تجدد المسرات بالقسم بين الزوجات
الشرنبلالي
الرسالة السادسة عشر تجدد المسرات بالقسم بين الزوجات تأليف الفقير حسن الشرنبلالي (1069 هـ) عفا الله عنه بمنه وكرمه آمين تحقيق أبي المنذر مَحْمُود بن مُحمَّدِ بن مُصْطَفَى المِنِياوِي عفا الله تعالى عنه، وعن والديه
[مقدمة المحقق]
بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}. أما بعد، .. فهذا جهد المقل في تحقيق مخطوط " تجدد المسرات بالقسم بين الزوجات " تأليف العلامة حسن الشرنبلالي - رحمه الله -، وهي الرسالة السادسة عشر ضمن سلسلة من رسائله - رحمه الله - وقع الاختيار عليها قدرا عبر المرور السريع على أسماء الرسائل المودعة في مجموعه، والنية منعقدة على إخراج باقي الرسائل التي لم تطبع من هذا المجموع بإذن الله - تعالى -. عملي في المخطوط: 1 - قمت بنسخ المخطوط بمعاونة بعض الإخوة، فجزاهم الله خيرا، وقد وجدت ثلاث نسخ خطية منه، فاعتمدت إحداهما للبدء بنسخها وأشير إليها بالحرف " أ "، وأشرت للثانية بالحرف " ب "، والثالثة بالحرف " ج ". 2 - قارنت الفروق بين النسخ وأثبتها في الحاشية، وإن وجدت اختلافا - وهو قليل جدا - أثبت ما أراه مناسبا للسياق ووضعته بين معكوفتين، وأشير إلي غيره في الحاشية. 3 - قمت بالترجمة لغير المشهورين ممن ورد ذكرهم من العلماء في الرسالة. 4 - قمت بالتعريف بالكتب التي ورد ذكرها في الرسالة. 5 - التعليق على بعض المواضع وهي قليلة. 6 - قمت بتخريج وتحقيق الأحاديث التي ذكرها الماتن قدر الطاقة. 7 - قدمت لها بوصف النسخ الخطية التي عثرت عليها، وتحقيق نسبتها لمؤلفها - رحمه الله -. حول الرسالة: وصف النسخ الخطية: والمخطوط ضمن مخطوطات موقع الأزهر الشريف. وقد وقفت على ثلاث نسخ خطية منه:
الأولى منهما تحمل رقم: 324472، تتكون من سبع ورقات، الأولى والأخيرة وجه واحد، في الأولى اسم الرسالة، وفي الأخيرة نهايتها وخاتمتها، والباقي وجهان في كل وجه (23) سطر، والسطر مكون مما لا يزيد على (10) كلمات. والثانية تحمل رقم: 306209، ومكونة من ست الورقة الأولى وجه واحد فيها اسم الرسالة، والباقي وجهان في كل وجه: (25) سطر في كل سطر ما لا يزيد على عشر كلمات، ما عدا الوجه الأخير وبه نهاية الرسالة وخاتمتها وهو مكون من (15) سطرا. والثالثة وهي ناقصة بها سقط، وقد فهرست خطأ تحت عنوان "بلوغ الأرب لذوى القرب" برقم: 303840، وهي مكونة من ثلاث ورقات في كل ورقة وجهان، وفي الوجه الأول من الورقة الأول خاتمة رسالة أخرى، واسم رسالتنا، والوجه الأخير من الورقة الأخيرة فيه خاتمة الرسالة وهو مكون من 26 سطر، وباقي أوجه ورق الرسالة مكون من (31) سطر وفي كل سطر ما لا يزيد على (12) كلمة. بعض صور المخطوط: صورة غلاف النسخة (أ) صورة الوجه الأول من الصفحة الأولى من النسخة (أ):
صورة الصفحة الأخيرة من النسخة (أ): صورة غلاف النسخة (ب):
صورة الوجه الأول من الصفحة الأولى من النسخة (ب): صورة الصفحة الأخيرة من النسخة (ب): صورة الغلاف من النسخة (ج): صورة الوجه الثاني من الصفحة الأولى من النسخة (ج):
توثيق نسبتها للمؤلف
صورة الوجه الأخير من الصفحة الأخيرة من النسخة (ج): توثيق نسبتها للمؤلف: والرسالة منسوبة للشرنبلالي، وذلك كما هو مدون على طرة جميع نسخها بخط واضح لا طمس فيه، كما نسبها إليه صاحب "إيضاح المكنون" و"هدية العارفين" وغيرهما.
