تأصيل علم العقيدة - عبد الرحيم السلمي

عبد الرحيم السلمي

تأصيل علم العقيدة [1]

تأصيل علم العقيدة [1] إن للعقيدة أهمية عظيمة، وأهميتها تظهر من كونها أساس الدين وأصله، وكونها أساس دعوة الرسل من لدن نوح إلى محمد عليه الصلاة والسلام، وهذه العقيدة لها ثمرات عظيمة وكثيرة منها: راحة القلب وطمأنينته وسعادته، ولها آثار عظيمة جداً في نفس الإنسان، فينبغي أن يحرص المسلم على الالتزام بالعقيدة الصحيحة، البعيدة عن الإفراط والتفريط، العقيدة الصافية، التي كانت سبباً في جعل الصحابة رضوان الله عليهم يثبتون على دين الله، ويقدمون أرواحهم رخيصة في سبيل الله.

مدخل إلى علم العقيدة

مدخل إلى علم العقيدة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام! هذا الدرس في الأساس كان بعنوان: دراسة موضوعية لفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. وكانت الطريقة التي نريد أن ندرس بها فتاوى شيخ الإسلام رحمه الله هي أن نأخذ مجموع فتاوى شيخ الإسلام رحمه الله مجلداً مجلداً، ثم نأخذ ما تتضمنه من كتب ورسائل، ونحدد موضوع الكتاب، ثم نقسم الكتاب إلى مجموعة موضوعات أساسية، ونتحدث عنها بالتفصيل، ثم نستعرض مجمل الكتاب حتى ننتهي من مجموع الفتاوى كاملاً، ولكن اقترح بعض الإخوة قبل أن نبدأ في الدراسة الموضوعية لمجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن نبدأ بمدخل، وهذا المدخل يهدف إلى تأصيل علم العقيدة، ووضع أرضية لطالب العلم، بحيث إنه يستطيع أن يستوعب وأن يتفهم، وأن تكون دراسته لمجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله دراسة مفيدة. وهذا المدخل سندرس فيه بإذن الله كتاب (الأصول الثلاثة) و (كشف الشبهات) و (كتاب التوحيد) و (العقيدة الواسطية) و (متن العقيدة الطحاوية) و (العقيدة التدمرية) بإذن الله تعالى. وستكون الدراسة لهذه الكتب ليست بالطريقة المعهودة، وهي الدراسة التفصيلية لكل كلمة من كلمات الكتاب، فإن هذا مما يطول جداً، ولكن سنلاحظ أن هذه الكتب لها تخصصات وموضوعات أساسية، فمثلاً: كتاب (الأصول الثلاثة) و (كشف الشبهات) و (كتاب التوحيد) هذه الثلاثة تتحدث عن توحيد الألوهية، وهي في قسم من أقسام التوحيد وفي أحد فروع العقيدة المهمة وهو توحيد الألوهية. ونجد أن (العقيدة التدمرية) متخصصة في توحيد الأسماء والصفات والقدر، وأن متن (العقيدة الواسطية) و (العقيدة الطحاوية) تشتملان على كثير من أبواب العقيدة في الأسماء والصفات وهي الأكثر، وفي النبوات وفي المعاد، وأيضاً هناك حديث في مسائل الإيمان والكفر وفي الصحابة وفي غيرها من المسائل العقدية المهمة. ولهذا ستكون دراستنا حسب هذه الموضوعات، ثم نعرف بهذه الكتب، وندخل هذه الكتب بعضها في بعض ونجمع الأشباه والنظائر، وندرسه في مكان واحد لا نكرر، (فالأصول الثلاثة) توجد كثير من مسائله في كتاب التوحيد، وأيضاً (كشف الشبهات) يوجد كثير من مسائله في (كتاب التوحيد)؛ ولهذا سندخل هذه الكتب بعضها مع بعض، وسندرسها بإذن الله في وقت وجيز ربما لا تزيد عن عشرين لقاء، تكون هذه عبارة عن دراسة تأصيلية لطالب العلم في علم العقيدة، ثم بعد ذلك نبدأ وننطلق في الدرس الأساسي الذي سنبدأه في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. هذا الكتاب مليء بالكنوز العلمية، ومليء بالرسائل النادرة والمفيدة، وربما الكثير يتوق لدارسة هذه الرسائل والاطلاع عليها، ومعرفة ما تتضمنه من الفوائد والقواعد والأصول المحكمة. فـ شيخ الإسلام رحمه الله عالم مجدد، وهو من المحققين، ولديه كثير من الفوائد في هذه الكتب، ينبغي على طالب العلم أن يطلع عليها، وأن يتفهمها وأن يعرفها معرفة جيدة. ولهذا هذا الدرس يتطلب من الإخوة الحضور والاستمرار والقراءة المستمرة في هذه الكتب، وأيضاً يتطلب التحضير الدائم، يعني: لا يصلح أن يكون الدرس هو أن يحضر الأخ للدرس، ثم إذا ذهب إلى أهله انشغل حتى الدرس القادم، ولهذا أتمنى أن كل واحد من الإخوة يقتني هذه المتون بأحد الشروح المختصرة، وسأذكر لكم شروح لهذه الكتب مختصرة وسهلة ليست صعبة، يحضر منها الإنسان دائماً. وكثير من هذه المسائل عموماً التي سندرسها بإذن الله في هذه المقدمة أو المدخل، ستتكرر معنا أيضاً في دراستنا لمجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. فالعلم يتكرر كثيراً، وأحياناً تكون في بعض الكتب زيادات، وأحياناً يكون هناك تكرار، وأحياناً يكون هناك تحقيق، ولهذا ينبغي دائماً أن نلاحظ مثل هذه الأمور وأن نتنبه لها؛ ليكون الإنسان فقيهاً ومتفهماً لما يدرس، وألا تكون دراسته دراسة لمجرد الدراسة أو لذات الدراسة. بالنسبة لكتاب (الأصول الثلاثة) يمكن الاستفادة من شرح الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، فهو من أنفس الشروح لهذه الرسالة. (كشف الشبهات) من أنفس الشروح شرح الشيخ عبد العزيز العبد اللطيف. (كتاب التوحيد) من أنفس الشروح شرح الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي المسمى (القول السديد في شرح كتاب التوحيد). (العقيدة الواسطية) من أنفس الشروح شرح الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي أيضاً، وهو شرح مختصر. بالنسبة لكتاب متن (العقيدة الطحاوية) هناك شروح مختصرة كثيرة منها: شرح للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وهناك شرح للشيخ عبد العزيز بن مانع مختصر على متن العقيدة الطحاوية. أما بالنسبة للعقيدة التدمرية فهناك شرح طويل عليها، لكن قراءة الأصل وتفهمه يكفي عن

أهمية العقيدة

أهمية العقيدة في هذا اللقاء سنبحث ثلاث مسائل: المسألة الأولى: أهمية العقيدة. المسألة الثانية: أسماء علم العقيدة. المسألة الثالثة: المسائل الأولية في هذا العلم. أولاً: أهمية العقيدة. العقيدة: هي من عقد الشيء، ويقال: عقدت الحبل إذا أوثقته، ويقصد به الاعتقاد الجازم الوثيق الثابت الذي لا يدخله شك ولا ريب. والعقيدة المقصود بها هنا العقيدة الإسلامية، وأهميتها تظهر من كونها أساس الدين وأصل الدين، ولا يتم إيمان العبد ولا يقبل عند الله سبحانه وتعالى إلا بها، ولهذا يقول الله عز وجل: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:5]. ولهذا كانت هذه العقيدة هي أساس دعوة الرسل، يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]. وهي مما أمر الله عز وجل به، قال عز وجل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء:36]. وهذه العقيدة هي أساس وجود الإنسان في هذه الدنيا، وهي الحكمة من وجوده، قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]. وهي المهمة الكبرى التي يضطلع بها الإنسان في هذه الدنيا، ولهذا يجب أن نعلم أن الله عز وجل خلقنا في هذه الدنيا؛ لتحقيق هذه العقيدة.

ثمرات العقيدة

ثمرات العقيدة لهذه العقيدة ثمرات عظيمة في النفس وفي المجتمع وفي المآل أيضاً يوم القيامة. ولهذا انقسم الناس في هذه الدنيا إلى قسمين: مسلمين وكفار، وأبرار وفجار، وأساس القسمة هي العقيدة، فمن آمن بهذه العقيدة الصحيحة فهو مسلم مؤمن بر، ومن لم يؤمن بها فهو كافر ملحد فاجر والعياذ بالله. والعقيدة من حققها فإنه يحصل له الأمن التام والاهتداء التام، يقول الله عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82]. وثمرات العقيدة عظيمة جداً في حياة الإنسان، منها: راحة القلب وطمأنينته وسعادته؛ فإنه لا راحة للإنسان ولا طمأنينة ولا سعادة ولا استقرار إلا أن يعرف معبوده سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته وحقوقه، وأن يقوم بها على أفضل وجه وأتمه. ومن كان عكس ذلك والعياذ بالله؛ فإنه يحصل له من الشقاء والهم والضلال والتيه والانحراف بقدر بعده عن هذه العقيدة، فإذا كان بعداً جزئياً كما هو حال أهل البدع والضلالة، فإنه يحصل له من الشقاء والاضطراب بقدر بعده. وإذا كان بعداً كلياً كحال أهل الكفر والنفاق الاعتقادي، فإنه يحصل له الضلال التام والاضطراب التام والشقاء التام، يقول الله عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه:124 - 126]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: تكفل الله عز وجل أن كل من أعرض عن ذكره فإن له معيشة ضنكاً في الدنيا، وله في الآخرة العمى كما جاء في هذه الآية.

الرد على من يهون من شأن العقيدة

الرد على من يهون من شأن العقيدة إن العقيدة الصحيحة لها أهمية كبيرة، وهي من الأولويات بالنسبة للإنسان، والذين يهونون من شأن العقيدة لم يفقهوها ولم يفهموها. وهناك اتجاهات منحرفة تهون وتقلل من شأن العقيدة، وتقول للناس: إن الذي يدخل في العقيدة سيتعقد، أو الذي يدخل في العقيدة سيحصل له كثير من المشكلات، أو العقيدة تفرق الناس، ونحو ذلك من الكلام الذي يدل على عدم الفهم لهذه العقيدة ولأهميتها ومكانتها ومنزلتها عند الله سبحانه وتعالى. ومعلوم أن الفرق الضالة الموجودة التي تفتك في جسد الأمة الإسلامية اليوم لا يمكن أن نواجهها إلا بالعقيدة الصحيحة، والخلاف الذي بيننا وبين الكفار من اليهود والنصارى والملاحدة والعلمانيين وغيرهم هو خلاف اعتقادي.

موقف الصحابة من العقيدة وآثارها عليهم

موقف الصحابة من العقيدة وآثارها عليهم تبدو العقيدة مهمة جداً، ولها آثار عظيمة جداً في نفسية الإنسان، فإن من كانت عقيدته قوية كان قلبه قوياً، وكان إيمانه قوياً، ولهذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يأخذون هذه العقيدة وهذا الدين بجد واهتمام، ولا يأخذونه بشكل عرضي، ولا يأخذونه بشكل تقليدي، وإنما يأخذونها أخذاً جاداً، ويلتزمون بمعناها ومقتضاها، ويجتهدون في تحقيقها في واقع الأرض، ولهذا ماتوا من أجلها في سبيل الله، ورغبوا عن الدنيا إذا كانت الدنيا في مقابل هذه العقيدة، وفتحوا بها الأمصار، واستطاعوا أن يخضعوا أمم الأرض بهذه العقيدة، وتميزوا عن غيرهم بها، وأصبحوا قادة للدنيا مع أنهم كانوا قبل هذه العقيدة أعراباً ليس لهم أي قيمة وليس لهم أي مكانة، ولهذا تعجب منهم ملوك الأرض مثل كسرى وغيره، فقال لهم: كنتم مجموعة من الأعراب لا نشتغل بقتالكم نحن، وإنما نرسل عليكم بعض عمالنا في الأطراف، واليوم أصبحتم تهددون فارس! فبين له ربعي بن عامر أن الله عز وجل ابتعث إليهم رسولاً ليخرجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ويخرجهم من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ويخرجهم من التعبد للأشخاص والدول الطاغوتية إلى الحرية الحقيقية، وهي العبودية لله عز وجل وحده، والتحرر من قيد العبودية للإنسان، فإن التعبد لله عز وجل من أهم الواجبات، لأن الله عز وجل خلق الإنسان على هيئة وكيفية ترتاح وتنشرح بالتعبد لله عز وجل، وتذل وتشقى بالتعبد لغيره. ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في رسالته العظيمة (العبودية) قاعدة عظيمة، قال: إن الإنسان لا بد أن يكون عبداً، إما أن يكون عبداً لله عز وجل، وإما أن يكون عبداً لغيره وهواه، {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:23] فالإنسان لا بد أن يكون عابداً، هكذا خلق الله عز وجل الإنسان، وخلقه يلتذ ويرتاح ويطمئن لعبادة الله عز وجل، ويشقى ويضل وينحرف بعبادة غيره. فالله عز وجل يقول: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] فهو سبحانه وتعالى يعرف المخلوق الذي خلقه وأنزله على ظهر هذه الأرض، ولم يتركه هملاً وعبثاً، وإنما كلفه برسالة عظيمة وهي تحقيق مرضاة الله عز وجل في هذه الأرض، وجعل له أعداء وخصوماً، وأمره أن يواجه هؤلاء الأعداء والخصوم، وجعل له من يؤذيه، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم عندما بايع أصحابه يوم العقبة قام سعد بن عبادة رضي الله عنه وقال: (يا معشر الأنصار! هل تعلمون على ماذا تبايعون هذا؟ إنكم تبايعونه على محاربة الأحمر والأصفر). يعني: أنكم تبايعونه على مفارقة الأهل، ومفارقة الأوطان، ومفارقة العادات والتقاليد، وعلى قضايا كبيرة ليست قضايا هينة، لكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يعرفون على أي شيء يبايعونه. وهذه العقيدة عندما يأخذها الإنسان بجد فإنه سيكون له بطبيعة الحال أعداء، أحياناً يكون هؤلاء الأعداء من الكفار من اليهود والنصارى والملاحدة، وأحياناً يكون هؤلاء الأعداء من المنافقين، وأحياناً يكون هؤلاء الأعداء من أصحاب الشهوات، ولا بد أن يكون له أعداء، وإذا ظن الإنسان أنه بإمكانه أن يلتزم بهذه العقيدة التزاماً جاداً صحيحاً دون أن يكون له خصوم وأعداء، فإنه لم يعرف هذه العقيدة، وسيأتي معنا الإشارة لهذا المعنى بإذن الله تعالى في كتاب (كشف الشبهات) بإذنه تعالى. إذاً: هذه العقيدة تجعل الإنسان قوي القلب بالله عز وجل، وتجعل نظرته إلى الدنيا على أنها متاع زائل، وعلى أنها وسيلة وليست غاية، ولهذا يقدم نفسه رخيصة في سبيل الله، ويجتهد في أن يكون عمله ابتغاء مرضاة الله عز وجل، ومهما حصل له في هذه الدنيا من الفتن والمصائب والمحن والمشكلات، فإن هذا لا يرده عن دينه. وأحياناً تكون الفتنة بالسراء مثل: كثرة الخير والنعمة مثلاً، وأحياناً تكون الفتنة بالضراء، مثل: الفتنة بالمصيبة وبالمرض وبالاضطراب وبالبعد عن الأمن ونحو ذلك، لكن المسلم صاحب العقيدة الصحيحة يتعامل مع كل هذه الظروف بطريقة سليمة، فيحافظ فيها على دينه واستقامته والتزامه بهذه العقيدة حتى يموت؛ لأن الإنسان في هذه الدنيا لن يستمر إلى الأبد، هذه من الحقائق العقدية الأساسية المهمة التي قررها القرآن كثيراً، وعندما تقرأ في كتاب الله عز وجل تجد الخصومة الكبيرة مع الكفار، وتجد أن الكفار لا يمكن أن يتركوك، قال الله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120]. وتجد أن المنافقين لن يتركوا صاحب العقيدة، وأنه سيقع عليه الأذى والمشقة، وستقع عليه كثير من الأمور المزعجة، لكن يحتاج إلى الصبر، ويحتاج إلى الاعتصام بالله سبحانه وتعالى، ويحتاج أن يستشعر أن هذه العقيدة خير له، وأن الموت عليها خير له من العيش الرغيد على الانحراف والضلال والعياذ بالله؛ لأنه لا خير في هذه الدنيا

أسماء ومصطلحات لعلم العقيدة

أسماء ومصطلحات لعلم العقيدة

الإيمان

الإيمان الأسماء الشرعية لعلم العقيدة ثلاثة: الإيمان، والسنة، والتوحيد. فالإيمان من أسماء العقيدة، قال الله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة:5]. ويقول: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52]. فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره هذه أصول العقيدة، فالمصطلح الشرعي فيما يتعلق بالعقيدة: الإيمان، وقد ألف كثير من العلماء السابقين كتباً في الإيمان، مثل: كتاب الإيمان لـ ابن مندة رحمه الله، والإيمان لـ شيخ الإسلام رحمه الله، والإيمان لـ ابن أبي شيبة، والإيمان لـ أبي عبيد القاسم بن سلام، وهناك كثير من الكتب ألفت في موضوع الإيمان.

السنة

السنة من أسماء علم العقيدة: السنة، والسنة هنا المقصود بها في مقابلة البدعة، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث الثلاثة الذين ترهبوا، قال: (أما أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني). وأيضاً جاء في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار). وقد سمى بعض العلماء العقيدة بالسنة في كتبهم، مثل: كتاب (السنة) لـ عبد الله بن الإمام أحمد رحمه الله، وأيضاً السنة للإمام أحمد، والسنة للخلال، وغيرها من الكتب، فهذه كلها يقصد بها العقيدة؛ لأنهم كانوا يسمون العقيدة قديماً السنة. وليس المقصود بالسنة هنا الاصطلاح الفقهي، أو الاصطلاح الأصولي المتعلق بالأحكام التكليفة، وهي أن السنة ما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، هذا اصطلاح خاص عند الفقهاء، لكن السنة كمصطلح شرعي ورد في النصوص النبوية يراد به العقيدة الصحيحة التي خلافها البدعة.

التوحيد

التوحيد التوحيد من المصطلحات الشرعية التي يراد بها العقيدة، وقد جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال: (فإنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات) إلى آخر الحديث. وقد ألف بعض العلماء كتباً في العقيدة سموها التوحيد، مثل: التوحيد لـ ابن مندة، وأيضاً التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وغيرهما.

مصطلحات صحيحة تتعلق باسم علم العقيدة

مصطلحات صحيحة تتعلق باسم علم العقيدة هناك مصطلحات أخرى صحيحة تدل على نفس المعنى، لكنها لم ترد في النصوص الشرعية، مثل: مصطلح العقيدة، فمصطلح العقيدة مأخوذ من المعنى اللغوي، وهو أن العقيدة من عقد الشيء، ولهذا يقولون: عقدت الحبل، يعني: أوثقته. فأخذوا معنى الاعتقاد الجازم والإيمان الجازم بأركان الإيمان من عقد الحبل والجزم فيه، وهو مصطلح وإن لم يرد في القرآن والسنة لكن معناه صحيح، والقاعدة في المصطلحات: أنه إذا كان معناها صحيحاً؛ فإنه لا مشاحة فيها، لكن المشكلة عندما يكون معناها باطلاً، أو يكون مجملاً يشتمل على معنى صحيح ومعنى باطل. وأيضاً من المصطلحات التي استخدمت في العقيدة: الشريعة، فالإمام الآجري رحمه الله له كتاب اسمه (الشريعة) يقصد به العقيدة، والأبواب الموجودة فيه كلها أبواب في العقيدة، وهو كتاب كبير طبع في أكثر من خمسة مجلدات تقريباً. وأيضاً من الأسماء الصحيحة في العقيدة: الفقه الأكبر، ولهذا سمى أبو حنيفة رحمه الله رسالته (الفقه الأكبر) وهي تتضمن مسائل اعتقادية في الأسماء والصفات والإيمان والصحابة والنبوات وغيرها من مسائل العقيدة. ويقصدون بالفقه الأكبر ما يقابل الفقه الأصغر وهو فقه الفروع، وعموماً رسالة أبي حنيفة رحمه الله هذه مشكوك في صحة نسبتها إليه؛ لأنها من رواية أبي مطيع البلخي، وهو كما ذكر الحافظ الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد متروك الحديث، وإن كان لهذا الكتاب رواية أخرى عن حماد بن أبي سليمان وهو ضعيف، لكن أصل هذا الكتاب يبدو أنه صحيح في نسبته إلى أبي حنيفة رحمه الله. والكتب لها أسانيد مثل أسانيد الأحاديث؛ ولهذا يقولون: أنساب الكتب أسانيدها، يعني: أحياناً قد يكون الكتاب منسوباً إلى عالم وتكون نسبته خاطئة؛ لأن الكتاب لا يصح نسبته إليه، مثل: كتاب (الصلاة) للإمام أحمد رحمه الله، وأيضاً مثل كتاب (الحيدة) لـ عبد العزيز الكناني وهو في حكاية مناظرة حصلت بين يدي المأمون، وهذا الكتاب في إسناده نظر كبير، ولا يصح نسبته إليه، وغير ذلك من الكتب.

مصطلحات فاسدة استخدمت في التعبير عن علم العقيدة

مصطلحات فاسدة استخدمت في التعبير عن علم العقيدة هناك مصطلحات استخدمت في التعبير عن العقيدة، لكنها مصطلحات فاسدة ينبغي الانتباه لها، ومن ذلك علم الكلام، وهو علم نشأ أثناء المناظرات مع الفلاسفة، والذي أنشأه لم يكن من الفقهاء والعلماء الشرعيين، ولهذا وقعوا في كثير من البدع الاعتقادية في الأسماء والصفات والإيمان والقدر، سواء كانت في المسائل أو في الدلائل. فعلم الكلام علم أنشأه مجموعة من المسلمين أرادوا الرد على الفلاسفة، فهي ظاهرة نشأت بعد ترجمة الكتب اليونانية في زمن الدولة العباسية، لما ترجمت كتب اليونان مثل: كتب أرسطو طاليس وكتب أفلاطون، وغيرها من الكتب في المنطق والإلهيات ونحو ذلك؛ اعتنقها مجموعة ممن كان في الأمة الإسلامية، مثل: الفارابي وابن سيناء وغيرهما ودافعوا عنها، مثل أصحاب المذاهب الفكرية المنحرفة الآن، كالشيوعيين والليبراليين والحداثيين وغيرهم، ممن أخذ فلسفات غربية وتبناها وأصبح يدافع عنها، فأصبح منسلخاً عن الأمة الإسلامية. في هذه الأيام نسميهم أتباع المذاهب الفكرية المنحرفة، قديماً كانوا يسمون الفلاسفة؛ لأنهم اشتغلوا بالفلسفة كعلم، فظهر في الأمة الإسلامية من أهل الخير والصلاح من أراد أن يقاوم هذه العقائد، لكن المنهج الذي استخدموه في مقاومة هذه العقائد لم يكن منهجاً صحيحاً، ولم تكن بنيتهم العلمية والشرعية بنية صحيحة، فهم لم يتعلموا العلم الشرعي تعلماً صحيحاً، ثم بعد ذلك يقاومون هذه الاتجاهات المنحرفة الفلسفية، لكن اشتغلوا بالمقاومة مباشرة، واستحسنوا كثيراً من القضايا الفلسفية والكلامية والتزموها مع أنها مخالفة للعقيدة، فلما عرضت عليهم النصوص الشرعية وقيل لهم: ما التزمتموه يخالف النص الفلاني والنص الفلاني، حينها بدءوا في تأويل هذه النصوص، وفتحوا على الأمة باب شر عظيم كبير وهو التأويل وتحريف النصوص الشرعية. هؤلاء يسمون علماء الكلام، والأوائل يسمون علماء الفلسفة، والحقيقة أن الكلام والفلسفة ليس علماً شريفاً، صحيح أنه علم باعتبار أنه معلومات لكن ليس علماً ممدوحاً، العلم الممدوح في القرآن والسنة هو علم الشريعة، والعلم الصحيح النافع الذي يقصد به التوصل إلى ما ينفع المسلمين من عمارة الأرض ونحو ذلك. ولهذا فإن الكتب التي ألفت في العقيدة باسم علم الكلام هي كتب منحرفة، كذلك الكتب التي ألفت في العقيدة باسم علم الفلسفة هي أيضاً كتب منحرفة.

