تاريخ الزواوة

أبو يعلى الزواوي

تاريخ الزواوة تأليف: أبو يعلى الزواي مراجعة وتعليق: سهيل الخالدي منشورات وزارة الثقافة الجزائر

العنوان: تاريخ الزواوة تأليف: أبو يعلى الزواوي مراجعة وتعليق: سهيل الخالدي مديرية الفنون والآداب تحت إشراف: د. ربيعة جلطي الطبعة الأولى 2005 جميع الحقوق محفوظة

المقدمة

الإهداء .. إلى الصديق الحاج محمد أمزيان الحسيني بن بوجليل ولاية بحاية-الوفي. مع كل المحبة والتقرير سهيل

إلى من يهمه الأمر

إلى من يهمه الأمر رغم أن بعض تعليقاتي على كتاب تاريخ الزواوة هذا نشرت في بعض اليوميات الجزائرية في ذروة الفتنة التي شهدتها الجزائر لا أنني أود -أولا- أن أوضح خاصة "للأشخاص حسني النوايا" لأني هنا أعلق على هذا الكتاب، كما يعلق صحفي قارئ يسجل تعليقه على هامش الصفحة. ويجب أن يكون واضحا بأني لا أحقق ولا أدقق ولا شيء من ذلك الذي له علاقة بالعمل الأكاديمي الباحثين الأفاضل. وأما اعتمادي في تعليقي على بعض الكتب الأخرى وبعض المراجع وأحيانا تلك المراجع التي لها قيمة المصدر، فما ذاك إلا لإنعاش الذاكرة، كما يجدر بمعلق يحترم كلمته، وليس كما يليق باحث أو مدقق بضيف إلى الاحترام، الدقة والتمحيص والتوثيق. ومن بين الكتب التي اعتمدتها في هذا التعليق: رحلة ابن جبير، رحلة ابن بطوطة، العرب واليهود في التاريخ، أعلام الجزائر، عروبة البربر والحقيقة المغمورة، عروبة الجزائر عبر التاريخ، الحركة التبشيرية الفرنسية في الجزائر، تأملات في مسألة الأقليات، أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر، لسان العرب الأمازيغ، التكوين التاريخي للأمة العربية، الحضارة الفينيقية، الأمازيغ وقضيتهم في المغرب الكبير، سطور من الرسالة.

وهناك كتب أخرى رجعت إليها بعضها ذكرته وبعضها لم أذكره إضافة إلى أوراقي الخاصة ومخطوطاتي التي لم تنشر بعد، ومنها مخطوط بتاريخ الحرف العربي الجريح، ومخطوط شخصيات جزائرية في المشرق العربي، وغيرهما ... ولم أشأ أن أخصص ثبتا أو هوامش لهذه المراجع حتى لا يختلط على البعض أن ما أقوم به هو شيء غير التعليق. ولأن هناك بعضا من سيئي النوايا في مجتمعنا الجزائري خاصة دعاة التفتيت والتشتيت والحروب المجانية، ممن يكتبون في بعض صحفنا، هم على سوء نواياهم -يتمتعون- بمجهولات واسعة، فبعضهم يدعي أنه وحده الذي يفهم الرسالة المحمدية، وبعض آخر يدعي أنه هو الذي علم ماركس وبعض ثالث يدعي أنه ألهم فولتير، والبعض الرابع ولعله الأخطر، يدعي أنه الطبيب الذي أشرف على ولادة أول بربري في جبال الأطلس، فجعل من نفسه وصيا سياسيا وناطقا باسم الأمازيغ والأمازيغية ولأن ذلك كذلك، أقول: لا يهمني في قليل أو كثير أن أمازيغ له أو ليس له علاقة بيعرب، فلا أعتقد أن أحدا في هذا الكون متأكد من نقاء عرقه، فالذين يشتغلون في تصنيف أعراق البشر وأنسابهم، إنما يضحكون على السذج من البشر فهؤلاء المشتغلون أنفسهم لا يستطيعون الادعاء بنقاوة نسبهم الشخصي فضلا عن القومي.

وهنا لست أزعم بأني من أهل السياسة وأحزابها وأن لي معرفة بأهلها، غير أني أؤكد اهتمامي بالحضارة والثقافة ولا أنكر ما بينهما وبين السياسة من علاقه، وهي كعلاقه النجار بالخشب .. لا أحد يستطيع أن يقرر قرارات قاطعة مانع، من منهما يعطي الكلمة للآخر أهو النجار أم الخشب، أهي الثقافة أم السياسة؟! إن الذي اعتقده وأؤمن به حتى الثبات هو أن شعبنا الأمازيغي خل التاريخ مع الفينيقيين (حضارة الشرق) وليس مع اليونان حضارة الغرب) .. ثم أبدع وصنع التاريخ مع الحضارة العربية حيث صار البربر عربا والعرب بربرا، فمن ذا الذي يؤكد لي أن عقبة بن نافع هو فعلا من صلب يعرب وليس من صلب أمازيغ! لذلك يؤلمني كمواطن أن أرى البعض من (أدعياء الثقافة السياسية) من الجزائريين وغير الجزائريين يلعبون بحضارة شعبنا عقله وثقافته ويصورون الأمازيغ على أنهم شعب انتهازي، ليس له كلمة في التاريخ. ففي نظرهم حين كان الرومان سادة العالم كان الأمازيغ روما نصارى، وحين ساد العرب العالم صار الأمازيغ عربا مسلمين. ولأن العرب اليوم في ضعف، ها هم لأمازيغ يبحثون عن "أرومة" أوروبية ينتمون إليها. وهذا فضلا عن كونه إهانة لأمازيغيتنا هو تلاعب استعماري قح، وجهل "حضاري" مقيت ... وسذاجة من بعض سياسيينا لأنه كذلك رفض الأمازيغ والعرب في الشام مقولة الدعاية الفرنسية وقبلها التركية. من أن الأمازيغ ليسوا عربا وجاءوا

مع الأمير عبد القادر ثم بعده المقراني، ليحتلوا الشام وليستعمروه، وقد تصدى الجزائريون الأمازيغ والعرب الشوام لهذه الدعايات وأسقطوها كما أسقطوا ويسقطون في الجزائر دعوى أن العرب جاءوا مستعمرين وغزاة. وهذا الكتاب الذي أعلق عليه هو أحد الكتب التي أسقطت دعايات الاستعمار تلك. وبالتأكيد فإني على علم بأن عالمنا المعاصر تتنازع كتابة تاريخ الأمم فيه، مدرستان: المدرسة الاستعمارية التي تسعى لإلحاق حضارات البشر بروما، فالمسرح والغناء والرقص وحتى "الله" نفسه هو روماني أو إغريقي. والمدرسة الإنسانية التي تحترم جهد كل الشعوب وكل الأمم في كل مراحلها- في صنع التاريخ والحضارة البشرية، فكما لليونان جهد، للهنود جهد، وللصينيين جهد، وللعرب جهد، وللفرس جهد ... ولعله من الواضح إنني من محبذي المدرسة الإنسانية هذه وبالتالي فأنا بالغ الاعتزاز بعروبتي وعلى رأسها الأمازيغ الذين أضافوا إليها وطوروها لأنهم منها ولها، بل لعلهم أصلها فكما أن الشيوعية وجدت قبل لينين فإن الإسلام وجد قبل محمد فإبراهيم كان مسلما حنيفا، وكما أن ألمانيا وجدت قبل بسمارك فإن العروبة لم تولد مع عقبة. لذلك فأنا أنظر باحتقار لكل أولائك الذين يسعون إلى ضرب القبائلي بالشاوي والأمازيغي بالعربي والمسلم بالنصراني، والسني والشيعي، والآشوري والفينيقي فهذا النوع من "الصراعات

رديئة" لا يرقى بالحضارة البشرية، وقد تجاوزتها الشعوب على وجه هذا الكوكب منذ أزمان وأزمان ... وقد وعى الشيخ أبو يعلى الزواوي مؤلف هذا الكتاب .. هذه الحقيقة منذ مطلع القرن فضل من بعض "مثقفينا السياسيين" في نهاية هذا القرن!. إذن فليكن واضحا كل الوضوح بأني المسؤول الوحيد عن تعليقي، فلا الناشر مسؤول ولا أبو يعلى الزواوي مسؤول، آمل أن لا يكون ذنبي عند البعض أني لم "أؤجر" عقلي للأكاديمية البربرية أو معهد العالم العربي، فالذين يؤجرون عقولهم يهون عليهم تأجير وطنهم، وأنا لا أؤجر حبة رمل واحدة من وطني الممتد من شنقيط حتى حضرموت إنه بيتي حتى ولو لم أمتلك فيه مساحة قبر!! الجزائر 01/ 05/ 2005 مأوى المسنين/ باب الزوار سهيل

كيف عثرت على الكتاب؟

كيف عثرت على الكتاب؟ لما كنت في دمشق الشام مارس 1987 - أفريل 1991 قادما إليها من ليماسول في قبرص التي قضيت فيها الشتاء (ديسمبر 1986 وجانفي وفيفري 1987) مستجما بعد سنوات عمل متواصلة في الكويت جانفي 1979 - ديسمبر 1986، قدمتها وفي نيتي إنجاز عدد من الكتابات الروائية والإعلامية وكتاب عن الجالية الجزائرية في الشام استنادا على أوراق وصلت إلي من أوراق الوالد والجد المهجرين من منطقة واد البردي في ولاية البويرة وهكذا قضيت أعواما أربعة لا عمل لي غير التنقل بين مكتبة الأسد في طريق المزة ومكتبة الظاهرية في دمشق القديمة وأثئاء مراجعني للفهارس في مكتبة "الأسد" حرف الزاي وجدت اسم الزواوي، وبجانبه اسم الكتاب (تاريخ الزواوة). طلبته من الموظف، فلما أتاني به طلبت تصويره على الفور وفي نفس اليوم انتقلت إلى مكتبة الظاهرية وبحثت عنه في فهارسها وصورته. وهكذا اجتمعت لدي نسختان مصورتان. وعدت إلى ييتي كمن عثر على كنز وهو كنز فعلا. وفي اليوم التالي ذهبت إلى مختار الجزائريين في حي السويقة بدمشق الأستاذ "ابح مزيان". وبحثنا معا عن اسم الشيخ أبو يعلى في السجلات الموجودة عنده وهما سجلان أحدهما تركي العهد يعود إلى عام 1904 على الأرجح والآخر فرنسي العهد يعود إلى عام 1923 ولم نجد للشيخ تسجيلا أو أية إشارة لسكنه أو عائلته.

فما كان مني إلا أن ذهبت إلى الأستاذ أحمد سهيل الفضيل الجزائري الذي جاوز من العمر سبعين عاما - توفي عام 2003 - وكان أحمد سهيل يشغل دائما منصب سكرتير جمعيات الجزائريين في الشام وأمدني بكثير من المعلومات هو ابن الحاج بلقاسم بن محمد الفضيل الذي ذكره أبو يعلى في الكتاب المهجر من عين الحمام وشغل مناصب رفيعة في سورية، وأبلغني بأن الشيخ الزواوي كان على علاقة بوالده الحاج بلقاسم، وأنه لم يطل به المقام في دمشق، بل أن كتابه هذا لم يعد متداولا أو معروفا خاصة وأن مكتبة جمعية المقاصد الخيرية المغربية في السويقة لم يعد لها وجود، وليس هناك من سبيل سوى العائلات الجزائرية نفسها ولما كان الدكتور مازن المبارك قد انتقل من جامعة دمشق إلى جامعة دبي، وتوفت والدته في تلك الفترة، لم أشأ إزعاجه بالموضوع فلجأت إلى الأستاذ محمد اليعقوبي وهو شاب جزائري مثقف من مواليد دمشق يتقن العديد من اللغات ومتعدد المواهب ورث مكتبة عن أبيه عن جده عن جد أبيه بعض كتبها انتقل مع جد والده المهجر عام 1847 من آيت سعادة فجاء إلي الأستاذ محمد اليعقوبي بنسخة مصورة من الكتاب عينة ولكنني لم أستطع العثور على ترجمة دقيقة للمؤلف يمكن اعتمادها غير تلك الأحاديث الشفوية، وإن كنت قد بدأت أجمع خيوط الرجل من بعض ما كبه في "المقتبس" الدمشقية وفي غيرها. ولما كان من مشروعي الأساسي في دمشق هو إنجاز كتاب عن المهجرين الجزائريين في الشام ودورهم في حركة التحرير العربي، "الذي نشر في الجزائر بعنوان الإشعاع المغربي في الشرق العربيا" ونشاطهم الفكري والثقافي هو

من هو المؤلف؟

جزء من هذا الدور، وموضوع الشيخ أبو يعلى، هو جزئية في هذا النشاط، خشيت أن تشغلني الجزئية عن المشروع فركنت الكتاب جانبا مع تلك الكتب التي عثرت عليها من مؤلفات الجزائريين في الشام والتي تبلغ عددا يمكنني من الزعم بأني أملك مكتبة من هذه الكتب، والتي آمل أن أنشرها بين الناس. وحين قدمت الجزائر في ماي 1991، أردت أن أثير موضوع هذا الكتاب علي أجد من يساعدني في أن أعود إليه، فإذا بأستاذنا المؤرخ الكبير أبو القاسم سعد الله يبلغني أنه يبحث عن هذا الكتاب حيث سبق له وأن نشر مقالة حول رسالة عثر عليها من رسائل المؤالف، تتحدث عن مشروع الكتاب، فسلمت النسخة للدكتور أبو القاسم سمد الله وواصلت بحثي حول الزواوي مسترشدا بمكاتبة الدكتور أبو القاسم سعد الله. من هو المؤلف؟ يقول الدكتور أبو القاسم سعد الله في كتابه أبحاث وأراء في تاريخ الجزائر الجزء الثاني الصادر في الجزائر عام 1986 في بحث بعنوان (مشروع كتاب تاريخ زواوة) لأبي يعلى الزواوي معرفا بهذا الشيخ الجليل (فهو السعيد بن محمد الشريف بن العربي ابن يحيى بن الحاج بن آيت سيدي محمد الحاج بزواوة ومن ثم نسبته الزواوي ولد بقرية تعاروست زواوة حوالي سنة 1862) ص 145 غير أن المؤلف نفسه شككني بتاريخ مولده الذي ذكره أستاذنا الفاضل سعد الله إذ قال في ص 62 من مؤلفه (وقد رأيت والدي رحمه الله

في قرية صوامع في بني بوشعايب في وسط معمعة في سنة 1869 م وأنا ابن أربع سنين) فحسب هذا النص يكون مؤلفا من مواليد 1865 ومع أن ابن أربع سنوات لا يتذكر على الأرجح تلك التفاصيل التي يذكرها أبو يعلى مما يجعلنا نميل إلى ما ذكره الأستاذ سعد الله حيث يكون عمر مؤلفنا وقت وقوع الحادثة التي أوردها بحدود 7 أو 8 سنوات وهو عمر يمكن أن يتذكر به الطفل الذكي حوادث كتلك. إنني كتبت في عدد جريدة الشعب المشار إليه سابقا أطلب من القراء إسعافي وقلت (أود أن أعلم القارئ الجزائري أني أقوم بتحقيق وتدقيق هذا الكتاب وكتب أخرى للمؤلف لذا سأكون شاكرا لو تفضل أحد من عائلته أو قرابته بإفادتي عن تفاصيل حياته) وكانت الاستجابة الوحيدة من طرف محمد حسن عليلي اليجري الزواوي في جريدة الخبر المشار إليه ويبدوا أن الشيخ أبو يعلى الزواوي قام برحلات عديدة "نحن نعرف أن له ثلاث رحلات إلى دمشق التي حرر فيها كتابه هذا وإلى القاهرة حيث سكن مع الشيخ طاهر الجزائري إذ يقول (ولما اجتمعت به بمصر وسكنا معا مدة خمسة أعوام تقريبا كلفني بتحرير مقالات كثيرة وبتأليف في النحو وأخر في إلزام الشبان الأصحاب بالتدين وألح على إثبات مذكراتي ونظراتي في السياسة وكان معجبا بها شهادة الإخوان الشاميين والمصريين الذين هم بقيد الحياة) ص 103 ولا يحدد أبو يعلى متى التقى بالشيخ طاهر ومتى سكنا معا إلا أنه يفهم من النص في نفس الصفحة أن ذلك كان خلال الحرب العالمية الأولى ومعروف أن هذه الحرب استغرقت لفترة 1914 - 1918 وكان الشيخ طاهر الجزائري قد هرب من دشق إلى مصر فارا من اضطهاد الأتراك

له 1905 وظل فيها حتى سنة 1920. ولا يبدوا أن الشيخ أبو يعلى قد انتقل من مصر إلى دمشق حيث نجد أنه في عام 1917 قام برحلة إلى باريس إذ يذكر ي رسالة بعث بها إليه ابن زكري فيقول (فمن ذلك ما كاتبني به الأستاذ المرحوم العلامة الحافظ الزواوي الشيخ محمد السعيد بن زكري مفتي الجماعة بمدينة الجزائر في ماي 1917 أيام إقامتي بباريس) ثم يوضح أنه وصلته من ابن زكري رسالة أخرى بتاريخ يونيو في السنة المذكورة. ويبدو أن أبو يعلى الزواوي قد قام برحلة إلى تونس وهناك تعرف على الشيخ الطاهر الجزائري إذ يقول الأستاذ سعد الله (فقد زار الشيخ الطاهر موطن آبائه الجزائر حوالي 1893 فوجد الشيخ أبا يعلى في تونس) ص 146. وقد حاولت أن أجد سندا لرحلتين محتملتين أولاهما أن يكون أبو يعلى قد زار الحجاز لأداء فريضة الحج وثانيها أن يكون قد زار فلسطين لأن الذاهب من دمشق إلى القاهرة عبر القطار في تلك الأيام كان لابد له أن يأخذ قطار دمشق - حيفا ومنها إما أن يأخذ السفينة أو أن يواصل بالقطار حتى غزة ولكنني لم أعثر على سند صحيح ... وفي اعتقادي أن للرجل رحلات سيكون من المفيد إذ ما عرفنا ذات يوم أنه دونها فحتى الآن لا نعرف إذا ما ترك مذكرات.

وفاته وأثاره

وفاته وأثاره توفي الشيخ الزواوي في أوائل يونيو - حزيران 1952 كما ذكر الأستاذ سعد الله وكما أكد لي قريبه المشار إليه الذي حضر الوفاة والدفن .. وترك أبو يعلى عددا من المؤلفات والمخطوطات والمقالات المنشورة في الصحف الجزائرية والمصرية والشامية، ذكرها الدكتور سعد الله في كتابه وقرأ كتاباته كثير من العلماء الذين عاصروه وأعتقد أنه من الأهمية بمكان أن يقوم أحد المهتمين بجمع هذا التراث الضخم وتحقيقه ونشره خاصة وأن الرجل لم يعقب ذكرا بل توفي عن ابنتين.

أهمية الكتاب

أهمية الكتاب يتألف الكتاب من 104 صفحة من المقطع الصغير قياس (13/ 21) وطبع في مطبعة الفيحاء في دمشق الكائنة في شارع مدحت باشا "كان واليا على الشام وصدرا أعظم - وزير أول- في العهد التركي" وقد طبع على نفقة أحد رجال التصوف المعروفين من المهجرين الجزائريين في دمشق، وهو أمازيغي أيضا واسمه عمر بن طيب الزواوي وقد حفظت حقوق الطبع للمؤلف نفسه، ونشر الكتاب عام 1340 هـ. وقد ورد اسم الكتاب والكاتب كالتالي (كتاب تاريخ الزواوة تأليف الفقير الضعيف الراجي عفو ربه اللطيف السعيد بن محمد شريف أبو يعلى الزواوي). يهدي المؤلف كتابه إلى السيد أحمد الهاشمي بالصيغة التالية: (إلى صاحب الشرف الممجد، ذي السيادة القعساء الصحيحة السند، إبن علي الشريف السيد أحمد الهاشمي العلوي الفاطمي الزواوي). ويضيف المؤلف في الإهداء: (مولاي كان لتاريخ الزواوة شأن عظيم، وأنتم من الأعاظم، وكان لهم نسب كريم، وأنت من الأكارم، أما وقد كان أو كاد ينسى، فاقبل مني أن أجدده لعلنا نتأسى كما قال الأول: فتأسوا بمن مضى إذا ظلمتم ... فالتأسي للنفس عزاء فأهديه إلى سيادتكم العظمى، ولكم فيه الكلمات العليا.)

أما السيد أحمد الهاشمي فهو "على الأرجح" أحمد جودت الهاشمي الينيوي الذي هاجر والده من "بني يني" وأظهر نبوغا في الرياضيات وتخرج من جامعة استامبول وباريس وأسهم في الحركة الوطنية في الشام وكان أول رئيس لجمعية المقاصد الخيرية المغربية، وسأقدم له ترجمة مفصلة حين يرد ذكره في الكتاب. غير أن السيد حسن عليلي قال أن المعني بالإهداء ليس هو الشخص الذي رجحت ... ولكنه لم يقدم أية معلومات عن أحمد الهاشمي المذكور. وكتاب تاريخ الزواوة مكتوب بلغة عربية جميلة وبأسلوب هو أقرب إلى أسلوب المحدثين منه إلى أسلوب القدامى رغم ما فيه من السجع. أما أسباب تأليف الكتاب فهي واضحة وقد أعلنها المؤلف من الإهداء والخطبة والتي هي إزالة الظلم الذي لحق بتاريخ الزواوة بالقول أنهم غير عرب فهو يقول في خطبة الكتاب: (وكان مولدي بالزواوة، ومنشاي ومرباي في تلك الزوايا، وكادت شهرة القبائل الصنهاجية تكون طامسة الأعلام مجهولة لأسباب كثيرة، وقضايا منها ما هي مقبولة، ومنها ما هي مزورة مردودة تحرك لي الساكن واستنجدني الظاعن والقاطن فأردت أن أضع كتابا صغير الحجم، كبير العلم، كنموذج من تاريخ الزواوة مقتصرا على تبيين نسبهم، وذكر شيء من فضائلهم ... فانتدبني كثير من الزواوة لتحرير شيء بما يتعلق بهم ونسبهم). (ويضع عند كلمة "استنجدني" هامشا يقول فيه أسفل الصفحة الثالثة إشارة إلى الجهال المهذارين بأن الزواوة برابرة ورومان .. إلخ).

إذن فنحن أمام كتاب هام يشكل وثيقة تاريخية حررت بطلب وتكليف جماعي من الزواوة لتبيان تاريخهم والرد على من يقول أنهم غير عرب ... ولعل هذا يفسر لماذا لم يصل الكتاب إلى القارئ الجزائري رغم مرور هذه المدة الطويلة على طبعة ونشره، ويوضح لنا أن الاستعمار الفرنسي وأكاديمياته ومثقفيه يعملون منذ وقت طويل على إشاعة الفتنة والحرب الأهلية في أي قطر عربي يبتلي بهم ويريدون من الزواوة، (أو القبائل أو الأمازيغ أو البربر) أن يكونوا وقودا لهذه الفتنة وأداة من أدوات الانفصال والتقسيم .. ولكن الزواوة تفطنوا لهذه الحيلة وأفسدوا على المستعمر الفرنسي سواء في الجزائر أو في الشام مسعاه، وقادوا حركة النهضة العربية - الإسلامية مشرقا ومغربا فكانوا على رأس القومية العربية في يوم الوقيعة خيولا عربية سريعة. أما منهج الكتاب ومصادره ومراجعه ينطبق عليها ما قلناه على الأسلوب، فإذا كان الكاتب يعتمد على السجع كما هو حال مؤلفي مطلع القرن، فإن منهجه كمنهجهم يحاول التخلص من المنهج القديم ليدخل قدر الإمكان بالمنهج الحديث، ونجده يذكر مراجعه وكلها من أمهات كتب التراث مثل كتب ابن خلدون والمسعودي والطبري وابن إسحاق والكلبي وابن الأثير وابن الخطيب والمقري والواقدي وغيرهم ويحاول المؤلف أن يشير إلى بعض الصحف والخطب وكذا الوقائع والأحداث التي شهدها. ويبدو أن البحث قد استغرق منه عدة سنوات وعرضه على كثير من مثقفي زمانه وقد فرغ منه كما ورد في صفحة 93 (عشية يوم الأربعاء 19 ذي القعدة الحرام عام سبعة وثلاثين وثلاثمائة وألف للهجرة).

أسباب تأليف الكتاب ومنهجه

أسباب تأليف الكتاب ومنهجه إذن وإن أسباب تأليف الكتاب هي كما أسلفنا إزاحة الظلم الذي وقع على البربر عموما والزواوة منهم خصوصا من طرف مثقفي الاستعمار وذلك لسعي هاته الفئة إلى طمس تاريخ الزواوة وفصلهم عن بني أرومتهم العرب من جهة، وإنكار إسهام الزواوة في الحضارة البشرية، لإخراجهم من التاريخ ونزرع الفتن بينهم وبين أهلهم سواء في القطر الجزائري أو في سائر أقطار الوطن العربي من جهة أخرى، وللمستعمر أهدافه الكثيرة من وراء ذلك لعل في طليعتها استمرار التخلف، فما دام الزواوي متخلفا جائعا خائفا في بلده، فهذا يعني أن فرنسيا متقدما شبعانا آمنا في فرنسا، فكما لم يغتني عني إلا من فقر فقير فلا استعمار دون تخلف وجوع وخوف. وبالتأكيد فإن هذه الأسباب التي يوردها الشيخ أبو يعلى الزواوي هي أسباب أكثر من وجيهة سواء من الناحية العلمية المحضة، حيث يجب أن يبرز الحقيقة على أيدي العلماء قبل غيرهم من بني البشر، أو من الناحية الوطنية والعشائرية والدينية فهل يرضى جزائري له ذرة من الوطنية أن يسكت وهو يرى الفتنة تزرع في وطنه، وهل يرضى زواوي عاقل له ذرة من حب الزواوة عشيرته وأهله، أن تستغل عواطف هذه العشيرة وهؤلاء الأهل ليزح بهم في فتنة تسيل فيها دماؤهم ويسيلون فيها دماء غيرهم، لا لشيء إلا ليستفيد الأجنبي المستعمر وبعض المنتفعين من أشخاص وعائلات كائنا من كانت ثقافتهم أو وظيفتهم أو عائلاتهم أو عاطفتهم وهل يرضى مسلم عاقل له ذرة

من دين أن يرى أبناء دينه في فتنة لا دين لها، ولا يستفيد منها إلا سوى أعداء الدين والمنتفعين به، وهل يرضى إنسان عصري وحديث بأساليب الهمجية؟ ولعله من الواضح أن الزواوة سواء كانوا من المقيمين في أرض الوطن أم من المهجرين إلى الشام رفضوا تلك الدعاوى التي بثها المستعمر الفرنسي في الجزائر وفي سورية ولبنان بأنهم غير عرب وأنهم بربر ورومان وما إلى ذلك، وهم الذين حثوا أبو يعلى الزواوي على تأليف كتابه بالإضافة إلى رغبته هو ودوافعه هو لإزاحة الظلم والتزوير. وكان في هذا واضح العبارة فهو يربط الأسباب والعلاقات والدوافع والتشجيعات ربطا محكما ومنطقيا ... إذ يقول: (وكان مولدي بالزواوة، ومنشاي ومرباي في تلك القرى ذوات الزوايا، وكادت شهرة تلك القبائل الصنهاجية تكون طامسة الأعلام مجهولة، لأسباب كثيرة، وقضايا منها ما هي مقبولة، ومنها ما هي مزورة مردودة ... تحرك لي الساكن، واستنجدني الظاعن والقاطن، فأردت أن أضع كتابا صغير الحجم، كبير العلم، كأنموذج من تاريخ الزواوة، مقتصرا على تبيين نسبهم وذكر شيء من فضائلهم، وما قيل فيهم، وما كان لأوائلهم، ليكون النشء الجديد على بصيرة من سلفهم، ليعلموا ما كان من أمرهم، ليقتدوا بكل فعل مجيد، وينبذوا كل ما هو غير سديد، لعلهم يأخذون ببعض القديم وبعض الجديد، والتزام الأحماض فيه لتنشيط قارئيه، لأنفخ فيهم روحا قوية، وأبعث فيهم ذوي همم عالية، وأهدي إليهم هذا الكتاب المستطاب، فإن فعلوا فذاك هو الصواب، وإلا فما علي من حساب) ص 3 - 4.

إذن فإن أبو يعلى الزواوي لا ينكر ولا يخفي دوافعه الوطنية والعشائرية الدينية في تأليفه لهذا الكتاب، بل هو يحمل الأجيال الجديدة مسؤوليتها إن هي انساقت وراء أولائك الجهال والمهذارين الذين يدقون الأسافين بين الجزائريين الزواوة والجزائريين غير الزواوة ... بل وأكثر من ذلك فهو ينبه هذه الأجيال الجديدة بأن عليها التمحيص والتدقيق والأخذ بأفضل ما في القديم وبأفضل ما في الجديد ... ولعمري إن أبو يعلى كان في هذه العبارات البسيطة مربيا كبيرا ... !! ثم يتطرق إلى المنهجية حيث قسم كتابه إلى فصول سبعة تجدها منطقية الترتيب والتصاعد، فقد تحدث عن علم التاريخ وفضله أولا، ثم نجده يدخل موضوعه مباشرة إذ خصص الفصل الثاني لنسب الزواوة وهو يكاد يكون أطول فصول الكتاب من صفحة 12 إلى صفحة 26 ثم يرفده بفصل ثالث غير منفصل عن الثاني ألا وهو محامدهم وخصائصهم، وأما الفصل الرابع فهو في زواياهم وعلمائهم وخدمتهم العربية، والفصل الخامس في بعض عاداتهم وأما الفصل السادس ففي المطلوب لإصلاح حالهم وخصص السابع للائحة التعليم ونظامه الذي يقترحه ويبين طريقة التعليم. ونحن في عصرنا هذا حيث في الجزائر عدة جامعات ومنها جامعة تيزي وزو، لو دققنا النظر أن لكل فصل فها يستحق لوحده أطروحة جامعية خاصة. فالرجل كان عالما محيطا بموضوعه أيما إحاطة عارفا بأبعاده وخفاياه، ويعرف وعورة الطريق الذي يسير عليه، فأن نقول في أول القرن العشرين، والاستعمار ينيخ بكلكله على صدرك، إن الزواوة عرب، فتلك والله بطولة،

الأمازيغ في سوريا

خاصة وأن العرب كانوا في ذلك الوقت وما زالوا حتى الوقت، لا يقدمون للباحثين والكتاب العطايا والهدايا من النساء والقصور والسيارات، والانتساب إليهم لا يخرج الإنسان من العوز، وإن كان يدخله في العزة!! نجد المؤلف ينتقل للحديث عن الوضع السائد في منطقة القبائل ورأيه في طريق إصلاحها فيتحدث عن الإصلاح المطلوب، الإصلاح الإسلامي، لائحة نظام التعليم وبيان طريقة طرق التعليم الابتدائي، الكتب التي يدرسونها، الإدارة والتفتيش للزوايا، ويبدوا أن هذا القسم هو ملخصات لما ورد في كتب سابقة له واعتبارا من الصفحة 93 نجده يتدارك ما فاته في بعض الفصول فيعود لنسبهم ولأجوادهم ونوابغهم وإلى ذكر أسماء بعضهم ممن حموا تحت قيادة الأمير عبد القادر الجزائري نصارى دمشق في فتنة 1860 م ثم يفرد فصلا بعنوان "تقريظ الكتاب" يورد فيه نصوص ورسائل وردته مقرظة كتابه من مفتي مدينة الجزائر الشيخ بن زكري مؤرخة في ماي 1917 وأتبعها بأخرى مؤرخة في يونية من نفس السنة، ويقحم المؤلف رسالة ثالثة بجواب على تعزية لابن زكري ولا علاقة لها بموضوع الكتاب ولا يذكر تاريخها. الأمازيغ في سوريا لعله ليس معروفا على نطاق واسع بين الناس أن الأمير عبد القادر الجزائري حين أوقف مقاومته المسلحة للاحتلال الفرنسي عام 1847 م/ 1263 هـ، كان قد أمر علماء ورجال دولته وجيشه بالهجرة إلى الشام حتى لا تشن عليهم فرنسا حرب إبادة كما هي عادتها. وبالفعل فقد هاجر هؤلاء

مع عائلاتهم ويبلغ تعدادهم جميعا حوالي خمسمائة نفر وقد وصلوا إلى دمشق لشام فاسقبلهم الشوام استقبالا عظيما قلقت منه حكومة الباب العالي في استامبول. وعرفت هذه الدفعة بهجرة المشايخ "إذ أعقبتها دفعات أخرى ولم يسلم الأمير سلاحه إلا بعد أن تأكد من وصولهم إلى دمشق. وكان معظم هؤلاء المهجرين الجزائريين سواء من هذه الدفعة الأولى أوالدفعات التي تلتهم من الأمازيغ أو البربر أو القبائل أو ما شئت من التسميات التي أطلقت على عرب جرجرة والأطلس وعلى رأس هؤلاء الشيخ المهدي السكلاوي شيخ الزاوية الرحمانية والشيخ محمد المبارك "دلس" والشيخ صالح السمعوني "بجاية" والشيخ أحمد بن سالم "البويرة"، واليعقوبي، وأعراب وغيرهم، وقد تطرقت إلى موضوع الهجرة في كتابي "الإشعاع المغربي في بلاد المشرق العربي" - دور الجالية الجزائرية في بلاد الشام، المنشور في الجزائر. - وقد جلس هؤلاء العلماء على الفور في مجالس العلم في مدارس وزوايا ومساجد دمشق حيث أمن لهم إخوتهم عرب الشام كل سبل العيش والعمل، وأقطعتهم الحكومة البركية أجود الأراضي في غوطة دمشق وسهل حوران وأرض الجليل. وبدأت بهم في الشام نهضة علمية حيث شهدت المدرسة الجقمقية ودار الحديث وجامع الغابة والزواية الأخضرية فضلا عن المسجد الأموي الكبير ومسجد السنانية دروسا واسعة لهؤلاء. وحتى الأمير عبد القادر الجزائري نفسه حين وصل دمشق عام 1856 أخذ مقعده على رأس هؤلاء مدرسا في الجامع الأموي والمدرسة الجقمقية ودار الحديث.

ولم يقل أحد من المشارقة أن هؤلاء أمازيغ أو بربر أو قبائل ليس لهم أن يحتلوا مكانة في المجتمع، بل على العكس تماما فإن هؤلاء هم الذين حمو النصارى في الفتنة التي أشعلتها الدول الكبرى في الشام عام 1860، وفي عام 1877 عرض المشارقة على الأمير عبد القادر الجزائري أن يكون ملكا على رأس الدولة العربية التي أرادوا استقلالها عن تركيا التي استبدت وابتعدت عن روح الإسلام. وكان هؤلاء الأمازيغ بمن فيهم الدفعات التي هجرت إثر ثورة المقراني عام 1871 ومجموعة الشيخ محمد بن يلس التي هاجرت إثر قانون التجنيد الإجباري عام 1911 يوجهون المجتمع الشامي ضد كل الاستعمار الغربي، والفرنسي منه خصوما، وضد الاستبداد التركي، ويثيرون في هذا المجتمع الشامي روح القومية العربية والثقافة العربية الإسلامية ويحيون الأمجاد العربية، فاستجاب لهم المجتمع وعمل تحت رايتهم وقد تأسست نتيجة هذه الحركة "جمعية النهضة العربية" عام 1904 بقيادة الشيخ طاهر السمعنوي الجزائري ابن الشيخ صالح السمعوني الذي هاجر كما أشرنا عام 1847 من بجاية تحديدا من وغليس بلدية سيدي عيش دائرة أقبو في واد الصومام وقبيلة بني سمعون التي عند أهلها الخبر اليقين. ومن جمعية النهضة العربية انبثفت جمعيات القومية العربية كالجمعية القحطانية وجمعية العهد وجمعية العربية للفتاة التي أعلنت الثورة العربية على تركيا عام 1916 - 1918 بالاتفاق مع شريف مكة الحسين بن علي وولده فيصل. وقد أعدم الأتراك خيرة رجال هذه الجمعيات وفي طليعتهم ذلك

الضابط الفيلسوف "سليم الجزائري" وهو ابن أخ الشيخ طاهر وتلميذه، والأمير عمر نجل الأمير عبد القادر وغيرهما من الجزائريين فضلا عن الشوام، وكان الشيخ الطيب العقبي هو الناطق الإعلامي باسم الشريف حسين حيث يرأس تحرير جريدة "القبلة" لسان حال الثورة العربية. وهكذا قاد البربر الأمازيغ "القبائل" حركة القومية العربية من منتصف القرن التاسع عشر حتى الآن، قادوها مغربا ومشرقا وكانوا سيوفا بتارة ضد المستعمرين الأوروبين والمستبدين الأتراك هؤلاء الذين بدأوا -معا- يشيعون بين الشوام أن القبائل والأمازيغ ليسوا عربا بل عملاء الفرنسيين لاحتلال الشام. - وفي عام 1920 احتلت فرنسا دمشق إثر معركة ميسلون البطولية وكانت تخشى أول ما تخشى أولئك الجزائريين الذين يقودون المجتمع الشامي دينا وفكرا وسياسة فسعت إلى فصلهم عن هذا المجتمع، فلجأت إلى ذات الحيلة التي لجأ إيها المستبد التركي القائم والتي طبقها في الجزائر. فكما قالت لهؤلاء الأمازيغ في الجزائر أنكم لستم عربا وأن العرب جاؤوكم مستعمرين مع بني هلال ... إلى آخر هذه الأسطوانة، قالت لأهل الشام أن هؤلاء الأمازيغ ليسوا أكثر من برابرة غير عرب جاؤوا إلى بلادكم بقصد احتلالها واستعماركم وأن فرسا نفسها تساعدهم في ذلك وبدأت أجهزة الدعاية في جيشها المحتل الذي فيه جزائريون مجندون إجباريا، بث هذه الأقوال والدعايات في صفوف الشوام إشعالا منها للفتنة بينهم وبين الجزائريين ... غير أن الذي حدث أن الجزائريين والشوام جميعا أعلنوا الثورة

الكبرى ضد فرنسا عام 1925 - 1927 بقيادة سلطان الأطرش والأمبر عز الدين الجزائري، وكان الجزائريون في الجيش الفرنسي وعلى رأسهم الضابط عطاف يساعدون الثورة السورية بالسلاح وغيره. ولم يعد سرا أن الأمازيغ في سوريا كانوا جزءا أساسيا ومحركا قويا للنضال القومي العربي، سواء ضد الأتراك أو ضد الفرنسيين أو الإنجليز أو الصهيونية والإمبريالية العالمية، بل إن حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يكرهه "الفرانكوفون" وأدعياء الأمازيغية، كان يقوم على أكتاف الكثير من هؤلاء الزواوة المهجرين إلى دمشق بل وصلوا إلى أعلى المراتب في قيادة الحزب والدولة، ومنهم على سبيل المثال رئيس وزراء سوريا في سبعينيات القرن العشرين "عبد الرحمان أحمد خليفاوي" أصيل الأربعاء بني إيراثن كما كان منهم قيادات في الأحزاب الإسلامية ومنهم محمد المبارك أصيل دلس ومن أبناء عمومه الشيخ أبو يعلى الزواوي كما ذكر في كتابه هذا الذي بين أيدينا كما ليس سرا ما قدمته سوريا ومصر والسعودية وكل العرب للثورة الجزائرية 1962 - 1954 وهو أمر لم يفعله العرب دولهم وشعوبهم مع الثورة الفيتنامية مثلا!!.