ترجمة المؤلف
ترجمة المؤلف (¬1): هو الشيخ حسن بن عمار بن علي أبو الإخلاص المصري الشرنبلالي الفقيه الحنفي الوفائي والشُرُنْبُلالي نسبة لشبرا بلولة وهذه النسبة على غير قياس والأصل شبرا بلولى نسبة كبلده تجاه منوف العليا بإقليم المنوفية بسواد مصر جاء به والده منها إلى مصر وسنه يقرب من ستة سنين فنشأ بها ودرس في الأزهر وحفظ القرآن. وكان من أعيان الفقهاء وفضلاء عصره من سار ذكره فانتشر أمره وهو أحسن المتأخرين ملكة في الفقه وأعرفهم بنصوصه وقواعده وأنداهم قلما في التحرير والتصنيف وكان المعول عليه في الفتاوي في عصره. قرأ في صباه على الشيخ محمد الحموي والشيخ عبد الرحمن المسيري وتفقه على الإمام عبد الله التحريري والعلامة محمد المحيي وسنده في الفقه عن هذين الإمامين وعن الشيخ الإمام علي بن غانم المقدسي مشهور مستفيض ودرس بجامع الأزهر وتعين بالقاهرة وتقدم عند أرباب الدولة واشتغل عليه خلق كثير وانتفعوا به منهم العلامة أحمد العجمي والسيد السند أحمد الحموى والشيخ شاهين الأرمناوي وغيرهم من المصريين والعلامة إسماعيل النابلسي من الشاميين. قال الحموي: واجتمع به والدي في منصرفه إلى مصر وذكره في رحلته فقال في حقه والشيخ العمدة الحسن الشرنبلالي مصباح الأزهر وكوكبه المنير المتلألي لو رآه صاحب السراج الوهاج لاقتبس من نوره أو صاحب الظهيرة لاختفى عند ظهوره أو ابن الحسن لأحسن الثناء عليه أو أبو يوسف لأجله ولم يأسف على غيره ولم يلتفت إليه عمدة أرباب الخلاف وعدة أصحاب الاختلاف صاحب التحريرات والرسائل التي فاقت أنفع الوسائل، نقال المسائل الدينية وموضح المعضلات اليقينية صاحب خلق حسن وفصاحة ولسن وكان أحسن فقهاء زمانه. وكان معتقدا للصالحين والمجاذيب وله معهم إشارات ووقائع أحوال منها أن بعضهم قال له يا حسن من هذا اليوم لا تشتر لك ولا لأهلك وأولادك كسوة فكانت تأتيه الكسوة الفاخرة ولم يشتر بعدها شيئا من ذلك. قدم المسجد الأقصى في سنة خمس وثلاثين وألف صحبه الأستاذ أبي الإسعاد يوسف بن وفا وكان خصيصا به في حياته. ¬
تصانيفه
تصانيفه: مكثر من التصنيف. من كتبه نور الإيضاح في الفقه، ومراقي الفلاح شرح نور الإيضاح، وشرح منظومة ابن وهبان، وتحفة الأكمل، والتحقيقات القدسية، وتعرف برسائل الشرنبلالي، وعدتها 48 رسالة، والعقد الفريد في التقليد، ومراقي السعادات، وغنية ذوي الإحكام، وحاشية على درر الحكام لملا خسرو. توفي في القاهرة عام 1069 هـ. وكانت وفاته يوم الجمعة بعد صلاة العصر حادي عشرى شهر رمضان سنة تسعة وستين وألف عن نحو خمس وسبعين سنة ودفن بتربة المجاورين. [تجدد المسرات بالقسم بين الزوجات] [ق 199/أ] بسم الله الرحمن الرحيم وبه [ثقتي] (¬1) الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان وأمره بالعدل والإحسان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المرسل رحمة للعالمين بشيرا القائل: "استوصوا بالنساء خيرا " (¬2) فشمل أمره الشريف من ¬
