تأخير الظلامة إلى يوم القيامة
السيوطي
تأخيرُ الظُّلامة إلى يوم القيامة للشيخ الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي الشافعي - رحمه الله - 911 هـ تحقيق أبي المنذر مَحْمُود بن مُحمَّدِ بن مُصْطَفَى المِنِياوِي عفا الله تعالى عنه وعن والديه
مقدمة التحقيق
مقدمة التحقيق بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (1)، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (2)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (3)، أما بعد، .. فهذا جهد المقل في تحقيق مخطوط " تأخير الظلامة إلى يوم القيامة " للحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله - تعالى -. وقد وجدته على الشبكة منسوخا، قام بعض الإخوة بنسخه فجزاهم الله خيرا، ولما تحصل لي نسخة خطية من الرسالة وجدتها على الشبكة ضمن المخطوطات الموجودة في موقع الأزهر وتحمل رقم: --305716 وكانت عدد أوراقها: 04 ورقات والورقة الأخيرة بها بداية مخطوط بداية القاري في ختم صحيح البخاري. وبدأت في مقارنة النسخ بالأصل فوجدت الناسخ قد تصرف في جزء كبير من المخطوط، وذلك بأنه قام بنسخ الأحاديث، أو الآثار التي ذكرها السيوطي من أصلها بدون مراعاة اللفظ الذي ذكره السيوطي، ونظرا للأمانة العلمية قمت بالمحافظة على النص الذي ذكره السيوطي، وإثبات الفروق الهامة - بين لفظ السيوطي، وأصل الحديث أو الأثر - في الحواشي. وقمت بتخريج الأحاديث والآثار الواردة في الرسالة مع الحكم على أسانيدها ما أمكنني ذلك. وصف النسخة الخطية: المخطوط ضمن مخطوطات موقع الأزهر الشريف، وتحمل النسخة رقم: --305716، وعدد أوراقها: أربع ورقات في كل ورقة وجهان، وفي الورقة الأولى نهاية رسالة أخرى، وصدر رسالتنا، وفي الأخيرة نهايتها وخاتمتها، وبداية رسالة بداية القاري في ختم صحيح البخاري.
وفي كل وجه (23) سطر والسطر مكون مما لا يزيد على (17) كلمة. صور المخطوط: صورة الوجه الأول من الورقة الأولى: صورة الوجه الأول من الورقة الأخيرة:
حول الرسالة
حول الرسالة: قال الشيخ طاهر حموده في " جلال الدين السيوطي عصره وحياته وآثاره وجهوده في الدرس اللغوي " (ص: 139): (على أن الأسلوب العنيف الذي لاحظناه في رسائله الأولى التي هاجم بها خصومه أخذ يميل إلى الهدوء والاتزان في السنوات الأخيرة من عمره، بل لعله أصبح يعرض عن كثير من أذى الخصوم ويصبر على ما يقابله من أعدائه فقد نقل عنه بعض من اتصل به أنه امتحن المحن الكثيرة، وما سمع يوما يدعو على من آذاه من الحسدة، ولا يقابله بسوء، وإنما يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، وصنف في ذلك كتابا سماه «تأخير الظلامة إلى يوم القيامة»، والحقيقة أن هذه الرسالة تعبر عن الاتجاه المتزن الصابر الذي طبعت به حياة السيوطي أواخر أيامه، وبالرغم من أن الرسالة في جملتها مجموعة من النقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين تدور حول تأخير ظلاماتهم إلى يوم القيامة لإيمانهم بأن عذاب الله أشد وأبقى، وإيثار المظلومين منهم ألا يقتصوا لأنفسهم في الدنيا مع تمكنهم من ذلك تأخيرا لظلاماتهم لتعرض أمام الله تعالى، بالرغم من ذلك فإن قراءتها تشيع في نفس القارئ أن صاحبها كان يتعرض وقتها لمظالم يصبر عليها، ويعزي نفسه بالتأسي
سبب تأليفه للرسالة
بالسلف الصالح، وهي تبين لنا جانبا هاما من خلق السيوطي في سنواته الأخيرة، وتلقي الضوء على معالم شخصيته ". سبب تأليفه للرسالة: وكان من سبب تأليف السيوطي لهذه الرسالة أنه ثار به صوفية الخانقاه التي كان يتولَّى نظارتها لأنه قال: إنكم لستمْ على شرط الواقف، فثاروا به وحملوه وألْقوه في فسقية الماء هكذا بجبَّته وعمامته .. وأنهُ خرجَ من الماء وأصلحَ ثيابهُ ثم توجَّه إلى روضة المقياس فسَكَنَ هناك، وأغلق النافذةَ التي تجاه النيل، وألَّف كتابه "تأخيرُ الظُّلامة إلى يوم القيامة"، وانقطعَ بعدها هناك إلى التأليف حتى وفاته .. (¬1) تحقيق نسبتها للمؤلف: والرسالة منسوبة للسيوطي، وذلك كما هو مدون على طرتها بخط واضح لا طمس فيه، كما نسبها إليه حاجي خليفة في "كشف الظنون"، والبغدادي في "هدية العارفين" وغيرهما. ¬
ترجمة المصنف