مواقفه وفلسفته

مواقفه وفلسفته من خلال النصوص التي بين أيدينا يتبين لنا أن للرجل موقفين: إذ يقول معلقا على خطبة جول كامبون الوالي العام للجزائر في بلدة الأربعاء ناثي إيراثن عام 1891 (قلت لابد من غالب ومغلوب وأن لكل شيء حد ونهاية ثم إن الدولة الحالية التي استولت عليهم تحبهم وتميل بالعطف عليهم وتود أن يتمدنوا تمدنا عصريا) ص 41. وهذا موقف يناقض قوله بأن الشيخ الطاهر الجزائري كان معجبا بنظراته السياسية فالشيخ الطاهر الجزائري لم يكن مؤسسا للحركة القومية العربية فحسب بل أنه كان واضحا في علاقته بالدول والمستشرقين الإنجليز وكان أميل للسياسة البريطانية لذلك فإن تلامذته الذين أعلنوا الثورة العربية الكبرى عام 1916 لم يسمحوا لشريف مكة الحسن بن علي سوى بالاتصال مع بريطانيا دون سواها من الحلفاء، وليس من المتوقع أن يعجب طاهر الجزائري الذي لم ترد كلمة فرنسا على لسانه أو قلمه إلا أردفها بـ "لعنها الله". بأفكار رجل يجامل فرنسا لدرجة أنه يكلفه بتثقيف الشاب وأكثر من ذلك فإان كتاب تاريخ الزواوة خاصة في فصوله الأولى المتعلقة بنسب الزواوة وتاريخهم متفق مع أفكار الشيخ الطاهر من أن الزواوة عرب قحطانيون .. ونجد في الصفحة 107 أن الشيخ طاهر يطلب من أبي يعلى أن يحرر رسالة في لسان الزواوة قبل الشروع في تاريخهم ويدله على مراجع تاريخية مثل الديباج المذهب وابن خلكان والسخاوي كما أن واقعة السكن

وحدة الوطن

مع الشيخ طاهر هذه المدة الطويلة لا يمكن أن تتم لو كان بينهما مثل هذا الاختلاف البين في المواقف السياسة وميزة طاهر الجزائري كانت عدم المهادنة.! ثم هناك موقف مهم ورد في الكتاب وهو مطالبة أبو يعلى الزواوي بعصرنة التعليم العربي في الجزائر وإدخال الاقتصاد السياسي والإداري والطب والفلسفة وهذه العصرنة هي التي قام بها الشيخ الطاهر الجزائري في دمشق والشام كله فجرت عليه غضب الأتراك وهذه المطالب بعصرنة التعليم في الجزائر والإصرار على العربية تتفق ليس فقط مع أفكار الشيخ الطاهر بل أيضا مع أفكار الحركة الوطنية الجزائرية وسائر فصائل حركة التحرر القومي العربي منذ مطلع القرن العشرين، فالبربرية زواوية وغير زواوية هي جزء من القومية العربية جنسا وثقافة، دينا وأرضا، ماضيا ومستقبلا. إذن فإن مواقف الشيخ أبو يعلى الزواوي في نهاية التحليل هي المواقف (العربية الإسلامية) التي أجمع عليها كل رجالات الزواوة (الأمازيغ جميعا) من علماء وساسة منذ قرون ولم يخرج عن هذا الإجماع إلا فئة قيلة ممن أثرت فيهم أجهزة الدعاية الفرنسية. وما عبارته عن خطاب جامبول إلا كلمة مجاملة شاردة اقتضتها ظروف أكثر منها موقفا سياسيا أو ثقافيا، فالموقف السياسي والثقافي تجسد في رفقته لابن باديس في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وحدة الوطن يشير أبو يعلى في مطلع حديثه عن نسب الزواوة إلى اختلاف المؤرخين فيه وأن هذا الاختلاف هو الذي لفت نظره للبحث والتنقيب هل هم عرب

أو بربر ووصل إلى نتائج مرضية بعد بحث استغرق بضعة عشر عاما، وهو يحدد موقعهم الجغرافي بدقة إذ يقول في هذا المطلع: (اختلف المؤرخون في نسب الزواوة، والزواوة قبائل كثيرة مشهورة، موطنهم ومساكنهم بشمال أفريقية يجعلهم البحر الأبيض المتوسط الممتد من خليج مدينة الجزائر إلى بجاية إحدى عواصمهم وإلى جيجل نصف دائرة فهؤلاء هم المعروفون والمشهورون بالزواوة) ص 12. ويقول المهندس وباحث الآثار، المؤرخ العراقي د. أحمد سوسة في كتابه الذي حاربته الصهيونية (العرب واليهود في التاريخ حقائق تاريخية تظهرها المكتشفات الآثارية) ما نصه: (إن القبائل المعروفة بالبربر التي استوطنت أراضي شمال أفريقية كانت تقيم في الأصل في أرض فلسطين إلى جانب الكنعانيين ثم أخرجت منها في عهد الملك داود فيقول المسعودي في ذلك أن أرض البربر كانت أرض فلسطين من بلاد الشام وإن ملكهم كان جالوت، وهذا الاسم سمة لسائر ملوكهم إلى أن قتل ملكهم جالوت، فلم يتملك عليهم بعده ملك، وأنهم انتهوا إلى ديار المغرب، فانتشروا هناك واختارت البربر سكن الجبل والودية والرمال والدهاس وأطراف البراري والقفار) ص 98. إذن فإن الذين سكنوا الجبل والأودية هم الزواوة بتوافق هذين النصين وإن البربر غير الزواوة سكنوا مناطق أخرى، إذ يقول القديس أو غستين في بعض كتاباته (لما سألت أهل بونة عنابة من أين أتيتم قالوا أتينا من أرض كنعان) والمعروف أن التوراة لا تتحدث أين ذهب الفلسطينيون بعد قتل داود ملكهم

جالوت أو جليات، فهذه النصوص تجيب عن السؤالين:: تخبر خبرين أين سكن الزواوة أو البربر ومن أين جاءوا؟ ولدينا نصوص أخرى مثل الخريطة التي ذكرها أحمد توفيق المدني في كتابه (تاريخ الجزائر) حول توزيع "القبائل البربرية وموطنها بالقطر الجزائري فيذكر (في عمالة الجزائر صنهاجة، وفي جبال الجرجرة المسماة ببلاد القبائل الكبرى زواوة، فليسة، قسطولة، أووقنون، فراوسين، بني راثن، بطروم، بني منقلات، عمور، بني يحي، هجر، فتاية) ص 125 طبعة ثانية الجزائر 1984. وأما محمد علي مادون صاحب كتاب ظهر حديثا بعنوان "عروبة البربر -الأمازيغ، الشلح، القبائل، التوارق- الحقيقة المغمورة" فيقول في الصفحة 115من طبعة دمشق الأولى (فبربر الجهات الشمالية من القالة شرقا إلى إرزا غربا من جبال وشتانة وأدوغ والجرجرة وغالبهم من كتامة في بلاد القبائل الصغرى وزواوة ميلاد القبائل الكبرى). هذه الكتب التي ذكرتا لم يطلع عليها أو يعلى، كما أن مؤلفيها لم يطلعوا على كتابه هذا ... ومع ذلك نلمس دقة الرجل في تحديد موطن الزواوة في منطقة جرجرة. وورد في كتاب ظهر ونحن نكتب هذا التعليق لمؤلفه د. سعد الدين إبراهيم "تأملات في مسألة الأقليات" ص 86 ما يلي: (والبربر هم جماعة أثنية أصلية في شمال إفريقيا، وكانوا يمثلون أغلبية السكان الأصليين حينما وفدت إليهم جيوش العرب المسلمين في القرن السابع الميلادي، ولأنهم سلاليا ينتمون إلى الأسرة الحامية السامية، والبحر متوسطية التي ينتمي إليها العرب،

ولأن معظم النظريات عن أصولهم ترجع بهم إلى الجزيرة العربية أو الفينيقية، فقد سهل ذلك من عمليات التفاعل والمصاهرة، والتعريب والأسلمة ...). وكنت خلال تجوالي الطويل في العديد من الأقطار العربية قد لاحظت تشابه أسماء الكثير من القرى والبلدات والمناطق في الجزائر وعموم المغرب العربي وفلسطين والجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق، مع تشابه أسماء العشائر والقبائل وقد سجلت ذلك في "سفر" أعمل على إنجازه بعنوان "بلدانية العرب" وأنا أقول تشابه من باب الحيطة، فالواقع أن هناك تطابق كبير حتى في العادات القديمة جدا (المعروفة قبل الإسلام) فمثلا في الجزائر قرية المعذر وفي فلسطين معذره، وفي الجزائر البويرة وفي فلسطين البويرة، وفي الجزائر زكري وفي فلسطين زكريا، وفي الجزائر عنابة، وفي فلسطين عنابة، وفي الجزائر علمة وفي فلسطين علما .. هل ستقولون هذه أسماء عربية هنا وهناك اخترعها "الهلاليون" الغزاة الاستعماريون المحتلون كما يريد البعض أن يفهمونا، إذن ماذا لو قلت لكم أن في أواسط جبل الشيخ من امتداده المشرقي نحو سوريا جبل اسمه جبل بربر، وجبل آخر من سلسلة جبال تدمر في شمال سورية أيضا اسمه جبل بربر وتسكنه عشائر تمتد حتى العراق تسمى الشاوية أو الشوايا. وإذا أردتم تشابها آخر .. ففي القبائلية نقول "مقران" عن الرجل الكبير السن والقدر والقيمة والقوة، فأقول أن ما بين الحدود العربية والإيرانية جبل يقال له جبل المقران، وفي فلسطين يقولون عن ذلك الرجل "أمقرن" أو أنهم يقولون "فلان قرن" أي أنه محنك وقوي ولا أحد يستطيع أن يغلبه وهو داهية يفلت من الحصار، وعند أريحا جبل يطل كقرن من الجبل على غور

الأردن، وهو الذي يسميه النصارى جبل التجربة، حيث حاول إبليس إغواء المسيح، ويسميه الفلسطينيون "قرن طل" أي جبل كبير أطل ويكتبها بعضهم متصلة "قرنطل" ولا أظنني أزيد أحدا علما إذا قلت أن معظم أسماء القرى والفلسطينية والعربية المتطابقة مع أسماء القرى والأماكن الجزائرية موجودة في الجزيرة العربية خاصة في منطقة جبال عسير، وقد أوردها الدكتور كمال صليبي الذي نشر بعدة لغات والموسوم "هل جاءت التوراة من الجزيرة العربية؟ " ولا أعتقد أن هذا التطابق في تسمية الأماكن بين جبال جرجرة في الجزائر وكنعان في فلسطين والشام وعسير في الجزيرة العربية، وأسماء القرى والأماكن، إلا إثراء للمدرسة التاريخية التي تقول أن الزواوة والبربر عموما إنما جاءوا من اليمن إلى فلسطين فمصر فصعيدها فالمغرب العربي .. وهو في نفس الوقت إضعاف لتلك المدرسة الاستعمارية التي تحاول أن تلحق كل البربر بمن فيهم الزواوة إلى أوروبا لمجرد أن بعض الأوروبيين في غفلة من الزمان، ساكنوا البربر في بعض مناطقهم. وهذا الضعف الجغرافي - التاريخي للمدرسة الاستعمارية في كتابة التاريخ يزداد هزالا على هزال، إذا ما قارنا بين القبائل البربرية في المغرب العربي والقبائل العربية في المشرق العربي، وإذا ما قارنا بين اللهجات المشرقية واللهجات الأمازيغية، ثم احتكمنا إلى أقرب اللغات إلى هذه اللهجات جميعا، أي اللغات السامية وخاصة العربية! شخصيا لست مهتما في أي من الطرفين ذهب إلى الآخر، أهم البربر الذي ذهبوا إلى اليمن، أم العرب الذين جاؤوا إلى الأطلس، فهم عندي كشقي

التمرة، وليس مهما أن تكون "دجلة" الجزائر سميت على نهر دجلة العراق أو النهر هو الذي سمي على نهر الجزائر، فتمر بسكرة كتمر البصرة كلاهما مذاق عربي! وأبو يعلى الزواوي حين حدد الموقع الجغرافي كان يعرف المدخل إلى التاريخ أيضا ... فقد اتصلت أرض المشرق بالمغرب اتصالا طبيعيا فكان من الطبيعي أن يتصل الناس بعضهم، هذا يذهب إلى ذاك فتمتزج السلالات، وتتكون الأمم من هذا الاتصال وهذا التمازج فلماذا ونحن في عصر التجمعات الكبرى، العصر الذي لا تستطيع دولة لوحدها أن تعيش، وقد صار التواصل أكثر إلحاحا، لماذا يراد فصل البربري عن العربي والادعاء للبربري بأن العرب غزاة هلاليون والادعاء للعرب بأن البربر رومان محتلون؟! إنه افتراء على التاريخ. وحين قلت أن البربر رأس العروبة ورأس القومية العربية، كان ذلك صحيحا، فما داموا من قحطان، فقحطان رأس العرب. والذي يشجعني على القول أن البربر (فهر قريش) يكون بشكل من الأشكال هو "افريقش" ذلك الشبه إجماع على أن البربر من "كتم" أو "كتامة" وكتامة أو كتم هو اسم مشهور بين العرب في الجزيرة، ولعله في الأصل "قثم" فهناك من العرب ما يقلب القاف إلى كاف والثاء إلى تاء. إن "كثم" من الأسماء المشهورة في القبائل العربية قديما وحديثا، ومنها عشيرة "الكتوم" الأردنية "وكتمتو" الفلسطينية وآل مكتوم على الشواطئ الشرقية للجزيرة العربية.

وقد لاحظت أن بعض العائلات البربرية حتى اليوم تحمل نفس ألقاب عائلات عربية في الجزيرة والشام، ومنها كما يحضرني اللحظة عائلة "كسوس" وهو اسم تحمله عائلة كبيرة في جنوب الأردن "الكرك". أما القصيدة التي أوردها رحمه الله ونسبها إلى أحد أبناء ملكيكرب والتي تتحدث عن القبائل العربية ومساكنها والتي منها: ومنا بأرض المغرب جند تعلقوا ... إلى بربر حتى أتوا أرض بربر فقد أوردها محمد كرد علي في كتابه خطط الشام ونسبها إلى معد يكرب (محمد كرد علي علامة سوري-كردي- تتلمذ على يد الشيخ طاهر الجزائري ويعتبر من مؤسسي الفكر القومي العربي وتولى وزارة التعليم في سورية) وأما المهندس الدكتور أحمد سوسة العلامة العراقي الشهير، فلم يذكر هذه القصيدة فحسب بل أوود في الصفحة 8 من الطبعة السادسة لكتابه المنشور بعدة لغات (العرب واليهود في التاريخ) ما يلي: (إن القبائل المعروفة بالبربر والتي استوطنت أراضي شمال إفريقيا كانت تقيم في الأصل في فلسطين إلى جانب الكنعانيين ثم أخرجت منها في عهد الملك داود. فيقول المسعودي في ذلك أن أراضي البربر كانت أراضي فلسطين في بلاد الشام وأن ملكهم جالوت، فلم يتملك عليهم بعده ملك، أنهم انتهوا إلى ديار المغرب فانتشروا هناك واختارت البربر سكن الجبل والأودية والرمال والدهاس وأطراف البراري والهقار). ولست أدري كم يختلف قول أحمد سوسة الذي يعتمد الآثار بصفته عالم آثار شهير عن قول القديس أوغستين (وسألت أهل بونة "عنابة" من أين أتيتم فقالوا أتينا من أرض كنعان) وكم

وحدة التاريخ

ألف كلاهما عن أبي يعلى الزواوي الذي لم يكن عالما في الآثار كأحمد سوسة الذي قضى 40 عاما وهو يؤلف كتابه هذا وله فضلا عنه حوالي 50 كتابا سبعة منها بالانجليزية. وحدة التاريخ في اعتقادي ليس مدهشا أن يكتب أبو يعلى الزواوي تاريخ الزواوة باللغة العربية؛ ذلك أننا لو استثنينا فترة الاحتلال الفرنسي فإننا لا نجد تاريخا مكتوبا للبربر بغير العربية بما في ذلك الكتب التي كتبها المؤرخون البربر أنفسهم؛ ويبدو لي ذلك معقولا فالثفافة العربية بكل مراحلها سواء قبل الإسلام أو بعده لم تنظر إلى البربر باعتبارهم جنسا أوروبيا مثلا أو جنسا إفريقيا محضا بل نظرت إليهم دائما كجزء من الجنس العربي والثقافة العربية في مختلف المراحل وظل الأمر كذلك حتى عند الفرنسيين في بدايات الاحتلال وكان نابليون نفسه يستعمل لفظة عرب حين يتحدث عن الجزائريين عموما. ولكن أن الاستعمار الفرنسي في الجزائر كان يغير خطابه كلما شعر بالتقدم في السيطرة على الجزائر وصولا إلى أهدافه في إلغاء الشخصية الجزائرية بكل مكوناتها وإلحاقها بفرنسا دون أن تكون جزءا من الشخصية الفرنسية، وعلى ذلك حارب كثيرا وبمختلف الوسائل والأساليب التاريخ الجزائري في مختلف حقبه. وزيف ما استطاع تزييفه ومنع الجزائريين من دراسة تاريخهم المكتوب. والأسباب واضحة، فالاستعمار الفرنسي هو استعمار استيطاني، مثله في ذلك مثل الاستعمار الأوروبي لكل من الأمريكيتين وأستراليا وجنوب إفريقيا والاستعمار الأوروبي والصهيوني لفلسطين.

فإنه لا استيطان مع التاريخ، فالمستوطن يريد استعمار الأرض، وأن يبيد أصحاب هذه الأرض تماما أو أن يلحقهم به ... لذلك أباد الأوروبيون في أمريكا حوالي 30 مليون ممن نسميهم اليوم الهنود الحمر وحطم ثلاث حضارات من حضاراتهم .. أما الأستراليين، فلم تبق منهم سوى بعض القبائل البدائية، وفي جنوب إفريقيا ابتدأت الكفة مع مطلع القرن العشرين ترجح للأفارقة الأصليين الذين لم تبق منهم سوى 25 مليون بعد أن شن الأوروبيون وفي طليعتهم الهولنديون حرب إبادة مستمرة منذ 3 قرون. لكن المأزق الخطير الذي وقع فيه الاستعمار الاستيطاني الأوروبي والاستعمار عموما هو ما يمكن أن نسميه (بالمأزق العربي) .. فقد غزا هذا الاستعمار الجزائر عام 1830 لتكون أول أرض عربية تستعمر، ووجدها متخلفة تقنيا كجزء من التخلف الذي كانت عليه الدولة التركية، وكان الجزائريون مثلهم في ذلك مثل الشوام والعراقيين والليبيين والحجازيين واليمنيين والمصريين يناضلون ضد التخلف التركي واستبداد الأتراك باسم الإسلام. فقد ظهرت حركة القومية العربية في الجزائر في أواخر العشرينات من القرن التاسع عشر، وظهرت هذه الحركة في المشرق العربي في أربعينياته ... نعم لقد وجد الاستعمار التخلف في الجزائر، لكنه وجد التاريخ ... وجد الحضارة. ومن المعروف أن الجزائريين غيروا وجهة مقاومتهم للتخلف المتمثل في سلطة الأتراك، نحو مقاومة الغزو الاستعماري الذي استهانت به السلطة التركية المحلية والمركزية في استانبول وأخذوا يبنون دولة المقاومة الفريدة من نوعها، بقيادة الأمير عبد القادر.

وقد انتصر السلاح التقني الجديد على السلاح القديم، ولكن التاريخ الذي وجده الاستعمار الاستيطاني سواء في الجزائر أو في فلسطين لم يستكن، فظل الجزائريون والفلسطينيون يواصلون كفاحهم ونضالهم ولست أدري هل بلا معني أن يكون الزواوة وسائر البربر عرب كنعانيون من فلسطين!! لكن الذي أدريه أن تاريخ الجزائريين الذي أراد الاستعماريون الفرنسيون شطبه وتزييفه وتزويره وتجاهله، ظل صافيا وانتصر عام 1962. لقد بات واضحا لدى كل من يكتب تاريخ الاستعمار هذه الظاهرة التي لطخت جبين الإنسانية أن الأمة العربية من الجزائر إلى فلسطين مرورا بالصومال وجزر القمر وأريتريا ومصر حتى الإسكندرون هي أكثر أمة قاومت الاستعمار، حتى طردته، وها هي تقاوم جيوبه وذيوله وأتباعه .. وكل هذا بفضل التاريخ، الذي تحول على يد ابن خلدون إلى علم وبين في مقدمته فضل هذا العلم كما يشير أبو يعلى نفسه، لكن أبو يعلى يرد على أدعياء "الفهامة" الذين كانوا يساعدون المستعمر في شطب التاريخ الجزائري وشطب اهتمام الجزائريين بالتاريخ فها هو يقول: (وعلى هذا فالذي حدث لنا والذي نجتهد فيه رد أقوال جمهور من أهل وطننا هذا ممن يظن أنهم من أهل المعرفة فقهاء وطلبة العلم بأن علم التاريخ غير مطلوب وأنه قصص وأساطير الأولين كما قد أشرنا في الخطبة أو أنه سهل ليس بفن يدرس إلى غير ذلك مما قالوا. ولقد قالوا مثل ما قال الأولون ما ذكر في القرآن وكفى هذا ردا عليهم. ولكن لابد من زيادة بيان للاقتناع والارتداع فنقول: المرأة تلد الرجل طفلا والتاريخ يجعله رجلا ..) ص 5.

إنها لعبارة جد لوذعية أن يقرن أبو يعلى التاريخ بالرجولة .. لقد اختصر في عبارته الكثير من مفهوم الزمن ومفهوم الأخلاق ومفهوم النمو الفزيولوجي والحضاري ويربط أبو يعلى زوايا فهمه لعلم التاريخ ربطا محكما إذ يقول ببراعة الخبير ودقته: (إن علم التاريخ يزيد في العقل والإيمان ويزيد في العلم والعمل ويورث الشهامة والشجاعة إذ تثير قضاياه ثائرة الحماس في الغيورين ويحرك ما سكن في الخاملين) ص 8. وإذا كانت اللغة عند بعض الفرنسين هي الجنسية كما يقول عضو الأكاديمية الفرنسية "جلبير كونت" في لوموند 15 - 07 - 1978 (إن اللغة هي الجنسية نفسها، هي الوطن حيا ومنغما في ذات كل واحد منا) فإن التاريخ، تاريخ أي شعب، هو حضارة ذلك الشعب. وقد ربط أبو يعلى بين اللغة والتاريخ ربطا ناجحا إذ قال: (وقد اعتبره المتأخرون حياة الأمم أو موتها مثل اللغة يقولون لا حياة لأمة مات لسانها وكذلك لا حياة لأمة مات تاريخها) ص 9. ومن هنا نفهم بوضوح لماذا حارب الاستعماريون التاريخ واللغة العربية والدين بين الجزائريين وخصوصا بين الزواوة منهم الذين كتبوا تاريخهم بالعربية دون أية لغة عرفوها ومرت بهم عبر القرون. والملفت للنظر أن الزواوة والبربر عموما الذين سعى ويسعى الاستعماريون وأذنابهم لطمس تاريخهم، أن الكتاب الذي حول التاريخ إلى علم هو الكتاب الذي يظهر تاريخهم وهو أول كتاب تاريخ لهم أوليس اسم كتاب ابن خلدون

هو "كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر من عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" والتاريخ لم يكن قبل هذا الكتاب قد تحول إلى "علم" بكل ما تحمله كلمة علم من معنى! ثم إن البربر وخصوصا الزواوة منهم لهم باع طويل في التأرخة وكتابة التاريخ، فقد أورد معجم أعلام الجزائر 29 علما جزائريا معظمهم ممن كتب في التاريخ وتنتهي أسماؤهم بلقب الزواوي، ومنهم صاحب كتابنا هذا محمد السعيد أبو يعلى وقد قال في صفحة عن كتابنا هذا الذي ننقحه: (له تاريخ زواوة لا يزال مخطوطا، وها نحن نصحح لصاحب معجم أعلام الجزائر من صدر الإسلام حتى العصر الحاضر الطبعة الثانية بيروت 1980 الأستاذ عادل نويهض) ونثبت أن تاريخ الزواوة طبع. ولا يعني هذا أن المؤرخين من الزواوة هم فقط الذين ورد لقب الزواوي في آخر أسمائهم، أوليس أحمد بن أحمد أبو العاس الغبريني المؤرخ الشهيد هو من بني غبري بطن من قبائل الأمازيغ، ونشأ في بجاية وتعلم بها وبتونس .. والأمثلة كثيرة لو أردنا أن نورد كتبا بأسماء الزواوة خصوصا والبربر عموما من أهل "التأرخة" والتاريخ ... ومع كل ذلك يراد لهم اليوم أن يكونوا بلا تاريخ، أو أن يقف تاريخهم عند الوندال والرومان وما إلى ذلك، لا لشيء إلا لأن مصلحة فرنسا الاستعمارية وأتباعها من "قياد" قدامى وجدد تقتضي أن لا يكون للبربر تاريخ، ما دام تاريخهم جزء من تاريخ العرب الذين سببوا هم وتاريخهم مأزق الاستعمار!! لقد كان أبو يعلى الزواوي رحمه الله مدركا لفضل علم التاريخ وتاريخ

الزواوة على الخصوص ويعرف أن الذي (يزدري علم التاريخ إن كانت له غيرة وحمية، وإن الذي لا يبالي بما قيل فيه، فهو إما جهول أو سفيه، وسيان عنده الحياتان الطيبة والخبيثة، وفي مثل هذا يقال ليس بحي فيرجى، ولا بميت فيرثى، إذا التاريخ كرامة ولا يأبى الكرامة إلا لئيم، ولا يغفل عن أصله إلا زنيم) ص 10. ولا أعتقد أن في البربر جميعهم لئيم يأبى الكرامة ولا زنيم يغفل عن أصله الأمازيغي العربي إلا من ارتبطت مصلحه المعاشية بالاستعمار فهذا يقول الجزائريون عن قلة فطنته وهول جريرته (على كرشه يخلي عرشه) ويقول عن بطنته وانعدام كرامته (حشيشة طالبة معيشة) وكلا هذين عند البربر من سفلة الناس، فالبربري لا يخلي عرشه ولا يرضى أن يكون حشيشا أو نخالة!! ولعلني هنا أذكر بعض الكتب التي ذكرت تاريخ البربر بهذه الثورة أو تلك، أذكرها للإشارة والمثال فقط. ابن الآبار: كتاب الحلة السيراء، ابن الأثير: الكامل في التاريخ، الإدريسي: نزهة المشتاق في اختراق الأفاق، الأصطخري: المسالك والممالك، البراري: كتاب الجواهر، البغدادي: الفرق بين الفرق، البكري: المغرب في ذكر بلاد افريقية المغرب، البلاذري: فتوح البلدان، التيجاني: رحلة التيجاني، ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ابن حزم الأندلسي: جمهرة أنساب العرب، ابن حماد: أخبار ملوك بني عبيد وسيرتهم، الحموي: معجم البلدان، ابن حوقل: صورة الأرض، ابن حيان: المقتبس في أخبار الأندلس، ابن

الرطيب: أعمال الأعلام، ابن خلكان: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، يحي ابن خلدون: بقية الرواد في ذكر ملوك بني عبد الواد، ابن أبي دينار: المؤنس في أخبار افريقية وتونس، الطبري: تاريخ الأمم والملوك، أبو الفداء: المختصر في تاريخ البشر، مؤلف مجهول: مفاخر البربر وهو مجموع ونشر في الرباط عام 193، اليعقوبي: تاريخه المعروف بتاريخ اليعقوبي، حركات: المغرب عبر التاريخ حتي، تاريخ العرب، كحالة: معجم قبائل العرب، الهمذاي: الإكليل، شنقيطي: تحفة الألباب في شرح الأنساب، الكعاك: البربر، محمد شفيق: المعجم العربي الأمازيغي، الناظوري: المغرب الكبير. وأما الكتب المشهورة جدا مثل كتاب عبد الرحمان بن خلدون والمسعودي وغيرهما فهي أشهر من أن نشير إليها ... أما آخر كتاب صدر في المشرق العربي فهو بعنوان عروبة البربر الحقيقة المغمورة الذي أشرنا إليه وهو من منشورات العام 1992. وهناك كتب أخرى كثيرة بالعربية والفرنسية والإنجليزية تحدثت عن البربر صورة أو بأخرى وفي عصر ما من العصور، ومنها أمهات كتب المؤرخين كهيرودتس وغيره إلا من الملاحظ أن معظم الذين اهتموا بكتاب تاريخ البربر هم المؤرخون العرب على مدى العصور التاريخية، بينما يتحدد اهتمام لأوربيين في عصر الاستعمار فمعظم الكتب التي ألفها الأوربيون عن البربر من إنتاج الحقبة الاستعمارية وهذا له أكثر من دلالة عند الذين يعقلون.!

وحدة اللغة

وحدة اللغة يتحدث أبو يعلى الزواوي في كتابه عن التشابه بين اللغة أو اللهجة الزواوية وبين اللهجة أو اللغة في بعض البلدان العربية .. وهو في اعتقادنا أمر جد منطقي وغير مدهش على الإطلاق .. فاللغة العربية الفصحى لم تولد من الفراغ .. إنها يعرف كل الباحثين تجمع بين ثناياها كل اللغات أو اللهجات السامية، فالساميون تطورت لهجاتهم وأصبحت لغات كالسريانية والأرامية والعبرية والأمازيغية وما إلى ذلك .. وكلها موجودة في القاموس العربي الذي احتوى هذه اللغات، حيث احتواها اللسان العربي المبين، ثم وحدها القرآن الكريم الذي ذكر العديد من اللغويين العرب أنه احتوى ألفاظا بربرية وقد بحثت ذلك بالتفصيل في كتاب آخر هو "تاريخ الحرف العربي الجريح" -مطارحات في فلسفة ومستقبل اللغة- أرجوا أن يصدر قريبا، لذلك لم ينشأ صراع لغوي داخل العرب أو المسلمين .. وهو أمر حاوله ماوتسي تونغ عند توحيد الصين في عام 1948 عندما قرر الحزب الشيوعي اعتماد لهجة بكين كلغة رسمية للصين، وهكذا فإن اللهجة الأمازيغية موجودة في اللغة العربية وفي قلب الجزيرة العربية نفسها .. فإن الجزائريين الزواوة والشاوية لا يتخلفون في كثير عن القبائل اليمنية في جبال ردفان وفي صنعاء عندما يتحدث كل منهم لهجته المحلية. وعلى المرء أن يقف طويلا عند ظاهرتيين أولاهما أنه لا يوجد تاريخ أمازيغي مكتوب بالأمازيغية فكله مكتوب بالعربية، باستثناء ما كتب بالفرنسية خلال الاحتلال الفرنسي، وثانيهما هذا العدد الهائل من البربر

العلماء الذين أسهموا في تطور العربية وتعضيدها كابن أجروم وابن معطي وغيرهما. وكان يجب -ولا يزال- أن تتطور الأمازيغية إلى لغة متكاملة عبر اللغة العربية الأكثر قربا منها. وقد بدأت ذلك فعلا، حين صارت تكتب بحروف عربية وأنتج العديد من المؤلفين الجزائريين الكثير من الكتب باللغة الأمازيغية المكتوبة بالحروف العربية، وهو أمر جد صحيح ومنطقي فما دامت اللهجة الأمازيغية إحدى اللهجات السامية، فلماذا لا تتطور حروفا ونحوا وصرف عن طريق أقرب اللهجات واللغات السامية إليها، فما هو العيب في ذلك؟ فاللغة الفرنسية لم تتطور عن طريق اللغات السلافية أو اليابانية، بل تطورت عن طريق اللاتينية، الأقرب إليها بل هي أمها فلماذا لا تسلك اللهجة الأمازيغية الطريقة نفسها وتتطور عبر اللغة الأقرب إليها، فكيف إذا كانت هذه اللغة هي أكثر اللغات السامية تطورا وهي الأكثر قربا من الأمازيغية .. أعني اللغة العربية وهنا نأتي بمثالين: 1 - اختارت بعض الشعوب الإسلامية مثل الأكراد، الفرس، الأورد. كتابة لغتهم عبر الحرف العربي رغم أن هذه اللغات لا تمت بصلة إلى اللغات السامية فضلا عن العربية، والروابط بين هذه القوميات والعرب هي روابط دينية وليست قومية .. وهذه اللغات تتطور الآن بسبب أن الحرف العربي هو حرف القرآن الكريم وبالتالي فلم يشعر المواطن بفصل كبير على الأقل في الشكل بين لغة يومه ولغة ربه .. وحين اختارت تركيا منذ عهد كمال أتاتورك الحرف اللاتيني بعد أن صدق الرجل أن الحرف العربي سبب

التخلف، واجهت تركيا وتواجه العديد من المشكلات "التطرف الديني" ومشكلات الهوية والثفافة وهي مهددة بالتمزيق. 2 - اليهود أنفسهم، والذين تجمدت لغتهم العبرية منذ ألفي سنة تقريبا، وتحولت إلى لغة "الحيدر" و"الكنيس" وحين صمموا على تحويل الديانة اليهودية إلى قومية عبرية ورفع آحاد هاعام شعاره المعروف آخر يهودي وأول عبري. رجعوا إلى لغتهم العبرية "المتجمدة" وأخذوا يطورونها وكان منطقهم معقولا، فهذه اللغة هي إحدى اللغات السامية وبعثها وتطويرها لابد أن يتم عن طريق هذه اللغات الأقرب إليها، وأكثر اللغات السامية تطورا هي اللغة العربية، لذلك فهم يطورون عبرانيتهم هذه عن طريق اللغة العربية، ولم يقولوا أنها غير علمية ولغة غير تكنولوجية وما إلى ذلك، وهم الذين يعرفون لغات الأرض كلها باعتبارها لغاتهم القومية!! وهكذا نستنتج أن الذي أوقف تطور اللغة الأمازيغية هو الاستعمار الفرنسي نفسه، لأنه يعادي الأمازيغية ويحاربها كما يعادي العربية ويحاربها، لأنه أصلا ضد الجزائريين كلهم حتى ولو كانوا في قلب أثينا .. إنه فقط يريد أرض الجزائريين. أما الجزائريين أنفسهم سواء كانوا عربا أم أمازيغا أم هبطوا من السماء .. فإلى المحرقة .. أليس هو الذي قتل ما لا يقل عن عشرة ملايين جزائري في حرب استمرت 130 سنة. ويجيء الآن عبر الأكاديمية البربرية ليضحك على عقولنا ويدعي أنه يسعى لتطوير لغتنا البربرية، بل يريد أن يصطنع لنا قومية معادية للقومية العربية حتى تظل النيران مشتعلة في جبال الأطلس إلى الأبد، وهو يأكل خيراتنا وثرواتنا ..