مصطلحات مجملة استخدمت في التعبير عن علم العقيدة

مصطلحات مجملة استخدمت في التعبير عن علم العقيدة هناك بعض المصطلحات التي استخدمت في التعبير عن علم العقيدة، لكنها مصطلحات مجملة تحتمل الحق وتحتمل غيره، فاستخدم مصطلح أصول الدين، واستخدم مصطلح الفكر الإسلامي، فمصطلح أصول الدين ومصطلح الفكر الإسلامي في التعبير عن العقيدة قد يراد به معنى صحيح وقد يراد به معنىً فاسد، وأصول الدين قد يراد به معنى صحيح فيما يقابل فروع الدين، فتسمى أصول الدين: مسائل العقائد، وفروع الدين: مسائل الفقه، وهذا اصطلاح ومعنى لا إشكال فيه، ولهذا كتاب (الإبانة عن أصول الديانة) لـ أبي الحسن الأشعري كتاب نافع ومفيد، لكن أحياناً قد يراد به معنىً خاطئ، ولهذا بعض المتكلمين ألف كتباً سمي بأصول الدين، فهذا أبو منصور البغدادي -وهو من علماء الأشاعرة- له كتاب اسمه (أصول الدين)، وكتبه على طريقة الأشعرية من أهل الكلام. وقد يراد بأصول الدين المسائل التي بنيت على الأصول العقلية عندهم، فيسمون المسائل العقلية أو العقليات أصول الدين، ويسمون الظنيات التي هي النصوص كما يعتبرونها فروع الدين، وهذا تقسيم فاسد وباطل. هذا بالإضافة إلى أنهم يخرجون قضايا من أصول الدين وهي من أصوله مثل: الصلاة والزكاة ونحو ذلك من المسائل المهمة التي تعتبر من أصول الدين. وكذلك الفكر الإسلامي، الفكر الإسلامي قد يراد به معنى صحيح، فيراد به كل تفكير أو اعتقاد إسلامي، يعني: منسوب إلى الإسلام نسبة صحيحة، وقد يراد به معنىً باطل آخر. ولهذا مثل هذه المصطلحات: أصول الدين، والفكر الإسلامي، هما بحسب المستخدم لهما، وقد يقوم المستخدم لهما ويستخدمهما استخداماً صحيحاً، وقد يستخدمها استخداماً غير صحيح.

المسائل الأولية في علم العقيدة

المسائل الأولية في علم العقيدة هناك مسائل أولية ومهمة في علم العقيدة سنتحدث عن مسألتين وسنكمل إن شاء الله في اللقاء القادم: المسألة الأولى: فطرية المعرفة. المسألة الثانية: أول واجب على المكلف. هاتان المسألتان من المسائل الأولية التي ينبغي على طالب العلم أن يفهمها.

المسألة الأولى: فطرية المعرفة

المسألة الأولى: فطرية المعرفة مسألة: فطرية المعرفة: معناها: أن وجود الله عز وجل هو المدخل الأساسي في العقيدة، فالإيمان بالله عز وجل وبوجوده والإيمان بربوبيته وأسمائه وصفاته كل مسائل العقيدة تعود إليها، فالنبوات تعود إليها، والمعاد يعود إليها، وكل مسائل الاعتقاد ترجع إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى. والإيمان بالله في ألوهيته وفي أسمائه وصفاته وفي ربوبيته الأصل السابق له هو إثبات وجوده، وإثبات وجود الله عز وجل أمر فطري ضروري عند أهل السنة والجماعة، فوجود الله عز وجل موجود في فطرة الإنسان منذ أن خلقه الله سبحانه وتعالى، ولهذا لم يكلف الله عز وجل الإنسان بإثبات وجوده؛ لأن وجوده متحقق، فلا يصح الأمر به؛ لأن الأمر به حينئذ يكون تحصيل حاصل. والدليل على فطرية معرفة الله عز وجل أدلة كثيرة جداً، منها: قول الله عز وجل: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30]. فقوله: ((فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)) يعني: خلقة الله عز وجل التي خلق الله الناس عليها، من معرفته والإقرار بوجوده، وهي خلقة موجودة في الإنسان لا يستطيع التعبير عنها، لكنها موجودة في نفسه. فالإنسان عندما يولد ويخرج من بطن أمه ليست لديه معارف تفصيلية، وليست لديه معلومات تفصيلية، فالله عز وجل أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً كما أخبر سبحانه وتعالى، لكن يوجد لدى الإنسان في نفسه خلقة هي عبارة عن معلومات أولية وأساسية، يستطيع أن يتعامل في الحياة بناءً عليها، ولهذا تلاحظ أن الطفل عندما يولد ثم يعطى الثدي يلتقمه مباشرة، وهذا يدل على أن هناك معرفة، هذه المعرفة فطرية موجودة عند الإنسان. كذلك الإنسان يعرف الله عز وجل ويحبه ويتأله له، لكن معرفة مجملة عامة موجودة في نفس الإنسان. أيضاً يدل عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، وفي رواية: إلا على هذه الملة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، حتى تكونوا أنتم تجدعونها؟ ثم قرأ أبو هريرة: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30]). قوله: (ما من مولود إلا ويولد على هذه الفطرة). وفي رواية: (إلا ويولد على هذه الملة) يعني: حتى أولاد المشركين يولدون على هذه الملة. وقوله: (فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) ولم يقل: سلمانه؛ لأن الإسلام هو الأصل. قوله: (كما تنتج البهيمة) انظر التشبيه: (كما تنتج البهيمة بهيمة) يعني: كما تلد البهيمة بهيمة، (جمعاء) يعني: مكتملة الخلقة، (لا تحسون فيها من جدعاء) يعني: لا تشعرون أنها مجدوعة، البهيمة أول ما تخرج ليس فيها جدع، والعرب قديماً كانوا يميزون إبلهم وغنمهم عن غيرهم ببعض المميزات، أحياناً بجدع الأذن مثلاً بشكل معين، وأحياناً بوضع علامة معينة، لكن عندما تخرج البهيمة من بطن أمها لم تكن هذه العلامة موجودة فيها. وأيضاً جاء في حديث عياض بن حمار المجاشعي في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال: (وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم). فقوله: (إني خلقت عبادي حنفاء) يعني: خلقتهم على الحنيفية، والحنيفية السمحة هي دين إبراهيم، والحنيف في اللغة: هو المائل، والمقصود هنا: المائل عن الشرك. فالحنيفية في اللغة العربية هي من ألفاظ الأضداد، يعني: اللفظة التي تستخدم في معنيين مختلفين متناقضين، فالحنيف تستخدم في المعتدل والمنحرف، مثل: السدفة تستخدم في الظلمة والنور، ومثل: بصير تستخدم للأعمى والمبصر، ومثل: مفازة تستخدم للصحراء المهلكة وللنجاة أيضاً، ونحو ذلك من التي يسميها العلماء ألفاظ الأضداد، يعني: اللفظة التي تستخدم في أضداد متقابلة. فقوله: (إني خلقت عبادي حنفاء) جاء في رواية لـ ابن حبان: (حنفاء مسلمين) وهذه صححها الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد. قال: (إني خلقت عبادي حنفاء مسلمين، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم) وهذا يدل على أن الله عز وجل خلق الناس وهم يعرفون وجود الله عز وجل ويؤمنون به، لكن هذه المعرفة معرفة مجملة، وتنمو هذه المعرفة في نفس الإنسان مع نموه، والرسل الكرام برسالاتهم ينقحونها وينمونها ويأتون بما تقتضيه، وهي عبادة الله سبحانه وتعالى. ولهذا كل الأدلة الواردة في القرآن والسنة في مسائل التوحيد جاءت لتقرير مسألتين مهمتين: المسألة الأولى: إفراد الله عز وجل بالعبادة. المسألة الثانية: إثبات المعاد والجزاء يوم القيامة. فكل القضايا التي جاءت في القرآن جاءت من أجل تقرير المسائل العقلية والحجاج مع الكفار؛ لأن

المسألة الثانية: أول واجب على المكلف

المسألة الثانية: أول واجب على المكلف مسألة: أول واجب على المكلف هي مبنية على فطرية المعرفة، فأول واجب على المكلف بناءً على أن الإنسان مفطور هو توحيد العبادة، يعني: توحيد الألوهية: هو إفراد الله عز وجل بالعبادة، فهو أول واجب على المكلف؛ لأن إثبات وجود الله عز وجل متحقق في الفطرة، وأيضاً ربوبيته سبحانه ثابتة في الفطرة، فلا يبقى إلا إثبات إفراده سبحانه وتعالى بالألوهية والعبادة. ويدل على ذلك كثير من النصوص، منها: قول الله عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] فهذه الآية أول معلوم أمر به فيها هو توحيد العبادة، قال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] ولا إله إلا الله هي توحيد العبادة كما سيأتي معنا. وأيضاً حديث معاذ بن جبل عندما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله)، وفي لفظ: (إلى أن يوحدوا الله سبحانه وتعالى) فهنا على الأولية. ومن الأدلة البليغة في هذا المجال آية الميثاق، وهي قول الله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف:172]. فهذه الآ ية تسمى عند العلماء آية الميثاق، وقد اختلف المفسرون في معناها على قولين: القول الأول: أن هذا ميثاق حقيقي، وأن الله عز وجل مسح على ظهر آدم وأخرج ذريته أمثال الذر، وأنه خاطبهم بالمقال، وقال لهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف:172] فأجابوه وقالوا: {بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف:172] وأن الله عز وجل ردهم مرة أخرى إلى صلب آدم. وذكروا مجموعة من الأحاديث تدل على هذا المعنى، لكن كل الأحاديث الواردة فيها ضعيفة ليست صحيحة. القول الثاني: أن الآية ليست إشهاداً حقيقياً، وليس استنطاقاً حقيقياً، وإنما هو معنى الفطرة، فيكون المعنى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ} [الأعراف:172] يعني: أن الله عز وجل أخذ من ظهور ذرية بني آدم أنفسهم في التوالد، وأنه سبحانه وتعالى أشهدهم على أنفسهم، بمعنى فطرهم على التوحيد. فالإنسان يستشعر أن الله عز وجل هو خالقه وربه، وهو سبحانه وتعالى المدبر لشأنه، وهذا ما رجحه شيخ الإسلام رحمه الله في درء التعارض، وأيضاً تلميذه ابن القيم، وإن كان جمهور المفسرين على القول الأول، لكن ابن القيم رحمه الله ناقش هذه المسألة في كتابه (الروح) نقاشاً مستفيضاً، وبين فيها أن الآية غير متطابقة مع الأحاديث، فالأحاديث تدل على أن الله عز وجل مسح ظهر آدم، بينما في الآية قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} [الأعراف:172] لم يقل: آدم، فالآية غير متطابقة مع الحديث، ويبدو أن هذا هو القول الصحيح. وعلى كل حال سواء على القول الأول أو القول الثاني فكلها تدل على أن وجود الله عز وجل أمر فطري وأنه ليس من أمور النظر والاستدلال، إلا في حالة فساد الفطرة، فإنه يكون النظر حينئذ بالنظر السليم والمستقيم. في اللقاء القادم بإذن الله سنتحدث عن الكتب الثلاثة: (الأصول الثلاثة) و (كشف الشبهات) و (كتاب التوحيد)، وسنعرف بالمسائل الموجودة فيها، وأيضاً سنبتدئ في الحديث عن أقسام التوحيد وأنواعه وتعريفه، ونتحدث مباشرة عن المسائل الموجودة في هذه الكتب الثلاثة، أسأل الله عز وجل أن ينفعني وإياكم بالعلم النافع والعمل الصالح إنه على كل شيء قدير.

الأسئلة

الأسئلة

وجه إطلاق مصطلح العقيدة على الإيمان

وجه إطلاق مصطلح العقيدة على الإيمان Q ألا ترون أن استخدام لفظة العقيدة قد تكون من المصطلحات التي تحمل على السنة وتحمل على خلافها، فكثيراً ما نسمع عن العقيدة الباطلة والفاسدة ولم نسمع يوماً أن قيل: سنة فاسدة أو توحيد فاسد، ما رأيكم؟ A هذا صحيح قد تنسب العقيدة إلى الفساد، لكن تكون هناك إضافة، يقال: عقيدة فاسدة، لكن إذا أطلقت وكان المطلق لها من أهل السنة فإنه يقصد بها العقيدة الصحيحة. ثم إن دخول الإشكال فيها بهذا الاعتبار الذي أشار إليه الأخ أقل من دخوله في موضوع الفكر الإسلامي أو موضوع أصول الدين كما سبق أن أشرنا.

المقصود بفطرية المعرفة

المقصود بفطرية المعرفة Q هل يطلق على الإيمان بالله والاعتقاد به كلمة معرفة، أليست هذه الكلمة من تأثر علماء المسلمين بأصحاب علم الكلام؟ A لا، المعرفة المقصود بها معرفة وجود الله، ليس المقصود الاعتقاد في توحيد الله وأسمائه وصفاته ونحو ذلك، لكن المقصود هو الأصل السابق للتوحيد وهو إثبات الوجود، وإثبات الوجود لا شك أنه معرفة، فهذه المعرفة فطرية وليست نظرية واستدلالية تحتاج إلى نظر واستدلال.

مصير موتى أطفال الكفار

مصير موتى أطفال الكفار Q أبناء الكفار حينما يموتون وهم صغار؛ ما هو مصيرهم؟ A نحن لا يهمنا كثيراً أبناء الكفار على كل حال، الذي يهمنا هو أن هؤلاء يولدون على الفطرة، لنأخذ من هذا أصل وهو أن أول واجب هو توحيد الألوهية. أما أبناء المشركين فالله أعلم بما كانوا عاملين كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

حكم ما جاء به أهل الكلام

حكم ما جاء به أهل الكلام Q هل جميع ما جاء به أهل الكلام مردود ولا يستفاد منه؟ A لا، ليس كل ما جاءوا به مردود ولا يستفاد منه، لكن طالب العلم المبتدئ لا يصح أن يقرأ في مثل هذه الكتب؛ لأنها مزلة، ولأنه يمكن أن يقع في الانحراف، لكن إذا كان الإنسان متقدماً في طلبه للعلم ومتخصصاً ويستطيع أن يميز بين الغث والسمين والصواب والخطأ فله أن يقرأ مثل هذه الكتب، وعلى كل حال كل ما يوجد عند الفرق الضالة من شيء نافع فإنه يوجد عند أهل السنة ما هو أنفع منه وأصح وأكثر صفاءً منه بإذن الله تعالى، فنحن لا نحتاج إلى تتبع مثل هذه الكتب.

ما يبدأ به المبتدئ في علم العقيدة

ما يبدأ به المبتدئ في علم العقيدة Q هل كتاب معارج القبول نافع للمبتدئ أو الأصول الثلاثة؟ A المبتدئ إذا كان مبتدئاً جداً يبدأ بكتاب الأصول الثلاثة، لكن إذا كان قد حصل شيء في هذا العلم فكتاب معارج القبول يتميز بكثرة الآيات وكثرة الأحاديث وكثرة النقول، وهذه من أكبر ميزات كتاب معارج القبول. أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

تأصيل علم العقيدة [2]

تأصيل علم العقيدة [2] يجب على المسلم تعلم العلم الذي به يعرف ربه ودينه ونبيه، فإذا علم ذلك ينبغي عليه أن يعمل بما علم كما أمره الله عز وجل، ثم بعد ذلك يدعو إلى ما تعلم من أصول الدين وفروعه، والدعوة هي مهمة الأنبياء، ولابد من حصول الأذى من المدعوين، فينبغي أن يصبر، فقد أوذي الأنبياء فصبروا، فهم خير قدوة.

نبذة مختصرة عن كتاب الأصول الثلاثة ومؤلفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

نبذة مختصرة عن كتاب الأصول الثلاثة ومؤلفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً إنك أنت العليم الحكيم. أيها الإخوة الكرام! إن طلب العلم من الأمور المهمة للمسلم عموماً وللداعية إلى الله سبحانه وتعالى خصوصاً؛ فإن البصيرة هي النتيجة المترتبة على طلب العلم، وهي طريقة الأنبياء والمرسلين، كما قال الله عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108]. فطلب العلم أمر مهم وأساسي في صحة عمل الإنسان، وفي صحة دعوته، وفي صحة فهمه للقرآن وللسنة. وهذه الأمور ينبغي أن تكون محط اهتمام لكل شاب ولكل مسلم، فالعلم وطلب العلم من الأمور الضرورية والأساسية. في هذا اللقاء بإذن الله سنبتدئ هذه الدروس بكتاب (الأصول الثلاثة) للشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى. وهذا الكتاب هو متن صغير أساسي يبين فيه التوحيد والدين والنبوة، يبين هذه المعاني الثلاثة الأساسية المهمة في فهم العقيدة، وفي دراستها دراسة سليمة وصحيحة. وهو كتاب مختصر، لكنه كتاب مبارك؛ لأنه سهل العبارة ومركز وموجه، وليس فيه أي تعقيد أو إشكالات. فالإنسان بمجرد أن يقرأ الكتاب يستطيع أن يفهمه، ويستطيع أن يعرف المعاني المتضمنة فيه. هذا الكتاب قبل أن يبدأ الشيخ في الأصول الثلاثة قدم لذلك بأربعة مسائل، ثم بعد ذلك بثلاثة مسائل أخرى، ثم شرع في الأصول الثلاثة. والأصول الثلاثة إذا سألنا أنفسنا: لماذا حدد الشيخ هذه الأصول الثلاثة؟ لماذا لا تكون خمسة؟ لماذا لا تكون سبعة؟ لماذا لم تكن عشرة؟ لقد بناها الشيخ رحمه الله تعالى على أساس أنها المسائل والأصول التي يسأل عنها الإنسان في قبره. فالإنسان إذا دفن في قبره يسأل عن ربه، ويسأل عن دينه، ويسأل عن نبيه صلى الله عليه وسلم، كما جاء في حديث البراء بن عازب، وأيضاً في غيره من الأحاديث: (أن الإنسان إذا دفن في قبره جاءه ملكان، أحدهما منكر والآخر نكير، ثم يسألانه: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟). فهذه الأسئلة الثلاثة تحتاج إلى إجابة، وإجابتها هي التي ذكرها الشيخ رحمه الله في هذه الرسالة المختصرة. والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هو عالم جليل، ولد في نجد في العيينة في عام ألف ومائة وخمسة عشر، ونشأ نشأة علمية منذ أن كان صغيراً، وحفظ القرآن وهو ابن عشر سنين، ثم بعد ذلك درس على والده شيئاً من العلم، ثم انتقل إلى مكة ودرس على علمائها، ثم انتقل إلى بلاد الشام وإلى المدينة، ودرس في المدينة على الشيخ محمد حياة السندي صاحب الحواشي على كتب السنة، وهو عالم معروف في علم الحديث. وأيضاً درس علم الفرائض على إبراهيم الشمري شارح الألفية، له كتاب اسمه (العذب الفائض في شرح ألفية الفرائض). والتقى بعدد من أهل العلم ودرس عليهم وتفقه رحمه الله، ثم جاء إلى نجد وبدأ عملاً دعوياً تجديدياً نافعاً صالحاً؛ لأن الناس في تلك الفترة كانوا في فترة وانقطاع من العلم الشرعي، وكانوا في فترة انتشار للشركيات بأسباب كثيرة منها: الجهل، ومنها: البدع التي كانت منتشرة، ومن آثارها الشركيات، وسيأتي معنا تفصيل هذه القضايا في كشف الشبهات، وفي كتاب التوحيد بإذن الله تعالى. فلما جاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله إلى بيئة مليئة بالشرك، يعبدون غير الله عز وجل، وهم في نفس الوقت ينتسبون إلى الإسلام، بل إن العلماء في زمانهم كانوا يؤكدون أنه لا مانع من مثل هذه الشركيات، بحجة محبة الأولياء والصالحين والأنبياء وغير ذلك، فقام ببيان التوحيد، وركز على موضوع توحيد الألوهية؛ لأنه هو التوحيد الذي جاءت به الرسل كما سيأتي معنا. وأوذي رحمه الله وصبر على هذا الإيذاء، وكاد يقتل رحمه الله، ثم بعد ذلك اجتهد واستطاع أن يؤثر تأثيراً كبيراً، واجتمع هو ومحمد بن سعود واستطاعا أن يؤسسا دولة على التوحيد، وينشرا العقيدة الصحيحة. وقد توفي رحمه الله في سنة ألف ومائتين وستة، يعني: في بداية القرن الثالث عشر. وله عدد من الكتب منها: هذا الكتاب (الأصول الثلاثة)، ومنها: (كتاب التوحيد)، ومنها: (كشف الشبهات) ومنها: (نواقض الإسلام) وله اختصار لزاد المعاد، وله اختصار أيضاً لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد جمعت مؤلفاته جميعاً وطبعتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وهناك رسائل كتبها إلى عدد من الأمراء، وإلى عدد من زعماء القبائل في تلك الفترة. وكان له دعوة وجهاد وبذل عظيم في نشر التوحيد، وتأثر به عدد كبير في العالم الإسلامي، وقام من أصداء دعوته حركات ودعوات، منها: دعوة الشيخ عثمان بن فودي رحمه الله في أفريقيا، وقد تأسست على دعوة الشيخ عثمان بن فودي رح

المسائل الأربع الواجب تعلمها

المسائل الأربع الواجب تعلمها

المسألة الأولى: العلم

المسألة الأولى: العلم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [اعلم رحمك الله أن يجب علينا تعلم أربع مسائل: الأولى: العلم. الثانية: العمل به. الثالثة: الدعوة إليه. الرابعة: الصبر على الأذى فيه]. وقد أخذ هذه المسائل من سورة العصر. أولاً: العلم. قال: [وهو معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة]. فالعلم أمر ضروري في معرفة الدين، والعلم الواجب هو العلم بأركان الإيمان، والعلم بأصول العقيدة، والعلم بأركان الإسلام، وبالأمور الواجبة على العبد، ثم ما عدا ذلك يعتبر من الأمور المستحبة، وهو في الجملة من فروض الكفايات التي يجب أن يكون في الأمة. وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم واجب على كل مسلم ومسلمة). والعلم لا شك في أهميته، وقد ذكر الشيخ أن المقصود بالعلم الواجب هو معرفة العبد لله عز وجل، وهذا سيأتي معنا في الأصل الأول من الأصول الثلاثة: وهو التوحيد. ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، وهذا سيأتي معنا بإذن الله تعالى في الأصل الثاني من الأصول الثلاثة. ومعرفة نبيه، وهذا سيأتي معنا في الأصل الثالث من الأصول الثلاثة: وهو النبوة.

المسألة الثانية: العمل به

المسألة الثانية: العمل به قال: والعمل به، يعني: العمل بالإسلام؛ فإن الله عز وجل قد أمر بالأوامر الشرعية، وجاء بهذا الدين عقيدة وعملاً من أجل أن يعمل به، ولهذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: العلم يهتف بالعمل، فإن أجاب وإلا ارتحل. والعمل من أصول الإيمان؛ فإنه لا يتم إيمان العبد إلا بالعمل، ولا يصح إيمان الإنسان إلا بالعمل، فالعمل بأصول الإسلام من الواجبات.

المسألة الثالثة: الدعوة إليه

المسألة الثالثة: الدعوة إليه الثالثة: الدعوة إليه، يعني: بعد أن يعلم العقيدة الصحيحة ويعمل بمقتضاها؛ فإنه ينبغي عليه أن يدعو إليها، وهذه هي طريقة الأنبياء، فإن الأنبياء بعد أن علموا وعملوا دعوا إلى الله عز وجل على علم وبصيرة، كما قال الله عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]. والدعوة إلى الله عز وجل من الأمور المهمة في نشر العقيدة الصحيحة، والأنبياء كلهم من الدعاة، وهم يدعون إلى التوحيد، ويدعون إلى العقيدة الصحيحة. والدعوة أول ما يجب أن تكون هي الدعوة إلى التوحيد، ولهذا لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن أرسله داعية إلى الله عز وجل، قال: (فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة) إلى آخر الحديث. وفي هذا الحديث بيان أن أول ما يجب أن يدعى إليه هو توحيد الله عز وجل، وهي العقيدة الصحيحة. فهذا هو أول ما يجب أن يدعو الإنسان إليه.

المسألة الرابعة: الصبر على الأذى فيه

المسألة الرابعة: الصبر على الأذى فيه المسألة الرابعة: الصبر على الأذى فيه، يعني: الصبر على الأذى في التزام الإنسان بالإسلام، فإن الإنسان إذا التزم بالإسلام لا بد أن يحصل له الأذى من أعداء الإسلام من الكفار ومن المنافقين، ولهذا بين الله سبحانه وتعالى أن الإنسان لم يخلق في هذه الدنيا إلا للفتنة والابتلاء، فقال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:2]. فمن معاني الابتلاء أنه يبتليه بالأعداء المعاندين والرافضين لهذا الدين، وهذا يقتضي في المقابل الصبر، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم عندما بدأ دعوته أوذي فصبر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: (إنه كان يؤتى بالرجل ممن كان قبلكم فيمشط بأمشاط الحديد ما بين عظمه ولحمه، لا يرده ذلك عن دينه شيئاً، وكان يؤتى بالرجل فيوضع المنشار على مفرق رأسه حتى يفصل قسمين، لا يرده ذلك عن دينه شيئاً). وعندما نقرأ أخبار الأنبياء في القرآن نجد أنهم أوذوا من أتباعهم، فهذا إبراهيم عليه السلام ألقي في النار، وكلهم عندما جاءوا إلى قومهم كذبوا وأوذوا واتهموا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو من أشراف الناس يضع عليه بعض السفهاء سلى الجزور على رأسه. فالإنسان عندما يلتزم التزاماً حقيقياً بالدين فمن الطبيعي أن يكون له معاند، وأن يكون له عدو، ولهذا يقول الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان:31]. فكل نبي يأتي بدعوة يكون له أعداء ويكون له خصوم، لأن هذا الدين عندما يأتي يأمر الناس بترك شهواتهم وترك ملذاتهم وترك رغباتهم وترك رئاساتهم، وأن يكونوا خاضعين لأمر الله سبحانه وتعالى، وهذا ما لا يريده أصحاب الرئاسات والملأ كما سماهم الله عز وجل في القرآن، وما لا يريده أصحاب الشهوات وأصحاب الأموال، هؤلاء لا يريدون ذلك، ولهذا يرفضون الالتزام بالدين. وهذا موسى عليه السلام قاوم فرعون، وكان فرعون من الرافضين لرسالة موسى مع أنه يعلم أن ما جاء به موسى عليه السلام حق لا ريب فيه، {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء:102]. وقال أيضاً عنهم: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل:14] يعني: كانوا يعرفون أنه على الحق، ولهذا قال في آخر أمره: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ} [يونس:90] لكن هذا لم يكن كافياً ولم يكن نافعاً. جاء في سنن أبي داود في حديث العقبة: (بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم العقبة وقال: أبايعكم على أن تعضكم السيوف)، وقد فهم سعد بن عبادة وغيره من الصحابة أن مبايعتهم للنبي صلى الله عليه وسلم تقتضي مخالفة الأمم، وتقتضي الجهاد، وتقتضي المواجهة للعدو، وتقتضي الموت، وتقتضي أموراً كثيرة جداً، ولهذا من الطبيعي أن الإنسان عندما يسلم أن يكون له أعداء وخصوم من الكفار والمنافقين، كما سيأتي بيان شيء من ذلك.