ترجمة المصنِّف (¬1): هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري السيوطي، جلال الدين: إمام حافظ مؤرخ أديب. ولد 849 هـ، ونشأ في القاهرة يتيما، ولما بلغ أربعين سنة اعتزل الناس، وخلا بنفسه في روضة المقياس، على النيل، منزويا عن أصحابه جميعا، كأنه لا يعرف أحدا منهم، فألف أكثر كتبه. وبقي على ذلك إلى أن توفي عام 911 هـ، له نحو ستمائة مصنف ومنها: (الإتقان في علوم القرآن)، (الأشباه والنظائر) في العربية، و (الأشباه والنظائر) في فروع الشافعية، و (الألفية في مصطلح الحديث) و (تدريب الراوي) و (الجامع الصغير) و (جمع الجوامع) ... انظر ترجمته في: الكواكب السائرة (1/ 226)، وشذرات الذهب (8/ 51)، والضوء اللامع (4/ 65)، الأعلام للزركلي (3/ 302)، معجم المؤلفين لكحالة (5/ 129) وغيرها الكثير. ¬
تأخير الظلامة إلى يوم القيامة
[ق 13/أ] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. 1 (¬1) - أخرج الحسن بن سفيان في مسنده، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه في تفاسيرهم، والطبراني في معجمه، والعسكري في الأمثال، وابن منده والباوردي وأبو نعيم جميعا في معرفة الصحابة والبيهقي في دلائل النبوة عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: جاء ثعلبة بن حاطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا. قال: ويحك يا [ق 13/ب] ثعلبة. . .! قليل تطيق شكره خير من كثير لا تطيقه. قال: يا رسول الله، ادع الله أن يرزقني فوالذي بعثك بالحق إن أتاني الله مالا لأعطين كل ذي حق حقه. فقال: اللهمَّ ارزقه مالًا. فاشترى غنمًا فبورك له فيها ونمت كما ينمو الدود حتى ضاقت به المدينة فتنحى بها، ثم إن الله أمر رسوله أن يأخذ الصدقات، فبعث رجلين، يأخذان الصدقة، وكتب لهما أسنان الإبل والغنم، وأمرهما أن يمرا على ثعلبة فمرا به فسألانه الصدقة فقال: ما هذا إلا جزية، انطلقا حتى أرى رأي. فانطلقا وأنزل الله {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} [التوبة: 75] الآيات الثلاث. فقيل لثعلبة: ويحك. . .! أنزل فيك كذا وكذا. فقدم ثعلبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه صدقة مالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد منعني أن أقبل منك قال: فجعل يبكي ويحثي التراب على رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا عملك بنفسك، فلم يقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مضى. ثم أتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر اقبل مني صدقة، فقال أبو بكر: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلها؟! فلم يقبلها أبو بكر، ثم ولي عمر بن الخطاب، فأتاه فقال: يا أبا حفص اقبل مني صدقتي. وثقل عليه بالمهاجرين والأنصار وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: لم ¬
يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر أقبلها أنا؟! فأبى أن يقبلها، ثم ولي عثمان فلم يقبلها وهلك في خلافة عثمان (¬1). ¬
2 - وأخرج الطبراني والحاكم في المستدرك وصححه عن عبد الله بن عمرو قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب غنيمة أمر بلالا فنادى في الناس فيجيئون بغنائمهم فيخمسه ويقسمه فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال يا رسول الله هذا [ق 14/أ] فيما أصبناه من الغنيمة. قال: أسمعت بلالا ثلاثا؟ قال: نعم. قال: فما منعك أن تجيء به؟ قال: يا رسول الله فاعتذر، قال: أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله منك (¬1). 3 - وقال ابن عساكر في (تاريخه) (¬2): أَنبأنا أَبُو عبد الله محمد بن علي بن أبي العلاء، حدثنا أبو بكر الخطيب لفظا أخْبَرَنا أبو الحسين بن بشران، حدثنا أبو عَمْرو عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق أخْبَرَنا أبو بكر محمد بن أحمد بن النضر، حدثنا معاوية بن عَمْرو،، عَن أبي إسحاق عن صفوان بن عَمْرو، حدثنا حوشب بن سيف قال غزا الناس في زمان معاوية وعليهم عبد الرحمن بن خالد فغلّ رجل من المسلمين مائة دينار رومية فلما قفل الجيش ندم الرجل فأتى عبد الرحمن بن خالد فأخبره خبره وسأله ¬
