا للإخبار بما سمعوه ولم تندب الجيران إليه (¬7). واستحسنه شيخنا في " تصحيح المنهاج "، وقال: إنه المعتمد، لكنه ذكر أن محل إيجاب ذكر ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 255)، و " الحاوي " (ص 676)، و" المنهاج " (ص 562). (¬2) الأم (6/ 205) مختصر المزني (ص 300). (¬3) الروضة (11/ 173). (¬4) انظر " السراج على نكت المنهاج " (8/ 218). (¬5) انظر " فتح العزيز " (12/ 505). (¬6) انظر " الروضة " (11/ 171). (¬7) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 192).

سبب الجرح في غير أصحاب المسائل، فلا يجب على أصحاب المسائل، فيقال عليه إذا ندبوا لذلك ولم يخشوا حد القذف، فهم أولى من غيرهم بوجوب بيان السبب، وهل يشترط ذكر رؤية السبب أو سماعه؛ بأن يقول: رأيته يزني أو سمعته يقذف؛ وجهان، أشهرهما: نعم، وأقيسهما: لا. واعلم: أن الجرح الذي ليس مفسرًا وإن لم يقبل يفيد التوقف عن الاحتجاج به إلى أن يبحث عن ذلك الجرح، ذكره ابن الصلاح والنووي في الرواية، ولا فرق بين الرواية والشهادة في ذلك فيما يظهر. 6006 - قول " المنهاج " [ص 562]: (وتُعتمد فيه المعاينة أو الاستفاضة) حمله شيخنا في " تصحيح المنهاج " على غير أصحاب المسائل، فأما هم .. فإنما يعتمدون المزكين. 6007 - قول " التنبيه " [ص 255]: (فإن عدله اثنان وجرحه اثنان .. قدم الجرح) قال في " المنهاج " [ص 562]: (فإن قال المعدل: " عرفت سبب الجرح وتاب منه وأصلح " .. قدم) وفي " الكفاية " استثناء صورة أخرى، وهي: ما لو جرحه اثنان ببلد ثم انتقل لأخرى فعدله اثنان، ثم قال: كذا أطلقوه، وينبغي أن يخص بما إذا تخللت مدة الاستبراء. 6008 - قول " الحاوي " [ص 675]: (لا إن أقر الخصم بعدالته) أي: فإنه لا يجب الاستزكاء، تبع فيه " الوجيز " (¬1)، لكن قال في " المنهاج " [ص 562]: (والأصح: أنه لا يكفي في التعديل قول المدعى عليه: " هو عدلٌ وقد غَلِط ") وهو يقتضي أن مقابله الاكتفاء بذلك في التعديل، ولم يقم به أحد، وإنما مقابله الاكتفاء به في الحكم على المدعى عليه بذلك. ثم محل الخلاف: ما إذا كان المدعى عليه أهلًا للإقرار بالحق المدعى به، فإن كان سفيهًا أو عبدًا أو وكيلًا .. لم يكن لكلامه أثر بلا خلاف. قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وقوله: (وغلط) لا يحتاج إليه، بل اعترافه بعدالته يقتضي جريان الوجهين وإن لم نقل: غلط. قلت: ذكر ذلك إنما هو تصوير للمسألة؛ بأن يكون مع اعترافه بعدالة الشاهدين باقيًا على الإنكار، والله أعلم. 6009 - قول " الحاوي " [ص 676]: (فإن ارتاب .. فليستفصل) فيه أمران: أحدهما: أن ظاهره ونجوب ذلك، وكذا قال الإمام والغزالي (¬2)، لكن عامة الأصحاب على أنه ¬

_ (¬1) الوجيز (2/ 241). (¬2) انظر " نهاية المطلب " (18/ 481)، و " الوجيز " (2/ 241).

مستحب (¬1)، وقد صرح به " التنبيه " فقال [ص 254]: (فإن كانوا عدولًا وارتاب بهم .. استحب أن يفرقهم). ثانيهما: ظاهر كلامهما تقديم التزكية على الاستفصال، وكذا قال الغزالي (¬2)، والمشهور عكسه، وهو الذي حكاه الرافعي عن أصحابنا العراقيين وغيرهم، وقال: إنه الوجه، وظاهر كلام الأصحاب رد شهادتهم إذا اختلف كلامهم، وبه صرح الماوردي، وعليه يدل قول الرافعي: في تعليل تقديم التفريق على الاستزكاء: فإنه إن اطلع على عورة .. استغنى عن الاستزكاء والبحث. انتهى (¬3). وقد يقال: يمكن حمل الاختلاف في الكيفية على الغلط في ذلك، فيقضي القاضي بالقدر المشترك الذي وقعت به الشهادة، ولا يضر الاختلاف؛ ويؤيده أن القاضي يقضي مع الريبة، والله أعلم. 6010 - قول " التنبيه " [ص 255]: (وإن عاد أحدهما بالتعديل والآخر بالجرح .. أنفذ آخرين) قال في " الكفاية ": وفي " المهذب " تبعًا للماوردي الاكتفاء بواحد (¬4)، واستحسنه ابن يونس، والذي أورده القاضي أبو الطيب والبندنيجي وابن الصباغ الأول. 6011 - قوله: (فإن جهل إسلامهم .. رجع فيه إلى قولهم) (¬5) كذا في " أصل الروضة " هنا (¬6)، لكن فيها في الردة: أن الكافر إذا قال: أسلمت .. لا يحكم بإسلامه حتى يتلفظ بالشهادتين؛ لأنه قد يسمى دينه الذي عليه إسلامًا (¬7). قال شيخنا الإسنوي في " التنقيح ": ولا أثر لكونه غير محقق الكفر؛ لأن المطالبة لاحتمال أن يكون كافرًا، وبتقدير هذا الاحتمال لا يفيد قوله: إني مسلم. ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (12/ 509). (¬2) انظر " الوجيز " (2/ 241). (¬3) انظر " فتح العزيز " (12/ 509). (¬4) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 190)، و" المهذب " (2/ 296). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 255). (¬6) الروضة (11/ 168). (¬7) الروضة (10/ 85).

باب القضاء على الغائب

بابُ القضاء على الغائب 6512 - قول " المنهاج " [ص 563]: (هو جائز إن كان عليه بينة) يوهم جواز الدعوى على الغائب وإن لم يكن عليه بينة، وليس كذلك، فكان ينبغي أن يعتبر ذلك في صحة الدعوى؛ ولهذا قال " المحرر ": (وينبغي أن يكون للمدير على الغائب بينة) (¬1) و" التنبيه " [ص 255، 256]: (وإن ادعى على غائب وله بينة .. سمعها الحاكم) و" الحاوي " [ص 677]: (وعلى غائب - أي: حكم - كسماع الدعوى والبينة) فصرح بالأمور الثلاثة، على أن شيخنا في " تصحيح المنهاج " قد نازع في اشتراط ذلك في صحة الدعوى، وقال: الدعوى صحيحة بدونه، ولكن لا يحكم القاضي إلا أن يستند قضاؤه إلى الحجة المعتبرة من شاهدين أو شاهد ويمين أو علم القاضي، ولو ادعى ولا بينة له في علمه ثم اطلع عليها، أو ولا في الباطن ثم حدثت بشهادة على الغائب .. فقد صدرت صحيحة، فإذا قامت البينة عند القاضي .. حكم بها، ولو سافر القاضي بعد الدعوى إلى بلد الخصم التي هي في علمه والمدعي معه، فأخبره بالدعوى، فأقر أو أنكر .. فصل القاضي بينهما بتلك الدعوى المتقدمة، قال: وقد يتصور في الإرسال والنكول ورد اليمين ما يقتضي أن القاضي يقضي بحلف المدعي يمين الرد مع غيبة المدعى عليه، ولم أر من ذكره، وفيه نظر (¬2). قلت: هذا كله بعيد، والقاضي إنما يشتغل بالمهمات الناجزة، وليس منها سماع الدعوى على غائب بلا بينة؛ لاحتمال حدوث شيء مما ذُكِرَ، والدعوى ليست مما يفوت، فإذا وجدت الحجة .. أوجد الدعوى، لكن قد يرد على اقتصار " التنبيه " و" المنهاج " على البينة: الشاهد واليمين، وقد ذكره " الحاوي " (¬3)، وقد يقال: هو داخل في مسمى البينة. نعم؛ يرد عليهم جميعًا: علم القاضي إن سوغنا الحكم به؛ فكان ينبغي التعبير بالحجة. 6013 - قول " المنهاج " [ص 563]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 677]: (فإن قال: هو مقر .. لم تسمع بينته) محله فيما إذا كان مراده إقامة البينة ليكتب القاضي به إلى حاكم بلد الغائب، فأما إذا كان للغائب مال حاضر وأراد إقامة البينة على دينه ليوفيه القاضي .. فإن القاضي يسمع بينته ويوفيه، سواء قال: هو مقر أو جاحد، حكاه في " أصل الروضة " عن " فتاوى القفال " (¬4). وزاد عليه شيخنا في " تصحيح المنهاج " صورة أخرى، وهي: ما إذا كانت بينته شاهدة ¬

_ (¬1) المحرر (ص 490). (¬2) انظر " حاشية الرملي " (4/ 316). (¬3) الحاوي (ص 677). (¬4) الروضة (11/ 175).

بالإقرار .. فإنه يقول عند إرادة مطابقة دعواه ببينته: أقر لي فلان بكذا ولي بينة بذلك، ثم قال: فإن قيل: لم يقل: هو مقر الآن بخلاف صورة القفال .. قلنا: قوله: (أقر) يقتضي دوام الإقرار؛ لأن الأصل بقاء الإقرار، لكنه ضمني؛ فيغتفر في الضمني ما لا يغتفر في الاستقلالي. ثم استثنى شيخنا أيضًا: من لا يقبل إقراره لسفه ونحوه .. فلا يمنع قوله: هو مقر من سماع بينة المدعي، وكذا المفلس يقر بدين معاملة بعد الحجر .. فإنه لا يقبل في حق الغرماء، فلا يضر قول المدعى عليه في غيبته أنه مقر؛ لأن إقراره لا يؤثر فيما يقصد له الدعوى، وهو المضاربة، وكذا لو قال: هذه الدار لزيد بل لعمرو، فادعاها عمرو في غيبته ليقيم بينة .. لا يضره قوله: وهو مقر؛ لأن إقراره غير مؤثر في القصد الذي وقعت به الدعوى، قال: ويتصور نحو ذلك في الرهن والجناية، ولم أر من تعرض لذلك. ثم قال شيخنا المذكور: لو قال: هو مقر ولست آمن أن يجحد .. سمع بينته وحكم بها على الأرجح، بل ولو لم يقل: ولست آمن أن يجحد على الأشبه؛ لاحتمال الجحود، ولو قال: هو مقر ولكنه ممتنع .. سمع بينته أيضًا، وحكم بها، وهو قريب من منزع القفال في الصورة السابقة. 6014 - قول " المنهاج " [ص 563]: (وإن أطلق .. فالأصح: أنها تسمع) تبع فيه " المحرر " (¬1)، وكذا رجحه في " الشرح الصغير "، ولم يحكه في " الكبير " إلا عن ميل الإمام، وصححه في " أصل الروضة " (¬2)، وذكر ابن الرفعة أن ميل الأكثرين إلى مقابله. واستثنى الغزالي من الخلاف: ما لو اشترى شيئًا فخرج مستحقًا والبائع غائب .. فتسمع بينته وإدق لم يدع الجحود بلا خلاف؛ لأن تقدم البيع منه كالجحود (¬3)، وقال الإمام: إنه لا مراء فيه (¬4). قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ويحتمل أن يطرقه خلاف؛ لأنه قد يكون مبطلًا، فيعترف بالحق، ولا يكون تقدم البيع منه لجحوده، ولكن هذا بعيد. 6015 - قوله: (وأنه لا يلزم القاضي نصب مسخر يُنكر عن الغائب) (¬5) تبع في ترجيحه " المحرر " (¬6)، وكذا صححه في " الشرح الصغير "، لكنه في " الروضة " وأصلها لم يحك تصحيحه إلا عن البغوي؛ وعلل بأن الغائب قد يكون مقرًا فيكون إنكار المسخر كذبًا، قال ¬

_ (¬1) المحرر (ص 490). (¬2) فتح العزيز (12/ 511)، الروضة (11/ 175)، وانظر " نهاية المطلب " (18/ 502). (¬3) انظر " الوسيط " (7/ 323). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (18/ 502). (¬5) انظر " المنهاج " (ص 563). (¬6) المحرر (ص 490).

الرافعي: ومقتضى هذا التوجيه: أنه لا يجوز نصب المسخر، قال: ولكن الذي أورده أبو الحسن العبادي وغيره أنه مخير بين النصب وعدمه (¬1). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": من ذكر الخلاف في اعتبار دعوى الجحود لا يشترط نصب مسخر ينكر عن الغائب، وإنما يحكي الخلاف في اشتراطه من تحريم باعتبار دعوى جحوده؛ فالجمع بينهما في الخلاف غير موجود في كتب الأصحاب. 6016 - قول " التنبيه " [ص 256]: (وحكم بها، وحلّف المدعي) قد يوهم تأخر الحلف عن الحكم، وليس كذلك، والواو لا تدل على ترتيب، وقد أفصح " المنهاج " بالمقصود فقال [ص 563]: (ويجب أن يحلفه بعد البينة) أي: بعد إقامتها وتعديلها كما صرح به في " أصل الروضة " (¬2)، لكن قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": يمكن أن يتخرج جوازه بعد سماعها وقبل تعديلها على الخلاف في جواز الحبس بشهادة الشاهدين قبل تعديلهما، والأصح: الحبس، فينبغي أن يكون الأصح هنا: الجواز، ونظيره سماع بينة الداخل بعد إقامة الخارج البينة وقبل تزكيتها، وعبارة " الحاوي " [ص 677]: (إن حلف) فدل جعله شرطًا على تقدمه، وهي أحسن من تعبير " المنهاج " لكونه ذكر ذلك بعد البينة وشاهد ويمين، وقد لا تتناول عبارة " المنهاج " الشاهد واليمين كما تقدم. 6017 - قول " المنهاج " [ص 563]: (أن الحق ثابت في ذمته) و" التنبيه " [ص 256]: (أنه لم يبرأ إليه منه ولا من شيء منه) هو أقل ما يكفي في اليمين، والأكمل ما ذكره في " أصل الروضة ": أنه ما أبرأه من الدين الذي يدعيه ولا من شيء منه، ولا اعتاض، ولا استوفى، ولا أحال عليه هو ولا واحد من جهته، بل هو ثابت في ذمة المدعى عليه يلزمه أداؤه، ثم قال: ويجوز أن يقتصر، فيحلفه على ثبوت المال في ذمته ووجوب تسليمه (¬3). ولذلك خير " الحاوي " بينهما فقال [ص 677]: (أنه في ذمته أو بنفي نحو الإبراء) وظاهره الاكتفاء بنفي نحو الإبراء مع أنه لا بد عند إرادة البسط من التصريح بنفي كل مسقط. ويرد عليهم جميعًا: أنهم لم يذكروا وجوب التسليم، وقد ذكره في " الروضة " (¬4)، ولا بد منه؛ فإنه قد يكون ثابتًا في ذمته ولا يجب تسليمه لتأجيل ونحوه، وفي " المهمات " أنه مشكل من وجهين: ¬

_ (¬1) فتح العزيز (12/ 512)، الروضة (11/ 175). (¬2) الروضة (11/ 176). (¬3) الروضة (11/ 176). (¬4) الروضة (11/ 176).

أحدهما: أن المدعى عليه لو كان حاضرًا فطلب بعد البينة تحليف المدعي على الاستحقاق .. لم يجب إليه؛ لأن فيه قدحًا في البينة، فكيف يحلفه عليه في غيبته وقد حلف على ثبوته في ذمته. ثانيهما: أن المدعى عليه لو ادعى مسقطًا فأراد المدعي الحلف على استحقاق ما ادعاه .. لم يمكن منه، بل يحلف على ذلك المسقط؛ فكيف اكتفي به في حق الغائب؛ ولذلك أسقطه الماوردي فقال: وأقل ما يجزيه: أن يحلف أن حقه لثابت (¬1). قال في " المهمات ": وهو واضح؛ فتعين العمل به وأورد شيخنا في " تصحيح المنهاج " أمرين آخرين: أحدهما: أن المدعى به قد يكون عينًا .. فلا يحلف فيها كذلك، وإنما يحلف في كل دعوى على ما يليق بها. ثانيهما: أن المدعى عليه لو كان حاضرًا وقال: الشهود فسقة أو كذبة وهو يعلم ذلك .. ففي تحليف المدعي على نفي العلم وجهان، طردًا في كل صورة ادعى ما لو أقر به الخصم لنفعه، لكن لم يكن المدعي عين الحق، ورجح في " الروضة " وأصلها: أن له التحليف (¬2)، ويؤيده نص الشافعي في " البويطي " على أنه لو قال: أنه يعلم أن الشهود شهدوا بغير حق .. حلف على أنه لا يعلم ذلك. قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ويلتحق بذلك ما إذا قال: هو يعلم أن بيني وبين شهوده عداوة مانعة من قبول شهادتهم عليّ، أو أن فيهم رقًا، أو أن بينه وبينهم من النسب ما يمنع قبول شهادتهم، أو أنهم يجرون لأنفسهم بشهادتهم نفعًا، أو يدفعون بها عنهم ضررًا .. قال شيخنا: فعلى القاضي في القضاء على الغائب أن يحلفه على هذه الأمور كلها؛ لأنه لو طلب حلفه على ذلك .. أجيب إليه؟ فيحتاط الحاكم له في غيبته، ولم أر من تعرض لشيء من ذلك، إلا أن القاضي الحسين قال في اليمين: يقول: وأن شهوده شهدوا بالحق، قال شيخنا: وهو متعقب بأن المنصوص في " البويطي ": أنه في دعوى الحاضر ذلك يحلف على نفي العلم، فكذلك في الغائب. واعلم: أن محل ترجيح وجوب التحليف: إذا لم يكن للغائب وكيل حاضر؛ ففي " أصل الروضة ": لو كان للمتمرد وكيل نصبه بنفسه .. فهل يتوقف التحليف على طلبه؛ فيه جوابان لأبي العباس الروياني؛ لأن الاحتياط والحالة هذه من وظيفة الوكيل، وكذا لو كان للغائب (¬3) ¬

_ (¬1) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 236). (¬2) فتح العزيز (13/ 161)، الروضة (12/ 12). (¬3) في النسخ: (الغائب)، والتصويب من " روضة الطالبين ".

وكيل (¬1)، ولم يرجحا شيئًا، لكنهما ذكرًا قبل ذلك في توجيه أحد الوجهين فيما لو تعلق المدعي برجل وقال: أنت وكيل فلان الغائب ولي عليه كذا، وأدعي عليك، وأقيم البينة في وجهك .. أن للمدعي إقامة البينة على ذلك؛ ليستغني عن ضم اليمين إلى البينة؛ وليكون القضاء مجمعًا عليه (¬2)، وهذا يقتضي ترجيح أحد الجوابين، وهو عدم التحليف، وقال في " المطلب ": إنه المشهور، وجزم شيخنا في " تصحيح المنهاج " بعدم التحليف في حضور الوكيل المطلق، قال: فإن لم يكن وكيلًا في طلب الحلف، بل في رد جواب الدعوى خاصة .. جاء الخلاف في الإيجاب والاستحباب. وقال في " التوشيح ": لم أفهم هذا الخلاف؛ فإن الغائب إذا كان له وكيل .. فالحكم عليه ليس بحكم على الغائب، ولا يمين فيه جزمًا. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": يجوز للقاضي أن يسمع الدعوى على الغائب وإن كان وكيله حاضرًا؛ لأن الغيبة المسموعة للحكم على الغائب موجودة، ولا يمنع من ذلك كون الوكيل حاضرًا؛ لأن القضاء إنما يقع على الغائب، ونظير ذلك: أن الولي إذا غاب الغيبة التي يجوز للقاضي أن يزوج المرأة بسببها .. فإنه يجوز أن يزوجها وإن كان وكيل الغائب حاضرًا، وفي نص الشافعي رضي الله عنه في " الإملاء " ما يشهد له، فقال: زوج السلطان أو وكيل الغائب، ذكره ابن بشري في " المختصر المنبه ". 6018 - قول " المنهاج " بعد ذكر الخلاف في وجوب هذه اليمين واستحبابها [ص 563]: (ويجريان في دعوى على صبي أو مجنون) رجح شيخنا في " تصحيح المنهاج ": القطع بالوجوب في الدعوى عليهما؛ لإمكان الغائب الاستدراك بخلافهما، وتبع في ذلك نقل الإمام له عن الأئمة (¬3)، وحكى في " البسيط " اتفاق الأصحاب عليه. 6019 - قول " التنبيه " [ص 255] و" الحاوي " [ص 677]: (وميت) أي: ليس له وارث خاص، فإن كان .. فالتحليف موقوف على طلبه. 6020 - قول " الحاوي " [ص 677]: (ومتوارٍ ومتعزِّزٍ) حكى الرافعي في حلف المدعي عليهما وجهين، ثم قال: وقطع صاحب " العدة " بأنه لا يحلف؛ لأن الخصم قادر على الحضور (¬4)، وحكاه في " الكفاية " عن الماوردي (¬5). ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 194). (¬2) الروضة (11/ 177). (¬3) انظر " نهاية المطلب " (18/ 504). (¬4) انظر " فتح العزيز " (12/ 534). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 302).

تنبيه [لو أقام قيم الطفل بينة على قيم طفل آخر]

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الأصح عندنا: أن القاضي يحلف المدعي على المتمرد؛ لأن هذا احتياط للقضاء، فلا يمنع منه تمرد المدعى عليه، وألحق القاضي الحسين بالغائب والمستتر ما إذا أحضر الخصم خصمه إلى مجلس الحكم ثم هرب قبل أن يسمع الحاكم البينة عليه، أو بعد ما سمعها وقبل أن يحكم .. فإنه يحكم عليه، وادعى أن هذا لا خلاف فيه (¬1). تَنْبِيْهٌ [لو أقام قيم الطفل بينة على قيم طفل آخر] قال في " أصل الروضة ": بني على هذا الخلاف ما لو أقام قَيِّمُ الطفل بينة على قيّم طفل؛ فإن أوجبنا التحليف .. انتظرنا حتى يبلغ المدعى له، فيحلف، وإن قلنا بالاستحباب .. قضى بها (¬2)، ومقتضاه: تصحيح الانتظار؛ لأن الصحيح: وجوب التحليف. قال في " المهمات ": وقد يشكل عليه قوله بعد ذلك: لو ادعى ولي الصبي دينًا للصبي فقال المدعى عليه: إنه أتلف عليّ من جنس ما تدعيه قدر دينه .. لم ينفعه، بل عليه الأداء، فإذا بلغ الصبي .. حلفه (¬3)، لكنه فرض تلك فيما إذا كان الصبي هو الذي ادعى له خاصة، وهذه فيما إذا كانا صبيين. وقد يجاب: بأن اليمين في المسألة الثانية توجهت في دعوى أخرى. انتهى. وقال السبكي فيما حكاه في " التوشيح ": من طالع كلام الرافعي هذا .. اعتقد أن المذهب: أنه ينتظر ويؤخر الحكم، وقد يترتب على ذلك ضياع الحق؛ فإن تركة الذي عليه الدين قد تضيع أو يأكلها ورثته، فتعريضها لذلك وتأخير الحكم مع قيام البينة مشكل، ولا سيما، ونحن نعلم أن الصبي لا علم عنده من ذلك، واليمين الواجبة عليه بعد بلوغه إنما هي على عدم العلم بالبراءة، وهو أمر حاصل، فكيف يؤخر الحق لمثل ذلك، قال: وهذه المسألة لم يذكرها إلا القاضي الحسين تخريجًا منه، وتبعه من بعده عليها، والوجه عندي خلاف ما قال، وأنه يحكم الآن بما قامت [به البينة] (¬4)، ويؤخذ الدين للصبي الذي ثبت له، وإن أمكن القاضي أخذ كفيل به حتى إذا بلغ يحلف؛ فهو احتياط، وإن لم يمكن ذلك .. فلا يكلف، قال: وينبغي للقاضي أن ينظر نظرًا خاصًا، فإن ظهرت أمارة البراءة .. توقف، وإن ظهر خلافها .. اعتمد الحجة الظاهرة، وإن ¬

_ (¬1) انظر " حاشية الرملي " (4/ 325). (¬2) الروضة (11/ 176). (¬3) انظر " الروضة " (11/ 176، 177). (¬4) في (ب)، (د): (البينة به)، والمثبت من (ج) و " فتاوى السبكي ".

استوى الأمران .. اعتمد الحجة بعد قوة الاجتهاد، وقد صرح الأصحاب بأن الوارث في مثل ذلك إنما يحلف على نفي العلم، فكيف يحسن قياس هذا على غريم الغائب الذي يحلف على البت؟ وينبغي للقاضي إذا حكم .. لا يهمل أن يكتب مكتوبًا بيد المحكوم عليه أن له تحليف المحكوم له إذا بلغ، ثم قال: ولو أن الصبي الذي حكمنا له وألزمناه اليمين بعد بلوغه نكل عنها بعد البلوغ ... فالوجه أن يقال: يحلف الدافع على ما ادعاه من البراءة، ويرجع على الصبي بما قبض له. انتهى (¬1). 6021 - قول " التنبيه " [ص 256]: (فإذا قدم الغائب أو بلغ الصبي .. فهو على حجته) قال في " الكفاية ": ظاهره أنه على حجته وإن لم يشترط الحاكم ذلك في الحكم، وقال الماوردي: إن القاضي يشترط في حكمه على الغائب أنه جعله على حجته إن كانت له حجة؛ لئلا يقتضي إطلاق حكمه عليه إبطال حجته (¬2). 6022 - قول " المنهاج " [ص 563]: (ولو ادعى وكيل - أي: عن غائب - على الغائب .. فلا تحليف) أي: لا يتوقف الحكم بالبينة على يمين الوكيل، بل يعطى المال المدعى به. قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إنه ممنوع وإن إيجاب التحليف هو المعتمد، ثم استشهد بما تقدم قريبًا فيما لو أقام قيم طفل بينة على قيم طفل، وقال: يؤخر مستحق الطفل إلى بلوغه، وتكون المدة طويلة، وتؤدي إلى ضياع حقه، ولا يؤخر حق الغائب الذي يمكن حضوره بعد يوم أو يومين إلى أن يحضر، هذا من العجائب؛ والمعتمد عندنا: أنه لا يقضي هنا على الغائب حتى يحضر المدعى له ويحلف اليمين الواجبة، ثم قال: أطلق قوله: (فلا تحليف)، لكن لو قال الحاضر الذي يدعي عليه الوكيل: أنت تعلم أن موكلك أبرأني فاحلف أنك لا تعلم ذلك .. ففي " أصل الروضة " عن الشيخ أبي حامد: أن له تحليفه على نفي العلم بالإبراء، ومن الأصحاب من خالفه (¬3)، قال الرافعي: ولك أن تقول: مقتضى ما ذكره الشيخ أبو حامد: أن يحلف القاضي وكيل المدعي على الغائب على نفي العلم بالإبراء، وسائر الأسباب المسقطة نيابة عن المدعى عليه فيما يتصور منه لو حضر كما ناب عنه في تحليفه من يدعي لنفسه (¬4)، قال شيخنا: نحن لا نثبت ذلك، ونقطع بأن الوكيل لا يحلفه القاضي التحليف المذكور من جهته؛ لأن المدعى عليه إذا كان حاضرًا .. يستفيد بذلك إسقاط مطالبة الوكيل، وأما يمين الاستظهار .. فمصبّها أن المال ثابت في ذمة الغائب، وهذا لا يتأتى من الوكيل؛ فلم يبق إلا إسقاط يمين الاستظهار على ما ذكره الإمام ¬

_ (¬1) انظر " فتاوى السبكي " (1/ 324، 325). (¬2) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 304). (¬3) الروضة (11/ 177). (¬4) انظر " فتح العزيز " (12/ 514).

ومن تبعه، أو امتناع القضاء على الغائب على ما قررناه، وهو المعتمد؛ لقيام الدليل عليه. 6023 - قوله: (ولو حضر المدعى عليه وقال لوكيل المدعي: " أبرأني موكلك " .. أُمر بالتسليم) (¬1) فيه أمران: أحدهما: هذه مسألة مبتدأة ليست من تمام التي قبلها ولا هي في الحقيقة من فروع هذا الباب، وصورتها: أن يكون المدعى عليه حاضرًا وموكل المدعي غائبًا، وهل المراد: الغيبة المعتبرة في القضاء عليه وهي الزائدة على مسافة العدوى، أو مطلق الغيبة عن البلد؛ رجح شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الثاني، وقال: لم أر من تعرض للتصريح به. ثانيهما: يرد على إطلاق الأمر بالتسليم: ما لو طلب الحاضر من الوكيل الحلف على نفي العلم بأن موكله أبرأه .. فإنه يجاب إليه كما تقدم عن الشيخ أبي حامد، وهو الأصح، وفي معناه: دعواه علمه بأن موكله استوفى أو أنه عزله عن الوكالة، والتحليف فيها هو قياس نظائره في دعواه ما ليس حقًا له، لكن ينفعه في ذلك، والله أعلم. 6024 - قول " المنهاج " [ص 563]: (وإذا ثبت مال على غائب وله مال .. قضاه الحاكم منه) و" الحاوي " [ص 678]: (ووفى من ماله إن حضر) قيده شيخنا في " تصحيح المنهاج " بقيدين: أحدهما: أن محله: ما إذا لم يجبر الحاضر على دفع مقابله للغائب، فإن أجبر؛ كالزوجة تدعي بصداقها الحال قبل الدخول على الغائب .. فلا يوفيها القاضي من ماله الحاضر؛ لأن الزوج والزوجة يجبران، وقضية إجبارهما امتناع قضاء الصداق من مال الغائب، ومثله لو كان البائع حاضرًا وادعى بالثمن على المشتري الغائب .. فلا تسمع هذه الدعوى؛ لأنه لا يلزم الغائب تسليمه؛ لأن البائع يجبر على التسليم أولًا، وحيث قلنا: يجبران .. فالحكم كما في الزوجين. ثانيهما: ومحله أيضًا: ما إذا لم يتعلق بالمال الحاضر حق، فإن تعلق به؛ كمالٍ وجد للغائب وهناك بائع له .. لم يقبضه الثمن، وطلب من الحاكم الحجر على المشتري الغائب حيث استحق البائع ذلك؛ فإن القاضي لا يوفي مدعي الدين من المال الحاضر، ويجيب طالب الحجر إلى مدعاه، ولو كان للغائب من تلزمه نفقته من زوجة أو قريب .. قدمت نفقتهما ذلك اليوم على صاحب الدين؛ لأنه إذا قدم ذلك في المحجور عليه بالفلس .. فغير المحجور عليه أولى، فإن كان مرهونًا أو عبدًا جانيًا وهناك فضلة .. فهل للقاضي بطلب صاحب الدين أن يلزم المرتهن والمجني عليه بأخذ مستحقهما بطريقه ليوفي ما بقي من ذلك لمدعي الدين على الغائب، أم ليس له ذلك؟ قال: هذا موضع نظر، والأرجح: إجابة صاحب الدين لذلك، ولم أر من تعرض لشيء من ذلك (¬2). ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 563). (¬2) انظر " حاشية الرملي " (4/ 327).

6025 - قول " المنهاج " [ص 563]: (وإلا؛ فإن سأل المدعي إنهاء الحال إلى قاضي بلد الغائب .. أجابه) يقتضي أنه لا يجيبه إذا كان للغائب مال حاضر، وليس كذلك، وجوابه: أن هذا خرج مخرج الغالب في أن صاحب الدين لا يطلب إنهاء الحال إلى قاضي بلد الغائب إلا حيث لا يكون له مال حاضر، فلو لم يتعرض للمال الحاضر وطلب الإنهاء مع وجوده .. فله ذلك. وقد يفهم من تعبير ومن تغيير " التنبيه " بقوله [ص 256]: (إلى قاضي البلد الذي فيه الخصم) أنه لا بد أن يكون المكتوب إليه معينًا، وليس كذلك، فيجوز أن يكتب إلى من يصل إليه من قضاة المسلمين، ولو كان لمعين فشهد الشاهدان عند غيره قبل شهادتهما وأمضاه، وقد صرح به " الحاوي " فقال [ص 679]: (ويشهد عند كلٍّ وإن لم يعمِّم) ويدل عليه. قول " التنبيه " بعد ذلك [ص 256]: (أنه لو مات المكتوب إليه أو عزل أو ولي غيره .. حمل الكتاب إليه، وعمل به). 6026 - قول " المنهاج " [ص 563]: (فينهي سماع بينة ليحكم بها ثم يستوفي) فيه نقص؛ فقد لا يكون هناك بينة كاملة، بل شاهد ويمين، وفي هذه الصورة لا بد من ثبوت عدالة الشاهد؛ لأنه لا يحلف المدعي إلا بعد تعديله، وقد يكتب بعلم نفسه كما ذكره السرخسي. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إنه الأصح المعتمد خلافًا لما في " العدة "، وقد تناول ذلك كله قول " التنبيه " [ص 256]: (وإن ثبت عنده). 6527 - قوله: (ثم يقول لهما: " اشهدا عليّ أني كتبت إلى فلان بن فلان بما سمعتما) (¬1) يفهم أنه لو قال بعد القراءة: (هذا كتابي إلى فلان) ولم يسترعهما .. لم يكف (¬2)، وكذا يفهمه قول " المنهاج " [ص 563]: (والإنهاء: أن يشهد عدلين بذلك) و" الحاوي " [ص 678]: (وأشهد رجلين بتفصيله) وقد حكى ذلك في " الكفاية " وجهًا بناء على منع الشهادة على المقر من غير استرعاء، والذي حكاه الرافعي عن " الشامل " أنه يكفي (¬3)، وحكاه في " الكفاية " عن القاضي أبي الطيب. 6028 - قول " المنهاج " [ص 563]: (ويستحب كتاب به يذكر فيه ما يتميز به المحكوم عليه) كان ينبغي أن يقول: (والمحكوم له) كما فعل " الحاوي " (¬4)، ولو عبرا بالغائب وصاحب الحق .. لكان أولى؛ ليتناول الثبوت المجرد عن الحكم. 6029 - قول " المنهاج " [ص 563]: (ويشهدان عليه إن أنكر) كلام غير مستقيم؛ لأن ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 256). (¬2) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 226). (¬3) انظر " فتح العزيز " (12/ 516). (¬4) الحاوي (ص 678).

الشاهدين لا يشهدان على الخصم المنكر، وإنما يشهدان بما جرى عند القاضي من الثبوت أو الحكم، فإن قيل: فقد يكون القاضي شخصه لهما. قلت: فتخرج المسألة عن هذا الباب؛ لأنه ليس حينئذ حكما على غائب، ولم يرد " المنهاج " هذه الصورة؛ فإنه قال عقبه: (فإن قال: " لست المسمى في الكتاب " .. صدق بيمينه) (¬1). 6035 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (وعلى المدعي بينة بأن هذا المكتوب اسمه ونسبه، فإن أقامها فقال: " لست المحكوم عليه " .. لزمه الحكم إن لم يكن هناك مشارك له في الاسم والصفات) (¬2) فيه أمران: أحدهما: محل عدم اللزوم إذا كان له مشارك في الاسم والصفات: ما إذا كان ذلك المشارك حيًا أو ميتًا بعد صدور ما جرى في الكتاب أو قبله وعاصره الحي على الأصح في هذه، فأما إذا لم يعاصره .. فلا إشكال كما جزم به في " أصل الروضة " (¬3). قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وعندي أنه لا اعتبار بعدم المعاصرة؛ لأن الدين قد يكون له على ذلك الميت وإن لم يعاصره من جهة معاملة مع مورثه أو غير ذلك مما يمكن، وإنما المدار على أنه إن ظهر في أمر المدعى به ونحوه مما لا يمكن صدوره مع الميت .. فلا إشكال، وإلا .. وقع الإشكال. ثانيهما: قال شيخنا أيضًا: إلزامه الحكم مع إنكاره أنه المحكوم عليه بمجرد قيام البينة بأن هذا المكتوب اسمه ونسبه من معضلات الفقه، وجزم به الأصحاب، ونص عليه الشافعي رضي الله عنه لكنه قال قبل ذلك: (وإن أنكر .. لم يؤخذ به حتى تقوم بينة أنه هو المكتوب عليه بهذا الكتاب) (¬4)، وهو يخالف ما تقدم، قال شيخنا: وعندي أن النصين منزلان على حالين، فمحل كلامه الأول: إذا كان هناك نوع من الالتباس، والثاني: عند عدم الالتباس. 6031 - قول " المنهاج " [ص 563]: (وإلا .. بعث إلى الكاتب ليطلب من الشهود زيادة صفة تميزه ويكتبها ثانيًا) يقتضي الاقتصار على كتابة الصفة المميزة من غير حكم. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو ممنوع، بل لا بد عندنا من حكم مستأنف على الموصوف بالصفة الزائدة المميزة له، ولا يحتاج إلى تحديد دعوى، ولا حلف، وإنما ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 563). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 256)، و" الحاوي " (ص 678)، و " المنهاج " (ص 563). (¬3) الروضة (11/ 182). (¬4) انظر " الأم " (6/ 212).

يحتاج إلى حكم على ما قررناه، ولم أر من تعرض لذلك. 6032 - قول " التنبيه " [ص 256]: (وإن مات القاضي الكاتب أو عزل .. حمل الكتاب إليه، وعمل بما فيه) و" الحاوي " [ص 679]: (أو مات) محله: ما إذا لم يكن المكتوب إليه نائبًا عن الكاتب، فإن كان نائبًا عنه وفرعنا على انعزاله بعزله .. لم يعمل به، وهو الأصح، إلا أن يأذن له الإمام في الاستخلاف ويقول له: استخلف عني، ولا يخفى أن الجنون والعمى والخرس كالموت. 6033 - قول " التنبيه " [ص 256]: (وإن فسق الكاتب؛ فإن كان فيما ثبت عنده ولم يحكم به .. بطل كتابه) محله كما قال في " الكفاية ": ما إذا كان فسقه قبل عمل المكتوب إليه بما في الكتاب، فإن كان بعده .. لم ينقض، صرح به الماوردي والبندنيجي وابن الصباغ وغيرهم (¬1). 6034 - قوله: (فإن حكم عليه فقال: " اكتب إلى الكاتب أنك حكمت عليّ حتى لا يدعى ذلك مرة أخرى " .. فقد قيل: يلزمه، وقيل: لا يلزمه) (¬2) الأصح: الثاني. 6035 - قوله: (إلا إذا ادعى عليه ذلك مرة أخرى) (¬3) قال في " الكفاية ": هذه الزيادة لم أرها لغير الشيخ، والفقه يقتضيها. 6036 - قول " المنهاج " [ص 563]: (ولو حضر قاضي بلد الغائب ببلد الحاكم فشافهه بحكمه .. ففي إمضائه إذا عاد إلى ولايته خلاف القضاء بالعلم) أي: إن قلنا به .. جاز هذا، وعليه مشى " الحاوي " (¬4)، وإن قلنا: لا يجوز .. امتنع. قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهذا هو الموجود في التصانيف، وفي " الروضة " تبعا "للشرح " إثبات وجهين في جواز ذلك هنا تفريعًا على منع القضاء بالعلم (¬5)، وتبعًا فيه " الوسيط " (¬6)، وهو غير ممكن، وفي " المطلب ": أنه لا يكاد يوجد في كلام غير " الوسيط "، ثم قرره بأن علة منع القضاء بالعلم التهمة، وإذا كان القاضي منفذًا لحكم غيره .. انتفت التهمة؛ إذ يمكنه أن يقول عند السؤال عن السبب: حكم به قاض من قضاة المسلمين، ولا يشترط تعيينه، ولا إظهار الإشهاد عليه به، كما أنه يحكم بالبينة اتفاقًا، ولا يلزمه أن يذكر السبب، ثم قال: وأيضًا: فالمحكوم به هنا بالعلم الاستيفاء، والاستيفاء لا يعتبر فيه ما يعتبر في الحكم؛ ألا ترى أنه ¬

_ (¬1) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 232). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 256). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 256، 257). (¬4) الحاوي (ص 678). (¬5) فتح العزيز (12/ 521)، الروضة (11/ 183، 184). (¬6) الوسيط (7/ 326).

يجوز أن يفوض إلى الوالي في محل الولاية وإن لم يصلح للقضاء، قال شيخنا: وما ذكره صاحب " المطلب " من التقرير مردود؛ لأن اتصال ذلك الحكم به إذا كان من جهة علمه .. فلا يمكن أن يقال بجواز القضاء به مع منع القضاء بالعلم، قال: والجواب الثاني مردود؛ فإن الوالي المستوفي الذي لا يصلح للقضاء يجوز للقاضي على ما قضى به، فالصادر منه مجرد استيفاء بمقتضى شوكته، وليس قضاء، بخلاف القاضي الذي يحكم بما صدر من القاضي. وفي " المهمات ": هذا الخلاف لا وجه له، ولا نعلم أيضًا من حكاه، بل الذي وقفنا عليه في كتبهم الجزم بالمنع، وعبارة " الوسيط ": وإن لم نجوز القضاء بالعلم .. فقد أطلق بعض الأصحاب جوازه، وقال الإمام: لا يجوز (¬1)، ومراده بذلك: أن بعض الأصحاب أطلق جوازه من غير تقييد بجواز القضاء بالعلم، والإمام نزل هذا المطلق على ما إذا جوزنا القضاء بالعلم؛ ويؤيده أن أصول " الوسيط " وهي " تعليقة القاضي حسين " و" النهاية " و" البسيط " ذكروه كذلك، ولم يحك أحد منهم خلافا. انتهى. على أن شيخنا في " تصحيح المنهاج " أنكر هذا التخريج من أصله، وقال: إنه ليس بمعتمد وإن جزموا به؛ فإن القاضي في غير محل ولايته كالمعزول، وإذا سمع المعزول أو من لم يل الحكم من حاكم: أني حكمت بكذا .. فهو شاهد على الحاكم، وذاك لا يحصل به العلم المجوز للقضاء، وإنما يسوغ له أن يشهد على حكم الحاكم، وفي " الروضة " تبعًا " للشرح " قبيل القضاء على الغائب: أنه لو سأل القاضي عن الشهود في غير محل ولايته، فعدلوا، ثم عاد إلى محل ولايته .. قال ابن القاص: له الحكم بشهادتهم إن جوزنا القضاء بالعلم، وخالفه أبو عاصم وآخرون، وقالوا: القياس منعه كما لو سمع البينة خارج ولايته (¬2). 6037 - قول " المنهاج " [ص 563]: (ولو ناداه في طرفي ولايتهما .. أمضاه) أي: يتخرج على القضاء بالعلم. قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهذا عندنا ممنوع، بل هذا أولى بتخريجه على القضاء بالعلم؛ لأنه لم تكمل فيه ولاية كل منهما في الموضعين؛ فالمتكلم ليس حاكمًا في موضع ولاية السامع وسامعه ليس حاكمًا في محل ولاية المتكلم؛ فالحاصل للحاكم السامع مجرد علم، قال: ولنا أن نمنع التخريج في هذه أيضًا؛ لأن المستند لم يسمعه ممن هو في محل ولايته، فأشبه ما لو شهد الشهود وهم في غير ولايته وهو في طرف ولايته سامع لما شهدوا به. 6038 - قول " الحاوي " [ص 679]: (ولسماع شهادةٍ ذَكَرَ الشهود والتعديل) يقتضي أنه ¬

_ (¬1) الوسيط (7/ 326)، وانظر " نهاية المطلب " (18/ 509). (¬2) فتح العزيز (12/ 510)، الروضة (11/ 174).

لا يكفي الاقتصار على ذكر عدالتهم من غير تسميتهم، وبه قال الإمام والغزالي (¬1)، قال الرافعي: والقياس: التجويز؛ كما أنه إذا حكم .. استغنى عن تسمية الشهود، قال: وهذا هو المفهوم من إيراد صاحب " التهذيب " وغيره (¬2)، وفي " المحرر ": إنه الأشبه (¬3)، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 564]: (ويسميها إن لم يعدلها، وإلا .. فالأصح: جواز ترك التسمية). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الأصح: منع ترك التسمية؛ فقد نقله الإمام عن إجماع الأصحاب، وهو مقتضى نص " الأم " حيث قال: (كتاب القاضي كتابان: أحدهما: كتاب يئبت، فهذا يستأنف المكتوب إليه به الحكم) (¬4) ومقتضى استئناف الحكم: النظر في أمر الشهود؛ ليجري الحال فيهم على عقيدته. وفي " المهمات " عن " البحر ": أن التجويز ضعيف، قال في " أصل الروضة ": وهل يأخذ المكتوب إليه بتعديل الكاتب أم له البحث وإعادة التعديل؟ لفظ الغزالي يقتضي الثاني، والقياس: الأول، قال النووي: هذا الذي جعله القياس هو الصواب (¬5). وظاهر كلامه أن ذلك يتعلق بالمسألتين معًا، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": مقتضى نص " الأم " في أن المكتوب إليه يستأنف الحكم، وما نقله الإمام عن إجماع الأصحاب يقتضي أنه ليس على المكتوب إليه بالتثبيت الأخذ بتعديل القاضي الكاتب، وهو المعتمد؛ لأنه قد يكون للمكتوب إليه رأي في الشهود يخالف رأي الكاتب، والكاتب لم يحكم؛ فلا ينسد على المكتوب إليه النظر في تخريجهم وتمكين الخصم من ذلك. 6039 - قول " التنبيه " [ص 256]: (وإن ثبت عنده ولم يحكم، فسأله المدعي أن يكتب إلى قاضي البلد الذي فيه الخصم بما ثبت عنده ليحكم عليه .. نظر: فإن كان بينهما مسافة لا تقصر فيها الصلاة .. لم يكتب) الأصح: أنه يكتب إذا كانت فوق مسافة العدوى وإن لم يبلغ مسافة القصر، وعليه مشى " الحاوي " فقال [ص 679]: (وقُبل فوق العدوى) و" المنهاج " فقال [ص 564]: (وبسماع البينة لا يقبل على الصحيح إلا في مسافة قبول شهادة على شهادة) وقد رجح في قبول الشهادة على الشهادة اعتبار مسافة العدوى. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": محل الخلاف: ما إذا سمع البينة وأثبت ما قامت به، فأما لو سمع البينة ولم يثبت ما قامت به .. فلا يقبل إلا في مسافة تقبل فيها شهادة على شهادة بلا ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (18/ 506)، و " الوسيط " (7/ 325). (¬2) فتح العزيز (12/ 523، 524). (¬3) المحرر (ص 491). (¬4) الأم (6/ 212). (¬5) الروضة (11/ 186).

فصل [في بيان الدعوى بعين غائبة]

خلاف، وفي " المطلب " ما يخالف هذا فقال: الخلاف في أن ذلك نقل أو حكم بقيام البينة جاز فيما لو كتب بالسماع دون التعديل، ولا يكاد يعقل عندنا إسناد حكم إلى من لم تثبت عدالته؛ فدل على أن المراد بكونه حكمًا: الحكم بأن البينة تلفظت بالشهادة التلفظ المعتبر بعد تقدم شروط ذلك من الدعوى المحررة، والإنكار، وطلب الشهادة ونحو ذلك، وهذا يقتضي إثبات الخلاف في اعتبار المسافة حينئذ؛ كما لو سمع البينة وأثبت، لكن قال شيخنا: هذا الذي في " المطلب " خطأ لم يقل به أحد من الأصحاب، قال شيخنا: وقول " المنهاج ": (على الصحيح) يقتضي أن الخلاف وجهان، وليس كذلك، بل ما قال إنه الصحيح بالقيد الذي قدمناه نص عليه في " الأم " فقال في آخر ترجمة كتاب القاضي إلى القاضي: (وإذا كان بلد به قاضيان كبغداد، فكتب أحدهما إلى الآخر بما قامت عنده من البينة .. لم ينبغ له أن يقبلها حتى تعاد عليه، إنما يقبل في البلد الثانية التي لا يكلف أهلها إتيانه) (¬1). فصلٌ [في بيان الدعوى بعين غائبة] 6040 - قول " المنهاج " [ص 564]: (ادعى عينًا غائبة عن البلد يؤمن اشتباهها كعقارٍ وعبدٍ وفرسٍ معروفاتٍ .. سمع بينته وحكم بها) قال شيخنا ابن النقيب: في " المحرر " و" الروضة ": (معروفين)، وهو أحسن تغليبًا للعاقل (¬2). وذكر شيخنا الإمام البلقيني: أن الذي في " المحرر " و" الروضة ": (معروفين) بالتثنية، قال: فلم يعتبر المعرفة إلا في العبد والفرس، وهو الذي يوجد للأصحاب، وعبارة " المنهاج تقتضي اعتبار كون العقار معروفًا، وليس كذلك. قلت: ويوافق ذلك قول " الحاوي " [ص 679]: (وفي غائب يُعْرَفَ أو يُعَرَّف بالحد) فلم يطلق المعرفة إلا في غير العقار، وقيدها فيه بالحد، وقد يقال: أراد ثانيًا: العقار الذي لا يعرف إلا بالحد، ودخل في عبارته أولًا: العقار الغائب الذي يعرف بدون حد. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": استثناء المعروف من ذلك ذكره ابن سريج من تخريجه، وجعله الماوردي وجهًا، وفي " تعليق البندنيجي " و " الشامل " ومن وافقهما من العراقيين القطع به، وكلام الشافعي مطلق، وتقييد ابن سريج له قوة، والأخذ بإطلاق الشافعي أحوط. 6041 - قول " المنهاج " [ص 564]: (ويعتمد في العقار حدوده) أي: الأربعة، وهو مراد ¬

_ (¬1) الأم (6/ 212). (¬2) السراج على نكت المنهاج (8/ 228)، وانظر " المحرر " (ص 491)، و" الروضة " (11/ 188).

" الحاوي " بالحد (¬1)، فأتى باسم الجنس المعرف؛ ليتناول كل حد، ولا يجوز الاقتصار على ثلاثة، كذا جزم به في " الشرح الصغير " و" الروضة " هنا (¬2)، وحكاه في " الكبير " عن ابن القاص (¬3)، ونقل في آخر الأقضية عن " فتاوى القفال " وغيره: الاكتفاء بالثلاثة إن عرفت بها، ويعتمد في العقار أيضًا ذكر البقعة والسكة، قاله في " أصل الروضة " (¬4). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": لا بد أن يستقصي فيه الصفات المحصلة للعلم به عند عدم مشاهدته؛ فيذكر في الدار البلد والمحلة والسكة، وهل هي أولها أو وسطها أو آخرها، يمنة أو يسرة أو في الصدر، ويذكر في الجدار من الدار إذا كان هو المستحق فقط سمته وطوله وعرضه، وأنه على يمين الداخل أو يساره، وحدود الدار التي فيها بعد ذكر البلد والمحلة ونحو ذلك، وإن كان المدعى به أشجارًا في بستان .. ذكر حدود البستان، وعدة الأشجار، ومحلها من البستان، وما تتميز به عن غيرها، والدار على التمييز. انتهى. 6042 - قول " التنبيه " [ص 261]: (وإن كان عينًا يمكن تعيينها كالدار والعين الحاضرة عنها) قال في " الكفاية ": قد يتوهم أن المراد بتعيين الدار: أن يحضر الحاكم عند الدعوى، وليس كذلك، بل المراد: أن يبالغ في وصفها. 6043 - قوله: (وإن لم يمكن تعيينها .. ذكر صفاتها) (¬5) أي: المعتبرة في السلم، كذا في " أصل الروضة " هنا (¬6)، وفي " الكفاية " عن الماوردي والإمام: أنه يجب في المتقوم استقصاء الأوصاف (¬7). 6044 - قوله: (وإن ذكر القيمة .. فهو آكد) (¬8) و" المنهاج " [ص 564]: (ويبالغ المدعي في الوصف ويذكر القيمة) اضطرب فيه كلام الرافعي والنووي، فصححا في الدعاوى: أنه لا يشترط ذكر القيمة، بل يكفي ذكر صفات السلم، وظاهر كلامهما وتمثيلهما استواء المثلي والمتقوم؛ فإنهما مثلا بالحبوب والحيوان (¬9)، وقالا هنا في العين الغائبة عن البلد: أنه بعد ذكر الجنس والنوع ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 679). (¬2) الروضة (11/ 188). (¬3) فتح العزيز (12/ 527). (¬4) الروضة (11/ 188). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 261). (¬6) الروضة (11/ 189). (¬7) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 306)، و " نهاية المطلب " (18/ 522). (¬8) انظر " التنبيه " (ص 261). (¬9) انظر " فتح العزيز " (13/ 156)، و" الروضة " (12/ 8).

هل يجب ذكر صفات السلم أو القيمة ويكفي عن ذكر الصفات؛ قولان، وصححوا أن الركن في المثلي الصفات، والقيمة ندب، وفي المتقوم بالعكس (¬1). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": هذا التفصيل لا نرتضيه، والمعتمد عندنا أنه لا حاجة إلى ذكر القيمة كما هو المصحح في الدعاوى، قال: وهذا الكلام في غير النقد، فأما النقد .. فإنه يعتبر فيه ذكر الجنس والنوع والقدر، وكونه صحاحًا أو مكسرًا. 6045 - قول " الحاوي " [ص 679]: (ويسمع البينة في متميزٍ بعلامةٍ) تبع فيه الإمام والغزالي؛ حيث فصلا فيما يسمع فيه البينة بين ما يتميز وغيره كالكرباس (¬2)، والأصح: السماع مطلقًا؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 564]: (أو لا يؤمن .. فالأظهر: سماع البينة، وأنه لا يحكم بها) وفيه أمران: أحدهما: قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": القول بسماع البينة والتثبيت دون الحكم ضعيف، لم أجد ترجيحه لأحد، والمذهب المعتمد: أنه لا يحكم ولا تسمع البينة. ثانيهما: قال شيخنا أيضًا: يتقيد عندي محل الخلاف بقيدين: أحدهما: أن محله: ما إذا لم يعلم القاضي العين التي شهد بها الشهود، فإن علم؛ بأن كانت العين الغائبة مما هو تحت نظره من ضالة أو من مال محجوره .. فيحكم بالبينة، ولا يتخرج على جواز القضاء بالعلم؛ لأن البينة قائمة دافعة للتهمة. القيد الثاني: أن تشهد بملك العين من غير شهادة على إقرار المستولي عليها، فإن شهدت على إقراره بذلك .. حكم جزمًا، فإن أنكر عند المكتوب إليه اشتمال يده على عين بتلك الصفة .. لم يسمع منه، بل لا بد من تسليم العين أو غرم بدلها. 6046 - قول " المنهاج " [ص 564]- والعبارة له - و" الحاوي " [ص 679]: (بل يكتب إلى قاضي بلد المال بما شهدت به، فيأخذه ويبعثه إلى الكاتب ليشهدوا على عينه، والأظهر: أنه يسلمه إلى المدعي بكفيل ببدنه) فيه أمور: أحدها: فرع هذا الكلام في " المحرر " على قولنا: إنه لا يحكم (¬3)، والذي في " الروضة ": أنه يكتب بما جرى عنده من مجرد قيام البينة أو مع الحكم إن جوزناه (¬4). ثانيها: محل بعثه: ما إذا لم يبد الخصم دافعًا، فإن أبداه؛ بأن أظهر هناك عينًا أخرى بالاسم ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (12/ 527، 528)، و" الروضة " (11/ 189). (¬2) انظر " نهاية المطلب " (18/ 525)، و" الوجيز " (2/ 243). (¬3) المحرر (ص 491). (¬4) الروضة (11/ 189).

والصفات المذكورة بيده أو بيد غيره .. صار القضاء مبهمًا، ولا مطالبة في الحال كما سبق في المحكوم عليه. ثالثها: لا يخفى أن هذا تفريع على أنه لا يحكم، أما إذا حكم وجوزناه .. حلف المدعي أن هذا المال هو الذي شهد به شهوده عند القاضي فلان، وسلم إليه، قاله ابن القاص. رابعها: محل هذا: في غير الجارية، أما الجارية .. فقيل: كالعبد، وقيل: لا يبعث أصلًا، وقيل: يسلم إلى أمين في الرفقة لا إلى المدعي، قال الرافعي: وهذا حسن (¬1)، وقال النووي: هذا الثالث هو الصحيح أو الصواب (¬2). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الذي ذكره ابن أبي ليلى: أنها تسلم للمدعي، ويضم إليه أمين ثقة محتاط به، وهذا هو الأرجح على هذا القول الضعيف. خامسها: قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إن هذا ليس مذهب الشافعي، وإنما هو مذهب ابن أبي ليلى وقد حكاه الشافعي عن بعض الحكام، ورده، وقال: هذا استحسان، وحكم بأن القياس: أن لا يحكم حتى يشهد الشهود على العين، فكيف يتخرج في مذهبه وقد أبطله، وأعجب من ذلك أن يجعل مذهبه المعتمد في الفتوى. 6047 - قول " المنهاج " [ص 564]: (فإن شهدوا بعينه .. كتب ببراءة الكفيل، وإلا .. فعلى المدعي مؤنة الرد) كذا يجب عليه مؤنة الإحضار أيضًا، وقد صرح بذلك في " أصل الروضة " (¬3)، وتناوله قول " الحاوي " [ص 680]: (وإن أحضره .. غرم مؤنته إن لم يثبت)، وقد ذكره " المنهاج " في آخر الفصل في العين الغائبة في البلد (¬4)، ثم قال العراقيون والبغوي وغيرهم: يلزمه مع مؤنه النقل أجرة المثل للمدة التي نقل فيها إلى بلد الكاتب، ولم يتعرضوا لذلك في مدة تعطيل المنفعة إذا أحضره المدعى عليه وهو في البلد؛ فاقتضى سكوتهم المسامحة، وبها صرح الغزالي، والفرق زيادة الضرر هناك، كذا في " أصل الروضة " (¬5)، وهو يوهم أن الغزالي فصل بين إحضاره من البلد وغيره، وليس كذلك، بل أطلق أن الأجرة لا تجب، فقال الرافعي: ينبغي أن يحمل على الغائب عن المجلس دون البلد؛ حتى يوافق كلام الأصحاب (¬6). 6048 - قول " الحاوي " [ص 679، 680]: (وطولب بإحضار ما ثم إن سَهُلَ) أحسن من قول ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (12/ 528، 529). (¬2) انظر " الروضة " (11/ 190). (¬3) الروضة (11/ 193). (¬4) المنهاج (ص 565). (¬5) الروضة (11/ 193). (¬6) انظر " فتح العزيز " (12/ 533).

" المنهاج " [ص 564]: (أو غائبة عن المجلس لا البلد .. أُمر بإحضار ما يمكن إحضاره) لأن الشيء قد يكون ممكن الإحضار لكن فيه عسر، فلا يكلف إحضاره، وذلك كشيء ثقيل أو ثبت في الأرض أو جدار وضر قلعه .. فيبعث القاضي من يسمع البينة على عينه أو يحضر هو بنفسه. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": هذا إذا كان الذي يمكن إحضاره يعرفه المدعي والشهود، ويشخصه المدعي، فإن كانت الدعوى في ثياب مشتبهة؛ كالنصافي والبعلبكي وغير ذلك مما لا يعرفه المدعي .. فلا يؤمر المدعى عليه بإحضاره؛ لأن المدعي لم يشخص شيئًا والمدعى عليه منكر، وقد قال الغزالي في الكرباس نحو ذلك، فقال: إذ المنكر لا يلزمه إحضاره الكرباس؛ لأنه يتماثل وإن أحضر (¬1). وفي " المطلب ": أن كلام الغزالي يفهم أن الكرباس لو كان حاضرًا بمجلس الحكم .. لم تسمع البينة على عينه؛ لما يطرقه من الاشتباه، وهذا لا يكاد يسمح به؛ ولذلك قال الرافعي: ولا شك في بعد هذا الكلام (¬2). قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إنما كلام الغزالي في العين الغائبة؛ فإن التماثل فيها قائم وإن أحضرت الغائبة؛ لأن التي أحضرت لم تقع الدعوى بها مشخصة؛ فالتماثل حاصل وإن حصل الإحضار بعد الغيبة، بخلاف الحاضرة في ابتداء الأمر المشخصة في الدعوى إذا شهد الشهود على عينها .. لا يتأتى فيها التباس (¬3). 6049 - قول " المنهاج " [ص 564]: (ولا تسمع شهادة بصفة) أي: هنا، واستثنى منه شيخنا في " تصحيح المنهاج " موضعين: أحدهما: أن يعرفه القاضي بدون إحضاره كما ذكره الإمام والغزالي (¬4). قال الرافعي: وهو واضح إن كان معروفًا عند الناس أيضًا، وإن اختص هو بمعرفته وعلم صدق المدعي .. فكذلك تفريعًا على القضاء بالعلم، وإلا .. فالبينة قامت بالصفة، فإذا لم تسمع بالصفة .. امتنع الحكم (¬5). وأجاب عنه في " المطلب ": بأن البينة قد تشير إليه في الغيبة وإن لم يكن مشهورًا؛ بأن علمت أن القاضي رآه في وقت مخصوص رؤية يتميز بها عنده عن غيره، فشهدت على العبد الذي رآه ذلك الوقت، قال: وأيضًا فقد يقال: الممنوع الشهادة على الوصف بحيث لا يحصل للقاضي به معرفة ¬

_ (¬1) انظر " الوسيط " (7/ 330). (¬2) انظر " فتح العزيز " (12/ 531). (¬3) انظر " حاشية الرملي " (4/ 323، 324). (¬4) انظر " نهاية المطلب " (18/ 529، 530)، و " الوجيز " (2/ 244). (¬5) انظر " فتح العزيز " (12/ 531).

الموصوف بعينه، لا ما إذا كان الوصف محصلًا لذلك الموضع. الثاني: إذا شهدت البينة بإقرار المدعى عليه باستيلائه على كذا، ووصفه الشهود .. سمعت، قال شيخنا: وقد سبق نظير ذلك في القيدين الذين قيدناهما محل الخلاف السابق في العين الغائبة عن البلد. 6050 - قوله: (وإذا وجب إحضارٌ فقال: " ليس بيدي عين بهذه الصفة " .. صدق بيمينه، ثم للمدعي دعوى القيمة) (¬1) لا بد من حمله على ما إذا كان المدعى به متقومًا، فإن كان مثليًا .. فالواجب المثل؛ فهو الذي يدعي به. 6051 - قوله - والعبارة له - و" الحاوي ": (فإن نكل فحلف المدعي أو أقام بينة .. كلِّف الإحضار وحُبس، ولا يطلق إلا بإحضار أو دعوى تلفٍ) (¬2) فيه أمران: أحدهما: ما هذه البينة مع قوله: (ولا تسمع بينة بصفة)؟ ! صرح الغزالي بأن المراد: بينة على أن في يده مثله (¬3)، ويحتمل أن المراد: الشهادة على إقراره أو بما يعرفه القاضي من عين تشخصت له في وقت كما تقدم (¬4) ثانيهما: قوله: (أو دعوى تلف) أي: فتؤخذ منه القيمة، قاله في " أصل الروضة " (¬5). قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ليس لأخذ القيمة وجه إلا إذا قامت البينة بما يقتضي استحقاق العين المدعى بها. 6052 - قولهما أيضًا: (ولو شك المدعي هل تلفت العين فيدعي قيمة أم لا فيدعيها، فقال: " غصب مني كذا "، فإن بقي لزمه رده، وإلا فقيمته؟ ) (¬6) لا يخفى أنه فيما إذا كان متقومًا، فإن كان مثليًا .. فيطالب بمثله، وشاحح شيخنا في " تصحيح المنهاج " في قوله: (لزمه رده)، وقال: سبيل الدعوى أن يقول: فأطالبه برده، قال: وهذا إنما يقوله حيث يلزم الغاصب رد العين المغصوبة، فأما إذا لم يلزمه ردها في بلد الدعوى .. فلا يطالب إلا بالقيمة؛ للحيلولة كما تقرر في الغصب. 6053 - قول " المنهاج " [ص 565]: (وقيل: لا، بل يدعيها ويُحلِّفه ثم يدعي القيمة) فيه أمران: ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (12/ 531). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 564). (¬3) انظر " الحاوي " (ص 680)، و" المنهاج " (ص 564). (¬4) انظر " حاشية الرملي " (4/ 324). (¬5) الروضة (11/ 192). (¬6) انظر " الحاوي " (ص 680)، و " المنهاج " (ص 564، 565).

فصل [في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه]

أحدهما: هذا الوجه الضعيف حكاه الإمام عن القيَّاسين، واقتضى كلامه وكلام الغزالي ترجيحه (¬1). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إنه الأرجح، قال: وحكاية الخوارزمي عن أكثر الأصحاب ما يقتضي مقابله أخذه من قول البغوي: إن الحكام عليه. ثانيهما: استبعد شيخنا المذكور حكاية هذا الوجه هكذا؛ لأن الجزم بالدعوى الأولى يخالفه الجزم بالدعوى الثانية، وقال: الوجه على هذا صرف الدعوى إلى المالية كما ذكره الإمام والغزالي، وفي " المطلب ": إذا لم تسمع الدعوى مردودة .. كانت الدعوى بالقيمة، قال: وكلام " الوسيط " يفهم أنه لو ادعى أولًا بالعين وحلف المدعى عليه .. لم يكن له أن يدعي ثانيًا بالقيمة (¬2). 6054 - قوله: (ويجريان فيمن دفع ثوبه إلى دلال ليبيعه فجحده وشك هل باعه فيطلب الثمن، أم أتلفه فقيمته، أم هو باق فيطلبه؟ ) (¬3) قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": قد يكون باعه وتلف الثمن أو الثوب في يده تلفًا لا يقتضى تضمينه، وقد يكون باعه ولم يسلمه ولم يقبض الثمن، والدعوى المذكورة ليست جامعة لذلك، والقاضي إنما يسمع الدعوى المردودة حيث اقتضت الإلزام على كل وجه، فلو أتى ببقية الاحتمالات .. لم يسمعها الحاكم؛ لأن فيها ما لا إلزام فيه، قال: ولم أر من تعرض لذلك (¬4). فصلٌ [في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه] 6055 - قول " التنبيه " [ص 256]: (وإن ادعى على غائب) يقتضي الاكتفاء بمطلق الغيبة، لكن في " المنهاج " [ص 565]: (الغائب الذي تسمع البينة ويحكم عليه: من بمسافة بعيدة، وهي التي لا يرجع منها مبكر إلى موضعه ليلًا، وقيل: مسافة قصر)، وفي " الحاوي " [ص 677]: (وعلى غائب فوق العدوى)، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": اعتبار البعد على اختلاف الوجهين ليس في نصوص الشافعي رضي الله عنه ما يشهد له، ولم يذكره أحد من العراقيين ولا جماعة من الخراسانيين، وإطلاق نصوص الشافعي وصريح كلام جمهور أصحابه مخالف لذلك، ثم بسط ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (18/ 532)، و " الوجيز " (2/ 244). (¬2) الوسيط (7/ 330). (¬3) انظر " المنهاج " (ص 565). (¬4) انظر " حاشية الرملي " (4/ 324).

ذلك، وتعجب من إهمال الرافعي طريقة العراقيين، وهي في كتبهم، حتى " التنبيه "، ثم قال: والصواب جواز القضاء على الغائب عن بلد القضاء مطلقًا، وليس في الأدلة الشرعية ما يقتضي اعتبار بعد الغيبة، وما يذكر في التزويج بغيبة الولي والشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي فلا يعتمد القياس عليه؛ لأمور، ثم قال: وخرج من ذلك انفراد البغوي بهذا، ولم أقف على تعليق القاضي حسين في ذلك، ثم ذكر أن تعبير " المنهاج في غير مستقيم؛ لأن قوله: (منها) يعود على المسافة البعيدة، والمسافة البعيدة ليست التي لا يرجع منها، بل التي لا يصل إليها ليلًا من خرج بكرة من موضعه إلى بلد الحكم، فلو قال: (التي لو خرج منها بكرة إلى بلد الحاكم .. لا يرجع إليها ليلًا لو عاد في يومه) .. لكان محصلًا للمقصود. قلت: لو قال " المنهاج ": (مبكر منها) .. لاستقام، وهو مراده. قال شيخنا: وقوله: (ليلًا) يريد به: أوائل الليل، وهو القدر الذي ينتهي به سفر الناس غالبا، ثم قال: لم يثبتوا مقدار الإقامة في المحاكمة، وعندي أنه إذا خرج من بلده بكرة واشتغل بالمحاكمة على العادة بحيث لا يتمكن من العود ليلًا على ما فسرناه .. فهو بمسافة بعيدة عند من اعتبر البعد في الغيبة؛ لأن الفور من غير نظر إلى زمن المحاكمة على العادة يؤدي إلى الضرر الذي راعوه، قال: ولم أر من تعرض لذلك (¬1). 6056 - قول " المنهاج " [ص 565]: (والأظهر: جواز القضاء على غائبٍ في قصاصٍ وحد قذفٍ) عبر في " الروضة " بالمشهور (¬2)، وبينهما في اصطلاحه تناف. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": من له إسقاط حد القذف باللعان لا يجوز القضاء عليه به في غيبته؛ لتمكنه من إسقاطه، والقاضي إنما يقضي بالأمر اللازم، وهذا ليس بلازم، ولم أر من تعرض لذلك. 6057 - قوله: (ولو سمع بينة على غائب فقدم قبل الحكم .. لم يستعدها، بل يخبره ويمكنه من " الجرح ") (¬3) (¬4) قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ليس فيه التصريح بالمقصود، وهو توقف الحكم على إخباره بالشهادة، وفي " المطلب ": أن حكمه يتوقف على إعلامه بالشهادة، وعندي فيما قاله في " المطلب " نزاع؛ فإن هذا من صور الأعذار، وهو غير شرط عندنا لصحة الحكم. قلت: ذاك في غير هذه الصورة؛ لوقوع الدعوى والبينة في وجه الخصم، فهو متمكن من ¬

_ (¬1) انظر " حاشية الرملي " (4/ 370). (¬2) الروضة (11/ 196). (¬3) في (ب)، (د): (جرح). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 565).

دفعها بالطريق الشرعي، وأما هنا .. فلا بد منه؛ لعدم العلم به، والله أعلم. وأورد شيخنا أيضًا على " المنهاج " أن محله: إذا لم يتحقق حضوره عند الدعوى، فإن تحققت .. وجبت الاستعادة، ولا يحتاج لذلك؛ فإنه متى تحقق حضوره عند الدعوى .. فليس من هذا الباب ولا عبرة بالظن البين خطاؤه، وقال شيخنا لما ذكر ذلك: لم أر من تعرض له، والدليل يقضيه. قلت: في " فتاوى البغوي ": أن القاضي إذا زوج من غاب وليها ثم قدم وليها بعد العقد بحيث يعلم أنه كان قريبًا من البلد عند العقد .. لم يصح النكاح، حكاه في " أصل الروضة "، وأقره (¬1)، وهو من مادة ذلك، والله أعلم. 6058 - قوله: (ولو عُزل بعد سماع بينة ثم وُلِّي .. وجبت الاستعادة) (¬2) قيده في " المطلب " بما إذا لم يشهد على نفسه بالسماع، فإن أشهد على نفسه بذلك وقلنا أنه حكم منه بالسماع .. فينبغي أن يعمل بموجبها من غير استعادة إذا قلنا: أن للقاضي أن يقضي بعلمه. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": هذا مفرع على أن ذلك حكم منه بالسماع، والأرجح خلافه، قال: ولو قيد صاحب " المطلب " ذلك بحالة عدم الحكم بقبول البينة .. لكان أليق؛ فإنه لو حكم بقبول البينة .. لم تجب الاستعادة وإن لم يحكم بالإلزام بالحق، وحكى في " المطلب " عن الماوردي ما يقتضيه. 6059 - قولهم: (وإذا استعدى على حاضر بالبلد .. أحضره) (¬3) استثنى منه السبكي بحثًا من وقعت الإجارة على عينه وكان يعطل حضوره مجلس الحكم حق المستأجر، ذكره في التفسير من " شرح المهذب "، وأخذه من فتوى الغزالي بعدم حبس من وقعت الإجارة على عينه، وقال: لا يعترض باتفاق الأصحاب على إحضار البرزة وإن كانت متزوجة وحبسها؛ لأن للإجارة أمدًا ينتظر، وقد تقدم ذلك، وقيده شيخنا في " تصحيح المنهاج بقيدين: أحدهما: أن لا يعلم القاضي كذبه، فإن علم كذبه .. لم يحضره، ولا يتخرج على خلاف القضاء بالعلم، بل هو قريب من القضاء على خلاف العلم. ثانيهما: أن يلزم الحاكم الحكم بينهما، فلو استعدى معاهدًا على معاهد .. لم يلزم الحاكم إحضاره كما لا يلزم الحكم، ثم حكى عن "المحرر " أنه قيده بأن يكون ظاهرًا؛ ليخرج المتواري (¬4)، قال: ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 70). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 565). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 256)، و" الحاوي " (ص 679)، و " المنهاج " (ص 565). (¬4) المحرر (ص 492).

وينبغي أن يقال: يمكن إحضاره كما في " أصل الروضة " ليخرج المتعزز (¬1)، ثم قال شيخنا: لو كان المستعدى عليه من ذوي الهيئات وأراد أن يوكل من يحضر عنه ويحاكم .. فلا توقف في أن الحاكم لا يلزمه الحضور؛ لما فيه من الضرر، وهو أكثر من ضرر المخدرة. 6060 - قول " المنهاج " [ص 565]: (بدفع ختم طينٍ رطبٍ) أنكره شيخنا في " تصحيح المنهاج " وقال: لا أصل له، ولم يذكره الشافعي. قلت: والأمر فيه قريب؛ فإن القصد علامة تدل على طلب القاضي حضوره، وقد قال بعده: (أو غيره) (¬2) ولذلك لم يزد " الحاوي " على إحضاره، ولم يذكر ما يحضر به (¬3). 6061 - قول " المنهاج " [ص 565]: (أو بمرتب لذلك) كذلك يقتضي التخيير بينهما، والذي في " تعليق الشيخ أبي حامد ": أنه يرسل الختم أولًا، فإن لم يحضر .. بعث إليه العون. قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وفيه مصلحة؛ لأن الطالب قد يتضرر بأخذ العون أجرته منه. 6062 - قوله: (فإن امتنع بلا عذر .. أحضره بأعوان السلطان وعزره) (¬4) أي: إذا اثبت عليه ذلك؛ ولهذا قال " التنبيه " [ص 256]: (فإن امتنع .. أشهد عليه شاهدين أنه امتنع، ثم يتقدم إلى صاحب الشرطة ليحضره). 6063 - قوله: (وإن ادعى على ظاهر في البلد غائب عن المجلس .. فقد قيل: يسمع البينة عليه ويحكم، وقيل: لا يسمع) (¬5) الأصح: الثاني، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " (¬6). 6064 - قول " التنبيه " [ص 256]: (وإن استعدى على غائب عن البلد) لا يخفى أن محل الإعداء عليه: إذا كان في محل ولايته، وبه صرح " المنهاج " (¬7). 6065 - قوله: (أو فيها وله هناك نائب .. لم يحضره، بل يسمع بينته ويكتب إليه) (¬8) أطلق سماع البينة، ومحله عنده: إذا كان فوق مسافة العدوى، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وما ذكره هنا جار على المعتمد. ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 191). (¬2) المنهاج (ص 565). (¬3) الحاوي (ص 679). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 565). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 256). (¬6) الحاوي (ص 677)، المنهاج (ص 565). (¬7) المنهاج (ص 565). (¬8) انظر " المنهاج " (ص 565).

6066 - قوله: (أو لا نائب .. فالأصح: يحضره من مسافة العدوى فقط) (¬1) و" الحاوي " [ص 677]: (ويحضره دونه إن لم يكن ثمَّ قاض) محل إحضاره: إذا لم يكن هناك من يتوسط بينهما بالصلح، وقد ذكره " التنبيه " فقال [ص 256]: (وإن استعدى على غائب عن البلد في موضع لا حاكم فيه .. كتب إلى رجل من أهل الستر ليتوسط بينهما)، وفي " شرحي التنبيه " لابن يونس وابن الرفعة: أنه يعتبر فيه الصلاحية للقضاء، والظاهر عدم اشتراطه؛ ولهذا لم يذكره في " الروضة " وأصلها، والمراد بأهل الستر الرؤساء وأصحاب المكارم؛ ولهذا قال: (ليتوسط) وما قال: (ليحكم). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وينبغي أن يقيد أيضًا بما إذا لم يكن للمدعي بينة يقيمها عند القاضي المطلوب منه إحضاره، فإن كان بحيث يمكن القضاء عليه وفصل القضية .. فلا يجيبه إلى الإحضار؛ إذ لا معنى له، وقد سبق في كلام الشيخ أبي حامد ما يقتضي ذلك الإحضار من مسافة العدوى فقط، صححه الإمام والغزالي (¬2)، والذي قطع به العراقيون: أنه يحضره قربت المسافة أو بعدت، وقال الماوردي: هو ما ذهب إليه الأكثرون، وهو ظاهر النص (¬3)، حكاه في " الكفاية "، ومقتضى كلام " الروضة " وأصلها ترجيحه؛ لنقله إياه عن العراقيين، ونقل الأول عن الإمام فقط (¬4)، لكنه أشار في " المحرر " و" الشرح الصغير " إلى ترجيح الأول (¬5)، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إنه مخالف للدليل؛ فإنا لو لم نحضره له .. لأدى إلى تعطيل حق الطالب، وإطلاق الآية في إجابة الداعي إلى الحكم دال على ذلك، ثم إن الإمام والغزالي لما صححاه .. قيداه بأن يقيم المدعي بينة على ما يدعيه، وحكاه في " أصل الروضة " عنهما وعن " العدة " لأنه قد لا يكون للطالب حجة .. فيتضرر المطلوب بالحضور ثم أورد على ذلك أنه قد لا يكون له حجة ويقصد تحليفه لعله ينزجر، قال: ولم يتعرض الجمهور لذلك، وإنما قالوا: يبحث القاضي عن جهة دعواه؛ فقد يريد مطالبته بما لا يعتقده كذمي أراد مطالبة مسلم بضمان خمر (¬6). وكذا قال في " التنبيه " [ص 256]: (لم يحضره حتى يحقق دعواه) قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": فالذي أطلقه " المنهاج " ليس جاريًا على طريقة الإمام ولا طريقة الجمهور. ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 565). (¬2) انظر " نهاية المطلب " (18/ 536)، و " الوجيز " (2/ 244). (¬3) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 304). (¬4) الروضة (11/ 195). (¬5) المحرر (ص 492). (¬6) الروضة (11/ 195، 156).

6067 - قول " المنهاج " [ص 565]: (وهي التي يرجع منها مبكر ليلًا) اعترضه في " المهمات ": بأن عبارته تتناول أول الليل ووسطه وآخره، وليس كذلك، بل الضابط أن يرجع قبل الليل، كذا ذكره الأصحاب، وكذا هو في " أصل الروضة " في النكاح في سوالب الولاية (¬1). قلت: وكذا هو في " أصل الروضة ": في أداء الشهادة (¬2)، وتقدم عن شيخنا الإمام البلقيني أنه قال: (ليلًا) يريد به: أوائل الليل، وهو القدر الذي ينتهي به سفر الناس غالبًا، وقال في موضع آخر من تصحيح " المنهاج ": إن طريقة المراوزة في ذلك مضطربة، وإن المعتمد فيها أن العدوى هي التي ترجع إلى أهله في يومه. 6068 - قوله عطفًا على ما عبَّر فيه بالأصح: (وأن المخدرة لا تُحضر) (¬3) ظاهره عدم إحضارها ولو لليمين، وبه صرح " التنبيه " فقال [ص 256]: (فإذا وجب عليها اليمين .. أنفذ إليها من يحلفها) لكن الأصح في " أصل الروضة " في الباب الثالث في اليمين: أنه يغلظ عليها بالمكان، وتكلف حضور الجامع في الأصح (¬4)، وقد يفهم ذلك قول " المحرر ": (لا تكلف حضورها مجلس الحكم) (¬5) لأن ذلك لا ينافي حضورها موضع التغليظ؛ لأنه ليس مجلس الحكم. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": هذا في غير اللعان، فأما إذا جاء الزوج وقذفها .. فإن القاضي يحضرها؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءه هلال بن أمية، وذكر له عن زوجته ما ذكر، ونزلت آية اللعان .. قال: " ادعوها " فدعيت، ولم يسأل أهي مخدرة أم لا؟ وترك الاستفصال في وقائع الأحوال ينزل منزلة العموم في المقال، وكأنه قال: ادعوها سواء كانت مخدرة أم غير مخدرة، وعلى هذا: تحضر مكان التغليظ قطعًا. انتهى. وقد يفهم من اقتصارهما على المخدرة إحضار البرزة ولو من خارج البلد من غير محرم ولا نسوة ثقات، والأصح: أن القاضي يبعث إليها محرمًا أو نسوة ثقات كالحج، ذكره في " أصل الروضة " (¬6). قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وعندي لا يتعين البعث، بل يأمر القاضي بإحضارها مع محرم أو نسوة ثقات، قال: والمرأة الواحدة هنا كافية للإحضار معها، بخلاف إيجاب الحج؛ لتعلق الحق هنا بالآدمي الطالب. انتهى. ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 69). (¬2) الروضة (11/ 295). (¬3) انظر " المنهاج " (ص 565). (¬4) الروضة (12/ 33). (¬5) المحرر (ص 492). (¬6) الروضة (11/ 196).

6069 - قول " المنهاج " [ص 565]: (وهي من لا يكثر خروجها لحاجات) كان ينبغي تقييد الحاجات بالمتكررة كما فعل " المحرر " (¬1)، فمن تكثر الخروج لحاجات نادرة؛ [كعزاء] (¬2) وحمام ونحوهما .. مخدرة في الأصح، قال في " أصل الروضة ": ثم إنما يتحتم حضور المخدرة على أحد الوجهين للتحليف، وأما ما عداه .. فيقنع فيه بالتوكيل من المخدرة وغيرها (¬3). ¬

_ (¬1) المحرر (ص 492). (¬2) في (د): (كغزل). (¬3) الروضة (11/ 198).

باب القسمة

بابُ القِسْمَة 6070 - قول " التنبيه " [ص 258]: (ويجوز أن يترافعوا إلى الحاكم لينصب من يقسم بينهم) أحسن من قول " المنهاج " [ص 566]: (أو منصوب الأمام) لأن الحاكم أعم منه، وادعى في " التوشيح " أن عبارة " التنبيه " تتناول قسم الإمام بنفسه؛ فهي أحسن؛ لشمولها الإمام ومنصوبه. وفيه نظر؛ فهي غير متناولة للإمام، وهي في ذلك كعبارة " المنهاج ". نعم؛ إذا جاز للحكام - وأعلاهم الإمام - نصب قاسم .. فتعاطيهم ذلك بأنفسهم آكد، والله أعلم. 6071 - قول " التنبيه " [ص 258]: (ولا يجوز للحاكم أن ينصب للقسمة إلا حرًا، بالغًا، عاقلًا، عدلًا، عالمًا بالقسمة) أهمل اشتراط كونه ذكرًا، ولا بد منه، وقد ذكره " المنهاج "، لكنه لم يذكر البلوغ والعقل، وكأنه لاندراجهما عنده في العدالة (¬1)، وهما مذكوران في " المحرر " و" الروضة " وأصلها عبروا عنهما بالتكليف (¬2)، وهو دال على أن الصبي قد يوصف بالعدالة. وذكر شيخنا في " تصحيح المنهاج ": أن الذي في " الروضة " أرجح، وقد يقال: فهم من تعبير " التنبيه " بقوله: (حرًا ... إلى آخره) اعتبار الذكورة، والعلم بالقسمة يدخل تحته العلم بالمساحة والحساب، وقد صرح بهما " المنهاج " (¬3). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": في " الأم " و" مختصر المزني " اعتبار الحساب من غير تعرض للمساحة (¬4)، وأراد به: الحساب الذي يحتاج إليه فيما هو بصدده، ولو اقتصر على المساحة .. لكان كافيًا؛ فإن العلم بالمساحة يستدعي معرفة الحساب المتعلق بها، وليس علم الحساب مقتضيًا لمعرفة المساحة؛ لما في المساحة من القدر الخاص المتعلق بها، وفي " الكافي " للروياني بعد ذكر معرفته بذلك: أو يكون إذا فهمه القاضي عرف، فإن كان فقيها .. جاز أن يوليه الأمر؛ لينفذه باجتهاده، وإن لم يكن فقيهًا. . فالقاضي يخبره أني حكمت بأن هذه الأرض بينهما على كذا سهمًا، فاقسمه بينهما هكذا، ثم يكون وكيلًا للقاضي، لا متوليًا لنفسه انتهى. وأهملا معًا شرطين آخرين: أحدهما: كونه نزهًا من الطمع، صرح باشتراطه الماوردي والبغوي والخوارزمي (¬5)، وهو مقتضى قول الشافعي رضي الله عنه في " الأم ": (أقل ما يكون منه أن لا يكون غبيًا يخدع، ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 566). (¬2) المحرر (ص 493)، فتح العزيز (12/ 542)، الروضة (11/ 201). (¬3) المنهاج (ص 566). (¬4) الأم (6/ 210)، مختصر المزني (ص 300). (¬5) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 199)، و" التهذيب " (8/ 207).

ولا ممن ينسب إلى الطمع) (¬1)، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ولا نسلم أن ذكر العدالة يغني عن ذلك. ثانيهما: كونه عارفًا بالقيمة؛ ففي " أصل الروضة ": هل يشترط معرفة التقويم؟ وجهان؛ لأن في أنواع القسمة ما يحتاج إليه (¬2). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": المعتمد عندنا الجزم بالاحتياج إلى ذلك في قسمة التعديل والرد، ولا يعتبر في قسمة الأجزاء. وقال في " المهمات ": الراجح: عدم الاشتراط؛ فقد جزم باستحبابه البندنيجي والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهم، فإن لم يكن عارفًا .. سأل من عدلين عن قيمة ما يقسمه إذا احتاج إليه. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": لو فتح هذا .. لقيل: لا يشترط معرفة المساحة ويسأل من عدلين، وهو مخالف لأصل الشافعي في اعتبار علم الحاكم، ومقتضى كلامهما: عدم اشتراط هذه الأوصاف في منصوبهم، ولا يخفى اشتراط التكليف فيه، وأنه لا يشترط فيه الذكورة ولا العدالة، والمنقول: أنه لا يشترط فيه الحرية أيضًا؛ لأنه وكيل. وقال الرافعي: كذا أطلقوه، وينبغي أن يكون في توكيله في القسمة الخلاف في توكيله في البيع والشراء (¬3). واعترضه في " المهمات ": بأن ذاك الخلاف محله: فيما إذا كان التوكيل بغير إذن السيد، فليس الخلاف في اشتراط الحرية، بل في الافتقار إلى إذن السيد، وكذا في " التوشيح ". قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهذا الاعتراض مردود؛ فإن الخلاف موجود فيما إذا أذن السيد أيضًا، قال: والذي يقال في رد هذا البحث أن القسمة إذا قلنا: إنها بيع .. فالقاسم ليس بائعًا قطعًا، وإنما التبايع بين الشريكين اللذين وقعت القسمة بينهما؛ فلذلك صح دخول العبد في ذلك قطعًا. ثم قال في " المهمات ": علل الرافعي هناك عدم الجواز بتعلق العهدة بالعبد، والظاهر أن ذلك المعنى لا يأتي هنا. قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وينبغي أن يشترط في منصوبهم الرشد، فلا يصح صدور القسمة من المحجور عليه بالسفه. انتهى. ¬

_ (¬1) الأم (6/ 210). (¬2) الروضة (11/ 201). (¬3) انظر " فتح العزيز " (12/ 542).

وكل هذا في الوكيل، فلو حكموا رجلًا فيها .. ففيه الخلاف في التحكيم، فإن جوزناه .. فهو كمنصوب القاضي، جزم به في " أصل الروضة " (¬1)، ويفهم منه البطلان إذا لم نجوز التحكيم، وليس كذلك، بل يصح ويكون وكيلًا حتى لا تشترط فيها العدالة، قاله في " الشرح الصغير " ولعل سقوطه في " الكبير " من ناسخ. 6072 - قولهم: (فإن كان فيها تقويم .. وجب قاسمان) (¬2) محله: ما إذا لم يكن حاكمًا في التقويم بمعرفته، فإن حكم .. فهو كقضائه بعلمه، والأصح: جوازه، وقيل: لا يجوز هنا أن يقضي بعلمه قطعًا؛ لأنه تخمين مجرد، وسنعيد هذا. 6073 - قول " التنبيه " [ص 258]: (فإن لم يكن في القسمة تقويم .. جاز قاسم واحد) وكذا قال في " المنهاج " [ص 566]: (وإلا .. فقاسم، وفي قول: اثنان) فمشى على طريقة القولين في ذلك، وكذا في " المحرر " (¬3)، ورجح في " أصل الروضة " القطع، فقال: كفى قاسم على المذهب، وقيل: قولان، ثانيهما: اثنان (¬4)، وعبارة الرافعي: قولان، أصحهما: يكفي واحد، ولم يجب المعظم إلا به، وقطع به قاطعون (¬5)، وعبارة " الشرح الصغير ": وبه قطع بعضهم. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": نص في " الأم " على أنه لا بد من اثنين، ولم نجد له نصًا صريحًا يخالفه، فهو الأصح، وقال القاضي حسين: إن القول بجواز واحد مخرج، قال شيخنا: والذين أجابوا بجواز واحد لم يقفوا على النص، ومحل ذلك: في منصوب الإمام، فأما منصوب الشركاء .. فيجوز أن يكون واحدًا قطعًا كما في " أصل الروضة " (¬6). 6074 - قول " التنبيه " [ص 258]: (وإن كان فيها خرص .. ففيه قولان، أحدهما: يجوز واحد، والثاني: لا يجوز إلا اثنان) الأصح: جواز واحد، وهو مقتضى كلام " المنهاج " و" الحاوي " (¬7)، وهو نظير ما صححه الرافعي في الزكاة. 6075 - قول " المنهاج " [ص 566]: (وللإمام جعل القاسم حاكمًا في التقويم فيعمل فيه بعدلين، ويقسم) يقتضي أنه لا يعمل فيه بعلمه، وبه قال بعضهم، والأصح: أن فيه خلاف القضاء بالعلم كما تقدم. ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 201). (¬2) انظر " التنبيه " (258)، و " الحاوي " (ص 694)، و" المنهاج " (ص 566). (¬3) المحرر (ص 493). (¬4) الروضة (11/ 201). (¬5) انظر " فتح العزيز " (12/ 542). (¬6) الروضة (11/ 201). (¬7) الحاوي (ص 694)، المنهاج (ص 566).

6076 - قول " التنبيه " [ص 258]: (وأجرة القاسم في بيت المال) محله: فيما إذا نصبه الحاكم، فأما الذي نصبه الشركاء .. فأجرته عليهم؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 566]: (ويجعل الإمام رزق منصوبه من بيت المال) وقول " الحاوي " [ص 694]: (وأجره بالحصَصِ) محمول على غير منصوب الإمام، أو على ما إذا لم يكن في بيت المال لذلك شيء، وإذا لم يكن في بيت المال رزق لذلك .. فلا ينصب الإمام قاسمًا معينًا، بل يدع الناس يستأجرون من شاؤا، لئلا يغالي المعين في الأجرة، أو يواطئه بعضهم فيحيف، كذا في " أصل الروضة " (¬1). فيحتمل أنه حرام، وبه صرح القاضي حسين، وأنه مكروه، وبه قال الفوراني. واستثنى شيخنا في " تصحيح المنهاج " من قولهم: (إن الأجرة على الشركاء عند عدم بيت المال) مسألتين لا أجرة فيهما: إحداهما: إذا طلب من منصوب القاضي القسمة، فقسم من غير تسمية أجرة .. فلا أجرة له في الأصح، كما عرف ذلك في الإجارة في دفع ثوب إلى قصار ونحوه، وذكر الماوردي في " الحاوي " فيما إذا لم يجر للأجرة ذكر، إن أمر بها الحاكم .. وجب للقاسم أجرة مثله، وإلا .. ففيه الخلاف في مسألة القضاء (¬2)، وقال شيخنا: والأرجح عندنا: أنه لا أجرة له في هذه الحالة خلافًا للماوردي، وقد أطلق الروياني في " الكافي " الخلاف من غير تقييد بما ذكره الماوردي، قال شيخنا: ولو جرى ذكر الأجرة من بعضهم دون بعض .. لزم الذاكر ما خصه، ويخرج في حق غيره على الخلاف، ولم أر من تعرض لذلك. الثانية: إذا طلب شريك الطفل القسمة حيث لا غبطة للطفل فيها، وأجيب إليها، وفرعنا على عدم اختصاص الأجرة بالطالب .. فالأصح في " أصل الروضة ": إخراج حصة الطفل من ماله (¬3)، وعليه مشى " الحاوي " فقال [ص 694]: (ولا ينفرد شريك، حتى الطفل بلا غبطةٍ إن طولب). ونازع فيه شيخنا في " تصحيح المنهاج "، وقال: إن الشافعي توقف في ذلك، فقال في " الأم ": (وإن في نفسي من الجُعْل على الصغير وإن قل شيئًا، إلا أن يكون ما يستدرك له بالقسم أغبط له مما يخرج من الجعل، فإن لم يكن كذلك .. كان في نفسي من أن أجعل عليه شيئًا وهو مما لا رضا له شيء) (¬4)، وصحح الفوراني: أن الأجرة في هذه الصورة على الشريك؛ لأنه هو الذي حمل القيم على القسمة من غير غبطة، وجزم به في " العدة ". ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 201). (¬2) الحاوي الكبير (16/ 247، 248). (¬3) الروضة (11/ 203). (¬4) الأم (6/ 212، 213).

وقال الروياني في " البحر ": إنه اختيار أكثر أصحابنا بخراسان، قال شيخنا: والمعتمد عندنا الوقف على إيجاب الأجرة في مال الصبي في هذه الحالة، قال: والمحجور عليه بسفه كالصغير، وأما الغائب .. فيجعل الأجرة المختصة بنصيبه في ماله وإن لم يكن له فيه غبطة، قال: ويحتمل أن يقول للطالب: إن قصت بالأجرة .. قسمت لك، وإلا .. فلا. قلت: ويقسم القاضي على الغائب في قسمة الإجبار، صرح به في " أصل الروضة " في الشفعة. قال شيخنا: ولو كان الشريك في ذلك بيت المال .. قسم وجعل الأجرة المختصة بنصيبه على بيت المال، قال: وأما قسمة الوقف عن الطلق حيث أجبرنا عليها وكان على الوقف ضرر في ذلك .. فالأرجح: أنه لا يعطي القاسم من الوقف شيئًا كما في الصغير والمجنون، قال: ولم أر من تعرض لذلك. 6077 - قول " المنهاج " [ص 566]: (فإن استأجروه وسمى كل قدرًا .. لزمه) و" الحاوي " [ص 694]: (وإن استؤجر مسمى كل) محله: ما إذا استأجروه جميعًا؛ بأن قالوا: استأجرناك لتقسم بيننا كذا بدينار على فلان ودينارين على فلان مثلًا، أو وكلوا وكيلًا عقد لهم كذلك، أما لو استأجروا في عقود مترتبة .. فعقد واحد لإفراز نصيبه، ثم الثاني كذلك، ثم الثالث، فجوزه القاضي حسين، وأنكره الإمام، وقال: لا سبيل إلى استقلال بعضهم بالاستئجار لإفراز نصيبه؛ لأن فيه تصرفًا في نصيب غيره بالتردد والتقدير، قال: فإن انفرد بعضهم برضاهم .. كان أصلًا ووكيلًا، ولا حاجة حينئذ إلى عقد الباقين، فإن فصل ما على كل واحد بالتراضي .. فذاك، وإلا .. جاء الخلاف في كيفية التوزيع (¬1). ومشى " الحاوي " على كلام الإمام فقال [ص 694]: (ولا ينفرد شريك). وفي " المهمات ": أن المعروف ما قاله القاضي، وحكاه في " الكفاية " عن الماوردي والبندنيجي وابن الصباغ وغيرهم، وأنهم نفوا الخلاف فيه عندنا، قال: وعليه نص الشافعي. قال في " المهمات ": ومحل المنع عند الإمام في غير صورة الإجبار كما صرح به في " النهاية ". وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الأرجح عندنا: ما ذكره الإمام، وقد ذكر القاضي أبو الطيب ما صوره الإمام، قال: ولا يخالفه ما في " المطلب " عن الماوردي والبندنيجي وابن الصباغ وغيرهم من إطلاق الجواز؛ فإنه محمول على ما إذا استاجروه دفعة واحدة، أو انفرد واحد ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (18/ 542، 543)، و" فتح العزيز " (12/ 544، 545)، و" الروضة " (11/ 202).

بالاستئجار في حصة نفسه بإذن الباقين، أو على صورة الإجبار، قال: وفي " البحر ": لو قال: أجرت نفسي منك لأفرز نصيبك وهو النصف من هذه الدار على كذا .. صح إن رضي الباقون بالقسمة، أو كانت بحيث لا يحتاج إلى رضاهم، فأما حيث يحتاج إلى الرضا ولم يرضوا بعد .. فعقده فاسد. 6078 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (وإلا .. فالأجرة موزعة على الحصص) (¬1) يستثنى منه: قسمة التعديل .. فالأصح في " أصل الروضة ": أنها لا توزع فيها على قدر الحصص في الأصل، بل بحسب المأخوذ قلة وكثرة (¬2)، فإذا كانت الشركة في أرض نصفين وعدل ثلثها بثلثيها .. فالصائر إليه الثلثان يعطى من أجرة القسام ثلثيها، والآخر يعطى ثلثها، لكن رجح شيخنا في " تصحيح المنهاج ": أن كلًا منهما يعطى النصف. 6079 - قول " المنهاج " [ص 566]: (وفي قول: على الرؤوس) تبع " المحرر " في المشي على طريقة القولين (¬3)، لكن رجح في " أصل الروضة " طريقة القطع، فقال: المذهب: بقدر الحصص، وقيل: قولان (¬4)، ثانيهما: على عدد الرؤوس، ولم يرجح في " الشرحين " واحدة من الطريقين. وذكر شيخنا في " تصحيح المنهاج ": أن الأمر كما في " الروضة " فإن الشافعي لم يرفض القول بالتوزيع على عدد الرؤوس؛ ولهذا اقتصر المزني في " المختصر " على ذكر التوزيع على قدر الحصص، وعلى ذلك جرى العراقيون والماوردي، وفي " الكفاية ": أن الأصح باتفاق الأصحاب: طريقة القطع، وهو متعقب؛ فإن مقتضى كلام المراوزة ترجيح طريقة القولين. 6080 - قول " التنبيه " [ص 258]: (وإن كان عليهما ضرر؛ كالجواهر والثياب المرتفعة والرحا والبئر والحمام الصغير .. لم يجبر الممتنع) يقتضي اعتبار مطلق الضرر، وعبارة " المنهاج " [ص 566]: (ما عظم الضرر في قسمته) وهي تقتضي اعتبار زيادة على مطلق الضرر، وكذا عبر به في " الروضة " وأصلها (¬5). وقول " التنبيه " [ص 258]: (كالجواهر) أحسن من قول " المنهاج " [ص 566]: (كجوهرة وثوب نفيسين) لاقتضائه تخصيص المنع من قسمة الجوهرة بما إذا كانت نفيسة، وليس كذلك، فلو كانت جوهرة غير نفيسة من بلور أو زجاج .. لم يجبر القاضي على قسمتها. ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 258)، و " الحاوي " (ص 694)، و" المنهاج " (ص 566). (¬2) الروضة (11/ 210، 211). (¬3) المحرر (ص 493). (¬4) الروضة (11/ 202). (¬5) فتح العزيز (12/ 546)، الروضة (11/ 203).

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ومن صرح بالزجاج الفوراني في العمد، وهو ظاهر؛ لحصول الضرر من الجانبين. وقول " المنهاج " [ص 566]: (وزوجي خف) نازع فيه شيخنا في " تصحيح المنهاج "، وقال: ينتفع بفرد الخف؛ بأن يكون عنده فرد آخر أو يستعمل له فردًا آخر، أو يكون أقطع الرجل الواحدة .. فينتفع بما صار إليه في الباقية، قال: ولم أجد للرافعي شاهدًا من نص الشافعي ولا سالفًا في ذلك في الطريقين، ونص " الأم " و" المختصر " شاهد لما قلناه؛ فإنه قال: (فإن كان ما تداعوا إليه يحتمل القسم حتى ينتفع واحد منهم بما يصير إليه مقسومًا .. أجبرتهم على القسمة) (¬1) وجزم في " أصل الروضة " بصحة بيع أحد زوجي الخف وإن نقصت قيمتهما بتفريقهما، قال شيخنا: ويتخرج في الثوب النفيس مثل ذلك إذا كانت العادة مستمرة بقطعه على وجه يحصل لكل واحد منهما بما صار إليه منفعة، فأجبر على قسمته، وإن لم يصح بيعه للضرر الحاصل للشريك، بخلاف البيع؛ فإنه يمكن صاحبه بيع كله، ثم قال: فإن قيل: لا يجد من يشتري كله، ويحتاج لثمن بعضه لنفقته، أو نفقة من تلزمه نفقته .. قلنا: إذا وصل الحال إلى هذا .. قضيت بصحة البيع. انتهى. وقد تفهم عبارة " التنبيه " الجواز عند الرضا، وهو كذلك إذا قسموا بأنفسهم، ولم تبطل منفعته بالكلية، وإنما نقصت، وقد ذكره " المنهاج " فقال [ص 566]: (ولا يمنعهم إن قسموا بأنفسهم إن لم تبطل منفعته كسيف يكسر) قال في " المهمات ": وهو مشكل؛ لأنه إن لم يكن حرامًا .. لم يمتنع على القاضي ذلك، وإن كان حرامًا .. فليس له التمكين منه، قال: ويتفرع على ما ذكره فرعان فيهما نظر: أحدهما: لو كان القاضي أحد الشريكين. والثاني: لو فوضا القسمة إلى ثالث .. فهل يكون كالقاضي أم لا؟ . 6081 - قول " المنهاج " [ص 566]: (فإن أمكن جعله حمامين .. أجيب) أي: وإن احتيج إلى إحداث بئر ومستوقد في الأصح، كما صححه في " أصل الروضة " (¬2). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الأصح عندي: أنه لا إجبار؛ لحصول الضرر الذي يحتاج إلى إحداث بئر ومستوقد إذا كان هو المطلوب، فإن كان هو الطالب للقسمة .. أجبرت الممتنع، فإن تردد الحال بين أن يحصل ذاك للطالب أو المطلوب .. لم أجبر على القسمة؛ لأنه ربما وقع الضرر، فلا أجيب إلى ما يوصل إليه، فلو أمكن جعل نصيب منه وهو الأكثر حمامًا دون ¬

_ (¬1) الأم (6/ 213)، مختصر المزني (ص 301). (¬2) الروضة (11/ 203).