كان أميرا أو مأمورا، وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته ما تعاقب النهار والليل وتلي قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: 129]. وبعد .. فيقول العبد الحقير حسن الشرنبلالي الحنفي غفر الله له ذنوبه وستر عيوبه: هذه نبذة يسيرة عزيز نقلها، قلّ أن توجد في الكتب المشهورة مسطورة، فإني تتبعت غالب الأسفار، وغصت مقتحما لجة المحيط ومجمع البحار، فاستخرجتها ليس إلا بفتح القدير، وأظهرتها بمنة اللطيف الخبير وسميتها: "تجدد المسرات بالقسم بين الزوجات"، جمعتها جوابا لحادثة هي: "ما قولكم قضى الله تعالى عنكم في رجل متزوج بزوجتين يبيت عند كل واحدة منهما بقدر ما يبيت عند الأخرى، وله جواري ملك يمين يبيت عندهن ما يشاء، ثم يرجع إلى زوجته ويفعل ما فعله أولا، فهل يحرم عليه المبيت عند جواره على هذا الحكم؟ أم كيف الحال؟. فأجبت حامدا لله مانح الصواب (¬1): اللازم على الزوج التسوية بين زوجتيه في البيتوتة والتأنيس في اليوم والليلة دون الجماع ودواعيه قال الكمال بن الهمام (¬2) رحمهم الله [في شرحه على الهداية المسمى بفتح القدير] (¬3): " وليس [ق 199/ب] المراد أن يضبط زمان النهار فبقدر ما عاشر إحداهما يعاشر الأخرى بقدره، بل ذلك في البيتوتة عند الأخرى، وأما في النهار ففي الجملة فاللازم أنه إذا بات عند واحدة ليلة يبيت عند الأخرى كذلك لا [على] (¬4) معنى وجوب أن يبيت عند كل واحدة منهما دائما ¬
فإنه لو ترك المبيت عند الكل بعض الليالي وانفرد لم يمنع من ذلك انتهى يعنى بعد تمام دورهن كما ذكره الكمال رحمة الله عند قوله: ولا حق لهن في القسم حالة السفر وسواء انفرد بنفسه أو كان مع جواره وهذا في القضاء أما في الديانة فقد قال الشيخ الإمام على المقدسي (¬1) في شرحه: أعلم أن ترك جماعهن [مطلقا لا يحل له صرح أصحابنا بأن جماعهن] (¬2) أحيانا واجب ديانة لكن لا يدخل تحت القضاء الإلزام إلا الوطئة الأولى ولم يقدروا فيه مدة ويجب أن لا يبلغ بالترك مدة الإيلاء وهى أربعة أشهر إلا برضاها وطيب نفسها به انتهى. وحيث علمت جواب الحادثة فأزيدك بفضل الله سبحانه علم ما يتعلق بالحكم فيما إذا كان للإنسان زوجة واحدة أو أكثر وله أمهات أولاد وسرارى قال قاضى خان (¬3) - رحمه الله -: لو كان للرجل امرأة واحدة وهو يقوم بالليل ويصوم بالنهار أو يشتغل بصحبة إلا ما تظلمت المرأة إلى القاضي أمره القاضي أن يبيت معها أياما ويفطر لها أحيانا وكان أبو حنيفة رحمه الله أولا يجعل لها يوما وليلة وللزوج [ق 200/أ] ثلاثة أيام ولياليها ثم رجع فقال يؤمر الزوج أن يراعيها فيؤنسها بصحبة أياما وأحيانا من غير أن يكون في ذلك شيء مؤقت. وفى ¬