استنباط الشيخ محمد بن عبد الوهاب للمسائل الأربع من سورة العصر

استنباط الشيخ محمد بن عبد الوهاب للمسائل الأربع من سورة العصر قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والدليل قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3]]. هذه السورة شاملة للمسائل الأربع. قال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:1 - 2] فبين تعالى أن جنس الإنسان في خسارة، ثم استثنى منه أوصافاً، فمن كانت فيه هذه الأوصاف فهو ناج من الخسارة، ومن لم تكن فيه فهو في خسارة. قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر:3] يعني: أن الإيمان لا يكون إلا بالعلم؛ لأن الإيمان هو اليقين، ولا يكون اليقين إلا بالعلم، فالعلم هو الذي يوصل إلى اليقين، لأن الجهل يوصل إلى الشك والريب ولا يوصل إلى اليقين. فقوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر:3] الإيمان يؤخذ منه المسألة الأولى: وهي مسألة العلم. فالإيمان يكون بالتوحيد يعني: معرفة العبد لربه، ويكون بالنبوة، يعني: معرفة العبد لنبيه صلى الله عليه وسلم، ويكون الإيمان بالدين، يعني: معرفة العبد للإسلام بالأدلة. وهذه المعرفة يجب أن تكون معرفة يقينية لا ريب فيها ولا شك، والمعرفة اليقينية بالتوحيد وبالعقيدة الصحيحة لا تكون إلا إذا اتبع الإنسان المنهج الصحيح في المعرفة، ويكون ذلك بالتدبر في آيات الله عز وجل الشرعية والعقلية أيضاً، كما سيأتي معنا. فكثير من الناس تكون معرفتهم بالله أو توحيدهم أخذوه عن طريق التقليد، بمعنى أنه نشأ في بيئة مسلمة وأبواه مسلمان فأخذ الإسلام عنهما بشكل وراثي، ولهذا بمجرد أن تزعزع عقيدته يشك ويحصل عنده الريب. وحياتنا الآن شاهد على ذلك، فكثير من الشباب عندما يشكك وعندما توضع له مجموعة من الأسئلة التي هي تشكيك له لا يجد لديه قوة على مواجهتها وعلى الرد عليها؛ لأن العقيدة التي في نفسه إنما جاءت عن طريق التقليد كما سبق أن أشرنا. قوله: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:3] وهذا دليل على العمل بالعلم. قوله: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر:3] وهذا دليل على الدعوة إليه. فالتواصي تفاعل بين داعية ومدعو. قوله: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] وهذا هو الصبر على الأذى فيه، ويدخل في هذا الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأمور الأساسية في قيام الدين. ثم قال: [قال الشافعي رحمه الله: لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم]. ومقصود الشافعي رحمه الله: أن هذه السورة فيها بيان لأهم الأمور التي توصل الإنسان إلى النجاة والفلاح، وهي: العلم، والعمل، والدعوة، والصبر. فهذه الأمور هي الموصلة إلى النجاة، وهي الموصلة إلى النجاة عند الله عز وجل وفي الدنيا. والتواصي بالصبر يدل على أهمية الصبر. والصبر ثلاثة أنواع: صبر على الطاعة. وصبر عن المعصية. وصبر على أقدار الله المؤلمة. ولهذا جاء الأمر بالصبر في أكثر من تسعين آية في كتاب الله. قال: [قال البخاري رحمه الله: باب العلم قبل القول والعمل، والدليل قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] فبدأ بالعلم قبل القول والعمل]. هذا الكلام للبخاري رحمه الله موجود في الصحيح في كتاب العلم، فالقول لا يكون صحيحاً إلا بالعلم، والعمل لا يكون صحيحاً إلا بالعلم، ولهذا قدم العلم عليهما، فقال الله عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] فبدأ بالعلم، {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] يعني: جعل الاستغفار بعد العلم، وهذا يدل على أهمية العلم وأنه المعيار الذي يدل الإنسان على الحق ويوصله إليه بإذن الله تعالى. هذه أربعة مسائل مهمة في حياة الإنسان، ينبغي عليه أن يجتهد في تطبيقها في نفسه.

المسائل الثلاث الواجب تعلمها والعمل بها

المسائل الثلاث الواجب تعلمها والعمل بها

المسألة الأولى: الإيمان بالرسول وطاعته

المسألة الأولى: الإيمان بالرسول وطاعته ثم ذكر ثلاث مسائل أخرى، قال: [اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم هذه الثلاث المسائل والعمل بهن: الأولى: أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً، بل أرسل إلينا رسولاً، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، والدليل قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل:15 - 16]]. يعني: المسألة الأولى: معرفة أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الطريق الموصل إلى الله سبحانه وتعالى، ويكون ذلك بطاعته، فالإنسان إذا حجب عن نفسه الإيمان بالرسول، أو حجب عن نفسه التلقي من الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لن يصل إلى الله سبحانه وتعالى. هذه مقدمة بسيطة ومختصرة: أن الله خلقنا. هذه ليس فيها إشكال، بل هي أمر فطري. ورزقنا، وهذه لا شك فيها أيضاً، فإن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى. ولم يتركنا هملاً؛ لأن الله عز وجل الحكيم سبحانه وتعالى يتعالى أن يترك الناس هملاً دون أن يرسل إليهم رسولاً أو أن يطلب منهم عملاً؛ لأنه سبحانه لم يخلقنا في هذه الدنيا لنتمتع بالشهوات الموجودة دون أي رسالة، فهذا أمر في غاية الاستحالة، لا بد أن يكون لهذا المخلوق الإنساني هدف وغاية من وجوده. هذا الإنسان الذي لديه عقل يفكر، ولديه قلب ولديه قدرة ولديه معرفة ولديه إمكانات هائلة، لا يمكن أن يتركه الله عز وجل كالبهائم ليس لها رسالة وليس لها هدف، وإنما هي تأكل وتشرب وتنكح دون هدف ومعنى، فهذا النوع الإنساني اختصه الله سبحانه وتعالى بأن جعله محلاً للعبادة، بأن جعله خليفة له في الأرض، بأن جعله مكاناً للأمر والنهي والتكليف. ثم ترتب بعد ذلك عليه الجزاء يوم القيامة قال: (لم يخلقنا هملاً، بل أرسل إلينا رسولاً). هذا الرسول هو الذي أرسله إلينا، والرسل الكرام يتلقون عن الله عز وجل، إذا قلنا: كيف نعرف أن هذا الرسول الذي هو منا فعلاً يتلقى عن الله الذي خلق السماوات والأرض؟ نقول: هناك علامات تدل على ذلك، وهي: دلائل النبوة، فعندما يأتي بالمعجزة وعندما يكون صادقاً في حياته كلها، وعندما يأتي بالأمور التي تدل على صدقه، فلماذا يكذب؟ ودلائل النبوة واسعة جداً، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الله عز وجل إذا أرسل رسولاً، فإنه يعطيه من الآيات والبينات على ما يؤمن به الناس). يعني: يعطيه من الآيات والبراهين والدلائل ما يكون كافياً للناس في تصديقه، إذا كانوا أهل حق وطلب للحق، لكن المجادل والمعاند فهذا ليس فيه حيلة. إذاً: إذا كان الإنسان يريد الحق ويريد الوصول إليه، فإنه من خلال جمع دلائل النبوة حول النبي يكتشف أن هذا النبي فعلاً كلمه الله عز وجل وأرسله، وأن هذا الكتاب الذي جاء به هو من عند الله سبحانه وتعالى. وهذه هي البوابة الأساسية في العقيدة، أن نعلم صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وصدقه لا شك فيه ولا ريب. قد يقول قائل: ما هو الفرق بين معجزة النبي الصادق، وسحر الساحر الكاذب؟ نقول: هناك فرق جوهري بينهما، وقد سبق في اللقاء الماضي بيان هذه القضية. فالنبي منذ أن نشأ وله صفة خاصة من الصدق والعفاف والطهر، ولم يأت بدعوة سابقة، وليس له إرث سابق من الملك يريد أن يصل إليه، وما يأمر به حق، فهو يأمر ببر الوالدين، ويأمر بصلة الأرحام وهناك كثير من الدلائل تدل على صدقه. ثم المعجزة التي يأتي بها هي تغيير في حقائق الأشياء، مما يدل على أن الله عز وجل يغير حقائق الأشياء له تصديقاً له، فعندما جاء موسى عليه السلام وألقى العصا تحولت من عصا حقيقية إلى حية حقيقية مائة بالمائة، بينما عصي السحرة ما زالت عصياً، لكن سحروا أعين الناس واسترهبوهم، وجاءوا بسحر عظيم، ولهذا السحرة لا ينظرون إلى العصي على أنها حيات، وإنما ينظرون إليها على أنها عصي، لكن الناس يظنون أنها حيات. ولهذا لما رأوا أن حية موسى انقلبت من عصا حقيقية إلى حية حقيقية، والتهمت عصيهم آمنوا مباشرة وهم أهل الصنعة وأهل المعرفة. ثم إنهم لما آمنوا كان إيمانهم قوياً إلى درجة أنهم تحدوا فرعون، وهددهم فرعون بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف فصبروا، هذا مما يدل على أنهم اقتنعوا قناعة كاملة أن هذا الرجل لا يتكلم من عنده، وإنما هو مرسل من الله سبحانه وتعالى الذي خلق السماوات والأرض. إذاً: هذه المقدمة الأولى: وهي الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم.

المسألة الثانية: ألا يشرك مع الله في عبادته أحد

المسألة الثانية: ألا يشرك مع الله في عبادته أحد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثانية: أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، والدليل قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:18]]. يعني: أن الله عز وجل عندما خلق الخلق أمرهم بالتوجه إليه، بأن يكونوا عبيداً له وحده، ولا يكونوا عبيداً لأحد من خلقه، إنما يكونون عبيداً له وحده، يصرفون له العبادة، ويتعبدون له، ويذلون له، ويخضعون له، ويتحررون من عبادة المخلوقين، ويكون التعبد والذل وأنواع العبادات والقربات التي يتقرب بها الإنسان يجعلها لله عز وجل، لا يجعلها لملك حتى لو كان له مكانة ولا لنبي، ولهذا كان النبي يدعو إلى عبادة الله، ولم يكن يدعو إلى عبادة نفسه، وجميع الأنبياء كانوا كذلك.

المسألة الثالثة: موالاة الله ورسوله والمؤمنين والبراءة ممن حاد الله ورسوله

المسألة الثالثة: موالاة الله ورسوله والمؤمنين والبراءة ممن حاد الله ورسوله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثالثة: أن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله، ولو كان أقرب قريب]. وهذه من أعظم الأمور المهمة يا إخواني، يعني: ليس المطلوب من الإنسان أنه يقوم بالعبادة لله فقط، وإنما لا بد من القيام بالعبادة لله عز وجل والبراءة من المخالف، البراءة من الكافر، وهذه قضية مهمة جداً لا يستقيم إيمان الإنسان إلا بها، ولهذا سيأتي معنا في التوحيد، أن التوحيد له جانبان أساسيان يكمل بعضهما الآخر. الأول: عبادة الله عز وجل. الثاني: البراءة من الطواغيت والأنداد والشركاء. ولهذا اليوم توجد دعوة منحرفة تطالب من الناس أن يصلوا لله ويصوموا لله ويتعبدوا لله، لكن ترفض البراءة من الكفار، وترفض معاداة الكفار، وتسمي هذا بغضاً وكراهة، وكون المسلم يبغض الكافر قد تسميه إرهاباً، والحقيقة أن هذا جزء أساسي من التوحيد، كما قال الله عز وجل: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ} [المجادلة:22] الموادة تشتمل على المحبة والنصرة، فالمسلم لا ينصر الكافر، ولا يحب الكافر. {يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ} [المجادلة:22] يعني: ولو كان الكافر قريباً لك، فالبعيد من باب أولى. {أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة:22]. فهذه الأمور الثلاثة من الأمور الضرورية في عقيدة الإنسان: الإيمان بصدق الرسول، والإيمان بخطورة الشرك، وضرورة الابتعاد عنه والخوف منه، والولاء والبراء. وهذه المسائل الثلاث هي: أولاً: الإيمان بالرسول أو النبوة. ثانياً: خطورة الشرك، والبراءة من الشرك. ثالثاً: الولاء لله عز وجل وللمؤمنين، والبراءة من الشرك والمشركين.

حقيقة التوحيد وأقسامه وما يضاده

حقيقة التوحيد وأقسامه وما يضاده قال المؤلف رحمه الله تعالى: [اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين، وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] ومعنى (يعبدون) يوحدون، وأعظم ما أمر الله به: التوحيد وهو إفراد الله بالعبادة]. لا شك أن التوحيد هو ملة إبراهيم، {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة:130 - 131]. فملة إبراهيم هي التوحيد، وهي دين الإسلام، وهي شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. ثم استدل على ذلك بقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] ومعنى (يعبدون): يوحدون، وهذا هو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه ابن جرير الطبري وغيره عنه. ينقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام: الأول: توحيد الربوبية. الثاني: توحيد الألوهية. الثالث: توحيد الأسماء والصفات. النوع الأول: توحيد الربوبية: هو إفراد الله عز وجل بالخلق والرزق والتدبير، وهو إفراد الله عز وجل بأفعاله سبحانه وتعالى، فالخالق هو الله وحده، والرازق هو الله وحده، والمحيي والمميت هو الله سبحانه وتعالى وحده، هذه هو توحيد الربوبية. وهذا التوحيد يعترف به المشركون في الأعم الأغلب، كما أخبر الله عز وجل عنهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25] فهم يعترفون به، وإنما وقع الشرك عندهم في توحيد الألوهية. النوع الثاني من التوحيد: هو توحيد الألوهية: وهو إفراد الله بالعبادة، يعني: أن يكون الله عز وجل هو معبود الإنسان وحده، بحيث لا يخضع إلا لله، ولا يخاف إلا من الله، ولا يرغب إلا في الله، ولا يتوكل إلا على الله، ولا يدعو إلا الله، ولا يستغيث إلا بالله سبحانه وتعالى، فيفرده وحده سبحانه وتعالى بالعبادة. النوع الثالث من أنواع التوحيد: هو توحيد الأسماء والصفات: وهو إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العليا، ونفي ما نفاه الله عنه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم. وسيأتي معنا حديث مفصل في هذه الأنواع جميعاً. هذا توحيد الألوهية.

الشرك أعظم ما نهى الله عنه

الشرك أعظم ما نهى الله عنه قال: [وأعظم ما نهى عنه الشرك وهو دعوة غيره معه]. هنا فائدة مهمة جداً وهي أن الشيخ بين أعظم الأوامر الشرعية وبين أعظم المناهي الشرعية، فأنت إذا سئلت: ما هي أعظم الأوامر الشرعية؟ أو ما هو أعظم ما أمر الله به؟ فكثير من الناس يغفل عن هذه الحقيقة وهو أنه التوحيد، قد يقول: الصلاة، قد يقول: صيام رمضان أو الحج أو غيره من الأعمال، وهذه إجابة غير صحيحة، والإجابة الصحيحة أن أعظم الأوامر الشرعية وأعلاها هو توحيد الله سبحانه وتعالى. وأعظم المناهي التي نهى الله عز وجل عنها الشرك، فالشرك أعظم من الزنا، وأعظم من أكل الربا، وأعظم من سائر الفواحش، وأعظم من كل المحرمات. وهذه قضية أساسية مهمة في معرفة ما أمر الله به وما نهى عنه سبحانه وتعالى. إذاً: فأعظم ما أمر الله عز وجل به التوحيد، وأعظم ما نهى الله عز وجل عنه الشرك، وهذه قضية مهمة ينبغي أن نلاحظها. قال: [والدليل قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء:36]]. أقول: لماذا أعظم ما أمر الله عز وجل به التوحيد؟ لأن تركه يترتب عليه الخروج من الإسلام. ولماذا أعظم ما نهى الله عز وجل عنه الشرك؟ لأن الشرك والكفر بوابة الخروج من الإسلام، فأساس الإسلام وأصله التوحيد، وأعظم ما يخرج الإنسان منه الشرك.

الأصل الأول من الأصول الثلاثة: معرفة العبد ربه

الأصل الأول من الأصول الثلاثة: معرفة العبد ربه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا قيل لك: ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها؟ فقل: معرفة العبد ربه، ودينه، ونبيه محمداً صلى الله عليه وسلم]. لقد بينا أن مأخذ ذلك هو ما يسأل عنه الإنسان في قبره إذا مات. قال: [فإذا قيل لك: من ربك؟ فقل: ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمته، وهو معبودي ليس لي معبود سواه. والدليل قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]. وكل ما سوى الله عالم، وأنا واحد من ذلك العالم]. يعني: معرفة العبد لربه هو الأساس في التوحيد، فالإنسان لا يمكن أن يكون موحداً إلا إذا عرف ربه. ومعرفة العبد لربه كما سبق أن أشرنا هي أمر فطري خلقه الله عز وجل في نفس الإنسان، كما أخبر الله عز وجل بذلك: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30] إلى آخر الآية. وأيضاً حديث الفطرة المشهور حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (كل مولود يولد على الفطرة). وجاء في بعض الألفاظ: (ما من مولود إلا ويولد على هذه الملة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه) إلى آخر الحديث. فإذاً: معرفة الله أمر فطري، لكن مما يغذي الفطرة وينميها التأمل في آيات الله عز وجل الشرعية والكونية؛ ولهذا قال: [فإذا قيل: بم عرفت ربك؟ فقل: بآياته ومخلوقاته، ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، ومن مخلوقاته السماوات السبع والأرضين السبع ومن فيهن وما بينهما، والدليل قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت:37]]. يعني: التفكر في مخلوقات الله عز وجل يورث اليقين في النفس، ويزيد المعرفة بالله سبحانه وتعالى، والتدبر في مخلوقاته المتنوعة وفي آياته الشرعية كلها تنمي الإيمان في القلب، وتزيد هذه الفطرة نماءً وصحة. قال: [وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54]]. القرآن مليء بالأمر بالتفكر في ملكوت السماوات والأرض، وفي مخلوقات الله المتنوعة، والأمر أيضاً في تأمل آياته الشرعية، وأيضاً التأمل فيما أمر الله عز وجل به من الأحكام والواجبات الشرعية؛ فإن فيها ما يدل الإنسان على معرفة الله سبحانه وتعالى، ويزيد من إيمان العبد.

استحقاق الرب سبحانه للعبادة وحده لا شريك له

استحقاق الرب سبحانه للعبادة وحده لا شريك له قال: [والرب هو المعبود]. يعني: هذا أحد استعمالات الرب، فإن الرب يأتي بمعنى المربي ويأتي بمعنى الخالق أيضاً، ويأتي بمعنى المدبر لأحوال الإنسان، ومن استعمالاته المعبود أيضاً، وإن كان الأقرب للفظة المعبود هو الإله، ولهذا سيأتي معنا أن الإله معناه المعبود، لكن أحياناً قد ترد بعض النصوص الشرعية يستخدم فيها لفظ الرب ويراد به المعبود سبحانه وتعالى. فهذه الآيات توصل إلى إفراد الله عز وجل بالعبادة، ولهذا فإن التقسيم بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات هو تقسيم فني، ذكره العلماء لتقريب العلم، وإلا فإن هذه الأنواع متداخلة، ولا يتصور مثلاً أن إنساناً يؤمن بالربوبية كاملة ولا يؤمن بالألوهية، فكل من أشرك في الألوهية فلا بد أن يكون لديه قدح في الربوبية، أو في الأسماء والصفات. ولا يتصور أن إنساناً لا يؤمن بالربوبية ويكون مؤمناً بالألوهية، ولهذا بينهما تداخل قوي، والمشركون الذين يقرون بالربوبية هم يقرون بالربوبية في الجملة، أما عند التفصيل فنجد أنهم يصفون الملائكة بأنهم بنات الله، ونجد مثلاً: أنهم ينسبون إنزال المطر إلى (الأنواء) النجوم، ونحو ذلك من الشرك في الربوبية. إذاً: ينبغي أن نلاحظ أن هذا التقسيم الذي يذكره أهل العلم لأنواع التوحيد لا يعني أن كل قسم منفصل عن القسم الثاني بشكل كامل؛ لأنه علم واحد وعقيدة واحدة، وأراد العلماء بهذا التقسيم أن يبينوا المعاني حتى يتعلم الإنسان العقيدة، وإلا فإنها نوع واحد وهي: متداخلة، ولهذا الرب يأتي بمعنى المعبود، والإله يأتي بمعنى المعبود، ويأتي الرب بمعنى الخالق والمدبر، فينبغي ملاحظة ذلك. قال: [والدليل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21]]. قوله: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ)) فربكم هنا جاءت بمعنى المعبود، ثم قال: ((الَّذِي خَلَقَكُمْ)) هذا وصف لله سبحانه، إلى آخر الآيات التي تبين أن الله عز وجل هو مدبر هذا الكون وخالقه.

بعض أنواع العبادة التي يجب أن تصرف لله تعالى وحده

بعض أنواع العبادة التي يجب أن تصرف لله تعالى وحده قال: [قال ابن كثير رحمه الله: الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة. وأنواع العبادة التي أمر الله بها مثل: الإسلام، والإيمان، والإحسان، ومنه: الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والاستعانة، والاستعاذة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها؛ كلها لله تعالى]. يعني: هذه الأنواع من العبادات يجب أن تصرف لله عز وجل، وهذه العبادات هي أعمال قلبية وأعمال متعلقة بالجوارح يجب أن تكون خالصة لله عز وجل. قال: [والدليل قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:18] فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر]. يعني: حقيقة التوحيد: هو إفراد الله عز وجل بالخلق والرزق والتدبير، وإفراده بالعبادة، وإفراده بالأسماء الحسنى والصفات العليا. والشرك: هو مناقضة ذلك، فمن نسب إلى مخلوق الخلق وأنه قادر على الخلق والتدبير فهذا مشرك في الربوبية، ومن صرف لمخلوق نوعاً من أنواع العبادة فهذا مشرك في الألوهية، ومن وصف مخلوقاً بما وصف الله عز وجل به نفسه، أو سماه بما سمى الله عز وجل به نفسه من أسمائه الحسنى فهذا مشرك في الأسماء والصفات. ثم بعد ذلك ساق الأدلة على أنواع العبادات. قال: [والدليل قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:18]].

الدعاء ودليله

الدعاء ودليله قال: [فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون:117]]. قوله: ((وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ)) الإله بمعنى المعبود. وقوله: ((لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ)) وهذا هو حال كل من دعا غير الله عز وجل. والدعاء هنا المقصود به دعاء العبادة، فإن الدعاء نوعان: دعاء المسألة، وهو ما يسأله الإنسان ويطلبه، مثل أن يقول: اللهم اغفر لي، اللهم أدخلني الجنة، فهذا دعاء المسألة. النوع الثاني من الدعاء: هو دعاء العبادة. والمقصود به أن يقوم الإنسان بالعبادة، فإذا قام بنوع من أنواع العبادة فحاله أنه في حال الدعاء، لأنه عندما يذبح مثلاً لله عز وجل فإنه في هذه الحالة يدعو ويطلب من الله عز وجل أن يتقبل منه، وأن يدخله الجنة، فهذه حالة دعاء. وكلمة دعاء في الغالب عندما تطلق فالذي يتبادر إلى ذهن الإنسان دعاء المسألة، مع أن دعاء العبادة هو مقصود في كثير من الأدلة التي جاءت في إفراد الله عز وجل بالدعاء، قال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [المؤمنون:117] يعني: دعاء عبادة، كأن يصلي لغير الله عز وجل، ويصوم لغير الله، وينسك لغير الله، ويحج لغير الله، ويستغيث بغير الله، وإن كانت الاستغاثة من دعاء المسألة، ويذبح لغير الله، فهذه كلها من الدعاء، حتى لو كانت في ظاهرها لا تتضمن لفظة الدعاء، وإنما هي من أفعال الجوارح أو من أفعال القلوب. قال: (الدعاء مخ العبادة)]. هذا الحديث رواه الترمذي وفي إسناده ضعف، والصحيح حديث آخر وهو: (الدعاء هو العبادة). قال: [والدليل قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]] فسمى الدعاء عبادة، قال: ((ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)). والمقصود بالدعاء في هذه الآية دعاء المسألة، والدعاء في الآية التي قبلها: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [المؤمنون:117] هذا دعاء العبادة. فقوله: ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)) هذه في دعاء المسألة. وعرفنا أن هذا دعاء المسألة؛ لأنه قال: ((أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي)).