وحدة المزاج

ويريد أن يصطنع لنا حروفا لاتينية ويطور لغتنا عبر لاتينيته، بعد أن منعنا 130 سنة من تعلم الحرف اللاتيني. إننا نقول له: وفر جهودك فنحن كبربر وأمازيغ نعرف مصالحنا وثقافتنا جيدا فلا تتدخل في شؤوننا .. فإذا كانت اللغة كما يقول باحثوك الفرنسيون هي الجنسية، فإن أقرب لغة إلى لغتنا هي العربية وأقرب جنسية إلى جنسيتنا هي الجنسية العربية، فدعنا نحل مشاكلنا مع العرب، إذا كانت هناك مشاكل دون تدخل منك .. فنحن لا نريد مساعدتك!! وعلى كل الأحوال فإن التشابه اللغوي بين العرب والأمازيغ ليس فقط في اللغة كمفردات وتسميات وحسب بل أنه في الخط أيضا فالخط الأمازيغي "التيفيناغ" هو جزء من الخط العربي المسن القديم، وتطور "التيفيناغ" كان لابد أن يتم بذات الطريقة التي تطور ما المسند، وصولا إلى الخط العربي الحالي "الجزم" أي أن أجدادنا الذين كتبوا الأمازيغية بالحرف العربي استفادوا بذكاء من جهود قرون طويلة، وهناك عشرات الكتب التي تبحث في تاريخ الخطوط يمكن الرجوع إليها، بل إن مؤرخين فرنسيين مثل لوبون وجوليان نصوا على أن التيفيناغ هو شكل من أشكال الخط العربي القديم. وحدة المزاج ولعل أبو يعلى الزواوي قد أدرك تماما أبعاد التطابق الثقافي بين العرب والبربر، فبعد أن أبرز التطابق في السلالة وفي النظام الاجتماعي وفي الدين، وفي اللغة - وقد أتينا نحن بشواهد لاحقة أثبتت ما ذهب إليه وأكدته - فإنه

ينتقل بنا إلى تطابق آخر وهو تطابق العادات والتقاليد، أي تطابق الأخلاق والطباع والسيكولوجية الجماعية، فما يعتبر محمودا عند الزواوة نجده محمودا عند العرب وما هو مذموم عند هؤلاء مذموم عند أولائك. بل يبدي أبو يعلى الزواوي من العلمية والفهم العميق للمجتمع البشري ما لا نجده عند بعض الباحثين الأوروبيين، فهو لا يعني بالتطاق نسخا مكررة أو يستخرج نسخا مشوهة، فثمة اختلافات هي كاختلاف خنصرك هن بنصرك أو كاختلافك عن توأمك وهذه هي الشعوب فمن قال أن أهالي الألزاس والبريتان نسخة مكررة عن أهالي مرسيليا .. يقول أبو يعلى في الصفحة 26 (فالزواوة إذن عرب مستعربة وعرب عربا بأصلهم المتقدم ثم أن كثيرا من الأخلاق والعادات والطباع في البربر متماثلة متمازجة بطبائع العرب كاتخاذ البيوت من الشعر والوبر، والطين والحجر، والظعن والإقامة، وكسب الشاء، وحلق الرأس، والشجاعة، والكرم، والقرى، والانتجاع والارتياد، وركوب الخيل وكسب النعم، الإبل والبقر والغنم إلى غير ذلك مما لا يكاد يستقرأ وكلها أحكام الاستعراب والله يحكم لا معقب لحكمه وهو جل شأنه سريع الحساب). وإذا طبقنا هنا القاعدة العلمية التي تقول: "إن أخلاق الناس تنتجها أوضاعهم الاقتصادية" فإن الوضع الثقافي والأخلاقي للبربر الأمازيغ المتشابه (كل هذا التشابه) مع الوضع الأخلاقي والثقافي للعرب لا يمكن أن يكون قد نتج عن حالة استعمارية، بل هو ناتح بالضرورة عن تشابه أو تطابق اقتصادي، فالبربر والعرب عموما هم أصحاب نظام اقتصادي واحد سماته الأساسية

الرعي والزراعة والتجارة وقد وقفوا على أبواب التصنيع في بغداد والقيروان ودمشق وتلمسان وفاس والقاهرة .. والاستعمار يقوم أصلا على "التصادم الاقتصادي". غير أننا نجد في التاريخ العربي هنا نقطة صدام بين الدولة والأمة، فقد كانت الأمة عربية والدولة إسلامية، إذ سيطرت على الدولة العربية فئات إسلامية من خارج الأمة العربية كالفرس والديلم والمماليك والأتراك، فتوقف التصنيع في بدايته وبدأت الغزوات المغولية والصليبية وبدأت الأمة العربية تتقهقر في المشرق والمغرب على حد سواء، فإذا كانتا الغزوات الصليبية قد بدأت في المشرق وانتهت في المغرب فإن الاستعمار الاستيطاني بدأ في الجزائر ليصل إلى فلسطين. لقد أسهم ذلك العراك بين الدولة والأمة في تقهقر الطرفين: الأمة العربية والدولة الإسلامية، تقهقرا اقتصاديا وثقافيا مريعا، وهنا نجد التشابه بين المشرق والمغرب في حالة التقهقر كما وجدناه في حالة التقدم .. فهما دائما في وضع اقتصادي واحد ووضع ثقافي واحد .. لذلك فالأخلاق واحدة. ولعلنا هنا نفهم أن أحد أسباب انهيار الدولة العربية الإسلامية هو ذلك التصادم الاقتصادي الذي نشأ تحت ستار الوحدة الإيديولوجية "الإسلامية" فحين سيطرت الأعراق غير العربية على هذه الدولة باسم الدين وبدأت تبدوا وكأنها "قومية استعمارية" بدءا من البرامكة وانتهاء بالشكل الأوضح لهذا التصادم على يد الأتراك الطورانيين. فتطور الصراع داخل الدولة العثمانية وصار صراعا قوميا واضحا بين العرب والأتراك وبدأ العرب يغيرون مفهومهم

للدولة .. ولعل البداية كانت هنا في جزائرنا منذ عشرينيات القرن التاسع عشر وامتدت إلى لبنان ثم تطورت على يد الأمير عبد القادر خلال المقاومة الباسلة التي أبداها شعبنا ضد الاحتلال الفرنسي وأخذ هذا المفهوم، مفهوم الدولة العربية شكله المتبلور عام 1877 حين انتخبب زعماء المشارفة الأمير عبد القادر ليؤسس دولة عربية مسلحة مستقلة عن تركيا المسلمة يساعده في ذلك أولئك الرجال البربر الذين ساندوه وساعدوه بسيوفهم في حماية نصارى الشام العرب من المسلمين غير العرب (أتراك وأكراد) الذين دفعت بهم تركيا وفرنسا وبريطانيا إلى أتون الحرب الأهلية عام 1860، ولا يمكن للبربر أن يقودوا حركة التحرير القومي العربي في المشرق العربي سواء بزعامة الأمير عبد القادر أو غيره لو نظر إليهم المشارقة أو نظروا هم لأنفسهم ككيان آخر خارج التشكيل العربي سواء من الناحية السلالية العرقية أو من الناحية الاقتصادية أو من الناحية الدينية والاجتماعية التنظيمية أو من ناحية الأخلاق. ويبدوا لي في هذا الفصل المخصص لمحامد الزواوة وخصائصهم أن الشيخ أبو يعلى قد فلت من فخ وقع ويقع فيه غيره الكثير من العرب والعجم والروم. ألا وهو فخ المقارنة بين الشعوب والأمم وتعداد مناقب هذا الشعب وإظهارها .. والحال هو أن كل شعوب الأرض متساوية وكلها أصيلة، وكلها تحمل ذات المناقب والمحامد فليس هناك شعب يقول عن نفسه أنه بخيل مثلا أو جبان. فكل شعوب الأرض هي بنظر نفسها عظيمة وهذه هي صفة الإنسان السوي الصحيح، فالإنسان مهما كان فردا أو شعب فاليهودي لا يعتبر نفسه

بخيلا وكذلك الاسكتلندي، سواء الفرد منهم أو الشعب، بل الآخرون هم الذين يرون فيه ذلك ولعل مسألة ذكر نقائص الشعوب دون محامدها هي أمر تجنبته الثقافة العربية الإسلامية وحصارها، فليس في هذه الحضارة كتاب مثل رواية "شكسبير" الانجليزي المومومة "تاجر البندقية" التي تصف اليهودي بالبخيل وليس هناك كاتب عربي مثل الفرنسي "موباسان" الذي يصف البربر الجزائريين بالهمجية، طبعا يشير لهم كعرب، فلم تكن في وقته قد بدأت سياسة تفتيت الجزائريين. ولأن أمر الحضارة والثقافة العربية كذلك، فإن شيخنا الزواوي فلت من هذا الفخ الذي يقود إلى الانغلاق، حتى يتحول الاعتزال القومي إلى تعصب واستعلاء! والانغلاق يؤدي إلى الجهل، والجهل إلى الأنانية، والأنانية إلى الفناء! فلت أبو يعلى الزواوي وعدد (من خلال الحديث النبوي الشريف) الفضائل التي يتمتع بها الروم وهي ذات الفضائل التي يمكن أن يتمع بها أي شعب آخر، لأنها موجودة في كل شعب وفي كل فرد فإن صارت هي الغالبة في نفس الفرد ارتفع شأنه بين الأفراد، وما ينطبق على الفرد بين الأفراد ينطبق على الشعب بين الشعوب ولكن الاستعمار خبيث فالرغبة في استعباد الآخر وظلمه صفة منحطة وخبيثة في الفرد وكذلك في الشعب .. ولأن الاستعمار الفرنسي "وكل الاستعمار" هو أبشع وأحط الصفات، راح من أجل أن يطيل عمره ويواصل استعباد الشعوب، يبحث عن نقائص هذه الشعوب وتناقضاتها، ويركز هذه النقائص في نفسية أفرادها، فالعرب كل العرب، والفيتناميون كل الفيتناميين، والأفارقة كل الأفارقة، والألمان كل الألمان،

والإنجليز كل الإنجليز، هم أمام الفرنسي همج متخلفون، متوحشون، أدمغتهم لا تشتغل ومعاقون فسيولوجيا، وليسوا لطفاء المعشر، وليس لديهم لغة جميلة معبرة أو أدب رفيع، فكلنا يذكر مثلا الصراع بين الفرنسية والألمانية والإنجليزية وكان الفرسيون يصفون اللغتين الأخريين كما شعبيهما بأقذع الأوصاف وأقبحها .. علما بأن اللغات الثلاث والشعوب الثلاث ذات أصل لاتيني واحد! وقد تمكت الألمانية من الانتصار في صراعها على الفرنسية، أما الإنجليزية فاخترقت الفرنسية وها هي تكاد تحتويها حث اشتهرت الألمانية كلغة أدب وفلسفة واشتهرت الإنجليزية كلغة علم وتجارة. ومن أجل أن يطيل الاستعمار عمره بين ظهرانينا راح يفصل بين العرب والبربر بما شاء له من أساليب الفرقة والفصل ثم يقيم بينهم نوعا من التفاضل والتفاخر فالتنابز فالضغائن فالأحقاد فالحروب .. وهذا ما يجعله هو السيد الذي يسود الطرفين دائما وأبدا .. فلذلك ألفت كتب وقيلت أطروحات في هذه المفاضلات السخيفة بين العرب والبربر فهناك من يقول أن العربي هو الأكرم فينبري آخر ويقول أن العربي كسول لا يعمل لأنه ابن الصحراء فيأتي آخر يقول أن البربري لا يعرف سوى الالتفاف بالبرنوس وتدخين الحشيش .. ولو أراد الواحد أن يعدد الكتب والمقالات التي أقامت هذا النوع المنحط من "الثقافة" لوضع فهرسا طويلا خاصة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وم الملاحظ أن الكتب والمقالات الفرنسية تشكل العدد الأكبر في هذا الفهرس الذي لا يشرف الإنسان فردا أو شعوبا ولا يشرف اللغة الفرنسية نفسها بل يحط من قدرها، والحقيقة أن الذين يفعلون ذلك إنما يخدعون

شعوبهم، فموباسان وفيكتور هيجو وألبير كامو وغيرهم من الفرنسين الذين احتقروا الجزائريين بربرا وعربا مثلهم مثل شكسبير الإنجليزي الذي احتقر اليهود وروديارد كيلنغ الذي احتقر الهنود، مثلهم مثل اليهودي في التوراة الذي احتقر كل شعوب الأرض .. إنما هؤلاء جميعا يحتقرون أنفسهم ويضللون شعوبهم وينقلون الاعتزاز الوطني والقومي إلى الانغلاق عبر الاستهلاك وصولا إلى الأنانية والفناء. وهكذا فإن شيخنا كان متحصنا بثقافته العربية الإسلامية التي لا تقبل الميز بين الشعوب، فذكر محامد الزواوة كجزء من محامد العرب، وذكر محامد العرب كجزء من محامد الزواوة، وذكر الجميع بأن للروم وللأعاجم محامدهم، وهذه صفة الإنسان "الأممي" بالمعنى الواسع والحقيقي .. فمهما اختلفنا اليوم في النظرة إلى الإسلام كفلسفة أو دين فإن الحقيقة تظل هي الحقيقة فالإسلام هو أول دين أممي يعلن صراحة عن أمميته وأن لا فرق بين البشر أبيضهم وأسودهم عربهم وعجمهم .. فهذه هي الحقيقة حتى وإن لم يطبقها المسلمون، سواء كان الإسلام دينا "اخترعه" محمد أو "أنزل" من السماء .. وسواء كان "تقدميا" أو "رجعيا" فالحقيقة تظل هي الحقيقة، والإنسان الأممي والدين الأممي لا يمكن أن يكون إرهابيا. والواقع أن الاستعمار وسيلته الأولى هي احتقار الشعوب وإقناعها بأنها أقل شأنا منه، وإذا كان الاستعمار الفرنسي يضم كل عمل عربي بالرداءة خدمة عرب فإن المستعبدين الأتراك كانوا يقولون: (إن حافر حصان التركي أفضل من أي بني عربي) ولا زال الإنجليزي حتى اليوم يعتبر الهندي بقرة .. ،

والاستعمار يحتقر الشعوب ويسعى لأن يقتنع هي بحضارتها ثم يعمد في نفس الوقت إلى أن تحتقر فئات الشعب الواحد بعضها بعضا ويشجع على ذلك فيقوم رجاله من العساكر والإداريين والمبشرين بنشر هذه الأفكار الخبيثة، فيقولون للقبائل أنكم أفضل من الشاوية وأكثر تمدنا وأن الشاوي بغل همجي، ويقولون للشاوية أن القبائل عنصريين يأكلون الخنزير ولا يغارون على شرفهم .. ثم يعمدون إلى تحريض هؤلاء ضد العرب والعرب ضد بعضهم وضد هؤلاء. وليس الاستعمار الفرنسي وحده الذي يفعل ذلك بل الاستعمار الإنجليزي أيضا، ففي الخليج العربي والعراق مثلا حرض السنة ضد الشيعة والأكراد ضد العرب .. بل وصل الأمر في بلاد الشام إلى تحريض أهل المدن على أهل الريف كما في مصر بحري ضد الصعيد .. بل وفي منطقة الزواوة موضوع هذا الكتاب نجد الاستعمار قد دق الأسافين بين زواوة بجاية وزواوة تيزي وزو يعد قبائلي ومرابط. وللأسف الشديد فإن مثل هذه السخافات التي تخطتها الشعوب جميعا .. وهي تصنع مجد الإنسان على وجه هذه المعمورة، تجد لها عند بعض أدعياء الثقافة والتقدمية والعصرنة من الجزائريين أذانا صاغية، فهناك بعض منهم ينضم إلى الأكاديمية البربرية في باريس وهو يعلم أهدافها الخبيثة وبعض منهم ينضم إلى معهد العالم العربي فيها وهو يعلم أهدافه الخبيثة بل هناك نفر ينضم إلى المؤسستين في نفس الوقت وينتج إنتاجا أقل ما يمكن وصفه به أنه إنتاج يخدم أفكارا تجاوزتها البشرية فلم تعد عصرانية ولم تعد تقدمية ولم تعد

ثقافية، فالذي يسعى لأن يقتتل الجزائريون تحت يافطة عرب - بربر كالذي يسعى لاقتتالهم تحت يافطة مسلمون - نصارى أو يافطة عصرانيون - أصوليون، فقد اقتتل اللبنانيون مدة 15 سنة تحت هذه اليافطات وكانت النتيجة تدمير لبنان بكل فئاته. وهذا بالضبط ما يراد بالجزائر، وبالطبع لن يشرف البربر أو العرب في الجزائر أن يتقاتلوا تحت أي عنوان كان فضلا عن هذا العنوان العنصري البغيض. والحقيقة أن ما يراد بالجزائر هو ما يراد بالوطن العربي كله، فالحضارة الأوروبية التي بدأت تدخل مرحلة التدهور بعد أن وصلت قمة الهرم، أخذت تخشى نمو الحضارة العربية من جديد سواء بثوب عصراني حداثي علماني أو بثوب إسلامي سلفي أو متجدد. فمن الواضح أن العرب استجابوا للتحدي وتحررت أوطانهم، وقد سجل لهم التاريخ أنهم أكثر شعوب الأرض مقاومة للظاهرة الاستعمارية .. وكانت الجزائر على رأس هذه الاستجابة للتحدي .. لذلك فالحضارة الأوروبية وبدوافع شتى لا تخلوا من صليبية أيضا تسعى لأن تمنع نمو العرب، فبعد أن فتتهم إلى أكثر من 23 دولة واقتطعت أجزاء منهم ومن أراضيهم أعطتها لتركيا وإيران وإثيوبيا وتنزانيا وحتى أسبانيا وأقامت إسرائيل فإنها تسعى لتفتيتهم إلى قوميات متناحرة متقاتلة فالشاوية في قتال مع القبائل وهؤلاء مع الشلوح وفي مصر الصعايدة مع النوبيين والمسلمين مع الأقباط، والعرب في لبنان مع الفينيقيين وهكذا دوايك. إذ أن الاستعمار يخلق ثقافات متضادة المزاج تمهيدا للحروب الأهلية.

وحدة العشيرة

وفي اعتقادي أن الزواوي في حديثه عن الصفات البيولوجية والعادات الاجتماعية للزواوة ومقارنتها مع صفات وعادات العرب وضع يده على نقطة مهمة وهي وحدة المزاج البربري - العربي، وهي وحدة لا نكاد نجدها مع الشعوب المسلمة الأخرى فالمزاج الفارسي مثلا يختلف اختلافا بينا عن المزاج العرب حتى أن الدول الإسلامية التي قامت في المنطقة وكانت ذات مزاج فارسي لم تعمر طويلا سواء في المغرب أو في المشرق فالدولة الفاطمية مثلا أقصر عمرا من الدولة الأموية والدولة العباسية بينما عمرت الدولة الأموية وهي أكثر الدول الإسلامية عروبة عمرت في المغرب العربي أكثر من 700 عام، وينطبق الأمر نفسه على الأتراك الذين لم تعمر دولتهم في الشرق أكثر من خمسمائة عام لنكتشف بعد ذلك أن التركي والعربي رغم أن الإسلام -السني- يجمع بينهما إلا أنهما لا يملكان نفس المزاج، وينطبق هذا على الأكراد أيضا. وبهذه الملاحظة الذكية يكون أو يعلى قد فسر لنا -ربما من حيث لا يقصد - لماذا كان البربر والعرب يملكان تاريخا واحدا. وحدة العشيرة كثيرا ما تتشابه أسماء العشائر والعائلات والأماكن ما بين المشرق والمغرب، وهو تشابه ليس من الممكن أن يكون من صنع (الاستعمار العربي الهلالي) كما يورد هؤلاء الذين لا يضمرون للجزائر سوى الشر والذين يرغبون في إعادة احتلالها، وهم الذين ظلوا يعيدون احتلالها طوال 130 سنة تقريبا! لأننا في هذه الحالة لابد أن نقول أن الأسماء البربرية في المشرق العربي هي نتيجة

(استعمار بربري) وهو أمر لا يقول به أحد ولن يصدقه أحد، لأنه أيا من كتب التاريخ (على اختلاف مدارسها) لم تذكر مثل هذا الاستعمار البربري للمشرق، إذن فإن الأمر المنطقي هو العلاقة "القديمة جدا والمتواصلة والمتساوية" بعن الجهتين المشرق والمغرب، إذ أننا نجد بعد تشابه الأماكن تشابها في العشائر في علاقة تاريخية ثقافية قديمة متطابقة. وهذه العلاقة وحدها التي يمكن أن تفسر لنا لماذا كان أبوليوس يعبد آلهة المصريين ولماذا عبد البربر آلهة الفينقيين، ولماذا كان البربر ضمن فراعنة مصر والذين كانت تتبعهم الشام والجزيرة العربية، ولماذا جوهر الصقلي البربري هو الذي بنى القاهرة المصرية ولماذا طارق بن زياد هو قائد الجيش العربي الذي فتح إسبانيا ... وهي التي تفسر لنا لماذا لم تنتشر المسيحية انتشارا واسعا بين البربر رغم طول القرون بينما اعتنقوا بشكل شامل الإسلام العربي في أقل من أربعين سنة .. إنه لولا تلك العلاقات القديمة والمتواصلة والمتساوية لما أمكن للعرب إقناع البربر بالإسلام، في الوقت الذي عجزت فيه أوروبا عن إقناعهم بالمسيحية وهذه العلاقة القديمة المتواصلة والمتساوية والتشابه العشائري يفسرها النظام الاجتماعي العشائري القبلي بين البربر والعرب ويقول في ذلك آخر بحث صدر في الموضوع وهو بحث الدكتور سعد الدين إبراهيم، الذي سبقت الإشارة إليه، يقول في صفحة 87 (والتنظيم الاجتماعي للبربر لم يختلف كثيرا عن مثيله بين العرب حيث يتمحور حول القبيلة والعشيرة، ومن البربر من استوطن واحترف الزراعة منذ قديم الأزل. ومن قبائلهم من احترف الرعي وعاش حياة البداوة ... وقد حاولت فرنسا في أثناء احتلالها

لأقطار المغرب، أن تحدث الفرقة بين العرب والبربر ولكن الجماعتين قاومتا تلك المحاولة معا بشدة وحسم. كما اشترك العرب والبربر بالتساوي في النضال ضد الاستعمار الفرنسي في كل بلاد المغرب). ولعلنا نلاحظ هنا أن فرنسا حاولت "تأبيد النظام الاجتماعي العشائري في منطقة القبائل بقصد منع تطور المنطقة، وحصدت غير ما كانت تتوخى، إذ أنها بذلك "حافظت" دون أن ترغب، على التشابه بين هذا النظام البربري مع شقيقه العربي سواء في الجزائر أو المغرب العربي أو في الوطن العربي عموما. كما نلاحظ هنا أن الوطنية ومفهوم الوطن عند البربر مر بنفس المراحل التي مر بها عند العرب من قبلية وعشيرة تتنقل في عالم البداوة إلى أن تتوطن في عالم الزراعة وتبدأ رحلة الحضارة والدخول في التاريخ. كما نلاحظ أن بعض الكتب الصادرة بالفرنسية أعقاب 1988 وهي تسعى لتشويه المفهوم الوطني لدى الجزائريين بتشويه تاريخ الثورة الجزائرية والحركة الوطنية الجزائرية قبلها تحاول أن تدق أسافين بين الجزائريين عربا وبربرا، فيقول بعضها أن البربر هم صانعوا حركة النضال الجزائري ضد الاستعمار، وأخرى تقول أن العرب هم الذين فعلوا ذلك .. وحقيقة الحال أن الجزائريين كل الجزائريين عربهم وبربرهم قاموا معا ضد الغزوات الاستعمارية كائنا ما كان مصدرها. وذلك انطلاقا من وحدة المزاج ووحدة الوطن ووحدة النظام الاجتماعي العشائري الذي يشبه شقيقه في المشرق العربي عبر كل مراحل تطوره.

والقضاء البدوى أو العرف الذي تعمل فيه العشائر في كل مكان من الأردن والعراق وسورية والجزيرة العربية ومصر لا يختلف كثيرا أو قليلا عن القضاء المعمول به في جبال جرجرة سواء تيزي وزو أو بجاية أو حتى التوارق، فنظام "الجماعة" هو ذاته في المشرق والمغرب وهو على كل حال يستحق الدراسة المفصلة، ولعل التشابه ليس فقط في أسلوبه، بل وفي هدفه، ذلك أنه يهدف في جرجرة وعسير وردفان إلى إيجاد نوع من التناغم بين القوانين التي كانت سائدة قبل الإسلام والشريعة الإسلامية نفسها دون إحداث خلل كبير في البنية الاجتماعية وهذا يدل على عبقرية المجتمع العربي في كل مكان من المشرق والمغرب، فالإسلام كما هو معروف أكد في تشريعه القرآني كثيرا من القوانين والعادات التي كانت قبله وطور بعضها وألغى البعض الآخر وحاول أن يطور النظام القبلي برمته، فمن جهة يقر العشائرية والقبلية {وجعلناكم شعوبا وقبائل يعارفوا} ومن جهة يقيم الدولة على أسس إيديولوجية وهي الدين، أي أن هناك محاولة واضحة للعبور بالمجتمع من مرحلة العشائرية إلى القومية إلى الأممية عبورا سلسا وهادئا دون صراع قبلي أو عرقي. وهكذا نجد أن مهمة القضاء البدوي في المشرق والمغرب هي نزع فتيل هذه الصراعات وتطويع القوانين القديمة مع الشريعة الجديدة، ونلاحظ هنا أن القوانين القديمة متشابة فالبربر يتشددون كما يشير أبو يعلى الزواوي في قضايا الجنس وكذلك البدو في الجزيرة والشام .. وأي دارس لمسألة تطور مفهوم الجنس عند العرب -وهناك كتب هامة تناولت هذا الموضوع ومنها كتاب الزواج عند العرب- يجد أن المجتمع في جرجرة وصحراء الجزائر

والمشرق العربي يحمل نفس المفاهيم زمر بنفس التطورات، وهذا لا يمكن أن يتأتى من علاقة استعمارية أو علاقة عداوة، فإن اختلاف ابن الأطلس عن ابن ردفان هو لا يعدو اختلاف بطنك عن ظهرك فكلاهما أنت!! وفي اعتقادي أن هذه العلاقة ناجمة عن أن الإنسان هو نفسه في الطرفين، فالعشائر القديمة كما العشائر الحديثة هي ذاتها .. وقد أورد محمد علي مادون في كتابه جدولا بأسماء هذه العشائر والقبائل في المشرق والمغرب، وأعتقد أن كل مؤرخي أوروبا كائنا من كانوا لا يستطيعون المزايدة على العرب (في المشرق أو في المغرب) بموضوعة الأنساب، فعلم الأنساب هو علم عربي مائة بالمائة، لم تهتم به أمة كما اهتموا .. ولعلي أود هنا الإدلاء بملاحظة تتعلق بقول البعض أن في داخل التنظيم العشائري لبربر عادات لا تتفق مع الإسلام وهي أقرب إلى المسيحية أو الوثنية. وهذه العادات التي يركز عليها مؤرخو الاستعمار تؤكد في نظري القاعدة ولا تنفيها، كما يرغبون! فحتى اللحظة التي نعيشها في هذا القرن، هناك عادات لدى القبائل والعشائر العربية في نجد وعسير وحضرموت وعمان والعراق والشام لا تتفق مع الإسلام، لكنها لم تعني لنفس الباحثين أن تلك القبائل الشامية أو اليمانية أو العراقية أنها قبائل غير عربية؟! ومن هذه العادات وشم النساء وأشكال الوشم، فهي تتم لدى نساء المشرق والمغرب بنفس الطريقة وبنفس الأشكال. ويرجع بقاء هذه العادات (وبالتالي عدم فهمها أو محاولة تزييفها من قبل المدرسة الاستعمارية في كتابة التاريخ) إلى أن الإسلام أدخل النظام

الاجتماعي العشائري نفسه في صلب عملية "الأسلمة" وهذا النظام هو الذي تولى مهمة تنحية الشوائب، فإن كانت القبيلة مثلا تعبد الشجرة فإن الإسلام رفض ألوهية الشجرة .. لكنه أعطاها شيئا من القداسة والاحترام .. "كالقسم بالتين والزيتون" وتولى النظام الاجتماعي نفسه عملية التفريق بين الألوهية والقداسة وهكذا هبوطا إلى أبسط الحالات الاجتماعية اليومية وأعقدها .. فكم هو الطلاق سهل في الإسلام والعشيرة شكلا وكم هو معقد صعب مضمونا وتنفيذا .. إن ذلك كله نظام اجتماعي عربي لا يملكه أي تشكيل قومي في أوروبا سكسونيا أو غير ساكسوني، وهو متشابه في جبل ردفان وجبل جرجرة. ولعل ما يفسر كل ذلك أيضا هو أن الحضارة العربية، والبربر جزء مؤسس فيها تبدي اهتماما واسعا بالإنسان ونظام المجتمع العشائري .. وهناك مئات الكتب .. لكنها لا تبدي اهتماما بالطوائف والإثنيات .. فليس في الحضارة العربية سوى عدد ضئيل جدا من الكتب التي تهتم بالإثنيات ولعل في طليعتها كتاب "الملل والنحل" فالفكر الإسلامي باعتباره نتاج تفاعلات فكر قومي قديم تطور من مفهوم العشائرية إلى الوطنية فالقومية إلى الأممية، لم يكن ينفي أو يلغي وجود الطوائف والإثنيات داخل التشكيل القومي للأمة العربية لكنه يركز على تطويرها نحو فكرته الأممية عبر تماسكها الأصلي "كأرومة واحدة" ونعتقد أنه نجح في ذلك نجاحا يستحق الدراسة .. فقد أرجع معظم العرب مشرقا ومغربا إلى جد واحد من جهة واعتنق معظمهم دينا واحدا على مذهب واحد تقريبا فمعظم العرب ومنهم البربر مسلمون سنة،

فحوالي 80% من العرب كانوا عام 1990 يدينون بالإسلام على المذهب السني. ويدخل البربر في هذه الأغلبية سواء لجهة الدين أو المذهب، فمعظم البربر هم مسلمون سنة والملاحظ أن نسبة الشيعة القليلة لدى المسلمين العرب هي مرتفعة لدى المسلمين غير العرب. وسؤالي الآن إلى كل محاولي زراعة الفرقة وإشاعة العنصرية والبغضاء ألا يعني هذا التطابق العشائري والديني والمذهبي بين العرب والبربر في المغرب العربي -والجزائر خصوصا- من جهة وبين هؤلاء والعرب في المشرق من جهة أخرى شيئا آخر غير الغزو الهلالي -ولماذا لم يحدث مثل هذا التطابق مع الغزو الفرنسي وهو الذي يملك إمكانيات وأدوات لسحق ثقافة الشعوب، لم يكن يملكها الهلاليون - أعتقد أن على مثقفي الاستعمار من أوروبيين وجزائريين وعرب أن يثبتوا لنا بأنهم ليسوا من خريجي مستشفيات المجانين؟! أو أن يعترفوا بأنهم لا تجمعهم مع شعبنا "وحدة العشيرة" التي جمعت بين حسين آيت أحد ومحمد بوضياف وأحمد بن بلة وكريم بلقاسم ومحمد خيضر ورابح بيطاط في مرحلة من أصعب مراحل مجتمعنا ووحدة العشرة هذه هي التي جعلت المصريين والشوام والعرب عموما يحتضنون الثورة الجزائرية وخصوصا قياديها من الأمازيغ، ويعتبرون الثورة ثورتهم والقيادة قيادتهم .. وهو أمر لم تفعله ألمإنيا ولا أمريكا ولا الاتحاد السوفياتي ولا الهند سواء شعوبها أو حكوماتها فلم يكن التلاميذ السوفيات أو الأمريكان أو الهنود يحيون كل صباح علم بلادهم بنشيد قسما .. لقد فصل ذلك الأطفال العرب وحدهم دون أطفال العالم وقد فعلوه في كثير من الأحيان بعيدا جدا عن رأي حكامهم،

الوحدة التربوية

فهل لدى الذين يدعون أن شعبنا لا يمت بوحدة الدم مع العرب أن يفسروا لماذا ندفع العرب في النضال من أجل الجزائر ولماذا اندفع الجزائريون وخاصة البربر في النضال من أجل فلسطين!! الوحدة التربوية ويتحدث أبو يعلى الزواوي عن الزوايا في بلاد الزواوة ومحافظتها على الثقافة والتربية والأخلاق لدى العامة وموقفهم منها، ويقول: (إذ لا فرق بين هذه الزوايا ومؤسسات الجمعيات والشركات العلمية الخيرية المقامة بأوروبا وأمريكا بأموال أولي البر من الوصايا والأوقاف ونحو ذلك فزوايا الزواوة كذلك دخلها من أولي البر والصلاح الملتزمين بعطايا من أرزاقهم وكسبهم للمؤسس الصالح المرجو بركته) ص 46. ثم هو يربط بإحكام بين تأثير هذه الزوايا في نفسية الناس العميقة رغم ما اعتراها من ضعف في المظهر نتيجة الضغط على الأصول التربوية التي تعرض لها بعض الناس والطبقات في الزواوة. (ومن عجيب أطوار أفراد من هذه الطبقة أن ترى الواحد منهم يصلي ولا يصوم والصلاة والصوم من أركان الإسلام الخمسة كما لا يخفى لكنك تراه كبير النفس قوي العزيمة ثابت الجأش كثير الأدب لا يكذب ولا يغش ولا يداهن ولا يتملق ولا يخضع ولا يشكو ولا يطمع وهو شديد الغيرة على الإسلام يجتهد في خدمته عامل على رفع شأنه بكل قوته وإذا سمع طعنا فيه أو افتراء عيه قامت قيامته ..) ص 79.

وأعتقد أن هذا النوع من التربية التي بثتها الزوايا والذي يستقر في أعماق النفس، هو ما عجز الاستعمار عن اكتشافه وهو موجود في المشرق فكثير لا يصومون ولا يصلون لكنهم لا يقبلون في الإسلام قدحا من أحد خاصة من الأوروبيين. عمل الاستعمار الفرنسي المعروف بين الدول الاستعمارية بعنجهيته المتزايدة، وسوء الخلق، وادعاء حمل رسالة المسيح والحضارة، على هدم الزوايا والمساجد في منطقة القبائل وشن حملة تنصير واسعة حيث اختطف الأطفال وخاصة بعد المجاعات التي تسبب فيها الجيش الاستعماري حين حرق الزرع والضرع، ومن المعروف أن الجزائر وخاصة منطقة القبائل لم تشهد في تاريخها أية مجاعة، إلا بعد الدخول الفرنسي، فقايض المبشر "لافيجري" وجماعته من المبشرين الدين بالرغيف، وكان يرسل الكثير فيهم إلى فرنسا لتنصيرهم وتقول الباحثة الجزائرية خديجة بقطاش: (ومن تبقى من هؤلاء الأيتام وعددهم حوالي 378 صبيا و342 بنتا شغلوا بال لافيجري ولاسيما مستقبلهم، وحنى لا تضيع جهوده التنصيرية سدى، وسط المحيط الذي يعيشون فيه، قرر لافيجري عزلهم عنه، وذلك بإنشاء قرى عربية مسيحية تكون في نظره بمثابة النواة الأولى للأسرة العربية المسيحية) ص 126 - الحركة التبشيرية الفرنسية في الجزائر 1830 - 1871. وهكذا فإن محاولات هدم الزوايا وعدم تجديدها وحرفها عن رسالتها سواء في منطقة القبائل أو غيرها من مناطق الجزائر ومحاولات تنصير القبائل لم تتوقف حتى هذا اليوم. بل لعل حملة التنصير اشتدت في أعقاب الحرب العالمية الأولى

جنبا إلى جنب مع اشتداد حملة التفتيت حيث شعر الاستعمار بقوتهم وضعف العرب في المشرق والمغرب على حد سواء فسعى في تمزيقهم دينيا بالدعوة إلى النصرانية، وسلاليا بالدعوة إلى البربرية وركز حملته الدينية والعرقية على البربر، وساعده في ذلك بعض المارقين في المغرب العربي ويقول شكيب أرسلان في كتابه "لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟: (ليس واحد من هؤلاء ولا من في ظلهم في المغرب إلا وهو مطلع على نيات فرنسا وعلى مراميها من جهة هذا النظام الجديد لأمة البربر، وليس فيهم إلا من هو عارف بوجود جيش من القسوس والرهبان والراهبات يجوس خلال بلاد البربر ويبني الكنائس ويصيد اللقطاء والأيتام والفقراء وضعفاء الإيمان. إلى أن يقول عن هؤلاء الخونة: .. أخزى الله الذين منهم في المشرق والذين منهم في المغرب ممن يوقعون على اقتراحات الأجانب المضرة بالدين والوطن) ص 92 - 93. ويورد رشيد رضا في الصفحة 66 من كتاب شكيب أرسلان المذكور هامشا تحت رقم 13 يقول فيه: (وقد منعوا الوعاظ في شهر رمضان من الذهاب إلى بلاد البربر وكانوا يحبسون من يخالف هذا الأمر وقد أقفلوا مئات من الكتاتيب القرآنية في المغرب ومئات من مثلها في الجزائر وأغلقوا دار الحديث في تلمسان واحتجت على ذلك علماء المسلمين في الجزائر فما سمعوا لها كلاما "أصر بعض رجال الدين الإسلامي في الجزائر على تعليم القرآن للأحداث فحاكموهم وحكموا عليهم بالسجن أربعة أشهر بحجة أنهم خالفوا الأوامر

الصادرة. وهلم جرا). وطبعا فإنني هنا لا أفاضل بين دين ودين .. لكن التبشير الفرنسي الديني والذي ازداد نشاطه في العقد الأخير من القرن العشرين حين اضطرب المن في الجزائر وساءت أحوال الناس الاقتصادية، كان ولا يزال ككل تبشير استعماري، هو التفتيت للوحدة الفكرية للعرب والبربر خصوصا .. ذلك أن البربر ولنحدد هنا الزواوة هم على وحدة فكرية واحدة، فهم مسلمون سنة وهم بذلك يلتقون تماما مع الوحدة الفكرية للأمة العربية حيث أن 80% من العرب هم مسلمون سنة "الذهب الشيعي ينشر معظمه خارج الوطن العربي". وهذا التوحيد مع العرب له أسبابه، فكما ارتبطت النصرانية والتنصير في هذا العصر بالاستعمار الفرنسي ارتبطت في القرون الميلادية الأولى بالاستعمار الروماني بيزنطيا وغير بيزنطي، كما أن عدم الالتقاء السلالي مع الأوربيين نفر البربر منهم ويقول د. سعد الدين إبراهيم وهو باحث أمريكي من أصل مصري لم يعرف عنه الدفاع عن العروبة والإسلام، يقول في كتابه "تأملات في مسألة الأقليات" ص 86. (والبربر هم جماعة إثنية أصلية في شمال أفريقيا، وكانوا يمثلون أغلبية السكان الأصليين حينما وفدت إليهم جيوش العرب المسلمين في القرن السابع الميلادي، ولأنهم سلاليا ينتمون إلى الأسرة الحامية - السامية أو الحر متوسطية التي ينتمي إليها العرب، ولأن معظم النظريات عن أصولهم ترجع لهم إلى الجزيرة العربية أو الفينيقيين، فقد سهل ذلك في عمليات التفاعل والمصاهرة والتعريب والأسلمة).

