تبييض الصحيفة بأصول الأحاديث الضعيفة

محمد عمرو بن عبد اللطيف

مقدمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الناشر إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ , وَمَنْ يُضْلِلْ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. وبعد، ، ، فهذا كتاب "تبيض الصحيفة بأصول الأحاديث الضعيفة" للأخ الشيخ - محمد عمرو عبد اللطيف - والذي تفضل - جزاه الله خيرا - بإسناد نشره إلينا. ننشره في مكتبتنا "التوعية الإِسلامية" سائلين الله عَزَّ وَجَلَّ أن يجعلنا جميعا ممن يدفعون عن الدين صنع الوضاعين، وانتحال المفترين، وتأويل المنحرفين، حتي تشرق شموس صحاح الأخبار، وتنبعث أشعة الحق في جميع الأقطار، فيعم الخير الَّذي ننشده، ويزهق الباطل الَّذي نأباه ونرفضه. آملين من العلماء وطلاب العلم والحق اعلامنا بما يبدو لهم - مما يعتري البشر - من الهنّات والزلات أو ما يرونه من الفوائد والتعليقات والإِرشادات - ونعدهم بارفاق ما يرسل منهم من الخير ضمن طبعات الكتاب القادمة، حتَّى يكون التعاون المنشود بعيدا عن اتباع الأهواء، وتحكيم الآراء. وسننشر الكتاب بعون الله تعالي تباعا كلما أُنجر جزءٌ، نشرناه. ونسأل الله بأسمائه الحسني وصفاته العلي أن يثبتنا علي الحق بالحق وللحق. الصابر بالله بن صابر البناوي الأثري عماد بن صابر المرسي

مقدمة

مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ. وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}. أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. فإن تصانيف أهل العلم في الأحاديث الضعيفة أو الواهيات أو الموضوعة، أو المشهورة على الألسنة - على عمومها - كثيرة ومتعددة

المناهج، فمنها المطول والمختصر، ومنها ما يحرص صاحبه على سوق الأسانيد، ومن يحرص على حذفها. ومنها ما يتعرض صاحبه لأصل حديث ما لم يثبت، ويرده إلى قائله الَّذي ثبت عنه هذا الكلام موقوفًا عليه. أو آخر جعل جُلَّ همه أن يضعف نسبة الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون اهتمام برده إلى أصله بل منها من ينسب صاحبه الحديث إلى صحابي أو تابعي دون كان مدى ثبوته عنه، وهو لا يثبت. أو يكون ثابتا عن صحابي أو تابعي آخر ولم يقع لى تصنيف يلتزم بالغرض المتقدم ذكره سوى كتاب واحد، وهو: [الوقوف على الموقوف] للإِمام أبى حفص عمر بن بدر الموصلى رحمه الله (ت 624). لكنه لم يستوعب فيه كل الأحاديث غير الثابتة التي لها أصل موقوف، ولاجُلها، إذ غاية ما فيه واحد وخمسون ومائة (151) حديثًا فقط. ومع ذلك فقد سلك فيه مسلك الاختصار الشديد، إذ لم يُطِل ببيان الحديث الأصلى ولا أصله تخريجًا وجرحا وتعديلا، بل يكتفى بقوله - على سبيل المثال -: (قال ابن الجوزى: هذا حديث باطل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنما يروى هذا عن سفيان ... ) أو (قال الدارقطني: روى عن أبى الدرداء موقوفًا، وهو المحفوظ) (*). ولا شك أن هذا المنهج لا يقنع طالب الحديث المولع بالنظر في الطرق والأسانيد، ولا يشبع نهمته، ولا يروى غليله، ولا يعطيه الأمثلة العملية لفن التخرج والرجال والعلل. ولولا ما في حاشية الكتاب من الفوائد والتعليقات - جزى الله ساطرها - لكاد يكون عديم الجدوى ¬

_ (*) يعنى حديث "إنما العلم بالتعلم؛ وإنما الحلم بالتحلم" والرواية الموقوفة من طريق رجاء ابن حيوة عن أبي الدرداء. وهذا إسناد منقطع, وإنما ثبت عن ابن مسعود موقوفًا: "إن أحدًا لا يولد عالمًا، وإنما العلم بالتعلم". وهذا المثال يثبت ما قدمت في أول الكلام.

في معرفة مواطن الأحاديث والآثار الواردة فيه. على أن فكرة (أصول الأحاديث الضعيفة) لم يكن منشؤها كتاب ابن بدر الموصلى قط، بل كنت قد هممت بإدراج بعضها في عمل آخر يشتمل على جملة من الفوائد الحديثية والأقوال المأثورة والأدعية والمواعظ والأحكام المتناثرة - حَسْب ما يفتح به الله عَزَّ وَجَلَّ - لكننى تراجعت عن ذلك، وآثرت إفراد هذه الفكرة في تصنيف مستقل مع إصداره في أقسام لأنَّ استيعاب جميع هذه الأحاديث ذات الأصول أمر يشبه المحال مع ما يقتضيه من المشقة الشديدة والبحث الدؤوب المتواصل. وجعلت شرطى في هذا الكتاب أن يصح السند إلى القائل الحقيقى للحديث غير الصحيح (سواء أكان ضعيفًا أو واهيًا أو موضوعًا أو لم يوقف له على أصل ألبتة)، وقد أتجاوز عن هذا الشرط في بعض المواطن لاعتبارات معينة كأن يحتمل وجود متابع أو شاهد للسند الَّذي أوردت الموقوف من طريقه، أو لجزم بعض أهل العلم بأنه الأشبه، أو لاكتشاف مطعن في إسناده بعد الفراغ من تخريج طرقه المرفوعة وبيان ما فيها، فلم أشأ حذفه بعد ذلك. وكل هذا قليل بل نادر، وهو خلاف الأصل في هذا الكتاب والحقيقة أن هذه الفكرة مشابهة ومكملة - بل ومتداخلة - مع فكرة (البدائل المستحسنة) التي وفقنى الله عَزَّ وَجَلَّ لإِصدار القسم الأول منها (1: 25) إلا أننى لم يكن مقصدى هناك استقصاء صحة نسبة الحديث الضعيف إلى أحد من السلف، ولكن أحيانًا يكون بديله الصحيح ثابتًا بمعناه عن أحدهم كما في حديث: "الأذان سهل سمح ... " فمعناه ثابت عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله - خامس الخلفاء الراشدين - مقطوعًا عليه.

وحديث: "إن الله يحب الصمت عند ثلاث ... " ثبت موقوفًا على الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يحبون ذلك. ولذلك يمكن للخطيب أو المحاضر أن يستفيد من الكتابين على النحو التالى: فإذا كان موضوع الخطبة عن مجاهدة النفس فبعد إيراد الآيات كنحو قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا في اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ} والأحاديث كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "المجاهد من جاهد نفسه في الله عَزَّ وَجَلَّ" و"أفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عَزَّ وَجَلَّ"، فله أن يدعم ذلك بالآثار كالذى ثبت عن إبراهيم بن أبى عبلة - التابعي الجليل - أنَّه قال لمن جاء من الغزو: قد جئتم من الجهاد الأصغر، فما فعلتم في الجهاد الأكبر؟ قالوا: يا أبا إسماعيل، وفي الجهاد الأكبر، قال: جهاد القلب، مع توجيه معناه الوجهة الصحيحة بما لا يتوهم منه الحط من شأن مجاهدة العدو من الكفار والمنافقين. وإذا كان يحاضر في فضيلة التوبة فبعد إيراد الآيات والأحاديث الكثيرة الطيبة، له أن يستشهد بقول الشعبى رحمه الله: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ثم قرأ {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}. فإن كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ يشهد لصحة هذا القول، بل على أفضل منه كقوله تعالى: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ]. ولا حرج على فضل الله عَزَّ وَجَلَّ. هذا لمن أراد أن يستبرئ لدينه ويسلم من الكذب والغلط على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد علمنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن من حدث بكل حديث يسمعه أو يتناهى إلى علمه بوسيلة من الوسائل، فسيقع في الكذب عليه لا محالة، فقال: "كفى بالْمَرء كذبًا أن يحدث

بكل ما سمع" ويبين قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "بئس مطية الرجل: زعموا" إن الَّذي يكثر من الحكايات والروايات التي لا يعلم أصلها ولا صحتها، والتى من شأنها أن يولع بها السامعون وتقع منهم موقع القبول، هو رجل مذموم. وحذَّر صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه وأمته أن ينسبوا إليه غير الحق فقال- وهو على المنبر - "يا أيها الناس، إياكم وكثرة الحديث عنى. من قال عَلىَّ فلا يقولن إلا حقًّا أو صدقًا، فمن قال عَلَيَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار (*) ". ألا فليتق الله رجال ونساء - نحسبهم من أهل الخير والفضل - يستطيع الواحد منهم أن يسوق عشرة أحاديث في نفس واحد، لعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل منها حرفًا واحدًا! مع خوف الفتنة العظيمة عليه فإن عوام السامعين يولعون بالغرائب والعجائب والمبالغات التي لا يصح منها إلا القليل. ولا يشفع لهؤلاء الكرام رغبتهم في الخير، وشدة تأثير كثير من الأحاديث الواهية والموضوعة على نفوس كثير من الناس، ولا الرغبة في كان محاسن هذه الشريعة وسماحتها ولا غير ذلك من الأغراض الشريفة الطيبة فإن الخبيث لا يمحو الخبيث و (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا) وما مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) إلا أحد مبادئ الغرب الكافر، والمفتونين به. ولنا في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ والأحاديث الصحيحة والحسنة وآثار الصحابة والتابعين والسلف الصالح بعامة، ما يشفى الصدور ويَسُدّ الخلة. ¬

_ (*) رواه أحمد (5/ 297) والحاكم (1/ 111) وصححه على شرط مسلم، وإسناده جيد.

وإني مورد في هذا الكتاب الَّذي سميته: [تبييض الصحيفة بأصول الأحاديث الضعيفة] خمسين حديثًا - بمثابة القسم الأول منه - انتخبتها من كتب شتى وتحققت من صحة غالبها عن أحد الصحابة أو التابعين وتابعيهم، وقد يصح بعضها عن غير واحد منهم كحديث: "الحكمة ضالة المؤمن" وحديث: "خير الأمور أوساطها". أما كان حجيتها ومدى صلاحيتها للاحتجاج أو الاستشهاد، فكثيرًا ما أتجاوزه، وأدعه لأهل الشأن والاختصاص وفقًا لما تمليه عليهم القواعد العلمية للاستدلال والاستنباط، وقد أنشط لذلك أحيانا لا سيما إذا كان الموقوف من الأمور التي لا مجال للرأى والاجتهاد فيها. وعسى أن يكون هذا الكتاب خطوة أولى في خدمة آثار السلف الصالح وتمييز صحيحها من سقيمها، حيث لم تلق الآثار من العناية والاهتمام ما لقيته أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلمِ. والله أسأل أن يبارك لى في وقتى وعمرى وعملى وأن يجعله كله صالحًا ولوجهه الكريم خالصا. وأن يرزقني وإخواني العلم النافع والعمل الصالح والحياة الطيبة. وكتبه: محمد عمرو بن عبد اللطيف. القاهرة في: الثامن عشر من شوال 1408 هـ.

1 - الحديث الأول

الحديث الأول: " إذا أحب الله عبدًا ابتلاه ليسمع تضرعه". ضعيف. رُوِى عن أبى هريرة مرفوعا، وعن عبد الله بن مسعود وعمرو بن مرة الجملى موقوفًا. 1 - حديث أبى هريرة: رواه هناد في "الزهد" (405) وابن حبان في "المجروحين" (3/ 122) والديلمي في "مسند الفردوس" (¬1) من طريق يحيى بن عبيد الله عن أبيه عنه به. وإسناده ضعيف جدًا، يحيى هذا قال الحافظ رحمه الله في "التقريب" (7599): "متروك". وأبوه هو عبيد الله بن عبد الله بن موهب، أبو يحيى التيمي المدني، قال الحافظ (4311): "مقبول" أي إنه لين الحديث حيث لم يتابع كما بين الحافظ في مقدمة "التقريب" (ص 74 بتحقيق محمد عوامة). ورواه أيضًا البيهقي في "شعب الإِيمان" كما في "الجامع الصغير" (353). 2 - أثر ابن مسعود، 3 - أثر عمرو بن مرة: رواهما الطبراني في "الأوسط" (2/ 144) أولًا من طريق أبي جابر محمد بن عبد الملك عن شعبة عن عمرو بن مرة قال: "إن مما أنزل الله عَزَّ وَجَلَّ: إن الله ليبتلي العبد وهو يحبه، ليسمع تضرعه" ثم بنفس الإِسناد من طريقه أيضًا عن شعبة عن حماد عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال: "مثله". وكلاهما ضعيف. قال الحافظ الهيثمي رحمه الله في "مجمع الزوائد" (2/ 295): (وفيه محمد ابن عبد الملك، قال أبو حاتم: ليس بالقوى). قلت: (وقد خولف)، فقد رواه ابن أبي الدنيا (ص 23) وعنه التنوخى (1/ 113, 114) ¬

_ (¬1) كما في "تسديد القوس" للحافظ ابن حجر رحمه الله على حاشية "فردوس الأخبار" (1/ 311).

كلاهما في "الفرج بعد الشدة" عن علي بن الجعد قال: أخبرنى شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت أبا وائل يحدث عن كردوس بن عمرو، وكان ممن قرأ الكتب قال: (¬2) [فيما أنزل الله من الكتب]: "إن الله عَزَّ وَجَلَّ يبتلى العبد وهو يحبه ليسمع تضرعه". وإسناده صحيح إلى كردوس (¬3) هذا. وعلي بن الجعد هو الجوهرى البغدادى، ثقة ثبت، من أثبت أصحاب شعبة. ولكن يبدو أن أبا جابر - محمد بن عبد الملك المتقدم ذِكره - كان يضطرب فيه، فقد جاء أيضًا عنه على الصواب كما رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (4/ 180) من طريقه عن شعبة عن عمرو بن مرة عن أبى وائل عن كردوس بنحوه. ورواه - قبلها - من طريق منصور عن شقيق (وهو ابن سلمة أبو وائل) عن كردوس قال: كنت أجد في الإِنجيل إذ كنت أقرأ: "إن الله ليصيب العبد بالأمر يكرهه - وإنه ليحبه - لينظر كيف تضرعه". وإسناده جيد. أما ما حكاه الحافظ المناوى في "فيض القدير" (1/ 246) عن الحافظ العراقى - رحمهما الله - أنَّه - أي حديث الترجمة يتقوى بتعدد طرقه فلم أجده عنه في "تخريج الإِحياء"، وفيه من النظر أنَّه لا يعلم له إلا طريقان تقدمتا، إحداهما واهية، والأخرى مُعَلَّة - صوابها: "أبو وائل عن كردوس" ومرجعها إلى الإسرائيليات المتلقاة من صحف أهل الكتاب، والتى لم نؤمر بتصديقها ولا تكذيبها. نعم، وفى الباب حديثان واهيان - بأطول من هذا اللفظ - وهما: 1 - ما رواه الطبرانى في "الكبير" (8/ 195) من طريق عفير بن معدان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة مرفوعًا: "إن الله عَزَّ وَجَلَّ يقول للملائكة: انطلقوا إلى عبدى فصبوا عليه البلاء صبًا، فيأتونه فيصبون عليه البلاء، فيحمد الله، فيرجعون فيقولون: يا ربنا صببنا عليه البلاء صبًا لما أمرتنا، فيقول: ارجعوا فإنى ¬

_ (¬2) زيادة: في كتاب ابن أبي الدنيا. (¬3) وهو تابعى مخضرم، وهم بعضهم فأورده في "الصحابة". قال ابن معين: مشهور، وذكره ابن حبان في "الثقات".

أحب أن أسمع صوته". وإسناده ضعيف جدًا، عفير هذا واهٍ. قال ابن معين: لا شيء. وقال أبو حاتم: سمعت دحيمًا يقول: عفير بن معدان ليس بشيء، لزم الرواية عن سليم بن عامر. وشبَّهه بجعفر بن الزبير وبشر بن نمير (¬4). وقال أبو حاتم أيضًا: هو ضعيف الحديث، يكثر الرواية عن سليم بن عامر عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمناكير ما لا أصل له، لا يشتغل بروايته. كما في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (7/ 36). والحديث رواه الشجرى في "أماليه" (2/ 282) من طريق الطبرانى به. 2 - وروى ابن أبي الدنيا من طريق بكر بن خنيس عن يزيد الرقاشي عن أَنس- كما قال العراقي (4/ 132) - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أحب الله عبدًا، أو أراد أن يصافيه، صب عليه البلاء صبًا، وثجه عليه ثجا (¬5). فإذا دعا العبد قال: يارباه، قال الله: لبيك عبدى لا تسألنى شيئًا إلا أعطيتك، إما أن أعجله لك، وإما أن أدخره لك"كما في "الترغيب والترهيب" (4/ 526) وجزم الحافظ المنذرى بضعفه، فصدَّره بصيغة التمريض: "ورُوِى". وإسناده واهٍ جدًا، بكر بن خنيس قال الدارقطني وجماعة: متروك. ويزيد الرقاشي متفق على تضعيفه، وتركه النسائي أيضًا وقال شارح الترغيب رحمه الله: "حديث ركيك متهافت". ورواه الديلمى من طريق يزيد الرقاشي عن أَنس (¬6) بأطول منه وفيه: "فإذا دعا العبد قال جبريل: أي رب، اقضِ حاجته. فيقول الله تعالى: دعه، فإني أحب أن أسمع صوته فإذا دعا يقول الله عَزَّ وَجَلَّ: لبيك عبدى ... "الحديث: والحديثان أوردهما الحافظ العراقى (1/ 306) - في تعليقه على حديث الترجمة ¬

_ (¬4) أي وهما متروكان متهمان بالكذب. (¬5) قال شارح الترغيب في قوله: "وثجه عليه ثجا": الثج هو الصب، وهذا التكرار دليل على ضعف الحديث. (¬6) قاله الحافظ في "تسديد القوس" كما في حاشية "الفردوس" (1/ 312).

كأنه لم يستحضره وقتئذ- وقال (وسندهما ضعيف). نعم، الجملة الأُولى من حديث الترجمة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من وجوه -بدون التعليل- أعنى قوله: "ليسمع تضرعه". 1 - فروى الإمام أحمد في "مسنده" (5/ 428) عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا أحب الله قومًا ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع". وإسناده جيد، ومحمود صحابى صغير، وجل روايته عن الصحابة كما في (التقريب) [6517]. فمرسله حجة على الصحيح. 2 - وله شاهد ضعيف رواه الترمذي (2507) وغيره من طريق سعد بن سنان عن أَنس، وزاد في أوله: "إن عظم الجزاء مع عظم الابتلاء". 3 - وروى أحمد في "الزهد" (ص 52) عن وهب بن منبه رحمه الله مرفوعًا مرسلًا: "إن الله عَزَّ وَجَلَّ إذا أحب قوما ابتلاهم". ورجاله ثقات. 4 - وبمعناه ما رواه البخاري (7/ 149) وغيره عن أبي هريرة مرفوعا: "من يرد الله به خيرًا يصب منه" قال الحافظ المنذرى (4/ 526): "أي يوجه إليه مصيبة ويصبه ببلاء". والأحاديث في فضل الابتلاء والصبر عليه كثيرة جدًا تنظر في مثل "الترغيب" و "جامع الأصول" للإِمام ابن الأثير الجزرى رحمه الله. وقد دل كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ على أنَّه يبتلى الأمم التي لم تستجب لدعوة رسله، ويأخذهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون له وينيبون إليه، فقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ

2 - الحديث الثانى

الْعَالَمِينَ} [الأنعام 42: 45]. وقال تعالى: {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا بربهم وما يتضرعون حتَّى إذا فتحنا عليهم بابًا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون}. [المؤمنون 76: 77]. والذي لا ريب فيه أن الرب جل وعلا يحب من سائر العباد أيضًا أن يظهروا له التضرع والاستكانة والذل له والإِخبات إليه تعالى، فالتضرع داخل في جملة أسباب الابتلاء المعروفة من امتحان الله للعباد حتَّى يعلم- تعالى- صدق إيمانهم وصلابة عقيدتهم، ولتكفير ذنوبهم وخطاياهم، ورفع لدرجاتهم ومنزلتهم عنده، ولاستعتابهم فيما بقى من أعمارهم. والله أعلى وأعلم. الحديث الثانى: " إذا أراد الله بعبد خيرًا فقهه في الدين وألهمه رشده". رفعه منكر. رواه البزار (137 - كشف الأستار) - واللفظ له (¬7) - وعبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (ص 161) وعنه الطبرانى). (10/ 242) - بدون آخره - وابن عدى في "الكامل" (1/ 179) وأبو نعيم (4/ 107) من طريق أحمد بن محمد بن أيوب ثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبى وائل عن ابن مسعود مرفوعًا به. وقال البزار: "لا نعلمه يروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه". وقال أبو نعيم: "غريب من حديث الأعمش" تفرد به أبو بكر بن عياش، ¬

_ (¬7) آثرنا لفظ البزار حتَّى لا يتبادر إلى أذهان القراء الكرام أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من يرد الله به خيرًا، يفقهه في الدين" حديث ضعيف, لا يصح فلم نورده بلفظ الآخرين.

واختلف في اسمه فقيل: اسمه كنيته، وقيل: اسمه شعبة". وقال ابن عدى في أول الترجمة - ترجمة أحمد بن محمد بن أيوب - "وحدث عن أبي بكر بن عياش بالمناكر". وقال عقب الحديث: "ولم يحدث به عن ابن عياش غير ابن أيوب". وقال الذهبي في ترجمة ابن أيوب من "الميزان" (1/ 133): " ... وله ما ينكر، فمن ذلك مما ساقه ابن عدى أنَّه روى عن أبي بكر بن عياش ... " فذكر هذا الحديث. وقال الحافظ في "التقريب" (93): "صدوق كانت فيه غفلة، لم يدفع بحجة. قاله أحمد". قلت: وشيخه أبو بكر بن عياش- وإن احتج به البخارى- ففيه مقال أيضًا، قال الحافظ (7985): "ثقة عابد، إلا أنَّه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح". وقد (خالفه) جماعة من الثقات الحفاظ من أصحاب الأعمش فأوقفوه. فرواه أبو خيثمة في "العلم" (57) عن جرير بن عبد الحميد الرازي، والإِمام أحمد في "الزهد" (ص 378) عن سفيان الثورى، ووكيع في "الزهد" (229) وعنه ابن أبي شيبة (13/ 444) ثلاثتهم عن الأعمش فقالوا: "عن أبى سفيان عن عبيد بن عمير الليثي قال: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، ويلهمه رشده فيه". وإسناده جيد. ورواه أبو نعيم (3/ 296) من طريق الإِمام أحمد فقال: "عن وكيع" بدلًا من "ابن مهدى عن الثورى" وقال: "كذا رواه وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا مثله". قلت: هذا يعارض كلام البزار المتقدم، بل كلام أبى نعيم نفسه حيث قال: "تفرد به أبو بكر بن عياش "وقد تقدم أيضًا فلو صح أن وكيعا حدث به مرة كما قال أبو نعيم- وهذا ما لا نعلمه ثابتًا عنه- فالراجح الَّذي رواه غير واحد

3 - الحديث الثالث

عنه رواية الوقف، بمتابعة الثورى وجرير. وقال علامة الشام الشيخ الألبانى حفظه الله في "تخرج العلم": "إسناده موقوفًا على عبيد بن عمير صحيح، وقد رواه البزار والطبرانى من حديث ابن مسعود مرفوعًا بإسناد لا بأس به على ما قاله المنذرى. قلت: ثم تبين لى أن فيه نكارة، وشهد بذلك الذهبي كما شرحت ذلك في "الأحاديث الضعيفة" (5032) اهـ. قلت: وعندى أن منشأ الوهم في روايته عن الأعمش من حديث ابن مسعود مرفوعًا أن الأعمش قد حدَّث به بإسناد آخر موقوفًا على ابن مسعود، وهو ما رواه أبو خيثمة (3) عن جرير، والطبرانى (9/ 164) عن زائدة كلاهما عن الأعمش عن تميم بن سلمة عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين". ورجاله ثقات لكنه منقطع, أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه كما نص عليه غير واحد من الأئمة. لكنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حديث معاوية رضي الله عنه كما في "الصحيحين" وغيرهما. أما زيادة: "ويلهمه رشده" - فهي من قول عبيد بن عمير الليثي رحمه الله، وهو تابعي جليل مجمع على ثقته ومعناها صحيح لا ريب فيه. والله أعلى وأعلم. الحديث الثالث: " أربع من أعطيهن أعطى خير الدنيا والآخرة: قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وبدنًا على البلاء صابرًا، وزوجة لا تبغيه خونا في نفسها ولا ماله". ضعيف. رواه ابن أبي الدنيا في "الشكر" (34) والطبرانى في "الكبير" (11/ 134) وأبو نعيم (3/ 65) من طرق عن محمود بن غيلان المروزي نا المؤمل ابن إسماعيل، نا حماد بن سلمة، نا حميد الطويل، عن طلق بن حبيب، عن ابن

عباس مرفوعًا به. وقال محقق "المعجم الكبير" - حفظه الله - "ورواه في الأوسط 191 مجمع البحرين بنفس السند والمتن، فلا معنى لقول الهيثمي في المجمع 4/ 273: ورجال الأوسط رجال الصحيح. فهو في الكبير بنفس السند. قال المنذرى في الترغيب 3/ 206: رواه الطبرانى بإسناد جيد. وضعَّفه شيخنا في سلسلة الضعيفة 1066 "اهـ. قلت: لأنَّ مداره على مؤمل بن إسماعيل العدوى، وهو صدوق سيئ الحفظ كما في "التقريب" (7029). نعم، وثقه ابن معين وغيره ولكن جرحه جماعة من الأئمة جرحًا مفسرًا، ووصفوه بكثرة الخطأ وسوء الحفظ. وما أحسن قول الإِمام يعقوب بن سفيان الفسوى: "ومؤمل بن إسماعيل سنى شيخ جليل، سمعت سليمان بن حرب يحسن الثناء عليه يقول: كان مشيختنا يعرفون له ويوصون به، إلا أن حديثه لا يشبه حديث أصحابه، حتَّى ربما قال: كان لا يسعه أن يحدث. وقد يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه ويتخففوا من الرواية عنه فإنه منكر يروى المناكير عن ثقات شيوخنا، وهذا أشد، فلو كانت هذه المناكير عن ضعاف لكنا نجعل له عذرًا" كما في "المعرفة" (3/ 52). وقال الإِمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله: "المؤمل إذا انفرد بحديث وجب أن يتوقف ويتثبت فيه لأنَّه كان سيئ الحفظ، كثير الغلط". كما في "التهذيب" (10/ 381). ومن تتبع مخالفاته التي أوردها له ابن أبي حاتم رحمه الله في "علل الحديث" ووقف على أوهامه ومناكيره، علم علم اليقين صحة اتصافه بما قدمنا، ولا جرم قال الإِمام البخاري رحمه الله: "منكر الحديث". وقد تفرد المؤمل برفع هذا الحديث ووصله. قال أبو نُعيم: "غريب من حديث طلق، لم يروه متصلًا مرفوعًا إلا مؤمل عن حماد". قلت: كأنه رحمه الله يشير إشارة خفية إلى وروده من طريق أخرى غير مرفوعة

كما يأتى. والحديث رواه أيضًا الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (283/ 2) من طريق الطبراني، ومن طريق أبى نعيم أيضًا كما في "الصحيحة" (1066) (¬8). وقد وقف له الشيخ الألباني على طريق أخرى لا يُفرح بها - من حديث أَنس - فقال: " ... أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 167) عن هشام بن عبيد الله الرازي: ثنا الربيع بن بدر: ثنا أبو مسعود: حدثني أَنس بن مالك مرفوعًا به. قلت: وهذا إسناد واهٍ جدًا. 1 - هشام بن عبيد الله الرازي فيه ضعف. 2 - الربيع بن بدر، متروك شديد الضعف. 3 - أبو مسعود هذا لم أعرفه" اهـ. كذا قال، وهذا منه عجيب - حفظه الله - فإن تمام كلام أبي نعيم: "أبو مسعود هو سعيد بن إياس الجريرى "اهـ. وهو ثقة كان قد اختلط، ولم أجد له رواية عن أَنس في ترجمة كل منهما من "تهذيب الكمال" للحافظ المزى، فلعله من تخبط الربيع بن أَنس وأمثاله من المتروكين. وبعد، (فالأشبه) أن هذا الكلام موقوف على طلق بن حبيب نفسه، فقد رواه ابن أبي شيبة (13/ 487) عن محمد بن بشر العبدى قال: حدثني عتبة بن قيس عنه قال: "أربع من أوتيهن أوتى خير الدنيا والآخرة: من أوتى لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا، وجسدًا على البلاء صابرًا، وزوجة مؤمنة لا تبغيه في نفسها خونًا". وعتبة ابن قيس هو القراط الكوفي، وهو مستور روى عنه أيضًا ابن عيينة ومسعر، ووثقه ابن حبان (7/ 271) ومع ذلك فالوقف أشبه، والمستور لا يرد حديثه بإطلاق لا سيما في مثل هذه الموقوفات والمقاطيع. وكأنه شُبِّه على مؤمل بن إسماعيل هذا ¬

_ (¬8) وانظر بحث الشيخ حول هذا الحديث فإنه متين جدًّا.

4 - الحديث الرابع

الأثر، فوصله ورفعه عن طلق عن ابن عباس. والله أعلم. نعم، صحت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلبم أحاديث أخرى بغير هذا اللفظ منها حديث ثوبان قال: لما نزلت {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}. قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض أسفاره فقال بعض أصحابه: أنزلت في الذهب والفضة، لو علمنا أي المال خير فنتخذه. فقال: "أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه". رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما، وهو في "فضل المرأة الصالحة" (1) يسَّر الله خروجه. الحديث الرابع: " أربع لا يصبن إلا بعجب: الصمت - وهو أول العبادة - والتواضع، وذكر الله، وقلة الشيء". موضوع. رواه الطبراني (¬9) (1/ 256) وابن حبان في "المجروحين" (2/ 196) وابن عدى (2/ 697) والحاكم (4/ 311) وغيرهم من طريق أبى معاوية الضرير عن العوام بن جويرية عن الحسن عن أَنس مرفوعًا به. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرجاه". فتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: قال ابن حبان في العوام: يروى الموضوعات". وقال في "الميزان" (3/ 303) - بعد إيراد هذا الحديث في ترحمة العوام هذا - "قلت: والعجب أن الحاكم أخرجه في "المستدرك". وقال ابن عدى: "الأصل فيه موقوف من قول أَنس". وقال الحافظ المنذرى في "الترغيب" (3/ 794): " ... ورُوِى عن أَنس موقوفًا عليه، وهو أشبه أخرجه أبو الشيخ في "الثواب" وغيره". ¬

_ (¬9) ولفظه "الصبر" بدلا من "الصمت".

قلت: لم أطلع على سنده في "الثواب" لأنَّه ليس بمتناول الأيدى الآن، ولكن رواه ابن أبي عاصم في "الزهد" (48) وابن أبي الدنيا في "الصمت" (556) من نفس الطريق المتقدمة المحكوم بوضعها - عن أَنس موقوفًا. وروى هناد (1130) من طريق الوصافى عن العوام عن الحسن مرفوعا مرسلًا بعضه، ولفظه: "أول العبادة الصمت". وهذا أوهى مما قبله من وجهين: الأول: أن فيه - مع العوام - عبيد الله بن الوليد الوصافى وهو واهٍ. الثانِى: أنَّه مرسل ومراسيل الحسن من أضعف المراسيل عندهم على الراجح، فإن بعضهم قواها. وقال ابن أبى حاتم في "علل الحديث" (2/ 114): "سألت أبي عن حديث رواه يحيى بن حسان عن أبي معاوية الضرير ... " (فذكره). قال أبي: إنما يروى عن الحسن فقط. وقال بعضهم: الحسن عن أَنس قوله. قلت: وأيضًا لم أقف عليه عن الحسن من قوله إلى الآن، وأما عنه عن أَنس فلم أجده إلا بالسند المتقدم ذكره. وإنما (صح) عن الثورى ووهيب بن خالد - رحمهما الله - أنهما نسباه إلى عيسى بن مريم عليهما السلام بنحوه. 1 - فروى هناد (1131، 594) عن قبيصة عن الثورى قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام: "أربع هن عجب، ولا يحفظن إلا بعجب: الصمت، وهو أول العبادة، وذكر الله على كل حال، والتواضع، وقلة الشيء". وإسناده صحيح. 2 - وروى ابن المبارك في "الزهد" (629) وعنه أبو نعيم (8/ 157) قال: أخبرنا وهيب قال: قال عيسى بن مريم: "أربع لا تجتمع في أحد من الناس إلا بعجر، أو: إلا يعجبه: الصمت، وهو أول العبادة، والتواضع لله، والزهادة في الدنيا، وقلة الشيء". وإسناده صحيح أيضًا. فهذا من الإِسرائيليات التي أذن لنا في التحديث بها - ولا حرج - بغير تصديق ولا تكذيب. والله أعلى وأعلم.

5 - الحديث الخامس

الحديث الخامس: " ارحموا عزيز قوم ذل، وغنى قوم افتقر، وعالمًا بين جهال". منكر. رُوِى من حديث أَنس - من طريقين عنه - وابن عباس وابن مسعود - وبلفظ آخر - عن أبي هريرة. 1 - حديث أَنس: من الطريق الأُولى: رواه ابن حبان في "المجروحين" (2/ 118) وعنه ابن الجوزى في "الموضوعات" (1/ 237) من طريق يوسف بن هاشم أبي الميمون قال: حدثنا يزيد بن أبي الزرقاء الموصلى قال: حدثنا عيسى بن طهمان عنه به، بلفظ: "ارحموا من الناس ثلاثة ... "الحديث. ورواه العسكرى في "الأمثال" والسليماني في "الضعفاء" من حديث زيد (لا يزيد) بن أبي الزرقاء كما في "المقاصد" (ص 49) ولعله الصواب. لقول الآجرى: "سألت أبا داود عن عيسى بن طهمان فقال: لا بأس به". قلت: بصرى؟ قال: قال لي ابن أبي الزرقاء سمع منه أبي بالكوفة، فقال أبو داود: أحاديثه مستقيمة" كما في "تاريخ بغداد" (11/ 143). وابن أبي الزرقاء الَّذي يروى عنه أبو داود هو هارون بن زيد بن أبي الزرقاء كما في "التهذيب" (11/ 5). وقال ابن حبان - في ترحمة عيسى بن طهمان الكوفي، أبي ليث - "ينفرد بالمناكير عن أَنس ويأتى عنه بما لا يشبه حديثه، كأنه كان يدلس عن أبان بن أبي عياش ويزيد الرقاشي عنه، لا يجوز الاحتجاج بخبره، وإن اعتبر بما وافق الثقات من حديثه فلا ضير. وهو الَّذي روى عن أَنس بن مالك .. "فذكر الحديث. وقال السليماني: "الحمل فيه على عيسى بن طهمان". وقال ابن طاهر في "معرفة التذكرة" (102): "فيه أبو البخترى وهب بن

وهب - يعنى في حديث ابن عباس الآتى - وهو كذاب، وعيسى بن طهمان متروك". وقال ابن الجوزى: "موضوع" حتَّى قال "وعيسى ينفرد بالمناكير عن المشاهير، لا يحتج به". وقال العراقى (4/ 28): "وعيسى ضعيف". كذا قالوا وعيسى بن طهمان ثقة وثقه جميع الأئمة - إلا ابن حبان - وهم: أحمد وابن معين والنسائي وأبو حاتم والفسوى وأبو داود والدارقطني والحاكم (¬10) نعم، أورده العقيلي في "الضعفاء" (3/ 385) ولكنه جعل الحمل في الأحاديث التي لم يتابع عليها على الراوى عنه- خالد بن عبد الرحمن الخراساني - فقال: "ولعله أُتى من قبل خالد لأنَّ أبا نعيم وخلادًا يحدثان عنه أحاديث مقاربة". قال الحافظ في "هدى السارى" (ص 434) (¬11): "وهو كما ظن العقيلي. وأما ابن حبان فأفحش القول فيه في "كتاب الضعفاء" فقال: فذكر كلامه حتَّى قال: "ثم لم يسق له إلا حديثا واحدًا والآفة فيه ممن دونه" وقال (ص 463) "ضعفه ابن حبان بلا مستند، والحمل على غيره". وقال في "التقريب" (5301) "صدوق أفرط فيه ابن حبان، والذنب فيما استنكره من حديثه لغيره". قلت: الذنب في هذا الإِسناد، والبلاء فيه من يوسف بن هاشم أبى الميمون - شيخ شيخ ابن حبان - فإن تعبت عليه فلم أجده ولا حتَّى في "ثقات ابن حبان". والظاهر أن الحافظ يعنيه، فإن رجال الإِسناد كلهم ثقات غيره. ¬

_ (¬10) الطريف أن الحاكم - وهو أقل هؤلاء تشددًا - قال "صدوق" كما في "التهذيب" (8/ 193) كأنه تبع شيخه الإِمام الدارقطني في ذلك كما في "سؤالاته له" (438) لكن في "التهذيب" أن الحاكم قال عن الدارقطني: ثقة. (¬11) أورده الحافظ باعتبار أن له حديثين في "صحيح البخاري" فانظر بيانهما عنده.

والحديث - من الطريق الثانية - رواه ابن الجوزى (1/ 236) من جهة الخطيب البغدادى بسنده إلى محمد بن مقاتل الرازي عن أبي العباس جعفر بن هارون عن سمعان بن المهدى عن أَنس بلفظ: "وفقيهًا يتلاعب به الجهال". وجعفر بن هارون قال الذهبى (1/ 420): "أتى بخبر موضوع" وقال في ترجمة سمعان بن المهدى (2/ 234): "حيوان لا يعرف، أُلصقت به نسخة مكذوبة رأيتها، قبَّح الله من وضعها" زاد الحافظ في "اللسان" (3/ 114): "وهي من رواية محمد بن مقاتل الرازي عن جعفر بن هارون الواسطي عن سمعان "فذكر النسخة، وهي أكثر من ثلاث مائة حديث أكثر متونها موضوعة". 2 - حديث ابن عباس: رواه ابن حبان (3/ 74) وعنه ابن الجوزى من طريق وهب بن وهب أبي البخترى القاضي عن ابن جرج عن عطاء عنه به، بلفظ "وعالمًا يتلاعب به الصبيان". ووهب هذا أحد الوضَّاعين المشهورين. 3 - حديث ابن مسعود: رواه القضاعى (734) من طريق عبد الله بن الوليد العدنى، ثنا سفيان الثورى، عن منصور، عن مجاهد عنه به ولفظه: "ارحموا ثلاثة: غنى قوم افتقر، وعزيزًا ذل، وعالمًا يلعب به الحمقى والجهال". وفى هذا الإِسناد مجاهيل وانقطاع. قال الشيخ السلفى حفظه الله - محقق "مسند الشهاب" - "قال في "فتح الوهاب" (2/ 11): وفيه جماعة لم أعرفهم، ورواية مجاهد عن ابن مسعود قال أبو زرعة: فيه إرسال ... ". وأعله السخاوى بالعلة الثانية وحدها ثم استدركت بأن شيخ القضاعي - محمد بن منصور التسترى - قال أبو إسحاق الحبال الحافظ: كذاب" فانظر "الميزان" (4/ 48) و"لسانه" (5/ 395، 396). 4 - وأما حديث أبى هريرة فرواه الديلمى. قاله الشيخ الغمارى في حاشية "المقاصد". ولم أجده في "فردوس الأخبار" بلفظ حديث الترجمة. وقد تعقب الحافظ السيوطي رحمه الله دعوى ابن الجوزى وضع الحديث بأمر

عجيب فقال في "اللآلئ المصنوعة" (2/ 211): "قلت: قال الديلمى: أنبأنا أبو علي الحداد أنبأنا أبو نعيم حدثنا محمد بن عمر بن سليم حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن سعيد القارى الرازي حدثنا أبى حدثنا أبو الأزهر الخطيب بن عفان حدثنا إسماعيل بن علية عن أيوب عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعًا: "بكت السموات السبع ومن فيهن ومن عليهن، والأرضون السبع ومن فيهن ومن عليهن لعزيز ذل، وغنى افتقر، وعالم تلعب به الجهال" (¬12) والله أعلم اهـ. وهذا إسناد مظلم، كل من بَيْن أبي نعيم وابن علية لم أجد لهم ترجمة، والحسن مدلس وقد عنعنه، ولم يسمع من أبى هريرة إلا أحرفا يسيرة - على الأصحّ (¬13) - ومع ذلك فما أبعد الشاهد عن المشهود له، وبين الأمر برحمة هؤلاء الثلاثة، والإِخبار عن بكاء السموات والأرضين وأهلهن عليهم. والظاهر أن السخاوى والغمارى يعنيان هذا الحديث. (وبَعْد) فإن حديث الترجمة إنما يعرف من قول الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى كما قال ابن الجوزى ثم روى بسنده إلى الحاكم قال: سمعت إسماعيل بن محمد ابن الفضل يقول: سمعت جدى يقول: سمعت سعيد بن منصور يقول: قال الفضيل ابن عياض: "ارحموا عزيز قوم ذل، وغنيا افتقر، وعالمًا بين الجهال". ورواه البيهقي في "المدخل" (699) عن الحاكم به. وقال: "وَرُوِى هذا مرفوعًا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أوجه كلها ضعيفة". قلت: ومع ذلك ففي شيخ الحاكم مقال، قال الذهبي في "الميزان" (1/ 247, 248): "قال الحاكم: ارتبت في لقيه بعض الشيوخ، ثم قال: حدثنا إسماعيل، حدثنا جدى، حدثنا عبيد الله العيشى، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أَنس، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "طلب العلم فريضة ¬

_ (¬12) الحديث في "الفردوس" (2/ 15) وقال الحافظ: "أسنده عن أبى هريرة". (¬13) وهو الحق الَّذي يشهد له الدليل العملى، رغم تتابع كثيرين من معاصرى الحسن فمن بعدهم على نفى سماعه مطلقًا من أبي هريرة رضي الله عنه.

6 - الحديث السادس

على كل مسلم". غريب فرد" اهـ. قلت: ورجاله كلهم ثقات سواه، فالحمل فيه عليه إذ أن هذا المتن لا يُحتمل صدوره بهذا الإِسناد الصحيح، أو إنه وهم، ودخل عليه حديث في حديث، فالله أعلم به، وهو حَسيبه. ثم إننى أثناء تبييض الكتاب للمرة الثانية تذكرت حديثا عجيبًا مَرَّ عَلَيَّ أثناء تقليب "فردوس الأخبار" (¬14) للديلمى - الأب - وهو ما رواه الخطيب في "تاريخه" (13/ 322, 323) عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ارحموا حاجة الغنى". قال: فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، وما حاجة الغنى؟ فقال: "الرجل الموسر يحتاج صدقة، الدرهم عليه عند الله بمنزلة سبعين ألفا". وقال: "هذا غريب جدًا من حديث الأعمش عن أبى وائل عن عبد الله، ومن حديث الثورى عن الأعمش، لا أعلم رواه غير محمد بن يحيى الطوسى عن الفريابى" اهـ. والطوسى هذا لم أقف له على ترجمة. وفيه أيضًا: نافع بن علي بن يحيى أبو عبد الله السروى الفقيه، أورده الخطب في ترجمته وقال: "حدثنا عنه العتيقى" ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا وسماه أبو الفضل المقدسي "نافع بن علي بن بحر بن عمرو بن حازم" وقال: "روى عنه أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد العتيقي، والطبقة، وتوفى قبل الأربعمائة" كما في "الأنساب" (7/ 77). الحديث السادس: " استعينوا على النساء بالعُرْى". ضعيف جدًا. رواه ابن عدى (1/ 307) - هكذا - وعزاه السيوطي في ¬

_ (¬14) 1/ 115 وقال الحافظ: "أسنده عن ابن مسعود" ودلنا على رواية الخطيب محققا "الفردوس" جزاهما الله خيرًا و"من لا يشكر الناس لا يشكر الله".

"الجامع" (988) إليه بزيادة: "فإن إحداهن إذا كثرت ثيابها، وأحسنت زينتها، أعجبها الخروج". وهو عنده من طريق إسماعيل بن عباد المزني ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أَنس (¬15) به. قال: "وهذا الحديث - بهذا الإِسناد - منكر لا يرويه عن سعيد غير إسماعيل هذا، ولإِسماعيل عن سعيد غير ما ذكرت من الحديث، مما يتفرد به عنه، وإسماعيل ليس بذلك المعروف". قلت: بل هو واهٍ، فقد قال الدارقطني في "الضعفاء" (82): "متروك". وقال ابن حبان (1/ 123): "يروى عن سعيد بن أبى عروبة ما لا يتابع عليه من الروايات، ويقلب الأخبار التي رواها الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به بحال" ثم ذكر له بالإِسناد المتقدم عدة أحاديث وقال: "أخبرنا الحسن بن سفيان بهذه الأحاديث كلها ثنا زكريا بن يحيى الرقاشي المقري قال: ثنا إسماعيل بن عباد ثنا سعيد عن قتادة عن أَنس بن مالك في نسخة كتبناها عنه لا تخلو من المقلوب أو الموضوع". ولذلك ذكره ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1/ 39) - في عداد الكذابين والوضاعين. والحديث رواه الطبرانى في "الأوسط" كما أورده الهيثمي (5/ 138) - باللفظة المختصرة - وقال: " ... عن شيخه موسى بن زكريا، وهو ضعيف". قلت: قال الدارقطني: "متروك" كما في "سؤالات الحاكم للدارقطني" (227). وله لفظ آخر عن أَنس أيضًا رواه ابن عدى (4/ 1639) عن شيخه محمد ابن داود بن دينار عن أحمد بن إسحاق بن يونس عن سعدان بن عبدة القداحى عن عبيد الله بن عبد الله العتكي البصري عنه وقال: "هذه الأحاديث - يعنى ¬

_ (¬15) ووجدته في "فردوس الأخبار" (5/ 168) عن أبى سعيد بلفظ "لا تعلموا النساء الكتابة، ولا تسكنوهن الغرف، واستعينوا عليهن بالعرى". ولم أرى من تكلم عليه. ولا أدرى أسنده أبو منصور الديلمي أم لا والفقرة الأُولى والثانية منه وردت بأسانيد واهية جدًا.

هذا وغيره - مناكير كلها، وسعدان بن عبدة القداحي غير معروف، وأحمد بن إسحاق بن يونس لا يعرف أيضًا، وشيخنا محمد بن داود بن دينار كان يكذب، وقد روى النضر بن شميل عن عبيد الله، عن أَنس أحاديث - إن شاء الله - مستقيمة". وقال الذهبي (3/ 10): "لعل هذه الأحاديث من وضع محمد بن داود، ولا يدرى من شيخه ولا من شيخ شيخه" فتعقبه الحافظ في "اللسان" (106/ 4) بأن هذا من جملة كلام ابن عدى، ثم ساق كلامه. وفى الباب أيضًا: ما رواه الطبراني (19/ 438) وابن جميع في "معجم الشيوخ" (ص 105) والقضاعي (689) عن مسلمة بن مخلد مرفوعًا: "أعروا النساء يلزمن الحجال" وهو ضعيف. قال الهيثمي (5/ 138): "رواه الطبرانى في "الكبير" و"الأوسط"، وفيه مجمع بن كعب، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات". قلت: ترجمه ابن أبي حاتم (8/ 296) برواية جعفر بن ربيعة وحده عنه، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. وقال البخاري في "التاريخ الكبير" (7/ 410): "مجمع بن كعب عن مسلمة ابن مخلد - فِعْله، قاله عمرو بن الحارث عن جعفر بن ربيعة، وذكره ابن حبان في "الثقات" (5/ 438). ففي الإِسناد أيضًا انقطاع، فإن مداره على بكر بن سهل الدمياطى عن شعيب بن يحيى عن يحيى بن أيوب عن عمرو بن الحارث عن مجمع به. فإن عَمْرًا يروى عن جعفر بن ربيعة عنه. وبكر بن سهل فيه كلام كثير، وقد استنكر عليه هذا الحديث خاصَّةً. قال الحافظ في "اللسان" (2/ 52): "وقال مسلمة بن قاسم: تكلم الناس فيه ووضعوه من أجل الحديث الَّذي حَدَّث به عن شعيب بن يحيى (¬16) عن يحيى بن ¬

_ (¬16) في "اللسان" "عن سعيد بن كثير" وهو تحريف ظاهر. والصواب أيضًا إثبات عمرو ابن الحارث بين يحيى ومجمع.

أيوب عن مجمع بن كعب عن مسلمة بن مخلد رفعه: "أعروا النساء يلزمن الحجال" ووقع وهم عجيب لمحقق "مسند الشهاب" حفظه الله فقال: "وأورده ابن الجوزى في "الموضوعات" (2/ 282)، وقال (2/ 283): قال أبو حاتم: شعيب بن يحيى ليس بمعروف. وقال إبراهيم الحربي: ليس لهذا الحديث أصل". قلت: شعيب صدوق كما قال الحافظ، وبكر بن سهل - وإن تكلم فيه - فلم ينفرد به كما قال الحافظ في ترجمته من "اللسان". والصواب ما أعله ابن الحافظ الهيثمي .. "الخ. قلت: ليس هذا هو الحديث الَّذي يعنيه الحافظ، بل حديثه من طريق حفص ابن ميسرة عن زيد بن أسلم عن أَنس مرفوعًا: "ما من معمر عمر في الإِسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه الجنون والجذام والبرص ... " الحديث، فإن الحافظ قال: "قلت: والحديث الَّذي أورده المصنف (¬17) لم ينفرد به، بل رواه أبو بكر المقرى في "فوائده" عن أبي عروبة الحسين بن محمد الحراني عن مخلد بن مالك الحرانى عن الصنعاني - وهو حفص بن ميسرة - به. أملاه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في المجلس التاسع والسبعين من أماليه وقال: إنه حديث حسن وأما حديث مسلمة فأخرجه الطبراني عنه" اهـ. ولم يزد على ذلك بشأن حديث مسلمة. وقد وقع في نفس الوهم محقق "الكشف الإلهى عن شديد الضعف والوضوع والواهى. للعلامة السندروسى (1/ 102, 103)، ثم تبين لى أن سلفهما في ذلك هو الحافظ المناوى رحمه الله، قال ذلك في " فيض القدير" (1/ 560) فأخذا كلامه ولم يرجعا إلى الأصل، فقارنه بما تقدم عن "اللسان" وانظر كذلك "القول المسدد" (ص 27، 26) توقن أن الحافظ لم يعنِ حديث مسلمة بن مخلد قَطّ. وبعد، فإن (الصحيح) في حديث الترجمة أنَّه من كلام عمر بن الخطاب ¬

_ (¬17) يعنى الحافظ الذهبي، وحديث "أعروا النساء" لم يورده الذهبي، بل زاده الحافظ فتأمل.

رضي الله عنه، رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (4/ 420) من طريق أبى إسحاق السبيعى عن حارثة بن مضرب قال: قال عمر ... فذكره بلفظه - بالزيادة - سواء. ورواه أيضًا المخلص في "فوائده" عن عمر كما في "الجامع الكبير" (ج 1/ عدد 8 ص 963). والمراد بقوله: "استعينوا على النساء بالعرى": عدم التوسعة عليهن في اللباس والاقتصار على ما يقيهن الحر والبرد على الوجه اللائق كما قال المناوى رحمه الله (1/ 494) وقال (1/ 559) - في حديث "أعروا النساء يلزمن الحجال": "أي جردوهن من ثياب الزينة والخيلاء والتفاخر والتباهي، ومن الحلي كذلك، واقتصروا على ما يقيهن الحر والبرد ... " حتَّى قال: "يعنى إن فعلتم ذلك بهن لا تعجبهن أنفسهن فيطلبن البروز بل يخترن عليه المكث في داخل البيوت، وأما إن وجدن الثياب الفاخرة والحلى الحسن فيعجبهن أنفسهن ويطلبن الخروج متبرجات بزينة ليراهن الرجال في الطرقات والنساء، فيصفوهن لأزواجهن، ويترتب على ذلك من المفاسد ما هو محسوس بل كثيرا ما يجرّ إلى الزنا، وفيه حث على منع النساء من الخروج إلا لعذر وعلى عدم إكثار ثياب الزينة لهن والمبالغة في سترهن (¬18) ... ". قلت: وبذلك فلا منافاة بينه وبين قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم - بمعرض كان حق النساء على أزواجهن - "ألا وحقهن عليكم: أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن". وقوله - حين سأله معاوية بن حيدة بقوله -: قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت". وهما مخرجان في "جامع الأصول" - بتحقيق الأرنؤوط - (6/ 504، 505). ¬

_ (¬18) حرصت على إيراد معنى هذا الحديث الضعيف لموافقته لأثر عمر، ولبيان أن عمر رضى الله عنه الغيور على المحارم، الشديد في أمر الله، لا يخالف بقوله هذا شرع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهديه.

7 - الحديث السابع

فعلى الزوج المسلم أن يأخذ بالحزم في غير عنف، واللين في غير ضعف، وأن يجتنب الإِفراط والتفريط، فخير الأمور أوساطها كما قال غير واحد من السلف رحمهم الله. وبالله التوفيق. الحديث السابع: " اقرأ القرآن ما نهاك، فإذا لم ينهك فلست تقرؤه". ضعيف جدًا. رُوِى من حديث النعمان بن بشير، وعبد الله بن عمرو. 1 - حديث النعمان بن بشير: رواه الخطيب (3/ 192) من طريق محمد بن كثير القرشي الكوفي عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عنه ومحمد بن كثير هذا واهٍ، قال الذهبي (4/ 17): "قال أحمد: خرقنا حديثه. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن المديني: كتبنا عنه عجائب وخططت على حديثه. ومشاه ابن معين". قلت: ثم استبان له أمره فمال إلى تكذيبه فانظر ترجمته في "تاريخ بغداد" (3/ 191: 193). 2 - حديث عبد الله بن عمرو: رواه القضاعى (392، 741) من طريق فهد ابن عوف عن إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عبيد الله عن شهر بن حوشب عنه به، وزاد في أوله: "من لم ينفعه علمه، ضره جهله" ورواه أيضًا الطبراني في "الكبير"، وعنه أبو نعيم في "رياضة المتعلمين" ومن طريقه الديلمى في "مسند الفردوس" كما قال محقق "مسند الشهاب" نقلًا عن "فتح الوهاب" (1/ 151). وهذا إسناد واهٍ جدًا له علتان: الأُولى: أن فهد بن عوف، واسمه زيد - وفهد لقب - متروك. الثانية: أن عبد العزيز بن عبيد الله - وهو الحمصي - واهٍ كما قال الذهبي في "الكاشف" (2/ 201). وقد قال أبو زرعة: "مضطرب الحديث، واهى

استدراك

الحديث" وقال أبو داود "ليس بشيء" وقال النسائي: "ليس بثقة ولا يكتب حديثه". وقال الدارقطني: "متروك". ومع ذلك قال الحافظ في "التقريب" (4111): "ضعيف" ولا أدرى إن كان فهد بن عوف في سند الطبراني ومن رواه عنه أم لا، وعلى كل، فالإِسناد ساقط بدونه. (والصحيح) أن هذا الكلام من قول الحسن البصري رحمه الله، كما رواه الإمام أحمد في "الزهد" (ص 285) من طريق حمزة الزيات عن منصور السلمي عنه قال: "اقرأ القرآن ما نهاك، فإذا لم ينهك فلست تقرؤه، رب حامل فقه غير فقيه، ومن لم ينفعه علمه ضره جهله". وإسناده صحيح، حمزة هو ابن حبيب الزيات القارئ المشهور، وهو ثقة، وثقه ابن معين وغيره وتكلم فيه بعضهم بلا مستند ومنصور السلمي هو ابن المعتمر الكوفي، وهو ثقة ثبت وحافظ كبير. استدراك: وروى أبو نعيم في "الحلية" (5/ 177) بإسناد حسن عن مكحول قال: "من لم ينفعه علمه ضره جهله. اقرأ القرآن ما نهاك، فإذا لم ينهك فلست تقرؤه". الحديث الثامن: " أكثروا ذكر الله حتَّى يقولوا: مجنون". منكر. رواه أحمد (3/ 68) وأبو يعلى (2/ 521) وابن حبان (814 إحسان) وابن عدى (3/ 980) والحاكم (1/ 499) من طريق دراج عن أبي الهيثم عن أبى سعيد مرفوعًا به. وقال الحاكم: "صحيح الإِسناد" كذا قال، ودراج هو ابن سمعان أبو السمح المصري القاصّ مختلف فيه اختلافًا كثيرًا (¬19) خلاصته أنَّه مستقيم الحديث إذا روى ¬

_ (¬19) انظره في "بدائل الحديث" (4).

9 - الحديث التاسع

عن غير أبي الهيثم - سليمان بن عمرو العتوارى - فإنه كثير المناكير عنه. وهذا منها، ولذلك أورده ابن عدى ثم الذهبي (2/ 25) في جملة ما استنكر عليه. ولقد عجبت وسررت أيضًا حينما وقفت لهذا الحديث على أصل من كلام بعض السلف. فقد (روى) عبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (ص 382) وعنه ابن عساكر (9/ 33) عن يحيى بن عثمان الحربي قال: نا أبو المليح عن يزيد بن يزيد - يعنى ابن جابر - قال: كان أبو مسلم الخولاني يكثر أن يرفع صوته بالتكبير حتَّى مع الصبيان، وكان يقول: "اذكر الله حتَّى يقول الجاهل أنك مجنون". ورجاله كلهم ثقات لكنه منقطع بين يزيد بن يزيد وأبى مسلم. ولكن له متابع رواه ابن عساكر أيضًا من طريق إسماعيل بن عياش عن عقيل بن مدرك عن لقمان ابن عامر عن أبى مسلم الخولاني أن رجلًا أتاه فقال له: أوصنى يا أبا مسلم قال: اذكر الله تحت كل شجرة وحجر. قال: زدنى. قال: اذكر الله حتَّى يحسبك الناس من ذكر الله مجنونًا. قال: فكان أبو مسلم يكثر ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ، فرآه رجل يذكر الله عَزَّ وَجَلَّ فقال: أمجنون صاحبكم هذا؟ فسمعه أبو مسلم فقال: ليس هذا بالجنون يا ابن أخي، ولكن هذا دواء الجنون". ورجاله كلهم ثقات إلا أن عقيل بن مدرك وثقه ابن حبان وحده - فيما نعلم - وروى عنه جماعة. وأبو مسلم الخولاني - تابعى جليل اسمه: عبد الله بن ثوب - بضم ففتح - وهو ثقة عابد، من الثانية، رحل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يدركه، وعاش إلى زمن يزيد بن معاوية كما في "التقريب" (8367) ثم وجدت نحوه عن أبي الدرداء رواه ابن عساكر (13/ 753) بسند ضعيف واهٍ فيه ثلاث علل. الحديث التاسع: " أكرموا أولادكم، وأحسنوا أدبهم". ضعيف جدًا. رواه ابن ماجة (3671) والقضاعي (665) والخطيب (8/ 288).

وابن عساكر (7/ 325) من طرق عن سعيد بن عمارة الكلاعي أخبرني الحارث ابن النعمان سمعت أَنس بن مالك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ... فذكره. وهذا إسناد ضعيف جدًا. سعيد بن عمارة الكلاعي ترجمه ابن عساكر فلم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا وقال الأزدى: متروك. وقال الذهبي في "الميزان" (2/ 153): "قلت: روى عنه بقية، وعلي بن عياش، وجماعة. جائز الحديث". وصوَّب العلامة الألباني في "الضعيفة" (1649) قوله في "الكاشف" (1/ 368): "مستور" والحارث ابن النعمان قال الذهبي (1/ 444): "قال أبو حاتم: ليس بقوى وقال البخاري: منكر الحديث" (¬20). ثم ساق له هذا الحديث فيما استنكر عليه. وقال الحافظ الشهاب البوصيرى رحمه الله في "مصباح الزجاجة" (3/ 163): "هذا إسناد ضعيف, الحارث وإن ذكره ابن حبان في "الثقات" فقد لينه أبو حاتم. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال العقيلي: أحاديثه مناكير. قال المزى: ورواه أبو الجماهر محمد بن عبد الرحمن الحمصي عن علي بن عياش (هو شيخ شيخ ابن ماجة) فزاد في إسناده "سعيد بن جبير" بين الحارث وبين أَنس" اهـ. قلت: أبو الجماهر هذا صدوق كما قال ابن أبي حاتم في "الجرح" (7/ 327) لكن الأرجح عدم الزيادة. والحديث رواه أيضًا الديلمى (¬21) وقال الحافظ: "ابن ماجة وأبو الشيخ عن أَنس". وقال العلامة الألباني في "ضعيف الجامع" (1/ 346) و"الضعيفة" (1649): ¬

_ (¬20) وهذه اللفظة من أردأ مراتب الجرح عند البخاري لا يقولها غالبًا إلا فيمن يتهمه، وقد جاء عنه أنَّه قال: "من قلت فيه: منكر الحديث، فلا تحل الرواية عنه" ولكن لا يؤخذ بها بإطلاق، بل ينظر في جميع ما قيل في الراوى ويتخير الأليق بحاله. والله أعلم. (¬21) "الفردوس" (1/ 110).

10 - الحديث العاشر

"ضعيف جدًا". وبعد (فالصحيح) أنَّه من كلام ابن سيرين رحمه الله - يحكيه عمن قبله - كما رواه ابن أبي شيبة (8/ 415) وعنه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 84) عن ابن علية عن ابن عون عنه قال: "كانوا يقولون، أكرم ولدك، وأحسن أدبه". وإسناده صحيح على شرطهما. ورواه ابن المقرئ في "معجمه" (ص 182) عن مؤمل حدثنا سعيد بن عامر عن ابن عون قال: قال ابن سيرين: "أكرم ولدك، وأحسن أدبه". ورواية ابن أبى شيبة أصح، فإن إسماعيل بن علية أثبت بكثير من سعيد بن عامر، وهي أيضًا أرفع، فإن الظاهر أنَّه يعنى بقوله: "كانوا يقولون" الجيل السابق له وهم الصحابة رضوان الله عليهم، وقد أدرك منهم ثلاثين صحابيًا كما قال (¬22) صاحبه هشام بن حسان رحمه الله. ومؤمل - في سند ابن المقرئ - هو ابن إهاب الربعى العجلي، فإنه هو الَّذي يروى عن سعيد بن عامر كما في "تهذيب الكمال" (ق 1395) لا كما توهم المعلق على "معجم ابن المقرئ" فأدرجه في الفهارس على أنَّه: "مؤمل بن إسماعيل". والكمال لله وحده ثم وجدت عبد الوهاب بن عطاء تابع ابن علية بلفظ: "كان يقال" عند ابن عساكر (15/ 446). الحديث العاشر: " اللهم ارزقنى حبك، وحب من ينفعنى حبه عندك. اللهم ارزقنى مما أحب، فاجعله قوة لى فيما تحب. اللهم ما زويت عنى مما أحب، فاجعله فراغًا لى فيما تحب". ضعيف. رواه الترمذي (3557): "حدثنا سفيان بن وكيع أخبرنا ابن أبي عدى عن حماد بن سلمة عن أبى جعفر الخطمى عن محمد بن كعب القرظى عن ¬

_ (¬22) كما في "سير أعلام النبلاء" (4/ 607) ورواه ابن عساكر (15/ 424).

عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه كان يقول في دعائه: ... " فذكره. وقال: "هذا حديث حسن غريب، وأبو جعفر الخطمى اسمه: عمير بن يزيد ابن خماشة". قلت: كيف يكون حسنًا وشيخه - سفيان بن وكيع - واهٍ متفق على تضعيفه. قيل لأبي زرعة: كان يتهم بالكذب؟ قال: نعم. وقال النسائي ليس بثقة. وقال في موضع آخر: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: لين. وقال ابن عدى (3/ 1254): "ولسفيان بن وكيع حديث كثير، وإنما بلاؤه أنَّه كان يتلقن ما لقن، كان له وراق يلقنه من حديث موقوف يرفعه، وحديث مرسل فيوصله، أو يبدل في الإِسناد قوما بدل قوم كما بينت طرفًا منه في هذه الأخبار التي ذكرتها". وقال الحافظ (2456): "كان صدوقًا إلا أنَّه ابتلى بوراقه، فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح فلم يقبل، فسقط حديثه". قلت: ولعل هذا من الموقوفات التي لقنه وراقه إياها مرفوعة، (فإن الصحيح) وقفه كما يأتى. وقد تابعه ضعيف آخر على رفعه، فرواه الطبرانى في "الدعاء" (1403) من طريق نعيم بن حماد، ثنا عبد الله بن المبارك، ثنا حماد بن سلمة به. ونعيم مختلف فيه بين موثق ومجرح، لكن الراجح جرحه، فإنه مفسر بكثرة الأخطاء والمناكير، ولذلك قال الحافظ (7166): "صدوق يخطئ كثيرًا ... " حتَّى قال: "وقد تتبع ابن عدى ما أخطأ فيه، وقال: باقى حديثه مستقيم". قلت: لم يستوعب ابن عدى رحمه الله كل ما يمكن أن ينكر عليه بدليل هذا الحديث، وبدليل ما رواه الحاكم (2/ 368) من طريقه عن هشيم بسنده إلى أبي سعيد الخدرى مرفوعًا: "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين". وصححه، فتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: نعيم ذو مناكير".

قلت: وقد خالفه عارم (¬23) - محمد بن الفضل السدوسي - وسعيد بن منصور وأبو عبيد وغيرهم فأوقفوه عن هشيم، وخالفوه في المتن فقالوا: "أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق". ثم وجدت الحافظ البيهقي رحمه الله رواه في "الشُعَب" (ج /1 ق 3 ص 61) من طريق سعيد بن منصور به موقوفًا وقال: "هذا هو المحفوظ موقوف. ورواه نعيم بن حماد عن هشيم فرفعه". فالحمد لله على توفيقه. وقد تابع نعيمًا على رفعه عنده: يزيد بن مخلد بن يزيد وهو مستور، والراوى عنه ضعيف. هذا ولا يبعد إطلاقا أن يتوارد راويان ضعيفان على خطأ واحد في حديث بعينه، فإن بلية كُلٍّ من سفيان بن وكيع ونعيم بن حماد في رفع الموقوفات والخطأ في الأسانيد واحدة على اختلاف التفاصيل! (أما) الرواية الموقوفة لحديث الترجمة، فعند ابن أبى شيبة (10/ 354) عن الحسن ابن موسى الأشيب أخبرنا حماد بن سلمة به موقوفًا. وبوَّب عليه: "ما ذكر عن قوم مختلفين مما دعوا به" وإسناده صحيح. والحسن بن موسى ثقة حافظ، قال الإِمام أحمد: "كان من متثبتى أهل بغداد". وقال: "وكان الأشيب ضابطًا لحديث شعبة وغيره ... ". هذا ولقائل أن يقول: إن حماد بن سلمة قد يهم في غير حديث ثابت وحميد الطويل، فلعله وهم أيضًا في هذا الحديث أو اضطرب. قلنا: حماد ثقة حافظ، لا يجوز توهيمه بغير حجة ولا بَينّةَ، ولو سلمنا جدلًا بوهمه في هذا الحديث فإن الأوهام - عامة - ولدَى حماد بن سلمة خاصَّةً - تكون ¬

_ (¬23) إلا أن عارما تفرد بقوله "ليلة الجمعة" وخالفه جماعة عن هشيم. وهذا الحديث أمره عجيب جدًا، فمع اختلافهم في رفعه ووقفه - مرة عن هشيم ومرة عن شعبة - وفى متنه - كما في رواية عارم - فمن الطرائف أيضًا أن الثورى وشعبة خالفًا هشيما فقالا: "من قرأ سورة الكهف كما أنزلت" هكذا بدون تقييد بالجمعة. فرواية هشيم شاذة كما سأبين في كتابي في "العلل" بمشيئة الله.

11 - الحديث الحادى عشر

برفع الموقوف ووصل المرسل - وهذا ما نريد إثباته. أما دعوى الاضطراب فمرفوضة أيضًا، إذ شرط الحكم على الحديث بالاضطراب أن تكون الأوجه المتعارضة متكافئة، وأين التكافؤ ههنا؟ واجتماع الضعيفين المذكورين لا ينتهض للحُكم لهما لو خالفهما ثقة من جملة الثقات، فكيف بذلك الثَّبت الحافظ؟ والله أعلم. الحديث الحادى عشر: " اللهم إنى أعوذ بك من زوج تشيبنى قبل المشيب، ومن ولد يكون عَلَيَّ ربًا، ومن مال يكون عَلَيَّ عذابًا، ومن خليلى ماكر، عينه تراني، وقلبه يرعانى، إن رأى حسنة دفنها، وإن رأى سيئة أذاعها". ضعيف. رُوِى من حديث أبي هريرة وابن عباس، ومن مرسل سعيد المقبرى: 1 - حديث أبي هريرة: رواه الطبرانى في "الدعاء" (1339) من طريق الحسن بن حماد الحضرمي ثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن عجلان عن سعيد المقبرى عنه رضي الله عنه قال: "كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم إنى أعوذ بك من جار السوء، ومن زوج تشيبنى ... " الحديث. وهذا إسناد جيد لكن وصله ورفعه وهم، (والصحيح) أنَّه من قول سعيد المقبرى رحمه الله - يحكيه عن داود عليه السلام -كما رواه ابن أبى شيبة (10/ 277) وهناد (2038، 1401) وبحشل في "تاريخ واسط" (ص 130) عن أبى سعيد عبد الله بن سعيد الأشج، ثلاثتهم عن أبي خالد الأحمر عن ابن عجلان عن سعيد قال: كان من دعاء داود النبي صلى الله عليه وآله وسلم ... فذكره. وابن أبي شيبة وهناد والأشج ثقات حفاظ كلهم، أما الحسن بن حماد الحضرمي - ولقبه: سجادة - فثقة كما قال ابن حبان والخطيب والذهبي في "الكاشف" (1/ 220) بل قال الحافظ في "التقريب" (1230): "صدوق".

ولا أعلم أحدًا وصفه بالحفظ ومنشأ الوهم عندى أن أبا خالد الأحمر - واسمه: سليمان بن حيان - كان قد حَدَّث أيضًا عن ابن عجلان عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحديث: "اللهم إني أعوذ (¬24) بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار البادية يتحول". كما عند ابن أبى شيبة (8/ 359) وعنه الطبراني (1340) والبخارى في "الأدب" (117) وابن حبان (2056) والحاكم (1/ 532)، كما حدَّث عن ابن عجلان عن سعيد المقبرى قال: كان من دعاء داود ... الخ. فاختلط الأمر على الحسن بن حماد فأدرج المتنين بالسند الموصول وحده ولم يفصل هذا من ذاك. هذا إن لم يكن الوهم من الحافظ الطبرانى نفسه - رحمه الله - فإن له أوهامًا نادرة، فانظر ترجمته من "لسان الميزان" (3/ 383، 384). وفى الباب حديث آخر عن أبي هريرة، واهى الإِسناد رواه البيهقي في "شعب الإِيمان" (2/ 3/ 77) من طريق الأشعث بن بُراز الهجيمى قال: ثنا علي بن زيد عن عمارة بن قيس مولى ابن الزبير عنه مرفوعًا: "تعوذوا بالله من ثلاث فواقر، تعوذوا بالله من مجاورة جار السوء، إن رأى خيرًا كتمه، وإن رأى شرًّا أَذاعه، وتعوذوا بالله من زوجة سوء ... "الحديث. وإسناده ضعيف جدًا. كما قال العلامة الألبانى في "ضعيف الجامع الصغير" (3/ 36) فإن أشعث بن براز الهجيمى واهٍ، وقد رواه الذهبي في "الميزان" (1/ 262) بإسناده إليه، وعده من مناكيره. ¬

_ (¬24) رواه يحيى القطان - عند النسائي (8/ 274)، وصفوان بن عيسى عند البيهقي في "الشعب" كلاهما عن ابن عجلان بلفظ "تعوذوا بالله". ورواه عبد الرحمن بن إسحاق عن المقبرى بنحوه أيضًا عند أحمد (346/ 2) فالأصح أنه من أمره صلى الله عليه وآله وسلم لا من فعله نعم، ثبت التعوذ من جار السوء في دار المقامة من فعله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث رواه الطبراني في "الكبير" (17/ 294) و"الدعاء" (1338) عن عقبة بن عامر - مطولًا - وإسناده صحيح لا أعلم له علة.

وعلي بن زيد هو ابن جدعان البصري وهو ضعيف لسوء حفظه. وعمارة بن قيس فيه جهالة، فقد ترجمه ابن أبي حاتم (6/ 368) من رواية علي بن زيد وحده عنه، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. ووثقه ابن حبان (5/ 242) على قاعدته المعروفة في توثيق المجاهيل. 2 - حديث ابن عباس: رواه بحشل (ص 130) من طريق الحسين بن قيس عن عكرمة عنه مرفوعًا: "كان من دعاء أخي داود ... " فذكره مختصرًا وإسناده ضعيف جدًّا. حسين بن قيس - ولقبه حنش - متروك الحديث وشيخ بحشل: الحسن بن زياد بن زبالة المدني لم أقف عليه، فإن كان صوابه "محمد بن الحسن بن زبالة المدني" فقد كذبوه كما قال الحافظ (2815). وفى السند تحريف لا محالة فإنه هكذا: ثنا الحسن بن زياد بن زبالة المدني، قال: ثنا محمد بن يزيد عن هشيم الحذاء عن حسين بن قيس عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه ... " الحديث. ولعل الصواب: "عن هشيم عن خالد الحذاء" أو "ثنا خالد الحذاء" فالله أعلم. فإن كان هشيم عنعنه فهي علة أخرى فإنه كثير التدليس. ثم ترجح عندى أن شيخه هو "عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن زبالة" فقد روى عنه (ص 47، 74، 100) وله ترجمة في "المجروحين" (2/ 138). 3 - مرسل سعيد المقبرى: رواه ابن النجار في "تاريخه" كما في "الجامع الصغير" (1535) - مقتصرًا على الفقرة الثالثة وحدها - فلا أدرى أهكذا الرواية أم اختصره السيوطي؟ وهو ضعيف - على الأقل - للإِرسال وقد تكون فيه علة أو علل أشد من ذلك كما يشهد الواقع العملي للأسانيد التي ينفرد بها أمثال ابن النجار وابن عساكر والديلمى. على أن رفع الحديث خطأ كما بيَّنا موصولًا كان أم مرسلًا. والله أعلم.

12 - الحديث الثانى عشر

(وقد) عزاه آخرون - سوى سعيد المقبرى - إلى داود عليه السلام أيضًا. 1 - ففي "مصنف ابن أبي شيبة" (10/ 450) من طريق يحيى بن المهلب عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الله الجدلى قال: "كان داود النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: اللهم إنى أعوذ بك من جار عينه تراني، وقلبه يرعاني، إن رأى خيرًا دفنه، وإن رأى شرًا أشاعه". عطاء بن السائب ثقة كان قد اختلط، لكن تخليطه في مثل هذا المقطوع بعيد. وشيخه أبو عبد الله الجدلى اسمه عبد، أو عبد الرحمن بن عبد، ثقة رمى بالتشيع كما في "التقريب" (8207). والرواية مختصرة. 2 - وفى كتاب "العزلة" للإِمام الخطابي رحمه الله (ص 124) من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال أن داود النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: "اللهم إنى أعوذ بك من جار السوء، ومن مال يكون عَلَيَّ عذابا، ومن ولد يكون عَلَيَّ وبالًا، ومن زوجة تشيبني قبل المشيب، ومن خليل ماكر، عينه ترعانى، وقلبه يشنؤني، إن رأى خيرًا أخفاه، وإن رأى شرًّا أفشاه". وإسناده إلى سعيد حسن، وسعيد بن أبي هلال ثقة من أتباع التابعين. والله أعلم. الحديث الثانى عشر: " اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار. بسم الله". (في ابتداء الطعام). ضعيف جدًا. رواه ابن السنى في "عمل اليوم والليلة" (459) وابن عدى (6/ 2212) - واللفظ له - من طريق محمد بن أبي الزعيزعة حدثنى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله علط وآله وسلم أنَّه كان يقول في الطعام إذا قرب إليه [قال] (¬25): "اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار. بسم الله. وإذا فرغ [قال]: الحمد لله الَّذي مَنَّ علينا فهدانا، والحمد لله الَّذي أطعمنا ¬

_ (¬25) زيادة من "الكامل" ولعل الصواب حذفها كما في "الميزان".

وسقانا فأروانا، وكل الإِحسان آتانا" (¬26). قال عمرو: فكتبه لنا جدى فكنا نتعلمه كما نتعلم السورة من القرآن. وإسناده ضعيف جدًا، ابن أبي الزعيزعة هذا قال البخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 88): "منكر الحديث جدًّا". وقال ابن عدى: "منكر الحديث جدًّا لا يكتب حديثه. سمعت ابن حماد يذكره عن البخاري". وترجمه ابن حبان في "المجروحين" (2/ 288, 289) مرتين، قال في ثانيهما: "دجال من الدجاجلة، كان يروى الموضوعات". وأورد له الذهبي (3/ 548، 549) هذا الحديث من جملة مناكيره. وراجع "البدائل المستحسنة" (1/ 51، 52). (والصحيح) في هذا الدعاء أنَّه من قول عروة بن الزبير - رحمه الله ورضى عن أبيه - بعد الطعام - لا قبله - كما رواه الإِمام مالك رحمه الله في "الموطأ" (2/ 934, 935/ 34) وابن أبي شيبة (8/ 123، 10/ 344, 345) عن هشام بن عروة عنه أنَّه كان لا يؤتى أبدًا بطعام ولا شراب حتَّى الدواء، فيطعمه أو يشربه إلا قال: الحمد لله الَّذي هدانا وأطعمنا وسقانا ونعمنا الله أكبر. اللهم ألفتنا نعمتك بكل شر، فأصبحنا منها وأمسينا بكل خير نسألك تمامها وشكرها. لا خير إلا خيرك. ولا إله غيرك إله الصالحين. ورب العالمين. الحمد لله ولا إله إلا الله. ما شاء الله ولا قوة إلا بالله. اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار". وإسناده صحيح غاية. وله طريق أخرى عند أبي الدنيا في "الشكر" (166) عن حسين الجعفي عن أبي موسى - إسرائيل بن موسى البصري - عنه ورجاله ثقات، فإن صح سماع أبي موسى من عروة فالإِسناد صحيح فإنه محتمل لكن لم أرَ أحدًا ذكر عروة في شيوخه. ¬

_ (¬26) سأتعرض لما صح من دعاء بعد الطعام عند حديث: "الحمد لله الَّذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين" من "البدائل" (38) بإذن الله.

وفى الباب أثر ضعيف أيضًا، وهو ما رواه ابن أبى شيبة (8/ 122، 10/ 343) - واللفظ له - وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (1/ 153) وعنه أبو نعيم (1/ 70) من طريق الجريرى عن أبي الورد عن ابن أعبد أو: ابن معبد قال: قال على: تدرى ما حق الطعام؟ قلت: وما حقه؟ قال: تقول: بسم الله، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، ثم قال: تدرى ما شكره، قلت: وما شكره؟ قال: تقول: الحمد لله الَّذي أطعمنا وسقانا". قال الهيثمي في "المجمع" (5/ 22): "وابن أعبد قال ابن المدينى: ليس بمعروف، وبقية رجاله ثقات". قلت: لفظ ابن المديني: "ابن أعبد ليس بمعروف، ولا أعرف له غير حديثه (¬27) عن علي أنَّه قال لفاطمة: ائتى أباك فسليه خادما" كما في "الجرح والتعديل" (9/ 316). وفى هذا الإِسناد علة أخرى، وهي جهالة حال أبى الورد بن ثمامة، فإنى لا أعلم أحدًا وثقه ولا ابن حبان! أما قول ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (7/ 226): " ... وكان معروفًا قليل الحديث" (1) فليس صريحًا في التوثيق، ولذلك قال الذهبي في "الكاشف" (3/ 387): "شيخ". وقال الحافظ (8434): "مقبول". والمراد أن الثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه رضوان الله عليهم الاقتصار على: "بسم الله" وحدها في ابتداء الطعام لأدلة ذكرتها في الكتاب المتقدم ذكره، وأزيد عليها ما رواه الإِمام أحمد (4/ 62, 337) والنسائي في "الكبرى" كما في "تحفة الأشراف" (15620) وأبو الشيخ في "الأخلاق" (ص 238) عن عبد الرحمن بن جبير أنَّه حَدَّثه رجل خدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثمان سنين أنَّه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا قرب إليه طعامه يقول: "بسم الله"، وإذا فرغ من طعامه قال: "اللهم ¬

_ (¬27) يعنى هذا الحديث فإن له زيادة مطولة عند عبد الله بن أحمد. وسؤال الخادم ثابت في (الصحيح) وفى رواية ابن أعبد زيادات ليست في "الصحيح".

13 - الحديث الثالث عشر

أطعمت وسقيت، وأغنيت وأقنيت، وهديت واجتبيت (¬28)، فلك الحمد على ما أعطيت". وإسناده حسن. والله أعلم. الحديث الثالث عشر: " امش ميلا عد مريضا، امش ميلين أصلح بين اثنين، امش ثلاثة أميال زر أخًا في الله". ضعيف. رواه ابن أبى الدنيا في "كتاب الإِخوان" عن مكحول مرسلًا كما في "الجامع الصغير" (1647). قال المناوى (2/ 195): "ظاهر كلام المصنف أنَّه لم يقف عليه مسندًا وهو عجب، فقد خرجه البيهقي عن أبي أمامة لكن فيه على ابن يزيد الألهاني، قال البخاري: منكر الحديث. وعمرو بن واقد (*): متروك. قلت: لا عجب في ذلك لأمرين: الأول: أن المرسل الصحيح إلى مرسله أرجح وأقوى عند العلماء من الموصول الضعيف، فكيف بالواهى؟ ولذلك احتج بالمرسل - على انفراده - كثير من الأئمة في الأحكام الشرعية أيضًا. وهذا المذهب - وإن كان غير راجح - لكنه لحرى أن يدل على ما تقدم من أرجحية الحديث المرسل على الموصول الضعيف. الثاني: أن السند الموصول - الَّذي أحسن السيوطى صنعًا فأعرض عنه - تالف لا قيمة له بإقرار المناوى حيث أعله بهذين الهالكين. وعلي بن يزيد وهاه جماعة غير البخاري، وانظر "البدائل" (19) و"القسطاس" (ص 24، 25). ¬

_ (¬28) وقع في "المسند" (4/ 62) والأخلاق "وكنز العمال" (7/ 105): "وهديت وأحييت". والتصويب من "الجامع" (6776) و"صحيحه" (4/ 228) "والمسند" (4/ 337) و"معرفة الصحابة" لأبى نعيم (4/ 312). وهو موافق لقوله تعالى {وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ}. (*) في (الفيض) "عمر بن واقد" والصواب ما أثبتناه.