الخوف ودليله

الخوف ودليله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ودليل الخوف قوله تعالى: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:175]]. والخوف ينقسم إلى قسمين: الأول: خوف طبيعي ليس فيه شيء من الشرك، كالذي يخاف من الأسد مثلاً، أو يخاف من أمر طبيعي مما يخاف منه الناس في العادة، فهذا لا شيء على الإنسان فيه، لا يقال لإنسان خاف من أسد: إن هذا مشرك؛ لأن هذا خوف طبيعي، يعني: خلقه الله عز وجل في نفس الإنسان. الثاني من الخوف: هو خوف التأله، وهو الخوف الذي يترتب عليه ذل وخضوع، ويقصد به إما الله عز وجل فيكون توحيداً، وإما غير الله عز وجل فيكون شركاً. فخوف التأله مثل: الخوف من الجن أو الشياطين، أو خوف السر كما يسميه العلماء، وهو الخوف من تأثير قوة غيبية عليه ونحو ذلك، فهذه كلها تعتبر من الشرك الأكبر والعياذ بالله. وهناك خوف لا يصل إلى الشرك الأكبر، لكنه يقدح في التوحيد وهو الخوف من العدو مثلاً، خوفاً يجعله يترك الواجب أو يفعل المحرم، مثل: من يخاف من الأعداء أو المنافقين أو نحو ذلك فيترك الواجبات الشرعية، كأن يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو يترك الدعوة إلى الله، أو يترك الإصلاح، أو يترك أي عمل من الأعمال الفاضلة والصالحة. أو يفعل محرماً، بأن يدفعه هذا الخوف من المنافقين ويجعله يرتكب محرماً، مثل: أن يحلق لحيته، أو أن يسبل ثوبه، أو نحو ذلك من الأفعال المحرمة أياً كانت، فهذا الخوف والعياذ بالله يعتبر من الشرك الأصغر، صحيح أنه لم يصرف عبادة لغير الله، لكن إذا أردت أن تعرف الشرك الأكبر فانظر إلى العمل، إذا صرفه المرء إلى غير الله فهذا شرك أكبر، وإذا لم يكن كذلك كان دون ذلك، يعني: يصرف عبادة لغير الله لكنه وقع في خلل، هذا الإنسان الذي يخاف من المنافقين أن يحصل له منهم أذى فيحلق لحيته، أو يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع أنها من الواجبات، فهذا يعتبر من الخوف المحرم الذي يكون من الشرك الأصغر وليس من الأكبر، لكن لو خاف من غير الله عز وجل في أمر لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، فهذا لا شك أنه من الشرك الأكبر والعياذ بالله. يقول الله عز وجل: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:175] يعني: يخوفكم من أوليائه، فيترتب على هذا الخوف ترك شيء من الواجبات، أو فعل شيء من المحرمات.

الرجاء والتوكل وأدلتها

الرجاء والتوكل وأدلتها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ودليل الرجاء قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110]]. الرجاء: هو ما يرجوه الإنسان ويرغبه ويطلبه ويتمناه. وقوله: ((وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)) يدل على أن الشرك يدخل في الرجاء. قال: [ودليل التوكل قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:23] وقوله: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3]]. التوكل هو الاعتماد القلبي، والاعتماد القلبي نوعان: الأول: الاعتماد على الله عز وجل، وهذا من العبادة. الثاني: الاعتماد على غير الله عز وجل، وهذا ينقسم إلى قسمين: الأول: أن يكون اعتماداً كلياً على غير الله عز وجل، وهذا يعتبر من الشرك الأكبر. الثاني: أن يكون اعتماداً على غير الله عز وجل في أمر مما يقدر عليه الإنسان، كأن يعتمد على الطبيب ويتعلق قلبه بالطبيب تعلقاً كاملاً، ويعتمد عليه اعتماداً كبيراً فهذا يعتبر من الشرك، وإن كان هو سبباً؛ لأن الاعتماد إذا زاد، فإنه يكون من الشرك الأصغر لا الأكبر، وإنما يكون من الأكبر إذا كان في أمر لا يقدر عليه إلا الله، كأن يعتمد على إنسان في أن يشفيه، أو يعتمد عليه أن يرزقه، أو أن يأتيه بالولد، أو نحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل.

الرغبة والرهبة والخشوع والخشية وأدلتها

الرغبة والرهبة والخشوع والخشية وأدلتها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ودليل الرغبة والرهبة والخشوع قوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]]. الرغبة تكون بمعنى الرجاء، والرهبة تكون بمعنى الخوف والخشية، وإن كان هناك فروق دقيقة بينهما، وهي من أعمال القلب. والخشية تكون عن علم، والرهبة هي بمعنى الخوف ومقاربة له، والخشوع هو خضوع القلب وذلته لمن يخشع له، يقول الله عز وجل: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]. وهنا أحب أن أنبه إلى قاعدة وهي: كيف تعرف أن هذا الأمر من الأمور عبادة؟ هناك طريقتان لمعرفة أن هذا الأمر عبادة من العبادات: الطريقة الأولى: أن يكون الله عز وجل أمر به سواء أمر إيجاب أو استحباب، فكل ما أمر الله عز وجل به فهو من العبادة قطعاً. الطريقة الثانية: اشتمال هذا العمل على المحبة والذل والخضوع، فإذا اشتمل على محبة وذل وخضوع تام مع محبة تامة، فإنه يكون عبادة، فأركان العبادة: المحبة، والذل، والخضوع التام؛ لأنه قد يخضع الإنسان ويذل لمن يبغضه، أو قد يحب ويتعلق لكن بدون ذل وخضوع، فإذا اشتمل الفعل على محبة تامة وذل وخضوع فهو حقيقة العبادة. قال: [ودليل الخشية قوله تعالى: {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} [البقرة:150]].

الإنابة والاستقامة والاستعاذة والاستغاثة والذبح والنذر وأدلتها

الإنابة والاستقامة والاستعاذة والاستغاثة والذبح والنذر وأدلتها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ودليل الإنابة قوله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر:54]]. والإنابة بمعنى التوبة. قال: [ودليل الاستغاثة قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. وفي الحديث: (إذا استعنت فاستعن بالله)]. الاستعانة نوع من أنواع التوكل والاعتماد أو طلب العون. والمقصود هنا الاستعانة بالله سبحانه وتعالى، وتكون شركاً إذا استعان بغير الله عز وجل فيما لا يقدر عليه إلا الله. القاعدة في العبادات التي يمكن أن تنقسم إلى قسمين: قسم يقدر عليه المخلوق، وقسم لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، ويكون الشرك فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، ويكون التوحيد بأن تجعل لله سبحانه وتعالى. أما إذا كان الإنسان يقدر على شيء منها مثل: إعانة أحد أو إغاثته ومساعدته؛ فهذا لا شيء فيه إذا كان على أنه سبب. قال: [ودليل الاستعاذة قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] وقوله: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1]]. الاستعاذة: هي الالتجاء والاعتصام بالله سبحانه وتعالى أو بغيره، إذا كانت بالله تكون توحيداً، وإذا كانت بغيره في أمر من الأمور الذي يخشاه الإنسان ويخاف منه تكون شركاً. قال: [ودليل الاستغاثة قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال:9] الاستغاثة معناها: طلب الغوث والنجدة، فإذا كانت بالله عز وجل فهي تمام التوحيد، وإذا كانت بغيره فإن كان مما لا يقدر عليه إلا الله فهو الشرك، وإن كان مما يقدر عليه العبد فلا شيء في ذلك. قال: [ودليل الذبح قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163]. ومن السنة: (لعن الله من ذبح لغير الله)]. قوله: ((قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي)) النسك هو الذبح. وقوله: ((لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) يعني: التوحيد أن تكون الصلاة والنسك لله رب العالمين. قوله: ((لا شَرِيكَ لَهُ)) هذا يدل على أنه يمكن دخول الشرك فيها. والذبح منه ذبح عادي وطبيعي وهو الذبح الذي يكون لطلب أكل اللحم، وهناك ذبح للتقرب، فالذبح للتقرب هو الذي يكون إما عبادة إذا صرفت لله عز وجل، وإما شرك إذا صرفت لغير الله عز وجل. قال: [ودليل النذر قوله: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان:7]]. هذا الأصل الأول وهو معرفة العبد ربه، وهو توحيد الله سبحانه وتعالى. وهذا التوحيد سيأتي معنا الحديث عنه بإذن الله مفصلاً في (كتاب التوحيد)، وسنأخذ هذه الأنواع جميعاً بالتفصيل، وسنتحدث عنها بإذن الله تعالى. في اللقاء القادم سنتحدث عن الأصل الثاني والأصل الثالث، وبه نختم هذا الكتاب لنبدأ في كتاب (كشف الشبهات) وكثير من المعلومات ستتكرر معنا، لكن المهم أن يفهم الإنسان الحقائق الشرعية فيها.

الأسئلة

الأسئلة

حكم فعل المحرمات وترك الواجبات بحجة الخوف من الفتنة

حكم فعل المحرمات وترك الواجبات بحجة الخوف من الفتنة Q هل عندما يقوم الإنسان بحلق لحيته، أو ترك واجب كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومخالفة الصالحين في زيهم كل ذلك خوفاً أن يفتن في دينه، ومثل ذلك أن يكون في غير بلاد المسلمين أو بلد مسلم لا يحميه؛ هل هذا من الخوف الحرام؟ A لا شك أن هذا من الخوف الحرام؛ لأن الخوف الذي يوصل الإنسان إلى ترك واجب من الواجبات هذا من الوهم، فالواجب أن يعتز الإنسان بدينه، وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأن يجتهد في إصلاح الناس. وأما إذا خاف الإنسان وتردد وضعف؛ فإن الدعوة ستضعف؛ لأن الخوف الذي سيحصل لك سيحصل للثاني والثالث والعاشر، وحينئذ سينتشر المنكر وينتشر الفساد في الأرض والعياذ بالله وهذا من الأمور التي لا يجوز للإنسان أن يسكت عليها. ومع الأسف فإن كثيراً من الناس يخاف من الوهم، ويظن أن العالم كلهم ينظرون إليه، وكأنه تحت كشافات والعالم كله تنظر إليه، فلا يتصرف تصرفاً إلا وهو خائف، هذا خوف مرضي لا ينبغي أن يكون في المسلم؛ لأن صاحب العقيدة الصحيحة لا يخاف إلا من الله سبحانه وتعالى، فيجتهد في العمل ويجتهد في الدعوة، ويجتهد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالذات هو صمام الأمان للمجتمع، وإذا سكتنا عن المنكرات زادت وكثرت وانتشرت وأصبحت هي الأصل، وأصبح المسلم غريباً، وأصبحت أسرنا أبناؤنا وبناتنا عرضة للانحراف؛ بسبب انتشار المنكر، لكن إذا ضايقنا أصحاب المنكرات وبينا رفضنا لهذا، واشتكيناهم للمسئولين، وقمنا بدور إصلاحي في المجتمع؛ فإنه بإذن الله تعالى سيضعف المنكر ويذبل. المهم أن يمارس الإنسان إنكار المنكر بطريقة مناسبة، ولا يعني إنكار المنكر أن يقوم الإنسان بالمشاجرة مع الناس والدخول معهم في معارك، والدخول معهم في مشاكل، لا وإنما يعني إنكار المنكر أن تبين لصاحب المنكر أياً كان أن هذا العمل الذي قام به عمل محرم لا يجوز، وأنك ترفضه وتنهى عنه. وإذا كان هذا الشخص مثلاً صاحب تجارة أو صاحب عمل فتقوم بالاحتساب عليه وتشتكيه للمسئولين، وإذا كان صاحب المنكر مثلاً مسئولاً فتشتكيه لمن هو أعلى منه، وتبين أن هذا العمل الذي عنده عمل محرم لا يجوز، ولا يجوز السكوت عليه، فهذا أمر إيجابي، وهذا في مصلحة المجتمع، وهذا أمر فيه خير للناس فضلاً عن كونه عبادة يحصل لك بها الأجر عند الله عز وجل، وهي من أعظم الأمور التي تجعل المجتمع يستقيم على أمر الله سبحانه وتعالى، لكن عندما نسكت عن المنكر ينتشر المنكر في الأرض والعياذ بالله، ونصبح أمة ملعونة، قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة:78 - 79]. إذاً: ترك التناهي هو سبب اللعنة، ولهذا يجب أن ننهى عن المنكر، ويجب أن نحتسب على أصحاب المنكرات، لكن بطريقتها المشروعة وبأسلوبها الصحيح، لا يفهم أحد كلامي هذا أنه إذا رأى صاحب منكر أن يدخل معه في مشكلة وفي مشاجرة وفي مضاربة، لا، إنما ينصحه، وإذا آذاك فاصبر، فنحن لنا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم خير قدوة وخير مثال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوذي فصبر، ولهذا من خلال التجربة وجدنا الكثير ممن ننصحه ونذكره بالله عز وجل ونبين له أن هذا العمل الذي يعمله منكر من المنكرات وأنه لا يجوز تجد ولله الحمد استجابة وشكراً، بل واعتذاراً، وهذه نعمة من الله سبحانه وتعالى، وبالذات في هذه البلاد ولله الحمد نجد كل من حولنا يساعدنا، فأهل العلم يساعدوننا على هذا، والأنظمة الرسمية تساعد على هذا ولله الحمد، وولاة الأمر يتحدثون بشكل مستمر ودائم على أن منطلق هذه البلاد ولله الحمد هو الإسلام وأحكام الإسلام. فكل تجاوز يجب أن يكون هناك من أهل الدعوة وأهل الإصلاح موقف صحيح في الاحتساب عليه والإنكار عليه. لو أننا أدينا الواجب علينا نحو الصحافة التي تكتب في كثير من المنكرات، وتتهجم على الجمعيات الخيرية، وتتهجم على دور التحفيظ، وتتهجم على العلماء، ويقوم بعض الكتاب السفهاء بالكلام في خيرة الناس وهم أهل العلم والفضل، لو قمنا بالاحتساب وشكوى مثل هؤلاء لكبار المسئولين في البلد، لكان في ذلك إيقاف لهؤلاء عند حدهم، وإيقاف لتجاوزات هؤلاء وإنكار لما هم عليه.

دخول الولاء والبراء في أصل التوحيد وأساس العقيدة

دخول الولاء والبراء في أصل التوحيد وأساس العقيدة Q هل يمكن أن نقول: إن الولاء والبراء يكون شطر عقيدة التوحيد؟ A نعم، التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله تقتضي نفي وإثبات، فالنفي هو البراءة من الشرك ومن الأعمال الشركية ومن الأقوال الشركية، والبراءة من أهل الشرك أيضاً، فلا شك أن الولاء والبراء يدخل في أصل التوحيد وفي أساس العقيدة.

الفرق بين الشرك والكفر

الفرق بين الشرك والكفر Q ما هو أعظم الشرك أم الكفر؟ A الشرك والكفر كلاهما عملان يخرجان الإنسان من الإسلام، ولهذا هما بمنزلة واحدة في الأحكام سواء في الدنيا أو في الآخرة، لكن الشرك: هو عبادة غير الله عز وجل، والكفر: هو جحد ما أمر الله عز وجل به، فهما طريقان مختلفان في العمل، لكن متفقان في النتيجة. وأحياناً إذا أطلق الشرك يدخل فيه الكفر، باعتبار أن المشرك جاحد لما أمر الله عز وجل به، وإذا أطلق الكفر يدخل فيه الشرك، باعتبار أن الكافر اتخذ إلهه هواه كما أخبر الله عز وجل.

حكم طلب الدعاء من صاحب القبر

حكم طلب الدعاء من صاحب القبر Q إذا ذهب رجل إلى قبر وقال لصاحبه: ادع الله لي، دون أن ينزل بصاحب القبر حاجته؛ فما حكم هذا الفعل؟ A إذا جاء إلى صاحب قبر وقال: ادع الله لي ولم يدع صاحب القبر فهذا يعتبر من البدع وليس من الشرك؛ لأن الشرك لا يكون إلا إذا دعاه مباشرة، فهناك فرق بين دعاء غير الله عز وجل كأن يأتي إلى صاحب قبر ويقول: يا فلان اغفر لي، أو أدخلني الجنة، أو أعطني الولد، فهذا يدعو غير الله عز وجل، أو يا محمد أدخلني الجنة مثلاً، أو يقول: يا سيدي فلان أنقذني من المرض الذي عندي، هذا شرك أكبر؛ لأنه دعا غير الله عز وجل، لكن إذا جاء عند صاحب القبر وقال: ادع الله لي، الآن هو ما دعاه، وإنما طلب منه أن يدعو الله له، فالصحيح أن هذا يعتبر من البدع. والحقيقة أن هذه المسألة فيها خلاف، فبعض أهل العلم المحققين يعتبر أن هذا من الشرك أيضاً، على اعتبار أن هذا الطلب من ميت، والميت لا يقدر عليه فيكون شركاً أكبر.

التحذير من الوقوع في الشرك

التحذير من الوقوع في الشرك Q هناك أناس كثيرون واقعون في الشرك في الدول الإسلامية وغيرها؛ فما واجبنا نحوهم؟ وما هي نصيحتك لطلاب العلم لنشر التوحيد؟ A لا شك أن الشرك يقع من كثير من الناس، والحقيقة يا إخواني أننا حين ننسب الشرك إلى البلاد الإسلامية الأخرى وكأننا نزكي أنفسنا، فهذه الطريقة يجب أن نكف عنها؛ لأن لدينا كثيراً من الخلل، ويوجد عدد كبير من شبابنا بالذات الأجيال الجديدة التي تعاملت مع (الإنترنت)، وتعاملت مع الفضائيات يقعون في أنواع كثيرة الشرك، ويذهبون إلى السحرة والكهنة والعياذ بالله. أحياناً يكون هذا الشرك بالتحاكم إلى غير شريعة الله عز وجل، وأحياناً يكون هذا الشرك بعبادة غير الله عز وجل، بل وصل في حالات كثيرة أن كثيراً منهم يعرض عن الدين بالجملة لا يصلي ولا يصوم ولا يزكي، فلا ننسب الشرك إلى بقعة من البقاع، فمن أكبر الأخطاء أن ننسب ونقول: والله البلاد الإسلامية فيها شرك ونحن ولله الحمد على التوحيد، لا، لا نزكي أنفسنا، وإنما ينبغي علينا أن نخاف جميعاً من الشرك. إذا كان إبراهيم عليه السلام يقول: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم:35] وهو الذي كسر الأصنام بيده، فلا نزكي أنفسنا ولا نمدح أنفسنا، نحن كغيرنا من الناس الذين نتأثر، والذين فتحت علينا بوابات الشر من كل مكان، الفضائيات اليوم تفسد الشباب والفتيات، و (الإنترنت) أصبح كثير من المسلمين يكون صداقات وعلاقات مع عدد من الكفار في البلاد الغربية وغير الغربية. والانفتاح الهائل الكبير جعل من كثير من المسلمين اليوم يدعون باسم الحرية إلى الانفلات من الدين كله، ويعتقد كثير من المسلمين أن الدين شيء شخصي وأمر شخصي، ولا علاقة للآخرين به، وأنه في المسجد! هل تظنون يا إخواني أن كثرة النظر إلى الأفلام والمسلسلات التي تصور أن المسجد مثل الكنسية، تؤدى فيه العبادة، وإذا خرج الإنسان فله أن يتحاكم إلى غير شريعة الله في كل شيء، في الأموال وفي الدماء وفي السياسة وفي الاقتصاد وفي التربية وفي كل أمر من الأمور، ولهذا الشرك أصبح في كثير من بلاد المسلمين، فلغة أن الشرك منتشر في البلاد الإسلامية وغير ذلك هذا فيه تزكية النفس، وأنا أرى أن هذه لغة غير صحيحة.

حكم قول: ورب القرآن

حكم قول: ورب القرآن Q ما حكم قول: ورب القرآن؟ A لا يجوز؛ لأن الرب معناه الخالق، والقرآن هو كلام الله سبحانه وتعالى، وهو صفة من صفاته، فلا يجوز قول: ورب القرآن.

حكم أهل وحدة الوجود

حكم أهل وحدة الوجود Q هل فرقة الوجودية الذين يدعون أن الله في كل مكان يكفرون بكلامهم؟ وكيفية الرد عليهم؟ A هؤلاء لا يسمون الوجودية، الوجودية مذهب فكري غربي، لكن هؤلاء أصحاب مذهب وحدة الوجود الذين يعتقدون أن هذا الوجود وحدة واحدة، فهؤلاء لا شك أنهم كفار؛ لأنهم يعتقدون أنك أنت الله، وأنك أنت جزء من الله، وأن الله عز وجل في كل مكان، حتى في أماكن الخلاء وأماكن القذارة! ولا شك في كفر هؤلاء.

حكم من أدرك صلاة الجمعة ولم يدرك الخطبة

حكم من أدرك صلاة الجمعة ولم يدرك الخطبة Q أتى رجل إلى صلاة الجمعة ولم يحضر الخطبة؛ فهل يصلي الظهر؟ A إذا أدرك ركعة من صلاة الجمعة فقد أدرك الجمعة، لكن إذا فات عليه الركوع في الركعة الثانية فإنه يصلي ظهراً أربع ركعات.

حكم الخوف عند سماع أصوات في الليل

حكم الخوف عند سماع أصوات في الليل Q يقول شخص: أنا أدخل في المسجد في آخر الليل وأحفظ وأصلي وأسمع بعض الحركات في المسجد، والمسجد ليس فيه أحد فينتابني خوف وهلع؛ فهل هذا الخوف والهلع شرك بالله؟ A لا ينبغي للإنسان أن يخاف حين يسمع أصواتاً أو يسمع شيئاً، وهذا الخوف مذموم؛ لكونه جبناً، لماذا الإنسان يخاف من شيء لا حقيقة له؟ ينبغي ألا يكون الإنسان صاحب قلب ضعيف. هذه المسألة ليس فيها شرك ولا توحيد، لكن ينبغي أن يكون صاحب قلب قوي، ولا يكون صاحب قلب ضعيف يخاف من الأشياء، أو يخاف من أحد أو نحو ذلك.

حكم الجوال المشتمل على كاميرا

حكم الجوال المشتمل على كاميرا Q ما حكم الجوال الذي يحمل (الكاميرا)؟ وهل ينكر على صاحبه؟ A لا؛ لأن (الكاميرا) وسيلة، قد يصور بها شيئاً طبيعياً لا إثم فيه، وقد يصور شيئاً فيه إثم.

حكم عمل المعصية خوفا من المخلوق

حكم عمل المعصية خوفاً من المخلوق Q مثلت في قضية الشرك الأكبر بحلق اللحية خوفاً من البشر؟ A أنا لم أمثل بأن من حلق لحيته خوفاً من البشر يكون صاحب شرك أكبر، أنا ضبطت الشرك الأكبر بأنه صرف العبادة لغير الله، وهذه ليس فيها صرف العبادة لغير الله، لكن هذا محرم، يعني: أن يعمل الإنسان المعصية خوفاً من مخلوق، هذه من الأمور المحرمة، وهي تدخل في الشرك الأصغر.

تأصيل علم العقيدة [3]

تأصيل علم العقيدة [3] أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيكون في أمته التفرق والاختلاف، وقد قدر الله سبحانه وتعالى ذلك، وكثر أهل البدع والأهواء، وظهرت فتن كقطع الليل المظلم، حتى أصبح المسلم لا يعرف دينه، ولا يعرف تطبيقه عملياً في حياته، فهو يعرف دينه جملة لا تفصيلاً، فلا بد للمسلم أن يعرف الدين ومراتبه الثلاث: الإسلام والإيمان والإحسان.