وهكذا فإننا إذا اعتبرنا أن البربر قومية أخرى غير القومية العربية، فإنهم يرتبطون مع العرب بالوحدة الفكرية، فضلا عن الاتصال الجغرافي، وهذا ما أقلق ويقلق الاستعمار، لذلك كان ولا يزال يسعى لخلق قومية بربرية مسيحية، وهذا يعني أن القومية البربرية نفسها لن تكون موحدة بل على الأرجح أنها ستندثر لأن عملية تمسيحها إذا أخذنا بالاعتبار عدد الزواوة الذين تمسحوا خلال قرن ونصف القرن - لن تقم قبل 40 قرنا قادمة، وهذا يعني أن البربري سيفقد وحدته الدينية والتربوية حتى مع نفسه فتقوم الحروب بين كل دشرة وأختها وتهجم تيزي وزو على بجاية وعزازقة على أزفون فيندثر البربر في سنوات قليلة. فالأمير عبد القادر هو ابن الزاوية القادرية في غربي الجزائر وكان الشيخ محمد المهدي السكلاوي رئيس الزاوية الطريقة الرحمانية في منطقة الزواوة ومساعد الشيخ محمد المبارك وأحمد بن سالم هم السند القوي للأمير في الكفاح الذي عم قطرنا الجزائري، ويكفي أن الأمير عبد القادر تمكن من زيارة منطقة القبائل عام 1837 ونظم أمور المقاومة فيها ولم يشر به ذلك الجنرال الأخرق "بيجو" الذي هدم مئات القرى الزواوية وزواياها. إن دور الزاوية في الكفاح دور لا يجحد، بل أن الزواية في الجزائر وفي المشرق العربي منبع الحركة القومية العربية وليس كما يدعي مؤرخو الغرب. ولتوضيح هذه النقطة كنت أود لو أن شيخنا الزواوي قد تطرق لدور الزواوة في إعادة فتح الزوايا في دمشق التي أغلقها الترك وقبلهم المماليك،

ولعلي أذكر هنا أن الزاوية الصمادية في دمشق كانت قد أغلقت وحولها الأتراك إلى إسطبل فأعاد فتحها الشيخ محمد بن يلس إثر هجرته من تلمسان ويمكن الرجوع في ذلك إلى جريدة المقتبس الدمشقية، أما الزاوية الخيضرية فيها، فقد فتحها الشيخ محمد المهدي السكلاوي، أما دار الحديث فقد سمح الأتراك بتحويلها إلى خمارة فاشتراها الأمير عبد القادر وأرجعها إلى سابق عهدها دار علم ويمكن الرجوع في ذلك إلى كتاب "حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر" للشيخ عبد الرزاق البيطار، أما المدرسة الجقمقية فقد تولى الأمير نفسه التدريس فيها وتلميذه فيها الشيخ طاهر الجزائري، ولما تزال قائمة قرب قصر صلاح الدين الأيوبي، فهي الآن متحف للخط العربي. ومن المعروف أن الاستعمار الغربي قبله الاستعباد التركي حاول في كل من المغرب والمشرق تدمير وإغلاق هذه الزوايا، وفي أقل الأحوال صرفها عن أداء دورها العلمي والقومي فتحولت إلى ما يعرف في الجزائر بالطرقية وفي المشرق بالدروشة، وصار الطرقيون والدراويش، بعد أن حرفوا التصوف إلى مجرد طقوس، عونا للاستعمار وكما شن ابن باديس الصنهاجي حملته ضد الطرقية ونشر التعليم وناضل من أجل العربية والعروبة في الجزائر، فعل الشيء نفسه في المشرق العربي الشيخ طاهر الجزائري وشن حربه على الدراويش وعصرن التعليم وأعاد للعربية رونقها ووقف ضد سياسة التتريك .. وهو مؤسس جمعية النهضة العربية التي انبثقت عنها الأحزاب القومية في المشرق العربي وشيخنا أبو يعلى الزواوي نفسه من مؤسسي جمعية العلماء المسلمين في الجزائر التي حاربت الطرقية

والدراويش وانحرافاتهم. وكنت أتمنى لو تحدث شيخنا أبو يعلى الزواوي عن المؤلفات العلمية في الطب والفلك وما إلى ذلك من علوم التي أنجزها رجال الزواوة من أبناء هذه الزوايا من أمثال إبراهيم بن جابر الزواوي، إبراهيم بن قائد، إبراهيم بن بهلول، أحمد بن صالح الزواوي، أحمد بن الطيب الزواوي، أحمد أبو العباس الزواوي، بلقاسم بن محمد الزواوي، عبد الرحمان بن عبد الله الغماري الزواوي، عبد السلام بن سيد الناس الزواوي، عبد الله بن عبد الله المحفوف الزواوي، وغيرهم خلق كثير ممن أبدعوا وألفوا في العلوم البحتة والعلوم الدينية والعلوم اللغوية ويمكن للمهتم بهذا الموضوع من الدارسين أن يرجع إلى المراجع التالية: 1 - تحفة الزائر في مآثر الأمير عبد القادر. 2 - تراث العرب العلمي/ قدري حافظ طوقان. 3 - تنوير البصائر بسيرة الشيخ طاهر. 4 - حاضر العالم الإسلامي. 5 - خزائن الكتب العربية في الخافقين. 6 - دائرة المعارف (للبستاني) 7 - دائرة المعارف الإسلامية. 8 - دليل مؤرخ المغرب. 9 - سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر. 10 - حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر.

11 - كشف الظنون في أسامي الكتب والفنون. 12 - الأعلام (للزركلي). 13 - معجم المؤلفين (فروخ). 14 - أعلام الجزائر. 15 - علماء بجاية. 16 - تذكرة الورتلاني. 17 - شجرة النور الزكية. 18 - تعريف الخلف. 19 - التبصرة في القرآن. ولعل كتاب ابن خلدون هو دليل آخر وهام على أهمية علماء الزواوة فأشياخ ابن خلدون منهم، وخاصة شيخه أحمد إدريس الزواوي .. وقد علمت خلال كتابة هذا التعليق أن ثمة كتاب لباحث جزائري يسمى "أعلام من الزواوة" قيد الطبع والباحث هو الأستاذ أحمد ساحي .. وقد صدر فعلا قبل طبع هذا الكتاب، وهناك مراجع كثيرة أخرى تدل في نهاية التحليل على أن الجهد الحضاري للبربر كان في إطار الحضارة العربية .. وهذه الحضارة تضعهم موضع الصدارة منها فهم مؤسسون فيها .. فلماذا يراد لهم اليوم التخلي عن جهدهم الحضاري هذا (وإلحاقهم بأوروبا التي من المؤكد أنها لن تقبلهم، كما فعلت بالأتراك قبلهم) فمادام البربر قد استعربوا (حتى وإن لم يكونوا عربا) وصنعوا حضارة عربية، وبإمكانهم اليوم تجديدها وقيادتها فما هو الداعي لزرع الفتنة بينهم وبين العرب!!

إن موقع الإنتاج الثقافي الحضاري "الزوايا" في بلاد المغرب والمشرق كان دائما مستهدفا من الأجنبي سواء كان مملوكيا أو تركيا أو أوروبيا ومر بنفس المعاناة تقريبا، ونفس النظام حيث الطالب فيه يمكنه أن يظل "طالبا" طوال عمره والشعب يكفيه مؤونته، وهو مطالب في كل الأحوال بالإنتاج العلمي سواء كان شفويا أو خطيا .. وهذا التفرغ للعلم لم تعرفه أوروبا وعرفته زوايانا في المغرب والمشرق وقد شجع ابن جبير في كتابه المعروف "رحلة ابن جبير" طلبة العلم من أهل المغرب على طلب العلم في زوايا المشرق ويخص منها تلك التي في دمشق حيث يشير أنها تكفي طالب العلم مؤونته إذ يقول في ص 258 طبعة الجزائر (فمن شاء الفلاح من نشأة مغربنا فليرحل إلى هذه البلاد ويتغرب في طلب العلم فيجد الأمور المعينات كثيرة، فأولها فراغ البال من أمر المعيشة وهو أكبر الأعوان وأهمها) ومن المعروف أن ابن جبير ولد عام 1145م في الأندلس وتوفي بالإسكندرية عام 1217م. وهكذا فإن نظام الزوايا الموحد مشرقا ومغربا نظام حضاري عربي إسلامي موجود في تيزي وزو قبل أن توجد باريس نفسها!! ومع ذلك يقولون عنا أننا بربر ويقصدون أننا همج، فورب جرجرة لم تعرف البشرية همجية أكثر من همجية المستوطنين والمستعمرين الذين هدموا هذه الزوايا سواء في المشرق أو في المغرب وصرفوها عن رسالتها العلمية. ويمكن القول أن الباحث الجزائري خصوصا والعربي عموما مقصر في مسألة البحث في دور الزوايا والكتاتيب، العلمي والديني والسياسي والاجتماعي وهو تقصير له بعض الأسباب العلمية والعملية، مثل عدم توافر بعض شروط

البحث وهي أسباب يمكن تداركها، غير أن هناك من الأسباب ما يدخل في محاولة طمس التاريخ مثل الاعتقاد بأن هذه البحوث تؤدي خدمة للفكر غير العلمي، أو أنها تثبت عروبة البربر، أو أنها لا ترضي فرنسا، أو أنها تشجع الطرقية والدروشة، وما إلى ذلك من أسباب أقل ما يقال فيها أنها خدمة للمستعمر .. ذلك أن النظام التربوي في زواوة أو ردفان لم يدرس بعد، وها هي المدرسة الجزائرية والمدرسة في عموم الوطن العربي، تعاني من مشكلات حقيقية، لأن نظامنا التربوي الحالي مغربا ومشرقا هو نظام غير مرتبط بالجذور، بل هو مستورد أصلا، وبالتالي فإنه غير ناتج عن تراكم .. وسنظل نعاني من هذه المشكلة ما لم تعقد دراسات علمية جدية حول "النظام التربوي العربي" أعتقد أنها مهمة مركز دراسات الوحدة العربية .. فمن المعروف لدينا أن هناك مؤتمرات تنعقد لوزراء الداخلية العرب ولوزراء الإعلام، أولائك يقمعون وهؤلاء يكذبون .. أما وزراء التربية فقلما يجتمعون .. أليس ذلك بملفت للنظر؟! وحتى لا يتوهم القارئ، أقول بأني لم أدرس في زاوية ولم أدخلها إلا كما يدخلها الزائر، ولكنها تراث شعبي الذي في بجاية وعزازقة والقدس ودمشق واليمن، فليس صحيحا أن لا أحاول فهم هذا التراث وهذا النظام التربوي الذي قاوم الفرنسة مغربا والتتريك مشرقا وكان أبطاله في الحالين زواوة أمازيغ!! لابد أن فيه من الثراء ما يصلح في هذا الزمان ويثريه ويطوره، كما فيه ما لم يعد صالحا لا لهذا الزمن ولا للزمن السابق، وإني أعتقد أن هذا الأسلوب الصحيح لتطوير المنظومة التربوية (المدرسة) في الجزائر والوطن

العربي عموما .. يبدأ من نقطة الدراسة العميقة للنظام التربوي القديم المعمول به منذ عشرات القرون، دراسته بعمق عند أبي حامد الغزالي، والكسائي، وابن خلدون .. في المدرسة المستنصرية في بغداد وفي مدرسة النجف ومدرسة القيروان وبجاية وتلمسان وفاس وربطها بهذا العصر ومستجداته إذ أن ذلك النظام التربوي هو الذي أنتج علماء ما نسميه الحضارة العربية الإسلامية. بينما المنظومة التربوية ومناهجها التي رسمها الإنجليز في مصر والفرسيون في الجزائر لا تبدو ناجحة هذه الأيام ولا تبدو كمدرسة متنورة بينما تبدو المدرسة أو المنظومة التربوية التي وضع أسسها الشيخ طاهر الجزائري ثم جودت الهاشمي الينيوي في بلاد الشام تحمل نجاحا نسبيا في التنور أفضل منهما وهي ملاحظة تستحق الدرس من قبل المهتمين بالمنظومة التربوية، إذا كانوا يقصدون توحيد المجتمع الجزائري مع تراثه ومع العصر لا تمزيقه وتفتيته، فالمدرسة التي لا توحد الشعب لا يمكن أن تستمر .. ولعل هذا يفسر استمرار الزواي رغم ما حل بها من تحريف وانحراف وتخريب وكلها أشياء تحدث عنها أبو يعلى الزواوي في فصله هذا تصريحا أو تلميحا .. لقد حافظت "الزوايا" رغم جمودها على الوحدة التربوية للبربر مربوطة بالوحدة التبروية للعرب، كما تظهر ذلك الكتب المقررة التي تحدث عنها المؤلف وهذه الوحدة .. وهذا الربط ألا يستحقان الدراسة؟!! والطريف أن بعض "أذكياء" الاستعمار يظهرون غباء خارقا للعادة حيث يقول بعضهم أن للبربر عادات قديمة مسيحية الأصل.

ومن المعروف أن هذه العادات عربية قديمة لما تزل لها مثيلاتها في هذه المنطقة أو تلك من مناطق المشرق العربي، والمسيحية نفسها ديانة عربية أرامية، كما اليهودية .. ولعل المدقق والمتفحص لعادات الشعوب القديمة في جبل الأطلس وجبال لبنان وعسير وردفان يجد تشابها كبيرا، لنأخذ مثلا نظرة القداسة للماء، بل أن هذه النظرة تشبه نظرة تقديس الماء عند الهنود ... لقد دافع الزواوة عن دينهم، ولعلهم كانوا أكثر دقة في تحديده فالزواوي العادي لا يفرق بين العربي والمسلم، فما دام 80% أو أكثر من العرب هم من المسلمين أفلا يصح تسميتهم بدينهم، أو لا تتبع القلة الكثرة ويعتبر ذلك في هذا العصر من أصول الديمقراطية؟ والزواوة أبدعوا داخل هذا الفهم "العربي - الإسلامي" في مختلف مجالات العلوم، بل لا نكاد نجد لهم إبداعات حضارية ونظاما تعليميا خارج الحضارة العربية، رغم ما تحاوله بعض الأبحاث المشكوك في نزاهتها ... ويذكر أبو يعلى في فصله المخصص للزوايا عند الزواوة عددا من العلماء الذين تخرجوا من هذه الزوايا ويذكر أهمية الزاوية كمدرسة وجامعة ومسجد ومأوى للغرباء والمسافرين وهو يفاخر بها ويعتز، خاصة وأن هذه الزوايا تقوم على نظام شعبي حضاري لم تعرفه أوروبا إلا في عصورها المتأخرة هذه. وكم كنت أتمنى لو أن مؤرخنا أفاض بالحديث عن هذه النقطة، ولعل عذره هو أنه يكتب في ظروف جد صعبة فالاستعمار الاستيطاني الفرنسبي قد ظهر في أعقاب الحرب العالمية في أكثر صوره شراسة ضد الشعب الجزائري وخصوصا الزواوة وزواياهم فقد دمر حتى ذلك الوقت آلاف القرى والمداشر

وحدة العقل

ومئات الزوايا. فالزاوية لم تكن قلعة علم ودين فقط بل هي أيضا قلعة نضال ومقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، وإن كان لكل قاعدة استثناء. وحدة العقل يذكرنا أبو يعلي الزواوي في كتابه هذا وعلى طريقته بأن العقل البربري كالعقل العربي هو عقل شرقي وأن البربر يجدوا مكانتهم القيادية في الفكر الشرقي العربي، ويحققوا نبوغا فيه حيث يخبر أن بعضا من البربر الزواوة نبغوا في المشرق العربي في القديم والحديث فيقول في صفحة 47 (وبهذه الزوايا كثر علماء الزواوة قديما وتخرج منها فطاحل إذا ذكروا يفتخر الزواوي ويرفع رأسه شرفا وتيها وكذلك بطبيعة الحال يقتضي أن يكثر علماء الزواوة لموقعهم الجغرافي فإن إحدى عواصمهم "بيجاية" كانت حاضرة وميناء من موانئ الحرب للأساطيل الأندلسية وكانت قرى الزواوة إذ ذاك لا تعد ولا تحصى). إلى أن يقول (وفي كتب التاريخ والرحلات والتراجم ألوف من علماء الزواوة وفيهم من تولى القضاء والتدريس في مصر والشام) ويركز على المنكلاتي صاحب شرح صحيح مسلم والقاضي في مصر والشام ويقول أن قبيلة آيت منكلات قبيلة من العرب وهي من الأذواء الحميرية، ثم يذكر ابن معطي الزواوي من قبيلة أمشدالن .. ويتحدث أبو يعلى الزواوي عن الزواوة الذين نبغوا منذ أواسط القرن التاسع عشر في بلاد الشام فيقول في صفحة 37 (وقد نبغ في هذا العهد الأخير من رجال الزواوة بالشام وبغيرها من مدن سورية

عدد غير قليل) ويذكر عددا كبيرا منهم. ويقر المشارفة من الدمشقيين وغيرهم هذا النبوغ فيقول كتاب تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري (وقد سعدت دمشق بهجرة المغاربة إليها كما سعدت من قبل بهجرة بني قدامة المقادسة، وكان على رأس المغاربة الشيخ الأمير عبد القادر الجزائري الذي اهتم بالعلم والعلماء والتصوف والمتصوفة، وصحبه علماء كانوا معه ولحق به آخرون في هجرة ثانية، فإذا بالمدينة المباركة يسري فيها دم جديد، وتشتد فيها اشتعال جذوة الفكر .. لم يكونوا جسما غريبا يرفضه الجسم، بل صاروا عضوا منه لا يمكن له الاستغناء عنه، صاروا دمشقيين لهم ما لأهل دشق وعليهم ما عليهم) ص 18. وقد تحدثت عن ذلك في كتابي المطبوع في الجزائر "الإشماع المغربي في المشرق العربي - دور الجزائريين في الشام"، فتأثيرهم في الحياة الثقافية في المشرق العربي لا ينكره إلا أحمق. وليس في المشرق العربي كتاب في سيرة المثقفين والمؤلفين صدر منذ أوائل هذا القرن لا يحتوي على ذكرهم منها: - روض البشر. - ذيل روض البشر. - أعلام دمشق. - تاريخ علماء دمشق. - أعيان دمشق. - جال في أمة. - سيرة جيل.

- الموسوعة الفلسطينية. - الثورة السورية الكبرى. - جهاد الأمير سعيد. - منتخب التواريخ لدمشق. - الأعلام الشرقية. - شهداء الثورة العربية. كما أن هناك بعض الكتب التي كتبها صحافيون أو باحثون فرنسيون زاروا المنطقة، بالإضافة إلى جميع الصحف التي صدرت في سوريا ولبنان منذ منتصف القرن التاسع عشر، كما ليس هناك كتاب يتحدث عن تاريخ بلاد الشام من مطلع القرن العشرين حتى الآن ولا يذكر الزواوة ونضالهم ومقاومتهم للاستعمار الفرنسي والبريطاني والصهيوني، إذ تذكرهم كتب مثل: يقظة العرب، الثورة العربية الكبرى، ثورة في الصحواء، تاريخ سورية، وعشرات الكتب الأخرى بالعربية الفرنسية والإنجليزية والألمانية. أما دورهم في القرن التاسع عشر فأكثر من مشهور، فكل كتاب تناول تاريخ الشام في النصف الثاني من القرن التاسع عشر سواء سياسيا أو ثقافيا كان للزواوة فيه الذكر الأكبر والأوسع. والملاحظ في كل ذلك أن الزواوة نبغوا في بلادهم ونبغوا في المشرق العربي بذات الثقافة وقادوا الثقافة والسياسة، ولم يشعروا بأنهم خارج وطنهم .. فهل من ذلك شيء من نبوغ الزواوة في أوروبا .. لقد نبغ كتاب الزواوة باللغة الفرنسية من أمثال كاتب ياسين ومولود معمري وغيرهم كثير، فهل تعدهم

فرنسا نوابغ فرنسيين كما يعد المشارقة النوابع الزواوية بل ودون أن ينكروا عليهم زواويتهم أو أمازيغيتهم أو بربريتهم، إن الشيخ طاهر الجزائري كان كثيرا ما يوقع بالزواوي وكان يعتز بذلك ويفخر .. وقد أوردنا نصا عن سعادة دمشق بهم وبعلمهم، وطاهر الجزائري بنظر بعض المشارقة هو مؤسس النهضة العربية الحديثة وهو أحد أعمدة الفكر القومي العربي الحديث. إذن فإن الزواوة نبغوا وينبغون داخل الحضارة العربية، ويقودونها دون أن يقول لهم أحد أنتم "أنديجين" أعتقد أن للزواوة كل الحق في تطوير الحضارة العربية، المتخلفة اليوم تقنيا تخلفا واضحا، وسيفعلون ذلك من ذات الموقع، موقع الأصالة لا الغربة، وموقع الابن الشرعي لا المتبنى .. وسيطورونها بالطريقة التي يرونها، فإن رأوا أن الحضارة العربية لابد لها أن تغير مسارها فسيتغير أما أن يقوموا بتحطيمها بدعوى أنهم بربر، فهذا غير معقول، لأنهم بذلك إنما يحطمون أنفسهم وعقلهم .. فحتى اللغة العربية (سواء كانت لغة الجنة أم لغة الجحيم) تطورت وتقننت على يد البربر ولا أعتقد أن فلاسفة أوشعراء مثل أبوليوس، وابن رشد، وابن زيدون، ومفدي زكريا وآلاف النوابغ قديما وحديثا "سيبول" عليهم الزواوي لأنهم نبغوا في حضارة لا يحبها المستعمر الفرنسي وأذنابه، فقد اتحد نبوغ البربر بالنبوغ العربي مغربا ومشرقا كما اتحدت التربية والوطن والعادات والأخلاق والجفرافية والتاريخ، وليشرب الاستعمار البحر المتوسط كله!! ويجب أن أنوه هنا أن هذا النبوغ لأهل المغرب العربي في المشرق العربي، وهذه المشاركة في صياغة العقل العربي ليست وليدة هذا الزمان بل هي كانت

منذ أن كان الزمان، مكان أبوليوس ابن مداوروش كاهنا من كهان آلهة المصريين القدامى، إن الجزائريين والبربر منهم على وجه الخصوص عبدوا آلهة الفينيقيين وطوروا في الديانات الفينيقة حسب مقتضيات أحوالهم وعبدها الفينيقيون أنفسهم مطورة ومنها الآلهة "أوروبا" التي سميت القارة الأوروبية باسمها. أما في العصر الإسلامي فإن علماء المغرب العربي من أندلسيين وغير أندلسيين هم قادة الفكر في المشرق العربي وخاصة في المسائل الدينية "فإبن العربي" له في دمشق المكانة العظمى وأما سيدي بومدين في القدس فله من القداسة الشيء الكثير. وينظر رجل الشارع المشرقي إلى "المغربي" نظرة احترام عالية فالمغاربة في نظر المشارقة هم رجال التقى والنقى، بحيث يعتقد العوام هناك أن "حرز" المغربي أكيد الأثر، كما ينظر المشارقة إلى المغاربة على أنهم رجال صناديد يأتون من البطولات ما لا يقدر عليها غيرهم، وقد زادت الثورة الجزائرية هذه النظرة تأكيدا وترسيخا، وقد عومل الزعيم الوطني حسين آيت أحمد خلالها باعتباره قائدا قوميا عربيا في المغرب والمشرق، وينظر المغاربة إلى المشارقة على أنهم أهل حضارة وإبداع وإعمال نظر، وهكذا رأينا أن كثيرا من الأقطار التي تنبت في المشرق تجد لها صدى في المغرب، والعكس صحيح أيضا، فهذا ابن خلدون وابن رشد وغيرهما من المغاربة يلاقون الاحترام في المشرق أكثر مما يلاقونه في المغرب، وهذه الدولة الفاطمية التي بنت القاهرة (التي تكاد تكون عاصمة العرب في هذا العصر) تدرس في المشرق أكثر مما تدرس في المغرب بل هاهم الكتاب الجزائريون باللغة الفرنسية من أمثال مالك حداد، كاتب

ياسين، محمد ديب، وغيرهم ترجموا إلى العربية وتداول الناس كتابتهم أكثر مما تداولها القراء بالفرنسية .. ولاقوا من الاحترام والتبجيل ما لم يلاقوه بفرنسا التي كتبوا بلغتها، ففرنسا تستغلهم والمشرق يحترمهم ولعل الفرق واضح بين الاستغلال والاحترام. ويجدر بي قبل أن أضع نقطة الختام لهذا التعليق أن أشير إلى أن الدولة العبرية في البلاد العربية باعتبارها تفتقد إلى الكثير من مقومات الشرعية منذ أن بدأت تظهر في أعقاب الحرب العالمية الأولى تحاول (حتى تكتسب بعض الشرعية) أن تضرب الوحدة العربية في الأعماق فتخلق بينها كدول الكثير من المشاكل على حدودها وتخلق داخل هذه الحدود الكثير من المشكلات بين جهات وعشائر ومدن وقرى القطر الواحد .. ولا نعتقد أن هذا سيكسب أي قطر قوة، وأي دولة شرعية، فالأمة العربية واحدة في التاريخ وفي الجغرافية وفي الثقافة وفي الهموم وفي المصير أيضا وهي باقية والحكام إلى زوال!! وبكلمة واحدة مختصرة أقول أن البربر كما أثبت التاريخ هم شركاء أصليون ومؤسسون في الحضارة العربية (وليس أية حضارة أخرى) وهم مسؤلون بنفس الدرجة من المسؤولية على ازدهارها السابق وتخلفها الحالي وتجددها المتوقع والمطلوب وليس هذا موقعهم أو موقفهم في الحضارة الأوروبية قديما وحديثا ومستقبلا. سهيل الخالدي

صورة 1

صورة 2

صورة 3

هدية الكتاب

هدية الكتاب إلى صاحب الشرف الممجد، ذي السيادة القعساء الصحيحة السند، ابن علي الشريف السيد أحمد، الهاشمي العلوي الفاطمي الزواوي. مولاي كان لتاريخ الزواوة شأن عظيم، وأنتم من الأعاظم، وكان لهم نسب كريم، وأنتم من الأكارم، أما وقد كان أو كاد ينسى، فاقبل مني أن أجدده لعلنا نتأسى، كما قال الأول: (فتأسوا بمن مضى إذا ظلمتم ... فالتأسي للنفس فيه عزاء) فأهديه إلى سيادتكم العظمى، ولكم فيه الكلمة العليا. السعيد بن محمد شريف أبو يعلى الزواوي

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله تاريخ الزواوة نحمدك اللهم أنت المبدئ المعيد، بيدك القديم والجديد، تحيي من تشاء وتميت من تريد، سبحانك أنت الإله القدير وأنت الولي الحميد، ونصلي ونسلم على النبي العربي، وعلى آله وصحبه العاملين بالقدر المادي والأدبي. وبعد فقد جرى ذكر التاريخ وما فائدته، فظنه قوم أنه خبر يروى تخشى آفته، وقال آخرون أنه أسطورة الأباطيل تحظر عقيدته، وقال رجل أنه خير العبر، إذ هو ديوان المبتدأ والخبر فظهر لي أن أعزز هذا القول الثالث آخذا من الآية: {إذ أرسلنا إليهم اثنتي فعززنا بثالث} أجل لما فيه من العبرة، وأخذا الحديث «قاضيان في النار وقاض في الجنة» والله نزل أحسن الحديث هذا ولما جعلني الله شريف النسب، من بني هاشم وبني عبد المطلب، وكان مولدي بالزواوة، ومنشأي ومرباي في تلك القرى ذوات الزوايا، وكادت شهرة تلك القبائل الصنهاجية تكون طامسة لأعلام مجهولة، الأسباب كثيرة، وقضايا منها ما هي مقبولة، ومنها ما هي مزورة ومردودة تحرك لي الساكن، واستنجدني (¬1) الظاعن والقاطن (¬2) فأردت أن أضع كتابا صغير الحجم، كثبر العلم، كنموذج من تاريخ الزواوة مقتصرا على تبيين نسبهم، وذكر شيء من فضائلهم، وما قيل ¬

_ (¬1) إشارة إلى الجهال المهذارين بأن الزواوة وبرابرة رومان الخ. (¬2) فانتدبني كثير من الزواوة لتحرير شيء بما يتعلق بهم وينسبهم.

فيهم، ومحا كان لأوائلهم، ليكون النشء الجديد على بصيرة من سلفهم ليعلموا ما كان من أمرهم، وليقتدوا بكل فعل مجيد، وينبذوا كل ما هو غير سديد، لعلهم يأخذون ببعض القديم وبعض الجديد، وألتزم الأحماض فيه لتنشيط قارئيه، لأنفخ فيهم روحا قوية، وأبعث منهم ذوي همم عليه، وأهدي إليهم هذا الكتاب المستطاب فإن فعلوا فذاك الصواب، وإلا فما علي من حساب وإنما أنا كما قيل: تذكرت قومي خاليا فبجهم ... بشجو مثلي بالبكاء جدير فعزيت نفسي وهي نفس إذا جرى ... لها ذكر قومي لها أنة وزفير لعل زمانا جرى يوما عليهم ... لهم بالذي تهوى النفوس يدور فيفرح محزون وينعم بائس ... ويطلق من ضيق الوثاق أسير رويدك إن اليوم يتبعه الغد ... وإن حروف الدائرات تدور (¬1) وجعلته على فصول سبعة عدد قل في الرفود ذوي الشأن العظيم، أصحاب الكهف والرقيم، الفصل الأول في فضل التاريخ. الفصل الثاني في نسب الزواوة، الفصل الثالث في محامدهم وخصائصهم. الفصل الرابع في زواياهم وعلماتمهم وخدمتهم العربية. الفصل الخامس في بعض عاداتهم. الفصل السادس في الإصلاح المطلوب. الفصل السابع في لائحة نظام التعليم المقترح وبيان طرائق التعليم. ¬

_ (¬1) وردت بدون هامش في النسخة التي بين أيدينا

فضل علم التاريخ

فضل علم التاريخ إن فضل علم التاريخ لا ينكر وفوائده تذكر فتشكر، وقد نوه به جمع المؤرخين في كتبهم، ولم أرد استيعاب ذلك لشهرته، وعلي أن قصدي الاختصار، والإتيان بكلام جديد، لعلي بذلك أفيد وإلا فشيخ التاريخ ابن خلدون رحمه الله قد أتى في خطبته في الموضوع بما هو كفاية لمن يريد أن يكتفي، وإنما رأيت كلامه وكلام غيره من السادة المؤرخين قد لا يفي بمقصودنا بسبب الحوادث التي لم تحدث لهم وذلك معنى قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله تحدثون ويحدث لكم. وكذلك قول من قالوا بلزوم الاجتهاد في كل عصر وفي كل قطر. وعلى هذا فالذي حدث لنا والذي نجتهد فيه رد أقوال جمهور من أهل وطننا هذا ممن يظن منهم أنهم من أهل المعرفة فقهاء وطلبة العلم بأن علم التاريخ غير مطلوب وأنه قصص وأساطير الأولين كما قد أشرنا في الخطبة وأنه سهل ليس بأن يدرس إلى غير ذلك مما قالوا ولقد قالوا مثل ما قيل الأولون ما ذكر في القرآن وكفى هذا ردا عليهم ولكن لابد من زيادة بيان للاقتناع والارتداع فنقول: المرأة تلد الرجل طفلا والتاريخ يجعله رجلا أن فضل علم التاريخ لا يحصر فيحد، ومنافعه لا تستقرأ فتعد، وإنما هي بالإجمال تميز الفضيلة من الرذيلة، والمحمدة من المذمة، والشجاعة من الجبانة، والشهامة من السفاهة، والنجابة من الدناءة، والكرامة من اللأمة، والرفعة من الحطة، والنباهة من البلاهة، والعبرة من العظمة، بل الحياة من الممات، إلى غير ذلك من المحاسن

والأضداد، مما عليه تقام القصور وتشاد، ونقدم طوائف وتؤخر أخرى وتذاد، إذ به تحي الأجناس أو تموت الماس، إذ هو للعقلاء معيار وقياس، وللسخفاء ممات وإفلاس، ومع أنه علم طبيعي في الخليفة والأجيال، تتشبث به السوقة والأقيال ذلك بأنهم ذوو المقاصد والآمال، والرغبة والرهبة فيما هنالك من الأعمال، والتشوق إلى ذكر غريزي المنوال، عزيز النوال، ليستفيد العارف ويفيد، ويقتدي بكل فعل حميد، وينبذ كل شائن حصيد، ويتخذ المنقى بين قديم وجديد، وأيد هذا كله الكتاب والسنة، وقال جل شأنه في غير ما آية: {لقد كان في قصصهم عبرة} وقال: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين} وقال: {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} وقال إمام المفسرين ابن جرير الطبري في تفسير الآية: {نحن نقص عليك} أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملوا ملة فقالوا يا رسول الله حدثنا فأنزل الله عز وجل أحسن الحديث ثم ملوا ملة أخرى فقالوا يا رسول الله حدثنا فوق الحديث ودون القرآن يعنون القصص فانزل الله: {الر * تلك آيات الكتاب المبين}. قلت وهذا صريح في أن علم التاريخ علم جليل القدر والفائدة، عظيم النفع والعائدة، وهو مطلوب، ويفيد هذا النقل أن ليس علم فوقه سوى القرآن وعلى أن القرآن نفسه تاريخ وعبر، وديوان المبدأ والخبر، ليتذكر أولو الألباب وقال تعالى: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب}. {ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}.

وأن مواعظ القرآن وعبره لا تعادلها مواعظ أخرى وعبرها فلذا قال صاحب بانت سعاد يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم: مهلا هداك الذي أعطاك نافلة الـ ... قرآن فيها مواعيظ وتفصيل وبالجملة إن نكراننا علم التاريخ لإحدى الكبر في هذا العصر، نذيرا للبشر، لمن شاء أن يتقدم أو يتأخر، إذ من الفطرة السليمة التشوق وحب الإطلاع إلى بدء الخليقة وإلى انتهائها، وفي ذلك يقول أصدق القائلين: {قل سيروا في الأرض وانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة أن الله على كل شيء قدير يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون} وقال جل شأنه: {وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء} وفي الحديث «كان الله ولا شيء غيره» وقال الطبري في تفسير هذه الآية: (حدثتا خلاد بن أسلم قال أخرنا النظر بن شميل قال أخبرنا المسعودي قال أخبرنا جامع بن شداد عن صفوان بن محرز عن ابن حصين وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرجوا من عنده وجاء قوم آخرون فدخلوا عليه فقالوا جئنا نسلم على رسول الله ونتفقه في الدين ونسأله عن بدء هذا الأمر قال فاقبلوا البشرى إذ لم يقبلها أولئك الذين خرجوا قالوا قبلنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان الله ولا شيء غيره وكان عرشه على الماء» وكتب في "الذكر قبل كل شيء ثم خلق سبع سماوات ثم أتاني آت فقال تلك ناقتك قد ذهبت فخرجت ينتقطع دونها السراب فوددت أني تركتها له".