الآخر؛ فإن طلب صاحب الأكثر القسمة .. أجيب، أو صاحب الأقل .. فلا؛ قال: ولم أر من تعرض لذلك، وما ذكروه في عشر دار لا يصلح للسكنى شاهد له. انتهى. وقد يقال: إن عبارة " المنهاج " تقتضي الامتناع عند الاحتياج إلى إحداث بئر ومستوقد؛ لتوفقه على شيءآخر، وهو الذي ذكره شيخنا في " تصحيح المنهاج ". 6082 - قول " المنهاج " [ص 566]: (ولو كان له عشر دار لا يصلح للسكنى والباقي لآخر .. فالأصح: إجبار صاحب العشر بطلب صاحبه دون عكسه) هو مثال لقول " التنبيه " [ص 258]: (وإن كان على أحدهما ضرر، فإن كان على الطالب .. لم يجبر الممتنع؛ وإن كان على الممتنع .. فقد قيل: لا يجبر، وقيل: يجبر وهو الأصح) ومقتضى كلامهما: أن الخلاف وجهان، وليس كذلك، بل المصحح منصوص في " الأم " و" المختصر " (¬1)، ومحل عدم الإجبار في عكسه: ما إذا لم يكن لصاحب العشر مكان يضمه إلى عشرة، فإن كان بحيث يصلح المجموع للسكنى .. أجيب إلى القسمة؛ لانتفاء التعنت في طلبه، ذكره البغوي في " التهذيب " (¬2)، على أن شيخنا في " تصحيح المنهاج " نازع في عدم الإجبار في عكسه، وقال: إنه مخالف لمقتضى إطلاق نص " الأم " و" المختصر "، ولفظه: (فإن كان ما تداعوا إليه يحتمل القسم حتى ينتفع واحد منهم بما يصير إليه مقسومًا .. أجبرتهم على القسمة) (¬3). قال شيخنا: وعلة ذلك أن له مقصدًا في تميز ملكه وإراحته من شريكه، وهذا مقصد حسن، فينبغي أن يجاب إليه. 6583 - قول " المنهاج " [ص 567]: (ثم يخرج من لم يحضرها) كذا هو في النسخ بضمير الإفراد، وفي " الروضة ": من لم يحضر الكتابة والإدراج (¬4)، فكان ينبغي أن يقول هنا: (من لم يحضرهما) وعبارة " المحرر ": (من لم يحضر هنالك) (¬5)، وعبارة " التنبيه " [ص 259]: (لم يحضر ذلك) وعبارة " الحاوي " [ص 696]: (ويخرج غائب) ثم قال: (وطفل أولى). 6084 - قول " المنهاج " [ص 567]: (فإن اختلفت الأنصباء؛ كنصف وثلث وسدس .. جُزِّئت الأرض على أقل السهام وقُسِّمت كما سبق) يقتضي التخيير بين كتابة أسماء الشركاء وكتابة الأجزاء، ولكن المصحح كتابة أسمائهم دون كتابة الأجزاء؛ ولهذا قال " التنبيه " [ص 259]: (ولا يخرج السهام على الأسماء في هذا القسم) و" الحاوي " [ص 695، 696]: (كُتِبَتْ أو الشركاء والعبيد ¬

_ (¬1) الأم (6/ 213)، مختصر المزني (ص 301). (¬2) التهذيب (8/ 208). (¬3) الأم (6/ 213)، مختصر المزني (ص 301). (¬4) الروضة (11/ 204). (¬5) المحرر (ص 494).

والشركاء إن اختلفت الأنصباء) لكن الأصح: أن ذلك ليس على الوجوب، بل الأولوية؛ لأنه لو كتب الأجزاء وأخرجها على السهام .. فربما خرج لصاحب السدس الجزء الثاني أو الخامس، فيفرق ملك من له النصف أو الثلث. فيحتمل أن " المنهاج " احترز عن هذا بقوله [ص 567]: (ويحترز عن تفريق حصة واحد) فأراد بذلك: تعين كتابة الأسماء لا الأجزاء، ويحتمل خلافه؛ لأن الاحتراز عن التفريق طريقًا آخر ذكره القائل بجواز كتابة الأجزاء، وهو أن لا يخرج اسم صاحب السدس أولًا؛ فإن التفريق إنما جاء من قبله. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الذي عندنا أن الخلاف في الجواز لإفضاء ذلك إلى النزاع ثم بسط ذلك، ثم قال: وظهر من ذلك أن المتعين في هذا الباب القطع بكتابه أسماء الشركاء، وأنه لا يجوز العدول إلى كتابة الأجزاء. 6085 - قول " التنبيه " [ص 259]: (وإن كانت الأنصباء مختلفة؛ مثل أن يكون لواحد السدس وللثاني الثلث وللثالث النصف .. قسمها على أقل الأجزاء، وهي ستة أسهم، وكتب أسماء الشركاء في ست رقاع؛ لصاحب السدس رقعة، ولصاحب الثلث رقعتان، ولصاحب النصف ثلاث رقاع) ثم قال: (وقيل: يقتصر على ثلاث رقاع)، قال في " أصل الروضة " بعد حكاية الوجهين: الوجه تجويز كل واحد منهما. انتهى (¬1). وقد يفهم الوجه الثاني من قول " المنهاج " [ص 567]: (كما سبق) فإن الذي سبق: أنه يكتب في كل رقعة اسم شريك. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": عندنا أن كتابة الأسماء في ست رقاع لا يجوز؛ لأن اسم زيد يكون أسرع خروجًا، فيؤدى إلى عدم التساوي في القرعة، وقول الرافعي والنووي: (إن سرعة الخروج لا توجب حيفًا؛ لأن السهام متساوية) (¬2) يقال عليه، فلم يكن حينئذ حاجة إلى القرعة، بل يقول القاسم: هذه الثلاثة لزيد وهذان لعمرو وهذا لبكر؛ لأن السهام متساوية، فلما عدل إلى القرعة للتسوية وطيب النفوس بها .. وجبت التسوية ما أمكن. انتهى. واعلم: أن إخراج الرقاع على الوجه المذكور لا يختص بقسمة المتشابهات، بل يأتي في قسمة التعديل إذا عدلت الأجزاء بالقيمة، وكلام " التنبيه " يدل على ذلك فقال [ص 259]: (ومتى أراد القاسم .. أن يقسم عدل السهام؛ إما بالقيمة إن كانت مختلفة، أو بالأجزاء إن كانت غير مختلفة، أو بالرد إن كانت القسمة تقتضي الرد) ثم ذكر كيفية القرعة، وكذا " الحاوي " فقال [ص 694، 695]: ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 206). (¬2) انظر " فتح العزيز " (12/ 548)، و " الروضة " (11/ 206).

(بأجزاء متساوية الصفة، ثم القيم) ثم ذكر كيفية القرعة. 6086 - قول " المنهاج " [ص 567]: (الثاني: بالتعديل كأرض تختلف قيمة أجزائها بحسب قوة إنبات وقرب ماءٍ) قد يفهم أن اختلاف الجنس كبستان بعضه نخل وبعضه عنب ليس كذلك، فكان التمثيل بهذا أولى من المثال الذي ذكره؛ لكونه يفهم منه بطريق الأولى. 6087 - قوله: (ويجبر عليها في الأظهر) (¬1) كذا في " الشرح الصغير "، وعبارة " المحرر ": (رجح منهما الإجبار) (¬2) وعبارة " الروضة " وأصلها: أظهرهما عند العراقيين وغيرهم: نعم (¬3)، وهو مقتضى إطلاق " التنبيه " الإجبار حيث لا يكون على واحد منهما ضرر (¬4)، وعليه مشى " الحاوي " فقال [ص 694، 695]: (ويجبر إن قسم بأجزاء متساوية الصفة، ثم القيم) ورجح شيخنا في " تصحيح المنهاج ": القطع بذلك تبعًا للشيخ أبي حامد وغيره، واستثنى في " حواشي الروضة ": ما إذا كانت الشركة في أشجار نابتة في أرض مستأجرة بين الشريكين، أو محتكرة وهما في المنفعة على نسبة حقهما في الملك، وكانت الأشجار لا تقسم إلا بالتعديل، قال: فأفتيت بأنه لا إجبار حينئذ؛ لأنه قد يؤدي إلى أن تقع أشجار أحد الشريكين في الأرض التي بينه وبين الآخر، وذلك محذور. انتهى. قال الرافعي: ويشبه أن يخص الخلاف بما إذا لم يمكن قسمة الجيد وحده والرديء وحده، فإن أمكن .. لم يجبر على قسمة التعديل؛ كأرضين يمكن قسمة كل منهما بالأجزاء لا يجري الإجبار فيهما بالتعديل (¬5)، وقال في " المهمات ": ما بحثه جزم به جماعة كثيرة، منهم الماوردي والروياني وصاحبا " المهذب " و" البيان ". 6088 - قول " التنبيه " [ص 258]: (وإن كان بينهما دور ودكاكين وأراض في بعضها شجر وبعضها بياض، وطلب أحدهما أن يقسم أعيانًا بالقيمة، وطلب الآخر قسمة كل عين .. قسمت كل عين) و" المنهاج " [ص 567]: (ولو استوت قيمة دارين أو حانوتين فطلب جَعْلَ كلٍّ لواحدٍ .. فلا إجبار) و" الحاوي " [ص 696]: (في عقار) فإنه يشعر بتنكيره با لإفراد، وأن الإجبار إنما يكون في عقار واحد لا في عقارين. قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": يستثنى من الدارين: ما إذا كانت الداران لهما بملك القرية المشتملة عليهما، وشركتهما بالنصف، وملكا قسمة القرية، واقتضت القسمة نصفين جعل كل دار ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 567). (¬2) المحرر (ص 494). (¬3) فتح العزيز (12/ 553)، الروضة (11/ 210). (¬4) التنبيه (ص 258). (¬5) انظر " فتح العزيز " (12/ 553).

نصيبًا .. فإنه يجبر على ذلك، وهذا خارج من كلام الماوردي في صورة القرية، ومن الحانوتين مسألة العضائد المذكورة بعده. 6089 - قول " التنبيه " [ص 258]: (وإن كان بينهما عضائد صغار متلاصقة، وطلب أحدهما قسمتها أعيانًا وامتنع الآخر .. فقد قيل: يجبر، وقيل: لا يجبر) الأصح: الإجبار، ذكره في " أصل الروضة "، وقال: صور الجمهور المسألة بأن لا يحتمل كل منهما القسمة، وهو الصواب، وصورها صاحب " المهذب " بما إذا احتمل كل منهما القسمة (¬1). قال الجيلي: ومحلهما إذا لم تنقض القسمة، وإلا .. لم يجبر جزمًا. 6090 - قوله: (وإن كان بينهما عبيد أو ماشية أو ثياب أو أخشاب وطلب أحدهما قسمتها أعيانًا وامتنع الآخر .. فالمذهب: أنه يجبر الممتنع) (¬2) محله: ما إذا كان ذلك من نوع، فإن كان من نوعين .. فلا إجبار؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 567]: (أو عبيدٍ أو ثيابٍ من نوعٍ .. أجبر) و" الحاوي " [ص 696]: (ومنقولات نوع). قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": جزمه هنا مع حكاية الخلاف في الأرض المختلفة يقتضي القطع، وليس كذلك، بل الخلاف في الأرض المختلفة جار هنا بطريق الأولى، ولكن الحكم الذي في الدارين من عدم الإجبار لا يأتي هنا؛ لشدة اختلاف الأغراض في الدارين، بخلاف العبيد والثياب، واعتقد في " الروضة " أن مسألة العبيد والثياب المذهب فيها من الأصل: القطع بالإجبار (¬3)، وليس كذلك، بل هو مفرع على الإجبار في الأرض المختلفة وعدم الإجبار في الدارين. انتهى. ويستثنى من صورتي العبيد والثياب وما معهما: ما تباينت فيها القيم بحيث لا يمكن تعديل إلا ببقية تبقي الشركة فيها؛ كعبدين بين اثنين قيمة أحدهما نصف الآخر، فطلب أحدهما القسمة؛ ليختص من خرجت له قرعة الخسيس به ويبقى له ربع الآخر .. فإنه لا إجبار في ذلك على المذهب، وتناول كلامهما ما إذا لم تمكن التسوية عددًا، كثلاثة أعبد بين اثنين سواء، قيمةُ أحدهم كالآخرين، وهو مقتضى كلام الرافعي والنووي (¬4)، لكن في " الكفاية " عن الأكثرين: المنع. 6091 - قوله: (أو نوعين .. فلا) (¬5) أي: فأكثر، فلو قال: (أو أكثر) .. لكان أشمل، ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 211)، وانظر " المهذب " (2/ 307). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 258، 259). (¬3) الروضة (11/ 212). (¬4) انظر " فتح العزيز " (12/ 554)، و " الروضة " (11/ 212). (¬5) انظر " المنهاج " (ص 567).

وإذا امتنع ذلك في نوعين؛ كتركي وهندي .. ففي الجنسين كالعبد والثوب أولى، وصرح بهما في " المحرر " (¬1). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": يتناول كلامه إذا كانت العبيد أو الثياب من نوعين ومنها من كل نوع متعدد أو من نوع متعدد، وهذه الصورة يجبر فيها على قسمة المتعدد من النوع بالتعديل الذي لا يبقى معه بقية شركة. 6092 - قوله: (الثالث: بالرد؛ بأن يكون في أحد الجانبين بئر أو شجر لا يمكن قسمته، فيرد من يأخذه قسط قيمته) (¬2) أحسن من قول " المحرر " و" الروضة " وأصلها: تلك القيمة (¬3)، فإنه لا يردها كلها، وإنما يرد قسط الزيادة، فعبارة " المحرر " خطأ إن لم تؤول. 6093 - قولهم: (إن قسمة الرد بيع) (¬4) قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": يستثنى منه: القدر الذي لم يحصل في مقابله رد؛ فإن الذي له منه بطريق الإشاعة لم يقع عليه بيع؛ فإنه لو كان مبيعًا .. لكان كل واحد منهما بائعًا ملكه وملك غيره بملكه وملك غيره، فيكون من تفريق الصفقة، ولم يقله أحد، وقد ذكر ذلك في " أصل الروضة " في قسمة الأجزاء تفريعًا على أنها بيع (¬5). 6094 - قول " التنبيه " [ص 257]: (وإن لم يكن فيها رد .. ففيه قولان) الأظهر: أن قسمة التعديل بيع، وقسمة الأجزاء إفراز، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 567]: (وكذا التعديل على المذهب، وقسمة الأجزاء إفراز في الأظهر) و" الحاوي " فقال [ص 698]: (وغير الأول بيع) وعبارة " المحرر " في ترجيح أن قسمة الأجزاء إفراز: ذكر أن الفتوى عليه (¬6)، وأشار بذلك إلى قول صاحب " العدة " إن الفتوى عليه، ونقل الرافعي تصحيحه في " الشرحين " عن الغزالي في كتاب الرهن، قال الرافعي: ويوافقه جواب الأصحاب في مسائل متفرقة تتفرع على القولين (¬7). قال النووي: فالمختار ترجيحه (¬8)، ونقل الرافعي هنا تصحيح مقابله عن البغوي وآخرين (¬9)، وصححه في باب الربا والزكاة، وتبعه النووي فيهما (¬10)، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ¬

_ (¬1) المحرر (ص 494). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 567). (¬3) المحرر (ص 494)، فتح العزيز (12/ 556)، الروضة (11/ 214). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 257)، و" الحاوي " (ص 698)، و" المنهاج " (ص 567). (¬5) الروضة (11/ 209). (¬6) المحرر (ص 494). (¬7) فتح العزيز (12/ 557، 558). (¬8) انظر " الروضة " (11/ 214). (¬9) فتح العزيز (12/ 557). (¬10) انظر " فتح العزيز " (3/ 64)، (4/ 82)، و " الروضة " (2/ 239)، (3/ 383).

[والأرجح] (¬1): أنها إفراز، قال: ومحله إذا جرت إجبارًا، فإن جرت بالتراضي .. فبيع قطعًا. 6095 - قول " المنهاج " [ص 567]: (ويشترط في الرد الرضا بعد خروج القرعة) يفهم أنه لا خلاف فيه؛ لجزمه به مع حكاية الخلاف في الصورة التي بعده، وليس كذلك، وقد حكى " التنبيه " الخلاف فيه فقال [ص 258]: (وقيل: لا يعتبر التراضي بعد خروج القرعة). 6096 - قوله: (وإن لم يكن فيها رد؛ فإن تقاسموا بأنفسهم .. لزم ذلك بإخراج القرعة) (¬2) اعترضه شيخنا الإسنوي في " تصحيحه " فقال: الأصح: اشتراط التراضي بعد خروج القرعة إذا تقاسموا بأنفسهم قسمة لا رد فيها، على عكس ما في " التنبيه " (¬3). وقال في " التنقيح ": إنه مخالف لما في كتب الرافعي والنووي كلها؛ فإن الأصح في " الشرح " و" المحرر " و" الروضة " و" المنهاج ": أنه لا بد من التراضي (¬4). وقال في " الكفاية ": لم أره هكذا في غير " التنبيه "، وفي " تعليق البندنيجي ": اعتبار التراضي بعدها قولًا واحدًا، وأطلق في موضع حكاية وجهين، والمنع في " النهاية " احتمال (¬5). قال النشائي في " نكته ": وحاصل ما ذكره أن نقل " التنبيه " وجه مرجوح، والذي في الرافعي اعتباره منسوبًا إلى ما ذكره الشيخ أبو حامد، وجعل في " الكفاية " هذه الحكاية فيما إذا نصبوا من يقسم بينهم بالتحكيم، وليس كذلك. انتهى (¬6). 6097 - قوله: (وإن نصبوا من يقسم بينهم .. اعتبر التراضي بعد خروج القرعة على المنصوص، وقيل: فيه قول مخرج من التحكيم أنه لا يعتبر التراضي) (¬7) بمقتضى ترجيح القطع بالأول، وكذا في " الكفاية " عن المراوزة، لكن جزم الرافعي والنووي بإثبات هذا القول (¬8). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إن وقعت القسمة إجبارًا من المحكم الذي فيه صفات الحاكم .. لم يعتبر الرضا بعده على أصح القولين المعروفين في المحكم، وإن لم يحكم في الإجبار ولكن حكم في القسمة .. فالأصح: أنه لا بد من الرضا بعد خروج القرعة سواء كانت مما يجبر عليه أم لا، وما لا إجبار فيه أولى باعتبار الرضا وإن لم يحكم أصلًا، وإنما أقيم وكيلًا، فأولى باعتبار ¬

_ (¬1) في (د): (والأصح). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 258). (¬3) تذكرة النبيه (3/ 504). (¬4) فتح العزيز (12/ 560)، المحرر (ص 494، 495)، الروضة (11/ 217)، المنهاج (ص 567). (¬5) نهاية المطلب (18/ 564). (¬6) نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 192). (¬7) انظر " التنبيه " (ص 258). (¬8) انظر " فتح العزيز " (12/ 560)، و" الروضة " (11/ 217).

الرضا، وذكر في " الكفاية " في الوكيل: أنه لا بد من الرضا بعد القرعة جزمًا. 6098 - قول " المنهاج " [ص 567]: (ولو تراضيا بقسمة ما لا إجبار فيه .. اشترط الرضا بعد القرعة في الأصح) فيه أمران: أحدهما: أن الذي لا إجبار فيه هو قسمة الرد، فهذا عين قوله المتقدم: (ويشترط في الرد الرضا بعد خروج القرعة) (¬1) فذكره أولًا جزمًا، ثم ذكره ثانيًا بخلاف، ولا فائدة في هذا التكرير، ثم تعبيره فيه بالأصح يخالف تعبير " الروضة " فيه بالصحيح (¬2). قال في " المهمات ": والذي في " الروضة " هو الصواب؛ فإن مقابله عن الاصطخري فقط. قلت: وقال المحاملي: إنه غلط. ثانيهما: أن كلامه هذا عكس ما في " المحرر " فإن عبارته: (والقسمة التي يجبر عليها إذا جرت بالتراضي .. هل يعتبر تكرر الرضا بعد خروج القرعة؟ فيه وجهان، رجح منهما: التكرير) (¬3) ففرض المسألة فيما يجبر عليه، وسلم من التكرير المتقدم، وكذا في " الروضة " و" الشرحين ": أن قسمة الإجبار لا يعتبر فيها التراضي، لا عند خروج القرعة ولا بعدها، وإذا تراضيا بقاسم يقسم بينهما .. فهل يشترط الرضا بعد خروج القرعة أم يكفي الرضا الأول؟ قولان، أظهرهما: الاشتراط، وإليه مال المعتبرون، وذكروا أنه المنصوص، كذا في " الروضة " (¬4)، وعبارة الرافعي: وذُكر أنه المنصوص (¬5)، وبينهما تفاوت، وهذا مخالف " للمحرر " في جعل الخلاف وجهين. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الذي في " المنهاج " من ذكر الخلاف في التي لا إجبار فيها وإن لم يكن في " المحرر " في نفسه صحيح، ولكن فيه الخلل من جهة الجزم في قسمة الرد، وذكر الخلاف فيما لا إجبار فيه في غيرها. وقال في " التوشيح ": الذي يظهر أنه في " المنهاج " أراد أن يكتب: (ما فيه إجبار)، فكتب: (ما لا إجبار فيه) وأنا أرجو أن تكون عبارته: (ما الإجبار فيه) بالألف واللام في الإجبار، ثم تصحفت؛ فينبغي قراءتها كذلك. 6099 - قول " التنبيه " [ص 258]: (وإن ترافعوا إلى حاكم فنصب من يقسم بينهم .. لزم ذلك بإخراج القرعة) المراد: ما إذا كانت القسمة قسمة إجبار، وقد دل على ذلك فول "الحاوي " [ص 697]: ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 567). (¬2) الروضة (11/ 217). (¬3) المحرر (ص 495). (¬4) الروضة (11/ 216، 217). (¬5) فتح العزيز (12/ 560).

(وبتكرير تراض في غير) أي: في غير قسمة بالإجبار، وهي عبارة حسنة شاملة، وهو مفهوم من قول " المنهاج " [ص 567]: (ولو تراضيا بقسمة ما لا إجبار فيه) فإن صوابه الموافق " للمحرر ": (ما فيه إجبار) (¬1) كما تقدم، فدل على أنه لو وقع ذلك بغير تراض، بل بالإجبار .. لم يشترط الرضا بعد القرعة، وهو المجزوم به في " الروضة " وأصلها كما تقدم (¬2). 6100 - قول " المنهاج " [ص 567]: (كقولهما: " رضينا بهذه القسمة "، أو " بما أخرجته القرعة ") فيه أمران: أحدهما: ظاهره الاكتفاء بذلك بعد خروج القرعة وإن لم يعلم كل واحد ما صار إليه، والمنصوص في " الأم " أنه لا بد من سبق علم ذلك على الرضا. ثانيهما: ظاهره أنه لا يكتفى بقولهما: (رضينا بهذا) وهو وجه أنه لا بد من التصريح بلفظ القسمة، والأصح: خلافه. 6101 - قول " الحاوي " [ص 697]: (ونقضت بالإجبار بالحجة) أحسن من قول " المنهاج " [ص 567]: (ولو ثبت ببينة غلطٌ أو حيفٌ في قسمة إجبار .. نقضت) لتناوله ما إذا ثبت ذلك بإقرار الخصم أو باليمين المردودة أو بعلم الحاكم، فكل ذلك حجة وليس ببينة، وأما ثبوته بشاهد ويمين .. فيحتمل دخوله في قول " المنهاج ": (ببينة) وعدم دخوله، وهو داخل في تعبير " الحاوي " بالحجة قطعًا، ولو حذف " المنهاج " لفظ (البينة) .. لكان أحسن، فثبوت ذلك بأي طريق كان كاف، ولو أقر القاسم بذلك .. لم يلتفت إليه مع إنكار الخصم، ذكره الرافعي عن البغوي (¬3)، وخالف فيه القاضي حسين. قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": والأرجح الجاري على القواعد: ما ذكره البغوي، ولكن يرد الأجرة وعليه الغرم. 6102 - قول " التنبيه " [ص 259]: (وإذا تقاسموا ثم ادعى بعضهم على بعض غلطا، فإن كان فيما تقاسموا بأنفسهم .. لم تقبل دعواه) و" الحاوي " [ص 697]: (ولا ينفع دعوى الغلط) محله فيما إذا قلنا: القسمة بيع، فإن قلنا: إفراز .. سمعت؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 567]: (ولو ادعاه في قسمة تراض وقلنا: هي بيع .. فالأصح: أنه لا أثر للغلط، ولا فائدة لهذه الدعوى .. قلت: وإن قلنا: إفراز ... نقضت إن ثبت، وإلا .. فيحلف شريكه) وذكر شيخنا في " تصحيح المنهاج " أن هذا التفريع لا يوجد في كلام غير الغزالي في " الوجيز " أخذه من كلام ¬

_ (¬1) المحرر (ص 495). (¬2) فتح العزيز (12/ 560)، الروضة (11/ 217). (¬3) فتح العزيز (12/ 551)، وانظر " التهذيب " (8/ 215).

الإمام (¬1)، والذي أطلقه الشافعي والعراقيون وأكثر المراوزة عدم الفرق، وقال الماوردي فيما إذا كانت القسمة بالتراضي لكنها فيما يجبر فيه: تسمع البينة بالغلط، ويحكم بإبطال القسمة (¬2)، وخالف فيه البندنيجي وغيره، قال شيخنا: والأرجح ما قاله الماوردي؛ لأنها لا يتمحض الرضا فيها؛ لأنه يخاف من إجبار يقع فيها، وحمل شراح " الحاوي " كلامه على ما إذا ادعى ذلك على قسام القاضي، وهنا أمور: أحدها: محل قولنا: لا أثر للغلط إذا قلنا: بيع ما إذا جرى لفظ البيع أو ما يقوم مقامه، وإلا .. فالحكم كما لو قلنا: إفراز، قاله في " الوسيط " (¬3)، ولم يتعرض له في " البسيط "، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": والتفصيل هو المعتمد. ثانيها: ومحله أيضًا: ما لم يذكر تأويلًا، فإن قال: إنما رضيت لاعتقادي أن ما خرجت القسمة به هو الذي لي، وقد ظهر لي أنه أكثر منه، وسبب غلطي مجي كتاب وكيلي بقدر فخرج بخلافه، أو كانت لي شركة في مكان آخر فغلطت منه إلى هذا، ونحو ذلك .. فتسمع دعواه وبينته؛ كنظيره من المرابحة فيما إذا قال: اشتريت بمائة، ثم قال بل بمائة وعشرة، قاله شيخنا في " تصحيح المنهاج ". ثالثها: قال شيخنا أيضًا: مقتضاه: أن الشركاء لو اعترفوا بما ادعاه .. لا تنقض القسمة، وهذا خرق عظيم، وليس هذا كالغبن؛ فإنه لما رضي هنا بعد القرعة .. لم يكن نصيبه مكشوفًا له، ولم أجد أحدًا صرح بعدم النقض مع اعتراف الغريم، لكن في " الكفاية ": أن مقتضى التوجيه بأنه ينزل منزلة الغبن في البيع: أن الغرماء ولو اعترفوا بالغلط .. لم يفده اعترافهم شيئًا، وبه صرح في " الوسيط " عن العراقيين، ولم يصرح في " البسيط " (¬4) بذلك، وإنما قال العراقيون: لا تنقض؛ لأنه رضي به، فصار كما إذا اشترى بغبن، وهذا يتجه على قولنا: إنها بيع (¬5). فإن قيل: يلزم من تشبيهه بالغبن هذا .. قلنا: الكلام في التصريح بذلك، ثم لا يلزم من تشبيهه بالغبن هذا؛ لأن في الغبن لم يستند إلا إلى مجرد تخمين، وهنا استند إلى قسمة بقرعة ظن أنها على العدل، فلا يكون رضاه مع الإسناد المذكور ناقلًا للزيادة عن ملكه إذا لم يعلمها. انتهى (¬6). ¬

_ (¬1) الوجيز (2/ 246)، وانظر " نهاية المطلب " (18/ 563). (¬2) انظر " الحاوي الكبير " (16/ 261). (¬3) الوسيط (7/ 338). (¬4) في النسخ: (الوسيط)، ولعل ما أثبت هو الصواب، والله أعلم. (¬5) الوسيط (7/ 338). (¬6) انظر " حاشية الرملي " (4/ 334).

رابعها: أورد شيخنا أيضًا على قوله: (وإن قلنا: إفراز .. نقضت إن ثبت) (¬1) أن محله: إذا لم يعلم الزائد، أو علمه ولم يرض بمصيره لشريكه، أو رضي به ولم يحصل من الشريك رضا لو رضي به، ولم يحصل أمر يلزم به التمليك المذكور، فاما إذا علم به ورضي بمصيره لشريكه ورضي الشريك بذلك وحصل الأمر الملزم وهو القبض بالإذن .. فإنه لا تنقض القسمة ولو ثبت ذلك، وقد نقل الإمام عن الأصحاب فيما إذا اقتسم الشريكان المستويان في النصيب على تفاوت مع العلم بالتفاوت .. أنه يصح ذلك ويلزم، وبحث فيه الإمام (¬2)، ونازعناه فيه. انتهى. 6103 - قول " التنبيه " [ص 260]: (وإن استحق من الجميع جزء مشاع .. بطلت القسمة، وقيل: تبطل في المستحق، وفي الباقي قولان) صحح الرافعي والنووي الطريق الثاني، ونقلاها عن الأكثرين (¬3)، وعليها مشى " المنهاج " فقال [ص 567]: (ولو استحق بعض المقسوم شائعًا .. بطلت فيه، وفي الباقي خلاف تفريق الصفقة) ومقتضاه: تصحيح الصحة في الباقي، وهو مفهوم قول " الحاوي " [ص 697، 698]: (وإن استحق معين .. بطلت) ولا يقال: مقتضى عموم المفهوم الصحة حتى في الجزء المستحق؛ لأن البطلان في المستحق واضح، ولكن حكى الشيخ أبو حامد - الطريق الأول - وهو البطلان مطلقًا - عن عامة الأصحاب، والماوردي عن جمهورهم، وأوضح في " المهمات " كون الأكثرين عليه، وبسطه، وهو ظاهر إطلاق نص " الأم " و" المختصر " في صورة الاستحقاق على انتقاض القسمة من غير فرق بين المعين والمشاع، واختار شيخنا في " تصحيح المنهاج ": أنه إن كان في الأراضي والدور .. قطع فيه بإبطال القسمة كلها، وإن كان في غيرها من عبيد وثياب .. قطع فيه بتفريق الصفقة، ثم ذكر شيخنا: أن تفريق الصفقة المعهود إنما هو في المبيع خاصة، فأما وقوعه في المبيع والثمن؛ بأن باع عبده وعبد غيره بعبد المشتري وعبد غيره .. فلم يذكره أحد من المصنفين، والحال فيه مركب من خلافين: أحدهما: خلاف تفريق الصفقة. والثاني: خلاف الحصر والإشاعة، وذلك أنه إذا بطل البيع في عبد غير البائع وفي عبد غير المشتري .. يبقى عبد البائع وعبد المشتري، فإذا قلنا بالانحصار وبتفريق الصفقة وكانت قيم الأعبد الأربعة مستوية .. فانه يصح البيع في عبد البائع بعبد المشترى وإن قلنا بالإشاعة، وهو الأصح في البيع والصداق والخلع وجميع الأبواب، إلا بَابَيْ الفلس الوصية .. فإنما يصح البيع عند استواء قيم الأربعة في نصف عبد البائع بنصف عبد المشتري، ففي القسمة في عبدين متساويي القيمة ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 567). (¬2) انظر " نهاية المطلب " (18/ 564). (¬3) انظر " فتح العزيز " (12/ 552)، و " الروضة " (11/ 210).

مشتركين في الظاهر بين اثنين، فاقتسماهما لهذا عبد ولهذا عبد، ثم ظهر لثالث الاستحقاق بالثلث في العبدين، فتبطل القسمة في المستحق ويبقى لكل واحد ثلثا عبد، وقد كان يملك ثلثه قبل القسمة، وازداد بالقسمة من نصيب شريكه القاسم معه الثلث، فإذا قلنا بالحصر .. فلكل واحد من المتقاسمين ثلثا العبد الذي صار إليه، وإن قلنا بالإشاعة .. فقد بطلت القسمة في نصف نصيب كل شريك، وصحت في نصف، فلكل منهما نصف العبد الذي صار إليه بمقتضى الملك الأصلي وما صحت فيه القسمة، وبقية الثلثين من جهة إبطال القسمة بمقتضى الإشاعة، فيعود إلى الملك الأصلي، ثم ذكر شيخنا أيضًا: أنه تتعين هنا الإجارة بالقسط، ولا يأتي فيه إثبات الخيار لواحد من المتقاسمين على التعيين؛ لأن كلًا منهما يدلي بما يدلي به الآخر، وفي " أصل الروضة ": ثبوت الخيار هنا من غير تعيين من يثبت له الخيار (¬1). 6104 - قولهم - والعبارة لـ " التنبيه " -: (وإن تقاسموا ثم استحق من حصة أحدهم شيء معين لم يستحق مثله من حصة الآخر .. بطلت القسمة) (¬2) قال في " المهمات ": يستثنى منه: ما إذا وقع في القيمة عين لمسلم استولى عليها الكفار ولم يظهر أمرها إلا بعد القسمة .. فإنها ترد على صاحبها، ويعوض من وقعت في نصيبه من خمس الخمس، ولا تنقض القسمة. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": لا يستثنى ذلك؛ لأن تلك القسمة لا تجري على حسب القسمة في المشتركات الشركة الحقيقية، بل التصرف فيها للإمام كما هو مقرر في بابه. نعم؛ يستثنى منه: ما إذا كانت القسمة بيعًا برد ونحوه .. فلا تبطل القسمة، بل يبطل البيع في ملك المستحق، وفي صحته في ملك الشريك المردود عليه عوض الزائد قولا تفريق الصفقة. 6105 - قول " التنبيه " [ص 258]: (فإن ترافعوا إليه في قسمة ملك من غير بينة .. ففيه قولان: أحدهما: لا يقسم بينهم، والثاني: يقسم إلا أنه يكتب أنه قسم بينهم بدعواهم)، قال الرافعي: أظهرهما عند الإمام وابن الصباغ والغزالي: الثاني، وعن الشيخ أبي حامد وطبقته: الأول؛ ويدل عليه أن الشافعي رحمه الله لما ذكر القول الثاني .. قال: لا يعجبني هذا القول (¬3)، وقال النووي: المذهب: أنه لا يجيبهم، ومشى عليه في " تصحيحه " (¬4). وقال شيخنا الإمام البلقيني: يخرج من هذا أن القاضي لا يحكم بالموجب بمجرد اعتراف المتعاقدين بالبيع، ولا بمجرد قيام البينة عليهما بما صدر منهما؛ لأن المعنى الذي قيل هناك يأتي هنا. انتهى. ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 210). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 260)، و" الحاوي " (ص 697، 698)، و " المنهاج " (ص 567). (¬3) فتح العزيز (12/ 562، 563)، وانظر " نهاية المطلب " (18/ 565، 566)، و" الوجيز " (2/ 247). (¬4) الروضة (11/ 219)، تصحيح التنبيه (2/ 270).

ومشى " الحاوي " على الثاني على عادته في متابعة الغزالي فقال: (ويجيب طالبيها، وكتب أنه قسم بقولهم) (¬1). ومحل الخلاف: ما إذا لم يكن لهم منازع، فإن كان .. لم يجبهم قطعًا، صرح به الماوردي والروياني وابن الرفعة وغيرهم. قال في " المهمات ": وهذه المسألة مخرجة على أن تصرفات الحاكم حكم أم لا. انتهى. والمراد: البينة على الملك، فلو أقاموا بينة على أنه بأيديهم .. فهل يقسم تفريعًا على المنع عند مجرد اليد؟ فيه احتمالان لشيخنا الإمام البلقيني، قال: والمنع أصح؛ لأن البينة لم تفد القاضي شيئًا غير الذي عرفه. 6106 - قول " التنبيه " فيما إذا كان بين ملكيهما عرصة حائط، وهي الأس [ص 259]: (وإن أراد أن يقسمها عرضًا، فيجعل لكل واحد منهما نصف العرض في كمال الطول وامتنع الآخر .. فقد قيل: يجبر، وقيل: لا يجبر) الأصح: الأول، وهو الإجبار. 6107 - قوله فيما إذا كان بينهما حائط: (وإن طلب أحدهما أن يقسم طولًا في كمال العرض وامتنع الآخر .. [فقد قيل: لا يجبر، وقيل: يجبر وهو الأصح]) (¬2) (¬3) الأصح عند الرافعي والنووي: الأول (¬4)، وعليه مشى " الحاوي " فقال مثالًا لما لا يجبر على قسمته [ص 697]: (كالجدار طولًا بقرعة) ثم قال: (وعرضًا خُصَّ كل وجه بصاحبه) (¬5) أي: لو طلب أحدهما قسمة الجدار عرضًا .. أجيب الطالب وخص كل واحد مما يليه، وهذا قد حكاه الرافعي وجهًا عن صاحب " التقريب " بعد أن قال: إن ظاهر المذهب: أنه لا يجاب إليه، ذكره في الصلح (¬6)، وعليه مشى " التنبيه " فقال [ص 259]: (وإن كان بينهما حائط وطلب أحدهما أن يقسم عرضًا في كمال الطول وامتنع الآخر .. لم يجبر). والجواب عن " الحاوي ": أنه لم يرد الإجبار على ذلك؛ لأنه ذكره في حيز ما يعتبر فيه تكرير التراضي، وصورة المسألة: أن تكون العرصة لهما أيضًا، فإن كانت محتكرة .. فقال الماوردي: إنه لا إجبار؛ لأن البناء لا يعلم ما فيه؛ ليتساويا في الاقتسام إلا بعد هدمه، وفي هدمه ضرر؛ فلم يدخله إجبار، فإن اصطلحا عليه .. جاز (¬7). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 698). (¬2) في (ج): (فقد قيل: يجبر، وقيل: لا يجبر وهو الأصح). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 259). (¬4) انظر " فتح العزيز " (5/ 107)، و " الروضة " (4/ 215). (¬5) الحاوي (ص 697). (¬6) انظر " فتح العزيز " (5/ 107). (¬7) انظر " الحاوي الكبير" (6/ 396).

6108 - فول " الحاوي " [ص 698]: (ويهايؤ إن امتنعت) أي: القسمة، والمراد: جواز المهاياة، لا الإجبار عليها؛ ويدل له قوله بعده: (وللنزاع يؤجر) (¬1)، وقد أفصح بذلك " التنبيه " فقال [ص 259]: (وإن كان بين رجلين منافع فأرادا قسمتها بالمهاياة .. جاز، وإن أراد أحدهما ذلك وامتنع الآخر .. لم يجبر الممتنع). وقال شيخنا الإمام البلقيني: هذا في المنافع المملوكة بإجارة أو وصية؛ فإنه يجبر على قسمتها وإن كانت العين قابلة للقسمة أو غير قابلة؛ إذ لا حق للشركة في العين، قال: ويدل على الإجبار في ذلك ما ذكر في كراء العقب، وفي " أصل الروضة ": لو استأجر اثنان أرضًا وطلب أحدهما المهايأة وامتنع الآخر .. فينبغي أن يعود الخلاف في الإجبار، وإن أراد قسمتها .. ففي " فتاوى القاضي حسين ": أنها جائزة على قول ابن سريج (¬2)، أي: في الإجبار على المهايأة، لكن الأصح خلاف ذلك. 6109 - قول " الحاوي " [ص 698]: (ورجع ما لم يستوف نوبته) يقتضي أنه لا رجوع له بعد استيفائها، وليس كذلك؛ فالأصح: أن له الرجوع أيضًا؛ ويدل لذلك قوله عقبه: (فإن رجع واحد قبل تمام النوبتين .. غرم المستوفي نصف أجر مثل ما استوفى للآخر) (¬3). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 698). (¬2) الروضة (11/ 218). (¬3) الحاوي (ص 698).

كتاب الشهادات

كتابُ الشهادات 6110 - قول " المنهاج " [ص 568]: (شرط الشاهد: مسلم، حر، مكلف، عدل، ذو مروءة، غير متهم) فيه أمور: أحدها: أنه تركيب فيه عجمة، فكان ينبغي التعبير بالإسلام والحرية كما في " المحرر " و" الروضة " وغيرهما (¬1)، وعبارة " التنبيه " [ص 269]: (ولا تقبل الشهادة إلا من حر، بالغ، متيقظ، حسن الديانة، ظاهر المروءة) و" الحاوي " [ص 668]: (أو سأل الحجة: ذكرًا، ناطقًا، مسلمًا، حرًا، عدلًا، ذا مروءة، غير متهم)، وليس فيهما من العجمة ما في " المنهاج "، ولا يقال: أخل " التنبيه " باشتراط؛ الإسلام لأنه مفهوم من جنس الديانة، ولا باشتراط العقل؛ لأنه مفهوم من التيقظ، ولم يذكر انتفاء التهمة هنا، لكنه فصله بعد ذلك، ولم يحتج " الحاوي " للتصريح بالتكليف؛ لاندراجه تحت العدالة. ثانيها: أنه يشترط في الشاهد أيضًا النطق كما صرح به " الحاوي " (¬2)، وفي " التنبيه " [ص 269]: (وتقبل شهادة الأخرس، وقيل: لا تقبل، والأول أصح) لكن الأكثرون على الثاني، ونقل عن النص أيضًا، وهو الذي صححه الرافعي والنووي (¬3). ومحل الخلاف: ما إذا فهمت إشارته، فإن لم تفهم .. ردت شهادته قطعًا. واعترضه ابن الرفعة بأن المقصود ذكر الموانع من قبول الشهادة مع تصور وجودها، وسبب الرد في الخرس عدم تحقق المشهود به؛ فلذلك لم يعد من موانع الشهادة. قال في " التوشيح ": وفيه نظر؛ فإن الرافعي: لم يعد النطق شرطًا إلا على القول بأنه وإن عقلت إشارته مردود، فكيف سبب الرد عدم تحقق المشهود به. انتهى. ويشترط فيه أيضًا: التيقظ كما تقدم عن " التنبيه "، ثم أكده بقوله بعده [ص 269]: (فلا تقبل من مغفل) وكذا قال " المنهاج " بعد ذلك [ص 569]: (لا مغفل لا يضبط) وشاحح شيخنا في " تصحيح المنهاج " في هذه العبارة كما سيأتي، وقال في " الكفاية ": هذا إذا أطلق الشهادة، فلو أتى بها مفصلة ووصف الزمان والمكان وتأنق في ذكر الأوصاف .. قال الإمام: فالشافعي رحمه الله قد يقبلها؛ فإنه إذا فصلها وهو عدل .. لا يظن به اعتماد الكذب، وهذا ما أورده ¬

_ (¬1) المحرر (ص 496)، الروضة (111/ 222). (¬2) الحاوي (ص 668). (¬3) انظر " فتح العزيز " (13/ 37، 38)، و" الروضة " (11/ 245).

الفوراني والمسعودي والغزالي. انتهى (¬1). وهو الذي في " الروضة " وأصلها (¬2)، وإليه أشار " الحاوي " بقوله [ص 670]: (وتغافل حيث يحتمل الغلط)، وذكر الصيمري: أنه لا تقبل شهادة محجور عليه بسفه، فإن كان كذلك .. فهذا شرط آخر، ذكره في " أصل الروضة " (¬3). واعترضه ابن الرفعة: بأن السفه في المال مشعر بخلل في العقل، فهو مندرج فيما سلف. وقال في " التوشيح ": لو أشعر بذلك .. لعد حجر جنون، ولما ولي النكاح، لكنه يليه على وجه جيد، وقد يقول ابن الرفعة إشعاره به لا يؤدي إلى ثبوته من كل وجه، ولئن قال ذلك .. قلنا: فليس مندرجًا فيما سلف. انتهى. وكلام الرافعي والنووي في (الوصايا) موافق للصيمري؛ فإنهما اشترطا في الوصي: أن لا يكون محجورًا عليه بسفه، ثم قالا: وحصروا الشروط جميعًا بلفظ مختصر، فقالوا: ينبغي أن يكون الوصي بحيث تقبل شهادته على الطفل. انتهى (¬4). وتقدم عن " الحاوي " اشتراط الذكورة (¬5)، وليس بجيد؛ فإنها لا تعتبر في كل الشهادات، بل في بعضها، فلا يصح اشتراطها في مطلق الشهادة. ثالثها: مقتضى إطلاقهم: الاكتفاء بالإسلام بطريق التبعية وبالحرية بالدار، لكن قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": لو شهد بعد بلوغه قبل الإفصاح بالإسلام والإتيان بما ينافيه وقبل ظهور حريته بغير الدار .. لم أقبل شهادته وإن حكم بإسلامه وحريته؛ للاحتياط في الشهادة، ثم قال: فإن قيل: إذا ظهرت عدالته انكشف الحال في إسلامه وحريته .. قلنا: لا نسلم أنه ينكشف الحال في حريته لمجرد ذلك، وأما الإسلام: فقد يظهر انكشافه بذلك وقد لا يظهر. انتهى. وجمعهم بين العدالة والمروءة جار على ما قال الرافعي: إنه الأشهر والأحسن من اصطلاح الأصحاب، وهو إخراج المروءة عن حد العدالة، وعدها صفة برأسها، ومنهم من يدرج المروءة والتكليف والإسلام والحرية فيها، فيقول: العدل هو الذي تعتدل أحواله دينًا ومروءة وأحكامًا؛ أي: لا يكون ناقص الحكم بصبًا أو جنونٍ أو رقٍّ (¬6). 6111 - قول " المنهاج " [ص 568]: (وشرط العدالة: اجتناب الكبائر والإصرار على صغيرة) ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (19/ 9، 10). (¬2) فتح العزيز (13/ 31، 32)، الروضة (11/ 241). (¬3) الروضة (11/ 245). (¬4) انظر " فتح العزيز " (7/ 269)، و" الروضة " (6/ 311). (¬5) الحاوي (ص 668). (¬6) انظر " فتح العزيز " (13/ 21).

هذا نفس العدالة لا شرط فيها، وعبارة " التنبيه " [ص 269]: (ولا تقبل من صاحب كبيرة ولا مدمن على صغيرة) و" الحاوي " بعد قوله [ص 668]: (عدلًا: ما باشر كبيرة وما أصر على صغيرة) وقال بعضهم: لو عبر " الحاوي " بقوله: (ما أقدم) بدل (ما باشر) .. لكان أولى؛ ليدخل فيه من وطئ زوجته ظانًا أنها أجنبية .. فإنه غير عدل، ومرادهم بالكبيرة: غير الكبائر الاعتقادية التي هي البدع؛ فإن الراجح: قبول شهادة أهل البدع ما لم نكفرهم. واستثنى الشافعي رضي الله عنه: الخطابية (¬1)؛ لأنهم يشهدون بالزور لموافقيهم اعتمادًا على أنهم لا يكذبون (¬2)، وحمله بعضهم على ما إذا لم يذكر في شهادته ما يقطع احتمال الاعتماد على قول المدعي، فإن ذكره؛ بأن قال: سمعته يقر لفلان بكذا .. قبلت. وقال بعضهم: عطف الإصرار على الكبائر من ذكر الخاص بعد العام؛ لأنه كبيرة، وقال في " أصل الروضة ": وهل الإصرار السالب للعدالة المداومة على نوع من الصغائر، أم الإكثار من الصغائر سواء كانت من نوع أو أنواع؟ فيه وجهان، يوافق الثاني قول الجمهور: من غلبت طاعته معاصيه .. كان عدلًا وعكسه فاسق، ولفظ الشافعي رضي الله عنه في " المختصر " يوافقه، فعلى هذا لا تضر المداومة على نوع من الصغائر إذا غلبت الطاعات، وعلى الأول يضر (¬3). واعترضه في " المطلب ": بأن مقتضاه: أن مداومة النوع الواحد مضر على الوجهين، أما على الأول فظاهر، وأما على الثاني فلأنه في ضمن حكايته، قال: إن الإكثار من نوع واحد كالإكثار من الأنواع، وحينئذ .. لا يحسن معه التفصيل. نعم؛ يظهر أثرهما فيما لو أتى بأنواع من الصغائر، إن قلنا بالأول .. لم يضر؛ لمشقة كف النفس عنه، وهو ما حكاه في " الإبانة " وإن قلنا بالثاني .. ضر، وتبعه في " المهمات "، وقال: ويدل على ما ذكرناه أنه خالف المذكور هنا، وجزم في الكلام على الأولياء وفي الرضاع بأن المداومة على النوع الواحد يصيره كبيرة. وأجاب عنه شيخنا في " تصحيح المنهاج ": بأن الإكثار من النوع غير المداومة عليه؛ فإن المراد: الأكثرية التي تغلب بها معاصيه على طاعته، وهذا غير المداومة؛ فالمؤثر على الثاني إنما هو الغلبة لا المداومة، قال: فيزاد على قول " الروضة ": إن على الثاني لا تضر المداومة على نوع من الصغائر ولا على أنواع إذا غلبت طاعاته معاصيه، قال: فيكون الاحتمالان على هذا مختلفين ¬

_ (¬1) انظر " مختصر المزني " (ص 258). (¬2) الخطابية: هم أصحاب أبي الخطاب الأسدي الكوفي، كان يقول بألوهية جعفر الصادق ثم ادعى الألوهية لنفسه. انظر " نهاية المحتاج " (8/ 305). (¬3) الروضة (11/ 225).

في حالة ومتفقين في حالة، فيختلفان فيما إذا داوم على نوع ولكن الأغلب طاعته، فعلى الأول يفسق، وعلى الثاني لا يفسق، ويختلفان فيما إذا أتى بأنواع وصارت أكثر من الطاعات ولم يداوم على نوع من المعصية، فعلى الأول لا يفسق، وعلى الثاني يفسق، ويتفقان فيما إذا داوم على نوع وهو أكثر من طاعاته على أنه يفسق، والرجوع في الغلبة للعرف؛ فإنه لا يمكن أن يزاد مدة العمر، فالمستقبل لا يدخل في ذلك، وكذلك ما ذهب بالتوبة وغيرها؛ ولهذا قال الشافعي في " المختصر ": (ليس من الناس أحد نعلمه إلا أن يكون قليلًا يمحّض الطاعة والمروءة [حتى لا يخلطهما بمعصية، ولا يمحض المعصية وترك المروءة حتى لا يخلطهما بشيء من الطاعة والمروءة] (¬1)، فإذا كان الأغلب على الرجل الأظهر من أمره الطاعة والمروءة .. قبلت شهادته، وإذا كان الأغلب الأظهر من أمره المعصية وخلاف المروءة .. رددت شهادته) (¬2). قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": واتفق الأصحاب على أن المراد الصغائر؛ فإن الكبيرة بمجردها تخرج عن العدالة وإن كان الأغلب الطاعة، فكان ينبغي أن يقال شرط العدالة اجتناب الكبائر وعدم غلبة الصغائر على الطاعة. قول " الحاوي " في تفسير الكبيرة [ص 668]: (موجبة حدٍّ) اعتمد في الجزم به قول الرافعي: وهم إلى ترجيحه أميل، لكنه قال: إن الحد الآخر أنها ما لحق صاحبها وعيد شديد بنص كتاب أو سنة أوفق؛ لما ذكروه عند تفصيل الكبائر؛ أي؛ لأن الربا وأكل مال اليتيم وقطع الرحم والعقوق ونحوها من الكبائر مع أنه لا حد فيها، وقال الإمام في " الإرشاد " وغيره: كل جريمة تُؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين، وقيل: ما نص الكتاب على تحريمه، أو وجب في جنسه حد؛ من قتل أو غيره، وترك فريضة تجب على الفور، والكذب في الشهادة والرواية واليمين، فهذه أربعه أوجه (¬3). 6112 - قول " المنهاج " [ص 568]: (ويحرم اللعب بالنرد على الصحيح) فيه أمور: أحدها: مقتضاه: أن الخلاف وجهان، وأن مقابل الراجح ضعيف، وليس كذلك؛ فالخلاف قولان، نص على التحريم في حرملة وعلى الكراهة في " الأم " " والمختصر "، فقال: (يكره من وجه الخبر اللعب بالنرد أكثر مما يكره اللعب بشيء من الملاهي) (¬4) وقد ظهر بذلك قوته، وصححه جماعة. ¬

_ (¬1) ما بين القوسين سقط من (ج)، وفي (ب): (حتى يخلطهما بشيء من الطاعة والمروءة) وفي (د): (ولا يخلطهما بمعصية، ولا يمحض المعصية وترك المروءة حتى يخلطهما بشيء من الطاعة والمروءة)، والمثبت من " الأم " و " مختصر المزني ". (¬2) الأم (7/ 53)، مختصر المزني (ص 310). (¬3) انظر " فتح العزيز " (13/ 6). (¬4) الأم (6/ 208)، مختصر المزني (ص 311).

ثانيها: قد تفهم عبارته أن مقابله الإباحة، وليس كذلك، بل الكراهة كما تقدم. ثالثها: لم يبين هل هو من الكبائر أو الصغائر؟ والأصح: الثاني، وعليه مشى " الحاوي "، لكنه قال بعده: (وحيث يعظم مرة) (¬1) وتبع في ذلك قول الإمام: أنه ينظر إلى عادة البلد، فحيث يستعظمون النرد وسماع الأوتار .. ترد الشهادة بمرة واحدة، هالا .. فلا (¬2)، لكن قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إن هذا التفريق ضعيف. 6113 - قول " المنهاج " [ص 568]: (ويكره بشطرنج) عبارة " الأم ": (ولا أحب اللعب بالشطرنج) (¬3) وهذا صادق بأن يكون خلاف الأولى، وبأن يكون المراد: لا أحب فعله؛ لما يؤدي إليه. قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": فلا نثبت الكراهة مذهب الشافعي، وأما قول " مختصر المزني ": (فاللاعب بالشطرنج والحمام بغير قمار وإن كرهنا ذلك أخف حالًا) (¬4) فإن المزني أخل في النقل. انتهى. ثم لا يخفى أن محل ذلك: إذا لم يؤد الشغل به إلى ترك الصلاة، فإن أدى إلى تركها عامدًا .. فواضح، وإن شغله اللعب به حتى خرج الوقت وهو غافل ... ففي " أصل الروضة ": أنه إن لم يتكرر منه .. لم ترد شهادته، وإن كثر منه .. فسق وردت شهادته، بخلاف ما إذا تركها ناسيًا مرارًا؛ لأنه هنا شغل نفسه بما فاتت به الصلاة، هكذا ذكروه، وفيه إشكال؛ لما فيه من تعصية الغافل اللاهي، ثم قياسه الطرد في شغل النفس بغيره من المباحات (¬5). قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ولا إشكال؛ فيه لأن تعصية الغافل اللاهي إذا كان بسبب أدخله على نفسه باختياره، وقد جربه وعرف أنه يوقعه في ذلك .. فإنه يأثم به، وقد أشار إلى ذلك الشافعي بقوله: (فلا يعود للعب الذي يورث النسيان، وإن عاد له وقد جربه يورثه ذلك .. فذلك استخفاف، فأما الجلوس والنسيان .. مما لم يجلب على نفسه فيه شيئًا إلا حديث النفس الذي لا يمتنع به منه أحد ولا يأثم به، وإن قبح ما يحدث به نفسه، والناس يمتنعون من اللعب) هذا نصه في " الأم " (¬6)، وفيه جواب الإشكال. انتهى. وفي " التوشيح ": محل الكراهة: إذا لم يواظب ولم يلعب مع معتقد التحريم، فإن واظب ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 669). (¬2) انظر " نهاية المطلب " (19/ 21). (¬3) الأم (6/ 208). (¬4) مختصر المزني (ص 310). (¬5) الروضة (11/ 226). (¬6) الأم (6/ 208).

عليه .. ففي " الإحياء ": أنه يصير صغيرة (¬1)، وفي " الشامل " خلافه؛ ولعله الأشبه، وإن لاعب معتقد التحريم .. فالأرجح عند الوالد - رحمه الله - من وجهين حكاهما في " الحلبيات ": التحريم؛ لما فيه من الإعانة على انتهاك الحرمة والجرأة، وإن كان الفعل في اعتقادنا غير حرام؛ كمن تناول قدح جلاب لمن يشربه ظانًا أنه خمر .. فإنه يكون معينًا له على المعصية، قال: ونظير هذا لو تبايع رجلان وقت النداء، أحدهما تلزمه الجمعة، والثاني لا تلزمه، وفيها وجهان، الصحيح المنصوص: بأنه يحرم عليهما، قال: لكن مسألتنا أخف؛ فإن التحريم في البيع على من تلزمه الجمعة معلوم عندنا وعنده، وتحريم لعب الشطرنج غير معلوم عندنا ولا عنده، وإنما الحرام فعله مع اعتقاد حرمته، وهذا المجموع لم تحصل المعاونة عليه إنما حصلت على بعضه، قال: وهذه دقيقة ينبغي أن يتنبه لها (¬2). قال في " التوشيح ": وسالت الوالد - رحمه الله - مرة: أيحرم على رجل أن يسقي غيره الخمر إذا كان الشارب يظنه غير خمر والساقي يعرفه خمرًا؛ فقال: نعم، فقلت: لم مع أن الساقي لم يشرب، ولم يعن علي معصية لأن الشارب لم يأثم؟ ، فقال: لأنه حقق المفسدة التي طلب الشارع درءها من كل أحد وإن عذر من لا يعلم. انتهى. 6114 - قوله: (فإن شرط فيه مال من الجانبين .. فقمار) (¬3) محله: ما إذا كانا قريبًا من التكافؤ، فإن قطع بأن أحدهما غالب .. فليس بقمار، وإليه أشار الرافعي بقوله: وكان كل واحد منهما بين أن يغلب .. فيغنم، أو يغلب .. فيغرم (¬4)، وأسقطه في " الروضة ". وقد يفهم الجواز إذا شرط المال من أحدهما، وليس كذلك؛ فإنه وإن لم يكن قمارًا .. لا يحل أخذ المال؛ لعدم صحة العقد كما جزم به في " أصل الروضة " في المسابقة، فإن أخذه .. ففي " تعليق الشيخ أبي حامد ": أنه ترد شهادته، وفي " الكافي " للروياني: أنه خطأ بتأويل، فلا ترد به الشهادة إلا إن أخذه قهرًا. قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": والمعتمد ما قاله الشيخ أبو حامد. 6115 - قوله: (ويكره الغناء بلا آلة) (¬5) حمله شيخنا في " تصحيح المنهاج " على من اتخذه صناعة دون من غنَّى لطرب، وقال: إن الشافعي لم يذكر الكراهة إلا في تلك الحالة؛ فالعمل بنصه الموافق للدليل، وإن كان الموجود في التصانيف الإطلاق. انتهى. ¬

_ (¬1) إحياء علوم الدين (2/ 283). (¬2) قضاء الأرب في أسئلة حلب (ص 185، 186) المسألة التاسعة. (¬3) انظر " المنهاج " (ص 568). (¬4) انظر " فتح العزيز " (13/ 11). (¬5) انظر " المنهاج " (ص 568).

وكلام الرافعي في البيع والغصب والصداق يقتضى تحريم الغناء مطلقًا (¬1)، والقياس في الغناء المضموم للآلة المحرمة: بقاء الكراهة في الغناء وإن أوهمت عبارته خلافه فيه اضطراب، ولا يخفى تحريمه حيث كان السماع من امرأة أجنبية أو أمرد وخشي الفتنة فيهما. 6116 - قول " الحاوي " [ص 669]: (وسماع شعار الشرب) قد يتناول اليراع، وهو الذي صححه النووي (¬2)، لكن صحح الرافعي: عدم تحريمه (¬3)، ومال إليه شيخنا في " تصحيح المنهاج " وقال: لا يثبت التحريم إلا بدليل معتبر، ولم يقم النووي دليلًا على ذلك. وقال في " التوشيح ": لم يقم عندي دليل على تحريمه مع كثرة التتبع، والذي أراه الحل، فإن انضم إليه محرم .. فلكل منهما حكمه، ثم الأولى عندي لمن ليس من أهل الذوق: الإعراض عنه مطلقًا؛ لأنه قد يجره إلى ما لا ينبغي، وأدناه صرف الوقت فيما غيره أهم منه، وحصول اللذة به، وليست اللذة النفسانية في هذه الدار من المطالب الشرعية، وأما أهل الذوق .. فحالهم مسلم إليهم، وهم على حسب ما يجدون في أنفسهم، ونقل القاضي الحسين عن الجنيد: أنه قال: الناس في السماع على ثلاثة أضرب: العوام، وهو حرام عليهم؛ لبقاء نفوسهم، والزهاد، وهو مباح لهم؛ لحصول مجاهداتهم، والعارفون، وهم مستحب لهم؛ لحياة قلوبهم، وذكر نحوه أبو طالب المكي، وصححه السهروردي في " عوارف المعارف "، والظاهر أن الجنيد لم يرد التحريم الاصطلاحي، وإنما أراد: أنه لا ينبغي، ثم نقل عن والده شعرًا كتبه في جواب استفتاء بشعر، منه: واعلم بأن الرقص والدف ... الذي عنه سألت وقلت في أصوات فيه خلاف للأئمة قبلنا ... سرج الهداية سادة السادات لكنه لم تأت قط شريعة ... طلبته أو جعلته في القربات والقائلون بحله قالوا به ... كسواه من أحوالنا العادات فمن اصطفاه لدينه متعبدًا ... بحضوره فاعْدُدْه في الحسرات والعارف المشتاق إن هو هزه ... وجد فقام يهيم في سكرات لا لوم يلحقه ويحمد حاله (¬4) ... يا طيب ما يلقى من اللذات (¬5) ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (4/ 30)، (5/ 451). (¬2) انظر " الروضة " (11/ 228). (¬3) انظر " فتح العزيز " (13/ 15). (¬4) في (خ)، (د): (والحمد حالته). (¬5) انظر " طبقات الشافعية الكبرى " (10/ 182).

6117 - قول " المنهاج " [ص 568]: (ويجوز دف لعرس وختان) زاد شيخنا في " تصحيح المنهاج " على ذلك فقال: إنه مستحب؛ فإن مدار ما استدلوا به على الجواز على حديث: " أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالدف" (¬1)، وهو يقتضي زيادة على الجواز. 6118 - قوله: (وكذا غيرهما في الأصح) (¬2) استثنى شيخنا في " تصحيح المنهاج " من محل الخلاف: ضرب الدف في أمر مهم من قدوم عالم أو سلطان ونحوهما. انتهى. وظاهر كلامه الجواز ولو انضم إليه اليراع عند من أباحه، وقال ابن الصلاح: اجتماع الدف والشبابة حرام، لم يثبت عن أحد ممن يعتد بقوله حله. وقال في " التوشيح ": وهو غير موافَق عليه، بل ظاهر قول من يجوز هذه الأشياء منفردة تجويزها مجتمعة، وبه صرح أحمد الغزالي أخو حجة الإسلام، وكان من أئمة العلم والورع، ونقله محمد بن طاهر في تصنيفه في السماع عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وصح عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام والشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، وهما سيدا المتأخرين علمًا وورعًا. انتهى. ومقتضى كلام الجمهور: أنه لا فرق في حل الدف بين الرجال والنساء، وصرح به السبكي في " الحلبيات "، وضعف قول الحليمي: إن إباحته تختص بالنساء (¬3). 6119 - قوله: (ويحرم ضرب الكوبة، وهي: طبل طويل ضيق الوسط) (¬4) قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": لا نص في تحريمه بخصوصه للشافعي، وإنما ذكره الشيخ أبو محمد وتبعه الغزالي، ولم يرتضه الإمام، والذي نص عليه الشافعي: تحريم طبل اللهو (¬5)، وقال الخطابي: غلط من قال: الكوبة: الطبل، بل هي: النرد (¬6)، وذكر مثله ابن الأعرابي والزمخشري، وصححه ابن الأثير في " النهاية " (¬7). وعبارة " أصل الروضة ": ولا يحرم من الطبول إلا الطبل الذي يسمى الكوبة (¬8). وفي " المهمات ": أن الموجود لأئمة المذهب التحريم فيما عدا الدف، ذهب إليه القاضي ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (1089) وابن ماجه (1895) والبيهقي في " سننه الكبرى " (14476) عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها مرفوعًا. (¬2) انظر " المنهاج " (ص 568). (¬3) قضاء الأرب في أسئلة حلب (ص 199). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 568). (¬5) انظر " نهاية المطلب " (19/ 22، 23). (¬6) انظر " معالم السنن " (4/ 267). (¬7) النهاية في غريب الأثر (4/ 207). (¬8) الروضة (11/ 228).

حسين والبندنيجي والحليمي والماوردي وصاحب " المهذب " والحسين الطبري في " العدة " والروياني والبغوي والخوارزمي والعمراني والسهروردي في " الذخيرة " وابن أبي عصرون ومجلي، ونقله في " الاستقصاء " عن الشيخ أبي حامد. انتهى (¬1). 6125 - قوله: (لا الرقص) (¬2) أي: فليس بحرام، واختلف فيه، فقال القفال: مكروه، وقال الأستاذ أبو منصور: إن تكلفه على الإيقاع مكروه، وقال الفوراني والغزالي: مباح، وهو مقتضى كلام الشيخ أبي على (¬3) والحليمي، وأشار القاضي حسين في " تعليقه " والغزالي في " الإحياء " إلى أنه إن كان من أهل الأحوال الذين يقومون بوجد .. فيباح لهم ويكره لغيرهم (¬4)، وصرح به الأستاذ أبو منصور، وجزم الجاجرمي في " الكفاية " بالتحريم إذا كان كثيرًا، ذكره كله في " المهمات ". واعتمد شيخنا في " تصحيح المنهاج " كلام الجاجرمي في التحريم مع الكثرة بحيث يخل بالمروءة، وقال: لا يلزم من ذكر " المنهاج " بعده من مسقطات المروءة إدامة الرقص تحريمه، وقال: لا حاجة لاستثناء أصحاب الأحوال؛ لأنه ليس بالاختيار، فلا يوصف بإباحة ولا غيرها. 6121 - قوله: (إلا أن يكون فيه تكسر كفعل المخنث) (¬5) أي: فيحرم على الرجال والنساء، حكاه في " أصل الروضة " عن الحليمي، وأقره (¬6)، وفي " المهمات ": أن عبارة الحليمي: إن لم يكن فيه تثن وتكسر .. فلا بأس به، ولا يلزم (¬7) منه التحريم مع التثني؛ فقد يكون مكروهًا، وبه صرح الشيخ أبو على كما حكاه عنه ابن أبي الدم. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إن كان التحريم للتشبه بالمخنث المتشبه بالنساء .. فإنما يحرم على الرجال؛ للعن المتشبهين من الرجال بالنساء، ولا يحرم على المرأة؛ فإنه لا دليل يقتضي التحريم. 6122 - قوله: (ويباح قول الشعر وإنشاده) (¬8) ذكر الماوردي أنه يستحب منه نوعان: ما حذر من الآخرة، وما حث على مكارم الأخلاق (¬9). ¬

_ (¬1) انظر " حاشية الرملي " (4/ 345). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 568). (¬3) في (ج): (وهو الشيخ شهاب الدين). (¬4) إحياء علوم الدين (2/ 304، 305)، وفي النسخ: (ويكره لهم)، ولعل الصواب ما أثبتناه، والله أعلم. (¬5) انظر " المنهاج " (ص 568). (¬6) الروضة (11/ 229). (¬7) في النسخ: (وإلا يلزم)، ولعل الصواب ما أثبتناه، والله أعلم. (¬8) انظر " المنهاج " (ص 568). (¬9) انظر " الحاوي الكبير " (17/ 209).

6123 - قوله: (إلا أن يهجو، أو يفحش، أو يُعَرِّض بامرأة معينة) (¬1) فيه أمور: أحدها: أن ظاهره تحريم الهجو ولو كان صادقًا، وبه قال الروياني، لكن شاحح شيخنا في " تصحيح المنهاج " في ذلك وقال: إنما قال الروياني: رد الشهادة، ولا يلزم من رد الشهادة التحريم؛ فقد يكون لخرم المروءة، وفيه نظر، فلا خرم مروءة في ذلك، وإنما السبب التحريم، قال شيخنا: ومقتضى نص الشافعي في أن الشعر كلام حسنه كحسنه وقبيحه كقبيحه (¬2): أنه لا يحرم الهجو إذا كان صادقًا حيث لا يحرم الكلام بذلك، فإن كان فيه إشاعة فاحشة .. فهو حرام. انتهى. قال الرافعي: ويشبه أن يكون التعريض هجوًا كالتصريح (¬3)، وجزم به في " الشرح الصغير "، وقال ابن كج: ليس التعريض هجوًا، وليس إثم حاكيه كإثم منشئه. ثانيها: يستثنى: هجو الكفار، فيجوز كما صرح به الروياني وغيره، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": نص " الأم " يقتضيه، وصرح الشيخ أبو حامد بأنه مندوب إليه. والمبتدع؛ ففي " الإحياء " أنه مباح (¬4)، قال في " المهمات ": والقياس في الفاسق المتظاهر كذلك، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الأرجح: تحريمه، إلا لقصد زجره؛ فإنه قد يتوب وتبقى عليه وصمة الشعر السائر. ثالثها: محل تحريم التعريض بمعينة: ما إذا لم تكن حليلته، فإن كانت زوجته أو جاريته .. ففيه وجهان: أحدهما: يجوز ولا ترد شهادته، فعلى هذا: إذا لم تكن معينة .. لا ترد شهادته؛ لاحتمال إرادة من تحل له، وأصحهما: رد شهادته إذا ذكرها بما حقه الإخفاء؛ لسقوط مروءته، كذا في " أصل الروضة " (¬5). وقال في " المهمات ": نص الشافعي على خلافه صريحًا، فقال: (ومن شبب فلم يسم أحدًا .. لم ترد شهادته؛ لأنه يمكن أن يشبب بامرأته أو جاريته) (¬6) هذا لفظه، ونقل في " البحر ": عدم الرد عن جمهور الأصحاب، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهو محمول على ما إذا لم يظهر منه ما يسقط مروءته من ذكر ما حقه الإخفاء، قال: وقضية هذا: أنه إذا ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 568). (¬2) انظر " الأم " (6/ 207). (¬3) انظر " فتح العزيز " (13/ 17). (¬4) إحياء علوم الدين (2/ 282). (¬5) الروضة (11/ 229). (¬6) انظر " الأم " (6/ 207).

وصف أعضاء باطنة مع عدم التعيين .. أنه ترد شهادته؛ لأنه دائر بين ذكر ذلك من أجنبي أو من زوجة وأمة (¬1)، ويمكن أن يقال: إذا لم يعين وذكر أعضاء باطنة .. فإنه لا ترد شهادته؛ لأنه يحتمل أن تكون زوجته أو أمته، وعند الإبهام لا يكون وصف ذلك خارمًا للمروءة. انتهى. ولما ذكر في " أصل الروضة ": أن الصحيح الذي عليه الجمهور: أن المدح إذا لم يمكن حمله على المبالغة وكان كذبًا محضًا .. ترد به الشهادة إن كثر، وعن القفال والصيدلاني خلافه؛ لأن الكاذب يوهم الكذب صدقًا، بخلاف الشاعر، فعلى هذا: لا فرق بين قليله وكثيره، قال: وهذا حسن بالغ، وينبغي على قياسه أن التشبيب بالنساء والغلمان بغير تعيين لا يخل بالعدالة وإن كثر منه؛ لأن التشبيب صنعة، وغرض الشاعر تحسين الكلام لا تحقيق المذكور، قال: وكذلك ينبغي أن يكون الحكم لو سمى امرأة لا يُدرى من هي (¬2). رابعها: خرج بالمرأة: الغلام، لكن قال الروياني: لو شبب بغلام وذكر أنه يعشقه .. فسق وإن لم يعينه؛ لأن نظره بشهوة حرام، واعتبر في " التهذيب " وغيره فيه التعيين كالمرأة، حكاه عنهما في " أصل الروضة " (¬3)، وقد عرفت بحث الرافعي المتقدم، والله أعلم. 6124 - قول " المنهاج " [ص 568]: (والمروءة: تخلُّقٌ بخلق أمثاله في زمانه ومكانه) قريب من قول " الحاوي " [ص 669]: (تارك غير لائق به)، وعبارة " الروضة ": وهي: التوقي عن الأدناس (¬4)، وقال الرافعي: قيل: صاحب المروءة هو الذي يصون نفسه عن الأدناس، ولا يشينها عند الناس، وقيل: الذي يتحرز عما يسخر منه ويضحك، وقيل: الذي يسير بسيرة أمثاله في زمانه ومكانه، ولم يرجح شيئًا منها (¬5). واعترض شيخنا في " تصحيح المنهاج " على تعريف " المنهاج " بأنه قد يكون خلق أمثاله: حلق اللحى؛ كالقلندرية (¬6) مع فقد المروءة فيهم، وقد يرتقي عن خلق أمثاله إلى ما هو أعلى منه، فهو ذو مروءة، وأنه يشمل فعل الطاعات واجتناب المحرمات مع أن المروءة زائدة على ذلك، واختار أنها: صون النفس عن تعاطي مباحات أو مكروهات غير لائقة بفاعلها عرفًا، أو دالة على قلة مبالاته بما يهتم به، ثم ذكر أن البيهقي روى بإسناده عن الشافعي أنه قال: المروءة أربعة ¬

_ (¬1) في النسخ: (ومن زوجة أو أمة)، ولعل الأولى ما أثبت، والله أعلم. (¬2) الروضة (11/ 229). (¬3) الروضة (11/ 229)، وانظر " التهذيب " (8/ 268). (¬4) الروضة (11/ 232). (¬5) انظر " فتح العزيز " (13/ 21). (¬6) في (ب): (كالقرندلية)، وفي (ج): (كالفريدلية)، ولعل الصواب ما أثبت، والله أعلم.

أركان: حسن الخلق، والسخاء، والتواضع، والنسك (¬1)، ثم جوز شيخنا حمل ذلك على المروءة التي تعتبر في قبول الشاهد، وحمله على المروءة الكاملة التي يكون بعضها غير قادح في الشهادة، وقسَّم الماوردي المروءة إلى شرط في العدالة، وهو مجانبة ما سخف من الكلام المؤذي أو المضحك، وترك ما قبح من الفعل الذي يلهو به، وغير شرط فيها، وهو الإفضال بالمال والطعام، والمساعدة بالنفس والجاه، ومختلف فيه، وهو أن يقتدي بأهل الصيانة دون أهل البذلة في ملبسه ومأكله وتصرفه؛ فقيل: يعتبر في العدالة، وقيل: لا، وقيل إن نشأ عليها من صغره .. لم تقدح في عدالته، وإلا .. قدحت، وقيل: إن اختصت بالدين .. قدحت، أو بالدنيا .. فلا، فهذه أربعة أوجه. 6125 - قول " المنهاج " في أمثلة مسقط المروءة [ص 568]: (الأكل في سوق) و" التنبيه " [ص 269]: (ومن يأكل في الأسواق) فيه أمور: أحدها: أن محله في غير السوقي، كما قاله في " الروضة " (¬2)، وسبقه إليه القاضي حسين وغيره، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وكذا يستثنى من أكل داخل حانوت مستترًا. ثانيها: قيده في " الكفاية " بأن يكون بنصب مائدة، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ولم أجد ذلك في كلام غيره، ولا فرق بين نصب مائدة وغيره قاعدًا كان أو قائمًا أو ماشيًا أو راكبًا؛ لأنه خلاف عادة المروءة. ثالثها: مقتضى عبارة " المنهاج ": سقوطها بمرة واحدة، ولا سيما وقد قال بعد ذلك [ص 568]: (وإكثار حكايات مضحكة)، وقد يقال: عبارة " التنبيه " تقتضي تكرر ذلك واعتياده، وقال شيخنا ابن النقيب: فيه نظر (¬3). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الذي يعتمد في ذلك أنه لا بد من تكرره تكررًا دالًا على قلة المبالاة، وقد قال الشافعي رضي الله عنه: (فإذا كان الأغلب على الرجل الأظهر من أمره الطاعة والمروءة .. قبلت شهادته) (¬4). رابعها: عبارة " الوسيط ": الأكل في الطريق (¬5)، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهو القياس إذا كان الطريق مطروقًا؛ فإن المعنى الذي في السوق موجود هنا. ¬

_ (¬1) انظر " سنن البيهقي الكبرى " (10/ 195، 20601). (¬2) الروضة (11/ 232). (¬3) انظر " السراج على نكت المنهاج " (8/ 259). (¬4) انظر " الأم " (7/ 53). (¬5) الوسيط (7/ 353).

خامسها: خرج بالأكل: الشرب، وفي " أصل الروضة " التسوية بينهما، إلا أن يشرب لغلبة عطش (¬1). 6126 - قول " المنهاج " [ص 568]: (والمشي مكشوف الرأس) عبارة " أصل الروضة ": المشي في السوق مكشوف الرأس والبدن إذا لم يكن ممن يليق به مثله (¬2)، وكان ينبغي أن يقول: (أو البدن) لأن أحدهما كان كاف، والمراد: غير العورة؛ فإن ذلك من المحرمات. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الوقوف مكشوف الرأس في السوق أو الطريق أو ببابه ونحو ذلك بحيث لا يليق به كذلك. 6127 - قوله: (وقبلة زوجة أو أمة بحضرة الناس) (¬3) قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": المراد: الناس الذين يستحي منهم في ذلك، والتقبيل الذي يستحي من إظهاره، فلو قبل زوجته بحضرة جواريه أو بحضرة زوجات له غيرها .. فإن ذلك لا يعد من ترك المروءة، وما يعتاد من تقبيل العروس ليلة جلائها في عدِّه من ترك المروءة توقف؛ لأن اعتياد ذلك أخرجه عن مقام الاستحياء، وأما تقبيل الرأس ونحوه .. فلا يخل بالمروءة انتهى (¬4). وقرن بذلك في " أصل الروضة ": أن يحكي ما جرى بينهما في الخلوة (¬5)، وكذا صرح في " المنهاج " بكراهته، لكن في " شرح مسلم ": أنه حرام (¬6). 6128 - قوله: (وإكثار حكايات مضحكة) (¬7) يقتضي أن ما عداه لا يتقيد بالإكثار، وفيه ما تقدم. 6129 - قوله: (ولبس فقيه قباء وقلنسوة حيث لا يعتاد) (¬8) قيده في " أصل الروضة " بأن يتردد فيهما (¬9)، ومقتضاه: أن لبسهما في البيت ليس كذلك. قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهذا إذا كان لا ينتابه الناس في بيته وهو على هذه الحالة، وإلا .. فهو كالتردد في البلد، قال شيخنا: فلو اعتاد ذلك في بلده وجاء إلى بلد لا يعتاد ذلك فيها .. فهل يتبع عادة البلد المنتقل إليها أو يترك على سجيته؟ الثاني أظهر، قال: وعلى ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 232). (¬2) الروضة (11/ 232). (¬3) انظر " المنهاج " (ص 568). (¬4) انظر " حاشية الرملي " (4/ 347). (¬5) الروضة (11/ 232). (¬6) شرح مسلم (8/ 10). (¬7) انظر " المنهاج " (ص 568). (¬8) انظر " المنهاج " (ص 568). (¬9) الروضة (11/ 232).

هذا: فينبغي أن يقال: حيث لا يعتاد لمن لم يعتده في بلده (¬1). 6130 - قوله: (وإكباب على لعب شطرنج) (¬2) و" الحاوي " [ص 669]: (من إدامة لعب الشطرنج)، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": هذا مخالف لظواهر نصوص الشافعي، ولطريقة العراقيين، وللمعتمد في الدليل إذا سلم من ارتكاب كبيرة وإصرار على صغيرة، ولا يقوم عليه دليل، والأصح: أن الشهادة لا ترد بمجرد هذا، فإن أخل بالمروءة، كلعب به على طريق ونحوه .. التحق بتارك المروءة. قلت: وكذا ذكره " التنبيه " في مسقطات المروءة كما سيأتي (¬3). 6131 - قول " التنبيه " [ص 269]: (والذي يلعب بالحمام) أي: بالتطيير والمسابقة. يقتضي رد شهادته مطلقًا، لكن قيده " الحاوي " بالإدامة (¬4)، وكذا في " أصل الروضة " فقال: فمن داوم على اللعب بالشطرنج والحمام .. ردت شهادته وإن لم يقترن به ما يوجب التحريم، لما فيه من ترك المروءة (¬5)، لكنه قال قبله بيسير: الصحيح: أنه مكروه، ولا ترد الشهادة بمجرده، فإن انضم إليه قمار ونحوه .. ردت (¬6). واعتمد شيخنا الإسنوي هذا الثاني المذكور في " الروضة " أولًا، واقتصر عليه في " تنقيحه " وقال في " تصحيحه ": الأصح: قبول شهادة من يلعب بالحمام على عكس ما في " التنبيه ". انتهى (¬7). وقد يقال: تعبير " التنبيه " يدل على الاعتياد والمداومة كما تقدم فيمن يأكل في الأسواق. 6132 - قول " التنبيه " [ص 269]: (ولا تقبل ممن لا مروءة له، كالكناس، والنخال، والقمام، والقيم في الحمام، والذي يلعب بالحمام، والقوال، والرقاص، والمشعوذ، ومن يأكل في الأسواق، ويمد [رجله] (¬8) عند الناس، ومن يلعب بالشطرنج على الطريق) ثم قال: (وأما أصحاب المكاسب الدنيئة؛ كالحارس والحائك والحجام .. فقد قيل: تقبل شهادتهم إذا حسنت طريقتهم في الدين، وقيل: لا تقبل، والأول أصح) فيه أمران: ¬

_ (¬1) انظر " حاشة الرملي " (4/ 347). (¬2) انظر " المنهاج " (ص 568). (¬3) التنبيه (ص 269). (¬4) الحاوي (ص 669). (¬5) الروضة (11/ 230). (¬6) الروضة (11/ 227). (¬7) تذكرة النبيه (3/ 526). (¬8) في (ب): (رجليه).

أحدهما: أنه أخرج الكناس والمذكورين معه أولًا عن أصحاب الحرف الدنيئة، والمنقول في الأربعة المذكورين أولًا: أنهم من أهل الحرف الدنيئة، وممن صرح بذلك هو في " المهذب " (¬1)، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 569]: (وحرفة دنيئة كحجامة وكنس ودبغ) فسوّى بين الكناس والحجام. ثانيهما: أنه أطلق محل الخلاف في أصحاب المكاسب الدنيئة، وكذا فعل الجمهور، وقال الغزالي: الوجهان في أصحاب الحرف هما فيمن يليق به وكان ذلك صنعة آبائه، فأما غيره فتسقط مروءته بها (¬2)، قال الرافعي: وهذا حسن، ومقتضاه: أن يقال: الإسكاف والقصاب إذا اشتغلا بالكنس .. بطلت مروءتهما، بخلاف العكس (¬3)، وعليه مشى " المنهاج " فقيد رد شهادة ذي الحرفة الدنيئة بأن لا يليق به، ثم قال: (فإن اعتادها وكانت حرفة أبيه .. فلا في الأصح) (¬4)، وكذا في " الشرح الصغير "، وعلى ذلك يحمل إطلاق " الحاوي " في عد مسقط المروءة وحرف دنيئة. لكن قال النووي في " الروضة ": لم يتعرض الجمهور لهذا القيد، وينبغي أن لا يقيد بصنعة آبائه، بل ينظر هل يليق به هو أم لا (¬5). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": مقتضاه: أنه لا خلاف في رد شهادة من لم يعتدها ولا كانت حرفة أبيه، وهذا لا يعرف في كلام أحد من الأصحاب في الطريقين إلا في " الوسيط " و" الوجيز " (¬6)، ثم بسط ذلك، وقال قبل ذلك: الخياطة ليست حرفة دنيئة قطعًا، والحرفة التي فيها مخامرة النجاسة دنيئة قطعًا، وما بينهما فيه التردد، لكن ترجح في الصباغ والصواغ القطع بالقبول، وفي الحائك إجراء الخلاف، والأرجح عندي: القطع فيه بالقبول أيضًا، وكذا الأرجح في النحال: قبول شهادته خلافًا لمن قطع بردها كـ " التنبيه "، ولا يظهر فيه ما يقتضي رد شهادته ولا دناءة حرفته. انتهى. وقول " التنبيه ": (والقوال) موافق لنقل الرافعي من مسقطات المروءة الاكتساب بالشعر والغناء ثم قال: وقد يقال: إذا استمرت العادة أن الشاعر يكتسب بشعره والمغني يتخذ صنعة الغناء حرفة ومكسبًا .. فالاشتغال به ممن يليق بحاله لا يكون تركًا للمروءة، وكلام الأصحاب محمول ¬

_ (¬1) المهذب (2/ 325). (¬2) انظر " الوسيط " (7/ 353). (¬3) انظر " فتح العزيز " (13/ 22). (¬4) المنهاج (ص 569). (¬5) الروضة (11/ 233). (¬6) الوسيط (7/ 353)، الوجيز (2/ 248).

على من لا يليق به، قال: وقد رأيت ما ذكرته في الشاعر يكتسب بشعره لابن القاص (¬1). قول " الحاوي " في مسقط المروءة عطفًا على ما اعتبر فيه الإدامة وسماع الغناء والدف [ص 669]: (وبصنج) أراد بالصنج: الجلاجل؛ أي: أن سماع الدف ولو كان فيه جلاجل ليس بحرام، لكن إدامته تسقط المروءة، فلا ينافي ذلك عد الرافعي الصنج في المحرمات التي هي من شعار شاربي الخمر (¬2)؛ لأن مراده به: ذو الأوتار الذي يختص به العجم. 6133 - قول " المنهاج " [ص 569]: (والتهمة: أن يجر إليه نفعًا أو يدفع عنه ضرًا) فيه أمران: أحدهما: كان ينبغي أن يقول: (إلى نفسه، أو يدفع عن نفسه) فإنك لو قلت: جر زيد إليه .. كان ركيكًا؛ لأنه يصير التقدير: جر زيد إلى زيد، وزيد هو الاسم، وجر النفع ليس للاسم، إنما هو للمسمى، وينضم إليه احتمال عود الضمير لغيره. ثانيهما: كذا لو جر إلى أصله أو فرعه، أو دفع عن أصله أو فرعه كما لو شهد للأصيل الذي ضمنه ابنه بالأداء أو الإبراء، ولا يقال: سيأتي أنها لا تقبل لأصل ولا فرع؛ لأن ذاك فيما شهد لهما به مقصودًا، وهنا ليس كذلك، وقد سلم " الحاوي " من الأمرين بقوله [ص 669]: (غير متهم بجر ودفع) و" التنبيه " من الأول بقوله [ص 269، 270]: (ولا تقبل شهادة الجار إلى نفسه نفعًا ولا الدافع ضررًا). 6134 - قول " المنهاج " [ص 569]: (فترد شهادته لعبده) أي: المأذون، كما قيده في " المحرر " و" الروضة " وأصلها؛ لأنه متى لم يكن مأذونًا .. كانت شهادة لنفسه (¬3). واستثنى شيخنا في " تصحيح المنهاج " من ذلك: شهادته له على شخص بأنه قذفه .. فتقبل، قاله تخريجًا، قال: ولو شهد لعبده بأن زوجته تسلمت منه الصداق من كسبه في أيام بائعه أو مشتريه، وقلنا: إنه يعود للبائع كله بالفسخ قبل الدخول أو شطره بالطلاق قبل الدخول وهو الأصح في أيام بائعه خلافًا للمصحح في " أصل الروضة " في الصداق .. فتقبل؛ لأن النفع لا ينجر للمشتري بل للبائع، قال: والعبد الموصَى بإعتاقه إذا قلنا: يكون كسبه قبل الإعتاق له دون الوارث لو شهد له الوارث على شخص استوفى منفعته مدة .. قبلت وإن كان عبده؛ لأنه لا يجر إلى نفسه نفعًا، ولو استلحق عبده لقيطًا وقلنا: لا يصح استلحاقه، فشهد له مالكه .. قبلت؛ لأنه لا يجر إليه نفعًا، ولو قذف عبذ زوجته بزنا فشهد مالكه بذلك مع غيره .. ففيه تردد، والأرجح: أنها ¬

_ (¬1) انظر " فتح العزيز " (13/ 18). (¬2) انظر " فتح العزيز " (13/ 15). (¬3) المحرر (ص 497)، فتح العزيز (13/ 23)، الروضة (11/ 234).

لا تقبل؛ لأنه يدفع الحد عن عبده، فيجر لنفسه نفعًا. انتهى (¬1). 6135 - قول " التنبيه " في أمثلة ذلك [ص 269]: (وشهادة الغرماء للمفلس بالمال) محله: ما إذا كان بعد الحجر كما قيدها المنهاج " (¬2)، وأجاب عنه في " التوشيح ": بأن المفلس في اصطلاح الفقهاء: من حجر عليه. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ظاهره تخصيصه بما إذا كان للشاهد دين موجود؛ لأنه الغريم حقيقة، فلو استوفى الدين لحدوث مال المفلس أو جوزنا الحجر بالدين المساوي للمال .. قبلت شهادته، قال: وقد يمنع؛ لاحتمال ظهور غريم، قال: والتقييد بحجر الفلس يخرج حجر السفه والمرض ونحوهما، لكن المرتد يقضي ديونه من ماله على الأقوال كلها، فلو شهد غريم المرتد له بمال .. لم تقبل شهادته؛ لأن حاله أشد من المفلس، وهو قريب من الميت. 6136 - قول " التنبيه " [ص 269، 270]: (والوكيل للموكل) أي: بما هو وكيل فيه كما قيده به " المنهاج " (¬3)، ولو عبر بقوله: (فيما هو وكيل فيه) كما فعل في "المحرر" و"أصل الروضة " (¬4) .. لكان أولى؛ ليتناول من وكل في شيء بخصومة أو تعاطي عقد فيه أو حفظه أو نحو ذلك .. فإنه لا تقبل شهادته لموكله في ذلك؛ لأنه يجر لنفسه نفعًا باستيفاء ماله في ذلك من التصرف، وإن لم يشهد بنفس ما وكل فيه، وقد يفهم من كلامهما القبول فيما إذا عزل نفسه، ومحله: ما إذا لم يخاصم، فإن خاصم ثم عزل نفسه وشهد .. لم تقبل، وفي " أصل الروضة " في الوكالة عن " النهاية " من غير مخالفة: أن وكيل المدعى عليه لا تقبل تزكيته لبينة المدعي؛ لأنها كالإقرار في قطعها للخصومة، وليس للوكيل ذلك (¬5). قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهو عندي متعقب؛ لعدم النفع والضر، فردها لا وجه له، ومجرد التعديل لا يقطع الخصومة؛ لما يقوم بعده من الدوافع. انتهى. وذكر " التنبيه " مع شهادة الوكيل: شهادة الوصي لليتيم (¬6)، وفي معناه: قيم الحاكم، والمراد: الشهادة في محل التصرف. 6137 - قول " المحرر " [ص 497]: (والضامن للأصيل بالإبراء أو الأداء) أحسن من قول " المنهاج " [ص 569]: (وببراءة من ضمنه) لاحتمال شهادة الأصيل ببراءة من ضمنه، وهي ¬

_ (¬1) انظر " حاشية الرملي " (4/ 349). (¬2) المنهاج (ص 569). (¬3) المنهاج (ص 569). (¬4) المحرر (ص 497)، الروضة (11/ 234). (¬5) الروضة (4/ 321)، وانظر " نهاية المطلب " (7/ 37). (¬6) التنبيه (ص 269).

مقبولة، والممنوعة إنما هي شهادة الضامن ببراءة مضمونه الذي هو الأصيل ولإسقاطه الأداء، وفي معنى ذلك: من ضمنه عبده، أو مكاتبه، أو غريم له ميت، أو محجور عليه بفلس، ومن ضمنه أصله أو فرعه. 6138 - قول " المنهاج " [ص 569] و" الحاوي " [ص 670]: (وبجراحة مورثه) أي: قبل الاندمال، كما صرح به " المنهاج " في دعوى الدم (¬1)، وصرح به " التنبيه " هنا (¬2)، وفي معنى المندملة: ما إذا كانت بحيث لا تسري إلى النفس، وفي كلامهم أمور: أحدها: محله: فيما إذا كان وارثًا عند الشهادة، وإليه أشار " الحاوي " بقوله [ص 670]: (لداها) فإن كان محجوبًا .. قبلت، ولا يضر زوال الحجب وارثه بعد الحكم. ثانيها: لو قالوا: (إن فلانًا جرح مورثه) كما في " المحرر " (¬3) .. لكان أولى؛ فقد يشهد بجراحة مورثه على غير معين؛ لإيقاع عتق أو طلاق أو غير ذلك من قيام عذر للمجروح في ترك حضور وظيفة أو مجلس حكم .. فتقبل شهادته. ثالثها: قال ابن أبي عصرون: لو كان على المجروح دين يستغرق أرش الجراحة .. قبلت شهادة وارثه بها؛ لانتفاء التهمة، قال في " المهمات ": وفيه نظر؛ لأن الدين لا يمنع الإرث، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إنه مردود، قال: ولو كان المجروح عبدًا ثم أعتقه سيده بعد الجرح، فادعى السيد بالجرح على الجارح، وأنه هو المستحق لأرشه؛ لأنه كان في ملكه فشهد له وارث المجروح .. فإنه تقبل شهادته، لعدم المعنى المقتضي للرد، قال: ولم أر من تعرض لهذه الصورة. 6139 - قول " التنبيه " [ص 270]: (وإن شهد الوارث للمورث في المرض - أي: بمال - .. لم تقبل، وقيل: تقبل) الأصح: القبول، وعليه مشى " الحاوي " فقال [ص 670]: (لا بمال)، و" المنهاج " فقال [ص 569]: (ولو شهد لمورث له مريض أو جريح بمال قبل الاندمال .. قبلت على الأصح) وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إنه مشكل؛ فإن الجراحة القائمة التي من شأنها أن تسري إلى النفس مانعة من قبول الشهادة بها، فكذلك ينبغي أن تكون مانعة من قبول الشهادة بمال غير أرشها؛ لاشتراكهما في التهمة، وليست الشهادة بالجرح المذكور أقوى من الشهادة بالمال للمجروح المذكور، بل الشهادة بالمال ناجزة بخلاف الجرح. انتهى. وعلى الأصح: لو مات المشهود له؛ إن كان بعد الحكم .. أخذ الوارث المال، وقبله .. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 497). (¬2) التنبيه (ص 269). (¬3) المحرر (ص 497).

فلا، ذكره البغوي في " فتاويه "، وتقدم نظيره، وأطلق " التنبيه " و" المنهاج " محل الخلاف، ومحله: أن يكون في مرض الموت، كما قيده به " المنهاج " في دعوى الدم (¬1)، ووقع في " شرح ابن يونس " بعد قول " التنبيه ": (في المرض) زيادة: (ثم برأ)، وليست في " الكفاية "، واعترض صاحب " التنويه " على إثباتها؛ بأنه لا فرق بين أن يبرأ من ذلك المرض أو لا، قال: ولم يذكره في " المهذب " ولا مشاهير الكتب. انتهى. وكان "المنهاج " غنيًا عن ذكر هذه المسألة والتي قبلها؛ لتقدمهما في دعوى الدم أبسط وأصوب. 6140 - قولهما - والعبارة لـ " التنبيه " -: (ولا تقبل شهادة الدافع عن نفسه ضررًا؛ كشهادة العاقلة على شهود القتل بالفسق) (¬2) محله: ما إذا كان غير عمد بحيث تحمله العاقلة؛ ولهذا قال " الحاوي " [ص 670]: (والعاقلة بفسق شهود الخطأ) ومثله شبه العمد، وقد عبر " المنهاج " في دعوى الدم بعبارة شاملة، فقال [ص 497]: (بفسق شهود قتل يحملونه)، ومع ذلك فأورد عليه: أنهم لو كانوا فقراء .. لم يحملوه، ومع ذلك فلا تقبل شهادتهم بذلك كما نص عليه، ونص في الأباعد على السماع، والأصح: تقريرهما؛ لأن الغني غير مستبعد، بخلاف موت القريب؛ ولهذا قال " الحاوي " [ص 670]: (ولو فقراء لا أباعد). 6141 - قول " المنهاج " [ص 569]: (وغرماء مفلس بفسق شهود دين آخر) استثنى منه شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ما إذا كان للغريم الشاهد رهن بدينه ولا مال للمفلس غيره، أو له مال ويقطع بأن الرهن يوفي الدين المرهون به .. فتقبل؛ لفقد ضرر المزاحمة، قال: ولم أر من تعرض له، والقواعد تقتضيه (¬3). 6142 - قوله: (ولو شهدا لاثنين بوصية فشهدا للشاهدين بوصية من تلك التركة .. قبلت الشهادتان في الأصح) (¬4) عبر في " الروضة " بالصحيح (¬5). 6143 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (ولا تقبل لأصل ولا فرع) (¬6) محله: ما إذا لم يكن ضمنيًا؛ كأن ادعى شخص شراء عبد في يد زيد من عمرو بعد ما اشتراه عمرو من زيد وشهد له أبناء زيد .. فالأظهر في " أصل الروضة ": القبول (¬7). ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 497). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 270)، و" الحاوي " (ص 670)، و " المنهاج " (ص 569). (¬3) انظر " حاشية الرملي " (4/ 350). (¬4) انظر " المنهاج " (ص 569). (¬5) الروضة (11/ 236). (¬6) انظر " التنبيه " (ص 269)، و" الحاوي " (ص 671)، و " المنهاج " (ص 569). (¬7) الروضة (11/ 2356).

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ولا يحتاج عندي لهذا التصوير، بل لو ادعى على زيد أنه باعه فشهد ابناه .. قبلت شهادتهما. ولا عامًا؛ كأن ادعى السلطان على شخص بمال لبيت المال فشهد بذلك فرعه أو أصله .. قبلت، قاله الماوردي. ولا مما يقبل فيه قول الفرع أو الأصل؛ كما إذا ادعى أن زيدًا وكله فشهد له بذلك أصله أو فزعه .. فتقبل وفاقًا لابن الصباغ خلافًا للشيخ أبي حامد، وذكر شيخنا: أن القبول أرجح. 6144 - قول " المنهاج " [ص 569]: (وتقبل عليهما) لا يخفى أن محله: إذا لم يكن مع كونها عليهما لأصل أو فرع؛ كأن يشهد لأحد ابنيه على الآخر بمال، لكن في " فتاوى القاضي حسين ": لو أتت زوجة رجل بولد فنفاه فشهد أبوه مع أجنبي أنه أقر أنه ولده .. يحتمل وجهين، والأصح: القبول، احتياطًا للنسب؛ ولأنه شهد على ابنه وإن كان في ضمنه الشهادة لحفيده. قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": والظاهر أن صورته بعد دعوى، فقبلها ينبغي قبوله قطعًا إذا قبلنا شهادة الحسبة في النسب، وهو المذهب. انتهى. ولو شهد على أبيه أنه طلق أمه؛ فإن كان قبل دعواها .. قبلت، وإلا .. فلا، كما في " أصل الروضة " (¬1). 6145 - قول " التنبيه " [ص 269]: (ولو شهد على أبيه أنه طلق ضرة أمه أو قذفها .. ففيه قولان، أحدهما: تقبل شهادته، والثاني: لا تقبل) الأظهر: القبول، وعليه مشى " المنهاج " (¬2)، وأطلقا الخلاف، ومحله: أن تكون أمه تحت أبيه، فإن لم تكن تحته .. قبلت قطعًا، ورجح شيخنا في " تصحيح المنهاج " في صورة القذف: القطع بالقبول على الجديد، وإن جرى في صورة الطلاق على الجديد .. قولان. 6146 - قول " التنبيه " [ص 270]: (وإن جمع في الشهادة بين ما يقبل وما لا يقبل .. ففيه قولان، أحدهما: ترد في الجميع، والثاني: تقبل في أحدهما دون الآخر) الأظهر: الثاني، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 569]: (وإذا شهد لفرع وأجنبي .. قبلت للأجنبي في الأظهر)، وعبارة " الروضة ": في الأصح أو الأظهر (¬3). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج ": ومحل هذا: ما إذا لم يكن في مشترك بحيث ينفرد الأجنبي بما شهد له به، فأما في مشترك لا ينفرد الأجنبي بشيء منه، كالإرث .. فلا تقبل فيه الشهادة للأجنبي أيضًا. انتهى. ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 236). (¬2) المنهاج (ص 569). (¬3) الروضة (11/ 237).

ويرد على إطلاق " التنبيه ": ما إذا قال: قذفني وفلانًا .. فالصحيح في " الكفاية ": منع طرد القولين في هذه الصورة للعداوة، بل ترد في الجميع. 6147 - قول " التنبيه " [ص 270]: (وتقبل شهادة الزوج لزوجته) يفهم منع شهادتها له، وهو وجه، الأصح: خلافه؛ ولذلك قال " المنهاج " [ص 569]: (وتقبل لكل من الزوجين) ويستثنى منه: ما إذا شهد لزوجته بأن فلانًا قذفها على أحد وجهين، ذكرهما في " النهاية "، وأشعر كلامه بترجيحه. قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهو الأرجح، وقد يفهم منع قبول شهادة أحدهما على الآخر، وليس كذلك، إلا إذا شهد عليها بالزنا .. فلا تقبل، وقد صرح به " التنبيه " و" الحاوي ". 6148 - قول " المنهاج " [ص 569]: (ولأخ) قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": محله ما إذا لم يشهد له بالنسب على المنكر من الورثة، فإن شهد بذلك .. فالأرجح: أنه لا تقبل شهادته؛ لأن فيها الشهادة لنفسه بنسب المشهود له، قال: وفي " تعليق الشيخ أبي حامد " ما يخالف ذلك، وفي زيادة " الروضة " في آخر الإقرار بالنسب عن القاضي أبي الطيب من غير مخالفة قبول شهادة الأخوين على المنكِر بأخوة رابع؛ لأن فيها ضررًا عليهما؛ فشهادتهما أولى من شهادة الأجنبيين (¬1)، قال شيخنا: وهو مردود بما إذا شهد ابنان من الورثة بزوجية أمهما وبقية الورثة منكرون .. فإنه لا تقبل شهادتهما لأمهما وإن كان فيها ضرر عليهما، كذلك لا تقبل شهادتهما لنفسهما بالأخوة وإن كان في ذلك ضرر عليهما. 6149 - قولهم - والعبارة لـ " التنبيه " -: (ولا تقبل شهادة العدو على عدوه) (¬2) قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": مقتضاه: أن محل رد الشهادة: ظهور العداوة، وليس كذلك، بل ما دل على العداوة من المخاصمة ونحوها كاف في ذلك كما نص عليه في " مختصر المزني " فقال في كتاب الشهادات: (لا تجوز شهادته على خصمه؛ لأن الخصومة موضع عداوة) (¬3). 6150 - قول " المنهاج " [ص 569]: (وهو من يبغضه بحيث يتمنى زوال نعمته، وبحزن بسروره، ويفرح بمصيبته) فيه أمور: أحدها: قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ذكر البغض ليس في " المحرر " و" الروضة " وأصلها، ولم يذكره أحد من الأصحاب، ولا معنى لذكره في هذا الموضع؛ لأن العداوة غير البغضاء، قال الله تعالى: {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ}، والفرق بينهما: أن البغضاء ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 425). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 270)، و" الحاوي " (ص 670)، و" المنهاج " (ص 569). (¬3) مختصر المزني (ص 310).

