تجربتي مع الإعجاز العلمي في السنة النبوية

صالح بن أحمد رضا

مقدمة

المقدمة: الحمد لله الذي جعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي أضاء القرآن دربها، الحمد لله الذي أنار العقول المسلمة بنور الوحي الإلهي، فلم تتخبط في الظلام، ولم تَضِعْ في متاهات الدنيا، الحمد لله الذي حفظ لنا الإسلام بحفظ كتابه المنزل، وحفظ سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم المرسل. والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين، وهدى، وسلاماً، وأمناً للعالمين، الذي علمه من العلوم ما لم يطلع عليه أحد من قبله، فأنار العقول، وأوضح الكثير مما لم يعرفه ويطلع عليه أحد إلا في القرون الحالية، فكان علمه إعجازاً ربانياً للعالمين. أما بعد. فإنني منذ علمت بانعقاد هذه الندوة في المدينة المنورة، وأنا أفكر في البحث الذي أريد أن أتقدم به إليكم فيه، حتى قابلت صاحب الفضيلة " محمد سالم بن شديد العوفي" حفظه الله تعالى في ندوة " القرآن الكريم" التي عقدت في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالشارقة، فطلب مني أن أتقدم بموضوع عن الإعجاز، وذلك بعدما اطلع على كتابي الموسوم بـ " الإعجاز العلمي في السنة النبوية" فكان ذلك إشارة بأن أكتب حول الإعجاز العلمي في السنة النبوية. ولما كان المحور الموجود في أعمال هذه الندوة الوحيد المتعلق بالإعجاز هو" قواعد تناول الإعجاز العلمي والطبي في السنة النبوية، وضوابطه" جعلت هذا البحث بهذا العنوان"تجربتي مع الإعجاز العلمي في السنة النبوية"، وأقصد تجربتي مع هذا الكتاب، وما فيه من الإعجاز، ولهذا سأتناول موضوعات الكتاب بعد أن أضع الضوابط، لأطبق القواعد على ما عملته، والله ولي التوفيق.

خطة البحث: سأسير في هذا البحث وفق الخطة التالية: 1- معنى الإعجاز–لغة واصطلاحاً- وتحرير التعريف المختار. 2- معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم. 3- سر الإعجاز في القرآن العظيم. 4- وجوه الإعجاز كما تؤخذ من كتاب الله تعالى. 5- وجوه الإعجاز في السنة النبوية. 6- ضوابط القول بالإعجاز. 7- عملي في الكتاب. والله أسأل أن أكون قد وفقت، وأصبت السداد في ذلك، فهو وليي عليه توكلت، وإليه أنبت.

الإعجاز لغة واصطلاحا

تجربتي مع الإعجاز العلمي في السنة النبوية إعداد الدكتور/ صالح أحمد رضا بسم الله الرحمن الرحيم الإعجاز لغة واصطلاحاً العجز– في اللسان العربي-: الضعف، وأصله التأخر عن الشيء، والقصور عن فعله، وهو ضد القدرة. وأعجزت فلاناً، وعجزته، وعاجزته: جعلته عاجزاً، وجاء في القرآن الكريم: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} في آيات كثيرة (1) ، والمقصود بها أن المخاطب بها لا يعجز الله تعالى، بل هو سبحانه قادر عليهم، وهم في قبضته، وتحت قهره، ومشيئته. وجاء على لسان ابن آدم أنه قال: {أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ} [المائدة: 31] أي ضعفت في عقلي وتفكيري أن أفعل هذا الفعل، ولم أهتد إليه لضعفي وعجزي، وظاهر أن العجز هنا في هذه الآية هو ضعف في التفكير، وعدم التوصل بفكره إلى حفر حفرة يواري فيها جثمان أخيه المقتول، فإنه بعد أن رأى فعل الغراب واراه فقد كان عاجزاً في فكره قادراً بعمله، فالعجز يطلق على الأمور المادية والمعنوية. ومصدر أعجز: إعجاز،

_ (1) الأنعام: 134- ويونس: 53 – وهود: 33 – والعنكبوت: 22- والشورى: 31- وجاء {لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ} [هود: 20] و {فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} [النحل: 46] و {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ} [النور:57] و {وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} [الزمر: 51] وجاء: {غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ} [التوبة: 2و3] وجاء: {وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ} [الاحقاف: 32] وجاء: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} [فاطر: 44]

ومنه اشتقت "المعجزة" وهي اسم فاعل ألحقت به التاء للمبالغة (1) . وأما في الاصطلاح: فيدور تعريف من عرفها من علمائنا السابقين على المعنى التالي: "أمر خارق للعادة، مقرون، مع عدم المعارضة". بين مطول في التعريف ومختصر له. وجاء في شرح العقيدة الطحاوية–نقلاً عن ابن تيمية دون ذكره: "المعجزة في اللغة تعم كل خارق للعادة، وفي عرف أئمة أهل العلم المتقدمين كالإمام أحمد بن حنبل، وغيره، ويسمونها"الآيات" (2) . هذا، ولم تكن كلمة إعجاز ولا معجزة شائعة في الاستعمال، وإنما جاء في القرآن الكريم إطلاق اسم"الآية" و" البينة"و "البينات"، وجاء وصف معجزات الأنبياء–عليهم السلام- بأنها برهان (3) . وقد بدأ استعمالها- أي المعجزة- في أواخر القرن الثاني، وأوائل القرن الثالث في كتابات العلماء الذين ألفوا في بيان دلائل الإعجاز في القرآن

_ (1) انظر: الصحاح للجوهري3/884/ معجم مقاييس اللغة لابن فارس 4/232/ مفردات غريب القرآن للأصفهاني (عجز) ، لسان العرب لابن منظور، تاج العروس شرح القاموس للزبيدي. (2) شرح العقيدة الطحاوية 2/ 746 ومجموع الفتاوي 11/311-335. (3) جاء لفظ (آية) بمعنى العلامة البينة على صدق الرسل دافعة إلى الإيمان بالله تعالى أكثر من ثمانين مرة في القرآن. وجاء لفظ (آيات) بهذا المعنى أكثر من ذلك. كما جاء لفظ (بينة) بهذا المعنى اثنتي عشرة مرة. وجاء لفظ (بينات) بالمعنى المذكور أربعين مرة. وأما لفظ (برهان) في المعنى المذكور فورد في آيتين الأولى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [النساء: 174] . وبالتثنية في قوله تعالى {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ} [القصص: 32] .

الكريم، فاستعملوا كلمة "الإعجاز والمعجزة". هذا بالنسبة لما في القرآن الكريم أما خوارق العادة التي جاءت في السنة النبوية، فقد أطلق عليها علماء السنة "علامات النبوة" كما جاء في أبواب صحيح البخاري، وكذا " دلائل النبوة " ألف بهذا الاسم كتباً أئمة مثل: أبي نعيم، والبيهقي، والماوردي، والفريابي" ولكن العلماء لم يفرقوا بين الدلائل والمعجزات، لأن الأصل في المعجزة أن تكون أمام من ينكر النبوة، وأما الدلائل فهي أعم من ذلك فقد تكون أمام المؤمنين تقوي إيمانهم، وأمام غيرهم تدلهم على أن من ظهرت على يده هو مؤيد من قبل الله تعالى. وقد قام كثيرون ممن تحدث عن المعجزة بتعريفها تعريفاً جديداً ليدخل فيها ما عُدّ حديثاً من أوجه الإعجاز، وقد اخترت تعريفاً أرجو أن يكون موفقاً، ويكون جامعاً مانعاً، وهو: "المعجزة أمر يجريه الله تعالى على يد نبيه، أو علم يبديه في قوله، لا يقدر أحد من الخلق على الإتيان بمثله في زمانه، يكون دليلاً على نبوته لخروجه عن طاقة الخلق". فيكون التعريف جامعاً لجميع الوجوه التي تعد من الإعجاز حسب ما أرى، وإني أرى أن ما عُدّ من دلائل النبوة، وعلاماتها هو من الإعجاز بلا شك ولا ريب؛ لأن خرق العادة فيها كان لإثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أجراه الله ـ عز وجل ـ ليؤكد للمؤمنين إيمانهم، ويزيدهم رسوخاً في هذا الإيمان، والتسليم لرسول الله المصطفى صلى الله عليه وسلم ما قاله، وشرعه، وأمر به، وذلك لأن خرق العادة له بمنزلة قول الله سبحانه"صدق عبدي بما يقول"، والفاعل فيها هو الله تعالى وحده لا شريك له إذ ليست من طبيعة فعل البشر.

وأما قولي"في زمانه" فذلك لتدخل الأمور العلمية التي تحدث عنها القرآن العظيم في ثنايا آياته، وتحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه المتنوعة، حيث كانت غير مدركة في زمانه، وأصبحت اليوم يستطيع تبينها، ومعرفة كنهها الكثير، وذلك لأن كثيراً من الأمور التي تحدث عنها الوحي أصبحت تفهم شيئاً فشيئاً كلما حدثت اكتشافات جديدة أوضحت أموراً في هذا الكون الفسيح، تكشف ما احتواه الوحي من السبق في الإخبار عن حقائق علمية كانت في أذهان المؤمنين أمراً عادياً، بينما هي في نظر علماء الهيئة، وعلماء الكون حقيقة لم يتوصل إليها الإنسان إلا في عصر العلم الذي نعيش، ولذلك نرى أن الله تعالى قال في كتابه العظيم بصيغة المستقبل: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53] . فاكتشاف الحقائق العلمية في الكون، وفي النفس الإنسانية دليل واضح بأن ما أنزل على محمد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم حق لا مرية فيه لمن ينظر بعين باصرة، وعقل متفتح.

معجزة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم

معجزة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لكل نبي من أنبياء الله الكرام معجزة يعرف بها، يظهرها الله تعالى على يديه تكون دافعاً لقومه على الإيمان به وتصديقه بأنه نبي من عند الله تعالى، لأن كل دعوى لا بد أن يكون عليها دليل، وجرت سنة الله تعالى في هذه المعجزات أن تكون وفق ما مهر فيه قوم كل نبي، مع التفوق الكبير الذي تتصف به المعجزة في ذلك المجال ذاته ليظهر صدق النبي بصورة واضحة للعيان لا ريب فيها، وليعظم أثر تلك المعجزة في النفوس. فنوح–عليه السلام- أوتي من الجدل الذي اضطر معه قومه أن يقولوا له عند فقدانهم للحجة عليه: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [هود: 32] . وقوم فرعون عندما كانوا يعتمدون على السحرة في كثير من شؤونهم، وكان للسحرة مكانتهم في المجتمع، حيث كان الساحر يخيل لأعين الناس بفعل غير واقع، وكأنه واقع، جاءت معجزة موسى-عليه السلام-على وفق ذلك، فلما ألقى السحرة حبالهم وعصيهم خيل للناس من سحرهم أنها تسعى، فلما ألقى موسى-عليه السلام- عصاه انقلبت ثعباناً حقيقياً ابتلع حبال السحرة وعصيَّهم، علم السحرة– وهم أدرى الناس بنوع أفعال السحرة- أن هذا الأمر الذي جاء به موسى- عليه السلام-ليس من جنس أفعالهم، فكانوا لذلك أول من أذعن لهذه المعجزة. وهكذا كانت معجزة عيسى-عليه السلام- في إحياء الموتى، وإبراء الأكمه، والأبرص من جنس ما برع اليهود فيه من علم الطب.