14 - الحديث الرابع عشر

وعمرو بن واقد هالك كما قال الذهبي (3/ 292). وبقى احتمال عدم صحة هذا المرسل إلى مكحول، فالله أعلم. وإن صح عنه فلعله تلقاه من رجل ضعيف رفعه له، (فقد صح) من قول حسان بن عطية، وهو شامى تابعى ثقة. قال ابن حبان في "مشاهير علماء الأمصار" (1423): "من أفاضل أهل زمانه ثقة وإتقانا وفضلا وخيرًا، وكان يُغرب". والأثر عنه رواه هناد (377) عن عيسى بن يونس عن الإِمام الأوزاعي رحمه الله عنه بلفظ: "امش ميلا، وعد مريضا، وامش ميلين، وأصلح بين اثنين، وامش ثلاثة، وزر في الله". وإسناده صحيح غاية. وروى أبو نعيم (5/ 198) من طريق ضمرة عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: "تعاهدوا إخوانكم بعد ثلاث، فإن كانوا مرضى فعودوهم، وإن كانوا مشاغيل فأعينوهم، وإن كانوا نسوا فذكروهم، وكان يقال: امش ميلا وعد مريضا، وامش ميلين وأصلح بين اثنين، وامش ثلاثًا وزر أخا في الله". وعثمان بن عطاء الخراسانى ضعيف جدًا. والصواب ما قدمنا. والله أعلم. الحديث الرابع عشر: " إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله خنس، وإن نسى التقم قلبه، فذلك الوسواس الخناس". ضعيف. رُوِى من حديث أنس، - وبلفظ آخر - من حديث معاذ بن جبل. 1 - حديث أَنس - رواه أبو يعلى (7/ 278، 279) - واللفظ له - والحكيم الترمذي في "الصلاة ومقاصدها" (ص 19) وابن عدى (3/ 1044) وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال" (154) وأبو نعيم (6/ 268) والبيهقى في "الشعب" (2/ 435، 436) من طريق عدى بن أبى عمارة عن زياد النميري عن أَنس مرفوعًا به.

ورواه أيضًا ابن أبي الدنيا في "مكائد الشيطان" كما فى "الدر المنثور" (6/ 420). ورواه ابن شاهين في "الترغيب في الذكر" بلفظ: "إن للوسواس خطمًا كخطم الطائر، فإذا غفل ابن آدم وضع ذلك المنقار في أذن القلب يوسوس، فإن ابن آدم ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ نكص وخنس، فلذلك سمى الوسواس الخناس" كما في "منتخب كنز العمال" (1/ 123 على هامش المسند) وقال: "وهو ضعيف". قلت: وعدى بن أبي عمارة هو الذارع، وهو ضعيف. وبه وحده أعله الهيثمي في "المجمع" (7/ 149). وزياد النميرى ضعيف أيضًا، قال الحافظ (2087): "ضعيف, من الخامسة". وانظر المزيد عنه في "أخذ الجُنَّة" (ص 26: 23). وضعَّف الحديث أيضًا المنذرى في "الترغيب" (2/ 667) والحافظ في "الفتح" (8/ 742 سلفية) واستغربه ابن كثير في "تفسيره" (4/ 575). 2 - حديث معاذ: رواه الديلمي بلفظ: "إن إبليس له خرطوم كخرطوم الكلب واضعه على قلب ابن آدم يذكره الشهوات واللذات ويأتيه بالأماني ويأتيه بالوسوسة على قلبه ليشككه في ربه، فإذا قال العبد: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ بالله أن يحضرون، إن الله هو السميع العليم، خنس الخرطوم عن القلب". كما في "المنتخب" أيضًا. ولم أجده في "الفردوس". (والصحيح) في حديث الترجمة وقفه على ابن عباس رضى الله عنهما - وغيره صت السلف - فإنه - وإن علقه البخاري في "صحيحه" (6/ 223) بصيغة التمريض فقال: "ويذكر عن ابن عباس: الوسواس إذا ولد خنسه الشيطان، فإذا ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ ذهب، وإذا لم يذكر الله ثبت على قلبه". قال الحافظ: "قوله: وقال ابن عباس: الوسواس .. الخ، كذا لأبى ذر، ولغيره: "ويُذكر عن ابن عباس وكأنه أولى لأنَّ إسناده إلى ابن عباس ضعيف, أخرجه الطبرى والحاكم وفى إسناده حكيم بن جبير وهو ضعيف ولفظه: "ما من مولود إلا على قلبه الوسواس، فإذا عمل فذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس".

ورويناه في "الذكر" لجعفر بن أحمد بن فارس من وجه آخر عن ابن عباس، وفى إسناده محمد بن حميد الرازي وفيه مقال، ولفظه: "يحط الشيطان فاه على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس". وأخرجه سعيد بن منصور من وجه آخر عن ابن عباس ولفظه: "يولد الإِنسان والشيطان جاثم على قلبه ... "الخ. قلت: طريق حكيم بن جبير عند الطبرى (30/ 355) والحاكم (2/ 541) عنه عن سعيد بن جبير به. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" وقال الذهبي (خ م). وهذا وهم منهما - رحمهما الله - فإن حكيمًا على ضعفه من رجال السنن الأربعة وحدها. وقال الحافظ (1468): "ضعيف، رمى بالتشيع". وأما محمد بن حميد الرازي - وهو شيخ الطبرى في الطريق الثانية - وإن كان متهمًا شديد الضعف - فقد وجدت له متابعة جليلة جدًا، (إذ رواه) الحافظ الكبير أبو بكر بن أبى شيبة في "مصنفه" (13/ 369) عن جرير عن منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله "الوسواس الخناس" قال: "الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس". وإسناده صحيح على شرطهما. وفى هذا مزيتان: الأُولى: صحة إسناده إلى ابن عباس. وقد فات الحافظ فجزم بضعفه. الثانية: شدة مشابهته لحديث أنس المرفوع - بخلاف رواية البخاري المعلقة ورواية الطبرى والحاكم الضعيفة. وبه يعلم ما في قول العلامة الألباني حفظه الله في "السلسلة الضعيفة" (1367) - بشأن رواية البخاري المعلقة - "فهذا غير حديث الترجمة كما هو ظاهر". وكذلك وصفه للأثر بالوقف وهو لا مجال للرأى فيه. وأستبعد أيضًا أن يكون ابن عباس قد استفاد هذا من الإِسرائيليات في مثل

15 - الحديث الخامس عشر

هذا الموطن. ولذلك لم يرده الحافظ رحمه الله لكونه موقوفًا، بل لكونه عنده ضعيفًا فتأمل. على أننا أيضًا لا نقول بتعضيده للرواية الضعيفة، بل نجعل هذا الأثر أصلًا لها، رفعه هؤلاء الضعفاء المتقدم ذكرهم. وقد روى الطبرى نحوه عن مجاهد وقتادة وغيرهما كما أومأنا في أول الكلام عن الأثر. والله أعلم. الحديث الخامس عشر: " إن لكل شيء شرفًا، وإن أشرف المجالس ما استقبل به القبلة". ضعيف. رُوِى من حديث ابن عباس وابن عمر وأبى هريرة. 1 - حديث ابن عباس: رواه الطبرانى في "الكبير" (10/ 389) والقضاعى (1020، 1021) والخطيب في "جامعه" (2/ 61) وأبو سعد السمعاني في "أدب الإِملاء والاستملاء" (ص 44) من طريق هشام بن زياد أبى المقدام عن محمد بن كعب القرظي عنه، وزاد الطبراني: "ومن نظر في كتاب أخيه من غير أمره، فكأنما ينظر في النار". وزاد القضاعى في الرواية الثانية: "وإنما تجالسون بالأمانة". وقال الهيثمي في "المجمع" (8/ 59): "وفيه هشام بن زياد أبو المقدام، وهو متروك". ورواه الحاكم (4/ 269، 270) من طريق مصادف بن زياد المديني، ثم من طريق أبي المقدام كلاهما عن محمد بن كعب به مطولًا. وقال: "هذا حديث قد اتفق هشام بن رياد النصرى ومصادف بن زياد المدينى على روايته عن محمد بن كعب القرظى، والله أعلم. ولم أستجز إخلاء هذا الموضع منه، فقد جمع آدابا كثيرة". فتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: هشام متروك، ومحمد بن معاوية كذبه

الدارقطني، فبطل الحديث". قلت: ابن معاوية - وهو النيسابورى - هو الَّذي رواه عن مصادف بن زياد وأثنى عليه خيرًا! ومصادف قال أبو حاتم الرازي: "هو مجهول" كما في "الجرح" (8/ 441). ورواه الخطيب (2/ 62) من طريق صالح بن حسان عن القرظي به نحوه، لكن صالح قال الحافظ (2849): "متروك". 2 - حديث ابن عمر: رواه أبو يعلى والطبرانى في "الأوسط" كما في "المجمع" و"المقاصد" (ص 76, 77) وابن عدي (2/ 785) والسمعاني (ص 45) من طريق حمزة بن أبي حمزة النصيبي عن نافع عنه بلفظ: "أكرم المجالس ما استقبل به القبلة" وقال الهيثمي والسخاوى: "وفيه حمزة بن أبي حمزة، وهو متروك". وقال الحافظ (1519): "متروك، متهم بالوضع". 3 - حديث أبي هريرة: رواه الطبراني في "الأوسط" (3/ 182, 183) فقال: "حدثنا إبراهيم، قال: حدثنا عمرو بن عثمان، قال: حدثنا محمد بن خالد الوهبي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن لكل شيء سيدًا، وإن سيد المجالس قبالة القبلة". وقال الهيثمي والسخاوى، وكذلك المنذرى في "الترغيب" (4/ 98): "إسناده حسن" (¬29). كذا قالوا، وكنت قد تابعتهم على هذا الأمر واعتمدت هذا التحسين في تخريج أحاديث "آداب حملة القرآن" للحافظ الآجرى رحمه الله من باب إحسان ¬

_ (¬29) واغتر المناوى (2/ 512) بهذا التحسين فقال: "نعم، ورد في الباب حديث جيد حسن، وهو ما رواه الطبراني أيضًا عن أبى هريرة ... " فذكره قال: "فأعجب للمصنف حيث آثر ما جزموا بوضعه - يعنى حديث ابن عباس - على ما جزموا بحسنه".

الظن، وتعذر النظر في سند "الأوسط" وقتئذ. فلما صدر المجلد الثالث من الكتاب، علمت ما في هذا التحسين من التساهل، وصح ما كان في قلبي من ريبة نحوه، إذ أن فوات حديث حسن الإِسناد في حكم كهذا على الأئمة الستة في مصنفاتهم، بل خلو "مسند أحمد" و"صحيح ابن حبان" و"المستدرك" و "الأحاديث المختارة" - للضياء - ونحوها من الكتب المشهورة، مع أن عامة أحاديث محمد بن عمرو بن علقمة عن أبى سلمة عن أبي هريرة - في اعتقادى - مسطورة في هذه الكتب، فكل هذا ليس بالأمر اليسير على من رزقه الله عَزَّ وَجَلَّ بصيرة بأسانيد أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومظانّ الصحة والضغف منها. نعم، رجال هذا الحديث كلهم صدوقون على شرط الحسن سوى شيخ الطبراني واسمه: إبراهيم بن محمد بن عرق الحمصي، فإنه آفته. قال الذهبي (1/ 63): "شيخ للطبراني غير معتمد. قال: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن جبير، عن كثير بن مرة، عن ابن عمر - مرفوعًا: "يخرج المهدى وعلى رأسه ملك ينادى: هذا المهدى فاتبعوه" فالمعروف بهذا الحديث هو عبد الوهاب بن الضحاك (¬30) لا: ابن نجدة "اهـ. وأقره الحافظ في "اللسان" (1/ 105). قلت: والمعروف - أيضًا - بهذا الكلام - في فضل استقبال القبلة - بعض تابعي أهل الشام وتابعيهم، لا رواية الشاميين عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا! (وذلك) ثابت عن ثلاثة منهم: 1 - فروى ابن أبى شيبة (8/ 486، 487) وعنه عبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (ص 215) عن عبد الأعلى عن برد بن سنان عن سليمان بن موسى ¬

_ (¬30) وهو متروك، كذبه أبو حاتم كما في "التقريب" (4257)، أقول: ومن يشتبه عليه اسم شيخه، كيف يكون حاله وأنى لحديثه الحسن، وهو لا يعلم له موثق ولو متساهل؟

16 - الحديث السادس عشر

الأشدق قال: "إن لكل شيء شرفًا، وأشرف المجالس ما استقبل به القبلة". قال: يعنى برد بن سنان كما في "الحلية" (6/ 87) "ما رأيت سليمان يجلس إلا مستقبل القبلة". (فى الأصل: سفيان، والتصويب من "الحلية"). وروى ابن أبي شيبة أيضًا (8/ 487) عن وكيع عن ثور بن يزيد عنه قال: "لكل شيء سيد، وسيد المجالس مستقبل القبلة". وإسناداهما صحيحان. 2 - وروى أيضًا عن وكيع عن محمد بن عبد الله الشعيثى عن مكحول قال: "أفضل المجالس مستقبل القبلة". وإسناده صحيح. 3 - وروى السمعاني والخطيب في "جامعه" من طريق هشام بن عمار: نا صدقة: نا ابن جابر قال: أقبل مغيث بن سمى إلى مكحول فأوسع إلى جنبه، فأبى وجلس مقابل القبلة، وقال: "هذا أشرف المجالس". قلت: نعم، ولكن ما فعله مغيث رحمه الله - مخالف لهدى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: "إذا دخل أحدكم إلى القوم فأوسع له فليجلس، فإنما هي كرامة من الله أكرمه بها أخوه المسلم، فإن لم يوسع له فلينظر أوسعها مكانًا فليجلس فيه". رواه الحارث بن أبى أسامة في "مسنده" عن أبي شيبة الخدرى رضي الله عنه، وقال الذهبي: "حديث جيد" كما في "الفيض" (1/ 338) وانظر ألفاظه وشواهده في "الصحيحة" (1321). والله أعلم. الحديث السادس عشر: " إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة". ضعيف. ورد من حديث أَنس، ومن مرسل الحسن البصري.

1 - حديث أَنس: رواه أحمد (3/ 157) والرامهرمزى في "الأمثال" (51) من طريق رشدين بن سعد المصري عن عبد الله بن الوليد التجيبي (¬31) عن أبي حفص عنه به مرفوعًا. وإسناده ضعيف، قال الهيثمي (1/ 121): "رواه أحمد، وفيه رشدين بن سعد، اختلف في الاحتجاج به، وأبو حفص صاحب أَنس مجهول. قلت: رشدين ضعيف كادوا يطبقون على ضعفه. وقدم أحمد وأبو حاتم عليه ابن لهيعة، بل قال النسائي: متروك. فهو ممن تتردد أنظار العلماء في تضعيفه وتركه. وما أعلم وثقه سوى الهيثم بن خارجة الخراسانى رحمه الله وعبد الله بن الوليد التجيبي، قال الحافظ (3691): "لين الحديث". 2 - مرسل الحسن: رواه البيهقى في "المدخل" (392) من طريق سهل بن أبى الصلت السراج عنه مرفوعًا بلفظ: "إنما مثل العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء، إذا رآها الناس اقتدوا بها، وإذا عميت عليهم تحيروا". وإسناده ضعيف للإِرسال، ومراسيل الحسن سبق التعرض لحالها في الحديث الرابع. وسهل بن أبي الصلت فيه مقال، قال الحافظ (2663): "صدوق له أفراد، كان القطان لا يرضاه" (والأصحّ) أن هذا الكلام من قول أبى مسلم الخولانى وأبى قلابة عبد الله بن زيد الجَرْمى البصري موقوفًا عليهما (مقطوعا). 1 - أثر أبي مسلم: رواه أبو نعيم (5/ 120) والبيهقي (394) من طريقين عن الحسن قال: كان أبو مسلم الخولاني يقول: "مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، إذا بدت لهم اهتدوا، وإذا خفيت عليهم تحيروا". ¬

_ (¬31) وقع في "الأمثال" زيادة: "عن النخعي" بعد "عن عبد الله بن الوليد التجيبي". ولا معنى لها.

17 - الحديت السابع عشر

2 - أثر أبى قلابة: رواه ابن أبى شيبة (13/ 496) وأبو نعيم (2/ 283) والبيهقى (395) من طريقين عن أيوب عن أبى قلابة (¬32) قال: "مثل العلماء مثل النجوم التى يهتدى بها، والأعلام التى يقتدى بها، إذا تغيبت عنهم تحيروا، وإذا تركوها ضلوا" وإسناده صحيح. وقال محقق "المدخل": " ورواه أحمد فى "الزهد" عن أبى الدرداء موقوفًا بلفظ: "مثل العلماء فى الأرض، مثل النجوم فى السماء، إذا ظهرت ساروا بها، وإذا توارت عنهم تاهوا". ولم أجده فى "زهد أبى الدرداء" من كتاب "الزهد" (ص 143: 134). فالله أعلم. الحديت السابع عشر: " تحريك الإصبع فى الصلاة مذعرة للشيطان". ضعيف جدًا، منكر. رواه ابن عدى (6/ 2247) والبيهقى فى "سننه" (2/ 132) والخطيب فى "تخليص المتشابه" (ص 281) من طريق محمد بن عمر الواقدى ثنا كثير بن زيد عن نافع عن أبن عمر به مرفوعًا. وفى إسناده الواقدى أورده ابن عدى فى جملة مناكيره وقال: "وهذه الأحاديث التى أمليتها للواقدى، والتى لم أذكرها كلها غير محفوظة، ومن يروى عنه الواقدى من الثقات، فتلك الأحاديث غير محفوظة عنهم إلا من رواية الواقدى، والبلاء منه، ومتون أخبار الواقدى غير محفوظة، وهو بَيِّن الضعف". وأما البيهقي فألان فيه القول لما قال: " تفرد به محمد بن عمر الواقدى، وليس بالقوى. وروينا عن مجاهد أنه قال: "تحريك الرجل إصبعه فى الجلوس فى الصلاة مقمعة للشيطان". ¬

_ (¬32) فى "المصنف": "عن كاتب أبي قلابة قال" وفى (الحلية) "عن كتاب أبي قلابة قال". وصحح المعلق على "الحلية" أنه: "أيوب بن كيسان عن أبى قلابة" وما تحرف مثل ذلك ببعيد.

قلت: بل الواقدى بَيِّن الضعف كما تقدم عن ابن عدى، وهو متروك الحديث كذبه ورماه بالوضع جماعة من الأئمة. وأورد له الذهبي أيضًا هذا الحديث (3/ 664) فى جملة ما استنكر عليه. وقد خالفه أحد الثقات فى متنه. فقد روى الإمام أحمد (2/ 119) والبزار (563 كشف) عن أبى أحمد الزبيرى- وهو ثقة- ثنا كثير بن زيد عن نافع قال: كان عبد الله بن عمر إذا جلس فى الصلاة وضع يديه على ركبتيه، وأشار بإصبعه، وأتبعها بصره، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لهى أشد على الشيطان من الحديد". يعنى السبابة. وإسناده حسن، وكثير بن زيد صدوق حسن الحديث على الراجح من أقوال العلماء. وقد صحح الإمام البخارى رحمه الله حديثا هو فى إسناده كما فى "علل الترمذى الكبير" (ص 677). ثم وجدت كذابًا آخر روى حديث الترجمة على لون آخر، ففى "الحلية" (7/ 139) من طريق أبى حذيفة إسحاق بن بشر ثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دعا يدعو بيده اليسرى (¬33) يبسطها ويشير بإصبعه المسبحة ويقول: إن الإشارة فى الدعاء بالمسبحة مقمعة للشيطان". وأبو حذيفة هذا هو البخارى صاحب كتاب "المبتدأ" وهو متهم بالوضع، وهو شر من الواقدي إذ لم يعدم الأخير من يوثقه ويدافع عنه - بغير صواب - أما أبو حذيفة فلا أعلم أحدًا شهد له بخير! ثم وجدت محمد بن عمر الداربجردى يوثقه، فقال الحافظ فى "اللسان" (1/ 304): "فلم يلتفت إليه أحد لأن أبا حذيفة بين الأمر لا يخفى حاله على العميان"! والراوى عنه: القاسم ابن المساور الجوهرى ترجمه الخطيب (12/ 427) برواية ابنه أحمد عنه، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. ¬

_ (¬33) كذا فى "الحلية" فليحرر.

وبعد، (فالصحيح) فى حديث الترجمة أنه من قول التابعي الجليل مجاهد بن جبر رحمة الله عليه - مع اختلاف يسير - فالإمام البيهقى رحمه الله بعد أن علقه عنه - عقب حديث الواقدى - وصله من طريق عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان عن عثمان بن الأسود عنه، فاختصر لفظه ورواه عبد الرزاق فى "مصنفه" (3245) عن الثورى به عنه قال: "تحريك الرجل إصبعه فى الصلاة مقمعة للشيطان". والمراد بالتحريك هاهنا الإشارة نفسها، فقد رواه ابن أبى شيبة (2/ 484) عن حفص بن غياث عن عثمان عن مجاهد بلفظ: "الدعاء هكذا - وأشار بأصبع واحدة - مقمعة للشيطان". وإسناده صحيح. وبالإشارة فسره أيضًا الإمام البيهقي كما يفهم من إيراده للآثار فى ذلك (2/ 133)، وبصنيعه استدل الشيخ الأعظمى رحمه الله على ما ذكرناه. (أما) ما جاء فى رواية - فردة - من روايات حديث وائل بن حجر الحضرمى رضى الله عنه - فى صفة صلاة النبى صلى الله عليه وآله وسلم - وفيها: "ثم رفع أصبعه فرأيته يحركها يدعو بها ... " الحديث. وهى عند النسائى وابن ماجة وابن خزيمة والبيهقى وغيرهم بإسناد رجاله ثقات لكن لفظة: "يحركها" زائدة من زائدة! وهو زائدة بن قدامة أبو الصلت الكوفى، ثقة ثبت صاحب سنة كما فى "التقريب" (1982) لكنها شاذة، وقد جزم ابن خزيمة فى "صحيحه" (1/ 354) بأنه تفرد بها، ولم أجد له متابعًا مع كثرة التفتيش عن طرق هذا الحديث وقد رواه أحد عشر رجلًا كلهم - إلا واحدًا - من الثقات الحفاظ، فلم يذكروها، وهم: 1 - سفيان بن سعيد الثورى. 2 - سفيان بن عيينة الهلالى. 3 - شعبة بن الحجاج. 4 - عبد الواحد بن زياد. 5 - عبد الله بن إدريس. 6 - زهير بن معاوية. 7 - أبو عوانة اليشكرى. 8 - أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفى.

18 - الحديث الثامن عشر

9 - بشر بن المفضل. 10 - خالد بن عبد الله الواسطى الطحان. وكلهم ثقات حفاظ أئمة. 11 - غيلان بن جامع. وهو ثقة. وهذا سوى روايات أخرى ضعيفة وواهية عند الطبراني توافق ما رواه كل هؤلاء الثقات. ولقد ظللت- لفترة من الزمان- متهيبًا من الحكم على هذه الزيادة بالشذوذ- مع اعتقاد أرجحية الإشارة فى الصلاة بغير تحريك - حتى علمت أن أخوين فاضلين من أهل الحديث يشرع كل منهما فى إعداد رسالة بهذا الصدد، أحدهما من تشاد والآخر من اليمن. وسوف أتعرض لرواية زائدة هذه، ولبيان صحة حديث ابن الزبير فى عدم التحريك - إن شاء الله - فى مشروع يتعلَّق بأحاديث فى أسانيدها أو متونها شذوذ أو علة قادحة، زائدة على ما فى "علل الحديث" لابن أبى حاتم الرازى، وربما أورد أحاديث حكم أبو حاتم أو أبو زرعة عليها بالنكارة أو البطلان أو الخطأ، ولم يوردا حجتهما فى ذلك، لإثبات صحة قولهما، كحديث ابن الزبير رضى الله عنهما "كان اسم أبى بكر: عبد الله بن عثمان، فقال له النبى صلى الله عليه وآله وسلم: "أنت عتيق الله من النار". وقد تجمع لى قدر منها، فانتخبت منه خمسين حديثًا - كقسم أول كما هى عادتي - يسر الله خروجه وقدر لنا الخير حيث كان. الحديث الثامن عشر: " تفكر ساعة خير من قيام ليلة". ضعيف جدًا. رواه أبو الشيخ من طريق نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعًا بلفظ: "التفكر فى عظمة الله وجنته وناره ساعة خير من قيام ليلة، وخير الناس المتفكرون فى ذات الله، وشرهم من لا يتفكر فى ذات الله". قاله محقق "العظمة" لأبى الشيخ (1/ 301) نقلًا عن "زهر الفردوس" (2/ 52)

- باختصار بعض من السند - قال: "ولم أهتد إلى هذا الحديث فى "العظمة"، لعله أخرجه فى غيره". قلت: وإسناده ضعيف جدًا، نهشل هذا متروك وكذبه إسحاق بن راهويه كما فى "التقريب" (7198)، ورواية الضحاك عن ابن عباس منقطعة. ثم وجدته مرويا بلفظ الترجمة فى "كنز العمال" (3/ 107) وقال: "رواه صالح ابن أحمد فى كتاب "التبصرة" عن أنس"، ولم أجد للآن من تكلم عليه. وقد رُوِى بألفاظ أخرى، ففى "العظمة" (43) من طريق عطاء الخراساني عن أبى هريرة مرفوعًا: "فكرة ساعة خير من عبادة ستين سنة". وفى إسناده: عثمان بن عبد الله القرشى، وإسحاق بن نجيح الملطي، وهما متهمان بالوضع. ورواية عطاء الخراساني عن أبي هريرة منقطعة أيضًا. وقال العلامة الألباني فى "الضعيفة" (173): "موضوع". وروى الديلمى من طريق محمد بن جعفر الوركانى عن سعيد بن ميسرة عن أنس قال: "تفكر ساعة فى اختلاف الليل والنهار، خير من عبادة ألف سنة". أورده السيوطى فى "اللآلئ المصنوعة" (2/ 327) كشاهد لحديث أبى هريرة، فتعقبه الألبانى بأنه - مع كونه موقوفًا ومغايرًا للفظ الحديث - فهو موضوع أيضًا. (وبعد)، فإن حديث الترجمة ورد موقوفًا من قول ابن عباس وأبى الدرداء - رضى الله عنهم - والحسن رحمه الله. 1 - أثر ابن عباس: رواه أبو الشيخ (42) من طريق ليث بن أبى سليم عن سعيد بن جبير عنه. والديلمى (¬34) بلفظ: "خير من قنوت ليلة". ولكن لا أدرى أهو عنده من نفس الطريق أم من غيرها. وليث ضعيف يعتبر بحديثه فى الشواهد والمتابعات. وقول الحافظ فى "التقريب" (5685): "صدوق، اختلط ¬

_ (¬34) كما فى "زهر الفردوس" مصور الجامعة الإِسلامية برقم (1451) قاله محقق "العظمة".

أخيرًا (¬35) , ولم يتميز حديثه فترك". ليس معناه أنه "متروك الحديث" كما فهم محقق "تفسير ابن أبى حاتم"، وإنما مراده أنه لما اختلطت أحاديثه التي حدث بها قبل الاختلاط بتلك التي حدث بها بعده رُدَّت كلها وحكم بضعفها. والله أعلم. ورواه أبو الشيخ (44) من طريق أخرى ضعيفة عن سعيد عنه بلفظ: "ركعتان مقتصدتان فيهما تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه". ورواه ابن المبارك فى "الزهد" (288) عن رجل عن عكرمة عنه، فالطريقان يقوى كل منهما الآخر. وهو بهذا اللفظ عنه أشبه من الأول. 2 - أثر أبى الدرداء: وله - فيما وقفت عليه - أربع طرق: الأول: عند أحمد فى "الزهد" (ص 139) وهناد (943) وابن سعد (7/ 2 / 117, 118) ثلاثتهم عن أبى معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سالم ابن أبى الجعد عن أم الدرداء عنه. وإسناده صحيح على شرطهما. الثانية: عند ابن عساكر (13/ 753) من طريق مكحول عنه. وإسناده منقطع. الثالث: عند أبى نعيم (1/ 208, 209) عن سالم بن أبى الجعد أيضًا عن معدان ابن أبي طلحة عنه. الرابعة: عند ابن عساكر من طريق عون بن عبد الله عن أم الدرداء عنه به. وكلاهما واهٍ. 3 - أثر الحسن: رواه أحمد فى "الزهد" (ص 272) وابن أبى شيبة (13/ 507) كلاهما عن محمد بن فضيل عن العلاء بن المسيب عنه. وإسناده صحيح. ¬

_ (¬35) فى "التقريب" (ط. دار البشائر الإسلامية): "اختلط جدا" والتصويب من (ط. دار المعرفة) (2/ 138).

19 - الحديث التاسع عشر

وروى ابن المبارك (285) عن الربيع بن صبيح عنه قال: "إن من أفضل العمل الورع والتفكر". ورواه عبد الله بن أحمد فى "زوائد الزهد" (ص 265) بلفظ: "أفضل العلم الورع والتوكل". والربيع بن صبيح رجل صالح، وفيه ضعف. قال الحافظ (1895): "صدوق سيئ الحفظ". قلت: لكن يغتفر له مثل هذا الأثر المقطوع، لا سيما وهو واحد من أشهر أصحاب الحسن، وقد قواه غير واحد من الأئمة. والله أعلم. الحديث التاسع عشر: " التائب من الذنب كمن لا ذنب له". ضعيف. رُوِى من حديث ابن مسعود وابن عباس وأنس وأبو سعيد الأنصارى وأبو عنبة الخولانى وعائشة. 1 - حديث ابن مسعود: رواه ابن ماجة (4250) والطبرانى فى "الكبير" (10/ 185) - وعنه أبو نعيم (4/ 210) والشجرى (1/ 198) - والقضاعى (108) وغيرهم من طريق وهيب بن خالد عن معمر عن عبد الكريم الجزرى عن أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود عنه به. ورجاله كلهم ثقات لكنه منقطع، أبو عبيدة لم يسمع من أبيه كما تقدم فى أثناء الحديث الثاني ومع أن هذه الطرق معدودة من أصح طرق هذا المتن، لكنني وقفت لها على علة قادحة. قال الحافظ الخطيب رحمه الله فى "موضح أوهام الجمع والتفريق" (1/ 257): "تفرد بروايته محمد بن عبد الله الرقاشي عن وهيب بهذا الإسناد مرفوعًا، ولم يتابع عليه".

قلت: وتكلم على هذه الطريق (1/ 257, 258) كلامًا حاصله: 1 - أن عبد الرزاق رواه عن معمر - فلم يقم إسناده - فقال: "عن عبد الكريم الجزري عن زياد بن أبى مريم عن عبد الله" وأوقفه بلفظ: "الندم توبة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له". 2 - وأن ابن المبارك (¬36) أيضًا رواه عن معمر فقال "عن عبد الكريم عن أبى عبيدة عن أبيه" وأوقفه مقتصرًا على قوله: "الندم توبة". 3 - وأن ابن المدينى رواه عن عبد الرزاق عن معمر هكذا، ثم قال: قال لنا عبد الرزاق: "وهذا وهم، اجعلوه عن رجل عن ابن مسعود". وقد أوقفه على ابن مسعود ثقة ثالث - هو محمد بن ثور الصنعانى- فقد قال ابن أبى حاتم فى "علل الحديث" (2/ 141): "سألت أبى عن حديث رواه ابن ثور عن معمر عن عبد الكريم الجزرى عن أبى عبيدة بن عبد الله عن ابن مسعود قال: الندم توبة، التائب من الذنب كمن لا ذنب له. قال أبى: هذا خطأ إنما هو: عبد الكريم عن زياد بن الجراح عن ابن معقل قال: دخلت مع أبى على ابن مسعود. قلت: هذا الترجيح صواب بشأن رواية ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "الندم توبة". حَسْبُ. أما لفظة: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"، فلا أعلم لها إسنادًا إلا من طريق معمر عن عبد الكريم الجزرى على الخلاف المتقدم إسنادًا، ورفعا ووقفا. وإنما روى جماعة من الثقات وغيرهم عن عبد الكريم بالسند الذى رجحه أبو حاتم، قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "الندم توبة". وقد أفاض الخطيب جدًا ¬

_ (¬36) رواية ابن المبارك وصلها الخطيب من طريق نعيم بن حماد عنه، وهى ثابتة فى "زوائد الزهد" (168) ونعيم يرويه من كتاب - حتى لا يتعلل بعدم ثبوته عن ابن المبارك من أجل ما فى نعيم بن حماد من مقال تقدم فى الحديث العاشر.

في بيان ذلك، فانظر "الموضح" (1/ 263: 247) مع تعليق العلامة المعلمى رحمة الله عليه. فالحاصل أن الحديث مُعَلّ بالوقف بإسناد منقطع. 2 - حديث ابن عباس: رواه ابن أبي الدنيا بزيادة: "والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه، كالمستهزئ بربه، ومن آذى مسلمًا كان عليه من الإثم مثل كذا وكذا" كما في "المقاصد" (ص 152) وقال السخاوى: "وسنده ضعيف، فيه من لا يُعرف، وروى موقوفًا، قال المنذرى: ولعله أشبه، بل هو الراجح". ورواه البيهقى في "الشعب" (2/ 373/ 1) وغيره بلفظ: "كان عليه من الإثم مثل منابت النخل". كما في "الضعيفة" (616). وقال الذهبى: "إسناده مظلم" كما في "الفيض" (3/ 277). قلت: وهو من طريق سلم بن سالم البلخى عن سعيد الحمصي عن عاصم الجذامي عن عطاء عن ابن عباس وهذا إسناد واهٍ، سلم بن سالم اتفقوا على تضعيفه وأشار أبو زرعة الرازى إلى أنه كان لا يصدُق. وسعيد الحمصى لا يعرف. ويحتمل أن يكون: "سعيد بن عبد الجبار الزبيدى الحمصى". وهو واهٍ، من طبقة بقية، وروى بقية عنه أيضًا. وقرينة هذا الاحتمال أن شيخه من شيوخ بقية. قال الذهبى (2/ 358): "شيخ لبقية. لا يعرف" ثم وجدت لسلم بن سالم رواية عن سعيد ابن عبد الجبار عند الشجرى (2/ 47) فلله الحمد. 3 - حديث أنس: رواه القشيرى في "الرسالة" (ص 49) قال: "أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين بن فورك قال: أخبرنا أحمد بن محمود بن خرزاذ (¬37) قال: حدثنا محمد بن فضل بن جابر قال: حدثنا سعيد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن زكريا قال: حدثنى أبي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وإذا أحب الله عبدًا لم يضره ذنب" ثم تلا: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ¬

_ (¬37) في "الرسالة" (ط. مصطفى الحلبى): "أحمد بن محمود بن خراز" والتصويب من "لسان الميزان" (1/ 309)، (6/ 314).

وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} قيل يا رسول الله، وما علامة التوبة؟ قال: "الندامة". ورواه ابن النجار من طريقه (10/ 161/ 2). قال الشيخ الألبانى حفظه الله في "الضعيفة" (615) (¬38): "قلت: وهذا إسناد مظلم، من دون أنس لم أجد لأحد منهم ذكرًا في شيء من كتب الرجال، اللهم إلا ابن خرذاذ (¬39) هذا فهو من شيوخ الدارقطني، وقد ساق له حديثا بسند له إلى مالك عن الزهرى عن أنس. ثم قال الدارقطني: "هذا باطل بهذا الإسناد، ومن دون مالك ضعفاء". وقال في موضع آخر: "مجهول" كما في "اللسان". فالظاهر أنه هو آفة هذا الحديث. والله أعلم. والحديث أورده في "الجامع الصغير" من رواية القشيرى وابن النجار، ولم يتكلم عليه المناوى بشئ" اهـ. قلت: كذا قال حفظه الله، وجماعة من الذين لم يجدهم الشيخ معروفون: 1 - فشيخ القشيرى الصواب في اسمه: "أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك" وهو المتكلم المشهور، ترجمه الذهبي في "السير" (17/ 214: 216)، ولم يذكر في ترجمته ما يفصح عن حاله في الحديث. وقال: " ... وسمع من ابن خرزاذ الأهوازي". وختم ترجمته بحكايتين شنيعتين، فانظرها إن شئت. 2 - وشيخ شيخه وقع اسمه للشيخ: "محمد بن فضيل بن جابر" فلم يعرفه، ولو وضع احتمال تصحفه لعرفه، فإنه: "محمد بن الفضل بن جابر" وهو السقطى - من شيوخ الطبراني - صدَّقه الدارقطني كما في "سؤالات الحاكم" (197) ووثقه الخطيب (3/ 153). 3 - وشيخ السقطى - سعيد بن عبد الله - يحتمل أن يكون: "سعيد بن ¬

_ (¬38) لم يذكر فيها زيادة: ثم تلا ... الخ، لا أدرى لماذا؟ (¬39) كذا سماه - بذالين - وكذلك أورده في السند، والصواب: "خرزاذ" كما قدمنا عن "اللسان". وسيأتي عن الذهبي ما يؤيد ذلك. وفى الرواة أيضًا: "عثمان بن عبد الله ابن محمد بن خرزاذ" وهو ثقة حافظ من رجال "التهذيب".

عبد الله بن دينار". قال ابن حبان في ترجمة عبد الواحد بن زيد البصري من "الثقات" (¬40) (7/ 124): "ويجتنب من حديثه من رواية سعيد بن عبد الله بن دينار، فإن سعيدًا يأتي بما لا أصل له عن الأثبات" وأورده الحافظ في "اللسان" (3/ 35) وقال: "له ذكر في ترجمة عبد الواحد بن زيد البصرى" وذهل فأعاده في (3/ 126) وهو هو فكان على الشيخ أن يستظهر أنه هو ثم وجدت له ترجمة في "تاريخ دمشق" (7/ 288/ 289) و "الجرح" (4/ 18) وقال أبو حاتم: "مجهول". 4 - حديث أبي سعيد الأنصارى: رواه أبو نعيم (10/ 398) من طريق ابن أبي فديك عن يحيى بن أبي خالد عن ابن أبي سعيد الأنصارى عن أبيه مرفوعًا. ولفظه: "الندم توبة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له". ورواه الحكيم الترمذى في "نوادر الأصول" - بتقديم وتأخير- كما في الإصابة (4/ 87) - ولكن سماه: "ابن أبي سعد". وإسناده ضعيف مظلم، فيحيى بن أبي خالد مجهول قاله أبو حاتم كما في "الجرح" (9/ 140) وحكى الحافظ في "اللسان" (6/ 252) عنه أنه قال: "روى عن ابن أبي سعيد عن أبيه رفعه: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" وهو حديث ضعيف، رواه مجهول عن مجهول". وابن أبي سعيد ترجمه ابن أبي حاتم (9/ 321) باسم: "ابن أبي سعد" وحكى عن أبيه أيضًا أنه قال: "مجهول". وأبوه ترجمه (9/ 378) وسماه "أبا سعد الأنصارى" وقال: "روى عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم: "الندم توبة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ومنك من أعتبك (كذا) وإنى لأكره ¬

_ (¬40) لقد أغرب ابن حبان رحمه الله بذكره عبد الواحد بن زيد في "الثقات" فإن الجمهور على تركه وسقوط حديثه، ثم إنه تناقض فيه فأورده أيضًا في "المجروحين" (2/ 154، 155" وقال: "كان ممن يغلب عليه العبادة حتى غفل عن الإتقان فيما يروى، فكثر المناكير في روايته، فبطل الاحتجاج به ا. هـ وهو الصواب.

المرأة المرهاء، والمرأة السلتاء". روى ابن أبي فديك عن يحيى بن أبي خالد عن ابن أبي سعد عن أبيه". 5 - حديث أبي عنبة الخولاني: أخرجه البيهقى كما في "المقاصد"، ولم أرَ أحدًا تعرض للكلام عنه، فالله أعلم بحاله. 6 - حديث عائشة: رواه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1/ 132) من طريق على بن زيد عن سعيد بن المسيب عنها - في حديث طويل عجيب لوائح الوضع عليه بادية، فأوله: "الموت غنيمة، والمعصية مصيبة، والفقر راحة، والغناء عقوبة، والعقل هدية من الله، والجهل ضلالة، والظلم ندامة، والطاعة قرة العين، والبكاء من خشية الله النجاة من النار، والضحك هلاك البدن، والتائب .... " الحديث. وعلى بن زيد ضعيف، والإسناد إليه واهٍ وفيه إظلام أيضًا. وبَعْد، فمن الواضح - بعد ظهور علة حديث ابن مسعود - أن سائر طرق هذا الحديث مظلمة، وأكثرها - مع إظلامه - واهٍ، وإحداها حالها مجهولة، ولذلك فالقول بحُسنه - مع كثرتها - مما تدفعه القواعد الحديثية الدقيقة ولا ينشرح القلب لمثله. أما نسبته إلى ابن مسعود فالأمر في ذلك هين، فإن أبا عبيدة يروى عن جماعة من الصحابة وعن كبار أصحاب أبيه. والغالب على أصحاب ابن مسعود الثقة والأمانة (ولكن) حديث الترجمة صحيح قطعًا من قول عامر بن شراحيل الشعبي رحمه الله- وهو من فقهاء التابعين وفضلائهم - كما رواه وكيع في "الزهد" (278) والبيهقى في (¬41) "شعب الإيمان" (2/ 2/ 450) عن سفيان الثورى عن عاصم الأحول عنه به، ثم قرأ: {إِنَّ اللَّهَ ¬

_ (¬41) قاله محقق "زهد وكيع" حفظه الله.

20 - الحديث العشرون

يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}. ورواه أيضًا ابن أبي الدنيا كما في "المقاصد". وإسناده صحيح على شرطهما. ورواه أبو نعيم (4/ 318) من طريق قيس - هو ابن الربيع - عن عاصم عنه، بلفظ: "كان يقال (¬42): "التائب من الذنب كمن لا ذنب له، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، فإذا أحب الله عبدًا لم يضره ذنب، وذنب لا يضر كذنب لم يعمل". وفى هذا الإسناد مقال، قيس بن الربيع هو الأسدي الكوفي، قال الحافظ (5573): "صدوق تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدَّث به". قلت: والثورى رحمه الله لا نظير له في الحفظ والإتقان، فروايته - مختصرًا - هى الراجحة عن عاصم عن الشعبى، والتى تجعل المتن من قول الشعبي نفسه، لا من حكايته بلفظ: "كان يقال" فتنبه. والله أعلم. الحديث العشرون: " الجنة حرام على كل فاحش أن يدخلها". ضعيف. رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت" (322) من طريق يحيى بن يحيى حدثنا ابن لهيعة عن عياش بن عباس عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: ... فذكره. وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات سوى عبد الله بن لهيعة المصرى، فإنه معروف بالضعف - على تفصيل فيه. وما هو من رواية أحد من قدماء أصحابه ¬

_ (¬42) في هذا اللفظ تشابه شديد مع حديث أنس - المتقدم - كأن الأصل فيه هذه الرواية. والله أعلم.

كالعبادلة الثلاثة وغيرهم. والأشبه أنه موقوف على عبد الله بن عمرو، وأخطأ ابن لهيعة فرفعه، (فقد) قال أبو نعيم رحمه الله في "الحلية" (1/ 288): "حدثنا محمد بن معمر ثنا موسى ابن هارون ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث بن سعد عن عياش بن عباس (¬43) عن أبي عبد الرحمن قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: "إن الجنة حرام على كل فاحش أن يدخلها". ورجاله كلهم ثقات معروفون، رجال الصحيح سوى موسى بن هارون وهو ابن عبد الله الحمال، أحد الثقات الحفاظ، وسوى شيخ أبي نعيم: محمد بن معمر وهو ابن ناصح الأصبهانى، ترجمه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 284/ 285) وقال: "الذهلى الأديب، توفى في صفر سنة خمس وخمسين وثلاثمائة. روى عن موسى بن هارون ويوسف القاضى وأبى شعيب وطبقتهم، وعن ابن أبي عاصم ببعض مصنفاته". ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. وترجمه الذهبى في "العبر" (2/ 96) - في وفيات سنة 355 - فقال: "وفيها: محمد بن معمر بن ناصح، أبو مسلم الذهلي الأديب، بأصبهان، روى عن أبي بكر بن أبي عاصم، وأبى شعيب الحرانى، وطائفة". ثم وجدت الخطيب أيضًا ترجمه في "تلخيص المتشابه" (ص 129، 130) فذكر نحوًا مما قاله أبو نعيم وقال "ثنا عنه أبو نعيم أحمد بن عبد الله، وعلى بن يحيى بن جعفر الأصبهانيان" ثم روى له حديثًا عن ابن أبي عاصم. ولم أقف على أحد تكلم فيه، وقد تتبعت ما رواه أبو نعيم عنه - من خلال "فهارس الحلية" - فوجدته روى (2/ 297, 298) عنه حديثا قال عقبه: "هذا حديث صحيح ثابت. أخرجه مسلم في صحيحه" عن القواريرى عن حماد بن زيد ... " فذكر الاختلاف في إسناده. ولم أجد في سائر المواضع ما يمكن أن يؤخذ عليه. ¬

_ (¬43) جاء في "الحلية" - خطأ - "عن عياش بن عياش".

21 - الحديت الحادى والعشرون

وقد توبع على أصل السند في الحديث الذى نحن بصدده - لولا أن ابن لهيعة زاد الرفع - وأوقفه هذا الشيخ، فمحله الصدق والأمانة إن شاء الله تعالى ومما يجدر التنبيه عليه أن الحافظ السيوطى رحمه الله ذكر حديث الترجمة في "الجامع" (3648) وعزاه إلى ابن أبي الدنيا في "الصمت" وأبى نعيم في "الحلية" عن ابن عمرو، ورمز لضعفه، وأقره على ذلك الحافظ المناوى رحمه الله مؤكدًا ذلك بقوله: "كلاهما" أى كلاهما رواه عن ابن عمرو مرفوعًا. ومثله قول الحافظ العراقى رحمه الله في "تخرج الإحياء" (3/ 121): "أخرجه ابن أبي الدنيا وأبو نعيم في "الحلية" من حديث عبد الله بن عمرو" وقد علمت أنه في "الحلية" موقوف، فالكمال لله وحده. وحكى المناوى وغيره عن الحافظ العراقى قال: "سنده لين". والله أعلم. الحديت الحادى والعشرون: " الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها". ضعيف جدًا. رُوِى من حديث أبي هريرة، وأنس، وعلى، وبريدة، ومن مرسل زيد بن أسلم. 1 - حديث أبي هريرة: رواه الترمذى (2828) وابن ماجة (4169) والقضاعي (52) والعسكرى في "الأمثال" والبيهقى في "المدخل" (412) وابن الجوزى في "العلل المتناهية" (114) من طريق إبراهيم بن الفضل المخزومي المدني عن سعيد بن أبي سعيد المقبرى عنه به وإسناده ضعيف جدًا. قال الترمذى: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإبراهيم بن الفضل المخزومي ضعيف في الحديث". وقال البيهقى: "تفرد به إبراهيم بن الفضل، وليس بالقوي". وقال ابن الجوزى: "هذا حديث لا يصح. قال يحيى: إبراهيم ليس حديثه بشئ".

وكذلك أورده كل من "العقيلي" في "الضعفاء الكبير" (1/ 60، 61) وابن حبان في "المجروحين" (1/ 105) وابن عدى (1/ 232) من جملة ما استنكر عليه. وقال الحافظ (228): "متروك" والحديث قال العلامة الألبانى في "ضعيف الجامع" (4/ 166): "ضعيف جدًا". 2 - حديث أنس: رواه العسكرى في "الأمثال" من حديث عنبسة بن عبد الرحمن عن شبيب بن بشر عنه رفعه: "العلم ضالة المؤمن حيث وجده أخذه" كما في "المقاصد" (ص 191, 192). وإسناده ضعيف جدًا أيضًا، عنبسة متروك، وشبيب مختلف فيه، فوثقه ابن معين وقال ابن حبان في "الثقات": "يخطئ كثيرًا" ولينه أبو حاتم وقال البخارى: منكر الحديث. فهو إلى الضعف أقرب. 3 - حديث على: له طريقان: الأولى: من رواية أبي الدنيا الأشج عنه. قال السخاوى " ... وكذا هو في نسخة أبي الدنيا الأشج الكذاب عن على". الثانية: عند الديلمى من طريق عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عنه مرفوعًا بلفظ: "ضالة المؤمن العلم، كلما قيد حديث طلب إليه آخر". قاله السخاوى أيضًا. وإسناده ضعيف جدًا، عبد الوهاب بن مجاهد متروك وقد كذبه الثورى كما في "التقريب" (4263). وقال محقق "مسند الشهاب": "ورواه الديلمى (2/ 101) من حديث على، وهو ضعيف جدًا". 4 - حديث بريدة: رواه الديلمي (¬44) بلفظ: "الحكمة ضالة المؤمن، من ¬

_ (¬44) "الفردوس" (2/ 243) وقال الحافظ في "تسديد القوس" " ... وفى الباب عن بريدة" ا. هـ. كما في الحاشية.

حيث ما وجدها أخذها". ولم يتكلم الحافظ على إسناده. فالله أعلم. 5 - مرسل زيد بن أسلم: رواه القضاعي (146) من طريق الليث بن سعد عن هشام بن سعد عنه مرفوعًا بلفظ: "الحكمة ضالة المؤمن، حيثما وجد المؤمن ضالته، فليجمعها إليه". وشيخ القضاعى: أبو الحسن عبد العزيز بن محمد بن داود لم أجد له ترجمة. وفيه أيضًا أبو قرصافة محمد بن عبد الوهاب العسقلانى، لم أجد أيضًا له ترجمة مستقلة، لكن ذكره المزى في "تهذيب الكمال" (2/ 303) في الرواة عن آدم بن أبي إياس العسقلانى - شيخه في هذا الإسناد- وهو أيضًا معلول، فقد ورد بإسناد صحيح عن زيد بن أسلم موقوفًا عليه كما يأتى. إذ (الصحيح) أن حديث الترجمة من قوله، وكذلك من قول سعيد بن أبي بردة - بلفظ: "كان يقال" - وعبد الله بن عبيد بن عمير، وثلاثتهم من خيار التابعين وثقاتهم. 1 - أثر زيد بن أسلم: رواه ابن عساكر (6/ 551) من طريق عبد الله بن وهب عن هشام بن سعد عنه قال: "نعم الهدية الكلمة من كلام الحكمة يهديها لأخيه. والحكمة ضالة المؤمن، إذا وجدها أخذها". وإسناده صحيح، وهشام وإن كان فيه مقال، فقد قال الإمام أبو داود رحمه الله: "هو أثبت الناس في زيد بن أسلم". وقال الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمته من "الميزان" (4/ 298): " ... يقال له يتيم زيد بن أسلم، صحبه وأكثر عنه ... " وفى ترجمته من "السير" (7/ 345): " ... يتيم زيد بن أسلم. حدث عن .... وزيد بن أسلم، وهو مكثر عنه، بصير بحديثه". 2 - أثر سعيد بن أبي بردة - وهو ابن أبي موسى الأشعرى رضى الله عنه - رواه ابن أبي شيبة (14/ 51) والبيهقي في "المدخل" (844) من طريق وكيع عن المسعودى عنه قال: "كان يقال: الحكمة ضالة المؤمن، يأخذها حيث وجدها".

22 - الحديث الثانى والعشرون

3 - أثر عبد الله بن عبيد بن عمير: رواه ابن أبي شيبة (14/ 60) وأبو خيثمة في "العلم" (157) - واللفظ له - وأبو نعيم (3/ 354) من طرق عن عبد العزيز ابن أبي رواد عنه قال: "العلم ضالة المؤمن، كلما أصاب شيئًا حواه، وابتغى ضالة أخرى". وإسناده صحيح، صححه العلامة الألباني في تحقيق "العلم". الحديث الثانى والعشرون: " خير الأمور أوساطها". ضعيف. رُوِى من حديث على، ومن مرسل مطرف بن عبد الله ومعضل عمرو ابن الحارث المصرى بلاغًا. 1 - حديث على: رواه ابن السمعاني في "ذيل تاريخ بغداد" بسند مجهول. قاله السخاوى في "المقاصد" (ص 205). وقال السيوطى في "الدرر المنتثرة" (218): " ... بسند فيه من لا يعرف حاله". 2 - مرسل مطرف: يأتى الكلام عليه في محله. 3 - معضل عمرو بن الحارث: رواه البيهقى في "سننه" (3/ 273) من طريق ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد عن هارون عن كنانة أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الشهرتين: أن يلبس الثياب الحسنة التي ينظر إليه فيها، أو الدنية أو الرثة التي ينظر إليه فيها. قال عمرو: بلغنى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أمرًا بين أمرين، وخير الأمور أوساطها". وقال البيهقى: "هذا منقطع". قلت: الحديث الأول ضعيف لإرساله، وكنانة هو ابن نعيم العدوى. أفاده ابن التركمانى حفظه الله في "الجوهر النقي". وهو ثقة من الرابعة كما في "التقريب" (5668).

وللبيهقي في "الشعب" عن أبي هريرة وزيد بن ثابت مرفوعًا: "نهى عن الشهرتين: رقة الثياب وغلظها، ولينها وخشونتها، وطولها وقصرها، ولكن سداد بين ذلك واقتصاد" كما في "الجامع الصغير" (6057) وقال الألبانى في "ضعيفه" (6/ 30): "موضوع". وأما قول عمرو بن الحارث: بلغنى ... الخ، فهو ضعيف لإعضاله، وعمرو بينه وبين النبى صلى الله عليه وآله وسلم ما لا يقل عن رجلين. ولم أجد أحدًا ممن تكلم على حديث الترجمة تعرض لهذه الطريق المعضلة، وإنما وقفت عليها - بمحض القدر - أثناء تقليبى لفهارس "السنن الكبرى" إذ لم يكن في الحسبان أن الحديث فيها. وللديلمى عن ابن عباس مرفوعًا - بلا سند كما قال السخاوى - "دوموا (¬45) على أداء الفرائض والنوافل، فمن عوَده الله - عز وجل - عبادة فليمض عليها، فإن خير الأعمال أوسطها، وأحمد الأعمال ما دام عليه العبد، وإن قلت". (وحديث) الترجمة إنما هو ثابت من قول مطرف بن عبد الله بن الشخير وأبى قلابة الجرمى رحمهما الله. 1 - أثر مطرف: رواه ابن أبي شيبة (13/ 479) وابن سعد (7/ 1/ 103) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عنه وإسناده صحيح على شرط مسلم. ورواه أبو عبيد في "غريب الحديث" (2/ 397, 398) عن ابن علية عن إسحاق ابن سويد عنه - حين قال لابنه لما اجتهد في العبادة: "خير الأمور أوساطها، والحسنة بين السيئتين، وشر السير الحقحقة" (¬46). وإسناده صحيح على شرط ¬

_ (¬45) وفى "الفردوس" (2/ 331): "داوموا ... ". (¬46) قال أبو عبيد: "وقوله: شر السير الحقحقة، وهو أن يلح في شدة السير حتى تقوم عليه راحلته أو تعطب فيبقى منقطعًا به. وهذا مثل ضربه للمجتهد في العبادة حتى يحسر".

الشيخين. وذكر السيوطي رحمه الله في "الدر المنثور" (4/ 208) - عند قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} أن ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم أخرجوا عنه قال: "العلم خير من العمل، وخير الأمور أوسطها، والحسنة بين تلك السيئتين، وذلك لأن الله تعالى يقول: ... وذكر الآية. ولم أجد شيئًا من ذلك عند الطبرى في تفسير هذه الآية لا عن مطرف ولا عن يزيد بن مرة الجعفي - إذ عزاه السخاوى والسيوطى إليهما مختصرًا. وجزم الغزالى بنسبته إلى النبى صلى الله عليه وآله وسلم (3/ 57, 96, 169) فعزاه العراقى في المواضع الثلاثة إلى "شعب الإيمان" عن مطرف مرسلًا (¬47)، ولم يتيسر النظر في سنده الآن ولكن قرائن الحال تدل على ضعف الرواية المرفوعة عن مطرف وقد أعرض عنها غير واحد، فالله أعلم. 2 - أثر أبي قلابة: رواه ابن أبي شيبة (13/ 497) وعنه أبو نعيم (2/ 286) عن يعمر بن بشر الخراساني عن ابن المبارك عن معمر عن أيوب عنه بلفظ: "خير أموركم أوساطها". وإسناده صحيح جليل. ويعمر بن بشر من كبار أصحاب ابن المبارك، ذكره ابن حبان في "الثقات" (9/ 291) وعليه اقتصر الحافظ في "تعجيل المنفعة" (ص 457) وأبو زرعة بن العراقى في "ذيل الكاشف" (1728) مع أن له ترجمة جيدة في "تاريخ بغداد" (14/ 357, 358) جاء فيها أن الإمام أحمد قال: "ما أرى كان به بأس" وأن ابن المديني قال: "كان يعمر بن بشر ثقة، وكان له ختن سوء، وكان عدوًا له". وأن أبا رجاء محمد بن حمدويه قال: "يعمر بن بشر من ثقات أهل مرو ومتقنيهم، وقد روى عنه أقرانه من أصحاب ابن المبارك ... " الخ. وأن الدارقطنى قال: ¬

_ (¬47) جاء في "تخريج الإحياء" (ط. دار المعرفة) - في الموضع الأول - "أخرجه البيهقي" في "شعب الإيمان" من رواية مطرف بن عبد الله معضلا. (كذا، والصواب: مرسلا) كما في سائر المواضع.

"يعمر بن بشر ثقة ثقة". وقال الهيثمى في "المجمع" (5/ 122) - في حديث لسمرة بن فاتك الأسدى - "رواه أحمد عن شيخه يعمر بن بشر ويقال: مشايخ أحمد كلهم ثقات، وبقية رجاله ثقات" اهـ. فهذا منه - رحمه الله - أعجب، فإن توثيق ابن حبان معتمد عنده - في الغالب - ووجه العبرة من ذلك ألا يعتمد الباحث أو طالب العلم على كتب الأئمة المتأخرين الجامعة - كـ "تعجيل المنفعة" و "ميزان الاعتدال" و "التهذيب" ونحوها - فضلًا عن "الكاشف" و "ذيله" و "الخلاصة" و "التقريب" ونحوها - وحدها، بل عليه أن يرجع إلى الأصول من كتب الأئمة المتقنين كـ "تواريخ يحيى بن معين" و "علل الإمام أحمد" و "المعرفة والتاريخ" للفسوى يعقوب بن سفيان و "الضعفاء" للعقيلي و "الكامل" لابن عدى و "تاريخ بغداد" و "سؤالات الحاكم والسهمى والبرقاني للدارقطني" و "تاريخ دمشق" لابن عساكر، ليتحقق من سلامة النص - من جهة - وليحيط علمًا بكل ما قيل في الراوى من مدح أو قدح، وبما استنكروه عليه من جهة أخرى، لا سيما إذا افتقر الراوى إلى توثيق لغير ابن حبان - رحمه الله - كما في هذه الحالة. ورحم الله أئمتنا جميعهم، إذ جاهدوا في سبيل دينه وسنة نبيه حق الجهاد، وبلغوا الغاية في الفضل والعلم والعمل، وكل من أتى بعدهم فهو عالة عليهم، وما يساوى أحد منهم تراب نعالهم، وإن استدرك عليهم ما استدرك! . هذا - وفى معنى الأثر - (ما رواه) أبو يعلى بسند رجاله ثقات - كما قال السخاوى - وعنه ابن عساكر (17/ 962) من طريق إسماعيل بن عبد الكريم عن عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه قال: "إن لكل شئ طرفين ووسطًا، فإذا أمسك بأحد الطرفين مال الآخر، وإذا أمسك بالوسط اعتدل الطرفان، فعليكم بالأوسط من الأشياء". وجاء من طريقين منقطعين عن على - عند ابن أبي شيبة (13/ 282) وأبى عبيد

استدراك

في "الغريب" (2/ 156) قال: "خير الناس هذا النمط الأوسط، يلحق بهم التالى، ويرجع إليهم الغالي". وتعمدت إثباته في هذا الموضع عسى أن تظهر له طرق أخرى تقويه بفضل الله عز وجل ومنه. استدراك: أثر مطرف بن عبد الله رواه أبو نعيم (2/ 209) من طريق ابن علية أيضًا عن إسحاق بن سويد قال: تعبد عبد الله بن مطرف، فقال له أبوه: "أي عبد الله العلم أفضل من العمل، والسيئة بين الحسنتين، وشر السير (في الأصل الشيئين، وهو تصحيف) الحقحقة" ورجاله ثقات لكنه مقلوب، والصواب "والحسنة بين السيئتين" كما هى رواية أبي عبيد. وأثر وهب بن منبه: "إن لكل شئ طرفين ووسطًا .. " في "الحلية" أيضًا (4/ 45). الحديث الثالث والعشرون: " الدعاء سلاح المؤمن". ضعيف جدًا. رُوِى من حديث على، وجابر. 1 - حديث على: رواه أبو يعلى (1/ 344) وابن عدى (6/ 2181) والحاكم (1/ 492) والقضاعي (143) من طريق محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي به مرفوعًا بزيادة: "وعماد الدين، ونور السموات والأرض". وإسناده ضعيف جدًا، الهمداني واه وكذبه ابن معين، ووهم الحاكم فقال: "هذا حديث صحيح، فإن محمد بن الحسن هذا هو التل، وهو صدوق في الكوفيين".

وقال الذهبي: "صحيح"، مع أنه أورد هذا الحديث بعينه في جملة مناكير الهمداني، في ترجمته من "الميزان" (3/ 514) وسبقه إلى ذلك ابن عدى ووهم الذهبي أيضًا، فأورده في جملة مناكير التل (3/ 513). وقال الهيثمى (10/ 147): "رواه أبو يعلي، وفيه محمد بن الحسن بن أبي يزيد، وهو متروك" وفى الإسناد أيضًا انقطاع بين على بن الحسين وجده على رضى الله عنه وانظر تفصيل ما تقدم - بأطول منه - في "الضعيفة" (179). 2 - حديث جابر: رواه أبو يعلى أيضًا (3/ 346) من طريق محمد بن أبي حميد المدني عن محمد بن المنكدر عنه به مرفوعًا، ولفظه: "ألا أدلكم على ما ينجيكم من عدوكم، ويدر لكم أرزاقكم؟ تدعون الله ليلكم ونهاركم، فإن الدعاء سلاح المؤمن". وقال الهيثمى (10/ 147): "وفيه محمد بن أبي حميد، وهو ضعيف". قلت: ووهاه كثير من الأئمة كابن معين والبخارى وأبو حاتم الرازى والجوزجاني والنسائى وغيرهم، وهو كما قال هؤلاء - رحمهم الله - فإن عامة أحاديثه مناكير لا يتابع عليها. والحديث من هذا الوجه في "الضعيفة" أيضًا (180). واقتصر الشيخ الألبانى حفظه الله على تضعيفه. وقال - في آخر الكلام عن حديث على -: "والجملة الأولى من الحديث وردت من كلام الفضيل بن عياض، رواه السلفى في "الطيوريات" (64/ 1)، ورويت في حديث آخر ضعيف وهو ... " فذكر حديث جابر. قلت: (الأثر) عن الفضيل رحمه الله رواه أيضًا الشجرى في (¬48) "أماليه" (1/ 44) ¬

_ (¬48) وفيها أخطاء وتصحيفات كثيرة، منها - على سبيل المثال - قوله في هذا الإسناد: "أخبرنا أحمد أبو الحسن بن محمد بن أحمد بن محمد العقيقي قال: حدثنا الحسين بن أحمد بن سفيان الموصلي المعلم. قال حدثنا أبو يعلى ... " الخ. وإنما الصواب " ... العتيقي قال: حدثنا الحسين بن أحمد بن فهد الموصلي ... " الخ.

24 - الحديث الرابع والعشرون

من طريق الحافظ أبي يعلي رحمه الله قال: حدثنا عبد الصمد بن يزيد مردويه قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: "الدعاء سلاح المؤمن، والصبر سلاح المؤمن، ولو كان مع علمائنا صبر، لما تمندلوا بهم هؤلاء" - يعنى الملوك - اهـ. وإسناده حسن. الحديث الرابع والعشرون: " الدنانير والدراهم خواتيم الله في أرضه، من جاء بخاتم مولاه، قضيت حاجته". ضعيف جدًا. رواه الطبراني في "الأوسط". قال السخاوى (ص 215, 216): "من حديث ابن عيينة وابن أبي فديك كلاهما عن محمد بن عمرو عن ابن أبي لبيبة عن أبي هريرة به مرفوعًا، وقال: "لا يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا بهذا الإسناد". وقال المناوى (3/ 544): "قال الهيثمى: وفيه أحمد بن محمد بن مالك بن أنس، وهو ضعيف وقال الذهبي: حديث ضعيف". قلت: وأورد أحمد هذا في "المغنى" (1/ 57) وقال: "ضعفوه" وهو إلى الضعف الشديد أقرب، فقد أورده الدارقطني في "الضعفاء" (41) وسكت عنه، فهو متروك عنده وعند البرقاني وأبي منصور بن حمكان كما هو منصوص عليه في مقدمة الكتاب المذكور. وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/ 140): "منكر الحديث، يأتى بالأشياء المقلوبة التي لا يجوز الاحتجاج بها". وذكر له حديث الغار من طريق يونس عن الزهري عن أنس، وقال: "ما حدث الزهري بشئ من هذا قط، ولا يونس. إنما هو حديث ثابت عن أنس فقط، ولم يروه عن ثابت إلا همام وجعفر بن سليمان الضبعي" وقد أورد السخاوي لدى الكلام على حديث الترجمة حديثين آخرين:

الأول: رواه الطبراني أيضًا في "الأوسط" و "الصغير" عن المقدام بن معديكرب مرفوعًا: "يأتي على الناس زمان من لم يكن معه أصفر ولا أبيض لم يتهن بالعيش". قال: "ورواه أحمد بلفظ: "يأتي على الناس زمان لا ينفع فيه إلا الدرهم والدينار". قلت: لفظه في "المسند" (4/ 133) "ليأتين على الناس زمان لا ينفع فيه إلا الدينار والدرهم" وهو أيضًا في "المعجم الكبير" (20/ 278، 279). وقال الهيثمي (4/ 65): "ومدار طرقه كلها على أبي بكر بن أبي مريم، وقد اختلط". الثاني: رواه الديلمي عن جابر رفعه: "الموت تحفة المؤمن، والدرهم والدينار مع المنافق، وهما زاده إلى النار". قلت: وهو في "فردوس الأخبار" (4/ 512) بلفظ: "الموت تحفة المؤمن، والدرهم والدينار ربيع المنافق، وهما زاداه إلى النار". ورواه ابن الجوزى في "العلل المتناهية" (1480) من طريق الدارقطني قال. نا الحسين بن جعفر الكوكبى قال: نا أحمد بن عمر بن بشر البزاز قال: نا جدى إبراهيم بن فرقد قال: نا القاسم بن بهرام عن عطاء عن جابر به بلفظ: " ... وهما زادان أهليهما إلى النار". وقال: "تفرد به القاسم بن بهرام. قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به بحال". قلت: لفظه في "المجروحين" (2/ 214): "يروى عن أبي الزبير العجائب، لا يجوز الاحتجاج به بحال". وكذَّبه ابن عدى في "الكامل" (7/ 2749) والراويان دونه لم أقف لهما على ترجمة. وأخيرًا (فالصواب) في حديث الترحمة أنه من قول وهب بن منبه رحمه الله كما رواه ابن عساكر (17/ 962) من طريق إسماعيل بن عبد الكريم عن عبد الصمد بن معقل عنه قال: "الدراهم والدنانير خواتيم الله في الأرض، فمن ذهب بخاتم

25 - الحديث الخامس والعشرون

الله، قضيت حاجته" ثم وجدته في "تاريخ بغداد" (5/ 449، 450) من هذا الوجه. ورواه أبو نعيم (4/ 53 - بمعناه - من وجه آخر فهو حسن. والله أعلم. الحديث الخامس والعشرون: " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس". ضعيف - بغير هذا اللفظ - ولكن هكذا اشتهر على الألسنة في الآونة الأخيرة - ولم أقف عليه به مرفوعًا أو موقوفًا. وإنما رواه الخطيب (13/ 523, 524) وعنه ابن الجوزى في "ذم الهوى" (ص 39) من طريق يحيى ابن العلاء قال: حدثنا ليث عن عطاء بن أبي رباح عن جابر قال: "قدم النبى صلى الله عليه وآله وسلم من غزاة له، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قدمتم خير مقدم، وقدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر". قالوا: وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟ قال: "مجاهدة العبد هواه". وإسناده واهٍ جدًا. ورواه البيهقى في "الزهد الكبير" (374) من طريق يحيى بن يعلى عن ليث به، ولفظه: "قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوم غزاة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "قدمتم خير مقدم، من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر". قالوا وما الجهاد الأكبر؟ قال: "مجاهدة العبد هواه". وقال البيهقى: "هذا إسناد ضعيف". قلت: لضعف ليث بن أبي سليم - كما تقدم في الحديث الثامن عشر - وبقية رجاله كلهم ثقات. وحكى العجلوني في (كشف الخفاء) (1362) عن الحافظ رحمه الله أنه قال في "تسديد القوس": "هو مشهور على الألسنة، وهو من كلام إبراهيم بن أبي عبلة".

26 - الحديت السادس والعشرون

(قلت): رواه ابن عساكر (2/ 444) من طريق الإمام النسائي رحمه الله أخبرنا صفوان بن عمرو نا محمد بن زياد أبو مسعود من أهل بيت المقدس قال: سمعت إبراهيم بن أبي عبلة وهو يقول لمن جاء من الغزو: قد جئتم من الجهاد الأصغر، فما فعلتم في الجهاد الأكبر؟ قالوا: يا أبا إسماعيل، وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد القلب". وإسناده حسن ومحمد بن زياد ترجمه ابن أبي حاتم (7/ 258) وكناه أبا إسحاق وقال: "سألت أبي عنه فقال: أدركته ولم يقدر لي أن أكتب عنه، قلت: ما حاله؟ قال: صالح" (¬49) وهذا الأثر - وإن كان يوهم أن جهاد النفس أعظم من جهاد العدو - إلا أنه يشهد لفضيلته قول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: " ... وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل". وقوله: "المجاهد من جاهد نفسه لله" أو قال: "في الله عز وجل" وهما مخرجان مع حديث "قدمتم خير مقدم ... " في "البدائل" (23). والله أعلى وأعلم. الحديت السادس والعشرون: " الشتاء ربيع المؤمن. قصر نهاره فصامه، وطال ليله فقامه". منكر. رُوِى من حديث أبي سعيد الخدرى، - وبلفظ آخر- من حديث ابن مسعود. 1 - حديث أبي سعيد: رواه أحمد (3/ 75) وابن عدى (3/ 981) وأبو نعيم (8/ 325) والقضاعي (142، 141) وابن الجوزى في "العلل" (501) - مختصرًا - من طريق عمرو ¬

_ (¬49) وترجمه كذلك الدولابى في "الكنى" (2/ 114) فقال: "أبو مسعود محمد بن زياد المقدسى. روى عن إبراهيم بن أبي عبلة، وروى عنه صفوان بن عمرو السكوني" فإما أنه له كنيتان أو الكنية الأخرى وهم. فالله أعلم.

ابن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد به. وقال ابن الجوزى: "قال الدارقطني: تفرد به عمرو عن دراج، قال أحمد: أحاديث دراج مناكير". وكذلك استنكره عليه ابن عدى والذهبي في "الميزان" (2/ 25). وعزاه السخاوى (ص 250) - بتمامه - إلى أبي يعلى والعسكرى وما وجدته في "مسند أبي يعلى" (2/ 324, 325) إلا مختصرًا، فلعله بتمامه في "مسنده الكبير". والله أعلم. ورواه البيهقي في "سننه" (4/ 297) من طريق أبي الأسود عن ابن لهيعة عن دراج به تاما بلفظ: "قصر نهاره فصام، وطال ليله فقام". 2 - حديث ابن مسعود: رواه ابن عدى (3/ 1296, 1297, 7/ 2481) والديلمى في "مسند الفردوس" (¬50) (ق: 242) من طريق محمد بن موسى الحرشى عن نعيم بن عبد الحميد الواسطى عن السرى بن إسماعيل عن الشعبى عن مسروق عنه به بلفظ "مرحبا بالشتاء، فيه تنزل الرحمة، أما ليله فطويل للقائم، وأما نهاره فقصير للصائم"، وهو حديث منكر كما قال الساجى وابن عدى والذهبي في "الميزان" (4/ 270). وإسناده ضعيف جدًا، والسرى بن إسماعيل هو الهمدانى الكوفي، وهو متروك الحديث كما في "التقريب" (2221). ونعيم بن عبد الحميد قال ابن عدى: "ليس بذاك في الحديث" وقال ابن حبان في "الثقات" (9/ 218): "ربما أغرب". والآفة من السرى كما قال الذهبي، وليست من نعيم - كما قال ابن عدى - فإن السرى بَيِّن الضعف. ومحمد بن موسى الحرشى أيضًا مختلف فيه، فرجح الذهبي في "الميزان" (4/ 50) ¬

_ (¬50) وقد أورد محققًا "الفردوس" (4/ 451) إسناده بتمامه.

27 - الحديت السابع والعشرون

توثيقه وقال: "صدوق" وقال في "المغنى" (2/ 637): "صدوق مشهور قال أبو داود: ضعيف". أما الحافظ فقال في "التقريب" (6338): "لين" هذا، (ولم أقف) على حديث الترجمة - بعين هذا اللفظ - عن أحد من السلف، ولكن أشبه شئ به ما رواه الإمام أحمد في "الزهد" (ص 379) وابن أبي شيبة (3/ 100, 13/ 438) - واللفظ له - وأبو نعيم (3/ 267) من طريق حصين بن عبد الرحمن عن مجاهد عن عبيد بن عمير قال: "كان يقال إذا جاء الشتاء: يا أهل القرآن، طال الليل لصلاتكم، وقصر النهار لصيامكم، فاغتنموا". وإسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين. والله أعلم. الحديت السابع والعشرون: " الصمت حكم، وقليل فاعله". ضعيف. رُوِى من حديث أنس، وابن عمر. 1 - حديث أنس: وله طريقان: الأولى: عند ابن عدى (5/ 1816) من طريق أبي عاصم عن عثمان بن سعد الكاتب عنه. والظاهر أن البيهقي أخرجه أيضًا في "شعب الإيمان" من هذا الوجه، فقد قال الحافظ العراقي في "تخرج الإحياء" (3/ 108): "أخرجه أبو منصور - الديلمي في "مسند الفردوس" من حديث ابن عمر بسند ضعيف، والبيهقى في "الشعب" من حديث أنس بلفظ: "حكم" بدل "حكمة" وقال: "غلط فيه عثمان بن سعد. والصحيح رواية ثابت". والصحيح عن أنس أن لقمان قال، ورواه كذلك هو وابن حبان في "روضة العقلاء" بسند صحيح إلى أنس" اهـ. قلت: وعثمان بن سعد ضعيف كما في "التقريب" (4471) ورفعه معلول كما حكى العراقي عن البيهقي. الثانية: عند القضاعي (240) من طريق زكريا بن يحيي المنقرى، ثنا الأصمعى،

ثنا على بن مسعدة عن قتادة عنه به مرفوعًا. وإسناده ضعيف، على بن مسعدة هو الباهلي مختلف فيه، وهو إلى الضعف أقرب فهو - وإن وثقه الطيالسى وقواه ابن معين وأبو حاتم - فقد قال البخارى: فيه نظر، وقال النسائي: ليس بالقوى، وحكى أبو داود تضعيفه عن بعض شيوخه، وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/ 111): "كان ممن يخطئ على قلة روايته وينفرد بما لا يتابع عليه، فاستحق ترك الاحتجاج به بما لا يوافق الثقات من الأخبار". ثم أورد له من مناكيره، حديثيه عن قتادة عن أنس مرفوعا: "كل بنى آدم خطاء، وخير الحطائين التوابون" وحديث: "الإسلام علانية، والإيمان في القلب، التقوى ها هنا، التقوى ها هنا". وكذلك أوردهما له ابن عدى (5/ 1850) وقال: "ولعلي بن مسعدة غير ما ذكرت عن قتادة، وكلها غير محفوظة". وكذلك أوردهما (¬51) الذهبي في ترجمته من "الميزان" (3/ 156). وقد وهم الشيخ السلفي حفظه الله حيث قال - في تحقيق "مسند الشهاب" - "زكريا ابن يحيى ضعفه ابن يونس وفى "الميزان" و "اللسان": المقرى، وعلى بن مسعدة صدوق له أوهام فالحديث ضعيف ... " الخ، فإن زكريا هذا هو ابن يحيى بن خلاد المنقرى أبو يعلى البصرى، ذكره ابن حبان في "الثقات" (8/ 255) وقال: "وكان من جلساء الأصمعي". أما ذاك المترجم في "الميزان" و "لسانه" فهو السراج المقرئ المصرى أبو يحيى، وهو الذى ضعفه ابن يونس. وقد غفل الشيخ - وكدتُ - عن العلة الحقيقية لهذا الإسناد، فإن شيخ القضاعي فيه هو محمد بن منصور التسترى، وقد سبق بيان أنه كذاب كما في طريق ¬

_ (¬51) فالقول بحسنهما أو حسن الأول منهما - وإن اغتررت بذلك فترة من الزمان - قول غير سديد.

ابن مسعود من الحديث الخامس. فلعله من وضعه، والرجلان فوقه لم أقف لهما على ترجمة. (والصحيح) عن أنس - كما تقدم - حكايته عن لقمان الحكيم، رُوِى عن أنس من قوله. وصح أيضًا عن أبي نجيح المكى عن لقمان، وصح بعضه عن أبي الدرداء. 1 - فروى ابن حبان في "روضة العقلاء" (ص 41) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عنه أن لقمان قال: "إن من الحكم الصمت، وقليل فاعله". وإسناده صحيح على شرط مسلم، ولم يحتج مسلم بحماد إلا في حديثه عن ثابت البناني، مع أنه أثبت الناس - أيضًا - في خاله حميد الطويل. فمن صحح حديثه عن غير ثابت - على شرط مسلم - فقد وهم. 2 - ورواه أبو يعلي موقوفًا على أنس، وسكت عنه البوصيرى. قاله الشيخ الأعظمى في حاشية "المطالب العالية" (3/ 190). وقال وكيع في "الزهد" (81): "حدثنا عمر بن سعد قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ... " فذكره. كذا، وفي هذا الإسناد سقط كما قال محققه حفظه الله بناءً على كون عمر بن سعد هذا هو أبو داود الحَفْرى- وهو من أقران وكيع - ولم أجد لوكيع عنه رواية. أما إذا كانت متحرفة من: "حدثنا عثمان بن سعد" فهو إسناد متصل ضعيف، فالله أعلم. 3 - وروى ابن المبارك (841) وابن أبي عاصم في "الزهد" (46) عن ابن عيينة قال: حدثني ابن أبي نجيح قال: سمعت طاووسًا يسأل أبي عن حديث، فرأيت طاووسًا كأنه يعقد بيده. وقال أبي: يا أبا عبد الرحمن. إن لقمان قال: إن من الصمت حكمًا، وقليل فاعله، فقال له طاووس: يا أبا نجيح، إنه من تكلم واتقى الله خير ممن صمت واتقى الله". وإسناده صحيح على شرط مسلم، وأبو نجيح اسمه: يسار المكى، وهو ثقة من الثالثة كما في "التقريب" (7805).

28 - الحديث الثامن والعشرون

4 - وروى ابن عساكر (13/ 746) من طريق حريز بن عثمان عن أبي حبيب القاضى أن أبا الدرداء كان يقول: "تعلموا الصمت كما نتعلم الكلام، فإن الصمت حكم عظيم. وكن إلى أن تسمع أحرص منك إلى أن تتكلم، ولا تتكلم في شئ لا يعنيك، ولا تكن مضحاكًا من غير عجب، ولا مَشَّاءً إلى غير أرب". وإسناده صحيح، وأبو حبيب القاضي اسمه الحارث بن مخمر، وهو ثقة وثقه أحمد وابن حبان وغيرهما. وعزا المناوى (4/ 240) حديث الترجمة إلى العسكرى في "الأمثال" عنه قال: "وزاد: من كثر كلامه فيما لا يعنيه كثرت خطاياه". ولم أقف على سنده بهذا اللفظ، فالله أعلم. الحديث الثامن والعشرون: " الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة". ضعيف. رُوِى من حديث عامر بن مسعود، وأنس، وجابر بن عبد الله. 1 - حديث عامر بن مسعود: رواه أحمد (4/ 335) وابن أبي شيبة (3/ 100) (¬52) والترمذى (794) وابن خزيمة (3/ 309) والبيهقى (4/ 296, 297) وأبو الشيخ في "الأمثال" (223) والقضاعي (231) وغيرهم من طرق عن سفيان عن أبي إسحاق عن نمير بن عريب عنه به. وهذا إسناد ضعيف له علتان: الأولى: جهالة نمير بن عريب. قال الذهبي في "الميزان" (4/ 273): "لا يعرف". وقال الحافظ (7191): "مقبول" أى إذا توبع، وإلا فهو لين الحديث. ¬

_ (¬52) جاء في "المصنف": "عامر بن سعد" - وهو خطأ - ووقع في رواية ابن خزيمة: "عن مالك ابن مسعود". قال محققه: "في الأصل: عامر مشطوب، ثم كتب: مالك ابن مسعود".

الثانية: الإرسال. كما قال الترمذى: "هذا حديث مرسل. عامر بن مسعود لم يدرك النبى صلى الله عليه وآله وسلم. وهو والد إبراهيم بن عامر القرشي الذى روى عنه شعبة والثورى". وقال أيضًا في "العلل الكبير" (1/ 371): "سألت محمدًا عن حديث أبي إسحاق ... فذكره، فقال: هو حديث مرسل، وعامر بن مسعود لا صحبة له ولا سماع من النبى صلى الله عليه وآله وسلم". وقال الحافظ (3109): "عامر بن مسعود بن أمية بن خلف الجمحي: يقال: له صحبة، وذكره ابن حبان وغيره في التابعين". وانظر "الإصابة" (2/ 260). 2 - حديث أنس: رواه الطبرانى في "الصغير" (716) وعنه الشجرى (2/ 111) وابن عدى (3/ 1210) من طريق الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن قتادة عنه به. وهذا إسناد ضعيف له ثلاث علل: الأولى: عنعنة الوليد بن مسلم، فإنه ثقة كثير التدليس والتسوية. الثانية: ضعف سعيد بن بشير - وهو الأزدى الشامى - قال الحافظ (2276): "ضعيف" وقال السخاوى في "المقاصد" (ص 250): "وسعيد ضعيف عند أكثرهم". الثالثة الوقف كما يأتي. 3 - حديث جابر: رواه ابن عدى (3/ 1075) من طريق عبد الوهاب بن الضحاك البلخي عن الوليد ابن مسلم أيضًا فقال: "عن زهير بن محمد عن ابن المنكدر عن جابر". وهذا إسناد واهٍ جدًا له أربع علل: الأولى: شدة ضعف عبد الوهاب البلخي، فإنه متروك، وكذبه أبو حاتم كما تقدم في الحديث الخامس عشر (التعليق رقم: 30).

الثانية: عنعنة الوليد بن مسلم. الثالثة: ضعف زهير بن محمد التميمي في رواية الشاميين عنه، وهذا منها. الرابعة: المخالفة في الإسناد، فإن الصحيح عن الوليد بن مسلم: عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس كما تقدم فيما قبله. وبعد، (فالصحيح) وقف حديث الترجمة على أبي هريرة كما رواه عبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (ص 177) وعنه أبو نعيم (1/ 381) عن هدبة بن خالد، والبيهقي (4/ 297) عن حجاج بن منهال وعفَّان - ثلاثتهم - عن همام ثنا قتادة حدثنا أنس قال: قال أبو هريرة: ألا أدلكم على الغنيمة الباردة؟ قال: قلنا: وما ذلك يا أبا هريرة؟ قال: الصوم في الشتاء". وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وقال البيهقى: "هذا موقوف". قال السخاوى: "وهو أصح" - يعنى من حديث سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس مرفوعًا. وبيانه أن همام - وهو ابن يحيى العَوْذى - ثقة حافظ، معدود في كبار أصحاب قتادة، ومن الأثبات فيه - وله أوهام يسيرة - أما سعيد بن بشير - وإن وصفه بعضهم بالحفظ - إلا أنه كثير المناكير في قتادة خاصَّة، وليس أدل على ذلك من هذا الحديث. ولم يتفطن العلامة الألباني حفظه الله لهذه العلة، فحسَّن الحديث من مجموع طريقي عامر بن مسعود وأنس في "الصحيحة" (1922). فائدة: وثبت أيضًا عن عمر الفاروق رضى الله عنه وصف الشتاء بأنه: (غنيمة). فقد روى الإمام أحمد في "الزهد" (ص 117, 118) وابن أبي شيبة (3/ 100, 13/ 272, 273) وأبو نعيم (1/ 51, 3/ 31, 8/ 133, 134) من طريق سليمان التيمي سمع أبا عثمان النهدى قال: قال عمر بن الخطاب: "الشتاء غنيمة العابدين". وإسناده صحيح على شرطهما. ورواه أبو نعيم (9/ 20) من طريق ابن مهدى قال: قال عمر: ... فذكره معضلًا. ولا يضر أن يعضله ابن مهدى أو غيره بعد ثبوته متصلًا من وجه آخر بإسناد على شرطهما كما قدمنا. والله أعلى وأعلم.