بالقلب، والعداوة بالفعل، وهي أغلظ، فلا يفسر الأغلظ بالأخف. ثانيها: قال شيخنا أيضًا: تمني زوال نعمته ليس تفسيرًا لعداوة، وإنما هو الحسد، وهو حرام، وقد ينتهي الحال فيه إلى الفسق، والكلام في عداوة لا يفسق بها. قلت: ولذلك لم يذكر " الحاوي " البغض ولا تمني زوال النعمة، بل اقتصر على الفرح بحزنه والحزن بفرحه (¬1). ثالثها: ذكر شيخنا المذكور أيضًا: أن تعريف العداوة بالحزن بسروره، والفرح بمعصيته، ذكره القاضي حسين والإمام والغزالي (¬2)، وهو مخالف لمقتضى نصوص الشافعي وكلام أصحابه. انتهى. واعلم: أنه يرد على إطلاق " التنبيه " و" الحاوي ": أن العداوة التي ترد بها الشهادة هي الدنيوية لا الدينية، وقد أشار بذلك " المنهاج " بقوله [ص 569]: (وتقبل له، وكذا عليه في عداوة دين ككافر ومبتدع). قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ومقتضى كلامه: عدم قبول شهادة المبتدع على السني؛ كشهادة الكافر على المسلم، وليس كذلك، بل تقبل على السني إذا لم يكفر ببدعته، ولم يستحل الشهادة لموافقه بما لا يعلمه، ولا أن ينال من بدن مخالفه أو ماله شيئًا يجعل الشهادة بالباطل ذريعة إليه، وقد نص على ذلك الشافعي رضي الله عنه (¬3). 6151 - قول " المنهاج " [ص 569]: (وتقبل شهاده مبتاع لا نُكَفِّره) نص الشافعي رحمه الله على قبولهم إلا الخطابية (¬4)، أي: إذا شهد الواحد منهم لمثله كما صرح به الرافعي في قتال البغاة (¬5)، وهم قوم يجوزون الشهادة لصاحبهم إذا سمعوه يقول: لي على فلان كذا .. فالجمهور أجروا النص على ظاهره، وقبلوا الجميع، حتى من يسب الصحابة، ومنهم من رد شهادة الجميع وتأول هؤلاء النص على المخالفين في الفروع، وجعلوهم أولى بالرد من الفسقة، ومنهم من فرق، فرد أبو إسحاق شهادة من أنكر إمامة أبي بكر دون من فضل عليًا عليه، ورد الجويني شهادة من يسب الصحابة ويقذف عائشة، وعليه جرى الإمام والغزالي والبغوي (¬6)، واستحسنه الرافعي (¬7)، وفي " الرقم ": رد شهادة الخوارج، وصوب النووي قول الفرقة الأولى، وهو قبول ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 669). (¬2) انظر " نهاية المطلب " (19/ 12، 13)، و" الوجيز " (2/ 249). (¬3) انظر " الأم " (4/ 217). (¬4) انظر " مختصر المزني " (ص 258). (¬5) انظر " فتح العزيز " (11/ 82). (¬6) انظر " نهاية المطلب " (19/ 18)، و" الوجيز " (2/ 249)، و" التهذيب " (8/ 269). (¬7) انظر " الروضة " (11/ 240)، و" الأم " (6/ 205).

الجميع؛ يعني: إلا الخطابية، وإلا قاذف عائشة؛ فإنه كافر، وحكى عن النص قبول شهادته ولو استحل الدم والمال. وهو مخالف لكلام الرافعي في قتال البغاة: أنه ترد شهادة الواحد منهم إذا استحل دماء أهل العدل أو أموالهم، ولو ذكر الخطابي في شهادته ما يقطع الاحتمال فقال: سمعته يقر له بكذا أو رأيته يقرضه .. قبل في الأصح، وعبارة " المنهاج " تدل على انقسام الابتداع إلى مكفر وغيره، والجمهور على عدم تكفير مبتدعي أهل القبلة، لكن اشتهر عن الشافعي تكفير نافي علم الله بالشيء قبل خلقه، قال النووي: ولا شك في كفره، ونقل عنه تكفير نافي رؤية الله تعالى مطلقًا، والقائل بخلق القرآن، وتأوله الإمام بإلزامهم الكفر في مناظرة (¬1). قال النووي: فالمختار تأويله، واستحسن تأويل الإمام، وتأوله البيهقي وآخرون (¬2)، وفي صفة الأئمة من " شرح المهذب " تكفير المجسمة (¬3). ومال شيخنا في " تصحيح المنهاج " إلى عدم تأويل تكفير القائل بخلق القرآن، وقال: كيف تؤول الفتوى بالقتل، وإن قيل: يحمل على التهويل لا على الحقيقة .. قلنا: هذا تأويل باطل؛ للتصريح بما يبطله، وقد صرح جمع السلف بعدم الإرث، وعدم حل المناكحة، والتفريق بينه وبين زوجته، ووجوب قتله، وغير ذلك. انتهى. 6152 - قولهما: (لا مغفل) (¬4) قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إنه لا يستقيم التعبير به؛ لأن المعنى: غفّله غيره، وما كان تعديه بالتضعيف لا يكون التضعيف فيه دالًا على كثرة ذلك الشيء من الذي وقع عليه هذا الفعل، فلا يناسب المقام، قال: وفي " تفسير ابن عطية " ما يقتضي أن البناء المذكور يقتضي المبالغة، فقال في قوله في البقرة: (مسلَّمة)، أنه بناء مبالغة من السلامة (¬5)، قال شيخنا أبو حيان: وقاله غير ابن عطية (¬6)، وليس كما ذكرا؛ لأن التضعيف الذي في مسلّمة ليس لأجل المبالغة، بل هو تضعيف النقل والتعدية، فليس إذًا بناء مبالغة، بل هو المرادف للبناء المعدَّى بالهمزة، وما قاله شيخنا هو الصواب، والذي اعتبره الشافعي في ذلك كثرة الغفلة. انتهى. 6153 - قول " المنهاج " [ص 569]: (ولا مبادر) أي: بالشهادة قبل الدعوى، وكذا بعدها ¬

_ (¬1) انظر " نهاية المطلب " (19/ 18). (¬2) انظر " الروضة " (11/ 239). (¬3) المجموع (4/ 222). (¬4) انظر " التنبيه " (ص 269)، و " المنهاج " (ص 569). (¬5) المحرر (1/ 164). (¬6) انظر " البحر المحيط " (1/ 422).

وقبل أن يستشهد في الأصح؛ ولذلك قال " الحاوي " [ص 670]: (ومبادرة قبل الطلب) وقد يفهم من " المنهاج " رد شهادة المبادر مطلقًا، وليس كذلك، فالأصح: أنه ليس مجروحًا، فلو أعاد التي بادر فيها بعد الطلب ولو في ذلك المجلس .. قبلت؛ ولذلك صرح " الحاوي " بأنه إذا زال البدار .. قبلت (¬1). 6154 - قول " المنهاج " [ص 569]: (وتقبل شهادة الحسبة في حقوق الله تعالى، وفيما له حق مؤكد) اقتصر " الحاوي " على الثاني (¬2)؛ لفهم الأول من طريق الأولى؛ ولذلك قيد ذكره في " أصل الروضة "، فحكى عن " الفتاوى " أنه لو شهدا بأن فلانًا أخو فلانة من الرضاع .. لم يكف حتى يقولا: وهو يريد أن ينكحها، وأنه لو شهد اثنان بطلاق وقضى القاضي بشهادتهما ثم شهد آخران بأخوة بين المتناكحين .. لم تقبل هذه الشهادة؛ إذ لا فائدة لها في الحال، ولا عبرة بأنهما قد يتناكحان بعد، وأن الشهادة على أنه أعتق عبده إنما تسمع إذا كان المشهود عليه يسترقه، ثم قال: وهذه الصُوَرُ تفهمك أن شهادة الحسبة إنما تسمع عند الحاجة (¬3). ونازع شيخنا في " تصحيح المنهاج " في الصورة الثانية، وقال: الأرجح فيها: قبول الشهادة الآن دفعًا لما يتوهم في المستقبل من إرادة نكاح من كانت زوجته، فتقطع المادة في ذلك بإثبات الأخوّة، وفي الثالثة أيضًا، وقال: لا يتوقف سماعها على الاسترقاق، بل تسمع حيث حصلت فائدة. 6155 - قول " المنهاج " [ص 569]: (كطلاق) أي: بلا عوض، أما الخلع .. فأطلق البغوي المنع فيه، وقال الإمام: تسمع في الفراق دون المال، قال: ولا أبعد ثبوته تبعًا، ولا إثبات الفراق دون البينونة، كذا في " أصل الروضة " (¬4). قال في " المهمات ": وجزم الخوارزمي أيضًا بمقالة البغوي، والراجح: ما قاله الإمام؛ فقد سبقه إليه القاضي حسين، واختاره في " الوسيط " وغيره، وعليه مشى " الحاوي " فجعل الخلع مما يقبل فيه شهادة الحسبة، لكن في كلامه إيهام ثبوت المال أيضًا (¬5). 6156 - قول " المنهاج " [ص 569]: (وكذا النسب على الصحيح) كان ينبغي التعبير بالأصح؛ لقوة مقابله؛ فقد جزم به القاضي حسين وغيره، ومحل الخلاف: ما إذا لم تتعذر الدعوى به من مدّعيه، فإن تعذرت .. ثبت قطعًا، ذكره شيخنا في " تصحيح المنهاج ". ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 670). (¬2) الحاوي (ص 670). (¬3) الروضة (11/ 244، 245). (¬4) الروضة (11/ 243)، وانظر " نهاية المطلب " (19/ 85). (¬5) الحاوي (ص 671).

6157 - قول " الحاوي " [ص 671]: (لا الوقف) أي: على معين، فإن كان على جهة عامة .. قبلت فيه شهادة الحسبة، وفي " فتاوى البغوي ": لو وقف دارًا على أولاده ثم على الفقراء، فاستولى عليها ورثته وتملكوها، فشهد شاهدان حسبة قبل انقراض أولاده على وقفيته .. قبلت شهادتهما؛ لأن آخره على الفقراء ومما يستغرب قوله في الفتاوى المذكورة: أنه تقبل الشهادة حسبة بالسفه، ويجوز للقاضي أن يحجر عليه في غيبته؛ لأنه يتعلق به حقوق الله تعالى. 6158 - قولهما - والعبارة لـ " المنهاج " -: (ومتى حكم بشاهدين فبانا كافرين أو عبدين أو صبيين .. نقضه هو وغيره، وكذا فاسقان في الأظهر) (¬1) فيه أمور: أحدها: أنه لو بأن أحدهما كذلك .. كان الحكم كذلك، ولا يستثنى منه: ما إذا كان الحق مما يثبت بشاهد ويمين، وحلف يمين الاستظهار، وتبرع بأن تعرض فيها لصدق شاهديه على الأرجح عند شيخنا في " تصحيح المنهاج " من تردد له؛ لأن مستند الحكم لا بد أن يتعين للحاكم، ولم يتعين له أن الشاهد واليمين مستند الحكم. ثانيها: المراد: أنهما بانا بهذه الصفة عند أداء الشهادة أو عند الحكم، ولا تأثير لذلك بعد الحكم بلا خلاف، وفي " أصل الروضة ": أن لو فسق الشاهدان أو ارتدا بعد الحكم وقبل الاستيفاء .. فهو كرجوع الشاهدين، وهو مردود (¬2). ثالثها: لو كان من عقيدة الحاكم الحكم بشهادة العبد أو الكافر إما على مثله أو بالوصية في السفر .. لم ينقض، ذكره في " أصل الروضة " في العبد (¬3)، وقاس عليه شيخنا في " تصحيح المنهاج " الكافر، ثم حكى عن " البحر " أنه خالف فيه؛ لعدم علم الحاكم بأنه عبد حتى يكون حاكمًا به في محل الخلاف، وقال: لا فرق بين أن يكون الحاكم بقوله ممن يرى قبول قوله أو لا، قال شيخنا: والأرجح: أن عقيدة الحاكم إذا لم يمنع من ذلك .. لا يكون حكمه منقوضًا عنده، وكذا عند غيره إذا لم يكن هناك دليل يقتضي النقض. رابعها: مقتضاه: الاحتياج إلى نقض، وليس كذلك، وإنما يتبين أن الحكم لم يصادف محلًا، وعبارة " المختصر " الرد، ولم يذكر النقض. خامسها: حكى الماوردي طريقة القطع بالنقض في الفاسقين عن الجمهور (¬4)، وصححها شيخنا في " تصحيح المنهاج "، قال: وينبغي النقض قطعًا إذا كان فسقه باعتراف المحكوم له، ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 273)، و " المنهاج " (ص 569). (¬2) الروضة (11/ 251). (¬3) الروضة (11/ 251). (¬4) انظر " الحاوي الكبير " (17/ 250).

واستند القاضي في عدالته إلى علمه، ثم يذكر فسقه، ولو أثبتنا الخلاف في غير هاتين الصورتين، قال: ولم أر من تعرض له. 6159 - قول " التنبيه " [ص 273]: (ومتى نقض الحكم؛ فإن كان المحكوم به إتلافًا كالقتل والقطع .. ضمنه الإمام) قد يفهم أنه عليه، والأصح: أنه على عاقلته، وقد تقدم ذلك في باب العاقلة، ومحله: إذا لم يقصر في البحث عن حال الشاهدين، فإن قصر في ذلك .. فالضمان عليه، بل رجح الإمام: وجوب القصاص. 6160 - قولهم: (ولو شهد كافر ثم أعادها بعد كماله .. قبلت) (¬1) محله في المعلن بكفره، فأما المسر بكفره .. فلا تقبل منه إذا أعادها على الأصح في " أصل الروضة " (¬2)، وقال في " المطلب ": فيه نظر؛ لأنه إذا ظهر كفره .. يعيّر بإخفاء دينه لا بنفس كفره، والفاسق يعير بفسقه لا بإخفائه، ثم للاجتهاد في الفسق والعدالة أثر لا يظهر مع الإسرار به إلا بالاجتهاد، والكفر والإسلام لا اجتهاد فيه؛ فإن الحاكم إذا جهل ذلك .. استنطقه بالشهادتين. وتعقبه شيخنا في " تصحيح المنهاج " بأن المسر لكفره إذا ظهر .. يعير بكفره الذي كان عليه من الزندقة، فهو والفاسق في ذلك سواء، وأما استنطاقه بالشهادتين .. فلا يخلص إلا في دفع القتل عنه، لا في مصيره مسلمًا مقبول الشهادة. 6161 - قولهم - والعبارة لـ " التنبيه ": (ولو شهد الفاسق ثم تاب وأعاد تلك الشهادة .. لم تقبل) (¬3) محله: ما إذا كان مخفيًا فسقه، أو معلنًا وأصغى القاضي إلى شهادته ثم ردها، فأما إذا لم يُصغ إليها وهو الأصح .. فلا ترد شهادته بها بعد التوبة، وهو مفهوم من قولهم: شهد وأعاد، وألحق شيخنا في " تصحيح المنهاج " بذلك: ما لو كان فسقه مختلفًا فيه، أو كان مع فسقه أهلًا للشهادة عند قوم محكي عنهم قبول شهادة الفاسق الذي لا يكذب، وشهد عند من يرى فسقه أو يرى أنه لا تقبل شهادته وإن كان لا يكذب ولم يحكم برد شهادته، وإنما توقف ليستبرئ حاله ثم تاب وأعاد تلك الشهادة .. فإنها تقبل؛ لأنه لا يدفع عن نفسه عار الكذب، ولا عار الرد؛ لأنه لم يوجد رد. انتهى. وذكر " التنبيه " مع الفاسق: من لا مروءة له ثم حسنت حاله (¬4)، ويندرج فيه أصحاب المكاسب الدنيئة إذا رددنا شهادتهم. ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 270)، و" الحاوي " (ص 670)، و " المنهاج " (ص 570). (¬2) الروضة (11/ 242). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 270)، و " الحاوي " (ص 670)، و " المنهاج " (ص 570). (¬4) التنبيه (ص 270).

6162 - قوله: (وإن شهد الوارث لمورثه بالجراحة قبل الاندمال، فردت شهادته ثم اندمل الجرح وأعاد الشهادة .. فقد قيل: تقبل، وقيل: لا تقبل) (¬1) الأصح: أنها لا تقبل، وذكر " الحاوي " عدم القبول أيضًا فيما لو شهد على عدوه ثم زالت العداوة وأعادها (¬2)، أو لمكاتبه ثم أعتقه وأعادها. 6163 - قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (وتقبل شهادته غيرها بشرط اختباره بعد التوبة مدة يظن صدق توبته) (¬3) استثنى منه شيخنا في " تصحيح المنهاج " خمسة لا يشترط فيهم الاختبار: أحدهم: شاهد الزنا إذا وجب عليه الحد لعدم تمام العدد، فإذا تاب .. قبلت شهادته في الحال من غير استبراء على المذهب في " أصل الروضة " (¬4)، وخالف في ذلك " الحاوي " فقال: (كالقاذف يقول: تبتُ ولا أعود إن لم يقر بالكذب) أي: فإذا أقر بالكذب .. فهو فاسق يجب استبراؤه، وتبع في ذلك الغزالي، وهو خلاف قول الجمهور (¬5). الثاني: قاذف غير المحصن؛ لمفهوم قول الشافعي في " الأم ": (فأما من قذف محصنة .. فلا تقبل شهادته حتى يُختبر) (¬6). الثالث: الصبي إذا فعل ما يقتضي تفسيق البالغ ثم تاب وبلغ تائبًا .. لم يعتبر فيه الاختبار كما يظهر من كلام الشافعي والأصحاب. الرابع: مخفي الفسق إذا تاب وأقر وسلّم نفسه للحد، قاله الماوردي والروياني، قال في " المهمات ": وهو ظاهر، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهو متجه. الخامس: المرتد، ذكره الماوردي (¬7)، وهو مقتضى كلام غيره، واعتبر الماوردي فيه أن يسلم غير متوق للقتل، ولا يعد مع ذلك الكافر الأصلي إذا أسلم؛ لأن الكلام فيمن أتى بمعصية مع كونه مسلمًا، واحترز " التنبيه " عن الكفر فقال [ص 270]: (ومن ردت شهادته بمعصية غير الكفر)، وفي " روضة الحكام " لشريح الروياني ثلاثة أوجه: أحدها: يجب الاستبراء في الكافر مطلقًا. والثاني: لا. ¬

_ (¬1) انظر " التنبيه " (ص 270). (¬2) الحاوي (ص 670). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 270)، و " الحاوي " (ص 669)، و " المنهاج " (ص 570). (¬4) الروضة (11/ 248، 249). (¬5) انظر " الوجيز " (2/ 250). (¬6) الأم (7/ 45). (¬7) انظر " الحاوي الكبير " (17/ 31).

والثالث: إن كان مرتدًا .. وجب، وإلا .. فلا. قال شيخنا أيضًا: وبقي اثنان أنبه على حالهما: أحدهما: العدو إذا زالت العداوة وكانت كبيرة فتاب منها .. فهل يشترط الاختبار؛ لأنه تاب من فسق، أو لا؛ لأن النفوس لا تميل للعداوة غالبًا، بل تكرهها، محل نظر، والأرجح: الثاني، وإذا قال صاحب " المطلب " بالاختبار في العداوة المجردة عن الفسق .. ففي المفسقة أولى. الثاني: المبادر بناء على أنه مجروح، والأصح خلافه لا يحتاج لاستبراء، قاله البغوي. انتهى. واعلم: أن " المنهاج " و" الحاوي " لم يذكر الاختبار إلا في الفسق، وذكره " التنبيه " في خوارم المروءة أيضًا فقال: (ومن ردت شهادته لمعصية غير الكفر أو لنقصان مروءة فتاب .. لم تقبل شهادته حتى يستمر على التوبة سنة) (¬1) وفي " المطلب ": ألحق الأصحاب ذلك بالفسق في وجوب الاستبراء. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": لم أقف على التصريح به في كلام الأصحاب، وله وجه؛ لأن خارم المروءة صار باعتياده سجيّة له، فلا بد من اختبار حاله، ويحتمل خلافه. انتهى. وقد عرفت أنّه في " التنبيه "، وذكر في " المطلب " الاحتياج إلى الاستبراء في العداوة أيضًا، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وعندي لا يحتاج. 6164 - قول " الحاوي " [ص 669]: (أو تاب وصلح بالقرائن) تبع الغزالي في عدم تقديره بمدة، وأن المعتبر غلبة الظن بصدقه (¬2)، وكذأ صحح القاضي حسين والإمام والعبادي، وقد عرفت أن " التنبيه " قدّره بسنة، وحكاه في " المحرر " و" المنهاج " عن الأكثرين (¬3)، وصحح شيخنا في " تصحيح المنهاج " عدم التقدير، فإن عبارة الشافعي في " الأم ": (فلا تقبل شهادته إلا بمدة أشهر يختبر فيها بالانتقال من الحال السيئة إلى الحال الحسنة والعفاف عن الذنب الذي أتى) (¬4) قال: فلم يذكر إلا أشهرًا، وهو جمع قلة يصدق على ثلاثة إلى عشرة، فمن اعتبر سنة .. فقد خالف النص، قال: ثم ظاهر التقدير بسنة أنه تحديد حتى لو نقصت يومًا أو دونه .. لا يكفي ذلك، وهو غريب، فاعتبار السنة لم يقم عليه دليل، والقياس على الزكاة والجزية غير صحيح، ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 270). (¬2) انظر " الوجيز " (2/ 250). (¬3) المحرر (ص 498)، المنهاج (ص 570). (¬4) الأم (7/ 45).

وعلى أجل العنة يقتضي التحديد قطعًا، وفيه وجهان حكاهما الماوردي، قال شيخنا: والأرجح على اعتبارها: التقريب. 6165 - قول " المنهاج " [ص 570]: (ويشترط في توبة معصية قولية القول، فيقول القادف: " قذفي باطل وأنا نادم عليه ولا أعود إليه "، وكذا شهادة الزور) و" الحاوي " [ص 669]: (كالقاذف يقول تبت ولا أعود) استشكل الرافعي اشتراط القول في توبة القذف، وقال: ليس كتوبة الردة؛ فإن الشهادتين فيها شرط في القولية والفعلية كإلقاء المصحف في القاذورات، ويلزمهم اشتراط القول في كل قولي كشهادة الزور والغيبة والنميمة، قال: وصرح صاحب " المهذب " به في شهادة الزور فقال: التوبة منها أن يقول: كذبت ولا أعود. انتهى (¬1). وحكاه الغزالي في المبادرة بالشهادة أيضًا عن بعض الأصحاب، ونقله الرافعي في موضعه، وأسقطه في " الروضة ". وأجاب في " المطلب " عن إشكال الرافعي: بأن الردة بالقول هي الحقيقة والفعل ملحق به، فقاس الشافعي على الأصل، قال: ولا نسلم الاكتفاء في الردة الفعلية بالقول إذا لم يزل المصحف من ذلك مع إمكانه، ثم الفرق بين القذف وغيره أنه أشد ضررًا؛ لأنه يكسبه عارًا، بخلاف شهادة الزور والنميمة والغيبة. وأجاب شيخنا في " تصحيح المنهاج " عن ذلك كما سيأتي عنه من أن اعتبار القول في المعاصي القولية إنما هو فيما أبرزه قائله على أنه محق فيه، ولا يأتي ذلك في معاصي الأفعال؛ لأنه متى أبرزه على أنه حق .. كفر، وقال: إنه من النفائس، وهنا أمور: أحدها: حمل شيخنا في " تصحيح المنهاج " كلامهم على ما أتى به على صورة أنه محق فيه، فأما غيره؛ كاللعن وقوله: يا خنزير ونحوه .. فلا يشترط في التوبة منه القول قطعًا؛ لعدم المعنى المقتضي لذلك، قال: ولم أر من نبه على ذلك. ثانيها: أن عبارة الشافعي رضي الله عنه في " الأم " و" المحرر " و" الروضة " وأصلها: القذف باطل (¬2)، وذكر شيخنا في " تصحيح المنهاج " أن الذي في " المنهاج " لا يساويه؛ لاحتمال الإضافة للمفعول. ثالثها: ذكر الشيخ أبو حامد عن أبي إسحاق أنه يقول: القذف باطل حرام، قال شيخنا: وظاهره اعتبار الجمع بينهما، وله وجه قوي؛ فإن الباطل يطلق على الهدر، ومنه: ذهب دمُهُ ¬

_ (¬1) فتح العزيز (13/ 42)، وانظر " المهذب " (2/ 331). (¬2) الأم (7/ 89)، المحرر (ص 498)، فتح العزيز (13/ 40)، الروضة (11/ 148).

بُطْلا، وعلى اللهو، وممن اعتبر الجمع بينهما ابن الصباغ في " الشامل " واقتصر المحاملي في " التجريد " على قوله: حرام، وهو حسن. رابعها: مقتضى عبارة " المنهاج ": تعين قوله: (قذفي باطل)، لكن في " أصل الروضة " عن الجمهور: أنه يكفيه أن يقول: ما كنت محقًا في قذفي وقد تبت منه، ونحو ذلك (¬1)، واكتفى الغزالي بقوله: تبت من القذف (¬2)، وتبعه " الحاوي " كما تقدم، وحكاه الرافعي من غير تعقب، وأسقطه في " الروضة " قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ويشهد له نص " الأم " وهو قوله: (فإن كان عدلًا يوم شهد فساعة يقول: قد تبت وكذب نفسه .. تقبل شهادته مكانه) (¬3) هذا لفظه، وقوله: (وكذب نفسه) يعني: بما أظهر من التوبة، ولئن كان كلام الشافعي في الشاهد .. فهو لا يفرق في كيفية القول بين الشاهد وغيره. انتهى. خامسها: قد عرفت أن " الحاوي " لم يتعرض لقوله: وأنا نادم عليه، وكذا لم يذكرها في " الأم " و" المختصر "، ولا الشيخ أبو حامد ولا أتباعه، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وقل من ذكرها، والظاهر أنها تأكيد، والمذهب: أنها لا تعتبر؛ لأن المدار على إظهار ضد القذف كما في إظهار ضد الكفر. سادسها: ذكر شيخنا في " تصحيحه ": أن الأرجح: عدم اعتبار قوله: ولا أعود، قال: وهو مقتضى نصوص الشافعي، فلم يعتبر في شيء منها هذه المقالة، قال شيخنا: عندي يكتفي من الشاهد بأن يقول: رجعت عن شهادتي عليه بالزنا؛ لما روى الشافعي رضي الله عنه: أن عمر رضي الله عنه لما جلد الثلاثة .. استتابهم، فرجع اثنان، فقبل شهادتهما (¬4). سابعها: مقتضي قول " المنهاج " [ص 570]: (وكذا شهادة الزور) أن يقول: شهادتي باطلة وأنا نادم عليها ولا أعود إليها، والذي في " المهذب ": كذبت فيما فعلت (¬5) ولا أعود إلى مثله (¬6)، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وإذا ثبت زور الشاهد بإقراره .. فقد اعترف بلسانه بزوره؛ فأي فائدة في إعادته، وإن ثبت بغير إقراره .. فيكفيه أن يقول: تبت من شهادة الزور، ولا يعتبر في القول شيء غير ذلك، ثم قال شيخنا: والمعتمد أنه لا يعتبر في شاهد الزور القول، بخلاف القذف؛ لظهور زوره بالطريق المعتبر، فلا حاجة إلى أن يقول ذلك في توبته، حتى أن ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 248). (¬2) انظر " الوجيز " (2/ 250). (¬3) الأم (7/ 45). (¬4) انظر " الأم " (7/ 26). (¬5) في المهذب: (كذبت فيما قلت). (¬6) المهذب (2/ 331).

شاهد الزور لو ظهر زوره في شهادة القذف؛ بأن شهد أنه رآه يزني أول يوم من المحرم سنة كذا بحلب، وظهر بالطريق المعتبر أن الشاهد ذلك اليوم كان بمصر أو أن المشهود عليه كان بمكة .. فلا أعتبر في التوبة من ذلك القول؛ لظهور بطلانه بغير ذلك، وزال ما كان يلحق المقذوف من العار بما هو أشد في الإزالة من القول. انتهى. 6166 - قول " المنهاج " [ص 570]: (وغير القولية يشترط إقلاع، وندم، وعزم ألا يعود، ورد ظلامة آدمي إن تعلقت به) فيه أمور: أحدها: أنه يفهم عدم اشتراط ذلك في القولية، وليس كذلك، بل هذا معتبر في التوبة الباطنة، وهي التي مقصودها سقوط الإثم قولية كانت أو غير قولية، وأما الظاهرة وهي التي مقصودها عود أهلية الشهادة .. فيشترط فيها الاستبراء إلا ما استثني على ما تقدم بيانه. ثانيها: قال في " المهمات ": أهمل شرطًا رابعًا، وهو: أن يكون ذلك لله تعالى، حتى لو عوقب على جريمة فندم وعزم على عدم العود لما خل به وخوفًا من وقوع مثله .. لم يكف، قاله أصحابنا الأصوليون، ومثلوه بما إذا قتل ولده وندم لكونه ولده، أو بذل شحيح مالًا في معصية وندم للغرم، ولا بد منه. وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": هذا الإيراد عندنا غير معتبر؛ لأن التوبة عبادة، والعبادة لا بد أن تكون لله تعالى، وإذا لم يكن ذلك .. فلا توبة ولا عبادة. قلت: هذا التوجيه فيه اعتراف باعتبار الإيراد، والله أعلم. ثم قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ولصحة التوبة شرط، وهو: أن لا يصل إلى الغرغرة أو الاضطرار بظهور الآيات كطلوع الشمس من مغربها، وهو واضح. ثالثها: قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": مقتضاه: أنه لا يعتبر في غير القولية القول، وليس كذلك، بل يعتبر فيها الاستغفار أيضًا، جزم به القضاة أبو الطيب والحسين والماوردي وغيرهم، قال شيخنا: والذي يظهر - والله أعلم - من القرآن والسنة أن الذنب المذكور وإن كان ذنبه باطنًا .. لا بد أن يظهر قولًا يظهر منه ندمه على ذنبه؛ بأن يقول: أستغفر الله من ذنبي، أو رب اغفر لي خطيئتي، أو تبت إلى الله تعالى من ذنبي، ثم بسط ذلك. رابعها: قوله: (ورد ظلامة آدمي) أراد به شمول المال والقصاص وحد القذف، وفي شمول الأخيرين نظر، فلو قال: (والخروج مما عليه من ظلامة آدمي) .. لكان أولى، وأيضًا فقد يعفو المستحق عن حقه، فيدخل ذلك في لفظ الخروج ولا يدخل في لفظ الرد، وقال الإمام في " الإرشاد ": إذا ندم القاتل .. صحت توبته في حق الله تعالى قبل تسليمه نفسه للقصاص، وكان تأخير ذلك معصية أخرى تجب التوبة منها لا يقدح في الأولى، ونازع في ذلك شيخنا في

فصل [فيما يحكم به بشهادة رجل واحد]

" تصحيح المنهاج " وقال: يلزمه ذلك في المال، ولا يمكن القول به. خامسها: يرد على اعتبار رد الظلامة ما لو أعسر بالمال الذي ظلم بأخذه .. فقال الماوردي: ينظر به إلى ميسرته والتوبة قد صحت، قال: ولو بذل من عليه القصاص نفسه ليستوفي منه فلم يستوف .. صحت توبته؛ لأن عليه الانقياد، وليس عليه الاستيفاء (¬1)، وفي " تعليق " القاضي حسين نحوه، وقال: لو مات صاحب الحق .. لا يأتي لوارثه، بل يستغفر الله تعالى للميت، حكاه في " المطلب "، وأقره، وتعقبه في " تصحيح المنهاج " بانتقال الحق للوارث، فلا بد من إعلامه، قال: وإذا تعذر الوصول إلى المستحق؛ لغيبة بعيدة ونحوها .. كفاه الشرطان الأولان مع عزمه أن يمكنه من نفسه عند القدرة. سادسها: خرج بذكر الآدمي حقوق الله تعالى كالزكاة، ولا شك أن أداءها معتبر في صحة التوبة، والله أعلم. فصلٌ [فيما يحكم به بشهادة رجل واحد] 6167 - قول " المنهاج " [ص 570]: (لا يحكم بشاهد إلا في هلال رمضان في الأظهر) أورد على الحصر أمور: أحدها: لو اختلفا في شيء هل هو عيب أم لا؟ صدق البائع بيمينه، فلو قال واحد من أهل العلم به أنه عيب .. قال البغوي: ثبت الرد، واعتبر المتولي اثنين، حكاه في " أصل الروضة " في البيع (¬2). ثانيها: في " الوجيز " في اللقطة: (لو أطنب شخص في وصفه .. جاز الدفع إليه وفي الوجوب بغير بينة وجهان، ولعل الاكتفاء بعدل واحد أولى؛ فإن البينة قد تعسر إقامتها) (¬3)، استثناه الشيخ برهان الدين بن الفركاح في " نكت المنهاج "، وفيه نظر؛ فليس هذا شهادة، وإنما هو خبر، ألا ترى أنه قال: (فإن البينة قد يعسر إقامتها) وقريب من ذلك في المأخذ قول الرافعي في مستند علم الشاهد: إن أبا الفرج السرخسي حكى وجها في جواز الاعتماد على خبر الشخص الواحد إذا سكن القلب إليه، ولا يعتبر عدد الشهادة كما لا يعتبر لفظها (¬4)، وفي قوله: (كما لا يعتبر لفظها) دليل على أنها ليست شهادة. ¬

_ (¬1) انظر " الحاوي الكبير " (17/ 29، 30). (¬2) الروضة (3/ 489). (¬3) الوجيز (1/ 435). (¬4) انظر " فتح العزيز " (13/ 69، 70).

ثالثها: في " شرح المهذب " في أواخر الصلاة على الميت عن المتولي: لو مات ذمي فشهد عدل أنه أسلم .. لم يكف في الإرث والحرمان، وفي الاكتفاء به في الصلاة عليه وجهان بناء على القولين في هلال رمضان (¬1). رابعها: ذكر الماوردي في " الحاوي ": أن من شروط العدالة: البلوغ، قال: ويعلم بأوجه: منها: أن يشهد ببلوغه شاهد عدل، فيحكم ببلوغه، وتكون شهادة لا خبرًا (¬2)، استثناه الشيخ برهان الدين أيضًا، قال في " المهمات ": وهو غلط؛ فإن الماوردي عبر بقوله: (شاهدًا عدلٍ) بألف التثنية، فخفيت الألف عليه، أو سقطت من النسخة التي وقف عليها، وقال في " التوشيح ": رأيته في غير نسخة من " الحاوي " أي: بالإفراد، وكنت أرجح أن تكون صيغته: (شاهدا عدل) ولكن أوقفني عن ذلك قوله: (وتكون شهادة لا خبرًا) فإن ذلك لا يقال في شهادة الاثنين؛ لوضوحه فيه. خامسها: إذا نذر صوم شعبان فشهد واحد برؤيته .. فهل يجب الصوم إذا قلنا يجب به رمضان؟ حكى ابن الرفعة فيه وجهين عن " البحر ". سادسها: هل يثبت هلال ذي الحجة بواحد كرمضان، أو لا يثبت إلا بعدلين؟ فيه وجهان حكاهما الدارمي والقاضي حسين. سابعها: هلال شوال يثبت بواحد على قول أبي ثور، قال صاحب " التقريب ": ولو قلت به .. لم أكن مبعدًا، والأصح: ثبوته بطريق التبعية فيما إذا ثبت رمضان بواحد ولم نر الهلال بعد الثلاثين .. فإنا نفطر في الأصح. ثامنها: في قبول واحد في الوقوف بعرفة والطواف ونحوه وجهان في " تعليق القاضي حسين ". 6168 - قول " المنهاج " [ص 570] و" الحاوي " [ص 672]: (ويشترط للزنا أربعة رجال) كذا اللواط وإتيان البهيمة، وقد ذكرهما " التنبيه " (¬3)، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ووطء الميتة لا يوجب الحد على الأصح، وهو كإتيان البهيمة في أنه لا يثبت إلا بأربعة على المعتمد، ولم يتعرضوا للتصريح به، وتعليلهم يقتضي ما قررناه، قال: ومقتضاه: أن كل وطء لا يوجب إلا التعزير لا يثبت إلا بأربعة أيضًا، ويخرج عنه ما لا عقوبة فيه؛ كوطء الشبهة .. فيثبت برجلين، ورجل وامرأتين، وشاهد ويمين. ¬

_ (¬1) المجموع (5/ 214). (¬2) الحاوي الكبير (17/ 157). (¬3) التنبيه (ص 270).

6169 - قول " التنبيه " [ص 271]: (وفي الإقرار بالزنا قولان، أحدهما: يثبت بشاهدين، والثاني: لا يثبت إلا بأربعة) الأظهر: الأول، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي " (¬1). 6170 - قول " الحاوي " فيما يثبت برجل وامرأتين [ص 672]: (كموضحة عجز عن تعينيها) معدود من أفراده، لا سلف له فيه، وصريح كلام الغزالي والرافعي وغيرهما في الجنايات أن البينة الناقصة لا تثبت الأرش في الصورة المذكورة. 6171 - قولهما فيما لا يقبل فيه إلا رجلان: (كنكاح) (¬2) يستثنى منه: ما إذا ادعت أنه نكحها وطلقها وطلبت شطر الصداق، أو أنها زوجة فلان الميت وطلبت الإرث .. فيثبت نكاحها برجل وامرأتين، وبشاهد ويمين؛ لأن مقصودها المال، حكاه في " أصل الروضة " في آخر الدعاوى عن " فتاوى الغزالي " (¬3). قال شيخنا ابن النقيب: وهو واضح (¬4). وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إنه غير معمول به ولا معتمد عليه، فكيف يثبت إرث من لم تثبت زوجيتها، وقضية ذلك: أن الزوج تثبت زوجتيه بعد وفاة زوجته برجل وامرأتين، أو بشاهد ويمين، وهذا بعيد، ويلزم منه أن تثبت المرأة النفقة والكسوة بالحجة الناقصة وإن لم تثبت الزوجية والزوج ينكرها، وهو غريب لا يصح على مذهب الشافعي، ونازع شيخنا أيضًا في المجزوم به في " أصل الروضة " أنه يثبت الصداق برجل وامرأتين، وقال: الأصح - وهو مقتضى نصوص الشافعي وكلام أصحابه - خلافه، وهو الذي ذكره الشيخ أبو علي، وحكاه عنه الإمام، وقال: إنه أفقه. 6172 - قولهما: (وطلاق) (¬5) أي: بلا عوض، فإن كان بعوض وهو الخلع؛ فإن ادعته المرأة .. فكذلك؛ لأن غرضها اندفاع النكاح، وإن ادعاه الرجل .. ثبت برجل وامرأتين؛ لأن غرضه المال، وهذا مما يعايا به، وإطلاق الجواب فيه خطأ، والصواب التفصيل، نبه عليه ابن يونس في [" تنويهه "] (¬6). 6173 - قول " المنهاج " في أمثلة ما يطلع عليه الرجال غالبًا [ص 570]: (وموت) قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": هو ممنوع؛ فإن النساء يحضرن المحتضر غالبًا ولا سيما إذا كان امرأة؛ ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 570)، الحاوي (ص 672). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 270)، و" المنهاج " (ص 570). (¬3) الروضة (12/ 99)، وانظر " فتاوى الغزالي " (ص 124، 125) مسألة (182). (¬4) انظر " السراج على نكت المنهاج " (8/ 270). (¬5) انظر " التنبيه " (ص 270)، و" المنهاج " (ص 570). (¬6) في (ب): ("النبيه ").

فإن النساء مختصات بالحضور عندها، ولكن المدرك لمنع الحجة الناقصة فيه أنها مختصة بالأموال وعقودها وحقوقها، قال: ويستثنى من الموت: ما إذا كان بقتل يوجب المال؛ كما إذا شهد رجل وامرأتان أن فلانًا مات بقتل فلان له خطأ، أو بقتل صبي أو مجنون له، أو بقتل حر له وكان عبدًا، أو بقتل مسلم له وكان ذميًا، أو بقتل أصله .. ففي جميع هذه المسائل يثبت الموت بالحجة الناقصة؛ لأنه موجب للمال بسبب الإزهاق، وكذا إذا كان الموت بقتل يوجب استحقاق السلب، أو كان موت حيوان: رقيق، أو غير ناطق تحت يد أمانة، وقلنا: لا بد من إثبات موته؛ لأنه من الأسباب الظاهرة كما ذكره المتولي .. فيثبت بالحجة الناقصة؛ لدفع المطالبة ببدله، وكذا قيام الحجة الناقصة بحلول الدين المؤجل بموت المديون. 6174 - قوله: (وإعسار) (¬1) يستثنى منه: إعسار المكاتب الذي يسلط السيد على فسخ الكتابة الصحيحة. 6175 - قولهم: (والوكالة) (¬2) يقتضي أنه لا يثبت التصرف المالي المترتب عليها، وجزم الإمام والغزالي بأن البيع المدعي صدوره من وكيل فلان في البيع يثبت وإن لم تثبت الوكالة، وهو قياس ما تقدم عن الرافعي والنووي من ثبوت المهر بالشاهد واليمين وإن لم يثبت النكاح، وقد تقدم النزاع فيه، وكيف يثبت البيع الصادر من الوكيل ولم تثبت وكالته؟ ! 6176 - قولهم: (والوصاية) (¬3) يقتضي أنه لو شهد رجل وامرأتان بأن فلانًا أوصى إلى فلان بأن يدفع لفلان كذا .. لم تثبت الوصية، وقد صرح الغزالي بخلافه، وهو جار على طريقته المتقدمة، وقياس ثبوت المهر بالشاهد واليمين، وقد تقدم ما فيه. 6177 - قول " التنبيه " [ص 270]: (وأما الوقف .. فقد قيل: يقبل فيه ما يقبل في المال، وقيل: إن قلنا: إنه ينتقل إلى الآدمي .. قبل، وإن قلنا: إنه ينتقل إلى الله عز وجل .. لم يقبل) الأصح: الأول، وإذا ادعى على شخص أنه نذر أن يتصدق عليه بكذا .. فهل هو كالوقف فيطرقه الخلاف في ثبوته بالحجة الناقصة، أو يقطع بثبوته بذلك؛ لأنه ينتقل إلى ملكه إذا أخذه منه؛ قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الأرجح: الثاني، ولم أر من تعرض له. 6178 - قول " المنهاج " في أمثلة ما يثبت بما سبق - أي: وهو رجلان، ورجل وامرأتان -، وبأربع نسوة: (وحيض) (¬4) يقتضي أن الحيض مما يمكن الشهادة عليه، وبه صرح في " أصل ¬

_ (¬1) انظر " المنهاج " (ص 570). (¬2) انظر " التنبيه " (ص 270)، و" الحاوي " (ص 672)، و" المنهاج " (ص 570). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 270)، و " الحاوي، (ص 672)، و" المنهاج " (ص 570). (¬4) المنهاج (ص 570).

الروضة " هنا (¬1)، وحكاه النووي في " فتاويه " عن ابن الصباغ والبغوي، لكن في " الشرحين " في الطلاق: لو علق بحيضها فقالت: حضت، وأنكر .. صدقت بيمينها؛ لتعذر إقامة البينة عليه؛ فإن الدم وإن شوهد لا يعلم أنه حيض؛ لاحتمال أنه استحاضة، وصرح بمثله في الديات عند الكلام على دية الشم، وبه أجاب العماد بن يونس في " فتاويه ". قال شيخنا ابن النقيب: والحق الجواز، وما ذكر في الطلاق ينبغي حمله على عسر البينة لا على التعذر (¬2). 6179 - قولهم: (ورضاع) (¬3) قيده المتولي بما إذا كان من الثدي، فإن كان من إناء حلب فيه .. لم تقبل شهادتهن به لكن تقبل شهادتهن على أن هذا اللبن من هذه المرأة، حكاه عنه في " أصل الروضة " وأقره. 6180 - قول " المنهاج " [ص 570]: (وعيوب تحت الثياب) أي: تحت ثياب النساء، وقول " الحاوي " [ص 672]: (كعيبهن) أي: تحت الثياب، وجمع " التنبيه " الأمرين فقال [ص 271]: (والعيوب تحت ثياب النساء) فعبارته أحسن منهما؛ لجمعه ما تفرق فيهما، أما ما في وجه الحرة وكفيها، فقال البغوي: لا يثبت إلا برجلين، وما في وجه الأمة وما يبدو منها في المهنة .. يثبت برجل وامرأتين؛ لأن مقصوده المال، وهنا أمور: أحدها: أن المحكي هنا عن البغوي مخالف للمحكي عنه في الرد بالعيب: أنه يثبت الرد بقول واحد. ثانيها: أن مقتضى تعليله بأن مقصوده المال اختصاص ذلك بما إذا كان الإثبات لردها في البيع، فإن كان لفسخ النكاح به .. لم يقبل، ذكرهما في " المهمات ". ثالثها: مقتضى تقييد البغوي بما يبدو منها في المهنة أنه لو كان تحت إزارها .. ثبت بالنسوة المتمحضات، وبه صرح شيخنا في " تصحيح المنهاج "، وقال: وإن كان يقصد منه المال إلا أنه غلب فيه جانب اطلاعهن. رابعها: قال شيخنا المذكور أيضًا: ينبغي على مقتضى تصحيح النووي في إلحاق الأمة بالحرة في النظر أن يدخل النساء المتمحضات في عيب الأمة في وجهها وكفيها، وكذا الحرة بناء على حرمة نظر الأجنبي إلى وجهها وكفيها. قلت: أطلق الماوردي نقل الإجماع على أن عيوب النساء في الوجه والكفين لا يقبل فيه إلا ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 253، 254). (¬2) انظر " السراج على نكت المنهاج " (8/ 270). (¬3) انظر " التنبيه " (ص 271)، و" الحاوي " (ص 672)، و" المنهاج " (ص 570).

الرجال، ولم يفصل بين الحرة والأمة (¬1)، وبه صرح القاضي حسين فيهما، والله أعلم. خامسها: خرج بالنساء الخنثى؛ فالمرجح أنه يحتاط فيه، فلا يراه بعد بلوغه الرجال ولا النساء، وفي وجه يستصحب حكم الصغر، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": فإن قلنا بهذا الوجه .. فعيوبه تحت الثياب لا تثبت بالنسوة المتمحضات وإن قلنا بالأرجح .. لم تثبت بالنسوة المتمحضات أيضاً؛ لفقد المعنى المقتضي لقبول شهادة النسوة المنفردات. سادسها: استثنى البغوي مما تحت الثياب الجرح على فرج المرأة؛ لأن جنس الجراحة يطلع عليه الرجال، قال الرافعي بعد نقله عنه: لكن جنس العيب أيضاً مما يطلع عليه الرجال غالباً، إنما الذي لا يطلعون عليه العيب الخاص، وكذا الجراحة الخاصة (¬2)، وقال النووي: الصواب: إلحاق الجراحة على فرجها بالعيوب تحت الثياب، وعجب من البغوي كونه ذكر خلاف هذا، وتعلق بمجرد الاسم (¬3). وفي "المهمات": سبق البغويَّ إليه القاضي حسين في "تعليقه"، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الصواب ما ذكره البغوي؛ لأن الجراحات في أي موضع كانت ولو على الفرج من متعلقات حضور الرجال دون النساء، فلم يتعلق بمجرد الاسم، بل بالمعنى المعتبر. 6181 - قول "المنهاج" [ص 570]: (وما ثبت بهم - أي: برجل وامرأتين - ثبت برجل ويمين إلا عيوب النساء ونحوها) يستثنى منه: العيب الذي يتعلق به المال؛ فإنه يثبت بشاهد ويمين، ويستثنى أيضًا: الترجمة في الدعوى بالمال أو الشهادة به؛ فإنها تثبت برجل وامرأتين، ولا مدخل للشاهد واليمين فيها؛ لأن ذلك ليس مالاً، وإنما هو إخبار عن معنى لفظ المدعي أو الشهود. 6182 - قوله: (ولا يثبت شيء بامرأتين ويمين) (¬4) قال في "الروضة": قطعًا (¬5)، وليس في الرافعي، والخلاف موجود في الشفعة لو أخر الأخذ؛ لأنه لم يصدق المخبر وكن نسوة .. ففيه وجهان بناء على أن المدعي هل يقضى له بيمينه مع امرأتين؛ إن قلنا: لا .. فهو كالمرأة، وإلا .. كالعدل الواحد. 6183 - قول "المنهاج" [ص 570، 571] و"الحاوي" [ص 673]: (ويذكر في حلفه صدق الشاهد) أي: فيما شهد له به، وقد نص عليه في "الأم"، وقل من صرح به، ولا بد منه، وأهمل "المنهاج" أنه يحلف في يمنيه على استحقاق ذلك المبلغ أيضاً، وقد نص عليه في ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (17/ 19). (¬2) انظر "فتح العزيز" (13/ 49). (¬3) انظر "الروضة" (11/ 254). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 570). (¬5) الروضة (11/ 278).

"الأم"، وتبعه الأصحاب، وذكره "الحاوي" فقال [ص 674]: (وأني مستحق كذا) ويجوز تقديمه على تصديق الشاهد. 6184 - قول "المنهاج" [ص 571]: (فإن ترك الحلف وطلب يمين خصمه .. فله ذلك، فإن نكل .. فله أن يحلف يمين الرد في الأظهر) فيه أمران: أحدهما: أنه يفهم أن المدعى عليه إذا لم ينكل بل حلف .. فليس للمدعي أن يحلف بعد ذلك مع شاهده، وبه صرح ابن الصباغ، بخلاف ما لو أقام بعد يمين المدعى عليه بينة .. فإنها تسمع، ولو أتى بشاهد وحلف معه .. سمع أيضاً، ولو كان قد نكل عن يمين الرد، نص عليه في "المختصر". ثانيهما: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنما يجري الخلاف في حلفه يمين الرد إذا كان قد نكل عن الحلف مع الشاهد، ومجرد الترك لا يلزم منه النكول، قال: وفي "النهاية" في باب الامتناع من اليمين: إذا أقام المدعي شاهداً .. فكيف وجه نكوله عن الحلف مع شاهد؟ ومن يعرض عليه اليمين حتى ينكل؟ وما المأخذ الفقهي الذي يرتبط النكول به؟ . وأجاب عن ذلك: بأنه إذا أقام شاهداً واحداً .. قال له القاضي: إن حلفت معه .. ثبت حقك، وإن لم تحلف .. أبان له إن لم تحلف المدعى عليه .. منعتك من إعادته إلى مجلس الحكم، فهذا تصوير النكول عن اليمين مع الشاهد (¬1)، قال شيخنا: وما ذكره الإمام من قوله: إن لم يحلف المدعى عليه لا مدخل له في نكول المدعي عن اليمين مع شاهده، والمذكور في "الأم" في ترجمة الامتناع من اليمين ليس فيه ذلك، ولفظه: (ومن كانت له اليمين على حق مع شاهدٍ .. قيل له: إن حلفت .. استحقيت، وإن امتنعت من اليمين سألناك لِم تمتنع؟ فإن قلت: لآتي بشاهد آخر .. تركناك حتى تأتي به، فتأخذ حقك بلا يمين، أو لا تأتي به .. فنقول: احلف وخذ حقك، فإن امتنعت بغير أن تأتي بشاهد أو تنظر في أصل كتاب لك أو لاستثبات .. أبطلنا حقك في اليمين، وإن طلبت اليمين بعدها .. لم نعطكها؛ لأن الحكم قد مضى بإبطالها، وإن جئت بشاهد آخر .. أعطيناكه؛ لأنا إنما أبطلنا حقك في اليمين لا في الشاهد الآخر ولا الأول) انتهى (¬2). وفي "أصل الروضة" في الدعوى والبينات في النكول: لو أقام المدعي شاهداً ليحلف معه فلم يحلف؛ فإن علل امتناعه بعذر .. عاد الوجهان في أنه يمهل أبداً أم لا يزاد على ثلاثة أيام، والأصح: الثاني، وإن لم يعلل بشيء أو صرح بالنكول .. فذكر الغزالي والبغوي: أنه يبطل حقه من الحلف، وليس له العود، واستمر العراقيون على ما ذكروه هناك؛ أي: من أنه يتمكن من ¬

_ (¬1) نهاية المطلب (18/ 663). (¬2) الأم (6/ 258).

استئناف الدعوى وتحليفه في مجلس آخر، قال المحاملي: لو امتنع من الحلف مع شاهده واستحلف الخصم .. انقلبت اليمين من جانبه إلى جانب صاحبه، وليس له أن يعود ويحلف، إلا إذا استأنف الدعوى في مجلس آخر وأقام الشاهد .. فله أن يحلف معه، وعلى الأول: لا ينفعه إلا بينة كاملة. انتهى (¬1). 6185 - قول "التنبيه" [ص 270]: (وإن كان في يد رجل جارية لها ولد، فادعى رجل أنها أم ولده وولدها منه، وأقام شاهداً وامرأتين، أو شاهداً وحلف معه .. قضي له بها، وفي نسب الولد وحريته قولان) الأظهر: أنهما لا يثبتان، وعليه مشى "الحاوي" و"المنهاج" (¬2)، لكن تعبيره بقوله: (علقت بهذا في ملكي) (¬3) لا يكفي، بل لابد أن يقول: (مني)، وأيضاً فقوله: (ثبت الاستيلاد) (¬4) يقتضي ثبوته بالحجة الناقصة، وكذا توهمه عبارة "الروضة" هنا (¬5)، وليس كذلك؛ فإن الاستيلاد لا يثبت بالحجة الناقصة كما قرر في موضعه، وثبوته هنا إنما هو بالإقرار؛ ولهذا قال "التنبيه" [ص 270]: (قضي له بها) و"الحاوي" [ص 673]: (وملك المستولدة). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا بد أن يقول: (وهي باقية على ملكي على حكم الاستيلاد إلى الآن) لجواز أن يكون ملكه زال عنها ببيع بعد استيلادها؛ بأن استولدها وهي مرهونة رهناً لازماً، ولم يأذن له المرتهن في الوطء، وكان معسراً .. فإنه لا ينفذ الاستيلاد في حق المرتهن، وكذا الجانية، قال: ولم أر من تعرض له. قلت: في هاتين الصورتين لم يثبت الاستيلاد، ولا يفيد زوال الاستيلاد بعد ثبوته؛ فلا يحتاج لهذه التتمة، والله أعلم. 6186 - قول "المنهاج" [ص 571]: (ولو كان بيده غلام فقال رجل: " كان لي وأعتقته" وحلف مع شاهد .. فالمذهب: انتزاعه ومصيره حراً) حريته إنما هي بإقراره، وقد تفهم عبارته خلافه، وكذا يرد ذلك على قول "الحاوي" [ص 673]: (وعتق من قال: " كان ملكي فأعتقته"). 6187 - قول "المنهاج" [ص 571]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 674]: (ولو ادعت ورثةٌ مالاً لمورثهم وأقاموا شاهداً حلف معه بعضهم .. أخذ نصيبه ولا يشارك فيه) المراد: الحلف على الجميع لا على حصته فقط، سواء حلف بعضهم أو كلهم، كما حكاه في "أصل الروضة" عن ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 47). (¬2) الحاوي (ص 673)، المنهاج (ص 571). (¬3) المنهاج (ص 571). (¬4) المنهاج (ص 571). (¬5) الروضة (11/ 279).

الشيخ أبي الفرج، ثم قال: وفي كلام غيره إشعار بخلافه (¬1)، وحكى في التفليس في مسألة الغريم: أنه لا يحلف إلا على قدر حصته، وهو مخالف لكلام أبي الفرج صريحاً لا إشعاراً. 6188 - قولهما أيضًا - والعبارة "للمنهاج" -: (ويبطل حق من لم يحلف بنكوله إن حضر وهو كامل) (¬2) أي: من اليمين مع الشاهد، وهو المتكلم فيه، فلا يرد ما أورده شيخنا في "تصحيح المنهاج: من أنه لو أقام شاهداً آخر .. قُبِل، وهذا بإطلاقه مخالف لما في "الروضة" عن العراقيين والهروي والروياني: أنه إذا ادعى في مجلس آخر وأقام شاهده .. فله أن يحلف معه (¬3). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لكن نحن لا نفتي بهذا؛ لمخالفته نص الشافعي في "الأم" من إبطال حقه من الحلف مع الشاهد مطلقاً. انتهى. وهذا المذكور هنا من بطلان حقه باليمين حكاه في "أصل الروضة" عن الإمام، وأنه قال: لو مات .. لم يكن لوارثه أن يحلف (¬4)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 674]: (كوارث الساكت، لا الناكل) ثم قال في "أصل الروضة": وفي كتاب ابن كج ما ينازع فيه (¬5). وقال في "المهمات": الصحيح: أن حقه لا يبطل حتى يحلف هو ووارثه؛ فقد قاله أيضاً القاضي أبو الطيب وابن الصباغ، وحكى الإمام في موضع آخر فيه وجهين، وكذا الغزالي، وجوزوا له على ذلك الوجه أن يدعي به ثانياً ويحلف إذا ردت اليمين عليه، حكاه في "المطلب". ثم اعترض شيخنا في "تصحيح المنهاج" على قوله: (إن حضر) وقال: النكول لا يتوقف على الحضور؛ فقد يدعي وكيله ويقيم شاهداً، فتعرض اليمين على الموكل في غيبته عن مجلس الحكم، فينكل. قلت: المراد: حضوره في البلد بحيث يحلف، لا مجلس الحكم. ثم قال شيخنا: وأما غير الكامل .. فعبارته مسلوبة، ولا يتصور منه نكول حتى يحترز عنه. 6189 - قول "المنهاج" [ص 571]: (فإن كان غائباً أو صبياً أو مجنوناً .. فالمذهب: أنه لا يقبض نصببه) عبر في "الروضة" بالصحيح (¬6). 6190 - قوله: (فإذا زال عذره .. حلف وأخذ بغير إعادة شهادة) (¬7) و"الحاوي" [ص 674]: ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 283). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 674)، و"المنهاج" (ص 571). (¬3) الروضة (12/ 46). (¬4) الروضة (11/ 281). (¬5) الروضة (11/ 281). (¬6) الروضة (11/ 282). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 571).

(بلا إعادة الشهادة؛ كالغائب والطفل) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا لا يستقيم في الغائب؛ لأن القاضي لو أرسل له من حلفه وهو غائب .. فحلفه صحيح، وإن لم يزل عذره. قلت: المراد: أن تأخر اليمين للعذر لا يقطع الحق منها، ولا يحوج إلى إعادة شهادة، وهذا موجود في الغيبة، والله أعلم. قال الرافعي: وينبغي أن يكون الحاضر الذي لم يشرع في الخصومة، أو لم يشعر بالحال كالمجنون في بقاء حقه، بخلاف ما سبق في الناكل. انتهى (¬1). ومحل ما تقدم: إذا لم يتغير حال الشاهد، فإن تغير .. فوجهان، قال القفال: لا يقدح، فيحلف ويأخذ؛ لاتصال الحكم بشهادته، وقال الشيخ أبو علي: لا؛ لأنه اتصل في حق الحالف فقط؛ ولهذا لو رجع الشاهد .. لم يكن له أن يحلف، أما إذا أقام بعضهم شاهدين، فثبت المدعى عليه، فإذا حضر الغائب، وكمل غير المكلف .. أخذ نصيبه بلا دعوى ولا بينة، ويقبض القاضي نصيب الصبي والمجنون عيناً كان أو ديناً، وأما نصيب الغائب؛ فإن كان ديناً .. فسنذكره، وإن كان عيناً .. انتزعها الحاكم، وكلام الأصحاب يقتضي وجوب ذلك، وهو الظاهر، لكن سبق في الوديعة أن الغاصب لو حمل المغصوب إلى القاضي والمالك غائب .. ففي قبوله وجهان، قال الرافعي: فيجوز أن يعود ذلك الخلاف هنا مع قيام البينة (¬2)، ونبه في "المهمات" على أنه تقدم في استيفاء القصاص أن محل الخلاف في انتزاع الحاكم: فيما عدا هذه الصورة، فيجب فيها قطعاً؛ حفظاً لحق الميت، فهذا البحث ذهول عما قدره هناك. وقال شيخنا الإمام البلقيني: لا يجوز أن يعود ذلك الخلاف هنا، والفرق أن المدعى عليه منكر معتقد أن الدار ملكه، فوجب أن يأخذ الحاكم نصيب الغائب قطعاً؛ لتزول هذه المفسدة المؤدية لضياع حق الغائب، ولا كذلك في الغاصب المقر الذي أحضر المغصوب للحاكم. انتهى. 6191 - قول "التنبيه" [ص 265]: (وإن ادعى رجل أن أباه مات عنه وعن أخ غائب وله مال عند رجل حاضر وأقام بينة بذلك .. سلم إليه نصف المال وأخذ الحاكم نصيب الغائب ممن هو عنده وحفظه، وقيل: إن كان ديناً .. لم يأخذ نصيبه، بل يتركه في ذمة الغريم حتى يقدم) هذا الثاني هو الأصح في "أصل الروضة" هنا وفي الوديعة (¬3)، قال الرافعي: حكاه ابن كج عن النص (¬4). وقال شيخنا الإمام البلقيني: رأيت النص في "الأم" في باب ميراث سيد المكاتب، ولفظه: ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 98). (¬2) انظر "فتح العزيز" (13/ 99). (¬3) الروضة (11/ 283، 284). (¬4) انظر "فتح العزيز" (13/ 100).

(فإن كان الورثة الكبار غُيَّباً فسأل المكاتب يعني: الحاكم أن يدفع الكتابة إلى عدل يقبضه لهم إن لم يكن لهم وكيل .. كان ذلك له، فإذا دفعه .. عتق المكاتب، وليس هذا كدين لهم على رجل ثم غابوا عنه فجاء به إلى الحاكم ليدفعه .. هذا لا يدفع إلا إليهم أو وكيل لهم، فإن لم يكن لهم وكيل .. تركه الحاكم، فلم يأمر بقبضه من صاحبه الذي هو عليه؛ لأن في الكتابة عتقاً للعبد، فلا يحبس بالعتق، وليس في الدين شيء يحبس عنه صاحب الدين) (¬1)، قال شيخنا: وهو يقتضي أنه لو كان بالدين رهن .. أن القاضي يقبضه؛ لوجود ما حبس عن صاحب الدين، وهذا الذي ينبغي أن يفتى به. انتهى. وقول "الحاوي" [ص 675]: (ويؤخذ للمجنون والغائب بشاهدين) يحمل في الدين على الجواز، لا على الوجوب؛ لما عرفته، لكن لا يمكن حمله على ذلك في المجنون، وفي "التنقيح" لشيخنا الإسنوي: أن في هذه المسألة تعارضاً، ولم أره، ولم يستدركه في "تصحيحه" على "التنبيه"، وكان حقه استدراكه، وقال الفارقي في هذا: إذا كان من عليه الدين ثقة ملياً، وإلا .. فالأخذ منه أولى. 6192 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ولا تجوز شهادة على فعل كزناً وغصبٍ وإتلافٍ وولادةٍ إلا بالإبصار) (¬2) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": مقتضاه: أن الأعمى لا تدخل له في ذلك، وليس كذلك فتتصور شهادته في هذه الأمور كلها؛ ففي الزنا إذا وضع يده على ذكر داخل في فرج امرأة أو دبر صبي فأمسكهما ولازمهما حتى شهد عند الحاكم بما عرفه بمقتضى وضع اليد .. فهذا أبلغ من الرؤية، وفي الغصب أو الإتلاف لو جلس الأعمى على بساط لغيره فغصبه غاصب أو أتلفه فأمسكه الأعمى في تلك الحالة والبساط وتعلق به حتى شهد بما عرفه .. جاز، وفي الولادة وضعت العمياء يدها على قُبل المرأة وخرج منها الولد وهي واضعة يدها على رأسه إلى أن يكمل خروجه وتعلقت بهما حتى شهدت بولادتها مع غيرها .. قبلت. 6193 - قول "المنهاج" [ص 571]: (والأقوال كعقدٍ يشترط سمعها وإبصار قائلها) أعم من قول "التنبيه" [ص 271]: (وإن كان عقداً أو إقراراً .. فلا بد من مثاهدة العاقد والمقر وسماع كلامهما) لأنه يدخل في القول غير العقد والإقرار كالفسخ والردة وغيرهما، ومثل الأول قول "الحاوي" [ص 671]: (وسمع القول به) أي: بالإبصار، والباء بمعنى مع، وهي عبارة قلقة. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يحتاج إلى شرط ثالث، وهو: أن يكون الشاهدان عارفين باللغة التي يعقد بها النكاح على الصحيح، فإن قيل: هذا شرط لانعقاد النكاح والكلام في ¬

_ (¬1) الأم (8/ 83). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 271)، و "الحاوي" (ص 671)، و"المنهاج" (ص 571).

تنببيه [أقسام المشهود به]

شرط أداء الشهادة في الأقوال .. قلنا: أداء الشهادة مبني على صحة التحمل، وإذا لم يصح التحمل .. لا يصحُّ أداء الشهادة. انتهى. 6194 - قول "التنبيه" [ص 269]: (وتقبل شهادة الأعمى فيما تحمله قبل العمى) و"الحاوي" [ص 672]: (أو سمع قبله) محله: ما إذا كان المشهود له وعليه معروفي الاسم والنسب كما صرح به "المنهاج" (¬1)، وكذا لو عمي ويد المقر في يده .. فيشهد عليه لمعروف الاسم والنسب. قال شيخنا ابن النقيب: ويظهر مع جهالتهما أيضاً إن كانت يدهما بيده، وضبط المشهود له من المشهود عليه (¬2). ولا يرد على "المنهاج" و"الحاوي" شهادة الأعمى فيما يشهد فيه بالاستفاضة بشرط أن لا يحتاج إلى تعيين وإشارة؛ فإنها مقبولة، وقد ذكرها "التنبيه" (¬3) لأن كلامهما فيما يحتاج إلى الإبصار. ويرد على "التنبيه" و"المنهاج": شهادة الأعمى بالترجمة؛ فإنها مقبولة، وقد ذكرها "الحاوي" (¬4). ويرد على قول "المنهاج" [ص 571]: (إلا أن يقر في إذنه فيتعلق به حتى يشهد عند قاض به) وقول "التنبيه" [ص 269]: (وبحمله إلى القاضي) أن لنا غاية أخرى، وهي أن يشهد على شهادته بصيراً، أو يسترعيه حيث تسوغ الشهادة، على الشهادة ولا يرد ذلك على قول "الحاوي" [ص 672]: (إن تعلق بالمقر) لعدم ذكره الغاية. تَنْبِبيهٌ [أقسام المشهود به] في "أصل الروضة" عن الشافعي والأصحاب أنهم قسموا المشهود به إلى ثلاثة أقسام: ما يكفي فيه السماع بدون إبصار، وهو ما يشهد فيه بالاستفاضة، وما يكفي فيه الإبصار، وهو الأفعال، وما يحتاج إليهما كالأقوال (¬5). قال في "المهمات": وليس بحاصر؛ لجواز الشهادة بما علم ببقية الحواس الخمس؛ كما لو اختلفا في حموضة المبيع أو تغير رائحته أو حرارته ونحوها. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 571). (¬2) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 275). (¬3) التنبيه (ص 269). (¬4) الحاوي (ص 672). (¬5) الروضة (11/ 259).

قلت: والشهادة بالحمل وبالقيمة خارجة عن ذلك كله، والله أعلم. 6195 - قول "المنهاج" [ص 571]: (ومن سمع قول شخص أو رأى فعله؛ فإن عرف عينه واسمه ونسبه .. شهد عليه في حضوره إشارةً، وعند غيبته وموته باسمه ونسبه) فيه أمران: أحدهما: ظاهر إطلاق النسب الاكتفاء بالأب، لكن في "أصل الروضة": إن كان يعرفه باسمه واسم أبيه دون جده .. قال الغزالي: يقتصر عليه في الشهادة، فإن عرفه القاضي بذلك .. جاز، ثم قال: ويحتمل أن يقال هذه شهادة على مجهول؛ فلا تصح كما سبق في القضاء على الغائب أن القاضي لو لم يكتب إلا: (أني حكمت على محمد بن أحمد) .. فالحكم باطل، وقد ذكر الشيخ أبو الفرج أنه إذا لم يعرف نسبه قدر ما يحتاج إلى رفعه .. لا يحل له أن يشهد إلا بما عرف، لكن الشهادة و - الحالة هذه لا تفيد، وقال الإمام: لو لم يعرفه إلا باسمه .. لم يتعرض لاسم أبيه، لكن الشهادة على مجرد الاسم قد لا تنفع في الغيبة. انتهى (¬1). ولا منافاة بين كلام الغزالي وبحث الرافعي؛ فإن كلام الغزالي فيما إذا عرف بذلك، وتصويرهم في الغائب لمحمد بن أحمد يدل على عدم معرفته بذلك؛ لكثرة التسمية بهذين الاسمين، فالمدار على المعرفة؛ ويدل لذلك قول الرافعي قبله بعد ذكر اسمه واسم أبيه وجده وحليته وصنعته وإذا حصل الإعلام ببعض ما ذكرناه .. اكتفي به. انتهى (¬2). فيدخل فيه ما إذا حصل الإعلام بذكر أبيه خاصة، بل قد يدخل فيه ما إذا حصل الإعلام باسمه خاصة؛ كالشهادة في زمننا على سلطان الديار المصرية والشامية برقوق لا يحتاج معه إلى شيء آخر ولو كان بعد موته، وبهذا يزول الإشكال في الشهادة على عتقاء السلطان والأمراء وغيرهم ببلادنا وغيرها؛ فإنه لا يعرف أنسابهم غالباً، فيكتفي بذكر أسمائهم مع ما حصل به التمييز من أوصافهم، وعليه العمل عند الحكام ببلادنا. وقال شيخنا في "تصحمِح المنهاج" بعد ذكر هذه النقول: وظهر منها أن المدار على ذكر ما يعرف به كيف ما كان، وقال: إن مقتضى كلام الإمام: أن الشهادة على مجرد الاسم قد تنفع عند الشهرة وعدم المشارك. انتهى. ثانيهما: مقتضاه: أن مجرد الموت مانع من الشهادة على عينه، وتتعين فيه الشهادة على الاسم والنسب، وليس كذلك؛ فإنه متى أمكن إحضاره بعد موته؛ ليشهد على عينه .. فُعل، فإن دفن .. لم ينبش، وقد تعذرت الشهادة عليه، قاله في "أصل الروضة"، وقال: كذا قاله القاضي حسين والإمام والغزالي، لكن استثنى الغزالي: ما إذا اشتدت الحاجة إليه ولم يطل العهد بحيث يتغير ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 261). (¬2) انظر "فتح العزيز" (12/ 502).

منظره، وهذا احتمال ذكره الإمام ثم قال: والأظهر: ما ذكره القاضي (¬1)، وجزم في "الشرح الصغير" بأنه الأظهر. 6196 - قوله: (فإن جهلهما - أي: اسمه ونسبه - .. لم يشهد عند موته وغيبته) (¬2) قد يفهم أنه إذا عرف أحدهما .. شهد، قال شيخنا ابن النقيب: لكنه لم يرد ذلك (¬3). قلت: فكانت العبارة المحصلة لمقصوده: (فإن جهل أحدهما). 6197 - قوله: (ولا يصح تحمل شهادة على متنقبة؛ اعتماداً على صوتها) (¬4) قال في "أصل الروضة": ولك أن تقول: ينبغي أن لا يتوقف جواز التحمل على كشف الوجه، ولا على المعرفة؛ لأن من أقرت تحت نقاب ورفعت إلى القاضي والمتحمل ملازمها .. أمكنت الشهادة على عينها، وقد يحضر قوم يكتفى بإخبارهم في التسامع قبل أن تغيب المرأة إذا لم يشترط في التسامع طول المدة، فيخبرون عن اسمها ونسبها، فيتمكن من الشهادة على اسمها ونسبها، بل ينبغي أن يقال: لو شهد اثنان تحملا الشهادة على امرأة لا يعرفانها أن امرأة يوم كذا حضرت مجلس كذا فأقرت لفلان بكذا، وشهد عدلان أن المرأة الحاضرة يومئذ في ذلك المكان هي هذه .. ثبت الحق بالبينتين؛ كما لو قامت بينة أن فلان ابن فلان الفلاني أقر بكذا وقامت أخرى على أن الحاضر هو فلان بن فلان .. ثبت الحق، وإذا اشتمل التحمل على هذه الفوائد .. وجب أن يجوز مطلقاً، ثم إن لم يحصل ما يفيد جواز الشهادة على العين أو على الاسم والنسب أو لم ينضم إليه ما يتم به الإثبات .. فذاك لشيء آخر. انتهى (¬5). وفي "المهمات": هذا ليس محل خلاف، بل يجوز التحمل فيه قطعاً، وقد صرح بجوازه الروياني وغيره مع حكايتهم الخلاف في أصل المسألة، وقد استدركه عليه ابن الرفعة. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا البحث مستقيم وفقهه ظاهر. 6198 - قوله: (ولا يجوز التحمل عليها بتعريف عدل أو عدلين على الأشهر، والعمل على خلافه) (¬6) يحتمل أن مراده: أن العمل على التحمل عليها بتعريف عدل، وأن العمل على التحمل عليها بتعريف عدلين، وقد حكاهما في "أصل الروضة" وجهين، وحكى الأول منهما عن جماعة ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 262). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 571). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 276). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 571). (¬5) الروضة (11/ 265). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 572).

من المتأخرين (¬1)، وحكى شيخنا في "تصحيح المنهاج" الأول عن الشيخ أبي محمد، والثاني عن اقتضاء كلام الشيخ أبي حامد، وقال: إن الأول هو المراد بقول "المحرر": (والعمل على خلافه) (¬2) يعني: عمل جماعة من المتأخرين، أو أن المراد: ما حكاه القاضي حسين أن عادة أهل هراة وغيرها من البلدان أن يأتي المخدرة مع شاهدين يقولان: نشهد أن هذه بنت فلان، وهي تقر بأن لفلان عليّ كذا، فيكتب شهادته على الصك، ثم يؤدي الشهادة. انتهى. وقد ظهر بذلك أنه ليس المراد: عمل الأصحاب، بل: عمل بعض الشهود في بعض البلدان، ولا اعتبار بذلك، والله أعلم. 6199 - قوله: (ولو قامت بينة على عينه بحق فطلب المدعي التسجيل .. سجل القاضي بالحلية لا الاسم والنسب ما لم يثبتا) (¬3) أي: بالبينة، ولا يكفي في ذلك إقرار من قامت عليه البينة؛ لأن نسب الإنسان لا يثبت بإقراره، كذا في "أصل الروضة" (¬4). لكن قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه ممنوع؛ لأمور: منها: قولهم في القضاء على الغائب فيما إذا شهد شهود الكتاب على المسمى فيه: لا على عينه: فاعترف المحضر بأن ذلك اسمه ونسبه، أو أنكر ونكل فحلف المدعي على ذلك .. توجه له الحكم، فدل على ثبوت نسبه بإقراره. ومنها: ما عليه العمل من أن المشهود عليه يسأل عن اسمه ونسبه، ويجعل ذلك حجة عليه. ومنها: أن الناس مؤتمنون على أنسابهم، ومن ائتمن على شيء .. رجع إليه فيه. قلت: إنما ذلك فيما عليه لا فيما له، ولو ثبت نسبه بإقراره .. لا يسشحق المسطور الذي أقر فيه لشخص مسمى منسوب بدعواه أنه ذلك المسمى والمنسوب، وليس كذلك، بل لا بد من معرفته بذلك بالبينة، والله أعلم (¬5). 6200 - قول "التنبيه" [ص 271]: (وإن كان نسبا أو موتاً أو ملكاً .. جاز أن يتحمل بالاستفاضة) قيده ابن يونس في النسب بالأب، وهو وجه صححه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، والأصح: أن النسب من الأم كذلك، وقد صرح به "المنهاج"، وهو داخل في إطلاق "الحاوي" أيضًا (¬6)، وقول "المنهاج" [ص 572]: (من أب وقبيلة) من تفصيله، واستحسن، والذي في ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 264). (¬2) المحرر (ص 499). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 572). (¬4) الروضة (11/ 266). (¬5) انظر "حاشية الرملي" (4/ 367). (¬6) الحاوي (ص 671)، المنهاج (ص 572).

"المحرر" إطلاق النسب (¬1)، وشرطه عدم الريبة، فإن وجدت؛ بأن كان المنسوب إليه حياً فأنكر .. لم تجز الشهادة، فإن كان مجنوناً .. جازت على الصحيح كالميت، ولو طعن بعض الناس في ذلك النسب .. امتنعت الشهادة في الأصح، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 671]: (بلا معارض؛ كإنكار المنسوب إليه، وطَعْنٍ). 6201 - قول "التنبيه" [ص 271]: (وأما النكاح والوقف والعتق والولاء .. فقد قيل: يشهد فيها بالاستفاضة، وقيل: لا يُشهد) كذا حكى الخلاف في هذه الأربعة، وجزم في الملك بثبوته بالاستفاضة، والذي في كتب الرافعي والنووي حكاية الخلاف في الخمسة (¬2)، وقال في " المحرر": (رجح منهما المنع) (¬3)، وعبر عنه "المنهاج" بالأصح (¬4)، وفي "الشرح الصغير" فيما عدا الملك رجحه كثيرون، وصححه في الملك الغزالي وغيره، وهو الذي يفهم من كون "الحاوي" لم يذكر سوى النسب والموت (¬5)، واستدرك في "المنهاج" فقال [ص 572]: (الأصح عند المحققين والأكثرين في الجميع: الجواز) قال شيخنا ابن النقيب: كذا رأيته في أصل المصنف: في الجميع، لكنه على كشط، ويوجد في بعض النسخ: في الوقف، والذي في "الروضة" وأصلها: في العتق والولاء والوقف والزوجية وجهان، قال الإصطخري وابن القاص وابن أبي هريرة وأبو على الطبري: نعم، ورجحه ابن الصباغ، وقال أبو إسحاق: لا، وبه أفتى القفال، وصححه الإمام وأبو الحسن العبادي والروياني، وفي "العدة": هو ظاهر المذهب، لكن الفتوى الجواز؛ للحاجة، قال النووي: والجواز أقوى وأصح، وهو المختار. انتهى (¬6). وصححه في "تصحيح التنبيه" أيضًا (¬7)، وأما الملك .. ففي "أصل الروضة": فيه وجهان، أقربهما إلى إطلاق الأكثرين: الجواز، والظاهر أنه لا يجوز، وهو محكي عن نصه في حرملة، واختاره جماعة، ثم قال: والجواز مشهور في المذهب، فلعل المانع يكتفي بانضمام اليد، أو التصرف إليه، أو بانضمامهما وإن لم تطل المدة، وإلا .. فهما كافيان إذا طالت في الأصح؛ فلا أثر معهما حينئذ للاستفاضة (¬8). ¬

_ (¬1) المحرر (ص 499). (¬2) انظر "فتح العزيز" (13/ 71، 72)، و"الروضة" (11/ 269). (¬3) المحرر (ص 499). (¬4) المنهاج (ص 572). (¬5) الحاوي (ص 671، 672). (¬6) الروضة (11/ 267، 268). (¬7) تصحيح التنبيه (2/ 298). (¬8) الروضة (11/ 269).

قال شيخنا ابن النقيب: فائدتهما معا الجزم بالجواز حينئذ؛ كما ذكره في "الروضة" قبله بسطر (¬1). وقال في "المهمات": الصواب الذي عليه الفتوى: المنع؛ فقد نص عليه الشافعي، وحكاه عنه في "الكفاية". وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ما نسبه "المنهاج" إلى الأكثرين في المسائل الخمس لا يعرف إلا في الملك، وما صححه من الجواز مخالف لنصوص الشافعي، والفتوى عندنا في الأربعة الباقية على المنع، قال: وظاهر كلامه استواء الجميع في الخلاف، وليس كذلك؛ فالولاء له قرب من النسب، والعتق دونه، والوقف دون العتق، والزوجية دون الكل؛ لما يطرق الزوجية من وجوه الفراق المقتضية لخروجها من الزوجية. انتهى. وهنا أمور: أحدها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محل الخلاف في الولاء: ما لم يشتهر اشتهاراً شائعاً في الآفاق؛ كنافع مولى ابن عمر، وعكرمة مولى ابن عباس. قلت: قد اشتهر في مقسم أنه مولى ابن عباس، وليس مولاه كما قرر في علوم الحديث، فينبغي إجراء الخلاف مطلقاً، والشهرة في المثالين الذين ذكرهما إنما هو لشهرة المذكورين، والله أعلم. ثانيها: قال شيخنا أيضاً: محل الخلاف: في الوقف الذي لم يشتهر اشتهاراً شائعاً كأرض السواد؛ فإن الشافعي قال فيها بما اشتهر عنده من وقف عمر رضي الله عنه. ثالثها: قال شيخنا أيضاً: ومحله عندي فيما إذا أضيف إلى ما يصح الوقف عليه، فأما مطلق الوقف .. فلا يجوز أن يكون مالكه وقفه على نفسه واستفاض أنه وقف، وهو وقف باطل، وهذا مما لا توقف فيه. رابعها: قد يفهم ثبوت شروط الوقف وتفاصيله بذلك، وليس كذلك كما ذكره النووي في "فتاويه"، قال: بل إن كان وقفاً على جماعة معينين أو جهات متعددة .. قسمت الغلة بين الجميع بالتسوية، وإن كان على مدرسة مثلاً وتعذرت معرفة الشروط .. صرف الناظر الغلة على ما يراه من مصالحها (¬2). واعترض في "المهمات لا على إطلاقه، وقال: الأرجح ما في " فتاوى ابن الصلاح ": أنه إن شهد بها منفردة .. لم تثبت، أو ذاكراً لها في شهادته بأصل الوقف في معرض بيان شرط الواقف .. ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 279). (¬2) فتاوى النووي (ص 122) مسألة (200).

سمعت؛ لرجوعه إلى بيان كيفية الوقف، ونُقل من خط ابن الصلاح: أنه لو شهد بالنظر على الوقف الفلاني لزيد من لم يشهد على الواقف ولم يذكر مستنده .. حمل على أن مستنده الاستفاضة، والشروط لا تثبت بمثل ذلك (¬1). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إطلاق أن الشروط لا تثبت بالاستفاضة غير محقق؛ فالشروط لا تستفيض أصلًا، فإن اتفق شرط يستفيض غالباً؛ ككونه وقفاً على حرم مكة ونحوه .. ففيه الخلاف في ثبوت أصل الوقف بالاستفاضة، وصرح الماوردي بما يقتضيه. خامسها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محل الخلاف في غير حدود العقار؛ فإن الحدود لا تثبت بالاستفاضة كما ذكره ابن عبد السلام في تسجيل له في بركة الحبش وقفت عليه، وفيه: ولم يثبت حدودها؛ إذ الحدود لا تثبت عنده بالاستفاضة، قال شيخنا: وهو معمول به غير أن الحدود لا تستفيض، وفي "تعليق الشيخ أبي حامد" ما يقتضي ثبوتها بالاستفاضة، وهو ممنوع. سادسها: الخلاف في الملك قولان، أما المنع .. فقد تقدم من كلام "الروضة" أنه محكي عن نصه في حرملة، وأما الجواز .. فهو نصه في "الأم" و"المختصر" كما حكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج". سابعها: قيد في "الأم" و"المختصر" الجواز في الملك بألَّا يَرَى منازعاً في ذلك. 6202 - قول "التنبيه" [ص 271]: (وأقل ما يثبت به الاستفاضة اثنان) أي: عدلان، قيده بذلك "المنهاج" لما حكاه وجهًا، وصدر كلامه بأن شرطه: سماعه من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب (¬2)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 671]: (ممن لا ينحصر)، وعبارة "الروضة": جمع كثير يقع العلم أو الظن القوي بخبرهم ويؤمن تواطؤهم على الكذب، قال: وينبغي أن لا يشترط فيهم العدالة ولا الحرية والذكورة (¬3). قال في "المهمات": وما ذكره بحثًا جزم به الماوردي بالنسبة للعدالة، والروياني بالنسبة للحرية والذكورة، وحكى وجهين في انفراد الصبيان به مع شواهد الحال بانتفاء المواطأة. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": اعتبار أن يؤمن تواطؤهم على الكذب لم يذكره الشافعي، وإنما اعتبر بظاهر الأخبار بحيث يثبت في قلب السامع معرفته، وهو المعتمد، وقيد ابن الصباغ وجه الاكتفاء بعدلين بأن يسكن قلبه إلى خبرها، وحكاه عن أصحابنا المتأخرين. ¬

_ (¬1) فتاوى ابن الصلاح (2/ 518) مسألة (513). (¬2) المنهاج (ص 572). (¬3) الروضة (11/ 268).

فصل [في تحمل الشهادة في النكاح وغيره]

6203 - قول "التنبيه" [ص 271]: (وإن رأى رجلاً يتصرف في دار مدة طويلة من غير معارضة .. جاز أن يشهد له باليد والملك، وقيل: يشهد باليد دون الملك، وهو الأصح) الأصح: الشهادة له بالملك أيضًا، صححه في "المنهاج"، لكنه لم يقيده بعدم المعارضة (¬1)، ولا بد منه، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 671]: (بطول أو تسامع بلا منازع)، فأشار إلى الاستغناء بالتسامع عن طول المدة، هذا إن قرأته بضم الميم، فقال بعضهم ينبغي: أن يقرأ بفتح الميم عطفاً على (أبصر) ليوافق ما هو أقرب إلى كلام الأكثرين أنه يكفي التسامع وحده من غيرِ يد وتصرف، واختار القاضي والإمام والغزالي أنه يكفي، وهو المنصوص، فينبغي على هذا قراءته بضم الميم، ولا يختص ذلك بالدار كما صوره "التنبيه"، وقد يفهم من قول "المنهاج" [ص 572]: (وشرطه: تصرف ملاك من سكنى وهدم وبناء) و"الحاوي" [ص 671]: (كالبناء والهدم) فقد قال في "أصل الروضة": وسواء العقار والعبد والثوب وغيرها إذا ميز المشهود به عن أمثاله (¬2)، لكن صحح النووي في اللقيط: أنه لو رأى صغيراً في يد إنسان يأمره وينهاه ويستخدمه .. ليس له أن يشهد له بملكه، إلا إن سمعه يقول: هو عبدي، أو سمع الناس يقولون ذلك (¬3). قال في "المهمات": وكأن الفرق وقوع الاستخدام في الأحرار كثيراً مع الاحتياط في الحرية. انتهى. وقد يفهم من تعبير "المنهاج" أنه لا بد من اجتماع هذه الأمور، وليس كذلك، بل واحد منها كاف، وليس المراد: اختصاص هذه التصرفات بالملاك، بل الغالب صدورها منهم، ولا يفهم منه الاكتفاء بالتصرف مرة واحدة؛ لاعتباره قبل ذلك طول المدة. فَصْلٌ [في تحمل الشهادة في النكاح وغيره] 6204 - قول "المنهاج" [ص 572]: (تحمل الشهادة فرض كفاية في النكاح) ألحق به شيخنا في "تصحيح المنهاج" عقد الوكيل المقيد بالإشهاد بحيث لا يصح ذلك المقيد إلا به، فهو كالنكاح في الجزم بأن التحمل فيه فرض كفاية، وفيه نظر، وقرن الماوردي النكاح بالرجعة، وكأنه مفرع على القديم في وجوب الإشهاد عليها. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 572). (¬2) الروضة (11/ 270). (¬3) الروضة (5/ 444).

6205 - قوله: (وكذا الإقرار والتصرف المالي وكتابة الصك في الأصح) (¬1) فيه أمور: أحدها: لا معنى لتقييد التصرف المالي؛ فإن الخلاف جار في الطلاق والعتق والرجعة تفريعاً على الجديد؛ ولذلك أطلق "التنبيه" أن تحمل الشهادة فرض كفاية (¬2). ثانيها: عبر في "الروضة" فيما عدا الصك بالصحيح، وبه قطع العراقيون، وفي كتابة الصك بالأصح، وبه قطع السرخسي (¬3). ثالثها: يرد عليهما معاً: أن محل الوجوب إذا حضره المتحمل، فإن دعاه .. لم يلزمه في الأصح، إلا أن يكون المحمل معذوراً بمرض أو حبس، أو كانت مخدرة واعتبرنا التخدر، وكذا إذا دعاه القاضي ليشهده على أمر ثبت عنده .. لزمه الإجابة. رابعها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محله إذا كان المتحملون كثيرين، فإن لم يوجد إلا العدد المعتبر في الحكم .. فهو فرض عين كما جزم به الشيخ أبو حامد والماوردي وغيرهما، وهو واضح جار على القواعد، وفي كلام الشافعي ما يقتضيه. انتهى. وصرح به "التنبيه" فقال [ص 269]: (فإن كان في موضع ليس فيه غيره .. تعين عليه). خامسها: استثنى ابن يونس في "النبيه" من ذلك: حدود الله تعالى، للندب إلى سترها. سادسها: قد يفهم من كلامهما أنه لو طلب التحمل من اثنين .. لزمهما كالأداء، وليس كذلك بلا خلاف كما في "أصل الروضة" (¬4)، لكن الخلاف فيه موجود، حكاه الماوردي (¬5). ويرد على إطلاق "التنبيه" أن أداء الشهادة فرض كفاية: ما إذا لم يكن في القضية إلا اثنان .. فيلزمهما الأداء كما صرح به "المنهاج" (¬6)، وقد يفهم من قول "التنبيه" [ص 269]: (فإن كان في موضع ليس فيه غيره .. تعين عليه) وإن كان المتبادر إلى الفهم منه أن هذا الكلام في التحمل. ويرد على إطلاقه أيضاً: أن لوجوب الأداء شروطاً ذكرها "المنهاج" و"الحاوي"، وعبارته: (إن دُعيَ من العدوى، لا على فاسق إجماعاً، ومعذورٍ بنحو مرضٍ) (¬7) وسنتكلم على ذلك. 6207 - قول "المنهاج" [ص 572]: (فلو طلب من اثنين .. لزمهما في الأصح) محل الخلاف كما قال الإمام: أن يعلما أن في الشهود من يرغب في الأداء، أو لم يعلما منهم رغبة ولا إباء، فإن ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 572). (¬2) التنبيه (ص 269). (¬3) الروضة (11/ 276). (¬4) الروضة (11/ 274). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (17/ 51). (¬6) المنهاج (ص 572). (¬7) الحاوي (ص 675).

علما إباءهم .. فليس موضع الوجهين، حكاه عنه الرافعي (¬1)، ومراده: الجزم باللزوم في هذه الصورة كما صرح به في "الشرح الصغير" من غير عزو إليه، فقال: فإن علم المدعوان أن غيرهما يأبى الأداء .. فعليهما الإجابة بلا خلاف، واختصر ذلك في "الروضة" بقوله: وليس موضع الخلاف ما إذا علما من حالهم رغبة أو إباءً (¬2)، وهي عبارة مختلة كما قال شيخنا في "تصحيح المنهاج" فإنهما إذا علما من حال الباقين رغبة .. فهو أحد صورتي محل الخلاف. وقال شيخنا ابن النقيب: يظهر أن مفهومه أنه إذا علم رغبتهم .. الجواز جزماً، أو إباءهم .. الامتناع جزماً (¬3). قلتُ: وكان يمكن القول بهذا، لكنه ليس مطابقًا لما حكاه الرافعي عن الإمام، فإن أراد النووي هذا من جهة النقل أو التفقه .. فكان حقه نقل ما حكاه الرافعي عن الإمام. ثم يزيد ما يرى زيادته، والله أعلم. 6208 - قول "المنهاج" [ص 573] و"الحاوي" [ص 675]: (ولوجوب الأداء شروط: أن يُدعى من مسافة العدوى) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ليس للشافعي نص يقتضيه، ولا هو في كلام العراقيين هنا، وكلامهم دال على اعتبار انتفاء الضرر عن الشاهد، وصرح الماوردي بأنه إذا دعي للأداء إلى موضع يخرج به عن بلده .. فإنه يعذر بالتأخير، قربت المسافة أو بعدت، كان ذا مركوب أو لم يكن (¬4)، ولم يتعرض في "الروضة" وأصلها لطريقة العراقيين في ذلك، وهي قوية تقتضيها نصوص الشافعي. 6209 - قول "المنهاج" [ص 573]: (وقيل: دون مسافة قصر) كذا وقفت عليه، وحكى شيخنا في "تصحيح المنهاج" لفظه: (وقيل: من مسافة قصر) وقال: إنه وهم، فإن كان كذلك في لفظ "المنهاج" .. فهو وهم بلا شك لكن الذي وقفت عليه في نسخ "المنهاج" ما تقدم. 6210 - قوله: (فإن دُعي ذو فسق مجمع عليه، قيل: أو مختلف فيه .. لم يجب) (¬5) شرط جريان الوجه في المختلف فيه: أن يكون ظاهراً كما قيده في "الروضة"، بخلاف المجمع عليه لا فرق بين الظاهر والخفي (¬6)، وقد اقتصر "المنهاج" تبعاً "للمحرر" على عدم الوجوب (¬7)، ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 76). (¬2) الروضة (11/ 272). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 282). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (17/ 56). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 573). (¬6) الروضة (11/ 272، 273). (¬7) المحرر (ص 500).

وهو الذي يقتضيه قول "الحاوي" [ص 675]: (ويجب أداؤها، لا على فاسق إجماعاً)، لكن الذي في "الروضة" وأصلها في المجمع عليه: أنه يحرم عليه أداء الشهادة (¬1). وأفهم "المنهاج" و"الحاوي" باقتصارهما على الشروط المتقدمة أنه لو دعي إلى قاض متعنت لا يأمن أن يرده جوراً .. وجبت عليه الإجابة، وهو الأرجح في "الروضة"، وأنه لو دعي للأداء عند أمير أو وزير .. لزمته الإجابة، وبه قال ابن كج إذا علم أنه يصل به إلى الحق، بعد أن نقل عن ابن القطان أنه لا يلزمه، قال في "الروضة": قول ابن كج أصح (¬2). وقال في "التوشيح": ينبغي أن يحمل على ما إذا علم أن الحق لا يخلص إلا عند الأمير أو الوزير، وإليه يرشد قوله: (إذا علم أنه يصل به إلى الحق) أما إذا علم أن القاضي يقدر على تخليصه .. فلا وجه لإقامة الشهادة عند من ليس أهلاً لسماعها، وقد جزم في "الروضة" في القضاء على الغائب بأن منصب سماع الشهادة يختص بالقضاة، وأفهم كلامهما أيضاً الوجوب فيما لو دُعي لأداء الشهادة عند من لا يعتقد انعقاد ولايته لجهل أو فسق، وكذا ذكره في "الكفاية". ويرد على "الحاوي" أنه لو لم يكن في القضية إلا شاهد واحد .. لم يلزمه الأداء إلا إن كان مما يثبت بشاهد ويمين، وقد ذكره "المنهاج"، وتناول إطلاقه ما لو دعي لأداء الشهادة عند حنفي لا يقضي بالشاهد واليمين، والأظهر في "الكفاية": أنه لا يجب الأداء في هذه الصورة. 6211 - قول "التنبيه" [ص 269]: (ولا يجوز لمن تعين عليه أن يأخذ أجرة ويجوز لمن لم يتعين) الأصح عند الرافعي والنووي: جواز أخذ الأجرة على التحمل وإن تعين، ومنعه على الأداء وإن لم يتعين، ثم قال الرافعي: ومقتضى قولنا: له طلب الأجرة إذا دعي للتحمل .. أن يطلب الأجرة إذا دعي للأداء، سواء كان القاضي معه في البلد أم لا (¬3). قال النووي: هذا ضعيف مخالف لكلام الأصحاب، فإن فرض من يحتاج إلى الركوب في البلد .. فهو محتمل، والوجوب ظاهر (¬4). قلت: فرق الماوردي وغيره بينهما بأن أخذ الأجرة على الأداء يوجب ريبة، على أن الماوردي حكى وجهين فيما إذا كان ممتنعاً عن كسبه بالتحمل أو الأداء، وجعل في أخذ الأجرة عليهما ثلاثة أوجه: ثالثها: يجوز على التحمل دون الأداء (¬5). وقال الشيخ عز الدين في "القواعد": لا يجوز أخذ الأجرة على تحمل شهادة يبعد تذكرها ¬

_ (¬1) فتح العزيز (13/ 77)، الروضة (11/ 272). (¬2) الروضة (11/ 273، 274). (¬3) انظر "فتح العزيز" (13/ 81، 82). (¬4) انظر "الروضة" (11/ 275، 276). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (17/ 56).

ومعرفة الخصمين فيها؛ لأن باذل الأجرة إنما يبذلها على تقدير الانتفاع بها عند الحاجة إليها، فيصير هنا أخذ الأجرة على شهادة لا يحل له أداؤها. قال شيخنا الإسنوي في "التنقيح": ويسأل عن الفرق بين أخذ الأجرة هنا وبين وضع الجذوع إذا قلنا بالقديم. وهو إجبار الجار عليها؛ فإنه لا أجرة له كما نقله ابن الرفعة عن "المهذب" وغيره (¬1)، ولم يحكِ فيه خلافاً، ويشكل أيضاً على استئجار المسلم على الجهاد؛ فإنهم قالوا: لا يجوز؛ وعللوه بأنه إذا حضر الصف .. تعين عليه، ومن تعين عليه الشيء لا يأخذ عليه أجرة، ثم إنه يشكل على الاستئجار للحج؛ فإنه يجوز وإن قلنا: إن من قصد مكة .. يلزمه الإحرام. انتهى. ومحل أخذ الأجرة على التحمل: ما إذا لم يكن له رزق من بيت المال، فإن كان .. لم يجز الأخذ، وكذا حكم كاتب الصكوك، وهو وارد على قول "الحاوي" [ص 675]: (وللكاتب أجره) وقد يحمل الآخر على أعم من المأخوذ من بيت المال، فلا إيراد. قال أبو الفرج: وإنما يستحقها إذا دعي للتحمل، أما إذا أتاه المشهود عليه .. فلا أجرة له. 6212 - قول "الحاوي" [ص 675]: (وله أجر المركوب وإن لم يركب) أي: من موضعه إلى القاضي كذا أطلقه في "الوجيز" (¬2)، وقيده الإمام والبغوي بمسافة العدوى (¬3)، وجزم به في "الروضة" (¬4)، وضم في "التهذيب" نفقة الطريق إلى أجرة الركوب (¬5)، وفي "تعليق الشيخ أبي حامد": أن الشاهد لو كان فقيراً يكسب قوته يوماً يوماً، وكان في صرف الزمان إلى أداء الشهادة ما يشغله عن كسبه .. لم يلزمه الأداء إلا إذا بذل له المشهود له قدر كسبه في ذلك الوقت، وحكى البغوي وجهين فيما لو أعطاه شيئاً ليصرفه في نفقه الطريق وأجرة المركوب .. هل له أن يصرفه إلى غرض آخر ويمشي؛ وهما كالوجهين فيما لو أعطى فقيراً وقال له: اشتر لك به ثوباً .. هل له أن يصرفه إلى غير الثوب؟ والأصح: الجواز فيهما، كذا في "أصل الروضة" هنا (¬6)، لكن في مسألة الفقير تفصيل مذكور في الهبة، والقياس: طرده في مسألة الشاهد. قال في "المهمات": ثم إن مشى الشاهد من بلد إلى بلد .. قد يكون خارماً للمروءة قادحاً في قبول الشهادة، فيظهر حينئذ امتناعه في حق من هذا شأنه. ¬

_ (¬1) المهذب (2/ 324). (¬2) الوجيز (2/ 252). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (18/ 624)، و "التهذيب" (8/ 227). (¬4) الروضة (11/ 275). (¬5) التهذيب (8/ 227). (¬6) الروضة (11/ 275)، وانظر "التهذيب" (8/ 228).

قلت: وقد لا يكون خارمًا للمروءة؛ لصرفه فيما هو أهم من الركوب من نفقة نفسه وعياله ووفاء دينه، لا أنه يفعل ذلك بخلاً وإيثاراً لتحصيل المال. 6213 - قول "التنبيه" [ص 270]: (ولا تقبل شهادة الإنسان على فعل نفسه) يقتضي أنه لا يقبل قوله: أشهد أني رأيت الهلال، وبه صرح ابن أبي الدم، لكن صرح الرافعي في صلاة العيد بالاكتفاء بذلك (¬1)، وقال في الشهادة على الزنا: إنهم يقولون: أدخل ذكره في فرجها ... إلى آخره (¬2)، وسبقه إلى ذلك ابن سراقة والقفال وغيرهما، ونص السبكي في "الحلبيات" وخطّأ من أنكره، وأطنب في ذلك، وقال: الرؤية ليست من فعله، وإنما هي أشعة تتعلق بالمرئي (¬3). نعم؛ النظر من فعله فلا يقول: نظرت، وقد تقدم ذلك في الصيام. 6214 - قوله: (كالمرضعة على الرضاع) (¬4) محله: ما إذا قالت: أشهد أني أرضعته، أو ادعت أجرة، فإن لم تدع أجرة .. فالأصح: القبول. 6215 - قوله: (والحاكم على الحكم بعد العزل) (¬5) قال في "التوشيح": تقييده بما بعد العزل لا يتضح؛ فإنه لا تقبل شهادته على فعل نفسه مطلقاً؛ غاية الأمر أن قوله قبل العزل مقبول، لكنه ليس شهادة، وإلا .. لم تقبل منه وحده، بل هو حكم أو إخبار عن الحكم الصادر منه قبل ذلك، وهو مقبول منه؛ لقدرته على الإنشاء. 6216 - قوله: (وقيل: تقبل شهادة القاسم والحاكم) (¬6) قال في "التوشيح" أيضًا: حكاية الخلاف في القاسم والحاكم مع القطع بالمنع في المرضعة لا يعرف؛ فإنها أولى منهما، وقد جزم في "المهذب" بقبول شهادتهما. 6217 - قوله: (وإن شهد ثلاثة بالزنا .. وجب على الشهود حد القذف في أحد القولين) (¬7) هو الأصح، فعلى هذا: لا تقبل شهادتهم حتى يتوبوا، والمشهور: قبول روايتهم قبلها، ويمتحن بذلك، فيقال: فاسق تقبل روايته دون شهادته. ويستثنى من ذلك: ما لو شهد بالجرح وذكر سببه وهو الزنا، ولم يكمل أربعة .. فإنه لا حد عليه على المختار أو الصواب في "الروضة" (¬8) لأنه مسئول عنها، بخلاف شهود الزنا؛ فإنهم مقصرون. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (2/ 368). (¬2) انظر "فتح العزيز" (13/ 47). (¬3) قضاء الأرب في أسئلة حلب (ص 467). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 270). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 270). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 270). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 271). (¬8) الروضة (11/ 171).

6218 - قوله: (وإن شهد أربعة أحدهم الزوج .. فقد قيل: يحد الزوج قولاً واحداً، وفي الثلاثة قولان، وقيل: في الجميع قولان) (¬1) الأصح: الطريقة الأولى، وأصح القولين: أن الثلاثة يحدون أيضًا، ومحل الطريقين: ما إذا لم يسبق من الزوج قبل شهادته قذف، فإن سبق منه قذف .. حد قطعاً، قاله ابن الصباغ. 6219 - قوله: (ومن شهد بالرضاع .. ذكر أنه ارتضع من ثديها أو من لبن حلب منها، وذكر عدد الرضاع، ووقته) (¬2) أي: كونه في سن الرضاع وهو الحولان فما دونهما، لا بد أيضاً مع ذكر العدد من التفريق، لكن قال الرافعي: إن ذكر العدد يقتضيه، وقال ابن الرفعة: لا؛ فإن مأخذ ذكره اختلاف الناس، فذكره ينفي احتمال الانتقال من ثدي إلى ثدي، الأصح أيضًا: أنه لا بد من ذكر وصوله إلى الجوف. 6220 - قوله: (وإن شهد بالزنا .. ذكر الزاني وكيف زنى) (¬3) أوضحه "الحاوي" بقوله [ص 672]: (وللزنا أنه أدخل فرجه في فرجها) والمراد: الحشفة أو قدرها من مقطوعها، وإن كان ظاهر إطلاق الفرج يوهم الجميع. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لنا كلام في الاكتفاء بتغييب الحشفة؛ فإن العمدة في ذلك ما علق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إيجاب الغسل عليه بقوله: "إذا جاوز الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل" (¬4)، والختان: موضع القطع، وهو وراء الحشفة بقدر أنملة ونحوها، فلابد في تعلق الأحكام من إيجاب الغسل وغيره من دخول الحشفة وما بعدها حتى يدخل موضع القطع، ولم أجد في حديث من الأحاديث تعليق الحكم على الحشفة وعلى هذا فمقطوع الحشفة أو بعضها لابد أن يولج القدر الذي كان يعتبر عند السلامة، وكذا لو خلق لا حشفة له .. فلابد من اعتبار الحشفة وما بعدها إلى موضع القطع، قال شيخنا: وينبغي أن يقول الشاهد في يقظته؛ لأنه قد يدخل ذكره في حال نومه. 6221 - قول "التنبيه" [ص 272]: (وفي أي موضع زنا) لم يتعرض له الرافعي والنووي، وذكره الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ، وحكاه الماوردي عن أصحابنا، قال: وعلى قياسه زمان الزنا، ثم قال: وليس إطلاق هذا القول عندي صحيحاً، والواجب أن ينظر، فإن صرح بعض الشهود بذكر المكان والزمان .. وجب سؤال الباقين عنه، وإن لم يصرح بعضهم ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 271). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 271). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 272). (¬4) أخرجه مسلم (349).