أهمية العقيدة الصحيحة والعمل الصالح

أهمية العقيدة الصحيحة والعمل الصالح بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين. أما بعد: إننا نعيش في هذه الأيام فترة صعبة من فترات حياة المسلمين، كثرت فيها الفتن والانحرافات السلوكية والعقدية والفكرية؛ ولهذا كثير من الناس اليوم أصبحوا صرعى لهذه الفتن: فتن الشهوات وفتن الشبهات، والذي ينبغي على الإنسان أن يحرص على سلامة دينه وأخلاقه، وعلى سلامة فهمه وعقيدته، فإن الإنسان في هذه الدنيا مستخلف، وهو يعيش في فترة محدودة ثم ينتقل بعد ذلك إلى دار الجزاء والحساب، وهذه الفترة هي فترة ابتلاء وامتحان بالنسبة للإنسان، كما قال الله عز وجل: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود:7] فيحتاج الإنسان فيها أن يتزود، وأن يجتهد في العمل، فهي فترة تحتاج إلى الاجتهاد والعمل، فإذا مات الإنسان انقطع عمله، ولم يبق من عمله شيء إلا ما خلف كولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية، أو علم ينتفع. والمنهج الذي يجعل الإنسان يسير على هدىً من الله سبحانه وتعالى في هذا الطريق الذي تعترضه كثير من المصائب والمشكلات والفتن، هو المنهج الصحيح منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، ولما سئل عنها قال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، فعلى المستوى الشخصي بالنسبة للإنسان ينبغي أن يهذب نفسه وأن ينمي قلبه بالإيمان وبالأعمال الصالحة وبالتقوى، وينبغي له أن يزكي نفسه، كما قال الله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9 - 10]، وتزكية النفس تكون بمحبة الله والتوكل على الله، والاعتماد على الله، والخوف من الله، وتنمية الإيمان في القلب من خلال الأعمال الصالحة، فإن كثرة الأعمال الصالحة تنمي الإيمان في قلب الإنسان، وتجعله متعلقاً بالله عز وجل، وعلى قدر اجتهاد الإنسان في البعد عن المعصية وفي فعل ما أمر الله سبحانه وتعالى على قدر ما ينمو إيمانه أكثر وأكثر حتى يجد حلاوة وطعم الإيمان في قلبه وفي نفسه. وينبغي على الإنسان أن ينمي معرفته بالعلم الذي يضبط دين الإنسان ويضبط عقيدته، فأحياناً قد يكون الإنسان صالحاً وتقياً وكثير صلاة وصيام لكن لنقص العلم قد يقع في الخلل؛ ولهذا لا بد من أمرين مهمين: الأمر الأول: العلم، والثاني: العمل، هذا على المستوى الفردي وعلى المستوى الشخصي، أما على مستوى الأمة، فالأمة في هذه الفترة تعاني من المشكلات ومن الأذى فنحن نسمع بما يفعله اليهود عليهم لعنة الله في فلسطين، وما يفعله المستعمرون المحتلون الأمريكان في العراق وأفغانستان وغيرها، وما يحصل من القتل والأذى للمسلمين، وعلى الرغم من ذلك إلا أن هذه الأمة ولله الحمد -في هذه الفترة- تعيش صحوة إسلامية متنامية تزيد يوماً بعد يوم، والتي يجب أن تجعل في نفوسنا أملاً وفرحاً بنصر الله عز وجل، ولكن نصر الله عز وجل لا يتحقق للإنسان إلا إذا حقق ما وعد الله عز وجل به أهل الإيمان، فإن من اجتهد في نصر الله سبحانه وتعالى بالعلم والعمل الصالح والإيمان والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة والإصلاح، فإنه سيتحقق له النصر بإذن الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا فإن المعصية لها تأثير كبير جداً في تأخير النصر وفي حصول الهزيمة، فينبغي علينا دائماً أن نجتهد في أن نتفاءل بالخير، وأن نجتهد في توعية الأمة بما يصلحها، وأن نجتهد في تحذيرها من برامج وخطط المنافقين اللصوص الذين يريدون قطع الطريق على هذه الأمة ويحرفونها عن منهجها الرباني الذي أمرها الله عز وجل أن تتمسك به. إذاً: إذا عاد الإنسان إلى الله عز وجل على المستوى الشخصي، وعلى المستوى العام للأمة فإن هذا سيجعل هذه الأمة في تقدم، ونصبح على خير، ولأن يموت الإنسان على التوحيد خير له من أن يقع صريع الشرك والبدع والمعاصي والشهوات المحرمة، حتى لو كان يملأ بطنه من الأكل والشرب، وحتى لو كان يملأ جيبه من المال، وحتى لو كان يركب أحسن السيارات ويسكن أفخم القصور؛ لأن هذه الدنيا محدودة الزمن وفي وقت محدد ليرتحل الإنسان عنها. لقد عاش أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقراء، بل عاش الأنبياء الذين هم أفضل من الصحابة فقراء لا يملكون شيئاً من هذه الدنيا، كان يمر الشهر بأكمله على بيت النبي صلى الله عليه وسلم لا يوقد فيه نار، وإنما طعامهم الأسودان التمر والماء، ومع هذا لم ينقص منه ومن قدره عليه الصلاة والسلام شيء، وإنما علا لأن هذه الدنيا ليست دار بقاء، وإنما هي دار انتقال.

الأصل الثاني من الأصول الثلاثة: معرفة دين الإسلام بالأدلة

الأصل الثاني من الأصول الثلاثة: معرفة دين الإسلام بالأدلة الأصل الثاني من الأصول الثلاثة: معرفة الدين. تحدثنا عن معرفة الله سبحانه وتعالى، وهو الأصل الأول وفي هذا اللقاء سنتحدث عن معرفة الدين. الدين مأخوذ من قولك: دان له، إذا ذل، والتدين معناه التذلل، والدين معناه: الذل والخضوع لله سبحانه وتعالى، ولهذا عرفه الشيخ: بأنه الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك. يقول المؤلف رحمه الله: [الأصل الثاني: معرفة دين الإسلام بالأدلة] قوله: بالأدلة فيه فائدة عظيمة جداً، وهي أن معرفة الدين ينبغي أن تكون عن قناعة تامة بالنسبة للإنسان، فإن التقليد في معرفة الدين يكون صاحبه معرضاً للشك، وعندما يسمع أي فتنة من الفتن يكون دينه على مهب الريح -كما يقولون- ويتأثر، لكن دين المؤمن راسخ؛ ولهذا شبه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن بالنخلة، ووجه الشبه بين المؤمن وبين النخلة أن النخلة قوية، جذورها في الأرض قوية، لا تقلع، بينما المنافق يشبه الزرع الذي لا جذور له، تحركه الريح يميناً وشمالاً. فرسوخ الدين يكون عندما يتعلم الإنسان الدين بالأدلة، وتكون قناعته به قناعة كاملة وتامة ليس فيه شك ولا ريب.

الأمور التي تتضمنها معرفة الدين

الأمور التي تتضمنها معرفة الدين معرفة الدين يتضمن ثلاثة أمور: الأمر الأول: الاستسلام لله بالتوحيد. الأمر الثاني: الانقياد له بالطاعة. الأمر الثالث: البراءة من الشرك. والاستسلام معناه: الخضوع والذل والانقياد لله سبحانه وتعالى بالتوحيد أي: إفراده بهذا الذل والخضوع والانقياد، وهذا يقتضي ألا يتلقى إلا عن الله سبحانه وتعالى، وما أمر الله سبحانه به من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وألا يتحاكم إلا إليه، وألا يعبد إلا إياه، وألا يذل ولا يخضع إلا له سبحانه وتعالى، وهو يقتضي تنفيذ أمره واجتناب نهيه؛ لأن المستسلم لله عز وجل ينقاد له، وإذا أمره بأمر نفذه، وإذا نهاه عن نهي اجتنبه، فهو يقتضي عمل القلب ويقتضي عمل الجوارح أيضاً. والأمر الثاني: الانقياد له بالطاعة أي: الانقياد لله سبحانه وتعالى بالطاعة، والطاعة تنقسم إلى قسمين: طاعة الأمر تكون بالفعل، وطاعة النهي تكون بالترك، فطاعة الأمر مثل أمره بإقامة الصلاة فتكون طاعته بفعلها، وطاعة النهي تكون إذا نهى الله عز وجل عن أكل الربا فطاعته تكون بالترك، وهذا هو الانقياد، والانقياد هنا في الطاعة مأخوذ من الاستسلام لله سبحانه وتعالى بالتوحيد. والأمر الثالث: البراءة من الشرك وأهله، أي: البراءة من كل خضوع وذل وتعبد لغير الله سبحانه وتعالى، وكل ذل وخضوع وتعبد لغير الله عز وجل فهو شرك بالله سبحانه، وسيأتي تفصيله إن شاء الله معنا في كتاب التوحيد، والبراءة هنا تكون من الشرك أي: من العقائد الشركية والأقوال الشركية والأفعال الشركية. ومن أهله أي: المشركين؛ ولهذا تبرأ إبراهيم عليه السلام ومن آمن معه من الشرك ومن أهل الشرك فقال الله على لسانه: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف:26 - 27]؛ ولهذا حطم الأصنام بيده، وتبرأ من أهله فأعلن البراءة منهم. قال: [وهو ثلاث مراتب] أي: الدين ثلاث مراتب، وتقسيم الشيخ أخذه من حديث جبريل عليه السلام؛ ولهذا ختم الحديث عن هذا الأصل بالحديث الطويل لجبريل، فهو حديث عظيم من أحاديث الأربعين التي جمعها الإمام النووي رحمه الله، وهي من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أعطي عليه الصلاة والسلام جوامع الكلم وخواتمه ومفاتحه فهو يعبر بالتعبير القليل الذي يتضمن المعاني الكثيرة، وهذا معنى جوامع الكلم، فكلام النبي صلى الله عليه وسلم قليل لكنه كثير المعاني. والحديث هو: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد)، وسيأتي معنا قراءته في آخر هذا الأصل. وقد سأله عن ثلاث مسائل: سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان، فأخذ الشيخ تقسيم المراتب منها وختم ذلك بقوله: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)، وهذا من الفقه، فأهل العلم يتأملون النصوص القرآنية والنصوص النبوية ويستخرجون منها الفوائد، فالتقسيمات التي يذكرها أهل العلم يأخذونها من الآيات والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمحاور الحديث تدور حول ثلاثة أسئلة أساسية السؤال الأول عن الإسلام، والسؤال الثاني عن الإيمان، والسؤال الثالث عن الإحسان، ثم ختمها بالسؤال عن أشراط الساعة.

مراتب الدين

مراتب الدين قال: [وهو ثلاث مراتب: الإسلام والإيمان والإحسان، وكل مرتبة لها أركان، فأركان الإسلام خمسة، وأركان الإيمان ستة، وأركان الإحسان ركن واحد].

المرتبة الأولى: الإسلام وبيان أركانه

المرتبة الأولى: الإسلام وبيان أركانه الدليل على أن أركان الإسلام خمسة من حديث جبريل، ومن حديث ابن عمر رضي الله عنه في صحيح البخاري ومسلم قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا)، فالخمسة الأركان أخذها الشيخ من هذا الحديث. قال: (شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)، وهذا الأول مع أنها على شطرين، إلا أنها ركن واحد؛ لأنه لا يتم أحدهما إلا بالآخر، فلا تتم شهادة أن لا إله الله إلا بشهادة أن محمداً رسول الله، ولا تتم شهادة أن محمداً رسول الله إلا بشهادة أن لا إله إلا الله، فشهادة أن لا إله الله تدل على الإخلاص، وشهادة أن محمداً رسول الله تدل على المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذان هما الشرطان الأساسيان لقبول العمل، فلا يقبل العمل إلا إذا كان خالصاً لله عز وجل، وصواباً على سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا فسر العلماء ومنهم الفضيل بن عياض قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود:7] قال: أحسنه: أخلصه وأصوبه، فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لا يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لا يقبل. (وإقام الصلاة) ومعنى إقامتها أي: الإتيان بواجباتها وشروطها وأركانها على الوجه الكامل. (وإيتاء الزكاة) وذلك إذا بلغت النصاب، وتعطى لمستحقيها. (وصوم رمضان) وهو: الإمساك المعلوم في الشهر المعلوم تعبداً لله عز وجل. (وحج البيت) وهو قصد البيت الحرام في أعمال مخصوصة كما هو معلوم.

شهادة أن لا إله إلا الله دليلها ومعناها

شهادة أن لا إله إلا الله دليلها ومعناها فدليل الشهادة قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18]، فالشهادة أخذناها من قوله: (شهد)، والشهادة تأتي بمعنى الإعلام والإخبار والالتزام، والشاهد هو: الله سبحانه وتعالى والملائكة وأولو العلم، وأما المشهود عليه فهو التوحيد، وهو لا إله إلا الله، ومعنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، وهي من جزأين لا إله: نافية لجميع ما يعبد من دون الله، إلا الله: مثبتة للعبادة لله وحده لا شريك له في عبادته. وإعراب لا إله إلا الله: (لا) نافية للجنس عاملة عمل إن. (إله) اسمها منصوب، وخبرها محذوف مقدر، والتقدير لا بد أن يكون مرتبطاً بالمعنى، فمعنى لا إله إلا الله، يعني: لا معبود بحق إلا الله، وقدرنا أن الخبر حق؛ لأنه يوجد آلهة معبودة من دون الله عز وجل بالباطل، وهذا واقع، فالمقصود بلا إله إلا اله يعني: لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى، ومن قدر من النحاة الخبر هنا بأنه موجود فقد أخطأ من حيث المعنى، ولم يخطئ من حيث الصنعة النحوية، فإنه ليس المقصود بهذه الكلمة لا إله إلا الله نفي وجود المعبودات؛ فإن هناك معبودات موجودة لكنها بالباطل وليست بالحق، لكن المقصود هنا نفي الآلهة المعبودة بالحق، فليس هناك إله حق إلا الله سبحانه وتعالى. وإذا وزعنا الكلمة نجد أنها من أربع كلمات، (لا) كلمة وهي دالة على النفي، (إله) على وزن فعال، وفعال يأتي بمعنى مفعول وفاعل، فيأتي بمعنى مألوه وآله، والمقصود أن معناها جاءت على وزن مفعول، فلا إله إلا الله يعني: لا مألوه إلا الله، والإله والمألوه هو المعبود، وهذا معروف في لغة العرب، يقول رؤبة بن العجاج: لله در الغانيات المُدَّهِ سبحن واسترجعن من تألهي ومن حيث المعنى النفي يقتضي نفي الشرك والأنداد والأصنام، ونفي المعبودات، سواء كانت أشخاصاً أو عقائد أو أنظمة أو أفكاراً، أياً كان المألوه، فأحياناً قد يتعبد الإنسان لصنم، وأحياناً أخرى قد يتعبد لنظام، وقد يتعبد لمذهب، أو لشخص، أو لعقيدة، فكل من تعبد لله عز وجل فهو موحد، وكل من تعبد لغيره فهو مشرك أياً كان هذا الغير. فقوله: لا إله نفي الآلهة بكل أنواعها وكل أشكالها، إلا الله إثبات التأله لله عز وجل وأنه حق خالص. وعرفنا أن: لا إله إلا الله تدل على التوحيد من خلال الأساليب في لغة العرب والتي تدل على الاختصاص وتدل على الحصر وتدل على القصر، مثل: (إنما) قال تعالى: {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف:110]، (فإنما) تدل على الحصر في لغة العرب، ومن الأساليب: النفي والإثبات في وقت واحد، أو النفي والاستثناء، والنفي والاستثناء يدل على الاختصاص، فقوله: لا إله إلا الله، نفى الآلهة ثم استثنى، وهذا يدل على التوحيد، وعلى أن ما بعد إلا يجب أن يكون مختصاً بالمعنى الذي قبلها، والمعنى الذي قبل (إلا) هو التأله، فلا إله إلا الله يعني: لا معبود بحق إلا الله خاصاً وخالصاً لله سبحانه وتعالى. وذكر هنا آيتين، كل آية منها جاءت بنفس دلالة معنى لا إله إلا الله، لكن بدون لفظها؛ ولهذا سنستخرج منهما الدلالة. يقول المؤلف: [وتفسيرها الذي يوضحها قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف:26 - 27]]، ثم قال: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً} [الزخرف:28]، قال المفسرون: الكلمة هنا معناها: لا إله إلا الله، {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف:28] يعني: في أبنائه وذريته، {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف:28] يعني: لعلهم يرجعون إليها بعد تركهم الشرك. إذا استخرجنا معنى لا إله إلا الله من هذه الآية، فنجد أنها في قول الله على لسان إبراهيم: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} [الزخرف:26]؛ لأن البراءة تدل على النفي، فقوله: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} [الزخرف:26] تقابل: لا إله، وقوله: {إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} [الزخرف:27] أي: خلقني، وهذه تقابل: إلا الله، فدلت الآية على معنى لا إله إلا الله من الناحية المعنوية، وليس من الناحية اللفظية؛ ولهذا قال: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف:28]. الآية الثانية: هي آية آل عمران التي يقول الله عز وجل فيها: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} [آل عمران:64]، قال العلماء: الكلمة هنا معناها: لا إله إلا الله {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُن

شهادة أن محمدا رسول الله

شهادة أن محمداً رسول الله وشهادة أن محمداً رسول الله تدل على أربعة معانٍ: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع؛ وهذه أمور من النبي صلى الله عليه وسلم، وأمور من العبد تجاه النبي صلى الله عليه وسلم، فالأمور التي من النبي صلى الله عليه وسلم هي الأمر والخبر والنهي والسنة، والأمر من النبي صلى الله عليه وسلم يقابله في العبد الموحد المخلص الاستجابة لأمره صلى الله عليه وسلم، والخبر من النبي صلى الله عليه وسلم يقابله في الموحد التصديق بخبره، والنهي من النبي صلى الله عليه وسلم يقابله في الموحد الامتثال في نهيه بالترك، والسنة التي عليها النبي صلى الله عليه وسلم يقابلها من الموحد الاستجابة لسنته صلى الله عليه وسلم، وفي كل واحدة من هذه الأشياء نصوص تدل عليها تفصيلاً.

أدلة أركان الإسلام

أدلة أركان الإسلام قوله: دليل الصلاة والزكاة وتفسير التوحيد قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5]، فنلاحظ في هذه الآية أن الصلاة والزكاة ربطت بالتوحيد؛ لأن ترك التوحيد كفر، وترك الصلاة كفر، وترك الزكاة يعتبر من الكفر، وإن كان في المسألة خلاف بين أهل العلم؛ ولهذا قال الله عز وجل: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:11] أي: تابوا من الشرك، وقول الله تعالى: {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:11] في سورة التوبة توافق قوله تعالى في سورة البينة: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5]. ودليل وجوب الصيام قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183] أي: فرض، {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]، والحكمة من الصيام هي تحقيق التقوى. ودليل الحج قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران:97]، واللام هنا لام الاستحقاق، أي: أن الله عز وجل له حق على الناس وهو الحج. الأمر الثاني: قوله: (على الناس) فإن (على) هنا تدل على الوجوب، وهذا ينبهنا إلى أهمية دراسة اللغة العربية، ودراسة المعاني؛ ولهذا بعض العلماء أفرد كتباً مستقلة في معاني الحروف فقط ومنها: الجنى الداني في حروف المعاني، ومعاني الحروف للرماني، وغيرها من الكتب التي تتحدث عن معاني الحروف فقط؛ لأن أحياناً الحرف الواحد في القرآن قد يأتي بأكثر من ستة عشر معنى، في آية له معنى، وفي آية أخرى يكون له معنى. فالحرف (على) يدل على الوجوب وعلى الاستعلاء؛ ولهذا استدل بهذه الآية من كفر تارك الحج عمداً إذا استطاعه ومنهم علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وغيرهما، والمسألة فيها خلاف.

العلاقة بين الإسلام والإيمان والإحسان

العلاقة بين الإسلام والإيمان والإحسان بالنسبة للعلاقة بين الإسلام والإيمان والإحسان، إذا أطلق الإسلام في نص شرعي دون اقترانه بالإيمان فهو يدل على كل الدين، وإذا أطلق الإيمان في نص شرعي مستقل عن الإسلام فهو يطلق على كل الدين، لكن إذا اجتمعا في نص واحد يصبح معنى الإسلام الأعمال الظاهرة، من صلاة، وصيام، وحج، وزكاة، ويصبح الإيمان بمعنى الأعمال الباطنة، كالإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله وغيرها ولهذا لو سأل سائل: كيف نوفق بين أركان الإيمان الستة، وبين الحديث الشهير عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) ففي هذا الحديث قال: بضع وسبعون شعبة، وذكر في حديث جبريل ستة أركان، فبضع وسبعون شعبة إذا كان مطلقاً لوحده يشمل الدين بأكمله، ويكون الإيمان ستة أركان إذا كان في مقابل الإسلام، ولم يقصد به الاعتقادات القلبية.

المرتبة الثانية: الإيمان وبيان أركانه

المرتبة الثانية: الإيمان وبيان أركانه قال: [المرتبة الثانية: الإيمان]. الإيمان في الشرع قول وعمل، قول اللسان مثل قراءة القرآن والذكر، وقول القلب وهو تصديقه بما أخبر الله عز وجل به، وبما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم. وعمل يشمل عمل القلب مثل المحبة والخوف والتوكل والإنابة والمحبة والخشية ونحو ذلك، ويشمل عمل الجوارح، مثل الصلاة والصيام والحج؛ ولهذا الإيمان يشمل الدين بأكمله. قال: [الإيمان وهو بضع وسبعون شعبة] بِضع بالكسر معناه العدد من الثلاثة إلى التسعة، والبضع هو الجزء، ويطلق البضع على عورة المرأة. وقوله: (وسبعون شعبة) ليس المقصود هنا العدد؛ ولهذا حاول بعض أهل العلم أن يجمع خصال أهل الإيمان فزادت عن تسعة وسبعين شعبة، وممن حاول جمعها البيهقي رحمه الله في كتابه شعب الإيمان، والحليمي في كتابه المنهاج في شعب الإيمان أيضاً، ولكنها زادت عن التسعة والسبعين؛ لأن العرب تطلق لفظ السبعين للكثرة بدون تحديد؛ ولهذا فسر حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب بأن المقصود بهم الكثرة دون تحديد العدد؛ ولهذا قال الله عز وجل: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة:80]، والمقصود: إذا استغفرت لهم كثيراً، وهذا مثل إطلاق كلمة المليون عند الناس، فبعض الناس يقول: لو تعطيني مليون ما أسوي كذا، وهو لا يقصد العدد، وإنما يقصد لو أعطيتني شيئاً كبيراً جداً لا يمكن أن أعمل كذا. قال: (فأعلاها قول: لا إله إلا الله) يعني: أعلى الإيمان التوحيد، ولا إله إلا الله هي التوحيد، (وأدناها) يعني: أدنى شعب الإيمان (إماطة الأذى عن الطريق)، والإماطة معناها الإزالة، والأذى معروف، وعن الطريق أي: إذا كان على طريق الإنسان، (والحياء شعبة من الإيمان) الحياء صفة من الصفات النفسية تدفع لفعل الأعمال الخيرة وتمنع عن قبيح التصرفات، والحياء من أعمال القلب، وأعمال القلب كثيرة جداً، فقد ذكر ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين أعداداً كثيرة جداً من أعمال القلب، وبينها فروق في غاية الدقة، مثل: الفرق بين الخشية والخوف والوجل، ونحو ذلك من العبارات التي تكون متقاربة، وابن القيم رحمه الله من العلماء المتخصصين في أعمال القلوب؛ لأن أعمال القلوب فيها دقة عالية جداً، لا يفهمها أي أحد.

الإيمان بالله وملائكته

الإيمان بالله وملائكته قال: [وأركانه ستة: أن تؤمن بالله] الإيمان بالله يقتضي الإيمان بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وهي أنواع التوحيد التي سبق أن أشرنا إليها في الأصل الأول، ومعنى الإيمان بربوبية الله الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق الرازق المدبر وحده سبحانه وتعالى، ومعنى الإيمان بألوهيته الإيمان بأن الله عز وجل هو المستحق وحده للعبادة، الإيمان بأسمائه وصفاته، والإيمان بأن الله عز وجل له أسماء حسنى وله صفات عليا {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]. فهذه الثلاثة هي أقسام التوحيد وأركانه، وهي داخلة في الإيمان بالله. (أن تؤمن بالله وملائكته) فموضوع الإيمان بالله هو التوحيد، ونحن سنتحدث في كتاب التوحيد عن موضوع الإيمان بالله بأنواعه الثلاثة حديثاً تفصيلياً؛ ولهذا لا داعي للتكرار. قوله: (وملائكته) الملائكة: هم عالم غيبي مخلوق من نور، له صفة خاصة يختلف عن الإنسان والجن، والواجب هو الإيمان بوجودهم؛ لأن الله عز وجل أخبر بهم، والإيمان بصفاتهم، يقول الله عز وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر:1] أي: أن لهم أجنحة أحياناً تتعدد: تكون اثنين أو ثلاثة أو أربعة، وأحياناً تكون أكثر من ذلك، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما رأى جبريل على هيئته كما خلقه الله عز وجل له ستمائة جناح، وأنه قد سد الأفق. والإيمان أيضاً بأسمائهم، فقد أخبرنا الله عز وجل بأسماء بعضهم مثل: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، ومنكر ونكير. والإيمان بأعمالهم: فقد أخبرنا الله أن جبريل هو أمين الوحي، الذي يرسله الله عز وجل على الرسل بالوحي، وأن ميكائيل هو أمين القطر، وأن إسرافيل هو الذي ينفخ في الصور، وأن ملك الموت الموكل بقبض الأرواح، وأن منكراً ونكيراً يسألان الإنسان في قبره عن الأصول الثلاثة، وغيرهم من الملائكة، وقال الله عز وجل: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11]، وقوله: (يحفظونه من أمر الله) من ضمن أعمال الملائكة {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]، وأيضاً الملك الذي يرسله الله عز وجل إلى الإنسان وهو في رحم أمه فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، والملائكة لا يمكن إحصاؤهم، ولا يحصيهم إلا الله سبحانه وتعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31]. بل ورد في بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا نزل المطر فإن كل قطرة من المطر ينزلها ملك حتى تصل إلى الأرض) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. والله عز وجل خلق الملائكة يقومون بتنفيذ أمره في هذا الكون، وفي هذه الحياة، وفي غير هذه الأرض، فإن الله عز وجل ملكه أوسع من هذه الأرض، فالأرض التي نعيش فيها هي جزء صغير من ملك الله سبحانه وتعالى الكبير الذي لا يعلم قدره إلا هو سبحانه وتعالى.