المنتقى (¬1): إذا تزوج امرأة وله أمهات أولاد وسرارى فقال أكون عندهن وآتيها إذا بدا لي لم يكن له ذلك ويقال له كن عندها في كل أربع يوما وليله وكن في الثلاث البواقي عند من شئت ولو كان عنده امرأتان وله أمهات أولاد وسرارى أقام عن كل واحدة منهما يوما وليلة ويقيم في يومين ليلتين عند من شاء من السرارى ولو كان عنده أربع نسوة أقام عند كل واحدة منهما يوما وليلة ولم يكن عند السراري إلا وقفة شبه المار. انتهى عبارة قاضى خان. وأنت خبير بأن ما في المنتقى ليس إلا على الرواية المرجوع عنها ولم أر من نبه على ذلك، وعلى الرواية المرجوع عنها ما حكاه الشُمُنّي (¬2) عن مختصر الطحاوى (¬3): وإن كان له زوجة واحدة حرة ¬
فطالبته بالواجب من القسم كان عليه أن يقسم لهل يوما وليلة ثم يتصرف في أموره في ثلاثة أيام وثلاث ليال وإن كانت زوجته أمة والمسألة بحالها كان لها من كل سبعة أيام يوم ومن كل سبع ليال ليلة؛ لأن له أن يتزوج عليها بثلاث حرائر فيكون لكل واحدة منهن من القسم يومان وليلتان ولها يوم وليلة. روى "أن امرأة جاءت إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعنده كعب بن ميسور (¬1) فقالت يا أمير المؤمنين إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل [ق 200/ب] وأنا أكره أن أشكوه، فقال عمر - رضي الله عنه -: نعم الرجل زوجك فردت كلامها وعمر - رضي الله عنه – لا يزيدها على ذلك، فقال كعب - رضي الله عنه -: يا أمير المؤمنين إنها تشكو زوجها في هجره فراشها، فقال عمر - رضي الله عنه -: كما فهمت إشارتها فاحكم بينهما، فأرسل إلى زوجها فجاء فقال لها كعب - رضي الله عنه -: ما تقولين فقالت: (¬2) يَا أَيها الْقَاضِي الْحَكِيمُ أرشده ... أَلْهَى خَلِيلِي عَنْ فِرَاشِي مَسْجِدُهْ زَهَّدَهُ فِي مَضْجَعِي تَعَبُّدُهُ ... نَهَارَهُ وَلَيْلَهُ مَا يَرْقُدُهْ ولَسْتُ فِي أمر النِّسَاءِ أَحْمَدُهُ فقال لزوجها ما تقول فقال: زَهَّدَنِي فِي فَرْشِهَا وَفِي الكلل ... أَنِّي امْرُؤٌ أَذْهَلَنِي مَا قَدْ نَزَلْ فِي سُوْرَةِ النَّمْلِ وَفِي السَّبْعِ الطِّوَلْ فقال له كعب: إِنَّ لَهَا عَلَيْكَ حَقًا يَا رَجُلْ ... تُصِيبُهَا فِي أَرْبَعٍ لِمَنْ عَقِلْ فَأَعْطِهَا ذَاكَ وَدَعْ عَنْكَ الْعِلَلْ ¬
فقال عمر رضي الله عنه من أين لك هذا قال: لأن الله تعالى أباح للحر أربع زوجات فلكل واحدة يوم وليلة، فأعجب ذلك عمر - رضي الله عنه - وجعله قاضى البصرة" (¬1) والكلل بكسر الكاف جمع كله بكسرها وتشديد اللام وهى الستر الرقيق يحاط بالبيت يتوقى فيه من البق أي البعوض والطول بضم المهملة جمع طولى أنثى لطول. انتهى عبارة الشمني شارح النقاية (¬2) ومثل ما قدمناه عن فتح القدير قول صاحب الاختيار (¬3): ويؤمر الصائم بالنهار والقائم بالليل أن يبيت معها [ق 201/أ] إذا طلبت وعن أبى حنيفة رحمه الله يجعل لها يوما من أربعة أيام وليس هذا بواجب؛ لأنه يؤدى إلى فوات النوافل أصلا على من له أربع من النساء ولكن يؤمر بإيفاء حقها من نفسه أحيانا ويصوم ويصلى ما أمكنه انتهى. وكذا قال في المحيط: ويؤمر ¬
