تاريخ المستبصر

ابن المجاور، يوسف بن يعقوب

ذكر أسماء مكة وصفاتها

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي رفع السماء عبرةً للناظرين وبسط الأرض وجعل فيها آيات للموقنين وأودع في اختلاف الألسن والألوان باختلاف الأقاليم والبلدان بصائر المستبصرين شواهد عموم رحمته وسبوغ نعمته المعالمين وصلى الله على سيدنا المصطفى من خلقه في السموات والأرضين وعلى آله الطيبين وأصحابه أجمعين. وبعد فإن التأريخ ولا سيما ما يتعلق بمعمورة الأرض. وعروض بلادها وأطوالها وأوضاع مبانيها ومسافات مغانيها وتصوير أقطارها وتبيين أحوال أمصارها من أبدع الفنون وأغربها وأبعدها غوراً وأعجبها يجدد لك أوراقه البالية المدائن الدراسة برصاصها وقصورها ويحيي أموات فصولها وأبوابها القرون الطامسة في طي حروفها وسطورها. هذا ولا مرية لذوي العقول والأديان في أن مكة زادها الله شرفاً أم القرى وسرة الأرض المعمورة وأحب بلاد الله إلى الله ورسوله في السنن المشهورة. ثم إن أيمن ما حولها من البلدان وأبركها مملكة اليمن المحصوص بالبركات الثلث النبوية في جواهر السنن منبع الحكمة ومعدن الفقه والأيمان من سالف الزمن. فخصصت هذين القطرين في هذا الكتاب بذكره ما يتعلق بهما في هذا الفن من بيان البقاع والبلاد والمدن والجبال والبحار وشرح المنازل والمغاني والمقادير والمسافات في المفاوز والمقار ثم تصوير كل بقعة منه حتى كأنك تراها رأى العين وتوقف بها على أرجائها فيغنيك ذلك عن ألاين في البين. ولا يعدم كل بقعة من نادرة جرت فيها الأخبار وشعر نظم في سلكها قديما من الأشعار. وهذا أوان الشروع في مقصود الكتاب وتسهيل الحجاب وفتح الباب والله ميسر الأسباب إنه كريم وهاب. ذكر أسماء مكة وصفاتها سماها الله بأربعة أسماء: مكة والبلد والقرية وأم القرى. قال الله تعالى: (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة) . فإذا الكلام على هذا الاسم قال الزجاج: مكة لا تنصرف لأنها مؤنثة وهي معرفة. ويصلح أن يكون اشتقاقها بكة لأن الميم تبدل من الباء كما يقال ضربة لازب ولازم، ويصلح أن يكون اشتقاقها من قولهم مككت العظم إذا مصصته مصاً شديداً حتى لا يبقى فيه شيء شبهت بذلك لشدة ازدحام الناس فيها، وقال أبن فارس: مككت العظم إذا أخرجت مخه والمك الاستقصاء. وفي الحديث: لا تمككوا على غرمانكم. وفي تسمية مكة بهذا الاسم أربعة أقوال: أحدها أنها مسافة يأتوها الناس من كل فج عميق فكأنها هي التي تجذبهم إليها، من قول العرب أمتك الفصيل ما في ضرع أمه، والثاني من قولهم مككت الرجل إذا أردت تخوفه فكأنها تمكك من ظلم فيها أي تهلكه، كما قال: يا مكة الفاجر مكي مكا ... ولا تمكي مذحجا وعكا

والثالث إنها سميت بذلك لجهد أهلها، والرابع لقلة الماء بها. وقد اتفق العلماء أن مكة اسم لجميع البلدة، واختلفوا في بكة على أربعة أقوال: أحدها أنه اسم للبقعة التي فيها الكعبة قاله أبن عباس رضي الله عنهما، والثاني إنها ما حول البيت ومكة ما وراء ذلك قاله عكرمة، والثالث إنها اسم للمسجد والبيت ومكة اسم للحرم كما قاله الهروي، والرابع أن بكة هي مكة قاله الضحاك واحتج لتصحيحه أبن قتيبة وقال بأن الباء تبدل من الميم ويقال ضربة لازم ولازب. وأما اشتقاق بكة فمن البك: يقال بك الناس بعضهم بعضاً أي دفعه. وفي تسميتها بكة ثلثة أقوال: أحدها لازدحام الناس بها قاله أبن عباس، والثاني تبك أعناق الجبابرة أي تدفها فما قصدها جبار إلا أهلكه الله قال ابن الزبير وأما تسميتها بالبلد فقد قال عز وجل: (لا أقسم بهذا البلد) يعني مكة والبلد في اللغة صدر القرى. وأما تسميتها بالقرية فقال الله عز وجل: (ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة) ، أي ساكنة بأهلها لا يحتاجون إلى انتقال عنها لخوف أو ضيق، يأتيها رزقها من كل مكان، الرزق الواسع الكثير يقال أرغد فلان إذا أصاب خصباً وسعة، فكفرت بأنعم الله، أي كذبت محمداً (، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف، وأصل الرزق بالنعم وأكثر اشتقاقه منه وذلك أن الله تعالى عذب كفار مكة بالجوع سبع سنين حتى أكلوا الجيف والعظام المحرقة وكانوا يخافون من رسول الله (ومن سراياه. والقرية اسم لما يجتمع فيها جماعة كثيرة من الناس وهذا اسم مأخوذ من الجميع يقال: قريت الماء في الحوض إذا جمعته فيه ويسمى ذلك الحوض مقراة. وأما تسميتها بأم القرى فقد قال الله عز وجل: ولتنذر أم القرى ومن حولها يعتى مكة، وفي تسميتها بذلك أربعة أقوال: أحدها أن الأرض ديحت من تحتها قاله أبن عباس وقال أبن قتيبة لأنها أقدمها، والثاني لأنها قبلة يزورها الناس، والثالث لأنها أعظم القرى شأناً، والرابع فيها بيت الله عز وجل 0000. قال أبن المجاور: ومما قرأت في كتب الفاكهي قال: قال لي رجل من أهل مكة قال أعطاه كتابا بعض أشياخه فإذا فيه أسماء مكة فإذا فيه مكتوب: بكة ومكة وبرة وبساسة وأم القرى والحرم والمسجد الحرام والبلد الأمين: وقالوا ومن أسمائها صلاح، وقال القائل في ذلك000000 صلاح، وقال كانت تسمى في الجاهلية النشاشة لأنها تنش من فيها أي تخرجه منها. قال أبن المجاور: وحدثني هندي بالهند إنها تسمى عند الهنود مكي مسير. وقال بعض الفضلاء: اسمها كوسا، واحتج بقول الشاعر: سألت عمراً عن فتى اسمه ... يحيى وثاني اسمه عيسى فقال: يحيى أبصرته جالساً ... بالفج يحلق رأسه موسى وأبصرت عيسى داخلاً قرية ... هي التي قد سميت كوسا ويسمونها التجار عروق الذهب ويسمونها البغاددة مربية الأيتام. وقد ذكر المسعودي في كتاب مروج الذهب أن مكة من الإقليم الثاني تنسب إلى المريخ وبناها إبراهيم الخليل عليه السلام. وهواها صحيح وجوها طيب وليلها أطيب من نهارها لأنها تنزل في لياليها الرحمة من بها. وماؤها من الآبار وأطيبها ماء الشبيكة والوردية والواسعة وهي بئر وراء جبل أبي قيس، فيها يربح الفقير. وجميع ذلك بنته أم العزيز زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور. وأهلها عرب أشراف من نسل علي بن أبي طالب وما بقي من أهلها قرشيين على مذهب الأمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. وهم رجال سمر لأن جلة مناكحهم الجوار السود من الحبش والنوبة، وطوال الجثث صحيحين اللغة قليلين المال كثيرين العشائر والقبائل ذوو قناعة. وقد قال الني (: " القناعة غنى "، وقال عليه السلام: " القناعة كنز لا ينفذ "، وكان أحدهم يبقى على قرص وقيل سمن ثلاثة أيام بلياليها. وفي ذلك أنشد الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي يقول: أمت مطامعي وأرحت نفسي ... فإن النفس ما طمعت تهون وأحييت القنوع وكان ميتاً ... وفي إحيائه عرض مصون إذا طمع أحل بقلب عبد ... علته مذلة وعلاه هون

ذكر زواج أهل مكة

وملبسهم النصافي النيسابوري الرفيع ويتحزم بنصفه الثاني ويرمى بما فضل منها. لبس نسائهم القنوع وقد تقدم ذكر القنوع في أعمال صنعاء والبراقع. ومأكلهم اللحم والسمن والخبز. وأساميهم سالم ومسلم وغانم وغنام وفراح وفارح وقاسم وهياب ونهاب ووثاب ومطاعم ومطاعن ومفرج وفارج وقاسم وقائم وضاحك وضحكان وسلاسل وفلال وسيار وهبار وراشد وشاكر ومشكر وفاضل وفضائل وطالب وظالب وواصل وحاصل وراجي ومترجي وراجح وناجح وفاتك ومالك ومهيوب وهياب ووهلس ورعاش وحواس وكناس وقادم ومقدم ومشمر وهانئ ومهنا وزاكي وطائب وظافر وناجي ومنجي وجابر ولاحق وسيار وصابر وجابر وعارس. ذكر زواج أهل مكة في العشر من ذي الحجة يخطب زيد بنت عمرو وفي العاشر من المحرم يدخل كل واحد منهم على عرسه بالنظرة والتظهير. قلنا: ولم ذلك؟ قالوا: لآن كلا منا يعيش مع الحاج في كل فن من الفنون من إحرام وحلال فإذا رحل الحاج دار الخطب والنكاح والأفراح والأعراس بين الناس. فإذا تزوج رجل من أهل مكة وقطع المهر وأراد الدخول على المرأة يخضب الرجال أيديهم وأرجلهم تزين وكذلك جميع أهل اليمن وحضرموت. ويحضر كل أصدقائه من الأهل والأقارب وبيده قرطاس مشرور مكتوب عليه اسم الآتي مع وزن المبلغ وعدده يقدمه قدام العروس كل على حاله وسعة ماله وكذلك يفعل النساء. ويخرج العروس إلى الحرم ويطوف سبعاً ويصلي وقام إبراهيم ركعتين ويقبل الحجر الأسود ويخرج بالشمع إلى بيت العروس فتجلى عليه ويدخل عليها ويبقى عندها سبعة أيام. ففي اليوم السابع يخرج يضم الطرح الذي طرح له ويدبره رأس مال في يده وعند ذلك يفتح له دكاناً يعيش به. ويكون ذلك الطرح دينا عليه وكل من تزوج من القوم الذين حضورا العرس يدر إليهم الذي اخذ إلى كل واحد من القوم مثل الذي جاء به إليه أو أزيد منه، وكذلك يفعلون في سائر أقاليم اليمن. وكانت أهل مكة في سالف الدهر يشترون العبيد ويقطعون عليهم قطعة تعطى لسيده كل يوم بيومه، وكذلك النساء تقطع المرأة قطعة على جوارها في تحصيل الذهب فترجع الجارية ترجو الفرج أو تبذل الفرج للرجل والحرج في هرج ومرج. وإلى الآن هذا موجود في عدن من الغريب وأهلها وليس هذا الفن عندهم عار بل يفتخر النساء بذلك. وكذلك كان في أيام الجاهلية كل جارية لا تبذل فرجها ينكر عليها إلى أن نزلت هذه الآية: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا فهي من ذلك العهد وعم على ذلك العهد باقون) . وإذا خرج السيد والعبد الجارية إلى أشغالهم خليت المرأة في الدار وحدها حتى إنها تبرك على أربع إذ ليس لها شغل تشتغل به فيرجع بروكها على وركها عادة وألفوه إلفاً. ويقال إذا تخاصم رجل وامرأته واغتاظت المرأة منه غاية الغيظ تقول المرأة لزوجها: لا شك أنك على أني أكسره، والمعنى أنك تريد أن اقعد على عجزي، فيقول لها زوجها: بالله عليك لا تفعلي ذلك. فصل

ذكر ولاة مكة من آل الحسن بن علي بن أبي طالب

دخل سيف الدولة بن عبد الله بن حمدان على بنت عمه ويقال بنت خاله وهي باركة على أربع وهي تنظم لها حب عقد لؤلؤ فقال لها سيف الدولة: بكم هذا؟ قالت له: بالموصل. قال لها: اشتريت. فقالت له: وأنا بعتك. وقضى منها شغله 00000 فلما أصبح من الغد جاء الخادم يتقاضى ثمن ما اشتراه فقال سيف الدولة للوزير: اكتب لها منشوراً بتسليم الموصل! فما أعجب الوزير هذا القول وامسك عن الكتب. فقال له سيف الدولة: أكتب لها فو الله لقد أخذت منها فرداً يسوي جملاً احمراً أو يقال جمل عراقي. كما قال: نعم أقول لو أن القول مقبول. ظل الهوى وتمادى القال والقيل ليس السلام بشافي القلب من دنف. ما لم يكن فيه تخميش وتقبيل وليس يرضى محب عن أحبته. حتى يفوز بما ضم السراويل. ولأجل ذلك تكبر أعجاز نساء الحجاز لأنهم يربونه قاصداً. ويطلع بها من جميع الخضر مثل البطيخ والخيار والقثاء والباذنجان والكراث ويأكلونه بالتمر والفجل وما أشبه ذلك وبها الرطب الطيب من البرني والمكتوم. ويقال إنه كان في قديم الأيام يجتمع بها من جميع الأزهار والفواكه والثمار والرياحين ومن جملة ذلك أنه كان يزرع في زهران الزعفران. وكان يرفع ذلك إلى بغداد كل عام بعد الخرج والمون ثمانون ألف دينار وقيل ثمانية عشر ألف دينار وهو الأصح. وجميع ذلك كان من الزرع والضرع ودخل الأشجار وجني الثمار وسقي الأنهار ومراعي الإبل ودخل النخيل. فلما دار الدهر نقص جميع ما ذكرناه لاختلاف النيات مع قلة الأمانات. وكل من بها يستعمل الطيب من الرجل والمرأة. وفي يد كل واحد من القوم سيف ولم يرموا العدة من أيديهم إلا في شهر الله الأصم رجب عظم الله حرمته. وبناه البلد بالحجر والجص وبناء الطبقة الثانية بالشكل، وهذا في زمان معاوية بن أبي سفيان. وصارت بعده في أيام أبي عبد الله محمد المهدي بالله أمير المؤمنين لما بني الحرم الشريف كل دار تشابه حصنا من الحصون لأجل أحكامها. وبني الأمير هاشم مدينة ظاهر مكة بين درب الثنية والمسفل تسمى مربعة الأمير فكان يسكن بها جنده وخدمه وحشمه وبقي البلد عامراً. وخربت في دولة الأمير عيسى بن فليته وبقي خراب إلى دولة الأمير قتادة بن إدريس بن مطاعم بن عبد الكريم وجدد فيها آثاراً ومواضع شتى وأراد أن يسكن فيه الغرباء وقريش ويسكن هو وجميع أهل الشرف مكة فمات على غفلة وبطل جميع العمل من طول الأمل. وأدار الأمير قتادة بن إدريس على مكة سوراً من الحجر والطين وذلك على رءوس الجبال وبطون الأودية وركب عليه أربعة أبواب: باب درب المعلى ينفد إلى عرفات، وباب درب الثنية ينفذ إلى مدينة الرسول (ويسمى باب جدة وباب العمرة، وباب المسفلة ينفذ إلى اليمن، وباب الصغير ينفذ إلى الصفا المصافي والصحيفة، وهو واد ليس عليه طريق على هذا الوضع والترتيب والله تعالى اعلم بالصواب. ذكر ولاة مكة من آل الحسن بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. الأمير منصور بن يكثر بن عيسى بن مكثر بن قاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن أبي هاشم بن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى بن عبد الله ب موسى الجون بن عبد الله ديباجة بني هاشم بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب. والأمير حسن بن قتادة بن إدريس بن مطاعم بن عبد الكريم بن عيسى بن الحسين بن سلمان بن علي بن عبد الله بن موسى الجون، وهاهنا يرجع النسبيين إلى فرد نسب. فهؤلاء الذين نزلوا مكة من أيام دولة الأمام عبد الله الخليفة أبي جعفر بن هارون الرشيد إلى سنة تسع عشر وستمائة. وفي هذا التأريخ ملكها السلطان الملك المسعود صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن محمد بن أبي بكر بن أيوب بن شاذي بن مروان بن محمد. ونقد البلد ذهب مصري وبها يضرب على عيار المصري يستوي الدينار أربعة وعشري علوي يحسب كل علويّ أربعة دراهم كل درهم ستة فلوس.

من مكة إلى المدينة

فلما رجعت الدولة لآل أيوب ضربوا الدراهم الكبار ويقال أول من ضرب هذا الدرهم الكبير بها المعز إسماعيل بن طغنكين في اليمن. وأول من ضرب الدراهم الكبار بمكة الملك المسعود يوسف بن محمد على قوانين اليمن يسوى الدينار المصري أربعة دنانير ونصف ملكي يصبح ثمان عشرة درهما يحسب كل أربعة دراهم دنانير دينار مكي، وكل درهم ثلث جوز كل جائز ثمان فلوس وكل فلس أربع درس. قال أبن مجاور: وكل ما كان يصح في أول العهد بعلوي رجع ذلك الشيء بدرهم كبير. والرطل مائة وثلاثون درهما وهو ستة أواق يحسب كل أوقية أحد وعشرون درهما وثلث وبه يباع جميع الحاوئج والعطر. ومن اليمن ثلاثمائة وعشرين درهما وبه يباع الثياب والسكر والعسل وجميع الحوائج الحلوة، ومن اللحم أربعمائة درهما وبه يباع اللحم والشحم والهريسة والمجبنة والألية، ومن السمن ثمانمائة درهما وبه يباع السمن والزيت والخل والشيرج. والذراع اليد في أيام الموسم وأيام الصدقة وإذا كان بعد الموسم بمدة شهر كامل زيد في الذراع وفي سنة أثنين وعشرين وستمائة زيد في الذراع ورجع الذراع على ذراع مصر. وكانت صنجة مكة في بغداد تصج المائة خمسة وتسعين ديناراً، فلما تولى ملك الحجاز طغتكين الكاملي نقص المائة الدينار فصار الآن تصح المائة المكية ببغداد أربعة وتسعين ديناراً. وجميع ما يباع بمكة مقايضة كج بكج. ويباع الحنطة وسائر الحبوب بالصاع ويحسب الصاع أربعة إمداد وكل مد أربعة أرباع الرطل. ويباع الادم بالبيعة كل بيعة مائة من يصح الحمل بيعتين ونصف. ويحسب العوار ثلاثة أضعاف: عوار الذي يكون في أوسط الطاق خدش سكين في رقبة الطاق، والثاني الشعراني وهو الذي يكون في الشعر، والمقفع يكون قد تقفح الكيمخت من على الجلد، وكذلك اليابس من الدهن والخفيف والأسود. والأديم الجيد وهو الثقيل النقي الطاهر عتابي الوجه مشتبك بعضه ببعض مبرأ من العيوب التي ذكرناها. قال أبن المجاور: هذا في اليمن ونواحيها يكون يسوي كل مائة من بخوارزم على الصفة التي ذكرنا سبعين دينارا. ويدبغ الأديم في جميع أقاليم اليمن والحجاز ونواحيها ويبيعوه طاقاتٍ بالعدد وكذلك الحبشة وأعمالها ويسموه العجم أديم خوش وفي كشك من أعمال الهند كذلك. وما تدبغ الأديم إلا بالقرظ، ويدبغ في مكة جلود الجمال والبقر والغزلان وكان مسافرو خراسان يشترون جلود البغال الفحولة من رستاق الموصل وسواد إربل وتدبغ في مكة، وقد بطل جميع ذلك من سنة عشر وستمائة لظهور الكافر بخرسان والري. والأديم الخفيف يصلح للعراق والشام لأنهم ينشرون الطاق حتى يجعلوه على الكيمخت، وما يريدون في خوارزم وخرسان إلا الأديم الثقيل لأنهم يبطنون به الخف. ويقال في الأثمان يسوي الخوارزمي وألفا أربع دوانيق ربكبه وخفه عشر دنانير وكذلك الروم. ويقال إن الصديق بمنزلة الرأس والعدو بمنزلة الرجل ولأجل ذلك لبست أهل هذه النواحي أرجلهم أجود ما يكون من الملابس. حدثني محمد بن رزق الله قال لي: هل ترون في خراسان كوكب سهيل؟ قالت: لا والله! قال: لهذا لم يصح لهم دباغة الأديم. قالت: وكيف ذاك؟ قال: كل إقليم يطلع عليه وفيه سهيل يصح فيه دباغة الأديم لأنه يحمره ويصيره إلى ما ترى من الليونة والنعومة. من مكة إلى المدينة على طريق بني عصية وهم الرو. من مكة إلى بطن مر أربع فراسخ وهو واد طيب وبنى فيه بعض أمراء مكة من الشرق قصراً وهو الآن خراب. وإلى الهدى أربع فراسخ وإلى برزة أربع فراسخ وإلى شابة أربع فراسخ وإلى المدينة قدر أربع فراسخ. وإلى هجر سبع فراسخ أرض عزة وهي أرض بني سليم التي فتحها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. ذكر فتح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب هذه الجبال

ذكر وادي أنظر

حدثني عيسى بن أبي البركات بن مظفر البغدادي بمكة قال: إني قرأت في بعض الكتب أنه كان لبني سليم في الجاهلية نحل عظيم فكان إذا جاءهم عدو دخنوا في الأكوارات يعني النحل فكان يطير ويعلو الجو يبان لناظره شبه غمامة من كثرته فإذا تعلى انحدر ونزل على خيل العدو ونكد عليهم فعند ذلك تنهزم خيل العدو من بين أيديهم. وكان بنو سليم قد قهروا جميع أعدائهم بهذا الفن وبقوا على حالهم إلى أن أظهر الله عز وجل الإسلام وخرج النبي (ومن معه من الصحابة إلى هذه الأعمال، ففعلت بنو سليم ما تقدم ذكره فلما صعد النحل الجو وانحدر على عساكر الإسلام نادى النبي (فقال: أين يعسوب الدين؟ فلم يجبه أحد فقال: أين أمير النحل؟ فلم يجبه أحد فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فلما سمع علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ذلك من لفظ النبي (جذب ذا الفقار وحمل على النحل فأدبرت النحل على أثرها راجعين على بني سليم ولدغتهم فهربت بنو سليم بين أيدي النحل إلى الجبال وبطون الأودية وفتح الله جبال بني سليم على يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. فلما إستتم الفتح واستقام النصر قال بعض الصحابة للنبي (: يا رسول الله شبهت علي بن أبي طالب باليعسوب وهو النحلة؟ فقال النبي (: المؤمن كالنحلة لا تأكل إلا طيباً ولا يخرج منها إلا طيب فمن ذلك الحين والواقعة لقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بيعسوب الدين أمير النحل. وإلى الآن من هذه الجبال نحل أي عسل يشتري منه الحاج والحجاز وبعض أهل اليمن. ذكر وادي أنظر قال ابن المجاوز: رأيت في المنام ليلة السبت سادس شعبان سنة أربع وعشرين وستمائة كأن إنسان يقول لي: إن في أعمال المدينة يثرب وادٍ مسروق وجبال وشعاب لم يفتهم لأحد كيف دخوله. قلت له: ما يسمى؟ قال: وادي أنظر. قلت: وما المعنى فيه؟ قال: إنه سأل إنسان شيخاً من أهل هذا الوادي فقال له: من أين الشيخ؟ فقال: من وادي أنظر. قلت: وما المعنى في هذا الاسم؟ قال: لأنه وادٍ للإسلام به عز. قات: ومن أين سكانه؟ قال: هم قوم من أولاد حام بن نوح علية السلام وهم مع ذلك قوم لا عرب ولا عجم ولا هند ولا حبش ولا ترك ولا نبط بل لهم لغة منهم وفيهم. قلت: فكم يصح دوره؟ قال: فرسخين أو مسيرة يومين. ولا يزل الأمير قاسم أبن المهنا بن جماز الحسيني يرعى إبله ونعمه فيه وأرضه ذات مزارع وعيون وأمن وسكون، وقد خلت من 000السبب في خلوها؟ قال: إن الله عز وجل قلب عاليها سافلها. قال ابن المجاور: وفي هذه الأيام قتل الأمير قاسم بن المهنا جماز ابن عمه شيحة وتولى يعد قتله الأمير هاشم بن قاسم على ملك مكة. ومع ذلك يمكن أن يكون هذا الوادي في هذه الأودية والجبال والشعب مسروقة لم يعلمه أحد من الأعراب سوى سكانه والعلم عند الله. وإلى الخضراء من يثرب أبع فراسخ وبه أعين ونجيل ويسكن أهلها في أخدار الشعر إلى الآن. وإلى عين النبي (أربع فراسخ وهي عين جارية وعليها نخيل وهي أواخر الجبال والأودية وأول الفلاة والرمال وإلى عمق أربع فراسخ وبه أعين ونخيل، وأحرق نخلها الأمير عز الدين أبو عزيز قتادة بن إدريس سنة خمس عشرة وستمائة. وإلى نجد أربع فراسخ وتسمى مرك وهي أرض قفر وبها بركة عظيمة خلقها الرحمن، ويقال أغتسل بها ومن مائها النبي (فلا يزال الماء طول الدهر من بركات النبي (. وتمر على ثلثه جبال تسمى البرانين فإذا كنت طالب المدينة أترك جبلان منا على يسارك وإن كنت طالب مكة فأتركهما عن يمينك وأمش بالقرب من الجبال لكي لا تضل لأنه وادٍ فيه رمل أبيض يشابه دقيق السميد ولا شك أنه إلا في هذا المكان. وإلى بئر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أربع فراسخ وهي بئر عظيم البناء يروى الحاج منها ومن حولها من الأعراب ما عندهم من المواشي وغيرهم. وإلى قباء أربع فراسخ وكانت مدينة قبل المدينة وقيل بني في زمن النبي (وفي مسجدها قبتان إحداهما إلى المشرق والثانية إلى الكعبة لما أمر الله سبحانه النبي (أن يوجه وجهه نحو الكعبة لما قال: (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) ثم إلى المدينة فرسخ بين نخل باسقات شامخات. ومن مكة إلى الطائف

بناء الطائف

من مكة إلى منى فرسخ. وإلى المشعر الحرام فرسخ. وإلى جبل عرفات فرسخ، مبتدئ وادي نعمن وفيه أراك ونخل. ألا هل لأيام المحصب أوبة ... وهل لي بهاتيك القباب وحلول وهل لليالي الخفيف بالخفيف مرجع ... وهل لمبيت بالجمار سبيل وهل لي بأعلام المعرف وقفة ... وبالسرح من وادي الأراك مقبل وإلى برقة ثلاث فراسخ وبه قبر الأمير شكر بن أبي الفتوح الذي أستفتح جدة. وإلى المرزة أربع فراسخ والأصل ستة فراسخ. وإلى الحجر فرسخين ويكون جوازك على جبل عالٍ يسمى عفر، قال أبن المجاور: ولا شك أنه يسمى غزوان وبه قال الشاعر: إذا خفت يوماً من أمير عقوبة ... فلي باللوى من رأس غزوان منزل بناء الطائف قرأت في كتاب الفاكهي قال: حدثني الحسين قال حدثني على بن الصباح قال حدثني أبن الكلبي عن إياد بن نزار ويقال عن أبيه عن أبي صالح عن أبن عباس قال: كان بالنخع وثقيف رجلان من إياد بن نزار يقال لأحدهما ثقيف وهو قسي بن منبه أبن بنت أفصى بن دعمي بن إياد بن نزار والآخر النخع بت عمرو بت طهمان بن عبد مناة بن يقدم بن أفصي بن دعي بن إياد بن نزار. فخرجا ومعهما غنيمات لهما فيها عنز لبون وهما يشربان من لبنها، فعرض لهما مصدق ملك من ملوك اليمن فأراد أن يأخذ من غنمها الصدقة. فقالا: خذ من أيتهن شئت! فقال: آخذ صاحبة اللبن. فقالوا: إنما معيشتنا ومعيشة هذا الجدي من لبنها. فأبى إلا أخذها فقتله أحدهما. فقال له صاحبه: لا يجمعني وإياك بلد ولا تحوينا أرض فإما أن تصعد وأنحدر وإما أن تنحدر وأصعد. فقال النخع: أنا اصعد، فأتى النخع بيشة فنزلها. ومضى ثقيف إلى وادي القرى فكان يأوى إلى عجوز يهودية يكمن عندها بالليل ويعمل بالنهار فعند ذلك اتخذته ولداً واتخذها أماً. فلما حضرها الموت فقالت: يا بني إذا مت فخذ هذه الدنانير وهي قضبان من الكرم فإذا نزلت بلدا فأغرس هذه القضبان فأنك لا تعدم منها رزقا. ففعل ثقيف ذلك ثم أقبل حتى نزل موضعا قريباً من الطائف، فإذا هو بجارية حبشية على ظهر ترعى مائة شاة لمولاها. فأسر طمعاً فيها وقال: أقتلها وآخذ الغنم! فألقى في نفسها ما أراد بها فقالت له: يا هذا كأنك طمعت نفسك أن تقتلني وتأخذ غنمي؟ قال: نعم. قالت له: لقد عدلت ولو قتلتني وأخذت الغنم ما نجوت فأنا جارية عامر بن الظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن عدوان بن عمرو أبن قيس بن عيلان بن مضر وهو سيد أهل الوادي وأنا أظنك غريباً خائفاً. قال: نعم. قلت: أفلا أدليتك على خير مما أردت؟ قال: بلى! قالت: إن مولاي إذا طلعت الشمس ليأتي إلى هذه الصخرة فيضع ثيابه وقوسه وجفيرته عندها وينحدر في هذا الوادي يقضي حاجته ويتوضأ من العين التي في الوادي ثم يرجع ويأخذ ما ترك وينصرف إلى رحله ويأمر منادياً ينادي: ألا من أراد العيش والتجمع فليأت دار عامر بن الضرب! فيقبل جميع من أراد ذلك، فأكمن له تحت الصخرة وخذ ثوبه وقوسه وجفيرته فإذا رآك وقال: من أنت؟ فقل: غريب فأنزلني وخائف فأجرني وكفيء فزوجني إن كنت براً شريفاً! فقال: أنا افعل جميع ما ذكرت. فال فخرج عامربن الضرب كعادته فاستخفى له ثقيف فلما دخل الوادي فعل ثقيف ما أمرته به الجارية فقال عامر بن الضرب: انطلق فانطلق معه فانحدر إلى قومه. ونادى مناديه فأقبلت الناس يهرعون إليه فأكلوا وتجمعوا. فقال لهم عامر: ألست سيدكم؟ قالوا بلى! قال: وقد أجرتم من أجرت وآمنتم من آمنت وزوجتم من زوجت؟ قالوا: بلى! فقال عامر: هذا قسي بن منبه، فزوجوه في الحال ابنته فولدت لثقيف عوف ودارس وسلامة، ثم تزوج بأختها بعدها فولدت له قاسم. وأقام بالطائف وغرس تلك القضبان من الكروم فنبتت وأطعمت. وبنى المكان فسمي الطائف لأنه طاف البلاد وسكن بها. وقيل ما سمي ثقيفاً لأن أباه ما ثقف حتى ثقف عامراً حين آمنه وزوجه، وثقف الكرم حين غرسه فسمي ثقيفاً. حدثنا محمد بن أبي عمرو قال: حدثنا شعبان بن جريح عن مجاهد في قوله عز وجل: لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم، قبل القريتين مكة والطائف، فأما الرجل فقيل هو عيبة بن ربيعة وكان ريحانة قريش يومئذ وقالوا بل هو مسعود بن معتب. ذكر حصن الهجوم

ذكر الوهط

حدثني أبو علي أحمد بن علي بن آدم البزلي قال: كان حصن الهجوم جبل مدور في وسط قاع صفصف فجاء الأنباط وهم من نسل اليونانيين النصارى ويقال الروم وقد بقى من تذاكيرهم طي القنوات ومجاري الأعين وحجر الطواحين التي يطحن عليها القرظ لأجل دباغة الأديم. قال الراوي: ودور كل حجر منها ثمانية أذرع في الارتفاع إلى سبعة أذرع. وليس هذا من عمل العرب لأنهم لا يتدبر لهم فيه عمل ولا يستدبر لهم في أيديهم ولا يتصور في خواطرهم بل هذا وما أشبهه من عمل الجبابرة وحكمة الأوائل. وما ذكرت ذلك الأحكام إلا لما نذكره من بناء الحصن وذلك أن الأنباط جاءوا وبنوا حول الجبل الحجر المنقوش المربع طول كل حجر منه سبعة أذرع في عرض ثلاثة أذرع ولا زال القوم في بنائه إلى أن حاذى البناء ذروة الجبل، فلما استتم البناء به على حسب المراد بما أراد الفكر بنوا بعده الأسوار والأبراج وهو على وضع ما تقدم ذكره. وركب عليه باب واحد وحفر في داخل القلعة بئر عظيم فظهر في البئر مع تمام الحصن الوافر ماء يحاكي الشهد في حلاوته والماء ورد في رائحته وعين الحيوة في صفاته. فلما دار الدهور بالسنين والشهور ارتدم ما بين الأمة من التقارب والاتصال تقاربت بهم الآجل وتباعدت عنهم الأحوال إلى أن أظهر الله عز وجل الإسلام ففتحها النبي (بالسيف. وبقى الحصن على حاله إلى أن وصل ملك الحجاز إلى الأمير عز الدين أبي قتادة بن إدريس فأمر بهدم الحصن فهدم خوف أن لا يعصيه فيه أحد من الأعراب ويبقى الحصن خراب إلى الآن خراب إلى الآن ويسمى عند أهلها حصن الغراب. ذكر الوهط حدثنا معبد بن عبد الرحمن المخزومي قال حدثنا شعيب عن عمرو بن دينار قال: كتب عمرو بن العاص في وصيته وذلك في الوهط وجعلها صدقة لاتباع ولا توهب ولا تورث: وهي للأكبر من أولادي المتبع فيها عهدي وأمري فان لم يقم بعهدي ولا أمري فليس له ولاء، يعني بذلك الوهط، حتى يرثه الله تعالى قائماً على أصوله. حدثنا محمد بن منصور قال حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار قال: عرش عمرو بن العاص في الوهط مائة ألف عود كل بدرهم. والوهط قرية من أعمال الطائف بينهما ثلاثة أميال فكان كل فاكهة الطائف ومكة من ذلك الوهط. حدثنا محمد بن موسى القطان قال حدثنا محمد بن الحجاج الثقفي قال حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عم عطاء عن أبن عباس قال: كان الطائف من أرض فلسطين فلما قال إبراهيم: ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرعٍ عند بيتك المحرم قال فرفع الله تعالى له موضعاً إلى الطائف في موضعها. قال حدثني محمد أبن فارس القرشي قال لي: ما بقى في الوهط من الشجر سوى شجرة توت وهي إلى الآن وقف عليهم. ذكر سليمان بن عبد الملك

صفة الطائف

أبن مروان وخروجه إلى الطائف. حدثني محمد بن صالح البخلي قال حدثنا محمد بن إبراهيم قال: كنا مع عبد العزيز بن أبي رواد في المسجد الحرام فأصابنا مطر شديد وريح شديدة فقال عبد العزيز: خرج سليمان نب عبد الملك إلى الطائف فأصابهم نحو من هذا ببعض الطريق فهالهم ذلك وخافوا فأرسل إلى عمر بن عبد العزيز، وكانوا إذا خافوا شيئاً أرسلوا عمر فقال له سليمان بن عبد الملك: ألا ترى ما نحن فيه؟ فقال: يا أمير المؤمنين هذا صمت رحمته فكيف بصوت عذابه! فخرج سليمان إلى الطائف قال فلما قدم إليها لقيه أبو زهير بني ثقيف فقال: يا أمير المؤمنين أجعل منزلك عندي! فقال: إني أخاف من الصداع. فقال: كلا إن الله قد رزقني خيراً كثيراً. قال فنزل ورمى بنفسه على البطحاء فقيل له: الوطاء! فقال: لا! البطحاء أحب إلي. فلزمه بطنه فأتى بخمس رمانات فأكلهن وأتوه بخمس. أخرى فأكلهن ثم قال: أعندكم غيرها؟ قالوا: نعم. فجعلوا يأتون بخمسة خمسة حتى أكل سبعين رمانة ثم أتى بخروف وست دجاجات فأكلهن وآتوه نصيب من الزبيب يكون فيه مكوك على نطع فأكله جميعاً ثم نام. وانتبه فدعا بالغداء فأكل مع أصحابه فلما فرغ دعا بالمناديل فكان فيها قلة من كثرة الناس فلم يكن عندهم من المناديل ما يسعهم، فقال: كيف الحيلة يا أبا زهير؟ فقال أبو زهير: أنا أحتال. فأمر بالصرح والخزامى وما أشبههما من الشجر فأتي له بما يمسح به سليمان يده، ثم شمه فقال: يا أبا زهير دعنا وهذا الشجر وخذ هذه المناديل أعطها العامة! ثم قال سليمان: يا أبا زهير هذا الشجر الذي ينبت عندكم أشجر الكافور هو؟ قال: لا فأخبره بخبره فأعجب سليمان. وقد قال امرأ القيس الكندي: كأن المدام وصوب الغمام ... وريح الخزامي ونشر القطر يعل به برد أنيابها ... إذا طرب الطائر المسنتحر فلما فرغ قال أبو زهير: افتحوا الأبواب! ففتحت ودخل سليمان مع الناس فأصابوا بستاناً ذات أكمام وإتمام من الخير والفواكه فأصابوا الفاكهة. فأقام سليمان يومه ومن الغد ثم قال لعمر: ألا ترى أنا قد أضرينا بهذا الرجل! فرحل ونظر إلى الوادي وخضرته مع طيب رائحته فقال: لله در قيس أي وادٍ ننزل! ونظر إلى عناقيد عنب يظنها الحرار فقال له عمر: يا أمير المؤمنين هذه عناقيد العنب! فأقام سبعاً ثم رجع إلى مكة. ووصف بعضهم النارنج فأنشأ يقول: وروضةٍ يتركني زهرها ... بالحسن والنضرة مبهوتا أنعت منه حسن نارنجها ... ولم يكن من قبل منعوتها وصحت في الناس: ألا من يرى ... زبرجداً يحمل ياقوتاً وقال في السوسن: سقيا لأرض إذا ما نمت ينبهني ... قبل الهجوع بها صوت النواقيس كأن سوسنها في كل ساقبة ... على المبادين أذناب الطواويس وقال في المنثور: ومنثور حططت إليه رحلى ... وقد طلعت لنا شمس النهار كشبة دراهم من كل فن ... يخالطه كبار مع صغار وقال في الياسمين: والياسمين أتاك في طبقة ... قد أكسر الناس000 من عقبة قد نفض العاشقون ما صنع الس ... بين بألوانهم على ورقة وقال في اللينوفر: ولازوردية تاهت بزرقتها ... بين الرياض على زرق اليواقيت كأنها فوق طاقات لها صبغت ... ذبائل النار في أطراف كبريت وقال في النرجس: وأحداقٍ مسهدة عواني ... سرفن السحر من حدق الغواني على قضب الزبرجد شاخصات ... حوين صفات نور الأقحوان بأحداق من الكافور صبغت ... مكحلة الجفون بزعفران صفة الطائف

من الطائف إلى جبل بدر

الطائف سامية باردة الماء والهوى صحيح كثيرة الفواكه زراعتهم الحنطة اللقيمة التي تشابه اللؤلؤ، وأهلها من ثقيف وقريش على زي أهل مكة في الأكل واللبس. وأهلها يرثوا البنت عند الموت ولم يورث أحدهم بنته الدراهم، وكذلك بنو هذل ومضر وبجيلة وجميع أهل السراة وجميع العرب الذين هم سكان بأرض الحجاز وما حول مكة. وللقوم عصبية عظيمة إذا مات بها أحد لم يحمل جنازته إلا الشبان ومع ذلك يقولون: سلم سلمك الله هذا ما وعد الله نعم القاضي! وهم يتداولون بالنعش إلى الجبانة وهم الذين يحفرون القبر. حدثنا الزبير بن أبي بكر قال حدثنا عمر بن أبي بكر الرملي قال: اخبرني بعض أهل العلم من قريش قال: ما استن للنوائح وأحرباه إلا من بعد موت حرب بن أمية فناحت نوائحه وأحرباه فجعلن النواح للناس كلهم يقلن: وأحرباه! من ذلك العهد. وبه قبر عبد الله بن العباس رضي الله عنهما. وجميع عملهم دباغ الأديم ويدبغ بها الأديم المليح الثقيل المعروف بها وهو الذي يصلح لخوارزم. وكل فريق يغرس في هذه البلاد يطلع مكتسبي وبه يطعن السدر وهو سويق النبق من نبق العراق ليس له شوك وكذلك شجرة في زبيد مما يلي القرنب. من الطائف إلى جبل بدر من الطائف إلى المعى ستة فراسخ وبه تنحت قدور البرم التي يفخر حجرها على سائر الأحجار. حدثني شيخ قدوري بهذا قال: إن احجر الأملس يعمل فيه الحديد إلا الفولاذ وإلى خبت عنتر خمس فراسخ وهو عنتر بن زبيبة العبسي، وهي ارض ذات شعاب ومكسّرات وبها بئر عذب فرات. وإلى حدان ستة فراسخ. وإلى بحرى خمس فراسخ وبه تزرع الحنطة في العام مرّتين بعد كل ستة اشهر مرّة وهذا خلاف كلّ العالم في الزروع. وإلى الدرب فرسخين. وإلى ارض ليلى العامريّة وقيس بن المللوّح ويقال أنّ ليلى العامريّة وقيس بن المللوح كانوا في هذه الأرض وماتوا بها. وفي قبيلها يقول الشاعر: ألا لَيتَ أتى بالما عامريّةٌ ... إذا صابها ضيمٌ دَعت يالَ عامرِ وإلى نوا فرسخ، أول معاملة بجيلة وهم الذين يسمون السرو. ذكر السرو فأما السرو فإنهم قبائل وفخوذ من العرب ليس يحكم عليهم سلطان بل مشائخ منهم وفيهم وهم بطون متفرقون. فإذا خرج أحدهم إلى سفر أتت المرأة إلى عند المخلف أي عشيق تلك المرأة يحاضنها إلى أن يرجع زوجها. فإذا قرب المسافر من منزله نادى بأعلى صوته: أيها المخلف اللجوج، فقد حان وقت الخروج! ويدخل المسكن غفلة فإن وجده في المسكن قتله وإن كان قد خرج فقد عفا الله عما سلف. وسألت رجلاً منهم في مكة فقلت له: أيها الرجل والنزيل ماذا يصنع المخلف؟ فرد أسوئ جواب فقال: يسحق الخبز ويمحق المرأة. وغاية حج القوم عمرة أول رجب وقد ضمن لهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضه تلك العمرة بحجة كاملة مقبولة. فإذا دخلوا مكة ملئوها خبزا من الحنطة الشعير والسويق والسمن والعسل والدخن واللوز والزبيب وما يشبه ذلك، ولذلك يقول أهل مكة: حاج العراق أبونا نكسب منه الذهب والسرو امناً نكسب منهم القوت. يقال أن معاملة نوا مائتي قرية أو اكثر ومن جملة القرى المائتين المسلم وعقدة واليفوع وحدا والراهن وسعمون وبريف. وبها وقعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مع الأفعى فقتله، وبه جبل إبراهيم الخليل عليه السلام. ومنهور والفروات والشعبين واللقاع وحرف والرجعين وهي قرى جماعةٌ. وبهذه الأعمال كانت وقعة بني تميم وبكر بن وائل وفي حرب منها هلك لقيط بن زرارة أخو حاجب بن زرارة وحسن. وإلى الرداء ستة فراسخ. وإلى الملحاء ستة فراسخ وهو جبل عظيم والله اعلم. ذكر جبل الملحاء

ذكر سيوف الصواعق

حدثني أبو علي احمد بن محمد بن آدم اليزني قال: لما ملك تبع جزيرة اليمن وأرض حضرموت وبلاد الأحقاف والحجاز وأراد أن يخرج إلى ناحية العراق فجاء إلى هذا الجبل وأراد أن يحفر فيه سربا عظيماً فجهّز تحت الأرض مسيرة ثلاثة فراسخ أو اكثر من ذلك مستفل منحدر. فلما حفر هذا القدر أمر أن يحفر في أواخر السرب بلدا عظيما والأصح سوقاً عظيما بدكاكين متقابلة مصطفة على خيط واحد ما مقداره ألف دكان ونفر من وراء الدكاكين والدور والأملاك. فلما تم عمله ملأ كل دكان من الدكاكين صنفاً من الأمتعة والأطعمة ومن الحوائج والعقاقير وما يحتاج إليه من ثقيل وخفيف ذخيرة له. وحفر في وسط السوق بئراً واسعا عميقا في الطول والعرض وجمع جميع الأموال التي كانت معه وكنزها في البئر وجعل الذهب بيان له لأنه قد نصب على خرزة البئر عمودا معرضا وفيه طلسم إذا انزل إنسان رجله على العود المعارض دار العود وفي العود سيف مصنوع قاطع يضرب الإنسان نصفين يرميه في البئر. قال ابن المجاور: وما اضن السيف اصله إلا من الصاعفة التي ضرب بها يافث بن نوح عليه السلام. ذكر سيوف الصواعق حدثني عيسى ابن أبي البركات بن مظفر البغدادي قال: أما سيوف الصواعق فثلاثة وقيل سبعة. وقال آخرون: بل أربعة عشر سيفاً ضربة في أيام يافث بن نوح عليه السلام. وذلك انه لما مات نوح عليه السلام وقع الخلف بين أولاده في طلب الرئاسة فتفرقوا. فطلب يافث المغرب وبنى بها مدينة جابلقاه وطلب أخوه حام المشرق وبنى بها مدينة جابرسا. وأمّا ما كان من أمر يافث فانه جمع الأموال أموال الربع المسكون وعباها خزين وعمل عليها طلسما وركب السيوف على الطلسمات. وبقيت الكنوز على حالها إلى أيام ذي القرنين فحينئذ ابطل عمل الطلسمات واخذ ذو القرنين تلك الكنوز. قال ابن المجاور: وإحدى تلك السيوف في جبل الملحاء في البئر التي فيها الكنز الذي أودعه تبع. تبع. ويقال انه يسبك من الصاعفة وزن حبة خردل على الفولاذ ويضرب منه سيف لم يحمل لغمد بل يوضع في جراب خزف. وقيل إذا وقعة الصاعقة لم تسكن إلا إذا افلت عليها الخل وإنها إذا وصلت الماء وقفت وإذا لم يفلت الخل عليه فانه يخرق تخوم الأرض. والأصل فيه انه عمود من حديد جهنم نعوذ بالله منها. فصل

ولنرجع إلى الحديث الأول

قال الله عز وجل: لابثين فيها أحقابا. قال بعضهم الحقب أربعة آلاف سنة والسنة أربعة عشر ألف شهر والشهر أربعة آلاف يوم واليوم أربعة آلاف ساعة والساعة مقدار سبعين ألف سنة من سني الدنيا. قال ابن سلام: مساكين أهلها نسأل الله أن يعيذنا من شرها، ويؤخذ قياس نارها وحديدها من قياس أيامها وساعاتها. ويقال إنّ السيوف المذكورة أربعة أصناف: الصنعاني يضرب في صنعاء متقدم قصير لأنّه سيف الرجالة يقطع اليابس والرطب وعلامته أن يكون في وسطه مرازب ويقال مرازب واحد، وكثير ما توجد هذه السيوف في جبال اليمن عند العرب. والكرماني قديم ضرب في أيام دولة ملوك العجم بكرمان وهو قضيب ماد ما بين القصير والطويل، وأصل هذه السيوف من الفولاذ هرات، وقيل بل كان عندهم معدن يستخرج منه الحديد، وغاية ما توجد هذه السيوف عند الأكراد الشارونية والبلوج والكوشان والاوغان والسرهدية من أعمال غزنة والإفرنجي سيف طويل ماد بالمرة وما يطولونه إلا لأجل الفرسان واصله من تكاسير نعال الخيل ويسقى من نداوة زرع بلادهم، لين المرة ويقطع في اللين دون اليابس ولربما قطع اللحم في البدن وسلم العظم. وغاية ما تجلب هذه السيوف المعروفة عندهم في علب الخشب، وعلامته أن يكون به كف إنسان فهو الجيد. ويقال أن الذي نقش على سيوفه ذلك ضرب أربعمائة سيف لم يضرب مثلها في الربع المسكون. فلما رأى ملك الروم هذه الصنعة الشريفة أمر بقطع يده اليمنى فلما فعل به ذلك ارتحل من المدينة التي كان يسكنها ونزل بمدينة أخرى فضرب بيده اليسرى أربعمائة سيف أخر ونقش عليها الكفوف. فما حرب سيف من تلك السيوف إلا تراه وهو حديد ابيض وفي وسطه مرازب. والهندي أصناف شتى فمن جملتها الباخرى يضرب في السند واصله من حديد وبولاد هرات وعلامته اخضر اللون كأنه السلق وشيء منه احمر يشبه لون النار يرفع الدرهم ويبرى مرسخ الجمل وصنف ثاني من الروهينيا يضرب في بعض الأقاليم يتلوى وهو قضيب ماد فيه جوهر شبه الغبار وهو ما بين ذلك قواما، والصنف الثالث فيه أهلة يضرب في خور فوفل ويقال بحار بيدها سيوف طوال عراض بالمرة ذات جوهر عال لا غليظ ولا دقيق إلا وسط وهو يقطع في اللين لا غير، ومنه فلالك الشاهي يضرب في الكوز ويقال في برهب سيوف طوال عراض بالمرة الواحد خفيف مرهف وعلامته أن يكون جوهره أربع أصابع وهو غليظ خشن كخشونة خضرة الكراث أوّل ما ينبت قد اشتبك بعضه في بعض شبه ثعابين ملتفين، وأربع أصابع منه شبه جمع الذر على الشيء حلو. ويبان الجوهر في أرض السيف شبه فضة شبكت مع الحديد يبان جوهره ابيض صافي والأرض منه زرقاء سماوي. ويقال إنّه أهدى إلى الملك قطب الدين أبيك الأبثل من هذه السيوف سبعين بنداً إلى سبعين سلسلة. ويرى فيها مائية نداوة شبه الماء الزلال، إذا رفعته أنحدر وإذا حططته صعد، يابس يقطع فيما يرطب وبه يضرب أعناق الجاوميس قدام البيوت في يوم عيد لهم. وخاصيته إذا معص فؤاد إنسان يغسل سيفا من هذه السيوف ويشرب ويشرب ماءه ويزول عنه ما يشكي من المعص. وإما السيوف في العالم فكثيرة الأصناف وتضرب في كل بلد وإقليم إلا هذه الأربعة الأصناف الذين ارتفعوا دون غيرهم وعرفوا من بين جنسهم ورفعنا بعضهم فوق بعض درجاتٍ. ولنرجع إلى الحديث الأول

ذكر نهر السبت

فصارت أهل هذا الزمان يدخلون كبب غزل الوبر ويصحبون معهم سراج ومقدحة وخطاف وفتل وبر يشد خيط الوبر في رأس باب الغار وكلما مشى أحدهم نشر الغزل والخطاف. فإذا وصلوا إلى الدكاكين رأوا فيها جميع الأمتعة والأقمشة وقد تهرأت من طول المدا والحديد قد علاه الصدأ والصفار قد تزنجر فيأخذ الجميع ما يرى فيه رمق ويجد بعض القوم ذهباً وفضةً ودراهم. وإذا رجع القوم لا يزالون يكببون غزل وبرهم وهم راجعون إلى فم السرب فلذلك العمل دأب القوم. ويقال إنّ بها ثلاث طرق إحداها تنفذ إلى سوق عكاظ والثانية إلى جبل الملحاء والثالثة تنفذ إلى بريقة فيد وهي أقربهن مسافة. حدثني أبو علي بن آدم اليزني قال: كثير من الرعاة ممن يحمل الذهب على غنمه فيقوم الراعي يطارد الذئب يريد قتله فيقع على المطلب. وهو طريق تنفذ إلى وسط البئر التي تقدم ذكرها، وطريق وسطى وهي التي بجبل الملحاء، والبعيدة التي تلي سوق عكاظ. والمكان إلى الآن باق ينزله من أراد على تقدم ذكره. وإلى أبيدة فرسخ وهي قرية حصينة في واد نزه. وإلى العقيق ستة فراسخ وهو يدبغ فيه الأدم ومنه يجلب القرظ إلى مكة. وبها الأمير أبو الحسن بن المعلم يقول: قل يا رفيق المستها ... م متى يفيق المستهام هذى المنازل والعق ... يق فأين ليلى والخيام؟ وقال أيضاً: قف بالخيام المشرفات على الحما ... وأمزج دموعك في مغانيها دما وإذا مررت على العذيب فقل له ... هل شربة تروي من الظمأ إني ندمت على الذين ترحلوا ... يوم الغوير وحق لي أن اندما فوددت لو سمحوا على بعودة ... يبرا بها الطرف القريح من العما يا عين لا يذهب بناظرك العما ... فلربما دنت الديار وربما إن بات جسمي في سهام فإن لي ... قلباً يتيماً بالعقيق متيما وإلى تبالة ثمانية فراسخ. وإلى الجبل ثمان فراسخ، وهو جبل بني بدر وجميع من بها يهود والحصن حصن مكين في طرف جبل عالٍ والله أعلم. ذكر نهر السبت قالت أهل الذمة: إنه في أرض التيه. وحدثني يهودي صائغ بعدن قال: إنّ نهر السبت في أرض يقال لها صيون والأصح أنه في الحجاز وهو نهر رمل سيال يجري من ليلة الجمعة إلى غداة يوم السبت لم يقدر الإنسان أن يعبره من شدة جريانه في ذلك اليوم ويسكن باقي الأسبوع. ووراء هذا النهر من اليهود مائه ألف ألف رجل وامرأة وهم يزيدون على العد خارجون عن الحد، والقوم عرب يعقدون القاف الألف في لغتهم، وهي جملة القوم أولاد موسى بن عمران عليه السلام. ويقال إنما حصلوا هؤلاء اليهود في هذه الأرض والأعمال إلا من غزوة يخت نصر البابلي لليهود بأرض الشام وديار مصر والأصح لإظهار الله عز وجل محمداً (فخرجوا هاربين من خيبر ووادي القرى وسكنوا هذه الأراضي. إلى الآن إذا تاه بعض الحجاج بطريق مكة ووصل إلى القوم فبعضهم يقتله وآخرون يقبلونه ويردونه على احسن حال. فصل مما ذكره الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن الرازي في كتاب معرفة الأديان: مسلة شرعية، قال إنّ لليهود يوماً إذا عمل فيه إنسان شغلا حل دمه فإن لم يعمل فيه الشغل حل دمه. وما ذاك؟ قال: إذا ولد لليهودي طفل ففي سابع يوم الطفل يطهر أي يختن فإذا اتفق سابع الطفل يوم السبت وختن الطفل حل دمه لكسر سنته وإنّ لم يختن حل سفك دم والده مخالفة والده الشرع، وذلك شرعهم لأنه قال بترك الأوامر. فصل قال بعض النصارى: إنّ الإسلام عجيب! قلت: وما رأيت من العجب؟ قال: إنّ تنصر الإنسان حل قتله يعني لامتناعه في دخول الدين الحنيفي وإنّ أسلم قطع أي ختن فجريان الدم في الحالتين حاصل. وكذلك اليهود قتله في الحالتين حاصل على الخبر الأول والله اعلم. ذكر شهور اليهود

من الطائف إلى صعدة

قمرية وأواسط المسير: تشري ومرحشون وكسليو وطيبث وشفط وآذار ونيسن وإير وسيون وتمز وأوب وإيلل، ويعمل على هذه الشهور جميع يهود الرابع المسكون. وما الفسح؟ في أعياد اليهود خرج فيه بنو إسرائيل من مصر هاربين من بعد أن تخلصوا من العبودية وقربوا القرابين كما مثل لهم وهي سبعة أيام تسمى الفطير لا يجوز لهم أكل اللحم ولا إمساكه في الرحل، وفي اليوم الآخر منها غرق فرعون في بحر سوف وهو قلزم ويعرف هذا اليوم بالكس. ما العنصرة؟ هو السادس من سبون يسمى عشر مشتق من الاجتماع وهو حج من الحجوج لإدراك الغلال. ما الكفور؟ هو اليوم العاشر من تشري وهذا ربما يسمى العاشوراء، وأما الكفور فهو من تكفير الذنوب وهذا اليوم فقط هو الذي فرض على اليهود صومه والقتل على من لا يصومه، ومدة الصوم خمسة وعشرون ساعة يبتدئ بها قبل غروب الشمس في اليوم التاسع ويختم بمضي ساعة بعد غروبها في اليوم العاشر، ولا يجوز أن يقع الكفور في يوم الأحد ولا في يوم الثلاثاء أو يوم الجمعة. ما المظلة؟ هي في لغتهم مصلى وهي سبعة أيام أولها الخامس عشر من تشري وكلها أعياد يجلسون فيها تحت الظلال من الأغصان والخلاف والعنب والزيتون، وقد أمروا أن يسكنوا فيها تذكراً لأظلال الله إياهم في أرض التبه بالغمام. ما العربا؟ تفسيره ما الخلاف وهو آخر عيد المصلى أعني بذلك الحادي والعشرين من تشري وهو أيضاً حج لهم. ما التبرك؟ هو عيد مشتق من البركة وهو بعد عربا بيومين. ما الحنكة؟ هو عيد مشتق الاسم من التنظيف وهو ثمانية أيام أولها الخامس والعشرين من كسليو يسرجون فيها على أبواب دورهم في الليلة الأولى سراجاً واحداً وفي الثانية أثنين إلى أن تتم الثمانية الأيام ثمانية سرج، وذلك تذكر لهم من أصغر ثمانية إخوة قتلوهم بمتغلب عليهم كان يفرغ من عذاريهم وتطوف بيت المقدس على بغلة. ما البوري؟ اسم مشتق من الاقتراع والفال وهو الرابع والعشرين من آذار يتلو نيسن ويعرف أيضاً بعيد المجلة أي مغلاً وسببه أن هيمون وزير أحشويرش أي أبرويز بن أنوشروان كان يكايدهم أيام كانوا ببابل فدبر عليهم وأستأذن في صلبهم فانقلب الأمر عليه في هذا اليوم فصلب، ولهذا يعملون تماثيل مصلوبة ويحرقونها ويفرحون بذلك. ولليهود في شهره صيام ونوافل وأسبابها أمور حدثت فحرمته وأوجبت الامتناع عن الطعام. وكذلك إذا حاضت المرأة عندهم يسكنونها وحدها وتعزل لها آنية تأكل فيها وتشرب منها ولا يقربها أحد حتى تخرج من طمثها أي حيضها، فإذا خرجت منه غدت إلى الحمام فغسلت وإمتشطت وتجيء بعد ذلك إلى بيت بئر تسمى طوى. قال ابن المجازي ولهم ببغداد بئر تسمى بئر طوى في محلة خرابة بين خرزة وهو بئر مدرج وقد عرض في وسط البئر عود على خرزة وقد ضرب في الخشبة سلسلة طويلة إلى أن يصل إلى آخر السلسلة ثم إلى قرار الماء. فتخلع المأة ما عليها من الأثواب وتلزم السلسلة ولا تزل تسقط في الماء أي تغوص وتنبع إلى أن تقول لها امرأة من أعلى البئر: نظفت أي تطهرت. فإذا سمعت المرأة ذلك علمت أنها طهرت من نجس الحيض. فحينئذ تلبس ثيابها وجميع اليهوديات يلقونها حين تطهر المرأة. ويقال في الأمثال: شاور المسلمين ونام عند النصارى وتعشى عند اليهود. ويقال: إنّ للمسلم فرجة وللنصراني ماله وللمجوسي رئاسته ولليهودي بطنه. من الطائف إلى صعدة حدثني محمد بن زنكل بن الحسين الكرماني قال: إنّ من الطائف إلى المعدن أربع فراسخ. وإلى الران ثمان فراسخ. وإلى مجرى ثمان فراسخ. وإلى الدورب أربع فراسخ. وإلى يافع ثمان فراسخ. وإلى عدا ثمان فراسخ. وإلى ران كسه أربع فراسخ وهو جبل ذو طول وعرض وعليه مجاز الخلق. وإلى صفى أربع فراسخ وهو سوق يقوم يوم الجمعة. وإلى خفن أربع فراسخ وإلى مدر أربع فراسخ وهو سوق يلتام فيه الخلق ليلة الجمعة. وإلى عضة عرين أربع فراسخ وإلى بلاد بني قرن أربع فراسخ وإلى بلاد بني عبد الدار عشرين فرسخاً. وإلى ذهبان سبع فراسخ. صفة هذه الأعمال