ثمرات الإيمان بالملائكة

ثمرات الإيمان بالملائكة الإيمان بالملائكة له فوائد في حياة الإنسان، من هذه الفوائد: أولاً: تعظيم الله سبحانه وتعالى، وتعظيم خلق الله عز وجل، وأن الله عز وجل له الصفات العليا، وله التدبير الكامل في خلقه سبحانه وتعالى. الأمر الثاني: الاقتداء بالملائكة فيما يقومون به من طاعة لله سبحانه وتعالى، فهم عباد مكرمون، لا يعصون الله عز وجل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أطّت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك راكع أو ملك ساجد). وجاء في بعض الآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أذن لي أن أحدثكم عن ملك أرجله في تخوم الأرض السفلى وعنقه تحت العرش)، وذكر: ما بين شحمة أذنه ومنكبه بخفقان الطير كذا من السنين! فهؤلاء الملائكة عبادٌ مكرمون، يساعدون المؤمنين ويثبتونهم، وهذا من ضمن أعمالهم؛ ولهذا قاتلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وقاتلوا معه في حنين، وقاتلوا معه أيضاً في أماكن مختلفة ومتعددة؛ ولهذا الإنسان عندما يؤمن بالملائكة يحبهم، ويشعر بأن الله سبحانه وتعالى غير محتاج لعبادتنا نحن البشر، فإن له سبحانه وتعالى عباداً لا يعصونه ما أمرهم، ويعبدونه آناء الليل وأطراف النهار.

الإيمان بالكتب

الإيمان بالكتب (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه)، الكتب هي الكتب التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على الأنبياء والمرسلين لهداية الناس وتعليمهم ما يصلحهم في أمور دينهم، وبيان الطريق المستقيم الموصل إلى الله سبحانه وتعالى، وقد أنزل الله عز وجل كثيراً من الكتب، فكل نبي وكل رسول معه كتاب، فقد أخبرنا الله عز وجل بأنه أنزل التوراة والإنجيل، وأنه كتب التوراة بيده لموسى عليه السلام، وأنه أعطى داود الزبور، وأنه أعطى إبراهيم الصحف، وأعظم كتبه القرآن الكريم فهو أعظم كتب الله عز وجل وهو كلامه سبحانه وتعالى، وتوجيهه المباشر للناس، فأنت عندما تقرأ في القرآن كلام الله عز وجل الذي تكلم به فهو يخاطبك أنت، ولهذا فإن القرآن عندما يتلى آناء الليل وأطراف النهار لا يُمل، فالإنسان يقرأ القرآن ثم يقرأه بعد فترة فيشعر وكأنه لأول مرة يقرأه، وهو مليء بالحكم؛ ولهذا كان القرآن من أعظم المعجزات التي تحدى الله سبحانه وتعالى بها المشركين أن يأتوا بمثله أو بسورة منه، بل بما هو أقل من ذلك فلم يستطيعوا، بل لم يحاولوا، أي: لم نسمع بمحاولات فاشلة من هؤلاء المشركين؛ لأن الفارق بين بلاغة القرآن ونظمه ومعانيه وحكمه العظيمة، وبين المستوى الذي يستطيعونه من الشعر والنثر البليغ غير متقارب، فالفرق كبير جداً. والواجب في الإيمان بالكتب هو الإيمان بكل ما أخبر الله عز وجل به عن هذه الكتب، سواء من حيث أسمائها، أو من حيث ما فيها، والإيمان بأن التوراة والإنجيل قد حرفت من اليهود والنصارى، وأن اليهود والنصارى أدخلوا فيها أموراً ليست من كلام الله، وأن التوراة والإنجيل الآن ليسا من كلام الله عز وجل، فالتوراة والإنجيل الموجودان الآن ليسا الذي أنزلها الله على موسى وعيسى عليهما السلام.

الإيمان بالرسل

الإيمان بالرسل (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله)، الإيمان بالرسل، الرسل هم من بني آدم، أرسلهم الله عز جل إلى الناس لهدايتهم، فمنهم من كلم الله سبحانه وتعالى، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، ومنهم أولو العزم من الرسل، وقد سمى الله عز وجل عدداً منهم في القرآن، وأخبر الله عز وجل نبيه أن هناك رسلاً كثيرين لم يخبر عن أحوالهم، {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر:78] وهؤلاء الرسل أتوا لهداية الناس، وتعليمهم ما يرشدهم، والله عز وجل عندما خلق الإنسان لم يخلقه هملاً، بل أنزل كتباً تهديه، وأرسل رسلاً تعلمه وترشده، وجعل فطرة في نفسه تدله على الخير؛ ولهذا أعطى الإنسان من أدوات ووسائل الوصول إلى الحق ما لا يمكن أن يعتذر يوم القيامة أنه لم يكن يعلم أو لم يكن يعرف أو لم يكن يستطيع الوصول للحق. والإيمان بالرسل يشمل أنواعاً متعددة من الإيمان: الإيمان بوجودهم وأسمائهم وأعمالهم، وأن بعضهم أفضل من بعض، والإيمان بكل ما أخبر به من رسول، بمعنى أنه لو جاءنا إنسان، وأنكر أن سليمان عليه السلام رسول، فنأتي بالنص القرآني ونقول: الله عز وجل أخبر عن سليمان، فإذا أصر على الإنكار فهو كافر، ليس بمؤمن؛ لأن الله عز وجل أخبر عنه، وإنكاره تكذيب لخبر الله عز وجل.

الإيمان باليوم الآخر

الإيمان باليوم الآخر اليوم الآخر هو يوم القيامة، ويدخل فيه البعث والحشر والعرض والصراط والميزان والجنة والنار وأحوال العرصات، وما يحصل للناس في اليوم الآخر، وسمي اليوم الآخر؛ لأنه ليس بعده شيء، وسميت الدنيا بهذا الاسم؛ لأنها القريبة، وسمي البرزخ بهذا؛ لأنه بين الدنيا والآخرة. فالحياة ثلاثة أنواع، الحياة الدنيا وهي التي نعيشها، والأصل فيها هو الجسد، والروح تبع له، والحياة الثانية هي حياة البرزخ والأصل فيها الروح، والجسد تبع لها، أي: عكس الدنيا، والحياة الأخرى هي ما بعد البعث وتغير أحوال الدنيا، وانقسام الناس إلى مؤمنين وكفار وأهل جنة وأهل نار، وهذه هي أتم أنواع الحياة، وهي حياة كاملة على مستوى الروح وعلى مستوى الجسد أيضاً. فاليوم الآخر هو يوم الجزاء الأخروي، ويدل عليه العقل، وتدل عليه أيضاً أسماء الله عز وجل وصفاته، ويدل عليه القرآن، والواجب أن نؤمن باليوم الآخر، وبأنه دار الجزاء، والإيمان بما ورد من تفصيلاته، فهناك أمور أخبر الله عز وجل عنها في القرآن متعلقة باليوم الآخر يجب الإيمان بها، وإنكارها يعتبر من الكفر، وهناك أشياء أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، ويجب الإيمان بكل ما أخبر به إذا كان صحيحاً، وأما إذا كان في الحديث إشكال كأن لم يعرف هل هو صحيح أو غير صحيح، فلا يترتب شيء على من اجتهد ولم يصح عنده الحديث، لا يترتب عليه فساد في الاعتقاد إذا لم يصح الحديث عنده، فإذا كان الحديث ضعيفاً عند العالم لا يجب عليه الإيمان به؛ لأنه لم يثبت عنده خبر الصادق في ذلك. وبعض أهل العلم يلحق بالإيمان باليوم الآخر الإيمان بالبرزخ، على اعتبار أنه هو البداية، وهو انقطاع العمل، والبداية في الجزاء، فالإنسان إذا مات انقطع عمله، ثم يبدأ في الجزاء، والجزاء يكون في فترة الحياة الدنيا بالنسبة للأحياء، ويكون برزخاً بالنسبة للأموات، فإذا انتهت الدنيا بقيام الساعة يخرج الناس من قبورهم إلى لقاء الله سبحانه وتعالى، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من المقبولين.

الإيمان بالقدر خيره وشره

الإيمان بالقدر خيره وشره قال: (وتؤمن بالقدر خيره وشره)، الإيمان بالقدر معناه الإيمان بأربع مراتب: المرتبة الأولى: الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى علم كل شيء من أعمال العباد وأفعالهم إلى قيام الساعة. المرتبة الثانية: أن الله عز وجل قد كتب ما علمه سبحانه وتعالى في اللوح المحفوظ. المرتبة الثالثة: أن الله سبحانه وتعالى له المشيئة المطلقة، وأن مشيئة العبد مرتبطة بمشيئته سبحانه وتعالى. المرتبة الرابعة: أن الله عز وجل خالق لأفعال العباد، فأفعالهم سواءً الأفعال الحسنة كالصلاة والصيام والحج والزكاة هي من خلق الله، أو الأفعال السيئة كالمعاصي والذنوب ونحو ذلك هي من أفعال الله سبحانه وتعالى، فالكل من أفعال الله؛ لأنها داخلة في ملكه؛ ولأن العبد من مخلوقات الله سبحانه وتعالى. هذه الأربع هي مراتب الإيمان بالقدر. الأول: أن يشهد أن الله عز وجل يعلم ما سيعمله الإنسان قبل عمله، فإن أنكر هذه المرتبة أو أنكر أن الله عز وجل يعلم الأحداث من العبد قبل وقوعها فهذا لا شك أنه كافر؛ لأن الآيات القرآنية التي فيها إثبات صفة العلم لله عز وجل أكثر من أن تحصى، وهي تدل دلالة قطعية على أن الله عز وجل عالم بأحوال الإنسان وغيره؛ لأنه كما قال: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] سبحانه وتعالى. المرتبة الثانية: الإيمان بأن الله كتب هذه المقادير، وأن الله سبحانه وتعالى كتبها في اللوح المحفوظ عنده، والكتابة تنقسم إلى أكثر من قسم، فهناك كتابة عامة في اللوح المحفوظ، والتي كتب فيها مقادير كل شيء إلى قيام الساعة، وهذه كانت قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. وهناك أنوع أخرى من الكتابة، مثل الكتابة العمرية بالنسبة للإنسان وذلك عندما يولد كما جاء في حديث ابن مسعود أنه يُرسل إليه ملك فيكتب عمله، ويكتب أجله، ويكتب رزقه، ويكتب شقي أم سعيد. وهناك كتابة سنوية، وتكون هذه الكتابة السنوية في رمضان في ليلة القدر، وكتابة يومية لكن هذه الكتابات هي كتابات في صحف الملائكة الذين أمرهم الله سبحانه وتعالى بتطبيق ما أمر سبحانه وتعالى على أحوال العباد. والإيمان بالقدر واجب، ولا يتعارض الإيمان بالقدر بكل أركانه الأربعة، فالإيمان بالمشيئة والخلق لا يتعارض مع اختيار الإنسان، فالإنسان يشعر في نفسه أنه قادر على الاختيار، لكن قدرته على الاختيار مرتبطة بمشيئة الله سبحانه وتعالى، وهو مخلوق من مخلوقات الله، فلا بد أن يكون اختياره مخلوقاً لله سبحانه وتعالى، وفي نفس الوقت هو مختار وليس مضطراً كما يشعر الإنسان من نفسه، وعلم الله عز وجل السابق الأزلي، وكتابته لأحوال العباد لا تتعارض مع اختيار الإنسان، الله عز وجل علمه لا يحده شيء، فقد وسع كل شيء علماً سبحانه وتعالى، وكتابته هي كتابة لعلمه، والإنسان قادر على الاختيار كما هو حاله؛ ولهذا الذين يحتجون بالقدر على فعل المعاصي احتجاجهم فاسد وباطل؛ لأن احتجاجه على فعل المعصية يخالف الشعور ويخالف الواقع الذي يشعر الإنسان فيه أنه قادر على الفعل وقادر على الترك، والذي يحتج بالقدر على المعاصي يخالفه عندما يكون الشأن في الرزق، فلا يترك العمل بحجة أن رزقه مكتوب وأن كل شيء سيأتيني إلى بيتي وهذا مما لا ينبغي اعتقاده ولهذا قال العلماء: لا يجوز الاحتجاج بالقدر على المعاصي، لكن يجوز الاحتجاج بالقدر على المصائب؛ لأن المصائب انتهت، لكن المعاصي قد يفعلها الإنسان ويستمر في فعلها ويحتج بالقدر عليها، وهذا احتجاج في غير مكانه، فالمصائب عندما تقع على الإنسان فإنه يحتج بقدر الله عز وجل؛ لأن ذلك يهون عليه وقع هذه المصيبة ويورثه في قلبه التوكل والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.

الدليل على أركان الإيمان

الدليل على أركان الإيمان [والدليل على هذه الأركان الستة قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة:177]، هذه الخمسة]. [ودليل القدر قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49]]، وأركان الإيمان جميعاً موجودة في القرآن، خمسة في آية واحدة، والقدر في آية أخرى.

المرتبة الثالثة: الإحسان

المرتبة الثالثة: الإحسان [المرتبة الثالثة: الإحسان، وله ركن واحد وهو: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك]، وهذه ذروة الإيمان وأعلاه، وهو تمام الإخلاص. قال: [والدليل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128]]. (أن تعبد الله كأنك تراه)، وهذا يدفع إلى العمل، ويشعر بمراقبة الله عز وجل ومعيته مع الإنسان. (فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، وبلا ريب أن الإنسان لا يرى الله في الدنيا، لكنه سيراه في الآخرة إذا دخل الجنة، أما أهل النار فإنهم لا يرونه قال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]. وقوله: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الشعراء:217 - 220]. وقوله: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس:61]. وجه الدلالة من الآية الأولى قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128] فمعية الله عز وجل تكون للمحسنين، وهذه المعية تقتضي المراقبة. ووجه الدلالة من الآية الثانية قوله: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} [الشعراء:218]، وهذه تقتضي أيضاً المراقبة والشعور بمراقبة الله عز وجل للإنسان. وأيضاً محل وجه الدلالة من الآية الثالثة قوله: {إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس:61]. قال: [والدليل من السنة حديث جبرائيل المشهور -يصح أن يقول جبريل ويصح أن يقول: جبرائيل، وهكذا الشأن في ميكائيل عن عمر رضي الله عنه قال: (بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر سفر، ولا يعرفه منا أحد). وهذا يدل على أن الملائكة أحياناً يتشكلون في صور البشر، كان جبريل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم على صورة دحية بن خليفة الكلبي، وكان رجلاً جميلاً وسيماً. وقوله: (حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه)، وهذه جلسة طالب العلم المتواضع بين يدي معلمه. (وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)، وشرحها قد تقدم. (قال: صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدقه!) أي: أن السؤال أحياناً يأتي للاستعلام وأحياناً يأتي للتقرير، فسؤاله هنا كان للتقرير؛ لأنه قال: صدقت. (قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل) أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم عرف أن السائل هو جبريل. (قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها؟)، وهذا فيه خلاف في معناه بين العلماء، قيل: المقصود به الفتوحات التي تكثر فيها السبايا والإماء في بيوت المسلمين، ثم يتزوجها وتلد ابنة أو ابناً يكون سيداً لها. (أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى العراة الحفاة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان) أي: الغنى بعد الافتقار، وهذا حصل في مراحل متعددة من تاريخ المسلمين. (قال: فمضى) يعني: ذهب (فلبثنا ملياً، فقال: يا عمر! أتدري من السائل؟) فالصحابة لم يسألوا، مع أن الحاجة إلى السؤال ماسة، لكن تأدباً مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يسألوا، (فقال: يا عمر! أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم). ولا يصح الإجابة بقول: الله ورسوله أعلم في كل شيء، وإنما يكون ذلك في الأمور الشرعية، لكن لو سئلت مثلاً: أين أبوك؟ فقلت: الله ورسوله أعلم، فأنت مخطئ، فالله أعلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم أين أبوك الآن. (قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم)، وهذه طريقة من طرق التعليم وهي السؤال والجواب. بالنسبة للأصل الأول الذي هو معرفة الله عز وجل وتوحيده أوصي بالرجوع إلى كتاب: كيف نفهم التوحيد؟ للشيخ محمد أحمد باشميل، وهو كتاب نافع ومفيد، وهو صغير يمكن قراءته في ليلة واحدة، بل في ساعة واحدة، وهو كتاب نافع وسهل وسلس، وأسلوب الشيخ رحمه الله

الأسئلة

الأسئلة

التحذير ممن يدعي أنه عيسى بن مريم أو يرى الملائكة ونحو ذلك

التحذير ممن يدعي أنه عيسى بن مريم أو يرى الملائكة ونحو ذلك Q حضر بجواري شخص يدعي أنه عيسى بن مريم! نرجو التحذير. A يبدو أن هذا الشخص مريض ولا تستغربوا من حصول مثل هذه الحالات فقد اتصل بي أحد الإخوة وطلب أن يقابلني، وذكر لي أن هناك شخصاً قد يكون فيه صلاح وفيه خير، وقد يكون إنساناً سيئاً. وهذا الشخص يقول لهم: أنا أرى الملائكة بعيني، ويقول: إنه إذا دخل المسجد أشار وقال: هذا أحد الملائكة يمشي، أراه بعيني، فقال له: لماذا نحن لا نرى الملائكة؟ قال: كل واحد على حسب عمله فعندما يكون عملك ضعيفاً لا ترى الملائكة. وكان يقول لهم: إنني مستجاب الدعوة، ويقول لهم: إنني إذا دعوت الله عز وجل فمباشرة تحصل الدعوة، وأنه ذات مرة لم يكن معه مال فدعا الله عز وجل فجاءته ثلاثمائة ريال! الشاهد أنه يوجد كثير من الناس يقول ويدعي هذا، وقد يكونون مرضى، وبعضهم قد يكون سيئ النية، وبعضهم قد يكون منحرف العقيدة؛ ولهذا يؤسفني أن أجد بعض الشباب الطيبين يصدقون أي دعوى. يذكر شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه التوكل والوسيلة أن بعض المغفلين ممن ينتسب إلى الصلاح ولا يطلب العلم قال: كنت في مأزق وجاءني لص، فرأيتك - يعني: شيخ الإسلام - تطير في السماء حتى جئتني وأنقذتني من هذا اللص، يقول شيخ الإسلام: ولم آته من السماء، وإنما الشيطان تشبه بي -يعني: بـ شيخ الإسلام - وجاءه طائراً حتى يفسد عليه دينه. وقال شيخ الإسلام في رسالة العبودية: إن الشيخ عبد القادر الجيلاني كان يوماً من الأيام يصلي الليل على سطح منزله، ففجأة رأى نور من السماء ساطعاً، أنار الأفق، وإذا هو بشخص يتكلم يقول: يا عبد القادر! أنا ربك، اعمل ما شئت فقد غفرت لك، فقال: كذبت أنت الشيطان، فذهب النور وأصبح مثل الرماد والدخان. فعرف الشيخ عبد القادر أن هذا من الشيطان؛ لأنه قال له: اعمل ما شئت فقد غفرت لك؛ ولأنه يعرف الشريعة والدين، فالأنبياء والصحابة أفضل منا، ومع هذا لم يحصل لهم ذلك، ففعل الصحابة أمر طبيعي، صلاة وصيام وجهاد وذكر لله ودعاء حتى ماتوا، ولا أحد ادعى مثل هذه الدعاوى، والتوسع فيما يتعلق بالكرامات لا شك أنه مقدمة لمثل هذه الأحوال؛ ولهذا ينبغي أن نحذر من هذه الخرافات، وأن نحذر من الأمور المخالفة لأساسيات الدين، وأن نتعلم الدين على وجهه الصحيح، وهكذا الحال بالنسبة للأخوات ينبغي الحرص على هذا الموضوع، وبالذات أن دعاوى التصوف تنتشر في صفوف النساء وفي صفوف عموم الناس انتشاراً كبيراً جداً؛ لأنهم يأتون للناس من قبل العاطفة، ومن قبل الجوانب النفسية، ويؤثرون فيهم تأثيراً كبيراً، ويدخلون لهم الخرافات من خلال هذه العواطف.

حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته

حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته Q هل يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته؟ وهل قال فيه بعض الفقهاء؟ وهل هناك حديث في ذلك؟ A التوسل أصبح لفظاً مجملاً، بعض الناس يسمي الاستغاثة توسلاً، وذلك بأن يأتي الشخص ويستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم ويقول: يا رسول الله! أدخلني الجنة، يا رسول الله! أرزقني، يا رسول الله! خذ بيدي، يا رسول الله! أنقذني من النار، يا رسول الله ونحو ذلك، هذه كلها استغاثات حتى ولو سميت توسلاً فهي شرك أكبر ناقض للإسلام والإيمان؛ لأنه تعبد لغير الله عز وجل فهو مشرك شركاً أكبر. وأما إذا كان المقصود بالتوسل: دعاء الله عز وجل بوسيلة، كأن يقول: اللهم إني أسألك، فإن الدعاء هنا لله وليس للرسول، فهو لا يقول: يا رسول الله! اغفر لي، يقول: اللهم إني أسألك أن تغفر لي بجاه فلان، هذا هو التوسل، إذا كان هذا فهذا من البدع المحدثة، والوسائل التي يجوز التوسل بها ثلاثة: الأول: التوسل بالأعمال الصالحة. الثاني: التوسل بدعاء الصالحين. الثالث: التوسل بأسماء الله وصفاته، والتوسل بالإيمان هذا هو أساس التوحيد، ويجوز التوسل بأسماء الله وصفاته، ويجوز التوسل بدعاء الصالحين، كأن يأتي إلى رجل صالح ويقول: ادع الله لي، فإذا دعا له يجوز له أن يرفع يديه ويقول: اللهم إني أسألك بدعاء فلان من الصالحين أن تستجيب هذا الدعاء، كما حصل في حديث الأعمى.

حكم من يؤمن بتوحيد الألوهية والربوبية ويعطل أو يؤول في الأسماء والصفات

حكم من يؤمن بتوحيد الألوهية والربوبية ويعطل أو يؤول في الأسماء والصفات Q وُجد من آمن بتوحيد الألوهية والربوبية كاملاً، وأشرك في توحيد الصفات، وذلك بالتأويل والتعطيل، فكيف الجمع بين ذلك وبين ما ذكرت من أنه لا يتصور أن يؤمن الإنسان بنوع من أنواع التوحيد كاملاً ويشرك في الآخر؟ A من قال: إنه آمن بتوحيد الألوهية والربوبية إيماناً كاملاً، فهذا ليس بصحيح، فالذين يعطلون صفات الله عز وجل، ويعطلون أسماءه هم ليسوا مؤمنين إيماناً كاملاً وتاماً بتوحيد الألوهية وتوحيد الربوبية؛ لأن توحيد الربوبية أصلاً توحيد في الصفات، وتوحيد الربوبية هو توحيد الله في الخلق، والخلق من صفات الله، والرزق والإحياء والإماتة والتدبير هذه كلها من صفات الله، ومعطلة الصفات ليسوا موحدين توحيداً تاماً فيما يتعلق بتوحيد الألوهية والأسماء والصفات والربوبية. وهكذا الحال فيمن وقع في الشرك في النوعين السابقين؛ لأن التوحيد معنىً واحد، والتقسيم الذي حصل إنما الهدف منه تقريب المعلومات، ليس الهدف منه الانفصام التام بين أنواع التوحيد الثلاثة؛ ولهذا فإن المشركين الذين أقروا لله عز جل بالخلق ليسوا موحدين في الربوبية توحيداً تاماً، بل عندهم شرك كبير فيه، لكن لا ينكرونه إنكاراً بالكلية، هم يقرون به في الجملة، وإقرارهم بالجملة يقتضي إيمانهم بتوحيد الألوهية، لكنهم لم يلتزموه.

الابتلاء في الدين أمر لا مناص منه

الابتلاء في الدين أمر لا مناص منه Q في مسألة الصبر على الأذى فيه، هل من تعليق على مقولة: إذا انتهجت منهجاً ولم تؤذ فيه فراجعه، أو قريب من ذلك، مما يؤيد أنه لا بد من الابتلاء لأصحاب المنهج السوي؟ A الابتلاء أمر لا مناص منه بالنسبة للإنسان، والذي يتوقع أنه يمكن له أن يلتزم بالإسلام دون أن يكون له أعداء هذا لم يفهم الإسلام على حقيقته، ولهذا الآن من دعاوى الفكر الليبرالي الموجود والذي يدعمه مع الأسف كثير من كتاب الصحافة يقولون: نحن بإمكاننا أن نسلم، لكن نحترم الآخر ونتقبل الآخر، ويقصدون بالآخر الكافر والمنافق، نقول: هذا ليس إسلاماً، الإسلام يقتضي الالتزام بالإسلام، ويقتضي البراءة من الآخر في قوله وفعله وفي عمله الذي يقوم به، فالإيمان يقتضي البراءة مما سواه. أما الزعم بأن الإنسان يكون مسلماً وهو مصاحب للكفار، بل وصل الحال بأن بعضهم يطالب بأن لا نعتقد بطلان عقائد الكفار، ويقول: لأنك إذا اعتقدت بطلان عقائد الكفار فأنت إقصائي، وأنت شخص ليس عندك تسامح، والتسامح عندهم هو أنك لا تعتقد بطلان عقائدهم؛ لأنهم يقولون: إن اعتقاد بطلان عقائد الآخر يقتضي الوثوقية، ويقتضي أنك شخص تعتقد أنك تملك الحقيقة المطلقة، وغيرها من الكلام المزيف الذي ينقض أصل التوحيد من أساسه، فينبغي إدراك مثل هذه المسائل.