الصائم بالنهار والقائم بالليل أن يبيت معها إذا طلبت، وعن أبى حنيفة - رحمه الله -: يجعل له يوما من أربعة أيام؛ لأن له أن يتزوج بثلاث سواها فيفوض إلى اختياره إلا أن هذا التوقيت ليس بواجب؛ لأنه يؤدى إلى فوات النوافل على الزوج أصلا متى كان له أربع نسوة وإنما يؤمر بإيفاء حقها من نفسه أحيانا ويصلى ويصوم ما أمكن انتهى. تنبيه: القسم إنما يلزم بتعدد المنكوحات وليس للإمام قسم فلو كان له مستولدات وإماء لا قسم لهن؛ لأنه بالنكاح لكن يندب أن لا يعطلهن ويسوى بينهن في المضاجعة. وفى القاموس القسم: العطاء، والرأي، والشك، والغيث، والماء، والقدر. وهذا ينقسم قسمين: بالفتح إذا أريد المصدر، وبالكسر إذا أريد النصب. أعلم أن الزوج مأمور بالعدل في القسم بين النساء بالكتاب، قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129] الآية أي لن تستطيعوا العدالة والتسوية في المحبة فلا تميلوا في القسمة. وبالسنة لحديث عائشة - رضي الله عنها- أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعدل بين نسائه وكان يقول [ق 201/ب] اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك (¬1) ¬
يعنى زيادة المحبة لبعضهن (¬1)، وحديث أبى هريرة - رضي الله عنه -: (من كان له زوجتان فمال إلى أحدهما في القسم جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل) (¬2) وقال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] قال في البدائع: "أي إن خفتم أن لا تعدلوا في القسم والنفقة في المثنى والثلاث والأربع فواحدة ندب إلى انكاح الواحدة عند خوف ترك العدل في الزيادة وإنما يخاف على ترك الواجب فدل [على] (¬3) أن العدل فيما ذكر واجب". انتهى. قيل ظاهره أنه إذا خاف عدم العدل يستحب ألا يزيد ولا يحرم. انتهى، قلت: مراده بالندب اللغوي فلا مخالفة لقولهم: ترك الحرام واجب. ¬
قال الكمال: "لا نعلم خلافا في أن العدل الواجب في البيتوتة والتأنيس في اليوم والليلة وليس المراد أن يضبط زمان النهار فبقدر ما عاشر احديهما يعاشر الأخرى بقدره، بل ذلك في البيتوتة وأما في النهار ففي الجملة انتهى. كذا قال العلامة الشيخ على المقدسي في شرحه نظم الكنز: "وقال الكمال: القسم بفتح القاف مصدر قسم والمراد التسوية بين المنكوحات، ويسمى العدل أيضا بينهن وحقيقته مطلقا ممتنعة كما أخبر سبحانه حيث قال: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء: 129] الخ وقال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] بعد إحلال الأربع بقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] فاستفدنا أن [ق 202/أ] حل الأربع مقيد بعدم خوف العدل وثبوت المنع عن أكثر من واحدة عند خوفه فعلم إيجابه عند تعددهن وأما قوله صلى الله عليه وسلم استوصوا بالنساء خيرا (¬1) فلا يخص حالة تعددهن ولأنهن رعية الرجل وكل راع مسئول عن رعيته (¬2) وأنه في أمر مبهم يحتاج إلى