29 - الحديث التاسع والعشرون

الحديث التاسع والعشرون: " عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن". ضعيف معلول. رواه ابن ماجة (3452) والحاكم (4/ 200, 403) وعنه البيهقي (9/ 344) وأبو نعيم (7/ 133) والخطيب (11/ 385) من طرق عن زيد بن الحباب عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود مرفوعًا به. ورواه الخطيب من طريق زيد بن الحباب أيضًا عن شعبة عن أبي إسحاق به. ذكره في ترجمة "على بن الحسن بن جعفر" المعروف بـ "ابن كرنيب" و "ابن العطار". وقال "وكان يتعاطى الحفظ والمعرفة، وكان ضعيفًا". وروى عن الحاكم - بلاغا - قال: ذكر للدارقطني ابن العطار فذكر من إدخاله على المشايخ شيئًا فوق الوصف، وأنه أشهد عليه واتخذ محضرًا بإدخاله أحاديث على دعلج وهذا في "سؤالات الحاكم" (54) - وسماه: على بن الحسين الرصافى-. وروى عن أبي بكر الداودى أنه ذكر ابن كرنيب فقال: كان عندنا ها هنا في المخرم، وكان من أحفظ الناس لمغازى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسردها من حفظه، إلا أنه كان كذابًا يدعى ما لم يسمع، ويضع الحديث ... ". قلت: وهذا من أكاذيبه فإن الحديث حديث الثورى، ولا يعرف لزيد بن الحباب رواية عن شعبة. وقال الحاكم - في الموضع الأول -: "هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقد أوقفه وكيع بن الجراح عن سفيان". ثم رواه من طريق ابن أبي شيبة: ثنا وكيع عن سفيان به بلفظ: "الشفاء شفاءان: قراءة القرآن، وشرب العسل". ثم روى من طريق محمد بن عبيد ثنا الأعمش عن خيثمة والأسود قالا: قال عبد الله: "عليكم بالشفاءين: القرآن والعسل". وقال في الموضع

الآخر (¬53): "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" وأقره الذهبى. وقال أبو نعيم: "غريب من حديث الثورى. تفرد به زيد بن الحباب" وقال البيهقى: "رفعه غير معروف. (والصحيح) موقوف. ورواه وكيع عن سفيان موقوفا" ثم روى (9/ 345) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق به موقوفًا: "في القرآن شفاءان: القرآن والعسل، القرآن شفاء لما في الصدور، والعسل شفاء من كل داء". وقال: "هذا هو الصحيح موقوف. ورواه أيضًا الأعمش عن خيثمة والأسود عن عبد الله موقوفًا". وقال البوصيرى في "مصباح الزجاجة" (3/ 120): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. رواه الحاكم ... " حتى قال: "ورواه مالك في "الموطأ" من حديث عائشة موقوفًا". قلت: بل هو معلول كما بين البيهقى رحمه الله، وزيد بن الحباب لا يبلغ حديثه - ولا سيما عن الثورى - مرتبة الصحة، فقد قال الحافظ في "التقريب" (2124): "وهو صدوق يخطئ في حديث الثوري". ولا شك أن هذا من جملة أخطائه في حديث الثورى. وقد أوقفه أحد الثقات الحفاظ من أصحاب الثورى - وإن كان غيره أثبت منه - وهو وكيع - وكذلك أوقفه إسرائيل عن أبي إسحاق. وكذلك أوقفه الأعمش بسند آخر عن ابن مسعود وكل هذه الموقوفات صحيحة الأسانيد سوى الأخير، الذى يرويه محمد بن عبيد الطنافسي عن الأعمش عن خيثمة والأسود عن ابن مسعود، فإن الأعمش عن الأسود منقطع، وخيثمة عن ابن مسعود منقطع أيضًا، ولكن ورد متصلًا، فقد رواه ابن أبي شيبة (7/ 445) عن ¬

_ (¬53) وقع فيه الإسناد هكذا " ... عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق عن أبي الأحوص" والصواب: "ثنا عبد الله بن محمد عن زيد بن الحباب عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص".

أبي معاوية وابن نمير عن الأعمش فقال: "عن خيثمة عن الأسود قال: قال عبد الله: "عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن". وهذا إسناد صحيح متصل، وهو أرجح من الآخر لاجتماع ثقتين حافظين على روايته متصلًا هما: أبو معاوية - وهو أثبت الثلاثة في الأعمش - وابن نمير بل جاء عن محمد بن عبيد (¬54) نفسه كروايتهما عند أحمد بن الفرات الرازي في "جزئه" كما في "المنتقى منه" للذهبي (4/ 1 - 4) كما في "الضعيفة" (1514). ورواه ابن أبي شيبة (10/ 485) عن أبي معاوية - وحده - عن الأعمش به، وعن وكيع عن سفيان بالسند الذى رواه به الحاكم من طريقه بلفظ: "العسل شفاء من كل داء، والقرآن شفاء لما في الصدور". ورواه الطبراني في "الكبير" (9/ 252) من طريق أبي الأحوص - سلام بن سليم الحنفى - عن أبي إسحاق به، بلفظ: "القرآن والعسل هما شفاءان". وإسناده صحيح. نعم، وجدت متابعة لزيد بن الحباب على الرفع لكنها واهية لا يلتفت إليها، فقد رواه ابن عدى (3/ 1253) من طريق سفيان بن وكيع، ثنا أبي عن سفيان، عن أبي إسحاق به مرفوعًا، وقال: "وهذا يُعرف عن الثورى مرفوعًا من رواية زيد بن الحباب، عن سفيان، وأما من حديث وكيع مرفوعًا لم يروه عنه غير ابنه سفيان، والحديث في الأصل عن الثورى بهذا الإسناد موقوف". قلت: فالظاهر أنه من الأحاديث التي أدخلها عليه ورَّاقه - وراق السوء - أخزاه الله، كما أفسد هذا الشيخ الصالح الصدوق، وأسقط حديثه. وقد تقدم الكلام على هذا الأمر في الحديث العاشر بما يكفى إن شاء الله. ¬

_ (¬54) وهو الأصح، فإن أحمد بن الفرات الرازى ثقة حافظ، أما الحسن بن علي بن عفان العامري - راويه عن محمد بن عبيد عند الحاكم - فهو ثقة فحسب. إلا أن يكون العامري قد توبع على روايته، فالله أعلم.

30 - الحديت الثلاثون

أما موقوف عائشة الذى عزاه البوصيري للإمام مالك في "الموطأ"، فلم أظفر به - بعد جهد - في مظانه منه، فلعله في رواية غير يحيى بن يحيى الليثي، والعلم عند الله تعالى. الحديت الثلاثون: " العلم خزائن، ومفتاحها السؤال". موضوع. رواه أبو نعيم (3/ 192) وأبو عثمان البجيرمى في "الفوائد" (24/ 1) - كما في "الضعيفة" (278) - من طريق داود بن سليمان القزاز ثنا على بن موسى الرضا حدثنى أبي عن أبيه جعفر عن أبيه محمد بن على عن أبيه على ابن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب مرفوعًا بزيادة: "فاسألوا يرحمكم الله، فإنه يؤجر فيه أربعة: السائل، والمعلم، والمستمع، والمجيب لهم". ورواه أيضًا العسكرى - كما في "المقاصد" (ص 287) - والديلمى كما في "الفردوس" (3/ 95) - ولفظه هو و "الجامع الصغير" (5712): "والمحب لهم". وقال أبو نعيم: "هذا حديث غريب من هذا الوجه، لم نكتبه إلا بهذا الإسناد". وقال الحافظ في "تسديد القوس": "أبو نعيم في "الحلية" بسند ضعيف". وكذلك قال العراقي في "تخريج الإحياء" (1/ 9) والسخاوى، فوصفوه جميعًا بالضعف - وحده - والذى يسبق إلى الأذهان أنه ضعف يسير ينجبر بتعدد الطرق، ويجيز طوائف من العلماء الأخذ به في الفضائل. وليس الأمر كذلك، فإن في إسناده أحد الكذابين، ألا وهو: "داود بن سليمان القزاز"، وهو الجرجاني الغازي. قال الذهبي في "الميزان" (2/ 8): "كذبه يحيى بن معين، ولم يعرفه أبو حاتم، وبكل حال فهو شيخ كذاب، له نسخة موضوعة عن على الرضا رواها على بن محمد بن مهرويه القزويني الصدوق

31 - الحديث الحادى والثلاثون

عنه .. " ثم ساق له أحاديث هذا أحدها. وأقره الحافظ في "اللسان" (2/ 417, 418) وزاد عليه أحاديث وقال في "المغني" (1/ 218): "داود بن سليمان الجرجاني، معاصر لابن المديني" قال ابن معين: "كذاب". وله عن على بن موسى الرضا". وأعاده ثانيًا فقال: "داود ابن سليمان الغازى، عن على بن موسى الرضا، لاشئ". قلت: وتابعه وضَّاع آخر، فانظر التفصيل في "الضعيفة" (278). أما (الصحيح) في حديث الترجمة، فإنه من كلام ابن شهاب الزهرى رحمه الله - موقوفًا عليه - كما رواه أبو نعيم (3/ 36) والبيهقى في "المدخل" (429) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 89) من طريقين عن يونس بن يزيد الأيلي، وابن عبد البر - معلقًا - عن الحلوانى عن عبد الله بن صالح عن الليث ابن سعد كلاهما عن ابن شهاب قال: "العلم خزائن، وتفتحها المسائل". وفى رواية: "إن هذا العلم خزائن، تفتحها المسألة". وروى ابن عبد البر من طريق نصر بن على الجهضمي قال: كان الخليل يقول: "العلوم أقفال، والسؤالات مفاتيحها". وإسناده منقطع، فإن على بن نصر بن على- الجهضمى الكبير والد هذا - هو الذى له رواية عن الخليل - وهو ابن أحمد الفراهيدي اللغوى المشهور صاحب العَروض - كما في "التهذيب" (7/ 390). والله أعلم. الحديث الحادى والثلاثون: " الغناء ينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل". ضعيف. رُوِى من حديث ابن مسعود، وجابر وأبي هريرة، وأنس. 1 - حديث ابن مسعود: رواه أبو داود (2/ 579) وابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" وعنه البيهقي (2/ 579)

وأبو الحسين بن المنادى في كتاب "أحكام الملاهي" كما في "إغاثة اللهفان" (1/ 248) للإِمام ابن القيم رحمه الله - وابن بطة في "الإبانة" (932) وابن حزم في "المحلى" (9/ 57) من طريق سلام بن مسكين عن شيخ شهد أبا وائل في وليمة فجعلوا يلعبون، يتلعبون، يغنون، فحل أبو وائل حبوته وقال: سمعت عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إن الغناء ينبت النفاق في القلب". لفظ أبي داود. وإسناده ضعيف لجهالة شيخ سلام بن مسكين، وبه أعله جماعة من الأئمة. قال ابن حزم: "عن شيخ، عجب جدًا"! وقال ابن القيم: "فمداره على هذا الشيخ المجهول، وفى رفعه نظر، والموقوف أصح". وقال ابن رجب الحبلى في "نزهة الأسماع" (ص 37): "وفى إسناد المرفوع من لا يعرف. والموقوف أشبه". وقال الغزالى في "الإحياء" (2/ 286): " ... واحتجوا بقول ابن مسعود رضى الله عنه الغناء ينبت في القلب النفاق - وزاد بعضهم - كما ينبت الماء البقل. ورفعه بعضهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو غير صحيح" قال العراقى: "قال المصنف: والمرفوع غير صحيح لأن في إسناده من لم يُسَمَّ، رواه أبو داود، وهو في رواية ابن العبد ليس في رواية اللؤلؤى ورواه البيهقي مرفوعًا وموقوفًا". قلت: وسأثبت صحته موقوفًا بعد استيفاء طرقه المرفوعة، والله المستعان. ثم وجدت له لفظا آخر رواه ابن صصرى في "أماليه" كما في "كف الرعاع" للهيثمي (2/ 271) مع الزواجر". 2 - حديث جابر: رواه البيهقي في "الشعب" (2/ 91/ أ - ب) من طريق محمد بن صالح الأشج نا عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد نا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عنه، بلفظ: "كما ينبت الماء الزرع". وإسناده واهٍ جدًا.

3 - حديث أبي هريرة: رواه ابن عدى في "الكامل" (4/ 1590) وعنه ابن الجوزى في "العلل المتناهية" (1310) من طريق عبد الرحمن بن عبد الله العمرى عن أبيه عن سعيد ابن أبي سعيد عنه به، ولفظه "إن الغناء ينبت النفاق في القلب" وإسناده ضعيف جدًا. قال ابن الجوزى: "هذا حديث لا يصح. قال أحمد: لا يساوى حديث عبد الرحمن شيئًا خرقناه. وقال يحيى: ليس بشئ. وقال النسائي والدارقطني: متروك" ومن طريقه الديلمي في "الفردوس" (2/ 85) بلفظ: "حب الغناء ينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء العشب". 4 - حديث أنس: رواه الديلمى من طريق أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود حدثنا هشام بن عمار حدثنا مسلمة بن على حدثنا عمر مولى غفرة عنه بلفظ: "الماء واللهو ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء العشب، والذي نفسي بيده، إن القرآن والذكر لينبتان الإيمان في القلب، كما ينبت الماء العشب" (¬55). وإسناده واهٍ جدًا، وفيه أيضًا انقطاع. وتفصيل ما أجملت - مما تقدم - تجده في كتاب "أحاديث ذم الغناء والمعازف في الميزان" (ص 59: 61) للأخ الشيخ عبد الله بن الجُديع، حفظه الله وأمتعنا بعلمه. (والصحيح) في حديث الترجمة وقفه على ابن مسعود - كما تقدم - فإن له عنه طرقًا ثلاث إحداهن صحيحة. الأولى: عند ابن أبي الدنيا وعنه البيهقي (10/ 223) وابن نصر في "تعظيم قدر ¬

_ (¬55) كما في "أحاديث ذم الغناء" (ص 61) نقلا عن "زهر الفردوس" (2/ 322).

الصلاة" (680) من طرق عن غندر حدثنا شعبة عن الحكم عن حماد عن إبراهيم عنه قال: "الغناء ينبت النفاق في القلب". وإسناده صحيح، وحماد هو ابن أبي سليمان وهو - وإن اختلط في آخر أمره - فقد قال الإمام أحمد: "مقارب ما روى عنه القدماء: سفيان وشعبة". وقال أيضًا: "سماع هشام - يعنى الدستوائى- منه صالح" كما في "التهذيب" (3/ 16). فيلحق بالقدماء أيضًا: الحكم بن عتيبة، فإنه من أقرانه، بل إنه توفى قبله بخمس سنين. ورواية إبراهيم النخعى عن ابن مسعود - وإن كان ظاهرها الانقطاع - إلا أنها صحيحة، بل أصح مما لو أسند عنه، فقد قال الأعمش: "قلت لإبراهيم: أسند لى عن ابن مسعود. فقال إبراهيم: إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله، فهو الذى سمعت، وإذا قلت: قال عبد الله، فهو عن غير واحد عن عبد الله" كما في "التهذيب" (1/ 177, 178). ووصله الترمذي في "العلل" - آخر "جامعه" - (5/ 411) قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "شرح العلل" (ص 231): " ... وهذا يقتضي ترجيح المرسل على المسند، لكن عن النخعى خاصة، فيما أرسله عن ابن مسعود خاصة ... ". قلت: فمن الغريب قول أخينا الشيخ الجديع في كتابه المذكور (ص 58) - في هذا الأثر - "قلت: وهذا منقطع أيضًا، إبراهيم هو النخعي لم يدرك عبد الله". ثم ذكر نحوًا مما أسلفنا بشأن تقوية رواية الحكم عن حماد. فمثل هذا الأمر لا يخفى على مثله في تدقيقه وتحقيقه، ولكن الإحاطة لله وحده. ولم يتفرد الحكم بالأثر، فقد رواه ابن بطة في "الإبانة" (931) من طريق سفيان عن منصور عن حماد به ومنصور أيضًا من طبقة حماد، لكن ابن بطة رحمه الله فيه ضعف. ورُوِى من طرق أخري عن حماد لا تقوى على إعلال الأثر، منها ما رواه ابن بطة (933) من طريق الإمام أحمد عن هشيم عن العوام عن حماد عن ابن مسعود به - بإسقاط إبراهيم بينهما - وهذا إسناد ضعيف، فإن هشيمًا مدلس وقد عنعنه،

والعوام هو ابن حوشب، وهو ثقة لكنه ليس من قدماء أصحاب حماد المنصوص عليهم، وما هو من طبقته أيضًا. وذكر ابن حزم (9/ 60) أنه روى من طريق سعيد بن منصور عن أبي عوانة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم قال: الغناء ... فذكره هكذا مقطوعًا. وهذا أيضًا مرجوح فإن أبا عوانة غير معدود في قدماء أصحاب حماد. ورواه الخطيب من طريق شعبة عن الحكم عن حماد عن إبراهيم عن علقمة قوله كما في "تذكرة المؤتسى بمن حدث ونسى" (¬56) للسيوطى. ولكن لا ندرى من هم الرواة بين الخطيب وشعبة لعل في أحدهم مقالًا. وقد رواه أثبت الناس مطلقًا في شعبة - ألا وهو محمد بن جعفر غُندَر- بهذا الإسناد عن إبراهيم عن ابن مسعود كما تقدم، على أنه لا مانع أصلًا أن يكون كل ذلك صحيحًا بأن يكون إبراهيم قد سمعه من جماعة عن ابن مسعود، وسمعه مرة أخرى عن علقمة - من قوله وفتواه - وأفتى هو به مرة ثالثة دون أن يسنده إلى قائله، فقد رواه عبد الرزاق (4/ 11) عن معمر عن مغيرة عنه. ومغيرة هو ابن مقسم الضبى، وقد تكلم الإمام أحمد في روايته عن إبراهيم لتدليسه عنه ما لم يسمعه منه ولكن بقيت طرق عن إبراهيم - موقوفًا عليه - لم يتيسر النظر فيها، وكذلك ما رواه ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهى" عنه قال: "كانوا يقولون: الغناء ينبت النفاق في القلب". الثانية: رواها ابن أبي الدنيا وعنه البيهقي من طريق محمد بن طلحة عن سعيد ابن كعب المرادى (¬57) عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عنه بزيادة: "كما ينبت الماء الزرع، والذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع". وإسناده منقطع بين ¬

_ (¬56) مخطوط مكتبة الشيخ حماد الأنصارى ص 4 قاله محقق "تحريم النرد" للحافظ الآجرى في بحثه الخاص بالأغاني والمعازف وآلات الملاهى (ص 302). (¬57) وفى "إغاثة اللهفان": "الرازى" وهو خطأ.

32 - الحديت الثانى والثلاثون

محمد بن عبد الرحمن بن يزيد وابن مسعود، فإنما يروى عن ابن مسعود أبوه عبد الرحمن بن يزيد النخعى. وسعيد بن كعب المرادى فيه جهالة، فقد ترجمه ابن أبي حاتم (4/ 57) برواية محمد بن طلحة وحده عنه، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. ولا يعله بالإعضال ما رواه ابن أبي زمنين في "أصول السنة" (169) من طريق عبد الملك بن حبيب عن أسد بن موسى عن محمد بن مطرف عن سعيد هذا عن ابن مسعود - بلا واسطة - بشطره الأول وذلك لأن عبد الملك بن حبيب - وهو الأندلسى المالكى - ساقط في الرواية كثير التصحيف والتخليط في الأسانيد، وقوله: "محمد بن مطرف" إن لم يكن خطأ من قبل النسخ صوابه: "محمد بن مصرف" - أعنى: محمد بن طلحة بن مصرف - فهو من تصحيفاته الكثيرة رحمه الله. الثالثة: عند ابن أبي الدنيا من طريق ليث عن طلحة بن مصرف عنه كما في كتاب الجديع (ص 58). وإسناده أيضًا منقطع، وليث هو ابن أبي سليم وهو ضعيف لكنه لا بأس به في الشواهد والمتابعات كما قدمنا في الحديث الثامن عشر. وبعد، فإن أثر ابن مسعود هذا - وإن كان ظاهره الوقف - إلا أنه في حكم المرفوع إلى النبى صلى الله عليه وآله وسلم إذ لا مجال فيه للرأى والاجتهاد. قال ابن حجر الهيتمى الفقيه الشافعى رحمه الله: "ومثله لا يقال من قبل الرأى لأنه إخبار عن أمر غيبى، فإذا صح عن الصحابة فقد صح عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم كما هو مقرر عند أئمة الحديث والأصول". كما في "كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع" له (2/ 279، مع الزواجر) وحكى عن الأذرعى رحمه الله الإشارة إلى ذلك والله أعلى وأعلم. الحديت الثانى والثلاثون: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلعن القاشرة والمقشورة،

والواشمة والموتشمة، والواصلة والمتصلة". ضعيف. رواه الإمام أحمد (6/ 250): "ثنا عبد الصمد قال. حدثتني أم نهار بنت رفاع، قالت: حدثتني آمنة بنت عبد الله أنها شهدت عائشة فقالت ... الحديث. قال الهيثمى في "المجمع" (5/ 169) (¬58): "رواه أحمد، وفيه من لم أعرفه من النساء". قلت: يعنى أم نهار بنت رفاع، وآمنة بنت عبد الله. وأم نهار أغفلها الحافظ، فلم يترجمها في "تعجيل المنفعة" وكذلك أبو زرعة بن العراقى في "ذيل الكاشف". وآمنة بنت عبد الله هى القيسية. قال الحسيني وأبو زرعة (2113): "لا تعرف". زاد الحافظ في "التعجيل" (ص 554): "قلت: قد رواه أحمد من طريق أم نهار عن آمنة بنت عبد الله عن عائشة حديثا آخر في لعن الواصلة، فيكون لها راويان". وقد تساهل الحافظ السيوطى رحمه الله إذ أورد الحديث في "الجامع الصغير" (7263) بلفظ: "لعن الله القاشرة والمقشورة" وعزاه لأحمد ورمز لضعفه، ولم يتعقبه الألباني في "ضعيف الجامع" (5/ 15) مع أنه ليس عند أحمد إلا بذلك اللفظ المتقدم على أنه ذكره في "الدر" (2/ 224) بلفظه الصحيح. وقد أحسن الحافظ المنذرى - رحمه الله - صنعا، فلم يورده في "الترغيب". (والأشبه) وقفه على عائشة، فقد روى الإمام أحمد أيضًا (6/ 210) من طريق على بن مبارك عن كريمة بنت همام قالت: سمعت عائشة تقول: يا معشر النساء إياكن وقشر الوجه. فسألتها امرأة عن الخضاب (¬59) فقالت: لا بأس بالخضاب ¬

_ (¬58) أورده هو والألبانى في "الضعيفة" (1614) مختصرًا مقتصرًا علي الجملة الأولى، فأوهما أن هذا لفظه حَسْبُ. (¬59) قال أبو داود "تعنى خضاب شعر الرأس".

ولكنى أكرهه لأن حبيبى صلى الله عليه وآله وسلم كان يكره ريحه" ورواته ثقات سوى كريمة هذه، فقد روى عنها جمع من الثقات ولم أرَ أحدًا وثقها. وقد رواه أبو داود (2/ 395) والنسائى (8/ 142) من هذا الوجه - باختصار أوله - والسند المرفوع الذى قبله يدل على أن له أصلًا - في الجملة - عن عائشة والله أعلم. أما سائر الحديث فثابت من طرق أخرى: 1 - فعن عائشة أيضًا أن جارية من الأنصار زوجت، وأنها مرضت فتمعط شعرها، فأرادوا أن يصلوه، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الوصال، فلعن الواصلة والمستوصلة". رواه الشيخان والنسائي (8/ 146) وأحمد (6/ 111). وفي "الصحيحين" نحوه عن أسماء بنت أبي بكر. 2 - وللنسائى (8/ 147) من طريق أبان بن صمعة عن أمه قالت: سمعت عائشة تقول: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الواشمة والمستوشمة، والواصلة والمستوصلة، والنامصة والمتنمصة". وأبان صدوق تغير آخرًا كما في "التقريب" (138) وأمه لم أجد لها على ترجمة لكن المتن محفوظ من طرق أخرى. 3 - وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة مرفوعًا: "لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة". 4 - وفيهما عن ابن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة". 5 - ولأبى داود (2/ 396) عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: "لعنت الواصلة والمستوصلة، والنامصة والمتنمصة، والواشمة والمستوشمة من غير داء". وإسناده جيد. 6 - وفي "الصحيحين" وغيرهما عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال: "لعن

الله الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات (زاد أحد شيخي أبي داود: والواصلات)، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله". فبلغ ذلك امرأة من بنى أسد يقال لها: أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت: ما حديث بلغنى عنك أنك قلت: كذا وكذا .. وذكرته. فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في كتاب الله؟ فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحى المصحف، فما وجدته، قال: إن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. قالت: إنى أرى شيئًا من هذا على امرأتك الآن. قال: اذهبي فانظري، فذهبت فلم تر شيئًا، فجاءت، فقالت: ما رأيت شيئًا، فقال: أما لو كان ذلك لم نجامعها". وانظر شرح هذه الأحاديث في "جامع الأصول" (4/ 778، : 782) - بتحقيق الشيخ عبد القادر الأرنؤوط، وكذلك في "الترغيب والترهيب" (3/ 223: 219) (¬60) - وفيه أحاديث أخرى في وصل الشعر. (وصح) لعن المقشورة أيضًا عن الحسن البصرى رحمه الله، فقد أخرج ابن جرير الطبري رحمه الله في "تفسيره" (10486) من طريق أبي نعيم قال: حدثنا أبو هلال الراسبي قال: سأل رجل الحسن: ما تقول في امرأة قشرت وجهها؟ قال: "ما لها، لعنها الله، غيرت خلق الله" وإسناده جيد. وأبو هلال الراسبى اسمه: محمد بن سليم، وهو بصرى صدوق، في حديثه عن قتادة لين. وقال الشيخ محمود شاكر - حفظه الله- تعليقا على الأثر: "قشر الوجه" دواء قديم بالغمرة تعالج به المرأة وجهها أو وجه غيرها وكأنها تقشر أعلى الجلد. و "الغمرة" (بضم فسكون)، قالوا: هو الزعفران، وقالوا: هو الجص. وقالوا: هو تمر ولبن يطلى به وجه المرأة ويداها، حتى ترق بشرتها ويصفو لونها. ¬

_ (¬60) بتعليقات الشيخ محمد خليل هراس رحمة الله عليه، فإنها نفيسة تجد فيها الصدق والغيرة على الإسلام والمسلمين.

استدراك

والظاهر أنه كان يخلط به شئ يقشر أعلى البشرة، ومن أجل ذلك نهى عنه. وفى الحديث "لعنت القاشرة والمقشورة". قلت: قد بيَّنا ما في ذلك، ولكن الحكم صحيح إن شاء الله، فإن "العبرة في الحرمة واستحقاق اللعن بتغيير خلق الله عز وجل لقول ابن مسعود - المتقدم آنفا - عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لعن الله الواشمات .... ، المغيراتِ خلق الله". وقال محمود شاكر أيضًا - بعد شرح معنى كل من: "المتفلجة" و "المتنمصة" و "النامصة" و "المستوشمة" و "الواشمة" و "الوشم" و "الواشرة" - الواردة في أحاديث رواها الطبرى-: "وكل هذا الذى لعن الله فاعله، تفعله نساؤنا المسلمات اليوم، متبرجات به، موغلات فيه، مقلدات لمن كفر بالله ورسوله. فمن أجل عصيانهن واستخفافهن - بل من أجل عصياننا جميعًا أمر الله - أحل الله بنا العقوبة التي أنذرنا بها رسول الله، بأبي هو وأمي، فجعل الله بأسنا بيننا، وسلط علينا شرارنا، وجمع علينا الأمم لتأكلنا. (فاللهم أهد ضالنا، وخذ بنواصى عصاتنا، واغفر لنا وارحمنا، عليك نتوكل، وبك نستجير، وإليك نلجأ) اهـ. قلت: وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره" (النساء - 4148) من طريق شيبان عن قتادة في قوله: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}. قال: "ما بال أقوام جهلة، يغيرون صبغة الله ولون الله؟ ". وإسناده صحيح. والله أعلم. استدراك: كان يلعن القاشرة والمقشورة ... " رواه أيضًا الطبراني في "الدعاء" (2158) من هذا الوجه. ورواه (2159) بنحوه، بسند فيه ضعيف

33 - الحديث الثالث والثلاثون

ومجهولة. وروى (2611) عنها بلفظ: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله ؤسلم عن قشر الوجه، وعن الوشم ... " الحديث وفيه أيضًا ضعيف آخر ومجهولة، وفى متنه ألفاظ غريبة. فأقل ما تدل عليه هذه الطرق أن له أصلًا عن عائشة، وأرجحها جميعًا الموقوف عليها. الحديث الثالث والثلاثون: " ليس الإيمان بالتمنى ولا بالتحلى، ولكن ما وقر في القلب وصدَّقه العمل". منكر، واهٍ جدًا. رواه الديلمي في "مسند الفردوس" (¬61) من طريق عبد السلام بن صالح عن يوسف بن عطية عن قتادة عن أنس مرفوعًا به. ورواه ابن النجار في "الذيل" (10/ 88/ 2) من طريق عبد السلام به، فزاد في السند: "الحسن" بين قتادة وأنس، وزاد في المتن: "العلم علم باللسان وعلم بالقلب، فأما علم القلب فالعلم النافع، وعلم اللسان حجة الله على بنى آدم" (¬62). وروى الزيادة - وحدها - الشجرى في "أماليه" (1/ 60) من طريق صالح بن عبد الكبير المسمعى قال: حدثنا يوسف بن عطية الصفار به. وعلقها ابن عبد البر (1/ 191) فقال: "ورواه يوسف بن عطية عن قتادة عن الحسن عن أنس مرفوعًا". وهذا إسناد واه جدًا، قال المناوي في "الفيض" (5/ 356): "قال العلائي: حديث منكر، تفرد به عبد السلام بن صالح العابد، قال النسائي: متروك. وقال ابن عدى: مجمع على ضعفه، وقد رُوِى معناه بسند جيد عن الحسن من قوله. وهو الصحيح إلى هنا كلامه، وبه يعرف أن سكوت المصنف عليه لا يرتضى". ¬

_ (¬61) "الفردوس" (3/ 450) وساق محققاه سنده كله. (¬62) كما في "السلسلة الضعيفة" (1098) للعلامة الألبانى.

قلت: ويوسف بن عطية هو الصفار البصرى، وهو متروك كما في "التقريب" (7873). وقال العلامة الألباني حفظه الله - بعد بيان شدة ضعف الحديث في "الضعيفة" (1098) - "قلت: وقد رواه بعض الضعفاء عن الحسن موقوفًا عليه. أخرجه ابن أبى شيبة في "كتاب الإيمان" (رقم 93 بتحقيقى) من طريق جعفر. بن سليمان: نا زكريا قال: سمعت الحسن يقول: "إن الإيمان ليس بالتحلى ولا بالتمنى، إنما الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل". وهذا سند ضعيف (¬63) من أجل زكريا هذا وهو ابن حكيم الحبطى، قال الذهبى في "الميزان": "هالك". وأقره الحافظ في "اللسان". لكن قال المناوى في "الفيض" تحت قول السيوطى: "رواه ابن النجار والديلمي في "مسند الفردوس" عن أنس": "قال العلائي ... " فذكر ما تقدم. قال "قلت: فلعل العلائي وقف على سند آخر لهذا الأثر عن الحسن؛ ولذلك جَوَّده. والله أعلم. اهـ. قلت: بل (له طرق) أخرى عن الحسن - في كتب مشهورة ومتداولة -، وقد وقفت منها على أربع بعضها جيد، وخامسة حسنة بالمعنى: 1 - فروى ابن أبي شيبة في "المصنف" (13/ 504) من طريق جعفر بن سليمان أيضًا قال: سمعت عبد ربه أبا كعب يقول: سمعت الحسن يقول: "إن الإيمان ليس بالتحلى ولا بالتمنى، إن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل". وإسناده جيد، وعبد ربه أبو كعب ثقة باتفاق. 2 - ورواه ابن المبارك (1565) عن سفيان عن رجل عن الحسن بنحوه. وإسناده ضعيف لإبهام راويه عن الحسن. ¬

_ (¬63) وهو في "المصنف" أيضًا (11/ 22). ومقتضى كون الحبطى هالكاً أن يقول الشيخ: وهذا سند ضعيف جدًا "أو واهٍ" كما تعودنا منه حفظه الله.

3 - ورواه ابن بطة في "الإِبانة" (ص 692) من طريق أبي عبيدة الناجى عنه بنحوه. وأبو عبيدة ضعيف جدًا. 4 - ورواه الخطيب في "اقتضاء العلم العمل" (56) وابن بطة من طريق أبي بشر الحلبي عنه قال: "ليس الإِيمان بالتحلى ولا بالتمنى، ولكن ما وقر في القلوب، وصدقته الأعمال. من قال حسنًا وعمل غير صالح، رده الله على قوله، ومن قال حسنًا وعمل صالحًا، رفعه العمل، وذلك بأن الله تعالى يقول: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}. وإسناده حسن، وأبو بشر الحلبى اسمه: عمران بن بشر، وهو متوسط الحال، قال أبو حاتم: صالح، وقال البزار: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/ 236). 5 - وروى عبد الله بن أحمد فى "زوائد الزهد" (ص 267) من طريق خالد ابن شوذب قال: رأيت فرقدًا السبخى وعليه جبة صوف، فأخذ الحسن بجبته ثم قال: يا ابن فرقد (¬64) -مرتين أو ثلاثة- إن التقوى ليس في هذا الكساء، إنما التقوى ما وقر في القلب وصدقه العمل والفعل". وإسناده حسن أيضًا. ثم (وقفت) على معنى أثر الحسن هذا، من قول عبيد بن عمير رحمه الله، فقد روى الإِمام أحمد في "الإِيمان" (ق 118/ 1) (¬65) وعنه ابن بطة (ص 691) عن عبد الله بن يزيد المقرئ، وأبو نعيم (3/ 273، 272) عن زيد بن الحباب كلاهما عن ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة السبائى عنه أنه قال: "ليس الإيمان بالتمنى، ولكن الإِيمان قول يُفعل، وعمل يُعمل". وإسناده حسن إن كان ابن هبيرة سمع من عبيد، فإنه أدركه أما الشطر الآخر من الحديث فهو واهٍ أيضا لأن مداره على يوسف بن عطية الصفار، وعبد السلام ¬

_ (¬64) كذا في "الزهد" ولعل الصواب: "يا ابن أم فرقد" أو "يا ابن أبي فرقد". (¬65) قاله محقق "الإِبانة".

34 - الحديث الرابع والثلاثون

ابن صالح تابعه: صالح بن عبد الكبير المسمعى - عند الشجرى - وفيه جهالة، فقد ذكره في "التهذيب" (4/ 399) -تمييزًا- وقال: "روى عن حماد بن زيد. وعنه أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن السكن المقرى". ولم يذكر فيه سوى ذلك، وقال فى "التقريب" (2875): "مقبول". والراوى عنه: أحمد بن محمد ابن السكن، الظاهر أنه المترجم فى "تاريخ بغداد" (5/ 26، 25) و "اللسان" (1/ 266, 267) وهو متهم بسرقة الحديث ويشكل على ذلك أن الحافظ سمى الراوى عن المسمعى. أحمد بن محمد بن الحسن بن السكن، وهناك آخر بهذا الاسم ترجمه الخطيب أيضًا (4/ 425) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا والمترجح أنه الأول الذى تكلم فيه أبو الشيخ، فإنه راويه عنه. والصحيح أن هذا أيضًا من كلام الحسن البصرى كما رواه الدارمى فى "سننه" (1/ 102) من طريق هشام بن حسان عنه قال: "العلم علمان، فعلم فى القلب فذلك العلم النافع، وعلم على اللسان، فذلك حجة الله على ابن آدم". وإسناده صحيح. وورد عن الحسن مرسلًا مرفوعًا، وعنه عن جابر مرفوعا أيضًا، وكلاهما لا يصح، أما الأول فللإِرسال، وأما الآخر فلأن فيه يحيى بن يمان وهو ضعيف، وآخر مجهول الحال، وعنعنة الحسن فإنه مدلس. وانظر "المشكاة" (270) بتحقيق العلامة الألبانى حفظه الله. الحديث الرابع والثلاثون: " ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها". لا يعرف بهذا اللفظ. قال الحافظ العراقي (1/ 159): "لم أجده مرفوعًا وروى محمد بن نصر المروزى في كتاب "الصلاة" من رواية عثمان بن أبي دهرش مرسلًا: "لا يقبل الله من عبد عملًا حتى يشهد قلبه مع بدنه". ورواه أبو منصور الديلمى في "مسند الفردوس" من حديث أبى بن كعب.

ولابن المبارك فى "الزهد" موقوفًا على عمار: لا يكتب للرجل من صلاته ما سها عنه. اهـ. قلت: حديث عثمان بن أبى دهرش رواه ابن نصر فى "تعظيم قدر الصلاة" (157، 158) والحكيم الترمذي فى "الصلاة ومقاصدها" (ص 54) - واللفظ له - من طريقين عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى يومًا بأصحابه فترك آية، فخفى على القوم ذلك، فقال: "ما بال أقوام يتلى عليهم كتاب الله فلا يدرون ما ترك مما تلى؟ هكذا خرجت عظمة الله من قلوب بنى إسرائيل فشهدت أبدانهم وغابت قلوبهم. لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يشهد قلبه منها ما شهد بدنه". وهذا معضل، عثمان بن أبى دهرش يروى عن رجل من آل الحكم بن أبى العاص كما في "الجرح" (6/ 149) و "التاريخ الكبير" (1/ 220). وهو مع ذلك مستور، فقد روى عنه جماعة، ووثقه ابن حبان - وحده فيما أعلم - وهو فى أتباع التابعين من "الثقات" (7/ 196). وله لفظة مطولة عند ابن نصر فى إسنادها يحيى بن سليم الطائفى أيضًا، وفيه مقال مشهور. أما حديث أبى بن كعب الذى عزاه العراقي للديلمى، فلم أجده في مظانِّه من "فردوس الأخبار" فى المبدوء بـ: "ما بال أقوام" و "ليس" و "لا يقبل الله" و "لا يكتب" و "يكتب". فالله أعلم. على أن تفرد الديلمى به قد كفانا مؤنته، فإن غالب ما ينفرد به لا يخلو من راوٍ ضعيف أو متروك أو وضاع أو مجاهيل كما يشهد بذلك الواقع، ولذلك يجتزئ الحافظ السيوطى رحمه الله بعزو الحديث للديلمى عن الرمز لضعفه. أما أثر عمار بن ياسر ففي "زهد ابن المبارك" (1300) عن شريك عن جابر الجعفى عن أبى جعفر عنه. وإسناده واهٍ جدًا. شريك صدوق سيئ الحفظ، وجابر الجعفى واه متهم بالكذب والرجعة. وأبو جعفر هو محمد بن علي بن الحسين، وروايته عن عمار منقطعة.

35 - الحديث الخامس والثلاثون

والصحيح عن عمار ما رواه ابن المبارك عقب هذا (1301) وأحمد (4/ 319) وأبو داود وابن حبان وغيرهم مرفوعًا بلفظ: "إن الرجل ليصلى ولعله أن لا يكون له من صلاته إلا عشرها أو تسعها أو ثمنها أو سبعها -حتى انتهى إلى آخر العدد". وله مناسبة في أوله، وسأبين كل ذلك إن شاء الله فى القسم الثانى من "البدائل" (42). (أما) حديث الترجمة فوقفت عليه ثابتًا من قول سفيان الثورى رحمه الله - وهو أمير المؤمنين في الحديث- كما رواه أبو نعيم (7/ 61) من طريق أحمد بن محمد البغدادى قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: قال قاسم الجرمى: سمعت سفيان الثورى يقول: "يكتب للرجل من صلاته ما عقل منها". وإسناده صحيح جليل، وأحمد بن محمد البغدادى أحسبه أبا العباس البراق المترجم في "تاريخ بغداد" (5/ 3، 4) فإن له رواية عن بشر بن الحارث، وقال الدارقطني: ثقة مأمون. وبشر والقاسم الجرمى - وهو ابن يزيد الموصلي- ثقتان فاضلان من أهل الفضل والنُسُك. وهذا القول لا مجال للرأى فيه، فحكمه حكم الحديث المعضل. والله أعلى وأعلم. الحديث الخامس والثلاثون: " ليس من يوم إلا وهو ينادى: يا ابن آدم، أنا خلق جديد، أنا فيما تعمل فِىَّ عليك شهيد، فاعمل فِىَّ خيرًا أشهد لك به، فإنى لو مضيت لم ترنى؛ ويقول الليل مثل ذلك". واه جدًا. رواه أبو نعيم (2/ 303، 304) -واللفظ له- وحمزة بن يوسف السهمى فى "آداب الدين مما لا يستغنى المسلم عنه في يومه وليلته" كما ذكره عنه الرافعى فى "أخبار قزوين" (2/ 93) -وإليهما عزاه الهندى فى "كنز العمال" (15/ 796) -من طريق الحكم بن مروان الكوفى ثنا سلام بن سليم المدائنى، عن زيد العمى، عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار مرفوعا به.

وقال أبو نعيم: "غريب من حديث معاوية، تفرد به عنه زيد، ولا أعلمه مرفوعا عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم إلا بهذا الإِسناد". قلت: وإسناده واه جدًا، سلام بن سليم هالك، وقال ابن خراش: كذاب. وقال ابن حبان فى "المجروحين" (1/ 339): "يروى عن الثقات الموضوعات كأنه كان المتعمد لها". وقال الحاكم: "روى أحاديث موضوعة". وشيخه زيد العمى ضعيف ضعفه الجمهور، وقال بعضهم: صالح وللحديث لفظ آخر، فقد رواه البيهقي فى "الشعب" عن عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس مرفوعا معضلًا بلفظ: "ما من يوم طلعت شمسه إلا يقول: من استطاع أن يعمل فِىَّ خيرًا فليعمله فإني غير مكر عليكم أبدًا". كما فى "كنز العمال" (15/ 796, 797) -وجعله مرسلا- والأصوب أنه معضل, لأن عثمان هذا يروى عن التابعين، وهو أيضًا مختلف فيه. ووصله الديلمى (ق: 206) (¬66) من طريق مطلب بن شعيب عن أبي صالح عن ليث عن عقيل عن الزهرى عنه عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس -إن شاء الله- (كذا فيه) مرفوعًا بلفظ: "ما من يوم طلعت شمسه إلا يقول: من استطاع أن يعمل فِيَّ خيرًا فليعمل، فإنى غير مكرور عليكم أبدًا، وكذلك يقول الليل". وإسناده ضعيف لضعف أبي صالح -واسمه عبد الله بن صالح المصرى- وكانت فيه غفلة، وكان له جار يُدخل عليه. وفيه كلام كثير سوى هذا. واستثنى الحافظ فى "هدى السارى" (ص 414) رواية أهل الحذق عنه كالبخارى وابن معين وأبى زرعة وأبى حاتم، فصححها. وليس هذا منها. ولعل الصحيح رواية البيهقي المعضلة، ولا يمكن الجزم بذلك الآن لعدم تيسر الاطلاع على سنده فى "الشُعب". ¬

_ (¬66) ساق محققًا "الفردوس" (4/ 347) سنده كله.

(والصحيح) فى حديث الترجمة أنه من قول بعض السلف، فقد ورد معناه عن غير واحد من التابعين فمن بعدهم. 1 - فروى ابن أبي شيبة (13/ 549, 550) عن حسين الجعفى عن موسى الجهنى عن بعض أصحابه قال: "ما أتت على عبد ليلة قط إلا قالت: ابن آدم. أحدث فِىَّ خيرًا، فإنى لن أعود إليك أبدًا". ورجاله ثقات رجال الصحيح سوى قائله، فإنه لم يُسَمَّ. ولعلة تابعى فإن موسى يروى عن التابعين. 2 - وروى أبو نعيم (2/ 310) من طريق الإِمام أحمد عن عفان عن همام قال: سمعت أبا عمران الجونى يقول: "ما من ليلة تأتى إلا وتنادى: اعملوا فِىَّ ما استطعتم من خير، فلن أرجع إليكم إلى يوم القيامة". وإسناده صحيح، وأبو عمران الجونى تابعى ثقة، واسمه: عبد الملك بن حبيب. 3 - وروى أبو نعيم أيضًا (7/ 330) من طريق أحمد بن يحيى الصوفى قال: سمعت أبا غسان يقول: سمعت الحسن بن صالح يقول: الليل والنهار يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود ووعيد، ويقول النهار: ابن آدم، اغتنمنى فإنك لا تدرى لعله لا يوم لك بعدى، ويقول له الليل مثل ذلك". وإسناده صحيح. والحسن ثقة من أتباع التابعين، ولعله تلقاه من موسى الجهنى -فى الطريق الأولى- فإن له رواية عنه كما فى "التهذيب" (10/ 354). وهذه الآثار -مع قصور ألفاظها عن لفظ حديث الترجمة المرفوع -إلا أنها لا مجال للرأى فيها إذ تتضمن إخبارًا عن أمر غيبى لا يتلقى إلا بتوقيف، فحكمها حكم المراسيل المرفوعة، إلا أنه يخشى أن تكون مأخوذة من الإسرائيليات، فالله أعلم.

36 - الحديث السادس والثلاثون

الحديث السادس والثلاثون: " ما أحدث عَبْدٌ أخا فى الله، إلا أحدث الله له درجة فى الجنة". ضعيف جدًا. رُوِى من حديث أنس وله طريقان: الأول: عند ابن أبي الدنيا فى "كتاب الإِخوان" -كما فى "تخريج الإِحياء" (2/ 158) و "الجامع الصغير" (7789) وعنه الديلمى فى "مسند الفردوس" (ق: 217) إذ قال: "أخبرناه الإِمام والدى، أخبرنا أبو الحسن على بن محمد الميدانى كتابة، أخبرنا أبو طالب الحربى ببغداد، حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف العلاف، حدثنا الحسين بن صفوان البرذعى (¬67)، حدثنا عبد الله بن محمد القرشى فى "كتاب الإِخوان"، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنى بقية، عن الأحوص" كذا أورده محققا "فردوس الأخبار" (4/ 355) فى حاشيته. وكأنه سقط من إسناده: "عن أنس" فإن للأحوص هذا رواية عنه. وهذا إسناد ضعيفٌ جدًا، له ثلاث علل: الأولى: ضعف سويد بن سعيد، قال الحافظ (2690): "صدوق فى نفسه إلا أنه عمى فصار يتلقن ما ليس من حديثه، فأفحش فيه ابن معين القول". قلت: وفى أمره تفصيل، فانظره فى "البدائل" (1/ 20، 21) إن شئت. الثانية: عنعنة بقية بن الوليد، وهو صدوق حافظ، لكنه كثير التدليس. الثالثة: وهاء الأحوص وهو ابن حكيم بن عمير العَنْسى، فقد قال ابن معين: "ليس بشئ". وقال الإِمام أحمد -فى رواية الميمونى عنه-: "واه". وقال فى رواية إبراهيم بن هانئ-: "لا يسوى حديثه شيئًا" ووثقه ابن المدينى مرة لكنه قال فى أخرى: "لا يكتب حديثه". وقال النسائى -مرة-: "ليس بثقة". وقال أبو حاتم: "ليس بقوى، منكر الحديث". وقال ابن حبان (1/ 175): ¬

_ (¬67) فى الأصل: "البردعى" والصواب ما أثبت.

"يروى المناكير عن المشاهير، وكان ينتقص على بن أبي طالب، تركه يحيى القطان وغيره". قلت: وبلغ من غفلته أن أبا بكر بن عياش قال: "حدَّث الأحوص بن حكيم بحديث. قال: فقلت: عن النبي عليه السلام! فقال: أو ليس الحديث كله عن النبى عليه السلام؟ ". رواها العقيلى فى "الضعفاء الكبير" (1/ 120) -واللفظ له- وابن عدى (1/ 405) عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن أبي بكر. وإسنادها صحيح جليل. وهى تذكرنى يقول أبان بن أبي عياش -وهو أسوأ حالًا من الأحوص هذا-: "وهل يروى أنس إلا عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم؟ " والحديث أورده الغزالى فى "الإِحياء" بلفظ: "من آخى أخًا فى الله رفعه الله درجة فى الجنة لا ينالها بشئ من عمله" فذكره العراقى باللفظ المتقدم وقال: "وإسناده ضعيف" وتوهم المناوى أن ابن أبي الدنيا رواه باللفظين -من طريقين مختلفين- فقال (5/ 412): "ويعضده خبر ابن أبي الدينا أيضًا ... " فذكر لفظ: "الإِحياء" فلو كان اللفظان عنده لتبين ذلك فى تخريج العراقى إن شاء الله، فإنه لم يعزه إليه إلا بلفظ الترجمة. وقال العلامة الألبانى حفظه الله فى "ضعيف الجامع" (5/ 78): "ضعيف جدًا". الثانية: عند أبي الشيخ -كما فى "كنز العمال" (9/ 18) -من طريق محمد ابن حميد الرازى عن الحكم بن بشير عن عمرو بن قيس الملائى عن أبي سلمة اللوذانى عن أنس ولفظه: "أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من أحدث أخًا فى الله عز وجل رفعه الله عز وجل بها درجة فى الجنة، وما تواد رجلان فى الله عز وجل إلا كان أفضلهما منزلة عند الله عز وجل أشدهما حبًا لأخيه حتى يحدث أحدهما، وأشرهما الذى يحدث". كما فى "الجرح والتعديل" (9/ 384) - فى ترجمة أبي سلمة هذا. وهذا إسناد ضعيف جدًا أيضًا فيه ثلاث علل: الأولى: شدة ضعف محمد بن حميد الرازى فإنه متهم -مع اتصافه بالحفظ.

الثانية: جهالة أبي سلمة اللوذانى هذا، إذ لم أجد له ترجمة إلا في "الجرح" و "الاستغناء" للحافظ ابن عبد البر رحمه الله (2386). وقال ابن أبي حاتم: "روى عنه عمرو بن قيس الملائى" ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. الثالثة: الانقطاع -على تردد في ذلك- فقد ختم ابن أبي حاتم الترجمة بقوله: "قال أبو عبد الله: لم يسمع أبو سلمة من أنس". وأبو عبد الله هو محمد بن حميد كما قال ابن عبد البر والمعلمى في "حاشية الجرح". ولا أدرى ما حجته في ذلك، فإن عمرو بن قيس من السادسة، مات سنة بضع وأربعين كما في "التقريب" (5100)، فإدراك شيخه لأنس محتمل جدًا. على أن ابن حميد متهم كما قدمنا. أما سائر الحديث (¬68) فمروى من طريق ثابت عن أنس - وفيه اختلاف على ثابت لا مجال لذكره الآن - ومن طريق أبي الدرداء مرفوعًا عند الطبراني في "الأوسط". ورواه محمد بن البراء العبدى في "كتاب الروضة" كما في "كتاب المتحابين في الله" (23) لابن قدامة المقدسى رحمه الله، ورجاله ثقات. ولعلى أتعرض له في موضع آخر إن شاء الله. وختاما (فالصواب) أن حديث الترجمة من قول الحسن البصرى رحمه الله (¬69) كما رواه وكيع في "الزهد" (330) عن المسعودى عن زياد الأصفر قال: أراه عن الحسن قال: "من أفاد أخًا في الله، رفعه الله بها درجة". وإسناده حسن كما قال محقق "الزهد". وسماع وكيع من السعودى نص الإِمام أحمد على أنه كان قبل اختلاطه كما في "التهذيب" (6/ 210) وغيره. والله أعلم. ¬

_ (¬68) حاشا قوله: "حتى يحدث أحدهما ... " الخ. (¬69) فكم من حديث يرويه الضعفاء والمتروكون عن أنس مرفوعًا، ويكون صوابه عن الحسن من قوله أو من مرسله.

استدراك

وهذا الأثر لا مجال للرأى فيه، فحكمه الرفع مع الإِرسال على أن هذا الثواب لا ينكر فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن المتحابين في الله عز وجل على منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء، وأن محبة الله عز وجل وجبت لهم، في أحاديث كثيرة قد كفت وشفت. فالله المستعان. استدراك: وروى أبو نعيم (5/ 7) عن محمد بن سوقة قال: "ما استفاد رجل أخًا في الله إلا رفعه الله بذلك درجة" وإسناده إليه صحيح، لكن حكمه حكم المرفوع المعضل، فإن ابن سوقة رحمه الله من أتباع التابعين. الحديث السابع والثلاثون: " ما فضلكم أبو بكر بفضل صوم ولا صلاة، ولكن بشئ وقر في قلبه". لا يعرف مرفوعًا. رفعه الغزالى (1/ 23) إلى النبى صلى الله عليه وآله وسلم فقال العراقي: "أخرجه الترمذى الحكيم في "النوادر" من قول بكر بن عبد الله المزني، ولم أجده مرفوعًا" وحكاه عنه السخاوى (ص 369) بنحوه. قلت: و "نوادر الأصول" المتداول حاليًا قد طبعه بعضهم -محذوف الأسانيد- لا بارك الله فاعله- وذلك مما يزهد طالب العلم الصحيح في اقتنائه، لكن الله عز وجل رزقنى إسناده من كتاب آخر للحكيم الترمذى، ألا وهو كتاب "الصلاة ومقاصدها" (إذ رواه) فيه (ص 80، 81) عن المؤمل بن هشام البصرى وقتيبة بن سعيد عن إسماعيل بن علية عن غالب القطان عنه قال: "لم يفضل أبو بكر رضى الله عنه الناس بكثرة صوم ولا صلاة، وإنما فضلهم بشئ كان في قلبه". وإسناده صحيح على شرط الشيخين. فنصيحتى لطلبة علم الحديث والباحثين فيه ألا يزهدوا في مصنفات الحكيم

38 - الحديث الثامن والثلاثون

الترمذى وأشباهه كالحارث بن أسد المحاسبى وابن أبي الدنيا والخرائطى، فإنها - وإن كان فيها واهيات ومناكير- لا تخلو من درر غالية وآثار حسان يندر وجودها في غيرها- وليس أدل على ذلك من هذا الأثر الذى يظنه البعض حديثا نبويًا، بل ويجزمون بنسبته إلى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وهو لا يُعرف له أصل عنه. ولولا أن الله تعالى قيض لنا كتاب "الصلاة ومقاصدها" -هذا العام- لظلت درجة هذا الأثر -من الثبوت- مجهولة، إذ لم يبينها العراقى ولا غيره- فالحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات. ثم إن الحكيم روى عقبه (ص 81) عن أبيه عن الحسن بن سوار عن المبارك عن الحسن قال: "إنما غلبهم عمر رضى الله عنه بالصبر واليقين، لا بالصوم والصلاة". لكن والد الحكيم -واسمه على بن الحسن بن بشر لم أظفر له على ترجمة. والمبارك هو ابن فضالة البصرى، وهو صدوق مدلس، وقد عنعنه. الحديث الثامن والثلاثون: " ما من شئ إلا له توبة، إلا صاحب سوء الخلق، فإنه لا يتوب من ذنب إلا عاد في شر منه". موضوع. رواه الطبراني في "الصغير" (553) من طريق عمرو بن جميع عن يحيى بن سعيد الأنصارى عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة مرفوعًا وقال: "لم يروه عن يحيى إلا عمرو، ولا يروى عن عائشة إلا بهذا الإِسناد". قال العلامة الألبانى في "الضعيفة" (126): "قلت: وهو موضوع، فإن عمرًا هذا قال النقاش: أحاديثه موضوعة، وكذبه يحيى بن معين، وقال ابن عدى: كان يتهم بالوضع. ومنه تعلم أن قول الحافظ العراقي في "تخريج الإِحياء" (3/ 45) بعد أن عزاه للطبرانى: "وإسناده ضعيف" قصور، إلا أن يلاحظ أن الموضوع

من أنواع الضعيف كما هو مقرر في "المصطلح". وقال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/ 25): "رواه الطبراني في "الصغير"، وفيه عمرو بن جميع وهو كذاب". والحديث أورده السيوطى في "الجامع" (¬70) برواية أبي الفتح الصابوني في "الأربعين" عن عائشة، ويعترض عليه من وجهين: الأول: إيراده فيه مع أنه ليس على شرطه (¬71) لتفرد الكذاب به! . الثانى: اقتصاره في العزو إلى الصابوني فأوهم أنه ليس عند من هو أشهر منه! ... ". ثم وجدت حديث الترجمة عند الخطيب (8/ 59, 60) من هذا الوجه بنحوه. (والصحيح) أن هذا قول والد أحمد بن أبي الحوارى الزاهد المشهور، فقد قال ابن حبان في "روضة العقلاء" (ص 175): "حدثنا القطان بالرقة، حدثنا أحمد بن أبي الحوارى، قال: سمعت أبي يقول: ما من أحد إلا وله توبة، إلا سيئ الخلق، فإنه لا يتوب من ذنب إلا دخل في شر منه". وإسناده إليه صحيح، وأبو الحوارى اسمه عبد الله بن ميمون بن العباس التغلبى، ومظنة ترجمته: "تاريخ دمشق" للحافظ ابن عساكر رحمه الله، لكن هذا الاسم من الأسماء التى سقطت من المخطوطة المصورة، ولم تستدرك بعد. نسأل الله التيسير. ¬

_ (¬70) "الجامع الصغير" (8037). (¬71) شرط السيوطى رحمه الله أن يصون هذا الكتاب عما تفرد به كذاب أو وضاع.

39 - الحديث التاسع والثلاثون

الحديث التاسع والثلاثون: " ما من غنى ولا فقير إلا ود يوم القيامة أنه أوتى من الدنيا قوتًا". ضعيف جدًا أو موضوع. رواه الإِمام أحمد (3/ 161) وابن ماجه (4140) وهنَّاد (596) وأبو يعلى (7/ 303) وابن حبان في "المجروحين" (3/ 56) وابن عدى (7/ 2524) وأبو نعيم (10/ 69، 70) وابن الجوزى في "الموضوعات" (3/ 131) من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد عن نفيع عن أنس مرفوعًا به. ورواه أيضًا ابن منيع وعبد بن حميد في "مسنديهما" كما قال الحافظ البوصيرى رحمه الله في "مصباح الزجاجة" (3/ 280، 281). ورواه وكيع في "الزهد" (117) عن إسماعيل به، فأوقفه على أنس والراجح عن إسماعيل رفعه كما هى رواية الجماعة. وقال ابن الجوزى: "نفيع هذا، هو أبو داود الأعمى، كذبه قتادة. قال يحيى: لم يكن ثقة. وقال النسائى والدارقطنى: متروك". فتعقبه السيوطى في "اللآلئ" (2/ 313) - بما ليس تحته كبير طائل - فقال: "قلت: أخرجه أحمد في "مسنده" وابن ماجة من هذا الطريق. وله شاهد عن ابن مسعود. وقال الخطيب: أنبأنا عبد الملك بن محمد بن عبد الله الواعظ أنبأنا عبد الباقى بن قانع حدثنا عمر ابن إبراهيم الحافظ حدثنا أحمد بن إبراهيم القطيعى حدثنا عباد بن العوام حدثنا سفيان ابن حسين عن سيار (¬72) عن أبي وائل عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من أحد إلا وهو يتمنى يوم القيامة أنه كان يأكل في الدنيا قوتا". وقال أبو نعيم: حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي سهل حدثنا عبد الله بن محمد العبسى حدثنا عباد بن العوام به، فذكره موقوفًا. والله أعلم. اهـ. ¬

_ (¬72) في "اللآلئ": عن "يسار" وهو خطأ.

وكذلك تعقبه الشيخ محمد صبغة الله المدراسى الهندى في "ذيل القول المسدد" (ص 80) بقوله: "قلت: رماه -يعنى نُفَيْعا- بعضهم بالوضع وبعضهم بأنه متروك وبعضهم بأنه ليس بشئ وبعضهم بأنه ضعيف. وذكره ابن حبان في "كتاب الثقات". وقال في "كتاب الضعفاء": يروى عن الثقات الموضوعات- انتهى. فلا يحكم على حديثه بالوضع نظرًا لذلك. وله شاهد من حديث ابن مسعود رضى الله عنه عند الخطيب قال .... " فذكر كلام السيوطى بتمامه. قلت: تعقب الحافظ السيوطى بتخريج الإِمام أحمد للحديث يمكن الاستدلال به على نفى كونه موضوعًا عن الإِمام أحمد -لا مطلقًا- ولم أرَ للإِمام أحمد في نفيع رأيا صريحًا صحيحًا (¬73)، فلعله لم يكن عنده كذابًا ولا شديد الضعف. والله أعلم. أما تخريج ابن ماجه للحديث فلا يصلح تعقبًا فإن ابن ماجه رحمه الله لم يكن يتحاشى إيراد أحاديث الهلكى والكذابين، مما أخر مرتبته عن مرتبة سائر الكتب الستة في الأصحية، وقدم بعض الأئمة على كتابه: "سنن الدارمى" لأن الغالب عليها الصحة بخلافه. نعم، نفيع لا ينزل حديثه عن مرتبة الضعف الشديد بحال، فقد وهاه أكثر الأئمة، وقال ابن حبان: "كان ممن يروى عن الثقات الأشياء الموضوعات توهمًا، لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه إلا على جهة الاعتبار". وقد غمزه أبو يحيى الساجى رحمه الله بروايته هذا الحديث بعينه، فقال: "كان ¬

_ (¬73) فقد روى أحمد بن أبي يحيى الأنماطى عنه قال "أبو داود الأعمى يقول: سمعت العبادلة عبد الله بن عمرو وابن عباس وابن الزبير لم يسمع منهم شيئًا" ففيه طعن في صدقه لكن أحمد هذا كذبه إبراهيم بن أورمة، وله ترجمة في "الكامل" (1/ 198) "واللسان" (1/ 321). وهذا النص في "الكامل" (7/ 2523).

منكر الحديث يكذب، ثنا أحمد ثنا أبو معاوية .... " فذكر الحديث وقال: "وهذا الحديث يصحح قول قتادة فيه أنه كان سائلًا لأن هذا حديث السُؤُّال. ونحوه قول الحاكم: "روى عن بريدة وأنس أحاديث موضوعة" والنصان في "تهذيب التهذيب" (10/ 471، 472). أما توثيق ابن حبان له، فغفلة منه، قال الحافظ - عقب قول المزى "فكأنه جعله اثنين"-: "قلت: هو وهم منه بلا ريب، وهو هو". أما استشهاد السيوطى رحمه الله بحديث ابن مسعود فيجاب عنه من وجهين: الأول: أن حديث أنس -لشدة ضعفه- لا يقبل الانجبار بوجود شاهد له كما هو مقرر في كتب "مصطلح الحديث". الثانى: أن حديث ابن مسعود - على ضعف إسناده - مُعَلٌّ بالوقف. أما الضعف فلأن له علتين: الأولى: ما في ابن قانع رحمه الله من المقال. قال الذهبي في "المغنى" (1/ 365): "الحافظ. قال الدارقطني: "كان يحفظ لكنه كان يخطئ ويصر". وقال البرقاني: "هو عندى ضعيف ورأيت البغداديين يوثقونه". وقال أبو الحسن ابن الفرات: "حدث به اختلاط قبل موته بسنتين". لكن قال الخطيب (11/ 89): "لا أدرى لماذا ضعفه البرقاني، فقد كان ابن قانع من أهل العلم والدراية، ورأيت عامة شيوخنا يوثقونه، وقد تغير في آخر عمره". قلت: وله ترجمة واضحة في "اللسان" (3/ 383، 384) تدل على أنه - مع حفظه ودرايته - صاحب أوهام وتصحيفات، فانظرها إن شئت. الثانية: جهالة أحمد بن إبراهيم القطيعي، فقد ترجمه الخطيب (4/ 7, 8) برواية أبي الآذان الحافظ - وهو عمر بن إبراهيم - وحده عنه، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.

40 - الحديث الأربعون

(وأما) الإِعلال بالوقف، فقد خالفه الحافظ الثبت: ابن أبي شيبة (13/ 301) ومحمد بن جعفر المدائنى -وهو صدوق- عند عبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (ص 155, 156) فروياه عن عباد به موقوفًا، ولفظه - عند عبد الله-: "ما من أحد من الناس يوم القيامة إلا وهو يتمنى أنه كان يأكل في الدنيا قوتا وما يضر أحدكم على أى حال أصبح وأمسى من الدنيا إلا أن تكون في النفس حزازة". وإسناده صحيح وهو في "الحلية" (1/ 137) من طريق ابن أبي شيبة به. والجملة الأولى من الأثر -المطابقة لحديث الترجمة- تتضمن إخبارًا عن أمر غيبى لا مجال للرأى فيه، فهى مرفوعة حكمًا، ولا يُسَوِّغ ذلك لمن أراد حكايته هذا الأثر أن يجزم بنسبته إلى النبى صلى الله عليه وآله وسلم، فيكون متهجمًا على ما ليس له أن يتهجم عليه، فتنَبَّهْ. وبالله التوفيق. الحديث الأربعون: " أن رسول الله صلى الله عيه وآله وسلم "مَرَ بسعد وهو يتوضأ، فقال: ما هذا السرف؟ قال: أفى الوضوء إسراف؟ قال: نعم، وإن كنت على نهر جارٍ". ضعيف. رواه ابن ماجه (425) من طريق قتيبة ثنا ابن لهيعة عن حُيَىّ بن عبد الله المعافرى، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي عن عبد الله بن عمرو به. ورواه أيضًا أبو يعلى في "مسنده" "ثنا أبو خيثمة ثنا أبو رجاء ثنا ابن لهيعة به، كما في "مصباح الزجاجة" (1/ 174) وقال البوصيرى: "هذا إسناد ضعيف لضعف حيى بن عبد الله وعبد الله بن لهيعة". قلت: حيى لم يتفق على تضعيفه، بل هو مختلف فيه، ورجح الحافظ في "التقريب" (1605) أنه: "صدوق يهم". فهو حسن الحديث ما لم يخالف.

فالعلة ابن لهيعة وحده, لأن قتيبة -وهو ابن سعيد أبو رجاء البلخى- ليس من قدماء أصحابه الذين حدثوا عنه "قبل أن يكثر الوهم في حديثه وقبل احتراق كتبه" (¬74) ورُوِيت ألفاظ أخرى -تقارب هذا الحديث- ولا يصح منها شئ: 1 - فقد روى ابن ماجة أيضًا (424) من طريق بقية عن محمد بن الفضل ابن عطية عن أبيه عن سالم عن ابن عمر قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلًا يتوضأ، فقال: "لا تسرف، لا تسرف". وقال البوصيرى: "هذا إسناد ضعيف: الفضل بن عطية ضعيف وابنه كذاب، وبقية مدلس". قلت: الأولى أن يقال: "ضعيف جدًا" لوجود هذا الكذاب، أما أبوه فالأكثرون على توثيقه والبلاء من الابن كما بين ابن حبان وابن عدى، فانظر "التهذيب" (8/ 281). 2 - وروى أبو أحمد الحاكم في "الكنى" وابن عساكر عن الزهرى مرسلًا مرفوعا: "لا تسرف. قيل: يا رسول الله، وفي الوضوء إسراف؟ قال: نعم، وفي كل شئ إسراف". كما في "كنز العمال" (9/ 327). وإسناده ضعيف - بصفة مبدئية - للإِرسال أو الإعضال ومراسيل الزهرى عند الأئمة من شر المراسيل لأنه حافظ، لا يرسل إلا عمن يرغب عن ذكره. ولعل في الطريق إليه علة أخرى هى شر من الإِرسال، فنظرةٌ إلى ميسرة، فإن "تاريخ دمشق" بحر لا قرار له، ولا ندرى في أي التراجم أورده ابن عساكر. أما "الكنى" لأبى أحمد الحاكم، فلم نُرزَقْهُ بعد. 3 - وروى أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 92) من طريق محمد بن جعفر ¬

_ (¬74) العبارة مقتبسة من "تذكرة الحفاظ" (1/ 238) على أن الحافظ الذهبى لا يأخذ بهذا التفصيل ويرى أن ابن لهيعة يروى حديثه في المتابعات ولا يحتج به كما فيها (1/ 239).

الوركانى ثنا سعيد بن ميسرة البكرى سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا خير في صب الماء" وقال: "إنه من الشيطان" - يعنى كثرة صب الماء في الوضوء- وسعيد بن ميسرة هذا قال الذهبي في "المغنى" (1/ 266): "واهٍ. قال ابن عدي: هو مظلم الأمر". وبكل حال، فقد ثبتت أحاديث أخرى عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم في كراهة السرف في الوضوء وسنية الاقتصاد فيه -بغير الألفاظ المتقدمة- تراجع في مثل "مشكاة المصابيح" للخطيب التبريزى رحمه الله، و "جامع الأصول" لابن الأثير الجزرى رحمه الله. و(الصواب) في حديث الترجمة أنه من قول هلال بن يساف -وهو تابعي ثقة- فقد قال البوصيرى: " ... ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" من حديث هلال بن يساف" (¬75). قلت: صنيعه رحمه الله يوهم أن الحديث مرفوع وليس كذلك، (فقد) رواه (1/ 66) عن محمد بن فضيل عن حصين عنه قال: "كان يقال: في الوضوء إسراف ولو كنت على شاطئ نهر". ورواه البيهقى (1/ 197) من طريق الثورى عن حصين به، بلفظ: "كان يقال: في كل شئ إسراف حتى الطهور، وإن كان على شاطئ النهر" وإسناده صحيح. وروى ابن أبي شيبة أيضًا (1/ 67) عن يزيد بن هارون قال: أنا العوام عمن أخبره عن أبي الدرداء قال: "اقصد في الوضوء، ولو كنت على شاطئ نهر". وإسناده ضعيف، شيخ العوام -وهو ابن حوشب- مجهول لم يسم، ثم إن روايته عن أبي الدرداء منقطعة أيضًا، فإن جميع شيوخ العوام بن حوشب لا يدرك أحد منهم أبا الدرداء أصلًا. ¬

_ (¬75) في الأصل: "هلال بن يسار" وهو خطأ.

41 - الحديث الحادى والأربعون

وقد أحسن البوصيري صنعًا إذ لم يورده، مع أنه أرفع من قول هلال بن يساف، وإنما أوردناه -وما كان على شاكلته في هذا الكتاب- للتنبيه على عدم ثبوته. والله أعلم. الحديث الحادى والأربعون: " من جمع بين الصلاتين من غير عذر، فقد أتى بابًا من أبواب الكبائر". ضعيف جدًا، منكر. رواه الترمذي (188) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (النساء-2936) والطبرانى (11/ 216) والحاكم (1/ 275) والبيهقى في "سننه" (3/ 169) وغيرهم من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا به. ورواه الديلمي بزيادة: "ومن شرب شرابًا حتى يذهب بعقله الذى أعطاه الله، فقد أتى بابًا من أبواب الكبائر". كما في "فردوس الأخبار" (4/ 122). وقال الترمذى: "وحنش هذا هو أبو على الرحبى، وهو حسين بن قيس. وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعَّفه أحمد وغيره ... ". وقال الحاكم: "حنش بن قيس الرحبى يقال له: أبو على، من أهل اليمن سكن الكوفة، ثقة. وقد احتج البخارى بعكرمة، وهذا الحديث قاعدة في الزجر عن الجمع بلا عُذر، ولم يخرجاه". فتعقبه الذهبى في "تلخيص المستدرك" بقوله: "قلت: بل ضعفوه". وقال البيهقي: "تفرد به حسين بن قيس أبو على الرحبي المعروف بحنش، وهو ضعيف عند أهل النقل لا يحتج بخبره". قلت: بل هو متروك كما قال الحافظ (1342). وقد وهاه الإِمام أحمد وابن معين والبخارى وأبو حاتم والنسائى والساجي والدارقطني وغيرهم.

وقال العقيلي في ترجمته من "الضعفاء الكبير" (1/ 248): "وروى عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ... " فذكره ثم قال: "وله غير حديث لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به". فأما (الأول) (¬76) فيروى من كلام عمر بن الخطاب، وأما (الثانى) فلا أصل له، وقد رُوِى عن ابن عباس بإسناد جيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء". قلت: بل الثانى أيضًا مروى عن عمر، ثابت عنه. وحديث الترجمة أورده الذهبي أيضًا في "الميزان" (1/ 546) من جملة مناكير حسين هذا. أما (الرواية) عن عمر رضى الله عنه، فمن طريقين عنه: الأولى: عند البيهقي (3/ 169) من طريق قتادة عن أبي العالية عنه رضى الله عنه قال: "جمع الصلاتين من غير عذر من الكبائر". وقال: "قال الشافعي في "سنن حرملة": العذر يكون بالسفر والمطر، وليس هذا بثابت عن عمر، هو مرسل". ثم قال: "هو كما قال الشافعي. والإِسناد المشهور لهذا الأثر ما ذكرنا، وهو مرسل، أبو العالية لم يسمع من عمر رضى الله عنه، وقد رُوِى ذلك بإسناد آخر أشار الشافعي إلى متنه في بعض كتبه". ثم رواه من الطريق الثانية، وستأتى في محلها. وروى عبد الرزاق (2/ 552) من طريق أيوب عن قتادة عن أبي العالية أن عمر كتب إلى أبي موسى: "واعلم أن جمعًا بين الصلاتين من الكبائر إلا من عذر". ورواه ابن أبي شيبة (2/ 459) من طريق هشام بن حسان عن رجل عن أبي العالية به، بلفظ: "الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر". ¬

_ (¬76) يعنى حديث: "من استعمل رجلًا على عصابة من المسلمين، وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله، وخان جماعة المسلمين".

الثانية: عند البيهقي أيضًا -كما تقدم- من طريق حميد بن هلال عن أبي قتادة -يعنى العدوي- أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كتب إلى عامل له: "ثلاث من الكبائر: الجمع بين الصلاتين إلا في عذر، والفرار من الزحف، والنهبى". وقال: "أبو قتادة العدوى أدرك عمر رضى الله عنه، فإن كان شهده كتب فهو موصول، وإلا فهو إذا انضم إلى الأول صار قويًا. وقد روى فيه حديث موصول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في إسناده من لا يحتج به". فروى حديث ابن عباس. قال ابن التركمانى رحمه الله في "الجوهر النقى": "قلت: أبو العالية أسلم بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسنتين، ودخل على أبي بكر وصلى خلف عمر. وقد قدمنا غير مرة أن مسلمًا حكى الإِجماع على أنه يكفى لاتصال السند المعنعن ثبوت كون الشخصين في عصر واحد. وكذا الكلام في رواية أبي قتادة العدوى عن عمر، فإنه أدركه كما ذكر البيهقي بعد، فلا يحتاج في اتصاله إلى أن يشهده". اهـ. قلت: هذان الإِمامان دندنا حول رواية أبي العالية عن عمر، وليس في اتصالها أدنى ارتياب -وأغفلا العلة الحقيقية التى سأذكرها بحول الله وقوته. وسماع أبي العالية من عمر، فثابت قطعًا، فقد روى الإِمام أحمد في "الزهد" (ص 118) وابن أبي شيبة (10/ 322, 323) بسند صحيح عنه قال: "أكثر ما كنت أسمع من عمر بن الخطاب: "اللهم عافنا واغفُ عنا". والصواب إعلال هذا الإِسناد بعدم سماع قتادة له من أبي العالية، فقد روى ابن أبي حاتم في "المراسيل" (628) عن على بن المديني قال: سمعت يحيى بن سعيد قال: قال شعبة: لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أشياء. قلت ليحيى: عُدَّها قال: قول على رضى الله عنه: "القضاة ثلاثة"؛ وحديث: "لا صلاة بعد العصر"، وحديث: "يونس بن متى". ورواه أيضًا في "التقدمة"

(ص 127) وعقب على ذلك بقوله: "بلغ من علم شعبة بقتادة أن عرف ما سمع من أبي العالية وما لم يسمع". وذكره الحافظ ابن رجب الحنبلى رحمه الله في "شرح علل الترمذي" (ص 496, 497) بلفظ: "لم يسمع منه إلا أربعة أحاديث ... " فزاد: "وحديث ابن عباس: شهد عندى رجال مرضيون، وأرضاهم عندى عمر. الحديث. قال: "وقد خرجا له في "الصحيحين" عن أبي العالية حديثين آخرين. أحدهما: حديث دعاء الكرب. والثانى: حديث رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليله أسرى به موسى، وغيره من الأنبياء". قلت: فيعتضد -إن شاء الله- بالطريق الأخرى عن أبي العالية عند ابن أبي شيبة. أما رواية أبي قتادة العدوى عن عمر، فلا مجال للتردد في اتصالها ألبتة، فقد ذكر البخارى في "تاريخه" (2/ 151) وابن أبي حاتم في "الجرح" (2/ 441) والمزى في "تهذيب الكمال" (ق 1638) روايته عن عمر، ولم يتعرضوا لها بشئ، بل قال الحافظ في "الإِصابة" (1/ 188): " ... قال البزار: أدرك الجاهلية وسمع من عمر بن الخطاب ... " حتى قال: "وذكره ابن حبان في "الثقات" وابن سعد في الأولى من تابعى البصريين ممن أدرك عمر". قلت: حديثه عن عمر في صحيح مسلم" (¬77) اهـ. قلت: وفي سندها علة أخرى لم ينبه عليها البيهقي ولا ابن التركمانى، وهى أن شيخ شيخ البيهقي، واسمه: عبد الله بن محمد بن الحسن الرمجارى -وهو أخو ¬

_ (¬77) ووهم العلامة الألبانى حفظه الله فصحح حديثا رواه الخرائطى من طريق حميد بن هلال عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم -مرسلًا- ظنًا منه أنه أبو قتادة الأنصارى الصحابى، وذلك في "السلسلة الصحيحة" (377) وظنه بعضهم صحابيا من أجل هذا الحديث، فانظر ترجمته من "الإِصابة".

الحافظ أبي حامد بن الشرقى- مطعون في عدالته، قال الذهبي في "الميزان" (2/ 494): "سماعاته صحيحة من مثل الذهلى وطبقته، ولكن تكلموا فيه لإِدمانه شرب المسكر". وقال في "السير" (15/ 40) عن الحاكم: "ولم يدع الشرب إلى أن مات فنقموا عليه ذلك، وكان أخوه لا يرى لهم السماع منه لذلك". وله ترجمة في "اللسان" (3/ 342, 343) جاء فيها أنه وصف خمرًا عتيقًا لمريض - وكان رأسا في معرفة الطب - وعلى كلٍ، فقد فرَّج الله عز وجل عنى الضيق الذى أصابنى من أجل هذه العلة، فبالرجوع إلى فهرس الآثار من "كنز العمال" (8/ 246) وجدته يعزوه أيضًا لابن أبي حاتم، وهو عنده في "تفسيره" (النساء - 2937) من طريق حميد بن هلال أيضًا عن أبي قتادة -يعنى العدوى- قال: قرئ علينا كتاب عمر: من الكبائر جمع بين الصلاتين، يعنى من غير عذر" وبنفس الإِسناد (2940) عن أبي قتادة قال: قرئ علينا كتاب عمر، من الكبائر الفرار من الزحف والنهبة". وإسناده صحيح، أورده الإِمام ابن كثير في "تفسيره" (1/ 484) -مجموعًا- وصححه فالحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات. تنبيه: وروى ابن أبي شيبة (2/ 459) من طريق حنظلة السدوسي عن أبي موسى الأشعرى قال: "الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر" وإسناده ضعيف، له علتان. الأولى: ضعف حنظلة السدوسى، لاختلاطه وعدم تميز حديثه. الثانية: الانقطاع، إذ أن حنظلة هذا لا رواية له عن أحد من الصحابة سوى أنس -وقد تأخرت وفاته- وسائرها عن التابعين. وكأن هذا التخليط منشؤه ما جاء في بعض الروايات أن عمر كتب إلى أبي موسى بذلك، فتوهم حنظلة السدوسي أن قائل هذا الكلام هو أبو موسى نفسه. والله تعالى أعلى وأعلم. ثم وجدت لأثر عمر طريقا ثالثًا عند مسدد في "مسنده" عن بكر بن عبد الله المزنى أن عمر كتب إلى أبي موسى: "إن جمعًا بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر" كما في "المطالب العالية" (1/ 179) وقال الحافظ: "فيه انقطاع".

42 - الحديث الثاني والأربعون

الحديث الثاني والأربعون: " من زوَّجَ كريمته من فاسق، فقد قطع رحمها". موضوع. رواه ابن حبان في "المجروحين" (1/ 238) وابن عدى (2/ 734) قالا: أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة (ولفظ ابن عدى: أخبرنا ابن قتيبة)، ثنا وارث بن الفضل، ثنا الحسن بن محمد البلخي، ثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك به مرفوعا. ذكراه في ترجمة البلخى هذا. وقال ابن حبان: "شيخ، يروى عن حميد الطويل وعوف الأعرابي الأشياء الموضوعة، وعن غيرهما من الثقات الأحاديث المقلوبة، لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه بحال، وهذا شيخ ليس يعرفه إلا الباحث عن هذا الشأن، روى عن حميد الطويل ... " فذكره، ثم ذكر له حديثا آخر وقال: "فهذا الحديث لا أصل له، (والأول) قول الشعبى، ورفعه باطل". وقال ابن عدى: "ليس بمعروف، منكر الحديث عن الثقات). ثم روى له هذا الحديث وقال: "وهذا الحديث مسنده منكر، وإنما يروى هذا عن الشعبي رحمه الله، قوله". وقال الذهبي: في "الميزان" (1/ 519): "فذكر -يعنى ابن حبان- حديثين موضوعين: أحدهما عن حميد، عن أنس مرفوعًا: "من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها" وزاد الحافظ في "اللسان" (2/ 249): "وقد غفل ابن حبان فذكره في "الثقات" (¬78) وذكره العقيلى فقال: منكر الحديث ... حتى قال: "وقال أبو نعيم: لا شئ، حدث عن حميد مناكير. وقال أبو سعيد النقاش: حدَّث عن حميد عن أنس أحاديث موضوعة. وقال الحاكم عن أبي علي النيسابورى: يروى عن حميد وغيره أحاديث منكرة. ¬

_ (¬78) "الثقات" (8/ 168) وقال في حاشيتها: "لم نظفر به" ولو راجع "اللسان" وقارنه بترجمته في "الكامل" و"المغنى" (1/ 166) و"الميزان" لما قال ذلك.