وأما ذهبان

وحدثني الراوي قال: جميع هذه الأعمال قرى متقاربة بعضها من بعض في الكبر والصغر وكل قرية منها مقيمة بأهلها، كل فخذ من فخوذ العرب وبطن من بطون البدو في قرية ومن جورهم يشاركهم في نزلها وسكنها أحد سواهم. وقد بنى في كل قصر من حجر وجص وكل من هؤلاء ساكن في القرية له مخزن في القصر يخزن جميع ما يكون من حوزة وملكه وما يؤخذ منه إلا قوت يوم بيوم. ويكون أهل القرية محتاطين بالقصر من أربع ترابيعه. ويحكم على كل قرية شيخ من مشايخها كبير القدر والسن ذو عقل وفطنة فإذا حكم بأمر لم يشاركه ولا يخالفه أحد فيما يشيره عليهم ويحكمه فيهم. وجميع من في هذه الأعمال لم يحكم عليهم سلطان ولا يؤدون خراجاً ولا يسلمون قطعة إلا كل واحد منهم مع هوى نفسه. بهذا لا يزال القتال دأبهم ويتغلب بعضهم على مال بعض ويضرب قرابة زيد على أموال عمرو وهم طول الدهر على هذا الفن. وجميع زرعهم الحنطة والشعير وشجرهم الكروم والرمان واللوز ويوجد عندهم من جميع الفواكه والخيرات وأكلهم السمن والعسل. وهم في دعة الله وأمانه وهم فخوذ يرجعون إلى قحطان وغيرهم من الأنساب. وأما ذهبان فهي أم القرى بلاد عز ويقال إنّ دور أعمالها أربعون فرسخاً وهي نجد اليمن والأصح أطراف أعمال نجد اليمن من شرقي تهاما وهي قليلة الجبال مستوية البقاع. ونجد اليمن غير نجد الحجاز غير أن جنوب نجد الحجاز يتصل بشمال نجد اليمن. وإلى بلاد قحطان أربع فراسخ وإلى راحة بني شريف فرسخين وادٍ فيه وضعت مدينة البصرة ويسمى درب العقيق. وإلى صعدة عشرين فرسخاً وهي مدينة ذات عمارة وأرض نزة ودرب آمن. قال ابن المجاوز: وفي هذا الطريق من الأمم والبلاد والمدن والقرى ما لا يعد ولا يحصى ول تحويه أقلام الدواوين أي في صنعة الحساب. وشرب أهل البلاد من أنهر سائحة وبعضهم يشرب من آبار ماؤها خفيف على افؤاد ذات هضم ولذة. من الطائف إلى مكة راجع من الطائف إلى حدب الرنج فرسخان وهو كهف جبل، وإلى الطود الأعظم ثلاث فراسخ جبل طويل وهو الذي يسمى الحجاز. ذكر الحجاز قال الأصمعي: سميت بذلك الحجاز لأنها احتجزت بالحرار الخمس منها حرة بني سليم وحرة واقم، ويقال احتجز الرجل بإزار أي شده على وسطه ومنه قيل حجزة السراويل وقول العامة حزة خطأ. وقال الخليل: لأنه فصل ما بين الغور والشام وبين البادية. وقال الجوهري: إنها حجزت بين نجد والغور. وقال أهل اليمن: مكة يمانية، والدليل على برهانه قول النبي (وقف على المتكا وقال: هذا شام وهذا يمن. وقال أهل الطائف: مكة تهامية لأن ما بين نجد وتهامة جبل يسمى الطود الأعظم فكل ما غرب منه فهو تهامة وما شرق فهو نجد. وقال أهل العراق: مكة أرض الحجاز. قال ابن المجاور: إنّ الطود الأعظم على هذا الوجه هو الحجاز بعينه لأنه حجز ما بين نجد وتهامة، ويقال إنه جبل متصل إلى اليمن. وديار العرب هي الحجاز التي تشتمل على مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها ونجد الحجاز المتصل بالبحرين. وليس في سائر الأقاليم أطيب منه ولا من جوه وهواه، كما قال: إسكندرية داري ... لو قر قراري لكن ليلى بنجد ... وبالحجاز نهاري

من مكة إلى جدة

وبادية الشام واليمن المشتملة على تهامة ونجد اليمن وعمان ومهرة وحضرموت وبلاد صنعاء وعدن وسائر مخاليف اليمن. فما كان من حد السرين فهي تنتهي إلى ناحية يلملم حتى تنتهي إلى ظاهر الطائف ممتداً إلى بحر اليمن إلى بحر فارس شرقاً من اليمن فكيف ذلك نحو من ثلثي بلاد العرب. وما كان من السرين على بحر فارس إلى قرب مدين راجعاً إلى حد الشرق على هجر إلى جبل طيء ممتداً على ظهر اليمامة إلى بحر فارس من الحجاز ومدين وما كان من حد اليمامة إلى قرب المدينة راجعاً على بادية البصرة حتى يمتد على البحرين إلى البحر فمن نجد. وما كان من عبادان إلى الأنبار ونواحيها لنجد والحجاز على طيء وأسد وتميم وسائر قبائل مضر بادية العراق. وما كان من حد الأنبار إلى بالس ونواحيها لبادية الشام على أرض تسمى برية حسان إلى قرب وادي القرى والحجاز من بادية الجزيرة. وما كان من بالس إلى أيلة موجها للحجاز على بحر فارس إلى ناحية مدين معارضاً لأرض تبوك حتى يتصل بديار طيء من بادية الشام وعلى إنّ من العلماء من يقسم هذه الديار وزعم إنّ المدينة من نجد لقربها منها وإنّ مكة من تهامة اليمن لقربها منها. من مكة إلى جدة من مكة إلى عين أبي سليمن فرسخ، وهي عين جارية وقد غريس عليه نخل وشجر السدر. وإلى مقتلة الكلاب فرسخ. وكان السبب فيه أن لرجل من الأعراب كلباً فحمل الكلب على رجل من أهل الحلة فنيبه وعوره فقتل المنيوب الكلب، فجمع صاحب الكلب بني عمه وجمع المنيوب أهله وقام الحرب بين الفريقين ولا زالوا على قتالهم إلى أن قتل الجميع فعرف المكان بمقتلة الكلاب. وإلى الركابية فرسخ، وهي بئر حول جبلين على يسار الدرب تسمى رشان، وفيه بعض الأعراب يقول: أيا جبلي رشان يالله خبراً ... متى جازكم بدر الحجاز معرضا وإلى وحدة فرسخ، وكانت أرض مزروعة لبني البدرية فباعوها فاشتراها منهم سليمان بن علي بن عبد الله بن موسى واستخرج العين وقيل كانت العين على حالها فبقيت في أيدي القوم مدة زمان يستعملونها في إدراك الغلال فاشتراها منهم الشريف الحسين بن ثابت السديدي وغرس في جميع البلاد نخلا مقدار عشرين ألف نخلة والقوم ملاكها إلى سنة اثنين وعشرين وستمائة. وفي هذا التأريخ ملك الأمير طنبغا الملك الكامل ولاية الحجاز وملك نخل الأشراف مستهلكاً لها وأخذ هذا النخل في جملة ما أخذه والنخل رجع الآن سلطاني. ويقال إنما عرف حدة بهذا الاسم لأنه آخر حدود وادي نخلة والأصح أنه من وادي الصفراء. إلى القرين فرسخ، بناية الأمير هاشم وكان يوقف في الموضع رتبة الخيل يجيرون القوافل في الطرق وكان لهم على كل جمل دينار علوية، وهو حصن صغير مربع مبني على أكمة بالحجر والجص وقد بنى على دوره ثلاثة عشر برجا صغار تحتها بئر طيبة الماء عذبة، وإذا قل لماه في حدة فمنها يستسقي الماء أهل حدة. ويقال سمى القرنين وقرنين إلا أنه اقرن نصف الطريق ما بين مكة وجدة، ويقال أقرن ببنائه العدل والأمن. وإلى كتانة فرسخ، يقال إنّ الله عز وجل اهلك الحبشة الواردين بالفيل من صنعاء بهذا المكان. وإلى الثدين ميل وهو بين جبال عوالي آخر الوطأة وأول الأودية وقد كان قصر بني بالجص والحجر والآن خراب. وإلى وادي السدرة فرسخ وهي شجرة سدر صغيرة على أيمن المحجة ومنها رجع النبي (، وكل من يجوز الوادي يأخذ من أوراقها لأجل البركة ولم تبرح السدرة على حالها لم ينقص منها شيء إلى الآن. وإلى الغار نصف فرسخ. وإلى الفج الأخضر نصف فرسخ. إلى الفرع نصف فرسخ. وإلى مثوب نصف فرسخ. وإلى أبو الرحم ميل وهو جبل صغير على ايسر الدرب. وإلى النهود ميل وهم اثنا عشر رجلاً متفرقين شبه الهنود. وإلى المينة نصف فرسخ وتسمى الحديبية، ويقال أن النبي (وصل إلى هذا فصار كلما سار تبعد عليه الطريق فرجع منها وقال: ما أبعدك لا قربك الله! والموضع سبخة طويلة في أرض وطيئة مثل الكف. وإلى جدة نصف فرسخ. بناء جدة

ذكر بعض الصهاريج

حدثني موسى بن مسعود النساج الشيرازي قال: لما أسلم سلمان الفارسي رضه تسامعت أهلوه بالخبر فقصدوه وأسلموا على يد رسول الله (وسكنوا جدة لأنهم كانوا تجاراً، وقال بعضهم: بل هي بناء حرد بن وبربر بن يزدجرد بن شهريار بن بهرام. ومما ذكره أبو عبد الله محمد بن أسحق بن عباس في كتاب الفاكهي قال: أوّل من أتخذ جدة ساحلاً عثمان بن عفان وكان قبل ذلك بموضع يسمى الشعيبة. قال ابن مجاور: والشعيبة هو خور عظيم ومرسى قديم مقابل وادي المحرم لا شك أنه كان قبل جدة لأن ما في تلك النواحي مرسى أدنى منه ولا أمن عاقبة. قالت العجم: فلما خربت سيراف انتقلت أهل سيراف إلى سائر سواحل البحر كما تقدم ذكره فوصل قوم منهم اثنان أحدهما يسمى سيار والثاني مياس فسكنوا جدة وأداروا على البلد سوراً من الحجر انضم بالجص. فلما ابتدءوا في المقام بها بنوا هذا السور وجعلوا عرض الحائط عشرة أشبار فبقي السور على حاله حتى تمكنوا من المقام بنوا على وجه السور سوراً ثانياً من الحجر الكاشور منقوش أي منحوت مربع بالجص وجعلوا عرض الحائط خمسة أشبار فصار عرض الحائطين الملتصقين بعضهما إلى بعض خمسة عشر شبراً. وركب عليه أربعة أبواب: باب الرومة، وباب المدبغة وكان عليه حجر حفر فيه طلسم إذا سرق في بلد سارق وجد بالغداة اسم السارق مكتوب في الحجر، وباب مكة، وباب الفرضة مما يلي البحر. وحفر حوله خندق عظيم في الوسع والعمق. فكان يدور ماء البحر حول البلد ويرجع ما فضل منه إلى البحر والبلد فيصير شبة جزيرة في وسط لجج البحر. فلما حصنوا الفرس البلد غاية التحصين خافت القوم من ضيعة الماء فبنوا ثمانية وستين صهريجاً داخل البلد وبنوا بظاهر البلد مثلها والأصح أنه بنى بباطن البلد خمسمائة صهريج وبظاهر البلد مثلها والله أعلم. ذكر بعض الصهاريج أبو الطبن عامر والمرباني والحفيرة والنخيلات وصهريج بكر والحجري والصرحي وصهريج السدرة والحوار والفرحي وصهريج يحيى الشريف والودية والمبادر وصهريج البيضة والبركة وصهريج أم ضرار وصهريج بركات وصهريج سليمان العطار والطولاني والعرضاني. فكان إذا وقع الغيث وامتلأت منه الصهاريج التي بظاهر البلد كانت العبيد تنقل ماء الصهاريج على الدواب فتقلبه في الصهاريج التي عندهم في الدور. وكذلك صهريج الأخميني وصهريج الأبنوس وصهريج ردرية وصهريج محمد بن القسم. وكان يبقى الماء عندهم من العام إلى العام وهم في أكل وشرب وغسل وهزل وجد وهرج ومرج. ذكر خراب جدة انفذ أصحاب مكة إلى شيخ التجار بجدة وطلب منه حملاً حديداً، فقال الشيخ للغلام وهو واقف عنده: أعطه حملاً حديداً! فجاء الغلام فأعطى الرسول حملاً حديدا. فلما فتح الحمل الحديد قدام الأمير بمكة وجده قضبان ذهب، فرد الرسول راجعاً وقال: قل للشيخ يتفضل وينعم وينفذ إلي بحمل ثاني من حديد هذا العين. فلما علم التاجر بقصة الحال نادى الغلام وقال له: ما أعطيت الرجل؟ قال: حمل حديد اصفر من طول الخبأ وقد علاه الصدى من طول المدى. نتحقق الشيخ عند ذلك إنّ الحمل كان قضبان ذهب وعرف أن قد طمع فيهم، فقصد الشيخ إلى شيخ كبير كان عندهم في السن فشاوره في أمره وما يصنع. فقال له الشيخ: الذي عندي أنكم قوم موسرون فخذوا جميع ما تحتاجون إليه ويركب كل مركبه وينطلق في هذا البحر الواسع وأي موضع أعجب الرجل منكم نزله وسكنه بعد أن تخلون البلد جوف حمار أو كرأس ليس في خمار. فعند ذلك عبوا أمتعتهم في المراكب ورفع كل قلعه ودخلوا البحر وذلك في سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة. ويقال برواية أخرى إنّ العرب جاءوا وحاصروا القوم فلما قل عليهم الماء ركبوا مراكبهم وعدوا في البحر فسكن قوم منهم السرين والراحة وعثر والجرعة والدرعة ودهلك وبيلول وجدة من الجزيرة فرسان والمخاء وغلافقة والأهواب والثميد وجزيرة ذهبان وكسران وبندر موسى وباب موسى. فلما خلت الأرض من الأحباب ملكها الأعراب في دولة الأمير داود بن هاشم. قال أبن المجاور: ورأيت في المنام كأن قائلا يقول لي: ما استفتح جدة من الفرس إلا مضر بن هاشم والأصح شكر ابن أبي الفتوح. ومن عهدهم خربت واندرست وبقيت الآثار خاوية على عروشها كما قال الشاعر:

ذكر فضيلة جدة

لا بلغ الله نفسي فيك منيتها ... إنّ كان بعدك بعد الدار غيرني جعلت دمعي على ذكراك محتسباً ... والدمع عنوان ما يخفي من الخزن وأقسمت مقلتي ما لا تظن به ... فالذكر يجري ويجري الدمع في سنني وقال لي قد بانوا فقلت له ... قد فرق الله بين الجفن والوسن ولأني بكر أحمد العبدي: يا راقد الليل بالإسكندرية لي ... من يسهر الليل وجداً ثم أسهره ألاحظ النجم تذكاراً لرؤيته ... وإنّ جرى دمع أجفاني تذكره وأنظر البدر مرتاحا لرؤيته ... لعل عين الذي أهواه تنظره وقال ابن الدمينة: ألا يا صبا نجدٍ متى هجت من نجد ... لقد زادني مسراك وجداً على وجدي لئن هتفت ورقاء في رونق الضحى ... على فنني غصن من البان والرندِ بكيت كما يبكي الوليد ولم يكن ... جليداً وأبديت الذي لم يكن يبدي وقد زعموا أن المحب إذا دنا ... يمل وأنّ النأى يشفي من البعد بكل تداوينا فلم يشف ما بنا ... على أن قرب الدار خير من البعدِ وقال آخر: ليالينا بذي الأثلاث عودي ... لتورق في ربا الأثلاث عودي فإن حديثكم في القلب أحلى ... وأطيب نغمة من صوت عودِ ذكر فضيلة جدة مما ذكره أبو عبد الله بن محمد بن اسحق بن عباس في كتاب الفاكهي قال حدثنا محمد بن علي الصائغ قال حدثنا خليل بن رجاء قال ثنأ مسلم بن يونس قال حدثنا محمد بن عمرو عن ضوء بن فخر قال: كنت جالساً مع عباد بن كثير في المسجد الحرام فقلت له: الحمد لله الذي جعلنا في أفضل المجالس وأشرفها! فقال: أنت في جدة الصلاة فيها بتسعة عشر ألف صلاة والدرهم فيها بمائة ألف وأعمالها بقدر ذلك يغفر الله للناظر فيها مد بصره. قال ابن المجاور: وما أظن هذه البركة إلا من جهة أم البشر حوى صلوات الله عليها لأنها مدفونة بظاهر جدة. وكان الفرس قد بنوا عليها ضريحاً بالآجر والجص محكماً فبقي إلى سنة إحدى وعشرين وستمائة فبعد هذا التاريخ تهدم وأرتدم بعضها على بعض ولم يعاد بناءه ورأيته عامراً قائماً وقد رأيته خراباً وقد ارتدم بعضه على بعض. وهو موضع مبارك مستجاب فيه الدعوة. ذكر أخذ الجزية من المغاربة حدثني إسماعيل بن عبد السيد بن السبع البغدادي قال: إنّ الأمير علي ابن فليتة بن قاسم بن محمد بن جعفر بن أبي هاشم كان يأخذ من المغاربة جزية في جدة إذا قدموا للحج، كان يأخذ من كل رأس سبعة يوسفية وزن كل يوسفي ثلاثة عشر قيراطاً وحبة بوزن مكة. وكان القواد يوزنون المغاربة أيضاً على كل رأس يوسفي في دية الكلب. والمجب لذلك أن جاء في جدة كاب فأخذ رغيف خبز فالتامت المغاربة فقتلوه فقامت القواد ليقتلوا المغاربة. فلما رأت المغاربة عين الهلاك أقروا على أنفسهم أن يزن كل واحد منهم يوسفي في دية الكلب. فتقرر ذلك عليهم فكانوا يزنون لأمير سبعة يوسفية ويوسفي للقواد وصار المبلغ ثمانية يوسفية على كل رأس. ومن لم يزن كانوا يأخذونه ويدلوه في صهريج من صهاريج جدة والأصح في صهريج مسجد الأبنوس ويقال أنهم كانوا يصيرونهم إلى جزيرة صندلة وقيل إلى جزيرة أبي سعيد ويعلقون أحدهم بحقوة وقد عرش بها أخشاب لهذا الفن. فإذا حج الناس وقضوا مناسكهم وأفاض كل راجعاً إلى مقصده فحينئذ يخرجوا المغاربة من الصهاريج والجور وقسطوهم على المراكب الراجعة إلى مصر والراجعة إلى عيذاب والقلزم. سئل قائد من القواد: لم تأخذون منهم هذا اليوسفي وهم أشد الناس بخلاً وأنزق الناس في الخلق؟ قال: لقول الشاعر: وخذ القليل من البخيل وذمه ... إنّ القليل من البخيل كثيرُ

فصل

قال الحسن بن محمد بن الحوت: ليس هو كذلك وإنما كان يزن أحدهم سبعة يوسفية ونصف كل يوسفي ستة وعشرين قيراطاً وحبتين بوزن مكة، وفي دية الكلب نصف يوسفي صار المبلغ ثمانية يعقوبية، أسس ذلك في دولة الأمير عيسى بن فليتة وبقى يحيى على حله إلى أواخر دولة الأمير مكثر. فلما كثرت الأقاويل ووصل هذا الخبر إلى مسامع العالم أنفذ صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن أيوب إلى الأمير مكثر بأربعة آلاف إردب حنطة والأصح ستة آلاف أردب إلى جدة وإلى مكة وقال له: خذ هذا القدر وأترك عن المغاربة الجزية مع دية الكلب! فأزال الأمير مكثر ذلك كله سنة ست وثمانين وخمسمائة. وبقى الأمر على حاله في أيام الأمير قتادة بن إدريس بن مطاعم بن الكريم وأراد أن يرد الشيء إلى أصله يعني أخذ الجزية من المغاربة فأدركه الموت وارتفع عنهم. حدثني أبو الربيع سليمن بن الريع الطرابلسي قال: وكانوا ملوك الفاطميين يوزنون المغاربة جزية على كل رأس دينارين وقيراطين. فصل قال ابن المجاز: رأيت في المنام ليلة الثلاثاء ثالث عشرة ذي القعدة سنة أربع وعشرين وستمائة كأني حدثني الأمير ناصر الدين فاروت والي عدن وفي هذا التاريخ تولى إمرة الحج إضافة إلى ولايته الأولى وكان الحاج قد رجع من مكة إلى اليمن وكأنه يقول من حج ورجع إلى الهند يوزنه عبد الغفور بن أحمد بن محمد بن الصناديفي البصري جزية عن كل رأس أثنين وتسعين فيلي ولو أن الحاج عقال لما سافروا إلى الهند إلا في مركبي حتى كنت أعطيهم مقرعتي فيأمن فيامن القوم من شر عبد الغفور في أخذ الجزية منهم وبنو مهدي ولاة زبيد ما كانوا يستحلون أخذ المكوسات من ما خلا الحاج وإنهم كانوا يأخذون منهم مقام الدرهم ثلاثة دراهم. ذكر الجار وهو موسى قريب من جدة ترسي فيه المراكب الواردة من الديار المصرية وهو بحر أسود جيفة وموج هائل تبطل فيه حيلة السابح. فصل سمعت من ألفاظ جماعة بمكة وغيرها أنه وقع من يد بعض السراملة قدوم بهذا المكان فشد في وسطه جراب ونزل ليأخذ الفأس فلما غور في النزول سمع هاتفاً يقول له: إلى أين أنت نازل يا عبد الله؟ فقال: نزلت لأخذ ما أنفلت من يدي. فرد عليه الهاتف: انفلت من مركب بهذا المكان أنجر فهو في النزول إلى قيام الساعة. والله اعلم واحكم. ذكر جزر الخيل يقال أنه كان في قديم العهد لم يكن هذا بحر وإنما كان عرصة إلا إنه لا فرق بين بر العرب وبر السودان. فلأجل ذلك إن السودان كانت تملك إقليم اليمن جميعاً دئماً في زمن الجاهلية والإسلام. ولما كثر الماء في البحر وظهرت صعوبته من قريب صاروا يعدونه في المراكب، فلما عرق البحر هذه الأرض وكل موضع كان عليها رجع جزيرة في البحر يقال لها جزر المطارد أي مطاردة الخيل. ويقال إنّ العرب غي قديم الزمان كانوا يطاردون الخيل في قعر هذا البحر لم كان ناشفاً. ويقال مربط الخيل بهذه الأمكنة والعلف والشجر موجود. صفة جدة هي مدينة صغيرة على ساحل البحر وهي فضة مكة، وليس يمكن بها السكن لازدحام الخلق بها في أيام الموسم الحاج لأنه يلتام إليها من جميع أطراف بلاد العالم والربع المسكون والبحر المعمور من ديار مصر والمغرب والهند واليمن. وإذا قل الماء على أهلها نقلوه من القرين من نصف الطريق ما بين مكة وجدة. وأهلها من نسل العجم وبناءهم من الحجر الكاشور وخوص وكلها خانات. والخان المعروف بها خان البصر وهما خانان متقابلان بمخازن كبار. ويقال أنه بني بظاهرها الأمير شمس الدين طنبغا خان كبير عظيم ينة ثلاث وعشرين وستمائة. وكل من بنى بها بيت خوص يزن للسلطان في كل بيت في السنة ثلاث دراهم ملية. وأما الدور التي هي بالحجر والجص فليس عليها شيء لأنها ملك لأصحابها وفي تصرب أربابها. ويقال إنّها سميت جدة إلا إنّها دفن بها أم البشر حوى عليها السلام فهي جدة جميع العالم فلما بني هذا البلد عرف باسم جدة أي حوى زوج أبي البشر عليه السلام. ويقال إنّها سميت بلاد العرب جزيرة لأحاطة البحار والأنهار من أقطارها وأرجائها فصارت بلاد العرب جزيرة من جزائر العرب. ومن مكة إلى الرحالب

ذكر جبل كدمل

من مكة إلى القرين فرسخ، بناء الأمير هاشم. وإلى البيضاء فرسخين، وإلى أيدام ثلاث فراسخ، بئر حفره أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وجدده القائد الحسين بن سلامة. وإلى وادي المحرم ثلاث فراسخ ومنه يحرم حاج اليمن. وإلى فرع خمس فراسخ، أرض بني شعبة. ليس يلبس نسائهم إلا الأدم وذلك إنّ المرأة تأخذ طاقين من أديم تخيط بعضة إلى بعض وتقور فيه قوارة وتكتسيه فإذا مشت بان جميع بدنها من فوق ومن تحت، وإذا رأى غريب المرأة على ذلك الزي يقول لها: استري فيقول زوجها أكسها وإنّ كانت الورأة عريانة وهي لابسة فيقول له زوجها: اكسها فان كساها وإلا قتله لأنهم يقولون: من ستر غيره. ولم يكن في جميع العالم أصل من هؤلاء القوم ولا أسرف ولا أجرم ولا أخسر منهم في أخذ مال الحاج لأنهم يسمون الحاج جفنة الله، فإذا قيل لهم في ذلك يقولون: إذا حضر جفنة الله لخلقه أكل منه الصادر والوارد. وإذا قلت لأحدهم: قطع الله رزقك من الحرام يقول: لا بل قطع الله رزقك من الحلال! ما ترى عندنا من خير سوى هذه الجبال السود لا لنا زرع ولا ضرع ولا أخذ ولا عطاء، وجميع ما تعملوه انتم الحاج آخر جاء مقابل الكعبة من الفضائح والغنائم فسلطنا الله عليكم حتى نستقضي للحاج منكم الحق وثلث الباطل. ولذلك تقول العجم في أشعارها: ازسيم عرابي نه بل آيد نه رباطي ... زيراكه همه توشه حجاج ريابند وإلى السرين ثلاث فراسخ، بناية الفرس على ساحل البحر. وإلى وادي الأثلاث ثلاث فراسخ. وإلى حصارة خمس فراسخ. وإلى حلى سبع فراسخ، بلد فيه جامع ومنارة. وأول من أخربها غازي بن متكلان من بني حارث الكردي في أيام دولة سيف الإسلام طغتكين بن أيوب، وبقى المكان على حاله إلى أن أعاد بناءه موسى بن علي بن عطية وهو إلى الآن مالكها، وجميع هذه الأعمال لبني كنانة. وإنما أشتق اسم حلى من الحلي الذي جمعه السامري من بني إسرائيل في أيام هرون بن عمران عليهما السلام وجعل صورة عجل كما قال الله تعالى: (فأخرجَ لهم عجلاً جسداً له خوارٌ.) وفي مشارق هذه الأعمال قوم يقال لهم البهيمية وهم يرجعون في الأصل إلى آل عامر ويرجع آل عامر إلى سنحان. فإذا نزل بهم ضيف يقول له: بما تعشى؟ يقول: بكذا! وبم تغدى؟ وما يقدم له إلا ما طلب وإشتهى عليهم. فإذا تعشى يقول الرجل لزوجته: روحي أكرمي الضيف! فتجيء المرأة فتنام في حضن الضيف إلى الصباح بلا خوف ولا حذر ويقوم الصبح كل يغدو إلى شغله. فإذا خطب زيد بنت عمرو وأنعم له عمرو بإجاب القول دخل زيد إلى بنت عمرو وإستفضها وبات معها طول ليلته، فإذا أصبح خرج وترك نعلاه في بيت بنت عمرو فيعلم إنّه رضى بها فحينئذ يعقد عقد النكاح. وإن لبس حذائه وغدا علم عمرو أن زيداً لم يرض ببنته. وهذا من أجاويد هؤلاء القوم. ومصاغهم الصفر والحديد والرصاص ولبسهم الجلود المدبوغة وجواهرهم الودع ومهرهم قطع الطريق ومنع السبل. وإلى الدبساء خمس فراسخ. وثغر وادي عمق وهو سخل ويعرف بشرم الجارية، خور من البحر يخاض فيه مخاضة. وما عرف بها إلا إنّه خاضته الحجاج فلما توسطوه زلق جمل وعليه جارية وقعت الجارية في البحر فأخذها المد وراحت فعرف الشرم أي الخور بالجارية. وإلى ذهبان أربع فراسخ وسكانه عرب مجمعة من بني أسد وبني ريح وبني معاصم وبني رفدة إذا نزل بهم نزيل يقولون له: بؤس وساحق وعض وعانق، يعني صاحبة البيت، ولا تدخل معها أي لا تطأها فإذا أدخلت معها أدخلنا معك هذا الخنجر. ويسمى وادي الدوم وما سمى بذلك إلا لكثرة نخل الدرم بها وهو شجر المقل. وفي وادي الدوم يقول الشاعر: وآخر عهدي منك يوم لقيتني ... بأسف وادي الدوم واثوب يغسلُ ويرى جبل كدمل مما يلي البحر. ذكر جبل كدمل

فصل

وهو نصف الطريق ما بين الحجاز واليمن وأول بطن عثر ويقال خبث عثر ويقال: كدمل وامرأته وحماره، وهم ثلاثة أجبال: جبل كدمل في البحر وفي لحفه جبل صغير يسمى الحمار ويقابله في البر جبل يسمى الكليتان والكليتان هي التي تسمى المأءة، فيقال: كدمل وزوجته وحماره. ولا شك إنّ هؤلاء كانوا جناً أو بني آدم مسخوا جالاً واحجاراً. وجبل كدمل هو في الأصل معدن الحديد. قال ابن المجاور: وكم سألت على إنّ أقع لهم على علم تحقيق فلم يحصل ذلك. وإلى بيض أربع فراسخ وهو وادي. وإلى الراحة أربع فراسخ، وتسمى محل أبي تراب وتسمى راحة المؤيد وهو المؤيد أحمد بن غنم بن قاسم بن غانم وهي قديمة بنتها الأشراف. فصل قال ابن المجاور: رأيت في المنام ليلة الخميس غرة رمضان سنة عشرين وستمائة كأني أقرأ كتابة على الحجر منقوش وكان الحجر بني في جملة أحجار محراب الجامع وإذا فيه مكتوب: إنّ الراحة والحوى بناء العجم. حدثني عبد الله بن محمد الراحي بزبيد سنة تسع عشرة وستمائة إنّه وجد على باب الراحة مكتوب: رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين. فخرج من المدينة هذه غشية يوم الجمعة ألف جرير يتبعها ألف بعير عليها ألف عذراء واصبح صباح يوم السبت فلا يدري أسماء رفعتهم أم أرض بلعتهم ولا علم لهم خبر، فاعتبروا يا أولي الأبصار ووجدنا أيضاً سطر مكتوب: بدلنا حمل دره بحمل بر وما مسنا ضر والله المستعان. ووجد مكتوب أيضاً في مدينة أبي سيار من أعمال حران: طلبنا البر بالدر فما وجدناه. وفي المدينة ثلاثمائة وستين بئراً على كل بئر صخرة عليها مكتوب: لا اله إلا الله موسى كليم الله، مع التالي لها: كلهن ينبشن وتحفر بيدك تشرب الماء. وإلى هجر أربع فراسخ. ومن هنا إلى حران يعرف بالدرب. ومن هذه الحدود إلى ربيد يسمون أهلها الشمة لأن هذه الأعمال تسمى في زبيد الشام وتسمى الساعد. وليل هذه الأعمال طيب ونهارها كرب فيقال: حرض ليلها طابة ونهارها مصلابة والله اعلم. صفة زواج أهل هذه الأعمال من يوم تدرك البنت إلى يوم تعرس لم يمكنوها من النتف بل تطول الشعرة مع طول الأيام وتربيتها إلى أن تضفرها دبوقة، ويقال إنّه يدهن ويسرح ويغسل بالسدر والطين أي الشعرة. فإذا كان ليلة عرسها ضفرت شعرتها دبوقتان وتشد كل دبوقة منهما في إحدى فخذيها وتجلى على زوجها. فإذا خلا بها وقعد منها مقعد الرجل مع المرأة فحينئذ يمسك الرجل تلك الدبوقتين ولا يزال يمدهما إلى أن يقلعهما من الأصل فإذا قلعهما استفضها بعد ذلك. فإذا أصبحت من الغد يزورونها قرابتها ومع كل واحدة منهن صحن زبد فيقولون لها: كيف حالك مع الرفة فتقول: بخير كبياع الدبية. وتداوي الموضع بالزبد ليرد عنها الألم لأنه يقلع الشعر مع الجلد وهذا زي القوم. وإلى الهاية ثمانية فراسخ، ومنها يجلب الزنجيل الطرى. وإلى المحالب فرسخين، وهي أرض عنترة العبسي وقومه ولها واد يسمى متور. ذكر هبت الإمام أبي موسى الأمين بالله هذه الأعمال. حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى المهجمي قال: لما كثرت الأشراف بأرض الحجاز خرج منهم قوم إلى العراق في خلافة الإمام أبي موسى محمد الأمين بالله أمير المؤمنين ابن هارون الرشيد واستوهبوا منه أرض يقيمون فيها ويأكلونها فأقطعهم من مكة إلى الهلية طولا ومن صعدة إلى ساحل البر عرضا. فبقيت هذه الأعمال في أيدي القوم وهم في عيش هنئ يأتيهم رزقهم رغدا من كل جهة. وبقى يحيى بأساميهم إلى سنة خمس عشرة وستمائة، فضعفت القوم ودخلت عليهم يد الغزو فخرجوا من البلاد وخرجت البلاد من أيديهم وصارت في حوز الغز وفي قبضتهم. وأحد من تولى بهم من القوم الشريف المؤيد بن أحمد بن قاسم بن غانم وانقرضوا ولم يبق لهم في البلاد خبر، كم قيل: عنا العقيق وأقوى منه معهده ... وحال ما فيه عما كنت اعهده فما الوقوف بربع لا محاسنه ... نجلى ولا يومه يرجى ولا غده من المحالب إلى صعدة

من المحالب إلى زبيدة

من المحالب إلى حردة ثلاث فراسخ. وإلى المدارة ثلاث فراسخ وهو واد الصما وبه الوحش الكبير. وإلى شمر فرسخين. وإلى قلحاح فرسخ. وإلى الأفور ثلاث فراسخ. وإلى الظهيرة فرسخين، ويعرف بوادي اليماني. وما سمى هذا الموضع بالظهيرة إلا إنّه ظهر في فم واديين في وادي مور وله من وادي حوث ووادي حرف أوّله وله من الجبال الشرقية. فإذا سال الوادي وصل جريانهما إلى الظهر في ساعة واحدة يحبس كلٌ صاحبه فكل من قوى على الآخر سده ورد جريانه ويبقى الآخر في السيل إلى أن يزول حدته فحينئذ يقوى العتاجز على القوي لقطع حدته ويخرب ولا يزالا على حالهما إلى أن يفرغ الواديين من جري السيول، وهذا دائم إذا صادف حد الواديين في ساعة واحدة. وإلى شطب خمس فراسخ، بناها آل برمك وقيل أواخر البرامكة الذين كانوا سكنوا هذه المدينة ويقال إنّ نسلهم باقون ولكن ضعفت بهم الحال وقلّ فيهم المال. وإلى حوث عشرة فراسخ، سرير ملك الشرف من آل الحسن ابن علي بن أبي طالب. وإلى صعدة أربعة عشر فرسخا وهو سرير ملك بن عبد الله ابن حمزة الحسيني. من المحالب إلى زبيدة من المحالب إلى المهجم ثلاثة فراسخ، ويقال إنما سميت المهجم بالمهجم إلا إنّ الأشراف كانت تهجم عليهم كل حين فكان القوم إذا رجعوا إلى أوطانهم سألوهم: أين سرتم؟ فيقولون: المهاجم. واسمها سردد وعليها سور وقد خرب واندثر ويشرف عليها جبل يحاكي عنان الأفق يسمى ملحان يغطي ذروته الغيم وقد بنى على أعلى ذروته مسجد يسمى الشاهر لأنه اشتهر برفعه على ما حوله من الأعمال. ويقال إنّه مسكن الخضر عليه السلام وهو جبل عالي عاصي على الملوك باليمن. وبها من الحصون ما شاء الله شبه قطع الشطرنج يبان لناظره علوها من ابعد مكان، يعنى من تهامة. وأهلها قوم من آل الحمير ومنهم الذي يقول: ستذكر قومي نجدتي ومكارمي ... وما فعلت قومي بقيس افاعلا بنيت لهم مجدا من النجم والعلى ... وصاروا خيار الناس ثم الأقاولا فحمير أرباب الملوك وخيرها ... فهم في قديم الدهر كانوا الأفاضلا وفي هذا الجبل تنبت الشتمة. وإلى الكدراء خمس فراسخ بناها الملك دقيانوس على جاحف الوادي ما بين ارك وشجر. وحدثني عمر بن علي ابن مصبح قال حدثني يوسف بن الهمدان قال: إني قفزت حصاني جاحف الوادي فقفز قعره وكان عرضه يومئذ في ذلك العهد ثلاثة اذرع وغمقه مثل عرضه في أواخر دولة الحبشة وأوائل دولة بن مهدي والآن صار واديا عظيما يكون عرضه اكثر من ثلاثة آلاف ذراع لأن السيل أكله. ولم يكن في قديم الأيام واديا بل كان الوادي وسط المدينة وكان على البلد سور وخندق وأبواب. قال: وأهلها يشربون الماء من جاحف الوادي وللاستعمال يسقون من آبار عندهم لان مياه آبارهم مالحة ولم يبنوا دورهم إلا من اجر يخرجونه من الأرض من الردوم وطول كل اجرة نصف ذراع في العرض مثلها من بناء الأوائل. وحدثني عمر بن علي بن مصبح قال: جاء بعض الأيام سيل عظيم في بعض السنين وجاء السيل مع جريانه برجل ميت قد مصته الأرض وقد صار شبه الفد طوله سبعة اذرع وقيل خمسة اذرع مقلدا بسيف فقصوا الآثار فوجدوا إنّه كان دفن قائما في أيام دقيانوس الملك، واستدل على ذلك إنما كان القوم يدفنون موتاهم إلا قياما ويقال كذلك دفن إبراهيم الخليل عليه السلام، ودفن عبد المؤمن بن علي الكوفي ومحمد بن الحسين بن تومرت البربري في حصن الغار ويسمى حصن المهدية. وإنما يفعلون ذلك ليكون الملك قائما فيهم إلى يوم الدين وهذا هو الجنون بعينه. ومما ذكره عمارة بن محمد بن عمارة في كتاب المفيد في أخبار زبيد إنّ القائد الحسين ابن سلامة اختط مدينة الكدراء على وادي سهام واختط مدينة المعقر على وادي ذؤال. ويقال معاملة الكدراء من الدومتين إلى قرب المزحف طول إلى المسجد الذي بناه ابن وهب قريبا من القحمة وفي الجبل إلى البحر طول ودخلها كل يوم ألف دينار. ويسمى سهام كما قال: أرى الشأم يدنو كل يوم وليلة ... ويبعد منى سردد وسهام فروحي وقلبي في دمشق ومهجتي ... وجسمي منئ قد هواه سهام وقال آخر:

فصل

مالي وصحبة سكان العقيق وهم ... إن عاهدوا غدروا أو ذكروا جحدوا يا حبذا جاحف الوادي إذا لعبت ... فيه الغصون وغنى طيره الغرد فصل تولى أعمال الكدراء القائد بلال في دولة الأمير فاتك بن محمد ونشأ في عهده القائد فرج بن اسحق فكان يأكل ويشرب إلى أن عبر أكله الحد فضجر منه خاله بلال، فلما رأى ذلك خرج فرج بن اسحق ومعه عبد اسود وكانوا يقطعون الطرق ما بين حرض والمحالب مدة عامين ونصف. بيناهم في حالهم عاملوا إذا قال العبد الأسود لفرج: يا مولاي أخاف إذا وصلت مع بلال تنساني. فأنشد فرج قول الشاعر: إنّ الكرام إذا ما ايسروا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن فلا زال العبد يردد البيت إلى أن حفظه. فمات القائد بلال وطلب فرج ابن اسحق فلما حضر ولوه أعمال الكدراء فرجع في الأمر والنهي والأخذ والعطا. فلما طال البعد على العبد طلب سيده ودخل الكدراء فكتب البيت المقدم ذكره في رقعة وعرضها على فرج بن اسحق. فلما وقف على الرقعة طلب العبد وادخله وأحسن إليه غاية الإحسان وولاه موضعا يعيش فيه باقي عمره. وفيه يقول: ظباء في الفلا سنحوا ... هم منحوا وما منحوا وصادروا ثم ما صيدوا ... هم اخذوا وما صفحوا هم قتلوا فتى وجدا ... وقالوا انهم مزحوا ألا شلت رماتهم ... ألا يريدوا من جرحوا فتيلا من سهامهم ... على دمه قد اصطلحوا سقى الصهباء ممتزجا ... فمعتبق ومصطبح ألا يا أيّها الركبا ... ن والركب الذي انتزحوا بكم قد ضاقت الدنيا ... وضاق الأمر فأفسحوا إلى الكدراء فأرتحلو ... وقائد جيشهم أمتدحوا عليهم بابن اسحق ... ففي فرج لكم فرج وفتح باب العطا على نفسه لكل قاصد ووافد ولكل داني وناءى فلامه الناس على ما يفعل في إتلاف الموال والمحصول، فأمر أن يكتب على داره: من عز بز ولم تؤمن بوائقه ... ومن تضعضع مأكول ومذمومُ لا بارك الله في مالٍ أخلفه ... للوارثين وعرضي فيه مشتومُ وإلى القحمة فرسخ ونصف وتسمى ذؤال، وذؤال كل ما هو بين البحر والجبل من مقابله. ويوجد بها الموز الطيب والرمان المليح ويقال انه يجلب من جبال اللوي وإنّه فيها غير مملوك. ويقال إنّ المفاليس والفحمة على طالع وذلك إنّه إذا طهر في غرب البلاد فساد وبدا منهم خلاف نهب الأشعوب المفاليس ونهب المعازبة الفحمة في لمح الطرف لان هذه القبائل مقاومين لهاتين المدينتين وهم عصاه طغاة، وقد بنى جمال الدين علي بن الحسن بن وهب مقابل الفحمة على جبل حصن الأضوح في غرة سنة أثنين وعشرين وستمائة، وكان قديماً خربة ملك من ملوك العرب وجدد ابن وهب بناءه وأحكمه غاية الأحكام. ومن الفحمة إلى محل إبراهيم ثلاث فراسخ. وإلى سفاكا ثلاث فراسخ، وهو حصن بني على أعلى قلة جبل عاص على ملوك اليمن ومنه يجلب الحمر وهو التمر هندي إلى كل بلد. وفي هذه البلاد عقد لم نسلك لكثرة شجرها ووعرها ويقع من هذه العقد خشب يسمى الرقع يعمل منه النشاب ويسلف منه على النجارين من الديوان كل ألف فردة بدينارين ملكية. ويكون بهذه العقد النارنج والأترج والليمون والموز ضائع لا مالك له وهذه الأشجار بين انهار وعيون. ويوجد في مياهها الحيات العظام. وإلى زهران ربع فرسخ، حصن بنوه العرب في وطأة مثل الكف فاستفتحه الملك المسعود يوسف بن محمد سنة عشرين وستمائة. ذكر الأودية التي يقطع منها الخشب

بناء زبيد

لأجل العمارات. من معاملة ذؤال وادي نبع ووادي ربمان ووادي عرم ووادي جباية والمداواة وفي وادي زبيد سخمل والفائشي وغابة شجره الإسحل والسيسان وبطحوات اليمن وادي نخلة خلاف وادي مكو وواسط، وفي أودية الشام ووادي الكدراء ووادي سردد ووادي مور وجميع هذه الأودية يقطع منه الخشب لأجل العمارة. وإلى فشال أربع فراسخ، ويعد سبعة تلول رمل وسبعة أودية. وأما فشال ففيه نحو ثمان مائة قرية ما يزرع أهلها إلا على المطر الدخن والذرة. وزرع الشيخ محمد بن معبد بها الحنطة والشعير وطلع سنة ثلاث وعشرين وستمائة وزرع أولاد أخيه العجل ومعبد الأرز فلما زرع بها وأحصد قلعه القوم من الأصول سنة أربع وعشرون وستمائة. وإلى وادي رمع نصف فرسخ، وهو وادٍ عظيم. وقد ذكر في الكتب: لا يزال السيل يأكل في الوادي إلى أن يصل الأكل إلى الخيف جبل ببرع فإذا وصله ظهر على القوم كنز ذهباً يستغني منه جميع أهل اليمن. وإلى قوفص نصف فرسخ، ويسمى وادي العرق وبه قتل الملك المسعود إسماعيل بن طغتكين بن أيوب. وإلى زبيد أربع فراسخ والله اعلم بالصواب. على ذروة جبل عالٍ مشرف على تهامة فكان يقعد في القصر وبنظر الأرض تحته شبه زمردة خضراء مع جري السواقي والأنهار. لأنه كان يقال: بها ستمائة ألف عين وقيل ستين ألف عين وقيل ستة آلاف عين والأصح ستمائة عين ويقال ستين عيناً سائحة على وجه الأرض كلها عذب فرات فمن نداوة الأرض رجعت الأرض مخضرة دائما ذات رياض وأشجار ووحش. فبقي الحمى على حاله إلى أن وقعت الحرب بين القوم أربعين خريفا والقصة مشهورة ولا حاجة إلى ذكرها. فجاء ملك بعد القوم ردم الأعين وسدد أعيتها ولا شك أنه معن بن زائدة الشيباني. على صحة مقالتها أن الحجريين الطاحونين الملقين على باب غلافة من زبيد كانت تدور على تلك المياه والأعين، وكان بها وخم من كثرة نداوة الأرض والمياه وكل أرض تكون على هذه الصفة تكون وخمة من كل بد. حدثني جعفر بن عبد الملك بن عبد الله ابن يونس الخزرجي الجرجاني قال: قدمت اليمن في دولة سيف الإسلام طغتكين بن أيوب وكنا نستقي الماء من الآبار بأيدينا ونشرب. فغار الماء في زماننا هذا سنة خمس وعشرين وستمائة إلى أن بلغ غمق البئر خمس عشرة قامة فزال الوخم وأعتدل الماء والهواء، والآبار التي في سكة المدينة طولها ستة عشر قامة وما حول البلد أثنى عشر قامة تزيد لا تنقص. وإما حدود حمى كليب ومهلهل فكان من الحجف إلى انف قونص إلى رأس رمع، وجميع جواز زبيد وأوديتها إلى حد النوبتين وقوارير طولاً في عرض مثله. فلما سدد الأعين وقل الماء طلع في الخبث شجر الأراك والطرفاء إلى أن رجعت عقدة عظيمة. بناء زبيد

حدثني عبد الرحمن بن أحمد بن الراحي قال: كان في أرض زبيد عقدة طرفاء وأراك وكان حول العقدة قصور وقرى جماعة إحداها المتانة والنفير من غربي البلد مدينتين عظيمتين ومن جملة عظمهما أنه كان يخرج منهما في كل ليلة جمعة وخميس خمسمائة رقيص لزيارة الصالحين. وجنيجر شرقي البلد بناه دقيانوس. وواسط ما بين الغرب واليمن فكان يخرج من هذه البلد كل يوم ستمائة فارس يتلاقون في أرض زبيد التي هي الآن عامرة فبقوا على حالهم زمانا طويلا إلى أن مل بعضهم بعضا. وخرج مشايخ القوم إلى العراق في دولة الإمام أمير المؤمنين الأمين بن هارون الرشيد وعرفوه حالهم وخبرهم وقالوا له: نحن قوم من الأشاعر وجميعنا بنو عم ويجري بيننا قتال. فقال الأمين: من منكم الكبير؟ فأشاروا إلى رجل. قال: ومن بعده؟ فأشاروا إلى آخر. ولا زال يسألهم ويخبروه حتى عدد القوم خمسة جماعة. فولى الشيخ الكبير عليهم وقال للحاضرين: إذا مات هذا فيتولى من بعده الثاني وإذا تولى الثاني ثم مات فيتولى الثالث وإذا مات فلتولى الرابع فإذا مات الرابع فليتولى الخامس، وعقد للشيخ على أصحابه وبني عمه. وخرج القوم من مدين السلام بغداد راجعين فمات الشيخ الذي عقد له الأمين البيعة وتولى بعده الثاني فمات ثم تولى الثالث فمات فتولى الرابع فلما قرب من البلد مات الرابع فأبى الخامس أن يتولى فعزل نفسه خوفا من الموت فولاها رجلا من بني عمه، فلما دخل البلاد جباها وأنفذ بمال من خرج البلد إلى مدينة السلام. فلما كان ما كان من قصة الأمين وقتله وتولي المأمون الخلافة عصى الرجل المتولي في اليمن وتغلب على البلاد وقطعها وصار يرفع الدخل إلى خزانته. فلما كان سنة تسع وتسعين ومائة أتى إلى المأمون بقوم فيهم رجل من ولد عبيد الله بن زياد فانتسب أحدهم فقال اسمه محمد بن فلان بن عبيد الله ابن زياد إلى عبيد الله بن زياد وانتسب منهم رجل إلى سليمان بن هشام ابن عبد الملك، ومن هذا الرجل الوزير جلف بن أبي الطاهر وزير جياش ابن نجاح. فقال المأمون لهذا الأموي: إنّ الإمام أبو جعفر المنصور عبد الله ابن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ضرب عنق سليمان بن هشام وولديه في يوم واحد. فقال الأموي: أنا من ولده الأصغر سليمان ومنا قوم بالبصرة. وأنتسب رجل إلى تغلب واسمه محمد بن هارون فبكى المأمون وقال: أني لي بمحمد بن هارون؟ يعني وافق اسمه اسم أخيه محمد الأمين بن هارون الرشيد. فقال المأمون: أما الأمويان فيقتلان وأما التغلبي فيعفى عنه رعاية لاسمه واسم أبيه. قال ابن زياد: وما أكذب الناس يا أمير المؤمنين يزعمون أنك حليم كثير العفو متورع عن سفك الدماء بغير حق، فإن كنت تقتلنا بذنب فلم ننزع يداً من الطاعة ولم نفارق في بيعتك رأي الجماعة، وإن كنت تقتلنا يا أمير المؤمنين بجنايات بني أمية فيكم فالله تعالى يقول (ولا تزرُ وازرةٌ وزرَ أُخرى.) فاحتسب المأمون كلامه فعفى عنهم جميعا وكانوا اكثر من مائة رجل. ثم أضافهم إلى أبي العباس الفضل بن سهيل ذي الرئاستين ويقال إلى أخيه الحسن بن سهل.

فصل

فلما بويع لإبراهيم بن المهدي ببغداد في المحرم سنة اثنتين ومائتين وافق ذلك ورود علم اليمن بخروج الأشاعر عن الطاعة، فأثنى الحسن بن سهل على محمد بن زياد وعلى المرواني وعلى التغلبي عند المأمون وإنهم من اعيان الرجال وأفراد الكفاءة وأشار بتسييرهم إلى اليمن يعني أن ابن زياد يكون أميرا وابن هشام وزيرا والتغلبي حاكما مفتيا. فمن ولد التغلبي محمد بن هارون قضاة زبيد وهم بنو أبي عقامة، ولم يزل الحكم فيهم يتوارث حتى أزالهم علي بن المهدي حين أزال دولة الحبشة. فخرج الجيش الذي جهزه المأمون إلى بغداد لمحاربة إبراهيم بن المهدي. وحج ابن زياد ومن معه سنة ثلاث ومائتين وسار إلى اليمن وفتح تهامة بعد حروب جرت بينه وبين العرب وإختط زبيد في شعبان سنة أربع ومائتين، وفي هذا التاريخ مات الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي بمصر. وحج من اليمن جعفر مولى ابن زياد بمال وهدايا سنة خمس وسافر إلى العراق فصار المأمون بها فعاد جعفر هذا في سنة ست إلى زبيد ومعه ألف فارس من مسودة خراسان وسبعمائة فارس. فعظم أمر ابن زياد وملك إقليم اليمن بأسره الجبال والتهائم وتقلد جعفر هذا أمر الجبال وأختط بها مدينة المذيخرة وهي ذات أنهار، والبلاد التي كانت لجعفر تسمى إلى الآن مخلف جعفر. وكان جعفر هذا أحد الكفاة الدهات وبه تمت دولة ابن زياد، وهذا الذي أشترط على العرب بتهامة أن لا يركبوا الخيل. وملك ابن زياد حضرموت وديار كندة والشحر والمرباط وأبين ولحج وعدن والتهائم إلى حلى، وملك من الجبال الجند وأعماله ومخالف جعفر ومخالف المعافر وصنعاء وصعدة ونجران وبيحان. وواصل ابن زياد الخطبة لبني العباس وحمل الأموال والهدايا السنية هو وأولاده من بعده وهم أبراهيم بن محمد هذا الذي هو الملك وأقام في الملك بعده زياد بن إبراهيم فلم تطل مدته ثم ملك بعده أخوه أبو الجيش إسحاق بن إبراهيم وطالت مدته، فلما أسن وبلغ الثمانين في الملك تشعب عليه من دولته بعضها فممن أظهر ما يكره ملك صنعاء وهو من أولاد التبابعة من حمير واسمه يوسف بن أسعد بن يعفر ولكنه كان يخطب لأبي الجيش ولأبنيه وكانت ترفع أموال هذا أسعد بن يعفر لا تزيد على أربعمائة ألف دينار في السنة يصرف بعضها في المروءة ولقاصديه. وأما صاحب بيجان ونجران وجرش فهم أيضاً بأن يخرج من طاعة ابن زياد وهم صاحب صعدة فثار بها الشريف الحسني المعروف بالرسي. ويقال في رواية أخرى: إنّ أمير المؤمنين محمد الأمين ولى محمد بن زياد بن محمود بن منصور اليمن فجاء محمد بن زياد إلى أرض الخصيب فوجد قوما يقتتلون في كل يوم إلى ضحوة نهار ويفترقون فدخل بينهم وأصلح بينه. وبنى قصرا على باب غلافقة وآثاره إلى الآن باقية فسكن فيه وأشترى ألف عبد. ويقال بل جاء بعساكر عظيمة من العراق وقال لهم: إذا دخل القوم للضيافة فالسيف عليهم! ونادى في مشايخ البلاد وكبار القبائل من الأشاعر وقدم لهم طعاما قد أحضر. فلما أشتغلوا بالأكل والتناول لبست العبيد وركبوا السيف من حضر فلم ينج منهم أحد، وركب على من كان حولهم من العربان من أهل القرى والعمارات. ولا زال على حاله إلى أن رجعت الخلق تستجير به من كان في طاعته كان يترك على رأسه أثر وهو قلنسوة من خوص النخل على هذا الوضع: " رسم ص 69 " يعني لحرث الأرض فحرثت الخلق وعمر المكان وبقى الأثر والمهار سُنَةً إلى الآن. حدثني أحمد بن سعيد بن عمرو بن عويل قال حدثني شيخ كبير قد ناطح عمره المائة قال حدثني أبي عن جدي قال: إني كنت أرعى البقر عند مسجد الأشاعرة وبها عقدة شجر وغدير ماء. ويقال لمّا تعدى ابن زياد مكة صار كل منزل ينزله يأخذ تراب أرضه ويشمه ويبني في ذلك المنزل قرية، ولا زال على حاله إلى أن قدم أرض الحُصيب فأخذ من أرضه كف تراب فشمه وقال لأهل الدولة: أقيموا بنا هاهنا! قالوا: ولم؟ قال: لأن هذه الأرض أرض نزه زبدة هذه البلاد. قالوا: وبم صح عندك ذلك؟ قال: لأنها طيبة بين واديين يعني وادي زبيد ووادي رمع. فلما سكن المكان بناه مدينة سماها زبيد إلا أنها الزبدة على ما جرى في اليوم الأول. فصل

ذكر تمام قصة آل زياد

قال عبد النبي بن علي المهدي للحاضرين: إني أتحسب من أهل هذين الواديين. قالوا: وما رأيت من عجائبه؟ قال: رأيت كل خلق الله من الرجال يميل طبعهم إلى النحولة والذكورة إلا من سكن بين هذين الواديين فإن طباعهم مائلة إلى الخنث وخصال النساء. قالوا: وبم تحقق عندك ذلك؟ قال: كل من الخلق يميل إلى ما يصلح به دينه ودنياه إلا أهل زبيد فإنهم مائلون إلى الأكل والشرب والملابس النظاف والمركوب الواطئ وشم الطيب وميل طباعهم إلى النساء اكثر من ميل طباعهم إلى الرجال. فقال بعض من حضر المجلس: ما وضعت بين واديين إلا كرجل يسكن بين امرأتين يميل إلى من مالت نفسه وسكنت جوارحه إليها. قال ابن المجاور: ومعضم رجالهم يتحدثون ويغانجون ويتمنطعون ويتقصفون تقصيف النساء في الحديث والحركة. حدثني أحمد بن علي بن عبد الله الجماعي الواسطي قال: ملك اليمن ملك من التبابعة يسمى الزبا فسأل رجل آخر فقال: ما فعل الله بزبا؟ فقال: بيد أي هلك فسمى البلد زب بيد. وقال آخرون: إنما سميت زبيد لأن لها واديا يسمى زبيد فسميت البلد باسم الوادي. وقال آخر: بل كانت الإبل ترعى في العقدة وفي جمع الإبل ناقة تسمى زبيد عضت الناقة في الغقدة فعرف الموضع باسم الناقة. وأما العقدة فصحيحة بقى إلى الآن شجر الأراك كثير مما يلي ادرب وخصوصا موضع يسمى حافة مسجد الهند وغيرها من المواضع. وقال آخرون: بل كانت امرأة تسكن رأس وادي زبيد تسمى زبيدة. وقال ابن المجاور: ما أظنها إلا زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور فإن محمد المنصور بن زياد بنى لها دارا ما بين وادي زبيد ورمع وهي التي سعت في بناء المكان في دولة أمير المؤمنين الأمين. ذكر تمام قصة آل زياد لمّا مات الحسين بن سلامة انتقل الأمر إلى طفل من آل زياد واسمه عبد الله وكفلته عمته وعبده أستاذ الدار واسمه مرجان وهو من عبيد الحسين بن سلامة. فاستقرت الوزارة لمرجان وكان له عبدان فحلان من الحبشة رباهما في الصغر وولاهما في الكبر أحدهما يسمى نفيس وهو الذي تولى التدبير في الحضرة والثاني يسمى نجاح وهو جد ملوك زبيد الذين أبادهم علي بن المهدي سنة أربع وخمسين وخمس مائة. ونجاح هذا هو أبو الملك سعيد الأحول قاتل علي ابن محمد الصليحي القائم في اليمن بالدعوة المستنصرية وهو أيضاً أبو المكرم الفاضل أبي الطامي جياش، ولم يزل الملك في عقب جياش المذكور إلى التاريخ المذكور. فكان نجاح يتولى أعمال الكدراء والمهجم ومور والواديين، هذه الأعمال الشامية والأعمال الشمالية عن زبيد. ثم وقع التنافس بين نفيس ونجاح عبدي مرجان على وزارة الحضرة، وكان نفيس ظلوما غشوما ونجاح عادلا رؤفا إلا أن مولاهما مرجان يميل مع نفيس على نجاح. ونم إلى نفيس إنّ إبراهيم بن زياد مولاه وعمته كاتبا نجاحا وإنّها تميل إليه فشكى فعلها إلى مولاه مرجان فقبض مرجان عليها وعلى ابن أخيها إبراهيم بن زياد وهو آخر بني زياد ودفعهما إلى نفيس فبنى عليهما جدارا وهما قائمان يناشدانه الله عز وجل حتى ختم عليهما. وزالت دولة بني زياد وانتقلت إلى عبيد عبيدهم فتكون دولة بني زياد في اليمن مائتين وثلاث سنين لأنهم اختطوا مدينة زبيد سنة أربع ومائتين وزالت عنهم سنة سبع وأربعمائة. فصل