فصل [في الشهادة على الشهادة]

به .. لم يسألوا عنه؛ لأنه لو وجب سؤالهم عن الزمان والمكان إذا لم يذكروه .. لوجب سؤالهم عن ثيابه وثيابها، وعن لون المزني بها من سواد أو بياض، وعن سنها من صغيرة أو كبيرة، وعن قدها من طول أو قصر؛ لأن اختلافهم فيه موجب لاختلاف الشهادة، فيتناهى إلى ما لا يحصى، وهذا غير معتبر في السؤال، فكذلك في المكان والزمان، إلا أن يبتدئ بعض الشهود بذكره .. فيسأل الباقون عنه؛ ليعلم ما هم عليه من موافقة واختلاف (¬1). وحكى شيخنا في "تصحيح المنهاج" اعتبار الزمان عن القاضي أبي الطيب وابن الصباغ، ثم قال: والصحيح عندنا: أنه لا يشترط بيان المكان ولا الزمان ولو ذكره بعض الشهود؛ لأنهم لو قالوا: لا ندري في أي زمان كان .. كانت شهادتهم مقبولة، وأما المكان .. ففي نسيانه بعد، لكن لما لم يسأل عنه عمر رضي الله عنه .. دل على أنه ليس بمعتبر، والشافعي لم يعتبره، والمعتمد عدم اعتباره. انتهى. 6222 - قوله: (ومن كانت عنده شهادة في حد من حدود الله عز وجل؛ فإن رأى المصلحة في الشهادة .. شهد، وإن رأى المصلحة في الستر .. استحب أن لا يشهد) (¬2) كذا صححه النووي في باب حد الزنا من زيادة "الروضة" (¬3)، وصحح الرافعي في الموضع المذكور أنه لا يستحب كتمانها؛ لئلا تتعطل (¬4)، وجزم هو والنووي في باب الشهادات بأن الأفضل فيها الستر (¬5)، وكذا جزم به النووي من زيادته في آخر الباب الثاني من القضاء (¬6)، وفي "الكفاية": أن محل ذلك فيما إذا لم يتعلق بتلك الشهادة إيجاب حد على غير مرتكب الجريمة، فإن تعلق به كما إذا شهد ثلاثة بالزنا .. فإنه يجب على الرابع الأداء ويأثم بالتوقف، وحكاه عن "الحاوي" و"البحر". فَصْلٌ [في الشهادة على الشهادة] 6223 - قول "التنبيه" [ص 272]: (تجوز الشهادة على الشهادة في حقوق الآدميين، وفي حدود الله عز وجل قولان، أظهرهما: أنه يجوز) هو ظاهر إطلاق "الحاوي" قبول الشهادة على ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (17/ 240، 241). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 271). (¬3) الروضة (10/ 95). (¬4) انظر "فتح العزيز" (11/ 151). (¬5) انظر "فتح العزيز" (13/ 36)، و"الروضة" (11/ 244). (¬6) انظر "الروضة" (11/ 171).

الشهادة، لكن المذهب في "أصل الروضة": منعه في حدود الله تعالى (¬1)، وهو مفهوم قول "المنهاج" [ص 573]: (وفي عقوبة لآدمي على المذهب) والمراد: منع إثباتها، أما الشهادة بأن القاضي حد فلاناً .. فلا خلاف في جوازه؛ لأنه حق آدمي، فإنه إسقاط حد عنه، قال في " أصل الروضة": ذكره ابن الصباغ، وظاهره أنه من كلامه، وإنما نقله عن ابن القاص، قال ابن القاص: والإحصان كالحد، كذا أطلق نقله عنه في "أصل الروضة" (¬2)، وإنما قاله في إحصان من ثبت زناه، لا مطلقاً كما حكاه عنه ابن الصباغ. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لو خرج على أن شهود الإحصان هل يتعلق بهم الغرم إذا رجعوا .. لكان له وجه، فإذا فرعنا على الأصح أنه لا يتعلق بهم .. دخلته الشهادة على الشهادة، قال: ويحتمل أن لا تدخله الشهادة على الشهادة على المرأتين؛ لأنه على كل حال ترتب عليه قتل الذي ثبت زناه، ثم بحث شيخنا الفرق بين أن يثبت زناه بالإقرار .. فتقبل الشهادة على الشهادة في إحصانه؛ لإمكان رجوعه، وبين أن يثبت بالبينة، وقال: له وجه قوي أقوى من إطلاق الثبوت، قال: ويفهم منه أنه لا يثبت بالشهادة على الشهادة بلوغ من ثبت زناه؛ لأنه يؤول إلى العقوبة، وكذا بقية ما يعتبر في الإحصان، قال: ويزاد عليه لعان الزوج إذا أنكرته المرأة .. لا يثبت بالشهادة على الشهادة؛ لأنه يترتب على لعانه إيجاب الحد على المرأة إذا لم تلاعن، وكذا الشهادة بانتقاض عهد الذمي؛ لتخيُّر الإمام فيه بين أمور فيها القتل، والشهادة على الإمام باختيار القتل، وعلى الحاكم الذي حكم بقتل من نزل على حكمه من الرجال المكلفين، وعلى الحاكم بإيجاب الحد على الزاني. 6224 - قولهما - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وتحمُّلُهَا بأن يسترعيه فيقول: "أنا شاهد بكذا وأشهدك"، أو "اشهد على شهادتي"، أو يسمعه يشهد عند قاض، أو يقول: " أشهد أن لفلانٍ على فلانٍ ألفاً من ثمن مبيع أو غيره") (¬3) فيه أمور: أحدها: أنه يفهم اختصاص الشهادة بالمسترعي، وليس كذلك، قال في "أصل الروضة": وإذا صح الاسترعاء .. لم يختص التحمل بمن استرعاه (¬4)، ولذلك قال "الحاوي" [ص 672]: (أو أذن فيها) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وظهر بذلك أنه إذا سمع قضاء القاضي بعلمه .. فإنه يجوز أن يتحمل الشهادة على قضاء القاضي وإن لم يسترعه، وكذا المحكم إذا جوزنا حكمه. ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 289). (¬2) الروضة (11/ 289). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 272)، و"المنهاج" (ص 573). (¬4) الروضة (11/ 290).

ثانيها: مقتضى كلامهما: أنه لابد مع الإذن من الشهادة على شهادته من أن يخبر أن عنده شهادة بكذا، وليس كذلك؛ ولهذا لم يعتبر "الحاوي" سوى الإذن فيها، لكن مقتضى عبارته الاكتفاء بقوله: (أذنت لك أن تشهد بكذا) وإن لم يقل: (على شهادتي)، ويوافقه تمثيل "أصل الروضة " لذلك بأن يقول: إذا استشهدت على شهادتي .. فقد أذنت لك أن تشهد (¬1)، وتعقبه شيخنا في "تصحيح المنهاج" باحتماله أن تشهد أنت على ما تعرفه من ذلك، قال: ومقتضى نص الشافعي أنه لابد أن يقول: فاشهد على شهادتي، وفي "الحاوي" للماوردي: لو قال: أشهد أن لفلان على فلان ألفاً، فاشهد أنت بها .. لم يكن استرعاء حتى يقول: فاشهد على شهادتي، نص عليه (¬2). ثالثها: ذكر "المنهاج" المضارع وهو قوله: (أشهدك) والأمر وهو قوله: (اشهد) واقتصر "التنبيه" على الأمر، وقد يفهم منهما أنه لو قال: (أشهدتك) بلفظ الماضي .. لم يكف، وقد صرح في "أصل الروضة " بالتمثيل بالماضي (¬3)، وقد يقال: إن تعبير "الحاوي" بالإذن لا يتناول الماضي ولا المضارع. رابعها: يرد على عبارة الثلاثة المحكم، فيكفي أداء الشهادة عنده وإن لم نجوز التحكيم، وينبغي الاكتفاء بأداء الشهادة عند أمير أو وزير؛ بناء على تصحيح النووي وجوب أدائها عنده، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وعندي يجوز على الوجهين؛ لأن الشاهد لا يقدم على ذلك عند الوزير أو الأمير إلا وهو جازم بثبوت المشهود به، قال: وكذلك لو شهد عند الكبير الذي دخل في القضية بغير تحكيم. خامسها: نازع شيخنا في "تصحيح المنهاج" في الطريق الثالث وهو بيان السبب، فقال: لم أقف في نصوص الشافعي رضي الله عنه على ما يقتضي الاكتفاء به، وفي "النهاية " عن الأكثرين: أنه لا يكتفى به، وأنه الأظهر (¬4)، وقال شيخنا المذكور: إنه الصحيح الذي تقتضيه نصوص الشافعي. 6225 - قول "المنهاج " [ص 573]: (وفي هذا وجه) يقتضي أنه ليس في الذي قبله وهو الشهادة عند القاضي، وليس كذلك، وفي الرافعي عن أبي حاتم القزويني وجه أنه لا يكفي أيضاً (¬5). ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 289). (¬2) الحاوي الكبير (17/ 224). (¬3) الروضة (11/ 289). (¬4) نهاية المطلب (19/ 39). (¬5) فتح العزيز (13/ 114).

6226 - قول "التنبيه" [ص 272]: (فإن أراد أن يؤدي الشهادة على الشهادة؛ فإن تحمل بالاسترعاء ... إلى آخر كلامه) يفهم أن ذلك على طريقة اللزوم، وليس كذلك؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 573]: (وليبين الفرع عند الأداء جهة التحمل، فإن لم يبين ووثق القاضي بعلمه .. فلا بأس) وهو مفهوم من سكوت "الحاوي" عن بيان جهة التحمل. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": انفرد بذلك الإمام، وهو مخالف لإطلاق الأصحاب، والمعتمد عندي خلافه؛ لأنه وإن كان عالماً بكيفية التحمل قد لا يوافق رأيه رأي الحاكم ولو كان مقلداً لإمام الحاكم؛ لأن المقلدين تختلف آراؤهم على مقتضى مذهب إمامهم، وقال الغزالي: إن له الإصرار، وإن سأله القاضي .. لم يلزمه التفصيل (¬1)، قال شيخنا: وهذا يورث القاضي ريبة في جهة التحمل التي اعتمدها. 6227 - قول "المنهاج" [ص 573]: (ولا يصح تحمل النسوة) لم يصرح به في "المحرر"، وقال في "الدقائق": ليس بزيادة محضة، فإنه يفهم من قول "المحرر" قبل هذا: (إن ما ليس المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال غالباً لا يثبت إلا برجلين). انتهى (¬2). ولا يصح تحمل الخنثى المشكل أيضًا، لكن لو بانت ذكورته .. صح تحمله. 6228 - قوله: (فإن حدث - أي: بالأصل - ردة أو فسق أو عداوة .. منعت) (¬3) أي: شهادة الفرع، و"الحاوي" [ص 672]: (لا إن فسق أو عادى) فيه أمور: أحدها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يستثنى منه: ما إذا كان الفرع شاهداً على شهادة من قضى بعلمه؛ فإنها شهادة على شهادة ملازمة للقضاء، فإذا حدث من القاضي بعلمه ردة أو فسق أو عداوة .. لم يمنع من قبول شهادة الفرع، ولا يلحق به ما إذا شهد الفرع على شهادة أصل شاهد عند حاكم؛ فإنه إن قضى القاضي بشهادة الأصل .. فليس شهادة على شهادة، وإلا .. فهو منفك عن القضاء بخلاف ما ذكرناه. ثانيها: أنه تناول ما إذا حدثت العداوة بعد إقامة الفرع شهادته عند الحاكم، وقد قال ابن الصباغ: إن ذلك لا يؤثر في الشاهد الأصلي، وحكاه عن الشافعي، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج ": وليس في كلام غيره ما يخالفه، وفقهه واضح، وهو وارد على إطلاق أن حدوث عداوة مانع من قبول شهادة الفرع. ثالثها: المراد: حدوث ذلك قبل الحكم بشهادته، ولا أثر لحدوثه بعده، كما صرح به في ¬

_ (¬1) انظر "الوسيط" (7/ 383). (¬2) الدقائق (ص 77). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 573).

"أصل الروضة" (¬1)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهذا مقيد في الفسق والردة بأن لا يكون في حد لآدمي أو قصاص لم يستوف، فإن وجد بعد القضاء وقبل الاستيفاء .. لم يستوف على المذهب كما في الرجوع عن الشهادة. 6229 - قول "المنهاج" [ص 573]: (وجنونه كموته على الصحيح) قد يفهم أن الإغماء ليس كذلك، وقد فصل فيه الإمام فقال: فإن كان غائباً .. لم يؤثر، وإن كان حاضراً .. لم يشهد الفرع، بل ينتظر زواله، لقربه (¬2)، قال الرافعي: ومقتضاه: أن يلحق به كل مرض يتوقع زواله كالإغماء (¬3)، وقال النووي: الصواب: أن المرض لا يلحق به وإن توقع زواله قريباً؛ لأن المريض أهل للشهادة بخلاف المغمى عليه (¬4). واعترضه في "المهمات": بأنه لا يقتضي بطلان كلام الرافعي، بل يعضده ويقويه؛ لأن وجود الأصل بصفة الشهادة أقرب إلى عدم قبول الفرع من وجوده بصفة يخرج بها عن الأهلية بسبب لا تقصير فيه، والمجنون الحاضر تقبل شهادة فرعه، وإلحاق الإغماء به أقرب من إلحاقه بمرض لا يزيل العقل، فإذا انتظرنا زوال الإغماء، لقربه .. فالمرض القريب أولى، وكأنه توهم أن مراد الرافعي: إلحاق المرض بالإغماء في بطلان شهادة فرعهما. 6230 - قول "التنبيه" [ص 272]: (فإن شهد اثنان على أحد الشاهدين ثم شهدا على الآخر .. ففيه قولان، أحدهما: يجوز، والثاني: لا يجوز) الأصح: الأول، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 574]: (وتكفي شهادة اثنين على الشاهدين). 6231 - قول "التنبيه" [ص 272]: (ولا تجوز الشهادة على الشهادة إلا أن يتعذر شهود الأصل بالموت أو المرض أو الغيبة في مسافة تقصر فيها الصلاة) فيه أمور: أحدها: أن المرض والغيبة لا يتعذر معهما حضور شاهد الأصل، فكان ينبغي أن يقول كـ "المنهاج" [ص 574]: (وشرط قبولها: تعذر أو تعسر الأصل) ولم يذكر "الحاوي" تعذراً ولا تعسراً، فسلم من ذلك. ثانيها: أنه أطلق المرض، وقيده "المنهاج" بأن يشق حضوره معه (¬5)، وقيده في "أصل الروضة" بالمشقة الظاهرة (¬6). ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 292). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (19/ 43). (¬3) انظر "فتح العزيز" (13/ 116). (¬4) انظر "الروضة" (11/ 292). (¬5) المنهاج (ص 574). (¬6) الروضة (11/ 294).

ثالثها: أن ذلك لا يختص بالمرض، بل يلحق به خوف الغريم، وسائر ما يترك به الجمعة، كما قال الإمام والغزالي (¬1)، وتبعهما "الحاوي" فقال [ص 672]: (أو به عذر الجمعة)، لكن قال الرافعي والنووي: وليكن ذلك في الأعذار الخاصة دون ما يعم الأصل والفرع؛ كالمرض والوحل (¬2). واعترضه في "المهمات": أن ذلك لا يستحيل معه الحضور، بل يمكن مع مشقة، فقد يرضى الفرع بالحضور دون الأصل. رابعها: الأصح: أنه لا يتوقف ذلك على مسافة القصر، بل تكفي الغيبة فيما فوق العدوى، وعليه مشى "الحاوي" (¬3)، وأما قول "المنهاج" [ص 574]: (أو غيبة لمسافة عدوى) فسبق قلم؛ فإن مسافة العدوى كالقريبة، وعبارة "المحرر" و"الروضة" وأصلها: على الصواب (¬4)، فسهى "المنهاج" في اختصاره، وقد مشى على الصواب فيما إذا دعي لأداء شهادة في بلد أخرى، وفي سماع الدعوى على غائب، وفي الإعداء على غائب، فجعل فيها مسافة العدوى كالقريبة. 6232 - قول "المنهاج" [ص 574]: (وأن يسمى الأصول) أي: يسمى كل فرع أصله، والمراد: تسمية يحصل بها تعريفهم؛ ولذلك عبر في "أصل الروضة" بقوله: يجب على الفروع تسمية الأصول وتعريفهم (¬5)، وقوله بعد ذلك: (ولو شهدوا على شهادة عدلين أو عدول ولم يسموهم .. لم يجز) (¬6) قد يدعى أنه تكرر؛ لما سبق من اشتراط تسميتهم، ولكن هذه فيها زيادة تعديل بغير تسمية، فهي أخص مما تقدم، والله أعلم. 6233 - قول "التنبيه" [ص 272]: (وإن شهد شهود الفرع ثم حضر شهود الأصل قبل أن يحكم .. لم يحكم حتى يسمع من شهود الأصل) كذا لو شفوا من مرضهم، وفي معناه: لو أبصروا بعد عماهم، أو أفاقوا من جنونهم أو من إغمائهم إن سوغنا الشهادة على الشهادة معه، وينبغي أنه إذا علم أنهم توجهوا من غيبتهم البعيدة بحيث كانوا وقت أداء الفروع الشهادة في مسافة العدوى فما دونها .. أنه لابد من شهادة الأصول كما قاله البغوي في غيبة الولي، والله أعلم. ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (19/ 49)، و"الوجيز" (2/ 254). (¬2) انظر "فتح العزيز" (13/ 120)، و"الروضة" (11/ 294). (¬3) الحاوي (ص 672). (¬4) المحرر (ص 502)، فتح العزيز (13/ 120)، الروضة (11/ 295). (¬5) الروضة (11/ 295). (¬6) المنهاج (ص 574).

فصل [في الرجوع عن الشهادة]

فَصْلٌ [في الرجوع عن الشهادة] 6234 - قولهما - والعبارة "للتنبيه" -: (وإن شهدوا بحق ثم رجعوا عن الشهادة؛ فإن كان قبل الحكم .. لم يحكم) (¬1) قد يفهم اختصاص امتناع الحكم بحالة الرجوع، وليس كذلك، بل لو قالوا له: توقف .. وجب عليه التوقف، فلو قالوا بعد ذلك: اقض فإنا على شهادتنا .. جاز القضاء من غير إعادة شهادة على الأصح فيهما، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 681]: (وإن قال: توقف، ثم: اقض .. قضى بلا إعادة) وقال شيخنا الإمام البلقيني: عندي ينبغي أن يسأله عن سببه هل هو لشك طرأ أم لأمر ظهر له؟ فإن قال: لشك طرأ .. قال بيّنه، فإن ذكر ما لا أثر له عند الحاكم .. لم يمنعه من الحكم. 6235 - قول "المنهاج" [ص 574]: (أو بعده وقبل استيفاء مال .. استوفى) كذا العقد كما صرح به "التنبيه" و"الحاوي" (¬2)، وكذا الفسوخ تستمر على إمضائها. 6236 - قول "الحاوي" [ص 682]: (وإن قُتل .. قُتل إن قال: تعمدت) أحسن من قول "المنهاج" [ص 574]: (وقالوا: تعمدنا) لأن مقتضى عبارة "المنهاج" أنه لابد أن يقول كل واحد: تعمدت وتعمد صاحبي، وليس كذلك، بل لو قال كل منهم: تعمدت ولم أعلم حال من شهد معي، أو اقتصر على قوله: تعمدت .. لزمهما القصاص أيضاً، كما حكاه في "أصل الروضة" عن البغوي وغيره، ولو قال أحدهما: تعمدت أنا وصاحبي، وقال الآخر: أخطأت أو أخطأنا .. فلا قصاص على الثاني، ويلزم الأول القصاص على الأصح، ولو قال أحدهما: تعمدت وتعمد صاحبي، وقال صاحبه: تعمدت وأخطا هو .. وجب القصاص على الأول، ولا يجب على الثاني على الصحيح؛ لأنه لم يعترف إلا بشركة مخطئ، ولو رجع أحدهما وأصر الآخر وقال الراجع: تعمدنا .. لزمه القصاص، وإن اقتصر على قوله: تعمدت .. فلا، كذا في "أصل الروضة" (¬3). وتعقبه شيخنا في "تصحيح المنهاج" في هذه الأخيرة؛ لأن إصرار صاحبه يقتضي أنه تعمد، فهو قاصد لقتله بحق، فكان كشريك القاتل قصاصاً أو القاطع حداً، وذلك مقتضي لإيجاب القصاص على الذي قال: تعمدت. انتهى. ولا يرد ذلك أيضًا على قول "التنبيه" [ص 273]: (فإن تعمدوا .. لزمهم القصاص) لأنه رتب ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 273)، و"المنهاج" (ص 574). (¬2) التنبيه (ص 273)، الحاوي (ص 681). (¬3) الروضة (11/ 299).

لزوم القصاص على تعمد كل واحد لا على نسبته التعمد لنفسه ولصاحبه. ويرد عليهما: أنهم لو قالوا: لم نعلم أنه يقتل بشهادتنا، بل ظننا أنه يحبس ونحو ذلك، وكانوا ممن يخفى عليهم ذلك لقرب عهدهم بالإسلام .. فهو شبه عمد، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 682]: (أو ما علمت يقتل بقولي)، ولا بد من تقييده بمن يخفى عليه، ويمكن أن يدرج في عبارته ما إذا قالوا: لم نعلم أنه يقتل بقولنا؛ لأنا ظننا أنا نجرح بأسباب تقتضي الجرح، وقد أدرجها الرافعي في عبارة "الوجيز" ثم قال ويمكن أن يجعل هذا خطأ (¬1)، وأسقط ذلك في "الروضة"، وذكره شيخنا الإمام البلقيني على حاشية "الروضة" بحثاً فقال: ينبغي إذا قالوا: لم نعلم أنه يقتل بشهادتنا؛ لظهور أمور فينا تقتضي رد شهادتنا عليه ولكن الحاكم قصر في ذلك .. أن يكون شبه عمد أيضاً، ولم أر من تعرض له. 6237 - قول "المنهاج" في المسألة [ص 574]: (أو رجم زناً أو جلده ومات) فيه أمران: أحدهما: لو قال: (أو جلداً) .. لكان أخصر وأعم؛ ليتناول جلد القذف والشرب. ثانيهما: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا يأتي في الجلد ما ذكر من الحكم بعد ذلك؛ فإن جلد الحد لا يقتل غالباً، فلا قصاص، ولا يغلظ الدية تغليظ العمد المحض، فإن خرج الجلد عن الحد حتى صار يقتل غالباً .. فقد خرج عن المقصود، قال: ولم يذكر ما إذا لم يمت من الجلد، وحكمه أنهم يعزرون، وإن حصل أثر يقتضي الحكومة .. وجبت، ولم أر من تعرض له من الأصحاب، وفي نص "المختصر" ما يقتضيه حيث قال: (وما لم يكن من ذلك فيه قصاص .. أغرموه وعزروا) (¬2). 6238 - قوله: (وإن رجع هُوَ وَهُمْ - أي: القاضي والشهود - .. فعلى الجميع قصاص) (¬3) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا مخالف لما ذكره في الولي والشهود من أنهم إذا رجعوا .. اختص القصاص بالولي؛ لأنه (¬4) مستقل كالولي؛ فإنه يمكنه أن لا يحكم ولا يقال: هو ملجأ؛ لأن رجوعه واعترافه بالتعمد يمنع من ذلك، فالأصح: أنه يختص القصاص بالقاضي كما يختص بالولي، وقوله: (إن قالوا: "تعمدنا") (¬5) فيه ما سبق من أن اعتراف كل واحد بالتعمد كاف. 6239 - قوله: (ولو رجع مزكِّ .. فالأصح: أنه يضمن) (¬6) قد يفهم أنه لا قصاص عليه؛ ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 129). (¬2) مختصر المزني (ص 312). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 574). (¬4) في (ب): (أي القاضي). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 574). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 574).

لاقتصاره على الضمان مع ذكره القصاص فيما قبله وبعده، وليس كذلك، فالأصح: أن عليه القصاص عند وجود مقتضيه، وقد صرح بذلك "الحاوي" (¬1). قال القفال: ومحل الخلاف إذا قال: علمت كذبه، فإن قال: علمت فسقه .. فلا شيء عليه؛ لأنه قد يصدق مع فسقه، وطرده الإمام في الحالين (¬2). 6240 - قول "المنهاج" [ص 574]: (أو ولي وحده .. فعليه قصاص أو ديه) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محله في غير قطع الطريق، فلا أثر فيه لرجوع الولي وحده؛ لأن القتل لا يتوقف على طلبه ولا يسقط بعفوه. 6241 - قوله: (أو مع الشهود .. فكذلك، وقيل: هو وهم شركاء) (¬3) ما صححه من اختصاص الولي بالقصاص أو الدية فيما إذا رجع مع الشهود لم يصححه في "المحرر"، وإنما قال: (رجح كلًّا مرجحون) (¬4) فترجيحه من زيادة "المنهاج" بلا تمييز، ونقل الرافعي في "شرحيه" تصحيحه عن الإمام وتصحيح مقابله عن البغوي (¬5)، وعليه مشى "الحاوي" فقال بعد ذكر الشهود [ص 682]: (والولي والمزكي وهم شركاء) وذكر القاضي حسين والمتولي أنه المذهب، وقال في "الروضة": الأصح: ما صححه الإمام، وقد سبق في أول الجنايات القطع به، فهو الأصح نقلاً ودليلاً (¬6). واعترضه شيخنا في "تصحيح المنهاج": بأنه لم يسبق في أول الجنايات رجوع الولي والشهود، وإنما سبق اعتراف الولي بعلمه بكذبهما، وهذا أخص منه؛ فإن مجرد رجوع الولي لا يقتضي تكذيب الشهود؛ فإن الولي قد يرجع لأمر قد ظهر له، وذلك الأمر لا يقتضي تكذيب الشهود، فإذا اعترف الولي بتكذيب الشهود فيما شهدوا له به وأقدم على القتل .. فقد صار هو المنفرد بالقتل، ولا شركة بينه وبينهم هنا قطعاً، وأما صورة الرجوع: فقد يقول: تعمدت ذلك ولا أعلم حال الشهود، فهنا في ثبوت الشركة بينه وبينهم الوجهان المذكوران؛ لأنهم يتعاونون على القتل، وإقدام الولي على القتل المستند إلى شهادتهم التي أقاموها بطلب الولي يقتضي أنهم محقون فيما شهدوا به، وما مكنه القاضي من القتل إلا بشهادتهم، ولم يعترف الولي بكذبهم حتى ينقطع التعلق بهم، فظهر بذلك الفرق بين الصورتين. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 682). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (19/ 59). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 574). (¬4) المحرر (ص 503). (¬5) فتح العزيز (13/ 125)، وانظر "نهاية المطلب" (19/ 59). (¬6) الروضة (11/ 298).

والرافعي قد غاير بينهما في الجنايات، فقال فيه: وإن رجع الشهود وقالوا: لم نعلم أنه يقتل بقولنا، أو رجع المزكي أو القاضي إما مع الشهود أو دونهم، أو الولي إما معهم أو وحده، فكل ذلك سيأتي في الشهادات، وإنما يجب القصاص على الشهود إذا أخرجت شهادتهم مباشرة القتل عن أن يكون عدواناً، أما إذا اعترف الولي بكونه عالماً بكذبهم .. فلا قصاص عليهم، قال في "الوسيط"؛ لأنهم لم يلجئوه حساً ولا شرعاً، فصار قولهم شرطاً محضاً كالإمساك (¬1). قال شيخنا: فقد صرح الرافعي بأن صورة رجوع الولي مع الشهود تأتي في الشهادات، ثم ذكر صورة اعتراف الولي بكونه عالماً بكذب الشهود، وجزم فيها بأنه لا قصاص على الشهود. 6242 - قول "التنبيه" [ص 273]: (فإن رجع شهود الطلاق بعد الحكم؛ فإن كان بعد الدخول .. لزمهم مهر المثل للزوج، وإن كان قبل الدخول .. ففيه قولان، أحدهما: يلزمهم نصف مهر المثل، والثاني: يلزمهم جميعه) الأظهر: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2)، وهنا أمور: أحدها: أطلق "التنبيه" الطلاق، وقيده "المنهاج" بالبائن، وفي معناه: ما إذا كان رجعياً ولم يراجع كما صححه في "أصل الروضة" (¬3)، وحكاه الرافعي عن "التهذيب" (¬4)، والذي في "الكفاية" عن "التهذيب" والقاضي حسين: أنه يغرم في الحال، فإن راجع .. رد، وإلا .. استقر، وبينهما تفاوت، ومشى "الحاوي" على الأول فقال [ص 681]: (لا في الرجعي إن راجع)، لكن قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا عندنا غير معتمد، بل الأصح المعتمد: أنه إذا أمكن الزوج الرجعة فتركها باختياره .. لم يغرموا له شيئاً، فال: ولو شهدوا بطلاق رجعي على رجعية .. فأولى بأن لا يغرموا شيئاً. ثانيها: أنه دخل في عبارتهم: ما لو شهدوا على رجعية بطلاق بائن، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو الأرجح عندي؛ لأنهم قطعوا عليه ملك الرجعة الذي هو كملك البضع، ولم أر من تعرض لذلك. ثالثها: يستثنى من وجوب مهر المثل صور: أحدها: إذا لم يرجعوا إلا بعد موت الزوج .. لم يغرموا لورثته شيئاً كما قاله شيخنا في "تصحيح المنهاج" لأن الغرم للحيلولة بينه وبين بضعه، ولا حيلولة هنا، قال: وهذا فقه ظاهر، ولم أر من تعرض له. ¬

_ (¬1) الوسيط (6/ 262)، فتح العزيز (10/ 129، 130). (¬2) الحاوي (ص 681)، المنهاج (ص 574). (¬3) الروضة (11/ 301). (¬4) فتح العزيز (13/ 131)، وانظر "التهذيب" (8/ 301).

الثانية: إذا لم يرجعوا إلا بعد أن أبانها بطريق من الطرق على زعمه في بقاء عصمته .. فلا غرم أيضاً على قياس ما تقدم، بل أولى؛ لتقصيره بالبينونة باختياره. الثالثة: إذا قال الزوج بعد الإنكار إما قبل رجوعهم أو بعده: أنهم محقون في شهادتهم .. فلا رجوع له. الرابعة: إذا رجعوا عن شهادتهم عليه بالطلاق على عوض على المرأة أو أجنبي قدر مهر المثل أو أزيد .. فلا غرم على قياس ما في "أصل الروضة" عن ابن الحداد والبغوي فيما إذا اشهدوا أنه طلقها بألف ومهرها ألفان .. أن عليهما ألفاً وقد وصل إليه من المرأة ألف (¬1)، لكن قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأرجح: التغريم، فلا تستثنى هذه الصورة لا في عدم الغرم ولا في غرم تكملة مهر المثل فيما إذا كان العوض المشهود به ألفاً وكان مهر مثلها ألفين. الخامسة: إذا كان المشهود عليه قناً .. فلا غرم كما قاله شيخنا في "تصحيح المنهاج"، لا له؛ لأنه لا يملك شيئاً، ولا لمالكه؛ لأنه لا تعلق له بزوجة عبده، فلو كان مبعضاً .. غرم له الشهود بقسط الحرية، قال: ولم أر من تعرض لشيء من ذلك، قال: ولو كان الرجوع عن الشهادة على مجنون أو غائب .. فالأرجح: أن لوليه أو وكيله تغريمهم، ويحتمل خلافه؛ لأنه لم يوجد منه إنكار. 6243 - قول "المنهاج" [ص 574]: (ولو شهدا بطلاق بائن أو رضاع أو لعان وفرق القاضي فرجعا .. دام الفراق) فيه أمران: أحدهما: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا يكفي التفريق، بل لابد من القضاء بالتحريم، والتفريق يترتب على ذلك؛ لأن القاضي قد يقضي بالتفريق من غير حكم بالتحريم كما في النكاح الفاسد. ثانيهما: قوله: (دام الفراق) لا يستقيم في الطلاق البائن، فلو عبر بالنفوذ كما في "الحاوي" (¬2)، أو بقوله: (لم يرتفع الفراق) كما في "الروضة" وأصلها .. لكان أولى (¬3). 6244 - قول "المنهاج" [ص 575]: (ولو شهدا بطلاق وفرق فرجعا فقامت بينة أنه كان بينهما رضاع .. فلا غرم) كذا لو اعترف الزوج بذلك، وفي معناه: ما لو قامت بينة بأنه كان طلقها قبل ذلك ثلاثاً، وفهم من قوله: (كان بينهما رضاع) أن حدوث رضاع بعد الشهادة بالطلاق، لكونها صغيرة ليس كذلك، لكن قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": أنه لا غرم في هذه الصورة أيضاً كما تقدم في رجوعهم بعد إبانتها. ¬

_ (¬1) الروضة (11/ 301). (¬2) الحاوي (ص 681). (¬3) فتح العزيز (13/ 129)، الروضة (11/ 300).

6245 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ولو رجع شهود مال .. غرموا في الأظهر) (¬1) عبر في "الروضة" بالمذهب (¬2)، ووقع في "المطلب" أنه عبر بالمذهب عن عدم التغريم، وهو سهو على "الروضة"، وفي "الكفاية" أن النووي صححه. قال النشائي: ولم أره في شيء من كتبه (¬3)، وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج" أن التغريم قديم أو مخرج، ويستثنى من ذلك مسألتان: إحداهما: إذا شهدوا بعوض المال الذي فوتوه بقدر قيمته؛ كأن شهدوا بشفعة أو بيع والثمن مثل القيمة، ثم رجعوا .. فلا غرم كما [حكاه] (¬4) شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن الماوردي، وقال: إنه فقه ظاهر معمول به. الثانية: إذا ادعى بالغ في يد إنسان أنه حر، وأن هذا استولى عليه ظلماً، وادعى صاحب اليد أنه رقيقه، وأقام عليه بينة، فحكم الحاكم بها، ثم رجعوا .. لم يغرموا للعبد شيئاً، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج" وقال: يشهد له أن المنقول فيما إذا ادعى عبد أن مالكه أعتقه، وأجنبي أنه باعه له، فأقر بالبيع .. أنه لا يحلف للعبد قولاً واحداً؛ لأنه لو اعترف له بما ادعاه .. لم يقبل؛ لتعلق حق الأجنبي، ولا يلزمه غرم، قال: وغرم الشهود الراجعين في المال مخرج من غرم القائل: هذا لزيد بل لعمرو، وقد قطعوا في المخرج منه بعدم التغريم. 6246 - قول "التنبيه" [ص 273]: (وإن شهد ستة - أي: بالزنا - فرجع اثنان .. فقد قيل: لا يلزمهما شيء، وقيل: يلزمهما ثلث الدية) الأصح: الأول، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬5)، ونص عليه الشافعي في "مختصر البويطي". 6247 - قول "المنهاج" [ص 575]: (وإن نقص النصاب وزاد الشهود عليه .. فقسطٌ من النصاب، وقيل: من العدد) و"الحاوي" [ص 682]: (حصة ما نقص عن أقل الحجة) ذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج" أنه مخالف لنص الشافعي في "البويطي" على أنه إذا رجع من شهود الزنا ثلاثة من ستة .. فعليهم نصف الدية، قال: فلو قال: كان على الراجع حصة بمقتضى التوزيع على الكل .. لكان موافقاً للنص محصلاً للمقصود. 6248 - قول "المنهاج" [ص 575]: (وإن شهد هو وأربع بمال .. فقيل: كرضاع) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا وجه لم يقل بظاهره أحد؛ فإن قضية كونه كرضاع أنه لو رجع الرجل ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 273)، و"الحاوي" (ص 681)، و"المنهاج" (ص 575). (¬2) الروضة (11/ 302). (¬3) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 199). (¬4) في (ب): (صححه). (¬5) الحاوي (ص 682)، المنهاج (ص 575).

وحده .. لا غرم، وليس كذلك هنا؛ لأن المال لا يثبت بالنسوة المنفردات. قلت: إنما أراد تشبيهه بالرضاع في حالة رجوع الكل، فيكون عليه ثلث وعليهن ثلثان؛ ويدل لذلك قوله: (والأصح هو نصف وهن نصف) (¬1) فدل على الرجوع من الكل؛ فإنه لا غرم على من لم يرجع، لكن يشكل على ذلك قوله: (سواء رجعن معه أو وحدهن) (¬2) فإنه يقتضي تناول كلامه المتقدم رجوع البعض. 6249 - قول "التنبيه" [ص 273]: (وإن شهد أربعة بالزنا واثنان بالإحصان ثم رجعوا .. فقد قيل: لا يلزم شهود الإحصان شيء، وقيل: يلزمهم) الأول أصح، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬3)، لكن في "المهمات": أن المعروف الغرم؛ فقد صححه الماوردي وأبو نصر البندنيجي في "المعتمد" والجرجاني في "الشافي". وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه الأرجح؛ لأن المزكين داخلون في الضمان على الأصح، وقياسه: غرم شهود الإحصان، والبغوي صحح فيهما: عدم الضمان، وليس بمعتمد في المزكي، فكذا في شهود الإحصان، وعبارة "التنبيه" و"المنهاج" تقتضي أن الخلاف في ذلك وجهان، وكذا رجحه في "الشرح الصغير" و"أصل الروضة" (¬4)، وكذا حكاه جماعة، وحكاه الفوراني والإمام والغزالي قولين (¬5). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والظاهر أن ناقل القولين معه زيادة علم بنسبته ذلك للشافعي رضي الله عنه. * * * ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 575). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 575). (¬3) الحاوي (ص 682)، المنهاج (ص 575). (¬4) الروضة (11/ 306). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (19/ 61)، و"الوجيز" (2/ 255).

كتاب الدعوى والبينات

كتابُ الدعوى والبيّنات 6250 - قول "المنهاج" [ص 576]: (تشترط الدعوى عند قاض في عقوبة) و"الحاوي": (وأخذ ماله، لا عقوبة)، وعليه يدل وضع "التنبيه" المسألة في المال (¬1). يرد عليه أن الماوردي قال في (باب صول الفحل): أن من وجب له على شخص تعزير أو حد قذف وكان في بادية بعيداً عن السلطان .. له استيفاؤه (¬2)، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في أواخر "قواعده": لو انفرد بحيث لا يُرى .. ينبغي أن لا يمنع من القصاص، ولا سيما إذا عجز عن إثباته (¬3)، وقول "المنهاج": (عند قاض) مثال، فالحكم كذلك، وفهم من تعبيره بالاشتراط أنه لو استوفاه بدون ذلك .. لم يقع الموقع، وهو كذلك في حد القذف كما تقدم في بابه، لكن يقع في القصاص الموقع، فتعبير "الحاوي" بأنه ليس له ذلك أحسن، فتحمل عبارة "المنهاج" على أن هذا شرط للجواز لا للصحة، ويستثنى من كلامهم أمران: أحدهما: ما إذا قتل من لا وارث له أو قذف .. فلا يشترط فيه الدعوى عند قاض؛ لأن الحق للمسلمين، فيقبل فيه شهادة الحسبة، ولا يحتاج لدعوى الحسبة، بل في سماعها خلاف. ثانيهما: قتل قاطع الطريق الذي لم يثبت قبل القدرة عليه لا يشترط فيه دعوى؛ لأنه لا يتوقف على طلب، ومفهوم "المنهاج" و"الحاوي" مجيء الظفر في غير العقوبة، وليس كذلك؛ فإن النكاح والطلاق والرجعة والإيلاء واللعان وفسخ النكاح بالعنة أو الإعسار لابد فيها عند التنازع والاحتياج إلى الإثبات والحكم فيها من الدعوى عند قاض أو محكم، وما خرج المال عن هذا إلا لأن المستحق قد يستقل بالوصول إلى حقه، فلا يحتاج لدعوى، ولا يرد ذلك على "التنبيه" لوضعه المسألة في المال كما تقدم، والله أعلم. 6251 - قول "المنهاج" [ص 576]: (وإن استحق عيناً .. فله أخذها إن لم يخف فتنة) و"الحاوي" [ص 663]: (وأخذ ماله حيث لا فتنة) اعترضه شيخنا في "تصحيح المنهاج" وقال: لا يحرم على الإنسان أخذ عينه ممن هي في يده، وإن خاف فتنة لا ينتهي الحال فيها إلى ارتكاب مفسدة مقتضية للتحريم. 6252 - قول "التنبيه" [ص 265]: (ومن وجب له حق على رجل وهو مقر .. لم يأخذ من ماله ¬

_ (¬1) التنبيه (ص 261). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (13/ 454). (¬3) قواعد الأحكام في إصلاح الأنام (2/ 327).

بغير إذنه) لا بد مع إقراره من كونه غير مماطل؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 576]: (على غير ممتنع من الأداء) و"الحاوي" [ص 664]: (لا مقر مُؤدٍ) كذا ألحق الرافعي والنووي المماطل بالمنكر (¬1)، لكن ذكر الإمام والغزالي أنه لا يجري فيه الخلاف، بل يقطع بأنه لا يأخذ (¬2)، وهو مقتضى كلام القاضي أبي الطيب. وقال في "التوشيح": يظهر أنه إن كان ظالماً متجوهاً بحيث لا يخلص الحق منه ولو رفع إلى ولي الأمر .. فيؤخذ منه قطعاً. 6253 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (أو على مُنْكِرٍ ولا بينة .. أخذ جنس حقه من ماله، وكذا غير جنسه إن فقده على المذهب) (¬3) استثنى منه شيخنا في "تصحيح المنهاج": ما إذا كان المديون محجوراً عليه بفلس أو ميتاً وعليه دين .. فلا يأخذ إلا قدر حصته بالمضاربة إن علمها، قال: ولم أر من تعرض لذلك، وفي معنى المنكر: غير مقبول الإقرار كالسفيه ونحوه، قاله شيخنا في "تصحيح المنهاج". لكن في "الذخائر" عن الغزالي: أنه لا خلاف في أن من له حق على صغير .. ليس له أن يأخذ من ماله إن ظفر بجنس حقه، ونبه شيخنا المذكور أيضاً على أن محل الجزم بأخذ الجنس ما إذا كان مثلياً، فإن كان متقوماً .. فهو كغير الجنس حتى يجيء فيه الخلاف، ونص "المختصر" يدل لذلك؛ حيث قال: (فله أن يأخذ من ماله حيث وجده بوزنه أو كيله، فإن لم يكن له مثل .. كانت قيمته دنانير أو دراهم، فإن لم يجد له .. باع عرضه واستوفى من ثمنه حقه) (¬4). واعلم: أن الأصحاب قسموا المال المدعى به إلى عين ودين، وبقي قسم ثالث، وهو: المنفعة، ولم أر أحداً تعرض لذكرها، والذي يظهر أنها كالعين، إن وردت على العين .. فله استيفاؤها من تلك العين بيده إن لم يخف فتنة، وكالدين إن وردت على الذمة، فلو قدر على تحصيلها بأخذ شيء من أمواله .. فله ذلك بشرطه. 6254 - قول "التنبيه" [ص 265]: (وإن كان منكراً وله بينة .. فقد قيل: له أن يأخذ، وقيل: لا يأخذ) الأصح: الأول، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬5). 6255 - قول "المنهاج" [ص 576]: (وإذا جاز الأخذ .. فله كسر باب، ونقب جدار لا يصل إلى المال إلا به) يحمل عليه قول "الحاوي" [ص 663]: (ضامناً، لا لنقب) أي: لا يصل إلى ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 147)، و"الروضة" (12/ 3). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (19/ 190)، و"الوجيز" (2/ 257). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 265)، و"الحاوي" (ص 663)، و "المنهاج" (ص 576). (¬4) مختصر المزني (ص 318). (¬5) الحاوي (ص 664)، المنهاج (ص 576).

المال إلا به، ودخل في كلامهما حالتا البينة وعدمها، وهو غير واضح في الأولى، فكيف يتجه كسر الباب ونقب الجدار مع القدرة على تحصيله بالرفع إلى القاضي وإقامة البينة، وإنما يجوز مثل ذلك إذا تعين طريقاً لتحصيل الحق؛ ويؤيده قول الرافعي في توجيه عدم الضمان: كمن لم يقدر على دفع الصائل إلا بإتلاف ماله فأتلفه .. لا يضمن (¬1). وقد وجدت هذه المسألة إنما هي منقولة عن القاضي حسين، ولم يقيدها بما إذا لم يمكن تحصيل الحق منه برفعه إلى القاضي؛ لأن الخراسانيين كما حكاه عنهم في "الذخائر" وغيره يمنعون الأخذ فيما إذا أمكن تحصيل الحق بالقاضي، وقال الغزالي: إنه محل وفاق، فلم يحتج للتقييد بعدم إمكان تحصيل الحق بالقاضي؛ لمنعه الأخذ في غير هذه الصورة، والرافعي خالفهم وصحح جواز الأخذ وإن أمكن التخلص بالقاضي، فكان حقه أن يقيد هذه الصورة ولا يتبع من أطلقها؛ ويؤيد ما ذكرته أن صاحب "الذخائر" لما تكلم على ما إذا لم يمكن تحصيل الحق بالقاضي .. نقل هذا الفرع عن القاضي حسين، ثم قال بعده: فأما إن كان يقدر على أخذه منه بالحاكم؛ مثل أن يكون له عليه بينة أو يقر به إلا أنه مماطل .. ففيه وجهان: أحدهما - وهو الذي اختاره الخراسانيون ولم يحكوا سواه، وادعى الغزالي أنه محل وفاق -: ليس له أخذه، وساق الكلام على ذلك، فجاء الرافعي - مع تصحيحه جواز الأخذ مع الإمكان بالحاكم - أطلق هذه المسألة إطلاقاً، ولم يقيدها، وليته إذ أطلقها عزاها لقائلها، وهو القاضي حسين؛ لأنه يعرف بذلك تصويرها بما إذا لم يمكن (¬2) التحصيل بالقاضي؛ لأن القاضي حسين لا يجيز الأخذ في غير هذه الصورة كما هو قول الخراسانيين، وهذا موضع نفيس لم أر من تعرض له. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لنا فيه كلامان: أحدهما: أنه إن سلم .. فهو مقيد بأن يكون الباب أو الجدار للمديون، وغير مرهون، وألاَّ يكون محجوراً عليه بفلس؛ لتعلق حق الغرماء به. ثانيهما: أن أصل الظفر القياس على قضية هند وبنيها (¬3)، وبين الديون فرق، وهو تكرر نفقة الزوجة والأولاد كل يوم، فيشق الرفع إلى القاضي، ولو سلم .. فمن أين في المقيس عليه كسر باب ونقب جدار؟ ولم أجد للشافعي نصاً بذلك، ولم يذكره أكثر الأصحاب، وإنما ذكره القاضي حسين، وجرى عليه أتباعه، والدليل يخالفه، ثم لو فرعنا عليه .. فينبغي أن يجيء فيه الخلاف في ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 148). (¬2) في (ج): (يكن)، وقد سقطت من (ب)، ولعل الصواب ما أثبت، والله أعلم. (¬3) في (ج): (وبنتها).

أخذ غير الجنس، بل أولى؛ لأن أخذ غير الجنس لا ضياع فيه، ومع هذا امتنع على رأي، فلأن يمتنع الكسر والنقب وفيه إتلاف لغير الجنس .. أولى، ثم يترتب عليه دخول السراق ونحوهم، وقد يكون الباب أكثر ثمناً من الدين، وهذا ضررٌ لا يصار إليه. 6256 - قول "المنهاج" [ص 576]- والعبارة له و"الحاوي" [ص 664]: (ثم المأخوذ من جنسه يتملكه) يقتضي أنه لا يملكه بمجرد الأخذ، وكذا يدل عليه كلام الغزالي والرافعي والنووي (¬1)، وقال البغوي: إذا أخذ جنس حقه .. ملكه، وقال الماوردى: يصير على ملكه (¬2)، وقال الإمام: إن قصد أخذه عن حقه .. ملكه (¬3)، ومال إليه شيخنا في "تصحيح المنهاج" لأنه بأخذ الجنس عن الحق صار مستوفياً .. فملك، واعتمده في "المهمات"، ووجهه بأنه إنما يجوز لمن يقصد أخذ حقه؟ ولهذا قال في "البحر" وغيره: لو أخذه ليكون رهناً عنده بحقه .. لم يجز، وكان ضامناً بلا خلاف. 6257 - قولهم - والعبارة لـ "التنبيه " -: (وإن كان من غير جنس حقه .. باعه بنفسه) (¬4) فيه أمور: أحدها: أن محله إذا كان القاضي جاهلاً بالحال، فإن كان عالماً .. فالمذهب: أنه لا يبيعه إلا بإذنه، هذه عبارة " أصل الروضة " (¬5)، وعبارة الرافعي فالظاهر من المذهب (¬6). وفي "المهمات": أنه من تتمة كلام البغوي، فيحتمل أن يكون استدراكاً على ما تقدم، ويحمل الإطلاق عليه، وأن يكون وجهاً مرجوحاً، والثاني هو المراد كما دل عليه كلام "المحرر" و"الشرح الصغير" فإنه لم يذكر فيهما هذه المقالة، وحذفها حذف الوجوه المرجوحة، ومشى في "الروضة" على الاحتمال الأول بلا دليل، وعبر بالمذهب ذهولاً عن اصطلاحه في التعبير به عن الطريقين. قلت: وفي "تتمة التتمة" نقل ما حكاه البغوي عن الأصحاب، فقال أصحابنا: قالوا: إن علم الحاكم أن له عليه ديناً .. فلا يبيعه بنفسه، ولكن يرفعه إلى الحاكم، وإن لم يكن الحاكم عالماً به فعلى وجهين .. وعندي أن الأمر على العكس، فإن كان الحاكم غير عالم به .. فله أن يبيع بنفسه، وإن كان عالماً؛ فلو تولى البيع بنفسه .. فعلى وجهين، وهذا لأن الحاكم ربما لا يصدقه فيضيع حقه. انتهى. ¬

_ (¬1) انظر "الوجيز" (2/ 257)، و"فتح العزيز" (13/ 148)، و"الروضة" (12/ 4). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (17/ 414، 415). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (19/ 190). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 265)، و"الحاوي" (ص 663)، و"المنهاج" (ص 576). (¬5) الروضة (12/ 4). (¬6) فتح العزيز (13/ 149).

وظهر بذلك أن مقالة البغوي ليست وجهاً مرجوحاً، بل محكية عن الأصحاب، والله أعلم. وارتضى شيخنا في "تصحيح المنهاج" كلام البغوي، ثم قال: ولعله فيما إذا لم تحصل مؤنة ومشقة زائدة على العادة، فإن كان .. لم يبعد أن يستقل بالبيع كما يسلط على الظفر من الجنس وغيره. ثانيها: قيده في "أصل الروضة" أيضاً بأن لا يكون للأخذ بينة، ولم يذكر حكم المحترز عنه، وقال في "المهمات": الصحيح: جواز الأخذ من مال المنكر وإن كان عليه بينة بلا رفع إلى الحاكم؛ لما فيه من المشقة والمؤنة وتضييع الزمان، وهذا المعنى قد يوجد في البيع أيضاً. قلت: الظاهر عدم استقلاله بالبيع مع وجود البينة، بل هو أولى بما إذا كان القاضي عالماً؛ فإن الحكم بالعلم مختلف فيه، بخلاف البينة لا محيص له عن الحكم بها، فإن قلت: فما فائدة عدم وجوب المرافعة إذا قلتم لا يستقل بالبيع؛ قلت: فائدته فيما إذا ظفر بالجنس. ثالثها: قد يفهم من قوله: (بنفسه) أنه لا يوكل فيه، لكن في زيادة "الروضة" في آخر تعليق الطلاق جواز التوكيل فيه (¬1)، قال في "التوشيح": وينبغي أن لا يتوكل له إلا من يعتقد أنه محق في البيع. رابعها: إطلاق الأخذ من غير الجنس محله إذا لم يجد أحد النقدين، فإن وجده .. تعين، ولم يعدل إلى غيره، حكاه في " المطلب " عن المتولي، وارتضاه. خامسها: قد يفهم كلامهم بيعه [بجنس] (¬2) حقه، وحكاه الإمام عن طائفة من محققي أصحابنا (¬3)، والمشهور: أنه لا يبيعه إلا بنقد البلد، ويوافقه كلام الرافعي في التفليس (¬4)، لكن يخالفه قوله في بيع عدل الرهن: ولو رأى الحاكم أن يبيعه بجنس حق المرتهن .. جاز (¬5)، وكذا في أول الباب الثاني من الوكالة (¬6)، وقد يقال: إنما تعين على الظافر البيع بنقد البلد؛ للتهمة، وفي مسألة الفلس؛ لتعدد الغرماء، بخلاف الحاكم في مسألة الرهن؛ لبعده عن التهمة وعدم المزاحمة، ومقتضى هذا: أنه لو لم يكن في الفلس إلا غريم واحد .. فللحاكم البيع بجنس حقه. 6258 - قولهما - والعبارة " للمنهاج " -: (والمأخوذ مضمون عليه في الأصح) (¬7) محله في غير ¬

_ (¬1) الروضة (8/ 205). (¬2) في (د): (بغير جنس). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (19/ 191). (¬4) انظر "فتح العزيز" (5/ 19). (¬5) انظر "فتح العزيز" (4/ 503). (¬6) انظر "فتح العزيز" (5/ 225). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 265)، و"المنهاج" (ص 576).

الجنس، أما المأخوذ من الجنس .. فإنه يضمنه قطعاً ضمان يد؛ لحصول ملكه له بالأخذ عن حقه كما سبق، قاله شيخنا في "تصحيح المنهاج". قالى في "المهمات": ومحل الخلاف إذا تلف قبل التمكن من البيع، فإن تمكن منه فلم يفعل .. ضمن بلا خلاف، قاله الماوردي والروياني (¬1)، وسبقه إلى ذلك في "الكفاية". قلت: وإنما رأيت في كلامهما الضمان وجهاً واحداً إذا استبقاها رهناً؛ وعللاه بأن الرهن عقد لا يتم إلا عن مرضاة ببدل وقبول، وكلام الرافعي يدلى على أن الضمان مع التقصير إنما هو مفرع على وجه التضمين، وليس هو على الوجهين معاً؛ فإنه قال تفريعاً على وجه الضمان: ينبغي أن يبادر إلى البيع بحسب الإمكان، فإن قصر فنقصت قيمته .. ضمن النقصان (¬2)، فهذا كلام الرافعي في ضمان نقص القيمة، والتلف في معناه. 6259 - قول "المنهاج" [ص 576]: (وله أخذ مال غريم غريمه) استشكله شيخنا في "تصحيح المنهاج" بأن تسليطه على مال غريم غريمه من غير أن يوجد منه ما يقتضي أن للغريم أن يأخذ من ماله بطريق الظفر محذور وخرق لا يصار إليه، ويلزم منه محذور آخر، وهو أن الظافر يأخذ من مال غريم الغريم والغريم لا يدري، فيأخذ من غريمه، فيؤدي إلى الأخذ مرتين، وفي "المطلب" عن "التتمة" وجهان في جوازه مبنيان على القولين في أن الوارث إذا ادعى دينا للميت ولم يحلف .. فهل يحلف غريم الميت؟ قولان، فإن قلنا: يحلف .. فله الأخذ هنا، وإلا .. فلا. قال في "المطلب": وهذا يقتضي أن الجديد المنع؛ لأن الجديد: أن غريم الميت لا يحلف إذا نكل الوارث. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا يستقيم بناؤه عليه، والمذهب المعتمد: عدم الجواز. قلت: ورأيت المسألة في "تتمة التتمة"، وذكر لها شرطين: أحدهما: أن لا يظفر بمال الغريم. والثاني: أن يكون غريم الغريم جاحداً ممتنعاً أيضاً، وبهذا الشرط الثاني ينتفي المحذور الذي ذكره شيخنا أولاً، وكلام الرافعي ينافيه؛ فإنه قال: ولا يمنع من ذلك إقرار بكر له (¬3)، أي: إقرار غريم الغريم للغريم، وإنما يلزم الإشكال المذكور على ما قاله الرافعي، والله أعلم. وقد يتوهم من جواز الأخذ بالظفر من مال غريم غريمه جواز الدعوى بذلك، وليس كذلك كما ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير (17/ 415). (¬2) انظر "فتح العزيز" (13/ 150). (¬3) انظر "فتح العزيز" (13/ 152).

ذكره الرافعي في التفليس، وحكاه هنا عن القاضي حسين. 6265 - قول "المنهاج" [ص 576]: (والأظهر: أن المدعي: من يخالف قوله الظاهر، والمدعى عليه: من يوافقه، فإذا أسلم زوجان قبل وطء فقال: " أسلمنا معاً" .. فالنكاح باق، وقالت: "مرتباً" .. فهو مدعٍ) و"الحاوي" في تفسير المدعي [ص 663]: (ذاكر خفي كأسلمنا معاً) فيه أمور: أحدها: أنه يقتضي أنهما منصوصان، لكن قال الرافعي: المعتمد المشهور: أنهما مستنبطان من اختلاف فولي الشافعي في مسألة إسلام الزوجين، وقد يبنى الخلاف في الفرع على الخلاف في الأصل المبني عليه (¬1). ثانيها: ما دل عليه كلامه هنا من أن القول قول الزوجة خالفه في كتاب النكاح، فرجح أن القول قول الزوج، وقال: إنه أظهر القولين. ثالثها: قال في "المهمات": فيما ذكره من فائدة الخلاف نظر؛ فإنه إذا ادعى عليها استحقاق دوام التمكين بحكم دعواه .. فإنها لا تخلى وسكوتها، وكأن الكلام مفروض فيما إذا ادعت عليه رفع يده عنها بحكم التعاقب في الإسلام، ويتعين ذلك؛ ليكون في كل جانب أحد المعنيين، وإلا؛ فلو كان الزوج مدعياً .. لكان يجتمع في حقه الوصفان؛ كونه يدعى أمراً خفياً، ويخلى وسكوته، لكن مجيء القولين ممكن في الطرفين بمعارضة الأصل والظاهر كيف ما فرض، سواء ابتدأ الزوج أم لا، وحينئذ .. لا دلالة في ذكر القولين على الاستنباط المذكور؛ لأن مأخذ الخلاف حاصل في الطرفين، بل ظاهر كلامهم أن التصوير فيما إذا ابتدأ الزوج بالدعوى، فكان ينبغي أن لا يجيء خلاف والحالة هذه؛ لوجود المعنيين فيه. انتهى. رابعها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محل القولين على ما ظهر من نص الشافعي في "الأم" فيما إذا جاءانا مسلمين، فقال الزوج: أسلمنا معاً .. إلى آخره (¬2)، فأما إذا جاءتنا الزوجة مسلمة ثم جاء الزوج وادعى أنهما أسلما معاً .. فإن القول قول الزوجة قطعاً. 6261 - قول "الحاوي" [ص 664]: (وجنس الثمن، والنوع، والقدر) أي: إن كانت الدعوى في الأثمان .. فلا بد من ذكر هذه الأمور، وتبع في ذلك الرافعي (¬3)، فإن أراد بذلك ما هو ثمن حقيقة .. لم يختص الحكم به، فالقرض والمسلم فيه والأجرة والجعالة والصداق وبدل الخلع ونجوم الكتابة والجزية وغير ذلك من الديون كذلك، وإن أراد ما صلح أن يكون ثمناً .. فلا يصح ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 154). (¬2) الأم (5/ 47). (¬3) انظر "فتح العزيز" (13/ 156).

جعل ذلك في مقابلة العين؛ لأن العين تصلح للثمنية كالدين، وعبر "المنهاج" عن ذلك بالنقد فقال [ص 576]: (ومتى ادعى نقداً .. اشترط بيان جنس ونوع وقدر وصحة وتكسر إن اختلفت بهما قيمة) وهو أقرب من التعبير بالثمن، لكن لا يختص ذلك بالنقد؛ فسائر الديون من الحبوب والقماش والحيوان وغيرها كذلك؛ ولهذا عبر "التنبيه" بالدين فقال [ص 261]: (وإن كان المدعى ديناً .. ذكر الجنس والصفة والقدر) وكذلك عبر الماوردي والبغوي وصاحب "الذخائر" وغيرهم (¬1)، وهي أحسن العبارات، وأظن من عبر بالثمن أو النقد إنما حوّم على ذلك فقصّر في التعبير عنه، وهنا أمور: أحدها: اتفقوا على أنه لابد من ذكر الجنس، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا معنى لذكره، وذكر النوع كاف في ذلك إذا عرف منه الجنس؛ مثل أن يقول: أستحق عليه صاعاً برنياً من نخل المدينة مثلاً. قلت: الظاهر عدم الاكتفاء بذلك؛ فإن ذلك صادق بالرطب والبلح، ولا ينحصر في الثمن. ثانيها: ذكر "المنهاج" و"الحاوي" النوع ولم يذكرا الصفة، وعكس ذلك "التنبيه"، وفسر شارحه ابن يونس الصفة بأن يقول: قاساني أو سابوري، قال في "الكفاية": وهذا بيان نوع لا بيان صفة، وقد نبه على ذلك الشيخ في باب الربا (¬2)، ولا يتوهم أن النوع والصفة شيء واحد؛ لجمعه في "المهذب" بينهما (¬3). قلت: وقد جمع بين ذكر النوع والصفة الماوردي والبغوي وصاحب "الذخائر" والرافعي في "الشرح الصغير" (¬4)، وقال في "الكفاية": أي الصفة التي تختلف بها الأغراض، وحكى عن الماوردي أنه صرح فيما إذا كان سلماً .. بأنه لابد من ذكر شروط السلم (¬5). ثالثها: يستثنى من بيان القدر ما هو معروف القدر كالدينار الشرعي؛ فلا يحتاج فيه إلى بيان الوزن كما جزم به في "أصل الروضة"، وفي معناه: الدرهم الشرعي، وهل يكفي في الدرهم الفلوس إطلاقه كالدرهم الفضة، أم لا بد من بيان مقداره كسائر المثليات؛ لاختلافه باختلاف الأوقات والأمكنة؟ فيه نظر، والأقرب الثاني. رابعها: تناول إطلاق "المنهاج" النقد المغشوش، لكن في "أصل الروضة" عن الشيخ أبي حامد وغيره: أنه يدعي بمائة درهم من نقد بلد، كذا قيمتها كذا ديناراً، أو ديناراً من نقد كذا ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (17/ 293)، و"التهذيب" (8/ 320). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 92). (¬3) المهذب (2/ 310). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (17/ 293)، و"التهذيب" (8/ 320). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (17/ 294).

قيمته كذا درهماً، ثم قالا: وكأنه جواب على أن المغشوش متقوم، فإن جعلناه مثلياً .. فينبغي أن لا يشترط التعرض للقيمة. انتهى (¬1). وعلى هذا الحمل فلا إيراد، لكن قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا البحث الذي ذكره عندنا ممنوع؛ لأنا وإن قلنا: إن المغشوش مثلي .. فذاك فيما يظهر فيه المماثلة من الأعيان، والمدعى به إذا كان مغشوشاً .. لم تظهر مماثلته لغيره في الدعوى؛ فلابد من ذكر القيمة على الصورة التي ذكرها الشيخ أبو حامد وغيره، أو يقول في الدعوى: من مغشوش بلد كذا، وقد ظهرت المماثلة فيه. انتهى. خامسها: لم يحتج "التنبيه" و"الحاوي" لذكر الصحة والتكسير كما فعل "المنهاج" لعدم الاحتياج لذلك في جميع الصور، بل حيث اختلفت بهما قيمة. سادسها: لا يكفي إطلاق النقد وإن غلب كما صرح به الماوردي والروياني، والفرق بينه وبين البيع: أن زمن العقد يفيد صفة الثمن بالغالب من النقود، ولا يتقيد ذلك بزمان الدعوى؛ لتقدمه عليها. سابعها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه ينبغي أنه متى ادعى نقداً ولم يعين فيه جهة يتعين فيها الحلول كالقرض .. فلابد من التعرض للحلول، ويدل له ما حكاه في "أصل الروضة" عن الهروي: أنه يقول في دعوى الدين: وهو ممتنع من الأداء الواجب عليه، قال: وإنما يتعرض لوجوب الأداء؛ لأن الدين المؤجل لا يجب أداؤه في الحال (¬2). 6262 - قول "التنبيه" [ص 261]: (وإن كان عيناً يمكن تعيينها كالدار والعين الحاضرة .. عينها) المراد بتعيين الدار: المبالغة في وصفها كما قاله الإمام. 6263 - قوله: (وإن لم يمكن تعيينها - أي: لغيبتها - .. ذكر صفاتها، وإن ذكر القيمة .. فهو آكد) (¬3) المراد هنا: صفات السلم كما صرح به "المنهاج" و"الحاوي" (¬4)، وعبارة "المحرر": (أو عيناً أخرى مما يضبط بالصفة كالحبوب والحيوان) (¬5)، فأشار بقوله: (أخرى) إلى أن المراد: من غير النقود، واقتصر "المنهاج" على التمثيل بالحيوان، ولو ذكر الحبوب أيضاً .. لكان أولى؛ ليمثل للمثلي والمتقوم، وعذر "المنهاج" أنه إذ لم يشترط القيمة في المتقوم .. فالمثلي أولى، فهو مفهوم من طريق الأولى، وتقدم في القضاء على الغائب عن الرافعي ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 9). (¬2) الروضة (12/ 10). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 261). (¬4) الحاوي (ص 664)، المنهاج (ص 576). (¬5) المحرر (ص 506).

و"الروضة" تصحيح اعتبار القيمة في المتقوم دون المثلي، ففيه مخالفة لما هنا من أوجه: أحدها: هذا. والثاني: أن القائل بالقيمة هناك لا يوجبها مع الصفات، بل يكتفي بها عنها. والثالث: أن الخلاف حكي هناك قولين وهنا وجهين. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ويدخل في كلام "المحرر" و"الروضة" الجواهر، وهي إن كانت مما يجوز السلم فيها كاللآلئ الصغار .. فهي مثلية، وإن كانت مما لا يجوز السلم فيها كاللآلئ الكبار .. فهي متقومة، قال: ويستثنى من كلامهم: الحيوان المستحق بوصية؛ بأن قال: أعطوه بنت مخاض من إبلي، فيدعي بها ولا يتعرض لوصفها؛ لأن الموصي لم يتعرض لذلك. قلت: سيأتي اغتفار الدعوى بالمجهول في الوصية. قال شيخنا أيضاً: وكذلك يستثنى: ما أوجبه الشارع بسنن لا بصفة كالزكاة، وفي معناها: النذر. واعلم: أن "المنهاج" قيد العين بأن تنضبط، وكذا قال في " أصل الروضة ": وهي مما تضبط بالصفة (¬1)، ولم يذكرا حكم المحترز عنه. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ولا يمكن أن يقال فيها: إنها توصف بصفات السلم؛ لامتناع ذلك؛ وحينئذ .. فتوصف على وجه يحصل به التمييز في الدعوى؛ فإن الدعوى لا يضيق الأمر فيها كما ضيق في السلم؛ لاقتضاء السلم ثبوت المسلم فيه في الذمة، بخلاف الدعوى؛ فإن المطلوب فيها التمييز. قلت: وفي "الكفاية" فيما لا يمكن ضبطه بالصفات عن القاضي أبي الطيب والبندنيجي وابن الصباغ: أنه يشترط ذكر القيمة؛ لأنه لا يصير معلوماً إلا بذلك، وعن الماوردي: أن عليه ذكر الجنس والنوع، فإن كان مختلف الأنواع .. ذكر اللون، ثم حرر الدعوى ونفى الجهالة بذكر القيمة. 6264 - قول "المنهاج" [ص 576]: (وقيل: يجب معها ذكر القيمة) مقتضاه: أنه لا خلاف في وجوب ذكر صفات السلم، وهل يجب ذكر القيمة معها؟ وجهان، ولم يتعرض في "المحرر" لقوله: (معها)، وعبارته: (ولا حاجة إلى ذكر القيمة على الأصح) (¬2). 6265 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (فإن تلفت وهي متقومة .. وجب ذكر القيمة) (¬3) قال ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 8). (¬2) المحرر (ص 506). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 261)، و"الحاوي" (ص 664)، و"المنهاج" (ص 576).

شيخنا ابن النقيب: ظاهره أنه لا يحتاج مع القيمة إلى ذكر شيء من الصفات، ولم أر ما يخالفه، لكن لابد من ذكر الجنس فيما يظهر؛ فيقول: عبد قيمته مائة (¬1). وخالفه شيخنا في "تصحيح المنهاج" فقال: إن مقتضاه: ذكر الصفات المعتبرة في السلم، ويذكر معها القيمة، قال: وكذا تقتضيه عبارة "المحرر" و"الروضة"، وهي أظهر في ذلك؛ فإنه قال: وإن كانت تالفة .. كفى الضبط بالصفات إن كانت مثلية، ولا يشترط ذكر القيمة، وإن كانت متقومة .. شرط ذكر القيمة؛ لأنها الواجب عند التلف (¬2)، قال شيخنا: وهو غير مسلم؛ فالواجب عند التلف القيمة، وذكر صفات العين لا معنى له. قلت: لا نسلم أن عبارتهم تقتضي اعتبار صفات السلم في هذه الحالة، وليس في اللفظ ما يدل على ذلك، والله أعلم. قال شيخنا أيضاً: وهذا إذا لم تكن العين مبيعة لم تقبض وتلفت في يد البائع .. فالواجب حينئذ الثمن على البائع إن كان قبضه، وقد ذكره الماوردي قبل التلف، فقال: وإن كانت مبيعة .. لزمه ذكر ثمنها؛ لضمان ما لم يقبض من المبيع بالثمن دون القيمة (¬3). قلت: تلف المبيع قبل القبض يقتضي الانفساخ قبيل التلف وانتقال الثمن إلى ملك المشتري، فلا حق له في المبيع، وليست هذه من صور الدعوى بالعين أصلاً؛ فلا ينبغي استدراكها، والله أعلم. ومفهوم قوله: (وهي متقومة) أنها لو كانت مثلية .. لم يذكر القيمة، بل يقتصر على الأوصاف، وبه صرح "التنبيه" و"الحاوي"، لكن تقدم عن الماوردي أنه يلزمه ذكر الثمن، ووافقه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، ولم يظهر لي وجهه. واستثنى شيخنا أيضاً من عدم ذكر القيمة في العين الباقية: ما إذا غصبها منه في بلد ثم لقيه في آخر ولنقلها مؤنة .. فإنه يذكر قيمتها؛ لأنها المستحقة في هذه الحالة. 6266 - قول "التنبيه" [ص 261]: (لا تصح الدعوى إلا من مطلق التصرف فيما يدعيه) يستثنى منه مسائل: الأولى: دعوى السفيه المال الثابت له بسبب الجناية. الثانية: دعوى المفلس المال. الثالثة: دعوى الحسبة. ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 300). (¬2) المحرر (ص 506) الروضة (12/ 8). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (17/ 293).

الرابعة: دعوى المرأة النكاح. الخامسة: دعوى الرقيق العتق، أو الاستيلاد، أو تعليق العتق بالصفة، أو التدبير. السادسة: قال في "التوشيح": كان الوالد رحمه الله يسمع دعوى كل من مستحقي الوقف وإن لم يكن ناظراً، وفي كلام القاضي حسين في "تعليقه" ما يوافقه. 6267 - قوله: (ولا تصح دعوى مجهول إلا في الوصية) (¬1) يرد على حصره مسائل: أحدها: دعوى الإقرار بالمجهول على الأصح. الثانية: دعوى الفرض للمفوضة، ذكرهما "الحاوي" فقال [ص 664]: (لا في الفرض والوصية والإقرار) وفي معنى الفرض: دعوى المتعة والرضخ والحكومة. الثالثة: دعوى الطريق في ملك الغير أو حق إجراء الماء، هل يشترط فيها إعلام قدرهما؟ قال القاضي أبو سعد الهروي: الأشهر: أنه لا يشترط. الرابعة: دعوى الإبراء عن المجهول صحيحة إذا صححناه. الخامسة: الثواب في الهبة إذا قلنا: إنها تقتضيه ولم تقدره. 6268 - قول "الحاوي" [ص 665]: (على مكلف معين) يستثنى منه: ما إذا كانت الدعوى بالقتل وقد ظهر اللوث في حق جماعة، فيدعي أن أحد هؤلاء قتل مورثه .. فقد صرح الرافعي في أول مسقطات اللوث بأن له تحليفهم، وهو فرع سماع الدعوى، فيحمل كلامه على ما إذا لم يكن لوث أو لم يظهر في حق الكل. 6269 - قوله: (ولزم التسليم، أو أنه يمنعني منه، أو مره بالخروج عن حقي، أو سَلْهُ جواب دعواي) (¬2) مقتضاه: الاكتفاء بأحد هذه الأربعة، وليس كذلك، والذي في "أصل الروضة" اشتراط كون الدعوى ملزمة، فلا تصح حتى يقول: ويلزمه التسليم إليّ، ثم قال: وكان هذا إذا قصد بالدعوى تحصيل المدعى، ويجوز أن يقصد دفع المنازعة، فلا يشترط التعرض لوجوب التسليم، قال ابن الصباغ: لو قال: هذه الدار لي وهو يمنعها .. صحت الدعوى، ولا يشترط أن يقول: هي في يده؛ لأنه يجوز أن ينازعه وإن لم تكن في يده، ثم قال: وإذا ادعى ولم يقل للقاضي: مره بالخروج عن حقي، أو سله جواب دعواي .. فهل يطالبه القاضي؟ وجهان، قال ابن الصباغ: الأصح: نعم، وقال القاضي أبو سعد: الأصح: لا، زاد في "الروضة": الأول أقوى، ثم قال: فعلى الثاني طلب الجواب شرط آخر في صحة الدعوى، وسواء شرطنا هذا الاقتراح أم لم نشترطه، فاقترحه، فيمكن أن يقال: يغني ذلك عن قوله: ويلزمه التسليم إليّ، ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 261). (¬2) انظر "الحاوي" (ص 665، 666).

وأن من شرطه .. بناه على أنه لا يشترط الاقتراح المذكور. انتهى (¬1). وقد ظهر بذلك أن ذكر لزوم التسليم أو ما يقوم مقامه في حالة، وذكر أنه يمنعه في حالة أخرى، لا أنه يجمع بينهما. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ليس طلب الجواب شرطاً في صحة الدعوى، وإنما هو شرط لطلب القاضي الجواب من المدعى عليه، فلا يغني قوله: ويلزمه التسليم إليّ عن قوله: سله جواب دعواي. قلت: لم يقل الرافعي: إن لزوم التسليم يغني عن طلب جواب الدعوى، وإنما ذكر عكسه، وهو أن الثاني يغني عن الأول، والله أعلم. واعلم: أن مقتضى كلامهم: أن الدعوى إنما تصح بما يضمن بمثل أو قيمة، وليس كذلك، بل تسمع الدعوى بالكلب الذي يقتنى والسرجين ونحوهما؛ لطلب الرد لا للضمان، قاله الماوردي (¬2). 6270 - قولهما - والعبارة لـ "التنبيه" -: (وإن ادعى نكاح امرأة .. فالمذهب: أنه يذكر أنه تزوجها بولي مرضد وشاهدي عدل) (¬3)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وصف الولي بالرشد ليس صريحاً في العدالة، فينبغي أن يقول: بولي عدل. قلت: ولهذا قال "الحاوي" [ص 664]: (وتزويج بولي وشاهدي عدل) فكان وصف العدالة مقدماً في الولي، ويتعين على هذا قراءة قوله: (بولي) بغير تنوين، وهو على حد قولهم: قطع الله يد ورجل من قالها، قال الرافعي: وقياس هذا: وجوب التعرض لسائر الصفات المعتبرة في الولي (¬4)، قال شيخنا أيضاً: وهذا في غير من يلي النكاح مع ظهور فسقه من ذي الشوكة المتكلم في أمور الناس كما سبق في النكاح، فإذا قال في دعواه: (بولي يصح عقده) .. كان ذلك كافياً. ويختص "المنهاج" بأنه قال: (لم يكف الإطلاق على الأصح) (¬5) فاقتضى أن الخلاف وجهان، وليس كذلك؛ فإن الذي صححه نص عليه في "الأم" والمختصر"، وقال القاضي حسين: حُكِي عن القديم أنه لا يحتاج إلى التفصيل كالبيع، ويرد عليهم جميعاً أمور: أحدها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يستثنى من ذلك: أنكحة الكفار؛ فإنها ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 10، 11). (¬2) انظر "الحاوي الكبير" (17/ 296). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 261)، و"المنهاج" (ص 576، 577). (¬4) انظر "فتح العزيز" (13/ 164، 165). (¬5) المنهاج (ص 577).

لا يحتاج في الدعوى بها إلى التفصيل، ويكفي أن يقول: هذه زوجتي، وإن ادعى استمرار نكاحها بعد الإسلام .. فيذكر ما يقتضي تقريره بعد الإسلام، قال: وفي حديث ابن عباس الذي ذكرناه في اختلاف الزوجين في الإسلام ما يقتضي ذلك. ثانيها: لا بد فيما إذا كان سفيهاً نكح بإذن وليه أو عبداً بإذن مالكه من قوله: نكحتها بإذن وليي أو مالكي، ذكره شيخنا المذكور أيضاً. ثالثها: قال شيخنا أيضاً: إنما يعتبر الولي العدل في الحرة، ويقول في الأمة زَوَّجنِيها مالكها الذي له إنكاحها، أو من يلي أمر نكاحها، أو ولي مالكها العدل بإذن مالكها له في ذلك، أو مبعضة بولي ومالك. 6271 - قول "الحاوي" [ص 665]: (وعجز عن الطَّوْل وخاف العنت في نكاح الأمة) أحسن من قول "المنهاج" [ص 577]: (فإن كانت أمة .. فالأصح: وجوب ذكر العجز عن طَوْلٍ وخوف عنتٍ) لأن المراد: الطول المعهود المذكور في شروط نكاح الأمة، ولفظ التنكير لا يدل على ذلك، ولو قالا: (وإن كان فيها رق) ليشمل المبعضة .. لكان أعم، ولا بد من التعرض لـ (أن الأمة مسلمة) إذا كان الزوج مسلماً سواء كان حراً أو عبداً. 6272 - قول "الحاوي" [ص 665]: (ومنها بلا تعرض مهر ونفقة) قد يفهم أنه لا يحتاج إلى ذكر شروط النكاح، والذي حكاه الماوردي عن الأكثرين أنه لابد من ذلك، قال: وهو ظاهر مذهب الشافعي (¬1)، وفي "أصل الروضة": نقلوا في اشتراط تقييد النكاح والبيع المدعين بالصحة وجهين، وبالاشتراط أجاب في "الوجيز"، وقال في "الوسيط": الوجه القطع باشتراطه في النكاح، وأشار إلى أن الوجهين مفرعان على أنه لا يشترط تفصيل الشرائط، وإيراد الهروي يقتضي اطرادهما مع اشتراط التفصيل؛ ليتضمن ذكر الصحة نفي المانع (¬2). 6273 - قولهما - والعبارة لـ "المنهاج" -: (أو عقداً مالياً كبيعٍ وهبة .. كفى الإطلاق في الأصح) (¬3) محل هذا الخلاف: في غير بيوع الكفار، فإذا تبايعوا بيوعاً فاسدة وتقابضوا إما بأنفسهم وإما بإلزام حاكمهم .. فإنا نمضيه على الأظهر كما هو مقرر في الجزية فلا يحتاج فيها إلى ذكر الشروط. 6274 - قول "المنهاج" [ص 577]: (ومن قامت عليه بينة .. ليس له تحليف المدعي) يستثنى منه صورتان: ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (17/ 311). (¬2) الروضة (12/ 15)، وانظر "الوجيز" (2/ 258)، و"الوسيط" (7/ 407). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 261)، و"المنهاج" (ص 577).

إحداهما: إذا قامت بينة بإعسار المديون .. فلصاحب الدين تحليفه في الأصح؛ لجواز أن يكون له مال في الباطن. الثانية: إذا أقام بينة بعين وقال الشهود: لا نعلمه باع ولا وهب .. فإن الشافعي قال: (أحلفه أنها ما خرجت من ملكه بوجه من الوجوه، ثم أدفعها له) (¬1). 6275 - قوله: (فإن ادعى أداءً أو إبراءً أو شراء عينٍ أو هبتها وإقباضها .. حلَّفه على نفيه) (¬2) فيه أمران: أحدهما: أن محله: إذا ادعى حدوث ذلك بعد قيام البينة ومضى زمن إمكان ذلك، فإن لم يكن .. لم يلتفت إليه، وإن ادعى وجوده قبل شهادة الشهود؛ فإن لم يحكم القاضي بعد .. حلف المدعي على نفيه، وإن حكم .. لم يحلفه على الأصح في "أصل الروضة" (¬3)، وحكاه الرافعي عن البغوي (¬4)، وصحح شيخنا في "تصحيح المنهاج" خلافه، إلا أن يقر أنه لا مطعن له ولا دافع .. فيؤاخذ بإقراره، ولو كان قبل حكم القاضي، فإن ذكر تأويلاً من نسيان ونحوه .. فله التحليف، وله نظائر في المرابحة وغيرها. ثانيهما: يستثنى منه: ما إذا حلف المدعي قبل ذلك إما مع شاهده أو يمين الاستظهار .. فلا يحلف بعد هذه الدعوى، وفي "أصل الروضة" في القضاء على الغائب عن "العدة": أنه لو ادعى قضاء الدين وسأل إحلافه أنه لم يستوفه .. لم يحلف؛ لأن القاضي الكاتب قد أحلفه، قال: وذكر البغوي في مثله في دعوى الإبراء أنه يحلفه أنه لم يبرئه، فحصل وجهان (¬5). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والأصح عندي بل الصواب: ما قاله في "العدة" لأن البغوي يصحح في دعوى المدعى عليه القضاء أو الإبراء بعد قضاء القاضي بالبينة للمدعي بغير حلف أنه لا يحلف المدعي، فكيف يحلفه هنا؟ ! 6276 - قوله: (وكذا لو ادعى علمه بفسق شاهده أو كذبه في الأصح) (¬6) عبارة "الروضة": يشبه أن يكون الأصح: أنه له التحليف؛ ويؤيده ما سبق من قول الأصحاب: إن دعوى الإقرار بالمجهول صحيحة، وإن جواب الأكثرين في مسألة القذف التحليف، وإن كان المقذوف ميتاً وأراد القاذف تحليف الوارث أنه لا يعلم زنا مورثه .. حلف، وهذه الصورة محكية عن النص، لكن ذكر ¬

_ (¬1) انظر "الأم" (6/ 177، 178). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 577). (¬3) الروضة (12/ 12). (¬4) انظر "فتح العزيز" (13/ 160). (¬5) الروضة (11/ 187). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 577).

البغوي أن الأصح: أنه لا يحلفه إذا ادعى فسق الشهود أو كذبهم (¬1). قال في "المهمات": تعارض بحث الرافعي مع تصحيح البغوي، وقد نص عليها الشافعي في "البويطي" فقال: وكلما ادعى عليه سوى هذا .. أحلفته له؛ مثل أن يقول: عصبنيه أو باعنيه، أو قد علم أن الشهود شهدوا بغير الحق .. أحلفته على علمه في الشهود أنهم لم يشهدوا بباطل وعلى الميت فيما سوى ذلك. 6277 - قوله: (وإذا استمهل ليأتي بدافع .. أمهل ثلاثة أيام) (¬2) فيه أمران: أحدهما: محله ما إذا فسر الدافع كقضاء أو إبراء، فإن قال: لي بينة دافعة .. استفسر؛ لأنه قد يتوهم ما ليس بدافع دافعاً، إلا أن يعرف معرفته، ولذلك قال "التنبيه" في صفة القضاء [ص 255]: (وإن قال: لي بينة قريبة بالقضاء أو الإبراء .. أمهل ثلاثة أيام). ثانيهما: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": المعتمد في الفتوى أنه لا إمهال في شيء من ذلك، ويقضي للمدعي بما توجه، فإن أتى المدعى عليه بما يخالف ذلك .. عمل بمقتضاه (¬3) أي: حر الأصل؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 683، 684]: (وحلف مدعي حرية الأصل) أما لو قال: أعتقتني، أو أعتقني الذي باعني منك .. فلا يقبل إلا ببينة، ومحله كما قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ما إذا كان في يد المدعي لرقه، فإن لم يكن في يده .. فالقول قول العبد؛ لأنه يدعي سلطنة عليه، والأصل عدمها، والمراد: قبول قول المدعى عليه مع يمينه، وقد صرح بذلك "الحاوي" كما تقدم. 6279 - قول "المنهاج" [ص 577]: (أو رق صغير ليس في يده .. لم يقبل إلا ببينة) يرد عليه: ما لو كان في يد غيره وصدقه صاحب اليد .. فيكفي ذلك. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والأرجح الأقيس: أنه لا يعتبر هنا أن لا يعرف استناد يده إلى التقاط، كما يكفي تصديق صاحب اليد في غير ذلك وإن لم يكن مالكاً. 6280 - قوله: (أو في يده .. حُكم له به إن لم يعرف استنادها إلى التقاط) (¬4) يدخل فيه ما إذا عرف استنادها لسبب من أسباب الملك، وما إذا لم يعرف استنادها لذلك ولا لالتقاط، ونازع شيخنا في "تصحيح المنهاج" في الثانية، وقال: مقتضى كلام الشافعي خلافه، وهو المعتمد. ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 12). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 577). (¬3) في حاشية (ج): (فائدة: في كلام القاضي حسين في "الفتاوى" ما يشهد كما قاله الإمام البلقيني). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 577).

فصل [فيما يترتب على سكوت المدعى عليه عن جواب الدعوى]

6281 - قوله: (فلو أنكر الصغير وهو مميز .. فإنكاره لغو) (¬1) قد يفهم أنه لو بلغ فأنكر .. قُبل إنكاره، وهو مقتضى قول "الحاوي" [ص 683، 684]: (وحلف مدعي حرية الأصل وإن سبق في الصغر قرينة)، وليس كذلك كما تقدم في "المنهاج" في اللقيط، وعبارته: (فإن بلغ وقال: "أنا حر" .. لم يقبل قوله في الأصح إلا ببينة) (¬2)، وعليه مشى "الحاوي" هناك (¬3)، وقد يفهم من قول "المنهاج" [ص 577]: (فإنكاره لغو) عدم تحليف المدعي، وليس كذلك. 6282 - قول "المنهاج" [ص 577]: (ولا تسمع دعوى مؤجل في الأصح) يستثنى منه مسائل: الأولى: إذا ادعى على القاتل بقتل خطأ أو شبه عمد .. سمع مع أن ذلك إنما يوجب دية مؤجلة، فلو ادعى ذلك على العاقلة .. لم تسمع جزماً؛ لأنه لم يتحقق لزومه لمن ادعى عليه به؛ لجواز موته أثناء الحول وإعساره آخره، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: لم أر من تعرض لذلك. الثانية: إذا كان بعض الدين حالاً .. سمعت الدعوى بالجميع كما قاله الماوردي، ويكون المؤجل تبعاً. الثالثة: إذا كان المؤجل في عقد قصد بدعواه تصحيح المطالبة؛ كالسلم المؤجل .. صحت دعواه، قاله الماوردي أيضاً. فَصْلٌ [فيما يترتب على سكوت المدعى عليه عن جواب الدعوى] 6283 - قول "المنهاج" [ص 577]: (أصر المدعى عليه على السكوت عن جواب الدعوى .. جُعل كمنكرٍ ناكلٍ) محل جعله كناكل: ما إذا حكم القاضي بنكوله بعد عرض اليمين عليه، أو قال للمدعي: احلف، ولهذا قال "التنبيه" [ص 255]: (قال له الحاكم: إن أجبت، وإلا .. جعلتك ناكلاً، ويستحب أن يكرر عليه ثلاثاً، فإن أجاب، وإلا .. جعله ناكلًا) و"الحاوي" [ص 690]: (أو سكت، وقضى بالنكول، أو قال للمدعي: احلف .. فالمدعي) قال في "أصل الروضة": وإنما يحكم بأنه ناكل بالسكوت إذا لم يظهر كون السكوت لدهشة أو غباوة ونحوهما، وحينئذ .. يتعين عليه شرحه له ثم الحكم بعد ذلك. انتهى (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 577). (¬2) المنهاج (ص 333). (¬3) الحاوي (ص 408). (¬4) الروضة (12/ 44).

وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا إذا لم يكن المدعى عليه نائبًا .. فالوكيل يجعل كالمنكر ولا يجعل كالناكل؛ لأن اليمين لا تتوجه إليه، قال: ولا يحل للولي السكوت، ويجب عليه أن يجيب بما يعرفه، فإن أصر على السكوت؛ فإن كان أبًا أو جدًا أو وصي أحدهما .. عرفه الحاكم قدح ذلك في ولايته؛ ولهذا السكوت شبه بعضل الولي، وإن كان المدعى عليه قيم الحاكم .. زجره وأقام غيره، فإن أصر .. جعل حينئذ ناكلًا (¬1). 6284 - قول "المنهاج" [ص 577]: (فإن ادعى عشرة فقال: "لا تلزمني العشرة" .. لم يكف حتى يقول: "ولا بعضها"، وكذا يحلف، فإن حلف على نفي العشرة واقتصر عليه .. فناكلٌ، فيحلف المدعي على استحقاق دون عشرة بجزء ويأخذه) اقتصر "الحاوي" على ذلك في اليمين فقال [ص 687]: (حلف لنفي المدعى وأجزأئه) فقد يقال: يفهم منه مثل ذلك في الجواب، وقد يقال: هو موافق للقاضي حسين في أنه يكلف ذلك في اليمين لا في الإنكار، ثم محل ما ذكراه فيما إذا لم يسند المدعى إلى عقد، فإن أسنده؛ كما لو ادعت امرأة على رجل أنه نكحها بخمسين .. فإنه يكفيه أن يقول: ما نكحتها بخمسين، ويحلف عليه؛ لأن المدعي للنكاح بخمسين غير مدع للنكاح بما دونه، فإن نكل .. لم يمكنها أن تحلف على أنه نكحها ببعض الخمسين؛ لأنه يناقض ما ادعته أولًا، ذكره الرافعي (¬2). وفي "التعليقة" على "الحاوي": أنها إذا أرادت الدعوى بما دونه .. استأنفت دعوى أخرى، ونازع شيخنا في "تصحيح المنهاج" في حلف المدعي على ما دون العشرة بجزء، وقال: المدعى عليه إنما نكل عن شيء منها, لا عن كلها إلا شيء منها، فالذي يحلف عليه المدعي إنما هو استحقاق شيء منها لا استحقاق [ما دونها] (¬3) بجزء، ولكن إذا ادعى عليه ثانيًا بما دون العشرة بجزء، فأنكر ونكل عن اليمين .. فهنا يحلف (¬4) المدعي على استحقاق ما دون العشرة بجزء، وكذا لو قال في الجواب: ولا ما دون العشرة، ونكل في الحلف عن قوله: ولا ما دون العشرة .. فهنا يحلف على استحقاق ما دون العشرة بجزء ويأخذه. انتهى. وفيه نظر؛ فقد نكل عن كلها إلا شيء منها وهو العشرة التي حلف عليها، وقوله في الجواب: ولا شيء منها, ليس المراد به: شيئًا مخصوصًا، بل هو نكرة في سياق النفي، فَعَمَّ كل جزء من أجزائها, ولم يحلف إلا على نفي جزء واحد، وهو تمام العشرة، فصار ناكلًا عن اليمين فيما عدا ¬

_ (¬1) انظر "حاشية الرملي" (4/ 395). (¬2) انظر "فتح العزيز" (13/ 174). (¬3) في (ب): (كلها إلا شيء منها)، وفي (ج): (شيء منها). (¬4) في (ب): (فهنا لم يحلف).

ذلك، ولا تفاوت بين المذكور في كلام الرافعي والنووي من قوله: ولا بعضها، أو ولا شيء منها، وبين اللفظ الذي ذكره شيخنا، وهو قوله: ولا ما دون العشرة؛ لتناول كل من هذه الألفاظ كل جزء من الأجزاء الناقصة عن تمام العشرة، والله أعلم. 6285 - قول "المنهاج" [ص 578]: (أو شفعة .. كفاه: "لا تستحق عليّ شيئًا") عبارة "المحرر": (لا تستحق عليّ شفعة) (¬1)، وعبارة "الروضة" وأصلها: (لا شفعة لك عندي) (¬2). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الظاهر أنه لا يكتفى في الشفعة بقوله: لا تستحق عليّ شيئًا؛ لأن الناس لا يعدون الشفعة مستحقة على المشتري؛ لأنها ليست في ذمته كالدين، ولا تعلق به ضمانها كالغصب وغيره؛ فالجواب المعتبر: (لا شفعة لك عندي) ولمَّا صرح في تعبير "المحرر" بالشفعة .. سومح في قوله على قوله: (ولو كان بيده مرهون أو مكرىً وادعاه مالكه .. كفاه: "لا يلزمني تسليمه") (¬3)، رجح شيخنا في "تصحيح المنهاج": أنه لا يكفيه ذلك؛ لأنه قد يكون مبطلًا في دعواه، فيتعطل على المالك الوصول إلى ملكه. وفيه نظر؛ فإن المالك يصل إلى ملكه بإقامة البينة على ذلك، فيجب على صاحب اليد حينئذ التسليم كما قاله القاضي حسين، واعتراض الغزالي عليه مردود، فإن لم يكن للمدعي بينة بالملك .. فلا سبيل إلى تصديقه بمجرد دعواه، والله أعلم. 6286 - قوله: (فلو اعترف بالملك وادعى الرهن أو الإجارة .. فالصحيح: أنه لا يقبل إلا ببينة) (¬4) لا يفهم منه أن مقابل الصحيح قبوله بلا بينة بالنسبة إلى مدة الإجارة والدين المرهون به وقدره؛ فإن ذلك لم يقل به أحد، وإنما قبل قوله على هذا الوجه بالنسبة إلى عدم انتزاعه منه فقط. 6287 - قوله: (فإن عجز عنها وخاف أولًا إن اعترف بالملك جَحْدَهُ الرهن والإجارة .. فحيلته أن يقول: "إن ادعيت ملكًا مطلقًا .. فلا يلزمني تسليمه، وإن ادعيت مرهونًا .. فاذكره لأجيب") (¬5)، كان ينبغي تأخير قوله: (أولًا) عن قوله: (اعترف) أو عن قوله: (بالملك) فإن تقديمه يفهم تعلقه بخاف، ولا معنى له، وهذه الحيلة حكاها الرافعي عن القفال والفوراني وترجيح "الوجيز"، وقال القاضي حسين: لا يقبل الجواب على التردد، بل حيلته أن يجحد ملكه ¬

_ (¬1) المحرر (ص 507). (¬2) فتح العزيز (13/ 175)، الروضة (12/ 21). (¬3) المحرر (ص 507)، المنهاج (ص 578). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 578). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 578).

إن جحد صاحبه الدين والرهن؛ أخذًا من الظفر بغير جنس الحق (¬1). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذه الحيلة ليست صحيحة، ولا حاجة إليها مع سبق الاكتفاء بجواب جازم، وهو قوله: لا يلزمني تسليمه، وما ذكره القاضي حسين من عدم سماع الجواب المردد هو الصحيح. 6288 - قوله: (وإن ادعى عليه عينًا فقال: "ليست لي"، أو "هي لرجل لا أعرفه"، أو "لابني الطفل"، أو "وقف على الفقراء"، أو "مسجد كذا" .. فالأصح: أنه لا تنصرف الخصومة ولا تُنزع منه، بل يُحلفه المدعي على أنه لا يلزمه التسليم إن لم تكن بينة) (¬2) فيه أمور: أحدها: أن مقتضاه: أن قوله: (ليست لي) جواب كاف، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الصواب: أنه ليس بكاف؛ لأنه ليس مضادًا للدعوى، فيقال للمدعى عليه: إن أصررت عليه .. صرت منكرًا وجعلت بعد عرض اليمين عليك ناكلًا، فيحلف المدعي ويحكم له، قال: هذا هو الفقه المعتبر البخاري على قواعد الباب، وسيأتي التصريح بنظيره من كلام الأصحاب في الإضافة إلى مجهول. ثانيها: وما ذكره من الاكتفاء بقوله: (هي لرجل لا أعرفه) مشى عليه "الحاوي" أيضًا، وهو مخالف لقول "التنبيه" [ص 261]: (وإن أقر به لمجهول .. لم يقبل، وقيل له: إما أن تقر لمعروف أو نجعلك ناكلًا) وسكت عليه النووي في "تصحيحه"، واعتمده شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وحكاه عن العراقيين مطلقًا، قال: ولم يوضح المراوزة الكلام على هذه الصورة، وتبعهم الرافعي فلم يفصح بالمقصود. انتهى. ثم قال "التنبيه" في هذه الصورة [ص 261]: (وقيل: يقال له: إما أن تقر به لمعروف أو لنفسك أو نجعلك ناكلًا) ومقتضاه: ترجيح أنه لا تقبل دعواه لنفسه، وأقره النووي فلم يستدركه في "التصحيح"، وحكى فيه في "أصل الروضة" وجهين من غير ترجيح (¬3). ثالثها: قوله: (أو لابني الطفل) كذا لو قال: إنه لغير ابنه ممن هو تحت حجره، وفي معنى الطفل: المجنون والسفيه، فلو قال: (لمحجوري) .. كان أشمل، ومنه يعلم أن قوله: (وقف على الفقراء، أو مسجد كذا) مقيد بأن يكون هو الناظر، فإن كان النظر لغيره .. انصرفت الخصومة إليه. رابعها: مقتضاه: إثبات وجه قوي بانصراف الخصومة عنه فيما إذا قال: (ليست لي)، وكذا ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 176، 177). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 578). (¬3) الروضة (12/ 24).

هو في "الروضة" وأصلها (¬1)، وأنكره شيخنا في "تصحيح المنهاج". خامسها: قال شيخنا أيضًا: الخلاف في التبرع لا يصح في مجرد قوله: ليس لي؛ لأنه ليس فيه التصريح بما يقتضي رفع يده، ولم أره في طريقة العراقيين، وإنما هو مذكور في طريق المراوزة، وهو مزيف، وكيف يزيل اليد التي لم يظهر لنا السبب لإزالتها؟ ! هذا مما لا يمكن القول به فضلًا عن أن يكون قويًا. سادسها: نازع شيخنا المذكور أيضًا في إثبات خلاف في انصراف الخصومة عنه في قوله: (هي لرجل لا اعرفه) وقال: الذي ذكره ليس بجواب قطعًا، فيستحيل انصراف الخصومة عنه، ولم يذكر جوابًا مقنعًا. سابعها: ونازع أيضًا في الخلاف في الانتزاع في الصورة المذكورة، وقال: إنه مردود فضلًا عن أن يكون قويًا؛ لأنه يجوز أن يكون عنده برهن لازم وينسى الراهن، وكذا في الإيداع ونحوه، وقال: قل من رأيته حكى الخلاف في ذلك، وهو في "النهاية" و"التهذيب" (¬2)، ولعل قائله قاله في صورة وجد فيها ما يقتضي أن لا بد له، فحينئذ .. يأتي هذا الوجه. ثامنها: قال شيخنا المذكور أيضًا: إثبات الخلاف في انصراف الخصومة في قوله: (هي لابني الطفل) ذكره الرافعي (¬3)، وعندي أنهما ليسا وجهين، وأنهما منزلان على حالين: أحدهما: أن يكون الكلام بالنسبة إلى رقبة المدعي به، وهذا تنقطع فيه الخصومة قطعًا، ويبقى النظر في بقاء الخصومة بالنسبة إلى تحليف المدعى عليه، وفي "النهاية" ما يقتضيه (¬4). ثانيهما: أن لا ينظر إلى الرقبة، وإنما ينظر إلى الخصومة من حيث هي وهي باقية بالنسبة إلى قيام البينة وإلى تحليف القيم أنه لا يلزمه التسليم. تاسعها: قال شيخنا أيضًا: كلامه يقتضي إثبات خلاف في قوله: (لابني الطفل) في النزع، وهذا لم يقله أحد من الأصحاب فيما إذا كان الأب وليًا للطفل، ولا يمكن القول به؛ لظهور فساده بما يقتضيه من إبطال الحقوق بغير مستند، وليس ذلك في "المحرر"، ولا في "الشرح" و"الروضة"، وهو واضح الفساد فإن لم يكن الأب المذكور أهلًا للولاية .. انتزع منه قطعًا. عاشرها: قال شيخنا المذكور أيضًا: إثبات الخلاف في انصراف الخصومة في قوله: (وقف على الفقراء، أو مسجد كذا) لا نسلمه، وقد أثبته الرافعي من نقلين، وقد قدمنا أنه لا خلاف ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 24). (¬2) نهاية المطلب (19/ 131)، التهذيب (8/ 332). (¬3) انظر "فتح العزيز" (13/ 179). (¬4) نهاية المطلب (19/ 131).

بينهما في نظيره (¬1)، وقوله فيهما: (الأصح: أنه لا ينزع منه) يقال عليه: إن كان المقر المذكور ناظر الوقف .. فلا ينزع منه قطعًا، وإلا نزع منه قطعًا؛ فإثبات الخلاف في ذلك غير مستقيم. حادي عشرها: قوله: (بل يحلفه المدعي أنه لا يلزمه التسليم) يقتضي تعلقه بالصور الخمس، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ولم يقله أحد من الأصحاب، بل الحكم في الأولى والثانية ما قدمناه عند ذكر أنه لا يقنع منه بهذا الجواب، وبقية الصور لا يحلف فيها على ما ذكر. ثاني عشرها: قوله: (إن لم تكن بينة) يقتضي أنه إنما يحلفه على ما ذكر إن لم تكن بينة، قال شيخنا المذكور: وهذا قيد غير معتبر، والذي في "المحرر": (بل يقيم المدعي البينة أو يحلفه أنه لا يلزمه تسليمه) (¬2) وقد تقدم أنه إنما تسمع البينة حيث كان المدعى عليه قيم الطفل أو ناظر الوقف، قال: واعلم: أنه يخرج في الصور الخمس عشرون موضعًا على "المنهاج" من جهة الأحكام الأربعة التي أثبتها في الصور الخمس وهي: تصحيح عدم انصراف الخصومة، وعدم النزع، وتحليف المدعى عليه أنه لا يلزمه التسليم، وقيد أن لا يكون له بينة، وقد يزداد العدد إذا نظر إلى ما قررناه. انتهى. 6289 - قول "المنهاج" [ص 578]: (وإن أقر به لمعين حاضر تمكن مخاصمته وتحليفه .. سئل، فإن صدقه .. صارت الخصومة معه) فيه أمور: أحدها: أنه يفهم أنه إذا أقر به لمن لا تمكن مخاصمته وهو المحجور .. لا تنصرف الخصومة عنه، وليس كذلك، بل تنصرف عنه إلى وليه؛ ولهذا أطلق "التنبيه" فقال [ص 261]: (وإن أقر به لغيره وصدقه المقر له .. انتقلت الخصومة إليه)، وقد يقال: أفهم بقوله: (وصدقه) أن كلامه في غير المحجور، ولم يستثن "الحاوي" إلا المجهول والمكذب (¬3)، فدل على أن المصدق بخلافه. ثانيها: لو اقتصر على إمكان المخاصمة أو إمكان التحليف .. حصل الغرض، ولا حاجة للجمع بينهما. ثالثها: فهم من قوله: (صارت الخصومة معه) انصرافها عن المدعى عليه، وليس كذلك؛ فللمدعي طلب يمين المدعى عليه؛ بناء على أنه يغرم (¬4) له البدل لو أقر له، وهو الأظهر (¬5)، وقد ذكره "التنبيه" فقال [ص 261]: (وهل يحلف المدعى عليه؟ فيه قولان) وقد عرفت أن الأظهر: ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 179). (¬2) المحرر (ص 507). (¬3) الحاوي (ص 667). (¬4) في (د): (لا يغرم)، والمثبت هو الصواب. (¬5) انظر "مغني المحتاج" (4/ 471).