وهكذا كل نبي من أنبياء الله تعالى كانت معجزته من النوع الذي برع فيه قومه، ولما كان العرب ليس لهم إلا اللسان، والمقدرة الكاملة على البيان، والرفعة المشهودة في جودة التعبير، كانت المعجزة التي جاءت متحدية لهم من جنس ما برعوا به، ولما كانت الرسالة المحمدية خاتم الرسالات، وكانت ستبقى إلى آخر الدنيا تشهد تقدم الإنسان في العقل والتفكير والعلم، حتى يملك ناصيته، كان لابد أن تكون هذه المعجزة مستمرة مع الدعوة في كل عصر، تمد الدعاة بأنواع من المعجزات توافق كل عصر يظهرونها للناس حتى يؤمنوا بصدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. ولقد بين الله تعالى في كتابه العزيز أن ما امتاز به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم على غيره من البشر الذين يعيشون فوق هذه الأرض إنما هو الوحي الذي يصله برب السموات والأرضين، قال تعالى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى: 52-53] . وقال-جل ذكره-: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف: 110] فذكر الله تعالى أن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يفترق عن البشر إلا بالوحي الذي يصله برب السماء، هذا الوحي الذي يأتيه من إله الكون الذي بيده ملكوت كل شيء، فهو سبحانه الذي يُعلِّمه من علمه، ويُلْقي في قلبه هذه العلوم التي تفيض على لسانه حقائق لا يستطيع أحد أن يأتي بمثلها في زمن خيَّم عليه الظلام والجهل،

اللهم إلا إذا كان يوحى إليه، وقد أعلمنا الله تعالى أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم رسل الله تعالى، وأن رسالته هي خاتم الرسالات، وأنه أرسل للناس كافة بينما كان من قبله من الرسل يرسل إلى أمته، وقومه، وكذا جاءت أحاديث تبين ذلك، ولن أعرض لذلك خوف الإطالة. ولعل ذلك- أقصد عالمية الرسالة وختم النبوة- كان لما علم الله تعالى من أن البشرية ستصل في عهد هذه الأمة إلى نهاية النضج العقلي، والتقدم العلمي، وعند إدراكها ذلك تدرك تماماً ما حواه "الوحي" الذي جاء محمداً صلى الله عليه وسلم من علوم دقيقة لم تكن تعرف الإنسانية عنها الكثير، سواء أكان ذلك في كتاب ربنا أم في سنة نبينا. وقد بيّن الله تعالى لنا أنه عَلَّم هذا الرسول من العلوم ما لم يعلم، قال -جل وعز-: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء: 113] وقد أمر الله تعالى رسوله أن يدعوه بزيادة هذه العلوم، والفهوم التي أعطيها فضلاً من الله ونعمة، وكأنها مقصودة بعينها، قال سبحانه: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه: 114] فهذه العلوم التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي من الوحي الرباني الذي أوحاه الله إليه، ومن العلوم التي علَّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من الأنبياء نبي إلا أُعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم

القيامة" (1) . فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن معجزات الأنبياء–عليهم الصلاة والسلام-كانت من النوع الذي يقر به أهل أزمنتهم معه على صدق من تظهر منه لأنها كانت خارقة للعادة بصورة لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله في زمانهم من الأمور الحسية التي تبهر الأسماع والأبصار، ومن ثَم العقول، فتذعن لصاحبها بالصدق. وأما محمد صلى الله عليه وسلم فكانت معجزته علمية عقلية مصدرها الوحي الرباني الذي يكون لإدراكه، ومعرفة كنهه، وحقيقته فسحة عمر الإنسانية، ومضي الزمان الذي يعيش فيه الإنسان فوق هذه الأرض، فلا تنقضي عجائبه، ففي كل زمان يظهر من هذا الوحي علامة بينة، وبرهان ساطع، وآية واضحة على صدق من جاء بهذا الوحي، وأنه نبي مرسل من عند الله تعالى العليم الخبير. وكلمة "الوحي" هنا تشمل القرآن الكريم المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم والسنة المطهرة التي عُلِّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن كليهما من الوحي الذي جاء به محمد من قبل ربه–جل جلاله-: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ

_ (1) رواه البخاري في فضائل القرآن باب كيف نزل الوحي، وأول ما نزل (4981) 8/619 وطرفه (7274) ورواه مسلم في الإيمان (152) 1/134/ وأبو عوانة في المسند1/،110وأحمد في المسند 2/341و451، والبيهقي في دلائل النبوة7/129.

رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُون} [يونس: 15-16] . وقد بين الله تعالى للمشركين الذين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم الآيات الباهرات، والمعجزات الواضحات أن القرآن كافيهم حيث قال: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ، أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 50-51] وسكوت القرآن عن النوع الثاني من الوحي الذي هو السنة النبوية ليس إلا لأنه بشري الأسلوب لا يستطيع أن يُدرِك ما فيه من المعرفة والعلم إلا المؤمن المتعمق، والعالم المدقق، فأشار إليهم بالقرآن الذي هو كلام الله تعالى الذي لا يستطيع العربي إلا أن يذعن لقرعه القلوب، وامتلاكه الأسماع. وقال سبحانه: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم: 1] فأنت يا محمد قد أنزل إليك القرآن لتقوم بهداية الناس إلى الله تعالى بالقرآن، وبالسنة الموحاة إليك مما يتأتى إخراجهم مما هم فيه من الظلمات بما تبينه لهم من الحق، وذلك بإذن الله تعالى لك في ذلك. وانظر في هذا إلى قوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 1-4] ، فالله

تعالى يبين لقريش أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسوله الأمين، ما أضاع الحق الذي أرسل به، ولا ابتعد عن الطريق الصحيح في دعواه النبوة، ودعوته لكم بتوحيد الله تعالى، وقال عنه"صاحبكم" يعني الذي صحبكم وصحبتموه في طفولته وصباه وشبابه، ورجولته، وعرفكم بكل ما عندكم من العقائد والعبادات والعادات، وعرفتموه بالعقل الصريح، والرأي السديد، والأمانة التامة، والصدق الكامل، ولم يتبع سبل الغواية، والفساد التي تعرفونها تمام المعرفة، وإنما الذي دعاكم به، وخاطبكم به إنما هو وحي من عند الله تعالى يوحيه إليه، فهو لا يتكلم عن هوى نفسه، وأمنياته التي تتصورونها يطلب بذلك مكانة من الدنيا، فيكذب أو يفتري على الله تعالى، بل هو بار راشد صادق لا ينطق إلا عن الوحي الذي يأتيه، سواء أكان هذا الذي يتكلم به من عنده أم كلاماً ينسبه إلى الرب سبحانه. والدليل على أن المقصود بالوحي هنا الكتاب والسنة أنه صلى الله عليه وسلم لما جمع قريشاً ودعاهم إلى التوحيد تحدث إليهم بحديثه، ولم يخاطبهم بآيات من القرآن الكريم. [انظر الأحاديث الواردة في أول الدعوة (1) ] وقال عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما-: " كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: تكتب كل شيء سمعته من رسول الله؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا! فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول

_ (1) انظر الإعجاز العلمي في السنة النبوية 1/27-28،والتخريج 1/152-157.

الله، فأومأ إلى فيه، وقال: "اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق" (1) . فهذا دليل واضح على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى، ولا يخرج منه في كلامه إلا الحق، سواء فيما يتكلم به من عند نفسه، أو ما نسبه إلى ربه، فكله وحي من عند الله تعالى عَلَّمه إياه، وملأه في صدره، فهو يصدر عنه. لذلك نرى في كتاب الله تعالى الآيات الكثيرة التي يأمرنا الله بها أن نطيع هذا الرسول صلى الله عليه وسلم واعتبر طاعته من طاعته تعالى، وليس ذلك إلا لأنه يتكلم بالوحي، وينطق به، ويأمر بشريعة الله سبحانه، ويبين سنن الهدى التي أمره الله تعالى أن يبلغها، بل إن العلماء عدوا قوله، وفعله، وسكوته صلى الله عليه وسلم سنة متبعة تفيد حكماً قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} [النساء: 80] . وقال–جل وعز-: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

_ (1) رواه أبو داود في العلم باب في كتابة العلم (3646) 3/318، والدارمي في المقدمة باب فيمن رخص في كتابة العلم (490) 1/103، وأحمد في المسند (6507و6799) 2/162و192و207، وابن سعد في الطبقات بسياق آخر وفيه أنه استأذن بالكتابة فأذن له2/285،و4/198،و7/343، والخطيب في تقييد العلم1/74-83، وابن عبد البر في جامع بيان العلم1/71، والحاكم في المستدرك، وصححه وأقره الذهبي1/105،والبيهقي في المدخل/415،وابن أبي شيبة في المصنف (6479) 9/49، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (321) /366.

وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 51-52] . وقال سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] ، إلى آيات كثيرة. والقرآن الكريم في أكثر من أربعين آية يأمر بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله، وينهى عن معصيته، ومعصية رسوله، ولا ريب أن طاعة الرسول إنما تكون بما جاء في الكتاب أو بما جاء في السنة المطهرة، ولو لم تكن حقاً لما أمر الله تعالى بقبولها، وطاعتها، وأنَّى لرسول الله محمد بن عبد الله أن يتكلم بالحق، ويوافق شرع الله سبحانه، لولا ما أعطاه الله من الوحي، والعلم الذي يقصر عنه كل البشر. ورسول الله صلى الله عليه وسلم المؤيد من الله–جل وعز- في كل أمر يقدم عليه، وفي كل أمر ينطق به قد أوضح أن طاعته من طاعة الله تعالى، وأن سنته من الوحي الذي أنزله الله عليه، وليست من ذاته، فعن أبي رافع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه" (1) .

_ (1) رواه الإمام الشافعي في الرسالة (295) وإسناده صحيح رقم (633و1106) ،402-404، والإمام أحمد في المسند 6/8، وأبو داود في السنة باب في لزوم السنة (4605) 4/200، والترمذي في العلم باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (2802) وقال: حسن صحيح 4/145/ وابن ماجه في المقدمةباب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (13) 1/6، والحاكم في المستدرك وصححه وأقره الذهبي1/108-109،والبيهقي في دلائل النبوة 6/549، وفي المعرفة (50) 1/111، وابن عبد البر في جامع بيان العلم2/،189 وابن حبان في الصحيح (13) 1/147،والحميدي في المسند (551) 1/252،والطبراني في الكبير (934-936) 1/316و317و327.

وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه وفي رواية"وما يعدله معه "ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال، فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه" زاد في رواية"ألا وإنه ليس كذلك" (1) . فكل ما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته إنما هو إخبار عن تحريم الله تعالى لذلك الأمر، أو أمر من الله تعالى بأن هذا الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حرام عند الله تعالى، فيجب على المؤمنين أن يأخذوا بما جاءهم في السنة المطهرة، لأنها وحي من عند الله تعالى، وليست من رأي، أو هوى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان هواه صلى الله عليه وسلم تبعاً لشريعة الله– عز وجل-.

_ (1) رواه أحمد في المسند 4/130-131و132و133، وأبو داود في السنة باب لزوم السنة (4604) 5/10، والترمذي في العلم باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (2666) وقال: حسن غريب من هذا الوجه 4/ 144، وابن ماجه في المقدمة باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (12) 1/6، والدارمي في المقدمة باب السنة قاضية على كتاب الله (592) 1/117، وابن حبان في صحيحه (12) 1/189،والحاكم في المستدرك وصححه وأقره الذهبي1/109، والطبراني في المعجم الكبير (669و670) 20/274-275و283-284، والبيهقي في السنن الكبرى9/332/و7/76، وفي الدلائل6/549، وفي المعرفة (53) 1/112،والدارقطني في السنن (58-60) 1/286-287، والآجري في الشريعة/51، وابن بطة في الإبانة (62) .

سر الإعجاز في القرآن الكريم

سر الإعجاز في القرآن الكريم ما السر في كون القرآن الكريم معجزاً؟ سؤال تردد كثيراً عند الذين كتبوا عن الإعجاز في كتاب الله تعالى، والجواب عنه قريب سهل ميسر، وذلك لأنه كلام الله تعالى، قال الله- عز وجل-: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6] . والكلام صفة من صفات الله تعالى نعتقد بها كما جاءت، وقد قال الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [سورة الإخلاص] وقال – جل ثناؤه-: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] . فالله أحد في ذاته، أحد في صفاته- ومنها الكلام- أحد في أسمائه، أحد في أفعاله، ليس كمثله شيء في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فليس لله مثيل، ولا شبيه، ولا مكافئ في ذلك كله يستطيع أن يأتي بكلام مثل كلام الله تعالى! فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه، أو قريب يدانيه، وهو مالك الملك، خالق الخلق تعالى وتقدس، وتنزه عن الشبيه، والمثيل؟ فإعجاز القرآن العظيم كان لأنه صفة من صفات الله تعالى، وصفات الله ـ عز وجل _ لا يمكن لأحد أن يتصف بمثلها أبداً، أو يدانيها، بأي صورة من الصور مهما حاول، وقصد إلى ذلك وجهد، حتى لو اجتمعت كل الجن

وكل الإنس متعاونين متكاتفين ليأتوا بمثل هذا القرآن؛ فلن يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء: 88] . ولهذا الذي ذكرت جاء في آيات التحدي التي تحدى الله تعالى فيها العرب أن يأتوا بمثل هذا القرآن، الاستفتاح في كل آية منها بزعم المشركين أن القرآن من قول محمد بن عبد الله افتراه، وزعم أنه من عند الله تعالى، فقال لهم: إن كان هذا القرآن بشرياً– على زعمكم-قد افتراه، وتقوله محمد صلى الله عليه وسلم وهو بشر مثلكم، فأنتم إذا كنتم تستطيعون أن تأتوا بقرآن مفترى مثل ما جاء به محمد بزعمكم فأتوا به، ولكنكم لا تستطيعون أن تأتوا بمثله لأن القرآن كلام الله، وأنتم بشر مخلوقون، وأنَّى لبشر أن يأتي بمثل صفة الله في الكلام؟! هيهات هيهات. قال الله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ، فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور: 33-34] . وقال–جل وعلا-: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود: 13-14] وقال سبحانه: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس: 38] وقال–جل جلاله-: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ

إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 23-24] . فالآيات كلها تبدأ بهذا الشرط، فإن كنتم أيها العرب الفصحاء تقولون: إن محمداً تقوَّل هذا القرآن على الله تعالى، أو افتراه، ونسبه إلى ربه، أو أصابكم شك وريب في جواز ذلك، فأنتم وهو متماثلون في البشرية وفي كونكم عرباً، متقاربون في الإمكانات فافعلوا فعله، وهاتوا قرآناً مثل ما جاء به هو– على زعمكم- من عند أنفسكم كما فعل هو فجاء بقرآن من عند نفسه كما تدعون. ولذلك جاء الرد عليهم في سورة هود: {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود: 14] وفي سورة يونس الحكم القاطع بذلك: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 37] . فلا أحد إلا الله يمكن أن يأتي بمثل هذا القرآن أما البشر فعاجزون لبشريتهم أن يأتوا بمثله، وكفى بها ضعفاً، قال الله تعالى: {الم، تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [السجدة: 1-3] .

وجوه الإعجاز في القرآن الكريم

وجوه الإعجاز في القرآن الكريم مدخل ... وجوه الإعجاز في القرآن الكريم (1) هذا من جهة سبب الإعجاز، ومصدره أما بالنسبة لأوجه الإعجاز فإني قد حاولت أن أستخرجها من كتاب الله تعالى مستقرئاً الآيات التي تحدثت عن القرآن الكريم، وقبل المضي في هذا السبيل سأتحدث عن الوجه المعجز في القرآن الكريم، ولعل أقرب التعاريف لذلك هو: "كل مزية في القرآن خارجة عن طاقة المخلوقين، أو علمهم وقت نزول القرآن". وبهذا يدخل كل مزية في القرآن لم تأت في غيره سواء كانت في النظم، أو المعاني البيانية، وكذا ما ورد فيه من القضايا العلمية التي لم يكن للإنسان معرفة بها حين نزول القرآن الكريم، وإن عرفها بعد ذلك. وإني بالرغم من ذكر الوجه المعجز في القرآن فقد اعتمدت على الآيات القرآنية التي تحدثت عن القرآن العظيم وأخذت منها وجوه الإعجاز، فقد وجدت أن كتاب الله قد أشار إلى جميع الوجوه التي ذكرها الأقدمون

_ (1) ذكر الكثير من الباحثين وجوه الإعجاز في القرآن الكريم، في كتبهم، ومن ذلك: "الإعجاز العلمي في القرآن والسنة" عبد الله بن عبد العزيز المصلح-" تأصيل الإعجاز العلمي"للشيخ عبد المجيد الزنداني- و "الإشارات العلمية في القرآن الكريم بين الدراسة والتطبيق " لكارم السيد غنيم ـ و"إعجاز القرآن" للسيد محمد الحكيم – و "البيان في إعجاز القرآن" لصلاح عبد الفتاح الخالدي- و " الإعجاز العلمي (وجوهه وأسراره) " لعبد الغني محمد سعد بركة – و"مباحث في إعجاز القرآن" لمصطفى مسلم- و"من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم"لحسن أبو العينين-و"إعجاز القرآن الكريم" لفضل حسن عباس وسناء فضل عباس- و " الإيجاز في آيات الإعجاز" للشيخ أبي اليسر عابدين ... إلى غير ذلك من الكتب التي ظهرت في عصرنا هذا.

والمحدثون، وبكلمات أدق، وأجمع للمعاني، وبخاصة في أوائل السور، وبعض الحروف المقطعة التي جاءت في أوائل السور وقد ذهب بعض العلماء إلى أن هذه الحروف المقطعة إشارة إلى تحدّى العرب بالقرآن، وأنه مؤلف من حروف تتحدثون بمثلها، ورغم ذلك لا تستطيعون أن تأتوا بمثل هذا القرآن نظماً وبياناً، وجمعاً لعلوم شتى، وفنون متنوعة. هذا ولم تتعد وجوه الإعجاز التي استنبطتها أربعة في الإجمال، وهي: 1- كونه عربياً. 2- أنه حق. 3- أنه هدى. 4- أنه شريف، وشرف حملته (1) . هذا ما رأيته، وسأبين ذلك بالتفصيل، وأذكر ما يدخل في كل وجه من هذه الوجوه من نواحي الإعجاز التي ذكرها العلماء في ذلك، والله المستعان، وعليه التكلان.

_ (1) وهذا الذي استخرجته لا شك أنه جهدي، ومن الممكن أن يأتي غيري من الباحثين، فيصل إلى أكثر أو أفضل مما وصلت إليه، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب.

الوجه الأول: كونه عربيا

الوجه الأول: كونه عربياً قال الله تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 1-2] وقال– عز من قائل -: {حم، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: 1-3] . وقال سبحانه: {حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: 1-3] . وقال جل ثناؤه: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 192-195] . وقال – جل ذكره -: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الشورى: 7] . إلى غير ذلك من الآيات القرآنية التي ذكرت إنزال القرآن باللسان العربي، فقد ذكر الله تعالى أن اختيار اللغة العربية، واللسان العربي لينزل به القرآن الكريم هذا القرآن لقوم يعلمون العربية، وطرائقها، وأساليبها، وبلاغتها، وأدبها فيعقلون عن الله تعالى ما أراده بكل لفظٍ، وتركيبٍ، وبيانٍ، ووجهٍ، فيشمل ذلك نظم القرآن، ومتانة نسجه، وقوة أسلوبه، وروعة بيانه، وكون كلمه إنما يقع من نفس القارئ والسامع موضع القبول، وتصادف من

قلبه موطن الارتياح والانشراح لكونها جاءت مرتبة الترتيب اللائق بها من جهة المعنى. فكل هذه الوجوه إنما يعرفها أهل اللسان العربي الذين تعمقوا في فهمه، ورسخت أقدامهم في أرضه، ففهموا ما لم يصل ويفطن إليه غيرهم. وقد سماه الله تعالى أحسن الحديث في قوله سبحانه: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 23] فهو أحسن الحديث من كل ناحية من نواحي البلاغة والبيان والنحو والصرف، والتقديم والتأخير، والسؤال والقسم ... لا يصل إلى حسنه كتاب آخر. وقد أشارت هذه الآية إلى ما في القرآن الكريم من تشابه، وتكرار، فهو آيات تتوارد على قضية واحدة، ولكنها في كل موضع تختلف عن الموضع الآخر في تناولها، وإنما يدرك حسنها أهل الصنعة والعلم والمعرفة والبيان. وقال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} [يوسف: 3] . والقصة فن من فنون العربية قائم بنفسه، وللقصة في القرآن حديث، بل أحاديث تظهر مدى الإعجاز فيها، فأشارت هذه الآية إلى القصة لينبه

الباحثين لها بصورة خاصة (1) . والطرف الثاني الذي تشير إليه الآيات الكريمة في كون القرآن عربي اللسان، ويطلب من أهل اللسان أن يعقلوا ما فيه" المقدرة على استنباط الأحكام" ومعرفة وجه التشريع في كل آية، وفي كل لفظة من كلمات القرآن، وماذا تؤدي هذه الكلمة من معنى"فهو حمال أوجه"، وماذا يفيد هذا المعنى من حكم، ولهذا نرى الفقهاء يختلفون في إعطاء حكم لمسألة واحدة، وأدلتهم فيها من كتاب الله تعالى كل بحسب علمه وفهمه، واستنباطه. وهذا إنما يخوض فيه أهل أصول الفقه الذين تمرسوا فيه، وعرفوا الدلالات والخاص والعام، والمطلق والمقيد، والنص، والمقيد، والمجمل والمبيّن ... فأعطوا لكلٍ حكمه الذي يفيده النص الذي جاء فيه، وهم وإن اعتمدوا كثيراً على أصول اللغة العربية، وما تفيده من أحكام إلا أنهم أضافوا إليها قواعد خاصة استخرجوها من كتاب الله وسنة نبيه.