وكانت بنو زياد لمّا أتصل بهم أختلال دولة العباسية من قتل المتوكل وخلع المستعين تغلبوا على ارتفاع اليمن وركبوا بالمظلة وساسوا قلوب الرعية ببقاء الخطية لبني العباس. فلما قتل إبراهيم بن زياد وقبض على عمته تملك نفيس وركب بالمظلمة وضرب السكة باسمه واسم الحسين بن سلامة. فلما إنتهى إلى نجاح ما فعله نفيس في مواليه ركب وقصد نفيسا إلى زبيد فجرى بينهما عدة وقائع منها يوم رمع ويوم فشال على نجاح ومنها يوم العقدة ويوم العرق وفيه قتل نفيس على باب سهام وقتل بين الفريقين خمسة آلاف رجل. وفتح نجاح زبيد في سنة إثني عشر وأربعمائة، وقال نجاح لمرجان: ما فعل مولاك بموالينا؟ قال: هم في ذلك الجدار. فأخرجهما نجاح وصلى عليهما وبنى عليهما مشهدا وأدخل مرجانا في موضعهما فبنى عليه وعلى جثة نفيس حائط وركب نجاح بالمظلة وضرب السكة باسمه وكاتب أهل العراق وبذل الطاعة فبعث له ولقب المؤيد بنصر الدين وفرض إليه تقليد القضاء والنظر في الجزيرة اليمنية. ولم يزل نجاح مالكا للتهائم وقاهرا لأهل الجبال وكوتب وخوطب بالملك وبمولانا، ومن أولاده سعيد وجياش ومعارك والذخيرة ومنصور فتغلبت ولاة الحسين بن سلامة على الحصون، فتغلب على عدن ولحج وأبين والشحر وحضرموت بنو معن بن زائدة، وقيل من غير ولد معن بن زائدة الشيباني وتغلب على السمدان وعلى حصن السواء والملوة وصبر وحب والنعكر ومخلاف الجند ومخلاف المعافر قوم من حمير يقال لهم بنو الكرندي. وتغلب على حصن حب وحصن عزان وبيت عز وحصن الشعرين وحصن أنور والمقيل والسحول وحصن خدد والشوافي السلطان أبو عبد الله الحسين التبعي. وتغلب على حصن أشبح وهو مقر الداعي سباٍ بن أحمد الصليحي وعلى مقري وحصون وصاب ومخاليفها قوم من البكيل وهم من همدان. وتغلب على صنعاء ومخاليفها قوم همدان. وتغلب على حصن مساره وجبل تيس قوم من حراز ومنه ثار الصليحي بدعوة المستنصرية. وبعهدهم تولى الحسين بن سلامة ومات في سنة اثنتين وأربعمائة. وتولى بعده الأمير علي ابن محمد الصليحي وقتل في الثاني عشر من ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة. وتولى بعده الملك السيد الأعظم عظيم العرب المكرم أحمد بن محمد ابن علي الصليحي ومات في سنة أربع وثمانين وأربع مائة وأسند الدعوة إلى سبا بن محمد أحمد بن المظفر بن علي الصليحي. وتولى بعده سعيد الأحول وقتل تحت حصن الشعرين سنة إحدى وثمانين وأربعمائة. وفي هذه السنة خرج أخوه جياش بن نجاح وخلف بن أبي الطاهر الأموي الوزير مسافراً إلى الهند. وأول من أدار سور زبيد الحسين بن سلامة وبعده الحبشة. وتولى بعده ذهابهم الشيخ علي بن المهدي القريتي وقعد على سرير الملك يوم الجمعة الرابع عشر من رجب سنة أربع وخمسين وخمس مائة وأقام بها علي بن المهدي بقية رجب وشعبان ورمضان ومات في شوال من سنة، فكان مدة ملكه شهرين وأحد وعشرين يوما. وأدعى الخلافة وفيه يقول: سير الأنام قديمها وحديثها ... فرح القلوب وروضة المنتزه أشهى من الماء الزلال على الظمأ ... وألذ من عصر الشباب الامره فاليوم يحتج الخليفة بعده ... بالقائمين الهاديين وزهره شبليه سبطيه اللذين إليهما ... شرف الإمامة والخلافة وينتهي

ذكر الجنابذ وقتل الصليحي

ويعني بهما معاذ وعبد النبي فإنهما توليا على زبيد وبعض الجبال مدة ستة عشر سنة وأرادوا على زبيد سوراً ثالثاً. وبعدهم ملك الغز البلاد فأول من ملكها شمس الدين والدولة توران شاه بن أيوب عامين، وبعده سيف الدولة مبارك بن كامل بن مقلد بن منقذ وبعده أخوه خطاب عامين. وبعده سيف الإسلام طغتكين بن أيوب، أدار على البلد سورا وركب على السور أربعة أبواب: باب غلافقة ينفذ إلى غلاففة، وباب سهام ينفذ إلى سهام، وباب الشبارق ينفذ إلى حصن قوارير، وباب القرتب ينفذ إلى الجبل، بالطين واللبن في عرض عشرة اذرع. قال أبن المجاور: عددت أبراج زبيد فوجدتها مائة برج وتسعة أبراج بين كل برج وبرج ثمانون ذراعا ويدخل في كل برج عشرون ذراعا الأبراج فإنه مائة ذراع يصح دور البلاد عشرة آلاف ذراع وتسعمائة ذراع. وأقام متمكنا ستة عشر سنة. وحدثني بعضهم في مسجد السدرة يوم الخميس عشر من ذي القعدة سنة أربع وعشرين وستمائة قال: إنّ سيف الإسلام أراد أن يدير حول البلد سوراً ثانيا. ذا طول وسعة وأمر الجند أن يسكنوا ما بين السورين بدوابهم وأموالهم فلما بني السور وفرغ منه مات ولم يمكنه مراده. فتولى بعده الملك المعز إسماعيل بن طغتكين ست سنين، وبعده الأكراد ستة، وبعدهم أتابك سنقر عشر سنين، وبعده الملك الناصر أيوب بن طغتكين عامين، وبعده الخواتين ثلاثة شهور، وبعدهن غازي بن جبريل ثلاثة أيام ويقال سبعة أيام، وبعده سليمان شاه بن عمر بن شاهنشاه بن شاذي، ويقال سبعة شهور وبعده الملك المسعود يوسف بن محمد بن أبي بكر بن يعقوب. ذكر الجنابذ وقتل الصليحي هي ثلاث قباب مبنيات بالآجر المحكوك والجص قريب بعضها من بعض يكون ما بين كل واحد إلى الآخر مقدار أربعة أذرع، بناه الأمير علي بن محمد الصليحي. وأراد أن يبني من زبيد إلى مكة في كل مرحلة من المراحل مسجدا ورباطا يذكر به بعد موته ولا زال يبني إلى أن وصل المهجم ونزل بظاهرها بضيعة يقال لها بئر أم الديهم وبئر خيمة أم معبد. قال سعيد الأحول بن نجاح: لمّا دخلنا إلى المخيم لم يشعر بنا إلا عبد الله بن محمد فركب وقال: يا مولاي أركب فهذا والله الأحول بن نجاح والعدد الذي جاء به كتاب اسعد بن شهاب البارحة من زبيد. فقال الصليحي لأخيه عبد الله: إني لا أموت إلا ببئر أم الدهيم وخيمة أم معبد، ظانا أنها أم معبد التي نزل بها النبي (حين هاجر ومعه أبو بكر. فقال رجل لعلي: قاتل عن نفسك فهذه والله بئر أم الديهم بن عبس وهذا المسجد هو خيمة أم معبد بنت الحارث العبسي. قال جياش: فأما الصليحي فأدركه رفق اليأس من الحياة فأراق الماء في سراويله ولم يرم من مكانه حتى قطعنا رأسه بسيفه وكنت أول من طعنه وشركني فيه عبد الملك بن نجاح بطعنة وأنا جزرت رأسه بيدي ونصبته في عود المظلة. وفيه العثماني يقول: ما كان أقبح وجهه في ظلها ... ما كان أحسن رأسه في عوده

صفة دار شخار بن جعفر

ودخل سعيد إلى زبيد يوم السادس عشر من ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة. وقتل سعيد الأحول في وقعة حصن الشعرين سنة إحدى وثمانين وأربعمائة. فلما زالت دولة بني لصليحي والحبشة وملك مملكتهم علي بن المهدي وتولى بعده بنو مهدي عبد الله ومعاذ وعبد النبي فبنوا لعبي ضريحا فكانوا يقولون لعساكرهم المهاجرين والأنصار ويقولون: طوفوا حول تربة الشيخ علي بن المهدي كما تطوفون بروضة النبي (. وقالت العامة: جبل قوارير عفات والجنابذ الكعبة والبئر بئر زمزم وهذه التربة روضة محمد (. ويقال إنّ سيف الدولة أخذ من الجنابذ ملا عظيما، والآن يسكن فيه قوم من الفقراء من ذرية الشيخ محمد بن أبي بكر بن أبي الباطل الصيرفي وقد أدار حول الجنابذ بدر الدين محمود بن جماز الفلاح المصلي حائطا مربعا. وقد بنى جمال الدين أبو الحسين علي بن محمد بن وهيب درجا يصعد فيها إلى فوق القباب بحماره. فكان أهل زبيد يقولون إذا رأوه على ذلك: محمد قد ركب البراق وصعد إلى أعلى عليين، وكان آخرون يقولون ركب عيسى حماره. ويقال لمّا بنيت مساجد وقيل تربة بعض أهله وكتب داخل القباب بالذهب واللازورد ونقش في الجص نقشا يبقى ببقاء العالم على هذا الوضع. قال ابن المجاور: وصلت إلى المسجد في أواخر ذي الحجة سنة ست وعشرين وستمائة. وشاهدت مقتل الصليحي وكان قد بنى على أكمة كانت بالقرب منه مسجد يسمى مسجد عرفات ولم يبق من المسجد ألا رسوم وأطلال. وجميع تلك الأراضي التي هي حول المسجد ملك القاضي إبراهيم بن صالح الحاكم بالمهجم. وهذه صفة مدينة زبيد والله سبحانه أعلم وأحكم. صفة دار شخار بن جعفر لمّا أقام أبن زياد في زبيد بني شخار بن جعفر دار الملك في زبيد ذات طول عرض بالآجر والجص بناء وثيقا على مقاطع الطريق وكل من تولى بزبيد سكنها وكان له باب عالٍ بالمرة ينظرون منه من في الطريق على فرسخين، وحفر حوله خندق عظيم عريض. وبقى الباب على حاله إلى أن هدمه المسعود يوسف أبن أبي بكر سنة ثمان عشرة وستمائة. ويقال إنما سعي في هدمه إلا الأمير أبيك العزيزي فلما هدمه اخذ آجره بني به دورا وكل ما بني من آجره انقطع ذلك البناء من الأساس، وقد بقي إلى الآن آثار ذلك الباب والدرجة شبه الحبل العالي والله اعلم. ذكر انقطاع العرب من تهامة لمّا كثر نزول العرب بها قام القائد ريحان الكهلاني مولى سعيد بن نجاح كبس العرب ليلاً وهم مرتبون على باب زبيد وكانوا في ثلاثة آلاف فارس وعشرة آلاف رجل وحمل عليهم فلم ينج منهم إلا اليسير وهلك الباقون فسلم العرب تهامة بعدها والله سبحانه اعلم واحكم. ذكر النخل أوّل من غرس النخل الأمير علي بن محمد الصليحي، ويقال الحبشة في أوّل دولة على بن المهدي. لمّا حضروا الحبشة وصلت غير من أرض الحجاز حملهم التمر فكانوا يأكلون التمر ويرمون النوى فمن نداوة الأرض طلع النخل، فلما رأت أهل البلاد ذلك وعرفوا غرسه وغرسوه وكثر النخل. وهو عشر قطع: الأبيض والكديحا والمجرشية والمحلة والأثيل والمجاز وكروة المحجر والقهيرا والمغارس وحجنة وكل واحدة من هذه القطع يكون عرضها وطولها ربع فرسخ. وإما الرطب الذي بها فثلاثة أصناف: حماري وصفاري وخضاري كلها ذات ألوان مختلفة. فإذا حمل النخل يتقبل كل واحد من الناس على قدره ويجيء إليه الناس من باب حرض إلى آخر أعمال أبين وينزل أهل الجبال إلى تهامة. وكم من امرأة تطلق من جهة النخل وكم تنكح امرأة من جهة النخل! قال الشاعر: هذا الشقح واللقح والطلح منه قد افتتح يا غازلات اغزلوا فالنخل قد صار بلح وقال آخر: من عرف النخل والقبالة ... أمسي وفي قبله ذبالة وعاش فيه معاش سوء ... وناله الدين لا محالة

ذكر شجر الكاذي

ويقيمون الناس في النخل مدة شهرين أو ثلاثة ويكون غالب أكلهم الحموضات والملوحات وهم في لعب وضحك وشرب. ويعمل من التمر والبر والرطب نبيذ يسمى الفضيح يصح عمله في يوم وليلة ويشرب النساء مع الرجال، ويقولون: إنّه ينفع لكن مضرته اكثر من نفعه، وأوّل من عمله في هذه البلاد رجل من أهل الشام. ويحصل منه كل عام سعين ألف دينار غير الذي يصل إلى الخزانة وعمال السلطان ونواب الديوان وغير النخيل والسلطانية والأوقاف وغير الذي لأرباب الجاهات وأصحاب الدولة، يصح من جميع ما ذكرناه مائة وثلاثون ألف دينار. وكان ضمانه في دولة الحبشة وأيام بني المهدي كل عام سبعون ألف دينار وما يأخذونه نقد بل تمر ويخرج حولات والصرف ثلاثة جوز درهم وكل أربعة دراهم دينار وكل أربعة دنانير ونصف بدينار احمر. وما رجع خراج النخل كذا إلا إنّ سيف الإسلام أوصى طغتكين بن أيوب أوصى بالعدل على أهل الحرث والظلم على أهل النخل فهو الذي أبتدئ بهم من عهده. فقيل له في ذلك فقال: إنّ الفلاح يحرث ويسقي ويبذر ويحصد ويعزق ويذري في الهوى ويجد مشقة عظيمة فالواجب أن يرفق بهم، وأصحاب النخل فانهم يجنون الثمر من العام إلى العام بلا عناء ولا تعب كما قال الله تعلى: (والنخل باسقات لها طلع نضيد) . وكل نخل يهرب منه صاحبه يأخذه السلطان على كيسه بالخراج الذي عليه له، وكل نخل يأخذه السلطان يسمى الصوافي أي يصفى لبيت المال. وبلغ مال النخل سنة أربع وعشرين وستمائة وعشرة آلاف دينار نقد غير ما حمل إلى الخزانة. وفي هذا العام قالوا أهل زبيد: ما شاء النخل ولا شاء زبيد، يعلق باللميمة ويضرب بالجريد. وما استخلص هذا المال إلا الأمير الوالي الصارم بائس الكاملي. كان من وزن قبالة وزن مثله مضاعف. فإذا فرغ النخل خرج الصغار مع الكبار والأخيار مع الفجار بالطبل والزمر بعد ما يلبسوا جملا عدة تامة من الأجراس والقلاقل ويشد في رقبته المقانع والحلي، ويركب كل أربعة من الناس على جمل وناس منهم على الشقادف يمشون إلى مسجد مشرف على ساحل البحر. والموضع موضع مبارك فيه وطئة ناقة معاذ بن جبل وأثر كلكها لمّا رجع من اليمن إلى الحجاز بعد وفاة النبي (عبر هذه البلاد والسواحل. ويسمى هذا الموضع الفازة أعنى الذي يتبحرون فيه. وينزل فيه النساء مع الرجال في بحر خليط مليط وهم في شرب ولعب ورقص وقصف وزائد وناقص. وما يخرج إلى هذه الأماكن إلا في كل أسبوع يومين يوم الاثنين ويوم الخميس وإذا رجعوا من هناك دخلوا البلد رأسا واحدا. ذكر شجر الكاذي وهو شجر يطلع في ناحية مسجد معاذ بن جبل يشبه النخل. وهو ورد على هيئة الصبرة التي تزرع في العراق والهند في المراكز في سطوح الدروب ولكن ورق الكاذي رقيق شبه خوص النخل ذات شوك خشن، لم ينعقد ورده إلا من برق البرق فإذا برق البرق طلع منه كثير بالمرة وإنّ لم يكن البرق لم يكن منه شيء. وهذا عجيب، (يخلق ما لا تعلمون) . وكذلك لا يستدل على إقليم الجاوة مسافروا البحر بكثرة إلا بكثرة لمع البرق لأنه يكون في أيام موسم سفارة الجاوة الأمطار كثيرة ويستد الأفق بالغمام ويشتد هيجان البحر. وقال آخرون: إنّه يطلع في تلك الأعمال شجر السندروس كثير فإذا جرى السندروس من شجرة بان لأهل السفارة البحر كلمع البرق وذلك من كثرة الأمواج التي ترفع المركب وتهبطه. ويقال إنّ الكاذي يتربى من البرق، وكذلك الحنون لم يفتح إلا في الليالي البيض. والخيار يدور مع دور الشمس واللينوفر. ويزيد مد البحر في الليالي المظلمة. وكل خشب يقطع في ليالي البيض يسوس وكل خشب يقطع في نقص القمر يستلفه السوس. ولم يقطع الطواحين إلا في الليالي البيض. وينقطع جميع مياه الأرض عند طلوع سهيل، ولم تصح دباغة الأدم إلا به. وقال ربان بن جبير: إذا طلع سهيل نقص ماء البحر أربعين ذراعا. وإما ورد الكاذي فلم يكن في سائر المشمومات ألذ منه رائحة ولا أطيب منه وماؤه بارد يابس ينفع لمن هو محرور رطب ويسمى عند الهنود كيورا. صفة زبيد سماها النبي (أرض الحصيب لأن النبي (قال لمعاذ بن جبل: يا معاذ إذا وصلت إلى الحصيب فهرول فإن بها نساء يشبهن حور العين. قال الهيتي:

وقل لجناتها سأبدلها ... سيلاً كسيل مأرب عرما أشرب الخمر في ربا عدن ... والسمر والبيض في الحصيب ظما وله أيضاً: ولرب يوم بالحصيب وردتها ... بالقطب كان على الأعاجم أكرها وعواصف بحصيبة عصفت على ... حبشانها وعلى الدعى الوهوه ولابن المجاور: محب ومحبوب قضى الدهر فيهما ... ببعد وهل للشمل جمع مهذب فها ذاك في أرض الحجاز موسوس ... وهذاك في أرض الحصيب معذب وتسمى أرضها تهامة وإما تهامة فأنها قطعة من اليمن وهي جبال مشتبكة. وكلها مشرف على بحر القلزم مما يلي غربيها، وشرقيها بناحية صعدة وحرض ونجران، وشمالها حدود مكة، وجنوبها من صنعاء على نحو عشرة مراحل. وتسمى في عدن الشام وتسمى في المهاجم اليمن وتسمى عند آل عمران كوش وتسمى باللغة المعروفة زبيد. من إقليم اليمن لأنها أيمن القبلة. وقال النبي (: " إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن "، والمعنى في قوله لأويس القرني وكان يتنفس شوقاً إلى النبي (ولهذا أخبر النبي (بهذا الخبر. وقال النبي (: " الكعبة يمانية والركن الأيمن يماني والأيمان يماني "، وذكر النبي (في معنى اليمن أخباره كثيرة. ويقال سهيل اليمن وجزع اليمن وعقيق اليمن. وقال الشاعر: بعدت ورب العرش عمن تحبه ... هواك عراقي وأنت يماني وقال آخر: قالت لأخت لها تبدى مراجعةً ... وما أرادت بها إلا لتقتلني بالله قولي له غير متعبة ... ماذا أردت بطول المكث في اليمن وقال آخر: وما غريب وإنّ أبدى تجلده ... إلا سيذكر بعد الغربة الوطنا إلا العراقي والمصري فأنهما ... لا يرجعان إذا ما شارفا اليمنا وقال قيس بن الملوح العامري: ألا لا أحب النسر إلا مصاعدا ... ولا البرق إلا إنّ يكون يمانيا وقال أبن مجاور: كرا من بر أين فمي نبتسم ... جرا ديد أم جون بحر عدن آه أبن آدم بسوزد هرجه هست ... وآه وا وليلى مخ اردأن سمن وللحسام الكرماني: كفتم: رخ توجست؟ كل سرخ يا ياسمين؟ كفتا: كلبست ريخته بر بركك ياسمين كفتم: به شكر أس؟؟ ت لبان يا عقيق؟ كفتا: به شكر است وعقيقي نه ازيمن تفسير هذا الشعر الفارسي الذي للحسام الكرماني باللغة العربية. قلت له: وجهك الورد أو الياسمين؟ فقال: هو الورد المنثور على ورق الياسمين. قلت له: شفاهك السكر أو العقيق؟ فقال: هو السكر والعقيق لا العقيق الذي في اليمن. أي المكان الذي يسمى عقيق اليمن. ولابن الرجا: زان عارض جون أتش وآن خط جو نسرين ... خوانند بهارى بهمة انجمن اورا أين بار عجب تركي بجهره جو بهارست ... وأنكاه برخساره سهيل يمن اورا وتفسير هذا البيتين باللغة العربية. من ذلك الخد الناري النسريني يدعى الروض في كل محفل، واعجب من ذا أن خده أن خده كالروض ووجنته كسهيل اليماني.

وظاهر هذه البلد حار وباطنها بارد يابس وجوها مضر بالزعفران لأنه يسوس في أيام قلائل، والأصح أن الزعفران يرجع يابس من ذاته إذا فتح راس الكيس طار اليابس في الجو وهو الزعفران والجسد لا يزال يحول إلى أن يرجع تراب تارب. وماء البلد من الآبار. وأهلها سمر كحل كواسج ضعاف التركيب محلقين الرؤوس. وكذلك جميع المغرب والإسكندرية وأهل مكة والحبشة والبجاة لم يحلق المرء رأسه حتى يقتل إنسانا ونساء الزنجبار والجوار الزنوج وأهل خوارزم وشعشعين وبلغار واللاب وجميع هؤلاء القضاة منهم والصوفية والعامة كبعض الحجاج كما قال الله عز وجل (محلقينَ رءوسكم ومقصرينَ) ، والأطفال واليهود وحجاج الهنود وجميع أعمال اليمن من أهل الجبال والتهائم. ونساؤهم خلقات وهن رخوات التكك وفي كلامهم كثر غنج وهذا دليل على إنّ شهوة نسائهم أغلب من شهوة رجالهم، فلذلك يستعملون الطيب لأنه يهيج الباء. وقال مكحول الشامي: عليكم بالطيب فإنه من طاب ريحه زاد عقله ومن نظف ثوبه قل همه. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو كنت تاجرا لمّا اخترت على الطر شيئا إن فاتني ربحه لم يفتني ريحه. ونساء أهل هذه البلاد لم يأخذوا من أزواجهن المهر وأخذ المهر عندهم عيب عظيم، وكل امرأة تأخذ المهر من زوجها يسمونها مفروكة أي إنّ زوجها أعطاها مهرها وفركها أي طلقها. فإذا رجع الأمر إلى ذلك تقل رغبة الرجال فيها لن الزوج الآتي يقول: أخاف أن تأخذ مني المهر كما أخذت من غيري. وقد لا يكون للرجل طاعة في أداء المهر وتقول النسوة فيما بينهم: إنّ ما قدر زوجها يخرجها من عنده إلا بمهرها لقلة رغبته فيها فيركبها العار. فإذا أراد رجل يتزوج امرأة يجون نساء الحافة بلا مخافة إلى المرأة ويقولون لها: أفركي زوجك قبل أن يفركك أي هبي له المهر وأخرجي قبل أن يزن المهر ويخرج. ويفعلون الطرح في الأفراح والأعراس على ما تقدم ذكره في صفة مكة. فإذا أعطت المرأة في عرس رد إليها في عرس مثله، وإن كان في ختان رد في ختان، وإن كان في الولادة رد في الولادة، ولم ترد الشيء إلا في الوجه الذي كان منه وفيه بعينه. وحدثني أحمد بن مسعود قال: ولم تفسد المرأة في اليمن إلا من جهة الطرح. قالت: ولم ذاك؟ قال: لأنه يكون للنساء عليها سلف ولم يكن معها ما تقضي به الذي عليها فتخرج على وجهها إلى عبر طريق فتهيم فتحتاج فتكتب لهم إلى أن يحصل لها شيء فترد مال الناس الذي عليها. وليس يقبل منها يمين ولا شاهد إلا قول المرأة على المرة مصدق. ويخضب الرجال أيديهم وأرجلهم. وطبيخهم الملوخية ومأكلهم الدخن والذرة ويعمل منه الخفوش والكبان واللحوح والفطير، يأكلوه باللبن والسمك ويسمونه الملتح، والجبن والموز والقند والحليب. وليس لهم حديث سوى الأكل، يقول زيد لعمرو: ما تصبحت اليوم؟ يقوا: فطير دخن وقطيب، أو: ملتح وسليط ويقول مضر لجعفر: ما تعوفت؟ يقول: رغيف خبز بر بفلس وقطعة حلاوة بأربعة فلوس، فصار المبلغ ستة فلوس! ويقول خالد لزيد: إني أكلت اليوم أكلة تكفيني ثلاثة أيام فطير وحليب وقند شرقي وترفت إلى أن شبعت. وفي ذلك أنشد علي بن أبي السنوي يقول: قلت يوما لرئم ذات إعجاب ... وذات صدر رحيب ذات أكعاب وذات قدٍ رشيق كالقضيب إذا ... ما ماد من فوق دعص الرمل رياب وقد أشارت بكف وهي معرضة ... وأقبلت مثل ظبي بين أسراب تريد مني وصالا قلت يا سكنى ... رفقا عليّ فإن الجوع أزرى بي جذي الثريد إذا ما جئت مقبلة ... نحوي ولا تأخذي مسكا وأطيابِ وأستعملي من فطير الدخن مع لبنٍ ... وصابحيني به صبحا على البابِ فإن قلبي إلى حب الفطير صبا ... وليس قلبي إلى حب النسا صابي

وأسامي

وفواكههم البطيخ والموز والعنب، والبطيخ يسمونه البرطيخ، والقثاء والخيار. ويأكلون بطيخ الدباء مشوي في التنور. وينادى عليه: دباء حب حب، كثير الماء قليل الحب. ومشمومهم البعيثران وهو الشيح الأبيض وثمر الحناء وهو الحنون. قال أبي المجاور: وأول ما شممته بمولتان وذلك أن الملى عز الدين شمس الملك ملك التجار يحيى بن اسعد البلدي ناواني ثلاث أو أربع طاقات وما كنت قبل ذلك رأيته ولا شممته فقال لي: ما هذا؟ فقالت له: ثمر الحناء. قال: وبم عرفته؟ قلت: لثلاثة وجوه: للونه ورائحته وبرودته. وقد تقدم ذكره. وأول ما رأيته في الديبول سنة ثمان عشرة وستمائة وخاصيته أنه إذا كان مع زيد شمه عمرو. والبنفسج لم تعبق رائحته إلى مع الرجال. ولم تعبق روائح البرم إلا مع النساء والحباق وهو الريحان ويسمى وردة الحماحم. وأسامي أهل هذه البلاد: حنكاس ويعفر وغسطيط وزبرقان وزنفل ودعص ومجلس وزبير وحمسيس وعطعط ودعدع وبرباح وجدير ومايس وشقداف وعطوط ودعاس وبلسه ومطعون ومطحون ومحمطة وقساص وطلى وصبيعة وسندع وقبيع وعرطبيع وبكى وجرباح وقعص وبعباب وسحوا وريطح وشمم وعبور ومبدع والحبوب ورعبة وحنبل ونحم وجحوش وأيجر وقعبش وسحدر وفشلي وكسكاش ووكركر وفاوا ومريسب وفخم ودنكل وكعدل ورلسا وكلمى ورقرق. ويقدمون أهل هذه البلاد الهاء على الواو في هجاء حروف جميع الناس كما يقال: واو هاء، وهو: هاء وواو. حدثني محمد بن أبي سعيد القاضي الرازي قال: سمعت ببعض البلاد يهجون الصبيان على هذا ونوافقهم على هجائهم وما هجاؤهم إلا أصح، قال: (هو الله أحد الله الصمد) . قال: بل هجاءنا أصح، (وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) . وغالب البلد على مذهب ساج الأمة أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي التابعي رضي الله عنه. وما يقوم سوق البز في هذه البلدة إلا وقعت القائلة بعد صلاة الظهر لأن جميع الناس بيعهم على العشيرة لأن أحدهم يدخل ومعه شيء يريد بيعه فإذا باعه وحصل ثمنه يكون قد قارب الظهر ويتغدى ويدخل السوق. وكل أرباب البيوتات حكارين الغلال مثل الدخن والذرة والجلجلان وهو السمسم. ويتعاماون الجند العشرة بخمسة عشر إلى مدة ستة اشهر وقت الغلال. وتكامل الغلال بالمد والمد اثنان وثلاثون ثمناً كل ثمن اثنان وثلاثون زبدي كل زبدي من كل من رطلين كل رطل مائة وعشرون درهما كل درهم ثلاثة عشر قيراطا. وينسوي الدينار المصري أربعة دنانير ونصف ملكي والدينار أربعة دراهم كل ربع ثلاثة جوز كل جائز ثمانية فلوس كل فلس أربعة دوارس. وأوّل من ضرب الدرهم الكبير الملك المعز إسماعيل بن طغتكين وزنته ثلاثة عشر قيراطا، وفي الأول كانت الدراهم العباسية وبعده السيفي وزنة أربعة قراريط وحبة. ويباع الشيرج بجرة والسمن بجمنة كل جمنة خمسة امنان. ومن الحرير مائتين وستين درهما ومن اللحم أربعمائة درهم. وتباع العصارة والقطن والهدس والشيذر بالمدله عن خمسة امنان بالكبير. وسنجة عدن أقوى من سنجة زبيد بشيء يسير. وتخرج من زبيد البردة ثمانية اذرع باليد ويشد حملها مائة واثنتين وعشرين بردة شد الشحر. وشفق الحرير والبيض طول الشقة عشرون ذراعا بالحديد، وطول البيرم ستة اذرع والسباعية سبعة اذرع وهي صنفان: أحدهما حرير صرف والثاني حرير وكتان في عرض أربعة اذرع، والملايات والجراب وفوط سوسي. والزنجبيل المربا لونان: المقصوص منه قليل العسل والمطحون هو الجيد. والتمر الهندي أجوده المقلس. والأدم يباع بالعدد، وضمان المدبغة ثلاثة عشر ألف دينار. ويخرج إلى الحجاز التمر والدخن والذرة ويؤخذ إلى الحبشة الجواري العشارية والخزر. وضمان البلد سناسيق الصيدان والجالة والخضر والبقول التي تباع مع الغلال وما يدخل من باب تسعين ألف دينار ملكي. وضمان دار الضرب ثلاثة ألف دينار ودار النبيذ اثنتا عشر ألف دينار. وضمان مائة ألف دينار والله اعلم واحكم. من المهجم إلى زبيد إلى الكدراء خمس فراسخ. ذكر المغلف والأسيخلة

من زبيد إلى عدن

هما قريبان من أعمال الجثة تسمى إحداهما المغلف والثانية الأسيخلة. فبينما القوم فيما هم عليه من أحوالهم الرجال تحرث والنساء تغزل والحمير تتناهق والكلاب تتنابح إذا ارتفعوا من الأرض إلى الجو رجالهم ونساؤهم وغابوا عن أعين الخلق إلى يوم القيامة ولم يدر أحد ما أصابهم وما فعل الله بهم ولا ما كان بينهم، سنة أربع وستين وخمسمائة. فبقوا مثلا إلى يوم الدين فيقال: طار بك برق المغلف والأسيخلة. والأنسجة بقرية العمالق من أعمال الأشعوب يماني صنعاء وأصبح الصباح ولم يوجد عن القرية وأهلها ودوابهم من يخبر، سنة خمس وستين وأربعمائة، (فاعتبروا يا أولي الأبصار) . وإلى المهجم ستة فراسخ. ولهذا يكون بساقات عشيرة اليمن برص: لكثرة أكلهم اللبن والسمك تغلب عليهم الرطوبات فيظهر عليهم ذلك، والأصح انهم قليلون الكلف في أصناف الأمور لتخليتهم الخبز والأدم مكشوف والبلاد حارة كثيرة الأوزاغ، فإذا خلى رأس الإناء أو الطعام المكشوف يأكل الوزغ منه فيبقي أثر لعاب فيه فمن أكله ظهر به برص. ويقال إنّه طير شبه النامس اصفر اللون ويسمى البرة إذا قرص إنسان على الريق ظهرت فيه هذه العاهة والآفة، ويقال يظهر فيه داء الفيل والله اعلم. من زبيد إلى عدن على طريق الساحل. من زبيد إلى المزيحفة فرسخ. وما سميت المزيحفة مزيحفة إلا إنّه كان في قربها حلة عرب نزال ببيوت الشعر فانتقلوا من الحلة إلى هذا المكان فكان يعرف بالمزيحفة كما يقال: زحف فلان إلى فلان أي انتقل. وبنى بها موسى بن الجبلي مسجدا من الآجر والجص وليس في الجوالي ثغر أطيب منه ولا في وادي زبيد، وشجرها الأهليلج. وإلى السحارى ثلاث فراسخ وبعرس عوند والشكالين والرمة والعريقين وهم ثلاث روابي ذات شجر وأراك. والسحاري على ساحل البحر ذات نخل شامخات. ذكر بيع النخل غرس أبو القسم ويعقوب ولدي قونفر هذا النخل ونشأ النخل وصار له صيت. فسمع بخبره أتابك سنقر فقال للعمال: حيفوا عليهم العدد واظلموهم في خراجه. فلما فعل العمال بهم ذلك استغاثوا مما جرى عليهم من العمال. فقال لهم اتابك سنقر: بيعوني وأريحوا أنفسكم من ظلمة! فقالوا له: اشتر منا على وجه الجرد. فقال لهم: أبعتموني كل نخلة منه بدرهم؟ فقالوا قد بعناك. فقال لمن حضر: أشهدوا على إني اشتريت منهم. وأمر بعد النخل فصح عده الفي عود، فأعطاهم خمسمائة دينار. والنخل قطعتين تسمى إحداها الفازة والثانية القبة. فلما قبضه الأمير ندما على ما صنعا استقالوا منه فأبى أن يقيلهم، فلما رأى أحدهم عين الغين حمل على الأمير فطعنه على قلبه فمات. وبقي النخل سلطاني إلى الآن ولن تحل نخلة إلا من بعده، وليس في جميع هذه الأعمال أحسن من هذا النخل ولا أصح من غرسه ونشوة. ويقال إنما ظلم سيف الدين سنقر إلا أصحاب المملاح بعدن وأصحاب هذا النخل من دون الخلق. وإلى الخوهة نصف فرسخ. وبها مسجد مربع بناه الحسين بن سلامة وفي صحن المسجد صخرة وطئة تافة معاذ بن جبل رضي الله عنه. وفي المسجد سر عظيم: إذا كان في القرية خوف رموا أهل القرية ما كان معهم من المتاع والأثاث في المسجد وتنجوا بأرواحهم فإذا دخل أهل الشر إلى المسجد لم يؤخذ من المتاع شيء ويعمي الله تعالى أبصارهم، ويقال إنّ المسجد يغيب عن أعين الناس. فإذا نام به رجل لم يكن طاهر السبب برى روحه يرمي به عند البئر ظاهر المسجد. ويؤخذ منها مكس عن كل حمل السدس مع جبا صنابيق الصيادين كل شهر سبعين ديناراً. وإلى موشح فرسخ، قرية ذات نخل شامخات. وإلى الحيلة فرسخين بين رمال وحصى وأشجار، وبها يعمل القلا وهو الحطم ومنه يجلب إلى سائر أقاليم اليمن. ويكون فيها الصبايا الملاح والنساء الصباح وفيهن ذات فسق وفيهن ذات صلاح يكتمن العشق المباح، قال: أمحسن في واحجه ... وفي نواحي أمجدون وفي الحيلة أكثره ... لكنهم يعجلون وسألت أهلها عمن بناها فقالوا: لم نعلم بل إن جدونا كانوا قوم بدو دخلوا هذه القرية فوجدوها خالية من السكان فلما استطابوا بها سكنوها فتوطنوها. وإلى موزع ثلاث فراسخ، وهي أرض مهلهل وكليب وبها كانت حرب البسوس.

صفة باب المندب

وكانت فيما تقدم من الأيام هذه الأعمال أعمال بني مجيد بنوا بها القليعة، فخربت القليعة لاختلاف أهلها وسكن بعدهم جماعة من أهل جزيرة فرسان في أواخر أيام سيف الإسلام طغتكين بن أيوب وبقيت في أيديهم إلى الآن. ويؤخذ بها مكس من حمل كل حمل نصف ربع وثغر بين الربده وبين مرمان والمسالمية والاسجار والنحاحسة والفرنملة. وإلى العمرية ثلاث فراسخ. حفرتين في وادي واشتهر هذا الوادي بهذا الاسم على ما ذكره غزي بن أبي بكر الحجازي إنّ امرأة جاءت بهذا الوادي تسمى عمرية فأصابها عطش شديد فصعدت إلى ذروه هذا الجبل على إثر سيل السيل من فضل الغيوث فحسبته ماءً، فلما وصلته أيست فماتت من شدة العطش، فعرف الوادي والجبل بهذا الاسم يعني اسم عمرية. وحفرت بئر بعد الموت وسميت البئر باسم الجبل. كما قال: تحريت في امرئ لذائب ... أدير وجوة الرأي فيه ولم ادر أاعزم عزم الناس والصبر دونه ... أم أقنع بالأعراض والنظر الشزر فديتك لم أصبر ولي فيك حيلة ... ولكن دعاني اليأس منك إلى الصبر تصبر مغلوبا وإني لموجع ... كما صبر العطشان في بلد الفقر وقال روبة النكبي: كذرى بيش من نكاه كنم سوى رخسار تو ربوده دلي همجو در دشت كربلا سوى آب نكه تشنكي حسين علي تفسير هذين البيتين باللغة العربية يقول: تمر بي وأنا انظر إلى وجهك وأنا مسلوب الفؤاد كما كان ينظر الحسين لن علي في كربلا من عطشه إلى الماء. وإلى عبرة ثلاث فراسخ. بئر حفرت في بطن وادٍ مشرف على البحر المالح، وما سميت بهذا الاسم إلا إنّ ماءها يشابه عبرة الإنسان في الصفا، ويقال بل عبرة تعبرها القوافل. وكان السبب على ما حكي غزي بن أبي بكر الحجازي إنّه أهلها كانوا جبابرة ومن جملة جبرهم إنّه إذا ضاق على أحدهم الرزق من وجوه الشقا والكد لم يستحسن يطلب من أحد. ولا يبذل ماء وجهه إلى أحد فكان يحفر حفرة كبيرة يدخل فيها هو ومن معه ويموتون يموتوا جميعاً لئلا يعلم بحالهم عدو ويفرح أو صديق يهتم، كما قيل: وكم قد رأينا من فتى متجملا ... يروح ويغدو ليس يملك درهما يراعي نجوم الليل مما يصيبه ... ويصبح يلتقي ضاحكا متبسما ولا يسأل الأخوان ما في يديهم ... ولو مات جوعا عفة وتكرما وقبور القوم باقية في ما بين كل قبر منها مقدار دار عظيم، فسميت العبرة (فاعتبروا يا أولي الأبصار) ولم يتحقق عند أبن مجاور انهم كانوا مسلمين أو غيرهم من أهل بعض الأديان. وبقي آثار الخسف يحدثني بدوي من أهل البلاد بهذا المنزل سنة تسع عشرة وستمائة: إنّه جاز بهذه البئر رجل غريب فسألني عن جبل الحيالة ونجوان والناجية فأنبأه عن الثلاثة الجبال فقلت له: ما شأنك تسأل عن هذه الجبال؟ قال: إني قرأت في بعض الكتب أن ما ينجوه في آخر العهد إلا من سكن هذه الثلاثة الجبال. فقلت له: فأي الجبال هم؟ فقال: نجوان وهو جبل بني عليه حصن عزان والجبلين الآخرين بقربه والله اعلم. صفة باب المندب

ذكر الفقرات

لم يكن هذا البحر بحراً في قديم العهد اعني بحر القلزم وإنما هو بحر مستجد فتحه ذو القرنين ويقال بعض التبابعة. وكان الموجب على ما ذكره جماعة من أهل البلاد منهم الأمير أبو الطامي جياش بن نجاح في كتاب المفيد في أخبار زبيد قال: لمّا وصل ذو القرنين إلى هذا الوادي نظر فوجد به شدة الحر ففتحه أي نقر صدر الوادي، فخرج البحر وخرج عرق منه إلى قلزم ووقف عنده ويقال إنّ أرض الحبشة كانت متصلة ببلاد العرب فقال ذو القرنين: أردنا إنّ نفرق ما بين الإقليمين ليعرف كل صاحبه ويجوز كل أرضه وبلاده وينقطع ماء بين القوم من تغلب والتعدي. فلما فتح البحر افترق الإقليمين كل إقليم بذاته، فصارت الحبشة تخوض البحر بالخيل والرجل وتغزو أرض العرب. وبني بعض العرب على جبل مندب حصنا يسمى بعد ومد بسلسلة من بر العرب إلى بر الحبشة معارض، فكل مركب يصل يمر تحت السلسلة حتى كان يخرج منه ويسافر إلى أي جهة يشاء وأراد. وبقى الحصن على حاله إلى أن هدمه التبابعة ملوك الجبل ويقال بنو زريع ملوك عدن والأصح الحبشة ملوك زبيد ورفعت السلسلة، وبقى أثرها إلى الآن. ويقال إنّ في ذلك الزمان ما كان لسفارة البحر جواز إلا على باب المندب لأنه كان أغزر موضع في البحر. وكان ما بقى منه فشات ووضح وبطون والأولاد يلعبون في الماء بها، والآن صارت المراكب تسافر من وراء ظهره. وهو بحر عميق طويل عريض لكثرة المياه ونذكر ما بقى إذا وصلنا عدن. ويوجد في سواحله العنبر والغالب ما يجده الصيادون. ذكر الفقرات وفي أواخر بطن الوادي يعني العمرية ثلاث تلال حصا يكون بين كل واحدة إلى الأخرى مقدار ثلاثين ذراعا زائد لا ناقص، فسألت عن حالهم فقال لي بعض الجمالين: إنّ التلول أثر ثلاث فقرات فقرها بعض الجبابرة في زمن الجاهلية كل فقرة تل حصا ليعرف وهم من جملة العجائب. وثغر بين المجالين وبين السقيا. ويسمى هذا الخبت مطاران لأن ما يروى بها أهلها الماء إلا أيام المطارات. وعلى عين الدرب أثر مسجد فيه أثر ناقة معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو موضع فاضل. وإلى العارة ثلاث فراسخ. بناء المزدوية المرة فلما قتل النجاشي بأرض الحبشة ونجا من نجا من القتل وسكن هذه البلد سميت المزدوية لأنهم أزدوا بأرواحهم لئلا تعطب كمولاهم وسلامة خدامه دون الغير. قال أبن المجاور: وما سميت المرة إلا إنّ حياتهم رجعت مرة لتشتتهم من أرضهم وبلادهم ومفارقة الأهل والولد. فلما انقرضت تلك الأمة سكنها قوم عرب سموهم المريين وبقوا سكانها إلى أن حجزت البلاد وضاعت العباد وارتحلوا منها. حدثني ريحان مولى علي بن مسعود بن علي قال: إنهم نزلوا بربرة وأعمالها وبقى نسلهم في بر السودان والمعروفين بالمريين وهم الآن ذوو قبائل وعشائر، وبنت بعدهم العرب مدينة الأخضرين فوق العارة. حدثني يوسف بن خميس بن أبي بكر قال: إنّه كان مسكن الصيادين والدليل على ذلك إنهم إلى الآن يجدون عظام السمك. حدثني موسى بن ديفل قال: بل كانت مدينة عظيمة فلما خربت بناها الفرس الواردين من أهل سيراف المنذرية تحت العارة على هذا البحر وبها آثار جامعين كبيرين ومساجد وطواحين الغلال وطواحين القرظ ترى بين شجر الأراك. قال أبن المجاور: وكل مدينة بناها الفرس من أهل سيراف بنوا فيها المدابغ وعملوا بها طواحين القرظ ولا شك إنّ القوم كانوا دباغين. وقال حكيم: لم يخرج من اليمن إلا وغدا أو رائض قرد أو دابغ جلد. وقال لي أخي أحمد بن محمد بن مسعود: وكيف هذا؟ قلت كاموا يدبغون الأدم ويجلب إليهم من أعلى مكة ونجران إلى عمان ومن حلى بنى زهرة إلى كرمان ومن الكيس وجنانة وفارس ومن بني مكرمان ومن زبلع ورحيتو والمنذرية من عدن إلى مكة. وكان بنزف جميع هذا الأدم إلى العراق وخراسان وكرمان وما وراء النهر وخوارزم وهجر فكان يتفرق في أقاصي الأرض ودانيها. وما كان يبن كما ينزف في عصرنا هذا للقوة من ما بين سائر الأمكنة برا وبحرا إلى الهند ولم يؤثر جميع ذلك فيها أثرا فيها كما يقال: لا تنظر إلى طول المنارة ولكن أنظر إلى الجامع. ذكر حشمة أهل المنذرية

من العارة إلى الحيلة راجعا

حدثني رجل من أهل الحجاز قال: إنما كان مأكول الفرس من أهل سيراف السمك الضرياك، ففي بعض الفصول يعدم فعند عدمه خرج غلامان لتاجرين ليشتريا ضيراكا، إذ أقبل الصيادون بضرباك فتزايد فيه الغلامان إلى أن بلغوا ألف درهم فاشتراه أحدهما. فلما دخل الغلام بالحوت على سيده استحسن منه ذلك وأعتقه وأعطاه ألف درهم يتعيش فيها. وأما ما كان من الغلام الآخر فان سيده من غيضه عليه أهانه غاية الإهانه كما أن غلام زيد غليه في الشطارة. حدثني أحمد بن سلطان المجيدي قال: إنما أخرب المنذرية علي بن المهدي سنة أربع وخمسمائة. ويقال إنّ بني مجيد بنوا البلاد وبقوا على ما هم علية إلى أن قحطت البلاد وجاعت العباد، ويقال إنهم افترقوا ذات اليمين وذات الشمال وبقيت خراب فجاءت الحجازيون فاستعاروا الأرض من بني مجيد. فوافق ذلك الموضع الحجازيين وقوت أيديهم عليها لمّا أخصبت البلاد فرجع بنو مجيد إلى بلادهم وأوطانهم فقاتلهم الحجازيون وأنكروهم وأخرجوهم من ديارهم من غير رضى فلما عجز بنو مجيد عن مكافاتهم تفرقوا ثلاث فرق فرقة سكنوا زيلع وفرقة سكنوا ظفار وفرقة سكنوا مقدشوه، وبقى شرذمة منهم في الجابية. قال: تفانى الرجال على حبها ... ولا يحصلون على طالِ ولعبد آل عامر يقول: ألا إنّ لي ديناً من أيام ذي اللوى ... وديناً من أيام الحسين وأكد أسايل ذا ديني إضافة عند ذا ... وذا جاحد ديني كما ذاك جاحد وأهلها صيادون حمارون وهم قوم ثقات أخبار رجال فحول مأكولهم السمك لا غير. وجميع عرب أهل هذه الأعمال الجبال مع التهائم إلى حدود الحجاز لا يقبل أحدهم حكم الشرع وإنما يرضون بحكم المنع، ولا شك إنّه حكم الجاهلية الذي كانوا يتحاكمون به عند الكهنة ويمامة الزرقاء، ويقال إنّ اليمامة قبل الإسلام. فإذا حكم الشيخ حكما في النع في أحد من العرب بضرب العنق لم يقدر على الهرب ولو أراد الهرب لمّا أمكن إلا أن يمد عنقه ويرضى بالقضاء. فإذا وفى بما علية نادى منادٍ في سائر العرب وفي كل جمع: ألا إنّ فلان بن فلان طاب بطيب العرب، فيرد علية كل من سمعه حاد الفتى. وكان يؤخذ في العارة من كل حمل نصف وربع من ضمان العشر وسنابيق الصيادين والقفول والواردة من عدن إلى زبيد والصيادين من زبيد إلى عدن ومراكب الزبالع القادمين من أرض الحبشة كل عام بألف ومائتي دينار. فأزيل جميع ما ذكرنا سنة عشرين وستمائة، وأعيد هذا السم سنة أربع وعشرين وستمائة وصعد الضمان ألف وسبع مائة دينار. ويقال إنّ أوّل من سعي في ضمان القرية عبد الله بن بكر الاحوري وبقي يحيى إلى يوم الدين. وللشريف الرضي يقول في مثل هذا: من لم يكن عنصره طيب ... لم يخرج الطيب من فيه كل امرئ يجعله فعله ... قد ينضح المرء بما فيه من العارة إلى الحيلة راجعاً على درب الكديحا. من العارة إلى عشر ثلاثة فراسخ، وهي قرية على ساحل البحر ويوجد فيها ما لم يوجد في موزع وبغير الملخاء وهو مرسى دفئ وما اشتق اسمها عند العرب مخا إلا إنّها لا تمضغ كما لا تمضغ المحال. وهي طريق الأصل وعليها كان المعول في مسير القوافل في سالف الدهر لأنه اقرب وابرد لهواء الساحل والبحر. وإلى الحليلة ثلاث فراسخ، ويعرف0000 وهو مجمع الطريقين. من العارة إلى المفاليس من العارة إلى ترن ثلاثة فراسخ. ذكر ترن

من العارة إلى تعز

أهل ترن أصلهم من امرأة خرجت من البحر تسمى الفالقة سكنت البر وتزوجت رجلا من وجوه العرب أسكنه العربي أرض ترن ورزق منه أولاد إناثا وذكورا قالت العرب: إنّ أهل ترن من نسل العربي والمرأة يعني الفالقة وكان إذا جاءهم سيل عظيم ومال عن جريته ليسقي به موضع آخر كانت تقعد في بطن الوادي وتسده من عظم خلقتها وكبر جثتها وترد الماء إلى المجرى القديم المعتاد فتسقي الأرض من جريه، وكانت تبقى على حالها إلى أن تسقي للناس الأرض كلها. فإذا رويت الأرض واستغنت الناس عن ماء السيل فتقوم حينئذ من مقعدها فيجري ما فضل من ماء السيل إلى البحر، ويقال إنها كانت ساحرة. قلت لعمرو بن علي بن عقيل: ما فعل الله بفالقة؟ قال: إنها إلى الآن تعيش. قلت: وأين تسكن؟ قال: بوادي قطينة. قالت: وأين الوادي؟ قال: في أعمال ترن ولم تمت إلى يوم القيمة. قلت: هل يراها أحد؟ قال: نعم كل من قرب أجله. قلت: ولم سميت هذه الأرض ترن؟ قال: لأن الخلق كانوا يتعجبون من عظم خلقها فكان زيد يقول لعمرو: ترن أي تراها! فعرفت الأرض بهذا الاسم. ولهذا تقول العادة أنا الترني يسكن فخذ من فخوذ العرب أرض ترن ولا شك انهم بنو محريد وهم أهل أنعام وخيل وزرع وضرع. لمّا كثر المال عليهم وحسن الحال بهم ركبوا على حين غفلة من الحجازين وقتلوا جماعة منهم بعد أن اخذوا جميع ما كان معهم من المتاع والمال والأثاث وعادوا منصورين وبقي الحجازيون في العناء والتعب مدة عام كامل. والتأم خلق عظيم منهم ورجال من السكاسك فلان وفلان بن فلان من المعدودين كبسوا على أهل ترن سنة ستين وخمسمائة. فصار عادة القوم إذا تكنى أحدهم قال: أنا الترني، يعني من نسل قوم الذين حضروا الواقعة. وملك الحجازيون أرض ترن إلى الآن وجميع زروعهم فيها فصارت لهم مأوي وملك. وإلى النخيلة ثلاثة فراسخ. وإلى المفاليس ثلاث فراسخ. من العارة إلى تعز من العارة إلى شعب أربع فراسخ. وإلى النبة ثلاث فراسخ. وإلى المحجاط ثلاثة فراسخ. وإلى الحصين فرسخين. وإلى العريش ثلاثة فراسخ. وإلى تعز فرسخين. من العارة إلى عدن من العارة إلى الجابية فرسخ، ويقال إنّها من أعمال ترن، وترن من أعمال العارة. وإلى بئر الصحبة ثلاث فراسخ وهي بئر حفرت في آخر دولة بني مهدي. وثغر العرف والحراجرة والحجف والقيعا وعويد ومحاذا بئر صبيح على يسار المحجة جبل حرز ويقال حريز، وما عرف بهذا السم إلا إنّه 000 يسمى حرز ويقال بل جبل حريز أي مكين والله أعلم بالصواب. صفة جبل حريز هو حبل شامخ شاهق في الهوى وبالقرب منه جبل ذو نساح أي ذو رأس بنى عليه حصن يسمى الجاهلي ويقال الأزلي لقدمه والناس تصعد إليه والثاني لم يصعده إلا كل صالح وولي. حدثني علي بن صبيح العقولي: إنّ سليمان أبن داود عليهما السلام بنى في إقليم اليمن حصن بيسون وغمدان وسلحين وهذا الحصن يعني القاعدة وهو أحكمهم، وذلك لمّا تزوج سليمان عليه السلام ببلقيس في أرض اليمن فأمر الجن بنت هذه الحصون جميعها على هذا الوضع والله سبحانه وتعالى العلم بالغيب وأحكم.