التحليف، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 667]: (فإن أقر .. ثبت، ولغير لا مجهول ومكذب .. حُلّف) وتبع فيه "الوجيز" (¬1)، ولم يتعرض له في "الروضة" وأصلها. 6290 - قول "التنبيه" [ص 261]: (وإن كذبه المقر له .. أخذه الحاكم وحفظه إلى أن يجيء صاحبه) الأصح: أنه يترك في يد المقر، وهو الذي صدر به "المنهاج" كلامه ثم قال [ص 578]: (وقيل: يسلم إلى المدعي، وقيل: يحفظه الحاكم لظهور مالك) وقول "الروضة": فيه الأوجه الثلاثة السابقة في الإقرار (¬2)، يقتضي أن منها إجبار المقر له على أخذه لا تسليمه للمدعي كما تقدم في الإقرار. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ولم يقل ذلك أحد هنا، وكأنهم لما رأوا أن المدعي قائم بالدعوى والمقر له مكذب .. رجح عندهم جانب المدعي على جانب المقر له، فجعلوا بدل ذلك الوجه تسليمه للمدعي، ولو قيل به هنا .. لم يبعد، وهو أولى من الوجه الصائر إلى تسليمه للمدعي، وفي "المطلب": إنه بعيد لا أصل له؛ وليس ببعيد؛ لأنه مقتضى إقرار من العين في يده، وعبارة "الحاوي" توافق "المنهاج" فإنه ذكر تحليف المقر له إذا كان غير مجهول أو مكذب (¬3)، فدل على عدم انصراف الخصومة عن المقر إذا كان المقر له أحدهما، وذلك يدل على تركه في يده، ولو أخذه الحاكم منه أو سلم للمدعي .. لا تنصرف الخصومة عنه. 6291 - قول "التنبيه" [ص 261]: (وإن أقر به لغائب .. انتقلت الخصومة إليه) و"المنهاج" [ص 578]: (فالأصح: انصراف الخصومة عنه) هو بالنسبة إلى رقبة العين المدعاة، أما بالنسبة إلى تحليف المدعى عليه .. فلا تنصرف على الأصح، بل له تحليفه من أجل تغريم البدل لو أقر له بها تفريعًا على التغريم للثاني فيمن قال: هذه الدار لزيد، ثم قال: هي لعمرو، وهو الأصح. ويرد على "المنهاج": أن محل الخلاف: ما إذا لم يقم بينة بأنها للغائب، فإن أقامها .. ففي "أصل الروضة": أنه تنصرف الخصومة عنه لا محالة، ولا يجيء فيه الوجهان (¬4)، وعبارة "الحاوي" [ص 667]: (وتسمع بينته للغائب، ولا يثبت ملكه) أي: لا يحكم للغائب بالملك بهذه البينة؛ أي: سواء شهدت البينة بأنه في رهن المدعي أو إجارته أم لا، وعند التعرض لذلك وجه موجه بأنه مدع لنفسه حقا وقد أقام البينة عليه، فلا بد من إثباته، ولا يثبت إلا بثبوت الملك للغائب، قال الرافعي: ولا بأس بهذا الوجه وبتوجهه، والناقلون رجحوا الوجه الآخر (¬5). ¬

_ (¬1) الوجيز (2/ 260). (¬2) الروضة (12/ 24). (¬3) الحاوي (ص 667). (¬4) الروضة (12/ 26). (¬5) انظر "فتح العزيز" (13/ 183).

6292 - قول "المنهاج" [ص 578]: (ويوقف الأمر حتى يقدم الغائب، فإن كان للمدعي بينة .. قُضي بها) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه كلام متهافت؛ لأن وقف الأمر حتى يقدم الغائب ينافيه قوله: (فإن كان للمدعي بينة .. قضي بها)، وعبارة "المحرر" سالمة من هذا؛ فإنه قال: (فإن لم يكن للمدعي بينة .. توقف الأمر إلى أن يحضر الغائب، وإن كان له بينة .. فيقضى له) (¬1)، قال شيخنا: ووقف الأمر على ما قررناه محله بالنسبة إلى رقبة العين لا إلى تحليف صاحب اليد كما تقدم في الانصراف. 6293 - قوله: (وهو قضاء على غائب، فيحلف معها) (¬2) في "أصل الروضة": إنه أقوى وأليق بالوجه المفرع عليه، واختاره الإِمام والغزالي، وأن العراقيين والروياني رجحوا أنه قضاء على حاضر (¬3). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن كونه قضاء على غائب مخالف لنص "الأم" و"المختصر" ولكثير من الأصحاب في الطريقين ولمقتضى الدليل بحيث يتبين أنه غلط، وأن مقابله هو المذهب المعتمد، ثم بسط ذلك. 6294 - قول "المنهاج" [ص 578]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 666]: (وما قُبل إقرار عبدٍ به كعقوبة .. فالدعوى عليه، وعليه الجواب، وما لا كأرش .. فعلى السيد) فيه أمران: أحدهما: أنه يرد عليه أمور لا تسمع الدعوى بها على أحدهما منفردًا، وإنما تسمع عليهما، منها: النكاح لا يثبت إلا بإقرارهما جميعًا، فتكون الدعوى به عليهما ما لم يعتق العبد. ومنها: ضمان الإحضار؛ فإنه لا يقبل إقرار العبد فيه ومع ذلك لا تكون الدعوى فيه على السيد؛ لأنه لم يتعلق بمحض ذوات المنفعة المستحقة للسيد من جهة ما فيه من إتعاب العبد نفسه والسعي في إحضار المضمون، وذلك يعتبر فيه اجتماع العبد والسيد. ومنها: النسب لا بد فيه من النظر إلى العبد بالإقرار وإلى السيد بالتصديق، ذكر ذلك شيخنا في "تصحيح المنهاج". ثانيهما: مقتضى قوله: (وما لا كأرش .. فعلى السيد) أنه لو وجهت الدعوى هنا على العبد .. لم تسمع، وفيه وجهان، اختار الإِمام والغزالي إلى المنع (¬4)، والمقطوع به في "التهذيب" السماع إن كان للمدعي بينة أو لم تكن وقلنا: المردودة كالبينة، وإلا .. فلا، قال ¬

_ (¬1) المحرر (ص 508). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 578). (¬3) الروضة (12/ 25). (¬4) انظر "نهاية المطلب" (19/ 199)، و"الوجيز" (2/ 260).

تنبيه [على وجوب اليمين وعدمه]

الرافعي: وفي كل منهما إشكال، والمتوجه أن يقال: تسمع لإثبات الأرش في ذمته لا لتعلقه في رقبته (¬1). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يخرج منه أن الأصح: أنه لا تسمع الدعوى على العبد بذلك؛ لأن الأصح: أنه لا يتعلق بالذمة، والأصح: أنه لا تسمع الدعوى بالدين المؤجل، وهو قد خرج هذه على تلك، قال شيخنا: والذي نقوله: إن المتوجه أن تسمع الدعوى عليه ليقر بالأرش فيتعلق بذمته أو ينكل، ويرد اليمين على المدعي، فيحلف، فيتعلق الأرش بذمته، ولا يتفرع على سماع الدعوى بالدين المؤجل؛ لأن الدين المؤجل وقع التأجيل فيه بالتراضي من المتعاقدين وله أمد ينتظر، بخلاف ما في ذمة العبد في الأمرين معًا. تنبيه [على وجوب اليمين وعدمه] مقتضى كلامهم: أن اليمين غير واجبة، وبه صرح في "النهاية" فقال: لا تجب اليمين قط، وأقره عليه الرافعي، وقال الشيخ عز الدين في "قواعده الكبرى": هذا ليس إطلاقه، بل يتعين الحلف حيث يؤدي تركه إلى تعاطي ما لا يباح بالإباحة؛ كالدماء والقروح والضرب في الحدود والتعازير ونحوها بخلاف الأموال والمنافع (¬2). فصل [متى تغلظ يمين المدعي والمدعى عليه؟ ] 6295 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (تغلظ يمين مدع ومدعى عليه فيما ليس بمال ولا يقصد به مال، وفي مال يبلغ نصاب زكاة) (¬3) فيه أمور: أحدها: أورد عليه الحقوق كالسرجين وكلب الصيد ونحوهما ليست مالًا ولا يقصد منها المال ومع ذلك لا تغليظ فيها، والوكالة في المال تغلظ مع أن المقصود منها المال، وفي "الوسيط" تبعًا "للنهاية": التغليظ يجري في كل ما له خطر مما لا يثبت برجل وامرأتين، وجرى في عيوب النساء؛ لأن ثبوتها بقول النساء لا لنقصان الخطر (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 188). (¬2) قواعد الأحكام إصلاح الأنام (2/ 59). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 267)، و"الحاوي" (ص 690)، و"المنهاج" (ص 579). (¬4) نهاية المطلب (18/ 648، 649)، الوسيط (7/ 417).

وفي "الكفاية" عن الماوردي وغيره: تقييد التغليظ في غير المال بما لا يثبت إلا بشاهدين، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": عندي أن الضابط لذلك أن الذي لا يثبت بالشاهد واليمين .. يغلظ فيه، وما يثبت بشاهد ويمين .. ففيه التفصيل. ثانيها: ظاهره اعتبار نصاب الزكاة في المدعى به، فإن ادعى بإبل .. لم يغلظ إلا في خمس، أو ببقر .. ففي ثلاثين، أو بغنم .. ففي أربعين، أو بمعشر .. ففي خمسة أوسق، وهو وجه حكاه الماوردي (¬1)، والذي في "أصل الروضة" اعتبار عشرين دينارًا أو مائتي درهم (¬2)، والمنصوص عليه في "الأم" و"المختصر": اعتبار عشرين دينارًا عينا أو قيمة (¬3). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه الأصح المعتمد، حتى لو كان المدعى به من الدراهم .. اعتبر بالذهب، قال: ويخرج من كلام الماوردي الاتفاق على عدم إلحاق نصاب الدراهم وحده بنصاب الدنانير، بل إما أن يلحق به كل النصب وإما أن يخص ذلك بالذهب. ثالثها: لو اختلفا في الثمن فقال البائع: عشرون دينارًا وقال المشتري: عشرة .. فلا تغليظ هنا؛ لأن الذي يتعلق به التفويت أو الإثبات عشرة دنانير وإن كان جملة الثمن عشرين دينارًا، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج": وقال لم أر من تعرض له. رابعها: لم يذكروا حقوق الأموال كالخيار والأجل وحق الشفعة والرد بالعيب، وحكمها أنها إن تعلقت بمال هو نصاب .. غلظ فيها، وإلا .. فلا. خامسها: يرد على تقييد المال ببلوغه نصابًا ما لو رأى القاضي جرأة في الحالف .. فله حينئذ التغليظ وإن نقص عن نصاب، ذكره في "أصل الروضة" (¬4). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والذي يظهر أن التغليظ بذكر الأسماء والصفات يفعله القاضي فيما دون النصاب وإن لم تظهر جرأة الحالف. 6296 - قول "المنهاج" [ص 579]: (وسبق بيان التغليظ في اللعان) يقتضي أنه سبق فيه التغليظ بزيادة الأسماء والصفات أيضًا، وليس كذلك؛ فإنما سبق فيه التغليظ بالمكان والزمان؛ ولهذا قال "التنبيه" [ص 267]: (غلظ عليه اليمين بالمكان والزمان واللفظ، أما المكان والزمان .. فقد بيناه في اللعان، وأما اللفظ .. فهو أن يقول: والله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وإن كان يهوديًا، حلف بالله الذي أنزل ¬

_ (¬1) انظر الحاوي الكبير (17/ 111). (¬2) الروضة (12/ 32). (¬3) الأم (7/ 34)، مختصر المزني (ص 308). (¬4) الروضة (12/ 32).

التوراة على موسى ونجاه من الغرق، وإن كان نصرانيًا .. حلف بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، وإن كان مجوسيًا أو وثنيًا .. حلف بالله الذي خلقه وصوره، وإن اقتصر على الاسم وحده .. جاز) وسبق في اللعان التغليظ بحضور جمع أقله أربعة، قال الرافعي: ولم يذكروه هنا، ويشبه مجيئه في يمين تتعلق بإثبات حد أو دفعه كاللعان (¬1)، وصوب النووي عدم اعتباره هنا (¬2). ومال إليه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، ومنع ما قاله الرافعي؛ فإن اللعان وقع فيه أمور معضلة خارجة عن القياس، وما خرج عن القياس لا يقاس عليه، قال: وحضور جمع أقله أربعة يناسب النصاب الذي يثبت به حد الزنا؛ فكان ينبغي في بحث الرافعي التغليظ بحضور اثنين. 6297 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ويحلف على البت في فعله، وكذا فعل غيره إن كان إثباتًا) (¬3) أورد عليه شيخنا في "تصحيح المنهاج" صورًا: منها: اختلاف المتبايعين في قدم عيب .. يحلف البائع على البت أنه لم يأبق عنده مثلًا. قلت: هو فعل عبده، فيحلف فيه على البت ولو كان نفيًا كما سيأتي. ومنها: حلف مدعي النسب اليمين المردودة، فيحلف بتًا أنه ابنه ولا فعل له في النسب. قلت: يرجع إلى الحلف على أنه ولد على فراشه، وهو إثبات، وقد عرف أن الحلف فيه على البت وإن لم يكن فعله. ومنها: الإعسار، فيحلف فيه على البت، وليس فعل نفسه، وإنما هو صفة له. قلت: بل هو نفي ملك نفسه زيادة على أمر مخصوص. ومنها: حلف أحد الزوجين على عيب صاحبه اليمين المردودة، فهو على البت وإن لم يكن فعلًا لخصمه. قلت: هو فعل الله تعالى به؛ فهو حلف على فعل غيره إثباتًا. 6298 - قول "التنبيه" في الحلف على فعل غيره [ص 267]: (وإن كان على نفي .. حلف على نفي العلم) أورد عليه: أنه يحلف على نفي جناية بهيمته على البت قطعًا وعلى نفي جناية عبده على البت في الأصح، ذكرهما "المنهاج" (¬4)، وأورد في "تصحيحه" الأول بلفظ الصواب، والثاني بلفظ الأصح، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 687]: (بتًا كما أجاب؛ كأرش جناية العبد، وإتلاف بهيمة قصَّر بتسريحها) ثم قال: (ونفي العلم لنفي فعل غيره) (¬5) ومقتضاه: أن فعل عبده ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 190). (¬2) انظر "الروضة" (12/ 32). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 267)، و"الحاوي" (ص 687)، و"المنهاج" (ص 579). (¬4) المنهاج (ص 579). (¬5) الحاوي (ص 690).

وبهيمته ليس فعل غيره، ووجهه في العبد: أنه ماله وفعله كفعله؛ ولذلك سمعت الدعوى عليه، وفي البهيمة: أنه لا ذمة لها، والمالك لا يضمن بفعل البهيمة، بل بتقصيره في حفظها، وذلك أمر يتعلق بنفس الحالف، وإليه أشار بقوله: (قصر بتسريحها). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج" وقوله: (قطعًا) قد لا يسلم له؛ ففي "الوسيط" ما يشعر بخلاف فيه؛ حيث قال: (فالظاهر أنه يلزمه) (¬1)، وأورد شيخنا في "تصحيح المنهاج" مع ذلك مسائل عنها أجوبة كما قدمناه في الذي قبله؛ فلذلك لم أطول بذكرها، ثم قال: ومختصر هذا المبسوط: أن اليمين إن كانت في جانب المدعى عليه في الإثبات .. فعلى البت، أو في النفي والمطلوب بالدعوى لاقاه ابتداء، ويمكن اطلاعه على سبب الملاقاة حالة صدوره، وليس مما يغيب غالبًا عن المدعى عليه .. فالحلف فيه على البت وإن لم يلاقه ابتداء؛ لأنه وارث، أو لأنه لا تعلق له بالسبب المدعى به عند صدوره، أو لاقاه ابتداء لكن لا يمكن اطلاعه (¬2) على سبب الملاقاة، وليس من شأنه أن يشتهر؛ فالحلف فيه على نفي العلم، وإن كانت اليمين من جانب المدعي .. فهي على البت دائمًا، إلا إذا كانت لدفع معارض لا لإثبات المطلوب مع تصور الحلف فيه على نفي العلم، وفي "المطلب" ضبط مختصر، وهي أن كل يمين على البت إلا نفي فعل الغير قال: وقد قالها البندنيجي وغيره، واقتصر عليها في "الروضة"، وهي تنتقض بما إذا ادعى المودع التلف ولم يحلف .. فإن المذهب كما قاله الإِمام: أن المودع يحلف على نفي العلم، وقال شيخنا المذكور في حواشي "الروضة": الاختصار المعتبر أن يقال: يحلف على البت في كل يمين إلا فيما يتعلق بالوارث فيما ينفيه، وكذلك العاقلة بناء على أن الوجوب لاقى القاتل، ثم استثنى شيخنا المذكور من الخلاف في الحلف على نفي فعل عبده صورتين: إحداهما: إذا كان العبد مجنونًا ضاريًا بطبعه كالبهيمة .. فعلى السيد حفظه، فإن قصر السيد فأتلف هذا الضاري شيئًا .. فهو كالبهيمة. الثانية: إذا أمر عبده الذي لا يميز أو الأعجمي الذي يعتقد وجوب طاعه السيد في كل ما يأمره به .. فالجاني هو السيد ويحلف على البت قطعًا، ولا يأتي فيه ما تقدم في البهيمة؛ لوجود أمره المنزل منزلة فعله. 6299 - قول "المنهاج" [ص 579]: (ولو ادعى دينًا لمورثه فقال: "أبرأني" .. حلف على نفي العلم بالبراءة) لا بد أن يضم إليه: (وأنت تعلم أنه أبرأني منه)، قال في "أصل الروضة": ¬

_ (¬1) الوسيط (7/ 419). (¬2) في (ب)، (ج): (لكن يمكن اطلاعه)، والمثبت من (د). انظر "حاشية الرملي" (4/ 400).

كل ما يحلف المنكر فيه على نفي العلم يشترط في الدعوى عليه التعرض للعلم (¬1). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ومحل هذا: إذا علم المدعي أن المدعى عليه يعلم ذلك، فإن لم يعلم .. لم يسعه أن يقول: وهو يعلم ذلك، فإن قال الوارث: أستحق عليك ذلك .. حلف على إثبات الاستحقاق، وإن نكل .. ردت اليمين على مدعي البراءة، وإن كان له بينة بالبراءة .. أقامها وعمل بمقتضاها. 6300 - قوله: (ويجوز البت بظن مؤكد يعتمد خطه أو خط أبيه) (¬2) فيه أمور: أحدها: مقتضاه: البت إذا ظن ذلك برؤية خط نفسه وإن لم يتذكر، وهو مقتضى إطلاق "الحاوي" في قوله [ص 690]: (ويحل بظن خط)، ولم يقيده، وكذا في "أصل الروضة" هنا (¬3)، لكن فيها في الباب الثاني من القضاء في مستند القضاء: لو رأى بخط أبيه: لي على فلان كذا .. فله أن يحلف إذا وثق بخط أبيه وأمانته؛ لأنه لا يتوقع فيه يقين يتذكر، فلو وجد بخط نفسه: أن لي على فلان كذا أو أديت إليه دينه .. لم يجز الحلف حتى يتذكر (¬4). قال في "التوشيح": وقد يقال: لا يتصور الظن المؤكد في خط نفسه ما لم يتذكر، بخلاف خط الأب؛ فلا إيراد. ثانيها: قد عرفت من عبارة "الروضة" التي نقلناها أنه لا بد أن يكون موثوقًا بأمانة أبيه، وقد يفهم ذلك من لفظ الظن، ويقال: لا يحصل الظن إلا إذا كان بهذه الصفة، وعبارة الإِمام: أن يكون عدلًا (¬5). ثالثها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": جواز البت بالظن المؤكد من خطه أو خط أبيه مخالف لظواهر نصوص "الأم" و"المختصر" وغيرهما؛ فإن فيها: (ولا يسع شاهدًا أن يشهد إلا بما علم، والعلم من ثلاثة وجوه: منها: ما عاينه، فيشهد بالمعاينة، ومنها: ما سمعه، فيشهد ما أثبت سمعًا من المشهود عليه، ومنها: ما تظاهرت به الأخبار مما لا يمكن في أكثره العيان وتثبت معرفته في القلوب، فيشهد عليه بهذا الوجه) (¬6)، ثم قال: وكذلك يحلف الرجل على ما يعلم بأحد هذه الوجوه مع شاهد، وفي رد يمين وغير ذلك، قال شيخنا: ففيه أنه لا يجوز اعتماد خطه وخط أبيه في الحلف؛ لأنه لا يجوز اعتماده في الشهادة. ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 35). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 579). (¬3) الروضة (12/ 36). (¬4) الروضة (11/ 159). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (18/ 622). (¬6) الأم (7/ 90)، مختصر المزني (ص 304).

رابعها: أن ظاهر عبارته انحصار ذلك في خطه وخط أبيه، وليس كذلك، بل نكول خصمه مما يحصل به الظن المؤكد كما جزم به في "أصل الروضة" (¬1)، وعليه مشى "الحاوي" فقال بعد ما تقدم عنه [ص 690]: (وقرينة كنكول)، لكن نازع شيخنا في "تصحيح المنهاج" في ذلك؛ لأن الناكل قد ينكل عن اليمين تورعًا، فلا يسوغ لمجرد ذلك لخصمه الذي لا يعرف أن له حقًا عنده أن يحلف على أنه يستحق عليه ذلك، وهو ظاهر نص الشافعي رضي الله عنه المتقدم. 6301 - قول "المنهاج" [ص 579]: (وتعتبر نية القاضي المستحلف، فلو ورَّى أو تأول خلافها أو استثنى بحيث لا يسمع القاضي .. لم يدفع إثم اليمين الفاجرة) فيه أمور: أحدها: كذا تعتبر عقيدته، وقد صرح به "الحاوي" فقال [ص 690]: (بنية القاضي واعتقاده) وفي قول "المنهاج" [ص 579]: (أو تأول خلافها) ما يشير إليه. ثانيها: محل ذلك: إذا كان التحليف بالله تعالى، فإن كان القاضي يرى التحليف بالطلاق؛ كالحنفي، فحلف به .. نفعت التورية، ذكره النووي في "الأذكار" كما في "المهمات"، وليس في كلام النووي تصويرها بأن يرى القاضي ذلك، بل ظاهر كلامه يقتضي أن محله فيمن لا يراه؛ لأنه قال: لأنه لا يجوز للقاضي تحليفه بالطلاق، فهو كغيره من الناس (¬2). ثالثها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": قوله: (وتعتبر نية القاضي المستحلف) عبارة ناقصة، وتمامها أن يقول: (الموافقة لظاهر اللفظ الواجب في الحلف) فلا أثر لنية تخالف ظاهر اللفظ الواجب في الحلف، فلو كان له دين بغير صك لم يقبضه ودين بصك قبضه، فأقام شاهدًا بالدين الذي بالصك وحلف معه، ونيته الحلف على الذي بلا صك ونية القاضي الذي بالصك .. فلا أثر لنية القاضي؛ لأن اللفظ الواجب في الحلف استحقاقه الدين المدعى به لا الدين الذي في الصك، وكذا حكم عين الرد والاستظهار، قال: وهذا مستمد مما لو جحد ما عليه من دين بغير صك وله عليه دين بصك قد قبضه وشهوده لا يعلمون قبضه .. فله أن يدعي ذلك الدين ويقيم البينة ويقبضه بدينه الآخر على الأصح في زيادة "الروضة" وفاقًا للهروي وخلافًا للقفال (¬3)، قال شيخنا: وفيه نظر؛ فإن المدعى عليه لو قال: إني قضيت ما في هذا الصك .. لم يكن للمدعي أن يحلف أنه لم يقبضه، وهذا يدل على التغاير، فلا ينبغي أن يتسامح في إقامة البينة بذلك حينئذ وإنما يتجه ذلك إذا لم يدع المدعى عليه ذلك، فحينئذ .. يحلف المدعي مع شاهد ويمين الاستظهار، وقصده بقوله: ما قبضه الدين الذي له في ذمته لا الذي بالصك. ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 36). (¬2) الأذكار (ص 304). (¬3) الروضة (12/ 7).

رابعها: قال شيخنا المذكور أيضًا: محله فيما إذا لم يكن الحالف محقًا في الذي نواه، فإن كان محقًا .. فالعبرة بنيته لا بنية القاضي، فإذا ادعى أنه أخذ من ماله كذا بغير إذنه، وسأل رده، وكان إنما أخذه في دين له عليه، فأجاب بنفي الاستحقاق، فقال خصمه للقاضي: حلفه أنه لم يأخذ من مالي شيئًا بغير إذني، وكان الحاكم يرى إجابته لذلك .. فللمدعى عليه أن يحلف أنه لم يأخذ من ماله شيئًا بغير إذنه وينوي بغير استحقاق، ولا يأثم بذلك، والعبرة هنا بنية الحالف المحق. 6302 - قول "المنهاج" [ص 579]: (ومن توجهت عليه يمين لو أقر بمطلوبها لزمه فأنكر .. حُلِّف) فيه أمور: أحدها: أنه مخالف لكلام "أصل الروضة" فإنه فسر فيها الحالف بأنه كل من يتوجه عليه دعوى صحيحة، ثم قال: وقيل: ... فحكى ما في "المنهاج" حكايته الأوجه الضعيفة (¬1)، وعلى ما في "الروضة" مشى "الحاوي" فقال [ص 687]: (حلف من توجهت عليه) أي: الدعوى الصحيحة, لكن رجح شيخنا في "تصحيح المنهاج" التفسير الذي في "المنهاج"، وهو المجزوم به في "الشرح الصغير"، إلا أن فيه خللًا سنذكره، ومال السبكي إلى أن المراد بالعبارتين شيء واحد، وقال: في عبارة الرافعي شيئان يقتضيان أنه لم يرد اختلاف المعنى: أحدهما: قوله: (وقد قيل) فإنها ليست هي العبارة المألوفة في الخلاف. والثاني: قوله: (ولا بد من استثناء صور عن هذا الضبط) وما قال: الضبطين (¬2). قال: وشيء ثالث، وهو: أنه في "المحرر" اقتصر على العبارة الثانية، فلو كانت ضعيفة عنده .. لما اقتصر عليها. انتهى (¬3). وتفسير "الروضة" الحالف بما تقدم أراد به: الحالف ابتداء، وهو المدعى عليه، ومن نزل من المدعين منزلة المدعى عليه كالأمناء، وأما أيمان القسامة واللعان .. فلا تدخل في ضابطه؛ لأن اليمين في جانب المدعين، ولم يتوجه إليهم دعوى تحقيقًا ولا تقديرًا، وكذلك الحالف مع شاهده والحالف يمين الرد لا يدخل في هذا الضابط. ثانيها: قوله: (ومن توجهت عليه يمين) صوابه: (توجهت عليه دعوى) كذا صوبه الشيخ برهان الدين بن الفركاح، وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج" أن تعبيره باليمين وهم والتعبير بالدعوى هو الذي في "المحرر" و"الشرحين" و"الروضة" في التعبير عن الوجه الثاني (¬4)، ويلزم ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 37). (¬2) انظر "فتح العزيز" (13/ 200). (¬3) قضاء الأرب في أسئلة حلب (ص 117، 118) وانظر "المحرر" (ص 508). (¬4) المحرر (ص 508)، فتح العزيز (13/ 200)، الروضة (12/ 37).

على تعبير "المنهاج" اتحاد الشرط والجزاء، لكن صوب السبكي في "الحلبيات" تعبير "المنهاج" وقال: قد تطلب اليمين من غير دعوى كما إذا طلب القاذف يمين المقذوف أو وارثه على أنه ما زنا, وله غرض في أن لا يدعي الزنا حتى لا يصير قاذفا ثانيًا قال: لكن يحتاج أن يتأول توجهت عليه يمين، بمعنى: طلبت منه، أو يقال: لما ثبت أن اليمين على المدعى عليه، فتوجه الدعوى يقتضي توجه اليمين بمعنى وجوبها، فمعنى توجهت عليه يمين: وجبت، وأما توجه الدعوى .. فمعناه: إلزامها، قال: وأما قول "المنهاج": (فأنكر) فإنه غير متضح؛ لأن الإنكار يكون بعد الدعوى لا بعد طلب اليمين، إلا أن يريد أنه صمم على الإنكار. انتهى (¬1). ثالثها: يستثنى من هذه القاعدة صور ذكر "المنهاج" منها ثلاثًا فقال [ص 579]: (ولا يحلف قاض على تركه الظلم في حكمه، ولا شاهد أنه لم يكذب، ولو قال مدعى عليه: "أنا صبي" .. لم يحلف، وَوُقِفَ حتى يبلغ)، وذكر "الحاوي" الأوليين وأربعًا معهما، فقال [ص 687]: (لا في حد الله تعالى، والقاضي وإن عُزِل، والشاهد، والوصي، والقيم، ومنكر الوكالة) أي: منكر أن المدعي وكيل صاحب الحق، وعدم تحليف القاضي بعد العزل مخالف "لتصحيح المنهاج" كما تقدم في القضاء. ويستثنى من أن مدعي الصبا لا يحلف: ما إذا وقع في السبي من أثبت، فادعى عليه أنه بالغ، فأنكر، وقال: استعجلته بالدواء، وقلنا: إن الإثبات دليل البلوغ في حق الكفار وهو الأظهر .. فإنه يحلف على المنصوص المعتمد. وبقي عليهم صور أخرى: منها: السفيه في إتلاف المال؛ فلا يحلف على الأصح في باب القسامة. ومنها: منكر العتق إذا ادعى على من هو في يده أنه أعتقه وآخر أنه باعه منه، فأقر بالبيع .. فإنه لا يحلف للعبد؛ إذ لو رجع .. لم يقبل ولم يغرم. ومنها: ما إذا ادعت الجارية الوطء وأمية الولد وأنكر السيد أصل الوطء .. فالصحيح في "أصل الروضة": أنه لا يحلف (¬2). لكن قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الصواب: أنه يحلف سواء أكان هناك ولد أم لم يكن، وصوب السبكي حمل ما في "الروضة" وغيرها على ما إذا كانت المنازعة لإثبات النسب، فإن كانت لأمية الولد ليمتنع من بيعها وتعتق بعد الموت .. فيحلف، قال: وقد قطعوا بتحليف السيد إذا أنكر الكتابة، وكذا إذا أنكر التدبير وقلنا: ليس إنكاره رجوعًا، قال وفي كلام الرافعي في ¬

_ (¬1) قضاء الأرب في أسئلة حلب (ص 119: 121). (¬2) الروضة (8/ 440).

"الشرح" في آخر الفصل ما يزيل الإبهام عند قوله: [ويشبه] (¬1). انتهى (¬2). ومنها: ما إذا ادعى من عليه الزكاة ظاهرًا مسقطًا .. فإنه لا يحلف إيجابًا على الأظهر، مع أنه لو أقر بمطلوب الدعوى .. ألزم. 6303 - قول "المنهاج" [ص 579]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 690]: (واليمين تفيد قطع الخصومة في الحال لا براءة، فلو حلَّفه ثم أقام بينة .. حكم بها) استثنى منه شيخنا في "تصحيح المنهاج": ما إذا أجاب المدعى عليه الوديعة بنفي الاستحقاق، وحلف على ذلك، فإن هذا الحلف يفيد البراءة، حتى لو أقام المدعي بينة بأنه أودعه الوديعة المذكورة .. لم يكن لها أثر؛ فإنها لا تخالف ما حلف عليه من نفي الاستحقاق. 6304 - قول "المنهاج" [ص 579]: (ولو قال المدعى عليه: "قد حلفني مرة فليحلف أنه لم يحلفني" .. مكن في الأصح) محله: ما إذا قال: حلفني عند قاض آخر، أو أطلق، أما إذا قال: عندك؛ فإن حفظ القاضي ذلك .. لم يحلفه، ومنع المدعي ما طلبه، وإن لم يحفظه .. حلفه، ولا ينفعه إقامة البينة عليه في الأصح؛ لأن القاضي متى تذكر حكمه .. أمضاه، وإلا .. فلا يعتمد البينة. 6305 - قوله: (وإذا نكل .. حلف المدعي وقُضِي له) (¬3) محله فيما إذا أمكن حلفه: بأن يكون معينًا، قال في "التنبيه" [ص 266]: (فإن كان الحق لغير معين كالمسلمين والفقراء .. حبس المدعي حتى يحلف أو يعطي، وقيل: يقضى عليه بالنكول) وذكر شيخنا الإسنوي في "التنقيح": أن هذا مخالف لما في كتب الرافعي والنووي؛ فإن الأصح فيها: أن الحق يؤخذ منه، وقال في "الشرح" و"الروضة": إنه الأصح الأشهر (¬4)، وقال في "تصحيح التنبيه": الأصح: استيفاء الحق من المدعى عليه إذا نكل عن اليمين وكان الحق لغير معين على عكس ما في "التنبيه" من كونه يحبس. انتهى. وما ذكره شيخنا المذكور في كتابيه المذكورين وهم، وإنما في "الروضة": أن هذا الأصح الأشهر فيما إذا طولب بزكاة فادعى مسقطًا، وألزمناه اليمين فنكل، وسيأتي، قال في "أصل الروضة": قال الجمهور: ليس حكمًا بالنكول، لكن مقتضى ملك النصاب ومضي الحول ¬

_ (¬1) في (ب)، (د): (ونسبه)، والمثبت من (ج)، و"فتح العزيز" (9/ 548)، و"قضاء الأرب في أسئلة حلب" (ص 124). (¬2) في حاشية (ج): (قال السبكي: ولو صح هذا الإبهام .. لكانت هذه المسألة تستثنى من الضابطين جميعًا). انظر "قضاء الأرب في أسئلة حلب" (ص 123، 124). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 579). (¬4) فتح العزيز (13/ 215)، الروضة (12/ 48).

الوجوب، فإذا لم يثبت دافع .. أخذنا الزكاة (¬1)، وقال بعد ذلك: الأصح في مسألة من لا وارث له؛ أي: إذا ادعى القاضي أو منصوبه دينًا له على رجل وجده في تذكرته، فأنكر المدعى عليه ونكل .. أنه لا يقضي بالنكول، بل يحبس ليحلف أو يقر، قال: وإنما حكمنا فيما قبلها بالمال؛ لأنه سبق أصل يقتضي الوجوب ولم يظهر دافع (¬2)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 691]: (وحبس في دين من لا وارث له ليقر أو يحلف). 6306 - قول "المنهاج" [ص 579]: (والنكول: أن يقول: "أنا ناكل"، أو يقول له القاضي: "أحلف"، فيقول: "لا أحلف") و"الحاوي" [ص 690]: (فإن نكل بأن قال: "لا أحلف"، أو "أنا ناكل") يرد على الحصر ما لو قال له: قل: بالله، فقال: بالرحمن؛ ففي "أصل الروضة": أنه نكول، ذكره في القاعدة الثانية أنه يشترط كون اليمين مطابقة للإنكار، قال: ولو قال: قل: بالله، فقال: والله، أو تالله .. فهل هو نكول كالصورة الأولى، أم لا؛ لأنه حلف بالاسم الذي حلفه به؟ وجهان، ويجريان فيما لو غلظ عليه باللفظ وامتنع واقتصر على قوله: والله، وفيما لو أراد التغليظ بالزمان والمكان فامتنع، قال القفال في امتناعه من التغليظ اللفظي: الأصح: أنه ناكل؛ لأنه ليس له رد اجتهاد القاضي، وقطع بعضهم بأنه ناكل في الامتناع من المكاني والزماني دون اللفظي (¬3). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": فيما لو قال: قل: بالله، فقال: والله .. الأصح: أنه لا يكون ناكلًا، نص عليه، وقال: في كلام "أصل الروضة" في العدول عن قول القاضي: والله، إلى: والرحمن، أنه يشعر بأن القاضي لو حلفه ابتداء بالرحمن .. كان كافيًا، وليس كذلك، بل يتعين الحلف بالله، ولا يعتد بقول القاضي: قل: والرحمن، قال: ولم أر من تعرض له، ولا بد منه، وقال أيضًا: الأرجح عندنا خلاف ما صححه القفال؛ لأن التغليظ بذلك ليس واجبًا، فلا يكون الممتنع منه ناكلًا، وقد تفهم عبارة "المنهاج" الاكتفاء في النكول بقوله: (أنا ناكل) وإن لم يقل له القاضي: احلف، وليس كذلك، ولا يرد ذلك على "الحاوي". وعبارة " المحرر": (وإنما يحصل النكول بأن يعرض القاضي اليمين عليه فيمتنع، وفسر العرض بأن يقول: قل: والله، والامتناع بأن يقول: لا أحلف، أو أنا ناكل) فاعتبر العرض فيهما، وفسر بأن يقول: قل والله، وعدل عنه "المنهاج" إلى قوله: (احلف)، وهذه مسألة ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 48). (¬2) الروضة (12/ 50). (¬3) الروضة (12/ 34).

مختلف فيها؛ ففي "أصل الروضة" عن البغوي: أنه ليس بنكول، وعن الإِمام: أنه نكول، قال: وهو أوضح (¬1). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وليس كذلك؛ لأن قول القاضي للمدعى عليه: (احلف) يحتمل الحلف بالطلاق؛ لأن من القضاة من يحلف بالطلاق، فلا يلزم من الامتناع في اللفظ المحتمل للطلاق أن يكون ممتنعًا لو قال له: احلف بالله، أو قل: والله. 6307 - قول "المنهاج" [ص 580]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 690]: (فإن سكت .. حكم القاضي بنكوله) فيه أمور: أحدها: محله: إذا لم يظهر كون السكوت لدهشة أو غباوة ونحوهما، ويستحب للقاضي أن يعرض اليمين على المدعى عليه ثلاث مرات، والاستحباب فيما إذا سكت أكثر منه فيما إذا صرح بالنكول، ولو تفرس فيه سلامة جانب .. شرح له حكم النكول (¬2)، قال في "الحاوي" [ص 691]: (ندبًا)، وفي "المهمات" عن الماوردي الوجوب، وعن الروياني وتبعه في "الكفاية" الاستحباب، فإن لم يشرح وحكم بأنه ناكل، فقال المدعى عليه: لم أعرف حكم النكول .. ففي نفوذ الحكم احتمالان للإمام، أصحهما: النفوذ (¬3)، وكان من حقه أن يسأل ويعرف قبل أن ينكل (¬4)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 691]: (وإن قضي به وقال: لا أعرف حكمه). وفي "المهمات" أن مقتضى كلام الإِمام: أن محل الاحتمالين مع علم القاضي بأنه لا يدري حكم النكول، ومقتضى كلام الغزالي أن محلهما عند جهل القاضي بحاله. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأصح عندنا: أن القاضي لا يقدم على الحكم مع معرفته أن المدعى عليه لا يدري أن امتناعه يوجب رد اليمين، بل على القاضي إعلامه، فإن لم يعلمه وحكم بنكوله .. لم ينفذ حكمه، فإن غلب على ظنه أنه يدري (¬5) .. ففيه احتمال، والأرجح: أنه لا ينفذ أيضًا؛ لأنه يمكنه إزالة المحتمل بإظهار حكم النكول (¬6). ثانيها: أفهم كلامه أنه لا يحتاج مع تصريحه بالنكول إلى حكم القاضي بنكوله، وبه صرح في "المحرر" (¬7)، وعليه يدل قول "التنبيه" [ص 254]: (وإن قال المدعى عليه بعد النكول: أنا ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 44)، وانظر "نهاية المطلب" (18/ 660). (¬2) انظر "الروضة" (12/ 44). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (18/ 660). (¬4) انظر "الروضة" (12/ 44). (¬5) في (د): (لا يدري). (¬6) انظر "حاشية الرملي" (4/ 405). (¬7) المحرر (ص 509).

أحلف .. لم يسمع)، وحكاه في "أصل الروضة" عن الإِمام وغيره (¬1)، وإنما قاله الإِمام من عنده لا نقلًا، وخالفه في الإقرار، فقال: لو بدأ منه النكول ثم عاد فرغب .. فله أن يحلف قبل جريان القضاء بنكوله، ثم قال: فالتعويل إذًا على القضاء بالنكول (¬2). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو الأرجح؛ لأنه مختلف فيه، فلا بد فيه من الحكم في محل الاجتهاد، ويوافقه قول القاضي حسين والبغوي: لو هرب الناكل قبل الحكم بنكوله .. لم يكن للمدعي أن يحلف يمين الرد، وحكاية الماوردي خلافًا في أنه هل يفتقر إلى حكم القاضي بالنكول قبل رد اليمين أم لا؟ لأن ردها عليه حكم بالنكول، قال في "المطلب": وحاصله أنه لا بد من القضاء بالنكول، لكن صريحًا أو ضمنًا. ثالثها: ظاهره اعتبار مطلق السكوت، وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج": أن المعتبر أن يمضي من سكوته زمن يسع قوله: لا أحلف، أو أنا ناكل. رابعها: مقتضاه: أنه لا يتمكن من الحلف بعد الحكم بنكوله، وهو كذلك، إلا أن يرضى المدعي بحلفه .. فله ذلك في الأصح، وقد ذكره "الحاوي" (¬3). 6308 - قول "المنهاج" [ص 580]: (واليمين المردودة في قول كبينة) يعني به: مجموع النكول واليمين المردودة، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج" هذا القيد مقيد بقيود نذكرها في معرض التنبيهات: الأول: أنها كالبينة في حق المدعى عليه؛ فلا يتعدى لثالث في الأصح. الثاني: أنها ليست كالبينة في حد الزنا. الثالث: أن يكون الحلف في المردودة على الإثبات، فلو كان على النفي كما في مثالين: أحدهما: الرد من المدعي كالموح ونحوه ممن يصدق في الرد إذا رد اليمين على المودع فحلف على أنه لم يرد عليه شيئًا .. لم يكن كالبينة؛ لأن البينة لا تسوغ بالنفي في مثل هذا، بل هي كالإقرار قطعًا. المثال الثاني: لو قال المديون لصاحب الدين: أبرأتني من دينك، أو قضيته، فأنكر ونكل، فحلف المدعي .. اتجه أنه كالإقرار؛ لأن البينة لا تسوغ بالنفي في مثل هذا، قال: ولم أر من تعرض له، بل كلامهم فيما لو أقام مدعي الإبراء أو الأداء بينة به بعد نكوله عن اليمين، وحلف المدعي يخالف هذا. ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 44). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (7/ 88). (¬3) الحاوي (ص 691).

قلت: هذا المثال الثاني ليست يمين الرد فيه على النفي، بل على الإثبات، والله أعلم. ثم قال الشيخ: الرابع: أنها ليست كالبينة بالنسبة لتعارضها مع البينة التحقيقية، بل تقدم البينة التحقيقية عليها على الصواب خلافًا للشيخ أبي على؛ حيث جعله من تعارض البينتين، قال الإِمام: وهو على نهاية البعد (¬1)، قال شيخنا: ومذهب الشافعي أنها كالبينة الكاملة، ولو كانت كالناقصة .. لاختصت بما يثبت بشاهد ويمين. 6309 - قوله: (وفي الأظهر: كإقرار المدعى عليه) (¬2) و"الحاوي" [ص 691]: (وحلفه كإقراره) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يقيد بقيدين هما تنبيهان على هذا القول: أحدهما: أن هذا في غير حد الزنا كما تقدم في التفريع على القول الآخر. ثانيهما: أنه لا ينزل منزلة الإقرار الحقيقي في إبطال البينة الشاهدة للمدعى عليه بما يخالف إقراره الحقيقي كما سيأتي. 6310 - قوله: (فلو أقام المدعى عليه بعدها بينة بأداء أو إبراء .. لم تسمع) (¬3) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": كذا في "الروضة" وأصلها (¬4)، وهو شيء انفرد به القاضي حسين، وهو ضعيف والأصح: سماعها؛ لأن قولنا: إنه كالإقرار أمر تقديري، والبينة شهدت بأمر تحقيقي، فيعمل بمقتضاها، وقد ذكره بعد ذلك في "أصل الروضة" على الصواب في الباب الخامس في فروع أكثرها عن ابن سريج، فقال: فلو لم تكن بينة ونكل الداخل عن اليمين، فحلف الخارج وحكم له، ثم جاء الداخل ببينة .. سمعت على الصحيح كما لو أقامها بعد بينة الخارج، وقيل: لا تسمع بناء على أن اليمين المردودة كالإقرار. انتهى (¬5). ونص على ذلك الشافعي فقال: (فيما إذا غصب جارية وهلكت في يده واختلفا في القيمة ... فالقول قول الغاصب بيمينه، فإذا قال الغاصب: لا أحلف .. قلنا: فَرُدّ اليمين عليه، فيحلف ويستحق ما ادعى، فهذا حلف المدعي وجاء المدعى عليه ببينة على أقل مما حلف المدعي أعطيتاه بالبينة، وكانت البينة أولى من اليمين الفاجرة) (¬6)، قال شيخنا: وتعليل الشافعي يقتضي أنه لم يفرعه على أن اليمين المردودة كالبينة. ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (19/ 115). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 580). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 580). (¬4) فتح العزيز (13/ 211)، الروضة (12/ 45). (¬5) الروضة (12/ 61). (¬6) انظر "الأم" (3/ 253).

6311 - قوله: (فإن لم يحلف المدعي ولم يتعلل بشيء .. سقط حقه من اليمين) (¬1) ظاهره سقوط حقه من اليمين المردودة وغيرها في هذا المجلس وغيره، وكذا يقتضيه قول "الحاوي" [ص 691]: (فإن أخر أو بشاهد .. لم يحلف)، لكن قال في "التنبيه" [ص 254]: (وإن قال المدعي بعد النكول: أنا أحلف .. لم يسمع، إلا أن يعود في مجلس آخر ويدعي وينكل المدعى عليه)، وحكاه في "أصل الروضة" عن العراقيين والهروي والروياني، ثم حكى عن الإِمام والغزالي والبغوي: أنه لا يتمكن من ذلك، ولا ينفعه بعده إلا البينة، قال: وهو أحسن وأصح؛ لئلا تتكرر دعواه في القضية الواحدة (¬2)، وعبارة الرافعي أحسن وأقوى (¬3)، وفي "الشرح الصغير": إنه الأظهر، وفي "أصل الروضة" في الباب الرابع في الشاهد مع اليمين: لو لم يحلف المدعي مع شاهده وطلب يمين الخصم .. فله ذلك، فإن حلف .. سقطت الدعوى، قال ابن الصباغ: وليس له أن يحلف بعد ذلك مع شاهده، بخلاف ما لو أقام بعد يمين المدعى عليه بينة .. فتسمع، وإن نكل المدعى عليه فأراد المدعي يمين الرد .. مكن منها على الأظهر، ويجري القولان فيما لو ادعى مالًا ونكل المدعى عليه ولم يحلف المدعي يمين الرد ثم أقام شاهدًا واحدًا وأراد أن يحلف معه؛ فإن قلنا: ليس له أن يحلف يمين الرد .. فالمنقول: أنه يحبس المدعى عليه حتى يحلف أو يقر؛ لأن يمينه حق المدعي، فلا يتمكن من إسقاطها, لكن التقصير منه حيث لم يحلف مع شاهده، فينبغي أن لا يحبس المدعى عليه، وقد ذكر ابن الصباغ نحو هذا, ولو أن المدعي بعد امتناعه من الحلف مع شاهده واستحلافه الخصم أراد أن يعود فيحلف مع شاهده .. نقل المحاملي: أنه ليس له ذلك؛ لأن اليمين صارت في جانب صاحبه، إلا أن يعود في مجلس آخر فيستأنف الدعوى ويقيم الشاهد، فحينئذ .. يحلف معه. انتهى (¬4). قال في "المهمات": وحاصله أن الراجح خلاف قول المحاملي؛ لأن الراجح خلاف ما ذهب إليه العراقيون كما تقدم، ومحله: إذا لم يحلف المدعى عليه اليمين المردودة ولا نكل عنها، فإن حلف .. انقطعت الخصومة، وإن نكل .. حلف على الأظهر كما يقتضيه كلام الرافعي في آخر القسامة. انتهى. ونص الشافعي على المسألة فقال في "المختصر": (وإن حلف المدعى عليه أو لم يحلف ونكل المدعي وأبطلنا يمينه ثم جاء بشاهدين أو بشاهد .. حلف مع شاهده وأخذنا له بحقه) (¬5)، ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 580). (¬2) الروضة (12/ 46). (¬3) فتح العزيز (13/ 212). (¬4) الروضة (11/ 279). (¬5) مختصر المزني (ص 309).

والأصح في القسامة: أنه لو ادعى قتلًا في غير محل لوث ونكل المدعى عليه عن اليمين ونكل المدعي عن اليمين المردودة ثم ظهر لوث .. أنه يحلف، وفي "الأم": (ومن كانت له اليمين على حق مع شاهده .. قيل له: إن حلفت .. استحققت، وإن امتنعت عن اليمين .. سألناك لم تمتنع؟ فإن قلت: لآتي بشاهد آخر .. تركناك حتى تأتي به فتأخذ حقك بلا يمين، أو لا تأتي به .. فنقول: احلف وخذ حقك، وإن امتنعت بغير أن تأتي بشاهد أو تنظر في أصل كتاب لك أو لسبب ما .. أبطلنا حقك في اليمين، لا في الشاهد الآخر ولا الأول) (¬1). 6312 - قول "المنهاج" [ص 580]: (وليس له مطالبة الخصم) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه مقيد بقيدين: أحدهما: أن يكون حلف المدعي يثبت له حقًا يأخذه من المدعى عليه، فإن كان حلفه يسقط حقًا - يعني: للمدعى عليه - فإنه إذا نكل عن اليمين .. فله مطالبة خصمه بالحق الذي ادعى به؛ كما إذا ادعى على شخص ألفًا من ثمن خمر مبيع فقال: أقبضته لك، فأنكر البائع .. فالقول قوله بيمينه في عدم القبض، فإن حلف .. استحق الألف، وإن نكل وحلف المشتري .. انقطعت الخصومة، وإن نكل المشتري عن اليمين أيضًا وهو المدعي للقبض .. فالصحيح في "أصل الروضة" في الشركة: أن المشتري يلزم بالألف (¬2)، قال الرافعي: وليس هذا حكمًا بالنكول، وإنما هو مؤاخذة له بإقراره بلزوم المال بالشراء ابتداء (¬3). ثانيهما: أن لا يكون هناك حق لله تعالى مؤكد يسقط عن المدعي بحلفه، فإن كان .. لم يسقط بنكول المدعي؛ كما إذا ولدت وطلقها ثم اختلفا، فقال الزوج: ولدت ثم طلقتك فعليك عدة الطلاق، وقالت: ولدت بعد الطلاق فانقضت عدتي .. فالقول قول الزوج بيمينه، فإن حلف .. فعليها العدة، وإن نكل وحلفت هي .. فلا عدة عليها، وإن نكلت .. فعليها العدة كما في "أصل الروضة" في العدد، ثم حكى عن الأصحاب: أنه ليس قضاء بالنكول، بل الأصل بقاء النكاح وآثاره، فيعمل بهذا الأصل ما لم يظهر دافع (¬4). 6313 - قول "الحاوي" [ص 690]: (ويمهل بطلبه ثلاثة، لا خصمه) محله فيما إذا استمهل لسبب، وإلا .. فهو ناكل؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 580]: (وإن تعلل بإقامة بينة أو مراجعة حساب .. أمهل ثلاثة أيام، وقيل: أبدًا) وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محله في غير ¬

_ (¬1) الأم (6/ 258). (¬2) الروضة (4/ 287). (¬3) انظر "فتح العزيز" (5/ 199). (¬4) الروضة (8/ 383).

ما فيه حق مؤكد لله تعالى؛ فإنه بعد ثبوته لا يسقط بالتراضي من الآدميين، فإذا قال في صورة العدة التي ذكر الزوج فيها أن الولادة سبقت الطلاق: إن الأمر كما قالت المرأة من تقدم الطلاق على الولادة .. لم يسمع منه؛ لأنه قد ادعاه والقول قوله فيه، فلا يقبل رجوعه عنه، قال: وأظهر من ذلك: لو ادعت المجبرة أن بينها وبين زوجها محرمية وقلنا: القول قولها بيمينها وهو المرجح؛ فإذا نكلت عن اليمين .. حلف الزوج اليمين المردودة، فإذا نكل عنها .. حكم بالفرقة كما سبق في صورة العنة. 6314 - قول "المنهاج" [ص 580]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 691]: (وإن استمهل المدعى عليه حين استحلف لينظر حسابه .. لم يمهل) لا يخفى أن محله: إذا لم يرض المدعي، فإن رضي .. جاز. 6315 - قول "المنهاج" [ص 580]: (وإن استمهل في ابتداء الجواب .. أمهل إلى آخر المجلس)، عبارة "المحرر": (ذكر أنه يمهل) (¬1)، وحكاه في "الروضة" وأصلها عن الهروي: إن شاء (¬2)، يعني: المدعى عليه، وهو تأكيد غير محتاج إليه؛ فإنه ما استمهل إلا وهو يشاء ذلك، وإن كان مراده إن شاء المدعي .. فلا فائدة فيه؛ لأن المدعي إذا شاء ترك الطلب .. لم يعترض عليه. وقال في "التعليقة على الحاوي": إن شاء القاضي. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا شيء لم يقله الشافعي ولا أحد من أصحابه إلا الهروي، وهو مخالف لما يظهر من كلام الشافعي وأصحابه ولمقتضى القواعد؛ فإن الدعوى توجهت إليه، فيحتاج إلى الجواب على الفور، والإمهال إلى آخر المجلس توقيت لا دليل عليه، وهو غير منضبط؛ فإن المجلس يطول ويقصر، وقد يكون للمدعي شهود يخاف موتهم أو غيبتهم. انتهى. ويوافق ذلك قول "التنبيه" [ص 255]: (وإن قال: لي حساب وأريد أنظر فيه .. لم يلزم المدعي إنظاره) فإنه شامل لاستمهاله في الجواب وفي اليمين. 6316 - قول "المنهاج" [ص 580]: (ومن طولب بزكاة فادعى دفعها إلى ساع آخر أو غلط خارص وألزمناه اليمين) أشار به إلى خلاف فيما إذا ادعى مسقطًا واتهمه الساعي .. فيحلفه وجوبًا أو استحبابًا، وقد ذكر ذلك "التنبيه" في قسم الصدقات فقال [ص 61]: (وإن قال: بعته ثم اشتريته ولم يحل عليه الحول وما أشبه ذلك مما يخالف الظاهر .. حلف عليه، وقيل: يحلف استحبابًا) ¬

_ (¬1) المحرر (ص 509). (¬2) فتح العزيز (13/ 214)، الروضة (12/ 47).

والتحليف استحبابًا هو الذي صححه النووي ثم قال "التنبيه" [ص 61]: (وإن قال: لم يحل عليه الحول بعد وما أشبه ذلك مما لا يخالف الظاهر .. حلف استحبابًا) وظهر بذلك أن المذكور في "المنهاج" هنا مفرع على الضعيف؛ فإن الأصح: أنا لا نلزمه اليمين لاستحبابها، وكذلك قول "الحاوي" [ص 691]: (وأخذت الزكاة والجزية في الإِسلام قبل السنة) هو في الزكاة مفرع على الضعيف. وقول "المنهاج" [ص 580]: (وتعذر رد اليمين) أي: بأن لا ينحصر المستحقون في البلد، أو ينحصروا ويجوز النقل؛ فإن الرد على السلطان أو الساعي متعذر، فأما إذا انحصروا ومنعنا النقل .. فإن اليمين لا يتعذر ردها عليهم. وقوله: (فالأصح: أنها تؤخذ منه) (¬1) قال الأكثرون: ليس ذلك حكمًا بالنكول، ولكن مقتضى ملك النصاب ومضيّ الحول: وجوب الزكاة، فإذا لم يأت بدائع .. أخذت بمقتضى الأصل، ولو عدل "المنهاج" عن هذا المثال إلى مثال الجزية - وهو ما إذا قال: أسلمت قبل تمام السنة، وقال العامل: بعد تمامها - .. لكان التفريع فيه جاريًا على الأصح؛ فإن الأصح: أنه يحلف إيجابًا، وأنه إذا نكل .. يقضي عليه بالجزية. 6317 - قول "المنهاج" [ص 580]: (ولو ادعى ولي صبي دينًا له فأنكر ونكل .. لم يحلف الولي، وقيل: يحلف، وقيل: إن ادعى مباشرة سببه .. حُلِّف) قال في "أصل الروضة": ميل الأكثرين إلى ترجيح المنع من الأوجه الثلاثة، ولا بأس بوجه التفصيل، وقد رجحه أبو الحسن العبادي، وبه أجاب السرخسي في "الأمالي" (¬2). وعلى التفصيل مشى "الحاوي" فقال [ص 690]: (لا الولي فيما لا بتصرفه كدعواه إتلاف مال الطفل) وهو الذي في "المنهاج" في الصداق، فقال [ص 402]: (ولو اختلف في قدره زوج وولي صغيرة أو مجنونة .. تحالفا في الأصح)، وكذا في "الروضة" وأصلها هناك (¬3). وقال في "المهمات": وعليه الفتوى؛ فقد نص عليه في "الأم" فقال بعد ذكره تحالف الزوجين عند اختلافهما في الصداق: (وهكذا إذا اختلف الزوج وأبو الصبية البكر) (¬4). وشاحح شيخنا الإِمام البلقيني "المنهاج" في قوله: (وقيل: ان ادعى مباشرة سببه) وقال: المعتبر ادعاء الدين بسبب باشره، وعبارة "المحرر" و"الروضة" وأصلها: ادعى ثبوته بسبب باشره (¬5). ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 580). (¬2) الروضة (12/ 50). (¬3) فتح العزيز (8/ 337)، الروضة (7/ 326). (¬4) الأم (5/ 72). (¬5) المحرر (ص 509)، فتح العزيز (13/ 217)، الروضة (12/ 49).

فصل [في تعارض البينتين]

فصل [في تعارض البينتين] 6318 - قول "التنبيه" فيما إذا كان لكل منهما بينة [ص 262، 263]: (وإن كانت في يدهما أو في يد غيرهما أو لا يد لأحد عليها فقد تعارضت البينتان .. ففي أحد القولين: يسقطان، والثاني: يستعملان) الأظهر: الأول، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، والتسوية بين أن تكون في يدهما أو يد غيرهما طريقة اختارها في "المرشد"، والمحكي عن النص فيما إذا كانت في يدهما: أنها بينهما، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 580]: (ولو كانت في يدهما وأقاما بينتين .. بقيت كما كانت)، وفي "أصل الروضة": إنه الحاصل للفتوى (¬2)، وهنا أمور: أحدها: أن ظاهر كلامهما تصويرها بأن يدعي كل واحد منهما جميعها، وكذا في كلام الشافعي والأصحاب، وحمله في "المطلب" على أن كلًا منهما يزعم أنها كلها له، ولكن الدعوى لا تقع عند الحاكم إلا بالنصف، فلو ادعى بالكل .. لم تسمع دعواه إلا بالنصف الذي في يد غريمه. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهذا إنما يتم إذا لم يكن هناك تعرض لقيمة تبعض، فيؤدي تبعيضها إلى الجهالة، وفي "المطلب": إذا امتزجت الدعوى بدعوى المعارضة .. سمعت في الجميع؛ بأن يقول: هذه الدار ملكي، وأستحق عليه رفع يده عن نصفها وترك المنازعة فيها، ويقول الآخر: لا يستحق ذلك عليّ، بل كل الدار ملكي وأستحق عليه ترك المنازعة ورفع يده عن نصفها. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ولو قال قائل: تسمع الدعوى بالكل، والنصف الذي في يد غريمه هو المقصود والنصف الآخر بطريق التبع .. لم يبعد، وفي "أصل الروضة" عن الأئمة: أن من أقام البينة أو لا وتعرض شهوده للكل .. لم يضر، وإن كان صاحب يد في النصف الذي في يده وقلنا: بينة صاحب اليد لا تسمع ابتداء؛ لأنه هنا غير مستغن عن البينة للنصف الذي يدعيه، ثم إذا أقام الثاني البينة على الكل .. سمعت، وترجحت بينته في النصف الذي في يده، فيحتاج الأول إلى إعادة البينة للنصف الذي في يده، وقال في "الوسيط": لا يبعد أن يتساهل في الإعادة (¬3). وفي "تصحيح المنهاج" لشيخنا: أن آخر هذا الكلام ينافي أوله؛ لأن قوله أولًا: إنه تسمع بينته بالكل يقتضي أنه لا يحتاج لإعادتها، وقد قال آخرًا: إنها تعاد، والذي ذكر الاحتياج إلى الإعادة هو القاضي حسين، والتساهل المحكي عن "الوسيط" حكاه القاضي حسين عن ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 692)، المنهاج (ص 580). (¬2) الروضة (12/ 52). (¬3) الروضة (12/ 53)، وانظر "الوسيط" (7/ 436، 437).

الأصحاب، قال شيخنا: والتحقيق البخاري على القواعد أنه لا تسمع البينتان إذا أقيمتا معًا، إلا بالنسبة إلى ما كل واحد منهما فيه خارج .. فيحتاج بعد ذلك إلى إقامتها بالنسبة إلى ما كل واحد منهما فيه داخل، فإن ترتبتا .. سمعت بينة السابق فيما هو خارج فيه دون ما هو داخل فيه، وبينة المتأخر مطلقًا؛ لتقدم بينة السابق فيما المتأخر داخل فيه. انتهى. ثانيها: أن قول "المنهاج" [ص 580]: (بقيت كما كانت) يقتضي أن الحكم باليد؛ لأنها التي كانت قبل قيام البينتين، وليس كذلك، وإنما تبقى بالبينة القائمة، والفرق بينهما الاحتياج إلى الحلف في الأول دون الثاني، قاله شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وبسطه. ثالثها: صورة ما إذا لم يكن لأحد يد عليها ليست في "المنهاج" ولا "الحاوي" ولا "الروضة" وأصلها، قال في "المهمات": وكأن صورته فيما إذا كان عقارًا أو متاعًا ملقى في الطريق وليسا عنده (¬1). 6319 - قولهما تفريعًا على الاستعمال - والعبارة "للمنهاج" -: (ففي قول: تقسم، وقول: يقرع، وقول: توقف حتى يتبين أو يصطلحا) (¬2) فيه أمور: أحدها: أنهما لم يبينا الراجح منها، وكأن عدم الاعتناء بذلك؛ لتفريعها على الضعيف، وفي "المهمات": أن الصحيح منها: الوقف، جزم به الرافعي والنووي في أوائل التحالف، وفي "التوشيح": إنه الذي يظهر ترجيحه، وقال الإِمام: إنه الأعدل (¬3). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وليس كذلك؛ فإن ترك الخصمين بلا قطع منازعة ليس في الشريعة، بل على المجتهد الإمعان في النظر والأخذ بالترجيح المعتبر، قال: فإن قيل: فقد قال الربيع: إنه آخر قول الشافعي وهو أصوبها .. قلنا: يعني به: أن الشافعي ذكره آخرًا، لا أنه رجحه، وقول الربيع: هو أصوبها، ممنوع، إلا إن حمل على التساقط، قال شيخنا: وظهر من كلام الشافعي - رضي الله عنه - في القديم والجديد أن القول بالقرعة أصح من القول بالقسمة. ثانيها: أنهما لم يبينا أن هذا الخلاف في الأولوية أو التعين، وحكى فيه الإِمام وجهين، فإن جعلناه في التعين .. لم يحمل عند تعذر واحد عند القائل به على الباقي، بل تسقط البينتان، وإن جعلناه في الأولوية .. حمل عليه، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأرجح: الحمل على ما يمكن من بقيه أقوال الاستعمال. ¬

_ (¬1) انظر "حاشية الرملي" (4/ 407). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 263)، و"المنهاج" (ص 580). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (19/ 106).

ثالثها: اتفقت الأقوال الثلاثة على انتزاع العين ممن هي في يده كما دلت عليه عبارة "الروضة" وأصلها (¬1). رابعها: قد يفهم من قولهما: (تقسم) أنها قسمة تمييز، وليس كذلك، والمراد: أنه يجعل بينهما نصفين. خامسها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وإنما تجري أقوال الاستعمال في الأعيان المملوكة أو الحقوق من منفعة أو رهن أو اختصاص، ولا يجري في البضع والقصاص، فإذا تنازع اثنان زوجية امرأة وأقام كل منهما بينة .. استحالت القسمة، ولا تدخل القرعة في الأصح، ويجيء الوقف على الأرجح عند مثبته، وإذا قتل اثنين على الترتيب وأقام وارث كل منهما بينة أنه قتل مورثه أولًا؛ ليقتص منه .. استحالت القسمة، وتدخل القرعة كما لو قتلهما معًا، وفي الوقف ما تقدم. سادسها: لا يأتي قول الوقف فيما إذا كانت العين في يدهما، وفي مجيء القرعة وجهان، ولا يرد ذلك على "المنهاج" لأنه إنما حكى ذلك فيما إذا كانت العين في يد ثالث. 6320 - قول "التنبيه" [ص 263]: (وهل يحلف مع القرعة؟ فيه قولان) ليس فيهما ترجيح في كلام الرافعي والنووي (¬2)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وفي "الأم" ما يقتضي تصحيح الحلف؛ لأنه اقتصر عليه، ولم يحك غيره، واحتج له، وذلك يقتضي أرجحيته، بل تعينه، ونص الشافعي على أنه يحلف أن شهوده شهدوا بحق، وفي الأثر عن عليّ: أنه يحلف أنه ملكه، وهو الأرجح. وقال في "التوشيح": الذي يظهر ترجيح التحليف؛ لأنهم رجحوا وجوب التحليف في الدعوى على يتيم أو غائب أو ميت استظهارًا، ولا معارض، فما ظنك حيث معارض، ولكن الأوفق لظاهر لفظ الغزالي كما قال الرافعي: ترجيح مقابله (¬3). 6321 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ولو كانت بيده فأقام غيره بينة وهو بينة .. قُدِّم صاحب اليد) (¬4) محله: ما إذا لم يقل الخارج: اشتريته منك، فإن قال ذلك وأقام عليه بينة .. قدمت بينة الخارج، وقد ذكره "المنهاج" بعد ذلك (¬5)، وفي معناه: ما إذا أقام الخارج بينة بأن الداخل غصبه منه أو استعاره أو استأجره، وظاهر "المنهاج" و"الحاوي" تقديم صاحب اليد من ¬

_ (¬1) فتح العزيز (13/ 219)، الروضة (12/ 51). (¬2) انظر "فتح العزيز" (13/ 221)، و"الروضة" (12/ 51). (¬3) انظر "فتح العزيز" (13/ 221). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 262)، و"الحاوي" (ص 692)، و"المنهاج" (ص 580). (¬5) المنهاج (ص 581).

غير يمين، وهو الأصح (¬1)، وفي "التنبيه" [ص 262]: (إنه المنصوص) أي: في القديم كما قال الرافعي وغيره (¬2). 6322 - قول "المنهاج" [ص 580]: (ولا تسمع بينته إلا بعد بينة المدعي) يفهم سماعها قبل تزكيتها، وهو الأصح، وقد ذكره "الحاوي" (¬3)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": عندي أن الأرجح: أنها لا تسمع إلا بعد تعديل بينة الخارج، وهو مقتضى نص "الأم"، وحمل شيخنا المذكور منع إقامتها قبل بينة المدعي على ما إذا لم يكن في إقامتها دفع ضرر عن الداخل بتهمة سرقة ونحوها، فإن كان .. فالذي تقتضيه القواعد سماعها قبل إقامة الخارج البينة لدفع ضرر تهمة السرقة، قال: فإذا أقام الخارج البينة .. فهل يحتاج الداخل إلى إقامة البينة؟ هذا محتمل، [والأرجح] (¬4): الاحتياج إلى الإعادة. انتهى. 6323 - قول "المنهاج" [ص 580، 581]: (ولو أزيلت يده ببينة، ثم أقام بينة بملكه مستندًا إلى ما قبل إزالة يده واعتذر بغيبة شهوده .. سمعت وقُدِّمت) مقتضاه: اشتراط الاعتذار بغيبة الشهود، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": عندي أنه ليس بشرط، والعذر إنما يطلب إذا ظهر من صاحبه ما يخالفه كمسألة المرابحة. قلت: ولهذا لم يتعرض له "الحاوي" (¬5)، بل اقتصر على قوله: (وإن زالت ببينة الخارج) (¬6)، وقد يقال: إن ذكر "المنهاج" ذلك على سبيل التصوير دون الاشتراط. 6324 - قول "المنهاج" [ص 581]: (وقيل: لا) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا أُثبته، والصواب عندي القطع بالأول. 6325 - قول "الحاوي" [ص 692]: (ومقرِّه) معطوف على الضمير المجرور في قوله: (بيده) (¬7) أي: يقدم بيد مقره، فلو أقام خارجان بينة فأقر صاحب اليد لأحدهما .. قدمت بينته، وهو محمول على ما إذا أقر قبل تمام البينتين، فإن أقر بعده .. لم يترجح إلا على قول التساقط، وهو القديم والجديد أنهما يستعملان إما بالوقف إلى الصلح أو بالقسمة أو بالقرعة. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 693)، المنهاج (ص 581). (¬2) انظر "فتح العزيز" (13/ 236). (¬3) الحاوي (ص 692). (¬4) في (ج): (والأصح). (¬5) قال في "فتح الوهاب" (2/ 405): (ويجاب: بأنه إنما شرط هنا وإن لم يظهر من صاحبه ما يخالفه؛ لتقدم الحكم بالملك لغيره، فاحتيط بذلك؛ ليسهل نقض الحكم، بخلاف ما مر). (¬6) الحاوي (ص 692). (¬7) الحاوي (ص 692).

6326 - قول "المنهاج" [ص 581]: (ومن أقر لغيره بشيء ثم ادعاه .. لم تسمع إلا أن يذكر انتقالًا) يرد عليه مسائل: منها: ما في "أصل الروضة" في الهبة عن النص: لو قال: وهبته له وملكه .. لم يكن إقرارًا بلزوم الهبة؛ لجواز أن يعتقد لزومها بالعقد، والإقرار يحمل على اليقين (¬1)، وحكاه في "أصل الروضة" في الإقرار عن البغوي (¬2)، فلو قال: هو ملكه ولم ينسبه إلى هبة، ثم قال: كان إقراري عن هبة لم تقبض .. فيحتمل أنه كالذي قبله. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأرجح: أنه لا يقبل، بخلاف إقرار الأب في عين أنها ملك ولده، ثم فسره بأنه عن هبة وأراد الرجوع .. فله ذلك على الأرجح؛ لأن الملك حاصل للولد على التقديرين، بخلاف صورة الأجنبي، ولو أقر بالهبة والقبض ثم قال لم يكن إقراري عن حقيقة، فحلفوه؛ فإن ذكر تأويلًا ككتاب من وكيله ظهر زوره .. حلف قطعًا، وإلا .. فعلى الأصح، وفي "المنهاج" في الإقرار [ص 284]: (لو أقر ببيع أو هبة وإقباض ثم قال: "كان فاسدًا وأقررت لظني الصحة" .. لم يقبل، وله تحليف المقر له)، وكذا هو في "الروضة" وأصلها (¬3). ومنها في الحوالة: لو باع عبدًا وأحال بثمنه ثم قامت بينة بحريته .. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": قالوا: إن تلك البينة لا يمكن أن يقيمها المتعاقدان؛ لأنهما كذباها بدخولهما في العقد، وهو مرجوح، والأرجح: يقيمها من ذكر عند ذكر التأويل. ومنها في الدعوى: إذا باع شيئًا ثم ادعى أنه وقف .. ففي "أصل الروضة" عن "فتاوى القفال" وغيره: لا تسمع بينته، قال شيخنا المذكور: والتقييد بالبينة يشعر بسماع دعواه وتحليف خصمه، وقال العراقيون: تسمع بينته أيضًا إذا لم يصرح بأنه ملكه، بل اقتصر على البيع، وقال الروياني: لو باع شيئًا ثم قال: بعته وأنا لا أملكه ثم ملكته بالإرث من فلان، فإن قال حين باع: هو ملكي .. لم تسمع دعواه ولا بينته، وإن لم يقل ذلك بل اقتصر على قوله: بعتك .. سمعت دعواه فإن لم يكن له بينة .. حلف المشتري أنه باعه وهو ملكه، قال: وقد نص عليه في "الأم"، وغلط من قال غيره، وكذا لو ادعى أن المبيع وقف عليه. انتهى (¬4). قال شيخنا: وينبغي عند ذكر التأويل أن تسمع دعواه للتحليف وتسمع بينته كما سبق في غيره. ¬

_ (¬1) الروضة (5/ 378). (¬2) الروضة (4/ 400). (¬3) فتح العزيز (5/ 339)، الروضة (4/ 401). (¬4) الروضة (12/ 97).

6327 - قوله: (ومن أخذ منه مال ببينة ثم ادعاه .. لم يشترط ذكر الانتقال في الأصح) (¬1) فيه أمران: أحدهما: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محله: ما إذا شهدت البينة بالملك وأطلقت أو أضافت إلى سبب لا يتعلق بالمأخوذ منه، فإن أضافته إلى سبب يتعلق بالمأخوذ منه، كبيع أو هبة مقبوضة صدرت منه .. فهو كالإقرار، وقد سبق. ثانيهما: قال شيخنا أيضًا: محل الخلاف: في غير الداخل والخارج كما تقدم في "المنهاج"، فلا يحتاج في ذلك التصوير إلى ذكر الانتقال بلا خلاف، وحينئذ .. يستشكل محل الوجهين، فإن قيل: محلهما فيما إذا لم يكن للداخل يد لقيام البينة بأنه غاصب العين أو مستعيرها أو مستأجرها من المدعي وقلنا بالأصح: أن بينة الخارج هنا مقدمة. قلنا: هذا لا تسمع دعواه إلا بذكر التلقي قطعًا؛ لئلا تتكرر الخصومة في الواقعة لا إلى نهاية، قال: ولم أقف على الوجهين في أصل المسألة إلا في كلام الإِمام والغزالي، ويمكن حملهما على الصورة الأخيرة، فإن قلنا بتقديم بينة الخارج .. لم تسمع إلا بذكر التلقي، أو بتقديم بينة الداخل .. سمعت، وهذا نهاية الخصومة. 6328 - قوله: (والمذهب: أن زيادة عدد شهود أحدهما لا ترجح) (¬2) أراد به ترجيح طريقة القطع؛ فإنه قال في "الروضة": المذهب: لا ترجيح، وقيل: قولان (¬3). لكن الذي في الرافعي: أن الأشهر طريقة القولين (¬4). نعم؛ نقل الماوردي طريقة القطع عن الأكثرين، وفي معنى زيادة العدد: ما لو زاد جانب تورع أو فقه. 6329 - قوله: (وكذا لو كان لأحدهما رجلان وللآخر رجل وامرأتان) (¬5) أي: يجري الطريقان. 6330 - قول "التنبيه" [ص 263]: (وإن كانت بينة أحدهما شاهدين وبينة الآخر شاهدًا ويمينًا .. ففيه قولان، أحدهما: أنه يقضي به لصاحب الشاهدين، والثاني: أنهما سواء، فيتعارضان) الأظهر: الأول، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬6)، ومحله: ما إذا لم يكن لصاحب ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 581). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 581). (¬3) الروضة (12/ 58). (¬4) فتح العزيز (13/ 232). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 581). (¬6) الحاوي (ص 692)، المنهاج (ص 581).

الشاهد واليمين يد، فإن كان .. قدم الشاهد واليمين على الأصح، وعليه تدل عبارة "الحاوي" فإنه قدم باليد، ثم قال: (ثم شاهدان على واحد ويمين) (¬1) فدل على أن ترجيح الشاهدين على الواحد واليمين محله حيث لا يد. 6331 - قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ولو شهدت لأحدهما بملك من سنة وللآخر من أكثر: فالأظهر: ترجيح الأكثر) (¬2) كذا هو في "أصل الروضة" هنا (¬3)، لكن في باب اللقيط: إن البينتين على الالتقاط، إذا قيدنا بتاريخين مختلفين .. قدم السابق، بخلاف المال؛ فإنه لا يقدم فيه بسبق التاريخ على الأظهر (¬4). وقال شيخنا ابن النقيب: الصواب المذكور هنا، وكأن ما في اللقيط سبق قلم من الرافعي أو من النساخ، فمشى عليه النووي من غير تأمل؛ ويؤيده أن الذي في "الشرح الصغير" في باب اللقيط في أحد القولين: لا أصحهما (¬5). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وقد يحمل على الأظهر عند جماعة: لا الأظهر مطلقًا، أو يحمل على أنه لا يقدم بسبق التاريخ على الأظهر مع وجود يد لمتأخر التاريخ. وصورة المسألة: أن تكون العين في يدهما أو يد غيرهما، فإن كانت في يد متقدم التاريخ .. رجح قطعًا، أو في يد متأخر التاريخ .. فسيأتي. ويستثنى من محل الخلاف أيضًا: ما إذا تعرضت البينتان لسبب الملك ونسبته إلى واحد؛ كما لو شهدت بينة أنه اشتراه من زيد من سنة وبينة الآخر أنه اشتراه من زيد منذ سنتين .. فتقدم متقدمة التاريخ قطعًا، وقد ذكره "التنبيه" و"المنهاج" بعد ذلك. 6332 - قول "المنهاج" [ص 581]: (ولصاحبها الأجرة والزيادة الحادثة من يومئذ) يعني: من يوم الأكثر. يستثنى منه: ما إذا كانت العين في يد البائع قبل القبض .. فإنه لا أجرة للمشتري على البائع على الأصح عند النووي في البيع والصداق (¬6)، لكن صحح شيخنا الإِمام البلقيني: إيجاب الأجرة عليه، قال: ومقتضى كلامه: أنه لا يستحق الحمل؛ لأنه زائد قبل يومئذ، وليس كذلك فسيأتي أنه لو أقام بينة بملك دابة .. يستحق الحمل في الأصح. ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 692). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 263)، و"الحاوي" (ص 692)، و"المنهاج" (ص 581). (¬3) الروضة (12/ 62). (¬4) الروضة (5/ 442). (¬5) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 320). (¬6) انظر "الروضة" (3/ 501).

6333 - قول "التنبيه" [ص 263]: (وإن شهدت بينة أحدهما بالملك والنتاج في ملكه وبينة الآخر بالملك وحده .. فقد قيل: بينة النتاج أولى، وقيل: على قولين كالمسألة قبلها) الطريق الثانية هي "الصحيحة" والأصح منها: أن بينة النتاج أولى، وعليه مشى "الحاوي" بقوله [ص 691]: (قدمت المضيفة). 6334 - قول "المنهاج" [ص 581]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 692]: (ولو أطلقت بينة وأرخت بينة .. فالمذهب: أنهما سواء) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه ممنوع نقلًا ودليلًا؛ أما الدليل .. فإن مقيم البينة بالملك من بينة مثلًا يستحق الأجرة والزيادة من ذلك الوقت، بخلاف مقيم البينة المطلقة، فتقدم المؤرخة كما تقدم السابقة لهذا المعنى، وأما النقل .. فقد نص الشافعي على تقديم بينة النتاج على بينة الملك المطلق، وكلام الشيخ أبي حامد على ترجيح المؤرخة على المطلقة، ولم أقف على ترجيح التسوية مع التفريع في المؤرختين على ترجيح متقدمة التاريخ, ثم بسط ذلك. 6335 - قول "التنبيه" [ص 263]: (فعلى هذا: إن كان مع أحدهما بينة بالملك القديم ومع الأخرى يد .. فقد قيل: صاحب اليد أولى، وقيل: صاحب البينة بالملك القديم أولى) الأصح: الأول، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬1)، ونص عليه الشافعي. واعلم: أنه لو كانت متقدمة التاريخ شاهدة بوقف والمتأخرة التي معها يد شاهدة بملك أو وقف .. قدمت التي معها يد، قاله النووي في "فتاويه" (¬2). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وعليه جرى العمل ما لم يظهر أن اليد عادية باعتبار ترتبها على بيع صدر من أهل الوقف أو بعضهم بغير سبب شرعي .. فهناك يقدم العمل بالوقف. 6336 - قول "التنبيه" [ص 264]: (وإن ادعى عينا في يد زيد وأقام بينة بملك متقدم؛ فإن شهدت البينة بأنها ملكه أمس .. لم يحكم له حتى تشهد البينة أنه أخذها منه زيد - أي: بما لا يزيل الملك كعارية وغصب - وقيل فيه قولان) الجمهور كما في "أصل الروضة" على ترجيح طريقة القولين (¬3)، وقول "المنهاج" عطفًا على ما عبر فيه بالمذهب [ص 581]: (وأنها لو شهدت بملكه أمس ولم تتعرض للحال .. لم تسمع حتى يقولوا: "ولم يزل ملكه"، أو "لا نعلم مزيلًا له") يحتمل الطريقين معًا، وعبارة "الحاوي" [ص 676]: (ولو شهد بملكه بلا أعلم مزيلًا) وهنا أمور: ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 692)، المنهاج (ص 581). (¬2) فتاوى النووي (ص 166)، مسألة (296). (¬3) الروضة (12/ 63).

أحدها: نازع شيخنا في "تصحيح المنهاج" في هذا الترجيح، وقال: المذهب المعتمد: قبول الشهادة بالملك المتقدم، وبسط ذلك، ثم حكى قول صاحب "المطلب": الصحيح بالاتفاق: عدم سماع البينة بالملك القديم، ومنعه، وقال: الذي نقله الماوردي عن الأصحاب يقتضي القطع بسماع البينة بالملك القديم، وفي "التنقيح" لشيخنا الإسنوي: فيه تعارض مذكور في (الإقرار) من "الجواهر"، وهذا الباب من "المهمات". قلت: التعارض إنما هو في قول المقر: كان لفلان عليّ ألف؛ ففي زيادة "الروضة" في الإقرار: ينبغي أن يكون الأصح: أنه ليس إقرارًا (¬1)، وفي "أصل الروضة" هنا: الأصح: أنه يؤاخذ به (¬2). ثانيها: يستثنى من عدم سماعها مسائل: إحداها: إذا شهدت أن هذا المملوك وضعته أمته في ملكه أو هذه الثمرة أثمرتها نخلته في ملكه ولم يتعرض لملك الولد والثمرة في الحال .. سمعت كما نص عليه، وذكره "التنبيه" ثم قال: (وقيل: هو كالبينة بالملك المتقدم) (¬3). الثانية: إذا شهدت أن هذا الغزل من قطنه كما نص عليه، وذكره "التنبيه" أيضًا، وذكر معه: ما إذا شهدت أن الطير من بيضه والآجر من طينه (¬4). الثالثة: إذا شهدت أنها ملكه أمس اشتراها من المدعى عليه بالأمس .. قبلت قطعًا، وقد ذكره "الحاوي" (¬5)، وفي "أصل الروضة" في الفروع المنثورة آخر الدعاوى: لو شهدوا أن هذه الدار اشتراها المدعي من فلان وهو يملكها, ولم يقولوا: هي الآن ملك المدعي .. ففي قبول شهادتهم قولان كما لو شهدوا أنها كانت ملكه أمس، والمفهوم من كلام الجمهور قبولها (¬6). الرابعة: إذا ادعى على شخص يسترق عبدًا بأن هذا كان عبدي فأعتقته وأقام على ذلك بينة .. سمعت، وإن كانوا لا يثبتون له في الحال ملكًا؛ لأنهم يشهدون على وفق دعواه وهو لا يدعي الملك لنفسه في الحال، وحكى "التنبيه" في ذلك خلافًا فقال [ص 264]: (قيل: يقضى بها، وقيل: كالبينة بملك متقدم)، وقد عرفت أن الأصح: الأول. ثالثها: الاكتفاء بقوله: (لا أعلم له مزيلًا) حكاه في "الوسيط" عن القاضي حسين، ثم ¬

_ (¬1) الروضة (4/ 367). (¬2) الروضة (12/ 64). (¬3) التنبيه (ص 264). (¬4) التنبيه (ص 264). (¬5) الحاوي (ص 676). (¬6) الروضة (12/ 95).

قال: وأكثر الأصحاب على أنه لا بد من الجزم في الحال (¬1)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وعليه جرى شراح "الوسيط"، وهو فقه ظاهر. 6337 - قول "المنهاج" [ص 581]: (وتجوز الشهادة بملكه الآن استصحابًا لما سبق من إرث وشراء وغيرهما) قد يفهم أنه لا يكفي الشهادة بأنه مات مورثه وهو مالك له، أو بائعه بايعه وهو مالك له، وليس كذلك؛ فقد تقدم من كلام "الروضة" أن المفهوم من كلام الجمهور القبول (¬2)، وقد يفهم من قوله: (استصحابًا لما سبق) أنه لو صرح في شهادته بأنه اعتمد في ذلك الاستصحاب .. كفى وليس كذلك؛ فالأكثرون كما في "الشرح الصغير" على عدم القبول، وفي "الروضة" وأصلها: قال الغزالي: قال الأصحاب: لا تقبل، وقال القاضي حسين: تقبل (¬3)، وإلى ذلك الإشارة بقول "الحاوي" [ص 676]: (لا إن اعتقد ملكه بالاستصحاب). وفي "المهمات": إن تصوير المسألة بذلك تحريف، وصورة الخلاف بين الأصحاب والقاضي كما في "النهاية": أن لا يشهد بالملك في الحال، بل بملك متقدم، ويذكر معه من استمرار الأحوال ما يسوغ له الشهادة به في الحال (¬4)، ويدل على تحريفه قول الغزالي في الاستدلال عليه: كما لا تقبل شهادة الرضاع على صورة الامتصاص وحركة الحلقوم (¬5)، فإن نظيره هنا الشهادة على استمرار الأحوال ونظير الشهادة في الحال، وذكر أن معتمده الاستصحاب أن يشهد على الرضاع، ويذكر أن معتمده امتصاص الثدي وحركة الحلقوم. 6338 - قول "الحاوي" [ص 676]: (ولو شهد بإقراره أمس أو يده) وما ذكره في اليد تبع فيه "الوجيز" فإنه قال: لا خلاف في قبول الشهادة باليد في الماضي (¬6)، والأصح: أنه لا يحكم بها إلا أن: يقول كان في يد المدعي فأخذه المدعى عليه منه أو غصبه؛ ولذلك اقتصر "المنهاج" على الشهادة بإقراره أمس بالملك (¬7). 6339 - قول "المنهاج" [ص 581]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 676]: (ولو أقامها بملك دابة أو شجرة .. لم يستحق ثمرة موجودة، ولا ولدًا منفصلًا) فيه أمور: أحدها: قيد شيخنا في "تصحيح المنهاج" الثمرة الموجودة بأن لا تدخل في البيع؛ لكونها ¬

_ (¬1) الوسيط (7/ 439). (¬2) الروضة (12/ 95). (¬3) الروضة (12/ 63). (¬4) نهاية المطلب (19/ 150). (¬5) انظر "الوسيط" (7/ 439). (¬6) الوجيز (2/ 265). (¬7) المنهاج (ص 581).

مؤبرة في ثمر النخل أو بارزة في التين والعنب ونحو ذلك، فإن دخلت في مطلق بيع الشجرة .. استحقها مقيم البينة بملك الشجرة، قال: وكلام الأصحاب شاهد له، ثم حكى تعبير "النهاية" بقوله: وثمرتها بادية، وأنه علل ذلك بأنها لا تتبعها في البيع المطلق (¬1)، وفي "المطلب": المراد بالبادية: الثمرة المؤبرة؛ لأنها لا تتبع في البيع؛ ففي الشهادة أولى. انتهى. وعبر "الحاوي" بالثمرة البادية (¬2). ثانيها: في "الكفاية" حكى عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه قال: من شرط سماع الشهادة في حقوق الآدميين .. تقدم الدعوى الصحيحة عليها وموافقة الشهادة لها، وقضية ذلك: أن يحكم بالملك قبيل الدعوى؛ لأن من شرط صحة الدعوى .. تقدم الملك عليها؛ فإنها لا تنشئ الملك، وإلا .. لكان الحكم مرتبًا على دعوى لم يحكم بصحتها, ولا وافقتها البينة؛ فإن المدعي عند الزوال من يوم الجمعة تتضمن دعواه وجود الملك في تلك الحالة وقبلها، فإذا أقام البينة عند الزوال من يوم السبت ولم يحكم بالملك إلا قبيل الشهادة .. كانت الشهادة بما لم تضمنه الدعوى، فينبغي أن لا تسمع كما قاله الأصحاب في الشهادة بالملك المتقدم. قال في "الكفاية": وقد يجاب بأن ما ذكره الأصحاب سلكوا فيه طريق التحقيق؛ فإنه لا يتحقق تضمن شهادتهم نقل الملك في أكثر من الزمن المذكور، واحتمال تقدم الملك على الدعوى لا ينكر، وهو الكافي في سماع الشهادة؛ لأن المعتبر في صحة الدعوى التي يترتب عليها سماع الشهادة انتظامها وإمكانها ظاهرًا، لا موافقتها ما في نفس الأمر، وأيضًا: فإن الشهادة لا تقام إلا بطلب المدعي، فتقدمه عند طلبه أداء الشهادة كأنه مدع للملك ذلك الوقت أيضًا، فلم تقع الشهادة مخالفة للدعوى (¬3). ثالثها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": البينة لا تنقل الملك بمجرد شهادتها إلا في سلب القتيل في جهاد الكفار؛ لأنه عليه الصلاة والسلام علق استحقاق القاتل للسلب بأن يكون له عليه بينة، وإلا .. يلزم أن تقع في الغنيمة التي أحلت لهذه الأمة شُبَه من جهة الأسلاب التي لا بينة للقاتلين عليها. 6340 - قولهما أيضًا - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ولو اشترى شيئًا فأخذ منه بحجة مطلقه .. رجع على بائعه بالثمن، وقيل: لا، إلا إذا ادعى ملكًا سابقًا على الشراء) (¬4) فيه أمور: ¬

_ (¬1) نهاية المطلب (19/ 150). (¬2) الحاوي (ص 676). (¬3) انظر "حاشية الرملي" (4/ 412). (¬4) انظر "الحاوي" (ص 676)، و"المنهاج" (ص 582).

أحدها: المراد بالحجة هنا: البينة دون الإقرار واليمين المردودة ولو جعلت كالبينة. ثانيها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا حاجة لقوله: (مطلقة)، بل لو كانت مسندة إلى زمان بعد البيع الصادر من بائعه له .. فإنه يرجع على بائعه بالثمن على مقتضى كلام الأصحاب خلافاً للقاضي حسين؛ لأن المستندة إلى ذلك الزمان حكمها بالنسبة لما قبله حكم المطلقة. ثالثها: محل الرجوع: ما لم يصدقه على أنه ملكه، فإن صدقه .. لم يرجع بالثمن عليه؛ لاعترافه بما يقتضي أنه مظلوم، فلو قاله في الخصومة .. رجح في الأصح. رابعها: محل الوجه الثاني: ما إذا كان ذلك بعد قبض المشتري المبيع، فإن لم يقبضه .. رجع بالثمن بلا خلاف إنزالًا لذلك منزلة هلاك المبيع قبل القبض، قاله شيخنا في "تصحيح المنهاج". خامسها: رجح شيخنا في "تصحيح المنهاج" الوجه الثاني، فقال: إنه الصواب المتعين، والمذهب الذي لا يجوز غيره، قال: وحكى القاضي حسين الأول عن الأصحاب، ثم قال: إنه في غاية الإشكال، قال شيخنا: ونقله عن الأصحاب لا يعرف في كتاب من كتب الأصحاب في الطريقين قبل القاضي ولا بعده، إلا في كلام الإِمام والغزالي ومن تبعهما حكايته عن القاضي (¬1)، ولم يذكره البغوي والخوارزمي، وهي طريقة غير مستقيمة جامعة لأمر محال؛ وهو أنه يأخذ النتاج والثمرة والزوائد المنفصلة كلها، وهو قضية صحة البيع، ويرجع على البائع بالثمن، وهو قضية فساد البيع، وهذا محال وخرق عظيم، وظواهر نصوص الشافعي وكلام الأصحاب يبطله، ثم بسط ذلك. سادسها: الاستثناء في قوله: (إلا إذا ادعى ملكًا سابقًا على الشراء) منقطع لعدم دخوله في قوله: (أخذ منه بحجة مطلقه). سابعها: لا يختص ذلك بالملك السابق على الشراء، بل يأتي في المقارن للشراء؛ بأن يقع من وكيلين أو مالك ووكيل، وفي الحادث بعد الشراء في زمن ثبوت الخيار للبائع، فإنه إذا صدر من البائع .. يصح ويكون فسخًا للبيع، قاله شيخنا في "تصحيح المنهاج"، قال: ولو قال: (إلا إذا ثبت شيء يبطل البيع الصادر من البائع للمشتري) .. كان شاملًا حسنًا. 6341 - قول "المنهاج" [ص 582]: (ولو ادعى ملكا مطلقًا فشهدوا له مع سببه .. لم يضر) أي: لا تبطل شهادتهم بذلك، لكن لا تقدم هذه البينة بذكر السبب بناء على أن ذكر السبب مرجح؛ لأنهم ذكروا السبب قبل الدعوى به والاستشهاد عليه، فإن أعاد دعوى الملك وسببه فشهدوا بذلك .. رجحت حينئذ. ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (19/ 152)، و"الوجيز" (2/ 265).

فصل [في اختلاف المتداعيين في العقود]

فصل [في اختلاف المتداعيين في العقود] 6342 - قول "المنهاج" [ص 582]: (قال: "أجرتك البيت بعشرة"، فقال: "بل جميع الدار بالعشرة"، وأقاما بينتين .. تعارضتا، وفي قول: يقدم المستأجر) فيه أمور: أحدها: قد يفهم من قوله: (تعارضتا) مجيء قول القسمة والوقف على الاستعمال، وليس كذلك على المشهور. ثانيها: محل ذلك: ما إذا أطلقت البينتان أو إحداهما أو اتحد تاريخهما، فإن اختلف؛ بأن شهدت إحداهما أنه أجر كذا سنة من أول رمضان والأخرى من أول شوال .. قدم الأسبق في الأصح، لعدم المعارض حال السبق، وفي قول: المتأخر لفسخه الأول؛ فربما تخللت إقالة. وأورد عليه شيخنا في "تصحيح المنهاج": ما إذا كانت الأولى على البيت .. فالثانية صحيحة أيضًا في غير البيت بناء على تفريق الصفقة، وهو الأصح، وأجاب الرافعي عن ذلك: بأن هذا يقتضي ترجيح الأولى (¬1)، وفيه نظر؛ فلا تنافي بينهما فيما زاد على البيت تفريعًا على تفريق الصفقة. ثالثها: قال الرافعي: لك أن تقول: وجب أن يقال: موضع التعارض في البينتين المطلقتين واللتين إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة: ما إذا اتفقا على أنه لم يجر إلا عقد واحد، فإن لم يتفقا عليه .. فلا تنافي بين البينتين؛ لجواز أن يكون تاريخ المطلقتين مختلفًا، وتاريخ المطلقة غير تاريخ المؤرخة، وإذا لم يكن تنافٍ .. ثبت أكثر الزيادة بالبينة الزائدة (¬2). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا يجوز أن يقال ذلك؛ لأنهما إذا لم يتفقا .. فتارة يتعرضان لتعدد العقد وتارة لا يتعرضان لاختلاف ولا اتفاق، وقوله: (لجواز أن يكون تاريخ المطلقتين مختلفًا) قلنا: ويجوز أن يكون متفقًا، فلم عينت احتمال الاختلاف؟ وقوله: (وأن يكون تاريخ المطلقة غير تاريخ المؤرخة) قلنا: ويجوز أن يكون تاريخ المطلقة هو تاريخ المؤرخة، وقوله: (وإذا لم يكن تناف ثبت أكثر الزيادة بالبينة الزائدة) قلنا: هذا رجوع إلى قول ابن سريج الذي هو خلاف النص المعتمد (¬3). رابعها: تقديم المستأجر ليس قولًا منصوصًا، وإنما هو ترجيح ابن سريج، ومحله: في غير مختلفي التاريخ, وتقدم في مختلفي التاريخ تقديم الأسبق أو المتأخر، ومحلها: إذا لم يتفقا على ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 251). (¬2) انظر "فتح العزيز" (13/ 252). (¬3) انظر "حاشية الرملي" (4/ 414).

أنه لم يجر إلا عقد واحد، فإن اتفقا عليه .. تعارضتا، حكاه في "أصل الروضة" عن صاحب "التقريب" وغيره (¬1)، وخص الماوردي تقديم المستأجر بأن تكونا مطلقتين، وفي "المطلب": أنه لا يظهر للتفرقة بين المطلقتين ومتفقتي التاريخ وجه, لأنه لا بد من تعيين المدة، وإذا لم يكن تاريخهما واحدًا .. لم يكن بينهما تعارض في كل المدة، إذ من شرط العقد أن تتصل به المدة؛ فالإطلاق إذًا والتقييد بتاريخ واحد سواء فيما نحن فيه. خامسها: لا يختص هذا القول ببينة المستأجر، بل مداره على تقديم بينة الزيادة، فلو كانت الزيادة في جانب المؤجر؛ بأن قال: أجرتك بعشرين، فقال: بعشرة .. قدمت على هذا القول بينة المؤجر، ولو كانت الزيادة من الجانبين؛ بأن قال: أجرتك هذا البيت بعشرين، فقال: بل جميع الدار بعشرة .. فلابن سريج رأيان، المصحح منهما: الرجوع إلى التعارض، والثاني: الرجوع إلى الزيادة في الجانبين، فيجعل الجميع مكري بعشرين، وهو فاسد؛ لأنه خلاف قول المتداعيين والشهود (¬2). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم يقل ذلك ابن سريج، وإنما حكاه عن غيره، وزيفه كما في "النهاية" و"البسيط" (¬3)، والذي أوقع الرافعي في حكايته عنه قول "التهذيب": ذكر ابن سريج (¬4)، ومراده: أنه ذكره عن غيره، لا لنفسه، والله أعلم. 6343 - قول "التنبيه" [ص 263]: (وإن ادعى كل منهما أنه ابتاع هذه الدار من زيد وهي ملكه، وأقام بينة؛ فإن كان تاريخهما مختلفًا .. فهي للسابق منهما) مثل قول "المنهاج" [ص 582]: (ولو ادعيا شيئًا في يد ثالث، وأقام كل منهما بينة أنه اشتراه ووزن له ثمنه؛ فإن اختلف تاريخٌ .. حكم للسابق)، وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 692]: (ثم السابقة تاريخًا). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ومحله إذا لم يصدر المتأخر حالة الخيار، فإن صدر في الخيار .. فسخ الأول، وكان هو صحيحًا، فإن تعرضت بينة الثاني لذلك .. قضي له بها، ويقضى للأول بالثمن قطعًا، وإن لم تتعرض لذلك، ولكن تعرضت لكونه ملكًا له وقت البيع، وشهدت بينة الأول بمجرد البيع .. فالأرجح: تقديم شهادة من شهدت بالملك حالة البيع. ويختص "المنهاج" بأن وزن الثمن ليس شرطا للدعوى، ولكن فائدته أنه يتعين القول بماجبار البائع على التسليم، وفي "أصل الروضة" عن أبي عاصم: أنه لو ذكرت إحدى البينتين وزن الثمن ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 68). (¬2) انظر "الروضة" (12/ 67، 68). (¬3) نهاية المطلب (19/ 122). (¬4) التهذيب (8/ 343)، فتح العزيز (13/ 251).

دون الأخرى .. كانت مقدمة، سواء كانت سابقة أو مسبوقة؛ لأن النقد يوجب التسليم والأخرى لا توجبه؛ لبقاء حق الحبس للبائع (¬1). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وليس ذلك بمعتمد، ووزن الثمن لا يفيد الترجيح، وكون إحداهما توجب التسليم والأخرى لا توجبه غير مقتض للترجيح، وقد يكون الثمن مؤجلًا فلا يتوقف وجوب التسليم على وزن الثمن؛ ولأن البينة السابقة مقتضاها بطلان البيع الثاني، فلا أثر لوزن الثمن في بيع باطل. 6344 - قول "التنبيه" [ص 263]: (وإن كان تاريخهما واحدًا أو لم يعلم السابق منهما .. تعارضت البينتان، وفيهما قولان: أحدهما: تسقطان) هو الأظهر، وهو مفهوم من إطلاق "المنهاج" التعارض مع ما تقدم (¬2)، وداخل في كلام "الحاوي" (¬3). ودخل في كلامهم: ما إذا كانت إحداهما مؤرخة والأخرى مطلقة، وبه صرح الأصحاب، واستدرك أبو الفرج الزاز أنا إذا قدمنا المؤرخة على المطلقة .. قضينا لصاحبها, ولا يجيء الأقوال. وأجاب عنه شيخنا في "تصحيح المنهاج": بأن تقديم المؤرخة على المطلقة إنما هو حيث كانت المطلقة تنزل على الملك في حال الشهادة أو في حال الدعوى، وذاك لا يأتي في العقود؛ فاتجه إطلاق الأصحاب، وبطل ما استدركه أبو الفرج. انتهى. وقد يفهم من سقوطهما أنه لا يرجع واحد منهما بالثمن الذي وزنه، وليس كذلك على الأصح، وقد صرح به "الحاوي" فقال [ص 692]: (وغرم الثمنين في البيع والشراء منه، وتوفيره)، ومحل ذلك: إذا لم تتعرض البينة لقبض المبيع، فإن تعرضت .. فلا رجوع بالثمن لاستقرار العقد بالقبض. 6345 - قول "التنبيه" [ص 263]: (والثاني: تستعملان إما بالقرعة أو بالقسمة، ولا بجيء الوقف) الأصح في "أصل الروضة": مجيء قول الوقف أيضًا مع اعترافه بأن الأشهر عدم مجيئه (¬4)، ومجيئه ظاهر إطلاق "المنهاج" (¬5). واعلم: أن محل ما تقدم: ما إذا لم يصدق البائع أحدهما، فإن صدق أحدهما .. فعلى ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 70، 71). (¬2) المنهاج (ص 582). (¬3) الحاوي (ص 692). (¬4) الروضة (12/ 69). (¬5) المنهاج (ص 582).