إن علم التاريخ يزيد في العقل والإيمان ويزيد في العلم والعمل ويورث الشهامة والشجاعة إذ تنير قضايا ثائرة الحماس في الغيورين، ويحرك ما سكن في الخاملين ويحمل ذوى الهمم العالية على المطالبة بمجد الأولين والحاضرين، ويثبت الأقدام عند الدفاع ويعير ما كان للأسلاف مما شاع وذاع، ويستجد المجدد ذا الشرف في الأمم، ويوقظ النائمين وينبه الغافلين، ذلك بأنهم إذا ذكروا بشرهم وكرمهم تنافوا فيه، وإذا عبر أحدهم بمذمة نعروا عليه، وقد اعتبره المتأخرون حياة الأمم أو موتها مثل اللغة يقولون لا حياة لأمة ماتت لغتها وكذلك لا حياة لأمة مات تاريخها ومن منافع علم التاريخ من لوازم علم الحديث ومعياره لمعرفة رجاله الأثبات والثقات لكيلا يدخل الحديث الزور والتوليج ومعرفة الناسخ والمنسوخ وهذا ركن مهم في الأصول وتأسيس الأحكام الشرعية وكذلك معرفة الأنساب للحديث (تعلموا من أنسابكم ما تصلوا به أرحامكم) وكذلك معرفة الوقايع والأيام وإن جهل النسب خسارة كبرى، وجهل الوقائع مذمة عظمى، وبالأخص نسب الشرفاء وسببهم الذي لا ينقطع فكيف والحالة هذه لا يعتني بالتاريخ؟ وهو إذا تعالت الفنون كان أعلى من المريخ، .. وقد عرف فضل التاريخ الإفرنج ودرسوا ما فيه، واستخرجوا كنوزه ومعانيه، ودونوا محامده ومساويه، وبينوا أصوله وقواعده، وحققوا فروعه ومذاهبه، وقسموه إلى أقسام، منه خاص وعام، ومعروف ومجهول، ومنبوذ ومعقول، فمنه طبعي ومنه جغرافي إلى غير ذلك مما تدبروا وتبصروا منه فأفادهم إرشادا وأدبا، وصار عندهم فرضا لا ندابا، ونجد أعلم علمائنا إذا تناظر مع أي علم من علماء أوروبا في شؤون التاريخ

والعمران وبدء الخليقة أو طبيعة الحيوان والبلدان إما يخبط خبط عشواء أو لا يدري ما يقول فيضحي أحصر من بأقل، أمام سحبان وائل، هذا ما يقال للذي يزدري علم التاريخ إن كانت له غيرة وحمية وإن الذي لا يبالي بما قيل فيه، فهو إما جهول أو سفيه، وسيان عنده، الحياتان الطيبة والخبيثة، وفي مثل هذا يقال ليس بحي فيرجى، ولا بميت فيرثى، إذ التاريخ كرامة ولا يأبى الكرامة إلا لئيم، ولا يغفل عن أصله إلا زنيم، ولقد أحيا التاريخ عدة أمم من أوروبا في هذه الحرب وقبلها فأحيا بولونيا وبولاندة وأوكرانيا وغيليسيا والسرب قبل واليونان والبلغار وكانت هذه كلها تحت الدولة التركية أكثر من مئة سنة وأحيا أرمينية وأحيا الحجاز المقدس وسورية والعراق ومصر المباركة وأزيدك أن بسبب مجد أمة صغيرة وتاريخها قامت هذه الحرب على ساق وهي أمة السرب قام شاب من شبانها انفعل لها فصوب مسدسا له نحو أمير من أمراء النمسا وزوجته فقتلهما انتقاما لجنسه واسم هذا الشاب الذي جر هذه الحرب العظمى التي لم يشهد التاريخ مثلها "جافر يو اير بنسيب" وأنه لجدير أن يضرب به المثل في الشئوم فيقال: "أشأم من جافر يو" كما قيل أشأم من البسوس في المثل العربي. ترى قائدا من قواد الحرب أو شاعرا أو شريف قوم في إلقاء خطبة وجيزة يذكر مجد القوم وتاريخهم أو واقعة من وقائعهم الشهيرة فيحرك فيهم ما سكن فتأخذهم النخوة والمعرة فيستميتون بحماس فيندفعون إلى ساحة الوغى بلا أدنى مبالاة بالممات، أو يجعل قيمة الحياة، ذكر المؤرخين أن نحوا من ثمانين عظيما من عظماء بني أمية بمد سقوط دولتهم كانوا في مجلس أبي العباس السفاح أول خليفة من بني العباس فكان قد ثم

الصلح فقدم الشاعر مولى أبي العباس المسمى سيف فاستأذن فأذن له ودخل متلثما فشال اللثام وأنشأ يقول: أصبح الملك ثابت الأساس ... بالبها ليل من بني العباس بالصدور القدمين قديما ... والرؤس القماقم الرؤاس إلى آخر القصيدة التي منها: واذكرن مصرع الحسن وزيد ... وقتيلا بجانب المهراس فلما انتهى تغير لون الخليفة أبى العباس وامتقع فتذكر الوقائع التي أشار إليها الشاعر وذكره فيها وهي موت بل قتل الحسين وزيد وحمزة من بني هاشم رضي الله عنهم فأمر الخليفة بقتل أولئك العظماء الحاضرين من بني أمية شر قتلة وأكلوا طعاما وشربوا ماء عليهم هنيئا مريئا وربما سمعوا أنين من بقي منه رمق الحياة ولم يشفقوا بل قالوا ما أكلنا طعاما أهنأ ولا أمرأ من هذا، وأمثال ذلك كثيرة في عبر التاريخ وبالجملة ليس من شأن العقلاء العارفين ولا من شأن ذوي الهمم الغيورين كيف لا يعتبر المسلم التاريخ إذ كان أوائله غير مسلمين وكانوا وثنيين أو مجوسين لا شريعة يعملون بها ولا حكمة يهتدون بنورها وكانوا على شفا حفرة من النار فأنقذهم الله منها بإرسال رسول الله فهداهم على يده وأحدث انقلابا عظيما في العالم عموما وفي العرب خصوصا وأسس شريعة غراء في جبهة الدهر، وتاريخا يعد قمرا منيرا بين النجوم الزاهرة، ثم كيف يغفل المسلم عن درس التاريخ وفيه سيرة نبي خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم. كيف كان وأصحابه الذين فتحوا العالم في مدة ربع قرن

نسب الزواوة

ألا تكون لنا عبرة في استعراض تلك الوقائع والحوادث التي نحلى بها جيد الزمان والتي ارتفعت بها أمم وسقطت أمم على توالي الحدثان {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر}. نسب الزواوة اختلف المؤرخون في نسب الزواوة، والزواوة قبائل كثيرة مشهورة، ومواطنهم ومساكنهم بشمال إفريقية يجعلهم البحر الأبيض المتوسط الممتد من خليج مدينة الجزائر إلى بجاية إحدى عواصمهم وإلى جيجل نصف دائرة فهؤلاء هم المعروفون والمشهورون بالزواوة، وهذا الخلاف في نسبهم هو الذي لفتتا إلى الاعتبار والبحث والتنقيب هل هم عرب أو بربر؟ فأدانا البحث الطويل الذي استغرق بضعة عشر عاما، والعمل ليالي وأياما، إلى نتائج مرضية، تعرضها على العلماء وأولى الأبصار، لا ليقال بل للاعتبار، وليس الغرض من ذلك إلا بيان الحقائق للأنام، ودفع الخرافات والأوهام، التي استولى كثيرها على عقول الجهال والعوام، إلا فكما قال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير} وعليه فنقول: من المسلم أن المؤرخين المسلمين فريقان أهل المشرق وأهل المغرب فالمشهورون والمعروفون من الفريقين هم الطبري والمسعودي وابن إسحاق وابن الكلبي والواقدي وابن الأثير وابن كثير وابن عبد البر وابن الخطيب والمقري صاحب نفح الطيب وابن هشام وابن عبد ربه وابن خلدون وغيرهم ممن طالعت كتبهم ممن تقدموا على ابن خلدون أو تأخروا مثل المسالك والممالك وهذا أشهر ومن المتقدمين

والمعرب عن سيرة ملوك المغرب والقرطاس وزهرة الشيارخ والممتع ونزهة المشتاق والجمان في أخبار الزمان والروض المعطر والاستقصا لأخبار المغرب الأقصى وغيرهم، والمعتبرون في الأنساب من هؤلاء أشار إليهم ابن خلدون فقال: والذين ذهبوا بفضل الشهرة والأمانة المعتبرة واستفرغوا دواوين من قبلهم في صحفهم المتأخرة هم قليلون لا يكادون يتجاوزون عدد الأوائل ولا حركات العوامل، مثل ابن إسحاق والطبري وابن الكلبي ومحمد ابن عمر الواقدي وسيف ابن عمر الأسدي والمسعودي أقول بسبب قصدي الاختصار والإفادة، لا الإطناب والخصام واللجاجة، وكان شيخ التاريخ عموما وتاريخ المغرب والبربر خصوصا الداركة النقاد النسابة ابن خلدون من المتأخرين بالنسبة إلى المؤرخين والنسابين الذين ذكروا الزواوة وبسب أنه رحمه الله مغربي أندلسي الأصل بل يمني حضرمي ثم أندلسي وولد بتونس ونشأ فيها وكان في بجاية عاصمة الزواوة وتلمسان وفاس وبالخصوص أنه كان حاجبا للسلطان أبي عنان في أواسط القرن الثامن ومعنى هذه الخطة مثل (سكرتير جنرال) اليوم أي كاتم أسرار وصاحب الإمضاء وتولى ذات مرة رياسة بعثة من السلطان إلى شيخ الزواوة لمسائل سياسية وكان أحد كبار شيوخه الذين أخذ عنهم زواويا فقال في ذلك ما لفظه: ومنهم - يعني شيوخه - الشيخ أبو العباس أحمد الزواوي إمام المغرب قرأت عليه القرآن العظيم بالجمع الكبير بين القراءات السبع عن طريق أبي عمرو الداني أهـ وبهذه الأسباب كلها اعتمده في نسب الزواوة أكثر من غيره وأنه أعرف بهم وأحق بالشهادة عليهم مع أدلة أخرى وبراهين قاطعة والله أعلم.

قال رحمه الله عند كلامه على البربر: وأما شعوب هذا الجبل - يعني البربر - فإن علماء النسب متفقون على أنهم يجمعهم جذمان عظيمان وهما برنس ومادغس ويلقب مادغس الأبتر فلذلك يقال لشعوبه البتر ويقال لشعوب برنس البرانس وهما معا إبنا (بر) وبين النسابين خلاف هل هما لأب واحد فذكر ابن حزم عن أيوب ابن أبي يزيد صاحب الحمار أنهما لأب واحد على ما حدثه عنه يوسف الوراق إلى أن ذكر - أعني ابن خلدون - القبيلتين العظيمتين " كتامة وصنهاجة" هل هما من البربر أو لا فقال ما نصه: إن كتامة وصنهاجة ليسوا من البربر وأنهما من شعوب اليمن تركهما أفريفش بن صيفي بإفريقية مع من أنزل بها من الحامية لهذه جماع مذاهب أهل التحقيق في شأنهم انتهى كلامه قلت سيأتي من كلامه أن الزواوة من بطون كتامة كما تقدم قريبا أنهم من شعوب اليمن وشعوب اليمن من العرب العرباء القحطانيين الحميريين وأولاد يعرب من قحطان من المحقق أن العرب قسمان العرب والعرباء والعرب المستعربة والعرب المستعربة هم أولاد عدنان الذين صاهرهم إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام فعدنان الذي هو آخر من يجب معرفتهم من نسب النبي صلى الله عليه وسلم وهو عدنان - حفيد إسماعيل عليه السلام ومن أولاده معد ونزار ومضر ومنهم فهر الذي لقب بقريش وعلى هذا الحكم الصحيح يبنى أن كل مستعربي عربي وعلى أن القحطانيين أعرق في العربية من العدنانيين وأن فضل العدنانيين بالنبوة وبولايتهم الكعبة البيت الحرام ولكن ولاية الكعبة كانت قبل للقحطانيين إذ كان القحطانيون في شمال جزيرة العرب ولهم دولة هناك قبل العدنانيين ثمانمائة سنة قل ميلاد عيسى عليه السلام

ومن المؤرخين وأصحاب السير من جعلوا العرب كلهم من ولد إسماعيل عليه السلام وفي الروض الأنف للعلامة السهيلي: أما قحطان فاسمه مهزم فيما ذكر ابن ماكولا وكانوا أربعة إخوة فيما روي عن ابن منبه قحطان وقحط ومقحط وفلغ. وقحطان أول من قيل فيه أبيت اللعن وأول من قيل فيه عم صباحا واختلف فيه فقيل هو ابن عابر أبي شالح وقيل هو ابن عبد الله أخو هود وقيل هو هود نفسه فهو على هذا القول من إرم بن سام، ومن جعل العرب كلهم من إسماعيل قالوا فيه هو ابن تيمن بن قيذر بن إسماعيل ويقال هو ابن الهميسع بن يمن ويمن هذا سميت به اليمن في قول وقيل بل سميت بذلك لأنها عن يمين الكعبة، وتفيسر الهميسع الصراع وقال بن هشام يمن هو يعرب بن قحطان سمي بذلك لأن هودا عليه السلام قال له أنت أيمن أولادي نقيبة في خبر ذكره قال وهو أول من قال القريض والرجز وهو الذي أجلى بني حام إلى بلاد المغرب بعد أن كانوا يأخذون الجزية من ولد قوط بن يافث قال وهي أول جزية وخراج أخذه في بني آدم وقد احتجز لذا القول أعني أن قحطان من ولد إسماعيل عليه السلام بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا» قال هذا القول لقوم من أسلم بن أقصى وأسلم من خزاعة وهو بنو حارثة بن شلبة بن عمر بن عامر وهم من سبأ بن شحب ابن يعرب بن قحطان اهـ كلام السهيلي ثم قال ابن خلدون في الزواوة من لفظه "الإلمام ذكر الزواوة من بطون كتامة هذا البطن من أكبر بطون البربر ومواطنهم كما ترى مختلفة من بجاية إلى تدلس (كذا) في جبال شاهقة وأوعار متسنمة ولهم بطون وشعوب كثيرة ومواطنهم متصلة بمواطن كتامة

هؤلاء وأكثر الناس جاهلون بنسبهم وعامة بسابة البربر على أنهم من بني سمكان بن يحيى بن ضريس وأنهم إخوة زواغة والمحققون من النسابة مثل ابن حزم وأنظاره إنما يعدونهم من بطون كتامة وهو الأصوب والموطن أوضح، ثم قال رحمه الله عن كتامة ما نصه: "الخبر عن كتامة وبطون البرانس وما كان لهم من العز والظهور على القبائل وكيف تناولوا الملك من أيدي الأغالبة ودعوة الشيعة هذا القبيل من قبائل البربر بالمغرب وأشدهم بأسا وقوة وأطولهم باعا في الملك وهم عند نسابة البربر من ولد كتام بن يونس ويقال كتم ونسابة العرب يهولون أنهم من حمير وذكر ذلك ابن الكلبي والطبري وأن أقريقش بن صيفي من ملوك التابعة وهو الذي افتتح إفريقية وبه سميت وقتل ملكها وسمي البربر بهذا الاسم كما ذكرناه فقال: وقام في البربر من حمير صنهاجة وكتامة فهم فيهم إلى اليوم انتهى يعني كلام ابن الكلبي والطبري وتشعبوا في الغرب وانبثوا في نواحيه إلا أن جمهورهم كانوا لأول الملة بعد هيج الردة وطبخة تلك الفتن موطنين بأرياف قسطينة إلى تخوم بجاية غربا إلى جبل أوراس من ناحية القبلة وكانت تلك المواطن وبلاد مذكورة أكثرها لهم وبين ديارهم ومجالات تقلبهم مقل "ايكجان وسطيف وباغاية ونقاوس وبلزمة وتيكست وميلة وقسنطينة وسكيكدة والقل وجيجل من حدود جبل أوراس إلى سيف البحر ما بين بجاية وبونة" وهنا ذكر ابن خلدون بطونا كثيرة من كتامة فقال إنها ملأت ما بين المغرب الأقصى وطرابلس الغرب إلى غير ذلك قلت وكذا قال الأستاذ المرحوم الشيخ طاهر الجزائري الدمشقي وهو واسع الإطلاع له في الفن طول الباع بحاثة كبير محقق ولما قال لي ذلك فات يوم ونحن بمصر سنة

1915 للميلاد أن الزواوة هم ما بين طرابلس الغرب وقصر وكتامة بالمغرب الأقصى فعارضته في ذلك بناء على ما لدينا من القبائل المشهورة بالزواوة فأجاب أن لا وإنما العرب لما احتلوا إفريقية اختلطوا بهم والحال أنهم عرب الأصل من اليمن عن شعوب حمير ولغة حمير غير لغة مضر. ثم قال ابن خلدون: وعد ابن حزم منهم - يعني البربر - الذين من كتامة الزواوة بجميع بطونهم وهو الحق على ما تقدم وكان من هذه البطون بالمغرب الأقصى كثير منتبذون عن مواطنهم وهم بها إلى اليوم ولم يزالوا بهذه المواطن على هذه الحالة من لدن ظهور الملة وملك المغرب إلى دولة الأغالبة ولم تكن الدولة تسومهم بهضيمة ولا تنالهم بعسف لاعتزازهم عليها بكثرة جموعهم إلى أن قل: ولما صار لهم - يعني كتامة وصنهاجة الملك بالمغرب زحفوا إلى الشرق فملكوا الإسكندرية ومصر والشام واختطوا للقاهرة أعظم الأمصار بمصر وارتحل المعز رابع حلفائهم فنزلها وارتحل معه كتامة على قبائلهم واستفحلت الدولة هنالك إلى أن قال: وكانت لهم - يعني الزواوة - في الدولة صنهاجة مقامات مذكورة في السلم والحرب وقال في موضع آخر من تاريخه ما حاصله أنه إذا تنازعت قوتان بالمغرب أمرا من الأمور فالأغلية والفوز لجانب الزواوة والنصر حليفهم والإقدام دينهم والثبات شأنهم اهـ ما أردنا من كلام ابن خلدون خلاصة كلام المؤرخين في الزواوة فالقول تعليقا عليه: مما يثبت أن الزواوة من قبائل حمير اليمانية أشياء كثيرة منها بعض الأسماء والأعلام اليمانية القديمة باقية إلى الآن مستعملة عند الزواوة فمن ذلك ما وقفت عليه في كتب الرحلة الحجازية وهو أمر عجيب جدا إذ أعطى حقه

من التأمل وهو قضية غريبة لا يدركها إلا الذي يتكلم لغة الزواوة وإليك ذلك بالحرف وهذا السد هو ما يسمونه بسد العرم وأول من بناه "آيث عمرو" (¬1) ملك سبأ اهـ فإن لفظة آيث عمرو قد أدهشتني عند الوقوف عليها وعلى أن المؤلف المصري العربي تقلها علميا فقط وأن سبأ هي آخر حمير كما يأتي، ومن ذلك ما يقرب من هذا مما وقفت عليه في تفسير الفخر الرازي عند قوله تعالى: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر} فاستطرد المؤلف إلى الجغرافيا ليصف خليج فارس فقال ما لفظه "خليج بحر أرض فارس ويسمى الخليج الفارسي وهو بحر البصرة وفارس الذي على شرقيه "تيزي أومقران" ومعنى لفظتي تزي أومقران" يفهمها من يحسن الزواوة وغيره يظنهما علما مزجيا أو مركبا فقط ومعنى تزي بكسر المثناة فوق هضبة أو أكمة ومعنى أمقران الكبير وتعريها "الهضبة الكبيرة" والشيء الذي يعتبر ويؤيد هذا أيضا أن الحميريين من اليمانيين احتلوا تلك الجهة من الخليج الفارسي كذا في الرحلة الحجازية التي صاحبها مطلع ومحقق عن محققي المتأخرين وكذا ابن هشام صاحب السيرة النبوية ذكر أن الحميريين غزوا البحرين ونزلوا بالخليج الفارس ثم انظر هل هذا قبل سيل العرم أو بعده أما نزوحهم إلى مغربنا هذا فكما تقدم أنهم قدموا مع أفريقش بن صيفي وأنهم مشهورون أولو قوة وألو بأس شديد وذكر صاحب الرحلة الحجازية استخبار عمرانهم وقوتهم ومصانعهم وبالأخص السد الذي بنوه وبلغ طوله ثمانمائة ذراع وعرضه مائة وخمسون ذراعا لا محالة وقد أشار إلى ذلك ¬

_ (¬1) سيأتي الكلام على نقطة آيث قريبا وكل آت قريب

القرآن وبه كفاية وقال تعالى: {لقد كان لسبأ في مساكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل يجازى إلا الكفور وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين فقالوا ربما باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق} صدق الله العظيم. وقد صاروا أحاديث وبالأخص عند المؤرخين وقد كثر كلامهم عنهم وفيهم قال جل ذكره: {وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد}، قلت وقد ورد الثناء على حمير وسبأ وتبع وفي تيسير الوصول إلى معرفة حديث الرسول ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إن رجلا من قيس قال يا رسول الله ألعن حميرا فأعرض عنه فأعاد عليه فقال صلى الله عليه وسلم: «رحم الله حميرا أفواههم سلام وأيديهم طعام وهم أهل أمن وإيمان» أخرجه الترميذي وأما تبع فقيل أنه نبي وفي الروض الأنف للسهيلى روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تسبوا تبعا فإنه كان مؤمنا» وقيل التبابعة هم ملوك حمير ومأرب اسم ملك سبأ وأن أفريقش الذي نزل إفريقية وسميت باسمه وكان قدومه افريقية بكتامة وصنهاجة وهو أحد ملوك حمير ثم أن مما يؤيد أن البربر من حمير مشابهة الخطين الحميري والبربري مشابهة كبيرة ورأيت في المجلة الآسيوية منذ أعوام أن علماء الأثر اكتشفوا أي وجدوا الخط الحميري في قرية من قرى افريقية منقوشا على حجر. ومنها ما ذكر ابن عبد ربه في أنساب

اليمن فقال قحطان ابن عابر وعابر هو هود النبي عليه السلام بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام فالقحطانيون إذن أبناء هود والعدنانيون أبناء إسماعيل عليهما السلام فولد يعرب ابن قحطان يشحب وولد يشحب سبأ وولد سبأ حميرا وكهلان فإن القبائل قد تفرفت منهما وولد حمير كثيرا فمن أولاده ملك والهميسع وزيد واوسا وعرين ووائل ودرمى وكهلان وعمير كرب ومشروح ومرة رهط معد يكرب بن النعمان القيل (الملك) الذي كان بحضرموت وقال - أعني ابن عبد ربه - عن التبابعة تبع الأصغر أسعد أبو كرب واسمه تبان بن ملكيكرب وهو تبع الأكبر ابن قيس بن بن زيد بن عمر ذي الأذعار بن أبرهة ذي المنار وتبع بن الراكش بن قيس بن صيفي وملكيكرب تبع الأكبر يكني أبا مالك وله يقول الأعشى: وخان الزمان أبا مالك ... وأي امرئ لم يخنه الزمان ومن الشواهد أيضا أن الحميريين قدموا المغرب ما عثرت عليه من شعر أحد أبناء ملكيكرب يذكر المنازل وتفرق قومه فقال: وقد فارقت منا ملوك بلادها ... فساروا بأرض ذات مبدى ومحضر وقد نزلت منا خزاعة منزلا ... كريما لدي البيت العتيق المستر وفي يثرب منا قبائل إن دعوا ... أتوا سربا من دارعين وحمير هم طردوا عنها اليهود فأصبحوا ... على معزل منها بساحة خيبر وغسان حي عزهم في سيوفهم ... كرام المساعي قد حووا أرض قيصر وقد نزلت منا قضاعة منزلا ... بعيدا فأمست في بلاد السنوبر

وكلب لها ما بين رمله عالج ... إلى الحرة الرجلا من أرض تدمر ولخم فكانت بالعراق ملوكها ... وقد طرحت عدنان في كل مطحر وحلت جذام حيث حلت وشاركت ... هنالك لخما في العلى والتجبر وأزد لها البحران والسيف كله ... وأرض عمان بعد أرض المشقر ومنا بأرض المغرب جند تعلقوا ... إلى بربر حتى أتوا أرض بربر ومن ذلك أيضا أن كلمة (ذو) التي هي من مستعملات ملوك بطون الحميرية المسماة الذوون فيقولون ذو وانكلاع الذي هو يزيد بن النعمان وذو الكلاع الأكبر حتى عرفوا بالأذواء موجودة. ومثل هذه الكلمة والقاعدة في قبائل الزواوة "أيث" بمعنى ذوي فيقولون للجذم أو للسلطان أو القبيلة آيث يحي، آيث ياني، آيث وسيف، آيث ذار، آيث يثورغ، آيث صدقاء، آيث يراتن، آيث فرواسن، آيث خليلي، آيث بوشعايب، آيث يجر، آيث جناد، آيث غبري، آيث فليق، آيث وجنون، آيث عمر، آيث وغيس، آيث يعلى، آيث مليكش، بوعكاش، آيث منصور، آيث منجلات وهلم جرا. وقال ابن عبد ربه ومن بني صيفي بن سبأ بلقيس وهي بلقمة ابنة آل فرخ بن ذي جدن لحرث بن قيس بن سبأ الأصغر ومنهم حمير التبابعة وهم تسعة وفي الروض الأنف: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تسبوا تبعا فإنه كان مؤمنا» ثم قال أعني صاحب الروض الأنف السهيلي لا ندري أي التبابعة أراد في حديث معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسبوا أسعد الحميري فإنه أول من كسى الكعبة» وهذا أصح من الأول هو قال الطبري عند قوله تعالى

{كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع} عن ابن عباس أنه سأل عبد الله بن سلام عن تبع ما كان فقال أن تبعا كان رجلا من العرب وأنه ظهر على الناس فاختار فتية من الأحبار فاستبطنهم واستدخلهم حتى أخذ منهم وبايعهم وأن قومه استكبروا ذلك وقالوا قد ترك دينكم وبايع الفتية فلما فشا ذلك قال للفتيه فقال الفتية بيننا وبينهم النار تحرق الكاذب وينجو منها الصادق ففعلوا فعلق الفتية مصاحفهم في أعناقهم ثم غدوا إلى النار فلما ذهبوا إلى أن يدخلوها سفعت النار في وجوهم فنكصوا عنها فقال لهم تبع لتدخلونها فلما دخلوها أفرجت عنهم حتى قطعوها وأنه قال لقومه ادخلوها فلما ذهبوا يدخلونها سفعت النار وجوههم فنكصوا عنها قال لهم تبع لتدخلنها فلما دخلوها أفرجت عنهم حتى إذا توسطوا أحاطت بهم وأحرقتهم فأسلم تبع وكان تبع رجلا صالحا اهـ وذكر أيضا في الطبري أن رجلا سأل عبد الله بن عمرو بن العاص: هل صحيح ما تزعم حمير أن تبعا منهم قال نعم والذي نفسي بيده إنه في العرب كالأنف بين العينين وقد كان منهم سبعون ملك (¬1) اهـ وفي قبائل الزواوة وفي القاموس صنهاجة قوم بالمغرب من ولد صنهاجة الحميري وحاصل الأمر أن غالب الأقوال المتقدمة تثبت أن كتامة وصنهاجة من حمير وحمير ابن سبأ لأول بن يشجب بن يعرب بن قحطان وأن حميرا كثيرة الولد والنسل وفي السند الفريد: فولد حمير بن سبأ مالكا والهميسع وزيدا وأوسا وعرينا ووائلا ودرمى وكهلان وعميكرب ومسروحا ومرة رهط معد يكرب بن ¬

_ (¬1) عقب (صحيفة 93)

محامد الزواوة وخصائصهم

النعمان القبلي - الملك - الذي كان بحضرموت وثبت أن الزواوة من كتامة وصنهاجة كما تقدم بإجماع المؤرخين تقريبا ثم إذا أضفنا إلى ذلك حكم الاستعراب الذي لا ينخرم ولا ينهدم لما ثبت أن العدنانيين مستعربون لأنهم من ولد إسماعيل فعرب فالنبي صلى الله عليه وسلم إذن من العرب المستعربة لأنه من ولد إسماعيل بن إبراهيم وبه تم الشرف للعدنانيين والقحطانيون أعرق في العربية من العدنانيين وهم بنوا هود عليه السلام كما تقدم وأن حكم الاستعراب ينسحب على المتدين بالإسلام والمتخذ للقرآن وللعربية لسانا وسميا في معاملاته ومكاتباته ودراسته فالزواوة إذن عرب مستعربة وعرب عاربة بأصلهم المتقدم ثم إن كثيرا من الأخلاق والعادات والطباع في البربر متماثلة ومتمازجة بطبائع العرب كاتخاذ البيوت من الشعر والوبر والطين والحجر والظعن والإقامة، وكسب الشاء، وحلق الرأس، والشجاعة، والكرم، والقرى، والانتجاع والارتياد، وركوب الخيل، وكسب النعم، الإبل والبقر، والغنم، إلى غير ذلك مما لا يكاد يستقرأ وكلها أحكام الاستعراب والله يحكم لا معقب لحكمه وهو جل شأنه سريع الحساب. محامد الزواوة وخصائصهم وأعني بالزواوة في هذا الباب المشهورين الآن بمذا الاسم قبائل الزواوة لا جملة قبائل كتامة وصنهاجة على طريقة الأصل الجغرافي كما تقدم أنهم منبثون من طرابلس الغرب شمالا وجنوبا إلى المغرب الأقصى الذين منهم الشاوية والزناتة والملثمون وقبائل الحضرة فأقول: محامد الزواوة جمعهم أشتات محاسن العرب والعجم والبربر فتجدهم عربا في الشجاعة والكرم وشدة الأنفة والغيرة

وإباية الضيم وحماية الجار والذمار والمحافظة على الأعراض والنزوع إلى الحرية إلى غير ذلك مما يلزم الفخر العربي كما ورد في الحديث «إذا سألتم الحوائج فاسألوا العرب فإنها تعطي ثلاث خصال كرم أحسابها واستحياء بعضها من بعض والمواساة لله» مع الأوصاف والعادات المتقدمة في آخر الفصل الذي قيل هذا. ونجدهم مثل العجم في الشؤون الاجتماعية والمدنية من الصنائع والحرف وسائر الأعمال كالزراعة والتجارة والكد والجد من أعمال اليد وبالأخص النظام والثبات في القتال صفا فهم في ذلك كله كما يصدق عليهم الحديث الوارد في العجم روي في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه (تلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الجمعة فلما بلغ {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} قال له رجل يا رسول الله من هؤلاء الذين لما يلحقوا بنا فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان رضي الله عنه فقال «والذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا لتناوله رجال من هؤلاء» وفي أخرى «فارس» وعنه أيضا - أبي هريرة رضي الله عنه قال ذكرت الأعاجم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم «لأنا بهم أو ببعضهم أوثق مني بكم أو ببعضكم» رواه الترمذي وعن المستورد القرشي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «تقوم الساعة والروم أكثر الناس» قال عمرو بن العاص أبصر ما تقول قال أقول (سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن قلت ذلك أن فيهم لخصالا أربعة إنهم لأحكم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة عند مصيبة وأوشكهم كرة بعد فرة وأجبرهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك» رواه مسلم.

قلت أود أن يعلم هذا الحديث ناس من العرب عرفتهم هنا بالجزائر وطننا هذا وفي الشام وفي مصر كثيروا الاستخفاف بالعجم من الروم والإفرنج وفارس والبربر ولا يرون لهم فضلا فأصمهم الله وأعمى أبصارهم الجهل والتعصب ولكم خاصمتهم وجادلتهم وجدلتهم فتمادوا في العناد والمماراة واحتججت عليهم بما لابن خلدون فأذوه وهو ميت فدافعت لهم لو كان ابن خلدون حيا ما تجاسرتم على مناظرته وما أحسن ما حكي عن ابن مالك صاحب الألفية فإنه لما قال أن ألفيته أفضل من ألفية ابن معطى الزواوي فقال: "فائقة منها بألف بيت" توقف في هذا المصراع ولم يفتح عليه فرأى رجلا في المنام توسم منه العلم فقال له أنه أخذ في نظم ألفيته في النحو خير ألفية ابن معطى إلا أنه توقف في المصراع الأول من رجزه ذلك فسأله الرجل كيف توقفت فقال قلت: "فائقة منها بألف بيت" فقال له الرجل افتح عليك وقل "والحي قد يغلب ألف ميت" (¬1) أقول هذا ما أقول لجموع المغرورين وأمر بهم مر الكرام باللغو فإنهم لا قيمة لهم للجدال ولا للهجو ومن يضلل الله فلا هادي له ونذرهم في طغيانهم يعمهون وإنما يغيظنا أنهم يضلون الأمة العربية بإيهامهم أنهم غيورون على العرب يدافعون عنهم فينفعونهم وهم يضرونهم ذلك بأن طمس الحقائق من أكبر الغرور وأضره وفي مثل ذلك قال القائل: هل تطمسون من الماء نجومها ... بأكفكم أو تسترون هلالها أو تبعدون مقالة عن ربكم ... جبريل بلغها النبي فقالها شهدت من الأنفال آخر آية ... بتراثكم فأردتم إبطالها ¬

_ (¬1) فنبهه عند ذلك ابن مالك فرجع وقال: (وهو بسبق جائز تفضيلا ........)

وتجدهم مثل البربر في شدة الحياء والمحافظة على العرض والصبر على الشدائد واحتمال المكاره والكد والجد في سبيل الأسرة (العائلة) والحياة الأهلية والجماعية والعصبية وذلك أن للبربر خصائل تذكر فتشكر فشيخ التاريخ العلامة ابن خلدون أبصر بهم لأنه تقلب في مواطنهم وتولى وظائف دولهم ونقب في بلادهم وضرب في عرضها وطولها كما تقدم فقال محامدهم: وأما تخلفهم بفضائل الإنسانية وتنافسهم في الخلال الحميدة وما جبلوا عليه مرفاة الشرف والرفعة بين الأمم ومدعاة المدح والثناء من الخلق من عز الجوار وحماية النزيل ورعي الذمة والوسائل والوفاء بالقول والعهد والصبر على المكاره والثبات في الشدائد وحسن الملكة والإغضاء عن العيون والتجافي عن الانتقام ورحمة المسكين وبر الكبير وتوقير الدين وحمل الكل وكسب المعدوم وقرى الضيف والإعانة على النواب وعلو الهمة وإباية للضيم ومشاقة الدول ومقارعة الخطوب وغلاب الملوك وبيع النفوس من الله في نصر دينه فلهم في ذلك آثار ينقلها الخلف عن السلف لو كانت مسطورة لحفظ منها ما يكون أسوة لمتبعيه من الأمم أو حسبك ما اكتسبوا من حميدها واتصفوا به من شريفها أن قادتهم إلى مراقي العز وأوفت بهم على ثنايا الملك حق علت على الأيدي أيديهم ومضت في الخلق بالبسط والقبض أحكامهم وكان مشاهيرهم بذلك من أهل الطبقة الأولى بلكين بن زيري الصنهاجي عامل افريقية للعبيديين ومحمد بن خزر والخير ابنه وعروبة بن يوسف الكتامي القائم بدعوة عبيد الله الشيعي ويوسف بن تاشفين ملك لمتونة بالمغرب وعبد المؤمن بن علي شيخ الموحدين وصاحب الإمام المهدي إلى آخر ما عبر وخبر رحمه الله.