صفة وادي عبرة

وبقى الحصن على حاله إلى أن خرب وأندثر. ويقال إنّ أبا الغيث أبن سامر أراد عمارة هذا الحصن في دولة الحرة السيدة بنت أحمد بن جعفر بن يعقوب بن موسى الصليحي بع أن احضر له آلة البناء، وتم له المقصود وابتدأ في البناء فطلع طلائع الجن فقتلوا جميع القوم في المكان. وبعده أراد عمارة هذا الحصن الداعي سبأ بن أحمد بن المظفر الصليحي ويقال الدعي سبأ بن أبي مسعود بن الزريع بن العباس بن المكرم والي عدن من قبل الدولة الفاطمية فلم يمكنوه الجن. وأراد إعادته بعدهم سيف الإسلام الملك المعز إسماعيل بن طغتكين بن أيوب في دولة الملك الناصر أيوب بن طغتكين أبن أيوب بن شاذي فأشار بعض الفضلاء بتركه. فقلت لعمرو بن علي بن مقيل: هل في ذروته عمارة؟ فقال: ما كان يسكنه إلا من خاف وفيه آثار حيطان قد اندثرت وجدرات قد إنهدمت وصهاريج قد خربت ودرج قد تقلعت. قات: فهل كان عليه سور؟ قال: إنّ الجبل هو سور بذاته ة إذا أصاب عرب هذا الزمان في هذه البلاد خوف أو جور من السلطان صعدوا بأنعامهم ودوابهم إلى القاعدة وقعدوا بها آل أن تأمن البلاد فحينئذ يطلبوا البلاد. فإذا قل على سكانها الماء يعني من الصهريج التي بها وهي خراب أصعد إليها الماء من لحف الجبل من ثلاث آبار إحداها بئر عبدل مشرفة على المحجة والثانية بئر يعوم والثالثة بئر ثنية. فقالت هذه الآبار حفرتها الأوائل؟ قال: بل مستجدة أستجدت في هذا العصر. صفة وادي عبرة والحصن مشرف على البحر وقد خرج قسطرس جبل بادٍ في البحر طول فرسخ طريق شبه خط الاستواء. ويقال إنّ باني الحصن أراد أن يخرب القاد مما يلي المشرق إلى البحر ويدخل عليه فلم يقدر عليه لقوة الصخر. وكان غرضه أن يقطع الطريق على المراكب لأنه لو اتفق بهم لكان يستظهر على اخذ المركب لصعوده فوق الريح وبقاء المركب تحت الريح. فلما لم يتم له قال بتركه والآن هو مغاص اللؤلؤ الجيد. وبقى من الآبار بئر عبدل مع جبل الردادين وبها كانت وقعة العرب مع العرب وهي وقعة مشهورة سنة خمس وسبعين وخمسمائة. وبئر أبي بكر شنلو العقربي وقد بنى على البئر مسجدا سنة اثنين وعشرين وستمائة. وإلى المزحجة ثلاث فراسخ وهي بئر ماحة في أرض عرب يقال لهم العقارب. وإلى البيضاء فرسخين وتعرف بسيخة الغراب وتسمى قاع الغراب. وقد كان عند البحر وعلى يسار الدرب بئر تسمى المخنق بناها القائد حسين بن سلامة وليس في الربع المسكون أحلى ولا أخف من مائها على الفؤاد. وجواز القوافل على ساحل البحر. وإلى رباك فرسخين، وهي قرية كانت عامرة وقد عمر بها الأمير ناصر الدين فاروث بستانا حسنا وحفر بها انهارا وغرس بها النارنج والأترنج والموز والنارجيل. ويقال إنّ الناخوذة عمر الآمدي غرس شجر الشكي البكي وهو شجر يخرج من بدن الشجر بخلاف جميع الأشجار، والبركى غرسه سنة خمس وعشرين وستمائة. وحفر بها برك وبها حفرة تسمى الأسد في سالف الدهر كانت الخلق تحج إليها من أبين ولحج وما حولها من القرى في أول شهر الله الأصب رجب. وإلى المكسر فرسخ، قنطرة بناها الفرس الذين تولوا عدن على سبع قواعد، ويقال إنما بناها شداد بن عاد في الأصل. حدثني يحيى بن يحيى بن علي بن عبد الرحمن الزراد قال: إنما بناها رجل جبلي سنة خمس مائة، ويسمى المزف وكان في الأول لا يعدون هذا الموضع إلا بسنابيق وكذلك الماء والحطب. وإلى جبل حديد نصف فرسخ، ويقال إنّه جبل حديد جاء بعض أرباب المخبرة وسبك من هذا الجبل بهارين ونصف حديد وغار المعدن عن أعين الخلق ويقال إنّ الرجل السباك قتل لأجل سبكه الحديد، وفي لحفه مسجد بني بالحجر والجص. وإلى المياه ربع فرسخ. وإلى عدن ربع فرسخ. ذكر ما كانت عدن في قديم العهد

صفة نفر الباب وحفر النهر

كان من القلزم إلى عدن إلى وراء جبل سقطرة كله بر واحد متصل لا فيه بحر ولا باحة فجاء ذو القرنين في دورانه ووصل إلى هذا الموضع ففتح وحفر خليجا في البحر فجرى البحر فيه إلى أن وقف على جبل باب النمدب فبقيت عدن في البحر وهو مستدير حولها وما كان يبان من عدن سمى رؤوس الجبال شبه الجزر. ولنا على قولنا دليل واضح إنّ آثار ماء البحر والموج باق بائن في ذرى جبل العر والجبل الذي على ذروته حصن النعكر وجبل الأخضر والدليل الثاني إنّ شداد بن عاد ما إرم ذات العماد إلا ما بين اللخبة ولحج وبين المغاوي التي على طريق المفاليس وهو الرمل الذي إلى جبل دار زينة. وما بناها إلا في أطيب الأراضي والأهوية ة الجو في صفاء من الأرض بعيد عن البحر. والآن رجع البحر في أطراف بلاد إرم ذات العماد وتناول البحر شيئا منه أخذة ولم يكن بهذه الأرض بحر وإنما استجد بفتح ذي القرنين فمد من جزيرة سقطرة فساح إلى إنّ وقف أواخر المندب والدليل الثالث إنّ البحر الذي ما بين السرين وجدة يسمى مطارد الخيل ومرابط الخيل والأصل فيه إنّ العرب كانت تربط الخيل في هذه الأرض والأصح إنهم كانوا يطاردون الخيل لمّا لم يكن بحرا وكان البحر أرضا يابسة. فلما فتح ذو القرنين باب المندب غرق جميع الأراضي وما علا منها صارت جزرا في ناحية البحر يسمى باس مطارد الخيل. ومما ذكره الأمير أبو الطامي جياش بن نجاح في كتاب المفيد في أخبار زبيد الأول، وهما كتابان المفيد الأول الذي صنفه الأمير جياش والثاني صنفه الأمير فخر الدين أبو علي عمارة بن محمد، فذكر الأمير جياش بن نجاح في كتابه المفيد في أخبار زبيد إنّ البحر كان مخاضة لقلة مائه فلذلك تغلبت الحبشة على جزيرة العرب حتى ملكوا صنعاء إلى حد إقليم العواهل وبقيت دولتهم فيها في الكفر والإسلام إلى إنّ أفناهم علي بن مهدي سنة أربع وخمسين وفي عهده انقرضوا وزالت دولتهم مع شدة صولتهم. نعود إلى ذكر ذي القرنين كان البحر على حاله إلى أن فتح ذو القرنين باب المندب فجرى البحر فيه إلى أن وفق آخر القلزم فطال وعرض وترخى وانبسط انفرش فبانت ترض عدن. ومما ذكره أبو عبد الله محمد بن عبد الله الكيساني في تفسيره قال: لمّا خرج شداد بن عاد من أرض اليمن طالب أعمال حضرموت ووصل لحج فنظر جبل العر وعظمة من على مسافة بعيدة فقال لأعوانه: أغدوا وابصروا هذا الجبل وما دونه فلما عاينوا الموضع رجعوا وقالوا: إنّ هذا الموضع وادٍ وفي بطنه شجر وفيه أفاعي عظام وهو مشرف على البحر المالح. فلما سمع بهذا المقالة نزل في لحج وأمر بان تحفر الآبار التي هي الآن يشرب أهل عدن منها وأمر أن ينقر له باب في صدر الوادي. صفة نفر الباب وحفر النهر وأقام على حفر النهر ونقر الباب رجلين، قال حكماء الهند: هما عفريتين من الجن، ولا زال أحدهما ينقر الجبل والثاني ابتدأ في حفر النهر برأس سقطرة من أعمال لحج. ولا زال الرجلان يعملان في النقر والحفر إلى أن بقي عليهم من العمل شيء يسير. فقال الحجار: إني إنّ شاء الله تعالى بالغد افرغ آل أتم عملي. فقال الحفار: وأنا بالغد ادخل الماء إلى عدن إنّ شاء الله وإنّ لم يشأ. فاقطع النهر بعضه من بعض وانسد معين الماء من الأصل وإرتدم ما بناه بعضه على بعض ولم يصح منه شيء ولم تقم منه صورة ولا استقام منه مغنى، ووصل في حفره إلى تحت جبل الحديد ومن عنده انقطع. قال أبن المجاور: ورأيت آثار النهر بعينه مبني بالحجر والجص بناء محكما وثيقاً في عرض ذراع ما بين الماء وجبل الحديد وقد علاه البحر ولم يبن لناظره إلا إذا عرى البحر ماد شبه خط الاستواء داخل في البحر. قال فلما اصبح الحجاز من الغد فتح نقر الباب وفتحه واستقام الأمر على ما أراد. ويقال إنّه بقي في النقر مدة سبعين سنة حتى أتمه. فطال المقام في حال القوام صار شداد بن عاد ينفذ إلى هذا المكان كل من وجب عليه الحبس يحبسه فيه فبقي حبساً على حاله إلى آخر دولة الفراعنة الذين كانوا ولاة مصر، بعد زوال دولتهم خرب المكان. ذكر المدن التي كانت حبوساً للملوك

ذكر جبل صيرة

كسمر حبس سليمان بن داود عليهما السلام، حصار نادى حبس ذي القرنين، ترمذ حبس الاسكندر، مولتان حبس الضحاك الساحر، آمل وساري لكيكوس بن كيباد، حس حبس الروم، حصار طاق حبس بردسيار، مصر حبس أمير المؤمنين أبو محمد هارون الرشيد، مرو حبس أمير المؤمنين عبد الله المأمون، الشام حبس الإمام الناصر لدين الله. ويقال إنّ فيها سرداب إذا زادت دجلة امتلأ وبقوا محبوسين وقوف في الماء إلى أن ينقص فمن نداوة الماء وعفونة الأرض وملوحة السبخة تنفطر جلود المحبوسين واكثر ما يعيش بها المحبوسون شهر زمانٍ. ونهاوند حبس السلطان معز الدين محمد بن سام، ولوحك حوران حبس السلطان بهرام شاه، وقلعة نصور حبس خسرو ملك بن خسروشاه، وبرعد حبس تاج الدين يلدز السلطاني وكواليور حبس الملك قطب الدين أبو الفوارس أبيك الاملي، وعوض حبس السلطان شمس الدين إلنتمش وهراة حبس السلطان غياث الدين بن محمد بن سام، وحصار هزارسب حبس السلطان أبو الفتوح محمد بن تكش كوشك سنه جوهران بس طغرلبك شاه بن محمد، ودهلك حبس عبد الله بن مروان، وعيذاب حبس الخلفاء الفاطميين، وتعز حبس ملوك اليمن، وقوارير حبس بني مهدي، وجبال برع حبس الملك الأعز علي بن محمد الصليحي، وسيراف حبس السلطان محمود بن محمد بن سام، وعدن حبس الفراعنة ورجعت من حبوس الفاطميين. وقال الهنود: عدن حبس دس اسم جني له عشرة رءوس من جملتهم الغزال درسير وكان يسكن الجبل المنظر ويتفرج على رملة حقات وسكن بعده هنومت حقات. وما أخرجهم منها إلا سليمان بن داود عليه السلام لمّا وصل أرض اليمن لأجل بلقيس لأن هؤلاء القوم المتقدم ذكرهم كانوا عفاريت. وما سميت عدن بعدن إلا بعدنان لمّا بناها سماها على اسم ابنه عدن. وما اشتق عدن إلا من عاد، ويقال أوّل من حبس بها رجل يقال له عدن فسميت به. قال أبن مجاور: وما اشتق عند إلا من المعدن وهو معدن الحديد. وتسمى عند الفرس اخرسكين وعند الهنود سيران وعند السودان 000وتسمى عند التجار يأكل صيده وتسمى حبس فرعون ومقام الجن وساحل البحر وتسمى عند الهنود هتام وعند الظرفاء سنداس لأن ما يرميه الإنسان في الازيب يرده الكوس إلى اللحادوس وتسمى فرضة اليمن وتسمى السوقة دار السعادة بدارٍ بناها سيف الإسلام طغتكين مقابل فرضة، وتسمى الدار الطويلة بدار بناها أبن الحابين على محاذات الفرضة، وتسمى المنظر بدار بناها المعز إسماعيل بن طغتكين على جبل حقات، وتسمى عند التجار صيرة وحيدة. ذكر جبل صيرة هو جبل شامخ في البحر مقابل عدن وجبل المنظر ويقال هو قطعة منه. وقال محمد بن عبد الله الكيساني في تفسيره: إنّه يخرج يوم القيمة من صيرة عليه السلام عدن نار تسوق الخلق إلى المحشر. والدليل على ذلك قلب بالجبل بئر يسمى انبار ويسمى عند حكماء الهند في بر يخرج طول الدهر منه دخان ويسما الآن بئر الهرامسة ليس يمكن لأحد النظر فيه من وهجه وكربه وقتامه ويوجد حول البئر حجارة مكسرات وأفاعي ونائمات وحيات قائمات. قالت الهنود: إنّ هنومت المقدم ذكره حفر هذه البئر وليس هي بئر وإنما هو سرب ينفذ حفره تحت البحر إلى مدينة أوجين بكرمى وهي سرير ملك مالوي من الهند. فصل

فصل

حدثني مبارك الشرعي مولى والد محمد بن مسعود قال: كان السبب في حفر بئر بر إنّ حادبير وهو عفريت سرق سيت زوجة رام جندر من أعمال عوض وسار بها إلى أن سكن بها على قلة جبل صيرة. وقال: إلي أريد أن أقلب عنك صورة الإنية إلى صورة الجنية. فبينما هما في لا ونعم إذ سمع بخبرهما هنومت وهو عفريت ثاني على صورة قرد فحفر هذا السرب من أوسط مدينة أوجين بكرمى تحت البحر وبلغ آخر الحفر إلى أوسط جبل صيرة وفعل جميع ذلك في ليلة واحدة، فخرج من الحفرة فوجدها نائمة على ذروة الجبل تحت شجرة شوك فرفعها على ظهره ونزل بها السرب ولازال يسري بها إلى أن بلغ اوجين بكرمى فعند انفجار الفجر الصادق سلمها إلى زوجها رام جندر فرزق منها رام جندر ولدان ذكران سمى أحدهما لب والثاني كش ولها حكاية طويلة عريضة يطول شرحها فبقى السرب إلى الآن. وكذلك حفر كيكالوس بن كيقباد سرب من الري إلى مازندران مسيرة ستة وثلاثين فرسخا. وحفر بعض الهنود سربا في ديولاره من أعمال السومنات ينفذ أواخره إلى بابهن من أعمال الديوكير أوّل حدده مالوي، وينفذ أيضاً تحت بحار ورمال ويقال إنّه حفر الجن ولا شك في هذا. وحفرت رؤساء همذان في وسط أملاكهم سربا ينفذ إلى روذراور مسيرة ثلاثة أيام. وحفر كرشاسب بن اثرط أبن رستم سربا في وسط قصره الذي بقلعة ارك بسيستان ينفذ أواخره إلى وسط حصار طاق مسيرة اثني عشر فرسخا. وحفر دير الجب في نواحي الموصل. قالت النصارى: لمّا قتل سنحاريب ولده من بها رماه في حفرة كانت بالقرب منه انخرق بالحفرة سرب ينفذ إلى الزاب مسيرة أربع فراسخ، قالت النصارى: وعاش مرتهنا بعد الموت وإدراك الفوت وهو إلى الآن بالحيوة في تلك النواحي. وحفر بعض سواريب الهنود بالمدينة برهنك سرب مسيرة أربعة فراسخ بطريق وكان سببه ما حدثني أبو طالب بن أبي بكر بن أبي طالب الحداني المعروف بابن السويدائي إنّه عشق بنت الملك فحفر هذا السرب من بيت اليد إلى دار الصبية فكان يمشي إليها وتجيء إليه في هذه الطريق مدة حياتهما فلما خرب السلطان نظام الدين محمود بن سبكتكين البلدة بقى السرب على حاله. وبقى بطريق مكة جبل يسمى المخروق فيه خرق منفصل من لحفه إلى ذروته وقد تقدم ذكره. وفي نواحي الموصل قرية يقال لها الباعور وهو موضع لعرب من زمن النبي (فمن شدة الباعور انخرق في الأرض سرب يطول من الباعور إلى دجلة مسيرة خمس فراسخ. وحفر شاه بور بن اردشير بابكان في قلعة نيسابور سربا تحت الأرض مسيرة خمسة فراسخ ينفذ إلى برية وما عمله إلا لإحكام القلعة وحقن دماء الخلق ولهذا يقال: الهرب في وقته ظفر. نرجع إلى ما كنا عليه من كلامنا الأول، فإذا تعوقت المراكب في المجيء عن موسم ثغر عدن يجاء إلى جبل صيرة بسبع رؤوس بقر عند اصفرار الشمس وتبقى البقر في مكانها إلى نصف الليل وبعد زوال هذا الحد ترد ست رؤوس منها إلى عدن ويبقى رأس واحد هناك مكانه، فإذا اصبح ضحي به من الغد في مكانه وتسمى تلك الضحية ضحية الجبل فإذا عمل هذا العجل تقدم المراكب وتلاق بعضها ببعض. وقد صارت سنة من قديم اليام من دولة بني زريع وغيرهم من العرب، وبطل ما ذكرناه في زماننا هذا. فصل

ذكر المعجلين

فإذا حاذى مركب المسافر مدينة سقطرة أو جبل كدمل تسمى يلك المحاذات الفولة. يؤخذ قدر يعمل عليه شراع وسكان من جميع آلة المراكب ويعبى فيه من الأطعمة من قليل نارجيل وملح ورماد ويلقى في البحر من الأمواج الهائلة، قال أهل التجارب والخبرة إنّه يصل بسلامة إلى لحف الجبل. وكان في أيام القبط واليونان في وقت زيادة النيل توخذ بنت بكر عذراء احسننا يكون من الصور تزين بأفخر زينة وتلبس الحلي والحلل ويؤتى بها على رؤوس الأشهاد بالطبل والمزمار ويطلقونها في النيل. فأزيل هذا الفن في أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وفي اجه وجميع أعمال الهند والسند إذا زرع أحد قصب السكر ينذر للصنم نذرا إذا طلع قصبه جيدا فدى بإنسان فان صح قصبه احتال على بعض قصار الأعمار يذبحه ويرش بدمه أصول قصب السكر في يوم عيد لهم يسمى الديواني. وإذا زاد شط السند في الأخذ على المد والحد يؤخذ خشف غزال أحمر ويعطر ويبخر ويطلق في أغزر موضع وأقوى جريان في السيل وأشد سوار فحينئذ ينقص الماء بأذن الله تعالى. وما ذكرنا هذه إلا لنبرهن مقالتنا وما تقدم من قولنا والله اعلم. ذكر المعجلين هو بركة في آخر جبل حفات وجبل صيرة الذي بنى على ذروته قصر المنظر، والبركة خلقها الله تعالى وهي ما بين جبل حقات وجبل صيرة وهي ذات أمواج هائلة قاتلة في عمق وغزر. حدثني منصور بن مقرب بن علي الدمشقي قال: إذا برد الماء بها يعني في البركة يكون العام عاما شديدا على كل من يقطع الصبا قلت: ولم؟ قال: لكثرة الأمواج وهيجان البحر. وإذا كان الماء فيه فاترا يكون عاما طيبا سهلا يسرا غير عسي على المسافر وهذا مجرب. قلت لريحان مولى علي بن مسعود بن علي بن أحمد: لم سمي هذا المكان المعجلين؟ قال: لأنه يرجع كل أربعة أثنين. ذكر بحيرة الأعاجم قيل: لمّا أطلق ذو القرنين البحر من جبل باب المندب وساح نشف ما حول عدن من المياه وبقيت عدن نصفها التي تلي جبل العر مما يلي صيرة مكشوف ومما يلي المياه وإلى جبل عمران ناشف. فلما استولت ملوك العجم على عدن رأوا ذلك الكشف فخافوا على البلد من يدٍ غالبة تحاصر البلد فحينئذ قاموا فتحوا له فماً مما يلي جبل عمران وأطلقوا البحر عليه فأندفق البحر فنزل إلى أن غرق جميع ما حول عدن من أرض الكشف فرجعت عدن جزيرة. وبقي كل من أراد السفر إلى جهة من الجهات ركب متاعه في الصناديق ويجيء في البحر الأصلي إلى أن يعدي البحر وجاءت الجمال فرفعوه من عند المكسر وسافروا به. فلما رأوا ما رأوا من تعب الخلق في ذلك بني المكسر وهو قنطرة بنيت على سبع قواعد فصارت الخلق تسلكه على الدواب وغيرها. ويسمى البحر المستجد بحيرة الأعاجم بهم إلى قيام الساعة. بناء عدن لمّا انقطعت دولة الفراعنة خرب المكان بزوال دولتهم، وسكن الجزيرة قوم صيادون يصيدون في المكان فكانوا على ما هم عليه زمنا طويلاً يرتزقون الله في القوت والمعاش إلى أن قدم أهل القمر بمراكب وخلق وجمع وملكوا الجزيرة بعد أن اخرجوا الصيادين بالقهر وسكنوا على ذروة الجبل الأحمر وحقات وجبل المنظر، وهو جبل يشرف على الصناعة. وآثارهم إلى الآن وبنائهم باق بالحجر والجص ملء تلك الأودية والجبال. قال الشاعر: لي أدمع هواطل ... مذ خلت المنازل وسار حادي عيسهم ... فهاجت البلابل وقفت في ربوعهم ... هاذٍ بهم وسائل يا دار هل من خبر ... رد جوابي عاجل أجابني من الربو ... ع صائح وقائل ابك دما يا غافلا ... قد سارت القوافل لي فيهم فتانة ... رشيقة الشمائل في خدها وقدها ... ورد وغصن ذابل وكانوا يطلعون من القمر يأخذون عدن رأساً واحداً في موسم واحد. قال أبن المجاور: وماتت تلك الأمم مع تلك الرئاسة وانقطعت تلك الطريق ولم يبق أحد في زماننا يعلم مجرى القوم ولا كم كيف كانت أحوالهم وأمورهم. فصل

ذكر ألقاب ملوك العجم الذين تولوا ملك عدن

قال أبن المجاور: ومن عدن إلى مقدوشوه موسم ومن مقدشوه إلى كلوة موسم ثاني ومن كلوة إلى القمر موسم ثالث، فكان القوم يجمعون الثلاثة المواسم في موسم واحد. وقد جرى مركب من القمر إلى عدن بهذا المجرى سنة ست وعشرين وستمائة أقلع من القمر وكان طالباً كلوة فارسي بعدن. ولمراكبهم أجنحة لضيق بحارهم ووعرها وقلة الماء بها. فلما ضعف القوم وأستقوت عليهم البرابر أخرجوهم منها وملكوا البلد وسكنوا الوادي، موضع هو الآن عامر بصرائف وهم أوّل من بنى الصرائف بعدن. وبعدهم خراب المكان وبقي على حاله إلى أن انتقلوا أهل سيراف وقد تقدم ذكرهم. ووقع سلطان شاه بن جمشيد بن اسعد بن قيصر في عدن فنزل وتوطن بها فانعمر الموضع بمقامه وكان يجلب إليهم مياه الشرب من زيلع. فلما طال عليهم البعد بنوا الصهريج لأجل ماء الغيث ونقل طين البناء من نواحي أبين ويقال من زيلع. فلما كثر الخلق بعدن بنوا بها الحمامات وبني الحمام عند حبس الدم فسيل فغسل الأرض سنة اثنين وعشرين وستمائة. وبنوا الجامع وذلك عند حمام المعتمد رضي الدين علي بن محمد التكريتي ووضع مربط الفيلة في سنة خمس وعشرين وستمائة فملأ لحف الجبل الأخضر بالطول والعرض. فلما رأى ذلك تولى السلطنة. ذكر ألقاب ملوك العجم الذين تولوا ملك عدن

بناء الجامع

مولانا ولي النعم، ومعدن الكرم، الملك العلم، العدل المؤيد من السماء المنصور على الأعداء، المتوج بالجلال والسناء، شاهنشاه المعظم، مالك رقاب الأمم، سيد سلاطين العرب والعجم، حافظ عباد الله، حارس بلاد الله، معز أولياء الله، مذل أعداء الله، غياث الدنيا والدين، ركن الإسلام والمسلمين، تاج ملوك العلمين، قامع البغاة والمشركين، مغيث الدولة القاهرة، مزيل الأمم الكافرة، محيي السنن الزاهرة، باسط العدل والرأفة، ناصر السلطنة والخلافة، عماد ممالك الدنيا، مظهر كلمة الله العليا، مرفه الخلائق بالإنصاف، مزيل الجور والإعتساف، القائم بتأييد الحق، الناظم لصلاح الخلق، ظل الله في الأرض، محي السنة وافرض، سلطان البر والبحر، ملك الشرق والغرب، أنا سلطان شاه بن حمشد بن اسعد بن قيصر أمير المؤمنين. آخر مولانا ولي النعم بهاء الدولة والدين، جلال الإسلام والمسلمين، ناصر الملوك والسلاطين، غياث جيوش العلمين، قاتل الخوارج والمشركين، قوام الملة، نظام الأمة، قطب المملكة، معز السلطنة، عدة الخلافة، بهلوان إيران وتوران، أبو سنان سفاوس بن اسعد بن قيصر قسيم أمير المؤمنين. آخر مولانا ولي النعم قسيم الدين يمين الإسلام صمصام الدولة قوام السنة نصرة الملوك بهاء الأمراء كردو أبو المظفر اسعد بن قيصر برهان أمير المؤمنين، آخر مولانا ولي النعم جلال الدولة والدين، مغيث الإسلام والمسلمين، وعز الملوك والسلاطين، سيف السنة، بهاء الملة، نظام المملكة، معين الخلافة، فخر الأمراء منير باربك أبو شجاع نامشاد بن اسعد بن قيصر نصرة أمير المؤمنين، آخر مولانا ولى النعم والأمين الأجل المؤيد ناصر الدين عماد الإسلام علاء توران، حسام السنة جلال الملوك غياث الأمراء زنده أبو الفتح كيقباد بن محمد بن قيصر معز أمير المؤمنين. آخر والمولى محيي الدين معز الإسلام ركن الدولة عضد الملوك مغيث الأمراء أبو سعيد قيصر بن رستم بن قيصر عمدة أمير المؤمنين. آخر والمولى سيف الدولة والدين، غيات الإسلام والمسلمين، تاج الملوك والسلاطين، ناصر السنة، نظام الملة، عماد الأمة، زكن المملكة، نصرة الخلافة، مغيث المراء ملك العرب والعجم أبو الصمصام عاد بن شداد أبن جمشيد بن اسعد بن قيصر يمين أمير المؤمنين. آخر موالي تاج الدين، ناصر الإسلام والمسلمين، مجد الملوك والسلاطين، معز السنة، محي الملة، غياث الأمة' عماد المملكة، يمين الخلافة، جلال الأمراء ملك الهند واليمن أبو الملك تاج الدين جمشيد بن اسعد بن قيصر ظهر أمير المؤمنين. آخر والمولى عماد الدولة والدين، محي الإسلام والمسلمين، ظهر الملوك والسلاطين، نظام الملة، ومظهر السنة، جمال الملوك معز الأمراء أبو الوفاء كذار شاه بن هزاراسب يمين أمير المؤمنين. آخر والمولى معز الدولة والدين، تاج الإسلام والمسلمين، ركن الملوك والسلاطين، قوام السنة، غياث الأمة، ناصر المملكة، محي الأمة، عماد الخلافة، مجد الأمراء أبو البركات هزاراسب أبن جمشيد بن اسعد حسام أمير المؤمنين. فهؤلاء الملوك ملوك العجم الذين تولوا ملك عدن. بناء الجامع

ذكر أخبار آل زريع بن العباس بن المكرم ولاة عدن

ومما ذكره عمارة بن محمد بن عمارة في كتاب المفيد في أخبار زبيدق إنّ جامع عدن بناء عمر بن عبد العزيز وجدده الحسين بن سلامة، والأصح إنّ ما بنى الجامع إلا الفرس. وكان السبب في بنائه انهم وجدوا في زمانهم قطعة عنبر كبيرة مليحة فأتى بها إلى صاحب عدن فقال لهم: وما اصنع بها؟ بيعوها وابنوا بثمنها جامعا فلست أرى درهما أحل من هذا الدرهم ولا يخرج في وجه أحق من هذا الوجه. فباعوا العنبر وأخذوا ثمنه بني به جامع عدن في طرف البلد، فان قال قائل: لم لا بني في وسط البلد؟ قلت: لأن في وسط مدينة عدن عين ماء ماد من البحر إلى المملاح، ولنا على قولنا دليل إنّ من بقايا العين موضع الملح الذي يجمد فيه الملح بالمملاح. قال أبن المجاور: ورأيت وراء حمام المعتمد رضي الدين محمد بن علي التكريتي إنّ سيلا عظيما غسل أرض الوادي فظهر به مدابغ جملة من أيام الفرس طانت قد علت عليها الأرض من طول المدى. وحدثني ريحان مولى علي بن مسعود بن علي قال: إنّه ظهر عند حبس الدم بقرب جبل حقات حمام كبير عظيم ذو طول وعرض وقد كانت علت عليه الأرض من بناء العجم. وكانت الناس في أيام دولة العجم يجدون العنبر الكثير إلى باب المندب وكان الصيادون يجدونه فإذا مر بهم مركب أو تاجر يقولون له: تشتري منا حشيش البحر؟ يعنون به العنبر. ويقال إنّ الشيخ شبير الصياد وجد قطعة عنبر ولم يعرف ما هي فجاء بها إلى بيته فعازه الحطب فأوقدها تحت القدر عوض الحطب، فعلم به الناس فعرف الشيخ بوقاد العنبر. وقد أنقطع جميع ذلك في زماننا هذا من سوء ظننا وقبح فعالنا. (من يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً) . فعند زوال أيام العجم ملكها العرب. ذكر أخبار آل زريع بن العباس بن المكرم ولاة عدن نسبتهم من همدان ثم من جثم بن بام بن أصبا وكان لجدهم العباس بن المكرم بن الذئب سابقة محمود في قيام الدعوة المستنصرية مع الداعي علي بن محمد الصليحي ثم مع ولده المكرم عند نزوله من صنعاء إلى زبيد وأخذ أمه أسماء بنت شهاب بن اسعد من الأحوال سعيد بن نجاح. وكان السبب في ملكهم لعدن إنّ الصليحي لمّا افتتحها وفيها بنو معن أبقاها في أيديهم فلما قتل الصليحي نافقت بنو معن في عدن فسار المكرم إليهم أحمد بن علي فافتتحها وأزال بني معن منها وولاها العباس ومسعود ابني المكرم وجعل مفر العباس تعكر عدن وهو يحوز البر والباب وجعل لمسعود حصن الخضراء وهو يجوز الساحل والمراكب واستحلفهما للحرة السيدة ابنة الملك أحمد لأن الصليحي كان قد اصدقها عدن حين زوجها من أبن المكرم سنة إحدى وستين وأربعمائة. ولم يزل خراج عدن يصل إليها وهو مائة ألف دينار ويزيد ولا تنقص إلى إنّ مات المكرم أحمد، ثم توفي لها بعد موت المكرم العباس ومسعود ابني المكرم. فلما ماتا تغلب على عدن زريع بن العباس وأبو الغارات أبن مسعود فسار المفضل بن أبي البركات إلى عدن وجرت بينه وبينهما حروب كان آخرها المصالحة على نصف خراج عدن. ولمّا مات المفضل تغلبت أهل عدن على النصف الباقي فسار إليهم اسعد بن أبي الفتوح أبن عم المفضل فصالحهم على ربع الخراج للحرة. ولمّا ثارت آل زريع في البكر تغلب أهل عدن على الربع الذي للحرة ولم يبق شيء لموت رجالها ولم يقدر على بن إبراهيم بن نجيب الدولة على شيء من ذلك والله اعلم واحكم. ذكر ما شجر بينهم نزل المفضل بن أبي البركات في بعض غزواته إلى زبيد وكان معه زريع أبن العباس وعمة المسعود بن المتكرم ولهما يومئذ صبيان في عدن فقتلا جميعا على باب زبيد. ثم تولى الأمر بعدهما بعدن أبو السعود بن زريع وأبو الغارات بن مسعود ثم ولي الأمر بعدهما الأمير الداعي سبأ بن أبي السعود ومحمد بن أبي بكر بن أبي الغارات ثم ولده على الأعز ثم علي بن أبي الغارات ثم الداعي محمد بن سبا وهو آخر بني داود ثم ولده عمران وصفت بعده لآل زريع محمد وأبي السعود ابني عمران وهما طفلان والله اعلم واحكم. ذكر السبب في زوال ملك علي بن أبي الغارات وحصولها للداعي سبا

كان محمد بن الجزري نائب لعلي بن أبي الغارات في نصف عدن وأحمد أبن غياث نائب سبا في النصف عدن فقاسط أبن الجزري في قسمة الخراج أحمد بن غياث فامتدت أيادي أصحاب علي بن أبي الغارات إلى ظلم الناس وعاثوا وافسدوا وأطلقوا أيديهم وألسنتهم بذام الداعي سبا. فحينئذ قام القائد بلال بن جرير المحمدي إلى ولاة عدن وقد أمره الداعي أن يهايج القوم ويحرك القتال بعدن ففعل بلال ذلك وجرت بينهم وقائع عظيمة في لحج آخرها قتل الداعي بها سنة خمس وأربعين وخمس مائة. وأوصى بالأمر لولده علي الأعز وكان علي الأعز مقيماً بالدملوة فهم أن يقتل بلالاً بعدن. فمات علي الأعز وأوصى بالأمر لأولاده وهم حاتم وعباس ومنصور وكانوا صغاراً فجعل كفالتهم إلى أنيس خادم حبشي. وكان محمد بن سبا قد هرب من أخيه فاستجار بالأمير منصور بن مفضل بن أبي البركات فأجاره وحين مات علي الأعز في الدملوة سير بلال من عدن رجالاً من همدان فأخذوا محمد بن سبا من جوار المنصور بن المفضل ونزلوا إلى عدن فملكه بلال واستحلف له الناس وزوجه بلال ابنته وجهزه في جيش فحاصر انيسا ويحيى العامل بالدملوة فملكها وأطاعته البلاد كافة ثم مات في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. وتملك بعده ولد عمران بن محمد ثم مات سنة ستين وخمسمائة وخلف ولدين محمد وأبا مسعود. وتولى أبو الندا بلال بن جرير المحمدي سنة أربع وثلاثين ومات في سنة سبع وخمس مائة عن أولاد رجال منهم مدافع وياسر وهم آخر الدولة. ويقال في رواية أخرى: وبعدهم ملك عدن سبأ بن أبي السعود ومحمد بن أبي الغارات ومن بني زريع فكان أحدهم يجبي ما دخل من البر والثاني يجبي ما دخل من البحر وكانت البلد بينهما بالسوية يأخذ كل حقه من المكوسات، وكان يجري بين القوم فتنه عظيمة لأجل الماء والحطب وقتال شديد في الدخل والخرج وذلك في السائلة. فبقوا على حالهم إلى أن جهز ملك الجزيرة قيس كوانيج وبرمات شبه أبرام النارنجيات ونهابيق "؟ " 000 لأخذ عدن من أربابها. فلما وصلت الدوانيج أرسوا تحت جبل صيرة والله عز وجل أنفذوا رسولهم إلى بني زريع يعني أصحاب التعكر والخضراء وقالوا لهم: أعلموا أن ملك كس أنفذنا على اخذ عدن فإن جئتم بالصلح وإلا جئناكم بالفتح وهو أقبح. فقال لهم صاحب حصن الخضراء: أنا عبدكم والبلد بلدكم وولوا فيها من شئتم فلما سمع القوم هذه المقالة نزلوا من الدوانيج والبرمات إلى السواحل وقلوبهم آمنة بالأمان والطاعة. وانفذ لهم صاحب حصن الخضراء الإضافة التامة وأرسل لهم بالدقيق والغنم والنبيذ فخبزوا القوم وطبخوا ودارت الأقداح بين القوم. فلما رأى مقدم الجاشو فعل أصحابه قال لهم: كفوا عما انتم عليه عاكفون ولا شك إنّها حيلة عليكم أيّها الجاهلون! فأنفق عليهم خبز ولحم ونبيذ وجاشوا كما قال: إني بليت بأربع ما سلطوا ... إلا لحتفي أو بلاي وشقائي الهم والدنيا ونفسي والهوى ... كيف التخلص من يدي أعدائي فلما أرست الجاشو مرسى عدن انفذ صاحب التعكر إلى أبن عمه صاحب الخضراء وقال له: ما تصنع وهذا العدو قد داهمنا؟ فقال له: غلطنا في الكيل فشرد منا الحيل واعمل برأيك فيما ترى! فقال: انزل من الخضراء وأنا أكفيك شرهم. فنزل النحس شبه ألف جعس وسلم الحصن إلى أبن عمه. وانشد المنصور بن إسماعيل الامزي يقول: الناس بحر عميق ... والبعد عنهم سفينه وقد نصحتك فأنظر ... لنفسك المسكينه

فصل

وحدثني الشيخ بلال بن جرير المحمدي قال: لمّا ملك حصن الخضراء بعدن وأخذت الحرة بهجة أم علي بن أبي الغارات وجدت عندها من الذخائر ما لم يقدر على مثله وعدن كلها بيدي في مدة متطاولة. قال بلال: وبين عدن وبين لحج مسيرة ليلة فأذكر إني كتبت من عدن بخبر الفتح واخذ الخضراء وسيرت بشيرا بالبشرى إلى مولانا الداعي سبا بت أبي السعود، وفي اليوم كان فيه فتح الخضراء فتح مولانا مدينة الرعارع فألتقى رسولي ورسوله بالبشرى وذلك من أعجب التاريخ سنة خمس وأربعين وخمس مائة. واشتغلت الجاوش بالأكل والشرب ودار السكر بينهم فصار مقدمهم ينادي أصحابه: كفوا عما انتم عليه مشغولون! فلم يسمع منه إلا من له لب وفهم وبقي الباقون غادون على حالهم إلى أن نزل صاحب الحصن التعكر مع جمع من الخلائق فركبوا السيف على الجاشو فلم يسلم منهم إلا كل طويل لعمر فكانت جماجم رءوسهم ملء تلك الأرض. فكان إذا أشكل على رجل من أهل عدن موضعا قال: أبن من الجماجم؟ فعرف الموضع بالجماجم والمعنى بالجماجم رؤوس الجاشو. فلما انتصرت لبنو زريع هذا النصر نزلوا من الحصن وسكنوا الوادي وبنوا الدور الملاح وهم أول من بنى الدور الحجر والجص بعدن، وكان يجلب الحجر إلى عدن من أعمال ايين لأجل العمارة. ولم يظهر لأهل عدن المقلع إلا أبو الحسن علي بن الضحاك الكوفي فلما أنّ سكن عدن اشترى عبيدا زنوجا يقطعون الحجر من جبال عدن وكانت الجوار تنقله على أعناقها. فمن حينئذ قطعوا الحجر بها وصارت مقالع يعرف كل مقلع بصاحبه: مقلع علي الأنكي ويوسف الأردبلي ومقلع رشى النجار ومقلع إسماعيل السلامي ومقلع حميد أبن حماسة ومقلع عبد الواحد بن ميمون ومقلع أبي الحسن الدوري وتملكوها إلى أن صارت لهم ملكا ومستغلات. فصل ولمّا قبض شمس الدولة نوران شاه بن أيوب بن شاذي علي عبد النبي بن علي بن المهدي وهو آخر من تولى من العرب أرض الخصيب وجاء به مسلسلا إلى عدن وقبض على ياسر بن بلال بن جرير المحمدي مولى الداعي محمد أبن أبي السعود بن زريع وهو آخر من تولى من الدعاة اقعد كل واحد منهم في خيمة وحده. فالتفت عبد النبي فوجد ياسر بن بلال يسارقه بالنظر فقال: يا عبد السوء ما تنظر إلى أسد مقيد بقيد من حديد ومسلسل بسلاسل حديد وكان أبناء زريع يودون الخراج إلى الخلفاء الفاطميين وهو لأجل المذهب لأن القوم كانوا إسماعيلية وكل من تولى بأرض اليمن من بني زريع يسمى الداعي أي يدعو الخلق إلى المذهب. والملاحدة الذين هم ملوك كرد كوء والموت وهما حصينين على جبل علي مدور لهم أي للملاحدة يأخذون الخراج من جبل السماق الذي لهم بأعمال الشام ومن القرامطة الذين بالسند ومن التورسنا الذين هم بأعمال نجران وإنّ كانوا كفارا فهم على عقيدة واحدة. وبعدهم ملكوا الغز البلاد وبنوا المنظر على جبل خقات وبعد رجوع شمس الدولة توران شاه بن أيوب من اليمن إلى مصر، وسلم عدن إلى فخر الدين أبو عثمان عمر بن عثمان بن علي الزنجبيلي التكريتي. ذكر بناء سور عدن

فصل

حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى قال: أرسى مركب من المغرب إلى عدن في الليل فنزل الناخوذة من المركب فدار عدن فإذا هو بدار عالية وبه شمع يقد وعود يبخر فدق الباب فنزل الخادم ففتح له وقال له: هل لك من حاجة؟ قال التاجر: نعم. فأستأذن الخادم له فقال له صاحب الدار يصعد فصعد فسلم كل على صاحبه من غير معرفة وجرى الحديث فقال الناخوذة: إني قدمت الليلة من المغرب وأريد من إنعام المولى أن أخفي عنده بعض التحف. قال: ولم؟ قال: خوفا من الداعي. وقال له: أقبل ولا تخف من الظالمين انقل جميع ما معك إلى الدار الفلانية! فنزل التاجر فصارت البحارون ينقلون المتعاع من المركب إلى الصناديق إلى الدار إلى أن يخلوا ثلثي ما في المركب. فلما أصبح الناخوذة وجد صاحبه البارحة الداعي بعينه وقال في نفسه: خفت من المطر وقعت تحت الميزاب! وتشوش خاطره وأسود ناظره. فانقذ الداعي إليه وقال له: أنا صاحبك البارحة وأنا الداعي مالك عدن اليوم طيب قلبك واشرح صدرك! عشور مركبك هبة مني إليك مع الدار التي نزلت فيها وهذه ألف دينار تنفقها ما دمت في بلادنا وحرام عليّ اخذ شيء منك لا على وجه الهبة ولا على وجه البيع والشراء. فقال له الناخوذة: وعلى ما هذا كله؟ قال: لدخولك علينا البارحة منزلنا في نصف الليل. وأمر أن يمد سور من الحصن الأخضر إلى جبل حقات فادير سور ضعيف وأرتدم بعضه على بعض وهتدم لدوام الموج عليه فلما خرب ادير عليه سور ثاني من القصب شبك. وبقي على حاله إلى أن بناه أبو عثمان عمر بن عثمان بن علي الزنجبيلي التكريتي دائرا على جبل المنظر إلى آخر جبل العر وركب عليه باب حقات، وأدار سورا ثانيا على الجبل الأخضر وحده من الحصن الأخضر إلى التعكر على رؤوس الجبال، وأدار سورا على الساحل من الصناعة إلى جبل حقات. وركب عليه ستة أبواب: باب الصناعة، وباب حومة، وباب السكة، وهما بابان يخرج منهما السيل إذا نزل الغيث بعدن، وباب الفرضة ومنه تدخل البضائع وتخرج، وباب مشرف لا يزال مفتوحا للدخل والخرج، وباب حيق لا يزال مغلقا، وباب البر قد تقدم ذكره. وبنى سورها بالحجر والجص وبنى الفرضة وجعل لها بابين. فصل قال أبن المجاور: وخروج الإنسان من البحر كخروجه من القبر والفرضة كالمحشر فيه المناقشة والمحاسبة والوزن والعدد، فان كان رابحا طاب قلبه وإنّ كان خاسرا اغتم فان سافر في البر فهو من أهل ذات اليمن وإنّ رجع في البحر فهو من أهل ذات الشمال. فإذا كان هذا حال المخلوق في عالم الكون والفساد مع مخلوق كذا فكيف حال المخلوق بين يدي الخالق غدا في هول العرض الأكبر اللهم لا تناقشنا يا كريم! وبنى أبن الزنجبيلي قيصارية العتيقة والأسواق والدكاكين ودور الحجر ورجعت عدن في زمانه. فلما دخل سيف الإسلام إلى عدن أوقف أبن الزنجبيلي جميع الأملاك على مكة سنة خمس وسبعين وخمسمائه. وبنى الملك المعز إسماعيل بن طغتكين بن أيوب بنيا جميعها دكاكين بالباب والقفل للعطارين قيصارية جديدة، ثم بناها المعتمد رضي الدين محمد بن علي التكريتي على اسم الملك المسعود يوسف بن محمد بن أبي بكر. وكثر الخلق بها فبنوا الدور والأملاك وتوطن بها جماعة عرب من كل فج عميق. وبنا المعتمد محمد بن علي حمام حسين وحفرت الناس بها الآبار وبنوا بها المساجد وأقاموا المنابر ورجعت طيبة. والأصح إنما عمرت إلا بعد خراب فرضة أبين وهرم. وانتقلوا التجار من هاتين المدينتين وسكنوا قلهات ومقدشوه فعمرت الثلاث المدن حينئذ والله اعلم. صفة عدن وذكرها بناء البلد في وادي البحر مستدير حوله هواء كرب ولكنه يقطع خل الخمر في مدة عشرة أيام وماؤها من الآبار وشيء يجلب من مسيرة فرسخين والله اعلم. ذكر الآبار العذبة داخل عدن بئر حلقم عود السلطاني، وبئر علي بن أبي البركات أبن الكاتب قديمة، وبئر أحمد بن المسيب، وبئر أبن أبي الغارات قديمة عند باب عدن، وبئر المقدم قديمة، وثلاثة آبار لداود بن مضمون اليهودي وثلثه آبار للشيخ عمر بن الحسين، وبئر لعلي بن الحسين الأزرق، وبئر جعفر قديمة طولها أربعون ذراعا، وبئر زعفران اشتريت بمدته وأوقفت على المسلمين. فصل

فصل

حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى قال: أنه كان ينقل ماء بئر زعفران إلى سائر بلاد اليمن، قال لأن سيف الدين أتابك سنقر مولى الملك المعز إسماعيل بن طغتكين شرب عند المعتمد محمد بن علي التكريتي نبيذا أعجبه طعمه فقال له: مم عملت هذا النبيذ؟ قال: من ماء زعفران. إذا افلت في هذا الماء داذي وترك في الشمس يرجع نبيذا كما ولا يحتاج إلى عسل ولا إلى شيء أي وضعه، فمن الحين كان ينقل له هذا الماء إلى الجند وتعز وصنعاء وزبيد يعملون منه نبيذا والأصح ماء الترب. ويقال إنّه في الأصل كان عذبا فراتاً والآن قد علته ملوحة بعض الشيء من سوء أفعال الخلق. وبئر السلامي بئر حفرها الشيخ إسماعيل بن عبد الرحمن السلامي، وبئر روح قديمة، وبئر عود قديمة، وبئر أبن الذويب صهر الشيخ معمر بن جريج، وبئر الحمام حفرها محمد بن علي التكريتي، وبئر الحمام الثانية قديمة، وبئر مور قديمة، وبئر جلاد قديمة، الخضامي قديمة. فصل حدثني محمد بن زنكل بن الحسن الكرماني عن رجل من أهل عدن قال: حدثني عبد الله بن محمد الإسحاقي الداعي إنّ بداخل عدن مائة وثمانون بئرا حلوة ولكنها مانعة والله اعلم. ذكر الآبار المالحة بعدن بئر وضاح قديمة، وبئر ثانية إلى جنبها، وبئرين عند مرابط الخيل، وبئر أم حسن قديمة، وبئر قندلة على طريق الباب، وبئر سنبل قرب الحمام، وبئر سالم، وبئر حندود، وبئر فرج، وبئر الزنوج، وبئر الأفيلة وحفرت سنة عشرين وستمائة، وبئر ريش السوابي، وبئر في قرب دار القطيعي السلاطة، وبئر الشريعة. ذكر آبار ماؤها بحر عدن بئر في حافة الدياكالة، وبئر عند باب مكسور، وثلاثة آبار للبرابر، وبئر عند الجامع، وبئر عند مسجد آبان، وبئر مسجد المالكية، وبئر حبس القاضي، وبئر أبو نعمة، وبئر الجماجم، وبئر الصناعنة، وبئر سوق الخزف، وثلاثة آبار عند بيت أبن فلان، وبئر سنبل، وبئرين عند مسجد النبي، وبئر الأديب ظفر، وبئر الحقات، وبئري حساس، وبئر الجرائجي. والصهريج عمارة الفرس عند بئر زعفران، والثاني عمارة بني زريع على طريق الزعفران أيمن الدرب في لحف جبل الأحمر، إذا حصل المطر تقلب السيل إليه يومين ويضمن كل عام بسبعمائة دينار. قال أبن المجاور: وضمن بعضهم هذا في منتصف ربيع الآخر سنة أثنين وعشرين وستمائة بألف وثلاثمائة دينار. فقصصت هذه الحكاية على الكرماني الحفار فقال: يمكن أن تكون مزورة. قلت: الدليل عليه أن الغيم والشمس لا يزالا يعلوانه وكلما تقصره الشمس يحلو. قال: أليس إنّ الشمس تأخذ ما خف من المياه؟ قلت: فما أخف في المياه من الماء المالح ولا أثقل من الماء الحلو. قال: أريد على هذا برهان. قلت: لو لم يكن ماء البحر خفيفا لجاف ولو جاف لمّا كان أحد يسلكه فمن خفته ثبت على حال واحد والوجه الرابع. حدثني عبد الله بن مسلم ساكن المياه وعبد الله بن يزيد الحجازي وغزي بن أبي بكر وعمرو بن علي بن مقبل قالا جميعا: إنّ وراء جبل العر فضاء وعليه جبل دائر والبحر مستدير حول الجبل وفي صدر الوادي أي في لحف الجبل يخرج منه عين ماء عذب يغلب إلى الوادي، وقد نبت على نداوة هذه العين شجر الآراك والتنضب والعشر وقد يرجع عقدة. قلت: فلما لا يستقي منها أهل عدن؟ قال: ليس إلى هذا السيل ولا عليه طريق الرجالة تتعلق في لحف الجبل. قلت: وما علمكم بهذا؟ قال: إنّ عاما من الأعوام خالفت عدن وغلقت أبوابها ونحن في المياه فهربنا بجمالنا إلى هذا الوادي. قال: فحينئذ حبر أبن المعلا وهذا هو الأصل في 000 وسلم من ساعته. ذكر الآبار الحلوة بظاهر عدن

القول على وقاحة نساء البرابر

بئر أحمد العشيري قديمة طيبة الماء، بئر أحمد بن المسيب حفرت سنة أربع عشرة وستمائة، وبئر العقلاني حفرت سنة خمس عشرة وستمائة، وبئر خيط عتيقة. وبئر عقيب وتسما بئر الكلاب، ويقال إنّ الكلاب نهشت الأرض في هذا الموضع فحفر عقيب ذلك في ذلك المكان بئر عرفت البئر ببئر الكلاب وجدد عمارتها أحمد العشيري سنة أثنتين وستمائة، وبئر الجديدة حفرت سنة إحدى وعشرين وستمائة، وبئر السلامي حفرت سنة سبع عشرة وستمائة، والآبار التي بطريق اللخبة آبار اللخبة بئر السماكين على الطريق في قرب المسجد حفرت سنة ست عشرة وستمائة، وبئر الموحدين في أول شط اللخبة، وبئر أصحاب العمارة حفرت سنة أربع عشرة وستمائة لأجل ضرب اللبن، وبئر الشيخ علي بن عبيد في وسط اللخبة حفرت سنة عشر وستمائة، وبئر السعفة حفرت على طريق المفاليس قديمة ولم يستق منها إلا إذا علا الماء بعدن، وبئر العماد على طريق ابين قديمة يستقى منها أيام الموسم. وغالب سكان البلد عرب مجمعة من الإسكندرية ومصر والريف والعجم والفرس وحضارم ومقاديشة وجبالبة وأهل ذبحان وزياليغ وباب وحبوش، وقد التأم أليها من كل بقعة ومن كل أرض وتمولوا فصاروا أصحاب خير ونعم. وغالب أهلها حبوش وبرابر. ولم يكن في سائر الربع المسكون والبحر المعمور أعجب من نساء البرابر ولا اوقح منهن والله اعلم. القول على وقاحة نساء البرابر إذا تخاصم بعض نساء البرابر مع أخرى تخلع ما عليها من ثياب وتلطم صدرها وتصفق وتقفز وتسلق عيناها في وجه صاحبتها وتغدو كل واحدة منها تارة تنام وتارة تنحني وتارة تضحك وتبكي وتارة تعبس وتارة تلطم. وتنتف شعرتها تذره في الهوا وتدخل إصبعها في رحمها وتلعق صاحبتها من رحمها أو تدس إصبعها في ثقبها وتشم صاحبتها الخراء، وأيش ما عملت إحداهن عملت الأخرى مثل الأولى فما رأيت أوقح ولا أوسخ ولا أقل حياء من البرابر لا جزاهم الله عن الإسلام خيرا وقال النبي (: الحياء من الإيمان. وقال حكيم: إذا لم تستحي فأصنع ما شئت! وقال بعض العجم في هذا المعنى شعرا: جه نيكو كفت خسروبا سباهي ... جو شرمت نيست روآن كن كه خوافي فصل نساء بين الصورين بالموصل ونساء النفّاطات ببغداد إذا خاصمت إحداهن الأخرى تصعد السطح عريانة وتقف على الطف وتضرب يدها على رحمها وتقول: إضربي من حرى لبن ومن شعرتي تبن! ونساء يتربون في الخانات يسمونهم العجم كام سرواني إذا خاصمت إحداهن الأخرى تضرب إصبعها في جعصها وتشم صاحبتها. ونساء السناكمة في اليمن إذا خاصمت إحداهن الأخرى ترفع إزرتها وتقف على أربع وتقول للتي تقابلها: بالله ياستي ابصري الهلال قد طلع والخزا قد انقطع! ونساء سيوستان تخلع ثيابها وتنزل السيل عريانة تسبح. ونساء القرامطة إذا قعدت لقضاء حاجة تغطي وجهها وتكشف قماشها كله. ونساء النهروان تمدد قائمة قدام المزين ويحلق لها شعرتها، وإذا أرادت أن يحلق لها شعر أستها يدس المزين في أستها أكرة صغيرة فيها خيط ممدود وتضم المرأة شعرتها على الأكرة ويمد المزين الخيط بيده اليسرى فحينئذ تخرج شعرتها فيحلق الشعر بيده اليمنى وكذلك الرجال. ونساء الروم يدخلن الحمام مع الرجال فتدخل المرأة مع زوجها عريانة. والسماكات في الديبول فإذا تخاصمت امرأة مع أخرى تدس السمك في رحمها، والنساء اللاتي يبيعون الخضر تدس في رحمها فجلة. ملبوسهم الكتان والعمائم الملس، وإما العجم فتنعمم بذؤابة بر الذؤابة فتعززها في العمامة ثانية، وهكذا أصحاب الشيخ عدي بالموصل، وعلى كتف لك واحد منهم كرأى مصلى أو منديل مطرز. وقيل لرجل من أهلها: تعال معي إلى فلان! قال: أنا عريان قال: أليس ثيابك عليك؟ قال: صدقت ولكن ليس معي كرو. لبس نسائهم الحجل وهو الخلخال والحراف ويسمى عند العجم مسحه والدملج. وانشد بعضهم في حلي أهل اليمن: يا بدر تم طلعا ... ونور فجر سطعا ويا قضيبا ناعما ... على كثيب مرعا وبارقا من ثغر من ... بهواء قلبي لمعا ويا غزالا مر بي ... عصرا يجر الخلعا محجلا مدملجا ... محرفا مملجعا

فصل

مشيعا مظرفا ... مطوقا مقنعا معبلا محجلا ... مكحلا مشرعا منعما معطرا ... ملطفا مسرعا ومادتهم من الهند والسند والحبشة وديار مصر ومأكولهم الخبز وأدمهم السمك. غاية عمل نسائهم القفاع ورجالهم تبيع العطر والقنبار. وبناء دورهم مربعة كل دار وحدها طبقتين الأسفل منهما مخازن والأعلى منهما مجالس، وبناؤهم بالحجر والجص والخشب والملح والجص فصل اختفت الكلاب فيها بالنهار وذلك إنّ كلبا كلب فأكل بعض أولاد البرابر فاستغاثت المرأة البربرية إلى رضي الدين المعتمد محمد بن علي التكريتي فأمر المعتمد بقتل كل كلب في عدن فقتل في اليوم خمسة وعشرون كلبا وهرب الباقون إلى رؤوس الجبال وبطون الأودية. وسكنوا طول النهار ويخرجون في الليل يدورون البلد بالليل، وذلك في سنة أثنين وتسعين وخمسمائة يأكلون ما يجدونه مرميا في السناديس لان سناديس القوم على وجه الأرض كما قال أبن عباد الرومي: بريين القطاط بغير نفع ... ليأكلن الذي يرمين سقطا فبهن قبور أولاد الزواني ... إذا اسقطتهن لثمن قطا ولم يظهر بمكة كلب بالنهار بل يأوون في الجبال، وتأوى الكلاب في الكوفة بالنخيل وفي مقدشوه بالمقابر، وأما كلاب عدن فنعوذ بالله من عضهم لأنهم رجعوا سما ناقعا لقلة شربهم الماء وإذا حصل لهم ما لا يكون مالحا وهو اشد من كل شديد. ذكر وصول المراكب إلى عدن

ذكر العشور

إذا وصل مركب إلى عدن وأبصره الناظرون والناطور على جبل نادى بأعلى صوته: هيريا وهو آخر جبل الأخضر الذي بني عليه الحصن الأخضر ويسمى في الأصل سرسيه. وما يقدر الناطور ينظر إلا عند طلوع الشمس وغروبها لأن في ذلك الوقت يقع شعاع الشمس على وجه البحر يبان عن بعد مسافة ما كان، ويكون الناطور قد عرض عودا قدامه فإذا تخايل له شيء في البحر قاس ذلك الشيء على العود فأن كان طيرا أو غيره زال يمينا أو شمالا أو يرتفع أو يرتفع فيعلم إنّه لا شيء، وإنّ كان الخيال مستقيما على فيء العود ثبت عنده إنّه مركب أشار إلى صاحبه وهو ينادي: ياهيريا وأشار صاحبه إلى رفيقه وأشار الرفيق جراب بأعلام المركب فحينئذ يوصل الجراب خبر المراكب إلى وإلى البلد. فإذا خرج من عند الوالي اعلم المشايخ بالفرضة وبعدهم ينادي بأعلى صوته من على ذروة الجبل: هيريا هيريا هيريا! فإذا سمع عوام الخلق الصوت ركب كل جبل وصعد سطحا يشرف يمينا وشمالا فان كان ما ذكره صحيحا يعطي له من كل مركب دينار ملكي وذلك من الفرضة وإن كان كاذبا يضرب عشرة عصى. فإذا قرب المركب ركب المبشرون الصناييق للقاء المركب فإذا قربوا من المركب صعدوا وسلموا إلى الناخوذة ويسألونه من أين وصل ويسألهم الناخوذة عن البلد ومن الوالي وسعر البضائع. وكل من يكون له في البلد أهل أو معاريف من أهل المراكب إما أن يهنونه أو يعزونه له وعليه. ويقدم شيء نحو نفوة ويكتب اسم الناخوذة وأسماء التجار ويكون الكراني قد كتب جميع ما في بطن المركب من متاع وقماش فيسلم إليهم الرقعة. وينزل الميشرون في الصناديق راجعين إلى البلد كلهم رأسا واحدا إلى الوالي ويعطونه رقعة الكراني مع ما كتبوه من أسماء التجار ويحدثونه بحديث المركب ومن أين وصل وما فيه من البضائع ويخرجوا من عنده يدورون في البلد ويبشرون أهل من وصل بجمع الشمل ويأخذ كل بشارته. فإذا وصل المركب المرسى وأرسى تقدم إليهم نائب السلطان ويصعد المفتش رجلا بعد رجل ويصل التفتيش إلى العمامة والشعر والكمين وحزة السراويل وتحت الأباط ويضرب بيده على حجرة الإنسان ويدخل يده بين اليتيه ويشتمه على قدر المجهود. وكذلك عجوز تفتيش النساء تقرب بيدها في أعجازهم وفروجهن. فإذا نزلت التجار إلى البلد نزلوا بدبشهم من الغد، وبعد ثلثة أيام تنزل الأقمشة والبضائع إلى الفرضة تحل شدة شدةً وتعد ثوباً ثوباً. وإن كان من بضائع البهار يوزن بالقبان ويضرب في جميع ما اشكل عليهم الشيخ لئلا يبقى شيء وقد عاهدوا الله عز وجل وأن يبذلوا المجهود قدام المشايخ. قال أبن المجاور: وحينئذ يظهر على التاجر الحراف ويقتله الحزن ويبقى في وادي الدبور بما يعملون معه من الفعل الذي يطير منه البركة والسعادة. ذكر العشور

ذكر تخريج عشور الشواني

ثم ضرائب وقوانين استجدت من أيام دولة بني زريع ويقال أوّل من استجده فلان اليهودي، وقيل يسمى خلف اليهودي النهاوندي، فبقيت الخلق تجري على قواعدهم وضرائبهم إلى يوم الدين. يؤخذ في بهار الفلفل ثمانية دنانير عشور ودينار شواني وخروجه على الفرضة دينارين، وعلى قطعة النبل أربعة دنانير شواني وخروجه من الفرضة ربع، وعلى بهار الانكزة وهو الحلتيت ثمانية دنانير، وعلى بهار قشر المحلب ثلثة دنانير ونصف، وعلى بهار الطباشير أحد وعشرين دينار إلا ثلث ودينار شواني، وعلى عود الدفواء نصف المبلغ، وعلى فراسلة الكافور خمسة وعشرين ديناراً ونصف وسدس، وعلى بهار الهيل سبعة دنانير، وعلى فراسلة القرنفل عشرة دنانير وشواني دينار، وعلى الفراسلة عشرة امنان عنها عشرون رطلا، وعلى فراسلة الزعفران ثلاثة دنانير وثلث، وعلى بهار الكتان سبعة دنانير ونصف. وإذا ابتاع مركب يؤخذ من البائع من المائة عشرة دنانير، ويؤخذ من الحديد عشور النصف استجد في أيام دولة سيف الإسلام طغتكين بن أيوب أوّل من أخذ منه من أبي الحسن البغدادي ويقال من فلان الفرواني سنة ثمان وتسعين وخمسمائة. ومن الللاك الربع ويقال الثلث ودينارين استظهارا ومن بهار الفوة اثنا عشر دينارا استجد في أيام دولة الملك المعز إسماعيل بن طغتكين وكان عليه قبل دينارين ويقال ثلثه، وعلى بهار الحمر ثلاثة جوز، وعلى العشرة المقاطع دينارين ونصف، وعلى العشر العقدات نصف ربع جائز، وعلى الرأس الضأن ربع، وعلى الحصان إذا دخل البلد خمسين ديناراً استجد في دولة الملك الناصر أيوب بن طغتكين بن أيوب ويؤخذ في خروجه إلى البحر سبعين ديناراً، وعلى الرأس الرفيق دينارين وإذا خرج من الباب نصف دينار، وعلى العوبلي السندابوري ثمانية دنانير ودينار شواني، ويؤخذ في الخروج من الباب على العوبلي نصف دينار وهو لضامن دار النبيذ، ويؤخذ على شقق الحرير من عمل زبيد نصف دينار وجائز، وعلى الثوب الظفاري ربع وجائز، وعلى الشقة البيضاء ثمن، وعلى السوسى ثلث قراريط، وعلى فوط السوسى ربع وجائز، وعلى كورجة المحابس أربعة دنانير، وعلى كورجة الاحواك دينارين ونصف، وكذلك السباعي، وعلى كوجت الثياب الخام الهندي دينارين ونصف، وعلى سواسى الكتان الكبار جائزين وقيراط وعلى الصغير جائزين وفلسين، وعلى كل قفعة ذرة ثمن، والله سبحانه وتعالى اعلم. ذكر تخريج عشور الشواني لم يكونوا ملوك بني زريع يعرفون الشواني وبقوا إلى أن دخل شمس الدول توران شاه بن أيوب اليمن ودخل معه شواني. فلما خرج ولي عثمان بن علي الزنجبلي التكريتي عدن وبقيت عنده الشواني إلى أن هرب دخل سيف الإسلام طغتكين بن أيوب اليمن، فأشار عليه بعض أرباب العقل فقال له: وبم تستحل اخذ العشور من التجار؟ قال: اجري على ما كانت عليه ملوك بني أيوب فيما تقدم من الأيام. فقال له: انهم كانوا يأخذون الناس بيد القوة ولكن خذ ذلك أنت على رأي تشكر به عند الخلق. قال: وما هو؟ قال: انفذ بهذه الشواني إلى البحر يحموا التجار من السراق وتكون لهم بعض الشيء على السداد بدل ما هي بطالة تقرعها الشموس. قال: والله لقد جئت برأي حسن! فأخرج الشواني إلى الهند فكانت الشواني تقف على رأس المنادخ يحفظون مراكب التجار من سطوة السراق فبقوا على حالهم إلى سنة ثلث عشرة وستمائة. ودخل بعض الأكابر وقال: خلد الله ملك مولانا السلطان إنّه يخرج من خزانة المولى كل عام لأجل الشواني خمسين ستين ألف دينار بطال فان اخذ المولى هذا القدر من التجار لم يضرهم ذلك. قال: فكيف العمل؟ قال: كل ما اخذ من العشور ألف دينار يؤخذ منه الشواني مائة دينار فهو يجتمع للمولى ولم يبن التاجر. وأسس ذلك في أيام دولة الملك المسعود يوسف بن محمد بن أبي بكر بن أيوب وبقي إلى سنة خمس وعشرين وستمائة. كتب الشريف إلى الملك المسعود: إن مال الشواني يحصل إن سافرت الشواني وإن لم تسافر. فكتب الملك المسعود وقال: إن كان الأمر على ما ذكره مستقيم أبطلوه! فبطل الشواني وصار عشوره يؤخذ إلى يوم القيمة مع الشواني والله اعلم. الذي لم يؤخذ عليه عشور