السقوط: يسلم للمصدق، وعلى الاستعمال: قيل: يقدم أيضًا، والأصح: لا، بل هو كما لو استمر على تكذيبهما. 6346 - قولهما - والعبارة لـ"التنبيه" -: (وإن كان في يد زيد دار فادعى كل منهما أنه باعها منه بألف، وأقام كل واحد منهما بينة على عقده؛ فإن كان تاريخهما واحدًا .. تعارضت البينتان) (¬1) فيه أمران: أحدهما: قال في "أصل الروضة": قال الأكثرون: صورة المسألة: أن يقول كل واحد: بعتك بكذا وهي ملكي، وهكذا لفظ الشافعي في "المختصر"، وقال أبو الفياض: لا يشترط ذلك (¬2). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ولفظ "المختصر" ليس صريحًا في ذلك؛ وكأنهم فهموا من قوله: (أنه ثوبه) (¬3) أن الإضافة للملك، لكن نص "الأم" يخالفه؛ لقوله فيه: (أو أنه باعه منه بألف درهم ولم تقل الشهود: إنه ثوبه) (¬4). ثانيهما: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": مقتضاه: أنه لو اتخذ تاريخهما باليوم .. جرى التعارض، وليس كذلك، وإنما يحصل التعارض إذا عينا وقتًا واحدًا بحيث يعلم أن ذلك المعين يضيق عن وقوع عقدين فيه عقد عقب عقد، وليس اتحاد التاريخ هنا كاتحاد التاريخ في الصورة قبلها؛ لأن المطلوب في الصورة قبلها تحصيل، وفيه ذلك الذي وقعت الدعوى به، والعين الواحدة لا تتسع لتحصيل القرضين بأن يكون كل واحد مالكها، والمطلوب في هذه الصورة الثمن، وهو في الذمة، والذمة متسعة للزوم أثمان، نبه عليه الإِمام والغزالي (¬5)، وكلام غيرهما يدل عليه. 6347 - قولهما: (وإن كان تاريخهما مختلفًا .. لزمه الثمنان) (¬6) في "أصل الروضة": شرطه: أن يكون بينهما زمن يمكن فيه العقد الأول، ثم الانتقال من المشتري إلى البائع الثاني، ثم العقد الثاني، فإن عين الشهود زمنًا لا يتأتى فيه ذلك .. لم يجب الثمنان (¬7). ومثله شيخنا في "تصحيح المنهاج": بأن تقول: إحدى البينتين: إنه باعه منه عند بروز شيء ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 263)، و"المنهاج" (ص 582). (¬2) الروضة (12/ 73، 74)، وانظر "مختصر المزني" (ص 316). (¬3) مختصر المزني (ص 316). (¬4) الأم (6/ 236). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (19/ 158)، و"الوجيز" (2/ 266). (¬6) انظر "التنبيه" (ص 263)، و"المنهاج" (ص 582). (¬7) الروضة (12/ 73).

من الشمس بطلوعها، والأخرى: إنه باعه عند بروز نصفها (¬1). 6348 - قول "التنبيه" [ص 263]: (وإن كانتا مطلقتين أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة .. فقد قيل: يلزمه الثمنان، وقيل: بلزمه ثمن واحد) الأصح: الأول، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي" (¬2). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه مخالف لقضية التحقيق؛ فإن الأصل براءة الذمة، والمطلقتان يحتمل أن يتحد تاريخهما وأن يختلف، فلا يلزم بالشك، وممن صحح ذلك الشيخ أبو حامد. 6349 - قول "المنهاج" [ص 582]: (ولو مات عن ابنين مسلم ونصراني فقال كل منهما: "مات على ديني" فإن عرف أنه كان نصرانيًا .. صدق النصراني، فإن أقاما بينتين مطلقتين .. قدم المسلم) هو داخل في قول "الحاوي" [ص 691]: (قدمت الناقلة)، وقد يفهم تصويرها بأن تشهد إحداهما بأنه مسلم والأخرى بأنه نصراني، والذي ذكره الأصحاب ومنهم "التنبيه": تصويرها بأن تشهد إحداهما أنه مات مسلمًا والأخرى أنه مات نصرانيًا (¬3). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم نر من تعرض للتصوير الأول، وعندي أن شهادة البينة أنه مسلم كاف في الحكم بإسلامه؛ لأنه ظهر بذلك انتقاله من التنصر الذي كان معروفًا به إلى الإِسلام، والأصل بقاءه عليه، وحدوث كفره يقتضي أن يكون مرتدًا لا يرثه أحد، وأما قول إحداهما: مات مسلمًا، والأخرى: مات نصرانيًا .. فهذا ليس إطلاقًا، وإنما هو تقييد بحالة الموت. 6350 - قول "المنهاج" [ص 582]: (وإن قَيَّدت أن آخر كلامه إسلام وعكسته الأخرى .. تعارضتا) قال الرافعي: وتقييد البينتين بأن آخر كلامه كان كذا غير محتاج إليه؛ لحصول الترجيح بزيادة العلم، بل تقييد بينة النصراني بأن آخر كلامه النصرانية كاف فيه؛ أي: في التعارض، وإن أطلقت بينة المسلم .. فيكون كتقييدها. انتهى (¬4). ولهذا عبر "التنبيه" بقوله [ص 264]: (وإن شهدت بينة النصراني أن آخر كلامه عند الموت النصرانية .. تعارضت البينتان). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": التعارض ممنوع؛ فإن آخر كلامه باعتبار ما شاهدته كل بينة لا تعارض فيه؛ لأنه يحتمل أن تشهد بينة النصرانية بأن آخر كلامه كلمة التنصر في الحالة التي ¬

_ (¬1) انظر "حاشية الرملي" (4/ 415). (¬2) الحاوي (ص 692)، المنهاج (ص 582). (¬3) التنبيه (ص 264). (¬4) انظر "فتح العزيز" (13/ 264).

سكت فيها عن الكلام بحضرتهم، ثم إنها ذهبت واستصحبت السكوت وجاءت بينة الإِسلام فتكلم بحضرتها بالشهادتين؛ فإنه لا تعارض حينئذ، ويقضي ببينة الإِسلام، وإنما يقع التعارض لو شهدت كل منهما بأن آخر كلمة تكلم بها كذا، ومكثت عنده إلى أن مات ودفن، قال: ولو قالت بينة الإِسلام: علمنا الحالة التي شاهدته بينة التنصر فيها, ولكنه بعد ذلك تكلم بكلمة الإِسلام .. فإنه تقدم بينة الإِسلام بلا خلاف، كما لو قالت بينة التعديل: علمنا سبب الجرح ولكنه تاب منه .. فإنه تقدم بينة التعديل (¬1). 6351 - قولهما: (وإن لم يعرف دينه وأقام كل بينة أنه مات على دينه .. تعارضتا) (¬2) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا عندي ممنوع، بل الصواب تقديم بينة المسلم؛ لأن الإِسلام يطرأ على التنصر فيقطعه، ولا يطرأ على الإِسلام فيقطعه إلا الردة، ولا ميراث معها. 6352 - قول "المنهاج" [ص 582، 583]: (ولو مات نصراني عن ابنين مسلم ونصراني فقال المسلم: "أسلمت بعد موته .. فالميراث بيننا"، فقال النصراني: "بل قبله" .. صدق المسلم بيمينه، وإن أقاماهما .. قدم النصراني) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محل تقديم النصراني: إذا لم تشهد بينة المسلم بأنها علمت منه دين النصرانية حين موت أبيه وبعده، وأنها لم تستصحب، فإذا قالت ذلك .. قدمت بينة المسلم؛ لأنا لو قدمنا بينة النصراني .. للزم أن يكون مرتدًا حالة موت أبيه، والأصل عدم الردة. 6353 - قول "التنبيه" [ص 264, 265]: (وإن مات رجل وخلف ابنين واتفقا على إسلام الأب وإسلام أحدهما قبل موت الأب واختلفا في إسلام الآخر هل كان قبل موت الأب أو بعده؟ فالقول قول الابن المتفق على إسلامه) محله عند عدم البينة، فلو أقام كل منهما بينة على ما ادعاه .. قدمت بينة المختلف في إسلامه على الأصح؛ لأنها ناقلة، وذلك مفهوم مما ذكره "المنهاج" في الصورة التي قبلها (¬3). 6354 - قول "المنهاج" [ص 583]: (فلو اتفقا على إسلام الابن في رمضان، وقال المسلم: "مات الأب في شعبان"، وقال النصراني: "في شوال" .. صدق النصراني، وتقدم بينة المسلم على بينته) يستثنى منه: ما إذا شهدت بينة النصراني في هذه الحالة بأنهم عاينوه حيًا في شوال .. فإنهما يتعارضان، كذا في "أصل الروضة" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر "حاشية الرملي" (4/ 416). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 264)، و"المنهاج" (ص 582). (¬3) المنهاج (ص 582، 583). (¬4) الروضة (12/ 79).

وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": تقدم بينة النصراني؛ لاحتمال استناد بينة شعبان لإغماء أو استفاضة موت. 6355 - قول "التنبيه" [ص 265]: (وإن مات رجل وخلف أبوين كافرين وابنين مسلمين فقال الأبوان: "مات كافرًا"، وقال الابنان: "مات مسلمًا" .. ففيه قولان، أصحهما: أن القول قول الأبوين) كذا فيما وقفنا عليه من نسخ "التنبيه"، وكذا هو في "المنهاج" وغيره (¬1)، وفي "شرح ابن يونس" أن الذي في "التنبيه": (أصحهما: أن القول قول الابنين)، ويوافقه قول ابن عمه في "التنويه": حذفنا قوله: (الأصح: أن القول قول الابنين) لأنه وإن وجّه بأن الإِسلام يغلب بالدار .. فهو بعيد في الحكاية؛ ولهذا لم يذكره في "المهذب" أصلًا، ولا هو في مشاهير الكتب، والوجه الثابت في المسألة هو الوقف، والخلاف من تخريج ابن سريج؛ فإنه قال: تحتمل المسألة قولين، وحقيقته وجهان. انتهى. ويوافق ذلك أيضًا قولُ النووي في "الروضة": أنكروا على صاحب "التنبيه" ترجيح تصديق الابن، وهو ظاهر الفساد (¬2)، واعتراضُه عليه في "تصحيحه" أيضًا (¬3)، وتبعه شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" في استدراك ذلك على "التنبيه" أيضًا (¬4)، وقال النووي في "الروضة": الوقف أرجح دليلًا، لكن الأصح عند الأصحاب: تصديق الأبوين (¬5). قال شيخنا الإسنوي في "التنقيح": فإذا تقرر أنه الأرجح في الدليل .. فينبغي أن يقول: المختار. ولشيخنا هنا في "تصحيح المنهاج" تنبيهات: أحدها: ظاهره قصور ذلك على الأبوين، وليس كذلك، فلو وطئ مجوسي أخته من أبويه الكافرين الأصليين، فولدت ولدًا فمات عن جديه أبي أبيه وأم أمه وهي أم أبيه أيضًا، وتنازعا مع ولد له مسلم في كفره وإسلامه .. كان كذلك، قال: وإنما فرضنا ذلك في نكاح المجوس؛ لأن هنا أصلًا مستصحبًا، وهو كفر الأصل الأدنى؛ فإنه لو تخلل أب وأم وكان التنازع بين الجدين والابنين .. لم يكن هناك أصل مستصحب للكفر؛ فلا يكون القول فيه قول الجدين، قال: وقد يفرض مثل ذلك في الوطء بشبهة الكفار. ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 583). (¬2) الروضة (12/ 80). (¬3) تصحيح التنبيه (2/ 284). (¬4) تذكرة النبيه (3/ 517، 518). (¬5) الروضة (12/ 80).

ثانيها: لا حاجه في التصوير لذكر الابنين، بل الابن الواحد كاف، وكذا ابن الابن والبنت وبنت الابن. ثالثها: استشكله شيخنا بأنه إن كان كفر الأبوين الأصلي ثابتًا بالبنية أو بإقرار المنازع .. فلا خلاف في تصديقهما، وإلا .. فينبغي أن تكون الفتوى على الوقف لزوال الاستصحاب، قال: ولم أر هذا الذي حققناه في كلام أحد، وقول النووي: إن الوقف أرجح دليلًا (¬1) إنما يكون إذا لم يثبت لنا أصل في الأبوين نستصحبه، فإن ثبت .. فقول الأبوين قطعًا (¬2). 6356 - قول "التنبيه" [ص 264]: (وإن شهد شاهدان أنه أعتق سالمًا وهو ثلث ماله وشهد آخران أنه أعتق غانمًا وهو ثلث ماله، ولم يعلم الأول منهما .. ففيه قولان: أحدهما: أنه يعتق من كل واحد منهما نصفه، والثاني يقرع بينهما) فيه أمور: أحدها: المراد: حصول الإعتاق في مرض موته، وعبارة "المنهاج" [ص 583]: (في مرضه)، ولو قال: (مرض موته) كما في "المحرر" (¬3) .. لكان أولى. ثانيها: فهم من قوله: (ولم يعلم الأول) تحقق الترتيب، فخرج ما إذا اتخذ التاريخ، وقد ذكره "المنهاج" وقال [ص 583]: (أقرع). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يستثنى منه: ما إذا كان الاتحاد بمقتضى تعليق وتنجيز؛ بأن يقول: إن أعتقت غانمًا .. فسالم حر، ثم يعتق غانمًا .. فيعتق سالم مع عتق غانم بناء على أن الشرط والمشروط يقعان معًا وهو المرجح، وهذا تاريخ متحد، ولا إقراع، ويتعين السابق. ثالثها: الأصح: أنه يعتق من كل نصفه، وعليه مشى "الحاوي" (¬4)، وفي زيادة "المنهاج" [ص 583]: (أنه المذهب)، وعبارة "المحرر": (قيل: يقرع، وقيل قولان: أحدهما: هذا، والثاني: يعتق من كل منهما نصفه، ورجح كلًا منهما طائفة من الأصحاب) (¬5)، واختصره "المنهاج" بقوله [ص 583]: (قيل: يقرع، وقيل: في قول: يعتق من كل نصفه)، ومقتضاه: أنهما وجهان، وقد عرفت أنهما طريقان، وأصلها أنه متى علمت المعية .. أقرع، أو الترتيب ولم يعلم السابق .. فهل يقرع أو يقسم؟ قولان، قال في "أصل الروضة": أظهرهما: الثاني، قال: ورجح جماعة الأول، فإذا أطلقت البينتان أو إحداهما .. احتمل المعية، فيقرع، قاله البغوي، ¬

_ (¬1) انظر "الروضة" (12/ 80). (¬2) انظر "حاشية الرملي" (4/ 417). (¬3) المحرر (ص 512). (¬4) الحاوي (ص 692). (¬5) المحرر (ص 512).

والترتيب من غير تعيين، قال جماعة منهم الإمام والغزالي: وهو أقرب وأغلب؛ فيجيء القولان (¬1)، قال الرافعي: ورجح الروياني وغيره القسمة، ونظم "الوجيز" يشعر به، وهو يوافق ما رجح في نظيره من الجمعتين، ورجح آخرون القرعة، وهو يوافق ما رجح في النكاحين (¬2). وخالف شيخنا في "تصحيح المنهاج" هذا الترجيح وقال: المذهب المعتمد عند الأصحاب: الإقراع، ونص عليه في "الأم" في الحدود، وهو موضع خفي على كثير من المصنفين، ولم يصح لي عن أحد من الأصحاب ترجيح القول بالقسمة في صورة البينتين من المطلقتين. 6357 - قول "المنهاج" [ص 583]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 692, 693]: (ولو شهد أجنبيان أنه أوصى بعتق سالم وهو ثلثه، ووارثان حائزان أنه رجع عن ذلك ووصَّى بعتق غانم وهو ثلثه .. يثبت لغانم، فإن كان الوارثان فاسقين .. لم يثبت الرجوع فيعتق سالم ومن غانم ثلث ماله)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأصح: أنه يعتق غانم كله؛ فإن الوارثين الفاسقين يعتقدان أن سالمًا ملكهما، وإنما منعهما من التصرف فيه ظاهرًا الشهادة التي هي عندهما غير معمول بها؛ لما عرفناه من الرجوع، وقطع به الدارمي، ونص في "الأم" و"المختصر" على ما يشهد له، ثم بسط ذلك. 6358 - قول "التنبيه" [ص 263]: (وإن قال لعبده: "إن قتلت .. فأنت حر"، فأقام العبد بينة أنه قتل وأقام الورثة بينة أنه مات .. ففيه قولان: أحدهما: يتعارضان ويرق العبد، والثاني: تقدم بينة القتل) الثاني هو الأصح، وعليه مشى "الحاوي" (¬3). 6359 - قول "التنبيه" [ص 263]: (وإن قال: "إن مت في رمضان .. فعبدي حر، وإن مت في شوال .. فجاريتي حرة"، ومات، وأقام العبد بينة بالموت في رمضان، والجارية بينة بالموت في شوال .. ففيه قولان، أحدهما: يتعارضان ويرقان، والثاني: تقدم بينة رمضان) الأصح: الثاني، وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 692]: (ثم السابقة تاريخًا)، وقول "التنبيه": (ويرقان) أي: على قول التساقط، أما إذا قلنا بالاستعمال .. فالأقوال. 6360 - قول "التنبيه" [ص 262]: (وإن تداعيا عرصة لأحدهما فيها بناء أو شجر؛ فإن كان قد ثبت البناء والشجر له بالبينة .. فالقول قوله في العرصة مع يمينه، وإن ثبت ذلك بالإقرار .. فقد قيل: القول قوله، وقيل: هو بينهما) الأصح: الأول، وفي بعض نسخ "التنبيه" ذكره بالجزم، وذكر الثاني بلفظ (قيل). ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 85). (¬2) انظر "فتح العزيز" (13/ 274). (¬3) الحاوي (ص 691، 692).

6361 - قوله: (وإن تداعيا سلمًا منصوبًا .. حلف صاحب العلو، وقضي له) (¬1) محله: ما إذا كان مثبتًا بالتسمير ونحوه، فإن كان منقولًا غير مثبت .. فحكى ابن كج عن الأكثرين: أنه لصاحب العلو أيضًا، وعن ابن خيران: أنه لصاحب السفل، قال الرافعي: وهو الوجه (¬2). 6362 - قوله: (وإن كان بينهما صبي لا يعقل فادعى كل واحد منهما أنه مملوكه .. حلفا وجعل بينهما) (¬3) محله: ما إذا لم يعرف سبب يدهما، فإن عرف .. لم يقبل فيه قول صاحب اليد إلا ببينة في الأصح. * * * ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 262). (¬2) انظر "فتح العزيز" (5/ 123، 124). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 262).

كتاب إلحاق القائف

كتابُ إلحاق القائف 6363 - كذا في "المحرر" (¬1)، وترجمه "المنهاج" بفصل، وجعله من جملة فصول الدعاوى (¬2)، وتقدم بعض أحكامه في العدة، وبعضها في اللقيط، وأحسن "التنبيه" بجمعه أحكام لحاق النسب في باب يلي اللعان، ترجمه بـ (باب ما يلحق من النسب وما لا يلحق) (¬3). وقال في "الروضة": مقصود الباب الكلام في القائف وشرطه، وأما الاستلحاق وشروطه .. فسبق ذكره في كتابي الإقرار واللقيط (¬4). 6364 - قولهما - والعبارة لـ "التنبيه" -: (ولا يقبل قول القافة إلا أن يكون ذكرًا، حرًا، عدلًا، مسلمًا، مجربًا في معرفة النسب) (¬5) لو عبرا بأهلية الشهادة كما في "الروضة" .. لكان أخصر وأعم؛ فإنهما أهملا كونه بصيرًا ناطقًا، وقد حكاه في "أصل الروضة" عن ابن كج (¬6). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": عندي يمتنع الأعمى قطعًا، إلا فيما رآه قبل العمى وهو ذاكر له .. فإنه يصح إلحاقه لذلك في حال العمى، ولا أمنع قيافة الأخرس إذا فهم إشارته كل أحد، وفي "المطلب" عن الأصحاب: أنه يعتبر كونه سميعا، قال شيخنا: وهو غير مسلم نقلًا؛ فلم أجد في كلامهم اعتباره، ومعنىً؛ لأنه يبصر الصفات ويخبر، وليس هنا قول يعتبر سماعه، وقولنا له: هذا ابن مَنْ في هؤلاء قد يعرف بكتابة أو إشارة، ثم هو ينطق بما ظهر له، قال ابن كج: ولو كان ابنَ أحدِ المتداعيين فألحقه بغير أبيه .. قبل، أو بأبيه .. فلا، والعدوّ بالعكس، وقد يفهم من كلامهما الاكتفاء في التجربة بمرة، وفي "أصل الروضة": وإما تكرار العرض ثلاثًا .. فقد جعله الشيخ أبو حامد وأصحابه شرطًا، وقيل: يكفي مرة، وقال الإِمام: لا معنى لاعتبار الثلاث، بل المعتبر غلبة الظن بأن قوله عن خبرة لا عن اتفاق، وهذا قد يحصل بدون الثلاث (¬7). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ظاهر نص الشافعي الاكتفاء بمرة، وعليه جمع من الأصحاب، وهو الذي نقله الشيخ أبو حامد عن الأصحاب، وهو المعتمد. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 514). (¬2) المنهاج (ص 583). (¬3) التنبيه (ص 190). (¬4) الروضة (12/ 101). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 192)، و"المنهاج" (ص 583). (¬6) الروضة (12/ 101). (¬7) الروضة (12/ 102)، وانظر "نهاية المطلب" (19/ 183، 184).

6365 - قول "المنهاج" [ص 583]: (والأصح: اشتراط حر ذكر) مخالف لتعبير "الروضة" فيه بالصحيح (¬1)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والذي في "الروضة" هو الصواب وقد استبعد في "البسيط" و"الوسيط" مقابله، وقوله: (لا عدد) (¬2) معطوف على ما عبر فيه بالأصح، ومقتضاه: أن الخلاف وجهان، وليس كذلك، بل هو نص ووجه؛ ولهذا قال "التنبيه" [ص 192]: (ويجوز أن يكون واحدًا، وقيل: لا بد من اثنين). قول: "المنهاج" [ص 583]: (فإذا تداعيا مجهولًا .. عرض عليه) أي: مع المتداعيين أورد عليه شيخنا في "تصحيحه": ما لو سبق استلحاقه من الملتقط ثم ادعاه آخر .. فإن الشافعي رضي الله عنه قال: (أريته القافة، فإن ألحقوه بالآخر .. أريته الأول، فإن قالوا: ابنهما .. لم ينسبه إلى أحدهما حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء منهما، وإن لم يلحق الآخر .. فهو ابن الأول) (¬3)، قال شيخنا: وأما غير الملتقط إذا استلحقه وهو في يده ثم ادعى آخر نسبه .. لم يلتفت إليه؛ لأنه باستلحاق ذي اليد خرج عن أن يكون مجهولًا. ثم محل العرض في المجهول: أن يكون دون البلوغ؛ ولهذا قال "المنهاج" في الإقرار [ص 285]: (ولو استلحق اثنان بالغًا .. ثبت لمن صدَّقه) والمجنون كالصبي، قال شيخنا: وكذا لو كان مغمى عليه أو نائمًا أو سكرانًا سكرًا يعذر فيه، فلو كان غير معذور .. لم يعرض؛ لأنه بمنزلة الصاحي، ولو انتسب في هذه الحالة .. عُمل به، ويعرض الميت على القائف ما لم يتغير ولم يدفن. 6366 - قوله: (وكذا لو اشتركا في وطء فولدت ممكنًا منهما وتنازعاه) (¬4) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه يقتضي أنه مساوٍ للمجهول في أحكام العرض على القائف، وليس كذلك؛ لأمور: أحدها: أن هذا يعرض على القائف وإن كان بالغًا مكلفًا، وجزم به الماوردي (¬5)، وهو فقه ظاهر. ثانيها: أنه يعرض هنا على الأظهر ولو كان أحدهما ساكتًا أو منكرًا، ولو أنكراه معًا .. عرض. ثالثها: أنه إذا كان الاشتباه للاشتراك في الفراش .. لم يصح إلحاقه بالقافة إلا بحكم حاكم، ¬

_ (¬1) الذي وقفت عليه في "فتح العزيز" (13/ 297)، و"الروضة" (12/ 101): (الأصح: اشتراط حريته وذكورته). (¬2) المنهاج (ص 583). (¬3) انظر "مختصر المزني" (ص 137). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 583). (¬5) انظر "الحاوي الكبير" (17/ 390).

جزم به الماوردي (¬1)، وحكاه في "المطلب" عن ملخص كلام الأصحاب، وقال شيخنا أيضًا: ظاهر ذكر الوطء اشتراط تغييب الحشفة، وليس هذا عندي بمعتبر في هذا المكان، بل لو لم يُدخل الحشفة كلها وأنزل داخل الفرج .. كان كالوطء، وكذا الإنزال خارج الفرج بحيث دخل الماء في الفرج، واستدخال الماء. وقوله: (بأن وطئا بشبهة أو مشتركة لهما) (¬2) هو من وطء الشبهة؛ فذكره بعده من عطف الخاص على العام، ويشترط فيهما: أن يقع الوطئان في طهر، فلو تخلل بينهما حيضة .. فهو للثاني، ولا يستغنى عن ذلك بذكر "المنهاج" له بعد ذلك؛ لأنه لا يمكن عوده لجميع الصور لتعذر ذلك في بعضها. 6367 - قوله: (وكذا لو وطئ منكوحة في الأصح) (¬3) أي: بشبهة، فيه أمران: أحدهما: أنه هل يكتفى في ذلك باتفاق الزوج وواطئ الشبهة، أم لا بد من إثبات الوطء بالبينة؟ فيه اضطراب؛ فالمذكور في "أصل الروضة" في اللعان الأول (¬4)، وهنا الثاني (¬5)، وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج" أن الأول أصح. ثانيهما: أنه يقتضي أن الخلاف وجهان، وهو في "أصل الروضة" طرق: إحداها: وجهان، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهما قولان في كلام غيره. 6368 - قوله: (فإذا ولدت لما بين ستة أشهر وأربع سنين من وطأيهما وادعياه .. عُرض عليه) (¬6) لا يحتاج لقوله: (وادعياه) كما تقدم. 6369 - قوله: (فإن تخلل بين وطأيهما حيضة .. فللثاني، إلا أن يكون الأول زوجًا في نكاح صحيح) (¬7) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يُزاد: وأن لا يكون الأول قد حصل بعد طلاقه حيضة أو حيضتان؛ فإنه لا يكون للثاني، بل يعرض على القائف كما نص عليه. * * * ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي الكبير" (17/ 390). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 583). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 584). (¬4) الروضة (8/ 318). (¬5) الروضة (12/ 104). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 584). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 584).

كتاب العتق

كتابُ العِتْق 6370 - قول "التنبيه" [ص 144]: (العتق قربة مندوب إليه) محله: في المنجز من المسلم، أما المعلق .. فذكر الرافعي في (الصداق): أن التعليق ليس عقد قربة بخلاف التدبير (¬1)، كذا أورده النشائي وشيخنا ابن النقيب (¬2)، وقال في "التوشيح": مراده انتفاء القربة عن عقد التعليق؛ ولذلك قال: بخلاف التدبير، ولم يُرد انتفاء القربة عن العتق الذي تضمنه التعليق، فكل عتق قربة، أكان ضمن تعليق أم لا، والتعليق نفسه ليس قربة. قلت: ويدل لذلك قول الرافعي في تتمة كلامه: وإنما هو يقصد به حث أو منع (¬3)، وهذا إنما هو في نفس التعليق، فهو الذي يقصد به حث أو منع ثم إن الرافعي لم يقل: إن التعليق ليس قربة، وإنما قال: ليس عقد قربة؛ أي: ليس أصل وضعه ذلك، وقد يقترن به ما يقتضي كونه قربة؛ كمن علق عتق عبده على تحصيل نفع لمن يتقرب بتحصيل النفع له؛ كقوله: إن خدمت العالم الفلاني سنة .. فأنت حر، أو على إيجاد قربة؛ كقوله: إن صليت الضحى .. فأنت حر ونحو ذلك. وأما كونه من مسلم .. فقال الرافعي في (الوقف) في الكلام على أقوال الملك في الوقف: ألا ترى أن الكافر إذا أعتق .. صار العتيق لله وإن لم يكن منه قربة (¬4). قال في "التوشيح": مراده ليس قربة من الكافر؛ لأنه ليس من أهل القرب، ولم يرد أنه ليس قربة في نفسه. قلت: هذا كلام لا يتحقق؛ لأن الكلام في صدوره من الكافر، فهو المدعي أنه ليس قربة، فلا يرد على ذلك أنه قربة في الجملة. 6371 - قول "المنهاج" [ص 585]: (إنما يصح من مطلق التصرف) و"الحاوى" [ص 699]: (إنما يصح إعتاق مالك) اقتصر كل منهما على شرط غير الذي ذكره الآخر، وجمع في "أصل الروضة" بينهما فقال: ويصح من كل مالك مطلق لا يصادف إعتاقه تعلق حق لازم لغيره؛ فلا يصح إعتاق غير مالك إلا بوكالة أو ولاية (¬5)، وقول "التنبيه" [ص 144]: (لا يصح إلا من مطلق التصرف ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (8/ 317، 318). (¬2) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 130)، و"السراج على نكت المنهاج" (8/ 336). (¬3) فتح العزيز (8/ 317). (¬4) انظر "فتح العزيز" (6/ 284). (¬5) الروضة (12/ 107).

في ماله) يحتمل أن يريد أن الإعتاق يكون واقعًا في ماله، فيكون قد جمع بين الوصفين أيضًا، ويحتمل أن يتعلق قوله: (في ماله) بقوله: (مطلق التصرف) أي: يكون مطلق التصرف في ماله، فيخرج عنه من هو مطلق التصرف في مال غيره وهو الولي، لكن قد صرح في "أصل الروضة" بصحة إعتاق الولي كما تقدم، وأشار به إلى إعتاق الولي عن الصبي والمجنون إذا لزمتهما كفارة قتل، وهو مصرح به في "أصل الروضة" في بابه وغيره. وأمَّا مَا في "أصل الروضة" في الباب الثاني من الصداق: أنه لو لزم الصبي كفارة قتل فأعتق الولي عنه عبدًا لنفسه .. لم يجز؛ لأنه يتضمن دخوله في ملكه وإعتاقه عنه، وإعتاق عبد الطفل لا يجوز (¬1)، فهو وهم على المتولي؛ فإنه لم يصور ذلك بالكفارة، بل أطلق ذلك، ومراده: عتق التبرع؛ فإنه صرح في كفارة القتل بإعتاق الولي عنه، ودخل في كلامهم إعتاق الولي عن السفيه في كفارة القتل ونحوها كاليمين والظهار والجماع في رمضان، لكنه ذكر في باب الحجر أنه ينتقل في كفارة اليمين إلى الصوم. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا يصح إعتاق السفيه بمباشرته إلا في ثلاث صور: إحداها: إذا أذن له وليه في إعتاق عبده عن اللازم له قبل حجره ونحو ذلك. الثانية: إذا وكله إنسان بأن يعتق عبد نفسه .. فمقتضى ما ذكر في توكله في قبول النكاح جوازه. الثالثة: قال السفيه لإنسان مطلق التصرف: أعتق عبدك عني مجانًا .. فقياس المذكور فيما إذا أصدق عن ابنه أكثر من مهر المثل من مال الأب: أن يصح لحصول المصلحة. 6372 - قول "المنهاج" [ص 585]: (ويصح تعليقه)، قال في "التنبيه" [ص 144]: (على الأخطار والصفات) أي: المحقق الوقوع وغيره، وقد يفهم كلامهما أنه يعتبر في تعليق الإعتاق إطلاق التصرف، وليس كذلك؛ فإنه يصح تعليقه من الراهن المعسر والموسر على صفه توجد بعد الفك، أو يحتمل وجودها قبله وبعده، وكذا من مالك العبد الجاني الذي تعلقت الجناية برقبته، ومن المحجور عليه بفلس أو ردة. 6373 - قول "التنبيه" [ص 144]: (ويجوز العتق في العبد) لا فائدة فيه بعد قوله: (العتق قربة) (¬2) وإنما ذكره توطئة لقوله بعده: (وفي بعضه) (¬3)، وقول "المنهاج" [ص 585]: (ويصح إضافته إلى جزء فيعتق كله) أي: إن كان باقيه له، فإن كان لغيره .. فسيأتي. ¬

_ (¬1) الروضة (7/ 274). (¬2) التنبيه (ص 144). (¬3) التنبيه (ص 144).

ويرد عليه: ما إذا وكل وكيلًا بإعتاق عبد فأعتق الوكيل نصفه .. فالأصح: عتق ذلك النصف فقط، ولا يرد ذلك على قول "التنبيه" [ص 144]: (فإن أعتق بعض عبده .. عتق جميعه) على أن شيخنا في "تصحيح المنهاج" قال: الأصح عندنا: القطع بأنه يعتق كله، واستشكل في "المهمات" عدم السراية: بأن في "أصل الروضة" أنه لو وكل شريكه في عتق نصيبه فأعتق الشريك النصف الموكل فيه .. سرى إلى نصيب الوكيل (¬1)، قال: فإذا حكم بالسراية إلى ملك الغير بالعتق الصادر من الوكيل .. فلأن يسري إلى ملك نفسه أولى، فكيف يستقيم الجمع بينهما؟ ! وظاهر كلامهما في إعتاق البعض أنه يقع على الكل دفعة واحدة، والأصح: أنه يقع ما سماه ثم يقع على الثاني بالسراية. 6374 - قول "التنبيه" [ص 144]: (وصريحه: العتق والحرية) "والمنهاج" [ص 585]: (تحرير وإعتاق) و"الحاوي" [ص 699]: (به) أي: بإعتاق وتحرير. أورد عليه شيخنا في "تصحيح المنهاج": أن التحرير والإعتاق اللذان هما مصدران ليسا صريحين، إنما الصريح ما اشتق منهما، فلو قال: أنت تحرير أو إعتاق .. كان كقوله للمرأة: أنت طلاق؛ فيكون كناية في الأصح، فكان ينبغي أن يقولوا: ما اشتق من التحرير والإعتاق، ويستثنى من ذلك صور: منها: لو كانت أمته تسمى قبل جريان الرق عليها حرة، فقال لها: يا حرة؛ فإن لم يخطر له النداء باسمها القديم .. عتقت، وإن قصد نداءها .. لم تعتق على الأصح، ووقع في "الكفاية": إن قصد النداء .. لم تعتق، وإن أطلق .. فالأشبه كذلك، فكأنه انعكس عليه، ولو كان اسمها في الحال حرة؛ فإن قصد النداء .. لم تعتق، وكذا إن أطلق على الأصح، وذكر "الحاوي" الحالة الأولى بقوله [ص 699]: (بلا قصد اسمه القديم). الثانية بقوله في الكنايات [ص 699]: (يا حر للمسمى به). ومنها: لو قال: أنت حر مثل هذا العبد .. فذكر الرافعي: أنه رأى بخط الروياني في فروع حكاها عن والده وغيره أنه يحتمل أن لا تحصل الحرية؛ لأن حرية الرق غير ثابتة في المشبه به، فتحمل على حرية الخلق، ولو قال: أنت حر مثل هذا، ولم يقل: العبد .. يحتمل أن يعتقا، [والأوضح] (¬2): أنهما لا يعتقان (¬3)، وقال النووي في الأولى: ينبغي أن يعتق، وفي الثانية: الصواب هنا: عتقهما (¬4). ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 131). (¬2) في (ب): (والأصح). (¬3) انظر "فتح العزيز" (13/ 405). (¬4) انظر "الروضة" (12/ 184).

وفي "المهمات": الصواب في الثانية: عتق الأول دون الثاني؛ لأنهما خبران مستقلان. ومنها: في "فتاوى الغزالي": أنه لو اجتاز بالمكاس فخاف أن يطالبه بالمكس عن عبده، فقال: أنه حر ليس بعبد، وقصد الإخبار .. لم يعتق فيما بينه وبين الله تعالى، وهو كاذب (¬1)، قال الرافعي: ومقتضاه: أنه لا يقبل ظاهرًا، قال في "المهمات": ومقتضى المذهب خلافه؛ فإنه لو قال لها: أنت طالق وهو يحلها من وثاق ثم ادعى أنه أراد الطلاق من ذلك الوثاق .. فإنه يقبل على الأصح؛ للقرينة، ومروره بالمكاس قرينة ظاهرة في إرادة صرف اللفظ عن ظاهره (¬2). ومنها: في "فتاوى الغزالي" أيضًا: أنه لو قال: افرغ من هذا العمل قبل العشاء وأنت حر، وقال: أردت حر من العمل دون العتق .. دين، ولا يقبل ظاهرًا (¬3). ومنها: في "فتاوى الغزالي": أنه لو زاحمته امرأة فقال: تأخري ياحرة، فبانت أمته .. لا تعتق (¬4). ومنها: ما لو قال: أعتقك الله، أو الله أعتقك، وفيه أوجه: ثالثها: صراحه: الله أعتقك، بخلاف عكسه؛ فإنه دعاء، وفي زيادة "الروضة" في أوائل البيع عن "فتاوى الغزالي": أن باعك الله وأقالك الله، كناية (¬5). 6375 - قول "التنبيه" [ص 144]: (وفي قوله: "فككت رقبتك" وجهان، أحدهما: أنه صريح) هو الأصح في "المنهاج" وغيره، وعليه مشى "الحاوي" (¬6). قول "المنهاج" في الكنايات [ص 585]: (وكذا كل صريح أو كناية للطلاق) استثنى منه "الحاوي" قوله: (أنا منك حرٌّ) (¬7) أي: فإنه ليس كناية في العتق، وإن كان قوله: (أنا منك طالق) كناية في الطلاق. ويستثنى أيضًا: ما لو قال لعبده: اعتد أو استبرئ رحمك ونوى العتق .. فإنه لا ينفذ؛ لاستحالته في حقه كما في "أصل الروضة" في الطلاق، ولو قاله لأمته .. فوجهان (¬8)، وينبغي اختصاصهما بما إذا لم تكن الأمة موطوءة، فإن كانت .. كان ذلك كناية قطعًا. وألحق به شيخنا في "تصحيح المنهاج" ما لو قال له: أنت عليّ حرام، أو كالميتة أو ¬

_ (¬1) فتاوى الغزالي (ص 127) مسألة (184). (¬2) انظر "فتح العزيز" (13/ 306، 307). (¬3) فتاوى الغزالي (ص 130) مسألة (190). (¬4) فتاوى الغزالي (ص 129) مسألة (189). (¬5) الروضة (3/ 339). (¬6) الحاوي (ص 699)، المنهاج (ص 585). (¬7) الحاوي (ص 700). (¬8) الروضة (8/ 27).

كالخنزير، إلا أن يريد: خدمتك عليَّ حرام .. فإنه يكون كناية، واستثنى شيخنا من ذلك أيضًا قوله: (تجرعي وذوقي) فإنه كناية في الطلاق، ولا تجري في الأمة والعبد، إلا إذا كان مرادهما: دوام الملك عليهما .. فيكون كناية، قال شيخنا أيضًا: ومما يزاد على المصنف: الظهار؛ فإنه كناية في الإعتاق، وليس بصريح ولا كناية في الطلاق. 6376 - قول "الحاوي" في ألفاظ الكنايات [ص 699]: (وسيّدي) حكاه في "أصل الروضة" عن الإمام، وعن القاضي حسين والغزالي: هو لغو (¬1)، وقال في "الشرح الصغير": الأشبه عند الإمام وغيره: أنه كناية، وهو الجواب في "التهذيب" (¬2). 6377 - قول "المنهاج" [ص 585]: (ولو قال: "عتقك إليك" أو "خيَّرتك" ونوى تفويض عتقه إليه فأعتق نفسه في المجلس .. عتق) فيه أمور: أحدها: أن عبارة "المحرر" و"الروضة" وأصلها: (جعلت عتقك إليك) (¬3)، فحذف "المنهاج" لفظ: جعلت؛ فكأنه رأى أنها غير مؤثرة، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو محتمل. ثانيها: أن قوله: (خيرتك) بخاء معجمة من التخيير، كذا هو في نسخ "المنهاج"، وعبارة "الروضة" وأصلها: (حررتك) (¬4) بالحاء المهملة من التحرير، وهو غير مستقيم؛ فإن هذه اللفظة صريحة في تنجيز العتق. قال في "المهمات" وصوابه: حريتك مصدرًا مضافًا كاللفظ المذكور قبله، وهو العتق، والظاهر أن الرافعي إنما ذكره هكذا، ولكن تحرف على النساخ فتابعهم في "الروضة". قلت: متى كانت الصيغة: جعلت حريتك إليك .. كان صريحًا في التفويض، ولم يحتج إلى نية. ثالثها: قد تفهم عبارته عود هذه النية للصورة الأولى أيضًا، وليس كذلك، بل هي خاصة بالأخيرة، قاله شيخنا في "تصحيح المنهاج". رابعها: مقتضى عبارته: امتداد ذلك إلى انقضاء المجلس، وليس كذلك، وعبارة "أصل الروضة": فأعتق نفسه في الحال (¬5)، وهو المعتمد كنظيره من تفويض الطلاق. 6378 - قوله: (أو "أعتقتك على ألف"، أو "أنت حر على ألف" فقبل، أو قال له العبد: ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 108)، وانظر "نهاية المطلب" (19/ 250، 251). (¬2) التهذيب (8/ 355). (¬3) المحرر (ص 515)، فتح العزيز (13/ 309)، الروضة (12/ 109). (¬4) الروضة (12/ 109)، وأما فتح العزيز (13/ 309) ففيها: (خيرتك). (¬5) الروضة (12/ 109).

"أعتقني على ألف" فأجابه .. عتق في الحال ولزمه الألف) (¬1) قال شيخنا ابن النقيب: كأنه انتقال من مسألة إلى أخرى؛ فالذي في "الروضة" و"الشرح" في الصور الثلاث: عتق، ولم يقل: في الحال؛ إذ لا فائدة له، ثم قال: ولو قال: (أعتقتك كذا إلى شهر) فقبل .. عتق في الحال، والعوض مؤجل؛ فلعله انتقل من هذه إلى ما ذكر (¬2). وكذا قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": قوله: (في الحال) زيادة لا معنى لها، فإن قيل: معناها: أنه لا يتوقف عتقه على إعطاء الألف .. قلنا: ومن أين يتخيل هذا حتى يذكر ما يخرجه، وإنما يتخيل هذا فيما إذا قال: أعتقتك على ألف إلى شهر؛ فإن العبد إذا قبل .. يعتق في الحال والألف مؤجل. 6379 - قوله: (ولو قال: "بعتك نفسك بألف"، فقال: "اشتريت" .. فالمذهب: صحة البيع) (¬3)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": فيه تجوز؛ فإنه ليس عقد بيع على الأصح، وإنما هو عقد عتاقة؛ ولهذا يثبت الولاء للسيد، ولا يثبت فيه خيار المجلس. 6380 - قوله: (ويعتق في الحال وعليه ألف، والولاء لسيده) (¬4) إن كان داخلًا فيما عبر عنه بالمذهب .. ورد عليه أن لزوم الألف له لا خلاف فيه. 6381 - قوله: (ولو أعتقه - يعني: الحمل ... عتق دونها) (¬5) محله: بعد نفخ الروح فيه؛ ففي "أصل الروضة" في أواخر العتق عن "فتاوى القاضي حسين": أنه لو كانت جاريته حاملًا والحمل مضغة فقال: أعتقت مضغة هذه الجارية .. كان لغوًا؛ لأن إعتاق ما لم ينفخ فيه الروح لغو، ولو قال: مضغة هذه الجارية حر .. فهو إقرار بأن الولد انعقد حر، أو تصير الأم به أم ولد، قال النووي: ينبغي ألا تصير حتى يقر بوطئها؛ لأنه يحتمل أنه حر من وطء أجنبي بشبهة (¬6). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وقوله: (حتى يقر بوطئها) غير كاف، وصوابه: حتى يقر بأن هذه المضغة منه، قال: وقوله: (مضغة هذه الجارية حر) لا يتعين للإقرار؛ فقد يكون إنشاء؛ كقوله: أعتقت مضغة هذه الجارية. انتهى. وقد لا يرد هذا على قول "الحاوي" [ص 700]: (وتبعها حمل له، لا العكس) فإنه إنما ذكر أن الأم لا تتبع الحمل في الإعتاق، ولم يطلق صحة إعتاق الحمل حتى يستثنى منه ما تقدم. ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 585). (¬2) السراج على نكت المنهاج (8/ 339)، وانظر "فتح العزيز" (13/ 309)، و"الروضة" (12/ 109). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 585). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 585). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 585). (¬6) الروضة (12/ 183).

6382 - قول "التنبيه" [ص 144]: (وإن أعتق شركًا له في عبد، فإن كان معسرًا .. عتق نصيبه ورق الباقي) أي: استمر رقيقًا، وكذا لو أعتق جميعه؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 585، 586]: (وإن كان بينهما عبد فأعتق أحدهما كله أو نصيبه .. عتق نصيبه، فإن كان معسرًا بقي الباقي لشريكه)، وكذا لو أعتق بعض نصيبه، وسواء كان ذلك بنفسه أو بوكيله؛ ولذلك أطلق "الحاوي" السراية (¬1). قال الروياني: ولو اقترض المعسر وأدى القيمة .. لم يكن للشريك قبولها، وصورة عتق نصيبه: أن يقول: نصيبي منك حر، أو أعتقت نصفك الذي لي، فلو قال: نصفك حر وكان يملك نصفه .. فهل يعتق نصيبه كله ابتداء، أم يقع على نصف النصف مشاعًا فيعتق الربع، ثم يسري إلى ربع آخر فقط إن كان معسرًا وإلى الكل إن كان موسرًا؟ وجهان، قال الإمام: ولا فائدة لهما إلا في تعليق طلاق أو عتق (¬2)، وقال ابن الرفعة: فائدتهما لو وكله شريك في عتق نصيبه .. فعلى الإشاعة يعتق جميعه عليهما، وعلى مقابله لا يعتق حصة الشريك، وقد حكى الرافعي هذا الخلاف، وبناه على هذا الأصل، فقال: ولهذا التفات على أن النصف المطلق يحمل على ملكه أو يشيع (¬3). وذكر له في "المهمات" فائدة أخرى، يحمل هي: ما إذا قال: أعتق نصفك عني على ألف، فأطلق إعتاق النصف؛ فإن نزلناه على نصفه .. استحق الألف، وإن قلنا: يكون شائعًا حتى لا يعتق أولًا إلا نصف نصيبه ثم يسري .. فالراجح: أنه لا يستحق إلا نصف الألف كما صحح النووي فيما لو سألته الطلاق ثلاثًا على ألف فطلقها طلقة ونصفًا؛ لأن الإعتاق على مال كالخلع على مال (¬4). واستثنى شيخنا في "تصحيح المنهاج" من رق الباقي في المعسر: ما إذا باع شقصًا من رقيق ثم أعتق الباقي في مدة الخيار .. فإنه يسري إلى حصة المشتري، ولو كان البائع معسرًا؛ لأنه لو باعه كله ثم أعتقه في الخيار .. نفذ، ولا يقال: لما سرى .. كان فسخًا، فلا شركة؛ لأن الشركة كانت قائمة ولكن انقطعت بالسراية، وكذا لو اشترى ثوبًا بشقص من رقيقه ثم أعتق الباقي على ملكه قبل لزوم البيع، قال شيخنا: ويجري هذا في كل معاوضة محضة في حال خيار المجلس أو الشرط، ولم أر من تعرض لذلك. 6383 - قولهما - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وإلا .. سرى إليه أو إلى ما أيسر به) (¬5) يستثنى ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 701). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (19/ 205). (¬3) انظر "فتح العزيز" (13/ 340). (¬4) انظر "الروضة" (7/ 418). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 144)، و"المنهاج" (ص 586).

منه: ما لو كان نصيب الشريك مستولدًا؛ بأن استولدها وهو معسر .. فلا سراية على الأصح، ولو استولدها أحدهما وهو معسر ثم استولدها الثاني ثم أعتقها أحدهما .. ففي السراية الوجهان، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 207]: (لا إن أولد) وكذا حكم عكسه؛ بأن يوسر الشريك المستولد ويعتق حصته .. فلا يسري إلى الباقي؛ لأن شريكه لو أعتق حصته .. لم يسر إلى حصة المستولد، فكذا الآخر. قال في "الكفاية": ولو تعلق بحصة الذي لم يعتق حق لازم؛ كما إذا كانت موقوفة .. لم يسر العتق إليها قولًا واحدًا. وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج" صورًا لا يعتبر فيها اليسار بالقيمة عن نصيب الشريك، بل بالثمن الذي تواضعا عليه المقابل لمحل السراية: منها: أن يبيع بعض عبده، ويلزم البيع ثم يعتق الباقي على ملكه قبل القبض .. فيسري إلى الحصة المبيعة إذا كان موسرًا بالثمن المقابل لها، وحنيئذ .. فينفسخ البيع؛ لأن إتلاف البائع قبل القبض كآفة سماوية في الأصح، ويعود الثمن إلى المشتري، فلم نعتبر اليسار بالقيمة؛ لأنها غير واجبة، قال شيخنا: ويقاس به كل معاوضة عُقد فيها على شقص رقيق ثم أعتق المالك الباقي. 6384 - قولهم - والعبارة لـ "المنهاج": (وعليه قيمة ذلك يوم الإعتاق) (¬1) فيه أمور: أحدها: مقتضاه: إيجاب قيمة ذلك البعض كالنصف مثلًا، لا نصف قيمة الجميع، وبينهما فرق ظاهر؛ فإن نصف القيمة أكثر من قيمة النصف لأجل التشقيص، وتكرر في كلام الرافعي ما يقتضي قيمة النصف، لكنه ضرب مثالًا في عبد قيمته عشرون (¬2)، وإنما يستقيم على إيجاب نصف القيمة، وفي "المهذب" في هذه المسألة: أن الواجب قيمة النصف (¬3)، وتقدم ذلك في الصداق. ثانيها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يستثنى من ذلك: الصور السابقة في حال الخيار وفي حال اللزوم؛ فإنه ليس على المعتق فيها قيمة مع وجود السراية، ويضاف إليها صور تحصل فيها السراية ولا يغرم فيها المعتق قيمة ما ذكر: إحداها: إذا وهب الأصل لفرعه شقصًا من رقيق وقبضه ثم أعتق الأصل الباقي على ملكه .. فإنه يسري إلى نصيب الفرع مع اليسار، ولا يغرم له شيئًا على الأرجح، وشاهده ما لو أعتق الأصل ما وهبه لفرعه .. فإنه يكون راجعًا، ويصح العتق على وجه، أو راجعًا ولا عتق على وجه، أو ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 144)، و "الحاوي" (ص 702)، و"المنهاج" (ص 586). (¬2) انظر "فتح العزيز" (13/ 316). (¬3) المهذب (2/ 3).

لا يصح الرجوع ولا العتق وهو المصحح، قال شيخنا: وهذا لا يأتي فيما نحن فيه؛ لصحة السراية قطعًا، فتعين أن يكون راجعًا، وذلك يمنع الغرم. الثانية: باع شقصًا من رقيق ثم حجر على المشتري بالفلس فأعتق البائع نصيبه .. فإنه يسري إلى الباقي الذي له الرجوع فيه بشرط يساره، ولا يغرم له شيئًا؛ لأن عتقه صادف ما كان له أن يرجع فيه. الثالثة: إذا كان لبيت المال شقص من رقيق فأعتقه الإمام .. فيحتمل السراية مع الغرم وعدمه، وعدم السراية هو أرجح؛ فلا استثناء (¬1). ثالثها: ظاهر عبارة "المنهاج": أن اعتبار قيمة يوم الإعتاق على الأقوال كلها، وبه صرح في "المحرر" (¬2)، وهو كذلك، وقيل: إذا قلنا بالأداء .. فالاعتبار بيوم الأداء، وقيل: بالأكثر، ورجحه الإمام والغزالي (¬3)، ونقل "الروضة" عنهما اعتبار يوم الأداء وهمٌ. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأولى أن يقال: وقت العتق المرتب على الإعتاق؛ لأنه هو الذي حصلت به السراية، والقياس: أن يقال: وقت السراية؛ لأنها التي حصل بها زوال ملك الشريك الذي لم يعتق. رابعها: المراد بيوم الإعتاق والأداء: وقت الإعتاق والأداء، وإطلاق اليوم جري على الغالب في أن قيمته لا يختلف في اليوم الواحد، أو أريد باليوم القطعة من الزمان. 6385 - قول "الحاوي" [ص 702]: (قدر فاضل متروك المفلس) أي: يسري بقدر ما يفضل مما يترك للمفلس. ضبط ذلك شيخنا في "تصحيح المنهاج" بضبط آخر لم يسبق إليه فقال: الموسر في السراية: من يملك ما يوفي المطلوب أو شيئًا منه عينًا لم يتعلق بها ما سيذكر أو دينًا حالًا على ما يتيسر تحصيله منه، ومادة ذلك ما ذكر في الزكاة من وجوب الإخراج وعدم وجوبه، وما فيه قولان؛ فيعود أن هنا وفي الأجرة قبل استيفاء المنفعة قولان، أصحهما: أنه لا تجب الإخراج إلا عن الذي تقرر، ولكن الأرجح هنا: أنه يُعَدّ به موسرًا، ويوفى به الدين؛ لأن هذا في مقابلة ما أتلف؛ فتعلق بما يملكه المتلف، وإن لم يستقر ملكه عليه، بخلاف الزكاة؛ فإن فيها معنى المواساة، وإنما يُواسي من تم ملكه، قال: ويخرج من ذلك أن العين إذا كانت مغصوبة بحيث لا يقدر مالكها على انتزاعها من الغاصب .. لا يُعَدُّ بها موسرًا في السراية وكذا الضال والآبق والدين الذي على المكاتب، وأما العين التي تعلق بها حق عبادة .. فلا يعد بها موسرًا، وذلك في الماء الذي تعلقت به ¬

_ (¬1) انظر "حاشية الرملي" (4/ 438، 439). (¬2) المحرر (ص 515، 516). (¬3) انظر "نهاية المطلب" (19/ 220، 221)، و"الوجيز" (2/ 271).

الطهارة بعد الوقت، وكذا ما تعلق به حق رهن مقبوض بدين مؤجل أو جناية توجب مالًا متعلقًا برقبة العبد ولا فضلة فيها ولا في الرهن بدين حال، فإن كان هناك فضلة .. فهو موسر بالفضلة بالنسبة إلى السراية، وكذا المبيع الذي تعلق به حق الحبس للبائع، وإذا كانت العين غائبة بحيث يجوز أن يعطي من الزكاة .. فإنه لا يُعَدّ بها موسرًا، ولو كانت العينُ السريةَ التي أعف الفرع أصله بها، وحجر عليه الحاكم فيها .. فإن الأصل لا يعد بها موسرًا؛ لعدم إمكان تصرفه فيها ولا تباع هذه في دين الأصل، ولا اعتبر مؤنة من تلزمه نفقته ذلك اليوم خلافًا لما قالوه؛ لأنه في الزوجة دين، وفي غيرها ينزل منزلته؛ فهو كغيره من الديون، وكونه يُترك ذلك لمن يباع ماله في الدين لا يخرجه عن اليسار، والرهن الشرعي في عدم اليسار كالوضعي بدين حال؛ لأن الرهن الشرعي لا يكون إلا على دين حال، فإذا كان المعتق وارثًا لتركة عليها دين ولا فضل فيها .. فليس بموسر، وإلا .. فهو موسر بالفضل، ولا يعد موسرًا بالأجرة المستقبلة في الموقوف عليه والمستولدة قطعًا، ولو أمكن إجارته مدة بمعجل .. فإنه يتعلق بالمستقبل لا بالكائن عند الإعتاق، ولا نظر إلى ما ذكر في المفلس؛ لأن الديون تتعلق بذلك. 6386 - قول "التنبيه" [ص 144]: (ومتى يعتق حصة الشريك؟ فيه ثلاثة أقوال، أحدها: يعتق في الحال) هو الأظهر، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي"، ويستثنى منه: ما لو كاتبا المشترك ثم أعتق أحدهما نصيبه .. فإنما يحكم بالسراية بعد العجز عن أداء نصيب الشريك على الصحيح (¬1)، وظاهر كلامهم عتق حصة الشريك مع الإعتاق، وصحح الرافعي ترتبه على الملك، ذكره في التماس الإعتاق. 6387 - قول "التنبيه" تفريعًا على هذا القول [ص 144]: (فإن اختلفا في القيمة .. فالقول قول المعتق) محله: إذا مات أو غاب أو طال العهد، فإن كان حاضرًا، والعهد قريبًا .. أخذ بقول أهل الخبرة. 6388 - قولهما - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وفي قول: بأداء القيمة) (¬2) كذا الاعتياض عنها، وقال الماوردي: لا يكفي الإبراء (¬3)، وصحح شيخنا في "تصحيح المنهاج" صحته والاكتفاء به، قال: ولو رضي بذمته .. فالأرجح: أنه يسري كرضا المشتري بذمة الشفيع، ويحتمل أنه لابد من الإعطاء كما هو ظاهر الأحاديث. 6389 - قول "التنبيه" على هذا القول [ص 144]: (فإن اختلفا في القيمة .. فالقول قول ¬

_ (¬1) في (د): (وقد صرح به "الحاوي" فقال [ص 702]: "وإن كاتب إذا عجز"). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 144)، و"المنهاج" (ص 586). (¬3) انظر "الحاوي الكبير" (18/ 13، 14).

الشريك) قد يفهم أن التفريع على الثالث بخلافه، وليس كذلك؛ فالقول قول الشريك تفريعًا على الثالث أيضًا. 6390 - قولهما: (وفي قول: إن دفعها .. بأن أنها بالإعتاق) (¬1) قد يفهم أنه ليس للشريك المطالبة بذلك على هذا القول، وليس كذلك، بل له المطالبة على الأقوال كلها، ويجبر على القبول إن امتنع. 6391 - قول "التنبيه" في عتق أم الولد [ص 148]: (إذا وطئ جاريته أو جارية يملك بعضها فأولدها .. فالولد حر والجارية أم ولد) محله في المشتركة: أن يكون موسرًا؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 586]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 701]: (واستيلاد أحد الشريكين الموسر يسري) وفيه أمران: أحدهما: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يستثنى من اعتبار اليسار: إذا كان الشريك المستولد أصلًا لشريكه .. فإنه يسري وإن كان معسرًا كما لو استولد الجارية التي كلها له. ثانيهما: قال شيخنا أيضًا: يزاد استيلاد أصل أحد الشريكين واستيلاد راهن النصف يسري إلى المرهون إن كان موسرًا، ويحتمل أن يثبت الاستيلاد في الجميع بلا سراية؛ لأنه يملك كلها، قال: ويجيء ذلك أيضًا في الرهن الشرعي في التركة، وفي الجارية الجانية إذا كانت بين شريكين ففدى أحدهما نصيبه ثم اشتراه الذي لم يفد واستولدها؛ فإنه يسري الاستيلاد بشرط اليسار إلى النصف المتعلق به حق المجني عليه. 6392 - قول "المنهاج" [ص 586]: (وعليه قيمة نصيب شريكه) يستثنى منه ما سبق في سراية العتق. 6393 - قوله: (وحصته من مهر المثل) (¬2) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا إذا تأخر الإنزال عن تغيب الحشفة كما هو الغالب، فلو سبق الإنزال (¬3) .. فقد سبق ما يقتضي الاستيلاد المقتضي لانتقال الملك للمستولد على ما يوجب حصة الشريك من مهر المثل، فيكون كحصته من قيمه الولد، وهي لا تجب على قول تعجيل السراية، ولا على قول [التبيين] (¬4)، وقد ذكر الإمام نحو ذلك في استيلاد الأصل جارية فرعه (¬5)، وحكاه الرافعي عنه (¬6)، ولم يذكراه هنا. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 144)، و"المنهاج" (ص 586). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 586). (¬3) في (د): (فلو سبق الإنزال عن تغيب الحشفة). (¬4) في (د): (تبين الملك). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (12/ 199). (¬6) انظر "فتح العزيز" (13/ 327).

6394 - قوله: (وتجري الأقوال في وقت حصول السراية) (¬1) مقتضاه: أن أصحها: السراية بنفس العلوق، وبه صرح في "أصل الروضة" (¬2). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وقت العلوق لا اطلاع لنا عليه، فيقال: تبين بالوضع حصول السراية بنفس العلوق إن ظهر بإنزال عُرف وقته. 6395 - قوله: (ولا يمنع السراية دين مستغرق في الأظهر) (¬3) فيه أمور: أحدها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وصف الاستغراق ذكره المصنفون ولا حاجة إليه، بل يجري الخلاف وإن لم يستغرق، فإذا أوجبت السراية مائة وهي عنده لكن عليه خمسون .. لم يسر على ذلك القول إلا بقدر خمسين، قال: وكلامهم في الزكاة وهي أصل هذه المسألة صريح في الذي قررته. قلت: ولذلك أطلق "الحاوي" في قوله [ص 699]: (لا قرينة). ثانيها: قال شيخنا أيضًا: لم أقف على القولين في كلام الشافعي، واتفقوا على أن الخلاف في ذلك من اختلاف قولي الشافعي في أن الدين هل يمنع وجوب الزكاة؟ فهما وجهان إلا عند من يحكي المخرج قولًا، والذي يتجه عندنا القطع بأن الدين لا يمنع السراية. ثالثها: ذكر الماوردي أن محل الخلاف في الحال (¬4)، فلا يمنع المؤجل قطعًا. رابعها: لو كان بالدين الحال رهن لازم، وليس له غيره ولا يفضل منه شيء لو بيع .. لم يسر قطعًا. خامسها: محل الأظهر: ما لم يحجر عليه الحاكم ويعين لكل غريم شيئًا من ماله؛ فإن هذا إذا حال عليه الحول .. لا زكاة عليه عند الأكثرين، ومقتضاه: أنه لو وهب له شقص ممن يعتق عليه بالملك فقبله وقبضه .. لم يسر عليه، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج" ثم قال: وهذا على اعتقادهم أن باب السراية مساوٍ لباب الزكاة في ذلك، والذي عندي أنه يسري على المحجور عليه بقدر المضاربة كدين حدث (¬5). 6396 - قوله: (ولو قال لشريكه الموسر: "أعتقت نصيبك فعليك قيمة نصيبي"، فأنكر .. صدق بيمينه، فلا يعتق نصيبه، ويعتق نصيب المدعي بإقراره إن قلنا: يسري بالإعتاق) (¬6) فيه أمور: ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 586). (¬2) الروضة (12/ 121). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 586). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (18/ 21). (¬5) انظر "حاشية الرملي" (4/ 439). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 586).

أحدها: قد يفهم منه أنه لو نكل عن اليمين فحلف المدعي .. عتق نصيبه، والأصح خلافه؛ لأن الدعوى إنما توجهت عليه بسبب القيمة، وإلا .. فلا معنى للدعوى على إنسان بأنه أعتق عبده، وإنما هذا وظيفة العبد، لكن لو شهد آخر مع المدعي .. عتق، وفائدة حلف المدعي اليمين المردودة: استحقاق القيمة. ثانيها: قيد في "أصل الروضة" إعتاق نصيب المدعي بأن يحلف المدعى عليه أو ينكل ويحلف المدعي (¬1)، ولم يظهر لي وجهه؛ فإنهما لو نكلا معًا .. كان الحكم كذلك فيما يظهر؛ لوجود العلة في ذلك، وهي إقراره. ثالثها: كلامه يفهم أنه لا يعتق على القولين الآخرين، وعبارة "أصل الروضة": وإن قلنا بالمتأخر .. لم يعتق (¬2)، قال شيخنا ابن النقيب: وهذا واضح فيما إذا حلف المدعى عليه، أما إذا لم يحلف وحلف المدعي المردودة .. فينبغي أن يعتق جزمًا؛ فإنه قد أخذ القيمة (¬3). رابعها: أسقط شيخنا في "تصحيح المنهاج" من لفظ "المنهاج" (الموسر) ثم اعترض عليه: بأنه ناقص، قال: وكأنه استغني بقوله: (فعليك قيمة نصيبي) عن ذلك، والذي رأيته في عدة نسخ صحيحة إثبات هذه اللفظة؛ فلا اعتراض. 6397 - قوله: (ولو قال لشريكه: "إن أعتقت نصيبك .. فنصيبي حر بعد نصيبك"، فأعتق الشريك وهو موسرٌ .. سرى إلى نصيب الأول إن قلنا: السراية بالإعتاق، وعليه قيمته) (¬4) فيه أمور: أحدها: أنه لا حاجة إلى قوله: (بعد نصيبك) فإنه لو أطلق قوله: (فنصيبي حر) .. كان حكمه كذلك، وإنما يخالفه أن لو قال: قبله؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 701]: (وسرى وإن علق عليه عتقه، لا بسبق ومعية) فدخل في كلامه أولًا حالة الإطلاق. ثانيها: مقتضى تقييد السراية بالتفريع على أنها بالإعتاق: أنا إذا قلنا بغيره .. كان بخلافه، وليس كذلك؛ فإنا إذا قلنا بالتبيين .. كان الحكم كذلك إذا أديت القيمة، وإن قلنا بالأداء .. فنصيب المعلق عمن يعتق فيه وجهان بلا ترجيح في "الروضة" (¬5)، وصحح شيخنا في "تصحيح المنهاج" أنه يسري عند الأداء ويعتق عن المنجز لا عن المعلق، وهو مقتضى بناء الرافعي ذلك على الخلاف في أنه إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه هل ينفذ إعتاق الآخر قبل أداء القيمة تفريعًا على هذا ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 127). (¬2) الروضة (12/ 127). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 343). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 586، 587). (¬5) الروضة (12/ 125).

القول؟ (¬1) والأصح .. أنه لا ينفذ، فيكون الأصح: عتقه بالسراية لا بالتعليق. ثالثها: في "أصل الروضة" في الباب الأول من الوصايا ما يقتضي التسوية بين التعليق والسراية (¬2)، ويؤيده أن الأصح: مقارنة المشروط لشرطه، ومقتضاه: تقديم التعليق؛ فإن السراية متأخرة، فيتعارض هذا مع ما علل به تقديم السراية، وتلزم القرعة. 6398 - قول "المنهاج" [ص 587]: (فلو قال: "فنصيبي حر قبله"، فأعتق الشريك؛ فإن كان المعلق معسرًا .. عتق نصيب كل عنه، والولاء لهما، وكذا إن كان موسرًا وأبطلنا الدور، وإلا .. فلا يعتق شيء) فيه أمور: أحدها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لعتق نصيب المعلق عنه شرط، وهو: أن يمضي بعد تعليقه قبل إعتاق المنجز زمن يسع الحكم بوقوع العتق عن المعلق، ونص الشافعي على ما يقتضيه فقال: فيما لو قال: أنت طالق قبل أن أموت بشهر .. لا يقع الطلاق حتى يعيش بعد القول أكثر من شهر بوقت يقع فيه الطلاق (¬3). ثانيها: عتق نصيب كل منهما عنه إذا كان موسرًا تفريعًا على إبطال الدور، كذا هو في "أصل الروضة" (¬4)، وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج": أن الرافعي تبع فيه البغوي (¬5)، وهو غير معتمد، قال: والأصح المعتمد تفريعًا على إبطال الدور: أنه يعتق كله عن المنجز بالمباشرة في نصيبه والسراية في نصيب شريكه؛ لأنا إذا أبطلنا الدور .. ألغينا قوله قبله، فصار كالإطلاق. ثالثها: قال شيخنا أيضًا: تصحيح الدور هنا يؤدي إلى إبطال إعتاق الشريك نصيبه، وقد اتفق الأصحاب على بطلان الدور فيما لو قال لزوجته: إن فسخت النكاح بعيبي أو بعتقك .. فأنت طالق قبله ثلاثًا؛ لأن فيه إبطال تصرف الزوجة، ومقتضاه: أن لا يأتي هنا خلاف الدور؛ لما فيه من منع نفوذ تصرف شريكه بالإعتاق في نصيبه، وإن أتى .. فيكون مستبعدًا ضعيفًا. 6399 - قوله: (ولو كان عبد لرجل نصفه ولآخر ثلثه ولآخر سدسه، فأعتق الآخران نصيبهما معًا .. فالقيمة عليهما نصفان على المذهب) (¬6) فيه أمران: أحدهما: قوله: (آخر) إن ضبطه المصنف بخطه بكسر الخاء؛ ليوافق قوله في "المحرر": ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 317). (¬2) الروضة (6/ 139). (¬3) انظر "الأم" (5/ 256). (¬4) الروضة (12/ 126). (¬5) انظر "فتح العزيز" (13/ 335). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 587).

(فأعتق الثاني والثالث) (¬1)، وإلا .. فلو قال: (فأعتق اثنان منهما) كما في "الروضة" وغيرهما .. كان الحكم كذلك (¬2)، ولهذا قال "الحاوي" [ص 702]: (بحصة رؤوس المعتقين) فتناول جميع الصور. ثانيهما: لا بد أن يكون كل منهما موسرًا بنصف الواجب، فلو كان أحدهما موسرًا بما ينقص عن النصف .. سرى عليه بقدر يساره، والباقي على الموسر بالباقي، ولو كانا موسرين بدون الواجب .. سرى إلى ذلك القدر بحسب يسارهما، فإن تفاوتا في اليسار .. سرى على كل منهما بقدر ما يجد. 6400 - قول "المنهاج" [ص 587]: (وشرط السراية: إعتاقه باختياره) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنها عبارة غير وافية بالمقصود، فمن اشترى شقصًا ممن يعتق عليه، أو قبل هبته أو الوصية به .. سرى عليه، وإن لم يصدر منه إعتاق، وإنما صدر منه تعاطي سبب الملك باختياره؛ فنزل ذلك منزلة إعتاقه. انتهى. وقد أفصح بذلك "التنبيه" فقال [ص 145]: (وإن ملك بعضه - أي: بعض من يعتق عليه - فإن كان برضاه وهو موسر .. قوم عليه الباقي، وعتق عليه، وإن كان بغير رضاه .. لم يقوم عليه)، والظاهر أن ذلك لا يرد على "الحاوي" أيضًا؛ فإنه قال [ص 701]: (وسرى مختاره ولمأذونه؛ كشراء بعض، وقبول هبة، ووصية) فإنه لم يصرح بأن الاختيار للإعتاق، فأمكن حمله على اختيار سبب العتق، ويدل لذلك أمثلته، ولا فرق في شرائه لبعض أبيه بين علمه بأنه أبوه وجهله بذلك؛ لقصده التمليك، قاله "في البحر"، ولشيخنا في "تصحيح المنهاج" فيه احتمالان، ورجح هذا، وكأنه لم يستحضره حالة الكتابة منقولًا. وما ذكرناه هو في غير المكاتب، إما المكاتب: فإذا اشترى بعض قريبه حيث يصح وعتق بعتقه .. فلا سراية؛ لأنه لم يعتق باختياره، بل عتق ضمنًا، حكاه في "أصل الروضة" في آخر الباب عن "فتاوى القفال"، وأقره (¬3). وفيها في الكتابة قبل الحكم الرابع: أنه لو وهب للمكاتب بعض أبيه فقبله، وصححنا قبوله، فعتق المكاتب .. عتق عليه ذلك الشقص، وهل يقوم الباقي عليه إن كان موسرًا؟ وجهان، أصحهما: نعم (¬4). ¬

_ (¬1) المحرر (ص 516). (¬2) الروضة (12/ 117). (¬3) الروضة (12/ 183). (¬4) الروضة (12/ 284).

وفي "البحر" وجهان في السراية فيما إذا اتهب السفيه جزء من يعتق عليه، أو قبل وصيته، ولو ملك بعضه بتعجيز مكاتبه؛ بأن اشترى بعض من يعتق على السيد ثم عجزه السيد .. فلا سراية في الأصح؛ لأن مقصوده فسخ الكتابة، والملك يحصل قهرًا. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الذي يترجح عندنا السراية؛ لأنه عارف بأن شقصًا ممن يعتق عليه مملوك لمكاتبه، فإذا عجز مكاتبه .. ملك ما كان في ملكه باختياره، فإن لم يعرف ذلك .. فهذا محتمل، والأرجح: السراية؛ فإن الإتلاف لا يختلف الحال فيه بين العلم والجهل بالنسبة إلى الضمان. انتهى. ولو أوصى لزيد بشقص ممن يعتق على وارثه؛ كأن أوصى له ببعض ابن أخيه ومات زيد بعد موت الموصي وقبل قبول الوصية، فقبلها أخوه .. عتق عليه الشقص، والأصح في "أصل الروضة": أنه لا يسري (¬1)، وصحح شيخنا في "تصحيح المنهاج": السراية وقال: إنه مقتضى نص "الأم" و"المختصر". ولو أوصى لزيد بشقص ممن يعتق عليه ولا يعتق على وارثه؛ بأن أوصى له بشقص من أمه ووارثه أخوه من أبيه، فمات زيد بعد موت الموصي وقبل قبول الوصية، وقبل أخوه الوصية .. عتق ذلك الشقص على الميت، ويسري إن كان له تركة يفي ثلثها بقيمة الباقي؛ لأن قبول وارثه كقبوله في الحياة، قال الإمام: هكذا ذكره الأصحاب، وفيه وقفة؛ لأن القبول حصل بغير اختياره، كذا في "أصل الروضة" (¬2)، ومقتضاه: أن هذه الوقفة لم يقل بمقتضاها أحد، وليس كذلك؛ فقد ذكر الرافعي في الوصية، أن الشيخ أبا على ذهب إلى عدم السراية، وحكاه عن بعض الأصحاب (¬3). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وفيه وقفة من جهة أخرى، وهي أن الميت معسر مطلقًا إلا أن يوصي بالتكميل، وسيأتي في "المنهاج" في آخر الفصل الذي يليه أنه لو وهب لعبد بعض قريب سيده فقبل، وقلنا: يستقل به .. عتق وسرى، وعلى سيده قيمة باقيه (¬4)، وسنذكر هناك ما في هذا الفرع من الاضطراب. ولاضطراب هذه الفروع قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن هذا الشرط وقع فيه اضطراب شديد بحسب الصور. ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 117، 118). (¬2) الروضة (12/ 118)، وانظر "نهاية المطلب" (19/ 245). (¬3) انظر "فتح العزيز" (7/ 75). (¬4) المنهاج (ص 588).

6401 - قول "الحاوي" [ص 701]: (لا إرثٍ، ورد بعيبٍ) صورة الرد بعيب: أن يبيع بعض ابن أخيه بثوب ويموت، ووارثه أخوه أبو الابن، فيجد بالثوب عيبًا، فيرده ويسترد الشقص .. فيعتق عليه، وفي السراية وجهان؛ فإنه تسبب في تملكه، لكن مقصوده رد الثوب، ومقتضى كلام "أصل الروضة" قبيل الخاصة الثالثة: تصحيح عدم السراية، كما في "الحاوي" فإنه بعد ترجيح عدم السراية في مسألة قال: (ويجري الخلاف في كذا) فذكر هذه الصورة (¬1)، لكن صحح النووي هنا من زيادته: أنه يسري (¬2). 6402 - قول "المنهاج" [ص 587]: (والمريض معسرٌ إلا في ثلث ماله) فيه أمور: أحدها: فيه أشكال؛ لأنه إن اعتبر حالة العتق .. خالف ما تقرر من أن اعتبار الثلث إنما هو بعد الموت، وإن اعتبر بعد الموت .. خالف ما تقرر من أن اليسار المعتبر في السراية إنما هو الموجود حالة الإعتاق دون ما يطرأ بعده، وفي "أصل الروضة": احتج القاضي أبو الطيب وغيره باعتبار الثلث على أن التقويم يكون بعد موت المريض؛ لأن الثلث يعتبر حالة الموت حتى إذا لم يف الثلث بجميع العبد حال إعتاقه، ثم استفاد مالًا ووفى عند الموت .. قوّم جميعه (¬3). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يلزم منه اعتبار اليسار الطارئ بعد الإعتاق، وهذا لا يُعرف، ويلزم منه اعتبار القيمة الحادثة بعد الإعتاق إلى حالة التقويم، وقد تزيد وقد تنقص، وهذا مخالف للقواعد ومخالف لما اتفقوا عليه من أن الاعتبار بالقيمة حالة الإعتاق تفريعًا على تعجيل السراية وعلى الوقف، وكذا على قول أداء القيمة على ما سبق، قال: وظهر من ذلك أن السراية هنا إنما تكون إذا قارن يساره الإعتاق واستمر إلى حالة اعتبار الثلث، فإن حدث إعسار اعتبر؛ لحق الوارث، وإن حدث يسار .. لم يعتبر؛ لمخالفته السنة الصحيحة. ثانيها: قال شيخنا أيضًا: اعتبار الثلث في سراية إعتاق المريض يقتضي أن الزائد عليه يتوقف على إجازة بقية الورثة، وهو بعيد؛ لأن السراية قهرية، فلا تدخلها إجازة، وأيضًا فهو معسر في الزائد على الثلث ومع الإعسار لا سراية، قال: ولم أر من تعرض لذلك. ثالثها: يستثنى من إطلاقه: ما إذا أعتق نصيبه من عبد في مرض موته عن كفارة مرتبة بنية الكفارة بالكل .. فإنه يسري بشرط اليسار، ولا يقتصر على الثلث؛ لأن هذه السراية وقعت عن واجب، وكذا المخيّرة كما حكاه الرافعي عن المتولي، ثم قال: وكأنه تفريع على أنه إذا أوصى به .. أعتق من رأس المال، ورده شيخنا في "تصحيح المنهاج" وقال: إنه جار على الوجهين. ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 114). (¬2) الروضة (12/ 117). (¬3) الروضة (12/ 114).

6403 - قوله: (والميت معسر) (¬1) و"الحاوي" عطفًا على ما لا سراية فيه [ص 701]: (وبعد موت) فيه أمران: أحدهما: أنه يدخل في إطلاقه ما إذا أوصى له بشقص ممن يعتق عليه كأمه، دون وارثه كأخيه لأبيه، فمات بعد موت الموصي وقبل القبول، فقبل أخوه، لكن منقول الإمام عن الأصحاب: أنه يسري كما تقدم ذلك وما فيه، ومثل صاحب "التعليقة" كلام "الحاوي": بما إذا أوصى له ببعض من يعتق على وارثه، وقد عرفت تصحيح الرافعي والنووي فيها عدم السراية (¬2)، وتصحيح شيخنا في "تصحيح المنهاج" السراية. لكن اعترضه القونوي: بأنه لا يعتق على عمه بدخوله في ملكه، وإنما يعتق على أبيه بعد انتقاله إليه بالإرث، فلا يصح التمثيل به، وقد يقال: لا ترد الصورة الأولى على "المنهاج" بتقدير القول بالسراية فيها؛ لأنه يبين مراده بقوله عقب ما تقدم: (فلو أوصى بعتق نصيبه .. لم يسر) (¬3) وقد يقال: ليس في عبارته ما يدل على الحصر في هذه الصورة، ولا شك أنه لو كان جميع العبد له فأوصى بعتق بعضه، فأعتق .. لم يسر. ثانيهما: يستثنى من ذلك صور: إحداها: لو قال: أعتقوا نصيبي وكملوا العتق .. كملناه إن خرج من الثلث، وإلا .. فما يخرج، قال القاضي أبو الطيب: وإنما يكمل باختيار الشريك، وأطلقه الجمهور، وصور الإمام والغزالي الوصية بالتكميل بقوله: اشتروا نصيب شريكي فأعتقوه، فلو قال: أعتقوه عتقًا ساريًا .. فلا سراية بعد الموت، وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج": أن ما قاله القاضي أبو الطيب والإمام والغزالي مردود. الثانية: إذا كاتب شريكان أمة ثم أتت من أحدهما بولد واختارت المضي على الكتابة، ثم مات المستولد وهي مكاتبة .. عتق نصيب الميت وبرئ، وأخذ الشريك من تركة الميت القيمة، حكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن نص "الأم". الثالثة: لو وصى بصرف ثلثه في العتق فاشترى الوصي منه شقصًا وأعتقه، وبقي منه قدر قيمة الباقي .. سرى العتق إليه؛ لأن الشقص الباقي تناولته الوصية، فكان كالوصية بالتكميل، ذكره شيخنا أيضًا، وقال: لم أر من صرح به. الرابعة: إذا أوصى له ببعض ممن يعتق عليه فمات بعد موت الموصي وقبل القبول، فقبل ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 587). (¬2) انظر "الروضة" (12/ 117، 118). (¬3) المنهاج (ص 587).

فصل [في العتق بالبعضية]

وارثه .. فقد تقدم أن الإمام حكى عن الأصحاب: أنه يسري في الثلث، وفيه وقفة (¬1)، وفي "أصل الروضة" في الوصية في هذه الصورة ما يقتضي أنه يسري من غير تقييد بالثلث (¬2)، وهو مخالف للمذكور هنا. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والتحقيق أنه إن كان الموصى له صحيحًا حالة موت الموصي بحيث ينفذ تبرعه من رأس المال، وكان موسرًا بقيمة ما بقي، واستمر يساره .. سرى إلى باقيه من غير تقييد بالثلث؛ لأنه عند السراية التي ثبتت بقبول وارثه المنزل منزلة قبوله كان صحيحًا، وإن كان عند موت الموصى له مريضًا مرض الموت .. اعتبرت السراية من الثلث. الخامسة: أوصى لشخص بمن يعتق عليه فمات بعد موت الموصي وقبل القبول عن اثنين، فقبل أحدهما .. صح قبوله في النصف، وعتق على الميت، وسرى في نصيب القابل، ولا اعتبار بيساره في نفسه، ولا يسري إلى نصيب من لم يقبل، ذكره ابن الحداد وآخرون، وقال الشيخ أبو على: يجب أن لا يقوم على الميت، ويقتصر العتق على القدر المقبول. فصَلٌ [في العتق بالبعضية] 6404 - قول "المنهاج" [ص 587]: (إذا ملك أهل تبرعٍ أصله أو فرعه .. عتق) فيه أمور: أحدها: تبع "المحرر" في التقييد بأهل تبرع (¬3)، ولم يذكر ذلك في "الروضة" ولا في "التنبيه"، ولا معنى له؛ فإن الصبي والمجنون إذا ملكا ذلك .. عتق عليهما، وقد ذكره بعد، ووقع هذا التقييد في "الوجيز" فقال الرافعي: إنه احترز به عن الصبي ونحوه (¬4)، وكأن الرافعي كتب ذلك من غير تأمل. ثانيها: استثنى شيخنا في "تصحيح المنهاج" من ذلك صور: إحداها: إذا اشتراه وألزم البائع البيع .. فلا يعتق عليه؛ لئلا يتضرر بإلزام البائع البيع، فيبقى الخيار للمشتري ويملك المبيع ولا يعتق عليه، قال: ولم أر من تعرض لهذا الفرع، وفي "أصل الروضة" فيما إذا اشترى من يعتق عليه عن الجمهور: أنه يبنى ثبوت خيار المجلس على أقوال الملك في زمن الخيار، فإن قلنا: للبائع .. فلهما الخيار، ولا يحكم بالعتق حتى يمضي زمن ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (19/ 245). (¬2) الروضة (6/ 149). (¬3) المحرر (ص 517). (¬4) انظر "فتح العزيز" (13/ 343).

الخيار، وإن قلنا: موقوف .. فلهما الخيار، وإذا أمضينا العقد .. تبينا أنه عتق بالشراء، وإن قلنا: للمشتري .. فلا خيار له ويثبت للبائع، والأصح: أنه لا يحكم بعتقه حتى يمضي زمن الخيار ثم يحكم يومئذ بعتقه من يوم الشراء (¬1)، وحكى السبكي في الخيار عن الجوري: أنه لا يعتق وإن انقضى الخيار حتى يوفي الثمن؛ لأن للبائع حق الحبس، فأشبه ما لو ورثه مرهونًا. الثانية: سيأتي في "المنهاج" في الكتابة أنه إذا اشترى المكاتب من يعتق عليه وصححناه .. فإنه لا يعتق؛ بل يتكاتب عليه (¬2)، وكذا لو ملكه بهبة أو وصية .. فإنه لا يعتق عليه. الثالثة: المبعض لو ملك ببعضه الحر أصله أو فرعه بشراء أو هبة أو وصية .. لم يعتق عليه، وفي "أصل الروضة" في الأيمان: المذهب: أنه لا يكفر بالإعتاق؛ لتضمنه الولاء والإرث، وليس من أهله (¬3). ثالثها: ظاهر كلامهم أنه يملكه ثم يعتق عليه بعد الملك، وهو المحكي عن الشافعي، واستشكله في "المطلب": بأن البعضية إذا نافت الملك .. فكيف نحكم بوجوده مع اقترانها بسببه؛ ولهذا قال ابن الحداد: إذا قهر مسلم قريبه الحربي .. لا يملكه؛ لأن القرابة دافعة، ولقوة هذا السؤال قال الغزالي: عندي أنه لا يملكه، بل يندفع الملك بموجب العتق، ويترتب العتق على سبب الملك لا على حقيقته (¬4)، واختاره هو أيضًا في تعليق الطلاق تبعًا لأبي إسحاق المروزي (¬5)، وفي آخر "النهاية": إنما جوزنا الشراء ذريعة إلى تخليصه من الرق، وإلا .. فالمقتضي لعدم الملك موجود (¬6). 6405 - قول "المنهاج" [ص 587]: (ولا يشتري لطفل قريبه) كذلك المجنون، فإن فعل .. فالشراء باطل؛ فالممتنع الشراء والملك لا العتق إذا حصل الملك، ولا يخفى أن المراد: قريبه الذي يعتق عليه. 6406 - قوله: (ولو وهب له أو وصى له؛ فإن كان كاسبًا .. فعلى الولي قبوله، ويعتق وينفق من كسبه، وإلا؛ فإن كان الصبي معسرًا .. وجب القبول، ونفقته في بيت المال، أو موسرًا .. حرم) (¬7) فيه أمور: ¬

_ (¬1) الروضة (3/ 434). (¬2) المنهاج (ص 598). (¬3) الروضة (11/ 27). (¬4) انظر "الوسيط" (7/ 482). (¬5) انظر "الوسيط" (6/ 55). (¬6) نهاية المطلب (19/ 490). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 587).

أحدها: أنه اعتبر كسب الأب قبل اعتبار إعسار الابن، وعكس في "الروضة" فقال: فإن كان الصبي معسرًا .. فلوليه قبوله، ويلزمه في الأصح، وظاهر النص، فإذا قبل .. عتق على الصبي، وإن كان موسرًا .. نظر: إن كان القريب بحيث تجب نفقته في الحال .. لم يجز للولي القبول، وإن كان بحيث لا تجب .. فعلى ما ذكرنا في المعسر (¬1)، وكذا عبر في "التنبيه" فقال [ص 145]: (وإن وصى لمولى عليه بمن يعتق عليه؛ فإن كان معسرًا .. لزم الناظر في أمره أن يقبله، وإن كان موسرًا؛ فإن كان ممن لا تلزمه نفقته .. وجب قبوله، وإن كان ممن تلزمه نفقته .. لم يجز قبوله). ثانيها: اعتبار الكسب مخالف للأظهر في النفقات: أن من لا يكتسب من الأصول مع القدرة على الكسب .. تجب نفقته؛ ولذلك لم يعبر به "التنبيه" و"الروضة"، وإنما عبر بوجوب النفقة كما تقدم، وبه عبر الشيخ أبو حامد وأتباعه. ثالثها: لو أوصى لصبي بجده وعمه الذي هو ابن هذا الجد موجود موسر .. لزم الوليّ القبول، ولو كان الجد غير كاسب؛ لأن نفقته في هذه الحالة على العم لا على الصبي، ولا يرد ذلك على التعبير بوجوب النفقة. رابعها: اقتصر في "الأم" و"المختصر" على حال الصبي فقال: (وإن وهب لصبي من يعتق عليه أو أوصى له به ولا مال له وله وصي .. كان عليه قبول هذا كله، ويعتق عليه) (¬2)، ولم يتعرض لكون الموهوب كسوبًا أو غير كسوب. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": عندي لا يجوز القبول إذا كان الصبي موسرًا وإن قلنا: لا تجب النفقة؛ لأنه قد يرفعه إلى حاكم يرى إيجاب النفقة، ولا يكلفه الكسب، فيتضرر الصبي بذلك، ولا يجوز للولي فعل ما فيه خطر على مال الصبي؛ ولهذا لم يفرق الشافعي في مفهوم كلامه بين الكسوب وغيره. خامسها: يرد على "المنهاج": أن نفقته إنما تكون في بيت المال حيث لا يكون له من تجب نفقته عليه بزوجته أو قرابة غير الصبي المذكور. 6407 - قول "التنبيه" فيما إذا أوصى له - أي: للمولى عليه - ببعضه - أي: ببعض من يعتق عليه - وهو موسر لا تلزمه نفقته [ص 145]: (فيه قولان: أحدهما: لا يجوز القبول، والثاني: يلزمه، لكن لا يقوم عليه) صحح النووي في "تصحيح التنبيه" الثاني (¬3)، وتبعه شيخنا الإسنوي ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 133). (¬2) الأم (8/ 15)، مختصر المزني (ص 321). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 446).

في "تصحيحه" (¬1)، لكن الأصح في "أصل الروضة" الأول (¬2)، وقال النشائي: إنه لا سلف للتصحيح فيما صححه (¬3). 6408 - قول "المنهاج" [ص 587، 588]: (ولو ملك في مرض موته قريبه بلا عوض .. عتق من ثلثه، وقيل: من رأس المال) تبع فيه "المحرر" (¬4)، والأصح في "الشرحين" و"الروضة" الثاني حتى يعتق كله وإن لم يكن له مال غيره (¬5)، وعليه مشى "الحاوي" في الوصايا (¬6). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه الأصح الذي يقتضيه نص الشافعي، على أن المحجور عليها بفلس لو أصدقت أباها .. عتق عليها ولم يكن للغرماء منه شيء؛ لأنه يعتق ساعة يتم ملكها عليه، قال شيخنا: وهو المعتمد في الفتوى. 6409 - قول "المنهاج" [ص 588]: (أو بعوض بلا محاباة - أي: من البائع - .. فمن ثلثه، ولا يرث) فيه أمور: أحدها: لا يختص عدم إرثه بشرائه بعوض بلا محاباة، بل يأتي فيما إذا ملكه بلا عوض من إرث أو هبة أو وصية؛ ولعل كلامه يعود للصورتين، وإذا امتنع إرثه مع التبرع ببعضه .. فكيف مع التبرع بكله. ثانيها: علل الأصحاب منع إرثه: بأن عتقه من الثلث وصية، والإرث لا يجامع الوصية، قال الرافعي: كذا أطلقوه وعللوه؛ وكأنه تفريع على بطلان الوصية للوارث، فإن صححناها موقوفة على إجازة الوارث .. لم يمتنع الجمع بينهما، فيحتمل أن يوقف الأمر على الإجازة ويحتمل خلافه (¬7). ثالثها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محل عدم الإرث: إذا لم يبرئ البائع المشتري بعد لزوم البيع، فإن أبرأه .. ورث في الأصح، فإن قيل: ما ملكه إلا بعوض .. قلنا: لم يدخل على الورثة تفويت يحسب من الثلث، فكان من رأس المال، ومن عتق من رأس المال .. كان وارثًا. انتهى. ¬

_ (¬1) تذكرة النبيه (3/ 242). (¬2) الروضة (12/ 133). (¬3) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 131). (¬4) المحرر (ص 517). (¬5) فتح العزيز (13/ 344)، الروضة (12/ 134). (¬6) الحاوي (ص 423). (¬7) انظر "فتح العزيز" (7/ 133).

6410 - قوله: (فإن كان عليه دين .. فقيل: لا يصح الشراء، والأصح: صحته، ولا يعتق: بل يباع للدين) (¬1) فيه أمران: أحدهما: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": تبع فيه الرافعي البغوي، والأصح: أنه لا يصح؛ لأن ترتب العتق على ملك البعض لازم، وهو هنا غير ممكن، فيمتنع التصرف الموصل إلى ما لا يمكن، كما لا يصح القبول فيما إذا وهب للمحجور الموسر شقص من يعتق عليه حيث لا تلزمه نفقته على الأصح في "الروضة" كما تقدم؛ لإفضائه إلى التقويم. ثانيهما: عدم العتق تفريعًا على تصحيح الشراء محله: إذا كان الدين مستغرقًا ولم يبرئ الغرماء الميت من الدين، فإن لم يكن مستغرقًا .. عتق منه ما بقي بعد وفاء الدين إن خرج من الثلث أو إجازة الوارث، وإن أبرأ الغرماء .. عتق من الثلث، ويحتاج في الزائد إلى إجازة الوارث، فإن لم يبرؤا ولكن قالوا: نجيز ما فعل .. فيحتمل أن يقال: الإجازة إنما تكون للوارث؛ لأنه خليفته، ويحتمل أن تصح وتكون تنفيذًا، ولا يجيء فيها القول بأنها ابتداء عطية، والأول أرجح. 6411 - قوله: (ولو وُهب لعبد بعض قريب سيده فقبل وقلنا: يستقل به - أي: وهو الأصح - عتق وسرى، وعلى سيده قيمة باقيه) (¬2) كذا ذكره في "أصل الروضة" أيضًا؛ وعلله: بأن قبول العبد كقبوله شرعًا، وقال النووي: هذا مشكل، وينبغي أن لا يسري؛ لأنه دخل في ملكه قهرًا كالإرث (¬3)، وهذا الذي بحثه النووي قد جزم به في "أصل الروضة" تبعًا للرافعي في الكتابة في تبرعات المكاتب معللًا بأنه قهري، ثم قال: وفي "الوسيط": وجه أنه يسري (¬4). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وعدم السراية هو المعتمد، والذي في "المنهاج" وجه ضعيف غريب لا يلتفت إليه. وقال في "المهمات": الصواب: السراية؛ ولهذا صححوا أن السيد يحلف على البت في نفي فعل عبده؛ وعللوه: بأن فعله كفعله، وهنا أمران: أحدهما: أن محل جواز قبول العبد: ما إذا لم يتعلق وجوب النفقة بالسيد في الحال، فإن تعلق به .. لم يصح قبوله قطعًا. ثانيهما: ومحله أيضًا: في غير المكاتب والمبعض، فإذا وهب للمكاتب بعض من يعتق على سيده .. صح قبوله بغير إذن السيد، ولا يعتق منه شيء ما دامت الكتابة قائمة، فإن عجز نفسه بغير ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 588). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 588). (¬3) الروضة (12/ 135). (¬4) الروضة (12/ 283).

فصل [في العتق في مرض الموت]

اختيار السيد .. ملك السيد ذلك الجزء، ولم يسر، وإن عجزه السيد .. فوجهان، الأصح: لا سراية أيضًا، وصحح شيخنا خلافه، وقد تقدم، وإن وهب للمبعض بعض من يعتق على سيده وبينهما مهايأة؛ فإن كان في نوبة الحرية .. فلا عتق، أو في نوبة الرق .. فكالقن، وإن لم يكن بينهما مهايأة .. فالذي يتعلق بالحرية لا يملكه السيد والذي يتعلق بالرق فيه ما سبق. فصَلٌ [في العتق في مرض الموت] 6412 - قول "المنهاج" [ص 588]: (أعتق في مرض موته عبدًا لا يملك غيره .. عتق ثلثه) فيه أمور: أحدها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": العبارة الوافية بالمقصود أن يقال: عتق كله الآن بمقتضى الظاهر، ولكن لا ينفذ بعد الموت بغير إجازة إلا ما خرج من الثلث، وفائدة العتق ظاهرًا: أنه لو كان المعتق أمة جاز لقريبها تزويجها قبل وفاة معتقها في الأصح، فإن نفذ العتق .. مضى النكاح على الصحة، وإلا؛ فإن رد الورثة أو أجازوا وقلنا: الإجازة عطية منهم .. بأن فساد النكاح، وإلا .. بأن صحته، قال شيخنا: وقضية هذا أنه لو كان العتيق عبدًا وتزوج مستقلًا .. صح تزوجه (¬1) ظاهرًا على الأصح. ثانيها: هذا مقيد بأن لا يكون أعتقه عن عتق واجب كما تقدم نظيره. ثالثها: محله أيضًا: في غير ولد المستولدة من غير السيد الذي ولدته بعد نفوذ الاستيلاد ظاهرًا وباطنًا؛ فهذا له حكم الأم، فإذا أعتقه السيد .. عتق كله الآن ظاهرًا وباطنًا. رابعها: ومحله أيضًا: في غير المكاتب كتابة صدرت في الصحة .. فهذا يخير، فإن اختار العجز .. عتق ثلثه ورق ثلثاه، وإن اختار بقاء الكتابة؛ فإن كانت النجوم مثل القيمة .. فالأصح: أنه يعتق ثلثه وتبقى الكتابة في ثلثيه، وإن كان بينها تفاوت .. اعتبر خروج الأقل من الثلث. خامسها: ومحله أيضًا: في ما إذا مات بعد السيد، فإن مات قبله .. ففيه أوجه: أحدها - وهو الأصح عند الصيدلاني، وبه أجاب الشيخ أبو زيد، ورضيه المحمودي -: أنه يموت كله رقيقًا. والثاني: يموت كله حرًا. قال الأستاذ أبو منصور: وهو المشهور من المذهب، والأول من تخريج ابن سريج، ويوافق موته حرًا ما رجحه الرافعي في موت العبد الموهوب في يد المتّهب قبل موت الواهب المريض بلا ¬

_ (¬1) في النسخ: (تزويجه)، ولعل الصواب ما أثبت، والله أعلم.

مال: أنه لا يجب ضمانه على المتّهب تفريعًا على الأصح، وهو: بطلان الهبة (¬1). والثالث: يموت وثلثه حر وثلثاه رقيق، وهو جواب القفال. 6413 - قوله: (فإن كان عليه دين مستغرق .. لم يعتق منه شيء) (¬2) استثنى منه شيخنا في "تصحيح المنهاج" صورًا: إحداها: إذا أبرأ أصحاب الدين من دينهم .. نفذ العتق لزوال المانع. الثانية: إذا أعتقه عن واجب ككفارة قتل .. فالأرجح: نفوذه، ولو أمكن إعتاق رقبة ببعض قيمته وصرف الباقي إلى الدين. ثالثها: المنذور إعتاقه في حالة الصحة إذا أعتقه في مرض الموت .. نفذ مع الدين المستغرق (¬3). 6414 - قول "التنبيه" في الوصية فيما إذا عجز الثلث عن التبرعات المنجزة في المرض [ص 141]: (وإن كان الجميع عتقا ولم تجز الورثة .. جُزِّؤا ثلاثة أجزاء وأُقْرِع بينهم، وتكتب ثلاثة رقاع ... إلى آخره) محله: إذا استوت قيمتهم وعددهم كما إذا كانوا ثلاثة أعبد وكل عبد منهم ثلث ماله؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 588]: (ولو أعتق ثلاثة لا يملك غيرهم قيمتهم سواء .. عتق أحدهم بقرعة) ودخل في عبارته: ما لو مات أحدهم قبل موت السيد .. فيدخل في القرعة، وهو المذهب، وينبغي تقييده بأن يكون إعتقاهم دفعة واحدة، فلو أعتقهم مرتبًا .. قدم الأول فالأول، والقرعة لا تحصل العتق، وإنما تميز العتيق، والعتق حاصل من وقت إعتاق المريض، وقوله: (عتق احدهم بقرعة) (¬4) يفهم خلافه. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ينبغي أن يقول: عتقوا كلهم الآن ظاهرًا، وإنما ينفذ بعد الموت بغير إجازة لمن تخرج القرعة له إذا خرج من الثلث كما تقدم له نظيره. 6415 - قولهما - والعبارة لـ "المنهاج" -: (والقرعة: أن تؤخذ ثلاث رقاع متساوية ... إلى آخره) (¬5)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": أخذ ثلاث رقاع إنما يكون في قرعة التجزئة فيما إذا أعتق ثلاثة فأكثر، فأما قرعة لا تجزئة فيها؛ كما إذا أعتق عبدين .. فإنه ليس فيها أخذ ثلاث رقاع، وقد نص على ذلك في "الأم" (¬6)، وجرى عليه الأصحاب، ومقتضى كلامهما: أنه ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (7/ 221). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 588). (¬3) انظر "مغني المحتاج" (4/ 502)، و"حاشية الرملي" (4/ 447). (¬4) المنهاج (ص 588). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 141)، و"المنهاج" (ص 588). (¬6) الأم (8/ 6).

لا يجوز الاقتصار في الصورة الأولى على رقعتين في إحداهما عتق والأخرى رق، وفيه وجهان بلا ترجيح في "الروضة" (¬1)، قال الإمام: والأوْجَه: أنه احتياط (¬2). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو الأصح؛ إذ ليس فيه إلا أنا إذا أخرجنا رقعة على عبد فخرج فيها رق يحتاج إلى إدراجها في بندقتها مرة أخرى .. فيكون ثلاث أرجح من رقعتين، لا أنه ممنوع منه. انتهى. وقال شيخنا ابن النقيب: كلامهم يدل على الوجوب. انتهى (¬3). ولا يتعين للقرعة الكتابة على الرقاع، فتجوز بأقلام متساوية، وبالنوى والبعر ونحو ذلك؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 695]: (ويقرع بخشب ونوى) فإن تفاوتت؛ كدواة وقلم وحصاة .. فمنعه الصيدلاني، وتوقف فيه الرافعي (¬4). 6416 - قول "المنهاج" [ص 588]: (ويجوز أن تكتب أسماؤهم ثم تخرج رقعة على الحرية، فمن خرج اسمه .. عتق ورقَّا) مقتضاه: تعينه، وليس كذلك، بل له إخراج رقعة على الرق، ولكن الأول أولى؛ لأنه أقرب إلى فصل الأمر. 6416/ 1 - قوله: (وإن كانوا ثلاثة، قيمة واحد مئة، وآخر مئتان وآخر ثلاث مئة .. أقرع بسهمي رق وسهم عتق) (¬5) أي: إن أردنا كتبة الرق والحرية ليخرج على الأسماء، وله عكسه، وهو كتابة أسماء العبيد .. فيكمل الإخراج على الرق والحرية إلى أن يستوفي. 6417 - قوله: (وإن كانوا فوق ثلاثة وأمكن توزيعهم بالعدد والقيمة كستة قيمتهم سواء .. جعلوا اثنين اثنين) (¬6) كذا لو كان قيمة ثلاثة منهم مئة مئة، وثلاثة خمسين خمسين .. فيضم إلى كل نفيس خسيس. 6418 - قوله: (وإن تعذر بالقيمة - أي: والعدد أيضًا - كأربعة قيمتهم سواء .. ففي قول: يجزؤون ثلاثة أجزاء: واحد وواحد واثنان؛ فإن خرج العتق لواحد .. عتق ثم أقرع لتتميم الثلث) (¬7) معناه: أنه يقرع بين الثلاثة، فمن خرج له سهم الحرية .. عتق ثلثه، كذا قال الرافعي (¬8). ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 146). (¬2) انظر "نهاية المطلب" (19/ 231). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 352). (¬4) انظر "فتح العزيز" (13/ 358). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 588). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 589). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 589). (¬8) انظر "فتح العزيز" (13/ 362).

قال شيخنا ابن النقيب: ويحتاج إلى تأمل؛ فإنه إن خرج للواحد .. عتق ثلثه، وهذا واضح، وإن خرج للاثنين .. فكيف يفعل هل يعتق من كل منهما سدسه أم يقرع بينهما ثانيًا، فمن خرجت له القرعة .. عتق ثلثه؟ لم أر من ذكره (¬1). قلت: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": المقصود من قوله: (ثم أقرع لتتميم الثلث) أن القرعة تعاد بين الثلاثة، وأنهم مجزؤون أثلاثًا، فمن خرج له سهم الحرية .. عتق ثلثه، وقد صرح به البغوي في "التهذيب" (¬2)، ولا بد منه. 6419 - قوله: (وفي قول: يكتب اسم كل عبد في رقعة، فيعتق من خرج أولًا وثلث الثاني) (¬3)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وقع في بعض النسخ (الباقي) بالباء الموحدة والقاف، وفي بعضها (الثاني) بالثاء المثلثه والنون، وهو الصواب. واعترض في "التوشيح" عليه: بأنه توهم أنه يعتق ثلث الثاني من غير إعادة قرعة، وشرطه: إعادة القرعة، وهو في "المحرر" على الصواب (¬4). وجوابه: أن مراده: ثلث الذي خرجت عليه القرعة ثانيًا؛ فإن تسميته ثانيًا إنما هو باعتبار خروج القرعة عليه بعد الأول، وإلا .. فمن أين جاء له هذا الاسم. 6420 - قوله: (والقولان في استحبابٍ، وقيل: إيجابٍ) (¬5) تبع في ترجيح الاستحباب "المحرر" (¬6)، وعليه يدل كلام "الحاوي" في القسمة؛ حيث قال [ص 695]: (وإن تعذر متقاربة؛ كثلاثتين واثنين يعتق ثلث ثمانيةٍ متساويةٍ، وبالأقرب إلى الفصل) فخير بينهما، وحكاه الرافعي عن القاضي حسين واختيار الإمام، قال: وبالإيجاب قال الصيدلاني، وهو الموافق لإيراد الأكثرين (¬7)، وتبعه في "الروضة" فقال: إنه مقتضى كلام الأكثرين (¬8). وحكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن نص الشافعي في "الأم" حيث قال: (ولا يجوز عندي أبدًا أن أقرع بين الرقيق قلُّواْ أو كثروا إلا على ثلاثة أسهم) (¬9). 6421 - قول "المنهاج" [ص 589]: (وإذا أعتقنا بعضهم بقرعة فظهر مال وخرج كلهم من ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 354). (¬2) التهذيب (8/ 377). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 589). (¬4) المحرر (ص 518). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 589). (¬6) المحرر (ص 518). (¬7) فتح العزيز (13/ 362، 363)، وانظر "نهاية المطلب" (19/ 233). (¬8) الروضة (12/ 149). (¬9) الأم (8/ 6).