ومن محامد الزواوة الإذعان للشرائع المنزلة والقوانين الوضعية والامتثال لأوامر الله من الأحكام الفقهية والانقياد إلى التحاكم إذا قال أحدهم لأحد تعال إلى النبي يعني إلى شريعة النبي ينقاد حالا ولا يتخلف ولا يستخف وإنما ولاتهم في العهد الأخير أضلوهم وأفسدوا آدابهم وملكاتهم وأساءوا التصرف فيهم فتبعة ذلك عليهم وذلك بأن من محاسنهم أيضا الانقياد للعلماء والشرفاء والمرابطين والصلحاء ويحترمونهم ويخدمونهم خدمة خالصة ويلتزمون لهم بالعطايا من أرزاقهم وأموالهم عن طيب نفس رجاء رضائهم وبركاتهم وإن الزوايا الكثيرة في بلادهم قيامها وقوامها منهم يخدم ملتهم وتخصيصات من أموالهم ولولا فساد التصرف وسوء الإدارة من أولياء الأمور لأنتج ذلك رجالا في كل فن ولكن مصيبة سوء الإدارة وفساد التربية والتعليم التي أصابت العالم الإسلامي لم تخطئهم .. قف وتأمل وإن غالب الدول الني قامت دعواتها بأفريقية لم تك لتفوز لولا تعضيد الزواوة لها كما تقدم. وأما خدمتهم للشرفاء وآل البيت فحدث ولا حرج قال العلامة ابن خلدون بايع البربر إدريس الأصغر حملا بم رضيعا ثم فصيلا إلى أن شب فبايعوه بمدية (وليلى) وفي الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى أن إدريس وفدت عليه قبائل الزواوة والزواغة لينصروه اهـ قلت أن دولة الفاطميين التي قام بدعوتها من تقدم ذكرهم فاندفعت بجحافلها لم تقف دون الإسكندرية ومصر والشام بل وصلوا الموصل وتعدوا إلى اليمن أصلهم الأول، فكان ذلك بالقبيلتين العظيمتين كتامة وصنهاجة خدمة للفاطميين أولاد

فاطمة رضي الله عنهما ابنة محمد صلى الله عليه وسلم ففي ذلك السبيل اندفعوا سكارى وما هم بسكارى. وأن الفتح الأول لأندلس كان بأحد عشر ألف من البربر بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير ولقد أنقذوا عرب الأندلس مرارا فاحتلوه بأميرهم أمير المسلمين يوسف بن تاشفين الذي أجمع المؤرخون على فضله والإعجاب به حتى أن الإمام الغزالي تمنى الاجتماع به وجهز للسفر إليه. ومن أدلة شجاعتهم وخصائصهم في ذلك ما حكي المؤرخون بإسهاب وإطناب ثم أن الواقعة الأخيرة المشومة الملقبة بواقعة العقبان لم ينج منها بربري واحد شهدها وهلك معهم من إخوانهم عرب افريقية جمع كثير وكانت تلك المصيبة بخيانة عرب الأندلس ونذالتهم بسبب الحضارة الفاسدة وقد قال المؤرخون في تلك الواقعة ما إذا ذكر سكب الدمع وانهمر وعلى أن عدد من استشهدوا بلغ ستمائه ألف أو يزيدون ففد وقع أجرهم على الله بسب الخيانة وأن الله لا يهدي كيد الخائنين. (فابكهم ما استطعت إن قليلا ... في عظيم من المصاب البكاء) ومن محامد الزواوة الصراحة وحسن العهد إذا قالوا أو بايعوا أو عاهدوا وفوا فلا خيانة ولا غدر ولا خداع فكأن كل فرد منهم لقن: (عروضي إذا جار الزمان ألجتها ... ولكن عرضي لا يباح وبي روح) ولا يبالون بالقتل في سبيل ما تولوا من الأمور وترى كل واحد منهم يقول لسان حاله:

وإنا قوم لا نرى القتل سبة ... إذا ما رأته عامر وسلول ومن محامد الزواوة إطعام البائس الفقير بقواعد ونظامات خاصة عجيبة بحيث لا يبيت الإنسان الأجنبي عندهم بلا شيء وعنايتهم بالأجنبي أكثر أيا كان وصرفهم في ذلك منتظم لم يكن عند أمة من الأمم وينزلون الضيوف منازلهم على طريق السنة. ومن محامدهم التحكيم ثم لا يجدون في أنفسهم حرجا مما قضى به الحكم بل يسلمون تسليما. ومن محامدهم حسن ترتيب الكلام عند الخصام دعوى وجوابا وإن كانوا كثيرين في القضية فلا يتكلم إلا اثنان واحد لكل فريق وليس فيهم شيء من عيب أعراب افريقية الذين يتكلمون وفي الخصام كلهم دفعة واحدة فيكثر الوغى حتى لا يكاد الحكم يفقه شيئا حسبما شهدنا ذلك في المحاكم الشرعية إذ كنا في العدالة وهناك انتهينا إلى هذه لخصلة ذلك بأن الشيء يعرف بضده. ومن محامدهم الاجتماع والجماعة وذلك الأمر المدني العظيم الشأن سواء كان الاجتماع للصلاة أم لشؤونهم الدنيوية والحال أن من أسرار الاجتماع للصلاة قضاء مصالح أخرى اجتماعية وترى أهل القرية مجتمعين كلما عرض لهم شأن ما ولهم في ذلك قوانين وضعية شرعية وعرفية لا يتهاون بها إذ يلزم لذلك ما يلزم من الجزاء الوفاق. ومن محامدهم بل غرائزهم الروح العسكرية والخدمة الجندية وتاريخهم في ذلك لا يستوفي وبما تقدم من الإشارة كفاية وبقي ذلك فيهم إلى اليوم

مع ضعفهم إلى درجة الاضمحلال وقد اعترفت لهم فرنسا بذلك الفضل مثلما اعترفت لهم جميع الدول المتقدمة ومنذ التاريخ القديم العام وقد أسمت فرانسا فريقا من جندها الشهير بالبسالة والإقدام باسم الجند الزواوي "زواف" بتحريف قليل تخليدا لهذه المنقبة ولم تغمضها وقد اشتهروا في القرن (11 و 12) هجري في تونس وكان ذلك أول إشهارهم مع وقائعهم في ثورتهم الأخيرة في سنة (1871 فتم عليهم الدست). ومن محامدهم كثرة التناسل وحب الولد والشغف بذلك والعناية به إلى درجة يقلدون المرأة التي أذكرت نوعا على الحلي خاصا بالجبهة وما هو إلا وساما قديما موروثا غير محدث ولما حدثت بهذا الأمر العلامة الشيخ طاهر الزواوي الدمشقي تعجب كثيرا وأعجب به فكان يعض الفضلاء المصريين وقد يتزوجون ويطلقون لمجرد الولد والعقب ويحزنون أشد الحزن للذي لا عقب له. ومن محامدهم العناية التامة بصلة الرحم والقرابة والنسب والصهر وذوي الأرحام ويعتبرون الملائق النسبة والصداقة بأقل مناسة ومشابهة ويراعون الوداد وقد كانوا لا يؤذون قط من ذاقوا طعامه. ويخشون العقاب الإلهي إن خان ذلك أو غدر والمعنى ينتظرون له ذلك وهي خصلة محمودة وأن أحدهم إذا كانت والدته من قوم يعدهم كلهم أخواله فتحترمهم ويكرمهم أيما إكرام ويدعوهم أخوالي. وبالجملة محامدهم هم لا تعد وتحصى في مختصر كهذا وإن ساعدنا الدهر ووجدنا المعين والناصر طولناه وأما خصائصهم فكثيرة أيضا فمنها عدم نجاح تكون جمع أو جنس أو مذهب ديني أو غير ديني مع جمعهم وجنسهم وليس ذلك لاضظهاد كما قد

يتبادر بل بطبيعة حالهم من كثرة جموعهم وغلبة محيطهم وقد خطر ببالي الآن أنهم إنما سموا الزواوة لكثرة جموعهم إذ معنى زوى الشيء جمعه فهو زاو وأزوى جاء ومعه غيره ومن أجل ذلك يندغم فيهم من يساكنهم أو يجاورهم والمحيط غلاب بطبيعته لا يظلمه ولا يتعديه المقصودة سر الله في الوجود، ولهذا لا تجد في الزواوة يهوديا ولا نصرانيا ولا مذهبا غير مذهب مالك ولا قراءة غير قراءة ورش وقد كانوا في العقيدة سلفيين ثم شيعيين ثم أشعريين ومنها عدم نجاح مدية عظيمة بقربهم وأخرى من بينهم بأن تكون تلك المدينة ذات قصور كبيرة وذلك لاستغنائهم عنها بدورهم وقراهم المتوسطة الكثيرة بلا تطاول في البنيان ومنها ظهورهم واشتهارهم في كل بلدة يحتلونها قديما وحديثا أما في القديم أعني منذ نزوحهم من اليمن كما تقدم فكانوا على جانب عظيم من القوة وكثرة الجموع ولكن الشهرة العظيمة حازوها في الإسلام وكان لهم الحظ الوافر في فتح الأندلس ووقائع ذلك الرجل العظيم يوسف بن تاشفين إذ عبر بهم مرارا إلى الأندلس وهم الذين نصروا إدريس الأكبر والأصغر وبهم قام أبو عبد الله الشيعي وبجموعهم احتل جوهر القائد الفاطمي مصر والإسكندرية وتأسست هنالك الفاطميين كما تقدم واشتهروا في العهد الأخير في تونس والشام واعتبروا في الشام بالمغاربة وأظن أن ذلك بدهاء المرحوم الأمير عبد القادر ذلك الرجل العظيم الذي يعرف كيف يؤكل الكل الكتف فجمعهم باسم المغاربة أشمل وأعم من اسم الزواوة ولو لم تكن نسبة غير الزواوة في الشام واحدا في المائة وقد اعتز بهم الأمير كما اعتز بهم قبله أبو عبد الله الشيعي والمعز لدين الله ومولاه القائد

جوهر فبهم دافع الأمير عيد القادر سنة 1860 عن قناصل الدول ونصارى الشام حتى اغتر بعض الجهال والعوام من أهالي الشام وسلت لهم أنفسهم أن يقوموا بمذبحة لا محل لها ولا مسوغ سوى وساوس الشيطان فعارض في ذلك الأمير أن خشي هو نفسه على نفسه ولكن جموع الزواوة تجمهروا حوله فأطاعوه وتسلحوا إلى أن انجلت الواقعة فسلم الأمير ومن معه من قناصل الدول والمسيحيين ثم إن فرانسا التفتت إلى الأمير (1) أنظر (صحيفة 159). فجازته خير جزاء فتحسنت حالته ماديا وأدبيا وصار ذا مال وبين وملك قصورا وقرى وأنجاله من بعده كذلك لهم العناية والجاه إلى فرانسا وإلى تركية ولا ينكر ولا يماري إن أولاد الأمير إنما كان عزهم وجاههم وقهرهم لكثير من البيوت والعصبيات بالزواوة الذين بدمشق وما حوله لأنهم اشتهروا هنالك باسم المغاربة والشجاعة والغلبة فإذا ركبوا الملاقاة من يناوئهم لا يقف أمامهم ولا يثبت ثم إن الزواوة لجهلهم السياسة ومسالكها ولكونهم مثل العرب البدو قليلي التربية والتعليم في هذا العهد الأخير لم يحصلوا على شيء يذكر فيشكر بالرغم من وجود جملة من شرفائهم وأعيانهم. مثل (الشيخ المهدي وابن عمنا الشيخ المبارك والشيخ ابن أعراب) (¬1) الذين تقدمت لهم الشهرة في الزواوة وكذلك في الشام بصفة الصلاح والعلم ¬

_ (¬1) جرت عادة الزواوة أن يلقبون سادتهم وأمرائهم بالمشايخ لأن عليهم صبغة دينية أكثر مما هي دنيوية فبهم أشبه بالمشايخ السنوسية هكذا كانت أصول الرئاسة في غالب بلاد المغرب.

والطريقة. وقد نبغ في هذا العهد الأخير من رجال الزواوة بالشام وبغيرها من مدن سورية عدد غير قليل فمن أحفاد السادة المشايخ المشار إليهم أنفا يليق بنا أن نذكر: العالم الفاضل التقي السيد الشيخ صالح المبارك نجلي المرحوم الأستاذ الكبير العلامة الشيخ الطيب المبارك وابن عمنا المرحوم العالم العلامة والحبر الفهامة والسيد الشيخ محمد المبارك وابنه المحب السيد الشيخ عبد القادر الكاتب الأديب الشاعر من أحفاد سيدي الشيخ المبارك قدس سره والسيد الشيخ صالح بن أعراب وأنجاله النجباء خاصة منهم الأستاذ الفاضل الواقف على عدة لغات والمؤلف بها وبغيرها من العلوم العصرية السيد محمد سعيد الطيب بن أعراب من أحفاد سيدي الشيخ ابن أعراب قدس سره. والشيخ محمد مزيان من أحفاد سيدي الشيخ المهدي قدس سره. ومن سادة الزواوة وعلمائها بالشام المرحوم العالم العلامة الحكيم الأستاذ الكبير السيد الشيخ طاهر السمعوني الجزائري وسليم بك بن أخ الأستاذ المشار إليه العالم العصري الفاضل والذي كان بلغ رتبة قائم أركان حرب في الجندية التركية والمرحوم العلامة الفقيه الأستاذ الأوحد للناشئة الزواوة في دمشق سيدي الشيخ محمد سعيد شريف الينيوي وابن عمه العالم الرياضي الشهير السيد أحمد جودت الينيوي والعالم الفاضل الورع السيد الشيخ شريف العقوبي والعالم العلامة التقي الأستاذ السيد الحاج أحمد الشريف المقيم بقرية الرملة وابن أخيه العالم الفاضل الطيب السيد صالح الشريف القاطن بمدينة يافا والدراكة الكاتب علي بك ابن الحافظ التقي السيد الحاج شريف وخيري بك ابن السيد علي أبي حسين من شرفاء بهلول وهو رتبة المدعي

العمومي والسيد إبراهيم خالد المستنطق وعمر بك فرحات وأخوه الدكتور حسن بك فرحات، والدكتور طاهر بك قاسم ومتعهد الإنشاءات الأميرية الشهير الحاج مزيان أيراثني وغيرهم من يطول ذكرهم ممن نبغوا في الصنائع والتجارة الخ. ومنها عدم تزوج الزواوة بالأجنبيات إلا نادرا إذ أن عنايتهم الشديدة في الزواج بالأصل والجاه العظيمين مع عادات لهم فصار ذلك غير ممكن لهم من الأجنبي ومنها عدم تزوجهم بالإماء السود تحشيا من تسويد نسلهم وتغييره وهذه خاصة عظيمة تذكر لهم فتشكر وقد خالفوا إخوانهم العرب فيها. نعم قد يوجد العبيد في بعض قرى الزواوة إلا أنهم لا يناكحون. ومنها الحياء الشديد وله قواعد عندهم محمودة تنطبق على المروءة والإنسانية الكاملة وبالأخص فيما بين أعضاء الأسرة والأقارب ذوي الأرحام فلا تسمع لهم كلمة فحش أو بذاءة ترى عورة من عوراتهم وذلك محظور عندهم بشدة وعناية تأمين وبالأخص في محضر النساء حتى أنه قد يكون دم المتفحش هدرا فإنهم يقتلون من ذلك وهو من القواعد المتعارفة عندهم وإن أحدهم إذا كانت معه امرأة يكون محترما هو والمرأة ولا يؤذى ولا يسمع ما يكره و (... كلمة غير واضحة في النسخة) الغناء، فالذي تعدى وفعل ذلك المحظور في عرفهم فدمه هدر وهذا من المدنية الراقية بمكان والسبب أن الغناء عندهم مستقبح لما فيه من أقوال الغزل والتشبيب وذكر النساء والعشق والوصال إلى غير ذلك مما يحرك النفوس إلى الشهوات ويسوقها إلى أسواق الشبهات وهم في مثل هذا مخالفون للعرب على خط مستقيم وقد ذم أبو حامد الغزالي الأدب العربي في هذا المقصد لما فيه من بواعث الفسق للشبان

وفساد أدب النفس بأدب الدرس المختلط بما يذكرنا من الفحش والتفاحش. ومن القرى في الزواوة من يمنعون المغنيين من الغناء ولو في الوليمة بسبب ما ذكر. لم أدر أن والدي رحمه الله ضربني غير مرة واحدة وأنا يافع لأنه سمعني أغني مع الولدان، وأن الصبي إذا تلفظ بكلمة فحش يضرب عنها وكذلك الخدم وجميع الصغار، ويستحيون من كثرة الأكل ولهم في ذلك آداب وقواعد في مواضع فإنهم إذا رأوا أن الطعام قليل فلا يأكلون إلا قليلا. وإن كبرائهم وشرفائهم وأهل العلم منهم لا يأكلون في الأسواق ولا في الشوارع طبق القاعدة الإسلامية وأنها من لوازم العدالة والمروءة ومنها شدة التحفظ من العار أن يصاب به الرجل أو امرأة والتشديد الزائد فوق التصور في أمر العهر فإن الزناة عندهم يقتلون ولا يحاكمون ولا يشهد أنس ولا جان أنه يوجد في أرض الزواوة قديما أو حديثا ابن مجهول الأب وذلك أن المرأة إذا وقع ونزل حملت من زنى فإنها لا تبقي بقيد الحياة إلى الوضع بل تقتل من أهلها وذريتها لأنها حملت لهم العار أو تنتحر هي بالتسمم فهي كما في المثل بيدها لا بيد عمرو وفي المعنى شدة الحياء والحياء من الإيمان قال فيهم الشاعر: قوم لهم شرف العلى س حمير ... وإذا انتهوا صنهاجة فهم هموا لما حووا إحراز كل فضيلة ... غلب الحياء عليهم فتلثموا وعن ذكر الملثمين نقول: أنهم صنهاجيون وأنهم كانوا مضرب الأمثال في الشجاعة والإقدام وأنجبوا رجالا عظماء مثل يوسف بن تاشفين رحمه الله فإند ملأ ذكره الأسماع، وصار تعظيمه والإعجاب به كلمة إجماع، بين المؤرخين المشارقة والمغاربة وكتبوا تاريخه بحبر الحبور، والأجدر أن يكتب

بسطور النور على نحور الحور وقد كان سلطان العدوتين في المغربين وتلقب بأمر المسلمين، وكفى أن حجة الإسلام أبا حامد الغزالي تمنى الاجتماع به كما تقدم. ومنها الفوز في الوقائع فهم في ذلك إما الأمنية أو المنية دون القضية التي يطلبونها ولا يفرون من الزحف وأن الفرار عندهم عار (العار أكبر من النار). ومنها أنهم لم تستول عليهم دولة من الدول قبل فرانسا فهذا فخر عظيم لهم كما قال الموسيو جول كامبون الوالي العام كان بالجرائر في خطبة له ألقاها على الزواوة في بلدة الأربعا بني يراثن في منة 1891 بأن لم تضع دولة قدمها على تلك الجبال الشم آخر ما قال، قلت لا بد من غالب ومغلوب وأن لكل شيء حدا ونهاية ثم أن الدولة الحالية التي استولت عليهم تحبهم وتميل بالعطف عليهم وتود أن يتمدنوا تمدنا عصريا وكثرت لهم من المدارس الابتدائية في غالب القرى وصار النشء الجديد يحسن التكلم باللسان الفرنساوي ويقرؤون ويكتبون ويزاولون كثيرا من الأفعال في المكاتب وسائر الأعمال ولكن ضعفهم المادي وشدة تمسكهم بعاداتهم وعرفهم القديم وما توارثوه من ذلكم ومن الديانة ومن الخلاف في الدين والأخلاق والمتقدمة ويزاد على ذلك سوء الظن المتحكم بينهم وبين المستعمرين والمتصرفين وبعض الأحكام في ذلك مثل الأحكام الأهلية التي اضطرت إليها الهيئة الحاكمة - كل ذلك يوسع خرق الراقع بالرغم من أن الحرب العمومية الأخيرة أثبتت لهم الإخلاص والوفاء وكلا الفريقين معذور ونرجو دائما التوفيق وحسن التفاهم، وعندي أنه لا يكون ذلك إلا بكثرة المدارس العربية الصالحة للتفاهم فإن

العربي المسلم لا يصلحه إلا العربية الصحيحة ومكارم أخلاقها المرضية وآدابها الجمة ودليلي على هذا اسقرائي ما تيسر من المتعلمين تعلما فرنسويا بدون عربية فإنهم فريقان ففريق عدو ولدود لأهله وللحكومة والأمة المستعمرة ذلك بأنه لم يبق في حالة أهله ولم يبلغ إلى حالة معلميه وأسخطه الجميع وأسخطهم بسبب معاملات لا تخفى على المتأمل ومما يسخطه بكثير أنه متحير في جميع أقواله وأفعاله التي يتعذر عليه سلوك مسالكها أفيبقى مهانا ومعتزلا طول عمره الهيئتين الاجتماعيتين؟ وقد جربتهم أنهم إذا تلي عليهم كتاب عربي فصيح بليغ رشيق العبارة جيد المعنى يأسف أشد الأسف على ما فاته، وفريق راض ظاهرا ساخط باطنا لأنه لا يرضى بالإمتيازات والتصرفات لا (......) * ويراه غبنا وخلاف الإنصاف ولا يكاد يدرك أن توزيع الأعمال في المجتمع الدولي لا بد له من التفاوت على حسب الأهلية وصلاحية مع شرطية التجنس المعروف قديما وحديثا ليس عند فرانسا فقط بل في الإسلام كان ذلك عندهم كذلك. وخير من هذين الفريقين عندي فريق ثالث وهو وسط وخير الأمور أوسطها كذا في الحديث وهذا الفريق هم المتعلمون التعلم العربي الواسع الصحيح وآدابه الكاملة كما تقدم فإن أدب هؤلاء إذا تنوروا كما ينبغي يرضى المجتمع الأمة الحاكمة وحكومتها والأمة المحكومة وذلك أن الأهالي يتنورون بالعلوم العقلية والشرعية الصحيحة السليمة المنقاة من التعصبات القديمة المدسوسة والخرافات المحشوة مثل إبادة المختلف في الدين واعتباره عدوا كما يزعم الأوروبيون أن ذلك من الدين كلا بل هو ¬

_ * كلمة غير واضحة في النسخة

من التعليم الفاسد المستحكم في الفريقين المسلمين والمسيحيين في الحروب الصليبية وتلاشت الآن وبقي الخلاف محصورا في دائرة أخرى اقتصادية - تنازع البقاء - وقد أدرك الناس شرقا وغربا أن أمور الدين محترمة بفضل عقلاء من أوروبا وأمريكا وإنما بقي أمر الاستخفاف بالعربي المسلم لمرضه الاجتماعي وسوء إدارته وتربيته وأنا ذلك العربي المسلم إلا أني قلت وما زلت ولن أزال أقول لا يبرئنا من هذا المرض غير التعليم الصحيح العربي الإسلامي وإلا فنبقى كلا على أوروبا فلا هي ترتاح ولا نحن نشقى والله ولي التوفيق. ومن الشواهد على تفوق الزواوي في أشغاله وأعماله قديما وحديثا ما وقفت عليه في جريدة (السعادة) التي تطبع في الغرب الأقصى ترجم فيها فصل عن بعض كتاب فرانسا في هذه الحرب التي جعلت فرانسا بابل الألسن والأمم فقالت تلك الجريدة في عددها الصادر 16 فبراير سنة 1918: ويروى عن أحد كتاب فرانسا المشهورين في الكتابة وهو الموسيو جيثو أنه قال بأن صرف الرماة المغاربة والجزائريين والتونسيين الأشهر الطويلة بين الجنود الفرنساوية في ميدان القتال سوف يبدل أخلاق أولئك الرجال ويولد فيهم روح الهمة والنشاط فإذا ما رجعوا إلى بلادهم كانوا كمن حنكتهم التجارب وألفوا المتاعب وتذليل الصعاب كذلك العامل الذي صرف في مزاولة الأعمال بفرانسا مدة ستة أشهر على الأقل وذاق لذة الربح وتعود العمل لا يرجع إلى حياة الكسل التي كان ألفها بين الدواوير حيث كان يلتف بأطمار الحائك البالية مدخنا الكيف - الحشيش - متوكلا والقمل يرعى تحت إبطه وقد خمل وبهل وكاد أن يكون قعيدة رحل وقد تعود العامل

زوايا الزواوة وعلماؤهم

في فرانسا الحياة المنتظمة أي الأشغال مدة معلومة من الساعات والراحة كذلك مدة معلومة وإيلاف النظام يهذب الخلق ويقوم اعوجاجه، وقد ولد العمل في نفس العامل الإفريقي حب الربح فتراه حين يقبض أجرته منبسطا منشرحا يمتاز الزواوة - تأمل - والمغربي عن غيره اهـ بالحرف. زوايا الزواوة وعلماؤهم زوايا الزواوة كثيرة مشهورة ومعناها قديما وحديثا المدارس والمساجد وبعبارة أهل العصر الجامعات والكليات ومعنى الزاوية لغة هو جامعة جهة من جهات الدار فالمفهوم إذن من الزاوية موافق للفظ ثم مما يذكر بكل فخر أن تأسيس هذه الزوايا مع قدمها الذي يرجع إلى عصر لا مدنية فيه كما يقولون كان من الخواص والشرفاء والمرابطين الصلحاء اختيارا لا دخل للحكومات المتعاقبات عليها إلى اليوم ويا حبذا الأمر لو عزز بحسن الإدارة والحال أن نظم تأسيسها حسن جدا وإنما قصر النظر والتدبير أضاعا النتائج المرجوة وذلك أن الزاوية تعتبر مسجدا ومدرسة لله مجانا من حيث هي مسجد وأن المساجد لله باجرة طفيفة من حيث هي مدرسة للقرآن وطلبة العلم ولها دخل وخرج للنفقة والقيام بشؤون الطلبة والشيوخ والمدرسين ومن قواعد الانتساب إليها والسكنى بها أن يدفع الطالب قدرا صغيرا من الدراهم ثم هو لا يدفع شيئا بعد ذلك إلا تطوعا ولو مكث فيها مدة عمره كله وأما غير طلبة العلم من المسافرين والزائرين والمصلين فلا يدفعون شيئا (......) * وإن ¬

_ * كلمة غير واضحة في النسخة

الزائرين والمسافرين يأكلون ويشربون مجانا وليس ذلك للمصلين من الأهالي المقيمين إلا الفقراء منهم وبعض السخفاء الطفيليين ولكل زاوية أهلها يتصرفون فيها حسب أصول تأسيسها خلفا عن خلف فالزوايا على هذا المعنى نظمية اجتماعية مدنية لو لم يعوزها حسن الإدارة والإصلاح الذي يقتضيه الحال والطبع إذ لا فرق بين هذه الزوايا ومؤسسات الجمعيات والشركات العلمية الخيرية المقامة بأوربا وأمريكا بأموال أولي البر من الوصايا والأوقاف ونحو ذلك فزوايا الزواوة كذلك دخلها من أولي البر والصلاح الملتزمين بعطايا من أرزاقهم وكسبهم للمؤسس الصالح المرجوة بركته ومن هذه الحيثية تعذر على الحكومات التداخل في شأنها والحق كذلك لأن الأعمال الخيرية كهذه لا ينبغي بل لا يمكن التداخل فيها (....) لكيلا يسخط الرأي العام في أمر معتقد صلاحا دينيا فإن المتبرعين إنما تبرعوا خدمة للعلم والصلاح الموصلين إلى رضاء الله وإن لم يفعلوا يخشوا سخط الله وبهذا المعنى يوجد الفرق بينهم وبين أولي البر من أوروبا وأمريكا فيقال مع الفارق بينهما عموم وخصوص منهجي فتنفرد جمعيات أوروبا وأمريكا بقصد التعليم على وجه خاص وتنفرد زوايا الزواوة بقصد خدمة العلم وإرضاءا لله فهذه القاعدة المتضمنة للعقيدة أمتن وقد يقال أن بينهما عموما وخصوصا بإطلاق وإنما امتازت مدارس أوروبا وأمريكا بحسن الإدارة وسداد الرأي والنظر وعدم الجمود وبالجملة إن للزواوة والبربر في هذا الشأن فضل السبق يذكر فيشكر ولمثل هذا أسهب العلامة ابن خلدون رحمه الله واسترسل في الثناء على البربر كما تقدم وهو ممن ضربوا في أرضهم ومواطنهم وأحق بالشهادة عليهم كما قدمنا وليس ابن

خلدون بالمؤرخ الذي يجازف بالقول كيف وقد سبق له أنه انتقد المؤرخين في المعنى. ثم أن خدمة الزواوة للعربية بناءا على أنهم عجم بسبب الوطن واللسان البربرين فإنهم إذا قرنوا بغيرهم من الأمم الإسلامية يعادلهم (......) * كما ذكرت في رسالتي الفرق بين المشارقة والمغاربة (¬1) (...) وبهذه الزوايا كثر علماء الزواوة قديما وتخرج منها فطاحل إذ ذكروا يفخر ويرفع رأسه شرفا وتيها وكذلك بطبيعة الخال يقتضي أن يكثئر علماء الزواوة لموقعهم الجغرافي فإن إحدى عواصمهم "بجاية" وكانت حاضرة وميناء من موانئ الحرب للأساطيل الأندلسية وكانت قرى الزواوة إذ ذاك لا تعد ولا تحصى ويبلغ عدد جموعهم الملايين. هذا وكان من المناسب رسم خريطة بلاد الزواوة الجغرافية هنا وذكر القرى والقبائل بأسمائها وترجمة جمهور من علمائهم وأسماء الزوايا التي ينتسبون إليها من أين مهب صباهم ومدب صباهم ولم يخف ذلك كله علي وإنما تعذر. وكذلك ذكر أيامهم ووقائعهم وذكر ذوي البيوتات العظام، والأعيان الكرم، وما قيل في ذلك كله الإلمام بلسانهم الذي قد كلفني الأستاذ المرحوم الشيخ طاهر السمعوني أبو عيسى ثم الدمشقي الشامي الشهير أن أجمل له بعض القواعد للخطاب وبعض الأصول، كان هو وابن عمنا المرحوم الشيخ محمد المبارك الزواوي الدمشقي قد عزما على ذلك فتوقفا ولما لم تسعن ¬

_ * كلمة غير واضحة في النسخة (¬1) من أن الأمم العجمية الثلاث فارسا وبربرا وتركا زادوا قوة في الإسلام إلا أن الأتراك قصروا في خدمة العربية تقصيرا فاحشا خلاف فارس والبربر فإنهم خدموا العربية مثل العرب وزيادة كما قدمنا

مخالفته كتبت عدة مقالات في الموضوع في المجلة السلفية بمصر ولكني رأيت أن ذلك كله أمر ثنوي مهم لا محالة إلا أن ما أنا بصدده من العناية بالنسب والتاريخ والإصلاح أهم وأكد خصوصا أنه من أغرب الغرائب لم يتقدم شيء من ذلك سوى تراجم علمائنا المتفرقة في الكتب وفي كتاب عنوان الدراية للغبريني في علماء بحاية والمراد بهم علماء الزواوة جملة وافرة وساعد ذلك أي تراجم العلماء فهو مطوي وليس بصواب وتقدم ذكر أسفنا على إهمال المتأخرين أمر التاريخ ولكن الزواوة لم يكتب شيء عن تاريخهم بالخصوص أظن أنه باعتبارهم من العرب فتابع لتاريخ العرب وباعتبارهم من البربر كذلك وكيفما كان الحال فلابد من تخصيصهم بتاريخ لشهرتهم ومقتضى الحال لذلك لما هنالك من المصالح وعلى الأخص بإن نسبهم الواجب لمطاعن وجهت من الجهال إليهم وقذف في حسبهم والغض من كرامتهم في عصرنا هذا. هذا وإن استخف بذلك أعني التاريخ والمتفدمين فنحن أكبرناه وإن الأزمان مختلفة والأحوال متباينة، وأن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، والناقد بصير، وعلى هذا فلا يورد علي أن هذه الصحف القليلة وإن هي محكرمة فلا تعد تاريخا فإن قبل بذلك قلت إن العبرة في المعنى والإفادة والخدمة الجليلة فإن مصنف الأجرومية لمحمد بن داود الصنهاجي أخ الزواوة وصغير الحجم، لكن لم يؤلف مثله في النحو كذلك مقدمة السنوسي في التوحيد، وبالخصوص أن كتابي هذا أول كتاب في الموضوع على ما أظن وأما الجمع واللم والحشو فغير خاف عني ولا حاجة لي به، ولا للناس فيه فائدة، كيف وقد سبرت غور الأمس واليوم، وعلمت من ذلك ما يستحق السوم، وكذلك الزواوة

المخاطبين بهذا يعلمون المطلوب والمرغوب من هذا التاريخ أن النسب والفضائل والخصائل والمحامد وغير ذلك مما يقتدى به، وينشط ذوي الهمم إلى الإتيان بمثله، ويبعث ذا العزائم على التحلي بجليه، ويرشد أولي الأمر إلى التنافس في خلاله، وبالتالي هدم الاستسلام لبعض الخرافات والأوهام، ونحو ذلك مما يحاجون به من الجهال والحساد والطعن في النسب وفي الدين وفي المروءة وسائر الأعمال التي يغضون بها كرامتهم وقد سمعنا بأذننا هذه أن الزواوة رومان وأبناء طالوت وجالوت إلى غير ذلك من القذائف السامة، والغارات الخانقة، والنيران السائلة، التي يرميها إليهم أجلاف من أعراب الوطن، وسخفاء العقول من حضر المدن، الذين لم يعمل فيهم القرآن ولا السلطان، وقال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وأن عقولهم محجورة ومحجوبة عن فهم سورة الحجرات وفي قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقر، فأبوا إلا أن دعوة الجاهلية الخبيثة كما في صحيح البخاري «دعوها فإنها خبيثة» ورأينا بأعيننا هذه أعينا تزدري الزواوة ولا تبالى ولو تلونا عليهم {ولا أقول للذين تزدري أعينهم لن يؤتيهم الله خيرا وإذا مروا بمم يتغامزون}، ونحو ذلك من التصريح والتلويح والتعريض كقول العامة في القطر النبي عربي ولم يدر الجهول أنه آذى النبي والإسلام بقوله ذلك تعريضا وتعنيفا فإن السامع الجاهل مثله يقول له إذا كان النبي للعرب فقط وإليهم بعث بالخصوص فلا يلزمنا الإيمان به ولا العمل بشريعته وأهل العلم منا يقولون لهؤلاء الأرذال المجادلين بالباطل إن هذه الدعوى التي تدعونها من الخصوصية والأفضلية

ليست من الإسلام في شيء إنما هو من دعوى اليهود في اليهودية وذلك أن غير اليهودي إذا تهود لا تكون له درجة اليهودي في الأفضلية بلغ ما بلغ والإسلام نادى بالمساواة والإخاء والحرية التامات وأن درجة بلال الحبشي البربري وسلمان الفارسي وصهيب قد لا يبلغها كثير من قريش وقال صلى الله عليه وسلم «سلمان منا» وقال: «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» (¬1) وتقدم قوله صلى الله عليه وسلم في العجم وقال في الروم: «والروم ذات قرون كلما هلك قرن خلفه قرن، وهم أهل صخر وبحر هيهات آخر الدهر» من حديث طويل والمعنى أن الروم رجال عظام ولكن العرب العوام بل وغير العوام مغرورون ومخدوعون كما قدمنا هذا الكلام حين ذكرنا العجم وحقه أن يراجع ويحرر بماء العسجد وإني أقول ما قال ابن عباس رضي الله عنه لرجل شتمه: أتشتمني وفي ثلاث خصال أني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأحبه ولعلي لا أقاضي إليه أبدا وإني لأسمع بالغيث يصيب البلاد من بلاد المسلمين فأفرح به وما لي بها من سائمة ولا راعية وإني لآتي على آية من كتاب الله تعالى فوددت أن المسلمين كلهم يعلمون منها مثل ما أعلم اهـ هذا ما نقول للذين يقولون أقوالا ولا يعرفوها وإن قيل هاتوا حققوا لم يحققوا. ¬

_ (¬1) نعم فقد انحط الزواوة في هذا العهد الأخير انحطاطا يؤسف له ولكنهم كسائر الأمم الإسلامية الشرقية المصابة في نظامها وتعاليمها المخالفة لمقتضى الحال العصرية من اندفاع الأمة كلها شرقا وغربا إلى التصوف فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين وفي السياسة والعلوم العصرية ومعارفها التجارية والكيمياوية وسائر المعارف.

وفي كتب التاريخ والرحلات والتراجم ألوف من علماء الزواوة أرى جمعهم على حدة وفي الديباج لإبن فرحون ونيل الابتهاج وعنوان الدراية وابن خلكان والسخاوي عدد معتبر ومنهم من تولى القضاء والتدريس في مصر والشام مثل عيسى أبي الروح الزواوي الحميري المنكلاتي وقد أشار هو رحمه الله إلى أن الزواوة من حمير لأنه الب كذلك كما في الديحاج ونص ذلك: عيسى أبو الروح ابن مسعود بن المنصور بن يحي بن يونس بن يانيو (¬1) بن عبد الله بن أبي حاج المنكلاتي الحميري الزواوي وقدم الإسكندرية وتفقه بها ثم رحل إلى قابس فأقام بها مدة يسيرة ثم رحل إلى القاهرة فأقام بما يشغل الناس بالعلوم بالجامع الأزهر وسمع كتب الحديث الستة وحدث عن شرف الدين الدمياطي وولي نيابة القضاء بدمشق نحو سنتين ثم رجع إلى الديار المصرية فولي نيابة القضاء بما عن قاضي القضاة زين الدين مخلوف المالكي ثم من بعده عن قاضي القضاة زين الدين المخوفي المالكي، ولي تدريس المالكية بمصر بزاوية المالكية وترك ولاية الحكم أقبل على الاشتغال والتصنيف فشرح صحيح مسلم في إثني عشر مجلدا وسماه - إكمال الأعمال - ثم إن صاحب الديباج قال إن قبيلة آيت منكلات قبيلة من العرب قلت إن آيت مكلات في وسط القبائل التي تقدم ذكرها وقلنا أنها من الأذواء الحميرية ثم إن الزواوة علماءهم وعاميتهم لا يعلمون الفرق بين آيت منكلات وغيرهم من القبائل، كلها متجاورات وحالها واحد وما ذكره ابن فرحون هو من قبيل ما حررنا في نسب الزواوة وكذلك عيسى أبو الروح في انتسابه إلى حمير بقوله الحميري. وممن ¬

_ (¬1) لعله نسبة إلى بنى ينى قبيلة فينسبه إليها بلغة الزواوة يانيو - بياء وألفا ونون مكسورة وياء وواو ساكنة.