البيان؛ لأنه أوجبه وصرح بأنه مطلقا لا يستطاع فعلم أن الواجب شيء معين وكذا السنة جاءت مجملة فيه، روى أصحاب السنن الأربعة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول اللهم قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " (¬3)، يعنى القلب أي زيادة المحبة، فظاهره أن ما عداه مما هو داخل تحت ملكه وقدرته يجب التسوية فيه ومنه عدد الوطئات والقبلات التسوية فيهما غير لازمة إجماعا انتهى. وقال الكمال: وكما لا فرق في القسم بين الجديدة والقديمة كذلك لا فرق بين البكر والثيب والمسلمة والكتابية الحرتين والمجنونة التي لا يخاف منها والمريضة والصحيحة والرتقاء والحائض والنفساء والصغيرة التي يمكن وطؤها والمحرمة ¬
والمظاهر منها ومقابلاتهن وكذلك يستوي وجوبه على المجبوب والعنين والمريض والصبي الذي دخل بامرأته ومقابلهم، قال مالك - رحمه الله -: "ويدور ولى الصبي به على نسائه؛ لأن القسم حق العباد وهم من أهله" انتهى. والمطلقة رجعيا [ق 202/ب] أن قصد رجعتها قسم لها لا لناشرة فإذا نشزت يبدؤها بالوعظ ثم بالهجر ثم بالضرب للآية (¬1)؛ لأنها للترتيب بالتوزيع، والهجر قيل: ترك مضاجعتها، وقيل: جماعها، والأظهر: ترك كلامها مع المضاجعة والجماع أن احتاج إليه. ولا يجوز جمعه بين ضرتين أو ضرائر في مسكن واحدا إلا بالرضي ولو اجتمعن يكره أن يطأ واحدة بحضرة أخرى فلو طلبه لم يلزمها الإجابة. وفى دور القسم لا يجامع امرأة في غير يومها ولا يدخل بالليل على من لا قسم لها ولا بأس به في النهار لحاجة ويعودها في مرضها في ليلة غيرها فان ثقل مرضها فلا بأس أن يقيم عندها حتى تشفى أو تموت، ومقدار الدور إلى الزوج؛ لأن المستحق هو التسوية دون طريقها إن شاء يوما أو يومين أو ثلاثا ثلاثا أو أربعا أربعا. أعلم أن هذا الإطلاق لا يمكن اعتباره على صرافته لأنه (¬2) لو أراد أن يدور سنة ما يظن إطلاق ذلك له بل لا ينبغي أن يطلق له مقدار مدة الإيلاء وهو أربعة أشهر. وإذا كان وجوبه للتأنيس ودفع الوحشة وجب أن تعتبر المدد القريبة وأظن أكثر من جمعة مضارة إلا أن يرضيا به والله أعلم ". انتهى كلام الكمال رحمه الله. وقال الشيخ على المقدسي: وهو ظاهر ولكن كتب على نسخته شرح الكنز ملحقا بعد نقل كلام الكمال: وارتضائه ظاهره أنه لم يطلع على قدر عين فيه وفى الخلاصة منع الزيادة على الثلاثة أيام إلا بإذن [ق 203/أ] الأخرى. انتهى. قلت: يعارضه حديث أم سلمه رضي الله عنها: (إن شئت سبعت لك وسبعت لنسائي وإن شئت ثلثت لك ودرت) (¬3) انتهى وفيه دليل على ¬