ذكر ما استجد في عدن

الواصل من ديار مصر: الحنط والدقيق والسكر والأرز والصابون الرقي والأشنان والقطارة وزيت الزيتون وزيت الحار والزيتون المملح وكل ما يتعلق بالنقل إذا كان قليلا والعسل والنحل إذا كان قليلا. والذي يجلب من الهند: كل ما يراسل في البحر الهليلج المربى والأكرار والمخاد والمساور والأنطاع والأرز والكجري وهو الأرز والماش مخلوط والسمسم والصابون ومن البضائع المغر الكلاهي والنشم وحطب القرنفل وثياب العرانية تعمل في بدقلى ومن معاملة الشجر التمر المقلف وهو الذي استخرج نواه، والسمك المملح إن كان برأس اخذ عليه وإن كان بلا رأس لم يؤخذ عليه. ونعال الهندية إن كان بشراك اخذ عليه وإن كان بلا شراك فليس عليه. والتيس والمعز ليس عليه. وكان الموجب إنّه قدم سفارة الحبشة بغنم عدوها فلما اشتغل العدادون بالعدد قام تيس يشق الجمع وجاء وقعد وراء ظهر ياسر بن بلال بن جرير المحمدي والأصح وراء الداعي عمران بن سبأ. فلما فرغوا من العدد أرادوا أن يعدوا التيس مع الغنم فقال الداعي: معاذ الله أن نأخذ عليه شيءً لأنه قد استجارني! فأزال عنه العشور. والأصح إنّه ابصر لحيته فقال: حاشا أن يوزن على لحيته عشور! والخرز الذي يجلب من الديبول وغلمان حودر يجلبون من الهند. ذكر ما استجد في عدن من الوكالة ودار الزكوة. لمّا كان بتاريخ جمادي الأولى سنة أربع وعشرين والأصح سنة خمس وعشرين وستمائة أسس في عدن دار وكالة وعلى كل بضاعة لم يؤخذ عليها عشور يؤخذ منها زكوة فصار الآن يؤخذ خمس عشورات في مرة واحدة: عشور قديم وهو مال الفرضة وعشور الشواني ودار الوكالة من الدينار قيراط ودار الزكوة والدلالة. فصل قدم الناخوذة عثمان بن عمر الآمدي من المصر وجد معه منين عود دون الله عز وجل أخذوه منه. فلما جاء وقت المحاسبة قوم المن العود بستة دنانير خرج عشوره دينار ونصف وخرج شواني نصف وربع وقوم في دار الوكالة بخمس وعشرين دينارا صح الوكالة ثمانية دنانير ودناقين وخرج زكوة دينار وربع وخرج دلالة نصف دينار صح المبلغ خمس عشر دينار خرج منه ثمن العود ستة دنانير فضل عليه تسعة دنانير. حلف الناخوذة عثمان بن عمر الآمدي يمين بالله العظيم: إني لم ازن منه شيئاً ولا فلساً واحداً! ما يكفي أنكم تأخذون مني منين عود بلا شيء وتطالبون بتسعة دنانير أخرى. ودخل الأمير ناصر الدين ناصر بن فاروت وجماعة في ذلك فقالوا لهم: إنّه رجل متردد إلى عدن ونحن نأخذ منه أضعاف ذلك. ودخل المتوسط بينهم حتى خرج رأس برأس. وضمن كل ما في عدن ما خلا السمك والماء لا غير وزيد في القبان سدس بهار عما كان في الأول. وغير جميع مكاييل اليمن ووضعوه على عيار زبدي الجند وغيروا الأوعاد كلها سنة خمس وعشرين وستمائة. والفرضة هي مع القوم بالأمانة ويقال إنّه وصل مركب وزن عشوره ثمانون ألف دينار. وكان يرسي في كل عام تحت جبل صيرة سبعين ثمانين مركب زائد ناقص. وكان يرفع من عدن في كل عام أربع خزائن إلى حصن تعز: خزانة قدوم المراكب من الهند وخزانة دخول القوة إلى عدن وخزانة خروج الخيل من عدن إلى الهند وخزانة سفر المراكب إلى الهند. وكل خزانة من هذه الخزائن يكون مبلغها مائة وخمسون ألف دينار زائد ناقص وانقطع ذلك في زماننا هذا سنة خمس وعشرين وستمائة. وكان معاملة عدن في أيام بني زريع ذهب السنعاني علي عيار البسطامي واقل منه. ونقد البلد ذهب ملكي يسوى بالدينار المصري أربعة دنانير ونصف ملكي ويحسب الدينار أربعة أرباع كل ربع ثلاثة جوز كل جائز ثمانية فلوس كل فلس بيضتين. ويقال أوّل من ضرب الدينار الملكي أحمد بن علي الصليحي بصنعاء ويباع الروسى بالقصبة طول القصبة أربعة اذرع بالحديد ويباع الألواح الساج بالذراع الحديد. وكل ما يباع في المنادى خرج وأمانة ومن زاد ركب، وكذلك العبيد والجوار. صفة بيع الجوار

ذكر البيع والعيب

تبخر الجارية وتطيب وتعدل ويشد وسطها بمئزر ويأخذ المنادى بيدها ويدور بها في السوق وينادي عليها ويحضر التجار الفجار يقلبون يدها ورجلها وساقها وأفخاذها وسرتها وصدرها ونهدها. ويقلب ظهرها ويشبر عجزها ويقلب لسانها وأسنانها وشعرها ويبذل المجهود. وإنّ كنا عليها ثياب خلعها وقلب وابصر وفي أخر الأمر يقلب فرجها وجحرها معاينة من غير ستر ولا حجاب. فإذا قلب ورضى واشترى الجارية تبقى عنده مدة عشرة أيام زائد وناقص فإذا رعى وشبع وملّ وتعب وقضى وطرء وانقطع وطره يقول زيد المشترى لعمرو البائع: بسم الله يا خواجا بيني وبينك شرع محمد بن عبد الله فيحضرى عند الحاكم فيدعى عليه العيب. ذكر البيع والعيب حدثني الحسن بن علي حزور الفيروزكوهي قال: إني بعت جارية هندية بعدن على رجل أسكندراني بقيت عنده مدة سبعة أيام فلما شبع استعيب فيها وأحضرني إلى الحاكم وادعى علي بالعيب. فقال الحاكم: وما عيبها؟ قال: هي واسعة الرحم رهلة الفرج. فقلت له: إذا كان ايرك صغيرا وأنت تتباخل على الجارية بشرى الماء فما يصنع رحمها السمين الأبيض المنتوف الطيب. فلما سمعها الحاكم قال لمن حضر: أخرجوهم! فخرجنا ورحت إلى شغلي وبقيت الجارية في كيسة ولم ادر ما فعل الدهر بهما. وإذا اشترى زيد ثوباً واستغلاه فرق طرفه ورده على صاحبه لاستظهار عيبه ويأخذ الدلال دلالته عند القاضي عنف وكره ويحكم له الحاكم على كل دينارين فلسين دلالة فان باع على دكانك له من كل دينار فلس وإنّ باع جملة فعلى المائة دينار ولهم، في كل قطعة نيل ربع. ولو أراد بعض الناس الخروج لوداع مسافر من الباب لمّا قدر إنّ لم يكن معة خط جواز وضامن يضمنه بما يظهر عليه بعد وقت مكن مال أو عشور ويكتب في الرقعة علامة الوالي ويخرج بعد ذلك وإنّ لم يكن له ضامن وإلا اخذ منادي ينادي عليه في الأسواق: إنّ فلان بن فلان خارج من الباب فكل من له عليه شيء يطالبه! فان ظهر عليه شيء كفى الله المؤمنين القتال وإنّ لم يظهر عليه شيء خرج إلى أي موضع شاء كما قيل في المثل: المفلس في أمان الله، وكما قال: قليل الهم لا ولد يموت ... ولا أمر يحاذره يفوت قضى وطر الصبا وأفاد علما ... فغايته التفرد والسكوت ذكر خراب عدن

من عدن إلى المفاليس

يفيض البحر فيغرق جميع البلد وترجع المدينة لجة من لجج البحر. كما ذكر في مبتدأ الخلق إنّه يجوز عليها المراكب مقلعة خاطفة يقول أهل المراكب فيما بينهم: أنا سمعنا في قديم الأيام إنّه كان في هذا الغب بلد عظيم عامر لأهله مقيم سهل سليم ومقام كريم. فيقول أحدهم: ما تسمى؟ فيقول له: شذ عني اسمه. وبعد خرابها يعمر مرسى غلافقه والأصح الاهواب إلى أن يرجع احسن من عدن. حدثني أحمد بن عبد الله بن علي بن الحمامي الواسطي قال: ما بقي من عمارة عدن إلا اليسير. قلت: ولم؟ قال: لأني قرأت في بعض الكتب: إلا إذا اتصلت عمارتها إلى بابها. قال أبن المجاور: وقد اتصل إلى الباب بعض العمارات. وقال آخرون: عدن تخرب سنة سبع وعشرين وستمائة. ودل على تصديق المقالة دخول نور الدين عمر بن علي بن الرسول إلى عدن يوم الأربعاء السادس والعشرين من شهر رجب سنة أربع وعشرين وستمائة. وفي يوم الاثنين الثاني من شعبان طرح الفوة على كل من كان في عدن من غريب وقريب وقوي وضعيف ورجل وامرأة حرة ومفسودة على سعر البهار مائتي دينار وثمانين ملكي وضرب الخلق بالخشب وكانت الأيام شبه أيام المحشر كل منهم محنشر ينادي: أين المفر؟ فلما كان سنة خمس وعشرين وستمائة أخذ جميع فلفل التجار وجميع الخف والنحاس والبربهار حسب الفلفل البهار بأربعين ديناراً وطرحه على أهل الكارم بستين دينار واخذ الصقر من أهل الكارم على سعر البهار بستين ديناراً طرحه على أصحاب الخف بثمانين دينارا وأعطى أصحاب الفلفل الفوة على سعر البهار بأربعة وثمانين ديناراً، ويأخذ البهار بهار وربع وإذا أعطى البهار بهار إلى ربع. ويخرج بعد ذلك من هذه البضائع الواصلة العشور والشواني ودار الوكالة ودار الزكوة والدلالة يفضل مع التاجر لاش في لاش. ويحسب التاجر جميع حسابه بحديده والأرض. وأخذ جميع عطب من وصل من الهند مع التجار مستهلك لا يبيع ولا يشتري. وضمن القبان السنة بعشرين ألف دينار، والسليط على كل بهار يصل خمس دنانير، وسوق الخضرة والجوار والرطب واللحم وجميع الدواب بأحد عشر ألف دينار. ولم يبق شيء يدور عليه اسم وحرف إلا وقد رجع فيه ضمان ما خلا الماء والسمك. من عدن إلى المفاليس من عدن إلى المياه ربع فرسخ. وإلى المزف فرسخ وطوله ثلاثمائة ذراع وستين خطوة بناه شداد بن عاد لمّا بنى عدن، ويقال بناه العجم لمّا أطلقوا البحر على المياه حتى غرق ما حول عدن من الأراضي فجدد العمارة الشيخ عبد الله أبن يوسف بن محمد المسلماني العطار وأوقف على عمارته مستغلات بعدن. وإلى المملاح ربع فرسخ وهو موضع يجمد فيه الملح وكان مخلص رجع الآن عليه ضمان، ويقال إنّ بعضه صار للسلطان لان اتابك سيف الدين سنقر اشترى نصفه بألف دينار وإلى المجد ولى ربع فرسخ وإلى اللخبة ربع فرسخ ومنها ينقل الآجر والزجاج إلى عدن، بناه أبو عمرو عثمان بن علي الزنجبيلي. وإلى الحجر العر فرسخ وهو مقدار مائة حصاة ممدودة على ايمن الدرب. وإلى بئر الرجع فرسخين ويعبر برمل يسمى المغاوى. وأما وادي الرجاء فوادي نزه ويسمى عند العرب الحردة بين أشجار أثل وأراك وقد بني على البئر مسجد حسن. حدثني الحسن بن محمد بن الحسن بن علي بن الحسين المحفني قال: إنّ الأديب ظفر بن محمد بن ظفر بنى المسجد والبئر في الرجاع ويقول أهل البلاد وهم العقارب: ما يتفق ماء الحدرة وعيش أي لم يتفق أكل خبز وشرب ماء بئر الرجاع لان هذا الماء يغني عن أكل العيش. وإلى النويعم فرسخين والنويعم وادي نزه ونخيل وشجر سدر. حدثني بعض أهلها إنّهما واديان أحدهما النويعم والثاني وادي مرحب وهما آخر الوطاءة وأوّل الجبال. وإلى المفاليس فرسخين قصبة مختصرة بنيت في شعب جبل مثلث. وبنى سيف الإسلام على ذروة هذا الجبل حصن مختصر يسمى المصانع يقال إنّه قديم البناء وهو ذو إحكام ومكنة وليس يكون لأهلها بيع ولا شراء إلا أيام الوعد لا غيرا. صفة بناء الجب

من المفاليس إلى تعز

عرب النهائم من موزع إلى أعمال أبين مع جميع العقارب وهم عرب هذه البلاد يسمون بنو الحرث يدعون المحبة لله وفي الله. وإذا وجد أحدهم غزالاً ميتة أخذوها وغسلوها وكفنوها ودفنوها وبقي للغزال غزالاً في جميع القبائل مدة سبعة أيام مشققين الجيوب مقطعين الشعور يذرون الترائب على المفارق فقيل لهم فيما هم فيه فقالوا: نحن نمشي على الأصل ونقول بترك الفرع. كما قال قيس بن الملوح: فعيناك عيناها وجيدك جيدها ... ولكن عظم الساق منك دقيق ولم يأكل أحد من أهل هذه القبيلة خبزا مقابل امرأة ولا يشرب ولو مات جوعا وظماً. ومن هذا الحد يخلى الجمال ويركب الحمير إلى قدام. وما اشتق اسم المفاليس إلا من الإفلاس كما قال أبو نؤاس: أريد قطعة قرطاس فتعوزني ... وجل صحبي أصحاب القراطيس تحاهم الله من ود ومعرفة ... إنّ المياسير منهم كالمفاليس من المفاليس إلى تعز من المفاليس إلى نقيل الحمر فرسخ ونصف، بناه الشيخ أحمد بن الجنيد بن بطال حدثني يحيى بن عبد الرحمن الزراد قال: إنما بناه محمد بن سليمان أبن بطال. ويقال إنّه ثلاثمائة وستون ملوى أي فركة ذبح على كل ملوى رأس بقر فدية وستة أحمال حنطة وخرج ثلاثمائة دينار، ويقال إنّه خرج كل ملوى بألف دينار، وبنى على كل ملوى سقاية ومسجد. فلما أتمه طالبته زوجته بمهرها فقال لها: ما تريدين مني؟ قالت: أريد أن تعطيني ثواب عملك وأنت في حل من المهر، فأعطاها ثواب ما عمله. وتم ستة وعشرين وأربعمائة ويقال ستة وعشرين وخمس مائة وهو بناء عجيب حسن. صفة الحجر الذي في النقيل وفي النقيل حجران فيهما على هيئة فرجي امرأتين. سألت المكارى عن حالهما فقال: إنما كانتا امرأتين مسختين حجرين إحداهما بانت في ضرس جبل والثانية قطعة وفرشت على جملت بناء المدرج. وبين الحجر والحجر مقدار عشر اذرع، يحيطان كل شهر ويقال كل حول. قال أبن المجاور ورأيت فيه شيئاً شبه الدم ولم يتحقق عندي إنّه دم أو غيره. حدثني أحمد بن المهنا الصفار الحلى ثم الفدسي قال: يمكن أن يكون ذلك الدم موميا بني آدم لان موميا بني آدم الأصل فيه هو الذي يعقد من الحجر ويسيل. وقال بعضهم: إنّه يشم من الحجر رائحة كريهة، شممت ذلك ووجدته بخلاف ما قالوا. والحجرين هما على مائتين وثلثي ملوى وهما على يمين الصاعد من المفاليس إلى الجوة وعلى يسار النازل إلى المفاليس قدره مائة وثلثين ملوى. وعلامته أن نبت على رأس الحجر الواحد شجرتان سلم فيصل فيئهما إلى الحجر الثاني الذي ادخل في جملة البناء. وبقي النفيل على حاله إلى أن دخل شمس الدولة توران شاه بن أيوب اليمن فخرجت العرب بعض النقيل لئلا يعبره أحد من الغز. وبقى مهدوم إلى أن تمكن سيف الإسلام طغتكين بن أيوب من الملك وجدد عمارته من ماله والأصح أنه أخذ أمر لعقب بانيه بالجلالة. وكان قبل أن يعمر الشيخ محمد بن سليمان بن بطال الركبي هذا النقيل طريق الحرز، وهو أن يخرج على لحج يدخل وادي ولا يزال يسير فيه إلى الجوة في شعاب وأودية ووطاءة قريب المسافة. وما قطع الناس مسير طريق حرز إلا من شدة الخوف بها لأنّه لا يزال مسافر لحد رأس فلذلك سمى طريق حرز، وسنذكره في أعمال الجوة. وإلى اسفل النقيل فرسخين وبه موضع منحدر يسمى المجرية، وفيه انشد بعضهم يقول: قطعنا الحمراء والمجرية ... مع تلك الجبال والأودية وإلى الحنيش نصف فرسخ. وهما خطان أبيضان في لحف جبل مستقيمان، يقال انهما كانا حنشين ملتقيين فضربهما البرق فمسخوا خطين أبيضين. وإلى الحواض فرسخ، وطاءة ذات خوف شديد. وإلى الجوة نصف فرسخ، من أعمال الدملوة. وإلى الدملوة فرسخ والله اعلم. تم القسم الأول من تأريخ المستنصر ويليه القسم الثاني إن شاء الله تعالى بناء حصن الدملوة

من الجوة إلى تعز

حدثني يحيى بن علي بن أحمد الرداد قال: إنّ النواب ظلموا امرأة بدوية صاحبة نعم ومواشي. فلما شاهدت المرأة اجتراء القوم في أخذ نعمها ساقت ما بقي معها من المواشي وصعدت الدملوة وسكنت المكان. فلما جاء وقت اخذ الراعي من المواشي أبت على أداء ما عليها من حق وباطل ولزمة مكانها. فلمال رأوا قوة بأسها مع شدة ناموسها صعد لها قوم فلم تمكنهم من الصعود ونزلوا حولها فحاصروها فلم يعمل فيها شيء. فلما سمع والي العهد خبر المرأة وتمنعها عن أداء ما عليها من الضرائب المعهودة والقوانين القديمة ورأوا قوة الموضع أنفذ لها ذمة لها ولمن معها وأن يزل عنها وعن مواشها الخراج ويطيب قليها. فنزلت المرأة فبنى الوالي على الموضع حصنا منيعا وهو بذاته قوي مكين سمى الدملوة لدوام مكث طالبيه تحته على أخذه. وانشد محمد بن زياد المازني يمدح أبا السعود بن زريع قال: يا ناظري قلي تراه كما هوه ... إني لأحبسه تقمص لولوه ما أن نظرت بزاخر في شامخ ... حتى رأيته جالسا في الدملوة ولم يقدر أحد من العرب على اخذ إلا سيف الإسلام طغتكين بن أيوب بعد أن حاصرها ستة سنين، وآخر الأمر اشتراها من القائد كافور مولى الداعي بمائة ألف دينار على شرط أن يأخذ جميع ما فيه ويسلم له الحصن شبه جوف حمار، وهو من الحبشة. فلما استوفى المبلغ نزل بحرم الداعي وبجميع ما كان إلى العارة وولي فيه المعلم أحمد الصلوي وجارية ويقال خادم حبشي. فركب في المركب وتعدى إلى أرض الحبشة وانفذ خاتمه إلى سيف الإسلام وأنفذه إلى المعلم أحمد الصلوي بتسليم الحصن. فقال أحمد الصلوي المعلم: لا سمع ولا طاعة لا لسيف الإسلام ولا للقائد كافور، وإما اليوم أنا ملك لتملكي هذا الحصن. فرد سيف الإسلام نزل على الحصن وحاصره ستة اشهر أخرى فلم يقدر على غرر المعلم. فلما انحصر اشترى الحصن من المعلم ثاني مرة بستين ألف دينار وملك الحصن فهدمه وأعاد بناءه ثانية. وركب عليه ستة أبواب ومن جملتها باب الذراع وباب نبهان وباب الأسد وباب الغزال. وحفر فيها ثلاث برك أحدها في الشمس على قلة الجبل والاثنين الآخرين في الفيء وغرس فيها بستاناً حسناً وبنى ميدان وحصنها غاية التحصين. وآخر من اشتراها فارس من جزا زوجة أتابك سيف الدين سنقر بمبلغ عشرين ألف دينار بعد أن حاصرها عام تام في دولة الملك المسعود يوسف بن محمد بن أبي بكر. فلما صار في حوزته وقبضته وأدار حول الجميع الحصن سوراً ثانياً لإحكام الحصن سنة أربع عشرة وستمائة. وقد غرس سيف الإسلام تحت الحصن بستانا يسمى الجنان ويقال الجنات فيه من جميع الفواكه ويطلع فيها وزن كل أترنجة عشرة أمنان. راجع على طريق حرز. من الجوة إلى العيارين فرسخين. وإلى نقيل حرز فرسخ، وما عرف بهذا الاسم إلا إنّه إذا جاز عليه أحد يحرز إنّ يؤخذ وهو تسهيل الملك. وإلى الماء الحار نصف فرسخ، وهو عين يخرج من معينه حار عرف الموضع به، وقد نبت على هذا الموضع جمل من شجر الاكاذي لله وفي الله. وإلى الدعيس أربع فراسخ، وهو من معاملة لحج. وأما أعمال لحج فإنها معاملة طويلة وعريضة تصح مقدار عشرين فرسخاً وقرى كبار من جملتها الرعارع. وفيه يقول علي بن الحسين الأعرج: خلت الرعراع من بني مسعود ... وتبدلت بعد القرود أسود فقال له الداعي سبأ بن أبي السعود: بل تبدلت بعد الأسود أسود. وهو محمد أبن منيع بن مسعود بن مكارم وكان صاحب لحج. فتغلب عليها سبأ بن أبي السعود بن زريع بن العباس بن المكرم. وقور الدعيسي0000 لم يدخلها ناموس. ويرفع منه في كل سنه ألف دينار ملكي إلى بيت المال. واستولى عليها ناصر الدين محمد بن عمر بن المهدي الرازي فأخربها ونهب أهلها وأحرقها في غزة شوال سنة أربع وعشرين وستمائة، وأنتقل جميع أهلها إلى عدن وتفرقت بدوها في تهائم اليمن. وإلى عدن أربع فراسخ. من الجوة إلى تعز

صفة حصن تعز

إلى وادي ورزان فرسخ، وهو نهر يفرق بين ثلاثة أعمال: أعمال الجوة وأعمال الجندية وأعمال تعز. وإلى أكمة همدان فرسخ. وإلى الحمراء نصف فرسخ. وإلى حوبان نصف فرسخ، وقد بنى بها أتابك سنقر بركة مربعة. وإلى تعز ربع فرسخ. وتسمى هذه الأعمال حيز الأخضر لكثرة عشبها وأميائها وخضرتها. صفة حصن تعز حصن بني على طريق حبأ يسمى الجبل الأخضر ذو مكنة بالجص والحجر بأبواب وأسوار وثيقة وعامرة وليس في جميع اليمن اسعد منه حصنا لأنّه سرير الملك وحصن الملوك. قال أبن مجاور: ورأيت في المنام إنّ قائلا يقول لي: إنّ حصن تعز يسمى تل الذهب، أو قال: جبل الذهب. فتأملت قوله فوجدته حقا لان أموال جميع اليمن مكنوزة به. وقال حكيم: إنّه قلعة وضع بين مدينتين إحداهما المغربة والثانية في لحف جبل صبر على هذا الوضع، وصورته على هذا الوضع والترتيب. صفة جبل صبر جبل مدور يصح دوره ثلاثة أيام رفعته ذات طول وعرض، وفيه من القرى والحصون ما شاء الله وبساتين كروم وزروع. ولها أربع مسالك إحداها الخشبة وبرداد وعتدان وجبأ، وما عدا هذه الطرق لم تسلك لوعرها وخشنتها لا لراجل ولا لفارس وهو جبل طيب. وفيه أنشدت شمس النهار بنت أحمد بن سبأ بن أبي السعود ويقال سبأ بن أبي سليمان تقول: عاتبتني فقالت: كيف طاب لك النأي وخليت الوطن؟ يترك الحبيب حبيبة ويطلب الإقامة في عدن واغتضت من صيد الظباء صيود أرباب السفن واغتضت صيرة من صبر سلطان أجبال اليمن وفي بعض كهوفها أصحاب الكهف والرقيم وهم الذين قال الله عز وجل فيهم: (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا) . وأسماؤهم مكسليمنا وبمليخا وبرطبوت وكسرطوس وفرورس وححمسمينا واسم الكلب دير ويقال قطيمر ويقال حمران وانطيس والحاين. وقال آخرون: واوس ولماطونس ومكسلمينا وساوالحسابر وبلميليخا. (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) . وعلى باب الغار مسجد وعلى باب المسجد عين تسمى عين الكوثر، وهو موضع فاضل مزار في العاشر من رجب. فإن قال قائل: ليس القوم في هذا الإقليم، قلنا: بلى لان دقيانوس هو الملك الذي أسس مدينة الكدراء وسكن الجند. وكان القوم من أهل الأفسوس. فلما تم لهم ما تم خرجوا من مدينتهم صعدوا جبل صبر فأووا إلى الكهف وجرى عليهم ما جرى، وكلبهم معهم كما قال الله تعالى: (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً) . كما قال: كثر الشك والخلاف وكل ... يطلب العوز بالصراط السوى واعتقادي أن لا اله سواه ... ثم حبي لأحمد وعلي فاز كلب بحب أصحاب كهف ... كيف أشقى بحب آل النبي وقال دعبل بن علي الخزاعي: ملوك بني العباس في الكتب سبعة ... ولم يأتنا عن ثامن لهم الكتب كذلك أهل الكهف سبعة ... كرام إذا عدوا وثامنهم كلب وينزل ماء تعز من جبل صبر حين اشتراه سيف الإسلام طغتكين لهذا الماء من أصحابه بعشرة آلاف دينار وسبله ويسمى ماء الخشبة وهو ماء خفيف هنيء مريء. ويقال إنّه عين كسر كثير الماء نصفه يقلب إلى تعز ونصفه ينزل إلى مدينة جبأ وهو أصح من ماء الخشبة الذي ينقلب إلى تعز وأجود منه، وليس أهل اليمن جبأ على الغرباء إلا بشرب هذا الماء لا غير من طيبه. وينزل جميع فواكهها وأحطابها وأخشابها التي للعمارة لان الغصن ميال والغيم هاطل. ومن يوم يدخل الإنسان الدرياع إلى إنّ ينحدر إلى نفيل الحمراء يهب عند كل عصر هواء بارد يحيي الفؤاد وبعده تككل الأفق بالغمام وينزل الغيث ساعة زمانية ثم يصحو، ويبقى العالم على هذه الصفة مدة ستة اشهر الصيف. فصل إذا رأيت الهلال في الماء يضرب إلى الحمرة فأنه يدل على هبوب الريح، فإذا رأيت في وسطه سوادا دل على الغيث. وإذا رأيت عين الشمس حين طلوعها في وسطها شيء من الغيم دل على مطر وصحو جميعاً. وإذا رأيت الشمس تغرب وعليها وحولها قطع قطع من السحاب يدل على المطر. وإذا رأيت سحابا متفرقا دل على الغيث. وإذا كان الهلال أبن ليلتين أو ثلاثة فإن رأيت في قرني الهلال أو كأنه مظلم ملطخا بدم دل على الشتاء وكثرة المطر.

ذكر بلاد ينزل فيها الغيث كثيرا

ذكر بلاد ينزل فيها الغيث كثيراً ينزل الغيث في أعمال ماردن دائم، وفي أعمال كلاب مدة عشرة شهور، وفي أرض بني سيف مدة أربعين يوماً من إقليم اليمن ويوبس شهرين فلذلك سمى البوالة، وإقليم المينا مدة أربعة اشهر. وإقليم الجاوة ينزل الغيث من الغيم شبه أفواه القرب ولا يستدل سفارة البحر على إقليم الجاوة إلا بكثرة لمع البرق. وفي إقليم فوفل أربعة شهور. وفي العينين ينزل دبس رفيع شبه السماق دائم. وينزل في الجزيرة الخضراء وجزيرة متعة دائم. وفي بلاد السند مدة أربعين يوماً. ويكون في جميع الهند تارة صحوة وتارة غيث وفي نهار واحد مقدار عشر مرات، وتمطر على دار ولا تمطر على أخرى ويقال: إنّها قد تمطر على أحد قرني الثور ولم تمطر على الآخر. وينزل الغيث في جبال اليمن ستة شهور ما بين الظهر والعصر. ذكر المياه والرياح وما يتعلق بكل كوكب وبرج. فصل الحمل والميزان النيران المشعلة، الجوزاء رياح طيبة ورياح الجنوب، والسرطان المياه العذبة والأمطار كثيرة الحركة وما ينزل من السماء، الأسد النيران التي تدخن في الكوانين وعلم الهوى والنيران التي في الأحجار، السنبلة كل ما جارى الميزان الرياح التي تلقح الأشجار بهبوبها وتسمن الثمار وتدل على طيبة الجو، وعقرب المياه الجارية التي ينزل إليها بالمراقي مثل الصهاريج والسيول والقرب وما يعجن من الطين، والقوس الأنهار والنيران الغزيرة في ابدن الحيوانات، والدلو المياه الجارية والبحار والرياح والعواصف المؤثرة قلع الأشجار مفسدة للنباتات، الحوت للمياه الراكدة والبحريات ويدل على الأشجار المعتدلة الطول. ويسمى أعمال معاشر تعز الشعبانيات وحدود إلى وادي ورزان وبركة الحوبان. وبه انشد سليمان شاه من شاهنشاه بن شاذي يقول: بليت بها دون الحسان فمهجتي ... تذوب وبي من جرة البين بلبال أقمت بأكناف الخصيب وأصبحت ... بحصن تغز ذا التفرق قتال من تعز إلى الجند من تعز إلى بركة الحوبان ربع فرسخ. وإلى وادي السمكر ربع فرسخ، والسمكر كان رجل يهودي قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفي هذا الموضع أراضي تغلب عليها المياه إحداها 0000 وإلى الجند نصف فرسخ والله اعلم واحكم. بناء الجند غرست الأوائل في فضاة الجند نخلا وحمل فلما دار الدهر رجع عقدة. وبقي النخل على حاله إلى إنّ ظهر دقيانوس الملك وقطع النخل ونبى في فضاة الجند بلداً عظيماً سماة الأقيوس، وبه كانت وقعة أهل الكهف مع دقيانوس الملك والله اعلم. وصورته على هذا الوضع والترتيب: ويقال إنّ القوم في كهف من كهوف الجبل صبر نيام إلى الآن، وهم الذين قال الله عز وجل عنهم: (سيقولون ثلثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة وسادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي اعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل) . وقد تقدم ذكرهم في الافسوس 0000 عامر إلى أن ملك اليمن أخ المعز بن معن بن زائدة الشيباني، فقام المتولي ومد يده إلى اخذ المال واستباحة النساء بالفحش من العمل وقبح الأمل. فلما رأوا العرب منه ما رأوه قتلوه وعصوا في البلاد فطم أخوه معن بن زائدة الشيباني فعلم الخبر فركب وجاء في خيل ورجل فملك اليمن بعد أن ركب السيف على أهلها واخرب الجند، وسد في الجبال ثلاثمائة غيل أي عين عذبة ويقال إنّ غيلان منه سده بالملح فملح ماؤه وصار يحمل منه ملحا إلى هذه الغاية. فلما تولى معاذ بن جبل ولاية اليمن من قبل النبي (بناها مدينة سميت باسمه جبل غير إنّ الباقون أبدلوا اللام دال، فسميت الجند لأنها مسكن الجند. حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى قال: إنّ في الأصل يسمى قارع الأجناد لأبن أهلها كانوا جند اليمن لم يسمع أحد منهم كلام صاحبه ولم يرضوا بحكومة بعضهم بعضاً. فلما كثر القال والقيل بين زيد وعمرو خرج نصر وجعفر إلى النبي (برضى خالد وزبير وطلبوا منه رجلاً يؤدون له الزكوة ويعلمهم الشرائع والدين ويتحاكمون إليه انفذ النبي (معاذ بن جبل. فقلت له: أريد على هذا برهاناً. قال: يقول الشاعر: يا بني مسعود شدوا الخ ... يل من قارع الاجناد

صفة جبل البقر

ما عليكم يا موالى ... من نباح الكلب في الواد حدثني رجل من أهلها إنّ كل ما كان يحفر في الغيل حبط000 زبدي التراب أي من تراب كان يعطيه رغيف خبز وعظم أي قطعة لحم ودراهم وقيل دينار، ولا يزال على حاله إلى إنّ جرى الماء من الغيل وعمى. وبقي البناية على حالها إلى أن توفي سيف الإسلام طغتكين بن أيوب فأدار عليها سور من الحجر والجص وأعلاه طين ولبن سنة سبع والأصح ثلاثة وتسعين وخمسمائة. وركب على السور خمسة أبواب: باب المقصورة، وباب الحديد بناية الملك المسعود يوسف بن محمد بن أبي بكر، وباب الأقطع، وباب السر ينفذ إلى بستان السلطان. صفة جبل البقر وهما جبلان وراء الجند لمسافة ربع فرسخ بنوا بهما العرب حصنين وسائر القوم يصبح به الجند صباحاً ومساءً ليلاً ونهاراً. وبقيت أهل الجند معهم في عناء وتعب إلى إنّ ملكت ملوك العرب هدمت وأردمت آبارها. وبقيت الآن جبلان قائمان خربان لا بهما داع ولا مجيب. صفة أكمة سليمان وبئر النخر. وكان في قرب الجبل حصن مانع يسمى أكمة سليمان، من بناية سليمان بن داود عليه السلام. فلما عصت العرب على معن بن زائدة الشيباني تحصنوا بالحصن وبقى القتال يعمل بين الفريقين مدة أيام. وكان تحت الحصن مما يلي البحر بئر ماء ذات عمق وسعة وطول. وقد بنى على دورانه القلعة إلى قرار هذا البئر درج ينزل إليه الخيل، والرجال، والبئر مشترك ما بين الفريقين إلى أهل البلد فشربوا منه باطن وعسكر معن بن زائدة ظاهر. فنزل في بعض الأيام فارس بحصانه إلى البئر يرويه فلما شرب الحصان حوض الماء نخر الحصان من عمق الماء فسميت بئر النخر لأجل ذلك. فلما علم معن بن زائدة شريكة البئر فيما بينهم أفلت في الماء نفطا فصار كل من شرب منه مات. فسلم له الحصن، فلما ملك الحصن هدمه والبئر معا وجمعا. صفة الجامع

فصل

وأول من بني الجامع معاذ بن جبل مع أهل الجند ومت حوله من القرى. وأعاد بناءه القائد الحسين بن سلامة، وجدده الأمير الفضل بن أبي البركات أبن الوليد سنة ثمانين وأربعمائة بالحجر المنقوش واللبن المربع. وأحرقه على أبن المهدي سنة أربع وخمسين وخمس مائة. ويقال إنّ الخلق سعت وشفعت في إبقاءه فقال: قد استوجب النار، قيل: لم؟ قال: لأنه قد خطب على منبره الإسماعيلية، يعني ملوك بني زريع أي ولاة عدن، فهم أنجاس ينجس الجامع بذكرهم وكل من هو نجس طهر وقد طهرناه بالنار. فأعاد بناءه سيف الإسلام ومع ذلك رفع سقوفه بالآجر والجص بعد أن ذهبه، وأجراه بالذهب واللازورد سنة ثلاثة وستمائة في دولة الملك الناصر بن طغتكين أبن أيوب. وقال حكيم: خذ من جامع تعز ومن جامع الجند السقف! ويجتمع في أوّل جمعة رجب في جامع الجند من كل الأعمال ناس يصلون فيه ويبلغ ذلك اليوم في الجامع مقدار ما يسع رجل واحد درهم فيقال دينار ليصلي ركعتي الجمعة ويكون فيه ذلك اليوم نور مشهود. وأهل الجند وما حوله من القرى يروون في فضل هذا المسجد أخبارا من جهة زيارتة في أوّل جمعة في رجب: تعدل عمرة، بل قالوا: حجة. ولم يزل الناس يزورونه في كل سنة في أوّل رجب حتى اثر ذلك 00وصار صفي الدين حاتم بن علي بن محمد بن المعلم حتى أسقاه في بطيخة ويقال إنّه اخذ إبرة مسمومة وغرز فيها خيط مسموم وصار يغرز الإبرة في جوانب النطيخة ويجرها والخيط معا، وجاء بها إلى سيف الإسلام وهو قائم على بناية المنصورة فجلا سكينا فوق البطيخة ليأكل منها. فتناول منه سيف الإسلام البطيخة فقطع وأكل وحس بالشر به فقال لعلي بن حاتم: الله المستعان على ما تصفون. فقال له: كل يا مولاي ما هو إلا خير. وغاب الشيخ حاتم بن علي بن محمد بن المعلم من ساعته، فأوجعه فؤاده ومات رحمه الله. حدثني عبد الله قال: إنّه كان يقرأ في النزع (ما أغنى عني مالي، هلك عني سلطاني، خذوه فغلوه، ثم في الجحيم صلوه، ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه) إلى تمام الآية. وحدثني إنسان جبلي من آل الصليحي قال: إنّه قرأ: (الذي جمع مالاً وعدده، يحسبُ أنَّ مالهُ أخلدهُ، كلاَّ لينبذنَّ في الحطمةِ، وما أدراكَ ما الحطمةُ، نار اللهِ الموقدةُ، التي تطَّلعُ على الأفئدةِ، إنها عليهم موصدةٌ، في عمدٍ ممددةٍ) ، وصار يكررها إلى أن مات رحمه الله. بقيت البناية على حالها إلى أن توفى الملك المعز إسماعيل بن طغتكين بن أيوب فرد الأرضي على أربابها. ويقال إنّما ردها إلا بعد أن أسقى الشيخ علي بن حاتم بن علي بن محمد بن المعلم في زبيد ويقال إنّما سقى أبن المعلم إلا لإدراك سيف الدين سنقر بعد قتله الملك المعز في زبيد. فصل كان يقال في زمان سيف الإسلام طغتكين بن أيوب: إنّه لا يموت حتى يملك القسطنطينية ويعمرها، فلأجل ذلك طال أمله في الدنيا وزينتها وأس المنصور فيما الفعلة يحفرون الأساس إذ خرج عليهم صخرة حجر عليه مكتوب: إنّ فلان بن فلان الشقي بنى مدينة قسطنطينية، قال ومات ودفن بتاريخ الشهر والسنة. فسأل عن اسمها الأصل، قالوا: إنّها تسمى قسطنطينية. قال: متنا ورب الكعبة! وسقي عليها ومات ودفن بمغربة تعز. وما أراد ببناء هذه البلد إلا إنّه يخزن فيها غلال الجبال على ما تقدم ذكره. فصل نزل الأمير العز علي بن محمد الصليحي بقرية من أعمال المهجم يقال لها أم الدهيم وبئر أم معبد. قال سعيد بن نجاح: فلما دخلها المهجم لم يشعر بنا إلا عبد الله بن محمد بن علي فركب وقال لأخيه: يا مولانا اركب فهذا والله الأحوال بن نجاح. فقال علي لأخيه عبد الله: إني لا أموت إلا بالدهيم وأم معبد يعتقد إنّها أم معبد التي نزل بها النبي (حين هاجر ومعه أبو بكر. فقال له فلان بن فلان: قاتل عن نفسك فهذه والله بئر الدهيم بن عبس وهذا المسجد خيمة أم معبد بنت الحارث العبسي، فحينئذ قتل بها. وكان في طالع الملك المعز إنّه لا يقتل إلا في العراق بعد أن يملكها وأموي مزيل دولة بني العباس. فلما تيقن عنده ذلك قتل بوادي العرق من زبيد. وفيه أنشد المحنني يقول: الموت في كل حين ينشر الكفنا ... ونحن في غفلة مما يراد بنا

بناء ذي جبلة

لا تطمئن إلى الدنيا وزينتها ... وإن توحشت من أثوابها الحسنا أين الأحبة والجيران ما فعلوا ... أين الذين بها كانوا لنا سكنا سقاهم الموت كأسا غير صافية ... فصيرتهم لطباق الثرى رهنا وإلى قلعة ضراس نصف فرسخ. وإلى وادي ورزان نصف فرسخ. وإلى ذي جبلة نصف فرسخ، ويصعد نقيل ذي جبلة ويسمى النقلين وهما جبلان يسمى أحدهما نقيل ندران والثاني نقيل العكائف. وما اشتهر بهذا الاسم إلا إنّه كان به عجائز وعتكفات والله اعلم. بناء ذي جبلة ذي جبلة من مخلفات جعفر. وجبلة كان رجل يهودي يبيع الفخار في الموضع الذي بنيت فيه دار العز وبه سميت المدينة. وأوّل من اختط ذي جبلة عبد الله بن محمد الصليحي المقتول على يد سعيد الأحول بن نجاح مع أخيه علي الداعي بن محمد بن علي يوم المهجم وكان أخوه قد ولاه حصن التعكر وهذا الحصن مطل على ذي جبلة وهي من سفحه. وهي مدينة بين نهرين جاريين في الصيف والشتاء، وأختطها عبد الله بن محمد سنة ثمان وخمسين وأربعمائة. وبها كانت تسكن الحرة الملكة السيدة بنت محمد بن جعفر بن موسى الصليحي. فصل ولمّا كان في سنة سبع وأربعين وخمسمائة ابتاع الداعي محمد بن سبأ من الأمير منصور بن فضل جميع المعافل التي كانت لبني الصليحي وهي ثمانية وعشرين حصنا ومدائن ومن جملتها مدينة ذي جبلة، واشتراها منه بمائة ألف دينار. ونزل الأمير منصور بن المفضل حصنيه صبر وتعز وطلق زوجته الصليحية وهي بنت عبد الله بن عبد الله بن محمد الصليحي وصعد الداعي المخلاف وسكن في ذي جبلة وتزوج امرأة الأمير منصور بن المفضل. واكثر الشعراء تهنئته ومدحوه بالمعاقل والعقيلة المذكورين وطاش فرحا بما صار إليه وبسط يديه في العطايا والله اعلم. بناء المخلاف ونجا 00 - 0كما يقال أعمال اليمن، ويقال مخلاف تعكر ومخلاف جعفر أي من أعمال تعكر وأعمال جعفر. والمخلاف أعمال كل حصن بذانه يكون صعودا أدخلت تلك الأعمال إلى ذلك الحصن وكان حول كل حصن من القرى والزراعات فهو مخلافه. والمخلاف عند أهل اليمن عبارة عن قطر واسع، وليس تعرف المخاليف إلا بجبال اليمن وإما في التهائم فليس يعرف والله اعلم. ذكر تغلب ونفقها وحصن التعكر ولمّا خرج المنصور بن الحسين بن نجاح بن زبيد بأخيه عبد العزيز بن جباش هاجر هو وعبيده عن الملك المفضل بن أبي البركا والتزموا له على النصرة ربع البلاد، فسار المفضل معهم فاخرج عبد الواحد ملكهم ثم هم أن يغدر بهم ويملك زبيد. فحين خلا التعكر وطالت إقامتهم بتهامة وفي التعكر نائب له يسمى الجمل وكان هذا الجمل متمسكا بالدين فصعد إليه إلى التعكر سبعة من إخوانه الفقهاء منهم محمد بن قيس الزجاجي ومنهم عبد الله بن يحيى ومنهم إبراهيم بن زيدان وكانت له البيعة، فاخذوا الحصن من الجمل. وكانت الرعايا قد قالت للفقهاء: إذا حصلتم في رأس الحصن فأوقدوا النار. ففعل ذلك ليلا فأصبح عندهم على رأس الحصن عشرون ألفا واستولت الفقهاء على ذلك ولم يعهدوه. ووصل الخبر إلى المفضل بتهامة فسار مسير ظبي لا يلوى على أحد إلى التعكر، فقامت خولان في نصرة الفقهاء، وأقام الحصار عليهم. فلما طال ذلك قال إبراهيم بن زيدان لن أموت حتى أقتل المفضل ثم أهلا بالموت! فعمد إلى حظاياه من السراري فأخرجهن في أكمل زي وأحسنه وجعل بأيديهن الطارات وأطلعهن على السقوف سقوف القصر بحيث يشاهدهن المفضل ويسمع هو وجميع من معه من تلك الأم أصواتهن. وكان المفضل أكثر الناس غيرة وأنفة فقيل إنه مات في تلك الليلة وقال آخرون: امتص خاتما كان معدا عنده فأصبح ميتا والخاتم في فيه. وكان موته في رمضان سنة أربع وخمسمائة. ولمّا مات المفضل طلعت الحرة من ذي جبلة وخيمت على باب التعكر، وكاتبت الفقهاء ولاطفتهم إلى أن كتبت لهم خطها بما اقترحوه من أمان وأموال. واشترطوا عليها أن ترحل هي وجميع الحشود وتوصل إليهم من ترضاه واليا. وولى لها التعكر مولانا القائد فتح بن القائد فتح. حدثني السلطان ناصر بن منصور قال: حدثني إبراهيم بن زيدان إنّه وصل نصيبه من العين خمسة وخمسون ألفا يعني دينارا لمّا تركوه من حصن التعكر.

صفة بناء ذي جبلة

صفة بناء ذي جبلة بنا بذاك الصليحي في مخلاف جعفر وحدودها بالطول من نقيل صيد إلى مصابح وبالعرض من سوق وصفات إلى حصن الطريمة إلى ذي الأسود من حدود مخلاف حب، وتسمى قلعة النهرين لأن جبل التعكر ما بين أي من البلد وشماله ومجمع النهرين في أحد البلد عند موضع يقال له وادي ميتم. كما قال المازني في بعض قصائده حيث يقول: ما مص ما بغداد ما الطبرية ... كمدينة قد حازها النهران خدد لها شأم وحب مشرق ... وكذلك تعكرها المنيف يماني وله بقول: ليس الخورنق والسدير وبارق كطريحي ... كلا ولا النعمان مثل الدسا هاطل اليدين وقال مضطبع الدولة مواهب بن جديد المقرئ يمدح الملك المفضل بن أبي البركات بن علاء الحميري: فرفضها شوفاً إلى ذي جبلة ... وتركتها لملوك أهل المشرق ونذكر عجائب إقليم اليمن وما فيها من الغرائب ومن جملتها حصن أشيح. ومما ذكره عمارة بن محمد بن عمارة في كتاب المفيد في أخبار زبيد قال: حدثي المقرئ سليمان بن ياسين وهو من أصحاب أبي حنيفة قال: بت بحصن أشيح ليالي كثيرة وأنا عند أرى الشمس تطلع في المشرق وليس فيها من النور شيء، وإذا نظرت إلى تهامة نظرت عليها من الليل ضباب يمنع الماشي أن يعرف صاحبه من قريب، وكنت أظن ذلك السحاب والبخار وإذا هو عقائل الليل فأقسمت أن لا أصلي الصبح إلا على مذهب الشافعي. إنّ أصحاب أبي حنيفة يؤخرون الصبح إلى أن تكاد الشمس تطلع على وهاد تهامة وما ذلك إلا أن المشرق مكشوف لأشياح من جبال وذروته عالية. وهو مقر الداعي سبأ بن أحمد أبن علي الصليحي، وفيه يقول عبد الله بن الحسن بن علي بن القم شعراً: ولمّا مدحت الهيزري بن أحمد ... أجاز وكافاني على المدح بالمدح فعوضني شعراً بشعري وزادني ... عطاء فهذا رأس مالي وذا ربحي شققت إليه الناس حتى رأيته ... فكنت كمن شق الظلام إلى الصبح فقبح الدهر ليس فيه أبن ... ونزه دهر كان فيه من القبح ونجد الحنشين من أرض بني نجاح. وكان في قديم العهد تسمى هذه الأعمال أعمال نجد وما عرفت بالحنشين إلا أن صاحبيه تقاتلا وتعاقرا، فبينا هم في قتالهم إذ وقع عليهم لمع البرق احرقهم. ويقال بل خسف من تحتهم فنزلوا الخسف، والخسف باقي وهو في قدر بئر عظيم ليس يوجد له قرار. عرف النجد بالحنشين، ونجد الحنشين من أعمال الحقل والكافل. وحصن ثريد

ومثابة فيه بسعر الفضة

بناء سليمان بن داود عليه السلام في أرض بني سيف وهو سور دائر على سنام جبل شاهق في الهوى. وفي وسط الحصن بحيرة ماء قديم خلقه الله على ظهر جبل لم يعلم له قرار، وهو ماء عذب وقد يرى فيه من الأسماك ودواب البحر وموج هائل. وقد بنى على سورٍ على ساحله مستدار بالبحيرة وبني ن داخل السور ثلاثة دور لا غير يسكن في أحدهم ثلاثة رجال وفي الثاني أربعة وفي الثالث خمسة رجال يصح عدد القوم أثنى عشر رجلاً رتبة. ولم يقدر أحد من ملوك الغز على أخذها من أربابها بني سيف. ويقال إنّ به شجرة يصح طولها ثلاثة اذرع، قط ما أوكر عليه طير إلا وقع من ساعته ميتا، ولا يزال تحتها طيور موتى من كل فن. حدثني أحمد بن محمد بن المهنا الصفار قال: إني رأيت في بلاد البرابر شجرا يوجد تحتها قردة ميتة فسألت بعضهم على حال قصة القرود فقال: إنّ تلك الشجرة شجرة السم الذي يغلى حطبه يستخرج منه سم يجعلونه في نشاشيبهم فمن أصابه من ذلك النشابات ولم يقور اللحم والجرح معا مات من ساعته، ويجيئون القردة ويأكلون ثمرة لأنّه يكون حلو فيموتون كما ترونهم. قال أبن مجاور: وما يموت من القردة إلا كل من يكون في بطنه جراح أو مرض يصل سم الشجرة إلى الجرح يختلط بالدم ويموت ويرجع سببه مرمى شبه جذع نخل منصرم، ولا شك إنّ هذه الشجرة شجرة سم. قال أبن مجاور: ورأيت في النام ليلة الاثنين والعشرين من شهر رمضان سنة عشرين وستمائة كأن قائلاً يقول لي: إنّ في أرض الربحار شجرة تسمى نار ولم يمسها أحد إلا أحترق من وقته. وما اشتق حصن ثريد إلا من ثريد الخبز واللحم، أي كل من يملك هذا الحصن يبقى إقليم اليمن قدامه شبه جفنة الثريد يأكل ما أراد أي ما اشتهى وأراد. وفي سنة خمس عشرة وستمائة زرعت جميع جبال اليمن الفوة وبطلوا زراعة الغلال لان أحدهم كان يزرع الحنطة والشعير وما كان يغل كل جريب إلا خمسة دنانير ملكية فوزعوا الفوة فغل لهم الجريب ستين ديناراً، وابتاعت الفوة سنة اثنين وعشرين وستمائة بعدن البهار بستة وسبعين دينار. فلما رأت الخلق ما رأت قالوا: نترك غيره ونزرعه فزرعوه حتى الخدم والجوار والنساء والمشايخ والغني، وبقوا إلى إنّ ملك الملك المسعود يوسف بن محمد من ديار مصر، أخذ جميع الفوة ولم يخل لأحد وزن وقية. وجميع ذلك مباح مستهلك وذلك في سنة أربع وعشرين وستمائة. ومثابة فيه بسعر الفضة وأهلها قوم يقال لهم بنو نهم وفي سوارق صعدة انبيع ولو إنّه من كان. ويقال إنّه جلب زيد عبدا يريد بيعه السوق فقال العبد لسيده زيد: أصعد على هذا الحجر نادي على زيد، فلما صعد نادى العبد على زيد: من يشتري هذا العبد؟ فاشترى منه فباع العبد لزيد وأخذ ثمنه وراح. من ذي جبلة إلى صنعاء من ذي جبلة إلى القرين فرسخ. وإلى السحول فرسخين، وهو الذي ينسج فيه الثياب السحولية وكفن رسول الله (في ثوبين منها. وهذا الوادي لبني أصبح قوم الفقيه أبي عبد الله مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة. وإلى ذراع الكلب فرسخ. وإلى قلعة إب فرسخين. وإلى المغربة فرسخين، بناية الملك المعز إسماعيل بن طغتكين. وإلى المعبر فرسخ. وإلى حصن السماوي فرسخ. وإلى جدرة نقيل صيد فرسخ، وهو مدرج درجة الملك الأغر على بن محمد الصليحي. وقال: وأسكنت العراق خيار قومي ... وأسكنت النبيظ قرى وقتاب

بناء صنعاء

وقتاب هو من جملة الحقل والحقل من وادي صيد، وبنزل من ذروة النقيل عين ماء تسمى بالجبل إلى حوض وفي الحوض حوض صغير وفي الحوض الصغير سرب ينزل الماء فيه لم يعلم أحد إلى أين يجري. وإلى ضربة عمرو فرسخ، وهي ضربة عمرو بن عبدود العامري في حجر غاص سيفه في لب الحجر كما تغوص الشفرة في قلب الجبن الطري، وكان السبب في ضربة الحجر إنّه تبعه قوم من العرب والأصح سيف بن ذي يزن ويقال الحبوش، فلما ضجر منهم ضرب الصخرة ضربة فلما رأت الحبوش ذلك ردوا على أعقابهم راجعين. ويقال لمّا نظر سيف بن ذي يزن الضربة علم إنّه لا يصح منه شيء إلا بيد غالبة فخرج إلى العراق مستنجداً بكسرى فأعطاه كسرى جيشاً ملك بهم اليمن. فلما ثبت سيف بن ذي يزن في اليمن وخرج عمرو بن عبدود إلى الحجاز وهو الذي برز إليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان الله عليه وكبر النبي (ثلاثاً وقال: برز الإيمان كله إلى الشرك كله، وقتل على يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في الوقعة، كما قال: كن أبن من شئت واكتسب أدباً ... من العجم كنت أو من العرب إنّ الفتى من يقول: ها أنا ذا ... ليس الفتى من يقول: كان أبي وإلى منزل الأصم فرسخ، وما عرف بهذا الاسم إلا إنّه وصل إلى هذا الموضع رجل أصم أي اطرش فسمع دوي جري الماء تحت الأرض فحفر آباراً ويقال أنهر وسكن به فعرف به، وإلى دار الضيف فرسخ، سكنها رجل من الأعراب وكتب على بابه في الصخر: ألا من وصل الدار فلا يعدي ... لان في الدار رجل يغدي وقال أبن المجاور: وعجبت منه كيف لم يكتب: ألا من وصل الدار فلا يمشي ... لان في الدار رجل يعشي والكتب إلى الآن باق على حالها. وقال أبو فراس بن حمدان في المعنى: نار على شرف تأ ... جج للضيوف الساريه يا نار إنّ لم تجلبي ... ضيفا فلست بناريه وصفة رجل جبل 000السلطان الأعظم بهرام بن شاه بن مسعود ما وهب لأحد مال إلا وهب مع المال خلق استوجبوا القتل، فقيل له في ذلك. قال: إما المال فليس له عندي قيمة ولا قدر ولا محل إلا لو وهبت الأرواح. كما قال الباركل في المعنى: كل له ثمن يباع بمثله ... إلا النفوس فما له أثمان فأخذ هذا المعنى الحكيم فضل الله الغزنوي يقول: زابتداي كون عالم تا بوقت بادشاه ... از بزركان عفو بودست از فرو دستان كناه خاصه اندر عصر شاهي كز بي أنصاف أو ... كهربار نيست آن يارا كه كردد كرد كاه من كه از تدبير خصمان خورده بودم تير قصد ... زنده ماندم تا بروز محشر از اقبال شاه جان من بخشيده شاهيست كندر عصر أو ... جند شاه تاج بخش است با أمير داد خواه خسرو سياركان بايد كه أين شش بيت را ... باز كردناد بكلك تير بر رخسار ماه تا بياموزند شاهاني كه زر بخشندو سيم ... رسم جان بخشيد از سلطان دين بهرام شاه وإلى الملاوي ثلاثة فراسخ. وإلى الحزيز فرسخين. وإلى مدارة فرسخ. وإلى نقيل اسلح فرسخين صعود. وإلى حداران فرسخ حدور. وإلى حباري فرسخ. وإلى غيل البرمكي فرسخين. 00 جاري. فلما قتل الإمام أبو محمد هارون الرشيد جميع البرامكة هرب إنسان منهم وسكن صنعاء، فلما وجد قلة الماء على أهلها اشترى أرض قاع عباد بن الفخر وحفر بها نهر عظيم، ويقال إنّ معين النهر هو من أرض العراق، فلما تم جريان الغيل أوقفه على ضعفاء صنعاء فعرف الغيل بالبرمكي. ويقال بل الذي حفر برمك الذهب أي ما قصر في جرح الذهب على حفره. وإلى صنعاء فرسخين. بناء صنعاء

ذكر قصر غمدان

حدثني يحيى بن علي بن عبد الرحمان الزراد قال: إنّ شيث بن آدم عليه السلام بني مدينة صنعاء وغرس بظاهرها بساتين أهدمها ايمن الدرب والثاني أيسره وهما بطول من صنعاء إلى العراق مسيرة سبعة أيام. حدثني السلطان جميل: بني سام بن نوح عليه السلام لأنه استولى عليه ولم يكن يقدر على المقام في مدينة واحدة فكان يدور العالم على موضع هوى خفيف الماء معتدل الأرض في الصحة ليسكن ما به من الألم، فوجد أرضاً موافقة لطبعه، فلما نزل صنعاء زال عنه الألم. وحينئذ صعد على جبل نقم سكنه وقال لأهله وأشياعه: ليعمر كل منكم مسكناً يسكنه! فعمرت الخلق المساكن فرجعت مدينة طولها وعرضها مسيرة سبع فراسخ. وكانت أعمالها تنفذ إلى البصرة، وبقيت الطريق مسلوكة عامرة إلى أن علاه الرمل فقطعه. وبنى هود عليه السلام في جامعه بئرا وهي أوّل بئر حفرت في عالم الكون والفساد. وأدار سورها الملك الأغر علي بن محمد بن علي المعلم الصليحي بالحجر والجص وركب عليه سبعة أبواب: باب غمدان ينفذ إلى اليمن، وباب دمشق ينفذ إلى مكة، وباب الشيخة ينفذ إلى محلة وهم المخدومين، وباب خندق الأعلى يدخل منه السيل، وباب خندق الأسفل يخرج منه السيل يسقي الأرض، وباب النصر ينفذ إلى جبل نقم وبراش، وباب شرعة ينفذ إلى بستان السر والله أعلم. ذكر قصر غمدان أوّل من ابتدأ في بنائه سام بن نوح عليه السلام لمّا بنى صنعاء، ويقال سليمان بن داود عليهما السلام لمّا دخل اليمن يتزوج بلقيس. وكانت التبابعة من ملوك اليمن لهم رغبة نفيسة وهمة عالية في عمارته وكل ملك تولى منهم كان يعلى قصرا على قصر حتى ارتفعت تلك القصور اثنين وسبعين سقفا ويقال ثلاثة وتسعين سقفا. وآخر من بني به اسعد الكامل ويقال اسعد الخزاعي قصر من الزجاج وهو الخاتمة. وأنشدني عبد الله بن داري بن أبي بكر العنبري ليلة الأحد الخامس من صفر سنة ثلاث وعشرين وستمائة: لا يأخذ الثأر إلا كابن ذي يزن ... إذ صير البحر للأعداء أحوالا إني هرقلاً وقد شالت نعامته ... فلم يجد عنده النصر الذي سال ثم أثني نحوي كسرى بعد سابعة ... من السنين يهين النفس والمالا حتى أتى ببني الأحرار يقدمهم ... تخالفهم فوق متن الأرض أجبالا غلب أساورة بيض مزاربة ... أسد تربب في غيطان أشبالا لله درهم من عصب صبر ... ما إنّ رأيت لهم في الناس أمثالا أرسلت أسدا على سود الكلاب فقد ... أضحى وشيكهم في الأرض فلالا فالطط بمسك إذا شالت نعامتهم ... وأسبل اليوم في برديك إسبالا واشرب هنيئاً عليك التاج مترفقاً ... في رأس غمدان دارا منك محلالا تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيئاً بماء فعاد بعد أبوالا

فصل

حدثني قاضي الجبل من آل الصليحي قال: حدثني رجل سمع من لفظ أبي محمد عبد الله بن حمزة الحسيني قال: إنّ أواخر في قصر غمدان كان يصل إلى وادي الظهر قلت: كم يكون بينهم من مسافة؟ قال: مثل من زبيد إلى الزريبة ومن زبيدة إلى الزريبة مقدار فرسخ زائد لا ناقص. قال أبن المجاور: ولا شك إنّه كان يصل في القصر إلى وادي إذا قربت الشمس للغروب لان في مثل ذلك الحين يكون الظل والفيء إلى أن يرجع مثل الشيء ثلاثة أربع مرات كما يقال بنيانه بل ضياء سرجه كان ينظر من المدائن وقيل إلى مدينة. وبقي القصر على حاله إلى أيام خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قعد بعض الليالي بظاهر المدينة إذ نظر في الجو شيئا يضيء سبه كوكب درى فسال عنه فقال بعض من حضر مجلس أمير المؤمنين وفي خدمته: إنّ ضوء هذا ضوء شمعة تشعل على أعلى قصر غمدان بصنعاء فأمر بهدمه فهدم. فالآن بقي تل عظيم وقد بني موضع القصر بدر الدين حسن بن علي بن رسول قيصر عظيم الهيكل سنة ثمان عشرة وستمائة. حدّثني يحيى بن علي بن عبد الرحمن الزراد قال: ما بنى قصر غمدان إلا امرأة تسمى الزباء وأمرت أن يجعل فوق كل قصر قصر طويل كل قصر أربعين ذراعا بالعمرى في عرض مثله في ارتفاع مثله. قال الإمام أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد اللغوي الازدي في ذلك: واستنزل الزباء قصراً وهي من ... عقاب لوح الجو أعلى منتما وسيف استعملت به همته ... حتى رمى ابعد شأو المرتمى فخرج الاحوش سما نافعا ... واحتل من غمدان محراب الدما وقد ذكر المسعود في كتاب مروج الذهب إنّ قصر غمدان يعمر ثانية احسن مما كان في الأول. فصل حدّثني سلامة بن محمد بن حجاج المذحجي: إنّ الأوائل بنت في بيت بئر فاس العوامل قصرا وأعلاه سبعين سقفا بالحجر الرخام الأبيض ضرب فيه بعض الجيوش نارا احرقته واخربته وارتدم بعضه على بعض فرجع كشبه جدار عظيم وكان يبظر منه إلى مكة. وبنى الإمام أبو جعفر المنصور القبة الخضراء ببغداد لسبع طباق كلها عقود لئلا يرميها الهوى من علوها في الجو وكان ينظر إليها من هيت وتكريت. وبنوا ملوك العجم ايوان كسرى في المدائن وكان ينظر منه إلى حلوان، ويقال أن العمانية وصفها مذكور مشهور وإلا كنا ذكرناها على التمام والكمال. وبنى الكوالي قصر ادور جدورهر في قلعة كوالير على تسع طبقات وينظر منه مسيرة عشر أيام وهو إلى الآن قائم عامر. وكان في سلف الدهر على رأس قبة المسجد الأقصى ذرة فإذا اظلم الليل غزل نساء حوران في حوران على ضوءها غزل رفيع بناه سليمان بن داوود عليه السلام وأتم بناءها سليمان عليه السلام وخربه بخت نصر البابلي وكان ينظر منه مسيرة عشرة أيام. وقلعة ماردين تبان من الفرات مسيرة ستة أيام. وكوارى حصن جاهلي بنته بنت بكر من الهنود وبينه وبين السند وراواسان يبان من توران يعدع شط السند مسيرة خمسة عشر يوماً. وبنى مهراست بن ارجاسب في أيام درست الحكيم وجمة تول ادر في بلخ ونصب على قبة الوجمة علما اخضر فأخذ شدة الهوى العلم رماه إلى الأرض على مسيرة خمسة وعشرين فرسخا وذلك لعلوها. صفة جبل المذيخرة وبلغني إنّ في أعلاه نحو عشرين فرسخا وطافتها المزارع والمياه وفيه وفيه ينبت الورس وهو معنى الزعفران ولا يسلك إلا في طريق واحد. وكان محمّد بن المفضل الداعي المعروف بشيخ لاعة، وهذه لاعة إلى جنبها قرية لطيفة يقال لها عدن لاعة وليست عدن ابين الساحلية، قال عمارة أبن محمّد بن عمارة إنّه دخل هذه عدن لاعة وهي أوّل موضع ظهرت فيه الدعوة العلوية باليمن، ومنها منصور اليمن ومنها محمّد بن المفضل الداعي. وممن وصل إليه من دعاة الدولة الفاطمية أبو عبد الله الحسن أبن أحمد الشافعي الشيعي الكوفي صاحب الدعوة العلوية بالمغرب. وفيها قرى على محمّد بن محمّد بن علي المعلم الصليحي صبيا وهي دار دعوة باليمن. فكان محمّد هذا محمّد بن المفضل الداعي على أبن المعلم على جبل المذيخر وخطب فيه لدعوة العلوية سنة أربع وثلاثمائة. ثم استرجعه منه أصحاب اسعد بن يعفر أصحاب صنعاء. صفة جبل شبام

صفة صنعاء

وهو منيع جدا وفيه قرى ومزارع وجامع كبير وهو معلمة نفيسة ويرفع منه العقيق والجزع وهي حجارة مغشاة فإذا عمل لهم وجوهرها. وممن امتنع به من عمال أبي الجيش اسحق بن زياد سليمان بن طرف صاحب عثر وهو من ملوك تهامة، واعماله مسيرة عشرة أيام في عرض يومين وهو من الشرجة إلى حلى، ومبلغ ارتفاعه في العام خمس مائة ألف دينار عثرية. وكان مع امتناعه عن الوصول إلى أبي الجيش اسحق بن زياد يخطب له ويضرب السكة على اسمه ويحمل إليه مبلغ من المال في كل عام وهدايا لا يعلم مبلغها وإما الذي سلم لابن زياد من اليمن حين طعن في السن فله من الشرجة إلى عدن طولا وله من غلافقة إلى صنعاء عرضا. ورأيت مبلغ ارتفاع أعمال بن زياد بعد تقاصرها في سنة ست هوستين وثلاثمائة ألف ألف دينار عثرية خارجا عن المراكب الهندية والأعواد المختلفة والمسك والكافور والصندل والصيني وخارجا عن ضراب العنبر على سواحل بياب المندب وعدن وابين والشحر خارجا عن مغاص اللؤلؤ وعن ضرائبه على جزيرة دهلك ومن بعضها منها ألف رأس منها خمس مائة وصيف وخمس مائة وصيف نوبية. وكانت ملوك الحبشة من وراء البحر تهاديه وتستدعي مواصلته. ومات أبو الجيش هذا سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة عن طفل اسمه عبد الله إبراهيم وقيل زياد تولت كفالته أخته هند بنت أبي الجيش وعبده أستاذ حبشي يدعى رشيد. وكان من عبيد رشيد هذا وصيف من أولاد النوبة يدعى حسين أبن سلامة وهي أمه وبها كان يعرف ونشأ حسين هذا حاذقا عفيفا، فلما مولاه رشيد توزر لولد أبي الجيش ولأخته هند وكانت دولتهم قد تضعضعت أطرافها وتغلبة ولاة الحصون والجبال على ما في أيديهم منها. فأقام الحسين أبن سلامة يحارب أهل الجبال حتى دانوا ودان سليمان بن طرف أبن الحرامي واستوسقت له مملكة أبن زياد الأولى. صفة صنعاء صفة شرب أهل صنعاء من غيل البرمكي وقد تقدم ذكره موافق لمن شربه. واهويتها بارة تشبه اهوية خرسان موافق لجميع البضائع لم يضر شيئا وخاصة الزعفران تبقى فيها ما شاء الله. ويوجد بها من جميع الأثمار والتفاح والمشمش والأجاص والسفرجل والعنب والتين والكمثرى والورد والنرجس والياسمين وسائر المشمومات والرياحين والبقول. حدّثني قيصر مولى جمال الدين والدولة جوهر إنّه يباع بها الفجل مشقق أربع، قلت: ولم؟ قال: لأنّه وجد امرأة تستعمله فلم بشرح حالها والي المدينة فأمر إنّ لا يباع الفجل إلا مشقق وأسسوها سنة. ويجمد بها الماء، حدثني سليمان بن منصور قال: إنّ الماء يجمد على الورا والكرابي ولم يبان من أبدانهم سوى رءوسهم، فحينئذ يأتي درين وهو الثعلب علي الجليد يقطع رءوس الطيور. قال أبن المجاور: وهذا شيء لان كل بدن فيه الروح لم يجمد عليه شيء لان حرارة الغريزة تغلب البرودة ولم يجمد الماء إلا على شيء مات لان طبع الحياة حار لين وطبع الموت بارد يابس، فإذا كان الأمر على ذلك لم يستقم قوله ولا يستعين فعل درين. وأهلها من نسل العجم خرجوا من الحبوس والقيود في دولة يزدجرد بن شهريار بن بهرام ويقال كسرى بن قباد مع سيف بن ذي يزن لاستفتاح اليمن من الحبوش، وحكايتهم مشهورة مذكورة في كتاب مسطور. وليس بجميع اليمن مدينة اكبر ولا اكثر موافقة وأهلاً من صنعاء، وهو بلد في حدّ الاستواء سواء وهو من الاعتدال في الهوى بحيث لا يترك الإنسان من مكان واحد طول عمره صيف وشتاء، وتتقارب ساعات الشتاء والصيف. وكان لها بالأعظم خرب.