الثلث .. عتقوا، ولهم كسبهم من يوم الإعتاق، ولا يرجع الوارث بما أنفق عليهم)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا الإطلاق ممنوع، وتفصيله أن الوارث إن علم بالحال وكتمه .. فهو متبرع لا يرجع، وإن جهله؛ فإن استخدمهم وأنفق عليهم على ظن أنهم عبيده .. فلهم الرجوع عليه بأجرة المثل ويرجع هو بما أنفق عليهم، وإن لم يستخدمهم واكتسبوا كسبًا .. فقد بأن أنه لهم، فيأخذون كسبهم ويرجع الوارث عليهم بما أنفق، ولا سيما إن ألزمه الحاكم بذلك، وكذا لو كان محجورًا بفلس فأنفق القاضي من ماله عليهم لصغر أو جنون أو سفه، فأنفق عليهم وليه .. ثبت الرجوع، وقد نص الشافعي في المكاتب إذا جُنَّ وحل النجم وليس له مال ظاهر، فعجزه السيد بمحضر من الحاكم .. فإن الحاكم يوجب نفقته على السيد، فلو ظهر للمكاتب مال .. يرد عجزه ويعتق عليه المكاتب ويرجع السيد بما أنفق عليه (¬1). ولما ذكر القاضي حسين أن الوارث لا يرجع .. قال: كما إذا أنفق على زوجته ثم بأن فساد النكاح، ثم قال: وهذا ظاهر فيما إذا كان عالمًا بفساد النكاح، فإن كان جاهلًا .. فيحتمل أن يقال: يأخذ منها النفقة، وهكذا في مسألة العبيد. قال شيخنا: ونحن نقطع في مسألة العبيد بأنه يرجع عليهم مع الجهل؛ لأنهم حصل لهم أجرة المثل أو الأكساب، ولم يحصل للزوجة شيء من ذلك، فأمكن أن يقال: لا يرجع عليها بما أنفق حالة الجهل، قال: ولما ذكر البغوي أنه لا يرجع .. قال؛ لأنه كان متبرعًا بالإنفاق، لم يكن معذورًا؛ كمن نكح امرأة نكاحًا فاسدًا على ظن أنه صحيح، ثم فرق القاضي بينهما .. لا رجوع للزوج بما أنفق عليها (¬2). قال شيخنا: ومقتضاه: أنه عالم، وأنه لو جهل .. رجع، ولكن يخالفه قوله: كمن نكح فاسدًا على ظن أنه صحيح، فوقعت المسألة في "التهذيب" غير محررة، ولا نسلم أنه متبرع، بل هو لازم له بمقتضى الظاهر، فإن حكم به عليه حاكم، أو كان محجورًا فأنفق الولي، أو مفلسًا فأنفق الحاكم .. ينبغي أن يرجع عليهم قولًا واحدًا؛ ويشهد للرجوع ما إذا زوجت لاثنين وعرف عين السابق ثم نسي وأوجبنا الإنفاق عليهما، فأنفقا ثم عرف السابق .. فإن الثاني يرجع عليه بما أنفق. 6422 - قول "التنبيه" فيما إذا أعتق إحدى أمتيه [ص 145]: (وإن وطئ إحداهما .. كان ذلك تعيينًا للعتق في الأخرى، وقيل: لا يكون تعيينًا) أقره النووي وشيخنا الإسنوي على ترجيح الأول (¬3)، ¬

_ (¬1) انظر "حاشية الرملي" (4/ 453). (¬2) انظر "التهذيب" (8/ 379). (¬3) تصحيح التنبيه (1/ 443: 446)، تذكرة النبيه (3/ 242).

وصححه في "البحر"، وفي "أصل الروضة": فيه وجهان كما في الطلاق، قال ابن الصباغ: وكونه تعيينًا هو قول أكثر الأصحاب. انتهى (¬1). فإحالته على الطلاق تقتضي استواء الترجيح، والراجح في الطلاق: أنه لا يكون تعيينًا؛ ففي زيادة "الروضة" أنه الأصح عند الرافعي في "المحرر"، وهو المختار، قال في "الشامل": وهو ظاهر نص الشافعي رحمه الله؛ فإنه قال: إذا قال: إحداكما طالق .. منع منهما، ومن يقول: الوطء تعيين .. لايمنعه وطء أيتهما شاء (¬2). 6423 - قوله: (وإن أعتق أحدهما بعينه ثم أشكل .. ترك حتى يتذكر، فإن مات .. قام وارثه مقامه) (¬3) كذا جزم به هنا، وحكى في نظيره من الطلاق خلافًا، وظاهر كلام "الكفاية" انفراده بذلك. 6424 - قوله: (فإن قال الوارث: لا أعرف .. أقرع بينهما في أحد القولين) (¬4) هو الأصح. * * * ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 153). (¬2) الروضة (8/ 105). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 145). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 145).

باب الولاء

بابُ الولاء 6425 - قول "التنبيه" [ص 149]: (من عتق عليه مملوك بملك، أو بإعتاقه، أو بإعتاق غيره عنه بإذنه أو بتدبيره أو بكتابته أو باستيلاده .. فولاؤه له) مثل قول "المنهاج" [ص 590]: (بإعتاق أو كتابة وتدبير واستيلاد وقرابة وسراية) لدخول إعتاقه وإعتاق غيره عنه بإذنه تحت إطلاق "المنهاج" الإعتاق، والعتق بالملك هو في القرابة والسراية داخلة في الإعتاق؛ إذ لولا الإعتاق .. لما سرى، ولا يقال: قد أهملا التماس العتق من مالك العبد على مال أو مجانًا؛ لدخوله في إعتاق غيره عنه بإذنه وفي إطلاق الإعتاق، وإن عطفه في "الروضة" على الإعتاق (¬1)، وأورده شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقد يقال: ذكر الكتابة والتدبير من عطف الخاص على العام؛ لأنهما تعليق عتق بصفة، والتعليق مع وجود الصفة إعتاق. ويرد عليهما: بيع العبد من نفسه؛ فإن له عليه الولاء على المذهب، ولم يشمله كلامهما، وقد صرح به "الحاوي" في الفرائض فقال [ص 413]: (ثم المعتق، ولو بعوض وبيعه منه). وقد يرد عليهم: من يعتقه الإمام من عبيد بيت المال .. فإنه يثبت الولاء عليه للمسلمين لا للمعتق، وقد يقال: خرج ذلك بقول "التنبيه" [ص 149] و"المنهاج" [ص 590]: (عتق عليه) فإنه لم يعتق على الإمام، وفهم من قول "التنبيه" [ص 149]: (بإعتاق غيره عنه بإذنه) أنه لو كان بغير إذنه .. لم يقع العتق عن المعتق عنه، وإنما يقع عن المعتق، وبه صرح الرافعي (¬2)، وانعكس ذلك على النووي في "الروضة" فقال: وقع العتق عن المعتق عنه، وله الولاء دون المعتق، وصحح عليه بخطه (¬3). قال في "المهمات": وهو خطأ فاحش، قال: وفي الظهار عن البغوي: أنه لو قال: أعتق عبدك عني على ألف، فقال: أعتقته عنك مجانًا .. عتق عن المعتق دون المستدعي (¬4)، قال: ومسألتنا أولى منها بذلك. انتهى. 6426 - قول "التنبيه" [ص 149]: (فإن عتق على المكاتب عبد .. ففي ولائه قولان، أحدهما: أنه لمولاه، والثاني: أنه موقوف على عتقه، فإن عتق .. فهو له، وإن عجز نفسه .. فهو ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 170). (¬2) انظر "فتح العزيز" (13/ 384). (¬3) الروضة (12/ 170). (¬4) انظر "التهذيب" (6/ 174).

لمولاه) الأصح: الثاني، والمسألة مبنية على جواز إعتاقه بإذن سيده، والأصح: منعه؛ فهي مبنية على ضعيف. 6427 - قوله: (ومن ثبت له الولاء، فمات .. انتقل ذلك إلى عصبته) (¬1) و"المنهاج" [ص 590]: (فولاؤُه له ثم لعصبته) يقتضي أنه لا يثبت الولاء للعصبة إلا بعد موت المعتق، وليس كذلك؛ فالولاء ثابت لهم في حياة المعتق على المذهب المنصوص في "الأم" في المسلم يعتق عبدًا نصرانيًا ويموت العتيق في حياة المعتق وله أولاد ذكور نصارى على دين العتيق .. أنهم يرثونه وإن كان أبوهم المعتق حيًا، وهو مذكور في "الروضة" وأصلها في الدوريات في الوصايا، ولو لم يثبت لهم الولاء إلا بعد موته .. لم يرثوا، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج". وقال السبكي: يتلخص للأصحاب فيه وجهان: أصحهما: أنه لهم معه، لكن هو المقدم فيما يمكن جعله له كإرث المال ونحوه. والثاني: لا يكون لهم إلا بعد موته، لا بطريق الانتقال الذي هو الإرث كما أوهمته عبارة "التنبيه". انتهى. وسلم من ذلك "الحاوي" فإنه لم يذكر ترتب عصبة المعتق على المعتق في الولاء، وإنما ذكر ترتبهم عليه في الإرث (¬2)، وذلك لا ينافي إرثهم مع وجوده إذا قام به مانع من الإرث، والمراد هنا: العصبة الذين يتعصبون بأنفسهم لا بغيرهم كما في الأولاد الذكور والإناث والإخوة والأخوات، ولا مع غيرهم كالأخوات مع البنات، وصرح بذلك "المنهاج" في الفرائض فقال [ص 343]: (فلعصبته بنسب المتعصبين بأنفسهم لا لبنته وأخته). 6428 - قول "المنهاج" [ص 590]: (ولا ترث امرأة بولاء إلا من عتيقها وأولاده وعتقائه) مكرر تقدم ذكره في الفرائض (¬3)، ويرد على تعبيره هنا ولد العتيقة الذي علقت به بعد العتق من حر أصلي؛ فإن الأصح: أنه لا ولاء عليه لأحد مع دخوله في عبارته، ولا يرد ذلك على قوله في الفرائض: (ولا ترث امرأة بولاء إلا معتقها أو منتميًا إليه بنسب أو ولاءٍ) (¬4) ولا على قول "التنبيه" [ص 150]: (ولا ترث النساء بالولاء إلا من أعتقن، أو أعتق من أعتقن، أو جر الولاء إليهن ممن أعتقن)، وأشار "الحاوي" لهذه الصورة بقوله [ص 414]: (أو معتق أصل من مس الرق أحد آبائه) فإن هذا لم يمس الرق أحد آبائه، وإنما مس أمه، وذكر في "الكفاية" أن قول "التنبيه": ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 149). (¬2) الحاوي (ص 700). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 343). (¬4) المنهاج (ص 343).

(أعتقن) يخرج ما إذا عتق عليها قريبها بالملك؛ لأنه فصل أول الباب العتق إلى عتق بالملك وعتق بالإعتاق، وليس كذلك، بل لها ولاؤه اتفاقًا. 6429 - قول "التنبيه" فيما لو نكح عبد معتقة [ص 149]: (فإن أعتق جده والأب مملوك .. فقد قيل: لا ينجر من موالي الأم إلى موالي الجد، وقيل: ينجر) الأصح: الانجرار، وعليه مشى "المنهاج" (¬1)، و"الحاوي" بقوله [ص 414]: (وتجر ولاء غيره) أي: جهة الأب، فدخل في عبارة الجد؛ ولأجله عدل عن التعبير بالأب للتعبير بجهة الأب، وظاهر كلام "التنبيه" أنه لو كان الأب ميتًا .. انجر قطعًا، وبه جزم "المنهاج" (¬2)، وهي الطريقة التي عليها أكثر الأصحاب، كما قال ابن الصباغ. 6430 - قول "التنبيه" في الوجه الأول [ص 149]: (لا ينجر) ظاهره عدم الانجرار ولو مات الأب بعد ذلك، وعبارة "المنهاج" [ص 590]: (وقيل: يبقى لمولى الأم حتى يموت الأب فينجر إلى موالي الجد) فصرح بانجراره بعد موته، وفي ذلك وجهان حكاهما الرافعي، وقال: قطع البغوي بالانجرار (¬3). قال النووي: وهو أقوى (¬4)، لكن صحح الشيخ أبو علي: عدم الانجرار، وخرج بكون الأم معتقه: ما إذا كانت حرة الأصل .. فإنه لا ولاء على الولد أصلًا، والصورة: أن الأب رقيق، فإن أعتق الأب .. فهل يثبت عليه لموالي الأب؟ قال الشيخ أبو على: فيه جوابان سمعتهما من شيخي في وقتين، وهما محتملان، كذا في "أصل الروضة" (¬5). وقال شيخنا الإمام البلقيني: الأرجح من الجوابين: الثبوت. واعلم: أن لفظ الانجرار وقع في كلام الفقهاء، وأنكره القاضي أبو الطيب، وقال: إن الصواب أن يقال: بطل ولاء موالي الأم، ولا ينبغي إنكار ذلك؛ فإن هذا هو المراد، والمعنى فيه مفهوم، والله أعلم. وذكر صاحبا "التعليقة" و"المصباح": أن قول "الحاوي" [ص 414]: (وتجر ولاء غيره) احتراز عما لو اشترى هذا الولد أباه، فعتق عليه الأب .. فإنه لا ينجر ولاء نفسه إليه من معتق الأم، بل يستمر الولاء لمعتق الأم؛ إذ يبعد أن يثبت للإنسان الولاء على نفسه، وهذا هو الأصح ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 590). (¬2) المنهاج (ص 590). (¬3) انظر "فتح العزيز" (13/ 390). (¬4) انظر "الروضة" (12/ 172). (¬5) الروضة (12/ 171).

في "الشرحين" و"الروضة" و"المنهاج" (¬1)، وصحح في "المحرر": الانجرار (¬2). قال في "المهمات": والظاهر أنه سهو. وعلى ما ذكراه يكون الضمير في قول "الحاوي" [ص 414]: (غيره) للشخص نفسه لا للأب، وهو بعيد، والكلام إنما سبق لبيان جر الولاء من جهة غير الأب التي هي جهة الأم، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) فتح العزيز (13/ 390)، الروضة (12/ 172)، المنهاج (ص 590). (¬2) المحرر (ص 520).

كتاب التدبير

كتابُ التَّدبير 6431 - قول "التنبيه" [ص 145]: (التدبير: أن يقول: "أنت حر بعد موتي" أو "إن مت من مرضي هذا، أو في هذا البلد .. فأنت حر") و"المنهاج" [ص 591]: (صريحه: "أنت حر بعد موتي"، أو "إذا مت أو متى مت .. فأنت حر"، أو "أعتقتك بعد موتي") يرد على الحصر: ما لو قال: حررتك بعد موتي، أو إذا مت .. فأنت عتيق، ونحو ذلك من الصيغ التي تؤدي هذا المقصود، فلو قالا مثل كذا .. كان أولى؛ ولهذا قال "الحاوي" [ق 103]: (التدبير: تعليق [العتق] (¬1) بموته) (¬2)، ونازع شيخنا في "تصحيح المنهاج" في قوله: (أعتقتك بعد موتي، أو حررتك بعد موتي) لأن الفعل الماضي لا يكون في جواب الشرط أو ما نزل منزلته إلا وعدًا، لا جوابًا لازمًا؛ ولأنه محال؛ لأنه بعد موته لا يملك إعتاق عبده؛ وأيده بنص الشافعي على أنه لو قال: (إن أعطيتني ألف درهم .. طلقتك) .. كان وعدًا، ولا يلزمه أن يطلقها، وقال: لم أره في غير "تهذيب البغوي" (¬3). 6432 - قول "التنبيه" [ص 145]: (فإن قال: "دبرتك"، أو "أنت مدبر" .. ففيه قولان) صحح النووي في "تصحيح التنبيه": الصحة (¬4)، وهو يقتضي موافقته على طريقة القولين، لكنه تبع في "الروضة" الرافعي في ترجيح طريقة القطع، فقال: النص أنه صريح، ويعتق إذا مات السيد، ونص في الكتابة: أن قوله: كاتبتك على كذا لا يكفي حتى يقول: فإذا أديت .. فأنت حر أو ينويه، وفيهما طريقان؛ فقيل: قولان، والمذهب: تقرير النصين (¬5). وأشار "المنهاج" للطريقين بقوله [ص 591]: (وكذا "دبرتك" أو "أنت مدبر" على المذهب)، وليس فيه ترجيح طريقة القطع. ورد شيخنا على طريقة القطع: بأن في "الأم": (ولو قال لأمته: ولدك ولد مدبر .. لم يكن هذا تدبيرًا إلا أن يريد به تدبيرًا) (¬6)، وقال: يعني: إلا أن يريد به تدبيرًا تحصل به الحرية بعد الموت، قال: ومن قطع إنما هو لعدم الوقوف على هذا النص، والله أعلم. ¬

_ (¬1) في (ب)، (ج): (المعتق) والمثبت من (د) ومن "الحاوي الصغير" (ق 103). (¬2) سقط باب التدبير من المطبوع من كتاب "الحاوي الصغير"، ووقفت عليه في المخطوط فتأمل؟ ! ! (¬3) انظر "حاشية الرملي" (4/ 464). (¬4) تصحيح التنبيه (1/ 448). (¬5) فتح العزيز (13/ 408، 409)، الروضة (12/ 186)، وانظر "الأم" (8/ 47). (¬6) الأم (8/ 27).

6433 - قول "المنهاج" [ص 591]: (ويصح بكناية عتق مع نية كخليت سبيلك بعد موتي) نازع فيه شيخنا في "تصحيح المنهاج" لأن خليت فعل ماض كما تقدم عنه مثله في قوله: أعتقتك بعد موتي. 6434 - قوله: (ويجوز مقيدًا؛ كـ "إن مِتّ في هذا الشهر أو المرض .. فأنت حر") (¬1) و"الحاوي" [ق 103]: (ولو مقيدًا)، وتقدم عن "التنبيه" (¬2). مثله نازع فيه شيخنا في "تصحيح المنهاج" وقال: إنه مخالف لنص "الأم" حيث قال: (ولو قال: أنت حر إن مت من مرضي هذا أو في سفري هذا أو في عامي هذا .. فليس هذا بتدبير، وإذا صح ثم مات من غير مرضه ذلك .. لم يكن حرًا، والتدبير: ما أثبت السيد التدبير فيه للمدبر) (¬3) يعني: من غير قيد يتعلق بالموت، وفي "مختصر البويطي": (فهذه وصية، ليس بتدبير ولم أجد للشافعي نصًا يخالفه، وحكاه الرافعي، ورجح خلافه (¬4)، وهو ممنوع؛ فقد ظهر أن مذهب الشافعي: أنه وصية يصح الرجوع فيه، وإن لم نر أحدًا من الأصحاب قاله. 6435 - قولهم - والعبارة "للمنهاج" -: (ومعلقًا؛ كـ "إن دخلت .. فأنت حر بعد موتي") (¬5) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": مقتضاه: أنه قبل الدخول غير مدبر، وأن الموجود تعليق غير تدبير؛ وذلك يقتضي أنه لا يجوز الرجوع فيه قولًا واحدًا، وهو مردود؛ ففي جواز الرجوع عنه بالقول القولان في التدبير؛ لأن هذا تعليق للتدبير، والتعليق لا يزيد على التنجيز، قال: ولم أر من تعرض لذلك، وهو من الدقائق. 6436 - قول "المنهاج" [ص 591]: (فلو قال: "إن مت ثم دخلت .. فأنت حر" .. اشترط دخول بعد الموت) وكذا قوله بعده: (ولو قال: "إذا مت ومضى شهر .. فأنت حر") وفي معناه قول "الحاوي" [ق 103]: (وبزمن قبله وبعده)، يرد عليهما: أن الأصح في تعليقه بزمن بعد الموت أو فعل بعد الموت: أنه ليس تدبيرًا، وإنما هو تعليق كسائر التعليقات، فلا يرجع فيه بالقول مطلقًا، وأما تعليقه بزمن قبله .. فذكر بعضهم أنه من أفراد "الحاوي". 6437 - قول "المنهاج" [ص 591]: (ولو قال: "أنت حر بعد موتي إن شئت" .. اشترطت المشيئة متصلة) تبع فيه "المحرر" (¬6)، ولا يخفى أن محله: إذا لم يقل: إن شئت بعد الموت، ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 591). (¬2) التنبيه (ص 145). (¬3) الأم (8/ 17). (¬4) انظر "فتح العزيز" (13/ 410). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 145)، و"الحاوي" (ق 103)، و"المنهاج" (ص 591). (¬6) المحرر (ص 521).

أو ينوي ذلك، وقد ذكر في "أصل الروضة" هاتين الصورتين، وحكى عن الإمام والغزالي أنه لا يشترط الفور بعد الموت، وأن الإمام نفى الخلاف فيه، وأن في "التهذيب" وغيره وجهين في: (إذا مت وشئت بعد موتي) في الفور، قال: والصورة كالصورة (¬1). واقتضت عبارة "المنهاج" في حالة الإطلاق أن القبول في الحال، ولم يتعرض لذكر هذه الحالة في "الشرح" و"الروضة"، وذكرها في "التهذيب" كما في "المنهاج". وفي "أصل الروضة" فيما إذا قال: (إن مت .. فأنت حر إن شئت) .. أنه يحتمل أن يراد المشيئة في الحياة، ويحتمل المشيئة بعد الموت، فيراجع ويعمل بمقتضى إرادته؛ فإن قال: أطلقت ولم أنو شيئًا .. فالأصح: حمله على المشيئة بعد الموت، وأجاب الأكثرون منهم العراقيون وشرطوا: أن تكون المشيئة بعد الموت على الفور، ومقتضى ما سبق عن الإمام والغزالي: أنه لا يشترط الفورُ (¬2)، وذكر "الحاوي" هذه الصورة فقال [ق 103]: (وإن علق؛ كـ "إذا مت .. فأنت حر إن شئت"، وشاء بعده)، وهو محمول على ما إذا لم يرد المشيئة في الحياة كما تقدم، ولا فرق بين هذه الصورة والتي في "المنهاج"، فينبغي حمل التي في "المنهاج" على ما إذا أراد المشيئة في الحياة. 6438 - قول "المنهاج" [ص 591]: (فإن قال: "متى شئت" .. فللتراخي) قد يفهم الاكتفاء بالمشيئة بعد موت السيد، وليس كذلك، بل يشترط كونها في حياته؛ ولهذا قال "الحاوي" [ق 103]: (ومتى شئت في الحياة) ومحله: ما إذا لم يصرح بمشيئته بعد الموت أو ينويه .. فيشترط حينئذ كونها بعده. 6439 - قول "المنهاج" [ص 591]: (ولو قالا لعبدهما: "إذا متنا .. فأنت حر" .. لم يعتق حتى يموتا، فإن مات أحدهما .. فليس لوارثه بيع نصيبه) قد يفهم أنه تدبير، وليس كذلك مطلقًا، بل فيه تفصيل؛ وهو أنهما إن ماتا معًا .. فهو عتق بتعليق لا تدبير؛ لأنه معلق بموته وموت غيره، والتدبير: أن يعلق بموت نفسه، وإن ماتا مرتبًا .. فنصيب الميت أولًا ليس مدبرًا، والصحيح: أنه صار بموته نصيب الثاني مدبرًا؛ لتعليق العتق بموته (¬3). 6440 - قول "التنبيه" [ص 145 - 146]: (وإن كان عبد بين اثنين، فدبراه، ثم أعتق أحدهما نصيبه .. لم يقوم عليه نصيب شريكه في أصح القولين، ويقوم في الآخر) أقره النووي في "تصحيحه" على تصحيح الأول، لكنه صحح في "أصل الروضة" تبعًا للرافعي الثاني (¬4). ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 189)، وانظر "نهاية المطلب" (19/ 316)، و"الوجيز" (2/ 277)، و "التهذيب" (8/ 408). (¬2) الروضة (12/ 190). (¬3) انظر "الروضة" (12/ 188). (¬4) في (د): (وعليه مشى "الحاوي" فقال: "وإن دبر").

6441 - قوله: (وفي الصبي المميز والمبذر قولان) (¬1) فيه أمران: أحدهما: الأظهر: بطلانه من الصبي المميز، وعليه مشى "المنهاج" (¬2)، والمعتمد في التمييز كونه ابن سبع سنين، وهي الحالة التي يؤمر فيها بالصلاة ويخير فيها بين الأبوين، ولا يكتفى بسن التمييز المعتبر عند المحدثين في صحة السماع وهو أربع أو خمس، وصور الشيخ أبو حامد المسألة بالمراهق. ثانيهما: والأظهر: صحته من المبذر، بل رجح في "أصل الروضة" القطع به (¬3)، وجزم به في "المنهاج" (¬4)، ومحل الخلاف في المحجور عليه، أما المبذر بلا حجر .. فلا خلاف في صحة تدبيره. 6442 - قول "المنهاج" [ص 592]: (ولحربي حمل مُدَبَّره إلى دارهم) لا يخفى أن ذلك في المدبر الكافر، وبه صرح في "أصل الروضة" (¬5). ويدل له قوله بعد ذلك فيما لو دبر كافر كافرًا فأسلم: (نزع من يده) (¬6)، وفي معنى مدبره: مستولدته، بخلاف مكاتبه. 6443 - قوله: (ولو كان لكافر عبد مسلم فدبره .. نُقض وبيع عليه) (¬7)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه غير مستقيم؛ فإنه إن كان الذي ينقضه هو الحاكم قهرًا .. لم يستقم قطعًا؛ فإن القولين في الرجوع عنه بالقول إنما هما في المالك، وإن كان الذي ينقضه هو المالك .. فهو محصور في رجوعه بالقول، وفيه القولان، ولا يستقيم أن يراد نقض المالك بالفعل؛ لقوله بعده: (وبيع عليه) ثم إن مقتضاه: نقض التدبير قبل البيع، وليس كذلك قطعًا. قلت: الظاهر: أنه إنما أراد: أن تدبيره له باطل؛ فإنه لا ينفذ تصرفه فيه إلا بما يزيل الملك، أو ما في معناه وهو الكتابة، وأريد بنقض ذلك: إظهار بطلانه، لا إنشاء ذلك؛ كنقض الحكم الباطل إنما يراد به إظهار بطلانه، والله أعلم. 6444 - قولهما - والعبارة "للتنبيه" - فيما إذا دبر الكافر عبده الكافر فأسلم العبد: (أنه إن رجع في التدبير .. بيع عليه) (¬8) يفهم جواز رجوعه فيه بالقول، والصحيح خلافه كما سيأتي. ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 145). (¬2) المنهاج (ص 591). (¬3) الروضة (12/ 192). (¬4) المنهاج (ص 591). (¬5) الروضة (12/ 193). (¬6) المنهاج (ص 592). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 592). (¬8) انظر "التنبيه" (ص 146)، و"المنهاج" (ص 592).

6445 - قول "المنهاج" [ص 592]: (والتدبير: تعليق عتق بصفة، وفي قول: وصية)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم أجد في كلام الشافعي القول بأنه تعليق عتقه بصفة، وإنما أخذه الأصحاب من منع الرجوع عنه بالقول، وهو ممنوع؛ لأنه يجوز أن يكون وصية فيها شائبة التعليق؛ فامتنع الرجوع فيها بالقول على قول لذلك المعنى، وذكر الغزالي القولين في التغليب، فيكون التدبير وصية بلا خلاف، وإنما الخلاف في جواز الرجوع عنه بالقول، وفي "الأم" نصوص تدل على ما قررته فوق الثلاثين نصًا، ثم بسط ذلك. 6446 - قول "التنبيه" [ص 146]: (وإن وهبه ولم يقبضه .. بطل التدبير، وقيل: لا يبطل) أقره النووي في "تصحيحه" على ترجيح الأول، لكنه مبني على أنه وصية؛ فإن قلنا بأنه تعليق عتق بصفة .. لم يبطل، ومقتضى البناء: ترجيح الثاني، وهو الأصح في "أصل الروضة" (¬1)، وفيه ما تقدم. 6447 - قولهم - والعبارة "للتنبيه" -: (وهل يجوز - أي: الرجوع عنه - بالقول؟ فيه قولان، أصحهما: أنه لا يجوز) (¬2) صحح شيخنا في "تصحيح المنهاج" مقابله؛ وعلله: بأنه وصية، ولا نظر إلى شائبة التعليق، قال: وإنزاله منزلة التعليق يؤدي إلى تعليق العتق على الحالة التي لا ملك فيها للمعلق، وهو باطل بلا خلاف، قال: وهو الذي صححه المزني والربيع، واختاره القاضي أبو الطيب والروياني والموفق بن طاهر والغزالي في "الخلاصة" (¬3). 6448 - قول "المنهاج" [ص 592]: (فإن أولدها - يعني: المدبرة - .. بطل تدبيره) و"الحاوي": (فيما يبطل التدبير والإيلاد) أحسن من قول "التنبيه" [ص 146]: (وإن دبر جاريته ثم أحبلها .. بطل التدبير) لأنه لا يلزم من الإحبال الولادة، وهي المعتبرة. 6449 - قول "التنبيه" فيما إذا كاتب عبدًا ثم دبره [ص 146]: (وإن لم يؤد حتى مات السيد .. عتق وبطلت الكتابة) حكاه الرافعي عن الشيخ أبي حامد، وأن ابن الصباغ قال: عندي أنه يتبعه ولده وكسبه كما لو أعتق السيد مكاتبه قبل الأداء، قال: ويحتمل أن يريد بالبطلان: زوال العقد دون سقوط أحكامه (¬4). قال في "المهمات": والصحيح مقالة ابن الصباغ؛ فقد جزم بها في "البحر"، وأول هذا التأويل، وصحح الرافعي فيما إذا وطئ مكاتبته فحبلت منه ثم مات قبل الأداء .. أنها تعتق عن ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 195). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 146)، و"الحاوي" (ق 103)، و "المنهاج" (ص 592). (¬3) الخلاصة (ص 714). (¬4) انظر "فتح العزيز" (13/ 424).

الكتابة لا عن الاستيلاد، حتى يتبعها ولدها وكسبها، ثم قال: وأجرى هذا الخلاف في تعليق عتق المكاتب بصفة، وقد صحح في التدبير أنه تعليق عتق بصفة، وإذا كان الاستيلاد مع قوته لا يبطل الكتابة .. فالتدبير الذي هو أضعف أولى. انتهى (¬1). 6450 - قوله: (وإن دبر عبدًا ثم كاتبه .. بطل التدبير في أحد القولين، ولم يبطل في الآخر، ويكون مدبرًا مكاتبًا) (¬2) الأصح: أنه لا يبطل، وهو ظاهر قول "المنهاج" [ص 592]: (ويصح كتابة مدبر)، وفي بعض نسخ "التنبيه" تصحيح الأول وفي بعضها حكايتهما بلا ترجيح. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأصح: أنه يبطل التدبير إذا أراد بالكتابة الرجوع عنه. 6451 - قول "التنبيه" [ص 146]: (وإن أتت المدبرة بولد من نكاح أو زنا .. لم يتبعها في أصح القولين) و"المنهاج" تبعًا "للمحرر": (لا يثبت للولد حكم التدبير في الأظهر) (¬3)، وقد يفهم من قول "الحاوي" [ق 103]: (وتناول الحمل وعتق معها) لكنه صرح في عتق أم الولد بعتقه فقال بعد ذكر عتق أم الولد: (وولدها بعده؛ كالتدبير) (¬4)، وهو الذي رجحه الرافعي في "الشرح الصغير" فقال: أظهرهما عند أكثرهم: السراية، وأراد بها: التبعية، وقال في "الكبير": أظهرهما على ما ذكر الشيخان أبو حامد والقفال وغيرهما وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد: أنه يتبع (¬5). واختصره في "الروضة" بنقل ذلك عن الأكثرين من كلام الرافعي، ثم استدرك عليه فقال: بل الأظهر عند الأكثرين: أنه لا يتبعها (¬6). وقد عرفت أن الرافعي في "الكبير" لم يصرح بنقله عن الأكثرين. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الترجيح بالكثرة إذا انضم إليه الدليل .. كان هو المعمول به، والأكثر على التبعية، ثم بسط ذلك، ثم قال: وظهر بهذا أن أصح القولين أنه يتبعها. انتهى. ثم محل هذا الخلاف: إذا لم تكن حاملًا وقت التدبير، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 592]: (ولو دبر حاملًا .. ثبت له حكم التدبير على المذهب) و"الحاوي" فقال [ق 103]: (وتناول الحمل). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذه طريقة الشيخ أبي حامد ومن تبعه، وهي مردودة؛ ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 563). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 146). (¬3) المحرر (ص 522)، المنهاج (ص 592). (¬4) الحاوى (ص 710). (¬5) فتح العزيز (13/ 434). (¬6) الروضة (12/ 203).

فقد نص الشافعي في "البويطي" على خلاف ذلك فقال: (فإن كان دبَّرها وبها حمل؛ فإن أتت به لأقل من ستة أشهر .. فليس بمدبر، وإن جاءت به لستة أشهر فما زاد .. فهو مدبر)، وحكاه الروياني في "الكافي" عن اختيار المزني وقطع القفال، قال شيخنا: ولا نص للشافعي يخالفه، ووجهه أنها حبلت به في حالة لم يتعلق بها الحرية فيها ولا سببها؛ فكان كولد المستولدة قبل الاستيلاد، وهو الأرجح، ولم يطلع الشيخ أبو حامد ومن تبعه على النص. انتهى. ومحل الخلاف أيضًا: فيما إذا انفصل قبل موت السيد، فإن مات وهو حمل .. عتق معها بلا خلاف كما في "أصل الروضة" (¬1)، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ق 103]: (وعتق معها)، لكن في "الوسيط" وغيره: فيه وجه بعيد (¬2). واعلم: أن قول "التنبيه" [ص 146] و"المنهاج" [ص 592]: (من نكاح أو زنا) تصوير لا تقييد، فلو أتت به من وطء شبهة بحيث لا يكون حرًا، أو من نكاح فاسد، أو على فراش زوج ونفاه الزوج باللعان، أو ادعت أنه من السيد ونفاه .. فحكمه كذلك، وعبارة "المختصر" عن الشافعي: (وما ولدت من غيره) (¬3) يعني: من غير السيد، وهي مختصرة شاملة. 6452 - قول "المنهاج" [ص 592]: (فإن ماتت أو رجع في تدبيرها .. دام تدبيره) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا إنما يكون إذا رجع بالقول، والمصنف يصحح أنه لا يجوز الرجوع بالقول، فإن فرض أنه باعها .. فصحة بيعها تقتضي تبعية الحمل لها في البيع، وذلك مبطل للتدبير في الحمل أيضًا، وكذلك جميع ما يزيل الملك. 6453 - قوله: (وقيل: إن رجع وهو متصل .. فلا) (¬4) محله: إذا لم يرجع بإزالة الملك، فإن رجع بذلك .. كان رجوعًا عن تدبير الحمل إذا أزال ملكه عنه، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ق 103]: (وعن الأم للحمل) أي: وبطل بزوال الملك عن الأم تدبير الحمل. 6454 - قوله: (ولو ولدت المعلق عتقها .. لم يعتق الولد) (¬5) أي: بعتقها و"التنبيه" في العتق [ص 144]: (وإن أتت الجارية التي علق عتقها على صفة بولد .. تبعها الولد في أحد القولين، ولا يتبعها في الآخر وهو الأصح) يتناول ما لو كانت حاملًا عند التعليق وانفصل قبل وجود الصفة، وفي "الكفاية" عن ابن الصباغ وغيره: أنه يتبعها في هذه الحالة قطعًا، وجعله النووي في "تصحيحه" من موضع الخلاف فقال: الأصح: أن المعلق عتقها إذا كانت حاملًا حال التعليق .. ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 204). (¬2) الوسيط (7/ 543، 544). (¬3) مختصر المزني (ص 323). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 592). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 592).

ثبت للولد حكم الأم (¬1)، وهو مقتضى كلام "المحرر" فإنه حط حكم ولد المعلق عتقها على حكم ولد المدبرة (¬2). والمراد بالتبعية: أن يتبعها في العتق لا في الصفة إذا كانت الصفة فعلها كدخول الدار، حتى لو ماتت قبل الدخول فدخل ولدها .. لم يعتق، أما لو كانت حاملًا عند وجود الصفة .. فإنه يعتق الحمل قطعًا. 6455 - قول "المنهاج" [ص 593]: (ويعتق بالموت من الثلث كله أو بعضه بعد الدين) أي: وبعد التبرعات المنجزة في المرض. 6456 - قوله فيما لو علق عتقًا على صفة: (وإن احتملت الصحة فوجدت في المرض .. فمن رأس المال في الأظهر) (¬3) محله فيما إذا كان وجودها في المرض بغير اختياره؛ كنزول المطر، فإن كان باختياره؛ كدخول الدار .. اعتبر من الثلث. 6457 - قوله - والعبارة له - و"الحاوي": (ولو ادعى عبده التدبير فأنكر .. فليس برجوع) (¬4) جزم به في "أصل الروضة" هنا (¬5)، وجعله في الدعاوى رجوعًا (¬6). قال في "المهمات": والمذكور هنا هو الصواب؛ لنص الشافعي عليه. انتهى. وأما إنكار الموكل الوكالة .. فالأصح هنا: أنه رجوع؛ فإن فائدتها العظمى تتعلق به، وفي "المهمات": إنه المفتى عليه، وحكوا في الوكالة عن الغزالي التفصيل بين أن يكون لغرض أم لا، وجزم به في "الشرح الصغير". قال في "التوشيح": ولعله الأرجح هنا، والغالب أن له غرضًا في الإنكار بعد الدعوى، فكان إطلاق أنه ليس برجوع هنا محمولًا على أن له غرضًا في ذلك. 6458 - قول "الحاوي" [ق 103]: (ولا يلزم الوارث) أي: أن يفدي الجاني المدبر إذا مات السيد قبل البيع واختيار الفداء. محله: إذا لم يفِ ثلث المال بالأرش وقيمة العبد، فإن وفى .. لزمه الفداء من التركة؛ لأنه أعتقه بالتدبير السابق، وقد يقال: لا يرد ذلك؛ لأن الوارث لم يُفْدِه، إنما فُدي من التركة. * * * ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (1/ 444). (¬2) المحرر (ص 523). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 593). (¬4) انظر "الحاوي" (ق 103)، و"المنهاج" (ص 593). (¬5) الروضة (12/ 197). (¬6) الروضة (12/ 18).

كتاب الكتابة

كتابُ الكِتابة 6459 - قول "التنبيه" [ص 146]: (الكتابة قربة) قيده بعد ذلك فقال: (ولا تستحب إلا لمن عرف كسبه وأمانته) ولو جمع الكلامين .. لكان أولى كما فعل "المنهاج" فقال [ص 594]: (هي مستحبة إن طلبها رقيق أمين قوي على الكسب) و"الحاوي" فقال [ص 703]: (وندبت بطلب أمين كسوب) وزادا تقييد الاستحباب بأن يطلبها. 6460 - قول "المنهاج" [ص 594]: (ولا تكره بحال) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يستثنى منه: ما إذا كان فاسقًا يضيع ما يكسبه في الفسق، واستيلاء السيد عليه يمنعه من ذلك، فتكره كتابته، وقد ينتهي الحال إلى التحريم. 6461 - قول "التنبيه" [ص 146]: (ولا يصح حتى يقول: كاتبتك على كذا، فإذا أديت .. فأنت حر) لا يحتاج للتلفظ بقوله: (فإذا أديت .. فأنت حر)، بل تكفي نيته، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 594]: (ولو ترك لفظ التعليق ونواه .. جاز) و"الحاوي" فقال [ص 703]: (بكَاتَبْتُ، بـ "إن أديت .. فأنت حر" أو نيته) وحكى النووي في "تصحيحه" في ذلك خلافًا، فقال: فيما عبر فيه بالأصح: وأنه إذا قال: (كاتبتك)، ولم يقل: (فإذا أديت .. فأنت حر)، لكن نواه .. صحت (¬1)، وتبعه شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" (¬2). لكن قال في "المهمات": إنه غلط، وكذا قال النشائي: إنه غير سديد؛ فإنه لا خلاف فيه إذا نواه كما إذا تلفظ به (¬3). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": كلامهم يقتضي تعين ذلك، وليس كذلك، بل المتعين أن يقول: فإذا برئت منه أو فرغت ذمتك منه .. فأنت حر أو ينويه، قال: وإنما قلت ذلك؛ لأن حرية المكاتب تحصل بأداء النجوم أو الإبراء منها، وقوله: (فإذا برئت منه) يشمل البراءة بأداء النجوم والبراءة الملفوظ بها، وكذا فراغ الذمة يكون بالاستيفاء وبالإبراء اللفظي، قال: ولم أر من تعرض لذلك، وإنما اقتصر الشافعي والأصحاب على قوله: فإذا أديت .. فأنت حر؛ لأن الغالب في الكتابة الأداء، بل لا يتعين التعليق الذي ذكرناه، فلو قال: كاتبتك على كذا منجمًا الكتابة التي يحصل فيها العتق .. كان كافيًا في الصراحة؛ لأن القصد إخراج كتابة الخراج، ولو اقتصر على ¬

_ (¬1) تصحيح التنبيه (1/ 449). (¬2) تذكرة النبيه (3/ 246). (¬3) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 131).

قوله: ليست كتابة الخراج .. فالظاهر صراحته (¬1). 6462 - قول "المنهاج" [ص 594]: (ويقول المكاتب: "قبلت") عبارة "المحرر": (ويقول العبد) (¬2)، وكذا في "الروضة" وأصلها (¬3)، وقال شيخنا ابن النقيب: وهو أحسن؛ فإنه لو قبل الكتابة من السيد أجنبي على أن يؤدي عن العبد كذا في نجمين؛ فإذا أداهما فهو حر .. فوجهان: أحدهما: يصح كخلع الأجنبي. والثاني: لا، وصححه النووي؛ لمخالفة موضوع الباب، فعلى هذا: يجب كون القبول من العبد، لكن إذا أدّى الأجنبي .. عتق بالصفة، ويتراجعان (¬4). قلت: لم يظهر لي بينهما تفاوت؛ فإن المكاتب هو العبد لا ذلك الأجنبي، والله أعلم. 6463 - قوله: (وشرطهما: تكليف وإطلاق) (¬5) فيه أمور: أحدها: يرد عليه الولي؛ فإنه مطلق التصرف في مال محجوره مع أنه لا تصح كتابة عبده؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 703]: (صح كتابة أهل تبرع) فأخرج الولي، وكذا عبر في "أصل الروضة" (¬6)، وذكر بعضهم أنه كان في أصل "الحاوي": (أهل التبرع) بالتعريف، فأسقطه ابن المصنف؛ ليحسن إخراج المرتد منه؛ فإنه ليس أهلًا للتبرعات، قال القونوي: وهذا بناء منه على وجوب دخول المعطوف بـ (لا) في المعطوف عليه، وذلك غير لازم، وعبارة "التنبيه" [ص 146]: (ولا تجوز إلا من جائز التصرف في ماله) فيمكن أن يكون احترز بقوله (في ماله) عن الولي. ثانيها: اشتراط الإطلاق في العبد ليس في "المحرر"، ولم يذكره أحد، وعبارة "التنبيه" [ص 146]: (ولا يجوز أن يكاتب إلا عبدًا بالغًا عاقلًا) فاقتصر على التكليف كما في "المحرر" وغيره (¬7)، وعبارة "الحاوي" [ص 703]: (كل ما رق) فلم يعتبر وصفًا زائدًا على الرق، وكأن سكوته عن اعتبار التكليف فيه؛ لوضوحه، ولو كاتب عبده الصغير وقال: (فإذا أديت .. فأنت حر) فأدى .. عتق، وفيه احتمال للإمام، وهل عتقه بالصفة المجردة أم له حكم الكتابة ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المحتاج" (8/ 405). (¬2) المحرر (ص 524). (¬3) فتح العزيز (13/ 443)، الروضة (12/ 209). (¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 374). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 594). (¬6) الروضة (12/ 217). (¬7) المحرر (ص 524).

الفاسدة من التراجع ونحوه؟ فيه وجهان، أصحهما: الأول. وأورد النشائي على عبارة "التنبيه": أنها تشمل العبد المستأجر، والمرهون، وسيأتي في "المنهاج" أنه لا تصح كتابتهما، والمغصوب، وقد نقل الرافعي في البيع عن "البيان" أنه لا تصح كتابته، وكلام المتولي يقتضي الصحة (¬1). وقال في "التوشيح": حاصله أن كل من تكاتب بهذه الصفة، لا أن كل من بهذه المثابة مكاتب، فلا ينتقض بهؤلاء. ثالثها: أهملوا اشتراط الاختيار فيهما، ولا بد منه، وقد ذكره في "أصل الروضة" فيهما (¬2). 6464 - قول "المنهاج" [ص 594]: (وكتابة المريض من الثلث، فإن كان له مثلاه - أي: عند الموت - .. صحت كتابته كله) وقد توهم عبارته اعتبار ذلك حال الكتابة. 6465 - قوله: (ولو كاتب مرتد .. بُني على أقوال ملكه، فإن وقفناه .. بطلت على الجديد) (¬3) تقدم في كتاب الردة بما فيه. 6466 - قوله: (ولا تصح كتابة مرهون) (¬4) أي: [كتابة لازمة] (¬5) بالقبض بغير إذن المرتهن، وفي معناه: الجاني جناية توجب مالًا متعلقًا برقبته، فلو أوجبت قصاصًا فكاتبه ثم عفا المستحق على مال .. بطلت الكتابة. 6467 - قوله: (ومكرىً) (¬6) كذا جزم به في "أصل الروضة" هنا (¬7)، وحكى في الإجارة فيه وجهين، وقال من زيادته: البطلان أقوى (¬8)، وحكاه شيخنا الإمام البلقيني عن نص البويطي. 6468 - قوله: (وشرط العوض: كونه دينًا مؤجلًا، ولو منفعة) (¬9) فيه أمران: أحدهما: أن المراد: المنفعة التي في الذمة، فلو كاتبه على بناء دارين في ذمته وجعل لكل واحدة منهما وقتًا معلومًا .. صح، أما لو كان العوض منفعة عين .. فإنه لا يصح تأجيلها؛ لأن الأعيان لا تقبل التأجيل، ولا يصح الاقتصار عليها، بل لا بد أن يكون معها مال في نجم آخر، فلو ¬

_ (¬1) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 131). (¬2) الروضة (12/ 217). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 594). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 594). (¬5) في (د): (رهنًا لازمًا). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 594). (¬7) الروضة (12/ 226). (¬8) الروضة (5/ 252). (¬9) انظر "المنهاج" (ص 594).

فصلها فقال: خدمة رجب نجم وخدمة شعبان نجم .. لم يصح في الأصح المنصوص، ولو قال: خدمة رجب ورمضان .. لم يصح بلا خلاف، وعلى هذا: يحمل قول "التنبيه" [ص 146]: (فإن كاتبه على عملين ولم يذكر مالًا .. لم يجز) فالتي في "المنهاج" منفعة الذمة والتي في "التنبيه" منفعة العين، ولم يقرر شيخنا ابن النقيب كلام "المنهاج" كما قررته، بل فهم أن كلامه في منفعة العين، فحمله على أن يكون أحد النجمين منفعة (¬1)، وكيف يستقيم ذلك والأعيان لا تقبل التأجيل، وقول "الحاوي" [ص 703]: (بمؤجل بنجمين فأكثر، وبمنفعة عين معلومة) يفهم أنه يجوز أن يكون العوض منفعة عين وحدها، وليس كذلك. ثانيهما: أنه يوهم اشتراط الأجل في المنفعة، وليس كذلك، بل يجوز كونها حالة لقدرته عليها، وكان هذا هو مراد "الحاوي": جعل كون العوض منفعة في مقابلة كونه منجمًا؛ فإنه لا يشترط فيه إذا كان منفعة التأجيل، ثم قد لا يقبل التأجيل فيما إذا كان منفعة عين بعينها وقد يقبله فيما إذا كانت المنفعة في الذمة، ولم يرد بذلك الاقتصار على المنفعة، ولو حذف لفظة (عين) .. لكان أولى. وقول "التنبيه" [ص 146]: (فإن كاتبه على عمل ومال .. قدم العمل وجعل المال في نجم بعده) على ما تقدم من أن كلامه في منفعة العين، فلو كان في منفعة الذمة .. لجاز تقديم نجم المال. 6469 - قول "المنهاج" [ص 594]: (وقيل: إن ملك بعضه وباقيه حر .. لم يُشترط أجل وتنجيم) رجحه شيخنا في "تصحيح المنهاج". واعلم: أن ظاهر كلامهم أنه [لا] (¬2) يشترط بيان موضع التسليم؛ لسكوتهم عن ذكره، وفي "أصل الروضة" عن ابن كج: أن فيه الخلاف في السلم (¬3). وتعقبه شيخنا الإمام البلقيني بأن في السلم احتياطًا فاعتبر فيه ما لا يعتبر في غيره؛ ولهذا لم يذكر أحد من الأصحاب ذلك في ثمن المبيع، ولا في أجرة ولا صداق ولا خلع ولا صلح عن دم؛ فالكتابة كذلك. 6470 - قوله: (ولو كاتب على خدمة شهر ودينار عند انقضائه .. صح) (¬4) كذا لو جعل أجل الدينار في أثناء الشهر؛ كقوله: ودينار بعد العقد بيوم على الأصح. ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 377). (¬2) سقط من (ب). (¬3) الروضة (12/ 215). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 594).

6471 - قوله: (أو على أن يبيعه كذا .. فسدت) (¬1) كذا على أن يشتري منه؛ ولهذا عبر في "أصل الروضة" بقوله: أن يشتري أحدهما من الآخر (¬2). 6472 - قوله: (ولو قال: "كاتبتك وبعتك هذا الثوب بألف"، ونجم الألف وعلق الحرية بأدائه .. فالمذهب: صحة الكتابة دون البيع) (¬3) فيه أمور: أحدها: ظاهره أنه لا فرق في ذلك بين أن يقول العبد: قبلتهما، أو قبلت الكتابة والبيع، أو قبلت البيع والكتابة، وبه صرح الرافعي هنا (¬4)، لكنه مخالف لما ذكره في الرهن من أن الشرط: تقدم خطاب البيع على خطاب الرهن (¬5). ثانيها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الألف ليس كله مقابلًا في الكتابة؛ فيؤدي هذا التصوير إلى تعليق الحرية في الكتابة بأداء مال آخر غير مال الكتابة، وهو خلاف موضوعها، فتكون فاسدة، ووقع هذا التصوير في "أصل الروضة" بزيادة: أنه إذا أدى ما خص الكتابة .. يعتق (¬6)، وهو مخالف لما في التعليق، ولم نر هذا التصوير في كلام أحد، والأصح عندنا فيه: فساد الكتابة، ولا نص للشافعي يخالف ما قررناه، بل قواعده شاهدة له. ثالثها: قال شيخنا أيضًا: يستثنى منه: ما إذا كان المكاتب مبعضًا وبينه وبين سيده مهايأة، وكان ذلك في نوبة الحرية .. فإنه يصح البيع أيضًا؛ لفقد المقتضي للإبطال، وهو تقدم أحد شقيه على مصير العبد أهلًا لمبايعة السيد، قال: وتجوز معاملة المبعض مع السيد في الأعيان مطلقًا وفي الذمة إذا كان بينهما مهايأة، قال: ولم أر من تعرض لذلك، وهو من دقيق الفقه (¬7). 6473 - قوله: (ولو كاتب عبيدًا على عوض منجم وعلق عتقهم بأدائه .. فالنص: صحتها) (¬8) أي: عتق كل واحد بأداء حصته، ولفظ النص: (على أنهم إذا أدوا .. عتقوا) (¬9)، ومعناه ما قلناه. 3474 - قولهما - والعبارة "للتنبيه" -: (ولا يجوز على بعض عبدٍ إلا أن يكون باقيه حرًا) (¬10) ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 594). (¬2) الروضة (12/ 216). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 594). (¬4) انظر "فتح العزيز" (13/ 443). (¬5) انظر "فتح العزيز" (4/ 459). (¬6) الروضة (12/ 217). (¬7) انظر "حاشية الرملي" (4/ 476). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 595). (¬9) انظر "الأم" (8/ 46). (¬10) انظر "التنبيه" (ص 147)، و"المنهاج" (ص 595).

يستثنى منه: ما إذا أوصى بكتابة عبد فلم يخرج من الثلث إلا بعضه ولم تجز الورثة .. فالأصح: أنه يكاتب ذلك القدر، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 703]: (كل ما رق وبعضه في الوصية) وألحق به صاحب "المطلب": ما إذا أوصى [بإعتاق] (¬1) بعض عبده، ونازعه في ذلك شيخنا في "تصحيح المنهاج" لصحة الوصية هناك، والتبعيض عارض بخلاف الثانية؛ فإنها صدرت بالتبعيض الممتنع على أصل الشافعي. 6475 - قول "التنبيه" [ص 147]: (وإن كان عبدٌ بين اثنين فكاتبه أحدهما في نصيبه بغير إذن شريكه .. لم يجز، وإن كان بإذنه .. ففيه قولان) الأظهر: أنه لا يجوز أيضًا، وعبر عنه في "المنهاج" بالمذهب (¬2)؛ لأن الرافعي حكى عن بعضهم القطع بالمنع (¬3)، وإن كان قد أهمل هذه الطريقة في "الروضة"، فلم يحك فيهما سوى قولين (¬4). 6476 - قول "التنبيه" [ص 147]: (وإن كاتباه) زاد "المنهاج" [ص 595]: (معًا أو وكَّلا) وهو تصوير لا تقييد، وكذا إذا وكل أحدهما الآخر. وقولهما - والعبارة "للمنهاج" -: (صح إن اتفقت النجوم وجُعل المال على نسبة مِلْكَيْهِمَا) (¬5) قد يفهم أنه لا بد من التصريح به، وليس كذلك، بل لو أطلقاه .. قسم كذلك، وجزمهما بذلك مع حكاية الخلاف في الكتابة على نصيبه بإذن شريكه طريقة مرجوحة، والأصح طرد القولين. 6477 - قول "المنهاج" [ص 595]: (ولو عجز فعجَّزه أحدهما وأراد الآخر إبقاءه .. فكابتداء عقد، وقيل: يجوز) موافق لقوله في "أصل الروضة": المذهب: أنه كابتداء الكتابة، لا يجوز بغير إذن الشريك على المذهب، ولا بإذنه على الأظهر (¬6)، لكنه لا يوافق "المحرر" فإن عبارته في ذلك: (قطع هنا قاطعون بالجواز) (¬7) لم يذكر غير ذلك، وقد حكى في "أصل الروضة" هذه الطريقة بقيد فقال بعد كلامه المتقدم: ومنهم من قطع بالجواز بالإذن؛ لأن الدوام أقوى (¬8)، ففهم "المنهاج" أن مراد "المحرر" زيادة حكاية هذه الطريقة، مع كون الراجح المنع كما هو في أصل المسألة، والظاهر أنه مراده. ¬

_ (¬1) في (د): (بكتابة). (¬2) المنهاج (ص 595). (¬3) انظر "فتح العزيز" (13/ 472). (¬4) الروضة (12/ 228). (¬5) انظر "التنبيه" (ص 147)، و"المنهاج" (ص 595). (¬6) الروضة (12/ 230). (¬7) المحرر (ص 525). (¬8) الروضة (12/ 230).

فصل [فيما يلزم السيد بعد الكتابة]

6478 - قول "التنبيه" [ص 147]: (فيما إذا أبرأه أحدهما عن حقه، أو مات فأبرأه أحد الوارثين عن حقه .. عتق نصيبه، وقوم عليه نصيب شريكه في أحد القولين، ولا يقوم في الآخر) الأظهر في إبراء أحد المكاتبين: التقويم، وبه جزم في "المنهاج" فقال [ص 595]: (ولو أبرأ من نصيبه أو أعتقه .. عتق نصيبه، وقوم الباقي إن كان موسرًا) وكلامهما يفهم التقويم في الحال، والأظهر في "أصل الروضة": لا (¬1)، بل إن أدى نصيب الآخر من النجوم .. عتق عنه، والولاء بينهما، وإن عجز وعاد إلى الرق .. فحينئذ يسري ويقوم، ويكون كل الولاء له. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الذي نعتمده في ذلك أن السراية في الحال، هذا نص "الأم" و"المختصر"، ولم أقف له على نص في هذه الصورة بخلافه، وإنما ذكر ذلك فيما إذا أذن أحدهما للآخر في التقدم بقبض نصيبه، والفرق أنه محسن بالإذن في التقدم عليه؛ فلا يليق مقابلته بإبطال كتابته في نصيبه عاجلًا، ثم القول بتأخر السراية إلى العجز مخالف للسراية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا تعذرت السراية عند الإعتاق .. بطلت ولا تعود. انتهى. وصحح النووي في "تصحيح التنبيه" في الثانية وهي إبراء أحد الوارثين: التقويم أيضًا (¬2)، لكن الأصح في "أصل الروضة" خلافه (¬3)، وسيأتي حيث ذكرها "المنهاج" في آخر الباب. فصل [فيما يلزم السيد بعد الكتابة] 6479 - قول "التنبيه" [ص 147]: (وعلى السيد أن يحط عن المكاتب بعض ما عليه) لا يتعين ذلك، بل يخير بينه وبين أن يؤتيه، لكن الأصح: أن الحط هو الأصل، والإيتاء يدل عليه؛ فلذلك كان الحط أولى؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 595]: (يلزم السيد أن يحط عنه جزءًا من المال، أو يدفعه إليه، والحط أولى) و"الحاوي" [ص 705]: (ويجب حط أو بذل متمول من جنسه). ثم محل هذا: في الكتابة الصحيحة، وقد ذكره "الحاوي" في آخر الباب فيما خالفت فيه الفاسدة الصحيحة (¬4)، وظاهر عبارة "المنهاج": أنه يتعين أن يكون المدفوع من نفس المال المكاتب عليه، والأصح: أنه لا يتعين ذلك، وإنما يتعين كونه من جنسه كما ذكره "الحاوي". ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 241، 242). (¬2) تصحيح التنبيه (1/ 450). (¬3) الروضة (12/ 229). (¬4) الحاوي (ص 708).

وقول "التنبيه" [ص 147]: (فإن لم يفعل حتى قبض المال .. رد عليه بعضه) يفهم تعين الرد من المقبوض، والأصح: أن له أن يرد من جنسه. 6480 - قول "المنهاج" [ص 595]: (وفي النجم الأخير أليق)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وإنما يترجح النجم الأخير حيث لم يكن في الدفع أولًا ما يعين على التكسب، وحينئذ .. فيترجح هذا وينضم إلى ذلك التعجيل بأداء الواجب. 6481 - قوله: (والأصح: أنه يكفي ما يقع عليه الاسم) (¬1) فيه أمور: أحدها: أن تعبيره بالأصح يقتضي أنه وجه، وهو نص "الأم": ثانيها: أنه ليس في عبارته بيان المقصود، فلو قال كـ "المحرر": (ما يقع عليه اسم المال) (¬2) .. لكان أولى، وتقدم أن عبارة "الحاوي" [ص 705]: (متمول)، وعبارة "أصل الروضة": أقل ما يتمول (¬3). ثالثها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا من المعضلات؛ فإن إيتاء فلس لمن كوتب على ألف درهم تبعد إرادته بالآية الكريمة، وروى النسائي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ربع المكاتبة"، وصحح النسائي والبيهقي وقفه (¬4)، وبتقدير ذلك، فعلي - رضي الله عنه - لا يقول ذلك باجتهاده، وإنما يقوله عن توقيف، فيكون في حكم المرفوع، وكأن الشافعي لم يبلغه هذا، ولو بلغه .. لقال به. رابعها: قال شيخنا أيضًا: لا يظهر منه ما يلزم الشريكين إذا كاتبا عبدهما، ولم أر من تعرض لهذه المسألة، والأرجح: أنه يلزم كل واحد ما يلزم المنفرد بالكتابة، ولو كاتب بعض عبد باقيه حر، أو وصى بكتابة عبده فلم يخرج من الثلث إلا بعضه، وكوتب ذلك البعض ... فإنه يلزم في ذلك ما يلزم في الكتابة الكاملة قطعًا، وأما الورثة .. فإن اللازم لهم ما كان يلزم مورثهم، نص عليه (¬5). خامسها: قال في "التوشيح": ظاهره عدم اشتراط كون المحطوط معلومًا، فلو قال: (حططت شيئًا) .. كفى، ولا أعرفه منقولًا، والظاهر أنه لا بد من العلم بالمحطوط. قال الرافعي: ولو وضع عنه من الدراهم ما يقابل غيره دنانير وهو مجهول عندها .. ففي صحته ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 595). (¬2) المحرر (ص 525). (¬3) الروضة (12/ 249). (¬4) سنن النسائي الكبرى (5034) وسنن البيهقي الكبرى (10/ 328، 329). (¬5) انظر "حاشية الرملي" (4/ 486).

وجهان، ففي وجه: لا يصح، وفي وجه: يصح، ويحمل على أقل ما يتيقن (¬1)، واختصره في "الروضة" بقوله: في وجه: لا يصح، ويحمل على أقل ما يتيقن، وهو غير منتظم. انتهى (¬2). قلت: لا نسلم أن عبارة "المنهاج" تقتضي عدم اشتراط كون المحطوط معلومًا، والله أعلم. 6482 - قول "المنهاج" [ص 595]: (ويستحب الربع، وإلا .. فالسبع) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": بقي بينهما السدس، روى البيهقي عن أبي سعيد مولى أبي أسيد: أنه كاتب مولى له على ألف درهم ومائتي درهم، قال: فأتيته بمكاتبتي .. فرد عليّ مائتي درهم (¬3). 6483 - قولهم في وطء المكاتبة: (ويجب المهر) (¬4) ظاهره مهر واحد ولو تكرر الوطء، وهو الأصح من زيادة "الروضة" في الصداق (¬5)، لكن نص في "الأم" على مهر واحد حتى تخير فتختار الصداق أو العجز، فإذا خيرت فاختارت الصداق ثم أصابها .. فلها صداق آخر، وكلما خيرت فاختارت الصداق ثم أصابها .. فلها صداق آخر كناكح امرأة نكاحًا فاسدًا؛ فالإصابة مرارًا توجب صداقًا واحدًا، فإذا فُرِّق بينهما وقضى بالصداق ثم نكحها نكاحًا آخر .. فلها صداق آخر (¬6). واستثنى شيخنا في "تصحيح المنهاج" من إيجاب المهر: المكاتبة بالتبعية، وحق الملك فيها للسيد كبنت المكاتبة، فلا يجب المهر على السيد بوطئها. 6484 - قول "المنهاج" [ص 595، 596]: (ولا تجب قيمته - أي: الولد - على المذهب) كان ينبغي أن يقول: (على الأظهر) فإن المسألة ذات قولين، ولا نعرف فيها طريقين، قاله شيخنا في "تصحيح المنهاج". قلت: تقرير الطريقين أنا إن قلنا: لا يثبت له حكم الكتابة .. لم تلزمه قيمته؛ لأنه قن له، وإن قلنا: يثبث له حكم الكتابة وهو الأظهر .. فهل يلزمه قيمته؟ فيه خلاف بني على أن حق الملك فيه لمن؟ إن قلنا: للسيد وهو الأظهر .. لم تلزمه، وإن قلنا: للأم .. لزمته. 6485 - قول "التنبيه" [ص 147]: (فإن مات السيد قبل أن تؤدي .. عتقت بالاستيلاد، وعاد الكسب إلى السيد) الأصح في "أصل الروضة": أنها تعتق بالكتابة، ويتبعها كسبها (¬7)، وذكر بعضهم أنه وقع في بعض نسخ "الروضة" عكسه، والصورة فيما إذا لم تعجز، فإن عجزت .. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 534). (¬2) الروضة (12/ 271). (¬3) سنن البيهقي الكبرى (21465). (¬4) انظر "التنبيه" (ص 147)، و"الحاوي" (ص 707)، و"المنهاج" (ص 595). (¬5) الروضة (7/ 288). (¬6) الأم (8/ 59). (¬7) الروضة (12/ 291).

عتقت بالاستيلاد، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 596]: (فإن عجزت .. عتقت بموته). 6486 - قول "التنبيه" [ص 147]: (وإن أتت المكاتبة بولد من نكاحٍ أو زنًا .. ففيه قولان، أحدهما: أنه [يملك] (¬1) للمولى يتصرف فيه، الثاني: وأنه موقوف على عتق الأم) الأظهر: الثاني، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 704]: (وولدها إن قبض كل قسطه) و"المنهاج" فقال [ص 596]: (وولدها من نكاحٍ أو زنًا مكاتب في الأظهر) وتجوّز في قوله: (مكاتب)، والمراد: أنه يثبت له حكم الكتابة كما عبر في "المحرر" و"الشرح" و"الروضة" (¬2)، ويدل له قوله عقبه: (يتبعها رقًا وعتقًا، وليس عليه شيء) (¬3)، قال الرافعي: ليس المقصود نصب الخلاف في صيرورته مكاتبًا؛ فقد نصوا على أنه لا يدخل في الكتابة، ولا يطالب بشيء من النجوم؛ لأنه لم يوجد منه قبول ولم يجر معه عقد، بل المقصود: أنه هل يتبعها في العتق بعتقها والرق برقها أم لا؟ (¬4). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ويستثنى من حكم المكاتب صور: إحداها: أنه لا تجوز له معاملة السيد ولو قلنا: يتوقف في أكسابه وهو المرجح؛ لأنا لم نجزم فيها بما جزمنا به في كسب المكاتب، وذلك يقتضي بطلان تصرفه معه، قال: ولم أر من تعرض لذلك، وهو فقه حسن. الثانية: أن للسيد مكاتبته كما جزم به الماوردي تفريعًا على أن له إعتاقه؛ لأن الحاصل له كتابة تبعية لا استقلالية. الثالثة: لو كان أنثى فوطئها السيد .. لم يجب عليه مهر تفريعًا على الأصح: أن حق الملك في الولد للسيد. الرابعة: أن أرش الجناية عليه ليس له. انتهى (¬5). ولا يخفى أن الكلام في ولدها الحادث بعد الكتابة، أما الموجود حال الكتابة .. فهو باق على ملك السيد. 6487 - قول "المنهاج" [ص 596]: (والحق فيه للسيد، وفي قول: لها) محل هذا الترجيح: ما إذا لم يكن ولدها من عبدها، فإن كان من عبدها .. ففي "أصل الروضة": يشبه أن ¬

_ (¬1) في (د): (ملك). (¬2) المحرر (ص 526)، فتح العزيز (13/ 556)، الروضة (12/ 286). (¬3) المنهاج (ص 596). (¬4) انظر "فتح العزيز" (13/ 557). (¬5) انظر "حاشية الرملي" (4/ 499).

يكون كولد المكاتب من جاريته (¬1)؛ يعني: فيكون حق الملك فيه للأم قطعًا. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وعندي أنه وهم؛ فإن المكاتب يملك جاريته، والولد يتبع أمه في الرق، وولد المكاتبة إنما جاءه الرق من أمه لا من رق أبيه الذي هو عبدها. 6488 - قوله: (والمذهب: أن أرش جناية عليه، وكسبه ومهره يُنفق منها عليه، وما فضل .. وُقف، فإن عتق .. فله، وإلا ... فللسيد) (¬2) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": تعبيره بالمذهب يقتضي طريقين أو طرقًا، وليس ذلك في كلام الأصحاب، وإنما فيه قولان؛ فكان ينبغي التعبير بالأظهر. وقال شيخنا ابن النقيب: كيفية الطريقين: أنا أن قلنا: إن حق الملك فيه للأم .. فهذه الأمور لها تصرف لها يومًا بيوم بلا توقف، وإن قلنا: للسيد، وهو الأظهر .. فوجهان: أحدهما: يصرف للسيد بلا توقف، والصحيح: الإنفاق منها عليه ووقف الباقي، قال: وحاصله تصحيح طريقة الخلاف. انتهى (¬3). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": قيد الشافعي في "الأم" و"المختصر" عتقه بأن يكون يعتق أمه، ومفهومه: أنه لو عتق بإعتاق السيد .. لم يكن المال للولد، قال: ولم أر من صرح بهذا، والقاعدة أن المكاتب كتابة صحيحة إذا أعتق بأي وجه كان مع بقاء الكتابة .. فعتقه عن جهة الكتابة؛ فيتبعه كسبه وأولاده. نعم؛ لو رقت الأم بعد .. فالأرجح: عود كسبه للسيد؛ لأنه لم يتبعها كسبها، والفرع لا يزيد على الأصل، وهو محتمل. انتهى بمعناه. 6489 - قول "التنبيه" [ص 147]: (ولا يعتق المكاتب ولا شيء منه ما بقي عليه درهم) تبع فيه لفظ الحديث: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم"، رواه أبو داوود (¬4)، وهو مثل للتقليل، فلو بقي عليه أقل من درهم ولو فلس .. كان حكمه كذلك؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 596]: (ولا يعتق شيء من المكاتب حتى يؤدي الجميع). لكن يرد عليه: أنه كما يعتق بأداء ما عليه .. يعتق بالإبراء منه؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 704]: (وعتق إن قبض كل قسطه أو برئ) وفي معنى ذلك: الاستبدال عنه إذا جوزناه، وإذا جوزنا الحوالة بالنجوم أو عليها .. حصل العتق بنفس الحوالة أيضًا؛ فتعبير "التنبيه" من هذا ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 289). (¬2) انظر "المنهاج" (ص 596). (¬3) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 385). (¬4) سنن أبي داوود (3926) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا.

الوجه أحسن، وسيأتي أن الشافعي نص على أنه لو أعتقه وأخر النجوم دينا عليه .. عتق. 6490 - قول "المنهاج" [ص 596]: (ولو خرج المؤدى مستحقًا .. رجع السيد ببدله) كان ينبغي أن يقول: (لمستحقه) فإنه لا يرجع ببدل المؤدى. 6491 - قوله: (فإن كان في النجم الأخير .. بأن أن العتق لم يقع) (¬1) لا يختص ذلك بالأخير، بل لو كان في غيره ودفع الأخير على الوجه المعتبر .. فإنه يتبين بخروج غير الأخير مستحقًا أنه لا عتق؛ ولذلك عبر في "أصل الروضة" ببعض النجوم (¬2)، وقال "الحاوي" [ص 705]: (وبان الرق؛ كأن استحق) أي: بعض النجوم أو جميعها، ولم يقيد ذلك بالأخير. 6492 - قول، "المنهاج" [ص 596]: (وإن كان قال عند أخذه: "أنت حر") و"الحاوي" [ص 705]: (وإن قال: "عتقت") قال في "أصل الروضة": وفي كلام الإمام إشعار بأن قوله: (أنت حر) إنما يقبل تنزيله على الحرية بموجب القبض إذا رتبه على القبض، فلو انفصل عن القولين .. لم يقبل التأويل، وهذا تفصيل قويم لا بأس بالأخذ به، لكن في "الوسيط" لا فرق بين أن يكون جوابًا عن سؤال حريته أو ابتداء، وبين أن يكون متصلًا بقبض النجوم أو غير متصل؛ لشمول العذر (¬3). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محل هذا: ما إذا قال ذلك على وجه الخبر بما جرى، فلو قاله على سبيل الإنشاء أو أطلق .. لم يرتفع بخروج المدفوع مستحقًا، بل يعتق عن جهة الكتابة، ويتبعه كسبه وأولاده، وقد نص في "الأم" على ما يقتضي ذلك، فقال: (أُحْلِفَ بالله ما أراد إحداث عتق له على غير الكتابة) (¬4). قلت: ليس في هذا النص إلا حالة إرادة الإنشاء، والأمر فيها بين، وليس فيه تعرض لحالة الإطلاق، وقد قال في "أصل الروضة": وهذا السياق يقتضي أن مطلق قول السيد محمول على أنه حر بما أدى وإن لم يذكر إرادته. انتهى (¬5). وهو واضح؛ لأن القرينة دالة على ذلك، فيستغنى بها عن النية، والله أعلم. 6493 - قول "الحاوي" [ص 705]: (كان ظننت وأُفتي بضده؛ كالطلاق) ذكر الصيدلاني أنه قياس ما تقدم، وذكره غيره أيضًا، ونقله الروياني ولم يعترضه، وقال الإمام: هو عندي غلط؛ ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 596). (¬2) الروضة (12/ 247). (¬3) الروضة (12/ 248)، وانظر "نهاية المطلب" (19/ 400)، و"الوسيط" (7/ 522). (¬4) الأم (8/ 78). (¬5) الروضة (12/ 247).

لأن الإقرار جرى بصريح الطلاق، فقبول قوله في دفعه محال، ولو فتح هذا الباب .. لما استقر إقرار، بخلاف إطلاق لفظ الحرية عقب قبض النجوم؛ فإنه محمول على الإخبار عما يقتضيه القبض، ولم توجد الإشارة في الطلاق إلى واقعةٍ (¬1). قال الرافعي: وفي كلام الإمام إشعار بأنه لو وجدت قرينة عند الإقرار؛ بأن كان يتخاصمان في لفظة أطلقها، فقال ذلك ثم ذكر التأويل .. يقبل، ولو انفصل عن القرائن .. لم يقبل، وهذا تفصيل قويم لا بأس بالأخذ به، لكن مال في الوسيط إلى قبول التأويل في الطلاق وغيره (¬2). 6494 - قول "المنهاج" [ص 596]: (وإن خرج معيبًا .. فله رده وأخذ بدله) أعم منه قول "الحاوي" [ص 705]: (ورد الناقص) لتناوله نقص صفة بالعيب، ونقص جزء، وقد يوهم كلامهما حصول العتق بالأخذ الأول، وليس كذلك؛ بل الأصح: أنا نتبين بالرد أن العتق لم يحصل بالأخذ الأول. 6495 - قول "المنهاج" [ص 596]- والعبارة له - "والحاوي" [ص 704]: (ولا يتسرى بإذنه على المذهب) لو عبرا بالوطء .. لكان أولى؛ لأن التسري أخص من الوطء؛ لاعتبار الإنزال فيه على الأصح. وفي "أصل الروضة" في نكاح العبد، وزيادتها في آخر معاملات العبيد: أن فيه القولين في تبرعاته (¬3)، ومقتضاه: ترجيح جوازه بالإذن، والصواب: المنع، قاله في "المهمات". وقال النشائي: إن المذكور في نكاح العبد مبني على ملك القن بالتمليك كما صرح به هنا، أما إذا لم يملكه .. فلا يجوز من المكاتب بالإذن وهو الأصح، قال: وبهذا يجتمع كلام الرافعي في جميع المواضع (¬4). 6496 - قول "التنبيه" [ص 147]: (وإن أحبل جاريته .. فالولد مملوك يعتق بعتقه، وفي الجارية قولان، أحدهما: أنها تصير أم ولد له، والثاني: لا تصير) الأظهر: الثاني، كما فى "المنهاج" (¬5)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 704]: (بلا استيلادها) وعبارة "الروضة": لا تصير مستولدة في الحال على المذهب؛ فإن عتق .. ففي مصيرها أم ولد قولان (¬6). ومحل المذكور في "التنبيه" و"الحاوي": أن تلده في الكتابة أو بعد عتقه لدون ستة أشهر، ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (19/ 401). (¬2) فتح العزيز (13/ 500)، وانظر "الوسيط" (7/ 522). (¬3) الروضة (7/ 239). (¬4) انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه" (ق 132). (¬5) المنهاج (ص 596). (¬6) الروضة (12/ 285).

قال في "المنهاج" [ص 596]: (وإن ولدته بعد العتق لفوق ستة أشهر وكان يطؤها .. فهو حر وهي أم ولد)، وتبع في ذلك "المحرر" (¬1)، والذي في "أصل الروضة": وإن كان لستة أشهر فأكثر .. فأطلق الشافعي أنها مستولدة، وللأصحاب طريقان: أصحهما: أن هذا إذا وطئ بعد الحرية وولدت لستة أشهر فصاعدًا من الوطء؛ لظهور العلوق بعد الحرية، ولا نظر إلى احتمال العلوق في الرق تغليبًا للحرية، فإن لم يطأها بعد الحرية .. فالاستيلاد على الخلاف. والثاني: يثبت الاستيلاد سواء وطئ بعد الحرية أم لا. انتهى (¬2). وقيد شيخنا في "تصحيح المنهاج" ذلك بما إذا تحقق حدوثه بعد العتق؛ بأن لم يطأ قبل العتق أو وطئ واستبرأ منه، فلو وطئ قبل العتق ولم يستبرئ ثم وطئ بعده وأمكن كونه منهما .. قال: فلا أحكم بحرية الولد ولا باستيلاد أمه، قال: وفي "الأم" ما يقتضي ما قررته، وهو قوله: (ولا تكون في حكم أم الولد حتى تلد منه بوطء كان بعد عتقه) (¬3)، قال شيخنا: ولم يقيده أحد بما قيدته وأيدته بنص "الأم". 6497 - قول "المنهاج" [ص 596]: (ولو عَجَّلَ النجوم .. لم يجبر السيد على القبول إن كان له في الامتناع غرض كمؤنة حفظه أو خوف عليه، وإلا .. [فيجبر] (¬4)، فإن أبى .. قبضه القاضي) فيه أمور: أحدها: كان ينبغي إطلاق المؤنة؛ ليدخل فيه العلف، وقد ذكره في "المحرر" (¬5). ثانيها: اعتبار مطلق الخوف لم يقله أحد؛ فإن كل قابض مال لا يخلوا عنه، والذي في "المحرر": (بأن كان زمان نهب) (¬6)، وعبارة "أصل الروضة": أو كان في أيام فتنة أو غارة (¬7)، وظهر بذلك أنه لا بد أن يكون للخوف سبب ظاهر يتوقع زواله. ثالثها: أهمل من "المحرر" من الأغراض ما إذا كان طعامًا يريد أن يأخذه عند المحل طريًا، وقد يدخل في قول "المنهاج" [ص 596]: (أو خوف عليه) أي: خوف الفساد إلى وقت الاحتياج إليه. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 527). (¬2) الروضة (12/ 285). (¬3) الأم (8/ 56). (¬4) في (د)، (ج): (فيتخير). (¬5) المحرر (ص 527). (¬6) المحرر (ص 527). (¬7) الروضة (12/ 251).

وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج" من الأغراض: أن الدين الذي في ذمة المكاتب إذا كان نقدًا .. لا زكاة فيه، فإذا جاء به قبل المحل .. كان للمالك غرض في أن لا يأخذه؛ لئلا تتعلق به الزكاة، قال: ولم يذكره الأصحاب، والظاهر اعتباره. رابعها: ذكروا فيما إذا أتى المكاتب بمال فقال السيد: هذا حرام، ولا بَيّنة: أنه إذا حلف المكاتب أنه حلال .. أجبر السيد على أخذه أو الإبراء منه، فإن أبى .. قبضه القاضي، ولم يذكروا مثل ذلك هنا، فيحتمل الفرق لحلول الحق هناك بخلافه هنا، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأرجح في الصور كلها أنه لا يتعين الإجبار على القبض، بل عليه أو على الإبراء. خامسها: قال في "التوشيح": لا يتبين لي معنى قوله: (فإن أبى .. قبضه القاضي) مع قوله: (إنه يجبر) والفقه أن القاضي يتخير بين إجباره على القبض والقبض له كما في الإكراه بحق، وقد يقال: يجبره، فإن عجز أو لم يفد (¬1) .. قبض له حينئذ، وليس في "الشرح" و"الروضة" ذكر قبض القاضي هنا، وإنما ذكراه فيما إذا أتى بالنجم والسيد غائب. سادسها: وقع في الرافعي في الجراح في أثناء تعليل: أنه لو عجل المكاتب النجم قبل المحل .. يجبر السيد على القبول، بخلاف سائر الديون المؤجلة؛ فإن فيها خلافًا وتفصيلًا. انتهى (¬2). والمعروف استواء سائر الديون المؤجلة في هذا التفصيل، والله أعلم. 6498 - قوله: (ولا يصح بيع النجوم، ولا الاعتباض عنها) (¬3) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": منع الاعتياض عنها مخالف لنص الشافعي في "الأم"، وهو قوله: (ولو حل نجومه كلها وهي دنانير فأراد أن يأخذها منه دراهم أو عرضًا يتراضيان ويقبضه السيد قبل أن يتفرقا .. جاز) (¬4)، قال شيخنا: وتبع الرافعي في المنع البغوي، ولم يطلعا على النص، وذكر الرافعي في الشفعة الاعتياض عن النجوم بشقص وأثبت فيه الشفعة، وقال: يؤخذ مثل النجوم أو قيمتها؛ أي: إن كانت متقومة، وكذا قال في "المهمات": خالفه في الشفعة، والصواب: جوازه؛ فقد نص عليه في "الأم"، وحكى النص المتقدم. قلت: ويوافقه كلام "الحاوي" حيث قال [ص 708 - 709]: (والفاسد كهو، لا في الاعتياض) فاقتضى جواز الاعتياض في الكتابة الصحيحة، وحمله صاحبا "التعليقة" و"المصباح" ¬

_ (¬1) في (ج): (يقيد). (¬2) فتح العزيز (10/ 237). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 597). (¬4) الأم (8/ 65).

على حصول العتق بالاعتياض في الصحيحة دون الفاسدة. 6499 - قول "المنهاج" [ص 597]: (فلو باع وأدى إلى المشتري .. لم يعتق في الأظهر) هي طريقة الجمهور، وحمل أبو إسحاق النصين على حالين، وقال: إن قال بعد البيع: خذها منه، أو قال للمكاتب: ادفعها إليه: فهو وكيل، فيعتق بقبضه وإلا .. فلا، ويقال: إنه عرضه على ابن سريج فلم يعبأ به، وقال: هو وإن صرح بالإذن فإنما يأذن لحكم المعاوضة لا بالوكالة. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأرجح عندنا: طريقة أبي إسحاق، ثم قال: ومحل القولين: إذا لم يأذن للمشتري في قبض النجوم، فإن أذن مع علمهما بفساد البيع، فقبض .. عتق قطعا، وهذا أيضًا وارد على إطلاق "الحاوي" قوله [ص 704]: (لا مشتري النجم) أي: لا يحصل العتق بقبضه. 6500 - قولهم - والعبارة لـ "التنبيه" -: (ولا يجوز للمولى بيع المكاتب في أصح [القولين]) (¬1) (¬2) يستثنى منه صور: إحداها: إذا رضي المكاتب بالبيع .. فإنه يجوز، ويكون رضاه فسخًا، حكاه البيهقي في "سننه" عن نص الشافعي (¬3)، وذكره القاضي حسين في "تعليقه"، حكاه في "المهمات" وقال: وهي مسألة حسنة. قلت: نص على ذلك صريحًا في "اختلاف الحديث" (¬4)، ونص في "مختصري المزني والبويطي" على ما يقتضيه (¬5). الثانية: إذا بيع بشرط العتق وإن لم يرض .. صح، وارتفعت الكتابة، ولزم المشتري إعتاقه، والولاء له، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج" تخريجًا؛ لأن الشافعي رضي الله عنه أطلق جواز بيع العبد بشرط العتق محتجًا بحديث بريرة، والحال أنها كانت مكاتبة. الثالثة: في البيع الضمني إذا قال: أعتق مكاتبك عني على ألف .. فذكر شيخنا المذكور: أنها أولى بالجواز من التي قبلها مع اعترافه بأن المنقول في "أصل الروضة" البطلان (¬6). الرابعة: قال شيخنا المذكور: إذا باع المكاتب من نفسه .. صح، سواء قلنا: إنه عقد عتاقة أو بيع، وترتفع الكتابة ويعتق لا عن جهة الكتابة، فلا تستتبع كسبًا. ولا ولدًا، وهذا بخلاف ما لو ¬

_ (¬1) في (ج): (الوجهين). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 147)، و"الحاوي" (ص 704)، و"المنهاج" (ص 597). (¬3) سنن البيهقي الكبرى (21527). (¬4) اختلاف الحديث (ص 520). (¬5) مختصر المزني (ص 332). (¬6) الروضة (12/ 272).

فصل [في بيان لزوم الكتابة]

أعتقه أو أبرأه عن النجوم .. فإنه يعتق عن جهة الكتابة؛ فإن السيد لم يأخذ عوضًا عن العتق، بخلاف صورة البيع، وحيث قالوا: لا تصح المعاوضة على المكاتب .. أرادوا به: مع بقاء الكتابة، فأما إذا ارتفعت .. فالمعاوضة عليه صحيحة. 6501 - قول "المنهاج" [ص 597]: (فلو باع فأدى إلى المشتري .. ففي عتقه القولان) أي: في المسألة قبلها، قال شيخنا: إنه لا يعرف في كلام الشافعي في شيء من كتبه، ولم يذكره أكثر الأصحاب، وإنما أخذه الرافعي من البغوي، وهو غير صحيح؛ فإن بيع الرقبة لا يقتضي قبض المشتري للنجوم ولا أذن فيه البائع، وقد رده القاضي حسين فقال: هذا عندي لا يصح؛ لأنه هنا سلّطه على رقبته، وهناك سلطه على النجوم، فوجب أن يعتق ثَمَّ؛ يعني: على رأي، ولا يعتق هنا؛ يعني: ولا يجري فيه ذلك القول. 6502 - قوله: (ولو قال له رجل: "أعتق مكاتبك على كذا" ففعل .. عتق ولزمه ما التزم) (¬1) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لابد أن يقول: (على) فإنه بدون ذلك ليس فيه التزام، والمراد: عتقه عن المقول له عن الكتابة، ويتبعه كسبه وأولاده. فصل [في بيان لزوم الكتابة] 6503 - قولهما - والعبارة لـ "المنهاج" -: (الكتابة لازمة من جهة السيد ليس له فسخها إلا أن يعجز عن الأداء) (¬2) فيه أمران: أحدهما: يستثنى منه: ما إذا عجز عن القدر الواجب في الإيتاء .. فليس للسيد تعجيزه؛ لأن له عليه مثله، ولا يحصل التقاص؛ لأن للسيد أن يؤتيه من غيره، وقد ذكره "الحاوي" بقوله عطفًا على منفي [ص 706]: (وعما يحط، ولا تقاص). قال في "أصل الروضة": لكن يرفعه المكاتب إلى الحاكم حتى يرى رأيه ويفصل الأمر بينهما (¬3). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وقضية ذلك القدر الواجب في الإيتاء يرجع فيه إلى رأي الحاكم، وهو المختار، لكن المنصوص خلافه. قلت: ليس معنى كونه يرى رأيه: أن يقدر المحطوط باجتهاده، بل يلزم السيد بالإيتاء ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 597). (¬2) انظر "التنبيه" (ص 147)، و"المنهاج" (ص 597). (¬3) الروضة (12/ 251).

والمكاتب بالأداء ويحكم بالتقاص للمصلحة في ذلك؛ فإن المنفي إنما هو التقاص بنفس اللزوم. ثانيهما: في معنى العجز عن الأداء: الامتناع عن الإعطاء مع القدرة، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 706]: (والفسخ إن عجز أو امتنع). فإن قلت: قد ذكره "المنهاج" بعده بقوله [ص 597]: (فإذا عجز نفسه) .. قلت: قد لا يعجز نفسه بل يقتصر على الامتناع، وكذا لو غاب العبد بعد المحل بغير إذن السيد ولم يبعث المال .. فللسيد الفسخ أيضًا، وقد ذكره "الحاوي" و"المنهاج" أيضًا بعد ذلك (¬1). 6504 - قول "التنبيه" [ص 147]: (وللمكاتب أن يفسخ العقد متى شاء)، و"المنهاج" [ص 597]: (وللمكاتب الفسخ في الأصح) كذا في "المحرر" و"الروضة" وأصلها هنا (¬2)، لكن الرافعي بعد أن صحح بطلان الكتابة بجنون السيد دون العبد .. قال: والفرق أن العبد لا يتمكن من فسخ الكتابة ورفعها صحيحة كانت أو فاسدة، وإنما يعجز نفسه، ثم السيد يفسخ إن شاء، وإذا لم يملك الفسخ .. لم يؤثر جنونه (¬3)، وأسقط هذا التعليل في "الروضة"، فسلم من التناقض. قال في "المهمات": والصواب المفتى به: المذكور هنا، وهو الجواز؛ فقد نص عليه في "الأم" في مواضع، واعترض شيخنا في "تصحيح المنهاج" على تعبيره بالأصح: بأنه منصوص كما تقدم، وبأنه يقتضي قوة الخلاف مع أنه ضعيف جدًا مخالف للنص ولقاعدة أن الكتابة جائزة من جهة المكاتب، وللاتفاق على أن للمكاتب الامتناع من الأداء بعد الحلول وإن كان معه وفاء، قال: وعندي أن هذا الخلاف لا يثبت، وإذا لم يملك الفسخ .. فالعقد لازم من جهته، وكونه يجوز له الامتناع من الأداء مع أنه لا يملك الفسخ متناقض واعترض شيخنا أيضًا: بأن عبارة "المنهاج" توهم ترتب فسخه على التعجيز، وليس كذلك. 6505 - قول "الحاوي" [ص 706]: (وأُنظر ليخرج من الحرز) يفهم أنه لا ينظر زيادة على ذلك، وفي "المنهاج" [ص 597]: (وإن كان معه عروض - أي: والنجوم غيرها - .. أمهله ليبيعها، فإن عرض كساد .. فله أن لا يزيد في المهلة على ثلالة أيام)، وتبع في ذلك "المحرر" (¬4)، وحكاه في "الشرح" عن البغوي فقال: مقتضى إطلاق الصيدلاني: أن لا فسخ، ورأى الإمام الفسخ، ونزله منزلة غيبة المال، وهذا أصح، وضبط البغوي التأخير للبيع بثلاثة أيام، وقال: لا يلزم أكثر منها (¬5). ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 706)، المنهاج (ص 597). (¬2) المحرر (ص 527)، فتح العزيز (13/ 513)، الروضة (12/ 257). (¬3) انظر "فتح العزيز" (13/ 486). (¬4) المحرر (ص 528). (¬5) فتح العزيز (13/ 511)، وانظر "نهاية المطلب" (19/ 466)، و "التهذيب" (8/ 482).

وقال: شيخنا في "تصحيح المنهاج": الذي ذكره البغوي إنما هو على لزوم الإمهال، وقد صحح خلافه، فكيف اعتمده في "المحرر"و"المنهاج"، وسيأتي من النص ما يشهد لمقالة الإمام. قلت: قد يقال: إن كلام البغوي ليس على لزوم الإمهال، فإن من ألزم الإمهال ومنع الفسخ .. لم يقيده بمدة، بل غايته بيع العروض، وإنما هو على طريقة الفسخ لا يبادر إليه، بل يؤخر ذلك ثلاثة أيام؛ لأنها مدة قريبة، وقد شبه الإمام ذلك بغيبه المال مع أنه يمهل معها إلى الإحضار إن كان دون مرحلتين. وقال شيخنا أيضًا: لا يعرف من قوله: (أمهله) اللزوم أو الاستحباب، وتصديره باستحباب المهلة عند استمهال المكاتب قد يشعر بالاستحباب فيما ذكره. قلت: ذاك في الاستمهال لغير سبب، وأما هنا .. فإنه لسبب وعذر، وكلامه يفهم وجوبه؛ لقوله: (فله أن لا يزيد في المهلة على ثلاثة أيام) فدل على أن إمهال الثلاثة وما دونها لازم ليس له في هذه الحالة تركه. 6506 - قول "المنهاج" [ص 597]: (وإن كان ماله غائبًا .. أمهله إلى الإحضار إن كان دون مرحلتين) قال الرافعي: أطلق الإمام والغزالي جواز الفسخ، وليحمل على تفصيل ذكره ابن الصباغ والبغوي وغيرهما: أنه إن كان على مسافة القصر .. لم يلزمه التأخير، وإن كان دونها .. لزمه. قال في "المهمات": ونص "الأم" موافق لكلام الإمام؛ حيث قال: (فإن قال: لي شيء غائب أحضره .. لم يكن للسلطان أن ينظره إلى قدوم الغائب؛ لأنه قد ينظره فيفوت العبد بنفسه ولا يؤدي إليه ماله) (¬1)، قال: وتعليله بالفوات يدل على عدم الفرق بين المسافتين، قال: واقتصار الرافعي على النقل عن هذه الطبقة يدل على أنه لم يظفر فيها بشيء للمتقدمين فضلًا عن إمام المذهب. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والتفرقة بين المسافتين مأخوذة مما إذا سلم المبيع ومال المشتري على مسافة القصر؛ فللبائع الفسخ ولا يكلف الصبر إلى إحضاره وإن كان على ما دونها .. فالأصح: أنه كالذي في البلد، وذلك لا يأتي هنا؛ لأنه يزول ضرر البائع بالحجر على المشتري، وهو متعذر هنا. 6507 - قول "المنهاج" [ص 597]: (ولو حل النجم وهو غائب .. فللسيد الفسخ) قيده شيخنا في "تصحيح المنهاج" بقيدين: ¬

_ (¬1) الأم (8/ 76).

أحدهما: أن لا يكون السيد أنظره بذلك، فمتى أنظره به إلى غير أجل أو إلى أجل ولم يمض .. فليس له الفسخ (¬1)، وحكاه عن نص "الأم" (¬2)، قال: وليس لنا موضع يكون الإنظار فيه مؤثرًا أثرًا لازمًا غير هذا. ثانيهما: أن لا يكون سافر بإذنه، فمتى سافر بإذنه .. فليس له الفسخ، وطريقه الرفع إلى القاضي، وإثبات ذلك لديه، وكتابته لقاضي بلد العبد، وحكاه عن الشيخ أبي حامد وأتباعه، ولم يذكر الرافعي والنووي ذلك فيما إذا سافر قبل الحلول، وإنما ذكراه فيما إذا سافر بعد الحلول، وجمعا بين الإذن والإنظار، واقتضى كلامهما: أنه لابد من اجتماعهما، وعبارة "أصل الروضة": ولو أنظر المكاتب بعد حلول النجم وأذن له في السفر ثم بدا له في الإنظار .. لم يكن له الفسخ في الحال؛ لأن المكاتب غير مقصر هنا، ولكن يرفع السيد الأمر إلى الحاكم، ويقيم البينة على الحلول والغيبة، ويحلف مع ذلك، ويذكر أنه رجع عن الإنظار، فيكتب الحاكم إلى حاكم بلد المكاتب ليعرفه الحال، فإن أظهر العجز .. كتب به إلى حاكم بلد السيد؛ ليفسخ إن شاء، وإن قال: أؤدي وللسيد هناك وكيل .. أعطاه، فإن لم يعط .. ثبت الفسخ على المشهور، وإن لم يكن ثَمَّ وكيل .. أمر بإيصاله إليه في الحال أو مع أول رفقة، فإذا مضى إمكان .. فللسيد الفسخ (¬3). وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 706]: (لا إن غاب بعد المحل بإذنه حتى يخبر بندمه وقصَّر في الإياب)، واعترض ذلك شيخنا في "تصحيح المنهاج" وقال: الإنظار لا يتوقف على حلول النجم، بل لو أنظره قبل حلوله .. كان الحكم فيه وفيما بعد الحلول سواء كما سبق في نص الشافعي، ولا يحتاج مع ذلك إلى الإذن في السفر، قال: وعبارة الشافعي: (فإن جاء إلى ذلك الأجل، وإلا .. عجزه حاكم بلده) (¬4)، وظاهره عندي أن الذي يعجزه حاكم بلد المكاتب، وتقدم عن "الروضة" أنه حاكم بلد السيد، قال شيخنا: وهذا عندي لا يستقيم؛ لأنه يحتاج حاكم بلد المكاتب بعد مضي المدة المضروبة أن يكتب إلى حاكم بلد السيد، وذلك ضرر على المالك بالتأخير بعد المدة المضروبة إلى مدة يصل فيها كتاب حاكم بلد المكاتب، قال: وهذا موضع مهم يتفق الأصحاب المذكورون على أمر مخالف لنص الشافعي، ومؤدٍ إلى ضرر السيد. قلت: الضرر والتطويل إنما هو إذا كان المعجز له حاكم بلد المكاتب؛ فإن السيد يحتاج بعد مضي مدة وصوله إلى الكتابة له وإرسال وكيل لطلب الحكم منه بذلك، وثم لا يظهر له الحكم بذلك ¬

_ (¬1) في النسخ: (فله الفسخ)، ولعل الصواب ما أثبت، والله أعلم. (¬2) الأم (8/ 76). (¬3) الروضة (12/ 256). (¬4) انظر "الأم" (8/ 76).

إلا بعد مدة، وأما حاكم بلد السيد .. فلا يحتاج بعد مضي المدة إلى شي، بل يبادر للحكم، وقول شيخنا: يحتاج حاكم بلد المكاتب بعد المدة إلى مكاتبة حاكم بلد السيد، لا معنى له، والله أعلم. 6508 - قول "المنهاج" [ص 597]: (فلو كان له مال حاضر .. فليس للقاضي الأداء منه) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": مقتضاه: أن للسيد الفسخ في الحال، وليس كذلك؛ فقد نص الشافعي في "الأم" على أنه يوقف ماله وينتظر، فإن أدى، وإلا .. فلسيده تعجيزه، ولم يذكر هذا النص أحد من الأصحاب. انتهى (¬1). وفي "أصل الروضة" عند ذكر رفع السيد الأمر إلى الحاكم عند حلول النجم والمكاتب غائب وتحليفه له، قال الصيدلاني: يحلفه أنه ما قبض منه النجوم ولا من وكيله، ولا يعلم له مالًا حاضرًا (¬2). قال في "المهمات": ولا يجتمع هذا مع عدم الأداء من المال الحاضر، وسبقه إلى ذلك في "المطلب". وأجاب عنه شيخنا في "تصحيح المنهاج": بأن الذي قاله الصيدلاني إنما هو من أجل الوقف كما في الإنظار، لا من أجل أن القاضي يوفيه منه. 6509 - قوله: (ولا تنفسخ بجنون المكاتب) (¬3) قد يفهم أنه ليس للسيد فسخها، وليس كذلك؛ فله فسخها إن لم يكن للمكاتب مال، وقد ذكره "الحاوي" (¬4)، فإن أفاق فظهر له مال كان موجودًا قبل الفسخ .. فله دفعه إلى السيد، ويعتق ويبطل تعجيزه، كذا أطلقوه. قال الرافعي: وأحسن الإمام فقال: إن ظهر المال في يد السيد .. رد التعجيز، وإلا .. فلا (¬5). وإذا لم تنفسخ بالجنون .. فالإغماء أولى بذلك، ثم عدم الانفساخ مخالف للقاعدة، وهو أن الجائز ينفسخ بالجنون والإغماء، والكتابة جائزة من جهة العبد، وكأن ذلك لتشوف الشارع للعتق، وكل هذا في الكتابة الصحيحة، أما الفاسدة فستأتي. 6510 - قول "المنهاج" [ص 597]: (ويؤدي القاضي إن وجد له مالًا) أي: بعد الثبوت والتحليف، فيه أمران: أحدهما: كذا أطلقه الجمهور، وقال الغزالي: إنما يؤدي إذا رأى مصلحة في الحرية، فإن رأى أنه يضيع بها .. لم يؤد (¬6)، وتبعه "الحاوي" فقال [ص 706]: (لا إن وفى ماله .. فيؤدي ¬

_ (¬1) الأم (8/ 76). (¬2) الروضة (12/ 255). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 597). (¬4) الحاوي (ص 706). (¬5) فتح العزيز (13/ 514)، وانظر "نهاية المطلب" (19/ 466). (¬6) انظر "الوسيط" (7/ 518)، و "الوجيز" (2/ 285).

القاضي إن رأى) قال الرافعي: وهو جيد، لكنه قليل النفع مع قولنا: إن للسيد إذا وجد ماله الاستقلال بأخذه، إلا أن يقال: إن الحاكم يمنعه من الأخذ في هذه الحالة (¬1). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والذي قاله من قلة النفع واعتذاره بأن يقال: للحاكم منعه، مردود؛ فإن الحاكم قد لا يطلع على ذلك، وإنما جوابه أن السيد لا يستقل والحالة هذه بالأخذ، وقد راعى الشافعي حال المكاتب الذي طرأ له الجنون بعد الكتابة حتى قال: (إن الحاكم إذا لم يجد له مالًا ولم يجد له نفقة ولا أحدًا يتطوع بأن ينفق عليه .. عجَّزه، وألزم السيد نفقته بعد أن يقضي عليه بالعجز) (¬2)، قال شيخنا: وقضيه ذلك مراعاة مصلحة المكاتب، فإن كان الأداء عنه ما يضره بحصول العتق وضياع حاله من جهة عدم النفقة .. امتنع على القاضي أن يفعل ذلك، هذا هو المعتمد، وبه يتقيد إطلاق من أطلق أن القاضي يؤدي عن الذي جن بعد الكتابة. ثانيهما: قد يفهم تعين القاضي طريقًا في صحة الأداء، وليس كذلك، فلو أداه المجنون له أو استقل هو بأخذه .. عتق؛ لأن قبض النجوم مستحق، ولو أخذها المولى من غير إقباض المكاتب .. وقع موقعه كما قال في "أصل الروضة": إنه المعروف في المذهب (¬3). 6511 - قول "التنبيه" [ص 148]: (وإن جنى المكاتب عليه جناية خطأ .. فدى نفسه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش الجناية في أحد القولين، وبأرش الجناية بالغًا ما بلغ في الآخر) الأصح: الأول كما صرح به النووي في "تصحيح التنبيه" (¬4)، وعليه مشى "الحاوي" (¬5)، وهو مقتضى كلام "أصل الروضة" فإنه قال: فيه القولان في الجناية على الأجنبي (¬6)، ومقتضاه: ترجيح أقل الأمرين كما في الأجنبي، وبه جزم "المنهاج" في الأجنبي، لكنه قال في جنايته على سيده: (فلوارثه قصاص، فإن عفا على دية أو قتل خطأ .. أخذها مما معه) (¬7) ثم قال: (أو قطع طرفه .. فاقتصاصه والدية كما سبق) (¬8)، وظاهره إيجاب الدية مطلقًا، وهو الذي رجحه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وحكاه عن نص "الأم" و"المختصر"، وقال: إن القواعد تأبى الأول؛ فإن الفداء إنما يكون من أجل أن لا تباع رقبة الجاني في الجناية، وهذا مستحيل هنا، ويكون ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 514). (¬2) انظر "الأم" (8/ 36). (¬3) الروضة (12/ 237). (¬4) تصحيح التنبيه (1/ 452). (¬5) الحاوي (ص 706). (¬6) الروضة (12/ 303). (¬7) المنهاج (ص 598). (¬8) المنهاج (ص 598).