بعض عادات الزواوة

تولوا القضاء والتدريس بالشام ومصر العلامة ابن معطي الزواوي صاحب الألفية ومن النوابغ العظام جماعة من قبيلة (إمشدالن) مثل عمران وناصر الدين وأما محمد بن محمد بن قاسم فقد أعجب به جلال الدين السيوطي فقال فيه ما لفظه: هو محمد بن محمد بن محمد بن أبي القاسم ولد بعد عشرين وثمانمائة واشتعل في الفنون على والده ومشايخ بلده في أنواع العلوم العقلية والنقلية واتسعت مداركه وبرز على أقرانه بل وعلى مشائخه وشاع ذكره وملأ الأسماع، وصار كلمة إجماع، وكان أعجوبة الزمان في الحفظ والذكاء والفهم ولوقد الذهن ... إلخ، قلت إذا كان جلال الدين السيوطي الذي قال عن نفسه: لا أعلم أحدا على وجه الأرض أعلم مني في العربية والحديث إلا أن يكون قطبا أو غوثا والخضر. يقول بهذا الإعجاب في شاب من شبان الزواوة فما ظننا بغيره ولهذا اقتصرنا على هذا في هذا الباب وبه كفاية لذوي الألباب. بعض عادات الزواوة يحار العاقل في أمر العادات عند الأمم عموما وعند المسلمين خصوصا واشتكى من ذلك أولو العلم من جميع الأمم والنحل: ذلك بأن من العادات ما لا يوافق الشرائع السماوية ومنها ما لا يوافق الذوق السليم كثقب الأنف وجعل الخرص فيه وتسويد الأسان والشفتين بالوسام وجعل الرجلين في قالب خاص لتبقيا صغيرتين وهلم جرا مما لا يستقصى (¬1) ومنها ما ليس بلازم، ومنها ¬

_ (¬1) وليس شيء مما تقدم عند الزواوة وإنما سقناه تمهيدا فقط ما عدا الوشام فهم مثل العرب

ما هو مستحسن غير لازم، ومنها ما هو مستحسن ولازم، والناس أعلق من العلق بالعادات وقد جاء الإسلام العزيز بالضرب عن المخالف من العادات وإقرار الموافق فترك الناس بعض ذلك حينا من الدهر فرجعوا إليها بل أحدثوا زيادة بزيادة الأيام بالرغم من مناداة الفحول من العلماء والمصلحين بإنكار ذلك. هذا ولابد من ذكره ما يتيسر من العادات المستحسنة والمستهجنة في الزواوة فقول: من العادات المستحسنة في الزواوة إنقياد الخصم والرضا بالتحكيم إلى أي حكم تم الرضا بما حكم به له أو عليه ثم لا يجد في نفسه حرجا مما قضى به الحكم ويسلمه تسليما. ومنها عدم التحكيم فيما تعلق بالعرض والشرف وليس في ذلك عندهم سوى القتل والانتقام لشرفه كلفه ذلك ما كلفه وإنه العار عندهم أن يقع التحكيم في ذلك وهو خلاف الشرع أحسنوا في الأولى وأساءوا في الثانية. ومنها اتخاذ كل قرية ذات جماعة صغيرة أو كبيرة إماما ومعلما ولكن لا يتمعلم سوى أبناء الشرفاء والمرابطين وكذلك في زواياهم المتقدم ذكرها إلى هذا العهد وهي عادة فاسدة مضرة في الهيئة الاجتماعية لو انتبهوا، ذلك بأن جهل الجهلاء مثل مرض المعدي خصوصا أن الأكثرية لغير المتعلمين ومنهم يتألف المحيط وبالطبع إن التأثير للمحيط والأغلبية وكأنهم أخذوها عن أوروبا القديمة فإن العلم محتكر عندهم للرهبان والملوك وأبناء الملوك ولكن أوروبا قد انتبهوا فضربوا عنها وهذا هو الفرق بيننا وبين أوروبا فإنهم ينتبهون ويرجعون أما نحن فمتمادون في سبات عميق فلا انتباه ولا رجوع {بل

قالوا إنا وجدنا ....} الآية. ولكن لم يبلغنا أنها احتكارية أوهناك أدنى مانع غير العادة وكيفما كان الحال فهي ذميمة يجب الإقلاع عنها شرعا وطبعا إذ طلب العلم فريضة على كل مسلم كما في الحديث الشريف وكما قالوا أن الإنفاق في كل شيء يستلزم النقصان إلا في العلم فإنه يستلزم الزيادة. ومنها عدم حجاب من غير نساء المرابطين والشرفاء وأخيرا نساء العلماء فقط ولكن مسألة الحجاب عندنا معشر المسلمين قد لا يفصل فيها غير عمر بن الخطاب رضي الله عنه والقرآن ينزل فيقول عمر ما قال في الخمر اللهم زدتا بيانا وافيا ذلك بأنا لم نفهم الحجاب المذكور في القرآن إلى الآن ففريق يقول بحبس المرأة في بيت مظلم وغلق الباب عليها وأخذ المفتاح في جيبه وأن لا ترى ولا ترى ولا تخاطب ولا تخاطب وأنها وصوتها ولباسها وعجرها وبجرها عورة وهذا حكم الغيرة لا الشريعة ولا الطبيعة لأنه مناف للصحة والمصلحة الحيوية والطبيعة العمرانية فالحجاب مثل هذا إيذان بالجمود والفناء والتعطيل وقد كان من نيتي وطبيعتي قبل أن أعرف الفرق بين الأمس واليوم، وقبل أن أرشد وأحسن العوم، وقبل أن تضطرني طبيعة الحياة بل القضاء والقدر، إلى الضرب في الأرض وأنا تارة مخير وتارة مسير، وقلت لبعض العارفين في الموضوع ذات يوم أي ابن العم والله إني لأود أن تكون والدتي العزيزة الشريفة المسلمة وأختي الشقيقة المسلمة وامرأتي وابنتي إما فوق هذا السماء أو تحت هذه الأرض وأن لا تذكر قط، فضلا عن أن تنظر، ولكني عبثا حاولت، وطبيعة حارت، وسنة كونية خالفت، أقرأت القرآن ووجدت فيه أن ابنتي شعيب ذهبتا في رعي الغنم وفي الماء واجتمع موسى بهما وتزوج

إحداهما وأنه لما جاء بزوجته قاصدا مصر طلب نارا ليوقدها لها لعلها تصطلي فذهل عنها بما لقي من الأقدار الإلهية ورجعت زوجته مع الرعاة من أهل مدين فاتل الآية {فلما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير ...} إلخ الآيات. وتذكر أن محمد صلى الله عليه وسلم لما عزم على المهر صحبة أزواجه كلهن أو بعضهن حسب مقتضيات الأحوال وقد آذوه في سيدة نسائه عائشة رضي الله عنها بالكذب والبهتان إلى أن أنزل الله في القضية القرآن بالبراءة فاتل {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسوه شرا لكم بل م خير لكم ...} إلخ الآية وضربت في الأرض بناته فزيب خرجت من مكة في طلب أبيها بالمدينة وتناولها زوجها وذوو زوجها بالخصام والشجار فأسقطوها من على الجمل فأجهضت حتى كان لها ذلك سبب الهلاك بعد أعوام قليلة وهاجرت ابنته رقية مع زوجها عثمان إلى الحبش وكان العامة من الحبش يتعرضون لها ويقولون بعضهم لبعض تعالوا تروا ابنة النبي العربي ما أجملها إلى أن اشتكت إلى الحكومة الحبشية النصرانية وتذكر قضية أبينا إبراهيم عليه السلام مع فرعونه الذي عزم على أن يجبره ليعطي له زوجته سارة لأنه ذكرها له أنها أخته والقضية مشهورة في كتب السير والتاريخ ولكن إخواننا المسلمون أبووا الإخاء ذكرت أولا وتمنيت ثانيا وهو محال عند العارفين فإن الله تعالى لم يرد أن يجري ذلك بل أراد أن يجري الحق والدفاع عنه ونتبع نحن ذلك ولا يتبع هو جل شأنه ما نريد من الأهواء اقرأ

{ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض} وبالجملة فقد حررت ما تيسر في الموضوع في كتابي "مرآة المرأة المسلمة" وأزيد هنا أني لم أنكر الحجاب وإنما أردت الحجاب الشرعي بأن تختلط ولا تختلي امرأة أجنبية بأجنبي وأن يغلب الحجاب المعنوي على المادي أولى وأصوب وأسهل وأفيد وأن تحسن التربية والتعليم ببيان الفضيلة والرذيلة ونحو ذلك من الأخلاق الحسنة والعقائد الصحيحة. ومنها احترام المرأة والعناية الشديدة عندهم بعدم مخاطبتها أو أحرى إذايتها وعدم ذكرها باسمها لأهلها أو زوجها. ومنها تخلف المرأة في المشي إذا كانت مع الرجال وكذلك في الركوب وفي الصلاة وهذا موافق للشرع وللذوق ولكن تخلفها في الأكل والشرب طبيعة خلاف الشرع وخلاف المدنية. ومنها تشغيل النساء في أعمال خارج البيت عدى الشرفاء والعلماء وقضية تشغيل النساء في الأمم وعند العرب بالخصوص فيها تفصيل أظن أنه يوافق الشرع العزيز على العادات التي لا حرمة فيها ويباح ما تضطر إليه الحياة كسقي الماء والاحتطاب والبيع والشراء وغير ذلك. ومنها صعوبة الطلاق بما يشبه امتلاك المرأة وقد لا يفيد الخلع ولا الجبر ولا التحكيم وقد قدمنا أن التحكيم الذي هو عندهم مقبول لآدنى شيء إلا فيما يخص بالعرض وفي هذه من المنكر والقسوة ما يسخط الله ورسوله فلله در القائل: والظلم من شيم النفوس فإن تجد ... ذا عفة فلعلة لا يظلم

بل وصف الله تعالى قلوب صنف من عباده بقوله وهو أصدق القائلين: {ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منها الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله}. والحال أنه ليس من الشهامة إمساك المرأة جبرا يحبها وهي تبغضه ولا من الكرامة إذايتها، فسحقا وتعسا لرجل لا تحبه امرأته وهو ممسك لها، لبئس الحياة حياته. ومنها عدم توريث قبائل تيزي وزو النساء بخلاف قسم بجاية وسبب عدم توريث في القسم الأول أنه على ما حدثني والدي رحمه الله طارئ بعد وباء أوائل القرن السابع هلك فيه الكثير من العلماء فاتفقوا على أن يتولى العاصب إرث المخلف ويلتزم بالقيام بحقوق النساء وحمايتهن والنفقة عليهن ولو لم يترك لهن وليهن شيئا بدعوى أنه له الحق التداخل لما عسى أن يصيبه من المعسرة إلى غير ذلك من الأسباب ووجده مكتوبا أي هذا الاتفاق في دفتر لما كان شيخا في قرية - تافة نيث يحي - وذكر هذا الأمر الشيخ الحسين الورتلاني الشهير بالصلاح أنه حدث في القرن الثامن فقط وهذا يؤيد ما رويته عن الوالد قلت وكيفما كان لا يجوز مخالفة ركن عظيم في الشريعة كهذا لأنه بمقتضى الآية ويظهر لي أخيرا أنهم يعملون ذلك محافظة على تقسيم التركة وتبديد الثروة وكذلك يحكى عن الإنجليز ونقول لهم: (أنتم أعلم أم الله). ومنها عدم تحاكم الزوجين إلى القاضي ولا إلى العالم يحكمون العرف في شأن الزوجية والعرف عندهم غير محدود وأكثر القبائل كما قدمنا قلما أن يتساهل في أخذ الخلع ولو بأضعاف ما بذل من الصداق ويعطلها مدة الحياة ولا يجبر

في أمثال هذه فإذا أجرم قتله لأنه يرى ذلك اعتداءا على حقه وعرضه ولا يقبل عقله أن الشريعة هي التي أجبرته لما رسخ في ذهنه أن امرأته خلص ملكه لا يشاركه فيها أحد من العالمين فالذي يطلقها عليه شاركه فيها وهذا من التعاليم الموارثة ونشأ عن قلة الإرشاد والوعظ ولم نجد من المتأخرين من يقوم بتدريس علم الأخلاق ويحسن تقويم المعوج منها فإن سادتنا المتصوفة مكتفون بأن من أخذ طريقتهم لا تتعدى عليه النار ويكتفون عن جبال كهذه وكذلك يفدوهم بذكر لا إله إلا الله سبعين ألف مرة وبصلاة آخر الجمعة من رمضان وجهلوا أن القيم على الكبيرة لا يفيده ما ذكر إن لم يتب ويقلع على أن لا يعود وأن الإيمان والإسلام أقوال وأعمال. وفسر الإيمان بالتصديق ... والنطق فيه الخلف بالتحقيق وقيل شرط كالعمل وقيل بل ... شطر والإسلام الشرعي بالعمل وقولنا القاضي نيابة عن الشريعة إلخ ما تقدم ذكرنا أن نقول أن القضاء ركن عظيم في الشريعة الإسلامية ولكنه مصاب برجال حولوه لا يستحقون ولاية الكنس والرش للشوارع ولا وقادين في الحمامات ولا بوابين للحانات كما يعلم هذا الخاص والعام والمصاب العظيم في الأمر العظيم لذا القضاء خطة عظيمة تستلزم التبحر في العلوم الشرعية والعدالة التامة بلا أدنى فسق ليكون نقيا وزاهدا فإن نص خليل في مذهبنا المالكي على حرمة تولية الجاهل وطالب دنيا فإذا بأكثرهم ممن عرفناهم أفسق من قردة فلا صلاة ولا زكاة ولا حج ولا عفة فإن بعضهم ينشد لسان حاله:

(وكنت امرء من جند إبليس فارتقى ... بي الدهر حتى صار إبليس من جندي فلو مات قبلي كنت أحسن بعده ... طرائق فسق ليس يحسنها بعدي) ومن عادات الزواوة عدم مصاهرة الشرفاء والمرابطين لغيرهم نعم إن الكفاءة معتبرة في الإسلام ولكن من الزوج أن تكون كفؤا للمرأة لا العكس والزواوة عمموا وهذا تشديد لا يليق. ومنها أنهم إذا اقتتلوا أو تشاجروا فإن الشريف أو العالم الصالح يكون في الحياد التام ويدخل بين صفوف المتقاتلين للصلح ويدفع ذلك باليد وذا باليد ولا يجدون في أنفسهم شيئا ولا يؤذونه ولا يعارضونه وقد رأيت والدي رحمه الله في قرية صوامع في بني بوشعايب في وسط معمعة في سعة 1869م وأنا ابن أربع سنين داخلا علينا وهو رحمه الله ملطخ بالدماء وأنا وأختي وأخته عمتي ووالدتي نبكي فأهدأ من روعنا وقال لا تبكوا مرة أخرى إذا رأيتموني بين المقتتلين فإنهم لا يؤذونني لأني داخل مصلحا لا مقاتلا وما يصيبني من الدم إنما هو لتناولي الجرحى ودفع الأقوياء عن الضعفاء إلخ. قلت أن عادة كهذه من المدنية بمكان ويجدر أن تسطر بماء الذهب فإن جمعية الصليب الأحمر التي أسستها دول أوروبا منذ أمد غير بعيد لم تكن بهذه المثابة في هذه الحرب الأخيرة وكذلك قداسة البابا لم يحترمه المقتتلون هذا الاحترام في هذه الحرب بل كادوا يتهمونه بالانحياز والميل إلى فريق دون فريق والحال أن مقامه عندهم مقام العصمة.

ومنها أن الشرفاء والصلحاء في الزواوة يفصلون في الدماء ويحكمون في قضاياها ولا إعادة فيها ويعتبرون ذلك حكما ربانيا حتى إذا خالفهم أحد فدعوتهم عليه أو له مقبولة وهكذا شأن الزواوة في الانقياد للشرفاء والصلحاء والعلماء وتقدم أنهم انقادوا لدعوة الإدريسيين والفاطميين الشيعيين فهذه العادة التي قبلها وغيرهما من امتثالهم يحق أن تكون من المعلقات التي يفتخر بها الخلف بالسلف لو يعتني القوم بهذه المحامد ويتنافسون في خلالها ويطرحون الخلال الشائنة. ومنها عف اللحية وينكرون أشد الإنكار حلقها ويضربون المثل في المغالطة فيقولون في المخدوع حلقوا له لحيته والمعنى أنه مغفل ولكن منذ مدة يسيرة سرت إليهم عادة حلق اللحية التي عمت الآن العالم الإسلامي وهي مخالفة للقواعد العربية من أخلاقهم وللسنة النبوية وعمل السلف الصالح وقال النسابة ابن الكلبي كان للعرب خاصة عشر خلال لم تكن في أمة من الأمم خمس منها في الرأس وخمس في الجسد فأما التي في الرأس فالفرق والسواك والمضمضة والإستنشاق وقص الشارب دون اللحية وأما التي في الجسد فتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة والختان والاستنجاء ..... ومنها تركهم الأظافر ليتخامشوا بها وهي عادة شنيعة تشوه الوجه المتحرم الذي ورد النهي عن ضربه لأن الله تعالى خلق آدم على صورته ولكن عامة الأمم تضرب للوجه ولم يتق أحد الوجه حتى الوالدان فإنهما يضربان أولادهم للوجه ويلطمانهم ويا حبذا لو وضعت قوانين لهذا الأمر.

الإصلاح المطلوب

ومن عادة بعض مرابطين الزواوة تذكير المرأة بلبس البرنوس حين السفر القصير سترة ونعيمة وهي عادة قبيحة مذمومة ورد النهي في ذلك ولعن الله المتشيهين والمتشبهات وأنه من مصادمة الطبيعة وسنن الكون كما قدمنا وأن كان قد يجوز التنكر وقد يضطر إليه في بعض الأحيان لأسباب ولكن إذا زال السبب زالت العلة وارتفعت والسب ما يلزم من عدمه العدم ومن وجوده الوجود لذاته. والخلاصة أن العادات كثيرة غالبها كما تقدم من المستحسنة والمستهجنة وإنما يلزم أن تعرض كلها على ميزانية الشريعة فما صادقت عليها الشريعة يقرر وما لا فلا. وإن الله لهادي الذين أمنوا إلى صراط مستقيم. الإصلاح المطلوب أكتفي في هذا الباب بما حررته في كتابي "الإصلاح" حين كلامي على زوايا الجزائر عموما وعلى زوايا الزواوة خصوصا فأورده بتمامه وهو: الزوايا في بلادنا الجزائر عبارة جوامع ومقامات يجتمع فيها الناس للصلاة والبيات والقرأة وهذا مراد مؤسستها وتوجد في قرى الشرفاء والمرابطين وأهل الصلاح المتدينين من العرب والبربر فلنعم المبدأ ولنعم الغاية وهي - الزوايا - كثيرة في بلاد الزواوة حتى قيل أنهم لقبوا الزواوة لكثرة زواياهم وهي منقبة تذكر فتشكر وعلى ذلك أثنى العلامة ابن خلدون حين كلامه على البربر كما تقدم وقصدنا الآن أن نقول أن تلك الزوايا لطول الأمد عليها وقدم عهد تأسيسها وعدم تعهدها بالإصلاح تكاد تكون عقيمة إذ لم يحسن شيء منها منذ تأسيسها الذي يرجع إلى القرون الأولى والحال أن الضرورة تقتضي بالتجدد والإصلاح

على حسب الزمان والمكان وكذلك لابد من التبصر والتدبر في مقاصد المؤسسين رحمهم الله لا لنتخذهم أولياء وشفعاء وتطوف بقبابهم ونستلم أحجارهم ونتظر تصرفهم فينا ونسند إليهم ما يصيبنا بسبب تقصيرنا ونقسم بهم وعليهم وحتى ما يصيبهم هم أنفسهم في مقاماتهم وقببهم ذلك إذا تهدمت وتخربت أو أصيب أولادهم فنقول أن الشيخ الولي رحمه الله هو الذي شاء ذلك ولو لم يشأ ما وقع وهذا كفر صراح وضلال واضح وهو مما يسخط ذلك الولي الصالح المؤسس ويتبرأ من أعمالنا إذا قال له الله يوم القيامة: ءأنت قلت للناس اتخذوني متصرفا وأن جميع ما يصيبكم وما يصيبني أنا نفسي ولو لم أشأ ما وقع فيقول {سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب} إني أسست زاوية ومسجدا للصلاة والاجتماع والتعليم وليتبصر العباد سبيل الرشاد. قلت إن مراد المؤسسين لا يخفى إنه اجتماعي ديني علمي فالاجتماع للصلوات المفروضة وللنظر في شؤون جماعتهم من فصل القضايا والإصلاح بين الناس والتعاون في القرى عند اللزوم والدفاع والهجوم إلى غير ذلك من التضامن الاجتماعي الطبيعي في كل زمان ومكان وقد اتخذ ذلك نصارى أوروبا فحرمناه نحن لأنه من فعال النصارى، والدين جاء للنظر في شؤونه من دراسة العلوم الشرعية، تفسير، حديث، فقه، علم الكلام، وما به يتوصل إليها من العلوم العربية آلات تلك العلوم وكون المؤسسين خصصوا القرآن فقط بناءا على أن المبادئ بالترتيب الطبيعي فالصبي قليل الفهم والإدراك كثير الحفظ فأسسوا له لمبادئ تعليمه قراءة القرآن أو أن

ذلك هو حد المقدور عليه ثم يتدرج إلى طلب العلوم الشرعية فالعقلية إلخ ... إذ القرآن يستلزم العلوم كلها وبالأخص العلوم العربية لغة نحوا وصرفا ومعاني وبيانا وخطا وإنشاء وشعرا وقوافي وقد نظمها بعضهم ..... نَحْوٌ وَصَرْفٌ عُرُوضٌ بَعْدَهُ لُغَةٌ ... ثُمَّ (اشْتِقَاقٌ) * وَقَرْضُ الشِّعْرِ إنْشَاءُ كَذَا الْمَعَانِي بَيَانُ الْخَطِّ قَافِيَّةٌ ... تَارِيخُ هَذَا لِعِلْمِ (الْعُرْبِ) * إحْصَاءُ ولابأس أن نضرب لذلك مثلا فمن يقرأ القرآن الكريم ويحفظه كمن بملك عقارا (......) * وهو فقير لا يملك آلة ولا له هندسة يستخرج بها (......) * فإنه أعلم بذلك يلزمه السعي في طلب الآلات والمهندسين والعمال وإلا فهو خاسر والمعنى واضح وربما كان هذا مراد مؤسسي الزوايا رحمهم الله وهو من باب الدخول في الأمور بالرفق والتدرج المحمودين لا لنحمد على حفظ القرآن لنتغنى به وليقال فلان حافظ القرآن ولنعم الأمر ولكن ما فائدته وما أغنى عنا؟ كما في مصر والشام لهذا العهد فإن بعض الأعيان وذوي البيوتات العظيمة يرتبون قراءة في أيام معلومات في بيوتهم غالبا أو في القبور فيحظر القارئ ويشرع في قراءة القرآن ولكن سر القراءة مجهول لم يعرف أو عرف ولم يعمل به فلذلك ترى القارئ مدخلا إلى بيت أو زاوية من زوايا الدار لا في بيت الاستقبال بل في دهليز أو بيت وضيع حقير أو زاوية نسج فوقها ¬

_ * كلمة غير واضحة في النسخة * كلمة غير واضحة في النسخة * كلمة غير واضحة في النسخة * كلمة غير واضحة في النسخة

العنكبوت قاعدا وحده فيقرأ ويغني ثم يخرج وقصد القارئ واضح هو أخذ أجرته وأما قصد صاحب الدار وربتها فهو إما للبركة ولكن لا بركة مع الإهانة لكتاب الله العزيز إذ لو كان داخلا على رب الدار وربتها طبال وغناء أو فونوغراف أو البيانو لرحبوا به ولجعلوه في (......) * وفي أعلى مكان منضد ولو كان رب الدار وربتها يعملان على علم وعلى سنة وعلى شريعة لعملا ذلك اقتداء (......) * من قوله تعالى مخاطبا نساء النبي صلى الله عليه وسلم وربات بيته {... واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة} ويا حبذا لو تقرأ محثل هذه السورة في البيوت على النساء ولكن أين الرجال من فهمها فكيف بالنساء، وإما ليقال أنهم رتبوا قراءة في بيوتهم ليحفظهم الله من الشيطان الرجيم والشيطان عامل فيهم بواسطة الجهل ما يروى غلته في بني آدم عدوه الأصلي القديم في عالم الغيب. نحد في عدة من الزوايا بالزواوة عشرات بل مئات من قراء القرآن ولهم نفقة جارية من مؤسسي الزوايا ومن العادات المستحسنة من تخصيص الزراع جزءا معلوما للزاوية جازاهم الله خير الجزاء ولكن للجهل ولسوء الإدارة لم تحصل الأمة على نتيجة مطلوبة إذ لم يتخرج لنا من تلك الزوايا في هذا العهد الأخير واحد في المائة (100/ 1) بل ولا في الألف إذا سألناه عن القرآن ما هو؟ ومن أين هو؟ ومن جاء به؟ ولأي شيء جاء به؟ وما فائدته؟ وما حكمه؟ وما المراد بحفظه؟ وما الحكم في حفظه؟ وإلى متى يتمادى في حفظه؟ ¬

_ * كلمة غير واضحة في النسخة * كلمة غير واضحة في النسخة

وإذا لم يحفظه فما عليه؟ وما يلزم طلب علوم وفنون آخر؟ وهل بلغه أن قواعد الإسلام الخمس تطالبه بإحكامها عند بلوغه طلبا جازما وإلا فهو مسؤول مثلما تطالبه الحكومة بالعسكرية لخدمة وطنه والدفاع عنه ولا يبقى مهملا وكذلك الشريعة الإيلامية تطالبه وأنه مكلف أيضا للعمل طبق الأحكام الخمسة: - الفرض - الندب - الكراهة - الحرام - الإباحة. ثم إن المفهوم والملكات والمواهب الإلهية تختلف باختلاف أصناف الناس فمنهم حافظ فيتمادى في الحفظ ومنهم فاهم فيتمادى في الفهم ومنهم كاتب فيتمادى في الكتابة ومنهم حاسب فيتعاطى الحساب ومنهم نحوي ومنهم فقيه ومنهم محدث ومنهم .. ومنهم. فيجب إذن أن يصرف كل ذي ملكة إلى ملكته وكل ذي فن إلى فنه ولو لم نبتل بسوء الإدارة والغفلة البالغة حتى البلاهة. نعم إن المؤسس لم يسعه الحال لهذا التصرف إذ ليس من اللازم أن يكون الشيء كاملا في ابتدائه وهذا ليس من طبيعة البشر والارتقاء وسنن الكون إنما هو أمر الله تعالى الذي يقول لشيء كن فيكون وأما أمور العباد وسائر المخلوقات فعلى سنة التدريج وكذا لفهم عمل المؤسسين في الزوايا ثم ما يمنعنا نحن بعدهم أن نرفع القواعد والبنيان الذي ابتدأوه وما يمنعنا أن نؤسس نقابة ومديرية ومفتشية ويجعلوا التعليم أقساما ويعينوا فنونا تدرس حسب أسنان الطلبة والأهلية التي فيهم والاستعداد الفطري في كل واحد منهم ويحددوا مدة للخروج من المدرسة - الزاوية - أم هم مستغنون عن وجود العلماء وتخريجهم من زوايا بلاهم بلادهم ولا حاجة لهم إلى فقهاء ومحدثين ونحاة ومتكلمين وبيانيين ومنطقيين وكتاب ومنشئين وحملة أقلام وجغرافيين

ومؤرخين وسواس واقتصاديين وإداريين وفنيين ومهندسين وصناع وتجار ومزارعين وكيمياويين إلى غير ذلك مما هو من لوازم المدارس والزوايا وإلا فما معناها؟ الإصلاح والأخذ بالجديد ضروري وطبيعي في حياة الإنسان تتجدد لوازمه تجدد الأيام، وتحدث له أساب بحدوث العوام، مثل إن يغسل الإنسان وجهه كل يوم ويقلم ظفره كل جمعة وكذلك يحلق شعره وينصف عمله ويصلح شأنه ويذبح شاة الأضحية كل عام وهلم جرا. وإن الزوايا مدارس ومساجد كما قدمنا تخرج منها رجال قراءة وعلماء وأئمة مرشدين ومصلحون كما أشرنا غير ما مرة وعلى الخصوص العظماء من العلماء كما سبق فإن لنا بهم فخرا وهداية ونقول أنهم أوائلنا وأبائنا تركوا لنا ذكرا جميلا، ومقاما جليلا، ومن يأتي في المستقبل (......) * فلا يجمل بنا أن يسجل علينا التاريخ بأنا حد مانع وحجز حاجز بين الأوائل والأواخر وأننا أضعنا ميراث من قبلنا وأهملناه وأنه لمن السفه في التصرف ولمن القصور والسقوط وخلاف المرجو والمنتظر فلا يجدر بنا أن نكون أفراد من يتمثلون بقول المعري: وإني وإن كنت الأخير في زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل والخل أن ذلك جائز شرعا وعقلا ولا يكون هذا إلا بالإصلاح اللازم والسير مع السائرين حذو النعل النعل كمن في القافلة وإلا فنحن منقطعون مضمحلون ونجد الخاص والعام منا لاهجا بهذا التخلف والاضمحلال منذرا بالفناء فعلام ذا القنوط المنهي عنه؟ نحن مكلفون، مسؤولون، إما مأجورون ¬

_ * كلمة غير واضحة في النسخة

وإما مأزورون ولا ينفعنا أن نكذب على أنفسنا وأو على الله أنا عاجزون بل إنا مقصرون ما دام لنا العقل والتصرف في شؤوننا الخاصة المعروفة بالحرية الشخصية فلم لا نتناول إذا مصالح إصلاحية عصرية وأن نجعل يدا في القديم الصالح ويدا في الجديد كذلك؟ والإسلام العزيز نفسه جاء بهذا المعنى ففد ثبت أنه أقر فقط على أشياء قديمة مستحسنة كالحج والطواف مثلا فقد أصلحهما فقط وكسر الأصنام ونهى عن أشياء يفعلونها نذرا كالطواف عراة حتى النساء لما في ذلك من المنكر وفساد الأخلاق ومعرة ومن الشواهد على ذلك قول ضباعة من بني سلمة: اليوم يبدوا بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله أجثم مثل القصب باد ظله ... كان حمى خيبر لا تمله فأصلح الإسلام خطايا من هذه وأثبت الحج الصحيح وإنما كلف العرب ذلك الضلال الولاة المتصرفون في بيت الله الزاوية العامة والقدوة التامة للمسلمين أفلا نستنبط من هذه وذكر صاحب الروض الأنف أن هذه المرأة مشهورة بالمعاني وذات القدر والجمال وخطبها النبي صلى الله عليه وسلم ولما بلغه ما قالت تركها وماتت أسى وحزنا على ذلك ومثل هذه من الخلاق والعادات التي أصلحها الإسلام كثيرة والإسلام العزيز جاء بالإصلاح العام في الدنيا كلها، وفي الأمم جميعها، وكان صلى الله عليه وسلم يستحسن كل نافع وينكر كل ضار ويتخذ كل حكمة وهو ينبوع الحكم ولا يأنف مما لم يعرف أو من جديد أشير به عليه من أمور الدنيا وقد أشار عليه سلمان الفارسي رضي الله عنه يوم الخندق بحفر الخندق فقال له يا رسول الله إنا إذا

حوصرنا خندقا فاستحسن ذلك صلى الله عليه وسلم فحفر بيده الكريمة وكسر الحجر بالمعول ولم يقل هذا عمل فارس عبدة النار وكذلك أشير عليه صلى الله عليه وسلم ليتخذ خاتما ولم يقل هذا عمل العجم كما ابتلينا نحن في هذا العصر في خصوص هذا القطر السيئ الحظ كلما أخذ أحد بعمل ما إصلاحي ضروري وكان ذلك العمل تعاطاه اليهود والنصارى نقموا منه وتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم والحال أنا نرى الأعمال الجليلة الصالحة النافعة كلها اتخذها جيراننا اليهود والنصارى فعلى هذا لا يبقى لنا إلا أن نشد الوثاق على أيدينا ونتهم عقولنا ونعقل أرجلنا فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ويا للغفلة والغرور عجبا ثم عجبا بمن يبلغ به الجهل والغرور والعمى أو التعصب الممقوت إلى هذا الحد وينكر فنونا ومعارف وعلوما ونظامات في المدارس وسائر الأعمال في جميع الإدارات وتراتيب في الأمور الاجتماعية يراها الأعمى ويسمع بما الأصم ويحس بها الجماد فلا أقسم برب المشارق والمغارب أنه لو كان صلى الله عليه وسلم حيا لأشار علينا بكثير من تلك الأشغال والمصالح النافعة في جميع الشؤون الاجتماعية لما تمخضت بها أوروبا ومخض رجالها فأخرجوها من العدم إلى الوجود وخصوما نظام المدارس والأسلحة والأدوات والآلات والتجارة والصناعة والزراعة وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم يستعرض الشبان ويجيز ويترك فاستعرض ذات يوم شابين فأجاز أحدهما وترك الآخر فقال الصبي بل الشاب الذي تركه لم لم تقبلني يا رسول الله؟ أتأذن لي أن أصارع صاحبي الذي أجزته؟ فأذن له صلى الله عليه وسلم فصارعه فصرعه فأجازه وثبت أنه ألزم الأسارى تعليم أبناء

المسلمين القراءة والكتابة إذ لا يعقل أن يروج شيء في عصر فيستحسن ويؤخذ به كالسلاح مثلا والمراكب البرية والبحرية والميكانيك في الفابريكات والمعامل فيتعاطى ذلك أقوام ويحرمه أقوام فإن ذلك يؤدي لتخلفهم وفنائهم لو لم نتخذ كل من فرنسا وانجلترا بجميع ما أخذت به ألمانيا من ضروب فنون السلاح والنظام والطيران وسائر المخترعات كاتخاذهم مثلا المضادة للغازات السامة وللتوربيل وللمدافع الرشاشة التي قابلوها بالتانكس التي لا تعمل فيه المدافع وهي دابة دبابة تخوض غمار المعامع ولا يصدها شيء واشتكى منها الجند الألماني الذي كاد أن يقف دون مرامه وقل كذا الطيران وفي الأيام الأخيرة من الحرب أسقط الجندان الفرنساوي والإنجليزي ثمانين طيارة من طيارات الألمان في ميادين القتال بفرنسا فقلت لصاحبي الشيخ خالد النقشبندي الدمشقي ونحن بمصر نقهر جيش ألمانيا عن قريب لأنها تعجز عن خلف هذا العدد الذي يدل على تفوق فرنسا وإنجلترا وأمريكا فما لبثنا غير أيام حتى طلبت ألمانيا الهدنة المنعقدة في (سبا) فكثر إعجابي باسم (سبا) المشابه تماما لسبأ اليمانية التي جاءت فيها الآية بخبر عجيب أيضا في قضية ملكة اليمن بلقيس فقال تعالى حكاية عن الهدهد {وجئتك من سبأ بنبأ يقين} فقلت لشيخ خالد لعمرك أن هذا الخبر يقين على انتهاء الحرب لأنا ننتظر ذلك جميعا لنجتمع بأهلينا المعتقلين في بر الترك وهذا معنى قولهم التاريخ يعيد نفسه وقولهم ما أشبه الليلة بالبارحة فاعتبروا يا أولي الأبصار وبالجملة من لا يأخذ بالإصلاح والجديد فهو مسؤول لدى الله ورسوله عن نفسه وجنسه ووطنه ودينه خائن في ذلك كله، وباء بإثمه هذا وأرى إيراد فصل

الإصلاح الإسلامي

كتبه في الإصلاح محبنا العلامة الشيخ عبد القادر المغربي الطرابلسي الذي كان يحرر بجريدة المؤيد الشهيرة وهو ممن إذا عبر حبر، وإذا أنشأ وشى وهو هذا نصه: الإصلاح الإسلامي الباعث عليه - المطلب به - فهرست أركانه - فلنا في مقال سابق أن هذا الإصلاح الذي سماه المرحوم جمال الدين حركة دينية لا يمس جوهر الدين ونصوصه السماوية وإنما يتناول تمييز التقاليد التي اقتبسناها عن الأمم الأخرى بواسطة الاختلاط بهم بواسطة أفراد من علمائهم دخلوا ديننا وحملوا إلينا مزاعم من دينهم، ثم تمييز الآراء الاجتهادية أصبحت على طول الزمان كأنها أقوال الشارع نفسه بحيث أصبحت لا تجوز مصادرتها ولا التردد في قبولها، نميز كل هذا عن نصوص الدين الأصلية ونحدد مقاصده السامية ونقف على أسراره العلمية ونسعى في إيجاد طرائق تعليمية تقرب الدين للأفهام ونسهل تحصيله ونشره بين الأنام، إهمال المسلمين للإصلاح أن غدروا فيه فيما مضى من الزمن فإنم لا يغدرون فيه اليوم وقد أصبحت المادة المعنوية بيد الشعوب الأوروبية وصار لهم بهاتين القوتين حق الإشراف والوصاية على الحالة الاجتماعية العامة في العلم الإنساني ومهما حكموا بأن الشريعة وكذلك التعليم يتنافى والمدنية أو لا ينطبق على مصالح البشر كان قولهم المسموع ورأيهم المتبوع فإذا لم نثبت بأن ديننا يواخي المدنية ويلائم المصالح

البشرية كنا مسيئين إليه وإلى أنفسنا فتتلاشى قوميتنا (¬1) وينهار بنا عزنا، إن عقلاء الإفرنج لكثرة ما خالطونا عن طريق قراءة أخبارنا واستعمار بلادنا والسياحة والتجارة بيننا - أصبحوا يعدون لنا من المذام والمساوئ الدينية والأدبية والاجتماعية ما لا يخطر لنا ببال وقد يتفق أحيانا أن يعجب بعض أولائك العقلاء بما تضمنته قرءاننا من الحكم الرائعة والآداب الناصعة والقواعد الجامعة فيجهر في محافل قومه بأن الإسلام من خير أديان البرية دينا وأنه ملائم لمصالح البشر وليس في أصوله ما يتنافي المدنية الصحيحة ثم يستنتج من ذلك كله أن المسلمين خير الأمم دينا وأدبا وفضيلة ونظاما اجتماعيا حتى إذا ساقته المقادير أو أحب الاستطلاع إلى بلادنا وأشرف من كتب على نوع حكوماتنا ومحاكمنا وأطوار خاصتنا وعامتنا وأحوال عائلاتنا (¬2) ومجتمعنا وسائر ضروب أشغالنا ومعاملاتنا. رجع القهقرى عن رأيه وندم على ما كان من التسرع في حكمه وعاد إلى قومه يئسا وعن مدحه الإسلام والمسلمين ساكتا وقد قال المرحوم جمال الدين مرة: إن عقلاء الإفرنج يتدبرون آداب القرآن وتعاليمه العالية ويحكمون بأنه خير قانون للإصلاح في شؤون البشر ويهمون أن يسلموا ثم ينظرون من خلال القرآن وتعاليمه العالية إلى الأمم الإسلامية السائمة في أسيا وإفريقية يرونها من أحط الأمم شأنا وأشدها ابتعادا عن روح الدين والمدنية وممارسة الفضيلة فينفرون من الإسلام وينظرون إلى القرآن كالمرتابين فيه وفي صلاحيته لأن يكون سلما ترتقي عليه الأمم إلى معارج المدنية والعمران وبعد أن رأوا ما رأوا من حالة أتباعه وهكذا ¬

_ (¬1) لو قال جنسيتنا لأصاب لفظة قومية تركية. (¬2) وكذلك لو عبر بالأسرة عن العائلة لأن لفظة عائلة غير صحيحة في المعنى

يدعوهم القرآن إلى الإسلام وينهاهم المسلمون عنه ثم قال جمال الدين فالواجب علينا قبل كل شيء أن نثبت للأوروبيين أننا غير مسلمين وبهذه الصورة يمكن أن نجلبهم إلى الإسلام ونحسن اعتقادهم فيه ولو اقتصر الأمر على هذا لهان ولكن قد نبت من المسلمين وفي بلاد المسلمين طائفة عظيمة من الشبان تعلموا العلوم العصرية وتثقفوا بآداب الإفرنج ودرسوا قوانين الاجتماع الحديث وعرفوا بسبب ذلك من أطوار البشر وطبائع العمران ما لم يعرفه سواهم وقد أخذوا يقارنون بين ما يعرفون وبين ما ورثوه عن أسلافهم فنكروا أشياء كثيرة مما يعده المسلمون دينا ولما لم يجدوا أحدا يزيل شكوكهم ويزيح عنهم ما خاطرهم من الريب فيما إذا كان الدين الإسلامي يصلح للبشر أو لا يصلح؟ وجود هذه الطائفة المتنورة في بلاد المسلمين من أقوى البواعث على الإصلاح الديني ووجوب السعي إليه من بابه وأن لم نفعل اختل نظامنا ودخل الفشل والعدو بين صفوفنا يحاول قوم من الجامدين أن يأخذوا أولئك المتنورين بالتقليد الأعمى وأن يحملوهم على الإذعان والتصديق بمجرد نقل النصوص وسرد أقوال المتفقهين ولكن محاولة هذا منهم مقاومة للطبيعة وهو أمر مستحيل، عقل حر في نفسه، حر في حكومته، حر في عصره حر في الوسط الذي يعيش فيه تكلفه أن يقلد غيره تقليدا أعمى اللهم إن هذا تكليف ما يطاق، تكليف لم يرضه الله تعالى للمشركين في أزمنة انغماسهم في الجهالات وظهور الخوارق والمعجزات أتراه يرضاه للمتنورين في أزمنة الاكتشافات والاختراعات وأتينا العلم على المشاهدات والمجربات - للتباطئ في الإصلاح وإبقاء ما كان على ما كان حمل أناسا من هذه الطائفة المتنورة