وقال الحاكم: قد كنت أحسب الذنب فيه للفرياناني حتى وجدت بعضها عند معاذ بن أسد وغيره فظهر أن الحمل فيها على البلخى. قلت: وأورد ابن عدى في ترجمة الفريانانى حديثا منكرًا جدًا، وقال: ليس الحمل فيه إلا على الحسن بن محمد البلخى. اهـ. قلت: والراوى عنه -وارث بن الفضل- لم أقف له على ترجمة ولا ذكر ألبتة. إلا روايته بعض الأحاديث عن هذا الوضَّاع والحديث أورده أيضًا ابن الجوزى في "الموضوعات" (2/ 260) وأقره السيوطى في "اللآلئ" (2/ 163) وابن عراق في "تنزيه الشريعة" (2/ 200). وقال الحافظ العراقي في "تخريج الإِحياء" (2/ 41): "رواه ابن حبان في "الضعفاء" من حديث أنس، ورواه في "الثقات" من قول الشعبي بإسناد صحيح". قلت: هو في "الثقات" (8/ 230) و "الحلية" (4/ 314) من طريق الخليل ابن زرارة عن مطرف عنه به. وذكره البخارى في "التاريخ الكبير" (3/ 199) والدورى في "تاريخه" (2/ 150, 4/ 370) عن ابن معين في ترجمة الخليل هذا. وقد روى عنه جماعة، وسكت عنه البخاري وابن أبي حاتم (3/ 380) ووثقه ابن حبان، ثم وجدت -قدرًا- في "تاريخ بغداد" (13/ 305) عن ابن الغلابي قال: "قال يحيى بن معين: الرازيون لا بأس بهم: حكام بن سلم، والخليل بن زرارة، ونعيم بن ميسرة، وسلمة بن الفضل الأبرش قاضيهم". فثبت الأثر، والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات. وقد اشتبه على أحد الضعفاء المشهورين، فحدث به أيضًا عن مطرف عن الشعبى. قال يحيى بن معين رحمه الله. "قلت: لعلى بن عاصم -على الجسر- سمعت حديث مطرف عن الشعبي: "من زوّج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها"؟ فقال: نعم والله، لقد سمعته" كما في "تاريخ الدورى" (2/ 421, 4/ 399) لكن يحيى رحمه الله لم يُصَدِّقه في ذلك - وكان سيئ الرأى فيه - فقد رواه العقيلي (3/ 247) من طريق عباس الدورى به، ثم روى من طريق

معاوية بن صالح الأشعري قال: حدثنا يحيى قال: قال على بن عاصم في حديث مطرف، عن الشعبي: من زوج كريمته فاسقًا، قال: حدثني والله مطرف، ولم يسمعه منه، ليس يرويه إلا الخليل بن زرارة. قال يحيى: وقد سمع على بن عاصم من عمر بن قيس الماصر، وليس هو ثقة" (¬79). وروى الخطيب (11/ 455) من طريق ابن أبي خيثمة قال: سمعت يحيى يقول: لقيت على بن عاصم على الجسر، فسألته عن حديث مطرف عن عامر: "من زوج كريمته من فاسق" (¬80). فحدثنى به، فقلت: اتق الله يا شيخ، اتق الله، مرتين. فحوَّل رأس بغلته، فقال: ترانى أكذب؟ ترانى أكذب" والحق أن عليًا هذا لم يكن كذابًا، بل كان صدوقًا كثير الخطأ والغلط، وكان يصر على ذلك ولا يرجع. فلعل هذا من جملة الأشياء التى شبهت له، وتوهم أنه سمعها وهو لم يسمعها. وقد قال الحافظ في "التقريب" (4758): "صدوق يخطئ ويصر، ورمى بالتشيع". ثم وقفت بعد ذلك على رواية أخرى للحوار الذى دار بين ابن معين وبينه تطابق تماما ما قررته، وهى ما رواه البرذعى رحمه الله في "سؤالاته لأبى زرعة الرازى" (ص 395، 396) قال: "حدثنا أيوب بن إسحاق بن سافرى، قال يحيى بن معين قال: لقيت على بن عاصم على الجسر، فقلت: كيف حديث مطرف عن الشعبي (من زوّج كريمته) فقال: حدثنا مطرف عن الشعبي، فقلت: لم تسمع (¬81) هذا من مطرف قط وليس هذا من حديثك. قال: فأكذب؟ فاستحييت منه، وقلت: ذو كرت به فوقع في قلبك، فظننت أنك سمعته ولم تسمعه، وليس من حديثك" اهـ. ¬

_ (¬79) يعنى على بن عاصم، فإن عمر بن قيس ثقة عند ابن معين وغيره. (¬80) في الأصل: "عن عامر ابن زوج كريمة "مر فاسق" فحدثنى به ... ". وهذا تحريف شنيع، من المضحكات المبكيات. (¬81) في الأصل: "لم نسمع ... " والأصوب ما أثبته حتى يستقيم المعنى.

43 - الحديث الثالث والأربعون

وابن سافرى هذا قال أبو حاتم رحمه الله: "كان صدوقًا" كما في "الجرح" (2/ 241) ونحو قول الشعبي هذا، ما رواه ابن حبان في "الثقات" (8/ 415) من طريق عبد الصمد بن يزيد قال: سمعت الفضيل يقول: "من زوج ابنته من مبتدع، فقد قطع رحمها". وإسناده صحيح. ورواه أيضًا (8/ 166) من وجه آخر (¬82) بنحوه. وهو أخص من قول الشعبى، فإن الابتداع في دين الله عز وجل ضرب من ضروب الفسق، نسأل الله السلامة. الحديث الثالث والأربعون: " من مات فقد قامت قيامته". ضعيف. قال الحافظ العراقي (4/ 64): "أخرجه ابن أبي الدنيا في "كتاب الموت" من حديث أنس بسند ضعيف. ورواه الديلمي (¬83) وابن لال عنه بلفظ: "إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته، واعبدوا الله كأنكم ترونه، واستغفروه كل ساعة". ورواه العسكرى في "الأمثال" بلفظ: "أكثروا ذكر الموت، فإنكم إن ذكرتموه في غنى كدره عليكم، وإن ذكرتموه في ضيق وسعه عليكم، الموت القيامة، إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته، يرى ما له من خير وشر". كما في "المقاصد الحسنة" (ص 75). والحديث أورده العلامة الألباني حفظه الله في "الضعيفة" (1166) وضعَّفه مستندًا إلى تضعيف الحافظ العراقي، لكنني أخشى أن يكون ضعفه شديدًا لا سيما ¬

_ (¬82) ولكن في إسناده إسماعيل بن محمد بن يوسف وهو أبو هارون الجبرينى، وهو متهم فالعمدة على الطريق الأولى. (¬83) "الفردوس" (1/ 350).

أنه قد رواه أمثال هؤلاء المخرجين عن مثل أنس (¬84). والعراقى قد يطلق الضعف على الواهى والموضوع و (الصحيح) في حديث الترجمة أنه من كلام المغيرة بن شعبة رضى الله عنه، وعلقمة بن قيس النخعى رحمه الله بنحوه. فقد روى الدولابى في "الكنى والأسماء" (2/ 89) من طريق عبد الرحمن بن ثروان أبي قيس الأودى عن زياد بن علاقة عن المغيرة قال: "يقولون: القيامة، القيامة، وإنما قيامة أحدكم موته". وإسناده حسن، وعزاه السخاوى في "المقاصد" (ص 428) للطبراني، ولم أجده في ترجمة المغيرة من "المعجم الكبير"، فلعله في كتاب آخر له. وروى الدولابى أيضًا بنفس الإِسناد إلى عبد الرحمن بن ثروان قال: "صلى علقمة على جنازة، فقال: أما هذا فقد قامت قيامته". وعزاه السخاوى إلى الطبراني أيضًا من رواية سفيان (¬85) عن أبي قيس - وهو ابن ثروان - ولفظه: قال: "شهدت جنازة فيها علقمة، فلما دفن قال: أما هذا فقد قامت قيامته". ثم وجدت في ترجمة زياد النميرى من "الحلية" (6/ 267, 268) من طريق داود ابن المحبر ثنا عبد الواحد بن الخطاب قال: "سمعت زياد النميرى -ونحن في جنازة وذكروا القيامة- فقال زياد: من مات فقد قامت قيامته". وزياد تابعى ضعيف يروى عن أنس، لكن السند إليه لا يصح، فإن داود بن المحبر كذاب، اتهمه الدارقطني بسرقة "كتاب العقل" الذى وضعه ميسرة بن ¬

_ (¬84) فقد بلى رضى الله عنه بأصحاب فيهم الضعيف، وفيهم المتروك والكذاب، ثم أتى بعد ذلك من البصريين وغيرهم - من أكثر عن مشاهير أصحابه بما لا أصل له في حديثهم، فكثرت الروايات عن الحسن البصرى وثابت وقتادة وحميد والزهرى وغيرهم عنه بما ليس من حديثهم. ولذلك قلما يتفرد أمثال أبي نعيم والخطيب وابن عساكر والديلمى وابن لال وابن النجار وابن أبي الدنيا وابن عدى والحكيم الترمذى ونحوهم بحديث عن أنس إلا وفي إسناده شئ. (¬85) في "المقاصد": "سفيان بن أبي قيس". والصواب " ... عن أبي قيس" ولم أجد في الرواة عن علقمة أو غيره من يدعى: "سفيان بن أبي قيس".

استدراك

عبد ربه، وبأنه ركَّب له أسانيد أخرى من عنده! وشيخه عبد الواحد بن الخطاب تعبت عليه فلم أجده، فإن لم يكن اسمه تحرف، فلعله من ابتكار داود أيضًا، نسأل الله السلامة. استدراك: وروى أبو نعيم (5/ 325) بسند صحيح من طريق بشر بن عبد الله السلمى قال: خطب عمر (يعنى ابن عبد العزيز) الناس فقال: "أيها الناس، لا يبعدن عليكم ولا يطولن يوم القيامة، فإنه من وافته منيته فقد قامت عليه قيامته، لا يستطيع أن يزيد في حسن، ولا يعتب من سيئ، ألا لا سلامة لامرئ في خلاف السنة، ولا طاعة لمخلوق في معصية الله، ألا وإنكم تسمون الهارب من ظلم إمامه العاصي، ألا وإن أولاهما بالمعصية الإِمام الظالم". الحديث الرابع والأربعون: " المجالس ثلاثة: سالم وغانم وشاجب". ضعيف. رُوِى من حديث أبي سعيد وأبى هريرة وأنس، ومن مرسل الحسن. 1 - حديث أبي سعيد: رواه أحمد (3/ 75) وأبو يعلى (2/ 325, 528) وابن حبان (83) (¬86) وابن على (3/ 980, 1013) من طريقين عن دراج أبي السمح عنه به. ورواه الطبراني (17/ 303) من طريق ابن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج، فقال: "عن أبي القاسم عن أبي سعيد الخدري" ولكن الإِسناد إلى ابن وهب واهٍ. والصحيح الأول. وقد عزاه في "كنز العمال" (16/ 116) إلى الطبراني عن عقبة بن عامر وأبى سعيد، وليس هذا بصحيح. ¬

_ (¬86) وقع في "الموارد" من طريق ابن وهب أخبرني حرملة عن دراج. وهذا خطأ صوابه " ... أخبرنى عمرو بن الحارث عن دراج" كما في "الإحسان" (584) وفي رواية الآخرين عن ابن وهب.

نعم، خرجه الطبراني في آخر أحاديث "عمرو بن الحارث عن أبي عشانة عن عقبة بن عامر" لكن بالسند المتقدم عن أبي سعيد وهذا إسناد ضعيف، دراج تقدم الكلام عنه مرارًا بما يغنى عن الإِعادة، وقد عده ابن عدى ثم الذهبى (2/ 25) من جملة مناكيره وقد استنكره ابن عدى أيضًا على رشدين بن سعد، وهذا غير جيد منه لأنه يعلم أن عبد الله بن وهب قد تابعه عن عمرو بن الحارث به. 2 - حديث أبي هريرة: رواه الديلمي كما في "الفردوس" (4/ 491) والعسكرى كما في "كنز العمال" (9/ 147). ولم يصنع محققا "الفردوس" شيئًا سوى عزوه لأحمد عن أبي سعيد، ولم أرَ من تكلم على إسناده بشئ، ولفظه: "المجالس ثلاثة: سالم، وغانم، وشاجب. فأما الغانم، فالذى يذكر الله في مجلسه، والسالم الذى يسكت لا له ولا عليه، والشاجب الذى يخوض في أحاديث الباطل". 3 - حديث أنس: رواه ابن حبان في "المجروحين" (2/ 181) والشجرى (1/ 62) من طريق عمر ابن يحيى بن نافع الأبلى قال: حدثنا العلاء بن زيد (وعند ابن حبان: ابن زيدل) عنه مرفوعا بلفظ: "المجالس ثلاثة: غانم وسالم وشاجب، فأما الغانم فالذاكر، وأما السالم فالساكت، وأما الشاجب فالذى يشغب بين الناس". وإسناده واه جدًا، بل موضوع العلاء بن زيد هذا ترجمه ابن حبان (2/ 180, 181) وقال: "شيخ من أهل الأبلة، يروى عن أنس بن مالك بنسخة موضوعة، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل التعجب" وذكر هذا الحديث في آخر ما ذكر، وقال "أخبرنا بهذه الأحاديث محمد بن زهير أبو يعلى بالأبلة قال: حدثنا عمر بن يحيى (¬87) الأبلى قال: حدثنا العلاء بن زيد، عن أنس بن مالك في نسخة كتبناها عنه بهذا الإِسناد كلها موضوعة مقلوبة" وكذلك أورده له الذهبى ¬

_ (¬87) في الأصل "عمر بن يعلى" والصواب: "ابن يحيى" كما في "الكامل" (5/ 1862) و"الميزان".

في "الميزان" (3/ 100). وعمر بن يحيى بن نافع لم أجد له ترجمة واضحة. وجاء في حاشية "الإِكمال" (1/ 130) باسم: "عمرو بن يحيى بن نافع الأبلى". وأشار ابن عدى (2/ 597) - في ترجمة "جارية بن هرم" إلى اتهام "عمر بن يحيى الأبلى" (¬88) بسرقة الحديث، والظاهر أنه هو، فقد روى أبو نعيم (4/ 236) حديثا من طريق عبد الله بن محمد بن ناجية قال: ثنا عمر بن يحيى بن نافع ... الخ. وابن ناجية أحد الراويين عنه عند ابن عدى. فالله أعلم. 4 - مرسل الحسن: رواه هناد في "الزهد" (1231) من طريق إسماعيل بن مسلم المكى عنه مرفوعًا بلفظ: "المجالس ثلاثة: سالم وغانم وشاجب (¬89)، فالسالم: الساكت. والغانم: الذى يذكر الله، والشاجب (¬90) الذى يأخذ فيما لا يعنيه" -وهذا- مع إرساله - ضعيف جدًا، إسماعيل بن مسلم متروك واه. وكأن أصله عن الحسن موقوفًا عليه، فرفعه إسماعيل هذا، فقد علقه أبو عبيد رحمه الله في "غريب الحديث" (2/ 436) عنه بلفظ: "المجالس ثلاثة: فسالم وغانم وشاجب. فالسالم الذى لم يغنم شيئًا ولم يأثم. والغانم: الذى قد غنم من الأجر. والشاجب: الآثم الهالك". ولم أقف عليه موصولًا عن الحسن. والحديث عزاه الغزالى في "الإِحياء" (3/ 110) إلى ابن مسعود مرفوعا بلفظ: "الناس ثلاثة: سالم وغانم وشاجب، فالغانم الذى يذكر الله تعالى، والسالم الساكت، والشاجب الذى يخوض في الباطل". قال العراقي "ولم أجده من حديث ابن مسعود". ¬

_ (¬88) كذا في "الكامل" ولا يؤمن تحرفها لما سنذكره. (¬89) في الأصل: "ساحب" والصواب الموافق لسائر الروايات ما أثبته. (¬90) في الأصل: "والساحب ... " وانظر ما قبله.

45 - الحديث الخامس والأربعون

وبعد، (فالصحيح) في حديث الترجمة أنه من قول أبي رُوَيْحة خالد بن رباح - أخى بلال مؤذن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم - كما رواه الإِمام أحمد في "الزهد" (ص 206) وابن أبي شيبة (14/ 22) وأبو عبيد في "غريب الحديث" (2/ 437) وعنه ابن عساكر (5/ 422) من طريق شيبان عن آدم بن على قال: سمعت أخا بلال مؤذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "الناس ثلاثة أثلاث: فسالم وغانم وشاجب، فالسالم الساكت، والغانم الذى يأمر بالخير، وينهى عن المنكر، والشاجب الناطق بالخنا والمعين على الظلم" وإسناده صحيح. والأثر عزاه الحافظ في "الإصابة" (1/ 405) إلى أبي عبيد في "المواعظ" وساق إسناده وخالد له صحبة، وقد ترجمه أيضًا الذهبي في "التجريد" (1/ 150) والعز ابن الأثير في "أسد الغابة" (2/ 93، 94) وابن عساكر (5/ 420، 422) وغيرهم. والله أعلى وأعلم. الحديث الخامس والأربعون: " الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا". لا أصل له. قال العلامة الألباني حفظه الله في "الضعيفة" (102): "أورده الغزالى (4/ 20) (¬91) مرفوعًا إليه صلى الله عليه وآله وسلم! فقال الحافظ العراقى وتبعه السبكى (¬92) (4/ 170، 171): "لم أجده مرفوعًا، وإنما يعزى إلى على بن أبي طالب". ونحوه في "الكشف" (2/ 312) اهـ. وقال السخاوى في "المقاصد" (ص 442): "هو من قول على بن أبي طالب في ... " قال المعلق عليه: "بياض في الأصول". ¬

_ (¬91) وهو في "الإحياء" (4/ 23) (ط. دار المعرفة). (¬92) يعنى في "طبقات الشافعية" في فصل عقده لما في "الإِحياء" من أحاديث لم يوقف لها على أصل.

قلت: أخشى ما أخشاه أن يكون تمام كلامه رحمه الله يتضمن عزوه إلى "المجالسة" للدينورى، فقد وجدناه يقول مرارًا: "وفي سادس المجالسة للدينورى ... " أو: "وهو في سابع عشر المجالسة". ونحو هذه العبارات. فإن الدينورى - واسمه أحمد بن مروان المالكى- رماه الدارقطني بالوضع. نعم، قال مسلمة بن القاسم الأندلسى: "وكان ثقة كثير الحديث" كما في ترجمته من "اللسان" (1/ 310، 309) ولكن مسلمة لا يوثق به، فانظر ترجمته من "السير" (16/ 110). ولو كان ثقة لكان قول الدارقطني مقدمًا على قوله، فإن الدارقطني أقعد بهذا الفن منه، وهو إمام كبير في معرفة العلل والرجال، ثم إن جرحه مفسر واضح لا لبس فيه ولا غموض. والذى دعانى إلى الارتياب في ثبوت هذا الكلام عن أمير المؤمنين ورابع الراشدين على، أننى فتشت كثيرًا في كتب الزهد والرقائق أثناء شروعى في تصنيف كتاب "الدرر المنثورة في آثار واهية مشهورة" -يسر الله خروجه- فما مر عَلَىَّ هذا الأثر حتى في أكثرها جمعًا للغث والثمين كـ "حلية الأولياء" و "تاريخ دمشق" - ترجمة على بن أبي طالب - وما هو في "مصنف ابن أبي شيبة" و "طبقات ابن سعد" ولا "الرسالة القشيرية"، ولا في ترجمة على من "تاريخ الإِسلام" للذهبى و "تاريخ الخلفاء" للسيوطى. وما هو في "الزهد" لأحمد ولا وكيع ولا هناد ولا ابن المبارك ولا ابن أبي عاصم ولا البيهقي فمن وقف عليه عن على بإسناد، فليتحفنا به، جزاه الله خيرًا وغفر له. وإنما (وقفت) عليه -مسندًا- عن كل من: سفيان الثورى، وسهل بن عبد الله التسترى الزاهد. 1 - فروى أبو نعيم (7/ 52) من طريق أحمد بن يونس ثنا المعافى بن عمران قال: سمعت سفيان الثورى يقول: "الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا". وإسناده صحيح.

46 - الحديث السادس والأربعون

2 - وقال السلمى في "طبقات الصوفية" (ص 207): "سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت أبا صالح البصرى يقول: سمعت سهل ابن عبد الله يقول: "الناس نيام فإذا انتبهوا (¬93) ندموا، وإذا ندموا لم تنفعهم ندامتهم". وإسناده واه. قال الذهبي في "الميزان" (3/ 606): "محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن شاذان أبو بكر الرازى الصوفى صاحب تلك الروايات المنكرة. روى عنه الشيخ أبو عبد الرحمن أوابد وعجائب. وهو متهم طعن فيه الحاكم وروى عنه أبو نعيم وأبو حازم العبدرى. قال الحاكم: انتسب إلى محمد بن أيوب، ومحمد لم يعقب. قال: فأتيته وزجرته فانزجر" وزاد الحافظ في "اللسان" (5/ 230): "وقال الإِدريسي: ليس هو في الرواية بذاك". وقال في "المغنى" (2/ 603): "متهم، طعن فيه الحاكم، ولأبى عبد الرحمن السلمى عنه عجائب وبلايا". قلت: وأبو صالح البصرى ينظر من هو، فإنى لم أكلف نفسى عنتًا في البحث عنه، والسلمى نفسه ضعيف، اتهمه محمد بن يوسف القطان النيسابورى بأنه كان يضع للصوفية الأحاديث وقد اقتصر الحافظ الذهبي على تضعيفه، فانظر "تذكرة الحافظ" (3/ 1046, 1047) والله أعلى وأعلم. الحديث السادس والأربعون: " وجدت الحسنة نورًا في القلب، وزينًا في الوجه، وقوة في العمل ووجدت الخطيئة سوادًا في القلب، وشينًا في الوجه، ووهنًا في العمل". ¬

_ (¬93) هكذا في "الطبقات" فلا أدرى أسقط قوله: "فإذا ماتوا انتبهوا" أم هكذا جاءت الرواية؟

منكر. رواه أبو نعيم (2/ 160, 161) من طريق عمرو بن أبي قيس عن أبي سفيان عن عمر بن نبهان عن الحسن عن أنس به. وقال: "غريب من حديث الحسن عن أنس لمن نكتبه إلا من هذا الوجه. تفرد به عمرو بن أبي قيس وأبو سفيان اسمه عبد ربه". وقال ابن أبي حاتم في "علل الحديث" (2/ 138, 139): "سألت أبي عن حديث رواه عمرو بن أبي قيس ... " فذكره بنحوه. قال: "قال أبي: هذا حديث منكر، وأبو سفيان مجهول" اهـ. وأبو سفيان هذا هو ابن عبد ربه، ترجمه ابن أبي حاتم في "الجرح" (9/ 382) وقال: "سألت أبي عنه، فقال: هو شيخ مجهول". ونبه العلامة المعلمى رحمه الله إلى أنه ترجمه في (2/ 2/ 256) باسم: "عبد الرحمن ابن عبد الله بن عبد ربه" وفيه: "سألت أبي عنه، فقال: شيخ". وأورده الذهبى في "كنى الميزان" (4/ 532) وجَهَّله، وأورد له هذا الحديث وقول أبي حاتم: "هذا حديث منكر". وقد ترجمه الحافظ في "التهذيب" (6/ 208) وقال " .... وقال أبو حاتم: شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات". قلت: وأيًا كان حاله، فهو أصلح حالًا من شيخه عمر بن بنهان، فقد قال الفلاس وأبو حاتم: "ضعيف الحديث". ووهاه ابن معين، فقال: "ليس بشئ". وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/ 90): "يروى المناكير عن المشاهير، فلما أكثر ذلك في حديثه استحق الترك". قلت: ولا شك أن رفع هذا الكلام عن الحسن عن أنس من جملة هذه المناكير، فإن (الصواب) أنه قول الحسن البصرى نفسه -بنحوه- وجاء أيضًا عن كلٍ

47 - الحديث السابع والأربعون

من: سليمان بن طرخان التيمى -من ثقات صغار التابعين- والحسن بن صالح الكوفى. 1 - فروى ابن أبي شيبة (13/ 500) عن يزيد بن هارون عن هشام عن الحسن قال: "إن الرجل ليعمل الحسنة، فتكون نورًا في قلبه، وقوة في بدنه. وإن الرجل ليعمل السيئة، فتكون ظلمة في قلبه، ووهنًا في بدنه". وإسناده صحيح. 2 - وروى أبو نعيم (3/ 30) من طريق الأصمعى قال: ثنا المعتمر عن أبيه - يعنى سليمان التيمى- قال: "الحسنة نور في القلب، وقوة في العمل، والسيئة ظلمة في القلب، وضعف في العمل". ورجاله كلهم ثقات سوى خلف بن عبيد الله أبي حبيب -شيخ الطبراني في السند- فإنى لم أقف له على ترجمة ولا ذكر. 3 - وروى أبو نعيم أيضًا (7/ 330) من طريق أحمد بن يحيى الصوفى قال: سمعت أبا غسان يقول: سمعت الحسن بن صالح يقول: "العمل بالحسنة قوة في البدن، ونور في القلب، وضوء في البصر، والعمل بالسيئة وهن في البدن، وظلمة في القلب، وعمى في البصر". وإسناده صحيح، مر به أثر آخر عنه في الحديث الخامس والثلاثين. الحديث السابع والأربعون: " لا تقتلوا الضفادع، فإن نقيقها تسبيح". ضعيف، رفعه منكر. رواه الطبراني في "الصغير" (521) و "الأوسط" - كما في "المجمع" (4/ 41) - وابن عدى (6/ 2384) من طريق المسيب بن واضح، حدثنا حجاج بن محمد، عن شعبة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما مرفوعًا به. ولفظ الطبراني: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل الضفدع، وقال: نقيقها تسبيح".

وعزاه السيوطى في "الجامع الصغير" (9843) إلى النسائى، ولم أجده في "المجتبى"، فلعله في "الكبرى"، على أننى لم أقف عليه أيضًا في "تحفة الأشراف" للحافظ المزى رحمه الله. وقال الطبراني: "لم يروه عن شعبة مرفوعًا إلا الحجاج، تفرد به المسيب". قلت: ورجاله كلهم ثقات سواه، وهو مختلف فيه، والأصوب أنه ضعيف لكثرة خطأه وتماديه فيه. قال أبو حاتم: "صدوق يخطئ كثيرًا، فإذا قيل له لم يقبل". وساق ابن عدى له عدة مناكير، هذا أحدها، وقال: "وهذا بهذا الإِسناد يرويه المسيب ويرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والحديث موقوف". وكذلك أورده له الذهبي في "الميزان" (4/ 117) وقال: "صوابه موقوف". قلت: (وكذلك) رواه ابن المقرئ في "معجمه" (ص 124) من طريق بقية بن الوليد، والخطيب في "الموضح" (2/ 219، 220) من طريق أنس داود الطيالسى كلاهما عن شعبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى (زاد الخطيب: عن أبي الحكم البجلى (عن عبد الله بن عمرو موقوفًا بنحوه. ورواه البيهقي (9/ 318) من طريق عبد الوهاب أنبأنا هشام الدستوائى عن قتادة عن زرارة بن أوفى عنه قال: "لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح، ولا تقتلوا الخفاش فإنه لما خرب بيت المقدس قال: يا رب سلطنى على البحر حتى أغرقهم". قال البيهقي: "فهذان -يعنى هذا وأثر عائشة الذى رواه قبله- موقوفان في الخفاش، وإسنادهما صحيح". قلت: وهذا الكلام -وإن كان لا مجال للرأى فيه- لكنه لا يأخذ حكم الرفع لأن الظاهر أن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما إنما تلقاه من الزاملتين (¬94) اللتين ¬

_ (¬94) الزاملة: البعير الذى يُحمل عليه الطعام والمتاع.

استدراك

أصابهما يوم اليرموك من صحف أهل الكتاب - وكان يحدث منهما. ثم إن هذا الكلام لا يشبه كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما عليه حلاوته وإشراقه، يدرك ذلك من رزقه الله -عز وجل- حاسة حديثية صادقة، على حد قول بعض الصوفية "من ذاق عرف". نعم، النهى عن قتل الضفدع -بدون التعليل المتقدم- ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما رواه أبو داود (2/ 334) والنسائى (7/ 210) -واللفظ له- والحاكم (4/ 410، 411) والبيهقى وغيرهم من طرق عن أبن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن عثمان التيمى: "أن طبيبًا ذكر ضفدعًا في دواء عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتله". وإسناده صحيح، وهو أقوى ما ورد في الضفدع كما قال الإِمام البيهقي رحمه الله عند روايته. وعبد الرحمن بن عثمان التيمى له صحبة، وكان يسمى "شارب الذهب". والله أعلى وأعلم. استدراك: وقال عبد الله بن الإِمام أحمد -في "علل أبيه" (1/ 302) - "قال أبي: حديث شعبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي الحكم عن عبد الله بن عمرو: لا تقتلوا الضفادع. قال أبي: أبو الحكم عبد الرحمن بن أبي نعم". قلت: ورواية هشام الدستوائى بإسقاط أبي الحكم- أولى بالصواب، فإن هشامًا أثبت في قتادة من شعبة وعلى مسلك الجمع فيكون من المزيد في متصل الأسانيد، والله أعلى وأعلم.

48 - الحديث الثامن والأربعون

الحديث الثامن والأربعون: " لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم، وإن أبعد القلوب من الله القلب القاسى". ضعيف. رواه الترمذى (2523، 2524) وكذلك الواحدى في "الوسيط" (1/ 27/ 2) وأبو جعفر الطوسى الفقيه الشيعى في "الأمالى" (ص 2) والبيهقى في "شعب الإِيمان" (2/ 65/ 1 - 2) -كما في "الضعيفة" (920) - من طريق إبراهيم بن عبد الله بن الحارث بن حاطب عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعا به. وقال الترمذى: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن عبد الله بن حاطب". وفي نسخة: "هذا حديث حسن غريب ... " الخ كما في "الضعيفة". والأول أليق بحال هذا الإِسناد، فإن إبراهيم هذا قال ابن القطان "لا يعرف حاله". ولا أعلم أحدًا وثقه سوى ابن حبان فإنه ترجمه مرتين في (6/ 25، 14) وهو هو. أما قول الحافظ رحمه الله في "التهذيب" (1/ 133): "وقال ابن حبان في "الثقات": مستقيم الحديث" فهذا وهم منه رحمه الله، فإن ابن حبان إنما قال ذلك في آخر متأخر عن هذا -من شيوخ شيوخه- إذ قال (8/ 82, 83): "إبراهيم بن عبد الله بن الحارث الجمحي، يروى عن يعلى بن عبيد وأهل العراق، حدثنا عنه عبد الكبير بن عمر الطائى، مستقيم الحديث". ولم يتفطن المعلق على "الثقات" لافتراقهما فقال: "له ترجمة في التهذيب 1/ 133". فتفرد ابن حبان بتوثيقه لا يعتمد في مثل هذه الحالة لبعده عن طبقته وعدم وصفه بصفة تدل على الخُبر بحاله. هذا، وقول الشيخ عبد القادر الأرنؤوط حفظه الله في حاشية "جامع الأصول" (11/ 737): "وإسناده حسن" غير حسن، فإن هذا الرجل المجهول الحال لا

يحتمل تفرد مثله بهذا المتن عن حافظ كبير كعبد الله بن دينار المدنى - دون كبار أصحابه الثقات كمالك وشعبة والسفيانين وعبيد الله بن عمر وموسى بن عقبة، بل مَنْ دون هؤلاء كمحمد بن عجلان (¬94) وسهيل وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار. وقال العلامة الألباني حفظه الله: "والحديث رواه الإِمام مالك في "الموطأ" (2/ 986/ 8) أنه بلغه أن عيسى بن مريم كان يقول: فذكره بأتم منه من قول عيسى عليه السلام، وقد مضى قريبًا (908). وهذا هو اللائق بمثل هذا الكلام أن يكون مما يرويه أهل الكتاب عن عيسى عليه الصلاة والسلام، وليس من حديث نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم" اهـ. قلت: قد عزاه جماعة من السلف، من التابعين فمن بعدهم إلى عيسى عليه السلام، (ووقفت) في ذلك على خمسة آثار: الأول: رواه أحمد في "الزهد" (ص 56) وعنه أبو نعيم (6/ 58) من طريق صالح المرى عن أبي عمران الجونى عن أبي الجلد أن عيسى بن مريم عليه السلام أوصى الحواريين لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله عز وجل فتقسو قلوبكم، وإن القاسى قلبه بعيد من الله عز وجل ولكن لا يعلم ولا تنظروا إلى ذنوب الناس كأنكم أرباب ولكنكم (كذا) انظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد والناس رجلان: معافى ومبتلى، فارحموا أهل البلاء في بليتهم، واحمدوا الله على العافية". وإسناده واه، صالح المرى وابن بشير البصرى القاضى وهو متروك شديد الضعف. الثانى: رواه ابن أبي عاصم في "الزهد" (53) من طريق أبي سنان عن الأعمش عن إبراهيم قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام: "أقلوا الكلام إلا بذكر الله، فإن كثرة الكلام تقسى القلب". وإسناده جيد، وإبراهيم أدرك بعض الصحابة فهو تابعى، لكن روايته عن الصحابة منقطعة حاشا ابن مسعود، فإنها صحيحة ¬

_ (¬94) التحقيق في ابن عجلان يقضى بأنه ثقة مطلقا، لكنه دون ذلك في سعيد المقبرى ونافع خاصةً، إلا أن تثبت مخالفته أو اضطرابه فيهما. وسهيل ثقة كذلك إلا أنه في التثبت دون مالك وشعبة ومن ذكر معهما.

49 - الحديث التاسع والأربعون

جدًا كما تقدم، في الحديث الحادي والثلاثين. الثالث: رواه ابن أبي شيبة (11/ 548, 13/ 193) وعنه ابن أبي عاصم (60) عن أبي خالد الأحمر عن ابن عجلان عن محمد بن يعقوب قال: قال عيسى بن مريم ... فذكره مطولًا. ومحمد بن يعقوب لعله الزمعى أخو موسى بن يعقوب، وهو مجهول كما قال أبو حاتم الرازى كما في "الجرح" (8/ 121) ووثقه ابن حبان (7/ 429). الرابع: رواه هناد في "الزهد" (1122) عن قبيصة عن الثورى مطولًا. وإسناده إليه صحيح. الخامس: رواه خيثمة الأطرابلسى: حدثنا أبو على الحسن بن مكرم، حدثنا شاذان، حدثنا الثورى. حدثنا عمرو بن قيس قال: قال عيسى بن مريم صلى الله عليه وآله وسلم ... فذكره مطولًا. كما في: وإسناده صحيح، فكأَنَّ الثورى أسنده مرة إلى من سمعه منه، وأرسله أخرى. والله أعلم. الحديث التاسع والأربعون: " لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار". منكر. رُوِى من حديث ابن عباس وأنس وأبى هريرة وعائشة. 1 - حديث ابن عباس: رواه القضاعى (853) وكذلك أبو الشيخ والديلمى والعسكرى في "الأمثال" - كما في "المقاصد" (ص 467) من طريق سعيد بن سليمان سعدويه عن أبي شيبة الخراسانى عن ابن أبي مليكة عنه مرفوعًا به. وأبو شيبة هذا، قال الذهبي في "الميزان" (4/ 537): أتى بخبر منكر رواه عنه سعدويه ... " فذكره.

وقال السخاوى: "وسنده ضعيف لا سيما وهو عند ابن المنذر في "تفسيره" عن ابن عباس من قوله ... " الخ. وسيأتى تمام كلامه في محله. 2 - حديث أنس: رواه البغوى ومن جهته الديلمى عن خلف بن هشام عن سفيان بن عيينة عن الزهرى عنه، قال السخاوى: "وينظر سنده" قال محشيه: "نظرت سنده فوجدت فيه راويًا مجهولًا". قلت: ولم أجده عند تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} فالله أعلم. وهو منكر جدًا بهذا الإِسناد فإن سائرهم ثقات أئمة. 3 - حديث أبي هريرة: له طريقان إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن: الأولى: عند الطبراني في "مسند الشاميين" من رواية مكحول عن أبي سلمة عنه: قال السخاوى: "وزاد في آخره: "طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا" وفي إسناده مبشر بن عبيد الدارسى، وهو متروك". قلت: واتهم بالوضع، فالسند واه جدًا. أما شطره الثانى فثابت من وجه آخر. الثانية: عند الثعلبى وابن شاهين في "الترغيب" من رواية بشر بن إبراهيم عن خليفة بن سليمان عن أبي سلمة عنه. وسكت عنها السخاوى مع أن إسنادها مثل ما قبلها أو أسوأ حالًا منه، فإن بشر بن إبراهيم هذا هو الأنصارى البصرى المفلوج أبو عمرو، وهو وضَّاع مشهور له ترجمة حافلة في "اللسان" (2/ 18: 20). وشيخه لم أقف له على ترجمة فلعله مُتَحَرِّف أو مختلق! . 4 - حديث عائشة: رواه إسحاق بن بشر أبو حذيفة في "المبتدأ" عن الثورى عن هشام بن عروة عن أبيه عنها. قال السخاوى: "وإسحاق حديثه منكر". قلت: ليس هو كذلك فحسبُ، بل هو كذاب متهم بالوضع، وروايته لهذا

المتن بهذا الإِسناد الذى كالشمس، من الدلائل البينة على اتهامه وقد تعرضنا لبيان حاله في الحديث السابع عشر. وبعد هذا البيان الموجز لسقوط هذه الطرق، فإن (الصحيح) أن حديث الترجمة هو قول عبد الله بن عباس رضى الله عنهما كما رواه الطبرى في "تفسيره" (9207) وابن أبي حاتم (النساء - 2948) من طريق قيس بن سعد عن سعيد ابن جبير أن رجلًا قال لابن عباس: كم الكبائر؟ أسبع هى؟ قال: إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار" وإسناده صحيح. وكذلك هو في "تفسير ابن المنذر" -كما تقدم عن السخاوى- وقال: "وكذا رواه البيهقي في "الشعب" من حديث سعيد بن صدقة عن قيس بن سعد عن ابن عباس موقوفًا". كذا في "المقاصد" فلا أدرى أسقط "سعيد بن جبير" بين قيس بن سعد وابن عباس -من قبل الطابع أو الناسخ- أم هكذا جاءت هذه الرواية عند البيهقي؟ فإن هذا الإِسناد منقطع، وأيًا كان الأمر، فإنه لا يُعل الرواية الصحيحة الموصولة، فإنى لم أجد راويًا يسمى: "سعيد بن صدقة" فيما بين يدَىَّ من كتب الرجال يصلح لأن يكون هذا. نعم، هناك: "سعيد بن صدقة الكوفى أبو مهلهل" وهو يروى عن سفيان الثورى كما في "الثقات" (8/ 262) فهو متأخر عن هذا وهناك أيضًا: "سعيد ابن أبي صدقة البصرى". وهو ثقة من السادسة -وهى طبقة قيس بن سعد- لكن لم أقف على أحد نصَّ على روايته عن قيس. والله أعلم. تنبيه هام: وبعد تبين صحة (¬95) هذا الأثر عن ابن عباس تعلم ما في قول العلامة ¬

_ (¬95) وفي الباب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم " ... ويل لأقماع القول، ويل للمصرين الذين يصرون على مافعلوا وهم يعلمون" رواه أحمد عن ابن عمرو بسند صحيح. وأورده ابن كثير (1/ 408) بتمامه والويل: شدة الهلكة، أفلا يدل الحديث على صحة قول ترجمان القرآن؟ .

الشوكاني رحمه الله في "إرشاد الفحول" (ص 47) -كما ذكره عنه محقق "مسند الشهاب" وسكت عنه-: "وقد قيل: إن الإِصرار على الصغيرة حكمه حكم مرتكب الكبيرة، وليس على هذا دليل يصلح للتمسك به، وإنما هى مقالة لبعض الصوفية (! )، فإنه قال: لا صغيرة مع إصرار، وقد روى بعض من لا يعرف علم الرواية هذا اللفظ جعله حديثًا, ولا يصح ذلك، بل الحق أن الإِصرار حكمه حكم ما أصر عليه، فالإِصرار على الصغيرة صغيرة، والإِصرار على الكبيرة كبيرة" اهـ. والعجب منه كيف خفى عليه هذا الأثر - مع ثبوته في أشهر مصدرين للتفسير بالأسانيد- مع سعة اطلاعه وتصنيفه في التفسير وسائر العلوم -ولا يرد على ذلك احتمال أن يكون قد وقف عليه ولم يعبأ به، إذ لو كان الأمر كذلك لعزاه إلى ترجمان القرآن الذى دعا له النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يفقهه الله في الدين ويعلمه التأويل- ثم ناقش حجيته من عدمها, ولما عزاه إلى صوفى مجهول لا يلتفت إلى كلامه في التشريع والغيبيات المستندة إلى النص والتوقيف أو الفهم الصحيح لكتاب الله عز وجل. فليعلم الجميع موقفنا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومقدار جلالتهم (¬96) في قلوبنا، ففى مثل هذا الموطن نقول ونصرخ: "إن لم نتبع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمن نتبع"؟ ! خلافًا لأخ فاضل قالها احتجاجًا على قوله في "البدائل المستحسنة" (هامش ص 87 من القسم الأول): "ومع ذلك، فالطعن في المتن -أعنى حديث "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"- لا يزال واردًا، لتجويزه الاقتداء بكبار علماء الصحابة مع ثبوت خفاء بعض السنن عليهم، أو رَدِّها بما رأوه أثبت منها". ¬

_ (¬96) وقد كان الإِمام أحمد إمام أهل السنه والحديث - يقدم الآثار المتصلة على الأحاديث المرسلة بل ذكر له وهو يئن في مرض الموت عن ليث عن طاووس أنه كان يكره الأنين للمريض فكف بن الأنين في لحال مع أن ليثا ضعيف وطاووس تابعى، فما أشد عجبى لمن زعم الانتساب إلى أهل الحديث، ولم يوقر السلف توقير أهل الحديث لهم.

50 - الحديث الخمسون

فوالله الذى لا إله غيره، إنى لم أُرِد مطلق الاقتداء، ولكنى أردت أن يتخير كل مسلم أحد الصحابة رضوان الله عليهم فيتابعه في كل ما يقول ويفعل، معرضًا عمن سواه، بل قد يخالف النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا محالة في مواطن لم يوفق فيها هذا الصحابى للدليل الصحيح الراجح، والمراد أن إنزال أى مخلوق - أيًا كان- منزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المعصوم الذى أُمِرْنَا بطاعته والتحاكم إليه في كل صغيرة وكبيرة، هو الذى تنكره قلوبنا وقلوب جميع المسلمين الصادقين ولا تقره. فاللهم اعف عنا وعن إخواننا في الله، وأصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن. آمين. الحديث الخمسون: " يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه، وينسى الجذع أو الجذل في عينه". ضعيف، معلّ بالوقف. رواه ابن صاعد في "زوائد زهد ابن المبارك" (212) وابن حبان (1848) وأبو نعيم (4/ 99) والقضاعي (610) وأبو الشيخ في "الأمثال" (217) و "التوبيخ" (96) من طرق عن محمد بن حمير عن جعفر ابن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة مرفوعًا به. وقال أبو نعيم: "غريب من حديث يزيد، تفرد به محمد بن حمير عن جعفر". قلت: وقد خولف في رفعه كما يأتي. وقد اغتر العلامة الألباني أبو عبد الرحمن حفظه الله بظاهر هذا الإِسناد، فأورده في "صحيحته" (33) وقال: "قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، ولا علة فيه، فهو حديث صحيح، ولا ينافيه قوله "غريب" لأن الغرابة قد تجامع الصحة كما هو مقرر في "مصطلح الحديث". والحديث عزاه السيوطى في "الجامع الصغير" لأبى نعيم فقط! وقال المناوي:

"قال العامرى: حسن". ورواه البخارى في "الأدب المفرد" (592) من طريق مسكين بن بكير الحذَّاء الحراني عن جعفر بن برقان به موقوفًا على أبي هريرة. ومسكين هذا صدوق يخطئ، فرواية ابن حمير المرفوعة أرجح, لأنه لم يوصف بالخطأ، وكلاهما من رجال البخاري" اهـ. قلت: وفي كلام الشيخ أمور تحتاج إلى وقفات: الأول: قوله: "ورجاله كلهم ثقات"، فإن فيه توسعًا, لأن محمد بن حمير السليحي الحمصي مختلف فيه، ولذلك أورده الذهبي في "الميزان" (3/ 532) وقال: "وثقه ابن معين، ودحيم. وقال النسائي: ليس به بأس وقال أبو حاتم: لا يحتج به. بقية أحب إليَّ منه. وقال الفسوى: ليس بالقوى. قلت: له غرائب وأفراد. ومات سنة مائتين .. ". قلت: لفظ أبي حاتم -كما في "الجرح" (240/ 7) -: "يكتب حديثه ولا يحتج به، ومحمد بن حرب وبقية أحبُّ إلَىَّ منه". فحَسْبُهُ أن يكون صدوقًا كما قال الحافظ في "التقريب" (5837). الثانى: قوله: " ... رجال الصحيح"، فإن محمد بن حمير ليس له في "البخارى" سوى حديثين أحدهما له متابع، والآخر له شاهد كما قال الحافظ رحمه الله في "هدى السارى" (ص 438) -ومع ذلك- فكلاهما عن غير جعفر بن برقان. ولذلك قال العلامة المعلمي رحمه الله في تعليقه على حديث: "من قرأ آية الكرسى في دبر كل صلاة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت" -من "الفوائد المجموعة" (ص 299) للعلامة الشوكانى رحمه الله-: "مدار الحديث على محمد بن حمير، رواه عن محمد بن زياد الألهاني، عن أبي أمامة، وابن حمير موثق، غمزه أبو حاتم, ويعقوب بن سفيان, وأخرج له البخارى في "الصحيح" حديثين قد ثبتا من طريق غيره، وهما من روايته عن غير الألهاني، فزعم أن هذا الحديث على شرط البخارى غفلة" (¬97) اهـ. ¬

_ (¬97) الصواب أن هذا الحديث حسن الإسناد غريب من هذا الوجه من حديث أبي أمامة =

الثالث: قوله: "ومسكين هذا صدوق يخطئ"، إنما تبع فيه الحافظ في "التقريب" (6615)، وقد جاء في كلام بعض الأئمة ما يقتضى تخصيص هذا الخطأ بشعبة وحده، فقد قال أبو داود: "سمعت أحمد يقول: لا بأس به، ولكن في حديثه خطأ" فهذا مطلق يقيده قول الأثرم: "قدمه أبو عبد الله على مخلد بن يزيد وقال: حدَّث عن شعبة بأحاديث لم يروها أحد". وروى العقيلى في "الضعفاء الكبير" (4/ 221) عن أحمد بن محمد -وهو الأثرم- قال: سمعت أبا عبد الله، وذكر أبا جعفر النفيلى، فأثنى عليه خيرًا، وقال: كان يجئ معى إلى مسكين بن بكير، وكأنه حسن أمره، قال: قلت: لأبى عبد الله: نظرت في حديث مسكين عن شعبة فإذا فيها خطأ، فقال: من أين كان يضبط هو عن شعبة؟ ثم ذكر له (4/ 222) حديثا من روايته عن شعبة، وقال: "ليس بمحفوظ من حديث شعبة .... ". ومسكين أورده الذهبى في "الميزان" (4/ 101) ورجح توثيقه وقال: "قال أبو حاتم: لا بأس به، صاع الحديث وقيل: له عن شعبة ما ينكر ... ". قلت: وعلى التسليم بأنه "صدوق يخطئ" بإطلاق فإنه لم يخطئ في هذا الحديث بخصوصه، بل أخطأ مخالفه، فقد تابعه على الوقف ثقة آخر من أعلم الناس بجعفر بن برقان وأرواهم لحديثه. ألا وهو: "كثير بن هشام الكلابى الرقى". فقد قال العجلي في "الثقات" (1546): "ثقة رجل صدوق، يتوكل للتجار يحترف. من أروى الناس لجعفر بن برقان، روى عنه ألف ومائة حديث، ويروى أيضًا عن شعبة". (في الأصل: .. لجعفر بن برقان، ألفا ومائة" الخ، والتصويب من "تاريخ بغداد" (12/ 483). ¬

_ = وهو أقوى أسانيده - ولم أر لمحمد بن حمير مخالفًا ثقة أو ضعيفًا ولذلك احتمل تفرده به. أما تصحيح ابن حبان له، فلا تثريب عليه في ذلك فإن ابن حمير عنده ثقة. والله أعلم.

وقال أبو داود: "ثقة، لما مات كثير بن هشام، قيل: اليوم مات جعفر بن برقان" كما في "تاريخ بغداد" (12/ 483). وقال الإِمام الذهبي في (العبر) [1/ 277] .. "راوية جعفر بن برقان". ومن طريقه (موقوفًا) على أبي هريرة رواه الإِمام أحمد في "الزهد" (ص 178) وإبن أبي الدنيا في "الصمت" (194). فالمراد أن اجتماع هذين الرجلين -مسكين وكثير- على إيقافه عن جعفر بن برقان لا يدع مجالًا للشك في أن محمد بن حمير قد وهم في رفعه. ولذلك لم نجد أحدًا خرجه ممن اشترط الصحة سوى ابن حبان. و "صحيحه" ملئ بعشرات الأحاديث التى أداه اجتهاده إلى تصحيحها وهى تستحق الوصف بالشذوذ أو الإعلال القادح. بل الحديث أعرض عنه الإِمام أحمد في "مسنده" وأهل السنن وأصحاب المسانيد المشهورة، بل والطبراني في "معجمه الكبير" مع أنه اعتنى باستقصاء أحاديث أبي أمامة -خاصة- اعتناءً لا أعلم له مثيلًا. وقضية خلو الكتب المشهورة من حديث ما، لا نتعرض لها إلا بعد إثبات ضعف هذا الحديث أو إعلاله بما يقدح فتحكيم الحديث وعرضه على القواعد الاصطلاحية هو الأصل والأساس. أما رده ابتداءً لخلوه من كتب معينة، أو مخالفته لعقل قاصر، أو هوى متبع، فلا نعلم أحدًا يفعل ذلك إلا الحمقى والذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم. الرابع: قوله: "لأنه لم يوصف بالخطأ"، فإن مقتضى كلام أبي حاتم والفسوى في تليينه -وإن لم يكن متضمنًا الوصف الصريح بذلك- إلا أنه يفهم منه أن في ضبطه قصورًا يقتضى عدم السلامة من الوهم والخطأ، بل لا أبعد إذا استظهرت أنهما قد اطلعا حقًا على أخطاء له غمزاه من أجلها. الخامس: قوله: "وكلاهما من رجال البخارى". أما بشأن محمد بن حمير، فتقدم ما فيه. وأما مسكين بن بكير، فقد قال الحافظ في "هدى السارى" (ص 443): "ليس له في البخارى سوى حديث واحد عن شعبة عن خالد الحذاء

عن مروان الأصفر عن ابن عمر في قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} وتابعه عليه عنده روح بن عبادة عن شعبة ... ". وبعد تقرير ما تقدم، من رجحان وقف حديث الترجمة على أبي هريرة رضى الله عنه، فنُبَيِّن أيضًا أن معناه (قد ثبت) عن كُلّ من: عمرو بن العاص رضى الله عنه، والحسن البصرى رحمه الله. 1 - فقد روى ابن حبان في "روضة العقلاء" (ص 188) والشجرى (2/ 181) وابن عساكر (13/ 531) من طرق عن على بن رباح قال: قال عمرو ابن العاص: انتهى عجبى إلى ثلاث: المرء يفر من القدر وهو لاقيه. ويبصر في عين أخيه القذى فيعيبه، ويكون في عينه الجذع فلا يعيبه. ويكون في دابته الصغر فيقومها بجهده، ويكون فيه الصغر فلا يقوم نفسه". واللفظ لرواية ابن عساكر من طريق ابن المبارك عن ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن على به. وإسناده حسن. وقد أعرضنا عن رواية الليث بن سعد عن موسى بن على بن رباح عن أبيه به - مع مشابهتها النسبية لحديث الترجمة- لأن في الطريق إليه: العلاء بن هلال، وهو ضعيف اتهمه أبو حاتم برواية أحاديث موضوعة عن يزيد بن زريع. وفيها عنعنة الوليد بن مسلم عن الليث. 2 - وروى ابن المبارك (211) وأحمد (ص 285) وابن أبي شيبة (13/ 523, 14/ 38) وابن أبي الدنيا (202) من طريق أبي الأشهب جعفر بن حيان عن الحسن قال: "يا ابن آدم، تبصر القذى في عين أخيك، وتدع الجذل معترضًا في عينك" وإسناده صحيح. بل إنه قبل أن يقوله هؤلاء الأئمة - فقد كان من الأمثال السائرة عند العرب، فقد قال الحافظ المناوى رحمه الله في "فيض القدير" (6/ 457): "هذا الحديث مثل من أمثال العرب السائرة المتداولة. وروى عنهم بألفاظ مختلفة، فمنها: أن رجلًا كان صلب أبوه في حرب ثم تناول آخر وعابه، فقال له الآخر: يرى أحدكم القذاة في عينه، ولا يرى الجذع معترضًا في است أبيه، وفي لفظ: تبصر القذاة في عين أخيك، وتدع الجذع المعترض في

حلقك. وفي لفظ: في استك. وفي لفظ: في عينك. فكل هذا أمثال متداولة بينهم". وقال أيضًا (6/ 456): "القذى: جمع قذاة، وهى ما يقع في العين والماء والشراب من نحو تراب وتبن ووسخ". وقال (6/ 451): "قالوا: والجذل - بالكسر والفتح - أصل الشجر يقطع، وقد يجعل الله العود جذلًا". تم بحمد الله القسم الأول من "تبييض الصحيفة بأصول الأحاديث الضعيفة" فالحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات.

مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران: 102]. {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء: 1]. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب: 70]. أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. فإنه مما يسرنى ويسعدنى أن أتقدم إلى إخوانى الكرام من محبى هذا العلم الشريف؛ بالقسم الثانى من "تبيض الصحيفة بأصول الأحاديث الضعيفة" هذه السلسلة التى أرجو الله عز وجل أن يجعلها مباركة لى وللإِخوان والأحبة، ولكل من له شغف برجال الحديث وما قيل في كلٍ منهم من مدح أو قدح، وبتتبع الطرق المتعددة للحديث أو الأثر الواحد، ومعرفة مرتبة كلٍ من الصحة أو الضعف، واختلافات الرواة بالزيادة والنقص، والرفع والوقف، والوصل والإِرسال مع حرصى على اتباع ما هدانى الله عز وجل إليه من قواعد وأصول هذا العلم الشريف الذى نال اهتماما من العلماء لا يعرف لغيره من العلوم الشرعية

وغيرها، فما تركوا لنًا من فنونه إلا وخرجوا على المسلمين بتصنيف فيه، شكرًا لنعمة الله تعالى عليهم، وأداءً لما أوجبه الله عز وجل عليهم من أمانة التبيين، وما حذرهم وأغلظ عليهم من عاقبة الكتمان للعلم، ومنعه مستحقيه وأهله. وإنى- إن شاء الله- لحريص على إيراد ما يمكننى من فوائد وتعليقات وتنبيهات على ما أتناوله من أحاديث، وما أحكيه من أهل العلم بشأنها، لا أخشى ملامة ولا آبه بنقد إلا ما استند إلى أساس علمى سليم. وجزاهم الله عنا وعن سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشريعته خير الجزاء، وثقَّل بها موازينهم، وبيَّض بها وجوههم {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} - كيف لا، و "هم القوم لا يشقى جليسهم"، وهم الرجال، وسائر من أتى بعدهم عليهم عيال! وإنما نحن متشبهون، ومحبون، ومؤتسون. وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ... إن التشبه بالرجال فلاح أما إدراك شأوهم، وبلوغ فضلهم، ونيل منازلهم فهيهات هيهات. فالمغرور من ظن أنه صار- بين عشية وضحاها- كأحدهم، فقال: "هم رجال ونحن رجال"! ، فضلًا عن أن يظن أنه خير من أدناهم! وما أوتى هذا إلا من ترك التأدب بآداب المتعلمين، وغفل عن أن: "التخلية قبل التحلية" كما يقول أهل الزهد والتصوف، وهذه كلمة حق، فإد التخلى عن الرذائل والآفات الظاهرة والباطنة واجب شرعى لابد أن يسبق تحلية الظواهر، والاهتمام بالصور. ولابد لمن بَغَى الخلاص والسلامة أن يبدأ بنفسه فيزكيها ويطهرها من الأدناس {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)}، ويحرص على الإِزراء عليها وتكميل نقصها ومعالجة نقائصها، لا ينى في ذلك طرفة عين. فمن لم يبدأ بنفسه فيحملها على التواضع وخفض الجناح، وينظر إليها بعين

النقص والإتهام بالتقصير ولا يعطيها ما تشتهيه من حب الثناء والعلو والفساد في الأرض، فبالله لا يتعَنَّ. وللسلف في إزرائهم على أنفسهم عبارات كثيرة أوردت جملة صالحة منها في كتابى "إيقاف الأبرار على ضعيف وواهى الآثار" يَسَّر الله خروجه، عند الأثر الأول منه. هذا، وقد شرعت في هذا القسم في شهر رمضان المبارك اقتداء بما صنعتُ في العام الماضى، لكن يشاء العليم الحكيم تعالى أن يتأخر هذا الأمر على مدى أشهر، فـ: "قدَّر الله وما شاء فعل". على أننى أرجو أن أكون قد وُفِّقتُ - في هذا القسم - في اختيار الخمسين حديثا التى تخُصُّه، وأن ينفع الله عز وجل بها إخوانًا وأخواتٍ من المسلمين المؤمنين الصادقين. وأخواتى، فلم أنْسَهُنَّ، ولم أهدر اهتماماتهن، بدليل الحديث الثالث والثمانين "ليس على المرأة إحرام إلا في وجهها" - وهذا يتشدق به الغافلون أحيانًا إنكارًا لستر الوجه-، والحديث الخامس والتسعين في بيان أصناف النساء، وتفصيل الفاروق رضى الله عنه فيها وفي الرجال أيضًا. وطمعت أن أورد حديث: "ليس على النساء أذان ولا إقامة"، ولكن لم يختره الله لى الآن {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} وفي النهاية أعتذر إلى قراء هذه المقدمة إن أَلْفَوها غير متناسقة، فإن المشاغل كثيرة، والحرص على دفع الكتاب للطبع شديد، وفي التمكن من صدوره في معرض الكتاب خير كثير إن شاء الله رب العالمين. جزى الله أخى الناشر خيرًا، إذ أقبل عَلَىَّ وقد أعرض عنى الناس، وتبنَّى كتاباتى- متوكلا على الله- وقد خشى عدم رواجها الناس، ويأبى الله عز وجل إلا أن يقيض لها محبين، ومنها مستفيدين. {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)} [إبراهيم: 41]. وكتبه: أبو عبد الرحمن محمد عمرو بن عبد اللطيف تم الفراغ من هذه المقدمة بالقاهرة ليلة الأربعاء الموافق السادس عشر من ربيع الثانى 1410 هـ. والخامس عشر من نوفمبر 1989 م.

51 - الحديث الحادى والخمسون

الحديث الحادى والخمسون: " أتدرى لم مشيت بك هذه المشية؟ قلت (القائل زيد بن ثابت): الله ورسوله أعلم. قال: ليكثر عدد خطاك في طلب الصلاة". منكر. رُوِى من حديث أنس عن زيد بن ثابت- رضى الله عنهما- من وجهين: الأول: من رواية ثابت البناني عن أنس به، وله طريقان عنه: 1 - فرواه ابن أبي شيبة في "مسنده" وعنه أبو يعلى- كما في "المطالب العالية" (1/ 132) وعنه ابن عدى في "الكامل" (4/ 1416)، والطبراني (5/ 117 - 118) - عن ابن أبي شيبة وأخيه عثمان- وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال" (52) من طريق محمد بن إسحاق الصاغانى، ثلاثتهم عن عبيد الله بن موسى، ورواه العقيلى (2/ 219) - واللفظ له- والطبرانى (5/ 117) من طريق مسلم بن إبراهيم، ورواه الطبراني (5/ 118) من طريق حرمى بن عمارة ثلاثتهم عن الضحاك بن نبراس، قال: حدثنا ثابت البنانى قال: كنت مع أنس بن مالك في غرفته بالزاوية إذ سمع الأذان فنزل، فنزلت معه، فلما استوى على الأرض مشى، ثم قارب في خطوه، حتى دخلت معه المسجد، فقال لى: أتدرى لم مشيت بك هذه المشية؟ قلت: لا أدرى، قال: إن زيد بن ثابت مشى بي هذه المشية حتى دخلنا المسجد، وقال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مشى بي هذه المشية، ثم قال لى، فذكره. وفي رواية حرمى بن عمارة: "فقلت: الله ورسوله أعلم. فقال: لا يزال العبد في صلاة ما دام في طلب الصلاة". وفي رواية مسلم عند الطبراني أن القصة كانت بين ثابت وأنس- حَسْبُ- وأسقطت ذكر زيد بن ثابت رضى الله عنه. وجميع الرواة عن الضحاك بن نبراس المذكور ثقات من رجال الصحيح، فكأن هذا الاختلاف والتخبط من جهته، فإنه متروك الحديث كما

قال النسائى. وأورده الدارقطني في "الضعفاء" (300) ساكتًا عنه، فهو متروك عنده وكذا عند البرقاني وابن حمكان كما هو منصوص عليه قبل أول الكتاب (ص 95) ووهاه أيضًا ابن معين فقال: ليس بشئ وتكلم فيه آخرون. وقال بعضهم- كأنه لم يخبره-: ليس به بأس. وهذا الحديث معدود في مناكيره حيث أورده له العقيلي وابن عدى - كما تقدم- وكذا الذهبي في "الميزان" (2/ 326). وقال الحافظ ابن حجر في "المطالب": "قلت: الضحاك ضعيف الحفظ، والمحفوظ في هذا موقوف على زيد بن ثابت". وقال الهيثمى في "المجمع" (2/ 32) - بعد عزوه للطبرانى وحده-: "وفيه الضحاك بن نبراس وهو ضعيف، ورواه موقوفًا على زيد ابن ثابت، ورجاله رجال الصحيح". كذا قال، وسيأتى ما في هذا الإِطلاق من النظر. ثم أورده- بلفظ رواية مسلم بن إبراهيم، وقال: "رواه الطبراني في "الكبير" وأسقط زيد بن ثابت، وقد رواه أنس عن زيد بن ثابت- والله أعلم-، وفيه الضحاك بن نبراس وهو ضعيف" اهـ. 2 - ورواه الطبراني من طريق أبي داود الطيالسي عن محمد بن ثابت البنانى عن أبيه عن أنس به نحوه. وإسناده ضعيف أيضًا، فيه محمد بن ثابت البنانى، لينه أبو زرعة والفسوى، وضعَّفه أبو داود والنسائي والدارقطني، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، منكر الحديث ووهاه ابن معين. وقال البخارى: فيه نظر. وفي الطريق إليه: محمد بن صالح بن الوليد النرسى- شيخ الطبراني-، ولم أقف له على ترجمة، فأخشى أن يكون الخلل في روايته بهذا الإِسناد من جهته، فإن الحديث معروف- مرفوعًا- بالضحاك لا نبراس كما رأيتَ. (وقد) رأيتُ البارحة عجبًا! وهو قول محقق "فضائل الأعمال"- للحافظ ابن شاهين رحمه الله- في تحقيقه الذى نال به شهادة العالمية - بعد إيراد طرقه المرفوعة عن ابن نبراس عند الطبراني، وطريقه الموقوفة عنده: "والطريق الخامسة مرفوعة وفيها محمد بن ثابت البناني وهو ضعيف ولكنها

متابعة جيدة يرتقى بها الحديث مع الطريق الموقوفة إلى درجة الحسن. والله أعلم" حتى قال: "وأورده المنذرى في "الترغيب" (1/ 209)، وقال: "رواه الطبراني في "الكبير" مرفوعًا وموقوفًا على زيد، وهو الصحيح". وأقول: زيادة الثقة مقبولة. وهذا الموقوف له حكم الرفع لأنه مما لا يقال بالرأى، فهو من أخبار الغيب. والله أعلم". كذا قال - عفا الله عنا وعنه- بنحو لم أر له فيه سلفًا في تقوية هذا الحديث، ويؤخذ على كلامه أمور نوجزها باختصار: الأول: أنه لم يحقق حال الضحاك بن نبراس، فاكتفى بقول الحافظ رحمه الله في "التقريب" (2980): "لين الحديث". الثانى: أنه قوى الطريقين الواهية والضعيفة- الواهية على رأى-، بالطريق الموقوفة بحيث يصير الحديث حسنًا. وهذا من أعجب التصرفات، فإن راوى الموقوف لو كان ثقة لأعلت روايته الطريقين المرفوعتين. ولو كان واهيًا- كما سنرى- لما صلح للاعتبار أصلًا. والظاهر أنه لم ينظر في إسناد الرواية الموقوفة اكتفاءً بكلام الهيثمى رحمه الله. الثالث: قوله: "وزيادة الثقة مقبولة"، والحديث لم يرفعه ثقة أصلًا كما ترى! . الرابع: أنه اكتفى بعزو الحديث- مرفوعًا وموقوفًا- إلى الطبراني وحده، فأتى بهذه النتيجة غير المرضية، وفاتته ثلاث روايات صحيحة موقوفة عن ثابت، ورابعة عن غيره. وسنبين كل ذلك في محله إن شاء الله (¬1) ¬

_ (¬1) وأقر بأن هذا الحديث قد أتعبنى جدًا وعلمنى الكثير، فبعد أن كنت عزوته للطبرانى وابن عدى، تبين لى أنه في "مسند ابن أبي شيبة" ورواه عنه أبو يعلى- شيخ ابن عدى فيه- ثم تبين لى أنه في "ضعفاء العقيلي" - مرفوعًا وموقوفًا-، في كل ذلك أضرب على ما كتبت أو أقطع ورقة حتى أعدت تبييضه في كشكول آخر. ثم وجدته في =

الخامس: قوله: "وهذا الموقوف له حكم الرفع ... " يرد عليه احتمال أن يكون زيد رضى الله عنه قد فهمه من عموم أحاديث أخرى، ولو قال: له شواهد مرفوعة، لكان أوجه. الثانى: من رواية أبان بن أبي عياش عن أنس كما رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" (بغية الباحث: 124) عن داود بن المحبر ثنا محمد بن سعيد عنه به، ولفظه: "خرجت وأنا أريد المسجد، فإذا أنا بزيد بن ثابت، فوضع يده على منكبى يتوكأ عَلَيَّ. قال: فذهبت أخطو خطو الشباب، فقال لى زيد: يعنى ابن ثابت-: قارب بين خطوك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مشى إلى المسجد، كان له بكل خطوة عشر حسنات" وفي إسناده- بهذا اللفظ- داود بن المحبر، وهو كذاب متهم بالوضع وسرقة الحديث. وشيخه محمد بن سعيد لم أدرِ من يكون، ولا ذكره الحافظ المزى ضمن شيوخه أو الرواة عن أبان، فالظاهر أنه من شيوخه المجاهيل لقول الإِمام ابن حبان رحمه الله في "المجروحين" (1/ 291): "وكان يضع الحديث على الثقات، ويروى عن المجاهيل المقلوبات، كان أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: هو كذاب". وأبان متروك الحديث، ورماه شعبة بالكذب. ومع ذلك اقتصر الحافظ رحمه الله في "المطالب"- عقب عزوه للحارث- على قوله: "فيه ضعيف". وكذالك قال البوصيرى: "فيه داود بن المحبر، وهو ضعيف" كما في حاشية "المطالب" (1/ 133). (وبعد) فالمحفوظ وقف الحديث على زيد بن ثابت رضى الله عنه كما تقدم عن الحافظ، فقد صح عن ثابت وحميد الطويل عن أنس عنه، وله عن ثابت طرق: ¬

_ = "فضائل ابن شاهين"؛ فزدته في العزو واضطررت إلى حكاية كلام محققه للرد على كلامه ومحاولته تقوية الحديث بما لا يسبق إليه فيما أعلم.

1 - فرواه العقيلى من طريق حماد بن سلمة عنه قال: "مشيت مع أنس ابن مالك إلى الصلاة وقد أقيمت الصلاة وكان يقارب بين الخطا، فقال لى: أتدرى لِمَ أفعل هذا؟ فقلت: لم تفعله؟ قال: كذا فعل بى زيد بن ثابت، ليكون أكثر لخطونا". وقال: "حديث حماد أولى". قلت: وهو صحيح على شرط مسلم. سوى على بن عبد العزيز - وهو البغوى شيخ العقيلى-، وهو ثقة حافظ. 2 - ورواه عبد الرزاق (1/ 517) عن جعفر بن سليمان الضُبَعى عنه عن أنس قال: "وضع زيد بن ثابت يده عَلَيَّ وهو يريد الصلاة، فجعل يقارب خطوه". وإسناده جيد. وهو على شرط مسلم أيضًا. 3 - ورواه ابن أبي شيبة (2/ 359) من طريق جعفر بن حيان أبي الأشهب عنه عن أنس قال: "خرجت مع زيد بن ثابت إلى المسجد، فأسرعت المشى، فحبسنى". وإسناده صحيح. 4 - ورواه الطبراني من طريق السرى بن يحيى عنه عن أنس قال: "كنت أمشى مع زيد بن ثابت، فقارب في الخطى، فقال: أتدرى لم مشيت بك هذه المشية؟ فقلت: لا. فقال: لتكثر خطانا في المشى إلى الصلاة ". قال الطبراني: "ولم يرفعه السرى بن يحيى". قلت: وهو ثبت لكن شيخ الطبراني - عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم وهَّاه ابن عدى، فقال (4/ 1568): "مصرى يحدث عن الفريابى وغيره بالبواطيل". وأورد له أحاديث استنكرها عليه، ثم ختم الترجمة بقوله: "وعبد الله بن محمد بن سعيد ابن أبي مريم هذا إما أن يكون مغفلًا لا يدرى ما يخرج من رأسه، أو متعمدًا، فإنى رأيت له غير حديث مما لم أذكره أيضًا ها هنا غير محفوظ". 5 - وأما رواية حميد، فعند ابن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عنه قال: "أخذ بيدى أنس، فجعل يمشى رويدًا إلى الصلاة، ثم التفت إليَّ فقال: هكذا

كان يصنع زيد بن ثابت ليكثر خطاه". وإسناده صحيح غاية، وهو على شرطهما. (ومن الآثار) أيضًا: 1 - ما رواه ابن أبي شيبة من طريق أبي الأحوص قال: قال عبد الله: "لقد رأيتنا، وإنا لنقارب بين الخطا إلى الصلاة". وإسناده صحيح. وهو قطعة من حديث طويل مشهور لابن مسعود في فضل الجماعة وأصله عند مسلم وأبى داود بدونها وحكمه الرفع، لوصفه رضى الله عنه ما كان عليه الصحابة على عهد النبوة. 2 - وروى عن طريق أبي سنان عن محمد بن زيد بن خليدة اليشكرى قال: "كنت أمشى مع ابن عمر إلى الصلاة، فلو مشت معه نملة، لرأيت أن لا يسبقها". وإسناده حسن. ورواه ابن سعد (4/ 1/ 113) من طريق مندل عن أبي سنان حدثنى زيد بن عبد الله الشيبانى قال: رأيت ابن عمر، فذكره بنحوه. ومندل ضعيف، فلا اعتداد بتفرده فضلًا عن مخالفته. (أما) أحاديث فضل إتيان المساجد وإتيانها بالسكينة، وفضل كثرة الخطا إليها، فهى أكثر من أن يسعها هذا المقام، وقد ذكرت بعضًا من ذلك في "البدائل" (4). أما ههنا فإنما أردت أن أدندن حول هذا اللفظ بخصوصه، فالله المستعان. ثم وجدت ابن أبي حاتم يقول في "العلل" (1/ 191): "سألت أبي عن حديث رواه أبو داود الطيالسى عن محمد بن ثابت عن أبيه عن أنس عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقارب بين الخطا إلى المسجد، وقال: إنما فعلته لتكثير خطاى إلى المسجد. فسمعت أبي يقول: روى هذا الحديث جماعة عن ثابت البنانى فلم يوصله أحد إلا الضحاك ابن نبراس، والضحاك لين الحديث، وهو ذا يتابعه محمد بن ثابت، ومحمد أيضًا ليس بقوى. والصحيح موقوف" اهـ. قلت: فثبتت هذه المتابعة للضحاك بن نبراس لكن لم يزل رفع الحديث منكرًا. والله أعلم.

52 - الحديث الثانى والخمسون

الحديث الثانى والخمسون: " احترسوا من الناس بسوء الظن". منكر. رُوِى أيضًا عن حديث أنس من وجهين عنه: الأول: من رواية بقية بن الوليد عن معاوية بن يحيى عن سليمان بن سليم عنه به. رواه البخارى في "الضعفاء"- كما في "الميزان" (4/ 139) و "التهذيب" (10/ 220) - والعسكرى في "الأمثال" - كما في "المقاصد" (32)، والطبراني في "الأوسط" كما فيه وكذا "الفتح" (10/ 547) و "الضعيفة" (156)، وابن عدى (6/ 398). وهذا إسناد ضعيف له علتان: الأولى: عنعنة بقية بن الوليد، فإنه صدوق حافظ، لكنه كثير التدليس إسنادًا وشيوخًا وتسوية، وقد عنعنه. الثانية: الانقطاع بين سليمان بن سليم - وهو أبو سلمة الكنانى الحمصى أحد الثقات-، وبين أنس. فقد جاء في ترجمته أنه يرسل عن زيد بن أسلم وسلمة بن نفيل السكونى- وهما تابعيان للأول منهما رواية عن أنس، ويروى عن آخرين منهم الزهرى وعبد الرحمن بن جبير بن نفير، وهما من أصحاب أنس أيضًا. وهو من الطبقة السابعة كما في "التقريب" (2566) وهى طبقة كبار أتباع التابعين، أما التى قبلها فهى طبقة من عاصروا الخامسة (طبقة صغار التابعين) لكن لم يثبت لأهلها لقاء أحد من الصحابة. انظر "التقريب" (ص 42 بتحقيق محمد عوامة). والحديث- من هذه الطريق- قال الهيثمى رحمه الله (8/ 89) - فأحسن صُنعًا-: "وفيه بقية بن الوليد وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات". وقال الحافظ رحمه الله في "الفتح": "وهو من رواية بقية بالعنعنة عن

معاوية بن يحيى، وهو ضعيف". وقال الشيخ الألبانى عفا الله عنه- متعقبًا الهيثمى-: "كذا قال، ومعاوية ابن يحيى ضعيف جدًا ولم يوثقه أحد، وقد ساق له الذهبى أحاديث مما أنكر عليه هذا أحدها". قلت: قد تنبه الحافظ الهيثمى رحمه الله لما لم يتنبه إليه غيره كالإِمام البخارى والحافظين الذهبى وابن حجر والشيخ الألبانى. فإن ابن عدى رحمه الله إنما أورد الحديث في ترجمة معاوية بن يحيى الأطرابلسى أبي مطيع- الذى قواه الجمهور-، وتعقبه الذهبى في حديثين ليس هذا أحدهما، لكنه أورده في ترجمة الصدفى من "الميزان"- تبعا للإِمام البخارى رحمه الله. وكذا أشار الحافظ إلى ذلك في "التهذيب". وصنيع ابن عدى- وإن كان إعلاله بعنعنة بقية أولى - هو الصواب. * فقد قال الحافظ المزى رحمه الله في "تهذيب الكمال" (ق 539) - في ترجمة سليمان بن سليم الكنانى-: "روى عنه إسماعيل بن عياش و ... و ... وأبو مطيع معاوية بن يحيى". ولم يذكر الصدفى. * وقال في ترجمة أبي مطيع (ق 1348): "روى عن إبراهيم بن عبد الحميد ابن ذى حماية و ... و ... وسليمان بن سليم". * ولم يذكر للصدفى سوى خمسة شيوخ- على سبيل الحصر-، ليس سليمان هذا أحدهم. أما العلة التى أغفلوها جميعًا، فهى الانقطاع بين سليمان وأنس كما تقدم. الثانى: من رواية إبراهيم بن طهمان عن أبان بن أبي عياش عنه، رواه تمام في "فوائده" كما في "المقاصد". وأبان متروك، فإسناده ضعيف جدًا.

(والصحيح) وقفه على مطرف بن عبد الله بن الشخير التابعى الجليل، رحمه الله ورضى عن أبيه، كما رواه الإِمام أحمد في "الزهد" (ص 242) وأبو نعيم (2/ 210) والبيهقي في "سننه" (10/ 129) وعنه ابن عساكر (16/ 581) من طريق مهدى بن ميمون ثنا غيلان بن جرير قال مطرف بن عبد الله، فذكره. وقال الحافظ في "الفتح": "وصح من قول مطرف التابعى، أخرجه مسدد". (ورُوِى) أيضًا عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، والحسن البصرى رحمه الله. أما عن عمر، فرواه الخطابى في "العزلة" (ص 168) من طريق الضحاك بن يسار النكرى عن أبي عثمان النهدى به. وإسناده ضعيف لضعف الضحاك هذا- على الراجح -، فقد قال أبو حاتم: لا بأس به. وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال ابن معين: يضعفه البصريون. وضعَّفه أبو داود وابن الجارود والساجى والعقيلى وابن عدى. وله طريق أخرى- بلفظ مطول- عند أبي عمرو الدانى في "السنن الواردة في الفتن" (12/ 1 - 2) من طريق عيسى بن إبراهيم عن الضحاك هذا به. وعيسى ابن إبراهيم - وهو الهاشمى- ضعيف جدًا، كما في "الضعيفة" وروى عمر ابن شبة في "أخبار المدينة" (3/ 801) وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 202) من طريق فرج بن فضالة الحمصى حدثنا عمر بن شراحيل قال: قال عمر رضى الله عنه: "إن الحزم أن تسئ الظن بالناس". وإسناده ضعيف له ثلاث علل: الأولى: ضعف فرج بن فضالة في غير الشاميين، لا سيما في حديثه عن يحيى بن سعيد الأنصارى؛ إلا أن يكون شيخه شاميا، ولا أراه إلا كذلك. الثانية والثالثة: جهالة عمر بن شراحيل- وهو المعافرى-، والانقطاع بينه وبين عمر. قال ابن أبي حاتم رحمهما الله في "الجرح" (6/ 116):

"روى عنه الفرج بن فضالة. وروى هو عن عمر رضى الله عنه في تجويز طلاق المكره، مرسلًا" اهـ. ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. والأثر المشار إليه رواه سعيد بن منصور (1129) عن فرج به. وذكره ابن حزم في "المحلى" (10/ 203) عن سعيد به، فقال: "عمرو بن شراحيل". ملحوظة: وحديث: "الحزم سوء الظن" يروى مرفوعًا وموقوفًا على على، وكلاهما ضعيف جدًا كما تراه في "السلسلة الضعيفة" (1151). وأورد الشيخ ما يدل على أنه من كلام العرب، فقال: "ورواه الحربى في "الغريب" (5/ 212 /1) عن جرير عن الحكم بن عبد الله: كانت العرب تقول: "العقل تجارب، والحزم سوء الظن". قلت: وكذا رواه ابن أبي الدنيا في "العقل وفضله" (40) وابن حبان في "الروضة" (ص 22) والبيهقي في "الشعب" (8/ 543) من طريق جرير به، وزاد ابن أبي الدنيا: "فقال الأعمش: ألا ترى أن الرجل إذا ساء ظنه بالشئ حذره". وإسناده إلى الحكم هذا- وهو الأزرق كما في رواية-، صحيح، لكن لم أهتد إلى ترجمته (¬2). (وأما) عن الحسن البصرى، فرواه ابن سعد (7/ 1/ 128 - 129) عن حجاج قال: حدثنا عمارة عنه به. وإسناده واه، حجاج هو ابن نصير الفساطيطى وهو ضعيف واهٍ يقبل التلقين. أما عمارة فهو ابن مهران المعولى أبو سعيد البصرى، ثقة عابد. ولم يتفطن العلامة الألبانى حفظه الله إلى علته، فقال: "وسنده صحيح". وقد ساق ابن سعد بهذا الإِسناد خمسة آثار، قال في أولها: "أخبرنا حجاج بن نُصَيْر" فالكمال لله تعالى وحده. (هذا) وأثر مطرف، قد ذكره البيهقي في كتاب "آداب القاضى" من "سننه" وبوَّب عليه: "باب الاحتياط في قراءة الكتاب والإِشهاد عليه وختمه ¬

_ (¬2) نعم، هناك "الحكم بن الأزرق" ذكر ابن حبان في "الثقات" (4/ 145) أنه يروى عن ابن عمرو، ويروى عنه عكرمة بن خالد، فليس هو قطعًا.

لئلا يزور عليه" قال: "وقد قال مطرف بن عبد الله ... " فذكره ثم أتبعه بإسناده إليه، ثم قال- مشيرًا إلى حديث أنس-: "ورُوِى ذلك عن أنس بن مالك مرفوعًا، والحذر من أمثاله سنة متبعة. في ذكر حديثا في "سنن أبي داود" فيه ضعف، ثم روى حديث أبي هريرة: "لا يلدغ مؤمن من جُحر مرتين" وقال: "رواه البخارى ومسلم في "الصحيح" عن قتيبة بن سعيد". تنبيه: وحديث أنس- بظاهره- استنكره الشيخ الألباني حفظه الله، فقال في "الضعيفة": "ثم إن الحديث منكر عندى لمخالفته للأحاديث الكثيرة التى يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها المسلمين بأن لا يسيئوا الظن بإخوانهم، منها قوله صلى الله عليه وآله- وسلم: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ... " رواه البخارى (10/ 395 - 398) وغيره. ثم إنه لا يمكن التعامل مع الناس على أساس سوء الظن بهم، فكيف يعقل أن يأمر صلى الله عليه وآله وسلم أمته أن يتعاملوا على هذا الأساس الباطل؟ ! " اهـ. قلت: هذا الاستشكال قديم، والحديث منكر لتفرد الضعفاء برفعه، لكن لم أر أحدًا من العلماء أنكر معنى هذا الكلام، بل هم ما بين مستشهد به، أو دافع لإِشكاله، أو حامل له على محمل سائغ، وكيف يظن بشيخى الإِسلام , وإمامى عصرهما- مطرف والحسن- إذ صحح الشيخ نسبته إليه- أن يأمرا بسوء الظن بالمعنى المتبادر منه، وهو أمر معلوم حرمته لدى عوام المسلمين؟ وسوف أسوق- بحول الله وقوته- نبذًا من كلام العلماء حول هذا المتن، ثم أعقب تعقيبًا قصيرًا تأييدًا لما ذهبوا إليه وفهموه. 1 - قال الإِمام ابن حبان رحمه الله في "روضة العقلاء" (ص 127): "سوء الظن على ضربين:

أحدهما: منهى عنه بحكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم. والضرب الآخر: مستحب. وأما الذى نهى عنه فهو استعمال سوء الظن بالمسلمين كافة على ما تقدم ذكرنا له. وأما الذى يستحب من سوء الظن فهو كمن بينه وبينه عداوة أو شحناء في دين أو دنيا، يخاف على نفسه مكره، فحينئذ يلزمه سوء الظن بمكائده ومكره لئلا يصادفه على غرة بمكره فيهلكه. وفي ذلك أنشدنى الأبرش: وحسن الظن يحسن في أمور ... ويمكن في عواقبه ندامة وسوء الظن يسمج في وجوه ... وفيه من سماجته حزامة وأنشدنى محمد بن إسحاق الواسطى: ما ينبغى لأخى ود وتجربة أن ... يترك الدهر سوء الظن بالناس حتى يكون قريبًا في تباعده ... عنا ويدفع ضُرَّ الحرص بالياس 2 - وبوَّب الإِمام الخطابى رحمه الله في "العزلة" (ص 168): " باب: في التحذير من عوام الناس والتحرز منهم بسوء الظن فيهم، وقلة الثقة بهم، وترك الاستنامة إليها" وختم الكلام في ذلك في (ص 180) فطالعه فإنه نفيس. وما أحسن ما حكاه - أثناء: "باب: في فساد الزمان وأهله" - (ص 188: 190) إذ قال: "قرأت لمنصور بن عمار في "صفة الزمان": تغير الزمان حتى كل عن وصفه اللسان، فأمسى خرفا بعد حداثته، شرسًا بعد لينه، يابس الضرع بعد غزارته، ذابل الفرع بعد نضارته، قاحل العود بعد رطوبته، بشع المذاق بعد عذوبته؛ فلا تكاد ترى لبيبًا إلا ذا كمد، ولا ظريفًا واثقًا بأحد، وما أصبح له حليفًا إلا جاهل، ولا أمسى به قرير العين إلا غافل؛ فما بقى من الخير إلا الاسم، ولا من الدين إلا الرسم، ولا من التواضع

إلا المخادعَة، ولا من الزهادة إلا الانتحال، ولا من المروءة إلا غرور اللسان ... " إلخ. 3 - وقال الحافظ رحمه الله في "الفتح" (10/ 546 - 547) - أثناء شرح حديث: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"-: " ... قال الخطابى: هذا لفظ خبر ومعناه أمر، أي ليكن المؤمن حازمًا حذرًا لا يؤتى من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى، وقد يكون ذلك في أمر الدين كما يكون في أمر الدنيا وهو أولاهما بالحذر، وقد روى بكسر الغين في الوصل (يعنى: لا يلدغُ) فيتحقق معنى النهى عنه، قال ابن التين: وكذلك قرأناه، قيل: معنى لا يلدغ المؤمن عن جحر مرتين أن من أذنب ذنبًا فعوقب به في الدنيا لا يعاقب به في الآخرة. قلت: إن أراد قائل هذا أن عموم الخبر يتناول هذا فيمكن، وإلا فسبب الحديث يأبى ذلك، ويؤيده قول من قال: فيه تحذير من التغفيل، وإشارة إلى استعمال الفطنة. وقال أبو عبيد: معناه: ولا ينبغى للمؤمن إذا نكب عن وجهٍ أن يعود إليه. قلت: وهذا الذى فهم الأكثر ومنهم الزهرى راوى الخبر ... " حتى قال: "قيل: المراد بالمؤمن في هذا الحديث: الكامل الذى قد أوقفته معرفته على غوامض الأمور حتى صار يحذر مما سيقع. وأما المؤمن المغفل فقد يلدغ مرارًا". الى أن قال: "قال (يعنى التوربشتى): وعلى الوجه الأول- وهو الرواية بالرفع- فيكون إخبارًا محضًا لا يفهم هذا الغرض المستفاد من هذه الرواية، فتكون الرواية بصيغة النهى أرجح، والله أعلم. قلت: ويؤيده حديث: "احترسوا من الناس بسوء الظن". أخرجه الطبراني في "الأوسط" عن طريق أنس، وهو من رواية بقية ... " إلخ. قلت: فها هو الحافظ رحمه الله يؤيد به أحد الوجهين في ضبط حديث: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" وأنه بكسر الغين على معنى النهى. وقد صعَّف إسناده- كما تقدم عنه - دون استنكار لمتنه. وصححه عن مطرف كما تقدم أيضًا.