أن يقبلها منه فأبى وقال قد تفرق الجيش فلن اقبلها منك حتى تأتي الله بها يوم القيامة فجعل يستقرئ أصحاب رسُول اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فيقولون له مثل ذلك فخرج من عنده وهو يبكي. أخرجه البخاري في تاريخه (¬1). 4 - وقال عبد الرزاق في المصنف أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين، أن رجلا من الأنصار وسع لرجل من المهاجرين في داره ثم إن الأنصاري احتاج إلى داره فجحده المهاجر فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن للأنصاري بنية فحلف المهاجر ثم إن الأنصاري حضر الموت فقال لبنيه: إنه رضي بها من الله وإني رضيت بالله منها وإنه سيندم فيردها عليكم فلا تقبلوها، فلما توفي الأنصاري ندم المهاجر فجاء إلى بني الأنصاري فقال اقبلوا داركم فأبوا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا أن أباهم أمرهم أن لا يقبلوها فقال النبي صلى الله عليه وسلم، أتستطيع أن تحملها من سبع أرضين ولم يأمر ولدي الأنصاري أن يقبلوها (¬2). 5 - وقال ابن سعد في الطبقات: أخبرنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو هلال عن قتادة قال: قال الحسن للحسين: إني قد سقيت السم غير مرة، وإني لم أسق مثل هذه، فقال: من فعل ذلك بك؟ قال لم؟ سقته (¬3) قال: نعم قال: ما كنت لأخبرك [الله أشد نقمه] (¬4) (¬5). 6 - وفي تاريخ [ق 14/ب] ابن عساكر: أن رجلا من الصحابة قتل فأمر معاوية بتحصيل قاتله، فلما ¬
حضر إليه بعث به إلى ابن المقتول وقال: هاك قاتل أبيك فاقتله بيدك فقال: والله لا آخذ هذا في أبي، ولكن أتركه حتى يلقى الله فيقتل بأبي على الصراط (¬1). 7 - وأخرج ابن عساكر: عن عبيدة بن الحكم الأزدي أن قوما أتوا الحسن بن علي، رضي الله عنهما، فذكروا زيادا وجعلوا يقولون اللهم اجعل قتله بأيدينا فقال الحسن: مه، فإن القتل كفارة، ولكن اسأل الله أن يميته على فراشه (¬2). 8 - وقال ابن عساكر: أخبرنا أبو عبد الله الخلال، أخبرنا إبراهيم بن منصور، أخبرنا أبو بكر المقرئ، حدثنا الطحاوي، حدثنا إبراهيم بن أبي داود البرلسي، حدثنا عبد الرحمن بن المبارك، حدثنا سفيان بن حبيب، حدثنا شعبة عن عَمْرو بن مرة، عَن أبي صالح ذكوان عن صهيب مولى العباس قال: رأيت عليا يقبل يد العباس ورجله ويقول يا عم ارض عني قال: كلا والله لتلقين الله بها (¬3). ¬
9 - وأخرج ابن المنذر في تفسيره: عن الشعبي رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب قال: إني لأبغض فلانًا، فبلغ الرجل فجاء فقال: يا عمر أفتقت في الإِسلام فتقًا؟ قال: لا. قال: فجنيت جناية؟ قال: لا. قال: أحدثت حدثًا؟ قال: لا. قال: فعلام تبغضني وقال الله: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58] فقد آذيتني فلا غفرها الله لك. فقال عمر: صدق والله ما فتق فتقًا، ولا ولا فاغفرها لي، فلم يزل به حتى غفرها له (¬1). 10 - قال ابن سعد في الطبقات حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن عون. عن عمير بن إسحق قال: كان مروان أميرا علينا ست سنين. فكان يسب عليا كل جمعه على المنبر. فقيل يا حسن ألا تسمع ما يقول هذا؟ فجعل لا يرد شيئا. قال: وكان حسن يجيء يوم الجمعة فيدخل في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم فيقعد. فإذا قضيت الخطبة خرج فصلى ثم رجع إلى أهله. قال: فلم يرض بذلك حتى أهداه له في بيته. قال: فأنا عنده إذا قيل فلان بالباب. قال: [ق 15/أ] ائذن له فو الله إني لأظنه جاء بشر. فأذن له فدخل. قال: أرسل مروان بعلي وبعلي وبعلي، وبك وبك وبك وما وجدت مثلك إلا مثل البغلة يقال له: من أبوك فيقول أمي للفرس، قال الحسن: أرجع إليه فقل له: إني والله لا أمحوا عنك شيئا مما قلت بأن اسبك يا مروان، ولكن موعدي وموعدك الله. فإن كنت صادقا جزاك الله بصدقك. وإن كنت كاذبا فالله أشد نقمة. وقد أكرم الله جسدي أن يكون مثلي مثل البغلة (¬2). ¬