ذكر تفصيل الفتوحى

فصل خرج أهل اليمن في أيام سعد الخزاعي وهو من جملة التبابعة لاستفتاح المغرب فلما استفتحوها طابت لهم سكناها، ومن جملتها مدينة صنهاجة. ولمّا كسر النبي (الأصنام من الكعبة سرقت بنو مقبل لمناة ادخلوه الهند وتفرقوا بأعمال البلد سكنوها. وتنصرت بنو جفنة في أيام أمير المؤمنين عمر أبن الخطاب رضي الله عنه لأجل لطمة دخل بعضهم إلى القسطنطينية وإلى بلاد الادعوان وهم مناجمين أهل المغرب. وفيهم قال أبو تمام، ولمّا دعا اسحق بن إبراهيم عليه السلام لولده يعقوب بالنبوة اغتاظ العبص دخل حرز الافرنج مع جماعة من بني إسرائيل توطنوها فولد الإفرنج منهم. وبنو عجل أخرجهم ربيعة والأصح المرقعة اسكنوها خراسان. وصار ملك خوزستان على الرعية انتقلوا إلى أعمال الكر سكنوها. وخرج جيش عرب من بني تميم في أيام عمر بن عبد العزيز بن مروان استفحلوا السند فلما طابت لهم سكنوها فظهر منهم الكوكر والحمت والسه وحاجر. وخرج جيش من إنطاكية في أيام عبد الملك بن مروان إلى المغرب فلما طابت لهم سكنوها ظهر منهم الملئمين، ويقال انهم من نسل مظلوم بن الصحصاح بن جندب الكلابي في الترجمة وهم من أخيار وكبار خوارزم أخذهم السلطان محمود بن سبكتكين نفاهم إلى أرض الهند فلما طابت لهم سكنوها. ولمّا خرجت الاباضية على علي بن أبي طالب بأرض اليمن من أعمال العراق ولوا الأدبار ولا زال السيف ورائهم إلى إنّ عبرهم البحر سكنوا إقليم عمان. وأهل طرابلس المغرب وتحولوا في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى باري وتولية. وبنو كنانة اخرجوا الإفرنج من عسقلان وسكنوها فلما تخربت تفرقوا في أكناف البلاد. وبنو حية خرجوا من الشام في أيام دولة الإمام أبي عبد الله جعفر المنصور وسكنوا المغرب. ولمّا غزا بخت نصر بني إسرائيل الشام سكنوا اليهود نهر السبت مما يلي ظهر الحجاز. ولمّا قويت صلة السلطان معز الدنيا والدين أبو المظفر محمد بن سالم على الخوارزمية نزل من نيسابور ألف رجل مكتفين الأيدي مكشفين الرؤوس حفاة مشنقين في حبال المنجنيقات شتت شملهم ومزق جمعهم في أقاصي إقليم الهند. ولمّا قويت شوكة السلطان علاء الدين أبو الفتح محمد بن تكش على الخطأ والتتار ساق منهم من أراد وأسكنهم أعمال كرمسل. ولمّا قويت شوكت الترك على السلطان علاء الدين محمد نقلوا المسلمين من خراسان إلى بغداد وأوراق الشجر والقصران إلى أن عبرهم سيحون. شعر: خليلي نومي عن جفوني مسهد ... وقل اصطباري بعدهم والتجلدُ فقلبي عن الأحباب لا يقبل العزا ... وجفني قريح بالدمع مسهدُ وإني حزين كلما مر ذكرهم ... بنو لكم بعضي وبعضي مفردُ لئن جمعت بيني الليالي وبينكم ... وعاد زمان الوصل بالوصل مسعدُ أصوم لوجه الله دهري تطوعا ... وألصق وجهي بالتراب وأسجدُ وبعض أهل صنعاء وجميع أهل المشرق على مذهب الزيدية وهو مذهب الأمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وينسلخ من الزيدية المخترعة والمطرقة وهم الذين يقال لهم الصالحية والجارودية لبسهم الخام لبرودة البلاد ولبس شبابهم الفتوحى والله اعلم. ذكر تفصيل الفتوحّى

عجائب ذمار

جاءت عجوز بابي سعيد بن الحسين بن أحمد بن بهرام الحباهي والأصح على أبن فضل إلى خياط يعلمه الخياطة، فكان الصبي يأخذ الثوب المفصل من أستاذه الخياط يخيطه في موضع لا يراه أستاذه، فلما طال ذلك سأله الخياط على انفراده وغيبته. قال له عليّ بالفضل: إني لآخذ الثوب منك فأصعد على أعلى ذروة نقم أخيط هناك وأفكر وأشرف إذا ملكت صنعاء من أي باب من الأبواب أدخلها. فلما سمع الخياط لفظ علي بن فضل قال له: قم نسكن جبل نقم فسكناه وصار كل من يقتل أو يهرب من دين أو مظلمة صعد إليهم آمن فلا زالوا على حالهم في مكانهم إلى أن التأم إليهم وانضاف إليهم خلق وعصوا في الجبل، وصارت سرية القوم تصابح صنعاء وتماسي. فلما أستقوى وضعف حال ولاة صنعاء تملكها فتولاها. فإذا هو على مذهب القرامطة وكان مولع بحب النساء يفصل لهم الفتوحى وكان يوقف النساء حلقة دائرة ويدخل هو في كم إحداهن ويتفرج على نهودها وأعكانها وأركانها ويمسك قماشها ويخرج من كمها إلى كم صاحبتها، ولا يزال إلى أن يدور على الجميع ولم تنكشف إحداهن إلى كل عندها ما عند صاحبتها وكل بروحها مشغولة. ويسمى الفتوحى لاستفتاح صنعاء ويقال إنّه فتح الخياط وكان يلبسوه نساء بغداد إلى أواخر دولة الإمام أبي محمّد الحسن المستضيء بنور الله أمير المؤمنين، ونسخت في أيام دولة أبي العباس أحمد الناصر لدين الله أمير المؤمنين، ولبس نساء جميع العرب وجميع التركمان والكرد والباذج ونساء أهل سيستان إلى الآن منه. ولهذا يقال للصنعاني يا أبا حسان، حدثني يحيى بن عبد الله الخياط قال: زرع اسعد الصنعاني في أرض له شعيرا فلما بلغ الحصاد قال للحصاد: ألا وكل من أراد حصاد حنطة! فالتام معه خلق، فلما وصلوا الزرع وإذا به شعير. قال: فنادى بعض الحاصدين بعضهم: يا أبا حسان! يعنون صاحب الزرع لأن كنية اسعد أبو حسان أي كذب أبو حسان، فمن الحين والوقت سنة أثنين وعشرين وستمائة ويقال بالعجمية كندم نما جو فروش أي يظهر عين الغلال وحنطة ويبيع شعير، وهذا عيب عظيم. ولهذا يقال صنعاء محاصرة، حدثني سليمان بن منصور قال: إذا وقع في لحية إنسان من العرب يعني زيد شيء من فتات الخبز أو قشر أو شيء لا يليق به قول عمرو لزيد: صنعاء محاصرة! فيمسك زيد لحيته يهزها ليقع ذلك الشيء منه ويقول: حاشا صنعاء تحاصر وهذه اللحا باقية! وهي إشارة بين القوم كما قال: وما زلت اطوي مهمها بعد مهمه ... على حسرة حتى وقعت على صنعا كما يقال في الشام: حلب محاصرة. عجائب ذمار لم يوجد فيها حية ولا عقرب وإذا دخل إنسان بحية إلى ذمار فعند دخوله الباب تموت الحية. ويقال إذا اخذ من تراب ذمار وشذر في سلة الحواء موت جميع حياته وهذا اعجب شيء يكون. ويقال إنّ أرضها كبريتية لا يقيم فيها من المؤذيات شيء إلا هلك ومنها يجلب الكبريت إلى سائر أعمال اليمن. ويكون طول آبارهم ثلاثة اذرع. صفة جبل لاشي وهو جبل الشب. ومشارق ذمار بمسافة فرسخين جبل يسمى لشي وجميع حجره ومدره ويمينه وشماله وشأمه وبمنه قطعة واحدة لحب، وفي صيد منه أي ضرس منه كهف وفي الكهف بحر ماء حار يغلي وكل مريض ويمرض من أهل البلاد يأخذ منه فدى كل على قدره يعرى به على باب الغار ينزل وبعد ذلك يسبح في الماء وما يخرج منه إلا وهو متعاف. وفوق منه مدينة مدور من جبالها يستخرج وتسمى المعدن والمقر، ومغارة صنعاء جبل اللوز وسرير ملك مدينة نعمة ومن ورائها منامة وهي مدينة ذات طول وعرض. وجميع هذا الجبل يحمل اللوز لا غير. صفة نكاح أهل هذه الأعمال

صفة وادي الظهر

إذا خطب زيد بنت عمرو وانعم له بذلك يقول زيد لعمرو: أريد أشاهد جمال كريمتك، فيقول له عمرو: اقدم إلى السوق الفلاني فأنها تتوعد به شاهدها في بيعها وشرائها وجمالها. فيتقدم زيد إلى السوق الذي دله عمرو عليه فيقعد على قارعة الطريق. فتقبل خطيبته وعلى ظهرها كارة وعلى قدر شيلها تحط في السوق فتبيع ما معها وتشتري حوائجها. وترفع كارتها على ظهرها. ويرجع خطيبها ورآها تقطع الجبال والأودية والشعاب والسهل والجبل واللين والوعر، وهذا كله ولم تحط كارة من ظهرها ولم تسترح. فإذا أعجب الرجل حالها وجمالها وشيلها وبيعها وشراها وقوة صبرها على شيل الثقيل فعند ذلك يملك بها ويدخل عليها وتبقى على شغلها ذلك إلى الممات. وهذا زي القوم في البدو والبادية: وألبسهم الخلم لبرودة البلاد. ويقال إنّ رجلا قال: اشتهيت على الله عز وجل مياه صنعاء في عدن وأحطاب عدن في صنعاء وكلاهما ملكي. ولم يعرفوا أهلها شعلا لسراج، حدثني محمّد بن منصور بن محمّد الواسطي قال: يطلع في أعمال تعز وصنعاء قضبان تسمى شوحط إذا أشعل رأس القضيب أشتعل شبه الشمع، ولم يشتعل في سائر الأعمال طول الدهر إلى الشوحط لا غير عوض عن السراج والفتل. مأكولهم الحنطة والحلبة واللحم، والشراب لا يقطعوه لا صيف ولا شتاء لا ضعيف ولا قوي. سفرهم إلى عدن وشرائهم العطب والعطر والهندوان. وغاية اشتغال القوم في معرفة الجواهر وعلم الكيمياء وعلم النجوم والنحو والمنطق والفلسفة والهيئة والهندسة وحساب الضرب والجمل، وقوم يدعون الحكمة وفصل الخطاب. وبناؤهم بالحجر القديم يحفرون الأساسات القديمة ويستخرجون منه ألواح حجر طول اللوح أربعة اذرع في عرض مثله تكسر تلك الحجارة وتعمل ويبنى بها، وبناؤهم على تقاطيع بغداد في التفريض والتذهيب. صفة وادي الظهر حدثني عبد الله بن مسلم الزبيدي الوكيل قال: في أعمال صنعاء واد يسمى وادي الظهر ففي بعض السنين مطر غيث طحطاح ورحراح فسالت منه الأودية ورويت منه البلاد وسقي منه العباد، وسال أواخره إلى الوادي فمن حدة جريانه غسل الأرض من التراب والحصى فظهر في بطن الوادي صخرة كبيرة عليها مكتوب: أنا الذي قد أفنى ثمودا ... وعادا ثم أفنى جبلا فمن يعمل قبيحا أو جميلا ... به يلقاه مكتوبا سجلا فبقيت الصخرة في بطن الوادي يقرأها زيد وعمرو ويعتبر منه قيصر وجعفر عدة شهور. وبعد انقضاء هذه المدة جاء سيل أعظم من الأول طم الصخرة بالحصى والتراب ورجع إلى ما كان ولم يعرف أين كان إلى الآن. من صنعاء إلى المحالب راجعاً

من صنعاء إلى مأرب

من صنعاء إلى حصن ثلاث فراسخ، بناه مشايخ بني معجن. حدثني منصور بن مقرب بن علي الدمشقي قال: إن تبع بني حصونا سبعة فمن جملتها كوكبان وحب وجبأ وبكور وصحم وعزان وثلا. وإلى عزان فرسخ ونصف بناه الأمير عماد الدين يحيى بن حمزة الحسيني. وإلى مسك أربع فراسخ. وإلى حجة فرسخين، وإما إقليم حجة فطويل عريض ومن جملتها مائتين وثمانين حصنا وتسمى المقطوعة والجاهل والإعرابي وقرن عشار والشرفة والقطيع وجبل عمرو والظفين والرهبة والعيار. حدثني سليمان بن منصور قال: إنّ جميع ما تقدم ذكره حصون مانعة أعطاها الملك المسعود أبو المظفر يوسف بن محمّد بن أبي بكر مع ثلثين ألف دينار حتى سلموا إليه حصن بكور سنة ست عشرة وستمائة. وإلى الذنائب خمسة فراسخ. وبكرى بهذه العمال الشقة الشقدف التي تلي الجبل بدرهم واحد والتي تلي الوادي بدينار. قلت: ولم؟ قال: لأن الآساد في هذه الأماكن كثيرة يكمن الأسد على سقيف جبل مشرف على المحجة فلم يحس الإنسان إلا والأسد قد اختطفه مكابرة والعين ترى العين، والذي مما يلي الوادي مخلص من خوف الأسد فانه قاعد على تل السلامة. ويقال إنّ اسود هذه البلاد متأسدة أي سحرة يقلبون صورهم على صورة الأسود. حدّثني علي بن معالي الدلال قال: إنّ اسود هذه البلاد قط لم تفترس حمارا ولا بقرة ولا ضأن ولم تقصد إلا أبن أدم، فإذا قصد الإنسان شجرة نزل الأسد تحتها ويبقى مدة ثلاثة أيام أربعة أيام وينتظر الإنسان متى يتعب وينزل فيأكله وترى الإنسان يقول للأسد: بالله عليك إلا ما عفوت عني! وهو يريد نزوله ويضرب بيديه الأرض والشخص يحلفه بمعبوده إلى يعدو عليه. قلت: فما السبب في تأسد القوم فان الثواب في الظلم للعشيرة؟ قال: يتعلم السحر من بعضهم البعض ويتأسد الإنسان ويجتهد في إذاء الخلق بأوحش الصورة والخلق، وانهم طول حياتهم بينها حكاية طويلة عريضة. وقد قال النبي (: كاد الفقر أن يكون كفرا. وإلى المحالب خمسة فراسخ. من صنعاء إلى مأرب حدّثني سلامة بن محمّد بن الحجاج المحجي قال: من صنعاء إلى مسور أربع فراسخ، أرض بني باهش. وإلى وادي جنات أربع فراسخ. وإلى المأزمين أربع فراسخ. ذكر هد سد المأزمين

فصل

حدّثني محمّد بن سلامة بن حجاج قال: سدت أهل شداد وعاد منفذ جبلين بالحجر والرصاص وصعدوا في ارتفاعه إلى أن حاذى الحائط ذروة الجبلين، فصارت السيول تفلت فيه والماء يستجمع إلى أن رجع بحر مسدود وكانوا يسقون من أراضيهم وإنعامهم، ويقال انهم كانوا يسقون منه إلى قرب الشام بساتين ذات أعناب ونخل وزرع وقرى متصلة بعضها ببعض، وبقي الإقليم عامر إلى أن أخربه الله، وكان الموجب ما ذكره الرازي إنّه خرجت قافلة من الشؤم وإذا بفأر قفز من الأرض ركب ظهر جمل من بعض الأجمال التي في القافلة، ولا زال الفأر ينتقل من جمل إلى جمل ويعبر منزلا بعد منزل إلى إنّ وصل مدينة مأرب قفز الفأر من الجمل ودخل السد وصار يعمل فيه عمله. ويقال أن النعمان خرج يوما في طلب الصيد فحصل في طرد الصيد فوجد الفأر بأنياب حديد يحفر السد. فلما رجع إلى أبيه المنذر قص عليه حكاية الفأر وصفة أنيابه إنّها من حديد يحفر السد. فقال المنذر: صح يا بني ما وجدناه في الكتب أن ما يخرب سد مأرب إلا فأر أنيابه من حديد، وأريد منك إذا دخلنا يوم الأحد إلى الدير والكنائس والناس فيه مجتمعون قم إليّ وشاكاني في أمر من الأمور وطول لسانك عليّ فإذا رأيت الأمر قد طال قم إليّ ألطمني براحة كفك على خدي. قال النعمان: وكيف يمكن ذلك؟ قال: يا بني افعل ما أمرتك به لأن لي فيه رأي ولك فيه مصلحة. ففعل الولد ما أمره به والده، فلما لطم الشيخ غضب الشيخ من الحين سمي الملطوم فقام الشيخ بين الجميع وقال: يا وجوه العرب ما بقي لي معكم سكن. قالوا له الجميع: ولم؟ قال: كيف أحرفني صبي وكسر حشمتي بينكم وحرمتي! ومن ساعته نادى على السد فتآلبت وألتأمت قبائل العرب في شراه، قالوا: بكم؟ قال: تغمدوا سيفي هذا! وغرس ذؤابة سيفه على الأرض وصارت العرب تنقل الذهب والفضة والمصاغ إليه ولا زالوا على حالهم يصبون الذهب إلى غمد سيفه بالذهب. فأخذ الشيخ المال وصعد الجبل وسكن مقابل السد، والجبل يسمى حقا، هو وأهله فيه ينظرون خراب السد. ولمّا تمكن الفأر من السد وخرقه أخربه وضرب السيل. حدّثني سلامة بن محمّد بن حجاج قال: لمّا دفع السد أخذ الماء في جملة ما اخذ ألف صبي أمرد على ألف حصان أبلق غير البيض والشقر والدهم والخضر. كما قال: تهدم سد المأزمين وقد مضى ... زمان وهو ينقاد حيث يقاد وإلى مأرب أربع فراسخ، وتسمى الحصنين. ومن هذه البلدة نقلت الجن عرش بلقيس إلى أرض فارس في زمن سليمان بن داود عليهما السلام، كما قال الله عز وجل: (أهكذا عرشكِ؟ قالت كأنه هو) . فقال: مولاتنا وولية آل الذي ... طالت كما طالت علا بلقيس وقد قال الأديب الصابر في مدح السلطان اتسز بن ألب ارسلان حاجب السنجري: وبن صور كه مابدهي كسدي كارم دل نسابه والآن نسرى. فلما إندق السد أخذ مأرب في جملة ما أخذ فلما زال شر الماء وضروه دارت الخلق عل موضعين سليمين منه صورين سمى أحدهما درب الأعلى والثاني درب الأسفل وفي الأعلى شارع يقال له شارع الفضول، كل من تلاكم وتعريد وضرب لا يؤخذ له ولا يؤخذ منه حق، فإن كان خارجا عن الشارع وجب على كل حقه في الأخذ والرد. قال: وحدثني رجل مغربي قال: وكان حسام الدين على لؤلؤ في صنعاء والي يقال له والي الفضول. كان من كان يتعلق عليه بحجة فكان يأخذ من كل واحد دينار. وهو على هذا الوضع والترتيب: ويقال إنّ مدينة مأرب بناها سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ويقال عابر وهو هود عليه السلام. ويقال إنّما سمى سد مأرب إلا أن قوم عاد لمّا سلط الله عليهم الريح العقيم وكان يقف على السد كل يوم كذا وكذا من رجل ليردوا من أصحابهم البلاء، وكانت الريح تضرب بعضهم على بعض كما قال الله عز وجل: (ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم) . فبنوا السد ليرد عنهم قوة الماء، فلما عذب تلك الأمة اجتمع السيول فيه وكثرت المياه فبقي جرياً للماء فبنى عليه قرى وعمارات وزراعات إلى حدود الشام وكان يسقى منه جميع ذلك. فصل

من مأرب إلى الجوف

ولد لحصيص بن حصن ولد في مأرب أمسى علمه في حضرموت مسيرة ثمانية أيام لأن كل ناظور زرع كان يخبز صاحبه إما الخبز بحضرموت وذلك من عمارة البلاد وكثرة العباد. بأعمال حضرموت العواهل جبل يسمى المعدن وهو معدن الفضة وجبل يسمى سرواح معدن الذهب وترابه اصفر يشبه الزرنيخ لم أهل زماننا هذا عمله. ويقال إنّ قوم عاد كانوا يستخرجون الذهب والفضة من هذين المعدنين وهم هذه الأعمال. ما بين إقليم العواهل ووادي بيحان جبل ملح لم يكتل عرب مذحج والبدو والبلاد إلا منه، ويقال بل يكتال منه عرب نجد وما حولها من البدوان. ويوجد بهذه الأراضي النعام والفهود والظباء والأيائل كثيرة. وجميع بناء القوم بالحجر الرخام المنحوت المنجور وكان ينقل في قديم العصر من قديم العصر من جبل يام وهو مقارب براشق مسيرة أربع فراسخ حصن أبيض. من مأرب إلى الجوف من مأرب إلى ورسان أربع فراسخ، بئر صغير من بناء قوم عاد. وإلى براقش أربع فراسخ، من أعمال الجوف. وإلى معين فرسخ. وإلى هرم فرسخ وفيه قال: ما بين معين وهرم ... سبعون بئرا لابن نتم مطوية بالساج من جوف القدم ... ما برحت لحم حاب لحم غلبت عليها هذيل وعقيل وجشم وإلى الجوف الأعلى أربع فراسخ، أرض بني دعام وبه من القرى العادية معمور درب الظالم والسوق ودار عصبة ووحسان وسعموم وصيهد والقاع يزرع به الحنطة والكمون، وكل هذه القرى عامرة بأهلها. ولا يزال القتال بينهم دائماً ومشانخ البلاد يدعون أموالهم بأرواحهم والضعفاء يزرعون ويحصدون. والتي هي خالية من السكان السوداء وحراضة ودرب بني محرم والعاصة. وفي الجوف السوداء والبيضاء ومعين وهرم وسرال وبراقش ودرب أقصى ومقعد الفيل والجار وبردا وحمضة وحمض والهجيرة والله اعلم. صفة هذه الأعمال مساكن شداد وعاد والتبابعة والجبابرة، بناؤهم بالحجر والرخام والرصاص وشيء منها نقر في الجبال كما قال الله عز وجل: (وتنحتون من الجبال بيوتا آمنين) . ويقال إنّه كان يلين لهم الحجر في العام شهر زمان والأصح عشرة أيام ففي هذه المدة كانوا يعلمون منه ما أرادوا، فلما كفروا بنعمة الله عز وجل خسف بهم وتفرق شملهم وتشتتوا في أقاصي الربع المسكون وأدنى البحر المعمور شرقا وغربا وشمالاً وجنوبا. كما قال أبو نواس الحسن بن هانئ المعروف بالمذحجي في ذلك: في فتية كالسيوف هزهم ... شرخ شباب وزانهم أدب لمّا أراب الزمان فاقتسموا ... أيدي سبأ في البلاد فأنشعبوا لم يخلف الدهر مثلهم أبداً ... على هناتٍ لشأنهم عجب لمّا تيقنت إنّ روحهم ... ليس لها ما حييت منقلب أبليت صبرا لم يبله أحد ... وأقسمتني مأرب شعب فرجعت الدور قبور والمساكن مساكن فاردمت بعضها على بعض. وتقلعت النخيل والأشجار وطلع بدله العشر والأراك وسكنت البدوان ببيوتها الشعر وصارت الإبل ترعى بين عامر الخراب وتشرب ظباؤها من الندا، والسراب لبئس الشراب، وساءت مرتفقاً كما قال بعضهم في المعنى: يا صاحبي قفا المطي قليلا ... يشفي العليل من الديار غليلا هذهي طلولهم اطعن صبابتي ... وتركن قلبي من عراي طلولا ولئن خلت منهم مرابعهم فقد ... غادرن قلبي بالغرام أهيلا لو أن عبسهم غداة رحيلهم ... حملن وجدي ما أطقن رحيلا إنّ الظعائن يوم جزع مفحش ... أبقين لي جزاع بها وعويلا من كل رثم لا عديل لحسنها ... رحلت فكانوا للفؤاد عليلا كالبدر وجها والغزال سوالفا ... والرمل ردفا والقناة ذبولا ولآخر يقول: يا قلب هل منك إن سليت سلوان ... أم أنت في غمرات الحب ولهان ولله ما طاب لي عيش أسر به ... حتى يعود أصحابي كما كانوا هيهات بانوا فلا والله ما طمعت ... نفسي بقربكم من بعد ما بانوا

من مأرب إلى صنعاء راجعا

يا لهف نفسي على عيش نعمت به ... أيام لي فيه أوطار وأوطان أقسمت ما سر قلبي بعد فرقتهم ... خلق ولا لاح للإنسان إنسان يسمى هذا الإقليم إقليم العواهل وهو بالطول من نجران إلى بيجان وبالعرض من روضة نسر إلى حضر موت. من مأرب إلى صنعاء راجعاً من مأرب إلى بئر موهل فرسخين، وإلى حربين فرسخين. وإلى طبال العاشر فرسخين. وإلى الرحبة فرسخين. وإلى صنعاء فرسخين. من صنعاء إلى صعدة على الطريق القديم. قال أبن المجاور: وكان هذا الطريق يسلك في أيام الجاهلية فلما ظهر الإسلام بطا. من صنعاء إلى مؤمل ثلاث فراسخ، سرير ملك أعمال الخشب وهو من مساكن ثمود والأصح مساكن التبابعة، وجميع ما بنى بالحجر والجص المدن منها والقرى طول كل لوح حجر منه عشرة أذرع زائد لا ناقص وهو الآن كله خراب بناه. وإلى ثريد ثلاثة فراسخ، من أعمال تومين وهما واديان. وإلى رأس نقيل ثلاثة فراسخ درجه اسعد الكامل. وإلى نقيل الفقع فرسخ. وإلى المصيرع فرسخ، وفيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صرع الكفار. وأنشد بعض العرب المصرعين يقول: كلينا يا سباع وجرجرينا ... فو الله يا سباع لتفقدينا علينا البيض والدرق اليماني ... وأسيف تجر وتعذرينا وإلى نجد قرش فرسخين وهو نقيل مدرج. وإلى العميشة ثلاث فراسخ. وإلى الدرب فرسخين وإلى صعدة فرسخين والله اعلم. ذكر خراب صعدة القديمة فلما جرى على ذات النحيبن ما جرى ورأى عمرو بن معدي كرب الزبيدي ما تم على المرأة حمل جمال رمل وقدم بها وقت الصبح الصادق إلى صعدة وقال لبني عمه: إذا دخلتم صعدة أسفقوا الزوامل الرمل بين دروقي الباب! ففعلوا ما أمرهم به وامتلأ دروقي الباب رملا. فعلم البدو يفأمر بغلق الباب فلما غلق الباب لم يجيء معهم الأكياس الرمل بين دروقي الباب. فحينئذ دخل عمرو بن معدي كرب الزبيدي إلى أرض الحجاز فتبعه رجل من البدو فلما دهمه جذب السيف وضرب الصخرة التي تقدم ذكرها عرفت بضربة عمرو فلما نظر الرجل الضربة رجع عنه. وتم على قوة إلى أن خرج إلى الحجاز وأسلم على يد النبي (ويقال على يد بعض الخلفاء وخرج من فتح العجم مع سعد بن أبي وقاص وقتل بأعمال نهاوند من إقليم العراق. فلما تم على أهل صعدة ما تم تراجعت الخلق من كل فج عميق فعمر كل منزله ومسكنه وسكن فيه، فلأجل ذلك هي خمسة دروب. ويقال إنّ صعدة القديمة كانت في الأبتداء عند حصن تلمص مع خراب صعدة وأعمالها بناها الهادي يحيى بن الحسين. بناء صعدة، بناء الشرف بنى في دولة الإمام أبي موسى محمّد الأمين بالله أمير المؤمنين. ويقالبنى قديم بناء الجاهلية والأصح إنّه بنى في أيام بناء صعدة صنعاء ولا شك إنّها بناء سام بن نوح عليه السلام. وإما صعدة هذه فإنها لمّا خربت صعدة القديمة وتم على أهلها ما تم جاء يحيى الهادي بن الحسين أراد بناء مسجد في هذه الأرض فجاء إليه تاجر فقال: وكلني على بنائه! فوكله وبنى التاجر المسجد، فلما فرغ بناءه قال له الهادي: أحسبت حساب الخرج؟ قال التاجر: معاذ الله أن أخذ على بناء بيت الله أجرة وثمن! وسكن الهادي يحيى بن الحسين المسجد بمقامه فسكنت معه الخلق فكثرت الأمم فبنوا مدينة وأسواق ودور وأملاك فلما رأوا ذلك أداروا عليه أربعة دروب: الدرب العتيق، ودرب القاضي، ودرب القر بني في أيام سيف الإسلام طغتكين بن أيوب، ودرب القاضي أبن زيدان. ويحوي هذه الأربعة الدروب درب واحد وهو السور، وركب على السور باب الدرب العتيق وباب علي بن قاسم وباب درب المعز وباب درب القاضي أبن زيدان وباب حوت وباب درب الإمام. وإما درب الإمام فهو حصن بناه أبو محمّد بن عبد الله بن حمزة ما بين الشمال والمشرق منفردا بذاته لم يخالطه شيء قريب من البلد لم يسكنه إلا الأمام وعترته. وصورته على هذا المنوال في الصفحة الثانية بعد هذه.

فصل

وإما البلدة فانه عامر كثير الخلق والخير ذات معاش، شربهم من الأنهار والأعين وزرعهم الحنطة والشعير، ذات أشجار وأنهار. ولبسهم الحرير والقطن لأن البلاد ظاهرها حار بالمرة وباطنها حار لبن. وهم قوم أخيار يدعون الحكمة ومعرفة الجواهر والعلوم العلوية وهم على مذهب الإمام زيد بن علي بن الحسين أبن علي بن أبي طالب جميعا وهم شوكة القوم في المذهب. فصل حدّثني علي بن محسن الجبلي قال: إنّ بني العباس لم تهب أحدا إلى الزيدية. قلت: وكيف ذاك؟ قال: لأن السنة والجماعة من حزب الأئمة بني العباس وتقول الشيعة والإمامية: لا الإمام إلا من ضم العصا وأورق العصا، وهم مع ذلك ينتظرون خروج الإمام المنتظر محمّد بن الحسن، فهم الآن يفرقون من الفريقين. وإما شوكة البلاد فهم الزيدية لأن عندهم كل إنسان عفيف متدين شريف من آل الحسن بن علي بن أبي طالب يكون فيه خمس خصال فهو عندهم إمام واجب الطاعة فكل من قام على هذه الصفة قامت الزيدية معه وقاتلوا بين يديه. ووقع أحمد بن عبد الله بن حمزة بخزانة ساج في نواحي صعدة وظهر لهم في جملة ما ظهر أربعمائة زردية داوودية غير السلاح والعدد ووقعوا بمطلب ذهب ولكن ما صح لهم منه شيء لأن عليه طلسم لم يمكنهم الدخول إليه سنة أربع وعشرين وستمائة. من صعدة إلى ذهبان من صعدة إلى الحوانيت أربع فراسخ، بناه اسعد الكامل في وادي سجع بنى هذه الحوانيت سكنة لمّا عزم أن يعمر نقل حرف العراق. وإلى خطم البكرات فرسخين. ويقال إنّما عرف هذا المنزل بهذا الاسم إلا لان عفريتا من الجن قال لرميم بن جابر الشاعر: أنشدني بيتا وأنشدك مثله حتى ينصر من يغلب صاحبه على شرط انك لا تذكر في شعرك الديك. قال: نعم. فما زال هذا يقول بيتا وهذا ينشد صاحبه مثله حتى عجز رميم بن جابر فقال: وديك أحمر سليماني ما يلقى ... بحافته جنى ولا حيث يسمع فلما سمع الجني ذلك طار في الهوى ونزل أخذ صيدج بكرة رميم بن جابر فصيحها قطع. فلما رأى رميم ذلك حزن على بكرته وصار يبكي وينقش صورتها في الأحجار فما في هذه الأمكنة حجر إلا وفيه صورة الناقة، فعرف الموضع بخيم الركاب، وفيه يقول: فما في الصبايا مثل ميا صبية ... ولا في المطايا نضوة مثل صيدح وقال أيضاً: واصبح في شق المشورة قاعدا ... وصيدح ترعى بين عيس قناعس وإلى القديم فرسخين، وهو موضع قوم كما قال: أمسى قومي بلحي وغادرني كريم ... وعادسن أيام 000 أرى القديم وهذا يام بن أصنع وسكنهم بوادي الخانق والحقة. وإلى ملتقى الأودية فرسخ. وإلى غسل جلاجل فرسخين. وإلى المحلف فرسخين موضع قوم. وإلى البصرة فرسخ. وإلى وادي نقوص فرسخين. وإلى الجبل الأسود فرسخ. وإلى السراوات فرسخين. وإلى رفيدة فرسخين. وإلى طريب فرسخين. وإلى ذهبان فرسخين. وتسمى هذه الأعمال بيشة العباس بن مالك بن عمرو بن وائل يرجع إلى نزار. من صعدة إلى نجران من صعدة إلى زهران ثلاثة فراسخ وهو لابن ملك لآل عبد الله بن حمزة لأنّه اشترى أرضها من أربابها بيع ة شراء وكان لقوم يقال لهم الأقواش رأس الركب. وإلى الحد ثلاثة فراسخ. وإلى الركب ثلاثة فراسخ، وادٍ عظيم يجري على الصفا وإلى الخانق ثلاثة فراسخ، وماء جاري أوله يجري من الركب. وإلى كوكبان فرسخين، ومنه يخرج إلى نجد، ووضع هذا الحصن ما بين نجد وجبال اليمن فهو حصن مانع سرير ملك نجران. وإلى الحقة ربع فرسخ. مدينة الأصل نجران وعليها المعول في البيع والشراء، وينقسم أهلها على ثلاث ملل: ثلث يهود وثلث نصارى وثلث مسلمين، فالمسلمين الذين بها ينقسمون على ثلاثة مذاهب: ثلث شافعية وثلث زيدية وثلث مالكية. وهي المدينة التي كانت لأصحاب الأخدود وهي التي قال الله عز وجل فيهم: (قُتِلَ أصحابُ الأخدودِ النارِ ذاتِ الوقودِ إذ هم عليها قعودٌ) وإلى قابل ربع فرسخ. وإلى حبونا أربع فراسخ. وإلى قرقرة أربع فراسخ والله العلم. صفة مدينة قرقر حدّثني الرازي إنّ قرقر كانت مدينة عامرة بها ثلاثمائة وستين محلة فيها ثلاثمائة فارس خربت لاختلاف الأمم. فصل

صفة بئر الصفر

وجد زيد البدوي عمرو القرقري قاطنا في فلاة نجد مع البدوان فقال زيد لعمرو: ما لي أراك في جنوب نجد؟ بعد أن كنت في أكناف قرقر بألف غزور غدوت الآن أراك رد الشرد فأنشد عمرو القرقري يقول: أحب دخول بين أدوار قرقر ... ويمنعني دين علي ثقيل وأو كان ديني ينقضي لقضيته ... ولكن دين القرقري قتيل وكان يقوم تحت قرقر سوق تسمى العمدين وما عرف هذا السوق بهذا الاسم إلا إنّ مشايخ العرب كانت تقيم بهذه السوق عامود ذهب وعامود فضة يعرف السوق بهما، ورجع الآن سوقا للعمل بين أرض قفر تزرع به وتحرث، فراح الجسم وبقى الاسم. ولاتها قوم يقال لهم بنو عبد المان وهم قوم شداد بن عاد اللين القياد ذو الجياد. وفيه أنشد بعض العرب يقول: ولولا بنو عبد المدان وخيلها ... لحلك يا نجران بعض القبائل وقال آخر: 00 - ألست تعلم إنّ قلبي ... يحبك أيها البرق اليماني لإن أقتلكم قتلا دينا ... فلا شيخ يدب على البنان وإن أقتل فمقدور ولست ... وفي قومي على سرج الحصان وإن أقتل فقد قتلت قريش ... وقد قتلت بنو عبد المدان والقوم لا يطيعون لملك الغز ولا لسلاطين العرب، وآخر من تولى من بني عبد المدان أخوان يقال لأحدهما القاضي وللثاني القاضي. وفي عهدهم دخلت عليهم يد الأمير محمّد بن عبد الله بن حمزة معهم حتى صار يصل إليهم نصف دخول البلاد لان الأمير محمّد بن عبد الله وأخاه أحمد ولدي عبد الله بن حمزة تزوجا بأخوات القاضي والقاضي أبني صعيب بن عدنان أبن عبد المدان سنة ثلاث وعشرون وستمائة. صفة بئر الصفر أمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يحفر بئرا في بعض أعمالها ذات غمق وسعة وطول وعرض وأن يطوى بالصفر المصبوغ منه شبه الآجر ويسبك فيما بينه الرصاص، فبنى البئر على ما تقدم ذكره وهو باق على حاله. ويقال ما بناه إلا رجل من وجوه العرب في زمن الجاهلية فاندثر واستتر مع طول المدى، فأمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأعاد بناءه فبقي على ما تقدم ذكره. والبئر من جملة العجائب. صفة نجران تهامة من حرض إلى قرار ثلاثة فراسخ. وإلى نجران فرسخين، وهي قرية مختصرة ويسكن أهلوها في أغصاص بعكس بعض وهم في التغصص يتجرعون الغصص ويقرون القصص. وإلى الحاوة ثلاثة فراسخ. وإلى حدب أربع فراسخ. فان قال قائل: كيف يفرق بين السمين؟ قلنا: هذه قرية مختصرة تحت تهامة اليمن خربة والثانية إقليم طويل عريض عامر تحت من شمال نجد اليمن وسرير ملكها، فهذا غلام وذاك سلطان وهذا كرة وهذاك ميدان. ويسمى إقليم نجران وادي سوحان. قال أبن المجاور: دل على إنّ هذا الأقاليم بناه العجم لن دار بهمن بن اسفنديار في أعمال المدائن قصبة تسمى دار ريحان ولا شك إنّه هو الذي بنى هذا الوادي ويسمى على الاسم المقدم ذكره في أعمال المدائن سوحان. وفيه أنشد رميم بن جابر: شبهتها قوس شريان مجزعة ... مما يلذ بها الرامي فيحيها شبهتها مهرة عذراً محجلة ... عند الملوك ليوم الروع ساريها شبهتها جونة مال النسيم بها ... الطل من فوقها والنهر يسقيها ووادي العلائم كما قال بعضهم: وبالنجران وادي الخسف ووادي العلام. قال أبن مجاور: وما اشتق اسم الخسف إلا من الخصب وأراد بذلك وادي الرفاء ويهيب بها ريح الطرف مدة أثنى عشر ليلة فيهلك الزرع والكروم، وفيه بعض الأعراب يقول: وقد سلمت نجران في الطرف لم يزل ... ببحران منها قبة وعروش وبعضهم ينشد لرميم بن جابر: وليلة من ليالي الطرف مظلمة ... سودا جمادية قد بت أسرابها فصل

القول في زوال ملك آل حمزة

قال أبو بكر: مما بحران مأخوذة إلا من قولهم بحرت الناقة إذا شققت أذنيها والبحيرة مشقوقة الأذنين. قوله تعالى: ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة، وهي الناقة التي وهبت عشرة بطون فلم تركب ولا يجز لها وبر، ولا وصيلة والوصيلة الشاة إذا وهبت ستة بطون عناقين وولدت في السابع عناقاً وجديا فيقال وصلت أخاها يحلبون لبنها للرجال دون النساء، ولا حام، فهو الفحل من الإبل إذا ولدُه ولدَه فلا يركب ولا يجز له وبر ولا يمنع من مرعى والله اعلم. القول في زوال ملك آل حمزة وحصولها لبني الهادي 00000000000 فصل ويسمى الفحل عند العرب العر ورهانه إنّه إذا أوجعه موضع أو ثار عليه هواء أو داء يحتاج الكي يؤخذ بعير غيره يكوى فوق الريح ويكون العر واقفه تحت الريح يصل روائح حرق الكي إلى العر فحينئذ يبرأ من دائه ويصح، وكما قال النابغة: وحمدتني ذنب أمرء وتركته ... كذى العر يكوى غيره وهو راتع ولِمَ لا يكون لحليب الإبل زبد؟ حدثتني فاطمة بنت علي بن مسعود قالت: سألت امرأة مويلية من أهل اليمن عن هذه قالت: إنّ الأوائل كانوا يستخرجون الزبد من ألبان الإبل ثم قالوا: نتركه. قال لأن امرأة خاصمت ولدها فتعاطى الولد إلى الخذف فخذف الصبي حجرا إلى صوب أمه وكان في يد الأم كبة زبد من حليب النوق فرجمت بها ولدها فوقعت كبة الزبد وهي جامدة كالحجر على مقتل الصبي فمات، فلما جرى هذا الأمر نادت مشايخ العرب في قبائلها على ترك مخض لبن النوق بالمرة، فقالوا: نتركه إلى الآن. وقال حكيم: إذا دهن زيد رأسه من دهن الإبل لم يقلعه شيء، ولم يتنظف الشعر إلا إذا حلق الشعر لأنّه غليظ بالمرة. ذكر الطريق إلى الرضراض كان من نجران إلى البصرة طريق الرضراض وكان المسافة فيما بين هاتين المدينتين سبعة أيام. وقد بني على حدّ كل فرسخ منه ميل بالآجر والجص من بناء عمرو بن معدي كرب الزبيدي، والأصح من بناء النعمان بن المنذر لمّا خرج من أرض اليمن طالب العراق، والأصح إنّه بناء سيف بن ذي يزن لمّا خرج إلى ناحية العراق واستنجد بكسرى بن قباذ بن يزدجرد بن هرمز ملك من ملوك الفرس، والأصح إنّما بنته عرب جاهلية لمّا سكنوا أرض نجد لأنهم كانوا في تلك الديار شبه السوس في الأرض والناموس الحفر. وإما المناهل التي كانت في المنازل قديمة الحفر. وبنوا البنيان قصور من باب صنعاء إلى العراق واحد في حد الآخر. فإذا كان خوف في اليمن أو فرح حسن أشعل على أعلى ذروة كل قصر وكان يبصروه في ذروة قصر في نواس تفيل عجيب فكان يبصروه في حصن قرن الجند ومنه كان يدخل نجد. وقد بنى في نجد قصر ولعان وفي الصعيد من أعمال صعدة وكان يشغل في ولعان وكان يبصره في قصر فوق الخبت ومنه كان يدخل نجد. وقد بنى قصر في قرب آخر من أعمال العراق فكان إذا اصبح الصباح يصبح الخبر عند أهل البلاد بما نجز من خير وشر ونفع وضر، كما قال: يبلغ الصارخ العراق بيوم ... وفي مدى ليلة تأتي المغير ذكر انقطاع طريق الرضراض

صفة إقليم نجد

حدثني محمد بن سلامة بن محمد بن حجاج قال: ركبت امرأة لبعض البدوان ويقال بنت عمرو بن معدي كرب ركبت أتانا على نحي سمن أي ظرفين. فبينما هي غادية إلى الفلا صادفها عابر طريق وسالك سبيل فراودها عن نفسها فأبت إنّ تعطيه، فقال لها: إنّ كان لا بد فاسقيني سمناً! فقالت له: أهلاً وسهلاً اشرب! ونزلت بالظرفين فحلت رأس أحدهما فشرب الرجل منه شيئاً وقال: ليس هذا سمناً طيبا. ففتحت له الثاني فشرب حاجته وقال: لها امسكي! فأمسكت الظريفين. فحينئذ قام وكشف وراءها وجامعها والمرأة خائفة إنّ تخلي السمن يتبدد، ولا زالا على حالهما إلى إنّ فرغ منها. فشدت رأس النحبين أي الظرفين وأركبها أتانها ومضى ومضت وراء شغلها وتم الرحل على ذلك. فعلم أبوها ويقال أخوها عمرو بن معدي كرب الخبر فجاء وسدد الآبار وهدم الأميال ونقض القصور ليقطع سلوك الطريق، فلما طم الآبار سقى الرمل فظهر ما بقي منه وانقطعت الطريق. وعرفت بذات النجبين يعني المرأة والظرفين والله اعلم واحكم. وهو رمل شبه دقيق السميذ دون أعمال التنعيم مما يلي ظهر اليمن لم يقدر أحد يسلكه لرفعه، مسيرة هذا الرمل شهر كامل ويقال أيام. وهو الذي يسمى رمل عالج وهو الرمل الذي هو على شفا طريق الرضراض قطعه بعد أن منعه. ويقال إنّما دخل سيف بن ذي يزن إلى العراق وورد إلى اليمن بعساكر الفرس إلا على حده، وكانت المسافة فيما بين الإقليمين سبعة أيام ويقال عشرة على ما تقدم ذكره. ويقال برواية أخرى إنّ عمرو أبن معدي كرب كان وراء الفلاة مع الظعن لمّا سدد الآبار سقا السافي طم ما بقي من الباقي وجاء في خلق عظيم ملك صعدة بعد إنّ أخربها، وقد تقد ذكر خرابها. فلما خربت المدينة بنت العامة موضع الخراب بعينه، ويقال لب قريب منه، والأصح إنّه بني في وسط الخراب وقالوا: نترك الأطراف! ويقال إنّما غزى القوم إلا بدوي من ذات الأكيك وذات الحرمل، وفيه يقول عنترة: طال الثوى على رسوم المنزل ... بين الأكيك وبين ذات الحرمل فلما ضاق على البدوي الأرض اسفى الأرض في ديارهم خرج إلى الحجاز وفتل على يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. ويقال إنّما ينتقل الإنسان من مكان لأربع خصال: لرزق يستوفيه أو موت ليقضيه أو لسعادة تأتيه أو لشقاوة تستوليه. حدثني هشام بن مسعود النجراني في دار الإمارة قال: إنّه كان هذا الطريق ينفذ إلى الكوفة، أو قال: إلى البصرة، وكان أهل اليمن يسافرون إليه بالحمير وعليهم الأديم إلى إحدى هاتين المدينتين في العام مرتين. قلت: وعلى أي الأمكنة كان مسلكهم؟ قال: على اليمامة والحساء والبصرة. قلت: ومتى كان عهدكم بعمرانه؟ قال: سنة عشرين وخمس مائة وقال: لمّا رأيت سلوى غير متجه ... وإنّ غرب شفاري عاد مفلولا دخلت بالرغم مني تحت طاعتكم ... ليقضي الله أمراً كان مفعولا وقال آخر: سألت الناس عن خل وفي ... فقالوا ما إلى هذا السبيل تمسك إنّ ظفرت بود حرّ ... فان الحر في الدنيا قليل صفة إقليم نجد نجد أرض عالية ذات آكام لطاف حرة صافية الجو معتدل موافق لمن سكنها ودخلها. وبنوا فيها الأوائل أربعين قصراً مجتمعة والأصح متقاربة تسمى في العراق قصور نجد، وتسمى عند أهل البلاد السكيت ويقال معاصم، بنى بالحجر والجص ذات إكام ومكنة للربيع بن زهير وعمرو بن معدي كرب وعنتر بن عمرو بن شداد. قال الراوي: كنت ادور مع البدوان في فلاة نجد فنجد بين شجر الأراك آبار طويت بالحجر والجص وقد أدخل في جملة البناء أخشاب الساج، وكنا نجد الكرم حاملاً بالعنب ألوان مختلفة ونخلاً حاملاً بالخلال وشجر التين والخوخ والأجاص ومن جميع الفواكه. ولا شك إنّ هذا الإقليم كان عامرا وفيه بساتين عمرت على تلك الآبار وجميع ذلك موجود في أرض نجد على ما ذكرنا ما دنا منها وما قرب والله عز وجل احكم. صفة ماء الهباءة والأصل فيه على ما ذكره الراوي إنّ الهباءة هو غدير طويل عريض عميق ليس فيه قرار لأحد من شدة جريان السيل ينزل من جبال عظيمة عالية. شامخة. وفيه يقول القائل: يا جبال الشام يا شمخ الذرى ... أقواطي بلاك الله بالمحل

صفة بئر العاصمية

ويجري منه إلى وادي إلى الأرض فمن حدة جريانه مع طول المدى حفر الأرض إلى البيوت وكثرت عليه السيول وأملي ماء فرجع بحيرة ما ينقص منه الماء، ولو غرف منه أهل البادية وسقى واستسقى منه الأموال والنعم لمّا نقص منه الماء ولا بان منه مقدار إصبع. وفيه قتل قيس بن زهير بن جذيمة أبن أبي سفيان أولاد عمه لأنّه وصل إليهم فوجدهم يسبحون فركب السيف عليهم وقال: إنّ ماء الهباءة أورثني الذل ورحت ظالما أو مظلوما. وقال: شفيت النفس من حمل بن بدر ... وسيفي من حذيفة قد شقاني فان أكو قد شفيت بهم غليلي ... فلم أقطع بهم إلا بناني وبها قتل عنتر بن ربيعة بن زبيبة أربعين فارساً من وجوه العرب. وهذا الماء مجتمع القبائل والفتن وبهذه الأماكن مسكن عنتر بن زبيبة وقيس بن زهير وعمرو أبن معدي كرب وغيرهم من كبار العرب ورؤساءها. قال الراوي: ونجد في الفلاة نجد حيث لا عمارة ولا سكن قبور بنيت بالآجر والجص ألوف مؤلفة لم يعلم أهل زماننا لمن تلك القبور. وعن محمّد بن أبي حامد قال: حدثني أبو بكر الشاعر إنّه قرأ على قبر: الموت أخرجني من ديار مملكتي ... فالتراب مضطجعي من بعد تتريفي لله عبد رأى قبري فأحزنه ... وهاب من دهره ريب التصاريف هذي مصير ذوى الدنيا وإنّ جمعوا ... فيها وغرهم ريب التساويف أستغفر الله من عمدي ومن خطأي ... وأسأل الله عفواً يوم توقيفي ومن جملة القصور حجر عبد الله قصر بني على أكمة عالية بالحجر والجص وبالآجر والجص وبعد بالآجر والجص، وبعده قصر عنتر بني بالحجر والجص والآجر والجص بناء وثيقاً محكماً، وبعده بئر العاصمية. صفة بئر العاصمية بنيت على أربعة وعشرين عمودا ستة أعمدة مقابل سنة وهي مربعة وطوى ما بعده بالحجر والرخام طول كل حجر منه عشرون ذراعاً بالجص مدرج ينزل إليه بدرج، ومن يوم بنيت إلى هذه الغاية ما نزفت ولا وجد لها قرار. وهو بناء عجيب لب أعمال سلات. وبعده مدينة الهجرة خرب البلد وبقي في أوسطه القصر عامر سكان بأهله وقد حفر في أوسطه بئر يروي منه العرب إبلها وظعنها. ومشرق العاصمية قصر الصبية. والنخل مستدار حول القصور ليسكن بل لذخر متاعهم من السمن والأقط كل ما يصل إليهم سيله. وهو على هذا الوضع والله اعلم. ذكر أودية نجد الحساء واليمامة وتحت منه الأكيك وذات الحرمل، وهذه الأماكن أودية مشرفة والعواهل والعويهل نهن وسهل وجاش وعشرون الرمل ما بين هجران والهجيرة ووضع ما بين الهجيرة ومكة. فإذا كان فضل الغيث وأورى ظعنه وكل يطلب أرضه وفلاته بروايا المحلة. وفيه يقول: لولا شفاها ذا طرز زمانها ... وحمل الروايا كان من جاء يفرس وقال آخر: لولا المشقة ساد الناس كلهم ... الجود يفقر والأقدام قتال وهذه العشرة والأودية إذا مطرت جرت في فلات نجد ويصل أواخرهم إلى البحر المالح. ذكر الكرم قال حكيم: الكرم هو دينار عشرون قيراطا منه للعرب وأربعة قراريط منه في سائر الأمم والعالم. والبخل هو دينار وعشرون قيراطا منه في الروم ويقال في الهنود والأصح في المغاربة وأربعة قراريط منه في سائر العالم. ويقال أوّل من أطعم الكسرة إبراهيم الخليل عليه السلام فهي سنته. ويقال ثلاثة هم أصحاب الأعراف: أبو طالب لتربيته النبي (وانوشروان لعدله وحاتم لكرمه. ويقال إنّ بعض العرب شرع في طعم الكسرة وأراد أن يعادل حاتما في زمانه فجاء إليه ضعيف يطلب منه فأعطاه ما سأل فرجع السائل إليه ثانية وثالثة ورابعة وخامسة. فقال المدعي: يا أخي كف فما أنت إلا قليل الوفاء كثير الجفاء هذه لك خامس مر أو سادس مرة. فقال السائل: إنّ حتما بنى قصرا ز فتح به أربعمائة طاقة والله إني كنت ادخل في كل يوم من كل طاقة أربعمائة مرة بلا عاقة وكنت أكون في الأول شبه الساقة. كما قال: أجاد جميل مرة بعد مرة ... وما الجود إلا عادة لجميل