4 - وقال الحافظ المناوى رحمه الله في "الفيض" (1/ 181) - عند حديث "احترسوا من الناس" قال: أي من شرارهم "بسوء الظن" قال: أى تحفظوا منهم تحفظ من أساء الظن بهم. كذا قاله مطرف التابعى الكبير. وقيل: أراد: لا تثقوا بكل أحد، فإنه أسلم لكم ... " حتى قال: "ولا يعارض هذا خبر: إياكم وسوء الظن، لأنه فيمن تحقق حسن سريرته وأمانته، والأول: فيمن ظهر منه الخداع والمكر وخلف الوعد والخيانة. والقرينة تغلب أحد الطرفين، فمن ظهرت عليه قرينة سوء يستعمل معه سوء الظن وخلافه خلافه، وفي إشعاره تحذير من التغفل وإشارة إلى استعمال الفطنة (يلاحظ أنه عين ما قيل في حديث البخارى)، فإن كل إنسان لابد له من عدو، بل أعداء يأخذ حذره منهم؛ قال بعض العارفين: هذه حالق كل موجود، لابد له من عدو وصديق، بل هذه حالة سارية في الحق والخلق. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] فهم عبيده، وهم أعداؤه، فكيف حال العبيد بعضهم مع بعض بما فيهم من التنافس والتباغض والتحاسد والتحاقد؟ .. " إلخ، حتى شرع في الكلام على إسناده. أقول: وما نقلته عن هؤلاء الأئمة الكبار قد تواطأ حول معانٍ متقاربة لا تكلف فيها- إن شاء الله- ولا تعسف. وأشير- مع قصر الباع وقلة العلم- إلى أنه من المعلوم أن لفظة العموم قد تطلق، ويراد بها الخصوص، كلفظة: "الناس" حيث قال تعال: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} فهى- في المرتين- يراد بها بعضهم. وكذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم- كما في "الصحيحين"-: "الناس كإبل مائة، لا تجد فيها راحلة"، فهذا محمول على الأغلب والأعم. وقول السيدة عائشة رضى الله عنها: "رحم الله لبيدًا حيث يقول: ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب قالت عائشة: فكيف لو أدرك زماننا هذا. قال عروة: رحم الله عائشة،

53 - الحديث الثالث والخمسون

كيف لو أدركت زماننا هذا ... وهكذا تسلسل الأثر. لا شك أن لبيدًا وعائشة وعروة، فمن بعدهم لا يعنون جميع الناس الذين كانوا بين ظهرانيهم، بل يعنون الكثير منهم، والغالب على أحوالهم، وقد كانت عائشة وسط صحابة أجلاء مشهود لهم بالجنة متنزهين عن السوء والشبهات. فما قال أحد أنها تطعن في سائر الناس، وترميهم جميعًا بسوء العشرة. هذا، والله تبارك وتعالى أعلم، وهو حسبى ونعم الوكيل. الحديث الثالث والخمسون: " إذا تخوف أحدكم السلطان فليقل: اللهم ربَّ السماوات السبع وربَّ العرش العظيم، كن لى جارًا من شر فلان- تسمى الذى تريد-، وشر الجن والإِنس وأتباعهم أن يفرطَ عَلَيَّ أحد منهم، عز جارك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك". ضعيف. روى من حديث ابن مسعود- من وجهين عنه- كلاهما ضعيف. الوجه الأول: رواه الطبراني في "الكبير" (10/ 108) و"الدعاء" (1056) عن طريق جنادة بن سلم، عن عبيد الله بن عمر، عن عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبيه عن جده عنه به. وإسناده ضعيف، جنادة بن سلم هو ابن خالد بن جابر بن سمرة العامرى السوائى أبو الحكم الكوفى. وثقه ابن حبان وابن خزيمة، وضعفه أبو زرعة. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، ما أقربه عن أن يترك حديثه، عمد إلى أحاديث موسى بن عقبة فحدَّث بها عن عبيد الله بن عمر. وقال الساجى، حدًث عن هشام بن عروة حديثًا منكرًا. وقال الأزدى: منكر الحديث عن عبيد الله بن عمر، أخاف أن لا يكون ضعيفًا (كذا في "التهذيب" (5/ 136)، ولعل الصواب بدون: لا) وعنده عجائب. وقال الأستاذ بشار عواد في حاشية

"تهذيب الكمال" (5/ 136): "هو ضعيف كما قال الحافظان أبو حاتم وأبو زرعة الريان، وهما أعلم به، وضعفه الذهبي، ولا أدرى كيف قال الحافظ ابن حجر: "صدوق له أغلاط " ... ". قلت: والرجل في عبيد الله العمرى- خاصة- صاحب مناكير، وهذا عن روايته عنه. والحديث من هذا الوجه، قال الهيثمى (10/ 137): "وفيه جنادة بن سلم وثقه ابن حبان وضعَّفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح". ونحوه في (10/ 187). الوجه الثاني: رواه الطبراني "الدعاء" (1057) من طريق عبد الله بن صالح عن الليث عن عبد ربه بن سعيد وابن أبى فروة عن يونس بن عبد الله عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنه مرفوعًا به، ولفظه: "إذا تخوفت من أحد شيئًا فقل: اللهم رب السموات السبع ومن فيهن ورب العرش العظيم، ورب جبريل وميكائيل وإسرافيل، كن لى جارًا من فلان وأشياعه وأتباعه أن يفرطوا عَلَىَّ أو أن يطغوَا عَلَىَّ أبدًا، عز جارك، وجل ثناؤك، ولا إله إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك". وهذا أيضًا إسناد ضعيف، عبد الله ابن صالح- هو الجهنى المصرى أبو صالح كاتب الليث، صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه وكانت فيه غفلة كما في "التقريب" (3388)، وصحح الحافظ في "هدى السارى" (ص 434) رواية أهل الحذق عنه، كابن معين والبخارى وأبى زرعة وأبى حاتم. وليس هذا منها. وله علة أخرى، وهى الانقطاع. قال الحافظ المزى في ترجمة عبيد الله بن عبد الله بن عتبة من "تهذيب الكمال" (ق 880): "روى عن .... وعم أبيه عبد الله بن مسعود، مرسل". (والصحيح) عن أبن مسعود رضى الله عنه، الوقف، وصح نحوه عن ابن عباس رضى الله عنهما. 1 - أما ابن مسعود، فرواه ابن أبي شيبة (10/ 202 - 203) -

واللفظ له - والبخارى في "الأدب" (707) من طرق عن الأعمش عن ثمامة ابن عقبة المحلمى عن الحارث بن سويد قال: قال عبد الله: "إذا كان على أحدكم إمام يخاف تغطرسه وظلمه فليقل: اللهم ربَّ السموات وربَّ العرش العظيم، كن لي جارًا من فلان وأحزابه وأشياعه، أن يفرطوا عَلَيَّ وأن يطغوا، عز جارك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك". قال ابن أبي شيبة: "إلا أن أبا معاوية زاد فيه: قال الأعمش: فذكرته لإبراهيم فحدَّث عن عبد الله بمثله، وزاد فيه: من شر الجن والإِنس". وإسناداه صحيحان، وإرسال إبراهيم عن ابن مسعود صححه بعض الأئمة، لثبوت أنه كان لا يرسل عنه إلا ما سمعه من غير واحد من أصحابه. تنبيه: وذكر الشيخ الجيلانى رحمه الله في "فضل الله الصمد" (2/ 171 - 172) أحاديث كثيرة بألفاظ غير هذا- في دعاء خوف السلطان - ما بين ضعيف واه، أو مقطوع، فلا حاجة إليها، وحسبنا ثبوته عن صحابيين جليلين كما قدمنا. وقد قال: "وإن كانت طرقها ضعيفة فهى أحسن من التى لا أصل لها من السنة وآثار الصحابة والتابعين" اهـ. قلت: وأحسن من كل ذلك تتبع الثابت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحريًا لصحة الإسناد واتصاله، إلا أن لا نجد إلا المقاطيع كما فعل الإِمام الطبراني رحمه الله في (باب: كيف التهنئة بالمولود) من كتابه "الدعاء" (ص 1243 - 1244) إذ أورد أثرين عن كلٍ من الحسن البصرى وأيوب السختيانى رحمهما الله لفظهما: "جعله الله مباركًا عليك وعلى أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم"، وسأخرجهما في محلهما المناسب إن شاء الله تعالى. ونظائر ذلك كثيرة في صنيع الأئمة رحمهم الله. وإنما ذكرت هذا المثال لعموم الحاجة إليه مع اشتهار سواه عن الحسن رحمه الله مما لم يثبت عنه. 2 - وأما عن ابن عباس رضى الله عنهما، فقد روى البخارى أيضًا (708) وابن أبي شيبة (10/ 203) عن أبي نعيم الملائى، وكذا الطبراني في "الكبير" (10/ 314)

و "الدعاء" (1060) وأبو نعيم (1/ 322) من طريقه، والخرائطى في "مكارم الأخلاق" كما في "المنتقى منه" للحافظ السلفى (583) من طريق شبابة بن سوار، قالا: حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "إذا أتيت سلطانا مهيبًا تخاف أن يسطو عليك فقل: الله أكبر، الله أعز من خلقه جميعًا، الله أعز مما أخاف وأحذر، أعوذ بالله الذى لا إله إلا هو، الممسك السموات السبع أن يقعن على الأرض إلا بإذنه، من شر عبدك فلان وجنوده وأتباعه وأشياعه من الجن والإِنس، اللهم كن لى جارًا من شرهم، جلَّ ثناؤك، وعز جارك، وتبارك اسمك، ولا إله غيرك". وإسناده حسن رجاله ثقات رجال الصحيح سوى يونس، وهو مختلف فيه. قال الذهبى في "السير" (7/ 27): "ابناه أتقن منه" وهو حسن الحديث". وحسَّن حديثه أيضًا بإيراده في "أسماء من تكلم فيه وهو موثق" (389). ونحوه قوله في "الميزان" (4/ 483): "قال ابن حزم في "المحلى": ضعَّفه يحيى القطان وأحمد بن حنبل جدًا. قلت: بل هو صدوق، ما به بأس، ما هو في قوة مسعر ولا شعبة، ... ". وقوله في "المغنى" (2/ 766) و "الكاشف" (3/ 303): "صدوق ... ". ونحوه قول الحافظ في "التقريب" (7899): "صدوق يهم قليلًا". (فهذان) الأثران تحفتان تكتبان بماء الذهب، أهديهما إلى إخوانى وأحبابى وجميع المسلمين الصابرين المحتسبين، ومعذرة إن كنت قد أخطأت- في فترة سابقة- في لفظ أثر ابن عباس، فهكذا كان عالقًا بذهنى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] صدق الرحمن الرحيم، وبلغ رسوله الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن على ذلك من الشاهدين. تنبيه: (أما) ما رواه ابن السنى (347) من طريق محمد بن الحارث- وهو الحارثى البصرى- حدثنا محمد بن عبد الرحمن البيلمانى عن أبيه عن

54 - الحديث الرابع والخمسون

ابن عمر مرفوعًا: "إذا خفت سلطانا أو غيره، فقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم، لا إله إلا أنت، عز جارك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك". فإسناده واه جدًا. الحارثى مختلف فيه وقد وهاه غير واحد، وابن البيلمانى ضعيف جدًا. وهاه ابن معين، وقال البخارى والنسائى وأبو حاتم والساجى: منكر الحديث. وقال ابن حبان حدَّث عن أبيه بنسخة شبيها بمائتى حديث كلها موضوعة، لا يجوز الاحتجاج به، ولا ذكره في الكتب إلا على جهة التعجب. وقال ابن عدى: وكل ما رُوى عن ابن البيلمانى، فالبلاء فيه من ابن البيلمانى، وإذا روى عن ابن البيلمانى محمد بن الحارث هذا، فجميعًا ضعيفان، محمد بن الحارث وابن البيلمانى، والضعف على حديثهما بين. وأبوه، قال ابن حبان في "الثقات": لا يجب أن يعتبر بشئ من حديثه إذا كان من رواية ابنه، لأن ابنه محمد بن عبد الرحمن يضع على أبيه العجائب وقال الدارقطني: ضعيف، لا تقوم به حجة. وقال الأزدى: منكر الحديث، يروى عن ابن عمر بواطيل. وقال صالح جزرة: حديثه منكر، ولا يُعرف أنه سمع من أحد من الصحابة إلا سُرَّق. قال الحافظ في "التهذيب" (6/ 150): "قلت: فعلى مطلق هذا يكون حديثه عن الصحابة المسمين أولًا مرسلا عند صالح" اهـ قلت: ومهم ابن عمر، وعليه، فهى علة رابعة. والله أعلم. الحديث الرابع والخمسون: " إذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه سِرُّ الجنة، يقول الرجل منكم لراعيه: عليك بسر الوادى، فإنه أمرعه وأعشبه". ضعيف أو واهٍ. رُوِى من حديث العرباض بن سارية، وأبي أمامة ببعضه. أولًا: حديث العرباض: رواه البخارى في "التاريخ الكبير" (2/ 2/ 146)

والبزار (3512) - كلاهما مختصرًا- والطبرانى (18/ 254) والبيهقى في "البعث" (228) من طرق عن إسحاق بن إبراهيم بن زبريق ثنا عمرو بن الحارث عن عبد الله بن سالم عن الزبيدى عن عبد الرحمن بن أبي عوف عن سويد بن جبلة عنه به. وهذا إسناد ضعيف جدًا، وفيه الآتى: 1 - إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الحمصى- وهو ابن زبريق-، مختلف فيه اختلافًا كثيرًا. قال أبو حاتم: شيخ. وقال ابن معين: الفتى لا بأس به، ولكنهم يحسدونه. وقال النسائى: ليس بثقة عن عمرو بن الحارث، كما في "تاريخ دمشق" (2/ 710) وأطلق المزى في "تهذيبه" (2/ 370) والذهبى في "الميزان" (1/ 181) أن النسائى قال: "ليس بثقة"، فنبه عليه، وعلى تداخل آخر في كلام أبي حاتم وابن معين، الدكتور بشار عواد جزاه الله خيرًا في حاشية "التهذيب". وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال أبو داود: ليس هو بشئ قال أبو داود: وقال لى ابن عوف (هو محمد الطائى الحمصى الحافظ): ما أشك أن إسحاق بن إبراهيم ابن زبريق يكذب. وقال الذهبى- في ترجمة شيخه في "الميزان" (3/ 251): "وابن زبريق ضعيف". وقال الحافظ في "التقريب" (330): صدوق يهم كثيرًا، وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب". 2 - شيخه عمرو بن الحارث، وهو الزبيدى الحمصى. قال ابن حبان في "الثقات": "روى عنه إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن زبريق وأهل بلده. مستقيم الحديث"، كذا قال. وقال الذهبى في "الميزان": "عن عبد الله ابن سالم فقط. وله عنه نسخة. تفرد بالرواية عنه إسحاق بن إبراهيم بن زبريق، ومولاة له اسمها علوة؛ فهو غير معروف العدالة، وابن زبريق ضعيف" وقال في "الكاشف" (2/ 281): "وثق". وقال الحافظ في "التقريب" (5001): "مقبول" يعنى لين الحديث حيث لم يتابع.

والحديث، قال الهيثمى رحمه الله (10/ 171): "رواه الطبراني، ورجاله وثقوا". وأورده في (10/ 398) - برواية البزار: "إن سألتم الله فسلوه الفردوس"، وقال: "ورجاله ثقات". وقال المناوى (1/ 369): "وبه- يعنى قولة الهيثمى: ورجاله وثقوا- يعلم أن رمز المؤلف لحسنة تقصير، وحق الرمز لصحته ... " ثم تعقب على السيوطى عدم إيراده لفظ الطبراني بتمامه. وذكر رواية البخارى: "إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن" قلت: نعم، هذا هو الصحيح بدون زيادة "فإنه سر الجنة، يقول الرجل منكم لراعيه ... " إلخ. وخالف الشيخ الألبانى- عفا الله عنه- منهجه الدقيق الذى عوَّدناه، فقال في "صحيح الجامع" (1/ 163): "صحيح" وأحال على "مجمع الزوائد" - في الموضعين- و "فيض القدير". ثانيًا: حديت أبي أمامة: رواه الطبراني (8/ 294) وعنه- وعن غيره- أبو نعيم في "صفة الجنة" (438) والحاكم- مقتصرًا على أوله- (2/ 371) من طريق جعفر بن الزبير عن القاسم عنه مرفوعًا، ولفظه: "سلو الله الفردوس فإنها سُرَّة الجنة، وإن أهل الفردوس ليسمعون أطيط العرش". وإسناده ضعيف جدًا. قال الحاكم: "هذا حديث لم نكتبه إلا من هذا الإسناد، ولم نجد بُدًا من إخراجه" فتعقبه الذهبى بقوله في "تلخيص المستدرك": "قلت: جعفر هالك" والحديث عزاه الحافظ السيوطى في "الدر" (4/ 254) إلى عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه. وقال الهيثمى في "المجمع" (10/ 398): "رواه الطبراني في "الكبير" , وفيه جعفر بن الزبير، وهو متروك". (وصوابه) الوقف على أبي أمامة- بدون الزيادة المنكرة الأخيرة- وعلى الحارث الغامدى- رضى الله عنهما- بنحو من حديث العرباض.

1 - فقد روى هناد (49) وابن أبي شيبة (13/ 148) عن وكيع، والطبرى (16/ 29) عن الهيثم أبي بشر، وعبد الملك بن حبيب الأندلسى في "وصف الفردوس" (56) عن أسد بن موسى، ثلاثتهم عن الفرج بن فضالة عن لقمان ابن عامر عن أبي أمامة- في قوله تعالى: {جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} -، قال: "الفردوس سرة الجنة" زاد ابن أبي شيبة: "وسط الجنة". وإسناده حسن رجاله كلهم موثقون، وفرج بن فضالة- وهو الحمصى- في أمره تفصيل يشبه ما في: "إسماعيل بن عياش الحمصى". وخلاصته أنه صدوق مستقيم الحديث في أهل بلده، له مناكير وبلايا عن غيرهم لاسيما يحيى ابن سعيد الأنصارى. وقد أعل محققًا "زهد هناد" و "صفة الجنة" أثر أبي أمامة، بضعف الفرج هذا مطلقًا، ولهما سلف في ذلك عن بعض الأئمة، لكن الأوجه التفصيل الذى ذهب إليه غير واحد من الأئمة: 1 - فقال الإِمام أحمد في رواية: ثقة. وفي أخرى: إذا حدَّث عن الشاميين فليس به بأس، ولكنه حدَّث عن يحيى بن سعيد مناكير. 2 - وقال أبو حاتم الرازى: صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به، حديثه عن يحيى بن سعيد فيه إنكار، وهو في غيره أحسن حالًا". 3 - وقال البخارى: فرج بن فضالة أبو فضالة الشامى، عن يحيى بن سعيد منكر الحديث. وقال في ترجمة شيخه عبد الخبير بن قيس بن ثابت- وليس شاميا-: روى عنه فرج بن فضالة، حديثه ليس بالقائم، فرج عنده مناكير عن يحيى بن سعيد الأنصارى. 4 - وقال مسلم في الكنى: أبو فضالة فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد، منكر الحديث.

5 - وقال ابن مهدى: حدث عن يحيى بن سعيد أحاديث مقلوبة منكرة. وفي رواية قال: ... عن أهل الحجاز. 6 - وقال أبو زرعة الرازى في "أسامى الضعفاء ومن تكلم فيهم من المحدثين" (271): "فرج بن فضالة، عن يحيى بن سعيد العطار" (كذا فيه، والصواب: عن يحيى بن سعيد الأنصارى، والعطار لا مدخل له ههنا). 7 - وقال الساجى: الفرج بن فضالة الحمصى أبو فضالة، منكر الحديث، روى عن يحيى بن سعيد أحاديث مناكير. 8 - وقال البرقانى: سألت الدارقطني عن الفرج بن فضالة. قال: ضعيف. قلت: فحديثه عن يحيى بن سعيد الأنصارى قال محمد بن على عن على عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا عملت أمتى خمس عشرة خصلة ... " قال: هذا باطل. قلت: من جهة الفرج؟ قال: نعم، قلت: يخرج هذا الحديث؟ قال: لا. قلت: فحديثه عن لقمان بن عامر عن أبي أمامة؟ فقال: هذا كأنه قريب، يُخَرَّج. قلت: فصنيع الأئمة المذكورين يدل على استنكارهم لحديثه عن يحيى بن سعيد خاصة - أو أهل الحجاز على قول ابن مهدى، أو غير الشاميين على قول الإِمام أحمد، وليس بإطلاق. وكلام الإِمام الدارقطني رحمه الله نص في حالتنا هذه، لأنه مشى روايته عن لقمان عن أبي أمامة. وقد التقطت هذه الأقوال من بحث قام به أحد الإِخوة الأفاضل، بالقدر الذى يناسب هذا المقام، ولم أزد عليه سوى قول أبي زرعة رحمه الله. وبالله التوفيق، وهو أعلى وأعلم. 2 - وروى القاضى عبد الجبار الخولاني في "تاريخ داريا" (ص 84) من طريق سليم بن عامر الكلاعى عن الحارث الغامدى (وقد أدرك الحارث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) فقال سليم: سمعت الحارث يقول: "الفردوس سرة الجنة، كقولك: عليك ببطن الوادى، فإنه أسر ما هنالك

55 - الحديث الخامس والخمسون

وأحسنه" وإسناده صالح. والله أعلم. الحديث الخامس والخمسون: " أعز أمر الله يُعِزَّك الله". موضوع. رواه الديلمى من حديث أبي أمامة. وحكم الشيخ الألبانى حفظه الله بوضعه استنادًا إلى "فيض القدير" (1/ 560)، وفيه يقول الحافظ المناوى رحمه الله: "وفيه محمد بن الحسين السلمى الصوفى، سبق عن الخطيب أنه وضاع، والمأمون بن أحمد، قال الذهبى: كذاب". قلت: الذى سبق في "الفيض" (1/ 494)، قوله: "قال الذهبى عن الخطيب عن القطان: يضع الحديث". فهذا من نقل الخطيب عن القطان- واسمه: محمد بن يوسف النيسابورى-، وكلامه بتمامه- كما في ترجمة السلمى من "تاريخ بغداد" (2/ 248): "كان أبو عبد الرحمن السلمى غير ثقة، ولم يكن سمع من الأصم إلا شيئًا يسيرًا، فلما مات الحاكم أبو عبد الله بن البيع، حدث عن الأصم بتاريخ ابن معين وبأشياء كثيرة سواه، قال: وكان يضع للصوفية الأحاديث". قلت: ولم يوافقه الخطيب على هذه الاتهامات، فقال عقب ذلك: "قدر أبي عبد الرحمن عند أهل بلده جليل، ومحله في طائفته كبير، وقد كان مع ذلك صاحب حديث مجودًا، جمع شيوخًا وتراجم وأبوابا ... " إلخ. بل أفرط الحافظ الخليلى رحمه الله، فقال في "الإِرشاد" (772): "ثقة، متفق عليه، له معرفة بدقائق علوم الصوفية، وله تصانيف في ذلك لم يسبق إليها. سمع محمد بن يعقوب الأصم، و ... ، و ... ، و ... وأقرانهم بنيسابور. وله معرفة بالحديث. جمع الأبواب، والمقلين وغير ذلك. كثير السماع ... ". قلت: ولعل حكايته الاتفاق على توثيق السلمى من الأوهام التى أشار إليها الحافظ الذهبى رحمه الله بقوله في "السير" (13/ 377):

"وللخليلى أوهام كثيرة في كتابه، كأنه أملاه من حفظه". أما الحافظ الذهبى رحمه الله، فوصف السلمى في "السير" (17/ 247) بـ: "الإِمام الحافظ المحدث". وفي "التذكرة" (3/ 1046) بـ: "الحافظ العالم الزاهد شيخ المشايخ ... " حتى قال: "إلا أنه ضعيف" وحكى كلام الخطيب وقال- عقبه-: "قلت: ألف حقائق التفسير، فأتى فيه بمصائب وتأويلات الباطنية، نسأل الله العافية" حتى قال: "قد سأل أبا الحسن الدارقطني عن خلق من الرجال سؤال عارف بهذا الشأن". وقال في "المغنى" (2/ 571): "تكلم فيه، وما هو بالحجة". ومما زاده الحافظ في "اللسان" (5/ 140 - 141)، قول الحاكم: "كان كثير السماع والحديث متقنا فيه، من بيت الحديث والزهد والتصوف". وقول السراج: "مثله إن شاء الله لا يتعمد الكذب" ... قال: "ونسبه إلى الوهم". قلت: فالرجل ضعيف لا يحتج بما يتفرد به، وفي تصانيفه بلايا الذنب فيها لغيره، كشيخه ابن شاذان فإنه متهم. أما المأمون بن أحمد- وهو الهروى- فهو الوضاع بحق. انظر "اللسان" (5/ 7 - 8). (والصحيح) في هذا الحديث، وقفه على الحسن البصرى رحمه الله، فقد وقفت له على ثلاث طرق عنه: 1 - فرواه ابن المبارك (78) عن سفيان قال: قال رجل للحسن: أوصنى، قال: أعز أمر الله يعزك الله. وإسناده منقطع. 2 - ورواه عبد الله بن أحمد في "زوائد زهد أبيه" (ص 263) من طريق أبي كعب الأزدى قال: قال رجل للحسن رحمه الله: إنى أريد سفرًا فزودنى. قال: "ابن أخى، أعِزَّ أمر الله حيث ما كنت يعزك الله عز وجل". وإسناده حسن. 3 - ورواه أبو نعيم (2/ 152) من طريق ابن عيينة قال ثنا أبو موسى

56 - الحديث السادس والخمسون

قال: سمعت الحسن يقول- وأتاه رجل، فقال: إنى أريد السِنْد فأوصنى- قال: "حيث ما كنت فأعز الله يُعِزَّك". قال: فحفظت وصيته، فما كان بها أحدٌ أعزُّ منى حتى رجعت. وإسناده صحيح، رجاله- فوق شيخ أبي نعيم وشيخه- على شرط البخارى. وأبو موسى اسمه إسرائيل بن موسى، من ثقات أصحاب الحسن. قال البخارى وغيره: وكان نزل الهند. وقال الذهبى في "الميزان" (1/ 208): نزيل السند. فظني أنه يعنى نفسه بقوله: "سمعت الحسن يقول- وأتاه رجل، فقال ... " إلخ، ولهذا نظائر كثيرة في الأحاديث ذكرت بعضها في "تكميل النفع" (21). فالقوم حرصوا على الموت، فوهبت لهم الحياة. وحرصوا على إخفاء الأعمال وبغض الظهور، فخلَّد ذكراهم التاريخ في صحاف من نور! وهذه أصح طرق أثر الحسن هذا، وأشبعها لفظًا. فالحمد لله رب العالمين. الحديث السادس والخمسون: " اعمل لوجه واحد، يكفك الوجوه كلها". ضعيف جدًا. رُوِى من حديث أنس، فرواه ابن عدى (7/ 2513) والسهمى في "تاريخ جرجان" (ص 392) - معلقًا- من وجهين عن نافع أبي هرمز عنه به. قال في "الضعيفة" (823) - بعد عزوه للسهمى وحده-: "قلت: وهذا سند ضعيف جدًا، أبو هرمز هذا اسمه نافع بن هرمز. قال أبو حاتم: "متروك، ذاهب الحديث". وقال النسائى: "ليس بثقة". واختلف فيه قول ابن معين، فكذبه مرة، وقال مرة: لا يكتب حديثه. وقال مرة: لا أعرفه. وقال مرة: ليس بشئ. والحديث أورده السيوطى في "الجامع الصغير" من رواية ابن عدى والديلمى عن أنس. وتعقبه المناوى بقوله: "وفيه

أبو عبد الرحمن السلمى سبق أنه وضَّاع للصوفية، ومحمد بن أحمد بن هارون قال الذهبى في "الضعفاء": متهم بالوضع. ونافع بن هرمز أبو هرمز، قال في "الميزان": كذبه ابن معين. وتركه أبو حاتم وضعَّفه أحمد. انتهى. وبه يعرف أن سنده مهلهل بالمرة فكان ينبغى للمصنف حذفه". قلت: السلمى وابن هارون ليسا في سند السهمى، وكذا ابن عدى، فإن الجرجانى رواه عنه في أحد الموضعين المشار إليهما، فآفة الحديث أبو هرمز هذا فقط، وحينئذ فلا يصل الأمر إلى الحكم على الحديث بالوضع. والله أعلم" اهـ. قلت: السلمى تقدم الكلام عنه في الحديث قبل هذا، وأنه لا يبلغ أمره أن يحكم على حديثه بالوضع. والحديث أورده أيضًا الذهبى في "الميزان" (4/ 243) في جملة ما استنكر على نافع أبي هرمز- تبعا لابن عدى رحمه الله. (وقد صح) معناه عن أبي حازم سلمة بن دينار التابعى الجليل الزاهد رحمه الله، فيما رواه أبو نعيم (3/ 239) من طريق الإِمام أحمد رحمه الله: ثنا على بن عياش ثنا محمد بن مطرف ثنا أبو حازم قال: "لا يحسن عبد فيما بينه وبين الله تعالى إلا أحسن الله فيما بينه وبين العباد، ولا يعور فيما بينه وبين الله تعالى إلا عور الله فيما بينه وبين العباد، ولمصانعة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها، إنك إن صانعت الله مالت الوجوه كلها إليك، وإذا أفسدت ما بينك وبينه شنئتك الوجوه كلها". وإسناده صحيح، رجاله- فوق الإِمام أحمد- على شرط البخارى رحمه الله. (وروى) الشجرى في "أماليه" (2/ 222) من طريق السلمى قال: سمعت محمد بن عبد الله الرازى يقول: سمعت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل يقول: أيها المتصنع إلى الناس ف هـ لا وفولا (كذا، ولم أعرف صحتها)، صانع وجهًا واحدًا يقبل عليك بالوجوه كلها". وهذا إسناد واه. شيخ السلمى هو

57 - الحديث السابع والخمسون

محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن شاذان أبو بكر، وهو متهم كما قال الذهبى. وله ذكر في آخر الحديث الخامس والأربعين من "التبييض". وقد اضطررت إلى تقليب كتاب "طبقات الصوفية" للسلمى من أوله إلى آخره- بعد إذ لم أجد الأثر في ترجمة أبي عثمان هذا منه، ولا في مواضع ذكر ذلك الرازى-، بغرض عزوه إلى أصله وتصحيح اللفظة المتحرفة عند الشجرى فلم أجده فيه، فلعله في كتاب آخر للسلمى , والله أعلم. والشغف بهذا العلم قد يحمل صاحبه على تكلف ما لا طائل وراءه أحيانًا. وحسبُنا الوقوف على أصل صحيح للحديث عن ذاك التابعى الزاهد السُنِّى العالم بحق. الحديث السابع والخمسون: " الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك". ضعيف. رُوِى من حديث أبي الدرداء وأبي ذر. أولًا: حديث أبي الدرداء: رواه أبو الشيخ في "الثواب" عنه. ثانيًا: حديث أبي ذر: رواه ابن شاهين في "الترغيب في الذكر" عنه، كما في "كنز العمال" (1/ 427، 440)، ولم أطلع على إسناديهما، ولكن جزم العلامة الألبانى حفظه الله بضعف المتن في "ضعيف الجامع" (5/ 74). والظاهر أن رفعه وهم من قبل بعض الرواة، والخلط بين أبي الدرداء وأبي ذر أيضًا وهم آخر وقفت له على عدة نظائر في الأحاديث، فانظر- على سبيل المثال- الحديث الآتى برقم (71). (وإنما) صح هذا عن أبي الدرداء- موقوفًا عليه- كما رواه ابن أبي شيبة (10/ 303، 13/ 307) عن زيد بن الحباب، والإِمام أحمد في "الزهد" (ص 136) وأبو نعيم (1/ 219، 5/ 133) عن عبد الرحمن بن مهدى كلاهما

58 - الحديت الثامن والخمسون

عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عنه به، ولفظه: "إن الذين لا تزال ألسنتهم رطبة بذكر الله، يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك". وهذا إسناد صحيح متصل على شرط مسلم، والله أعلم. الحديت الثامن والخمسون: " إن الله لا يهتك سِتر عبد فيه مثقال ذرة من خير". ضعيف جدًا. رواه ابن عدى (3/ 990) من طريق الربيع بن بدر، ثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس مرفوعًا به، وقال: "وهذا لم أره عن أيوب إلا من رواية الربيع عنه بهذا الإِسناد عنه". قلت: والربيع متروك كما في "التقريب" (1883) وتعقب المناوى في "الفيض" (2/ 279) السيوطى - رحمهما الله- إذ أورد الحديث في "جامعه" (1836) من رواية ابن عدى، بقوله -في الربيع هذا-: "وقال ابن عدى: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، ثم ساق له هذا الخبر، فما أوهمه صنيع المصنف من أن مخرجه رواه وأقره غير صواب" اهـ. قلت: وأراه تعقبًا ليس بالجيد، فإن السيوطي عفا الله عنه يجتزئ بعزو الحديث إلى جماعة منهم ابن عدى في "الكامل" - عن بيان ضعفه. نعم، لو قال ابن عدى في هذا الحديث بخصوصه: "هذا الحديث باطل" أو "منكر جدًا" أو "أنكر ما رواه فلان" ونحو هذه الصيغ، لكان هذا التعقب في محله. وابن عدى لم يقل إلا ما قدمتُ عنه. ثم إنه لم يقل ما حكاه المناوى عنه إلا في آخر ترجمة الربيع، وبعد أن أورد له أحاديث هذا أحدها. ولفظه (3/ 992): "وللربيع بن بدر غير ما ذكرت من الحديث، وعامة حديثه ورواياته عمن يروى عنهم مما لا يتابعه أحد عليه". وأورد السخاوى رحمه الله في

59 - الحديث التاسع والخمسون

"المقاصد" (237) حديث: "إن الله لا يهتك عبده أول مرة" - وسقط ما قاله عنه كأنه لم يقف عليه والله أعلم-، وقال: بل عند الديلمى في "الفردوس" مما لم يسنده ولده عن أنس مرفوعًا ... " فذكر هذا، وفاته أنه مسند عند ابن عدى. (والثابت) عن أيوب، ما رواه ابن أبي شيبة (13/ 547) عن عبد الوهاب الثقفى عنه عن كاتب أبي قلابة (كذا، ولعل الصواب إن شاء الله: عن كتاب أبي قلابة) عن أبي إدريس قال: "لا يهتك الله ستر عبد في قلبه مثقال ذرة من خير" ورواه عنه أبو نعيم (5/ 124)، فقال: "عن أبي قلابة" - حسبُ -، وإسناده صحيح. وأبو إدريس هو الخولاني، واسمه عائذ الله بن عبد الله تابعى شامى ثقة مخضرم. ولد في حياة النبي صلى الله عليه واله وسلم -يوم حنين-، وكان عالم الشام بعد أبي الدرداء. ثم وجدت الشيخ الألبانى يقول في "الضعيفة" (3/ 631) ومن أحاديث هذا الهالك -يعنى الربيع بن بدر- فذكره مرفوعًا (1439). الحديث التاسع والخمسون: " إن الله عز وجل يقول: أنا الله لا إله إلا أنا، ملك الملوك، ومالك الملك، قلوب الملوك بيدى، وإن العباد أطاعونى حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن العباد عصونى حولت قلوب ملوكهم بالسخط والنقمة فساموهم سوء العذاب، فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على الملوك، ولكن اشغلوا أنفسكم بالذكر والتضرع أكفكم ملوككم". ضعيف جدًا. رواه الطبراني في "الأوسط" -كما في "المجمع"-، وعنه أبو نعيم (2/ 389) وكذا تمام في "فوائده" (6/ 177/ 1 من مجموع الظاهرية

رقما 95) كما في "الضعيفة" (602) عن أبي عمرو المقدام بن داود قال: ثنا على بن معبد قال: ثنا وهب بن راشد عن مالك بن في ينار عن خلاس بن عمرو عن أبي الدرداء مرفوعًا. قال الشيخ الألباني: "قلت: وهذا إسناد ضعيف جدًا، المقدام بن داود، قال النسائى: "ليس بثقة". ووهب بن راشد هو الرقى. قال ابن عدى: "ليس حديثه بالمستقيم، أحاديثه كلها فيها نظر". وقال الدارقطني: "متروك". وقال ابن حبان: "لا يحل الاحتجاج به بحال". وقال الهيثمى (5/ 249): "رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه وهب (الأصل: إبراهيم وهو تحريف) ابن راشد وهو متروك". قلت: وتعصيب الجناية به وحده ليس بجيد، لا علمت أن في الطريق إليه المقدام (في الأصل- خطأ- المقداد) بن داود، وهو مثله في الضعف" اهـ. قلت: وله علة ثالثة -يسيرة- وهى الانقطاع بين خلاس بن عمرو وأبى الدرداء. فإنى لم أرَ أحدًا نص على رواية خلاس عنه، وقد قال الإِمام أحمد: "خلاس لم يسمع من حذيفة"، وحذيفة توفى (36) بعد أبي الدرداء بقليل، وكذلك نفى الدارقطني روايته عن عثمان وعلى، ووفاة أبي الدرداء كانت آخر خلافة عثمان، فالله أعلى وأعلم. وفي الجملة، فخلاس ثقة، وكان يرسل كما قال الحافظ رحمه الله في التقريب" (1770). (وإنما) صح هذا عن مالك بن دينار -وغيره- حكاية عن الإِسرائيليات لا مسندًا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. 1 - ففى "الحلية" (2/ 378) من طريق موسى بن خلف، وفيها (6/ 172) من طريق صالح المرى كلاهما عنه قال: "قرأت في بعض الحكمة: إنى أنا الله مالك الملوك، قلوب العباد بيدى، فمن أطاعنى جعلتهم عليه رحمة، ومن عصانى جعلتهم عليه نقمة، لا تشاغلوا بسب الملوك، ولكن توبوا إلَىَّ أعطفهم عليكم". وإسناده -من الوجه الأول- حسن، وفي الثانى صالح المرى، وهو متروك الحديث لكنه متابع كما ترى. ومالك بن دينار تابعى زاهد

60 - الحديت الستون

ثقة، معروف بالنظر في صحف أهل الكتاب والرواية منها. 2 - وروى ابن أبي شيبة (13/ 387، 203) عن ابن نمير عن مالك بن مغول قال: "كان في زبور داود: إنى أنا الله لا إله إلا أنا، ملك الملوك، قلوب الملوك بيدى، فأيما قوم كانوا على طاعة، جعلت الملوك عليهم رحمة، وأيما قوم كانوا على معصية جعلت الملوك عليهم نقمة، لا تشغلوا أنفسكم بسب (¬3) الملوك، ولا تتوبوا إليهم، توبوا إلَىَّ أعطف قلوب الملوك عليكم". وإسناده صحيح إلى مالك بن مغول، وهو من أتباع التابعين، كوفى ثقة ثبت. الحديت الستون: " إن من معادن التقوى تعلمك إلى ما قد علمت علم ما لم تعلم، والنقص فيما قد علمت قلة الزيادة فيه، وإنما يزهد الرجل في علم ما لم يعلم؛ قلة الانتفاع بما قد علم". ضعيف جدًا. رواه ابن جميع في "معجم شيوخه" (ص 340) والخطيب (1/ 414) وعنه ابن الجوزى في "العلل المتناهية" (110) من طريق أبي مسلم الكجى قال: نبأنا مسور بن عيسى قال: نا القاسم بن يحيى قال: نا ياسين الزيات عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا به. وقال ابن الجوزى: "هذا حديث لا يصح، والمتهم به ياسين. قال يحيى: ليس حديثه بشئ. وقال النسائى: متروك الحديث". قلت: ورواه أيضًا الطبراني في "الأوسط" بنحوه، قال الهيثمى (1/ 136): "وفيه ياسين الزيات، وهو منكر الحديث". وهو في المطبوع (3/ 240) عن أبي مسلم الكجى به. ¬

_ (¬3) في الموضع الأول من "المصنف": "تسبب" وفي الثانى: "بسبب"، ولعل الصواب ما أثبته، فإنه موافق للفظ المتقدم، ولمعنى الحديث المرفوع. فالله أعلم.

وقال الشيخ الألبانى في "ضعيف الجامع" (2/ 198 - 199): "ضعيف جدًا". وأحال على "الضعيفة" (3205). وله -سوى ياسين الزيات- علتان أخريان: الأولى: أبو سعيد المسور بن عيسى المصرى، ذكره المزى في "تهذيب الكمال" (ق 1118) ضمن الرواة عن القاسم بن يحيى، وجهدت أن أقف له على ترجمة مستقلة، فلم أستطع. الثانية: عنعنة أبي الزبير -محمد بن مسلم بن تدرس المكى- عن جابر، فإنه مدلس من المرتبة الثالثة عند الحافظ رحمه الله في "طبقات المدلسين" (101). تنبيه هام: قال ابن حبان رحمه الله في ترحمة: "ياسين بن معاذ الزيات" من "المجروحين" (3/ 142): " ... وكان ممن يروى الموضوعات عن الثقات، ويتفرد بالمعضلات عن الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به بحال، وكل ما وقع في نسخة ابن جريج عن أبي الزبير من المناكير كان ذلك مما سمعه ابن جريج عن ياسين الزيات عن أبي الزبير، فدلس عنه" اهـ. وفي معناه ما رواه ابن عدى (7/ 2642) عن عبد الرزاق رحمه الله قال: "أهل مكة يقولون: إن ابن جريج لم يسمع من أبي الزبير، إنما سمع من ياسين". قلت: وهذا من قبيح تدليس ابن جريج عفا الله عنه - كما وصفه الإِمام الدارقطني رحمه الله وعليه، فلا تصلح عنعنة ابن جريج عن أبي الزبير في الشواهد والمتابعات لا سيما ما كان في متنه ما ينكر، لجواز أن يكون مما دلسه عن هذا الهالك، أما ما حكاه عبد الرزاق عن أهل مكة فليس على إطلاقه فقد ثبتت جملة من الأحاديث صرح فيها ابن جريج بالسماع من أبي الزبير. والله أعلى وأعلم. (والحديث) الذى نحن بصدد الكلام عنه ظاهر النكارة، بل لا يقع على القلب صدوره من مشكاة النبوة أصلًا، وإنما هو من كلام عون بن عبد الله

61 - الحديث الحادى والستون

ابن عتبة بن مسعود التابعى الجليل رحمه الله تعالى، كما رواه ابن أبي شيبة (13/ 428) -واللفظ له- وأبو نعيم (4/ 246) من طريقين عن ابن عجلان عنه، وأبو نعيم من طريق محمد بن قدامة سمعت سفيان الثورى يقول: قال عون: "إن من كمال التقوى أن تبتغى إلى ما قد علمت منها علم ما لم تعلم، واعلم أن فيما علمت ترك ابتغاء الزيادة فيه، وإنما يحمل الرجل على ترك ابتغاء الزيادة فيما قد علم، قلة الانتفاع بما قد علم". وإسناده -من الوجه الأول- صحيح، وفي الثاني: محمد بن قدامة الجوهرى البغدادى -من شيوخ أبي يعلى الموصلى- واه، وهاه ابن معين وأبو داود، ولم أجد له رواية عن الثورى، بل هو متأخر عن إدراكه أصلًا، فلعل روايته للأثر عن الثورى -سماعًا- من تخليطه إن لم نقل سوى ذلك! يؤيد ذلك أننى لم أجد للثورى رواية عن عون مع إدراكه لبعض أقرانه. فالله أعلم. وهذا الكلام يحتمل صدوره عن التابعين فمن بعدهما، فإنه بكلامهم أشبه. وهو أمر لا يدرك بالتمنى ولا بالتحلى، وإنما بالجد والممارسة، وفوق كل هذا وذاك، {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا}. الحديث الحادى والستون: " إياكم وهاتين الكعبتين الموسومتين اللتين تزجران زجرًا، فإنهما من الميسر". ضعيف. رُوِى من حديث ابن مسعود وأبي موسى وسمرة بن جندب وابن عباس، ومن مرسل قتادة مختصرًا بلاغًا. أولًا: حديث ابن مسعود: رواه الإِمام أحمد (1/ 446) عن على بن عاصم، وابن أبي الدنيا في "ذم الملاهى" وعنه البيهقي (10/ 215) من طريق زياد بن عبد الله البكائى، وابن عدى (1/ 261) من طريق سويد بن سعيد عن أبي معاوية ثلاثتهم عن إبراهيم

الهجرى عن أبي الأحوص به مرفوعًا. وإسناده ضعيف، إبراهيم الهجرى هو ابن مسلم أبو إسحاق الكوفى. قال الحافظ (252): "لين الحديث، رفع موقوفات". على أن الصحيح الثابت عنه وقفه أيضًا. قال الإِمام الدارقطني رحمه الله في كتابه الجليل "العلل" (س 906) - حين سئل عن هذا الحديث-: "يرويه إبراهيم الهجرى وعبد الملك بن عمير عن أبي الأحوص، فرفعه على بن عاصم عن إبراهيم. ورُوِى عن شعبة عن إبراهيم الهجرى مرفوعًا. والصحيح موقوف. وكذلك رواه أصحاب الهجرى عن أبي الأحوص. وكذلك رواه عبد الملك بن عمير عن أبي الأحوص موقوفًا" وكذلك قال الإِمام البيهقي رحمه الله عقب الحديث: "رفعه البكائى عن إبراهيم، وسويد عن أبي معاوية عن إبراهيم، والمحفوظ موقوف". ثم رواه من طريق جعفر بن عون - أحد الثقات الحفاظ- عنه به موقوفًا، وقال: "وكذلك رواه عبد الملك بن عمير وغيره (في الأصل: وغيرهم) عن أبي الأحوص عن ابن مسعود موقوفًا". "ثم وجدت في "تلخيص المتشابه" (ص 298) للخطيب من طريق ابن عقدة نا محمد بن عمرو بن مجزأة الجعفى، نا أبي، نا عبد الله بن جناب الجهنى، قال: حدثنى مسعر، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي الأحوص عن عبد الله، قال: وحدثنى سفيان عن إبراهيم الهجرى، عن أبي الأحوص , عن عبد الله -رفعه أحدهما-: فذكره. وهذا لا يثبت عن مسعر وسفيان، فإن ابن عقدة حافظ لكنه رافضى لا يوثق به، وشيخه وأبوه لم أجد لهما ترحمة، وليسا في "جامع الرواة" للأردبيلى، المختص برواة الشيعة. وابن جناب لم يذكر له الخطيب ولا ابن ماكولا (2/ 135) راويا سوى عمرو بن مجزأة، ولم أقف عليه في كتب المتقدمين. وهذا غلط عليهما إن لم يكن متعمدًا، فقد صح عن سفيان عن عبد الملك عن أبي الأحوص به موقوفًا. وصح عن مسعر عن عبد الملك عن أبي الأحوص مقطوعًا عليه، وكلاهما سيأتى.

ثانيًا: حديث أبي موسى: رواه الآجرى في "تحريم النرد والشطرنج والملاهى" (13) وابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "ابن كثير" (¬4) (2/ 91 ط. التراث الإِسلامي- حلب) من طريق هشام بن عمار عن صدقة ابن خالد عن عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عنه، بلفظ: "اجتنبوا هذه الكعاب الموسومة التى تزجر زجرًا، فإنها من الميسر". وإسناده ضعيف جدًا. على بن يزيد متروك، وهشام وعثمان فيهما مقال. وقال ابن أبي حاتم أيضًا في "العلل" (2/ 297 - 298): "سألت أبي عن حديث رواه هشام بن عمار ... " الخ قال أبي: هذا حديث باطل، وهو من علي بن يزيد، وعثمان لا بأس به". ثالثًا: حديث سمرة: رواه الآجرى (16) من طريق عمران بن موسى ابن عبد الملك بن عمير عن عبد الملك عن حصين بن أبي الحر عنه به، ولفظه: "إياكم وهذه الكعاب الموسومة التى تزجر زجرًا، فإنهن من الميسر". وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات سوى عمران بن موسى هذا، لم أقف له على ترجمة، فهو علته. وقد رواه جمع من الثقات الأثبات وغيرهم عن عبد الملك موقوفًا بإسناد سوى هذا. وقال الدارقطني -عقب ما تقدم عنه-: "ورواه عمران ابن موسى بن عبد الملك بن عمير عن عبد الملك عن حصين بن أبي الحر عن سمرة رفعه، قال ذلك عثمان بن أبي شيبة، وهو وهم، والمحفوظ حديث أبي الأحوص عن عبد الله". رابعًا: حديث ابن عباس: رواه الآجرى (17) والبيهقى من طريق نهشل ابن سعيد عن الضحاك عنه به. وإسناده ضعيف جدًا، نهشل هالك، والضحاك روايته عن الصحابة منقطعة. خامسًا: مرسل قتادة: رواه ابن أبي شيبة (8/ 547) من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: "بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن اللعب بالكعبين، فقال: إنها ميسر الأعاجم، قال: وكان قتادة يكره اللعب ¬

_ (¬4) لأن الجزء الثانى من الطبعة المصرية فقد منى، ووجدت هذا بدلًا منه!

بكل شئ حتى يكره اللعب بالحصى". قلت: وهذا -مع أنه شاهد قاصر- ضعيف مرسل أو معضل. وهو من شر المراسيل عندهم، وكذا مراسيل الزهرى والحسن وعطاء وغيرهم، فمنهم من كان يثق بكل أحد ويحمل عن كل ضرب، ومنهم من كان لا يرسل إلا ما أخذه عن مجروح مرغوب عنه. قال ابن أبي حاتم في "مقدمة الجرح" (ص 246): "نا أحمد بن سنان الواسطى قال: كان يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهرى وقتادة شيئًا، ويقول: هو بمنزلة الريح، ويقول: هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا الشئ عقلوه". وقد شبه الذهبي رحمه الله في ترجمة الزهري من "السير" (5/ 338 - 339) مرسل قتادة بمرسل الزهرى، فحكى قول القطان: "مرسا الزهرى شر من مرسل غيره، لأنه حافظ، وكل ما قدر أن يسمى سمى وإنما يترك من لا يحب أن يسميه"، فقال: "قلت: مراسيل الزهرى كالمعضل، لأنه يكون قد سقط منه اثنان، ولا يسوع أن نظن به أنه أسقط الصحابي فقط، ولو كان عنده عن صحابي لأوضحه ولما عجز عن وصله، ولو أنه يقول: عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن عد مرسل الزهري كمرسل سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ونحوهما، فإنه لم يدرِ ما يقول، نعم مرسله كمرسل قتادة ونحوه" اهـ فتأمل. (ثم) وقفت عليه بعد ذلك موصولًا مختصرًا عند الخرائطى في "مساوئ الأخلاق" (748) من طريق معمر عن قتادة عن أنس قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الكعبين". فهذا -على اختصاره- معمر في روايته عن قتادة مقال لابن معين، فلا تقبل مخالفته لسعيد بن أبي عروبة أثبت الناس -هو وهشام الدستوائى- في قتادة، على أن في الطريق إليه: سليمان بن عبيد الله أبا أيوب الرقى، قال الحافظ (2591): "صدوق ليس بالقوى"، فلعل الخطأ منه.

(فالصحيح) -كما تقدم عن الدارقطني والبيهقى- وقف حديث الترجمة (¬5) على ابن مسعود رضى الله عنه حَسْبُ، وهنا نذكر وصل ما علقاه عن عبد الملك بن عمير عن أبي الأحوص عنه إن شاء الله، فقد رواه عنه: 1 - سفيان الثورى عند الطبرى (2/ 208) والآجرى (19) وكذا ابن أبي شيبة (8/ 549) لكنه قرنه بمسعر الذى قَصَّر به، فأوقفه على أبي الأحوص. 2 - شعبة عند الطبرى. 3 - هشيم عنده أيضًا، وصرح بالتحديث. 4 - معتمر بن سليمان عند البخارى في "الأدب" (1270) والآجرى (18). وهؤلاء جميعًا ثقات حفاظ، والثلاثة الأول منهم بلغوا الغاية في الإِتقان. 5 - يزيد بن أبي زياد الهاشمى الكوفى -وهو ضعيف حاشا ما رواه المتقدمون عنه- عند عبد الرزاق (10/ 467) عن معمر في "جامعه"، والخرائطى في "المساوئ" (749) عن ابن فضيل عنه، نحوه. ولفظ معمر: "إياكم وزجرًا بالكعبين، فإنهما من الميسر". وجاء في النسخة (ص): "ورحوا" -بالراء-، فأشكلت على الشيخ الأعظمى عفا الله عنه، فقال في حاشية "المصنف": "كذا في "ص" ولعله "دحوا" اهـ. قلت: وهذا منه عجيب، فإنه عزاه للبيهقى موقوفًا من طريق إبراهيم الهجرى به، بلفظ: "اتقوا هاتين الكعبتين الموسومتين اللتين تزجران زجرًا ... " فلا أدرى ما الذى منعه من أن يجعلها: "زجرًا"؟ ! مع أن ذلك في غاية الوضوح. ولو رجع إلى لفظ الطبرى لوجده: "إياكم وهذه الكعاب التى تزجرون زجرًا". وبعد ذلك فوجئت بالعلامة الألباني حفظه الله يقول في "حجاب المرأة المسلمة" (ص 101) -بعد عزوه مرفوعًا لأحمد والبيهقى عن ابن مسعود-: ¬

_ (¬5) ثم وجدت ابن عبد البر ذكره في "التمهيد" (13/ 176 - 177) عن ابن وهب قال: وحدثنا جرير بن حازم، عن الحسن بن عمارة (تصحفت إلى: الحسين)، عن على ابن الأقمر، عن مسروق بن الأجدع قال: قال ابن مسعود: فذكره بنحوه. وإسناده ضعيف جدًا، الحسن بن عمارة متروك كما في "التقريب" (1264).

" ... والهجرى هذا ضعيف وقد ورد عنه موقوفًا على ابن مسعود وأخرجه البيهقي أيضًا وقال: "إنه المحفوظ". قلت: لكن الظاهر أنه ورد من غير طريق الهجرى، فقد أورده الهيثمى في "المجمع" (8/ 113) باللفظ المذكور أعلاه وقال: "رواه أحمد والطبرانى، ورجال الطبراني رجال الصحيح". والهجرى ليس من رجال الصحيح، فدل على أن الطبراني رواه من طريق غيره، فتقوى الحديث به لا سيما وأن له شاهدًا، فقد جاء الحديث في الكشاف وقال مخرجه الحافظ العسقلانى (4/ 18 رقم 145): "رواه ابن مردويه من حديث سمرة بن جندب، ومن حديث أبي موسى الأشعرى نحوه، ورواه أحمد والبخارى في "الأدب الفرد" من وجهين عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود. قلت: هو عند البخارى (ص 184) من طريق عبد الملك عن أبي الأحوص موقوفًا، وهو عند أحمد من طريق الهجرى مرفوعًا كما تقدم، وصنيع الحافظ يوهم أنهما أخرجاه كلاهما موقوفًا أو مرفوعًا وليس كذلك. وبالجملة فالحديث حسن أو صحيح. والله أعلم" اهـ. أقول: قلبت "مسند ابن مسعود" من "المعجم الكبير" من أوله إلى آخره، فلم أجد فيه الحديث، ولا أورده محققه حفظه الله في مظانه من الفهرس: "إياكم، اتقوا، اجتنبوا". ولم يعزه السيوطى في "الدر" (2/ 319) إلى الطبراني في أيٍ من "معاجمه" مرفوعًا، وإنما عزاه إليه في "تفسيره" موقوفًا. أما حديث ابن مردويه عن سمرة، فقد رواه أيضًا البيهقي في "الشعب" كما في "الدر" فلعل مخطوطته لم تكن في متناول الشيِخ وقتئذ. وقد علمت أنه لا يصلح شاهدًا بحال، فإنه -على ما في إسناده من الجهالة- معلول بالمخالفة مع الوقف. وأما حديث أبي موسى، فإسناده متيسر النظر فيه في "ابن كثير" و "العلل" كما تقدم. وهو واه، حكم أبو حاتم ببطلانه والمقصود أن الشيخ عفا الله عنه قد خالف -في هذا الموضع- منهجه الدقيق الذى تعلمناه منه -جزاه الله عنا وعن سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم خيرًا-، فاعتمد على عزوٍ وإطلاقات ووسائط مما لا يحسن من مثله. وكان

في إمكانه ومن اليسير عليه -إن شاء الله- أن يتحقق من أكثر هذه الطرق بنفسه، ليجدها جميعًا ما بين ضعيف معلول، أو واهٍ لا يعتبر به. هذا، وقد ثبت لَدَىَّ أن بعض الناقمين على الشيخ -متعنا الله بعمره وعلمه- قد فرح وشمت به لما وجد بعض تلاميذه (يقصدنى وأخى أبا إسحاق الحوينى حفظه الله) يخالفونه في بعض الأشياء، وذلك لما اطلع -فيما اطلع- على القسم الأول من هذا الكتاب -ولا سيما حديث تحريك الإصبع في الصلاة خاصة-، فأقول له: كلا وألف كلا، إياك أن تخلط بين الأمور، ولا يتداخلن عليك الفارق بين الحب والإِعظام، وبين الرغبة في تحرى الحق والصواب. وإن للشيخ -عافاه الله- في قلوبنا لمنزلةً يكل اللسان عن وصفها، ونرجو أن نزداد كل يوم حبًا له وإجلالًا لعظيم ما أجراه الله عز وجل على يديه من نعمة العلم والفهم والتدقيق. وحسبك أيضًا أيها الشامت أن تعلم أنه لولا أن الله عز وجل سخر لنا هذا الرجل وكتاباته، لظللنا حتى الساعة نعتمد على مثل رموز السيوطى -التى غشاها ما يغشى- وتصحيحات الحاكم وإطلاقات المنذرى والهيثمى بنحو: "رجاله ثقات" و "رجاله رجال الصحيح"، والعراقى بتضعيف الواهى والموضوع، ولظللنا نضفى على ما في "تقريب الحافظ" رحمه الله قدسية لا يغتفر المساس بها. أقول هذا مع استبشاع ما رمى به بعض مخالفى الشيخ حفظه الله الحافظ ابن حجر روَّح الله روحه بأنه مجرد ناقل فقط لأقوال الأئمة! وليس من حقه الترجيح! ! بل هو إمام كبير أحاط بالسُّنَّةِ كما وصفه شيخنا المطيعى رحمه الله غير مرة، ولكن العصبية تفعل بأهلها الأفاعيل. فمن الحافظ وأمثاله من منصفي الأئمة نتعلم الإنصاف ونبذ العصبية لمذهب أو رأىٍ تلوى من أجله أعناق النصوص، وُيغمض عما يدين رأى المخالف، على مذهب {ولا تقربوا الصلاة} أو: {فويل للمصلين} دون إتمام الآية. نعوذ بوجه ربنا الكريم من الخذلان وترك الإِنصاف والانتصاف عند اشتداد الحاجة إليهما.

62 - الحديث الثانى والستون

الحديث الثانى والستون: " أيمن امرئٍ وأشأمه بين لحييه" يعنى لسانه. ضعيف مُعَلٌّ بالوقف. رواه ابن حبان (5687) والطبرانى. (17/ 85) وابن عدى (7/ 2531) من طرق عن محمد بن المثنى حدثنا وهب بن جرير بن حازم قال: حدثنى أبي عن الأعمش عن خيثمة عن عدى بن حاتم رضى الله عنه مرفوعًا به. وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، وفي وهب ابن جرير مقال يسير لا يضر لكن اختلف عليه في هذا الحديث رفعًا ووقفًا. وخالفه ثقتان حافظان كل منهما أرجح منه على انفراده. (أما) الاختلاف عليه، فرواه ابن أبي الدنيا في "الصمت" (63) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي النضر حدثنا وهب بن جرير به موقوفا. وأبو بكر هذا ثقة، وثقه ابن حبان وابن مردويه وغيرهما، لكن مخالفه -محمد بن المثنى أحفظ منه. وابن المثنى أطرى النقاد حفظه وإتقانه جدًا، ولم أر مغمزًا فيه سوى قول النسائى: "لا بأس به، كان يغير في كتابه" كذا في "التهذيب" (9/ 426)، وكذلك "تهذيب الكمال" (ق 1265). فلا أدرى أهو صواب، أم الصواب: "لا يغير"؟ والحديث قد عده ابن عدى في جلة ما استنكر لوهب ابن جرير، فلعله لم يطلع على الرواية الموقوفة عنه. فاحتمال أنه كان يرفعه تارة ويوقفه أخرى قائم وممكن، واحتمال أنه غلط عليه -على بُعده- غير مستبدع. (وأما) المخالفة، فقد رواه ابن المبارك (373) وابن أبي شيبة (13/ 559) عن أبي أسامة حماد بن أسامة كلاهما عن جرير به موقوفا. وابن المبارك وأبو أسامة إمامان غاية في الحفظ والإتقان، فالأصح عن جرير بن حازم الوقف. والله أعلى وأعلم. ملحوظة: قال محقق "الصمت" - الأخ نجم بن خلف العراقى حفظه الله- (ص 227): "وقد أخذ عدى بن حاتم -رضى الله عنه- هذا المعنى من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من يتوكل لى ما بين لحييه ورجليه، أتوكل له الجنة" ... ". قلت: وما يدريه أن عديًا رضى الله عنه أخذ هذا

63 - الحديث الثالث والستون

المعنى من هذا الحديث بخصوصه، وكيف يجزم بذلك -عفا الله عنه- بغير قرينة أو دليل، مع أنه لعله لم يبلغ عديًا الحديثُ أصلًا، وقد خفيت جملة من الأحاديث على الشيخين أبي بكر وعمر رضى الله عنهما كما هو معلوم؟ معِ العلم بأن عديًا لم يذكروه ضمن رواة هذا المتن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما أحسَب. وكان من الأولى له أن يقول: "لعله" أو: "كأنه" أو: "يحتمل" ونحوها من الصيغ غير الجازمة. فإن كان -ولابد- تجشم رد قوله إلى أصله من السنة، فالأحرى - عندى- أن يكون رضى الله عنه -قد فهمه من حديثه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم- فيما رواه الشيخان والترمذى-: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه عز وجل ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه، فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد، فبكلمة طيبة" فالله المستعان، وهو -سبحانه- أعلى وأعلم. الحديث الثالث والستون: " تم نورك فهديت فلك الحمد، عظم حلمك فعفوت فلك الحمد، فبسطت يدك فأعطيت فلك الحمد. ربنا وجهك أكرم الوجوه وجاهك أعظم الجاه وعطيتك أفضل العطية وأهنأها. تطاع ربنا فتشكر وتُعصى ربنا فتغفر، وتجيب المضطر، وتكشف الضر، وتشفى السقم، وتغفر الذنب، وتقبل التوبة، ولا يجزئ بآلائك أحد، ولا يبلغ مدحتك قول قائل". ضعيف جدًا. رواه أبو يعلى (1/ 344 - 345) من طريق بشر بن منصور السليمى عن الخليل بن مرة عن الفرات بن سلمان قال: قال على: "ألا يقوم أحدكم فيصلى أربع ركعات، ويقول فيهن ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول؟ ". فذكره. والحديث، قال الهيثمى (10/ 158): "رواه أبو يعلى، والفرات لم يدرك عليًا. والخليل بن مرة وثقه أبو زرعة وضعفه

الجمهور، وبقية رجاله ثقات" اهـ. قلت: الخليل واه، قال البخارى: منكر الحديث. وقال أيضًا: فيه نظر. وقال ابن حبان منكر الحديث وضعَّفه جماعة. وقال أبو حاتم: ليس بقوى في الحديث، هو شيخ صالح، بابة بكر بن خنيس، وإسماعيل بن رافع. وقال أبو الحسن الكوفى: ضعيف الحديث، متروك. وقال أبو داود: قال أبو الوليد الطيالسى: خليل بن مرة ضالٌّ مضل. ووثقه ابن شاهين - تبعا لأحمد بن صالح المصرى- فلم يصيبا. أما أبو زرعة رحمه الله، فلم يوثقه، بل قال: شيخ صالح"، فأثنى عليه في دينه وعدالته، ولم يتعرض لضبطه. أما أبو حاتم فقال مثل ذلك، لكن صرح بضعفه في الرواية. أما رواية الفرات ابن سلمان عن على، فمعضلة، فإنه يروى عن القاسم بن محمد وميمون بن مهران، وهما لم يدركا عليًا. وكانت وفاته سنة خمسين ومائة. قاله هلال ابن العلاء الرقى كما في "اللسان" (4/ 431). وفرات ثقة، وثقه الإمام أحمد وابن حبان، وذكره ابن عدى في "الكامل" (6/ 2051)، وقال: "ولم أر المتقدمين صرحوا بضعفه، وأرجو أنه لا بأس به لأنى لم أر في روايتة حديثا منكرًا". وقال أبو حاتم: "لا بأس به محله الصدق صالح الحديث". فاعجب معى لقول محقق "مسند أبي يعلى": "إسناده ضعيف لانقطاعه أولًا، ولضعف الخليل بن مرة. والفرات بن سلمان لم أقع له على ترجمة"! . وبعد، (فالثابت) إيقاف هذا الدعاء على على رضى الله عنه - دبر الصلاة لا أثناءها-، فقد روى ابن أبي شيبة (10/ 229 - 230) من طريق الثورى- واللفظ له- والطبرانى في "الدعاء" (734) من طريق إسرائيل وزهير وشعبة، أربعتهم عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عنه أنه كان يقول: "تم نورك فهديت فلك الحمد، وعظم حلمك فعفوت فلك الحمد، وبسطت يدك فأعطيت فلك الحمد، ربنا وجهك أكرم الوجوه، وجاهك خير الجاه، وعطيتك أفضل العطية وأهنأها، تطاع ربنا فتشكر، وتعصى ربنا فتغفر، تجيب المضطر، وتكشف الضر، وتشفى السقيم، وتنجى من الكرب، وتقبل

التوبة، وتغفر الذنب لمن شئت، لا يجزئ آلاءك أحد، ولا يحصى نعماءك قول قائل - يعنى: يقول بعد الصلاة". وإسناده حسن رجاله ثقات رجال الصحيح سوى عاصم بن ضمرة -وهو السلولى الكوفى صاحب على- فيه مقال لا يضر، وهو صدوق كما قال الحافظ رحمه الله في "التقريب" (3063). وأبو إسحاق -عمرو بن عبد الله السبيعى- كان قد اختلط لكن سماع المذكورين عنه- سوى زهير بن معاوية كان قبل اختلاطه. واحتمال تدليسه أيضًا مأمون برواية شعبة عنه، فإنه كان يوقف شيوخه المدلسين على السماع، وهو القائل لأهل الكوفة: "كفيتكم تدليس رجلين: الأعمش وأبى إسحاق". والأثر، أورده المتقى الهندى في "كنز العمال" (2/ 640)، بزيادة: "اللهم" في أوله، وسائره بنحوه، وعزاه إلى جعفر (يعنى الفريابى) في "الذكر" وأبى القاسم إسماعيل بن محمد بن فضل في "أماليه" فضم محقق "المصنف" زيادة: "اللهم" - من "الكنز" - إلى رواية ابن أبي شيبة، فلم يُحسن. فائدة: وعبارة: "تطاع فتشكر، وتعصى فتغفر" وردت أيضًا في حديث آخر لم يصح إسناده. وهو ما رواه الطبراني في "الكبير" (8/ 316 - 317) من طريق فضال بن جبير عن أبي أمامة الباهلى قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أصبح وإذا أمسى دعا بهذه الدعوات: اللهم أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأنصر من ابتغى، وأرأف (في الأصل: وأروف) من ملك، وأجود من سئل (في الأصل: سأل) وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك، والفرد لا ند لك (في الأصل: لا تهلك، والتصويب من "المجمع")، كل شئ هالك إلا وجهك، لن تطاع إلا بإذنك، ولم تعص إلا بعلمك، تطاع فتشكر، وتعصى فتغفر، أقرب شهد وأدنى حفيظ ... " الحديث. قال الهيثمى (10/ 117): "وفيه فضال بن جبير، وهو ضعيف مجمع على ضعفه". وفضال هذا، قال الهيثمى

64 - الحديث الرابع والستون

في موضع آخر (1/ 56): "لا يحل الاحتجاج به"، وفي ثالث (2/ 168): "وهو ضعيف جدًا". وضعَّفه في مواضع أخرى. وقد قال ابن عدى في "الكامل" (6/ 2407): "ولفضال بن جبير عن أبي أمامة قدر عشرة أحاديث، كلها غير محفوظة". قلت: أخرجها كلها الطبراني وزاد عليها واحدًا، وزاد الذهبى في "الميزان" (3/ 347) آخر منكر جدًا في فضل على، بإسناده إلى الطبراني لكن قال فيه: "حُدثت"، فالله أعلم. الحديث الرابع والستون: " ثمن الجنة: لا إله إلا الله". ضعيف. رُوِى من حديث أنس، وعلى، ومن مرسل الحسن. أولًا: حديث أنس: رواه ابن عدى (6/ 2347) من طريق موسى بن إبراهيم -وهو المروزى- عن حماد بن زيد وعلى بن عاصم عن حميد عنه مرفوعًا به. وموسى هذا هالك. وقال ابن عدى: "ولموسى بن إبراهيم هذا أحاديث غير ما ذكرت عن ثقات الناس، وهو بَيِّن الضعف على رواياته وأحاديثه". ورواه أيضًا ابن مردويه كما في "الجامع" (3560). وفي "فردوس الأخبار" (2370) عن أنس أيضًا: "ثمن الجنة لا إله إلا الله، وثمن النعمة الحمد لله" وحكى محققاه (2/ 164) أن الحافظ رحمه الله قال في "تسديد القوس": "أسنده عن أنس، وهو عند ابن عدى". وفيه أيضًا (2233) عن أنس: "التوحيد ثمن الجنة، والحمد ثمن كل نعمة، ويتقاسمون الجنة بأعمالهم". وحكى محققاه (2/ 117) عن الحافظ قوله: "أسنده عن أنس بن مالك". ثانيًا: حديث على: رواه الشجرى (1/ 41 - 42) مسلسلًا بآل البيت عنه مرفوعًا: "التوحيد ثمن الجنة، والحمد لله وفاء شكر كل نعمة، وخشية الله

مفتاح كل حكمة، والإِخلاص ملاك كل طاعة". وفيه أبو المفضل الشيبانى، وهو رافضى متهم بسرقة الحديث والوضع للرافضة. ثالثًا: مرسل الحسن: رواه عبد بن حميد في "تفسيره" كما في "الجامع"، وضعفه الشيخ الألباني في "ضعيف الجامع" (3/ 47) وأحال على "الضعيفة" (3457)، فلا أدرى أقتصر على قوله: "ضعيف" من أجل هذه الرواية المرسلة -لمجرد الإِرسال- أم وقف عليه مرسلًا عند غير عبد بن حميد، فإن "تفسيره" -حَسْب مبلغ علمى- مفقود. ولا آمن أن يكون في إسناده علة أخرى سوى الإِرسال، وعلى كلٍ، فرفعه خطأ. (والصحيح) أنه من قول الحسن البصرى نفسه -رحمه الله- كما رواه الخطيب (1/ 270، 7/ 86 - 87) من طريق بشر بن موسى حدثنا رَوْح بن عبادة حدثنا حبيب -يعنى ابن الشهيد- عنه به. وقال الخطيب: "لم يروِ بشر ابن موسى عن روح بن عبادة غير هذا الحديث". وقال في الموضع الآخر: "سمع من روح بن عبادة حديثًا واحدًا". وكذلك قال ابن أبي حاتم في ترجمة بشر من "الجرح" (2/ 367): "روى عن روح بن عبادة حديثًا واحدًا"، فالظاهر أنه يعنى هذا الأثر أيضًا. ورواه ابن أبي شيبة (13/ 529) عن ابن علية وابن أبي عدى عن حبيب به، بلفظ: "لا إله إلا الله ثمن الجنة". وإسناده صحيح غاية، وليس على شرطهما لنكتة، فإن البخارى رحمه الله -وحده- روى لحبيب عن الحسن، ومسلم رحمه الله -وحده- روى لابن علية عن حبيب كما في "تهذيب الكمال" (5/ 379) أما ابن أبي عدى، فروى له النسائى في "اليوم والليلة" عنه، وروى الترمذى لروح بن عبادة عنه كما في "التهذيب" أيضًا. والله أعلى وأعلم. ولا يفوتنا أن نؤكد ما قررناه عند الحديث الحادى والخمسين أن المراد تضعيف لفظ بخصوصه، وإلا فأحاديث دخول الجنة لمن قال: "لا إله إلا الله"

65 - الحديث الخامس والستون

يعرفها العامة قبا الخاصة. وبالله التوفيق. الحديث الخامس والستون: " جنتان من ذهب للمقربين، -أو قال: للسابقين-، وجنتان من وَرِقٍ لأصحاب اليمين". ضعيف. رواه الطبرى في "تفسيره" (27/ 85) عن على بن سهل، والبيهقى في "البعث" (220) من طريق محمد بن أبي بكر كلاهما عن مؤمل ابن إسماعيل قال: ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وعند الطبرى: "قال حماد: لا أعلمه إلا رفعه في قوله: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} قال: فذكره. وفي رواية البيهقي."للسابقين" بغير تردد. ورفع هذا الحديث وهم من أوهام مؤمل التى يطول ذكرها -كما قال الإِمام زكريا الساجى رحمه الله-، فقد خالفه ثقتان حافظان عن حماد فأوقفاه. فقد روى الحاكم (1/ 84) والبيهقى (219) من طريق آدم بن أبي إياس، ثنا حماد بن سلمة عن ثابت البنانى وأبى عمران الجونى، عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعرى عن أبي موسى -في قوله عز وجل: {ولمن خاف مقام ربه جنتان}، قال: "جنتان من ذهب للسابقين، وجنتان من فضة للتابعين". وهذا لفظ البيهقي، وقال عقبة: "وكذلك رواه عبد الصمد بن عبد الوارث، عن حماد بن سلمة موقوفا، ورواه مؤمل ... " إلخ. ثم رواه من طريق مرفوعًا. وقال الحاكم: "هذا إسناد صحيح على شرط مسلما ولم يخرجاه هكذا، إنما خرجا من حديث الحارث ابن عبيد وعبد العزيز بن عبد الصمد عن أبي عمران الجونى عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "جنتان من فضة ... " الحديث، وليس فيه ذكر: "السابقين والتابعين". وقال الذهبى: "على شرط م".

66 - الحديث السادس والستون

ورواية عبد الصمد بن عبد الوارث -التى أشار إليها البيهقي- وصلها ابن أبي شيبة (13/ 383) عنه عن حماد عن أبي عمران عن ابن أبي موسى عن أبيه: {ولمن خاف مقام ربه جنتان}، قال: "جنتان من ذهب للسابقين، وجنتان من فضة للتابعين". ورواه موقوفا أيضًا: عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه كما في "الدور المنثور" (6/ 146). وحكمه الرفع إذ لا مجال فيه للرأى. أما المرفوع، فرواه أيضًا ابن أبي حاتم وابن مردويه. والله أعلى وأعلم. الحديث السادس والستون: " حببوا الله إلى عباده يُحِبَّكُم الله". ضعيف. رواه الطبراني (8/ 107) من طرق عن بقية عن صفوان بن عمرو عن (وفي رواية: حدثنى) عبد الله بن بسر عن أبي أمامة مرفوعًا به. وكذا الضياء المقدسى في "المختارة" كما في "الجامع" (3670). وإسناده ضعيف ليست له علة سوى عنعنة بقية. وعبد الله بن بسر هو اليحصبى -لا غيره-، ذكره الفسوى في "الطبقة العليا من تابعى أهل الشام" في "المعرفة" (2/ 335) وقال ابن أبي حاتم في "الجرح" (5/ 13) - باسم (عبد الله بن بشر) -: "روى عنه حريز بن عثمان". قلت: وقد قال الإِمام أبو داود: "جميع شيوخ حريز ثقات". والله أعلم. وقال الحافظ المناوى رحمه الله في "الفيض" (3/ 372): "وفيه عبد الوهاب بن الضحاك الحمصى في الأصل: الحميصى) قال في "الميزان": "كذبه أبو حاتم، وقال النسائى وغيره: متروك، والدارقطنى: منكر الحديث، والبخارى: عنده عجائب. ثم أورد له أوابد هذا منها" اهـ. كذا قال، وعبد الوهاب بن الضحاك قد تايعه ثقتان عن بقية عند الطبراني، هما: عبد الوهاب بن نجدة الحوطى، والوليد بن عتبة -وهو أبو العباس

الأشجعى الدمشقى. وبنحو هذا تعقبه الشيخ الألبانى حفظه الله في "الضعيفة" (1218)، فقال -بعد أن ذكر روايتى عَبْدَى الوهاب عن بقية: "كذا وجدته في جزء فيه أحاديث منقولة عن "معجم الطبراني الكبير" مع أسانيدها في "المجموع" (6). ثم رأيته هكذا "المعجم" نفسه (7461). ثم ساقه عقبه (7462) بإسناد آخر له عن بقية به. وعبد الوهاب بن نجدة ثقة، فبرئت عهدة ابن الضحاك منه، وتبين أن العلة من بقية وهو ابن الوليد، فإنه مدلس وقد عنعنه، وأن تعصيب المناوى العلة بعبد الوهاب غفلة منه عمن تابعه". وقال في أول تخرج الحديث: "ومن طريقه -يعنى ابن الضحاك- رواه الطبراني في "الكبير" والضياء المقدسى في "المختارة" كما في "فيض القدير" فقد قال متعقبا على السيوطى: إلخ. قلت: وهنا أمران: الأول: أنه كان على الشيخ -حفظه الله- أن ينفى جزمه بأن الضياء رحمه الله روى الحديث أيضًا من طريق ابن الضحاك هذا، لأَنه -إن كان رواه من طريق الطبراني - وهو احتمال كبير- فقد تابعه عبد الوهاب بن نجدة في الموضع الأول، والوليد بن عتبة في الثانى، وإن كان رواه من غير طريقه، فمعرفة راويه عن بقية -عنده- متوقفه على النظر في إسناده، والشيخ لم يذكر وقوفه عليه، ولا المناوى بيَّن ذلك. ولا يظن بالحافظ الضياء رحمه الله- على تساهله أحيانا في "المختارة" -أن يروى عن هذا المتهم وحده، على الاحتمالات التى ذكرتها. الثانى: أن قول الشيخ حفظه الله: "ثم ساقه عقبه -يعنى الطبراني- بإسناد آخر له عن بقية به: وعبد الوهاب بن نجدة ثقة" يشعر بأنه لم يتبين له رجل في هذا الإِسناد الآخر، بقرينة قوله: "وعبد الوهاب بن نجدة ثقة" دون تعرض للثقة الآخر الذى رواه عن بقية، فإن الطبراني رحمه الله قال: "حدثنا

محمد بن هارون بن محمد بن بكار الدمشقي ثنا الوليد بن عتبة ثنا بقية .. " إلخ. وسأجزم بأنه لم يعرف شيخ الطبراني عند الحديث الثالث والسبعين بإذن الله عز وجل، وهو ثقة معروف ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬6) (9/ 151) -وهو قريب من طبقة شيوخه- وفي موضع ترجمته من النسخة الظاهرية لـ: "تاريخ دمشق" بياض، وظنى أن له ترجمة جيدة -إن شاء الله- فيه. والمزى حريص على ذكره في ترجمة شيوخه الدماشقة والحمصيين، فذكره (12/ 29) ضمن الرواة عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقى -وهو شيخه في الحديث الذى أشرت إليه آنفا، وذكره (ق 1470) ضمن الرواة عن الوليد بن عتبة- شيخه ههنا. وذكره (7/ 148) ضمن الرواة عن أبي اليمان الحكم بن نافع البهرانى الحمصى. والمتتبع لذلك يجد الكثير مما يضيق عنه هذا المقام (¬7). (والذى) يعنينا أن الصحيح في هذا الحديث الوقف على أبي أمامة الباهلى رضى الله عنه، فقد رواه خالد بن مرداس في "حديثه" (30/ 1) كما في "الضعيفة" وعنه ابن عساكر (8/ 301): ثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان ابن عمرو عن عبد الله بن بسر اليحصبى قال: سمعت أبا أمامة الباهلى يقول: "حببوا الله إلى الناس يحببكم الله". قال الألبانى: "قلت: وهذا سند موقوف حسن بل صحيح، فإن ابن عياش صحيح الحديث إذا روى عن الشاميين، وهذا الحديث عنهم". قلت: ولِإسماعيل فيه إسناد آخر مرفوع، وهو ما رواه ابن أبي الدنيا في ¬

_ (¬6) باسم: "محمد بن هارون بن محمد بن بكار بن هلال العاملى"، وبين المحقق أن زيادة: "ابن هلال" زيدت من النسخة (مد). (¬7) ومما تجدر الإِشارة إليه أننى لم أجد الحديث في "فهارس المجمع" ولا في مظانه منه، ولا ذكره المناوى أو الألبانى أو السلفى الهيثمى، فالظاهر أنه فاته. الكمال لله وحده.