_ (1) وأريد أن أنبه على أن بعض الباحثين زعم أن هناك إعجازاً أطلق عليه اسم الإعجاز الموسيقي، ذكره د. كارم السيد غنيم في كتابه الإشارات العلمية في القرآن الكريم، وأظنه في هذا قد ذهب بعيداً، فإن القرآن الكريم لاشك أنه يتصف بالجرس الصوتي المنسجم في كل سورة من سوره مع المعنى الذي جاءت الآيات لبيانه، ومع اللفظة التي اختيرت لهذا المعنى، وليس المقصود أنه موسيقي جاء بالنغمات الموسيقية، حتى لو حاول بعض الناس الذين ساروا مع وسوسة الشيطان ليخرجوا القرآن عن منهج الهداية، كما أخرج بعضهم كتاب" وجوه الإعجاز الموسيقي في القرآن " [د. محيي الدين رمضان-نشر دار الفرقان –عمان الأردن] فإن هذا مما لا ينسجم مع رسالة الإسلام، ومكانة القرآن.

الوجه الثاني: أنه حق

الوجه الثاني: أنه حق فهو حق لا يأتيه الباطل من أي وجه من الوجوه، فهو حق في أخباره التي يوردها، وهو حق في أحكامه التي يقررها، وهو حق في إحكامه لا يستطيع أحد أن يجد فيه وجهاً من الوجوه بعيداً عن الحق، أو مضطرباً في حكمه، لا شك فيه، ولا ريب في شيء منه، وكل من قرأه، وأمعن النظر فيه، علم أنه حق وصدق. قال-جل شأنه-: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء: 82] . فلما كان من عند الله تعالى كان حقاً ولم يكن فيه أي اختلاف. وقال ـ عز من قائل ـ: {المص، كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 1-2] وقال سبحانه: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [يونس: 94] . وقال الله تعالى: {المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} [الرعد: 1] . وقال سبحانه: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [المؤمنون: 90] . وقال – جلّ ثناؤه -: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ

مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41-42] . إلى آيات أخر اقتصرت على ما ذكرت للاختصار، كلها تبين أن هذا القرآن حق لا مرية فيه، وسيبقى هذا وصفه إلى أن يرث الله تعالى الأرض وما عليها. ومما يدخل ضمن كونه حقاً أنه لا يستطيع أحد أنْ يُدخل فيه شيئاً مما ليس منه، أو يبدل، أو يغير منه شيئاً، أو ينقص أو يزيد، وقد جاء ذلك صريحاً في كتاب الله تعالى بالنسبة لنبي الله صلى الله عليه وسلم فكيف بغيره! قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 44-47] هذا جزاء من يتقول على الله بعض الأقاويل، فينسب إليه ما لم يقل، فما ظنكم أيها الناس بمن ينسب كتاباً كاملاً لله جل في علاه! وليبقى القرآن المعجزة الخالدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليبقى القرآن حقاً في كل زمان، وكل مكان إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، فتبقى هذه المعجزة محفوظة لا يقدر أحد على إجراء أي تغيير، أو تبديل فيها تكفل الله تعالى بحفظها، فقال– عز من قائل-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] . إننا اليوم بعد أربعة عشر قرناً من نزول القرآن على نبي الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لو أخذنا أحدث طبعات هذا القرآن الكريم– في أي مكان من المعمورة- وقارنَّا بينها وبين ما هو محفوظ في مكتبات الدنيا من نسخ القرآن المخطوطة منذ زمن مديد لما وجدنا بينهما أي اختلاف، هذا رغم تعرض البلاد الإسلامية إلى الاحتلال الذي أراد أن يسلب البلاد الإسلامية كل خصائصها،

ولو أخطأ أحد من الناس كبيراً أو صغيراً في شكل حرف من حروف هذا القرآن، لرد عليه الحفظة المنتشرون في كل بقاع الدنيا، حتى لو كان طفلاً صغيراً. ومن الحق الذي في كتاب الله تعالى " المغيبات" التي كانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم وكذا قصص الأنبياء السابقين التي ذكرت في كتاب الله سبحانه. قال تعالى في أول سورة يوسف: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} [يوسف: 3] وجاء في آخر السورة {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111] فأحسن القصص هو أصدقها. وقال تعالى: {طسم، تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [القصص: 1-3] وجاء بعد ذكر قصة مريم: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: 44] . وجاء بعد قصة موسى- عليه السلام-: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ، وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو

عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [القصص: 44-45] . وقال تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49] ومن الحق الذي فيه، ما فيه من الإخبار عما سيقع في مستقبل الأيام من الوقائع، سواء في الحياة الدنيا، أو ما بعدها من حوادث الآخرة، كظهور يأجوج ومأجوج، وإخراج الدابة، ووصول الإنسان في العلم إلى درجة يظن معها أنه قادر على كل شيء في هذه الدنيا، وقيام الساعة بما فيها من الأهوال.... ومن الحق الذي في هذا القرآن ما فيه من الدلالات العلمية الباهرة، قال الله تعالى مشيراً إلى هذا الوجه من الإعجاز: {حم، تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الجاثية: 1-6] . فبين أن ميدان الإعجاز الذي ينبغي أن يمضي فيه عقل الإنسان مفكراً ومتدبراً هو هذه الطبيعة المحيطة به من أرض وسماء.. وفي الخلق–خلق الإنسان والحيوان- وفي الليل والنهار، وفي مظاهر الطبيعة من مطر نازل، وأرض تحيا بعد يباس ... إلى ما هنالك. وبعد أن ذكر الله تعالى الذي يكذب بآيات الله تعالى قال: {هَذَا هُدىً

وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ، اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية: 11-13] وهنا يبين سبحانه أن التسخير آية باهرة من آيات الله تعالى تدل على وجوب الإذعان للخالق العظيم.. ويدخل في ذلك كل القوانين التي تسير عليها الطبيعة، فإنها من صنع الله الذي أتقن كل شيء وهيأه لما فيه خير الإنسان، وصلاحه، فكأن الله تعالى يشير إلينا إلى أن نفكر بما في كتاب الله المنزل إلينا من إشارات علمية في هذه المجالات المختلفة لنذعن ونقر بألوهيته التي تشهد بها كل حقائق الكون، ونقر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم الذي نزل عليه هذا القرآن العظيم، يقول د. عبد الرحمن حسن حبنكه: "ومن الحقائق الثابتة أن القرآن المجيد حق لا ريب فيه، فلا يمكن أن يختلف مع الواقع في شيء (1) ". ومن الحق الذي في القرآن ما جاء فيه من الوعد والوعيد، والإخبار بحدوثه في مستقبل الزمان قَرُب الزمان أو بَعُد، فكل ما جاء من أخبار فلا بد أن تحدث، لأنه من الله تعالى العليم الخبير. وأورد مثالاً على ذلك قوله تعالى: {الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ

_ (1) قواعد التدبر الأمثل/225/

الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم: 1-5] . قال ابن الجوزي في زاد المسير: ذكر أهل التفسير في سبب نزولها أنه كان بين فارس والروم حرب فغلبت فارس الروم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فشق ذلك عليهم، وفرح المشركون بذلك لأن فارس لم يكن لهم كتاب، وكانوا يجحدون البعث، ويعبدون الأصنام، والروم أصحاب كتاب، فقال المشركون لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم، فإن قاتلتمونا لنظهرن عليكم، فنزلت هذه الآية، فخرج بها أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى المشركين، فقالوا: هذا كلام صاحبك! فقال: الله أنزل هذا. فقالوا لأبي بكر: نراهنك على أن الروم لا تغلب فارس، فقال أبو بكر: البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فقالوا: الوسط من ذلك ست، فوضعوا الرهان ... وفي رواية "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "ألا احتطت، فإن البضع ما بين الثلاث والتسع" فخرج أبو بكر فقال لهم: أزايدكم في الخطر، وأمد في الأجل إلى تسع سنين، فقهرهم أبو بكر، وأخذ رهانهم" (1) . فالمشركون راهنوا لأنهم لا يؤمنون أنه من عند الله، وأبو بكر راهن لأنه يعتقد اعتقاداً جازماً أنه من عند الله تعالى، وأنه حق لا مرية فيه.

_ (1) زاد المسير 6/ 286-288/

الوجه الثالث: "كون القرآن هدى"

الوجه الثالث: "كون القرآن هدى" فكل ما في القرآن هداية لمن أراد الخير والرشاد، ودلالة على ما يجب اتباعه من سبل الحياة المختلفة، والمضطربة، فكل إرشاده هداية للسبيل الأقوم، ودلالة على الطريق الأسلم، ولذا كان القرآن الكريم معجزاً في هدايته، وتشريعه الذي جاء به في محكم آياته، وفي أخلاقه التي دعا إليها، وحث عليها، ومدحها، ومدح المتخلقين بها، وهو وجه أساسي كبير لأن الهداية هي المطلب الرئيس للإسلام، ولذلك علمنا الله تعالى في أول سورة من القرآن أن نطلب الهداية إلى الصراط المستقيم {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأها ـ ضمن سورة الفاتحة ـ في كل ركعة من ركعات الصلاة، وقد بين الله سبحانه أن المهمة الأساسية لهذا القرآن هي الهداية: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 1-2] وقال تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم: 1] . وقال– عز من قائل -: {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ، هُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [النمل: 1-2] . وقال-جل اسمه-: {الم، تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ، هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} [لقمان: 1-3] . وقال رب العزة والجلال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ

رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57] . وقال سبحانه: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 23] . وهذه الآية بينت أمرين: - الأول كون القرآن هدى. - والثاني– وهو أحد أركان الدعوة وسُبُلها- أن يكون الكلام مؤثراً في النفوس حتى تقبله، ويستقر فيها، وتستريح القلوب به، وله. ولا أريد أن أطيل في ذكر الآيات، فكل آية وُصِف القرآنُ فيها أنه مبشر، أو منذر، أو أنه ذكر، أو ذكرى، أو فرقان، أو حكمة ... كل ذلك داخل ضمن الدعوة التي يراد منها الوصول إلى الهدى الذي جاء به القرآن الكريم. ومما يشمله كونه هدى أن فيه من الآيات البينات التي تخاطب صاحب العقل فيفهم ما فيها، ويخاطب صاحب القلب، فينمو حب الله ورسوله فيه، كل إنسان بلغته التي يصل معها إلى الهداية المنشودة، وكذلك فيه تربية للنفس الإنسانية التي يخاطبها حتى تصبح زكية، مرتقية عن سفاسف هذه الدنيا، وترتقي لتكون راضية مرضية، تتلقى آيات كتاب الله بقلب سليم، وتسعى لإيصال الخير إلى الناس بشتى الوسائل. ومما يدخل ضمن كونه هدى أنه ميسر للذكر قال الله تعالى: {وَلَقَدْ

يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} : [القمر: 17و22و32و40] أي والله قد يسرنا القرآن للحفظ والتدبر والاتعاظ، أي يقسم الله تعالى على أنه يسر هذا القرآن للذكر، والتدبر، فأين أولئك الذين يقرؤونه ليفقهوا ما فيه من الدروس والعبر، والعظات، والحكم العظيمة التي تدلهم إلى ما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة! وذلك أنه لما كان هدى لجميع الناس، وكان منزلاً من عند الله تعالى، فلا بد أن يكون ميسراً ليستطيع الناس فهمه، والإفادة منه، فبالرغم من أنه في أعلى درجات البلاغة والبيان، وأكمل الكلام في التفصيل والإجمال، رغم ذلك يقرأه العامي فيشعر أنه يفهمه ويعرف ما فيه، ويقرأه العالم فيغوص في بحاره مستخرجاً الدرر، ويقرأه الأعجمي فيشعر براحة نفسية عجيبة، ويقرأه العربي، فيضاف إلى راحته فهم بعض وجوهه ومعانيه، ويكرره هذا وذاك، فلا يزيدهم التكرار إلا قوة في التمسك به، وثباتاً على الاستمرار في الاستهداء بهديه، والاسترشاد بما فيه من آيات الهدى والرشاد. ولا شك أن هذا من آيات إعجاز القرآن، فكم من كتاب بديع النظم، أدبي الصورة، لا يستطيع أن يقرأه عوام الناس ممن عرف القراءة، ولم يتعمق في العلم، بل إننا نجد في المجتمعات الإنسانية حتى الذين تعمقوا في دراسة الأدب يمجون تلك الكتب المنمقة، المحسنة التي اختيرت لها الألفاظ، وأتقن في تراكيبها أيما إتقان، أما القرآن الكريم فرغم رفعة شأنه، وعظمة إتقانه، وعلو بيانه، فإنه محبب لكل قارئ، ويراه ميسراً في قراءته، ميسراً في حفظه، ويجد في نفسه الدافع القوي ليفهم كل كلمة فيه، وليستمر في الصلة به.

وهنا أقول: إن كونه هدى يجعل كل ما فيه هدى، فهو هدى بما فيه من عقائد وعبادات، وما فيه من أحكام مختلفة، وكذا ما فيه من الآيات البينات ذات الدلالات العقلية والفكرية، وكذا ما فيه من الدلالات العلمية ... كل ذلك هدى لأنها تدل في النهاية على أنه منزل من عند الله تعالى العلي الكبير، فلا منافاة بين وجود الدلالات العلمية المعجزة وبين كونه هدى.

الوجه الرابع: أن القرآن الكريم ذو شرف ويشرف من نسب إليه

الوجه الرابع: أن القرآن الكريم ذو شَرَفٍ ويُشَرِّفُ مَنْ نُسِب إليه قال الله -عزوجل-: {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: 1] . وقال الله سبحانه: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} [الزخرف: 44] . وقال جلت قدرته: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 71] . لو تصورنا الأمة العربية تسير عبر العصور، وكر الدهور على ما كانت عليه قبل نزول القرآن الكريم، لرأيناها أمة قابعة في زاوية النسيان من تاريخ الإنسانية فضلاً عن مسير الحضارات، منزوية في جزيرتها التي تغطيها الرمال، تعيش عالة على غيرها من الأمم المجاورة، يظهر فيها أهل الذكاء والفطنة والكياسة والفهم، فيذوب ذكاؤهم وتنطفئ فطنتهم، وتضيع كياستهم، ويطيش فهمهم في العصبية الجاهلية، والصراعات القومية، والعقائد الوثنية، دون أن يكون لهؤلاء أثر يُذْكر، اللهم إلا في نصيحة يبديها أحدهم بترك قومه ما هم عليه من الصراع الدامي، ولأم الصدع، وتجميع الكلمة، ودفع دية القتلى، والإصلاح بين الجهات المتناحرة، ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه، فلما جاء القرآن العظيم جعل أمة العرب أمة تقود الأمم، وتأخذ بأيديها إلى ما فيه صلاحها في الدنيا والآخرة، وأصبح الرجل الفطن في الأمة العربية رجل العالم يعرفه كل الناس، ويتحدثون عنه، ويتناقلون حديثه عبراً في تاريخ الإنسانية قاطبة، وأصبح مثالاً لما برز فيه من المجالات، كل ذلك لأنه

فهم القرآن المجيد، وتأدب بأدبه، وفطن إلى ما فيه من دقائق العلم والمعارف. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" (1) . ففهمهم للإسلام وما فيه هو الشرط الذي يجعلهم خيار الناس في هذه الحياة الدنيا، فالقرآن الكريم ذو الشرف والمكانة الرفيعة في هذه الدنيا الذي يعظمه الملايين، ويحسب له أعداء الإسلام حساباً في حربهم للإسلام والمسلمين حتى يمسك أحد ساستهم نسخة من القرآن ويقول: ما دام هذا الكتاب بيد المسلمين فلن تغلبوهم. فهذا القرآن الذي يعظمه المسلمون في أقصى الأرض وأدناها، بلغ من المجد والرفعة والمكانة العظيمة ما لم يبلغه كتاب آخر في الدنيا، وقد خُدِم هذا الكتاب بكتب لا مثيل لها في الدنيا كلها تفسيراً وبياناً، وتوضيحاً لآياته، وفقه ما فيه من الحكم والأحكام، وبياناً لآدابه، وأخلاقه، ودلالة على مواطن موضوعاته بل حتى عدد حروفه وكلماته وجمله ... كل هذا مما يدل على مكانة القرآن في نفوس المسلمين، بل إننا نجد أن أعداء الإسلام قد ألفوا حول هذا القرآن الكتب الكثيرة دراسة وتمحيصاً، أو نقداً وتهجماً ... والرسول محمد صلى الله عليه وسلم شرفه الله تعالى بالقرآن الكريم، فأصبح أشرف خلق

_ (1) رواه البخاري في المناقب ضمن حديث آخر (3493) 6/525/ وأطرافه (3497و3588و3336و3353و3374و3383و4689) ورواه مسلم في فضائل الصحابة (2526) 4/1846-1847، كما رواه أبو داود وأحمد، والبغوي في شرح السنة، والطيالسي وأبو نعيم، وابن حبان والدارمي، والخطيب في الفقيه، وابن عبد البر في الجامع.

الله تعالى، وأعلاهم مكانة، وأرفعهم منزلة، وأسماهم ذكراً وشرفاً ومجداً. وكذا أصبح قومه العرب رغم ضعفهم في هذه الأعصر، وذلتهم، وهوانهم، فإن أكثر ما يخيف العالم أن يستيقظ هؤلاء العرب، ويتمسكوا بكتاب ربهم، ويقودوا العالم مرة ثانية. والعرب لهم شرف ورفعة لأن القرآن الكريم عربي، بل امض في التاريخ سائلاً عما ألف في اللغة العربية وآدابها لتجد الجم الغفير، والذي صنف، وألف، وبحث فيها له صلة بكتاب الله العظيم، فصار للعرب بفضل القرآن الكريم الشرف العظيم، والذكر الحسن، والمكانة العالية، والصيت الذائع ما لم يكن لهم ولا لغيرهم من الأمم في التاريخ كله، وكذا للغتهم، وأسلوبهم في التخاطب والحديث. وكذا كل من يحمل هذا القرآن، وينشره، ويذيعه، وكل من يخدمه بنوع خدمة يشرف في المجتمع، ويكرم قدره، ويذيع صيته، ويظهر اسمه، ويرفع شأنه، ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قال نبيكم صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع آخرين" (1) .

_ (1) رواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (817) وابن ماجه في المقدمة باب فضل من تعلم القرآن وعلمه (218) وأحمد في المسند 1/35،كما رواه عبد الرزاق في المصنف والدارمي وابن حبان والطحاوي والبغوي والبيهقي في الشعب والسنن وأبو عبيد في فضائل القرآن، وسبب رواية عمر رضي الله عنه للحديث أنه لقي عامله على مكة فقال له: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى. قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا. قال: فاستخلفت عليهم مولى؟! قال: إنه قارئ لكتاب الله-عز وجل-وإنه عالم بالفرائض. قال عمر: أما إن نبيكم قال....

وجوه الإعجاز في السنة النبوية الشريفة

وجوه الإعجاز في السنة النبوية الشريفة: ذكرت فيما سبق وجوه الإعجاز في القرآن العظيم الموحى به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما هي وجوه الإعجاز في السنة النبوية المطهرة؟ أقول في الجواب: لقد سبق أن ذكرت أن السنة النبوية وحي من عند الله تعالى علمه إياها، وليست أقوالاً من عند محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي وصل إليها بسعيه وجده، لذلك لا بُدَّ أن تكون وجوه الإعجاز فيها هي وجوه الإعجاز في القرآن الكريم نفسها، اللهم إلا الطرف الأول من الوجه الأول، أقصد: إعجازه اللغوي والصرفي والبلاغي، والبنائي لأن ذلك كان في جانب القرآن لأنه كلام الله أما السنة فاختيار الألفاظ والكلمات من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلذلك كانت بشرية الألفاظ، فلم تكن معجزة من هذا الجانب. وفي مقال للشيخ مصطفى الزرقا–يرحمه الله- ذكر الفرق بين أسلوب القرآن والسنة، فقال: الفرق عظيم جداً بين أسلوب الحديث النبوي، وأسلوب القرآن في طريقة البيان العربي، فبينهما شقة واسعة لا يشبه أحدهما الآخر لدى أهل البصر باللغة وأساليبها، وبالمأثور المألوف من بيانها قديمه وحديثه، وإن هذا التفاوت الكبير في الأسلوبين إذا أنعم الإنسان فيه، وكان ذا ملكة بيانية لا يترك لديه مجالاً للشك والريبة في أن الحديث النبوي، والقرآن صادران عن مصدرين مختلفين. فالحديث النبوي جاء كله على الأسلوب المعتاد للعرب في التخاطب تتجلى فيه لغة المحادثة، والتفهيم، والتعليم، والخطابة في صورها ومناهجها