فصل

فلما سمع المدعي كلام السائل قال بترك ما كان قد أسس من بنائه المجصص. وكان حاتم طيء إذا قدم الزاد قدم الضيوف وفضل منه شيء لم يرده إلى منزله بل يخليه على حاله. كما قال: رحانا وخلفنا على الأرض زادنا ... وللطير من زاد الكرام نصيب وإما عرب الفلاة فلا يتغدى أحدهم إلا قرب الظهر ولا يتعشى إلاّ قرب نصف الليل وما يؤخرون الغداء والعشاء إلاّ لأجل الضيف الذي يقدم عليهم. فإذا وصلت قافلة إلى حلة عرب يخرج أهل الحلة إلى القافلة يمسك كل واحد منهم ثلاثة أربعة انفس من أهل القافلة وكذلك من يكون في البيت قليل النهضة ينادي بأعلى صوته: إلي يا وجوه العرب بارك الله فيكم ويشير بيده إلى الإنسان. فإذا حضر عندهم رجل عزيز القدر ينحر عليه رأس إبل وإنّ كان عابر سبيل يذبح عليه شاة وإن كانون جماعة وتكون الضيافة لرجل واحد من بين القوم يقدم صاحب الدور قدام الزور والآلية ويعلم من حضر إنّ الدعوة لذلك الرجل الواحد والباقون طفيله والمستورين يأخذ صاحب الدار رغيف يكسره ثلث أربع كسرة يرميه قدام إنسان يكون الدعوة لذلك الشخص. ويسلق اللحم بالماء ويثرد الخبز ويقلب عليه السمن الكثير فيشرب اللحم بالمرق ويفرق جميع اللحم على الثريد وهذا طبيخ العرب خاصة يسمونها العربية. فصل نزل جماعة شعراء على رجل من الأعراب في برية قفر فقام الأعرابي يجزر على القوم بعيرا كان عنده فأضافهم تلك الليلة. فلما انبسط القوم من الحديث قال الشعراء للأعرابي: من أي البلاد أنت وكم أنت في رجل وكم معك من المال؟ فقال لهم الأعرابي: أنا رجل غريب نازل هذه الأرض وما لي من العشيرة إلاّ امرأة عجوز وما لي من المال سوى الجمل نحرته عليكم. كما قال: الجود طبعي ولكن ليس لي مال ... وكيف يصنع من بالقوت يحتال فهناك خطئ إلى أيام ميسرتي ... دينا على ولي في الغيب آمال حكاية عن أبي عمرو الدمشقي قال: خرجنا مع أبي عبد الله بن الجلال إلى مكة لم نجد ما نأكل فرفعنا إلى حي في البرية وإذا في الحي أعرابية عندها شاة فقلنا لها بكم هذه الشاة؟ فقالت: بخمسين درهما. قلنا لها: احسني! قالت: خمسة دراهم. قلنا لها: تنهرين. قالت: لا والله ولكن سألتموني الإحسان ولو امكنني لمّا أخذت شيئا. قال أبو عبد الله بن الجلال: ايش معكم؟ قالوا: ستمائة درهم. قال: أعطوها واتركوا الشاة لها! فما سافرنا سفرة أطيب منها والله اعلم. ذكر ذمام العرب إذا مسك عربي لصا أو ربيطا أو من يكون له عليه دم فإن أكل الربيط في بيت صاحبه تمرا أو لحما قتله بعد يومين وليلتين وقيل بعد ثلاثة أيام ويقال بعد سبعة أيام. وإنّ أكل خبزا قتله بعد يومين وليلة وقيل يومين وليلتين ويقال بعد سبعة أيام. وإن شرب ماء في بيته بعد يوم واحد ويقال بعد ساعة واحدة. وإن شرب حليبا احرم عليه دمه بعد ثلثة أيام بلياليها. ويقال إنّ السلام يكون في ذمامة إلى أن يغيب كل من صاحبه فان سلم عليه صاحبه بطل حقه وأمن من جميع ما يكره. قيل: ولم ذا؟ قال: لان اللحم يبقى بمعدة الإنسان يومان وليلتين ويبقى الخبز يومان وليلة ويبقى الماء يوما واحدا. والسلام ما يغيب عن النظر فما تقنضي المروة أن تقتل إنسان وخبزك في أمعاءه. فصل هجا دعبل بن علي الخزاعي بن عبيد الله الخزاعي فلقيه المطلب في طريق فقال له: سر معي إلى منزلي! فذهب به. فلما دخل قال: والله لأقتلنك شر قتلة. فقال له دعبل: لا تقتلني وأنا جائع أشبعني وافعل ما شئت ستجدني إنّ شاء الله من الصابرين. قال له: ما احسن ما طلبت النجاة! إنّ أطعمتك وجبت الحرمة والأمان وإنّ لم أطعمك بخلت أي بخل. فقال دعبل: والله لا ذكرتك بسوء أبداً. فأطلقه وأحسن جائزته. وإذا عض الذي عليه الدم ذيل امرأة أو طفل يحرم ذنب المذنب على صاحبه. فإن هرب الذي عليه الدم إلى بيت إنسان استجار به فأن عفي عنه صاحب البيت الذي جرم بينهم 00000وحكى إنّ قوماً استجاروا بحجر بن مهلهل فأجارهم من الهوى وبني لهم سورا من الحجر والجص ونصب على السور سرادقات من الأدم ولم يخلي الهوى يهب عليهم. فصل

فصل

نزل سقاء بئراً بطريق مكة يبرح منه الماء في دلاء لقلته فرحل الحاج على غفلة بقى السقاء مكانه ثلاثة أيام بلياليها، فبعد انقضاء هذه الأيام قدم رجل من وجوه العرب فأدلى دلوه فنظر الأعرابي السقاء في قرار البئر فاستقى وسقى حصانه وشرب واستخرج السقاء من البئر وأردفه وراءه وسار به غير بعيد إلى إنّ وصل خبت قفر ليس به مما خلق الله عز وجل من المخلوقات سوى فرد حي أي بيت شعر له، وفي الحي امرأة واحدة وهي زوجته فقامت المرأة غسلت يد السقاء ورجله بماء حار وأدفأته. ونام السقاء واستراح واستيقظ وجد طبيخا حاراً فتعشى وشبع ونام صاحب البيت وزوجته إلى الصباح. فخرج صاحب البيت اسرج وألجم وركب حصانه وغدا الصيد. وبقى السقاء عند المرأة تهتم بحاله وتدور في أموره إلى إنّ تعافى وصح مما به، فلما دار الدم فيه فتح عينه. وقدم صاحب الحي عند اصفرار الشمس واحصر بين يديه الذي رزقه الله سبحانه من الصيد طبخا أو أكلاً جميعاً. وبقى السقاء على حاله مدة ثلاثة أيام على الرسم والعادة وفي الرابع شبع وتعافى واستراح، فمد عينه إلى المرأة فوجدها صورة عجيبة فطالت يده مع قصر رجله في مثل هذا المكان وراودها عن نفسها مراراً فنهته فلم ينته فقام معها بالكلية وقامت معه بالمنية. فلما أبصرت العفيفة عين الحقيقة قامت إليه وأدارت كتافه وشدته في جوار كلب كان عندها. ففيهن من تسوى ثمانين بكرة ... وفيهن من تسوى عقال بعير وفيهن من لا بيض الله وجهها ... إذا قعدت بين النساء بزير فلما رجع زوجها نظر الحال غير الحال فقام إليه وحله وقدم إليه ما حضر. وبقي يراودها عن نفسها ثلاثة أيام متواليات وتفعل بن الدست. قال أبن المجاور: ولا شك إنّ هذه المرأة كان طالعها بالسنبلة كما ذكره أبو الريحان محمّد بن أحمد البيروني في كتاب التفهيم في علم التنجيم: إما الحمل والثور والأسد والسنبلة والجدي والحوت ذوات شبق وحرص على النكاح وفي الميزان والقوس شيء من ذلك، وإما في أمور النساء فالثور والأسد والعقرب والدلو دال على عفتهن وحصانتهن والحمل والسرطان والميزان دال على فسادهن والجوزاء والسنبلة والحوت على توسط ذلك فيهن السنبلة اعف. فلما عر الحد عن الحد قال البدوي للسقاء: إلى أين تريد أوصلك؟ قال: إلى الكوفة. فشد على حصانه ونفسه وركب وأردف السقاء وراءه وسار به يومين وليلة إلى أن اشرف على نجد الكوفة. فلما نزل البدوي السقاء عن حصانه ودع كل صاحبه، فحينئذ قال البدوي: بالله عليك إلاّ ما كتمت حالك لي وحدثت بحالك معي اعد الله جزاك خيرا. كما قال: لا نضيع فعل الجميل بضعه ... إن اصطنعت لذي خطا وذنوب والشوك لو تسقيه ماء الورد ما ... 00000 ويحمل الخرنوب وقال آخر: ليس الكريم الذي إن زل صاحبه بث الذي كان من أسراره علما إنّ الكريم الذي تبقى مودته ... ويحفظ السر إن صافي وإن جرما وقال آخر: لا تجلسن مع السفيه فانه بفساده لصلاح أمرك يذهب ولقد ظفرت ببيت شعر قاله ... بعض من الأعراب وهو مهذب ما ينفع الجرباء قرب صحيحة ... منها ولكن الصحيحة تجرب ولماذا يقال: جراد نجدي لا يأكل الحشائش ويشم أطيب الأهوية ويشرب أطيب المياه ويترقى في أطيب الأمكنة ويرجع دواء كل داء؟ ويقال: إنّه يظهر في نجد من أعمال تسمى الدهناء والموضع هو مشرق البحر، وقال آخر: بل هو يخرج من البحر بإذن الله عز وجل قال أبن المجاور: وهو قريب من اليمن والسلوى ينزل على شجر الزيتون بجبال الروم وغيرها. والسلوى هو طير يجيء إلى دمياط على وجه الأرض، وقد تقدم ذكره، ولم يعلم من أين يأتي، وكذلك الجراد يأتي من علم الله عز وجل. فإذا غرس الجراد في الأرض وأقفر يسمى العرجل فإذا بت ودب عل وجه الأرض يسمى الدباء فإذا طار يسمى الجراد. وقال رجل من المفرسين: إنّه كتب على جناحه اسم الله الأعظم فلذلك يقدر على الطيران ويتسلط على أكل الزرع وغيره لأجل جند الله عز وجل سلطه على بلاده وعباده. فصل

فصل

نزل الجراد في قرب قبيلة زيد ونزل جراد قرب قبيلة عمرو. فقام أهل قبيلة زيد قالوا لأهل قبيلة عمرو: ها نحن نصيد جراداً احتمى بكم. فلما سمعت قبيلة عمرو ذلك قالت: لا سمع ولا طاعة ولا نمكنكم من صيد جوارنا. فقام القتال بين الفريقين ولا زالوا على القتال إلى أن قتلوا هاتين القبيلتين. وانشد عمرو يقول: ومنا من أجار جراد نجد ... وحرمه على المتصيدينا فصل مرض زيد مرضاً شديداً إلى أن تعبت الأطباء من علاجه لقلة ملاقاة أدويته. فلما اشرف على الهلاك قال الطبيب لقرابته: أطعموه ما اشتهى وأراد فأنه من الهالكين! وصار المريض يأكل ما اشتهى وأراد إلى بعض الأيام فدار في خاطره الجراد فاشترى وأمعن في الأكل منه، فلما اكثر منه تعافى من مرضه. وشاهده الطبيب فقال: بالله عليك اخبرني بما تناولت من المعاجين أو شربت من الأشربة وما غداؤك من المآكل فقال: الجراد. فقال الطبيب: صدقت لان الجراد يكون قد قعد على حشائش يأكل منها، ولم تصل منفعتها إلى فهم مخلوق إلى الآن ووافق خاصية تلك الحشائش لذاتك برئت وكان الجراد واسطة لعافيتك، والله إني نظرت في جميع كتب الطب على أن اعرف لدائك دواء فما صح لي من ذلك فقلت بترك الحمية لك والله اعلم. ذكر زواج أهل نجد حدثني سليمان بن المنصور قال: إنّ جميع أعمال الجبال وجميع أهل البوادي والبدو وتهامة ونجد يزجرون بنائهم ولم يورثون البنت شيئاً بل إذا كانت البنت باكراً تجهز وتزوج من مال أبيها، وإنّ كانت البنت ذات عيال فقد استراحت عواذلي من عتابي، وكل امرأة يقل أهلها وعشيرتها يقل خطابها. فإذا عجزت عن مقاساة نعمها ومواليها تركب هودج عالي وتساق نعمها إلى سوق في وعدة ويقوم لها منادٍ ينادي عليها: ألا من يطلب عروساً وذودا؟ فان كانت راجعاً ينادي عليها: ألا ومن يطلب بحبح ودوب، والبحبح هي امرأة ثيب والدواب مالها ونعمها من00000 وأمانات. فكل من يرغب فيها وفي مالها تزوج بها فإذا أبوها أو أخوها أو أبن عمها أو بعض قرابتها يقول للرجل: تزوج بها يا وجه العرب، وإذا قل رغبتك فيها فأنت وكيلها في زواجها زوجها من شئت!! وانشد بعضهم: عليك بصعبات القياد ولا تقع ... برجلك في مدووسة قد أذلت إنّ أكرمتها قالت: قد أكرمت من قبل ذا ... وإنّ هنتها قالت: بل النعلي زلت وقال آخر: يا مبشري بابا ويا زوج راجع ... أبشرتك الخسران من يوم راجع

ومن صعدة إلى صنعاء راجعا على الطريق اجديد

وإذا دخلت المرأة على بعلها تجيء كل امرأتين من جيرانها يهنئانها بإتمام سرورها وتأتي معها بجراب ملآن دقيق سميد أو سويق أو زبيب. وحينئذ يحصل للمرأة نحو مائة ظرف ملآن تنفقها مدة أيام واشهر، وإذا كان لأحد النسوة الذين حضروا العرس عرس ردت لهم المرأة الجراب الملآن مثل ما كان، مثل ما كان، وهذه عوائدهم. وتغزل النساء هذه الديار القطن كما يغزل الوبر بالقانون غليظ مرة، وينسج منه شبه سياسات شبه الأكسية الصوف يسمونها الصوف يسمونها ثياب الهجيرة لبس العبيد والإماء والضعيف. ويقال إنّما يوجد في هذه البلد ستون حائكا ودحاح. وليس يعرف القوم إيمان إلاّ إنّ زيدا يخط خطاً دائرا على وجه الأرض ويقول لعمرو المنكر عليه: أدخله! فإذا دخله يقول له: ارفع رأسك إلى الله! فإذا رفع رأسه نحو السماء قال زيد: كفيت بالله ربا اقصد يا إنسان طريقك بارك الله فيك! وهذه أيمان القوم. وينقسم أموال هذه البلاد على فريقين: الضان وبعض الإبل والخيل، فأما الإبل والضأن يستقنوتهم قوم يقال لهم الشاورية وبعض الإبل والخيل يستقنوتهم الدواشر. ولم يعرفوا غير هذا المال شيئا آخر يعني مثل المعز والبقر والثيرة والحمير والبغال. والآن ينزل البدوان حول القصور بالبيوت الشعر والخيل والإبل والغنم وهم أهل جود وعطا وكرم يأكلوهم لحم الإبل ومشروبهم الحليب وركوبهم الخيل وبيعهم وشراؤهم الخيل والإبل ولبسهم الخام. وهم أهل قوة وفصاحة ويديرون الفلاة وراء الأموال والنعم لا يودون قطعة ولا يعرفون خراجا س. قال أبن المجاور: وكل بدوي لا يأوى تحت سقف ولا يؤدي قطعة فهو من أولاد إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه السلام ليس فيه خلاف ولا شك والله اعلم. وأما نجد وحدودها فما كان من حدّ اليمامة إلى قرب المدينة راجعا على بادية البصرة حتى يمتد على البحرين إلى البحر فهو حدّ نجد ومن صعدة إلى صنعاء راجعا على الطريق اجديد قال أبن المجاور: حدثني الحسن بن علي بن محمّد التولي الصعدي قال: لمّا فتح الله عز وجل بالإسلام سلكوا هذه الطريق. من صعدة إلى الخيام ثلاثة فراسخ وتسمى الدروب. وإلى العين فرسخ. وإلى العمسة أربعة فراسخ. وفي هذه الحدود مدينة تسمى خيران ويقال وادي خيران، وهذه مدينة وضعت في لحف جبل ومن علها إنّه كان بها ستمائة شارع وكان يخرج من كل شارع ستمائة فارس وكان قد بني لهذه المدينة سد شبه المأزمين بمأرب وقد تقدم ذكره. فلما خرب السد خربت المدينة والآن هي ملك أحمد ومحمّد أبني عبد الله بن حمزة واشتروا أراضيها بذهب كثير وهي ذات زرع وضرع، ويقال إنّ من طيبة أهلها كانت تسمى خيران في أيام الجاهلية. وإلى حوت خمسة فراسخ. وإلى جحضم أربعة فراسخ.وإلى صنعاء فرسخين. ذكر الرؤيا قال أبن المجاور: رأيت في المنام كأني في مدينة عامرة وكان عمارتها بالحجر المنقوش طول كل حجر منها مقدار خمسة أذرع ولكل حجر لون، وهي ذات جامع ومساجد وخانات وربط ومساجد ومدارس وع أسواق ودكاكين وحوانيت، نزهة بين جبلين عاليين كثيرة المياه والأنهار والأشجار والبساتين. وكان قد طبق إحدى جبلي الوادي الآخر القائم على حرفه وقد كحل السوق بالجص من لحفه إلى ذروته، فلو سار على وجه أي سد الجبل نملة لناظره من على بعد المسافة. وكأني قلت لأحدهم: ما تسمى هذه البلد، قال: حجب. قلت: وما المعنى في هذا الاسم؟ قال: إنّها احتجبت عن الناظرين. قلت: فمن أي الأعمال تحسب؟ قال: من أعمال صنعاء اليمن. وذلك ليلة الجمعة سادس رمضان سنة أربع وعشرين وستمائة. من تعز إلى زبيد راجعا من تعز إلى عدينة ربع فرسخ، قرية في لحف الحصن. وفيها قال الشاعر: قد كنت لألأ برق من عدينة ... ناديت: ما بال أحبابٍ لنا بعدوا؟

صفة طير الدلنقوق

وإلى الدمينة ربع فرسخ وبها يعمل الخزف. وإلى وادي حذرار ربع فرسخ. وإلى بئر ماهوت ربع فرسخ، ويسمى الأجناش وبنى بها نور الدين عمر بن علي بن رسول مسجدا على ثلاث قباب سنة ثلاث وعشرين وستمائة. وإلى بئر الصدع فرسخ. وإلى وادي النخل فرسخ. وإلى وادي الحناء فرسخ، وجميع غرسه وزرعه الحناء، وهو كثير القردة. وإلى السالمين فرسخ. وإلى عقدة مجعر فرسخ. وإلى الكدحة فرسخ. وإلى حديلة فرسخ، وتسمى سراديب النيل. وإلى الدريعاء نصف فرسخ والله عز وجل اعلم. صفة طير الدلنقوق طير أبلق يشابه لافر عرير إنّ الذي في أرض العراق بمنقار طويل يأوي هذه الجبال، وصفته إذا غرد رقص. حدّثني الجمال قال: ما يكثر تغريده وترقيصه إلى في فصل الغيوث والمطارات والشتاء وهذا أعجب شيء رآه المصنف. وفي اليمن أيضاً طير يسمى جولب أكبر من القسم وأجنحته حمر وله منقارين يقول أحدهم في تغريده: سيدي أجب ستي! ويقول الآخر في تغريده: دقوا قفا السودان! ويوجد في هذه الجبال طير يهدر شبه هدير الجمل الهائج. ويأتي إلى زبيد عند طلوع كل شمس طيور تشبه الطيطوية وذلك في فصل الشتاء تسمى الحوامات حمل في جمل تدور حول البلد أربع دورات وترجع لم يعلم أحد من أين يأتون ولا أين يمسون ولا يكورون، وهم من جملة العجائب. ويطلع في هذه الجبال ريحان بري في أرض تهامة حيق ويسمونه في زبيد النحالة الدرافساير وكان هذا الموضع رأس حدّ أعمال الحبشة لمّا كانوا ولاة زبيد. وإلى الساسة فرسخ. وإلى المخيشيب فرسخ، آخر أعمال الجبال. وإلى الفويرين فرسخ. وإلى حصب الدين نصف فرسخ. وكانا قريتين عظيمتين عامرتين ومن جملة عظمتهما إنّه كان يركب منهما أربعمائة فارس، فسلط الله عليهم دابة يسمونها أهل اليمن الحرباء لدغتهم فماتوا الجميع ويسميه أهل خراسان آفتاب برست ويسمى في زاولستان سكند، كما قال أبن المجاور فيه: جه كردى ايا روزكار نزند ... كه يبوستهكردى برنك شلند كهي زرد زوى وكهى سبز كشت ... كهى دست يار وكهى باي بند ويسميها أهل نهاوند ركثرله ويسميه أهل الحجاز أم جبل لأنه يكون لأحدهم لسان طوله اكثر من مائة ذراع ويسميه أهل أبين الفخاخ وتسميه العرب العرباء الحرباء. كما قال كعب بن زهير: ويوما يظل به الحرباء مصطخما ... كأن ضاجيه بالنار مملول وإلى السلامة نصف فرسخ، فإذا كان في البلاد خوف غزوهم أهل شمير لان القرية في لحفه. والى حبس نصف فرسخ، بناها الأمير جياش بن نجاح وهو جد ملوك زبيد الذين تولوا ملك زبيد والتهائم، فلما تولى الملك بنى حيس وانفذ إلى أهله وقرابته: انتقلوا من أعمال الحبشة واسكنوا حيس، ويقال إنّ ليس فيها من العرب بل كل من بها من نسل السودان. وبها يضرب أهل اليمن المثل، يقول زيد لعمرو: والله ما تضير إلاّ تيس. فيقول له عمرو: ولم؟ فيقول: كما أعطاني حب واخذ حيس. وكان الموجب على ما ذكره يحيى بن علي بن عبد الرحمن الزراد إنّ عصابا فوره معاني في حب حصن حب، فحينئذ أعطى سيف الدين نقر له حيس وأخذ منه حبا فبقى مثلا بين عوام زبيد. وكذلك أعطى بعض ملوك الموصل قلعة سنجار. وإلى الدوامل فرسخ. وإلى السرداب فرسخ. وإلى القرتب نصف فرسخ. من زبيد إلى الحجة من زبيد إلى القحمة ثلاث فراسخ. وإلى الدكراء فرسخين. وإلى طرف العنيمة ثلاث فراسخ. وإلى العمد ثلاثة فراسخ على لسان وادي لعسان. وإلى اسحر ثلاثة فراسخ. وإلى حراز المستحرز ثلاثة فراسخ. بناء حصن مسار

فصل

ولمّا كان في سنة تسع وعشرين وأربعمائة بنى الصليحي في رأس مسار وهو أعلى ذروة في جبال حراز، وكان معه سبعون قد بايعهم بمكة في الموسم سنة ستة وعشرين وأربعمائة على الموت والقيام بالدعوة، ومنهم إلاّ من هو مع قومه وعشائره في منعة وعدد كثير، ولم يكن برأس الجبل بناء بل كان قلة قاسية منيعة. فلما ملكها لم ينتصف النهار الذي تملكها في ليلته إلى وقد أحاط به عشرون ألف ضارب سيف فحاصروه وشتموه وقالوا له إما نزلت وإما قتلناك أنت ومن معك بالجوع. فقال لهم: ما فعلت ذلك إلى خوفا عليكم أن يملك هذا الجبل علينا وعليكم فان تركتموني أحرسه لكم وإلا نزلت إليكم. فانصرفوا عنه ولم تمض له ستة أشهر حتى بناه وحصنه وأتقنه. وبقي الصليحي في مسار وأمره يستعلى من سنة تسع وعشرين وأربعمائة. وكان يخاف نجاحا صاحب تهامة ويلاطفه ويستكين لأمره، ولم يزل الصليحي يعمل على نجاح حتى قتله بالسم مع جارية جميلة أهداها إليه وكانت وفاة نجاح بالكدراء في عام اثنين وخمسين وأربعمائة. وفي عام ثلاث وخمسين كتب الصليحي إلى الأمام المستنصر بالله يشاوره في إظهار الدعوة فعاد الجواب إليه بالأذن. ففي ذلك طوى البلاد طيا وفتح الحصون والتهائم، ولم تخرج سنة خمس وخمسين ولم يبق عليه من اليمن سهلا ولا عرا ولا برا ولا بحرا إلاّ فتحه وذلك أمر لم يعهد مثله في الجاهلية والإسلام! قال: وبيان من زبيد حصن مسار يمين القبلة ويسار المشرق على أعلى ذروة الجبل شبه أكمة عالية مشرفه على التهائم. وفي سنة خمس وعشرين وستمائة ملكه الشريف عماد الدين يحيى بن حمزة وهو الآن في قبضته وتصرفه. وإلى الجبلين ثلاثة فراسخ. وإلى سوق القباب ثلاثة فراسخ في أوسط وادي سارع. حدّثني سليمان بن منصور قال: إنّ أهلها كتبوا على باب مسجدهم: من أمسى في مسجدنا هذا فلا يراعى منا عشاء. فصل حدث يوسف بن يحيى عن أبيه عن غسان عن أبي عبيدة بن جهيم بن خلف قال: أتينا اليمامة ونزلنا على مروان بن أبي حفصة فأطعمنا تمرا وأرسل غلامه بفلس وسكرجة يشتري له زيتا، فلما جاءه بالزيت قال: خنتني من فلس واحد. قال: كيف أخونك؟ قال: أخذت الفلس لنفسك وأستوهبت زيتا فأنت ابخل الناس. وقال فيه: وليس لمروان على الغرش غيرة ... ولكن مروانا يغار على الفلس وإلى طرف نظار ثلاثة فراسخ. وإلى ربض أربعة فراسخ. وإلى لاعة أربعة فراسخ. وإلى المخالفة فرسخين. وإلى حجة أربعة فراسخ. حدّثني يحيى بن علي بن عبد الرحمن الزراد قال: إنّ في الجبال خيال لا يزال البرق يضرب أطرافها إلى أن رجع ضرس قائم بنى على حصن مانع مثل الدملوة وحب والتعكر وبكور، وما يضرب البرق على حصن عامر إلاّ هدمه وأخرب حضنه ودحضه إلى أن خلاه مع الأرض مستويا. فإذا جاز على جبل من هذه الجبال قوم من أعراب الأعمال يقول زيد لعمر: هذا حصن نصر بن جعفر وهذا منزل خالد بن الوليد، خرب من كذا وكذا سنة. ولم يكسر جبال اليمن ويدحضها إلى دوام البرق وهذا أعجب شيء يكون. من زبيد إلى غلافقة من زبيد إلى القرشية فرسخ، ومنها ظهر أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وهو من جلة الصحابة وأحد الحكمين الذين حكمهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. فصل أهل الزريبة والعنبرة والهرمة والقرشية، لم تظهر بهذه القرى بنت إلاّ إذا عقد نكاحها وقطع مهرها وسلم دفعها وبعد ذلك تظهر البنت بطبل وزمر على رؤوس الأشهاد بالمهامين والضيافات والطرح والتسليم. فسؤل عن فعلهم، قالوا: نخاف نظهر طفلة فإذا كبرت رأت نبتها وخدها وقدها ونهدها مع أعكامها مليحا يعجبها حسنها فتحتاج إلى أن تخرج عن الطريق إلى غير الطريق، بل نخليها على حالها فإذا رأت فلقها طويلة وهي مع وصحه رهكة كريهة الرائحة وحشة المنظر تخمد نارها ويقل طلابها لأجل ما معها من طول الغفلة فإذا مهرها ظهرت فأدخلت على بعلها هين لين. ويقال إنّ جميع بلاد الشامية عن زبيد على هذا السنن والغرض بطول وبعرض. وإلى خبت نفحان فرسخين، من حدود المحالب وليس في تلك الأراضي أكثر توهجا منه. وإلى غلافقة فرسخين. بناء غلافقة

فصل

كان ما بين غلافقة والمكينة بلد تسمى الزبر، وما أشتق اسم الزبر إلاّ من الزبور أي زبور داود عليه السلام، ويقال من زبرة الحديد، طمها الساقي فرجعت تلول رمل. قال أبن المجاور: ووجدت في المكان قبرا على ساحل البحر وقد حمل الرمل حجرا وقد غاص عظام الميت في الحجر الأصم والله عز وجل اعلم. فصل إذا دار على التراب ألف عام رجع التراب رملا فإذا دار على الرمل ألف عام رجع الرمل حجرا وإذا دار على الحجر ألف عام رجع الحجر ترابا، فعلى هذا الوجه لا شك إنّ للقبر ثلاثة آلاف عام لأنه تقلب ثلاث قلبات قلب بالتراب وقلب بالرمل وقلب بالحجر. فلما خربت الزبر بنت امرأة تسمى بنت إسرائيل ولا شك إنّها بنت يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام غلافقة فخربت بمرور الزمان عليها ودور الأفلاك عليها فبقيت رسوم وأطلال إلى أن جدد العمارة إخوان من الفرس والأصح من سيراف يقال لهم أولاد أبن القشيري ويقال إنّ القوم من الذين خرجوا من جدة لأنه كان قد جرى بينهم وبين الأمير القشيري شكر بن أبي الفتوح سنة خمسة وتسعين وأربعمائة، وقد تقدم ذكره بأعمال جدة على التمام والكمال. فلما توطن القوم بها بنوا منارة حسنة فلما طال الدهر تشعث ونقل أساطينه الساج إلى مسجد الأشاعر بزبيد بنى به، ويقال إنّ هذا الجامع بناه القائد حسين أبن سلامة، وبنوا الدور الملاح والمساجد الساج من حجر الكاشور وهو حجر يستخرج من قعر البحر. فصل حدّثني يوسف بن أحمد بن يعيش قال: لمّا صاموا أهل غلافقة شهر رمضان قال زيد الكبير من أولاد القشيري: شاهد الله على أحد من الرعية باع أو يبيع على أخي عمرو حطبا. وأنفذ إلى أشياع أخيه عمرو وإلى أتباعه وقال لهم: والله ما يأتي أحد منكم بحطب إلى بيت عمرو إلاّ افعل به كيت وكيت واحرم أن يدخل بالحطب إلى بيت عمرو. فلما كان ليلة العيد أمر عمرو أهله أن يطبخوا ويشووا قالوا: بماذا نطبخ وأخوك زيد قد حرم علينا دخول الحطب؟ فحينئذ اخرج خيوش بلها بالسمن وأشعلها تحت القدور. فلما كان يوم العيد وصلت الناس صلاة العيد قام عمرو وسبق أخاه زيد وقال: بسم الله يا صاحبي إلى داري بارك الله فيكم! فدخلت الناس داره إلى أطعمة واشربه واشوية خلاف العادة. فقام زيد وقال لعمرو: يا أخي من أين لك الحطب؟ قال عمرو: فلما منعت الحطب من قلة خيرك فأوقدت الخيوش المنقوعة بالسمن الكثير. فعند ذلك تعب أخوه زيد من علو همته وأكل جميع ما في غلافقة من داره ولم يقبل إلاّ على طعام عمرو، فتعجب زيد من فعله وعلو همته وقال: يا أبا محمّد قدمك في الموضع المحال، أورق العود في كفك وهو فاضل، والبخل إذا ما سمعك انتزح راحل، وأنت كالبحر وكفك للعطا ساحل. وانشدني زكري بن سكيلا بن عبد الله البحتري يمدح جياش أبن نجاح: المشتري حلل الثناء بما حوت ... كفا والحامي لها أن تشترى والموقد النارين نارا للوغى ... لا تنطفي أبداً ونارا للقرى فصل سئل إبليس: من احب الناس إليك؟ قال: عابد بخيل. قيل فمن ابغض الناس إليك؟ قال: فاسق سخي. قيل وكيف ذاك؟ قال: لأني أرجو أن لا يقبل الله عبادة البخيل واعلم إنّه لا يتم له شيء من الخير مع البخل ولا آمن أن يطلع الله على العبد الفاسق فيرى بعض سخائه فينجيه ويرحمه به. فصل وكان لأبي دلف القسم بن عيسى العجلي جار وكان عليه نعمه فسلبها فآل أمره إلى بيع داره فساوموه فيها. فقال: بألف وخمسمائة دينار! فقيل يا هذا إنّما تساوي دارك ألف دينار. فقال: وجواري من أبي دلف بخمسمائة دينار! فبلغ أبا دلف ذلك فأحضره وأمر له بألف دينار فقال: تعذرنا في ذلك ولا تتحول عن جوارنا. فهو الذي يقول فيه على بن جبلة الضرير في هذا المعنى: إنّما الدنيا أبو دلف ... بين باديه ومحتضره فإذا ولى أبو دلف ... ولت الدنيا على أثره وسكنا المكان جميعا إلى أن انقضوا رحمهم الله تعالى. قال: أفّ للدنيا الدنية ... خبشة فعلا ونية والعيش كله هم ... وعقباه منية ذكر بئر الرحبانية

جزيرة فرسان

حدّثني ريحان مولى علي بن مسعود بن علي قال: أوّل من ابتدأ في حفر البئر رباح أي فرد وحفر بيده الأرض إلى أن نبع ماء عذب حول عقل الساب يصح غمقها نحو أربعة اذرع لا غير. فلما رأت الفرس صورته بالحجر والجص. وهو عن البلد نحو شوط خفيف بين نحل باسقات شامخات فبقي مستقى أهل غلافقة، ومن يصل من المراكب الصادرة والواردة على مائها فلم يقل منه شيء. فعرفت البئر بالرحبانية يعني الفرد الذي ابتدأ في حفره، ويقال بل كان الرباح اسم رجل ولم يكن فرداً. وهذه البلدة فرضة الكارم إذا وصلوا من ديار منصر، ويجلب منها الحشيش الأخضر للخضر والزنابيل والسمك العربي وغيره وضيراك ورعيد والمراوح والفار والقرش والبياض والعربي والمخنف والفرا والسفية والطويلة. ويكون لها فرج على هيئة فروج النساء ولم تشترى من الصياد حتى يحلف إنّه لم يطأها، ويباع لحمها بالميزان لأجل الدواء. والسفية ذات صدف والصبايا والمرح. وجميع هذه الأسماك ترفع إلى زبيد ويسمونه الملتح. وضمان سوق السمك بزبيد كل يوم ثلثة عشرة دنانير ملكية والله سبحانه وتعالى اعلم. جزيرة فرسان ما بين دهلك وحلى أبن يعقوب، وبها مدينتان عامرتان إحداهما سور والثانية جدة بناها الفرس والأصح بناها مالك بن زهير أهلها صلاح أتقياء. ويجري بين الفريقي نهر كبير عريض صافي عذب خفيف صحيح أوّله عين ويقال ماء تراب. وقنبت على شاطئ النهر شجر وخضر وحشائش ألوان مختلفة ويزرع فيها من جميع الحبوب والخضراوات. وعندهم من سائر الدواب الأهلية مثل البقر والماعز والضأن والإبل والدواب، ويوجد عندهم من سائر الأسماك ودواب البحر. وقد خص الله سبحانه وتعالى أهل هذه الجزيرة إذا طلعت الشمس مقدار قامة يدوى الجو وحينئذ يخرج كل من في القرية إلى ظاهر القرية يصطفوا على شاطئ البحر، وينزل على القوم بعد ساعة طير شبه الخرق ويقال شبه السمان مائة ألف طير، فإذا حصل في شاطئ البحر لم يقدر أحدهم على الطيران فيأكل كلٌ كافيته وعلى قدر حاله تذبيحا وتطبيخا. ولم يوجد في سوى اللحم والشحم شيء آخر ويكون عيش القوم طول الدهر به ولم يمل أحد من أكله مع مداومته لأنّه لحم خفيف طيب مرئ. قات: وما يسمى؟ قال: السلوى. وهو الذي قال الله عز وجل: وأنزلنا عليهم المن والسلوى. فقلت للراوي: كم يكون دور الجزيرة؟ قال: مسيرة يوم كامل لرجل طراد. حدّثني بدر مولى بشر الصوفي بذلك. ذكر جزيرة الغنم وذلك في بر السودان ما بين عيذاب إلى بحره جزيرة تسمى جزيرة الغنم مائة ألف رأس غنم بها واكثر من ذلك وجميعها وحشية. وكان الموجب لذلك ما ذكره ريحان مولى علي المجاور قال: إنّه قدم مركب في بعض مدن الودان شحنته غنم وكباش وأرسلوا بهذه الجزيرة فزخر الريح عليهم. فلما طال الشوط في المقام عليهم اخرجوا الغنم في الجزيرة لترعى مع طول المقام فطاب للقوم الريح على غفلة فركبوا الكباش المراكب ونسوا تسع ثمان رؤوس منها في الجزيرة فلم يمكن القوم أن يدورون عليهم لضيق أخلاق الربان فشال القوم شراعهم وساروا بالسلامة. وبقية الغنيمات في الجزيرة فتناكحوا وتناسلوا مع طول الأيام فكثروا واستقطعوا الجزيرة فعرفت الجزيرة بهم وصاروا الآن إذا أرسى بهم مركب لم يقدروا إنّ يصطادوا من تلك الأغنام شيء إلاّ بعد جهد عظيم مع القوس والنشاب وقد لا يحصل لهم شيء لأنّهم قد صاروا وحشيين يسقوا الغزال وهم ملء تلك الجزيرة إلى الآن والله اعلم بالصواب. ذكر جزيرة الناموس وكذلك جزيرة الناموس. حدّثني ريحان مولى علي بن مسعود بن علي قال: إنّما بين جزيرة دهلك وعقيق جزيرة ملؤها نامس لم يسلكها ولم يسكنها أحد من خلق الله من كثرة النامس الذي بها والله اعلم. من زبيد إلى الاهواب من زبيد إلى المسلب فرسخ، ويقال إنّما سمية المسلب لان نساءها يسلبون العقول من حسنهم وجمالهم وظرافتهم. كما قال: سقى الله ربات الحصيب وربعها ... فما الحسن إلاّ حوته ربوعها

بناء الأهواب

قال أبن المجاور: والله الرحم الرحيم ما رأيت في جميع اليمن سهلها وجبالها وجها حسنا يعتمد عليه النظر ولا فيهم ظرافة ولا لطافة ولا ملاحة ولا حلاوة إلاّ اسم بلا جسم، ما ترى إلاّ عجائز سؤ خبيثات الأبدان قليلات الأدب ذوات آراب وسخين اللسان قذرين الأكل. كما قال الظهري: بباده ديت ميالاى كان همه خونيست ... كه قطره جكيدس ازدل انكور بوقت صبح شود همجو روز معلومت ... كه باكه باخته ذر شب ديخور فلما أوقف صلاح الدين يوسف بن أيوب في أعمال مصر ما أوقف وقد تقدم ذكره في أعمال جدة أوقف توران شاه يوسف بن أيوب والأصح طغتكين بن أيوب المعز وادي الجريب والحرب والمسلب وبقى يرفع دخلها إلى مكة إلى أن خبل وقفها الملك مسعود بن محمّد بن أبي بكر سنة خمس عشر وستمائة وبقى يرفع دخل هذه القرى إلى الديوان. وأيضاً كان أوقف طغتكين بن أيوب عل المدينة أم الدجاج مع جمل من الأراضي كلها القاضي علي بن الحسين بن وهيب لمّا تغلب الأمير قاسم بن المهنا بن جماز صاحب المدينة على مكة سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وبقى يرفع دخلها إلى الديوان. ورد الملك المسعود يوسف لأم الدجاج على الأمير شيحة سنة خمس وعشرين وستمائة، وصار يصل دخلها إلى المدينة كما كانت. وإلى الأهواب فرسخين بين نخل شامخات. بناء الأهواب بنى الأهواب أبو القسم الرامشت بن شيرويه بن الحسين بن جعفر الفارسي سنة اثنتين وثلثين وخمس مائة مدينة حسنة لمّا تقدم من الهند يريد الحج، ذات أسواق وجامع ودكاكين ونقل الأخشاب الساج إليها من الهند. فلما انقضت دولة الحبشة وتولى علي بن المهدي خرب جامع الأهواب ونقل أخشابه إلى المشهد الذي بناه في زبيد سنة خمس وخمسين وخمسمائة وهي فرضة المراكب الواصلة من عدن. وما أشتق بطن الأهواب إلاّ من الأهوال لأنّه على آخر بطن السحاري موضع هول لكونه كشفا. وقال بعض الزيالع الذين أتوا الأمانات لجبريل بن زيد بن فارس: حط عني عشور عشر سنين حتى اعمر لك مرسى الأهواب! فقال له: كيف تفعل فيه؟ قال: اشحن مراكب حجر وتراب ارميه معارض المرسى بالطول ليرد قوة الموج والمياه والريح. فلما هان على جبريل ذلك وقال: إنّ أربع مدن في بر السودان مقابل أربع مدن في بر العرب: عيذاب مقابل جدة، والأصح أن عيذاب مقابل الجار وهو مرسى ينبع، ودهلك مقابل السرين وزليع مقابل العارة وعوان مقابل الأهواب. من عدن إلى شبام من عدن إلى الرعارع أربع فراسخ، وعلى رأس البئر غرابين لا يزال من مكانهما ابد الدهور، من أعمال لحج وفيه يقول علي أبن زياد المازني: خلت الرعاع من بني مسعود ... فعهدهم فيها كغير عهود جلت بها آل الزريع وإنّما ... حلت اسود في مكان اسود وإلى ابين أربع فراسخ، قرى جماعة بناء أهل الحجاز، ويقال بناء بني عامر من أرض الحجاز، سكنوا الديار وبنوا القرى وحرثوا وزرعوا وتأهلوا فيها وبقيت في أيدي القوم إلى آخر الدولة الحبشية. ومن جملة الأعمال خنقرة والطرية وجبنون والمحلل والسلامة ومسجد الرباء. وبهذه النواحي قبر صالح النبي (ورجل ولي صالح. وجميع نساء أهل هذه الأعمال سحرة. صفة العفو إذا أرادت المرأة أن تتعلم السحر التام الذي لا قبله ولا بعده تأخذ أبن آدم تصليه إلى أن يذوب ويصير ودكا ويبرد فإذا برد شربته جميعه وتحبل منه وتضع بعد سبعة شهور بشرا وحشيا يشبه القط سوى في الطول والعرض يسمى العفو. ويقال إنّه يكون عليه آلة في قدر آلة العفو الكبير. فلا تزال الساحرة تدور به وتربيه إلى أن يكبر ويشتد ويقوى، فإذا بلغ الإدراك جامع العفو أمه فإذا جامعها فلو ركبت المرأة جرة بلسب بها الجرة عنها ولم يشاهد العفو إلاّ أمه وهي زوجته ولم ينظره أحد غيرها. قال أبن المجاور: وما سمى العفو إلاّ إنّه يحملها ايرا لا تطيق عليه ويقال لم يتعلم سحرا ولم تعلم له. ويقال بل العفو مثل هذا الشيء كما قال: العفو إن هب معرب ... وحملا سمال على يدي وأصبح البرد بالمسا ... وصاح أبي بلاح

بناء شبام

وأصل نساء هذه الأعمال من هذا الفن: تمشي إحداها إلى المعبر وترجع في ليلة واحدة. حدّثني محمّد بن زنكل بن الحسن بن عميد كرمان الكرماني الساكن في مسجد الرباط: وهم الذين يصيرون الإنسان حمارا وثورا كيف ما أرادوا وأشتهوا. وإلى دار زينة تسع فراسخ، جبل مشرف على البحر يسكنه الجحافل فخذ من فخوذ العرب وما عرف الجبل بهذا الاسم إلاّ إنّه إذا وصل إليه المراكب من سائر الأقاليم تزين بها لأنها اقرب المسافة إلى عدن. سرير ملك هذه الأعمال مدينة تسمى دثينة. وإلى بيحان سبع فراسخ، واد طويل عريض فيه قرى ونخل وقد تقدم ذكرهم ونسبهم إلى معاملة بلقيس في الجزء الأول. وإلى وادي جريب أربع فراسخ. وإلى عازب ستة فراسخ خربت على ماء واحد. قال أبن المجاور: وقد خرب الفأر ثلثة أعمال من جملتهم قرية محاسن بناء أبي بكر بن منصور بن العطار الحراني من أعمال الصرصر في دولة الإمام أبي محمّد الحسن المستضيئ بنور الله أمير المؤمنين. وتسلط الفأر على دبالى وهو أربعون قرية والأصح أربعمائة قرية من أعمال بغداد حفر الفأر أراضيهما وزادت الدجلة ودخل الماء في الأسراب فلما زاد الماء اخذ القرى والأراضي معه بمرة واحدة. وسد مأرب قد تقدم ذكره. وإلى عبير اثني عشر فراسخا، مسكن عبير أبن سام بن نوح عليه السلام. ويقال إنّ السرج كانت تشغل من سبأ إلى عبير، قيل وكانت عامرة آمنة ساكنة فالآن صارت براري وخبوت ومهالك. وإلى الشام تسع فراسخ. بناء شبام لمّا تزوج سليمان بن داود عليهما السلام بلقيس اشترى أختها نعم نوق وابل وأسكنت المال والنعم في مكان الأرض فكانت الإبل إذا رمت الخلة تندت الأراضي من ابوالها وكانت تأمر الرعاة أن يفرشوا على الندواة التراب ليرد الضرر عن النعم، ولا زالوا على حالهم إلى أن صار تل عالي شامخ في الهوى فأرادت عليه سورا وسكنته وركبت على السور ثلاثة أبواب: باب زبيد كانت النعم تدخل منه وتخرج منه والآن عمرها على المهدي حصنا مكينا سكنها، ويقال لمّا بنا علي بن المهدي هذا الحصن سما زبيد على مدينة الحصيب من اليمن، وباب الإبل الإبل تخرج منه إلى المراعي، وباب مسلة الأعوام الحلق ويسمى باب ردفين. فلما تمت بناءه سمته ذا مناخ وعذبة وشبام. ويقال إنّ اسم المرأة شبام فعرف البناء بها والله اعلم. وكم هي مدينة. إحداها مدينة شبام ضمرمر خراب وضعت وبنيت في أصل حصن ضمرمر ولم يبق من جميع الربع سوى الجامع عامر. وشبام كوكبان عامر في الجبال. وشبام حضرموت وهي هذه. صفة الدور فلما سكنت نعم المدينة بنت في أوساطها قصراً يسمى الدوار ذات طول وسعة وارتفاع. قالت الفلاسفة الأولى: لا بد أن يتغلب البدو على ثلاثة في آخر العهد بدوار لا ينام السيف ويكون قد يخلوا من الفريقين أخذوا قصر الدوار عامر على حاله. ويقال إنّما بنت نعم لشبام إلاّ على الظلم لأنها اغتصبت لأراضي الخلق فلما تمت بناءها تغلب عليها عثمان، ويقال عثمان أخذها منها. ولا زال ملوكها يتغلبون على إلى آخر من تغلب عمرو بن مهدي أخذها بالسيف وجدد عمارة الحصن واحكمها غاية الأحكام وجعلها سرير ملكه بعد إنّ بني لها أسواراً وخنادق وأبواب. فلما جاء أمر الله لم ينفع عمله شيئاً كما أنشد عبد النبي بن علي بن المهدي يقول حين تولى أرض الخصيب: اخثنا بخيل عند بابها سهامها ... ولم تأل أن جالت بباب الشبارق أدرنا على درب الحصيب بخندقٍ ... ولن يدفع أمر الله حفر الخنادق وقيل وملكت العرب جميع حضرموت سنة إحدى وعشرين وستمائة. وكانت ولاينه أربع سنين وخلف في حملة ما خلف مائة بهار فضة نقد غير الآلة والعدد والخيل والبضائع. ودوخ ابنه ناصر الدين بن مالك بعض حضرموت سنة أربع وعشرين وستمائة وهو إلى الآن مالكها والله اعلم. صفة شبام

فصل

سرير ملك حضرموت. وهذا الإقليم هو مسكن حضرموت بن قحطان بن عيبر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام. وبئر برهوت وهو بئر تستجمع فيه أرواح أهل النار نعوذ بالله منها، ومن يهدي الله فلا مضل له: (ومن يهدي الله فهو المهتدي ومن يظلل فلن يجد له ولياً مرشداً) ، ولا تزال النار تخرج منه طول الدهر. وكتب والدي محمّد بن مسعود أبن علي بن أحمد بن مجاور البغدادي النيسابوري لجعفر بن عبد الملك بن عبد الله بن يونس الخزرجي الجرجاني يهدده ويهيبه فقال: أنا رجل برهوت وأنا سلم جهنم. وليس علم الكون فساد اخشن ناسا من أهلها ولا أكثر من شرهم واقل من خيرهم كثيرين الذم لبعضهم بعضا قليلين الذمة على من يستجير بهم كثير الدم من المقتولين: زيد يشتم عمراً وعمرو يكلا زيدا ونصر يستبيح مال عمرو وجعفر يلاكم خالداً ووليد يعربد على جاره وذا ينبش من هذا وذلك ينهش من هذا أدبار مداير انحاس مناحيس مفاليس. كما قال أبو نواس رحمه الله: قالوا ذكرت ديار الحي من أسد ... لا در درك قل لي من بنو أسد ومن تميم ومن قيس وأسرتها ... ليس الأعراب عند الله من أحد وقال أيضاً: دع الأطلال تنسيها الجنوب ... وتبلى جد عهدتها الخطوب وخل لراكب الوجناء أرضا ... تجر بها النجيبة والنجيب بلاد نبتها عشر وطلح ... وأكثر صيدها ضبع وذئب فلا تأخذ على الأعراب لهوا ... ولا عيشا فعيشهم جديب دع الألبان يشربها رجال ... رقيق العيش بينهم غريب وأطيب منه صافية شمولا ... يطوف بكأسها ساق أديب ولهذا سمي إقليم حضرموت الوادي المفتون، وسماه الله عز وجل الأحقاف كما قال الله عز وجل في قصة النبي هود عليه السلام: (إذ أنذرَ قومهُ بالأحقافِ) والأحقاف هذه البلاد ة الأراضي بعينها. مأكولهم العيد وهو سمك صغار مع السكب واللبن يشابه الخردل في اللون. ولبس رجالهم الأزرق مكشوفين الرؤوس حفاة ولبس نسائهم الفتوحي، ويصبغ الثوب بالزاج ويرجع اللون لا أخضر ولا أزرق إلاّ لون عجيب. وتضفر النساء رؤوسهم في أوسط رؤوسهم ترجع تشبه الهدهد يسمونه الطرطر وسحاب وكاب فداري أتطاعين الضفائر سأبين عسا سل القدور ذات المكدر. وأسامي رجالهم بالكنى فمنهم أبا لالكة وأبا هالكة وأبا مداس وأبا فارس وأبا رأس وأبا عري وأبا حصى وأبا خرى وأبا عوف وأبا بول وأبا فقوق وأبا دقوق وأبا حل وأبا حبل وأبا فيل وأبا مل وأبا ريق وأبا بريق وأبا خيف وأبا دليف وأبا كتيف. ومنهم جري على ألسنتهم يكنونه به ولم يأنفوا من تلك الأسامي. وكذلك الدياكلة وأهل الموصل وبعض العرب وأهل نهاوند وبعض اليمن وأهل عسفان. فصل قدم في أيام سيف الإسلام طغتكن بن أيوب مراكب الشحر وحضرموت إلى عدن، وصارت مشايخ الفرضة تسأل أحدهم عن اسمه فيقول: أبا حجر أبا خرى أبا كوة أبا قسوة أبا شعرة. فأبى المشايخ أن يكتبوا أسمائهم في الدفاتر وتخلص كل قماش هو في الفرضة إلاّ متاع الحضارم بقى في الفرضة يداس تحت أرجل الخلق. فلما طال الشوط وأرجع السوط ناد الصوت إلى سيف الإسلام أحضر المشايخ عن تأخير التخلص والتملص والتجعمص من الحضارم. قال المشليخ: إنّا لسنا نوقع أسماء القوم في دفاتر السلطان. قال: ولم؟ قال: لأن أسمائهم دونة. قال سيف الإسلام: إذا كرهتم أن تكتبون أسمائهم فكيف آخذ منهم العشور؟ فأطلق شأنهم وخلى سبيلهم. فصل قيل لرجل من الحاكة: قد رزقت ولدا فأختر له كنية. فقال: كنوه عبد رب السموات السبع ورب العرش العظيم. فقال الرجل: أبن من؟ قال: أبن عبد الكريم الذي يمسك السماء أن تقع إلى الأرض إلاّ بإذنه. فقال: مرحبا يا نصف القرآن العظيم. وأعجب من ذلك إنّ رجلا من العجم مسكنه أذربيجان سمى ابنه عبد من الأرض قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه. حدّثني منصور بن المقرب بن علي الدمشقي قال: إنّ أصل أهلها عبيد وموالي فلذلك فيهم حماقة وكبر خارج، وليس في جميع الربع المسكون أشح منهم نفسا ولا اقل همة. وقد تفرقوا في سواحل البحر جميعا وتشتتوا في أقاصي الأرض وأدناها يمين ويسار كما قال:

صفة قرن أبا إبراهيم

كسى را در غريبي دل شكيباست ... كه در خانه نباشد كار أو راست صفة قرن أبا إبراهيم هو عين تجري في أعمال دوعان إذا جاز الوادي رجل من آل حمير جرى العين، ويقال بل يمطر في اليوم مطرة يروي نته الحميري لا غير دون غيره. حدّثني علي بن محمّد بن السباعي قال: إنّه حتى موكل على هذا الوادي فإذا جاز عليه رجل من آل حمير أطلق الماء والوادي حتى يرتوي منه الرجل الحميري أو جماعة، فإذا مد خولاني يده إلى الماء غار الماء في الرمل. وكذلك لأهل خولان عين ثانية تسمى عمل لم يشرب منها إلاّ الرجل الخولاني ولم يشرب منه حميري على ما تقدم نعته وصفته وهذا أعجب شيء يكون. قالت حمير: لنا التقدم! قالت خولان: لكم التقدم في آخر الحرابة ولنا التقدم في لقاء الأعادي. فصل حدّثني عبد الله بن محمّد بن يحيى الحائك قال: ينقسم غزل نساء اليمن على وجهين منه الفرسي ومنه الحميري. قلت: وكيف ذلك؟ قال: الحميري الذي يخرج الإصبع الوسطى على الإبهام في الغزل، والفارسي الذي يدخل الإبهام على الإصبع الوسطى من فوق الغزل. من شبام إلى ظفار من شبام إلى تريم سبعة فراسخ، وفي أوسط الجبل ضرس جبل ثابت صاعد في الجو شبه منارة وقد بنى عليه حصن يسمى المشرق. فأنشأ يقول: أقبل من أعشقه غدوة ... من جانب الغرب على أشهب فقلت سبحانك يا ذا العلا ... أشرقت الشمس من المغرب فصل قعد الأمير فهد بن عبد الله بن راشد على منظرة هذا الحصن مشرف فإذا هو يرى رجلين غاديين على غير طريق فأنفذ قوما وراءهم فأحضروهما بين يديه فإذا هم قوم عرب. فقال لهما: من أين جئتما؟ قالا: من بصرة العراق. قال: وكم لكما عنها؟ قالوا: ثلاثة أو سبعة أيام. فقال: قولا لي كيف قصتكم! قالوا: إنا قوم بدو نسكن العراق والبصرة إذ رأى شيخ خلفنا رجلين راكبين هجينين غاديين في الفلاة. فقال لنا الشيخ: أقفوا لنا خبر هذين الراكبين! فقمت أنا وصاحبي هذا تبعنا أثرهما إلى أن غلس الليل فلما أظلم ضاع منا الأثر، فتممنا على حالنا في صعود آكام ونزول أودية ورمل وحصى. فلما طال الشوط أردنا الرجوع إلى أهلنا فلم نعلم الطريق فلا زلنا نسير إلى أن أشرفنا على هذه المدينة. وما هذا الإقليم؟ قال: هذه ترم من أعمال حضرموت أريحوا بارك الله فيكم! فالبلد مستدار حول الحصن وبنى بها ملك في تريم جامع فلما تم بناءه قال للمهندس: تقدر على أن تبني خيرا من هذا البناء؟ قال نعم. ففي الحال ضرب عنقه خوفا أن يبني في موضع ثان خيرا من الأول. ومن محاسن سيرة القائد حسين أبن سلامة إنشاء الجوامع الكبار والمنارات الطوال من حضرموت إلى مكة حرسها الله عز وجل طول المسافة 000 فمن ذلك ما رأيته عام ومستهلك ومنها ما رواه الناس رواية جامعة. فأولها جامع شبام وتريم مدينتان من حضرموت فاتصلت عمارة الجوامع منها إلى عدن. وإلى قبر النبي هود عليه السلام ثمانية فراسخ، طوله سبعون ذراعا. وفي هذه النواحي قبر ذي نيال عليه السلام أبن هود طوله أربعين ذراعا. حدّثني علي بن محمّد بن أحمد السباعي قال: إنّ قبر ذي نيال بن هود عليهما السلام في قرية هارون بناه هود عليه السلام من أعمال دوعان. قال أبن المجاور: ويمكن إنّه كان لهود النبي عليه السلام ولدان ذكرين أحدهما رونيا والثاني ذا نيال. وقبر أبن ذي القرنين طوله خمسة وثلاثون ذراعا، وقبر العزيز عليه السلام طوله ثمانية وعشرون ذراعا. قال أبن المجاور: وما ضن القوم كانوا بهذا الطول ولكن طولوا قبورهم. وإلى مضى خمسة فراسخ. وإلى خليج عشرة فراسخ. وإلى ظهور عشرة فراسخ. وإلى مهرفق سبعة فراسخ. وإلى كدنوب خمسة فراسخ. ذات نخيل. وإلى مأرب عشرين فرسخا، وهي ذات نخيل وهي نصف الطريق.