على نبذ الدين باطنا واكتفوا من إسلاميتهم بالرسوم الظاهرة فتراهم يشهدون احتفالات الأعياد والمواسم ويمشي بعضهم في الجنائز وإلى مقابر المسلمين وإذا دعي إلى عقد نكاح استمع خطبة الشيخ بأدب واحتشام وغير ذلك مما من شأنه أن يساعد على الامتزاج بأهله ومواطنيه ويجعل عيشه معهم طيبا هادئا ومنهم جماعة يعتقدون الإسلام لكنه لا يعرفه جمهور المسلمين ولا يعترفون بصحته وأساس اعتقاد هؤلاء الإذعان لكلام الله وحده وإذا احتج أحد بكلام غيره عرضوه على عقولهم ومصالح البشر ونواميس الاجتماع فإذا وافقها قبلوه وإلا رفضوه فالعملة عندهم البرهان لا قال فلان وروى فلان ومن عجيب أطوار أفراد هذه الطبقة أن ترى الواحد منهم لا يصلي ولا يصوم والصلاة والصوم من أركان الإسلام الخمسة كما لا يخفى لكنك تراه كبير النفس قوي العزيمة ثابت الجأش كثير الأدب لا يكذب ولا يغش ولا يداهن ولا يتملق ولا يخضع ولا يشكو ولا يطمع وهو شديد الغيرة على الإسلام مجتهد في خدمته عامل على رفع شأنه بكل قوته إذا سمع طعنا فيه أو افتراء عليه قامت قيامته فيكتب ويخطب في الرد على الطاعنين وتسفيه آرائهم ويأخذ في تعداد مناقب الإسلام ومزاياه الجمة التي يفضل بها سائر الأديان ثم أنا نقارن بين هذا المسلم ومسلم آخر من الطبقة الجامدة فنراه يصلي ويصوم ويقف على الضريح خاشعا ضارعا ويتأدب مع القرآن فيدعي أن عقله عاجز عن فهم أسراره والنطق بعجائبه فهو من أجل ذلك يتكل على ما حققه "الشرنبلالية" "الولواجية" و"الانغروبة" و"العالمكيرية"، وليس هذا وحده بل ترى خلافه أمشاجا من الكذب والصدق والنفاق

والإخلاص والتواضع والكبر والغش والخداع إلى غير ذلك مما هم في جانب والإسلام في جانب ثم ترى هذا المسلم يعيب المسلم الأول ويحتقره ويفسقه إن لم يكفره فكيف نحكم إذا فاضلنا بينهما ولا يلزم إلا الإصلاح لأن كليهما في خطأ من جهة وعلى صواب من جهة فلا نغفل هذا الخرق ولا نتهاون في ترقيعه أظن أنه قد اقتنعنا معشر المسلمين بوجوب الإصلاح فلا نجمد إلى حد أن نعطل أحكام العقل ولا نتساهل إلى درجة نتهاون معها بحدود الشرع بل نعتقد ونعمل بكل ما شرعه الله لنا بطريقة النقل الصحيح ثم نتساءل عمن يتصدى لهذا الإصلاح وممن ننتظر القيام بأعبائه؟ كنا أوجزنا في مقالنا السابق وأشرنا إلى أن الإصلاح الديني م وظيفة من وظائف علماء المسلمين وأنهم إن لم يقوموا به لم يقم غيرهم به وإن هم شغلوا عنه كان سواهم عنه أشغل. وقد يقولون إن كان لابد من هذا الإصلاح فينبغي أن يكون المطالبون به هم الحكام والرؤساء والعظماء والأغنياء. أما علماء الدين فمعظمهم قد شغلهم أمر دنياهم عن النظر في أمره وإن فرغوا فليس معهم مال ليساعدهم ولا لهم عصبة تعضدهم بمثل هذا الكلام يحاول العلماء زحزحة عبء العمل عن عواتقهم وإلقائه على عاتق غيرهم ومن الغريب أن يوجد قوم من الشبان المتحمسين يذهبون إلى أن الإصلاح الإسلامي لا يتأتى للمصلحين ما لم يقوموا بتأليف جمعيات ثورية تسعى في قلب المجتمع الإسلامي رأسا على عقب ثم يعودون فينشؤونه خلقا جديدا ومن لطف الله إن كان هذا الرأي قاصرا ومقصورا على ذوي الأمزجة العصبية الشاذة وهم قليلون في شبابنا المتنورين وهذا ما جعلني أرتاب في السيد جمال الدين منذ قال لي لابد في الوصول

إلى الإصلاح من حركة دينية فحسبته من أولئك النفر القائلين بلزوم تأليف الجمعيات الثورية حتى فسر لي الحركة الدينية بالإصلاح الإسلامي الذي أبنا فيه وشرحنا قوادمه وخوافيه. إصلاحنا المنشود ليس بدعا من كل إصلاح ديني أو اجتماعي قامت به جماعات البشر وحصل في أزمنة التاريخ القديم والحديث فهذه الإصلاحات إنما يقوم بها أولئك الذين لم تلههم مناصب الجاه ولا مظاهر العظمة عن النظر فيما حل بقومهم من البؤس والشقاء والبحث عن أسبابه ووسائل النجاة منه أمثال هؤلاء وهم المرجوون للبحث في الإصلاح لا أولئك الرؤساء والعظماء الذين يشعرون بالحاجة إليه وقد يأنفون من الاشتغال به بل ربما قاوموه أشد مقاومة لأنه قلما يخلو من تحطيم امتيازا تهم وزحزحتهم عن مستوى عظمتهم وهكذا كان شأن الرؤساء في كل انقلاب ديني وقد عاتب القرآن النبي صلى الله عليه وسلم في جملة آيات على عنايته بأمر كبراء العرب وانتظاره انتشار الإسلام بواسطة إيمانهم وكان صلى الله عليه وسلم حريصا على دعوتهم وإقامة البرهان لهم وكان اشتغاله بهم يدعوه أحيانا للإعراض عن المستضعفين والتولي بوجهه الشريف عنهم ظنا منه أن هؤلاء تبع لأولئك الرؤساء وأن الرؤساء متى أمنوا آمن معهم المستضعفون. (تنقص ص 82 من النسخة التي بين أيدينا وتبدأ الصفحة 83 الآتي): فرديا وإنما يكون جماعيا فيجتمع المجتهدون ويقررون الحكم بالأكثرية. الخامس - أن ننظر إلى جميع المذاهب على السواء فلا نفرق بين الأئمة ولا نلتزم لقول إمام بعينه وإنما يأخذ أهل كل عصر من مذهب كل إمام ما يناسب مصلحتهم.

السادس - أن يكون مدار الأحكام الشرعية والمعاملات القضائية المصلحة فهي المحكمة في كل محكمة والمسؤولة في كل مسألة. السابع - أن لا نحدث في الدين حدثا ولا نبتدع شيئا كبيرا بداعي أن له في السنة أصلا صغيرا وإنما نقف عند حد ما ورد عن الشارع وثبت في السنة بقدره. الثامن - أن نميز العقائد الدينية عن التقاليد التي مرجعها النقل الأحادي أو الرأي الاجتهادي أو مجرد الشيوع بين الأشياخ فلا نكلف أنفسنا عقائد لم يكلفنا إياها الشرع ولا نكفر مؤمنا إلا إذا أنكر عقيدة ثابتة لا تقليدا مرويا. التاسع - أن لا نعتمد في تصحيح الحديث على صحة روايته ومسنده وحدها بل ننظر في متن الحديث ومدلوله ومضمونه فإن وافق أصول الدين وآي القرآن قبل وإلا رد مهما كان أمر سنده وروايته. العاشر - أن لا يجري قياس واستنباط في العقائد والعبادات والشعائر بل نعتمد فيهما ظاهر النص وإنما القياس في المعاملات الفقهية وكل ما يتعلق بالقضاء ويختلف باختلاف الزمان والمكان ويسمى اليوم الحقوق المدنية. الحادي عشر - أن نرفع من شأن العمل قليلا فلا نزعم أن المسلم ينجو بمجرد أقوال رددها وتقاليد يبطنها وحركات يأتي بها المسلم بل المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. بفعل وعمل الأعمال التي حث عليها الإسلام وتخلق بالأخلاق التي أمر بها وإلا كان الدين دعاوي فارغة وألفاظا مهملة أو يقال كان الدين عبثا أو الوحي سدى. الثاني عشر - أن نرفع أيضا من شأن الأسباب قليلا ونعتبرها مظاهر لإرادة الله تعالى وقدرته فلا نهملها إلى حد أن نقول أن السم لا دخل له

اللائحة نظام التعليم وبيان طرقه

في الموت للذي تناوله فمات به وإن هذا التناول لو لم يتناوله لمات حتما وإلا تعطلت الحدود وشك في حكمة المعبود. الثالث عشر - أن يترك الفقهاء كثيرا من النظريات والمسائل إلى أرباب الاختصاص في علومها فلا يكون الفقيه طبيبا أو مهندسا أو كيمياويا وقائد حرب إلخ ... وإنما يبحث فيما يعلم ويدع ما لا يعلم هذا ما خطر لي جمعه من كليات الإصلاح وقواعده الأساسية وقد أتذكر في وقت آخر أو يتذكر غيري ما ذكرت فالحق به إن شاء الله اهـ من جريدة المؤيد بتاريخ 24 ذي القعدة الحرام سنة 1327م. اللائحة نظام التعليم وبيان طرقه من القضايا المسلمة أن التعليم من جملة الصنائع والمعارف، وأن الصنائع والمعارف تختلف، في الإجادة والإتقان، حسبما نرى بأعيننا، وندرك بعقولنا، وليس خطي هذا خط غيري، ولا إنشائي هذا كإنشاء غيري، إذ قد يوجد من هو أكثر مني وأفضل، ويوجد من هو أدنى وأقل، ذلك أن المواهب المدنية مختلفة، والمدارك الإنسائية متباينة، وإن للتربية والتعليم لتأثيرا على حسب المنشأ والمحيط، ومن المحال أن يخرج عن ذلك أحد غير الأنبياء المختارين والمعصومين ومعنى المنشأ والمحيط الجماعة والجمهور والقبيل الذي يقوم فيه الإنسان وهو معنى الحضارة والعمران والحضارة والعمران على حسب الأمم والأمم على حسب سادتها وقادتها فيرجع الأمر إلى تأثير التربية والتعليم ويؤيد هذا كله الحديث "كل مولود يولد على فطرة الإسلام

فأبواه يهودانه وينصرانه" ثم أن لكثرة الأمة وقوتها تأثيرا في الأحوال وهو معنى الحديث أيضا "تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة" ومعنى هذا التمهيد لنثبت مصلحة الإجادة والإتقان الذين بارك فيهما النبي صلى الله عليه وسلم بدعائه: «بارك الله فيمن عمل شيئا وأتقنه» وإذا أثبت لزوم الصنعة والإجادة والإتقان وقيل ذلك لزوم الابتداء ولزوم الابتداء هو لزوم التعليم وهذه الأشياء كلها تستلزم الإصلاح أي قابلة للزيادة والنقصان على حسب مهارة المعلمين وفوق كل ذي علم عليم. إشكال أوردته على جملة من الطلبة والمعلمين والمتعلمين منذ ثمانية عشر عاما وهو ما لنا نرى التلاميذ الذين يتعلمون في المدارس الإفرنجية يخرجون في مدة اثنتي عشرة سنة يحسنون فنون منها الخط والكتابة والإنشاء والحساب والجغرافيا وتاريخ أوروبا ومعرفة رجالهم العظماء ويتقنون لسانا غير لسانهم ولغة غير لغتهم ونحوا غير نحوهم وصرفا غير صرفهم وفقها غير فقههم وأدبا غير أدبهم وغير ذلك من العلوم النافعة ونرى الذين يتعلمون في مدارسنا - زوايانا - يمضون أكثر من اثنتي عشرة سنة ولا يحسنون فنا واحدا من الفنون المذكورة في لسانهم ويا ترى ما السبب في ذلك؟ وما هذا العكس والنحس في التعليم الإسلامي؟ فوجم الإخوان وربما حسبني بعضهم شديد الجسارة غير هياب قليل الأدب لأقابل بين التعليمين وأقارن بينهما وأصرح بهذا كله بصورة استفهام إنكاري فأحببت: إن ذلك واضح له سبب وإذا تبين السبب زال العجب فالسبب الوحيد في ذلك حسن التعليم والإجادة في صناعته والأخذ بطرقه المفيدة النافعة وللتعاليم أبواب ثلاثة وهي بيوت الله يقول {واتوا البيوت

طرق التعليم التعليم الابتدائي

من أبوابها} ذكر لي إنسان أنه حضر ثمانية عشر مرة دراسة المقدمة الأجرومية الشهيرة وما فهم منها شيئا ثم حضرها عن طالب علم آخر مرة واحدة وما غاب عنه شيء من محتوياتها فاستفاد في نصف شهر ما لم يستفده في أعوام وهذا من حسن الصناعة والإجادة لا البركة فقط فإن الإفرنج كثيروا التحول والانتقال من صالح في الأفعال إلى أصلح ولا يضيعون فرصة بدت، ولا مصلحة ظهرت، وبذلك نراهم يدركون عدة فنون ومعارف في مدة اثنتي عشرة سنة مثل أن يدرك العربي المسلم - لو أصلحنا مدارسا وزوايانا - حفظ القرآن وتفسير الحديث والأصلين النحو والصرف والمعاني والبيان والمنطق والفقه والفرائض والحساب والجبر والمقابلة والهندسة وعلم الكلام والتاريخ والجغرافيا والكتابة والإنشاء والهيئة والفلك ومسك الدفاتر والاقتصاد السياسي والاقتصاد الإداري والطب والحكمة في المدة المذكورة اثنتي عشرة سنة وقد كان المتقدمون في الصدر الأول كما ذكرنا ثم اقتضى سوء الحال جحود أبائنا وتقهقرهم فما يمنع أن نرجع نحن ونتدارك ما كان لأوائلنا أرى وأنا زاولت التعليم مدة وتعاطيته بإخلاص ولي على ذلك شهادة مرضية وكان الأستاذ المرحوم خلقة الحفاظ ببلادنا الزواوة الشيخ محمد سعيد يقول مشافهة وفي ظهر الغيب من تعلم عندك سنة خير ممن يتعلم عندك غيرك عشرة أعوام وأود أن أجعلك مديرا عاما للتعليم العام في بلاد الجزائر كلها بالإصلاح. طرق التعليم التعليم الابتدائي أرى وأنا زاولت التعليم مدة وتعاطيته بإخلاص ولي على ذلك شهادة مرضية وكان الأستاذ المرحوم خلقة الحفاظ ببلادنا الزواوة الشيخ محمد سعيد يقول مشافهة وفي ظهر الغيب من تعلم عندك سنة خير ممن يتعلم عند غيرك عشرة أعوام وأود أن أجعلك مديرا عاما للتعليم العام في بلاد الجزائر كلها

- أرى أن يجعل الأولاد المتعلمون طبقات على حسب الأسنان ثم على حسب الاستعداد والإدراك أي قسما قسما ويكون تعلم الصغار من سبعة أعوام إلى اثني عشرة سنة مقتصرا على قراءة القرآن بإملاء وكتابة على قاعدتنا في الألواح من خشب أو قصدير أو (أوردواز) العناية بالحفظ وصناعته لأنه معراج وسلم إلى الأدب واللغة العربية فيتمادون إلى حد البلوغ مع قواعد عربية وسائل صرفية إلى دراسة الفقه والتوحيد والتفسير والتاريخ العام وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والجغرافيا والإنشاء والحساب والفرائض والمعاني والبيان والمنطق إلى أن يبلغوا ثمانية عشر عاما من أعمارهم فيريدون سنة أو سنتين في الأصول والعلوم العالية ودراسة السياسة العامة الدولية فيمتحنون أثناء تلك المدة ويتخرج منهم أفراد يتولون الوظائف التعليمية وغيرها (......) * مثل الزكاة تؤخذ من أغنيائهم فترجع على فقرائهم وهذا معنى التضامن الاجتماعي في العلوم السياسية. وأما الذين لم يحققوا ملكة في العلوم المذكورة فإنهم لا يحرمون أدب النفس وجزء من أدب الدرس مثل القراءة والكتابة فليستعين بذلك على صناعته وأرى أن يجعلوا قسما في التعليم للتجارة وأنها فن يدرس وأنه لمن أحسن الفنون لما فيه من تعليم حسن الخلق ومكارم الأخلاق وحسن المعاملة والرفق واللين المحمودين والاقتصاد والجغرافيا والحساب وغير ذلك مما هو من لوازم التجارة كمعرفة القوانين الوضعية وكلها مفيدة. ¬

_ * كلمة غير واضحة في النسخة

الكتب التي يدرسونها

الكتب التي يدرسونها الكتب التي يدرسونها أكثرها موجود وإذا احتيج إلى كتاب يؤلف باقتراح أما القرآن الكريم والذكر الحكيم فتكون قراءته برواية ورش على أسلوب شرعي يلقى كما عند المتقدمين فيلقن التلميذ تلقينا بينا ويقرأ بلحن عربي بقدر الإمكان (......) *. وأما الخط - فيؤخذ من دفاتر مرسومة لذلك ومن معلمين خصوصيين ويحدد على قواعد يصطلح عليها. وأما العربية - جمل من النحو والصرف فتؤخذ من الأجرومية والأزهرية والشذور والألفية (أمهات الأبواب منها إجمالا وتلخيصا وشرحا وافيا بينا مقنعا) وتطلع شراحها لا حواشيها ويطالعها المدرسون لا الطلبة ثم تلقى على الطلبة المسائل المحررة فيحفظونها ويكتبونها. وأما الصرف - فلامية الأفعال جوف الفرا يطلع شراحها المدرسون ويلخصون مسائلها ويحررونها فيلقونها على الطلبة إملاء ودراسة ويكلفونهم حفظها ويطالبونهم بمسائل منها عند الامتحان الذي يعز فيه المرء أو يهان. وأما الفقه - فيما أن المذهب مذهب مالك فيأخذون أولا في دراسة رسالة ابن أبي زيد سلما إلى المختصر المشهور والموطأ بشراح معتبرة لا الحواش وتحرر المسائل في جميع الأبواب وتلقى على الطلبة كما تقدم وبداية المجتهد ونهاية المقتصد. ¬

_ * كلمة غير واضحة في النسخة

وأما الأصول - فجمع الجوامع بالاختصار على نحو ما قدمنا يتعب المدرسون قبل الطلبة فيحررون المسائل ويلقونها على الطلبة فيكتبونها ويسألون عنها يوم الامتحان. وأما الحديث - فيأخذ في مصطلحاته ثم كتبه المعتبرة كالموطأ فإنه أصبح كتاب بمد كتاب الله كذا قال جميع الأئمة فلله در مالك ونحن قد أهملنا دراسة هذا الكتاب. وأما التوحيد - فيكتفى فيه بكتاب الإرشاد لإمام الحرمين ثم السنوسية المرضة ولكن باعتدال وعدم تشديد النكير ولعن المخالف والأولى السكوت عنه ومن يشتم الناس يشتم ولعل لذلك سمي التوحيد علم الكلام. وأما التفسير - فيدرس على طريقة تفسير ابن عطية والطبري ملخصا ما قيل في تفسير الآية من أقواله هو لا مما جمع. وأما التاريخ - فسيرة النبي صلى الله عليه وسلم لابن هشام والروض الأنف عليها وابن خلدون وابن الأثير وغيرهم من التواريخ العامة والخاصة واستيعاب الحوادث. وأما الجغرافيا - فيدرس معجم البلدان لياقوت الحموي وكتب جديدة ألفت في الموضوع كثيرة ومفيدة والخرائط المرسومة لجميع البلدان والممالك والدول. وأما الإنشاء - فمجموع مقالات الكتاب العظماء ومن القدما وأهل العصر فينتخب ذلك ويلقن الطلبة ويلقى عليهم ويطلب منهم النسج

الإدارة والتفتيش للزوايا

على منوالها وفي صبح الأعشى ما يرد الأعمى بصيرا وكذلك مقدمة ابن خلدون ومقالات ابن الخطيب وابن زيدون الأندلسيين وعبد الحميد الكانت (هكذا في النسخة والمقصود الكاتب) ورسائل الخلفاء ونهج البلاغة وأساس البلاغة وفي العقد الفريد والأغاني ما يغني عن عناء الأدب المدرسي وفي أحياء علوم الدين للغزالي ما يغني من عناء أدب النفس. وأما الفرائض - والحساب فالرحبية والدرة البيضاء وما ألف في الحواضر كمصر والشام لهذا العهد ثم مختصر خليل بشرح دريدر وتدريب المبتدئ للشيخ عليش. وأما المعاني والبيان - فيقتصر على متن التلخيص وشراحه والسمرقندية في الاستعارة. وأما المنطق - فيكتفى باليساعوجي فالسلم. وأما السياسة - فمقدمة ابن خلدون يصدق عليها المثل السائر كل الصيد في جوف الفرا. الإدارة والتفتيش للزوايا الإدارة أول خطوة المسيرة في الإصلاح وأم المسألة وأصلها إذ معنى الإدارة السياسية الرشيدة وحسن التدبير وهذا الأمر ليس باليسير بل هو الأصل والإكسير لطرق التعليم كما ذكرنا وكذلك التفتيش وهذان الأمران يؤخذان من العارفين الذين ينصحون وقد ترجم الخليفة المأمون عن اليونان علوما منها الإدارة وقد بلغ الإفرنج في هذا الزمان من حسن الإدارة ما به كفاية لمن يريد أن يكتفي وهذا آخر ما تيسر في وضع هذا الكتاب الذي يتقدم مثله في الموضوع وخدمت به الطائفة والأمة خدمة لم يخدمها أحد منذ قرون

وإخواني الطلبة وأولوا العلم يدركون ذلك في صريح الكلام لا في غضون، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وأنا اسغفر الله من سهو حصل، أو خطأ أو خطل، ولا حول إلا بالله العلي العظيم. ووافق الفراغ منه عشية يوم الأربعاء 19 ذي القعدة الحرام عام سبعة وثلاثين وثلاثمائة وألف. (وفي هذه الصفحة رقم 93 من النسخة المطبوعة التي بين أيدينا يعود شيخنا أبو يعلى الزواوي ويسجل هوامش أو يتدارك القضايا) - الفقرة التابعة لنومرو (1) من الصفحة الخامسة والعشرين - وتفسير العلامة أبي حيان الأندلسي الجياني المسمى البحر المحيط ما لفظه وقال أبو الريحان البيروني المنجم صاحب الكتاب (الآثار الباقية عن القرون الخالية) .. أبو بكر سمي ابن عمير بن أفريقش الحميري (يعني ذو القرنين) بلغ ملكه مشارق الأرض ومغاربها وهو الذي افتخر به أحد الشعراء من حمير حيث قال: قد كان ذو القرنين قبلي مسلما ... ملكا علا في الأرض غير مبعد بلغ المشارق والمغارب (......) * ... أسباب ملك من كريم سيد قال أبو الريحان ويشبه أن يكون هذا القول أقرب لأن الأذواء كانوا من اليمن وهم الذين لا تخلوا أسماؤهم من ذي كذي المنار وذي نواس اهـ والشعر الذي أنشده نسب أيضا إلى تبع الحميري وهو قد كان ذو القرنين جدي مسلما" وعن علي وابن العباس أن اسمه عبد الله بن الضحاك إلى أخره في التفسير البحر المحيط. ¬

_ * كلمة غير واضحة في النسخة

تتمة أجواد ونجباء الزواوة الوارد ذكرهم

تتمة أجواد ونجباء الزواوة الوارد ذكرهم في الصحيفة 112 محمد علي وأحمد، سعيد بن محمد علي عربي قشطرني (من بني عيسى)، السيد أحمد بن السيد حسن (ناث يعقوب)، السيد أحمد يونس بن السيد محمد مزيان (من بني إيرثن)، السيد أحمد عبد المؤمن مقدم الطريقة الشاذلية من (بني عيسى)، السيد سليم الهادي المستنطق، السيد إبراهيم اليحياوي، السيد سليم الحنفي، السيد علي اليعقوبي، حسين بن محمد سعيد فرحات، السيد محمد أمسون (من قرية امسونن) المشهورين بحمل السلاح والعمل به عند الاقتضاء، السيد عبد الغني (ناث عقيل)، السيد أحمد أبو حمو، السيد أحمد العربي، السيد الشيخ أحمد الزروق، سيد محمود الزروق (من بني إيراثن)، الحاج سعيد حموش، السيد محمد محمود (من بني يحيى)، السيد الهاشمي وأخوه السيد الشريف (من بني إراثن)، الشيخ أحمد رمضان، الشيخ إبراهيم عبد المؤمن، السيد عمر الطيب، السيد عمر بن محمد دحمان، السيد محمد مزيان (من بني واجون)، السيد طاهر مراو، السيد أحمد بن محمد مراو الشيخ طاهر السكلاوي، السيد أحمد منصور، السيد عبد الرحمان منصور، السيد عمر منصور،؟ السيد حسين منصور (من بني إيراثن)، السيد جعفر والسيد إبراهيم ابنا الشيخ الطيب المبارك، أحمد الخضير، الحاج سعيد العربي، أحمد جمعة، سعيد جارم، صالح بن رزقي فراوسن، الحاج إبراهيم (من بني ساريج)، السيد أحمد خالد، السيد سعيد خالد، السيد محمد بن الشيخ موسى، السيد الطيب أبو مهدي وابناه السيد محفوظ والسيد حسن، السيد بلقاسم بن محمد الفوضيل

(من بين يتسورغ)، أحمد قاسم بن قاسي، السيد محمد بن عمر القواص، السيد محمود الينيوي، السيد مصطفى الينيوي، السيد رشيد الهادي، السيد سعيد الهادي، السيد صالح الهادي خليفة وابنه السيد حسن الهادي، السيد محمد بن السيد أحمد المولود، السيد توفيق، السيد حسين ابنا السيد علي الشرفاوي، السيد عبده بن السيد علي طه لفقي وابنه السيد طه، السيد على القاضي، السيد حسن اليعقوبي، السيد مصطفى بن السيد أحمد الطرابيشي، السيد رزقي بن عبد الله ساريج، السيد سعيد عذني، الشيخ عبده بن علي عمر، السيد عبد الله والسيد حسن ابنا الحاج عمر الشريف (من يافا)، السيد حسن بن الحاج أحمد (من الرملة)، السيد سليم، السيد عبده ابنا السيد عمر (......) * محمد مزيان وأكلي أبو جمعة، السيد عبده بن محمد صالح يرقدار بشير بن محمد علي عربي قشطري، توفيق بن الشيخ العربي، محمد فرحات، محمد اعراب، الحاج فرحات بن عمر، محمد سعيد بن علي، وأحمد رضا الشائع، السيد محمد بن محمد الشرفاوي، السيد محمد بن شريف تقزوين، عبد العزيز بن السيد محي الدين اليعقوبي، السيد إسماعيل اليعقوبي، السيد كامل بن السيد الهاشمي (من بني ايراثن)، السيد عبد الله، السيد مصطفى والسيد مسلم ابنا السيد عبد الرحمان منصور (من بين ايراثن)، السيد علي الطالب، السيد إبراهيم بن السيد صالح الهادي خليفة، السيد كامل بن السيد رشيد الهادي، السيد إبراهيم السمعوني والسيد أحمد عيض والسيد صالح الحاج أحمد، السيد أحمد مزيان، السيد محمد صالح (من ديشوم)، السيد مصطفى الدلسي، محمد عرب ¬

_ * كلمة غير واضحة في النسخة

(من صفد)، السيد سليم الصالح، السيد أحمد الشريف، السيد عمر بن الشيخ من (......) *، السيد محمد عمر (من ماروس)، السيد الحاج شريف الزموري (من معذر). سنذكر فيما بعد إتماما للفائدة أسماء الرجال الذين دافعوا مع المرحوم الأمير عبد القادر عن قناصل الدول ورعياهم وحموا دماءهم أثناء حادثة الستين في دمشق الشام وهم: الحاج سيد العربي، السيد عبد الرحمان الواثقي وابنه أحمد وابن أخيه علي بن محمد، السيد محمد الطاهر، السيد محمد السعيد بن الطيب، السيد أحمد بن الشيخ، السيد العربي بن يحي وابنه محمد مزيان، السيد محمد بن الحاج علي وأخوه السيد محمد، والسيد سعيد، السيد بن زروق أخوه السيد زروق، السيد شريف، السيد الطاهر بن أحمد السكلاوي، الحاج الحسين، السيد محمد بن الحاج بن محمد الشريف، أحمد ادريوش، السيد محفوظ بن محمد وابناه محمد وأحمد، السيد الهادي بن محمد وأخوه الصادق، السيد السعيد بن الشيخ وابنه السيد علي، السيد محمد مزيان بن عمر وابنه السيد محمد، السيد مزيان لونيس، السيد علي بن محمد واكنون، محمد بن الجودي، السيد أحمد بن الدلسي، السيد السعيد المقدم، السيد الخضير بن محمد واعمر، السيد محمد النافع، عمران بن محمد، محمد واحمد، أحمد واعمر، السيد محمد سعيد السكلاوي، السيد محمد الطاهر بن السيد الطيب السكلاوي، السيد الشريف محي الدين، السيد منصور بن محي الدين، علي سالم بن محمد وأخواه أحمد بن سالم وعمر بن سالم، ابن الحاج ¬

_ * كلمة غير واضحة في النسخة

مختار، أب جمعة عاشور وأخوه سعيد عاشور، السيد محمد مزيان ايسغي، السيد أحمد المولود وأبنائه السيد العربي والسيد السعيد والسيد عمر، السيد محفوظ الفضيل وابنه محمد، السيد محمد زرقي، الحاج عمر بن سعيد، قاسم بن سليمان، نذير بن يونس، السيد محمد السعيد بن قاسم، السيد الحاج أحمد بن سعيد، والسيد الحاج جمانة وابنه السيد سعيد منصور، السيد الحاج السعيد واكنون، الحاج محمد الحداد، السيد محمد صالح بن شريف، السيد علي بن لونيس، السيد عمر بن أحمد، علي بن احمد الشريف، السيد سالم الميصر، السيد إبراهيم ينيوي، السيد أحمد كمون، السيد علي بن محي الدين، سعيد مصباح، السيد الحنفي، السيد سالم الهادي، السيد الوناس بن يوسف، السيد محمد مزيان الوريغي، عبد الله العربي، محمد مزيان بن مالك وابنه علي، إبراهيم بن محمد مزيان حموش، محمد سالم ادريرش، السيد أحمد قاسم الوريغي، السيد علي بن قاسم الوريغي، السيد محمد يحلم، السيد حسن بن يحلم، السيد شريف بن محمد، السيد محمد الصالح افليق، السيد أحمد القشطوني وابناه السيد السعيد والسيد عمر، السيد الربيع لفقي، السيد محمد الربيع وابنه السيد الصديق، السيد السعيد، السيد أحمد بنوجلميم، السيد عمر بن الشريظ، محمد سعيد مصباح، علي فرحات وأبنائه أحمد ومحمد وموحند، قاسم وعلي ومحمد أبناء علي أحمد، إبراهيم بن محمود نذير، السيد محمد بن محمد المحجوب، إخوة السيد محمد المحجوب، السيد الطاهر فرحون السيد طاهر بن مراو، عمر أزواو، سعيد بن لونيس، السيد أحمد بن علي وكنون، السيد علي بن مسعود، محمد بن عمر، الجميع من الزواوة.

تقريظ الكتاب

تقريظ الكتاب جرت عادة الكتاب والمؤرخين المتقدمين رحمهم الله أن يعرضوا ما كتبوا أو ألفوا على إخوانهم الكتاب العلماء أصحاب الفن لما عسى أن يظهر لهم في ذلك ويشهدوا على ما هنالك ويسمون ذلك تقريظا وأكثر المتأخرون في ذلك وبالغوا نظما ونثرا موافقين ومصادقين على ما يعرض عليهم صوابا أو خطأ والحق أن معنى التقريظ في اللغة كذلك أي مدح الكتاب أو المؤلف كيفما كان وفي القاموس "التقريظ" مدح الإنسان وهو حي بحق أو باطل .... ويظهر لي أن التقريظ إذا كان بسؤال وبطلب كما تقدم فهو باطل أما إذا كان بغير طلب وكان الحامل عليه الاستحسان فهو صواب والحال أن الكتاب استطاب سواء هو مقروظ أو غير مقروظ إذ من المأكول ما هو أفضل القروظ كاقتطاف القطائف فالحكم إذا للذوق السليم والعقل الحكيم حسن الكتاب إذا قرظ نفسه بنفسه وتجلت الحقائق التي ... تنقص الصفحة 100 من النسخة المطبوعة التى بين أيدينا المنيف ثم إنني تتبعت تلك الصحف السبع وتدبرتها حرفا حرفا وراجعتها مرارا بلا خفا إن تنفست الصعداء وعلمت أن القول قول الفصل وما هو بالهزل وأقسمت برب السماء والأرض أنه لحق مثل ما أنكم تنطقون، وإن فريقا منكم ليكتمون الحق وهم يعلمون لله دركم من إحاطتكم علما بتلك الجمل التاريخية المفيدة أن في ذلك لعبرة. وقال في رسالة ثالثة جوابا عن تعزية: وبعد قعد ورد علي مكتوبكم الأخير وفيه من الموعظة الحسنة والذكرى النافعة ما به كفاية والله ثم والله ما وعظني

أحد اتعظت لوعظه ولا ذكرني أحد فذكرت لذكراه مثلما حصل لي من كتابكم هذا الذي قام لدي مقام شخصكم فكأنكم شافهتموني بما احتوى عليه من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي أعيتنا عند تدبرها دامعة، وقلوبنا خاشعة وبقضاء ربها راضية وإلى حكمه راجعة فوعظت فكنت من الواعظين وذكرت فكنت من المذكرين فجزاكم الله عنا أحسن الجزاء ... إلخ. وكاتبني الشيخ طاهر الزواوي ثم الدمشقي الشهير بالجزائري جوابا عن رسالة لي إليه في شأن الزواوة وخصائصهم قبل اجتماعنا إذ هو بمصر وأنا بالشام فقال: أحيي فيك نزعة إصلاحية ونهضة زواوية وقد أثبت لي كتابك هذا ما بلغني عنك من غير واحد ثم اعلم أن تاريخ الزواوة تاريخ مجيد وتراجم علمائهم أشهر من أن تذكر وأكثر من تحصر وإنما يلزم أن تحرر لنا رسالة في لسانهم قل الشروع في تاريخهم - وتقدم ذكر هذا المعنى - وفي الديباج المذهب في أعيان المذهب وتاريخ ابن خلكان والسخاوي وغيرها من الكتب جملة من علماء الزواوة فراجعها ... إلخ. ولما اجتمعت به بمصر وسكنا معا مدة خمسة أعوام تقريبا كلفني بتحرير مقالات كثيرة وبتأليف في النحو وآخر في إلزام الشبان الأصحاب التدين وألح علي في إثبات مذكراتي ونظراتي في السياسة وكان معجبا بها شهادة الإخوان الشاميين والمصريين الذين هم بقيد الحياة وكان يرسل إلي شبانا من تلاميذه وخواصه لتلقي المواعظ والإرشادات إلى غير ذلك من ظنه الكمال وهو الكامل وكان يعجب باستدلالي بالقرآن وتطبيقاتي الدينية واعتباراتي إياها

ومما يعجبه بالزيادة ويضحك له حتى تظهر نواجذه قولي: "إن الناس كفروا بألمانيا على أن الباء سببية (¬1) وكان يتألم من سماع انتصارات ألمانيا لشدتها في إرهاق الحد المضر وبالجملة لذا تذكرته ونحن بمصر وتذكرت ابن زكري المرحوم الشيخ محمد المجيد ونحن بالجزائر أتمثل: وكنا كندمحاي جذعية حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فلما تعرفنا كأنني ومالكا ... لطول اجتماعنا لم نبت ليلة معا وكاتبني المحب الفاضل المقري الحافظ الشيخ السيد ايجر بما نصه: "وما أهديتموه إلينا من جواهر آدابكم استودعناه الحافظة واستنارت به البصيرة فيجدر بنا أن نجعل رسائلك البليغة الولائم لأنها تفوق لدينا الأعياد والمواسم ولعلك لتفضل علينا بمزية أخرى هي أن تتحفنا بتاريخ مبدأ تعلمك وذكر الكتب التي أورثتك حسن الملكة .... إلخ" وبالله التوفيق إلى أقوم طريق وهو سبحانه الولي الحقيق. ¬

_ (¬1) ذلك بأن الناس أكثروا من القول أن ألمانيا لا تقهر فكذبهم الواحد القهار الذي غفلوا عنه.

الفهرس

الفهرس

_ التعليق

§1/1