المألوفة لدى العرب، ويعالج جزئيات القضايا والمسائل، ويجيب عليها، ويحاور ويناقش كما يتخاطب سائر الناس بعضهم مع بعض، ولكن يتميز من الكلام العربي المألوف بأن فيه لغة منتقاة غير نابية وأن فيه إحكاماً في التعبير، وجمعاً للمعاني المقصودة بأوجز طريق، وأقربه دون حشو مما استحق به التسمية بـ "جوامع الكلم" (1) فهو كلام عربي الطراز المعتاد المألوف، ولكنه على درجة عالية من أساليب البلغاء المعهودة. أما أسلوب القرآن فهو أسلوب مبتكر لا يجد الناظر فيه، والسامع شبيهاً له فيما يعرف من كلام العرب، وأساليبهم يعالج الكليات، ويفرض الأحكام، ويضرب الأمثال، ويوجه المواعظ في عموم لا تشبه العمومات المألوفة، وخطاب فيه من التجريد ما يجعل له طابعاً خاصاً منقطع النظير (2) . ومع ذلك فإننا نرى أن أحاديث كثيرة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لها طابع الإعجاز العربي من حيث قوة الأسلوب، ومتانة التركيب، وبلاغة المعنى المقصود، وغزارة المقصود، ولذلك نرى الإمام ابن حجر يقول: " إن دخول القرآن في قوله" بعثت بجوامع الكلم" لا شك فيه، وإنما النزاع هل يدخل غيره من كلامه من غير القرآن؟ ثم ذكر أمثلة من جوامع الكلم في القرآن

_ (1) جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله"بعثت بجوامع الكلم.." رواه البخاري في الجهاد باب قول النبي صلى الله عليه وسلم نصرت بالرعب مسيرة شهر (2977) 6/149، وأطرافه (6998و7113و7273) ورواه مسلم في المساجد (523) 1/371-372،مع اختلاف في اللفظ ورواه الترمذي والنسائي، وابن ماجه، وأحمد وابن حبان، وأبو عوانة، والبيهقي في الدلائل والسنن، وابن أبي شيبة، والبغوي في شرح السنة، وأبو نعيم في الدلائل، وفي صحيفة همام، وأبو يعلى في المسند، والحميدي في المسند. (2) انظر المقال في مجلة البحوث الإسلامية- المجلد الأول –العدد الأول (1395هـ) ص91-95.

والسنة، ثم قال: " إلى غير ذلك مما يكثر بالتتبع. قال: وإنما يسلم ذلك فيما لم تتصرف الرواة في ألفاظه" (1) . أما في الجانب الثاني من الوجه الأول للإعجاز وهو: كونه عربياً، فيشترك في ذلك القرآن والسنة، لأننا نستطيع أن نستخرج أحكام الشريعة من السنة كما نستخرجها من كتاب الله تعالى بالفهم الصحيح والاستنباط المبني على الأصول التي استخرجها علماء الأصول، ولهذا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث على التبليغ عنه، فيقول: "نضَّر الله امرءاً سمع منا حديثاً، فأداه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع" (2) . وقال صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية" (3) . وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا فليبلغ الشاهد منكم

_ (1) انظر فتح الباري 13/262. (2) جاء هذا الحديث عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: رواه أبو داود في العلم باب فضل نشر العلم (3660) 3/322، والترمذي في العلم باب الحث على تبليغ السماع (2794) وقال: حديث حسن 4/142، وابن ماجه في المقدمة باب من بلغ علماً (230) 1/84، وأحمد في المسند 5/183، والدارمي في المقدمة باب الاقتداء بالعلماء (230) 1/84، كما رواه ابن عبد البر في الجامع والرامهرمزي، وابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والخطيب البغدادي في الفقيه، وفي شرف أصحاب الحديث وفي الكفاية، والحاكم، وأبو نعيم، وابن أبي عاصم، وابن حبان، والطحاوي، والطبراني، والسخاوي والصدفي. انظر تتمة التخريج: الإعجاز العلمي في السنة النبوية1/160-163. (3) الحديث عن ابن عمرو رضي الله عنهما: رواه البخاري في الأنبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل (3461) 6/572، والترمذي في العلم باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل (2807-2808) وقال: حسن صحيح4/147، وابن حبان 14/51/ و (6223) 8/51، وأحمد في المسند (7006) 2/159و214،والدارمي (569) فتح المنان3/332.

الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع" (1) . فكونه صلى الله عليه وسلم يبين أنه قد يأتي بعض المُبَلَّغين عنه يكون في الوعي، والإدراك، والفهم، والمقدرة على الاستنباط أكثر ممن يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدلنا على أن حديثه مليء بالحكم والأحكام التي يستطيع أهل العلم استخراجها وبيانها للناس ليعملوا بها، وقد كان ذلك في عصر الفقه والفقهاء الذين لم يبتدئوا بأبي حنيفة، ولم ينتهوا بأحمد بن حنبل - رضي الله عن الجميع - الذين كان لهم باع طويل في أخذ الأحكام من الكتاب والسنة، وما يزال أهل العلم في كل مكان، وكل زمان لهم من هذين الأصلين معين لا ينضب، ومورد يحلو ماؤه للواردين. وأما الوجه الثاني: من وجوه الإعجاز وهو كونه حقاً، فقد سبق أن ذكرت حديث ابن عمرو رضي الله عنهما أنه عندما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كتابة كل ما يسمعه منه من الحديث أومأ إلى فمه الشريف وقال: "اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق" فهذا يدل على أن كل ما جاء في السنة المطهرة حق لا مرية فيه، سواء كان إشارة إلى حقيقة علمية، أو قصة تاريخية عن نبي من الأنبياء، أو عن أحد من أهل زمانه، أو إثبات نسب، أو إثبات خاصية دوائية في طعام ما أو شراب فإن كل ذلك حق لا يجوز الامتراء

_ (1) رواه البخاري في العلم باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "رب مبلغ أوعى من سامع" (671/190، وأطرافه: (105و1741و3197و4406و4662و5550و7078و7447) ورواه مسلم في القسامة (1679) 3/1305، كما رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والبيهقي في المعرفة، وابن حبان، والدارمي، وابن أبي حاتم، وابن عبد البر، وانظر تتمة التخريج كتاب الإعجاز العلمي في السنة النبوية1/164.

فيه، أو الزعم بأنه من أمور الدنيا التي يمكن أن يخطئ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) ، وقد أوردت في كتابي المذكور بعضاً من الأمور التي وردت في السنة النبوية، وأرجو الله تعالى أن يمكنني أو غيري من استخراج كل الأمور العلمية التي سبق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عصره بالإخبار عنها. وأما الوجه الثالث: وهو: كون السنة هدى، فالقرآن قد نص في بيانه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدي إلى الطريق الحق كقوله تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم: 1] وقال -جل ثناؤه-: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى: 52-53] . وقال-جل جلاله-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} [الأحزاب: 45-46] .

_ (1) وهنا أريد أن أنبه أن من يزعم أن رسول الله في إخباره عن بعض الأمور كان مخبراً عن أمور دنيوية لا علاقة لها بالشرع قد أخطأ خطأً فاحشاً في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفه بوصف لا يجوز أن يتصف به الإنسان العدل فكيف برسول رب العالمين الذي كان خليل رب العالمين! وليعلم هذا القائل بهذا أن الخبر يفيد الصدق والكذب إن كان من غير الشارع، أما من الشارع فالخبر لا يفيد إلا الصدق، سواء أكان ذلك يتعلق بأمور الدنيا أم يتعلق بأمور الآخرة أعاذني الله وإياك من أن نخطئ في حق الله تعالى، أو في حق رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم.

فالسنة النبوية هداية للأمة في طريق الحياة الذي تحياه، تدلها على أفضل السبل، وتأخذ بأيديها إلى ما فيه خيرها في الدار الدنيا والدار الأخرى، ولذلك من أراد معرفة طرق الدعوة إلى الله تعالى، وإلى دينه وشريعته، فما عليه إلا أن يدرس حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها، فإنه واجد فيها ما يريد من أصول الترغيب والترهيب، وضرب المثل، وإيراد القصص الهادف، وانتهاز الفرص.... إلى ما هنالك من الأساليب الدعوية الناجعة، والناجحة، والتي أثمرت خير قرن وجد فوق هذه الأرض بتربية هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد أرسله الله داعياً إلى الحق قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المؤمنون: 73] . وأما الوجه الرابع: من وجوه الإعجاز وهو كونه ذا شرف ورفعة: فكذلك السنة النبوية لها شرف، وتورث من اشتغل بها، وقام بخدمتها، وأفاد الناس بما فيها، وطبق أحكامها، ونشر نصوصها بين الناس.. شرفاً ومكانة ورفعة، وقد سبق ذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "نضر الله امرءاً سمع مني حديثاً فبلغه كما سمعه.." فهو يدعو لمن بلغ حديثه أن يرزقه الله نضارة في وجهه، فكيف بمن دافع عنها، وطبقها في حياته، وعلمها الناس؟! أسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل السنة النبوية الذين تهمهم، ويهمهم أمرها وتصحيحها والسهر على خدمتها، إنه سميع مجيب، هذا وقد ألف حافظ المشرق الخطيب البغدادي–يرحمه الله- كتاباً أسماه"شرف أصحاب الحديث" بين فيه الآثار الواردة في فضل أهل الحديث، كما ألف حافظ المغرب الإمام ابن عبد البر الأندلسي-يرحمه الله- كتابه"جامع بيان العلم وفضله، وما ينبغي في روايته وحمله".

ضوابط القول بالإعجاز

ضوابط القول بالإعجاز الضابط الأول ... ضوابط القول بالإعجاز: لابد للعمل الصحيح أن يكون له ضوابط حتى لا يخرج عن المسار الصحيح الذي يسير فيه، أو الذي يجب أن يسير فيه، وبخاصة إذا كان الأمر متعلقاً بأصول الشريعة الأساسية، وبالأخص الإعجاز الذي نحن بصدده، فإنه حكم على كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بما يكتشفه أهل العلوم المختلفة، ولهذا كان من الواجب وضع قيود دقيقة تضبط القول بالإعجاز حتى لا يكون هناك شطط، ولا تعد في القول بالإعجاز، وإليكم ذكر الضوابط التي رأيت أن تكون نصب عيني الباحث عند تناول مسائل الإعجاز في الكتاب والسنة (1) : الضابط الأول: أرى أن الضابط الأول للإعجاز يسير مع الوجه الأول للإعجاز وهو

_ (1) هذا وقد تناول كثير من أهل العلم هذا الموضوع، وذكروا له ضوابط، ولن أتعرض لمناقشة ذلك لأنها في جملتها لا اعتراض عليها، وإنما قمت بتناولها بأسلوب جديد ينسجم مع تناولي لوجوه الإعجاز المستنبطة أصلا من كتاب الله تعالى، وإني سأذكر بعض الكتب التي تناولت ذكر الضوابط، وهي: " إعجاز القرآن الكريم" لفضل عباس، وسناء عباس- و "من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم" لحسن أبو العينين – و" من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم" لزغلول النجار- و"مباحث في إعجاز القرآن" لمصطفى مسلم-و "تأصيل الإعجاز العلمي" لعبد المجيد الزنداني- و"المنظار الهندسي للقرآن الكريم" لخالد فائق العبيدي- و"الإشارات العلمية في القرآن" لكارم السيد غنيم- و " الكون والإعجاز العلمي في القرآن" لمنصور حسب النبي – و"الإعجاز العلمي في القرآن والسنة (تاريخه وضوابطه) " لعبد الله ابن عبد العزيز المصلح – و"كيف نتعامل مع القرآن الكريم" ليوسف القرضاوي- و"رحيق العلم والإيمان" لأحمد فؤاد باشا. وغير أولئك كثير ...