ذكر خراب ظفار

حدّثني رجل من أهلها في دار الإمارة بمكة سنة إحدى وعشرين وستمائة قال: إنّ هذه الأراضي والجبال والشعاب مواضع كانت مساكن قوم شداد بن عاد في فصل الربيع يتنزهون بهذه الأمكنة وقد بنوا على رؤوس الجبال وفي بطون الأودية دكاك ومصاطب من الحجر والجص وكانوا يقيمون بها أيام الربيع ويتفرجون. وقال آخر إنّما بنيت هذه الدكاك والمصاطب في هذه المواضع إلاّ لمّا سلط الله عليهم الذر وهو النمل، فكان القوم يجدون لذلك ألما شديدا. وحينئذ هجروا البلاد وخرجوا بأهلهم وسكنوا الجبال والشعاب والأودية وبنوا الدكاك متفرقة في بطون الأودية ورؤوس الجبال. فلما كثر عليهم الذر أشعلوا النيران حول الدكاك لئلا يصعد إليهم الذر، كما قال الله تعالى (فأرسلنا عليهمُ الطوفانَ والجرادَ والقملَ والضفادعَ والدم) تمام الآية. وإلى الآن الدكاك على حولها مع طول الزمان ومواضع النيران على حالها. رسوم الدار باقية على خراب ... ويجول بأكتافها كل لاهج من سين ست ذي إعساري ... ومن 000 حناء ذا مخارج رحلوا الأحباب وخلفوني ... بليل شبه شاة عند ذابح أمسى الزمان بدار قوم ... إذا رحلوا الأحباب عنها مصباح وقال أبو تمام حبيب بن أوس الطائي في المعنى: نسائلها أي المواطن حلت ... وأي ديار أوطانتها وأنت وماذا عليها لو أشارت فودعت ... إلينا بأطراف البنان وأومت وما كان إلاّ أن توليتها النوى ... فولى عزاء القلب لمّا تولت وأما عيون العاشقين فأسخنت ... وأما عيون الشامتين فقرت ولمّا دعاني البين وليت إذ دعا ... ولمّا دعاها قد أطاعت ولبت فلم أر مثلي كان أوعى لذمة ... ولا مثلها لم ترع عهدي وذمتي وحدّ الدكاك من أعمال حضرموت إلى آخر معاملة عمان مع التهائم ونجدها. إلى جيروت أربعة فراسخ. وإلى التهودى أربعة فراسخ. وإلى الشعب سبعة فراسخ، معدن شجر البان. وإلى حلوف خمسة فراسخ. وإلى الغيل ثمانية فراسخ. وإلى، ثلاثة أعين يخرجوا من شعب جبل ويسمى جبل الأسفل وهي عقبة. وإلى ظفار أربعة فراسخ. وكل هذه المواضع ثرار وشعاب ذات مياه ليس عليها عمارة إلاّ بعض السيء والله اعلم واحكم. ذكر خراب ظفار خرب أحمد بن عبد الله بن مزروع الحيوضي ظفار سنة ثمان عشرة وستمائة خوفا من الملك المسعود أبي المظفر يوسف بن محمّد بن أبي بكر بن أيوب وبنى المنصورة وسماها القاهرة وسكنت سنة عشرين وستمائة والاسم المعروفة به ظفار وهي على ساحل البحر. وقد أدير عليها سور من الحجر والجص ويقال من اللبن والجص ورتب عليه أربعة أبواب: باب البحر ينفذ إلى البحر ويسمى باب الساحل، وبابين مما يلي البر وهما على الاسم لأبواب ظفار المهدمة أحدهما مشرق يسمى باب حقة ينفذ إلى عين فرض، والثاني مما يلي المغرب ويسمى باب الحرجاء ينفذ إلى الحرجاء والحرجاء مدينة لطيفة وضعت على ساحل البحر بالقرب من البلد. وما بنى المنصورة إلاّ لإحكام البلاد خوفا على العباد. فلما بنى المنصورة ولم يأبه إليه الملك ولا عاتبه فيما صنع، وكان أمر الله قدرا مقدورا. ذكر مدن هدمت خوف الأعادي ولم يصلها العدو

صفة الطريق القديمة

خرب ناصر الدين أبو الفتح قباجة السلطان في أعمال السند قلعة كلور وسبب رأس حدّ بلاده خوفاً من السلطان الأعظم علاء الدين أبي الفتح محمّد أبن تكش سنة اثنتي عشر وستمائة. وخرب أيضاً الملك ناصر الدين أبو الفتج قباجة في أعمال السند اهراوت وستائر وكتكفي وطلبه وعلما اوروهام راوبر سرور ونزواره وكربون وهدروت وشاهكا وراح بيوم ومكبوب خوفا من اليلطان جلال الدين منك بتي بن محمد بن تكش سنة اثنتين وعشرين وستمائة. وخرب صلاح الدين يوسف بن أيوب في أعمال الساحل عسقلان وغزة والدارون والرسين وقلعة الأفضل والعباسية خوفاً من الافرنج سنة سبعين وخمس مائة. خرب السلطان علاء الدنيا والدين أبو الفتح محمّد بن تكش قلعة مرورود ورسوم وفي أعمال السند بدووب وحاما وهابهور ومكيو منك راور فصرا أيوب وكوب وباحكة وبنونبي وبكورح خوفا من املاكها الأمكنة سنة أربع وستين وخمس مائة، وأبقى المدن وهدم الحصون لان في هذه البلاد كل قرية بها حصن مانع بناء الهنود من سالف الدهر. وهدم الملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب في أعمال الشام الكرك والشوبك والقدس وايلة والاذيقية وهو مأتين وستين وسقى من نون خوفا من الافرنج سنة أربع وعشرين وستمائة. وخرب الملك المعزي الذي تغلب على ملك السلطان سنجر من خرسان مرو وسرخس ونيسابور ومن العراق الري وهمذان ومن كرمان حريب وبم كاري وفي زاولستان حور خوفا من السلطان علاء الدين حسين ابك الغوري سنة أربعين وخمس مائة. وخرب الخان الحسين بن علي الخلجي الديبول خوفا من ناصر الدين قباجة سنة تسع عشرة وستمائة. وخرب الهمن مسر بن دوده قلعة السلام خوفا من الخلج سنة عشرين وستمائة. وخرب ححبل خان النمر حني جميع العجم خوفا من المسلمين سنة عشر وستمائة. وخرب أحمد بن محمّد بن عبد الله الحبوضي ظفار خوفاً من الملك المسعود يوسف لن محمّد سنة ثمان عشرة وستمائة. صفة الطريق القديمة كان من بغداد إلى ظفار ومرابط الطريق آمن يسلكه البدو في العالم مرتين يجلبون الخيل ويأخذون عوضهم العطر والبر ويرجعون إلى العراق. فلما تغلب أحمد بن محمّد بن علي هؤلاء فتحوا في الملك ووقع الخلف في البلاد وانقطعت الطرق واندثرت. فلما ملك أحمد بن محمد بن عبد الله بن مزروع الحبوضي الملك واستقام فيها أمنت العباد وعمرت البلاد انقطعت الطرق خرج البدو على رءوسهم في الطريق القديمة وصاروا على الطريق المستقيم بالخيل إلى ظفار فباعوا واشتروا. فلما أرادوا الرجوع قال لهم أحمد بن محمّد: وكيف علمتم الطريق؟ قال أحدهم: إني سافرت مع أبي وأنا طفل على هذا الطريق مرة واحدة فسرت الآن فيها بقياس التعفل بمعرفة تامة وكتاب الله السلامة حتى بلغنا المقصد. قال لهم فمن أين تخرجون؟ قالوا: من مشهد الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهما فإذا وصلنا إلى المنزل الفلاني افترق عنده الطريق طريقان يأخذ أحدهما إلى الحساء والقطيف والثاني يجيء إلى مرباط وظفار. فقال لهم؟ شاهد الله على البدوي سلك هذه الطريق ثانية لا يلومن إلاّ نفسه. قالوا: ولم؟ قال: نخاف إنّ يندرس الطريق لكثرة سلاكه فتجيء خيل أمير المؤمنين عليه السلام غائرة في تلك البلاد علينا وأنا مع ذلك خربت البلاد وبنيت المنصورة لأقطع الشر عني. فدخلت البدوان من بلد ظفار ولم يرجعوا إليها ومنها انقطع الطريق سنة ست عشرة وستمائة. صفة الرياح الثلاث ريح عاصف قاصف ذات شدة وصلابة، فإذا هب الهوى سد الغبار جميع الطاقات في الدور وأوراق الجدران. ويقال إذا هبت هذه الأهوية فمن شدة هبوبها تدحرج الحجارة من أعلى ذروة الجبل إلى إنّ توصله البحر وبين الجبل والبحر يوم طراد. والأصل فيه إنّ الله سبحانه وتعالى اهلك قوم عاد بهذه الريح وهي الريح العقيم. والاسم فيه ثلاث مشتق من بلاء. وحدثني ربان في عدن قال: إنّه من جملة الرياح الازيب يعني الجنوب وحدود هبوبه من رأس فرتك إلى مرباط. كما قال الشاعر الغزنوي: تا بدان جايت فرود آرد كه باشد اندرو ... ناوك اندازانش قهرو خنجر آهنجان بلا زهره مردان جو بر زنكار باشي ناردان ... كرده كردان جوبر شنكرف مالى لوبيا صفة المنصورة

ذكر جزيرة سقطرى

هوائها طيب وجوها موافق وماؤها من خليج عذب فرات. يطلع بها الفواكه من كل فن: من فواكه الهند الفوفل والنارجيل، ومن فواكه الساحلية قصب السكر والموز، ومن فواكه العراق الرمان والعنب ومن النخل جمل، ومن ديار مصر الليمون والاترنج والنارنج ومن السند النبق، ومن الحجاز والدوم وهو المقل. وجميع سكانها حضارم انتقلوا من بلادهم وسكنوا بها. ومأكولهم السمك والذرة والكنب، ومطعوم دوابهام السمك اليابس وهو العيد. ولم يزبلوا أراضيهم إلاّ بالسمك، ويقال إنّما يقعدون الهريسة إلاّ بلحم السمك لا غير. ونساؤهم سحرة يمشون من ظفار إلى الجاوة الميل في ليلة واحدة لنهم في قرب جزيرة سقطرى، والمسافة فيما بينهما يومين وليلة في البحر. وأهل الجزيرة يودون القطعة لابن الحبوضي. ذكر جزيرة سقطرى يقال: إنّ في قديم الزمان كان جميع هذه الأمكنة بحر لا غير، وكانت سقطرى ما بين البحر والبر فلما فتح الله الفم من مقابل الجبل غرق البحر إلى باب المندب ما بين عدن وزبيد ووقف الماء عنده، فلما فتح باب المندب وقف أواخر بحر قلزم. وجبل سقطرى صار الآن جزيرة في لحج البحر يصح دور الجزيرة أربعون فرسخا ونيفا وليس في جميع هذه البحار الحمامي قال: يصح دورها ثمانون فرسخا ونيف وليس في جميع هذه البحار اكبر منها جزيرة ولا أطيب منها وهي ذات نخل وبساتين وزروع ذرة وحنطة، وبها إبل وبقر وضأن ألوف مؤلفة. وفيها مياه سائحة على وجه الأرض وهو عذب فرات، وهو خليج كبير ينبع أوله من الجبال طويل عريض ويغلب ما فضل منه البحر ذات أسماك. ويطلع منه شجر الصبر السقطري ودم الأخوين، ويوجد في سواحلها العنبر الكثير. وسكانها قوم نصارى سحرة، ومن جملة سحرهم إنّ سيف الإسلام جهز إلى الجزيرة والأصح سيف الدين سنقر مولى إسماعيل بن طغتكن خمس شواني ليأخذوا الجزيرة فلما قربوا القوم من الجزيرة انطمست الجزيرة عن أعين القوم وصاروا صاعدين محدرين طالعين ونازلين ليلا ونهارا أياما وليالي فلم يجدوا للجزيرة حس ولا وقعوا للجزيرة على خبر فردوا راجعين. ويقال إنّ الروم الملاعين يكتب في كتبها عن الجزيرة يعني سقطرى: الجزيرة المحروسة بأرض العرب. ذكر السبعة الطيور قد ذكر مؤلف كتاب الرهمانج إنّه إذا شاهد مسافر في هذا البحر سبعة طيور في لجج البحر يعلم إنّه مقابل جزيرة سقطرى وكل من جاز ويجوز هذا البحر وقطع جزيرة سقطرى يرى السبع طيور ليلا ونهارا وصباحا ومساء، ومن أي صوب اقبل المركب يستقبلونه الطيور وأمير المؤمنين يجدوهم أحد مستدبرين، وهذا دائم ولم يتوهم أحد لا ثمانية ولا تسعة ولا ستة طيور بل سبعة كاملة، وهذا من جملة العجائب وكم قد فكرت العلماء فيهم فلم يجد عند أحد منهم ما الحكمة فيهم ولا كيف قصتهم ونعتهم. قال أبن المجاور: سافرت من الديبول إلى عدن في مركب الناخوذا خوجة نجيب الدين محمود بن أبي القاسم البغوي شركة الشيخ عبد الغني بن أبي الفرج البغدادي آخر سنة ثمان عشرة وستمائة ورأيت الطيور السبعة في لجة البحر، فلما أصبحنا رأينا الجزيرة. وفي الجزيرة أربع مدن كبار منه السوق وفاتك وموري وما حولها من القرى قرية ما شاء الله. وهي جزيرة والجبل مستدير حوله وقد صعد ذروة الجبل إلى الأفق، وقد سكن الجبل قوم جبالية عصاة على أهل الوطاء. وهي ذات مزارع وعمائر ومدن وقرى لم يعرفوا بعضهم بعضا. وقد علق كل في عنقه صليب كل على قدره. وفي أطراف الجزيرة سواحل كثيرة مثل بندر موسى. ورأس ما في سقطرى وغاية معاش أهل هذه السواحل مع السراق لان السراق ينزلون عندهم ويقيمون عندهم مدة ستة شهور يبيعون عليهم الكسب ويأكلون ويشربون وينيكون نساءهم، وهم قوم جلح قوادون وعجائزهم أقود من رجالهم وفي رجالهم من أقود من اسود في رأس جمل هائج. كما قال الشاعر: عجوز لو رميت في قعر بحر ... أتت للبر قائدة لحوت تقود من السياسة ألف بغل ... إذا جروا بخيط العنكبوت

من المنصورة إلى ريسون

وهذه صفة جزيرة سقطرى والبحر والمركب على هذا الوضع والترتيب وهذا جانب المطلع من جزيرة سقطرى، وهذه صورة تراها إذا كنت في أوسطها وجاريتها. وإما إذا تدنيت من البحر تتغير هذه الصورة وتراها على صفة أخرى. من المنصورة إلى ريسون ثلاثة فراسخ وتعبر جبل رأس الحمار آخر غب القمر وأما ريسمت كانت مدينة عظيمة وكان من بغداد إليها طريق مطبق مجصص بالجص والنورة وكانت القوافل صاعدة بالبر بهار أو الخف منحدرة بالبضائع التي تدخل الهند مثل الصفر والزنجفر والماورد والفضة وما يشابه ذلك وخربت من طول المدى. وإلى دخان ثلاثة فراسخ، وإلى حارب ثلاثة فراسخ. وإلى مراوة ثلاثة فراسخ. وإلى حلقات أربعة فراسخ وتعبر جبل فرتك أوّل مبتدأ غب القمر وهو مندخ المركب المقبلة من الهند. وإلى الحصورين ستة فراسخ. وإلى خيريج ستة فراسخ. وبهذه الأراضي سبع قرى مقلوبة وتسمى عند الفرس هوسكان أي منكورين. حدثني أحمد بن علي بن عبد الله الحمامي الواسطي قال: ما بين الشجر واحور سبع قريات سود أي سبع قرى مسودة الأرض قلب الله عز وجل بها وهي من قرى قوم عاد. وإلى الريداء سبع فراسخ. وإلى الشجر خمس فراسخ، وإلى مرسى طيب بأعمال حضرموت. وإلى الشجير أربع فراسخ. إلى المكلا فرسخ. إلى 000بلي ستة فراسخ. وإلى نسع خمس فراسخ. وإلى حصن الغراب أربع فراسخ حصن السموءل بن عاديا اليهودي. وإلى مجداح أربع فراسخ. وإلى الحوراء ثمان فراسخ. وإلى احور ثمان فراسخ. وإلى ابين ستة فراسخ. وإلى لحج أربعة فراسخ. وإلى عدن ثلاثة فراسخ. من المنصورة إلى قلهات من المنصورة إلى مرباط أربع فراسخ، بناء الفرس ويقال إنّما بني الاسم مرباط لأنها كانت مرابط الخيل التي للفرس من أهل سيراف، وآخر من تولى بها من نسل الفرس أولاد منجو، وخرب على يد أحمد بن محمّد بن عبد الله أبن مزروع الحبوضي. وإلى ارجوب فرسخين. وإلى كنكري أربعة فراسخ وإلى النوس قلاقة فراسخ وتعبر بجبال عوالي. وإلى حاسك فرسخين وإلى كنكري أربعة فراسخ محاذاة خوربان وموربان وهما جزيرتان في لحج البحر. وإلى مدركة أربعة فراسخ. وإلى المصيرة أربعة فراسخ وتعبر غبة الحشيش وأهل الجزيرة قوم يقال لهم المهرة والله اعلم. ذكر نسبة المهرية حدّثني علي بن محمّد با أحمد الساعي في المفاليس حدّثني فهر بن عبد الله بن راشد وهو سلطان حضرموت قال: إنّ أصل المهرية من قرية الدبادب لم تجر فيه صلوه لان أمير المؤمنين أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعث بجيش إلى هذه الأعمال فعصت أهل هذه القرية عليهم فلما انتصروا على أهل القرية ركبوا السيف على أهلها لا زالوا يقتلون فيهم إلى أن جمد الدم فيهم قدر قامة فلم يسلم من القوم إلاّ قدر ثلاثمائة بنت بكر مخلخلات مدملجات ملبسات. فتعلقوا بحبل مقابل فلما رأوا أهل البل ذلك أمهروهم وتزوجوهم فجاء من نسلهم المهرة. وحدّثني أحمد بن علي بن عبد الله الواسطي قال: إنّ أصل المهرة من بقية قوم عاد فلما اهلك الله تلك الأمم نجا هؤلاء القوم فسكنوا جبال ظفار وجزيرة سقطرى وجزيرة المصيرة. وهم قوم طوال حسان لهم لغة منهم وفيهم ولم يفهمها إلاّ هم، ويسمونهم السحرة وما اشق اسم السحرة إلاّ من السحر لان فيهم الجهل والعقل ومن الجنون، يأكلون نعم الله بلا حمد ولا شكر ويغبدون غيره. وهم في هذه الديار يشبهون الدواب سائرين ملأ تلك السهول شبه السيول والجبال شبه الحبال. وفيه يقول الشاعر: كم يوعظون ولا تغني مواعظكم ... فالبهم يزجرها الراعي فتنزجر أرضكم صور الناس الذين هم ... ناس ولكنكم في فعلكم بقر 3ل - وكنتم بشرا كانت تنهنهن كم نوائب الدهر إلاّ أنكم حمر وإلى درب جعلان ثلاثة فراسخ. وإلى صور أربعة فراسخ وإلى العاتب فرسخين وإلى قلهات فرسخين. بناء قلهات

فصل

أوّل من سكن الساحل بقلهات الصيادين قوم ضعف يرزقون الله، فلما طال مقام القوم طاب لهم والتأم إليهم بمقامهم خلق يستأنسون بهم. فكثروا وزادوا إلى أن سكن في جملة الصيادين شيخ من مشايخ العرب واسمه مالك أبن فهم، وكان من حرصه على عمل البلد يقف على الساحل فأي مركب يراه يقلع في البحر ينادي لأصحابه: قل هات! أي: قل لهم في دخول البلد، يعني لأهل المركب، سمى البلد قلهات. وحدّثني أحمد بن علي بن عبد الله الواسطي قال: إنّما كانت تسمى في سالف الدهر هات قل. قالت: ولم سمي بهذا الاسم؟ قال: فلما هرب القوم من وقعة النهرين نزلوا بهذا الساحل وكانوا يقولون لخدامهم: هات! يعنون به الزاد وهو زاد صحبهم من العراق، فلما قل عليهم ذلك قال أحدهم لخادمه: هات! فرد عليه الغلام: قل، سمي البلد هات قل. فلما دار الدهر دار الاسم مع دوران الزمان قلهات. وعمر المكان بمقام الشيخ مالك بعد أن أدار عليه سورا من الحجر والجص سنة خمس عشرة وستمائة وعدل فيها. دخلتها المراكب من كل فج وخور وسائر الجهات من كل جهة، وصارت ذات عظم ومهابة. فصل وجد زيد عمرا يمشي إلى داره فقال: ما لك تمشي مقلوبا؟ قال: لانقلاب الزمان نوافقه على فعله. كما قال الشاعر: كان في الغادين لي سكن ... فنأى فأغتاله الزمن خلف الغادون أي حزنا ... ولبئس الصاحب الحزن وهو عاى هذا الوضع والترتيب ذكر جبل السعتري جبل عن البلد مقدار فرسخ وطريقه ذات طول وعرض وسعة في ارتفاع وانحطاط وكل ما يطلع فيه السعتر من أوله إلى آخره، وعلى ذروة هذا الجبل نجر سفينة نوح عليه السلام. حدّثني عبد الغني بن أبي الفرج البغدادي قال: هو نجر حديد يصح مقدار بيت كبير وكان فيه إنّه لمّا أرسى السفينة على هذا الجبل لان ماء الطوفان كان قد علا على جميع ما خلقه الله تعالى مقدار سبعة عشر ذراعا أمري الأنجر، تعلق الأنجر في حجر من الجبل أبى أن يصعد معهم وغمر الريح قطعت السفينة الأحربة وبقى الأنجر والأحربة موضعه يزار. وهو موضع فاضل والله اعلم واحكم. ذكر الإباضية أصل القوم من ولد الرجل الذي أقر لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بالإلهية. وقال (لعلي عليه السلام: يا علي يهلك فيك طائفتان محب غالي ومبغض قالي. وأول من نسب الإلهية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أبو الثديان فقال له علي بن أبي طالب: كف عن المقالة واشتغل عن البطالة فإني آكل واشرب وأنام وأنكح ومن يقسم فيه هذه الخصال حاشى أن يعبد لأن الإله عز اسمه وجل ثناؤه متعال منزه صفاته عن الذات واللذات فكيف عما ذكرناه في الأكل والنوم! فلما أنكف أبو الثديان عما كان علية من الاعتقاد شرع هذا المذهب بين القوم وخرج طائفة منهم سكنوا أعمال البطائح وهم على هذا الاعتقاد إلى الآن ويراها صفة أخرى. من المنصورة إلى عدن راجعا. من المنصورة إلى ريسوت ثلاثة فراسخ ويعبر عنه بجبل رأس الحمار 000 اخترعت وحينئذ خرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فصافف القوم بالنهرين وكسرهم وركب عليهم السيف ولا زال يقتل فيهم إلى أن أفنى الجميع ورد البغلة إلى القنطرة فوقعت البغلة على نصف القنطرة. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: انظروا من تحت القنطرة! فإذا هم بابي الثديين. فقال له أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: جاء الحق وزهق الباطل أسلم تسلم. فقال: كيف أسلم والبغلة تعلم علم الغيب إني تحت القنطرة؟ فحينئذ جرد علي بن أبي طالب رضي الله عنه السيف وضرب عنقه وهرب من سلم من القوم، ولا زال السيف يعمل فيهم ووراءهم من الغيب إلى أن عبرهم البحر فسكنوا بهذه الأعمال. فبدلت تلك المحبة بالبغضاء فهم من المحبين الغالي والمبغضين القالي وهم الهالكين ما بين المحبة والبغضة. كما قال: الحب فيه مرارة وحلاوة والحب فيه شقاوة ونعيم وقال آخر: آه من لوعة التفرق آه ... ما أمر الهوى وما أحلاه كتب الدمع فوق خدي سطرا ... رحم الله من دنا فقراه ويسمون علي بن أبي طاب رضي الله عنه أبا تراب. ويقولون إنّه كان في الصغر مؤمن فلما كبر كفر. وينشدون في سماعاتهم:

علم مكنون وسر مكتوم

صلى الله وسلم ... على شهيد أبن ملجم هذا الذي ضرب الشرك ... بالسيف حتى تثلم وينشدون بيتا من قول أبي سكرة: سبوا عليا كما سبوا عتيقكم ... كفر بكفر وإيمان بإيمان علم مكنون وسر مكتوم إذا نزلوا المراكب أو كوروها لم تصعد المراكب ولا تنحدر معهم إلى أن يقولوا الجميع بصوت واحد: يالعلي! ويقولون انهم يبقون في جر المركب زمانا طويلا حتى يتعبون ويضجرون فيقول بعضهم لبعض: اذكروا ذلك الرجل! يعنون علي بن أبي طالب رضي الله عنه فتقول المشايخ: كوروا مركبكم إن كنتم تكورون! ولا يزال القوم في عناء وتعب وصداع وكرب وصياح وشغب إلى أن يقولوا الجميع في صوت واحد: يالعلي! فيجري معهم المركب أهون من شربة ماء بارد إلى فم رجل عطشان فيصبي المركب ويسبح في البحر ويعوم. قال القائل: علي طلابات وأنت وسيلتي ... إلى الله يا مولاي موسى بن جعفر إذا جاءك الملهوف يطلب حاجة ... تيسر من مأمول كل معسر وقال آخر: لمّا تكاثر حسادي وأعدائي ... بغير جرم جعلت الله مولاء وقد تمسكت بالميم التي في مح ... مد وعلي عين وبالحاءين والفاء وقال محمود: فوحق حروة خمسة ... ما مثلهم بين البشر 00 - 00000000000 ... بال جبريل افتخر ذكر الإباضية فكل رجل يبغض علي بن أبي طالب رضي الله عنه يحيض من دبره رأس كل شهر، ويقال من ذكره، كما تحيض المأة. وفي أعمال صنعاء منهم قوم يسمونهم السمارة وعلامتهم يعلقون كيسا من جلد ملأه رمل في ذكره كلما ابتل الرمل بدده واستعمل غيره ويسمى ذلك الكيس مطهرة. فهم الإياضية والله اعلم. ذكر السلقلقيات وكل امرأة تبغض علي بن أبي طالب رضي الله عنه تحيض من دبرها فهم السلقلقيات. قال أبن المجاو: وكل من هو نسل أبي الثديان من رجل أو امرأة أو من حضر وقعة النهرين فرجالهم الإباضية والنساء السلقليات لنهم معروفون بهذه العلة ة الله اعلم واحكم. ذكر بلاد الخوارج والإباضية حدّثني صفار قال: إنّ جميع أهل أذربيجان كانوا000 فأسلم الجميع ورجعوا إلى مذهب الإمام أبي عبد الله محمّد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه. ورجعت كلوة من الشافعية إلى الخاجية وهم باقون على هذا المذهب إلى الآن. وفي المغرب نفوسا مثل راره والتمساح ورأس المخبز واتاهرت وسويقة أبن مدكول وجبال نصير وطارق، فهذه البلاد قديما على هذا المذهب. وأما الذين هم جدد فمن تولى محمّد بن الحسن بن تومرت البربري وعبد المؤمن بن علي الكوفي ملك المغرب ساقوا الخلق إلى أطراف هذا المذهب. وبعض بأرض مصر، وبأعمال الشام دمشق وحران، ومن ديار بكر بغداد، ومن أرض الجزيرة بأحرفه وأخباره مع جميع سواد الموصل وجبال الأكراد والدبابلة وجميع أصحاب الشيخ عدي. ومن بغداد باب البصرة والحربية ودار القز والسرمة وباب الأزج والحلبة والبصلية والحريم رجال شتى وبعض أهل واسط القصب وقرية بأعمال البحرين شذ على الراوي اسمها. ومن العراقيين البصرة وهمذان ومن اران سلماست ومن سبهان درجوي ناره ودكوك ودوليان ومن خراسان هراة واسراسير مع جميع أعمال تيم روركربك مع جميع أعمال حوادر وإلى حدّ ما كان طول في عرض ومن 000 وادي ردمد بالطول من سيسان إلى وادي سول وبه أكثر من 000 قرية على خيط واحد. ومن أعمال اليمن زبيد وأعمالها مجهر ومن الجبال الشرف وهو من أعمال زبيد مقبل قلحاح وليس هم الشرف أي الأشراف أهل الحسب والنسب وهي أعمال تسمى الشرف كما صادف الاسم الكنية وهم يؤيدون القطعة لآل الشرف من آل الحسن بن أبي طالب. وسكن جميع اليمن منه كما يقال000 رقى وهم حنابلة المذهب لان الحنابلة يقولون فيما بينهم: لا يكون الحنبلي حنبليا حتى يبغض عليا سويا. ومن الأديان اليهود خلاف جميع الملل. ويقال إنّ أوّل من سب أبا تراب بالشام معاوية بن أبي سفيان وصارت عندهم سنة مؤكدة استمروا عليها إلى آخر دولتهم إلى ألف شعلا فسبه جميع العالم ما خلا خوارزم وقد تقدم ذكرهم. فصل

ذكر استفتاح أعمال عمان

قيل كان الوليد بن عبد الملك يذكر بالجهل فذكر يوما علي بن أبي طالب رضي الله عنه المنبر ولحن. فقال بعضهم: ما أدرى أي أمر به أعجب لحنه فيما لا يلحن أحد فيه أو نسبته علي رضوان الله عليه إلى اللصوصية. حدّثني أحمد بن علي بن غب الواسطي قال: كتب وهاب الأبنوس على فص خاتمه000 وحيد من الأئمة جميعا معاوية ويزيد و0000 يوم الخميس الثاني والعشرين من رمضان سنة خمس وستمائة وحق معاوية بن أبي سفيان كاتب وحي الله ورديف رسول الله (. وهم أوّل من سبوه على منابر الإسلام. وقال إمام الحرمين في كتاب أتلمع. معاوية مخطئ وعلي مستمسك بالحق. وجميع أعمال عمان وقلهات والفرات وحيوي ومسقط وحي عاصم وصحار وخور فكان وكمزار وجلفا والذين هم في الجبال مسح وثروى شمائل. ذكر استفتاح أعمال عمان قرأت في كتاب مسالك الممالك الثاني ويذكر فيه إنّ الغالب كان على أعمال عمان الإباضية إلى أن وقع بينهم وبين طائفة من بني سامة بن لؤى بن غالب. خرج منها محمّد بن القاسم الشامي إلى الإمام أبي العباس أحمد المعتضد بالله بن أبي أحمد محمّد بن الموفق وقيل طلحة بن المتوكل وقيل أبن الموفق محمّد بن جعفر المتوكل استنجد به فبعث معه بابي النور ففتح عمان للمعتضد بالله وأقام له الخطبة بها. فارتحلوا الإباضية إلى ناحية سرديحة سكنوها إلى زماننا هذا ولو فتحنا هذا الباب لطال الكلام وكثر والتقصير في مثل هذا اصلح وأجود والله اعلم. ذكر استفتاح الخوارزمية قلهات لمّا تولى خواجة رضي الدين قوام الملك أبو بكر الزوزني ملك كرمان ومكران وفارس قتل السلطان علاء الدين محمّد بن تكش ملك قلهات بالسيف، ويقال إنّ ملك بن فهم مات في أيام دولة رضي الدين قوام الملك. ففي تلك00 والعرضة انفذ رضي الدين قوام الملك مراكب تسلم قلهات مع جميع أعمال عمان وكان له فيها شحاني وعمال ونواب يجبون داخلها وأعشار السفراء مع ضرائب والقوانين. وكان هو يرسل بالإبر يسم من كرمان يبيعونه ويجمعون دخل البلاد ويشترون به خيل عربية ينفذومها إليه في كل واقعة خمس مائة حصان إلى ما دونه وأعلاه، فكان يركب ما كان دون منها الملك في كرمان خلف قلهات أربعة وستين ألف منّ ويقال ثمانون ألف منّ حرير مع خمس مائة حصان. فملك قلهات من أيدي الخوارزمية مع الخيل والإبر يسم سنة خمس عشرة وستمائة. فملك قلهات بعد وفاته الشيخ مالك بن فهم بن مالك من000 أدار على قلهات سورا من الحجر والجص سنة سبع عشرة وستمائة. صفة بتان العنبر وجد أهل قلهات يوما مقابل المدينة جزيرة كبيرة فقال الشيخ مالك بن فهم: ثقصوا لنا أثر الجزيرة وما هو فغدا الصيادون ورجعوا إليه فقالوا له: بتان يصبي على وجه البحر. فقال لهم: جروه إلى البلد! فركب الصيادون الصنابيق وشدوا الأحربة في البتان وجروه وأرموه الساحل. فصارت الخلق تتفرج عليه وعلى عظم خلقه إلى أن جاف وخاس، فظهر في جوفه قطعة عنبر وزنها ثلاث أبهرة. فلما علمت الناس بذلك قطعوه ونهبوه ووصل العنبر إلى جميع من في البلد من قوي وضعيف، ووصل إلى الشيخ مالك بن فهم بهار بالكبير عن ما تبين من سنة عشر وستمائة. فصل البنان صادف القطعة العنبر طافية على وجه البحر فابتلعها فلما استقرت القطعة في أمعاءه ضعفت معدته عن هضمها فمات فطفا على وجه البحر فضرب به الموج واسنده إلى الساحل بقلهات استغنى به من استغنى. حدّثني محمّد بن الجوزي قال: إني اشتريت من هذا العنبر تفاريق صح لي جمل بأدنى شيء فأخذته وسافرت به إلى خوارزم بعته على تركان خاتون 000 علاء الدين محمّد بن تكش على سعر العشرة مثاقيل بثلاثين دينار. صفة قلهات

من قلهات إلى مسقط

قلهات بلد وضع على ساحل البحر والجبل محيط به ويقال إنّها على وضع عدن. ماؤها طيب يجلب من منده وبها نهر سقراط معينة من الجن الجبل يجري بين نخيل وبساتين خفيف مريء عذب فرات. قال أهل اللغة: إما عمان فإنها تسمى بعمان بن نعسان بن إبراهيم الخليل عليه السلام وهو الذي بناها. قال أبن المجاور: وما سمي هذا الإقليم إقليم عمان إلاّ إنّها تعم بالخير. مأكولهم التمر والسمك ولبسهم الأزرق مكشوفين الرؤوس. يشترون كل سبعة رجال منهم جارية وكلما دخل واحد من السبعة خلع نعليه وخلاهما على الباب فإذا جاء أحد السبعة راى النعل عاد على أثره راجعا لعلمه إنّ أحد اصحابه عند الجارية. وليس في جميع الربع المسكون ابغض منهم للغريب. يقول زيد لعمرو: أي باق غريب بالجندل، يعني الحجر، وانزل عليه بالروبان وزيده بالعصا! ولبس أحد أذل منهم، إذا عاينوا السراق في البحر يقول بعضهم لبعض: أي بالمال ما نعطيه أسلم تسلم؟ فيسلمون المركب للسراق ويخرجون عرايا الاستاه. وليس في جميع القبابين أصغر من قبان قلهات. من قلهات إلى مسقط من قلهات إلى طيوى ثلاثة فراسخ. وإلى مسقط ستة فراسخ. هذا الاسم الأصل فيه مسكت، ويقال لمّا وصل إليه الصحابة سكت كل من كان بها فسميت مسكت والله اعلم صفة العنة وفي مسكت عنة وعلى فم العنة ناظور لا يزال قاعدا فإذا دخل العنة سرب سمك علم الناطور كم عددهم. فسئل عنه فقال: إذا شاهدت مقدم الأسماك أعلم كم يكون عدد أشياعها وأتباعها وذلك من كثرة التجارب والخبرة. وكانت هذه المدينة مرسى مدينة صحار وفي هذه المدينة كانت ترسي المراكب القادمة من أطراف 0000 وكانوا يصعدون بالخف والبربهار إلى صحار يبتاعون ويتشارون. ز منها كانت تصعد البضائع إلى كرمان ومن كرمان إلى سجستان وكانت البضائع تتفرق في خرسان وما وراء النهر وزاويلستان والغور وكرميل. وإلى حي عاصم ستة فراسخ. وإلى أسرار ستّة فراسخ. وإلى صحار أربع فراسخ. صفة صحار حدّثني أبو المجد بن أبي محمّد الكمال بن الكمال العلوي الحسني قال: إنّ صحار كانت أثنى عشر ألف قرية مع أثنى عشر ألف قصر مع أثنى عشر ألف نهر مع أثنى عشر جامع، وكان يسكن كل ناخوذة قصر ويشرب أهله من نهر فإذا كان يوم اللجمعة يحتاز إلى الجامع في تسعة وتسعين من خدمه وأشياعه وقرابته وأعوانه. حدّثني بعضهم قال: كان بعد بنائها مائة واثنين وتسعين قبان لوزن البضائع للطالب والمطلوب. صفة دار الختمة بنى ناخوذة دارا وأمر أن يكتب القرآن بالذهب فيها والأصح في خشب الساج توازير الدار مقطع مركب في أثنى عشر كتبا فصح فيه تمام الختمة في سطر واحد من الدار وسعته فسمى الدار دار الختمة. وكان بناه القوم بالآجر والجص والخشب الساج فخرب الجميع وصارت الجن تسكن حول القصور. حدّثني الشيخ أبو بكر البصري المحل قال: إنّ هذه الأعمال كانت لملوك كرمان من آل سلجوق فاندرثرون وتغلبت الغزة عليهم وخليت البلاد وتسلطت العرب على هذه الأعمال وأخربوها. سافر زيد من وطنه ورجع فإذا هو يرى بحارة الحمال رجع قاضي البلدة. وقال القاضي يعني الحمال لزيد ابسط ما كان من الإبل الأوائل من الرفعة وما نحن الآن فيه من الهبوط؟ قال زيد كيف ذلك أدام الله مجلس مولانا القاضي وثبت قواعده؟ قال القاضي في الدور الأول ارتفعت الأوائل إلى أن كنا حمالين للقوم الحطب والأواخر رجعت قاضي حكمهم. قال أبن المجاور إذا كانت الأوائل حتى سكنوا تلك القصور وما نحن فيه الآن حتى قنعوا مسكني التصاريف من الخرابات. كما قال يا باكيا بعد الأح ... بة في المنازل والدمن من بعد يوم فراقهم ... أعلمت ما طعن الوسن فأجابني: لا والذي ... قلبي إليه مرتهن كيف السكون إلى الرقا ... د وقد نأي عني السكن ومتى تقر دموع من ... يغتاله صرف الزمن وللقاضي أبي بكر الرافعي: استغفر الله للذي ودعا ... ونحن للغربة نبكي معا سبل من أجفانه أدمعا ... لمّا رآني مسبلا ادمعا وقال لي عند فراقي له ... ما اعظم البين وما اوجعا

بناء قيس وسكنها المجوس

وللسيف الحكمي: أحمائم الاثلاث من وادي الحما ... انتن هيجتن صبا مغرما ما للعداة وما لكن وللبكا ... جزعا ولكن لا أرى دمعهما إنّ الحمام إذا تنغم شاقني ... ويزيدني شوقا إلى ذلك اللما وقال آخر: تشتاقكم كل أرض تنزلون بها ... كأنكم لبقاع الأرض أمطار فلما خربت ريسوت عمرت صحار وخربة صحار بنيت البين وهرمز وخربت البين وهرمز وبنيت عدن. وإلى القعر أربعة فراسخ. وإلى الكلبة أربعة فراسخ. وإلى خور فكان أربعة فراسخ. وإلى دبا أربعة فراسخ. وإلى ليمة أربعة فراسخ. وإلى كمزار ثلاثة فراسخ. وإلى ظفار ثمان فراسخ. وإلى قيس ثمان فراسخ عن يوم وليلة في البحر. بناء قيس وسكنها المجوس وكان الموجب كما ذكر سعد بن مالك بن داود بن سليمان الأنصاري انه هربت المجوس لمّا تغيرت الدولة لتغلب العرب على ملك العجم سكنوا الجزيرة وبنوا مع طول مقامهم الدور العوالي الشواهق بالآجر والجص بناء محكم. فلما دار الفلك داروا مع دوره وجوره فخلت الجزيرة منهم ورجعت حبسا للملوك ملوك فارس وسميت في عهدهم زندان إنّه. وصارت الملوك يجرون على العوائد إلى أن خربت سيراف. فحصل رجلان سيرافيان بجزيرة سكناها فأعجبهم المكان فاستولوا على الجزيرة وفيها جماعة صيادون يصطادون السمك. فتغلب السريافيان على الصيادين فأخرجاهم منها صاغرين وملكوا الجزيرة وبنوا فيها الدور الوثيقة، ويقال انهم على أساس بناء المجوس وغرسوا فيها النخل وسكنوا فيها. حدّثني يحيى بن علي بن عبد الرحمن الزراد قال: إنّما تكون لجزيرة قيس من يوم بنيت مائة وعشرين سنة، وكان هذا الحديث سنة أربعة وعشرين وستمائة. وقرروا على كل مركب يجوز عليهم دينارا واحدا وفروا في العالم الثاني وفي الثالث ثلاثة دراهم وهم في الصعود إلى أن تقرر الأمر على عشرة وثبت عليه إلى الآن. فلما قويا الرجلان واستظهرا بالأمر والملك أدعى السلطنة إحداهما وثبت إلى الآن ولكن اسم بلا جسم. وكان يخطب له يوم الجمعة على المنبر سلطان الشرق والغرب ملك الأرض. فقام رجل وقال: سلطان طاس وساكس ملك لدوكران وهما موضعان طرفي الجزيرة. ويصح دور الجزيرة فرسخ ويقال ثلاثة أيام. وله في البحرين مراكب تسمى بالنوبية تضرب له في آل حس بوب. وتودي العرب الذين هم ملاك في البحرين كل عام عشرين ألفا لضرب تلك النوبة في بلادهم 000 وسكر في بعض الليالي فقال لرجل غريب حضر معهم: قد وهبتك سفاهات. فقبل الرجل الغريب. فلما اصبح قال المالك للوزير: اكتب لفلان منشور بتسليم بوابنا له سفاهات! فقال: سمعاً وطاعة! فبعد انقضاء أيام صادف الملك الرجل الغريب فقال له: ألم تتجهز إلى سفاهات؟ فقال له الغريب: أدام الله عز الملك أريد نفقة انفق بها حتى أتوصل إلى سفاهات. فقال أعطوه خمسمائة ألف دينار! فأخذ الرجل ورجع إلى بلده. ولماذا سميت جزيرة قيس

نسبة الجاشو

تراهن قيس بن زهير بن جذيمة بن أبي سفيان وهو صاحب الداحس والغبراء مع ربيع بن ساس صاحب الخطار والحنفاء وكان الخطار والداحس حصانين والغبراء والحنفاء فرسين. فغلب الداحس الخطار وجرى بين القوم ما جرى. فخرج قيس بن زهير صاحب الداحس إلى ناحية عمان ليطفي نار الشر، فلما توطن في عمان فتح دكانا وكان عطاراً وقعد يبيع ويشتري. وإذا بأميرين من أمراء عمان تراهنا فيما بينهم وجرى بهم كلام في سباق الداحس والخطار، فحضر الأميران إلى الشيخ العطار وسألوه عن قصة السباق ومن غَلب وغُلب. فقال لهم الشيخ مالكم بسؤالي من حاجة. قالوا: بلى! قال: الداحس غَلب. فلما سمع المغلوب اغتاظ من هذا وشتم الشيخ وتفل في وجهه. فحينئذ أغلق الشيخ دكانه وجاء إلى بيته وأسرج وألجم الداحس وركب وقال لبنته ياقوتة: اسبقيني إلى البئر للفلانية فاقعدي عندها وقدم الشيخ إلى مجمع القوم وقال: أنا قيس بن زهير وحصاني هذا هو الداحس ومن لم يعرفني فليعرفني! وحمل الذي أحر وتفل في وجهه وضرب عنقه، وساق الداحس إلى البئر واردف ابنته ياقوتة وراءه فتبعته الخيل إلى الساحل، فركض الحصان فلم ينزل البحر فعصب عيناه وآماقه فنزل البحر إلى أن توسط البحر فتعب الحصان وغرق الثلاثة جميعاً. وقال أهل جزيرة قيس: سبح الحصان إلى أن صعد بهم الجزيرة فسكنوا وأهل جزيرة قيس منهم. فلذلك يسمون جزيرتهم بجزيرة قيس وهو قيس بن زهير بن جذيمة بن أبي سفيان لأنه أبو القوم. ويقال إنّ الجزيرة كانت 000 فلما صعد قيس مع ياقوتة والداحس ولوه أهل الجزيرة على أرواحهم وأموالهم وتزوج منهم اولد الجاشو وزوج ياقوتة بأكبر من في الجزيرة فأولدها الفرس، وإلى الآن في روؤس الفر حماقة العرب. حدثني رجل من أهل فارس 000 به الجاشو من الديلم وكانوا يسكنون فلاة بفارس وأعمالها وهي ذات خيل ونعم وإبل. فلما طال السوط في القوم تعلقوا في الجبال وبنوا الحصون وسكنوها، فعرف القوم بسوكاره أي مرجين الشعور شبه الأكراد. فلما عمرت الحصون زكبوا الحصون وازدادت العمارة. فسكن رجل منهم جزيرة قيس فطلع من نسله الجاشو وهذا هو الصحيح. نسبة الجاشو ثار بملك من الملوك علة البرسام ووصفت له الأطيار إنّ يفترش كل ليلة جارية نوبية بكر يزول ما به من العرض والمرض. قال أبن المجاور: ولم يكن في جميع المخلوقات أحر من فرج الجارية النوبية فمن حرارة فرج الجارية النوبية يتحلل البرسام وينزل في جملة المنى إلى الجارية النوبية فإذا قامت المرأة نفضت المنى من فرجها برئ المعلول من العلة ولم يضر الجارية شيء، ويقال إنّه يضرها. فلما سمع الملك ذلك انفذ وزيرا له إلى بر السودان فأمر أن يشتري له مائة جارية نوبية ابكاراً. فلما تجهز الوزير ترخم الآلة وتركه في حق وناوله الملك وسافر إلى إنّ وصل بلد السودان واشترى الجوار البكور وقدم بهم إلى الملك. فلما قدم الملك إلى أحدهم وجدها ثيبا وكذلك الثانية والثالثة والعاشرة إلى المائة وجدهم رجع على نسق واحد. فلما دخل الوزير إلى خدمة الملك قال الملك للحاضرين: جاشك أي إنّه شك فيهم أي استفضهم. وقال: بل ما شك أي جاء من شك فيه اليقين. فلما تحقق الوزير مقالة الملك استدعى بالحق وفتح رأسه فإذا فيه الآلة. فقال له الملك: ما حملك على فعل هذا الفعل؟ قال: خفت هذا الذي بدا وقضية الذي جرى. وحينئذ نادى الملك جميع الجوار وسألهم عن حالهم فقالوا: أنا نزلنا في الجزيرة الفلانية وسبحنا في عين ماء عذب فما علمنا بأنفسنا إلاّ وكل منا معها جني يستفضها. فقال الملك: تردهم إلى جزيرتهم! فسكنوا جزيرة قيس فبنوا الدور وتناسلوا وكثر الناس. فسموا جاشك على ما جرى من لفظ الملك فدارت عليهم اللغة فسمو جاشو. فصل حدثني أبو القاسم بن إبراهيم بن محمّد المرابط قال: تمت حالة مثل هذه الحالة في أرض المغرب وانفذ الملك بوزير له يسمى 000 بااي إلى أعمال السودان يشتري له جوارا. فلما دنا الملك من الجوار وجد وساعا، قال: زناتا يعني الوزير ناوانا. فعرفت القبيلة بزناتا، وهم قوم البربر زحل وخمسين ألفا ضارب بالسيف. قال أبن مجاور: وما أظم القوم افترقوا فرقتي أحدهما سكنوا أرض المغرب فعرفوا بزناتا، الفرقة الثانية سكنوا جزيرة قيس فعرفوا بالجاشو.

صفة اللؤلؤ

صفة اللؤلؤ أصله صدف يتربى في قعر البحر المالح فإذا نزل الغيث في فصل نيسان صعد الصدف ينفتح بعضه من بعض بعد إنّ يطفو على وجه البحر لأجل التقاط الغيث فكم ما وقع في أحدهم قطرة انظم الصدف على قطرات الغيث الذي يحصل بباطن الصدف إلى قرار البحر يربيه. كما قال: أيلول دهري منكم لا يفارقني ... وحق يري آذار ثم نيسان فصل قال انوشوروان العادل لوزيره بزرجمه: كم يساوي تاجي هذا؟ قال: دخل مطرة في نيسان. قال: والله عز وجل المعنى فيه؟ قال: إنّ وقع في البر فهو بر وإنّ وقع في البحر فهو در. أنشدني محمّد بن منصور الواسطي: هو حر وإنّ ألم به ال ... ضر ففيه العفاف والأنف والذل لا مرجى لمكرمة ... لان فيه المزاج مختلف كالقطر سم إنّ حل في فم أل ... صل ودر إنّ ضمه الصدف حدثني محمد بن أبي سعد القاضي الرازي قال: سمعت من لفظ أبي عبد الله محمد بن عمر بن الحسين المعروف بابن خطية بالري قال: ليس ينفتح الصدف ويستقبل الغيث إلا في البحر المحيط وراء عالم الكون والفساد فإذا نزل الدر في الصدف سبح الصدف في قعر البحر وهو ينتقل من موضع إلى موضع إلى إنّ يستقر في مغاصه المعروف بالبحرين وكيش والمعبر وسيلان وفي مواضع شتى. وما يصاد الصدف إلا يوم يطلع النخل ويبطل يوم يقطع العذق عند انصرام النخل لأن هذا الفصل هادي الموج من قلة الموج. وكان المغاص في000 مباحا للناس كل يغوص لروحه ويأخذ ما قسم له من الرزق. كان اللؤلؤ من كثرته تحلية النساء والأطفال والمشايخ. وهو موسم كموسم الغلال في سائر العلم تحلية كل أحد إلاّ في هذا الوقت. فانه بطل جميع ذلك وصار الصيادون يصطادون وعليهم كتبة عمال وقباض يتسلمون منهم الأول من الآخر إلى الأول ولو وجد حبة في يد رجل لأخذ ما تحته وما فوقه. فصل سفر جمال الدين بختيار القابض إلى الهند رجلا برأس مال مبلغه ألف مثقال. فلما توسط الرجل الطريق أخذ به السراق وسلم معه من جملة المبلغ عشرة مثاقيل ذهب. فدخل قيس فبينا هو ذات يوم في بيته قاعدا إذ دخل عليه أسودان زنوج وقالا له: تشتري منا حبة لؤلؤ؟ فقال: نعم. فحينئذ اخرج أحدهم من فيه حبة اكبر من بيضة العصفور. فلما شاهد الرجل الحبة حار ودار ولفها في فيه وبلعها. فقالوا له: هات الحبة! فقال لهم: والله إني تركتها في فمي لأنظر صفاءها فنزلت إلى الأمعاء. فقالوا له: فما تعطينا ثمنها؟ فأخرج لهم العشرة وحلف بالله لا يملك سوى ذلك: بل خذوا منه ما شئتم وخلوا إلي ما شئتم! فعدوا ثمانية أعداد وأعطوه عددين. وسافر الرجل بالسلامة إلى إنّ وصل سفاهات فأعطى الحبة لجمال الدين بختيار القاضي وقال له: تجعلني في حل من مبلغ كان لك علي! قال له: أنت في حل وأبرأت ذمتك من مبلغ ألف مثقال. وزن كل مثقال ستّة دوانيق كل دانق أربع طياسيج وكل طيسوج أربع سعريرات. وأعطاه في يديه مائة مثقال أي يعيش فيها ويأكل فيها الخبز. فوصل خبر الحبة إلى بغداد فأنفذ الإمام أبو العباس أحمد الناصر لدين الله أمير المؤمنين إليه الينفذ الحبة، فلما وصلت الحبة إلى عينه الشريفة انفذ له ثمنها ستّة آلاف مثقال. ويقال إنّها قومت بأربعة وعشرين ألف دينار. فصل

فصل جزيرة قيس

كان ملك من ملوك كشك ومات وملك ابنه من بعده الملك. فأبصر من البضائع جمل فأطلق يده في البيع فباع وصار التجار تدخل حوفا بعد حوف يشتري كل منهم ما أراد وصلح له. فدخل الشيخ أبو طالب بن علي بن سويد ويقال عبد اللطيف ولد أبي طالب بن علي بن سويد التكريتي إلى مخازن النيل بقي منها أثنى عشر قطعة ووزن ثمنها ورفعها وسافر بها وكتب الله له السلامة إلى أن وصل تكريت. فجاء يهودس صباغ يشتري منه قطعة فأخذ قطعة ليرى العين فإذا هي قطعة ملوها لؤلؤ. فلما ابصر الشيخ أبو طالب ذلك قال لليهودي: ادفع قطعة نيل وأنت في حل منه واكتم ما رأيت! وخرج اليهودي بما معه وقام الشيخ أبن سويد علم ولده ثقب اللؤلؤ فصار الولد يثقب كل حبة تشبه بيض الدجاج ينفذ بعقود اللؤلؤ من تكريت إلى أعمال القسطنطينية العظمى وإلى آخر أعمال المغرب وإلى آخر الهند والترك وهو يبيع منه إلى الآن. قال أبن المجاور: وكان السبب في تلك القطعة إنّ الملك كان يبقي اللؤلؤ فما كان من حبة غالية كبيرة مليحة تركها في الكيس إلى إنّ كثر الشيء عليه. فلما زاد خيط له كيسا وعبى اللؤلؤ المتغالية وخيشه بخيش وركب عليه أربع عرى وجلده بجلد بقر فرع يشبه قطعة النيل وعلم فيها علامة يعرفها وعبأها بين النيل. فلما حصلت في نصيب أبن سويد فيقال إنّه لم يعرف لمّاله قياس ولا حدّثني من بركات تلك القطعة. كما قيل: يفوت الغنى من لا ينام عن السرى ... وآخر يأتي رزقه وهو نائم فصل جزيرة قيس جزيرة يصح دورها ثلاثة فراسخ مصارية طول في عرض وهي ذات نخل وزرعات الرقظ نخل الملك وما والاها سحل يحفر الإنسان الرمل بيده فينبع عليه الماء الحلو فراتا. ويقال أن فيها كاريز جاري في بستان الملك وحفرت الملوك بها أحواضا وصهاريج في أوّل العهد وبقيت تعمر إلى الآن يملأها ماء العيون والسيول. مأكولهم السمك ويعملون منه الهرائس ويؤكل مع التمر وليس لأهلها مأكول سواء. ولم يتناولوا الطعام إلاّ باليد اليمنى لا غير وإذا كسر الإنسان بيده فهو عيب عظيم. وبناء القوم بالحجر والجص ودورهم ذات علو ورفعة يجعل أحدهم في البناء سبعة طبقات وكل دار منها شبه حصن مانع. ولا يزال بها أشجار نقلت من البصرة ويزرع به البقول وسائر الخضراوات. وفي أهلها عرق تكبر وعرق خفة وعرق جنون كما يقال: الجنون فنون. ينسبون إلى قيس بن الملوح ويقال إلى امرئ القيس والأصح إلى قيس بن زهير، وقد تقدم ذكره. لبسهم من أعمال المهدية بالمغرب ويرجعون يرخون هدبات العمائم طوال، وهم رجال البحر وليس لصاحبها خيل ولا عسكر إلاّ التوابح والبومات والهامق شبه العقارب وتجري على وجه البحر، وقد عنقوا ببلدة وسكان. ولبس نسائهم السواد. وإذا تزوج رجل امرأة وأعطاها مائة دينار أعطته المرأة مائة أخرى وكتبت عليه قبالة دين حال قار بمبلغ مائتي دينار. وكم ما زاد الرجل في المهر زادت المرأة في النقد وإذا نقص من المهر بقص من النقد. وهم قوم يعزون الغرباء ولهم بهم عناية عظيمة. وتحكم نساء هذه الأعمال على رجالها وما يفعل الرجل إلاّ ما تقول زوجته من صلاح الأمر أو فساد حال. وهذا خلاف ما قاله رسول الله (: شاوروهم وخالفوهم فان في مخالفتهم بركة.

ما الجزيرة في البر والأصل

فكانت خلفاء قيس يسلمون القطعة للسلطان الأعظم ركن الدنيا والدين أبي الفتح ملك شاه بن محمود بن الب ارسلان فلما توفي وتولى بعده السلطان الأعظم معز الدنيا والدين أبو الحارث سنجر بن أيوب شاه فلم يلتفت إلى الفقراء لأتساع الملك عليه والمال لديه قطع ذلك إلى أن جدد الإمام أبو العباس أحمد الناصر لدين الله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وكان السبب فيما ذكره إنّ تاجر مات من أهل بغداد في جزيرة قيس وخل ثلاثين ألف دينار ذهبا عينا فأخذ الملك ذلك المال. وجاء الوارث بكتاب حكمى بعد أن اثبته عند الحاكم، فلما وصل الأمر إلى الملك استكبر عن أداء المال وتغلب على الوارث. ورد الوارث بكتاب الحكم إلى بغداد وعرض حاله وما تم له على الإمام. فأمر الإمام الأمير بادكين صاحب البصرة أن يقطع عنهم المادة فقطع وضاق ذلك على أهل الجزيرة. فلما رأى الملك نقصان حاله قرر على نفسه الثلاثين آلاف دينار التي للمتوفي إلى ورثته ببغداد مع نصف دخل جزيرة قيس للخليفة سنة خمس عشر وستمائة. ففي الجزيرة عامل للخليفة وعامل لصاحب كيش وكذلك في نفس الجزيرة عامل للخليفة وعامل للملك كما قال: يا قتلي جرما بغير مودة ... أحذر عليك كما تدين تدان وهذه الجزيرة حصينة طيبة نزهة وغالب سفر أهلها في البحر وشراؤهم البربهار. وليس يخرج عندهم من الضرائب الذهب إلاّ أبو نقطة ولا يشتري أحد من هؤلاء قدور البرام وقصب القنا إلاّ الملك وحده. وإن لم يبيع هذه صاحبها على الملك أخذها عنف. يقال إنّ عنده مخازن برام وغضائر ملؤها قصب القنا. ولم يقع للمسافر وقت السفر فسج إلاّ بخط سبع عشرة علامة للنواب والثامنة عشر علامة الملك. حدّثني جوشن بام بن أبي بكر بن سليمن الجاشو قال: إذا وقع الملك على الخط الفسح أعاد للرجل الخط يعني الفسح من خلال خشب من عمل يده وهو خلال يخل به الإنسان أسنانه عند أكل اللحم الحرام فان صح حمله غلام ولم يصح الخلال لمن يكتب الرقعة. قلت: فما المعنى في الخلال؟ قال: لا اعلم إلاّ إنّها رسوم جرت من قديم الزمان. قلت: ومن ينحت هذه الاخلة؟ قال: الملك بيده. ما الجزيرة في البر والأصل دفا ووادي الأحجار وعطفان وولى وحوار وحصوين ومحترفة والعقر وكلتا وصاحت وليمن وكرار وحصب وجرعا والمجزرة ويخطب له في كنبايت والسوننات وبدرنسر وهذه البلاد بلاد واحدة وإذا وصل مركب القيسي يحبرم غاية الاحترام لا غير لان الذين بها اختاروا الملك من قيس لأنّه قريب منهم. وإذا خطب للخليفة خطب من بعده لصاحب كيش لا غير والله سبحانه وتعالى اعلم. ذكر ما فعل صاحب قيس وقيل صاحب كيش وما فعل معه صاحب مكران. وانقذ الملك تاج الدين أبو المكارم بن الحسن وأبو الحسين كهربمال جزيل فاشترياه له من مسقط حصانا قيمته ألف مثقال وركب الحصان في مركب الحصان في مركب تعدى به من بر العرب إلى بر العجم. فعلم بخبر الحصان ملك قيس فأنقذ دوانيج وبومات قطعوا عليه الطريق وأخذوا الحصان. فلما سمع تاج الدين أبو المكارم قصة الحصان اخذ مراكب السراق وميلها على منادخ القيسي وقال لهم: كل مركب ترونه لصاحب قيس خذوه اخذ عزيز مقتدر فأخذوا من ذلك الموسم أثنى عشر مركبا موسوقا من سائر الأمتعة والطرف والتحف والأموال. فأنفذ صاحب كيش إلى تاج الدين بن مكران رسول يقول له: قل الحمد لله على نعمه والله المستعان على أهل هذا الزمان كيف رجع الملوك سراقا يقطعون طرق البحار على سلاكه؟ فقال تاج الدين بن مكرمان إلى الرسول: والله ما علمني قطع الطريق إلاّ ملككم. فقال الرسول على لسان ملكه: مثلي يقاوي مثلك. قال: ليس لك طاقة. قال: أنا أعرفك نفسي. قال: بغير الاختيار. قال: لأفدينك قدرك. قال: هذا شهوتي. قال: إني مبلغ شهوتك. قال: إن شاء الله. والله لاكلمته أبداً ولوانه ... كالبدر أو كالشمس أو كالمكتفي ولا صبرن على مرارة هجره ... كيلا تراني العذول فبشتفي ومن صح قبلك في الهوى ميثاقه ... حتى تصح ومن في حتى تفي وقال آخر: من لا يزرك فلا تزره ... ولا 0000000000000000 كرامه

صفة القالي

وامدد له حبل الجفا ... واحفر له في الأرض قامه فإذا بري ولقيته ... فالعذر يهنئك السلامة وإذا انقضت أيامه ... فقد استرحت من الملامة وقال آخر: سألبس للصبر ثوبا جديدا ... وافتل للهجر حبلا طويلا لعلي بالرغم لا بالرضا ... أخلص قلبي قليلا قليلا صفة القالي هي عين قبر تنبع في وسط البحار فإذا كثر القير ضربه الموج قطعة بعد قطعة وزن كل قطعة ألف من زائد وناقص. وحدّثني جوشن بام بن أبي بكر أبن سليمان قال: إذا غاص الإنسان على يمينه القير بقربه ينزل فم القربة على فم العين تملأ القربة ماء عذبا شبه الزلال. قلت: وكيف؟ قال: لان ما يخرج من العين إلاّ معه الماء الحار والماء الذي يخرج من القير حلوا شبه العافية. قال حكيم: إنّ القير في معدنه وما يحله ويسلسله على الموج إلاّ حرارة الماء تحله وتدفق الماء من تحته ويخرج إلى وجه الأرض والبحر، وكذلك قياس العنبر. وهو عين سيالة في بحار الخراب حيث لا عمارة فيه ولا سكن وتخرج بخرج عين القير بالنعت والصفة والله تعالى اعلم. صفة البحرين وهي جزيرة في صدر بحر فارس كما إنّ القلزم في صدر بحر الحبشة. ويقال انهم جزيرة في بحر مالح فوق بحر عذب فلأجل ذلك سمي البحرين. حدّثني جماعة من أهل البلاد قالوا: إذا غاص إنسان بين الماءين وشرب فشرب ماء عذب فتراه وأعلاه ماء مالح ملج اجاجا. وقال: ما سمى البحرين بحرين إلاّ لأجل البحر وأهلها العرب شبه البحر في كرمهم، أي بلاد تسمى البحرين بحر ماء وبحر خلق. وتسمى الجزيرة جزيرة أوال وبها ثلثنائة وستين قرية إمامية الذهب ما خلا قرية واحدة. ومأكولهم التمر والسمك من مأذي رائحة وطعم رفن. وقال آخرون: إنّ جزيرة أوال هي أوسط مغاص البحرين ولا أصفى ولا أكثر ماوية من لؤلؤه، وهي جزيرة في صدر الغبة وبر العرب وفارس مستدار حولها. كما قال: درست صورت تو ودريا دو جشم من ... أي دور مانده زدريا جكونئي تم كتاب تأريخ المستبصر بعون الله وحسن توفيقه ووافق الفراغ من زبره نهار السبت الثامن والعشرين من شهر العقدة الحرام سنة 1002 من الهجرة النبوية على صاحبها افضل الصلاة والسلام

§1/1