11 - وقال ابن عساكر: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن نصير بن محمد بن خميس في كتابه: حدثنا القاضي أبو نصر محمد بن علي، حدثنا أبو الفتح أحمد بن عُبَيد الله، حدثنا أبو القاسم نصر بن أحمد بن محمد بن الخليل المرجي، حدثنا أبو يَعْلَى أحمد بن علي بن المثنى، حدثنا عبد الله بن بكار، حدثنا القاسم بن الفضل عن عَمْرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد قال ذكر عثمان بني أمية فقال والله لو أن مفاتيح الجنة بيدي لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا الجنة من عند آخرهم ولاستعملنهم على رغم من رغم فقال عمار بن ياسر فإن ذلك يرغم بأنفي قال أرغم الله بأنفك قال بأنف أبي بكر وعمر فغضب فقام إليه فوطئه برجله فأجفله الناس عنه فبعث إلى طلحة والزبير فقال ائتيا هذا الرجل فخيراه بين ثلاث بين أن يقتص، أو يأخذ أرشا، أو يعفو فأتياه فقالا إن هذا الرجل قد أنصف فخيرك أن تقتص، أو تأخذ أرشا، أو تعفو قال لا والله لا أقبل منهن واحدة حتى ألقى رسُول اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فاشكو إليه (¬1). 12 - وقال ابن أبي شيبة في المصنف: حدثنا [يحيى بن آدم قال: حدثنا قطبة بن عبد العزيز عن الأعمش عن عمرو بن مرة] (¬2) عن سالم بن أبي الجعد، قال: كتب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عيب عثمان فقالوا: من يذهب به إليه، فقال عمار: أنا، فذهب به إليه، فلما قرأه قال: أرغم الله بأنفك، فقال عمار: وأنف فلان بن فلان (¬3)، فقام فوطئه حتى غشي عليه، ثم بعث إليه الزبير وطلحة فقالا له: اختر إحدى ثلاث: إما أن تعفو، وإما أن تأخذ [ق 15/ب] الأرش، وإما أن تقتص، قال: فقال عمار: لا أقبل منهن شيئا حتى ألقى الله (¬4). ¬
13 - ومما يلحق بهذا ما أخرجه ابن جرير عن مجاهد في الذي يقتل الصيد متعمدًا، وهو يعلم أنه محرم ويتعمد قتله قال: لا يحكم عليه ولا حج له (¬1). 14 - وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن سيرين قال: من قتله متعمدا لقتله ناسيا لإحرامه فعليه الجزاء، ومن قتله متعمدا لقتله غير ناس لإحرامه فذاك إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له (¬2). 15 - وأخرج الشافعي في الأم وعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد قال: من قتله متعمدا غير ناس لإحرامه ولا يريد غيره فقد حل وليست له رخصة ومن قتله ناسيا لإحرامه وأراد غيره فأخطأ به فذلك العمد الْمُكَفَّرُ (¬3) (¬4). 16 - وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95]: قال: متعمدا للصيد ناسيا لإحرامه، وفي قوله: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ} [البقرة: 178] قال: متعمدا للصيد يذكر إحرامه {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178] ولا يحكم عليه (¬5). ¬
17 - وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق عكرمة عن ابن عباس في الذي يصيب الصيد وهو محرم يحكم عليه مرة واحدة فإن عاد لم يحكم عليه وكان ذلك إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه، ثم تلا {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] (¬1). ولفظ أبي الشيخ: ومن عاد قيل له اذهب ينتقم الله منك (¬2). 18 - وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: من قتل شيئا من الصيد خطأ وهو محرم حكم عليه كلما قتله، ومن قتله متعمدا حكم عليه فيه مرة واحدة فإن عاد يقال له ينتقم الله منك كما قال الله عز وجل (¬3). 19 - وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الشعبي. أن رجلًا أصاب صيدًا وهو محرم، فسأل شريحًا فقال: هل أصبت قبل هذا شيئًا؟ قال: لا. قال: أما إنك لو فعلت لم أحكم عليك، ولوكلتك إلى الله يكون هو ينتقم منك (¬4). 20 - وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: رخص في قتل الصيد مرة، فإن عاد لم يدعه الله [ق 16/أ] حتى ينتقم منه (¬5). 21 - وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن إبراهيم. في الذي يقتل الصيد ثم يعود قال: كانوا يقولون: ¬
من عاد لا يحكم عليه، أمره إلى الله (¬1). 22 - وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير قال: يحكم عليه في العمد مرة واحدة، فإن عاد لم يحكم عليه وقيل له: اذهب ينتقم الله منك، ويحكم عليه في الخطأ أبدًا (¬2). تم ولله الحمد على كل حال ونعمة ¬