عدم الزيادة على جمعة فيكون مؤيدا لما ظنه الكمال رحمه الله من أن أكثر من جمعة مضارة إلا أن يرضيا انتهى وقال الكمال: لو ترك القسم بأن أقام عند إحداهن شهرا مثلا أمره القاضي أن يستأنف العدل لا بالقضاة فإن جار بعد ذلك أوجعه عقوبة، كذا قالوا، والذي يقتضيه النظر أن يؤمر بالقضاء إذا طلبت؛ لأنه حق أدمى وله قدرة على إيفائه انتهى وقال العلامة المقدسي رحمه الله: ولو عاد بعد ما نهاه القاضي أوجعه عقوبة؛ لأنه أساء الأدب وأرتكب الحرام فيعذر بالضرب. وفى الجوهرة (¬1): لا بالحبس؛ لأنه لا يستدرك الحق فيه بالحبس؛ لأنه يفوت بمضي الزمان فيستثنى من قولهم: له التعزير بالحبس. انتهى. ولا يسقط القسم المرض فقد استأذن النبي صلى الله عليه وسلم نساءه أن يمرض عند عائشة رضي الله عنها فأذن له (¬2). قلت: مر قريبا أنه لا قسم عليه أي النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] وكان ممن أرجاهن: جورية ¬
وسودة وأم حبيبة وصفية وميمونة، وممن أوى: عائشة والباقيات رضي [ق 203/ب] الله عنهن (¬1). ولو كان لا يقدر على تحوله للأخرى مدة مرضه فكيف يقسم؟ قيل: ينبغي إذا صح قام عند الأخرى بقدره بخلاف ما إذا سافر لا يقضى إذ لا قسم حالة السفر وإن كانت القرعة عند إرادة السفر بواحدة مستحبة فله ترك الكل عند سفره. انتهى. وفى الأشباه والنظائر (¬2): تزوج امرأة أخرى وخاف أن لا يعدل لا يسعه ذلك وأن علم أنه يعدل بينهما في القسم والنفقة وجعل لكل واحدة مسكنا على حدة جاز له أن يفعل فان لم يفعل أي لم يتزوج عليها فهو مأجور لترك الغم عليها انتهى. تتمة: من أحكام النكاح: المعاشرة بالمعروف للآية (¬3). قيل: المراد التفضل والإحسان إليها قولا وفعلا وخلقا، وقيل: أن يعمل معها كما يحب أن يعمل مع نفسه وله جبرها على غسل الحيض والجنابة والنفاس إلا أن تكون ذمية، وعلى التطيب والاستحداد ومنعها مما يتأذى برائحته حتى الحناء المخضب إن تأذى به ومن الغَزْل ويضربها بترك الزينة إن أراد، وبترك إجابته إن أراد جماعها طاهرة وترك الصلاة والخروج من المنزل بلا إذنه بعد إيفاء مهرها وإذا كانت لا تصلى له أن يطلقها وإن لم يقدر على إيفاء مهرها فلأن يلقى الله ومهرها معلق في عنقه خير له من أن يطأ امرأة لا تصلى. ¬
وحق الزوج على الزوجة أن تطيعه في كل مباح (¬1) [ق 204/] يأمرها به ولو كان أبوها زمنا ليس له من يقوم عليه غير البنت فعليها أن تعصى الزوج في المنع عنه ولو كان كافرا؛ لأن القيام عليه فرض في هذه الحالة. امرأة معتدة أو منكوحة أبت أن تطبخ أو تخبز إن كان بها علة لا تقدر على الطبخ أو الخبز أو كانت من الأشراف فعلى الزوج أن يأتيها بمن تطبخ وتخبز؛ لأنها غير متعنتة فأما إن كانت تقدر وهى ممن يخدم نفسها تجبر؛ لأنها متعنتة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الخدمة التي داخل البيت على المرأة والتي خارج البيت على الزوج هكذا قضى بين على وفاطمة. انتهى تأليفا في شهر جمادى الأول سنة ثلاث وأربعين وألف. غفر الله لمؤلفها ولوالديه ولمشايخه ولمسودها بعد وصحبيهما والمسلمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم وعلى سائر الأنبياء والمرسلين [والصحابة والتابعين بإحسان إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين] (¬2) أجمعين آمين. ¬