كونه عربي التركيب، عربي المعاني والبيان، فيجب أن يكون القول بالإعجاز ليس فيه تعسف، أو جناية على النص العربي الوارد، بل يجب إجراء النص الوارد على ما تعرفه الأمة العربية وقت نزول القرآن من المفاهيم والمعاني التي تستخدم لها الكلمة العربية الموجودة في النص من الكتاب، أو السنة، فاللغة هي الضابطة للنص، وليس المفهوم الحادث، أو الفهم الذي يخطر للإنسان خارج نطاق اللغة هو الذي ننزل النص عليه.

الضابط الثاني

الضابط الثاني: يسير أيضاً مع الوجه الثاني للإعجاز وهو كونه حقاً، فلما كان القرآن حقاً، وكانت السنة حقاً [وذلك أننا لا يجوز لنا أن نستند في موضوع الإعجاز إلا على حديث صحيح شهد له علماء بذلك، أما الأحاديث الضعيفة، فلا يجوز لنا أن نحتج بها] فلا بد حين مقارنة ما ورد فيهما من نصوص بأمور العلم لا بد أن تكون حقاً أيضاً، فما دام الأمر العلمي لم يزل بين الإثبات والنفي، فلا يجوز مقارنته مع القرآن بأي وجه من الوجوه لأننا نكون قد قارنا حقاً مع ظن، أو وهم.. ويدخل في هذا ما يجب التنبه له، ألا وهو أن الحقيقة المطلقة هي ما عند الله تعالى، أما ما عند الإنسان فإنما هي حقيقة نسبية، ولذلك لا بد أن يكون النص هو الأصل، والحقيقة العلمية هي الفرع الذي يبنى على ذلك الأصل، وبهذا يتبين لنا أنه إذا جاء النص الواضح في نصوص الشريعة فهو الحق حتى لو خالفته النظريات العلمية، ونحن نعتقد أنه لا يوجد نص شرعي يعارض حقيقة علمية، لأن هذا أمر الله، وهذا خلق الله، فلا يمكن أن يتعارض الأمر مع الخلق.

كما يدخل في هذا أيضاً ما يوضع من الضوابط التي تقضي أن المتكلم في الإعجاز ينبغي أن يكون عالماً متثبتاً، وذلك لأن غير العالم لا يعرف الحق من غيره. ويدخل أيضاً في هذه النقطة الإشارة إلى أن القول بالإعجاز يجب أن يتوافر عليه فريق متكامل من أهل العلم بشتى أنواع التخصص حتى يستطيعوا أن يحيطوا بدقائق العلوم التي يحويها النص القرآني، أو النص النبوي. إضافة إلى هذا يجب أن يراعى في جانب تفسير النص القرآني، أو النبوي أن أفضل ما يبين المعنى فيها هو ما جاء فيها حول الموضوع الذي يبحث فيه، فلذا كان على الباحث أن يجمع كافة النصوص الواردة في الموضوع ذاته ليتبين له المعنى الصحيح منه قدر الإمكان. ويدخل في هذا اعتبار ما في النص القرآني أو النبوي من الحقيقة أو المجاز، فيفسر حسب ذلك على ظاهره ما لم يكن في النص قرينة على إرادة المجاز، أو في نصوص أخرى بيان للمعنى المراد، ولهذا ذكرت أنه لا بد من جمع الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الواردة في الموضوع لمعرفة المعنى المراد للشارع.

الضابط الثالث

الضابط الثالث: النظر في سياق الآية وسباقها، فلا يجوز أن نقطع الآية الكريمة عما سبقها، أو عما يأتي بعدها لنبين إعجازاً في جزء منها، اللهم إلا إذا كان بيان الإعجاز في جزء من الآية لا يؤثر في سياق الآية، وسباقها، وذلك مثل قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ} [الحديد: 25] فإن بيان أن الحديد ليس في الأصل من معادن الأرض التي خلقت فيها، لا يؤثر في معنى الآية من قريب أو بعيد.

الضابط الرابع

الضابط الرابع: معرفة الحدود التي يجب أن يقف عندها العقل الإنساني أمام الحقائق المطلقة الواردة في النصوص القرآنية والنبوية، فالعقل الإنساني يجب أن يقف عند حدود علمه الذي رزقه الله إياه، ولا يحاول أن يفهم النص بما لا يعلمه، قال الله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء: 85] فإن فهم النصوص الشرعية المتعلقة بالحقائق الكونية وكل ما اتصل إليه من أبعاد لها فسحة عمر الإنسانية لتصل إلى حقيقتها: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53] فليس من واجبنا، ولا يقع على عاتقنا أن نتبين جميع النصوص العلمية الواردة في الوحي المنزل من عند الله تعالى، وإنما علينا أن نبذل قصارى جهدنا، وما آتانا الله تعالى من علم لفهم النص قلنا به متوكلين على الله جل جلاله لبيان هذا الفهم، والله المستعان. هذا الذي قررته سابقاً من الأمور النظرية في قضايا الإعجاز إنما كانت أمورا ركزت عليها أثناء كتابتي لإعجاز السنة النبوية، فمثلاً لو اتخذنا النواحي الطبية ابتداء من خلق آدم عليه السلام إلى نهاية الهرم، فإنني كنت أقرر ما جاء في السنة النبوية، ثم آتي بما ثبت عند أهل علم الطب من الحقائق حتى إذا لم أجد شيئاً قررت الحقيقة الثابتة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعوت أهل البحث والعلم لدراسة هذا الحديث على ضوء المعطيات العلمية الحديثة، وكنت في كل حديث أورده آتي بجميع الروايات، وأثبتها، وأبين ما فيها حتى يظهر لي

الحق في المراد بالنص الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى سبيل المثال حديث "خلق الله آدم على صورته" جئت بالروايات التي جاءت في هذا الموضوع، وبمجموعها تبين أن المقصود هو أن الله خلق آدم على صورة آدم، والمراد بهذا الحديث الرد على أولئك الذين يزعمون أن آدم-عليه السلام- تطور فوق هذه الأرض في صورته حتى أصبح على هذه الصورة التي استقر عليها الآن، والحديث يقرر أن آدم نزل إلى الأرض وهو على صورته التي هو عليها الآن لم يتغير ولم يتطور كما يزعم الماديون أنصار من يقول بنسبة الإنسان إلى القردة – والعياذ بالله تعالى-، وكذا ما جاء عن طول آدم حين خلقه الله تعالى، فقد جاء في السنة النبوية الصحيحة أنه خلق بطول ستين ذراعاً، فقررت ذلك معرضاً عما يقوله علماء الآثار، والأحياء عن طول الإنسان الذي وجدوه، فما وجدوا في هذه الدنيا من عظام وآثار لا يستطيعون أن يقولوا هي لآدم-عليه السلام- ولا لحواء أمنا، وإنما هو ظن لا أثر فيه من الصحة، فما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طول آدم هو الصحيح الذي لا مرية فيه، وعلى من يدعي غير ذلك أن يبحث حتى يصل إلى حقيقة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم. إضافة إلى أني قارنت بين ما ذكروه عن الديناصورات، وأثبت أن هذه الحيوانات بالنسبة لآدم كانت مثل الحيوانات الحالية بالنسبة للإنسان الحالي وطوله، فهم يقولون إن أطول دِيناصور وجد هو (15) متراً بعنقه الطويل، وذيله الأطول، وهذا بالنسبة للإنسان لا يتعدى طول جاموس أو فيل، بل لعله لا يتعدى طول أسد، أو فهد، والله أعلم وأحكم. هذا وقد سرت في الكتاب كله في موضوعاته كافة على هذه الصورة من

إثبات ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أولاً، ثم ذكر ما جاء موافقاً لما ثبت عن رسول الهدىصلى الله عليه وسلم، لأنه هو الأصل عندنا إذ لا يمكن للإنسان أن يصل إلى حقائق الكون إلا بإقدار الله تعالى له، أما ما أعطيه الرسول الكريم من العلم، وأظهره لنا فإنما هو من تعليم رب العالمين الخالق البارئ، علماً بأن الكتاب قد حوى من الموضوعات الكبيرة، والصغيرة أحياناً- حسب ما هو وارد- (121) واحداً وعشرين، ومائة موضوع، وأرجو أن أكون بهذا قد سرت على المنهج الذي يرضي الله تعالى، ويرضي رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ويرضي أهل العلم، وأهل الإيمان. وفق الله السميعُ العليمُ الجميعَ إلى السداد في الأمر كله، كما أسأل الله أن يوفق كل من ساهم لإنجاح هذه الندوة المباركة إن شاء الله–عز وجل-، وأن يكون من ثمارها اليانعة ما فيه خير للأمة في الدنيا، وفي الأخرى.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... فهرس المراجع (1) الإبانة، ابن بطة. (2) الإشارات العلمية في القرآن الكريم، المستشار مدحت حافظ إبراهيم مكتبة غريب – مصر - 1992م. (3) الإشارات العلمية في القرآن الكريم (بين الدراسة والتطبيق) ، د. كارم السيد غنيم-دار الفكر العربي- القاهرة ط1 (1415هـ/1995م) . (4) إعجاز القرآن، د. السيد محمد الحكيم-مطبعة دار التأليف بالقاهرة ط1/1398هـ. (5) إعجاز القرآن الكريم، أ. د. فضل حسن عباس وسناء فضل عباس. دار الفرقان ط3/ 1420هـ/1999م. (6) الإعجاز الإلهي في خلق الإنسان وتفنيد نظرية داروين، د. محمد نبيل النشواني– دار القلم-دمشق1422هـ/2001م. (7) الإعجاز العلمي في السنة النبوية، د. صالح أحمد رضا- نشر مكتبة العبيكان– الرياض-1423هـ. (8) الإعجاز العلمي في القرآن والسنة"تاريخه وضوابطه"، د. عبد الله بن عبد العزيز المصلح-هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة- رابطة العالم الإسلامي- مكة المكرمة. (9) الإعجاز القرآني "وجوهه.. وأسراره"، د. عبد الغني محمد سعد بركة- مكتبة وهبة-القاهرة (1409هـ/1989م. (10) الإيجاز في آيات الإعجاز، الشيخ محمد أبو اليسر عابدين-ت محمد كريم راجح-دار البشائر–دمشق 1419هـ/1999م.