"الأولياء" (43): نا شجاع بن أشرس نا إسماعيل بن عياش عن أبي بكر ابن عبد الله عن ضمرة بن حبيب مرفوعا: "حببوا الله عز وجل إلى الناس، وحببوا الناس إلى الله، يحببكم الله". وشجاع هذا ثقة، وثقة ابن معين وأبو زرعة، والإِسناد ضعيف له علتان: الأولى: الإِرسال، فإن ضمرة بن حبيب تابعي شامي ثقة. الثانية: ضعف أبي بكر بن عبد الله -وهو ابن أبي مريم الغسانى الشامى، قال الحافظ رحمه الله في "التقريب" (7974): "ضعيف، وكان قد سُرِق بيته فاختلط". قلت: فكان يرفع كثيرًا من آثار الصحابة والتابعين إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد تجمع لَدَىَّ أمثلة عديدة لذلك، أذكر منها: 1 - هذا الأثر، فقد رواه عبد الله بن بسر عن أبي أمامة موقوفا، فرواه هو عن ضمرة بن حبيب مرسلا مرفوعا، وزاد في متنه. 2 - وأثر يرويه جبير بن نفير عن شداد بن أوس رضى الله عنه قال: "ألا أخبرك بأول ذلك يرفع (يعنى رفع العلم)؟ قلت: بلى، قال: الخشوع حتى لا ترى خاشعا". فرواه هو عن ضمرة أيضًا مرسلا مرفوعا، وقد خرجته ودفعت القول بثبوته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تخريج "الذل والانكسار للعزيز الجبار" المعروف بـ: "الخشوع في الصلاة" للحافظ الكبير ابن رجب الحنبلى رحمه الله. 3 - وأثر يرويه حريز بن عثمان عن خالد بن معدان رحمه الله قال: "إذا فتح لأحدكم باب خير فليسرع إليه، فإنه لا يدرى متى يغلق عنه". فروى هو عن حكيم بن عمير -مرسلا بنحوه- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قاله! . 4 - وأثر يرويه جماعة عن أبي الدرداء قال: "إن من فقه الرجل رفقه

67 - الحديث السابع والستون

في معيشته"، فرواه هو عن ضمرة عن أبي الدرداء مرفوعًا بنحوه. 5 - وروى بلال بن أبي الدرداء عن أبيه قال: "حبك الشئ يعمى ويصم"، فرواه هو عن خالد بن محمد عن بلال به مرفوعًا. وسأخرج هذه الآثار -أو أكثرها- في حينها بإذن الله، وسيأتى أحدها في هذا القسم (91). الحديث السابع والستون: " حسن السؤال نصف العلم". منكر، رُوِى من حديث ابن عمر، وأنس، وأبى أمامة. أولًا: حديث ابن عمر: رواه الطبراني في "مكارم الأخلاق" (140) والقضاعى في "مسند الشهاب" (33) والبيهقى في "الشعب" وعنه ابن عساكر (17/ 480) والعسكرى في "الأمثال" وابن السنى والديلمى من طريقه كما في "المقاصد" (140) من طرق عن هشام بن عمار عن مخيس بن تميم عن حفص بن عمر عن إبراهيم بن عبد الله بن الزبير عن نافع عنه مرفوعا، ولفظه: "الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة، والتودد إلى الناس نصف العقل، وحسن السؤال نصف العلم". وقال ابن أبي حاتم في "العلل" (2/ 284): "سألت أبي عن حديث رواه عن (كذا) هشام بن عمار عن المخيس بن تميم عن حفص ابن عمر عن إبراهيم بن عبد الله بن الزبير عن نافع عن ابن عمر، . قال أبي: هذا حديث باطل، ومخيس وحفص مجهولان". وقال الذهبى في ترجمة مخيس في "الميزان" (4/ 85): "روى عنه هشام بن عمار خبرًا منكرًا" فذكر هذا الحديث. وقال البيهقي: عقب الرواية الموقوفة-: "وقد روى هذا مسندًا بإسناد ضعيف" ثم رواه ابن عساكر من طريقه.

وقال الهيثمى (1/ 160) - بعد عزوه للطبرانى في "الأوسط": - "وفيه مخيس ابن تميم عن حفص بن عمر. قال الذهبى: مجهولان". وضعفه أيضًا الألبانى في "الضعيفة" (157) ولم يتعرض لطرقه الأخرى عن غير ابن عمر. وفي الإِسناد أيضًا هشام بن عمار، وفيه مقال معروف. نعم، تابعه أحمد بن سعيد الدمشقى -وكان صدوقا. قاله الخطيب- عند ابن النجار في "ذيل تاريخ بغداد" (3/ 94 - 95) لكن الإِسناد إليه ما بين رجل لم يذكر فيه جرح أو تعديل أو رجل لم أهتد إليه. وللإِسناد علة ثالثة سكتوا عزيا جميعا، فإن إبراهيم بن عبد الله بن الزبير -راويه عن نافع- قال الأزدى: منسوب إلى الكذب. وأورد له هذا الحديث. وقال -أيضًا- عنده مناكير ووهم كما في "اللسان" (1/ 70). ولم أجده في غيره. ثانيًا: حديث أنس: وله عنه طريقان: الأولى: عند العسكرى من حديث أبي بلال الأشعرى -كما في "المقاصد" -والرامهرمزى في "المحدث الفاصل" (300) -مختصرًا- من حديث يحيى بن سعيد العطار، كلاهما عن عبد الله بن حكيم المدنى عن شبيب ابن بشر عنه رفعه: "السؤال نصف العلم، والرفق نصف المعيشة، وما عال امرؤ في اقتصاد". وأبو بلال والعطار ضعيفان لكن كل منهما متابع للآخر. وعبد الله بن حكيم هذا لم أظفر له بترجمة. وشبيب ضعيف، وثقه ابن معين وقال البخارى: منكر الحديث ولينه أبو حاتم، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: "يخطئ كثيرًا". الثانية: عند العسكرى أيضًا من حديث يونس بن عبيد عن الحسن عنه رفعه: "رأس العقل بعد الإِيمان بالله التودد إلى الناس، وأهل التودد لهم درجة في الجنة، ونصف العلم حسن المسألة، والاقتصاد في المعيشة والرفق تكفى نصف المؤنة" قال السخاوى: "فذكر حديثا".

ولم يبين رحمه الله إسناده إلى يونس، لكن رواه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1/ 211 - 212) من طريق سمعان بن بحر العسكرى عن إسحاق بن محمد بن إسحاق عن أبيه عن يونس به نحوه. وتمامه: "وركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط، وما تم دين إنسان قط حتى يتم عقله". وسمعان هذا اسمه: إسماعيل -وهو الزعفرانى- أبو على، ترجم له أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1/ 211 - 212)، وأبو الشيخ في "الطبقات" (3/ 66 د. الكتب العلمية) وسكتا عنه. وقال الحافظ في "اللسان" (1/ 396): "إسماعيل بن بحر العسكرى اتهمه البيهقي في "شعب الإِيمان" بحديث". وشيخه هو: إسحاق بن محمد الضبى كما جاء منسوبًا هكذا في حديث أورده له أبو الشيخ بنفس الإِسناد. وقال الحافظ أيضًا (1/ 374): "إسحاق بن محمد العَمّى. (كذا ولعله متحرف من: الضبى، فإن طبعة "اللسان" هذه سيئة الحال كثيرة التحريف) اتهمه البيهقي في "شعب الإِيمان" اهـ. قلت: والظاهر أنهما هذان، وما أحراهما بالتهمة، فإن هذا المتن بالغ النكارة لا سيما القطعة الأخيرة منه في فضل العقل. وسوف أوردها بحول الله وقوته في القسم الثانى من "تكميل النفع"، يسر الله خروجه وإتمامه. ثالثًا: حديث أبي أمامة: رواه الديلمى من جهة الحاكم ثم من حديث عمر ابن صبح عن يونس بن عبيد عن الحسن -أيضًا- عنه رفعه: "السؤال نصف العلم، والرفق نصف المعيشة، وما عال من اقتصد" كما في "المقاصد". وعمر بن صبح هذا كذاب أقر بوضع الحديث، انظر ترجمته في "الميزان" (3/ 206 - 207) وغيره. وقال أبو حاتم: "الحسن عن أبي أمامة لا يجئ" كما في "علل الحديث" (1/ 198). ونحوه في (1/ 210)، لكنه قال: "لا يجئ هذا إلا من مسكين"- يعنى أبا فاطمة (في الأصل: أبي مسكين) قلت: وابن صبح شر منه والمقصود أن الحديث لا يثبت رفعه عن يونس بن عبيد رحمه الله، بل المحفوظ عنه روايته

عن ميمون بن مهران رحمه الله من قوله مقطوعا كما رواه ابن عساكر من طريق البيهقي وغيره، وابن أبي الدنيا في "العقل وفضله" (71) -باختصار آخره- من طريق زيد بن الحباب، وابن حبان في "روضة العقلاء" (ص 65) والرامهرمزى (302) من طريق عبد الله بن محمد بن أسماء -واللفظ لروايته- كلاهما عن مهدى بن ميمون عن يونس بن عبيد (تصحف عند ابن حبان إلى: موسى) عنه قال: "التودد إلى الناس نصف العقل، وحسن المسألة نصف العلم، واقتصادك في معيشتك يلقى عنك نصف المؤونة". وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات أئمة. وميمون هو الجزرى الرقى، أبو أيوب تابعى جليل عابد فقيه. (ورُوِى) أيضًا عن ثلاثة من التابعين الأجلة، هم: وهب بن منبه، وسليمان بن يسار، والحسن البصرى رحمهم الله. قال ابن عبد البر رحمه الله في "جامعه" (1/ 90): "وروينا عن وهب بن منبه وسليمان بن يسار أنهما قالا: حسن المسألة نصف العلم، والرفق نصف العيش" اهـ. ولم أكن وقفت على أثريهما، ثم وجدت ابن أبي الدنيا روى في "إصلاح المال" (173) من طريق عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن وهب قال: "التعدد نصف الكسب، والتودد نصف العقل، وحسن طلب الحاجة نصف العلم". وإسناده ضعيف جدًا. عبد المنعم بن إدريس واه، وكذبه أحمد وابن معين، ورماه ابن حبان بالوضع. وأبوه ضعفه ابن عدى وغيره، وتركه الدارقطني، وتساهل ابن حبان فأورده في "الثقات". (أما) عن سليمان بن يسار، فلم أقف عليه بلفظه، ولكن روى الخرائطى في "مكارم الأخلاق" (486) -كما في "المنتقى منه"- من طريق يحيى ابن أيوب، نا يحيى بن بكير قال: قال سليمان بن يسار: "تودد الناس واستعطافهم نصف الحلم". فظنى أن له بقية فيها ما علقه ابن عبد البر، اختصرها الخرائطى أو بعض الرواة. ويحيى بن بكير -راويه عن سليمان-

لم أهتد إليه، فأخشى أن يكون في الإِسناد تحريف، فإن شيوخ الخرائطى لا يمكن لأحدهم إدراك يحيى بن أيوب الغافقى بحال. قلت ذلك -ولم أشأ حذفه- ثم تفطنت إلى أن يحيى بن أيوب- شيخ شيخ الخرائطى- هو العلاف فإنه يروى عن يحيى بن عبد الله بن بكير، ويروى عنه أحمد بن جعفر الخياش كما في "تهذيب الكمال" (ق 1489). وعليه، فالإِسناد ضعيف لإِعضاله. وقد روى الخرائطى في هذا "المنتقى" عن أحمد بن جعفر ثلاث مرات - والعهدة على المفهرس-، في الأرقام (64، 308، 486)، وقال في أولهما: "حدثنى أخى أحمد بن جعفر"، ولم يقل: "أخى" في الثالث، فأدرج صانع الفهرس المواضع الثلاثة عند اسم: "أحمد بن جعفر" في حرف الألف من فهرس أسماء شيوخ الخرائطى، فأساء. فإنهما أثنان: السامرى أخو الخرائطى، والخياش المصرى، وكلاهما ترجم لهما الخطيب. ولولا أن المزى رحمه الله نسب الراوى عن يحيى بن أيوب العلاف: "خيَّاشا" لتعسر تعيينه والقطع به، لكثرة المسمين بـ: "أحمد بن جعفر"، فأنا لا أريد من المذكور -عفا الله عنه- أكثر من الرجوع إلى "تهذيب الكمال" لتعيين الراوى عن العلاف. وظنى أن أثر سليمان بن يسار هذا في ترجمته من "تاريخ دمشق"، وهى مثبتة في نسخة (أحمد الثالث) بتركيا كما في مراجع ترجمته من حاشية "السير" (4/ 444)، وساقطة من (الظاهرية). (وأما) عن الحسن، فعلقه ابن قتيبة في "عيون الأخبار" (3/ 22) عنه، وفيه: "ومداراة الناس نصف العقل، والقصد في المعيشة نصف المؤونة". ووصله ابن أبي الدنيا في "الإِصلاح" (174) من طريق يوسف بن الغرق عن شيخ له عنه. وإسناده ضعيف جدًا. يوسف كذبه الأزدى وقال أبو على النيسابورى: منكر الحديث. وتساهل ابن حبان فوثقه أيضًا. وشيخه مبهم لا يُدرى من هو.

ملحوظتان

ملحوظتان: الأولى: أنه مما أستحثنى على إيراد حديث الترجمة أننى لما أطلعت أحد الإِخوة الكرام على فكرة "تبيض الصحيفة" -وفيها هذا الحديث- فذكر لى أنه كان يظنه صحيحًا، فهممت بإيراده في القسم الأول منه، لكن لم تتوافر لدَىَّ مادة تخريجه، حتى أنى نسيت قائله، وهذا من لطف ربى الخفى، فقد يَسَّر الله عز وجل تجميع طرقه المرفوعة والموقوفة، ورزق شركتنا المباركة كتاب ابن أبي الدنيا القيم "إصلاح المال" نعم، وانكشف وهاؤه عن وهب والحسن، فـ: (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن). الثانية: أن الحديث بتمامه بقيت له طرق لم أتعرض لها، وإنما كان مدار البحث حول قطعة: "حسن السؤال نصف العلم" وحدها. والله أعلم. ثم وجدت في "تاريخ دمشق" لأبى زرعة الدمشقى (598) وعنه ابن عساكر (7/ 645): "حدثنى محمود بن خالد قال: حدثنا مروان بن محمد أنه سمع سعيد بن عبد العزيز يقول: قال سليمان بن موسى: حسن المسألة نصف العلم". وإسناده صحيح رجاله ثقات، وسعيد ثقة إمام "اختلط بأخرة، لكنه هنا يحدث عن شيخه رأسًا، فلا يخشى من تغيره إن شاء الله. الحديث الثامن والستون: " حلوة الدنيا مرة الآخرة، ومرة الدنيا حلوة الآخرة". ضعيف. رواه الإِمام أحمد (5/ 342) وعنه الحاكم (4/ 310) وعنه البيهقي في "الشعب" (3/ 3/ 128) وابن أبي عاصم في "الزهد" (158) والطبراني في "الكبير" (3/ 291) (¬8) و "مسند الشاميين" (963) -كما قال محققه عن أبي عبيد الحضرمى - يعنى شُرَيحا - أن أبا مالك الأشعرى لما حضرته الوفاة، ¬

_ (¬8) ولفظه فيه: "حلوة الدنيا مرة الآخرة، ومرة الآخرة حلوة الدنيا" وهذا تكرار لا معنى له، فلا أدرى من المتسبب فيه؟ .

قال: "يا معشر الأشعريين، ليبلغ الشاهد منكم الغائب، إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ". فذكره. وقال الحاكم: "صحيح الإِسناد". ووافقه الذهبي قال الألباني: "وهو كما قالا". وقال الهيثمى (10/ 249): "رواه أحمد والطبراني، ورجاله ثقات". وقال السلفي: "حديث صحيح. رواه أحمد (5/ 342) والحاكم (4/ 310) والبيهقي وابن عساكر. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وقال في المجمع ... " إلخ، ولم يشر إلى الإِشكال الذى في لفظ الطبراني. وقال محقق "زهد ابن أبي عاصم" الشيخ عبد العلى الأعظمي وَحْده: "شريح بن عبيد الحضرمي، ثقة. قال ابن أبي حاتم (الصواب: عن أبيه، أو: قال أبو حاتم): روايته عن أبي مالك مرسلة ... ". قلت: وفي جميع ما تقدم نظر، لا سيما قول مصححيه. نعم، رجاله ثقات كلهم، لكن رواية شريح بن عبيد أبي عبيد الحضرمى ظاهرة الانقطاع. قال أبو حاتم -كما تقدم-: "شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعرى مرسل" كما في "المراسيل" لابنه (رقم 327 ب). وذكر العلائى في "جامع التحصيل" (283) أبا مالك -في صحابة آخرين- رواية شريح عنهم مرسلة. وفي ترجمة شريح من "تاريخ دمشق" (8/ 63) وحكاه الحافظ في "التهذيب" (4/ 328 - 329): "وسئل محمد بن عوف فقيل له: هل سمع شريح بن عبيد عن أبي الدرداء؟ فقال: لا. فقيل له: فسمع من أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: ما أظن ذلك، وذلك أنه لا يقول في شيءٍ: سمعت، وهو ثقة". وأورد الحافظ أيضًا قول الآجرى عن أبي داود: لم يدرك سعد ابن مالك ... حتى حكى قول ابن أبي حاتم عن أبيه: لم يدرك أبا أمامة ولا ... ولا ... ، وهو عن أبي مالك الأشعرى مرسل. ثم قال: "وإذا لم يدرك أبا أمامة الذى تأخرت وفاته، فبالأولى أن لا يكون أدرك أبا الدرداء، وإنى لكثير التعجب من المؤلف (يعنى: المزى) كيف جزم بأنه لم يدرك من سمى هنا (يعنى: سعدًا والصعب بن حثامة وأبا ذر وكعب الأحبار)، ولم يذكر

ذلك في المقداد، وقد توفى قبل سعد بن أبي وقاص وكذا أبو الدرداء وأبو مالك الأشعرى وغير واحد ممن أطلق روايته عنهم، والله الموفق" يعنى بذلك قول المزى: "روى عن ثوبان وأبى الدرداء و ... وأبى مالك الأشعرى ... وروى عن سعد بن أبي وقاص والصعب بن جثامة وأبى ذر الغفارى وكعب الأحبار، ولم يدركهم". مع العلم بأن أبا مالك رضى الله عنه توفى سنة ثمانى عشرة كما في "التقريب" (8336) أى قبل جميع الذين استثناهم المزى بكثير. وقد ذكر ابن عساكر (8/ 64) أنه وجدت شهادة شريح في كتاب قضاء تاريخه سنة (108) وحكاه عنه الحافظ في "التهذيب" أما الشيخ الألبانى حفظه الله، فتارة كان يتنبه لهذا الانقطاع ويتعقب من أَغفله، وتارة لا. فمن أمثلة الأول، أنه أورد في "الضعيفة" (1510) حديث: "إن الله أجاركم من ثلاث خلال ... " الحديث، من طريق شريح عن أبي مالك، وقال: "قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، لكنه منقطع بين شريح - وهو ابن عبيد الحضرمي المصرى (كذا، والصواب: الحمصى أو: المقرائى) وأبى مالك الأشعرى، فإنه لم يدركه كما حققه الحافظ في "التهذيب"، فكأنه ذهل عن هذه الحقيقة حين قال في "بذل الماعون" (25/ 1): "وسنده حسن؛ فإنه من رواية إسماعيل ابن عياش عن الشاميين، وهى مقبولة". ومن أمثلة الثانى، أنه أورد في "الصحيحة" (225) حديث: "إذا ولج الرجل بيته، فليقل: ..... " وقال: "وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات ... وشريح هو ابن عبيد الحضرمى الحمصى، ثقة، فالسند كله شامى حمصى". وقال في "صحيح الجامع" (1/ 156) -تحت حديث: "إذا أصبح أحدكم فليقل: أصبحنا وأصبح الملك لله رب العالمين، اللهم إنى أسألك خير هذا اليوم: فتحه، ونصره، ونوره، وبركه وهداه ... " الحديث: "حسن"، مع أنه من طريق شريح عن أبي مالك الأشعرى أيضًا. وقد أرسلت إلى الشيخ رسالة مع الأخ على الحلبى أسأله عن تحسين هذا

الحديث، وحديث خالد بن معدان عن أبي الدرداء مرفوعًا: "من صَلَّى عَلَىَّ حين يصبح عشرًا وحين يمسى عشرًا، أدركته شفاعتى يوم القيامة" لأننى كنت تابعت الشيخ على هذا التحسين -وحَسَّن الأول أيضًا: ابن القيم وعبد القادر الأرنؤوط- ثم رجعت عنهما لتحققى من الانقطاع في إسناديهما دون الاهتداء إلى ما يجبره، فلم يجبنى أحد، ولا أدرى أوصلت الرسالة أصلًا إلى الشيخ أم لا؟ . (أما) الشيخ حمدى السلفى -عفا الله عنه- فصحح الحديث، وجاء عند حديث: "إذا ولج الرجل ... " (3/ 296)، فقال: "فإن صح سماع شريح من أبي مالك، فالحديث صحيح" مع أن الشيخ الألبانى -وهو لا يكاد يخالف قوله- صححه كما تقدم. وترك -قبله- ثلاثة عشر حديثًا، - وبعده- تسعة أحاديث بنفس الإِسناد لم يذكر فيها هذا الاستثناء، وإنما أعلها- بمحمد بن إسماعيل بن عياش، مع أن في الإِعلال به نظرًا وتفصيلا ليس هذا محله. (ويعلم) الله عز وجل أننى -حتى وقتٍ قريبٍ جدًا- كنت أعتقد صحة هذا الحديث لوقوفى على تصحيحه في عدة مراجع، حتى قدر تبارك وتعالى أن أقرأ تخريجه في "الصحيحة" فإذا به مروى بهذا الإِسناد، ثم وجدته -بعد ذلك- موقوفا، فاهتبلت الفرصة لإِيراده في هذه السلسلة المباركة إن شاء الله تعالى تنبيها للإِخوان والأحباب وإفادة. نسأله تعالى التوفيق والقبول. (فقد) صح من قول طاووس بن كيسان اليمامى التابعى الجليل رحمه الله، صاحب ابن عباس -رضى الله عنهما- كما رواه ابن أبي شيبة (13/ 537) - وعنه أبو نعيم (4/ 12) -: "حدثنا يحيى بن أبي بكير (*) قال: حدثنا إبراهيم بن نافع عن ابن طاووس عن أبيه، قال: "حلو الدنيا مُرُّ الآخرة، ومر الدنيا حلو الآخرة". وإسناده صحيح. والله أعلم. ¬

_ (*) في الأصل: "يحيى بكثير" وهو خطأ صوابه: "ابن أبي بكير".

69 - الحديت التاسع والستون

الحديت التاسع والستون: " خذوا للرأس ماءً جديدًا". ضعيف جدًا. رواه الطبراني (2/ 260 - 271) من طريق أسد بن عمرو عن دهثم بن قران عن نمران بن جارية عن أبيه مرفوعًا به. قال في "الضعيفة" (995): "قلت: وهذا سند ضعيف جدًا، دهثم قال الحافظ ابن حجر: "متروك". وقال الهيثمى في "المجمع" (1/ 234): "رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه دهثم بن قران ضعفه جماعة، وذكره ابن حبان في "الثقات". قلت: وذكره ابن حبان في "الضعفاء" أيضًا وقال (1/ 290): "كان ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، ويروى عن الثقات أشياءً لا أصول لها. قال ابن معين: لا يكتب حديثه". قلت: وهذا معناه أنه متروك كما قال الحافظ، وهو قول ابن الجنيد. ومثله قول أحمد: "متروك الحديث". وقال النسائى: "ليس بثقة". ونمران بن جارية مجهول لا يعرف كما قال الذهبي والعسقلاني ... ". وأسد بن عمرو -وهو البجلى الكوفى- مختلف فيه اختلافًا كثيرًا، والأشبه أنه صدوق في الحديث، إنما طعنوا فيه من أجل الرأى. (ويغنى) عن هذا الحديث، حديث عبد الله بن زيد- في صفة وضوء النبي صلى الله عليه واله وسلم-، وفيه: "ومسح برأسه بماء غير فضل يديه". وهو حديث صحيح، رواه مسلم وغيره. وفي رواية شاذة المتن: "فأخذ لأذنيه ماءً خلاف الماء الذى لرأسه". وقد خرجهما الشيخ حفظه الله عقب الحديث المتقدم، ولكن الأمر انقلب عليه، فقال في الرواية التى قرر وأثبت أنها محفوظة وأورد لها متابعات: "فهو شاهد قوى لرواية الجماعة يؤكد شذوذ رواية الثلاثة، وعليه، فلا يصلح شاهدًا لهذا الحديث الشديد الضعف، ولا نعلم في الباب غيره، على أنها لو كانت محفوظة لم تصلح شاهدًا له، لأنه أمر، وهو بظاهره يفيد الوجوب بخلاف الفعل كما هو ظاهر ... " إلخ. هذا، ولم أكن قد تفطنت لذلك إطلاقًا حين أردت أن أستعين بتخريج الشيخ لحديث

70 - الحديث السبعون

الترجمة، فرأيت لزامًا عَلَيَّ أن أبين الأمر (¬9). (وقد) صح هذا الكلام مقطوعًا على مصعب بن سعد رحمه الله ابن الصحابى الجليل سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه، فيما رواه ابن أبي شيبة (1/ 21) وعبد الرزاق (2/ 10) -واللفظ له- عن إسرائيل عن موسى بن أبي عائشة قال: سمعت مصعب بن سعد -وسأله رجل فقال: أتوضأ وأغسل وجهى وذراعى فيكفينى ما في يدى لرأسى أو أحدث لرأسى ماءً؟ -قال: "لا، بل أحدث لرأسك ماءً" ولفظ ابن أبي شيبة -باختصار القصة-: "خذ لرأسك ماءً جديدًا". وأورد آثارًا فعلية عن جماعة من الصحابة. وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: بفضل وجهك تمسح رأسك؟ (كذا). قال: لا، ولكن أغمس يدى في الماء وأمسح بهما ولا أنفضهما، ولا أنتظر أن يجف الذى فيهما من الماء، وإنى لحريص على بل الشعر". وبالله التوفيق. الحديث السبعون: " رُبَّ معلم حروف أبي جاد، دارس في النجوم، ليس له عند الله خلاق يوم القيامة" (¬10). ¬

_ (¬9) ثم إن الشيخ استمر على هذا، فبنى عليه تضعيف هذا الحديث الصحيح، لحديث آخر حسَّنه عن الربيع بنت معوذ في "صحيح أبي داود" وفي تحسينه نظر ليس هذا محله. (¬10) وروى بحشل في "تاريخ واسط" (ص 206) عن قرة المزنى مرفوعا: "تعلموا أبا جاد- ويل لعالم يجهل تفسير أبي جاد". وهذا باطل، فيه الحسن بن شبيب ابن راشد المكتب، قال ابن عدى: "حدث عن الثقات بالبواطيل، وأوصل أحاديث هى مرسلة"، عن محمد بن زياد وهو اليشكرى الطحان الميمونى الرقى، كذاب يضع الحديث. ثم وجدت في "فردوس الأخبار" (2068) عن ابن عباس مرفوعا: تعلموا: أبجد وتفسيرها، وويل لعالم جهل تفسيرها. ألف: الله وإلى الله وحرف من أسماء الله، والباء، فبهاء الله، والجيم فجنة الله، والدال فدين الله". وقال الحافظ في "التسديد": "أسنده عن ابن عباس". وقال محققاه: "ذكره =

واه جدًّا، كأنه موضوع. رواه الطبراني (11/ 41) من طريق خالد بن يزيد العمرى نا محمد بن مسلم نا إبراهيم بن ميسرة عن طاووس عن ابن عباس مرفوعًا به. وجزم الألبانى حفظه الله بوضعه، فقال في "الضعيفة" (417): "قلت: خالد هذا كذبه أبو حاتم ويحيى، وقال ابن حبان: "يروى الموضوعات عن الأثبات". وقال الهيثمى في "المجمع" (5/ 117) بعد أن عزاه للطبرانى: "وفيه خالد بن يزيد العمرى، وهو كذاب". قلت: ومع ذلك فقد أورد حديثه هذا السيوطى في "الجامع"! وتعقبه المناوى بما نقلته عن الهيثمى. ثم قال: "ورواه عنه أيضًا حميد بن زنجويه" اهـ. قلت: وعزاه -مع الطبراني- للديلمى أيضًا. فكأن العمرى هذا وقع له الحديث موقوفا، فتعمد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما الصحيح وقفه. (فقد) رواه الخرائطى في "مساوئ الأخلاق" (781) والبيهقى في "السنن" (8/ 139) من طريق محمد بن يوسف الفريابى عن الثورى عن ابن طاووس عن أبيه عنه -في قوم يكتبون أبا جاد (¬11) وينظر في النجوم-، قال: "ما أرى لمن فعل ذلك عند الله تبارك وتعالى من خلاق". وإسناده صحيح على شرط مسلم. والله أعلم. ¬

_ = الكنانى في تنزيه الشريعة المرفوعة بزيادة: فيها الأعاجيب (يقصدان: بعد: جهل تفسيرها) قال: لم يبين علته، وفيه محمد بن يزيد (كذا والصواب: زياد كما فيه) اليشكرى، ومن طريقه أيضًا أخرجه ابن فنجويه في كتاب المعلمين، إلا أنه جعله من حديث أنس 1/ 226 اهـ. قلت: فهذا من تلون ذاك الوضاع، مرة يرويه عن قرة، ومرة عن ان عباس، ومرة عن أنس على أن راويه عنه - في حديث قرة - هالك أيضًا. (¬11) وأبو جاد، من أبجد. وهى أولى الكلمات الست (أبجد، هوز، حطى، كلمن، سعفص، قرشت، التى جمعت فيها حروف الهجاء بترتيبا عند الساميين قبل أن يرتبها "نصر بن عاصم الليثى" الترتيب المعروف. أما (ثخذ، ضظغ، فحروفها في أبجدية اللغة العربية. قاله محقق "تاريخ واسط" وأحال على "المعجم الوسيط" (1: 1).

71 - الحديث الحادى والسبعون

الحديث الحادى والسبعون: " الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال. ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديك أوثق مما في يدى الله، وأن وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أُصِبت بها أرغب فيها لو أنها أبقيت لك". ضعيف جدًا. رُوى من حديث أبي ذر وأبى الدرداء. أولًا: حديث أبي ذر: رواد الترمذى (2340) -واللفظ له- من طريق محمد بن المبارك الصورى، وابن ماجه (4100) وابن عدى (5/ 1769) ص طريق هشام بن عمار قالا: ثنا عمرو بن واقد حدثنا يونس بن ميسرة بن حلبس عن أبي إدريس الخولاني عنه مرفوعًا به. وزاد ابن ماجه: "قال هشام: قال أبو إدريس الخولاني: يقول: مثل هذا الحديث في الأحاديث، كمثل الإِبريز في المذهب". وقال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأبو إدريس الخولاني اسمه: عائذ الله بن عبد الله. وعمرو بن واقد منكر الحديث" اهـ. قلت: وقال الحافظ (5132): "متروك". ثانيًا: حديث أبي الدرداء: رواه الطبراني في "الأوسط" وعنه أبو نعيم (9/ 303): "حدثنا موسى ابن عيسى بن المنذر ثنا محمد بن المبارك ثنا عمرو بن واقد عن يونس بن ميسرة عن أبي إدريس الخولاني عنه مرفوعًا بنحوه. وقال الهيثمى (10/ 286): "وفيه عمرو بن واقد وقد ضعفه الجمهور، وقال محمد بن المبارك: كان صدوقًا، وبقية رجاله ثقات" اهـ. قلت: وموسى بن عيسى بن المنذر - وهو الحمصى شيخ الطبراني - واه. قال الحافظ رحمه الله في "اللسان" (6/ 126 - 127): "وكتب النسائى عنه، فقال: حمصى لا أحدث عنه شيئًا، ليس هو شيئًا". قلت: فكأن التخليط في تسمية الصحابى من قِبَله هو، فقد رواه الحافظ الدارمي رحمه الله عن محمد بن المبارك -عند الترمذى- فجعله من مسند

أبي در كما تقدم. وهذا هو الأشبه، وإلا فعمرو بن واقد هالك في الضعف، فلا يبعد من مثله أكثر من ذلك. وتعيين محل الخلل في مثل هذه الحالة لا جدوى من ورائه، فإن رفع الحديث وهم، (وإنما) صح هذا الكلام من قول أبي مسلم الخولانى من رواية يونس بن حَلْبَس عنه، ومن قول يونس نفسه أيضًا. 1 - فروى الإِمام أحمد في "الزهد" (ص 18) من طريق خالد بن صبيح حدثنا يونس بن حلبس قال: قال أبو مسلم الخولاني: "ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، إنما الزهادة في الدنيا أن تكون بما في يدى الله أوثق مما في يديك، وإذا أصبت بمصيبة كنت أشدَّ رجاءً لأجرها وذخرها من أنها لو بقيت لك". وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات. وخالد بن صبيح هو: خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح أبو هاشم الدمشقي قاضي البلقاء، ثقة من رجال "التهذيب". 2 - وروى ابن الأعرابي في "الزهد وصفة الزاهدين" (ص 20) وعنه البيهقى في "الشعب" (2/ 3/ 156 ب) عن أبي داود الحرانى وفي (3/ 3/ 102 أ) من طريق ابن أبي الدنيا كلاهما عن أبي مسلم الحرانى، قال: حدثنا مسكين بن بكير، عن محمد بن المهاجر، عن يونس قال: "ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال، ولا بإضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك، وأن يكون حالك في المصيبة، وحالك إذا لم تصب بها سواء، وأن يكون ذامك ومادحك في الحق سواء". وإسناده جيد رجاله ثقات، وأبو مسلم الحرانى اسمه: الحسن بن أحمد بن أبي شعيب - من شيوخ مسلم - ومسكين بن بكير صدوق لكنه يخطئ في حديث شعبة خاصة (انظر الحديث الخمسين من هذا الكتاب). فإن لم يكن قَصَّر في إسناده، فالأثر ثابت من قول يونس بن ميسرة ومن روايته عن أبي مسلم. وهما من أجلة تابعي أهل الشام، إلا أن أبا مسلم - واسمه: عبد الله بن ثُوَب- قديم، رحل إلى النبي صلى الله عليه. وآله وسلم فلم يدركه.

72 - الحديث الثانى والسبعون

(والحديث) -مرفوعا- ضعَّفه الألبانى جدًا في "ضعيف الجامع" (3/ 201 - 202) وأحال على "تخرج المشكاة" (5301). وقال ابن عبد ربه الأندلسى في "العقد الفريد" (2/ 259) -كما كان مقيدًا عندى وفطنت إليه بعدُ-: "العتبى يرفعه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما الزهد في الدنيا؟ قال: أمَا إنه ما هو بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، ولكن الزهد في الدنيا أن تكون بما في يد الله أغنى منك بما في يدك". وهذا إسناد لا قيمة له, معلق من أوله معضل في آخره، والعتبى أخبارى مشهور لم أجد فيه جرحًا ولا تعديلًا سوى قول الذهبي في "السير" (11/ 96): "وكان يشرب". الحديث الثانى والسبعون: " الساكت عن الحق شيطان أخرس". لم أقف له على أصل صحيح ولا ضعيف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا موقوفًا على أحد من الصحابة أو التابعين ومتقدمي السلف رضوان الله عليهم، ولا رأيت أحدًا من المصنفين في "الأحاديث المشهورة" تعرض له بنفى أو إثبات، على الرغم من اشتهاره جدًا في أيامنا هذه. ومن طالع الصحف الجادَّة بانتظام وجد كثيرًا من المقالات قد صُدِّر بها هذا الكلام، وألصق بالنبى صلى الله عليه وآله وسلم إلصاقًا بصيغة الجزم! سواء من أصحاب العمائم البيضاء أو غيرهم من أهل الفضل والصلاح، ومن الذين يظن بهم أنهم على قدر من الثقافة الإسلامية والتمييز العلمى. نعم، المصدر الوحيد الذى وجدت فيه هذا الكلام، هو "الرسالة القشيرية" للإِمام أبي القاسم القشيرى رحمه الله إذ قال (ص 62: باب الصمت): " ... والسكوت في وقته صفة الرجال، كما أن النطق في موضعه من أشرف الخصال. سمعت الأستاذ أبا على الدقاق يقول: من سكت عن الحق، فهو شيطان أخرس". وأبو على الدقاق هذا هو: "الحسن بن على بن محمد بن إسحاق بن

عبد الرحيم بن أحمد أبو على الدقاق الأستاذ الشهيد كما قال الحافظ الجليل عبد الغافر ابن إسماعيل الفارسى كما في (المنتخب من السياق ترجمة 481)، وقال: "لسان وقته، وإمام عصره، نيسابورى الأصل، تعلم العربية، وحصل علم الأصول، وخرج إلى مرو، وتفقه بها على الخضرى، وبرع في الفقه، وأعاد على الشيخ أبي بكر القفال المروزى في درس الخضرى. ولما استمع إلى ما يحتاج إليه من العلوم، أخذ في العمل، وسلك طريق التصوف، وصحب الأستاذ أبا القاسم النصراباذى، وكان لا يستند على شئ كأنه يعود نفسه ترك الرفاهية ... " إلى أن قال: "توفى في ذى الحجة سنة خمس وأربعمائة". وأورده ابن الجوزى في وفيات سنة (412) من "المنتظم" (8/ 7)، وقال: " ... كان يعظ ويتكلم على الأحوال والمعرفة" ثم ساق له بعض أقواله وإشاراته. وقال الذهبى في "العبر" (2/ 212) - وفيات (406) -: "الزاهد العارف شيخ الصوفية" وله تراجم أو ذكر في كتب أخرى ذكرها مُحشى "المنتخب"، منها: مرآة الجنان، وطبقات الشافعية الكبرى، وتبيين كذب المفترى -لابن عساكر- والشذرات والنجوم الزاهرة وتذكرة الحفاظ. أقول: ولا عجب أن يُصير الناس كلام هذا الصوفى الزاهد وبعد قرابة ألف عام -حديثًا نبويًا ولا يملك أحدٌ أن يبرز له إسنادًا أو يثبت له مصدرًا من مصادر الحديث، فقد افتريت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث شتى لا يعرف العلماء لها قائلًا - أصلًا - ولا إسنادًا، منها: * خير الأسماء ما عبد وما حمد. * الخير فِىَّ وفي أمتى إلى يوم القيامة. * لو أحسن أحدكم الظن بحجر لنفعه! * علماء أمتى كأنبياء بنى إسرائيل. * المغرب جوهرة فالتقطوها. * لو اطلعتم على الغيب لرضيتم بالواقع. * قصوا اللحى ووفروا الشوارب! ! إى والذى لا إله إلا هو.

* إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج. * لا تسيدونى في الصلاة. * الكلام في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. والبعض يقول: كما تأكل البهيمة الحشيش. * حالفنى الشباب وخالفنى الشيوخ. وغيرها كثير كثير. وطائفة منها، قد ذكرها العلماء المصنفون في "الأحاديث المشتهرة على الألسنة" كالأئمة السخاوى والسيوطى والهيتمى المكى وابن الديبع والعجلونى وملا على القارى والفتنى وغيرهم. وكثير منها أيضًا ظهر في الآونة الأخيرة، ولم يُرَ في كتاب. نسأل الله السلامة. والأدهى والأمر أن بعض الخطباء وغيرهم ممن يعدون من دعاة السنة - يزعمون أن بعضها في "البخارى" أو "مسلم"! لا أدرى كيف؟ فاللهم سلم سلم. وقد بلغنى عن أحدهم في كلام له عن مسألة: "السيادة": "حديث: قولوا: اللهم صل على محمد ... إلخ، وحديث: لا تسيدونى في الصلاة كلاهما في "البخارى" ... "! ! ! . وصدق المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول: "يقبض العلم، ويظهر الجهل ... " الحديث. وفي آخر: "إن بين يدى الساعة لأياما ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج". وما أحسن قول أحدهم: "وجدت جميع العلوم في ازدياد إلا علم الدين، فعلمت أنه المقصود في الحديث" أو كما قال رحمه الله. ولقد صرنا في زمان لا يدرى فيه كثير من المسلمين معنى: "سواك" و "خمار"! ! ويظن أكثر منهم أن ركعتى راتبة العشاء البعدية هى هى ركعتا الشفع! ! ولقد فهم بعض المساكين من كلام للإمام النووى في القدح في صحة زيادة: "وبركاته" في التسليمة الأولى، أن استعمالها يبطل الصلاة! ! فلما ووجه بأن علماء آخرين صححوا الزيادة أصر ووقع فيهم ولم يرجع وزعم أنه متفقه في الدين، فلما امتحنه الأخ الناصح أن يبين له معنى كلمة: "سؤر" في الفقه، أجابه: هذه كلمة أنت اختلقتها من

73 - الحديث الثالث والسبعون

عندك، ولى كذا وكذا من السنين أتفقه أو قال: أصلى فلم أسمع بهذه الكلمة! ! "يا حسرةً على العباد". اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا بما ينفعنا، وارزقنا علمًا تنفعنا به. اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا، ونعوذ بك من علم لا ينفع. آمين (¬12). الحديث الثالث والسبعون: " الصائم في عبادة ما لم يغتب". ضعيف، رُوِى من حديث أبي هريرة، وابن عباس، وأنس، وسلمان ابن عامر. أولًا: حديث أبي هريرة: رواه ابن عدى (5/ 1922) من طريق الحسين بن منصور (كذا)، ثنا عبد الرحيم بن هارون أبو هشام الغسانى ثنا هشام بن حسان عن محمد (هو ابن سيرين) عنه به. وقال الدارقطني في "العلل" -وحكاه عنه ابن الجوزى ¬

_ (¬12) وفاجأنى أحد الإخوة بأنه وجد حديث "الساكت عن الحق شيطان أخرس" في "الجواب الكافى" للامام ابن القيم رحمه الله، وأنه في "مسند الإمام أحمد" وأنه خرجه من سنتين أثناء تحقيقه للكتاب، وأن علته إما: "باذام أبو صالح" أو الانقطاع، وذلك بعد أن أريته ما سطرت عن هذا الحديث، فنزل علَىَّ قوله كالصاعقة. فكلفت أحد الكرام بإحضار الكتاب، فإذا ابن القيم يقول: (ص 136) -حكاية عن الشيطان أعاذنا الله منه-: "ثم يقول: قوموا على ثغر اللسان، فإنه الثغر الأعظم، وهو قبالة الملك ... " حتى قال: "ويكون لكم في هذا الثغر أمران عظيمان، لا تبالون بأيهم ظفرتم: أحدهما: التكلم بالباطل، فإن المتكلم بالباطل أخ من إخوانكم ومن أكبر جندكم وأعوانكم. والثانى: السكوت عن الحق: فإن الساكت عن الحق أخ لكم أخرس كما أن الأول أخ ناطق، وربما كان الأخ الثانى أنفع أخويكم لكم، أما سمعتم قول الناصح: المتكلم بالباطل شيطان ناطق، والساكت عن الحق شيطان أخرس؟ ... " أسأل الله لى ولأخى هذا أن يغفر زلاتنا، ويستر عوراتنا، ويؤمن روعاتنا. إنه سميع عليم.

في "العلل المتناهية" (887): "روى عبد الرحيم بن هارون ... " فذكره بزيادة: "مسلمًا أو يؤذيه" قال: "ووهم فيه. والصحيح عن هشام عن حفصة عن أبي العالية من قوله غير مرفوع". قلت: وعبد الرحيم متروك يكذب كما قال الدارقطني كما في "سؤالات البرقاني له" (315). وأسنده أيضًا الديلمى عن أبي هريرة كما في "تسديد القوس" للحافظ رحمه الله. حكاه عنه محققًا "الفردوس" (3641). وقال المناوى في "الفيض" (4/ 232): "وفيه عبد الرحيم بن هارون. قال الذهبي في الضعفاء: قال الدارقطني: يكذب. والحسن بن منصور. قال ابن الجوزى في العلل: غير معروف الحال وقال ابن عدى: حديث منكر". قلت: لعل ابن الجوزى قال ذلك في ابن منصور في غير هذا الحديث، فإنى لم أرَ فيه سوى كلام الدارقطني المتقدم. ولفظ ابن عدى - بعد أن ساق لعبد الرحيم هذا سبعة أحاديث-: "وهذه الأحاديث التى ذكرتها يحدث بها عبد الرحيم، عن ابن أبي رواد وهشام بن حسان وعطية، وله غير ما ذكرت، ولم أرَ للمتقدمين فيه كلاما، وإنما ذكرته لأحاديث رواها مناكير عن قوم ثقات" اهـ. قلت: والظاهر أنه لم يبلغه قول أبي حاتم الرازى رحمه الله: "هو مجهول لا أعرفه" كما في "الجرح" (5/ 340)، وفيه: "وكتب لأبى رحمه الله إبراهيم بن أورمة بخطه عن شيخ بسامرا يقال له إبراهيم بن جابر المروزى (¬13) عن عبد الرحيم بن هارون نحو ورقة، فلم يأته ولم يسمع منه" اهـ. ثم وجدت: "الحسن بن منصور" في "ذيل الميزان" (295): وأورد له الحديث من رواية ابن عدى ثم قال: "قال ابن القطان: الحسن بن منصور غير معروف الحال". ¬

_ (¬13) إبراهيم هذا ترجم له الخطيب (6/ 52) وأورد له عن عبد الرحيم حديثا منكرًا رُوِى عن أبي الدرداء موقوفًا. وحكى عن أحمد بن الحسين الصوفى قوله: "وكان ثقة".

ثانيًا: حديث ابن عباس: ذكره الديلمي-الأب- في "الفردوس" (3642) بلفظ: "الصائم في عبادة من حين يصبح إلى حين يمسى، إذا قام قام، وإذا صلى صلى، وإذا نام نام، وإذا أحدث، ما لم يغتب، فإذا اغتاب خرق صومه". وقال الحافظ في "تسديد القوس": "أسنده -يعنى ولده- عن ابن عباس" حكاه محققًا "الفردوس". وسكت عليه المناوى في "الفيض". وتفرد الديلمى مظنة الضعف أو الوهاء، لا سيما وفي هذه الرواية من الزيادات ما ليس في غيرها. فالله أعلم. ثالثًا: حديث أنس: ذكره في "الفردوس" (3640)، بلفظ: "الصائم في عبادة، وإن كان نائمًا على فراشه". وفي حاشيته عن "التسديد": "أسنده من رواية موسى ابن جابان عن أنس". وقال المناوى (4/ 231): "وفيه محمد بن أحمد بن سهيل، قال الذهبى في "الضعفاء": قال ابن عدى: ممن يضع الحديث" اهـ. قلت ولفظه في "الميزان" (3/ 455): "قال ابن عدى: هو أبو الحسن المؤدب، أصله واسطى، كتبت عنه، وهو ممن يضع الحديث" اهـ. وموسى ابن جابان لم أره إلا في "الإكمال" (2/ 11) للأمير الحافظ ابن ماكولا رحمه الله، وقال: "وموسى بن جابان، حدث عن لقمان بن عامر، حدَّث عنه ميسرة بن عبد ربه، وميسرة غير ثقة، ولا يعرف موسى بن جابان إلا به" اهـ. فلا أدرى أهو هذا أم لا؟ . ثم وجدت في "ذيل الميزان" (243): "جابان، ويقال: موسى بن حابان. عن أنس بن مالك. قال الأزدى: متروك الحديث وروى له من حديث بقية ثنا محمد بن الحجاج ثنا جابان عن أنس مرفوعًا: خمس خصال تفطر الصائم ... إلخ، قال: "أورده صاحب الحافل، وقال: بقية ومحمد بن الحجاج كان يجب أن يخرج الموصلى من عهدتهما" اهـ.

قلت: لا عيب لبقية سوى التدليس وقد صرح بالسماع من شيخه، وصرح شيخه بالسماع من جابان. وما أظنه أسقط أحدًا بين جابان وأنس، فإنه يدلس التسوية أحيانًا. وشيخه هو الحمصى، قال الأزدى -أيضًا- "لا يكتب حديثه" كما في "الميزان" (3/ 510). رابعًا: حديث سلمان بن عامر: رواه تمام في "فوائده" (18/ 172 - 173): "أخبرنا أبو بكر يحيى بن عبد الله ابن الزجاج قال: ثنا أبو بكر محمد بن هارون بن محمد بن بكار بن بلال: ثنا سليمان بن عبد الرحمن: ثنا هاشم بن أبي هريرة الحمصى عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن سلمان بن عامر الضبى مرفوعًا: "الصائم في عبادة، وإن كان راقدًا على فراشه". كما في "الضعيفة" (653). قال الشيخ الألمانى حفظه الله: "وهذا سند ضعيف، يحيى الزجاج ومحمد بن هارون لم أجد من ذكرهما. وبقية رجاله ثقات غير هاشم بن أبي هريرة الحمصى، ترحمه ابن أبي حاتم (4/ 2/ 105) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. قال: "واسم أبي هريرة: عيسى بن بشير". وأورده في "الميزان" وقال: "لا يعرف". قال العقيلى: منكر الحديث". ثم ذكره من رواية الديلمى عن أنس -بنحو ما تقدم- حتى قال: "وقد رواه عبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (ص 303) من قول أبي العالية موقوفا عليه بزيادة. "ما لم يغتب". وإسناده صحيح، فلعل هذا أصل الحديث موقوف، أخطأ بعض الضعفاء فرفعه. والله أعلم" اهـ. قلت: هاشم بن أبي هريرة مختلف فيه، فقد ذكره ابن حبان في "الثقات"، (7/ 585، 9/ 242)، وقال في الموضع الأول: "يروى عن ضمرة بن حبيب، روى عنه عمرو بن الحارث". وقال في الثانى: "يروى عن أبيه وضمرة بن حبيب. روى عنه أهل الشام وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقى". ومع ذلك، فالأقرب في حقه، قول العقيلى، ولفظه -كما في "الضعفاء الكبير" له (4/ 343) -: "عن أبيه، عن يحيى بن سعيد، منكر الحديث. وهو

وأبوه مجهولان بالنقل" اهـ. لكن أبوه، قال أبو حاتم: "صالح، يكتب حديثه" كما في "الجرح" (6/ 272)، وفيه: "عيسى بن بشر". أما شيخ تمام -يحيى بن عبد الله بن الزجاج-، فقد ترجم له ابن عساكر (18/ 147)، وذكر روايته عن جماعة منهم: أبو بكر محمد بن هارون بن محمد بن بكار بن بلال، وختم ترجمته بما رواه بإسناده إلى تمام أنا أبو بكر يحيى بن عبد الله بن الحارث بن الزجاج الشيخ الثقة بحديث ذكره (ولم يسق لفظه ولا بقية إسناده). (وأما) محمد بن هارون فهو ثقة معروف تكلمنا عنه عند الحديث السادس والستين بما يغنى عن أعادته ههنا. وبالله التوفيق. (أما) موقوف أبي العالية الذى صححه الشيخ حفظه الله، فالذى في "الزهد" (ص 303): "حدثنا عبد الله بن مندل أنبأنا فضيل بن عياض عن هشام بن (كذا، والصواب: عن) حفصة عن أبي العالية قال: "فذكره. وفي هذا الإِسناد إشكال -عندى-، فإنى لم أقف على راوٍ يدعى: "عبد الله ابن مندل"، وإنما ذكر الحافظ المزى رحمه الله في ترجة عبد الله ابن الإمام أحمد من "تهذيب الكمال" (14/ 287) -ضمن شيوخه-: "عبد الله بن صندل"، وهذا لم أقف له على أثر في مكان آخر. فالله أعلى وأعلم، ويكون سقط من الإِسناد قول القطيعى: "حدثنا عبد الله" كما يتكرر في جميع الأسانيد ثم وجدت الرجل في "تعجيل المنفعة" (ص 225)، وتعقب الحافظ قول الحسينى إنه مجهول برواية جماعة عنه وإذن الإِمام أحمد لابنه في الكتابة عنه وعلى كلٍ، (فالأثر) صحيِح: قطعًا، إذ رواه ابن أبي شيبة (3/ 4) من طريق سفيان الثورى -باختصار آخره- وعبد الرزاق (4/ 307) وهناد (1201) عن أبي أسامة ثلاثتهم عن هشام بن حسان عن حفصة عن أبي العالية به. زاد عبد الرزاق: "فكانت حفصة تقول: يا حبذا عبادة وأنا نائمة على فراشى. قال هشام: وقالت حفصة: الصيام جنة ما لم يخرقها صاحبها، وخرقها الغيبة". وإسناده صحيح غاية. وقول حفصة -بنت سيرين- الأخير رُوِى مرفوعًا ولم

74 - الحديث الرابع والسبعون

يثبت، ولعلى أتعرض له في موضع آخر. إن شاء الله. (وروى) عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن كعبًا قال: "الصائم في عبادة ما لم يغتب". ورجاله ثقات لكنه منقطع (¬14). الحديث الرابع والسبعون: " الصلاة خدمة الله في الأرض، فمن صلى ولم يرفع يديه فهى خداج. هكذا أخبرنى جبريل عن الله -عز وجل- بكل إشارة درجة وحسنة". ضعيف جدًا. رواه الديلمى، قال الحافظ: "أسنده عن ابن عباس" كما في حاشية "الفردوس" (2/ 563). وقال المناوى في "الفيض" (4/ 247): "وفيه أحمد بن على بن حسنويه شيخ الحاكم، قال الذهبى: متهم بالوضع. وشبابة بن سوار أورده الذهبى في "الضعفاء" وقال أحمد: كان داعية إلى الإِرجاء. وورقاء اليشكرى لينه القطان" اهـ. قلت: لا يُعَلُّ إلا بابن حسنويه هذا، قال الذهبى في "الميزان" (1/ 121): "قال الخطيب: لم يكن بثقة. قلت: قيل: حدث عمن لم يدركه كمسلم والقدماء. قال الحاكم: لو اقتصر على سماعاته الصحيحة كان أولى به. حدَّث عن جماعة أشهد بالله أنه لم يسمع فهم، ولا أعلم له حديثًا وضعه، ولا إسنادًا ركبه". وزاد الحافظ في "اللسان" (1/ 223) كلامًا للحاكم قال في آخره: "وهو في الجملة غير محتج بحديثه". ومما زاده قول الأصم: هذا الحسنوى يدعى أنه سمع معى من الربيع وابن عبد الحكم، والله ما رأيته عندهما قط ولا رأيته بمصر، وإنما رأيته بعد رجوعى من مصر. وقول حمزة السهمى: "وسألت أبا زرعة محمد بن يوسف الجرجانى الكشى عنه، فقال: هو ¬

_ (¬14) أما حديث: "نوم الصائم عبادة" فضعيف. انظر "فيض القدير" (6/ 290 - 291) و "تخريج الإِحياء" (667) و "ضعيف الجامع" (6/ 17).

كذاب" قلت: فالرجل ضعيف جدًا -على أحسن أحواله-، وياليتنى ظفرت بإسناد الديلمى كله، فقد يكون في الطريق إليه ما يوجب التوقف عن إلصاق البلاء به. أما الإِعلال بشبابة بن سوار، وورقاء بن عمر المدائنيين فغير جيد ولا صحيح، فإنهما ثقتان حافظان، قد يهمان في الشئ بعد الشئ كسائر البشر، وإنما تُكلم في رواية ورقاء عن منصور خاصةً، والمناوى -عفا الله عنه- لم يبين لنا عمن رواه. هذا، وقد اختصر الحافظ كلام الحاكم في شيخه ابن حسنويه، فلينظر بتمامه في "الأنساب" (2/ 222 - 223) و "تاريخ دمشق" (2/ 21 - 22). (أما) هذا المتن، ففيه صنعة ظاهرة، وقوله: "فمن صلى ولم يرفع يديه فهى خداج"، يذكرنى بحديث: "من رفع يديه في الصلاة، فلا صلاة له"! الذى وضعه أحد متعصبى الحنفية أخزاه الله. وقاتل الله العصبية والاحتراق اللذين صيَّرا كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألعوبة في أيدى وأرجل هؤلاء الحمقى، ومضغة في أفواههم. على أن الإِشارة في الصلاة عند الركوع والرفع منه والقيام من التشهد الأول سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من أنكرها فكأنما أنكر الشمس في رابعة النهار، ومن تركها فاته خير كثير، وحسبه مخالفته لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "صلوا كما رأيتمونى أصلى". وقوله: "من توضأ كما أمر، وصلى كما أمر، غفر له ما قدَّم من عمل" صححه ابن حبان. (أما) الشطر الأول من هذا الحديث، فإنما هو ثابت من قول ثابت بن أسلم البنانى التابعى الجليل الزاهد صاحب أنس رضى الله عنه، فقد روى ابن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" (14) والبغوى في "الجعديات" (1433، 1434) - إلا أنه فرقه على الموضعين بتقديم وتأخير- وأبو نعيم (2/ 320) من طرق عن سيار عن جعفر بن سليمان قال: سمعت ثابتًا يقول: الصلاة خدمة الله في الأرض، ولو علم شيئًا أفضل من الصلاة، ما قال: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ}. وإسناده حسن. ورواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (455: آل عمران) من طريق عبد الله بن أبي بكر

75 - الحديث الخامس والسبعون

المقدمى، ثنا جعفر به نحوه. والمقدمى واهٍ. ورواه أيضًا ابن المنذر - في "تفسيره".- كما في "الدر" (2/ 21). و(أما) القطعة الأخيرة من الحديث، فثبت معناها عن عقبة بن عامر الجهنى المصرى الصحابى الجليل رضى الله عنه، فقد روى الطبراني في "الكبير" (17/ 297) من طريق أبي عبد الرحمن المقرئ عن ابن لهيعة حدثنى ابن هبيرة أن أبا المصعب مشرح بن هاعان المعافرى حدَّثه أنه سمع عقبة بن عامر الجهنى يقول: "إنه يكتب في كل إشارة يشيرها الرجل بيده في الصلاة بكل إصبع حسنة أو درجة". قال الهيثمى (2/ 103): "وإسناده حسن" اهـ. وقد استدل به الإِمام أحمد رحمه الله. انظر "التمهيد" (9/ 224 - 225) وهو كما قال رحمه الله، فإن أبا عبد الرحمن المقرئ -واسمه عبد الله بن يزيد - أحد العبادلة - وهم أشهر قدماء أصحاب ابن لهيعة الذين حدثوا عنه قبل أن يكثر الوهم في حديثه، وقبل احتراق كتبه على حد قول الحافظ الذهبى رحمه الله في "تذكرة الحفاظ" (1/ 238). وقد صرح ابن لهيعة أيضًا بالتحديث، فزالت شبهة تدليسه فيما ذهب إليه ابن حبان رحمه الله، وهو ما لم يتحرر لى بعد. فالله أعلى وأعلم. الحديث الخامس والسبعون: " طوبى لمن مات في النأنأة". لا يعرف مرفوعًا. ذكره الديلمى في "الفردوس" (3741) عن أبي بكر الصديق بزيادة: "قيل: وما النأنأة؟ قال: جدة الإِسلام وبدؤها". وذكر محققاه عن الحافظ في "تسديد القوس" أنه قال: "ابن ماجه عن أبي بكر الصديق". وأن الديلمى -الابن- قال في "المسند": "هو من كلام أبي بكر الصديق رضى الله عنه". قلت: وكلامه بتمامه- كما حكاه عنه المتقى الهندى في "كنز العمال" (11/ 264): "رواه ابن ماجه -ثنا على بن محمد والحسين بن إسحاق قالا: حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن طارق ابن شهاب عن أبي بكر- انتهى. قال: "وليس في النسخ الموجودة الآن من

"سنن ابن ماجه" ولا ذكره أصحاب الأطراف، فلعله في بعض الروايات التى لم تصل إلى هذه البلاد أو في غير "السنن" من تصانيف ابن ماجه كالتفسير وغيره" اهـ. قلت: المتضح أن أبا منصور الديلمى حكم على الحديث الذى أورده والده -مرفوعا-، بأنه من كلام الصديق رضى الله عنه -موقوفًا عليه- ولم يذكر ذلك بإسناده هو، ولكن عزاه لابن ماجه بالإِسناد المذكور إلى أبي بكر. فإن ثبت عنه، فهو إسناد صحيح غاية. ثم إنه لا إشكال في خلو النسخ الموجودة من "سننه" منه، لأنه أثر موقوف ليس من شرط الكتاب أصلا، فالظاهر أنه في تصنيف آخر له. والله أعلم. (ثم) إنه قد تابع وكيعا على هذا الإِسناد، ثلاثة آخرون من الثقات الحفاظ فيما وقفت عليه، هم: 1 - الإِمام ابن المبارك في "الزهد" (281) قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد به. وزاد: "فسألت طارقًا عن النأنأة؟ قال: أراه عنى في جدة الإِسلام أو قال: بدء الإِسلام". 2 - مروان بن معاوية الفزارى كما رواه أبو عبيد في "غريب الحديث" (2/ 6) عنه به، إلا أنه عنعنه. وهو قد رمى بالتدليس. 3 - عبدة بن سليمان الكلابى الكوفى عند أبي نعيم (1/ 33) من طريقه عن إسماعيل به، ولفظه: "طوبى لمن مات في النانات، قيل: وما النانات؟ قال: جدة الإِسلام". وإسناده جيد. فائدة: قال أبو عبيد: "أما المحدثون فلا يهمزونه؛ وقال الأصمعى: هى النأنأة -مهموزة، ومعناها: أول الإِسلام؛ قال: "إنما سمى بذلك لأنه كان قبل أن يقوى الإِسلام؛ ويكثر أهله وناصره، فهو عند الناس ضعيف، وأصل النأنأة: الضعف، ومنه قيل: رجل نأنأ - إذا كان ضعيفًا، وقال امرؤ القيس يمدح رجلًا:

76 - الحديث السادس والسبعون

لعمرك ما سعد بخُلَّه آثم ... ولا نأنأ عند الحفاظ ولا حصر قال أبو عبيد: ومن ذلك قول على رضى الله عنه لسليمان بن صرد - وكان تخلف عن يوم الجمل ثم أتاه بعد-، فقال له على: تنأنأت وتربصت وتراخيت، فكيف رأيت الله صنع. قوله: تنأنأت - يريد: ضعفت واسترخيت. قال الأموى عبد الله بن سعيد: يقال: نأنأت الرجل- إذا نهنهته عما يريد وكففته عنه، كأنه يعنى أنى حملته على أن ضعف عما أراد وتراخى. وقال غير هؤلاء من أهل العلم: إنما سمى أول الإِسلام النأنأة لأنه كان والناس ساكنون هادئون لم تهج بهم الفتن ولم تشتت كلمتهم، وهذا قد يرجع إلى المعنى الأول، يقول: لم يقو التشتت والاختلاف والفتن، فهو ضعيف لذلك" اهـ. قلت: وأثر على المذكور، ذكر مُحشى "الغريب" إسناده، فقال: "قال: حدثنيه ابن مهدى عن أبي عوانة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر [عن أبيه] عن عبيد بن نضلة عن سليمان بن صرد. الحديث في الفائق 3/ 60" اهـ قلت: وهذا إسناد صحيح جليل. والله أعلم. الحديث السادس والسبعون: " غزوة في البحر خير من عشر غزوات في البر، ومن أجاز البحر فكأنما أجاز الأودية كلها، والمائد فيه كالمتشحط في دمه". ضعيف، رُوى من حديث عبد الله بن عمرو، وأبى الدرداء، وأبى أمامة، وعائشة، ومن مرسل علقمة بن شهاب القشيرى. أولًا: حديث ابن عمرو: رواه الحاكم (2/ 143) -واللفظ له- وابن شاهين في "الترغيب" (436) والبيهقى في "السنن" (4/ 334 - 345) و "الشعب" (8/ 151 - 152) وابن بشران في "الأمالى" (27/ 117/ 1) -كما في "الضعيفة" (1230) -

من طرق عن عبد الله بن صالح حدثني يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عطاء بن يسار (وعند البيهقي: سعيد بن يسار) عنه به. وزاد غير الحاكم - في أوله -: "حجة لمن لم يحج خير من عشر غزوات، وغزوة لمن قد حج خير من عشر حجج، وغزوة ... " الحديث. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط البخارى ولم يخرجاه". وقال الذهبي (خ) يعنى: "على شرط البخارى". وقال المنذرى في "الترغيب" (2/ 512): "وهو كما قال، ولا يضر ما قيل في عبد الله بن صالح؛ فإن البخارى احتج به". وقال المناوى في "الفيض" (3/ 374): "وسنده لا بأس به". وقال الشيخ الألباني حفظه الله في "صحيح الجامع" (4/ 67): "صحيح". وقال في تخريج "فقه السيرة" (ص 228): "حديث صحيح. أخرجه الحاكم (2/ 143) من حديث عبد الله بن عمرو، وقال: "صحيح على شرط البخاري" ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. وإعلال المناوى له تبعًا لابن الجوزى بأن فيه خالد بن يزيد، يروى الموضوعات عن الأثبات خطأ فاحش، لأن خالدًا هذا، لا ذكر له في سند الحديث عند الحاكم، فالظاهر أنه عند غيره ممن خرج الحديث. وبعد وروده من طريق آخر صحيح، لا يضره رواية أحد المتهمين له" اهـ. قلت: يعنى ما رواه ابن حبان في "المجروحين" (1/ 28) وعنه ابن الجوزى في "العلل" (949) من طريق خالد بن يزيد العمرى قال: نا الثورى عن يحيى بن سعيد عن عطاء بن (¬15) يسار عن عبد الله بن عمرو مرفوعا به. وقال ابن الجوزى: "هذا حديث لا يصح، قال ابن حبان: خالد بن يزيد يروى الموضوعات عن الأثبات". قلت: والعجب من المناوى عفا الله عنه، إذ حكى كلام ابن الجوزى- ¬

_ (¬15) تصحفت عند ابن الجوزي إلى: "عطاء بن دينار".

عند رواية الحاكم - في "الفيض" (4/ 401). وقال- في رواية الطبراني والبيهقي من نفس الوجه -: "وسنده لا بأس به" كما تقدم. نعم، العمرى كذاب (¬16)، والثابت عن الثورى وقفه كما يأتى، ولكن لم يتفرد برفعه وإن كان الرفع ضعيفًا مرجوحًا. وقد تفطن الألبانى لضعف الحديث، فقال في "الضعيفة" - بعد أن أورد تصحيح الحاكم فمن بعده -: "وفي كل ذلك نظر، فإن ابن صالح فيه كلام كثير، وقد قال الحافظ فيه: "صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة". قلت: وصفه بأنه: "ثبت في كتابه"، فيه نظر. انظر للحافظ نفسه، "هدى السارى" (ص 434) و "التهذيب" (5/ 259 - 260). أما محقق "الشعب"، فقال: "إسناده: لا بأس به وفيه من لم نعرفه"! يقصد ما وقع له من تسمية الراوى عن عبد الله بن صالح: "محمد بن عمرو" قال الراوى عنه: "يعنى ابن نافع" ومحمد هذا ذكره المزى ضمن الرواة عن عبد الله بن صالح (15/ 100) ونسبه: "المَعَدَّل". وجاء في "السنن" بنفس الإِسناد: "محمد بن عمرو بن خالد" وهو الحرانى، من شيوخ الطبراني، ولم أقف فيه على جرح ولا تعديل بل لم أعرف عنه سوى أن الطبراني روى عنه في "الصغير" وسائر "معاجمه". فلعل قوله: "عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن يسار" وهم منه أو من غيره. فالله أعلم. ثانيا: حديث أبي الدرداء: رواه ابن ماجه (2777) وابن عدى (6/ 2399) من طريق هشام بن عمار، ثنا بقية عن معاوية بن يحيى، عن ليث بن أبي سليم عن يحيى بن عباد عن أم الدرداء عن أبي الدرداء مرفوعًا: "غزوة في البحر مثل عشر غزوات ¬

_ (¬16) والراوى عنه - أحمد بن عبد المؤمن المروزى نزيل مصر مختلف فيه، فوثقه ابن حبان. وقال ابن يونس: رفع أحاديث موقوفة. وقال مسلمة: ضعيف جدًا. وسكت عنه ابن أبي حاتم، لكن إلصاق البلاء بالعمرى أولى.

في البر، والذى يسدر في البحر كالمتشحط في دمه في سبيل الله". قال الحافظ البوصيري في "مصباح الزجاجة" (2/ 397): "هذا إسناد ضعيف لضعف معاوية بن يحيى وشيخه ليث بن أبي سليم". وقال الشيخ الألباني: "وهذا إسناد واهٍ مسلسل بالعلل: الأولى: ليث بن أبي سليم، وكان اختلط. الثانية: معاوية بن يحيى، وهو الصدفى، ضعيف. الثالثة: بقية، وهو ابن الوليد، وكان يدلس عن الضعفاء والمجهولين" اهـ. قلت: يؤخذ عليهما- رحمهما الله- معًا أمر اشتركا فيه، وهو الجزم بأن معاوية بن يحيى هو الصدفى، كما صرح به الألبانى، وهو مقتضى إطلاق البوصيرى أيضًا، وإنما هو أبو مطيع الأطرابلسى المُوَثَّق لأمور: الأول: أن الإِمام ابن عدى إنما أورده في ترجمته من "الكامل". الثانى: أن الحافظ المزى رحمه الله ذكر في ترجمة ليث من "التهذيب" (ق 1155) رواية أبي مطيع عنه، وذكر في ترجمة أبي مطيع (ق 1348) روايته عن ليث ولم يفعل ذلك في الصدفى. الثالث: أن الصدفى ذكر له المزى خمسة شيوخ فقط - على سبيل الحصر- ليس الليث أحدهم. وأخص الشيخ الألبانى عفا الله عنه بملاحظتين: الأولى: سكوته عن هشام بن عمار- على خلاف عادته-، أما البوصيرى فلا تثريب عليه لأنه يمشيه. الثانية: إعلال الإِسناد بعنعنة بقية، وقد صرح عند ابن عدى بالتحديث، وشيخه ثقة. وكان من اليسير على الشيخ حفظه الله- بوسائل شتى- أن يعلم أن ابن عدى قد روى الحديث أيضًا. نعم، احتمال تسوية بقية قائم، لكن الشيخ لا يقصد إلا تدليس الإِسناد.

ثالثًا: حديث أبي أمامة: رواه أيضًا ابى ماجه (2778) والطبراني (8/ 200 - 201) من طريق قيس بن محمد الكندى ثنا عفير بن معدان الشامى عن سليم بن عامر عنه مرفوعًا، ولفظه: "شهيد البحر مثل شهيدى البر، والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر. وما بين الموجبتين كقاطع الدنيا في طاعة الله، وإن الله عز وجل وكل ملك الموت لقبض الأرواح، إلا شهيد البحر، فإنه يتولى قبض أرواحهم ... " الحديث. قال البوصيرى: "هذا إسناد ضعيف: عفير بن معدان المؤذن ضعفه أحمد وابن معين ودحيم وأبو حاتم والبخارى والنسائى وغيرهم". وقال الألبانى في "الإِرواء" (1195) - وقد ضعفه جدًا-: "وهذا إسناد فيه علتان: الأولى: عفير بن معدان، قال ابن أبي حاتم (3/ 36/2) عن أبيه: "ضعيف الحديث، يكثر الرواية عن سليم بن عامر عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمناكير، ما لا أصل له، لا يشتغل بروايته". وأورده الذهبى في "الضعفاء" وقال: "مجمع على ضعفه، قال أبو حاتم: لا يشتغل به". قلت: وبه أعله البوصيرى في "الزوائد" (ق 173/ 1)، وخفيت عليه العلة التالية: والأخرى: قيس بن محمد الكندى لم يوثقه أحد سوى ابن حبان، ومع ذلك فقد أشار إلى أنه لا يحتج به لا سيما في روايته عن عفير فقال: "يعتبر حديثه من غير روايته عن عفير بن معدان" اهـ. رابعًا: حديث عائشة: رواه سعيد بن منصور في "سننه" (2400) عن أبي الحريش القصار قال: أنا ابن أبي ليلى عن رجل عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: لو كنت رجلًا لم أجاهد إلا في البحر، وذلك أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: "من أصابه ميد في البحر كالمتشحط في دمه في البر". وهذا إسناد ضعيف فيه:

أ- أبو الحريش القصار، لم أرَ أحدًا ذكره سوى السمعانى رحمه الله، فقال: عند نسبه "القصار" من "أنسابه" (5/ 507): "هذه النسبة إلى قصَارة، والمشهور بها: أبو حريش القصار". فلم يذكر عن اسمه ولا حَاله شيئًا. نعم، ترجم أبو أحمد الحاكم في "الكنى" (ق 126 ب - 127 أ) لأبى الحريش من روايته عن زيد بن محمد العمرى، ورواية محمد بن الحسن الأسدى عنه، فلا أدرى أهو القصار. أم لا؟ . 2 - وابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن القاضى الكوفى، صدوق سئ الحفظ جدًا كما في "التقريب" (6081). 3 - وشيخه- الراوى عن عائشة- مبهم لا يُدرى من هو. خامسًا: مرسل علقمة بن شهاب القشيرى: رواه عبد الرزاق (5/ 286) عن عبد القدوس عنه مرفوعًا: "من لم يدرك الغزو معى فليغز في البحر، فإن أجر يوم في البحر كأجر شهر في البر، وإن القتل في البحر كالقتلين في البر، وإن المائد في السفينة كالمتشحط في دمه ... " الحديث. وإسناده واه جدًا، عبد القدوس هو ابن حبيب الكلاعى، وهو متهم بالكذب، وعلقمة وثقه ابن حبان، وروى عنه أيضًا ابنه محفوظ وسعيد بن عبد العزيز. وقد رواه ابن المبارك في "الجهاد" (196) وعنه ابن عساكر (11/ 798) وابن أبي شيبة (5/ 314) عن وكيع كلاهما عن سعيد عن علقمة بغير هذا السياق، وليس فيه: "المائد في السفينة كالمتشحط في دمه" فهى منكرة من حديث علقمة مع ضعفه وإرساله. (أما) الروايات الموقوفة، فقد ثبت الأثر- بنحوه - عن عبد الله بن عمرو، وكعب الأحبار، ورُوِى أيضًا عن مجاهد. أ- أثر ابن عمرو، وقد جاء من وجهين عن عطاء بن يسار عنه الأول:

علقه البيهقي عن الثورى، ووصله عبد الرزاق (5/ 285) وابن أبي شيبة (5/ 315) عنه عن يحيى بن سعيد قال: أخبرنى مُخبر عن عطاء عنه قال: "غزوة في البحر أفضل من عشر غزوات في البر، ومن جاز البحر فكأنما جاز الأودية (زاد ابن أبي شيبة والبيهقى: كلها)، والمائد في السفينة، كالمتشحط في دمه". وهو عند ابن أبي شيبة بهذا الإِسناد مفرقًا على موضعين، فقال في الأول: "عن يحيى بن سعيد عمن سمع عطاء بن يسار" وفي الثانى: "أخبرنى محرز (كذا، والصواب: مخبر) عن عطاء بن يسار" ورجاله ثقات رجال الصحيح سوى الراوى عن عطاء، فإنه مبهم. وذكره ابن عبد البر في "التمهيد" (1/ 238) عن ابن وهب قال: أخبرونى عمرو بن الحارث عن يحيى ابن سعيد عن عطاء به، بإسقاط الواسطة - كالرواية المرفوعة. ورواية الثورى أصح بلا ريب. والله أعلم. الثانى: رواه سعيد بن منصور (2395) عن ثقتين عن أبي حازم عن عطاء به. ولفظه: "غزوة في البحر تعدل عشرًا في البر، والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر". وإسناده صحيح، فزيادة: "ومن جاز البحر فكأنما جاز الأودية كلها" تظل على ضعفها، لانتفاء شاهد لها في هذه الرواية الصحيحة. 2 - أثر كعب: رواه سعيد (2399) عن إسماعيل بن عياش عن عمرو بن مهاجر عن أبيه عن تبيع عنه قال: "إذا وضع الرجل رجله في السفينة خلَّف خطاياه خلف ظهره كيوم ولدته أمه، والمائد فيه كالمتشحط في دمه في سبيل الله، والصابر فيه كالملك على رأسه التاج". وإسناده حسن. والظاهر أنه - وسابقه - متلقى من صحف أهل الكتاب، فإن ابن عمرو رضى الله عنهما صح عنه أنه أصاب زاملتين من صحفهم يوم اليرموك، فكان يحدث بها. 3 - أثر مجاهد: رواه عبدالرزاق عن ابن جريج قال: قال مجاهد: "غزوة

في البحر تعدل عشرًا في البر، والمائد في البحر كالمتشحط بدمه في سبيل الله". وإسناده منقطع، ابن جرج قال البرديجى: "لم يسمع من مجاهد إلا حرفًا واحدًا" كما في "التهذيب" (6/ 405). تنبيهان: الأول: قوله - في رواية غير الحاكم لحديث ابن عمرو -: "حجة لمن لم يحج خير من عشر غزوات، وغزوة لمن قد حج خير من عشر حجج". لم أستوف طرق هذه اللفظة، لأن المقصد الأصلى كان متعلقًا بلفظ الترجمة وحده. الثانى: أن ما رواه الحميدى (349) وأبو داود (2/ 7) وعنه البيهقي (4/ 335) وابن عبد البر وغيرهم من طريق مروان بن معاوية الفزارى ثنا هلال بن ميمون الرملى، عن يعلى بن شداد، عن أم حرام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "المائد في البحر الذى يصيبه القئ له أجر شهيد، والغرق له أجر شهيدين". ولفظ الحميدى: "ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، غزاة البحر، للمائد أجر شهيد، وللغرق أجر شهيدين، قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلنى منهم، قال: اللهم اجعلها منهم. فغزت البحر فلما ركبت دابتها فسقطت فماتت". فرواته ثقات، لكن يغلب على الظن عدم اتصاله، فإن يعلى بن شداد بن أوس من الثالثة كما في "التقريب" (7843) - وهى طبقة أواسط التابعين. وأم حرام رضى الله عنها استشهدت في خلافة عثمان سنة سبع وعشرين، فهى قديمة الوفاة، ثم إن لها حديثًا في الغزو في البحر- متفق عليه- بغير هذا اللفظ. وأظن أبا حاتم رحمه الله تكلم في هلال بن ميمون من أجل روايته للحديث بهذا السياق، فقال ابنه عبد الرحمن: "سألت أبي عن هلال بن ميمون الفلسطيني، فقال: ليس بالقوى، يكتب حديثه" كما في "الجرح" (9/ 76). بلى، وثقه ابن معين وابن حبان، وقال النسائى: ليس به بأس. والرجل

77 - الحديث السابع والسبعون

مقل- فيما يظهر- فتفرده بهذه اللفظة المخالفة للثابت عن أم حرام رضى الله عنه، يوجب التوقف عن حديثه هذا، مع مراعاة ما في اتصاله من النظر. والله أعلم. الحديث السابع والسبعون: " قنت في صلاة الصبح، قال (القائل: أنس): فسمعْتُه يدعو في قنوته على الكفرة. قال: وسمعته يقول: "واجعل قلوبهم كقلوب نساء كوافر". منكر. رواه البزار (558) وأبو يعلى (7/ 268 - 269) - واللفظ له- من طريق حماد بن زيد، والطحاوي في "شرح معانى الآثار" (1/ 244) - مختصرًا- من طريق الحارث بن عبيد، حدثنا حنظلة بن عبد الله السدوسى عن أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فذكره. وقال البزار: "لا نعلمه بهذا اللفظ عن أنس إلا من حديث حنظلة". وقال الهيثمى في "كشف الأستار": "قلت: القنوت في "الصحيح" خلا الدعاء". وقال في "المجمع" (2/ 139): "رواه أبو يعلى والبزار، وفيه حنظلة بن عبد الله (في الأصل: عبيد الله) السدوسى، ضعفه أحمد وابن المدينى وجماعة، ووثقه ابن حبان". قلت: والصواب قول الجمهور. قال على بن المدينى: سمعت يحيى بن سعيد - وذُكِر حنظلة السدوسى-، فقال: قد رأيته وتركته على عمد. قلت ليحيى: كان قد اختلط؟ قال: نعم. وقال الميمونى عن الإِمام أحمد: ضعيف الحديث. وقال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن حنظلة السدوسى، فقال: حنظلة - ومد بها صوته - ثم قال: ذاك منكر الحديث، يحدث بأعاجيب، حدَّث عن أنس، قيل: يا رسول الله: أينحنى بعضنا لبعض، وعن أنس: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو في القنوت، وعن شهر عن

ابن عباس، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في الفجر. وضعَّفه. وقال ابن معين: تغير في آخر عمره. وقال أيضًا: ضعيف. وفي رواية ابن الدورقي عنه: ليس حديثه بشئ. وقال أبو حاتم: ليس بقوى. وقال النسائى: ضعيف. وتناقض ابن حبان، فذكره أيضًا في "المجروحين" (1/ 267)، وقال: "اختلط بأخرة حتى كان لا يدرى ما يحدث، فاختلط حديثه القديم بحديثه الأخير، تركه يحيى القطان". (ثم) وجدت للحديث لفظا آخر عن حنظلة، فرواه الحارث بن أبي أسامة (زوائده: 175) حدثنا العباس بن الفضل ثنا عبد الوارث عنه عن أنس قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمْ صلاة قنت بعد الركوع. فكان من دعائه: "اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يحادون رسلك، ويصدون عن سبيلك، وألقِ بينهم العداوة والبغضاء". والعباس بن الفضل- شيخ الحارث - هو البصرى العبدى الأزرق، وهو هالك. قال البخارى وأبو حاتم: ذهب حديثه. وقال ابن معين: كذاب خبيث. وضعَّفه ابن المدينى جدًا. وتساهل ابن حبان، فأدخله في "الثقات" (8/ 510 - 511)، وقال: "يخطئ ويخالف". ثم وجدته من حديث شعبة عن حنظلة عن أنس عند الخطيب (8/ 173) بلفظ: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قنت شهرًا بعد الركوع يدعو على هؤلاء". والمتن ثابت، واستغربه الخطيب من حديث شعبة عنه، وفيه الكديمى وهو متهم. (والصحيح) - في هذا الحديث - وقفه على يحيى بن وثاب التابعى الثقة الجليل- رحمه الله - كما رواه ابن أبي شيبة (10/ 443) عن أبي معاوية عن الأعمش عنه، قال: سمعته يقول في قنوته: "اللهم عذب كفرة أهل الكتاب. اللهم اجعل قلوبهم على قلوب نساءٍ كوافر". وإسناده صحيح. ورواية الأعمش عن يحيى في "الأدب المفرد" و"جامع الترمذي" و"سنن ابن ماجه". كما في ترجمة سليمان بن مهران الأعمش من "تهذيب الكمال" (12/ 80). (وقوله) - في رواية الحارث -: "اللهم عذب كفرة أهل الكتاب ... " إلخ.

ثابت أيضًا عن الفاروق عمر رضى الله عنه في قنوته كما رواه عبد الرزاق (3/ 110 - 111) وابن أبي شيبة (2/ 314 - 315) والطحاوى (1/ 249 - 250) والبيهقى (2/ 210 - 211) من طرق أكثرها صحيح - مطولة ومختصرة -، أسوق اثنتين منها: الأولى: رواية عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء أنه سمع عبيد ابن عمير يأثر عن عمر بن الخطاب في القنوت أنه كان يقول: "اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذى لا ترده عن القوم المجرمين. بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إياك نعبد، ولك نصلى ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخاف عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق (¬17) " اهـ. الثانية: روايته أيضًا عن معمر عن على بن زيد بن جدعان عن أبي رافع قال: صليت خلف عمر بن الخطاب الصبح فقنت بعد الركوع، قال: فسمعته يقول: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك ولا نكفرك، ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلى ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ونخاف عذابك، إن عذابك بالكفارين (وفي النسخة ص: بالكفار) ملحق. اللهم عذب الكفرة، وألق في قلوبهم الرعب، وخالف بين كلمتهم، وأنزل عليهم رجزك وعذابك، اللهم عذب كفرة ¬

_ (¬17) آثرت لفظ عبد الرزاق لأن ابن جريج صرح بالتحديث عن عطاء، فقد رواه ابن أبي شيبة - مختصرًا- والبيهقي من طريقه، ولم يصرح عندهما.

أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أوليائك، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وأصلح ذات بينهم، وألف بين قلوبهم، واجعل في قلوبهم الإِيمان والحكمة، وثبتهم على ملة نبيك، وأوزعهم أن يوفوا بالعهد الذى عاهدتهم عليه، وانصرهم على، عدوك وعدوهم إله الحق. واجعلنا منهم" وعلى بن زيد بن جدعان ضعيف، كما في "التقريب" (4734) لكنه ثابت من مجموع طرقه. وقد قال الإِمام النووى رحمه الله في "الأذكار" (ص 49): "قال أصحابنا: وإن قنت بما جاء عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان حسنًا، وهو أنه قنت في الصبح بعد الركوع فقال: " فذكره بنحو الرواية الثانية. تم قال: "واعلم أن المنقول عن عمر رضى الله عنه: "اللهم عذب كفرة أهل الكتاب"، لأن قتالهم في ذلك الزمان كان مع كفرة أهل الكتاب، وأما اليوم فالاختيار أن يقول: "عذب الكفرة"، فإنه أعم. وقوله: نخلع: أى نترك، وقوله: يفجرك، أى: يلحد في صفاتك، وقوله: نحفد - بكسر الفاء -، أى: نسارع، وقوله: الجِدّ- بكسر الجيم-، أى: الحق، وقوله: ملحق بكسر الحاء على المشهور، ويقال: بفتحها، ذكره ابن قتيبة وغيره وقوله: ذات بينهم أى: أمورهم ومواصلاتهم، وقوله: والحكمة، هى كل مانع من القبيح، وقوله: وأوزعهم: أى: ألهمهم، وقوله: واجعلنا منهم، أى: ممن هذه صفته ... " إلخ. قلت: وكذلك قال البيهقي (2/ 211): "وروينا عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقرأ في دعاء القنوت: إن عذابك بالكفار ملحق - يعنى بخفض الحاء". وكذلك قال ابن الأثير رحمه الله في "النهاية" (4/ 238) - مادة (لحق) -: "في دعاء القنوت "إن عذابك بالكفار مُلحق" الرواية بكسر - الحاء: أى من نزل به عذابك ألحقه بالكفار. وقيل: هو بمعنى لاحق، لُغة في لَحَق. يقال: لحقته وألحقته بمعنىً، كتبعته وأتبعته. ويروى بفتح الحاء

على المفعول: أى أن عذابك يُلْحَق بالكفَّار ويصابون به" اهـ. وفيه رَدٌّ على الذين لا تستسيغ أذواقهم وعقولهم رواية اللفظة بكسر الحاء، تعللًا بأن: "المُلحِق" هو الله عز وجل! . (وقد) ورد دعاء عمر مرفوعًا من طريق ضعيفة ومرسلة، ففى "مراسيل أبي داود" (89) و "سنن البيهقي" (2/ 210) من طريق معاوية بن صالح، عن عبد القاهر، عن خالد بن أبي عمران قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو على مضر إذ جاءه جبريل، فأومأ إليه أن اسكت، فسكت، فقال: يا محمد، إن الله لم يبعثك سبابا ولا لعانا، وإنما بعثك رحمة، ولم يبعثك عذابًا {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} قال: ثم علمه هذا القنوت: اللهم إنما نستعينك ... " الحديث، حتى قوله: "ملحق". وهذا إسناد ضعيف له علتان: الأولى: جهالة عبد القاهر، وهو ابن عبد الله، ويقال: أبو عبد الله. قال الحافظ (4143): "مجهول". الثانية: الإِرسال، بل الإِعضال في غالب الأمر، فإن خالد بن أبي عمران- وهو أبو عمر التجيبى التونسى قاضى إفريقية-، لم يذكر له المزى في "التهذيب" (8/ 142) رواية عن أحد من الصحابة سوى عبد الله بن الحارث ابن جزء، وسائر حديثه عن التابعين أمثال سالم بن عبد الله بن عمر، وسليمان ابن يسار وعروة وعكرمة ونافع وغيرهم. نعم، ذكر روايته عن عبد الله بن عمر، لكن قال: "ولم يسمع منه" (¬18). ¬

_ (¬18) وهى رواية ابن المبارك (431) وعنه الترمذى (3502) وغيره عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن خالد عن ابن عمر مرفوعًا بدعاء القيام من المجلس وهى رواية مرجوحة، فقد رواه بكر بن مضر- وهو ثقة ثبت - عن ابن زحر، ورواه ابن لهيعة عن خالد، وأبو صالح عن الليث عن خالد به - بإثبات نافع بين خالد وابن عمر، وهو الصحيح. ويحيى بن أيوب صدوق حسن الحديث، له بعض الأوهام =

ملاحظات مختصرة

والثابت في نزول هذه الآية: ما رواه البخارى (4559) من طريق سالم ابن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول: "اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا" بعدما يقول: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد" فأنزل الله {ليس لك من الأمر شئ - إلى قوله - فإنهم ظالمون}. وروى أيضًا (4560) من طريق الزهرى عن سعيد بن المسيب وأبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع، فربما قال، إذا قال: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد": "اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة. اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسنى يوسف" يجهر بذلك. وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: "اللهم العن فلانا وفلانا - لأحياء من العرب- حتى أنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية. وقد أورد الحافظ ابن كثير رحمه الله هذين الحديثين- بنحوهما- وغيرهما عند تفسير آل عمران (99) من "تفسيره" (1/ 402 - 403) وذكر عقب ذلك مناسبة أخرى لنزول الآية، فانظره إن شئت. ملاحظات مختصرة: الأولى: أن القنوت في النوازل من السنن المؤكدة عند أهل الحديث وجمهور الفقهاء. الثانية: أنه لا يختص بصلاة الصبح وحدها، فقد ثبت ذلك -كما رأيت - وثبت أيضًا في الصبح والظهر والعشاء. فعله أبو هريرة ثم قال: "لأنا أشبهكم صلاةً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم". وثبت أيضًا في الصبح والمغرب. ¬

_ = والمناكير. والله أعلم.

رواه مسلم وغيره عن البراء. وثبت في الصلوات الخمس جميعها. رواه أبو داود والدارقطني وغيرهما عن ابن عباس، وإسناده جيد. الثالثة: أن قنوت عمر- رضى الله عنه- يسمى الشطر الثانى منه: السورتين - سورتى الخَلع والحَفد- قال ميمون بن مهران رحمه الله: "في قراءة أبي بن كعب: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد وإليك نسعى ونحفد. نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق". وكذلك قال حماد بن سلمة رحمه الله: قرأنا في مصحف أبي بن كعب: اللهم إنا نستعينك ... الأثر بنحوه. وأخرج ابن نصر عن ابن إسحاق قال: قرأت في مصحف أبي بن كعب بالكتاب الأول العتيق: بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله أحد- إلى آخرها - بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الفلق- إلى آخرها- بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الناس - إلى آخرها- بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ... الأثر وبوب على ذلك وغيره كثير، الإِمام السيوطى رحمه الله في "الدر": (ذكر ما ورد في سورة الخلع وسورة الحفد) (6/ 422: 420) فانظره. وللقنوت بالسورتين شأن عظيم عند كثير من السلف كما تراه في مصنفى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق و "قيام الليل" لابن نصر مع ما أحلنا عليه القارئ من نقول السيوطى. وبالغ بعض أهل الحديث في شأنه، فقال عبد الله ابن داود الخريبى الكوفى- رحمه الله-: "من لم يقنت به بالسورتين، فلا يصلى خلفه" كما في "بداية المجتهد" لابن رشد رحمه الله (1/ 96). الرابعة: أن الدعاء في قنوت النازلة لا يكون بالتشهى، ولا كيفما اتفق، يل باتباع الوارد الثابت - قدر الاستطاعة - ويتضمن لزاما الدعاء لقوم والدعاء على آخرين. لقول أبي هريرة في حديث البخارى المتقدم، وفي رواية ابن حبان: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يقنت في صلاة الصبح إلا أن يدعو لقوم أو يدعو على قوم". ولقول أنس رضى الله عنه: "أن النبي

صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يقنت إلا إذا دعى لقوم أو دعى على قوم". قال صاحب "التنقيح": "وسند هذين الحديثين صحيح، وهما نص في أن القنوت مختصٌ بالنازلة". وصححهما أيضًا الحافظ رحمه الله في "الدراية". انظر "الضعيفة" (3/ 387 - 388). الخامسة: أن قنوت عمر رضى الله عنه، ورد عن غيره من الصحابة كعثمان وعلى بأسانيد لا تثبت. (وبعد) فإن مما يؤسف له أن كثيرًا من الناس لا يفطنون - ومنهم من ينكر أن يكون المسلمون في نازلة الآن! والنوازل قد حاقت بالعالم الإِسلامى أجمع، فلم تكد بقعة منه تسلم. والمستمسكون بحبل الله ينالهم النصيب الأوفى من العذاب والتنكيل والتشريد والاعتقال والإِبادة كما لا يخفى على أحد. فالدعاء لهؤلاء المستضعفين من المسلمين في السجود وقيام الليل والقنوت من أجلهم من أدنى الواجبات التى بمقدور الجميع أن يقدمها لهم فهى أخف على النفوس التى يضن أصحابها أن يشروها لبارئها تبارك وتعالى ظفرًا بجواره في جنة الخلد، فماذا بقى إذًا لم نبخل به؟ ! وقد قال المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بصلاتهم ودعوتهم وإخلاصهم". وقال: "ابغونى في ضعفائكم فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم". والمشاهد أن المسلمين الاَن قد ألهتهم مطالب الحياة وتحصيل الدنيا والسعى من أجلها، واللهو واللعب فيها - بل قد أُلهوا عمدًا بناء على تخطيط خبيث كما يعلم الفطناء - عن التفكير في فك رقابهم - أولًا- واستنقاذ إخوانهم المنكوبين بالدعاء والدعوة والبذل، فمتى نفلح ونحن لا نعيش إلا من أجل أنفسنا؟ نسأل الحق تعالى أن يرزقنا الإيثار والكد لصالح هذا الدين والقنوت من أجل المعذبين المزلزلين في أرجاء الأَرض من أجل العقيدة وفي سبيل الحق العلى الكبير. آمين.

78 - الحديث الثامن والسبعون

الحديث الثامن والسبعون: " كان يَدَّهِنُ بالزيت غير المقتت عند الإِحرام". منكر. رُوِى من حديث ابن عمر وابن عباس من نفس الوجه. أولًا: حديث ابن عمر: رواه الإِمام أحمد (2/ 29، 25، 59، 72, 145) وأبو عبيد في "الغريب" (1/ 226 - 227) وابن أبي شيبة (الجزء المفقود ص 398) والترمذى (962) من طرق عن حماد بن سلمة عن فرقد السبخى عن سعيد بن جبير عنه مرفوعًا به. وعند أبي عبيد: "عن الحسن أو سعيد بن جبير". وقال الترمذى: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث فرقد السبخى عن سعيد بن جبير، وقد تكلم يحيى بن سعيد في فرقد السبخى، وروى عنه الناس". وكذلك أورده الذهبى في "الميزان" (3/ 346) في جملة ما استنكر عليه. وهو ضعيف، ضعفه الجمهور، ووثقه ابن معين- في رواية- وتكلم فيه في عدة روايات عنه. وقال الحافظ في "التقريب" (5384): "صدوق عابد لكنه لين الحديث كثير الخطأ". ثانيًا: حديث ابن عباس: رواه أبو نعيم (3/ 49) والبيهقى (5/ 58) من طريقين عن حماد بن سلمة به، عن ابن عباس. وقال البيهقي: "ورواه الأسود بن عامر شاذان عن حماد ابن سلمة عن فرقد عن سعيد عن ابن عمر". قلت: كأنه يجعل الاختلاف فيه من أبي سلمة الخزاعى- راويه عن حماد عنده -، وهو ثقة حافظ إمام، والأشبه أنه ممن دونه، فقد رواه الإِمام أحمد - في أحد المواضع المذكورة - عنه عن حماد كرواية الجماعة. أما راويه عن حماد عند أبي نعيم، فهو مسلم ابن إبراهيم الفراهيدى، رواه من ثلاث طرق عنه، فجعله أيضًا من مسند

ابن عباس، ومسلم ثقة حافظ لكن الوهم لا ينفك عنه بشر، لا سيما والجادة هى رواية ابن جبير عن ابن عباس، ثم وجدته في "الأخلاق" لأبى الشيخ (ص 150) من طريق مسلم عن حماد به على الصواب. على أن الحمل على فرقد أولى لأنه ضعيف كما تقدم. (والصحيح) عن سعيد بن جبير وقف الحديث على ابن عمر رضى الله عنهما، فقد رواه ابن أبى شيبة أيضًا عن وكيع قال: ثنا سفيان عن منصور عن سعيد بن جبير عنه: "أنه كان يدهن بالزيت عند الإِحرام". وإسناده صحيح غاية، وهو على شرطهما. ثم وجدته اليوم عند البخارى (1357) - بزيادة -، فرواه عن محمد بن يوسف (وهو الفريابي) حدثنا سفيان عن منصور عن سعيد بن جبير قال: "كان ابن عمر - رضي الله عنهما - يدهن بالزيت" فذكرته لإِبراهيم (القائل: منصور) قال: ما تصنع بقوله؟ حدثنى الأسود عن عائشة رضى الله عنها قالت: "كأنى أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو محرم". ثم روى (1539) من طريق الإمام مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنها قالت: "كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لإِحرامه حين يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت". وهو في "الموطأ" (1/ 328) وقال الحافظ في "الفتح" (3/ 465) - عند قوله في الأثر "يدهن بالزيت": "أى عند الإِحرام بشرط أن لا يكون مطيبًا، كما أخرجه (¬19) الترمذى من وجه آخر عنه مرفوعًا، والموقوف عنه أخرجه ابن أبي شيبة وهو أصح، ويؤيده ما تقدم في كتاب الغسل من طريق محمد بن المنتشر أن ابن عمر قال: "لأن أطلى بقطران أحبُّ إليَّ من أن أتطيب ثم أصبح محرمًا". وفيه إنكار عائشة عليه، وكان ابن عمر يتبع في ذلك أباه فإنه كان يكره استدامة الطيب بعد الإِحرام كما سيأتى، وكانت عائشة تنكر عليه ذلك. وقد روى سعيد بن منصور من طريق عبد الله ¬

_ (¬19) واستدل على هذا الشرط- عفا الله عنه- دون أن يبين ضعف رواية الترمذي وإعلالها بفرقد مع مخالفته للثقات. فقد يفهم البعض من قوله: "وهو أصح" أنها ثابتة.

79 - الحديت التاسع والسبعون

ابن عبد الله بن عمر أن عائشة كانت تقول: "لا بأس بأن يمس الطيب عند الإِحرام" قال: فدعوت رجلًا وأنا جالس بجنب ابن عمر فأرسلته إليها وقد علمت قولها ولكن أحببت أن يسمعه أبي، فجاءنى رسولى فقال: إن عائشة تقول: لا بأس بالطيب عند الإِحرام فأصب ما بدالك. قال: فسكت ابن عمر. وكذا كان سالم بن عبد الله بن عمر يخالف أباه وجده في ذلك لحديث عائشة، قال ابن عيينة: "أخبرنا عمرو بن دينار عن سالم أنه ذكر قول عمر في الطيب ثم قال: قالت عائشة" فذكر الحديث، قال سالم: سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحق أن تتبع". وقال- في قول إبراهيم لمنصور: "فقال: ما تصنع بقوله" يشير إلى ما بينته، وإن كان لم يتقدم إلا ذكر الفعل، ويؤخذ منه أن المفزع في النوازل إلى السنن وأنها مستغنى بها عن آراء الرجال وفيها المقنع". وانظر شرحه - رحمه الله - لحديث عائشة، وجوابه عن شبهات المخالفين له وتأويلاتهم حتى (ص 467). وانظر أيضًا روايات شتى لحديث عائشة في "جامع الأصول" لابن الأثير الجزرى رحمه الله (3/ 31: 35) بتعليقات الشيخ عبد القادر الأرنؤوط حفظه الله. وانظر أيضًا "التمهيد" للحافظ ابن عبد البر (19/ 296: 309). الحديت التاسع والسبعون: " لأن أمشى على جمرة أو سيف، أو أخصف نعلى برجلى، أحبُّ إلَيَّ من أن أمشى على قبر مسلم، وما أبالى أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق". ضعيف. رواه ابن ماجه (1567) من طريق المُحَارِبىِّ، عن (¬20) الليث ¬

_ (¬20) هكذا بالعنعنة عنده، وجاء في "مصباح الزجاجة": "حدثنا الليث بن سعد". وما أراه صوابًا.

ابن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزنى، عن عقبة بن عامر مرفوعًا به. وهو في "الجامع الصغير" (7207) مرموزًا له بالضعف، وهو الحق، صح الرمز عن الإِمام السيوطى أم لم يصح، فهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، لكن عبد الرحمن بن محمد المحاربى مدلس، وقد عنعنه. وقد أورده الحافظ رحمه الله في "طبقات المدلسين" (80) في المرتبة الثالثة، وقال: "وصفه العقيلى بالتدليس". وقال في "التقريب" (3999): "لا بأس به وكان يدلس، قاله أحمد". قلت: والأعدل في حقه قول الحافظ الذهبي رحمه الله في "الكاشف" (2/ 163): "ثقة يغرب"، فإنه أشبه بمجموع كلام النقاد فيه. ولكن الذى يخشى أن يكون قد دلسه عن مجروح مرغوب (¬21) عنه، ولم يسمعه هو من الليث، فإن طريق: "الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني عن عقبة بن عامر رضى الله عنه"، مذكور عند أهل العلم بالحديث في: "أصح الأسانيد"، وخَصَّه بعضهم بالمصريين. فيبعد - بعد ذلك - أن يكون هذا الحديث من صحيح حديث الليث رحمه الله ثم يرغب عنه الشيخان، بل الأئمة الثلاثة: أبو داود والنسائى والترمذى، بل ابن حبان في "صحيحه" والحاكم في "مستدركه"، بل الإمام أحمد في "مسنده"، بل الطبراني في "معجمه الكبير" - مع أنه جمع فيه أحاديث عقبة، فأوْعَى! وبعد ذلك يتفرد به ابن ماجه في "سننه" وهى أدنى الكتب الستة مرتبة، وأكثرها ضعيفًا. وغرائب ومناكير. أما احتمال فواته جميع الأئمة المتقدم ذكرهم، فهو بن البُعد بمكان! نعم، صحح الحديث غير واحد جريًا على ظاهر حال رجاله. ¬

_ (¬21) ومن أجل التدليس، أورد له العقيلى في "الضعفاء" (2/ 347 - 348) حديثين أولهما رواه عن معمر، فأنكر الإمام أحمد أن يكون سمع منه، واستفظع الحديث. والثاني عن عاصم الأحول، واحتمل أن يكون المحاربى قد دلسه عن سيف بن محمد - ابن أخت سفيان-، وكان كذابًا.

1 - فقال الحافظ المنذرى رحمه الله في "الترغيب" (4/ 721): "رواه ابن ماجه بإسناد جيد". 2 - وقال الحافظ البوصيرى رحمه الله في "مصباح الزجاجه" (1/ 512): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات: محمد بن إسماعيل (يعنى ابن سمرة شيخ ابن ماجة) وثقه أبو حاتم والنسائى وابن حبان، وباقى رجال الإِسناد على شرط الشيخين، فقد احتجا بجميع رواته. ولم يتفرد به محمد بن إسماعيل بن سمرة، فقد رواه أبو يعلى الموصلى في "مسنده": حدثنا حفص بن عبد الله أبو عمر الحلوانى حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربى، فذكره بزيادة. وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه مسلم والنسائى وابن ماجه. ورواه مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى من حديث أبي مرثد الغنوى" اهـ. قلت: الحديثان المذكوران في الجلوس على القبر لا المشى عليه، ولا يشهدان لسائر الحديث. أما حديث أبي هريرة، فلفظه عند مسلم (3/ 62): "لأن يجلس أحدكم على جمرة فتُحرِق ثيابه، فتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر". وأما حديث أبي مرثد، فلفظه عنده: "لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها". وفي رواية: "لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا إليها". ولفظ الحديثين في "السنن" بنحو هذا أيضًا. والشيخان - وإن احتجا برجال هذا الإِسناد باستثناء شيخ ابن ماجه - إلا أنهما لم يخرجا للمحاربى (¬22) عن الليث ¬

_ (¬22) ثم اكتشفت أنهما لم يحتجا به. قال الحافظ في "الهدى" (ص 439): "ليس له في البخارى سوى حديثين متابعة قد نبهنا على أحدهما في ترجمة زكريا بن يحيى أبي السكين وعلى الثانى في ترجمة صالح بن حيان. وروى لم الجماعة". قلت: لم أجد له سوى حديث واحد رواه له مسلم في "البيوع" (5/ 44 - 45) متابعة أيضًا. فالله أعلم.

ابن سعد شيئًا. والله أعلم. 3 - وقال الشيخ الألبانى حفظه الله في "صحيح الجامع" (5/ 6): "صحيح" وقال في "أحكام الجنائز" (ص 209): "رواه ابن أبي شيبة (4/ 223) وابن ماجه ... " كذا قال، وسيأتى أنه عند ابن أبي شيبة موقوفًا على عقبة، لا مرفوعًا كما يفهم من ظاهر صنيعه عفا الله عنه. أما في "الإِرواء" (63) - فأورد إسناد ابن ماجه كله وقال: "وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات، والمحاربى اثنان: عبد الرحمن بن محمد، وابنه عبد الرحيم، وهو المراد هنا. وكلاهما ثقة إلا أن الأب وصفه أحمد بالتدليس. والحديث قال المنذرى في "الترغيب" (4/ 189): "إسناده جيد". وقال البوصيرى في "الزوائد": "إسناده صحيح" اهـ (¬23) وفيه أمور: الأول: أن عطفه رواية ابن ماجه على رواية ابن أبي شيبة يوهم أن الحديث عندهما معًا مرفوعًا أو موقوفًا، وليس الأمر كذلك. وهو عَين ما أخذه على الحافظ ابن حجر رحمه الله عند كلامه على حديث: "إياكم وهاتين الكعبتين" ... " المتقدم في الرقم (61)، وتقدم لذلك وهم مماثل عند حديث: "الجنة حرام على كل فاحش أن يدخلها" المخرج في القسم الأول من الكتاب (20). الثانى: قوله: "والمحاربى اثنان عبد الرحمن بن محمد وابنه عبد الرحيم، وهو المراد هنا". ولا أدرى ما حجته في ترجيح أن المحاربى المراد في هذا الإِسناد هو عبد الرحيم الابن لا عبد الرحمن الأب مع أن كل الدلائل تشير إلى ضد ذلك، فمنها: ¬

_ (¬23) ثم وجدت الحافظ الذهبي رحمه الله رواه في ترجمة المحاربى من "السير" (9/ 138) من طريق على بن حرب الموصلى عنه، وقال: "إسناده صالح" اهـ فهذا دليل على أنه معروف بتفرده بهذا الحديث.

أن نسبة المحاربى إذا أطلقت لتبادر إلى الأذهان أنه: "عبد الرحمن بن محمد" وهو أشهر من ابنه بكثير عند المحدثين. * وأن محمد بن إسماعيل بن سمرة - شيخ ابن ماجه - وعبد الرحيم بن عبد الرحمن المحاربى رغم تباعد سنتى وفاتيهما إلا أن كليهما من العاشرة. ومن المستبعد عادة أن يكون الرجل وشيخه من طبقة واحدة. * وأن الناظر في ترجمة ابن سمرة من "تهذيب الكمال" (ق 1174) يجد أن الحافظ المزى رحمه الله ذكر روايته عن عبد الرحمن المحاربى لا ابنه. * وأنه في ترجمة عبد الرحيم (ق 828) لم يذكر له رواية عن الليث، ولا رواية لابن سمرة عنه. *وأنه في ترجمة الليث بن سعد (ق 1153) لم يذكر لعبد الرحيم رواية عنه. * وأن الحافظ ابن حجر رحمه الله قال في ترجمة عبد الرحيم من "التهذيب" (6/ 307): "وعنه البخارى. وروى ابن ماجه عن أبي كريب عنه، وأبو بكر بن أبي شيبة ... " فذكر جماعة على وجه الاستقصاء، لم يذكر فيهم ابن سمرة. * وأن الحافظ البوصيرى رحمه الله- بصدد بيان أن ابن سمرة لم يتفرد به عن شيخه - قال: " ... فقد رواه أبو يعلى الموصلى في "مسنده": حدثنا حفص بن عبد الله أبو عمر الحلوانى حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربى، فذكره بزيادة" كما تقدم عنه. فكأن الشيخ- حفظه الله- استبعد أن يروى عبد الرحمن المحاربى (وهو من التاسعة، توفى 195) عن الإِمام الليث (من السابعة، توفى 175) مع قصر المدة بين وفاتيهما، فاكتفى بذلك. والحق أن أمر مراعاة الوفيات غير مطرد، فإن الشيخ قد يُعَمَّر فتتقارب سنة وفاته من سنى وفيات الرواة عنه. فالعبرة بالطبقات، وأن يكون بين الرجل وشيخه طبقتان في المعتاد، والأمر ههنا كذلك. على أن الشيخ - حفظه الله - قد توقف عن تصحيح حديث

80 - الحديث الثمانون

فيه عنعنة المحاربى، وقال: "فلا أقل من أن يصلح للاستشهاد به" كما في "الصحيحة" (469). وصدق عفا الله عنه. وبعد، (فالثابت) - إن شاء الله - أن هذا الحديث إنما هو من قول عقبة ابن عامر رضى الله عنه موقوفا عليه - لا من حديثه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم- كما رواه ابن أبي شيبة (3/ 338) بإسناد كالشمس عن شبابة (وهو ابن سوار المدائنى) عن الليث به، ولفظه: "لأن أطأ على جمرة أو على حد سيف حتى يخطف (كذا) رجلى أحب إلَىَّ من أن أمشى على قبر رجل مسلم. وما أبالى أفى القبور قضيت حاجتى أم في السوق بين ظهرانيه والناس ينظرون". ثم أعاده (3/ 339) مختصرًا، مقتصرًا على الشطر الثانى. وهذا إسناد صحيح متصل ليس فيه شبهة انقطاع أو تدليس، وشبابة رجحه الحافظ رحمه الله في "التقريب" (2733) على المحاربى إذ قال فيه: "ثقة حافظ، رمى بالإِرجاء" بينما قال في المحاربى: "لا بأس به" التى لا تفيد أكثر من أن من قيلت فيه حسن الحديث، مع أرجحية قول الذهبى فيه كما تقدم والإِسناد على شرط مسلم، فقد أخرج - رحمه الله- لشبابة عن الليث كما في "تهذيب الكمال" (12/ 344)، فإن كان احتجاجا، فهو كما ذكرت. فهذا ما أدانى إليه حبى وشغفى وفَهمى لهذا العلم الشريف فإنما احتكمت إلى قواعده وأصوله، وإذا ظهر لطالب علم صغير مثلى ما خفى على هؤلاء الشُمّ العوالى، فكان ماذا؟ ! اللهم إن كان هذا حقًا فبفضلك وحدك لا شريك لك. وإن كانت الأخرى فإنى أتوب إليك لا إلى فلان وفلان، فلك الملك، ولك الحمد. الحديث الثمانون: " للمؤمن أربعة أعداء: مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وشيطان يضله، وكافر يقاتله".

ضعيف جدًا. رُوِى من حديث أبي هريرة - من وجهين عنه -، وابن عمر، وأنس بنحوه بزيادة. أولًا: حديث أبي هريرة: الوجه الأول: رواه الديلمى من طريق صخر بن محمد الحاجبى أبي حاجب حدثنا خالد الواسطى عن حصين بن عبد الرحمن عن أبي وائل عنه مرفوعا به. أفاده محققا "الفردوس" (3/ 367) وصخر هذا هالك. قال الخليلى وابن طاهر: كذاب. وقال ابن عدى: حدَّث عن الثقات بالبواطيل. وقال الدارقطني: متروك الحديث. وقال- في موضع آخر -: يضع الحديث على مالك والليث ونظرائهما من الثقات. وبنحو ذلك قال الحاكم وأبو نعيم والنقاش. والحديث، قال في "ضعيف الجامع" (5/ 29): "ضعيف جدًا". وأحال على "فيض القدير". وفيه (5/ 292 - 293): "وخالد الواسطى مجهول، وحصين بن عبد الرحمن، قال الذهبى: نسى وشاخ. وقال النسائى: تغير". قلت: خالد هو ابن عبد الله ثقة حافظ (¬24)، فالمناوى رحمه الله ذهب وهمه إلى خالد بن يزيد الواسطى الذى قال فيه أبو حاتم: مجهول، وليس هو الراوى عن حصين. الوجه الثانى: رواه تمام في "فوائده" (الروض البسام: 21) من طريق السرى بن عاصم: نا إبراهيم بن هراسة - وكان يحيى بن معين يقول: ثقة- نا أبو معشر المدنى عن سعيد بن أبي سعيد المقبرى عنه مرفوعًا به، ولفظه: "المؤمن موكل به أربعة: منافق يؤذيه، وفاسق يبغضه، وكافر يقاتله، وشيطان يكيده". قال محققه - حفظه الله -: "هذا حديث موضوع، السرى بن عاصم كذبه ابن خراش، وقال ابن معين: يسرق الحديث. واتهمه النقاش (لسان الميزان: 3/ 12)، وإبراهيم تركه البخارى، وأبو حاتم ¬

_ (¬24) وهو ممن سمعوا من حصين قبل تغيره كما نص عليه الحافظ في "الهدى" (ص 417).

والنسائى، وكذبه أبو داود والعجلى (اللسان: 1/ 121 - 122). ولم أرَ من ذكر توثيق ابن معين له، وأظنه من أكاذيب السرى، والحديث لا ينفك عن وضع أحدهما. وأبو معشر اسمه، نجيح بن عبد الرحمن، ضعيف كما في التقريب، والقاسم (يعنى ابن موسى بن الحسن بن موسى شيخ شيخَىْ تمام) ذكره الخطيب في "تاريخه" (12/ 435) ولم يحك فيه جرحًا ولا تعديلًا" اهـ. قلت: وأعاد ترجمته أيضًا في (12/ 444). وترجم له ابن عساكر (14/ 374 - 375) ووهم الخطيب في جعله اثنين. وترجم له أيضًا أبو الشيخ في "الطبقات" (3/ 77) وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 159 - 160) إلا أن أبا الشيخ رحمه الله سماه: "القاسم بن محمد بن الحسن بن موسى". وهو هو. والظاهر أنه صدوق لكثرة شيوخه والرواة عنه، وتعدد رحلاته، ووصف أبي محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الفرغانى في "تاريخه" إياه بقوله: "وكان من أهل العلم، قد كتب عنه بالشام والجبل وديار ربيعة ومضر ... " إلخ، كما حكاه عنه ابن عساكر. والله أعلم. ثانيًا: حديث ابن عمر: قال الحافظ العراقى رحمه الله في ترجمة: "أحمد بن محمد السماعي" من "ذيل الميزان" (151): " ... وروى أحمد بن نصر بهذا الإِسناد (يعنى: عن موسى بن عيسى بن يزيد بن حميد عنه عن عمران بن زياد عن أبي قرة موسى بن طارق عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا: للمؤمن أربعة أعداء ... " الحديث. قال الدارقطني: هذا باطل". وذكر له الحافظ رحمه الله في "اللسان" (1/ 302 - 303) حديثًا آخر- أورده العراقي أيضًا- عن السماعي بهذا الإِسناد، وقال: "قال الدارقطني في "الغرائب": هذا منكر باطل لا يصح عن مالك ولا عن أبي قرة. والسماعى وعمران بن زياد مجهولان" اهـ.

ثانيًا: حديث أنس: علقه السمرقندى في "تنبيه الغافلين" (ص 225)، فقال: "وللمؤمن أيضًا أعداء سوى الشيطان كما روى أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: المؤمن بين خمس شدائد: مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وعدو يقاتله، وشيطان يضله، ونفس تغويه". وقال الحافظ العراقى: "رواه أبو بكر بن لال في "مكارم الأخلاق" من حديث أنس بسند ضعيف". وقال ابن السبكى في "طبقات الشافعية" (6/ 333): "لم أجد له إسنادًا"، كما في "تخرج الإِحياء" (2450). قلت: بل إسناده ضعيف جدًا، فقد ذكره المتقى الهندى في "كنز العمال" (1/ 161) بنحوه، بلفظ: "وكافر يقاتله، ونفس تنازعه، وشيطان يضله"، وقال: "رواه ابن لال عن أبان عن أنس". وأبان هو ابن أبي عياش البصرى العبدى، وهو متروك كما في "التقريب" (142)، وكان شعبة يرميه بالكذب. ولا نأمن أن يكون في الطريق إليه من هو مثله أو شر منه. فهذا مثال للأحاديث الواهية الكثيرة التى أجمل الحافظ العراقى- رحمه الله - فيها القول. (والثابت) وقف هذا الحديث على أبي أمامة - صُدَىّ بن عجلان - الباهلى رضى الله عنه -كما رواه الفريابى في "صفة النفاق" (69) من طريق أسد ابن موسى الأموى، وابن عساكر (8/ 301) - واللفظ له - من طريق عمار ابن عبد الجبار المروزى قالا: حدثنا الفرج بن فضالة عن لقمان بن عامر أنه سمع أبا أمامة الباهلى يقول: "المؤمن في الدنيا بين أربعة: بين مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وكافر يقاتله، وشيطان قد توكل به". وإسناده حسن. والفرج مستقيم الحديث في الشاميين خاصة. راجع الحديث المتقدم في الرقم (54) ففيه تفصيل في هذا الأمر. (وروى) الرافعى رحمه الله في "التدوين" (3/ 416) من طريق أبي معين

81 - الحديث الحادى والثمانون

الرازى الحافظ ثنا صفوان بن صالح ثنا هشام بن يزيد قال: "يغدو المؤمن بين أربعة: كافر يجاهده، ومؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وشيطان يضله". وهشام هذا كأنه شامى، لكننى لم أجد له ترجمة حتى الساعة، ولم يذكره الحافظ المزى ضمن شيوخ صفوان بن صالح الدمشقى في "التهذيب"، ومظنة ترجمته "تاريخ دمشق" لكن أكثر التراجم المبدوءة بحرف "الهاء" واقعة في الجزء الساقط مغ النسخة الظاهرية الموجودة حاليًا. ولعله مرَّ عَلَىَّ عن هشام هذا في غير "التدوين". فالله أعلى وأعلم. الحديث الحادى والثمانون: " لم يزل أمر بنى إسرائيل معتدلًا حتى نشأ فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم، فقالوا بالرأى فضلوا وأضلوا". ضعيف. رُوِى من حديث عبد الله بن عمرو، وواثلة بن الأسقع، وأبى هريرة، وعائشة. أولًا: حديث ابن عمرو، من ثلاث وجوه عنه: الأول: من رواية هشام بن عروة عن أبيه عنه به. رواه البزار (166) من طريق قيس بن الربيع عن هشام به، وقال: "لا نعلم أحدًا قال: عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن عمرو الإِقيس، ورواه غيره مرسلًا". قلت: كأنه- رحمه الله - يعنى: موقوفًا، فقد وجدت لذلك نظائر في كلام غير واحد من الأئمة منهم البخارى وابن النجار وكذلك يستخدمون لفظة: "موصول" بمعنى: "مرفوع". انظر آخر الحديث الحادى والخمسين عن أبي حاتم الرازى. وستأتى روايتان إحداهما موقوفة على ابن عمرو، والأخرى على عروة من رواية جمع من الثقات وغيرهم عن هشام عنه به. وقيس بن الربيع ضعيف، قال الحافظ رحمه الله في "التقريب" (5573): "صدوق تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدَّث به". وقال الهيثمى (1/ 180):

"رواه البزار، وفيه قيس بن الربيع، وثقه شعبة والثورى، وضعفه جماعة. وقال ابن القطان: هذا إسناد حسن". قلت: بل ضعيف أو واهٍ. الثانى: من رواية الأوزاعى عن عبدة بن أبي لبابة عنه. رواه ابن ماجه (56): "حدثنا سويد بن سعيد ثنا ابن أبي الرجال عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعى ... " فذكره وهذا إسناد ضعيف له ثلاث علل: الأولى: ضعف سويد بن سعيد، قال الحافظ (2690): "صدوق في نفسه إلا أنه عمى فصار يتلقن ما ليس من حديثه، فأفحش فيه ابن معين القول". ويستثنى من هذا الإِطلاق، رواية أبي زرعة الرازى عنه، وكل من ثبت أنه كان يتتبع أصوله. وكان الإِمام أحمد ينتخب لابنه عبد الله من حديثه. فما هو حُجة ولا مُطَّرح بإطلاق. والله أعلم. الثانية: الاختلاف في شيخه عبد الرحمن بن أبي الرجال. فوثقه أحمد وابن معين وغيرهما. وقال البرذعى: قلت - يعنى لأبى زرعة -: حارثة وعبد الرحمن ابنا أبي الرجال؟ فقال: عبد الرحمن أشبه، وحارثه واهٍ، وعبد الرحمن أيضًا يرفع أشياء لا يرفعها غيره. وقال أبو داود: ليس به بأس. وقال أيضًا: أحاديث عمرة يجعلها كلها عن عائشة. وقال أبو حاتم: صالح، هو مثل عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (¬25). وقال ابن حبان في "الثقات": "ربما أخطأ". وقال الحافظ (3858): "صدوق، ربما أخطأ". الثالثة: الانقطاع. قال الحافظ المزى رحمه الله في "تحفة الأشراف" (6/ 360): "عبدة بن أبي لبابة أبو القاسم الكوفى - نزيل دمشق-، عن ¬

_ (¬25) مع العلم بأن أبا حاتم قال في ابن زيد بن أسلم: "ليس بقوى الحديث، كان في نفسه صالحًا وفي الحديث واهيا، ضعفه على بن المدينى جدًا" كما في "الجرح" (5/ 233 - 234). وختم ابنه الترجمة بقوله: "سئل أبي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وعبد الرحمن بن أبي الرجال، فقال: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أحبُّ إليَّ من ابن أبي الرجال" اهـ فتأمل.

عبد الله بن عمرو - ولم يلقه". ثم ذكر له هذا الحديث. ووهم الحافظ البوصيرى عند إعلاله الحديث، فقال في "مصباح الزجاجة" (1/ 54): "هذا إسناد ضعيف لضعف ابن أبي الرجال (في الأصل: أبي الرجال) واسمه حارثة ابن محمد بن عبد الرحمن" اهـ فإن الذى في الإِسناد أخوه عبد الرحمن، وهو الذى يروى عن الأوزاعى ويروى عنه سويد. أما سويد، فإنه يحسن حديثه إلا أنه في موضع قال: إسناده حسن إن كان سويد حفظه. وفي آخر قال: إسناده حسن فإن سويدًا لم يتفرد به. الثالث: من رواية نوح بن دراج عن هشام بن عروة عن محمد بن عبد الله ابن عمرو عن أبيه مرفوعًا. رواه الطبراني عن سعيد بن عبدويه الصفار عن محمد بن حسان الضبى عن نوح به. قاله محققا "الفردوس" (3/ 500) جزاهما الله خيرًا. ولا أدرى كيف اطلعا على إسناده، فإن أحاديث ابن عمرو- خاصة - وقعت في القسم المفقود من "المعجم الكبير"، فلعل الديلمى هو الذى عزاه للطبراني بهذا الإِسناد، أو لعله في "المعجم الأوسط" أو غيره، فالله أعلم. أما الديلمي - الأب -، فعزاه إلى واثلة، وسيأتى في محله. وإسناده - من هذا الوجه - ضعيف جدًا، نوح بن دراج - وهو النخعى الكوفى القاضى - قال الحافظ (7205): "متروك وقد كذبه ابن معين". وشيخ الطبراني ترجم له الخطيب (9/ 97 - 98) برواية ثلاثة عنه - أحدهم الطبراني -، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. ثانيًا وثالثًا: حديث واثلة وأبي هريرة - من وجهين عنه- فحديث واثلة رواه ابن بطة في "الإِبانة" (800) عن أبي صالح محمد بن أحمد بن ثابت قال: نا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح قال: نا جبارة بن المغلس قال: نا حماد ابن يحيى الأبح قال: نا مكحول عنه مرفوعًا بلفظ: "لم يزل أمر بنى إسرائيل مستقيمًا حتى كثرت فيهم أولاد السبايا، فقاسوا ما لم يكن بما كان، فضلوا وأضلوا" وإسناده ضعيف جدًا. ابن بطة ضعيف كما قال الحافظ الذهبي،

وشيخه ترجم له الخطيب (1/ 284) فلم يورد فيه جرحًا ولا تعديلًا، ولم يذكر له راويا سواه وجبارة واهٍ كان يقبل التلقين. (وقد) خولف، فرواه الخطيب في "الفقيه والمتفقه" (1/ 179) من طريق محمد بن أحمد بن يحيى العطشي- وهو ثقة مأمون- نا محمد بن صالح بن ذريح، نا جبارة، نا حماد ابن يحيى قال: حدثنى الزهرى عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، وابن حزم في "الإِحكام" (6/ 220) من طريق الحافظ الآجرى عن محمد بن الليث عن جبارة به أيضًا. ولفظه: "تعمل هذه الأمة برهة بكتاب الله، ثم تعمل برهة بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تعمل بعد ذلك بالرأى، فإذا عملوا بالرأى ضلوا". وإسناده واه من أجل جبارة أيضًا. والخلل البَيِّن - في الإِسناد والمتن- إن لم يكن منه، فلا ينفك عن ابن بطة أو شيخه، فالله أعلم. والوجه الثاني عن أبي هريرة - ودلنى عليه الشيخ السيد صقر حفظه الله، محقق "المعرفة" للبيهقي، - هو ما رواه الدارقطني في "سننه" (4/ 146) من طريق مروان بن سالم عن الكلبي عن أبي صالح عنه مرفوعًا بلفظ: "إنما هلكت بنو إسرائيل حين حدث فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم، فوضعوا الرأى، فضلوا". وإسناده واه جدًا، كأنه موضوع: ومروان بن سالم هو الغفارى الجزرى، متروك، ورماه الساجى وغيره بالوضع كما في "التقريب" (6570) وشيخه الكلبى هو محمد بن السائب بن بشر أبو النضر الكوفى المفسر المشهور، متهم بالكذب ورمى بالرفض كما فيه (5901) وأبو صالح - هنا - هو باذام مولى أم هانئ، قال الحافظ (634): "ضعيف يرسل" ولا شك أن الحمل في هذا الحديث على أحد الرجلين دُونَه. رابعًا: حديث عائشة: رواه الخطيب في "الفقيه" (1/ 180) من طريق عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة عن هشام عن أبيه عنها، ولفظه: "ما هلكت بنو إسرائيل حتى كثر فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم، فأخذوا في

دينهم بالمقاييس، فهلكوا وأهلكوا". وعبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة هالك! قال أبو حاتم: "هو متروك الحديث، ضعيف الحديث جدًا". وقال ابن حبان: "كان ممن يروى الموضوعات عن الأثبات، ويأتى عن هشام بن عروة ما لم يحدث به هشام قط، لا يحل كتابة حديثه ولا الرواية عنه". ثم وجدت محقق "الإِبانة" ذكر أن الهروى رواه في "ذم الكلام" من حديث عروة بن الزبير عن أبيه مرفوعًا (ق 11/ 1) وكذا رواه نصر المقدسى في "الحجة" (ص 58). ولم يتكلم على إسناده بشئ. وما أراه إلا من نفس البابة. والله أعلى وأعلم. (أما) الروايات الموقوفة، فصح عن عروة بن الزبير، ورُوِى عن عبد الله ابن عمرو، وعمر بن عبد العزيز، والحسن البصرى بمعناه. ولنبدأ بأثر الصحابى: 1 - فقد رواه ابن أبي شيبة (15/ 177) عن وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عنه به. وإسناده صحيح على شرطهما، ولكن أخشى أن يكون وهمًا، فقد رواه جماعة من الثقات وغيرهم عن هشام به، فلم يجاوزوا عروة كما يأتى بإذن الله. وأيضًا روى جماعة من الثقات عن وكيع بهذا الإِسناد مرفوعًا بحديث: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالمًا اتخذ الناس رؤساء جهالًا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا". من هؤلاء: 1 - الإِمام أحمد رحمه الله في "مسنده" (2/ 190)، وهذا لفظه. 2 - أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي الفقيه عند ابن حزم في "الإِحكام" (6/ 210). 3 - الحافظ أبو خيثمة زهير بن حرب في "العلم" (121)، وعنه مسلم في "صحيحه" (8/ 60) مقرونًا بابن أبي شيبة نفسه، فلا أدرى أكان وكيع

يرويه تارة مرفوعًا، وتارة موقوفًا باللفظ المتقدم، أم هو ممن دون الحافظ ابن أبي شيبة؟ الله أعلم. 2 - أثر عروة: رواه عنه ابنه هشام، وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن ابن نوفل المعروف بـ: "يتيم عروة". ورواه عن هشام: 1 - سفيان بن عيينة عند ابن عبد البر في "الجامع" (2/ 138) والبيهقى في "المدخل" (222) و "معرفة السنن والآثار" (1/ 111) والخطيب في "تاريخه" (13/ 394 - 395). وقد ذكر ابن عيينة عقبه - عند الخطيب- كلاما يسئ إلى الإمام أبي حنيفة رحمه الله وغيره، آثرت الإِمساك عنه. 2 - يحيى بن أيوب الغافقي المصري عند ابن عبد البر (2/ 136). وهو صدوق حافظ، ربما وهم. 3 - إسماعيل بن عياش الحمصي - عند الخطيب-، وهو ضعيف في غير الشاميين لكنه متابع كما ترى. 4 - على بن مسهر عند الدارمى (1/ 50) لكنه أدخل: "محمد بن عبد الرحمن بن نوفل" بين هشام وأبيه، ولم ينفرد بذلك، بل توبع عليه من غير رواية هشام، فرواه عبد الله بن وهب عن سعيد بن أبي أيوب عن محمد قال: سمعت عروة بن الزبير يقول: فذكره بنحوه. وهذه عند ابن حزم (6/ 223). والحاصل أن الأثر صحيح ثابت من طريقيه عن عروة رحمه الله، ويشبه أن يكون قد تلقاه من الإِسرائيليات، فالله أعلم. 3 - أثر عمر بن عبد العزيز رحمه الله: رواه البيهقي في "المعرفة" (1/ 110) من طريق الإِمام الشافعي رحمه الله، قال: سمعت عبد الله بن المؤمل المخزومى يحدث عن عمر بن عبد الرحمن بن مُحَيْصن، عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: فذكره بنحوه. وإسناده ضعيف، المخزومى قال الحافظ (3648): "ضعيف الحديث".

82 - الحديت الثاني والثمانون

4 - أثر الحسن رحمه الله: قال ابن عبد البر (2/ 137): "وروى الحسن ابن واصل عن الحسن قال: إنما هلك من كان قبلكم حين تشعبت بهم السبل وحادوا عن الطريق، فتركوا الآثار وقالوا في الدين برأيهم، فضلوا وأضلوا". وإسناده - مع كونه معلقًا - واه، الحسن بن واصل هو ابن دينار أبو سعيد التميمي أحد الهلكى. قال البخاري: تركه يحيى وعبد الرحمن وابن المبارك ووكيع. وقال ابن معين وأبو داود: ليس بشئ. وقال أبو حاتم: متروك الحديث كذاب. وقال النسائي: ليس بثقة ولا يكتب حديثه. (وبعد) فأقر بأن اجتماع هذه الطرق لى إنما هو من فضل الله تبارك وتعالى - وَحْدَهُ - عَلَيَّ، متبرءًا من كل حول وقوة لى. والله لولا الله ما أهتدينا لولاه ما صمنا ولا صلينا ومن ظن بأخٍ له مسلم غير الحق، فالله تعالى حسيبه، وهو معامل كل امرئ بما يستحق، وأسأله تعالى أن يرزقني لسانًا صادقًا، وقلبًا سليمًا. ربَّ تقبل توبتى، واغسل حوبتى، وأجِب دعوتى، واهد قلبى، وسدد لسانى، واسلل سخيمة قلبى. اللهم اجعلنى خيرًا مما يظنون، ولا تؤاخذني بما يقولون، واغفر لى ما لا يعلمون. الحديت الثاني والثمانون: " ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لابد له من معاشرته، حتى يجعل الله عز وجل له من ذلك مخرجًا". ضعيف. رُوِى من حديث أبي فاطمة الإِيادى، ومن مرسل محمد بن الحنفية. أولًا: حديث أبي فاطمة: رواه ابن الأثير رحمه الله في "أُسد الغابة" (6/ 242) عن محمد بن أبي بكر المديني (وهو الحافظ أبو موسى) بإسناده إلى عثمان بن سعيد الدارمى،

أخبرنا محمد بن بكار، أخبرنا عنبسة بن عبد الرحمن، عن أبي عمران الجونى عنه به. وإسناده واه جدًا. عنبسة بن عبد الرحمن هو ابن عنبسة بن سعيد الأموى، متروك، رماه أبو حاتم بالوضع كما في "التقريب" (5206). فلعله من وضعه، فإن المعروف أنه أثر مقطوع كما يأتى في محله. ولو صح إسناده إلى أبي فاطمة هذا لما دل على صحة صحبته، فإنه لم يصرح بسماعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ولم أرَ الحافظ رحمه الله أورده في الأقسام الأربعة من "كنى الإِصابة"، فالله أعلم. "قال الحافظ السخاوى رحمه الله في "المقاصد" (912): "وقد علم له الديلمى في الهامش: أبو فاطمة الإِيادى المصرى (كذا) ". قال الشيخ الغمارى في حاشيته: "يعنى أنه مروى من حديث أبي فاطمة، لكن لم نقف عليه"! وقال المعلق على "آداب البيهقي": "أخرجه الحاكم في "تاريخه" والبيهقي في "السنن" عن أبي فاطمة الإِيادى مرفوعًا ... " كذا قال، وإنما رمز السيوطى للحديث في "جامعه" (7593): "هب"، وهو رمز البيهقي في "شعب الإِيمان" كما يعلم طالب - العلم المبتدئ. وبيَّن الحافظ المناوى (5/ 364) أن البيهقي رواه من طريق الحاكم مصرحًا به، فكان العزو إليه أولى، وحكى عن الثانى قوله: "لم نكتبه إلا بهذا الإِسناد، وإنما نعرفه عن محمد ابن الحنفية من قول الحاتم". كذا في "الفيض"، ولم أفهم معنى اللفظة الأخيرة، فإن كان صوابها "الخاتم"، وكان معناها أن الحديث معروف عن ابن الحنفية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلًا، فسيأتى أن رفع الحديث وهم، وما أظن يخفى على الحاكم أن خلقًا من الثقات قد رَوره عن ابن المبارك بسنده إلى ابن الحنفية مقطوعًا وقد رواه هو كذلك كما يأتى في كلام للذهبى، فالظاهر أنه يرجح الرفع مطلقًا، وإن كان الإِعلال بالوقف أو الإِرسال أظهر من الشمس في كبد السماء: وهو مذهب تبناه بعض المبتدئين في أيامنا هذه، فالله المستعان.

ثانيًا: مرسل محمد بن الحنفية: رواه الحاكم - في تاريخه - وعنه الديلمى كما في "المقاصد" و "حاشية الفردوس" (3/ 453) قال الديلمى: "أخبرناه أحمد بن خلف رحمه الله كتابةً قال: حدثنا الحاكم حدثنا محمد بن صالح بن هانئ حدثنا أبو سعيد الحسين بن عبد الصمد (الصواب: الحسن) حدثنا عبد الله بن إبراهيم الشنقاصى (الصواب: الشيبانى، كما في المقاصد) حدثنا ابن المبارك حدثنا الحسن بن عمرو ... (بياض لعل محله: الفقيمى) عن منذر الثورى عن محمد بن الحنفية رضى الله عنه قال: قال (في الأصل: قال، ثلاث مرات) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الحديث". وهذا إسناد ضعيف لإِرساله، وعبد الله بن إبراهيم الشيبانى - راويه عن ابن المبارك - لم أجد له ترجمة، ولعل الحاكم ترجم له في "تاريخ نيسابور"، والحسن بن عبد الصمد صحح له الحاكم بعض أحاديث في "المستدرك"، ولم أجده في موضع آخر، إلا أن يكون في التاريخ المذكور أيضًا. فالله أعلم. ولا ريب أن رفع هذا الكلام وهم ممن دون ابن المبارك، فإن الثابت عنه بهذا الإِسناد وقفه على ابن الحنفية، وقد رواه عنه هكذا: 1 - الحسن بن عرفة في "جزئه" (16) ومن طريقه ابن المقرئ في "معجمه" (335) والخطابى في آخر "العزلة" (ص 240 - 241) والبيهقى في "الآداب" (224) وابن عساكر (15/ 731 - 732) وابن النجار في "ذيل تاريخ بغداد" (3/ 146) والذهبي في "السير" (4/ 117) و "معجم الشيوخ" (405)، وقال: "رواه الحاكم" في "تاريخ بلده" عن الخطابي عن الصفار، فوقع بدلًا عاليًا". 2 - الحسين بن الحسن المروزى عند ابن عساكر (15/ 731) ولم أره في "الزهد". 3 - بشر بن محمد السختيانى المروزى عند البخارى في "الأدب" (889).

83 - الحديث الثالث والثمانون

4 - محمد بن حميد الرازى عند أبي الشيخ كما علقه عنه الديلمى، وكذا ابن أبي الدنيا في "الحلم" (87). 6، 5 - أحمد بن جميل المروزى وداود بن عمرو الضبى البغدادى عند ابن أبي الدنيا. 7 - عبيد الله بن محمد بن عائشة عند أبي نعيم (3/ 175). 8 - أحمد بن منيع عند أبي نعيم أيضًا (8/ 162)، وزاد قول ابن المبارك - عَقِبه -: "هذا مثلى ومثلكم". 9 - عمرو بن زياد الباهلي الثوباني عند الحكيم الترمذى وعنه الديلمى، وزاد: "قال ابن المبارك: يوم سمعت ذلك الحديث صمت ذلك اليوم وتصدقت بدينار. قال ابن المبارك: لولا هذا الحديث ما جمعنى الله وإياكم على حديث". والباهلي هذا وضَّاع، وكأنه يريد أن يظهر براعته في الوضع والسجع، وأبى أن يسعه ما وسع الناس! وإسناد هذا الأثر صحيح غريب، تفرد به ابن المبارك-كما هو بَيِّن-، وقال عنه السخاوى: "قال شيخنا: والموقوف هو المعروف". وقال الحافظ العلائي: "هذا - يعنى المرفوع - إنما هو من كلام ابن الحنفية" كما في "الفيض". والله أعلى وأعلم. الحديث الثالث والثمانون: " ليس على المرأة إحرام إلا في وجهها"، ولفظ أكثرهم: "ليس على المرأة حرم ... " الحديث. منكر. رواه العقيلى (1/ 116) والطبرانى في "الكبير" (12/ 370) و (الأوسط) وابن عدى (1/ 349) وعنه وعن غيره البيهقي (5/ 47) والخطيب (7/ 9 - 10) من طرق عن عبد الله بن رجاء ثنا أيوب بن محمد

أبو الجمل (زاد في رواية: ثقة) ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً به. وإسناده ضعيف، أيوب هذا، قال العقيلى: "يهم في بعض حديثه". وقال ابن عدى: "لا أعلمه يرفعه عن عبيد الله غير أبي الجمل هذا". وقال البرقانى (شيخ الخطيب): "قال الدارقطني: لم يرفعه غير أبي الجمل وكان ضعيفًا، وغيره يرويه موقوفًا". وقال البيهقي: "وأيوب بن محمد أبو الجمل ضعيف عند أهل العلم بالحديث، فقد ضعفه يحيى بن معين وغيره. وقد روى هذا الحديث من وجه آخر مجهول عن عبيد الله بن عمر مرفوعًا، والمحفوظ موقوف". وقال الهيثمى (3/ 219): "رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وفيه أيوب بن محمد اليمامى، وهو ضعيف". قلت: وله عن ابن عمر- موقوفًا - طريقان: الأولى: عند البيهقي من طريق هشام بن حسان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عنه، ولفظه: "إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه" وقال: "هكذا روى الدراوردى وغيره موقوفًا على ابن عمر". وعند العقيلي من طريق سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن عبيد الله به، بلفظ: "الذقن من الرأس فلا تغطه. وقال: إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه". وعلقه ابن حزم في "المحلى" (7/ 92) عن سعيد بن منصور به. وإسناده صحيح. الثانية: قال ابن حزم (7/ 91): "روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون عن محمد بن المنكدر قال: رأى ابن عمر امرأة قد سدلت ثوبها على وجهها - وهى محرمة-، فقال لها: اكشفى وجهك، فإنما حرمة المرأة في وجهها". وإسناده صحيح أيضًا. وليس في ذلك إيجاب كشف المحرمة لوجهها أمام الرجال بحال. قال ابن حزم رحمه الله: "مسألة: ولا بأس أن يغطى الرجل وجهه بما هو ملتحف به أو بغير ذلك ولا كراهة في ذلك، ولا بأس أن تسدل المرأة الثوب من

84 - الحديث الرابع والثمانون

على رأسها على وجهها. أما أمر المرأة، فلأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما نهاها عن النقاب؛ ولا يسمى السدل نقابًا، فإن كان البرقع يسمى نقابًا لم يحل لها لباسه. وأما اللثام فإنه نقاب بلا شك فلا يحل لها، وقد قال الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ}، وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى وآله وسلم: "إذا نهيتكم عن شئ فدعوه"، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}. فصح أن ما لم يفصل لنا تحريمه فمباح، وما لم ينه عنه فحلال، وبالله تعالى التوفيق. وقد صح في ذلك خلاف. روينا من طريق الحجاج ... فذكر ما تقدم. قال: "وصح خلاف هذا عن غيره كما روينا عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أن أسماء بنت أبي بكر الصديق كانت تغطى وجهها وهى محرمة. وعن وكيع عن شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة العدوية قالت: سئلت عائشة أم المؤمنين: ما تلبس المحرمة؟ فقالت: لا تنتقب، ولا تلثم، وتسدل الثوب على وجهها. وعن عثمان أيضًا كذلك، فكان المرجوع في ذلك إلى ما منع منه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقط. وأما الرجل ... " ألخ، فكان مما ذكره - رحمه الله -: "ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس أنه قال: المحرم يغطى ما دون الحاجب، والمرأة تسدل ثوبها من قبل قفاها على هامتها". وبالله التوفيق، وهو تعالى أعلى وأعلم. الحديث الرابع والثمانون: " ليس من مات فاستراح بميت، إنما الميت ميت الأحياء". ضعيف جدًا. رواه الطوسى الرافضي في "أماليه" (ص 316) من طريق أبي عبد الله محمد بن على بن خلف البلخى، والديلمى في "مسند الفردوس"- كما في حاشيه "الفردوس" (3/ 466) - واختصرت بعض إسناده - من طريق محمد بن على بن الحسين الجباخانى حدثنا الحسن بن علاء بن القاسم الدهان

حدثنا مكى بن إبراهيم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. فذكره. وقد قال الديلمى - قبل ذلك-: "كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتمثل أحيانًا بأبيات هذا أحدها، وربما قاله من غير تعمد للشعر فجاء موزونًا. أخبرناه أبو إسحاق المراغى ... ". فذكره. وهذا إسناد ضعيف جدًا، كأنه موضوع على مكى ابن إبراهيم رحمه الله، ففيه: 1 - الحسن بن العلاء بن القاسم الدهان، قال الحافظ رحمه الله في "اللسان" (2/ 221): "عن يزيد بن هارون. وعنه محمد بن على بن الحسين ابن الفرج البلخى. أشار أبو عثمان الصابونى في كتاب "المائتين" إلى كذبه (في الأصل: كتبه)، وقد ذكرت ذلك في ترجمة الراوى عنه". 2 - محمد بن على بن خلف البلخى، والظاهر أنه: "الجباخاني" الذى في إسناده الديلمى، فإن اسمه: "محمد بن على بن الحسين (في اللسان: الحسن، والتصويب منه في الموضع الذى أشار إليه الحافظ) بن الفرج بن خلف ابن عبد الله بن .... البلخى كما في "اللسان" (5/ 316) وكذا الأنساب (2/ 14) - إلا أنه أسقط خلفًا من اسمه -، وقال: "الجباخانى البلخى الحافظ، من جباخان بلخ ... " حتى قال: "وكان يحفظ، غير أن الثقات تكلموا فيه، ولم يكن في الحديث بذاك ... ". ثم حكى كلاما للحاكم يقول في آخره: "والغالب على رواياته المناكير". وقال الحافظ " ... قال أبو عثمان الصابوني أول الجزء الثالث من كتاب "المائتين" بعد أن أورد عن كامل (يعنى الراوى عنه) بهذا السند حديثًا صحيحًا من يزيد فصاعدًا: إنما أخرجه شيخنا في "فوائده" عن شيخه هذا عن شيخه لأنه لم يجده عاليًا من طريق يزيد إلا من. هذا الوجه، وفي حالهما نظر" اهـ. قلت: وهذا ما أومأ إليه الحافظ في ترجمة "الحسن بن العلاء"، لكنه

أفرد: "محمد بن على بن الحسين البلخى بترجمة مستقلة في (5/ 303 - 304) وذكر فيها كلام الحاكم وغيره، وأورد له حديثًا من مناكيره، قال عقبه: "قال الذهبي في "التجريد": هذا موضوع". قلت: فأيا كان الأمر، فكلاهما - إن كانا اثنين- مطعون فيه. وهذا التردد منى في كون: "المحمدين" واحدًا أو اثنين كاد يلفتنى عن إيراد هذا الحديث أصلًا، لكن شاء الله عز وجل لى الإِقدام، والنتيجة في خاتمة الأمر واحدة، وبقيت علة. 3 - وهى عنعنة ابن جريج - مع براءته من هذا الحديث في غالب الظن -، فإنه مدلس قبيح التدليس كما قال الحافظ الدارقطني رحمه الله، وقد ذكرنا شيئًا من هذا عند الحديث الستين. أما روايته عن عطاء بن أبي رباح بصيغة: "قال عطاء" - خاصة- فتدل على السماع كما صرح هو بذلك (¬26). (والحديث) أورده محقق "فوائد ابن الصواف" (ص 63) - في الحاشية - وعزاه للطوسى، قال: "وإسناده فيه نظر، وهو بهذا اللفظ بيت شعر مشهور لعدى بن الرعلاء الغساق (الخزانة 4/ 187 وحماسة ابن الشجرى 51 / كما قال صاحب حاشية الحيوان للجاحظ 6/ 507) اهـ. (والصحيح) أن الذى كان يتمثل بهذا البيت هو الحسن بن أبي الحسن البصرى التابعى الجليل الزاهد شيخ الإِسلام رحمه الله، وقد تعددت إليه الأسانيد بذلك: 1 - فروى ابن أبي شيبة (8/ 517) عن ابن فضيل عن عاصم (وهو الأحول) قال: ما سمعنا الحسن يتمثل ببيت من شعر قط إلا هذا البيت: ¬

_ (¬26) فقد روى عنه يحيى بن سعيد، قال: "إذا قلت: قال عطاء، فأنا سمعته منه، وإن لم أقل سمعت". قاله أبو بكر بن أبي خيثمة حدثنا إبراهيم بن عرعرة عن يحيى به، كما في "التهذيب" (6/ 406). وإسناد هذا الأثر صحيح.

فذكره، ثم قال: "وصدق والله، إنه ليكون حيا وهو ميت القلب". وإسناده صحيح. وهذا إخبار من عاصم- عفا الله عنه - بمبلغ علمه، وإلا فقد روى ابن أبي شيبة (8/ 524) عن ابن فضيل- أيضًا- عن ابن شبرمة قال: سمعت الحسن يتمثل بهذا البيت: يسر الفتى ما كان قدم من تُقى ... إذا عرف الداء الذى هو قاتله وإسناده صحيح أيضًا، والمتتبع قد يجد آثارًا عن الحسن سوى هذا. 2 - وروى عبد الرزاق (3/ 220) عن معمر قال: أخبرني من سمع الحسن يقص، يقول في قصصه: "صدق الذى يقول: فذكره". وإسناده ضعيف لإِبهام شيخ معمر. 3 - ورواه أبو نعيم (2/ 143) - نفى آخر أثر طويل جدًا - من طريق أبي عبيدة سعيد بن زربى قال: سمعت الحسن يعظ أصحابه، يقول: إن الدنيا دار عمل، من صحبها بالبغض لها والزهادة فيها سعد بها ونفعته صحبتها ... " إلى أن قال: ثم قال: فذكره. وسعيد بن زربى واهٍ. والعمدة على الطريق الأول. فائدة جليلة: روى أبو نعيم (1/ 274 - 275) من طريق عبد الرزاق ثنا بكار بن عبد الله حدثنى خلاد بن عبد الرحمن أن أبا الطفيل حَدَّثه أنه سمع حذيفة يقول: يا أيها الناس، ألا تسألوني؟ فإن الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، ألا تسألون عن ميت الأحياء؟ فقال (¬27) إن الله تعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم فدعا الناس من الضلالة إلى الهدى، ومن الكفر إلى الإِيمان، فاستجاب له من استجاب، فحيىَ بالحق من كان ميتا، ومات بالباطل من كان حيا. ثم ذهبت ¬

_ (¬27) كذا في "الحلية" بدون جواب القوم.

85 - الحديث الخامس والثمانون

النبوة، فكانت الخلافة على منهاج النبوة، ثم يكون ملكًا عضوضا؛ فمن الناس من ينكر بقلبه ويده ولسانه، والحقَّ استكمل. ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه كافًا يده، وشعبةً من الحق ترك. ومنهم من ينكر بقلبه كافًا يده ولسانه، وشعبتين من الحق ترك. ومنهم من لا ينكر بقلبه ولسانه، فذلك ميت الأحياء". وإسناده قوى متصل، وفيه - من اللطائف الإِسنادية - صحابيان يروى أحدهما عن الآخر. ورواه مختصرًا ابن أبي شيبة (15/ 172 - 173) وأبو بكر الشافعي في "الغيلانيات" (415) وابن الصواف في "فوائده" (الجزء الثالث: 22) والبيهقي في "الشعب" (3/ 3 / 187) من طريق سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل قال: "سئل حذيفة: ما ميت الأحياء؟ قال: الذى لا ينكر بيده ولا لسانه ولا قلبه". ورجاله ثقات لكن حبيبًا مدلس من المرتبة الثالثة عند الحافظ في "طبقات المدلسين" (69)، ولكن تقبل عنعنته خاصة فيما رواه عمن أدركهم - بواسطة-، كروايته عن طاووس وسعيد ابن جبير عن ابن عباس، ومجاهد عن ابن عمر - على سبيل المثال -، فقد أدرك ابنا عباس وعمر رضى الله عنهم، فلو أراد أن يدلس لأسقط الواسطة وقد قال شئ من ذلك الحافظ رحمه الله في موضع لا أستحضره الآن وكذلك رواية شعبة عنه، وعن شيوخه المدلسين جُملةً، محمولة على السماع، فإنه - رحمه الله - كان لا يقبل من شيوخه تدليسًا، بل كان - في غالب الأمر- يوقفهم على السماع كما هو مقرر في محاله من كتب الرجال. وبالله التوفيق، وهو - سبحانه - أعلى وأعلم. الحديث الخامس والثمانون: " ما أدركت الصفقة حيًا مجموعًا، فهو من مال المشترى". ضعيف، مُعَلٌّ بالوقف والمخالفة في الإِسناد.

قال ابن أبي حاتم- رحمهما الله - في "علل الحديث" (1/ 394): "سألت أبي عن حديث رواه حاتم بن إسماعيل عن الأوزاعى عن الزهرى عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فذكره (وتصحفت: "حيا" إلى: "جما"). قال أبي: هذا خطأ، إنما هو الزهرى عن حمزة ابن عبد الله عن أبيه" اهـ. قلت: ولم أقف على الحديث من طريق حاتم بن إسماعيل - ولا غيره - مرفوعًا في مكان آخر. وحاتم ثقة حافظ، أشار الإِمام أحمد رحمه الله إلى بعض اللين فيه، فقال أبو بكر الأثرم عنه: حاتم بن إسماعيل أحبُّ إلى من الدراوردى، زعموا أن حاتمًا كان فيه غفلة، إلا أن كتابه صالح. وكذلك ابن المدينى رحمه الله بقوله: "روى عن جعفر - يعنى ابن محمد - أحاديث مراسيل، أسندها". وقد خالفه جماعة عن الأوزاعى في هذا الحديث، فأوقفوه، ورواه غير الأوزاعي عن الزهري، فأوقفه أيضًا. وقد علق البخارى رحمه الله في "صحيحه" (3/ 90) الحديث - موقوفًا على ابن عمر-، فقال: "باب إذا اشترى متاعًا أو دابة فوضعه عند البائع أو مات قبل أن يقبض، وقال ابن عمر رضى الله عنهما: "ما أدركت الصفقة حيًا مجموعًا، فهو من المبتاع". ووصله الحافظ رحمه الله في "تغليق التعليق" (3/ 242 - 243) من طريق الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعى، ومن طريق محمد ابن كثير عن الأوزاعي عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه به، وقال: "لفظ الوليد، تابعه يونس، عن الزهرى: أخرجه ابن وهب في "جامعه" عنه، وهذا موقوف صحيح الإِسناد". ومن طريق الوليد بن مسلم، رواه الدارقطني (3/ 53 - 54). ومن طريق ابن وهب رواه الطحاوي في "شرح معافى الآثار" (4/ 16)، ورواه أيضًا بشر بن بكر عن الأوزاعي به. وجميع هذه الأسانيد صحيحة سوى طريق محمد بن كثير - وهو المصيصي- فإنه ضعيف، لكنه متابع. وأما الخلاف الفقهي في المسألة، فقد بسطه الحافظ أيضًا في "الفتح" (4/ 413)، فليطالعه من شاء. والله أعلى وأعلم.

86 - الحديث السادس والثمانون

الحديث السادس والثمانون: " ما أمعر حاج قط". ضعيف. رُوِى من حديث ابن المنكدر- من طرق عنه- عن جابر، ومن مرسل ابن المنكدر. أولًا: حديث جابر: رواه البزار (1080) من طريق أبي عاصم - الضحاك بن مخلد النبيل- والبيهقى في "الشعب" (8/ 74) من طريق شريك كلاهما عن محمد بن أبي حميد عن محمد بن المنكدر عنه به، وزاد البيهقي (¬28): "فقيل لجابر: ما الإِمعار؟ قال: ما افتقر". وقال: "محمد بن أبي حميد ضعيف". وقال البزار: "تفرد به محمد بن أبي حميد، وعنده أحاديث لا يتابع عليها، لا أحسب ذلك من تعمده، ولكن من سوء حفظه، فقد روى عنه أهل العلم". قلت: وقد اختلف فيه على شريك، فقد أورد الشيخ الألباني حفظه الله الحديث في "الضعيفة" (2000)، وقال: "ضعيف. رواه الطبراني في "الأوسط" (1/ 110 / 2) عن شريك عن محمد بن زيد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله مرفوعًا، وقال: "لم يروه عن ابن المنكدر إلا محمد ابن زيد". قلت: وهو محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ وهو ثقة، لكن الراوي عنه شريك هو ابن عبد الله القاضى ضعيف لسوء حفظه، ولذلك أخرج له مسلم متابعة، فلا تغتر بقول من أطلق فقال: "ورجاله رجال الصحيح"، كالمنذرى (2/ 114)، والهيثمى (3/ 308) (¬29) ومن قلدهما كالمناوى والغمارى، ¬

_ (¬28) والظاهر أنها أيضًا عند الطبراني في "الأوسط"، فقد ذكرها المنذرى والهيثمى بعد عزو الحديث له وللبزار. (¬29) لفظهما - رحمهما الله -: "رواه الطبراني في "الأوسط" والبزار، ورجاله رجال الصحيح" فإن كانا يقصدان رجال البزار، فهو أولى بالتعقيب، فإن ابن أبي حميد =

فإنه ذكر الحديث في "كنزه" ولم يتفرد به محمد بن زيد، فقد أخرجه ابن عساكر (5/ 2/327) من طريق محمد بن خالد بن عثمة: نا عبد الله بن محمد ابن المنكدر عن أبيه به. وعبد الله بن محمد بن المنكدر لم أجد له ترحمة، ولم يذكره الحافظ في الرواة عن أبيه، وإنما ذكر ابنيه يوسف والمنكدر فقط. وفي الطريق إليه جماعة لا يعرفون. وعلى بن أحمد بن زهير التميمي. قال الذهبي: "ليس يوثق به" اهـ. قلت فهذه الطريق واهية، وما قبلها ضعيفة، ومحمد بن أبي حميد - في الأولى- ضعفه شديد كما بينته في القسم الأول من الكتاب (23). وليت "الشيخ - حفظه الله - ذكر لنا راويه عن شريك عند الطبراني، فإن في أمر شريك شيئًا من التفصيل وليس هو ضعيفًا بإطلاق. قال ابن حبان رحمه الله في "الثقات" (6/ 444): "وكان في آخر أمره يخطئ فيما يروى، تغير عليه حفظه، فسماع المتقدمين عنه الذين سمعوا منه بواسط ليس فيه تخليط، مثل يزيد بن هارون وإسحاق الأزرق، وسماع المتأخرين عنه بالكوفة فيه أوهام كثيرة". وقال الحافظ في "التهذيب" (4/ 337): "وقال العجلى- بعد ما ذكر أنه ثقة - إلى آخره: وكان صحيح القضاء، ومن سمع منه قديمًا فحديثه صحيح، ومن سمع منه بعد ما ولى القضاء، ففى سماعه بعض الاختلاط". ولم أجده بهذا السياق في "ثقات العجلى" ولا في "تاريخ بغداد" أو غيره، فالله أعلم. وقال صالح جزرة: صدوق، ولما ولى القضاء اضطرب حفظه. وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إسحاق- يعنى الأزرق- وعباد بن العوام ويزيد كتبوا عن شريك بواسط من كتابه، كان قدم عليهم في حفر نهر. ¬

_ = على وهائه - ليس من رجال الصحيح، بل روى له الترمذي وابن ماجه. وإن كانا يقصدان الطبراني، فمتعقب بكلام الشيخ.

قال: كان شريك رجلًا له عقل، فكان يحدث بعقله، فقال أحمد: سماع هؤلاء أصح عنه، قيل: إسحاق الأزرق ثقة؟ فقال: إى والله ثقة". كما في "تاريخ بغداد" (6/ 320 - 321). وقال البغوى في "الجعديات" (2522): "حُدِّثت عن أبي نعيم، قال: ما كتبت عن شريك بعد ما ولى القضاء إلا حديثًا واحدًا". قلت: وراوى الحديث عند البيهقي هو سعيد بن سليمان الواسطى، وهو - وإن لم ينص عليه الإِمام أحمد خاصةً - لكن لا شك أن رواية الواسطيين (¬30) عن شريك أصح من رواية الكوفيين، فأخشى أن تكون رواية شريك عن محمد ابن زيد لا عن محمد بن أبي حميد من رواية من سمع منه بعد تغير حفظه وتوليه القضاء، أو يكون شيخ الطبرانى فيه من شيوخه - غير القليلين - الذين لا يُعرف فيهم جرح ولا تعديل. و"المعجم الأوسط" موجود كله الآن لكن البحث فيه متعذر جدًا لأننى لا أعرف عمن رواه، فنظرة إلى ميسرة. فلو صح أحد الاحتمالين المذكورين، تكون هذه الرواية معلولة لا يعتد بها في الاقتصار على تضعيف الحديث. وهناك ملاحظة أخرى على كلام الألبانى حفظه الله، أعنى قوله: "وعبد الله بن محمد بن المنكدر لم أجد له ترجمة". وهو معذور في ذلك، فإن عبد الله هذا مقل جدًا، لذلك لم يذكره كبير أحد. قال الحافظ مسعود بن على السجزى في "سؤالاته للحاكم" (326) - رحمهما الله -: "وسمعته يقول: قد حَدَّث من ولد محمد بن المنكدر ثلاثة، يوسف، وعبد الله، والمنكدر، ¬

_ (¬30) إلا أن يزيد بن هارون- خاصةً - يتوقف في روايته عن شريك، فقد روى الخطيب في "الكفاية" (ص 515) عنه: قدمت الكوفة فما رأيت بها أحدًا إلا وهو يدلس، إلا مسعر بن كدام وشريكا. وفي إسناده أبو الفتح الأزدي لكنه يمشى في مثل ذلك. والظاهر أن يزيدًا سمع منه أيضًا بالكوفة ولا ندرى أكان قد ولى القضاء أم لا، فالله أعلم.

وعبد الله أعزهم حديثا". وأحال محققه - جزاه الله خيرًا - على "طبقات ابن سعد" (القسم المتمم لتابعى أهل المدينة: 188)، وفي هذه الصفحة ترجمة محمد بن المنكدر (72)، وفيها: "محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهُدَيْر بن عبد العزى بن عامر بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مُرَّة، وأمه أم ولد، ويكنى أبا عبد الله (¬31)، فولد محمد بن المنكدر: عمر، وعبد الملك، والمنكدر، وعبد الله، ويوسف، وإبراهيم، وداود لأم ولد ... " إلخ. ثانيًا: مرسل محمد بن المنكدر: رواه الفاكهي في "أخبار مكة" (873) من طريق ابن أبي عدى عن محمد بن أبي حميد- أيضًا- عنه مرفوعًا مرسلًا. فإن كان ابن أبي عدى - وهو ثقة حافظ وثقوه، وقال أبو حاتم - مرة -: "لا يحتج به". وهذه ذكرها الذهبي في "الميزان" (3/ 647)، فإن كان حفظه هكذا، فالاختلاف من ابن أبي حميد، ولم يصب في رفعه لا مرسلا ولا موصولا، (فالصحيح) إيقافه على محمد بن المنكدر نفسه - رحمه الله - كما رواه ابن أبي شيبة (4/ 96)، قال: "نا ابن عيينة عن ابن المنكدر قال: ما أمعر حاجٌّ قط. يعنى: ما افتقر". وهذا إسناد جليل صحيح على شرط الشيخين، وابن عيينة من أجل الرواة عن ابن المنكدر، وهو عالم به وبغيره من الحجازيين. قال ابن مهدى: "كان أعلم الناس بحديث أهل الحجاز". كما في "التهذيب" (4/ 121). وابن المنكدر تابعى فاضل ومن خيار التابعين. قال ابن عيينة عنه: "كان من معادن الصدق ويجتمع إليه الصالحون، ولم يدرك أحد أجدر أن يقبل الناس منه إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منه". وقال ابن حبان: "كان من سادات القراء، لا يتمالك البكاء إذا قرأ ¬

_ (¬31) هذه الكنية تنبه المطلع عليها إلي أن له ولدًا اسمه: "عبد الله" ولكن ما شاء الله كان. وفي هذه المسألة من العبرة أنه "لا يصح الاكتفاء في إثبات الرواة أو نفيهم بما يورده الحافظ المزى رحمه الله في شيوخ كل راوٍ والرواة عنه من "تهذيب الكمال"، فقد فاته الكثير الكثير.

87 - الحديث السابع والثمانون

أحد حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم". وقال الذهبي في "السير" (5/ 353): "الإِمام الحافظ القدوة، شيخ الإِسلام أبو عبد الله القرشى التيمى المدنى ... ". الحديث السابع والثمانون: " ما بر أباه من شد إليه الطرف". ضعيف جدًا. رواه ابن عدى (4/ 1387) وعنه البيهقي في "الشعب" (1/ 3 / ق 12 ب - 13 أ) والخرائطى في "مساوئ الأخلاق" (254) والطبرانى في "الأوسط" - كما عزاه إليه الديلمى في "المسند" (ق: 219) كما في حاشية "الفردوس" (4/ 370) بزيادة: "بالغضب" (¬32)، من طريق صالح بن موسى الطلحى حدثنا معاوية بن إسحاق عن عائشة بنت طلحة عن عائشة رضى الله عنها مرفوعًا به. وإسناده ضعيف جدًا كما في "ضعيف الجامع" (5/ 88)، فقد قال الهيثمى في "المجمع" (8/ 147): "وفيه صالح بن موسى، وهو متروك". ورواه أيضًا ابن مردويه كما في "الجامع الصغير" (7854). (والصحيح) عن معاوية بن إسحاق إيقافه على عروة بن الزبير - رحمه الله ورضى عن أبيه -، كما رواه ابن أبي شيبة (8/ 355) وهناد في "الزهد" (975) كلاهما عن وكيع، والخرائطى (253)، وعنه ابن عساكر (11/ 582) من طريق الفريابى والمحاربى ثلاثتهم عن سفيان الثورى عن معاوية عنه به، ولفظه: "ما بر والده من شد إليه الطرف". وإسناده صحيح. (ووقع في إسناد الخرائطى اختصار وبياض صوبته من "تاريخ دمشق"). ¬

_ (¬32) في إسناد الطبراني - بهذه الزيادة -: شيخه: "الهيثم بن خالد المصيصي"، ضعفه الدارقطني، وسكت عليه الهيثمى. وليست الزيادة في رواية الآخرين، ولا في الأثر الموقوف.