ما ترتب عليه مردودًا، وحكى عن الشيخ أبي حامد أنه قال في جنايته على السيد خطأ: يتعلق أرشها برقبته يباع فيها وقال: إنه وهم؛ فإنه لا يباع إلا بعد ارتفاع الكتابة، وإذا ارتفعت .. صار قنًا للسيد وسقط الأرش، ثم ذكر أنه ترتب على هذا الوهم قول "الروضة": هل الواجب الأرش أم أقل الأمرين؟ فيه القولان (¬1)؛ لأن قضية تعلق الأرش بالرقبة: أن يباع فيها، فإذا فدى نفسه من البيع .. جاء القولان، والرقبة هنا لا تباع في هذه الجناية أصلًا، والصواب: أن يقال: يتعلق الأرش بما في يد المكاتب بالغًا ما بلغ، وكان ينبغي "للمنهاج" أن يقول: (وما سيكسبه) كما قال في الأجنبي، فلا فرق بينهما في ذلك، ولم يذكرهما في "الروضة" في الأجنبي أيضًا. ويستثنى من ذلك: ما إذا أعتقه السيد بعد الجناية وفي يده وفاء .. فإن المذهب: القطع بأرش الجناية. وقول "التنبيه" [ص 148]: (أو أرش الجناية) صوابه بالواو. 6512 - قول "المنهاج" [ص 598]: (فإن لم يكن .. فله تعجيزه في الأصح) فيه أمور: أحدها: كان ينبغي أن يقول: (على النص) فقد نص عليه في "الأم" و"المختصر" (¬2). ثانيها: قوله: (فإن لم يكن) أي: معه شيء، كذا لو كان معه ما لا يفي بالأرش .. فله تعجيزه أيضًا. ثالثها: كذا في "المنهاج" و"المحرر" حكاية الخلاف في أن للوارث التعجيز (¬3)، والخلاف في "الروضة" وأصلها (¬4)، وأكثر التصانيف إنما هو في السيد، ولم يتعرضوا للوارث. قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وبينهما فرق؛ فإن دية النفس تثبت للميت ابتداء، ثم ينتقل للوارث على الأظهر؛ ولهذا يقضي منها ديونه وينفذ وصاياه، فللوارث تعجيزه قطعًا؛ لأن وجه منع السيد من تعجيزه موجه بعدم الفائدة؛ لأنه إذا عجزه .. سقط الأرش والنجم، بخلاف الوارث؛ فإنه إذا عجزه .. لا يسقط الأرش؛ لعدم انحصار الحق فيه، فيستفيد به قضاء دين الميت وتنفيذ وصيته؛ ولهذا خص البغوي في تعليقه الوجهين بقولنا: إن الدية تثبت للوارث ابتداء، وعبارة "التنبيه" في هذه المسألة [ص 148]: (وإن لم يفد نفسه .. كان للمولى أن يعجزه). 6513 - قول "المنهاج" [ص 598]: (ولو قتل أجنبيًا أو قطعه فعُفي على مال أو كان خطأ .. أخذ مما معه ومما سيكسبه الأقل من قيمته والأرش) و"التنبيه" [ص 148]: (وإن جنى على أجنبي .. ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 303). (¬2) الأم (8/ 67)، مختصر المزني (ص 329). (¬3) المحرر (ص 528)، المنهاج (ص 598). (¬4) فتح العزيز (13/ 576)، الروضة (12/ 303).

فدى نفسه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش الجناية) هي طريقة، والأصح: إجراء القولين في المسألة قبلها. قال شيخنا ابن النقيب: خالفت عبارة "المنهاج" هنا عبارته في الجناية على سيده من وجوه: منها: قوله هنا: (عفي على مال) وهناك: (على دية). ومنها: قوله هنا: (ومما سيكسبه) ولم يقله هناك. ومنها: جزمه هنا بالأقل وهو المصحح، وهناك بالدية (¬1). قلت: ومنها: أنه لم يذكر القصاص هنا، وكأنه اكتفى بذكره في السيد، وهو في "المحرر" هنا أيضًا (¬2). 6514 - قول "التنبيه" [ص 148]: (فإن لم يفد نفسه .. بيع في الجناية، وانفسخت الكتابة) فيه أمران: أحدهما: أنه إنما يباع كله في الجناية إذا كانت قيمته قدر أرشها أو أنقص، فإن كانت أزيد .. بيع منه بقدر الأرش فقط. ثانيهما: ظاهر كلامه أنه لا حاجة إلى تعجيزه، وليس كذلك، بل لابد أن يعجزه القاضي بطلب المستحق، وقد ذكر "المنهاج" الأمرين فقال [ص 598]: (فإن لم يكن معه شيء وسأل المستحق تعجيزه عجزه القاضي وبيع بقدر الأرش، فإن بقي منه شيء .. بقيت فيه الكتابة). وفي كلامه أمور: أحدها: لا يتوقف التعجيز على أن لا يكون معه شيء، بل الشرط أن لا يكون معه القدر الواجب. ثانيها: مقتضاه: أن القاضي يعجزه بحيث يعود كله قنًا، وإن كان لا يبيع منه إلا بقدر الأرش، وليس كذلك؛ فإنما يعجز منه القدر الذي يبيعه؛ ولهذا قال: (فإن بقي منه شيء .. بقيت فيه الكتابة) (¬3). ثالثها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنما يبيع بقدر الأرش إذا كان الأقل الأرش، فإن كان الأقل القيمة ورغب فيه بأزيد منها .. فهل يباع كله ويدفع الثمن الناقص عن الأرش للمستحق، أم لا يباع منه إلا بقدر القيمة وتبقى الكتابة في الباقي؟ لم أر من تعرض له، والأرجح: الأول. انتهى. ¬

_ (¬1) انظر "السراج على نكت المنهاج" (8/ 395). (¬2) المحرر (ص 528). (¬3) المنهاج (ص 598).

وعبارة "الحاوي" في ذلك [ص 706]: (وللمجني عليه بالقاضي) أي: تعجيزه، فسلم باختصار العبارة مما ورد على "المنهاج". 6515 - قول "التنبيه" [ص 148]: (وللسيد فداؤه) لا يفهم منه أن على المستحق القبول؛ فقول "الحاوي" [ص 706]: (وللمجني عليه بالقاضي إن لم يفد السيد) أحسن منه؛ لإفادته ذلك؛ فإنه دال على أنه إذا فداه .. لم يكن للمجني عليه التعجيز. 6516 - قول "المنهاج" [ص 598]: (ولو أعتقه بعد الجناية أو أبرأه .. عتق ولزمه الفداء) يفهم أن المراد: الفداء المتقدم، وفيه طريقان: قيل: على القولين، وقيل: بالأقل قطعًا، ولم يصحح منها في "أصل الروضة" شيئًا، لكنه صحح طريقة القطع في القن إذا جنى فأعتقه سيده، مع أنه أقرب إلى البيع من المكاتب. 6517 - قوله - والعبارة له - و"الحاوي": (ويستقل بكل تصرف لا تبرع فيه ولا خطر، وإلا .. فلا) (¬1) أورد عليه شيخنا في "تصحيح المنهاج" أمور: أحدها: تكفيره بالمال ليس تبرعًا ولا خطرًا، ومع ذلك فلا يعتق ولا يستقل بإطعام ولا كسوة، نص عليه، وحكى الرافعي في غير العتق طريقين: إحداهما: بناؤه على القولين في تبرعاته. والأخرى: بناؤه على القولين في ملك العبد بتمليك السيد (¬2). قلت: قد ذكر "الحاوي" ذلك فيما فيه تبرع، وهو مقتضى كلام "التنبيه" (¬3). ثانيها: يستثنى مما فيه تبرع: ما تصَدّق به على المكاتب من لحم وخبز مما العادة أن يؤكل ولا يباع، فإذا أهدى شيئًا منه لأحد .. كان للمهدى إليه أكله، نص عليه في "الأم" لحديث بريرة (¬4)، فوجب تقييد نصوصه المطلقة به للمسامحة بذلك، ولم أر أحدًا استثناه. ثالثها: يستثنى مما فيه خطر: ما الغالب فيه السلامة ويفعل للمصلحة؛ كتوديج البهائم وكيها، وقطع السلع منها، والفصد، والحجامة، وختن الرقيق، وقطع سلعته التي في قطعها خطر لكن في بقائها أكثر أو كان في قطعها خطر وفي إبقائها خطر (¬5). 6518 - قول "التنبيه" [ص 147]: (ولا يحابي، ولا يهب، ولا يعتق، ولا يكاتب، ولا يضارب، ولا يرهن، ولا يكفر بالطعام والكسوة، ولا ينفق على أقاربه غير ولده من أمته، ¬

_ (¬1) انظر "الحاوي" (ص 707)، و"المنهاج" (ص 598). (¬2) انظر "فتح العزيز" (13/ 551). (¬3) التنبيه (ص 147). (¬4) الأم (8/ 32). (¬5) انظر "حاشية الرملي" (4/ 496).

ولا يشتري من يعتق عليه، فإن أذن له السيد في شيء من ذلك .. ففيه قولان) فيه أمور: أحدها: الأظهر: جوازه إلا في العتق والكتابة، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 598]: (ويصح بإذن سيده في الأظهر) أي: ما فيه تبرع أو خطر، ثم قال: (ولا يصح إعتاقه وكتابته بإذن على المذهب) (¬1) و"الحاوي" فقال [ص 707]: (وتبرع وبخطر) وذكر أمثلة ذلك بإذن، لا العتق والكتابة والتسري، والمراد: الإعتاق عن نفسه، فلو أعتق عن السيد أو عن أجنبي بإذن السيد .. صح في الأظهر كغير العتق، وأطلق النووي في "تصحيح التنبيه": الجواز، ولم يستثن شيئًا، ومحل الخلاف في الهبة: إذا أذن في الإقباض أيضًا، قاله في "الكفاية". ثانيها: قوله: (ولا يرهن) قال الرافعي: إنه الذي أطبق عليه عامة الأصحاب، ثم قال: ويشبه أن يتوسط، فيجوز عند الضرورة دون المصلحة (¬2)، وخالف ذلك في كتاب الرهن، فصحح جوازه، وجعل حكمه كحكم الولي، ومال إليه السبكي فقال في "شرح المهذب": نصوص الشافعي دالة على أن المكاتب كالولي حرفًا بحرف، يرهن للضرورة والمصلحة، وهو الظاهر، قال: ولم يختلف كلام الرافعي في الرهن والكتابة إلا في كونه جعل البيع نسبة في باب الكتابة ممتنعًا عند عامة الأصحاب، وفي باب الرهن على وجه مشيرًا، إلى أن الأصح خلافه، قال: والظاهر الذي نقله الشيخ أبو حامد عن النص خلاف ما صححه، وحمل في "الكفاية" كلام "التنبيه" على غير الحاجة، وحكى التصريح بجوازه عند الحاجة عن الماوردي. ثالثها: قوله: (ولا ينفق على أقاربه غير ولده من أمته) كذلك لو كان في ملكه أصله أو فرعه بهبة أو وصية حيث يجوز ومرض أو عجز .. فإنه ينفق عليه. رابعها: يستثنى من ذلك: الإقراض؛ فيجوز بإذن السيد بلا خلاف، كما حكاه في "أصل الروضة" عن القفال وأقره، لكنه ذكر هنا أن فيه القولين في تبرعاته (¬3). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه ليس بمعتمد؛ فإن الإقراض حال ليس فيها إلا الإرفاق بالتأخير تبرعًا، ويرجع فيه ما دام باقيًا، وإذا تلف .. طالب ببدله. خامسها: يستثنى من ذلك أيضًا: خلع المكاتبة بإذن سيدها، قال في "أصل الروضة" في الخلع: المذهب المنصوص هنا: أنه كاختلاعها بغير إذن (¬4)، وهو مخالف لترجيح الرافعي أنه على القولين في تبرعاته، وتبع هنا الرافعي على ترجيح طريقة القولين وتصحيح الصحة، وفي ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 598). (¬2) انظر "فتح العزيز" (13/ 546). (¬3) الروضة (12/ 266). (¬4) الروضة (7/ 385).

"المهمات": إنه الصواب، لكن الأرجح عند شيخنا في "تصحيح المنهاج": طريقة القطع؛ فلذلك استثناه. سادسها: قال في "أصل الروضة": لو وهب للسيد أو لابنه الصغير أو أقرضه أو باعه نسيئة أو بمحاباة أو عجل له دينًا مؤجلًا غير النجوم .. فالمذهب: أنه على الخلاف فيما إذا وهب لغيره بإذنه (¬1). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": المذهب: أنه يصح قطعًا وليس كالهبة للأجنبي، وقد نص في "الأم" على ما يقتضيه، فعلى هذا: تستثنى هذه الصورة أيضًا من محل الخلاف، قال شيخنا: ولم أقف على الطريقين في التبرع على ابن سيده الصغير، وإنما فيه قولان؛ لأن علة القطع أنه مال لعبده، فيأخذه كيف شاء، وهذا لا يأتي في ولده الصغير. سابعها: حكى في "المنهاج" أيضًا القولين في شراء من يعتق عليه بالإذن، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الذي ظهر لي من نصوص الشافعي أنه لا يصح الشراء وإن إذن سيده؛ لأن صحة الشراء تقتضي أن يترتب عليه عتقه، وهو متعذر إذا لم يوجد إذن في العتق، وهو كشراء المريض مرض الموت من يعتق عليه وعليه دين مستغرق .. فالأصح: بطلانه، خلافا للرافعي والنووي، فلو أذن له السيد في الإعتاق .. صح إذا لم يكن الإعتاق عن المكاتب. 6519 - قول "المنهاج" [ص 598]: (فإن صح .. تكاتب عليه) أي: يمتنع عليه بيعه ويعتق بعتقه، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهذه اللفظة لم أجدها في كلام الشافعي ولا الأصحاب المتقدمين ولتفاعل معان ليس هذا منها، وإنما معناه تبعه في المقصد من الكتابة وهو: منع بيعه، وأنه يرق برقه ويعتق بعتقه، وهذا اصطلاح شرعي (¬2). 6520 - قول "التنبيه" [ص 147]: (وله أن يسافر في أحد القولين دون الآخر) الأصح: جوازه، وحكى الغزالي الخلاف عن العراقيين وجهين (¬3)، ولا يخفى أن محل المنع: إذا لم يأذن السيد، وفي "المهمات": إن كلام "التنبيه" يقتضي جريان الخلاف مع الإذن أيضًا، وفيه نظر. انتهى. وقيل: إن كان إلى دون مسافة القصر .. جاز، وإلا .. فلا، ونقله الماوردي عن أكثر الأصحاب (¬4)، ولا يجوز السفر في الكتابة الفاسدة على الصحيح. ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 281). (¬2) انظر "حاشية الرملي" (4/ 497). (¬3) انظر "الوسيط" (7/ 534). (¬4) انظر "الحاوي الكبير" (18/ 296).

فصل [في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة]

قال في "المهمات": وتعليل الرافعي يقتضي تخصيص الخلاف بسفر التجارة (¬1)، وتصوير المسألة يقتضي تعميم كل سفر، وصحح في "شرح المهذب": أن له منعه من سفر الحج (¬2)، وهو ضعيف؛ لأنه ليس له إجباره على الكسب. فصلٌ [في مشاركة الكتابة الفاسدةِ الصحيحةَ] 6521 - قول "المنهاج" [ص 598]: (الكتابة الفاسدة لشرط أو عوض أو أجل فاسد كالصحيحة في استقلاله بالكسب ... إلى آخره) ليس فيه بيان حقيقة الفاسدة، بل ظاهره انقسام الفاسدة إلى ما كان فسادها من جهة الشرط أو العوض، فهي التي كالصحيحة فيما ذكر، وإلى ما فسادها بغير ذلك؛ فليست كالصحيحة، وليس كذلك، وإنما مراده: أن الفاسدة ما كان الخلل فيها من جهة أحد هذه الأمور الثلاثة، فإن كان خللها بعد ذلك .. فهي الباطلة، وعبارة "الحاوي" [ص 708]: (والفاسدة كشرط شراء) فاقتصر على ذكر مثالها، وعبارة "التنبيه" [ص 148]: (وإن كاتب على عوض محرم أو شرط فاسد .. فسدت الكتابة) فبين حقيقتها إلا أنه لم يذكر الأجل الفاسد؛ ولعله داخل في الشرط الفاسد، وفي "أصل الروضة": الباطلة هي: التي اختل بعض أركانها؛ بأن كان السيد صبيًا أو مجنونًا أو مكرهًا على الكتابة، أو كان العبد كذلك، أو كاتب ولي الصبي والمجنون عبدهما، أو لم يجر ذكر عوض، أو ذكر ما لا يقصد ولا مالية فيه كالحشرات والدم، أو اختلت الصيغة؛ بأن فقد الإيجاب والقبول، أو لم يوافق أحدهما الآخر، وأما الفاسدة .. فهي: التي اختلت صحتها لشرط فاسد في العوض؛ بأن ذكر خمرًا أو خنزيرًا أو مجهولًا أو لم يؤجله أو لم ينجمه أو كاتب بعض العبد، وضبطها الإمام فقال: إذا صدرت الكتابة إيجابًا وقبولًا ممن تصح عبارته، وظهر اشتمالها على قصد المالية، لكنها لم تجمع شرائط الصحة .. فهي الكتابة الفاسدة، وجعل الصيدلاني الكتابة على دم أو ميتة كتابة فاسدة كالكتابة على خمر (¬3). قال في "المهمات": وظاهره أن مقالة الصيدلاني وجه ضعيف، ولكن الصحيح: عدها مما يقصد، وكذا صرح به الرافعي في الخلع، وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج": أن المشهور خلاف مقالة الصيدلاني. ويرد على عبارة "التنبيه" و"المنهاج" أمور: ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 479). (¬2) المجموع (8/ 238، 244). (¬3) الروضة (12/ 231)، وانظر "نهاية المطلب" (19/ 357).

أحدها: أن الكتابة على عوض محرم فاسد إنما تكون فاسدة إذا كان مقصودًا، فإذا لم يقصد .. فهي باطلة. ثانيها: أن كتابة بعض عبد فاسدة كما ذكره "المنهاج" قبل ذلك مع أن عبارتهما لا تتناوله. ثالثها: يرد عليهما أيضًا: ما لو جعل العتق مرتبًا على أداء بعض النجوم، ويبقى الباقي بعد العتق دينًا على العتيق؛ كما إذا كاتب على دينار إلى شهر ودينارين إلى شهرين على أنه إذا أدى الأول عتق، ويؤدي الدينارين بعد العتق .. ففي "أصل الروضة": في صحة الكتابة القولان فيما إذا جمعت الصفقة عقدين مختلفين (¬1)، ومقتضى ذلك: الصحة، لكن قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأصح فيه: أنه كتابة فاسدة. رابعها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم يذكر في أول الكتابة أنه معتبر في صحتها تنجيز عقدها، ولكن ذكر صيغتها بصورة التنجيز، فإذا أتى بالكتابة معلقة ووجد الشرط .. فهل هي فاسدة أو باطلة؟ لم أر من تعرض لذلك، ونص في "الأم" على أنه لم يقع كتابة، ومقتضاه: أن تكون باطلة. خامسها: إذا كان العوض فاسدًا مقصودًا، ولكن الكتابة صدرت بين كافرين، وحصل القبض في حال كفرهما .. فهي كالصحيحة في أنه لا يثبت فيها تراجع، نص عليه في "الأم"، وتبعه الأصحاب. سادسها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إذا قال في الكتابة: (فإذا أديت إلى .. فأنت حر بعد موتي) .. نص في "الأم" على أنها ليست كتابة، وإنما هو مدبر، ولسيده بيعه قبل أداء النجوم وبعده، قال: ولم أر في كلام الأصحاب هذا الفرع، وقياسه: أنه لو كاتبه على نجوم وقال: (فإذا أديتها .. فأنت حر إن دخلت الدار أو مضى بعد الأداء شهر) ونحو ذلك .. فإنه يكون تعليقًا محضًا، ولم أر من تعرض لذلك أيضًا. انتهى. سابعها: إذا كاتب عن العبد غيره وفرعنا على أنها غير صحيحة كما صححه في زيادة "الروضة" .. فمقتضى كلام "أصل الروضة": أنها فاسدة؛ فإنه قال: عتق بالصفة، ويرجع المؤدي على السيد بما أدى والسيد عليه بقيمة العبد (¬2). وليست هذه الصورة داخلة فيما ذكراه في تعريف الفاسدة، وقال النووي في "الدقائق": الفاسد والباطل من العقود عندنا سواء، إلا في مواضع منها: الحج، والعارية، والخلع، والكتابة (¬3)، ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 215). (¬2) الروضة (12/ 226). (¬3) الدقائق (ص 77).

وحكاه عنه شيخنا الإسنوي في "التنقيح" بلفظ: إلا في أربع مسائل، ثم اعترض عليه: بأن الحصر في الأربع ممنوع، بل يتصور أيضًا الفرق في كل عقد صحيحة غير مضمون كالإجارة والهبة وغيرها؛ فإنه لو صدر من سفيه أو صبي وتلفت العين في يد المستأجر أو المتهب .. وجب الضمان، ولو كان فاسدًا .. لم يجب ضمانها؛ لأن فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه. انتهى. وقد عرفت أن النووي لم يأت بما يدل على الحصر، وأن ذلك من تصرف الإسنوي في النقل عنه، وقال في "التوشيح": فرقوا بينهما في القراض في مسألتين، وفيما لو قال: بعتك، ولم يذكر ثمنًا، وسلم، وتلفت العين في يد المشتري .. ففي وجه: عليه قيمتها؛ لأنه بيع فاسد، وفي آخر: لا؛ إذ لا بيع أصلًا، فيكون أمانة. انتهى. وقول "المنهاج" [ص 598]: (إن الفاسدة كالصحيحة في استقلاله بالكسب) يقتضي سقوط نفقته عن السيد، وأن له معاملته، وهو الذي ذكره الإمام والغزالي (¬1)، ومقتضاه: أنه لا تجب فطرته على سيده، وهو خلاف المجزوم به في "أصل الروضة" (¬2)، وقد ذكره "الحاوي" (¬3). وقال البغوي: لا تجوز له معاملته، ولا ينفذ تصرفه فيما في يده كالمعلق عتقه (¬4). قال الرافعي: ولعل هذا أقوى (¬5). وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الذي ترجح عندنا أنه يتصرف فيما في يده، وقضية ملكه كسابه أن يعامل السيد، وحكى القاضي حسين في معاملته السيد وجهين، والأرجح عندنا: ما سبق، وهو الذي أفتى به القفال. 6522 - قوله: (وأخذ مهر شبهة) (¬6) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا يتقيد ذلك بالشبهة، بل له مهر جاريته الواجب بالعقد من مسمى صحيح أو مهر مثل بسبب تسميته فاسدة، أو تلف المسمى قبل قبض الزوجة وغير ذلك مما يوجب مهر المثل من غير وطء، وكذا يكون له الفرض في المفوضة ومهر المثل في موت أحد الزوجين قبل الفرض، والمسألتين في المفوضة، قال: وجميع ذلك يأتي في المرأة المكاتبة كتابة فاسدة. 6523 - قوله: (وفي أنه يعتق بالأداء) (¬7) أي: لا بالإبراء كما ذكره بعد ذلك هو ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (19/ 359)، و"الوجيز" (2/ 282). (¬2) الروضة (12/ 235). (¬3) الحاوي (ص 709). (¬4) انظر "التهذيب" (8/ 427). (¬5) انظر "فتح العزيز" (13/ 479). (¬6) انظر "المنهاج" (ص 598). (¬7) انظر "المنهاج" (ص 598).

و"الحاوي" (¬1)، ولا بالاعتياض كما ذكره "الحاوي" (¬2)، وهو يفهم صحة الاعتياض في الكتابة الصحيحة، وهو مفهوم كلام الغزالي كما نبه عليه الرافعي (¬3)، والأصح: المنع. قال القونوي: فلا ينبغي أن يحمل كلامه على ذلك، بل على حصول العتق بالاعتياض في الصحيحة دون الفاسدة، وعلى ذلك حمله صاحبا "التعليقة" و"المصباح"، والمراد: أداء المسمى للمالك، فيعتق بحكم التعليق، فلو أداه لوكيل أو وارث .. لم يعتق، وقد صرح بذلك "التنبيه" (¬4)، وكذا لو دفعه للمالك قبل المحل .. فالأصح في "الروضة": أنه لا يعتق؛ لأن الصفة لم توجد (¬5). 6524 - قول "المنهاج" [ص 599]: (وكالتعليق في أنه لا يعتق بإبراء، وتبطل بموت سيده، وتصح الوصية برقبته، ولا يصرف إليه سهم المكاتبين) محل بطلان التعليق بموته فيما إذا لم يقل: (إن أديت إلى وارثي كذا بعد موتي .. فأنت حر)، فإن قال ذلك .. عتق بالأداء إليه، جزم به في "أصل الروضة" (¬6)، ولم أدر معنى قول شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم أر من تعرض لذلك، وقال بعد ذلك بعد نقله هذا عن كتب المتأخرين: وما ذكروه تعليق ليس عن كتابة فاسدة، ويرد على الحصر في الأربعة: صحة إعتاقه عن الكفارة، وبيعه، وهبته، والتصديق به، ومنعه من السفر، وأنه لا يمنع من وطء الأمة. 6525 - قولهم - والعبارة لى "المنهاج" -: (وتخالفها في أن للسيد فسخها) (¬7) تعقب شيخنا في "تصحيح المنهاج" هذه العبارة من جهة أن الفسخ إنما يكون في العقد الصحيح، أما الفاسد .. فلا يرتفع بالفسخ؛ لأن الفسخ إنما يرفع الصحة، قال: وإنما يقال كما قال الشافعي: إن للسيد إبطالها (¬8). 6526 - قول "المنهاج" [ص 599]: (وأنه لا يملك ما يأخذه، بل يرجع المكاتب به أن كان متقومًا، وهو عليه بقيمته يوم العتق) فيه أمور: أحدها: مقتضاه: أنه لم يملكه وقت أخذه، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وكلامهم ¬

_ (¬1) الحاوي (ص 709)، المنهاج (ص 599). (¬2) الحاوي (ص 709). (¬3) انظر "فتح العزيز" (13/ 481). (¬4) التنبيه (ص 148). (¬5) الروضة (12/ 235). (¬6) الروضة (12/ 235). (¬7) انظر "التنبيه" (ص 148)، و"الحاوي" (ص 709)، و "المنهاج" (ص 599). (¬8) انظر "الأم" (8/ 75).

على هذا، وعندي ليس الأمر كذلك، بل يملكه، فإذا حصل العتق .. ارتفع ذلك الملك؛ واستشهد له بما إذا علق طلاق زوجته على إعطاء الدراهم فأعطته غير الغالب .. ملكه، وله رده وطلب الغالب، غير أنه في الكتابة يرتفع الملك قهرًا، وهنا يرتفع برد الزوج. ثانيها: قال شيخنا أيضًا: يستثنى من ذلك: ما أخذه الكافر الأصلي من مكاتبة الكافر الأصلي حال الكفر .. فإنه يملكه ولا يراجع. ثالثها: المراد بالمتقوم: ما له قيمة كما عبر به في "المحرر" (¬1)، لا ضد المثلي، وكذلك يرجع بما لا قيمة له إذا كان محترمًا كجلد الميتة قبل الدبغ، إلا أنه إذا تلف .. لم يرجع ببدله، وعبارة " التنبيه " أص 148، : (ورجع المولى عليه بالقيمة، ورجع هو على المولى بما دفع)، وعبارة "الحاوي" فيما خالفت فيه الفاسدة الصحيحة [ص 709]: (والرجوع إلى قيمته) فلا يرد عليهما الأمر الأول والثالث، ويرد على "التنبيه": أنه إنما يرجع على المولى بما دفع إذا كان محترمًا كما تقدم. 6527 - قول "التنبيه" [ص 148]: (وإن كانا من جنس واحد .. سقط أحدهما بالآخر في أحد الأقوال، ولا يسقط في الثاني، ولا يسقط في الثالث إلا برضا أحدهما، ولا يسقط في الرابع إلا برضاهما) فيه أمور: أحدها: الأظهر: الأول، وعبارة "المنهاج" من زيادته [ص 599]: (أصح أقوال التقاص .. سقوط أحد الدينين بالآخر بلا رضًا) وعليه مشى "الحاوي" في أوائل القضاء فقال [ص 663]: (وله جحد حقه إن جحد وتقاصّا كدينين تساويا صفة). ثانيها: صورة المسألة: أن يكون ما أداه العبد قد تلف؛ فإن التقاص إنما يكون في الدينين، كما صرح به "الحاوي" لا في دين وعين (¬2). ثالثها: لا يكفي كونهما من جنس واحد، بل لا بد من اتفاقهما في الصفة أيضًا؛ كالصحة والتكسير والحلول والتأجيل؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 663]: (تساويا صفة) فاستغنى بذلك عن ذكر الجنس، فلو تساويا في الأجل .. فهل هما كالحّالين أو كمؤجلين باجلين مختلفين؟ وجهان، أرجحهما عند الإمام: الأول، وعند البغوي: الثاني، كذا في "أصل الروضة" (¬3)، ورجح شيخنا في "تصحيح المنهاج" الأول، وحكاه عن البندنيجي، قال: وفي نص الشافعي ما يدل عليه. ¬

_ (¬1) المحرر (ص 529). (¬2) الحاوي (ص 663). (¬3) الروضة (12/ 273)، وانظر "نهاية المطلب" (19/ 451)، و"التهذيب" (8/ 461).

رابعها: صورة المسألة أيضًا: أن يكونا نقدين، فلا يحصل التقاص إلا في النقود على الأصح، وهذا وارد على "الحاوي" أيضًا؛ لإطلاقه الدينين، ويعتبر هنا أن يكون ما دفعه العبد نقدًا وهو من نقد البلد حتى يجانس ما يرجع به السيد من القيمة؛ فإنه إنما يرجع بقيمته من نقد البلد، واختصاص التقاص بالنقود، قال في "أصل الروضة": إنه المذهب الذي قطع به جمهور العراقيين وغيرهم (¬1). قال في "المهمات": والمثليات قد نص عليها الشافعي رضي الله عنه، وحكم فيها بالتقاص، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ذكر البندنيجي أن الأصحاب لم يختلفوا في أن الخلاف في التقاص لا يجري إلا في الدراهم والدنانير، ولا فرق بين ما له مثل وغيره، وقال: وهم في ذلك مخالفون لنص الشافعي لا عن قصد، ولكن لقلة نظرهم في كتابه؛ فقد نص في باب الجناية على المكاتب من "الأم": أن التقاص يقع في الطعام فقال: فيما إذا كان للسيد على المكاتب مائة صاع حنطة حالة، وحرق له مثلها .. كانت قصاصًا، وإن كره سيد المكاتب (¬2)، قال البندنيجي: فقد نص على أن الأقوال تأتي في كل ما يثبت في الذمة من مثلي ومتقوم، قال شيخنا: وهذا الذي ذكره البندنيجي في المتقوم لم أقف عليه في كلام الشافعي، ولكن الحوالة تجوز في المتقومات على المشهور، وقياسه: دخول التقاص فيه لحصول التساوي، وإلا .. لما صحت الحوالة به، ويوافقه ذكرهم التقاص فيما إذا بادر أحد ابني المقتول وقتل الجاني، مع أن الواجب إبل، وهي متقومة غير موصوفة الوصف المعتبر في السلم، وفي "أصل الروضة" في آخر المسألة ما ذكرناه من صور مجيء الخلاف في التقاص (¬3)، كذا أطلقه الأصحاب، وفيه نظر؛ لأن شرط التقاص: استواء الدينين في الجنس والصفة حتى لا يجري إذا كان أحدهما مؤجلًا والآخر حالًا، أو اختلف أجلهما، وهنا أحد الدينين في ذمة الابن المبادر لورثة الجاني، والآخر يتعلق بتركة الجاني، ولا يثبت في ذمة أحد، وهذا الاختلاف أشد من الاختلاف في قدر الأجل. انتهى. قال شيخنا: ولم يوردا أن الدينين متقومان، والتقاص لا يجري في المتقومات على ما صححاه، وأن مع كونهما متقومين فليسا موصوفين بصفة السلم، ويحتمل عند الدفع أن يكون أحد المدفوعين مغايرًا لصفات الآخر، وما كان كذلك .. فلا تقاص فيه؛ لعدم معرفة التساوي، قال: وعندي وقفة في ذلك من أجل نص للشافعي يشعر بدخول التقاص في ذلك، قال: ومما ينتظم في هذا السلك نفقة الزوجة وكسوتها، فإذا كان لزوجها عليها دين من المثليات في المثلي ¬

_ (¬1) الروضة (12/ 274). (¬2) الأم (8/ 72). (¬3) الروضة (12/ 273، 274).

ومن المتقومات في المتقوم .. نفى دخول التقاص فيه ما إذا سبق في المثليات والمتقومات، وفيها سبق في إبل الدبة من جهة الجهالة في الصفات، وقد تقدم، قال: وصحح في "النهاية" التقاص في المثليات (¬1)، وجرى عليه في "البسيط". خامسها: ظاهر كلامهم أنه لا فرق في ذلك بين دين السلم وغيره، وبه صرح في "أصل الروضة" (¬2). قال في "المهمات": وليس كذلك بلا خلاف؛ لامتناع الاعتياض عن دين السلم، كذا صرح به القاضي حسين والماوردي، ونص عليه الشافعي. سادسها: ولم يفرقوا بين أن يكون أحدهما معسرًا أم لا، وحكى في "البحر" عن "المجرد": أنه إذا كان أحدهما معسرًا ودينه متعين صرفه لنفقته كالزوجة .. فلا تقاص؛ لعدم توجه مطالبته، ثم قال: يجب أن يكون هذا على قولنا: إن التقاص لا يثبت إلا بالتراضي، فإن قلنا: يتقاصان بوجوبهما .. فيجب أن يسقط أحدهما بالآخر، قال شيخنا: وما ذكره ممنوع؛ لأن علة المنع ما ذكرناه، فلا يختص ذلك بقول التراضي. سابعها: ما منع فيه التقاص قهرًا إن كان لاختلاف جنس أو صفة من صحة وتكسير .. امتنع فيه بالتراضي أيضًا، ولكن يدخله التعويض، وإن كان لحلول أحدهما وتأجيل الآخر .. فالمرجح في "أصل الروضة": أنه لا يدخله بالتراضي أيضًا (¬3)، وفي "المهمات": أن مذهب الشافعي جوازه؛ فقد نص عليه في "الأم" في باب الجناية على المكاتب؛ ولأجله قال البندنيجي: إن الأصحاب في ذلك مخالفون لنصوص الشافعي لا عن قصد، ولكن لقلة نظرهم في كتبه. وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن النص المذكور إنما هو فيما إذا كان للمكاتب على سيده دين حال من جناية، وعلى المكاتب شيء لم يحل، فرضي المكاتب أن يجعل حقه الحال قصاصًا عن الذي للسيد عليه من المؤجل، قال شيخنا: وما أجاز الشافعي ذلك من جهة أنه لا بد من اجتماعهما على التقاص، بل لما فيه من تحصيل العتق للمكاتب، وصرح بذلك في باب جناية المكاتب على سيده والسيد على مكاتبه فقال: (لم تكن قصاصا إلا أن يشاء المكاتب ذلك دون سيده) (¬4)، ولو فرض في غير المكاتب رضا صاحب الدين الحال .. فيحتمل جوازه كالمكاتب، ويحتمل الفرق، وعلى كل حال فالعبرة برضا صاحب الدين لا برضاهما. ¬

_ (¬1) نهاية المطلب (19/ 452). (¬2) الروضة (12/ 273). (¬3) الروضة (12/ 273). (¬4) الأم (8/ 70).

ثامنها: هل المراد بالرضا أن يرضى في قلبه بذلك أم لا بد من التلفظ به؟ الأرجح: الثاني، قاله شيخنا في "تصحيح المنهاج"، قال: ويشهد له قول الشافعي: (لم يعتق حتى يقول: قد جعلت ما وجب لي قصاصًا) (¬1). 6528 - قول "الحاوي" [ص 708]: (والفاسد كهو) أي: كالصحيح، ودخول الكاف على الضمائر قليل (لا في الحط، والسفر، والإيصاء، والإبراء، والاعتياض والانفساخ بالفسخ وموته، وحجره، وجنونه، ورد القاضي والفطرة والزكاة، والرجوع إلى قيمته) (¬2) فيه أمور. أحدها: قوله: (والإيصاء) أي: تصح الوصية برقبة المكاتب كتابة فاسدة دون الصحيحة، وحكى فيه "التنبيه" قولين فقال [ص 148]: (وإن وصى بالمكاتب وهو لا يعلم بفساد الكتابة .. ففيه قولان، أحدهما: يصح، والثاني: لا يصح) وقد عرفت أن الأصح: الصحة، وبه جزم "المنهاج" (¬3)، وقيد محل الخلاف بأن لا يعلم فسادها، فإن علم .. صحت الوصية قطعًا، ومنهم من أجرى فيه القولين، وقد عرفت ما في قول "الحاوي": (والاعتياض). وقوله: (والانفساخ بالفسخ) يتناول كلًا من السيد والمكاتب، وقد عرفت ما في فسخ المكاتب في كلام الرافعي من الاضطراب، والضمير في قوله: (وموته، وحجره، وجنونه) يعود للسيد، وأما موت العبد .. فلا تبقي معه كتابة صحيحة ولا فاسدة، ولا تنفسخ بجنونه وإغمائه، وقد أفصح بذلك "المنهاج" فقال [ص 599]: (والأصح: بطلان الفاسدة بجنون السيد وإغمائه والحجر عليه) ومسألة الإغماء ليست في "المحرر"، وهي في "الروضة" وأصلها (¬4)، والمراد: حجر السفه، فلو حجر عليه بالفلس .. لم تبطل الفاسدة، ولكنه يباع في الدين، فإذا بيع .. بطلت. وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج": أن بطلانها بهذه الأمور خلاف نص "الأم" حيث قال: (وكذلك لو كاتبه كتابة فاسدة وهو صحيح ثم خبل السيد فتاداها منه مغلوبًا على عقله .. لم يعتق (¬5)، قال شيخنا: فلو كانت تبطل بذلك .. لم يحتج لهذا الكلام لبطلانها بالجنون قبل التأدي. ثانيها: قد يفهم من قوله: (ورد القاضي) أن له فسخها من غير طلب السيد، وليس كذلك، وإنما معناه: أن للسيد إذا أراد فسخ الكتابة الفاسدة أن فسخها بنفسه وأن يرفع الأمر إلى القاضي ليفسخها. ثالثها: ذكر أن الفاسدة تنفسخ بأحد أمور خمسة، وبقي عليه: إعتاق السيد له لا عن جهة ¬

_ (¬1) انظر "الأم" (8/ 71). (¬2) الحاوي (ص 708). (¬3) المنهاج (ص 599). (¬4) فتح العزيز (13/ 485)، الروضة (12/ 236). (¬5) الأم (8/ 49).

الكتابة كما لو أعتقه عن كفارته .. يجزيه، ويكون فسخًا للكتابة، فلا يتبعه كسبه وولده، بخلاف الصحيحة، قال الرافعي: وليكن الحكم كذلك لو باعه أو وهبه (¬1)، وقد يدعى اندراج هذه الصورة في الفسخ. رابعها: قد عرفت الإشكال في كون السيد تلزمه فطرته دون نفقته، وقوله: (والزكاة) مكرر قد تقدم في قوله في قسم الصدقات: (صحيحي الكتابة) (¬2) وأعاده لبيان ما فارقت فيه الكتابة الفاسدة الصحيحة وفي معنى الزكاة: الوقف على الرقاب والوصية لهم، فلا يأخذ من ذلك شيئًا. خامسها: يرد على حصره مسائل: إحداها: أنه ليس له في الفاسدة معاملة السيد كما تقدم عن البغوي (¬3)، وأن الرافعي قال: لعله أقوى (¬4)، لكن تقدم عن الإمام والغزالي وغيرهما: أن له معاملته كالصحيحة (¬5). الثانية: أنه لا يعتق بتعجيل النجوم كما صححه النووي من زيادة "الروضة" (¬6) وصاحب "الكفاية" لأن الصفة لم توجد على وجهها. الثالثة: أنها لو عجزت فأرقّها أو فسخ الكتابة قبل عجزها .. لم يجب الاستبراء، بخلاف الصحيحة (¬7)، وقد ذكره "الحاوي" في الاستبراء فقال [ص 537]: (ورفع الكتابة الصحيحة)، واعترضه شيخنا في "تصحيح المنهاج": بأن الكتابة الفاسدة لا يحرم بها وطء المكاتبة ولا الاستمتاع بها؛ فذكر الاستبراء لا معنى له. الرابعة: أنه لا تنقطع زكاة التجارة فيه، فيخرج عنه زكاتها؛ لتمكنه من التصرف فيه بالبيع وغيره بخلاف الصحيحة. الخامسة: أن له منعه من صوم الكفارة إذا حلف بغير إذنه وكان يضعف بالصوم. السادسة: أن له منعه من الإحرام وتحليله إذا حرم بغير إذنه، وله هو أن يتحلل حينئذ. السابعة: إذا أسلم عبد لكافر فكاتبه كتابة فاسدة .. لم يكف في إزالة سلطنته عنه. الثامنة: أن الكتابة الفاسدة في الخيار ليست فسخًا من البائع ولا إجارة من المشتري إلا أن يعتق بالأداء في الخيار. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 482). (¬2) الحاوي (ص 448). (¬3) انظر "التهذيب" (8/ 427). (¬4) انظر "فتح العزيز" (13/ 479). (¬5) انظر "نهاية المطلب" (19/ 359)، و"الوجيز" (2/ 282). (¬6) الروضة (12/ 235). (¬7) انظر "الروضة" (12/ 235).

التاسعة: أنه لو اطلع على عيب بعبد اشتراه بعد أن كاتبه كتابة فاسدة .. لم يمتنع رده بالعيب. العاشرة: أن الكتابة الفاسدة من المشتري لا تمنع عود المكاتب إلى البائع بإقالة أو فسخ بتحالف أو غيره. الحادية عشر: أنه يجوز له جعله رأس مال سلم، وأداؤه عن سلم لزمه كما يجوز بيعه، ويكون فسخًا للكتابة. الثانية عشر: أنه يجوز إقراضه، فإذا قبضه المقترض وملكه .. انفسخت الكتابة. الثالثة عشر: أنه لا يجوز أن يكون وكيلًا عن المرتهن في قبض العين المرهونة من سيده، ولا عن معامل سيده في صرف أو سلم أو غيرهما. الرابعة عشر: أن لبائعه فسخ البيع إذا أفلس المشتري وكان قد كاتبه كتابة فاسدة وبيع في الدين. الخامسة عشر: أنه لا تصح الحوالة عليه بالنجوم. السادسة عشر: أنه لا يصح التوكيل بالفاسدة من السيد، فلا تصدر من الوكيل لغلبة التعليق، ويحتمل الجواز لشائبة المعاوضة، وفي توكيل العبد من يقبلها له تردد، فعلى المنع تخالف الصحيحة، والأرجح: الاستواء. السابعة عشر: أنه لا يوكل السيد من يقبض له النجوم، ولا العبد من يؤديها عنه رعاية للتعليق بقوله: فماذا أديت إلى؟ ويشهد له ما إذا قال: (إن أعطيتني كذا .. فأنت طالق) .. فالمنقول: أنها إذا أرسلته مع وكيل فقبضه الزوج .. لم تطلق. الثامنة عشر: أنه يصح إقرار السيد به كعبده القن. التاسعة عشر: أنه لا يصح إقراره بما يوجب مالًا متعلقًا برقبته، بخلاف المكاتب كتابة صحيحة؛ ففيه اختلاف ترجيح، والأصح: القبول. العشرون: أنه يقبل إقرار السيد على المكاتب كتابة فاسدة بما يوجب الأرش بخلاف الصحيحة. الحادية والعشرون: أن للسيد أن يجعله أجرة في الإجارة وجعلًا في الجعالة ونفقة، ويكون ذلك فسخًا. الثانية والعشرون: إذا كاتب الفرع ما وهبه له أصله كتابة فاسدة بعد قبضه بإذنه .. فللأصل الرجوع فيه، ويكون فسخًا. الثالثة والعشرون: لا تصح الوصية بأن يكاتب عبده فلان كتابة فاسدة. الرابعة والعشرون: أن الفاسدة الصادرة في المرض ليست من الثلث؛ لأخذ السيد القيمة عَنْ رقبته، بل هي من رأس المال. الخامسة والعشرون: أنه لا يمتنع نظره إلى مكاتبته كتابة فاسدة.

السادسة والعشرون: أن المعتبر في الفاسدة جواب خطبتها من السيد، بخلاف الصحيحة "فإن المعتبر جوابها. السابعة والعشرون: أن السيد يزوج المكاتبة كتابة فاسدة إجبارًا، وفي كون ذلك فسخا نظر، والأرجح: أنه يكون فسخًا للكتابة؛ لأن إجبار السيد يكون للقنة دون المكاتبة كتابة صحيحة فيصيرها بذلك كالقنة. الثامنة والعشرون: أن للسيد منع الزوج من تسليمها نهارًا كالقنة، بخلاف المكاتبة كتابة صحيحة، فإنها يلزمها تسليم نفسها ليلًا ونهارًا كالحرة. التاسعة والعشرون: أن السيد يسافر بالمكاتبة كتابة فاسدة، وله منع الزوج من السفر بها، بخلاف المكاتبة كتابة صحيحة إذا كان في سفرها مصلحة بها. الثلاثون: أنه ليس للمكاتبة كتابة فاسدة حبس نفسها لتسليم المهر الحال، بخلاف الصحيحة. الحادية والثلاثون: أن للسيد تفويض بضعها وله حبسها للفرض وتسليم المفروض لا لها. الثانية والثلاثون: أنه إذا زوجها بعبده .. لم يجب المهر بخلاف الصحيحة. الثالثة والثلاثون: أنه يجوز جعلها صداقًا، ويكون فسخًا. الرابعة والثلاثون: إذا كاتبت الزوجة العبد الذي أصدقها الزوج إياه ثم وجد من الفرقة قبل الدخول ما يقتضي رجوع الكل أو النصف إلى الزوج .. فلا يرجع بذلك في الصحيحة، وعليها غرامة بدله، ويرجع به في الفاسدة، ويكون فسخًا للكتابة. الخامسة والثلاثون: أنه يخالع على المكاتبة كتابة فاسدة ويكون فسخًا، وفي الرد بالعيب والتحالف والإقالة وغيرها ما سبق. السادسة والثلاثون: أنها لا يجب لها المهر بوطء سيدها لها، ولا تعزير عليه، ويستمر تحريم أختها وعمتها وخالتها في الوطء بملك اليمين وفي عقد النكاح. السابعة والثلاثون: أن أرش جنايته يتعلق برقبته ابتداء كالقن، ولا أرش له فيما إذا جنى عليه السيد. الثامنة والثلاثون: أنه لا يدعي في قتل عبده في محل اللوث ولا غيره، ولا يقسم، وذلك يتعلق بالسيد بخلاف المكاتب كتابة صحيحة. التاسعة والثلاثون: أنه إذا حجر على السيد بالردة، وقلنا: إنه حجر فلس - وهو الأصح - وماله لا يفي بديونه .. فلبائعه الرجوع فيه، ولا يمنعه من ذلك الكتابة الفاسدة. الأربعون: أنه إذا سرقه سارق وهو نائم وكان بحيث لو انتبه لم يقدر على دفع السارق .. فإنه يثبت الاستيلاء عليه، والأرجح: أنه يقطع؛ لأنه مال أخذ من حرز، بخلاف المكاتب كتابة صحيحة، فإنه ليس بمال، فلا قطع فيه.

الحادية والأربعون: أنه يحنث سيد المكاتب كتابة فاسدة في حلفه أنه لا مال له ولا عبد، ولو حلف لا يكاتب أو ليكاتبن أو لا يكلم مكاتب فلان .. تعلق البر والحنث بالكتابة الصحيحة دون الفاسدة. الثانية والأربعون: أنه يكاتبه السيد كتابة صحيحة ويكون فسخًا للفاسدة. الثالثة والأربعون: في ثبوت العوض في الكتابة الفاسدة في الذمة إذا أمكن ذلك تردد، فمن نظر إلى معنى المعاوضة .. أثبته في الذمة، ومن نظر إلى غلبة التعليق .. لم يثبته في الذمة، وعلى هذا: فتخالف الفاسدة الصحيحة في ذلك، قال شيخنا: والأرجح: ثبوته في الذمة، ويصح الإبراء منه، ولكن لا يعتق المكاتب، ويبطل التعليق، ولم أر من تعرض لذلك. الرابعة والأربعون: أنه لا يعتق في الكتابة الفاسدة بأداء غيره عنه تبرعًا إلا إذا فسدت لصدورها مع غير العبد، فيعتق من صدرت الكتابة معه بمقتضى التعليق. الخامسة والأربعون: أنه إذا أعتق لا عن جهة الكتابة .. لم يستتبع كسبًا ولا ولدًا. السادسة والأربعون: أن له إعتاقه عن الكفارة على المنصوص. السابعة والأربعون: أنه يعتق بأخذ السيد في حال جنونه، كذا ذكروه، وقال الرافعي: ينبغي أن لا يعتق؛ لأنه لم يأخذ من العبد (¬1)، قال شيخنا: ويزاد عليه: أن العبد لم يؤده. الثامنة والأربعون: أن العيب في المدفوع في الكتابة الفاسدة لا يضر ولا يرد به؛ إذ المرجع إلى القيمة. التاسعة والأربعون: إذا كاتب عبيدًا صفقة كتابة فاسدة وقال: (إذا أديتم إليّ كذا .. فأنتم أحرار) .. لم يعتق واحد منهم بأداء حصته على الأقيس. الخمسون: أنها تنفسخ بموت غير السيد وغير المكاتب، وهو من جعل القبض منه أو قبضه شرطًا في العتق. الحادية والخمسون: أن له حمل المكاتب كتابة فاسدة إذا كان كافرًا إلى بلاد الحرب. الثانية والخمسون: أنها لا تستحب إذا طلبها العبد مطلقًا، بل تحرم إذا طلبها على عوض محرم. الثالثة والخمسون: أنه يكتفى في الكتابة الصحيحة بنية قوله: (فإذا أديت إليّ .. فأنت حر) وإن لم يتلفظ به، بخلاف الفاسدة لا يكتفى فيها بنية ذلك؛ لأن التعليق لا يصح بالنية، وإنما صح في الكتابة الصحيحة لغلبة المعاوضة، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: لم أر من تعرض لذلك، وهو من النفائس. ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 486).

وفي "النهاية": أن قوله: (فإذا أديت .. فأنت حر) ليس المقصود منه التعليق على الحقيقة، إنما هو نطق بمضمون العقد على الغالب، والغرض إزالة التردد في لفظ الكتابة؛ ولذلك قد يحصل العتق بغير الأداء، ويكتفى بالنية من غير لفظ التعليق، ولو كان التعليق مقصودًا .. لبعد حصوله بالنية. انتهى (¬1). الرابعة والخمسون: أنه لو عين في الفاسدة موضعًا للتسليم .. تعين مطلقًا من أجل التعليق، بخلاف الصحيحة؛ فإنه إذا أحضره في غير المكان المعين، فقبضه .. وقع العتق. الخامسة والخمسون: أنه لو قال السيد: هذا حرام .. لم يؤثر في الفاسدة المشتملة على الحرام بخلاف الصحيحة. السادسة والخمسون: أن المكاتب لو اشترى في الفاسدة من يعتق على سيده .. عتق في الحال، بخلاف الصحيحة لا يعتق فيها إلا إذا رق. السابعة والخمسون: أنهما يتحالفان في الصحيحة عند الاختلاف، بخلاف الفاسدة لا تحالف فيها؛ لأنها جائزة من الجانبين، فلو اختلفا بعد العتق .. فلا تحالف أيضًا؛ لثبوت التراجع، وهذه الصور المزيدة على "الحاوي" ما عدا الثلاث الأول من "تصحيح المنهاج" لشيخنا الإمام البلقيني. 6529 - قول "المنهاج" [ص 599]- والعبارة له - و"الحاوي" [ص 709]: (لا بجنون العبد) أي: لا تنفسخ الفاسدة بجنون العبد، فلو أفاق وأدى .. عتق، وثبت التراجع، قالوا: وكذا لو أخذه السيد في جنونه، قال الرافعي: وينبغي أن لا يعتق بأخذ السيد هنا بخلاف الصحيحة؛ لأن المغلب هنا التعليق والصفة هنا أداء العبد، ولم يوجد (¬2). 6530 - قول "المنهاج" [ص 599]: (ولو ادعى كتابة فأنكر سيده أو وارثه .. صُدِّقا) لو قال: (صدق المنكر) .. لكان أولى؛ لأن التثنية لا تناسب مع العطف بأو. 6531 - قوله: (ولو اختلفا في قدر النجوم أو صفتها .. تحالفا) (¬3) لا فرق في ذلك بين الصحيحة والفاسدة، لكن قوله في تفريع ذلك: (وإن كان قبضه وقال المكاتب: "بعض المقبوض وديعة" .. عتق، ورجع هو بما أدى، والسيد بقيمته) (¬4) يقتضي أن كلامه في الصحيحة؛ لأن التراجع في الفاسدة لا يتوقف على ذلك، كذا أورده شيخنا في "تصحيح المنهاج". ¬

_ (¬1) نهاية المطلب (19/ 345، 346). (¬2) انظر "فتح العزيز" (13/ 486). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 599). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 599).

وقد يقال: لا يلزم من ذكر التراجع في هذه الصورة الخاصة نفيه فيما عداها، ولو كان قال: (ورجع إن كان كذا) فجعله شرطًا فيه؛ لأمكن هذا الإيراد، والله أعلم. 6532 - قوله في المسألة: (بل إن لم يتفقا .. فسخ القاضي) (¬1) يقتضي تعينه لذلك، والأصح في التحالف: أنه لا يتعين القاضي للفسخ، بل هما يفسخان أو أحدهما، وإنما يفسخ الحاكم إذا أصرا على النزاع ولم يفسخا أو التمسا الفسخ، فلو أعرضا عن الخصومة .. فالأرجح: أنه يعرض عنهما إلى أن يطلبا أو أحدهما ذلك، أو يتفقا على أمر. وفي "الروضة": التحالف في أمور: منها: الكتابة، وأعقبه بهذا التفريع، ولم يفرق بين الصحيحة والفاسدة (¬2). 6533 - قوله: (ولو قال: "كاتبتك وأنا مجنون أو محجور عليّ") (¬3) أي: بسفه طارئ أو بفلس، فلو كان لصبى أو سفه مقارن للبلوغ .. لم يحتج لقوله: (إن عرف سبق ما ادعاه) (¬4). 6534 - قوله: (ولو مات عن ابنين وعبد فقال: "كاتبني أبوكما" فإن أنكرا .. صدقا، وإن صدقاه .. فمكاتب، فإن أعتق أحدهما نصيبه .. فالأصح: لا يعتق، بل يوقف. قلت: بل الأظهر: العتق) (¬5) كان ينبغي أن يقول في الأول: (الأظهر) لأن "المحرر" لم يذكر أن الخلاف وجهان وتعبيره بالأصح لا يدل على ذلك؛ إذ لا اصطلاح له فيه، وقوله في زيادته: (الأظهر) يدل على أن الخلاف قولان، وعبارة "أصل الروضة": إن نفوذ الإعتاق في نصيب المعتق قطع به الأصحاب، وإن البغوي قال: مقتضى سياق "المختصر" حصول قولين في عتق نصيبه، أظهرهما: المنع (¬6). ومقتضى ذلك أن: يعبر في زيادته هنا بالمذهب؛ لأن الذي في "المحرر" أجراه على طريقة البغوي، فناسبه الأظهر (¬7)، والذي في "المنهاج" جارٍ على قطع الأصحاب، فناسبه المذهب، ورجح شيخنا في "تصحيح المنهاج" الوقف، وقال: لسنا نستند لما قاله البغوي، بل إلى نصوص الشافعي، وما يقتضيه كلام أهل الطريقين، ثم بسط ذلك. 6535 - قوله تفريعًا على الوقف: (وإن عجز .. قُوّم على المعتق إن كان موسرا) (¬8) يفهم اعتبار ¬

_ (¬1) انظر "المنهاج" (ص 599). (¬2) الروضة (3/ 576، 581، 582). (¬3) انظر "المنهاج" (ص 599). (¬4) انظر "المنهاج" (ص 599). (¬5) انظر "المنهاج" (ص 600). (¬6) الروضة (241/ 12)، وانظر "مختصر المزني" (ص 324)، و"التهذيب" (8/ 435). (¬7) المحرر (ص 530). (¬8) انظر "المنهاج" (ص 600).

يساره عند إعتاق نصيبه، وليس كذلك بل العبرة بيساره وقت العجز؛ لأنه وقت نفوذ ذلك العتق والتقويم فيعتبر حينئذ، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج" وقال: في كلامهم ما يقتضي هذا. 6536 - قول "الحاوي" [ص 705]: (وإن أعتق وارث .. عتق بكتابة الميت؛ كأن أبرأ أو قبض) ما ذكره من العتق بكتابة الميت فيما إذا قبض أحد الابنين نصيبه مفرع على صحة القبض؛ فقد صرح الرافعي بأن صحة العتق في نصيب أحد الشريكين مبني على صحة القبض، وهو وجه ضعيف؛ فقد صرح الرافعي أيضًا بأن قبض أحد الابنين كقبض أحد الشريكين، إن كان بغير إذنه .. لم يصح، وإن كان بإذنه .. فقولان، أصحهما: أنه لا يصح أيضًا (¬1)، وصرح "الحاوي" قبل ذلك بأنه لا يعتق شيء بقبض أحد الشريكين فقال [ص 704]: (لاشيء بقبض سيد وإن قُدّم)، وتبع "الحاوي" في التفريق بينهما الغزالي؛ فإنه قال: لا يعتق شيء بقبض أحد الشريكين (¬2)، بخلاف مسألة الابنين، وقد تعقبه فيه الرافعي. 6537 - قول "المنهاج" [ص 600]: (وإن صدقه أحدهما .. فنصيبه مكاتب، ونصيب المكذب قن، فإن أعتقه المصدق .. فالمذهب: أنه يقوم عليه إن كان موسرًا) أخرج بإعتاقه: ما إذا أعتق عليه بقبض حصته من النجوم أو بإبرائه عنها .. فإنه لا يسري، وإليه أشار "الحاوي" بقوله [ص 705]: (وسرى - أي: العتق - لا هما - أي: الأداء والإبراء - إلى نصيب منكرها). ونازع شيخنا في "تصحيح المنهاج" في السراية فيما إذا أعتقه المصدق، وقال: نص "الأم" و"المختصر" على أن نصيب المصدق إذا عتق .. لا يقوم عليه، وهو يعم عتقه بالقبض والإبراء والإعتاق، والذي علل به الشافعي: أنه إنما أقر بشيء فعله الأب، وهذا يعم الصور الثلاث، ومن شرط السراية: أن يكون ما أعتقه المعتق يثبت له عليه الولاء، وفي "أصل الروضة" في هذه الصورة طريقان: قال الأكثرون: قولان كما لو صدقاه، إلا إذا قلنا بالسراية .. ثبت هنا في الحال، ولا يجيء القول الآخر؛ لأن صاحبه ينكر الكتابة، فلا يمكن التوقف إلى العجز (¬3)، وصحح الرافعي فيما إذا صدقاه: عدم السراية، فيكون الأصح هنا: أنه لا سراية. انتهى (¬4). وقال في "التوشيح": قد يستشكل تصحيح السراية من جهة أن نصيب المصدق محكوم في الظاهر بأنه مكاتب، وهو يزعم أن نصيب شريكه مكاتب أيضًا، ومقتضى كونه مكاتبًا: أن لا يسري؛ فكيف يلزم المصدق حكم السراية مع كونه لم يعترف بما يوجبها، قال أبي رحمه الله: ¬

_ (¬1) انظر "فتح العزيز" (13/ 493). (¬2) انظر "الوجيز" (2/ 286). (¬3) الروضة (12/ 244). (¬4) انظر "فتح العزيز" (13/ 495).

والجواب عن هذا الإشكال: أن المكذب يزعم أن الكل قن، ومقتضى ذلك: أن إعتاق شريكه نافذ سارٍ كما لو قال لشريكه في العبد القن: أنت أعتقت نصيبك، وأنت موسر .. فإنا نؤاخذه ونحكم بالسراية إلى نصيبه، لكنا هناك لا نلزم شريكه القيمة؛ لعدم ثبوت إعتاقه بإقراره ولا ببينة، وهنا لما ثبتت السراية بإقرار المكذب، وهي من أثر إعتاق المصدق وإعتاقه ثابت .. فهو بإعتاقه متلف لنصيب شريكه بالطريق المذكور، فيضمن قيمة ما أتلفه، قال: ويزيد ذلك وضوحًا أنا في العبد المكاتب كله إنما لم نقل بالسراية؛ لما فيها من إبطال حق الشريك في كتابته، وهذه العلة مفقودة هنا، فلا محذور في السراية؛ فلذلك كان الأصح: القول بها، ولا يمكن أن نقول: يسري ولا يغرم. انتهى. 6538 - قول "التنبيه" [ص 147، 148]: (وإن حبس السيد المكاتب مدة .. لزمه أجرة المثل في أحد القولين، وتخليته مثل ذلك المدة في القول الآخر) الأصح: الأول. 6539 - قوله: (وإن أسلم عبد لكافر .. أمر بإزالة الملك عنه، فإن كاتبه .. ففيه قولان، أحدهما: يجوز، والثاني: لا يجوز) (¬1) الأصح: الأول؛ لأنه بالكتابة كالخارج عن ملكه، والمراد: الكتابة الصحيحة دون الفاسدة كما تقدم، والخلاف في "الروضة" وأصلها وجهان (¬2). * * * ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 148). (¬2) فتح العزيز (13/ 465)، الروضة (12/ 223).

كتاب أمهات الأولاد

كتابُ أمّهات الأولاد 6540 - قول "التنبيه" [ص 148]: (إذا وطئ جاريته أو جارية يملك بعضها فأولدها .. فالولد حر والجارية أم ولد له) فيه أمران: أحدهما: أنه صريح في أن حرية الولد لا تتبعض، وهو محكي عن العراقيين، وحكى الرافعي في آخر السير تصحيحه عن القاضي أبي الطيب والماوردي وغيرهما، وصححه في "الشرح الصغير" و"أصل الروضة" (¬1)، وحكى الرافعي في أواخر (الكتابة) القول بالتبعيض عن أبي إسحاق، وأن البغوي قال: إنه أصح (¬2)، وجعله في "أصل الروضة" الأصح (¬3)، وصححه الرافعي في الكلام على دية الجنين، فقال في الكلام على وطء أحد الشريكين: هل كل الولد حر أو نصفه؟ قولان، أظهرهما: الثاني (¬4)، وقال في (باب ما يحرم من النكاح): لو قدر على نكاح من بعضها حر .. فهل له نكاح الأمة المحضة؟ تردد فيه الإمام؛ لأن إرقاق بعض الولد أهون من إرقاق كله (¬5). ثانيهما: محل صيرورة الجارية أم ولد: فيما إذا ملك بعضها إذا كان موسرًا بقيمة الباقي، فإن كان معسرًا .. لم يسر الاستيلاد، بل يختص بنصيبه، وقد ذكر ذلك "المنهاج" في العتق فقال [ص 586]: (واستيلاد أحد الشريكين الموسر يسري). ويستثنى من إطلاق الثلاثة ثبوت حكم الاستيلاد بإيلاد جاريته مسائل: إحداها: إذا أولد المبعض جارية ملكها ببعضه الحر .. فحكى شيخنا في "تصحيح المنهاج" في مصيرها أم ولد له قولين، وأيد كونها لا تصير أم ولد؛ بأن في "أصل الروضة" أنه لا يثبت الاستيلاد للأب المبعض بالولد المنعقد منه في أمة فرعه، ثم فرق بينهما بأن الأصل المبعض لا تثبت له شبهة الإعتاق بالنسبة إلى نصفه الرقيق، ولا كذلك في المبعض في الأمة التي استقل بملكها، ثم قال: والأصح عندنا: أنه يثبت الاستيلاد في أمة المبعض التي ملكها بكسب الحرية، وبه جزم الماوردي (¬6). الثانية: المكاتب تقدم أن موطوءته لا تصير أم ولد في الأظهر. ¬

_ (¬1) الروضة (10/ 272). (¬2) فتح العزيز (13/ 569). (¬3) الروضة (12/ 298). (¬4) فتح العزيز (10/ 519). (¬5) فتح العزيز (8/ 62). (¬6) انظر "مغنى المحتاج" (4/ 539).

الثالثة: إذا أولد الراهن المرهونة وهو معسر .. فقد تقدم في الرهن أن الأظهر: أنه لا ينفذ الاستيلاد، فإن لم ينفذه فانفك .. نفذ في الأصح. الرابعة: الجانية التي تعلق برقبتها مال .. لا ينفد استيلاد مالكها لها إذا كان معسرًا على الأصح. الخامسة: جارية التركة التي تعلق بها دين إذا استولدها الوارث .. لم ينفذ استيلاده إذا كان معسرًا، ولو رهن جارية ثم مات عن أب فاستولدها الأب .. فقال القفال: لا تصير أم ولد؛ لأنه خليفته، فنزل منزلته. السادسة: الجارية التي نذر مالكها التصدق بها أو بثمنها .. لا ينفد استيلاده لها؛ لسبق حق النذر، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وأنه أخذه مما إذا نذر قبل الحول التصدق بالنصاب أو ببعضه ومضى الحول قبل التصدق به، وفيه طريقان: أحدهما: القطع بمنع وجوب الزكاة. والثاني: تخرجه على الخلاف في أن الدين هل يمنع الزكاة؟ . السابعة: إذا أوصى بإعتاق جارية تخرج من الثلث .. فالملك فيها للوارث، ومع ذلك فلو استولدها قبل إعتاقها .. لم ينفذ لإفضائه إلى إبطال الوصية، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج" أيضًا، وقال: لم أر من تعرض لذلك. الثامنة: الصبي الذي استكمل تسع سنين إذا وطئ أمته فولدت لأكثر من ستة أشهر .. لحقه، قالوا: لكن لا نحكم ببلوغه، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وظاهر كلامهم يقتضي أنه لا يثبت استيلاده، والذي صوبناه الحكم ببلوغه وثبوت استيلاد أمته، فعلى كلامهم تستثنى هذه الصورة، وعلى ما قلناه لا استثناء. انتهى. ويستثنى من مفهوم كلامهم: جارية المكاتب يثبت الاستيلاد بإيلاد سيده لها، وجارية الابن بشرطه المتقدم في الكلام على إعفاف الأب، وقد ذكر "التنبيه" جارية الابن هنا. 6541 - قول "التنبيه" [ص 148]: (وإن وطئ جاريته فوضعت ما لم يتصور فيه خلق آدمي، فشهد أربع من القوابل أنه لو ترك كان آدميًا .. ففيه قولان، أحدهما: أنها تصير أم ولد له، والثاني: لا تصير) الأظهر: الثاني، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 710]: (من أتت بظاهر تخطيط - أي: سواء كان ظاهرًا لكل أحد أو للقوابل خاصة - علقت من السيد .. عتقت) و"المنهاج" فقال [ص 601]: (أو ما تجب فيه غرة)، وقد تقدم في الجنايات أنه لا تجب الغرة في هذا فقال: (وكذا لحم قال القوابل: "فيه صورة خفية"، قيل: أو قُلْنَ: "لو بقي .. لتصور") (¬1) وحاصله ¬

_ (¬1) المنهاج (ص 493).

أن باب الاستيلاد والغرة سواء نصًا وتصحيحًا، بخلاف الغرة؛ فإنها تنقضي بذلك. 6542 - قول "المنهاج" [ص 601]: (أو أمة غيره بنكاح) زاد "التنبيه" [ص 148]: (أو زنًا) قالا: (فالولد رقيق، ولا تصير أم ولد) زاد "المنهاج" [ص 601]: (إذا ملكها) يستثنى منه أمران: أحدهما: إذا غر بحرية أمة فنكحها وأولدها .. فالولد حر (¬1)، وفي ثبوت حكم الاستيلاد إذا ملكها القولان في الشبهة. ثانيهما: إذا نكح حر جارية أجنبي ثم ملكها ابنه أو عبد جارية ابنه، ثم عتق .. فلا ينفسخ النكاح، فلو أولدها .. فقال الشيخ أبو محمد: يثبت الاستيلاد وينفسخ النكاح، ومال إليه الإمام، ورجحه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال الشيخ أبو حامد والشيخ أبو على: لا يثبت الاستيلاد. 6543 - قول "التنبيه" [ص 148]: (وإن كان بشبهة .. فالولد حر والجارية ليست بام ولد له في الحال، فإن ملكها .. ففيه قولان، أحدهما: أنها تصير أم ولد، والثاني: لا تصير) الأظهر: الثاني، وعليه مشى (المنهاج، (¬2)، وهو مفهوم قول "الحاوي" [ص 701]: (من السيد). ويستثنى من الشبهة: ما إذا ظن أنها زوجته الأمة .. فالولد رقيق ولا يثبت الاستيلاد. 6544 - قولهم: (وله وطء أم الولد) (¬3) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يستثنى منه: المبعض إذا ملك جارية ببعضه الحر واستولدها .. فإنه يثبت الاستيلاد على أرجح القولين، وليس له وطئها إلا بإذن مالك بعضه، والتي لم ينفذ فيها الاستيلاد لرهن وضعي أو شرعي أو لجناية .. فإنه يثبت فيها الاستيلاد بالنسبة للمستولد ولا يجوز له وطؤها، ويمتنع على السيد وطء المكاتبة ولو استولدها؛ لوجود الكتابة. 6545 - قول "التنبيه" [ص 148]: (وفي تزويجها ثلاثة أقوال) الأظهر: جوازه جبرًا بغير إذنها، وعليه مشى "الحاوي" و"المنهاج" (¬4)، إلا أنه عبر بالأصح، فاقتضى أن الخلاف أوجه، وكذا هو في "الروضة" في النكاح، وهو في "الروضة" وأصلها هنا أقوال كما في "التنبيه" (¬5). ويستثنى من تزويج المستولدة: الكافر؛ فليس له تزويجها على الأصح إذا كانت مسلمة (¬6)، ¬

_ (¬1) انظر "نهاية المطلب" (19/ 501)، و"مغني المحتاج" (4/ 539). (¬2) المنهاج (ص 601). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 148)، و"الحاوي" (ص 710)، و"المنهاج" (ص 601). (¬4) الحاوي (ص 710)، المنهاج (ص 601). (¬5) الروضة (12/ 311). (¬6) انظر "الروضة " (7/ 105).

واستثنى البغوي منه: أمة المبعض فقال: ليس له تزويجها، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو ممنوع؛ لأن تزويج السيد أمته بالملك، وهو موجود. 6546 - قولهم: (ويحرم بيعها) (¬1) يستثنى منه: ما إذا باعها من نفسها .. فإنه يصح على الظاهر كما حكاه في "أصل الروضة" عن القفال، وأقره (¬2)، وهو مبني على أنه عقد عتاقة، وهو الأصح. ومحل المنع أيضًا: ما لم يرتفع الاستيلاد بالسبي، فإن ارتفع؛ بأن كانت كافرة وليست مستولدة مسلم؛ فإذا سُبيت .. صارت قنة وجاز بيعها، وظاهر قرن "التنبيه" و"المنهاج" البيع بالهبة في المنع: أنه حيث حرم بيعها حرمت هبتها، ويستثنى منه: من يجوز بيعها لعلقة رهن وضعي أو شرعي أو جناية .. فإنه يحرم هبتها، ولا يحرم بيعها في العلقة المذكورة، ولو حكم حاكم بجواز بيع أم الولد حيث منع .. ففي "أصل الروضة" هنا عن الروياني، عن الأصحاب: أنه ينقض، وعن الإمام وجهان (¬3)، وفي (كتاب القضاء) عن محققين: النقض، وعن تصحيح الروياني: عدمه (¬4). 6547 - قول "المنهاج" [ص 601]: (ولو ولدت من زوج أو زنًا .. فالولد للسيد يعتق بموته كهي) لو قال: (حكمه حكم أمه) .. لكان أولى؛ لشموله منع البيع وغيره من الأحكام؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 710]: (عتقت هي وولدها بعده إن مات، ولا يبيعهما) وذكر بقية الأحكام، وعبارة "الروضة": له حكم الأم، فليس للسيد بيعها، ويعتق بموته وإن ماتت الأم في حياة السيد، ولو أعتق الأم .. لم يعتق، بخلاف ولد المكاتبة؛ فإنه يعتق بعتقها. انتهى (¬5). ومحل هذا: إذا لم تبع، فإن بيعت في رهن أو جناية فولدت من زوج أو زنًا ثم ملكها المستولد وأولادها .. لم يثبت لهم حكم أمهم في الأصح، ذكره في "أصل الروضة" في أواخر الإقرار بالنسب (¬6). قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ويجري مثل ذلك في الجانية وجارية التركة المتعلق بها الرهن. انتهى. واحترز "المنهاج" بقوله: (من زوج أو زنًا) عن ولدها من السيد؛ فإنه حر، لكن يرد على التقييد أنه لو كان من وطء شبهة ظن فيه أنها زوجته الرقيقة .. فإن حكمه كذلك كما تقدم. 6548 - قول "المنهاج" [ص 601]: (وعتق المستولدة من رأس المال) أحسن من قول ¬

_ (¬1) انظر "التنبيه" (ص 148)، و"الحاوي" (ص 710)، و"المنهاج" (ص 601). (¬2) الروضة (12/ 314). (¬3) الروضة (12/ 310). (¬4) الروضة (11/ 151، 152). (¬5) الروضة (12/ 311). (¬6) الروضة (4/ 419).

"المحرر": (وإذا عتقت بموت السيد .. عتقت من رأس المال) (¬1)، ومن قول "التنبيه" [ص 149]: (وتعتق بموت السيد من رأس المال) فإنها لو عتقت بإعتاقه في مرض الموت .. كانت من رأس المال أيضًا، ولا نظر إلى ما فوّته من منافعها التي كان يستحقها إلى موته، وعبارة "المنهاج" متناولة لهذه الصورة بخلاف عبارتهما. 6549 - قول "التنبيه" [ص 149]: (وإن جنت أم الولد .. فداها [المولى] (¬2) بأقل الأمرين من قيمتها أو أرش الجناية، فإن فداها بقيمتها ثم جنت جناية أخرى .. ففيها قولان، أحدهما: أنه يفديها في الثانية أيضًا بأقل الأمرين، والثاني: أنه يشارك المجني عليه ثانيًا المجني عليه أولًا فيما أخذ، ويشتركان فيه على قدر الجنايتين) الأظهر: الثاني. 6550 - قوله: (وإن أسلمت أم ولد لنصراني .. حيل بينه وبينها، وأنفق عليها إلى أن يموت فتعتق) (¬3) لو عبر بقوله: (كافر) .. لكان أعم. * * * ¬

_ (¬1) المحرر (ص 531). (¬2) في (د): (السيد). (¬3) انظر "التنبيه" (ص 149).

خاتمة النسخة

خاتمة النسخة هذا آخر ما جمعه سيدنا ومولانا شيخ الإسلام، وبقية المجتهدين الأعلام ولي الدين أبو زرعة أحمد بن العراقي الشافعي من "تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي" شكر الله الكريم سعيه على جمع هذه العلوم الباهرة والمحاسن الظاهرة والخيرات المتكاثرة، أمتعنا الله بعلومه في الدنيا والآخرة، وجمعنا عليه بدار الكرامة في الآخرة. وكان الفراغ من كتابته في السادس عشر من جماد الأول سنة ثمانين وثمان مئة، علقه لنفسه فقير رحمة ربه العبد المعترف بالتقصير، الراجي من عفو ربه الكريم وشفاعة سيد المرسلين ما يعين على العفو والمسامحة برضا الكريم بشفاعة الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا: عبيد بن محمد بن إبراهيم بن عبد المحسن بن الفقيه محمد، الهيني مولدًا، الشافعي مذهبًا، الشبني نسبًا، غفر الله له ولوالديه ولأولاده ولإخوانه وأخواته ولمشايخه ولمشايخ مشايخه ولأقرانهم ولطلبتهم ولجميع المسلمين. آمين آمين آمين. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وحسبنا الله ونعم الوكيل. خاتمة النسخة (ج) هذا آخر ما تيسر تعليقه على هذه المؤلفات النافعة، نفع الله به جامعه ومطالعه، وجعله جُنة للعذاب دافعه، ونختم بما بدأنا به من الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وصحبه أجمعين. وفيت هذه النسخة من نسخة الشيخ الخفاجي بآخر المحرم، والله أعلم. خاتمة النسخة (د) هذا آخر ما تيسر تعليقه على هذه المؤلفات النافعة، نفع الله به جامعه ومطالعه، وجعله جُنة للعذاب دافعه، ونختم بما بدأنا به من الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وصحبه أجمعين. وكان الفراغ من كتابته عشية الجمعة الثامن من شوال سنة سبع عشرة وثماني مائة، بيد مؤلفه الفقير إلى رحمة ربه أحمد بن عبد الرحيم بن العراقي الشافعي، لطف الله به وبوالديه ومشايخه آمين، كذا في الأصل المنقول منه هذه النسخة إلا أوائلها وبعض مواضع منها في أثنائها. وكان الفراغ منها في عاشر شهر شعبان الكريم سنة إحدى وثمانين وثماني مئة على يد كاتبها الفقير إلى الله تعالى محمد بن محمد أبي بكر بن خالد البلبيسي والده شهرة، غفر الله له ولمن كتبت له ولوالديهما ولمن دعا لهم بالمغفرة والمسلمين. آمين.

أهم مصادر ومراجع التحقيق

أهم مصادر ومراجع التحقيق - إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، تأليف: تقي الدين أبي الفتح، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت. - الأحكام السلطانية والولايات الدينية، تأليف: أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي. تحقيق: الدكتور أحمد مبارك البغدادي، جامعة الكويت - قسم العلوم السياسية، دار النشر: مكتبة دار ابن قتيبة - الكويت، الطبعة الأولى، 1409 هـ - 1989 م. - الإحكام في أصول الأحكام، تأليف: على بن أحمد بن حزم الأندلسي أبو محمد، دار النشر: دار الحديث - القاهرة - 1404، الطبعة: الأولى. - الإحكام في أصول الأحكام، تأليف: على بن محمد الآمدي أبو الحسن، دار النشر: دار الكتاب العربي - بيروت - 1454، الطبعة: الأولى، تحقيق: د. سيد الجميلي. - إحياء علوم الدين، تأليف: محمد بن محمد الغزالي أبو حامد، دار النشر: دار المعرفة - بيروت. - أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار، تأليف: أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي، دار النشر: دار الأندلس للنشر - بيروت - 1996 هـ 1416 هـ، تحقيق: رشدي الصالح ملحس. - الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار، تأليف: الإمام النووي، دار النشر: دار الكتب العربي - بيروت - 1454 هـ - 1984 م. - الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تأليف: يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، دار النشر: دار الجيل - بيروت - 1412، الطبعة: الأولى، تحقيق: على محمد البجاوي. - أسنى المطالب في شرح روض الطالب، تأليف: زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري أبو يحيى، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت -، الطبعة الأولى، 1422 هـ - 2000 م.

الإشراف على مذاهب العلماء، تأليف: أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر. تحقيق: د. أبو حماد صغير أحمد الأنصاري، دار النشر: مكتبة مكة الثقافية - رأس الخيمة - الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى، 1425 هـ - 2004 م. الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، تأليف: محمد الشربيني الخطيب، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1415، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات - دار الفكر. الأم، تأليف: محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله، دار النشر: دار المعرفة - بيروت - 1393، الطبعة: الثانية. الإيضاح في المناسك، تأليف: الشيخ محيى الدين النووي الشافعي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، 1405 هـ - 1985 م. البحر المحيط، تأليف: محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي، دار النشر: دار الكتب العلمية - لبنان/ بيروت - 1422 هـ - 2001 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود - الشيخ على محمد معوض، شارك في التحقيق 1) د. زكريا عبد المجيد النوقي 2) د. أحمد النجولي الجمل. بحر المذهب في فروع المذهب الشافعي، تأليف: الشيخ الإمام أبي المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني. حققه وعلق عليه: أحمد عزو عناية الدمشقي، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الأولى، 1423 هـ - 2002 م. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، تأليف: علاء الدين الكاساني، دار النشر: دار الكتاب العربي - بيروت - 1982، الطبعة: الثانية. البرهان في أصول الفقه، تأليف: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني أبو المعالي، دار النشر: الوفاء - المنصورة - مصر - 1418، الطبعة: الرابعة، تحقيق: د. عبد العظيم محمود الديب. بهجة الحاوي (البهجة الوردية)، تأليف: زين الدين أبي حفص عمر بن الوردي، دار النشر: دار إحياء الكتب العربية. بيان غرض المحتاج إلى كتاب المنهاج، تأليف: برهان الدين إبراهيم بن شيخ الإسلام تاج الدين فركاح الفزاري. مخطوط، رقم النسخة: خاص: 409، عام: 3112، عدد الأوراق: 36، مصدر المخطوط: المكتبة الأزهرية.

- البيان في مذهب الإمام الشافعي، تأليف: أبي الحسن يحيى بن أبي الخير سالم العمراني. اعتنى به: قاسم محمد النوري، دار النشر: دار المنهاج، الطبعة الثانية، 1428 هـ، 2507 م. - التاج والإكليل لمختصر خليل، تأليف: محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري أبو عبد الله، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1398، الطبعة: الثانية. - التبصرة في أصول الفقه، تأليف: إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي أبو إسحاق، دار النشر: دار الفكر - دمشق - 1453، الطبعة: الأولى، تحقيق: د. محمد حسن هيتو. - التبصرة في ترتيب أبواب للتمييز بين الاحتياط والوسوسة على مذهب الإمام الشافعي، تأليف: أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني. تحقيق ودراسة: محمد بن عبد العزيز بن عبد الله السديس، دار النشر: مؤسسة قرطبة، الطبعة الأولى، 1413 هـ - 1993 م. - التبيان في آداب حملة القرآن، تأليف: أبو زكريا يحيى بن شرف الدين النووي، دار النشر: الوكالة العامة للتوزيع - دمشق - 1403 هـ - 1983 م، الطبعة: الأولى. - التحبير شرح التحرير في أصول الفقه، تأليف: علاء الدين أبي الحسن على بن سليمان المرداوي الحنبلي، دار النشر: مكتبة الرشد - السعودية/ الرياض - 1421 هـ - 2000 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: د. عبد الرحمن الجبرين، د. عوض القرني، د. أحمد السراح. - تحرير ألفاظ التنبيه (لغة الفقه)، تأليف: يحيى بن شرف بن مري النووي أبو زكريا، دار النشر: دار القلم - دمشق - 1458، الطبعة: الأولى، تحقيق: عبد الغني الدقر. - التحرير في فروع الفقه الشافعي، تأليف: القاضي أبي العباس أحمد بن محمد بن أحمد الجرجاني. تحقيق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، 2508 هـ. - التحقيق، تأليف: الإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي. تحقيق: الشيخ عادل عبد الموجود، والشيخ على معوض، دار النشر: دار الجيل، الطبعة الأولى، 1413 هـ - 1992 م.

تذكرة النبيه في تصحيح التنبيه، تأليف: الإمام الشيخ عبد الرحيم بن الحسين الإسنوي. ضبط وتحقيق وتعليق: الدكتور محمد عقلة الإبراهيم الأستاذ المشارك بكلية الشريعة الجامعة الأردنية، دار النشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1417 هـ - 1996 م. التذنيب في الفروع، تأليف: شيخ الإسلام عبد الكريم بن محمد الرافعي، تحقيق وتعليق: أحمد فريد المزيدي، جاء ملحقًا بكتاب الوجيز للغزالي، دار النشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1425 هـ - 2004 م. تصحيح التنبيه، تأليف: الإمام الفقيه أبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي. ضبط وتحقيق وتعليق: الدكتور محمد عقلة الإبراهيم الأستاذ المشارك بكلية الشريعة الجامعة الأردنية، دار النشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1417 هـ - 1996 م. تعليقة موجزة على الوسيط، تأليف: الإمام إبراهيم بن عبد الله بن أبي الدم. حققه وعلق عليه: أحمد محمود إبراهيم، مطبوع بهامش الوسيط، دار النشر: دار السلام، الطبعة الأولى، 1417 هـ - 1997 م. تفسير البغوي، تأليف: البغوي، دار النشر: دار المعرفة - بيروت، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك. التلخيص، تأليف: أبو العباس أحمد بن أبي أحمد محمد بن يعقوب الطبري المعروف بابن القاص. تحقيق: عادل عبد الموجود، على معوض، دار النشر: مكتبة نزار مصطفى الباز، الطبعة الثانية، 1421 هـ - 2000 م. تلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير، تأليف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني - المدينة المنورة - 1384 - 1964، تحقيق: السيد عبد الله هاشم اليماني المدني. التنبيه في الفقه الشافعي، تأليف: إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي أبو إسحاق، دار النشر: عالم الكتب - بيروت - 1403، الطبعة: الأولى، تحقيق: عماد الدين أحمد حيدر. التنقيح في شرح الوسيط، تأليف: الإمام محسي الدين يحيى بن شرف النووي. حققه وعلق عليه: أحمد محمود إبراهيم، مطبوع بهامش الوسيط، دار النشر: دار السلام، الطبعة الأولى، 1417 هـ - 1997 م.

- تهذيب الأسماء واللغات، تأليف: محي الدين بن شرف النووي، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1996 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات. - تهذيب اللغة، تأليف: أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - 2001 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: محمد عوض مرعب. - التهذيب في فقه الإمام الشافعي، تأليف: الإمام أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي. تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ على محمد معوض، دار النشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1418 هـ - 1997 م. - جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري)، تأليف: محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري أبو جعفر، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1405. - الجامع الصحيح المختصر، تأليف: محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي، دار النشر: دار ابن كثير، اليمامة - بيروت - 1407 - 1987، الطبعة: الثالثة، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا. - جماع العلم، تأليف: محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله، دار النشر: دار الكتب العلمية - بير وت - 1405 هـ، الطبعة: الأولى. - الجمع والفرق (الفروق)، تأليف: أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني. تحقيق ودراسة: عبد الرحم بن سلامة بن عبد الله المزيني، دار النشر: دار الجيل، الطبعة الأولى، 1424 هـ - 2004 م. - حاشية البجيرمي على شرح منهج الطلاب (التجريد لنفع العبيد)، تأليف: سليمان بن عمر بن محمد البجيرمي، دار النشر: المكتبة الإسلامية - ديار بكر - تركيا. - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، تأليف: محمد عرفه الدسوقي، دار النشر: دار الفكر - بيروت، تحقيق: محمد عليش. - حاشية عميرة، تأليف: شهاب الدين أحمد البرلسي الملقب بعميرة، دار النشر: دار الفكر - لبنان/ بيروت - 1419 هـ - 1998 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات.

- حاشية قليوبي على شرح جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين، تأليف: شهاب الدين أحمد بن أحمد بن سلامة القليوبي، دار النشر: دار الفكر - لبنان/ بيروت - 1419 هـ - 1998 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات. - الحاوي الصغير، تأليف: نجم الدين عبد الغفار بن عبد الكريم القزويني. دراسة وتحقيق: د. صالح بن محمد بن إبراهيم اليابس، دار النشر: دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، 1435 هـ. - الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني، تأليف: على بن محمد بن حبيب الماوردي البصري الشافعي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - 1419 هـ - 1999 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: الشيخ على محمد معوض - الشيخ عادل أحمد عبد الموجود. - الحجة على أهل المدينة، تأليف: محمد بن الحسن الشيباني أبو عبد الله، دار النشر: عالم الكتب - بيروت - 1453، الطبعة: الثالثة، تحقيق: مهدي حسن الكيلاني القادري. - حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء، تأليف: سيف الدين أبي بكر محمد بن أحمد الشاشي القفال. تحقيق: د. ياسين أحمد إبراهيم درادكة. دار النشر: مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة، الطبعة الأولى، 1417 هـ - 1997 م. - حواشي الشرواني على تحفة المحتاج بشرح المنهاج، تأليف: عبد الحميد الشرواني، دار النشر: دار الفكر - بيروت. - الخلاصة المسمى خلاصة المختصر ونقاوة المعتصر، تأليف: الإمام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي. تحقيق: أمجد رشيد محمد على، دار النشر: دار المنهاج، الطبعة الأولى، 1428 هـ - 2077 م. - دقائق المنهاج، تأليف: محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، دار النشر: دار ابن حزم - بيروت - 1996، تحقيق: إياد أحمد الغوج. - الرسالة، تأليف: محمد بن إدريس أبو عبد الله الشافعى - القاهرة - 1358 - 1939، تحقيق: أحمد محمد شاكر.

روضة الطالبين وعمدة المفتين، تأليف: النووي، دار النشر: المكتب الإسلامي - بيروت - 1405، الطبعة: الثانية. رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين، تأليف: أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1421 هـ - 2000 م، الطبعة: الثالثة. السراج على نكت المنهاج، تأليف: شهاب الدين أحمد بن لؤلؤ بن النقيب. تحقيق: أبو الفضل الدمياطي أحمد بن علي، دار النشر: مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، 1428 هـ - 2507 م. سنن ابن ماجه، تأليف: محمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني، دار النشر: دار الفكر - بيروت -، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. سنن أبي داوود، تأليف: سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي، دار النشر: دار الفكر -، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد. سنن البيهقي الكبرى، تأليف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، دار النشر: مكتبة دار الباز - مكة المكرمة - 1414 - 1994، تحقيق: محمد عبد القادر عطا. سنن الترمذي، تأليف: محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت -، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون. سنن الدارقطني، تأليف: على بن عمر أبو الحسن الدارقطني البغدادي، دار النشر: دار المعرفة - بيروت - 1386 - 1966، تحقيق: السيد عبد الله هاشم يماني المدني. سنن الدارمي، تأليف: عبد الله بن عبد الرحمن أبو محمد الدارمي، دار النشر: دار الكتاب العربي - بيروت - 1407، الطبعة: الأولى، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، خالد السبع العلمي. السيف المسلول على من سب الرسول صلى الله عليه وسلم، تأليف: تقي الدين السبكي، دار النشر: دار الفتح - عمان - الأردن، الطبعة الأولى، 1421 هـ - 2000. شرح السنة، تأليف: الحسين بن مسعود البغوي، دار النشر: المكتب الإسلامي - دمشق بيروت - 1403 هـ - 1983 م، الطبعة: الثانية، تحقيق: شعيب الأرناؤوط - محمد زهير الشاويش.

شرح النووي على مسلم، تأليف: أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - 1392، الطبعة: الطبعة الثانية. شرح مشكل الآثار، تأليف: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، دار النشر: مؤسسة الرسالة - لبنان/ بيروت - 1408 هـ - 1987 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: شعيب الأرنؤوط. شرح مشكل الوسيط، تأليف: الإمام أبي عمرو عثمان بن الصلاح. حققه وعلق عليه: أحمد محمود إبراهيم، مطبوع بهامش الوسيط، دار النشر: دار السلام، الطبعة الأولى، 1417 هـ - 1997 م. شرح مشكلات الوسيط، تأليف: الإمام موفق الدين حمزة بن يوسف الحموي. حققه وعلق عليه: أحمد محمود إبراهيم، مطبوع بهامش الوسيط، دار النشر: دار السلام، الطبعة الأولى، 1417 هـ - 1997 م. شرح معاني الآار، تأليف: أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة أبو جعفر الطحاوي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1399، الطبعة: الأولى، تحقيق: محمد زهري النجار. شعب الإيمان، تأليف: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1410، الطبعة: الأولى، تحقيق: محمد السعيد بسيوني زغلول. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تأليف: إسماعيل بن حماد الجوهري. تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار. الناشر: دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الرابعة، 1407 - 1987 م. - صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تأليف: محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1414 - 1993، الطبعة: الثانية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط. - صحيح ابن خزيمة، تأليف: محمد بن إسحاق بن خزيمة أبو بكر السلمي النيسابوري، دار النشر: المكتب الإسلامي - بيروت - 1390 - 1970، تحقيق: د. محمد مصطفى الأعظمي.

- صحيح مسلم، تأليف: مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. - العين، تأليف: الخليل بن أحمد الفراهيدي، دار النشر: دار ومكتبة الهلال، تحقيق: د مهدي المخزومي/ د. إبراهيم السامرائي. - غاية الإحكام في أحاديث الأحكام، تأليف: الإمام محب الدين أبي جعفر أحمد بن عبد الله الطبري. تحقيق: الدكتور حمزة أحمد الزين، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، 1424 هـ - 2004 م. - غريب الحديث، تأليف: أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي أبو سليمان، دار النشر: جامعة أم القرى - مكة المكرمة - 1402، تحقيق: عبد الكريم إبراهيم العزباوي. - فتاوى ابن الصلاح، تأليف: عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الشهرزوري أبو عمرو، دار النشر: مكتبة العلوم والحكم، عالم الكتب - بيروت - 1407، الطبعة: الأولى، تحقيق: د. موفق عبد الله عبد القادر. - فتاوى الإمام الغزالي. حققه وقدم له وعلق عليه: مصطفى محمود أبو صوي، دار النشر: المعهد العالي العالمي للفكر والحضارة الإسلامية كوالا لمبور، 1996 م. - فتاوى الإمام النووي، ترتيب تلميذه: الشيخ علاء الدين بن العطار. اعتنى به: الشيخ أحمد حسن جابر، دار النشر: المكتب الإسلامي لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1425 هـ - 2004 م. - فتاوى السبكي، تأليف: الإمام أبي الحسن تقي الدين على بن عبد الكافي السبكي، دار النشر: دار المعرفة - لبنان/ بيروت. - الفتاوى الفقهية الكبرى، تأليف: ابن حجر الهيتمي، دار النشر: دار الفكر. - فتح الباري شرح صحيح البخاري، تأليف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار النشر: دار المعرفة - بيروت، تحقيق: محب الدين الخطيب. - فتح العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير، تأليف: الإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني. تحقيق وتعليق: الشيخ على محمد معوض،

والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، دار النشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1417 هـ - 1997 م. فقه اللغة وأسرار العربية، تأليف: الإمام أبي منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي. ضبطه وعلق حواشيه: الدكتور ياسين الأيوبي، دار النشر: المكتبة العصرية - صيدا - بيروت، الطبعة الثانية، 1420 هـ - 2000 م. الفوائد في اختصار المقاصد (القواعد الصغرى)، تأليف: عبد العزيز بن عبد السلام السلمي، دار النشر: دار الفكر المعاصر، دار الفكر - دمشق - 1416، الطبعة: الأولى، تحقيق: إياد خالد الطباع. قضاء الأرب في أسئلة حلب (الحلبيات)، تأليف: تقي الدين السبكي الكبير. تحقيق: محمد عالم عبد المجيد الأفغاني، دار النشر: المكتبة التجارية - مكة المكرمة، مصطفى أحمد الباز، 1413 هـ. - قواعد الأحكام في إصلاح الأنام (القواعد الكبرى)، تأليف: أبي محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام. تحقيق: الدكتور نزيه كمال حماد، الدكتور عثمان جمعة ضميرية، دار النشر: دار القلم - دمشق، الطبعة الأولى، 1421 هـ - 2000 م. الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، تأليف: أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، دار النشر: مكتبة الرشد - الرياض - 1409، الطبعة: الأولى، تحقيق: كمال يوسف الحوت. - كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، تأليف: إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي، دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1405، الطبعة: الرابعة، تحقيق: أحمد القلاش. - الكشف والبيان، تأليف: أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري. تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، دار النشر ة دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى، 1422 هـ - 2002 م. - اللباب في الفقه الشافعي، تأليف: أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد الضبي المحاملي. دراسة وتحقيق: عبد الكريم بن صنيتان العمري، دار النشر: دار البخاري، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1416 هـ.

- لسان العرب، تأليف: محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري. دار النشر: دار صادر. بيروت. الطبعة الأولى. لسان الميزان، تأليف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار النشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - 1406 - 1986، الطبعة: الثالثة، تحقيق: دائرة المعرف النظامية - الهند. - المجتبى من السنن، تأليف: أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي، دار النشر: مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب - 1406 - 1986، الطبعة: الثانية، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة. - المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، تأليف: الإمام محمد بن حيان بن أحمد بن أبي حاتم التميمي البستي، دار النشر: دار الوعي - حلب - 1396 هـ، الطبعة: الأولى، تحقيق: محمود إبراهيم زايد. - المجموع، تأليف: النووي، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1997 م. - محاسن الشريعة (المستظهري)، تأليف: الإمام محمد بن علي بن إسماعيل المعروف بالقفال الشاشي الكبير. تحقيق: على إبراهيم مصطفى، دار النشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1429 هـ - 2008 م. - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تأليف: أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي، دار النشر: دار الكتب العلمية - لبنان - 1413 هـ 1993 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد. - المحرر في فقه الإمام الشافعي، تأليف: الإمام عبد الكريم بن محمد القزويني الرافعي. تحقيق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، 1426 هـ - 2005 م. - المحكم والمحيط الأعظم، تأليف: أبو الحسن على بن إسماعيل بن سيده المرسي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 2005 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: عبد الحميد هنداوي. - المحلى، تأليف: على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري أبو محمد، دار النشر: دار الآفاق الجديدة - بيروت، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي.

- مختار الصحاح، تأليف: محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، دار النشر: مكتبة لبنان ناشرون - بيروت - 1415 - 1995، الطبعة: طبعة جديدة، تحقيق: محمود خاطر. - مختصر المزني، مطبوع مع الأم، دار النشر: دار المعرفة - بيروت - 1393، الطبعة: الثانية. - المدونة الكبرى، تأليف: مالك بن أنس، دار النشر: دار صادر - بيروت. - المستدرك على الصحيحين، تأليف: محمد بن عبد الله أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1411 هـ - 1995 م، الطبعة: الأولى، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا. - المستصفى في علم الأصول، تأليف: محمد بن محمد الغزالي أبو حامد، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1413، الطبعة: الأولى، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي. - مسند الإمام أحمد بن حنبل، تأليف: أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني، دار النشر: مؤسسة قرطبة - مصر. - مسند الشافعي، تأليف: محمد بن إدريس أبو عبد الله الشافعي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت -. - مسند الشاميين، تأليف: سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1405 - 1984، الطبعة: الأولى، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي. - مشارق الأنوار على صحاح الآثار، تأليف: القاضي أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي المالكي، دار النشر: المكتبة العتيقة ودار التراث. - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، تأليف: أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، دار النشر: المكتبة العلمية - بيروت. - المصنف، تأليف: أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، دار النشر: المكتب الإسلامي - بيروت - 1403، الطبعة: الثانية، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي.

- المعجم الأوسط، تأليف: أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، دار النشر: دار الحرمين - القاهرة - 1415، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني. - المعجم الصغير (الروض الداني)، تأليف: سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، دار النشر: المكتب الإسلامي، دار عمار - بيروت، عمان - 1405 - 1985، الطبعة: الأولى، تحقيق: محمد شكور محمود الحاج أمرير. - المعجم الكبير، تأليف: سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، دار النشر: مكتبة الزهراء - الموصل - 1404 - 1983، الطبعة: الثانية، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي. - المعجم الوسيط (1، 2)، تأليف: إبراهيم مصطفى/ أحمد الزيات/ حامد عبد القادر/ محمد النجار، دار النشر: دار الدعوة، تحقيق: مجمع اللغة العربية. - معجم لغة الفقهاء: محمد قلعجي. دار النفائس، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 1405 هـ - 1985 م. - معرفة السنن والآثار عن الإمام أبي عبد الله محمد بن أدريس الشافعي، تأليف: الحافظ الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو أحمد. البيهقي. الخسروجردي، دار النشر: دار الكتب العلمية - لبنان/ بيروت - بدون، الطبعة: بدون، تحقيق: سيد كسروي حسن. - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، تأليف: محمد الخطيب الشربيني، دار النشر: دار الفكر - بيروت. - المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، تأليف: عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1405، الطبعة: الأولى. - مقدمة ابن الصلاح، تأليف: أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري، دار النشر: دار الفكر المعاصر - بيروت -1397 هـ - 1977 م، تحقيق: نور الدين عتر. - مناقب الشافعي، تأليف: أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. تحقيق: الشيخ السيد أحمد صقر، دار النشر: مكتبة دار التراث، الطبعة الأولى، 1390 هـ - 1970 م.

- منح الجليل شرح على مختصر سيد خليل، تأليف: محمد عليش، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1409 هـ - 1989 م. - المنخول في تعليقات الأصول، تأليف: محمد بن محمد بن محمد الغزالي أبو حامد، دار النشر: دار الفكر - دمشق - 1400، الطبعة: الثانية، تحقيق: د. محمد حسن هيتو. - منهاج الطالبين وعمدة المفتين، تأليف: محيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، دار النشر: دار المنهاج، الطبعة الأولى، 1426 - 2000 م. - المهذب في فقه الإمام الشافعي، تأليف: إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي أبو إسحاق، دار النشر: دار الفكر - بيروت. - مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، تأليف: محمد بن عبد الرحمن المغربى أبو عبد الله، دار النشر: دار الفكر - بيروت - 1398، الطبعة: الثانية. - موطأ الإمام مالك، تأليف: مالك بن أنس أبو عبد الله الأصبحي، دار النشر: دار إحياء التراث العربي - مصر -، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. - ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تأليف: شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1995، الطبعة: الأولى، تحقيق: الشيخ على محمد معوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود. - نصب الراية لأحاديث الهداية، تأليف: عبد الله بن يوسف أبو محمد الحنفي الزيلعى، دار النشر: دار الحديث - مصر - 1357، تحقيق: محمد يوسف البنوري. - نكت النبيه على أحكام التنبيه، تأليف: كمال الدين أبو العباس أحمد بن عمر بن أحمد بن مهدي المدلجي النشائي. مخطوط، رقم النسخة: خاص: 126، عام: 1208، عدد الأوراق: 200، مصدر المخطوط: المكتبة الأزهرية. - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، تأليف: شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملي الشهير بالشافعي الصغير، دار النشر: دار الفكر للطباعة - بيروت، 14054 هـ - 1984 م. - نهاية المطلب في دراية المذهب، تأليف: إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف

الجويني. تحقيق: أ. د. عبد العظيم محمود الديب، دار النشر: دار المنهاج، الطبعة الأولى، 1428 هـ - 2007 م. - الهداية شرح بداية المبتدي، تأليف: أبي الحسن على بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني المرغياني، دار النشر: المكتبة الإسلامية. * الوجيز في فقه مذهب الإمام الشافعي، تأليف: حجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي. تحقيق: على معوض، عادل عبد الموجود، دار النشر: دار الأرقم - بيروت، الطبعة الأولى، 1418 هـ - 1997 م. - الورع، تأليف: أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد ابن أبي الدنيا القرشي البغدادي، دار النشر: الدار السلفية - الكويت - 1408 - 1988، الطبعة: الأولى، تحقيق: أبي عبد الله محمد بن حمد الحمود. - الوسيط في المذهب، تأليف: محمد بن محمد بن محمد الغزالي أبو حامد، دار النشر: دار السلام - القاهرة - 1417، الطبعة: الأولى، تحقيق: أحمد محمود إبراهيم، محمد محمد تامر. * * *

§1/1