(11) البحر الزخار في مسند البزار، (292 هـ) تحقيق محفوظ الرحمن زين الله، نشر مؤسسة علوم القرآن، بيروت ومكتبة العلوم والحكم،، المدينة المنورة (1409هـ) . (12) البيان في إعجاز القرآن، د. صلاح عبد الفتاح الخالدي-دار عمار. ط3،1413هـ/2000م. (13) تاج العروس من جواهر القاموس للفيروزابادي محمد بن يعقوب (817 للزبيدي: محمد مرتضى (1205هـ) -القاهرة/1306-1307هـ. (14) تقييد العلم، الخطيب البغدادي (463هـ) ت: د. يوسف العش- دار إحياء السنة النبوية-ط ثانية1974م. (15) ترتيب مسند الشافعي، للسندي: محمد بن عابد (1257) هـ نشر دار الفكر بيروت (1417) هـ. (16) تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني (852 هـ) – دائرة المعارف العثمانية– حيدر آباد الدكن– طبعة أولى (1327 هـ) . (17) توحيد الخالق، عبد المجيد عزيز الزنداني- مكتبة المثنى بغداد. (18) جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله، ابن عبد البر يوسف ابن عبد الله النمري القرطبي (463 هـ) - دار الفكر- بيروت. (19) الجامع لشعب الإيمان، البيهقي: أحمد بن الحسين (458 هـ) . (20) حلية الأولياء، أبو نعيم الأصبهاني: أحمد بن عبد الله بن أحمد المهراني (430هـ) ط: السعادة (1351 هـ) . (21) رحيق العلم والإيمان، د. أحمد فؤاد باشا- دار الفكر العربي1422هـ/2002م. (22) دلائل النبوة، أبو نعيم: الأصبهاني: أحمد بن عبد الله بن أحمد المهراني (430هـ) .

(23) دلائل النبوة، البيهقي (458 هـ) ، المكتبة السلفية (1389هـ) (24) الرسالة، للشافعي محمد بن إدريس (205 هـ) . (25) زاد المسير، ابن الجوزي: أبو الفرج عبد الرحمن (597هـ) نشر المكتب الإسلامي–بيروت. (26) السنن، ابن ماجة: محمد بن يزيد (273 هـ) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ط: عيسى البابي الحلبي. (27) السنن، أبو داود: سليمان بن الأشعث (275 هـ) ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد– إحياء التراث العربي. (28) السنن، الترمذي: محمد بن عيسى بن سورة (279 هـ) تحقيق أحمد شاكر ومحمد فؤاد عبد الباقي– دار الفكر. (29) السنن، الدارقطني: علي بن عمر (385 هـ) - دار الفكر-بيروت. (30) السنن، الدارمي: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن (255 هـ) تحقيق مصطفى البنا، وانظر فتح المنان. (31) السنن الكبرى، البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين ط: دار الفكر– بيروت– لبنان. (32) السنن الكبرى، للنسائي: أحمد بن شعيب (303 هـ) تحقيق عبد الغفار البنداري، وسيد كسروي– نشر دار الكتب العلمية– بيروت، (1411 هـ) . (33) السنن، للنسائي أحمد بن شعيب (303) هـ ط: دار الفكر– بيروت. (34) السنة، ابن أبي عاصم– تحقيق الألباني– ط: المكتب الإسلامي– بيروت. (35) السيرة النبوية، محمد بن هشام ط: الكليات الأزهرية، القاهرة.

(36) شرح السنة، البغوي: الحسين بن مسعود (516 هـ) تحقيق الأرناؤوط، ط: المكتب الإسلامي– بيروت. (37) شرح العقيدة الطحاوية، القاضي ابن أبي العز الحنفي- ت د. عبد الله التركي وشعيب الأرناؤوط. (38) شرح مشكل الآثار، الطحاوي: أحمد بن حمد بن سلامة (321هـ) ت. شعيب الأرناؤوط ط. مؤسسة الرسالة. (39) شرح معاني الآثار، الطحاوي: أحمد بن حمد بن سلامة (321هـ) تحقيق محمد النجار نشر دار الكتب العلمية– بيروت (1399 هـ) . (40) شرف أصحاب الحديث، الخطيب البغدادي (463هـ) ت. محمد سعيد خطيب أوغلي- دار إحياء السنة النبوية-منشورات جامعة أنقرة. (41) الشريعة، الآجري. (42) الصحاح، الجوهري: اسماعيل بن حماد (393 هـ) -ت. أحمد عبد الغفور عطار-ط ثالثة 1402هـ. (43) صحيح البخاري، انظر فتح الباري. (44) صحيح ابن حبان، ابن حبان: محمد بن حبان البستي (375هـ) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان لابن بلبان الفارسي (739 هـ) ، ط: أولى– دار الفكر– بيروت. (45) صحيح ابن خزيمة، أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة (311 هـ) تحقيق محمد بن مصطفى الأعظمي– المكتب الإسلامي– بيروت. (46) صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (261هـ) عناية محمد فؤاد عبد الباقي. (47) صحيفة همام بن منبه، همام بن منبه.

(48) الطبقات الكبرى، محمد بن سعد (230هـ) دار إحياء التراث العربي– بيروت. (49) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر أحمد بن علي العسقلاني (852هـ) ط: الريان– الأولى. (50) فتح المنان شرح وتحقيق كتاب الدارمي أبو محمد عبد الرحمن (255هـ) ، شرح وتحقيق أبو عاصم نبيل بن هاشم العمري-دار البشائر والمكتبة المكية 1419هـ/1999م. (51) الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي (463هـ) . (52) قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله عز وجل، د. عبد الرحمن حبنكة الميداني-دار القلم–دمشق-ط1409هـ (53) القرآن العظيم (هدايته وإعجازه في أقوال المفسرين) ، د. محمد الصادق إبراهيم عرجون ط2/دار القلم دمشق-الدار الشامية بيروت-1410هـ/1989م. (54) كشف الأستار إلى زوائد البزار، الهيثمي: نور الدين علي بن أبي بكر (807هـ) تحقيق عبد الرحمن الأعظمي– مؤسسة الرسالة– بيروت (1399هـ) . (55) الكفاية في علم الرواية، الخطيب البغدادي (463هـ) ط: الهند (1357هـ) . (56) الكون والإعجاز العلمي في القرآن، د. منصور حسب النبي-دار الفكر العربي/مصر ط3/1413هـ/1996م. (57) كيف نتعامل مع القرآن الكريم، د. يوسف القرضاوي-سلسلة كتاب الجيب (3) المكتب الإسلامي القاهرة.

(58) لسان العرب، ابن منظور: محمد بن مكرم الإفريقي- ترتيب يوسف الخياط ونديم مرعشلي، ط. دار لسان العرب– بيروت. (59) مباحث في إعجاز القرآن، د. مصطفى مسلم. ط2دار المسلم–الرياض/1416هـ/1996م. (60) مجلة البحوث الإسلامية، المجلد الأول-العدد الأول-/1395هـ. (61) مجموع الفتاوى، ابن تيمية: أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم الحراني (728هـ) جمع عبد الرحمن بن قاسم وابنه-ط الحكومة السعودية. (62) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، الهيثمي: نور الدين علي بن أبي بكر (708هـ) - ط دار الكتاب العربي بيروت (1402هـ) (63) المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، الرامهرمزي: حسن بن عبد الرحمن (360هـ) ت. د. محمد عجاج الخطيب– دار الفكر–بيروت (1404) هـ. (64) مدخل إلى موقف القرآن الكريم من العلم، د. عماد الدين خليل-مطبعة الزهراء الحديثة-ط2-الموصل العراق 1405هـ/1985م. (65) المدخل، البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين (458) هـ. (66) المستدرك على الصحيحين، الحاكم: أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري (405هـ) ط دار المعرفة– بيروت. (67) المسند، ابن الجعد: أبو الحسن علي بن الجعد الجوهري (230هـ) تحقيق عبد المهدي عبد الهادي– مكتبة الفلاح– الكويت (1405هـ) . (68) المسند، أبو عوانة: يعقوب بن إسحاق الإسفراييني (316) هـ. ط: دار المعرفة– بيروت.

(69) المسند، أبو يعلى: أحمد بن علي التميمي (307هـ) حققه حسين سليم أسد، ط: دار المأمون– بيروت (1404هـ) . (70) المسند، أحمد بن حنبل (241هـ) ط: المكتب الإسلامي. (71) المسند، الحميدي: عبد الله بن الزبير (219هـ) حيدر آباد الدكن– الهند (1321 هـ) . (72) مسند الشهاب، القضاعي: (454هـ) تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي ت مؤسسة الرسالة بيروت (1407هـ) . (73) المسند، الطيالسي: سليمان بن الجارود (204هـ) ط: حيدآباد الدكن– الهند (1321هـ) . (74) المسند، عبد بن حميد أبو محمد (249هـ) تحقيق السيد صبحي السامرائي ومحمود الصعيدي– ط: عالم الكتب بيروت (1408هـ) . (75) المصنف، ابن أبي شيبة: عبد الله بن محمد (235هـ) تعليق سيد اللحام– دار الفكر. (76) المصنف، عبد الرزاق بن همام الصنعاني (211هـ) تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي– المكتب الإسلامي. (77) المعجم الكبير، الطبراني: سليمان بن أحمد (360هـ) تحقيق حمدي السلفي. (78) معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس (395هـ) ت عبد السلام هارون- دار الكتب العلمية إيران. (79) معرفة السنن والآثار، البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين (458هـ) ت د. عبد المعطي قلعجي. (80) المعرفة والتاريخ، للفسوي: تحقيق د. أكرم ضياء العمري (1401هـ)

ط: مؤسسة الرسالة. (81) مفردات غريب القرآن، الراغب الأصفهاني: حسين بن محمد (502هـ) ت محمد السيد الكيلاني– دار المعرفة بيروت. (82) مقدمة الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم: أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم التيمي الحنظلي الرازي (327) -دائرة المعارف العثمانية بالهند. (83) من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، د. زغلول النجار–مكتبة الشروق/1422هـ/2001م. (84) من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، ا. د. حسن أبو العينين- مكتبة العبيكان-الرياض- 1416هـ/1996م. (85) من علم الطب القرآني (الثوابت العلمية في القرآن الكريم) ، د. عدنان الشريف - دار العلم للملايين - بيروت1997م. (86) المنتقى، ابن الجارود: عبد الله بن علي (307هـ) نشر حديث أكاديمي– باكستان، ت عبد الله هاشم (1403 هـ) . (87) المنظار الهندسي للقرآن الكريم، د. مهندس خالد فائق العبيدي-دار المسيرة عمان-1422هـ/2001م. (88) الموطأ، الإمام مالك بن أنس الأصبحي (180هـ) عناية محمد فؤاد عبد الباقي.

§1/1