88 - الحديث الثامن والثمانون

وقد رواه ابن حبان في "الثقات" (8/ 27) من طريق شعيب بن حرب عن الثورى، فأوقفه عليه. وإسناده صحيح. فإما أن يكون شعيب أو أحد ممن دونه قَصَّر به، أو أن الثورى رحمه الله كان يسنده إلى عروة تارة، ويذكره من قِبَل نفسه أخرى، فالله أعلم. وفي معناه ما رواه ابن أبي شيبة (8/ 353) عن ابن علية عن عمارة أبي سعيد، قال: "قلت للحسن: إلى ما ينتهى العقوق؟ قال: أن تحرمهما وتهجرهما وتحد النظر إلى وجه والديك، يا عمارة! كيف البر لهما؟ ". وإسناده صحيح. ورواه عبد الله بن الإِمام أحمد في "زوائد الزهد" (ص 263) من طريق حزم - وهو ابن أبي حزم القطعى عن عمارة بنحوه - بزيادة ونقص- وفي آخره: "قال: أما علمت أن نظرك في وجه والديك أو والدتك عبادة؟ ". وإسناده صحيح أيضًا. تنبيه: أما حديث: "من أحزن والديه فقد عقهما"، فكذب موضوع، رواه الخطيب في "جامعه" (1699) عن على مرفوعًا، وفيه: محمد بن محمد ابن الأشعث الكوفى، وهو رافضى يضع الحديث. وضع كتابا كاملًا بأسانيد مسلسلة بآل البيت، سماه "السنن"، وقد ذكرت له حديثًا في حاشية "البدائل" (1/ 51). وسأعيد ذكره عند الحديث السادس والتسعين بإذن الله. ولم يطلع العلامة الألبانى حفظه الله على إسناده، فقال في "ضعيف الجامع" (5/ 152): "ضعيف"، استنادًا إلى قاعدة الحافظ السيوطى رحمه الله في ضعف كل ما تفرد به جماعة من المخرجين، منهم الخطيب في "جامعه"، فلزم التنبيه. الحديث الثامن والثمانون: " من اقتراب الساعة أن ترفع الأشرار، وتوضع الأخيار، ويفتح القول، ويخزن العمل، ويُقرأ بالقوم المثناة ليس فيهم أحد ينكرها. قيل:

وما المثناة؟ قال: ما اكتتبت سوى كتاب الله عز وجل". ضعيف. رواه الحاكم (4/ 554) من طريق هشام بن عمار ثنا يحيى بن حمزة حدثنى عمرو بن قيس السكونى قال: كنت مع أبي الفوارس (كذا، ولعل الصواب: مع أبي في الوفد كما في الرواية الأخرى له) وأنا غلام شاب، فرأيت الناس مجتمعين على رجل. قلت: من هذا؟ قالوا: عبد الله بن عمرو ابن العاص، فسمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: فذكره، وهذا إسناد لين، رجاله كلهم ثقات سوى هشام بن عمار، وهو صدوق مقرئ كبر فصار يتلقن فحديثه القديم أصح، كما في "التقريب". قلت: ويستثنى من ذلك رواية الإِمام البخارى ومن سمعوا منه قبل ذلك. وراويه عند الحاكم هو إبراهيم بن يوسف الهسنجانى - وهو ثقة حافظ توفى 301 - فيبعد أن يكون متقدم السماع من هشام، والله أعلم. والحديث رواه أيضًا الطبراني في "الكبير" بنحوه، وقال الهيثمي (7/ 326): "ورجاله رجال الصحيح". قلت: وأحاديث ابن عمرو وقعت في القسم المفقود من "المعجم"، ولكن يغلب على الظن أنه رواه ص طريق هشام بن عمار أيضًا، فإنه من شيوخ البخارى كما تقدم. (وقد) خالف هشامًا جماعة من الثقات، فأوقفوه على عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما، وهم: الإِمام الأوزاعي، وإسماعيل بن عياش، ومعاوية بن صالح الحضرمي، ومحمد بن حمير. 1 - فقد روى الحاكم (4/ 554 - 555) - عقب ما تقدم - من طريق محمد ابن كثير الصنعاني ثنا الأوزاعي عن عمرو بن قيس السكونى قال: "خرجت مع أبي في الوفد إلى معاوية فسمعت رجلًا يحدث الناس، يقول: "إن من أشراط الساعة أن ترفع الأشرار وتوضع الأخيار، وأن يخزن الفعل والعمل ويظهر القول، وأن يقرأ بالمثناة في القوم ليس فيهم من يغيرها أو ينكرها. فقيل:

وما المثناة؟ قال: ما اكتتبت سوى كتاب الله عز وجل". قال: فحدثت بهذا الحديث قومًا، وفيهم إسماعيل بن عبيد الله، فقال: أنا معك في ذلك المجلس، تدرى من الرجل؟ قلت: لا. قال: عبد الله بن عمرو". وقال: "هذا حديث صحيح الإِسنادين جميعًا، ولم يخرجاه". وقال الذهبي: "صحيح". قلت: بل محمد بن كثير المصيصي صدوق كثير الغلط كما في "التقريب"، لكن المتابعات الآتية تؤكد صحة روايته إن شاء الله تعالى. 2 - ورواه أبو عبيد في "الغريب" (2/ 328 - 329)، قال: "حدثناه إسماعيل بن عياش قال: حدثني عمرو بن قيس السكوني ... " فذكره. وإسناده صحيح. 3 - ورواه ابن أبي شيبة (15/ 165 - 166) عن زيد بن الحباب قال: أخبرنا معاوية بن صاع قال: أخبرني عمرو بن قيس الكندي ... فذكره وإسناده جيد، ومعاوية ثقة حافظ. 4 - ورواه نعيم بن حميد في "الفتن" (676) من طريق محمد بن حمير عن عمرو بن قيس به أفاده محقق "المصنف" جزاه الله خيرًا. وابن حمير صدوق. فظهر من مجموع هذه الطرق، أن رواية هشام بن عمار - على لينها - مُعَلَّةٌ بالوقف. والله أعلى وأعلم. فائدة: قال أبو عبيد - عقب هذا الأثر -: "فسألت رجلًا من أهل العلم بالكتب الأول قد عرفها وقرأها عن المثناة، فقال: إن الأحبار والرهبان من بني إسرائيل بعد موسى وضعوا كتابًا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله تبارك وتعالى، فسموه بالمثناة، كأنه يعنى أنهما أحلوا فيه ما شاءوا وحرموا

89 - الحديث التاسع والثمانون

فيه ما شاءوا على خلاف كتاب الله تبارك وتعالى. فبهذا عرفت تأويل حديث عبد الله بن عمرو أنَّه إنما كره الأخذ عن أهل الكتب (كذا) لذلك المعنى، وقد كانت عنده كتب وقعت إليه يوم اليرموك، فأظنه قال هذا لمعرفته بما فيها، ولم يرد النهى عن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسنته، وكيف ينهى عن ذلك، وهو أكثر الصحابة حديثًا عنه؟ " اهـ. والله والمستعان، ولا حول ولا قوة إلا به. الحديث التاسع والثمانون: " من استرضى فلم يرضَ فهو شيطان، ومن استغضب فلم يغضب فهو حمار". لا أصل له مرفوعًا. قال الحافظ السخاوى في "المقاصد" (1079): "ليس في المرفوع، وإنما هو فيما أورده البيهقي في "الشعب" من جهة جعفر ابن محمد الصادق قال: من لم يغضب عند التقصير، لم يكن له شكر عن المعروف، ومن طريق الربيع، وفي "مناقب الشعب" (كذا) من جهة أحمد ابن سنان كلاهما عن الشافعي من قوله بزيادة: "ومن استغضب فلم يغضب فهو حمار". وذكره عنه الشوكاني رحمه الله في "الفوائد المجموعة" (ص 295) باختصار الكلام عن طرقه. وقال الشيخ ملا على القارى في "المصنوع" (310): "من كلام الشافعي". وذكره العلامة محمد الأمير الكبير المالكى في "النخبة البهية" (377) وقال: "وفي رواية جبان". وقال: "ليس بحديث، بل من قول الشافعي". قلت: رواه البيهقي في "مناقب الشافعي" (2/ 202) من طريق أحمد بن محمد بن الحسين المصري عن الربيع به. ورواه ابن عساكر (5/ 321) من طريق البيهقي أيضًا - بإسناد آخر - عن أبي بكر بن إسحاق عن الزبير

ابن عبد الواحد عن محمد بن [. . . . . .] عن الربيع به (كذا في النسخة الظاهرية ببياض في اسم أبي الراوى عن الربيع) وفي الطريق الأولى: أحمد بن محمد بن الحسين المصري، ترجم له الذهبي في "السير" (15/ 541: 543)، فقال: "الشيخ الكبير، مسند وقته، أبو الفوارس أحمد بن محمد بن الحسين بن السندى، المصري الصابونى ... " حتَّى قال: "وهو صدوق في نفسه. وليس بحجة، وقد أدخل عليه حديث باطل فرواه". ثم روى بإسناده إليه عن محمد بن حماد الطهرانى عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعًا: "النظر إلى وجه علِىٍّ عبادة". وقال: "فهذا أدخل على أبي الفوارس". وقال في "الميزان": "صدوق إن شاء الله، إلا أنى رأيته قد تفرد بحديث باطل عن محمد بن حماد الطهرانى كأنه أدخل عليه". وقال في "العبر" (2/ 80): "وفيها - يعنى سنة 349 - : أبو الفوارس الصابونى، ... الثقة المُعَمَّر، مسند ديار مصر ... ". وقال الحافظ في "اللسان" (1/ 296): " وكان ينبغي ذكر ذلك الحديث ليُجتنب، وسأبحث عنه إن شاء الله، ثم رأيت عن المالينى أن ابن المنذر قال: هو كذاب. فأورد (كذا) له الدارقطني في "غرائب مالك" حديثًا رواه عن العباس بن العباس بن الفضل بن عون التنوخى عن سوادة بن إبراهيم الأنصاري عن مالك عن نافع عن ابن عمر في تجاوز الله عن الخطأ والنسيان، الحديث، وقال عقبه: لا يصح، ومن دون مالك ضعفاء. قلت: مات في شوال سنة تسع وأربعين وثلاث مائة، وقد جاوز المائة ... "إلخ. قلت: فالرجل غير ثقة، على أنَّه قد توبع عند ابن عساكر إلا أن اسم متابعه لم يأت كاملًا كما تقدم، وقد ذكر الحافظ المزى في "تهذيب الكمال" (9/ 88) ثلاثة من المحمدين يروون عن الربيع ما منهم إلا ثقة حافظ هم: أبو إسماعيل الترمذي - محمد بن إسماعيل - والأصم - محمد بن يعقوب -

90 - الحديث التسعون

والرويانى - محمد بن هارون-، فأرجو أن يكون أحدهم. كذلك ذكر ابن عساكر (6/ 340) في ترجمة الزبير بن عبد الواحد جماعة من شيوخه المحمدين منهم: محمد بن إسحاق بن خزيمة ومحمد بن إسحاق السراج ومحمد بن الحسن ابن قتيبة العسقلانى وغيرهم ممن يحتمل أن يكون لهم رواية عن الربيع - وأيًا كان الأمر، فقد تابع الربيعَ: أحمد بن سنان - وهو الواسطى أحد الثقات الحفاظ -كما تقدم عن السخاوى رحمه الله. وقد صحح الحافظ ابن حجر رحمه الله نسبة هذا الأثر إلى الإِمام الشافعي رحمة الله عليه، إذ عقد الفصل السابع من كتابه "توالى التأسيس" في سياق شيء من بليغ كلامه نظمًا ونثرًا. وقال: "ذكر شيء من منثور كلامه". قال: "وهو كثير لو جمع لكان جزءًا كبيرًا، وقد اقتصرت منه على ما ساقه الآبرى، وأبو نعيم، والبيهقي بأسانيدهم الثابتة إليه محذوف الأسانيد"، فذكره (ص 136). أما رواية: "ومن استغضب فلم يغضب فهو جبان"، فلما أقف عليها بعد، ولا وجدت أحدًا أشار إليها سوى الأمير المالكى، فلعلها من تزيدات وتحريفات العامة في عصره بعد أن جعلوها حديثًا، فرَدَّ هو ذلك، والله أعلى وأعلم. الحديث التسعون: " من صلى صلاة في جماعة، فقد ملأ نحره عبادة". لا يعرف مرفوعًا. ذكره الغزالى رحمه الله في "الإِحياء" (1/ 148) كحديث، قال العراقى: "لم أجده مرفوعًا، وإنما هو من قول سعيد بن المسيب، رواه محمد بن نصر في كتاب "الصلاة" اهـ. قال الزبيدى: "قلت: ووجدت في "العوارف" ما نصه: ومن أقام

91 - الحديث الحادى والتسعون

الصلوات الخمس في جماعة، فقد ملأ البر والبحر عبادة. وقال ابن السبكى في "طبقات الشافعية" (6/ 294): "لم أجد له إسنادًا" اهـ. كما في "تخرج الإِحياء" (376). (أما) الوقوف على سعيد بن المسيب، فقد رواه ابن نصر (349): "حدثنا يحيى بن يحيى ... "، والحكيم الترمذى في "أسرار الصلاة" (ص 45): "حدثنا صالح بن محمد ... "، وأبو نعيم (2/ 162) من طريق قتيبة بن سعيد ثلاثتهم قالوا: ثنا عطاف بن خالد عن (وعند الحكيم: حدثنا) عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد به، واختلفت ألفاظهم، فلفظ ابن نصر: "من حافظ على الصلوات الخمس، فقد ملأ اليدين والنحر من عبادة الله". ولفظ الحكيم: "من صلى الخمس في جماعة، فقد ملأ البرين والبحرين عبادة". ولفظ "الحلية": "من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة، فقد ملأ البر والبحر عبادة". وإسناده حسن، رجاله كلهم موثقون، وفي عطاف وابن حرملة كلام لا ينزل حديثهما عن مرتبة الحُسن سوى ما استنكر عليهما، وسيأتى مزيد كلام عند الحديث التاسع والتسعين إن شاء الله. والله أعلم. الحديث الحادى والتسعون: " من فتح له باب خير فلينتهزه، فإنه لا يدرى متى يغلق عنه". ضعيف. رواه ابن المبارك في "الزهد والرقائق" (117) وعنه الإِمام أحمد في "الزهد" أيضًا (ص 364): أخبرنا أبو بكر بن أبي مريم الغساني، قال: حدثنا حكيم بن عمير، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: فذكره. وهذا إسناد ضعيف له علتان:

92 - الحديث الثانى والتسعون

الأولى: الإِرسال، فإن حكيم بن عمير - وهو أبو الأحوص الحمصي - تابعى. وهو صدق كما قال الحافظ الذهبي في "الكاشف" (1/ 249)، ومثله في "التقريب" (1476)، وزاد: "يهمُ" (¬33). الثانية: ضعف ابن أبي مريم واختلاطه. انظر الحديث المتقدم في الرقم (66)، ووعدنا هناك بإيراد هذا الحديث له. وله طريق أخرى موصولة عن حذيفة، فقد عزاه المتقى الهندى رحمه الله في "كنز العمال" (5/ 971) إلى ابن شاهين من طريق عبد الله بن أبان بن عثمان بن خليفة بن أوس عن أبيه عن جده عنه به. وعبد الله وأبوه وجده لم أجد لأحدهم ترجمة ولا ذكر، والذين بين ابن شاهين وبينهم يحتاج إلى النظر فيهم، لعل فيهم ضعيفًا أو متروكًا، ولم أجد الحديث في "الترغيب في فضائل الأعمال" له، فالله أعلم. (والصحيح) أن هذا من كلام خالد بن معدان الكلاعي الحمصي - التابعى الجليل العابد - كما رواه الإِمام أحمد في "الزهد" (ص 384) وعنه أبو نعيم (5/ 211) عن أبي المغيرة حدثنا حريز عنه به، ولفظه: "إذا فتح لأحدكم باب خير، فليسرع إليه، فإنه لا يدرى متى يغلق عنه". وإسناده صحيح. والله أعلى وأعلم. الحديث الثانى والتسعون: " من قتل حية، فكأنما قتل كافرًا". ¬

_ (¬33) ولم أرَ من وصفه بضعف ولا وهم. فقد قال أبو حاتم: لا بأس به. وذكره ابن حبان في "الثقات". وكذلك ابن خلفون. وقال ابن سعد: "كان معروفًا قليل الحديث". وقال ابن عساكر: "بلغنى أن محمد بن عوف سئل عن الأحوص بن حكيم، فقال: ضعيف، وأبوه شيخ صالح". انظر "الجرح" (3/ 206) و"تهذيب الكمال" (7/ 200) و"التهذيب" (2/ 450).

الوجه الأول

ضعيف. رُوِى من أربعة أوجه عن ابن مسعود، كلها ضعيف أو معلول. الوجه الأول: رواه الطيالسي (315) والإِمام أحمد (1/ 394 - 395، 421) وابن أبي شيبة (5/ 405) وأبو يعلى (9/ 221) وعنه ابن حبان في "المجروحين" (3/ 150) - بإسناد آخر - والطبرانى (10/ 130) من طرق عن داود بن أبي الفرات عن محمد بن زيد عن أبي الأعين العبدى عن أبي الأحوص قال: بينما ابن مسعود يخطب ذات يوم فإذا هو بحية تمشى، فقطع خطبته ثم ضربها بقضيبه حتَّى قتلها، ثم قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من قتل حية، فكأنما قتل رجلًا مشركًا قد حَلَّ دمه". وإسناده ضعيف جدًا، أبو الأعين العبدى، قال الحافظ في "تعجيل المنفعة" (ص 464 - 465): "ضعفه يحيى بن معين. وقال أبو حاتم: مجهول وقال ابن حبان: كان يأتى بأشياء مقلوبة، لا يجوز الاحتجاج به". قلت: لفظه في "المجروحين": "كان ممن يأتى بأشياء مقلوبة وأوهام معمولة، كأنه تعمدها، لا يجوز الاحتجاج به، وهو الَّذي روى عن أبي الأحوص ... " فذكر الحديث، حتَّى قال: "في نسخة كتبناها عنه بهذا الإِسناد، ما لشئ منها أصل يرجع إليه". ومحمد بن زيد مختلف فيه، قواه أبو حاتم وذكره ابن حبان في "الثقات". وذكره الدارقطني في "الضعفاء" (469) ساكتا عنه، فهو عنده متروك. وفي رواية ابن أبي خيثمة عن ابن معين، قال - عن أبي الأعين -: "ضعيف, ولا يعرف" كما في "الجرح" (9/ 335) فالبلاء لا ينفك عن أحدهما. والله أعلم. الوجه الثانى: رواه البزار (1229) من طريق شريك عن أبي إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:

الوجه الثالث

"من قتل حية، فكأنما قتل كافرًا". وفي إسناده شريك، تقدم الكلام فيه في الحديث السادس والثمانين. وهدا من رواية يزيد بن هارون عنه، وهي متوقف فيها كما تقدم. ولو مُشِّيت، فقد خالف شريكًا رجل من أثبت الناس في أبي إسحاق السبيعى، وهو حفيده إسرائيل (¬34) كما يأتى. وقال البزار: "لا تعلم روى أبو إسحاق عن القاسم عن أبيه عن ابن مسعود إلا هذا". ورواه أبو داود (2/ 653) والطبراني (9/ 410) من طريق إسحاق الأزرق عن شريك به، بلفظ آخر، وهو: "اقتلوا الحيَّات كلهن، فمن خاف ثأرهن فليس منى" وإسحاق أصح حديثًا عن شريك من يزيد بن هارون، ومن أعلمهم بشريك. وهذا إسناد رجاله ثقات - كما قال الهيثمي -، والمتن صحيح له طرق. ولكن سيأتى عن ابن عبد البر ما يقضى عليه بالنسخ. الوجه الثالث: رواه البزار (1230) من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن منصور عن حبيب بن أبي ثابت عن عبدة - يعنى ابن أبي لبابة - عن زر عنه مرفوعًا: "من قتل حية أو عقربًا، فقد قتل كافرًا، أو: فكأنما قتل كافرًا". ورجاله ثقات لكن حبيبًا كثير التدليس والإِرسال، وقد عنعنه. وقد تقدم شيء عنه في الحديث الرابع والثمانين. وقد خولف عبيد الله بن موسى عن إسرائيل في إسناده - مع الوقف -، وخولف إسرائيل عن منصور أيضًا كما يأتى وأجمل الهيثمي القول في هذه الطرق، فقال (4/ 46): "رواه أحمد وأبو يعلى والبزار بنحوه والطبراني في "الكبير" مرفوعًا وموقوفًا، قال البزار في حديثه، وهو مرفوع: من قتل حية أو عقربًا، وهو في موقوف الطبراني. ورجال البزار ¬

_ (¬34) اختلف في تقديم إسرائيل علي شريك في أبي إسحاق، فلم أشأ حكاية الخلاف لأنَّ المقام لا يحتمله، مع ملاحظة أن الذين قدموا شريكا راعوا قدم سماعه من أبي إسحاق - حسب - مع علمهما بتغير حفظ شريك، فكأن إطلاقهم مقيد بما حدَّث به في الصحة. والله أعلى وأعلم.

الوجه الرابع

رجال الصحيح". الوجه الرابع: رواه الخطيب (2/ 234) من طريق فضالة بن الفضل التميمى قال: نبأنا أبو داود الحفرى عن الثورى عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله مرفوعًا: "من قتل حية، فكأنما قتل كافرًا". وفي رواية بالإِسناد: "قتل كافرًا" وقال الخطيب: "هكذا روى فضالة بن الفضل عن أبي داود مرفوعًا. ورواه سلم بن جنادة عن أبي داود موقوفًا، لم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم" اهـ. قلت: وفضالة، قال أبو حاتم: صدوق. ووثقه النسائي وابن حبان، ولكن قال: "ربما أخطأ". وهذا مما أخطأ فيه، فقد خالفه سلم بن جنادة، وهو ثقة ربما خالف كما في "التقريب" (2464)، والإِمام الحافظ الثَّبت أبو بكر بن أبي شيبة، فأوقفاه على ابن مسعود رضي الله عنه. (فالصحيح) في هذا الحديث الوقف عليه، وثبت أيضًا عن علقمة ومجاهد. وله عن ابن مسعود خمس طرق: الأولى: عند ابن أبي شيبة (5/ 403) عن أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم (¬35) عنه، قال: "من قتل حية، قتل كافرًا". وإسناده صحيح جدًا ¬

_ (¬35) ورواه مغيرة عن إبراهيم عنه، بلفظ: "اقتلوا الحيات كلها إلا الجان الأبيض الَّذي كأنه قضيب فضة" عند أبي داود (2/ 655) وعنه ابن عبد البر في "التمهيد" (16/ 30). وإسناده ضعيف, مغيرة ثقة، لكنه في التدليس عن إبراهيم وقد عنعنه. ولذلك ضعفه الإِمام أحمد في إبراهيم خاصةً. وأعله الحافظ المنذرى رحمه الله بغير علته، فقال في "مختصر السنن" (8/ 110): "هذا منقطع. إبراهيم لم يسمع من ابن مسعود". وقال ابن عبد البر: "وقد روى عن ابن مسعود في هذا الباب قول غريب حسن" فساقه بإسناده إلى أبي داود.

وإرسال إبراهيم عن ابن مسعود أصح من إسناده. وقد تعرضت لهذه المسألة في الحديث الحادى والثلاثين من الكتاب. الثانية: عنده أيضًا (5/ 405) عن أبي داود الحفرى عن الثورى عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عنه قال: فذكره. وإسناده صحيح، وقد أخرج مسلم لأبي داود الحفرى - واسمه: عمر بن سعد الكوفي - عن الثورى، فإن كان احتجاجًا فهو على شرطه. وهو الراجح عن أبي داود. الثالثة: عند الطبراني من طريق إسرائيل من أبي إسحاق من القاسم عن أبيه عنه، قال: "من قتل حية أو عقربا، قتل كافرا". ورواه أيضًا من طريق أبي نعيم ثنا المسعودى عن القاسم قال: قال عبد الله، فذكره بنحوه. وأسقط: "عن أبيه" من إسناده. الرابعة: عند عبد الرزاق (10/ 436) عن معمر في "جامعه" عن بعض الكوفيين أن ابن مسعود قال: "من قتل حية، فكأنما قتل كافرًا، ومن قتل عقربًا فكأنما قتل كافرا". وإسناده ضعيف، فيه جهالة وانقطاع. الخامسة: عند ابن عبد البر في "التمهيد" (16/ 23) من طريق ابن وضاح قال: ثنا محمد بن قدامة قال: ثنا جرير عن منصور عن حبيب بن أبي ثابت عن زر بن حبيش عنه، قال: "من قتل حية أو عقربًا، قتل كافرا". وفيه عنعنة حبيب بن أبي ثابت. وقد رُوِى عن حبيب مرفوعًا، بإدخال عبدة بن أبي لبابة بينه وبين زر كما تقدم. وإسرائيل - في غير أبي إسحاق - غيره أثبت منه. والله أعلم. (وأما) عن علقمة، فرواه ابن أبي شيبة (5/ 404) عن وكيع عن سفيان عن أبي قيس عنه قال: "ما يضر أحدكم قتل حية أو قتل كافرًا، إلا الَّذي كأنه مَيْل، فإنه جِنُّها" وإسناده حسن. (وأما) عن مجاهد، فرواه أيضًا عن ابن علية عن ابن أبي نجيح عنه،

فائدة

قال: "من قتل حية، فقد قتل عدوًا كافرًا". وإسناده صحيح. رجاله رجال الشيخين، فإن كانا احتجا بهذا الإِسناد، فهو على شرطهما. فائدة: قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في "التمهيد" (16/ 23: 30): "اختلف العلماء في قتل الحيات جملة، فقال منهم قائلون: تقتل الحيات كلها في البيوت والصحارى، في المدينة وغير المدينة - لم يستثنوا منها نوعًا ولا جنسًا، ولا استثنوا في قتلهن موضعًا؛ وسنذكر اختلافهم في إذنها بالمدينة وغيرها في باب صيفى - إن شاء الله. ومن حجتهم حديث عبد الله ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أنَّه قال: فذكره وغيره مرفوعًا. قال: "ومن حجتهم أيضًا ما مضى من الأحاديث فيما سلف في هذا الباب في قتل الحية في الحل والحرم" ثم ذكر أثر ابن مسعود - مرفوعًا وموقوفًا - وأحاديث أخرى. قال: "قالوا: ففي هذه الأحاديث قتل الحيات جملة: ذى الطفتين وغيره وكذلك الأحاديث التي قبلها لم يخص شيئًا دون شيء. وقال آخرون: لا يقتل من الحيات ما كان في البيوت بالمدينة خاصة إلا أن ينذر ثلاثًا، وما كان في غيرها فيقتل في البيوت وغير البيوت - ذا الطفتين كان أو غيره. ومن حجتهم حديث أبي سعيد الخدرى من رواية صيفى عن أبي السائب عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: إن نفرًا من الجن بالمدينة أسلموا، فإذا رأيتم أحدًا منهم فحذروه ثلاثة أيام، ثم إن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه. وروى أبو حازم عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه بمعناه. ومن حديث سهل بن سعد أيضًا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن لهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم منها شيئًا فتعوذوا منه، فإن عاد فاقتلوه. وهذا يحتمل أن يكون إشارة إلى بيوت المدينة - وهو الأظهر، ويحتمل أن يكون إلى جنس البيوت - والله أعلم،

وسيأتى ذكر حديث أبي سعيد الخدرى، وحديث سهل بن سعد في تخصيص حيات المدينة بالإِذن في باب صيفى من هذا الكتاب - إن شاء الله. وقال آخرون: لا تقتل حيات البيوت بالمدينة ولا بغيرها حتَّى تؤذن، فإن عادت قتلت، ومن حجتهم ... " فذكر حديث أبي ليلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن حيات البيوت، فقال: إذا رأيتم منهن شيئًا في مساكنكم فقولوا: أنشدكم (¬36) العهد الَّذي أخذ عليكم سليمان أن تؤذونا، فإن عدن فاقتلوهن. قال: "فلم يخص في هذا الحديث بيوت المدينة من غيرها، وهو - عندى - محتمل للتأويل، والأظهر فيه العموم. وقال آخرون: لا تقتل ذوات البيوت من الحيات بالمدينة أو بغير المدينة، واحتجوا بظاهر حديث أبي لبابة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه نهى عن قتل الجنان التي في البيوت - لم يخص بيتا من بيت، ولا موضعا من موضع، ولم يذكر الإِذن فيهن. وقال الآخرون: يقتل من حيات البيوت، ذو الطفتين والأبتر - خاصة بالمدينة وغيرها من المواضع دون إذن ولا إنذار، ولا يقتل من ذوات البيوت غير هذين الجنسين من الحيات. واحتجوا بما حدثناه ... " فذكر بإسناده إلى الإِمام مالك، عن نافع عن أبي لبابة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت، إلا أن يكون ذا الطفتين والأبتر، فإنهما يخطفان البصر، ويطرحان ما في بطون النساء. قال: "ومن حديث نافع عن سائبة - مثل هذا سواء، وسيأتى في موضعه من كتابنا هذا - إن شاء الله. وحدثنا ... " فذكر بإسناده إلى الإِمام أحمد قال: محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن عبد ربه، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنَّه كان يأمر بقتل الحيات كلها، فقال له أبو لبابة: أما بلغك أن رسول الله ¬

_ (¬36) الحديث رواه من طريق أبي داود، وهو عنده بلفظ: "أنشدكن العهد الَّذي أخذ عليكن نوح، أنشدكن العهد ... " الحديث. وفي إسناده ابن أبي ليلى، وهو صدوق سيء الحفظ جدًا.

صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قتل ذوات البيوت، وأمر بقتل ذى الطفتين والأبتر؟ قال: "هذا نص رواية القعنبي في المتن، ورواية ابن وهب في الإِسناد، وقد أجمع العلماء على جواز قتل حيات الصحارى صغارًا كن أو كبارًا أي نوع كان الحيات؛ وأما قتلهن في الحرم فقد مضى فيما سلف من كتابنا هذا - وبالله توفيقنا". قال: "ترتيب هذا الأحاديث كلها المذكورة في هذا الباب وتهذيبها، استعمال حديث أبي لبابة والاعتماد عليه، فإن فيه بيانًا لنسخ قتل حيات البيوت، لأنَّ ذلك كان بعد الأمر بقتلها جُملة، وفيه استثناء ذى الطفتين والأبتر، فهو حديث مفسر لا إشكال فيه لمن فهم وعلم - وبالله التوفيق. ومما يدلك على ذلك أن ابن عمر كان قد سمع من النبي - عليه السلام - الأمر بقتل الجنان جملة، فكان يقتلهن حيث وجدهن حتَّى أخبره أبو لبابة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى بعد ذلك عن قتل عوامر البيوت منهن، فانتهى عبد الله بن عمر، ووقف عند الآخر من أمره صلى الله عليه وآله وسلم على حسبما أخبره أبو لبابة، وقد بأن ذلك في رواية أسامة بن زيد وغيره عن نافع - على حسبما تقدم في الباب. وحدثنا .. " فذكر بإسناده إلى أبي داود حديث سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: اقتلوا الحيات وذا الطفتين والأبتر، فإنهما يلتمسان البصر، ويسقطان الحبل. قال: وكان عبد الله يقتل كل حية وجدها، فأبصره أبو لبابة أو زيد بن الخطاب - وهو يطارد حية - فقال: إنه قد نهى عن ذوات البيوت. وحدثنا ... " فذكر طريقا أخرى إلى سفيان عن الزهري عن سالم به. قال: "قال سفيان: كان الزهري يشك فيه زيد أو أبو لبابة". قال: "هو أبو لبابة صحيح - لم يشك فيه نافع وغيره، وقد رواه بكير (تصحف إلى بكر) ابن الأشج عن سالم، فاستثنى من ذوات البيوت ذا الطفتين والأبتر، وهو موافق لرواية عبد ربه بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر. ولرواية القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ وهو الصواب في هذا الباب، وعليه يصح

93 - الحديث الثالث والتسعون

ترتيب الآثار فيه - والحمد لله. وقد روى عن ابن مسعود في هذا الباب قول غريب حسن ... " فذكر ما تقدم من رواية مغيرة عن إبراهيم عنه. وانظر حديث صيفى الَّذي أشار إليه مرارًا في نفس الجزء (ص 257: 270)، ففيه فوائد طيبة وآثار عجيبة هذا، وقد فسر - رحمه الله - ذا الطفتين والأبتر بقوله - قبل حكايته الخلاف في المسألة رأسا -: "يقال إن ذا الطفتين حنش يكون على ظهره خطان أبيضان، ويقال: إن الأبتر: أفعى. وقيل إنه حنش أبتر كأنه مقطوع الذنب، وقال النضر بن شميل: الأبتر من الحيات: صنف أزرق مقطوع الذنب، لا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها - والله أعلم". الحديث الثالث والتسعون: " من نسى شيئًا من نسكه أو تركه، فليهرق دمًا". ضعيف. رواه ابن حزم - كما في "اللسان" (1/ 222) و"التلخيص" (2/ 244) من طريق علي بن الجعد عن ابن عيينة عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعًا به. قال الحافظ: "وأعله بالراوى عن علي بن الجعد: أحمد بن علي بن سهل المروزي، فقال: إنه مجهول, وكذا الراوى عنه: على ابن أحمد المقدسي، قال: هما مجهولان" اهـ. ثم إنه - رحمه الله - ذهل عن ذلك، فأعاد الحديث في "التلخيص" (2/ 275)، وقال: "هذا لم أجده مرفوعاً، وقد تقدم من قول ابن عباس في باب المواقيت" اهـ. قلت: والحديث ليس في "المحلى"، بل في كتاب آخر لابن حزم، وذلك، لجملة أمور: الأول: أننى تصفحت (كتاب الحج) من "المحلى" - من أوله إلى آخره - فلم أجده مرفوعًا، بل ذكره في موضع واحد منه (7/ 256) موقوفًا، فقال:

"فإن ذكروا ما روى عن ابن عباس والنخعى أن من ترك من نسكه شيئًا فليرق دمًا، قلنا: أنتم أول من خالف ذلك لأنكما تجعلون في أكثر ذلك صدقة لا دمًا، ولا عجب أعجب ممن يحتج بشيء يراه حقًّا، ثم هو أول مخالف له .. " إلخ. الثانى: أن صَاحبى كتاب "تجريد أسماء الرواة الذين تكلم فيهم ابن حزم جرحًا وتعديلًا" أوردا: "أحمد بن علي بن سهل المروزي" (6)، فأحالا على "اللسان" (1/ 222)، ولم يذكرا موضع ذكره من "المحلى"، وهذا يدل على أنهما لم يجداه فيه. الثالث: أن في إسناد الحديث أيضًا: علي بن الجعد - وهو الجوهرى أحد الحفاظ الأثبات -، وقد لينه ابن حزم (5/ 226)، فقال: "على بن الجعد ليس بالقوى"، فلو كان الحديث في "المحلى" لكان الظاهر أن يعله به ابن حزم أيضًا في غير الموضع الأول بطبيعة الحال. (أما) إعلال ابن حزم الحديث بعلي بن أحمد المقدسى فلا غبار عليه، فإنى لم أجد للمقدسى هذا ترجمة فيما بين يَدَيَّ من كتب الرجال، وفات الحافظ إيراده في "اللسان" مع أنَّه حكى تجهيل ابن حزم له كما تقدم. أما تجهيله لأحمد ابن علي بن سهل، فهو بناء على عادته فيمن لا يعرفهم - كما قال الحافظ في بعض من جهلهم ابن حزم، كابن حسنويه في الحديث الرابع والسبعين - وإلا فالرجل ترجم له الخطيب في "تاريخ بغداد" (4/ 304)، وقال: "روى عنه عبد الله بن جعفر بن الورد المصري، و ... ، و ... ، و ... ، و ... أحاديث مستقيمة". فالبلية - في رفع هذا الحديث - ممن دون على بن الجعد، فقد رواه عن سفيان الثورى - لا سفيان بن عيينة - موقوفًا، لا مرفوعا كما يأتى. ولعل هذا المقدسى - أو غيره - وجدا الأثر عن على عن سفيان، فظنه ابن عيينة، ثم رفعه وهمًا أو عمدًا، فالله أعلم، وهو - تعالى - حسيبنا.

(والصحيح) إيقاف الحديث على ابن عباس رضى الله عنهما، كما رواه جماعة من الثقات الأثبات - وغيرهم - عن أيوب من سعيد بن جبير عنه به، وهم: 1 - الإِمام مالك رحمه الله في "الموطأ" (1/ 419)، ولفظه: "من نسى من نسكه شيئًا أو تركه، فليهرق دمًا". قال أيوب: "لا أدرى، قال: ترك، أو: نسى". ورواه البيهقي (5/ 152) من طريق ابن بكير عن مالك، وفيه: "قال مالك: لا أدرى قال: ترك أم نسى". قلت: إن كان ابنى بكير تفرد بذلك، فسماعه للموطأ مطعون فيه، لأنَّه كان برواية حبيب كاتب مالك، وهو كذاب مخلط، وإنما هذا قول أيوب - شيخ الإِمام مالك - كما تقدم من رواية يحيى بن يحيى عن مالك. 2 - ويحيى بن سعيد. 3 - وإسماعيل بن أمية. 4 - وابن جريج، ثلاثتهم عند الدارقطني (2/ 244) من طريق أبي صالح كاتب الليث نا يحيى بن أيوب عنهم به. وأبو صالح ضعيف - على تفصيل للحافظ في أمره -، ولا بأس به في الشواهد. 5 - وسفيان الثورى، علقه عنه الدارقطني والبيهقى في "سننيهما"، ووصله عنه على بن الجعد، وعنه أبو القاسم البغوي في "الجعديات" (1825). 6 - وعبيد الله بن عمر العمرى، الحافظ الثَّبت. 7 - وأخوه عبد الله، وهو لين الحديث - كلاهما عند الدارقطني. والأثر - من رواية مالك والثوري - صحيح على شرط الشيخين. والله أعلى وأعلم.

94 - الحديث الرابع والتسعون

الحديث الرابع والتسعون: " المؤذن أملك بالأذان، والإِمام أملك بالإِقامة". منكر. رُوِى من حديث أبي هريرة، وابن عمر. أولًا: حديث أبي هريرة: رواه ابن عدى في "الكامل" (4/ 1327) من طريق يحيى بن إسحاق، ثنا شريك عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "المؤذن أملك بالأذان، والإِمام أملك بالإِقامة، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين". وقال: "وهذا - بهذا اللفظ - لا يروى إلا عن شريك ص رواية يحيى بن إسحاق عنه، وإنما رواه الناس عن الأعمش بلفظ آخر هو قوله: "الإِمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين" اهـ. قلت: فهو معدود في مناكير شريك بهذا اللفظ، وأومأ البيهقي إلى عدم صحته، فقال في "سننه" (2/ 19) - عقب روايته موقوفًا على علي بن أبي طالب -: "ورُوى عن شريك عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا، وليس بمحفوظ" اهـ. ثانيًا: حديث ابن عمر: قال الحافظ رحمه الله في "التلخيص" (1/ 222) - بعد الإِشارة إلى حديث أبي هريرة وقول البيهقي فيه -: "ورواه أبو الشيخ من حديث أبي الجوزاء عن ابن عمر، وفيه معارك بن عباد وهو ضعيف، ورواه البيهقي عن علي موقوفًا، وقد أخرج مسلم من حديث جابر ابن سمرة: "كان بلال يؤذن إذا دحضت الشمس، ولا يقيم حتَّى يخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم" اهـ. وعزاه السيوطى في "الجامع" (9135) - وتبعه الهندي في "الكنز" (7/ 694) - إلى أبي الشيخ في كتاب "الأذان" عن أبي هريرة لكن زاد الهندى من "الإِكمال" عزوه إلى أبي الشيخ من ابن عمر بلفظ: "المؤذن أحق ... ". وقال المناوى (6/ 250): "رمز لحسنه.

ينظر في قول الشيح: "عن أبي هريرة" فإن الحافظ ابن حجر ذكر أن أبا الشيخ خرجه من طريق أبي الجوزاء عن ابن عمر، قال: "وفيه معارك ابن عباد (تصحفت إلى: مبارك) ضعيف, وذكر أن الَّذي رواه عن أبي هريرة ابن عدى، ويحتمل أن أبا الشيخ خرجه عن صحابيين لكنى لم أره. ورواه البيهقي عن علي موقوفًا. قال: ورفعه غير محفوظ. وقال الذهبي: بل لا يصح". قلت: ومعارك (¬37) ضعيف جدًا. قال البخاري: منكر الحديث. وأورده الدارقطني في "الضعفاء" (536) ساكتا عنه، فهو متروك عنده وعند البرقانى وابن حمكان. وقال الإِمام أحمد: لا أعرفه. وقال أبو زرعة.: واهى الحديث. وقال أبو حاتم: أحاديثه منكرة. وحكى أحمد بن الحسن الترمذي أنَّه ذكر حديثه في الجمعة، فقال له أحمد بن حنبل: استغفر ربك. أما ابن حبان، فخالف كل هؤلاء وأورده في "الثقات" (9/ 198)، وقال: "يخطئ ويهم" والحديث، قال الشيخ الألباني في "ضعيف الجامع" (6/ 3): "ضعيف". (والصحيح) وقف الحديث على علي رضي الله عنه، فقد رواه ابن أبي شيبة (1/ 414) من طريق سفيان عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي عبد الرحمن أو هلال عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن قال: قال على: فذكره. وإسناده صحيح، وهذا التردد لا يضر، فإن الإِسناد صحيح متصل في الحالتين، لا سيما وقد رواه عبد الرزاق (2/ 476) عن الثورى عن منصور عن هلال عن أبي عبد الرحمن به - بغير تردد -، وأفاد فائدة ليست عند ابن أبي شيبة، فقال عقبه: "قال سفيان: يعني: يقول الإِمام للمؤذن: تأخر حتَّى أتوضأ أو أصلى ركعتين". ووافق شعبة رحمه الله أيضًا رواية عبد الرزاق عن الثورى، فقد رواه البيهقي من طرق عنه عن منصور قال: سمعت هلال ¬

_ (¬37) سماه بعضهم: "معارك بن عبد الله"، وهو القيسي البصري.

95 - الحديث الخامس والتسعون

ابن يساف يحدث عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضى الله عنه: فذكره الله أعلى وأعلم. الحديث الخامس والتسعون: " النساء على ثلاثة أصناف: صنف كالعر - وهو الجرب - وصنف كالوعاء تحمل وتضع، وصنف ودود ولود مسلمة تعين زوجها على إيمانه، وهي خير له من الكنز". منكر. رواه الرامهرمزى في "الأمثال" (111)، وتمام في "الفوائد" (206/ 2) - كما في "الضعيفة" (714) -كلاهما من طريق عبد الله بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن جابر مرفوعًا به، وقال تمام: "عبد الله بن دينار هو الحمصي". قال الشيخ الألباني حفظه الله: "قلت: وهو ضعيف كما جزء به الحافظ في "التقريب" تبعا لغير واحد من الأئمة، ومنهم أبو حاتم، فقد قال ابنه في "العلل" (2/ 310) بعد أن ساق الحديث: "وقال أبي: هذا حديث منكر، عبد الله بن دينار منكر الحديث". بل قال الدارقطني: "ضعيف لا يعتبر به" اهـ. قلت: كلام أبي حاتم - بتمامه -: "هذا حديث منكر. قلت: (القائل ابنه عبد الرحمن): ممن إنكاره؟ قال: من عبد الله ابن دينار هو منكر الحديث يحدث عنه إسماعيل بن عياش أحاديث مسندة لا يعرفها منكرة ومنقطع عن كعب لا يضبط" كذا، والصواب - إن شاء الله -. "لا نعرفها"، أما بقية العبارة فلا تخلو من خلل. والحديث أيضًا ذكره الديلمى في "فردوس الأخبار" (7175)، وعزاه لجابر رضي الله عنه. (والصحيح) وقفه على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه - بأطول من هذا - كما رواه ابن أبي شيبة (4/ 309 - 310) - واللفظ له - من طريق شيبان بن عبد الرحمن، وعمر بن شبة في "أخبار المدينة" (2/ 771 - 772).

من طريق سفيان الثورى كلاهما عن عبد الملك بن عمير عن زيد بن عقبة من سمرة بن جندب عنه قال: "النساء ثلاثة: امرأة هينة لينة عفيفة مسلمة ودود ولود، تعين أهلها على الدهر، ولا تعين الدهر على أهلها، وقل ما يجدها، ثانية: امرأة عفيفة مسلمة إنما هي وعاء للولد ليس عندها غير ذلك، ثالثة: غلٌّ قَمِلٌ يجعلها الله في عنق من يشاء، ولا ينزعها غيره. الرجال ثلاثة: رجل عفيف مسلم عاقل يأتمر في الأمور إذا أقبلت ويسهب، فإذا وقعت فرج (¬38) منها برأيه. ورجلٌ عفيف مسلم ليس له رأى، فإذا وقع الأمر أتى ذا الرأى والمشورة فشاوره واستأمره، ثم نزل عند أمره، ورجل حائر بائر لا يأتمر رشدًا، ولا يطيع مرشدًا" (صوبها المحقق إلى: جائر حائر، وذكر أنها (حائر) في النسخة: س، وفي الأصل. يابر، وفي رواية ابن شبة وابن قتيبة: حائر بائر، فهي الأشبه، والله أعلم. وقال محقق "عيون الأخبار": "يقال: رجل حائر بائر: ضال تائه لا يتجه لشئ" اهـ قلت: فهو تعبير معروف، والله أعلم. وإسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح سوى زيد بن عقبة، وهو ثقة من رجال الثلاثة. وقد وراه ابن أبي الدنيا في "الأشراف" - كما في "الكنز" (16/ 263) وعنه - وعن البغوي أيضًا - ابن عساكر (13/ 138). كلاهما عن أبي نصر التمار عن عبيد الله ابن عمرو- وهو الرقى - عن عبد الملك به، بإسقاط سهرة من إسناده. والصحيح الراجح ما اجتمع عليه الثورى وشيبان. نعم، عبيد الله بن عمرو الرقى ثقة حافظ، لكنه دون هذين. فقد جاء في كلام بعض الحفاظ ما يفهم منه أنَّه قد يَهِمُ أحيانًا. قال ابن سعد رحمه الله ¬

_ (¬38) قال محقق "المصنف": "وقع في الأصل: فرح، وفي س: يخرج، والصواب ما أثبتناه". قلت: فيه: "برائه" صوبته من سائر الروايات إلى: "برأيه". وهو كذلك بقرينة سائر السياق. والله أعلم.

96 - الحديث السادس والتسعون

في "الطبقات الكبرى" (7/ 2 / 182): "وكان ثقة صدوقًا كثير الحديث، وربما أخطأ، وكان أحفظ من روى عن عبد الكريم الجزرى ... ". والأثر ذكره ابن قتيبة في "غريب الحديث" (1/ 275) - بنحوه -، وقال: "كان سفيان بن عيينة يروى هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير. وحدثنيه عبد الرحمن عن عمه عن شيخ من بنى العنبر، أنَّه قال: كان يقال، وذكر الكلام كله، ولم يروه عن عمر" اهـ. قلت: وهذا أيضًا لا يقدح في ثبوته عن عمر، ولعل هذا الشيخ المبهم قد بلغه هذا الأثر فرواه على ما بلغه. وعبد الرحمن هو ابن عبد الله بن قريب، ذكره ابن حبان في "الثقات" (8/ 381). وعمه هو عبد الملك بن قريب الأصمعى النحوى المشهور. وعنه علقه ابن قتيبة في كتاب آخر له هو "عيون الأخبار" (4/ 2). ولم أقف على أثر عمر عن ابن عيينة مطولًا، فإن كان كرواية سفيان وشيبان، فهو مما يؤكد أن الرقى رحمه الله قد قَصَّر في إسناده. وممن رواه أيضًا عن عمر: الخرائطى في "مكارم الأخلاق"، ولم أره في "المنتقى منه" للحافظ السلفى رحمه الله، والبيهقي في "شعب الإِيمان" كما في "الكنز". ولعل الله عَزَّ وَجَلَّ ييسر لى إيراد هذا الأثر وتوضيح بعض من معانيه في "فضل المرأة الصالحة" عما قريب بإذنه تعالى. الحديث السادس والتسعون: " نهى أن تلقى النواة على الطبق الَّذي يؤكل منه الرطب أو التمر". ضعيف على أحسن أحواله. رواه الشيرازى في "الألقاب" عن علي كما في "الجامع الصغير" (9561) مرموزًا له بالضعف، وقال في "ضعيف الجامع" (6/ 22 - 23): "ضعيف". وأخشى أن يكون حال هذا الحديث أسوأ من ذلك، فقد وضع غلاة الرافضة على على وآل بيته رضى الله عنهم

الآلاف المؤلفة من الأحاديث والآثار، حتَّى أن أحد جهالهم، واسمه: "محمد ابن محمد بن الأشعث أبو الحسن الكوفي" وضع كتابًا كاملًا سماه "السنن"، وقد روى عنه ابن عدى، وقال فيه (6/ 2303): "مقيم بمصر، كتبت عنه بها، حمله شدة ميله إلى التشيع إلى أن أخرج لنا نسخة قريبًا من ألف حديث عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده إلى أن ينتهى إلى على والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كتاب كتاب (كذا، ولعل الصواب: كتب كتابا) يخرجه إلينا بخط طرى على كاغد جديد فيها مقاطيع وعامتها مسندة مناكير كلها أو عامتها فذكرنا روايته هذه الأحاديث عن موسى هذا لأبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب - وكان شيخًا من أهل البيت بمصر، وهو أخ الناصر وكان أكبر منه -، فقال لنا: كان موسى هذا جارى بالمدينة أربعين سنة ما ذكر قط أن عنده شيئًا من الرواية لا عن أبيه ولا عن غيره". وقد تقدمت الإِشارة إلى هذا الرجل عند آخر الحديث السابع والثمانين، فأخشى أن يكون قد أدخل هذا الحديث في "سننه"! ! أو يكون عن طريق أشباهه ونظرائه. وقد بدأت دلالة هذا الحديث تشيع بين الشباب - خاصَّةً - ويكثر تساؤلهم عنه. (وإنما) وقفت على معناه عن أَنس رضي الله عنه - من قوله - كما رواه البيهقي في "سننه" (7/ 281) من طريق الحافظ أبي أمية الطرسوسي نا سعيد ابن سليمان نا عباد بن العوام عن حميد عنه: "أنَّه كان يكره أن يضع النوى مع التمر على الطبق". وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات محتج بهم في "الصحيحين"، سوى أبي أمية - واسمه: محمد بن إبراهيم بن مسلم-، وهو صدوق حافظ حَدَّث بمصر بأحاديث من حفظه، فوهم فيها. وراويه عنه هنا: هو الحافظ أبو العباس الأصم النيسابورى. نعم، دخل الأصم مصر، لكن لا دليل قاطع على أنَّه قد سمع أبا أمية فيها. وقد نص الحافظ الذهبي رحمه الله

97 - الحديث السابع والتسعون

في "السير" (15/ 453) على جماعة سمع منهم الأصم بمصر، ليس فيهم أبو أمية الطرسوسي. فالله أعلى وأعلم. والأثر لم يعقب عليه البيهقي رحمه الله إلا بقوله: "هذا موقوف". فائدة: وروى أبو الشيخ في "الأخلاق" (ص 177) من حديث شعبة عن يزيد بن خمير قال: سمعت عبد الله بن بسر يقول: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأتاه أبي بتمر وسويق، فجعل يأكل التمر، ويلقى النوى على ظهر إصبعيه، ثم يلقيه". يعنى السبابة والوسطى. قلت: وهو حديث صحيح، أصله عند مسلم وأبى داود والترمذى مطولًا. انظر "جامع الأصول" (7/ 397 - 398) و"تحفة الأشراف" (5205). الحديث السابع والتسعون: " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يشرب بنفس واحد، وقال: ذاك شراب الشيطان". ضعيف جدًا. رواه ابن عدى (3/ 924) من طريق خارجة بن مصعب السرخسى عن جهضم بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا به. وهذا إسناد ضعيف جدًا، خارجة متروك، وكان يدلس عن الكذابين، ويقال: إن ابن معين كذَّبه، كما في "التقريب" (1612). (وفي) الباب أيضًا: ما رواه الترمذي (1885) والطبرانى في "الكبير" (11/ 166) من طريق أبي فروة الرهاوى - يزيد بن سنان الجزرى - عن الزهري عن ابن لعطاء بن أبي رباح (ولم يذكره الطبراني) عن أبيه عن ابن عباس مرفوعًا: "لا تشربوا واحدًا كشرب البعير، ولكن اشربوا مثنى وثلاث، وسموا إذا أنتم شربتم، واحمدوا إذا أنتم رفعتم". وقال محقق "المعجم" - الشيخ حمدى السلفى فك الله أسره -: "ورواه الترمذي 1947 وقال: غريب. وضعَّفه الحافظ في "الفتح" (10/ 93). قلت: لأنَّ في إسناده ابن أبي فروة وهو متروك" اهـ.

كذا قال، وأنما هو: أبو فروة - واسمه يزيد بن سنان كما تقدم - وقد ضعَّفه الجمهور، وقال النسائي: متروك. وقال البخاري - وحده -: مقارب الحديث. أما ابن أبي فروة المجمع على تركه، فاسمه: إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة الأموى المدني. وصنيعه - عفا الله عنه - يدل على أنه لم ينظر في كلام الترمذي بنفسه، وإلا لوجده يقول: "حدثنا أبو كريب. حدثنا وكيع عن يزيد بن سنان الجزرى ... " حتَّى قال: "هذا حديث غريب، ويزيد بن سنان الجزرى هو أبو فروة الرهاوى"! يؤكد ذلك أنَّه ليس في كلامه المتقدم أدنى إشارة إلى الاختلاف بين روايتى الترمذي والطبرانى في إثبات ابن عطاء وحذفه. هذا، ووكيع أثبت من الفضل بن موسى السينانى - راويه عند الطبراني -، وعليه فعلته الثانية أن ابن عطاء لم يُسَمَّ، فإن كان يعقوب فهو ضعيف. ولذلك قال الحافظ رحمه الله في "التقريب" (8482): "ابن عطاء، شيخ لأبي فروة، كأنه يعقوب، وإلا فمجهول". وهذا الحديث من الأحاديث القليلة الضعيفة في كتاب "رياض الصالحين" للإِمام أبي زكريا النووي روَّح الله روحه. ومتنه أيضًا منكر لمعارضته لحديث صحيح يجيز الشرب مرة واحدة، وهو ما رواه الإِمامان مالك وأحمد، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم - كلهم عن مالك - من طريق أبي المثنى الجهنى قال: "كنت عند مروان بن الحكم، فدخل عليه أبو سعيد الخدرى، فقال له مروان بن الحكم: أسمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه نهى عن النفخ في الشرب؟ فقال له أبو سعيد: نعم، فقال له رجل: يا رسول الله إني لا أروى من نفس واحد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فأبن القدح عن فيك ثم تنفس، قال: فإنى أرى القذاة فيه، قال: فأهرقها". وقد خرجه الشيخ الألبانى في "الصحيحة" (385) واقتصر على تحسينه لأنَّ أبا المثنى هذا جَهَّله ابن المدينى، ووثقه ابن معين وابن حبان وروى عنه ثقتان. وصحح الحديث أيضًا الذهبي والنووى والمناوى.

أقول: عدم معرفة ابن المدينى له - حيث قال: "مجهول، لا أعرفه" - لا يعارض قول هؤلاء الذين عرفوه ووثقوه وصححوا حديثه - وفيهم إمام الجرح والتعديل أبو زكريا يحيى بن معين رحمه الله -، ولا يُنزل حديثه من مرتبة الصحة - لو لم يقل ابن المدينى ما قال - إلى الحسن. ولا تندرج هذه الحالة - قطعًا - تحت قاعدة: "من طبيعة الراوى المختلف فيه أن يكون حسن الحديث". بل إما أن يرجح جانب التوثيق باعتبار أن الموثقين عندهم زيادة علم خفيت على المُجَهَّل، وإما أن تقوم قرينة على صحة اتصاف الراوى بالجهالة، بأن يتفرد ابن حبان وحده - مثلًا - بإدخاله في "الثقات" مع أنَّه لم يرو عنه سوى واحد، ولم يظهر له سوى حديث أو حديثين يصعب على النقاد تبين مدى موافقته للثقات المعروفين من خلالهما. نعم، لو قال الخالفون للمجهل: إن هذا الراوى: لا بأس به، أو صالح الحديث، أو صدوق يهم أحيانًا، ونحو هذه الصيغ المشعرة بخفة الضبط، أو حسن حديثه إمام معتبر، فلا مناص من القول بأنه: "حسن الحديث" حَسْب. والله أعلى وأعلم. (ثم) إن الشيخ نفع الله به قد ذكر فائدتين لحديث أبي سعيد هذا، ثانيهما: "جواز الشرب بنفس واحد، لأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكر على الرجل حين قال: "إنى لا أروى من نفس واحد"، فلو كان الشرب بنفس واحد لا يجوز لبينه صلى الله عليه وآله وسلم له، ولقال له مثلًا: "وهل يجوز الشرب من نفس واحد؟ ! ". وكان هذا أولى من القول له: "فأبن القدح .. "، لو لم يكن ذلك جائزًا، فدل قوله هذا على جواز الشرب بنفس واحد، وأنه إذا أراد أن يتنفس تنفس خارج الإِناء. وهذا ما صرح به حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فذكر حديث: "إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإِناء، فإذا أراد أن يعود، فليُنَحِّ الإِناء، ثم ليعد، إن كان يريد". خرجه في الرقم (386) وحَسَّنه. وأورد عن الحافظ رحمه الله في "الفتح" كلاما متينًا جدًا عمن جوَّز الشرب بنفس واحد، فانظره هناك. (وختامًا)، فقد صح حديث الترجمة من قول عكرمة أبي عبد الله البربري

98 - الحديث الثامن والتسعون

مولى ابن عباس رضى الله عنهما، وهو تابعى إمام من أئمة التفسير والفقه رحمه الله، كما رواه عبد الرزاق (10/ 426) عن معمر عن خالد الحذاء عنه، قال: "لا تشربوا نفسًا واحدًا، فإنه شراب الشيطان". وإسناده صحيح. وهذا أمر لا يطلع الله عَزَّ وَجَلَّ عليه إلا نبيًّا، ولو كان الأمر كذلك لبينه رسولنا المعصوم صلى الله عليه واله وسلم، ولورد إلينا بإسناد مقبول إن شاء الله، كيف وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم خلافه، وهو ما ينبغي أن يدين به كل مسلم عقل عن الله أمره ونهيه و"إذا جاء نهر الله، بطل نهر معقل". وبالله التوفيق. الحديث الثامن والتسعون: " لا تكن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة - أو قال: مربض الشيطان، وبها رايته". وفي رواية: "لا تكن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، ففيها باض الشيطان وفرخ". ضعيف. رُوي مرفوعًا من ثلاث طرق عن أبي عنان النهادي عن سلمان. الأُولى: عند ابن أبي عاصم في "الأوائل" (174) - مختصرًا - والطبراني في "الكبير" (6/ 252) وابن حبان في المجروحين (3/ 101 - 102) من طريق أبي الربيع الحارثى ثنا يزيد بن سفيان بن عبد الله بن رواحة ثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان به، باللفظ الأول. وفي هذا الإسناد يزيد بن سفيان بن عبد الله ابن رواحة. قال في "الميزان" (4/ 426): "له نسخة منكرة. تكلم فيه ابن حبان. حداث عنه عبيد الله بن محمد الحارثى. فمن مناكيره: عن التيمي، عن أبي عثمان النهدى، عن سلمان: " فذكر حديثا قلت: ولفظ ابن حبان في "المجروحين": (3/ 101) "يروي عن سليمان التيمي بنسخة مقلوبة، روى عنه عبد الله (والصواب: عبيد الله) بن محمد الحارثى، لا يجوز الاحتجاج

به إذا انفرد لكثرة خطئه ومخالفتة الثقات في الروايات" ثم أرود له ثلاثة أحاديث هذا أولها. وقال العقيلي (4/ 384): "عن سليمان التيمي، ولا يتابع على حديثه، ولا يعرف بالنقل، والحديث يروى من غير هذا الوجه بخلاف هذا اللفظ" فذكر له حديثا رابعًا في فضل أهل فارس. والحديث، قال الهيثمي (4/ 77): "رواه الطبراني في "الكبير" وفي الرواية الأُولى (وهي الآتية) القاسم بن يزيد، فإن كان الجرمى فهو ثقة، وبقية رجاله رجال الصحيح، وفي الثانية يزيد بن سفيان، وهو ضعيف". قلت: ليس هو الجرمى - كما يأتى - فالجرمي من طبقة ابن فضيل (التاسعة)، بل توفى قبله بسنة. الثانيه: عند الطبراني (6/ 248) والخطب (12/ 426) من طريق القاسم ابن يزيد بن كليب ثنا محمد بن فضيل عن عاصم عن أبي عثمان به، باللفظ الثاني. وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات سوى ابن كليب هذا، وقد ترجم له الخطيب برواية جماعة عنه، ولم يذكر سوى قول عبد الله بن أبي سعد - أحد الرواة عنه-: "كان شيخ صدق من الأخيار". قلت: ولم أجد فيه توثيقًا في مكان آخر، إلا أن ابن الجزرى رحمه الله ذكره في "غاية النهاية" (2/ 25)، وذكر كلاما يتعلق كله بالقراءات. فالقلب لا يطمئن لاعتماد الثناء المتقدم لأمور: الأول: أن قوله: "كان شيخ صدق"، لا يلزم منه أن يكون الرجل صدوقًا أو حتَّى: محله الصدق، بالمعنى الاصطلاحى الَّذي يستوجب تحسين حديثه، لجواز أن يكون المراد التصديق المتعلق بالعدالة وحدها. الثانى: أن ابن أبي سعد هذا - وإن قال الخطيب (10/ 26): "وكان ثقة صاحب أخبار وآداب وملح" - لكنه لم يذكر ما يستدل به على كونه من أهل النقد للرجال، ولا ذكره الحافظ الذهبي رحمه الله في كتابه "ذكر من

يعتمد قوله في الجرح والتعديل". فتفرد مثله بذلك، مع سكوت أئمة آخرين عن ابن كليب - وفيهم بغاددة - كصالح جزرة وابن حبان والنسائي والدارقطني وغيرهم - يجعل في القلب من ذلك شيء، فالظاهر أن الرجل من أئمة القراءات ليس له كبير حديث يحكم به له أو عليه. الثالث: وما هو -أيضًا - من أصحاب ابن فضيل المعروفين به، كالإِمام أحمد وإسحاق بن راهويه وأبى خيثمة وابن أبي شيبة وأبي سعيد الأشج ونحوهم، فأين كان هؤلاء من هذا الحديث المرفوع، وهل يجوز أن يفوت جميعهم، ويتفرد به سواهم مثل ابن كليب؟ الرابع: ولو سلمنا أن ابن كليب حفظه عن محمد بن فضيل، فقد خالف ابن فضيل عبدة بن سليمان - وهو أثبت منه أطلق جميع الأئمة توثيقه - فرواه عن عاصم الأحول به موقوفًا. وهو الأُولى والأوفق لرواية الحافظين الثبتين: سليمان التيمي، وعوف الأعرابى. والله أعلم. الثالثة: عند ابن ماجة (2234) من طريق عبيس بن ميمون ثنا عون العقيلي عن أبي عثمان به، ولفظه: "من غدا إلى صلاة الصبح غدا براية الإِيمان، ومن غدا إلى السوق غدا براية إبليس". وإسناده - على ما فيه من قصور واختلاف - ضعيف جدًا، عبيس (¬39) بن ميمون واه. قال ابن معين: ضعيف. وقال مرة: ليس بشيء. وقال الفلاس: صدوق كثير الخطأ والوهم، متروك. وقال أبو داود: ضعيف. وقال أيضًا: ترك حديثه. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال أبو أحمد الحاكم: متروك الحديث. وقال أبو نعيم: روى المناكير، لا شيء وعون العقيلي - وهو ابن أبي شداد مختلف فيه. فوثقه ابن معين ¬

_ (¬39) تصحف اسمه في "التقريب" و"تهذيب التهذيب" إلى "عبيدة بن ميمون"، وجاء في "تهذيب الكمال" على الصواب، وكذا "الميزان" و"المغنى" و"الكاشف" و"السير".

وابن حبان وأبو داود مرة، وضعفه أخرى. والأشبه توثيقه، والله أعلم. والحديث قال البوصيرى رحمه الله في "مصباح الزجاجة" (2/ 187): "هذا إسناد فيه عبيس بن ميمون، وهو متفق على تضعيفه". (إلى عيسى، تصحف وجاء على الصواب في طبعة أخرى). وهو منكر، فقد أورد الحافظ المزى رحمه الله في "تهذيب الكمال" (ق 900) عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: "سألت أبي عن حديث حدثناه خلف بن هشام البزار قال: حدثنا عبيس بن ميمون عن ثابت البنانى عن أَنس ... وعن عبيس بن ميمون عن عون بن أبي شداد عن أبي عثمان النهدى عن سلمان ... فذكره. قال أبي: هذه كلها مناكير". ورواه المزي بإسناده من طريق البغوي عن خلف بن هشام البزار عنه به، بلفظ: "من غدا إلى صلاة الصبح أعطى ربع الإِيمان، ومن غدا إلى السوق أعطى راية إبليس، وهو أول من يغدو وأول من يروح". وقال الحافظ المناوى (6/ 183): "وفيه عبيس بن ميمون. قال في "الكاشف". ضعفه ابن معين وغيره". (تصحفت عبيس إلى: عنبس). وقال الشيخ الألباني في "ضعيف الجامع" (5/ 222): "ضعيف"، وعزاه إلى تحقيق "المشكاة" (¬40) (640). وباللفظ الثانى رواه الطبراني أيضًا (6/ 255) من طريق خلف بن هشام البزار ثنا عبيس به، بلفظ: "وهو مع أول من يغدو .. " الحديث. وقال الهيثمي: "قلت: روى ابن ماجة بعضه - رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه عبيس بن ميمون وهو ضعيف متروك". (والصحيح) وقف الحديث - باللفظين الأولين - على سلمان رضى الله عنه. وله ثلاث طرق عن أبي عثمان عنه أيضًا: ¬

_ (¬40) وقال هناك: "وإسناده واه جدًا، فيه عبيس بن ميمون، قال البخاري وغيره: منكر الحديث. وقال ابن حبان: يروى عن الثقات الموضوعات توهمًا. فمن العجائب قوله في "المرقاة" (1/ 414): وسنده حسن اهـ.

الأُولى: عند هناد (675): "حدثنا عبدة عن عاصم عن أبي عثمان ... " فذكره بلفظ: "لا تكن أول أهلها دخولًا، ولا آخرهم منها خروجًا، فإنها حيث باض الشيطان وفرخ" يعنى السوق. الثانية: عند الإِمام أحمد في "الزهد" (ص 150) ومسلم في "صحيحه" (7/ 144) والبيهقى في "الشعب" (3/ 3 / 84 أ - ب) من طرق عن سليمان التيمي حدثنا أبو عثمان به، ولفظه: "لا تكونن إن استطعت أول داخل السوق ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة الشيطان، وبها يركز رايته". ملحوظة: ووهم العلامة الشبلى الحنفي رحمه الله، فقال في "آكام المرجان" (ص 210): "روى مسلم من حديث سلمان، قال صلى الله عليه وآله وسلم: " فذكره، وإنما هو عنده موقوف، ولذلك أورده الحافظ رحمه الله في كتابه: "الوقوف على ما في صحيح مسلم من الموقوف" (158). الثالثة: عند ابن أبي شيبة (13/ 338) عن أبي أسامة، ورواه عباس الدورى عن سعيد بن عامر الضبعي - كما في "الآكام" - كلاهما عن عوف - وهو ابن أبي جميلة الأعرابى - عن أبي عثمان به، ولفظه: "إن السوق مبيض الشيطان ومفرخه، فإن استطعت أن لا تكون أول من يدخلها ولا آخر من يخرج منها فافعل". فهذا صحيح ثابت عن سلمان رضي الله عنه بلا ريب، ولا يلزم من ذلك أن يكون مرفوعًا حكمًا، فلم يزل - رضي الله عنه - يحدث عن الإِسرائيليات، فالله أعلم عمن تلقاه. وقوله هذا لعله يعارض بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهم بارك لأمتى في بكورها"، وغيره من الأحاديث والآثار التي تحث على التبكير في طلب الرزق والكد في تحصيله طلبًا للعفاف وصون ماء الوجه عن السؤال وامتثالًا لأمره تعالى بالانتشار في الأرض والمشى في مناكبها وأكل من رزقه سبحانه، وهذا كان واقع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه معه ومن بعده في ممارستهم التجارة والاحتراف،

وما قصة سعد رضي الله عنه - في نزول المهاجرين على إخوانهم الأنصار وقوله: "دلونى على السوق" - من أحدٍ ببعيد. ولم يزل المحدثون والفقهاء وغيرهم يباشرون هذه المهن والتجارات، فنجد منهم: البزاز، والبزار، واللحام، والحداد، والصيرفي، والقفال، والطيالسى، والعطار، والجمَّال، والصواف، والفَرَّاء، والقواريرى، والنقاش، والقنَّاد، والكمال، والنبال، والنحاس، والنخاس، والورَّاق، والوزَّان والسراج ... إلخ. ومن آثارهم في ذلك قولى أبي قلابة لأيوب السختياني - رحمهما الله -: "الزم السوق، فإن الغنى من العافية". وفي رواية: "فإن أعظم العافية الغنى عن الناس". وفي رواية: "كان أبو قلابة يحثنى على السوق والضيعة والطلب من فضل الله - عَزَّ وَجَلَّ - وكان محمد (يعنى ابن سيرين) يحثنى على التزويج". وعن إسحاق بن يسار (والد محمد بن إسحاق رحمهما الله) أنَّه كان يمر بالبزازين، فيقول: "الزموا تجارتكم، فإن أباكم إبراهيم عليه السلام كان بزازًا". وقال أبو بكر المروزي: سمعت رجلًا يقول لأبي عبد الله (يعنى الإِمام أحمد رحمه الله): إني في كفاية، فقال: "الزم السوق تصل به الرحم وتعود به". وقال: وسمعت أبا عبد الله يقول: قد أمرتهم - يعنى ولده - أن يختلفوا إلى السوق، وأن يتعرضوا للتجارة. وقال: قد روى عن عائشة رضى الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم- أنَّه قال: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه" (¬41). وقال الفضل بن زياد: سمعت أبا عبد الله يأمر بالسوق، ويقول: "ما أحسن الاستغناء عن الناس". انظر "الحث على التجارة والصناعة والعمل" للحافظ أبي بكر الخلال الحنبلي رحمه الله (ص 25: ص 29). وقد تعمدت إيراد ما فيه الحث على لزوم السوق خاصة، من أجل هذا الحديث المنكر. والله أعلم. ¬

_ (¬41) الحديث صحيح، انظر "صحيح الجامع" (1566) و"الإِرواء" (1626)، فالإمام أحمد لم يقصد تضعيفه بقوله: "روى"، كيف وهو يستدل به لكلامه؟ .

99 - الحديث التاسع والتسعون

الحديث التاسع والتسعون: " يا ابن عمر: دينك دينك، إنما هو لحمك ودمك، فانظر عمن تأخذ، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا". منكر. رواه ابن عدى (1/ 155)، وعنه - وعن غيره - الخطيب في "الكفاية" (ص 195) - وهذا لفظه - من طريق عن المبارك مولى إبراهيم ابن هشام المرابطى قال: ثضا العطاف بن خالد عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا به، ولفظ ابن عدى عنه، قال: "خرجت يومًا، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائمًا، فدنوت منه ودنا منى، ووضع يده على عاتقي وغمزني غمزة وقلت: هو هو (كذا)، قال: يا ابن عمر لا يغرنك ما سبق لأبويك من قبل، فإن العبد لو جاء يوم القيامة بالحسنات كأمثال الجبال الرواسي يظن أنَّه لا ينجو من أهوال ذلك اليوم، يا ابن عمر دينك دينك إنما هو لحمك ودمك، وانظر ... " الحديث. وكان شيخى المطيعى رحمة الله عليه يذكره بلفظ: "يا ابن عباس، دينك دينك، فإنه (أو: فإنما هو، لا أتذكر جيدًا) لحمك ودمك". وكان يثبته في مجلة "الاعتصام" عند مقاله النافع: "ليس حديثًا" و: "ليس صحيحًا". ولم أقف عليه بهذا اللفظ، فالله أعلم. والحديث أورده الشيخ الألباني حفظه الله في "الضعيفة" (1126)، وقال - عقب عزوه للخطيب -: "قلت: وهذا إسناد ضعيف، العطاف هذا مختلف فيه، وقد أورده الذهبي في "الضعفاء" وقال: "وثقه أحمد وغيره، وقال أبو حاتم: ليس بذاك". وقال الحافظ في "التقريب": "صدوق يهم". والمبارك مولى إبراهيم بن هشام المرابطى لم أجد له ترجمة" اهـ. قلت: عطَّاف وثقه وقواه كثير من الأئمة، وغمزه الإِمام مالك، ولينه أبو حاتم - كما تقدم عنه - وأخذ بعضهم عليه أحاديث عن نافع عن ابن عمر

لم يتابع عليها، أحدها البلاء فيه من غيره. وليست فيها هذه الغرابة والنكارة التي في متن هذا الحديث، فالرجل صدوق يهم كما قال الحافظ رحمه الله لكنه لا يحتمل هذا المتن، والبلاء - عندى - من راويه عنه، وقد أعيانى البحث عنه دون جدوى. ويغلب على الظن أن لو كان هذا من صحيح حديث العطاف، ما فات مشاهير كبار أصحابه كقتيبة بن سعيد، وسعيد بن منصور، وأبي اليمان الحمصي، وأبى عامر العقدى، وسعيد بن أبي مريم، ونحوهم. ولخرجه الأئمة المشهورون في مسانيدهم وسننهما ومعاجمهم، ولما تفرد به مثل ابن عدى - رحمه الله - عن هذا النكرة. والله أعلى وأعلم. (أما) عبارة: "دينك دينك، فإنما هو لحمك ودمك" فثابته عن الحسن البصري رحمه الله من وجوه عنه، بعضها صحيح أو جيد. 1 - فقد روى الفريابى في "صفة النفاق" (49) من طريق وهب بن جرير حدثنا أبي أنَّه سمع الحسن يقول: "إنما كان الناس ثلاثة نفر: مؤمن، ومنافق، وكافر ... " الأثر بطوله، وفيه: "يا ابن آدم، دِينك دينك، فإنما هو لحمك ودمك، فإن تسلم فيالها من راحة، ويالها من نعمة. وإن كانت الأخرى فنعوذ بالله، فإنما هي نار لا تطفأ، وحجر لا يبرد، ونفس لا تموت". وإسناده صحيح. 2 - وروى الإِمام أحمد في "الزهد" (ص 282 - 283) من طريق القاسم بن فائد عن الحسن قال: "ابن آدم، دينك دينك، فإنما هو لحمك ودمك، فإن يسلم لك دينك يسلم لك جسمك ودمك، وإن تكن الأخرى ... " فذكره بنحوه. والقاسم روى عنه جمع، ولم أرَ فيه جرحًا ولا تعديلًا. 3 - وروى أبو نعيم (2/ 143) ص طريق طالوت بن عباد قال: ثنا عبد المؤمن بن عبيد الله عن الحسن قال: يا ابن آدم عملك عملك، فإنما هو لحمك

100 - الحديث المتمم مائة

ودمك، فانظر على أي حال تلقى عملك، إن لأهل التقوى علامات يعرفون بها، صدق الحديث، والوفاء بالعهد، وصلة الرحم، ورحمة الضعفاء ... " حتَّى قال: "يا ابن آدم، بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعًا، ولا تبيعن آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعًا". وإسناده جيد. 4 - وروى أيضًا (2/ 145) من طريق يزيد بن هارون قال: قال أبو عبيدة: قال الحسن: رحم الله امرأَ عرف ثم صبر ثم أبصر فبصر ... " حتَّى قال: "يا ابن آدم، دينك دينك، فإنه هو لحمك ودمك. إن يسلم لك دينك يسلم لك لحمك ودمك، وإن تكن الأخرى فنعوذ بالله ... " فذكر نحوًا من الطريقين الأوليين. وأبو عبيدة هو الناجى بكر بن الأسود العابد، وهو واهٍ. (ووالله) لوددت أن أنقل ما صح من هذه الألفاظ بتمامها لولا مخافة التطويل والمشقة المترتبة عليه، فإن كلمات ومواعظ الحسن البصري - خاصةً - لها جلالة وعليها إشراق، بحيث تستحق الاعتناء بها، والتفرغ لجمعها، وبالله التوفيق. الحديث المتمم مائة: يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه، إن الله لا يُخلف الميعاد، اجمع بينى وبين كذا وكذا". واه جدًا، أحسبه موضوعًا. رواه ابن النجار في "ذيل تاريخ بغداد" (3/ 17 - 18) من طريق أبي العز أحمد بن عبيد الله بن كادش أنبأ أبو علي الحسن ابن أحمد بن البناء بقراءتى عليه، قال: سمعت أبا الحسن علي بن إبراهيم المالكى يقول: سمعت شيخنا أبا الحسين بن شمعون وأبا إسحاق الطبرى يقولان: سمعنا جعفر بن محمد الخلدى يقول: "كان لى خاتم قد ورثته عن أبي، فعبرت

دجلة فمددت يدى لأغرف من الماء، فسقط الفص فغمنى، فذكرت حديثًا روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه من قرأ هذه الآية على شيء ضاع منه رده الله عليه، فقرأتها ويدى في الماء، فإذا الفص بين أصابعى، والآية: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}. اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه، إنك لا تخلف الميعاد، اجمع بينى وبين خاتمى، إنك على كل شيء قدير". وأورده السيوطي رحمه الله عند تفسير الآية من "الدر" (2/ 9) - بمعناه - وعزاه إلى ابن النجار. وهذا إسناد فيه علل: الأُولى: الإِعضال، فإن جعفرًا الخلدى بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم مفاوز تنقطع فيها أعناق المطى. الثانية: عدم تبين حال علي بن إبراهيم المالكى - الَّذي ذكر ابن النجار الحديث في ترجمته - ولم يبين من حاله في الحديث شيئًا، ولم أجده في مكان آخر. الثالثة: اتهام أبي العز (¬42) بن كادش، واسمه: أحمد بن عبيد الله بن محمد "ابن عبيد الله السلمي العكبرى. قال ابن النجار: كان ضعيفًا في الرواية، مخلطًا كذابا لا يحتج به، وللأئمة فيه مقال. وقال السمعانى: كان ابن ناصر يسئ القول فيه. وقال عبد الوهاب الأنماطى: كان مخلطًا. وقال السمعاني - أيضًا -: سمعت ابن ناصر يقول: سمعت إبراهيم بن سليمان يقول: سمعت أبا العز ابن كادش يقول: وضعتُ حديثًا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأقر عندى بذلك. وقال عمر بن علي القرشي: سمعت أبا القاسم علي بن الحسن الحافظ يقول: قال لى ابن كادش: وضع فلان حديثًا في حق ¬

_ (¬42) انظر ترجمته في "الميزان" (1/ 118) و"اللسان" (1/ 218) و"السير" (19/ 558: 560) و "المنتظم" (10/ 28).

على، ووضعت أنا في حق أبي بكر حديثًا، بالله أليس فعلت جيدًا؟ . قال الذهبى: "قلت: هذا يدل على جهله، يفتخر بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم". وأورد قول ابن النجار: رأيت له كتابًا سماه: "الانتصار لرتم القحاب" فيه أشعار، فيقول: أنشدتنى المغنية فلانة، وأنشدتنى ستوت المغنية بأوانا (¬43)، وقد قرأه عليه ابن الخشاب". هذا، وقول الحافظ الذهبي رحمه الله في "الميزان": "أقر بوضع حديث وتاب وأناب"، لا يلزم منه قبول حديثه - بعد التوبة - وإنما أمره إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، وحديثه كله مردود كما هو مقرر في كتب "المصطلح" - بخلاف الكاذب في كلام الناس. ثم ما يؤمننا أنَّه لم يضع أحاديث أخرى لم يبح بها لأحد، وأن هذا ليس منها؟ فهذا لا ينفك من وضعه عمدًا، أو تخليطا وسهوا. (فالثابت) عن جعفر الخلدى إيقافه على بعض مشايخه من الصوفية، فقد روى الخطيب (7/ 228 - 229) من طريق إبراهيم بن أحمد الطبرى (يلاحظ أنَّه هو أبو إسحاق الطبري راويه عن الخلدي في الحديث مقرونًا بغيره) حدثنا جعفر الخلدى قال: ودعت في بعض حجاتى المزين (¬44) الكبير الصوفى، فقلت: زودنى شيئًا. فقال: إن ضاع منك شئ، أو أردت أن يجمع الله بينك وبين إنسان فقل: يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه، إن الله لا يخلف الميعاد، اجمع بينى وبين كذا وكذا، فإن الله يجمع بينك وبين ذلك الشيء، أو ذلك الإِنسان بتلك. فجئت إلى الكتانى الكبير الصوفى فودعته، وقلت: زودنى شيئًا، فأعطانى فصًا عليه نقش كأنه طلسم، وقال: إذا اغتممت فانظر إلى هذا، فإنه يزول غمك، قال: فانصرفت فما دعوت الله بتلك الدعوة في شيء إلا استجيب، ولا رأيت الفص وقد اغتمصت إلا زال غمى، فأنا ذات يوم قد ¬

_ (¬43) قال مُحشى "السير": "أوانا: بليدة كثيرة البساتين والشجر نزهة من نواحى دجيل بغداد، قال ياقوت: وكثيرًا ما يذكرها الشعراء الخلعاء في أشعارهم" اهـ. (¬44) في "تاريخ بغداد": "المرينى"، وهو خطأ صححته من "الأنساب" وغيره.

توجهت أعبر إلى الجانب الشرقى من بغداد، حتَّى هاجت ريح عظيمة وأنا في السميرية، والفص في جيبى، فأخرجته لأنظر إليه، فلا أدرى كيف ذهب منى، في الماء أو في السفينة، أو ثيابي؟ فأغتممت لذهابه غمًا عظيمًا، فدعوت بالدعوة وعبرت، فمازلت أدعو الله بها يومى وليلتى ومن غدٍ وأياما. فلما كان بعد ذلك أخرجت صندوقًا فيه ثيابى لأغير منها شيئًا، ففرغت الصندوق فإذا بالفص في أسفل الصندوق، فأخذته وحمدت الله على رجوعه" اهـ. وإسناده إلى جعفر الخلدى جيد. وذكره السهروردى في "عوارف المعارف" (ص 126) بمعناه مختصرًا جدًّا. والمزين الكبير الصوفي - الَّذي علم جعفرًا الدعاء - ذكره الحافظ السمعانى - رحمه الله - في نسبة: "المزين" من "الأنساب" (5/ 281)، فقال: "واشتهر بهذا الاسم أبو الحسن علي بن محمد الصوفى المعروف بالمزين، من أهل بغداد، صحب سهل بن عبد الله التسترى والجنيد بن محمد وبنان الحمال، وكان يقال له: المزين الكبير، وكان صاحب عبادة واجتهاد وتعبد. وكان يقول: (الكلام من غير ضرورة مقت من الله للعبد). أقام بمكة مدة مجاورًا إلى أن مات فيها في سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة". وترجم له أيضًا الخطيب (12/ 73) والسلمى في "طبقات الصوفية" (ص 382: 385) والذهبي في "السير" (15/ 232) وغيرهم، فلم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلًا. أما الكتانى الكبير الصوفى، فترجم له أيضًا السمعانى (5/ 32) والخطيب (3/ 76: 74) وأبو نعيم في "الحلية" (10/ 357) والسلمى (ص 373: 377) والذهبي (14/ 533: 535) وغيرهم، فلم يذكروا أيضًا ما يدل على حاله (وفي) القصة المتقدمة أمور يجب على المسلم المعتصم بحبل ربه، المستمسك. بسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ألا يمر عليها مر الكرام، منها: 1 - أن الأذكار المخصوصة في مناسبات مخصوصة، لا تتلقى إلا

بتوقيف (¬45) من معصوم وهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره من الأنبياء صلوات الله عليهم، وهذا أمر مفتقد في هذه الحكاية، أما الحديث فهيهات أن يصح مثله! . 2 - أن الخاتم الَّذي أعطاه الكتاني للخلدى - وعليه نقش كأنه طلسم -، أشبه ما يكون بالأحجبة والرقى الشركية غير الشرعية، ولذلك حرم العلماء الرقيا بما يتضمن ألفاظًا غير مفهومة المعنى لاحتمال أن تكون شركًا أو كفرًا كسَبِّ الله عَزَّ وَجَلَّ أو الاستغاثة بالجن والشياطين ووصفهم بما لا يجوز إلا لله تعالى. 3 - وكذلك، إرشاده إلى أن يفزع إلى هذا الخاتم المطلسم إذا أصابه غم، من الأمور التي لا يخفى فسادها وعدم مشروعيتها، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يدع صغيرة ولا كبيرة مما يُصلح دين المسلم ودنياه إلا وأمر بها حتَّى: "الخراءة" كما قال اليهود لعنة الله عليهم لسلمان الفارسى رضي الله عنه، وصح عنه صلى الله عليه وآله وسلم غير حديث يتضمن أذكار الكرب والهم والغم وما شاكل ذلك. وعلمنا صلى الله عليه وآله وسلم ألا نفزع في جميع ما يعترينا إلا إلى الكبير المتعال، فلا أدرى أين كانت عقول هؤلاء القوم، وكيف يقبل جعفر بن محمد بن نصير الخلدى المحدث الثقة مثل هذه الترَّهات، فيا سبحان الله! ! ، فالعداوة والنفرة بين التصوف وطلب العلم قديمة، ولبعض القوم عبارات يذمون فيها طلب العلم والتزوج، ويلحقونهما بالدنيا المنهى عن حُبها والحرص عليها، ومن طالع كتب الرجال والتراجم وجد فلانًا دفن كتبه، وآخر أحرق أحاديثه، وثالثًا أغرقها في الماء، بدعوى أنها تشغل عن الله عَزَّ وَجَلَّ، وتصد عن عبادته زعموا، ومع ذلك لم يصبر كثير منهم على تحديث الناس بكلام ¬

_ (¬45) أو محمول على أنَّه أُخِذَ بتوقيف كدعاء ابن مسعود وابن عباس عند خوف السلطان، المتقدم في الحديث الثالث والخمسين. والله أعلم.

سيد الناس صلى الله عليه وآله وسلم حتَّى وقعوا في الغلط والوهم، بل والكذب عليه صلى الله عليه وآله وسلم، ففتحوا على أنفسهم باب شر وفتنة كانوا في غنى عنه. نعوذ بالله أن يحكمنا غير هدى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن يكون هوانًا تبعًا لغير ما جاء به المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم، إنه نعم المولى ونعم النصير. تنبيه هام: كنت قد أوردت نحوًا من حديث الترجمة في القسم الأول من كتاب "البدائل المستحسنة" (24) ونفيت وقوفى له على أصل، سوى قول الإِمام ابن القيم رحمه الله في "الوابل الصيب": "وقد قيل ... ", فذكره بنحوه، دون عزوه لقائل. لكن بمضى الأيام والليالى وجدته موقوفًا في ترجمة جعفر الخلدى من "تاريخ بغداد"، ثم مرفوعًا في "ذيله"، فأستغفر العفو الغفور من تقصير لم أتعمده، وخطأ لم أقصده، وأسأله أن يرزقني الأناة والتثبت وحسن البحث والتنقيب، ويهدينى إلى الصواب الَّذي فيه ما يحبه ويرضاه. إنه سميع عليم. تم بحمد الله القسم الثانى من "تبييض الصحيفة بأصول الأحاديث الضعيفة" فالحمد لله الَّذي بنعمته تتم الصالحات

§1/1