جميع الكتب التي أنزلها الله عز وجل هي من كلامه

جميع الكتب التي أنزلها الله عز وجل هي من كلامه Q هل جميع الكتب التي أنزلها الله عز وجل هي من كلام الله عز وجل؟ A نعم، كل الكتب التي أنزلها الله هي من كلامه، لكن حصل في كثير منها تحريف؛ لأن الله عز وجل وكل حفظ الكتب السابقة للأنبياء والعلماء في زمانهم، بينما هذا القرآن تكفل الله عز وجل بحفظه. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

تأصيل علم العقيدة [4]

تأصيل علم العقيدة [4] يجب على كل مسلم معرفة الرسول عليه الصلاة والسلام بالأدلة، ويعتقد أنه عبد الله ورسوله، أرسله ليخرج الناس جميعاً من الظلمات إلى النور، ويدعوهم إلى عبادة الله وتوحيده، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار.

من آداب طالب العلم

من آداب طالب العلم بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين. أما بعد: فإن طالب العلم في طلبه وتحصيله للعلم يقوم بعبادة عظيمة من العبادات الشرعية، فطلب العلم عبادة شرعية عظيمة، وهو إما واجب عيني وإما واجب كفائي، فالإنسان عندما يشتغل في طلب العلم فإنه لا يضيع وقته وإنما يتعبد لله عز وجل كما يتعبد له بالصلاة والصيام والحج والزكاة وغيرها من الأعمال الصالحة، ولهذا جاء ذكر فضل العلم الشرعي كثيراً في القرآن، فقد جاء فضل العلم الشرعي في آيات كثيرة وفي أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فينبغي على طالب العلم وهو يقوم بهذه العبادة أن يتأدب بآدابها، وأن يعتني بأخلاقها، وأن يعرف حقها، وأن يدرك الواجب المترتب عليها، فإن لطلب العلم آداباً عظيمة: آداباً تتعلق بطالب العلم في نفسه، وآداباً تتعلق بطالب العلم في درسه، وآداباً تتعلق يطالب العلم في تعامله مع مجتمعه، وآداباً تتعلق بطالب العلم في علاقته مع شيخه ومع زميله وصديقه، وهناك آداب فيما يترتب على تحصيله للعلم ومعرفته لهذه الأحكام الشرعية العظيمة سواء كانت في باب الاعتقاد أو في باب العمل والأحكام العملية. ومن أعظم آداب طالب العلم الذي يتحدث عنه أهل العلم كثيراً، وهو أمر مهم في كل عبادة من العبادات الشرعية: إخلاص النية لله سبحانه وتعالى، أن يبتغي الإنسان في عمله وجه الله سبحانه وتعالى؛ لأن البعض قد يعمل العمل الصالح ويجتهد فيه، وقد يبذل من العمل والجهد والتعب والنصب والمشقة الشيء الكثير لكنه هباء منثوراً لا قيمة له، وهذا إذا كان العمل لغير الله عز وجل، والحقيقة أن من أخوف ما يخاف على الصالحين بالذات الرياء، والسمعة، والجاه، والشهرة وغير ذلك من الأمراض والفتن والشهوات الخفية التي لها مسارب دقيقة جداً في النفس الإنسانية وقد لا يتنبه لها كل أحد، فإن عمل المشرك سواء كان شركه تاماً مثل شرك المشركين أو كان شركه جزئياً مثل من يعمل العمل لغير الله عز وجل شرك أصغر هذا عمله لا قيمة له، {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:23] لا قيمة له، وجاء في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه). والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، فكل إنسان له ما نوى، فمن نوى الصدق والعمل الصالح، ومن نوى أن يكون صالحاً في نفسه مصلحاً لغيره مبتغياً وجه الله عز وجل نال تلك المكانة ونال الشرف العظيم، ولهذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان عامة أهل العلم يحرصون غاية الحرص على تجديد النية في كل لحظة وفي كل وقت؛ لأن الإنسان قد يطرأ عليه طارئ، يتلاعب به الشيطان، وقد يعبث به، وقد يدخل عليه كثيراً من الأمور وهو ليس من أهل الرياء والسمعة، ولهذا ينبغي دائماً أن يجدد الإنسان نيته، يقول بعض السلف: طلبنا العلم لغير الله فأبى الله إلا أن يكون له. فهذا العلم الشرعي علم شريف عظيم مهم ينبغي أن نجتهد في إخلاص النية لله سبحانه وتعالى في طلبه. الثاني من أخلاق طالب العلم الذي ينبغي أن يحرص عليه هو: الاجتهاد في أن يعمل بعلمه، فيجتهد في العمل بعلمه في سلوكه وأخلاقه، وأن يجتهد أن يعمل بعلمه في عبادته وفي حياته كلها، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: العلم يهتف بالعمل فإن أجاب وإلا ارتحل. وقد صنف الخطيب البغدادي رحمه الله كتاباً عظيماً سماه: اقتضاء العلم العمل، فليس المقصود من طلب العلم جمع المسائل وحفظها، وإكثار المحفوظات وكثرة المسائل، وأن يشار إلى الإنسان بالبنان، فهذا كله مما لا قيمة له، وإنما القيمة الحقيقية هي خشية الله سبحانه وتعالى، كما قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]، ولهذا قال السلف: العلم خشية الله. إذا رأيت الإنسان يخشى الله عز وجل فاعلم أنه عالم، وإذا رأيت الإنسان لا يخشى الله عز وجل حتى لو كانت محفوظاته كالبحر، وحتى لو كانت المسائل التي يدركها مثل الرمل في العدد فإنه لا قيمة لها في الحقيقة ما لم تكن مرتبطة بخشية الله سبحانه وتعالى. وهناك قضية مهمة جداً ينبغي أن يتنبه لها وهي الحرص على التقوى وتزكية النفس قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9 - 10]، ولهذا كانت تزكية النفس أحد الأمور المهمة التي بعث النبي صلى الله عليه وسلم من أجلها، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2]. فمن أهداف بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

الأمور التي تتضمنها معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم

الأمور التي تتضمنها معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم تتضمن مجموعة من الأمور: الأمر الأول: معرفة رسالته، فيجب أن يعرف الإنسان رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه جاء بالتوحيد، وإفراد العبادة لله سبحانه وتعالى، والكفر بالطاغوت، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء يعلم الناس، ويميز بين المسلم والكافر، والمؤمن والمنافق، والطائع والعاصي وهكذا. الأمر الثاني: طاعته صلى الله عليه وسلم، وطاعته تكون في أمرين: بالتصديق عند الخبر، وتكون طاعته بالامتثال عند الأمر وذلك بالفعل، أو النهي وذلك بالترك؛ لأن مقتضى الأمر الفعل، ومقتضى النهي الترك، ومقتضى الخبر التصديق. الأمر الثالث: اتباع سنته صلى الله عليه وسلم، فإن اتباع سنته من أعظم الأمور الواجبة وهي من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم، وهي من مقتضيات معرفة الرسول وشهادة أن محمداً رسول الله، ولهذا يقول الله عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، ويقول الله عز وجل: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا} [المائدة:92]، ويقول سبحانه وتعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]، ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، والآيات الواردة في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرة في القرآن. إذاً من مقتضيات معرفة الرسول: الانقياد لسنته، وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم توجيهاته وأقواله وأفعاله هي المعيار في معرفة الحق من الباطل، والصواب من الخطأ، والصحيح من الفاسد، فيجب أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم هو الموجه للإنسان، وهو الذي يسلك الطريق ونحن نتبعه، قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153]، وارتبط التفرق بالابتداع في الدين، فكلما ابتدع الإنسان في الدين زاد التفرق، والعياذ بالله. الأمر الرابع من مستلزمات الإيمان بالرسول: معرفة دلائل نبوته، فإن معرفة دلائل النبوة لها أهمية كبيرة في الثقة بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما يقوله عليه الصلاة والسلام، وهي من أعظم الأمور التي تساعد على تحقيق الثلاثة السابقة: على تحقيق معرفة الرسالة، وعلى تحقيق الطاعة، وعلى تحقيق اتباع السنة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه دلائل نبوته حتى بعد استقرار الإيمان في قلوبهم وحتى بعد جهادهم، ففي يوم الخندق ظهرت فيه من دلائل النبوة الشيء الكثير، وبعد الخندق مع استقرار إيمان الصحابة ومع تربيته عليه الصلاة والسلام لهم، ومع إيمانهم الجازم بصدقه إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبين لهم دلائل نبوته بياناً كثيراً ومتعدداً لما في ذلك من غرس اليقين في النفس، وزيادة الإيمان في القلب، فعندما ضرب الحجر يوم الخندق وقال: (الله أكبر! فتحت فارس، وقال: فتحت اليمن، وإني أرى أبواب صنعاء)، وعندما دعاه جابر إلى الشاة ودعا أهل الخندق جميعاً وأكلوا جميعاً من هذه الشاة وبقي منها، وهذه ألوان متعددة من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم مما يدل على أهميتها حتى بعد استقرار الإيمان في النفس. الأمر الأخير من لوازم معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم: معرفة سيرته، وهي من الأمور المهمة، ومن لوازم ذلك معرفة نسبه، ومعرفة بعثته، ومعرفته مكان البعثة، ومعرفة الهجرة، ومعرفة غزواته وأيامه، ومعرفة حياته، ومعرفته هديه، ولهذا ألف ابن القيم رحمه الله كتاباً عظيماً جمع فيه الفقه مع العقيدة مع السيرة العملية مع الأحكام مع الفوائد في السلوك والأخلاق، وكل هذه أخذها من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسماه زاد المعاد من هدي خير العباد، وبين فيه ماذا كان يعمل إذا استيقظ من نومه؟ وإذا صلى؟ وكيف يصلي؟ وإذا انتهى من صلاته ما يفعل؟ وكيف كان يتعامل مع أصحابه؟ وكيف كان يتعامل مع زوجاته ومع الناس من حوله؟ وإذا قاتل كيف كان يقاتل؟ وإذا عقد صلحاً كيف يعقده؟ وحياة النبي صلى الله عليه وسلم اليومية هي تشريع رباني يتعلم الإنسان منه الهدي والسمت والخلق والحكمة والعقيدة والفقه وكل الأمور المتعلقة بهذا الدين. ولا بد أن نحدد ما هي المصادر الصحيحة التي نستخرج ونعرف من خلالها سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فالمصدر الأول القرآن، فقد ذكر من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضاً كتب الحديث ومصنفات العلماء في الحديث فقد جعل البخاري في كتابه الصحيح أبواباً كثيرة، مثل كتاب المغازي، وكتاب المرتدين، وكتاب بدء الوحي وغيرها من الكتب، وهذه كلها تتحدث عن أيام النبي صلى الله عليه وسلم، و

الأصل الثالث من الأصول الثلاثة: معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم

الأصل الثالث من الأصول الثلاثة: معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: [الأصل الثالث - يعني من الأصول الثلاثة -: معرفة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو محمد بن عبد الله]. والنبي صلى الله عليه وسلم له أكثر من اسم، ومن أسمائه: أحمد، وطه، ولكن اسمه الأشهر والأبرز هو محمد صلى الله عليه وسلم. [محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، وهاشم من قريش، وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام]. أجمع المؤرخون على أن نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدنان نسب صحيح، وأجمعوا أيضاً أن عدنان من ولد إسماعيل لكن الأسماء النسبية من عدنان إلى إسماعيل لم يتفقوا عليها، وقد وقع فيها اختلاف كبير. وإسماعيل هو ابن إبراهيم، فنسب النبي صلى الله عليه وسلم متصل بإبراهيم عليه السلام، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله أصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاه عليه الصلاة والسلام من بني هاشم فهو خيار من خيار). قال المصنف رحمه الله تعالى: [انتقل إلى الرفيق الأعلى وله من العمر ثلاث وستون سنة منها أربعون قبل النبوة وثلاث وعشرون نبياً ورسولاً. نبئ بـ {اقْرَأْ} [العلق:1]، وأرسل بالمدثر، وبلده مكة وهاجر إلى المدينة]. هذه المعلومات الأولية ضرورية، وقد سبق أن ذكرت أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كتب هذا الكتاب لعوام المسلمين من أجل أن يؤسس قاعدة للناس في هذا الباب العظيم وهو باب الاعتقاد سواء في معرفة الله أو معرفة الدين أو معرفة الرسول الذي نتحدث عنه الآن؛ لأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدأ دعوته في مجتمع مليء بالجهل والخرافة والشرك، وتغيرت فيه المفاهيم الشرعية، بل وتغيرت الأخبار والأحوال؛ ولهذا سيأتي معنا أنه يقرر مسائل بالنسبة لنا بديهية لكن بالنسبة لمن كان في زمانه ليست بديهية ولهذا سنذكر بعض الأشياء التي تدل على ذلك. قال: نبياً ورسولاً، وهناك خلاف بين العلماء في مسألة: هل النبي والرسول بمعنى واحد أو هناك فرق بين النبي والرسول؟ الصحيح: أن هناك فرقاً بين النبي والرسول، ولكن اختلف العلماء أيضاً في تحديد الفرق بين النبي والرسول، فقيل: النبي هو من نبئ برسالة ولم يؤمر بالتبليغ، والرسول من نبئ وأمر بالتبليغ، وقيل: النبي هو من أرسل إلى قوم ليسوا أهل جاهلية، وليسوا مشركين، والرسول هو من أرسل إلى قوم مشركين، وقيل: النبي هو من يأتي مجدداً لرسالة رسول قبله، والرسول هو من يأتي برسالة جديدة، والصحيح هو ما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه النبوات: أن الرسول هو من يبعث إلى قوم كفار أهل جاهلية، وأن النبي هو من يبعث إلى قوم ليسوا من أهل الجاهلية وإنما هم يحتاجون إلى تعليم وتجديد كما حصل في أنبياء بني إسرائيل، والحديث في هذا الموضوع يطول وليس لنا فيه حاجة الآن.

دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد وتحذيره من الشرك

دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد وتحذيره من الشرك يقول: (نبئ بـ {اقْرَأْ} [العلق:1]) كما جاء في الحديث الشهير عندما جاءه جبريل في الغار وضمه وقال في آخر الحديث: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]. (وأرسل بالمدثر)؛ لأن فيها: {قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:2]. و (بلده مكة)، يعني: الذي ولد فيه، وهاجر إلى المدينة وهذه كلها سيأتي بيانها. [بعثه الله بالنذرة عن الشرك ويدعو إلى التوحيد]. يعني: بعثه الله عز وجل منذراً للناس من الشرك وأيضاً داعياً إلى التوحيد، وهذا هو حال كل الأنبياء، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت} [النحل:36]. [والدليل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1]]. النداء هنا للنبي صلى الله عليه وسلم. [{قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:2]]. أنذر يعني: أنذر الناس من خطورة الشرك وأمرهم بالتوحيد. [{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر:3]]. يعني: ادع إلى التوحيد. [{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4]]. ذكر العلماء في معنى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4] معنيين: المعنى الأول: هو تطهير اللباس الحقيقي. وقيل: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4] يعني: نفسك طهرها من أدران الذنوب والمعاصي والشرك والبدع ونحو ذلك. [{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر:5 - 7]، ومعنى: {قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:2] ينذر عن الشرك ويدعو إلى التوحيد، {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر:3] أي: عظمه بالتوحيد، {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4] أي: طهر أعمالك عن الشرك، {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:5] الرجز: الأصنام، وهجرها: تركها والبراءة منها وأهلها. أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد].

فرض الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

فرض الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأول ما أمر به وفرض من الأعمال الصلاة، وقد فرضت بعد عشر سنين، وكانت هذه العشر السنين كلها دعوة إلى التوحيد، وإلى التعلق بالله سبحانه وتعالى، وإلى ربط كل الحياة بتوحيد الله سبحانه وتعالى، وهذا يدل على أهمية التوحيد في الدعوة، وأن كثيراً من الناس الذين يهونون من شأن الدعوة إلى التوحيد وإلى العقيدة الصحيحة لم يفقهوا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بصورتها الصحيحة، وهذا لا يعني أنهم لم يكونوا يتعبدون، فقد كان يصلي عليه الصلاة والسلام، وكان يتصدق، لكنها لم تكن مفروضة على الناس، فقد كانوا يصلون، وكانوا يتصدقون، وكانوا يعملون كثيراً من الأعمال الصالحة، مثل: بر الوالدين، والإصلاح، والدعوة ونحو ذلك، لكنها لم تكن فرائض إلزامية للناس، وأول عمل فرض على الناس وألزموا به الصلاة، وكان ذلك بعد عشر سنين من الدعوة. [وبعد العشر عرج به إلى السماء]. ومن المعلوم أن حادثة الإسراء والمعراج من الحوادث الشهيرة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها دلالات عقدية، ومسائل فقهية كثيرة. [وفرضت عليه الصلوات الخمس]. أي: عندما عرج به إلى السماء، وهذا يدل على أهميتها؛ لأنها فرضت في مكان خاص ليست كغيرها من الأعمال التي كان يأتي الملك وينزل بالقرآن على الرسول الكريم، وإنما فرضت عليه في مكان خاص مما يدل على منزلتها ومكانتها، ولهذا أول ما يحاسب عليه العبد من العمل بعد التوحيد هو الصلاة، فإذا استقامت استقام دينه، وإن لم تستقم فإن دين الإنسان يكون فيه خلل.

هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وبيان بعض ما يتعلق بالهجرة

هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وبيان بعض ما يتعلق بالهجرة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفرضت عليه الصلوات الخمس وصلى في مكة ثلاث سنين]. أي: كانت الصلوات التي كان يصلونها دون أن تكون فريضة، وإنما يصلون في أوقات مختلفة ومتعددة دون أن تكون قد فرضت عليه، ثم فرضت عليهم الصلوات الخمس وبعدها أمر بالهجرة، والهجرة: مأخوذة من الهجر، والهجر: هو الترك والابتعاد، وهجرته صلى الله عليه وسلم: هي انتقاله من مكة إلى المدينة، وقد أمر بالهجرة قبل ذلك إلى الحبشة عندما أوذي أصحابه، والهجرة تكون واجبة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام إذا لم يستطع الإنسان أن يقيم دينه في بلاد الكفر، فإن استطاع أن يقيم دينه فتكون مستحبة وليست بواجبة. [والهجرة: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام]. وكلمة بلد الشرك وبلد الإسلام عبر عنها الفقهاء بدار الكفر ودار الإسلام، وهذه المصطلحات ليست مصطلحات واردة في القرآن والسنة، وإنما هي مصطلحات ذكرها الفقهاء وتعارفوا عليها لبيان البلاد التي توصف بأنها بلاد إسلام، والبلاد التي توصف بأنها بلاد كفر، والضابط الشرعي في مثل هذا الأمر هو بالنظر في مجمل الأحوال، والأحكام الموجودة في هذه البلاد، فإذا كانت هي أحكام الإسلام، الناس أكثرهم مسلمون، والشعائر الإسلامية ظاهرة كالصلاة والصيام والحج والاستسقاء والكسوف ونحو ذلك من الشعائر، فإن كان هذا حاله فهو بلد إسلام، وإن لم يكن كذلك فإنه لا يعتبر بلد إسلام، وإذا كانت شعائر الكفر هي الظاهرة والأحكام التي يحكم بها هي أحكام الكفر فإن هذا يكون بلد كفر، وهذه المسألة واضحة وليست محل اشتباه وفيها أشياء محل اشتباه، من الأمور الواضحة التي ليست محل اشتباه هو أن البلاد التي يحكم فيها بما أنزل الله والناس يقومون فيها بالأعمال الصالحة حتى لو وقع فيها ذنوب ومعاصٍ فبالإجماع أنه دار إسلام، وأن البلاد التي هي من بلاد الكفار والأحكام التي فيها أحكام الكفر وأغلب أهلها من الكفار فإنها بلد كفر دون إشكال، ووقع الإشكال في حالات معينة وهي: إذا كان حكام البلد من المسلمين وغلب على أهله أنهم كفار من أهل الذمة يدفعون الجزية، فيعتبر هذا بلد إسلام كحال خيبر التي حكمها المسلمون وعامة أهلها من اليهود وكانوا يدفعون الجزية، وهي بلد إسلام لأن الحكم فيها للإسلام، والإسلام يعلو ولا يعلى عليه. وهناك حالة ثانية معاكسة وهي أن يكون أغلب أفراد البلد من المسلمين، لكن تسلط عليهم حاكم غير مسلم وحكم فيهم بغير ما أنزل الله، فتكون بحسب الأعمال، فإذا كانت المساجد منتشرة وموجودة والناس تصلي وتقوم بالأعمال الشعائرية الواجبة فهذه بلاد إسلام حتى ولو كان هناك قوانين وضعية تطبق على الناس؛ لأن العبرة بالأغلب، والأغلب هو وجود المسلمين، علماً أنه لا يترتب على هذه الأوصاف أحكاماً شرعية إلا في حالات قليلة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [والهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام]. والضابط في كون الهجرة واجبة إذا لم يستطع أن يقيم دينه فيها، فلو أن بريطانياً أسلم فلا نوجب عليه الهجرة إلى بلاد المسلمين؛ لأنه يستطيع أن يقيم دينه فيصلي ويصوم ويحج دون إكراه، فهي ليست واجبة وإنما هي مستحبة، ولا تكون واجبة إلا إذا ما استطاع أن يقيم الدين، وهذا مثل حالة البلاد الشيوعية في زمن الاتحاد السوفيتي عندما كانوا يحاسبون الناس على أعمالهم، فالذي يصلي يقتل، والذي يقرأ القرآن أو يحتفظ بنسخة منه يسجن وهكذا، فهؤلاء كان يجب عليهم أن يهاجروا من هذه البلاد التي لا يستطيعون أن يقيموا فيها دينهم، لكن إذا كانت البلاد تتيح الحريات بحيث إنه يستطيع أن يمارس دينه فلا نوجب عليهم الهجرة إلى بلاد المسلمين، أما حكم الهجرة من بلاد الإسلام إلى بلاد الكفر فالأصل الشرعي هو أن المسلم يبقى في بلاد المسلمين مع ما فيها من الخلل ومع ما فيها من الذنوب والمعاصي، ويجتهد في الدعوة والإصلاح لترتفع الأمة وتنمو، لكن إذا ما استطاع وأوذي في دينه فيجوز له أن يهاجر حتى ولو كانت الهجرة إلى بلاد كفر، والدليل على هذا أن الصحابة هاجروا من بلاد كفر وهي قريش إلى بلاد كفر وهي الحبشة لكن يدل على أنه يجوز للإنسان أن يذهب إلى بلاد كفر يستطيع فيها أن يقيم دينه إذا لم يستطع أن يقيمها في بلاده، لكن الواقع هو أن كثيراً من الأقليات الإسلامية التي تخرج من البلاد الإسلامية إلى الدول الغربية تخرج بدافع تحسين وضعهم الاقتصادي وليس الهدف المحافظة على الدين وهذا هو الغالب، فنقول: إذا استطاع أن يحافظ على دينه، وإذا استطاع أن يكون بعيداً عن الشهوات المحرمة والشبهات المضلة وكان ممن يستطيع أن يدفع الشبهة ويدفع عن نفسه الشهوة المحرمة واستطاع أن يحافظ على أسرته، فإذا كانت هذه الضوابط موجودة فإنه يجوز أن يذهب إلى تلك البلاد الكافرة للعمل، لكن لا يبقى فيها بشكل دائم ومستمر إلا إذا كان هناك أهداف أخرى كالدعوة والإصلاح والعمل الخيري فإن هذا لا شك أنه يكون من العمل الفاضل والعمل المبارك، وهناك مبحث للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في شرحه للأصول الثلاثة في

تشريع بقية شرائع الإسلام بعد الهجرة إلى المدينة

تشريع بقية شرائع الإسلام بعد الهجرة إلى المدينة قال المصنف رحمه الله تعالى: [فلما استقر - أي: النبي صلى الله عليه وسلم- بالمدينة أَمر -أو أُمر- ببقية شرائع الإسلام مثل: الزكاة، والصلاة، والحج، والجهاد، والأذان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وغير ذلك من شرائع الإسلام]. الصلاة فرضت قبل هجرته بثلاث سنين وقد فرضت في المعراج وكان ذلك قبل الهجرة، وأما الحج ففرض في السنة التاسعة، والزكاة فيها خلاف بين العلماء فقيل: إنها فرضت قبل ذلك؛ لأنها وردت بعض السور المكية فيها الأمر بالزكاة، وقيل: إنها فرضت في السنة الثانية من الهجرة، والحج فرض في السنة التاسعة، والجهاد فرض بعد الهجرة، والأذان وصلاة الجمعة أيضاً فرضا بعد الهجرة في السنة الثانية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من شرائع الإسلام، وهذا يدل على أهمية ترسيخ العقيدة في النفوس؛ لأن العقيدة هي الموجهة، فقد ظلَّ عشر سنين يدعو فيها إلى العقيدة فقط وهذا يدل على أهميتها، وأن ترسيخ هذه العقيدة في النفوس هو الذي يضمن استمرار الإنسان على هذا الدين، وهو الذي يضمن ثبات الإنسان عليها، وهو الذي يضمن ألاّ تؤثر في الإنسان الفتن، ولهذا شبه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن بأنه مثل النخلة، ومن العلاقة التي ذكرها أهل العلم بين المؤمن والنخلة الثبات، فالنخلة ثابتة قوية جداً وهي من أقوى الأشجار في ثباتها، وأحياناً لا يستطيع أحد أن يقتلعها بسهولة بل إنه يحتاج إلى أدوات حتى يقتلعها بعكس الأشجار الضعيفة التي لا جذور لها.

وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وبقاء دينه وكماله

وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وبقاء دينه وكماله قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخذ على هذا عشر سنين وبعدها توفي صلوات الله وسلامه عليه ودينه باق]. هناك مجموعة من الصوفية يقولون: النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة دنيوية كحياته في الدنيا، وأنه لا فرق بين حياته في الدنيا وحياته في قبره، ولهذا يطلبون منه ويستغيثون به على هذا الأساس مع أن الله عز وجل يقول: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]، فالنبي صلى الله عليه وسلم قطعاً أنه مات، وأنه انتقل من هذه الدار إلى دار أخرى وهي دار البرزخ، لكن الصوفية يصرون على أنه لا يزال حي حياة دنيوية في قبره. قال: [ودينه باق]. هناك بعض المفكرين والمشتغلين بما يسمى تجديد الفكر الإسلامي وأكثرهم ملاحدة في الحقيقة وهم يقولون: إن الدين كان مرتبطاً بظروف زمنية تاريخية محددة، ويجب أن يفهم على هذا الأساس، وأما في هذا الزمن فينبغي أن نأخذ المعاني العامة للدين وأما التطبيقات فنحن نطبقها حسب الظروف المعاصرة؛ لأننا نعيش حداثة ليست موجودة في العصور السابقة، ولهذا يبيحون الحكم بغير ما أنزل الله، والانقطاع والانفصام التامين بين المسلم وبين الدين؛ لأن الدين كان في ظروف معينة تاريخية وقد انتهى مع هذه الظروف. [وهذا دينه لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه]. وهذا يوجب اتخاذه مصدراً في التلقي في معرفة الخير ومعرفة الشر. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهذا دينه لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذر الأمة منه]. وأعظم الخير التوحيد، وأعظم الشر الشرك. [بعثه الله إلى الناس كافة]. وفي هذا رد على طائفة من النصارى الذين يرون أن بعثته كانت للعرب فقط، وهذا خطأ فقد كانت بعثته للناس كافة إنسهم وجنهم. [وافترض الله طاعته على جميع الثقلين الجن والإنس، والدليل قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف:158]]. وهذا خطاب لكل الناس، وكما قال الله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ:28] للناس كلهم، فلا يخرج أحد عن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم. [وأكمل الله به الدين]. فلا يحتاج إلى إتمام، وفي هذا رد على الرافضة المشركون الذين يقولون: إن الشريعة لم يكملها النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أعطى الناس ما كانوا يحتاجونه في تلك الفترة، ثم أودع البقية عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأعطى علي بن أبي طالب رضي الله عنه الناس ما يحتاجونه في زمانه ثم أعطاها للأئمة إماماً بعد إمام حتى العصر الحديث عندما زعموا أن محمد بن الحسن العسكري دخل سرداباً ولم يخرج إلى الآن، ثم نصبوا أنفسهم وسطاء بين الناس وبين محمد بن الحسن العسكري، علماً أنه لا يوجد شخص حقيقي اسمه محمد بن الحسن العسكري، فأبوه الحسن العسكري مات ولم يخلف، ومع هذا يدعون أن له ابناً كان يختبئ عن النواصب الذين يبحثون عنه لقتله، ثم دخل في سرداب وهو حي موجود إلى الآن، فلماذا لا يخرج من السرداب؟ قالوا: إنه سيخرج من السرداب عندما يأذن الله عز وجل، وسيتبدل وجه الأرض بعد ذلك، ولهذا فإن المجرم مقتدى الصدر الذي يذبح إخواننا أهل السنة في العراق يزعم أنه التقى بـ المهدي وأنه أباح للناس الحشيشة، والعجيب أنه يكذب ويعرف أنه يكذب ويصدقه آلاف مؤلفة من البشر ويبنون دينهم على كذبه هذا، وقد ذكر شيخ الإسلام أن دين هؤلاء هو الكذب، فهم يتدينون لله عز وجل بالكذب، وهم يقولون: نحن نكذب للدين وليس على الدين أي: لمصلحته.

البعث والحساب

البعث والحساب قال المصنف رحمه الله تعالى: [والناس إذا ماتوا يبعثون، والدليل قوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55]]. وهذه الآية فيها تقرير لثلاث حقائق، قوله: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه:55] فيه تقرير أن الله عز وجل الخالق، وقوله: {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه:55] فيه تقرير الحقيقة الثانية وهي الموت والانتقال إلى دار البرزخ، وقوله: {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55] فيه حقيقة ثالثة وهي البعث. [وقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح:17]]. هذه تشبه {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه:55]. [{ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا} [نوح:18]]. هذه تشبه {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه:55]. [{وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} [نوح:18]]. مثل {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55]، والقرآن مثاني يصدق بعضه بعضاً. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وبعد البعث محاسبون ومجزيون بأعمالهم، والدليل قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31]، ومن كذب بالبعث كفر]. لا ريب أن المكذب بالبعث كافر؛ لأنه مكذب للقرآن، فالقرآن أخبر بأن الله عز وجل يبعث من في القبور، وهو ينفي ذلك، والدليل قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7]. وقد قرر الله عز وجل حقيقة البعث في القرآن بأدلة عقلية برهانية لا تقبل الشك، ومن ذلك الاستدلال بالخلق الأول، وأن الله عز وجل خلق الإنسان فهو قادر على إعادته. ومنها: خلق السماوات والأرض، قال تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر:57]، فإذا كان خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ونحن نعترف بأنه خالق السماوات والأرض فإعادة الناس وخلقهم مرة أخرى للبعث ليس أمراً صعباً، فمن قدر على الكبير قدر على الصغير. من الأدلة أيضاً: إحياء الأرض بعد موتها، وهذه كثيراً ما تستخدم في القرآن، ومنها قوله تعالى: {أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [فصلت:39]، والمقصود إثبات البعث في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى} [فصلت:39]. ومن الأدلة: الوقائع التاريخية الثابتة في إحياء بعض الموتى الذين ماتوا في الدنيا مثل: إحياء الإسرائيلي الذي قتل عندما ضرب بجزء من البقرة، ومثل: إحياء عزير أيضاً بعد أن أماته الله مائة سنة، ومثل: إحياء الطير عندما أمر إبراهيم بتقطيع الطير ووضعه على ثلاثة جبال كما هو معلوم في سورة البقرة، وإحياء عيسى عليه السلام للموتى. والنوع الخامس: الاستدلال بصفات الله تعالى، فإن الله حكيم، لا يمكن أن يترك الخلق في هذه الدنيا يتفاوتون تفاوتاً تاماً فهذا غني وهذا فقير، وهذا قوي وهذا ضعيف، وهذا ظالم وهذا مظلوم، وهذا خلقه مريضاً سقيماً متعباً ظروفه صعبة، وهذا له مال وجاه وصحة، وهذا عاص وهذا طائع، فلا يمكن أن تكون هذه الدار الموجود فيها كل هذا التفاوت هي دار المستقر النهائي، ونحن نعرف من معايشتنا للحياة أن طبيعة هذه الحياة لا يمكن أن تكون نهائية؛ لأن الفناء موجود في كل شكل من أشكالها، فهو موجود في بقاء الإنسان؛ لأنه يفنى ويموت، وموجود في هذه الحياة التي تتبدل وتتغير بشكل كبير، فحكمة الله عز وجل تقتضي أن يبعث الناس ليوم يجازي فيه المحسن بإحسانه، ويجازي فيه المسيء بإساءته، ويعوض فيه من فقد شيئاً من أهل الإحسان.

الحكمة من إرسال الرسل

الحكمة من إرسال الرسل قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين، والدليل قوله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:165]، وأولهم نوح عليه السلام]. والدليل على أن أولهم نوح هو حديث الشفاعة وهو أقوى من الدليل الذي ذكره المصنف. قال المصنف رحمه الله: [وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، والدليل على أن أولهم نوح عليه السلام قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء:163]]. ووجه الدلالة من هذه الآية يكون من وجهين: الوجه الأول: قوله: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} [النساء:163]، فبدأ بنوح، فدل على أنه هو الأول، ثم قال: {وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء:163]، فقوله: {وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء:163] يدل على أنه هو الأول والنبيون جاءوا من بعده، كما جاء الحديث عن النبيين بشكل مجمل، أي: أنهم كلهم بعده وهو قبلهم، لكن الدليل الصريح في ذلك حديث الشفاعة؛ لأنهم إذا أتوا إلى نوح يقولون - كما جاء في الحديث -: أنت أول رسول، ففيه تصريح بالأولية. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكل أمة بعث الله إليها رسولاً من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة الله وحده وينهاهم عن عبادة الطاغوت]. ونحن نلاحظ أن الشيخ دائماً يركز على موضوع رسالات الأنبياء، وهو الأمر بالتوحيد، وعبادة الله عز وجل، والكفر بالطاغوت. قال المصنف رحمه الله تعالى: [والدليل قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]. ويلاحظ أيضاً كثرة ربط كلام الشيخ بالأدلة في كل مسألة من المسائل.

معنى الطاغوت ووجوب الكفر به

معنى الطاغوت ووجوب الكفر به قال المصنف رحمه الله تعالى: [وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله]. هذا هو موضوع وحقيقة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه بعث بالأمر بالكفر بالطاغوت، والكفر بالطاغوت يقتضي بغضه ويقتضي معاداته ويقتضي اعتقاد بطلانه وبغض أهله، والإيمان بالله. قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال ابن القيم رحمه الله تعالى: معنى الطاغوت: ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع]. (من معبود) مثل: التعبدات المختلفة التي يعملها الإنسان كالصلاة والزكاة ونحو ذلك من الأنساك، (أو متبوع) مثل: الذي يتبع إماماً أو رجلاً يجعله هو المصدر الأول والأخير في دينه، (أو مطاع) مثل: الذين يطيعون أصحاب الرئاسات والملوك والأمراء في معصية الله سبحانه وتعالى. والقاعدة التي تجمع مفهوم الطاغوت هي: كل ما عبد من دون الله وهو راض. فكل ما عبد من دون الله بأي نوع من أنواع العبادة سواء كانت عبادة نسك أو عبادة طاعة أو عبادة اتباع، أو عبادة محبة كحال طواغيت التصوف، أو عبادة التزام في الأمر والنهي كحال طواغيت الرافضة وأئمتهم الذين يعبدونهم من دون الله؛ فذلك طاغوت.

رءوس الطواغيت

رءوس الطواغيت يقول المصنف رحمه الله تعالى: [رءوسهم خمسة]. يعني: رءوس الطواغيت خمسة، وقد أتى الشيخ رحمه الله بهذه الرءوس الخمسة من تفسير أهل العلم للطاغوت، وأتى بها من آيات أخرى توضح مفهوم الطاغوت، فقد وردت أكثر من ثمان آيات فيها لفظ الطاغوت. يقول المصنف رحمه الله تعالى: [إبليس لعنه الله]. وقد أخذه من قول عمر رضي الله عنه في تفسيره للطاغوت قال: الشيطان. وهذا أخرجه البخاري رحمه الله في كتاب التفسير تعليقاً، وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن عبد وهو راض]. وقد أخذه الشيخ من قول مالك رحمه الله في تفسيره للطاغوت قال: كل ما عبد من دون الله. [ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه]. وهذا أخذها الشيخ من تفسير بعض الصحابة للطاغوت بأشخاص بأسمائهم كقول بعضهم مثلاً: الطاغوت هو حيي بن أخطب؛ لأن هذا الرجل نصب نفسه مقابلاً للدين وجمع الناس حوله، فنصب نفسه للتعبد، وكحال طواغيت الروافض والتصوف الذين يعبدون من دون الله، وحال طواغيت الحكم وسيأتي الحديث عن هذا الموضوع. [ومن ادعى شيئاً من علم الغيب]. وقد أخذه الشيخ أيضاً من كلام جابر رضي الله عنه في تفسير هذه الآية قال: الطواغيت كهان كانوا موجودين في الجاهلية ينزل عليهم الشياطين. [ومن حكم بغير ما أنزل الله]. وقد أخذه الشيخ من آية النساء وهي قول الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} [النساء:60]، كل من حكم بغير ما أنزل الله ونصب نفسه حاكماً أو مشرعاً بغير ما أنزل الله فهو طاغوت. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والدليل قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة:256]]. العروة الوثقى: لا إله إلا الله. [وهذا معنى لا إله إلا الله، وفي الحديث: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)]. وختم المصنف كتابه ببيان حقيقة شرعية عامة كبيرة، والمقصود بقوله: (رأس الأمر) يعني: أعظمه وأساسه وسبب حياته؛ لأن الرأس إذا زال مات الإنسان، فرأس الأمر الإسلام. (وعموده الصلاة)، فهو لا يقوم إلا على الصلاة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (من تركها فقد كفر). (وذروة سنامه) يعني: أعلاه وأكمله: (الجهاد في سبيل الله)؛ لأن المجاهد في سبيل الله يتجشم الصعاب وقد يموت، ولا شك أن النفس غالية عند صاحبها، وهذا من أعظم الجود. يجود بالنفس إن ظن البخيل بها والجود بالنفس أعلى غاية الجود

الأسئلة

الأسئلة

حكم جلوس الحائض في مكان قريب من المصلى

حكم جلوس الحائض في مكان قريب من المصلى Q ما حكم جلوس المرأة الحائض في مكان قريب من المصلى؟ A إذا كانت خارج المسجد فلا بأس.

بيان كذب وافتراء بعض السحرة الذين يقولون إن كلامهم من القرآن

بيان كذب وافتراء بعض السحرة الذين يقولون إن كلامهم من القرآن Q ما رأيكم في بعض السحرة الذين يظهرون على بعض القنوات الفضائية ويتلقون اتصالات الناس، ويقولون إن كلامهم كله من القرآن؟ A هؤلاء دجالون وكذابون يتلاعبون بالناس، وقد بدأت المسألة عند بعض من كان يكلم الناس في موضوع الرؤى، وتوسع فيها توسعاً كبيراً وأصبح يجيب الناس من أي مكان في العالم على ما يرونه في المنام، وكأن رؤى الناس كلها حق، وكأن الشيطان لا يتخبط بهم ولا يعبث بهم، ثم يتكلم أمثال هؤلاء وكأنهم يعلمون الغيب والعياذ بالله! فجاء المفسدون الحقيقيون الذين يريدون إفساد دين الأمة، واستغلوا هذه الظاهرة، وأصبحوا يأتون بساحر أو كاهن يعلم الناس حظوظهم ومستقبلهم، وكيف يعيشون، وهل يتزوج فلان فلانة، وهل يسكن في البيت الفلاني أم لا يسكن، وهل ينتقل من وظيفته وإلا سيبقى فيها، ونحو ذلك من الأمور التي هي من علم الله عز وجل، ولا شك أنه يجب علينا جميعاً أن ننكر على مثل هذه القنوات، ونطالب بحجبها وإيقافها عند حدها؛ لأن هؤلاء يتلاعبون بالناس، والناس اليوم -مع الأسف- يصدقون كل شيء يتعلق بأمور لا يعرفونها.

سبب التفريق بين الإسلام والإيمان في الدعاء المأثور: اللهم من أحييته منا

سبب التفريق بين الإسلام والإيمان في الدعاء المأثور: اللهم من أحييته منا Q جاء في الدعاء: (اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان)، فلماذا جاء الإسلام في الحياة، ولم يذكر الإيمان ثم ذكره أثناء الموت؟ A المقصود بالإسلام في هذا الدعاء أن يعيش الإنسان على الأعمال الظاهرة من أعمال الإسلام كالصلاة والصيام والحج والزكاة ونحوها، والمقصود بالإيمان: الإيمان الذي يشمل الاعتقادات القلبية، فإذا عاش الإنسان على الإسلام ومات على الإيمان فإنه يكون قد استجمع الدين كله وبأكمله.

عمل الجوارح داخل في أصل الإيمان

عمل الجوارح داخل في أصل الإيمان Q هل عمل الجوارح داخل في أصل الإيمان أم هو ركنه أو كماله؟ A عمل الجوارح بشكل عام داخل في أصل الإيمان بمعنى: لو أن إنساناً لم يعمل من أعمال الجوارح أي شيء، وترك أعمال الجوارح بالكلية فهذا يدل على عدم وجود إيمان قلبي كاف عند مثل هذا الشخص؛ لأن عمل الجوارح يشمل الفعل والترك، فيشمل ما أمر الله عز وجل به من المأمورات كالصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، وبر الوالدين إلى آخره، ويشمل المتروكات كترك الزنا، وشرب الخمر ونحو ذلك، فمقتضى ذلك والصورة المفترضة في ترك أعمال الجوارح: أن يفعل كل أعمال المحرمات ويترك كل الأعمال الصالحة، ولا يتصور حصول الإيمان مع هذا.

إرادة ومشيئة العبد مختلفة عن إرادة ومشيئة خالقه

إرادة ومشيئة العبد مختلفة عن إرادة ومشيئة خالقه Q يعمل العبد العمل بمشيئته كما هو معلوم، ومشيئته تابعة لمشيئة الله، فالله عز وجل أراد وشاء عمل العبد قبل خلقه بعلمه أم أن العبد هو الذي يعمل هذا العمل، فهل يقال: إن مشيئة الله سبحانه تابعة لما أراده العبد بما علم الله أنه سيفعله؟ A تصوُّر المسألة هذه ببساطة: هو أن الله عز وجل ليس كالمخلوق، فأنت إذا فهمت وأيقنت أن الله عز وجل ليس كخلقه، وأن علمه ليس كعلم خلقه، وأن إرادته ومشيئته ليست كإرادة خلقه؛ زال عنك الإشكال، ولهذا دائماً مرد مسائل القدر إلى العلم، يقول الشافعي رحمه الله: ناظروا القدرية بالعلم، فإن أجابوا خصموا، وإن أنكروا كفروا. فمردها إلى معرفة الله عز وجل معرفة تامة، والله عز وجل قبل أن يخلق العبد يعلم ماذا سيعمل، فإذا جاء العبد واختار الفعل، واختياره هذا لا يتم ولا يحصل إلا باختيار الله عز وجل، وبإرادة الله سبحانه وتعالى، واختيار العبد هذا ليس مجبوراً فيه؛ لأنه هو المختار حقيقة، لكن لكون العبد عبداً، ولكونه مخلوقاً، ولكونه غير خالق، ولكونه لا يمكن له أن يريد ويفعل دون التعلق بخالقه الذي خلقه سبحانه وتعالى، فلا بد أن تكون إرادته بعد إرادة الله عز وجل، فلا يمكن تصور تعارض بين إرادة العبد وإرادة الله سبحانه وتعالى، وفعل العبد وعلم الله سبحانه وتعالى، إذا تصور الإنسان هذه الحقيقة زالت عنه هذه المشكلة.

طاعة النظام طاعة مطلقة توقع صاحبها في الشرك

طاعة النظام طاعة مطلقة توقع صاحبها في الشرك Q كيف يكون الإنسان مشركاً بتعبده للنظام؟ A بأن يطيع نظاماً طاعة مطلقة تامة لا يخالفه في شيء، فإذا أمره بترك الصلاة تركها، وإذا أمره بالزنا فعله، وإذا أمره بالخضوع لأي أمر خضع له، هذه الطاعة المطلقة التامة عبادة، فيكون مشركاً بذلك.

معنى قوله تعالى: (وما تدري نفس بأي أرض تموت)

معنى قوله تعالى: (وما تدري نفس بأي أرض تموت) Q { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدْاً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34]، أليس الملائكة يكتبون أجله فيعلمون متى يموت، ويكتبون رزقه وهو في بطن أمه؟ A المقصود بالآية: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34]، هي حالة العبد ولهذا قال: {تَمُوتُ} [لقمان:34]، الملك الذي يكتب أجله ليس هو الذي يموت، فالمقصود: العبد، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان:34]، فكلمة (تموت) و (تكسب)، تدل على أن الحديث عن العبد وليس عمن يكتب وينفذ هذا كملك الموت.

المفاضلة بين الملائكة والبشر

المفاضلة بين الملائكة والبشر Q من أفضل الملائكة أم البشر؟ A هذه المسألة ليست ذات أهمية فهي من فضول المسائل عند أهل العلم، والتحقيق ما ذكره ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد من أن التفضيل أمر نسبي، فإذا كان المقصود العموم في البشر فلا شك أن الملائكة أفضل، وجنس الملائكة أفضل من جنس البشر، لكن المسألة التي بحثها العلماء هي مسألة: هل الملائكة أفضل من صالحي البشر؟ فباعتبار أن الملائكة يعبدون ولا يعصون فهم أفضل بهذا الاعتبار، وباعتبار أن العبد معرض للفتنة ومع ذلك يجاهدها ويطيع فهو أفضل؛ لأن الملائكة ليسوا كذلك، وهذه الأفضلية تعرض في مسائل كثيرة، وقد ذكر ابن القيم هذه القاعدة وهي: أن التفضيل يكون بالنسبة، وهناك تفضيل مطلق مثل: أن أفضل الصحابة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم العشرة المبشرون بالجنة، ثم من هاجر من قبل الفتح وهذه أفضليات نُصَّ عليها، لكن هناك أمور لم ينص عليها، ولهذا يكون الحديث في التفضيل إنما هو بالنسبة.

العلم والكتابة سابقتان للمشيئة

العلم والكتابة سابقتان للمشيئة Q في مرتبة الإيمان بالقدر كيف تكون كتابة الله قبل مشيئته؟ أليس الأولى أن تكون المشيئة قبل الكتابة؟ A الله عز وجل علم ماذا سيفعل العبد قبل أن يخلق العبد، ثم كتب ما علمه من فعل العبد قبل أن يخلق العبد، والمشيئة مرتبطة عندما يفعل العبد، فلا شك أن الكتابة والعلم سابقة للمشيئة.

أهمية التوبة من الوقوع في الذنب

أهمية التوبة من الوقوع في الذنب Q شخص يعصي الله سبحانه وتعالى وبعد الفراغ من المعصية يشعر بالذنب، فهل هذا مرتبط بالقدر؟ A لا شك أن الذي يعصي الله سبحانه وتعالى ثم يشعر بالذنب بعد ذلك ويتوب أن هذا على خير، وتوبته إن كانت صادقة وإن اجتهد في إصلاح نفسه فهي صحيحة؛ لأن الإنسان يقع في الخطأ وهو معرض للزلل، وأهم شيء هو ألا يصر على المعصية وأن يضبط نفسه عن المحرمات، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم لم تذنبوا وتتوبوا لأتى الله عز وجل بأقوام يذنبون ثم يتوبون ويستغفرون ثم يغفر الله لهم).

حكم إطلاق كلمة مرجعية أو رجل دين على العلماء

حكم إطلاق كلمة مرجعية أو رجل دين على العلماء Q إطلاق كلمة: مرجعية أو رجل دين على العلماء هل هو صحيح؟ A تختلف من شخص إلى شخص، لكن بشكل عام ارتبطت كلمة مرجعية بالشيعة الذين يجعلون أئمتهم معصومين من الخطأ، وارتبطت كلمة رجل دين بالنصارى الذين يجعلون رجل الدين شخصاً يملك شيئاً من أحوال الربوبية، ولا شك أن هذا خطأ كبير، لكن أحياناً بعض الناس قد يطلق كلمة رجل دين ويقصد بذلك: أنه متخصص في الدين، كأن يكون متخصص في الفقه، أو في الأحكام وهكذا، فإذا كان بهذا الغرض فتصبح صحيحة لكن الأولى تركها فإذا كان هناك كلمة استخدمت في معانٍ معينة وكان لها سلبيات فينبغي الحذر منها حتى لا نقع في الإشكال.

حكم قول الرجل: توكلت على الله ثم عليك

حكم قول الرجل: توكلت على الله ثم عليك Q ما حكم قول الرجل: توكلت على الله ثم عليك، واعتمدت على الله ثم عليك؟ A إذا كان في أمر يقدر عليه فهذا مما لا بأس به، وإن كان الأولى الحذر من إطلاق لفظ التوكل على البشر؛ لأنها في الغالب تربط بالتوكل على الله عز وجل.

§1/1